3. وفي سورة الإسراء: " وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا 73 ". وكلمة كاد تفيد إن الأمر لم يحصل.
4. وفيها قوله: " وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا 74 ".
كلمة لولا تفيد انتفاء الشيء لانتفاء غيره فدل على أن ذلك الركون، لم يحصل.
5. وفي سورة الفرقان: " كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا 32 ".
6.وفي سورة الشعراء نص قاطع ينفي ذلك بتاتاً: " وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ 210 وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ 211 ".
7. وفي سورة الحج: " فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ 52 ". وذلك لأن إحكام الآيات بإزالة ما يلقيه الشيطان عن الرسول أقوى من نسخه بهذه الآيات التي تبقى الشبهة معها فإذا أراد اللّه إحكام لئلا يلتبس ما ليس بقرآن بالقرآن، فبأن يمنع الشيطان من ذلك أصلا أولى.
8. وأختم بسورة النجم ـ موضع الشبهة ـ حيث قال تعالى: " وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى 3 إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى 4 ".
فلو أنه قرأ عقيب هذه الآية: تلك الغرانيق العلى، لكان قد ظهر كذب اللّه تعالى في الحال.
وجاء بعدها: " وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَوَاتِ لَا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى 26 ".
هل الغرانيق شفاعتها ترتجى أكثر من شفاعة الملائكة المقربين ؟!
فسبحان من جعل في السورة موضع الشبهة، ردين عليها: الأول قبلها والثاني بعدها.
لقد أخطأ واضعوا تلك الفرية السورة، وعُمِيَت بصيرتهم عن نسفها لشبهتهم.. فلو فكروا ملياً، لاختاروا وضعها في سورة أخرى !
ثانياً: السنة النبوية:
1. لم يثبت ذلك بأي حديث صحيح مرفوع، كما أن روايات الغرانيق متضاربة لا يسلم أي منها من مطعن، في السند والمتن. [3]
2. طعنُ المحدثين بصحة هذه القصة:
سئل ابن خزيمة عن هذه القصة فقال: هذا وضع من الزنادقة وصنف فيه كتابا.
وقال الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ثم أخذ يتكلم في أن رواة هذه القصة مطعون فيهم.
وبين القاضي عياض في الشفا أنه لم يوجد في شيء من الكتب المعتمدة بسند صحيح وقال إنه من وضع الزنادقة. وإن هذا الحديث لم يخرجه أحد من أهل الصحة ولا رواه ثقة بسند سليم متصل.
3. رُوي الحديث الصحيح حول سجود المشركين عند تلاوة سيدنا محمد rأوائل سورة النجم من طرق كثيرة، وليس فيها ألبتة أي ذكر للغرانيق. [4]
4. لا عبرة بما نقل في كتب القصاص، أو المفسرين المولعين بذكر غريب القصص والأخبار دون تثبت. بخاصة أنهم لم يلتزموا ذكر الصحيح وليسوا من المحدثين.
5. الأحاديث الكثيرة في عدم تمثل الشيطان بسيدنا محمد rلمن يراه أثناء النوم، [5] فيكون عدم قدرته التمثل بنبرة صوته من باب أولى.
6. تناقضات روايات تلك الفرية وهي ستة كما يلي:
الأولى: " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى ".
الثاني: " الغرانقة العلا إن شفاعتهم ترتجى ".
الثالثة: " إن شفعتهن ترتجى ". دون ذكر الغرانيق.
الرابعة: " وإنها لهي الغرانيق العلا ".
الخامسة: " وأنهن لهن الغرانيق العلا، إن شفاعتهم لهي التي ترتجى ".
السادسة: " تلك الغرانيق العلى، منها الشفاعة ترتجى ".
ثالثاً: المعقول:
1. من المعلوم بالضرورة أن أعظم سعي الرسول rكان في نفي عبادة الأوثان وشفاعتها.
2. معاداتهم للرسول rكانت أعظم من أن يقروا بهذا القدر من القراءة دون أن يقفوا على حقيقة الأمر، فكيف أجمعوا على أنه عظم آلهتهم حتى خروا سجداً مع أنه لم يظهر عندهم موافقته لهم ؟
3. لو جوزنا ذلك لارتفع الأمان عن شرعه، وجوزنا في كل الشرائع أن تكون كذلك.
4. ليس من المعقول أن يعترف النبي rبشفاعة الغرانيق وهو يدعو إلى عبادة اللّه تعالى ويحارب الأصنام ولو كان الشيطان له سلطان عليه rبدرجة أنه يملي عليه ويحرك لسانه بالكفر، لكان ألعوبة له، ليس في هذه القصة فقط، بل في غيرها أيضا. والنبي معصوم من الشياطين بداهةً.
بل الاعتراف بشفاعة الأصنام كفر مخرج من الملة، ومن اعتقد بكفر رسول الله rفقد كفر..
رابعاً: التاريخ:
1. لم يرد في تاريخ العرب أبداً هذا التشبيه لآلهتهم بالغرنوق، ولم يعهدوه في جاهليتهم، ولم تأت أشعارهم على ذكر ذلك الوصف لآلهتهم. وهذا يؤكد أنها لفقت فيما بعد.
2. لو كانت صحيحة، لأحدثت أثراً سلبياً في نفوس من آمن حديثاً، وما نُسب إلى سيدنا محمد rلا يمكن أن يمر مرور الكرام.. فإن كان لحادثة الإسراء أثر سلبي في عقيدة بعض ضعاف الإيمان، [6] فتلك القصة ـ على فرض صحتها ـ من باب أولى.(6/172)
وختاماً لقصة الغرانيق: إن قصة الغرانيق لهي من أدل الأدلة على إعجاز ثبوت القرآن الكريم القطعي، واستحالة أن يكون بشرياً من عند غير الله تعالى. فلو كان كذلك، لكان من اليسير على مختلقي قصة الغرانيق وضعها في موضع آخر غير سورة النجم التي تدور على معنى التوحيد والتهكم على من يعبدوا مجرد أسماء سموها لآلهة ليست موجودة إلا في خيال عابديها، وسبحان الله العظيم !
ففي كل شيء له آية تدل على أنه واحد
وهناك شبهات متفرقة تدل على الأصل الشيطاني المزعوم للقرآن الكريم، أشهرها المزاعم التالية:
1. كثرة عدد مرات ذكر الشيطان في القرآن الكريم تكرر المشتق عن الجذر " شطن " 88 مرة .
2. أحرف فواتح السور مثل الم، كهيعص.. رموز شيطانية.
3. الله عاتب النبي لأنه لم يستمع إلى الشياطين أكثر في خرافة الغرانيق السابق نقدها .
4. إنزال الجن لآيات مثل آية الكرسي وسور مثل سورة الجن وسورة الأحقاف..
5. اتهام مشركي قريش بأنه ممسوس.
6. جعلوا من طريقة الوحي التي كان يتنزل بها القرآن الكريم على سيدنا محمد r، وحال النبي rعند استقبال الوحي دليلاً على صرعٍ كان يصيبه. ثم يتلو آيات من القرآن الكريم بعد أن يفيق منه.
وللإجابة على تلك الشبهات :
1. كثرة ذكر الشيطان في القرآن الكريم تأتي للتحذير من خطره الشديد، وهذا من بلاغة القرآن الكريم. فلا خطر على الإنسان أشد من وساوس الشيطان، والتكرار هنا في موضعه. كقولك لرجل يكاد يحترق: النار، النار !! ولا يقول لك عاقل عندها: لِمَ هذا التكرار المعيب ؟
والمسلم يتعبد الله بكثرة الاستعاذة به من الشيطان الرجيم، فذلك عليهم لا لهم. هل من المعقول أن يُنزل الشيطان ذمه في القرآن الكريم، وتحذير الناس من اتباعه، وطلب الاستعاذة بالله Yمنه ؟
ومن غير المعقول أن تأمر الشياطين بما جاء في القرآن الكريم من بر وتقوى وترك المحرمات..
كما أن استعاذة المسلم بالله من الشيطان الرجيم إن تلا آية بل جزءاً من آية، تؤكد ذلك. [7] فلو كان الشيطان مصدرها، لاستعاذ المسلم به، كما كان أهل الجاهلية يفعلون إن قطعوا وادياً. [8]
2. حروف فواتح السور ليس لها علاقة بما يدعونه طلاسم، فلم يجعل منها أي مشرك جاهلي ذريعة لعدم إيمانه. بل حروف فواتح السور مما اختص به القرآن الكريم وانفرد بها، فكان دليلاً من أدلة ألوهية مصدره. وقد كتبت في ذلك مئات الكتب وعشرات الأبحاث المحكمة، ولا تكاد تجد كتاباً في التفسير أوعلوم القرآن الكريم إلا وتناولها بالبحث والدراسة..
3. تعبيره عما ورد في سورة الجن بعدِّه علاقة بين القرآن والجن، تعبير مغلوط. فالجن في الآيات المذكورة هو الذي يستمع إلى القرآن الكريم لا العكس !! وليس لذلك أي علاقة بالنسخ، لكل ذي لب.
4. أما زعم كون الجن قد أنزل آيات من القرآن الكريم، فلنا أن نسأل: بأي لغة يتكلمون ؟ وما هي أداة إصدارهم ذلك الصوت؟ ولماذا لا يستجيبون للتحدي الأزلي بأن يأتوا بمثل القرآن الكريم ؟
وأين الدليل على تلك الدعوى ؟
هل نصوص الإنجيل التي تتحدث عن الشيطان تدل على أن الشيطان هو الذي أنزلها؟ هل التحدث في قضية من القضايا، يقتضي بالضرورة أن يكون المُتحدَّث عنه هو مصدر ذلك الحديث؟ فكيف سيتناول العلماء الحديث عن الحيوانات والحشرات المختلفة إذاً ؟
5. أما اتهام العرب المعاصرين له بذلك، فهو مخالف لأسس المنهج العلمي. كيف يقبل النصارى أن نحاججهم برأي اليهود بربهم ؟ [9]
بحسب منطقهم: يجب أن نعرف دقائق الاقتصاد الرأسمالي من شيوعي جاهل! ومن ثم نصدقه ونبني عليه أسساً وقواعد.. وهذا لا يرتضيه عاقل في الدنيا.
كيف يجوز لشخص يؤمن برسالة سماوية، تصديق كاذب، عابد للأوثان، يئد ابنته، في قضايا غيبية كهذه؟ كيف إن كان ذلك في خصم عجز عن مواجهته والقبول بتحديه المتكرر؟! كيف إن كان ذلك فيمن وصفوه بالصادق الأمين، وكانوا يأمنونه على حوائجهم ؟ [10]
وأختم الرد على هذه الشبهة، بما ختم به الطوفي [11] كتابه: " الانتصارات الإسلامية في كشف شبه النصرانية ": يقال لهم: بمنطقكم هذا، تلزمكم مقالة اليهود في أنهم إنما تنقصوا المسيح لأنه ليس صادق.
فإن قالوا: اليهود كفار عاندوا الله.
قلنا: كذلك نحن نقول عنكم بالنسبة إلى تنقص محمد r.
فإن قيل: اليهود عاندوا بعد قيام الحجة عليهم بالمعجزات.
قلنا: بل جاءتكم معجزات أوضح وأجلّ، ولكنكم عاندتم أو جهلتم.. ولو أعطيتم النظر حقه لوفقتم ورشدتم. [12]
6. زعم أنه rبأنه كان يصاب بنوبة من الصرع ثم يخرج إلى أصحابه بالقرآن الكريم، فهي أولاً تنسف كل ما يقولونه في الشبهات السابقة، حول مصادر القرآن الكريم البشرية، وما ذلك إلا مزيداً من تخبطهم وتناقضهم.
فلا يعقل أن يكلف ورقة بن نوفل أو بحيرا.. أو غيرهما شخصاً يُصاب بالصرع عادة، بمهمة النبي العظيمة، التي لم يستطع هو ذاته القيام بها؛ وإلا افتضح أمره.(6/173)
ثانياً: معروف لدى الأطباء أن المصروع لا يمكن أن يتذكر ما يحدث له أثناء صرعه، فكيف بحفظ القرآن الكريم ؟ فالمصروع قد يدمر ما حوله، وعندما يفوق من صرعه ويهدأ ينكر ذلك كله بحجة أنه لا يتذكر ذلك. وهذا العرض معروف للصرع. [13]
فكيف إن كان ما تذكره كلاماً أعجز كل من حوله ؟
ثالثا: ما عرف عنه سيدنا محمد rمن رجاحة في عقله وهدوء ومنطق وإقناع في حديثه.. يناقض ذلك.
رابعاً: لم يأت أي عربي مصروع بمثل ما جاء به سيدنا محمد r،بل ولم يتلفظ بحكمة أو بيت شعر ألهمه به عقله أثناء صرعه.
خامساً: الحالة المذكورة للنبي rحين ينزل الوحي عليه بالقرآن، حالة من حالتين. [14] فكيف يتسق ويتآلف ما سمعه في كل حالة مع الأخرى، فيتألف قرآن عظيم معجز في نظمه ؟
سادساً: لا يُعقل أن تسمح خديجة لزوجها أن يعتكف في غار حراء وحيداً، شهراً كاملاً كل عام وهو يُصرع عادة.
سابعاً: من المعلوم أن المشركين كانوا يضعون حوائجهم عند سيدنا محمد r،وبقيت عنده قبيل الهجرة النبوية، حين أبقى علياً tليردها إلى أصحابها.. فهل كانوا يضعونها عند مصروع ؟
وكذا كان تعاملهم معه قبل الجهر بالنبوة. [15]
ثامناً: المصروع لا يستطيع إدارة شؤون بيته، بل شؤونه الشخصية، فكيف بإدارة دولة مترامية الأطراف، يحيط بها الأعداء من الخارج، ويتغلغل فيها المنافقون أعداء الداخل. فكان واضع أول دولة جمعت شتات العرب، بأبرع تخطيط إداري، وحضاري، وعسكري، وزراعي.. مع قدرة لم يُسبَق إليها في الخطابة والإقناع.
لقد تعرض سيدنا محمد rإلى ظروف ومرت به أحداث ينوء عن حملها أشد الرجال.. لا يعقل أن يصبر رجل مصروع على فراق الوطن.. وفقد الولد.. وألم الأذى.. وشماتة العدو، وتنكر الصديق، وعقوق القريب، ونيل الحاسد، وتشفي الحاقد، وتألب الخصوم، وتكالب الأحزاب، وتكاثر المناوئين، وصولة الباطل، وقلة الناصر، وشظف العيش.. وغلبة الخصم، وقتل القريب، وأسر الحبيب، وتشريد الأصحاب، والتنكيل بالأتباع، والجراح في البدن، وفزع التهديد.. وجلافة الأعراب، وصلف الجهلة..
ويصبر على خيانات اليهود، ومراوغة المنافقين، ومجابهة المشركين، وبُطئ استجابة المدعوين. ثم يصبر على فرح الفتح، وسرور الانتصار، وجلبة إقبال الدنيا...
لا يصدر كل ذلك إلا عن أحلم الناس وأعقلهم.
وصدق الله العظيم في رد شبهتهم في سورة الصافات: " وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُوا آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ 36 بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ 37 ".
تاسعاً: الآراء في صرع بولس ـ الذي حرَّف النصرانية ـ أدلتها أقوى من مزاعم صرع سيدنا محمد r، وجميع كتب الأمراض النفسية الغربية عندما تؤرخ لمرض الصرع والمشاهير المصابون به تذكر مرض بولس بالصرع بأدلة تاريخية ونصوص من العهد الجديد. [16] فالأصل بهم أن يحذروا من نسبة الصرع إلى سيدنا محمد r، لأنهم بذلك يؤكدون صرع بولس، وأن ما جاء به من تغييرات وثنية في الديانة النصرانية ما هو إلا نتيجة مرضه النفسي، وبهذا ينهار أساس ديانتهم !
واختم هذا المبحث بشهادة مستشرق [17] منصف يرد فيها على تلك الشبهة: " لو كان محمد يعاني منذ طفولته من مرض عضال حقاً، لما تخلى عن تلك الذريعة أبداً. بل من غير المعقول أن ينجز رجل مريض ما أنجز محمد، فقد كان تاجراً موهوباً هادئ الطبع، وقراراته عادة ما تصدر عن غريزة سياسية ذكية متبصرة.. وكان قائداً بعيد النظر للدولة ولمجتمع ديني نام على حد سواء، وهذه كلها تظهر بما لا يدع مجالاً للشك أنه كان سليماً معافى.. والذين يقولون بهذا الكلام [أي شبهة الصرع] لم يحلوا المشكلة بقدر ما زادوها تعقيداً، ويجب أن يساورنا الشك مستقبلاً في إمكانية أي ظاهرة خلل في سلوك محمد ".
------------
[1] الغرنوق طائر أبيض من الطيور التي تعيش قرب الماء. وكني بذلك الشاب الأبيض الناعم. انظر: لسان العرب لابن منظور10/287.
[2] انظر: الشفا، القاضي عياض 2/288-289. وزاد المسير، ابن الجوزي5/441. والبحر المحيط، أبي حيان، 6/381. والفتوحات الإلهية، الجمل5/207-210. ومفاتيح الغيب، الرازي12/ 50-55. وأحكام القرآن، ابن العربي3/1299. وروح المعاني، الآلوسي 17/177. وفتح القدير، الشوكاني، 3/362. وأضواء البيان، الشنقيطي 5/727. وفي ظلال القرآن، سيد قطب 4/2431. ومحاسن التأويل، القاسمي 12/52. وقضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل حسن عباس، ص118. والإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، ص81. وعتاب الرسول في القرآن، د. صلاح الخالدي، ص101.
[3] انظر بحثاً للشيخ محمد ناصر الدين الألباني بعنوان: " نصب المنجانيق لنسف قصة الغرانيق ". وهو موجود على الإنترنت في الرابط التالي: http://www.alhakekah.com/churche/K.zip(6/174)
[4] روى البخاري في الجمعة باب سجدة النجم 1070 : " أَنَّ النَّبِيَّ rقَرَأَ سُورَةَ النَّجْمِ فَسَجَدَ بِهَا، فَمَا بَقِيَ أَحَدٌ مِنْ الْقَوْمِ إِلَّا سَجَدَ.. ". ورواه مسلم في المساجد 576 والنسائي في الافتتاح 959 وأبو داود في الصلاة 1406 .
[5] روى البخاري في العلم باب إثم الكذب على النبي r 110: ".. وَمَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَقَدْ رَآنِي، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ لَا يَتَمَثَّلُ فِي صُورَتِي " ورواه مسلم في الرؤيا 2266 والترمذي في الرؤيا عن الرسول r 2280.
[6] انظر: السيرة النبوية، ابن هشام 2/31.
[7] قال تعالى: " فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ". [النحل: 98].
[8] قال تعالى: " وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا ". [الجن: 6].
[9] كان اليهود يعَرِّضون بشرف المسيح قائلين: " لسنا مولودين من زِنًى " [يوحنا: 8/42]، أنقول إن اليهود هم معاصوه والأعلم به ؟!
[10] قال تعالى: " قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ " [الأنعام: 33] قال القرطبي في بيان سبب نزول الآية الكريمة: " إن رسول الله rمر بأبي جهل وأصحابه فقالوا: يا محمد، والله ما نكذبك وإنك عندنا لصادق ولكن نكذب ما جئت به. فنزلت هذه الآية ". انظر تفسيره، 6/416.
[11] هو سليمان بن عبد القوي الطوفي الصرصري الحنبلي ت 716هـ ، ولد في قرية طوفى قرب بغداد، درس ببغداد على يد عدد من العلماء أبرزهم ابن تيمية الجد والحافظ المزي. وبعد أن نبغ، درس تقي الدين ابن تيمية على يديه النحو في دمشق. له عدة كتب في الرد على النصارى منها: " تعاليق على الأناجيل الأربعة " و" تعاليق في الرد على جماعة من النصارى ". وقد كتب هذا الكتاب [الانتصارات الإسلامية] رداً على كتاب ألفه أحد المنصرين بعنوان: " السيف المرهق، في الرد على المصحف ". انظر: مقدمة المحقق [د. سالم القرني] للكتاب 1/22-181.
[12] انظر: الانتصارات الإسلامية 2/757 الحجة العاشرة .
[13] أيضاً من الأمور المعروفة في الصرع، ولم يشاهد أحد أياً منها على رسول الله r.. أنه قبيل استيقاظه من نوبة الصرع: يستمر المريض بحالة تخليط ذهني، وعدم اهتداء.. مع اضطراب الذاكرة وحركات لا إرادية كفرك اليدين والمضغ غالباً يعض لسانه مع اضطرابات وحدانية متتالية: حزن، فرح، اكتئاب، خوف، تيه.. وبعد استيقاظه: يشعر بالإرهاق وتعب هائل في عضلاته، نتيجة حركاته المتسارعة تستمر لساعات وقد تدوم لأيام. انظر: المرجع في الأمراض العصبية وجراحتها، د. منصور الشحادات وآخرون، ص: 88-110.
[14] الحالة الأولى: أن يأتي الوحي سيدنا محمداً rوالوحي في حالته الملائكية، فينسلخ النبي rمن حالته البشرية، ويرتقي إلى ما يقارب الملائكية، فيكون مجيئه كصلصلة الجرس؛ كي لا يختلط مع الوحي أي صوت من البيئة المحيطة، ويكون النبي rحاضر الانتباه له كلياً انظر ما رواه البخاري برقم: 4800 . والحالة الثانية: يأتيه بصورة رجل، ـ كدحية الكلبي tـ انظر ما رواه مسلم برقم: 2333 . وانظر: الإتقان للسيوطي ص120. والمدخل لدراسة القرآن الكريم لأبي شهبة ص60.
[15] وهذا سر براعة التعبير البياني المعجز في قوله تعالى: " وَمَا صَاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ " [التكوير: 22], فمحمد rصحبكم منذ ولادته، وأنتم الأعلم بسيرته الخلقية والمرضية، فإن لم تشهدوا عليه جنوناً من قبل فكيف تزعمونه اليوم بلا دليل. وإن كانوا صدقوه عندما وقف على الصفا، وأنذرهم.. فقالوا له: " ما جربنا عليك كذباً " [السيرة الحلبية1/459]. لماذا لم يقولوا نحن لا نستمع إلى مجنون ؟ وقبلها أقروا بمشورته في وضع الحجر الأسود.. وكل تلك الحوادث تبين رجاحة رأيه، ونظرة القوم إليه rدون كذب وتحيز.
[16] انظر: موقف بولس من تعاليم عيسى u، رسالة ماجستير غير منشورة، من إعداد الطالب: عماد الدين عبد الله الشنطي، جامعة آل البيت، الأردن، ص89-91.
[17] هو المستشرق نورمان، نقلاً عن كتاب: المستشرقون والقرآن، عمر لطفي العالم، ص50
================
مصادر القرآن الكريم
الشبهة الأولى
مصادر القرآن الكريم " تأليف محمد ص"
كما اتهمت قريش محمداً صلى الله عليه وسلم بتأليف القرآن الكريم ، كذلك فعل بعض المستشرقين من أمثال بيرسي هورنستاين - يوليوس فلهاوزن -د.بروس و د. لوبون وقد أخبرنا الله جل وعلا عن ذلك في عدة مواقع من كتابه الكريم حيث قال :
( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ ) (هود:35)
( أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) (السجدة:3)(6/175)
إن هذه شبهة واهية لا أساس لها من الصحة ولنا في إثبات ذلك أدلة هي :-
1- إن أسلوب القرآن الكريم يخالف مخالفة تامة أسلوب كلام محمد صلى الله عليه وسلم، فلو رجعنا إلى كتب الأحاديث التي جمعت أقوال محمد صلى الله عليه وسلم وقارناها بالقرآن الكريم لرأينا الفرق الواضح والتغاير الظاهر في كل شيء، في أسلوب التعبير ،وفي الموضوعات ، فحديث محمد صلى الله عليه وسلم تتجلى فيه لغة المحادثة والتفهيم والتعليم والخطابة في صورها ومعناها المألوف لدى العرب كافة ، بخلاف أسلوب القرآن الكريم الذي لا يُعرف له شبيه في أساليب العرب.
2- إذا افترض الشخص أن القرآن الكريم إنتاج عقل بشري ، فإنه يتوقع أن يذكر شيئاً عن عقلية مؤلفه. ولو كانت تلك الادعاءات حقيقية فإن أدلة ذلك ستظهر في القرآن الكريم ، فهل توجد مثل تلك الأدلة ؟ وحتى نتمكن من الإجابة على ذلك فإن علينا معرفة الأفكار والتأملات التي دارت في عقله في ذلك الوقت ثم نبحث عنها في القرآن الكريم .
3- يستشعر القارىء في فطرته عند قراءة الحديث النبوي شخصية بشرية وذاتية تعتريها الخشية والمهابة والضعف أمام الله ، بخلاف القرآن الكريم الذي يتراءى للقارىء من خلال آياته ذاتية جبارة عادلة حكيمة خالقة بارئة مصورة ، رحيمة لا تضعف حتى في مواضع الرحمة مثل قوله سبحانه في شأن أتباع عيسى عليه السلام ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ) (المائدة:118)
فلو كان القرآن من كلام محمد صلى الله عليه وسلم لكان أسلوبه وأسلوب الأحاديث سواء . ومن المسلم به لدى أهل البصر الأدبي والباع الطويل في اللغة أن من المتعذر على الشخص الواحد أن يكون له في بيانه أسلوبان يختلف أحدهما عن الآخر اختلافاً جذرياً.
4- محمد صلى الله عليه وسلم أُمّيّ ما درس ولا تعلم ولا تتلمذ ، فهل يُعقل أنه أتى بهذا الإعجاز التشريعي المتكامل دون أي تناقض ، فأقر بعظمة هذا التشريع القريب والبعيد ، المسلم وغير المسلم ؟ فكيف يستطيع هذا الأمي أن يكون هذا القرآن بإعجازه اللغوي الفريد الغريب وإعجازه التشريعي المتكامل اجتماعياً واقتصادياً ودينياً وسياسياً .... هل يمكن لهذا الكتاب أن يكون من عنده ؟! وهل يجرؤ على تحدي ذلك بقوله " أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيرا " هذا تحدٍ واضح لغير المسلمين فهو يدعوهم لإيجاد خطأ فيه .
5- إن نظرة القرآن الكاملة الشاملة المتناسقة للكون والحياة والفكر والمعاملات والحروب والزواج والعبادات والاقتصاد لو كانت من صنع محمد صلى الله عليه وسلم، لما كان محمد صلى الله عليه وسلم بشراً. إن هذه التنظيمات وهذه التشريعات والآراء تعجز عن القيام بها لجان كثيرة لها ثقافات عالمية وتخصص عميق مهما أُتيح لها من المراجع والدراسات والوقت . فرجل واحد أياً كانت عبقريته ، وأياً كانت ثقافته ليعجز عن أن يأتي بتنظيم في مسألة واحدة من هذه المسائل ، فما بالك بكلها مع تنوعها وتلون اتجاهاتها وهل يتسنى لأُمي أن يأتي بهذه النظرة الشاملة في الكون والحياة والفكر ؟
6- لماذا يؤلف محمد صلى الله عليه وسلم القرآن وينسبه إلى غيره ؟ فالعظمة تكون أقوى وأوضح وأسمى فيما لو جاء بعمل يعجز عنه العالم كله ، ولكان بهذا العمل فوق طاقة البشرية فيُرفَع إلى مرتبة أسمى من مرتبة البشر ، فأي مصلحة أو غاية لمحمد صلى الله عليه وسلم في أن يؤلف القرآن –وهو عمل جبار معجز- وينسبه لغيره ؟
7- في القرآن الكريم أخبار الأولين بما يُغاير أخبارهم في الكتب المتداولة أيام محمد صلى الله عليه وسلم، فإن القرآن الكريم يحتوي على معلومات كثيرة لا يمكن أن يكون مصدرها غير الله . مثلاً : من أخبر محمداً صلى الله عليه وسلم عن سد ذي القرنين – مكان يبعد مئات الأميال شمالاً- ؟وماذا عن سورة الفجر وهي السورة رقم 89 في القرآن الكريم حيث تذكر مدينة باسم إرَم " مدينة الأعمدة " ولم تكن معروفة في التاريخ القديم ولم يكن لها وجود حسب معلومات المؤرخين . ولكن مجلة الجغرافية الوطنية وفي عددها الذي صدر في شهر كانون الأول لعام 1978 أوردت معلومات هامة ذكرت أنه في عام 1973 اكتشفت مدينة إلبا في سوريا . وقد قدر العلماء عمرها بستة وأربعين قرناً ، لكن هذا لم يكن الاكتشاف الوحيد المدهش ، بل إن الباحثين وجدوا في مكتبة المدينة سجلاً للمدن الأخرى التي أجرت معها إلبا تعاملات تجارية ، وكانت إرم إحدى تلك المدن ! أي أن مواطني إلبا تبادلوا معاملات تجارية مع مواطني إرم !
8- وماذا عما فيه من إعجاز علمي في الكون والحياة والطب والرياضيات....وذلك بالعشرات بل والمئات ، فهل يُعقل أن هذا الأُمي قد وضعها ؟ كيف عرف الأمي :-
- أن الأرض كروية بشكل بيضوي لقوله سبحانه ( وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا ) (النازعات:30)(6/176)
- أن الحياة ابتدأت من الماء .لا يمكن إقناع من عاشوا منذ أربعة عشر قرناً بهذا ، فلو أنك وقفت منذ أربعة عشر قرناً في الصحراء وقلت " كل هذا الذي ترى" وتشير إلى نفسك " مصنوع بأغلبيته من الماء " فلن يصدقك أحد ، لم يكن الدليل على ذلك موجوداً قبل اختراع الميكروسكوب . كان عليهم الانتظار لمعرفة أن السيتوبلازم وهي المادة الأساسية المكونة للخلية تتكون من 80% من الماء ( وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلا يُؤْمِنُونَ ) (الانبياء:30)
- أن هناك اختلافاً في التوقيت بين مناطق العالم ( حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ) (يونس:24) ومعنى الآية أنه عند نهاية التاريخ ومجيء يوم القيامة ، فإن ذلك سيحدث في لحظة ستصادف بعض الناس أثناء النهار وآخرين أثناء الليل ، وهذا يوضح حكمة الله وعلمه الأزلي بوجود مناطق زمنية ، رغم أن ذلك لم يكن معروفاً منذ أربعة عشر قرناً . إن هذه الظاهرة ليس بالإمكان رؤيتها بالعين المجردة ، أو نتيجة لتجربة شخصية وهذه حقيقة تكفي لتكون دليلاً على مصداقية القرآن الكريم.
- نظرية انتشار الكون لقوله سبحانه ( وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ ) (الذريات:47)
- نظرية الانفجار الكبير ( أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقاً فَفَتَقْنَاهُمَا ) (الانبياء:30)
- أن كمية الهواء في الأجواء تقل إلى درجة أن الإنسان يضيق صدره فيها ( فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ كَذَلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ ) (الأنعام:125)
- أن الشمس والقمر يَسبحان في هذا الفضاء لقوله سبحانه ( اللَّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمّىً يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقَاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ ) (الرعد:2)
9- في القرآن عتب ولوم لمحمد صلى الله عليه وسلم في مواضع عديدة مثل :-
- سورة كاملة عنوانها " عبس " .من آياتها " عَبَسَ وَتَوَلَّى 1 أَن جَاءهُ الْأَعْمَى 2 وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى 3 أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنفَعَهُ الذِّكْرَى 4 أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى 5 فَأَنتَ لَهُ تَصَدَّى 6 وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى 7 وَأَمَّا مَن جَاءكَ يَسْعَى 8 وَهُوَ يَخْشَى 9 فَأَنتَ عَنْهُ تَلَهَّى 10 "
- (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ ) (التوبة:43)
- ( وَمَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ ) (آل عمران:161)
- ( مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (لأنفال:67)
- ( مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ) (التوبة:113)
- ( لَوْلا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (لأنفال:68)
- ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً ) (الكهف:23)
- ( إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ) (الكهف:24)
- ( وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولاً ) (الأحزاب:37)
- ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ ) (التحريم:1)(6/177)
- بل إن في القرآن الكريم تهدي ووعيد لنبي الله حيث يقول سبحانه ( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ ) ( لاخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ) ( ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ) (الحاقة44-46)
وقوله سبحانه ( وَلَوْلا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئاً قَلِيلاً ) ( إِذاً لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ ثُمَّ لا تَجِدُ لَكَ عَلَيْنَا نَصِيراً ) (الاسراء74-75)
هذا العتاب وغيره كثير ، فهل يُعقل أن يؤلف محمد صلى الله عليه وسلم الكتاب ثم يوجه العتاب إلى نفسه ؟ وحوادث عديدة قام بها محمد صلى الله عليه وسلم آنياً مع أصحابه ثم تبدلت في نص القرآن فلم يجد في نفسه غضاضة ، فلو كان القرآن من عنده لما قام بها ودونها، لغَيَّرها وعمل الأنسب دون تسجيل الحادثة.
8- ودليل آخر : كانت تنزل بمحمد صلى الله عليه وسلم نوازل وأحداث من شأنها أن تحفزه إلى القول ، وكانت حاجته القصوى تلح عليه بحيث لو كان الأمر إليه لوجد له مقالاً ومجالاً ، ولكن كانت تمضي الليالي والأيام تتبعها الليالي والأيام ولا يجد في شأنها قرآناً يقرؤه على الناس فقد حدث أن سأل عن أهل الكهف فقال إنه سيرد عليهم غداً على أمل أن ينزل الوحي بالرد ولكنه لم يقل إن شاء الله فنزلت الآيات الكريمة ( وَلا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَداً ) ( إِلا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَداً ) (الكهف23-24)
9- وأهم من ذلك كله : كيف استطاع قرآن بشري أن يقوم بدعوة لتوحيد الله في أسلوب من القول والتوجيه لم تستطعه كتب السماء نفسها . هل هذا منطق ؟؟؟؟؟؟؟؟
الشبهة الثانية
مصادر القرآن الكريم " أساطير الأولين"
من الشبهات الأخرى التي يثيرها المستشرقون أمثال نورمان دانيال ومن نحا نحوهم أن النبي (صلى الله عليه وآله) ما جاء بجديد في القرآن وإنما أخذ بعضاً من اليهودية، وبعضاً من النصرانية، وبعضاً من قصص الفرس , فكان القرآن. وقد ذكر لنا ربنا جل جلاله هذا في كتابه الكريم فقال سبحانه :-
( وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْماً وَزُوراً ) (الفرقان:4)
( وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً ) (الفرقان:5)
( وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) (النحل:103)
ولرد تلك الشبهة على أصحابها أقول وبالله التوفيق : إن عنصر المعجزة لا يفارق القرآن حتى ولو صح الاتهام.
فإذا ثبت أن محتويات القرآن مقتبسة من اليهود والنصارى والفرس فإن صياغة القرآن ليست منهم لأن لغاتهم أعجمية، ولغة القرآن عربية في مستوى الإعجاز. وإذا بقي عنصر المعجزة في القرآن ـ ولو من ناحية واحدة، وهي ناحية الصياغة ـ يكون دليلاً على أنه من الله، ولا تبقى حاجة إلى إثبات أن القرآن معجزة في محتواه، كما هو معجزة في صياغته.
وقد اختلطت التهمة بالدفاع، فـ( لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ ) (النحل:103) وهذا يعبر عن مدى صدمة القرآن لعقلية الجزيرة العربية.
والواقع: أن القرآن معجزة واضحة في صياغته، وهذه.. ما فهمتها الجزيرة العربية ومن ورائها الأدباء العرب في كل مكان وزمان.
ولكنه: معجزة أضخم في محتواه وهذه.. ما تفهمها العقول العلمية والقانونية إلى يوم القيامة.
غير أن الشبهة التي وسوست في الصدور ولا تزال نتجت من ملاحظة أن الناس شاهدوا في بعض آيات القرآن ما كانوا يتلقونه من ألسنة الأحبار والرهبان ـ بفارق بسيط ـ وما تتبادله الأمم من أمثلة وحكم.
ولا تزال الطوائف والشعوب تحتفظ في تراثها الديني والقومي بأمثال وقصص وحكم وردت في القرآن، وتاريخها يرجع جذورها إلى ما قبل نزول القرآن، فهي لم تأخذها من القرآن، فلا بد أن القرآن اقتبسها منها ونسبها إلى نفسه بعد أن طوّرها وأجرى عليها بعض التعديلات .
والجواب على هذه الشبهة :
إن التراث الديني الذي يحتفظ به الأحبار والرهبان وكل علماء الأديان من تركة الأنبياء (عليهم السلام).
وهذا ما لا ينكره علماء الأديان، وإنما يتبارون في تأكيد انتسابه إلى الأنبياء.
وأما التراث القومي الذي تحتفظ به الشعوب فلا يصح تجاهل تأثره بالأنبياء إلى حد بعيد، وخاصة في لمعاته الذكية لأن العناصر المفكرة في كل الشعوب، لم تكن بعيدة عن الأنبياء، لأن الله كان يواتر أنبياءه إلى كل الشعوب، والعناصر المفكرة كانت تأخذ منهم ـ آمنت أم لم تؤمن بهم ـ فترسبت تركة الأنبياء في مشاعر الشعوب، واحتفظت ببعضها في التراث، وإن لم تحتفظ بسلسلة سند كل قصة وحكمة.(6/178)
ولهذا نجد في التراث القومي لكل شعب، لفتات روحية لا شك أنها من رواسب تعاليم الأنبياء. بل لو قارن الباحث خطوات الشعوب نحو الأمام مع حركة الرسالات؛ يتأكد من أن كل خير نالته البشرية عليه بصمة أحد الأنبياء، وإن طالت الفترة بين انبثاقه من النبوة ونضوجه كظاهرة على سطح الحياة .
فخير ما في التراث الديني وغيره للشعوب، هو تراث الأنبياء. والأنبياء جميعاً أخذوا عن الله. والله تعالى أعطى لكل نبي بمقدار استعداد قومه للأخذ، وأعطى لمحمد بن عبد الله (صلى الله عليه وآله) أكثر مما أعطى لغيره. فكان في القرآن الكريم ما تركته الأنبياء لشعوبهم وزيادة فوجود مواد من التراث الديني وغيره لسائر الشعوب في القرآن؛ إن دلّ على شيءٍ فإنما يدل على وحدة المصدر، وهو الله سبحانه وتعالى .
الشبهة الثالثة
مصادر القرآن الكريم " الراهب بحيرى"
زعم أعداء الإسلام أمثال المستشرق نورمان دانيال أن محمداً صلى الله عليه وسلم تعلم القرآن الكريم من راهب نصراني اسمه بحيرى أو جرجيس أو سرجيوس .
وهم يعللون ذلك للتشابه بين بعض محتويات القرآن الكريم وكتب أهل الكتاب .
إن التشابه في بعض الأمور الدينية بين الأديان الثلاث ناتج عن وحدة المصدر وهو الله جلّ في علاه ، ومن المتعذر أن يكون نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم قد اقتبس تعاليمه من الإنجيل. وقد اعترف بعض المستشرقين بذلك ، فقد قال البروفيسور مونتجمري واط ".... إن من المستبعد أن يكون محمد قد قرأ الكتب الدينية اليهودية أو النصرانية [ص39] ... ومن الأرجح أنه لم يقرأ أي كتاب آخر".
وقد شاركه ج.س.هجسن نفس الرأي بقوله " إن قاعدة نبوة محمد من ناحية مبدأية هي نفس تجربة وأعمال أنبياء بني إسرائيل. لكنه لم يعرف شيئاً عنهم بشكل مباشر. ومن الواضح أن تجربته كانت خاصة "
هناك حديث يتعلق بأمر لقاء محمد صلى الله عليه وسلم بالراهب بحيرى وهذا نصه من سنن الترمذي :-
" حدثنا الفضل بن سهل أبو العباس الأعرج البغدادي حدثنا عبد الرحمن بن غزوان أبو نوح أخبرنا يونس بن أبي إسحق عن أبي بكر بن أبي موسى عن أبيه قال :
خرج أبو طالب إلى الشام وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم في أشياخ من قريش فلما أشرفوا على الراهب هبطوا فحلوا رحالهم فخرج إليهم الراهب وكانوا قبل ذلك يمرون به فلا يخرج إليهم ولا يلتفت قال فهم يحلون رحالهم فجعل يتخللهم الراهب حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا سيد العالمين هذا رسول رب العالمين يبعثه الله رحمة للعالمين فقال له أشياخ من قريش ما علمك فقال إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق شجر ولا حجر إلا خر ساجدا ولا يسجدان إلا لنبي وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروف كتفه مثل التفاحة ثم رجع فصنع لهم طعاما فلما أتاهم به وكان هو في رعية الإبل قال أرسلوا إليه فأقبل وعليه غمامة تظله فلما دنا من القوم وجدهم قد سبقوه إلى فيء الشجرة فلما جلس مال فيء الشجرة عليه فقال انظروا إلى فيء الشجرة مال عليه قال فبينما هو قائم عليهم وهو يناشدهم أن لا يذهبوا به إلى الروم فإن الروم إذا رأوه عرفوه بالصفة فيقتلونه فالتفت فإذا بسبعة قد أقبلوا من الروم فاستقبلهم فقال ما جاء بكم قالوا جئنا إن هذا النبي خارج في هذا الشهر فلم يبق طريق إلا بعث إليه بأناس وإنا قد أخبرنا خبره بعثنا إلى طريقك هذا فقال هل خلفكم أحد هو خير منكم قالوا إنما أخبرنا خبره بطريقك هذا قال أفرأيتم أمرا أراد الله أن يقضيه هل يستطيع أحد من الناس رده قالوا لا قال فبايعوه وأقاموا معه قال أنشدكم بالله أيكم وليه قالوا أبو طالب فلم يزل يناشده حتى رده أبو طالب وبعث معه أبو بكر بلالا وزوده الراهب من الكعك والزيت ".
قال أبو عيسى هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من هذا الوجه
هذا حديث موضوع لعدة أسباب :-
1- إن معظم الرواة يُعتبرون بطريقة أو بأخرى غير ثقاة
2- إن سلسلة الرواة تعتبر منقطعة
3- إن الراوي الأول ليس شاهد عين للحدث أو طرف فيه.
ولتفصيل ذلك أقول وبالله التوفيق :-
1- الفضل ابن سهل ابن إبراهيم الأعرج: كان راوياً قوياً ،ولكن هناك تحفظات بالنسبة له. يقول الخطيب البغدادي :-
قال لي أحمد ابن سليمان ابن علي المقرىء عن أبي سعيد أحمد ابن محمد الملِني عن عبدالله ابن عدي قال "سمعتُ عبدان يقول أنه سمع أبا داود الساجستاني يقول أنه لم يُحب رواية بعض الأحاديث عن الفضل الأعرج" فسألته عن السبب. فأجاب كيف يمكن أنه لم يصدر عنه أي حديث صحيح" . قال ابن عدي أنه سمع أحمد ابن الحسين الصوفي يقول أن الفضل ابن سهل الأعرج كان شخصاً ماكراً كالثعالب ومراوغاً ومخادعاً.
2- عبدالرحمن ابن غزوان : رغم أن معظم النقاد وضعوه في صف الرواة الأقوياء والموثوق بروايتهم ،إلا أنه لم يسلم من اللّوم فقد قال عنه الإمام المِزّي :-(6/179)
قال ابن حبان عنه لقد اعتاد ارتكاب الأخطاء.فإن روايته لقصة المماليك عن الليث عن مالك عن الزهري عن عروة عن عائشة تؤلم وتزعج العقل والقلب.
4- يونس ابن أبي إسحق:يروي صالح ابن أحمد ابن حنبل عن علي المديني أنه قال عندما ذُكر يونس ابن إسحق: " كان الإهمال وعدم الاهتمام صفة متأصلة في شخصه ".يستشهد بُندار بقول سَلم ابن قتيبة "جئت من الكوفة. وقد سألني شعبة عمن رأيت هناك ، فقلت رأيت فلاناً وفلاناً ، وقابلت أيضاً يونس ابن إسحق ، ثم سألني وأي حديث نقل إليك ، فرويت له ما سمعت ، فسكت برهة قلتُ له أن يونس قال " قال لي بكر ابن ماعز" فقال شعبة " ألم يقل أن عبدالله ابن مسعود روى له ؟ (وكان ذلك مستحيلاً وبوضوح نظراً للفارق الزمني بينهما. وهذا يعني أن شعبة ينظر إليه على أنه مبتدع) يقول أبو بكر الأثرم سمعت أبا عبدالله عندما ذُكر اسم يونس ابن أبي إسحق يصنف روايته عن أبيه بأنها غير موثوقة. لقد أخبر أبو طالب أحمد ابن حنبل أن هناك إضافات على روايات الأشخاص في حديث يونس ابن إسحق، وقد سمع ابنه إسرائيل ذلك ودَوّنه من أبي إسحق ، لكن لا توجد أيّ إضافات كإضافات يونس. قال عبدالله ابن أحمد ابن حنبل " لقد سألت أبي عن يونس ابن أبي إسحق فأجاب أن رواياته ضعيفة ومشوشة....وأنه كذا وكذا " قال أبو هيثم أنه كان موثوقاً به، لكن أحاديثه يصعب تصديقها واتخاذها دليلاً على شيء.
5- إن أبا بكر يروي الحديث عن أبيه أبي موسى الأشعري رضي الله عنه، ولا يوجد دليل واحد على أنه سمع حديثاً عن أبيه وذلك لأنه توفي عام 106 هـ بينما توفي والده أبو موسى الأشعري عام 42 هـ عن عمر ناهز 63 عاماً كما روى الإمام شمس الدين الذهبي ، كما نورد هنا " يروي ابن سعد عن هيثم ابن عدي أنه مات عام 42 هـ أو لاحقاً..."
وهذا يعني أنه عاش 64 عاماً أو نحوها بعد وفاة أبيه مما يؤكد أنه كان صبياً وقتها فكيف حفظ هذا الحديث ؟
وقد رفض الإمام أحمد ابن حنبل رفضاً قاطعاً إمكانية قبول روايته.
ويعتبره ابن سعد كاذباً ولا يؤخذ بقوله.
عندما نُحلل نص الحديث بطريقة نقدية فإن ذلك يكشف عن ثغرات جدية:-
1- كان الدخول في التعاملات التجارية والذهاب ضمن قوافل تجارية محصوراً على الأشخاص الأثرياء ولم يحلم أبو طالب أن يكون منهم ، لأنه لم يكن ثرياً أبداً ، بل إن ثروته كانت ضئيلة لدرجة عدم تمكنه من الإنفاق على أولاده ، مما جعل بعض أقاربه يتعاطفون معه ويأخذون على عاتقهم مسئولية تربية بعض أبنائه. إن قصة الحديث مختلقة ، ولا يوجد دليل على أن أبا طالب كان له رحلات تجارية إلى أي مكان. لقد كان بائع عطور بسيط ، وقد رُوي أنه كان أعرجاً وبذلك يفقد الأهلية للقيام برحلة شاقة كتلك.
2- لو كان بحيرى حقاً عالماً عظيماً وبارعاً لدرجة أنه خطط لنبوة محمد صلى الله عليه وسلم ، فإن من المفروض أن يوجد له في السجلات النصرانية أدب كثير ، ومجلدات عن حياته وأعماله ، ولكننا لا نجد عنه شيئاً إلا في أحاديث الدرجة الثالثة في الأدب الإسلامي.
3- اختار بحيرى نبي المستقبل وفي حضور كبار رجال قريش قال إن الصبي سيصبح رئيس العالم المختار ، ونبي رب العالمين ورحمة للعالمين. وبذلك يكون رجال قريش شهوداً على تلك الحادثة الغير عادية ، وينقلونها إلى أهل مكة عند عودتهم إليها وبذلك تصبح حديث الناس ، ومن الطبيعي أنه لو حدث شيء يتعلق بنبي المستقبل فإن أولئك الرجال ومن سمع الحادثة منهم سيعودون للحديث عن تلك الحادثة ، لقد ظهر محمد في الصباح الباكر في البيت الحرام بعد ذلك ببضعة سنوات ، حيث حل النزاع حول وضع الحجر الأسود ، كان من المفروض حسب الحديث أن يصيح الناس " لقد وصل رسول رب العالمين ، ورئيس جميع المخلوقات ، وظهر رحمة العالمين ، ونحن نؤيده ونقبل رأيه ". لكن كتب التاريخ لم تذكر شيئاً من هذا القبيل ، بل تذكر أنهم قالوا "جاء الأمين-الصادق-الخ" ومرة أخرى عندما أعلن النبي المنتظر أنه اختير لأداء المهمة ، كان من المفترض حسب الحديث أيضاً أن يعلن كل من اعتنقوا الإسلام أنهم كانوا يعرفون ذلك وينتظرونه ، فإننا نجد أن ذلك لم يحدث.
4- عندما سُئل بحيرى عن سبب معرفته بأن الصبي سيصبح نبياً أجاب بأن جميع الأشجار والحجارة قد ركعت له. ولو كان الأمر كذلك فإن كل من كانت له صلة به في مكة أو غيرها سيعرف ذلك أيضاً ، فقد كان أمراً غير عادي ، وظاهرة غير طبيعية أو مألوفة ، وبذلك لا يمكن أن تمر دون أن لا يلاحظها الناس . من الغريب أن رجال القافلة الذين ارتحلوا معها مئات من الأميال لم يلاحظوا الأمر وكان بحيرى فقط هو الذي أدركها. وبناء عليه فإن من المفترض أن علامة النبوة المذكورة تكون موجودة في الإنجيل ، لكن الأمر ليس كذلك مما يجعل الحادثة مختلقة وغير موثوقة.(6/180)
5- لو أن المستشرقين الذين اتخذوا من تلك الحادثة عاملاً يساعدهم في ادعائهم أن محمداً صلى الله عليه وسلم قد تعلم وأخذ تعاليم دينه عن النصرانية من خلال الراهب المذكور، لو أنهم اعتقدوا أن حادثة بحيرى تلك كانت حقيقة وليست خيالاً ،ولو أنهم كانوا صادقين في دراساتهم لكان موقفهم تجاه الإسلام مختلفاً تماماً ، بينما يكشف موقفهم السلبي الحالي من الإسلام أنهم حقاً لا يعتقدون بصحة ذلك الحديث.
6- لو كان قول أن الأشجار والحجارة ركعت للنبي صلى الله عليه وسلم ، فإن ذلك لن ينحصر في تلك الحادثة فقط ، ويكون الآلاف من الأشخاص قد شاهدوا ذلك في مكة وسواها. لكننا لا نجد حديثاً صحيحاً واحداً يؤيد حدوث ذلك، مما يؤكد أن ذلك الحديث موضوع لا أصل له.
7- لقد حثهم الراهب على عدم أخذ الصبي إلى بلاد الروم، لأنه لدى رؤيته له تعرّف على علامات النبوة التي ستجعلهم يقتلونه، وهذا يعني أن علامات نبوة النبي المنتظر كانت من الوضوح في الإنجيل بحيث لا يمكن أن تفوت عن أنظار كبار الروم. هل يتفق المستشرقون مع ملاحظات الراهب؟ وإن كان الأمر كذلك فما مدى استعدادهم لقبول مصداقية نبوة محمد صلى الله عليه وسلم؟ هل يعتقد أولئك أن العلامات لصالح نبي الإسلام حقاً موجودة في الإنجيل بوضوح بحيث أن مجرد رؤيته تجعل العالِم يتعرف عليه كما ظن الراهب ؟.
8- أما عن مجموعة الرجال السبعة الروم الذين قالوا إن النبي المنتظر كان سيخرج من بلده ذلك الشهر، فإن المرء يتساءل عن مصدر علمهم ذلك، فبالنسبة للإنجيل لا يوجد شيء فيه من هذا القبيل، ومن الغريب أن يكون المستشرقين قد اختاروا بناء قصرهم بدون أي أساس وعلى أرضية مزيفة، مما يجعله قابلاً للسقوط بمجرد ضربة واحدة من قبل ناقد موضوعي.
9- لو كانت الحادثة حقيقية لما تردد كبار قريش وخاصة أبو طالب في اعتناق الإسلام فور إعلان النبي صلى الله عليه وسلم لرسالته.
10- لو كان في الرواية أي جزء من حقيقة لامتلأت كتب الأدب الديني الإسلامي بوصف مراحل حياة ذلك الراهب المختلفة ، لكننا لا نجد له أثراً فيها.
11- يقول الفصل الأخير من الحديث أنه وبناء على إصرار من الراهب فإن أبا طالب أعاد الصبي مع أبي بكر وبلال ، وهذا دليل واضح على أن القصة مختلقة ، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أكبر من أبي بكر رضي الله عنه إلا بعامين أو ثلاثة ، فلو كان عمر النبي صلى الله عليه وسلم حينئذ 9 سنوات ، فإن عمر أبا بكر سيكون 6 سنوات ، ولو كان عمر نبي المستقبل 12 عاماً لكان عمر أبي بكر 9 أعوام
12- أما بالنسبة لبلال رضي الله عنه فقد توفي عام 17 أو 18 والأرجح أنها عام 20 هـ أي 6-7 والأرجح 9 سنوات بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم. وبناء عليه فإنه قد لا يكون قد وُلد بعد أو أن عمره كان 1-3 سنوات ، عندما كان عمر الرسول صلى الله عليه وسلم 9 سنوات!!!
13- الراهب بحيرى لم يكن من سكان مكة بل وكان يسكن على مسافة بعيدة عنها فكيف تمكن من تعليم صبي كتاباً ضخماً في زيارة واحدة ؟! ولماذا انتقى بحيرى محمداً بالذات وأعطاه هذا التشريع ، ولم يعطه لابنه أو قريبه أو يدعيه لنفسه ؟؟؟!!! ولماذا لم يحدث ذلك قبل حياة محمد صلى الله عليه وسلم ؟ هل نفهم أن النصارى بقوا بدون كتاب لمئات من السنين ؟
14- يقول النصارى أنه كان نسطورياً أو أبيونياً وهي فرق مهرطقة خرجت عن النصرانية فكيف يصدقه رهبان الشام إذا كانت تلك الفرق مهرطقة ؟ أم أن جميعهم مهرطقين ؟؟؟
15- عندما أصبح النبي صلى الله عليه وسلم شاباً في سن الخامسة والعشرين ، شارك مرة أخرى في رحلة مع قافلة تجارية إلى بلاد الشام لصالح خديجة رضي الله عنها. لو كان يعرف مسبقاً أن أهل تلك البلاد يُكنون له العداوة ، وأنهم بمجرد رؤيته سيتعرفون عليه من خلال علامات نبوته الواضحة لما قام أبداً بتلك الرحلة. لكنه لم يُبد أي تردد في قبول عرض خديجة له في الاتجار لصالحها ، ولم يقم أحد بإيذائه وعاد سالماً معافاً بعد قيامه بعمليات تجارية رابحة.
16- من الغريب ملاحظته في هذا الحديث الذي وبالرغم من أنه كله ملفق ، إلا أنه أقوى من جميع الأحاديث التي تناولت حادثة بحيرى ، لكن الراهب لم يخاطب نبي المستقبل مباشرة في أي وقت من الأوقات ، وبإمكان الشخص ملاحظة ذلك من خلال قراءته للحديث ليرى بنفسه تلك الظاهرة الغريبة. لا يوجد في الحديث ضمير غائب بديلاً لمحمد صلى الله عليه وسلم ، لقد استعمل الراهب في كل مرة شخصاً ثالثاً أو ضمير إشارة بدلاً من الصبي. هذا يدل على أن الراهب لم يعتبر أن صبياً أمياً يمكنه أن يفهم ما يقول عنه. ومن الملاحظ أيضاً أن أحداً من رواة ذلك الحديث لم يكن من السخف لدرجة أن يُظهر الراهب وهو يخاطب الصبي بشكل مباشر. لأنهم من الطبيعي أن لا يتصورا أن صبياً في مثل عمره يستحق تلك المحادثة .
17- لم يعاصر بحيرى التسلسل الزمني للحوادث الواردة في القرآن الكريم فكيف يكون القرآن الكريم من عنده ؟(6/181)
18- في القرآن الكريم آيات لا توافق عقيدة المسيحية بل تبطل التثليث بشكل واضح فكيف يكتبها بحيرى ؟
19- هل يجوز لراهب أن يكذب ؟ كيف يقول بحيرى أن القرآن من عند الله نزل على قلب محمد وهو من عنده ؟؟؟ كيف يرضى أصحاب الشبهة هذه أن يكون عالم دينهم كذاب ؟وخلاصة القول: إن من المفيد إلقاء نظرة على الملاحظات الحيادية لبعض المستشرقين . يقول جون ب. نوس وديفيد س. نوس في كتابهم الشهير " أديان الرجل" : (.... إن من الواجب إدراج الحديث الشريف الذي يقول إن محمداً صلى الله عليه وسلم تعلم اليهودية والنصرانية خلال رحلاته مع القافلة التجارية المتجهة للشام ، وكانت الأولى بصحبة عمه أبي طالب عندما كان في سن الثانية عشرة ، والثانية عندما كان عمره 25 عاماً كموظف لخديجة التي تزوجها فيما بعد ، على أنه حديث غير مقبول ).
ويقول توماس كارلايل :-
لا أعرف ماذا أقول بشأن سيرجيوس [ بحيرى أو بحيرى ، مهما كان اللفظ ،وقد أُطلق عليه أيضاً اسم سرجيوس] ، الراهب النسطوري الذي قيل إنه تحادث مع أبي طالب ، أو كم من الممكن أن يكون أي راهب قد علم صبياً في مثل تلك السن ، لكنني أعرف أن حديث الراهب النسطوري مبالغ فيه بشكل كبير ، فقد كان عمر محمد صلى الله عليه وسلم 14 عاماً [كان عمره إما 9 أو 12 عاماً على أكثر تقدير] ولم يعرف لغةً غير لغته ، وكان معظم ما في الشام غريباً وغير مفهوم بالنسبة له.
الشبهة الرابعة
مصادر القرآن الكريم " ورقة ابن نوفل "
تعريف بالفرقة الأبيونية :-
قال المؤرخ موشيم في المجلد الأول من تاريخه: (إن الفرقة الأبيونية التي كانت في القرن الأول كانت تعتقد أن عيسى عليه السلام إنسان فقط تولد من مريم ويوسف النجار مثل الناس الآخرين وطاعة الشريعة الموسوية ليست منحصرة في حق اليهود فقط، بل تجب على غيرهم أيضاً والعمل على أحكامه ضروري للنجاة.
ولما كان بولس ينكر وجوب هذا العمل ويخاصمهم في هذا الباب مخاصمة شديدة كانوا يذمونه ذماً شديداً ويحقرون تحريراته تحقيراً بليغاً انتهى.
وقال جامعو تفسير هنري واسكات: "سبب فقدان النسخة العبرانية أن الفرقة الأبيونية التي كانت تنكر ألوهية المسيح حرفت هذه النسخة وضاعت بعد فتنة يروشالمن وقال البعض إن الناصريين أو اليهود الذين دخلوا في الملة المسيحية حرفوا الإنجيل العبراني، وأخرجت الفرقة الأبيونية فقرات كثيرة منه.
ويشير أبو موسى الحريري في كتابه "قس ونبي" إلى عقائد بعض الفرق الأبيونية الهرطوقية التي ادعت أن المسيح يتحول برضاه من صورة إلى صورة، فقد ألقى في صلبه شبهه على سمعان، وصُلب سمعان بدلاً عنه، فيما هو ارتفع إلى السماء حياً إلى الذي أرسله، ماكراً بجميع الذين مكروا للقبض عليه. لأنه كان غير منظور للجميع (ص 129) .
يزعم النصارى أن ورقة ابن نوفل كان من تلك الفرقة وأنه المصدر الذي تعلم منه محمدٌ صلى الله عليه وسلم القرآن الكريم . وقد دفعني للكتابة عن هذا الموضوع سببين :-
السبب الأول كان رداً من أحد النصارى على منتدى للحوار حيث قال عن ورقة ابن نوفل :-
" لانه كان ابيونيا وليس مسيحيا فالنصارى هم طائفة يهودية اتبعت الناصري عيسى وهم ليسوا مسيحيين فكانت في الجزيرة بدعة اسمها الابيونية لانهم يتبعون الانجيل الابيوني المنحول كما كانت هناك بدعة المريميين الذين يعبدون مريم فهو من ترجمة التوراة من العبرية الى العربية على يد ورقة فان القرآن والحديث يثبتون ان محمد لم يكن يتنبأ او يعلم الغيب ولو كان به شئ صحيح فانه من التوراة التي كانت موجودة من الاف السنين او من العلوم والاخبار المنتشرة وقتها "
ومن قراءة الفقرة نلاحظ ما يلي :-
1- أنه اعتبر ورقة ابن نوفل أبيونياً ليس مسيحياً بل يهودياً .
2- أنه يرفض مسيحية من اتبعوا عيسى الناصري بينما كتابهم يقول في إنجيل لوقا الإصحاح 24 : 19 " يسوع الناصري الذي كان إنسانًا نبياً مقتدراً في الفعل والقول "؟
3- يقول " لانهم يتبعون الانجيل الابيوني المنحول "
ثم يناقض نفسه فيقول عن القرآن الكريم " فهو من ترجمة التوراة من العبرية الى العربية على يد ورقة" ؟؟؟!!
ويعود ليؤكد تناقضه فيقول عن القرآن الكريم " ولو كان به شئ صحيح فانه من التوراة التي كانت موجودة من الاف السنين او من العلوم والاخبار المنتشرة وقتها "
ما هو الأصح ؟؟؟ هل هو من الإنجيل الأبيوني المنحول أم من التوراة أم من العلوم والأخبار المنتشرة وقتها ؟؟؟
أما السبب الثاني فهو رسالة وصلتني عبر البريد من أحد النصارى وقد تكلم فيها عن كتاب قرأه فقال:(6/182)
" يقوم الكاتب ( وهو شخصية رائعة جدا في التحليل والبحث والتنقيب واستخلاص الحقائق الخفية ) بتقديم الصورة الحقيقية التي حاول كتاب السيرة إخفائها للعلاقة بين محمد بن عبدالله والقس ورقة بن نوفل النصراني النسطوري وغيره من رهبان النصارى مثل الراهب بحيرى وغيره. ويبدو أن ورقة بن نوفل وهو زعيم كنيسة مكة النسطورية كان يعمل على إعداد خلف له ليترأس الكنيسة وعثر في محمد ( الذكي جدا ) على ضالته المنشودة فأزوجه من بنت عمه ( خديجة هي بنت عم ورقة وهي نصرانية ) واعتنى به وكان هو وخديجة وعبد المطلب ( الحنيفية ) خير عضد وسند لمحمد في بداية دعواه .
يعتمد هذا البحث على إعادة ترتيب سور القرآن بحسب تاريخ النزول لا بحسب الترتيب الغريب ( من الأطول إلى الأقصر) وسيجد المرء بدون أدنى شك العلاقة القريبة والتشابه بين ما يدعو إليه محمد وبين بدعة النسطورية ولربما الإبيونية النصرانية بشكل لا يترك مجالا للشك.
ثم يموت ورقة ( ويفتر الوحي؟!؟! ) ثم تموت خديجة ويموت عبد المطلب فيبدأ القرشيون بمهاجمة محمد بدون أن يجدوا من يقاومهم فورقة زعيم النصارى مات وعبد المطلب كبير الهاشميين مات وزوجته الثرية ماتت. فكانت الهجرة وجمع الفلول والعودة بقوة السلاح لفرض ما يريده. في هذه الفترة رأى محمد أنه سيفشل إن استمر في الدعوة النصرانية بما فيها من جدالات ونقاشات حول الله وهل هو ثلاثة أو واحد والمسيح إله أم بشر أم غيره. فماذا فعل؟!
عاد إلى الأصل وأين الأصل لا في موسى والشريعة واليهودية بل في أبو الديانتين المسيحية واليهودية حين كان الله واحد بكل بساطة وبدون أنبياء : إبراهيم.
وهنا حاك قصة إسماعيل بن إبراهيم وأبو العرب وكان يعلم عن ذلك من دروسه الكتابية التي نالها على يدي ورقة وغيره.
ثم ا تجدين أختي مسلمة غريبا قول محمد لأبي بكر: لو أنك سبقت لفزت أنت بالنبوة ولكنني أنا سبقت فهي من نصيبي؟! فماذا يعني بذلك؟! ألا يعني أن الاثنين الرفيقين الذين تعبدا في غار حراء كانا يستعدان معا لقيادة كنيسة مكة ولكن محمدا (الذكي العبقري) سبق وأعلن الوحي والنبوءة فلم يتبقّ لأبي بكر غير الإذعان والتصديق؟! وكانت مكافأة أبو بكر أنه خلف محمد ثم عمر بن الخطاب بينما كان الأولى أن يخلفه علي بن أبي طالب."
انتهت الرسالة .
من قراءة الرسالة نلاحظ ما يلي :-
1- اعتبر الكاتب ورقة ابن نوفل نسطورياً مسيحياً وليس خارجاً عن النصرانية كما فعل الأول. والسؤال هو : هل ورقة كان نسطورياً أم أبيونياً ؟
فمن الأصح يا ترى ؟؟؟
2- يقول " ....واستخلاص الحقائق الخفية ( لا أعرف كيف تمكن الكاتب من الوصول للحقائق وقد أخفاها أصحابها فهو لم يذكر مصدر معلوماته!!!يقول إن ورقة هو الذي زوج خديجة رضي الله عنها ومحمد صلى الله عليه وسلم مع أن جميع المصادر تذكر قصة زواجهما ولا يوجد لورقة أي ذكر في الموضوع . فمن أين أتى الكاتب بزعمه؟ تقول كتب السيرة أنه لما بلغ محمدٌ صلى الله عليه وسلم من العمر خمساً وعشرين سنة، سافر إلى بلاد الشام للمرَّة الثانية، في تجارةٍ تخصُّ خديجة بنت خويلد، وهي سيِّدة كانت توكل إلى الرجال أمر تجارتها، وقد رغبت في إسناد هذه المهمَّة إلى محمَّد، الَّذي عُرف بين القوم بحسن الخلق، وصدق الحديث، وأداء الأمانة، حتَّى اشتُهِر عنه لقب ( الصادق الأمين )، وصار موضع ثقة الناس واحترامهم. وقد أرسلت معه خادمها ميسرة، فذهبا واتَّجرا بمالها وربحا ربحاً وافراً، ولما رجَعَا إلى مكَّة أخبر ميسرة سيِّدته بما رأى من غرائبَ شَهِدَها بصحبته محمَّداً في تلك الرحلة؛ فقد كان من شأنه أنه كلَّما اشتدَّ الحرُّ، رأى ملَكين يظلِّلانه من حرارة الشمس وقيظها، فأُعجِبت خديجة بما سمعت، وأرسلت إليه تخطبه لنفسها وكانت في الأربعين من عمرها، فقبل محمَّد وأرسل عمَّه يطلب يدها من أهلها ثمَّ تزوجها.
3- لماذا اختص ورقة ابن نوفل محمداً من دون البشر ليوكل له مهمة ترأس كنيسة مكة ؟ ألم يكن له أبناء أو أخوة أو أبناء أخوة أو أفراد عندهم علم أو أكثر قرابة من محمد صلى الله عليه وسلم؟ ولماذا لم يؤلف قرآناً لنفسه بدلاً من أن يعطيه لغيره ؟؟!!
4- أين نجد السيرة الذاتية لبحيرى وورقة في كتب النصارى القديمة ؟(6/183)
5- من أين أتى الكاتب بدعوى أنه كان في مكة نصارى وكنيسة بينما أجمعت كتب التاريخ على أن أهل مكة كانوا وثنيين يعبدون الأصنام وقد أعرضوا عن اعتناق النصرانية لتنافرها مع العقل والفطرة السليمة، كما وأنهم أعرضوا عن اليهودية لأن أنَفَتَهُم وإباءهم جعلهم يرفضون فكرة شعب الله المختار التي تجعل من معتنقي اليهودية الجدد يهود من الدرجة الثانية !لم يبلغ عدد نصارى مكة عدد أصابع اليد الواحدة وأسماؤهم مذكورة في كتب السيرة النبوية وقد أسلموا جميعاً ولله الحمد. ألا يصفهم كتاب النصارى بالأمة الغبية كما في سفر التثنية الإصحاح 32 " 21 هم اغاروني بما ليس الها اغاظوني باباطيلهم. فانا اغيرهم بما ليس شعبا. بامّة غبية اغيظهم."
أما إنجيل متى فيقول في الإصحاح 4 " 16 الشعب الجالس في ظلمة ابصر نورا عظيما. والجالسون في كورة الموت وظلاله اشرق عليهم نور.
( قال اليعقوبي في تاريخه : و أما من تنصر من أحياء العرب فقوم من قريش من بني أسد بن عبد العزي . منهم عثمان بن الحويرث بن أسد بن عبد العزي و ورقة بن نوفل بن أسد ... ( تاريخ اليعقوبي 1- 157 )
اذن كان ورقة ممن ( تنصروا ) و ليس ممن ورثوا النصرانية ..!!
6- أين نجد أسماء رؤساء كنيسة مكة المزعومة قبل ورقة؟ ثم إننا نجد على الانترنت مقالات تزعم أنه كان في مكة أكثر من كنيسة ودير فما هو مرجعهم في ذلك ؟
7- إذا كانت الأبيونية قد تكونت في القرن الأول فلماذا انتظر معتنقوها قروناً ولم يعملوا على تأليف كتاب جديد لهم قبل سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟
8- أما عن نقطة الكاتب بخصوص إعادة ترتيب سور القرآن بحسب تاريخ النزول لا بحسب الترتيب الغريب ( من الأطول إلى الأقصر) فإنها تنم عن جهل لأن السور الطويلة لم تنزل دفعة واحدة كما وأن منها آيات نزلت في مكة المكرمة وآيات نزلت في المدينة المنورة !
9- يقول " ثم يموت ورقة ( ويفتر الوحي؟!؟! )
أليس هذا دليلاً قاطعاً على أن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يتلقى الوحي من الله ؟ وإلا فكيف يكون شديد الذكاء كما قال المؤلف ولا يفطن إلى أن انقطاعه بعد وفاة ورقة عن تزويد أتباعه بآيات جديدة سيؤدي إلى كشف عدم صدقه في أن الله هو الذي يوحي إليه ؟؟؟
ثم إن الوحي لم ينزل على نبي الإسلام إلا مرة واحدة قبل وفاة ورقة .وعندما عاد نزلت سورة الضحى {والضُّحى * والليل إذا سجى * ما ودَّعك ربُّك وما قلى * ولَلآخرة خيرٌ لك من الأولى * ولَسوفَ يُعطيكَ ربُّك فترضى * ألم يَجِدكَ يتيماً فآوى * ووجدكَ ضالاًّ فهدى * ووجدك عائلاً فأغنى * فأمَّا اليتيم فلا تقهر * وأمَّا السَّائل فلا تنهر * وأمَّا بنعمة ربِّك فحدِّث} (93 الضحى آية 1ـ11). ما الذي جعل محمداً متأكداً من أن المستقبل سيكون فيه الرضى له وقد تحقق ذلك في حياته ؟؟؟
هنا لفتة لغوية وهي أن الجملة تقول " وفتر الوحي " وليس ففتر الوحي.
يقول علم النحو إن حرف الواو يدل على تتابع الأحداث بالترتيب الزمني أي على التراخي بمعنى : مات ورقة وبعد ذلك فتر الوحي
أما " ففتر الوحي " فإن حرف الفاء تفيد السببية بمعنى أن موت ورقة كان سبباً في انقطاع الوحي وهذا ما لم يحدث.
أمَّا الخوف والفزع الَّذي انتابه لِمَا سمع ورأى في الغار حتَّى جعله يقطع خلوته، ويسرع إلى البيت مرتعش الفؤاد، فإنه يوضح أن ظاهرة الوحي هذه لم تأت متمِّمة لشيء ممَّا كان النبي صلي الله عليه وسلم يتصوَّره أو يخطر في باله، وإنما فوجئ بها وبالرسالة دون أي توقُّع سابق. كما أن ذهاب خديجة به لابن عمها دليل على أنها لم تكن تعلم كنهه مما جعلها تسأل قريبها ورقة عنه.
10- يقول الكاتب " ويموت عبد المطلب " لم يذكر الكاتب ما إذا كان عبدالمطلب نصرانياً أم لا ، رغم أنه زعيم قريش
11- يزعم الكاتب أن الهجرة كانت بهدف جمع الفلول والعودة بقوة السلاح لفرض ما يريده نبي الإسلام !!! يبدو أن الكاتب قد نسي أن ورقة ابن نوفل قد تنبأ لمحمد صلى الله عليه وسلم بأنه سيضطر للخروج من مكة المكرمة تماماً كما حدث مع بعض أنبياء الله مثل سيدنا موسى عليه السلام ! وهناك مثال آخر عن ثقة النبي صلى الله عليه وسلم في صدق نبوته وبالتالي في التأكد من حماية الله له ولرسالته وذلك عندما ترك مكة ومعه أبو بكر الصديق رضي الله عنه أثناء الهجرة إلى المدينة ، لقد رأوا رجالاً قادمين لقتلهم مما أخاف أبي بكر ، لو كان محمد صلى الله عليه وسلم كاذباً أو دجالاً أو شخصاً يحاول خداع الناس لأن يصدقوا نبوته ، فإن المفروض في تلك الحالة أن يقول لصاحبه " اسمع يا أبا بكر حاول أن تجد مخرجاً خلفياً لهذا الكهف " أو اجلس القرفصاء في تلك الزاوية وابق هادئاً". لكنه قال لأبي بكر " لا تخف. إن الله معنا !" وهذا دليل واضح على ثقته بعون الله له. إذا كان الشخص يعرف أنه يخدع الناس فمن أين له تلك الثقة ؟ إن حالة الطمأنينة الفكرية هذه لا يمكن أن توجد في شخص كذاب أو دجال.(6/184)
12- يتجاهل الكاتب أو يتعامى عن حقيقة أن الدعوة تدرجت من كونها سرية بدأت بدعوة عائلة نبي الله صلى الله عليه وسلم لقوله سبحانه ( وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ ) (الشعراء:214) ثم اتخذت صفة الجهر بالدعوة بناءً على أوامر الله لقوله سبحانه ( فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكِين َ) (الحجر:94) وقد بقي نبي الله في مكة يدعو للإسلام ويتلقى وأصحابه صنوف العذاب من الكفار على مدى ثلاث عشرة سنة . وبعد ذلك أمره الله بالهجرة إلى المدينة المنورة وقد ورد ذكر ذلك في سفر إشعياء الإصحاح 21 " 13نُبُوءَةٌ بِشَأْنِ شِبْهِ الْجَزِيرَةِ الْعَرَبِيَّةِ: سَتَبِيتِينَ فِي صَحَارِي بِلاَدِ الْعَرَبِ يَا قَوَافِلَ الدَّدَانِيِّينَ، 14فَاحْمِلَوا يَا أَهْلَ تَيْمَاءَ الْمَاءَ لِلْعَطْشَانِ، وَاسْتَقْبِلُوا الْهَارِبِينَ بِالْخُبْزِ، 15لأَنَّهُمْ قَدْ فَرُّوا مِنَ السَّيْفِ الْمَسْلُولِ، وَالْقَوْسِ الْمُتَوَتِّرِ، وَمِنْ وَطِيسِ الْمَعْرَكَةِ. 16لأَنَّهُ هَذَا مَا قَالَهُ لِي الرَّبُّ: فِي غُضُونِ سَنَةٍ مَمَاثِلَةٍ لِسَنَةِ الأَجِيرِ يَفْنَى كُلُّ مَجْدِ قِيدَارَ، 17وَتَكُونُ بَقِيَّةُ الرُّمَاةِ، الأَبْطَالُ مِنْ أَبْنَاءِ قِيدَارَ، قِلَّةً. لأَنَّ الرَّبَّ إِلَهَ إِسْرَائِيلَ قَدْ تَكَلَّمَ."
وهذا نص آخر :-
13 وحي من جهة بلاد العرب. في الوعر في بلاد العرب تبيتين يا قوافل الددانيين.
14 هاتوا ماء لملاقاة العطشان يا سكان ارض تيماء وافوا الهارب بخبزه.
15 فانهم من امام السيوف قد هربوا. من امام السيف المسلول ومن امام القوس المشدودة ومن امام شدة الحرب.
16 فانه هكذا قال لي السيد في مدة سنة كسنة الاجير يفنى كل مجد قيدار
17 وبقية عدد قسي ابطال بني قيدار تقل لان الرب اله اسرائيل قد تكلم
أقول للنصارى :
- نبوة محمد صلى الله عليه وسلم الوحيدة في بلاد العرب
- "العطشان والهارب بخبزه" هو صلى الله عليه وسلم عندما هاجر من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة
- "فإنهم من أمام السيوف قد هربوا " أمر الله سبحانه وتعالى رسوله بالهجرة من مكة إلى المدينة هرباً من بطش قريش عندما تسلحوا بسيوفهم وحاصروا بيته لقتله ولكن الله سبحانه وتعالى نجاه منهم
- "يا سكان أرض تيماء" مدينة في المملكة العربية السعودية تقع شمال المدينة المنورة وقد كان يسكنها اليهود وهذا أمر من الله سبحانه وتعالى لهم باتباع محمد صلى الله عليه وسلم
- " في مدة سنة كسنة الأجير يفنى كل مجد قيدار " لقد حدثت معركة بدر الكبرى وقد نصر الله سبحانه وتعالى فيها محمد صلى الله عليه وسلم في العام الثاني للهجرة وكانت بداية فناء أمجاد قيدار الجاهلية واعتنق جميعهم الإسلام فيما بعد
- "وبقية عدد قسي أبطال بني قيدار تقل" لقد قُتل 70 من صناديد قريش يوم بدر
فهل خطط ورقة ابن نوفل لهذا أيضاً ؟؟؟؟؟؟؟؟
لقد حُرم نبي الله وأصحابه من وطنهم وأملاكهم وعائلاتهم فأذن الله لهم بمحاربة الكفار لقوله سبحانه ( أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) ( الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ (الحج 39-40)
فكيف يدعي الكاتب أن نبي الله هاجر ليفرض الإسلام بالسيف ؟ وكيف عرف أن أهل المدينة المنورة سيناصرونه خاصة وأن بينهم اليهود وهم من أشد الناس عداوة للمسلمين ؟ بل وكيف يكذب الكاتب ما ورد في كتابه على لسان المسيح عليه السلام في إنجيل لوقا 4 " 24ثُمَّ أَضَافَ: «الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: مَا مِنْ نَبِيٍّ يُقْبَلُ فِي بَلْدَتِهِ." .
13- يقول الكاتب " في هذه الفترة رأى محمد أنه سيفشل إن استمر في الدعوة النصرانية بما فيها من جدالات ونقاشات حول الله وهل هو ثلاثة أو واحد والمسيح إله أم بشر أم غيره. فماذا فعل؟! عاد إلى الأصل وأين الأصل لا في موسى والشريعة واليهودية بل في أبو الديانتين المسيحية واليهودية حين كان الله واحد بكل بساطة وبدون أنبياء: إبراهيم."
أقول : أحمد الله الذي يدافع عن دينه ويظهر الحق حتى على ألسنة أعدائه ! فقد أثبت الكاتب العبقري أن التثليث دخيل على دين الله منذ أن خلق آدم وإلى يوم القيامة ولا علاقة لإبراهيم أو موسى به . ثم إنهم يدعون أن القرآن الكريم نسخة مختزلة من كتابهم فكيف يكون ذلك ؟؟!!
14-يقول " وهنا حاك قصة إسماعيل بن إبراهيم وأبو العرب وكان يعلم عن ذلك من دروسه الكتابية التي نالها على يدي ورقة وغيره." لي أكثر من ملاحظة على هذه المقولة :-
- لقد بقي العرب يعظمون دين إبراهيم عليه السلام وهذا سبب حرصهم على إبقاء الكعبة أم أن الكاتب ينكر وجود الكعبة في مكة المكرمة لمئات السنين قبل حياة محمد صلى الله عليه وسلم ؟(6/185)
- وماذا عن بئر زمزم ؟ أم أن الكاتب أيضاً ينكر وجوده؟ بل وماذا عما يقول كتاب النصارى بهذا الشأن حيث يقول سفر التكوين الإصحاح 21" وَتَشَبَّثِي بِهِ لأَنَّنِي سَأَجْعَلُهُ أُمَّةً عَظِيمَةً». 19ثُمَّ فَتَحَ عَيْنَيْهَا فَأَبْصَرَتْ بِئْرَ مَاءٍ، فَذَهَبَتْ وَمَلأَتِ الْقِرْبَةَ وَسَقَتِ الصَّبِيَّ. 20وَكَانَ اللهُ مَعَ الصَّبِيِّ فَكَبُرَ، وَسَكَنَ فِي صَحْرَاءِ فَارَانَ، وَبَرَعَ فِي رَمْيِ الْقَوْسِ. 21وَاتَّخَذَتْ لَهُ أُمُّهُ زَوْجَةً مِنْ مِصْرَ.
- وكيف يفسر الكاتب ما يقول سفر التثنية الإصحاح 33 : 2- 4 " جاء الرب من سيناء وأشرق لهم من سعير وتلألأ من جبل فاران ...."
- وماذا عما جاء في سفر التكوين الإصحاح 17" 20أَمَّا إسماعيل، فَقَدِ اسْتَجَبْتُ لِطِلْبَتِكَ مِنْ أَجْلِهِ. سَأُبَارِكُهُ حَقّاً، وَأَجْعَلُهُ مُثْمِراً، وَأُكَثِّرُ ذُرِّيَّتَهُ جِدّاً فَيَكُونُ أَباً لاثْنَيْ عَشَرَ رَئِيساً، وَيُصْبِحُ أُمَّةً كَبِيرَةً.." أين هي تلك الأمة ؟ وهل تُقاس الأمم في الكتب المقدسة بعددها أم بقيمتها الإيمانية ؟؟؟
15- ثم يأتي الكاتب بأكذوبة أخرى في قوله " قول محمد لأبي بكر: لو أنك سبقت لفزت أنت بالنبوة ولكنني أنا سبقت فهي من نصيبي؟! فماذا يعني بذلك؟! ألا يعني أن الاثنين الرفيقين الذين تعبدا في غار حراء كانا يستعدان معا لقيادة كنيسة مكة ولكن محمدا (الذكي العبقري) سبق وأعلن الوحي والنبوءة فلم يتبقّ لأبي بكر غير الإذعان والتصديق؟! وكانت مكافأة أبو بكر أنه خلف محمد ثم عمر بن الخطاب بينما كان الأولى أن يخلفه علي بن أبي طالب."
من أين أتى الكاتب بهذا ؟ ثم إن أبا بكر لم يشارك نبي الله في تحنثه في الغار . ومن المستحيل على رجل عظيم مثل عمر أن يكون تابعاً لأحد ما لم يكن متأكداً من صدقه ؟؟؟؟
وأخيراً : هذا هو الحديث الخاص بنزول الوحي لأول مرة على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم:
وقد ذكر النبي صلى الله عليه وسلم فيما روته عنه عائشة زوجه رضى الله عنها قالت : { أول ما بدئ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي ، الرؤيا الصادقة في النوم، فكان لا يرى شيئاً إلا جاء مثل فلق الصبح . ثم حبّب إليه الخلاء ، فكان يخلو بغار حراء يتحنث فيه – أي يتعبد فيه- الليالي ذوات العدد قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك ، ثم يرجع إلى خديجة –زوجه – فيتزود لمثلها ، حتى جاءه الحق وهو في غار حراء ، فجاءه الملك فقال : اقرأ . قال صلى الله عليه وسلم : فقلت : ما أنا بقارئ فأخذني فغطني حتى بلغ مني الجهد ثم أرسلني فقال :اقرأ فقلت : ما أنا بقارئ .فأخذني فغطني الثانية حتى بلغ مني الجهد ،ثم أرسلني فقال : (( اقرأ باسم ربك الذي خلق . خلق الإنسان من علق .اقرأ وربك الأكرم . الذي علم بالقلم . علم الإنسان ما لم يعلم )) فرجع بها رسول الله يرجف فؤاده ،فدخل على خديجة بنت خويلد ، فقال زمّلوني زملونّي ، فزمّلوه حتى ذهب عنه الرّوع ، فقال لخديجة وأخبرها الخبر : لقد خشيت على نفسي ، فقالت خديجة : كلا والله ، ما يخزيك الله أبداً ، إنك لتصل الرحم وتحمل الكّل وتكسب المعدوم ، وتقرى الضيف وتعين على نوائب الدهر .
فانطلقت به خديجة إلى ورقة بن نوفل بن عبد العزّى- ،ابن عم خديجة – وكان امرءً تنصر في الجاهلية ، وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب ، وكان شيخاً كبيراً قد عمى –فقالت له خديجة : يا ابن عم ، اسمع من ابن أخيك ، فقال له ورقة : يا ابن أخي ماذا ترى ؟ فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر ما رأى . فقال له ورقة : هذا الناموس الذي أنزل على موسى – عليه السلام – يا ليتني جذعاً ، ليتني أكون حياً إذ يخرجك قومك . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أو مخرجي هم ؟ قال : نعم ، لم يأت رجل قط بمثل ما جئت به إلا عودي وإن يدركني يومك أنصرك نصراً مؤزراً . ثم لم ينشب ورقة أن توفى ،وفتر الوحي }
والحمد لله على نعمة الاسلام
=====================
شبهة حول مد الأرض ودحوها وكرويتها
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في تفسير القرآن وعلومه
مقدمة:
لما كان بيان أوجه الإعجاز القرآن الكريم، والكشف عن آياته البديعة، من أهم واجبات الأمة الإسلامية[1]، كان الدفاع عنها له نفس الحكم إن لم يكن أوجب.
منذ بداية التحدي بالقرآن الكريم، أخذ أعداء الإسلام يوجهون سهامهم إلى المحتوى المعجز للقرآن الكريم، محاولين النيل من هيبته في نفوس المؤمنين به ـ ومن يفكر في الإيمان به ـ بشتى الطرق.
كان محتوى القرآن الكريم ـ سبب عزة الأمة العربية الإسلامية ونهضتها ـ شوكة في حلق كل من تسول له نفسه التشكيك بإلهية مصدره، وتميز أسلوبه.. فكان ـ ومازال وسيبقى ـ الكتاب السماوي الوحيد الذي يحمل دليل صدقه بين دفتيه.(6/186)
ولا يمكن إغفال ما للإعجاز القرآني ( وخاصة شواهد الإعجاز العلمي في العصر الحالي ) من أهمية في نشر الدعوة الإسلامية في شتى أرجاء الأرض.. مما جعل الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في العالم..
كان أثر معجزات الأنبياء السابقين محدوداً بحياة النبي ـ ليس دائماً مستمراً بعد وفاته ـ؛ لأنها موجهة لأقوام محددين خاصة، وكان الخطاب الدعوي بها لأهداف محددة بحياة ذلك النبي uفينتهي أثر معجزته بوفاته.
بينما محمد عليه الصلاه والسلام خاتم الأنبياء، لا نبي بعده، ورسالته لكل الناس.. فوجَبَ أن تكون معجزته دائمة عامَّة.
فمن رحمة الله بالناس أن كان الشاهد على ربانية مصدر القرآن الكريم دليلاً معجزاً دائماً متجدداً بتجدد الحياة، وتطور معارف الناس وأنماط تفكيرهم، وأدوات بحثهم. ولم يجعله معجزة مؤقتة لعصر من العصور، وجيل محدود من الأجيال، وفي هذا كمال العدل، وكمال الحكمة..
ودليل ذلك أنك لو خاطبت ملحداً أن دليل صدق القرآن الكريم هو حنين جذع النخلة إلى النبي صلى الله عليه وسلم، أو خروج الماء من بين أصابعه الشريفة، أو أنه كان يكثر الطعام القليل، أو أن عظم الشاة أخبرك بأنه مسموم.. الخ. فلن يتقبلها إلا بالسخرية منها والاستهزاء بالمؤمنين بها، ولعدَّها من خيالات المسلمين
عن أبي هريرة tقَالَ: " قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ نَبِيٌّ، إِلَّا أُعْطِيَ مَا مِثْلهُ آمَنَ عَلَيْهِ الْبَشَرُ. وَإِنَّمَا كَانَ الَّذِي أُوتِيتُ وَحْيًا، أَوْحَاهُ اللَّهُ إِلَيَّ، فَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَكْثَرَهُمْ تَابِعًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ ".[2]
وبهذا تتحقق الحكمة من كون المعجزة مما برع به الناس، ففي عهد الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ كان للإعجاز البياني أعظم الأثر في إيمانهم، وفي العصر الحالي أصبح الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في أوساط العلماء والمثقفين الغربيين، بفضل جهود علماء الإعجاز العلمي.[3]
كل هذا يفسر سبب الهجوم على الإعجاز العلمي ودعاته، وحملات التشكيك المتتالية بما ذكره الجهابذة.
من خلال تتبع الشبهات التي يثيرها أعداء الإعجاز العلمي، يتيقن الباحث الموضوعي أن تلك الشبهات لا أساس علمي لها، بل إنها تزيد الإعجاز العلمي روعة ...
وسأذكر عشرين شاهداً على ذلك، من خلال تتبع شبهات الناقدين لموضوع الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.
أولاً: الأرض، حركتها، كرويتها:
نص الشبهة حرفياً:
" بعض الآيات التي تتحدث عن الأرض أنها ثابتة لا تتحرك خلق السموات بغير عمد ترونها وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم). سورة لقمان "31: 10 "
(وهو الذي مد الأرض وجعل فيها رواسي).الرعد "13: 3 .
(والأرض مددناها وألقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل شئ موزون). سورة الحجر "15: 19"
وجاء في سورة النحل (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون).
وجاء في سورة الأنبياء:31" (وجعلنا في الأرض رواسي أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجا سبلا لعلهم يهتدون). الآيات التي ورد ذكرها أعلاه تقول عن الأرض: طحاها، مدت، مددناها، سطحت، مهاداً. وكل هذه المفردات تصف الأرض أنها منبسطة ومستوية. والعلم يقول أنها ليست منبسطة ولا مستوية. ثم هنالك المفردات التالية
عن الأرض أيضا: رواسي، تميد، أوتاداً. وكل هذه المفردات تعني الثبات وعدم الحركة.
وأن الجبال تعمل عمل الأوتاد في تثبيت الخيمة فهي أي الجبال تحفظ الأرض من الحركة وأنه لولا الله ثم هذه الجبال لمادت الأرض (أن تميد بكم)أي أختل توازنها وتسببت في سقوطكم، والميدإنما يكون للسطح المستوي المنبسط ولا يكون للسطح المدور الكروي الشكل …
قال الإمام النسفيتعليقا على سورة الرعد: (وهو الذي مد الأرض= أي بسطها) ".
وقال بعدها: " يقول تعالى: (والأرض بعد ذلك دحاها). وهى آية يتعمد كل (باحث إسلامي أن يوردها فى معرض التدليل على أن القرآن قد سبق زمانه بتحديد شكل الأرض شبه الكروي. فكلمة (دحاها) فى قاموس هؤلاء (الباحثين) تعنى جعلها كالدحية (وهى بيضة النعامة).
هذا التفسير، ليس له وجه فى اللغة[4].
فكلمة دحاها تعنى فقط بسطها ومدها. وقد أطلق العرب اسم (الأدحية) على المكان الذى تبيض فيه النعامة، وليس بيضها. لأن هذا الطائر لا يبنى عشاً، بل (يدحو الأرض برجله، حتى يبسط التراب ويوسعه ثم يبيض فيه). والدحية بكسر الدال هو رئيس الجند. والدحية بفتح الدال هى أنثى القرد".
جواب الشبهة:
1. دوران الأرض:
الآيات الكريمة التي استشهد بها تتكلم عن مراحل خلق الأرض، وأن الأرض كانت غير مستقرة (تميد) بمن عليها، فلما خلق الجبال استقرت.
وهذا ما صرح به الحديث الشريف: عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلمقَالَ: " لَمَّا خَلَقَ اللَّهُ الْأَرْضَ، جَعَلَتْ تَمِيدُ فَخَلَقَ الْجِبَالَ فَعَادَ بِهَا عَلَيْهَا، فَاسْتَقَرَّتْ.. ".[5](6/187)
والمقصود باستقرارها: عدم اضطرابها واهتزازها، وسيأتي مفصلاً في الحديث عن الجبال قريباً.
ومن أدلة دوران الأرض حول الشمس في القرآن الكريم:[6]
قال تعالى: " وَآيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ " [يس: 37].
ووجه دلالته أنه يوافق ما كشف عنه العلم الحديث من أن الأصل فيما يحيط الأرض هو الليل (الظلام)، وأن الجزء الذي تتكون فيه حالة النهار هو الهواء الذي يحيط بالأرض، ويمثل قشرة رقيقة تشبه الجلد.
فإذا دارت الأرض، سُلِخت حالة النهار الرقيقة التي كونتها انعكاسات أشعة الشمس.. فيحدث بهذا الدوران، سلخ النهار من الليل.
2. كروية الأرض:
مد الأرض وبسطها يقتضي تكويرها؛ لأن أي شكل هندسي آخر (مثلث، مربع، خماسي..) لابد أن يكون فيه انحناء عند الانتقال من ضلع إلى آخر..
انظر الشكل التالي ويمثل عدة أشكال هندسية، وتم التعبير عن كل ضلع بحرف خاص (أ، ب، ج ..) عدا الدائرة؛ فليس لها أضلاع.
كما أن في التعبير القرآني المعجز عن انبساط وامتداد الأرض التقاء للحقيقتين الحسية المشاهَدة، والعلمية:
فهي من حيث العين المبصرة: ممتدة ومنبسطة مما يسهل الحياة عليها.. فلو كانت ذات أي شكل هندسي غير الدائرة، لرأيت انحناءها وأنت واقف على أحد أضلاعها.
وهي من حيث الاكتشافات العلمية:دائرية، لأن الشكل الدائري يدل على بسطها. فالدائرة هي الشكل الهندسي الوحيد الذي يمكن أن تكون الأرض فيه ممدودة في كل نقطة تقف عليها منها.
ولم يثبت أن شوهِد أحد ينحني طريقه وهو يسير على الأرض في أي من بقاعها، كما ينحني طريق من يسير من ضلع (أ) إلى (ب).[7]
فمن تذليل الله تعالي للحياة على سطح الأرض تكويرها، فلولا كرويتها لاستحالت الحياة عليها. كما أن النعامة تدحي مكان عشها وتسويه لتجعله ميسراً ممهداً لوضع البيض، فلولا ذلك لكسر البيض.
ولا يُعقَل أن ( تبسط) النعامة الأرض، فتصبح منبسطة كالمرآة، لتضع بيضها؛ وإلا سيتدحرج بعيداً، ولما استطاعت جمعه لحضنه، وما أمنت عليه من الأعين، وعاديات الزمان والمكان.
كيف وإن كانت النعامة تضع بيضها بالطول[8]ـ وذلك حتى يتوزع دفء الحَضْن على أكبر مساحة من بيضتها الأكبر بين البيوض ـ كل هذه الاعتبارات، تقتضي أن لا يكون عش النعامة سوى حفرة في الأرض..
أي: نصف كرة سفلي ( بحسب الناظر من الأعلى إلى الأسفل )
انظر الصورة التالية:[9]
ومن هنا يتبين أن النعامة تدحي ( تهيء ) الأرض الصلبة لاستقبال البيض فلا يتكسر عند وضعه، وتكون ملائمة لحفظه عن العيون وحَضنِهِ وعدم تدحرجه.. وما يكون ذلك إلا بضرب رجلها على الأرض الصلبة وتقعيرها إلى الداخل، صانعة العش.
ذلك العش الذي يبدو للناظر ـ غير المدقق ـ أنه مستوٍ وهو في الحقيقة متقعر نحو الأسفل. وهنا وجه الشبه بين الأرض والدحية..
ووجه شبه آخر: أن الأرض أيضاً قد دحاها ( هيأها ) الله Yللخليفة على الأرض، فهي حاضنته الرؤوم، الذي لولا تلك التهيئة لما استطاع العيش عليها.
إذاً: لو كان عش النعامة مستوٍ لما استطاعت حضن البيض، ولو باضت على الأرض الصلبة قبل ضربها برجلها جاعلةً منها تراباً ناعماً، لتكسر البيض...
كما لو كانت الأرض كلها مستوية مسطحة، لما أمكن للأرض أن تحتضن الماء على سطحها بأي شكل (بحار وأنهار وسيول...). ولو كانت الأرض صلدة بلا تراب، لما أنبتت المرعى..
صدق الله العظيم حيث يقول في سورة النازعات: " وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (30) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (31) ".
ومن الأدلة الأخرى على كروية الأرض في القرآن الكريم:
1. قوله تعالى: " خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلَا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ " [الزمر: 5].
تبين الآية الكريمة أن الليل والنهار خلقا على هيئة التكوير، وبما أن الليل والنهار وجدا على سطح الأرض معاً، فلا يمكن أن يكونا على هيئة التكوير، إلا إذا كانت الأرض نفسها كروية. [10]
ولو أن البقعة التي يغطيها النهار لا تساوي في المساحة القطعة التي يغطيها الليل، لما شكلا معاً شكل كرة؛ بل الشرط الرفيع الفاصل بينهما سيكون على شكل هندسي آخر ـ بحسب مساحته على سطح الأرض ـ. وهنا التعبير المعجز الدقيق:" يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ "أي: نصف الكرة الأرضية نهار، والنصف الآخر ليل.
2. قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " [الرعد: 3].(6/188)
قال الرازي: " المد هو البسط إلى ما لا يدرك منتهاه، فقوله: " وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ ". يشعر بأنه تعالى جعل حجم الأرض حجماً عظيماً لا يقع البصر على منتهاه، لأن الأرض لو كانت أصغر حجما مما هي الآن عليه لما كمل الانتفاع به... والكرة إذا كانت في غاية الكبر، كان كل قطعة منها تشاهد كالسطح ".[11]
قول الإمام الرازي هذا، يبين استباط علماء المسلمين أن الأرض كروية، من خلال الآية الكريمة.[12]
3. قوله تعالى: " أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا وَاللَّهُ يَحْكُمُ لَا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَهُوَ سَرِيعُ الْحِسَابِ " [الرعد: 41].وقوله: " أَفَلَا يَرَوْنَ أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا أَفَهُمُ الْغَالِبُونَ " [الأنبياء: 44].
وهذا ظاهر للذي يسير من وسط الأرض إلى أيٍّ من أطرافها، ولا يكون إلا في الشكل الكروي.
-------------
[1] قال القاضي الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن ص22: " ومن أهم ما يجب على أهل دين الله كشفه، وأولى ما يلزم بحثه، ما كان لأصل دينهم قواماً، ولقاعدة توحيدهم عماداً ونظاماً، وعلى صدق نبيهم صلى الله عليه وسلمبرهاناً، ولمعجزته ثبتاً وحجة. لا سيما والجهل ممدود الرواق، شديد النفاق، مستولٍ على الآفاق. والعلم إلى عفاء ودروس، وعلى خفاء وطموس، وأهلهم في جفوة الزمن البهيم، يقاسون من عبوسه لقاء الأسد الشتيم [كريه المنظر]. حتى صار ما يكابدونه قاطعاً عن الواجب من سلوك مناهجه، والأخذ في سبيله ". إن كان ذلك كلام الباقلاني المتوفى سنة (403هـ عن حال العلم في مجتمعه، وتلك استغاثته بعلماء ذلك الزمان، رغم أنه كان للإسلام دولة تحميه، وعلماء أكفاء يذودون عن حياضه، لا يخافون لومة لائم.. فكيف بنا في هذا الزمان ؟
[2] رواه البخاري في فضائل القرآن باب: كيف نزل الوحي (4981. قال ابن حجر في فتح الباري 15/173 " معنى الحصر في قوله: " إنما كان الذي أوتيته ": أن القرآن أعظم المعجزات، وأفيدها، وأدومها؛ لاشتماله على الدعوة، والحجة، ودوام الانتفاع به، إلى آخر الدهر. فلما كان لا شيء يقاربه ـ فضلاً عن أن يساويه ـ كان ما عداه بالنسبة إليه كأن لم يقع ".
[3] اكتب عبارة " أسرع الأدين انتشاراً " في أي محرك بحث وانظر ما ترى... ومن ذلك : صرح (جورج بوش رئيس الولايات المتحدة أن الإسلام أسرع الأديان انتشاراً في الولايات المتحدة الأمريكية، انظر خطاب (بوش الذي نشره موقع وزارة الخارجية الأمريكية بتاريخ 16/11/2003م على الرابط التالي:
http://usinfo.state.gov/a صلى الله عليه وسلمabic/mena/1116 صلى الله عليه وسلمmadan.htm
كما أنه أسرع الأديان انتشاراً في كندا ـ يتزايد بنسبة (128% ـ:
http://news.mas صلى الله عليه وسلمawy.com/mas صلى الله عليه وسلمawynews/16052003/138213news.htm
وأسرع الأديان انتشاراً في بريطانياً. وخاصة بين مدرسي الرياضيات والعلوم وأساتذة الجامعات (بمعدل 14 ألفاً كل عام:
http://www.islamonline.net/A صلى الله عليه وسلمabic/news/2004-02/23/a صلى الله عليه وسلمticle01.shtml
[4] بل هذا وجه من البلاغة معروف: وهو التعبير بالمحل، عن الحالِّ بالمحل. جاء في كتاب: " معجم الألفاظ العامية ذات الحقيقة في الأصول العربية "، للدكتور: عبد المنعم العال، ص233: " نقول في دارجتنا: الدَّحْيُ البَيْض. والمفرد: دَحية.. والأُدحوة مبيض النعام في الرمل، وهو مجاز مرسل علاقته المكانية ". وجهله بذلك حجة عليه، ليس حجة له.
[5] رواه الترمذي في تفسير القرآن باب ومن سورة المعوذتين (3369 وقال: غريب. وله شاهد بمعناه عند أحمد باقي مسند المكثرين 3/124 وأبي يعلى في مسنده 7/285 وعبد بن حميد في مسنده 1/365 والضياء في المختارة 6/153 (2149 وقال: إسناده حسن.
[6] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص206-209.
[7] هذا الفهم ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في مجموع الفتاوى 6 / 587 وما بعدها:
" سُئِلَ عَنْ رَجُلَيْنِ تَنَازَعَا فِي كَيْفِيَّةِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ هَلْ هُمَا جِسْمَانِ كُرِّيَّانِ ؟ فَقَالَ أَحَدُهُمَا: كُرِّيَّانِ; وَأَنْكَرَ الآخَرُ هَذِهِ الْمَقَالَةَ وَقَالَ: لَيْسَ لَهَا أَصْلٌ، وَرَدَّهَا.. فَمَا الصَّوَابُ ؟(6/189)
فَأَجَابَ: " السَّمَاوَاتُ مُسْتَدِيرَةٌ عِنْدَ عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ، وَقَدْ حَكَى إجْمَاعَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَئِمَّةِ الإِسْلامِ. مِثْلُ: أَبِي الْحُسَيْنِ أَحْمَد بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الْمُنَادِي ـ أَحَدِ الأَعْيَانِ الْكِبَارِ مِنْ الطَّبَقَةِ الثَّانِيَةِ مِنْ أَصْحَابِ الإِمَامِ أَحْمَد وَلَهُ نَحْوُ أَرْبَعِمِائَةِ مُصَنَّفٍ ـ. وَحَكَى الإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ الإِمَامُ أَبُو مُحَمَّدٍ بْنُ حَزْمٍ، وَأَبُو الْفَرَجِ بْنُ الْجَوْزِيِّ. وَرَوَى الْعُلَمَاءُ ذَلِكَ بِالأَسَانِيدِ الْمَعْرُوفَةِ عَنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَذَكَرُوا ذَلِكَ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ رَسُولِهِ وَبَسَطُوا الْقَوْلَ فِي ذَلِكَ بِالدَّلائِلِ السَّمْعِيَّةِ. وَإِنْ كَانَ قَدْ أُقِيمَ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا دَلائِلُ حِسَابِيَّةٌ. وَلا أَعْلَمُ فِي عُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ الْمَعْرُوفِينَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ; إلا فِرْقَةٌ يَسِيرَةٌ مَنْ أَهْلِ الْجَدَلِ لَمَّا نَاظَرُوا الْمُنَجِّمِينَ فَأَفْسَدُوا عَلَيْهِمْ فَاسِدَ مَذْهَبِهِمْ فِي الأَحْوَالِ وَالتَّأْثِيرِ، خَلَطُوا الْكَلامَ مَعَهُمْ بِالْمُنَاظَرَةِ فِي الْحِسَابِ وَقَالُوا عَلَى سَبِيلِ التَّجْوِيزِ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ مُرَبَّعَةً أَوْ مُسَدَّسَةً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ ; وَلَمْ يَنْفُوا أَنْ تَكُونَ مُسْتَدِيرَةً لَكِنْ جَوَّزُوا ضِدَّ ذَلِكَ. وَمَا عَلِمْتُ مَنْ قَالَ إنَّهَا غَيْرُ مُسْتَدِيرَةٍ ـ وَجَزَمَ بِذَلِكَ ـ إلا مَنْ لا يُؤْبَهُ لَهُ مِنْ الْجُهَّالِ.
وَمِنْ الأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ ". [الأنبياء: 33].
وَقَالَ تَعَالَى: " لا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ ولا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ " [يس: 40].
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنْ السَّلَفِ: فِي فَلْكَةٍ مِثْلِ فَلْكَةِ الْمِغْزَلِ، وَهَذَا صَرِيحٌ بِالاسْتِدَارَةِ وَالدَّوَرَانِ وَأَصْلُ ذَلِكَ: أَنَّ " الْفَلَكَ فِي اللُّغَةِ " هُوَ الشَّيْءُ الْمُسْتَدِيرُ يُقَالُ تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ وَيُقَالُ لِفَلْكَةِ الْمِغْزَلِ الْمُسْتَدِيرَةِ فَلْكَةٌ ; لاسْتِدَارَتِهَا. فَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ التَّفْسِيرِ وَاللُّغَةِ عَلَى أَنَّ " الْفَلَكَ " هُوَ الْمُسْتَدِيرُ وَالْمَعْرِفَةُ لِمَعَانِي كِتَابِ اللَّهِ إنَّمَا تُؤْخَذُ مِنْ هَذَيْنِ الطَّرِيقَيْنِ: مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ الْمَوْثُوقِ بِهِمْ مِنْ السَّلَفِ وَمِنْ اللُّغَةِ: الَّتِي نَزَلَ الْقُرْآنُ بِهَا وَهِيَ لُغَةُ الْعَرَبِ.
وَقَالَ تَعَالَى: " يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ " [الزمر: 5]. قَالُوا: و" التَّكْوِيرُ " التَّدْوِيرُ يُقَالُ: كَوَّرْت الْعِمَامَةَ وَكَوَّرْتهَا: إذَا دَوَّرْتهَا وَيُقَالُ: لِلْمُسْتَدِيرِ كَارَةٌ وَأَصْلُهُ " كورة " تَحَرَّكَتْ الْوَاوُ وَانْفَتَحَ مَا قَبْلَهَا فَقُلِبَتْ أَلِفًا. وَيُقَالُ أَيْضًا: " كُرَةٌ " وَأَصْلُهُ كُورَةٌ وَإِنَّمَا حُذِفَتْ عَيْنُ الْكَلِمَةِ كَمَا قِيلَ فِي ثُبَةٍ وَقُلَةٍ.
وَاللَّيْلُ وَالنَّهَارُ، وَسَائِرُ أَحْوَالِ الزَّمَانِ تَابِعَةٌ لِلْحَرَكَةِ ; فَإِنَّ الزَّمَانَ مِقْدَارُ الْحَرَكَةِ ; وَالْحَرَكَةُ قَائِمَةٌ بِالْجِسْمِ الْمُتَحَرِّكِ فَإِذَا كَانَ الزَّمَانُ التَّابِعُ لِلْحَرَكَةِ التَّابِعَةِ لِلْجِسْمِ مَوْصُوفًا بِالاسْتِدَارَةِ كَانَ الْجِسْمُ أَوْلَى بِالِاسْتِدَارَةِ.
وَقَالَ تَعَالَى: " مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ " [الملك: 3]. وَلَيْسَ فِي السَّمَاءِ إلا أَجْسَامُ مَا هُوَ مُتَشَابِهٌ [يقصد كروي الشكل كالنجوم والكواكب]. َأَمَّا التَّثْلِيثُ وَالتَّرْبِيعُ وَالتَّخْمِيسُ والتَّسْدِيسُ وَغَيْرُ ذَلِكَ: فَفِيهَا تَفَاوُتٌ وَاخْتِلافٌ بِالزَّوَايَا وَالأَضْلاعِ لا خِلافَ فِيهِ ولا تَفَاوُتَ.. ". ثم أطال ـ رحمه الله ـ في ذكرة الأدلة عليه.
ويتبين صواب ذلك بالمقارنة مع المذكور في الكتب المقدسة لليهود والنصارى، حين أثبتوا أن للأرض أربع زوايا !! ورد في سفر الرؤيا [7/1]: " وَرَأَيْتُ بَعْدَ ذَلِكَ أَرْبَعَةَ مَلاَئِكَةٍ وَاقِفِينَ عَلَى زَوَايَا الأَرْضِ الأَرْبَعِ، يَحْبِسُونَ رِيَاحَ الأَرْضِ الأَرْبَعَ، فَلاَ تَهُبُّ رِيحٌ عَلَى بَرٍّ أَوْ بَحْرٍ أَوْ شَجَرٍ ". ومثله في سفر حزقيال [7/2]: " النهاية قد أزفت على زوايا الأرض الأربع ".(6/190)
فأي الكتابَبين أولى بالنقد، القرآن الكريم (الذي نفى الزوايا عن الأرض أم الكتاب المقدس (الذي أثبتها ؟!
[8] انظر: مباهج الفكر ومناهج العبر، محمد بن إبراهيم الوطواط، تحقيق: د. عبد الرزاق الحربي، ص 287.
[9] نقلاً عن الموقع التالي:
www.hedweb.com/ animimag/osteggs.jpg
[10] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص230-233.
[11] مفاتيح الغيب، الرازي 19/1.
================
شبهة حول العَمَد بين السماء والأرض
إعداد عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
نص الشبهة حرفياً :
" ويمسك السماء ان تقع على الأرض الا بآذنة [الصواب: بإذنه] (الحج 65) ونفهم من السماء هنا كافة الأجرام السمائية وليس البعض [الصواب: بعضاً] منها فقط.. ولو كانت الآية جاءت بكلمة القمر مثلا بدلا من السماء لكانت متوافقة مع علم الفلك.. ويقدر علم الفلك الأجرام السمائية ب2000 بليون بليون نجم منها نجوم اكبر حجما من الشمس بآلاف الأضعاف.. وذلك بالإضافة إلى بلايين البلايين من الأجرام الأخرى التابعة للنجوم.. ومجموع حجم هذه النجوم لا يمكن لعقل بشرى ان يتخيله... فكيف يكون هناك مجرد احتمال ان تقع هذه الأجسام المتناهية الضخامة على سطح الأرض؟؟؟ وتقول الآية(الا باذن الله) اى انه يمكن ان تقع فعلا على الأرض الا ان الله يمسكها ان تقع.. لكن طبقا لعلم الفلك هناك استحالة مطلقة في إمكانية ان تقع هذه الأجسام على الأرض.. وتصديق وقوعها على الأرض هو ضربا من الهذيان والقاء علم الفلك وقوانينة واكتشافات علمائه في سلة المهملات... فلو تصورنا عملية وقوع النجوم على الأرض لتبين لنا ان وقوع نجمين اثنين فقط في حجم الشمس الهائل (علما بأنها نجم متوسط الحجم) يكفى لحصر جسم الارض بينهما حصرا تاما ليمنعا بذلك 2000 بليون بليون نجم آخر بالسماء بالإضافة الى بلايين البلايين من الأجرام التابعة للنجوم من مجرد الاقتراب من سطح الأرض التي ما هي الا نقطة ضئيلة محصورة بين نجمين مما يدل على ان كاتب القران لا يعلم اى شيء عن علم الفلك واثباته العلمي الذي لا يدع اى مجال لاى شك... ويجعل قوانين وحقائق الله التى وضعها في فلكة لا أهمية لها...تخيل مثلا ان قطر الأرض 1 سم لكانت الشمس بالمقارنة كرة قطرها 109 سم ونخلص من هذا ان هناك استحالة مادية مطلقة لان تقع السماء على الأرض (وان الذي يمنعها هو الله الذي لم ياذن لها بذلك) (تقول الاية ويمسك السماء ان تقع) بينما ان وقوعها لا ينفع أصلا".
الرد على الشبهة:
السماء في اللغة هي كل ما علاك، ولهذا يقال للسقف البيت: سماء. [1]
أما عن إمساك الله Y للسماء أن تقع، فكل لغة فيها الحقيقة وفيها المجاز. والتعبير على المجاز. فإن السماء شبه سقف البيت، والمانع للسقف من السقوط على الحقيقة هو الأعمدة، وعلى المجاز هو الله Y؛ لأن كل شيء بقدرته. ولذلك نظير في كتابهم المقدس: " بالكسل يهبط السقف ". و في ترجمة أخرى: " من جراء الكسل ينهار السقف. وبتراخي اليدين يسقط البيت " [سفر الجامعة 10/ 18] يريد أن يقول: إن الكسل يؤدي إلى الفقر، والفقر يؤدي إلى خراب البيوت.
وعبَّر عن الخراب بانهيار السقف. والسقف لا ينهار بالكسل، وإنما بهدّ الأعمدة التي تحمله. و في سفر الرؤية 8/10: " فسقط من السماء كوكب " كيف يسقط كوكب من السماء بغير إرادة الله ؟ ونسبوا إلى المسيح قوله: إن العصفور لا يقع إلى الأرض إلا بإرادة الله Y: " أما يباع عصفوران بفَلْس واحد. ومع ذلك لا يقع واحد منهما إلى الأرض خفية عن أبيكم " [متى 10: 29].
أما حقيقة الإمساك في الآية الكريمة، فقد بينها الدكتور زغلول النجار بقوله:
" إن أقرب أجرام السماء إلينا هو القمر الذي يبعد عنا في المتوسط بمسافة (383942 كيلومترا ً), وتقدر كتلته بنحو سبعين مليون مليون مليون طن , ويدور في مدار حول الأرض يقدر طوله بنحو 2.4 مليون كيلومتر بسرعة متوسطة تقدر بنحو كيلومتر واحد في الثانية , وهي نفس سرعة دورانه حول محوره ؛ ولذلك يُرى منه وجه واحد لأهل الأرض .
ومدار القمر حول الأرض ـ وكذلك مدار الأرض حول الشمس ـ بيضاوي الشكل (أي أنه على شكل قطع ناقص ), ومن قوانين الحركة في المدار البيضاوي (أو مدار القطع الناقص ) أن السرعة المحيطية فيه تخضع لقانون تكافؤ المساحات مع الزمن . وهذا القانون يقتضي باختلاف مقدار السرعة على طول المحيط , فتزداد نسبياً بالاقتراب النسبي من الأرض , وتزداد بزيادتها قوة الطرد المركزي , على القمر فتدفعه بعيداً عن الأرض , وإلا اصطدم القمر بالأرض فدمرها ودمرته .(6/191)
وتقل السرعة المحيطية للقمر كلما بعد نسبياً عن الأرض , فتقل القوة الطاردة المركزية على القمر لئلا يخرج عن نطاق جاذبية الأرض , فينطلق إلى فسحة السماء أو تبتلعه الشمس , وأعلى مقدار لسرعة سبح القمر في مداره حول الأرض يقدر بما قيمته 3888 كيلومتراً في الساعة . وأقل مقدار لتك السرعة يقدر بنحو 3483 كيلومتراً في الساعة , وهذا يجعل السرعة المتوسطة لسبح القمر في مداره حول الأرض تقدر بنحو 3675 كيلومتراً في الساعة .
ونفس القانون (قانون الجري في القطع الناقص ) ينطبق على سبح الأرض حول الشمس , وسبح باقي أجرام السماء كل في مداره حول الجرم الأكبر , أو التجمع الأكبر .
ويؤكد علماء الفلك أن أبعد كواكب مجموعتنا الشمسية يبعد عن الشمس بمسافة متوسطة تقدر بنحو ستة آلاف مليون كيلومتر , وأن مجرتنا تحوي قرابة تريليون نجم .
كذلك يحصي علماء الفلك، أن بالجزء المدرك من الكون أكثر من مائتي بليون مجرة تتفاوت في أشكالها , وأحجامها , وكتلها , وسرعة دوران كل منها حول محورها , وسرعة جريها في مدارها ; وسرعة تباعدها عنا وعن بعضها , كما تتباين في أعداد نجومها , وفي مراحل تطور تلك النجوم ; فمن المجرات: البيضاوي, والحلزوني , وغير ذلك من الأشكال , ومنها المجرات العملاقة التي يصل قطر الواحدة منها إلى (750 ألف سنة ضوئية ), وتصل كتلتها إلى تريليون مرة قدر كتلة الشمس , ومنها المجرات القزمة التي لا يكاد يتعدى طول قطرها (3.200 سنة ضوئية ), ولا تكاد كتلتها تتعدي مليون مرة قدر كتلة الشمس . وتقدر كتلة مجرتنا (سكة التبانة أو درب اللبانة أو الطريق اللبني ) بنحو (230 بليون ) مرة قدر كتلة شمسنا (المقدرة بنحو ألفي مليون مليون مليون مليون طن ).
وتتجمع المجرات في وحدات تضم العشرات منها تعرف باسم المجموعات المحلية , وتتجمع تلك في وحدات أكبر تضم المئات إلى عشرات الآلاف من المجرات وتعرف باسم التجمعات المجرية , وتلتقي هذه في تجمعات أكبر تعرف باسم المجموعات المحلية العظمى التي تلتقي بدورها في التجمعات المجرية العظمى , ثم تجمعات التجمعات المجرية العظمى , إلى نهاية لا يعلمها إلا الله .
وفي كل الأحوال يدور الصغير حول الكبير في مدار بيضاوي على هيئة قطع ناقص , تحكمه في ذلك قوانين الحركة في مثل هذا المدار .
والتجمع المجري الأعظم الذي تنتمي إليه مجرتنا يضم مائة من التجمعات المجرية ينتظمها قرص يبلغ قطره مائة مليون من السنين الضوئية وسمكه عشر ذلك (وهي نفس أبعاد مجرتنا مضروبا في ألف ).
وفي أيامنا هذه تدرس السماء الدنيا في شرائح تقدر أبعادها بنحو (150 مليون ×100 مليون × 15 مليون من السنين الضوئية ), ووصل أضخمها إلى 250 مليون سنة ضوئية في الطول , وقد أطلق عليه اسم الحائط العظيم . وهذه الأعداد المذهلة مما قد علمنا من أجرام الجزء المدرك من السماء الدنيا لاتمثل إلا نحو 10% من مجموع كتلة ذلك الجزء المدرك , وهي ممسوكة بشدة إلى بعضها , وإلا لزالت , وانهارت.
وبهذا يكون تفسير الآية الكريمة.
وقد تمكنت العلوم المكتسبة من التعرف على عدد من القوي التي تمسك بأجرام السماء على النحو التالي :
(1) قوة الجاذبية : وهي أضعف القوى المعروفة ـ على المدى القصير ـ ولكن نظراً لطبيعتها التراكمية، فإنها تتزايد باستمرار على المسافات الطويلة، حتى تصبح القوة الرابطة لكل أجزاء السماوات والأرض بإرادة الخالق Y حيث تمسك بمختلف أجرام السماء الدنيا على الأقل , وتجمعاتها من الكواكب وأقمارها , والنجوم وتوابعها , وتجمعاتها على كل المستويات إلى نهاية لا يعلمها إلا الله , ولولا هذا الرباط المحكم الذي أوجده الخالق Yلانفرط عقد الكون .
ويفترض وجود قوة الجاذبية على هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد واقترح لها اسم الجسيم الجاذب , أو الجرافيتون الذي يعتقد بأنه يتحرك بسرعة الضوء , ليربط بين مختلف أجزاء الكون حسب قانون محكم دقيق تزداد فيه قوة الجاذبية بزيادة الكتلة للجرمين المتجاذبين , وتتناقص بزيادة المسافة الفاصلة بينهما وقد لعبت الجاذبية دورا مهما في تكثيف الدخان الكوني الذي نشأ عن واقعة الانفجار العظيم . على هيئة كل صور المادة الموجودة في السماء الدنيا (على أقل تقدير ) كما لعبت ولا تزال تلعب دورا مهما في إمساك الأرض بغلافيها الغازي والمائي , وبكل صور الحياة والهيئات الصخرية من فوقها .
(2) القوة النووية الشديدة : وهي القوة التي تقوم بربط الجسيمات الأولية للمادة في داخل نواة الذرة , والتي تعمل على التحام نوى الذرات الخفيفة مع بعضها لتكون سلاسل من نوي الذرات الأثقل في عمليات الاندماج النووي ; وهي أشد أنواع القوي المعروفة لنا على الأبعاد المتناهية الصغر , ولكنها تضعف باستمرار عبر المسافات الطويلة , وعلى ذلك فدورها يكاد يكون محصوراً في داخل نوى الذرات , وبين تلك النوى ومثيلاتها . وتحمل هذه القوة على جسيمات تسمي باسم القوة اللاحمة أو الجليون .(6/192)
(3) القوة الذرية الضعيفة : وتحمل على جسيمات تسمي باسم اليوزونات وهي إما سالبة أو عديمة الشحنة , وتربط الاليكترونات الدائرة في فلك النواة , وهي لضعفها تؤدي إلى تفكك تلك الجسيمات الأولية للمادة كما يحدث في تحلل العناصر المشعة .
(4) القوة الكهرومغناطيسية : وتحمل على هيئة فوتونات الطاقة أو ما يعرف باسم الكم الضوئي , وهذه الفوتونات تنطلق بسرعة الضوء لتؤثر على جميع الجسيمات التي تحمل شحنات كهربائية , ومن ثم فهي تؤدي إلى تكون الإشعاع الكهرومغناطيسي وتؤثر في جميع التفاعلات الكيميائية .
وكما تم توحيد قوتي الكهرباء والمغناطيسية في قوة واحدة , يحاول العلماء جمع هذه القوة مع القوة الذرية الضعيفة , فيما يعرف باسم القوة الكهربائية الضعيفة لأنه لا يمكن فصل هاتين القوتين في درجات الحرارة العليا . وفي نظريات التوحيد الكبرى يحاول عدد من العلماء جمع القوة الكهربائية الضعيفة مع القوة النووية الشديدة في قوة كبري واحدة ; بل ضم تلك القوة الكبرى مع قوة الجاذبية فيما يسمي باسم الجاذبية العظمي التي تربط كل صور المادة في الكون اليوم , والتي يعتقد أنها كانت القوة الوحيدة السائدة في درجات الجرارة العليا عند بدء خلق الكون , ثم تمايزت إلى القوي الأربع المعروفة لنا اليوم والتي تعتبر وجوها أربعة لتلك القوة الكونية الواحدة التي تشهد لله Yبالوحدانية المطلقة فوق كل خلقه , ومن هنا ظهرت نظرية الخيوط فائقة الدقة التي تفترض تكون اللبنات الأساسية للمادة من خيوط فائقة الدقة تلتف حول ذواتها فتبدو كما لو كانت نقاطا متناهية الضآلة في الحجم مشابهة بذلك شريط الحمض النووي في داخل نواة الخلية الحية الذي يتكدس على ذاته في حيز لا يزيد على الواحد من مليون من الملليمتر المكعب ولكنه إذا فرد يبلغ طوله قرابة المترين , يضمان 18.6 بليون قاعدة كيميائية في ترتيب غاية في الإحكام وغاية في الإتقان , وتقترح نظرية الخيوط فائقة الدقة , وجود مادة خفية تتعامل مع المادة الظاهرة بواسطة قوة الجاذبية .
وهنا تتضح روعة النص القرآني المعجز الذي نحن بصدده , والنصوص الأخرى المشابهة له في التعبير عن العديد من الحقائق العلمية التي لم يصل إليها إدراك الإنسان إلا بعد مجاهدة استغرقت آلاف العلماء , وعشرات العقود حتى وصلوا إلى إدراك شيء منها في السنوات المتأخرة من القرن العشرين ". انتهى
عبّر القرآن الكريم عن قوى التجاذب بين الشمس والأرض ـ التي لولاها لخرجت الأرض عن مساراتها وانحرفت داخل غياهب الكون فتنخفض حرارتها وتنعدم الحياة عليها ـ بالعَمَد غير المرئية.
------------
[1]انظر: لسان العرب، ابن منظور 14/398. وفيه: " كل ما علا وارتفع يُقال له: سما يسمو ".
==============
الفرقان الحق فضيحة العصر
بقلم : د.إبراهيم عوض
ibrahim_awad9@yahoo.com
كلمة سريعة
فى الصفحات التالية دراسة وتفنيد لما يسمَّى بـ " الفرقان الحق " ، وهو عبارة عن مجموعة من السُّوَر تتجاوز الخمسين لفَّقَتْها ، فى الفترة الأخيرة على غرار القرآن الكريم ، بعضُ الجهات التبشيرية المتعاونة مع الصهيونية العالمية بتخطيط أمريكى بغية أن تحلّ مع الأيام فى نفوس المسلمين محل القرآن المجيد. وفى هذه السُّوَر هجومٌ كله إقذاع وفُحْش على سيد الأنبياء والمرسلين ، واتهامٌ بذىء بالكفر والضلال والنفاق له عليه الصلاة والسلام ، وتسفيهٌ لكل شىء جاء به الإسلام من توحيدٍ ونعيمٍ أُخْرَوِىّ وصلاةٍ وصيامٍ وحجٍّ وجهادٍ وطهارةٍ وتشريعاتٍ أسريةٍ … ، وادِّعاءٌ بأن كتاب الله إنما هو وحىُ شيطانٍ إلى شيطان ، وتمجيدٌ للتثليث النصرانى ومداعبةٌ من طَرْفٍ خفى لليهود …
وقد نبَّه عدد من الصحف العربية مؤخرا لهذا الكتاب ، وقدَّم بعضُها عرضًا سريعا له أبرز فيه الغايات التى يهدف ملفقوه إليها. لكن ْ لم يصل إلى علمى أن أحدًا قد حاول أن يدرس دراسةً تحليليةً هذه السُّوَر التى يقدمها ملفقوها إلى القراء بوصفها وحيا إلهيا ، وهذا ما حَفَزنى للقيام بهذه المهمة تبصرةً للأمة بالأخطار التى تتهدد عقيدتها كى تكون على حذرٍ مما يُخَطَّط لها وتأهُّبٍ يقظٍ لما يمكن أن تتمخض عنه الأيام من مصائب ومؤامرات .(6/193)
وقد استبان لى بعد الدراسة التى قمت بها لتلك النصوص أن أصحابها لم يكونوا بالذكاء الذى تتطلبه مثل هذه المؤامرة ، إذ إن الثقوب فيها كثيرة وشنيعة . وهذا من شأنه أن يؤكد لنا أن الأعداء ، رغم تفوقهم العلمى والاقتصادى والعسكرى ، ليسوا معصومين بل كثيرا ما يقعون فى الأخطاء المضحكة ، وأننا نستطيع أن نضع أيدينا على جوانب ضعفهم وأن نستفيد منها ونحوِّلها إلى نقاط قوة لنا لو صحَّتْ منّا العزيمة وتسلَّحنا بالإخلاص والدأب والصبر والإيمان بالله والثقة بأنفسنا والغيرة على حاضر أمتنا ومستقبلها… كما يؤكد أيضا أن دين الله لا يمكن أن يغلبه غالب مهما تآمر المتآمرون ومهما خطّطوا ومهما رصدوا الإمكانات والجهود . بيد أن هذا لا يعنى أن نغطّ فى نوم عميق ونَنْكِل عن أداء الواجب المَنُوط بنا ، وإلا وَكَلَنا الله للذلة والمهانة واستبدل بنا قومًا غيرنا للتشرف بحفظ دينه والعمل بما فيه من خيرٍ كفيلٍ بإبلاغ من يحرص عليه إلى قمم الذُّرَى العوالى فى القوة والتحضر !
فضيحة العصر - قرآن أمريكى ملفق
قرأت فى بعض الصحف العربية بأُخَرة عن ظهور كتاب بعنوان " الفرقان الحق " يهاجم القرآنَ هجوما شرسا، ويسبّ الرسولَ عليه السلام وأتباعَه أجمعين ، وعلى رأسهم الصحابة الكرام ، مع أن رقبةَ أىّ عِلْج من هؤلاء الذين لفقوا الكتاب لا تساوى قُلامةَ ظُفْر مما يطيِّره المقص من أظافر أرجلهم . وجاء فى بعض ما قرأناه من مقالات عن هذا الموضوع أن جهات تبشيرية وصهيونية محترقة تشرف عليها بعض الدوائر الأمريكية وراء هذا العمل الذى يجسد التعاون الوثيق بين هاتين الجهتين الحاقدتين على سيد الأنبياء عليه السلام والتوحيد النقى الذى جاء به فقَشَع العقائد الوثنية للهمجيين المغرمين بدماء البشر وتقريبها لأربابهم المتوحشين ، وكذلك العُنْجُهيّات القبلية اليهودية التى سوَّلَتْ لبنى إسرائيل ولا تزال أن الله ليس إلا ربًّا خاصًّا بهم دون سائر البشر . وكدَيْدَنِى فى مثل هذه الأحوال أخذتُ أسأل هنا وههنا عن السبيل إلى الحصول على نسخة من ذلك الكتاب كى أفهم الموضوع من مصدره الأصلى ، حتى ألهمنى الله أن أبحث عنه فى المِشْباك ( النِّتْ ) حيث وجدته فى موقع تابع لمركز تبشيرى اسمه : " ACDL ".
قلت لنفسى : أقرأ كى ألم بالموضوع قبل أن أكتب عنه حسبما اقترح علىّ بعض من يُولُوننى ظنهم الحَسَن ممن يعرفون اهتماماتى بدراسة مثل هذه الكتب والنشرات ، وقرأت فألفيت أصحاب الموقع يعرضونه على أنه وحى سماوى . أُوحِىَ إلى من ؟ لا أحد يعرف ! متى أُوحِى ؟ لا أحد يعرف ! فى أية ظروف أُوحِى ؟ لا أحد يعرف ! كما وجدته يفيض بالبذاءات فى حق رسولنا الطاهر النبيل الذى لم تنجب الأرض نظيره فى العبقرية والحنان والرحمة والفهم للطبيعة البشرية والحنو على ضعفها والرقة للمستضعفين والمكسورين والمحتاجين والتحمس لبناء حياة إنسانية مجيدة يسودها العمل والإنتاج والابتكار والعدل والمساواة دون تشنجات صبيانية عاجزة أو تهويمات خيالية فارغة أو أحقاد مريضة أو ادعاءات فارغة . باختصار : حياة إنسانية تنهض على دعامتين من المثالية والواقعية على نحو لم تعرف البشرية ولن تعرف له مثيلا ! فمحمد صلى الله عليه سلم ، فى هذا الوحى الشيطانى البذىء ، كافر ومنافق وضال مُضِلّ يفتري الكذب على الله وسارقٌ قاتلٌ زان ٍ، ومصيره جهنم هو ومن آمن به ، وبئس المصير ! وأتباعه كَفَرَةٌ منافقون ضالون لصوصٌ قَتَلَةٌ مثله ، وصلاتهم وصيامهم نفاق ما بعده نفاق ، وحجهم وثنية ، وجنتهم جنة الزنى والخنا والفجور ، والوحى القرآنى ليس وحيا إلهيا ، بل هو وحى تنزّلت به الشياطين الكاذبون على شيطان كاذب مثلهم ! ولم يكد الذين وضعوا هذا الكتاب السفيه ونسبوه تدليسا وافتراء إلى الله يتركون شيئا فى الإسلام إلا خصصوا للهجوم الحاقد البذىء السفيه عليه سورة أو أكثر أرادوا أن يحاكوا بها السور القرآنية ، وهيهات ، رغم أن كل شىء فى ذلك الكتاب تقريبا مسروق من القرآن الكريم بطريقة القص واللزق كما سنوضح لاحقا ، فضلا عن أن مصطلح " السورة " نفسه مسروق من كتابنا المجيد . والانطباع الذى يخرج به على الفور من يقرأ هذا الكتاب هو أن ملفِّقيه مجرمون عُتَاة فى السفالة وقلة الأدب وأنهم تربية شوارع ، ولا يمكن أن يكون كلامهم هذا وحيا إلهيا بحال لأن الألوهية لا يمكن أن تنحدر إلى لغة الصِّيَاعة التى لا يحسنها إلا أرباب السجون المارقون وعصابات الحوارى والمآبين .(6/194)
وقبل أن نمضى أبعد من ذلك يحسن أن نعرض على القارئ عينة من هذا الوحى المراحيضى كى يستطيع أن يتابعنا فيما يلى عن بينة . تقول مثلا السطور التى سمَّوْها " سورة الأنبياء " : " باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد * يا أيها الذين كفروا من عبادنا الضالين إنكم لتقولون قولا لَغْوًا ما كان شعرا ولا نثرا ولا قولا سديدا ( المقصود بذلك هو القرآن ) * إنْ هو إلا لغوٌ مردَّدٌ ترديدا * يرغِّب التابعين ترغيبا ويهدد المعرضين تهديدا * حَسُنَ وقعا فى نفوس عبادنا الضالين واستمرأه الجاهلون * سمٌّ فى دسمٍ ولكن أكثرهم لا يشعرون فلا يَبْغُون عنه محيدا * وحذرنا عبادنا المؤمنين من الرسل الأفاكين ( يقصدون سيد الرسل والنبيين ) فمن ثمارهم يُعْرَفون . فهل يُجْنَى من الشوكِ العنبُ أو من الَحسَكِ التين * أقوال يرتعد منها عبادنا المؤمنون هَلَعًا من التقتيل ونفورًا من الغزو وأَنَفًا من جنة الزنى والفجور * فإذا سمعوها اقشعرت أبدانهم فَرَقًا واستعاذوا بنا من الشيطان الرجيم * وما دَخَلَ الجنةَ من كرر الصلاة لغوا وأما الذين عملوا بمشيئتنا فأولئك هم عباده المفلحون لهم مقام فى الملكوت ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون * إن الظن لا يغنى من الحق شيئا. وما السلام كالقتال وليس من يَلْقَى أخاه المؤمن بغصن الزيتون كمن يُشْرِع عليه سيفا فيقتله ذلك أنه من الكافرين * ونسختم بلَغْوكم قول التوراة والإنجيل الحق فألبستم الحق باطلا وافتريتم أقوالا ما أنزلنا بها من سلطان * وانتحل الوسواس الخناس اسمنا ووسوس فى صدور أوليائه بما ألقى فى رُوعهم من بهت وكفر وهم مصدّقوه فكان بعضهم لبعض ظهيرا * وأَمَرَهم بالمعروف مكرًا منه ونهاهم عن الفحشاء والمنكر والبَغْى قَوْلا إفكًا وحلله لهم تحليلا فكان فعلا مفعولا * وأغوى الجاهلين من عبادنا فاتَّبَعوه وأَبَى الجاهلون إلا ضلالا وكُفُورا * وقد صدَّق عليهم إبليس ظنَّه إذ اتبعوه وأما المؤمنون من عبادنا فما كان له عليهم من سلطان فما أغواهم ولا بدَّد لهم شملا فهم بما أنزلنا موقنون وبحبلنا معتصمون * وما بشرنا بنى إسرائيل برسول يأتى من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن يجدوا له نَسْخا ولا تبديلا إلى يوم يُبْعَثون * ولو بشرناهم لما كذّبوا وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه. فأَنَّى نبشِّر بنى إسرائيل برسول ليس منهم وما لسانه بلسانهم وعندهم موسى والأنبياء والمرسلون وقفَّينا على آثارهم بكلمتنا بالحق المبين * وحذّرْنا عبادنا المؤمنين من رسول أفاك تبيَّنوه من ثمار أفعاله وأقواله وكشفوا إفكه وسحره المبين فهو شيطان رجيم لقوم كافرين " .(6/195)
هذا هو الكلام الذى تفتقت عنه أذهان بل أستاه هؤلاء المآبين ، وزعموا كفرا أنه وحى من لدن رب العالمين ! على أن لى كلمة فى هذا المقام لا أحب أن تفوتنى ، ألا وهى أن بعض المنتسبين إلى الإسلام يتساءلون فى براءة زائفة : لماذا يصف المسلمون غير المسلمين بأنهم كافرون ؟ ألا يُعَدّ ذلك نفيا للآخر وعدوانا عليه وإهانة له ؟ شُفْ يا أخى الرقة والبراءة ورهافة الشعور التى لا تظهر إلا حين يحاول المسلمون أن يدافعوا بعض دفاع عن دينهم ضد بعض ما يوجَّه لهم ولكتابهم ورسولهم من سباب وشتائم ! وواقع الأمر أن ذلك ليس نفيا للآخر ولا عدوانا عليه ولا إهانة له بحال من الأحوال ، فكل أهل دين يعتقدون أنهم على حق ، وبطبيعة الحال فمن لا يؤمن بدينهم يسمَّى عندهم كافرا دون أن يكون فى هذا افتئات على أحد. ذلك أن هذه هى مصطلحات أصحاب الأديان : مؤمن وكافر ومنافق ... إلخ ، بالضبط مثلما كان الشيوعيون يقولون : تقدمى ورجعى ، وطليعى شريف ورأسمالى متعفن ، ومثلما يقول الحداثيون الآن : التنويرية والظلامية ، والفكر المتحضر والفكر المتخلف ... وهَلُمَّ جَرًّا . وهاهم أولاء مزيِّفو هذه السُّخَامات والسَّخَافات يقولون عن نبينا عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليمات : أفاك وضال وكافر وكذاب وغير ذلك من الشتائم التى وردت فى النص الذى بين أيدينا وفى غيره من النصوص المشابهة الأخرى ، وما خفى مما لا يجرؤون على ترديده على الملإ ويصلنا رغم ذلك بعضُه لهو أشنع وأبشع ! فيا أيها المؤمنون لا يوسوسنّ لكم الشياطين المنتشرون كالوباء بين أظهركم ممن يحملون أسماء مثل أسمائكم ، ولهم سِحَنٌ كسِحَنكم ، ومكتوبٌ فى هويّاتهم الرسمية أنهم مسلمون مثلكم ، بأضاليلهم التى يجهدون بها أن يَحْرِفوكم عن دينكم ويخوفوكم من التمسك بهَدْى نبيكم بشبهة أنه لا ينبغى فى هذا العصر التنويرى الذى يأخذ على عاتقه الدعوة إلى احترام حقوق الآخر أن نسمى هذا الآخر كافرا! ذلك أنهم يسموننا كفرة ، ولن يَرْعَوُوا عن هذا أبدا حتى لو مزّق الله قلوبهم تمزيقا وبدّلهم قلوبا غيرها. إننا لا نحجر على أحد أن يعتقد فينا ما يشاء ، فهذا حقه ، وليس من حقنا ولا من حق غيرنا أن نتدخل فيما بين المرء وضميره أو نعتدى عليه أو نُكْرِهه على ما لا يحب من عقيدة أو رأى ، لكننا أيضا لا نريد من أحد أن يحجر علينا فى الرد على التهم والشتائم التى توجَّه إلى رسولنا العظيم وأن نبين وجه الوقاحة والبذاءة والبطلان والزيف فيها . ترى هل فى هذا الكلام صعوبة تَعْسُر على الفهم ؟ هم أحرار، ونحن أحرار ، وللناس آذان تسمع ، وأذهان تفكر ، وعقول تميّز وتحكم ، ولهم وحدهم الحق فى اتباع هذا أو ذاك مما نقوله نحن أو يقوله الآخرون .(6/196)
وقبل أن ندخل فى تحليل هذا الوحى الشيطانى ونبين ما يقوم عليه ويغَصّ به من تفاهة وقلة عقل وتناقض وتكذيب للكتاب المقدس نفسه الذى زيَّف الشياطين هذا الوحى لتعضيده وإقناع المسلمين بصحته وبطلان الكتاب الذى نزل به الروح الأمين من عند رب العالمين على سيد الأنبياء والمرسلين ، والذى لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه دهر الداهرين ، قبل هذا نرى أنه لا بد من إعطاء القراء الكرام فكرة عن ذلك الوحى المسمى زورا وزيفا بـ " الفرقان الحق " ، وما هو فى الواقع سوى " الضلال المبين " بقَضِّه وقَضِيضه ! إن هذا " الضلال المبين " ( وسيكون هذا هو اسمه هنا من الآن فصاعدا ) يشتمل ، حسبما هو موجود فى الموقع المشار إليه آنفا ، على نحو خمسة وأربعين نصًّا يُطْلَق على الواحد منها " سُورَة " تقليدا مفضوحا للقرآن ، وكل من هذه السُّوَر يتكون من عدد من الآيات يتفاوت ما بين عدد أصابع اليد الواحدة أو أصابع اليدين والقدمين لا يزيد عن ذلك . إلا أننى قد لاحظت أن ترقيم هذه السُّوَر غير متسلسل دائما حتى إن أول سورة ، وهى " سورة المحبة " ، قد أخذت الرقم ( 2 ) ، كما أن ترقيم السورة الأخيرة ، واسمها " سورة البهتان " ، هو ( 59 ) ، ومعنى ذلك أن هناك فجوة فى بعض الأحيان بين السورة والتى تليها ، فهل ينبغى أن نفهم من هذا أن هناك سُوَرًا ناقصة ؟ لكن لماذا ؟ وما هى هذه السُّوَر ؟ وأين ذهبت ؟ لا أدرى . كذلك يلاحظ أن أسماء طائفة من سور " الضلال المبين " قد أُخِذَتْ من أسماء سور القرآن الكريم ، مثل " النور والنساء والمنافقين والطلاق " . أى أن من افْترَوْا هذا " الضلال المبين " لم يَسْطُوا فقط على نصوص آيات القرآن ليصنعوا منها هذا الترقيع الرقيع بل سَطَوْا على أسماء بعض سوره الكريمة ، وإن كانوا قد نقلوها من محلها الطاهر الشريف إلى ذلك الكنيف ! أما الأسماء الأخرى التى لم يأخذوها من أسماء سور القرآن الكريم فمنها " الأساطير والغرانيق والجنة والمحرّضين والكبائر والرُّعاة والشهادة والإنجيل "، وإن كانت كلها رغم ذلك فى الهجوم على القرآن : ففى " سورة الأساطير " مثلا يزعمون أن القرآن ما هو إلا أساطير الأولين كما كان وثنيو العرب يقولون قبل أن يكذّبوا أنفسهم بأنفسهم ويؤمنوا به ، وفى " سورة الغرانيق " يدّعون أنه كان فى القرآن آيتان تمجدان الغرانيق ، أى اللات والعُزَّى ومَنَاة ، ثم حُذِفتا فيما بعد. أما "سورة الرعاة " فهى هجاء للصحابة والعرب الأوائل الذين حملوا الإسلام إلى العالمين والذين يحاول أولئك اللصوص السُّطَاة أن ينالوا منهم بالقول بأنهم لم يكونوا متحضرين ولا أغنياء بل كانوا مجرد رعاة ، وكأن التلاميذ الذين كانوا يلتفون حول المسيح كانوا من أصحاب القصور ومن خريجى الجامعات ، ولم يكونوا من صيادى السمك والعُرْج والبُرْص والعُمْى والمخلَّعين والممسوسين والعشّارين والخطاة على حسب ما جاء فى الأناجيل نفسها ! إننا بطبيعة الحال لا نبغى أن ننال من الفقراء والمساكين والمسحوقين ، فنحن لسنا من أغنياء القوم ولا من السادة ، لكننا أردنا فقط أن ننبه هؤلاء المأفونين إلى مدى السخف والسفالة التى ينساقون إليها فى العدوان على ديننا ورسولنا وصحابته الكرام . وبالمناسبة فلم يكن الصحابة جميعا من الرعاة ، بل كان فيهم التجار والزراع والصناع والعلماء والقادة العسكريون ، وكان منهم الأفراد العاديون والرؤساء ، وكان منهم العرب وغير العرب ، كما كان فيهم كثير ممن كانوا هودا أو نصارى ثم أسلموا... وهكذا يستمر هؤلاء الأفاكون المجرمون إلى آخر السُّوَر الشيطانية المفتراة كذبًا على الله .(6/197)
وأول ما ينبغى التصدى له فى هذا الوحى الإبليسىّ هو المشاكل الغبية غباء مزيِّفيه التى لا يمكن العثور على مخرج من أىٍّ منها ، بل كلما حاول مخترعوه التخلص من بعض ما جرَّتْهم إليه وجدوا أنفسهم يزدادون تورطا ، شأن البقرة الغبية التى تحاول الانعتاق من الحبل الملتف حول رقبتها ، لكنها بدلا من ذلك تدور فى الاتجاه المعاكس فتجده قد ازداد التفافا حتى خنقها وأودى بحياتها. فكيف كان ذلك ؟ المعروف أولا أن النصارى لا يؤمنون بنبىٍّ بعد المسيح لأنهم يَرَوْن أنه قد أنهى فصول المأساة البشرية بموته على الصليب وتكفيره من ثَمَّ عن الخطيئة البشرية الأولى ، وأنه لم يعد هناك مجال لأى شىء إلا لمجيئه فى آخر الزمان ، هذا المجىء الذى سيكون بداية لألفيَّةٍ سعيدةٍ يعيش فيها الناس فى هناءة وسلام ، فلا خصومات ولا عداوات حتى ولا بين الحيوانات العجماوات ، حتى إن الذئب والحمل ، كما يقال ، سوف تقوم بينهما صداقة ومودة فيلعبان معا ويأكلان معا فى غاية الانسجام والتفاهم ! أما اليهود فهم أصلا فى انتظار المسيح الأول لا يزالون لأنهم لا يؤمنون بأن عيسى بن مريم هو المسيح الذى أتى ذكره فى كتبهم . وهذا الكتاب الذى نحن بصدده ليس هو الكتاب الذى ينتظره اليهود مع مسيحهم المنتظر ، فهم يريدون مسيحا من بيت داود يعيد إليهم مجدهم ويبنى لهم مملكتهم ، أما كتاب " الضلال المبين " فلا يؤدى إلى هذه الغاية على الإطلاق ولا نعرف له صاحبا ، فهو كطفل السِّفَاح الذى لا تجرؤ أمه العاهرة أن تُقِرّ به وتنسبه إلى نفسها . كذلك لا يخفى على القارئ أن غرض كل من الفريقين اللذين اشتركا فى تزييف هذا " البهتان الباطل " يتناقض مع غرض الفريق الآخر . وهكذا يأبى الله العلىّ العظيم إلا أن يوقعهم فى شر أعمالهم . وهذه أولى بركات محمد ودين محمد! وعلى كل حال فها هم أولاء المؤلفون الأغبياء يكذّبون أنفسهم بأنفسهم إذ يعلنون بملء أفواههم فى القىء المنتن الذى وَسَمُوه بـ " سورة الأنبياء " ( ومن أفواههم النجسة ندينهم ) قائلين على لسان رب العزة إننا "ما بشَّرْنا بنى إسرائيل برسول يأتى من بعد كلمتنا وما عساه أن يقول بعد أن قلنا كلمة الحق من بعدى وأنزلنا سنة الكمال وبشرنا الناس كافة بدين الحق ولن يجدوا له نَسْخا ولا تبديلا إلى يوم يُبْعَثون " . إذن فليس هناك نبى يمكن أن يجىء بعد عيسى عندهم ، وإلا للزمهم أن يؤمنوا بمحمد ، الذى زعموا أنه لم تأت به أية بشارة لا فى التوراة ولا فى الإنجيل . ليس هذا فحسب ، بل إن كلمة " الفرقان" نفسها مسروقة من القرآن ، لأن كتابهم المقدس بعهديه العتيق والجديد لم ترد فيه هذه الكلمة ، وإلا لذكرها " فهرس الموضوعات الكتابية " . فكيف إذن يزعمون أن الله قد أنزل هذا الوحى مع أنه لم يأت به نبى ، إذ الوحى لا ينزل هكذا من السماء على غير أحد ، اللهم إلا على سُنّة أنبياء آخر زمن من صنف أولئك الأساقفة الذين شرعت أمريكا أم التقاليع والغرائب ترسِّمهم من اللُّوطِيِّين !
لكن ما هى سُنّة أنبياء آخر زمن هؤلاء ؟ هى سنّة المومس التى تحمل سفاحا ( والمومس لا تحمل بالطبع إلا سفاحا ) ، ولا تريد أن يطّلع الناس على ورطتها وخزيها ، فعندما يَئِين الأوان ويحلّ موعد الوضع تراها تلف الطفل المسكين الذى لا ذنب له فيما اقترفته يدها الأثيمة فى خرقة وتأتى به فى ظلام الليل الدامس إلى باب معبد من المعابد فتتركه هناك أو تلقيه قرب أحد صناديق القمامة ، ثم تنصرف وترقب الموقف من بعيد دون أن يعرف أحد أنها هى صاحبة هذا العار ! إنه شُغْل مومسات كما أقول فى بعض كتبى التى أرد فيها على أمثال هؤلاء النُّغُول ! إن الأنبياء كانوا دائما ما يأتون فى ضحوة النهار ولا يستترون هكذا فى ألفاف الظلمات المتراكبة المتكاثفة المريبة شأن محترفى اللصوص والقتلة الذين يَلْبِدُون للفريسة المسكينة فى حقل من حقول القصب أو الذرة حتى يأخذوها غيلة وغدرا ، ثم بعد أن يرتكبوا جريمتهم الوحشية الخسيسة يعودون لبيوتهم فيمارسون حياتهم لا تُثْقِل ضمائرَهم أيّةٌ من خوالج الندم ، إذ قد ماتت قلوبهم وسَوّسَتْ ضمائرهم. ثم إن الوحى الذى ينزل على الأنبياء لا ينزل دفعة واحدة هكذا بل يتتابع مصاحبا للحوادث والمناسبات التى تجدّ ، مما يجعله تجسيدا للتجارب التى خاضها النبى مع قومه ، أما هذا " الضلال " فقد صيغ مرة واحدة ثم لُفَّ فى خرقة قذرة نجسة وأُلْقِىَ به عند صندوق قمامة فى سكون الليل البهيم مع انقطاع رِجْل السابلة .(6/198)
ثم إن ذلك الرِّجْس مخالف فى الواقع لطريقة أهل الكتاب فى تسمية كثير من أسفارهم باسم الأنبياء الذين تُعْزَى إليهم : فهذا سِفْر يشوع ، وهذا نشيد الأناشيد لسليمان ، وهذه نبوة أَشَعْيا ، وهذا إنجيل متى ، وهذه رسالة القديس يعقوب ، وهذه رؤيا القديس يوحنا... وهكذا. وعلى ذلك فإننا نتساءل : أين النبى الذى أتى بهذا الضلال ؟ ما اسمه يا ترى ؟ من أى بلد جاء؟ إلى أى أسرة ينتمى ؟ ما صنعته ؟ ما سيرته ؟ ما أوصافه ؟ ما أخلاقه ؟ ما رأى الناس فيه ؟ ما الذى دار بينه وبين قومه من أخذ ورد ؟ ماذا كانت استجابتهم لما أتاهم به أولا ثم آخرا ؟ ... ترى أية نبوة هذه يا إلهى ؟ إن القوم لا يحسنون التدليس ، وهم برغم ذلك يتصدَّوْن لحرب القرآن ظانّين أنهم قادرون على محوه من النفوس والصحائف على السواء ! يا لهم من مجانين مسعورين ! وللتفكُّه أذكر أن بعض إخواننا الساخرين أجاب على سؤالى الخاص بشخصية هذا النبى المزعوم قائلا : أتريد أن تعرف مَنْ ذلك النبى ؟ قلت : نعم . قال : ولم لا يكون هو الابن الثانى لله ؟ قلت : لقد قالوا إنه ليس له إلا ابن وحيد مات على الصليب . قال : هذا كان من ألفى سنة . أتظن ذلك الإله لم تشتقْ نفسه للذرية مرة ثانية طوال هذه المدة فأراد أن ينجب ابنا آخر ؟ أم تراه ، حتى لو كان قد حدَّد النسل ، واتخذ الاحتياطات اللازمة لعدم الإنجاب ، لم يحدث أن اخترق طفل جديد هذا الحظر وأفسد تلك الاحتياطات كما يحدث لكثير منا فى مثل هذه الظروف ؟ قلت : وهل يصح أن تقيس الآلهة على أوضاع البشر ؟ قال : لست أنا الذى قاسهم ، بل إلههم هو الذى فعل ذلك . أليس هو الذى أنجب مثلما ننجب ؟ فما الذى يمنع أن يكون له ولد ثان وثالث ورابع ... إلى ماشاء الله ؟ إلى جانب بعض البنات أيضا إرضاءً للسِّتّ التى لا بد أن تتطلع إلى أن يكون لها بنت أو أكثر كى يساعدنها فى أعمال المنزل ... ومضى الصديق الساخر كلما حاولت أن أغلق عليه السبيل فتح بدل الباب أبوابا، حتى وجدت أنه لا بد من غلق هذا الحوار الذى لا يؤذِن بنهاية .
ثم إن أولئك النُّغُول يرددون ما جاء فى كتابنا العزيز من أنه ما من نبى أُرْسِل إلا بلسان قومه ، فما معنى نزول هذا " الضلال المبين " بالعربية ، بل بالعربية المسجوعة ؟ معناه أنه نزل للعرب ، لأنهم هم الذين يتكلمون العربية . أليس هذا هو ما تقتضيه العبارة التى قالها النغول والتى سرقوها بنصها من القرآن المجيد ووضعوها فى هذا الموضع الدنس ؟ بَيْدَ أننا قد سمعناهم يقولون بلسانهم ( الذى ستقطعه زبانية الجحيم يوم القيامة إن شاء الله ثم تشويه أمام أعينهم وتحشره فى حلوقهم طعامًا نجسًا لأفواهٍ نجسة ) إن النبوة لا تكون إلا فى بنى إسرائيل ، فليس للعرب فيها إذن أى نصيب ( حقدا منهم على إسماعيل وأمه هاجر ، التى يقولون إنها أَمَة ، وابن الأمَة لا نصيب له عندهم فى البركة النبوية ). وبطبيعة الحال فالعرب لا يمكن أن يكونوا قوم نبىّ من بنى إسرائيل ، إذ إن بنى إسرائيل هم ذرية يعقوب ، أما العرب فهم ذرية إسماعيل كما هو معروف . وهذا إن غضضنا الطرف عن تأكيدهم أن باب النبوة مغلق إلى ما قبل يوم القيامة حسب اعتقاد النصارى، ، وإلى مجىء مسيح اليهود حسب اعتقاد بنى إسرائيل ، وهو فى الواقع ما لا يمكن غض الطرف عنه أبدا ، لكنها طبيعة الجدل المفحم التى أتبعها عادة مع هؤلاء المتاعيس حتى أبين للقارئ الكريم كيف أن الأسداد قد ضُرِبَت عليهم أَنَّى اتجهوا وأَنَّى ارتدُّوا . وهذه ثانية بركات محمد ودين محمد !(6/199)
وثالثة هذه البركات المحمدية أن هؤلاء الأبالسة الأغبياء ( وهذه أول مرة يقابل الواحد فى حياته أبالسة أغبياء! لكن ما العمل ، وكل من يقصد دين محمد بِشَرٍّ فإنه لا يُفْلِح أبدا حتى لو كان أبا الأبالسة جميعا ؟ ) ، هؤلاء الأغبياء يَسْطُون على آيات القرآن فى مفارقة غريبة غرابةَ أمرِهم كله وشذوذه ، إذ يتهمونه بأنه وسوسة شيطان إلى شيطان . فإذا كان الأمر كما يقولون فكيف لم يجدوا فى الأرض العريضة كلها ( ولا أقول : فى السماء ، لأن مثل هذا الإجرام لا يمكن أن تصله بالسماء أية آصرة ) إلا هذا الوحى المحمدى الذى يزعمون أنه وحى شيطانى كى يتخذوه وحيا لهم ؟ بالله عليكم أيها القراء مَنِ الشيطانُ هنا ؟ إن المؤمن لينفر من الشيطان ومن كل ما له صلة بالشيطان ولا يفكر مجرد تفكير فى الاقتراب منه أو المرور من الطريق الذى يمكن أن يلقاه فيه . لكن هؤلاء الأبالسة الأغبياء لم يجدوا إلا الوحى القرآنى ليسرقوه ويدّعوه لأنفسهم زاعمين أنه أُنْزِل عليهم من السماء ، مع أن السماء لا يمكن أن ترضى هذا العمل الخسيس . والغريب أن عملهم هذا يزعق بعلوّ حسّه شاهدا عليهم بالسرقة والسطو ، ولكن متى كان لدى هؤلاء المجرمين حياء أو خشية من التى يتحلى بها الآدميون حتى ننتظر منهم أن يستحوا أو يختشوا ؟ إنهم من نفس الطينة التى جُبِل منها أمثالهم سارقو فلسطين والعراق وأفغانستان فى عز الظهر الأحمر ، الذين يزعمون مع ذلك أننا نحن الذين نريد أن نقتلهم وندمر حضارتهم ! والمصيبة أنهم بعد ذلك كله يقولون إن هذا " الضلال المبين " هو من عند الله ، أى أن ربهم لص وكذاب متنفِّج ، وأدنى من الشيطان قدرة على صياغة الكلام والمعانى ، ولذلك يسطو على ما كان هذا الشيطان قد أوحاه ، حسب زعمهم ، إلى محمد ثم يدّعيه لنفسه . ثم إنه مُلْقِيه رغم هذا كله فى قعر الجحيم يوم القيامة لقاء ما استعان به ، وذلك على طريقة الأمريكان ، إذ يظلون يعصرون الحاكم من حكام العالم الثالث حتى يستنزفوه لآخر قطرة فيه ثم ينقلبون عليه آخر الأمر ويجزونه جزاء سِنِمّار ! وهذا دليل آخر على أن مزيفى هذا " الضلال " إنما هم الأمريكان ! إنها نفس الأخلاق المنحطة ، وإن كان الشىء من معدنه غير مُسْتَغْرَب !
ولكن ما مغزى عمل هؤلاء الشياطين ؟ إنه دليل لا يُنْقَض على أنهم يَرَوْن فى أعماق قلوبهم أن أسلوب القرآن معجز ، وإن أنكروا هذا بألسنتهم النجسة ، ولذلك استعانوا به رغم اتهامهم للقرآن كله بأنه من وسوسة الشيطان ! وهنا أيضا لن أفعل شيئا آخر غير الاقتباس من كلامهم ، إذ نجدهم فى الفقرة الأولى من " سورة السلام " يدّعون لبهتانهم هذا أنه وحى معجز . إذن فالقرآن معجز فى رأيهم رغم كل الكذب الذى اقترفوه ضد كتاب الله فى نصوصهم المسروقة كلها تقريبا منه ، وهذا نص ما قالوه : " إنا أنزلناه فرقانًا حقًّا بلسانٍ عربىٍّ بيّن الإعجاز لتتبينوا الضلال من الهدى وتعلموا سوء ما كنتم تفعلون " . ترى ما رأى القارئ الكريم فى ألاعيب هؤلاء النغول الخائبة ؟ إن المسلمين يقولون ، حسبما يقرأون فى كتاب ربهم وحسبما أكده العلماء الأثبات منا ومنهم ، إن أهل الكتاب أساتذة فى العبث بالوحى الإلهى الذى نزل على رسلهم وتحريفه عن مواضعه ، لكنهم دائما ما يتهموننا بأننا نردد كلاما غير صحيح . فهل ، بعد أن بيّنّا ما صنعوه فى هذا " الضلال المبين " ، يمكن لأحد أن يتمارى فيما يتهمهم به القرآن والمسلمون ؟ هل يحتاج بعد اليوم أحد إلى برهان آخر على ذلك العبث والتزييف والتدليس والانتحال ؟ والغريب بعد هذا كله أنهم قد زيَّفوا ، فيما زيفوا من سُوَر ٍ، سورةً بعنوان " الأساطير " تقول أول آية منها للمسلمين : " يا أهل التحريف من عبادنا الضالين " ! لا بل إنهم يتهمون الرسول بأنه قد حرّف الإنجيل نفسه ! إى والله ، الإنجيل نفسه دون أدنى مبالغة ! وهذا ما قالوه فى الفقرة الأولى من "سورة الإيمان " بالحرف الواحد : " وحرَّفْتُم آيات الإنجيل الحق وكتمتم كلمتنا واتبعتم صراطا ذا عِوَج وأوهمتم أتباعكم أنكم على صراط مستقيم " . ولا أدرى بالضبط ما الذى جرى لعقول القوم فأقدموا على هذه الهلاوس التى ليس لها من حل إلا أخذ صاحبها على الفور لمستشفى المجانين خَبْطَ لَزْق ! وصدق المثل القائل : "رمتْنى بدائها وانسلَّتِ" ! الحقّ أن هؤلاء الناس ( هذا إذا تجاوزنا وألحقناهم بالبشر ) لا يعرفون ما يسمَّى فى اللغات بـ " الحياء " !(6/200)
على أن سرقتهم لكلمات القرآن وعباراته وتركيباته وصوره وفواصله لا تجعل مع ذلك من " بهتانهم " كلاما معجزا . لماذا ؟ لأنهم يفعلون ما يفعله الخياط الغبى الذى يأتى إلى أفخم الحُلَل والملابس فيقتطع من كل منها مِزْعة ثم يشبك هذه المِزَع بعضها مع بعض . وبطبيعة الحال لن ينتج عن ذلك إلا مرقّعة كمرقّعات الدراويش تبعث على السخرية أو على الرثاء أو عليهما معا! ذلك أن هؤلاء الأوغاد لم ينجحوا قط فى أن يضعوا ما يسرقونه من نصوص القرآن فى مواضعها وسياقاتها ، بل يضعونها فى إطار يختلف عن إطارها الذى نُقِلَت منه ، علاوة على أن أولئك اللصوص لا يحسنون عملية لزق النصوص المسطوّ عليها ، إذ كثيرا ما تأتى متنافرة لا انسجام بينها ، فضلا عن أن الفواصل ( أى نهايات الآيات ) ، التى يسرقونها هى أيضا من القرآن ، لم يتصادف أن جاءت ولو مرة واحدة كما ينبغى أن تأتى الفاصلة الجيدة قارَّةً فى مكانها حاسمةً فى موسيقيتها ومعناها ، بل يشعر القارئ أنهم قد اجتلبوها اجتلابا لا لشىء غير أن يُنْهُوا الآية بسجعة والسلام . كذلك فإنهم إذا أضافوا شيئا من عندهم كما يقع أحيانا لم يجيئوا إلا بكلام ركيك ثقيل الظل وخيم الأنفاس ! والسورة التى أوردتُها فيما مضى من صفحات تشهد على ما أقول . زد على ذلك ما تقوم عليه المسألة كلها من سماجة ليس لها من مثيل ، إذ هم يسطون على القرآن ألفاظا وعبارات وتراكيب وصُوَرا وفواصل وينتحلونه لأنفسهم ثم يستديرون له بعد ذلك كله مُزْرِين عليه زاعمين أنه من وسوسة الشيطان ! فالأمر ، كما تَرَوْنَ ، يجرى على أسلوب " حسنة وأنا سيدك ! " . إنهم أشبه بخادمة لِصَّة دنيئة حقيرة قبيحة سليطة اللسان تسرق من سيدتها بعض ملابسها التى لا تستطيع مع هذا أن ترتديها على ما يقتضيه الذوق الراقى أو حتى الذوق السليم ثم تفتعل مشكلة وتترك العمل عندها ، لتأتى بعد ذلك إلى هذه السيدة نفسها وقد ارتدت ما سرقته منها من ملابس فتختال بها أمام عينيها بُغْية إغاظتها غير واعية بما تثيره فى نفوس الناس المحترمين أهل الذوق الراقى الكريم من تهكم بغبائها وجلافتها ودناءتها فى التصرف واللبس والكلام ، وأنها مهما فعلت واستعرضت وحاولت أن تغيظ سيدتها ليست فى نهاية المطاف غير خادمة لصة حقيرة قبيحة سليطة اللسان ذات ذوقٍ فِجّ متخلف ! ترى هل يفيق هؤلاء اللصوص السفلة إلى مدى الفظاعة التى ارتكسوا فيها حين سرقوا القرآن وانثنَوْا بعد ذلك للمسلمين يشمخون عليهم بفعلتهم الشيطانية ؟ أما أنا فمن معرفتى بهم وبطبائعهم وأساليبهم الساقطة لا أعلّق عليهم أملا ولا أتوقع منهم خيرا ، إذ العاقل لا ينتظر من المرحاض أن يُثْمِر تفاحا وخَوْخا أو أن يُزْهِر وردًا وآسًا ورَيْحَانا !(6/201)
على أن المسألة لم تنته فصولا بعد ، بل ما زال فى جراب الحاوى مفاجآت مضحكة ... مضحكة من الغم لا من السعادة ! تعالَوْا نَرَ مثلا كيف يبدأ اللصوص السارقون معظم سُوَر " ضلالهم المبين ". هل رأيتم أحدا قَطّ يبدأ كلاما جديدا له بواو العطف ؟ إن هذه الواو إنما تعنى أن هناك كلاما سابقا وأن الكلام الحالىّ هو امتداد لفظى ومعنوى له ، وهو ما لا وجود له هنا لأن هذه هى بداية السورة . وهل قبل البداية شىء؟ وعلى رغم وضوح المسألة بل نصاعتها فإن هؤلاء اللصوص لا يراعون هذه البديهية فى عالم النحو والكتابة والأساليب ، فتجدهم يقولون مثلا فى مطلع " سورة الطهر " : " باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد * ودعانا الشيطان ( يقصدون الرسول عليه السلام ) بأسماءٍ قُبْحَى غيّبها بأسماء حسنى مكرًا منه ... إلخ " ، وفى مطلع " سورة الرعاة " نقرأ : " باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد * ومَثَلُ الرسول الصالح كمَثَل راع أورد رعيته وِرْدا طهورا ... " ، وفى" سورة المحرِّضين " نطالع : " باسم الآب الكلمة الروح الإله الواحد الأوحد * ونَهَيْنا عبادنا عن القتل ووصَّيناهم بالرحمة والمحبة والسلام ... " . وعلى نفس الشاكلة تجرى بدايات سُوَر " الإيمان والحق والطهر والزنى والمائدة والمعجزات والضالين والصيام والماكرين والأمّيِّين والصلاة والملوك والهدى " وغيرها . ترى علام يدل هذا ؟ إنه يدل على أن الأمريكان والصهاينة رغم كل تقدمهم العلمىّ والتقنىّ والعسكرىّ والسياسىّ والتخطيطىّ لا يستطيعون أن يحبكوا تآمرهم على القرآن الكريم الذى يُضْرَب بهوان أتباعه وتخلفهم فى العصر الحالىّ الأمثالُ والحكمُ والمواعظ . فعلام يدل هذا مرة أخرى يا ترى ؟ يدل على أنهم فى حربهم للقرآن إنما يحاربون الله ، والله غالب على أمره . ولو كانت حربهم للقرآن حربا لنا نحن العرب والمسلمين لكان القرآن الآن فى خبر " كان " بعد كل تلك الحروب والمعارك الطاحنة التى لم يكفّوا يوما عن شنها عليه طوال الأربعة عشر قرنا الماضية وجنّدوا لها أعتى العقول عندهم من مبشرين ومستشرقين وسياسيين وعسكريين وكل ما يمكن أن يخطر أو لا يخطر على بالك من صنوف العلماء والمتنفذين لديهم . لكن هاهو ذا واحد مثلى لا فى العير ولا فى النفير وليس بين يديه ولا واحد على الألف مما يتصرف فيه أى مستشرقٍ من الكتب والمراجع والمعاجم والموسوعات والدوريات والمعاونين ، هاهو ذا واحد مثلى منقطع عن بلده ومكتبته الخاصة التى كان من الممكن أن تمده على الأقل بالأساسيات التى يحتاجها كـ " فهرس الموضوعات الكتابية " أو " دائرة المعارف الكتابية " أو حتى " الكتاب المقدس " نفسه الذى استغرق الأمر منى وقتا طويلا واتصالات متعددة كى أحصل على نسخة منه ، أما " فهرس الموضوعات الكتابية " فقد كَلَّفْتُ بموافاتى بما أحتاجه منه بعضَ من أعرف فى أرض الكنانة من خلال نظام الرسائل الفورية بالمِشْباك ، الذى لا أعرف منه أكثر مما يعرف الجاهل بالسباحة عندما يقعد على الشط مكتفيا بغمس قدمه فى الماء ثم يقول إنه قد نزل البحر وعام فيه مع العائمين ! أقول : ها هو ذا واحد مثلى فى هذه الظروف الشحيحة وبهذه الإمكانات الشديدة الضآلة يكرّ على هذا " الضلال " فيُظْهِر عوراته وسوآته بكل بساطة وسهولة . والسبب ؟ السبب هو أننى حين أفعل ذلك إنما أدافع عن القرآن ، أى عن قضية موفَّقة مباركة يسندنى فيها ويقينى من العِثار ربُّ القرآن الذى ابتهلتُ إليه أن يسهّل مهمتى فاستجاب بكرم منه وفضل ، وهو سبحانه أهل الكرم والبر والتوفيق . أما الأمريكان والصهاينة ومن لَفَّ لفَّهم وحذا حَذْوَهم فنبشّرهم بخذلان من الله مبين : " إن الذين كفروا يُنْفِقون أَمْوالَهم ليصُدّوا عن سبيل الله ، فسينفقونها ثم تكونُ عليهم حسرةً ثم يُغْلَبون . والذين كفروا إلى جَهَنَّمَ يُحْشَرون * ليَمِيز اللهُ الخبيثَ من الطيّب ويجعلَ الخبيثَ بعضَه على بعضٍ فيَرْكُمَه جميعا فيجعلَه فى جَهَنَّمَ . أولئك هم الخاسرون " . صدق الله العظيم ! إن الإله الذى لا يعرف كيف يصوغ الكلام ولا يدرى أهو فى أوله أم فى وسطه أم فى آخره لهو إلهٌ سكرانُ أو قد أصابه الخَرَف ! نعوذ بالله من الخرف وآلهة الخَرَف ! لقد كنا نسمع بإله الحرب وبإله الفنون وبإله الحب مثلا ، لكن هذه أول مرة نعرف أن هناك إلها للخَرَف ! ومن يَعِشْ يَرَ! إن مثل هذا الإله لو كان يعيش بين قبائل أفريقيا المتوحشة قديما لقتلوه لانتهاء عمره الافتراضى ، وربما أكلوا لحمه أيضا رغم أنه لحمٌ عجوز لا ينضج بسرعة وليس له حلاوة مذاق اللحم العَجَّالى ، لكن الأمريكان والصهاينة لا يتنبهون لهذا الأمر على وضوحه البالغ فيُبْقُون على هذا الإله المضطرب الذاكرة والعقل الذى يوقعهم فى مآزق محرجة ليس لها من مخرج ! ألم أقل لكم إن من يتصدى للقرآن فإن مصيره إلى البوار ، وبئس القرار ؟(6/202)
على أن خيبة هذا الإله لا تقف عند هذا الحد بل تتعداه إلى الوقوع فى الأخطاء اللغوية المزرية! قد يجيبنى بعضهم : وماذا تريد من إله أمريكانى خواجة من أصحاب : " مُشْ فِخِمْتُو يا خبيبى "؟ لكننى أستطيع أن أرد عليهم بأن هذا الإله الخواجة لا بد أنه استعان ببعض العرب فى اختراع هذا الوحى الدنس ، وإلا فهذا دليل آخر على أنه ، رغم كل علمه وقوته وتقدمه ، تفوته أشياء مما تفوت عباد الله اللاأمريكيين كما حدث فى حكاية البلح الأصفر الذى كان لا يزال على شماريخ النخل فى عز الخريف فى صور القبض على صدام حسين الشهيرة . وأما إن كان قد استعان ببعض العرب ، وهو ما أنا موقن منه إيقانا ، فمعناه أن بركة القرآن قد آتت أُكُلَها وسطعت ( كما يسطع العبيرُ وضياءُ الشمس جميعا ) نتائجُها الطيبةُ الطاهرةُ فأفشلت هذا التآمر الخسيس ، وانقلب السحر على الساحر الخائب الموكوس ، رغم كل ما معه من خبث وسلاح وفلوس !(6/203)
وبعد ، فهذه عينة من الأخطاء اللغوية التى سقط فيها سقوطَ الجرادل صاحبُنا الإلهُ الخواجة وأذيالُه من بنى جلدتنا الذين أخجلونا وشمّتوا الدنيا فينا بجهلهم بلغة القرآن المجيد الجديرة بالحب بل بالعشق بل بالوَلَه حتى ممن يكره كتابَها العزيزَ والرسولَ الذى أُنْزِل عليه هذا الكتاب ضياءً وهدًى للعالمين : " وما كان النجسُ والطمثُ والمحيضُ والغائطُ والتيممُ والنكاحُ والهجرُ والضربُ والطلاقُ إلا كومةُ رِكْسٍ لفظها الشيطان بلسانكم " ( الطهر/ 6 )، وصوابها : " كومةَ ركس " بفتح التاء لأنها خبر " كان" ) ، و" كى يَشْهَدهم الناسَ " ( الصلاة / 3 ، بفتح سين " الناس " رغم أنها فاعلٌ حقُّه الرفعُ بالضمة ) ، و" ذلكم هم المنافقون " ( نفس السورة والفقرة ، وهى غلطة لا يمكن أن يقع فيها إلا إله أمريكانى من الذين يقولون : " يا خبيبى ! يا خَبّة إينى " ، أما لو كان رب العالمين هو الذى أنزل هذا الكتاب لقال : " أولئك / أولئكم هم المنافقون " ، إذ إن الكاف التى فى آخر اسم الإشارة لا علاقة لها بالمشار إليه ، الذى هو هنا " الكافرون " ، بل تتغير حسب طبيعة من نخاطبه : إفرادا وتثنية وجمعا وتذكيرا وتأنيثا، أما الذى يتغير حسب تغير المشار إليه فهو اسم الإشارة نفسه . ومادام " المنافقون " جمعا فينبغى استخدام " أولئك " لهم . ترى أَفَهِم الأوباشُ أم نُعِيد الكلام من البداية ؟ ولا بأس عندنا من الإعادة ، ففى التكرار للحمير إفادة ! ) ، و" خلقناكم ذكرا وأنثى يتحدان زوجًا فردا " ( الزواج / 3 ، وهو كلام ركيك من كلام الخواجات ) ، و" الإنتقام " ( الإخاء / 11 ، بهمزة تحت الألف ، وهو خطأ شنيع صحته " الانتقام " دون التلفّظ بالهمزة لأنها همزة وصل لا تُنْطَق ) ، و" وصَّيناكم بألا تَدِنُوا " ( الماكرين / 6 ، يقصد " بألا تدينوا " ، وهذا أيضا كلامٌ خواجاتى ) ، و " سلبتم أقواتِهم " ( الماكرين / 7 ، وهو جهلٌ مُدْقِع أستغرب كيف يقع فيه شيطان ، والشياطين ، رغم شِرّيرِيّتهم ، لا يخطئون مثل هذه الأخطاء البدائية . لكن يبدو أنه من أولئك الشياطين الفاشلين الذين منهم أحمد الشلبى مورّط أمريكا فى العراق . على كل حال فالصواب هو فتح تاء " أقواتَهم " لأنها ليست جمع مؤنث سالما كما يظن الأغبياء بل جمع تكسير ، فلذلك تُنْصَب بالفتحة لا بالكسرة )، و" بإسمنا " ( الماكرين / 15 ، وهى مثل الهمزة فى " الانتقام " لا ينبغى أن تُلْفَظ ) ، و " زَنُوا " ( الماكرين / 17 ، من " الزنى " ، وهو خطأ لا يليق صوابه " زَنَوْا " ) ، و "حضيرة " ( مرتين : الرعاة / 13 ، والمحرّضين / 10 ، والصواب ، كما لا يخفى إلا على جاهل قد طمس الله على عينه وجعل على عقله غشاوة ، هو "حظيرة " ، وهو المكان الذى ينبغى أن يوضَع فيه أمام مذْوَدٍ مملوءٍ تبنًا وبرسيمًا هؤلاء الطَّغَامُ الذين يحاولون بغبائهم أن يطفئوا نور الله بأفواههم النَّتِنَة ) ، و " نقول له : كن ، فيكونَ " ( النسخ / 10 ، بفتح نون " يكون " من غير أى داع ، والواجب ضمّها لأن الفعل المضارع لم يسبقه ناصب من أى نوع ) ، و" أشرك بنا من يشاركنا وِلائِنا لعبادنا " (المشركين / 12 ، بكسر همزة " ولاء " ، وحقها الفتح لأن الكلمة مفعول ثان للفعل " يشاركنا ". وهى ، كما يرى القارئ ، غلطة لا يقع فيها إلا جاهل له فى الجهل تاريخ عريق مؤثَّل ) ، و" مؤمنين منافقين " ( الكبائر / 9 ، ولا أدرى كيف يُوصَف المؤمن بأنه منافق ، اللهم إلا إذا جاز لنا أن نقول : فلان قصير طويل ، وطيب شرير ، وذكى غبى ... إلخ ، أو إلا إذا احتُجَّ علينا بأن قائل هذا هو الله ، الذى لا تُرَد له مشيئة ، فهو لا يُسْأل عما يفعل . لكن فات ذلك المجادلَ الشَّكِسَ أن إرادة الله تعالى لا تتعلق بالمستحيلات وأنها فوق السخافات والسفسطات . أما إذا قبل إنه إله أمريكى يحق له أن يفعل أى شىء دون أدنى حرج ، فإننا نبادر بالموافقة ما دام فاعل هذا من ذلك الصنف من الناس الذين وصف رسولنا الكريم واحدا منهم قديما بـ " الأحمق المطاع " ) ، و" وزعمتم أنكم آمنتم بالكتاب وبأهل الكتاب الذين هادوا والنصارى " ( الكبائر / 9 ، والمخاطَبون هنا هم المسلمون . وفى الكلام ركاكة لا يمكن بلعها ولا هضمها، علاوة على أن المسلمين لا يقولون أبدا إنهم آمنوا باليهود والنصارى ، إذ ليس اليهود والنصارى كتابا سماويا ولا نبيا من الأنبياء حتى يكونوا موضوعا للإيمان ، فضلا عن أننا ، على العكس من ذلك ، نؤمن بأنهم حرّفوا كتبهم وعبثوا بها وأنهم ما زالوا مقيمين على العبث والتحريف حتى هذه اللحظة باختراعهم هذا " الضلال المبين " وزَعْمهم أنه كتاب من عند رب العالمين ، ناسين أن الكتب السماوية لا تنزل على أهل الأُبْنَة اللوطيين ، حتى لو رأت أمريكا أن ترسّمهم أساقفةً وقِسّيسِين ) ، و " إنْ هو ( أى القرآن ) إلا خير شِرْعة أُخْرِجَت للكافرين " ( البهتان / 9 ، وهو وحىٌ حلمنتيشىٌّ خَدِيجٌ لا رأس له ولا(6/204)
ذَنَب ، ولا يمكن أن يدور إلا فى اسْت أحد الممرورين المضطربين . لا شفاه الله من دائه بل أخزاه وجعله عبرة لغيره من الكافرين المخبولين ! آمين يا رب العالمين . ومن الواضح أن الجهلاء يريدون أن يقولوا إنه " شرّ شرعةٍ أُخْرِجت للكافرين " ).
وكما ثبت أن الإله الذى أوحى بهذا " الضلال المبين " هو إله جاهل باللغة التى لفَّق بها كتابه ، فسأثبت للقراء الآن أنه إله جاهل أيضا بالكتب التى يقول إنه أوحى بها قبل هذا ، وأنه إله لا منطق عنده ولا عقل ، وأنه نسّاء كذلك ، إذ لا يستطيع أن يتذكر ما جاء فى القرآن الكريم فينقل الآيات التى فيه خطأً ، مع أنه ، كما قيل لى ، كان يفتح المصحف وهو يفعل ذلك . فهل نقول إنه لا يعرف الكتابة والقراءة جيدا ؟ أم هل نقول إنه يستعين بمن يقرأون له ، لكنهم للأسف يستغلون جهله وأميته فيخدعونه ولا يعطونه المعلومات الصحيحة التى يطلبها منهم ؟ يقول بعد البسملة التثليثية فى أول ما يسمّى بـ " سورة الحق " ، والحق منها ومن مزيفيها براء : " وأنزلنا الفرقان الحق نورًا على نور محقًّا للحق ومبطلا للباطل وإن كره المبطلون * ففضح مكر الشيطان الرجيم ولو تنزَّل بوحى مَلَكٍ رحيم " . بالله هل هذا إله يدرى ما يقول ؟ ما معنى أنه سيفضح مكر الشيطان الرجيم حتى لو جاء به ملاك رحيم ؟ تُرَى كيف يمكن أن يأتى بالوحى الشيطانى ملاك رحيم ؟ هل الملائكة تتصرف من تلقاء نفسها ؟ بل هل يمكن أن يقع منها أى عصيان لأوامر الله ؟ ومثلُ ذلك رقاعةً وسخفًا قولُهم فى الفقرة الثانية من " سورة الطهر " : " ولو كنتم أنبياءَ وأُوتيتُم الحكمة واطلَّعتم على الغيب وأتيتم بالمعجزات دون محبة فلا حول لكم ولا منّة وإنما أنتم مفترون ". كيف بالله يمكن أن يكون إنسانٌ ما نبيًّا مؤيَّدًا بالحكمة وعلم الغيب والمعجزات جميعا ثم يرفض الله تعالى أن يعترف به نبيا؟ فمن الذى أرسله إذن وجعله نبيا وأيده بكل هذه المواهب الإعجازية ؟ إن القوم إنما يصدرون هنا عن الفكر الوثنى ، إذ يتصورون أن هناك إلها آخر يمكن أن يرسل نبيا من لدنه على غير هوى الله فيرفض الله من ثم أن يعترف بنبوته . وفى أول " سورة العطاء " نطالع الآتى : " يا أيها الذين ضلُّوا من عبادنا ، لقد قيل لكم : النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن ... " ، ليعود الإله الغافل فى الفقرة السادسة فيقول بخصوص هذه الآية نفسها : " ورحتم تُضِلّون المهتدين وتفترون علينا الكذب إنه لا يفلح المفترون ". والآن أيدرى القارئ الكريم من أين أتى القرآن بعبارة " النفس بالنفس ... إلخ " ؟ إنها من التوراة ، ونص القرآن هو : " وكتبنا عليهم فيها ( أى على بنى إسرائيل فى التوراة ) أن النفسَ بالنفسِ ، والعينَ بالعيِن ، والأنفَ بالأنفِ ، والأذنَ بالأذنِ ، والسنَّ بالسنِّ ... " ( المائدة / 45 ) ، ولا أحد فى اليهودية أو النصرانية إلا ويؤمن بأن التوراة هى من عند الله . والقرآن لم يقل شيئا آخر غير هذا ، فما معنى كل ذلك ؟ معناه ببساطة أن الإله الذى أوحى هذا الكتاب المسمى بـ " الضلال المبين " هو إله لا عقل لديه ولا ذاكرة ! وقد بلغ به فقدان العقل والذاكرة أَنْ وصف هذا التشريع بأنه " حكم الجاهلية " ، فضلا عن أنه لم يحسن نقل الآية كالعادة كما لا بد أن القراء قد لاحظوا ، إذ نَسِىَ ثلاث جمل كاملة هى : " والعَيْنَ بالعين ، والأَنْفَ بالأنف ، والأُذُنَ بالأُذُنِ " ، وهكذا ينبغى أن يكون الإله والوحى الإلهى ، وإلا فلا . تصوَّروا! تصوروا أن يعيب إلهٌ شريعته التى أنزلها فى كتاب له أرسل به رسولا من رسله أولى العزم هو موسى عليه السلام بأنها " حكم الجاهلية " ؟ جاء ذلك فيما يسمَّى : " سورة الحكم " ، ونص كلام هذا الهَرِم الفاقد الذاكرة كما جاء فى الفقرة العاشرة من السورة المذكورة هو : " أَفَحُكْمَ الجاهلية تبتغون بأن النفس بالنفس والعين بالعين والسن بالسن إنْ هو إلا سُنَّة الأولين وقد خَلَتْ شِرْعة الغابرين " . ثم يمضى الإله المسكين فى تخبطاته بصورة تدعو إلى الرثاء قائلا فى الفقرة التى تلى ذلك مباشرة : " فلا تنتقموا وتَصَدَّقوا به فهو كفارة لكم إن كنتم مؤمنين " ، جاهلا فى غمرة نسيانه وخَرَفه أن هذا هو ما يقوله القرآن الكريم فى آية سورة " المائدة " التى سبق الاستشهاد بها قبل قليل ، مع فارق مهم هو أن القرآن لا يوجب هذا كما يريد منا مزيفو كتاب " الضلال " بل يكتفى بالحث عليه لمن أراد أن يحرز أجرا عند الله ينفعه يوم القيامة ، وهو ما يتمشى مع أوضاع المجتمعات البشرية التى لا تستطيع أن تُمْضِىَ أمرها دون محاكم وعقوبات ، وإلا لفسد الأمر وعاث المجرمون من أمثال هؤلاء الملفقين بغيا ونهبا وتقتيلا ، إذ ما الذى يردع المجرم عن عدوانه وغَيّه لو أُلْغِيَت العقوبات ؟ إن هذا ما يتمناه كل مجرم له فى الإجرام تاريخ عريق . أما المبالغة فى الأمر بالتسامح والتظاهر به وتصوُّر أن البشر قادرون عليه فى كل الأحوال فهو نفاق(6/205)
رخيص . وليست العبرة بمثل هذه المبالغة ، بل العبرة أن يكون هناك تشريع يحقق العدل ويأخذ لكل ذى حق حقه مع دعوة الناس إلى الصفح ما أمكن ، وهو ما فعله القرآن . أما الكلام الساذج عن إدارة الخد الأيسر لمن يصفعك على خدك الأيمن فهو سذاجة بل بلاهة بل تنطع . وأتحداكم أن تأتوا لى بمن يدعو إلى هذا لأصفعه وأرى ماذا سيفعل ! إنه ما من دولة نصرانية تخلو من المحاكم والعقوبات والسجون ... إلخ مما هو موجود فى كل البلاد ! بل إن الله نفسه يعاقب الأشرار فى الدنيا والآخرة . وعلى اعتقادكم فإنه سبحانه لم يسامح البشرَ إلا بعد أن عاقب ابنه عقابا لم نسمع أن أبا طبيعيا عاقبه ابنه ، بله أن يكون هذا الابن ابنًا بريئًا بارًّا لم يرتكب ذنبا فى حق أحد ! ترى لماذا لم يجر الله على سنة التسامح التى تدعون إليها وتظنون أنكم تتفوقون بها علينا ، مع أننا، مهما صدقنا ادعاءاتكم فينا، لم نقترف عشر معشار ما اقترفتموه فى حقنا وفى حق الآخرين من جرائم وفظاعات وحشية ؟ فلماذا التساخف إذن لمكايدة المسلمين ؟ أما إذا كان الأمر مجرد تنطُّع للمباهاة والسلام ، فإنى على استعداد لعظة الأوباش بألا يكتفوا بإدارة الخد الأيسر لمن يصفعهم على الأيمن بل لا بد من إدارة القفا أيضا ليتلقَّوْا عليه ما لذ وطاب من الضرب واللَّطْس ثم إدارة الأرداف كذلك للاستمتاع ببعض الركلات ، مع كم لكمةً من اللكمات المنتقاة وكم بَصْقَةً من البَصْق الذى يعجبك كى يكون أجرهم عند الله عظيما فى ملكوت السماوات ! وسلِّم لى على التسامح . لو أنكم كنتم صادقين فى هذه المثالية المتنطعة ، فلماذا لا تنسَوْن ما تدَّعون أننا آذيناكم به ولا تزالون حتى الآن تتخذونه ذريعة لسحقنا وسحق أية محاولة منا للنهوض من تخلفنا؟ هذا ، ولم ندخل بعد فى حكاية " من أخذ منك رداءك فأعطه أيضا إزارك " ، وامش بعد ذلك " بلبوصا " تستعرض على الناس فى الشوارع والمجامع سوأتك وأعضاءك التناسلية والإخراجية ، ثم تعال فقابلنى يوم القيامة ! لقد كان من الممكن أن يجوز علينا هذا الكلام لو أننا لم نَخْبُرْكم ونَخْبُر سلوككم وأخلاقكم ! أمّا ، وقد عرفناكم وكان ماضيكم معنا على مدى قرون زفتًا وقَطِرانا ، فكيف يدور فى وهمكم أننا يمكن أن نصدق حرفا مما تقولون ؟ وعلى كل حال فهذا هو نَصّ سورة " المائدة " الذى سلف الحديث عنه قبل قليل : " فمن تصدَّقَ به فهو كفّارة له ". أستغفر الله العظيم! رضينا بالله ربًّا، وبالإسلا م دينًا ، وبمحمد نبيًّا ورسولا ، وتبرَّأْنا من كل دينٍ يخالف دين الإسلام !
ليس ذلك فقط ، فالواقع أن هذا الإله إلهٌ هجّاصٌ أيضا . ذلك أنه يزعم أنه قد أيّد هذا " الضلال المبين " بالمعجزات حسبما جاء فى الفقرتين الرابعة والخامسة من " سورة المعجزات " . فأين تلك المعجزات يا ترى ؟ أفتونى بعلم أيها العقلاء ! إن النبى الكذاب الضَّلاِلىّ صاحب هذا الكتاب لم يجرؤ على الظهور للناس الذين يزعم أنه أُرسل إليهم ، فكيف يمكن أن يكون قد أتى بمعجزات أراناها فصدّقْنا به وبها ، ونحن لم نتشرف أصلا بطلعته الغبية ؟ إنه يعرف تمام المعرفة أنه لو فقد عقله وأرانا خلقته فليس له عندنا إلا البراطيش ننهال بها على وجهه السمج حتى تتورم خدود العِلْج الزنيم فى عَلْقَة لم يأكل مثلَها حمارٌ فى مَطْلع أو حرامىٌّ فى جامع !(6/206)
وفى تلك السورة نفسها نقرأ هذا الكلام العجيب الذى لا يمكن أن يصدر عن أمّىّ ، بله رب العالمين الذى خلق العقل والبيان ، فلا يُعْقَل من ثم أن يَتَدَهْدَى لهذا الدَّرْك الأسفل من العِىّ والفَهَاهة واللامنطق ، إذ جاء فى الفقرة الثامنة منها وصفًا لـ " الضلال المبين " الذى يسمونه كذبًا ومَيْنًا بـ " الفرقان الحق " : " صِنْو الإنجيل ورَجْع الصَّدَى وبيان للناس كافة وتذكرة للكافرين ونور ورحمة وبشير ونذير وهدى للضالين لعلهم يتذكرون ويهتدون ". ترى كيف يكون بشيرا للضالين ؟ إن البشارة إنما تكون للمهتدين لا للضالين . لكن من أين يأتى لمخترع هذا " الضلالِ " المنطقُ والبيانُ " وقد طمس الله على بصيرة المزيِّف الدجال ؟ ثم إنه ، بسلامته ، قد حسم الأمر بالنسبة لنا نحن المسلمين ورمانا ، فى الفقرة الثالثة من " سورة المنافقين " ، فى سَقَر ، إذ قال : " وأوردكم جهنم جميعا وإنْ منكم إلا واردها وكان عليه أمرا مقضيا " ، كما أنه يقول فى الفقرة السادسة منها عنا : " وطبع الشيطان على قلوبكم وسمعكم وأبصاركم فأنتم قوم لا تفقهون . لا جَرَمَ أنكم فى الآخرة أنتم الخاسرون " . فكيف يجىء بعد ذلك ويتكلم عن الهداية ؟ والعجيب أنه رغم هذا يعود فى هذه السورة ذاتها فى الفقرة الثامنة قائلا : " يُلْقِى بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم يهتدون كلما أوقدوا نار الكفر أطفأناها ويسعَوْن فى الأرض فسادًا فوَيْلٌ للمفسدين " ، مشيرا إلى أنه سوف يأتى علينا يوم نهتدى فيه ، أى نتخلى عن توحيدنا لصالح التثليث الوثنى الذى نفض معظم الناس عندهم فى الغرب أيديهم منه . فكيف يريد هؤلاء المجانين منا أن نأكل ما رماه الغربيون فى صندوق القمامة منذ قرون ؟ إن المجرمين يتخبطون فى المصيدة التى ساقهم بغضهم وكيدهم لمحمد إليها غير مستطيعين التخلص من ورطتهم .
وتعالَوْا ننظر أيضا فى هذا الاضطراب العقلى الذى تعكسه الفقرة حيث نقرأ أننا نحن المسلمين كلما أوقدنا نار الكفر أطفأها الله سبحانه . فها نحن أولاء ، من وجهة نظر هذا الإله المخبول ، نشعل نار الكفر منذ أربعة عشر قرنا ، فلِمَ لَمْ يطفئها ؟ أم سيقال إن عمال المطافئ الذين يشتغلون عنده كانوا مضربين طوال هاتيك القرون عن العمل أو إن أمريكا ضاربةٌ من يومها على مملكته حصارا اقتصاديا يشمل قطع الغيار الخاصة بعربات المطافئ ، فلذلك لا يستطيع تشغيلها بل تقف فى مكانها لا تَرِيم كقطعة الخردة ؟ ثم إنه فى الآية الثالثة عشرة من نفس السورة يعود فيقول : " يا أيها الذين آمنوا من عبادنا ( المقصود هنا النصارى ، وربما اليهود أيضا ) إذا رُفِع لنا دعاء فإنه يستجاب لكم فيهم ولا يستجاب لهم فيكم فأنتم المقسطون وهم المبطلون " . وإننا لنسأل هؤلاء الأوغاد : لماذا ، بدلا من هذه الخَوْتَة ووجع الدماغ وتزييف الكتب الذى تشغلون أنفسكم به ، لا تَدْعُون أنتم وبقية المغفلين أمثالكم لنا بالهداية وتفضونها سيرة وتنصرفون إلى ما يصلح حالكم ، لا أصلح الله لكم حالا ما دمتم تصرون على الكفر والتآمر على عباد الله الموحدين تريدون أن ترجعوهم كفارا بعد أن أنعم الله عليهم بدين التوحيد؟ ألستم تقولون إن الله أوحى لكم هذا الهباب الذى تسمونه " الفرقان الحق " وأكد لكم فيه أن دعاءكم فينا مستجاب ؟ ألستم تريدون لنا أن نؤمن بتثليثكم ؟ بسيطة ! إن الأمر لا يحتاج لأكثر من دعوة ( أو دعوتين إذا لزم الأمر وكان إلهكم نائما نومة القيلولة مثلا أو كان مشغولا بملاعبة ابنه أو مداعبة زوجته ويحتاج من ثَمّ إلى مزيد من التنبيه ) ، وبعدها تجدوننا قد دخلنا فى دينكم وأصبحنا وثنيين مثلكم ، ويرتاح بالكم وتريحوننا من هذه الشتائم التى لا تأتى معنا بنتيجة ؟ صحيح : لم لا تفعلون ذلك ؟ ولكن لا تنسَوْا أن تعطونى الحلاوة إن وفقكم الله ، ولن يوفقكم أبدا لا فى الدنيا ولا فى الآخرة بمشيئته تعالى وحوله وقوته !(6/207)
كذلك فهذا الإله الضالّ الُمضِلّ لا يستطيع تذكُّر الآيات القرآنية على وجهها الصحيح فتراه يخطئ فى الاستشهاد بها فى معظم الأحيان رغم حرصه على وضعها بين علامتَىْ تنصيص جريا على أسلوب الباحثين حين يريدون أن يؤكدوا أنهم قد نقلوا النص حرفيا: خذ مثلا قوله فى الاستشهاد ، فى الفقرة الحادية عشرة من " سورة القتل " عندهم ، بالآية السابعة عشرة من سورة " الأنفال " : " ولَمْ تقتلوهم ولكن الله قتلهم "، مع أن بدايتها فى القرآن الكريم بالفاء لا بالواو . كما أنه فى أول " سورة الضالين " يستشهد بسورة " الصَّمَد " القرآنية على غير ما جاءت عليه فى القرآن ، إذ يقول بعد البسملة الوثنية : " وألبس الشيطانُ الباطلَ ثوبَ الحق وأضفى على الظلم جلباب العدل وقال لأوليائه : أنا ربكم الأحد لم أَلِد ولم أُولَد ولم يكن لى بينكم كُفُوًا أحد " . وليس هذا نَصَّ سورة "الصمد" كما نعرفها فى القرآن منذ أُنْزِلت على خير البرية . ثم ما الذى يغيظ أى إله فى قولنا عنه إنه واحد أحد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ، اللهم إلا إذا كان إلها أحمق ؟ فلنتركه لحماقته يهنأ بها كما يحلو له هو ومن يرافئونه على هذا الجنون !
أما فيما يسمى : " سورة الطاغوت " فإنه ، عند مهاجمته لشريعة الجهاد التى يتهمها زورا بالعدوانية والظلم وتقتيل الأبرياء ، ينقل على نحو محرف ما جاء فى سورة " التوبة " من أن " الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتِلون فى سبيل الله فيَقْتُلون ويُقْتَلون وعدًا عليه حقًّا فى التوراة والإنجيل والقرآن " ، إذ يقول : " وافترَوْا على لساننا الكذب : بأنا اشترينا من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الجنة يقاتلون فى سبيلنا وعدا علينا حقا فى الإنجيل . ألا إن المفترين كاذبون ... " . وواضح أن الأفاكين قد أسقطوا عدة كلمات من الآية القرآنية الكريمة عمْدًا حتى لا يُضْطَّروا إلى الإقرار بأن فى التوراة أمرا ، لا بالقتال دفاعا عن النفس والعِرْض فقط كما فى الإسلام ، بل بالقتل بدافع الكراهية للأمم الأخرى وإبادتها لمجرد الإبادة . وهو ما يعضد قول من قال إن هذا " الضلال المبين " هو ثمرة التعاون الأثيم بين الصهيونية والصليبية ، فلذلك يعملون على إظهار اليهود فى صورة المسالم البرىء. والنص الصحيح لآية سورة التوبة هو : " وَعْدًا عليه حَقًّا فى التوراة والإنجيل والقرآن " . ولم يقتصر الأمر فى السورة على هذا الخطإ ، بل هناك خطأ آخر فى الفقرة العاشرة حيث أوردوا فى وحيهم الشيطانى الآية السابعة عشرة من سورة " الأنفال " التى تبدأ بقوله تعالى : " فلَمْ تقتلوهم ، ولكن الله قتلهم " على النحو التالى : " وما قتلتموهم ولكن الله قتلهم " .
كذلك نجد فى "سورة النسخ " خطأ آخر من ذات النوع ، إذ يقول إلههم المسطول فى الفقرة الثانية عشرة : " وإذا قيل : " هو قولٌ افتراه ( أى الرسول ) " قلتم : " فَأْتُوا بعَشْرِ سُوَرٍ مثله مفتريات إن كنتم صادقين ". وتعليقا على هذا نقول : أوَّلا ليس فى القرآن عبارة " هو قول افتراه ". ثانيا : لم يتخذ ردُّ القرآن على دعوى الكفار بافتراء النبى للقرآن صيغةً واحدةً فى كل مرة ، بل كان يختلف من موضع إلى آخر . ثالثا: العبارة التى أوردها هذا الإله المائق المأفون لم ترد فى القرآن على هذا النحو ، بل نصها فى الآية الثالثة عشرة من سورة " هود " هو : " فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين " . وفى " سورة الوعيد " نقرأ فى الفقرة الأولى قولهم : " يا أيها الذين ضلّوا من عبادنا ( والمقصود نحن المسلمين ورسولنا ) : لقد توعدتم عبادنا المؤمنين بلساننا افتراءً فقلتم : " يا أيها الذين أُوتُوا الكتاب آمِنوا بما نزَّلْنا مصدِّقا لما معكم من قبل أن نطمس وجوها فنردَّها على أدبارها ونلعنهم كما لعنَّا أصحاب السبت لَعْنًا " ، مع أن النص القرآنى يقول : " أو نلعنهم " ( بـ " أو " لا بالواو ) ، كما أنه يخلو من المفعول المطلق : " لَعْنًا ". وفوق ذلك فإن هذه الآية موجهة إلى اليهود ، فما معنى تسميتهم فى " الضلال المبين " بـ " عبادنا المؤمنين " ، والنصارى يعدون اليهود كَفَرَةً كُفْرًا لا كفر بعده ولا قبله ؟ أترك المخابيل مع هذه المسألة وحدها يحاولون أن يجدوا لها حلا ، وهيهات ! وإلا لكانوا مكذِّبين بالمسيح وبالأناجيل . ولعل القارئ لم ينس أيضا ما نبّهْنا إليه قبل قليل من إسقاط هذا الإله الخَرِف للجمل الثلاث من آية سورة " المائدة " التى تتحدث عن القصاص فى التوراة . ونكتفى بهذه الأمثلة ، ومن يُرِدْ غيرها فليرجع بنفسه إلى هذه النصوص الكفرية المتهافتة السخيفة ! ومرة أخرى أرى أن هذا الإسقاط لبعض كلمات الآية القرآنية هو تعضيد لمن يقولون عن تزييف هذا " الضلال المبين " إنه نتيجة الجهود والمؤامرات المشتركة من جانب اليهود والنصارى فى أمريكا مع الاستعانة بطائفة من العرب الأرجاس الأنجاس !(6/208)
والطريف المضحك أن كتاب " الضلال المبين " يدور كله من أوله لآخره على المسلمين ونبيهم والكتاب الذى أنزله الله عليه : لا يشتم غيرهم ، ولا يحاول أن يَخْتِل أحدا عن دينه سواهم ، ولا يترك شيئا أىّ شىء فى دينهم دون أن يسفِّهه ويُزْرِىَ به مناديا إياهم فى مفتتح كل سورة تقريبا من سور "ضلالهم المبين" بـ " يا أهل الجهل " أو " يا أهل الظلم من عبادنا " أو " يا أيها الذين ضلُّوا من عبادنا " أو " يا أيها الذين أشركوا من عبادنا الضالين " أو " يا أيها الذين كفروا من عبادنا الضالين " أو " يا أيها المنافقون من عبادنا الضالين " أو " يا أيها المفترون من عبادنا الضالين " أو " يا أهل التحريف من عبادنا الضالين "، وكأن الله سبحانه وتعالى لم تعد له شُغْلَة ولا مَشْغَلَة إلا المسلمون . ولكن لم يا ترى ؟ السبب هو أن المسلمين يوحّدونه ولا ينسبون له ولدا ، سبحانه ! ولأنهم يصلّون له وحده لا يشركون فى عبادتهم له أحدا من خلقه . باختصار : لأنهم لا يتبعون سُنّة الوثنيين فى أىٍّ من عقائدهم أو عباداتهم أو تشريعاتهم . فهذا التوحيد النقى المطلق هو الذى يغيظ ... يغيظ من ؟ لا ، لا يمكن أن يغيظ هذا الإيمانُ الناصعُ الصافى اللهَ سبحانه وتعالى بل إلها أحمق مغفَّلا كهؤلاء الذين يعبدونه وهم يحسبون ، بعقولهم الزَّنِخَة العَطِنة وقلوبهم السوداء العَفِنة ، أنهم يُحْسِنون صنعا! هذا إلهٌ متخلفٌ ينبغى أن يُعْهَد به إلى من يُفَهِّمه ويرشده ويُحَضِّره ويُبَصِّره بمصلحته وما يصحّ وما لا يصحّ فى حقه ، بالضبط كما يفعلون بأولياء العهد فى الدُّوَل الملكية ، إذ يُحْضِرون لهم فى صغرهم أساتذة يعلّمونهم فنون البروتوكول ، حتى إذا جاء عليهم الدَّوْر ليحكموا البلاد كانوا جاهزين لتولى أمور المُلْك ولم يكونوا عارا على بلادهم وأُسَرهم . ولكن يبدو أن هذا الإله لم يجد فى صباه من يأخذ بيده ويعلّمه مقتضيات الألوهية على وجهها الصحيح ، فلذلك نراه يفضّل أن يشرك به عبادُه على أن يُفْرِدوه بالألوهية ويخصّوه بالعبادة والدعاء والتمجيد ! إن هؤلاء الأغبياء ما زالوا سادرين فى أوهامهم التى كانت تجوز على المتخلفين فى العصور الوسطى والتى تخلصت منها أوربا عندما أذَّن فيها المؤذن ببزوغ فجر النهضة ، ناسين أننا الآن فى القرن الواحد والعشرين ! صحّ النوم يا أيها المتخلفون !
أو لم تجدوا فى طول الأرض وعرضها على رُحْبها واتساعها من يحتاج إلى الهداية إلا المسلمين ؟ أولم يأتكم نبأ عُبّاد البقر أو عُبّاد النار أو عُبّاد الشيطان أو الشيوعيين مثلا ؟ أَوَقَدْ نَسِيتم ما كنتم تقولونه فى اليهود الذين تتهمونهم بقتل ربكم ؟ ألا يحتاج أىٌّ من هؤلاء أن تُولُوه شيئا من هذا الحنان الزائف الذى تغدقونه علينا بالإكراه والذى تسمونه : " المحبة " ؟ فلنفترض أننا نحن المسلمين ضالون فعلا كما تزعمون كذبًا ومَيْنًا ، أليس ضلالنا هذا أنظف من ضلال هؤلاء الذين ذكرتُهم آنفا؟ إننا على الأقل نعبد الله ونوحّده ولا نشرك به شيئا ، فضلا عن أننا لم نقتل المسيح ولم نطعن أمه فى عِرْضها مما سنتناوله بالتفصيل فيما بعد ، بل نؤمن به نبيًّا من أنبياء الله ونحترمه ونكرّم أمه تكريما لا يكرِّمها إياه أحد من العالمين . فنحن إذن ، على أسوإ الفروض ، أفضل من غيرنا، فلماذا كل هذه البذاءة والسفالة والوقاحة مع رسولنا ومعنا دون الناس أجمعين ؟ ثم تقولون لنا بعد ذلك إن دينكم هو دين المحبة !(6/209)
أية محبة تلك التى تسوِّل لكم التطاول علينا واتهامنا مع ذلك كله بأننا نحن المعتدون القاتلون اللصوص السارقون ، فى الوقت الذى تهجمون فيه على بلادنا وتدمرونها تدميرا ، وتقتّلون رجالنا ونساءنا وأطفالنا ، وتسرقون بترولنا ، وتحتلون بلادنا ، وتعذّبوننا وتهينوننا وتنتهكون أعراض نسائنا ، وتضربوننا بالقنابل والصواريخ والطائرات والدبابات والبوارج ... إلخ ؟ إن جنودكم اللوطيين ومجنَّداتكم السحاقيات يعتدون على إخواننا وأخواتنا فى السجون والمعتقلات فى أرض الرافدين ( وهذا مجرد مثال ) بكسر عظامهم ، وإبقائهم عرايا فى صَبَارَّة الشتاء مع غمر الزنازين بالماء الوسخ حتى لا يستطيع المساكين النوم ، وتسليط الكلاب المتوحشة عليهم تنهش خُصَاهم وغراميلهم فينزفون حتى الموت ، فضلا عن إكراههم للأب أن يمارس اللواط مع ابنه والعكس بالعكس ، واغتصاب النساء والفتيات العفيفات اللاتى يفضلن الموت بعد خروجهن من المعتقل على الحياة مع هذا العار ، طالبين منهم ومنهن أن يشتموا الله ورسوله ويرددوا أنهم يؤمنون بالصليب وبيسوع ابن الله ، قائلين إنهم جاؤوا إليهم يحملون رسالة المحبة ، وهم لم يحملوا إلا رسالة اللواط والسحاق والتعذيب والتقتيل والتدمير البربرى الذى لا يترك شيئا يمرّ عليه إلا جعله أنقاضًا وأحجارًا لا يُعْفِى من ذلك مدرسة ولا مصنعا ولا متحفا ولا بيتا ولا مسجدا ؟ أية محبة جئتمونا بها أيها الوحوش ؟ لعنة الله عليكم وعلى ما جئتمونا به ! اغربوا عن وجوهنا ، لا نريد أن نراكم ! أىّ جنون ذلك الذى طوّع لكم أننا يمكن أن نترك توحيدنا الطاهر العظيم وندخل معكم فى تثليثكم وتصليبكم ؟ فلتحتفظوا بهذه المحبة لأنفسكم بدلا من اللهاث وراء إضلال من هداهم الله وعافاهم من هذا الرجس وذلك البلاء ، والعياذ بالله ! لماذا لا توجهون دعوتكم هذه إلى من تركوا منكم دينهم واتخذوا الإلحاد دينا بديلا ، وهم الأغلبية الساحقة فيكم ؟ أنتم تقولون فى " ضلالكم المبين " إننا ذاهبون إلى الجحيم ! ماشٍ ، فلتريحوا إذن أنفسكم ولتوفروا جهودكم وأموالكم وأوقاتكم ، ولتنصرفوا عنا ما دام الأمل فينا مقطوعا. أليس هذا ما يقول به العقل يا من عدمتم العقل ؟(6/210)
والآن إلى بعض ما يقوله هؤلاء الأوساخ فينا وفى رسولنا وديننا عقيدةً وعبادةً وتشريعًا : " يا أيها المنافقون من عبادنا الضالين : أَنَّى تشهدون بما لم تشهدوا وترددون ما لا تفقهون . لقد شهدتم إفكا وقلتم بَهْتًا ونُكْرا * وبلَّغتم الناس ما ليس لكم به علم . وأنفذتم جاهليتكم على الراسخين فى العلم والدين القويم فأثقلتم كواهلهم وزرا * وشُبِّه لكم الحق فما فهمتم للتجسد معنى وما فهمتم للبنوة مغزى وما أدركتم للفداء مرمى وما علمتم من أمور الروح أمرا * وعلَّم الأميين أمِّىٌّ كافر فزادهم جهلا وكفرا * وأخرجهم من النور إلى الظلمات وأضلهم قسرا " ( الشهادة/ 1- 6 ) ، " إن الذين يُقِيمون الصلاة فى زوايا الشوارع والمساجد رياءً كى يشهدهم الناس ذلكم هم المنافقون وهم فى الحقيقة لا يُصَلّون * فمن نوى أن يصلى فليدخل داره وليغلق بابه ويصلِّ خفيةً نجزيه علانية بعين العالمين * تكررون الكلام لغوا كعَبَدَة أوثان تظنون أنكم بالتكرار تُسْتَجَابون * إننا نعلم سُؤْلكم قبلما تَسْألون * وترددون الدعاء طمعًا بدخول الجنة فلن تُفْتَح أبواب الجنة للمنافقين . أما الذين يعملون بمشيئتنا فهم الذين يدخلون " ( الصلاة / 3 – 7 ) ، " يا أيها المنافقون من عبادنا : إن صيامكم غير مقبول لدينا وغير ممنون * فما كان الصوم تضوُّرًا لأجَلٍ معلوم * تتخمون صُوَّما أكثر منكم مفاطر وكالأنعام تَطْعَمون * ترهقون أجسادكم ونفوسكم نهما فكأنكم ما طَعِمْتم من قبل ولن تكونوا من بعد طاعمين * وتأكلون السنة فى شهرٍ جشعا لضَعَتكم وتضوُّركم فخيرٌ لكم ألا تصوموا فإنه لا أجر للضعاء والمتضورين * وتكلِّحون وجوهكم وتصعِّرون خدودكم للناس لتَظْهَروا صائمين إنما يفعل ذلك القوم المنافقون " ( الصيام / 3 - 8 ) ، " يا أهل العدوان من عبادنا الضالين : تسفكون دماء البهائم أضحيات تبتغون مغفرة ورحمة من لدُنّا عما اقترفت أيديكم من قتل وزنى وإثم وعدوان * إنما أضحية الحق قلبٌ طهيرٌ يتفجر رحمة ومحبة وسلاما لعبادنا ورفقا بالبهائم فلن ينالنا لحومُها ولا دماؤها ولكن ينالنا تقوى المتقين " ( الأضحى/ 7 – 8 ) ، " وهبط الذين اتبعوا الطاغوت إلى دركٍ سحيقٍ فاشْتَرَوُا الحربَ بالسلام والسلبَ بالإحسان والزنى بالعفة والكفرَ بالإيمان فخسرت تجارتهم وكسبوا عذابا وبيلا * واقترفوا الفحشاء والمنكر والبغى سعيًا وراء جنة الزنى يوعَدونها وَعْدًا غَرورًا وثوابًا إفكًا من الشيطان ، ألا بُعْدًا لجَنّة الكافرين وتَعْسًا لمن بها يُوعَدون * وافترَوْا على لساننا الكذب : " بأنا اشترينا من المؤمنين أنفسهم بأن لهم الحنة يقاتلون فى سبيلنا وعدًا علينا حَقًّا فى الإنجيل " . ألا إن المفترين كاذبون . فإنا لا نشترى نفوس المجرمين إنما اشتراها الشيطان اللعين * وأشركونا فى عصبة تقتل وتسلب عبادنا وفرضوا لنا فى خمس ما يغنم الغزاة المجرمون * وبرّأهم المنافقون فقالوا : " وما قتلتموهم ولكن الله قتلهم ". ألا إنا لا نقتل عيالنا لنغنم مع القتلة والمعتدين " ( الطاغوت / 6 – 1 ) ، " يا أيها الذين كفروا من عبادنا الضالين : لقد جعلتم من جناتنا مواخر للزناة ومغاور للقتلة ومخادع رِجْس للزانيات ونُزُل دعارة للسُّكارَى والمجرمين " ( الكبائر / 1 ) ... إلخ .(6/211)
ومن الواضح أن مَثَلهم حين يتظاهرون بالعيب على دين رب العالمين كَمَثَل المومس التى لا يعجبها عفة الحرائر الشريفات فتذهب تعيبهن قائلةً فى تباهٍ وتشامخٍ كاذبٍ داعرٍ إنها عشيقة لفلان وفلان من أكابر القوم وليست زوجة لرجل لا هو صاحب شهرة ولا ذو منصب كبير من السفلة المجرمين ! ماذا فى إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة والصلاة والصيام ؟ وماذا فى الصلاة فى المساجد بحيث يُزْرِى عليها الكَفَرَة المارقون ؟ ألا يصلون فى الكنائس ؟ أكل من صلى منهم يذهب إلى مخدعه فيصلِّى؟ إن الصلاة فى الإسلام تجوز فى أى مكان : فى الشارع ، وفى الحقل ، وفى المصنع ، وفى ميدان القتال ، وفى السَّفَر ، وفى الحَضَر... ذلك أن الله سبحانه فى كل مكان ، ولا بد من عبادته فى كل حين ، وإلا فلو انتظر الإنسان حتى يعود إلى كِسْر داره ويدخل مخدعه فلن يصلى ركعة واحدة إن شاء الله ، وهذا ما حدث فى بلادكم ، حيث لا تذكرون الله إلا كل أسبوعٍ مرة . وهذا بالنسبة للعجائز وأمثالهم ، أما الشبان والشابات فإنهم لم يعودوا يعبدون الله ولا مرة كل مائة عام ، فقَسَتْ قلوبهم ، فبئس الاقتراح اللعين من القوم الملاعين ! والعبرة فى كل حال بإخلاص النية وتطهير القلب من الرياء ، أما اتهام الآخرين بالنفاق زورا وبهتانا عاطلا مع باطل ، واحتقار عبادة الموحدين وإظهار التنطُّس والاشمئزاز منها ، فهو بعينه الكِبْر وجمود القلب الذى أَصْلَى المسيحُ عليه السلام اليهودَ بسببه قوارصَ الكلمات وقوارضَ اللعنات ! ثم ماذا فى الصيام ؟ أليس فى دينكم صيام أيضا ؟ وماذا فى الأضاحى ؟ إنكم تُظْهِرون الشفقة عليها ، فهل نفهم من هذا أنكم لا تذبحون الحيوانات ولا تتسمَّمون بها ؟ وهل يكره الله من عباده أن يُطْعِموا من أضاحيهم الفقراء والمساكين ؟ فأين المحبة والرحمة التى تصدِّعون رؤوسنا بها ليل نهار ؟ أم إن اللحم لا يصلح إلا إذا كان من جسد المسيح تأكلونه كما يفعل الوثنيون ؟ كيف يا إلهى يأكل الإنسان جسد ربه ويشرب دمه ؟ ومن غبائكم وجهلكم تسمّونه " الخروف " كما أفهمكم يوحنا فى هلاويسه ( رؤيا / 5 / 6 فصاعدا . وفى إنجيل يوحنا أنه " حَمَل " / 1 / 29 ، 36 ) ، فيا لكم من خرفان غبية بليدة تسمِّى ربَّها خروفا يا أكلة الخنزير الذى حرّمته السماء وحلّله لكم ، تقرُّبًا إلى الوثنيين ، بولس اللعين ( كورنتوس 1 / 6 / 12– 13 ، 9 / 19 – 29 ، وكولُسِّى/ 2 كله ) ، ومهّد له الطريقَ قبلا بطرسُ ذو العقل الثخين ( أعمال الرسل / 9 – 16، و 11/ 2 – 10 ) ، والذى يجعلكم تبغضوننا وتحقدون علينا إلى يوم الدين ! إننا حين نذبح الأضاحى إنما نذبحها ليَطْعَم معنا منها المحتاجون والجائعون لا ليتمتع برائحتها الله رب العالمين ، وكأنه إله من آلهة الوثنيين حسبما صورتموه فى " الكتاب المقدس " لديكم ، ولذلك تُتْرَك فلا يأكل منها أحد. وهذا معنى قوله تعالى : " لن ينال اللهَ لحومُها ولا دماؤها ، ولكنْ يناله التقوى منكم " ( الحج / 37 ) ، الذى سرقتموه كعادتكم ونقلتموه إلى " ضلالكم المبين " دون فهم كالحمار الذى يجلس إلى مكتب ويمسك كتابا بحوافره يظن أنه بذلك سيكون من الآدميين الذين يفهمون ، ثم جئتم تَشْغَبون به علينا فى عنادٍ حَرُون . وهذه أول مرة أسمع بإله يضيق صدره بإطعام الفقراء والمساكين . أىّ إله هذا يا ترى ؟ ومن أية جِبِلَّةٍ جُعِل ؟ هذا إلهٌ قاسٍ غليظ القلب والوجدان ، نعوذ بالله منه وممن صنعوه وعبدوه !(6/212)
على أن ثمة شيئا خطيرا فات هؤلاء الأوغاد ، ألا وهو أن الإسلام هو الدين الوحيد الذى يشهد كتابه لمريم عليها السلام بالعفة ، فهل من العقل أن يأتى إنسان إلى الشاهد الوحيد الذى يملكه فيسبّه ويتطاول ويتسافه عليه ويكذِّبه ويفترى ضدَّه الأكاذيب ؟ إن ذلك لهو الحماقة بل هو الجنون بعينه ، فضلا عما فيه من قلة أدب ووغادة ! ومعروف ما يقوله ، عن عيسى وأمه ، اليهود الذين يضع الأوغاد الآن أيديهم فى أيديهم ليكونوا علينا إِلْبًا واحدا . إنه عندهم ابن سِفَاح ، وكانوا يعرّضون به قائلين فى وجهه : " لسنا مولودين من زِنًى " ( يوحنا / 8 / 42 ). وبطبيعة الحال لا يمكن إبطال هذه التهمة بأدلة قانونية ، إذ المعروف أن المرأة لا تحمل ولا تلد إلا إذا اتصلت برجل : عن طريق الزواج أو من خلال علاقة غير شرعية . ولم تكن مريم قد تزوجت بعد ، فلم يبق أمام الناس إلا الباب الثانى ، اللهم إلا إذا ثبت بدليل غير عادى أنها لم تَزْنِ ، وأين هذا الدليل إلا فى القرآن الكريم ، الذى يتطاول عليه بَغْيًا وعَدْوًا أغبى من عرفت الأرض من المخلوقات ؟ لقد ذكر المولى فى كتابه أن جبريل عليه السلام قد أتاها رسولا من الله ونفخ فى جيبها فحملت بعيسى . لكن أحدا لم يَرَ جبريلَ وهو يفعل ذلك ، فلم يبق إذن إلا تبرئة القرآن الكريم لها ، فضلا عما حكاه عن كلام عيسى فى المهد دليلا على عفتها! والغريب أن هذا الدليل الذى يقول به القرآن لتبرئة مريم غير موجود فى الأناجيل الموجودة فى أيدى النصارى ! فما معنى هذا ؟ معناه أن هؤلاء الحمقى المغفلين يتركون الدنيا كلها ويتفرغون للتطاول والتباذُؤ والتسافُه وإقلال الأدب والحياء على المسلمين ، الذين يمثلون المخرج الوحيد لهؤلاء البهائم من ورطتهم ! وهذا دليل على الخبال الذى هم فيه ، وهو أمر طبيعى جدا ، إذ ما الذى ننتظره لمثل هؤلاء الأباليس ؟ أننتظر أن يوفقهم الله جزاء كفرهم وبغيهم على رسوله والكتاب الذى أنزله عليه نورًا للعيون وهُدًى للقلوب ؟
ولم يكن اليهود هم الوحيدين الذين ينسبون عيسى عليه السلام إلى أب من البشر ، بل كان الناس جميعا يقولون إن أباه هو يوسف النجار. لا أقول ذلك من عندى ، بل تذكره أناجيلهم التى نقول نحن إنها محرفة فيكذّبوننا عنادا وسفاهة ! لقد كتب يوحنا فى إنجيله ( 1 / 5 ) أن الناس كانت تسميه " ابن يوسف " ، وهو نفس ما قاله متى ( 1 / 55 ) ولوقا ( 3 / 23 ، و 4 / 22 ) ، وكان عيسى عليه السلام يسمع ذلك منهم فلا ينكره عليهم . بل إن لوقا نفسه ( 2 / 27 ، 33 ، 41 ، 42 ) قال عن مريم ويوسف بعظمة لسانه مرارًا إنهما " أبواه " أو " أبوه وأمه ". كذلك قالت مريم لابنها عن يوسف هذا إنه أبوه ( لوقا / 2 / 48 ). ليس ذلك فحسب ، بل إن الفقرات الست عشرة الأولى من أول فصل من أول إنجيل من الأناجيل المعتبرة عندهم ، وهو إنجيل متى ، تسرد سلسلة نسب المسيح بادئة بآدم إلى أن تصل إلى يوسف النجار ( " رجل مريم " كما سماه مؤلف هذا الإنجيل ) ثم تتوقف عنده . فما معنى هذا للمرة الثانية أو الثالثة أو الرابعة ...؟ لقد توقعتُ ، عندما قرأت الإنجيل لأول مرة فى حياتى ، أن تنتهى السلسلة بمريم على أساس أن عيسى ليس له أب من البشر ، إلا أن الإنجيل خيَّب ظنى تخييبا شديدا ، فعرفت أنّ من طمس الله على بصيرته لا يفلح أبدا . ثم إنهم بعد ذلك ، ويا للغرابة ، يجدون فى أنفسهم النَّتِنة الجرأةَ على التَّسَافُه على رب العالمين وإيذاء رسوله الكريم فى صحائفَ ملفقة زاعمين أنها وحى من لدن رب العالمين ، وكأن الله سبحانه وتعالى لم يجد فى كونه الواسع العريض غير المآبين الموكوسين ليتخذ منهم أنبياءه وينزّل عليهم وحيه الشريف !(6/213)
لكن خيبة هؤلاء السفهاء لا تنتهى عند هذا الحد ، إذ هم يُصِرّون على أنه عليه السلام قد صُلِب ، ويخطِّئون القرآن لنفيه واقعة الصَّلْب ، بل يكفّروننا نحن ورسولنا لهذا السبب ، مع أنهم لو عقلوا لقبلوا أيديهم ظهرًا لبطن ، ثم عادوا فقبلوها بطنًا لظهر ... وهكذا دواليك إلى ما لا نهاية . لماذا ؟ لأن العهد العتيق الذى لا يصح لهم إيمان إلا به يؤكد أن من عُلِّق على خشبة فهو ملعون من الله ( تثنية الاشتراع / 21 / 22 ) ، وعيسى ، بنَصّ ما جاء فى " أعمال الرسل " ، قد عُلِّق على خشبة ( 5 / 30 ، و10 / 39 ) ، أى صُلِب . ولقد شعر اللعين بولس بالوكسة التى وقع فيها محرِّفو الأناجيل ومزيِّفوها حين قالوا بصلبه عليه السلام فأقرّ ، فى رسالته إلى أهل غلاطية ( 3 / 13 ) ، باللعنة التى وقعت على رأس المسيح بتعليقه على الخشبة ، بَيْدَ أنه سارع إلى لىّ الكلام عن معناه مدَّعِيًا أن تحمُّل ذلك النبى الكريم للّعنة إنما كان من أجل البشر. وبطبيعة الحال هو لم يقل عنه إنه نبى بل إله ! إذن فهم أنفسهم يقرون بأن إلههم ملعون ، وهذا يكفينا ، ولا يهم بعد ذلك أن نعرف السبب الذى صار ملعونا لأجله ، فهو لا يقدم فى الأمر ولا يؤخر! أليس من العار أن يعتقد إنسان أن الرب الذى يؤمن به ويعبده ويبتهل إليه ويطلب منه البركة والخير هو نفسه ملعون ؟ فكيف يطلب منه إذن ما لا يملكه بل ما يحتاج من غيره أن يوفّره له ؟ على رأى المثل : جئتك يا عبد المعين تُعِيننى ، فإذا بك يا عبد المعين تُعَان ! والله إنها لمهزلة ! إنها أول مرة يسمع الواحد فيها بإله ملعون ! ولكن لم لا ، وقد جعلوه خروفا ، كما روَوْا فى أناجيلهم المزيَّفة أنه قد مات على الصليب بعد أن أُهين وضُرِب وشُتِم وبُصِق عليه ووُضِع الشوك على رأسه وسُخِر منه وسُمِّرَت يداه ورجلاه فى الخشب وطُعِن فى خاصرته بالرمح وجعلوا من لا يشترى يتفرّج ، وهو فى حال من العجز تامة لا يستطيع أن يصنع هو ولا أبوه شيئا رغم الآلام التى كانت تعذّبه والصرخات التى كان يرسلها فى الفضاء فى مسامع ذلك الأب القاسى الغبى ؟ أما نحن المسلمين فإننا نرفض الصَّلْب أصلا من جذوره ، ومن ثَمَّ فلا لعنة ولا يحزنون ! وبهذا يتبين للقراء البؤس العقلى الضارب بأطنابه على أولئك الطَّغَام الذين يزعمون أنهم أَتَوْا لهدايتنا ، وهم أضلّ خلق الله ! أترى أحدا قد سمع بمثل هذا البؤس من قبل ؟ ألم أقل إن من يغضب الله عليه لا يفلح أبدا ؟
===============
شبهة أخذ نبينا محمد عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
تعد شبهة أخذ سيدنا محمد عليه الصلاه والسلامعن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن الكريم، أقدم ما عُرِف من نشاطات المستشرقين. فكل من يؤرخ للنشاط الاستشراقي يؤكد أن أقدم دراسة استشراقية كانت بعنوان: " ماذا اقتبس محمد عن اليهودية ". [1]
توضيح تلك الشبهة:
يرى كثير من غير المسلمين أن محمداً عليه الصلاه والسلامكان على دين اليهود ، وأرسل اليهود لتدمير المسيحية التي تهدد كيانهم.. ومن ثم اقتبس عن كتبهم العقائد والشرائع والقصص.
وإن كان أكثرهم يخالف هذا الرأي ويزعم زعماً آخر وهو أن سيدنا محمد عليه الصلاه والسلامكان مسيحياً من نصارى مكة، أعده ورقة بن نوفل بالتعاون مع الراهب بحيرا وحداد رومي اسمه يسار... لإعادة الروح إلى المسيحية في الجزيرة العربية. لكن محمداً عليه الصلاه والسلام خدعهم فأعجب بنفسه .... فادعى النبوة.
تلك الشبهة ملخصة.. وإليكم الرد عليها: [2]
1. من حكمة الله تعالى وتقديره، أنه لم يُعلم في مكة يهودي واحد، واليهود استقبلوا محمداً عليه الصلاه والسلامبعد الهجرة بالعداوة صراحة. [3]
2. إن قريشاً أحرص من المنصرين على إثبات بشرية مصدر الوحي ولكنهم ـ وهم الأدرى بحاله وتحركاته ـ لم يرصدوا أنه ذهب إلى معلم كتابي واحد.. ولم يفضحه رفاقه في السفر بأنه التقى بأي حبر أو كاهن.. ومن غير الممكن أن يتردد سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام إلى بيت معلم يعلمه دون أن يلاحظ ذلك أحد، فمكة المكرمة مدينة صغيرة المساحة، أحياؤها ـ بل بيوتها ـ معروفة لكل واحد من أهلها.
3. لم يكن في مكة أي كتاب ديني مدون، ولا مدرسة، ولا فلاسفة كما كانت عليه حضارات اليونان والصين وفارس والهند.
كما أنه لم يُعرف عن اليهود في كل الجزيرة العربية نبوغاً فكرياً ورقياً حضارياً، وفاقد الشيء لا يعطيه! [4]
ولم يكن النصارى أحسن حالاً منهم، بل كانوا لا يملكون حتى التميز بشعر خاص بهم ـ على الأقل ـ، وهذا ما يؤكده المستشرقون من أتباع دينهم. [5](6/214)
4. ومحمد عليه الصلاه والسلاملم يعاشر إلا قومه، ولم يثبت أبداً أنه خرج من مكة قبل البعثة إلا مرتين فقط: مرة وهو صغير مع عمه أبي طالب ومرة في تجارة خديجة وكان مرافقاً له غلامها ميسرة. ولو كان تغيير الدين يحدث بتلك السهولة بسبب التجارة، لكان غالب أهل مكة من اليهود والنصارى. بينما الواقع التاريخي، يثبت أن لا أحد من أهل مكة في الجاهلية قد غير دينه بسبب ما اطلع عليه من ديانات أثناء رحلاته التجارية.
5. الغالبية العظمى من القصص القرآني كانت في السور المكية، أي قبل هجرة الرسول عليه الصلاه والسلام إلى المدينة المنورة واحتكاكه باليهود.
6. لو كان للاتصال باليهود ذلك الأثر الكبير في دعوى النبوة، فلماذا لم ينتقوا أحداً من أهل يثرب أو رجلاً من القريتين عظيم، أو عبد الله بن أبي سلول ـ ليحمي دعوتهم بجاهه وماله؟
7. إن في القرآن الكريم قصصاً لأنبياء وسابقين لا يعرفهم أهل الكتاب، كقصة صالح وهود وشعيب عليهم السلام.. كما أن في القصص القرآني تفاصيل غير موجودة في كتبهم، كمعجزات سيدنا عيسى uونفي صلبه وقتله، وتبرئة الأنبياء مما افتروه عليهم من خطايا وقبائح. [6]
8. معجزاته عليه الصلاه والسلامـ وخاصة معجزة القرآن الكريم البلاغية التي عجز العرب عن مضاهاتها ـ يستحيل أن تكون من تعليم أعاجم.
9. من غير المستغرب أن يجلس سيدنا محمد عليه الصلاه والسلامإلى حداد رومي [7] لبعض حاجات بيته الطبيعية، وليس من المنطق أن يكون القرآن الذي أعجز العرب بنظمه، قد ألقاه إليه ذلك الحداد في عجالة وهو جالس عنده في السوق.. وهل الجلوس عند الحداد فيه من الراحة والاستعدادات النفسية والذهنية ما يؤهله للتعلم، تعلم هذا القرآن العظيم ؟ [8]
أليست مهنة التعليم لذلك الحداد، أيسر عليه من الحدادة ؟
10. أسباب النزول تنفي التعلم المسبق للنبي عليه الصلاه والسلام، فأين كان معلموه المفترضون حين نزل عليه القرآن في غزواته، وهو بين أصحابه يجيب عن أسئلتهم.. هل كانوا لا يُرَون إلا من قِبَل محمد عليه الصلاه والسلام؟
11. لا يمنع أن يوجد في القرآن الكريم ما يوافق ما سبق من كتب سماوية، فالقرآن الكريم لا يقول بأنها كلها محرفة 100% بل فيها تحريف وفيها ما نجا من التحريف [9] .. ومثله ما نسب إلى كتب جهلة اليهود والهراطقة مما ليس موجوداً في الكتاب المقدس المعتمد حالياً.
فقد جعل النصارى من كتب بقايا النصارى الموحدين كتباً ممنوعة القراءة، بعد أن حكموا على رجالها بالهرطقة. بخاصة بعد مجمع نيقية الذي أقر التثليث ونبذ التوحيد.. فما المانع من أن تكون تلك الكتب هي الأقرب إلى الحق، وأن ما بين أيدينا من كتب اعترفت بها الكنيسة لاحقاً هي الباطل؟
12. مخالفة القرآن الكريم عقائد أساسية تميزت بها اليهودية والمسيحية.. كتفضيل الجنس اليهودي وتكريمه على الناس بقبول عبادته لله عز وجل، وكذلك أساس عقيدة النصارى من تثليث وفداء وخلاص.
إن الإسلام هو دين الله الحق، الذي لم ينزل من السماء سواه. إن الدين عند الله الإسلام، دينه الذي من ابتغى غيره سبيلاً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، فكل الأنبياء جاؤوا بالإسلام، ولم يسمِّ أحد منهم نفسه يهودياً ولا نصرانياً بل حنيفاً مسلماً من لدن آدم وحتى محمد عليهما الصلاه والسلام. [10]
وعلى هذا فلا يمكن القبول بزعم أن الإسلام ما هو إلا فرع من شجرة اليهودية أو النصرانية ـ المحرفة عن الإسلام ـ بل هي ذات الرسالة وعين العقائد والمبادئ العامة التي دعا إليها الإسلام.
ويُقال لهم: إن سلمنا معاً أن القرآن الكريم كلام الله تعالي، كالتوراة والإنجيل. فالتشابه بينه وبينها طبيعي لأن مصدرهما واحد. بل لو لم يكن هنالك اتفاق بين القرآن الكريم وتلك الكتب في جميع العقائد لقالوا: كيف يكون مصدرها واحداً وهي لم تتفق في أي عقيدة ؟!
فإن اتفق شيء مما تبقى من عقائد وشرائع الأنبياء السابقين مع الموجود في القرآن الكريم، فهو من أدلة وحدة مصدرها، وإن تفوق القرآن الكريم عليها بكونه كله قطعي الثبوت.
" أما المجاحدون من أهل الكتاب ـ لا سيما دعاة النصرانية في هذا الزمان ـ فهم يقولون فيما وافق القرآن به كتبهم، أنه مأخوذ منها بدليل موافقته لها. وفيما خالفها أنه غير صحيح بدليل أنه خالفها. وفيما لم يوافقها ولم يخالفها به أنه غير صحيح، لأنه لم يوجد عندنا، وهذا منتهى ما يُكابر به مُناظِر مناظراً، وأبطل ما يرد به خصم على خصم ". [11]
ولما كانت شبهة تعلم سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام على يد بحيرا وورقة بن نوفل تشكل أعظم شبهاتهم، فالرد عليها ملخصه ما يلي: [12]
1. إن تلك الشبهة فيها اتهام للنصرانيين الناسكين المتعبدين بالكذب والخداع، ومن غير المعقول أن يكون أواخر عهد ناسكين متعبدين، تسهيل مهمة شخص مخادع يدعي أنه موحى له من عند الله .(6/215)
2. قصر الوقت الذي شاهدهما فيه، فما في القرآن من عقائد وشرائع وقصص تحتاج إلى فترة زمنية طويلة. بل المنطق يقول إن أي إنسان عادي، لن يستطيع تأليف قوانين وشرائع مماثلة لتلك الموجودة في القرآن الكريم، إلا بعد مكث سنوات طويلة من التعلم.
3. أين قريشاً منهما، ولماذا لم يحضروهما ليكونا دليلاً بين أيديهم على بشرية مصدر القرآن الكريم؟
4. لم يصدر عن أي من ملوك النصارى العرب، أو الروم، أو القبط، أو الأحباش.. الذين وصلتهم رسالة الإسلام، أن ما في القرآن الكريم مسروق من عندهم.
5. لماذا لم يستخدما رجلاً أغنى وأكثر جاهاً منه عليه الصلاه والسلام، ليسهل عليهم المهمة ؟
6. كان عمره عليه الصلاه والسلامعندما قابل بحيرا أول مرة تسعة أعوام، ولما تاجر لخديجة كان عمره خمسة وعشرين عاماً. وفي الأولى كان معه عمه، وفي الثانية ميسرة غلام خديجة. [13]
7. هل كان لدى ورقة بن نوفل أي حصيلة علمية أو معرفية، تؤهله ليكون مصدر القرآن الكريم؟ [14]
8. كيف يستطيع ورقة ـ وهو كبير السن ـ أن يصعد إلى الجبل الذي فيه غار حراء، رغم أن صعوده شاق على أشد الشباب قوة؟
9. لم يتهم أي مشرك محمداً عليه الصلاه والسلام بأنه كان يقابل ورقة، رغم أن ذلك الزعم أقوى من اتهام حداد رومي.
10. لماذا تأخر ورقة في إعلان نبوة سيدنا محمد عليه الصلاه والسلامإلى أن بلغ من العمر عتياً، وهل كان يضمن أنه سيعيش ذلك العمر ؟
11. أين باقي تلاميذ بحيرا وورقة ؟ هل من المعقول أن لا يكون لهما إلا تلميذ واحد يتيم فقير؟ ولماذا لم تبعث قريش بفتيانها إليهما ليتعلموا ؟
12. هل رافق بحيرا وورقة محمداً عليه الصلاه والسلامفي كل حركاته وسكناته ؟ إن في أسباب النزول رداً مباشراً على زعمهم.
13. قول ورقة بأن الوحي الذي نزل على سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام هو الذي نزل على موسى لا عيسى عليهما السلام، فلو كان نصرانياً لذكر سيدنا عيسى u. وهذا اعتراف من ورقة على إلهية مصدر القرآن الكريم.
14. لو كان لورقة ذلك التأثير على سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام، لكان أول من يذهب إليه عليه الصلاه والسلامبُعَيد نزول الوحي عليه وهو في غار حراء، قبل أن يعود إلى بيته.
15. لم يذكر التاريخ أن هنالك زيارات معتادة بين بيتي سيدنا محمد عليه الصلاه والسلام وورقة، ولم يكن بينهما صداقة معروفة قبل البعثة كصداقته بأبي بكر tمثلاً.
16. كما لم يزر بحيرا مكة ولا المدينة قبل أو أثناء البعثة النبوية، فكيف له أن يعرف ظروف بيئة الرسول عليه الصلاه والسلاموأحداثاً قبل الهجرة في مكة كموقف المشركين من الدعوة، وغيرها من أسباب نزول الآيات المكية. وبعد الهجرة: كالغزوات والعلاقة مع المنافقين.. وغيرها من أسباب نزول الآيات المدنية ؟
---------
[1] كان ذلك عام 1134م على يد المستشرق اليهودي الألماني أبراهام جايجر، وقد نال عن دراسته تلك جائزة الدولة البروسية. انظر: المستشرقون والقرآن، عمر لطفي العالم، ص17.
[2] انظر: بذل المجود في إفحام اليهود، السموءل، ص147. وقضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل عباس، ص197. ووحي الله، د. حسن عتر، ص185.
[3] ذكر ابن هشام عن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: " كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما، إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله عليه الصلاه والسلامونزل قباء.. غدا عليه أبي وعمي مُغلِّسين. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. ما التفت إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من غم. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت ". انظر: السيرة النبوية 2/123. وقولها: " مغلسين " أي وقت الغلس. والغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. انظر: النهاية في غريب الحديث، الجزري، 4/377.
[4] لم يظهر بين يهود الجزيرة العربية من اشتهر بعلم أو فقه أو فلسفة.. وهذا يدل بالضرورة على عدم ازدهار الحركة الفكرية والثقافية عندهم، فهم آثروا البقاء منعزلين عن العالم، مكتفين بأبسط أنواع الحياة. انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي 6/8. ود. إسرائيل ولفنسون، تاريخ اليهودية في بلاد العرب، ص42.
[5] " ولا يختلف الشعر النصراني عن شعر الشعراء الوثنيين بشيء... من الصعب على الباحث أن يجد فرقاً كبيراً بين شعر الشعراء النصارى وشعر الشعراء الوثنيين. ولهذا ذهب بعض المستشرقين إلى ان من الصعب التحدث عن وجود شعر نصراني عربي له ميزات امتاز بها عن الشعر الوثني قبل الإسلام ". انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، الفصل166، 4/ 1311.
[6] انظر في سفر التكوين ما نسبوه إلى الأنبياء الكرام: نوح u 9/20-27ولوط u 19/30-38وإسحاق u 29.(6/216)
[7] كي يتقن كفار قريش حبك فرية تلقي رسول الله عليه الصلاه والسلامالقرآن، وضعوا في معلمه شرطين: الأول: أن يكون من سكان مكة؛ ليتحقق زعمهم بتلقي القرآن عنه بكرة وأصيلاً. والثاني: أن يكون من غير قومهم وملتهم، ليُمكن عندها أن يُقال إن عنده علم ما لم يعلموا.. والتمسوا الشرطين فلم يجدوهما إلا عند حداد رومي. انظر: مدخل إلى القرآن، د. محمد دراز، ص134.
قلت: لو تحقق الشرطان في ورقة ـ أو غيره من أحبار اليهود والنصارى ـ ، لما أوقعوا أنفسهم في فضيحة انتقاء الحداد معلماً مزعوماً.
[8] الجلوس عند الحداد ـ وخاصة في ذلك الزمان ـ لا يرتاح إليه أحد. وقد وصف ما ينتاب المرء نتيجة ذلك الجلوس، من أوتي جوامع الكلم عليه الصلاه والسلامبأروع وصف حين قال: " مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ. لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ. وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ". رواه البخاري في البيوع باب في العطار وبيع المسك 2101 . ولك أن تتخيل كيفية استماع القرآن الكريم لأول مرة، وأصوات مطارق الحدادين، ونار الكير، ناهيك عن الرائحة التي تصد حضور الذهن الضروري لأي تعليم.. فلو أراد حفظ نشيدٍ من أناشيد الأطفال في ذلك الجو، لكان متعذراً عليه !
[9] قال تعالى: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " [الأنبياء: 105] وفي مزامير داود [37/11] " الأبرار يرثون الأرض ". فذكر ذلك بكل مصداقية، عكس متى الذي اقتبس تلك الفقرة ذاتها في إنجيله [5/5] دون الإشارة إلى اقتباسها.
[10] قال ابن تيمية: وجميع الأنبياء كانوا على دين الإسلام. انظر مجموع الفتاوى 27/370 وانظر الأدلة على كون كل الأنبياء دينهم الإسلام في: الخطاب الدعوي للأنبياء والدعاة في القرآن الكريم، عبد الرحيم الشريف، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة آل البيت، الأردن، 2001م، ص16-76.
[11] تفسير المنار، محمد رشيد رضا 3/249.
[12] انظر: الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، ص32-39 والقرآن ليس دعوة نصرانية، د. سامي عصاصة ص65-117. ووحي الله، د. حسن عتر، ص139-165.
[13] انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، 1/23. والبداية والنهاية، ابن كثير، 2/295.
[14] كان ورقة يعبد الأصنام طيلة ستين سنة، ثم ذهب يبحث عن أفضل دين هو ومجموعة من أصدقائه، وترددوا بين الشرك والنصرانية واليهودية، ثم استقر رأيه ورأي أكثرهم على الحنفية. وكان عمر ورقة عند بعثة النبي مائة سنة. انظر: البداية والنهاية لابن كثير: 2/340 والسيرة الحلبية لعلي الحلبي 1/116، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 2/616. فهو لا يملك ذلك العلم الواسع.
================
شبهة حول العنكبوت، قوة خيطه
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
نص الشبهة حرفياً:
" اين الاعجاز العلمي في اية: مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) (العنكبوت:4)
هل تعلم ان العلماء صنعوا خيطا من الحديد الصلب في مثل سمك خيط بيت العنكبوت، وجربوه في شئون الهندسة بما يسمى (قوة تحمل الشد) فوجدوا انه ليس هناك مقارنة بين قوة خيط بيت العنكبوت وخيط الحديد الصلب (بنفس السماكة) بل علي [الصواب: على] العكس، وجدوا ان خيط بيت العنكبوت يتحمل قوة الشد اضعاف المرات ما يتحمله خيط الحديد الصلب بمعنى ان خيط الحديد الصلب انقطع في مراحل مبكرة قبل خيط العنكبوت) في هذا الاختبار العلمي. اين الان الاعجاز العلمي، وقد اثبت العلم ان بيت العنكبوت اقوى من بيت الحديد الصلب
http://news.bbc.co.uk/hi/a abic/news/newsid_1767000/1767357.stm
نجحت شركة كندية في استنساخ الطبيعة من خلال إنتاج خيوط العنكبوت الحريرية، وهي مادة تبلغ قوتها ومتانتها خمسة أضعاف متانة وقوة الفولاذ، إذا ما قورنت وزنا بوزن.
ويقول رئيس شركة نكسيا للتكنولوجيا الحيوية الدكتور جفري تيرنر، في تصريح لـ بي بي سي أونلاين، إن المادة المنتجة لها ملمس الحرير الذي تنتجه دودة القز، ولها مرونة وقوة مذهلة. يشار إلى أن العناكب تنتج خيوطها الحريرية بشكل طبيعي من بروتين ممزوج بالماء تخرجها من فتحة صغيرة جدا من أبدانها لتشرع في نسجها كما هو حال الخيط العادي. وقد استنبت علماء الشركة الكندية مورثات العنكبوت في خلايا حيوان ثديي بهدف الحصول على نسختهم الخاصة بخيط العنكبوت، حتى أصبحت الشركة تمتلك ماعزا معدلا وراثيا ينتج البروتين نفسه في حليبها.
اهتمام عسكري(6/217)
ويعرف عن خيط العنكبوت أن له مواصفات ممتازة في تصنيع مواد مهمة مثل الدروع التي تحمي الأجسام، والخيوط الجراحية، وحتى خيوط شباك صيد السمك وخيط الصنّارة. لكن المشكلة التي تواجه القطاع الصناعي تتمثل في إيجاد طريقة لإنتاج هذه المادة بكميات صناعية مجدية. وقد سبق للجيش الأمريكي أن أعرب عن اهتمامه بالموضوع منذ الستينيات، بعد أن تعرض آلاف الجنود الأمريكيين إلى الموت بفعل الطلقات النارية ذات الفعالية النافذة القادرة على تحقيق اختراق شديد في الجسم، والتي تعرف في بعض الجيوش العربية بالرصاص الحارق الخارق. ولم يكن بالإمكان حماية جسد الجندي منها إلا بارتداء دروع ثقيلة الوزن معيقة للحركة، وقد وجد الجيش الأمريكي أن خيوط العنكبوت هي المادة المثالية لانتاج درع واق خفيف الوزن وفعال جدا".
الجواب: الآية الكريمة هي قمة الإعجاز اللغوي البياني التي ما عهد العرب مثلها قط.
إن القرآن الكريم في هذه الآية الكريمة تحدث عن أوهن البيوت، ولم يتحدث عن أوهن الخيوط.
بل حتى يكتمل سياق الآية الكريمة والمراد منها، لابد أن يكون كل خيط من خيوط العنكبوت قوياً لوحده.
فالآية الكريمة تتحدث عن مَن يبحث عن ولي ينصره من دون الله Yـ من يبحث عنه يجب أن يكون قوياً في كثير من (خيوطه) بداهة ـ وإلا لما التمس فيه القوة والقدرة على حمايته.
ولكن الله Yيصحح مفاهيم الناس، فيبين لهم أن من يبحثون عنده الأمان والحفظ، هو ذاته عاجز عن توفير الأمان لنفسه.
فالعنكبوت إن نزل مطر شديد أو هاجمها طير فإنها تترك بيتها، وتلجأ إلى ثقبٍ في جذع شجرة، أو تحت حجر.. تاركة بيتها التي تعلم يقيناً أنه لا يغنيها شيئاً.
ولهذا، من طلبَ النجاة من البلل بالمطر، أو التمس الظل أو الحماية من عدو.. بجلوسه تحت بيت العنكبوت، فهو من أحمق الناس؛ لأن بيت العنبوت لو كان مفيداً في أيٍّ من ذلك، لوفره للعنكبوت صاحبة البيت. ولكن العنكبوت ـ وهي الأدرى بخصائص بيتها ـ لم تلتجئ ببيتها عند الشدائد.
مثلاً: الولايات المتحدة الأمريكية، كل خيط من خيوطها قوي (العسكري، الاقتصادي، السياسي، التقني..) ولكنها عاجزة عن توفير الحماية لأبناء وطنها.. فهي تشهد أكبر نسبة جريمة منظمة في العالم، وأكثرها إدماناً على المخدرات والخمور والأمراض كالسرطان والإيدز.. الخ
فمن يطلب من أمريكا حمايته من دول وشعوب، كمن يلتجئ عند المطر، أو التماساً للظل في شدة الحر.. بالنزول تحت بيت العنكبوت، التي لم تستفد من بيتها في هذا أو ذاك.
لو كان القرآن الكريم من تأليف محمد صلى الله عليه وسلملما وجد حرجاً في أن يقول: " إن أوهن الخيوط لخيط العنكبوت ". فمن كان سيكذبه بحسب معارف ذلك الزمان ؟
وسبحان منزل القرآن !
==================
الرد علي نقل سورة يوسف من التوراة
- ابن الفاروق
قال فاندر صاحب كتيب ميزان الحق
أن القصص القرآني مأخوذ من التوراة والأنجيل أو كما يقول حرفيا :
((عدا ذلك أن كثيراً من القصص الواردة في القرآن وردت في الكتاب المقدس ومن أمثال ذلك قصة يوسف - سورة يوسف - وقد تكون في القرآن مغيرة عن الأصل تغييراً يطابق التقاليد اليهودية المتأخرة أكثر من آيات التوراة المتقدمة
كما شرحنا ذلك في كتاب تنوير الأفهام في مصادر الإسلام وكذلك يشتمل القرآن على مقتبسات كثيرة جداً من أسفار الكتاب المقدس لا يمكن تعليلها ولا فهمها إلا بمراجعة الأصل فنقتصر على ذكر واحدة منها)).
فنقول أن هذا نوع من التلبيس وإستغفال للقارئ النصراني والغرض منه إيهامه بأشياء لا وجود له خارج عقل صاحب الكتيب (في حالة وجود عقل) ونحن إنما نقول هذا لأن المسلمين يؤمنون بمن سبقهم من الرسل ويقص علينا القرآن قصصهم أيضا كما حدثت فوجود تشابه لا يعني شئ وإن كان له معني فهو صدق الرسول عليه الصلاة والسلام وصدق القرآن المنزل عليه وحتي نؤكد للقارئ المسيحي الدجل الذي يقوم به صاحب الكتيب من تخريف بل وتحريف كتابه تعالوا معا لنري هل أخذ القرآن قصة يوسف عليه السلام من العهد القديم ام لا وأستعدوا للضحك لأن بقصة يوسف الموجودة في العهد القديم تخاريف لا يصدقها سوي المجانين ولإيضاح هذا وأثباته تعالوا نري التخريف بعينه إذ يذكر العهد القديم في سفر التكوين التالي :
39: 1 و اما يوسف فانزل الى مصر و اشتراه فوطيفار خصي فرعون رئيس الشرط رجل مصري من يد الاسمعيليين الذين انزلوه الى هناك(6/218)
فنري هنا في هذا العدد أن من أشتري يوسف من الإسماعليين هو فوطيفار (خصي) فرعون رئيس الشرط هل لاحظ القاري كلمة خصي والتي تعني أنه بلا خصيتين و الخصي هو من تسل خصيتاه لكي تسلب رجولته و كان هذا العمل شائعا في الماضي كثيرا، خصوصا في العوائل الحاكمة و المالكة فكانوا يخصون الرجال الذين كانوا يترددون بين الحريم و يحتاج الى دخولهم الى بيت الحريم لاجل الخدمة و سائر الاعمال اللازمة لكي يضمنوا بشكل كامل عدم صدور خيانة منهم. ونتوقف في هذا العدد عند هذه النقطة ثم نكمل مع سفر التكوين أيضا فنجده يقول :
39: 7 و حدث بعد هذه الامور ان امراة سيده رفعت عينيها الى يوسف و قالت اضطجع معي
(((زوجة الخصي !!!!! ))) تطلب من يوسف أن يمارس معها الزنا وقد يسأل نصراني وماذا في هذا فنجيبه يالها من معجزة لا يأتي بمثلها سوي مغفل ولا يصدقها سوي من سفه نفسه فهل يمكن للخصي أن يتزوج هل للخصيان زوجات سبحان الله هذه المعجزة مع كل ما قرأت من كتب لم أجد لها مثيل خصي سلبت رجولته وله زوجة ومن يدري ربما عند إصدار النسخة المنقحة المعدلة ينجب أطفال أيضا .
أما الرواية القرآنية فتقول أنها كانت زوجة عزيز مصر أي أن سيده الذي أشتراه كان عزيز مصر وليس (((خصي !!)))
) وَقَالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ تُرَاوِدُ فَتَاهَا عَن نَّفْسِهِ قَدْ شَغَفَهَا حُبّاً إِنَّا لَنَرَاهَا فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ ( [يوسف : 30].
والفرق بين النص القرآني والتوراتي هو الفرق بين الثريا والثري جاء النص القرآني ليكشف زيف وكذب النص التوراتي الملفق الذي وصل بمؤلفه من السفه بأن يجعل للخصي زوجة جاء النص القرآني ليعطينا الحكمة والموعظة ولم يأتي ككتاب مواليد وشهر عقاري ليذكر لنا الأسماء والأماكن بل ويناقض نفسه فيها كما نري في مئات الأعداد الملفقة في كتب اليهود والنصاري والتي سنذكرها في موضعها في الباب القادم .
وليسمح لي صاحب الكتيب أن أطرح سؤالا وأسأله لماذا لم يأخذ القرآن قصة مثل قصة شمشون عندما ربط الثعالب في بعضها البعض وأطلقها في حقول الفلسطنيين هل لسخف القصة مثلا أو لإنعدام الحكمة فيها ؟ ولماذا لم يقتبس أيضا قصة أو قصة لوط لما أغتصبته أبنتاه مثلا هل لسفالتها وللأسوة السيئة التي تقدمها القصة لمن يؤمن بمثل هذا الكتاب ؟ ولماذا لم ينتحل قصة دياثة أبراهيم وهو منكم براء هل لأنها تشجع مثلا علي إخراج جيل من القوادين ؟ ولماذا ولماذا ولماذا .... ولماذا ؟.
==============
تفنيد تفصيلي لشبهة مصحف ابن مسعود و عدم قرآنية المعوذتين
د/هشام عزمي
كل شبهة تنسب لهذا الدين سببها واحدة من اثنتين : إما زلة عالم و إما قول جاهل ، و أفرح الناس لزلة العالم هو ذلك الجاهل ، حتى إذا قيل له : قولك خطأ ، قال : قال به فلان من العلماء ، و يجعل هذا العالم المخطئ درعًا يحتمي ورائه .. فإذا تبنى قولاً لرجل جليل فاضل لا نشك في علمه و قدره ، و قيل له : أخطأ الشافعي – مثلاً – قال : هذا من جهلكم بقدور العلماء و مكانتهم ، و نسب مخالفيه إلى الجهل ، و ربما إلى بغض العلماء !
ثم ها هي مواقع الإنترنت و الفضائيات يتكلم فيها كل واحد و أي واحد عن الدين بجهل ، و ينسب إليه ما يمليه عليه هواه .
لكن قبل أن نتطرق للمسألة التي نحن بصددها لا بد أن نتفق على أصول يتأسس عليها الرد على الشبهة ، و سنضع ثلاثة أصول ، و ينبغي أن توضع هذه الأصول الثلاثة قبل أي حوار في مسائل الدين ؛ لأنه يستحيل إذا اتبع المرء الأصول الصحيحة أن يقع في أي شبهة إن شاء الله .(6/219)
الأصل الأول : هو أن المعصوم الوحيد الذي لا يرد كلامه و لا يجوز معه الاعتراض هو رسول الله صلى الله عليه و سلم .. و يدل على ذلك أن الله أوجب على المسلمين اتباع الرسول فيما يأمر و ينهى فقال : { وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا } ( الحشر : 7 ) ، و قرن طاعة الرسول بطاعته في آيات كثيرة من القرآن فقال : { وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } ( آل عمران : 132 ) ، و حث على الاستجابة لما يدعو ، فقال : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ } ( الأنفال : 24 ) ، و اعتبر طاعته طاعة لله و اتباعه حبًا لله : { مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ } ( النساء : 80 ) ، و قال أيضًا : { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ } ( آل عمران : 31 ) . و حذر أيضًا من مخالفة أمره : { فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ } ( النور : 63 ) . بل أشار أن مخالفته كفر : { قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ } ( آل عمران : 32 ) . و لم يبح للمؤمنين مطلقًا أن يخالفوا حكمه أو أوامره { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } ( الأحزاب : 36 ) . و اعتبر من علامات النفاق الإعراض عن تحكيم الرسول في مواطن الخلاف : { وَيَقُولُونَ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالرَّسُولِ وَأَطَعْنَا ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (47) وَإِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ (48) وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ (49) أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمَ الظَّالِمُونَ (50) إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَنْ يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (51) } ( النور : 47-51 ) . بل جعل من لوازم الإيمان ألا يذهبوا حين يكونون مع رسول الله دون أن يستأذنوا منه : { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آَمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولَئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمُ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ } ( النور : 62 ) .. قال ابن القيم رحمه الله : (( فإذا جعل الله من لوازم الإيمان أنهم لا يذهبون مذهبًا إذا كانوا معه إلا باستئذانه ، فأولى أن يكون من لوازمه ألا يذهبوا إلى قول و لا مذهب علمي إلا بعد استئذانه ، و إذنه يعرف بدلالة ما جاء به على أنه أذن فيه )) ابن قيم الجوزية ، إعلام الموقعين ج1 ص58 .
الأصل الثاني : هو أنه لا معصوم إلا الرسول صلى الله عليه و سلم ، و أن غيره من العلماء يخطئ و يصيب ، و ليس في دين المسلمين أن نقبل كل أقوال أي عالم مهما بلغ قدره و علمه ؛ بل نحفظ له مكانته و لا نتبعه في زلته .. فنحن إذ نرد على أي عالم ، لا نزال نحفظ له مكانته و نحترمه و نبجله و نعظمه و نطيعه ما أطاع الله و رسوله . و مع ذلك ، لا نتبعه في زلته و لا نطيعه فيما أخطأ فيه . و كان الإمام مالك رضي الله عنه إذا استنبط حكمًا قال : (( انظروا فيه فإنه دين ، و ما من أحد إلا مأخوذ من كلامه و مردود عليه إلا صاحب هذه الروضة )) و أشار بإصبعه إلى قبر الرسول صلى الله عليه و سلم .. و معروف لدى الكافة أن العلماء يختلفون في المسألة الواحدة و يرد بعضهم على بعض ، و الحق واحد لا ريب و ليس متعددًا بعدد العلماء . فإن قال عالم قولاً عليه دليل معلوم اتبعناه ، و إن رددنا على عالم كبير جليل قوله فليس معنى هذا أننا ننتقصه .. و هاهم النصارى إذا واجهناهم بكلام أحد علمائهم أو أكابر ملتهم قالوا : (( كان رجلاً واحدًا و سها )) انظر المناظرة التقريرية بين الشيخ رحمت الله الهندي و القسيس بفندر ص9 .(6/220)
الأصل الثالث : أنه ليس كل كلام موجود في الكتب يكون حقًا ؛ فقد وجد كلام باطل بل هو من أبطل الباطل قال به ناس و وضعه أهل العلم في الكتب على سبيل إيراد مختلف الآراء و الأقوال . فهاهو الإمام القرطبي يذكر عن البعض في تفسيره لسورة القلم أن (ن) هو (( الحوت الذي تحت الأرض السابعة )) و (( إن النون هو الحوت الذي عليه الأرضون )) و يكتب في تفسيره : ((و قال الكلبي و مقاتل : اسمه البهموت . قال الراجز :
مالي أراكم كلكم سكوتا ::: والله ربي خلق البهموتا
و قال أبو اليقظان و الواقدي : ليوثا . و قال كعب : لوثوثا . و قال : بلهموثا . و قال كعب : إن إبليس تغلغل إلى الحوت الذي على ظهره الأرضون فوسوس في قلبه ، و قال : أتدري ما على ظهرك يا لوثوثا من الدواب والشجر والأرضين وغيرها ، لو لفظتهم ألقيتهم عن ظهرك أجمع ؛ فهم ليوثا أن يفعل ذلك ، فبعث الله إليه دابة فدخلت منخره ووصلت إلى دماغه ، فضج الحوت إلى الله عز وجل منها فأذن الله لها فخرجت . قال كعب : فوالله إنه لينظر إليها وتنظر إليه إن هم بشيء من ذلك عادت كما كانت )) تفسير القرطبي ج29 ص442 . و لا يخفى ما في هذا الكلام من السخافة و الهذيان .
و هاهو المشعوذ الحلاج يمدح إبليس فيقول : (( و ما كان في أهل السماء موحد مثل إبليس )) الحلاج ، الطواسين ص42 . ثم يدافع عن فرعون بإصرار و يتخذه و إبليس أستاذين له قائلاً : (( فصاحبي و أستاذي إبليس و فرعون ، و إبليس هدد بالنار و ما رجع عن دعواه ، و فرعون أغرق في اليم و ما رجع عن دعواه ، و لم يقر بالواسطة البتة . و إن قتلت أو صلبت أو قطعت يداي و رجلاي ما رجعت عن دعواي )) المصدر السابق ص51-51 .. فهذا كلام لا يقبله عاقل ، و رغم هذا موجود في الكتب و قال به ناس . لهذا لا نقبل أي قول في الكتب أو غيرها إلا إذا كان عليه دليل معلوم ، فإن افتقر الكلام إلى الدليل لم يكن له وزن و لا اعتبار . و إن كان دليله ضعيفًا أو باطلاً أو مرجوحًا كان اعتباره بقدر دليله .
فصل في أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجب الجزم بصدقه والجزم ببطلان ما عارضه
و هذه قاعدة شريفة جليلة مفطور عليها عقل ابن آدم ؛ فهو إن ثبت لديه أمر ما بالأدلة و البراهين علم قطعًا أن عكس هذا الأمر باطل لا يجوز ، حتى إن وردت عليه شبهة بخصوص هذا الأمر لم تخرج عن كونها شبهة بالنسبة له يعلم فسادها يقينًا و إن لم يكن يعلم كيفية الرد عليها . و هذا أمر نراه كثيرًا في المسلمين الذين ترد عليهم الشبهات بخصوص أمور معلومة من الدين بالضرورة و لا يشكون في بطلان هذه الشبهات و يعلمون في قرار أنفسهم أنها شبهات فاسدة و أن الحق بخلافها لكنهم يعجزون عن الرد عليها ردًا علميًا أصيلاً فيسعون لمن لديه الرد على هذه الشبهات يسألون و يستفسرون .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي - رحمه الله - في تفسيره لقوله تعالى : { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون * الحق من ربك فلا تكن من الممترين } : (( وفي هذه الآية وما بعدها دليل على قاعدة شريفة وهو أن ما قامت الأدلة على أنه حق وجزم به العبد من مسائل العقائد وغيرها ، فإنه يجب أن يجزم بأن كل ما عارضه فهو باطل ، وكل شبهة تورد عليه فهي فاسدة ، سواء قدر العبد على حلها أم لا فلا يوجب له عجزه عن حلها القدح فيما علمه ، لأن ما خالف الحق فهو باطل ، قال تعالى فماذا بعد الحق إلا الضلال وبهذه القاعدة الشرعية تنحل عن الإنسان إشكالات كثيرة يوردها المتكلمون ويرتبها المنطقيون ، إن حلها الإنسان فهو تبرع منه ، و إلا فوظيفته أن يبين الحق بأدلته ويدعو إليه ))
و كلام العلامة السعدي – رحمه الله – حق لا نزاع فيه ؛ فليس لازمًا على كل مسلم معرفة الردود على الشبهات و الأباطيل لأن معرفة الحق و أدلته تغني عن الرد على الأباطيل التي تعارضه ، فالحق واحد و الأباطيل عديدة . و سواء قدر المرء على تفنيد الشبهات و الافتراءات أم لا ، فهذا لا يطعن أبدًا في الحق المقطوع به الذي يؤيده الدليل القطعي ؛ لأن كل ما يخالف هذا الحق فهو باطل بالضرورة حتى دون البحث في أدلته و تفنيدها
. باب في الأدلة على كون المعوذتين من سور القرآن الكريم
قبل أن نذكر الشبهات حول قرآنية المعوذتين نود أن نستعرض الأدلة الصحيحة القطعية على كونهما من القرآن العظيم ، و نبدؤها بوقوع التواتر القطعي لهما ضمن باقي السور ، و معه تواتر المعوذتين عن ابن مسعود نفسه رضي الله عنه .
والأصل في رواية القرآن وتلقّيه على السماع والحفظ ، لا على الكتابة والمصاحف .. وقد صار هذا ديدنًا لعلماء القراءات يذكرونه في فواتح كتبهم، بعبارات شتى، ومعنًى واحدٍ
ومن ذلك قول أبي عمرو الداني في مقدمة كتابه ((نقط المصاحف)) : ((هذا كتاب علم نقط المصاحف وكيفيته على صيغ التلاوة ومذاهب القراءة)).(6/221)
ويقول ابن خالويه في بيان منهجه في كتابه : ((فإني تدبرت قراءة الأئمة السبعة، من أهل الأمصار الخمسة، المعروفين بصحة النقل وإتقان الحفظ، المأمونين على تأدية الرواية واللفظ))ابن خالويه ، الحجة في القراءات السبع ص61.
وهكذا ترى جميع أهل العلم يقرون بأن نقل القرآن هو في الأصل سماعي لا كتابي :
يقول ابن الجزري : ((ثم إن الاعتماد في نقل القرآن على حفظ القلوب والصدور، لا على خط الْمصاحف والكتب، وهذه أشرف خصيصة من الله تعالى لِهَذِهِ الأمة)) النشر في القراءات العشر لابن الجزري 1/6.
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمة الله عليه : ((والاعتماد فى نقل القرآن على حفظ القلوب لا على المصاحف؛ كما فى الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ أنه قال: (إِنَّ ربى قال لي أَن قم في قريش فأنذرهم فقلت: أي رب إذًا يثلغوا رأسي - أي يشدخوا- فقال: إني مبتليك ومبتل بك ومنزل عليك كتابا لا يغسله الماء تقرؤه نائما ويقظانًا فابعث جندا أبعث مثليهم وقاتل بمن أطاعك من عصاك وأَنْفق أُنْفِق عليك)؛ فأخبر أن كتابه لا يحتاج في حفظه إلى صحيفة تغسل بالماء بل يقرؤه فى كل حال، كما جاء في نَعْتِ أُمَّتِه: (أناجيلهم فى صدروهم)، بخلاف أهل الكتاب الذين لا يحفظونه إلا في الكتب ولا يقرأونه كله إلا نظرًا لا عن ظهر قلب)) مجموع الفتاوى لابن تيمية 13/400.
وفي تفسير الآلوسي : ((المرعى فيه السماع من النبي صلى الله تعالى عليه وسلم)) روح المعاني للآلوسي 1/21.
ويقول الزرقاني : ((وقد قلنا غير مرة: إن المعول عليه وقتئذٍ كان هو الحفظ والاستظهار، وإنما اعتمد على الكتابة كمصدر من المصادر زيادة في الاحتياط ومبالغة في الدقة والحذر)) مناهل العرفان 1/177.
وانظروا ما رواه لنا ابنُ مجاهد في ((كتاب السبعة في القراءات)) ص51 (وسأختصر الأسانيد هنا) :
ـ عن محمد بن المنكدر قال : ((قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول)) قال : وسمعت أيضا بعض أشياخنا يقول عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز مثل ذلك.
ـ وعامر الشعبي قال : ((القراءة سنة فاقرءوا كما قرأ أولوكم)).
ـ وعن صفوان بن عمرو وغيره قالوا: سمعنا أشياخنا يقولون : ((إن قراءة القرآن سنة يأخذها الآخر عن الأول)).
ـ وعن عروة بن الزبير قال : ((إنما قراءة القرآن سنة من السنن فاقرءوه كما عُلِّمتموه)).
وفي لفظٍ عن عروة بن الزبير قال : ((إنما قراءة القرآن سنة من السنن فاقرءوه كما أُقْرئتموه)).
ـ وعن زيد بن ثابت قال : ((قراءة القرآن سنة)).
وغير هذا كثير في كلام الصحابة والتابعين وأهل العلم .
وبناء على ما سبق ، فقد أَرَسَلَها أئمتُنا الكرام رضي الله عنهم قاعدةً أصيلةً حَمَلَتْها الركبان إلى جميع الأقطار ؛ لتقول لهم : (( لا تأخذوا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ، ولا الحديث عن صُحُفِيٍّ )) .. فقطع أئمتُنا بذلك كل طُرق الاعتماد في نقل القرآن على الكتابة والمصاحف، وتركوا الباب مفتوحًا أمام السماع والأسانيد لا غير .
ـ فَعَن سليمان بن موسى أَنَّه قال : (( لا تأخذوا الحديثَ عن الصُّحُفيِّين، ولا تقرؤوا القرآنَ على الْمُصْحَفِيِّين)) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/31 ، والمحدث الفاصل للرامهُرْمزي ص211 .
ـ وقال سعيد بن عبد العزيز : (( لا تأخذوا العلم عن صُحُفِيٍّ، ولا القرآن مِنْ مُصْحَفِيٍّ )) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم 2/31 .
ـ ويقول الوليد بن مسلم : (( لا تأخذوا العلم من الصُّحُفيِّين ولا تقرءوا القرآن على الْمُصَحَفِيِّين ؛ إلا مِمَّن سمعه مِن الرجال وقرأَ على الرجال )) تاريخ دمشق لابن عساكر 63/292 ، وتهذيب الكمال للمزي (3/98 .
ـ ويقول السخاوي في (فتح المغيث) 2/262 : (( والأخذ للأسماء والألفاظ من أفواههم - أي العلماء بذلك ، الضابطين له ممن أخذه أيضًا عمن تقدم من شيوخه وهلم جرَّا - لا من بطون الكتب والصُّحُف من غير تدريب المشايخ : أَدْفَع للتَّصحيف ، وأَسْلَم من التبديل والتحريف....
وقد روينا عن سليمان بن موسى أنه قال: كان يقال : لا تأخذوا القرآن من مصحفي ولا العلم من صحفي.
وقال ثور بن يزيد: لا يفتي الناس صحفي ولا يقرئهم مصحفي.
وقد استدل بعضهم بقول عمران -لما حَدَّث بحديثٍ عن النبي صلى الله عليه وسلم وقال له بشير بن كعب: إن في الحكمة كذا-: أُحَدِّثك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحدثني عن الصحف؟
وروينا في مسند الدارمي عن الأوزاعي أنه قال: ما زال هذا العلم في الرجال حتى وقع في الصحف فوقع عند غير أهله )) . أهـ
ـ ويقول الصنعاني في (توضيح الأفكار) 2/394 : (( ويقال: لا تأخذ القرآن من مُصْحَفِيٍّ ولا العلم من صُحُفِيٍّ )) .
نخلص من هذا بأن القرآن الكريم بجميع سوره وأياته متضمنًا المعوذتين قد بلغنا سماعًا من المشايخ القراء جيلاً بعد جيل ، وهؤلاء المشايخ يرجعون في النهاية إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم .. فهذا أكبر دليل على تواتر المعوذتين وكونهما جزءًا من القرآن الكريم .(6/222)
=====================
فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ
بسم الله الرحمن الرحيم
وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطَهِّرِينَ (222) نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ (223)
قول الله عز وجل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ المَحِيضِ) أرد بذلك توضيح كل ما يخص بالمحيض من ( الدم + مكان الحيض + زمان الحيض ) وهذا للتوضيح ، لأنهم ثلاث نقاط متصلين ببعضهم البعض .
فهل دم المحيض أذى للرجل والمرأة ؟ .... نعم للاثنين معاً ، لأن الآية أقرت بذلك ... لأن دم المحيض هو دم يحتوي على أنسجة غير حية وهذا يعرض الطرفين لأضرار صحية ، غير أن المرأة تكون بحالة ضعف شديدة في قوتها وجسدها ، بدليل أن الله سبحانه وتعالى رخص لها عدم الصيام والصلاة في هذه الفترة ، فرحمة الله الواسعة على عباده ، فأمر الرجل أن يعتزل المرأة في هذه الفترة لكي لا يرهقها بأكثر مما هي عليه .
وقول الله عز وجل (فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي المَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ ) ...
فهذا الوضوح في المعنى يكشف زيف أعداء الإسلام ، لأن المعني يوضح أن على الرجال أن لا يقربوهن في المحيض ( أي في مكان الحيض ) .. وكلمة حتى يطهرن .. تؤكد أن القصد بمكان المحيض وليس المرأة ككل ، فهي حلال لك في هذا التوقيت دون المباشرة الجنسية .... فما فوق السرة وما فوق الملابس فهو مباح .
أما الخرافات التي تنسب للمرأة في هذه الفترة بالكتاب المقدس فليس لنا بها شأن ، فالمرأة عندهم نكره بدون حيض أو بحيض
وتطهرن تعني أن يغتسلن استجابة لتشريع الله لهن بالتطهر ، فلا مباشرة قبل الاغتسال
فالله عز وجل أحب أن يوضح لعباده أن حبه للذين يتوبون إليه مماثلة للذين يتطهروا ... فالله عز وجل يحب منك أيها العبد أن تتطهر مادياً ومعنوياً
ونظراً لخرافات أهل الكتاب ، فكان اليهود يدعون أن الرجل إذا أتى امرأته من خلف ولو في قُبلها ( بضم القاف... أي مكان الإتيان) جاء الولد احول ( اللهم احول أبصار كل ضال ) ... فلعدم صحة هذه الخرافة قال تعالى :
نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُم مُّلاقُوهُ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِين
فما المقصود من كلمة حَرْثٌ ؟
فالحرث هو مكان استنبات النبات ... وقال تعالى ( ويهلك الحرث والنسل ) 205 البقرة
فأتوا يا معشر الرجال نسائكم في مكان الحرث أي مكان الزرع ، زرع الولد ، أما المكان الذي لا ينبت منه الولد فلا تقربوه .
ولكن النصارى لجهلهم ومحاولاتهم الفاشلة للتشكيك في القرآن ، يدعوا أن الآيتين يناقضوا بعضهم البعض ... فآية يقول الله (فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ) والآية الأخرى تقول (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) أي إتيان المرأة في أي مكان ... ولا حول ولا قوة إلا بالله .... فهذا خطأ
لأن قول الله عز وجل (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَّكُمْ ) يعني محل استنبات الزرع ، والزرع بالنسبة للمرأة والرجل هو الولد ، فأتها في المكان الذي ينجب الولد على أي جهة شئت ... لأن ما جاء عن أهل الكتاب هو خطأ وجهل ولا أساس له من الصحة.
وقول الله عز وجل (وَقَدِّمُوا لأَنْفُسِكُمْ) .. أي إياك أن تأخذ المسألة استمتاع جنسي فحسب (كما يدعي النصارى أن النكاح في الإسلام للمتعة فقط) بل يريد الله سبحانه وتعالى أن يظهر لك أيها المسلم أن العملية الجنسية في أصلها هو الإنجاب ... فلا تأخذوا المتاع اللحظي العاجل علي أنه الغاية بل خذوه لما هو آت .
يا الله : ماذا نقدم لأنفسنا ؟
ماذا نفعل حتى لا نشقى بمن يأتي من مولود ؟
أخي في الله
عليك أن تتبين هذه العملية فقدم لنفسك شيئاً يريحك ، وافعل ما علمنا به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم : فساعة تأتي هذه النعمة وتقترب من زوجتك لابد أن تسمي الله وتقول (( اللهم جنبني الشيطان وجنب الشيطان ما رزقتني ))
فعندما يأتي المسلم أهله وينشأ وليد ، فلن يكون للشيطان عليه دخل ... وقال العلماء : لا يمكن أن يؤثر فيه سحر ، لماذا كل ذلك ؟
لأنك أخي المسلم ساعة استنبته أي زرعته ، ذكرت المنبت وهو الله عز وجل ، وما دمت ذكرت المنبت الخالق فقد جعلت لابنك حصانة أبدية فينعم عليك الخالق بالولد الصالح ، هذا الولد يدعوا لك ولسائر المسلمين ، ويعلم أولاده أن يدعوا لك ولسائر المسلمين ، وأولاد أولاده يدعون لك ولسائر المسلمين ، وتظل المسألة مسلسلة فلا ينقطع عملك إلى أن تقوم الساعة، وهنا تكون قد قدمت لنفسك افضل ما يكون التقديم .(6/223)
وعلى عكس ذلك ينشأ الطفل الذي ينسى والده ذكر الله عندما يباشر أهله فيقع أولاده فريسة للشيطان .. والعياذ بالله .
أخي المسلم ... لا تغضب ربك في أي عمل من هذه الأعمال ، وكن على حذر فإنك ملاقي الله عز وجل ، فلا تشك في هذا اللقاء ولا تتخاذل ... فمادمت ستتقي الله وتكون على يقين أنك تلاقيه فلم يبقى لك إلا أن تُبَشَّر بالجنة .
الشيخ / محمد متولي الشعراوي
=============
وإن منكم إلا واردها
( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضياً "71")
وهذا خطاب عام لجميع الخلق دون استثناء، بدليل قوله تعالى بعدها:
{ ثم ننجي الذين اتقوا .. "72"} (سورة مريم)
إذن: فالورود هنا يشمل الأتقياء وغيرهم.
فما معنى الورود هنا؟ الورود أن تذهب إلى مصدر الماء للسقيا أي: أخذ الماء دون أن تشرب منه، كما في قوله تعالى:
{ ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون .. "23"}
(سورة القصص)
أي: وصل إلى الماء.
إذن معنى:
{وإن منكم إلا واردها .. "71"} (سورة مريم)
أي: أنكم جميعاً متقون ومجرمون، ستردون النار وترونها؛ لأن الصراط الذي يمر عليه الجميع مضروب على متن جهنم.
وقد ورد في ذلك حديث أبي سعيد الخدري قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يوضع الصراط بين ظهراني جهنم، عليه حسك كحسك السعدان ثم يستجيز الناس، فناج مسلم، ومخدوش به، ثم ناج ومحتبس به، ومنكوس ومكدوس فيها"
فإذا ما رأى المؤمن النار التي نجاه الله منها يحمد الله ويعلم نعمته ورحمته به. ومن العلماء من يرى أن ورد أي: أتى الماء وشرب منه ويستدلون بقوله تعالى:
{ يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار .. "98"} (سورة هود)
أي: أدخلهم. لكن هذا يخالف النسق العربي الذي نزل القرآن به، حيث يقول الشاعر:
ولما وردن الماء زرقاً جمامه وضعنا عصى الحاضر المتخيم
أي: حينما وصلوا إلى الماء ضربوا عنده خيامهم، فساعة أن وصولا إليه وضربوا عنده خيامهم لم يكونوا شربوا منه، أو أخذوا من مائه، فمعنى الورود أي: الوصول إليه دون الشرب من مائه.
وأصحاب هذا الرأي الذين يقولون { واردها .. "71"} (سورة مريم)
أي: داخلها يستدلون كذلك بقوله تعالى:
{ ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً "72"} (سورة مريم)
يقولون: لو أن الورود مجرد الوصول إلى موضع الماء دون الشرب منه أو الدخول فيه ما قال تعالى:
{ ونذر الظالمين فيها "72"} (سورة مريم)
ولقال: ثم ينجي الله الذين اتقوا ويدخل الظالمين .. لكن { ونذر الظالمين .. "72"} (سورة مريم)
فيها الدليل على دخولهم جميعاً النار.
( وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضياً "71")
فعلى الرأي الأول: الورود بمعنى رؤية النار دون دخولها، تكون الحكمة منه أن الله تعالى يمتن على عباده المؤمنين فيريهم النار وتسعيرها؛ ليعلموا فضل الله عليهم، وماذا قدم لهم الإيمان بالله من النجارة من هذه النار، كما قال تعالى:
{ فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز "185"}
(سورة آل عمران)
ويمكن فهم الآية على المعنى الآخر: الورود بمعنى الدخول؛ لأن الخالق سبحانه وتعالى خلق الأشياء، وخلق لكل شيء طبيعة تحكمه، وهو سبحانه وحده القادر على تعطيل هذه الطبيعة وسلبها خصائصها.
كما رأينا في قصة إبراهيم عليه السلام، فيكون دخول المؤمنين النار كما حدث مع إبراهيم، وجعلها الله تعالى عليه برداً وسلاماً، وقد مكنهم الله منه، فألقوه في النار، وهي على طبيعتها بقانون الإحراق فيها، ولم ينزل مثلاً على النار مطراً يطفئها ليوفر لهم كل أسباب الإحراق، ومع ذلك ينجيه منها لتكون المعجزة ماثلة أمام أعينهم.
وكما سلب الله طبيعة الماء في قصة موسى عليه السلام فتجمد وتوقفت سيولته، حتى صار كل فرقٍ كالطود العظيم، فهو سبحانه القادر على تغيير طبائع الأشياء. إذن: لا مانع من دخول المؤمنين النار على طريقة إبراهيم عليه السلام
{ قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم "69"}
(سورة الأنبياء)
ثم ينجي الله المؤمنين، ويترك فيها الكافرين، فيكون ذلك أنكى لهم وأغيظ.
ثم يقول تعالى:
{ كان على ربك حتماً مقضياً "71"}
(سورة مريم)
الحتم: هو الشيء الذي يقع لا محالة، والعبد لا يستطيع أن يحكم بالحتمية على أي شيء؛ لأنه لا يملك المحتوم ولا المحتوم عليه.
فقد تقول لصديقك: أحتم عليك أن تزورني غداً، وأنت لا تملك من أسباب تحقيق هذه الزيارة شيئاً، فمن يدريك أن تعيش لغد؟ ومن يدريك أن الظروف لن تتغير وتحول دون حضور هذا الصديق؟
إذن: أنت لا تحتم على شيء، إنما الذي يحتم هو القادر على السيطرة على الأشياء بحيث لا يخرج شيء عن مراده.
فإن قلت: فمن الذي حتم على الله؟ حتم الله على نفسه تعالى، وليست هناك قوة أخرى حتمت عليه، كما في قوله تعالى:
{ كتب ربكم على نفسه الرحمة "54"}
(سورة الأنعام)
ثم يؤكد هذا الحتم بقوله:
{مقضياً "71"}
(سورة مريم)(6/224)
أي: حكم لا رجعة فيه، وحكم الله لا يعدله أحد، فهو حكم قاطع. فمثلاً: حينما قال كفار مكة لرسول الله صلى الله عليه وسلم: نعبد إلهك سنة وتعبد إلهنا سنة، يريدون أن يتعايش الإيمان والكفر.
لكن الحق ـ تبارك وتعالى ـ يريد قطع العلاقات معهم بصورة نهائية قطعية، لا تعرف هذه الحلول الوسط، فقال سبحانه:
{ قل يا أيها الكافرون "1" لا أعبد ما تعبدون "2" ولا أنتم عابدون ما أعبد "3" ولا أنا عابد ما عبدتم "4" ولا أنتم عابدون ما أعبد "5" لكم دينكم ولي دين "6" }
(سورة الكافرون)
وقطع العلاقات هنا ليس كالذي نراه مثلاً بين دولتين، تقطع كل منهما علاقتها سياسياً بالأخرى، وقد تحكم الأوضاع بعد ذلك بالتصالح بينهما والعودة إلى ما كانا عليه، إنما قطع العلاقات مع الكفار قطعاً حتمياً ودون رجعة، وكأنه يقول لهم: إياكم أن تظنوا أننا قد نعيد العلاقات معكم مرة أخرى؛ لذلك تكرر النفي في هذه السورة، حتى ظن البعض أنه تكرار؛ ذلك لأنهم يستقبلون القرآن بدون تدبر.
فالمراد الآن: لا أعبد ما تعبدون، ولا أنتم عابدون ما أعبد، وكذلك في المستقبل: ولا أنا عابد ما عبدتم، ولا أنتم عابدون ما أعبد. فلن يرغمنا أحد على تعديل هذا القرار أو العودة إلى المصالحة. لذلك أتى بعد سورة (الكافرون) سورة الحكم:
{ قل هو الله أحد .. "1"}
(سورة الإخلاص)
فلا ثاني له يعدل عليه، فكلامه تعالى وحكمه نهائي وحتماً مقضياً لا رجعة فيه ولا تعديل.
ثم يقول الحق سبحانه: ( ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثياً "72")
جثياً: من جثا يجثو أي: قعد على ركبه دلالة على المهانة والتنكيل
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
==============
يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء
يدعي أصحاب العقول الضالة من القساوسة والرهبان واتباعهم من النصارى وكذلك الملحدين أنه : هل الله خلق الإنسان مُسير أم مُخير ؟.... أليس من حق الإنسان أن يعيش ويؤمن بما أحب ويفعل ما يحب وقتما شاء وأحب .
فهذه هي عقولهم الضالة
فالله عز وجل هو خالق كل شيء ، فلم نسمع في يوم من الأيام أن هناك شخص يدعي أنه يملك السماوات والأرض وهو خالقها .
يوجد في السماوات والأرض أشياء يدعي ملكيتها المخلوقون .
فإذا ما نظرنا إلى خيرات الأرض فإننا نجدها مملوكة في بعض الأحيان لأناس بما ملكهم الله ، والبشر الذين صعدوا إلى السماء وأداروا في أقمارها الصناعية ومراكب فضائية فمن الممكن أن يعلنوا ملكيتهم لهذه الأقمار وتلك المراكب
فيوضح لنا الله عز وجل : إنه إن كان في ظاهر الأمر أن الله قد أعطى الملكية السببية لخلقه فهو لم يعط هذه الملكية إلا عَرَضاً يؤخذ منهم ، فإما يزول عنه فيموتوا ، وإما أن يزول عنهم فيؤخذ منهم عن بيع أو هبة أو غضب أو نهب.
فكل ما في الوجود أمره إلى الله ، فلا يدعي أحد بسببية ما أتاه الله أنه يملك شيئاً ... لماذا ؟ لأن المالك من البشر لا يملك نفسه أن يدوم ... فجميع المخلوقات من بشر وغيره تناله الأغيار ، وما دامت الأغيار تنال البشر فعليه أن يعلم أن الله يريد من خلقه أمور أخرى مثل الإيمان به ( كما أوضح عن ذاته بجميع الكتب السماوية وليس كما يدعي الضالون عنه ) والتعاطف والتكامل والتعاون ....الخ
وقال الشاعر
نفسي التي تملك الأشياء ذاهبة ......... فكيف آسي على شيء لها ذهبا
والله سبحانه وتعالى لم يفعل ذلك لأن الأمر خرج من يده – واليعاذ بالله – لا ، بل أظهر لنا أنه مالك كل شيء ولكن أستطيع أن أجعلك أيها المخلوق أن أجعل مسألة الملكية دولاً بينكم
فأعلم أيها الإنسان المخلوق الضعيف : إن تمت النعمة عليك ( علواً وغنى وعافية وأولاداً ) فأعلم أن هذه النعمة تتغير الى الأقل ... لماذا ؟ لأنك من الأغيار
وقال الشاعر
إذا تم شيء بدا نقصه ....... ترقب زوالاً إذا قيل تم
إذن نقول إن النفس المالكة هي نفسها ذاهبة ، فكيف يحزن على شيء له ضاع منه ؟
يقول الحق سبحانه وتعالى :
أيحسب الإنسان أن يترك سُدىً
فالله سبحانه وتعالى أعطانا مطلق الحرية لإختيار حياتنا وإنه عز وجل ملكنا زمام الإختيار في أمر الإيمان به .. وتركه للإختيار ... ولم يجبر الخلق بالقوة على هذا الإيمان ... فآمن البعض أو كفر البعض فهذا لن يزيد ولا ينقص شيء من ملك الله سبحانه وتعالى
فمثال على ذلك – ولله المثل الأعلى : بمجرد إيمانك أيها المؤمن فقد ملكك الله الزمام ... والزمام أصبح بيدك أنت ... إن شئت أن يتقرب لك الله فأبدأ أنت بالتقرب إليه وستجد الله عز وجل يتقرب منك أسرع مما أنت تتقرب إليه .
فإذا أردت أن تقابل عظيماً : فقبل كل شيء تجده يحدد بالموافقة أو الرفض ثم ميعاد ومكان التقابل و... و... الخ
ولكن أنظر إلى كرم الحق سبحانه وتعالى ... صحيح أنت تذهب الى الصلاة المفروضة والله عز وجل أمرك أنت تقضيها ، ولكن ترك لك الأختيار بتنفيذ هذا الأمر.... فهل منعك الله عز وجل أن تقف بين يديه في أي لحظة ؟(6/225)
لا ... واللهِ لم يحدث أبداً ... وما سمعنا هذا من قبل
يارب أنت الحق .... ياحنان يامنان خسر من عصاك ونجا من آمن بك وبحبيبك المصطفى صلى الله عليه وسلم
قال الشاعر
حسب نفسي عزاً بأني عبد .... يحتفِي بي بلا مواعيد ربُّ
هو في قدسه الأعز ولكن .... أنا ألقي متى وأين أحبُّ
حتى الكافر عن الشدة يقول يارب لا يقول يايسوع أو يابقرة أو ياشمس أو يانار ، فهذه المُسميات تتداول على لسان هؤلاء الكفرة في أمور حياتهم العدية ورسائلهم وخطاباتهم .... ولكن عند الشدة تجده يقولوا يارب ... لماذا؟
لأنها هي الفطرة التي خلقها الله في عباده ولكنهم ضلوا عن سبيله
فمن بيده الزمام أيها المخلوق الضعيف الذي لا يملك إلا لسان أضله وعقل فاسد أفسده ذكائه ؟ بيد من أيها الضالون الزمام ؟ بيد من أيها الملاحدة ؟ واللهِ إنكم تقولون على الله ما لا تعلمون .... حسبنا الله ونعم الوكيل في كل من قال على الله الكذب وضل عن سبيله
أخي المسلم
ترك لنا الله عز وجل بكرمه ولطفه وعدله الزمام بين أيدينا .... وكذلك ترك الله عز وجل بين أيدينا أمر المغفرة ! ... كيف ؟
إن شاء البشر أن يغفر الله لهم فإنهم يفعلوا أسباب المغفرة ويتوبون إلى الله عز وجل والبعد عن فعل الحدث الباطل الذي أوقعهم في هذه المعصية وعدم الرجوع له مرة أخرى ، ويكثرون من الحسنات ، ومن يريد أن يتعذب فليظل سائراً في غيه في فعل السيئات
وبهذا نجد أن الله عز وجل عندما قال يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء .. فهذا لا يعني ما يدعيه البعض بأن الله فقد صفة العدل ... والعياذ بالله ... ولكن بين الله عز وجل من يشاء المغفرة لهم .. إنهم الذين تابوا ، وهم الذين أنابوا إلى الله وهم الذين قال الله عز وجل فيهم :
بسم الله الرحمن الرحيم
إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًاسورة الفرقان 70
فالذي صنع سيئة ثم ألمته ، فكما ألمته السيئة التي أرتكبها وحزن منها وتاب وعمل العمل الصالح ، فإن الله العدل يكتب له حسنة ... ولكن الذي صنع سيئة ولم تفزعه ... فيكفي قول بعض العارفين في هذا الأمر
رُبَّ معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً
ونسأل السادة النصارى وكذلك الملحدين
هل المسيح نالته الأغيار في تكوينه الخلقي ( كما تدعوا بالتجسد) ؟ ألم يكن داخل رحم أمه من يوم النفخ في السيدة العذراء الى أن أتم الثلاثون من عمره ؟ نعم نالته الأغيار
هل الله تناله الأغيار ؟ هل الله يصغر ثم يكبر ؟ هل الله يمرض ويبحث عن من يعالجه ؟ هل الله يأكل ويشرب ؟ هل الله ينام و يصحا ؟ هل الله يتبول ويتبرز؟ هل الله يُضرب ويُجلد ويركب الحمار ويطاف به ويبُصق عليه ويُصلب ويمُوت ثم يحيى ؟
لا حول ولا قوة إلا بالله
رحمتك يالله وسعة كل شيء ، تسمع وترى وتصبر على هذه الإهانات .... وتنزل رحمة وفضلك على عبادك الصالح منه والطالح وترزق من آمن بك ومن كفر ... لا إله إلا الله .... محمد رسول الله
وأنتم أيها الملحدين ... من أين أتيتم إلى هذه الدنيا ؟ من الذي أنعم عليكم بالسمع والبصر ؟ أيها الكفر ... الله عز وجل من رحمته على الخلق لم يُملك مخلوق الماء ولا الهواء لينعم به المؤمن والكافر .... وبعد ذلك تكفروا بالله
خلق الله عز وجل من تحت أرجلكم الورد والرياحين والثمار الطيبة وأنتم تنشروا الفاحشة عليها والكفر ... أليس كل هذا فضل وعدل ورحمة من الله
في أخر المطاف تكفروا به
إنا لله و إنا إليه راجعون
ولا حول ولا قوة إلا بالله
اللهم تقبل من صالح الأعمال
والسلام عليكم ورحمة الله بركاته
اقتباس بعض الفقرات من خواطر الشيخ / محمد متولي الشعراوي
==============
تفسير قوله تعالى : وترى الشمس اذا طلعت ....
ما تفسيركم لقوله تعالى : ( وترى الشمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشمال وهم في فجوة منه ) الكهف/17.
الجواب :
يشير القرآن الكريم في في الآية الكريمة أعلاه إلى التفاصيل الدقيقة المتعلقة بالحياة العجيبة لأصحاب الكهف في الغار وكأنها تحكي على لسان شخص جالس في مقابل الغار ينظر إليهم . فالآية الكريمة تقول : إنك إذا رأيت الشمس _ رؤية بصرية أي في رأي العين _ حين طلوعها لرأيت انها تطلع من جهة يمين الغار ، وتغرب من جهة الشمال .. فإضافة الطلوع والغروب للشمس في الآية هو وصف لرؤية العين وثقافة الرائي وهذا الأمر واضح لقوله تعالى : ( وترى الشمس إذا طلعت . . )
============
ما الحكمة من وجود المتشابه في القرآن ؟
والباعث على البحث في هذا هو الجواب على شبهة : " أن القرآن إنما أنزل للهدى والبيان فكيف اشتمل على المتشابه " ؟(6/226)
وقد تكلم في جواب هذا كثير من العلماء ، وخاضوا في حكمة إنزال المتشابه ، وذكروا أمورا بعضها قوي ، وبعضها لا يخلو من مقال ، وبعضها يتعجب الناظر فيه كيف أمكن أن يقال ، وبعضها لا يستحق الذكر .
أما أمثلها وأقواها فيما قال العلماء ، فهو أن الحكمة من إنزال المتشابه تتجلى في أمور:
الأول : أن الله أنزله مختبراً به عباده ؛ فأما المؤمن فلا يداخله فيه شك ولا يعتريه ريب ، وهو بين أمرين ، إما قادر على رده إلى المحكم ، وإما قائل : آمنا به كل من عند ربنا . إن لم يتبين له معناه ، فأمره كله خير ، وتعظم بذلك مثوبته ، وتزيد عند الله درجته .
وأما المنافق فيرتاب ولا يزيده القرآن إلاّ خسارا ، وأما من كان في قلبه زيغ -كأهل البدع - ، فيتبعون المتشابه ؛ ليفتنوا الناس عن القرآن وصحيح السنة وينزلوه على مقتضى بدعتهم .
وسياق الآية وما بعدها دال على أن هذا من حكمة إنزال المتشابه ؛ إذ قال تعالى :
(وأخر متشابهات فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله وما يعلم تأويله إلاّ الله والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا وما يذكر إلاّ أولوا الألباب ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب( [آل عمران : 7-8] .
فالمؤمنون رغبوا إلى ربهم أن لا يزيغ قلوبهم كما زاغت قلوب أهل الزيغ ، إذ هو – أي المتشابه - فتنة للعقول والقلوب ، وسألوا أن ينزل عليهم رحمة يربط بها على قلوبهم وعقولهم فلا تزيغ ، وفي هذا الإشارة إلى أن أهل الزيغ والبدعة محرومون من بركة هذا الدعاء ، كل بحسب بدعته ، وبعده عن السنة .
وقد ذكر الله في القرآن أنه ينزل ما يمتحن به عباده ؛ ليزداد الذين آمنوا إيمانا ؛ ويضل غيرهم من أهل الضلال ، كما قال تعالى : (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاً ما بعوضةً فما فوقها فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم وأما الذين كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاُ يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً وما يضل به إلاّ الفاسقين( [البقرة : 26] .
قال الإمام عبدالرحمن السعدي في تفسيره : ( يقول تعالى (إن الله لا يستحيي أن يضرب مثلاُ ما( أي مَثَلٍ كان (بعوضة فما فوقها( لاشتمال الأمثال على الحكمة وإيضاح الحق ، الله لا يستحيي من الحق (فأما الذين آمنوا فيعلمون أنه الحق من ربهم( فيفهمونها ويتفكرون فيها ، فإن علموا ما اشتملت عليه على وجه التفصيل ، إزداد بذلك علمهم وإيمانهم ، وإلاّ علموا أنها الحق ، وما اشتملت عليه حق ، وإن خفي عليهم وجه الحق فيها ، لعلمهم بأن الله لم يضربها عبثا ، بل لحكمة بالغة ونعمة سابغة ، (وأما الذي كفروا فيقولون ماذا أراد الله بهذا مثلاً( فيعترضون ويتحيرون ، فيزدادون كفراً إلى كفرهم ، كما ازداد المؤمنون إيماناً إلى إيمانهم ، ولهذا قال : (يضل به كثيراً ويهدي به كثيراً( فهذه حال المؤمنين والكافرين عند نزول الآيات القرآنية ، قال تعالى : (وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيماناُ وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون( [ التوبة : 124 - 125 ] فلا أعظم من نزول الآيات القرآنية ، ومع هذا تكون لقوم محنة وحيرة وضلالة ، وزيادة شر إلى شرهم ، ولقوم منحة ورحمة وزيادة خير إلى خيرهم )(89) .
ومن هذا القبيل قوله تعالى : (وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلاّ إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقى الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرضٌ والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شقاق بعيد وليعلم الذين أتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهادِ الذين أمنوا إلى صراط مستقيم( [الحج 52 – 54 ] .
قال ابن القيم : ( والمقصود أن قوله : (ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض( هي لام التعليل على بابها ، وهذا الاختبار والامتحان مظهر لمختلف القلوب الثلاثة ، فالقاسية والمريضة ظهر خبؤها من الشك والكفر ، والمخبتة ظهر خبؤها من الإيمان والهدى وزيادة محبته وزيادة بغض الكفر والشرك والنفرة عنه ، وهذا من أعظم حكمة هذا الإلقاء)(90) .
ومن هذا القبيل أيضاً قوله تعالى : (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلّا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلّا طغياناً كبيراً( [الاسراء : 60] .(6/227)
قال ابن كثير - بعدما ذكر تفسير ابن عباس : أن الرؤيا هي ليلة الإسراء ، والشجرة هي شجرة الزقوم - : ( وهكذا فسر ذلك بليلة الإسراء مجاهد وسعيد بن جبير والحسن ومسروق وإبراهيم وقتادة وعبد الرحمن بن زيد ، وغير واحد ، وتقدم أن ناساً رجعوا عن دينهم بعدما كانوا على الحق ؛ لأنه لم تحتمل عقولهم وقلوبهم ذلك ، فكذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ، وجعل الله ذلك ثباتاً ويقيناً لآخرين ، ولهذا قال : (إلاّ فتنة( . أي اختبارًا وامتحاناً ، وأما الشجرة الملعونة فهي شجرة الزقوم ، كما أخبرهم رسول الله ( أنه رأى الجنة والنار ، ورأى شجرة الزقوم ، فكذبوا بذلك حتى قال أبو جهل - لعنه الله- :هاتوا تمرا وزبداً ، فجعل يأكل هذا بهذا ويقول :تزقموا فلا نعلم الزقوم غير هذا )(91) .
فهذا كله يدل على أن الله يختبر عباده بما شاء ، وإنزاله المتشابه من هذا فإنه فتنة ، وقد ضل به كثير ممن ضل عن الحق ، كما رفع الله به أهل الإيمان بيقينهم ، ورسوخهم درجات من عنده .
الثاني : إن في إنزال المتشابه إظهارا لفضل العلماء وتفاضلهم فيما بينهم ، وفيه أيضاً تعريضهم لمزيد من المشقة والصعوبة في معرفة الحق منها ، فيعظم أجرهم ، ويرتفع عند الله شأنهم .
وأيضاً فإنه يدعوهم لتحصيل علوم كثيرة ، نيط بها استنباط ما أريد بالمتشابه من الأحكام الحقة ، فتتسع بذلك علومهم . وأيضاً فإنه يدرب العلماء على استنباط المعاني الدقيقة ، فتقوى بذلك بصائرهم ، ولو أنزل القرآن كله محكماً ، لاستوى في معرفته العالم والجاهل ، ولم يكن في استنباط ما فيه مشقة توجب عظيم المثوبة(92) .
وقال الإمام فخر الدين الرازي : "من الملحدة من طعن في القرآن لأجل اشتماله على المتشابهات . وقال : إنكم تقولون : إن تكاليف الخلق مرتبطة بهذا القرآن إلى قيام الساعة. ثم إنا نراه بحيث يتمسك به صاحب كل مذهب على مذهبه ، فكيف يليق بالحكيم أن يجعل الكتاب الذي هوالمرجوع إليه في كل الدين إلى يوم القيامة هكذا ؟
الجواب أن العلماء ذكروا لوقوع المتشابه فيه فوائد منها :
أنه يوجب المشقة في الوصول إلى المراد ، وزيادة المشقة توجب مزيد الثواب(93) .
الثالث : أنه لو كان القرآن كله محكما ، لما كان مطابقا إلا لمذهب واحد ، وكان بصريحه مبطلا لكل ما سوى ذلك المذهب ، وذلك مما ينفر أرباب سائر المذاهب عن قبوله ، وعن النظر فيه والانتفاع به ، فإذا كان مشتملا على المحكم والمتشابه ، طمع صاحب كل مذهب أن يجد فيه ما يؤيد مذهبه ، وينصر مقالته ، فينظر فيه جميع أرباب المذاهب ، ويجتهد في التأمل فيه صاحب كل مذهب ، وإذا بالغوا في ذلك صارت المحكمات مفسرة للمتشابهات ، وبهذه الطرق يتخلص المبطل من باطله ويتوصل إلى الحق.
الرابع : أن القرآن إذا كان مشتملا على المتشابه ، افتقر إلى العلم بطريق التأويلات ، وترجيح بعضها على بعض ، وافتقر في تعلم ذلك إلى تحصيل علوم كثيرة من علم اللغة والنحو والمعاني والبيان وأصول الفقه ، ولو لم يكن الأمر كذلك لم يحتج إلى تحصيل هذه العلوم الكثيرة ، فكان ، في إيراد المتشابه هذه الفوائد الكثيرة . . . (94) .
الخامس : أن المشتبهات ليست في الأمور المطلوبة من المكلف العمل بها ، وإنما هي في بعض الأمور العقدية التي يطالب فيها المكلف بالتفويض والتسليم لله تعالى فيها ، ويقول :
(آمنا به كل من عند ربنا( .
ومما قيل - وهو ضعيف - ما نقله السيوطي - رحمه الله - عن بعضهم قال : ( وإن كان مما لا يمكن علمه ، ففيه فوائد ؛ منها ابتلاء العباد بالوقوف عنده ، والتوقف فيه ، والتسليم والتعبد بالاشتغال به من جهة التلاوة كالمنسوخ ، وإن لم يجز العمل بما فيه ، وإقامة الحجة عليهم ؛ لأنه منزل بلسانهم ولغتهم ، وعجزوا عن الوقوف على معناه مع بلاغتهم وأفهامهم ، فدل على أنه منزل من عند الله ، وأنه الذي أعجزهم عن الوقوف)(95) .
وهو ضعيف ؛ لأنه قد تقرر تضعيف القول باشتمال القرآن على ما لا يمكن معرفة معناه ، لكن إذا قيل : إن هذا من حكمة إنزال المتشابه بالنسبة لبعض العباد ، وهو البعض الذي لم يعلم معنى المتشابه ، صح من هذه الجهة .
وأما قوله : (إقامة الحجة عليهم . . . إلى آخر ما ذكر) فبعيد ؛ وذلك لأن ما لا يفهم له معنى ، فاحتجاج المشركين به على الطعن في القرآن ، أقرب من الاحتجاج به عليهم أنه معجز ، ولا يخفى أنهم لو قالوا : لو أنزل هذا القرآن كله بلغتنا ولساننا ، لما عجزنا عن فهم بعضه . ولجاءوا بقوي من الحجة تسوغ لهم الطعن في القرآن ، فكيف يجعل عدم فهمهم لمعناه دليلاً على نزوله بلغتهم ؟!ولكن بلغ من الإعجاز بحيث لا يفهمون معناه ؛ فما أبعد هذا .
ومما قيل في الحكمة وهو باطل قطعاً ، قولان :(6/228)
الأول : وهو أبطل قول ، ونعني به ما ذكره الرازي وجعله الأقوى ، قال : ( والخامس وهو السبب الأقوى : أن القرآن مشتمل على دعوة الخواص ، والعوام تنبو في أكثر الأمور عن إدراك الحقائق العلمية المحضة ، فمن سمع من أول الأمر إثبات موجود ليس بجسم ولا متحيز ولا مشار إليه ، ظن أن هذا عدم محض ، فوقع في التعطيل ، فكان الأصلح أن يخاطبوا بألفاظ دالة على بعض ما يناسب ما تخيلوه وتوهموه ، ويكون مخلوطاً بما يدل على الحق الصريح ، فالقسم الأول وهو الذي يخاطبون به في أول الأمر يكون من باب المتشابهات ، والقسم الثاني وهو الذي يكشف لهم في آخر الأمر هو من المحكمات)(96) .
ولازم هذا القول أن الله أنزل المتشابه ؛ ليضل به جمهور المؤمنين المعظمين للقرآن ، باعتقاد ظاهره ، ثم بعد ذلك يبين لهم أن ما أُخبرتم به أولاً كان كذبا لمصلحتكم .
القول الثاني : وهو قريب من الأول في البطلان ، أو مثله ، ونعني قول القاضي عبد الجبار : (ومنها - أي الحِكَم - أن كون القرآن كذلك - أي محكماً ومتشابها - يصرفه أن يعول على تقليده ؛ لأنه يرى أنه ليس بأن يقلد كلامه عز وجل في نفي التشبيه ؛ لقوله عز وجل : (ليس كمثله شيء( أولى من أن يقلده في خلافه لقوله عز وجل : (وجاء ربك( . فكما أن اختلاف العلماء في الديانات ، وقول بعضهم في المذهب بخلاف قول صاحبه ، يصرف المميز عن تقليدهم ؛ لأنه ليس تقليد بعضهم بأولى من تقليد سائرهم ، فكذلك انقسام القرآن إلى الوجهين اللذين ذكرناهما ، يصرف من ذلك لا محالة ، وما صرف عن التقليد المحرم ، وبعث على النظر والاستدلال ، فهو في الحكمة أولى)(97) .
وهذا الكلام غاية في البطلان ؛ فإن القرآن إنما أنزل ليتبع ويقلد ؛ قال تعالى : (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون([الأنعام : 155] ، وقال تعالى : (اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم( [الأعراف : 3] وقال : (واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم( [الزمر : 55] ، وقال : (قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلّا ما يوحى إلي( [يونس : 15] . وقال : (واتبع ما يوحى إليك من ربك واصبر حتى يحكم الله وهو خير الحاكمين( [يونس : 109] . فإلى الله المشتكى ، وهو الحاكم فيمن يجعل اتباع القرآن تقليداً محرماً ، إنه لعجب كيف أمكن أن يقال هذا الباطل من المنتسبين إلى علماء الملة الحنيفية ، وقد عظَّم الله شأن القرآن ورفعه فوق زبر الأولين ، وجعله إماماً لخير الأمم .
قال تعالى : (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا([المائدة : 48] .
وقال : (إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجراً كبيراً( [الإسراء : 9] . وكيف يكون القرآن حاكماً إذا كان نزوله من أجل أن يصرف الناس عن تحكيمه في عقيدتهم ؟! قال عز وجل : (آلر كتاب أنزلناه إليك لتخرج الناس من الظلمات إلى النور بإذن ربهم إلى صراط العزيز الحميد( [إبراهيم : 1]. وقال : (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين( [النمل : 89] . وقال : (كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه( [البقرة : 213] .
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل .
منقول من منتديات أتباع المرسلين بقلم الاخ محمد مصطفي جزاه الله خيرا
رد اخر
ماذا يفعل الباحث عن الحق أمام المتشابه في القرآن الكريم
القراّن كله محكم باعتبار,وكله متشابه باعتبار,وبعضه محكم وبعضه متشابه باعتبار ثالث
وقد وصفه الله تعالي بكل واحدة من هذه الاوصاف الثلاث.
فوصف بانه محكم في عدة اّيات,وأنه(كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)
ومعني ذلك أنه في غاية الاحكام وقوة الاتساق,وأنه بالغ في الحكمة أقصي غاية,فأخباره كلها حق وصدق,لا تناقض فيها ولا اختلاف,وأوامره كلها خير وهدي وبركة وصلاح,ونواهيه عن كل ما يعود علي الانسان بالشرور والضرر والاخلاق الرذيلة والاعمال السيئة. فهذا احكامه.
ووصفه بأنه متشابه في قوله من سورة الزمر(اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا )
أي متشابها في الحسن والصدق والهدي والحق.ووروده بالمعاني النافعة المزكيه للعقول,والمطهره للقلوب,والمصلحه للاحوال.
فألفاظه أحسن ألفاظ,ومعانيه أحسن المعاني,كما وصف ثمرات الزروع والفواكه التي أنعم بها علي الانسان وجعل فيها كل نافع صالح لجسمه وغذائه,فقال في سورة الانعام(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ)(6/229)
ووصف طيبات الجنه وثمراتهاالدانيه بقوله في سورة البقره(كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا )
ووصفه بأن(مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ)
فهنا وصفه بأن بعضه هكذا وبعضه هكذا,وأن الذين أرسخت قلوبهم وثبتت بالفقه والفهم عن الله,فثبتوا ثبات الجبال الراسخة,لا تزلزلهم الشبهات ولا الشهوات,لانهم يردون المتشابه منه الي المحكم,فيصير كله محكما,ويقولون(كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا)أي وما كان من عنده فلا تناقض فيه فما اشتبه منه في موضع فسره الموضع الاخرالمحكم,فحصل العلم وزال الاشكال ولهذا النوع أمثله ,منها علي سبيل المثال
بأنه علي كل شيء قدير,وأنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن,وأنه يهدي من يشاء ويضل من يشاء.
فاذا اشتبهت آيات علي من ظن به خلاف الحكمة,وأن هدايته واضلاله جزافا لغير سبب,كشفت هذا الاشتباه وجلته الايات الاخر الدالة علي أن هدايته لها أسباب,يفعلها العبد,ويتصف بها مثل قوله تعالي في سورة المائده(يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)
وأن اضلاله تعالي لعبده له أسباب في العبد,وهو توليه للشيطان قال في سورة الاعراف (فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)
وفي سورة الصف(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)
فمثلا
اذا اشتبهت ايات علي الجبري الذي يري أن العباد مجبورون علي أفعالهم, بينتها الايات الاخر الكثيره الداله علي أن الله لم يجبر العباد,وأن أعمالهم واقعه باختيارهم وقدرتهم,وأضافها اليهم في آيات غير منحصرة.
كما أن هذه الايات التي أضاف الله فيها الاعمال الي العباد حسنها وسيئها,اذا اشتبهت علي القدرية النفاة,فظنوا أنها منقطعه عن قضائه وقدره,وأن الله ما شاءها منهم ولا قدرها,تليت عليهم الايات الكثيره الصريحة الدالة علي تناول قدرة الله لكل شيء من الاعيان والاعمال والاوصاف.
ومن ذلك :أعمالالعباد وأن العباد ما يشاءون الا أن يشاء الله رب العالمين.
وقيل للطائفتين ان الايات والنصوص كلها حق,ويجب علي كل مسلم الايمان بها وتصديقها كلها,وأنها لا تتنافي,فالطاعات والمعاصي واقعه منهم وبقدرتهم وارادتهم,والله تعالي خالقهم وخالق قدرتهم وارادتهم.
وما أجمل في بعض الايات فسرته يات أخر,وما لم يتوضح في موضع توضح في موضع آخر (وهكذا).
منقول عن الشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي
من كتابه القواعد الحسان لتفسير القران
==================
الرد على شبهة لا تبديل لكمات الله والله يقول اذا بدلنا اية ...
آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ }
قوله : ( بدلنا ) ومنها : أبدلت واستبدلت ، أي : رفعتُ آية وطرحتُها . وجئت بأخرى بدلاً منها ، وقد تدخل الباء على الشيء المتروك ، كما في قوله تعالى :
{أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ ..... البَقَرَة آية رقم : 61}
أي : تتركون ما هو خير ، وتستبدلون به ما هو أدنى .
وما معنى الآية ؟ كلمة آية لها معان متعددة ومنها :
ــ الشيء العجيب الذي يُلفت الأنظار ، ويبهر العقول ، كما نقول : هذا آية في الجمال ، أو في الشجاعة ، أو في الذكاء ، أي : وصل فيه إلى حَدٌّ يدعو إلى التعجُّب والانبهار .
ــ ومنها الآيات الكونية ، حينما تتأمل في كون الله من حولك تجد آيات تدلُّ على إبداع الخالق سبحانه وعجيب صنعته ، وتجد تناسقاً وانسجاماً بين هذه الآيات الكونية .
يقول تعالى عن هذا النوع من الآيات :
ومِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ والنَّهَارُ والشَّمْسُ والقَمَرُ ... فُصِّلَت ... آية رقم : 37
ومِن آيَاتِهِ الجَوَارِ فِي البَحْرِ كَالأَعْلاَمِ ..... الشُّورَى آية رقم : 32
ونلاحظ أن هذه الآيات الكونية ثابتة دائماً لا تتبدل ، كما قال الحق تبارك وتعالى :
{ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً .... الفَتْحُ .... آية رقم : 23 }
ــ ومن معاني الآية : المعجزة ، وهي الأمر العجيب الخارق للعادة ، وتأتي المعجزة على أيدي الأنبياء لتكون حجة لهم ، ودليلاً على صدق ما جاءوا به من عند الله .(6/230)
ونلاحظ في هذا النوع من الآيات أنه يتبدل ويتغير من نبي لآخر ؛ لأن المعجزة لا يكون لها أثرها إلا إذا كان في شيء نبغ فيه القوم ؛ لأن هذا هو مجال الإعجاز ، فلو أتيناهم بمعجزة في مجال لا علم لهم به لقالوا : لو أن لنا علماً بهذا لأتينا بمثله ؛ لذلك تأتي المعجزة فيما نبغوا فيه ، وعَلموه جيداً حتى اشتهروا به .
فلما نبغ قوم موسى عليه السلام في السحر كانت معجزته من نوع السحر الذي يتحدى سحرهم ، فلما جاء عيسى ـ عليه السلام ـ ونبغ قومه من الطب والحكمة كانت معجزته من نفس النوع ، فكان ـ عليه السلام ـ يبريء الأكمه والأبرص ويحي الموتى بإذن الله .
فلما بُعِث محمد صلى الله عليه وسلم ونبغ قومه في البلاغة والفصاحة والبيان ، وكانوا يقيمون لها الأسواق ، ويُعلقون قصائدهم على أستار الكعبة اعتزازاً بها ، فكان لا بُدَّ أن يتحداهم بمعجزة من جنس ما نبغوا فيه وهي القرآن الكريم ، وهكذا تتبدل المعجزات لتناسب كل منها حال القوم ، وتتحدّاهم بما اشتهروا به ، لتكون أدْعى للتصديق واثبت ااحجة .
ــ ومن معاني كلمة آية : آيات القرآن الكريم التي نُسمّها حاملة الأحكام ، فإذا كانت الآية هي الأمر العجيب ، فما وجهة العجب في آيات القرآن ؟
وجه العجب في آيات القرآن أن تجد هذه الآيات في أمة أمية ، وأنزلت على نبي أميٌّ في قوم من البدو الرُّحل الذين لا يجيدون شيئاً غير صناعة القول والكلام الفصيح ، ثم تجد هذه الآيات تحمل من القوانين والأحكام والآداب ما يُرهب أقوى حضارتين معاصرتين ـ هما حضارة فارس في الشرق ، وحضارة الرومان في الغرب ، فنراهم يتطلعون للإسلام ، ويبتغون في أحكامه ما ينقذهم ، أليس هذا عجيباً ؟
وهذا النوع الأخير من الايات التي هي آيات الكتاب الكريم ، والتي نُسمّيها حاملة الأحكام ، هل تتبدل هي الأخرى كسابقتها ؟
نقول : آيات الكتاب لا تتبدل ؛ لأن أحكام الله المطلوبة مِمَّن عاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم كالأحكام المطلوبة مِمَّن تقوم عليه الساعة .
وقد سُبق الإسلام باليهودية والمسيحية ، فعندما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتحويل القبلة من بيت المقدس إلى الكعبة المشرفة . اعترض على ذلك اليهود وقالوا : ما بال محمد لا يثبت على حال ، فأمر بالشيء اليوم ، ويأمر بخلافة غداً ، فإن كان البيت الصحيح هو الكعبة فصلاتكم لبيت المقدس باطلة ، وإن كان بيت المقدس هو الصحيح فصلاتكم للكعبة باطلة .
لذلك قال الحق تبارك وتعالى :
{ وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ... 106 النحل }
فالمراد بقول الحق سبحانه : { آيَةً مَكَانَ آيَةٍ ... 101 النحل }
أي : جئنا بآية تدل على حكم يخالف ما جاء في التوراة ، فقد كان استقبال الكعبة في القرآن بدل استقبال بيت المقدس في التوراة .
وقوله : { وَاللَّهُ أَعْلَمُ بمَا يُنَزِّلُ ... 101 النحل }
أي : يُنزل كا آية حسب ظروفها : أمة وبيئة ومكاناً وزماناً .
وقوله : { قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ... 106 النحل }
أي : أتهموا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكذب المتعمد ، وأن هذا التحويل من عنده ، وليس وحياً من الله تعالى ؛ لأن أحكام الله لا تتناقض .
ونقول : نعم أحكام الله سبحانه وتعالى لا تتناقض في الدين الواحد ، أما إذا أختلفت الأديان فلا مانع من اختلاف الأحكام .
إذن فآيات القرآن الكريم لا تتبدل ، ولكن يحدث فيها نسخ ، كما قال الحق تبارك وتعالى :
البَقَرَة.... آية رقم : 106 {{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}}
وإليك أمثله للنسخ في القرآن :
حينما قال الحق سبحانه
التَّغَابُن.... آية رقم : 16 {{ فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم }}
جعل الاستطاعة ميزاناً للعمل ، فالمشرع سبحانه حين يرى أن الاستطاعة لا تكفي يُخفف عنا الحكم ، حتى لا يُكفلنا فوق طاقتنا ، كما في صيالم المريض والمسافر مثلاً ، وقد قال تعالى :
البَقَرَة.... آية رقم : 286 {{ لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا }}
الطَّلاقُ..... آية رقم : 7 {{ لا يِكُلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آَتَاهَا }}
فليس لنا بعد ذلك أن نلوي الآيات ونقول : إن الحكم الفلاني لم تعد النفس تُطيقه ولم يعد في وسعنا ، فالحق سبحانه هو الذي يعلم الوسع ويُكلف على قدره ، فإن كان قد كلف فقد علم الوسع ، بدليل أنه سبحانه إذا وجد مشقة خفف عنكم من تلقاء نفسه سبحانه ، كما قال تعالى :
الأنفال ... آية رقم : 66 {{ الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا ...}}
ففي بداية الإسلام حيث شجاعة المسلمين وقوتهم ، قال تعالى :
الأَنْفَال...... آية رقم : 65 {{ إِن يَّكُن مِّنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ }}(6/231)
أي : نسبة واحد إلى عشرة ، فحينما علم الحق سبحانه فيهم ضعفاً ، قال :
{ الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفاً فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبون مائتين } الأنفال 66
أي : نسبة واحد إلى أثنين . فالله تعالى هو الذي يعلم حقيقة وسعنا ، ويكلفنا بما نقدر عليه ، ويُخفف عنا الحاجة إلى التخفيف ، فلا يصح أن نقحم أنفسنا في هذه القضية ، ونقدر نحن الوسع بأهوائنا .
ومن أمثلة النسخ أن العرب كانوا قديماً لا يعطون الآباء شيئاً من المال على أعتبار أن الواد مُنْتهٍ ذاهب ، ويجعلون الحظ كله للأبناء على أعتبار أنهم المقبلون على الحياة .
وحينما أراد الحق سبحانه أن يجعل نصيباً للوالدين جعلها وصية فقال :
البَقَرَة... آية رقم : 180 { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الوَصِيَّةُ لِلوَالِدَيْنِ ..... }
فلما استقر الإيمان في النفوس جعلها ميراثاً ثابتاً ، وغير الحكم من الوصية إلى خير منها وهو الميراث ، فقال تعالى :النِّسَاء.... آية رقم : 11 { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ ... }
لإذن : الحق تبارك وتعالى حينما يغير آية ينسخها بأفضل منها .
وهذا واضح في تحريم الخمر مثلاً ، حيث نرى هذا التدريج المحكم الذي يراعي طبيعة النفس البشرية ، وأن هذا الأمر من العادات التي تمكنت من النفوس ، ولا بد لها من هذا التدرج ن فهذا ليس أمراً عقيدياً يحتاج إلى حكم قاطع لا جدال فيه .
فانظر إلى هذا التدريج في تحريم الخمر : قال تعالى :
النَّحْل.... آية رقم : 67 { وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا ... }
أهل التزوق والفهم عن الله حينما سمعوا هذه الآية قالوا : لقد بيت الله للخمر أمراً في هذه الآية ؛ ذلك لأنه وصف الرزق بأنه حسن ، وسكت عن السَّكَر فلم يصفه بالحُسْن ، فدل ذلك على أن الخمر سيأتي فيه كلام فيما بعد .
وحينما سُئل صلى الله عليه وسلم عن الخمر رد القرآن عليهم :
البَقَرَة.... آية رقم : 219 { يَسْأَلُونَكَ عَنِ الخَمْرِ وَالمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا ...}
جاء هذا على سبيل النصح والإرشاد ، لا على سبيل الحكم والتشريع ، فعلى كل مؤمن يثق بكلام ربه أن يرى له مخرجاًَ من أسر هذه العادة السيئة .
ثم لُوحظ أن بعض الناس يُصلي وهو مخمور ، حتى قال بعضهم في صلاته : أعبد ما تعبدون .. فجاء الحكم :
النِّسَاء....آية رقم : 43 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ... }
ومقتضى هذا الحكم أن يصرفهم عن الخمر معظم الوقت ، فلا تتأتى لهم الصلاة دون سُكر إلا إذا امتنعوا عنها قبل الصلاة بوقت كاف ، وهكذا عودهم على تركها معظم الوقت ، كما يحدث الآن مع الطبيب الذي يعالج مريضه من التدخين مثلاً ، فينصحه بتقليل الكمية تدريجياً حتى يتمكن من التغلب على هذه العادة .
وبذلك وصل الشارع الحكيم سبحانه بالنفوس إلى مرحلة ألفت فيها ترك الخمر ، وبدأت تنصرف عنها ، وأصبحت النفوس مهيئة لتقبل التحريم المطلق ، فقال تعالى :
المائِدَة.....آية رقم : 90 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ ... } إذن : الحق سبحانه وتعالى نسخ آية وحُكمْها بما هو أحسن منه .
والعجيب أن نرى من يرفض قبول النسخ بالقرآن ، كيف والقرآن نفسه يقول :
البَقَرَة.... آية رقم : 106 {{ مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}}
قالوا : لأن هناك شيئاً يُسمى البداء ... ففي النسخ كأن الله تعالى أعطى حُكماً ثم تبين له خطؤه ، فعدل عنه ‘لى حكم آخر .
ونقول لهؤلاء : لقد جانبكم الصواب في هذا القول ، فمعنى النسخ إعلان انتهاء الحكم السابق بحكم جديد أفضل منه ، وبهذا المعنى يقع النسخ في القرآن .
ومنهم مَن يقف عند قول الحق تبارك وتعالى : { نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا .. البقرة 106 }
فيقول : { نأت بخير منها } فيها على للتبديل ، وضرورة تقتضي النسخ وهي الخيرية ، فما علة التبديل في قوله { أو مثلها } ؟
أولاً : في قوله تعالى : { نأت بخير منها } قد يقول قائل : ولماذا لم يأتِ بالخيرية من البداية ؟
نقول : لأن الحق سبحانه حينما قال : آلِ عِمْرَان .... آية رقم : 102 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ....}
وهذه منزلة عالية من التقوى ، لا يقوم بها إلا الخواص من عباد الله ، شقت هذه الآية على الصحابة وقالوا : ومن يستطيع ذلك يارسول الله ؟
فنزلت : { فاتقوا الله ما استطعتم ... } التغابن 16(6/232)
وجعل الله تعالى التقوى على قد الأستطاعة ، وهكذا نسخت الآية الأولى مطلوباً ، ولكنها بقيت ارتقاء ، فمن أراد أن يرتقي بتقواه إلى ( حق تقاته ) فبها ونعمت ، وأكثر الله من أمثاله وجزاه خيراً ، ومن لم يستطع أخذ بالثانية .
ولو نظرنا إلى هاتين الآيتين نظرة أخرى لوجدنا الأولى :
آلِ عِمْرَان .... آية رقم : 102 { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ....}
وإن كانت تدعو إلى كثير من التقوى إلا العاملين بها قلة ، وفي حين أن الثانية :
فنزلت : { فاتقوا الله ما استطعتم ... } التغابن 16
وإن جعلت التقوى على قدر الأستطاعة إلا أن العاملين بها كثير ، ومن هنا كانت الثانية خيراُ من الأولى ، كما نقول : قليل دائم خير من كثير منقطع .
أما في قوله تعالى : { أَوْ مِثْلِهَا .. البقرة 106 } أي أن الأولى مثل الثانية ، فما وجه التغيير هنا ، وما سبب التبديل ؟
نقول : سببه هنا اختيار المكلف في مدى طاعته وانصياعه ، إن نُقل من أمر إلى مثله ، حيث لا مشقة في هذا ، ولا تيسر في ذلك ، هل سيمتثل ويطيع ، أم سيجادل ويناقش ؟
مثل هذه القضية ولاضحة في حادث تحويل القبلة ، حيث لا مشقة على الناس في الاتجاه نحو بيت المقدس ، ولا تيسير عليهم في الاتجاه نحو الكعبة ، الأمر اختبار للطاعة والانصياع لأمر الله ، فكان من الناس من قال : سمعنا وطاعة ونفذوا أمر الله فوراً
دون جدال ، وكان منهم من اعترض وأنكر واتهم رسول الله بالكذب على الله .
زمن ذلك أيضاً ما نراه في مناسك الحج مما سنَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث نُقبل الحجر الأسعد وهو سحجر ، ونرمي الجمرات وهي أيضاً حجر ، إذن أمور لا مجال للعقل فيها ، بل هي لأختبار الطاعة والانقيادط للمشرع سبحانه وتعالى .
ثم يقول تعالى : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ .. النحل 101 }
بل : حرف يفيد الإضراب عن الكلام السابق وتقرير كلام جديد ، فالحق سبحانه وتعالى يُلغي كلامهم السابق :
{ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ ... النحل 101}
ويقول لهم : لا ليس بمفتر ولا كاذب ، فهذا اتهام باطل ، بل أكثرهم لا يعلمون .
وكلمة ( أكثرهم ) هنا ليس بالضرورة أن تقابل بالأقل ، فيمكن أن نقول : أكثرهم لا يعلمون . وأيضاً : أكثرهم يعلمون كما جاء قوله سبحانه وتعالى :
الحَجُّ....آية رقم : 18 { أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ العَذَابُ .... }
هكذا بالإجماع ، تسجد لله تعالى جميع المخلوقات إلا الإنسان ، فمنه كثير يسجد ، يقابله أيضاً كثير حَقَّ عليه العذاب ، فلم يقُلْ القرآن : وقليل حَقَّ عليه العذاب .
وعلى فرض أن : { بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ }
إذن : هناك أقلية تعلم صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم في البلاغ عن ربه ، وتعلم كذبهم وافتراءهم على الرسول الله حينما بالكذب ، ويعلمون صدق كل آية في مكانها ، وحكمة الله المرادة من هذه الآية .
فمن هم هؤلاء الذين يعلمون في صفوف الكفار والمشركين ؟
قالوا : لقد كان بين هؤلاء قوم أصحاب عقول راجحة ، وفهم للأمور ، ويعلمون وجه الحق والصواب في هذه المسألة ، ولكنهم أنكروها ، كما قال الحق تبارك وتعالى :
النَّمْل.....آية رقم : 14 { وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَّعُلُوًّا .. }
وأيضاً من هؤلاء أصحاب عقول يفكرون في الهدى ، ويُراودهم الإسلام ، وكأن لديهم مشروع إسلام يُعدون أنفسهم له ، وهم على علم أن كلام الكفار واتهامهم لرسول الله باطل وافتراء .
وأيضاً من هؤلاء مؤمنون فعلاً ، ولكن تنقصهم القوة الذاتية التي تدفع عنهم ، والعصبية التي ترد عنهم كيد الكفار ، وليس عندهم أيضاً طاقة أن يهاجروا ، فهم ما يزالون بين أهل مكة إلا أنهم مؤمنون ويعلمون صدق رسول الله وافتراء الكفار عليه ، لكن لا قدرة لهم على إعلان إيمانهم .
وفي هؤلاء يقول الحق سبحانه وتعالى : الفَتْحُ .... وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُم وَأَيْدِيَكُمْ عنهُمْ بِبَطْنِ مَكَّةَ مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُم عَلَيْهِم وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا ( آية : 25) هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ المَسْجِدِ الحَرَامِ والْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ وَلَوْلا رِجَالٌ مُؤْمِنُونَ وَنِسَاءٌ مُؤْمِنَاتٌ لَمْ تَعْلَمُوهُمْ أَنْ تَطَؤُهُمْ فَتُصِيبُكُمْ مِنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيرِ عِلْمٍ ..... }
أي : تدخلوا على أهل مكة وقد اختلط الحابل بالنابل ، والمؤمن بالكافر ، فقتلوا إخوانكم المؤمنين دون علم .(6/233)
الفَتْحُ....آية رقم : 25 { لِيُدْخِلَ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ لَو تَزَيَّلُوا لَعَذَّبْنَا الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا } أي : لو كانوا مميزين ، الكفار في جانب ، والمؤمنون في جانب لعذبنا الذين كفروا منهم عذاباً أليماً .
إذن : فإن كان أكثرهم لا يعلمون ويتهمونك بالكذب والافتراء فإن غير الأكثرية يعلم أنهم كاذبون في قولهم { إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ }
فيامحمد قل لهؤلاء الذين اتهموك : { قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين ءامنوا وهدى وبشرى للمسلمين ... النحل ..102 } .
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
من خواطر الامام / محمد متولي الشعراوي .
يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ
والمحو كما نعلم هو الإزالة ، والتثبيت أي : أن يُبقِى الحق ما يراه ثابتاً .
وقد فهم بعض الناس ـ خطأ ـ أن كل حكم في القرآن قد جاء ليثبت وسيظل هكذا أبد الدهر ؛ ولكن عند التطبيق ظهر أن بعض الأحكام يقتضي تغييرها يغيرها الله لحكمة فيها خير للبشرية .
ونقول : لا ، لم يحدث ذلك ، ولكن كانت هناك أحكام مرحلية ؛ ولها مُدة محددة ، ولذلك جاءؤ قول الحق سبحانه :
( وعنده أم الكتاب ) الرعد 39
أي : عنده اللوح المحفوظ الذي تحددت فيه الأحكام التي لها مدة محددة ؛ وما أن تنتهي إلا وينزل حكم آخر مكانها ، وعلى هذا المعنى يمكن أن نقول : إنه لم يوجد نَسْخٌ للأحكام ، لأن معنى النَّسْخ أن يُزحزح حكماً عن زمانه ، وهنا لم نجد حكماً يتزحزح عن زمانه ؛ لأن كل حكم موقوت بوقت محد ؛ وما أن ينتهي الوقت حتى يبدأ حكم جديد .
أقول ذلك كي أنبِّه البعض إلى ضرورة أن يجلسوا معاً لدراسة ذلك ، حتى لا يختلف البعض في قول : هل هناك نسخ أم لا ، وأقول : فلنحدد النسخ أولاً ، لأن البعض يظن أن هناك حكماً كان يجب أن ينسحب على كل الأزمنة ، ثم جاء حكم آخر ليحل محله لحكمة تقتضيها مصلحة البشرية والمراد لله منها .
ولا يوجد حكم أنهى حكماً وطرأ عليه ساعة الإنتهاء ؛ بل كل الأحكام كانت مقدورة أزلاً ؛ وعلى ذلك فلا يوجد نَسْخ لأي حكم ، ولكن هناك أحكام ينتهي وقتها الذي قدره الله لها ؛ ويأتني حكم سبق تقديره أزلاً ليواصل الناس الأخذ به ؛ وما دام كذلك فلا يوجد نسخ .
ولننظر إلى قول الحق سبحانه :البقرة 106
مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ
ويتضح من منطوق الآية ومفهومها أن عند نسخ حكم يأتي الله بمثله أو خير منه .
إذن : ليس هناك نسخ وإنما هناك أحكام تؤدي مهمتها في زمن ثم يأتي زمن يحتاج إلى حكم خير منه أو مثله في الحكم ، ولكنه يوافق المصالح المرسلة مع مراد الله .
ولقائل أن يقول : ما دام سيأتي بخير من الآية المنسوخة أو المُنْسَأة فذلك أفضل ، ولكن لماذا يأتي بالمثْل ؟
وأقول : لأنك إن جاءك ما هو خير منها قد تستسيغه ، ولكن حين ننتقل إلى مثل ما جاءتْ به الآية ؛ فهذا مَحَكُّ الإيمان .
والمثْل هو التوجه في الصلاة إلى بيت المقدس في أول الدعوة ثم مَجِيء الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة ؛ فلا مشقة في ذلك .
ولكن هنا يتم اختبار الألتزام الإيماني بالتكليف ، وهنا الانصياغ للحم الذي يُنزله الله ، وهو حكم مقدور أزلاً ؛ وفي هذا اخيبار لليقين الإيماني في إدارة توجيه المُدبر لهذا السير .
وكذلك في الحج يأتي الرسول عليه الصلاة والسلام ليُقبل الحجر الأسود ؛ ثم يرجم الحجر الذي يرمز لإبليس ، ونحن نفعل ذلك أسوة برسول الله عليه الصلاة والسلام ، وكلاهما حجر ، ولكننا نمتثل لأمر الرسول عليه الصلاة والسلام ، كل هذا استجابة لأمر الآمر .
وحين يقول الحق سبحانه : الرعد 39
يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ
فهو يعني أنه سبحانه يُنهي زمن الحكم السابق الذي ينتهي زمنه في أم الكتاب أي اللوح المحفوظ ؛ ثم يأتي الحكم الجديد .
والمثال : هو حكم الخمر ؛ وقد عالجها الحق سبحانه أولاً بما يتفق مع قدرة المجتمع ؛ وكان المطلب الأول هو تثبيت العقيدة ؛ ثم تجيء الأحكام من بعد ذلك .
وهناك فرق بين العقيدة ـ وهي الأصل ـ وبين الأحكام ، وهي تحمل أسلوب الالتزام العقدىّ ، وكان الحكم في أمر العقيدة مُلزماً ومستمراً .
أما الأحكام مثل حكم الخمر فقد تدرج في تحريمها بما يتناسب مع إلْف الناس ؛ واعتيادهم ؛ فقلل الحق سبحانه زمن صُحْبة الخمر ؛ ثم جاء التحريم والأمر بالإجتناب ، وعدم القرب منها .
والمثل في حياتنا ؛ حيث نجد من يريد أن يمتنع عن التدخين وهو يُوسَّع من الفجوة الزمنية بين سيجارة وأخرى ، إلى أن يقلل عنها بلطف ، وينفيها من حياته تماماً .
ونجد القرآن يقول في الخمر : النحل 67
وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ(6/234)
وهنا يمتن الله عليهم بما رزقهم به ؛ ولكن أهل الذوق يلتفتون إلى أنه لم يصف الخمر بأنها من الرزق الحسن ؛ ووصف البلح والعنب بأنه رزق حسن ؛ لأن الإنسان يتناوله دون أن يفسده .
وهكذا يلتفت أهل الذوق إلى أن الخمر قد يأتي لها حكم من بعد ذلك ، ثم ينزل الحق سبحانه عظة تقول : البقرة 219
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
وهكذا أوضح الحق سبحانه ميل الخمر والميسر إلى الإثم أكثر من ميلهما إلى النفع ، ثم جاء من بعد ذلك قوله بحكم مبدئي :
النساء 43
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ
ومعنى ذلك أن تتباعد الفترات بين تناول الخمر ، فلا يحتسي أد الخمر طوال النهار وجزء من الليل ، وفي ذلك تدريب على الابتعاد عن الخمر .
ثم يأتي التحريم الكامل في قوله تعالى :
المائدة 90
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
وهكذا أخذ الحكم بتحريم الخمر تدريجه المناسب لعادات الناس وتم تحريم الخمر بهوادة وعلى مراحل .
وهكذا نفهم النسخ على أنه انتهاء الحكم السابق زمناً وبداية الحكم الجديد ، وهكذا يعني أن الحكم الأول لم يكن مُنْسحباً على كل الزمن ثم أزلناه وجئنا بحكم آخر ؛ ولكن توقف الحكم الأول ـ أزلاً ـ قد انتهى ؛ وبدأ الحكم الجديد .
وهكذا لا يوجد مجال للأختلاف على معنى النسخ ، ذلك أن الحق سبحانه أرجع المحو والإثبات إلى أم الكتاب ؛ ففيها يتحدد ميعاد كل حكم وتوقيته ؛ وميعاد مجيء الحكم التالي له .
وما دام كل أمر مرسوم أزلاً ؛ فعلى من يقولون أن البدأ محرم على الله أن ينتبهوا إلى أن هذا المحو والإثبات ليس بداء ؛ لأن الابداء يعني أن تفعل شيئاً ، ثم يبدو لك فساده فتغيره .
والحق سبحانه وتعالى لم يظهر له فساد ما أنزل من أحكام أو آيات ؛ بل هو قدر كل شيء أزلاً في أم الكتاب ، وجعل لكل حكم ميقاتاً وميلاداً ونهاية .
ويصح أن يتسع معنى قول الحق سبحانه :
الرعد 39
يَمْحُو اللّهُ مَا يَشَاء وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتَابِ
ليشمل نسح رسالة برسالة أخرى ؛ فيكون محا شيئاً وأثبت شيئاً آخر
مثال : أن الله عز وجل أمر سيدنا آدم عليه السلام بتزوج الأخ لأخته وكان هذا الأمر لغرض تكاثر البشرية ؛ ولكن بعد زمن معين محى الله عز وجل هذا الحكم وبدله بحكم آخر ؛ والآن لا يجوز ليهودي أو مسيحي أو مسلم أن يتزوج من أخته .
فكل شيء فيه تغيير إلى الخير يصح فيه المحو والإثبات ، وهو من عند الرقيب العتيد :
ق18
مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ
أي أنه القادر على أن يأمر الرقيب والعتيد بأن يُثبتا الواجبات والمحرمات ، وأن يتركا الأمور المباحة ، وهو القادر على أن يمحو ما يشاء من الذنوب ، ويثبت ما يشاء من التوبة .
والله أعلم
تقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال
من خواطر الإمام / محمد متولي الشعراوي .
الرد شبهه لا تبديل لكمات الله والله يقول اذا بدلنا اية ... ( التناقض)
" جاء فى سورة النساء: (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً) (1).
ولكننا نجد فيه التناقض الكثير مثل:
كلام الله لا يتبدل: كلام الله يتبدل
(لا تبديل لكلمات الله ) (2): (وإذا بدلنا آية مكان آية..) (3)
(لا مبدل لكلماته ) (4): (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها ) (5)
(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (6): (يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب ) (7)
هذه طريقتهم فى عرض هذه الشبهة يقابلون بين بعض الآيات على اعتبار تصورهم ، وهو أن كل آية تناقض معنى الآية المقابلة لها ، على غرار ما ترى فى هذا الجدول الذى وضعوه لبيان التناقض فى القرآن حسب زعمهم
الرد على هذه الشبهة:
الصورة الأولى للتناقض الموهوم بين آية يونس: (لا تبديل لكلمات الله) وآية النحل (وإذا بدلنا آية مكان آية..) لا وجود لها إلا فى أوهامهم ويبدو أنهم يجهلون معنى التناقض تمامًا. فالتناقض من أحكام العقل ، ويكون بين أمرين كليين لا يجتمعان أبداً فى الوجود فى محل واحد ، ولا يرتفعان أبداً عن ذلك المحل ، بل لا بد من وجود أحدهما وانتفاء الآخر ، مثل الموت والحياة. فالإنسان يكون إما حيًّا وإما ميتا ولا يرتفعان عنه فى وقت واحد ، ومحال أن يكون حيًّا و ميتاً فى آن واحد ؛ لأن النقيضين لا يجتمعان فى محل واحد.(6/235)
ومحال أن يكون إنسان ما لا حى ولا ميت فى آن واحد وليس فى القرآن كله صورة ما من صور التناقض العقلى إلا ما يدعيه الجهلاء أو المعاندون. والعثور على التناقض بين الآيتين المشار إليهما محال محال ؛ لأن قوله تعالى فى سورة يونس (لا تبديل لكلمات الله) معناه لا تبديل لقضاء الله الذى يقضيه فى شئون الكائنات ، ويتسع معنى التبديل هنا ليشمل سنن الله وقوانينه الكونية. ومنها القوانين الكيميائية ، والفيزيائية وما ينتج عنها من تفاعلات بين عناصرالموجودات ،أو تغييرات تطرأ عليها. كتسخين الحديد أو المعادن وتمددها بالحرارة ، وتجمدها وانكماشها بالبرودة. هذه هى كلمات الله عزّ وجلّ.
وقد عبر عنها القرآن فى مواضع أخرى ب.. السنن وهى القوانين التى تخضع لها جميع الكائنات ، الإنسان والحيوان والنبات والجمادات. إن كل شئ فى الوجود ، يجرى ويتفاعل وفق السنن الإلهية أو كلماته الكلية ، التى ليس فى مقدور قوة فى الوجود أن تغيرها أو تعطل مفعولها فى الكون.
ذلك هو المقصود به ب " كلمات الله " ، التى لا نجد لها تبديلاً ، ولا نجد لها تحويلاً.
ومن هذه الكلمات أو القوانين والسنن الإلهية النافذة طوعاً أو كرهاً قوله تعالى: (كل نفس ذائقة الموت) (8). فهل فى مقدور أحد مهما كان أن يعطل هذه السنة الإلهية فيوقف " سيف المنايا " ويهب كل الأحياء خلوداً فى هذه الحياة الدنيا ؟
فكلمات الله إذن هى عبارة عن قضائه فى الكائنات وقوانينه المطردة فى الموجودات وسننه النافذة فى المخلوقات.
ولا تناقض فى العقل ولا فى النقل ولا فى الواقع المحسوس بين مدلول آية: (لا تبديل لكلمات الله) وآية: (وإذا بدلنا آية مكان آية..).
لأن معنى هذه الآية: إذا رفعنا آية ، أى وقفنا الحكم بها ، ووضعنا آية مكانها ، أى وضعنا الحكم بمضمونها مكان الحكم بمضون الأولى. قال جهلة المشركين: إنما أنت مفتِرٍ (9).
فلكل من الآيتين معنى فى محل غير معنى ومحل الأخرى.
فالآية فى سورة يونس (لا تبديل لكلمات الله) والآية فى سورة النحل: (وإذا بدلنا آية مكان آية..) لكل منهما مقام خاص ، ولكن هؤلاء الحقدة جعلوا الكلمات بمعنى الآيات ، أو جعلوا الآيات بمعنى الكلمات زوراً وبهتاناً ، ليوهموا الناس أن فى القرآن تناقضاً. وهيهات هيهات لما يتوهمون.
أما الآيتان (لا مبدل لكلماته) و(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) وقد تقدم ذكرهما فى الجدول السابق.
هاتان الآيتان بريئتان من التناقض براءة قرص الشمس من اللون الأسود:
فآية الكهف (لا مبدل لكلماته) معناها لا مغير لسننه وقوانينه فى الكائنات. وهذا هو ما عليه المحققون من أهل العلم ويؤيده الواقع المحسوس والعلم المدروس.
وحتى لو كان المراد من " كلماته " آياته المنزلة فى الكتاب العزيز " القرآن " فإنه ـ كذلك ـ لا مبدل لها من الخلق فهى باقية محفوظة كما أنزلها الله عز وجل ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها (10).
أما آية البقرة: (ما ننسخ من آية ) فالمراد من الآية فيها المعجزة ، التى يجريها الله على أيدى رسله. ونسخها رفعها بعد وقوعها. وليس المراد الآية من القرآن ، وهذا ما عليه المحققون من أهل التأويل. بدليل قوله تعالى فى نفس الآية: (ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير ).
ويكون الله عز وجل قد أخبر عباده عن تأييده رسله بالمعجزات وتتابع تلك المعجزات ؛ لأنها من صنع الله ، والله على كل شىء قدير.
فالآيتان ـ كما ترى ـ لكل منهما مقام خاص بها ، وليس بينهما أدنى تعارض ، فضلاً عن أن يكون بينهما تناقض.
أما الآيتان الأخيرتان الواردتان فى الجدول ، وهما آية الحجر: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وآية الرعد: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) فلا تعارض بينهما كذلك ؛ لأن الآية الأولى إخبار من الله بأنه حافظ للقرآن من التبديل والتحريف والتغيير ، ومن كل آفات الضياع وقد صدق إخباره تعالى ، فظل القرآن محفوظاً من كل ما يمسه مما مس كتب الرسل السابقين عليه فى الوجود الزمنى ، ومن أشهرها التوراة وملحقاتها. والإنجيل الذى أنزله الله على عيسى عليه السلام.
أما الآية الثانية: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) فهى إخبار من الله بأنه هو وحده المتصرف فى شئون العباد دون أن يحد من تصرفه أحد. فإرادته ماضية ، وقضاؤه نافذ ، يحيى ويميت ، يغنى ويفقر ، يُصحُّ ويُمْرِضُ ، يُسْعِد ويُشْقِى ، يعطى ويمنع ، لا راد لقضائه ، ولا معقب على حكمه (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ) (11). فأين التناقض المزعوم بين هاتين الآيتين يا ترى ؟ التناقض كان سيكون لو ألغت آية معنى الأخرى. أما ومعنى الآيتين كل منهما يسير فى طريقٍ متوازٍ غير طريق الأخرى ، فإن القول بوجود تناقض بينهما ضرب من الخبل والهذيان المحموم ، ولكن ماذا نقول حينما يتكلم الحقد والحسد ، ويتوارى العقل وراء دياجير الجهالة الحاقدة ؟ نكتفى بهذا الرد الموجز المفحم ، على ما ورد فى الجدول المتقدم ذكره.
وهناك شبه أخرى يمكن سردها بإيجاز:(6/236)
1- إنهم توهموا تناقضاً بين قوله تعالى: (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه فى يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ) (12). وبين قوله تعالى: (تعرج الملائكة والروح إليه فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة ) (13). وفى عبارة شديدة الإيجاز نرد على هذه الشبهة الفرعية ، التى تصيدوها من اختلاف زمن العروج إلى السماء ، فهو فى آية السجدة ألف سنة وهو فى آية المعارج خمسون ألف سنة ، ومع هذا الفارق العظيم فإن الآيتين خاليتان من التناقض. ولماذا ؟ لأنهما عروجان لا عروج واحد ، وعارجان لا عارج واحد.
فالعارج فى آية السجدة الأمر ، والعروج عروج الأمر ، والعارج فى آية المعارج هم الملائكة والعروج هو عروج الملائكة.
اختلف العارج والعروج فى الآيتين. فاختلف الزمن فيهما قصراً أو طولاً. وشرط التناقض ـ لو كانوا يعلمون ـ هو اتحاد المقام.
2- وقالوا أيضًا: إن بين قوله تعالى: (ثلة من الأولين وقليل من الآخرين) (14). وقوله تعالى: (ثلة من الأولين وثلة من الآخرين ) (15) تناقضا. وشاهد التناقض عندهم أن الله قال فى الآية (13)(وقليل من الآخرين (وقال فى الآية (40) (وثلة من الآخرين) إذ كيف قال أولاً: (ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين) ثم قال ثانياً (ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين (ولو كان لديهم نية فى الإنصاف ، ومعرفة الحق ناصعاً ونظروا فى المقامين اللذين ورد فيهما هذا الاختلاف لوصلوا إلى الحق من أقصر طريق. ولكنهم يبحثون عن العيوب ولو كلفهم ذلك إلغاء عقولهم.
هذا الاختلاف سببه اختلاف مقام الكلام ؛ لأن الله عز وجل قسم الناس فى سورة الواقعة ، يوم القيامة ثلاثة أقسام. فقال: (وكنتم أزواجاً ثلاثة):
*السابقون السابقون. *وأصحاب الميمنة. * وأصحاب المشئمة.
ثم بين مصير كل قسم من هذه الأقسام فالسابقون السابقون لهم منزلة: " المقربون فى جنات النعيم "
ثم بيَّن أن الذين يتبوأون هذه المنزلة فريقان:
كثيرون من السابقين الأولين ، وقليلون من الأجيال المتأخرين
وذلك لأن السابقين الأولين بلغوا درجات عالية من الإيمان وعمل الباقيات الصالحات. ولم يشاركهم من الأجيال المتأخرة عن زمنهم إلا قليل.
أما أصحاب اليمين أو الميمنة فبلاؤهم فى الإسلام أدنى من بلاء السابقين الأولين. لذلك كانت درجاتهم فى الجنة أدنى من درجات السابقين الأولين ويشاركهم فى هذه المنزلة كثير من الأجيال اللاحقة بهم ؛ لأن فرصة العمل بما جعلهم أصحاب اليمين ، متاحة فى كل زمان.
ويمكن أن نمثل للسابقين الأولين بأصحاب رسول الله(ولأصحاب اليمين) بالتابعين ، الذين أدركوا الصحابة ولم يدركوا صاحب الرسالة. واذا صح هذا التمثيل ، ولا أظنه إلا صحيحاً ، صح أن نقول:
إن قليلاً منا ، بل وقليل جداً ، من يسير فى حياته سيرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كثيراً منا من يمكن أن يسير سيرة التابعين رضى الله عنهم.
وعلى هذا فلا تناقض أبداً بين الآيتين:
(ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين).
و(ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين).
3- وقالوا أيضًا: إن فى القرآن آية تنهى عن النفاق ، وآية أخرى تُكره الناس على النفاق أما الآية التى تنهى عن النفاق ـ عندهم ـ فهى قوله تعالى(: وبشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليما) (16).
وأما الآية التى تُكره الناس على النفاق ـ عندهم ـ فهى قوله تعالى: (وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أَنَّى يؤفكون ) (17).
من المحال أن يفهم من له أدنى حظ من عقل أو تمييز أن فى الآية الأولى نهياً ، وأن فى الآية الثانية إكراهاً ويبدو بكل وضوح أن مثيرى هذه الشبهات فى أشد الحاجة إلى من يعلمهم القراءة والكتابة على منهج: وزن وخزن وزرع.
ويبدو بكل وضوح أنهم أعجميو اللسان ، لا يجيدون إلا الرطانة والتهتهة ؛ لأنهم جهلة باللغة العربية ، لغة التنزيل المعجز. ومع هذه المخازى يُنَصَّبُون أنفسهم لنقد القرآن ، الذى أعجز الإنس والجن.
لا نهى فى الآية الأولى ، لأن النهى فى لغة التنزيل له أسلوب لغوى معروف ، هو دخول " لا " الناهية على الفعل المضارع مثل: لا تفعل كذا.
ويقوم مقامه أسلوب آخر هو: إياك أن تفعل ، جامعًا بين التحذير والنهى ، ولا إكراه فى الآية الثانية. وقد جهل هؤلاء الحقدة أن الإكراه من صفات الأفعال لا من صفات الأقوال أما كان الحرى بهم أن يستحيوا من ارتكاب هذه الحماقات الفاضحة.
إن الآية الأولى: (وبشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) تحمل إنذاراً ووعيداً. أما النهى فلا وجود له فيها والآية الثانية تسجل عن طريق " الخبر " انحراف اليهود والنصارى فى العقيدة ، وكفرهم بعقيدة التوحيد ، وهى الأساس الذى قامت عليه رسالات الله عز وجل.
وليس فى هذه الآية نفاق أصلاً ، ولكن فيها رمز إلى أن اليهود والنصارى حين نسبوا " الأبنية " لله لم يكونوا على ثقة بما يقولون ، ومع هذا فإنهم ظلوا فى خداع أنفسهم.(6/237)
وكيف يكون القرآن قد أكرههم على هذا النفاق " المودرن " وهو فى الوقت نفسه يدعو عليهم بالهلاك بقبح إشراكهم بالله:
=================
الرد المرغوب على شبهة ذو القرنين و الغروب
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
قال لي المعترض غير المؤمن .........
فى حكاية القرآن الكريم لنبأ " ذو القرنين " حديث عن أنه إبان رحلته: (( حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا )).
والعين الحمئة ، هى عين الماء ذات الحمأ ، أى ذات الطين الأسود المنتن.
ولما كان العلم الثابت قد قطعت حقائقه بأن الأرض كروية ، وأنها تدور حول نفسها وحول الشمس ، فإن غروب الشمس ليس اختفاء فى عين أو غير عين ، حمئة أو غير حمئة.. والسؤال: هل هناك تعارض بين حقائق هذا العلم الثابت وبين النص القرآنى ؟.
الجواب بحول الرحمن ومدده وتوفيقه
الكهف 86 ((حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ))
الشاهد هنا "وجدها".......ذو القرنين وجد الشمس تغرب فى عين حمئة
والعين الحمئة ، هى عين الماء ذات الحمأ ، أى ذات الطين الأسود المنتن.
أولا....هذا ما رآه ذو القرنين.....لكن من قال ان الله قال أن الشمس تغرب فى عين حمئة؟؟
الجواب .....لا
أنا أريدك أن تجلس على شاطئ البحر وقت الغروب وتنظر لقرص الشمس وتخبرني ماذا ترى؟
ببساطة سترى قرش الشمس يغوص فى البحر........ترى الشمس تغرب فى البحر
أنا لو قلت "إن فلان (الجالس على البحر وقت الغروب) رأى الشمس و هي تغرب فى البحر"....هل أكون مخطئا؟؟
بالطبغ لا فأنا أحكي عما يراه فلان....لا عن الواقع
أما إذا فلت........الشمس تغرب فى البحر .....(كحقيقة علمية) فإنني بالطبع مخطئ
فهل قال الله أن الشمس تغرب فى عين حمئة؟؟
وبالمثل الخلاصه من كلامي........إذا كنت متجهاً غرباً وأمامك جبل فإنك سوف تجد الشمس تغرب خلف الجبل .. .. طبعا لا يفهم أحد من ذلك أن الشمس تختبئ حقيقة خلف الجبل .......وإن كان الذي أمامك بحيرة فستجد الشمس تغرب في البحيرة ..وذو القرنين وصل الى العين الحمئة وقت غروب الشمس فوجدها تغرب في تلك العين ...... وعندما نقول وجدها تغرب خلف الجبل أو وجدها تغرب في العين فذلك الأمر بنسبة له ...والأية ليست مطلقة المعنى بل مقيدة بشخص ذو القرنين ....
أنظر للآية مرة ثانية
((حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ))
لنبسط أكثر تبسيط ممكن ....... ذو القرنين وجد (رأي) الشمس تغرب فى عين حمئة والله لم يقل أنها تغرب فى عين حمئة..
ثم أنظر سورة النمل يَا مُوسَى إِنَّهُ أَنَا اللَّهُ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (9) وَأَلْقِ عَصَاكَ فَلَمَّا رَآهَا تَهْتَزُّ كَأَنَّهَا جَانٌّ وَلَّى مُدْبِراً وَلَمْ يُعَقِّبْ يَا مُوسَى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخَافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ (10)
الشاهد هنا فلما رآها تهتز.......كأنها جان
هل العصا جان؟
الجواب لا ولكن هذا ما رآه موسى
هل وضحت الفكرة فكما أن العصا ليست جان فالشمس لا تغرب فى عين حمئة ....... والآيتين يحكيان عما رآه ذو القرنين وموسى عليه السلام
ماذا تفعل لو كنت مكاني؟
بعد رد الشبهة أريد أن أطبق على النصارى قول المسيح
"وَلِمَاذَا تُلاَحِظُ الْقَشَّةَ فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَلكِنَّكَ لاَ تَتَنَبَّهُ إِلَى الْخَشَبَةِ الْكَبِيرَةِ فِي عَيْنِكَ؟ أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَاأَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَشَّةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ! وأَنْتَ لاَ تُلاحِظُ الْخَشَبَةَ الَّتِي في عَيْنِكَ أَنْتَ. يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَعِنْدَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً لِتُخْرِجَ الْقَشَّةَ الَّتِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ. لُوقَا 6 :41 -42
أفتح سفر الجامعة 1 : 6
و الشمس تشرق و الشمس تغرب و تسرع الى موضعها حيث تشرق
النص بالأعلى يقول أن الشمس حال غروبها تسرغ إلى موضع الشروق لتشرق من جديد أليس كذلك؟
أتدري معنى هذا؟
معناه ببساطة أن الشمس تدور حول الأرض
ملحوظة.....جاليليو أتهم بالكفر و أحرق حيا بسبب هذا النص
لأن المسكين أكتشف أن الأرض هي من تدور حول الشمس
جاء في سفر رؤيا يوحنا [ 12 : 1 ] ما يلي :
(( وظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها وعلى راسها اكليل من اثني عشر كوكبا !!!!
ونحن نسأل النصارى كيف تكون المرأة متسربله بالشمس , والشمس أكبر من الأرض مليوناً وثلاثين ألف مرة ؟؟؟
فبشرية (معظم) الكتاب المقدس واضحة جلية ولا أدري أيكفر هؤلاء القوم بالعلم؟؟
وقد رددنا شبهتهم فى نحرهم ....... فكيف يردون على سفر الجامعة 1 : 5-6
أم أنكم لا تريدون إلا ضلالا؟(6/238)
وأخطاء الكتاب المقدس العلمية.........بالعشرات إن لم يكن بالمئات ....أفلا يستحون؟؟
ليت شعري لو يفقهون....لكانوا مسلمون
وتلك شبهتهم الواهية وأمهم هاوية
==================
الرد على طعن الْملاحدة في تواتر القرآن
تعلق بعض الْملاحدة بحديث أنس في حصر من جمع القرآن في عهد النبي ?:
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ ? وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ قَالَ وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ.(96)
وفي رواية قتادة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ? ؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ.(97)
فقالوا: كيف يكون القرآن متواترًا، مع ما يروى عن أنس مِن حَصْر مَن جمع القرآن في هؤلاء الأربعة.
وتعلقوا أيضًا بأن أسانيد القراء تدور على ثمانية فقط من أصحاب النبي ? ، فقالوا: إن هذا العدد لا يبلغ مبلغ التواتر.
ويجاب عن حديث أنس ? بوجوه:
أولاً: الجواب بأن الحصر في كلام أنس إضافي، لا حقيقي.
أي أن قول أنس (أَرْبَعَةٌ) لا مفهوم له؛ وليس الحصر في كلامه حقيقيًّا، بل هو حصر إضافي، أي: بالإضافة إلى غيرهم، وإلا فأين الخلفاء الأربعة، وأين سالْم مولى أبي حذيفة، وأين أبو موسى وغيرهم.ولذلك ثلاثة أدلة:
الأول: كثرة الحفاظ من الصحابة:
فقد روي حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي ? ، وثبت في الصحيح أنه قُتِل يوم بئر معونة سبعون مِمَّن جمع القرآن،(98) وروي أنه قتل في وقعة اليمامة(99) مثلهم.
فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ، فكيف الظن بِمن لم يُقتل مِمَّن حضرها، ومن لم يحضرها وبقي بالْمدينة أو بمكة أو غيرهما.
الثاني: استحالة إحاطة أنس بحال كل الصحابة وأنَّهم لم يجمعوا القرآن كله.
أي بتقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف له الإحاطة بكل من جمع القرآن مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلدان، وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي ? ، وهذا في غاية البعد في العادة. وقد يكون مراده: الذين علمهم من الأنصار أربعة، وأما غيرهم من الْمهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم كان الْمراد نفي علمه، وإذا كان الْمرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك.
كما أنه لم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنَّهم لم يجمعوه،(100) مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بِهم، ونحن نرى أهل العصور اللاحقة يحفظ القرآن منهم في كل بلدة ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟ مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونَها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن، وما سمعوه من النبي ? ، فكيف نظن بِهم إهماله ؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد جمع القرآن إلا الأربعة الْمذكورون.(101)
الثالث: اختلاف الرواية عن أنس في تحديد الأربعة
فمِمَّا يدل على إرادة الحصر الإضافي اختلاف الرواية عن أنس ? في تحديد الأربعة، ففي رواية: أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد،(102) وفي رواية أخرى أبو الدرداء مكان أبيٍّ،(103) وهذا دليل على عدم إرادة الحصر الحقيقي، فهو صادق في كلتا الروايتين ؛ لأنه ليس معقولاً أن يكذب نفسه، فتعين أن الْمراد بالحصر هنا حصر إضافي، بأن يقال: إن أنسًا ? تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، ثم تعلق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبا الدَّرْداء دون أُبَيِّ بن كعبٍ.(104)
كما اختلف العلماء في تحديد أبي زيدٍ الْمذكور في هذا الحديث، فبعضهم يَجعله سعد بن عبيد الأوسي، وبعضهم يجعله قيس بن السكن الخزرجي، وبعضهم يصحح أنَّهما جميعًا جمعا القرآن على عهد رسول الله ? ،ـ(105) وبعضهم يجعله قيس بن أبي صعصعة.(106)
والاختلاف في تحديد الْمعدود الْمحصور يدل على عدم إرادة الحصر الحقيقي.
ثانيًا: الجواب بتقدير مراد أنس بالحصر الإضافي:
وذلك بوجوه:
الأول: أن الْمراد به: لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بِها إلا أولئك.
الثاني: أن الْمراد: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته، وما لم ينسخ غيرهم.
الثالث: أن الْمراد بجمعه: تلَقِّيهِ من فِي رسول الله ? بغير واسطة، بخلاف غيرهم، فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة.
الرابع: أنَّهم تصدوا لإلقائه وتعليمه، فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم عمن عُرف حالهم، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه.(6/239)
الخامس: أن الْمراد بالجمع في هذا الحديث الكتابة، فلا ينفي أن يكون غيرهم جمعه حفظًا عن ظهر قلب، وأما هؤلاء فجمعوه كتابة، وحفظوه عن ظهر قلب.
السادس: أن الْمراد أن أحدًا لم يفصح بأنه جمعه بمعنى أكمل حفظه في عهد رسول الله ? إلا هم، بخلاف غيرهم، فلم يفصح أحد منهم بأنه أكمل حفظه إلا عند رسول الله ? حين نزلت آخر آية منه، فلعل هذه الآية الأخيرة وما أشبهها ما حضرها إلا أولئك الأربعة مِمَّن جمع جميع القرآن.(107)
ثالثًا: مع التسليم بثبوت كلام أنس على الحصر الحقيقي، فإن ذلك لا يقدح في تواتر القرآن.
فلو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة، لم يقدح ذلك في تواتر القرآن ؛ فإن أجزاءه حفظ كلَّ جزءٍ منها خلائق لا يحصون، يحصل التواتر ببعضهم، وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعُهم جميعَه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك، ولم يخالف في هذا مسلمٌ ولا ملحدٌ.(108)
وهناك احتمالات ضعيفة فيها تكلف،(109) منها:
1 - أن الْمراد بجمعه السمع والطاعة له، والعمل بموجبه.
2 - أن الْمراد إثبات ذلك للخزرج فقط دون الأوس، فلا ينفي ذلك عن غير القبيلتين من الْمهاجرين ومن جاء بعدهم.
أما دوران أسانيد القراء على ثمانية من الصحابة فقط، فيجاب بأن هؤلاء الثمانية هم الذين نقل إلينا قراءتهم، ولا ينفي ذلك إقراء غيرهم، ومعرفتهم بقراءة هؤلاء، وإقرارهم عليها، كما أن تواتر القرآن يختلف عن تواتر الحديث، فعند علماء الحديث من أقسام الْمتواتر: تواتر الطبقة، ومثلوا له بتواتر القرآن، فقد تلقاه جيل عن جيلٍ، فهو لا يحتاج إلى إسناد.(110)
(96) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 5004 (8/663). وقد صرح أنس في هذه الرواية بصيغة الحصر، قال الحافظ: وقد استنكره جماعة من الأئمة.( يعني التصريح)، انظر فتح الباري (8/668).
(97) رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159) ح 3810، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
(98) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب من يُنْكَب في سبيل الله. صحيح البخاري مع فتح الباري (6/23) ح2801، ومسلم في كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد ح 677. صحيح مسلم مع شرح النووي (13/46-47).
(99) اليمامة من حروب الردة، وقعت سنة 11 هـ، سبق الحديث عنها ص 15.
(100) والذين منهم من كان يقول: وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. كما روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود ? صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي? ـ (8/662) ح 5002.
(101) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 67، وفتح الباري (8/667-668)، وشرح النووي على صحيح مسلم (16/19)، والإتقان (1/200).
(102) رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت ح 3810. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
(103) رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? . انظر الصحيح مع فتح الباري (8/663) ح 5004.
(104) مناهل العرفان (1/243-245).
(105) أسد الغابة في معرفة الصحابة (6/128).
(106) ذكره ابن أبي داود فيمن جمع القرآن. انظر فتح الباري (8/669).
(107) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 68-69، وفتح الباري (8/667)، والإتقان (1/200-201).
(108) شرح النووي على صحيح مسلم (16/20)، وفتح الباري (8/668)، والإتقان (1/200).
(109) انظر فتح الباري (8/668-669).
(110) تعليقات اليماني على نزهة النظر ص 22.
================
ترتيب السور
وليد المسلم
ترتيب السور
وأما ترتيب السور على ما هي عليه الآن، فاختلف: هل هو توقيف من النبي ؟ أو من فعل الصحابة، أو يُفَصَّل؟ على ثلاثة أقوال:
القول الأول: وهو مذهب الجمهور: أن النبي ؟ فوَّضَ ذلك إلى أمته من بعده، يعني أن هذا الترتيب من فعل الصحابة ؟. ومِمَّن ذهب هذا الْمذهب الإمام مالكٌ، والقاضي أبو بكر الباقلاني فيما استقر عليه رأيه من قوليه.(1)
قال الزركشي: قال أبو الحسين أحمد بن فارسٍ في كتاب المسائل الخمس: جمع القرآن على ضربين: أحدهما: تأليف السور، كتقديم السبع الطُّوال، وتعقيبها بالْمئين، فهذا الضرب هو الذي تولاه الصحابة ؟ ….ـ(2)
وقد استدلوا على مذهبهم بأدلة، منها:
أولاً: أنه لو كان ترتيب السور بتوقيف من النبي ؟ لظهر وفشا ونقل مثله، وفي العلم بعدم ذلك النقل دليلٌ على أنه لم يكن منه ؟ توقيف فيه.(3)(6/240)
ثانيًا: أن مصاحف الصحابة ؟ كانت مختلفة في ترتيب السور قبل جمع القرآن في عهد عثمان ؟، ولو كان الترتيب توقيفيًّا منقولاً عن النبي ؟ ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجاوزوه.(4)
فمن ذلك أن مصحف أُبَيِّ بن كعب قدمت فيه النساء على آل عمران، ثم تلت آل عمران سورة الأنعام، ثم الأعراف ثم المائدة …، ومصحف ابن مسعود كان مبدوءا بالبقرة، ثم النساء، ثم آل عمران، ثم الأعراف، ثم الأنعام … الخ ما فيهما من خلاف مصاحفنا اليوم، وروي أن مصحف علي كان مرتبًا على النزول، فأوله سورة العلق، ثم المدثر، ثم ق، ثم المزمل ثم تبت، ثم التكوير، وهكذا إلى آخر المكي والمدني.(5)
ثالثًا: حديث ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ بَرَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ، فَمَا حَمَلَكُمْ عَلَى ذَلِكَ؟ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ؟ مِمَّا يَأْتِي عَلَيْهِ الزَّمَانُ وَهُوَ يُنْزَلُ عَلَيْهِ مِنَ السُّوَرِ ذَوَاتِ الْعَدَدِ، فَكَانَ إِذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ دَعَا بَعْضَ مَنْ يَكْتُبُ لَهُ فَيَقُولُ: ضَعُوا هَذِهِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الآيَاتُ قَالَ: ضَعُوا هَذِهِ الآيَاتِ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَإِذَا أُنْزِلَتْ عَلَيْهِ الآيَةُ قَالَ: ضَعُوا هَذِهِ الآيَةَ فِي السُّورَةِ الَّتِي يُذْكَرُ فِيهَا كَذَا وَكَذَا، وَكَانَتْ سُورَةُ الأَنْفَالِ مِنْ أَوَائِلِ مَا نَزَلَ بِالْمَدِينَةِ، وَكَانَتْ سُورَةُ بَرَاءةٌ مِنْ أَوَاخِرِ مَا أُنْزِلَ مِنَ الْقُرْآنِ، قَالَ: فَكَانَتْ قِصَّتُهَا شَبِيهًا بِقِصَّتِهَا، فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِنْهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ ؟ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا، فَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ قَرَنْتُ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ أَكْتُبْ بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَوَضَعْتُهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ.(6)
فقول عثمان ؟ : "فَظَنَنَّا أَنَّهَا مِنْهَا، وَقُبِضَ رَسُولُ اللهِ ؟ وَلَمْ يُبَيِّنْ لَنَا أَنَّهَا مِنْهَا" صريحٌ في عدم التوقيف.(7)
فهذا الحديث يدل عندهم على أن ترتيب السور لم يكن بتوقيف من النبي ؟ ، بل كان باجتهاد من الصحابة ؟.
رابعًا: عن يُوسُفَ بْنِ مَاهَكٍ قَالَ: إِنِّي عِنْدَ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِي الله عَنْهَا، إِذْ جَاءهَا عِرَاقِيٌّ فَقَالَ: أَيُّ الْكَفَنِ خَيْرٌ؟ قَالَتْ وَيْحَكَ وَمَا يَضُرُّكَ؟! قَالَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ أَرِينِي مُصْحَفَكِ. قَالَتْ: لِمَ؟ قَالَ: لَعَلِّي أُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ يُقْرَأُ غَيْرَ مُؤَلَّفٍ. قَالَتْ: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ … قَالَ: فَأَخْرَجَتْ لَهُ الْمُصْحَفَ فَأَمْلَتْ عَلَيْهِ آيَ السُّوَرِ.(8)
ووجه الدلالة فيه أن السائل كان يسأل عن ترتيب السور، بدليل قول عائشة له: وَمَا يَضُرُّكَ أَيَّهُ قَرَأْتَ قَبْلُ؟ لأن السلف متفقون على المنع من قراءة القرآن منكوسًا، بأن يقرأ من آخر السورة إلى أولِها، ولو كان السائل يسأل عن ترتيب الآي لأنكرت عليه عائشة قراءة القرآن غير مؤلف.(9)
ففي هذه الأحاديث، وغيرها حجة لِمن قال إن ترتيب السور كان اجتهاديًّا، وليس بتوقيف من النبي ؟.
القول الثاني: أن هذا الترتيب توقيف من النبي ؟، وبه قالت طائفة من أهل العلم.
قال أبو جعفر النحاس 10) المختار أن تأليف السور على هذا الترتيب من رسول الله ؟ ، وروي ذلك عن علي بن أبي طالبٍ.(11)
وقال الكِرْماني 12) ترتيب السور هكذا هو عند الله تعالى في اللوح المحفوظ.(13)
وقال أبو بكر بن الأنباري 14) أنزل القرآن كله إلى سماء الدنيا، ثم فرِّق في بضعٍ وعشرين، فكانت السورة تنزل لأمر يحدث، والآية جوابًا لمستخبر، ويقف جبريلُ النبيَّ ؟ على موضع السورة والآية، فاتساق السور كاتساق الآيات والحروف، كله عن النبي ؟، فمن قَدَّم سورة أو أخَّرَها، فقد أفسد نظم الآيات.(15)
واستدلوا على ذلك بأن الصحابة أجمعوا على المصحف الذي كتب في عهد عثمان، ولم يُخالف منهم أحد، وإجماعهم لا يتم إلا إذا كان الترتيب الذي أجمعوا عليه عن توقيف؛ لأنه لو كان عن اجتهاد لتمسك أصحاب المصاحف المخالفة بِمخالفتهم، ولكنهم عدلوا عن مصاحفهم وأحرقوها، ورجعوا إلى مصحف عثمان وترتيبه جميعًا.(16)
واستدلوا بأحاديث، منها: عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أنَّهُ كان يَقُولُ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ وَالْكَهْفِ وَمَرْيَمَ وَطه وَالأَنْبِيَاءِ: إِنَّهُنَّ مِنَ الْعِتَاقِ الأُوَلِ، وَهُنَّ مِنْ تِلاَدِي.(17)(6/241)
فذكرها نسقًا كما استقر ترتيبها.
وعن واثلة بن الأسقع أن النبي ؟ قال: أُعْطِيتُ مكانَ التَّوْراة السبعَ الطِّوالَ، وأُعْطِيتُ مكان الزبور الْمِئِينَ، وأُعْطِيتُ مكان الإنجيل المثانيَ، وفُضِّلْت بالمفصَّلِ.(18)
قال أبو جعفر بن النحاس: وهذا الحديث يدل على أن تأليف القرآن مأخوذ عن النبي ؟، وأنه مؤلف من ذلك الوقت.(19)
وقال مالك: إنَّما أُلِّف القرآن على ما كانوا يسمعون من قراءة رَسُول اللهِ ؟ .ـ(20)
قال ابن حجر 21) ومِمَّا يدل على أن ترتيب المصحف كان توقيفيًّا:
عَنْ أَوْسِ الثَّقَفِيِّ(22) قَالَ: كُنْتُ فِي الْوَفْدِ الَّذِينَ أَتَوُا النَّبِيَّ ؟ أَسْلَمُوا مِنْ ثَقِيفٍ… الحديث، وفيه: قُلْنَا مَا أَمْكَثَكَ عَنَّا يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: طَرَأَ عَلَيَّ حِزْبٌ مِنَ الْقُرْآنِ فَأَرَدْتُ أَنْ لا أَخْرُجَ حَتَّى أَقْضِيَه.ُ قَالَ: فَسَأَلْنَا أَصْحَابَ رسول الله ؟ حِينَ أَصْبَحْنَا، قَالَ: قُلْنَا: كَيْفَ تُحَزِّبُونَ الْقُرْآنَ؟ قَالُوا: نُحَزِّبُهُ ثَلاَثَ سُوَرٍ وَخَمْسَ سُوَرٍ وَسَبْعَ سُوَرٍ وَتِسْعَ سُوَرٍ وَإِحْدَى عَشْرَةَ سُورَةً وَثَلاَثَ عَشْرَةَ سُورَةً وَحِزْبَ الْمُفَصَّلِ مِنْ قَافْ حَتَّى يُخْتَمَ.(23)
قال ابن حجر: فهذا يدل على أن ترتيب السور على ما هو في المصحف الآن كان في عهد النبي ؟ ...ـ (24)
قال السيوطي 25) ومِمَّا يدل على أنه توقيفي كون الحواميم رتبت ولاءً، وكذا الطواسين، ولم ترتب المسبحات ولاءً، بل فصل بين سورها، وفصل بين (طسم) الشعراء و(طسم) القصص بـ (طس) مع أنها أقصر منهما، ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لذكرت المسبحات ولاءً، وأُخِّرت (طس) عن القصص.
وقد سئل ربيعة 26) لم قُدِّمت البقرة وآل عمران، وقد نزل قبلهما بضعٌ وثمانون سورة بمكة، وإنَّما أنزلتا بالمدينة؟ فقال: قُدِّمتا، وأُلِّف القرآن على علم ممن ألَّفه به، ومن كان معه فيه، واجتماعهم على علمهم بذلك، فهذا مِمَّا يُنْتَهى إليه، ولا يُسْأل عنه.(27)
قال الكِرْماني: وعلى هذا الترتيب كان يعرضه ؟ على جبريل ؟ كل سنة، أي: ما كان يجتمع عنده منه، وعرض عليه في السنة التي توفي فيها مرتين.(28)
وقال أبو بكر الباقلاني: … فالذي يظهر أنه عارضه به هكذا على هذا الترتيب، وبه جزم ابن الأنباري.(29)
قال ابن حجر: وفيه نظرٌ، بل الذي يظهر أنه كان يعارضه به على ترتيب النزول.(30)
والذي يظهر -والله أعلم- قول الكرماني والباقلاني وابن الأنباري، فإنه لا يُعلم دليلٌ يدلُّ على كيفية عرض النبي ؟ القرآن على جبريل ؟، وقد عُلم أن عامة(31) قراءة النبي ؟ كانت على ما عليه ترتيب المصحف الآن.(32)
القول الثالث: أن ترتيب كثير من السور كان بتوقيف من النبي ؟ وعلم ذلك في حياته، وأن ترتيب بعض السور كان باجتهاد من الصحابة ؟.
واستدلوا على ذلك بورود أحاديث تفيد ترتيب بعض السور، كالأدلة التي احتج بِها الفريق القائل بالقول الثاني، وورود آثار تصرح باجتهاد الصحابة في ترتيب بعض السور كحديث ابن عباس عن عثمان ؟ السابق.
واختلف القائلون بِهذا القول في السور التي جاء ترتيبها عن توقيف والسور التي جاء ترتيبها عن اجتهاد:
فقال القاضي أبو محمد بن عطية: إن كثيرًا من السور قد علم ترتيبها في حياة النبي ؟ كالسبع الطوال، والحواميم، والمفصل.
وقال أبو جعفر بن الزبير: الآثار تشهد بأكثر مِمَّا نصَّ عليه ابن عطية، ويبقى منها قليلٌ يُمكن أن يجري فيها الخلاف، واحتج بأحاديث منها حديث عبد الله بن مسعود، وحديث عبد الله بن عباس السابقة في أدلة القول الأول.(33)
قال ابن حجر: ترتيب بعض السور على بعض، أو معظمها لا يمتنع أن يكون توقيفيًّا، وإن كان بعضه من اجتهاد بعض الصحابة، واحتج بحديث ابن عباس السابق.(34)
قال السيوطي: والذي ينشرح له الصدر ما ذهب إليه البيهقي، وهو أن جميع السور ترتيبها توقيفي، إلا براءة والأنفال، ولا ينبغي أن يستدل بقراءته ؟ سورًا ولاءً على أن ترتيبها كذلك، وحينئذ لا يَرِدُ حديث قراءته النساء قبل آل عمران؛ لأن ترتيب السور في القراءة ليس بواجبٍ، ولعله فعل ذلك لبيان الجواز.(35)
القول الراجح
هوَّن الزركشي من أمر هذا الخلاف، فقال: والخلاف يرجع إلى اللفظ؛ لأن القائل بأن الترتيب كان عن اجتهاد منهم يقول: إنه ؟ رمز إليهم بذلك، لعلمهم بأسباب نزوله، ومواقع كلماته؛ ولِهذا قال الإمام مالك: إنَّما ألفوا القرآن على ما كانوا يسمعونه من النبي ؟، مع قوله بأن ترتيب السور اجتهاد منهم، فآل الخلاف إلى أنه: هل ذلك بتوقيف قولي، أم بِمجرد استناد فعلي، وبحيث بقي لَهم فيه مجال للنظر.(36)
قال السيوطي: وسبقه إلى ذلك أبو جعفر بن الزبير.(37)
والذي أميل إلى ترجيحه هو القول الثاني القائل بأن ترتيب سور الكتاب العزيز كلها توقيفيٌّ، بما سبق من الأدلة عند حكاية هذا القول.
أما أدلة الفريق القائل بأن ترتيب السور اجتهادي فمردودة بما يأتي:(6/242)
1 - أما دعواهم أنه لو كان ترتيب السور بتوقيف من النبي ؟ لظهر وفشا ونقل مثله، وأن في العلم بعدم ذلك النقل دليلاً على عدم التوقيف، فيجاب بأن عدم النقل ليس دليلاً على عدم وجود النص، بل إن إجماع الصحابة على هذا الترتيب دليلٌ على وجود النص بالتوقيف؛ لأنهم لا يُجمعون على خلاف السنة.(38)
2 - فإن قيل كيف يكون الصحابة ؟ مجمعين على هذا الترتيب مع أن مصاحفهم كانت مختلفة في ترتيب السور قبل جمع القرآن في عهد عثمان ؟، ولو كان الترتيب توقيفيًّا منقولاً عن النبي ؟ ما ساغ لهم أن يهملوه ويتجاوزوه، وهو دليلهم الثاني، فيجاب بأنهم ؟ إنَّما اختلفوا في هذا الترتيب بادئ الأمر، قبل أن يعلموا بالتوقيف، فلما علموا بالتوقيف تركوا ترتيب مصاحفهم، وقد يرجع الاختلاف أيضًا إلى أن مصاحفهم كانت شخصية فردية، ولم يكونوا يكتبونَها للناس، فالواحد منهم لا يُثبت في مصحفه إلا ما وصل إليه مجهوده، وقد يفوته ما لم يفت الجماعة من تحقيق أدق وعلم أوسع.(39)
3 - أما حديث ابن عباس عن عثمان،(40) وهو أقوى حججهم، فهو أوهاها إذا نظر إليه بعين التمحيص، ففيه ضعف لا يُنكر سندًا، وفيه الرد على شبهتهم متنًا:
أما من ناحية السند فإن مدار الحديث على يزيد الفارسي.(41)
قال الشيخ أحمد شاكر: وفي إسناده نظر كثير، بل هو عندي ضعيف جدًّا، بل هو حديث لا أصل له.(42)
وقد اختلف الْمُحدِّثُون في يزيد هذا، اختلافًا كثيرًا:
قال البخاري في ترجمة يزيد بن هرمز: قال عبد الرحمن بن مهدي: يزيد الفارسي هو ابن هرمز، قال: فذكرته ليحيى فلم يعرفه، قال: وكان يكون مع الأمراء.(43)
وقال ابن أبي حاتم: يزيد بن هرمز، اختلفوا فيه، هل هو يزيد الفارسي أم لا؟ فقال عبد الرحمن بن مهدي، فيما سمعت أبي يَحكي عن علي بن الْمديني عنه أنه قال: يزيد الفارسي، هو يزيد بن هرمز، وكذا قاله أحمد بن حنبل…، وأنكر يحيى بن سعيد القطان أن يكونا واحدًا، فعن علي بن المديني قال: ذكرت ليحيى قول عبد الرحمن بن مهدي: إن يزيد الفارسي هو يزيد بن هرمز، فلم يعرفه.
قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: يزيد بن هرمز هذا، ليس بيزيد الفارسي، هو سواه، وكان يزيد بن هرمز من أبناء الفرس الذين كانوا بالمدينة وجالسوا أبا هريرة، وليس هو بيزيد الفارسي البصري الذي يروي عن ابن عباس، روى عنه عوف الأعرابي.(44)
وقال ابن حبان: يزيد بن هرمز المدني، هو الذي يروي عنه عوف الأعرابي، ويقول: حدثنا يزيد الفارسي عن ابن عباس.(45)
وأثبته البخاري في الضعفاء بالاسمين: ابن هرمز والفارسي،(46) فهما ضعيفان عنده.
فعلى هذا فالحديث ضعيف، إما لضعف يزيد بن هرمز إن كان هو نفسه يزيد الفارسي، أو لجهالة أو ضعف يزيد الفارسي إن كان غير ابن هرمز.
قال العلامة أحمد شاكر: فهذا يزيد الفارسي الذي انفرد برواية هذا الحديث، يكاد يكون مجهولاً، حتى شُبِّه على مثل ابن مهدي وأحمد والبخاري أن يكون هو ابن هرمز أو غيره … فلا يقبل منه مثل هذا الحديث ينفرد به، وفيه تشكيك في معرفة سور القرآن الثابتة بالتواتر القطعي… وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور، كأن عثمان كان يثبتها برأيه وينفيها برأيه، وحاشاه من ذلك.
ثم قال: فلا علينا إذا قلنا إنه حديث لا أصل له… فلا عبرة في هذا الموضع بتحسين الترمذي، ولا بتصحيح الحاكم، ولا بموافقة الذهبي، وإنَّما العبرة للحجة والدليل.(47)
وأما متنًا، فإنه يَحمل تناقضَا ظاهرًا، ويحمل طعنًا في التوقيف في ترتيب الآي.
أما التناقض، فلأنه أثبت للأنفال وبراءة اسمين مختلفين، وفيه مع ذلك أن عثمان ظن أن براءة من الأنفال فقرنَها بِها، وكان الأولى أن يقول: إنهما سورة واحدة.
قال الباقلاني: وقد تضمن ذلك أنَّهما سورتان؛ لأنه سمى كل واحدة باسمها.(48)
وأما الطعن في التوقيف في ترتيب الآي، فلأن قول عثمان: "فظننا أنَّها منها" يدل على أن النبي ؟ لم يفصح بأمر براءة، فأضافها عثمان إلى الأنفال اجتهادًا منه ؟.
وهذا مخالف لِما لا يُحصى من الأخبار الصحيحة الدالة على التوقيف في ترتيب آي السور، ومخالف للإجماع المنقول عن أهل العلم على أن ترتيب آي السور ليس محلاًّ للاجتهاد، وإنَّما كان بتوقيف من النبي ؟.ـ(49)
كما أن قول ابن عباس: "عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ بَرَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ … فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ" يحمل ما يرد احتجاج هؤلاء بِهذا الحديث، فهو ذا يذكر أن الأنفال من المثاني، وأن براءة من المئين، ويقول: فوضعتموهما في السبع الطوال، وهذا يدل على أن السبع الطوال كانت معلومة توقيفًا قبل الجمع، وكذلك المثاني، وكذلك المئون، وإلا فما وجه استنكار ابن عباس هذا الترتيب؟!(6/243)
4 - أما حديث يوسف بن ماهك عن عَائِشَةَ -رَضِي الله عَنْهَا- فيرد عليه بأن هذا العراقي إنَّما سأل عن ترتيب السور، وكان مِمَّن يأخذ بقراءة ابن مسعود، وكان ابن مسعود لما حضر مصحف عثمان إلى الكوفة، لم يوافق أول الأمر على الرجوع عن قراءته، ولا على إعدام مصحفه، وكان تأليف مصحفه مغايرًا لتأليف مصحف عثمان، فلذا أطلق العراقي أنه غير مؤلف.(50)
وأما الفريق الثالث القائل بالتفصيل، فيجاب بنفس الأجوبة، إذ لم يأت بدليل جديد، كما يرد عليهم أيضًا بأن العلم بتوقيف البعض يدل على التوقيف في الكل، إذ لو علم الصحابة التوقيف لَما فاتَهم أن يسألوا عن كل سورة بعينها، والنبي ؟ حَيٌّ بين أظهرهم، وإلا لكانوا -وحاشاهم- مقصرين في حفظ القرآن.
فإن قيل: إن الروايات الْمحتج بِها وأمثالها خاصة بِمحالِّها، ثم هي ظنية في الدلالة على كون الترتيب عن توقيف.
فالجواب أن إجْماع الصحابة على هذا الترتيب يدل على انسحاب ما دلت عَلَيْهِ هذه الروايات من الترتيب على كل القرآن، ويقطع الظن في دلالتها.
وإن قيل: إن الإجماع الذي استندتم إليه لا يدل على التوقيف في ترتيب جميع السور، لأنه لا يشترط أن يستند الإجماع إلى نص.
فالجواب أن أمر ترتيب السور لم يكن أمرًا حادثًا حتى يُقال إن الإجماع عليه لا يدل على نص بالتوقيف، بل إن أمرَ ترتيبِ سور القرآن معروفٌ من عهد النبي ؟، فلا يرد أن إجماعهم كان عن اجتهاد غير مستند إلى نص سابق.
(1) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 82، والبرهان (1/257)، وفتح الباري (8/655).
(2) البرهان في علوم القرآن - الزركشي (1/258-259).
(3) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 82.
(4) مناهل العرفان (1/353).
(5) الإتقان في علوم القرآن (1/181-183)، والبرهان في علوم القرآن (1/259)، ونكت الانتصار لنقل القرآن ص 81، ومناهل العرفان (1/353).
(6) رواه أحمد في المسند مسند العشرة المبشرين بالجنة (1/92)ح 401، (1/111) ح 501، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من جهر بها (1/208-209)ح 786، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب سورة التوبة (5/272) ح 3086، وقال: حديث حسن.
(7) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 82.
(8) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن باب تأليف القرآن (8/654) ح 4993.
(9) انظر فتح الباري (8/655).
(10) هو العلامة إمام العربية أحمد بن محمد بن إسماعيل المصري النحوي، صاحب التصانيف، أخذ عن الزجاج، وكان من أذكياء العالم. توفي سنة 338هـ. سير أعلام النبلاء (15/401)، وشذرات الذهب (2/346).
(11) البرهان (1/258).
(12) هو تاج القراء، برهان الدين أبو القاسم محمود بن حمزة الكرماني، عالم بالقراءات، كان عجبًا في دقة الفهم وحسن الاستنباط، توفي في حدود سنة 505هـ. الأعلام للزركلي (7/168).
(13) البرهان في توجيه متشابه القرآن ص 16، والبرهان في علوم القرآن (1/259).
(14) هو الإمام الحافظ اللغوي ذو الفنون، محمد بن القاسم بن بشار المقرئ النحوي، ولد سنة 272هـ، ألف الدواوين الكبار في علوم القرآن والغريب والمشكل، والوقف والابتداء، وكان من أعلم الناس بنحو الكوفيين وأكثرهم حفظًا للغة. توفي سنة 328هـ. سير أعلام النبلاء (15/274)، وشذرات الذهب (2/310).
(15) البرهان (1/260).
(16) مناهل العرفان (1/354).
(17) رواه البخاري في صحيحه كتاب فضائل القرآن باب تأليف القرآن (8/654) ح 4994.
(18) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده كتاب باب (1/136)، والبيهقي في دلائل النبوة (5/475)، وأشار إليه السيوطي بالحسن: فيض القدير شرح الجامع الصغير (1/565).
(19) البرهان (1/258).
(20) رواه أبو عمرو الداني في كتاب المقنع في معرفة رسم مصاحف الأمصار ص 18.
(21) فتح الباري (8/658).
(22) هو أوس بن أبي أوس الصحابي، وفد على النَّبِيّ ؟ مع وفد الطائف، وروى حديث تحزيب القرآن. أسد الغابة (1/167).
(23) رواه أبو داود في سننه كتاب باب (2/55-56) ح 1393، وابن ماجه في سننه كتاب إقامة الصلاة باب في كم يستحب يختم القرآن (1/427) ح 1345 وأحمد في مسند المدنيين ح 15733
(24) فتح الباري (8/658).
(25) الإتقان (1/179).
(26) هو الإمام، مفتي المدينة أبو عبد الرحمن القرشي التيمي مولاهم، المشهور بربيعة الرأي، كان فقيهًا عالمًا بالحديث من أئمة الاجتهاد. توفي سنة 136هـ. سير أعلام النبلاء (6/89)، وشذرات الذهب (1/194).
(27) الإتقان (1/179).
(28) البرهان في توجيه متشابه القرآن ص 16، والبرهان في علوم القرآن (1/259).
(29) فتح الباري (8/658).
(30) فتح الباري (8/658).
(31) البرهان في علوم القرآن (1/257).(6/244)
(32) من قراءته ؟ بخلاف ترتيب المصحف: ما رواه مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها بَاب اسْتِحْبَابِ تَطْوِيلِ الْقِرَاءةِ فِي صَلاةِ اللَّيْلِ عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: صَلَّيْتُ مَعَ النَّبِيِّ ؟ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَافْتَتَحَ الْبَقَرَةَ فَقُلْتُ يَرْكَعُ عِنْدَ الْمِائَةِ ثُمَّ مَضَى فَقُلْتُ يُصَلِّي بِهَا فِي رَكْعَةٍ فَمَضَى فَقُلْتُ يَرْكَعُ بِهَا ثُمَّ افْتَتَحَ النِّسَاءَ فَقَرَأَهَا ثُمَّ افْتَتَحَ آلَ عِمْرَانَ فَقَرَأَهَا … الحديث. صحيح مسلم مع شرح النووي (6/61) ح 772.
(33) البرهان في علوم القرآن (1/257-258)، والإتقان في علوم القرآن (1/177)، ومناهل العرفان (1/356-358).
(34) فتح الباري (8/658).
(35) الإتقان (1/179)، وانظر دلائل النبوة للبيهقي (7/152).
(36) البرهان في علوم القرآن (1/257).
(37) الإتقان في علوم القرآن (1/177).
(38) انظر الرسالة للإمام الشافعي ص 322.
(39) مناهل العرفان (1/360).
(40) وقد سبق قريبًا، وفيه قوله: قُلْتُ لِعُثْمَانَ: مَا حَمَلَكُمْ عَلَى أَنْ عَمَدْتُمْ إِلَى سُورَةِ الأَنْفَالِ وَهِيَ مِنَ الْمَثَانِي، وَإِلَى سُورَةِ بَرَاءةٌ وَهِيَ مِنَ الْمِئِينَ فَقَرَنْتُمْ بَيْنَهُمَا، وَلَمْ تَكْتُبُوا بَيْنَهُمَا سَطْرَ بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فَوَضَعْتُمُوهَا فِي السَّبْعِ الطِّوَالِ.
(41) رواه أحمد في المسند مسند العشرة المبشرين بالجنة (1/92)ح 401، (1/111) ح 501، وأبو داود في كتاب الصلاة باب من جهر بِها (1/208-209)ح 786، والترمذي في كتاب تفسير القرآن باب سورة التوبة (5/272) ح 3086، وفي رواياتهم يزيد الفارسي. قال الترمذي: يَزِيدُ الرَّقَاشِيُّ هُوَ يَزِيدُ ابْنُ أَبَانَ الرَّقَاشِيُّ وَهُوَ مِنَ التَّابِعِينَ وَلَمْ يُدْرِكِ ابْنَ عَبَّاسٍ. جامع الترمذي (5/272). وورد في رواية البيهقي من طريق هوذة بن خليفة عن عوف بن أبي جميلة عن يزيد الرقاشي. دلائل النبوة (7/152)، وأخرجه الحاكم من طريق هوذة بن خليفة أيضًا،ومن طريق روح بن عبادة، عن عوف عن يزيد الفارسي، وزعم أنه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي! المستدرك على الصحيحين (1/221)، و(1/330).
(42) مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (1/399).
(43) التاريخ الكبير (4/2/367)
(44) الجرح والتعديل لابن أبي حاتم (4/2/293).
(45) الثقات لابن حبان 5/531).
(46) الضعفاء الصغير ترجمة 407 ص 122.
(47) مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ أحمد شاكر (1/399-401).
(48) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 82.
(49) راجع مسألة ترتيب الآيات في السورة توقيفي ص 26، والرد على ما يورد من الشبهة بِهذا الحديث ص 28.
(50) انظر فتح الباري (8/655).
================
حول عصيان البشر مع أنهم من المخلوقات الطائعة القانتة لله
الازهر
حول عصيان البشر: مع أنهم من المخلوقات الطائعة القانتة لله
كل المخلوقات فى السموات والأرض طائعة وقانتة لله تعالى [ الروم: 26 ] ومع ذلك نجد حالات كثيرة من عدم الطاعة من جانب البشر مثلاً: [ الحاقة: 10 ]. (انتهى).
الرد على الشبهة:
كل المخلوقات فى السموات والأرض ، طائعة وقانتة لله ـ سبحانه وتعالى ـ (وله من فى السموات والأرض كل له قانتون ) (1).
فهم قانتون لله ، أى خاضعون ومطيعون لإرادته ـ سبحانه وتعالى ـ ومع ذلك يشهد الواقع ، وتحكى الآيات القرآنية الكثير من حالات العصيان وعدم الطاعة من جانب البشر وذلك من مثل قوله سبحانه: (وجاء فرعون ومن قَبْلَه والمؤتفكات بالخاطئة * فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية ) (2).
ففى هذه الآية وحدها إشارات إلى عصيان فرعون.. وعصيان من سبقه من المؤتفكات ـ أى قُرى قوم لوط ـ الذين أخذهم الله أخذة رابية ، أى زائدة فى الشدة على غيرها.
بل إن تاريخ الإنسان هو صراع بين أهل العصيان.. حتى أن المأثور النبوى الشريف قد تحدث عن أن كل بنى آدم خطاء ، وخير الخطائين التوابون.
فكيف يتسق شيوع العصيان فى البشر ، مع الآية القرآنية التى تحدثت عن أن كل من فى السموات والأرض قانتون ـ أى خاضعون ومطيعون ـ لله سبحانه وتعالى ؟..
إن مفتاح الإجابة عن هذا التساؤل ، هو فهم أنواع الإرادة الإلهية والقضاء الإلهى.. فالله سبحانه لا يريد العصيان ، ولا يقضى بالشر.. لكن إرادته وقضاءه نوعان:
1 ـ إرادة وقضاء تكوينى وحتمى للمخلوقات غير المُخَيَّرة.. وذلك مثل القضاء الذى تتحدث عنه الآية: (فقضاهن سبع سموات فى يومين وأوحى فى كل سماء أمرها ) (3).
(وإذا قضى أمرًا فإنما يقول له كن فيكون ) (4).
ففى هذا اللون من الأمر الإلهى والقضاء الربانى تكون المخلوقات غير المختارة مجبولة على القنوت والطاعة والخضوع لله سبحانه وتعالى..
2 ـ إرادة وقضاء معهما تخيير..وذلك خاص بالإنسان المُخَيَّر..المكلف.. المسئول والذى له ـ بسبب هذا التخيير والحرية ـ حساب وجزاء.(6/245)
وإلى مثل هذا تشير الآيتان: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولاً كريمًا * واخفض لهما جناح الذل من الرحمة وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا ) (5).
فنحن هنا أمام قضاء إلهى ، شاء الله سبحانه وتعالى أن يترك للإنسان المخير إزاءه حرية الطاعة والعصيان ليتميز الخبيث من الطيب ، وليكون الجزاء وفق العمل والإرادة والاختيار.. فالإنسان المُخَيَّر ، الذى هداه الله النجدين ، له قدرات واستطاعات الطاعة والعصيان.. ولذلك كان من جنس الإنسان المؤمن والكافر ، والمطيع والعاصى ومن يبتغى وجه الله ومن يبتغى غير دين الله.. بينما المخلوقات غير المختارة مجبولة على الطاعة والخضوع (أفغير دين الله يبغون وله أسلم من فى السموات والأرض طوعًا وكرهًا وإليه يرجعون ) (6) ، وقوله تعالى: (ولله يسجد من فى السموات والأرض طوعًا وكرهًا ) (7) ، وقوله سبحانه وتعالى: (ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين ) (8).
ففى مخلوقات الله مخلوقات مجبولة على الطاعة والخضوع.. وفى هذه المخلوقات مخيرون ، منهم من يطيع ومنهم من يختار العصيان ، فيبتغى غير دين الله !.
===============
ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله .....
قال النصارى : إن القرآن الكريم شهد بتقديم بيع النصارى وكنائسهم على مساجد المسلمين بقوله تعالى : {ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا}فقد جعل الصوامع والبيع مقدمات على المساجد ، وجعل فيها ذكر الله كثيرا ، وذلك يدل على أن النصارى – في زعمهم- على الحق ، فلا ينبغي لهم العدول عما هم عليه ، لأن العدول عن الحق إنما يكون للباطل .
والجواب من وجوه:
أحدها: أن المراد بهذه الآية أن الله تعالى يدفع المكاره عن الأشرار بوجود الأخيار ، فيكون وجود الأخيار سببا لسلامة الأشرار من الفتن والمحن ، فزمان موسى عليه السلام يسلم فيه أهل الأرض من بلاء يعمهم بسبب من فيه من أهل الاستقامة على الشريعة الموسوية ، وزمان عيسى عليه السلام يسلم فيه أهل الاستقامة على الشريعة العيسوية ، وزمان محمد –صلى الله عليه وسلم- يسلم فيه أهل الأرض بسبب من فيه من أهل الاستقامة على الشريعة المحمدية ، وكذلك سائر الأزمان الكائنة بعد الأنبياء عليهم السلام ، كل من كان مستقيما على الشريعة الماضية هو سبب لسلامة البقية ، فلولا أهل الاستقامة في زمن موسى عليه السلام لم يبق صوامع يعبد الله تعالى فيها على الدين الصحيح لعموم الهلاك ، فينقطع الخير بالكلية ، وكذلك في سائر الأزمان ، فلولا أهل الخير في زماننا لم يبق مسجد يعبد الله فيه على الدين الصحيح ، ولغضب الله تعالى على أهل الأرض .
والصوامع أمكنة الرهبان في زمن الاستقامة؛ حيث يعبد الله تعالى فيها على دين صحيح ، وكذلك البيعة والصلاة والمسجد ، وليس المراد هذه المواطن إذا كفر بالله تعالى فيها وبدلت شرائعه ، وكانت محل العصيان والطغيان لا محل التوحيد والإيمان ، وهذه المواطن في أزمنة الاستقامة لا نزاع فيها ، وإنما النزاع لما تغيرت أحوالها ، وذهب التوحيد وجاء التثليث وكذبت الرسل والأنبياء عليهم السلام ، وصار ذلك يتلى في الصباح والمساء ، حينئذ هي أقبح بقعة على وجه الأرض وألعن مكان يوجد ، فلا تجعل هذه الآية دليلا على تفضيلها .
وثانيها:أن الله تعالى قال : (صوامع وبيع وصلوات) بالتنكير ، والجميع المنكر لا يدل عند العرب على أكثر من ثلاثة من ذلك المجموع بالاتفاق ، ونحن نقول : إنه قد وقع في الدنيا ثلاث من البيع ، وثلاث من الصوامع كانت أفضل مواضع العبادات بالنسبة إلى ثلاثة مساجد ، وذلك أن البيع التي كان عيسى عليه السلام وخواصه من الحواريين يعبدون الله تعالى فيها هي أفضل من مساجد ، ثلاثة أو أربعة ، لم يصل فيها إلا السفلة من المسلمين ، وهذا لا نزاع فيه ، إنما النزاع في البيع والصوامع على العموم ، واللفظ لا يقتضيه ، لأنه جمع منكر ، وإنما يقتضيه أن لو كان معرفا كقولنا : (البيع) باللام .(6/246)
وثالثها:أن هذه الآية تقتضي أن المساجد أفضل بيت عند الله تعالى على عكس ما قاله هؤلاء الجهال بلغة العرب ، وتقريره أن الصنف القليل المنزلة عند الله تعالى أقرب للهلاك من العظيم المنزلة ، والقاعدة العربية أن الترقي في الخطاب إلى الأعلى فالأعلى أبدا في المدح والذم والتفخيم والامتنان ؛ فتقول في المدح : الشجاع البطل ، ولا تقول : البطل الشجاع ، لأنك تعد راجعا عن الأول ، وفي الذم: العاصي الفاسق ، ولا تقول: الفاسق العاصي ، وفي التفخيم : فلان يغلب الألف والمائة ، وفي الامتنان لا أبخل عليك بالدرهم ولا بالدينار ، ولا يقال بالدينار والدرهم ، والسر في الجميع أنك تعد راجعا عن الأول كقهقرتك عما كنت فيه إلى ما هو أدنى منه ، إذا تقرر ذلك ظهرت فضيلة المساجد ومزيد شرفها على غيرها ، وأن هدمها أعظم من تجاوز ما يقتضي هدم غيرها ، كما نقول : لولا السلطان لهلك الصبيان والرجال والأمراء ، فترتقي أبدا للأعلى فالأعلى لتفخيم أمر عزم السلطان ، وأن وجوده سبب عصمة هذه الطوائف ، أما لو قلت: لولا السلطان لهلك الأبطال والصبيان لعد كلاما متهافتا .
ورابعها:أن الآية تدل على أن المساجد أفضل بيت وضع على وجه الأرض للعابدين من وجه آخر ، وذلك أن القاعدة العربية أن الضمائر إنما يحكم بعودها على أقرب مذكور ، فإذا قلت : جاء زيد ، وخالد ، وأكرمته ، فالإكرام خاص بخالد ، لأنه الأقرب فقوله تعالى:{يذكر فيها اسم الله كثيرا}. يختص بالأخير الذي هو المساجد ، فقد اختصت بكثرة ذكر الله تعالى ، وهو يقتضي أن غيرها لم يساوها في كثرة الذكر ، فتكون أفضل ، وهو المطلوب .
فائدة:الصومعة موضع الرهبان ، وسميت بذلك لحدة أعلاها ودقته ، ومنه قول العرب: أصمعت الثريدة: إذا رفعت أعلاها ، ومنه قولهم: رجل أصمع القلب ، إذا كان حاد الفطنة . والصلاة: اسم لمتعبد اليهود ، وأصلها بالعبراني صلوتا فعربت ، والبيع اسم لمتعبد النصارى ، اسم مرتجل غير مشتق ، والمسجد اسم لمكان السجود فإن مفعلا في لسان العرب ، اسم للمكان ، واسم للزمان الذي يقع فيه الفعل نحو: المضرب لمكان الضرب ورماته .
( المرجع : رسالة " إفحام النصارى " دار القاسم ، ص 33-39).
==============
شبهة سرقة إعجاز الحاجز بين المياه العذبة والمالحة:
بعد كتابة موضوع: " شبهة وجود الأحجار الكريمة في المياه العذبة "
جاء رد من أحد الإخوة ينقد الإعجاز العلمي في قوله تعالى: " وَهُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هَذَا عَذْبٌ فُرَاتٌ وَهَذَا مِلْحٌ أُجَاجٌ وَجَعَلَ بَيْنَهُمَا بَرْزَخًا وَحِجْرًا مَحْجُورًا " [الفرقان: 53]. بحجة أن الإعجاز مسروق من الكتاب المقدس: " في سفر التكوين 6 وقال الله ليكن جلد في وسط المياه.وليكن فاصلا بين مياه ومياه. 7 فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد.وكان كذلك. فهل الأصل هو الاعجاز ام نسخة النقل؟ ".
جواب الشبهة:
من عجائب أولئك الناس أنهم يقلبون الأخطاء العلمية في كتابهم المقدس، جاعلين منها إعجازاً علمياً ! فمن يدرس شروح الكتاب المقدس، ويبحث في تاريخ علاقة الكنيسة مع العلم وعلماء الطبيعيات.. يعلم أن النص الذي استشهد به كان من أفدح الأخطاء العلمية للكتاب المقدس.
وما كان له زعمَ وجود إعجاز علمي فيه، والإقناع بما ذَهَبَ إليه من تفسير مغلوط، بدون اللجوء إلى أسلوب غير علمي معهود منهم، ومتكرر كثيراً، وهو بتر النص وتحريفه.
فالمقصود بـ(الجَلَد) ـ بحسب الكتاب المقدس ـ هو السماء، أو: إن ما نشاهد لونه أزرقاً حين ننظر إلى أعلى، هو عبارة عن حاجز يمنع المياه الفوقية، عن الاختلاط بمياه الأرض.. ولا يوجد من يفسر مقصود الكتاب المقدس، خيراً من النص الصريح لكاتب الكتاب المقدس. ففي الإصحاح الأول من سفر التكوين: " (6) وقال الله ليكن جلد في وسط المياه، وليكن فاصلاً بين مياه ومياه (7) فعمل الله الجلد وفصل بين المياه التي تحت الجلد والمياه التي فوق الجلد[1]، وكان كذلك (8) ودعا الله الجَلَد سماء... ".
الجَلَد ـ بما يمثله من قساوة ويبوس ـ الذي يفصل بين السماء والأرض، هو تفسير بدائي لسقف السماء. حين كانوا يظنون أن ذلك الأزرق، ما هو إلا حاجز شفاف يفصل بين الماء الموجود في الأعلى، وأن المطر يحدث نتيجة ثقوب فيه مصممة خصيصاً لذلك. ففَصَلَ ذلك الجَلَد[2] بين مياه السماء (الأمطار)، ومياه البحار والأنهار والينابيع الموجودة على الأرض.(6/247)
وهنالك ثقوب أخرى في السماء، أكبرها ما اتخذ شكلاً دائرياً كبيراً نسبياً يدور حول الأرض (الشمس). وأخرى عبارة عن ثقوب كثيرة متناثرة ( القمر والنجوم). ودليل ذلك ما جاء في الإصحاح الأول من سفر التكوين عند الحديث عن بدء الخلق: " (14) وقال الله لتكن أنوار في جلد السماء لتفصل بين النهار والليل، وتكون لآيات وأوقات وأيام وسنين (15) وتكون أنواراً في جلد السماء لتنير على الارض، وكان كذلك (16) فعمل الله النورين العظيمين، النور الأكبر لحكم النهار والنور الأصغر لحكم الليل، والنجوم (17) وجعلها الله في جلد السماء لتنير على الارض ".
إذاً نصَّ الكتاب المقدس أن الشمس والنجوم والكواكب التي ترى بالليل، ليست أجراماً سماويةً، وإنما ثقوب موجودة في الجَلَد (السماء)، تنير الأرض.[3]
ودليلهم الذي لا يحتمل التأويل، ما ورد في سفر دانيال [12/3]: " والفاهمون يضيئون كالجَلَد.. ".
إذاً: الجلد مضيء بذاته، لا أن الضياء بسبب النجوم، بل بسبب فتحات في السماء (الجَلَدَ)، تلك الفتحات خماسية الأضلاع سداسية سباعية..
بما أن الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوره، ينبغي توضيح صورة السماء في أذهان كتَبَة سفر التكوين، جاء في المعجم اللاهوتي الكتابي: " وإذا كان الإسرائيلي يتأثر ببناء السماء ويتوق إلى نورها، ويعجب بنقائها [انظر: سفر الخروج24/10]، إلا أن صلابة جَلَد السماء الراسخة، لها وقعٌ خاص على نفسه [انظر: سفر التكوين1/18]. إنه يعتبر السماء بناء لا يقل عن الأرض متانة.. ومزوداً بخزائن للمطر والثلج والبَرَد والرياح.. ".[4]
أين النص القرآني الواضح من خطأ علمي واضح ؟!!!
أخوكم: عبد الرحيم الشريف
rhim75@maktoob.com
-------
[1] النصُّ في متن: " التفسير التطبيقي للكتاب المقدس " ص7: " ليكن جَلَدٌ يحجز بين مياه ومياه، فخلقَ الله الجلد وفرَّق بين المياه التي تحملها السحب، والمياه التي تغمر الأرض.. ". والعجيب أن مجموعة اللاهوتيين الذين ألفوه لم يفسروا معنى: " الجَلَد "، بل تجاوزوا تفسير أعداد الإصحاح الأول من (3-24) في سفر التكوين مستعيضين عن ذلك بكلام عام عن قدرة الله في الخلق ! كما تجاوَزوا تفسير المزمور [148/4] ونصُّه: " سبحيه يا سماء السماوات، ويا أيتها السحب التي فوق الجَلَد ". انظر: ص1276.
[2] حتى لا يقول أحد إن معنى (جَلَد) يحتمل تأويله بـ (غازات)، فالعودة إلى التفسير الحرفي للنص العبري تبين الصواب. والنص العبري الحرفي للكلمة هو: ( ??'? ) ويعني: " رقيع ". أي: الصفحة المطروقة الممتدة.. انظر: دائرة المعارف الكتابية، مجموعة من اللاهوتيين 2/554 (جَلَد).
وفسره اللاهوتيون الذين كتبوا : " تفسير الكتاب المقدس " 1/146: " (جَلَد): هو شيء منبسط ممتد، وهو يُرينا خلق الجو ". وقبل ذلك ـ بأسطر قليلة ـ مهَّدوا بمقدمة يعتذرون فيها عن أخطاء كتابهم المقدس.. جاء فيها: " الإنسان الذي اختبر شخصياً عن طريق قبول المسيح، حين يقرأ هذا الإصحاح، يؤمن في الحال بكل ما كُتِبَ فيه. لكن الأمور التي يصفها هذا الإصحاح تُعَد عجيبة جداً. وبالتالي: تفوق وسائل البحث العلمية، مما يجعل البعض يرَون فيها صعوبة عظمى ".
قلت: هذا اعتراف منه بوجود خطأ علمي.. ولكن، كيف يكون الخطأ العلمي، إعجازاً علمياً ؟
[3] لغاية القرن السابع عشر، كان اليهود والنصارى يظنون أن الشمس والنجوم ثقوباً في سقف السماء تمرر الضوء. حتى بيّن العالم الدنماركي (أولاف ريمر) خطأ العهد القديم، فقدم بحثاً إلى أكاديمية باريس بتاريخ 22/11/1675م وبيَّن أن ضوء الشمس يستغرق ثمان دقائق وثمان عشرة ثانية ليصل الأرض. انظر: التوراة كتاب مقدس أم جمع من الأساطير ؟ ، ليوتاكسيل، ص8.
[4]المعجم اللاهوتي الكتابي، بإشراف: الأب فاضل سيداروس اليسوعي، ص429-430 (سماء).
================
شبهة حول الإعجاز البياني في القران
نص الشبهة: " هو الذي خلقكم مِن نفسٍ واحدةٍ وجعل منها زوجها ليسكن إليها، فلما تَغَشَّاها حَملَتْ حَملا خفيفاً فمرّت به، فلما أَثْقَلتْ دعوا الله ربهما: لئِن آتيتنا صالحاً لنكوننّ من الشاكرين. فلما آتاهما صالحاً، جعلا له شركاء فيما آتاهما، فتعالى الله عما يُشْرِكون ([الأعراف]آيتا 189، 190)..
والتوراة تعلِّمنا أن آدم عرف حواء امرأته فحبلت وولدت قايين، ثم عادت فولدت أخاه هابيل، وبعد ذلك عرف آدم امرأته أيضاً فولدت ابناً ودعت اسمه شيثاً. وتأمَّل كيف تعبِّر التوراة بكلمة عرف عن معنى الجماع، وهي ألطف وأرقّ من عبارة القرآن. وانظر إلى عبارة التوراة تجدها لم تنسب إلى آدم وحواء الإشراك بالله. والمسلمون يعتقدون بنبوَّة آدم. فكيف يكون نبياً ومشركاً؟...
امرأة فوطيفار ويوسف: ولقد هَمَّت به وهَمَّ بها[1]، لولا أن رأى برهان ربه. كذلك لنصرفَ عنه السُّوءَ والفحشاء. إنه من عبادنا المخْلَصين (آية 24)...(6/248)
والكتاب المقدس يشهد أن يوسف منزّهٌ عن قوله هَمَّت به وهَمَّ بها. فورد في تكوين 3/ 9 أنه لما طلبت امرأة فوطيفار من يوسف أن يضطجع معها،[2] قال: إن سيدي سلّم كل شيء ليدي في هذا البيت، ولم يُمسك عني شيئاً غيرك، لأنك امرأته، فكيف أصنع هذا الشر العظيم وأخطئ إلى الله ؟ وكانت تكلمه من يوم إلى آخر فلم يلتفت إليها".
الجواب: سبحان الله، إن هذه الكلمة (تغشاها) تحمل كل معاني الستر والأدب. فـ " الغشاء غطاء الشيء الذي يستره من فوقه، والغاشية الظلة تظله من سحابة أو غيرها، " وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى " [الليل: 1] أي يحجب الأشياء ويسترها بظلامه. وتغشاها أتاها كغشيها ـ ويزيد ما يعطيه صيغة التفعُّل من جهد ـ وهو كناية نزيهة عن أداء وظيفة الزوجية، تشير إلى أن مقتضى الفطرة وأدب الشريعة فيها الستر ".[3]
إن هذا اللفظ كناية[4] تدل على الجماع، والقرآن كنّى بما يُستحيى منه في جميع آياته الكريمة ـ وليس في هذا الموضع فقط ـ وهذا أسلوب واضح لمن ينظر بعين الفحص الموضوعي إلى القرآن الكريم في جميع مواضعه التي تحدث فيها عن الجماع، والدخول إلى الخلاء..
فعن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ " الدخول، والتغشي، والإفضاء، والمباشرة، والرفث، واللمس: هذا الجماع. غير أن الله حيي كريم، يكني بما شاء عما شاء ".[5]
إن القرآن الكريم يكني في كل آياته عند الإشارة إلى ما يُستحيى منه، في بيئة لم يكن ذلك عيباً فيها.
بل هذَّب ألفاظ العرب، فاستبدل ما يُستحيى من ذكره، بلفظ لا يُستحيى منه، تعليماً لهم الأدب والرقي في الخطاب ـ كلفظ الغائط[6] ـ للتعبير عما يُستحيى من ذكره علناً أمام الملأ.
فأصل الغائط: الوادي أو المكان المنخفض من الأرض، ومنه سميت غوطة دمشق. ثم صار كناية عن عملية إخراج الفضلات من قبل الإنسان، لأن الناس كانوا يقولون: سأذهب إلى الغائط لأقضي حاجتي. ولكن في عصرنا هذا لما شاع استخدام هذا اللفظ فأصبح دلالة على الفعل، صار أكثر الناس يستحيون من ذكره.[7]
بشكل عام: لا يوجد في القرآن الكريم أيّ لفظ مما يُسحيى مِن ذكره، أو قراءته أمام الصغار وطلاب المدارس كما هو في كتبهم المقدسة.. ومنها ما ورد في الإصحاح السابع من سفر نشيد الانشاد: " (1) ما أجمل رجلَْك بالنعلَين يَا بنت الكريم! دوائر فخذيك مثل الحلي صنعة يديْ صناع.. ما أجملك وما أحلاكِ أيتهَا الحبيبة باللذاتِ!(7) قامتك هذه شبيهة بالنخلة وثدياكِ بالعناقيد.(8) قلت: إني أصعد إلى النخلةِ وأمسك بعذوقها. وتكون ثدياك كعناقيدِ الكرمِ ورائحة أنفكِ كالتفاح وحنككِ كأجود الخمرِ... ". يستحيل أن يكون هذا من كلام رب يستحق العبادة..
وكذلك ما ذكر في سفر الأمثال [7/16] حين تقول زانية متزوجة لرجل: " بالديباج فرشت سريري بموشّى كتان من مصر. عطرت فراشي بمرّ وعود وقرفة. هلم نرتو ودًا إلى الصباح. نتلذذ بالحب. لأن الرجل ليس في البيت ".
وسبقه تغزل بثدي المرأة !! يقول كاتب سفر الأمثال [5/18]: " وافرح بامرأة شبابك الظبية المحبوبة والوعلة الزهية، ليروك ثدياها في كل وقت ! ".
والتشبيه الأشد غرابة، هو ما ورد في سفر حزقيال [23/19] حول زانية تدعى أهوليبا: " فأكثرت [أهوليبا] زناها بذكرها أيام صباها التي فيها زنت بأرض مصر وعشقت معشوقيهم الذين لحمهم كلحم الحمير ومنيهم كمني الخيل ".
وانظر إلى التعليمات المذكورة في سفر راعوث [3/4]: " ومتى اضطجع فاعلمي المكان الذي يضطجع فيه وادخلي واكشفي ناحية رجليه واضطجعي وهو يخبرك بما تعلمين ".
وما هذا الفعل الغريب للملك داود ؟ فقد ذكر كاتب سفر صموئيل الأول [18/25] أنه حين طلب الزواج بابنة شاول الملك، اشترط شاول عليه أن يكون المهر 100 غلفة[8] !! وغير ذلك كثير.. فهل بعد هذا كله يزعمون أن كتابهم المقدس أكثر أدباً من القرآن الكريم، وأبلغ في إيصال المعنى المراد بلا فحش ؟!
===============
قبسات من الإعجاز البياني في القرآن
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في الدراسات الإسلامية
مقدمة لا بد منها...
ما أشبه الليلة بالبارحة.. الكفار هم الكفار في كل عصر ومصر
" وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْءَانِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ " صدق الله العظيم .
كان زعماء الكفار يدركون أثر القرآن في النفوس، ويخافون إيمان الناس به إذا استمعوا له ، وفتحوا قلوبهم لأنواره ولهذا كانوا يوصون أتباعهم بعدم الاستماع له وعدم الجلوس مع الرسول صلى الله عليه وسلم ويوصون القادمين إلى مكة في موسم الحج بعدم السماع من الرسول صلى الله عليه وسلم ويخوفونهم منه ويزعمون لهم أنه ساحر يفرق بين المرء وزوجه.
وقصة الطفيل بن عمرو الدوسي رضي الله عنه خير شاهد على ذلك.
تواصوا بذلك وهم يوقنون أنهم لن يغلبوا القرآن لأن سلطانه أقوى من كل مخططاتهم ضده وأنهم هم المغلوبون أمامه.(6/249)
وقارن ذلك برجاء غير المسلمين في هذا النادي وتوسلهم للمسلمين بألا يناقشوهم في إعجاز القرآن الكريم وهروبهم بعد أول نقاش يحترم العقل.
وانظر معي مُحللا طلبهم الغريب التالي الذي وصفه القرآن الكريم : " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْءَانٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ ".
ودقق في قول النضر بن الحارث : " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَاتُنَا قَالُوا قَدْ سَمِعْنَا لَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا إِنْ هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ".
كم شخصا في زمننا مثل النضر بن الحارث .. فإن كان النضر بن الحارث لم يضر القرآن الكريم قيد أنملة ، فمَن دونه في الفصاحة والبلاغة من باب أولى.
وينبغي الإشارة هنا إلى أن ما نُسب إلى مسيلمة من عبارات ركيكة فإنها ـ بحسب غلبة الظن ـ لم تصدر عنه ، فهو أفصح بيانا من أن يقول كلاما سمِجا كالذي نُقِل عنه، وهو أعقل من أن يحاول معارضة القرآن لعلمه بعجزه أمامه.
فالصحيح الراجح أن ما نقل من أخبار في ذلك كان مصدره بعض الإخباريين والقصاص المسلمين الذين أوردوها ليسخروا منه ويستهزئوا به وصاروا يوردونها على سبيل التفكه والتندر ليس إلا.. والله أعلم.
وقبل الشروع في بيان بعض الأدلة على الإعجاز البياني في القرآن الكريم ينبغي الإشارة إلى أبرز المراجع المعينة على ذلك :
1) خصائص التعبير القرآني وسماته البلاغية للدكتور عبد العظيم المطعني. حصل من خلالها على مرتبة الدكتوراه مع مرتبة الشرف الأولى من كلية اللغة العربية / الأزهر سنة1974م.
وهي مطبوعة في مجلدين سنة 1992م مكتبة وهبة / مصر.
2) سر الإعجاز في تنوع الصيغ المشتقة من أصل لغوي واحد في القرآن للدكتور عودة الله منيع القيسي. وحصل بها على درجة الدكتوراة من كلية الآداب الجامعة الأردنية. ونشرتها دار البشير في عمان سنة 1996م.
وهي دراسة قيمة ذات قيمة أدبية عالية فيها تحليلات في غاية الدقة والروعة.
3) الترادف والاشتراك والتضاد في القرآن لمحمد نور الدين المنجد. وحصل بها على شهادة الماجستير من جامعة دمشق بتقدير ممتاز . طبعته دار الفكر سنة 1999م.
4) إعجاز القرآن الكريم البياني ودلائل مصدره الرباني، د. صلاح الخالدي، دار عمار، عمان، ط2، 2004م.
5) بلاغة الكلمة في التعبير القرآني، د. فاضل السامرائي، دار عمار، عمان، ط2، 2001م.
6) التعبير القرآني، د. فاضل السامرائي، دار عمار، عمان، ط2، 2002م.
7) لمسات بيانية في نصوص التنزيل، د. فاضل السامرائي، دار عمار، عمان، ط2، 2001م.
نبدأ باسم الله..
-------------
1) زيادة ( لا ) عند قوله تعالى في قصة خلق سيدنا آدم عليه السلام في سورة الأعراف " قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ(12) "
ولكنه لم يُثبتها في سورة ( ص ) : " قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ(75) ".
إن السؤال في سورة ( ص ) عن المانع لإبليس من السجود .. أي: لماذا لم تسجد ؟ هل كنت متكبراً أم متعالياً ؟ ( ذكرت الآية الكريمة سببان قد يكونان مانعين للسجود : الاستكبار والاستعلاء )
أما السؤال في سورة الأعراف فإنه عن شيء آخر.. ويكون معنى السؤال: ما الذي دعاك إلى ألا تسجد ؟
والدليل على ذلك وجود ( لا ) النافية في الآية التي تدل على وجود فعل محذوف تقديره: أَلجأك ، أحوَجَك..
فالسؤال هنا عن الدافع له لعدم السجود ، وليس عن المانع له من السجود.
والجمع بينهما أن السؤال جاء على مرحليتين:
الأولى: السبب المانع من السجود .. وامتناع إبليس عن السجود قاده إلى عدم السجود.
الثانية: السؤال عن السبب الحامل له على عدم السجود بعد أن أمره بذلك.
والحكمة من السؤال الثاني هو أنه من الممكن عقلا أن يكون هنالك سببان: سبب يمنع عن فعل شيء، وسبب يحمل على ترك شيء.
فقولك لأحدهم: لماذا لم تفعل كذا ؟ يختلف عن سؤالك للآخر: ما الذي حملك على ترك كذا ؟
------------------------
2) الفرق في التعبير في زوجة سيدنا زكريا عليه السلام فمرة يقول امرأة.. كما في سورة مريم: " وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا(5) " وآل عمران : " قَالَ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَقَدْ بَلَغَنِيَ الْكِبَرُ وَامْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ اللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ(40) "(6/250)
ولكنه عبّر عنها بالزوجة في سورة الأنبياء: " وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنْتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ(89)فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَوَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وَأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ.. ".
لفظ امرأة يُطلق على المتزوجة وغير المتزوجة.. ولما كانت الحياة الزوجية غير كاملة في أتم صورها وحالاتها لكونها عاقرا أطلق عليها القرآن ( امرأة )
وبعدما زال المانع وأصلحها الله فحملت ... عندها تحققت الزوجية الكاملة على أتم صورها.
----------------------
3) الدقة المعجزة في التعبير القرآني:
والأمثلة على ذلك بالمئات تجدها في كل مقطع من مقاطع سور القرآن الكريم وإليكم مثالا على ذلك..
قال تعالى" مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ(41) ".
لماذا لم يقل: أوهن الخيوط خيط العنكبوت ؟؟
فلو كان القرآن من عند محمد صلى الله عليه وسلم لقال ذلك .. ولكن هذا يخالف الحقيقة العلمية الثابتة بأن خيط العنكبوت أقوى من مثيله من الفولاذ.
فكان التعبير الدقيق: " أَوْهَنَ الْبُيُوتِ ".
-----------------------------
4) حكمة تنكير " أحد " وتعريف " الصمد " :
قال تعالى: " قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ(1)اللَّهُ الصَّمَدُ(2)لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ(3)وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ(4) ".
حكمة تنكير " أحد " أنها مسبوقة بكلمتين معرفتين " هو الله " وهما مبتدأ وخبر.. وبما أن المبتدأ والخبر معرفتان ودلالتهما على الحصر .. فقد استغني بتعريفهما ودلالتهما على الحصر عن تعريف " أحد ".
فجاء لفظ " أحد " نكرة على أصله .. لأن الأصل في الكلمة هو التنكير.. فهو نكرة ( وإعرابه خبر ثان ).
كما أن لفظ " أحد " جاء على التنكير للتعظيم والتفخيم والتشريف وللإشارة إلى أن الله تعالى فرد أحد لا يمكن تعريف كيفيته ولا الإحاطة به سبحانه وتعالى.
أما " الصمد " فقد جاء معرفة في الآية الثانية لأن " الله الصمد " مبتدأ وخبر.. وجاءا معرفتين ليطابقا " هو الله " في الآية الأولى .. وقد جاء تعريف " الله الصمد " ليدل على الحصر أيضاً .
فقوله " هو الله أحد " يدل على الحصر لتعريف المبتدأ والخبر ( الأحدية محصورة بالله ).
وقوله " الله الصمد " يدل على الحصر أيضا لتعريف المبتدأ والخبر ( والصمدانية محصورة بالله ).
-----------------------------
5) ( سلام ) على يحيى و ( السلام ) على عيسى عليهما الصلاة والسلام..
قال تعالى في سورة مريم : " يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ وَءَاتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا(12)وَحَنَانًا مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً وَكَانَ تَقِيًّا(13)وَبَرًّا بِوَالِدَيْهِ وَلَمْ يَكُنْ جَبَّارًا عَصِيًّا(14)وَسَلَامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا(15) ".
أما سيدنا عيسى عليه السلام : " قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ ءَاتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا(30)وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا(31)وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلنِي جَبَّارًا شَقِيًّا(32)وَالسَّلَامُ عَليَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا(33)َ ".
وحكمة مجيء ( سلام ) نكرة في سياق قصة سيدنا يحيى علية السلام : أن ذلك جاء في سياق تعداد نعم الله تعالى على سيدنا عيسى وإخبار من الله جل جلاله بأنه قد منح سيدنا يحيى ( سلاما ) كريما في مواطن ثلاثة: يوم ولادته، ويوم موته ، ويوم بعثه حيا في الآخرة .
أما ( السلام ) في قصة سيدنا عيسى عليه السلام جاء معرفة : لأن لفظ ( السلام ) هو كلام من سيدنا عيسى حيث دعا ربه أن يمنحه السلام في ثلاثة مواطن : يوم ولادته ، ويوم موته ، ويوم بعثه حيا في الآخرة.
فبما أن سيدنا عيسى هو الذي دعا ، فمن المؤكد أنه سيُلح في الدعاء كما هي السُنة فيطلب المعالي.. فلذلك عرّف السلام دلالة على أنه يريد السلام الكثير العام الشامل الغزير.
وهنا إشارة إلى أن السلام الذي حصل عليه سيدنا عيسى كان أخص من السلام الذي حصل عليه سيدنا يحيى ، وأن سيدنا عيسى أفضل من سيدنا يحيى فهو من أولي العزم صلى الله عليهما وسلم .
-----------------------------
6) دلالة تكرار الاسم في نفس الموضع
عندما يكون الاسمان المكرران معرفتين.. دل على أن الأول هو نفس الثاني ـ غالبا ـ ليدل على المعهود.
مثال ذلك قوله تعالى في سورة الفاتحة: " اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ(6)صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ .. ".
فالصراط في المَوضع الأول معرفة بأل.. وبالثاني معرفة بالإضافة ..
والمراد بالاسم الأول الاسم الثاني.. فصراط الذين أنعم الله عليهم هو نفس الصراط المستقيم.(6/251)
وانظر: الصافات 158 ، والزمر2-3 ، وغافر 9.
أما إذا كان الاسمان المكرران نكرة .. فإن الأول غير الثاني ـ غالبا ـ لأن تكرار النكرة يدل على تعددها.. فالنكرة الأولى غير النكرة الثانية.
مثال ذلك قوله تعالى في سورة سبأ: " وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ غُدُوُّهَا شَهْرٌ وَرَوَاحُهَا شَهْرٌ ... ".
فالشهر الثاني غير الشهر الأول.. ويكون المجموع شهران.
كل هذا مقدمة لتوضيح الإعجاز البياني في سورة الشرح عند تفسير قوله تعالى : " فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(5)إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا(6) ".
" العُسر " مكرر وهو عسر واحد ( العسر الأول هو العسر الثاني فكلاهما معرفة ).
" يُسر " مكرر ولكنهما يسران ( اليسر الأول غير اليسر الثاني فكلاهما نكرة ).
إن السورة الكريمة تأتي في سياق يتحدث عن تبشير أصحاب الابتلاء والمحنة والضيق والعسر.. بأن ذلك كله سيزول .. وسيحل اليسر مكانه مضاعفا..
إن مقصد هذه السورة بعث الأمل في صدر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأتباعه من الدعاة المبتلين وتخفيفا عنهم وبعث الأمل في نفوسهم.
ولذلك جاءت نسبة العسر إلى اليسر واحد إلى اثنين ( 2:1 ) حتى ينتظر المسلم المبتلى اليسرَ بأمل عريض وصبر جميل.
وقد ورد في الأثر " لن يغلب عسر يسرين ".
قال الشاعر العتبي:
ألا يا أيها المرء الذي الهم به برح
إذا اشتدت بك البلوى ففكر في " ألم نشرح "
فعسر بين يسرين إذا أبصرته فافرح
وهذا دليل على فهم العرب للإعجاز البياني في القرآن الكريم على السليقة.
-----------------------------
7) " تسطع " و " تسطع " ، " اسطاعوا " و " استطاعوا"
ذكر الله تعالى في قصة سيدنا موسى عليه السلام مع الخضر في سورة الكهف ثلاثة أحداث أثارت اعتراض سيدنا موسى وهي خرق السفينة وقتل الغلام وبناء الجدار بدون أجر.. وقبل أن يفارق الخضر سيدنا موسى ذكر له الحكمة من الثلاثة أفعال... ولكنه قبل أن يؤوِّل سببها قال له: " هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(78)".
وبعدما أول لسيدنا موسى الأحداث قال له: " ذَلِكَ تَأْوِيلُ مَا لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا(82) "
أثبت الفاء في " تستطع" وحذفها في " تسطع " فما الحكمة من ذلك ؟؟
لقد راعى السياق القرآني الحالة النفسية لسيدنا موسى عليه السلام قبل أن يعرف تأويل سبب تلك الأفعال التي أنكرها فناسَب إظهار التاء في " تستطع " لبيان ثقل هذا الأمر عليه بسبب الهم والفكر الحائر. فصار بناء الفعل ثقيلا ( خمسة أحرف ) فناسب ثقل الهم ثقل بناء الفعل.
وحذف التاء من كلمة " تسطع " مما جعل بناء الفعل مخففا ( أربعة أحرف) وهذا التخفيف مناسب للتخفيف في مشاعر سيدنا موسى بعد أن علم الحكمة من أفعال الخضر فارتاحت نفسه وزال ثقلها.
ومثل ذلك في نفس السورة الكريمة عند الحديث عن سد ذي القرنين الذي بناه ليمنع خروج يأجوج ومأجوج قال تعالى: " فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا(97) ".
معنى يظهروه: يتسلقوه .... ومعنى نقباً : نقضه بالحفر.
حذفت التاء في " فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ " لأن المعنى هو عدم استطاعتهم تسلق السد لكونه أملسا وخاليا من أي نتوء يمكن الإمساك به.
وبما أن التسلق يحتاج خفة ورشاقة ومهارة ... وكلما كان الشخص أخف كان تسلقه أسهل.. جاء تخفيف بناء الفعل كأنه يشارك المتسلق في تحمل بعض أحماله.
أما " مَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا " أثبت التاء لأن ثقب الجدار يحتاج معدات ثقيلة فكلما كانت المعدات أثقل كان النقب في السد أيسر.. وكذلك لأن النقب يحتاج إلى جهد عضلي أكبر.
وهنالك قاعدة بلاغية تقول" الزيادة في المبنى تفيد الزيادة في المعنى".
--------------------
8) نبغِ ونبغي:
قال تعالى في سورة يوسف: " وَلَمَّا فَتَحُوا مَتَاعَهُمْ وَجَدُوا بِضَاعَتَهُمْ رُدَّتْ إِلَيْهِمْ قَالُوا يَاأَبَانَا مَا نَبْغِي هَذِهِ بِضَاعَتُنَا رُدَّتْ إِلَيْنَا وَنَمِيرُ أَهْلَنَا وَنَحْفَظُ أَخَانَا وَنَزْدَادُ كَيْلَ بَعِيرٍ ذَلِكَ كَيْلٌ يَسِيرٌ(65)".
ولكنه قال في سورة الكهف: " قَالَ أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا(63)قَالَ ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِ فَارْتَدَّا عَلَى ءَاثَارِهِمَا قَصَصًا(64)فَوَجَدَا عَبْدًا مِنْ عِبَادِنَا ءَاتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا عِلْمًا(65)".
فما الحكمة من إثبات ياء نبغي في سورة يوسف وحذفها في سورة الكهف ؟؟
في سورة يوسف جاء إثباتها على الأصل.. وذلك لبيان أن ذلك هو غاية ما يريدونه ويطلبونه.. فالطعام الذي أحضروه من مصر هو المُراد لذاته... كمال تمام الحرف ناسب كمال تمام الغاية.(6/252)
( ما ) هنا استفهامية ... و ( ما ) في سورة الكهف اسم موصول.
أما في سورة الكهف فلم يكن فقدان الحوت هو الغاية والهدف الرئيس ، لأن غايته هي الالتقاء بالخضر فكان الفقدان وسيلة وليس غاية... فناسب نقصان تمام الحرف نقصان تمام الغاية.
-----------------------
9) " تفرقوا " و " تتفرقوا"
قال تعالى في سورة آل عمران: " يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ(102) وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا..".
ولكن في سورة الشورى: " شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ...".
والسبب في ذلك أن الخطاب في سورة آل عمران للأمة المسلمة وهي أمة واحدة فناسب أن يكون الفعل بتاء واحدة.
بينما السياق في سورة الشورى عن الإخبار بما وصى به الله تعالى الأمم السابقة التي بعث الله فيها باقي أولي العزم من الرسل وهي أمم عديدة مختلفة بينها أعوام طويلة جدا.
فناسب تعدد التاءات في الفعل تنوع الأقوام وطول الزمان التي عاشته مجموع هذه الأمم ـ زيادة حرف آخر له.
ومن حكمة ذلك أيضا أن الأمة الإسلامية منهية عن أدنى اختلاف قلت نسبته لأن ذلك يوهنها فدل على تحريم أي شيء من الاختلاف مهما قل.
ولكن هذا المعنى غير مراد في الأمم الأخرى لأنها انتهت.. فلم يحذف من فعلها شيء فبقي على حاله.
حكمة أخرى: سورة الشورى ذكر فيها الفعل مرتين مرة بصيغة المضارع ومرة بصيغة الماضي : " وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ .... وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ".
أما في سياق آيات سورة آل عمران فقد ذكرت مرة واحدة فقط ولذلك جاء الفعل بتاء واحدة.
وهكذا هو السياق القرآني المعجز.. يختار الحروف التي تتوافق مع السياق وتتناسب مع المعنى والصياغة ، فقد تقل الحروف في اللفظ وقد تزيد .. ويُحذف الحرف حذفا مقصودا ويُثبت كذلك.. لخدمة بيان المعنى المراد في أروع صورة بلاغية.
وهنا لا مجال للحديث بأن السبب في ذلك هو مراعاة الفاصلة فقط..
بل كل شيء يتم بأعلى درجات الدقة والتوازن...
دقة عجزت عقول البشر عن اختراع شبيه لها
وسبحان الله منزل القرآن
-----------------------------
10) " يشاق الله " و " يشاقق الله ورسوله " :
تحدث القرآن الكريم عن معاداة الكافرين لله ولرسوله .. ولكنه عبر عن ذلك بتعبيرين متفاوتين:
ففي سورة الأنفال قال تعالى : " وَمَنْ يُشَاقِقِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(13) ".
ولكنه قال في سورة الحشر : " وَمَنْ يُشَاقِّ اللَّهَ فَإِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ(4) ".
الفرق في التعبير بين الآيتين في : ذكر كلمة " رسوله ".
لبيان سبب ذلك نرجع إلى سياق الآيتين الكريمتين.. فآية الأنفال تتحدث عن المشركين وعداوتهم عداوة واضحة مكشوفة للنبوة والرسالة.. لكونهم أنكروا نبيا من البشر يرسل إليهم.. ولأنهم أنكروا كون محمد صلى الله عليه وسلم يتيما فقيرا فهم يريدون رجلا غنيا .
فهنالك عداوة مزدوجة لله ولسيدنا محمد بشخصه صلى الله عليه وسلم.
ولسان حالهم يقول : لو أرسل الله رسولا وفق الشروط الخاصة التي نضعها للرسول لآمنا به.
أما الكلام في سورة الحشر فهو عن اليهود الذين يحاربون الإسلام مهما كان النبي المرسل إليهم.
فهم حاربوا الإسلام الذي جاء به الأنبياء منذ عهد سيدنا موسى عليه السلام مرورا بسيدنا عيسى عليه السلام وانتهاء بالرسول الخاتم محمد عليه السلام.
فهم يعادون النبي لا لشخصه بل لوظيفته ... فمهما كان النبي فاليهود له مشاقون..
وسبب آخر: أن سياق آية الأنفال يتحدث عن غزوة بدر الكبرى التي كان فيها قتال وتماس مباشر بين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .. ولهذا كان شقاق الرسول واضحا.
بينما سياق سورة الحشر في غزوة بني النضير التي لم يحدث فيها قتال مباشر بل كان حصارا لديارهم ثم استسلامهم.
-----------------------------
11) ذكر " والمؤمنون " وحذفها :
وردت آيتان كريمتان تتحدثان عن أمر واحد في سورة واحدة ... ومع ذلك اختلف التعبير في كل منها :
أخبر الله تعالى بأنه سيرى العمل هو ورسوله في قوله تعالى في سورة التوبة : " وَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(94) ".
وأخبر في آية تالية في نفس السورة بأنه سيرى عملهم هو ورسوله والمؤمنون وذلك في قوله تعالى: " وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ(105) ".(6/253)
الآية الأولى كانت في سياق الحديث عن المنافقين ... وهم كفار اتخذوا وسيلة إظهار الإسلام وإبطان الكفر محاولة يائسة لنقض الإسلام من داخله ... أما الثانية فقد جاءت في سياق الحديث عن المؤمنين الصالحين ودعوتهم إلى العمل الصالح وخاصة دفع الزكاة.
جاء حذف كلمة " والمؤمنون " في سياق الآية الأولى لأن الكلام فيها عن المنافقين ... ولطبيعة النفاق فإن المسلمين لا يعلمون ما يخفي المنافق في قلبه، لأنهم لا يعلمون الغيب.
والله تبارك وتعالى عالم السر وأخفى أخبر سيدنا محمدا بأسمائهم كلهم .
هم قدموا أعذارهم المقبولة ظاهريا أمام المسلمين ولكن الله ورسوله يعلمان كذبها ، لكن باقي المؤمنين لا يعلمون ذلك .
أما في الآية الثاني فهي في سياق الحديث عن أعمال المسلمين الظاهرة المكشوفة من صلاة وزكاة ... يراها إخوانهم المسلمون ويطلعون عليها .
وهناك قضية أخرى وهي سر التعبير بـ ( ثم ) في الآية الأولى والتعبير بالواو في الآية الثانية.
بيَّن ذلك الكرماني بقوله : " الآية الأولى في المنافقين ولا يطلع على ضمائرهم إلا الله ثم رسوله بإطلاع الله إياه... والثانية في المؤمنين وطاعات المؤمنين وعاداتهم الظاهرة لله ولرسوله وللمؤمنين.....
وختم آية المنافقين بقوله " ثم تردون " فقطعه عن الأول لأنه وعيد ......
وختم آية المؤمنين بقوله " وستردون " لأنه وعد ... فبناه على قوله " فسيرى الله عملكم "..."
وفي اختلاف التعبير دلالة أيضا على استعجال الوعد وعدم استعجال الوعيد :
وعدُ الله للمؤمنين بقبول أعمالهم مباشرة ... فالصدقة تقع في يد الله تعالى قبل وقوعها في يد الفقير... وفي ذلك إشارة إلى عاجل بشرى المؤمن.
ووعيد الكفار بفضحهم وتعذيبهم في نار جهنم .. إن لم يتوبوا :
( ثم ) تفيد الترتيب مع التراخي.. وهي تحمل معنى إمهالهم وعدم التعجيل بعذابهم لفتح باب التوبة لهم ليعودوا ...
وإلا
فلا يظنون ـ إن طال بهم الأمد ـ أن الله راضٍ عنهم أو نسيهم .... إن الله يمهل ولا يهمل... فإن لم ينالوا عذابهم في الدنيا ... فعذاب الآخرة أشد .
فهل أحلم من الله على عباده ..
-------------------
12) نكرة مكررة ثلاث مرات في آية واحدة :
قال تعالى في سورة الروم: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْقَدِيرُ(54) ".
يجب التذكير بالقاعدة البيانية: أن النكرة إذا تكررت فإنها في كل مرة تفيد معنى جديداً.
( ضعف ) نكرة تكرارها في نفس الموضع يفيد أن الضعف الأول غير الثاني وغير الثالث.
المراد بالضعف الأول: النطفة ( ضعيفة فهي ماء مهين ).
والضعف الثاني: الطفولة ( لأنه بحاجة إلى رعاية أمه في مرحلة الرضاع وعناية خاصة حتى يجتاز مرحلة المراهقة ويصل البلوغ ).
والضعف الثالث: الشيخوخة ( لأنه يعود في مرحلة الشيخوخة ضعيفا عاجزا.. ضعيف الفكر.. ضعيف الحركة والسعي والنشاط ).
واللطيف في الآية أن ( قوة ) وردت نكرة وكررت مرتين.
إذاً.. القوة غير القوة .
القوة الأولى: قوة فترة الصبا ( الصبي قوي مندفع كثير الحركة ).
القوة الثانية: قوة الشباب ( قوة الجسم والمشاعر والأحاسيس والهمة والعزيمة والانطلاق في الفكر والأحلام والطموح ).
" ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا "القوة الأولى تقود إلى القوة الثانية.
هذه الآية الكريمة تلخص حياة الإنسان على الأرض وأنها تقوم على خمس مراحل:
1.الضعف : وهو جنين في بطن أمه .
2.الضعف : وهو رضيع في حضن أمه .
3.القوة : وهو صبي مندفع .
4.القوة : وهو شاب نشيط فاعل .
5.الضعف : وهو شيخ عجوز هرم ..
هنا روعة الإعجاز البياني القرآني .. التعبير الحق البليغ .. عن أدق التفاصيل .. بأقل عدد من الكلمات.. في نظم محكم بديع.. دون أن يخل بالسياق ... في جرْس موسيقي يأخذ بالألباب .
اللهم اجعل القرآن الكريم ربيع قلوبنا
---------------
13) قدّم المفعول به في " إياك نعبد وإياك نستعين " ولم يقدمه في " اهدنا الصراط المستقيم
وذلك في سورة الفاتحة
إياك : ضمير منفصل ( مفعول به ) مقدم على فعليه : نعبد ، نستعين .
اهدنا : نا ( مفعول به أول ) والصراط مفعول به ثان .
فلماذا لم يقدم هذا المفعول به فيصير : إيانا اهد . كما قال قبلها إياك نعبد ؟؟
سبب تقديمه في الأولى هو الاختصاص فالعبادة لا تكون إلا لله ومن عبد غير الله واستعان بغيره فقد كفر..
ومن هنا تظهر حكمة التقديم لغرض إيماني من خلال هذا الأسلوب البلاغي.
وذلك مثل قوله تعالى: " وعلى الله فليتوكل المؤمنون " .
أما عدم تقديمه في " اهدنا الصراط المستقيم " لأن طلب الاختصاص في الهداية لا يصح فالله يهدي من يشاء.. وهم كثيرون.
فيجوز لك أن تقول : اللهم اهدني وارزقني .... أي جعلني في زمرة من كتبت لهم الهداية والرزق.(6/254)
ولا يجوز لك أن تقول : إياي اهد ، إياي ارزق ... بمعنى اللهم اهدني وحدي وارزقني وحدي.
فالمسلم ليس أنانياً.
-----------------------------
14) تقديم " لا فيها غول "
قال تعالى في وصف خمر الجنة التي أعدها لعباده المؤمنين " يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ(45)بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ(46)لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ(47) ".
هذه الخمر ليس فيها غَول (الكحول).. فهي لا تغتال عقولهم بسبب ما تسببه من سكرٍ وصداع وفقدان للعقل والاتزان.
أي منزوع عنها ما يسبب الإسكار (الغَول).
وتقديم " لا فيها غول " للاختصاص.. أي أن خمر الجنة لا تغتال عقول المؤمنين وإنما هي شراب لذيذ.. فإن كانت خمر الدنيا تغتال عقول شاربيها.. فإن خمر الجنة اختصت بعدم ذلك.
كما أن هذا التقديم في سياق النفي يدل على تفضيل خمر الجنة على خمر الدنيا.
-----------------
15) تقديم القتل على الموت وعكسه في نفس الموضع:
من روائع التقديم والتأخير في بيان القرآن الكريم المعجز ورود آيتين متتابعتين قدم اللفظ في الأولى وأخر اللفظ نفسه في الثانية:
قال تعالى في سورة آل عمران: " وَلَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ(157)وَلَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ(158) ".
الآيات الكريمة في سياق غزوة أحد .. والتي كان فيها من الشهداء ما هو معلوم .. وبما أن الموت في سبيل الله هو أشرف موت وأعظمه أجرا عند الله.. قدم القتل على الموت.
وهذا غير مُراد الآية الثانية التي تتحدث عن سنة الله على جميع الناس بالموت.
وبما أن الموت على الفراش هو الأعم والأغلب فمعظم الناس يموتون ميتة طبيعية قدم الموت.
والدليل على أن المقصود في الثانية هو بيان سنة الله في الناس كافة هو عدم اقتران القتل فيها بعبارة " في سبيل الله " التي اقترنت بها في الآية الأولى.
وشتان بين قتل الشهيد وقتل الإنسان العادي
فالشهيد ينال رحمة من الله ومغفرة لذنوبه كما هي عقيدة المسلمين وهذا ما أكدته الآية الأولى.
وهذا ليس إلا للمسلمين...
وبما أن القتل بشكل عام ( للمسلمين وغيرهم ) يكون فيه ظالم ومظلوم ... يجب أن يكون هنالك حكم عدل يفصل بينهم ....
فمتى يُنتصف للمظلوم
يُنتصف له يوم القيامة ... حيث يُحشر الجميع بين يدي الله ... الظالم والمظلوم..
فقد يكون القاتل هو المظلوم .. والمقتول هو الظالم ...
ولهذا جاء التعبير الإعجازي في الآية الثانية
" لَإِلَى اللَّهِ تُحْشَرُونَ ".
==================
التناسق البياني لكلمات القرآن الكريم
فهذه مجموعة من الفتوحات التي منّ الله بها علي في إعجاز القرآن الكريم البياني، وفكرة هذا البحث تقوم على أن كل كلمة من كلمات القرآن تتكرر في القرآن كله بنظام بديع متناسق ومُحكم. والأمثلة الآتية التي سنراها تؤكد هذه الحقيقة.
هذا التناسق العجيب يبرهن على استحالة الإتيان بمثل هذا القرآن الذي قال الله عنه: (قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً) (الإسراء: 17/88).
كما يبرهن على أن القرآن لو كان كلام بشر لما رأينا فيه مثل هذه التناسقات والتدرجات اللغوية والبيانية، وهذا ما أمرنا الله تعالى أن نتدبره فقال: (أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً) (النساء: 4/82).
فكرة عن التناسق البياني
يمكن شرح فكرة النظام البياني لسور القرآن, من خلال المثال الآتي:
يعلمنا الله تعالى أن نتوكل عليه فهو يكفي وهو حسبُنا, نستمع إلى هذا الأمر الإلهي: حَسْبِيَ اللَّهُ هذا النداء تكرر في كامل القرآن في سورتين, لنبحث عن كلمة (حَسْبِيَ) في القرآن:
1ـ (فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُلا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ) [التوبة: 9/129].
2ـ (وَلَئِن سَأَلْتَهُم مَّنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ قُلْ أَفَرَأَيْتُم مَّا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ قُلْ حَسْبِيَ اللَّهُعَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ) [الزمر: 39/38].
إذن كلمة (حَسْبِيَ) دائماً ترافقها كلمة (اللَّهُ) تعالى, أي (حَسْبِيَ اللَّهُ) وهل يوجد غير الله لنلتجئ إليه وندعوَه؟ وكما نلاحظ كلتا الآيتين فيهما أمر آخر هو التوكل على الله تعالى, وليؤكد لنا أن التوكل لا يكون إلا على الله. إذن ارتبط الالتجاء إلى الله بالتوكل على الله! فمن أراد أن يلتجئ إلى الله تعالى(6/255)
ولكن حكمة الله ومشيئته وقضاءه أعلى من مستوى تفكيرنا... ولكن يمكنني أن أقول إن النظام الكوني والبشري ونظام الخلق والنظام القرآني وغيرها لا يمكن أن تكون إلا بهذا الشكل الذي نراه, وغير هذه الصيغة لنظام الخلق ستؤدي إلى خلل في الكون.
هكذا مشيئة الله...
قبل أن يخلق الله الكون اختار الصيغة الأنسب للضلال والهدى، واقتضت مشيئة الله أن ينقسم البشر بين مؤمن وكافر، لو شاء لهدى الناس جميعاً, ولو شاء لعذبهم جميعاً... إنه يفعل ما يريد هو وليس نحن... لنتخيَّل حكمة الله في خلقه نستعرض 3 آيات من القرآن حيث تكررت كلمة (نَشَأْ) لنرى التدرج البلاغي والرقمي لتكرار هذه الكلمة عبر سور القرآن:
1ـ (إِن نَّشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِم مِّن السَّمَاء آيَةً فَظَلَّتْ أَعْنَاقُهُمْ لَهَا خَاضِعِينَ) [الشعراء: 26/4].
2 ـ (أَفَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُم مِّنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِن نَّشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفاً مِّنَ السَّمَاءِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِّكُلِّ عَبْدٍ مُّنِيبٍ) [سبأ: 34/9].
3 ـ (وَإِن نَّشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنقَذُونَ) [يس: 36/43].
نظام الكلمات لغوياً
كلمة (نَشَأْ) هي كلمة خاصة بالله تعالى، لم ترد إلا وقبلها (إنْ) وبعدها كلمة تخصُّ الله وقدرته ومشيئته ليبيِّن لنا الله تعالى أن المشيئة كلها لله وحده، وليس لنا نحن البشر من الأمر شيء.
1ـ بدأ الله تعالى الأولى بالحديث عن الهدى فهو قادر على أن ينزل على هؤلاء المكذبين آية (معجزة) من السماء فيجبرهم على الخضوع والإيمان قسراً, ولكن عدالة الله تعالى اقتضت أن يعطيَهم حرية الاختيار لكي لا يظلم أحداً يوم القيامة.
2ـ ثم أتت الآية الثانية بالتهديد بأن الله قادر على أن يخسف بهم الأرض أو يسقط عليهم قطعاً ملتهبة من السماء ولكن رحمتُه تقتضي إمهالهم ليوم لا ريب فيه حيث لا ينفعهم الندم.
3ـ وخُتمت هذه الآيات الثلاث بأن الله لو شاء لأغرقهم فلا منقذَ لهم غير الله تعالى.
نرى التدرج عبر الآيات الثلاثة:
من السماء (نُنَزِّلْ)...
إلى الأرض (نَخْسِفْ)...
إلى أعماق البحار (نُغْرِقْهُمْ)...
فهل نحن أمام برنامج بلاغي لكل كلمة من كلمات القرآن؟ إذن تنوعت أنواع العذاب :
الإحراق بأجسام ملتهبة من السماء.
ثم الخسف في الأرض .
ثم الإغراق في ظلمات البحار.
كلُّ شيء... يسبِّح بحمدِه
كيف لا يسبح كل شيء بحمد الله تعالى وهو خالق كل شيء؟ الرعد يسبح بحمده... كل شيء يسبح بحمده... يوم القيامة يدعونا الله فنستجيب بحمده... إنه الحي الذي لايموت فسبِّح بحمده, لنبحث عن كلمة (بِحَمْدِهِ) التي نجدها
المؤمن في الجنةبعبارة خاصة بأهل الجنة وقد تكررت 5 مرات في الآيات:
1ـ (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَ كَذَلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ) [النحل: 16/31].
2ـ (لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاءُونَخَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً) [الفرقان: 25/16].
3ـ (لَهُم مَّا يَشَاءُونَعِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ) [الزمر: 39/34].
4ـ (تَرَى الظَّالِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمَّا كَسَبُوا وَهُوَ وَاقِعٌ بِهِمْ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاءُونَعِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ) [الشورى: 42/22].
5ـ (لَهُم مَّا يَشَاءُونَفِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) [ق: 50/35].
ولنرى النظام البلاغي الفائق الدقة في تكرار هذه الكلمة الخاصة بأهل الجنة:
1ـ تحدثت الآية الأولى عن جزاء المتقين: جنات... لهم فيها ما يشاءون.
2ـ أما في الآية الثانية فقد أكّد الله تعالى على أن هؤلاء المتقين خالدون في الجنة التي لهم فيها ما يشاؤون, وأن وعد الله حق ولا يُخلف الله وعده (كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْداً مَسْؤُولاً).
3ـ أما الآية الثالثة فقد تحدثت عن المحسنين لأن التقوى يُؤدي إلى الإحسان, (والعكس صحيح) هؤلاء المحسنون (لَهُم مَّا يَشَاءُونَ عِندَ رَبِّهِمْ), أكدت أيضاً أنهم سيكونون بقرب ربهم, ومن كان قريباً من الله فماذا يطلب بعد ذلك؟
4ـ زادت الآية الرابعة تأكيد قرب هؤلاء من ربهم سبحانه وتعالى وأكدت أن هذه الصفات هي (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ).
5ـ وأخيراً لكي لا نظُنُّ أن هذا كل شيء, ختم الله هذه الآيات الخمسة بكلمة (مزيد), فالعطاء مفتوح لا حدود له (وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ).
بعد كل هذا ماذا يتمنَّى المؤمن؟ فسبحان الذي رتب ونظم هذه الكلمة عبر سور القرآن بهذا الشكل المذهل!!
البحار يوم القيامة(6/256)
البحار التي يُستخدم ماؤها لإخماد النار سوف تلتهب... تُسَجَّر... وتُفَجَّر، هذه إحدى الحقائق عن يوم القيامة. ولنسأل هل يوجد بلغة الأرقام ما يصدق هذه الحقيقة؟ نلجأ إلى كتاب الله ونبحث عن كلمة (البحار)، كم مرة تكررت في كامل القرآن؟ الجواب بسيط، مرتين في سورتين:
1ـ (وَإِذَا الْبِحَارُسُجِّرَتْ) [التكوير: 81/6].
2ـ (وَإِذَا الْبِحَارُفُجِّرَتْ) [الانفطار: 82/3].
ولا ننسى أن كلمة (البحار) في القرآن لم تستخدم إلا للحديث عن يوم القيامة. ونلاحظ تسلسل الآيتين في القرآن يتناسب مع المفهوم العلمي: فأولاً يكون الاشتعال ثم الانفجار وليس العكس، فجاء تسلسل الآيتين أولاً (سُجِّرت) وثانياً (فُجِّرت)، وهذا مطابق للحقائق العلمية الحديثة.
الأرض يوم القيامة؟
هذه الأرض التي نراها ثابتة ومستقرة سوف تهتزُّ وترجُف يوم القيامة. وهذه حقيقة مستقبلية لاشك فيها، وما لغة الأرقام والنظام الرقمي إلا دليل قوي جداً على صدق كلام الله تعالى. تكررت كلمة (تَرْجُف) مرتين بالضبط في كامل القرآن في سورتين:
1ـ (يَوْمَ تَرْجُفُالْأَرْضُ وَالْجِبَالُ وَكَانَتِ الْجِبَالُ كَثِيباً مَّهِيلاً) [المزمل: 73/14].
2ـ (يَوْمَ تَرْجُفُالرَّاجِفَةُ) [النازعات: 79/6].
إذن كلمة (تَرْجُفُ) تسبقها دائماً كلمة (يوم) ليؤكد لنا الله تعالى أن الأرض ستهتز وترجف في ذلك اليوم ـ يوم القيامة. فجاء التسلسل الزمني مطابقاً لتسلسل الآيتين: الآية الأولى تحدثت عن اهتزاز الأرض، ثم في الآية الثانية تحدث الله عن اهتزاز الأرض المهتزة أصلاً، وهذا لزيادة الاهتزاز والارتجاف.
لنعد إلى التساؤل التقليدي: مَن الذي وضع هذه الكلمة في هاتين السورتين؟ ومَن الذي حدَّد استخدام هذه الكلمة بما يخصّ يوم القيامة وليس أي شيء آخر؟ أليس هو رب السماوات السبع ورب العرش العظيم؟
السراج المنير
في كتاب الله تعالى لكل كلمة خصوصيتها, ومن بين الكلمات الكثيرة كلمة (منيراً) التي تكررت مرتين في كامل القرآن في الآيتين:
1ـ (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاء بُرُوجاً وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجاً وَقَمَراً مُّنِيراً) [الفرقان: 25/61].
2ـ (وَدَاعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً) [الأحزاب: 33/46].
في الآية الأولى الحديث عن القمر والشمس, أما الآية الثانية فتتحدث عن الرسول , وكأن الله يريد أن يقول لنا إن الرسول الكريم هو بمثابة الشمس والقمر للمخلوقات. فكما أن الإنسان لا يستطيع العيش من دون الشمس والقمر كذلك لا يمكن للمؤمن أن يحيا من دون تعاليم وأخلاق ودعوة الرسول . وهذا الترتيب للآيتين يثبت أن القرآن من عند الله.
البعد الزمني للكلمة القرآنية
لنتأمل هاتين الآيتين في صفة بني إسرائيل وكيف عبَّر عنهم البيان الإلهي:
1 ـ (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَاوَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ) [البقرة: 2/93].
2 ـ (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَاوَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 4/46].
إن عبارة سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا لم ترد في القرآن كله إلا في هذين الموضعين وكما نرى الحديث دائما على لسان بني إسرائيل، وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا بأن هذه الكلمة لا تليق إلا بهؤلاء، فهي لم ترد على لسان أي من البشر إلا بني إسرائيل!
هذه الحقيقة نكتشفها اليوم لنعلم حقيقة هؤلاء اليهود الذين حرفوا كلام الله، لذلك جاءت كلمة (وَعَصَيْنَا) لتعبر تعبيراً دقيقاً عن مضمون هؤلاء. وقد لاحظتُ شيئاً عجيباً في هاتين الآيتين:
الآية الأولى جاءت بصيغة الماضي قَالُواْ ، فهذا يدل على ماضيهم وتاريخهم في المعصية. ولكي لا يظن أحد أن هذا الماضي انتهى جاءت الآية الثانية بصيغة الاستمراروَيَقُولُونَ للدلالة على حاضرهم ومستقبلهم في معصية أوامر الله تعالى، فهم في حالة عصيان مستمر.
لم يكتفوا بعصيانهم بل أغلقوا قلوبهم وغلفوها بغلاف من الجحود والكفر، ويأتي البيان القرآني ليصف قلوب هؤلاء على لسانهم، ولنستمع إلى هاتين الآيتين:
1 ـ (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌبَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) [البقرة: 2/88].(6/257)
2 ـ (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌبَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 4/155].
وهنا من جديد نجد أن عبارة قُلُوبُنَا غُلْفٌ لم ترد في القرآن كله إلا في هذين الموضعين، وهذا يثبت أن كلمات القرآن تُستخدم بدقة متناهية فكلمة غُلْفٌ هي كلمة خاصة ببني إسرائيل بل لا تليق هذه الكلمة إلا بهم. ولكن هنالك شيء أكثر إدهاشاً.
1 ـ فالآية الأولى جاءت على صيغة الماضي وَقَالُواْ لتخبرنا عن ماضي هؤلاء وحقيقة قلوبهم المظلمة، ثم جاءت الآية الثانية بصيغة الاستمرار وَقَوْلِهِمْ لتؤكد حاضرهم ومستقبلهم أيضاً، وهذا التدرج الزمني كثير في القرآن، فتسلسل الآيات والسور يراعي هذه الناحية لذلك يمكن القول بأن القرآن يحوي من الإعجازات ما لا يتصوره عقل: لغوياً وتاريخياً وعلمياً وفلسفياً وتشريعياً ورقمياً، ألا نظن أننا أمام منظومة إعجازية متكاملة في هذا القرآن؟
2 ـ في الآية الأولى نلاحظ قول الله تعالى وردّه عليهمبَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ ، وهذا منتهى الذل أن يلعنهم الله فماذا بقي لهم من الأمل في الدنيا أو الآخرة؟ ولكن الآية الثانية نجد قول الله ورده عليهم بصيغة ثانية: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا وهذا يؤكد أنه لا أمل لهذه القلوب أن تنفتح أمام كلام الله، فقد لعنهم الله وطبع على قلوبهم فماذا ينتظرون بعد ذلك؟
3 ـ ولكن هل تنطبق هذه المواصفات على جميع اليهود؟
إن نهايتَي الآيتين تجيبنا على ذلك، فالآية الأولى انتهت بـ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ للدلالة على قلة إيمانهم أما الآية الثانية فانتهت بفَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً حتى المؤمنون منهم عددهم قليل جداً.
إذن هم قليلو الإيمان كيفاً وكماً. وهنا نتساءل: أليست هذه معجزة بلاغية فائقة؟
وهكذا لو سرنا عبر قصة بني إسرائيل في القرآن ومواقفهم مع نبي الله موسى عليه السلام، لرأينا أن كل شيء يسير بنظام، وهذه القصة تحتاج لبحث مستقل بل مجموعة من الأبحاث لكشف أسرار معجزة هذا القرآن.
الترتيب الزمني للقصة
يبشر الله عباده المؤمنين برسول كريم اسمه أحمد ‘، وتأتي البشرى على لسان روح الله وكلمته المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فيقول هذا الرسول الكريم لبني إسرائيل مبشراً لهم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) [الصف: 61/6]. ونحن نعلم أنه لا نبي بعد رسول الله ‘ فهو خاتم النبيين.
إن عبارة (من بعدي) في هذه الآية تدل على زمن، هذه العبارة تكررت في القرآن، ونسأل: كيف تكررت هذه العبارة وعلى لسان مَن وردت؟ وما هو ترتيب الآية السابقة التي جاءت على لسان المسيح عليه السلام؟ لنستمع إلى هذه الآيات الأربعة:
1 ـ (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِيقَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:2/133].
2 ـ (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَأَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 7/150].
3 ـ (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِيإِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [ص: 38/35].
4 ـ (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِياسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) [الصف: 61/6].
إن كلمة (بعدي) لم ترد إلا في هذه الآيات الأربعة من القرآن، ولكن السؤال على لسان من وردت هذه الآيات؟ إذا استعرضنا هذه الآيات من القرآن وجدنا أن:
1 ـ الآية الأولى في سياق قصة يعقوب عليه السلام.
2 ـ الآية ثانية في سياق قصة موسى وهارون عليهما السلام.
3 ـ الآية الثالثة في سياق قصة داود وسليمان عليهما السلام.
4 ـ الآية الرابعة في سياق قصة المسيح عليه السلام والبشرى.
هذه لغة القصة في كتاب الله تعالى, ولكن ماذا تخبرنا لغة التاريخ؟(6/258)
إن تسلسل هذه الآيات الأربعة مطابق تماماً للتسلسل التاريخي لهذه القصص، فنحن جميعاً نعلم دون خلاف أن التسلسل التاريخي للأنبياء الأربعة هو: يعقوب ثم موسى ثم داود ثم المسيح عليهم السلام، لذلك جاء تسلسل الآيات الأربعة موافقاً لهذا الترتيب. وهنا ربما ندرك الحكمة من أن ترتيب سور المصحف يختلف عن ترتيب نزول سور القرآن، لأن هذا الترتيب فيه معجزة!
ولكن هنالك ملاحظة مذهلة وهي أن كلام المسيح عليه السلام والبشرى التي جاء بها، ورد في آخر هذه الآيات وهذا دليل على أنه لا نبي بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
الإسلام هودين العلم، لذلك فقد علمَّ الله أنبياءه ورُسلَه الكرام فقال في حق يعقوب عليه السلام: (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُوَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 12/68]. FPRIVATE "TYPE=PICT;ALT="
أما العبد الصالح في قصته مع موسى عليه السلام فقد قال الله فيه (فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُمِن لَّدُنَّا عِلْماً) [الكهف: 18/65].
وفي قصة داود وسليمان عليهما السلام فقد علمَّ الله سليمان علوماً كثيرة فقال: (وَعَلَّمْنَاهُصَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) [الأنبياء: 21/80].
ولكن عندما يكون الحديث عن خاتم النبيين يأتي البيان الإلهي ليمدح هذا النبي الأمي ‘ ويؤكد بأن كل كلمة نطق بها إنما هي وحي من عند الله تعالى. يقول تعالى عن نبيه وحبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام: (وَمَا عَلَّمْنَاهُالشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) [يس: 36/69].
والعجيب حقاً أن كلمة (عَلَّمْنَاهُ) وردت مع أنبياء الله وعباده المؤمنين دائماً بصيغة الإثبات إلا مع الرسول الأعظم صلى الله عليه وسلم فقد جاءت بصيغة النفي (وما عَلَّمْنَاهُ) ليؤكد لنا أن القرآن هو كتاب الله تعالى وليس للرسول عليه الصلاة والسلام ولا حرفاً فيه بل كلٌّ من عند الله. وهذه الحقيقة اللغوية ثابتة لأن كلمة (عَلَّمْنَاهُ) تكررت في القرآن كله 4 مرات، والحديث عن 4 عباد صالحين هم: يعقوب ـ الخَضِر ـ داود ـ محمد عليهم السلام، وجاء ترتيب هذه الآيات الأربعة موافقاً ومطابقاً للتسلسل التاريخي.
1 ـ قصة يعقوب عليه السلام.
2 ـ قصة موسى مع الخضر عليهما السلام.
3 ـ قصة داود وسليمان عليهما السلام.
4 ـ حديث عن محمد صلى الله عليه وسلم.
ونتساءل: هل جاء الترتيب الزمني والترتيب القرآني متطابقاً بالمصادفة؟ وهل يمكن لمصادفة أن تتكرر؟
بعد هذه النتائج التي لا تقبل الجدل وبعدما رأيناه من إعجاز لغوي وتاريخي نطرح سؤالاً على كل من لم يؤمن بهذا القرآن: كيف جاء هذا النظام المُحْكَم؟
خاتمة
بقي سؤال واحد نطرحه على كل من في قلبه شك من هذا القرآن ومن رسالة سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام:
هل بقي الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم متذكراً جميع كلمات القرآن طيلة 23 سنة؟ فإذا كان أعظم كتاب الأدب والشعر ينسى ما كتبه في اليوم التالي، فكيف بنبي أمي لايقرأ ولا يكتب؟ ولو كان هذا النظام البيني المبهر من صنع محمد، فلماذا لم يفتخر به أمام قومه ويكشفه لهم؟
إن اكتشاف تناسق ونظام لغوي في كتاب أُنزل قبل أربعة عشر قرناً لهو إثبات مادي على أن هذا القرآن منزل من الواحد الأحد سبحانه، والقائل:
{وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ) (يونس: 10/37).
ملاحظة للقراء:
هذه هي الحلقة الأولى في سلسلة الإعجاز البياني في القرآن والسنة، وسوف نتبعها إن شاء الله بأبحاث أخرى قريباً. وباعتبار أن هذه الحقائق البلاغية تُعرض للمرة الأولى من خلال هذا الموقع المبارك، فنأمل من القراء الأفاضل تزويدنا بملاحظاتهم وآرائهم، واكتشافاتهم أيضاً! فجميع كلمات القرآن رتبها الله تعالى بتناسق وتدرج وإعجاز لغوي محكم، ويستطيع كل مؤمن أن يُبحر في رحاب كلمات كتاب الله تعالى، ويرى عجائبه التي لا تنقضي. مستجيبين لنداء الحق تبارك وتعالى: (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)
=================
الرد على الأخطاء التاريخية المزعومة حول القرآن الكريم
- 1 - يقول القرآن إن أبا إبراهيم اسمه آزر (الأنعام 6: 74) ولكن اسمه تارح.
الجواب :(6/259)
سمى القرآن أبا إبراهيم آزر واسمه في التوراة تارح فقد ذكر القرطبي وغيره من المفسرين أكثر من عشرة أقوال في اسم آزر أشهرها أن والد إبراهيم له اسمان : آزر و تارح، مثل إسرائيل ويعقوب. ولا يخفى أن أقوال المفسرين إنما هي للتوفيق بين رواية التوراة ورواية القرآن بافتراض صحة ما ورد في التوراة، والواقع أنه لا يصح التعويل على التوراة في ذلك، ولخاصة إذا خالفت القرآن والسنة، فقد ورد فيهما التصريح باسم آزر وذكر المؤرخ يوسيفوس أن اسم والد إبراهيم ( آثر )، وهو قريب جدا من آزر، وبعيد جدا من تارح.
- 2 - يقول إن أخ مريم العذراء هو هارون (مريم 19: 28) مع أنّ هارون سابق للعذراء ب 1600 سنة.
الجواب :
إن المقصود بهارون في الآية الكريمة إمّا هارون أخو موسى، والأخوة المذكورة ليست أخوة حقيقية، لأن بين هارون ومريم مئات السنين بالفعل وإنما هي أخوة مجازية، فمعنى أنها أخت هارون أنها من نسله وذريته، كما يقال للتميمي يا أخا تميم ؟ وللقرشي: يا أخا قريش ! فمعنى قولهم: يا أخت هارون، أي يا من أنت من ذرية ذلك النبي الصالح، كيف فعلت هذه الفعلة ؟ وحتى لو لم تكن من نسله وذريته فإنها تنتسب إليه بخدمتها للهيكل وانقطاعها للعبادة فيه. فقد كانت خدمة الهيكل موقوفة على ذرية هارون. فمعنى: يا أخت هارون ! يا من تنتسبين إلى هذا النبي الصالح بالخدمة والعبادة والانقطاع للهيكل. والأصح أن المراد بهارون في الآية هو رجلا صالحا من قومها في ذلك الحين… كانت تتأسى به مريم… وتتشبه به في الزهد والطاعة والعبادة، فنسبت إليه، فقالوا لها: يا من تتشبهين وتقتدين بذلك الرجل الصالح، ما كان أبوك بالفاجر، ولا أمك بالبغي فمن أين لك هذا الولد؟ وقد روى أحمد ومسلم والترمذي والنسائي وغيرهم عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أهل نجران - وكانوا نصارى - فقالوا : أرأيت ما تقرؤون : يا أخت هارون ؟ وموسى قبل عيسى بكذا وكذا ؟ يعترضون على المغيرة.. قال : فرجعت فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال النبي صلى الله عليه وسلم:( ألا أخبرتهم أنهم كانوا يسمون بالأنبياء والصالحين قبلهم ؟ ) وهذا التفسير النبوي يبين أن هارون المذكور في الآية ليس من اللازم أن يكون هارون المذكور هو أخا موسى كما فهم أهل نجران، وإنما هو هارون معاصر لمريم … فقد كان قومها يسمون بأسماء الأنبياء والصالحين منهم. والله تعالى أعلم.
- 3 - يقول إن هامان وزير فرعون (القصص 28: 6 و8) مع أنّ هامان كان في بابل، وجاء بعد فرعون بنحو ألف سنة (رازي في تفسير غافر 40: 36 و37).
الجواب :
هامان مذكور في القرآن في ستة أماكن مختلفة كأحد المقربين إلى فرعون بينما تذكر لنا التوراة أن هامان لم يُذكر في حياة موسى عليه السلام على الإطلاق وأن هامان كان وزيراً وخليلا لأحشوريش ملك الفرس الذي يدعوه اليونان زركيس , وكثيراً من الذين يريدون أن يطعنوا في القرآن و يدعون وجود أخطاء تاريخية فيه ومن بينها علاقة هامان بفرعون موسى , سخافة هذه الأدعاءات عرضت فقط بعد فك طلاسم الأبجدية الهيروغليفية المصرية قبل 200 سنة تقريباً وأسم هامان قد أكتشف في المخطوطات القديمة وقبل هذه الأكتشافات لم يكن شئ معروف عن التاريخ الفرعوني, ولغز الهيروغليفية تم حله سنة 1799 بأكتشاف حجر رشيد الذي يعود الى 196 قبل الميلاد وتعود أهمية هذا الحجر بأنه كتب بثلاث لغات : اللغة الهيروغليفية والديموقيطية واليونانية وبمساعدة اليونانية تم فك لغز الهيروغليفية من قبل شاملبيون وبعدها تم معرفة الكثير حول تاريخ الفراعنة وخلال ترجمة نقش من النقوش المصرية القديمة تم الكشف عن أسم ( هامان ) وهذا الأسم أشير إليه في لوح أثري في متحف هوف في فينا وفي مجموعة من النقوش كشفت لنا أن هامان كان في زمن تواجد موسى في مصر قد رُقي إلى أن أصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية وها هي النقوش تكشف لنا حقيقة هامان بعكس ماذكرته التوراة ورداً على الزعم الخاطئ لمعارضي القرآن
هامان الذي تتحدث عنه الأثار المصرية التي أوردها كتاب :
Pharaoh Triumphant the life and times of Ramesses II K.A. Kitchen
ونسخته العربية ( رمسيس الثاني ،فرعون المجد والانتصار، ترجمة د.أحمد زهير أمين ) ص 55:(6/260)
كان الشاب آمن ( = هامن / هامان ) ام اينت Amen em inet في مثل سن الأمير ( رمسيس 2 ) ورفيق صباه ،فلما أصبح رمسيس نائبا للملك ووريثا للعرش أصبح الفتى بالتبعية رفيقه وتابعه ففتح له الطريق لمستقبل زاهر وهي ما تحقق فعلا. وكان لآمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) أقارب ذوو نفوذ منهم عمه [ لعله مِنموسى، Minmose ] كبير كهنة الإله مين والإلهة ايزيس بقفط ( شمال طيبة ) وقائد Commandant فيالق النوبة -أي الساعد الأيمن لنائب الملك في النوبة. ومنهم الفتى باكن خنسو [ والده باسر وزير الجنوب وابن عم آمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) ص 242 ] مدرب الخيول الملكية الذي التحق بعد ذلك بالسلك الكهنوتي المستديم في خدمة آمون بطيبة [ أصبح كبير كهنة آمون، ص 242] . ص 73: رقّى الملك رفيق طفولته آمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) إلى وظيفة قائد المركبات الملكية Royal Charioteer وناظر للخيل Super Intendent of Horse .
وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ {6} القصص
ص 97: آمن ام اينت Amen em inet ( هامان ) رفيق الفرعون القديم قد رقى إلى منصب رسول الملك لكل البلاد الأجنبية ويقول الرجل بهذه المناسبة موضحا طبيعة عمله الجديد : أرفع له ( الفرعون ) تقارير عن أحوال البلاد الأجنبية كلها.
ص 199: وكانت أرقى وظائف الدولة هي وظيفة السفير ( رسول الملك إلى كل البلاد الأجنبية ) وكانت الترقية إليها قاصرة على كبار ضباط سلاح العربات الحربية .
ص 179: واختار الملك للمنصب ( كبير كهنة آمون ) الشاغر ون نفر Wennofer ( مات سنة 27 ) وهو والد رفيق طفولة رمسيس الثاني آمن ام اينت ( هامان ). وكان هامان نفسه قد نقل من وظيفته العسكرية إلى الرمسيوم ليصبح مديراً لمشاريع الملك الأثرية هناك Chief of Works of All Royal Monument - ولا يزيد البعد بينه وبين أبيه كبير الكهنة بالكرنك عن عبور النهر إلى الضفة الأخرى من النيل .
فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى {38} القصص
ذكر كتاب An Introduction to Ancient Egypt ، أن أقدم استعمال للطين الموقود بمصر كان معروفاً منذ الدولة الوسطى .
ص 192: ويرجع الفضل في صعود نجم باسر paser ، وزير للجنوب بطيبة viceroy ،عم باسر كان قائد الفرق بالنوبة وبعده ابنه نخت مين ( ابن عم باسر ) واختياره نائبا للملك ( في النوبة ) إلى عراقة أسرته، فابن عمه آمن ام اينت ( هامان ) هو رفيق طفولة رمسيس الثاني .
ص 199: وكان من علية القوم من اتخذ من الخدمة العسكرية ذريعة للوثوب إلى الوظائف المدنية العليا ،وقد تعرفنا من هؤلاء على ..، وآمن ام اينت ( هامان ) القائد بسلاح المركبات ثم ميليشيات المدجاي Chief of Medjay-Militia ، بعدها عين مديرا للمصانع ( وزير صناعة ) .
ص 240: امنحتب .. لكنه كان ينتمي لأسرة ذات نفوذ هي أسرة آمن ام اينت ( هامان ) قائد ميليشيات المدجاى الشهيرة.
ص 242: حيث يحتل مين مس آخر منصب كبير كهنة مين وآيزيس والذي يمت هو الآخر بصلة قرابة إلى آمن ام اينت .
- 4 - يقول لموسى: “قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ; (طه 20: 85) ويقصد أنّ السامري صنع العجل الذهبي لبني إسرائيل، ولكن السامريين لم يجيئوا إلا بعد سبي بابل (1 ملوك 16: 24).
الجواب :
إن القرآن الكريم ذكر أن الذي صنع العجل لبني إسرائيل هو السامري، وهذا في ظنهم خطأ تاريخي واضح ! لأن مدينة السامرة المنسوب إليها السامري لم تكن موجودة آنذاك ، بل هي بعد موسى بمئات السنين . وهذا الوهم قائم على أساس أن اسم السامري لم يكن معروفا إلا بعد بناء مدينة السامرة، وأنه منسوب إليها . والواقع أن اسم سامر كان معروفا قبل بناء مدينة السامرة، وقد اشترى عمري أحد ملوك بني إسرائيل مكان هذه المدينة بوزنتين من الفضة من شخص اسمه سامر، ولم يكن اسمها معروفا، ولمجد بناء هذه المدينة سماها الملك: السامرة، باسم من اشتراها منه، ثم جعلها عاصمة مملكة إسرائيل . ولهذا تكون الياء في كلمة (السامري) من أصل الكلمة وملحقة بها ؟ لأن نقل الأسماء من لغة إلى لغة أخرى لا يسلم من مثل هذا التصرف، فالسامرة منسوبة لسامر وليس العكس، ولا يصح للمنصرين أن يقولوا : إن هذا الاسم لم يعرف إلا بعد بناء مدينة السامرة، ولا أن يقولوا: إنه منسوب إليها. ولعل الذي دعاهم لهذا التأويل الفاضح إصرارهم على صدق ما في التوراة من أن الذي ارتد وصنع العجل لبني إسرائيل وعبده معهم هو هارون عليه ا لسلام . ولهذا يظهر لنا أن المنصرين قد نثروا كنانتهم ، وأخرجوا كامل ما في جعبتهم فلم يقف شيء منها أمام النقد العلمي الصحيح(6/261)
- 5 - يقول في البقرة 2: 249 : “فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ “فقد عزا إلى طالوت (وهو شاول) ما فعله جدعون (القضاة 7: 5 - 7).
الجواب :
إن سفر القضاة سفر تاريخى ، وسفر صموئيل الأول الذى أورد قصة طالوت وداود سفر تاريخى. فأى مانع يمنع من خطأ المؤرخ فى نقل جزء من قصة إلى قصة أخرى مشابهة لها. خاصة وأنه ليس معصوماً كالنبيين والمرسلين الحقيقيين ؟
ولهذا أمثلة كثيرة منها أن هذا النص مذكور مرتين: مرة فى سفر الخروج ، ومرة فى سفر التثنية من التوراة السامرية. ومذكور مرة واحدة فى سفر التثنية من التوراة العبرانية واليونانية. وهو: " نبيًّا أقمت لهم من حملة إخوتهم مثلك وجعلت خطابى بغيه ؛ فيخاطبهم بكل ما أوصيه به , ويكون الرجل الذى لا يسمع من خطابه الذى يخاطب باسمى ؛ أنا أطالبه. والمتنبئ الذى يتقح على الخطاب باسمى ما لم أوصه من الخطاب ، ومن يخاطب باسم آلهة أخرى ؛ فليقتل ذلك المتنبئ. وإذ تقول فى سرك: كيف يتبين الأمر الذى لم يخاطبه الله ؟ ما يقوله المتنبئ باسم اللهو لا يكون ذلك الأمر ولا يأتى ؛ هو الأمر الذى لم يقله الله. باتّقاح قاله المتنبئ. لا تخف منه ".
- 6 - يقول عن الإسكندر الأكبر ذي القرنين إنه بلغ قوماً لا يفقهون، وإنه بنى سداً من زُبر الحديد (الكهف 18: 83-97). وقد فسّروا معنى ذي القرنين بأنه طاف قرني الدنيا شرقها وغربها، وقيل لأنه انقرض في أيامه قرنان من الناس، وقيل كان له قرنان لشجاعته. وقال القرآن إن ذا القرنين بلغ مغرب الشمس فوجدها تغرب في عينٍ حمِئة، أي ذات طين أسود مبتل بالماء (الكهف 18: 86). ولم يكن ذو القرنين نبياً بل كان من عُبّاد الأصنام، ادّعى أنه ابن آمون إله مصر. ولا الشمس تغرب في عين حمئة، ولا عمَّر ذو القرنين قرنين من الزمن، بل مات وعمره 33 سنة.
الجواب :
فى القرآن الكريم ـ بسورة الكهف: 83ـ98 حكاية ذى القرنين: (ويسألونك عن ذى القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرًا * إنا مَكّنَّا له فى الأرض وآتيناه من كل شىء سببًا ) (1) إلى آخر الآيات.
وخلال هذه الآيات يتبدى عدل " ذو القرنين " فيقول: (قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يُرد إلى ربه فيعذبه عذابًا نكرا * وأما من آمن وعمل صالحًا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ) (2). تلك هى تسمية القرآن الكريم لهذا الملك " ذو القرنين ".
أما أن ذا القرنين هذا هو الإسكندر الأكبر المقدونى [356ـ324ق.م] فذلك قصص لم يخضع لتحقيق تاريخى.. بل إن المفسرين الذين أوردوا هذا القصص قد شككوا فى صدقه وصحته.. فابن إسحاق [151هـ 768م] ـ مثلاً ـ يروى عن " من يسوق الأحاديث عن الأعاجم فيما توارثوا من علم ذى القرنين " أنه كان من أهل مصر ، وأن اسمه " مرزبان بن مردية اليونانى ".
أما الذى سماه " الإسكندر " فهو ابن هشام [213هـ 828م] ـ الذى لخص وحفظ [ السيرة ] ـ لابن إسحاق ـ.. وهو يحدد أنه الإسكندر الذى بنى مدينة الإسكندرية ، فنسبت إليه.
وكذلك جاءت الروايات القائلة إن " ذو القرنين " هو الإسكندر المقدونى عن " وهب بن مُنبِّه " [34ـ114هـ 654ـ732م] (3) وهو مصدر لرواية الكثير من الإسرائيليات والقصص الخرافى. ولقد شكك ابن إسحاق ـ وهو الذى تميز بوعى ملحوظ فى تدوين ونقد القصص التاريخى ـ شكك فيما روى من هذا القصص ـ الذى دار حول تسمية ذى القرنين بالإسكندر ، أو غيره من الأسماء.. وشكك أيضًا فى صدق ما نسب للرسول صلى الله عليه وسلم حول هذا الموضوع.. وذلك عندما قال ابن إسحاق: " فالله أعلم أى ذلك كان ؟.. أقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك أم لا ؟ ".
ويثنى القرطبى على شك وتشكيك ابن إسحاق هذا ، عندما يورده ، ثم يقول: " والحق ما قال ".. أى أن الحق هو شك وتشكيك ابن إسحاق فى هذا القصص ، الذى لم يخضع للتحقيق والتمحيص وإن يكن موقف ابن إسحاق هذا ، وكذلك القرطبى ، هو لون من التحقيق والتمحيص. فليس هناك ، إذًا ما يشهد على أن الإسكندر الأكبر المقدونى ـ الملك الوثنى ـ هو ذو القرنين ، العادل ، والموحد لله..
- 7 - يُحكى القرآن عن إسراء محمد إلى المسجد الأقصى، أي هيكل سليمان، وكيف صلّى فيه مع الأنبياء، ووصف أبوابه ونوافذه. مع أن هيكل سليمان كان قد خُرِّب قبل الإسراء ب 550 سنة (الإسراء 17: 1) وبُني بعد موت محمد بنحو مئة سنة !
الجواب :
قال تعالى في كتابه الكريم : " سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير".(6/262)
هذه الحقيقة القرآنية إبطال قوي لحجج ومزاعم اليهود حول حقهم في القدس وحرصهم على إعادة بناء هيكل سليمان على أنقاض المسجد الأقصى بحجة أن المسلمين هم المعتدون على الهيكل ببنائهم الأقصى مكانه. فقد وُجد الأقصى قبل بعثة محمدٍ صلى الله عليه وسلم وقبل بناء الأقصى الحالي بآلاف السنين بل وقبل أن خلق الله بني إسرائيل .
روى الإمام مسلم في صحيحه عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- قال: ( قلت: يا رسول الله: أي مسجد وُضع في الأرض أول؟ قال: "المسجد الحرام". قلت: ثم أي؟ قال: "المسجد الأقصى". قلت: كم بينهما؟ قال "أربعون سنة، وأينما أدركتك الصلاة فصل فهو مسجد" ).
ورد في مقدمة ابن خلدون أن الصابئة بنوا منذ آلاف السنين "هيكل الزهرة " مكان الأقصى لمعرفتهم بقدسية المكان وكانوا يقربون إليه الزيت فيما يقربونه ويصبونه على الصخرة التي هناك.
لقد اختُلِف فيمن أقام بناءه الأول ، فقيل يجوز أن يكون أحد أبناء آدم عليه السلام ، وقيل يجوز أن الملائكة قد بنته بعد بناء المسجد الحرام. وقد تعاهده أغلب الأنبياء فقد رفع إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام الكعبة في مكة المكرمة بناء على أوامر الله ثم عاد إبراهيم عليه السلام إلى موطنه في بيت المقدس وجدد بناء المسجد الأقصى، فقد هاجر من العراق إلى بيت المقدس عام 1850 ق.م وقابل ملك القدس الكنعاني الموحد "ملكي صادق". ومعلوم تاريخياً أن بين إبراهيم وسليمان عليهما السلام مئات السنين فإن كتب التاريخ تقدر حكم سليمان عليه السلام لبيت المقدس في الفترة 970-931 ق.م. كما جدد يعقوب عليه السلام بناءه وقد أراد داود عليه السلام تجديده ولكنه توفي فجدده ابنه سليمان عليه السلام بما يسمى هيكل سليمان، وقد دُمر الهيكل وسبي اليهود على يد نبوخذنصر البابلي عام 587 ق.م. وما الأقصى الحالي إلا تجديد للأقصى القديم.
لقد بني المسجد وهدم عدة مرات وأخبر المسيح عليه السلام اليهود أن بناء الهيكل سيهدم في إنجيل متى الإصحاح 24 : 2 وفي إنجيل مرقس الإصحاح 13 : 2 وفي إنجيل لوقا الإصحاح 21 : 6 وقد أعاد الفاروق عمر بن الخطاب -رضي الله عنه وأرضاه- بناءه، وحوله الصليبيون إلى كنيس وإصطبل ومخزن لذخائرهم عام 1099م إلى أن أذن الله بتحريره على يد القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي عام 1187م وطهره من رجس النصارى وأعاد بناءه وما زال الأقصى الشريف يحتفظ بلمسات البناء الأيوبية.
إن رسالة كل نبي هي الإسلام وقد حكم فلسطين كل من داود ومن بعده ابنه سليمان عليهما السلام حكماً إسلامياً وكانت حروبهما جهادية إسلامية لنشر الإسلام وليست حروباً يهودية عنصرية كريهة لسيادة الجنس اليهودي. لقد بنى سليمان عليه السلام هيكله مسجداً لعبادة الله وحده ولا حق ليهود هذا الزمان في سليمان ولا في فترة حكمه ولا في هيكله بل إن المسلمين هم وحدهم الوارثون لسليمان ولسائر أنبياء الله .
لم يكن بناء الأقصى وقت إسراء رسولنا الكريم -عليه صلوات الله وسلامه- قائماً متكاملاَ ولكن كانت أساساته موجودة، وبعض أعمدته وأطلاله باقية ومنها تلك الحلقة التي ربط بها رسول الله صلى الله عليه وسلم البراق ،وهي نفس الحلقة التي كان أنبياء الله يربطون دوابهم بها حين ذهابهم للصلاة في الأقصى، حيث أتاه إبراهيم وإسحق ويعقوب وداود وسليمان وزكريا ويحيى وعيسى وغيرهم عليهم الصلاة والسلام. لقد سمى الله هذه الأطلال والأعمدة والأساسات مسجداً في الآية الكريمة على اعتبار ما كان وما سيكون، فإن أمة محمد صلى الله عليه وسلم هي وارثة الحنيفية السمحة دين إبراهيم عليه السلام وأولى الناس به وبدينه وبأرضه وبمسجديه المسجد الحرام والمسجد الأقصى وهذا هو سر الربط بين المسجدين والله تعالى أعلم !! كما أن الله قد جمع الأنبياء والرسل السابقين لمحمد صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء في المسجد الأقصى ومنهم أنبياء ورسل بني إسرائيل وصلى بهم إماماً وصلوا هم خلفه مأمومين وسلموه مفاتيح الأرض المقدسة، وهذا دليل آخر على هذه الوراثة وعلى أصالة هذا المسجد وعلى تخصيصه للصلاة ولعبادة الله سبحانه وتعالى.
ومن فضائل الأقصى إضافة لكونه أولى القبلتين ومسرى رسول الله قوله صلى الله عليه وسلم :" لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد، مسجدي هذا ومسجد الحرام ومسجد الأقصى " رواه البخاري.
وقال عليه الصلاة والسلام: " الصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة والصلاة في مسجدي بألف صلاة والصلاة في بيت المقدس بخمسمائة صلاة" رواه الطبراني والبزار
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً : " إن سليمان بن داود لما فرغ من بنيان مسجد بيت المقدس سأل الله حكماً وملكاً لا ينبغي لأحد من بعده ، ولا يأتي هذا المسجد أحد لا يريد إلا الصلاة فيه إلا خرج من خطيئته كيوم ولدته أمه فقال النبي صلى الله عليه وسلم أما اثنتان فقد أُعطيهما وأنا أرجو أن يكون قد أُعطي الثالثة". رواه أحمد وأبو داود.(6/263)
- 8 - في مريم 19: 23 يقول إن المسيح وُلد تحت نخلة، مع أنه وُلد في مذود. ويقول إنه تكلم في المهد (آل عمران 46 والمائدة 110 ومريم 29). وإنه خلق من الطين طيراً وهو صبي (آل عمران 49 والمائدة 110). ولكن أول معجزة أجراها المسيح كانت في عُرس قانا الجليل وهو في الثلاثين من عمره.
الجواب :
إن هذه المعجزة وردت فى إنجيل توما. فإنه قد صنع من الطين هيئة اثنى عشر عصفوراً ، وأمرهم أن يطيروا ؛ فطاروا والناس ينظرون إليهم.
==================
الرد على التناقضات المزعومة حول القرآن الكريم
1- عدد أيام خلق السموات والأرض :
(1) لا تناقض في القرآن حول عدد أيام خلق السماوات والأرض. ذكر بها أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام.
السورة (9:41 إلى 12) ذكر بها أن خلق الأرض تم في يومين وخلق الله الأنهار والغابات.. الخ في الأرض (بعد خلقها) في أربعة أيام، وأنه قد خلق السماوات في يومين (السورة 10 تتناقض مع السورة 41 ( 2+4+2=8 أيام ).
والجواب:
هذا السؤال يتعلق بقوله تعالى: { قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين، وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين، ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين، فسواهن سبع سماوات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها..}.
نعم بجمع هذه الأيام دون فهم وعلم يكون المجموع ثمانية وقد ذكر الله في مواضع كثيرة من القرآن أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام..
وما ظنه السائل تناقضا فليس بتناقض فإن الأربعة أيام الأولى هي حصيلة جمع اثنين واثنين.. فقد خلق الله الأرض خلقا أوليا في يومين ثم جعل فيها الرواسي وهي الجبال ووضع فيها بركتها من الماء، والزرع، وما ذخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين فكانت أربعة أيام. فقول الله سبحانه وتعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين}، هذه الأيام الأربعة هي حصيلة اليومين الأولين ويومين آخرين فيكون المجموع أربعة. وليست هذه الأربعة هي أربعة أيام مستقلة أخرى زيادة على اليومين الأولين.. ومن هنا جاء الخطأ عند السائل.. ثم إن الله خلق السماوات في يومين فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين..
ولا تناقض في القرآن بأي وجه من الوجوه.. ثم إن القرآن لو كان مفترى كما يدعي السائل فإن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن ليجهل مثلا أن اثنين وأربعة واثنين تساوي ثمانية وأنه قال في مكان آخر من القرآن إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام.. فهل يتصور عاقل أن من يقدم على تزييف رسالة بهذا الحجم، وكتاب بهذه الصورة يمكن أن يخطئ مثل هذا الخطأ الذي لا يخطئه طفل في السنة الأولى الإبتدائية ؟!
لا شك أن من ظن أن الرسول افترى هذا القرآن العظيم ثم وقع في مثل هذا الخطأ المزعوم فهو من أحط الناس عقلا وفهما. والحال أن السائل لا يفهم لغة العرب وأن عربيا فصيحا يمكن أن يقول : زرت أمريكا فتجولت في ولاية جورجيا في يومين، وأنهيت جولتي في ولاية فلوريدا في أربعة أيام ثم عدت إلى لندن.. لا شك أن هذا لم يمكث في أمريكا إلا أربعة أيام فقط وليس ستة أيام لأنه قوله: في يومين في أربعة أيام يعني يومين في جورجيا ويومين في فلوريدا..
وهذه الآية التي نحن بصددها تشبه أيضا قول الرسول صلى الله عليه وسلم بأن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة في مثل ذلك يكون مضغة في مثل ذلك فإن هذا جميعه في أربعين يوما فقط وليس في مائة وعشرين يوما كما فهمه من فهمه خطأ فقول الرسول (في مثل ذلك) أي في هذه الأربعين، ومثله هنا قوله تعالى: {وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام} أي بزيادة يومين عن اليومين الأولين.
2- مقدار الأيام عند الله, فهل اليوم الواحد يساوي ألف سنة أو خمسين ألف سنة عند الله ؟
والجواب:
سهل وبسيط وهو أن الأيام عند الله مختلفة فيوم القيامة يوم مخصوص وهذا مقداره خمسين ألف سنة من أيام الدنيا كما قال تعالى: {سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين آلف سنة}، وأما سائر الأيام عند الله فكل يوم طوله ألف سنة من أيام هذه الدنيا، كما قال تعالى: {وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون}. ومعلوم أن الأيام على الكواكب تختلف بحسب حجمها وحركتها، فماذا يمنع أن يكون يوم القيامة أطول من سائر الأيام.
3- إخبار الله سبحانه وتعالى عن نوح عليه السلام وابنه.
ففي سورة الأنبياء :الآية 76 ذكر بها أن نوح وأهل بيته قد نجوا من الفيضان، ولكن سورة هود :الآيات 32 إلى 48) ذكر بها أن أحد أولاد نوح قد غرق ؟
والجواب :(6/264)
إن الاستثناء أسلوب معروف في لغة العرب فيذكر المتكلم المستثنى منه على وجه العموم ثم يخرج منهم من أراد إخراجه. ويمكن أن يأتي الإستثناء منفصلا، ويمكن أن يأتي متصلا.. وفي سورة الأنبياء قال الله تعالى عن نوح: {ونوحا إذ نادى من قبل فاستجبنا له فنجيناه وأهله من الكرب العظيم} وقد بين سبحانه وتعالى المراد بأهله في آيات أخرى وهو من آمن منهم فقط حيث أخبر سبحانه وتعالى في سورة هود أنه قال لنوح : { احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن، وما آمن معه إلا قليل}. فقد أمره الله سبحانه وتعالى أن يحمل أهله معه إلا من سبق القول من الله بهلاكهم.. وقد كان قد سبق في علم الله أن يهلك ابنه مع الهالكين لأنه لم يكن مؤمنا.. ولم يكتب الله لأحد النجاة مع نوح إلا أهل الإيمان فقط، وابنه لم يكن مؤمنا.. وبالتالي فلا تناقض بين قوله تعالى في سورة الأنبياء إنه نجى نوحا وأهله، وبين ما جاء في سورة هود إنه أغرق ابن نوح لأن ابن نوح لم يكن من أهله، كما قال تعالى لنوح لما سأله عن ابنه {يا نوح إنه ليس من أهلك}. وبالتالي فلا تناقض بحمد الله في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
4- الآيات النازلة في شأن جبريل عليه السلام.
ويقولون : هناك وجهات نظر متضاربة في إدعاء محمد النبوة. ففي سورة النجم (53 :6-15) ذكر بها أن الله نفسه أوحى إلى محمد. و سورة النحل (16: 102، 26: 192-194)، ذكر بها أن "روح القدس" نزلت إلى محمد. والسورة (15 :8) ذكر بها أن الملائكة (وهم أكثر من واحد) نزلوا إلى محمد. السورة (2: 97) ذكر بها أن الملاك جبريل (واحد فقط) لم يذكر في القرآن ولا في الأناجيل ما يقول أن "روح القدس" هي جبريل.
والجواب :
قوله سبحانه وتعالى في سورة النجم (53 :3-12) عن رسوله محمد صلى الله عليه وسلم: {وما ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى علمه شديد القوى، ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى، ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى} الآيات. فهذا وصف لجبريل الروح القدس الأمين الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم بحراء، وجاءه بالوحي من ربه، ولقد رآه رسول الله صلى الله عليه وسلم على صورته التي خلقه الله عليه وله ستمائة جناح مرتين: واحدة في مكة في بدء الوحي وثانية عندما عرج بالنبي صلى الله عليه وسلم إلى السماء كما جاء ذلك في حديث السيدة عائشة رضي الله عنها أم المؤمنين في الصحيحين (البخاري ومسلم) بالإسناد المتفق عليه. وجبريل المذكور في سورة النجم (53)، هو نفسه الذي ذكره الله في سورة النحل (14)، حيث يقول سبحانه وتعالى: {قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين} (16: 102)، فقد سماه الله روحا لأنه ينزل بما يحيي موات القلوب وهو وحي الله إلى رسله ووصفه بروح (القدس) أي المقدس المنزه عن الكذب أو الغش فهو الذي قدسه الله ورفعه وأعلى من شأنه عليه السلام.
5- لا تناقض في إخبار الرب عن خلق الإنسان مرة من طين وأخرى من ماء وتارة من نطفة
والجواب :
أن الله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أنه بدأ خلق الإنسان بخلق أبي البشر آدم الذي خلقه من التراب، الذي أصبح طينا يعجنه بالماء، ثم حما مسنونا، أي طينا مخمرا، ثم سواه الله بأن خلقه بيديه سبحانه ثم أصبح آدم وهو في صورته الطينية صلصالا كالفخار، وهو الطين إذا يبس وجف، ثم نفخ الله فيه الروح فأصبح بشرا حيا، ثم أمر الملائكة بالسجود له بعد أصبح كذلك ثم خلق الله من أحد أضلاعه زوجته حواء (كما جاء ذلك في الحديث النبوي).. فهي أنثى مخلوقة من عظام زوجها..
والله يخلق ما يشاء مما يشاء كيف يشاء، ثم لما عصى آدم بأكله من الشجرة التي نهاه الله أن يأكل منها أهبطه الله إلى الأرض.
ثم جعل الله تناسل آدم من اجتماع ماء الرجل وماء المرأة، والعرب تسمي المني الذي يقذفه الرجل في رحم الأنثى ماءا، وسماه الله في القرآن {ماءا مهينا}.. وكل ذلك موجود في القرآن الكريم.
وهذا المسكين ظن أن هذه آراء متعارضة، وظن أن كل ذلك آراء متعارضة ولم يفهم أن خلق آدم لم يكن كخلق حواء فآدم خلق من الطين، وحواء خلقت من ضلع آدم، وأن كل إنسان خلق من أنثى وذكر، من ماء مهين، وأن عيسى عليه السلام خلق من أنثى بلا ذكر كما قال سبحانه وتعالى عن عيسى {إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون}.(6/265)
وكان تنوع خلق البشر على هذه الصور ليبين الله لعباده قدرته الكاملة، فهو يخلق ما يشاء مما يشاء كيف يشاء، وقد خلق الإنسان الأول آدم من طين من غير أنثى أو ذكر، وخلق حواء من ذكر بلا أنثى، وخلق عيسى من أنثى بلا ذكر، وخلق سائر الخلق من إجتماع الذكر والأنثى فسبحان من له القدرة الكاملة، والمشيئة النافذة. وهذا كله يدل على الخلق المستقل للإنسان وأنه لا ينتمي إلى حيوانات هذه الأرض، فالتطور إن كان حقا فهو إنما يكون في حيوانات وأحياء هذه الأرض فقط. وأما الإنسان فإنه خلق خلقا مستقلا في السماء، وإن كان الله قد خلقه من طين هذه الأرض. وهذا هو الذي يؤيده العلم والنظر في الكون.
هذا ما اعترض به المعترض على القرآن الكريم. ونأتي الآن إلى ما اعترض به على جمع القرآن وحفظه وكذلك اعتراضه على ما ظنه أنه يخالف الحق والعلم من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأما ما ذكره الله في سورة الحجر الآية رقم 28 فإن الله لم يذكر فيها أن الملائكة نزلوا على النبي بالوحي كما فهم هذا الجاهل حيث يقول (والسورة رقم (15: 8) ذكر فيها أن الملائكة وهم أكثر من واحد نزلوا على محمد).
وإنما الآيات هكذا {وقالوا} -أي الكفار- {يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون، لو ما تأتينا بالملائكة إن كنت من الصادقين} فرد الله مقالة الكفارهؤلاء الذين استعجلوا نزول الملائكة بالعذاب عليهم وهو ما هددهم الله به إن أصروا على التكذيب فقال تعالى: {ما ننزل الملائكة إلا بالحق وما كانوا إذا منظرين} أي إن الله لا ينزل الملائكة إلا بالحق وإنهم إذا نزلوا نزلوا بالعذاب عليهم فمعنى ذلك أنهم غير ممهلين، والحال أن الله أمهلهم ليقيم الحجة عليهم، ولم يشأ سبحانه وتعالى أن يعجل العقوبة الماحية المستأصلة لهم كما حدث للأمم السابقة بل شاء الله أن يعاقبهم بالعقوبات التي لا تستأصلهم فقد أنزل الملائكة في بدر وغيرها من معارك الرسول خزيا للكفار ونصرا للرسول والمؤمنين.
وأما آية سورة البقرة (2: 97) فهي نص صريح في أن جبريل عليه السلام هو الذي أنزل القرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال تعالى: {قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين} وهذا رد على اليهود الذين كرهوا جبريل، وأنه ينزل بحربهم وهلاكهم فأخبرهم الله أن هذا الملاك هو ملاك الرب، وأنه هو الذي أنزل القرآن على قلب محمد صلى الله عليه وسلم. وقد وصف الله جبريل في القرآن بأنه روح القدس أي الروح المقدسة كما قال سبحانه وتعالى: { قل نزله روح القدس من ربك بالحق}. وقد قدمنا معنى روح القدس.
12- قوله (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) الحج وقال في آية أخرى (يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون) السجدة وقال في آية أخرى (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا) المعارج فقالوا فكيف يكون هذا الكلام المحكم وهو ينقض بعضه بعضا
الجواب :
أما قوله (وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون) فهذا من الأيام التي خلق الله فيها السموات والأرض كل يوم كألف سنة
وأما قوله (يدبر الأمرمن السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة) وذلك أن جبرائيل كان ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم ويصعد إلى السماء في يوم كان مقداره ألف سنة وذلك أنه من السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة عام فهبوط خمسمائة وصعود خمسمائة عام فذلك ألف سنة
وأما قوله (تعرج الملائكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا) ذلك أن وقت وقوع العذاب للكافرين يوم القيامة تعرج الملائكة وجبرائيل عليه السلام في ذاك اليوم الذي سيكون مقداره خمسين الف سنة , فأين هو التناقض ؟؟!!!
15- قول موسى (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) الأعراف وقال السحرة (إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين) الشعراء وقال النبي صلى الله عليه وسلم (إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين إلى قوله وأنا أول المسلمين) الأنعام قالوا فكيف قال موسى وأنا أول المؤمنين وقد كان قبله إبراهيم مؤمنا ويعقوب وإسحق فكيف جاز لموسى أن يقول وأنا أول المؤمنين وقالت السحرة أن كنا أول المؤمنين وكيف جاز للنبي أن يقول وأنا أول المؤمنين وقد كان قبله مسلمون كثير مثل عيسى ومن تبعه فشكوا في القرآن وقالوا إنه متناقض
الجواب :(6/266)
وأما قول موسى (وأنا أول المؤمنين) فإنه حين قال (رب أرني أنظر إليك قال لن تراني)الأعراف ولا يراني أحد في الدنيا إلا مات فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال (سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين) الأعراف يعني أول المصدقين أنه لا يراك أحد في الدنيا إلا مات، وأما قول السحرة (أن كنا أول المؤمنين) يعنى أول المصدقين بموسى من أهل مصر من القبط وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم (وأنا أول المسلمين) يعني من أهل مكة فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة .
24- قوله تعالى : ( لا أقسم بهذا البلد ) وأدعوا أن هذه الآية تناقض قوله تعالى : ( وهذا البلد الامين )
الجواب :
( لا أقسم بهذا البلد ) قوله ( لا أقسم ) لا زائدة والمعنى أقسم ( بهذا البلد ) وقد تقدم الكلام على هذا في تفسير لا أقسم بيوم القيامة ومن زيادة لا في الكلام في غير القسم و قول الشاعر :
تذكرت ليلى فاعترتني صبابة وكاد صميم القلب لا يتصدع
أي يتصدع ومن ذلك قوله ما منعك أن لا تسجد أي أن تسجد قال الواحدي أجمع المفسرون على أن هذا قسم بالبلد الحرام وهو مكة
أما قوله تعالى : ( وهذا البلد الأمين ) أجمع المفسرون أيضا في هذه الآية أن البلد هي مكة ولا خلاف في هذا
وقد حكى أبو العباس بن سريح قال: سأل رجلُُ بعض العلماء عن قوله تعالى { لا أقسم بهذا البلد }(البلد/1) فأخبر سبحانه أنه لا يقسم بهذا البلد، ثم أقسم به في قوله { وهذا البلد الأمين } (التين/3) فقال ابن سريح: أي الأمرين أحب إليك؛ أجيبك ثم أقطعك ؟ أو أقطعك ثم أجيبك ؟ فقال: بل اقطعني ثم أجبني. قال: اعلم أن هذا القرآن نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بحضرة رجالٍ وبين ظهراني قوم ، وكانوا أحرص الخلق على أن يجدوا فيه مغمزاً، وعليه مطعناً، فلو كان هذا عندهم مناقضة لعلّقوا به وأسرعوا بالرد عليه. ولكنّ القوم علموا وجهلتَ، فلم ينكروا ما أنكرت. ثم قال : إن العرب قد تدخل " لا " في أثناء كلامها وتلغى معناها.
فأين هذا التناقض المزعوم ؟؟؟؟؟؟؟
25- سورة البقرة، آية 29: ( هو الذي خلق لكم مافي الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شئ عليم )
سورة فصلت، آيات 9-12: ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين و أوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفضاً ذلك تقدير العزيز العليم )
سورة النازعات، آيات 27-30: ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها ) فسورة البقرة وسورة فصلت تذكران خلق الله للأرض أولا ثم السماء. بينما سورة النازعات تذكر خلق السماء أولا ثم الأرض .
الجواب :
سهل وبسيط , أولا : الدحي ليس معناها الخلق والتي ذكرها الله في آخر سورة النازعات الآية السابعة والعشرون ( والأرض بعد ذلك دحاها )
ثانيا : خلق الله الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله ( دحاها ) , فأين هذا التناقض المزعوم ؟؟؟
26- ماذا تقولون في قوله تبارك وتعالى حكاية عن موسى (فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين). وقال تعالى في موضع آخر (وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب) والثعبان الحية العظيمة الخلقة والجان الصغير من الحيات فكيف اختلف الوصفان والقصة واحدة وكيف يجوز ان تكون العصا في حالة واحدة بصفة ما عظم خلقه من الحيات وبصفة ما صغر منها وبأي شئ تزيلون التناقض عن هذا الكلام
الجواب :
أول ما نقوله ان الذي ظنه السائل من كون الآيتين خبرا عن قصة واحدة باطل بل الحالتان مختلفتان فالحال التي أخبر ان العصا فيها بصفة الجان كانت في ابتداء النبوة وقبل مصير موسى إلى فرعون والحال التي صار العصا عليها ثعبانا كانت عند لقائه فرعون وابلاغه الرسالة والتلاوة تدل على ذلك واذا اختلفت القصتان فلا مسألة على أن قوما من المفسرين قد تعاطوا الجواب على هذا السؤال إما لظنهم ان القصة واحدة أو لاعتقادهم ان العصا الواحدة لا يجوز ان تنقلب في حالتين تارة إلى صفة الجان وتارة إلى صفة الثعبان أو على سبيل الاستظهار في الحجة وان الحال لو كانت واحدة على ما ظن لم يكن بين الآيتين تناقض وهذا الوجه أحسن ما تكلف به الجواب لاجله لان الاولين لا يكونان الا عن غلط أو عن غفلة وذكروا وجهين تزول بكل واحد منهما الشبهة من تأويلها.(6/267)
أحدهما انه تعالى انما شبهها بالثعبان في إحدى الآيتين لعظم خلقها وكبر جسمها وهول منظرها وشبهها في الآية الاخرى بالجان لسرعة حركتها ونشاطها وخفتها فاجتمع لها مع انها في جسم الثعبان وكبر خلقه نشاط الجان وسرعة حركته وهذا أبهر في باب الاعجاز وأبلغ في خرق العادة ولا تناقض معه بين الآتين. وليس يجب اذا شبهها بالثعبان ان يكون لها جميع صفات الثعبان واذا شبهها بالجان ان يكون لها جميع صفاته وقد قال الله تعالى (يطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قوارير قوارير من فضة) ولم يرد تعالى ان الفضة قوارير على الحقيقة وانما وصفها بذلك لانه اجتمع لها صفاء القوارير وشفوفها ورقتها مع انها من فضة وقد تشبه العرب الشئ بغيره في بعض وجوهه فيشبهون المرأة بالظبية وبالبقرة ونحن نعلم أن في الظباء والبقر من الصفات مالا يستحسن ان يكون في النساء وانما وقع التشبيه في صفة دون صفة ومن وجه دون آخر.
27- (لا تبديل لكلمات الله ) تناقض قوله (وإذا بدلنا آية مكان آية..)
(لا مبدل لكلماته ) تناقض قوله (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها )
(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) تناقض قوله ( يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب )
الجواب :
الصورة الأولى للتناقض الموهوم بين آية يونس: (لا تبديل لكلمات الله) وآية النحل (وإذا بدلنا آية مكان آية..) لا وجود لها إلا فى أوهامهم ويبدو أنهم يجهلون معنى التناقض تمامًا. فالتناقض من أحكام العقل ، ويكون بين أمرين كليين لا يجتمعان أبداً فى الوجود فى محل واحد ، ولا يرتفعان أبداً عن ذلك المحل ، بل لا بد من وجود أحدهما وانتفاء الآخر ، مثل الموت والحياة. فالإنسان يكون إما حيًّا وإما ميتا ولا يرتفعان عنه فى وقت واحد ، ومحال أن يكون حيًّا و ميتاً فى آن واحد ؛ لأن النقيضين لا يجتمعان فى محل واحد.
ومحال أن يكون إنسان ما لا حى ولا ميت فى آن واحد وليس فى القرآن كله صورة ما من صور التناقض العقلى إلا ما يدعيه الجهلاء أو المعاندون. والعثور على التناقض بين الآيتين المشار إليهما محال محال ؛ لأن قوله تعالى فى سورة يونس (لا تبديل لكلمات الله) معناه لا تبديل لقضاء الله الذى يقضيه فى شئون الكائنات ، ويتسع معنى التبديل هنا ليشمل سنن الله وقوانينه الكونية. ومنها القوانين الكيميائية ، والفيزيائية وما ينتج عنها من تفاعلات بين عناصرالموجودات ،أو تغييرات تطرأ عليها. كتسخين الحديد أو المعادن وتمددها بالحرارة ، وتجمدها وانكماشها بالبرودة. هذه هى كلمات الله عزّ وجلّ.
وقد عبر عنها القرآن فى مواضع أخرى ب.. السنن وهى القوانين التى تخضع لها جميع الكائنات ، الإنسان والحيوان والنبات والجمادات. إن كل شئ فى الوجود ، يجرى ويتفاعل وفق السنن الإلهية أو كلماته الكلية ، التى ليس فى مقدور قوة فى الوجود أن تغيرها أو تعطل مفعولها فى الكون.
ذلك هو المقصود به ب " كلمات الله " ، التى لا نجد لها تبديلاً ، ولا نجد لها تحويلاً.
ومن هذه الكلمات أو القوانين والسنن الإلهية النافذة طوعاً أو كرهاً قوله تعالى: ( كل نفس ذائقة الموت ) . فهل فى مقدور أحد مهما كان أن يعطل هذه السنة الإلهية فيوقف " سيف المنايا " ويهب كل الأحياء خلوداً فى هذه الحياة الدنيا ؟
فكلمات الله إذن هى عبارة عن قضائه فى الكائنات وقوانينه المطردة فى الموجودات وسننه النافذة فى المخلوقات.
ولا تناقض فى العقل ولا فى النقل ولا فى الواقع المحسوس بين مدلول آية: (لا تبديل لكلمات الله) وآية: (وإذا بدلنا آية مكان آية..).
لأن معنى هذه الآية: إذا رفعنا آية ، أى وقفنا الحكم بها ، ووضعنا آية مكانها ، أى وضعنا الحكم بمضمونها مكان الحكم بمضون الأولى. قال جهلة المشركين: إنما أنت مفتِرٍ .
فلكل من الآيتين معنى فى محل غير معنى ومحل الأخرى.
فالآية فى سورة يونس (لا تبديل لكلمات الله) والآية فى سورة النحل: (وإذا بدلنا آية مكان آية..) لكل منهما مقام خاص ، ولكن هؤلاء الحقدة جعلوا الكلمات بمعنى الآيات ، أو جعلوا الآيات بمعنى الكلمات زوراً وبهتاناً ، ليوهموا الناس أن فى القرآن تناقضاً. وهيهات هيهات لما يتوهمون.
أما الآيتان (لا مبدل لكلماته) و(ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها) وقد تقدم ذكرهما فى الجدول السابق.
هاتان الآيتان بريئتان من التناقض براءة قرص الشمس من اللون الأسود :
فآية الكهف (لا مبدل لكلماته) معناها لا مغير لسننه وقوانينه فى الكائنات. وهذا هو ما عليه المحققون من أهل العلم ويؤيده الواقع المحسوس والعلم المدروس.
وحتى لو كان المراد من " كلماته " آياته المنزلة فى الكتاب العزيز " القرآن " فإنه ـ كذلك ـ لا مبدل لها من الخلق فهى باقية محفوظة كما أنزلها الله عز وجل ، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها .(6/268)
أما آية البقرة: (ما ننسخ من آية ) فالمراد من الآية فيها المعجزة ، التى يجريها الله على أيدى رسله. ونسخها رفعها بعد وقوعها. وليس المراد الآية من القرآن ، وهذا ما عليه المحققون من أهل التأويل. بدليل قوله تعالى فى نفس الآية: (ألم تعلم أن الله على كل شىء قدير ).
ويكون الله عز وجل قد أخبر عباده عن تأييده رسله بالمعجزات وتتابع تلك المعجزات ؛ لأنها من صنع الله ، والله على كل شىء قدير.
فالآيتان ـ كما ترى ـ لكل منهما مقام خاص بها ، وليس بينهما أدنى تعارض ، فضلاً عن أن يكون بينهما تناقض.
أما الآيتان الأخيرتان الواردتان فى الجدول ، وهما آية الحجر: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وآية الرعد: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) فلا تعارض بينهما كذلك ؛ لأن الآية الأولى إخبار من الله بأنه حافظ للقرآن من التبديل والتحريف والتغيير ، ومن كل آفات الضياع وقد صدق إخباره تعالى ، فظل القرآن محفوظاً من كل ما يمسه مما مس كتب الرسل السابقين عليه فى الوجود الزمنى ، ومن أشهرها التوراة وملحقاتها. والإنجيل الذى أنزله الله على عيسى عليه السلام.
أما الآية الثانية: (يمحو الله ما يشاء ويثبت) فهى إخبار من الله بأنه هو وحده المتصرف فى شئون العباد دون أن يحد من تصرفه أحد. فإرادته ماضية ، وقضاؤه نافذ ، يحيى ويميت ، يغنى ويفقر ، يُصحُّ ويُمْرِضُ ، يُسْعِد ويُشْقِى ، يعطى ويمنع ، لا راد لقضائه ، ولا معقب على حكمه (لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون ) . فأين التناقض المزعوم بين هاتين الآيتين يا ترى ؟ التناقض كان سيكون لو ألغت آية معنى الأخرى. أما ومعنى الآيتين كل منهما يسير فى طريقٍ متوازٍ غير طريق الأخرى ، فإن القول بوجود تناقض بينهما ضرب من الخبل والهذيان المحموم ، ولكن ماذا نقول حينما يتكلم الحقد والحسد ، ويتوارى العقل وراء دياجير الجهالة الحاقدة ؟ نكتفى بهذا الرد الموجز المفحم ، على ما ورد فى الجدول المتقدم ذكره.
28- ( ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين ) تناقض مع قوله تعالى : ( ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين ) .
الجواب :
قال تعالى في سورة الواقعة : ( إِذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ (1) لَيْس لِوَقْعَتهَا كاذِبَةٌ (2) خَافِضةٌ رّافِعَةٌ (3) إِذَا رُجّتِ الأَرْض رَجّا (4) وَ بُستِ الْجِبَالُ بَسّا (5) فَكانَت هَبَاءً مّنبَثّا (6) وَ كُنتُمْ أَزْوَجاً ثَلَاثَةً (7) فَأَصحَاب الْمَيْمَنَةِ مَا أَصحَاب الْمَيْمَنَةِ (8) وَ أَصحَب المَْشئَمَةِ مَا أَصحَب المَْشئَمَةِ (9) وَ السابِقُونَ السابِقُونَ )
لقد قسّم المولى سبحانه وتعالى البشر يوم القيامة إلى ثلاثة أزواج :
1- أصحاب الميمنة ( اليمين )
2-أصحاب المشئمة ( الشمال )
3- السابقون السابقون
سأستعرض الآيات القرآنية وستعلمون أنه لا وجود لهذا التناقض الا في خيالهم الأعمى وسأكتفي بالقسمين الأولين وهما : السابقون السابقون واصحاب الميمنة ( اليمين ) لتمركز التناقض المزعوم في هذان القسمين :
أولا : السابقون السابقون :
قال تعالى عن السابقون السابقون : ( وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ * أُوْلَئِكَ الْمُقَرَّبُونَ * فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ )
فقد وصف الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات أن السابقون السابقون والذين لهم أعلى منازل النعيم في الجنة أنهم ثلة من الأولين ( أي كثيرون من الأولين ) لأن الأولين قد عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم وكانت درجات إيمانهم من أقوى الدرجات , وقوله تعالى ( وقليل من الآخرين ) لأن الأجيال المتأخرة لا يمكن مقارنة قوة إيمانهم بمن عاصروا الرسول صلى الله عليه وسلم
ثانيا : أصحاب الميمنة ( اليمين ) :
قال تعالى عن أصحاب اليمين : ( وَأَصْحَابُ الْيَمِينِ مَا أَصْحَابُ الْيَمِينِ * فِي سِدْرٍ مَّخْضُودٍ * وَطَلْحٍ مَّنضُودٍ * وَظِلٍّ مَّمْدُودٍ * وَمَاء مَّسْكُوبٍ * وَفَاكِهَةٍ كَثِيرَةٍ * لَّا مَقْطُوعَةٍ وَلَا مَمْنُوعَةٍ * وَفُرُشٍ مَّرْفُوعَةٍ * إِنَّا أَنشَأْنَاهُنَّ إِنشَاء * فَجَعَلْنَاهُنَّ أَبْكَارًا * عُرُبًا أَتْرَابًا * لِّأَصْحَابِ الْيَمِينِ * ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ * وَثُلَّةٌ مِّنَ الْآخِرِينَ )
فقد وصف الله سبحانه وتعالى في هذه الآيات أن اصحاب الميمنة ( اليمين ) بأنهم ثلة من الأولين ( أي كثيرون أيضا من الأولين ) وثلة من الآخرين ( وأيضا يشاركهم الآخرين في ذلك )
فلا تناقض بين الآيتين على الإطلاق ,,,
فهذه الآية ( ثلة من الأولين * وقليل من الآخرين ) خصت السابقون السابقون
وهذه الآية ( ثلة من الأولين * وثلة من الآخرين ) خصت أصحاب الميمنة ( اليمين )
29- تحريم الخمر في الدنيا
تحليل الخمر في الآخرة(6/269)
يَا أَيُّهَا الذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَا جْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (سورة المائدة 5: 90).
مَثَلُ الجَنَّةِ التِي وُعِدَ المُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (سورة محمد 47: 15).
الجواب :
لا اعرف , اين هو هذا التناقض بين الآيتين ؟؟ فالآية الأولى تتكلم عن الخمر في الدنيا والآية الثانية تتكلم عن الخمر في الآخرة .. فمن البين ان السائل لا يعرف ما معني التناقض ؟؟ فالتناقض يكون بين نقيضين في آن ٍ واحد , كالماء والنار والليل والنهار
أما الخمر في هاتان الآيتين فهو في موضعين , موضع في الدنيا و موضع في الآخرة , فلا تناقض بين الآيتين اطلاقا .
30- قال أعداء الإسلام : إن فى القرآن آية تنهى عن النفاق ، وآية أخرى تُكره الناس على النفاق أما الآية التى تنهى عن النفاق ـ عندهم ـ فهى قوله تعالى : ( وبشر المنافقين بأن لهم عذابًا أليما ) .
وأما الآية التى تُكره الناس على النفاق ـ عندهم ـ فهى قوله تعالى: ( وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أَنَّى يؤفكون ) .
الجواب :
من المحال أن يفهم من له أدنى حظ من عقل أو تمييز أن فى الآية الأولى نهياً ، وأن فى الآية الثانية إكراهاً ويبدو بكل وضوح أن مثيرى هذه الشبهات فى أشد الحاجة إلى من يعلمهم القراءة والكتابة على منهج: وزن وخزن وزرع.
ويبدو بكل وضوح أنهم أعجميو اللسان ، لا يجيدون إلا الرطانة والتهتهة ؛ لأنهم جهلة باللغة العربية ، لغة التنزيل المعجز. ومع هذه المخازى يُنَصَّبُون أنفسهم لنقد القرآن ، الذى أعجز الإنس والجن.
لا نهى فى الآية الأولى ، لأن النهى فى لغة التنزيل له أسلوب لغوى معروف ، هو دخول " لا " الناهية على الفعل المضارع مثل: لا تفعل كذا.
ويقوم مقامه أسلوب آخر هو: إياك أن تفعل ، جامعًا بين التحذير والنهى ، ولا إكراه فى الآية الثانية. وقد جهل هؤلاء الحقدة أن الإكراه من صفات الأفعال لا من صفات الأقوال أما كان الحرى بهم أن يستحيوا من ارتكاب هذه الحماقات الفاضحة.
إن الآية الأولى: (وبشر المنافقين بأن لهم عذابا أليما) تحمل إنذاراً ووعيداً. أما النهى فلا وجود له فيها والآية الثانية تسجل عن طريق " الخبر " انحراف اليهود والنصارى فى العقيدة ، وكفرهم بعقيدة التوحيد ، وهى الأساس الذى قامت عليه رسالات الله عز وجل.
وليس فى هذه الآية نفاق أصلاً ، ولكن فيها رمز إلى أن اليهود والنصارى حين نسبوا " الأبنية " لله لم يكونوا على ثقة بما يقولون ، ومع هذا فإنهم ظلوا فى خداع أنفسهم.
وكيف يكون القرآن قد أكرههم على هذا النفاق " المودرن " وهو فى الوقت نفسه يدعو عليهم بالهلاك بقبح إشراكهم بالله: ( قاتلهم الله ).
31 - لا شفاعة
قُلْ لِلهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعا لهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (سورة الزمر 39: 44).
إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ يُدَبِّرُ الأَمْرَ مَا مِنْ شَفِيعٍ إِلاَّ مِنْ بَعْدِ إِذْنِهِ ذَلِكُمُ اللهُ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ (سورة يونس 10: 3).
توجد شفاعة
اللهُ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بينهما فِي سَتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى العَرْشِ مَالكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ (سورة السجدة 32: 4).
الجواب :
يجب أن نأخذ الآية كلها ولا نقتطع جزءا منها فالحكم على الشيء فرع تصوره ، فبداية الآية هو قال الله تعالى :"{أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون، قل لله الشفاعة جميعا له ملك السماوات والأرض ثم إليه ترجعون، وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون} سورة الزمر
فالآية تعيب على المشركين أنهم اتخذوا الأصنام شفعاء لهم من دون الله تعالى ، فبين الله تعالى أنهم لا يملكون شيئا ، والشفاعة له وحده سبحانه وتعالى ، أما الآية الثانية التي اُعتقد أنها تنافي الآية الأولى ليس بينهما تضاد ولا اختلاف ، فإذا قررنا أنه لا شفاعة إلاّ لله تعالى وحده والذي قرر هذا هو الله تعالى فإنه سبحانه عندما قرر أن هناك من يشفعون قيد هذه الشفاعة من بعض البشر والملائكة بإذنه سبحانه وتعالى ، ورضاه . فالشفاعة من غير الله تعالى مقيدة برضا الله عز وجل وبإذنه فتكون شفاعتهم من شفاعته سبحانه وتعالى .
32- القرآن مبين(6/270)
وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَالسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (سورة النحل 16: 103).
القرآن متشابه
هُوَ الذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الفِتْنَةِ وَا بْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الأَلْبَابِ (سورة آل عمران 3: 7).
الجواب :
إن معنى كلمة مبين هو الواضح ، والوضوح ليس لكل الناس فعلماء التفسير وأهل اللغة لديهم علم بمعاني الآيات أكثر من غيرهم ، وهناك من هو أعلم منهم ، وهناك من هو أقل علما ، المهم أن هناك من الآيات ما هو متشابه لا يعلمه كثير من الناس . ولا ينفي هذا وضوح القرآن وسهولة لغته التي تتناسب مع كل من يقرؤها .
33- كيف هلك قوم ثمود ، وكيف هلك قوم عاد ؟؟؟
يقول القرآن عن قوم ثمود : يقول القرآن ان ثمود اهلكهم الطاغية (فَأَمَّا ثَمُودُ فَأُهْلِكُوا بِالطَّاغِيَةِ) (الحاقة:5) ثم يقول ان ثمود اخذتهم صاعقة العذاب (وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ الْعَذَابِ الْهُونِ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)
(فصلت:17) ثم يؤكد ان ثمود هلكوا بصاعقة مثل عاد : (فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ) (فصلت:13)
فهل هلك قوم ثمود بالطاغية ام بالصاعقة ؟؟ وهل هلك قوم عاد بالصاعقة ام بالرياح الشديدة ؟؟؟ وهل هلك قوم عاد وقوم ثمود بنفس الطريقة ام بطريقتان مختلفتان ؟؟ اما عن قوم عاد فاختلف القرآن فيه كم يوما استغرق الله في هلاك قوم عاد هل استغرق الهلاك يوم نحس مستمر ؟؟؟ (كَذَّبَتْ عَادٌ فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ) (القمر:18) (إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ) (القمر:19)
لا بل استغرق الامر أيام نحسات لا لم يستغرق يوما ولا يومين بل على اقل تقدير ثلاثة أيام (فَأَمَّا عَادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَقَالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَكَانُوا بِآياتِنَا يَجْحَدُونَ) (فصلت:15) (فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحاً صَرْصَراً فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لا يُنْصَرُونَ) (فصلت:16) بل استغرق الامر سبع ليال وثمانية أيام (وَأَمَّا عَادٌ فَأُهْلِكُوا بِرِيحٍ صَرْصَرٍ عَاتِيَةٍ) (الحاقة : 6 ) (سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ) (الحاقة : 7 )
واخيرا هل كان قوم عاد صرعى ( واقعون على الارض ) ام مثل أعجاز نخل خاوية ( واقفة ) ؟؟؟
الجواب :
أولا : قبل الإجابة على هذا الإختلافات المزعومة ,, يجب أن ننوه أن هذه الشبهة مبنيه على جهل تام باللغة العربية
السؤال الأول لهذا الجاهل يقول :
فهل هلك قوم ثمود بالطاغية ام بالصاعقة ؟؟ وهل هلك قوم عاد بالصاعقة ام بالرياح الشديدة ؟؟؟ وهل هلك قوم عاد وقوم ثمود بنفس الطريقة ام بطريقتان مختلفتان ؟؟
يجب علينا أولا أن نوضح معنى كلمتي الطاغية والصاعقة ,,
معنى كلمة طاغية يقول القرطبى : فيه إضمار؛ أي بالفعلة الطاغية
وقال قتادة: أي بالصيحة الطاغية؛ أي المجاوزة للحد
وقال مجاهد: بالذنوب. وقال الحسن: بالطغيان؛ فهي مصدر كالكاذبة والعاقبة.
والعافية. أي أهلكوا بطغيانهم وكفرهم.
وقيل: إن الطاغية عاقر الناقة؛ قاله ابن زيد. أي أهلكوا بما أقدم عليه طاغيتهم
من عقر الناقة، وكان واحدا، وإنما هلك الجميع لأنهم رضوا بفعله ومالؤوه.
و قال الشوكانى : الطاغية الصيحة التي جاوزت الحد، وقيل بطغيانهم وكفرهم، وأصل الطغيان مجاوزة الحد .
يعنى المعنى ان ثمود اهلكوا بالطاغية اى بسبب كفرهم المجاوز للحد .
أما الصاعقة : فهي إسم للمبيد المهلك , أي العذاب المهلك
من معجم لسان العرب :(6/271)
صَعِقَ الإِنسان صَعْقاً و صَعَقاً فهو صَعِقٌ غُشِيَ عليه وذهب عقله من صوت يسمعه كالهَدَّة الشديدة . وصَعِقَ صَعقَاً وصَعْقاً و صَعْقةً و تَصْعاقاً فهو صَعِقٌ : ماتَ , قال مقاتل في قول أَصابته صاعِقةٌ : الصاعِقةُ الموت , وقال آخرون : كلُّ عذاب مُهْلِك , وفيها ثلاث لغات : صاعِقة وصَعْقة وصاقِعة; وقيل : الصاعِقةُ العذاب , والصَّعْقة الغَشْية , والصَّعْقُ مثل الغشي يأْخذ الإِنسان من الحرِّ وغيره
معنى ذلك نستطيع ان نقول أن الآية ( فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد و ثمود ) تعنى أنذرتكم عذابا مثل عذاب عاد وثمود وبذلك تكون صاعقة عاد هى العذاب والهلاك الذي حل بهم وهذا ردا على قوله هل إصيبت عاد بالصاعقة ام بالرياح الشديدة .
- إذن لا إختلاف هنا لأننا رأينا أن الصاعقة هي أسم للمبيد المهلك ,,, فالرياح التي أرسلها الله على قوم عاد كانت مبيده ومهلكه فقوم عاد قد صُعقوا بالرياح المهلكه وقوم ثمود صُعقوا بالصيحة الطاغية المجاوزة للحد و بطغيانهم .
السؤال الثاني لهذا الجاهل :
كم يوما استغرق هلاك قوم عاد يوم ( القمر 19 ) ام اكثر ( فصلت 16 ) و( الحاقة 7 ) .؟؟
- " فى يوم نحس مستمر" يستنتج المسمى نيومان من هذه الاية ان العذاب يوم واحد و المعنى واضح فإن بدء العذاب في سورة القمر كان في يوم نحس ثم هذا العذاب استمر في أيام نحسات .
السؤال الثالث لهذا الجاهل :
هل كان قوم عاد صرعى ( واقعون على الارض ) ام مثل أعجاز نخل خاوية ( واقفة ) ؟؟
إن ما جاء في قوله تعالى : ( كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ ) : المنقلِع عن منبته , وكذلك الخاوية معناها معنى المُنْقَلِعِ في قوله تعالى : ( ترى الْقَوْمَ فِيهَا صَرْعَى كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ خَاوِيَةٍ ) , وقيل لها إذا انْقَلَعتْ خاوية لأَنها خَوَتْ من مَنْبِتِها الذي كانت تَنْبُتُ فيه وخوَى مَنْبِتُها منها , ومعنى خَوَتْ أَي خَلَتْ كما تَخْوي الدارُ خُوِيّاً إذا خلت من أَهلها . ( راجع معجم لسان العرب )
- فلا اختلاف هنا لأن الرياح التي سخرها الله على قوم عاد جعلتهم صرعى بمثابة أعجاز النخل التي خوت من منابتها أي جذورها فالخاوية لا تعني الواقفه .
===================
أسباب عدم جمع القرآن الكريم في مصحف واحد
توفي النبي ؟ والقرآن مفرقٌ في الرقاع والعسب والعظام والأحجار، ولم يُجمع القرآن في زمنه ؟ في صحف ولا مصاحف:
فعن زيد بن ثابت ؟ قال: قُبِضَ النَّبِيُّ ؟ ، وَلَمْ يَكُنِ الْقُرْآنُ جُمِعَ فِي شَيْءٍ.(36)
قال السيوطي: ولا ينافي ذلك ؛(37) لأن الكلام في كتابة مخصوصة على صفة مخصوصة.(38)
قال القسطلاني: وقد كان القرآن كله مكتوبًا في عهده ؟ ، لكن غير مجموع في موضع واحد، ولا مرتب السور.(39)
وإنَّما ترك النبي ؟ جمع القرآن في مصحف واحد لاعتبارات كثيرة، منها40)
1 - أنَّه لم يوجد من دواعي كتابته مجموعًا في صحف أو مصاحف مثل ما وجد على عهد أبي بكر ؟ حتى كتبه في صحف ، ولا مثل ما وجد في عهد عثمان ؟ حتى نسخه في مصاحف، فالْمسلمون وقتئذ بخير، والقراء كثيرون، والإسلام لم تتسع دولته، والفتنة مأمونة، والتعويل لا يزال على الحفظ أكثر من الكتابة ، وأدوات الكتابة غير ميسورة ، والنبي ؟ بين أظهرهم، وعنايته باستظهار القرآن تفوق الوصف، فلا خوف على ضياع شيء منه في تلك الْمدة .
2 - أن النبي ؟ كان بصدد أن ينزل عليه الوحي بنسخ ما شاء الله نسخه من القرآن، ولو جمع القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة لتغيير الْمصاحف كلما وقع نسخ .
3 - أن القرآن لم يَنْزِل جملة واحدة ، بل نزل منجمًا في مدى عشرين سنة أو أكثر، ولم يكن ترتيب الآيات والسور على ترتيب النُّزُول، ولو جُمِع القرآن في مصحف واحد وقتئذ لكان عرضة لتغيير الْمصاحف كلما نزلت آية أو سورة.
(36) أخرجه الديرعاقولي في فوائده، انظر فتح الباري (8/627)، والإتقان في علوم القرآن (1/164)، ورواه الطبري عن الزهري مرسلاً مرفوعًا، تفسير الطبري، الْمقدمة (1/28).
(37) يعني أن القرآن كان مكتوبًا زمنه ؟ .
(38) يعني أن الذي نفاه زيدٌ من الجمع هو جمع متفرق القرآن في صحف، وجمع الصحف في الْمصاحف، كتابة جميع القرآن. انظر الإتقان في علوم القرآن (1/164).
(39) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/446)، ودليل الحيران شرح مورد الظمآن في رسم القرآن للمارغني ص 17.
(40) إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (7/446)، والإتقان (1/164)، ومناهل العرفان (1/248-249)، ودليل الحيران شرح مورد الظمآن في رسم القرآن للمارغني ص 17، ودلائل النبوة (7/154).
==============
شبهه " إِنْ كَانَ اللَّه يُرِيد أَنْ يُغْوِيكُمْ " كيف يحاسبنا بعد ان يغوينا
انا ارى والله اعلم ان كل ما فى الكون من صغيرة وكبيرة وما لا نعلمه وما نعلمه لا يتم الا بارادة الله عز وجل(6/272)
( والله خلقكم وما تعملون ) اى ان الله سبحانه وتعالى خالق كل شىء الشر والخير فمثلا الزلازل والبراكين والحوادث التى تقع للناس مثلا فهو بارادة الله سبحانه وتعالى وهى ارادة كونيه - كل ما يقع فى الكون بارادة الله تعالى -
اما الهدايه والايمان فهى تقع بارادة الله سبحانه وتعالى ولكن شاء ان تقع بارادة شرعية ليست كونيه
فعند حدوث الاغواء والضلال فهو يحدث بارادة الله تعالى الكونية ليست الشرعيه
اما قول النصارى وادعائهم بان الله لا يغوى فهو عن جهل منهم بان الله تعالى هو المتحكم فى كل الكون بارادته سبحانه وتعالى الكونية و قولهم هذا معناه ان الشيطان يستطيع ان يفعل شىء من نفسه بارادته - حاشا لله - ويكون هذا معناه انه يفعله ولا يستطيع الله بقدرته ان يمنعه - تعالى الله عن هذا علوا كبيرا -
فالهدايه من الله والضلال من الله والهدايه بارادة الله الشرعية والضلال بارادة الله الكونيه
رد اخر
السيف البتار
الزمخشري : وقيل: { أَن يُغْوِيَكُمْ } أن يهلككم من غوى الفصيل غوي، إذا بشم فهلك، ومعناه: أنكم إذا كنتم من التصميم على الكفر بالمنزلة التي لا تنفعكم نصائح الله ومواعظه وسائر ألطافه، كيف ينفعكم نصحي؟
المعنى هنا : إن كان الله سبحانه وتعالى يريد أن يغويكم فلن تنتفعوا بالنصيحة إن أردت أن أنصحكم ؛ لأن الآية بها تعدُّد الشرطين .
ومثال ذلك من حياتنا : حين يطرد ناظر المدرسة طالباً ، عقاباً له على خطأ معين ، فالطالب قد يستعطف الناظر ، فيقول : (( إن جئتني غداً أقبل اعتذارك إن كان معك والدك )
وقول الناظر : (( إن كان معك والدك )) هو شرط متأخر ، ولكنه كان يجب أن يتقدم
وفي الآية الكريمة – جاء الشرط الأول متأخراً ، ولكن هل يغوي الله سبحانه عباده ؟
لا ، إنه سبحانه يهديهم ، والغواية هي الضلال والبعد عن الطريق المستقيم .
وللأسف فالمستشرقين جهله باللغة العربية .. وكان من الأفضل أن يصلحوا ما بكتبهم .. ففاقد الشيء لا يعطيه .
فهم دائماً يستقبلون ألفاظ العقائد الإسلامية على أساس ما أشتهر به اللفظ من معنى ؛ فالألفاظ لها معان متعددة .... وهذا بسبب ركاكة كتبهم .
ومثال ذلك هو قول الحق سبحانه :
[ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ] مريم 59
وقوله سبحانه هنا : { فسوف يلقون غياً }
أي : سوف يلقون عذاباً ، لأن غيهم كان سبباً في تعذيبهم ، فسمَّى العذاب باسم مُسبَّبه
ومثل قول الحق سبحانه :
{ جزاء سيئة سيئة مثلها ... } الشورى 40
والحق سبحانه لا يُسيء لعباده ، ولكنهم هم الذين يُسيئون لأنفسهم ، فسمَّى ما يلقاهم من العذاب سيئة .
وهذا يعرف بالمشاكلة ، وهو ذكر الشيء بلفظ غيره لوقوعه في صحبته ، مثل { ومكروا ومكر الله ... } آل عمران .. فإطلاق المكر من جانب الله سبحانه إنما هو لمشاكلة ما معه
وكذلك { الغي } يرد بمعنى { الإغواء } ، ويرد بمعنى الأثر الذي يترتب عن الغي من العذاب .
وقد عرض الله سبحانه صور متعددة بالقرآن للإغواء ، فسيدنا آدم عليه السلام مال عن الطريق وأكل من الشجرة رغم تحذير الله سبحانه له ألا يقربها .... ولكن بحكم طبيعة سيدنا آدم عليه السلام البشرية فعل ما حذره الله عنه ....
وقد ذكر لنا الحق سبحانه كلمات الشيطان بقوله :
[ قَالَ رَبِّ بِمَآ أَغْوَيْتَنِي لأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الأَرْضِ وَلأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ]الحجر 39
ولكن هل أغوى الله – سبحانه – الشيطان ؟
إن الله سبحانه لا يغوي ، ولكنه يترك الخيار للمكلف إن شاء أطاع ، وإن شاء عصى .
ولو أن الله سبحانه جعلنا لما كان لنا اختيار ، فإن أطاع الإنسان نال عطاء الله ، وإن ضل ، فقد جعل الله له الاختيار ، ووجهه لغير المراد على أن يهتدي ، وقادر على أن يضل .
فقال تعالى عن الإنسان
[ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا ] .. سورة الإنسان 3
فالله قد جعل الإنسان مُهيئاً لأن يسلك أحد السبيلين : سبيل الهدى وسبيل الضلال ، ثم دله سبحانه على طريق الصواب المستقيم ، وترك له حرية الأختيار ، فإما شاكراً لنعمة الدلالة إلى الخير ، فيكون مؤمناً ، وإما كافراً بها فيكون كافراً
===============
درء الشبهات عن الأسماء و الصفات
أورد بعض الجهلاء شبهات واهية حول الأسماء الحسنى و الصفات العلا نلخصها و نردعليها تباعاً بإذن الله تعالى:
شبهة حول صفة الكلام:
طعن البعض في عقيدة أن القرآن كلام الله الغيرمخلوق و أن الكلام صفة من صفاته سبحانهو بُنى ذلك المطعن على ثلاثة شبهات:
1)فكرة أزلية الأسماء و الصفات، لأن الكلام لا يمكن أن يكون أزلياً فقد تكلمالرب به في وقت ما مما يعنى أنه حادث.
2) أن الكلام يتم باللغة و اللغة مخلوقةفيكون الكلام مخلوقاً.(6/273)
3) ما ورد في القرآن الكريم أن الله نادى موسى من شاطئالوادي الأيمن عند البقعة المباركة مما يعنى أن الكلام مخلوق صادر من الشجرة و إلالكان الله تعالى قد حل فيها و الله منزه عن هذا ولا تحل ذاته الكاملة التي لا تسعهاالسماوات و الأرض في مخلوقاته الناقصة.
بعدالحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله:
القول في كتابه المفصل بأنه كلامهالمنزل
على الرسول المصطفى خير الورى ليس بمخلوق ولامفترى
بداية نشير إلى أن أول من قال بخلق القرآن كانواالجهمية و المعتزلة و قد تصدى علماء أهل السنة و الجماعة لهذه البدعة و فندوهابالأدلة العقلية و النقلية إلا أن النصارى و من على شاكلتهم ممن يهوون البحث فيالقمامة يثيرون هذه المسائل المنتهية التي ابتدعتها هذه المذاهب الفكرية القديمةفقط للمجادلة بالباطل فنردها من عدة جهات:
1) جاءت الآيات المحكمات جازمةبإثبات صفة الكلام للرب تبارك و تعالى و منها قوله تعالى (( وَكَلَّمَ اللّهُمُوسَى تَكْلِيماً )) و قوله سبحانه ((وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَاسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُمَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْلَمُونَ )) و قوله عز و جل ((يَاأَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْنُوراً مُّبِيناً ))
فهذه الآيات البينات و غيرها كثير تثبت صفة الكلام يقيناًلله تعالى و أن الكلام من جملة كلامه الذي هو من صفاته و ليس بمخلوق.
2) أنأزلية الأسماء و الصفات لا تتعارض مع صفة الكلام لأن الصفات على نوعين:
صفات الذات:و هي الصفات الملازمة للذات و التي لايتصور انفكاكها عنها كالحياة و العلم و القدرة و العظمة و السمع و البصر.
صفات الأفعال: و يقصد بها أفعاله سبحانه التي تقعبمشيئته كالخلق و الرزق و الإحياء و الإماتة و الحب و البغض و الرضا و الكره والمجيء و الكلام ، و هي صفات أزلية النوع حادثة الآحاد يفعلها الله تعالى متى شاء.
و على هذا لا إشكال في صدور الكلام عن الرب في أي وقت و أن يكلم الله ملائكته ورسله و من شاء من عباده بكلامه الذي هو من صفاته و ليس مخلوقاً.
3) و لا محلللاعتراض بأن اللغة مخلوقة لأننا نبحث في ذات الكلام و ليس في لغته فالله تعالىأنزل القرآن عربياً على أهل الفصاحة و البيان من العرب و مع هذا فإن الفرق بينالقرآن المجيد و غيره من أصناف الشعر و النثر و الأدب البليغ هو ببساطة الفارق بينكلام الخالق و المخلوق و لننظر كيف يتحدى الله الناس بالقرآن بعد ذكر الحروفالمقطعة ليقول لهم إن هذا القرآن يتكون من هذه الحروف البسيطة و مع هذا فهو معجزةالمعجزات و آية الآيات الذي لا يستطيع انس ولا جان على الإتيان بسورة واحدة من مثله :
(( الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ ))
(( الم. ذَلِكَ الْكِتَابُلاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ ))
(( الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ))
(( الَر كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُإِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْإِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ))
(( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُوَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَبِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً ))
(( وَإِن كُنتُمْ فِيرَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِوَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ ))
(( أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِلَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً ))
و غير هذه الآيات المبهرات كثير ممايكشف لأولى الألباب عظمة و روعة كتاب الله و كلامه الخالد.
4) أخيراً و لمناعترضوا بقوله تعالى (( نُودِي مِن شَاطِئِ الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِالْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ )) فقد عموا عما قبل هذه الجملة فإن الله تعالىقال ((فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِي )) و النداء هو الكلام من بعد فسمع موسى النداء منحافة الوادي ثم قال ((فِي الْبُقْعَةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ )) أي أنالنداء كان في البقعة المباركة من عند الشجرة فلا يكون النداء من الشجرة و إنمامصبه عند من وقف عندها .
شبهة حول صفة النزول:
أورد المعترضون حديث رسول الله صلى الله عليه و أله و سلم الذيقال: (يتنزل ربنا تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا، حين يبقى ثلث الليلالآخر، يقول : من يدعوني فأستجيب له، من يسألني فأعطيه، من يستغفرني فأغفر له).
فزعموا أن نزول الرب يعنى أن يصير تحت مخلوقاته و ينافى استواءه على عرشه لأنالثلث الأخير يتكرر في كل لحظة.
بعد الحمد لله والصلاة و السلام على رسول الله:
و قد روى الثقات عن خير الملا بأنه عز و جل و علا(6/274)
فى الثلث الأخير ينزل يقول هل من تائب فيُقبل
هل من مسيء طالب للمغفرة يجد كريماً قابلاً للمعذرة
يمن بالخيرات و الفضائل و يستر العيب و يعطى السائل
أولا: نذكر النصارى أن صفة النزول ثابتة في كتابهم في مواضعشتى منها : ((فَنَزَلَ الرَّبُّ لِيَنْظُرَ الْمَدِينَةَ وَالْبُرْجَ اللَّذَيْنِكَانَ بَنُو آدَمَ يَبْنُونَهُمَا)) تكوين 11:5.
(( وَقَالَ الرَّبُّ: «إِنَّصُرَاخَ سَدُومَ وَعَمُورَةَ قَدْ كَثُرَ وَخَطِيَّتُهُمْ قَدْ عَظُمَتْ جِدّا،أَنْزِلُ وَأَرَى هَلْ فَعَلُوا بِالتَّمَامِ حَسَبَ صُرَاخِهَا الْآتِي إِلَيَّوَإِلَّا فَأَعْلَمُ»)) تكوين 20:18، 21.
ثانياً: أن نزول الله تعالى ليس كنزولمخلوقاته فنحن نثبت الصفة للرب إثبات بلا تشبيه و تنزيه بلا تعطيل تحت قاعدة ((لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ )).
قال شيخ الإسلام رحمهالله و قدس روحه:
"و أما النزول الذي لا يكون من جنس نزول أجسام العباد فهذا لايمتنع أن يكون في وقت واحد لخلق كثيرين و يكون قدره لبعض الناس أكثر أو أقل بل لايمتنع أن يقرب إلى خلق من عباده دون بعض فيقرب إلى هذا الذي دعاه دون الذي لم يدعهو جميع ما وصف الرب به نفسه فليس فيه ما هو عام لكل مخلوقاته كما في المعية فالمعيةوصف نفسه فيها بعموم و خصوص ، و أما قربه من يقرب منه فهو خاص لمن يُقرب كالداعي والعابد و كقربه عشية عرفة و دنوه إلى السماء الدنيا لأجل الحجاج و إن كانت تلكالعشية قد تكون وسط النهار في بعض البلاد و تكون ليلاً في بعض البلاد فإن تلكالبلاد لم يدن إليها ولا إلى سمائها الدنيا و إنما دنا إلى السماء التي على الحجاجو كذا نزوله بالليل ، و هذا كما أن حسابه لعباده كحسابهم كلهم في ساعة واحدة و كلمنهم يخلوا به كما يخلو العبد بالقمر ليلة البدر فيقرره بذنوبه و ذلك المحاسب لايرى أنه يحاسب غيره ، كذلك في حديث أبى هريرة (( إذا قال العبد الحمد لله ربالعالمين قال الله: حمدني عبدي ... )) إلى أخر الحديث .
فهذا يقوله سبحانه لكلمصلى قرأ الفاتحة ممن لا يحصى عدده إلا الله كل منهم يقول الله له كما بقول لهذا ،و يحاسبهم كذلك فيقول لكل واحد ما يقول من القول في ساعة واحدة و كذلك سمعه لكلامهميسمع كلامهم كلهم مع اختلاف لغاتهم و تفنن حاجاتهم ، يسمع دعاءهم سمع إجابة و يسمعكل ما يقولون سمع علم و إحاطة لا يشغله سمع عن سمع ولا تغلطه المسائل ، ولا يتبرمبإلحاح الملحين ، فإنه سبحانه هو الذي خلق هذا كله و هو الذي يوصل الغذاء إلى كلجزء من البدن على مقداره و صفته المناسبة له ، و كذلك الزرع ، وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يؤوده حفظهما ، فإذا كان لا يؤوده خلقه و رزقه على هذه التفاصيل فكيفيؤوده العلم بذلك أو سماع كلامهم أو رؤية أفعالهم و إجابة دعائهم سبحانه؟ ((وَمَاقَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ )) فمن كانت هذه عظمته كيف يحصره المخلوق سماء أوغير سماء حتى يقال إنه نزل إلى السماء الدنيا صار العرش فوقه و هو قادر أن ينزلسبحانه و هو على عرشه فقوله إنه ينزل مع بقاء عظمته و علوه على العرش أبلغ فيالقدرة و الموافقة و هو الذي فيه موافقة العقل و الشرع .
==================
كيف تطلبون من غير المسلمين أن يصدقوا ما في كتابكم بشأن عيسى ، ورفض صلبه ، وبنوته لله ، مع أن الكتاب المقدس قد أخبر بذلك ؟.
الجواب:
الحمد لله
لعله من القول المعاد هنا أن ننبه على أن الأناجيل ، أو الكتاب المقدس الذي نتكلم عنه ، والذي يوجد في أيدي الناس اليوم ، هو شيء آخر غير الذي نزل من عند الله على عبده ورسوله عيسى بن مريم ، عليه السلام ؛ فذاك الذي نزل من عند الله لا يصح لأحد إيمانه إذا كفر به ، أو بشيء منه ، وقد سبق التنبيه على ذلك في السؤال رقم [47516 ] .
غير أنه ، ولحكمة بالغة ، لم يزل تحريف الأيدي ، وليّ الألسن يعبث بذلك الكتاب ، ولم تزل تعدو عليه صروف الدهر ، وحوادث الأيام من قديم ، حتى ضاع أصله الإلهي ، وانقطع من أيدي الناس ، ولم يعد بين أيديهم إلا خليط مختلف من ظلمات الشرك والتثليث ، مع بصيص من نور التوحيد ، وأخلاط من الكذب والتحريف المتتابع ، زمانا بعد زمان ، مع أثارة من الصدق وعلم النبيين .
ولقد صار من المتعذر ، بل من المستحيل ، مع بعد العهد ، وتتابع العبث ، أن يقطع أحد بصدق شيء من ذلك الكتاب أو كذبه ، إلا إذا عرض على الحق المهيمن على ما قبله ، والمصدق لما بين يديه ، الذي لم يشب نوره الإلهي بظلمة من الجهل أو الهوى ، ولا صدقه الخالص بكذبة ، أو حتى غلطه ، وليس ذلك إلا القرآن الكريم الذي تكفل الله بحفظه ، كما قال الله تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ ) الحجر/9 .(6/275)
ومع أن واحدا من كبار الدارسين عند القوم ، والمدافعين عن الكتاب المقدس ، وهو نورتن ، حاول أن يدافع عن الكتاب المقدس أمام طعن إكهارن الجرمني ، فقد اضطر إلى أن يعترف بأن تمييز الصدق من الكذب في هذا الزمان عسير !!
ومن هنا نصل إلى موضوع السؤال ، لنقول : إن من لم يؤمن بالقرآن ، لن يصح له كتاب يؤمن به ، ومن طعن في صدق النبي ، صلى الله عليه وسلم ، وصحة دين الإسلام ، لم يمكنه أن يقيم دليلا على صحة دينه الذي يتمسك به .
ووجه ذلك أن من طعن في صدق النبي صلى الله عليه وسلم ، فيما أخبر به من نبوته ، والوحي المنزل عليه من السماء ، مع أن ظهرت على يديه المعجزات الدالة على صدقه في ما قال ، وبقي حياته يتحدى أعداءه بالكتاب الذي ينسبه إلى وحي ربه أن يأتوا بمثله ، أو بشيء منه ، بل أن تحدى الإنس والجن جميعا أن يجتمعوا ويتظاهروا ، ويتساعدوا ، من أجل أن يأتوا بمثل هذا القرآن : ( قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الأِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرا ً) الإسراء/88
ولم يحدث أنهم فعلوا وأتوا بمثله ، على ما مر من التاريخ بعده ، وعلى كثرة ما عارضه من الأعداء ، وودوا لو أثبتوا كذبه ، وهيهات !!
ثم بقي ذلك النبي بعد ذلك منصورا على أعدائه ، لم يبطلوا له حجة ، ولا وقفوا له على كذبة في خبر ، ولو كان من حديث الناس الذي يألفونه ، فضلا عن أن يكذب على ربه الذي أرسله .
وليت شعري ، إذا طعنوا في ذلك كله ، فأنى لهم أن يقيموا دليلا على صحة "الإلهام" الذي اعتمدوا عليه في تصديق كتبهم ، مع أنهم لا يدعون أن هذه الأناجيل أنزلت على عيسى ، أو أنه كتبها ، أو أملاها ، أو حتى كتبت في حياته !!
هذا مع أنه لا يوجد دليل محقق على شخصية الأربعة الذين كتبوا هذه الأناجيل ، ومن يكونون ، وكيف كانت سيرتهم وحياتهم ، وهل كان ما كتبوه كان من من الوحي الإلهي ، أو الإلهام ، على حد تعبيرهم ، أو كان من بنات أفكارهم ، ووحي شياطينهم . يقول هورن ، أحد كبار مفسري الكتاب المقدس : ( إذا قيل إن الكتب المقدسة أوحيت من جانب الله ، فلا يراد أن كل لفظ ، والعبارة كلها من إلهام الله ، بل يُعلم من اختلاف محاورة المصنفين ، واختلاف بيانهم أنهم كانوا مُجَازين (؟!) [ يعني : كانوا مسموحا لهم ] أن يكتبوا على حسب طبائعهم وعاداتهم وفهومهم ، ولا يُتخيل أنهم كانوا ملهمين في كل أمر يبينونه ، أو في كل حكم كانوا يحكمونه ) .
وقد أشارت دائرة المعارف البريطانية إلى خلاف علماء النصارى وباحثيهم في شأن هذا الإلهام : هل كل قول مندرج في الكتب المقدسة إلهامي أو لا ؟ ثم علقت في موضع منها ( 19/20) على ذلك : ( إن الذين قالوا إن كل قول مندرج فيها إلهامي ، لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة ) .
ونقول : ولا بصعوبة !!
وإزاء عشرات المواضع المتضاربة فيما بين هذه الأناجيل ، بعضها وبعض ، وعشرات الأغلاط التاريخية ، والنبوءات الكاذبة التي لم تتحقق ، قرر فريدريك جرانت أن ( العهد الجديد كتاب غير متجانس ، ذلك أنه شتات مجمع ، فهو لا يمثل وجهة نظر واحدة تسوده من أوله إلى آخره ، لكنه في الواقع يمثل وجهات نظر مختلفة ) .
وأما دائرة المعارف الأمريكية فتذكر ( أن هناك مشكلة هامة وصعبة تنجم عن التناقض الذي يظهر في نواح كثيرة بين الإنجيل الرابع ، والثلاثة المتشابهة ؛ إن الاختلاف بينهم عظيم ، لدرجة أنه لو قبلت الأناجيل المتشابهة ، باعتبارها صحيحة وموثوقا فيها ، فإن ما يترتب على ذلك هو عدم صحة إنجيل يوحنا ) .
هذا مع اعتبار أن إنجيل يوحنا هو أشد هذه الأناجيل تقريرا لعقيدتهم في التثليث ، بل إنهم ليعترفون أنه ألف من أجل تقرير هذه العقيدة التي أخلت بها الأناجيل الأخرى ، وقطع اختلاف الناس في شأنها !!
إن الكنيسة الكاثوليكية التي كانت تتمسك بشدة بعقيدة الإلهام ، كأصل للكتاب المقدس ، وأكدت على ذلك في مجمع الفاتيكان عام ( 1869-1870) ، عادت أمام هذه الحقائق لتعترف ، بعد نحو قرن ، في المجمع المسكوني الثاني للفاتيكان ( 1962-1965) بأن هذه الكتب تحتوي على شوائب ، وشيء من البطلان ، على ما نقله الباحث الفرنسي الكاثوليكي [ الذي أسلم فيما بعد ] د موريس بوكاي .
ثم إن من كذب بشيء من معجزات النبي صلى الله عليه وسلم ، وأحواله وسيرته الدالة على صدقه ، كيف له أن يثبت معجزات هؤلاء الرسل المزعومين الذي كتبوا الأناجيل ، أو يدلل على صدقهم في دعوى الإلهام ؟!
إن دعوى الإلهام صادقة في زعمهم بدليل شهادة الكتاب المقدس ، وما فيه من ذكر معجزاتهم ، والكتاب المقدس وما فيه صادق لأنه إلهام !!
وهكذا ينتهي استدلالهم إلى الدور الباطل ، كما نقله ريس في دائرة معارفه عن بعض المحققين : فالكتاب المقدس صحيح لأنه إلهام ، وإلهامهم صادق لأن الكتاب المقدس شهد به !!(6/276)
ومن كذب بالقرآن المنقول بالتواتر ، الفاشي في مشارق أرض الإسلام ومغاربها ، جيلا بعد جيل ، حفظا وكتابة ، لا تختلف نسخه ، ولا تضطرب ولا تتعارض ، أنى له أن يثبت صحة الأناجيل التي يعتمد عليها ، والتي لم توجد مجرد إشارة لها ، فضلا عن أن توجد أعيانها ، قبل مضي نحو قرنين من وفاة المسيح ، على ما نقله نورتن عن إكهارن الجرمني ، ثم ما وقع في مطلع القرن الرابع بالنصارى من البلاء ، والهدم لكنائسهم ، وتحريق كتبهم ، ما يفقد الثقة بكتبهم التي وجدت بعد ذلك : فمتى وجدت ، وعند من كانت في فترة الاضطهاد والاستخفاء ، وكيف وصلت إلينا ، وكيف ، وكيف ... ، أسئلة كثيرة تدور حول هذه المعضلة ، فيما عبرت عنه دائرة المعارف البريطانية بقولها :
( ليس لدينا أية معرفة مؤكدة بالنسبة للكيفية التي تشكلت بموجبها قانونية الأناجيل الأربعة ، ولا بالمكان الذي تقرر فيه ذلك ) .
وأما الجهل بالمترجم الذي نقلها عن اللغة الأصلية التي كتبت بها ، وما مدى الثقة بعلمه ودينه وكفايته لهذه المهمة ، وكيف لنا أن نتأكد من أنه نقلها على وجهها ، فذلك لون آخر !!
[ يمكن مراجعة تفصيل ما أجملناه في هذا الجواب في : إظهار الحق ، للشيخ رحمة الله الهندي ، ومناظرة بين الإسلام والنصرانية ، للشيخ محمد جميل غازي وآخرين ]
والله يهدينا وإياكم إلى صراطه المستقيم .
الإسلام سؤال وجواب (www.islam-qa.com
=================
حول تناقض النقل - القرآن - مع العقل
هناك مَنْ يقيمون التناقض بين " العقل " و " النقل " ، ويدعون أن الثقافة الإسلامية نقلية لا عقلية ، ويعتقدون أن جميع علماء الأمة بدون استثناء غير مؤهلين ، لأنهم اعتمدوا على النقل وليس التفكير..
وأنه يجب التفكير فى كل أمور الدين ، الأصل قبل الفرع.. وإلغاء كل الأساسيات الموجودة التى تعتبرها الأمة من المسلمات ، والبحث من جديد عن الحقيقة ، معتمدين على العقل فقط.. (انتهى).
الرد على الشبهة:
إن القول بالاعتماد على العقل فقط - أى دون النقل ، الذى هو الوحى الإلهى ، فى بلاغه القرآنى وبيانه النبوى -.. واستخدام العقل وحده أداة لإعادة النظر فى كل ما تعتبره الأمة من المسلمات.. هو قول يحتاج إلى ضبط.. وإلى تصويب.. ويمكن أن يتم ذلك من خلال إشارات إلى عدد من الحقائق:
أولاها: أن مقام العقل فى الإسلام هو مكان عال وفريد ، ولا نظير له فى الشرائع السابقة على الشريعة الإسلامية الخاتمة.. فالعقل فى الإسلام هو مناط التكليف بكل فرائض وأحكام الإسلام.. أى شرط التدين بدين الإسلام.
وثانيتها: أن النقل الإسلامى - وخاصة معجزته القرآنية - هو معجزة عقلية ، قد ارتضت العقل حكمًا فى فهمها وفى التصديق بها ، وفى التمييز بين المحكم والمتشابه فى آياتها ، وأيضًا فى تفسير هذه الآيات.. فليس للقرآن كهنوت يحتكر تفسيره ، وإنما هو ثمرة لنظر عقول العلماء المفسرين.. وعلى حين كانت معجزات الرسالات السابقة معجزات مادية ، تدهش العقول ، فتشلها عن التفكير والتعقل ، جاءت معجزة الإسلام - القرآن الكريم - معجزة عقلية ، تستنفر العقل كى يتعقل ويتفكر ويتدبر ، وتحتكم إليه باعتباره القاضى فى تفسير آياتها.. فكان النقل الإسلامى سبيلاً لتنمية العقلانية الإسلامية.. وكان هذا التطور فى طبيعة المعجزة متناسبًا ومتسقًا مع مرحلة النضج التى بلغتها الإنسانية ، ومع ختم السماء سلسلة الرسالات والوحى إلى الأنبياء والرسل وأمم الرسالات..
وثالثتها: أن العقل - فى الإسلام - هو سبيل الإيمان بوجود الله ووحدانيته وصفاته.. لأن الإيمان بالله سابق على التصديق بالرسول وبالكتاب الذى جاء به الرسول ، لأنه شرط لهما ، ومقدم عليهما ، فالتصديق بالكتاب - النقل - متوقف على صدق الرسول الذى أتى به ، والتصديق بالرسول متوقف على وجود الإله الذى أرسل هذا الرسول وأوحى إليه.. والعقل هو سبيل الإيمان بوجود الله - سبحانه وتعالى - وذلك عن طريق تأمل وتدبر بديع نظام وانتظام المصنوعات الشاهدة على وجود الصانع المبدع لنظام وانتظام هذه المصنوعات.. فالعقل - فى الإسلام - هو أداة الإيمان بجوهر الدين - الألوهية - وبعبارة الإمام محمد عبده: ".. فأول أساس وضع عليه الإسلام هو النظر العقلى ، والنظر عنده هو وسيلة الإيمان الصحيح ، فقد أقامك منه على سبيل الحُجة ، وقاضاك إلى العقل ، ومن قاضاك إلى حاكم فقد أذعن إلى سلطته.. " (1).
وذلك على حين كان العقل غريبًا ومستبعدًا من سبل الإيمان فى حقب الرسالات السابقة على الإسلام..
حقب المعجزات المدهشة للعقول ، عندما كانت الإنسانية فى مراحل الطفولة " خرافًا ضالة " ، تؤمن بما يُلقى إلى قلبها ، دون إعمال عقل ، لأن الإيمان لا يحتاج إلى إعمال عقل.. وفق عبارة القديس والفيلسوف النصرانى " أنسيلم " [1033-1109م].(6/277)
ورابعتها: أن المقابلة بين " العقل " و " النقل " هى أثر من آثار الثنائيات المتناقضة التى تميزت بها المسيرة الفكرية للحضارة الغربية ، تلك التى عرفت لاهُوتًا كنسيًا - نقلاً - لا عقلانيًا ، فجاءت عقلانيتها ، فى عصر النهضة والتنوير الوضعى العلمانى ، ثورة على النقل اللاعقلانى ونقضًا له.. أما فى الإسلام ، والمسيرة الفكرية لحضارته وأمته - وخاصة فى عصر الازدهار والإبداع - فإن النقل لم يكن أبدًا مقابلاً للعقل ، لأن المقابل للعقل هو الجنون ، وليس النقل.. ولأن النقل الإسلامى - القرآن الكريم - هو مصدر العقلانية المؤمنة ، والباعث عليها ، والداعى لاستخدام العقل والتفكر والتدبر فى آيات الله المنظورة والمسطورة جميعًا.. وآيات القرآن التى تحض على العقل والتعقل تبلغ تسعًا وأربعين آية.. والآيات التى تتحدث عن " اللُّب " - بمعنى عقل وجوهر الإنسان - هى ست عشرة آية. كما يتحدث القرآن عن " النُّهى " - بمعنى العقل - فى آيتين.. وعن الفكر والتفكر فى ثمانية عشر موضعًا.. وعن الفقه والتفقه - بمعنى العقل والتعقل - فى عشرين موضعًا.. وعن " التدبر " فى أربع آيات.. وعن " الاعتبار " فى سبع آيات.. وعن " الحكمة " فى تسع عشرة آية.. وعن " القلب " كأداة للفقه والعقل - فى مائة واثنين وثلاثين موضعًا.. ناهيك عن آيات العلم والتعلم والعلماء التى تبلغ فى القرآن أكثر من ثمانمائة آية.. فالنقل الإسلامى - أى الشرع الإلهى - هو الداعى للتعقل والتدبر والتفقه والتعلّم.. والعقل الإنسانى هو أداة فقه الشرع ، وشرط ومناط التدين بهذا الشرع الإلهى.. ولذلك لا أثر للشرع بدون العقل ، كما أنه لا غنى للعقل عن الشرع ، وخاصة فيما لا يستقل العقل بإدراكه من أمور الغيب وأحكام الدين.
ذلك أن العقل ، مهما بلغ من العظمة والتألق فى الحكمة والإبداع ، هو ملكة من ملكات الإنسان ، وكل ملكات الإنسان - بالخبرة التاريخية والمعاصرة - هى نسبة الإدراك والقدرات ، تجهل اليوم ما تعلمه غدًا ، وما يقصر عنه عقل الواحد يبلغه عقل الآخر.. وإذا كانت ميادين عالم الشهادة - النفس والكون..
أى الدنيا.. مفتوحة على مصاريعها أمام العقل وأمام التجربة - بالنسبة للإنسان - فإن هناك ميادين - وخاصة فى معارف عالم الغيب - سبيل معرفتها النقل - أى الوحى - والوجدان - القلب والإلهام - فالهدايات التى يهتدى بها الإنسان هى " العقل " و " النقل " و " التجربة " و " الوجدان ".. وليست العقل وحده دون سواه.. وبتنوع الهدايات وسبل المعرفة الإنسانية ، مع تنوع مصادر المعرفة الإنسانية - الوحى وآيات الله المسطورة ، مع الكون وآيات الله المنظورة - تتكامل وتتوازن المعرفة الإنسانية - وهذه هى نظرية المعرفة الإسلامية - بينما يختل توازن هذه المعرفة إذا هى وقفت - فى المصادر - عند الكون وعالم الشهادة وحده - وفى الوسائل وإدراك المعرفة عند العقل وحده ، أو العقل والتجربة وحدهما ، دون النقل والوجدان.. ولقد عبر عن هذا التكامل والتوازن فى - نظرية المعرفة الإسلامية الإمام محمد عبده عندما تحدث - فى تفسيره لآية (اهدنا الصراط المستقيم)- من سورة الفاتحة - عن " الهدايات الأربع " - العقل ، والنقل ، والتجربة ، والوجدان كما عبر عن التلازم الضرورى بين العقل والنقل ، لتكامل المعرفة الإسلامية عندما قال: ".. فالعقل هو ينبوع اليقين فى الإيمان بالله ، وعلمه وقدرته ، والتصديق بالرسالة.. أما النقل ، فهو الينبوع فيما بعد ذلك من علم الغيب ، كأحوال الآخرة والعبادات.. والقرآن - وهو المعجز الخارق - دعا الإسلامُ الناس إلى النظر فيه بعقولهم.. فهو معجزة عُرضت على العقل ، وعرفته القاضى فيها ، وأطلقت له حق النظر فى أنحائها ، ونشر ما انطوى فى أثنائها.. وإذا قدّرنا عقل البشر قدره ، وجدنا غاية ما ينتهى إليه كماله إنما هو الوصول إلى معرفة عوارض بعض الكائنات التى تقع تحت الإدراك الإنسانى.. أما الوصول إلى كنه حقيقته فمما لا تبلغه قوته.. ومن أحوال الحياة الأخرى ما لا يمكن لعقل بشرى أن يصل إليه وحده.. لهذا كان العقل محتاجًا إلى مُعين يستعين به فى وسائل السعادة فى الدنيا والآخرة.. " (2).
فالإسلام لا يعرف - على الإطلاق - هذه الثنائية المتناقضة بين العقل والنقل.. وصريح المعقول لا يمكن أن يتعارض مع صحيح المنقول.. ولقد عبر الإمام محمد عبده عن ما قد يتوهمه البعض تعارضًا عندما صاغ حقيقة هذه القضية فقال: " لقد تقرر بين المسلمين أن الدين إن جاء بشىء قد يعلو على الفهم ، فلا يمكن أن يأتى بما يستحيل عند العقل.. " (3).. ففارق بين ما يعلو على إدراك العقل ، من بعض أمور الدين ، وبين ما يستحيل فى العقل الذى برئ ويبرأ منه الدين.(6/278)
ومن بين علماء الإسلام الذين عبروا - بصدق وعبقرية - عن تكامل العقل والنقل - الحكمة والشريعة - حُجة الإسلام - أبو حامد الغزالى عندما قال: " إن أهل السنة قد تحققوا أن لا معاندة بين الشرع المنقول والحق المعقول ، وعرفوا أن من ظن وجوب الجمود على التقليد واتباع الظواهر ، ما أُتوا به إلا من ضعف العقول وقلة البصائر. وأن من تغلغل فى تصرف العقل حتى صادموا به قواطع الشرع ، ما أُتوا به إلا من خبث الضمائر. فميل أولئك إلى التفريط ، وميل هؤلاء إلى الإفراط ، وكلاهما بعيد عن الحزم والاحتياط.. فمثال العقل: البصر السليم عن الآفات والآذاء ، ومثال القرآن: الشمس المنتشرة الضياء ، فأخْلِق أن يكون طالب الاهتداء المستغنى إذا استغنى بأحدهما عن الآخر فى غمار الأغبياء ، فلا فرق بينه وبين العميان. فالعقل مع الشرع نور على نور.. " (4).
وهذه العلاقة بين العقل والنقل - علاقة التكامل والتآخى - هى التى أكد عليها أبو الوليد ابن رشد [520-654هجرية/1126-1198م] عندما قال: ".. فإنا - معشر المسلمين - نعلم على القطع ، أنه لا يؤدى النظر البرهانى إلى مخالفة ما ورد به الشرع ، فإن الحق لا يضاد الحق ، بل يوافقه ويشهد له.. فالحكمة هى صاحبة الشريعة ، والأخت الرضيعة.. وهما المصطحبتان بالطبع ، المتحابتان بالجوهر والغريزة.. " (5).
فالباب مفتوح على مصراعيه أمام العقل فى سائر ميادين عالم الشهادة. وهو سبيل الفقه والفهم والتكليف فى الشرع والدين.. لكن لابد من مؤازرة الشرع والنقل للعقل فيما لا يستقل العقل بإدراكه من أخبار عالم الغيب والحكم والعلل من وراء بعض أحكام العبادات فى الدين.. وما قد يبدو من تعارض - عند البعض - أحيانًا بين العقل والنقل ، فهو تعارض بين العقل وبين " ظاهر " النقل وليس حقيقة معنى النقل أو مرجعه إلى تخلف " صحة " النقل.. أو تخلف " صراحة " العقل.. أو وجود ما يعلو على الفهم ، لا ما يتعارض مع العقل.. فالعقل مع الشرع - كما قال حُجة الإسلام الغزالى - " نور على نور ".. وما الحديث عن التعارض بينهما إلا أثر من آثار الغلو فى أحدهما ، تفريطًا أو إفراطًا.
وإذا كانت البداهة والخبرة البشرية - وحتى الحكمة الفلسفية - تقول: إن من مبادئ الدين والشرائع ما لا يستقل العقل بإدراك كنهه وحقيقة جوهره ، فكيف يجوز لعاقل أن يدعو إلى تحكيم العقل وحده فى كل أساسيات الدين ؟! لقد قال الفيلسوف الفقيه أبو الوليد ابن رشد وهو الذى احترم عقلانيته المتألقة الأوروبيون والمسلمون جميعًا. قال عن رأى الفلاسفة القدماء فى مبادئ الشرائع التى لا يستقل العقل بإدراكها: " إن الحكماء من الفلاسفة ليس يجوز عندهم التكلم ولا الجدل فى مبادئ الشرائع مثل: هل الله تعالى موجود ؟ وهل السعادة موجودة ؟ وهل الفضائل موجودة ؟. وفاعل ذلك عندهم محتاج إلى الأدب الشديد ، ولذلك وجب قتل الزنادقة.. فيجب على كل إنسان أن يسلم بمبادئ الشرائع ، لأن مبادئها أمور إلهية تفوق العقول الإنسانية ، وكيفية وجودها هو أمر معجز عن إدراك العقول الإنسانية ، فلابد أن يعترف بها مع جهل أسبابها.. " (6).
فليس هناك عاقل يحكِّم العقل فيما لا يستقل العقل بإدراكه من مبادئ الشرائع والمعجزات ، وكنه وجوهر وحقائق المغيبات.
وليس هناك عاقل يغفل أو يتغافل عن مكانة ودور العقل فى دين الإسلام.
وإدراك وظيفة العقل.. وميدان عمله.. وحدود قدراته ، هو لب الاحترام للعقل ، وليس فيه انتقاص من سلطانه ، الذى تألق فى دين الإسلام وفكر المسلمين.
(1) [ الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ] ج3 ص 301.
(2) المصدر السابق ج3 ص 325 ، 379 ، 397.
(3) [ الأعمال الكاملة ] ج3 ص 257.
(4) [ الاقتصاد فى الاعتقاد ] ص 2، 3. طبعة القاهرة. مكتبة صبيح بدون تاريخ.
(5) [ فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال ] ص 31، 32، 67. دراسة وتحقيق د. محمد عمارة. طبعة دار المعارف. القاهرة سنة 1999م.
(6) [ تهافت التهافت ] ص121 ، 122 ، 125 ، طبعة القاهرة سنة 1903م.
الكاتب: أ.د محمود حمدى زقزوق، وزير الأوقاف
===================
تعلق بعض الْملاحدة بحديث أنس في حصر من جمع القرآن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ؟
عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: مَاتَ النَّبِيُّ ? وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ قَالَ وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ.(96)
وفي رواية قتادة قَالَ: قُلْتُ لأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ ? ؟ قَالَ أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَرَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ يُكْنَى أَبَا زَيْدٍ.(97)
فقالوا: كيف يكون القرآن متواترًا، مع ما يروى عن أنس مِن حَصْر مَن جمع القرآن في هؤلاء الأربعة.(6/279)
وتعلقوا أيضًا بأن أسانيد القراء تدور على ثمانية فقط من أصحاب النبي ? ، فقالوا: إن هذا العدد لا يبلغ مبلغ التواتر.
ويجاب عن حديث أنس ? بوجوه:
أولاً: الجواب بأن الحصر في كلام أنس إضافي، لا حقيقي.
أي أن قول أنس (أَرْبَعَةٌ) لا مفهوم له؛ وليس الحصر في كلامه حقيقيًّا، بل هو حصر إضافي، أي: بالإضافة إلى غيرهم، وإلا فأين الخلفاء الأربعة، وأين سالْم مولى أبي حذيفة، وأين أبو موسى وغيرهم.ولذلك ثلاثة أدلة:
الأول: كثرة الحفاظ من الصحابة:
فقد روي حفظ جماعات من الصحابة في عهد النبي ? ، وثبت في الصحيح أنه قُتِل يوم بئر معونة سبعون مِمَّن جمع القرآن،(98) وروي أنه قتل في وقعة اليمامة(99) مثلهم.
فهؤلاء الذين قتلوا من جامعيه يومئذ، فكيف الظن بِمن لم يُقتل مِمَّن حضرها، ومن لم يحضرها وبقي بالْمدينة أو بمكة أو غيرهما.
الثاني: استحالة إحاطة أنس بحال كل الصحابة وأنَّهم لم يجمعوا القرآن كله.
أي بتقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف له الإحاطة بكل من جمع القرآن مع كثرة الصحابة وتفرقهم في البلدان، وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي ? ، وهذا في غاية البعد في العادة. وقد يكون مراده: الذين علمهم من الأنصار أربعة، وأما غيرهم من الْمهاجرين والأنصار الذين لا يعلمهم فلم ينفهم، ولو نفاهم كان الْمراد نفي علمه، وإذا كان الْمرجع إلى ما في علمه لم يلزم أن يكون الواقع كذلك.
كما أنه لم يذكر في هؤلاء الأربعة أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ونحوهم من كبار الصحابة، الذين يبعد كل البعد أنَّهم لم يجمعوه،(100) مع كثرة رغبتهم في الخير وحرصهم على ما دون ذلك من الطاعات، وكيف نظن هذا بِهم، ونحن نرى أهل العصور اللاحقة يحفظ القرآن منهم في كل بلدة ألوف، مع بعد رغبتهم في الخير عن درجة الصحابة؟ مع أن الصحابة لم يكن لهم أحكام مقررة يعتمدونَها في سفرهم وحضرهم إلا القرآن، وما سمعوه من النبي ? ، فكيف نظن بِهم إهماله ؟ فكل هذا وشبهه يدل على أنه لا يصح أن يكون معنى الحديث أنه لم يكن في نفس الأمر أحد جمع القرآن إلا الأربعة الْمذكورون.(101)
الثالث: اختلاف الرواية عن أنس في تحديد الأربعة
فمِمَّا يدل على إرادة الحصر الإضافي اختلاف الرواية عن أنس ? في تحديد الأربعة، ففي رواية: أبي ومعاذ وزيد وأبو زيد،(102) وفي رواية أخرى أبو الدرداء مكان أبيٍّ،(103) وهذا دليل على عدم إرادة الحصر الحقيقي، فهو صادق في كلتا الروايتين ؛ لأنه ليس معقولاً أن يكذب نفسه، فتعين أن الْمراد بالحصر هنا حصر إضافي، بأن يقال: إن أنسًا ? تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، ثم تعلق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبا الدَّرْداء دون أُبَيِّ بن كعبٍ.(104)
كما اختلف العلماء في تحديد أبي زيدٍ الْمذكور في هذا الحديث، فبعضهم يَجعله سعد بن عبيد الأوسي، وبعضهم يجعله قيس بن السكن الخزرجي، وبعضهم يصحح أنَّهما جميعًا جمعا القرآن على عهد رسول الله ? ،ـ(105) وبعضهم يجعله قيس بن أبي صعصعة.(106)
والاختلاف في تحديد الْمعدود الْمحصور يدل على عدم إرادة الحصر الحقيقي.
ثانيًا: الجواب بتقدير مراد أنس بالحصر الإضافي: وذلك بوجوه:
الأول: أن الْمراد به: لم يجمعه على جميع الوجوه والقراءات التي نزل بِها إلا أولئك.
الثاني: أن الْمراد: لم يجمع ما نسخ منه بعد تلاوته، وما لم ينسخ غيرهم.
الثالث: أن الْمراد بجمعه: تلَقِّيهِ من فِي رسول الله ? بغير واسطة، بخلاف غيرهم، فيحتمل أن يكون تلقى بعضه بالواسطة.
الرابع: أنَّهم تصدوا لإلقائه وتعليمه، فاشتهروا به، وخفي حال غيرهم عمن عُرف حالهم، فحصر ذلك فيهم بحسب علمه.
ثالثًا: مع التسليم بثبوت كلام أنس على الحصر الحقيقي، فإن ذلك لا يقدح في تواتر القرآن.
فلو ثبت أنه لم يجمعه إلا الأربعة، لم يقدح ذلك في تواتر القرآن ؛ فإن أجزاءه حفظ كلَّ جزءٍ منها خلائق لا يحصون، يحصل التواتر ببعضهم، وليس من شرط التواتر أن ينقل جميعُهم جميعَه، بل إذا نقل كل جزء عدد التواتر صارت الجملة متواترة بلا شك، ولم يخالف في هذا مسلمٌ ولا ملحدٌ.(108)
أما دوران أسانيد القراء على ثمانية من الصحابة فقط، فيجاب بأن هؤلاء الثمانية هم الذين نقل إلينا قراءتهم، ولا ينفي ذلك إقراء غيرهم، ومعرفتهم بقراءة هؤلاء، وإقرارهم عليها، كما أن تواتر القرآن يختلف عن تواتر الحديث، فعند علماء الحديث من أقسام الْمتواتر: تواتر الطبقة، ومثلوا له بتواتر القرآن، فقد تلقاه جيل عن جيلٍ، فهو لا يحتاج إلى إسناد.(110)
----------
(96) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? ح 5004 (8/663). وقد صرح أنس في هذه الرواية بصيغة الحصر، قال الحافظ: وقد استنكره جماعة من الأئمة.( يعني التصريح)، انظر فتح الباري (8/668).(6/280)
(97) رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159) ح 3810، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
(98) رواه البخاري في كتاب الجهاد والسير باب من يُنْكَب في سبيل الله. صحيح البخاري مع فتح الباري (6/23) ح2801، ومسلم في كتاب الإمارة باب ثبوت الجنة للشهيد ح 677. صحيح مسلم مع شرح النووي (13/46-47).
(99) اليمامة من حروب الردة، وقعت سنة 11 هـ، سبق الحديث عنها ص 15.
(100) والذين منهم من كان يقول: وَاللهِ الَّذِي لا إِلَهَ غَيْرُهُ مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ أَيْنَ أُنْزِلَتْ وَلاَ أُنْزِلَتْ آيَةٌ مِنْ كِتَابِ اللهِ إِلاَّ أَنَا أَعْلَمُ فِيمَ أُنْزِلَتْ وَلَوْ أَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنِّي بِكِتَابِ اللهِ تُبَلِّغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبْتُ إِلَيْهِ. كما روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللهِ بن مسعود ? صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي? ـ (8/662) ح 5002.
(101) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 67، وفتح الباري (8/667-668)، وشرح النووي على صحيح مسلم (16/19)، والإتقان (1/200).
(102) رواه البخاري في كتاب الْمناقب باب مناقب زيد بن ثابت ح 3810. صحيح البخاري مع فتح الباري (7/159)، ومسلم في كتاب فضائل الصحابة باب فضائل أبي بن كعب. انظر صحيح مسلم مع شرح النووي (16/19) ح 2465.
(103) رواه البخاري في فضائل القرآن باب القراء من أصحاب النبي ? . انظر الصحيح مع فتح الباري (8/663) ح 5004.
(104) مناهل العرفان (1/243-245).
(105) أسد الغابة في معرفة الصحابة (6/128).
(106) ذكره ابن أبي داود فيمن جمع القرآن. انظر فتح الباري (8/669).
(107) نكت الانتصار لنقل القرآن ص 68-69، وفتح الباري (8/667)، والإتقان (1/200-201).
(108) شرح النووي على صحيح مسلم (16/20)، وفتح الباري (8/668)، والإتقان (1/200).
(109) انظر فتح الباري (8/668-669).
(110) تعليقات اليماني على نزهة النظر ص 22.
================
شبهة اعتراض العرب على بعض الكلمات الغير العربية
المهتدي بالله
لقد روي ان العرب اعترضت على بعض الكلمات غير العربية.وان القران لا يكفي ان يكون دليلا على نبوته ص .فطلبوا منه ان ياتي بمعجزات اخرى كان يصعد الى السماء وما الى غير ذلك.فهل هذا يعني انه لم يكونوا يعتبرون القران معجزة كافيه.والا لماذا طلبوا اخرى ؟
الرد على الشبهة
لم اسمع بهذا الاعتراض من قبل, و لكن لربما يكون كحل الشبهه الكلمات المعربه و هي الماخوذه من الفارسيه او الهنديه. و هذه لا مجال للاعتراض عليها لان الكلمات المعربه من لغه العرب و قد وردت عند الشعراء الجاهليين كامرئ القيس. و ذلك لان اللغه العربيه فيها من التشبيهات و المجاز ما يجعلها اغنى اللغات في هذه الصور. اما الاشياء الماديه في الحضارات الاخرى فانها لو لم تكن موجوده عند العرب الا ان العرب في لغتها من اوزان الكلمات ما يجعلها تضع الكلمه الاجنبيه في وزن خاص فتصبح حينئذ الكلمه العربيه.
و ذلك مثل الهاتف فانه اختراع اجنبي و لم تعرفه العرب لكن العرب لها وزن خاص وزن (فعلول) فتضع كلمه التلفون و تخرجها على هذا الوزن فتصبح كلمه تلفون عربيه و ليس اعجميه.
و قد اعترض عليهم رب العالمين حين ادعوا ان محمدا يعلمه رجل اعجمي يقال له جبر فقال ان لسان الذين يلحدون به اعجمي و اما هذا القران فانه عربي خالص.
على اي حال فان الكلمات المعربه كاستبرق و غيرها هي كلمات على الاوزان العربيه فلا يوجد فيها شيء اعجمي.
و اما طلب الكفار من الرسول ان ياتي لهم بمعجزات اخرى فانه لم يكن من باب التحدي بل كان من باب التعجييز مثله مثل حادثه بني اسرائيل و ذلك عندما احضروا الميت و ضربوه بالبقره فانتهض هذا الميت و قال قتلني فلان بن فلان , و مع هذه المجزه الصارخه و هذا الخرق للطبيعه استمروا في طغيانهم و كفرهم.
و كذلك روي ان كفار قريش قالوا للرسول ص هل تستطيع لنا شق القمر, فاخذ سيدنا محمد ص يدعو و يناجي ربه ثم اشار الى القمر باصبعه فانفلق القمر قسمين لمده ساعات, و مع ذلك و مع هذه المعجزه المحسوسه استمر كفار قريش في تماديهم و كفرهم.
و بعد فان الايمان بالله و الايمان بالقران هو من باب العلم النظري, تذكر ان العلم نوعان"
1)ضروري كقولنا الواحد نصف الاثنين
2)نظري كموضوع الايمان
و هذا العلم النظري لا يمكن ان يتفق فيه الناس بل هو نتاج تفكير المرء و احساسه فاذا احس المرء الموضوع احساسا طبيعيا و اعاد التفكير فيه مره او مرات فان الجزم او الرفض لا بد ان يحصل فعندها اما يصدق الانسان بالشيء تصديقا يقينيا او يرفضه.
================
وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ
الإيمان بكل كتب الله تعالى من أركان الإيمان في الإسلام ، و لا يكتمل إيمان المسلم إلا إذا آمن بوحي الله و كتبه التي سبقت القرآن .(6/281)
يقول تعالى : { قُلْ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ( آل عمران : 84 )
و يقول : { وَقُلْ آَمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ } ( الشورى : 15 )
لكن الإيمان بكون هذه الكتب منزلة من عند الله لا يعني إطلاقًا أنها موجودة حتى الآن و أنها نفس الكتب التي بأيدي اليهود و النصارى .. بالضبط كما أن إيماننا بالأنبياء و الرسل عليهم السلام لا يعني أبدًا أنهم موجودون على قيد الحياة حتى الآن .
و قد يسعى أصدقاؤنا النصارى في محاولات يائسة للاستعانة ببعض الآيات القرآنية لبث الوهم بأن كتبهم غير محرفة و أن القرآن ينفي تحريفها كقوله تعالى : { وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ } ( الكهف : 27 ) و قوله : { وَلَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } ( الأنعام : 34 ) و قوله : { لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ } ( يونس : 64 ) و قوله : { وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا } ( الفتح : 23 ) .
و للرد على هذا الاستدلال الضعيف نقول :
أولا : أن هذه الآيات ليس فيها إشارة سواء صريحة أو خفية إلى الكتب السابقة ، بل إن قوله في آية الكهف : { مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ } يدلك على أن المراد به هو القرآن لا غيره .
ثانيًا : لا يُفهم من عدم تبديل كلمات الله عدم تبديل الحروف المكتوبة في القراطيس ، بل المقصود هو أنه لا تبديل لأوامر الله و أحكامه المبرمة و المسنونة في خلقه ، كالإقرار بأن الله هو الإله وحده ، لا ابن و لا تثليث و لا شريك له ، و كالوعد و الوعيد ، و العيش الرغيد و العذاب الشديد في الآخرة ، و أمثالها .. و هذه أحكام يُعبر عنها بالكلمات ، لا تتبدل و لا تتحول و لا تتغير .
ثالثًا : نحن معاشر المسلمين لا نستدل بهذه الآيات على حفظ القرآن من التبديل و التغيير ، بل استدلالنا على حفظه من قوله تعالى : { لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ } ( فصلت : 42 ) و قوله : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ } ( الحجر : 9 ) .
قال قتادة وثابت البناني : (( حفظه الله من أن تزيد فيه الشياطين باطلا أو تنقص منه حقا ؛ فتولى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظا ، وقال في غيره: { بما استحفظوا } ( المائدة: 44 ) ، فوكل حفظه إليهم فبدلوا وغيروا )) تفسير القرطبي ج5 ص369 .
و قال سفيان بن عيينة : (( في قول الله تبارك وتعالى في التوراة والإنجيل : { بما استحفظوا من كتاب الله } ( المائدة: 44 ) ، فجعل حفظه إليهم فضاع ، وقال عز وجل : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون } فحفظه الله عز وجل علينا فلم يضع )) نفس المصدر السابق ج5 ص370 .
و في تفسير الطبري ج14 ص7 : ((حدثنا بشر ، قال: حدثنا يزيد ، قال : حدثنا سعيد ، عن قتادة ، قوله : إنّا نَحْنُ نَزّلْنا الذّكْرَ وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ ، قال في آية أخرى : لا يَأْتِيهِ الباطِلُ ، والباطل : إبليس ، مِنْ بينِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ ، فأنزله الله ثم حفظه ، فلا يستطيع إبليس أن يزيد فيه باطلاً ولا ينتقص منه حقّا ، حفظه الله من ذلك .
حدثني محمد بن عبد الأعلى ، قال : حدثنا محمد بن ثور ، عن معمر ، عن قتادة : وإنّا لَهُ لحَافِظُونَ ، قال : حفظه الله من أن يزيد فيه الشيطان باطلاً أو ينقص منه حقّا )) اهـ.
و قد صرحت آيات كثيرة في القرآن الكريم بوقوع التحريف في الكتب الموجودة بحوزة أهل الكتاب من اليهود و النصارى كقوله تعالى : { فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ } ( البقرة : 79 ) و قوله : { يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ } ( البقرة : 75 ) و قوله : { يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ } ( النساء : 46 و أيضًا المائدة : 13 ) و قوله : { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ } ( المائدة : 15 ) و آيات التحريف كثيرة ، و الذي ذكرناه كاف للاستدلال .
فإن قيل : كيف يُحفظ القرآن دون باقي الكتب و كلها من عند الله ؟(6/282)
قلنا : إن الكتب و الأنبياء كانت تترادف ، و تصلح ما فسد بينها .. و لكون محمد صلى الله عليه و سلم آخر المرسلين و القرآن الكريم آخر الكتب من رب العالمين ، و لكونهما فصل الخطاب و تقوم الساعة عليهما ، و لا يأتي بعدهما رسول و لا كتاب ليصلح ما فسد من أحكامهما ، لهذا تعهد الله تعالى بحفظ القرآن المنزل على خاتم المرسلين صلى الله عليه و سلم .
و معنى هذا أن دور التوراة و الإنجيل في الهداية انتهى بنزول القرآن لأنه نسخهما ، و الجميع مدعوون للإيمان به .. و حتى الأمور التي لم ينسخها القرآن كالترغيب في الصدق و الأمانة مثلاً إنما المرجع فيها إلى القرآن لا الكتب السابقة ؛ لأن الهداية صارت به لا بهما كما لا يخفى عن المنصف .. و تلك هي سنة الله في إرسال الرسل و هداية الناس .
و ننتقل الآن للآية محور الموضوع و هي قوله تعالى : { وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } ( المائدة : 48 ) .
و المهيمن هو الحافظ الرقيب الشاهد المؤتمن .. يقول ابن عطية الأندلسي في المحرر الوجيز : (( واختلفت عبارة المفسرين في معنى "مهيمن" . فقال ابن عباس : { مهيمناً } شاهداً . وقال أيضاً مؤتمناً . وقال ابن زيد : معناه مصدقاً ، وقال الحسن بن أبي الحسن أميناً ، وحكى الزجاج رقيباً ولفظة المهيمن أخص من هذه الألفاظ ، لأن المهيمن على الشيء هو المعنيّ بأمره الشاهد على حقائقه الحافظ لحاصله ولأن يدخل فيه ما ليس منه والله تبارك وتعالى هو المهيمن على مخلوقاته وعباده، والوصي مهيمن على محجوريه وأموالهم، والرئيس مهيمن على رعيته وأحوالهم، والقرآن جعله الله مهيمناً على الكتب يشهد بما فيها من الحقائق وعلى ما نسبه المحرفون إليها فيصحح الحقائق ويبطل التحريف، وهذا هو شاهد ومصدق ومؤتمن وأمين )) .
قال ابن جريج : (( القرآن أمين على ما قبله من الكتب ، فما أخبر أهل الكتاب عن كتبهم ، فإن كان في القرآن فصدقوه و إلا فكذبوه )) تفسير ابن كثير ج3 ص79 ، تفسير البغوي ج2 ص49 .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : (( و المهيمن : الشاهد المؤتمن الحاكم ، يشهد بما فيها من الحق ، وينفي ما حرف فيها ويحكم بإقرار ما أقره الله من أحكامها ، وينسخ ما نسخه الله منها وهو مؤتمن في ذلك عليها وأخبر أنه أحسن الحديث وأحسن القصص ، وهذا يتضمن أنه كل من كان متمسكا بالتوراة قبل النسخ من غير تبديل شيء من أحكامها فإنه من أهل الإيمان والهدى وكذلك من كان متمسكا بالإنجيل من غير تبديل شيء من أحكامه قبل النسخ ، فهو من أهل الإيمان والهدى . وليس في ذلك مدح لمن تمسك بشرع مبدل ، فضلا عمن تمسك بشرع منسوخ ولم يؤمن بما أرسل الله إليه من الرسل وما أنزل إليه من الكتب بل قد بين كفر اليهود والنصارى بتبديل الكتاب الأول وبترك الإيمان بمحمد صلى الله عليه و سلم في غير موضع )) الجواب الصحيح ج1 ص262 .
فهذه الآية دليل على وقوع التحريف في الكتب السابقة و أن القرآن الكريم هو الذي يدل على مواضع التحريف فيصححها و يؤيد ما ورد في المواضع التي لم يصبها التحريف ؛ لذا قال العلماء أن في الكتب السابقة حق و باطل ، فما وافق القرآن فيها صدقوه ، و ما خالفه كذبوه ، و ما لم يصدقه أو يخالفه فتوقفوا فيه .
يقول العلامة عبد الرحمن باجه جي زاده عضو مجلس المبعوثان في الدولة العثمانية : (( و معنى قوله : { وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ } أي رقيبًا و شاهدًا عليه ، و هو كذلك ، فإن القرآن لم يترك حرفًا من خفايا دسائسهم و ملاعيبهم ، في كتبهم ، إلا و شهد عليهم بها ، و أظهرها ، فكان أيّ رقيب على كتبهم ، و أيّ شاهد على فضائحهم )) رد الرسالة المسماة (أبحاث المجتهدين بين النصارى و المسلمين) في ذيل كتاب (الفارق بين المخلوق و الخالق) ص719 .
و سوف نقوم في هذا البحث بإذن الله تعالى بتتبع مواطن التحريف في هذه الكتب الذي بأيدي أهل الكتاب و التي نبه القرآن المهيمن عليها و صححها .. و نحن لا نعد بحصر هذه المواطن ، بل نتقصى قدر استطاعتنا و ما يكلف الله نفسًا إلا وسعها . ... ... ...
---------------
{ مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } . .
فهو الصوره الأخيره لدين الله ، وهو المرجع الأخير في هذا الشأن ، والمرجع الأخير في منهج الحياة وشرائع الناس ، ونظام حياتهم ، بلا تعديل بعد ذلك ولا تبديل .
ومن ثم فكل اختلاف يجب أن يرد إلى هذا الكتاب ليفصل فيه . سواء كان هذا الاختلاف في التصور الاعتقادي بين أصحاب الديانات السماويه ، أو في الشريعه التي جاء هذا الكتاب بصورتها الأخيره . أو كان هذا الاختلاف بين المسلمين أنفسهم ، فالمرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياه كله هو هذا الكتاب ، ولا قيمه لآراء الرجال ما لم يكن لها أصل تستند إليه من هذا المرجع الأخير .
وتترتب على هذه الحقيقه مقتضياتها المباشره :(6/283)
{ فاحكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق } . .
والأمر موجه ابتداء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كان فيه من أمر أهل الكتاب الذين يجيئون إليه متحاكمين . ولكنه ليس خاصاً بهذا السبب ، بل هو عام . . وإلى آخر الزمان . . طالما أنه ليس هناك رسول جديد ، ولا رساله جديدة ، لتعديل شيء ما في هذا المرجع الأخير!
لقد كمل هذا الدين ، وتمت به نعمة الله على المسلمين . ورضيه الله لهم منهج حياه للناس أجمعين . ولم يعد هنالك من سبيل لتعديل شيء فيه أو تبديله ، ولا لترك شيء من حكمه إلى حكم آخر ، ولا شيء من شريعته إلى شريعة أخرى . وقد علم الله حين رضيه للناس ، أنه يسع الناس جميعاً . وعلم الله حين رضيه مرجعاً أخيراً أنه يحقق الخير للناس جميعاً .
وأنه يسع حياة الناس جميعاً ، الى يوم الدين . وأي تعديل في هذا المنهج - ودعك من العدول عنه - هو إنكار لهذا المعلوم من الدين بالضرورة . يخرج صاحبه من هذا الدين . ولو قال باللسان ألف مرة : إنه من المسلمين!
وقد علم الله أن معاذير كثيره يمكن أن تقوم وأن يبرر بها العدول عن شيء مما أنزل الله واتباع أهواء المحكومين المتحاكمين . . وأن هواجس قد تتسرب في ضرورة الحكم بما أنزل الله كله بلا عدول عن شيء فيه ، في بعض الملابسات والظروف . فحذر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآيات مرتين من اتباع أهواء المتحاكمين ، ومن فتنتهم له عن بعض ما أنزل الله إليه . .
وأولى هذه الهواجس : الرغبة البشرية الخفية في تأليف القلوب بين الطوائف المتعددة ، والاتجاهات والعقائد المتجمعة في بلد واحد . ومسايرة بعض رغباتهم عند ما تصطدم ببعض أحكام الشريعة ، والميل إلى التساهل في الأمور الطفيفة ، أو التي يبدو أنها ليست من أساسيات الشريعة!
وقد روي أن اليهود عرضوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤمنوا له إذا تصالح معهم على التسامح في أحكام بعينها منها حكم الرجم . وأن هذا التحذير قد نزل بخصوص هذا العرض . . ولكن الأمر- كما هو ظاهر - أعم من حالة بعينها وعرض بعينه . فهو أمر يعرض في مناسبات شتى ، ويتعرض له أصحاب هذه الشريعة في كل حين . . وقد شاء الله - سبحانه - أن يحسم في هذا الأمر ، وأن يقطع الطريق على الرغبة البشرية الخفية في التساهل مراعاة للاعتبارات والظروف ، وتأليفاً للقلوب حين تختلف الرغبات والأهواء . فقال لنبيه : إن الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة؛ ولكنه جعل لكل منهم طريقاً ومنهاجاً؛ وجعلهم مبتلين مختبرين فيما آتاهم من الدين والشريعة ، وما آتاهم في الحياة كلها من عطايا . وأن كلاً منهم يسلك طريقه؛ ثم يرجعون كلهم إلى الله ، فينبئهم بالحقيقة ، ويحاسبهم على ما اتخذوا من منهج وطريق . . وأنه إذن لا يجوز أن يفكر في التساهل في شيء من الشريعة لتجميع المختلفين في المشارب والمناهج . . فهم لا يتجمعون :
{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً . ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة . ولكن ليبلوكم فيما آتاكم . فاستبقوا الخيرات . إلى الله مرجعكم جميعاً . فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } .
بذلك أغلق الله - سبحانه - مداخل الشيطان كلها؛ وبخاصة ما يبدو منها خيراً وتأليفاً للقلوب وتجميعاً للصفوف؛ بالتساهل في شيء من شريعة الله؛ في مقابل إرضاء الجميع! أو في مقابل ما يسمونه وحدة الصفوف!
إن شريعة الله أبقى وأغلى من أن يضحى بجزء منها في مقابل شيء قدر الله ألا يكون! فالناس قد خلقوا ولكل منهم استعداد ، ولكل منهم مشرب ، ولكل منهم منهج ، ولكل منهم طريق .
ولحكمة من حكم الله خلقوا هكذا مختلفين . وقد عرض الله عليهم الهدى؛ وتركهم يستبقون . وجعل هذا ابتلاء لهم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه ، وهم إليه راجعون؛
وإنها لتعلة باطلة إذن ، ومحاولة فاشلة ، أن يحاول أحد تجميعهم على حساب شريعة الله ، أو بتعبير آخر على حساب صلاح الحياة البشرية وفلاحها . فالعدول أو التعديل في شريعة الله لا يعني شيئاً إلا الفساد في الأرض؛ وإلا الانحراف عن المنهج الوحيد القويم؛ وإلا انتفاء العدالة في حياة البشر؛ وإلا عبودية الناس بعضهم لبعض ، واتخاذ بعضهم لبعض أرباباً من دون الله . . وهو شر عظيم وفساد عظيم . . لا يجوز ارتكابه في محاولة عقيمة لا تكون؛ لأنها غير ما قدره الله في طبيعة البشر؛ ولأنها مضادة للحكمة التي من أجلها قدر ما قدر من اختلاف المناهج والمشارع ، والاتجاهات والمشارب . . وهو خالق الخلق وصاحب الأمر الأول فيهم والأخير . وإليه المرجع والمصير . .(6/284)
إن محاولة التساهل في شيء من شريعة الله ، لمثل هذا الغرض ، تبدو - في ظل هذا النص الصادق الذي يبدو مصداقه في واقع الحياة البشرية في كل ناحية - محاولة سخيفة؛ لا مبرر لها من الواقع؛ ولا سند لها من إرادة الله؛ ولا قبول لها في حس المسلم ، الذي لا يحاول إلا تحقيق مشيئة الله . فكيف وبعض من يسمون أنفسهم « مسلمين » يقولون : إنه لا يجوز تطبيق الشريعة حتى لا نخسر « السائحين »؟!!! أي والله هكذا يقولون!
==========
في ظلال القرآن - (ج 4 / ص 22)
{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ، ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون . هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . ولو كره المشركون } . .
إن أهل الكتاب هؤلاء لا يقفون عند حد الانحراف عن دين الحق ، وعبادة أرباب من دون الله . وعدم الإيمان بالله واليوم الآخر - وفق المفهوم الصحيح للإيمان بالله واليوم الآخر - إنما هم كذلك يعلنون الحرب على دين الحق؛ ويريدون إطفاء نور الله في الأرض المتمثل في هذا الدين ، وفي الدعوة التي تنطلق به في الأرض ، وفي المنهج الذي يصوغ على وفقه حياة البشر . .
{ يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم } . .
فهم محاربون لنور الله . سواء بما يطلقونه من أكاذيب ودسائس وفتن؛ أو بما يحرضون به أتباعهم وأشياعهم على حرب هذا الدين وأهله ، والوقوف سداً في وجهه - كما كان هو الواقع الذي تواجهه هذه النصوص وكما هو الواقع على مدار التاريخ .
وهذا التقرير - وإن كان يراد به استجاشة قلوب المسلمين إذا ذاك - هو كذلك يصور طبيعة الموقف الدائم لأهل الكتاب من نور الله المتمثل في دينه الحق الذي يهدي الناس بنور الله .
{ ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } . .
وهو الوعد الحق من الله ، الدال على سنته التي لا تتبدل ، في إتمام نوره بإظهار دينه ولو كره الكافرون . .
وهو وعد تطمئن له قلوب الذين آمنوا؛ فيدفعهم هذا إلى المضي في الطريق على المشقة واللأواء في الطريق؛ وعلى الكيد والحرب من الكافرين ( والمراد بهم هنا هم أهل الكتاب السابق ذكرهم ) . . كما أنه يتضمن في ثناياه الوعيد لهؤلاء الكافرين وأمثالهم على مدار الزمان!
ويزيد السياق هذا الوعيد وذلك الوعد توكيداً :
{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون } . .
وفي هذا النص يتبين أن المراد بدين الحق الذي سبق في قوله تعالى : { قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون } . . هو هذا الدين الذي أرسل الله به رسوله الأخير . وأن الذين لا يدينون بهذا الدين هم الذين يشملهم الأمر بالقتال . .
وهذا صحيح على أي وجه أوّلنا الآية . فالمقصود إجمالاً بدين الحق هو الدينونة لله وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع - وهذه هي قاعدة دين الله كله ، وهو الدين الممثل أخيراً فيما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم - فأيما شخص أو قوم لم يدينوا لله وحده في الاعتقاد والشعائر والشرائع مجتمعة؛ انطبق عليهم أنهم لا يدينون دين الحق ، ودخلوا في مدلول آية القتال .
مع مراعاة طبيعة المنهج الحركي للإسلام ، ومراحله المتعددة ، ووسائله المتجددة كما قلنا مراراً .
{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون } . .
وهذا توكيد لوعد الله الأول : { ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون } . . ولكن في صورة أكثر تحديداً . فنور الله الذي قرر سبحانه أن يتمه ، هو دين الحق الذي أرسل به رسوله ليظهره على الدين كله .
ودين الحق - كما أسلفنا - هو الدينونة لله وحده في الاعتقاد والعبادة والتشريع مجتمعة . وهو متمثل في كل دين سماوي جاء به رسول من قبل . ولا يدخل فيه طبعاً تلك الديانات المحرفة المشوهة المشوبة بالوثنيات في الاعتقاد التي عليها اليهود والنصارى اليوم . كما لا تدخل فيه الأنظمة والأوضاع التي ترفع لافتة الدين ، وهي تقيم في الأرض أرباباً يعبدها الناس من دون الله ، في صورة الاتباع للشرائع التي لم ينزلها الله .
والله سبحانه يقول : إنه أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله . . ويجب أن نفهم { الدين } بمدلوله الواسع الذي بيناه ، لندرك أبعاد هذا الوعد الإلهي ومداه . .
إن { الدين } هو « الدينونة » . . فيدخل فيه كل منهج وكل مذهب وكل نظام يدين الناس له بالطاعة والاتباع والولاء . .
والله سبحانه يعلن قضاءه بظهور دين الحق الذي أرسل به رسوله على { الدين } كله بهذا المدلول الشامل العالم!
إن الدينونة ستكون لله وحده . والظهور سيكون للمنهج الذي تتمثل فيه الدينونة لله وحده .(6/285)
ولقد تحقق هذا مرة على يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ومن جاء بعدهم فترة طويلة من الزمان . وكان دين الحق أظهر وأغلب؛ وكانت الأديان التي لا تخلص فيها الدينونة لله تخاف وترجف! ثم تخلى أصحاب دين الحق عنه؛ خطوة فخطوة بفعل عوامل داخلة في تركيب المجتمعات الإسلامية من ناحية وبفعل الحرب الطويلة المدى ، المنوعة الأساليب ، التي أعلنها عليه أعداؤه من الوثنيين وأهل الكتاب سواء . .
ولكن هذه ليست نهاية المطاف . . إن وعد الله قائم ، ينتظر العصبة المسلمة ، التي تحمل الراية وتمضي مبتدئة من نقطة البدء ، التي بدأت منها خطوات رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يحمل دين الحق ويتحرك بنور الله . .
-------------
فلقد ظهر دين الحق ، لا في الجزيرة وحدها ، بل ظهر في المعمور من الأرض كلها قبل مضي نصف قرن من الزمان . ظهر في امبراطورية كسرى كلها ، وفي قسم كبير من امبراطورية قيصر ، وظهر في الهند وفي الصين ، ثم في جنوب آسيا في الملايو وغيرها ، وفي جزر الهند الشرقية ( أندونيسيا ) . . وكان هذا هو معظم المعمور من الأرض في القرن السادس ومنتصف القرن السابع الميلادي .
وما يزال دين الحق ظاهراً على الدين كله - حتى بعد انحساره السياسي عن جزء كبير من الأرض التي فتحها ، وبخاصة في أوربا وجزر البحر الأبيض . وانحسار قوة أهله في الأرض كلها بالقياس إلى القوى التي ظهرت في الشرق والغرب في هذا الزمان .
أجل ما يزال دين الحق ظاهراً على الدين كله ، من حيث هو دين .
فهو الدين القوي بذاته ، القوي بطبيعته ، الزاحف بلا سيف ولا مدفع من أهله! لما في طبيعته من استقامة مع الفطرة ومع نواميس الوجود الأصيلة؛ ولما فيه من تلبية بسيطة عميقة لحاجات العقل والروح ، وحاجات العمران والتقدم ، وحاجات البيئات المتنوعة ، من ساكني الأكواخ إلى سكان ناطحات السحاب!
وما من صاحب دين غير الإسلام ، ينظر في الإسلام نظرة مجردة من التعصب والهوى حتى يقر باستقامة هذا الدين وقوته الكامنة ، وقدرته على قيادة البشرية قيادة رشيدة ، وتلبية حاجاتها النامية المتطورة في يسر واستقامة . . { وكفى بالله شهيداً } . .
فوعد الله قد تحقق في الصورة السياسية الظاهرة قبل مضي قرن من الزمان بعد البعثة المحمدية . ووعد الله ما يزال متحققاً في الصورة الموضوعية الثابتة؛ وما يزال هذا الدين ظاهراً على الدين كله في حقيقته . بل إنه هو الدين الوحيد الباقي قادراً على العمل ، والقيادة ، في جميع الأحوال .
ولعل أهل هذا الدين هم وحدهم الذين لا يدركون هذه الحقيقة اليوم! فغير أهله يدركونها ويخشونها ، ويحسبون لها في سياساتهم كل حساب!
----------
لقد جرى قدر الله أن يظهر هذا الدين ، فكان من الحتم أن يكون :
{ هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ، ولو كره المشركون } . .
وشهادة الله لهذا الدين بأنه { الهدى ودين الحق } هي الشهادة . وهي كلمة الفصل التي ليس بعدها زيادة . ولقد تمت إرادة الله فظهر هذا الدين على الدين كله . ظهر في ذاته كدين ، فما يثبت له دين آخر في حقيقته وفي طبيعته ، فأما الديانات الوثنية فليست في شيء في هذا المجال ، وأما الديانات الكتابية فهذا الدين خاتمتها ، وهو الصورة الأخيرة الكاملة الشاملة منها ، فهو هي ، في الصورة العليا الصالحة إلى نهاية الزمان .
ولقد حرفت تلك الديانات وشوهت ومزقت وزيد عليها ما ليس منها ، ونقصت من أطرافها ، وانتهت لحال لا تصلح معه لشيء من قيادة الحياة . وحتى لو بقيت من غير تحريف ولا تشويه فهي نسخة سابقة لم تشمل كل مطالب الحياة المتجددة أبداً ، لأنها جاءت في تقدير الله لأمد محدود
فهذا تحقيق وعد الله من ناحية طبيعة الدين وحقيقته . فأما من ناحية واقع الحياة ، فقد صدق وعد الله مرة ، فظهر هذا الدين قوة وحقيقة ونظام حكم على الدين كله فدانت له معظم الرقعة المعمورة في الأرض في مدى قرن من الزمان . ثم زحف زحفاً سلمياً بعد ذلك إلى قلب آسيا وأفريقية ، حتى دخل فيه بالدعوة المجردة خمسة أضعاف من دخلوا في إبان الحركات الجهادية الأولى . . وما يزال يمتد بنفسه دون دولة واحدة - منذ أن قضت الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على الخلافة الأخيرة في تركيا على يدي « البطل » الذي صنعوه! وعلى الرغم من كل ما يرصد له في أنحاء الأرض من حرب وكيد ، ومن تحطيم للحركات الإسلامية الناهضة في كل بلد من بلاد الإسلام على أيدي « أبطال » آخرين من صنع الصهيونية العالمية والصليبية العالمية على السواء .
وما تزال لهذا الدين أدوار في تاريخ البشرية يؤديها ، ظاهراً بإذن الله على الدين كله تحقيقاً لوعد الله ، الذي لا تقف له جهود العبيد المهازيل ، مهما بلغوا من القوة والكيد والتضليل!(6/286)
ولقد كانت تلك الآيات حافزاً للمؤمنين المخاطبين بها على حمل الأمانة التي اختارهم الله لها بعد أن لم يرعها اليهود والنصارى . وكانت تطميناً لقلوبهم وهم ينفذون قدر الله في إظهار دينه الذي أراده ليظهر ، وإن هم إلا أداة . وما تزال حافزاً ومطمئناً لقلوب المؤمنين الواثقين بوعد ربهم ، وستظل تبعث في الأجيال القادمة مثل هذه المشاعر حتى يتحقق وعد الله مرة أخرى في واقع الحياة .بإذن الله .
===============
هل القرآن يقرر ألوهية المسيح عليه السلام؟؟
جملة ما يعتمدون عليه - في إثبات ألوهية المسيح على قوله تعالى: { إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه } (النساء:171) فهم يرون في هذه الآية دليلاً على أن القرآن الكريم يشهد لقضية ألوهية المسيح وبنوته. كما أنهم يرون أن القرآن الكريم يقرر عقيدة التثليث التي يعتقدونها؛ ودليلهم على ما يقولون: أن قوله عن عيسى: { وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه } يشهد بأن عيسى إله مع الله، إذ هو جزء منه بنص الآية، فهو كلمة الله، وهو روح منه. قالوا: وحاشا أن تكون كلمة الله وروحه مخلوقة، إذ ليس هنالك إلا خالق أو مخلوق، فينتج عن هذا أن عيسى عليه السلام خالق وإله .
ثم يستطرد النصارى في توضيح عقيدة التثليث - بناءً على ما سبق من إثبات ألوهية المسيح - ويقولون: إن عيسى كلمة الله التي ألقاها إلى مريم، فعيسى هذه الكلمة، وقد ألقي إلى مريم، ولا شك أن الكلمة كانت موجودة قبل أن تلقى إلى مريم، لأنه لا يمكن الإلقاء من العدم، وهذا يعني أن وجود المسيح كان وجودًا قديمًا بقدم الله، وقبل أن تحمل به مريم، وبديهي - على حد قولهم - أن الوجود السابق للولادة ينفي أن يكون المسيح مخلوقًا، وإذا لم يكن المسيح مخلوقًا كان هذا دليلاً على أزليته؛ ثم أضافوا فقالوا: وقوله: { وروح منه } يدل على أنه جزء من الله الخالق .
إن أصل الإشكال عند النصارى في هذه الآية - وهو سبب ضلالهم - عدم فهمهم وإدراكهم لطبيعة النص القرآني. وإن شئت قل: إن سبب ضلالهم هو فههم النص القرآني وَفْقَ ما يروق لهم؛ واعتمادهم على منهج الانتقائية في الاستدلال بآيات القرآن الكريم كما سيظهر .
ولتفنيد هذه الشبهة، لا بد من تفصيل القول في جزئين رئيسين في الآية التي معنا
الجزء الأول قوله تعالى: { وكلمته ألقاها إلى مريم }
والجزء الثاني قوله تعالى: { وروحٌ منه } ولنبدأ بالجزء الأول، فنقول أولاً:
إن ( كلمة الله ) مركبة من جزئين ( كلمة ) ( الله ) فهي مركبة من مضاف ومضاف إليه؛ وإذا كان الأمر كذلك، فإما أن نقول: إن كل مضاف لله تعالى هو صفة من صفاته، أو نقول: إن كل مضاف لله ليس صفة من صفاته. وبعبارة أخرى، إما أن نقول: إن كل مضاف لله مخلوق، أو إن كل مضاف لله غير مخلوق. وإذا قلنا: إن كل مضاف لله صفة من صفاته، وهو غير مخلوق، فإننا سنصطدم بآيات في القرآن، وكذلك بنصوص في الإنجيل، يضاف فيها الشيء إلى الله، وهو ليس صفة من صفاته، بل هو مخلوق من مخلوقاته، كما في قوله تعالى: { ناقة الله } (الأعراف:73) وكما نقول: بيت الله، وأرض الله، وغير ذلك. وإذا عكسنا القضية وقلنا: إن كل مضاف لله مخلوق، فإننا كذلك سنصطدم بآيات ونصوص أخرى؛ كما نقول: علم الله، وحياة الله، وقدرة الله. إذن لا بد من التفريق بين ما يضاف إلى الله؛ فإذا كان ما يضاف إلى الله شيئًا منفصلاً قائمًا بنفسه، كالناقة والبيت والأرض فهو مخلوق، وتكون إضافته إلى الله تعالى من باب التشريف والتكريم؛ أما إذا كان ما يضاف إلى الله شيئًا غير منفصل، بل هو صفة من صفاته، فيكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف. ومن البديهي أن يكون هذا غير مخلوق، إذ الصفة تابعة للموصوف ولا تقوم إلا به، فلا تستقل بنفسها بحال .
وإذا عدنا إلى الجزء الذي معنا هنا فإننا نجد أن ( كلمة الله ) هي من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، فـ ( الكلمة ) هي صفة الله تعالى، وليست شيئًا خارجًا عن ذاته حتى يقال إن: المسيح هو الكلمة، أو يقال: إنه جوهر خالق بنفسه كما يزعم النصارى .
فخلاصة هذا الوجه أن ( كلمة الله ) صفة من صفاته، وكلامه كذلك، وإذا كان الكلام صفة من صفاته فليس هو شيء منفصل عنه، لما تقرر آنفًا من أن الصفة لا تقوم بنفسها، بل لا بد لها من موصوف تقوم به. وأيضًا فإن ( كلمة الله ) ليست هي بداهة جوهر مستقل، فضلاً عن أن تتجسد في صورة المسيح، كما يزعم النصارى .
ثانيا : إن أبى المعرضون ما سبق، وقالوا: بل المسيح هو ( الكلمة ) وهو الرب، وهو خالق وليس بمخلوق، إذ كيف تكون الكلمة مخلوقة ؟ فالجواب: إذا سلمنا بأن المسيح هو ( الكلمة ) وهو الخالق، فكيف يليق بالخالق أن يُلقى ؟! إن الخالق حقيقة لا يلقيه شيء، بل هو يلقي غيره، فلو كان خالقًا لَمَا أُُلقي، ولَمَا قال الله: { وكلمته ألقاها } ؟ .(6/287)
ثالثاً: إذا ثبت بطلان دعواكم من أن المقصود من ( كلمة الله ) المسيح عيسى، كان لزامًا علينا أن نبين المراد بكلمة الله الواردة في الآية موضع النقاش: { وكلمته ألقاها إلى مريم } والجواب على ذلك بأن نقول: إن المراد من ( كلمة الله ) يشتمل على معنيين، كلاهما صحيح،ولا يعارض أحدهما الآخر:
الأول: أن قوله: { وكلمته} الكلمة هنا من باب إضافة الصفة إلى الموصوف؛ ومعنى الآية على هذا: أن كلمة الله - التي هي صفته - ألقاها إلى مريم عليها السلام لتحمل بعيسى عليه السلام، وهذه الكلمة هي الأمر الكوني الذي يخلق الله به مخلوقاته، وهي كلمة: { كن} ولهذا قال تعالى في خلق آدم: { إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون } (آل عمران:59) فكما أن آدم خُلِق بكلمة: { كن} فكذلك عيسى، فـ ( الكلمة ) التي ألقاها الله إلى مريم هي كلمة: { كن} وعيسى خُلق بهذه ( الكلمة ) وليس هو ( الكلمة ) نفسها .
المعنى الثاني: أن قوله ( كلمته ) هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فـ ( الكلمة ) هنا عيسى، وهو مخلوق، لأنه منفصل، وقد بينا سابقًا أن إضافة الشيء القائم بذاته إلى الله، هو من باب إضافة المخلوق إلى خالقه، فيكون المراد بـ ( الكلمة ) هنا عيسى، وأضافه الله إلى نفسه تشريفًا له وتكريمًا. فإن قلتم: كيف يسمي الله تعالى عيسى ( كلمة ) والكلمة صفة لله ؟
فالجواب: أنه ليس المراد هنا الصفة، بل هذا من باب إطلاق المصدر، وإرادة المفعول نفسه، كما نقول: هذا خلق الله، ونعني هذا مخلوق الله، لأن خلق الله نفسه فعل من أفعاله، لكن المراد هنا المفعول، أي المخلوق، ومثل ما تقول أيضًا: أتى أمر الله، يعني المأمور، أي ما أمر الله به، وليس نفس الأمر، فإن الأمر فعل من الله تعالى .
والمعنى الثاني للآية راجع عند التحقيق إلى المعنى الأول؛ فإننا إذا قلنا: إن عيسى ( كلمة الله ) بمعنى أنه نتيجة ( الكلمة ) ومخلوق بـ ( الكلمة ) فهذا يدل على ( الكلمة ) أساسًا، وهو فعل الله، ويدل على عيسى عليه السلام، وهو الذي خُلق بـ ( الكلمة ) .
فحاصل هذا الجزء من الآية أن ( كلمة الله ) تعالى ألقاها الله إلى مريم، وكانت الكلمة هي أمر التكوين، أي قوله: { كن} فكان عيسى عليه السلام، ومن هنا صح إطلاق الكلمة على عيسى من باب إطلاق المصدر على المفعول، وكما يسمى المعلوم علمًا، والمقدور قدرة، والمأمور أمرًا، فكذلك يسمى المخلوق بالكلمة كلمة .
هذا جواب ما يتعلق بالجزء الأول من الآية، أما الجزء الثاني، وهو قوله تعالى: { وروح منه } فليس فيه أيضّا دلالة على ألوهية المسيح أو بنوته، فضلاً عن أن يكون فيه أي دليل لما يدعيه النصارى عن طبيعة عيسى عليه السلام، وبيان ذلك فيما يلي:
أولاً: إن قول الله سبحانه: { وروح منه } ليس فيه ما يدل على أن عيسى جزء من الله تعالى، أو أن جزءًا من الله تعالى قد حلَّ في عيسى؛ وغاية ما في الأمر هنا أننا أمام احتمالين لا ثالث لهما: فإما أن نقول: إن هذه ( الروح ) مخلوقة، وإما أن نقول: إنها غير مخلوقة؛ فإذا كانت الروح مخلوقة، فإما أن يكون خلقها الله في ذاته ثم انفصلت عنه، ولهذا قال عنها: { منه} أو خلقها الله في الخارج؛ فإذا كانت هذه الروح غير مخلوقة، فكيف يصح عقلاً أن تنفصل عن الله تعالى لتتجسد في شخص بشري ؟ وهل هذا إلا طعن في الربوبية نفسها، لتجويز التجزء والتبعض على الخالق جل وعلا؛ وإذا كانت الروح مخلوقة، وخلقها الله في ذاته ثم انفصلت عنه، فهذا معناه تجويز إحداث الحوادث المخلوقة المربوبة في ذات الإله سبحانه، وهذا عين الإلحاد والزندقة، أما إذا كانت الروح مخلوقة وخلقها الله في الخارج، فهذا يدل على أن الله تعالى خلق الروح، ونفخها في مريم، ليكون بعد ذلك تمام خلق عيسى عليه السلام ومولده، وهذا هو عين الصواب، أما ما سوى ذلك فهو مجرد ترهات تأباها الفِطَر السليمة، فضلاً عن العقول المستقيمة .
ثانيًا: ما دمتم تقرِّون أنه ليس ثمة أحد يحمل صفات الألوهية أو البنوة لله تعالى إلا المسيح عليه السلام، وتستدلون على ذلك بقوله تعالى: { وروح منه } فحينئذ يلزمكم أن تقولوا: إن آدم عليه السلام أحق بالبنوة من عيسى، حيث قال الله في آدم: { فإذا سويته ونفخت فيه من روحي } (الحجر:29) ولا شك أن القول بهذا حجة عليكم لا لكم؛ فإذا كان قوله سبحانه: { من روحي} في حق آدم معناه الروح المخلوقة، وأن هذه الروح ليست صفة لله عز وجل، فهي كذلك في حق عيسى، إذ اللفظ واحد، بل إن الإعجاز في خلق آدم بلا أب ولا أم أعظم من الإعجاز في خلق عيسى بأم بلا أب، وحسب قولكم يكون آدم حينئذ أحق بالبنوة والألوهية من عيسى، تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا .(6/288)
ثالثاً: لو سلمنا بأن الروح في الآية هي جزء من الإله، فهذا يقتضي أن يكون في الإله أقنومان - حسب اعتقاد النصارى - أقنوم الكلمة، وأقنوم الروح، وفي هذا تناقض في موقف النصارى ، إذ إنهم لا يقولون إلا بأقنوم ( الكلمة ) ولا يقولون بأقنوم ( الروح ) .
رابعاً: لو كان معنى { منه} أي: جزء من الله، لكانت السماوات والأرض وكل مخلوق من مخلوقات الله جزء من الله؛ ألم يقل الله تعالى: { وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعًا منه } (الجاثية:13) وقال عن آدم: { ونفخت فيه من روحي } وقال تعالى: { وما بكم من نعمة فمن الله } (النحل:53) .
إن معنى { منه } وفق السياق القرآني، أي: منه إيجادًا وخلقًا، فـ { من} في الآية لابتداء الغاية، وليس المعنى أن تلك الروح جزء من الله تعالى .
وبعد ما تقدم نقول: إن القرآن الكريم في هذا الموضع وفي غيره، يقرر بشرية المسيح عليه السلام، وأنه عبد الله ورسوله، وأنه ليس له من صفة الألوهية شيء، وقد قال تعالى في نفس الآية التي معنا:
{ إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله } فهو ابن مريم، وليس ابن الله، وهو رسول الله، وليس هو الله
وقال تعالى: { لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم } (المائدة:72)
وقال تعالى: { لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة } (المائدة:73)
وقال تعالى: { وبكفرهم وقولهم على مريم بهتانًا عظيمًا } (النساء:156)
وقال تعالى: { وقالت اليهود عزيرٌ ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله ذلك قولهم بأفواههم يضاهئون قول الذين كفروا من قبل قاتلهم الله أنى يؤفكون } (التوبة:30) .
فهل بعد هذا الاستدلال العقلي، والبيان القرآني يبقى متمسك بشبهات أوهى من بيت العنكبوت ؟!
===============
هل يجوز لنا الاعتماد على التاريخ لنحكمه في قصص القرآن؟
الاستاذ أحمد الشايب
رداً على المبشرين ومن لف لفهم الذين يطعنون في صدق القصص القرآنى و يدّعون لذلك أنه مخالف للتاريخ القديم من جهة، و لما في التوراة و الانجيل من جهة ثانية، نقول وبالله التوفيق :
إلى أى مدى يصح لنا الاعتماد على التاريخ لنحكمه في قصص القرآن؟ كان المعقول أن نتخذ من التاريخ الوثيق مقياساً نحتكم اليه في بيان القيمة الواقعية الحقة لقصص القرآن، ولكن صحة المنهج تقضينا أن نوثق التاريخ أولا، و أن ننتهى إلى أنه حق مطلق لاتحريف فيه و لا تبديل، و هنا نسير مطمئنين في ضوء الحق اليقين لنقيس عليه القصص القرآنى و نفصل في قيمته التاريخية، ولكن أنّى لنا هذه الثقة الحاسمة في أخبار التاريخ القديم الذي لم يدوّن في حينه، و لم تستكشف وثائقه و مصادره، و ان ما يروى منه نتف مضطربة، و أساطير تافهة، و روايات مخلطة، لاتنتهى أبداً إلى يقين يمكن الاطمئنان اليه أو الاعتماد عليه في تحقيق صور الماضى و اتخاذها مقياساً حاسماً نحتكم اليه في بيان صدق القرآن أو ضد ذلك.
ويأكد الرازي أن تواريخ موسى و فرعون قد طال بها العهد و اضطربت الاحوال و الادوار، فلم يبق على كلام أهل التاريخ اعتماد في هذا الباب، فكان الاخذ بقول الله أولى )). تفسير الرازى، ج 7 ص 218.
و يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده عن حال التاريخ قبل الاسلام : (( كانت مشتبهة الاعلام، حالكة الظلام، فلا رواية يوثق بها، و لاتواتر يعتد به بالاولى )) يقول هذا الكلام في نسبة قصص القرآن إلى التاريخ، و قبل ذلك قال : (( يظن كثير من الناس الان - كما ظن كثير من قبلهم - أن القصص التي جاءت في القرآن يجب أن تتفق مع ما جاء في كتب بني اسرائيل المعروفة عند النصارى بالعهد العتيق أو كتب التاريخ القديمة )) ثم يقول في هذا الشأن نفسه : (( و إذا ورد في كتب أهل الملل أو المؤرخين ما يخالف بعض هذه القصص، فعلينا أن نجزم بأن ما أوحاه الله إلى نبيه ونقل الينا بالتواتر الصحيح هو الحق و خبره الصادق، و ما خالفه هو الباطل، و ناقله مخطىء أو كاذب فلا نعده شبهة على القرآن و لا نكلف أنفسنا الجواب عنه )) و يقول : (( و قد قلت لكم غير مرة انه يجب الاحتراس في قصص بني اسرائيل و غيرهم من الانبياء، و عدم الثقة بما زاد على القرآن من أقوال المؤرخين و المفسرين، فالمشتغلون بتحرير التاريخ و العلم اليوم يقولون معنا انه لايوثق بشىء من تاريخ تلك الازمنة التي يسمونها أزمنة الظلمات الا بعد التحرى و البحث و استخراج الاثار، فنحن نعذر المفسرين الذين حشوا كتب التفسير بالقصص التي لايوثق بها لحسن قصدهم، ولكننا لانعول على ذلك بل ننهى عنه و نقف عند نصوص القرآن لانتعداها و انما نوضحها بما يوافقها إذا صحت روايته. تفسير المنار: ج 1 ص 347. ))(6/289)
و نحن مع ذلك لن نغلق باب الجدل في وجه المعارضين، فليأتوا بدليل يثبت دعاواهم ان كان عندهم دليل، أما أن يعكسوا الوضع و يفرضوا على القرآن تهماً من عند أنفسهم، ثم يلجئوا إلى آى الذكر الحكيم فيتعسفوا في فهمها، و إلى أقوال العلماء فيفهموها خطأ أو يحرفوها و يبتروها و يزوروا فيها - كما سترى - فإن ذلك لايستحق الوقوف عنده، و لا الاستماع اليه.
أما عن التوراة و الانجيل و مكانهما من التوثيق، و ما عسى أن يكون لهما من حجية في هذا السبيل، فإن الأمر فيهما سهل نترك الكلام فيه لاصحابهما و قبل ذلك أرجو أن يلاحظ القراء أن ما أورده هنا ليس الا نقطة صغيرة جداً مما نشر في هذا الموضوع، و لم يقصد به مهاجمة أهل الكتاب، و ان كان يحتمه البحث العلمى المنصف المستنير، و نبدأ بالتوراة :
يعترف القرآن الكريم بالتوراة كما أنزلت على موسى، أى في صورتها الاصيلة، غير المبدلة، و سأترك شهادة القرآن بذلك الان، و أورد ما قاله العلماء الغربيون أنفسهم، فالتوراة عبارة عن الاسفار الخمسة الاولى من العهد القديم : تكوين - خروج - لاويين - عدد - تثنية. فالسفر الاول يتناول قصة خلق العالم، و الثانى خروج بني اسرائيل من مصر و فيه الوصايا العشر من صورتين مختلفتين يرجح أنها ليست لموسى، و سفر اللاويين خاص بالطقوس الدينية و هارون و أبنائه، و سفر التثنية أو تثنية الشريعة أو اعادتها، و لم يصلنا هذا السفر في صورته الاولى، بل تناولته يد التغيير و التبديل، و النص الموجود يدل على أنه خليط من نسخ متنوعة مختلفة، و يرجح أن تأليفه كان بعد عصر النبوة، و لا يوجد في التوراة التي بين أيدينا خبر يدل على أن موسى هو الذي جاء بها، أو أنها هي التي أنزلت عليه، بل على النقيض من ذلك يوجد فيها ما يؤيد عكس ذلك من ذلك ما جاء في الاية السادسة من الاصحاح الرابع و الثلاثين من سفر التثنية عن وفاة موسى : (( و لايعرف شخص قبره حتى يومنا هذا )) فبعيد كل البعد أن يكون هذا الخبر صادراً عن موسى نفسه، و في الاية العاشرة من نفس الاصحاح : (( لم يقم بعد نبى في بني اسرائيل مثل موسى )) و بعيد جداً أن يكتب موسى عن نفسه في الاية الثالثة من الاصحاح الثانى عشر من سفر العدد فيقول : (( و أما الرجل موسى فكان حليماً جداً أكثر من جميع الناس الذين على وجه الارض )) فمثل هذه الايات تدل على أن المؤلف شخص آخر غير موسى.
و قد أثبت النقد العلمى الذي نهض به ربانيو اليهود أن التوراة التي بين أيدينا ليست من تأليف شخص واحد، و نتيجة هذا و غيره أن التوراة ليست من الثقة بحيث يحتج بها على قصص القرآن و يحتكم في قيمه اليها.
فاذا رجعنا إلى القرآن الكريم بعد ما سبق نجده يقول في سورة الانعام : (( و ما قدروا الله حق قدره إذا قالوا ما أنزل الله على بشر من شىء قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نوراً و هدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها و تخفون كثيراً )) و في سورة آل عمران : (( ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم و هم معرضون )) يقول الأستاذ الشيخ محمد عبده في تفسير هذه الاية : (( ان ما يحفظونه من الكتاب هو جزء من الكتاب الذي أوحاه الله اليهم، و قد فقدوا سائره، و هم مع ذلك لايقيمونه بحسن الفهم له و التزام العمل به، و لا غرابة في ذلك، فالكتب الخمسة المنسوبة إلى موسى (عليه السلام) التي يسمونها بالتوراة لا دليل على أنه هو الذي كتبها، و لا هي محفوظة عنه، بل قام الدليل عند الباحثين من الاوربيين على أنها كتبت بعده بمئات السنين )) و يقول القرآن الكريم : (( و ان منهم لفريقاً يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب و يقولون هو من عندالله و ما هو من عندالله و يقولون على الله الكذب و هم يعلمون )).(6/290)
كذلك يعترف القرآن الكريم بالانجيل، ولكن في صورته الاصلية التي أوحيت إلى عيسى (عليه السلام)، و لم ينلها التبديل و التحريف : (( وقفينا على آثارهم بعيسى بن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة و آتيناه الانجيل فيه هدى و نور )). و الاناجيل كثيرة جداً، حتى قيل أنها بلغت نيفاً ومائة انجيل، ولكن الكنائس والمجامع الدينية المسيحية تعترف بأربعة منها، هي انجيل متى، و انجيل مرقس، و انجيل لوقاً، و انجيل يوحنا، و لم يكتب شىء من هذه الاناجيل و لاغيرها في زمن المسيح (عليه السلام) و في حياته، فهى منقطعة السند، و لاتوجد نسخة انجيل بخط من تلاميذ ذلك المؤلف. يقول (هورن) في تفسير التوراة في الفصل الثانى بالقسم الثانى من المجلد الرابع : (( ان الاخبار التي يقصها المؤرخون القدامى للكنيسة عن تأليف الاناجيل بتراء و غير موثوق بها، بل هي هزيلة جداً، حتى لايستطيع الباحث أن يستخلص مها أمراً معينا أو يصل إلى نتيجة ما، و الشيوخ القدماء الاولون صدقوا هذه الروايات الواهية و كتبوها، و جاء الذين بعدهم فقبلوا ما وجدوه مكتوباً تعظيماً لسلفهم، على أن ما في تلك الاناجيل من الاخبار و القصص بعضها باطل، و بعضها صادق، و بعد مضى مدة اعتبرت كأنها فوق النقد )). ثم يثبت أن تلك الاناجيل كتبت بعد المسيح بأزمنة بعيدة، و تقول دائرة معارف الكتاب المقدس (ص 4980) من المجلد الرابع : (( ان العهد الجديد كتبه كتاب مسيحيون للمسيحيين، هذا و انه كتب باللغة اليونانية، و كان أسلوبه باللغة الدارجة و ان ما بين الاناجيل من التناقض مع ذلك لم يكن اتفاقاً و مصادفة، بل كان عن قصد و عمد، و الظاهر أن يد التغيير في نصوصها قد امتدت إليها من عهد قديم منذ طفولتها و الحق الذي ينبغى أن يقال ان العهد الجديد لم يكن يعتبر منذ نشأته أنه كتاب موحى به، لذلك كانت التنقيحات التي تتناوله يقدم عليها في غير ما تردد، و لا تحرج كلما دعت الضرورة إلى ذلك )) و كتب (موريس غوغويل) من علماء فرنساً يقول: (( ان كثيراً من روايات الاناجيل غير واقعية، بل مطبقة على التقاليد النصرانية تطبيقاً لمجرد الدعاية أو بحسب الاعتقاد، و ان هذا في واد، و التاريخ في واد )). والتناقض شائع بين الاناجيل، نذكر منه مثالا واحداً هنا، فقد ورد في انجيل يوحنا الاصحاح 1: أرسل اليهود الكهنة و اللاويين إلى يوحنا (يحيى) ليسألوه من أنت; فقالوا له: هل أنت ايليا؟ فقال لهم: لست ايليا، و قال متى ص 11: ان المسيح قال ان أردتم أن تقبلوا فهذا هو ايليا المزمع أن يأتى، يريد بذلك يوحنا (يحيى) و قال متى أيضاً ص 17: و سأله تلاميذه قائلين: فلما ذا يقول الكتبة ان ايليا ينبغى أن يأتى أولا؟ فأجاب يسوع و قال لهم: ان ايليا يأتى أولا و يرد كل شىء، ولكنى أقول لكم ان ايليا قد جاء و لم يعرفوه بل عملوا به كل ما أرادوا، كذلك ابن الانسان أيضاً سوف يتألم منهم، حينئذ فهم المسيح أنه قال لهم عن يوحنا المعمدان (يحيى بن زكريا).
فأى النصين نصدقه : قول يحيى الذي قال اننى لست بايليا و هو رسول لايكذب أم قول عيسى الذي قال انه ايليا؟ و هذا من أثر المصنفين.
و يقول القرآن الكريم : (( يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب و يعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور و كتاب مبين يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام و يخرجهم من الظلمات إلى النور باذنه و يهديهم إلى صراط مستقيم ))، و قال عن اليهود: (( فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلا )) ، و يقول : (( يأهل الكتاب لستم على شىء حتى تقيموا التوراة و الانجيل وما أنزل اليكم من ربكم )) و هكذا ليس الانجيل من الثقة متناً و سنداً حتى يحتج به على قصص القرآن كما يدعى المغرضون.
ننتهى بعد ذلك إلى القرآن الكريم لنعرف مكانته في التوثيق أولا، و موقفه من التاريخ و التوراة و الانجيل ثانياً، و رأيه في قصصه ثالثاً.(6/291)
و قد بينا منذ حين أن التاريخ القديم الذي يوازنونه بالقرآن، و يريدون أن يحكموه في قصصه، هذا التاريخ لايمكن الاعتماد عليه أو الثقة به، فلا سلطان له على القرآن، و يبقى القرآن بذلك صادق القصص واقعى الانباء، و لا سيما أنه وثيق المتن و السند، كذلك كان موقفه من التوراة و الانجيل، فهو قد أثبت عليهما التغيير و التبديل، و أيده في ذلك ما قاله علماء اليهود و النصارى، و اذاً فلا قيام لشبهة يوردها المبشرون، و أضرابهم على قصص القرآن و تاريخه، كما لاقيمة لما يوردونه على تشريع القرآن و عقائده، فالقرآن مهيمن على كل ما سواه من تاريخ و كتب سماوية، و هو مصدق لها فيما لم يحرف، و مبين لما كانوا يخفون و يحرفون : (( يأهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيراً مما كنتم تخفون من الكتاب )). (( ان هذا القرآن يقص على بني اسرائيل أكثر الذي هم فيه يختلفون )) ، (( و أنزلنا اليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب و مهيمناً عليه )) .
و القرآن يقول عن قصصه كثيراً و دائماً انه القصص الحق، و يقول عن الرسل : (( لقد كان في قصصهم عبرة لاولى الالباب ما كان حديثاً يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه )) .
و لسنا في حاجة إلى الكلام في توثيق القرآن لولا أننا نكتب هذا سداً لحاجة المنهج من وجه، و لمن يريد أن يلم بذلك ممن لم يستوعبوا تاريخ القرآن، ذلك أن الله تعالى قد تكفل بحفظه : (( انا نحن نزلنا الذكر و انا له لحافظون )) (( وانه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ))، لذلك توافرت له كل أسباب الحفظ، و تكاملت له عوامل الصيانة، فبقى كما أنزله الله على محمد لم ينله تغيير و لا تبديل . ( راجع مجلة لواء الاسلام سنة 4 عدد 8 للاستاذ عبدالوهاب حمودة.)
فقد كان للرسول كتاب يكتبون الوحى بين يديه على أثر نزول الايات، و من أشهرهم زيد بن ثابت شيخ هؤلاء الكتاب، و كان الرسول حريصاً على أن لايفلت شىء منه، فكان يحرك به لسانه و شفتيه حرصاً على حفظه، فأنزل الله عليه : (( لا تحرك به لسانك لتعجل به ان علينا جمعه و قرآنه فاذا قرأناه فاتبع قرآنه )) ، كما كان يشجع القراء على حفظ القرآن و يحتم على الناس قراءة شىء منه في الصلاة، يقول الله سبحانه وتعالى عن هذا القرآن الكريم : (( بل هو آيات بينات في صدور الذين أتوا العلم )) و هكذا جمع القرآن في حياة الرسول أول ما جمع كاملا وثيقاً محفوظاً في الصدور ومفرقا في السطور، و لما توفي عليه الصلاة و السلام ، أمر أبوبكر زيد بن ثابت فجمع القرآن المفرق في السطور مما كتب فيه من العسب واللخاف، مستأنساً بما حفظ الحافظون، وسجل القرآن في صحف بقيت عند أبى بكر فعمر فابنته حفصة حتى أخذها عثمان و عمل على كتابة عدة مصاحف وزعها بين بعض الامصار الاسلامية، و هي التي بقيت صورتها إلى الان، و يقول الناس دائماً المصحف العثمانى لذلك.
و خلاصة هذا البحث أن القرآن الكريم لايمكن أن يتحاكم إلى التاريخ القديم ولا التوراة و الانجيل، اذ ثبت أنه الثقة الحجة، و أنه هو الذي يهيمن على ما سواه و أن قصصه حق لا شك فيه .
===================
وإذ قال ربك للملائكة
الرد
البَقَرَة آية رقم : 30
قرآن كريم
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُّفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ
المشكلة التي دائماً تقابل المسلمين في رد الشبهات أنها يستقبلوا هذه الشبهات من أشخاص في قمة الجهل باللغة العربية .. وهذا هو السبب الحقيقي الذي أحاول دائماً توضيحه في أي موضوع أطرحه
فلو نظرنا إلى الآية الكريمة نجد قول الحق { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلمَلائِكَةِ } ويَدَعوا بها أن الله يستشير ملائكته في الخلق ... ولكن حال الضلال الذي هم فيه يجعلهم يغمضوا أعينهم عن { إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً } ، لأن هذا الجزء الواضح في باقي الآية يظهر أن الأمر مفروغ منه ، ولكنه إعلام للملائكة .. والله سبحانه وتعالى عندما يحدث الملائكة عن ذلك فلأن لهم مع آدم مهمة ، فهناك المدبرات أمرا ، والحفظة الكرام .. وغيرهم من الملائكة الذين سيكلفهم الحق سبحانه وتعالى بمهام متعددة تتصل بحياة هذا المخلوق الجديد .. فكان الأعلام .. لأن للملائكة عملاً مع هذا الخليفة .
ونجد في قول الملائكة { قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُّفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ..
والسؤال : كيف عرف الملائكة ذلك ؟ فلابد أن هناك حالة قبلها قاسوا عليها ، أو أنهم ظنوا أن آدم سيطغى في الأرض ، ولكن كلمة سفك وكلمة دم ، كيف عرفتها الملائكة وهي لم تحدث بعد ؟ لا بد أنهم عرفوها في حياة سابقة
قال تعالى : الحِجْر
آية رقم : 27 قرآن كريم(6/292)
وَالجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِن نَّارِ السَّمُومِ
فإذن الجن قد ُخلق قبل الإنسان .. والمعروف أن إبليس من الجن .. وكان وجوده قبل خلق آدم ..
فأين هي المشكلة ؟
وقول الحق سبحانه وتعالى { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُون }
فمعنى ذلك أن علمك أيها المخلوق مناسب لمخلوقيتك ، أما علم الله سبحانه وتعالى هو علم أزلي لا نهائي .. لأن الملائكة قالت { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ..
فالتسبيح : هو التنزيه عما لا يليق بذات المنزه
والتقديس : هو التطهير .. مأخوذة من الْقَدَس ، وهو الدلو الذي كانوا يتطهرون به .
فالتسبيح والتنزيه لا يكونان إلا للكمال المطلق الذي لا تشوبه شائبة .. والكمال المطلق هو لله سبحانه وتعالى
لذلك لا يليق أن يرفع إليك يا الله إلا الطاهر ، ولا يليق أن يصدر عمن خلقته بيديك إلا طاهر.
فأراد الله عز وجل بحكمته أن يرد على الملائكة فقال : { إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُون } ولم يطلقها هكذا ، ولكنه سبحانه أتى بالقضية التي تؤكد صدق الواقع
قال تعالى
وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى المَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ
يجب أولاً أن نعلم أن آدم عليه السلام مخلوق من طين ، والملائكة مخلوقة من نور .. إذن فالملائكة عنصر أعلى من البشر ذات العنصر الأدنى ... والله عز وجل علم وأعطى الأدنى أكثر من الأعلى ..
فنفهم من ذلك أن الله سبحانه وتعالى وحده هو الذي يعطي ذلك ليذكرنا أن ما نأخذه ليس بقدراتنا ولكن بقدرته هو سبحانه ، والله سبحانه وتعالى لا يحب الغرور من خلقه ، ولذلك يأتي الله بآية تميز الأدنى من الأعلى لنتعلم جميعاً أن كل قدراتنا ليست بذاتنا ، وإنما هي من الله .. كما أوضح لنا الحق سبحانه وتعالى ما حدث بين :
سيدنا موسى عليه السلام النبي الرسول ومع الخضر وهو العبد الصالح ما لا يكن يعلمه ...
وكذا سيدنا سليمان عليه السلام والهدهد الطائر الضعيف الذي أتى بنبأ عظيم قد خفي عن نبي الله .
فقد علم الله سبحانه وتعالى سيدنا أدم عليه السلام كل المسميات وألهما الله له ..
والعجيب أن الطريقة التي علم الله سبحانه وتعالى بها سيدنا آدم عليه السلام هي الطريقة نفسها التي تتبعها البشرية إلى يومنا هذا .. فنحن عندما نعلم الطفل فلا بد أن نبدأ تعليمه الأسماء والمسميات ، ولا نعلمه بأن نقص عليه الأفعال .. فنقول له : هذا كوب / هذا جبل / هذا بحر / هذه شمس / هذا قمر ..
وبعد أن يتعلم المسميات يستطيع أن يعرف الفعل ويتقدم في التعليم بعد ذلك .
وهكذا نتعرف على النشأة الأولى للكلام .. وطلاقة قدرة الله سبحانه وتعالى علمت سيدنا آدم عليه السلام الأسماء
ولو حاول بعد المشككين يدعي جهله بهذا الكلام ويريد أن يعرف ما هو علم الأسماء الذي علم الله به آدم عليه السلام
نقول له يا مسكين :
كل شيء في الكون لو أعدته إلى أصله تجد أن أصله من الله ، فلو أعدت البشرية إلى أصلها فلا بد أن تصل إلى أصل الإنسان الأول .. خلقه الله سبحانه وتعالى
ولو أعدت العلم إلى أصله وتجد أن كل علم يحتاج إلى معلم .. والمعلم تعلم من معلم سبقه ..الخ .. حتى نصل في النهاية بأمر بديهي أن العلم بدأ بمعلم علمه الله سبحانه وتعالى .. وكان هذا هو المعلم الأول .
فطالما أننا نحمل ذرة من ذرات خلق سيدنا آدم عليه السلام ، فكذا نحن نحمل علم من العلم الذي علم الله سبحانه وتعالى سيدنا آدم عليه السلام ولو اختلفت الألسنة
وقول الله سبحانه وتعالى { إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين } ... فهل يكذب الملائكة ؟
ولكن المقصود .. بما قستم عليه الأحداث ، أو فيما قلتموه ضرباً بالغيب ..
ولو أن الملائكة قاسوا حكمهم على حكم جنس آخر كان في الأرض كالجن مثلاً .. فيقول الحق سبحانه وتعالى إنكم أخطأتم في قياسكم هذا ، أو إن كنتم صادقين فيما تنبأتم به من غيب ، فلا يعلم الغيب إلا الله تعالى .. فالقياسان جانبها التوفيق .
وليس هذا طعناً في الملائكة ، ولكنه تصحيح لهم ، وتعريف لنا بأن الملائكة لا تعلم الغيب .
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
السؤال
من يقرأ القرآن بتمعن يصل إلى آيات بينات يحتار في فهمها وتزداد حيرته حين يرى مجموعة من الآيات في نفس الموضوع ولكن يختلف فيها الخطاب. من المؤكد أن لاختلاف الخطاب هذا تفسير ما لذا ألجأ إلى الأخوة في السبلة ليوضحوا لي ما خفي علي، علما بأني لجأت إلى بعض كتب التفسير وقرأت تفسير كل آية منها على حدة، ولكني لم أجد جوابا على تساؤلاتي التي تثيرها القراءة المجملة لبعض الآيات فمثلا:
قال الله في محكم كتابه العزيز: (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك قال إني أعلم ما لاتعلمون) [البقرة: 30].(6/293)
وكذلك قال: (وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغدا حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين) [البقرة: 35].
من الآية الأولى نرى أن الله سبحانه وتعالى خلق آدم ليجعله في الأرض أي يسكنه فيها ولكن بدلا من ذلك أسكنه الجنة وسمح له بأن يأكل منها هو وزوجته رغدا، فلماذا لم ينزل الله آدم إلى الأرض بعد خلقه وبعد أن علمه كله شيء؟
ولماذا بدلا من ذلك أسكنه وزوجه الجنة؟
ويقول الله في محكم كتابه: (إن الذين كذبوا بآياتنا واستكبروا عنها لا تفتح لهم أبواب السماء ولا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط وكذلك نجزي المجرمين) [الأعراف: 40].
وقال أيضا: (فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين) [الأعراف: 22]. وإبليس استكبر على الله سبحانه: (إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين) [ص: 74].
فإذا كان إبليس من المستكبرين ومن الكافرين فكيف استطاع أن يتجاوز أبواب الجنة المقفلة التي لا يفتحها إلا خزنتها المكلفون بحراستها: (وسيق الذي اتقوا ربهم إلى الجنة زمراً حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين) [الزمر: 73].
أليس خزنة الجنة الذين لم يستطيعوا منع الشيطان من الدخول إلى الجنة هم المسؤولون عن دخوله وغوايته لآدم وزوجه؟؟.
وآدم حديث عهد بالحياة والشيطان كان ملكاً يعبد الله من آلاف السنين فليس هناك تكافؤ بين الطرفين فلماذا عاقبه الله سبحانه وتعالى هذا العقاب الأليم فأنزله على جبل سرنديب في الهند وأنزل زوجه وحيدة في مكان ما قرب مكة؟؟
فتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقبل إجابتك ـ أخي الكريم ـ على تساؤلك نحب أن ننبهك إلى أمور:
الأول: أن التعارض بين آيات الكتاب مدفوع، وما قد يبدو للناظر من تعارض، إنما هو بحسب فهمه هو، لا أن الكتاب مختلف على الحقيقة، فالله يقول: (ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيراً) [النساء: 82].
الثاني: أن فهم الكتاب الفهم الصحيح لا يتأتى إلا لمن أوتي أسباب الفهم وهي كثيرة، منها: العلم باللغة التي أنزل بها القرآن، والعلم بطريقة السلف في تفسير الكتاب، ومن قصر علمه عن بعض ذلك، فقد ترد على قلبه شكوك وإشكالات. والله المستعان.
الثالث: أن الله من أسمائه الحكيم، والحكمة صفة من صفاته الثابتة له على وجه الكمال، فهو منزه سبحانه عن العبث في أفعاله وأقواله، فمن خفي عليه وجه الحكمة في فعل من أفعاله تعالى، أو قول من أقواله، فليتأمل وجه الحكمة في ذلك، سائلاً الله العون والفهم، مستعيناً بكلام أهل العلم، فإن فتح الله عليه، وإلا فعليه بالسؤال، فإن وجد ما يشفي فبها، وإلا فليكل ذلك إلى الله.
وبعد هذه المقدمات التي هي قواعد في التعامل مع كتاب الله عز وجل، وفيما أشكل فهمه، نجيب عما سألت عنه، مستعينين بالله:
أما قولك: كيف قضى الله أن آدم سيكون خليفته في أرضه، ثم أدخله الجنة؟ فنقول وبالله التوفيق: إن الله تعالى وإن أخبر أن آدم سيكون خليفته في أرضه، إلا أنه لم يقل: إنه سينزل إلى الأرض فور خلقه، حتى يُعْتَرَض عليه بما ذكرت، وإنما أخبر انه سيكون خليفة له في الأرض، وقد وقع ما أخبر به ـ سبحانه ـ كما قال.
وأما عن الحكمة في ذلك فهي ظاهرة ولله الحمد. وهي بيان حقيقة إبليس، وإنه وإن ظهر بمظهر الناصح إلا أنه العدو المبين، ولا يخفى أهمية هذا الدرس، إذ هو تحذير من عدو سيلازم البشرية إلى قيام الساعة. ومن الحكم أيضاً كرامة الله على عباده إن هم أطاعوه، وهوانهم عليه إن هم عصوه، وهذان الأمران هما مناط النجاة في الدنيا والآخرة.
ومن الحكم في ذلك أن الله تعالى قد كشف لآدم وذريته من بعده طبيعتهم البشرية، وجوانب الضعف في شخصيتهم، كحب البقاء والملك، وعدم الصبر عن المناهي، وأن الرجل والمرأة في المسئولية والتكليف سواء.. إلى آخر ما هنالك من الحكم.
وأما إشكالك الثاني: وهو في كيف أن إبليس دخل الجنة، وقد قضى الله أن لا يدخلها المستكبرون الكافرون؟ فلا تعارض بين الأمرين، ذلك أن من شروط ثبوت دعوى التعارض اتحاد الزمن، وهذان الأمران في زمانين مختلفين، فدخول إبليس الجنة كان في بدء الخليقة، وما قضاه الله عز وجل من عدم دخول الكافرين الجنة هو في يوم القيامة، فافترقا زمناً فبطل التعارض.
ثم إن الله أدخله الجنة لحكم يعلمها ـ كما ظهر لنا بعضها ـ ولله أن يفعل في خلقه ما يشاء، لا يسأل عما يفعل، وكان هذا ضرورياً لتظهر حكمة الله من الإهباط إلى الأرض، واتخاذ بعضهم بعضاً عدواً، ويظهر الفرق بين المنزلتين في الدنيا والآخرة.(6/294)
أما كيف أن الله عاقب آدم فأنزله في الهند، وأنزل حواء قرب مكة، فهذا من الإسرائيليات التي لم تثبت صحتها في شرعنا، ولو صح ذلك لكانت الحكمة فيه ظاهرة، وهو أن هذا درس من دروس الحياة، وأن مبناها على الكفاح، فما من غاية من غاياتها، ولا حاجة من حاجاتها، إلا وتحتاج إلى جهد وكد لتحصيلها، وأن هذه طبيعة الحياة، تفرق بين الأحباب وتباعد بين الأصحاب. وحبذا لو اطلعت على كتب التفسير الموثوقة كتفسير الحافظ ابن كثير وغيره، فإن ذلك سيعين على إزالة كثير من الإشكالات بإذن الله.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
================
شبهة حرق المصاحف واختلاف مصاحف الصحابة
قال علي بن أبي طالب: " أيها الناس، إياكم والغلو في عثمان. تقولون حرق المصاحف، والله ما حرقها إلا عن ملأ من أصحاب محمد ولو وليت مثل ما ولي، لفعلت مثل الذي فعل ". [1]
هذا القول من الإمام علي يؤكد أن أمر حرق المصاحف، كان باتفاق المسلمين وإجماعهم. وأن من اعترض في البداية ـ كما هي عادة كل مجتمع ـ انصاع إلى الحق، وهدأت نفسيته، واطمأنت سريرته حينما أدرك بعد نظر الإمام الراشد عثمان ، وأن مصلحة المسلمين العامة، مقدمة على مصلحة أفراد الناس الخاصة، وإن كانوا من كبار الصحابة.. فصفو المجتمع خير من كدر الفرد.
وكان سيدنا عثمان أول المطبقين لما أجمع عليه الصحابة، حين بعث إلى الأمصار قائلاً: " إني قد صنعت كذا وكذا، ومَحَوت ما عندي، فامحوا ما عندكم ". [2] فكان النموذج الأعلى والقدوة الأسمى لغيره، فهو رغم أنه يملك سلطة الإبقاء على مصحفه، أو وضعه في مكان لا يُرى، إلا أنه أبى إلا مصلحة المسلمين.
ثانياً: شبهة مخالفة ما ورد في بعض مصاحف الصحابة للمصحف العثماني:
قبل الشروع في تفصيل أشهر ما نُسب إلى مصاحف الصحابة من مخالفة للمصحف الذي بين أيدينا، ينبغي الإشارة إلى تعريف القرآن الكريم : " كلام الله، المعجز، المتعبد بتلاوته، المنقول بالتواتر ".[3]
وضابط النقل بالتواتر ـ بصفته أحد شروط القرآن الكريم ـ يمنع الاعتراف بقرآنية أي رواية تدل على كون آيات، أو آية، أو كلمة، أو حرف، أو حركة إعرابية؛ جزءاً من القرآن الكريم، المتعبد بتلاوته.
إن كل ما يذكره أولئك المشككون في عصمة القرآن الكريم، مطالبون بإثبات تواتر أي رواية يدعون أنها تدل على تحريف ـ بالزيادة أو الحذف ـ في القرآن الكريم.
لقد حرص المسلمون ـ منذ بداية الجمع الأول للقرآن الكريم في عهد أبي بكر كما سبق بيانه ـ على وجوب تحقق شرط التواتر لأي حرف يكتب في المصحف الشريف. واستمر المسلمون على ذلك محافظين على نقاء المصحف الشريف من كل دخيل. يشترطون لناسخ المصحف الشريف ـ وطابعه ـ شروطاً شديدة، هي نهاية ما توصل إليه المنهج العلمي في الدقة والضبط.
وبعد هذا الرد المجمل.. سأكتفي بالرد التفصيلي لأشهر ما نسب إلى الصحابة رضي الله عنهم أجمعين في مواقع الإنترنت التنصيرية من مخالفة للمصحف العثماني وهما: دعوى إنكار عبد الله بن مسعود للمعوذتين والفاتحة، ودعوى إثبات أبي بن كعب دعاء القنوت. ويمكن الرد على شبهات مثلها، بالقياس على الردود عليها.
أ) مصحف ابن مسعود وزعم خلوه من الفاتحة (!!) والمعوذتين: [4]
على فرض صحة تلك الروايات..
1. كان ابن مسعود لا يرى وضعها في المصحف، ولا يوجد أي أثر يدل على كونه أنكر أنها من القرآن، ما أنكره هو كتابة السور الثلاث (المعوذتين والفاتحة) لأنه لم يسمع نصاً صريحاً من رسول الله يأمر بذلك.
2. هذا خبر آحاد لا يثبت قرآناً ولا ينفيه، فالمتواتر أقوى من الآحاد عند الترجيح يقيناً. فلا يثبت الآحاد عند معارضته بالمتواتر.
3. هذه مخالفة لإجماع الصحابة. وتخطئة الفرد، مقدّمة على تخطئة المجموع.
4. لم يثبت أبداً أن أياً من الصحابة غيره قد شكك في قرآنية المعوذتين، ولو في حديث ضعيف.
5. سورة الفاتحة يجب أن يحفظها كل مسلم، فلا صلاة بدون فاتحة الكتاب. فكيف كان عبد الله بن مسعود يصلي، ويؤم الناس؟
6. إن إنكار سورة من القرآن الكريم توجب الحد أو التعزير من الخليفة، ولم يثبت أن الخليفة أدانه بسبب قوله هذا.
7. لا يمكن أن يسكت عامة المسلمين على من يقول بعدم قرآنية الفاتحة والمعوذتين في وقتنا هذا. فكيف إن كان في خير القرون ؟
8. الروايات المسندة المتواترة التي يقرأها آلاف الناس في شتى أنحاء العالم. وينتهي سندها إلى ابن مسعود كلها فيها الفاتحة والمعوذتين، فهي دليل على أنه كان يعلمها للناس ويحفظهم إياها مع القرآن الكريم. [5]
9. مكث ابن مسعود في العراق إماماً لهم، ومعلماً إياهم القرآن الكريم. وكانت من أشد الأمصار شغباً على سيدنا عثمان ، فلو علموا أن مصحفه خالف ما تعلموه على يد ابن مسعود لما سكتوا. ولو ترك لهم مصحفه، أو علمه إياهم لما رضُوا بغيره بديلاً.(6/295)
لذا فإن " ما روي من قراءة ابن مسعود وغيره.. ليس لأحد من الناس أن يقرأ به اليوم؛ لأن الناس لا يعلمون علم يقين أنها قراءة ابن مسعود. وإنما هو شيء يرويه بعض من يحمل الحديث، فلا يجوز. فلا يعدل عن اليقين إلى ما لا يُعرف بعينه ".[6]
10. من المُهم الإشارة إلى أن المنسوب إلى ابن مسعود ـ على فرض صحته جدلاً ـ لم يصدر عنه اعتراضاً على قيام زيد بن ثابت بمهمة جمع الصحف زمن أبي بكر الصديق في مصحف واحد، بل كان ذلك اعتراضاً منه ـ إن صحَّ ـ على قيام زيد الأحدث سناً[7] ، بشرف مهمة الإشراف على لجنة نسخ المصحف إلى سبع مصاحف.[8]
ب) مصحف أبي بن كعب وزعم زيادة دعاء القنوت فيه:[9]
1. هذه رواية آحاد لا تنقض المتواتر. ولا يجوز أن تعد قرآناً، لفقدها شرط التواتر كما سبق بيانه في تعريف القرآن الكريم. فالآحاد لا يُثبت قرآناً.
" والنبي هو وحده صاحب الحق المطلق أولاً وآخراً ـ بمقتضى منصب رسالته ـ إخبار أصحابه أنه نزل عليه قرآن.. ولو كان أخبر أصحابه بشيء من ذلك، لاستحال أن يقف هذا الإخبار على رجل واحد من أصحابه، فيُخبِر به موقوفاً عليه [أي: على الصحابي] دون أن يرفعه إلى النبي ؛ لوجوب التواتر القاطع في إثبات آيات القرآن الحكيم. والمعروف المتعالم الذي لا يقبل غيره إنسان ـ كائناً من كان ـ أن شأن القرآن أجلّ في إثبات قرآنيته، وأخطر وأعظم من أن ينقله إلى الأمة فرد واحد من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ نقلاً مجرداً عن الرفع إلى رسول الله ".[10]
2. لو كانت من القرآن الكريم، لتوفرت همم الصحابة ودواعي حفظهم لها.
3. لا يعقل أن لا يحفظها من الصحابة سوى أبي بن كعب .
4. وجود أدعية وقراءات تفسيرية وأحاديث قدسية ونبوية في الموضع ذاته الذي توضع فيه مصاحف الصحابة أمر عادي، ولهذا كان حرق المصاحف الذي ارتضاه كل الصحابة رضوان الله عليهم. فوجود نص معين في مصحف صحابي معين لا يعني بالضرورة كون ذلك الصحابي يعده من القرآن الكريم.
فقد اعتاد الناس في كل عصر ومصر، أن يضعوا أشياءهم الثمينة والعزيزة في مكان واحد، فكانوا يضعون ما كتبوه من حديث نبوي وأدعية وآيات قرآنية وتفسيرات لها.. مما سمعوه من فم النبي في مكان واحد؛ احتراماً لها، وفخراً بها، كي لا تكون عرضة للابتذال.
إن ما نسِب إلى أبيٍّ ، يدل على بعد نظر سيدنا عثمان ، وأنه سن في الإسلام سنة حسنة، انتفع وسينتفع بها الناس إلى يوم القيامة.
5. موافقة أبي على المصحف الإمام، الذي جمعه عثمان .
6. ذُكِر أن أنساً رأى مصحف أبي ، ولم يجد فيه ذلك الدعاء. [11]
7. الوضع والرسم والتلفيق والتزوير سهل، فليس بالضرورة أن يكون وجود أي كلام مكتوباً في ورقة. دليلاً على نسبتها إلى صاحبها يقيناً، ولذا يكون المتواتر هو الحجة والفيصل.
8. لا يجوز علمياً إثبات دخول نص مشكوك فيه، إلى نصٍّ مُجمع عليه.. اعتماداً على الظن والأدلة الواهية.
إن ما نسب إلى أبيّ ـ ومثله الروايات الأخرى ـ لم يكن ظاهراً بين الصحابة، فلا توجد رواية واحدة اتفق عليها اثنان من الصحابة على الأقل. ولا يعقل أن يكون صدر عن النبي تبليغ آية ما علمها إلا واحد من الصحابة، فلو كانت قرآناً لعلَّمها غيرَه، ممن يبلغون حد التواتر المتخذ شرطاً في القرآن الكريم المتعبد بتلاوته. لقد أقرَّ كل الصحابة مصحف عثمان ولم يعترض أحد منهم، ولم يُذكِّر أحد الصحابة إخوانه بآية نسيها زيد فلم يضعها في المصحف الإمام.
وبما أن البيِّنة على من ادعى، ومطلوب من الجميع الالتزام بالمنهج العلمي للوصول إلى الحقيقة، فإن الواجب عليهم أن يُخرِجوا لنا ورقة واحدة من المصحف المنسوب إلى ابن مسعود أو أبي بن كعب رضي الله عنهما.
إن الصحابة الذين حفظوا عن رسول الله سننه وآدابه وحركاته كلها، يستحيل أن يغيب عنهم آية من الآيات القرآنية التي يتلونها غدواً وعشياً.
إن المطلع على حال رسول الله والصحابة، يتيقن أنه لا يمكن أن يذهب عليهم شيء من كتاب الله قلَّ أو كثر. وأن العادة توجب أن يكون الصحابة أقرب الناس إلى حفظه وحراسته وما نزل منه.[12]
------------------
1) البداية والنهاية، ابن كثير 9/121 (أحداث سنة خمس وثلاثين). وقد صحح الرواية في كتابه فضائل القرآن ص38. وذكر فيه ص39 رواية أخرى صحيحة عن مصعب بن سعد قال: " أدركت الناس متوافرين حين حرق عثمان المصاحف، فأعجبهم ذلك، وقال: لم ينكر ذلك منهم أحد ". وفي شعب الإيمان للبيهقي، ص171: " قال علي بن أبي طالب: يرحم الله عثمان! لو كنتُ أَنا لصَنَعْتُ في المصاحف ما صَنَعَ عثمان ".
2) انظر: جامع البيان، الطبري 1/62.(6/296)
3) انظر: مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، ص15-17. ومناهل العرفان، عبد العظيم الزرقاني، ص15. والمدخل لدراسة القرآن الكريم، د. محمد أبو شهبة، ص6. قال السيوطي في الإتقان (النوع الحادي والعشرون: في معرفة العالي والنازل..): " لا خلاف أن كل ما هو من القرآن، يجب أن يكون متواتراً في أصله وأجزائه، وأما في محله وضعه وترتيبه. فكذلك عند محققي أهل السنة لقطع بأن العادة تقضي بالتواتر في تفاصيل مثله، لا هذا المعجز العظيم الذي هو أصل الدين القويم، والصراط المستقيم، مما تتوفر الدواعي علة نقل جمله وتفاصيله، فما نقل آحاداً ولم يتواتر يقطع، ليس من القرآن قطعاً ".
4) انظر: الانتصار للقرآن، أبو بكر الباقلاني 1/300-330.
5) قال النووي في المجموع 3/350 (فصل: مسائل مهمة تتعلق بقراءة الفاتحة): " والعاشرة: أجمع المسلمون على أن المعوذتين والفاتحة وسائر السور الكتوبة في المصحف قرآن، وأن من جحد شيئاً منه كفر. وما نقل عن ابن مسعود في الفاتحة والمعوذتين باطل ليس بصحيح عنه. قال ابن حزم: هذا كذب على ابن مسعود موضوع. وإنما صح عنه قراءة عاصم عن زر عن ابن مسعود، وفيها الفاتحة والمعوذتان ".ومثله ما قال الرازي في مقدمة تفسيره مفاتيح الغيب 1/179 : " نقِلَ في الكتب القديمة أن ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة من القرآن، وكان ينكر كون المعوذتين من القرآن، واعلم أن هذا في غاية الصعوبة لأنا إن قلنا إن النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة بكون سورة الفاتحة من القرآن، فحينئذ كان ابن مسعود عالماً بذلك، فإنكاره يوجب الكفر ـ أو نقصان العقل ـ .. والأغلب على الظن، أن نقل هذا المذهب عن ابن مسعود نقلٌ كاذب باطل ".
6) أصول القراءات، أبو القاسم الحموي، ص41.
7) من يدقق في قول ابن مسعود يجده لم ينقد القيام بتلك المهمة بيد زيد لعلةٍ تقدح في قدرته على إنجاز مهمته صحيحةً. وإنما أخذَ عليه أمرين: أنه كان حدَثاً ـ أصغر سناً من ابن مسعود ـ، وأنه وُلِد من أب كافر. وهذان ليسا من الطعون، لا في أخلاقه، ولا في قدرته على القيام بمهمتَيه بإتقان.
8) انظر: الخليفة المفترى عليه، د. محمد الصادق عرجون، ص 143. وأشار إلى أنه لا توجَد رواية صحيحة أو ضعيفة تنسب ذلك القول لابن مسعود ، في جمعِ القرآن الكريم زمنَ أبي بكر الصديق t.
9) انظر: الانتصار للقرآن، الباقلاني 1/267-277.
10) محمد رسول الله ، د. محمد الصادق عرجون 3/75.
11) نقله الباقلاني عن أبي الحسن الأشعري، انظر: الانتصار للقرآن 1/277.
12) انظر الأدلة على إتقان حفظ الصحابة والتابعين للقرآن الكريم، وعوامل بقائه محفوظاً.. في: الانتصار للقرآن، الباقلاني1/418. والمدخل لدراسة القرآن، د. محمد أبو شهبة ص263 و399-403. وإتقان البرهان، د. فضل حسن عباس 1/193.
للمزيد انظر:
hp://www.elwhed.com/vb/showhread.php?=3061
================
و ماذا عن لحن القرآن ..؟
الحمد لله رب العالمين ، و الصلاة و السلام على خير خلق الله أجمعين سيدنا محمد و على آله و صحبه و بعد ،،
تحفل العديد و العديد من المواقع النصرانية على شبكة الأنترنت ، و كذلك المطبوعات المختلفة كالجرائد و الكتيبات بل و المنشورات الطاعنة في الإسلام و التي ، مع الأسف ، أصبحنا نجدها في الأسواق في متناول يد الجميع بالعديد و العديد من الشبهات التي وضعتها أذهانهم متخيلة أنها تنال من الإسلام و من نبيه الكريم صلى الله عليه و سلم .
و من أغرب هذه الشبهات تلك التي يزعمون فيها بأن القرآن الكريم كتاب يعج بالأخطاء النحوية ، و بالتالي فهذا أكبر دليل على أصله البشري !!.. فالبشر خطاؤون .. و لو كان من عند رب العالمين ، و لا يزال الكلام عن لسانهم ، لما كانت به هذه الأخطاء التي اكتشفها عباقرة و أفذاذ علم النحو من نصارى القرن الواحد و العشرين !!
و غالبا ما يلجأ من يرد على هذه الشبهة من الأخوة المسلمين بأن يفتح كتاب اعراب القرآن و يبدأ في أن ينقل منه ردود علماء النحو العرب الأوائل كسيبويه و غيره ممن تكلموا من قبل في هذه الشبهة ، و لكن النصارى قد لا يقتنعون بل و يقولون أن المسلمين يحاولون اخفاء ما لديهم من عيوب ببعض البهلوانات الجدلية !!..
هلم بنا ، أخي القاريء ، نعرف المزيد عن هذه الشبهة و تاريخها و كيف نشأت ؟...
تاريخ هذه الشبهة :
يلجأ بعض النصارى إلى الإستناد لبعض الأحاديث الضعيفة لإثبات قدم هذه الشبهة منها حديث السيدة عائشة ، رضي الله عنها ، عندما سئلت عن لحن القرآن في بعض آياته ؛ و هو الإسم القديم لتلك الشبهة ، فردت : يا ولدي إن القرآن لا يلحن ، إنه من عمل النسّاخ !..
و قد ضعفه الشيخ الألباني في الترغيب و الترهيب ج4 ، كذلك يعلق الدكتور غازي عناية على ذلك فيقول : كيف للسيدة عائشة و قد اشتهرت بفصاحة اللسان أن تقول هكذا ! – راجع نص المقالة : ( موقع الموسوعة الإسلامية – بلاغ ) .(6/297)
و عندما بدأ تأليف شروح القرآن أورد الأئمة في شروحهم لتلك الأيات مذاهب علماء النحو و أرائهم في إعراب تلك الأيات التي رأى بعض الناس أنها قد أتت على غير الشائع لغويا فكان ذلك متمما لعملهم في إيراد الأحكام المختلفة لآيات القرآن الكريم ، و عنها نقل بعض المستشرقين الأوروبيين في القرن الثامن عشر و التاسع عشر أن بعض أيات القرآن قد اختلفت عن شائع لغة العرب و ذلك في كتبهم العديدة التي تقطر حقدا على الإسلام و المسلمين ، و عنهم نقل نصارى القرن الواحد و العشرين أن القرآن الكريم به أخطاء نحوية !!
نعم ، أخي القاريء ، فإن هؤلاء النصارى الذي لا يعترفون بالقرآن و لا يؤمنون به ككتاب من عند الله ، لا تصدق أنهم قد تدارسوا كتاب الله حتى وجد جهابذتهم هذه الأخطاء !.. لأن عجمة ألسنتهم و قلوبهم و قصور تفكيرهم لا يمكِّنهم من ذلك أبدا !! بل هم في الواقع مجرد ناقلين قد لا يراجعوا ما ينقلوا من سطور أن يكون بها بعض الأخطاء . و تعالَ معي الأن نعرف حقيقة هذه الشبهة .
القرآن الكريم و علم النحو :
بداية يجب أن نقول إن حاجة القدماء إلى وضع علم النحو قد بدأت عندما دخل الأعاجم في لغة العرب و قد شق عليهم أن يستقيم لسانهم في الحديث . فوضع العلماء بعض القواعد التي يتبعونها في حديثهم و كتابتهم حتى يستقيم لسانهم . أيضا يجب أن نعلم جيدا أن علم النحو قد بني على الإستقراء ؛ بمعنى أن سيبويه و تلامذته عندما وضعوا قواعد النحو و أصوله قد تدارسوا العديد و العديد من النصوص العربية القديمة كالشعر و القصائد و المعلقات و الرسائل بل و درسوا لهجة بعض قبائل العرب من أهل الوبر ( أي الذين يعيشون على رعي الأغنام و ليس على التجارة فلا تختلط لغتهم بلغات أخرى ) فوجدوا أن الفاعل مثلا يُنطق مضموم النهاية في حالة المفرد ، و بالألف في حالة المثنى ، و بالواو في حالة الجمع . فخرجوا من ذلك بقاعدة أن الفاعل يكون مرفوعا ، أيضا وجدوا ( كان و أخواتها ) يرفعون ما بعدهم من اسم ، و ينصبون الخبر و العكس بالنسبة لـ( إن و اخواتها ) و كذلك بالنسبة للأسماء المنونة ( المصروفة ) و غيرها إلى أن خرجوا بمعظم القواعد التي نعرفها الأن . أي أن قواعد النحو ليست وضعية من فعل البشر ، بل مستقرأة من لغة الأقدمين .
و بعد ذلك أخذ النحاة في تطبيق تلك القواعد المستقرأة على آيات القرآن الكريم ، بل و ترجيح كفة القرآن إذا ظهر خلافا بينه و بين مذاهب العلماء ؛ فيتأكد العلماء من صحة تلك القواعد بورودها في القرآن الكريم في أي قراءة متواترة كقراءة حفص أو ورش أو غيرهما ، و بذا يكون القرآن الكريم هو الحاكم على قواعد النحو و ليس العكس ، يجب أن تفهم ، أخي القاريء هذه الحقيقة تماما .
و من المعروف أن لهجات العرب قد أتت مختلفة عن بعضها البعض ، و لا نقول هنا أن لكل قبيلة قواعد النحو الخاصة بها بل أن لهجات معظم القبائل قد أتفقت في ( أغلب ) قواعد النحو المعروفة و المشهورة و لكنها أبدا لم تتفق في ( كل ) القواعد حيث أتي بعض الكلام عند بعض القبائل على غير الشائع لدى البعض الأخر ، و على الرغم من صخر حجم هذا الإختلاف المشار إليه ألا إنه معلومة هامة في دراسة علم النحو بالنسبة للدارس المتخصص و لا نقول للغالبية العظمى من الدارسين . فأي دارس متخصص في اللغة العربية في أي جامعة يدرس الإختلافات و المذاهب النحوية ، و يعي جيدا بم كانت تتميز مدرسة البصرة عن مدرسة الكوفة ، و ماذا قال سيبوية و ماذا قال الخليل ، .. و غير ذلك . و لما كان القرآن الكريم أصدق صورة للغة عصره ، فقد أتى حاويا لكافة لهجات العرب ، مصداقا لقول رسول الله ، صلى الله عليه و سلم : " إن هذا القرأن أنزل على سبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه " – حديث شريف . و من هنا كانت بعض أياته في عين قليل الدراسة بها اختلاف عما يعرف من قواعد النحو . أي أنه يحكم على القرآن بدراسته التي تعلمها في المرحلة الإبتدائية دون أن يعي أراء علماء النحو الذين وضعوا تلك الكتب التي تعلم منها .
كلمة خاتمة :
خلاصة القول ، إن هؤلاء النصارى الذين يحكمون على القرآن الكريم بالخطأ قد احتكموا أولا إلى عقولهم و نيتهم المبيّتة أى أن الحقيقة الراسخة في عقله أن محمدا ، صلى الله عليه و سلم ، لم يكن تلميذا نجيبا في النحو !.. و بذا يكون القرآن الكريم به أخطاء نحوية !!.. و لكن في الواقع هذا الجهل المدقع ناتجا عن عدم علم بنشأة علم النحو و كيفية استقراء القواعد النحوية . الطريف أن أغلب هؤلاء النصارى قد يعترضون على ما يسمونه بأخطاء القرآن النحوية دون معرفة من الذي رصدها !!
أسأل الله العلي القدير أن ترد مقالتي هذه عن تلك الشبهة الواهية ، و أن يقتنع الجاهلون بجهلهم و يكفون عن محاولاتهم النيل من كتاب الله المكنون الذي يشبه سندان الحداد الذي تحطمت عليه العديد و العديد من المطارق دون أن يبلى أو يصيبه شيء !!(6/298)
و أخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، و صلى اللهم على سيدنا محمد و على آله و صحبه و سلم ..
===============
رد جديد على شبهة وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله
اذا كان الله تعالى قد وضح ان التحريف والتبديل قد وقع فى الكتابين التوراة والانجيل اذا فما معنى ان يقول الله تعالى
بسم الله الرحمن الرحيم ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ) صدق الله العظيم .( سورة المائدة 43 .
وما معنى قولة تعالى ( وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ ) ..سورة المائدة 47
وهوة مافرح بية النصارى وابوهم زكريا بطرس وهم يحسبون انهم على شىء ولكى نفهم المعنى الكامل فنتعرف على
الايات مكتملة يقول الله تعالى . بسم الله الرحمن الرحيم ( (40) يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لاَ يَحْزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُواْ آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِن قُلُوبُهُمْ وَمِنَ الَّذِينَ هِادُواْ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ وَمَن يُرِدِ اللّهُ فِتْنَتَهُ فَلَن تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ (41) سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِن جَآؤُوكَ فَاحْكُم بَيْنَهُم أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِن تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَن يَضُرُّوكَ شَيْئاً وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُم بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (42) وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) ) صدق الله العظيم . ( سورة المائدة . الاية 40 الى 44 ) ..اذا فالايات تصف نوعا من اليهود يحرفون الكلام من بعد مواضعة اى يغيروا النصوص وهوة مايبينة مابعدة من ايات فى قولة تعالى ( يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِن لَّمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُواْ ) صدق الله العظيم . 40ماينص على انة بعد ماغيروا ماعندهم جعلوا المرجع الاساسى الذى سيقيسون علية حكم النبى بينهم ولاكن التوراة ( الحقيقية )
فيها حكم الله ( وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ) . اذا فالقوم قد اخفوا التوراة الحقيقة واخرجوا قراطيس منها حرفوا فيها الكلام من بعد مواضعة ليواكب هواهم وفى ذالك يقول سبحانة وتعالى ( وَمَا قَدَرُواْ اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُواْ مَا أَنزَلَ اللّهُ عَلَى بَشَرٍ مِّن شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاء بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدًى لِّلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُم مَّا لَمْ تَعْلَمُواْ أَنتُمْ وَلاَ آبَاؤُكُمْ قُلِ اللّهُ ثُمَّ ذَرْهُمْ فِي خَوْضِهِمْ يَلْعَبُونَ (91) ) الانعام اية 91 ...
ولذا فعندما طلبوا الحكم من النبى كانت احكام التوراة الحقيقية مخفة عندهم فقال الله تعالى لهم ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ) صدق الله العظيم .( سورة المائدة 43 .وانهم بالطبع لن يخرجوها ولن يحكموها ولذا قال الله تعالى لهم ( قل فأتوا بالتوراة فاتلوها ان كنتم صادقين ) ..
هذا وقد بين الله تعالى فى سياق الايات ان مثل هذا الفريق من الذين يحرفون الكلم من بعد مواضعة ليسوا هم الذين سيقيمون التوراة وانما يقيمها النبييون للربانيون والاحبار لذا قال الله تعال ( (43) إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ (44) ) المائدة 44 ..(6/299)
ولذا فقد قال سبحانة وتعالى لهذا الفريق ( وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ )
فقد حقت عليهم كلمة الله تعالى بالكفر وقال الله فيهم ( (67) قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ (68) ) المائدة 68 ..فهم ليسوا على شىء ولم يقيموا التوراة والانجيل ولذا قال الله تعالى عنهم بنفس الايات ( وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ ) انهم ليسوا المؤمنين الذين سيقيمون التوراة والانجيل انهم غير مؤمنين اذا فقول النصارى بأن القران يشهد للكتاب المقدس هوة كلام عارى من الصحة وعن جهل شنيع بالقران وبالكتاب المقدس ( كما سيأتى ) ثم ان القران لايعرف شىء اسمة الكتاب المقدس وبرغم ان ماسبق يكفى فى ابطال شبهة النصارى وابوهم زكريا بطرس المزكورة الا اننا لن نكتفى بذالك اذ لابد من اشباعة واشباع النصارى واشباع الموضوع ادلة فهو كما قال زكريا بطرس عن نفسة يحب القراءة والبحث فخذ بحث اخر .......نصوص بالكتاب المقدس تنص على التحريف :
1_ كيف تدعون انكم حكماء ولديكم شريعة الرب بينما حولها قال من كتب المخادع الى اكذوبة ) ارمياء 8 : 8
2_ الله افتخر بكلامة على الله توكلت فلا اخاف ماذا يصنعة فى البشر اليوم كلة يحرفون كلامى على كل افكارهم بالشر .. مزمور 56 : 54
3_ ويلا للذين يتعمقون ليكتموا رأيهم عن الرب فتصير اعمالهم فى الظلمة ويقولن من يبصرنا ومن يعرفنا يا لتحريفكم ) اشعياء 29 : 15 , 16
انظر الى اعتراف الكتاب المقدس للتحريف ثم ينسجونهم الله والله يتبرأ منه ..
4 _ لأنة هكذا قال رب الجنود اله اسرائيل لا تغشكم انبيائكم الذين فى وسطكم وعرفوكم ولا تسمعوا لأحلامكم التى تتحلمونها لأنهم انما يتنبأون لهم باسمى بالكذب انا لم ارسلهم يقول الرب ) ارمياء 29 : 8 _ 9
5_ اليست هكذا كلمتى كنار يقول الرب وكمطرقة تحطم الصخرة لذالك هئنذا على الانبياء يقول الرب الذين يسرقون كلمتى بعضهم من ببعض هئنذا على الانبياء يقول الرب الذين يأخذون رسالهم ويقولون . قال هئنذا على الذين يتنبأون باحلام كاذبة يقول الرب الذين يقصونها ويضلون شعبى بأكاذيبهم ومفاخراتهم وانا لم ارسلهم ولا امرتهم فلم يفيدوا هذا الشعب فائدة يقول الرب واذا سئلك هذا الشعب او نبى او كاهن ( ماوحى الرب فقل لهم اى وحى انا ارفضكم ) . هوة قول الرب فالنبى او الكاهن او الشعب الذى يقول هذا الرب اعاقب هذا الرجل وبيتة وهكذا تقولون الرجل لصاحبة والرجل لأخية لماذا اجاب الرب وماذا تكلم بة الرب ( اما وحى الرب فلا تزكرورة بعد لانة كلمة كل انسان تكون وحى اذا قد حرفتم كلام الاله الحى رب الجنود الهنا ) ارمياء 23 : 29 _ 36
6_ صار فى الارض دهش وقشعريرة الانبياء يتنبئون الكذب والكهنة تحلم على ايديهم وشعبى هكذا احب ( ارمياء 30 : 31)
7_ فأخذ ارمياء درجا اخر ودفعة لباروخ ابن نيريا الكاتب فكتب فية عن فم ارمياء كل كلام السفر الذى احرقة يهوياقيم ملك ياهوذا بالنار وذيد علية ايضا كلام كثير مثلة ارمياء 36 : 32
فكيف تثقون بعد ذالك فى كلام انبيائكم وكهانتكم اذ كان علام الغيوب قد وصفهم بالكذب اذ يقولون مالا يقولة الله ويدعون انهم منزل من الله اليس هذا دليل على التحريف اليس هذا اكبر دليل على سحب الثقة من هذا الكتاب ومن هؤلاء الانبياء ..
8_ ولاكن كان ايضا فى الشعب انبياء كذبة كما سيكون فيكم ايضا معلمون كذابا الذين هم ينكرون الرب الذى اشتراهم يجلبون على انفسهم هلاكا سريعا ) رسالة بطرس الثانية 2 : 1
فبفرض ان القران كما فرح زكريا بطرس واتباعة شهد للتوراة فلن تنسحب هذا الشهادة على باقى الاسفار التى تمثل حوالى اكثر من 75 % من العهد القديم
ونفس الشىء ينطبق على الانجيل فبفرض ان القران شاهد للأنجيل فأى انجيل من الاناجيل الاربعة شهد الله لة كما ان اى انجيل منهم اذا ماضم الى اعمال الرسل رؤية يوحنا وغير ذالك من الرسائل الملحقة بالاناجيل ( واستبعدت بقية الاناجيل الكثيرة ) فلن يمثل اكثر من 15 % من المجموع وبالتالى فلن تنسحب هذا الشهادة على بقية الاسفار التى تمثل حوالى 85 من العهد الجديد هذا بفرض ان الانجيل الذى وقع علية الاختيار المعنى بة فى القران فيمن يغالط زكريا بطرس عندما يقول بان الله فى القران قد شهد للكتاب المقدس ..
هل يغالط الله ؟ ام يغالط المسلمين ؟ ام يغالط بنى ملتة ؟
نصوص بالكتاب المقدس توضح ان التوراة غير موجودة بالعهد القديم .(6/300)
العهد القديم ( الحالى ) ليس فية كلمة واحدة كتبت فى ايام موسى علية السلام وهوة مايتضح من نص الكتاب نفسة الذى يقوم على رواية كاتب يصف بأول الاسفار ( التكوين ) الحوادث كما قيلت لة بدءا من بداية خلق الارض , فالانسان والحيوان ... الخ .
ثم يتسلسل القصص ليتم عد البشر من أّدم , فقايين . وهابيل , فشيث ثم ... الخ .
ثم تطرق التأريخ لنوح وولدة , ثم ابراهيم وولدة , مرورا بقصص لا تنفع وانما تضر سيأتى ذكر بعضها وهكذا ينتهى سفر ( التكون ) ولم يكن موسى قد ذكر بعد ؟
يبدأ السفر التانى فى الاصحاح الثانى بذكر موسى ولاكن بلسان المؤرخ المتابع , وليس بكلام الله العلى ولا بلسان موسى علية السلام )
( وحدث فى تلك الايام لما كبر موسى انة خرج الى اخواتة لينظر فى اثقالهم فرأى رجلا مصريا يضرب رجلا عبرانيا من اخواتة ) الخروج 2 : 11
ويستمر السياق هكذا الى ان ينتهى اخر اسفار التوراة ( التثنية ) بقول هذا الكاتب المجهول
( فمات هناك موسى عبد الرب فى ارض مواب حسب قول الرب ودفنة فى الجواء فى ارض مواب مقابل بيت فخور ولم يعرف اي ( انسان قبرة الى هذا اليوم ) وكان موسى ابن مائة وعشرين سنة حين مات ولم تكل عينية ولا زهبت نضارتة فبكى بنو اسرائيل موسى فى عربات مواب ثلاثين يوما فكملت ايام بكاء مناحة موسى ويشوع بن نون كان قد امتل روح حكمة اذ وضع موسى يدية علية وعملوة كما اوصى الرب موسى ولم يقم بعد نبى فى اسرائيل مثل موسى الذى عرفة الرب وجها لوجة ) التثنية 34 : 5 , 11
فهذة النصوص الكثيرة تبين بلا مجهود ان من كتب هذة الاسفار هوة مؤرخ يحكيها من بعد ولا توجد صيغة مباشرة عن الله تعالى او عن موسى علية السلام وقولة بالنص ( الى هذا اليوم ) تشير الى التاريخ الذى يكتب فية كاتب صفر التثنية وبداها ان من يقول مثل هذا هو انسان بعيد جدا زمانة عن وقت موت موسى لدرجة انة يقر بأن مكان قبر موسى لم يعد يعرفة احد وهوة دليل واضح على ان الاسفار الخمسة الاولى المعتاد بها بين السامريين والعبرانيين مكتوبة بعد موت موسى بزمان ونجد فى سفر الخروج
ثم اعطى موسى عند فراغة من الكلام معة فى جبل سيناء لوحى الشهادة لوحى حجر مكتوبين بأصبع الله ) خروج 31 : 18
ونجد ايضا فى سفر الخروج
(( فانصرف موسى ونزل من الجبل ولوحا الشهادة فى يدة لوحان مكتوبان على جنبيهما من هنا من هنا كانوا مكتوبين واللوحان هما صنعة الله والكتابة كتابة الله منقوشة على اللوحين ) خروج 32 : 15 . 16
اذن فاالالواح التى جاء بها موسى يستحيل ان تكون هيا التى يتكلم فيها المؤرخ بضميرة واسلوبة القصصى والذى يتجاوز حياة موسى ليصف موتة واحداث ما بعد موتة فأين هيا التوراة التى كتبت فى الالواح من الكتاب المقدس
اين هيا التوراة التى يقول الله تعال فيها بسم الله الرحمن الرحيم
]( (144) وَكَتَبْنَا لَهُ فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ وَأْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُواْ بِأَحْسَنِهَا سَأُرِيكُمْ دَارَ الْفَاسِقِينَ (145) ) سورة الاعراف . اية 145وبدهى ان هذة هى التوراة التى شهد الله لها وطلب من اليهود الذين يخفونها ويخفون بعضها ( حسب الزمن )
ان يحتكموا اليها بدلا من اخفائها وذالك فان القران لا يعرف شىء اسمة الكتاب المقدس
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
================
فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ .
جاء في سورة البقرة 2: 230 فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ .
وفسرها البيضاوي بقوله: قالت امرأة رفاعة لرسول الله: إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني، وإن ما معه مثل هدبة الثوب. فقال رسول الله: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ قالت: نعم. قال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .
وكثيراً ما تكون امرأة لها زوج عظيم وأولاد وبنات هم سادة مجتمعهم، وفي حالة غضبٍ يطلّقها زوجها، ثم يندم على ما فعل. فإذا الشرع القرآني يُلزم هذه السيدة أن تُجامع غير زوجها قبل أن تعود إليه.
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
نذكر أولا ما فيما يطلق عليه النصارى الكتاب المقدس قبل أن نرد على هذه الشبهة ، ليتبين للقارئ أن ما لدى عباد الصليب من الضلال المبين في باب النكاح مما حرفوه عن دين أنبياءهم الكرام ، ما يجعلهم يستحون من الإنكار على المسلمين شيئا من محاسن شريعتهم التي بشر بها جميع الأنبياء .
ومما جاء فيم يطلقون عليه الكتاب المقدس :
الرب يأمر بالرذيلة و يوقع الناس في الزنا عقاباً لهم !!! :(6/301)
سفر صموئيل الثانى [12: 11-12] : رب الأرباب نفسه يسلم أهل بيت نبيه داود عليه السلام للزنى عقاباً له : (( هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ: هَئَنَذَا أُقِيمُ عَلَيْكَ الشَّرَّ مِنْ بَيْتِكَ، وَآخُذُ نِسَاءَكَ أَمَامَ عَيْنَيْكَ وَأُعْطِيهِنَّ لِقَرِيبِكَ، فَيَضْطَجِعُ مَعَ نِسَائِكَ فِي عَيْنِ هَذِهِ الشَّمْسِ. لأَنَّكَ أَنْتَ فَعَلْتَ بِالسِّرِّ وَأَنَا أَفْعَلُ هَذَا الأَمْرَ قُدَّامَ جَمِيعِ إِسْرَائِيلَ وَقُدَّامَ الشَّمْسِ.))
سفر عاموس [ 7 : 16 ] : النبي عاموس يقول لأمصيا كاهن بيت إيل : (( أنت تقول لا تتنبأ على اسرائيل . ولا تتكلم عن بيت اسحاق لذلك هكذا يقول الرب : امرأتك تزني في المدينة وبنوك وبناتك يسقطون بالسيف . ))
سفر إرميا [ 8 : 10 ] يقول الرب : لِذَلِكَ أُعْطِي نِسَاءَهُمْ لِآخَرِينَ وَحُقُولَهُمْ لِمَالِكِينَ لأَنَّهُمْ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ كُلُّ وَاحِدٍ مُولَعٌ بِالرِّبْحِ مِنَ النَّبِيِّ إِلَى الْكَاهِنِ كُلُّ وَاحِدٍ يَعْمَلُ بِالْكَذِبِ.
سفر إشعيا [ 3 : 16 ] : وَقَالَ الرَّبُّ : مِنْ أَجْلِ أَنَّ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ يَتَشَامَخْنَ وَيَمْشِينَ مَمْدُودَاتِ الأَعْنَاقِ وَغَامِزَاتٍ بِعُيُونِهِنَّ وَخَاطِرَاتٍ فِي مَشْيِهِنَّ وَيُخَشْخِشْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ 17يُصْلِعُ السَّيِّدُ هَامَةَ بَنَاتِ صِهْيَوْنَ وَيُعَرِّي الرَّبُّ عَوْرَتَهُنَّ.
الرب يُحِثُّ علىاختطاف بنات شيلوه واغتصابهن:
سفر القضاة [ 21 : 20 ] : واوصوا بني بنيامين قائلين امضوا واكمنوا في الكروم. وانظروا فاذا خرجت بنات شيلوه ليدرن في الرقص فاخرجوا انتم من الكروم واخطفوا لانفسكم كل واحد امرأته من بنات شيلوه واذهبوا الى ارض بنيامين.
وفي سفر هوشع [ 1: 2-3] : الرب يأمر هوشع أن يأخذ لنفسه امرأة زنى : ولا تتساءل إذا كان هذا تشجيعاً للزانيات أن يتمادين فى بغائهم ، فإن الرب سينصفهن وسيزوجهن من أنبياء وقضاة ؟ : (( أَوَّّلَ مَا كَلَّمَ الرَّبُّ هُوشَعَ قَالَ الرَّبُّ لِهُوشَعَ: «اذْهَبْ خُذْ لِنَفْسِكَ امْرَأَةَ زِنًى وَأَوْلاَدَ زِنًى لأَنَّ الأَرْضَ قَدْ زَنَتْ زِنًى تَارِكَةً الرَّبَّ!. فَذَهَبَ وَأَخَذَ جُومَرَ بِنْتَ دِبْلاَيِمَ فَحَبِلَتْ وَوَلَدَتْ لَهُ ابْناً. ))
يهوذا جد المسيح يزني بكنته ثامار ( زوجة ابنه )
سفر التكوين [ 38 : 15 ] : فرآها يهوذا فحسبها زانية لأنها كانت قد غطت وجهها. فمال إليها على الطريق وقال: هاتي أدخل عليك. لأنه لم يعلم أنها كنته. فقالت : ماذا تعطيني لكي تدخل علي. فقال: إني أرسل جدي معزى من الغنم. فقالت: هل تعطيني رهنا حتى ترسله؟ فقال: ما الرهن الذي أعطيك؟ فقالت: خاتمك وعصاك التي في يدك. فأعطاها ودخل عليها فحبلت منه... وبعد ثلاثة شهور قيل ليهوذا: إن كنتك ثامار قد زنت وها هي الآن حبلى من الزنا
ثم إنهم يجعلون نسب المسيح جاء من فارص وزارح ، التوأم اللذين حملت بهما ثامار من الزنى !!!
والحاصل : أن طائفة كتبت هذا الكلام في كتابها ، لا يصح عقلا ولا منطقا أن ينكر أتباعها على المسلمين ، أن في شريعتهم التي نزلت من الله تعالى ، إباحة الطلاق ، وأن الرجل إذا طلق زوجته ، ثلاث طلقات ، حرمت عليه ، ثم إذا تزوجت رجلا آخر ـ بغير اتفاق مع الأول ـ وطلقها الآخر ، وأحبت أن ترجع إلى الأول ، جاز لها ذلك .
ومعلوم أن هذا النصراني يجهل أن المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) دخول الزوج على زوجته ، أي لا يحل لك أن ترجعي إلى الأول ، حتى يحصل الدخول بينك ويين الثاني ، ثم يطلقك هذا الثاني ، طلاقا شرعيا ، فإن أردت الرجوع إلى الأول جاز لك ذلك .
أو ربما تجاهل وهو يعلم ، ليفترى على دين الإسلام ، فقال : ( فإذاً الشرع القرآني يُلزم هذه السيدة أن تُجامع غير زوجها قبل أن تعود إليه) ، ليوهم أن المقصود تجامع غير زوجها بالحرام ، بينما الحديث في ذكر دخول الزوج الثاني على زوجته ، لتحل لزوجها الأول ، ليس فيه ذكر أن تجامع غير زوجها بالحرام !!
ومعلوم أنه باتفاق العلماء أن زواجها من الثاني يكون باطلا إن كان باتفاق مسبق مع الأول ، لكي يحلل لها الرجوع إلى الأول ، وفي الحديث الصحيح ( لعن الله المحلل والمحلل له ) رواه أحمد والنسائي وأبوداود والترمذي من حديث علي رضي الله عنه ، أي الذي يتزوج المرأة باتفاق معها أو مع زوجها الأول ، ثم يطلقها لتحل للأول فقط .
وأما إن طلق الرجل زوجته ثلاث طلقات ، ثم تزوجت رجلا آخر ، ثم طلقها بعد الدخول بها من قصد تحليلها للأول، جاز لها أن ترجع إلى الأول بزواج جديد وعقد جديد .(6/302)
كما أنه من المعلوم أن طلاق الغضبان لا يقع ، لحديث ( لاطلاق في إغلاق ) رواه أحمد وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها ، والإغلاق هو الغضب الشديد ، فقول النصراني (وكثيراً ما تكون امرأة لها زوج عظيم وأولاد وبنات هم سادة مجتمعهم، وفي حالة غضبٍ يطلّقها زوجها، ثم يندم على ما فعل ) جهل بشريعة الإسلام التي تجعل الطلاق حال الغضب غير واقع .
كما أن إباحة الطلاق ، من محاسن الإسلام ، ذلك أن الزواج قد لايمكن استمراره لسبب من الأسباب ، وتصبح العشرة بين الزوجين متعذرة ، وفيها مضرة كبيرة على الزوجين ، فيكون الزوج أو الزوجة بين خيارين :
أحدهما أن يتخذ الزوج عشيقة أو الزوجة عشيقا مع بقاء عقد النكاح إذا كان الطلاق لا يصح ، ومن فعل هذا فقد أغضب الله تعالى .
الثاني : أن يفترقا ، ويرى كل سبيله ، كما قال تعالى ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ) ، وهو الطلاق الشرعي .
ولاريب أن التفرق في هذه الحالة هو الخيار الصحيح الذي يقره العقل والمنطق ، ولما كانت النصارى في سابق عهدها لا تبيح الطلاق، فقد وقع عليهم حرج عظيم بسبب ذلك ، اضطرهم أن يُقروا الانفصال بين الزوجين ، فيأخذوا بما أقرته شريعة الإسلام
قال الله تعالى : (( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون*فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره )).
وهذا يفهم منه أن للرجل إذا طلق امرأته أن يراجعها ما دامت في عدتها، فإن طلقها الثانية فله أن يراجعها كذلك، فإن طلقها الثالثة فليس له عليها سبيل حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها الزوج الثاني وخرجت من عدتها فللزوج الأول أن يتزوجها.
وهذا إبطال لما كان يفعل في الجاهلية، فقد كان للرجل أن يطلق امرأته، فإذا قاربت العدة راجعها، ثم يطلقها، ثم يراجعها، وهكذا حتى تكون كالمعلقة، لا هي ذات زوج فتسكن إليه، ولا هي مسرحة حتى تحل للأزواج، فأبطل الله ذلك، وأبان أن ليس للرجل أن يفعل ذلك إلا مرتين فإن طلقها الثالثه فلا تعود له إلا بعد أن تتزوج غيره، فإن طلقها الثاني حلت للأول، وهذا التشريع فيه رحمة بالمرأة، وإزالة لعنت الأزواج.
وهذا فيه قطع طمع الرجل فيها، إذ شرط في حلها له أن تبعد عنه فتكون ذات زوج، وربما أمسكها طول حياته فلا ينالها أبدا، فيكون ذلك أدعى لأن يتروي في الطلاق فلا يسرف فيه ولا يبذر.
قال الله تعالى في حق المطلقة ثلاثا : (( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره )) أي حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة، نكاحاً معتاداً، يراد للدوام والاستمرار، لا نكاحاً صوريا ليس فيه من النكاح إلا صورته، فأما معناه وحقيقته من سكون كل منهما إلى الآخر، ومن التواد والتراحم والتحاب فليس منها في قليل ولا كثير، ويدل على ذلك أن من مقاصد الشرع أن يصون المرأة ولا يعرضها على كثير، فليس في عرضها ما يصلح أن يكون غرضا.
وإنما أراد الشارع أن يخيف المطلق، فهو يقول : تأن في الطلاق، فإذا بلغت الطلقة الثالثة لم تحل لك لا في حال عزوبتها ولا في حال زواجها، لأنها ذات زوج، وذات الزوج لا تحل، ولا تحل لك إلا إذا فارقها زوجها، وهذا نادر وقليل الوقوع، فإذا كنت متعلقا بها فلا تخاطر بطلاقها، وكما يدل النظر العقلي على بطلان عقد نكاح التحليل وفساده جاءت النصوص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين ببما يدل على تحريمه:
(1) ورد عن ابن مسعود(رضي الله عنه) أنه قال : ((لعن رسول الله المحلل والمحلل له ))رواه الإمام أحمد في مسنده، والنسائى في سننه، والترمذي في جامعه.
ولما روي الترمذي عن ابن مسعود ((لعن المحلل ))صحح الحديث ثم قال: والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، منهم: عمر ابن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبدالله بن عمر، وهو قول الفقهاء من التابعين.
(2) عن عقبة بن عامر أنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : ((ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يارسول الله، قال هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له ))رواه ابن ماجه في سننه.
(3) روي عمرو بن نافع عن أبيه قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة بينهما ليحلها لأخيه، هل تحل للأول؟ قال لا، إلا نكاح رغبة. كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). رواه الحاكم في صحيحه.
(4) قال عمر بن الخطاب(رضي الله عنه): لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتها.(6/303)
أرأيتم أن الشريعة الإسلامية كانت أشد إنكاراً لما أنكرتموه، وأشد استهجانا لما استهجنتموه، فسمت الحلل تيساً مستعارا، وهذا فيه من التقبيح والاتسهجان ما فيه، ولعنته، وهل يلعن الله ورسوله من يفعل مستحبا أو جائزا أو مكروهاً أو صغيراً، أو لعنته مختصة يمن أرتكب كبيرة أو ما هو أعظم منها، كما قال ابن عباس، كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو عذاب أو نار فهو كبيرة.
=============
نفي عصمة الرسول صلى اله عليه وسلم
الشيخ عماد الشربيني
احتج المشاغبون الذاهبون إلى نفى العصمة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فى قلبه وعقيدته قبل البعثة وبعدها، بما ورد من آيات أسند فيها "الضلال" و"الغفلة" إلى ضمير خطابه صلى الله عليه وسلم، وحملوها على الكفر فى حقه صلى الله عليه وسلم كقوله تعالى : }قل إن ضللت فإنما أضل على نفسى وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى إنه سميع قريب{([1]) وقوله عز وجل : }ووجدك ضالاً فهدى{([2]) وقوله سبحانه : }نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين{([3])
ويجاب عن ما سبق بما يلى :
أولاً : حمل أعداء الإسلام، وأعداء السنة المطهرة، والسيرة العطرة كلمتى "الضلال" والغفلة، فى الآيات على الكفر والغى والفساد! وهذا تعسف باطل فى تأويل الآيات، ومرفوض من وجوه:
الأول : أنه قبل النبوة لم يكن هناك شرعاً قائماً حتى يوصف المنحرف عنه بالضلال
الثانى : ما ثبت بإجماع الأمة قاطبة من عصمة الأنبياء قبل النبوة وبعدها من الكبائر والصغائر([1])
الثالث : ما ثبت بالتواتر عن حال النبى صلى الله عليه وسلم فى نشأته قبل النبوة من عصمة ربه عز وجل له من كل ما يمس عقيدته وخلقه بسوء على ما سبق تفصيله([2])
ثانياً : إن تأويل أعداء الإسلام للآيات يرفضه القرآن الكريم، حيث وردت فيه كلمة "الضلال" مراداً بها أكثر من معنى، منها ما يلى :
1- ضلال بمعنى الكفر فى نحو قوله تعالى : }ولقد أضل منكم جبلاً كثيراً أفلم تكونوا تعقلون{([3])
2- ضلال بمعنى النسيان فى نحو قوله تعالى : }أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى{([4]) أى أن تنسى إحدى المرأتين، فتذكر إحداهما الأخرى
3- ضلال بمعنى الغفلة فى نحو قوله سبحانه على لسان سيدنا موسى عليه السلام لفرعون : }قال فعلتها إذاً وأنا من الضالين{([5])
4- ضلال بمعنى المحبة فى نحو قوله عز وجل على لسان أولاد سيدنا يعقوب : }إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفى ضلال مبين{([6]) أى فى حب مبين ليوسف، وهو المشار إليه فى قوله تعالى على لسانهم أيضاً : }قالوا تالله إنك لفى ضلالك القديم{([7]) وكذلك قوله سبحانه على لسان نسوة المدينة : }وقال نسوة فى المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه قد شغفها حباً إنا لنراها فى ضلال مبين{([8]) أى حب مبين ليوسف عليه السلام
ولما كان الضلال فى لسان أهل اللغة : العدول عن الطريق المستقيم، وضده الهداية، كان كل عدول ضلال، سواء كان عمداً أو سهواً، يسيراً كان أو كثيراً، ومن هنا صح أن يستعمل لفظ الضلال ممن يكون منه خطأ ما، ولذلك نسب الضلال إلى الأنبياء، وإلى الكفار، وإن كان بين الضلالين بون بعيد([9])
وعلى الوجهين الثالث والرابع تفسر آية : }ووجدك ضالاً فهدى{ ونحوها، ويكون المعنى على الوجه الرابع : ووجدك محباً للهداية فهداك إليها، ويشهد لصحة هذا الوجه والتأويل ما يلى :
أ- ما صح من سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة، وتحنثه فى غار حراء طلباً للهداية، حتى نزل عليه جبريل عليه السلام بالوحى([1 ])
ب- أن من أسماء المحبة عند العرب "الضلال" قال الشاعر
هذا الضلال أشاب مني المفرقا *** والعارضين ولم اكن متحققا
عجبا لعزة في اختيار قطيعتي*** بعد الضلال فحبلها قداخلفا 14
قال الإمام الزرقانى([12]) : وهذا أى الوجه الرابع، وتأويل الضلال بمعنى المحبة منقول عن قتادة، وسفيان الثورى، فلا يضر عدم وجوده فى الصحاح وأتباعه، فاللغة واسعة([13])، وقال الدكتور عبد الغنى عبد الخالق : وهذا قول حسن جداً([14]) ويكون المعنى على الوجه الثالث : }ووجدك ضالاً فهدى{ أى وجدك غافلاً عما يراد بك من أمر النبوة، فهداك أى فأرشدك
والضلال هنا : بمعنى الغفلة كقوله تعالى : }لا يضل ربى ولا ينسى{([15]) أى لا يغفل ولا يسهو جل جلاله عن شئ فى السماوات والأرض وما فيهن([16]) وقال تعالى فى حق نبيه صلى الله عليه وسلم: }نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين{([17]) أى لم تكن تدرى القرآن، والشرائع وما فيها من قصص الأنبياء، فهداك الله عز وجل إلى ذلك، وهو معنى قوله تعالى : }وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا ما كنت تدرى ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نوراً نهدى به من نشاء من عبادنا وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم{([18])(6/304)
والغفلة فى حق الأنبياء لا جهل فيها، لأن الجاهل لا يسمى غافلاً حقيقة لقيام الجهل به، فصح أن ضلال الأنبياء عليهم الصلاة والسلام غفلة لا جهل([19]) وقد روى هذا التأويل والوجه بعينه عن ابن عباس، وجماعة من المفسرين، وجماعة من أهل التأويل([2 ])
وقيل : الضلال فى الآيات بمعنى التحير، ولهذا كان صلى الله عليه وسلم يخلو بغار حراء فى طلب ما يتوجه به إلى ربه، ويتشرع به؛ حتى هداه الله إلى الإسلام([21]) وهذا التأويل قريب من الوجه السابق
وبقيت وجوه أخرى من التأويل ذكرها أهل العلم([22]) وأقواها ما اكتفيت بذكره
أما ما استدلوا به من قوله صلى الله عليه وسلم على ما حكاه عنه القرآن الكريم : }قل إن ضللت فإنما أضل على نفسى وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى إنه سميع قريب{([23]) وزعمهم بأن نسبة الضلال إلى نفسه صلى الله عليه وسلم يعنى أنه غير معصوم منه حتى بعد النبوة، فلا حجة لهم فى التعلق بظاهر هذه النسبة! لأن نسبة الضلال إلى نفسه صلى الله عليه وسلم جاءت منه على جهة الأدب مع ربه عز وجل، وهكذا الأنبياء جميعاً إذا مسهم ضر نسبوه إلى الشيطان على جهة الأدب مع الحق جل جلاله، لئلا ينسبوا له فعلاً يكره، مع علمهم أن كلا من عند الله تعالى، قال الخليل عليه السلام : }وإذا مرضت فهو يشفين{([24]) وقال الخضر عليه السلام : }فأردت أن أعيبها{([25]) أى السفينة، مع أن فعله كان بأمره عز وجل كما قال عز وجل على لسانه : }وما فعلته عن أمرى{([26]) وقال موسى عليه السلام : }هذا من عمل الشيطان{([27]) وقال نبينا صلى الله عليه وسلم : "والخير كله فى يديك، والشر ليس إليك"([28]) يعنى : ليس إليك يضاف الشر وصفاً لا فعلاً، وإن كان الفعل كله من عند الله عز وجل كما قال : }وإن تصبهم حسنة يقولوا هذه من عند الله وإن تصبهم سيئة يقولوا هذه من عندك قل كل من عند الله فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا{([29])
أما الشرط فى الآية }إن ضللت{ فلا يقتضى الوقوع ولا الجواز، فالضلال لا يقع منه صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز أن يقع منه، لا قبل النبوة ولا بعدها، بمقتضى عصمة الله عز وجل له، ألا ترى كيف قال الله تعالى : }لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم{([3 ]) والمعنى: لولا ما عصمناه ورحمناه، لأتى ما يذم عليه، على فرض الإمكان، لا على فرض الوقوع
وكذلك قوله تعالى : }ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن يضلوك وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ{([31]) والمعنى : لولا فضل الله عليك يا رسول الله، بالعصمة ورحمته إياك، لهمت طائفة منهم أن يضلوك، على فرض الإمكان، لا على فرض الوقوع، بدليل بقية الآية : }وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شئ{([32]) وقال تعالى : }وإن كادوا ليفتنونك عن الذى أوحينا إليك لتفترى علينا غيره وإذاً لاتخذوك خليلاً{ فهذه الآية كسابقتها من جملة الآيات المادحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، لا أنها من المتشابهات
ومعناها : "لولا وجود تثبيتنا إياك، لقد قاربت أن تميل إليهم شيئاً يسيراً من أدنى الميل، لكن امتنع قرب ميلك وهواك لوجود عصمتنا وتثبيتنا إياك"([33])
فتأمل كيف بدأ بثباته وسلامته بالعصمة، قبل ذكر ما عتبه عليه، وخيف أن يركن إليه، على فرض الإمكان لا على فرض الوقوع. وتأمل كيف جاء فى أثناء عتبه – إن كان ثم عتب – براءته صلى الله عليه وسلم، وفى طى تخويفه تأمينه وكرامته صلوات الله وتسليمه عليه([34])(6/305)
وصفوة القول : أن ما استدل به من آيات على عدم عصمته صلى الله عليه وسلم لا حجة لهم فيها لأن تلك الآيات الكريمات هى فى حقيقة الأمر واردة فى مقام المنة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومع تلك المنَّة يستحيل ما استدلوا به على عدم عصمته صلى الله عليه وسلم وتأمل معى آية سبأ : }قل إن ضللت فإنما أضل على نفسى وإن اهتديت فبما يوحى إلى ربى إنه سميع قريب{([35]) فهل مع منَّة النبوة، ونزول وحى الله تعالى إليه يكون ضلال؟ هل يعقل هذا؟ وكذلك آية يوسف : }نحن نقص عليك أحسن القصص بما أوحينا إليك هذا القرآن وإن كنت من قبله لمن الغافلين{([36]) فهل مع منة الوحى، ونزول القرآن عليه يجوز فى حقه صلى الله عليه وسلم غفلة جهل، سواء قبل النبوة أو بعدها؟! وكذلك ما استدلوا به من آية الضحى : }ووجدك ضالاً فهدى{ تجدها آية كريمة وردت فى سورة عظيمة أقسم رب العزة فى أولها بالضحى، والليل إذا أقبل بظلامه، على أنه ما ترك نبيه صلى الله عليه وسلم، وما أبغضه، وهذا من كمال عنايته عز وجل فى رد ما قال المشركون للنبى صلى الله عليه وسلم، ثم أخذ رب العزة يعدد فى ضمن نفى التوديع والقلى : }ما ودعك ربك وما قلى{([37]) نعمه على حبيبه ومصطفاه فى الدنيا والآخرة، وآمراً له بأن يحدث بها قال تعالى : }وللآخرة خير لك من الأولى. ولسوف يعطيك ربك فترضى. ألم يجدك يتيماً فأوى. ووجدك ضالاً فهدى. ووجدك عائلاً فأغنى. فأما اليتيم فلا تقهر. وأما السائل فلا تنهر. وأما بنعمة ربك فحدث{([38]) فتأمل كيف وردت آية }ووجدك ضالاً فهدى{ فى معرض الثناء والمدح، والمنَّة عليه صلى الله عليه وسلم بنعم لا تعد ولا تحصى. فهل يعقل أن يكون مراداً بالضلال فى هذا المقام ضلال الكفر والفساد؟!! كيف وقد عصمه رب العزة من ذلك قبل نبوته، وهو ما تشهد به سيرته العطرة، على ما سبق تفصيله فى مبحثى الفصل الأول دلائل عصمته فى عقله وبدنه من خلال القرآن الكريم والسنة المطهرة؛ كما شهد رب العزة بعصمته من الضلال بعد نبوته فى قوله تعالى : }ما ضل صاحبكم وما غوى{([39]) مع تأكيد النفى بالقسم بقوله عز وجل : }والنجم إذا هوى{([4 ])
وتأمل دلالة كلمة "صاحبكم" فى قوله }ما ضل صاحبكم وما غوى{ ولم يقل : محمد، أو رسول الله، أو نحو ذلك. تأكيداً لإقامة الحجة على المشركين بأنه صاحبهم، وهم أعلم الخلق به، وبحاله، وأقواله، وأعماله، منذ نشأته بينهم بالأمانة، والصدق ورجاحة العقل، والخلق القويم، وأنهم لا يعرفونه بكذب، ولا غى، ولا ضلال فى العقيدة أو الأخلاق، وبالجملة : لا ينقمون عليه أمراً واحداً قط، وقد نبه الله تعالى على هذا المعنى بقوله عز وجل : }قل لو شاء الله ما تلوته عليكم ولا أدراكم به فقد لبثت فيكم عمراً من قبله أفلا تعقلون{([41]) وقال سبحانه : }أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون{([42])
هذا وفى القسم بالنجم، إشارة إلى أنه صلى الله عليه وسلم يهتدى به كما يهتدى بالنجم، ومن يهتدى به، وحث رب العزة على الاقتداء به، يستحيل فى حقه الضلال
إن الآية الكريمة }ما ضل صاحبكم وما غوى{ مسوقة لتبرئته صلى الله عليه وسلم مما رماه به المشركون قديماً من الضلال والغى، وهى أيضاً مسوقة لتبرئته صلى الله عليه وسلم مما رماه به أذيالهم حديثاً من تفسير الضلال والغفلة، بالكفر والفساد. فوجب أن يكون النفى عاماً فى الضلال والغى قبل النبوة وبعده
وهو ما يدل عليه اللفظ العربى، ويقتضيه سياق الآية، إذ من المعلوم فى اللفظ العربى أن الفعل إذا ما وقع فى سياق النفى أو الشرط، دل على العموم وضعاً بلا نزاع
زد على هذا أن الأفعال بمنزلة النكرات، والنكرة تعم، فكأنه قال : ما صدر منه صلى الله عليه وسلم ضلال لا فى عقيدة ولا فى خلق لا قبل النبوة ولا بعدها([43])
والمفسرون حين عمموا الآية فى جميع الضلال قبل النبوة وبعدها، قالوا بما يدل عليه اللفظ العربى دلالة وضعية لغوية، وبما يقتضيه سياق الآية، وبما تشهد به سيرته صلى الله عليه وسلم من كمال عقله وخلقه قبل النبوة وبعدها، وعصمته فى قلبه وعقيدته من الكفر والشرك، والشك، والضلال، والغفلة، على ما سبق تفصيله([44]) أه
والله تبارك وتعالى أعلى وأعلم
-------------
([1]) ينظر ص7،11
([2]) ص44 – 79، وينظر : خواطر دينية لعبد الله الغمارى ص178، 179
([3]) الآية 62 يس، وينظر : تفسير القرآن العظيم لابن كثير 6/57 ، 571
([4]) جزء من الآية 282 البقرة
([5]) الآية 2 الشعراء، وينظر : الأشباه والنظائر فى القرآن الكريم لمقاتل بن سليمان ص297 – 299
([6]) الآية 8 يوسف
([7]) الآية 95 يوسف
([8]) الآية 3 يوسف
([9]) ينظر : معجم مفردات ألفاظ القرآن للأصفهانى ص333، 334، وتأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص457
([1 ]) ينظر : حديث تحنثه فى غار حراء فى صحيح البخارى (بشرح فتح البارى) كتاب بدء الوحى 1/3 رقم 3
([11]) الجامع لأحكام القرآن للقرطبى 2 / 97(6/306)
([12]) هو : محمد بن الشيخ عبد الباقى الزرقانى، أبو عبد الله، الإمام الفقيه، الفهامة المتفنن، المحدث، الرواية المسند، المؤلف المتقن، من مؤلفاته النافعة : شرح الموطأ، وشرح المواهب اللدنية للقسطلانى، وغير ذلك. مات سنة 1122هـ له ترجمة فى : شجرة النور الزكية للشيخ محمد مخلوف 1/318، 319 رقم 1237
([13]) شرح الزرقانى على المواهب 9/11، وينظر : الشفا 2/112، 113
([14]) حجية السنة ص112
([15]) الآية 52 طه
([16]) ينظر:تفسير القرآن العظيم لابن كثير5/291،ومعجم مفردات ألفاظ القرآن للأصفهانى ص4 5
([17]) الآية 3 يوسف
([18]) الآية 52 الشورى
([19]) ينظر : تنزيه الأنبياء عما نسب إليهم حثالة الأغبياء لعلى السبتى ص112، 113، والشفا 2/114
([2 ]) ينظر : تفسير المنار 12/2 8، وجامع البيان عن تأويل آى القرآن لابن جرير الطبرى 12/624، والجامع لأحكام القرآن للقرطبى 2 /96، وفتح القدير 4/763، وعصمة الأنبياء للرازى ص92، 93
([21]) الشفا 2/112، وينظر : شرح الشفا للقارى 2/2 5 تفسير جزء عم للشيخ محمد عبده ص111، 112
([22]) ينظر : شرح الزرقانى على المواهب 9/ 8 – 14، والشفا 2/112 – 114، ومفاتيح الغيب للرازى 8/451، 452
([23]) الآية 5 سب
([24]) الآية 8 الشعراء
([25]) جزء من الآية 79 الكهف
([26]) جزء من الآية 82 الكهف
([27]) جزء منا الآية 15 القصص
([28]) جزء من حديث طويل أخرجه مسلم (بشرح النووى) كتاب صلاة المسافرين، باب صلاة النبى صلى الله عليه وسلم، ودعاؤه بالليل 3/3 9 رقم 771 من حديث على ابن أبى طالب رضى الله عنه
([29]) الآية 78 النساء، وينظر : المنهاج شرح مسلم 3/317 رقم 771
([3 ]) الآية 49 القلم
([31]) الآية 113 النساء
([32]) ينظر : تنزيه الأنبياء لعلى السبتى ص119
([33]) شرح الشفا للقارى 1/68 بتصرف يسير
([34]) الشفا 1/3 ، وينظر : شرح الزرقانى على المواهب 9/51
([35]) الآية 5 سب
([36]) الآية 3 يوسف
([37]) الآية 3 الضحى
([38]) الآيات 4 – 11 الضحى
([39]) الآية 2 النجم
([4 ]) الآية الأولى النجم
([41]) الآية 16 يونس
([42]) الآية 69 المؤمنون، وينظر : شرح الزرقانى على المواهب 8/457 بتصرف
([43]) ينظر : شرح الزرقانى على المواهب 9/4
([44]) يراجع : ص47 – 79، وينظر : دلالة القرآن المبين على أن النبى صلى الله عليه وسلم أفضل العالمين للأستاذ عبد الله الغمارى ص138،
================
لماذا حفظ الله القرآن و لم يحفظ الكتب قبله و هي كلامه
الله عز وجل قال لآدم لا تاكل من الشجرة لكن بوسوسة الشيطان أدم أكل .فهل تم تحريف كلام الله لا تأكل ,,? في الظاهر هو كدلك و لكن في الباطن لا لأنه قال للملائكة أني جاعل في الأرض خليفة ادن الشيطان غبي لو أراد تحدي الله لترك ادم و شأنه -بطبيعة الحال الشيطان لن يسال عن قدر الله و لكن عن تصرفه الغبي -نفس الشيء للتوراة و الانجيل هم حرفوها ونحن نعرف أن القران قد صدق و لهدا لماكانت تنزل الايات التي تصدق يزدادون غيضا و يحرفون حتى ينفوا عنهم ان محمد أخبرهم بما خفي في كتبهم ادن ارادوا عدم ترك أي أثر يدينهم .و هم ارتكبوا حماقات لآن القران قد صدق أي انتقل ما محوه من التوراة و الانجيل الى القران ادن في حقيقة الامر لم يمحوا شيئا و استمرمكرهم و استمر مكر الله بهم و كانت النتيجة اكتمال القران و طردهم بحيت من أراد التوراة و الانجيل سيجدها في القران
فلو كنت في مكانهم ما حرفت لمادا ??لاني ان لم احرف و جاء الكتاب اي القران سيكون عندنا 3 كتب متشابهة أو ادا صح التعبير الانجيل الحقيقي+التوراة الحقيقية =نفس ما في القران و هدا عبث لأنه ادا كان ما يحويه الكتاب هو نفس ما يحويه الاخر فلا حكمة من و جودهما معا .فيجب ان يفسح المجال لكتاب و احد فقط و كلنا يكره التكرار .
هدا هو السر في أنه لو لم يحرفوا ما كانت حكمة من أجل مجيء النبي و اكتمال القران ونشكرهم على تحريفهم لآنه خضعوا لارادة الله من حيت لا يشعرون كما خضع ابليس لا رادة و قدر الله من حيت لا يشعر و لا يسأل احد عن القدر و لكن عما كسبت يمينه و هدا عين العدل
ادن الله حافظ على التوراة و الانجيل و الزبور و صحف ابراهيم من التحريف بحيت ضم كل دلك في القران و لهدا فهو مهيمن و سيد و ملك أي القرآن على غيره
( إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ ) [ قرآن - المائدة : 44 ]
أمر الله عز وجل بني اسرائيل بحفظ التوراة .... فخانوا عهد الله(6/307)
لقد اعترف كاتب سفر ارميا بأن اليهود حرفوا كلمة الله لذلك فهو ينسب لإرميا في ( 23 : 36 ) توبيخ النبي إرميا لليهود :
( أما وحي الرب فلا تذكروه بعد لأن كلمة كل إنسان تكون وحيه إِذْ قَدْ حَرَّفْتُمْ كلام الإله الحي الرب القدير )
ونجد أيضاً ان كاتب سفر ارميا ينسب لإرميا توبيخه وتبكيته لليهود لقيامهم بتحربف كلمة الرب : ( كيف تقولون إننا حكماء وكلمة الرب معنا ؟ حقاً إنه إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب . )
وكاتب سفر الملوك الأول ( 19 : 9 ) ينسب لإليا النبي حين هرب من سيف اليهود فيقول : ( وَقَالَ الرَّبُّ لإِيلِيَّا : مَاذَا تَفْعَلُ هُنَا يَاإِيلِيَّا ؟ فَأَجَابَ: «غِرْتُ غَيْرَةً لِلرَّبِّ الإِلَهِ الْقَدِيرِ، لأَنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ تَنَكَّرُوا لِعَهْدِكَ وَهَدَمُوا مَذَابِحَكَ وَقَتَلُوا أَنْبِيَاءَكَ بِالسَّيْفِ، وَبَقِيتُ وَحْدِي. وَهَا هُمْ يَبْغُونَ قَتْلِي أَيْضاً ) كتاب الحياة
كاتب المزمور ( 56 : 4 ) ينسب إلى داود عليه السلام بأن أعدائه طوال اليوم يحرفون كلامه : ( ماذا يصنعه بي البشر. اليوم كله يحرفون كلامي. عليّ كل افكارهم بالشر ) ترجمة الفاندايك
==================
كان الناس أمة واحدة ، فلماذا ارسل الله الرسل ؟
البَقَرَة
كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَّشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ
يتردد علينا سؤال غريب وجدنا أن نرد عليه :
إذا كان الناس أمة واحدة ، وقد رتب الله بعث وإرسال النبيين على كونهم أمة واحدة ، فمن أين إذن جاء الخلاف إلى حياة الناس ؟
إذاً للرد على هذا السؤال .. فلا بد أن تُحمل هذه الآية المجملة على آية أخرى مفصلة في قوله تعالى :يُونُس وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَّاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
{{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً }} فقبل بعث الله النبيين كان الناس أمة واحدة يتبعون آدم عليه السلام ، وقد بلغ الحق سبحانه آدم المنهج بعد أن اجتباه وهداه ، وعلم آدم أبناءه منهج الله ، فظل الناس من أبنائه على إيمان بعقيدة واحدة ، ولم ينشأ عندهم ما يوجب اختلاف أهوائهم ، فالعالم كان واسعاً ، وكانت القلة السكانية فيه هي آدم وأولاده فقط ، وكان خير العالم يتسع للموجودين فقط .
إذن لا تطاحن على شيء ، ومن يريد شيئاً يأخذه ، وكانت الملكية مشاعة للجميع ،لأنه لم تكن هناك ملكية لأحد ، فمن يريد أن يبني بيتاً فله أن يبنيه ولو عشرين فداناً ، ومن يريد أن يأكل فاكهة أو يأخذ ثمراً من أي بستان فله أن يأخذ ما يريد .
إذن كان الناس أمة واحدة ، أي لم توجد الأطماع ، ولم يوجد حب الاستئثار بالمنافع مما يجعلهم يختلفون .
إذن فأساس الاختلاف هو الطمع في متاع الدنيا ، ومن هنا ينشأ الهوى .
وكان من المفروض في آدم عليه السلام بعد أن بلغه الله المنهج أن يبلغه لأولاده ، وأن يتقبل أبناؤه المنهج ، ولكن بعض أولاده تمرد على المنهج ، ونشأ حب الاستئثار من ضيق المُستَأثر والمنتفع به ، ومن هنا نشأت الخلافات .
ولنا في قصة هابيل وقابيل ما يوضح ذلك : المائِدَة وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ
إذن كان ميلاد أول خلاف بين البشر حينما تنافس اثنان للاستئثار بمنفعة ما ، وكان هذا مثالاً واضحاً لما يمكن أن يحدث عندما تضيق المنافع عن الأطماع .
لهذا {{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً }} لكنهم اختلفوا لحظة الاستئثار بالمنافع ، وأصبح لكل إنسان هوى . ولو شاء الله أن يجعل منهجه لآدم منهجاً دائماً إلى أن تقوم الساعة لفعل . ولكنه سبحانه برحمته يعلم أنه خلقنا ، ويعلم أننا بعقل مرة ونسهو مرة ، ونلتزم مرة ، ونهمل مرة أخرى ، فشاء الله أن يواصل لخلقه مواكب الرسل .
ولذلك يأتي قوله الحق : {{ وَّاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ }} ومهمة (( التبشير والإنذار )) هي أن يتذكر الناس أن هناك جنة وناراً ، ولذلك يبشر كل رسول مَن آمن من قومه بالجنة ، وينذر من كفر مِن هؤلاء القوم بالنار . ويذكرنا الحق سبحانه بأنه أشهدنا على أنفسنا على وحدانيته فقال :(6/308)
الأَعْرَاف وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ
ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بالخلق ، ومن تمام علمه سبحانه بضعف البشر أمام أهوائهم وأمام استئثارهم بالمنافع ، وأرسل الرسل إلى البشر ليبشروا ولينذروا .
(( وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ )) فكأن الله لم يشأ أن يترك البشر ليختلفوا ، وإنما الغفلة من الناس هي التي أوجدت هذا الاختلاف .
((مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ )) ومن هذا القول الحكيم نعرف أن الاختلاف لا ينشأ إلا من إرادة البغي ، والبغي هو أن يريد الإنسان أن يأخذ غير حقه .
وما دام كل منا يريد أن يأخذ غير حقه فلا بد أن ينشأ البغض .
((فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِه )) أي أن الله يهدي الذين آمنوا من كل قوم بالرسول الذي جاء مبشراً ونذيراً وحاملاً منهج ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . وبذلك يظل المهج سائداً إلى أن تمضي فترة طويلة تغفل فيها النفوس ، وتبدأ من خلالها المطامع ويحدث النسيان لمنهج الله ، وتنشأ الأهواء ، فيرسل الله الرسل ليعيدوا الناس إلى المنهج القويم ، واستمر هذا الأمر حتى جاءت رسالة الإسلام خاتمة وبعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للدنيا كلفة ، وبذلك ضمن لنا الحق سبحانه وتعالى ألا ينشأ خلاف في الأصل ، لأننا لو كنا سنختلف في أصل العقيدة لجرى علينا ما جرى على الأمم السابقة .
هم اختلفوا فأرسل الله لهم رسلاً مبشرين ومنذرين ، لكن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أراد الحق لها منهجاً واضحاً يحميها من الاختلاف في أصل العقيدة . وإن اختلف الناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فعليهم أن يسترشدوا بالمنهج الحق المتمثل في القرآن والسُنة .
فنحن نجد كل الاختلافات بين طوائف المسلمين لا تخرج عن إطار فهم نصوص القرآن أو أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكل مسلم يريد أن يستقي دليله من الكتاب السنة .... لهذا أي اختلاف لن يصل إلى الجوهر .... فلو علم الله أزلاً أننا سوف نختلف اختلافاً في صحيح العقيدة لكان قد أرسل لنا رسلاً .
والحمد لله على نعمة الإسلام
-----------------------
تفسير الألوسي - (ج 2 / ص 190)
{ كَانَ الناس أُمَّةً واحدة } متفقين على التوحيد مقرين بالعبودية حين أخذ الله تعالى عليهم العهد ، وهو المروي عن أبيّ بن كعب أو بين آدم وإدريس عليهما السلام بناءاً على ما في «روضة الأحباب» أن الناس في زمان آدم كانوا موحدين متمسكين بدينه بحيث يصافحون الملائكة إلا قليل من قابيل ومتابعيه إلى زمن رفع إدريس ، أو بين آدم ونوح عليهما السلام على ما روى البزار وغيره عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما/ أنه كان بينهما عشرة قرون على شريعة من الحق ، أو بعد الطوفان إذ لم يبق بعده سوى ثمانين رجلاً وامرأة ثم ماتوا إلا نوحاً وبنيه حام وسام ويافث وأزواجهم وكانوا كلهم على دين نوح عليه الصلاة والسلام فالاستغراق على الأول والأخير حقيقي ، وعلى الثاني والثالث ادعائي بجعل القليل في حكم العدم ، وقيل : متفقين على الجهالة والكفر بناءاً على ما أخرجه ابن أبي حاتم من طريق العوفي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا كفاراً وذلك بعد رفع إدريس عليه الصلاة والسلام إلى أن بعث نوح ، أو بعد موت نوح عليه الصلاة والسلام إلى أن بعث هود عليه الصلاة والسلام .
{ فَبَعَثَ الله النبيين } أي فاختلفوا فبعث الخ وهي قراءة ابن مسعود رضي الله تعالى عنه ، وإنما حذف تعويلاً على ما يذكر عقبه . { مُبَشّرِينَ } من آمن بالثواب . { وَمُنذِرِينَ } من كفر بالعذاب وهم كثيرون ، فقد أخرج أحمد وابن حبان عن أبي ذر أنه سئل النبي صلى الله عليه وسلم كم الأنبياء؟ قال : " مائة ألف وأربعة وعشرون ألفاً قلت : يا رسول الله كم الرسل؟ قال : ثلثمائة وثلاثة عشر جم غفير " ولا يعارض هذا قوله تعالى { وَرُسُلاً قَدْ قصصناهم عَلَيْكَ } [ النساء : 164 ] الآية لما سيأتي إن شاء الله تعالى ، والجمعان منصوبان على الحال من ( النبيين ) ، والظاهر أنها حال مقدرة ، والقول بأنها حال مقارنة خلاف الظاهر .(6/309)
{ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الكتاب } اللام للجنس ومعهم حال مقدرة من الكتاب فيتعلق بمحذوف ، وليس منصوباً بأنزل والمعنى أنزل جنس الكتاب مقدراً مقارنته ومصاحبته للنبيين حيث كان كل واحد منهم يأخذ الأحكام إما من كتاب يخصه أو من كتاب من قبله ، والكتب المنزلة مائة وأربعة في المشهور أنزل على آدم عشر صحائف وعلى شيث ثلاثون ، وعلى إدريس خمسون ، وعلى موسى قبل التوراة عشر ، والتوراة والإنجيل ، والزبور والفرقان ، وجوز كون اللام للعهد وضمير معهم للنبيين باعتبار البعض أي أنزل مع كل واحد من بعض النبيين كتابه ، ولا يخفى ما فيه من الركة { بالحق } متعلق ب { أَنَزلَ } أو حال من { الكتاب } أي متلبساً شاهداً به { لِيَحْكُمَ بَيْنَ الناس } علة للإنزال المذكور أوله وللبعث ، وهذا البعث المعلل هو المتأخر عن الاختلاف فلا يضر تقدم بعثة آدم وشيث ، وإدريس عليهم الصلاة والسلام بناءاً على بعض الوجوه السابقة والحكم بمعنى الفصل بقرينة تعلق بين به ولو كان بمعنى القضاء لتعدى بعلى؛ والضمير المستتر راجع إلى الله سبحانه ويؤيده قراءة الجحدري فيما رواه عنه مكي ( لنحكم ) بنون العظمة أو إلى النبي وأفرد الفعل لأن الحاكم كل واحد من النبيين ، وجوز رجوعه إلى الكتاب والإسناد حينئذ مجازي باعتبار تضمنه ما به الفصل ، وزعم بعضهم أنه الأظهر إذ لا بد في عوده إلى الله تعالى من تكلف في المعنى أي يظهر حكمه وإلى النبي من تكلف في اللفظ حيث لم يقل ليحكموا ، ومما ذكرنا يعلم ما فيه من الضعف ، والمراد من الناس المذكورون والإظهار في موضع الإضمار لزيادة التعيين .
{ فِيمَا اختلفوا فِيهِ } أي في الحق الذي اختلفوا فيه بناءاً على أن وحدة الأمة بالاتفاق على الحق وإذا فسرت الوحدة بالاتفاق على الجهالة والكفر يكون الاختلاف مجازاً عن الالتباس والاشتباه اللازم له والمعنى فيما التبس عليهم { وَمَا اختلف فِيهِ } أي في الحق بأن أنكروه وعاندوه أو في الكتاب المنزل متلبساً به بأن حرفوه وأولوه بتأويلات زائغة والواو حالية . { إِلاَّ الذين أُوتُوهُ } أي الكتاب المنزل لإزالة الاختلاف وإزاحة الشقاق أي عكسوا الأمر حيث جعلوا ما أنزل مزيحاً للاختلاف سبباً لرسوخه واستحكامه ، وبهذا يندفع السؤال بأنه/ لما لم يكن الاختلاف إلا من الذين أوتوه فالاختلاف لا يكون سابقاً على البعثة وحاصله أن المراد ههنا استحكام الاختلاف واشتداده ، وعبر عن الإنزال بالإيتاء للتنبيه من أول الأمر على كمال تمكنهم من الوقوف على ما فيه من الحق فإن الإنزال لا يفيد ذلك ، وقيل : عبر به ليختص الموصول بأرباب العلم والدراسة من أولئك المختلفين ، وخصهم بالذكر لمزيد شناعة فعلهم ولأن غيرهم تبع لهم
{ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ البينات } أي رسخت في عقولهم الحجج الظاهرة الدالة على الحق ، و { مِنْ } متعلقة ب { اختلفوا } محذوفاً ، والحصر على تسليم أن يكون مقصوداً مستفاد من المقام أو من حذف الفعل ، ووقوع الظرف بعد حرف الاستثناء لفظاً ، أو من تقدير المحذوف مؤخراً وفي «الدرّ المصون» تجويز تعلقه بما اختلف قبله ولا يمنع منه إلا كما قاله أبو البقاء ، وللنحاة في هذا المقام كلام محصله أنّ استثناء شيئين بأداة واحدة بلا عطف غير جائز مطلقاً عند الأكثرين ، لا على وجه البدل ولا غيره ويجوز عند جماعة مطلقاً وفصل بعضهم إن كان المستثنى منه مذكوراً مع كل من المستثنيين وهما بدلان جاز وإلا فلا واستدل من أجاز مطلقاً بقوله تعالى : { وَمَا نَرَاكَ اتبعك إِلاَّ الذين هُمْ أَرَاذِلُنَا بَادِىَ الرأى } [ هود : 7 2 ] فإنه لم يذكر فيه المستثنى أصلاً ، والتقدير : ما نراك اتبعك أحد في حال إلا أراذلنا في بادي الرأي وأجاب من لم يجوّز بأن النصب بفعل مقدر أي : اتبعوا وبأنّ الظرف يكفيه رائحة الفعل فيجوز فيه ما لا يجوز في غيره قاله الرضيّ وهو مبنى الاختلاف في الآية/(6/310)
وقوله تعالى : { بَغْياً بَيْنَهُمْ } متعلق بما تعلق به { مِنْ } و البغي الظلم أو الحسد ، و { بَيْنَهُمْ } متعلق بمحذوف صفة { بَغِيّاً } وفيه إشارة على ما أرى إلى أنّ هذا البغي قد باض وفرخ عندهم ، فهو يحوم عليهم ويدور بينهم لا طمع له في غيرهم ، ولا ملجأ له سواهم ، وفيه إيذان بتمكنهم في ذلك وبلوغهم الغاية القصوى فيه وهو فائدة التوصيف بالظرف وقيل : أشار بذلك إلى أنّ البغي أمر مشترك بينهم وأنّ كلهم سفل ، ومنشأ ذلك مزيد حرصهم في الدنيا وتكالبهم عليها { فَهَدَى الله الذين ءامَنُواْ لِمَا اختلفوا فِيهِ مِنَ الحق بِإِذْنِهِ } أي بأمره أو بتوفيقه وتيسيره ، و { مِنْ } بيان { لَّمّاً } والمراد للحق الذي اختلف الناس فيه فالضمير عام شامل للمختلفين السابقين واللاحقين وليس راجعاً إلى «الذين أوتوه» كالضمائر السابقة ، والقرينة على ذلك عموم الهداية للمؤمنين السابقين على اختلاف أهل الكتاب واللاحقين بعد اختلافهم ، وقيل : المراد من { الذين كَفَرُواْ } أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، والضمير في { اختلفوا } للذين أوتوه أي الكتاب ، ويؤيده ما أخرجه ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال : اختلفوا في يوم الجمعة ، فأخذ اليهود يوم السبت ، والنصارى يوم الأحد فهدى الله تعالى أمَّة محمد صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة . و اختلفوا في القبلة ، فاستقبلت النصارى المشرق ، واليهود بيت المقدس وهدى الله تعالى أمّة محمد صلى الله عليه وسلم للقبلة . و اختلفوا في الصلاة ، فمنهم من يركع ولا يسجد ، ومنهم من يسجد ولا يركع ، ومنهم من يصلي وهو يتكلم ، ومنهم من يصلي وهو يمشي ، فهدى الله تعالى أمّة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك . واختلفوا في الصيام ، فمنهم من يصوم النهار والليل ، ومنهم من يصوم عن بعض الطعام ، فهدى الله أمّة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك . واختلفوا في إبراهيم عليه الصلاة والسلام فقالت اليهود : كان يهودياً ، وقالت النصارى : كان نصرانياً ، وجعله الله تعالى حنيفاً مسلماً فهدى الله تعالى أمّة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك . واختلفوا في عيسى عليه الصلاة/ والسلام ، فكذبت به اليهود وقالوا لأمّه : بهتاناً عظيماً ، وجعلته النصارى إلهاً وولداً ، وجعله الله تعالى روحه وكلمته ، فهدى الله تعالى أمّة محمد صلى الله عليه وسلم للحق من ذلك وقراءة أبيّ بن كعب { فَهَدَى الله الذين ءامَنُواْ لِمَا اختلفوا فِيهِ مِنَ الحق بِإِذْنِهِ * لّيَكُونُواْ * شُهَدَاء عَلَى الناس } . { والله يَهْدِى مَن يَشَاء إلى * صراط مُّسْتَقِيمٍ } وهو طريق الحق الذي لا يضل سالكه ، والجملة مقررّة لمضمون ما قبلها .
في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 193)
هذه هي القصة . . كان الناس أمة واحدة . على نهج واحد ، وتصور واحد . وقد تكون هذه إشارة إلى حالة المجموعة البشرية الأولى الصغيرة من أسرة آدم وحواء وذراريهم ، قبل اختلاف التصورات والاعتقادات . فالقرآن يقرر أن الناس من أصل واحد . وهم أبناء الأسرة الأولى : أسرة آدم وحواء . وقد شاء الله أن يجعل البشر جميعاً نتاج أسرة واحدة صغيرة ، ليقرر مبدأ الأسرة في حياتهم ، وليجعلها هي اللبنة الأولى . وقد غبر عليهم عهد كانوا فيه في مستوى واحد واتجاه واحد وتصور واحد في نطاق الأسرة الأولى . حتى نمت وتعددت وكثر أفرادها ، وتفرقوا في المكان ، وتطورت معايشهم؛ وبرزت فيهم الاستعدادات المكنونة المختلفة ، التي فطرهم الله عليها لحكمة يعلمها ، ويعلم ما وراءها من خير للحياة في التنوع في الاستعدادات والطاقات والاتجاهات .
عندئذ اختلفت التصورات وتباينت وجهات النظر ، وتعددت المناهج ، وتنوعت المعتقدات . . وعندئذ بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين . .
{ وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } . .
وهنا تتبين تلك الحقيقة الكبرى . . إن من طبيعة الناس أن يختلفوا؛ لأن هذا الاختلاف أصل من أصول خلقتهم؛ يحقق حكمة عليا من استخلاف هذا الكائن في الأرض . . إن هذه الخلافة تحتاج إلى وظائف متنوعة ، واستعدادات شتى من ألوان متعددة؛ كي تتكامل جميعها وتتناسق ، وتؤدي دورها الكلي في الخلافة والعمارة ، وفق التصميم الكلي المقدر في علم الله . فلا بد إذن من تنوع في المواهب يقابل تنوع تلك الوظائف؛ ولا بد من اختلاف في الاستعدادات يقابل ذلك الاختلاف في الحاجات . . « ولا يزالون مختلفين - إلا من رحم ربك - ولذلك خلقهم » . .(6/311)
هذا الاختلاف في الاستعدادات والوظائف ينشئ بدوره اختلافاً في التصورات والاهتمامات والمناهج والطرائق . . ولكن الله يحب أن تبقى هذه الاختلافات المطلوبة الواقعة داخل إطار واسع عريض يسعها جميعاً حين تصلح وتستقيم . . هذا الإطار هو إطار التصور الإيماني الصحيح . الذي ينفسح حتى يضم جوانحه على شتى الاستعدادات وشتى المواهب وشتى الطاقات؛ فلا يقتلها ولا يكبحها؛ ولكن ينظمها وينسقها ويدفعها في طريق الصلاح .
ومن ثم لم يكن بد أن يكون هناك ميزان ثابت يفيء إليه المختلفون؛ وحكم عدل يرجع إليه المختصمون؛ وقول فصل ينتهي عنده الجدل ، ويثوب الجميع منه إلى اليقين :
{ فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين ، وأنزل معهم الكتاب بالحق ، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه } .
ولا بد أن نقف عند قوله تعالى { بالحق } . . فهو القول الفصل بأن الحق هو ما جاء به الكتاب؛ وأن هذا الحق قد أنزل ليكون هو الحكم العدل ، والقول الفصل ، فيما عداه من أقوال الناس وتصوراتهم ومناهجهم وقيمهم وموازينهم . . لا حق غيره . ولا حكم معه . ولا قول بعده . وبغير هذا الحق الواحد الذي لا يتعدد؛ وبغير تحكيمه في كل ما يختلف فيه الناس؛ وبغير الانتهاء إلى حكمه بلا مماحكة ولا اعتراض . . بغير هذا كله لا يستقيم أمر هذه الحياة؛ ولا ينتهي الناس من الخلاف والفرقة؛ ولا يقوم على الأرض السلام؛ ولا يدخل الناس في السلم بحال .
ولهذه الحقيقة قيمتها الكبرى في تحديد الجهة التي يتلقى منها الناس تصوراتهم وشرائعهم؛ والتي ينتهون إليها في كل ما يشجر بينهم من خلاف في شتى صور الخلاف . . إنها جهة واحدة لا تتعدد هي التي أنزلت هذا الكتاب بالحق؛ وهو مصدر واحد لا يتعدد هو هذا الكتاب الذي أنزله الله بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . .
وهو كتاب واحد في حقيقته ، جاء به الرسل جميعاً . فهو كتاب واحد في أصله ، وهي ملة واحدة في عمومها ، وهو تصور واحد في قاعدته : إله واحد ، ورب واحد ، ومعبود واحد ، ومشرّع واحد لبني الإنسان .
ثم تختلف التفصيلات بعد ذلك وفق حاجات الأمم والأجيال؛ ووفق أطوار الحياة والارتباطات؛ حتى تكون الصورة الأخيرة التي جاء بها الإسلام ، وأطلق الحياة تنمو في محيطها الواسع الشامل بلا عوائق . بقيادة الله ومنهجه وشريعته الحية المتجددة في حدود ذلك المحيط الشامل الكبير .
وهذا الذي يقرره القرآن في أمر الكتاب هو النظرية الإسلامية الصحيحة في خط سير الأديان والعقائد . . كل نبي جاء بهذا الدين الواحد في أصله ، يقوم على القاعدة الأصيلة : قاعدة التوحيد المطلق . . ثم يقع الانحراف عقب كل رسالة ، وتتراكم الخرافات والأساطير ، حتى يبعد الناس نهائياً عن ذلك الأصل الكبير ، وهنا تجيء رسالة جديدة تجدد العقيدة الأصيلة ، وتنفي ما علق بها من الانحرافات ، وتراعي أحوال الأمة وأطوارها في التفصيلات . . وهذه النظرية أولى بالإتباع من نظريات الباحثين في تطور العقائد من غير المسلمين ، والتي كثيرا ما يتأثر بها باحثون مسلمون ، وهم لا يشعرون ، فيقيمون بحوثهم على أساس التطور في أصل العقيدة وقاعدة التصور ، كما يقول المستشرقون وأمثالهم من الباحثين الغربيين الجاهليين!
وهذا الثبات في أصل التصور الإيماني ، هو الذي يتفق مع وظيفة الكتاب الذي أنزله الله بالحق ، ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ، في كل زمان ، ومع كل رسول ، منذ أقدم الأزمان .
ولم يكن بد أن يكون هناك ميزان ثابت يفيء إليه الناس ، وأن يكون هناك قول فصل ينتهون إليه . ولم يكن بد كذلك أن يكون هذا الميزان من صنع مصدر آخر غير المصدر الإنساني ، وأن يكون هذا القول قول حاكم عدل لا يتأثر بالهوى الإنساني ، ولا يتأثر بالقصور الإنساني ، ولا يتأثر بالجهل الإنساني!
وإقامة ذلك الميزان الثابت تقتضي علماً غير محدود . علم ما كان وما هو كائن وما سيكون . علمه كله لا مقيداً بقيود الزمان التي تفصل الوجود الواحد إلى ماض وحاضر ومستقبل ، وإلى مستيقن ومظنون ومجهول ، وإلى حاضر مشهود ومغيب مخبوء . . ولا مقيداً بقيود المكان التي تفصل الوجود الواحد إلى قريب وبعيد ، ومنظور ومحجوب ، ومحسوس وغير محسوس . . في حاجة إلى إله يعلم ما خلق ، ويعلم من خلق . . ويعلم ما يصلح وما يصلح حال الجميع .
وإقامة ذلك الميزان في حاجة كذلك إلى استعلاء على الحاجة ، واستعلاء على النقص ، واستعلاء على الفناء ، واستعلاء على الفوت ، واستعلاء على الطمع ، واستعلاء على الرغبة والرهبة . . واستعلاء على الكون كله بما فيه ومن فيه . . في حاجة إلى إله ، لا أرب له ، ولا هوى ، ولا لذة ، ولا ضعف في ذاته - سبحانه - ولا قصور!(6/312)
أما العقل البشري فبحسبه أن يواجه الأحوال المتطورة ، والظروف المتغيرة ، والحاجات المتجددة؛ ثم يوائم بينها وبين الإنسان في لحظة عابرة وظرف موقوت . على أن يكون هناك الميزان الثابت الذي يفيء إليه ، فيدرك خطأه وصوابه ، وغيه ورشاده ، وحقه وباطله ، من ذلك الميزان الثابت .
وبهذا وحده تستقيم الحياة . ويطمئن الناس إلى أن الذي يسوسهم في النهاية إله!
إن الكتاب لم ينزل بالحق ليمحو فوارق الاستعدادات والمواهب والطرائق والوسائل . إنما جاء ليحتكم الناس إليه . . وإليه وحده . . حين يختلفون . .
ومن شأن هذه الحقيقة أن تنشىء حقيقة أخرى تقوم على أساسها نظرة الإسلام التاريخية :
إن الإسلام يضع { الكتاب } الذي أنزله الله { بالحق } ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . . يضع هذا الكتاب قاعدة للحياة البشرية . ثم تمضي الحياة . فإما اتفقت مع هذه القاعدة ، وظلت قائمة عليها ، فهذا هو الحق . وإما خرجت عنها وقامت على قواعد أخرى ، فهذا هو الباطل . . هذا هو الباطل ولو ارتضاه الناس جميعاً . في فترة من فترات التاريخ . فالناس ليسوا هم الحكم في الحق والباطل . وليس الذي يقرره الناس هو الحق ، وليس الذي يقرره الناس هو الدين . إن نظرة الإسلام تقوم ابتداء على أساس أن فعل الناس لشيء ، وقولهم لشيء ، وإقامة حياتهم على شيء . . لا تحيل هذا الشيء حقاً إذا كان مخالفاً للكتاب؛ ولا تجعله أصلاً من أصول الدين؛ ولا تجعله التفسير الواقعي لهذا الدين؛ ولا تبرره لأن أجيالاً متعاقبة قامت عليه . .
وهذه الحقيقة ذات أهمية كبرى في عزل أصول الدين عما يدخله عليها الناس! وفي التاريخ الإسلامي مثلاً وقع انحراف ، وظل ينمو وينمو . . فلا يقال : إن هذا الانحراف متى وقع وقامت عليه حياة الناس فهو إذن الصورة الواقعية للإسلام! كلا! إن الإسلام يظل بريئاً من هذا الواقع التاريخي . ويظل هذا الذي وقع خطأ وانحرافاً لا يصلح حجة ولا سابقة؛ ومن واجب من يريد استئناف حياة إسلامية أن يلغيه ويبطله ، وأن يعود إلى الكتاب الذي أنزله الله بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . .
ولقد جاء الكتاب . . ومع ذلك كان الهوى يغلب الناس من هناك ومن هناك؛ وكانت المطامع والرغائب والمخاوف والضلالات تبعد الناس عن قبول حكم الكتاب ، والرجوع إلى الحق الذي يردهم إليه :
{ وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات . . بغياً بينهم } . .
فالبغي . . بغي الحسد . وبغي الطمع . وبغي الحرص . وبغي الهوى . . هو الذي قاد الناس إلى المضي في الاختلاف على أصل التصور والمنهج؛ والمضي في التفرق واللجاج والعناد
وهذه حقيقة . . فما يختلف اثنان على أصل الحق الواضح في هذا الكتاب ، القوي الصادع المشرق المنير . . ما يختلف اثنان على هذا الأصل إلا وفي نفس أحدهما بغي وهوى ، أو في نفسيهما جميعاً . . فأما حين يكون هناك إيمان فلا بد من التقاء واتفاق :
{ فهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق بإذنه } . .
هداهم بما في نفوسهم من صفاء ، وبما في أرواحهم من تجرد ، وبما في قلوبهم من رغبة في الوصول إلى الحق .
وما أيسر الوصول حينئذ والاستقامة :
{ والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } . .
هو هذا الصراط الذي يكشف عنه ذلك الكتاب . وهو هذا المنهج الذي يقوم على الحق ويستقيم على الحق . ولا تتقاذفه الأهواء والشهوات ، ولا تتلاعب به الرغاب والنزوات . .
والله يختار من عباده لهذا الصراط المستقيم من يشاء ، ممن يعلم منهم الاستعداد للهدى والاستقامة على الصراط؛ أولئك يدخلون في السلم ، وأولئك هم الأعلون ، ولو حسب الذين لا يزنون بميزان الله أنهم محرومون ، ولو سخروا منهم كما يسخر الكافرون من المؤمنين!
=============
وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ
(وَاللَّائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسَائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَاللَّائِي لَمْ يَحِضْنَ وَأُولاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً)(الطلاق:4)
هذه الآية ذكرت في منتدى نصراني تحت عنوان : (هذه الآية القرآنية واحدة من أسباب عدم إيماني بالقران ).
وقال صاحب الموضوع بعد أن قرأ تفسير المفسرين الذي يفسر (واللائي لم يحضن) على أنهن هن الفتيات الصغيرات اللائي تزوجن وهن لم يبلغن الحلم (لم يحضن). فقال معلقا على هذا التفسير : نرى هنا أن زواج الأطفال وهو المحرم في جميع شرائع العالم الآن و الذي هو ضد حقوق الإنسان لكنه مسموح به في القران .
قلت: قد أجمع علماء الإسلام على جواز زواج الفتاة قبل المحيض و الدخول بها و استدلوا بالآية الرابعة من سورة الطلاق .(6/313)
قال الطبري رحمه الله: تأويل الآية: { واللائي يئسن من المحيض… فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن } يقول: وكذلك عدة اللائي لم يحضن من الجواري لصغرهن إذا طلقهن أزواجهن بعد الدخول (14/142) ومثله قال ابن كثير ( 4/402)، والقرطبي (18/165) وغيرهما.
و كذلك استدلوا بحديث زواج النبي بعائشة ..
“ تزوج النبي صلى الله عليه وسلم عائشة وهي بنت ست سنين وبنى بها وهي بنت تسع سنين “ رواه البخاري ومسلم وعنده “سبع سنين” .
قال النووي :
“ كان لها ست وكسر، ففي رواية اقتصرت على السنين وفي رواية عدت السنة التي دخلت فيها “ شرح مسلم (9/207) .
نُقل الإجماع على جواز تزويج الأب البكر الصغيرة - على الأقل إجماع الصحابة - وممن نقل الإجماع : الإمام أحمد في ” المسائل ” - رواية صالح – ( 3/129 ) والمروزي في ” اختلاف العلماء ” ( ص 125 ) ، وابن المنذر في ” الإجماع ” ( ص91 ) وابن عبد البر في ” التمهيد “، والبغوي في ” شرح السنة “( 9/37 ) والنووي في ” شرح مسلم ” ( 9/206 ) وابن حجر في” الفتح ” ( 12/27 ) ، والباجي في ” المنتقى ” ( 3 / 272 ) ، وابن العربي في ” عارضة الأحوذي ” ( 5 / 25 ) ، والشنقيطي في ” مواهب الجليل ” (3/27) .
و لكن القاعدة أيضاً هي صلاحية الفتاة للزواج و عدم الإضرار بها ..
قال النووي :
وأما وقت زفاف الصغيرة المزوجة والدخول بها : فإن اتفق الزوج والولي على شيء لا ضرر فيه على الصغيرة : عُمل به ، وإن اختلفا : فقال أحمد وأبو عبيد : تجبر على ذلك بنت تسع سنين دون غيرها ، وقال مالك والشافعي وأبو حنيفة : حدُّ ذلك أن تطيق الجماع ، ويختلف ذلك باختلافهن ، ولا يضبط بسنٍّ ، وهذا هو الصحيح ، وليس في حديث عائشة تحديد ولا المنع من ذلك فيمن أطاقته قبل تسع ولا الإذن فيمن لم تطقه وقد بلغت تسعا ، قال الداودي : وكانت عائشة قد شبَّت شباباً حسناً رضى الله عنها .
” شرح مسلم ” ( 9 / 206 ) .
قال ابن قدامة في المغني
(5635) فصل : وإمكان الوطء في الصغيرة معتبر بحالها واحتمالها لذلك . قاله القاضي . وذكر أنهن يختلفن , فقد تكون صغيرة السن تصلح , وكبيرة لا تصلح . وحده أحمد بتسع سنين , فقال في رواية أبي الحارث في الصغيرة يطلبها زوجها : فإن أتى عليها تسع سنين , دفعت إليه , ليس لهم أن يحبسوها بعد التسع .
وذهب في ذلك إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم بنى بعائشة وهي ابنة تسع .
قال القاضي : وهذا عندي ليس على طريق التحديد , وإنما ذكره لأن الغالب أن ابنة تسع يتمكن من الاستمتاع بها , فمتى كانت لا تصلح للوطء , لم يجب على أهلها تسليمها إليه , وإن ذكر أنه يحضنها ويربيها وله من يخدمها , لأنه لا يملك الاستمتاع بها , وليست له بمحل , ولا يؤمن شره نفسه إلى مواقعتها , فيفضها أو يقتلها . وإن طلب أهلها دفعها إليه , فامتنع , فله ذلك , ولا تلزمه نفقتها ; لأنه لا يمكن من استيفاء حقه منها .
قلت: من الثابت طبياً أن أول حيضة تبدأ بعد بدء مرحلة البلوغ بسنتين(1) . فأول حيضة و المعروفة باسم المينارك menarche تقع بين سن التاسعة و الخامسة عشر(2) .
أما علامات البلوغ في الفتيات فهي :
1. تغير الصوت نحو الطبيعة الأنثوية .
2. استدارة منحنيات الجسم فتأخذ زوايا الجسم تدورات لطيفة بسبب الترسيب الإنتقائي للدهون .
3. نمو الحلمتين و الثديين بتأثير هرمون الإستروجين .
4. وجود بعض الميول النفسية مثل الخجل و الإنعزال و الميل للجنس الآخر .
5. النمو السريع للرحم و المهبل و باقي الأعضاء الجنسية .
6. ظهور أول حيضة(3) .
فثبت أن الحيض يتأخر عن البلوغ و لا يحدد بدايته . و هكذا نجمع بين كل الآراء فقد كان علمائنا يقصدون بوطء الصغيرة الفتاة التي لم تحض بعد و إن كانت أعراض البلوغ قد نالتها
و قد نبه خالق المرأة إلى هذا الأمر في كتابه فلم يشترط نزول دم المحيض كعلامة على بدء البلوغ و ما هي بعلامة له أصلاً عند أهل الطب بل هي تدل على اكتمال عملية البلوغ و تقع بعد بدئه بسنتين .
و أيضاً د. دوشني - و هي طبيبة أمريكية - تقرر أن الفتاة البيضاء في أمريكا قد تبدأ في البلوغ عند السابعة أو الثامنة و الفتاة ذات الأصل الأفريقي عند السادسة(4) . و هذا بالتأكيد ليس له علاقة بنزول الحيض .
لذا فكلام هذا النصراني عن زواج الأطفال و غيره من الهراء بعيد عن الصحة فالفتاة عادة تبدأ سن البلوغ في سن الثامنة أو التاسعة بظهور علامات البلوغ المعتبرة عند أهل الطب و في هذا السن يمكن الدخول بها بلا مشاكل طبية أو نفسية من أي نوع بغض النظر عن نزول الحيض من عدمه و إنما الضابط هنا هو بلوغ الفتاة و صلاحيتها للزواج .
و الله أعلم .
(1)The different changes of puberty in body and mind , what we call the secondary sexual characters, start to appear about two years before the first period. (Toppozada’s Textbook of Gynaecology, p. 82)(6/314)
(2) Menstruation starts between 9-15 years of age. In Egypt, the menarche usually occurs between 11-13 years depending on constitutional factors or ethnic origin. (ibid. p. 83)
(3) ibid., p. 83
(4) http://www.mercyporthuron.com/news/january2003/
==================
هل العلم بجنس المولود من الغيب ؟؟
السؤال:
كيف نوفق بين علم الأطباء الآن بذكورة الجنين وأنوثته , وقوله تعالى : ( وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ ) لقمان/34. وما جاء في تفسير ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم عما تلد امرأته , فأنزل الله الآية وما جاء عن قتادة رحمه الله ؟ وما المخصص لعموم قوله تعالى : (ما في الأرحام) ؟.
الجواب:
الحمد لله
قبل أن أتكلم عن هذه المسألة أحب أن أبين أنه لا يمكن أن يتعارض صريح القرآن الكريم مع الواقع أبداً , وأنه إذا ظهر في الواقع ما ظاهره المعارضة , فإما أن يكون الواقع مجرد دعوى لا حقيقة له , وإما أن يكون القرآن الكريم غير صريح في معارضته , لأن صريح القرآن الكريم وحقيقة الواقع كلاهما قطعي , ولا يمكن تعارض القطعيين أبداً .
فإذا تبين ذلك فقد قيل : إنهم الآن توصلوا بواسطة الآلات الدقيقة للكشف عما في الأرحام , والعلم بكونه أنثى أو ذكراً فإن كان ما قيل باطلاً فلا كلام , وإن كان صدقاً فإنه لا يعارض الآية , حيث إن الآية تدل على أمر غيبي وهو متعلق علم الله تعالى في هذه الأمور الخمسة, والأمور الغيبية في حال الجنين هي : مقدار مدته في بطن أمه, وحياته, وعمله, ورزقه, وشقاوته أو سعادته, وكونه ذكراً أم أنثى, قبل أن يُخلًّق, أما بعد أن يخلق فليس العلم بذكورته, أو أنوثته من علم الغيب , لأنه بتخليقه صار من علم الشهادة إلا أنه مستتر في الظلمات الثلاثة, التي لو أزيلت لتبين أمره, ولا يبعد أن يكون فيما خلق الله تعالى من الأشعة أشعة قوية تخترق هذه الظلمات حتى يتبين الجنين ذكراً أم أنثى. وليس في الآية تصريح بذكر العلم بالذكورة والأنوثة, وكذلك لم تأت السنة يذلك.
وأما ما نقله السائل عن ابن جرير عن مجاهد أن رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وسلم, عما تلد امرأته, فأنزل الله الآية. فالمنقول هذا منقطع لأن مجاهداً رحمه الله من التابعين.
وأما تفسير قتادة رحمه الله فيمكن أن يحمل على أن اختصاص الله تعالى بعلمه ذلك إذا كان لم يُخلًّق , أما بعد أن يخلق فقد يعلمه غيره. قال ابن كثير رحمه الله في تفسير آية لقمان : وكذلك لا يعلم ما في الأرحام مما يريد أن يخلقه تعالى سواه, ولكن إذا أمر بكونه ذكراً أو أنثى أو شقياً أو سعيداً علم الملائكة الموكلون بذلك ومن شاء من خلقه. ا. هـ
وأما سؤالكم عن المخصص لعموم قوله تعالى (ما في الأرحام). فنقول : إن كانت الآية تتناول الذكورة والأنوثة بعد التخليق فالمخصص الحس والواقع, وقد ذكر علماء الأصول أن المخصصات لعموم الكتاب والسنة إما النص أو الإجماع أو القياس أو الحس أو العقل وكلامهم في ذلك معروف.
وإذا كانت الآية لا تتناول ما بعد التخليق وإنما يراد بها ما قبله, فليس فيها ما يتعارض ما قيل من العلم بذكورة الجنين وأنوثة .
والحمد لله أنه لم يوجد ولن يوجد في الواقع ما يخالف صريح القرآن الكريم, وما طعن فيه أعداء المسلمين على القرآن الكريم من حدوث أمور ظاهرها معارضة القرآن الكريم فإنما ذلك لقصور فهمهم لكتاب الله تعالى أو تقصيرهم في ذلك لسوء نيتهم , ولكن عند أهل الدين والعلم من البحث والوصول إلى الحقيقة ما يدحض شبهة هؤلاء ولله الحمد والمنة.
والناس في هذا المسألة طرفان ووسط :
فطرف تمسك بظاهر القرآن الكريم الذي ليس بصريح وأنكر خلافه من كل أمر واقع متيقن, فجلب ذلك الطعن إلى نفسه في قصوره, أو الطعن في القرآن الكريم حيث كان في نظره مخالفاً للواقع المتيقن.
وطرف أعرض عمَّا دل عليه القرآن الكريم وأخذ بالأمور المادية المحضة , فكان بذلك من الملحدين .
وأما الوسط فأخذوا بدلالة القرآن الكريم وصدقوا بالواقع, وعلموا أن كلا منهما حق, ولا يمكن أن يناقض صريح القرآن الكريم أمراً معلوماً بالعيان, فجمعوا بين العمل بالمنقول والمعقول, وسلمت بذلك أديانهم وعقولهم, وهدى الله الذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحق والله يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم.
وقفنا الله وإخواننا المؤمنين لذلك , وجعلنا هداةً مهتدين , وقادة مصلحين , وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت , وإليه أنيب .
مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين ج/1 ص 68-70 . (www.islam-qa.com)
==============
شبهة المؤلفة قلوبهم(6/315)
يثير النصارى أمام الأخوة المسلمين بين الحين و الآخر شبهة مفادها أن إعطاء المؤلفة قلوبهم من مال الزكاة عبارة عن رشوة تستقبحها الضمائر النزيهة و أنه من غير المعقول أن يدعو المسلمون غير المسلمين إلى دينهم عن طريق دفع الرشاوى ، حتى وصلت سورة أحدهم لأن يسأل في وقاحة : (( أليست هذه رشوة؟؟؟ يعطي ثروة مهولة لقوم ، لكي يدخلوا الاسلام ، أليس هذا شراء للضمائر والذمم؟؟؟ )) و يصيح آخر في هستيرية : (( أليس هذا من أسوأ أنواع الرشوة ؟ أليس هذا شراء لضمائر الناس ؟ أيعجز محمد عن إثبات دينه بالمعجزات الربانية و الخوارق فيلجأ إلى أرخص الوسائل و أسهلها و هي شراء الولاءات ؟؟؟ فبماذا تختلف هذه الأفعال عن قولنا أن الغرب يشتري حكّام العرب ؟؟؟ فهي تدفع لهم حتى يخدموا مصالحها )) و بلغ حال بعض الأخوة أن نقلوا هذه الشبهة متضمنة النكهة البذيئة التي يضيفها النصارى العرب دومًا إلى حواراتهم طالبين الرد عليها .
و الجواب بعون الملك الوهاب : أن المؤلفة قلوبهم هم مسلمون دخلوا الإسلام مترددين أو عن اقتناع لكن علم فيهم حب المال فيقوم ولي الأمر بتأليف قلوبهم به حتى يجذبهم أكثر للإسلام و يدفعهم للإقتراب منه و تدبر معانيه ، فيزداد إيمانهم و يقوى بهذا التدبر .. و هذا قريب جدًا لما يفعله المدرس عندما يسعى لتحبيب التلاميذ في موضوع الدرس بتوزيع حلوى عليهم مثلاً ، فبهذه الطريقة يحب التلاميذ الدرس و يكون استعدادهم لفهمه و الانتباه مع المدرس أكبر .
فلا يمكن القول بأن إعطاء حافز لابنك كي يذاكر و ينجح في الامتحانات يعلمه الرشوة و فقدان الضمير أو أن إعطاء مرتبات شهرية للأطباء و الممرضات و هم الذين يعملون في مجال إنساني بالدرجة الأولى يعتبر إفسادًا لسمو رسالة الطب أو رعاية المريض !
إن هذا سيكون قصورًا في التفكير و فسادًا في الرأي !
و قد جُبل الإنسان على حب المال و إنه لحب المال لشديد ، فبهذه الطريقة يفتح المرء قلبه للإسلام و يتدبره بجدية و همة ، فيقوى إيمانه و تعلقه بالدين بهذا التدبر و التفكر في الإسلام .. و قد اعتاد الإنسان أن يصغي بقلبه و جوارحه لمن يعطيه و يكرمه ، فتكون هذه فرصة حتى يصغي غير المسلم للإسلام فيهديه الله إلى طريقه المستقيم .
روي القاضي عياض في الشفا ج1 ص114 : (( حدثنا الفقيه أبو محمد عبد الله بن محمد الخشبي بقراءتي عليه ، حدثنا إمام الحرمين أبو علي الطبري ، حدثنا عبد الغافر الفارسي ، حدثنا أبو أحمد الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا أبو الطاهر ، أنبأنا يونس ، عن ابن شهاب ، قال : غزا رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوة ، و ذكر حنيناً ، قال : فأعطى رسول الله صلى الله عليه و سلم صفوان بن أمية مائة من النعم ، ثم مائة ، ثم مائة .
قال ابن شهاب ، حدثنا سعيد بن المسيب أن صفوان قال : و الله لقد أعطاني ما أعطاني و إنه لأبغض الخلق إلي ، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الخلق إلي .
و روي أن أعرابياً جاءه يطلب منه شيئاً ، فأعطاه ، ثم قال : أحسنت إليك ؟ . قال الأعرابي : لا ، و لا أجملت .
فغضب المسلمون و قاموا إليه ، فأشار إليهم أن كفوا ، ثم قام و دخل منزله ، و أرسل إليه ، و زاده شيئاً ، ثم قال : أحسنت إليك ؟ قال : نعم ، فجزاك الله من أهل و عشيرة خيراً )) .
فهذه أمثلة تدل على صحة ما وصلنا إليه .. و أكبر دليل على ذلك إيضًا أن المنظمات التنصيرية تستخدم هذه الوسيلة كسبيل وحيد لإقناع الناس بالنصرانية بعد أن فشلت في ميدان الحجة و الإقناع .. فهذه المنظمات تقوم بتقديم العلاج و الطعام للفقراء حتى يدخلوا في النصرانية و تعد من يدخل منهم فيها بالمال و المتع الحسية الدنيوية .. فإن كان هذا مقبولاً في الإسلام الذي يدعو الناس لإقامة الدنيا و الآخرة ، و لإعمار الأرض و القلوب ، و لا يحارب الأغنياء ، فكيف يستساغ من دين يدعو إلى نبذ الدنيا و لا يدخل فيه الأغنياء الملكوت ؟؟
و لنا مما نشهد نماذج : يعدون المسلم بالسفر للخارج و الزواج و فرص العمل اللامعة و المال الوفير إلى آخر المتع الدنيوية الحسية .. و هذا كله حتى يدخل في النصرانية رغم أن كل هذه المتع منبوذة في دينهم و عبور الجمل من سم الخياط أيسر من دخول الغني في الملكوت .
و نعوذ بالله من أن نكون من الذين تخالف أقوالهم أفعالهم .. و الحمد لله على نعمة الإسلام
==============
شبهة ادعاء وجود أخطاء حسابية في القرآن الكريم
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
جاءت تحت عنوان " الأخطاء الحسابية الشبهة التالية: "(6/316)
نجد في القرآن بعض الأخطاء الحسابية التي حاول العلماء المسلمون تفسيرها بشتى الوسائل. ففي سورة البقرة، الآية 233 " والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة ". ولكن في سورة الاحقاف، الآية 15 نجد:" ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كُرهاً ووضعته كُرهاً، وحمله وفصاله ثلاثون شهراً ". فمن الواضح هنا أن مدة الرضاعة اقل من سنتين لان الحمل في العادة يكون تسعة اشهر، وبالتالي يكون الرضاع واحداً وعشرين شهراً، لنحصل على المجموع وهو ثلاثون شهراً، كما جاء في الآية الثانية. واختلف العلماء في إيجاد تفسير مناسب لهذه الهفوة. فقال بعضهم إذا استمر الحمل تسعة اشهر، فالرضاعة إحدى وعشرون شهراً، ولكن إنما قُصد بالثلاثين شهراً اخذ اقل مدة للحمل، وهي ستة اشهر، في الاعتبار. والأشكال في هذا القول هو أن مدة الحمل في الغالبية العظمى من النساء تسعة اشهر، والولادة في ستة أشهر من الشواذ، والتشريع عادة يأخذ في الاعتبار ما هو شائعٌ ومتعارف عليه، ولا يُبنى التشريع على الشواذ. ولكن حتى لو أخذنا الشواذ في الاعتبار فالولادة بعد ستة أشهر تعتبر إجهاضاً لان الجنين لا يكتمل نموه ويصبح قادراً على الحياة خارج رحم أمه إلا بعد الأسبوع الثامن والعشرين من الحمل أي بعد سبعة أشهر. وحتى قبل ثلاثة عقود، ومع تقدم الطب الحديث كانت نسبة المواليد الذين يعيشون إذا ولدوا بعد سبعة أشهر من الحمل لا تزيد عن عشرة بالمائة ".
الجواب:
الآية الكريمة تتكلم عن الحمل بأنواعه: الحمل الكامل (تسعة أشهر)، وأقله (ستة أشهر).
" وقد استدل علي رضي الله عنه بهذه الآية [آية الأحقاف] مع التي في لقمان: " وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ.. (14) " وقوله تبارك وتعالى " وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ " [البقرة: 233]، على أن أقل مدة الحمل ستة أشهر، وهو استنباط قوي صحيح. ووافقه عليه عثمان وجماعة من الصحابة، رضي الله عنهم... تزوج رجل امرأة من جهينة، فولدت له لتمام ستة أشهر، فانطلق زوجها إلى عثمان رضي الله عنه فذكر ذلك له، فبعث إليها. فلما قامت لتلبس ثيابها، بكت أختها فقالت: وما يبكيك، فوالله ما التبس بي أحد من خلق الله تعالى غيره قط، فيقضي الله سبحانه وتعالى فيَّ ما شاء. فلما أتيَ بها عثمان رضي الله عنه أمر برجمها، فبلغ ذلك علياً رضي الله عنه فأتاه فقال له: ما تصنع ؟ قال: ولدت تماماً لستة أشهر، وهل يكون ذلك ؟ فقال له علي رضي الله عنه : أما تقرأ القرآن ؟ قال: بلى. قال: أما سمعت الله عز وجل يقول: " وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُوْنَ شَهْرَاً ". وقال: " حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ " فلم نجده بقي إلا ستة أشهر ؟ فقال عثمان رضي الله عنه : والله ما فطنت بهذا، عليَّ بالمرأة.. قال معمر: فوالله ما الغراب بالغراب، ولا البيضة بالبيضة، بأشبه منه بأبيه. فلما رآه أبوه قال: ابني والله، لا أشك فيه ".([1])
من هنا يتبين أن الجمع بين الآيات الكريمة، أزال إشكالاً كان سيحصل في عهد الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وبيان أن نجاة المولود بعد حمل ستة أشهر ممكن.
وهذا لا يتعارض مع حقائق طبية، كان القرآن الكريم أول من أشار إليها.
فعلى الرابط التالي حوار مع امرأة ولدت بعد حمل دام أربعة وعشرين أسبوعاً (أي ستة أشهر):
h رضي الله عنه رضي الله عنه p://www. رضي الله عنه resors.ca/hal رضي الله عنه e-enfan رضي الله عنه -prema رضي الله عنه ure.h رضي الله عنه m
والرابط التالي يبين تصويراً بالفيديو لمولود عمره ستة أشهر:
h رضي الله عنه رضي الله عنه p://www.chez.com/prema رضي الله عنه ure/
وبينت الدراسات أنه نادراً ما يعيش مواليد (22) أسبوع أكثر من (72) ساعة, أما مواليد (23) أسبوع فاحتمال عيشهم يكون (10%) في حين أن مواليد (24) أسبوع لديهم فرصة (50%) للعيش بلا مشاكل و(20-35%) منهم لديهم مشاكل عصبية (خاصة الشلل الدماغي) ولكن (10%) من المصابين تكون حالتهم خطرة. بينما (2- 3.5 %) من الأحياء يتعرضون لمشاكل تستدعي التدخل الطبي انظر:
h رضي الله عنه رضي الله عنه p://www.cps.ca/francais/enonces/FN/fn94-01.h رضي الله عنه m [2]
ولا يكون الإبداع والتفرد المعجز ببيان الأعم الأشهر، المتعارف عليه بين الناس في مدة الحمل، بل لو ذكر القرآن الكريم ذلك لعدُّوه تهمة له، بأنه لم يأت بجديد !!! ولله في خلقه شؤون !
وهناك شبهة أخرى:
" في عدة حالات لا يطابق التوزيع 100%، كيف ؟(6/317)
يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا 11 وَلَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّهُنَّ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَهُنَّ وَلَدٌ فَلَكُمُ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْنَ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِينَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَلَهُنَّ الرُّبُعُ مِمَّا تَرَكْتُمْ إِن لَّمْ يَكُن لَّكُمْ وَلَدٌ فَإِن كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُم مِّن بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ وَإِن كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَو امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ فَإِن كَانُوَاْ أَكْثَرَ مِن ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاء فِي الثُّلُثِ ".
الجواب:
هذا يدل على جهله التام بما ينتقد، فالعصبات([3]) يأخذون الباقي كما هو معلوم للمبتدئين في علم الميراث.
للمناقشة والتعقيب.
rhim75@mak رضي الله عنه oob.com
عبد الرحيم الشريف
---------
[1] ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، ص 1560.
[2] ملاحظة: تم جمع هذه البيانات بتاريخ 24/3/2005م، بمساعدة إخوة من طلبة العلوم الطبية في جامعات كندا.. نشكرهم عليه.. وخاصة الأخت (مريم).
[3] العصبات: هم الذين ليس لهم سهم محدد في الميراث، وغالباً يكونون الأبناء، وأحياناً الآباء والأخوة والأخوات... بحسب أقارب الميت، فيأخذون ما بقي من الميراث، بعد انتهاء تقسيم التركة. وتكون الأولوية بينهم، بحسب الأقرب على ترتيب العصبات. انظر: تحفة الفقهاء، علاء الدين السمرقندي، 3/215. والعصبة ثلاثة أقسام: ( أ ) العصبة بنفسه: كل ذكر من أصول الرجل أو فروعه أو فروع أبيه أو فروع جده لا تدخل في نسبته إليه أنثى. ( ب ) العصبة بغيره: هن النسوة اللاتي فرضهن في الميراث النصف والثلثان (وهن البنات وبنات الابن والأخوات) عندما يكون معهن ذكر من إخوتهن، فأنهن يصرن عصبة به. ( ج ) العصبة مع غيره: هن كل أنثى تصير عصبة إذا اجتمعت مع أنثى غيرها، وهي الأخت تصير عصبة إذا اجتمعت مع البنت في الميراث. انظر: معجم لغة الفقهاء، ا.د. محمد رواس قلعة جي، ص234.
=================
الرد على خرافة إقتباس القرأن من شعر أميّة بن أبى الصلت
بقلم د. إبراهيم عوض(6/318)
أمية بن أبى الصلت شاعر مخضرم من قبيلة ثقيف، التى كانت تسكن الطائف. وكان أبوه أيضا شاعرا، كما كانت له أخت تُسَمَّى: "الفارعة"، وبنتان وعدة أبناء بعضهم شعراء، وأخٌ اسمه "هذيل" أُسِر وقُتِل مشركا فى حصار الطائف. وهو من الحنفاء الذين ثاروا على عبادة الأصنام وآمنوا بالله الواحد واليوم الآخر، وأزعجهم التردِّى الخلقى الذى كان شائعا فى الجزيرة العربية، وتطلعوا إلى نبى يُبْعَث من بين العرب، بل إنه هو بالذات كان يرجو أن يكون ذلك النبى. وكان أمية يخالط رجال الدين ويقرأ كتبهم ويقتبس منها فى أشعاره. وكان رجل أسفار وتجارة، كما كان يمدح بعض كبار القوم كعبد الله بن جدعان وينال عطاياهم وينادمهم على الخمر، وإن قيل إنه قد حرَّمها بعد ذلك على نفسه. وتُجْمِع المصادر على أنه مات كافرا حَسَدًا منه وبَغْيًا، إذ ما إن بلغه مبعث النبى محمد حتى ترك الطائف فارًّا إلى اليمن ومعه بنتاه اللتان تركهما هناك، وأخذ يجول فى أرجاء الجزيرة ما بين اليمن والبحرين ومكة والشام والمدينة والطائف. وتذكر لنا الروايات مع ذلك أنه وفد على النبى ذات مرة وهو لا يزال فى أم القرى واستمع منه إلى سورة "يس" وأبدى تصديقه به مؤكدا لمن سأله من المشركين أنه على الحق. بَيْدَ أن حقده الدفين منعه من أن يعلن دخوله فى الإسلام رسميا وبصورة نهائية رغم أنه، كما جاء فى إحدى الروايات، كان قد اعتزم أن يذهب إلى المدينة للقاء الرسول مرة أخرى وإعلان دخوله فى الدين الجديد، لكن الكفار خذّلوه وأثاروا نار حقده على محمد من خلال تذكيره بأنه قتل أقاربه فى بدر ورماهم فى القليب، فما كان منه إلا أن عاد أدراجه بعد أن شقّ هدومه وبكى وعقر ناقته مثلما يصنع الجاهليون. ثم لم يكتف بهذا، بل رثى هؤلاء القتلى وأخذ يحرض المشركين على الثأر لهم منضمًّا بذلك إلى جبهة الشرك والوثنية ضد الإسلام، وظل هكذا حتى لقى حتفه على خلاف فى السنة التى مات فيها ما بين الثانية للهجرة إلى التاسعة منها قبل فتح النبى الطائف بقليل، وهو الأرجح (شعراء النصرانية قبل الإسلام/ ط2/ دار المشرق/ بيروت/219 وما بعدها، ود. جواد على/ المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ ط2/ دار العلم للملايين/ 1978م/ 6/ 478- 500، وبهجة عبد الغفور الحديثى/ أمية بن أبى الصلت- حياته وشعره/ مطبوعات وزارة الإعلام/ بغداد/ 1975م/ 46 فصاعدا. وله تراجم فى "طبقات الشعراء"، و"الشعر والشعراء"، و"الأغانى" وغيرها).
ولأمية ديوان شعر يختلط فيه الشعر الصحيح النسبة له بالشعر المنسوب له ولغيره بالشعر الذى لا يبعث على الاطمئنان إلى أنه من نظمه، وهذا القسم الأخير هو الغالب. وأكثر شعر الديوان فى المسائل الدينية: تأمّلاً فى الكون ودلالته على ربوبية الله، ووصفًا للملائكة وعكوفهم على تسبيح ربهم والعمل على مرضاته، وإخبارًا عن اليوم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب، وحكايةً لقصص الأنبياء مع أقوامهم، إلى جانب أشعاره فى مدح عبد الله بن جدعان والفخر بنفسه وقبيلته وما إلى ذلك. ومن الشعر الدينى المنسو ب إليه ما يقترب اقترابا شديدا من القرآن الكريم معنًى ولفظًا وكأننا بإزاء شاعرٍ وَضَع القرآنَ بين يديه وجَهَدَ فى نظم آياته شعرا. ومن هذه الأشعار الشواهد التالية:
لك الحمد والنعماء والمُلْك ربنا * فلا شىء أعلى منك جَدًّا وأَمْجَدُ مليكٌ على عرش السماء مهيمنٌ * لعزّته تَعْنُو الجباه وتسجدُ مليك السماوات الشِّدَاد وأرضها * وليس بشىء فوقنا يتأودُ تسبِّحه الطير الكوامن فى الخفا * وإذ هى فى جو السماء تَصَعَّدُ ومن خوف ربى سبّح الرعدُ حمده* وسبّحه الأشجار والوحش أُبَّدُ من الحقد نيران العداوة بيننا * لأن قال ربى للملائكة: اسجدوا لآدم لمّا كمّل الله خلقه * فخَرُّوا له طوعًا سجودا وكدّدوا وقال عَدُوُّ الله للكِبْر والشَّقا: * لطينٍ على نار السموم فسوَّدوا فأَخْرَجَه العصيان من خير منزلٍ * فذاك الذى فى سالف الدهر يحقدُ * * * ويوم موعدهم أن يُحْشَروا زُمَرًا * يوم التغابن إذ لاينفع الحَذَرُ
مستوسقين مع الداعى كأنهمو * رِجْل الجراد زفتْه الريح تنتشرُ
وأُبْرِزوا بصعيدٍ مستوٍ جُرُزٍ * وأُنْزِل العرش والميزان والزُّبُرُ
وحوسبوا بالذى لم يُحْصِه أحدٌ * منهم، وفى مثل ذاك اليوم مُعْتبَرُ
فمنهمو فَرِحُ راضٍ بمبعثه * وآخرون عَصَوْا، مأواهم السَّقَرُ
يقول خُزّانها: ما كان عندكمو؟ * ألم يكن جاءكم من ربكم نُذُرُ؟
قالوا: بلى، فأطعنا سادةً بَطِروا * وغرَّنا طولُ هذا العيشِ والعُمُرُ
قالوا: امكثوا فى عذاب الله، ما لكمو* إلا السلاسل والأغلال والسُّعُرُ
فذاك محبسهم لا يبرحون به طول المقام، وإن ضجّوا وإن صبروا
وآخرون على الأعراف قد طمعوا * بجنةٍ حفّها الرُّمّان والخُضَرُ
يُسْقَوْن فيها بكأسٍ لذةٍ أُنُفٍ * صفراء لا ثرقبٌ فيها ولا سَكَرُ
مِزاجها سلسبيلُ ماؤها غَدِقٌ * عذب المذاقة لا مِلْحٌ ولا كدرُ(6/319)
وليس ذو العلم بالتقوى كجاهلها * ولا البصير كأعمى ما له بَصَرُ
فاسْتَخْبِرِ الناسَ عما أنت جاهلهُ * إذا عَمِيتَ، فقد يجلو العمى الخبرُ
كأَيِّنْ خلتْ فيهمو من أمّةٍ ظَلَمَتْ * قد كان جاءهمو من قبلهم نُذُرُ
فصدِّقوا بلقاء الله ربِّكمو * ولا يصُدَّنَّكم عن ذكره البَطَرُ
* * * قال: ربى، إنى دعوتك فى ا لفـ*ــجر، فاصْلِحْ علىَّ اعتمالى
إننى زاردُ الحديد على النـ*ــاس دروعًا سوابغ الأذيالِ
لا أرى من يُعِينُنِى فى حياتى * غير نفسى إلا بنى إسْرالِ
وقد ظنت طوائف المبشرين ممن فقدوا رشدهم وحياءهم أن بمستطاعهم الإجلاب على الإسلام ورسوله وكتابه بالباطل فأخذوا يزعمون أن القرآن مسروق من شعر أمية بن أبى الصلت لهذه المشابهات. والواقع أن عددا من كبار دارسى الأدب الجاهلى، من المستشرقين قبل العرب والمسلمين، قد رَأَوْا عكس هذا الذى يزعمه المبشرون، إذ قالوا بأن هذه الأشعار التى تُنْسَب لأمية مما يتشابه مع ما ورد فى القرآن عن خلق الكون والسماوات والأرض، وعن العالم الآخر وما فيه من حساب وثواب وعقاب وجنة ونار، وعن الأنبياء السابقين وأقوامهم وما إلى ذلك، هى أشعار منحولة عليه. قال ذلك على سبيل المثال تور أندريه وبروكلمان وبراو من المستشرقين، ود. طه حسين والشيخ محمد عرفة ود.عمر فروخ ود.شوقى ضيف ود. جواد على وبهجة الحديثى من العلماء العرب، وإن كان من المستشرقين مع ذلك من يدعى أن الرسول عليه الصلاة والسلام قد أخذ بعض قرآنه من شعر هذا المتحنّف كالمستشرق الفرنسى كليمان هوار، ومنهم من قال إن الرسول وورقة قد استمدا كلاهما من مصدر واحد.
وإلى القارئ تفصيلا بهذا: فالمستشرق الألمانى كارل بروكلمان يؤكد أن أكثر ما يُرْوَى من شعر أمية هو فى الواقع منحول عليه، ماعدا مرثيته فى قتلى المشركين ببدر، وأنه إذا كان كليمن هوار المستشرق الفرنسى قد زعم أن شعره كان مصدرا من مصادر القرآن، فإن الحق ما قال تور أندريه من أن الأشعار التى نظر إليها هوار فى اتهامه هذا إنما هى نَظْمٌ جَمَع القُصَّاصُ فيه ما استخرجه المفسرون من مواد القصص القرآنى، وأن هذه الأشعار لا بد أن تكون قد نُحِلَتْ لأمية منذ عهد مبكر لا يتجاوز القرن الأول للهجرة، فقد سماه الأصمعى: "شاعر الآخرة"، كما أراد محمد بن داود الأنطاكى أن يفتتح القسم الثانى فى الدِّينِيّات من كتابه "الزهرة" بأشعار أمية (كارل بروكلمان/ تاريخ الأدب العربى/ ترجمة د. عبد الحليم النجار/ ط4/ دار المعارف/ 1/ 113). يريد بروكلمان أن يقول: لولا أنه كان هناك شعر يدور حول الموضوعات الدينية التى ذكرناها قبلا منسوب لأمية منذ ذلك الوقت المبكر لما أطلق عليه الأصمعى هذه التسمية ولما فكر الأنطاكى أن يورد له أشعارا دينية فى كتابه المذكور. ويقول المستشرق براو كاتب مادة "أمية بن أبى الصلت" بالطبعة الأولى من "دائرة المعارف الإسلامية"، تعليقا على اتهام هوار للقرآن بأنه قد استمد بعض مواده من أشعار أمية، إن صحة القصائد المنسوبة لهذا الشاعر أمر مشكوك فيه، شأنها شأن أشعار الجاهليين بوجه عام، وإن القول بأن محمدا قد اقتبس شيئا من قصائد أمية هو زعم بعيد الاحتمال لسبب بسيط، هو أن أمية كان على معرفة أوسع بالأساطير التى نحن بصددها، كما كانت أساطيره تختلف فى تفصيلاتها عما ورد فى القرآن. ثم أضاف أنه، وإن استبعد أن يكون أمية قد اقتبس شيئا من القرآن، لا يرى ذلك أمرا مستحيلا. وهو يعلل التشابه بين أشعار أمية وما جاء فى القرآن الكريم بالقول بأنه قد انتشرت فى أيام البعثة وقبلها بقليل نزعات فكرية شبيهة بآراء الحنفاء استهوت الكثيرين من أهل المدن كمكّة والطائف، وغذّتها ونشّطتها كلٌّ من تفاسير اليهود للتوراة وأساطير المسلمين. ثم يخبرنا براو بما توصَّل إليه تور أندريه من أنه ليس فى قصائد أمية الدينية ما هو صحيح النسبة إليه، وأن هذا اللون من شعره هو من انتحال المفسرين (دائرة المعارف الإسلامية/ الترجمة العربية/ 4/ 463- 464).(6/320)
وعند طه حسين أن "هذا الشعر الذى يضاف إلى أمية بن أبى الصلت وإلى غيره من المتحنفين الذين عاصروا النبى (ص) وجاؤوا قبله إنما نُحِلَ نَحْلاً. نحله المسلمون ليثبتوا أن للإسلام قُدْمَةً وسابقةً فى البلاد" (فى الأدب الجاهلى/ دار المعارف/ 1958م/ 145). ويرى الشيخ محمد عرفة أنه لو كانت هناك مشابهةٌ فعلا بين شعر أمية والقرآن الكريم لقال المشركون، الذين تحداهم الرسول بأن يأتوا بآية من مثله، إن أمية قد سبق أن قال فى شعره ما أورده هو فى القرآن زاعمًا أنه من لدن الله. لكنهم لم يقولوا هذا، بل اتهموه بأنه إنما يعلّمه عبد أعجمى فى مكة. كذلك يؤكد أن شعر أمية لا يشبه فى نسيجه شعر الجاهلية القوى المحكم، إذ هو شعر بيِّن الصنعة والضعف على غرار شعر المولَّدين. ومن هنا كان هذا الشعر المنسوب لذلك المتحنف الطائفى هو شعر منحول عليه ومنسوب زورا إليه (من تعليق الشيخ محمد عرفة على مادة "أمية بن أبى الصلت" فى "دائرة المعارف الإسلامية"/ 4/ 465). أما د. عمر فروخ فيؤكد أن القسم الأوفر من شعر أمية قد ضاع، وأنه لم يثبت له على سبيل القطع سوى قصيدته فى رثاء قتلى بدر من المشركين. وبالمثل نراه يؤكد أن كثيرا من الشعر الدينى المنسوب لذلك الشاعر هو شعر ضعيف النسج لا رونق له (د.عمر فروخ/ تاريخ الأدب العربى/ ط5/ دار العلم للملايين/ 1948م/ 1/ 217- 218). ويرى د. شوقى ضيف أن المعانى التى يتضمنها شعر أمية مستمدة من القرآن بصورة واضحة، إلا أنه لا يرتب على ذلك أن يكون أمية قد تأثر بالقرآن، بل يؤكد أن الشعر الذى يحمل اسمه هو شعر ركيك مصنوعٌ نَظَمَه بعضُ القُصّاص والوُعّاظ فى عصور متأخرة عن الجاهلية. وردًّا على دعوى هوار بأن القرآن قد استمد بعض مادته من أشعار أمية يقول الأستاذ الدكتور إن ذلك المستشرق لا علم له بالعربية وأساليب الجاهليين، وإلا لتبين له أنها أشعار منحولةٌ بيِّنة النحل، ولما وقع فى هذا الحكم الخاطئ (د. شوقى ضيف/ العصر الجاهلى/ ط10/ دار المعارف/ 395- 396).
ويؤكد د. جواد على فى كتابه "المفصل فى تاريخ العرب" أن بعض أشعار أمية الدينية مدسوسة عليه، ومن ثَمّ لا يمكن أن يكون أميّة قد اقتبس شيئا من القرآن، وإلا لقام النبى عليه الصلاة والسلام والمسلمون بفضحه. وعلى هذا فهو أيضا يرى أن شعره الذى يوافق فيه القرآنَ إنما صُنِع بعد الإسلام صنعا لأنه ليس موجودا فى التوراة ولا فى الإنجيل ولا غيرهما من الكتب الدينية، اللهم إلا القرآن الكريم، وأن أكثره قد وُضِع فى عهد الحجاج تقربا إليه، وبخاصة أن شعره الدينى يختلف عن شعره المَدْحِىّ والرثائى وغيره، إذ يقترب من أسلوب الفقهاء والمتصوفة ونُسّاك النصارى، كما تكررت إشارات الرواة إلى أن هذا الشعر أو ذاك مما يُعْزَى له قد نُسِب لغيره من الشعراء. ثم إنه قد مدح الرسول عليه السلام، كما أن فى الشعر المنسوب له ما يدل على أنه قد آمن به، فكيف يتسق هذا مع رثائه لقتلى بدر من المشركين؟ (المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 491- 496). أما بهجة عبد الغفور الحديثى فإنه يقسم شعر أمية الدينى إلى قسمين: قسم يظهر عليه أثر الحنيفية وكتب اليهود والنصارى، وقسم يظهر عليه أثر القرآن. وهو يميل إلى أن يكون القسم الأول له كما يظهر من أسلوبه ومعانيه، أما الثانى فمنحول عليه بدليل ما يبدو عليه من ركاكة لغته وضعف صياغته، ومن أسلوبه المستمد من القرآن (أمية بن أبى الصلت- حياته وشعره/ 127).
وقد بحثت عن طريق المشباك (النِّتّ) فى كتب الأحاديث النبوية الشريفة عن روايات تذكر شيئا من شعر أمية فلم أجد إلا ثلاثة أبيات له فى مُسْنَد أحمد يتحدث فيها عن الشمس وعرش الله بما لم يأت شىء منه فى القرآن، وأن الرسول عليه السلام قد صدّقه فيها، وهذا نصها:(6/321)
رجلٌ وثورٌ تحت رجْل يمينه * والنسر لليسرى، وليثٌ مُرْصَدُ والشمس تطلع كل آخر ليلة * حمراءَ يصبح لونها يتورّدُ تأبَى فلا تبدو لنا فى رِسْلها * إلا مُعَذَّبَةً وإلا تُجْلَدُ كما جاء أيضا فى مُسْنَدَىْ ابن ماجة وأحمد أن الشريد بن الصامت قد أنشد النبىَّ ذات مرة مائة بيت من شعر أمية، وكان كلما انتهى من إنشاد بيتٍ قال النبى عليه الصلاة والسلام: "هِيهْ"، يستحثه على الاستمرار فى الإنشاد، ثم عقّب صلى الله عليه وسلم فى النهاية قائلا: "كاد أن يُسْلِم"، وفى رواية أخرى فى مسند أحمد أن النبى لم يعلّق فى نهاية الإنشاد بشىء، بل سكت فسكت الشريد بدوره. وهذا كل ماهنالك، فلم نعرف من الحديث ما هى الأبيات التى أنشدها الصحابى الكريم على مسامع رسول الله، ولا مدى مشابهتها للقرآن. على أن هاهنا نقطة لا بد من تجليتها قبل الانتقال إلى شىء آخر، إذ لا أظن الصحابى الجليل قد قصد عدد المائة تحديدا، فليس من المعقول أنه كان يعدّ الأبيات التى كان ينشدها على مسامع النبى أوّلاً بأوّل وهو يتلوها. ذلك أمر غير متخيَّل، والأرجح بل الصواب الذى لا أستطيع أن أفكر فى غيره أنه أراد الإشارة إلى أنه قد أنشد سيّدَ الأنبياء عددا غير قليل من الأبيات.(6/322)
كذلك رجعتُ إلى تخريجات القصائد المشابهة للقرآن الكريم التى قام بها بهجة الحديثى فى رسالته عن أمية، فلفت انتباهى أن هذه القصائد، أو على الأقل الأبيات التى يوجد فيها ذلك التشابه، لم تَرِدْ فى أىٍّ من كتب الأدب واللغة والتاريخ والتفسير المعتبرة ككتاب "جمهرة أشعار العرب" لأبى زيد القرشى، أو "طبقات الشعراء" لابن سلام، أو "الشعر والشعراء" لابن قتيبة، أو "الأغانى" للأصفهانى، أو "تاريخ الرسل والملوك" أو "جامع البيان فى تفسير القرآن" للطبرى مثلا. بل إن كثيرا من هذه الأشعار لم تَرِدْ فى طبعة الديوان الأولى، فضلا عن أن بعضها قد نُسِب فى ذات الوقت إلى غيره من الشعراء. ونقطة أخرى مهمة جدا: لماذا لم يُثِرْ علماؤنا المتقدمون قضية التشابه بين شعر أمية والقرآن الكريم باستثناء محمد بن داود الأنطاكى، الذى كان يردّ، فيما يبدو، على من اتهم القرآن بالأخذ عن أمية بأن ذلك غير صحيح لأنه عليه السلام لا يمكن أن يستعين فى كتابه بشعر رجل أقر بنبوته وصدّق بدعوته، وأنه لو كان صحيحا رغم ذلك لسارع أمية إلى اتهام الرسول بالسرقة من شعره، وبذلك تسقط دعوته صلى الله عليه وسلم بأيسر مجهود وأقلّه؟ (الزهرة/ تحقيق د. إبراهيم السامرائى ود. نور حمود القيسى/ ط2/ مكتبة المنار/ الزرقاء/ 1406هـ- 1985م/ 2/ 503). لقد كان ابن داود الأنطاكى من أهل القرن الثالث الهجرى، فى حين أن صاحب "الأغانى" قد جاء بعده بقرن، فكيف اطمأن المتقدم وشكّ المتأخر، أو فلنقل: كيف أورد المتقدمُ الشعرَ المنسوب لأمية، بينما لم يورده الأصفهانى، الذى جاء بعده بقرن كما قلنا؟ والأحرى أن يكون الوضع بالعكس حيث يكون المتقدم أقرب زمنا إلى صاحب الشعر فيستطيع من ثم أن يحسم الحكم فى مسألة نسبة الشعر إليه، على الأقل قبل تراكم الروايات وازدياد صعوبة غربلتها وإصدار حكم بشأنها. بَيْدَ أن مثل هذا الوضع لا غرابة فيه، فعندنا مثلا ابن إسحاق وابن هشام اللذان اشتركا فى كتابة "سيرة رسول الله": تأليفًا بالنسبة لابن إسحاق، ومراجعةً وتعليقًا وتنقيةً بالنسبة لابن هشام، وجاء الأول قبل الثانى بزمن غير قصير كما هو معروف، ومع هذا لم يمنع ابنَ هشام تأخُّرُ زمنه عن النظر فى السيرة التى كتبها سَلَفُه وإجالة قلمه فيما يرى أنه لا بد من تغييره أو تصحيحه أو التعليق عليه بما يرى أنه الصواب أو الأقرب للحق، مثلما فعل عندما أنكر على ابن إسحاق مثلا إيراد أشعار لآدم وثمود والجن، بل لأفراد من قريش ذاتها ممن قال إن أهل العلم لا يعرفون لهم شعرًا أصلا أو ينكرون ما ينسب إليهم من شعر. والمسألة بَعْدُ هى مسألة اختلاف فى شخصية الباحث ما بين مطمئنٍ يقبل ما يُرْوَى له ومدقِّقٍ لا يقبل إلا بعد تمحيص وتقليب...وهكذا. ومعروف أن ابن سلام وابن قتيبة وأبا الفرج الأصفهانى هم من النقاد ومؤرخى الأدب القدماء المشهود لهم بالتمحيص والتنقيب وعدم قبول أى شىء على علاته، بينما لا يزيد ما فعله ابن داود الأنطاكى فى كتابه "الزهرة" عن جمع الأشعار وتنسيقها، إلا حين يعلّق بكلمة هنا أو هناك تدور عادةً على شرح لفظة صعبة أو تحليل جانب من جوانب عاطفة الحب التى ألف كتابه عنها. إن هذا كله من شأنه أن يعضّد القول الذى سمعنا كبار دارسى الأدب العربى من مستشرقين وعرب يرددونه من أن القصائد التى تتشابه مع القرآن من الشعر المنسوب لأمية هى فى الواقع قصائد منحولة. ولقد نبهنى هذا الاكتشاف إلى ما أحسست به عند مراجعتى لديوان أمية مؤخرا من أنى لا أستطيع أن أتذكر قراءتى لأىٍّ من هذه الأشعار فى الكتب التى أومأتُ إليها لِتَوِّى. وهذا هو السبب فى أننى قد استبدّ بى الاستغراب أثناء مطالعتى لذلك النوع من قصائد أمية حين فكرت فى الكتابة عن هذه القضية بالرغم من كثرة ما قرأت عن الرجل من قبل فى "الأغانى" و"طبقات الشعراء" و"الشعر والشعراء" مثلا، وكذلك فى كتب تاريخ الأدب العربى التى ألفها باحثون معاصرون ممن تكلموا فى هذه القضية، لكنهم لم يوردوا شيئا من الأشعار محل الخلاف والمناقشة مكتفين بالكلام النظرى فيها. وبالمثل كان الانطباع الذى شعرتُ به بمجرد قراءة تلك الأشعار هو أنها أقرب إلى النظم الذى وضع صاحبُه أمام عينيه آياتِ القرآن الكريم وأخذ يجتهد فى تضمينها ما ينظم من أبيات: فالكلام مهلهل وغير مستوٍ، وفيه فجوات يملؤها الناظم بما يكمّل البيت بأى طريقة والسلام، على عكس شعر أمية فى رثاء قتلى المشركين ببدر مثلا أو مدائحه لعبد الله بن جدعان. وغنى عن القول ألاّ وجه لمقارنة هذا الشعر بأسلوب القرآن وما يتسم به من فحولة وجلال وشدة أسر وسحر ينفذ إلى القلوب نفوذا غلابا قاهرا، وهو ما يجعل القول بتأثر شعر أمية بالقرآن لا العكس هو ما يمليه المنطق وتَهَشّ له العقول والضمائر إذا صحَّت نسبة هذه الأشعار له. ومع ذلك كله فلسوف أسلك الطريق الصعب فأفترض أن تلك الأشعار محلَّ الخلاف هى أشعار صحيحة قالها أمية فعلا، وأن الأحداث التى(6/323)
رافقت نظم هذه القصائد هى بالتالى أحداث صحيحة وقعت هى أيضا.
والآن لو تتبعنا أهم الأحداث فى حياة المصطفى وأمية مما يتصل بهذه القضية فماذا نجد؟ أول كل شىء أن شاعرنا كان، كما جاء فى الروايات التى تحدثت عنه، يتوقع أن يكون هو النبى المنتظر، وأنه حين علم أن النبوة تجاوزته لم يستطع صبرا على المُقام بالطائف على مقربة من الرجل الذى كان حُكْم القدر أن ينزل عليه وحى السماء، فأخذ ابنتيه وهرب إلى اليمن. ومعنى ذلك أنه هو الذى كان مشغولا بمحمد لا العكس. وهذا أحرى أن يجعله متنبها لكل ما يتعلق بمحمد، وعلى رأسه القرآن، الذى كان يتمنى بخلع الضرس بل بِفَقْءِ العين أن يكون هو النبى الذى يتلقاه ويبلغه للناس، حرصا منه على الشهرة والسمعة والمكانة بين قومه، جاهلا فى غمرة حماقته وحسده الأسود العقيم أنه سبحانه وتعالى "أعلم حيث يجعل رسالته". ومن المنطقى جدا، كما أومأنا، القول بأنه لم يستطع أن يتجاهل الرسول رغم غيظه، بل قل: بسبب غيظه من عدم اختياره هو نبيا للعرب، وأنه كان يتصيد الآيات والسُّوَر التى تنزل على الرسول ويضعها نصب عينيه وهو يَنْظِم شعره، جَرْيًا على المثل الشعبى القائل: "إن فاتك المِيرِىّ تمرَّغْ فى ترابه". إنه "عبده مشتاق" الجاهلى، الذى يمكن أن نرى فيه رائدا لنظيره فى كاريكاتير جريدة "الأخبار" القاهرية، مع بعض التلوينات المختلفة هنا وهناك تبعا لاختلاف طبيعة الدور الذى يريد كل من هذين العبدين أن يؤديه والظروف التى يتحرك فى نطاقها! ولقد فاتته النبوة، فليضمّن نصوصَ وحيها إذن شعره، فهذا أفضل من أن "يخرج من المولد بلا حمّص"! وهو حين يصنع هذا إنما كان يجرى على عادته قبل سطوع بدر الإسلام من العكوف على الكتب الدينية السابقة والاقتباس منها فيما يَنْظِم من أشعار. فهو إذن لا يفترع طريقا جديدا حين يقتبس من القرآن، بل يستمر فى سبيله القديم. والطبع غلاب كما يقولون! ولا أدرى فى الواقع لماذا، بدلا من هذا الهروب غير المجدى من الطائف، لم يواجه محمدا ويقول له فى وجهه إنه قد سبقه فى شعره إلى ما يقوله هو فى قرآنه، وإن هذا دليل على أنه ليس نبيا حقيقيا، ومن ثم فهو أفضل منه، على الأقل من ناحية العلم والحكمة.(6/324)
ألم يكن هذا هو ما يقتضيه المنطق لو كان عند أمية ذلك الدليل القاهر الذى يلوّح به بعض المستشرقين ويتابعهم عليه، فى غباءٍ لا يليق بمن عنده مسكة من عقل، مبشّرو آخر الزمان، ومن خلفهم ذيول المسلمين الذين فقدوا كل معنى من معانى الكرامة والرجولة؟ ومن الواضح أن الرجل كان يحب الظهور بمظهر العالم الحكيم، هذا الوصف الذى وصفه به خطأً بعض من ترجموا له من القدماء، إذ لو كانت الحكمة من صفاته حقا لما ترك الحسدَ يطوّحه ويقلقله فى بلاد العرب جنوبا وشمالا وشرقا وغربا كراهيةَ أن يكون على مقربة من الرجل الذى آثرته السماء عليه فى مسألة النبوة (وإن ذكرتْ بعضُ الروايات، حسبما رأينا، أنه وفد عليه فى مكة واستمع إلى ما تلاه عليه من قرآن وقال كلاما طيبا فى حقه)، ولأَقْبَلَ بدلا من ذلك عليه بجْمْع قلبه وإخلاصه ما دام يرى أنه على الحق كما يشير إلى ذلك الشعر الذى يتحدث فيه، قبل البعثة النبوية، عن حاجة البلاد لنبى يأخذ بيدها فى طريق الهداية، وكذلك القصيدة التى قالها فى مدحه عليه الصلاة والسلام والدين الذى أتى به. بَيْدَ أنه، لحَِظّه التعيس، لم يحزم أمره، وظل مترددا يقترب بقلبه حينًا بعد حينٍ من الدين الجديد، لكنه سرعان ما تثور به عقارب الحقد فيبتعد عنه...إلى أن أقبل أخيرا فى نوبة قوية بعض الشىء من نوبات يقظته الخلقية والروحية ليعلن إسلامه رسميا، فوقفت قريش فى طريقه وأخبرته بأن المسلمين قتلوا عُتْبة وشَيْبة ابنى ربيعة وغيرهما من رجالات الطائف ممن كانوا يمتّون إليه بواشجة القرابة، فما كان منه إلا أن لوى عِنَان فرسه مبتعدا عن طريق النور والسعادة حاكما بذلك على نفسه ببؤس المصير إلى الأبد، وهو ما يدل بأجلى بيان على أنه لم يحزم أمره يوما، وهذه هى مشكلته المزمنة مع نفسه، فأين الحكمة هنا إذن؟ أما العلم فإن نصيبه منه لا يخرج، فيما هو واضح، عن نقل النصوص والقصص من كتب الأمم السابقة إلى شعره دون الانتفاع الحق بها، فهو إذن كالحمار يحمل أسفارا، وإلا فلماذا لم يستفد بها فى اتّباع الحق الذى كان يؤمن به فى أعماق قلبه، وفضّل عليه الانحياز إلى الوثنية ممثلةً فى أقاربه الذين رثاهم ومجَّدهم حين سقطوا وهم يحاربون تحت رايتها ضد التوحيد، وزاد فشقّ جيوبه عليهم وبكى وجدع أنف ناقته كما كان يفعل أهل الجاهلية الجهلاء حسبما ذكرت كتب السيرة وتاريخ الأدب (د.جواد على/ المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 479)، وهو الذى طالما صدّع أدمغتنا من قبل بالحديث عن الحنيفية؟ ولْنقارن بين موقفه هذا وموقف النبى عليه السلام حين أسلم وَحْشِىّ قاتل عمه الغالى وأخيه من الرضاع حمزة بن عبد المطلب، وكذلك هندٌ آكلة الأكباد ومدبّرة مقتله المأساوى رضى الله عنه. لقد قَبِلهما النبى فى دينه، وكأن شيئا لم يكن، رغم الجرح الغائر الذى خلّفه موت سيد الشهداء فى قلبه، وذلك نزولا على مبدئه العظيم القائل بأن "الإسلام يَجُبّ ما قبله". أو لماذا لم يقم هو بالدعوة إلى ما كان يؤمن به (حسبما نقرأ فى الشعر المنسوب إليه)، ولو فى أضيق نطاق بين قومه فى الطائف فقط ما دام ادعاء النبوة سهلا إلى هذا الحد كما فعل محمد، الذى لم يكن قارئا كاتبا مثله؟ فانظر وقارن يتبين لك الفرق بين النبوة والحسد الذى يأكل قلب صاحبه أكلاً فلا يتركه يهنأ بحياته أبدا!(6/325)
أما المحطة الثانية التى نحب أن نقف عندها فهى ذهاب رسول الله إلى الطائف حين شعر أن مكة تستعصى على دعوته بغباء غريب ما عدا القليلين الذين دخلوا فى دعوته رغم التضييق والعنت الشديد والأذى المتواصل، فحَسِبَ أن الطائف قد تكون أحسن استقبالا للدين الجديد، لكن أهلها للأسف لم يكونوا أفضل حالا من قومه فى مكة. ترى لو كان أمية قد سبق القرآن إلى تناول الموضوعات التى نقرؤها فى ذلك الكتاب بنفس الألفاظ والعبارات فى كثير من الأحيان، ومن ثم أخذ محمد بعض قرآنه من شعره، أكان يفكر مجرد تفكير فى السفر إلى بلد ذلك الشاعر معرضا نفسه للسخرية والاتهام من جانب أهلها بدلا من إقبالهم عليه ودخولهم فى دينه؟ إنه إذن لـ"كالمستجير من الرمضاء بالنار" كما جاء فى أمثال العرب، أو كمن "جاء يُكَحِّلها فأعماها" كما يقول المثل الشعبى! ولم يكن الرسول يوما بالشخص الذى يمكن أن يقع فى مثل هذا التصرف الأخرق العجيب، بل لم يتهمه أحد من أَعْدَى أعدائه بشىء من ذلك قط! ثم فلنفترض بعد هذا أنه قد ارتكب هذا التصرف الأحمق (وأستغفر الله العظيم على هذا التعبير الذى اقترفتُه لأكون فى غاية السماحة مع "الأنعام" الذين لهم قلوب لكن لا يعقلون بها، ولهم أعين لكن لا يبصرون بها، ولهم آذان لكن لا يسمعون بها!)، فكيف فات الطائفيين الأمرُ فلم يجابهوه ويجبهوه بهذه السرقة التى كانت كفيلة بقصم ظهر الدعوة التى أتى بها بدلا من إغرائهم صبيانهم وعبيدهم وسفهاءهم بمطاردته بالحجارة فى شوارع المدينة حتى أخرجوه منها منتهكين بتصرفهم الوحشىّ هذا ما توجبه التقاليد العربية الراسخة القاضية بإكرام الضيف الوافد، واضطروه إلى اللجوء إلى بستانٍ لعُتْبة وشَيْبة ابنى ربيعة حيث قابل هناك خادمهما عداس، الذى قدّم له قِطْفا من العنب يتقوّت به ويزيل عن نفسه التعب، ثم أقبل عليه فى حب وإجلال حين رآه يسمّى الله قبل الطعام وعرف شيئا من دينه على ما هو معروف لقارئى السيرة النبوية؟
ثم هناك قدوم أمية على النبى ومدحه إياه بقصيدة يقرّه فيها على دعوته ويثنى عليه ويصدّق به. ويبدو أن ذلك كان بتأثير الأسئلة التى من المؤكد أنها كانت توجَّه له ممن حوله، إذ لا بد أن يثور فى أذهانهم التساؤل عن السبب، يا ترى، الذى يمنعه من الإيمان بمحمد ما دام يردد ما يقوله تقريبا ويضمّن شعره بعض ما جاء فى قرآنه! أقول هذا رغم أن فى نفسى من صحة هذه القصيدة شيئا للأسباب التى سأذكرها من فورى، لكننى قلتُه على الشرط الذى وضعتُه حين بينتُ أنه لكى نقبل أشعار أمية التى تشابه القرآن الكريم لا بد أن نقبل معها الأحداث التى صاحبتها حسبما أوردتها الروايات. على أية حال هأنذا أورد جُلّ أبيات القصيدة أولا، ثم ننظر فيها بعد ذلك:
لك الحمد والمنّ رب العبا * د. أنت المليك وأنت الحَكَمْ
ودِنْ دين ربك حتى التُّقَى * واجتنبنّ الهوى والضَّجَمْ
محمدًا ارْسَلَه بالهدى * فعاش غنيا ولم يُهْتَضَمْ
عطاءً من الله أُعْطِيتَه * وخصَّ به الله أهل الحرمْ
وقد علموا أنه خيرهم * وفى بيتهم ذى الندى والكرمْ
نبىُّ هدًى صادقٌ طيبٌ * رحيمٌ رءوف بوصل الرَّحِمْ
به ختم الله من قبله * ومن بعده من نبىٍّ ختمْ
يموت كما مات من قد مضى* يُرَدّ إلى الله بارى النَّسَمْ
مع الأنبيا فى جِنَان الخلو * دِ، هُمُو أهلها غير حلّ القَسَمْ
وقدّس فينا بحب الصلاة * جميعا، وعلّم خطّ القلمْ
كتابًا من الله نقرا به * فمن يعتريه فقدْمًا أَثِمْ(أمية بن أبى الصلت- حياته وشعره" لبهجة عبد الغفور الحديثى/ 260- 264)(6/326)
وقد رفض د. جواد على هذه القصيدة على أساس أن ما فيها من إيمان قوى بالنبى ودينه يتناقض مع ما نعرفه من تردد أمية بالنسبة للإسلام وافتقار قلبه إلى الإيمان العميق، وأنه يشير فيها إلى وفاة الرسول التى لم تقع إلا بعد موت أمية أوّلا (المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 497- 498). لكن بهجة الحديثى لا يشك فى القصيدة، بل يرى أنها تمثل خطرة من الخطرات التى كانت تنتاب أمية، فالمعروف أنه لم يكفر بالرسول تكذيبا بل حسدا، إذ كان فى دخيلة نفسه مصدِّقا بما جاء به، بل همّ أن يعلن إسلامه فعلا. كما أن الأنطاكى، الذى كان يعيش فى القرن الثالث الهجرى، قد أكد أنها موجودة فى شعره ومفهومة عند أهل الخبرة به (أمية بن أبى الصلت/ 78- 79). والحق أن الحجة الأخيرة تكاد تكون العقبة الوحيدة التى تمنعنى من القطع بزيف هذه القصيدة رغم ما فيها مما يدابر المنطق: فهى تتحدث عن اختتام النبوة بمحمد عليه السلام، وهى قضية لم تكن قد طُرِحَت بعد، لأن القصيدة لا بد أن تكون قد سبقت غزوة بدر على آخر تقدير حيث حسم أمية أمره بعد تلك الغزوة وشقَّ جيوبه وعقر ناقته وتراجع نهائيا عن الدخول فى الإسلام، على حين أن الإشارة إلى أن نبوة محمد هى خاتمة النبوات قد وردت فى سورة "الأحزاب"، التى نزلت بعد ذلك بزمن طويل على ما هو معروف. أما ما جاء فى القصيدة من ذكر موت النبى فلا يعنى بالضرورة أنه قد مات فعلا، إذ الكلام يحتمل هذا، كما يحتمل أنه سيموت كسائر البشر حسبما جاء فى قوله تعالى: "إنك ميتٌ، وإنهم ميتون" (الزُّمَر/ 30)، إذ أتى الفعلُ الدالّ على الموت فى القصيدة فى صيغة المضارع لا الماضى كما لا بد أن يكون القارئ قد لاحظ، رغم أن فى ذكر الموت فى حد ذاته فى هذا السياق كثيرا من الغرابة والخروج على مقتضيات المديح. كذلك فوصف الرسول بأنه "رحيم رءوف" هو صَدًى لوصفه فى القرآن فى الآية قبل الأخيرة من سورة "التوبة" بهاتين الصفتين، وإن جاءتا فى القصيدتين بعكس ترتيبهما فى السورة، والآية المذكورة تنتمى لمرحلة زمنية متأخرة عن تاريخ نظم القصيدة. كذلك ففى القصيدة صَدًى لقول رسول الله فى حديث أبى هريرة: "لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيَلِج النار إلا تحلَّة القسم"، والمقصود الإشارة إلى قوله تعالى فى الآية 71 من سورة "مريم": "وإنْ منكم إلا وارِدُها.كان على ربك حتما مقضيًّا"، ومعروف أن أبا هريرة إنما أسلم فى المدينة فى السنة السابعة للهجرة، أى بعد نظم أمية قصيدته بأعوام، فكيف يمكن أن يتأثر أمية بحديث كهذا لم يكن قد قيل إلا بعد ذلك ببضع سنوات؟ وأنا هنا، كما يلاحظ القارئ، أنطلق من أن القصيدة هى التى تأثرت بالقرآن لا العكس ما دام أمية قالها فى مدح النبى والتصديق بدعوته، إذ معنى هذا أنه لم يكن يرى فى القرآن أى أثر لشعره، وإلا ما فكر فى مدحه عليه السلام بتاتًا، بل فى هجائه وفَضْحه. ثم إن فى النظم هَنَاتٍ لا يقع فيها جاهلىٌّ عادة: فقد جاءت كل من كلمتى "أرسله" و"الأنبياء" فى القصيدة بهمزة، وهو ما يحدث اضطرابا فى موسيقى البيتين اللذين وردت الكلمتان فيهما، إلا إذا حذفنا الهمزتين كما فعلت أنا هنا، فعندئذ نشعر على الفور أننا بإزاء شعر إسلامى صوفى مما يصعب انتماؤه للعصر الأموى أو حتى بدايات العباسى. لكن هل يمكن أن يكون هذا قد فات ابن داود الأنطاكى؟ تلك هى المعضلة. إلا أننا لو استحضرنا فى المقابل أن كبار مؤرخى الأدب ونقاده فى تلك الفترة، وهم العلماء الذين شغلتهم قضية الانتحال فى الشعر الجاهلى والمخضرم كابن سلام وابن قتيبة والجاحظ وأبى الفرج وابن هشام، لم يَرْوُوا شيئا من هذا الشعر لأمية، لوجدنا أنها ليست بالمعضلة التى تستعصى على الحل. وأيا ما يكن الأمر فكما قلت: إن من يريد منا أن نقبل نسبة الأشعار محل الدراسة لأمية فلا بد أن يقبل معها الأحداث المصاحبة لها فى الروايات التى أوردتْها لنا.(6/327)
ومما تقوله الروايات عن النبى وأمية أيضا ذلك اللقاء الذى تم بينه صلى الله عليه وسلم وفارعة أخت الشاعر حينما جاءته عند دخوله الطائف فى السنة التاسعة للهجرة وحكت له قصة أخيها وأنشدته من شعره بناءً على طلبه، وما عقَّب به عليه السلام قائلا: "يا فارعة، إن مَثَل أخيك كمَثَل من آتاه الله آياته فانسلخ منها" (ابن حجر/ الإصابة فى معرفة الصحابة/ مطبعة مصطفى محمد/ القاهرة/ 1939م/ 4/ 363، والاستيعاب فى معرفة الأصحاب/ مطبعة مصطفى محمد/ القاهرة/ 1939م/ 4/ 379). هل يعقل أنه صلى الله عليه وسلم يسعى إلى فتح ملفّ أمية ويقول فيه هذه الكلمة القارصة، وعلى مسمع من أخته، وفى أشد اللحظات على أهل الطائف وطأةً لأنها لحظة انكسار وانهزام، لو كان قد استمد شيئا من قرآنه من شعر الرجل؟ إنه فى هذه الحالة كمن يمد يده فى جحر الثعابين والعقارب معرِّضا نفسه لخطر الهلاك الوَحِىّ دونما أدنى داع، ومعاذَ الذكاء المحمدى أن يفوته عليه السلام ما ينتظره من الخطر فيقدم على التصرف بمثل هذا التهور! ونفس الشىء نقوله عن موقفه من الشريد بن الصامت، إذ لماذا يشجعه صلى الله علي وسلم على الاستمرار فى إنشاد الشعر الذى من شأنه أن يفضح دعواه لو كان أمية قد قاله فعلا قبل القرآن، واستمد هو قرآنه منه؟ بل لماذا ينشد سويد أمامه شعر أمية أصلا لو كان متطابقا مع القرآن هذا التطابق الذى يدل على استمداده منه؟ بل كيف لم يتنبه لهذا التشابه ولم يختلج على الأقل ضميره بالشكوك والوساوس؟ ولنفترض بعد ذلك كله أنه صلى الله عليه وسلم قد أقدم على هذا التصرف الخاطئ فى الحالين، فكيف لم يصدر عن الطرف الآخر أى شىء يُلْمِح إلى أسبقية شعر أمية على القرآن أو حتى إلى مجرد المشابهة بين النصين ولو على سبيل فلتات اللسان؟
وعندنا من الثقفيين، غير فارعة أخت شاعرنا، كنانة بن عبد ياليل، وكان رئيس ثقيف فى زمانه، واشترك مع أبى عامر الراهب العدو اللدود للإسلام فى التآمر على الدين الجديد وصاحبه، ولم يتركا سبيلا إلا وسلكاه لبلوغ هذه الغاية حتى إنهما ذهبا إلى قيصر للاستعانة به ضد الإسلام. ولما فشلا بقى أبو عامر فى الشام، وعاد ابن عبد ياليل بعد تطواف هنا وهناك وأعلن إسلامه. ويقال إنه كان من بين المرتدين، ثم رجع إلى الإسلام مرة أخرى. والسؤال الذى يتبادر إلى الذهن لو كان الرسول قد أخذ شيئا من شعر أمية هو: كيف سكت مِثْلُ كنانة فلم يتخذ من هذا الأمر سلاحا يوجهه إلى قلب الإسلام فى مقتل فيريح نفسه وقومه والعرب جميعا من هذا البلاء الذى أرَّقهم وأزعجهم بدلا من الضرب فى الآفاق والاستعانة بمن يساوى ومن لا يساوى؟ أليس هذا هو ما كان ينبغى أن يمليه المنطق على مثل ذلك الزعيم القبلى؟ لكنه لم يفعل، فعلام يدل هذا؟ أيعقل أن يكون بيده ذلك السلاح الحاسم ولا يفكر فى استخدامه على طول ما حارب الإسلام وكثرة ما تآمر ضده؟ (ابن حجر/ الإصابة فى معرفة الصحابة/ 2/ 496، و3/ 305). وكان عروة بن مسعود الثقفى قد بكَّر بالدخول فى الإسلام قبل قومه بزمن، فأراد من حبه لهم أن يهديهم الله على يديه، فاستأذن الرسولَ عليه السلام أن يأتيهم فيدعوهم إلى الدخول فى دين التوحيد، لكنه صلى الله عليه وسلم حذره من أنهم سيقتلونه. إلا أنه لم يكن يتصور أنهم يمكن أن يعادوه ويتأبَّوْا عليه اعتقادا منه أنهم يحبونه ويكرمونه أشد الإكرام، فعاود الاستئذان، والرسول يحذره، ثم أذن له فى الثالثة ليذهب إليهم ويلقى المصير الذى حاول الرسول أن يجنبه إياه، إذ ما إن بدأ يدعوهم إلى الإسلام حتى اجتمعوا إليه من كل جانب ورَمَوْه بالنبل فقتلوه، رضى الله عنه (أبو نعيم الأصفهانى/ دلائل النبوة/ ط2/ حيدر أباد الدكن/ 1950م/ 467). أولو كان الرسول قد أخذ قرآنه من أمية ابن الطائف التى طال استعصاؤها على الإسلام إلى وقت متأخر، أكان عروة يدخل فى دينه مخالفا قومه بهذه البساطة؟ بل أكان الرسول يرضى أن يذهب إليهم هذا المندفع الذى لا يفكر فى العواقب، ومعروف أن أول ماسيجيبونه به هو: أوقد نسيت أن الرسول الذى تدعونا إلى الإيمان بدينه ليس سوى سارق لشعر شاعرنا، أخذه وزعم أنه قرآن يُوحَى إليه من السماء؟ وحتى لو لم يفكر أى منهما فى تلك النتيجة التى لا يمكن أن يتجه الذهن إلى أى شىء غيرها، أكانت ثقيف تدع تلك الفرصة السانحة دون أن تتهكم بعروة على غفلته وتحمسه لدين يقوم على هَبْش النصوص الشعرية من الشعراء الآخرين والزعم بأنه وحى من عند رب العالين؟(6/328)
وهناك أيضا من مشاهير الثقفيين الشاعر أبو محجن، الذى كان مدمنا للشراب، وكان يتأرجح بين عشقه المتوله للخمر وتحرجه الدينى، وإن كان للعشق الغلبة فى بداية أمره حتى لقد حُدَّ فيها مرارا، ونفاه عمر إلى إحدى الجزر...إلى أن جاءت حرب القادسية، وقصته فيها معروفة، إذ كان ساعتها فى القيد فى بيت سعد بن أبى وقاص (قائد المسلمين فى تلك المعركة) بسبب الخمر انتظارا لإيقاع الحدّ عليه، فأخذ يلحّ على امرأة سعد من وراء زوجها أن تحل وثاقه كى يستطيع المشاركة فى الجهاد فى سبيل الله، ولها عليه عهد الله أن يعود من تلقاء نفسه بعد المعركة فيضع رجليه فى القيد كرة ثانية، حتى نجح فى إقناعها فأطلقته فحارب وأبلى فى الحرب بلاء حسنا وانتصر المسلمون، فكان عند كلمته وعاد فوضع رجليه فى القيد، ثم أعلن توبته النهائية عن أم الخبائث بعد أن أبدى سعد إعجابه به ووعده أنه لن يحده أبدا، إذ صرَّح قائلا إنه يستطيع الآن أن يقلع عنها دون الخوف من أن يقول أحد عنه إنه تركها خشية العقاب. ولا يزال ديوانه يمتلئ بالأشعار التى يتغزل فيها فى بنت الكَرْم متمردا على تحريمها فى دين محمد. بل إنه كان أحد الذين دافعوا عن الطائف أثناء حصار المسلمين لها عقب فتح مكة، وأصاب سهمه فيها ابنًا لأبى بكر (الزركلى/ الأعلام/ ط3/ 5/ 243، ودائرة المعارف الإسلامية/ الترجمة العربية/ 2/ 597- 598، وديوان الشاعر، وبهجة عبد الغفور الحديثى/ أمية بن أبى الصلت/ 42- 43). والسؤال هنا أيضا: كيف لم يتحدث مثل هذا الشاعر عن استعانة الرسول بشعر ابن قبيلته ولو فى نوبة من نوبات تهتكه وتمرده على تحريم الإسلام الصارم لأم الخبائث، أو فى شعره قبل دخوله فى الإسلام؟
ثم لدينا من الثقفيين أيضا الحجاج بن يوسف، الذى كان معلما للقرآن فى بداية حياته كأبيه لا يبتغى بذلك مالا، بل احتسابًا عند الله، ثم أصبح فيما بعد أحد عمال بنى أمية الكبار. وهو الذى أدخل على نظام الكتابة العربية المزيد من الإتقان والضبط، إذ عهد إلى نصر بن عاصم بإعجام الخط، أى وَضْع النقاط للتمييز بين الأحرف المتشابهة كالباء والتاء والثاء، والجيم والحاء والخاء...طلبًا لمزيد من الدقة والتسهيل فى قراءة القرآن، الذى يدَّعى بعض الرُّقَعاء أنه مقتبَس فى بعض مواضعه من شعر أمية. كما كان، رغم كل ما قيل عن قسوته أيام ولايته على العراق، من المداومين على قراءة القرآن. وكذلك كان يشجع بكل وسيلة على حِفْظه، ويُدْنِى منه حُفّاظه (أحمد صدقى العَمَد/ الحجاج بن يوسف الثقفى- حياته وآراؤه السياسية/ دار الثقافة/ بيروت/ 1975م/ 86- 87، 96، 474، 477- 478، وهزاع بن عيد الشّمّرى/ الحجاج بن يوسف الثقفى- وجهحضارى فى تاريخ الإسلام/ دار أمية/ الرياض/ 44). والآن ألا يحق لنا أن نتساءل: ما الذى جعل الحجاج يتحمس لدين محمد كل هذا التحمس لو كان هناك ولو ذرة واحدة من الشك تحوم حول مصدر هذا الكتاب، وبخاصة أن المصدر فى هذه الحالة لن يكون شيئا آخر غير شعر ابن القبيلة التى يعتزى هو إليها؟ لا ليس ابن قبيلته فقط، بل هو ابن خالة جده الرابع لأمه: معتب بن مالك (انظر فى نَسَبه "الحجاج بن يوسف الثقفى- وجه حضارى فى تاريخ الإسلام" لهزاع بن عيد الشّمّرى/ 15). ولا يظنَّنّ أحد أن شعر أمية لم يكن يهم الحجاج لانشغاله بالسياسة وما يتصل بها، فقد رُوِىَ عنه قوله: "ذهب قوم يعرفون شعر أمية، وكذلك اندراس الكلام" (د. جواد على/ المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 483 )، أى أن نصوص الشعر والأدب إنما تضيع بذهاب من يحفظونها. وههنا نقطة مهمة جدا، ألا وهى أن شعر أمية قد ضاع، على أقلّ تقدير،ٍ جانبٌ كبير منه قبل الحجاج، فكيف وصلنا إذن كل هذا الشعر الذى يشابه القرآن إذا كان واحد من أقرب من تصله به رابطة الدم يشكو من ضياعه على هذا النحو؟(6/329)
وأهم من ذلك كله دلالةً على ما نريد من أن القضية التى يثيرها الفارغون الجهّال من المبشرين ومَنْ لَفَّ لفَّهم من أبناء المسلمين الذين ختم الله على قلوبهم وعقولهم وأعينهم، فهم لا يفكرون ولا يستمعون إلا لكل مغرض ممن يريد أن يقضى عليهم وعلى أمتهم، إنما هى زوبعة فى كستبان لا أكثر، أن الفارعة أخت أمية، وأبناءه القاسم وأمية وربيعة ووَهْبًا، قد دخلوا مع ثقيف كلها فى الإسلام، وكان القاسم وأمية وربيعة يقولون الشعر، ولم يُؤْثَر عن أى منهم ولا من غيرهم ممن كان يمتّ بصلة نسب إلى أميّة أية كلمة تومئ مجرد إيماء إلى أن الرسول يمكن (يمكن فقط) أن يكون قد استفاد من شعر ذلك الشاعر على أى نحو من الأنحاء، ودعك من أن مجرد اعتناقهم الإسلام هو فى حد ذاته برهان على تكذيبهم بأبيهم وانحيازهم إلى محمد، وهو ما ينقض ما يهرف به الأغبياء المحترقون حقدًا على دين محمد من أن القرآن هو فى بعض جوانبه اقتباس من شعر متحنّف الطائف. كما أن كثيرا من العرب قد ارتدّ بعد وفاته صلى الله عليه وسلم، وكان لكل قبيلة تعلاتها السخيفة التى تحاول أن تسوّغ بها هذه الردة، لكننا لم نسمع قطّ أن أحدا ممن ارتدّ قد فتح هذا الموضوع. بل إن قبيلة ثقيف قد هَمَّتْ بالارتداد، لولا أن عثمان بن العاص كرّه إليهم الإقدام على مثل ذلك التصرف الذى لا يليق، فما كان منهم إلا أن فاؤوا إلى رشدهم ولم يعودوا إليها، بل كان منهم كثيرون حاربوا المرتدّين بكل إخلاص. وهنا أيضا لم نسمع أية نأمة حول الاستفادة المحمدية المزعومة من شعر أمية! ليس ذلك فحسب، فهناك، كما أشار د. جواد على (فى كتابه: "المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام"/ 6/ 493)، يوحنا الدمشقى مثلا، وهو من أوائل من كتب من النصارى مهاجما الإسلام، وكان معاصرا لدولة بنى أمية. أفلو كان لهذه الشبهة أىّ ظل من الحقيقة مهما ضَؤُل، أكان هذا الراهب المتعصب على الإسلام، والذى يريد أن يهدمه على رؤوس أصحابه ويثبت بكل وسيلة أن محمدا لم يكن نبيًّا صادقًا، يُفْلِت تلك السانحة الغالية ويسكت فلا يستخدم هذه الورقة الجاهزة والرابحة بكل يقين؟(6/330)
بهذا تكون القضية قد ظهرت على وجهها الحقيقى: فلا أمية ولا أى واحد من أبنائه أو أقاربه أو قبيلته أو حتى من العرب، بل ولا من النصارى واليهود الذين عاصروا النبى أو جاؤوا بعده بقليل، قد أثار هذا الأمر على أى وضع. أليس لنا الحق بعدئذ فى أن نصف من يفتح هذا الموضوع الآن بالرقاعة والوقاحة؟ إن ذلك بمثابة رفع دعوى من غير ذى صفة، بل من شخص لا يستند إلى أى توكيل من أىٍّ من أصحاب الشأن رغم أن الظروف كلها من شأنها أن تدفع أصحاب الشأن هؤلاء إلى الكلام لو كان لتلك المزاعم أساسٌ أىّ أساس! خلاصة القول إنه ليس أمامنا فى هذه المسالة إلا أمران: فإما قلنا بزيف نسبة هذه الأشعار إلى أمية، وإما قلنا إنه قد نظمها تقليدا لما جاء فى القرآن. لكن د. جواد على يرفض الاحتمال الثانى ولا يرى إلا احتمالا واحدا هو زيف الأشعار المعزوّة إلى أمية. ومن بين ما اعتمد عليه فى هذا الرأى أن النبى عليه السلام لم يتهم أمية بالأخذ منه (المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/491). وأنا، وإن كنت أميل إلى رأى الأستاذ الدكتور، لا أستطيع أن أنبذ الرأى الآخر مائة فى المائة لعدم توفر دليل قاطع على صحته، ولكيلا أترك فرصة لأى جَعْجَاع يريد أن يُجْلِب على القرآن والرسول، فكان لا بد أن أسدّ هذه الثغرة. ومن هنا فإنى أجيب على الحجة التى ساقها د. جواد بالقول إن النبى عليه السلام أكبر من أن يقف عند هذه الأشياء، وبخاصة أنه قد نزل عليه القرآن كى يفيد منه الناسُ أيا كان نوع تلك الإفادة لا ليشمخ به عليهم. ثم إن القرآن ليس ملكا للرسول بل هو كتاب الله، فماذا كان يمكن للرسول أن يقول لأمية فى هذه الحالة، وبالذات إذا علمنا أن أمية لم يواجهه بل اكتفى بالازورار؟ وحتى هذا الازورار لم يكن كاملا، فقد جاء فى بعض الروايات أنه وفد عليه ذات مرة واستمع منه إلى سورة "يس"، وشهد له بالحق، وأنه، عند عودته من الشام، قد أخذ طريقه إلى المدينة ليعلن الدخول فى دين محمد لولا تحريض المشركين له بإثارة نقمته على الرسول جرّاء مقتل بعض أقاربه على يد المسلمين فى بدر حسبما جاء فى "الإصابة" لابن حجر و"مجمع البيان" للطَّبَرْسِىّ وغيرهما (د. جواد على/ المفصَّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام/ 6/ 486). أما إذا كان لا بد من أن يردّ عليه النبى رغم ذلك كله، أفلا يكفينا ما رُوِىَ عنه صلى الله عليه وسلم من قوله فيه: "آمن شعره، وكفر قلبه" أو "آمن لسانه، وكفر قلبه" (صحيح مسلم من كتاب "الشعر". وقد أورده الدكتور جواد نفسه فى "المفصّل فى تاريخ العرب قبل الإسلام "/ 485)؟ إذ معنى "آمن شعره أو لسانه" أنه كان يأخذ ما جاء فى القرآن ويردّده فى شعره ترديد المؤمن به، لكن حسده له عليه السلام قد منعه أن يعلن ذلك بصفة رسمية ونهائية، وهذا معنى كفران قلبه. أما الاحتمال الثالث الذى طرحه بعض المستشرقين، كالمستشرق الألمانى شولتس ناشر ديوان أمية، من أن النبى وأمية قد استقيا كلاهما من مصدر ثالث مشترك فهو احتمال ليس له رِجْلان يمشى عليهما، إذ أين ذلك المصدر المشترك؟ ولِمَ لَمْ يظهر طوال كل هاتيك القرون؟ وكيف وقع كل منهما عليه، وبينهما كل هذا البعد المكانى والنفسى؟ ثم لماذا هما وحدهما بالذات من دون العرب كلهم بل من دون العالم أجمع؟
===================
ما هو الدليل على أن القرآن من عند الله تعالى
اقتضت ارادة الخالق ان يكون الاسلوب الذي يتبعه في ايصال مبدئه ونظامه الى الناس هو الرسل ،الا ان الناس بطبيعة الحال ليسوا ملزمين باتباع الرسل،مالم يقدموا دليلا قاطعا على انهم رسل من عند الله يحملون رسالاته الى الناس ،ولو كان الامر غير ذلك لادعى اكثر الناس النبوة _وقد فعل الكثيرون ذلك_ولادى ذلك الى الفوضى والاضطراب .
وكان لا بد لدليل الرسول ان يكون معجزا للناس الذين كلف بابلاغهم رسالته.فكان ان جاء الانبياء الى اممهم بمعجزات وخوارق تثبت انهم انبياء ،فجاء موسى عليه السلام بالعصا التي تبتلع افاعي السحرة وبالعديد من المعجزات الاخرى.
وقد شاءت ارادة الله عز وجل ان تكون الرسالات السابقة خاصة بتلك الامم او الازمنة بينما شاء الله ان تكون رسالة محمد عليه السلام الى الناس كافة لكل زمان ومكان . في سورة سبا(وما ارسلنك الا كافة للناس بشيرا ونذيرا) وقال تعالى في سورة الانبياء (وما ارسلنك الا رحمة للعالمين).
ومن هنا كان لا بد ان تكون معجزة محمد صلى الله عليه وسلم صالحة لكل زمان ومكان أي معجزة ومتحدية للبشر في كل زمان ومكان . في سورة الاسراء (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القران لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).واذا كان لا بد من للمعجزة حتى تكون تحديا من شروط :
هي ان يتحدى بالمعجزة .
وان يكون الواقع عند الطرف الاخر قائما للتحدي .(6/331)
وان يكون المانع من الرد على التحدي منتفيا . أي انه لا بد لمن ياتي بالمعجزة ان يتحدى بها الناس لا ان يحتفظ بها لنفسه ،وانه لا بد ان يتحداهم بما هم قادرون عليه لبراعتهم في موضوع التحدي .
وان يتوفر عنصر الاستفزاز ،أي ان يحس الخصم بدافع الى الاستجابة للتحدي،وذلك بان يقوم المتحدي بما من شانه ان يجبر الطرف الاخر على الاستجابة للتحدي لا ان يكون صاحب المعجزة مسالما لا يحس به احد .
اذا كان ما سبق اهم شروط تحقق الاعجاز للمعجزة في حالة عدم قدرة الخصم على الاتيان بمثل هذه المعجزة ،فان هذه الشروط قد توفرت في معجزة محمد صلى الله عليه وسلم.
واذا كان التحدي بشكل عام نوعان هما التحدي العام أي لكل الناس في كل زمان ومكان،والتحدي الخاص لامة من الامم او شعب من الشعوب في زمن من الازمان ومكان من الامكنة فان معجزة الرسول اتصفت بكلا النوعين من التحدي .
واعجاز القران اظهر ما يتجلى في فصاحته وبلاغته وارتقائه ويظهر ذلك بوضوح في اسلوب القران المعجز ،فان في اسلوبه من الوضوح والقوة والجمال ما اعجز البشر عن الوصول اليه .
وللوصول الى حقيقة مصدر القران أي هل هو من عند الله ام من عند غيره ،فان الواجب هو ان نعمل عقولنا في فهم واقعه ،اذا ان القران واقع محسوس ،والتفكير في أي واقع محسوس باستنارة كفيل بارشاد الانسان الى مصدر ذلك الواقع ،والقران نفسه يطلب منا ان نعمل عقولنا في فهم واقعه للوصول الى حقيقة مصدره ،يقول الله سبحانه وتعالى في سورة محمد(افلا يتدبرون القران ام على قلوب اقفالها) في سورة النساء (افلا يتدبرون القران ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا).
وعند البحث العقلي في القران نجد ان القران كلام عربي وبالتالي فان كاتبه لا يعدوا ان يكون احد ثلاثة :العرب ،او محمد صلى الله عليه وسلم ،او الله كما قال محمد صلى الله عليه وسلم.
من العرب:اما كون القران من العرب فباطل ولا يقبل به العقل ،ذلك ان القران تحدى العرب في عبارات قارعة محرجة ملؤها الاستفزاز ،ان ياتوا بمثل القران (قل لئن اجتمعت الانس والجن على ان ياتوا بمثل هذا القران لا ياتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا).فلما عجزوا عن ذلك ولجاوا الى اسلوب المفلسين ،فاتهموا الرسول بافتراء القران . سخر الله منهم وتحداهم لا ان ياتوا بمثل القران كاملا،بل ان يفتروا عشر سور كما فعل محمد صلى الله عليه وسلم وحاشاه ذلك كما يزعمون.
(ام يقولون افتراء قل فاتوا بعشر سور من مثله مفتريات ،وادعوا من استطعتم من دون الله ان كنتم صادقين )ولما عجزوا من جديد وهم اهل اللغة وارباب البيان وعشاق الشعر والنثر والادب تحداهم القران ان ياتوا بسورة واحدة من مثل القران . (وان كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فاتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين) (ام يقولون افتراه قل فاتوا بسورة مثله .وادعوا شهداءكم من دون الله ان كنتم صادقين).
ومن هذا يتضح استحالة ان يكون العرب هم الذين جاؤوا بالقران ،فلو كان ذلك بامكانهم مع توفر دواعي الاستجابة فهم اهل البيان والفصاحة .والتحدي جاءهم في اعز ما يملكون واقوى ما يقدرون لما ترددوا مطلقا في ذلك ،ولو كان من بعضهم لاستطاع الاخر ان يات بما اتى به القسم الاول فكلهم عرب.مع ان الثابت بالتواتر هو عدم اتيان أي منهم بما يشبه القران مطلقا.
ولا يقال انه من المحتمل ،ان يكون العرب قد جاؤوا بما يشبه القران ولكن المسلمين لتعصبهم لدينهم ولانهم صاروا اصحاب القوة والمنعة بعد ان اعزهم الاسلام بالدولة الاسلامية ،ربما يكونون قد مزقزا او اتلفوا ما جاء به العرب مما يشبه القران لا يقال ذلك لما يلي:
ان هذا احتمال ،والبحث العقلي الصحيح لا ينصب على الاحتمالات او الافتراضات ،بل ينصب على وقائع محسوسة .
لقد حصل فعلا ان البعض حاول ذلك ،فقد وصلتنا تلك المحاولات مثل محاولة مسيلمة الكذاب ،حيث قال معارضا سورة العاديات(والطاحنات طحنا والعاجنات عجنا ،والثاردات ثردا ،واللاقمات سمنا ) وقال معارضا سورة الفيل (الفيل وما ادراك ما الفيل ،له ذنب وبيل ،وخرطوم طويل )وقال معارضا سورة الكوثر (ان اعطيناك الجماهر فصل لربك وجاهر ان شانئك هو الكافر)
فاذا كانت مثل هذه المحاولات على سخافتها وتفاهتها قد وصلتنا فان وصول غيرها لو كان موجودا كان لا بد ان يصل من باب اولى . وهذه ليست المحاولات الوحيدة التي سمعنا عنها بل نقلت الينا روايات عن محاولات اخرى اجهضها اصحابها قبل الاعلان هنا ،بعد ان استحوا من اعلانها ،وهذا يدلل بوضوح على انه لم يكتب شيء يستحق الذكر ،ولو حصل لوصلنا ،ومن هذا يتضح ان العرب لم ياتوا بشيء يشبه القران ،وبالتالي فهو ليس من العرب
كون القران من محمد :هذا القول باطل ايضا وذلك لما يلي :(6/332)
ان القران كلام عربي جاء باسلوب جديد لم يسبق للعرب ان عرفوه او سمعوا بمثله ،أي ان احساسهم لم يقع على واقعه من قبل ،وعدم الاحساس يمنع حصول التفكير والابداع في الواقع الذي لم يحس ،وهو اسلوب القران ،ومن هنا عجز العرب كلهم عن الاتيان بمثل القران ،ولما كان محمد صلى الله عليه وسلم واحدا من العرب أي لم يسبق لحسه ان وقع على مثل القران ، لذى ينطبق عليه ما انطبق على العرب ويستحيل عليه الاتيان بالقران .
ان القران كلام عربي ظل محمد صلى الله عليه وسلم يتلوه منجما لمدة تزيد على العشرين عاما فلو كان القران من تاليف محمد صلى الله عليه وسلم لوجب ان ينطبق على محمد صلى الله عليه وسلم المؤلف او الكاتب ،وعلى القران الكتاب ما ينطبق على كل مؤلف وكتاب لان محمد صلى الله عليه وسلم بشر ،وذلك يظهر في ما يلي :
ان أي كاتب يبدا رحلة التاليف ضعيفا في اسلوبه ولغته ومعانيه .فهل كانت بداية القران اول نزوله اضعف من نهايته ؟؟؟ان صاحب الحق في الاجابة هو الخبير ،ولن نستشهد هنا بخبير مسلم كي لا نتهم بالتحيز بل نستشهد خبيرا كافرا اشتهر بالبلاغة والاطلاع وكان اعلم قريش باللغة والشعر....الخ ذلك هو الوليد بن المغيرة الذي قال عن القران ولما يزال القران في بداية نزوله بعد ان سمع القران من محمد صلى الله عليه وسلم -...ووالله ان لقوله لحلاوة وان عليه لطلاوة ,وان اعلاه لمثمر،وان اسفله لمغذق ،وانه ليعلو ولا يعلى عليه-.
ان أي كاتب مهما كان مبدعا ،يبدع في جانب من الجوانب اكثر من الجوانب الاخرى أي يرتقي الى القمة في بعض المجالات ،ويكون اقل من ذلك في مجالات اخرى ،فهل كان القران ضعيفا في أي جانب من الجوانب؟؟.
ان من البدهيات المعروفة للجميع ،ان اسلوب الانسان في كتابته يحمل علامات معينة تجعله مميزا لصاحبه، تماما كبصمة الانسان فمثلا لو اعطي انسان مطلع اطلاعا جيدا على كتابات مؤلف ما كتابا لم يسبق لاحد غير مؤلفه ان اطلع عليه ،وطلب من القاريء المذكور ان يعرف مؤلف الكتاب دون وجود اسم المؤلف او أي اشارة سوى الاسلوب تدلل على شخصية المؤلف , فان القارىء المطالع سيعرف حتما اسم المؤلف , لان اسلوب المؤلف جزء منه ،ولا يخفيه مهما حاول ان يغير في اسلوبه ،لان من المستحيل على الكاتب ان يكتب باسولبين متناقضين او مختلفين تماما ،فهل تنبطق هذه الخاصية على علاقة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم واسلوبه بالقران واسلوبه؟؟
ان محمدا صلى الله عليه وسلم بشر وينطبق عليه في موضوع الاسلوب ،ما ينطبق على أي انسان ،أي يستحيل عليه ان يكتب باسولبين متناقضين ،والثابت بالدليل القطعي ان محمدا صلى الله عليه وسلم كان يقول الاية ويقول الحديث في وقت واحد مع انهما متباينان من حيث الاسلوب ،فهو بالتالي قد فعل شيئا يعجز عن فعله البشر ،ويالتالي فهي معجزة وهو نبي .
او ان القران من مصدر غير محمد ،وهذا سبب اختلاف الاسلوبين ،فلو قارنا مثلا بين اسلوب الحديث المتواتر (من كذب علي متعمدا فليتبوا مقعده من النار)،وبين اسلوب القران الكريم :(ومن اظلم ممن افترى على الله كذبا ،او قال اوحي الي ولم يوح اليه شيء ،ومن قال سانزل مثل ما انزل الله ،ولو ترى اذ الظالمون في غمرات الموت والملائكة باسطوا ايديهم ،اخرجوا انفسكم اليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تقولون على الله غير الحق وكنتم عن اياته تستكبرون) .ولو قارنا بين هذان النصين الذين قالهما صلى الله عليه وسلم لوجدنا اختلافا بينا ،يدل على انهما من مصدرين مختلفين .
وهذا كله يؤكد بما لا يقبل الشك ان القران كلام الله تعالى ويثبت ان محمدا صلى الله عليه وسلم رسول الله ،وان ما جاء به هو المبدا الاسلامي
=================
قال النصارى :إن القرآن الكريم ورد بأن عيسى عليه السلام روح الله تعالى وكلمته ، وهو اعتقادنا .
والجواب من وجوه :
أحدها: أن من المحال أن يكون المراد الروح والكلمة على ما تدعيه النصارى ، وكيف يليق بأدنى العقلاء أن يصف عيسى عليه السلام بصفة ، وينادي بها على رؤس الأشهاد ، ويطبق بها الآفاق ، ثم ُيكفر من اعتقد تلك الصفة في عيسى عليه السلام ، ويأمر بقتالهم وقتلهم وسفك دمائهم وسبي ذراريهم ، وسلب أموالهم ؟! بل هو بالكفر أولى ؛ لأنه يعتقد ذلك مضافا إلى تكفير غيره ، والسعي في وجوه ضرره ، وقد اتفقت الملل كلها مؤمنها وكافرها على أنه عليه السلام من أكمل الناس في الصفات البشرية خَلقا وخُلقا وعقلا ورأيا ، فإنها أمور محسومة ، إنما النزاع في الرسالة الربانية ، فكيف يليق به عليه السلام أن يأتي بكلام هذا معناه ، ثم يقاتل معتقده ويكفره ، وكذلك أصحابه رضي الله عنهم والفضلاء من الخلفاء من بعده ، وهذا برهان قاطع على أن المراد على غير ما فهمه النصارى.(6/333)
ثانيها: أن الروح اسم الريح الذي بين الخافقين يقال لها : ريح وروح لغتان ، وكذلك في الجمع رياح وأرواح ، واسم لجبريل عليه السلام وهو المسمى بروح القدس ، والروح اسم للنفس المقومة للجسم الحيواني ، والكلمة اسم للفظة المفيدة من الأصوات . وتطلق الكلمة على الحروف الدالة على اللفظة من الأصوات ، ولهذا يقال : هذه الكلمة خط حسن ومكتوبة بالحبر ، وإذا كانت الروح والكلمة لهما معان عديدة فعلى أيهما يحمل هذا اللفظ ؟ وحمل النصراني اللفظ على معتقده تحكم بمجرد الهوى المحض .
وثالثهما :وهو الجواب بحسب الاعتقاد لا بحسب الإلزام ، أن معنى الروح المذكور في القرآن الكريم في حق عيسى عليه السلام هو الروح الذي بمعنى النفس المقوم لبدن الإنسان ، ومعنى نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام من روحه أنه خلق روحا نفخها فيه ، فإن جميع أرواح الناس يصدق أنها روح الله ، وروح كل حيوان هي روح الله تعالى ، فإن الإضافة في لسان العرب تصدق حقيقة بأدنى الملابسة ، كقول أحد حاملي الخشبة لآخر : شل طرفك يريد طرف الخشبة ، فجعله طرفا للحامل ، ويقول : طلع كوكب زيد إذا كان نجم عند طلوعه يسري بالليل ، ونسبة الكوكب إليه نسبة المقارنة فقط ، فكيف لا يضاف كل روح إلى الله تعالى ، وهو خالقها ومدبرها في جميع أحوالها ؟ وكذلك يقول بعض الفضلاء لما سئل عن هذه الآية فقال : نفخ الله تعالى في عيسى عليه السلام روحا من أرواحه ، أي جميع أرواح الحيوان أرواحه ، وأما تخصيص عيسى عليه السلام فللتنبيه على شرفه ، وعلو منزلته بذكر الإضافة إليه ، كما قال تعالى :{وما أنزلنا على عبدنا}. .{إن عبادى ليس لك عليهم سلطان} مع أن الجميع عبيده ، وإنما التخصيص لبيان منزلة المخصّص .
وأما الكلمة فمعناها أن الله تعالى إذا أراد شيئا يقول له : كن فيكون ، فما من موجود إلا وهو منسوب إلى كلمة كن ، فلما أوجد الله تعالى عيسى عليه السلام قال له : كن في بطن أمك فكان ، وتخصيصه بذلك للشرف كما تقدم ، فهذا معنى معقول متصور ليس فيه شئ كما يعتقده النصارى من أن صفة من صفات الله حلت في ناسوت المسيح عليه السلام ! وكيف يمكن في العقل أن تفارق الصفة الموصوف ، بل لو قيل لأحدنا : إن علمك أو حياتك انتقلت لزيد لأنكر ذلك كل عاقل ، بل الذي يمكن أن يوجد في الغير مثل الصفة ، وأما أنها هي في نفسها تتحرك من محل إلى محل فمحال ؛ لأن الحركات من صفات الأجسام ، والصفة ليست جسما ، فإن كانت النصارى تعتقد أن الأجسام صفات ، والصفات أجسام ، وأن أحكام المختلفات وإن تباينت شئ واحد سقطت مكالمتهم ، وذلك هو الظن بهم ؛ بل يُقطع بأنهم أبعد من ذلك عن موارد العقل ومدارك النظر ، وبالجملة فهذه كلمات عربية في كتاب عربي ، فمن كان يعرف لسان العرب حق معرفته في إضافاته وتعريفاته، وتخصيصاته ، وتعميماته ، وإطلاقاته ،وتقييداته ، وسائر أنواع استعمالاته فليتحدث فيه ويستدل له ، ومن ليس كذلك فليقلد أهله العلماء به ، ويترك الخوض فيما لا يعنيه ولا يعرفه .
( المرجع : رسالة " إفحام النصارى " دار القاسم ، ص 25-30).
===============
قولهم : قولنا في ( الأقانيم ) و(التثليث ) كقولكم في آيات الصفات !
قال النصارى : إن قال المسلمون: لم أطلقتم لفظ الابن والزوج الأقانيم ، مع أن ذلك يوهم أنكم تعتقدون تعدد الآلهة ، وأن الآلهة ثلاثة أشخاص مركبة ، وأنكم تعتقدون ببنوة المباضعة ، قلنا للمسلمين : هذا كإطلاق المتشابه عندكم من لفظ اليد ، والعين ، ونحوها ، فإنه يوهم التجسيم ، وأنتم لا تعتقدونه .(6/334)
والجواب : أن آيات وأحاديث صفات الله ليست من المتشابه عند أهل السنة ؛ بل هي معلومة المعنى ، نثبتها لله كما أثبتها لنفسه دون تشبيه أو تعطيل ، أو تأويل . وأما ما كان من المتشابهات التي بينها العلماء والواردة في قوله تعالى : ( وأخر متشابهات ) فإنما يطلق المسلمون المتشابه بعد ثبوته نقلا متواترا نقطع به عن الله تعالى أنه أمر بتلاوته امتحانا لعباده ليضل من يشاء ، ويهدي من يشاء ، وليعظم ثواب المهتدين حيث حصل الهداية بعد التعب في وجوه النظر ، ويعظم عذاب الضالين حيث قطعوا لا في موضع القطع ، ولم ينقلوا ذلك عن امرأة كما اتفق ذلك في الإنجيل ؛ بل ما اقتصر المسلمون على الجمع القليل ، بل ما اعتمدوا على العدد الذي يستحيل عليهم الكذب ، فلما تحققوا أن الله أمرهم بذلك نقلوه ، وأما النصارى فأطلقوا بعض ذلك من قبل أنفسهم ، كالأقانيم والجوهر ، وبعضها نقلوه نقلا لا تقوم به حجة في أقل الأحكام ، فضلا عن أحوال الربوبية ، فهم عصاة لله تعالى حيث أطلقوا عليه ما لم يثبت عندهم بالنقل ، بل لو طولبوا بالرواية لإنجيلهم لعجزوا عن الرواية ، فضلا عن النقل القطعي ، فلا تجد أحدا له رواية في الإنجيل يرويه واحد عن واحد إلى عيسى عليه السلام ، وأقل الكتب عند المسلمين من الارتياب وغيرها يروونها عن قائلها ، فتأمل الفرق بين الاثنين ، والبون الذي بين الدينين؛ هؤلاء المسلمون ضبطوا كل شئ ، والنصارى أهملوا كل شئ ، ومع ذلك يعتقدون أنهم على شئ .
===================
قولهم : إن القرآن أخبر أننا نؤمن بعيسى - عليه السلام
قال النصارى : إن الله تعالى أخبر خبرا جازما أنا نؤمن بعيسى عليه السلام بقوله تعالى : { وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته }. فكيف نتبع من أخبر الله تعالى عنه أنه شاك في أمره بقوله تعالى :{وإنا أو إياكم لعلى هدى أو ضلال مبين } وأمره في سورة الفاتحة أن يسأل الهداية إلى صراط مستقيم { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين} والمنعم عليهم هم النصارى ، والمغضوب عليهم اليهود ، والضالون عبدة الأصنام .
والجواب: أن النصارى لما لعبوا في كتابهم بالتحريف والتخليط صار ذلك لهم سجية ، وأصبح الضلال والإضلال لهم طوية ، فسهل عليهم تحريف القرآن ، وتغيير معانيه لأغراضهم الفاسدة ، والقرآن الكريم برئ من ذلك ، وكيف تخطر لهم هذه التحكمات بغير دليل ، ولا برهان ؛ بل بمجرد الأوهام والوسواس ، وأما قوله تعالى :{وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمن به قبل موته}ففيه تفسيران :
أحدهما: أن كل كافر إذا عاين الملائكة عند قبض روحه ساعة الموت ظهر له منهم الإنكار عليه بسبب ما كان عليه من الكفر ، فيقطع حينئذ بفساد ما كان عليه ، ويؤمن بالحق على ما هو عليه ، فإن الدار الآخرة لا يبقى فيها تشكك ولا ضلال ، بل يموت الناس كلهم مؤمنين موحدين على قدم الصدق ومنهاج الحق ، وكذلك يوم القيامة بعد ا لموت ، لكنه إيمان لا ينفع ولا يعتد به ، وإنما يقبل الإيمان من العبد حيث يكون متمكنا من الكفر ، فإذا عدل عنه وآمن بالحق كان إيمانه من كسبه وسعيه ، فيؤجر عليه ، أما إذا اضطر إليه ، فليس فيه أجر فما من أحد من أهل الكتاب إلا يؤمن بنبوة عيسى عليه السلام وعبوديته لله تعالى قبل موته ، لكن قهرا لا ينفعه في الخلوص من النيران وغضب الديان .
التفسير الثاني: أن عيسى عليه السلام ينزل في آخر الزمان عند ظهور المهدي بعد أن يفتح المسلمون القسطنطينية من الفرنج ،فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ، ولا يبقى على الأرض إلا المسلمون ، ويستأصل اليهود بالقتل ويصرح بأنه عبد الله ونبيه ، فتضطر النصارى إلى تصديقه حينئذ لإخباره لهم بذلك ، وعلى التفسيرين ليس فيه دلالة على أن النصارى الآن على خير .(6/335)
وأما قوله تعالى :{ وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين } فهو من محاسن القرآن الكريم ، لأنه من تلطف الخطاب وحسن الإرشاد ، فإنك إذا قلت لغيرك أنت كافر فآمن ، ربما أدركته الأنفة فاشتد إعراضه عن الحق ، فإذا قلت له : أحدنا كافر ينبغي أن يسعى في خلاص نفسه من عذاب الله تعالى ، فهلم بنا نبحث عن الكافر منا فنخلصه ، فإن ذلك أوفر لداعيته في الرجوع إلى الحق والفحص عن الصواب ، فإذا نظر فوجد نفسه هو الكافر فر من الكفر من غير منافرة منك عنده ، ويفرح بالسلامة ، ويسر منك بالنصيحة ، هكذا هذه الآية سهلت الخطاب على الكفار ليكون ذلك أقرب لهدايتهم ، ومنه قول صاحب فرعون المؤمن لموسى عليه السلام : { يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جآءنا } إلى قوله : { وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم } فخصهم أولا بالملك والظهور لتنبسط نفوسهم مع علمه بأنه وبال عليهم ، وسبب طغيانهم ، ولم يجزم في ظاهر اللفظ بصدق موسى عليه السلام مع قطعه بصدقه ، بل جعله معلقا على شرط ، لئلا ينفرهم فيحتجبوا عن الصواب ، فكل من صح قصده في هداية الخلق سلك معهم ما هو أقرب لهدايتهم ، وكذلك قوله تعالى لموسى وهارون في حق فرعون :{ فقولا له قولا لينا لعله يتذكر أو يخشى } وقوله لمحمد صلوات الله عليهم أجمعين :{ ولو كنت فظا غليظ القلب لا نفضوا من حولك}.وقوله :{ ولا تجادلوا أهل الكتب إلا بالتي هي أحسن } فهذا كله من محاسن الخطاب لا من موجبات الشك والارتياب .
وأما أمره تعالى لمحمد عليه السلام ولأمته بالدعاء بالهداية إلى الصراط المستقيم ، فلا يدل على عدم حصول الهداية في الحال ، لأن القاعدة اللغوية أن الأمر والنهي والدعاء والوعد والوعيد والشرط وجزاءه إنما يتعلق بالمستقبل من الزمان دون الماضي والحاضر ، فلا يطلب إلا المستقبل ، لأن ما عداه قد تعين وقوعه ، أو عدم وقوعه ، فلا معنى لطلبه ، والإنسان باعتبار المستقبل لا يدري ماذا قضي عليه ، فيسأل الهداية في المستقبل ليأمن من سوء الخاتمة ، كما أن النصراني إذا قال : اللهم أمتني على ديني ، لا يدل على أنه غير نصراني وقت الدعاء ، ولا أنه غير مصمم على صحة دينه ، وكذلك سائر الأدعية ، وأجمع المسلمون والمفسرون على أن المغضوب عليهم اليهود ، وأن الضالين النصارى ، فتبديل ذلك مصادمة ومكابرة ومغالطة وتحريف وتبديل ، فلا يُسمع من مدعيه
=================
قولهم : إن القرآن مدح قرباننا في سورة المائدة
قال النصارى : مدح الله قرباننا وتوعدنا إن أهملنا ما متعنا بقوله تعالى : {إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين* قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين} إلى قوله تعالى : { قال الله إني منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإني أعذبه أحدا من العالمين}.فالمائدة هي القربان الذي يتقربون به في كل قداس .
والجواب: إن من العجائب أن يدعي النصارى أن المائدة التي نزلت من السماء هي القربان الذي يتقربون به مع الذين يتقربون به من مصنوعات الأرض ، وأين المائدة من القربان ؟ نعوذ بالله تعالى من الخذلان ، بل معنى الآية أن الله تعالى طرد عادته وأجرى سنته أنه متى بعث للعباد أمرا قاهرا للإيمان لا يمكن العبد معه الشك ، فمن لم يؤمن به عجل له العذاب لقوة ظهور الحجة ، كما أن قوم صالح لما أخرج الله تعالى لهم الناقة من الحجر فلم يؤمنوا عجل لهم العذاب ، وكانت هذه المائدة جسما عليه خبز وسمك نزل من السماء يقوت القليل من الخلق العظيم العدد فأمرهم أن يأكلوا ، ولا يدخروا ، فخالفوا وادخروا ، فمسخهم الله تعالى ، ونزول مثل هذا من السماء كخروج الناقة من الصخرة الصماء ، فأخبر الله تعالى أن من لم يؤمن بعد نزول المائدة عجلت له العقوبة ، ولا تعلق للمائدة بقربانهم البتة ؛ بل المائدة معجزة عظيمة خارقة ، والقربان أمر معتاد ليس فيه شئ من الإعجاز البتة . فأين أحد البابين من الآخر لولا العمى والضلال
=================
مثنى وثلاث ورباع وما ملكت ايمانكم
{{ وَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تُقْسِطُواْ فِي الْيَتَامَى فَانكِحُواْ مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاء مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ }}
الحق سبحانه وتعالى حينما يشرع الحكم يشرعه مرة إيجاباً ومرة يشرعه إباحة ، فلم يوجب ذلك الأمر على الرجل ، ولكنه أباح للرجل ذلك ، وفيه فرق واضح بين الإيجاب وبين الإباحة . والزواج نفسه حتى من واحدة مباح . إذن ففيه فرق بين أن يلزمك الله أن تفعل وان يبيح لك أن تفعل . وحين يبيح الله لك أن تفعل ، ما المرجح في فعلك ؟ إنه مجرد رغبتك(6/336)
ولكن إذا أخذت الحكم ، فخذ الحكم من كل جوانبه ، فلا تأخذ الحكم ، وبإباحة التعدد ثم تكف عن الحكم بالعدالة ، وإلا سينشأ الفساد في الأرض ، وأول هذا الفساد أن يتشكك الناس في حكم الله . لماذا ؟ لأنك إن أخذت التعدد ، وامتنعت عن العدالة فأنت تكون قد أخذت شقاً من الحكم ، ولم تأخذ الشق الآخر وهو العدل ، فالناس تجنح أمام التعدد وتبتعد وتميل عنه لماذا ؟ لأن الناس شقوا كثيراً بالتعدد أخذاً لحكم الله في التعدد وتركاً لحكم الله في العدالة .
والمنهج الإلهي يجب أن يؤخذ كله ، فلماذا تكره الزوجة التعدد ؟ لأنها وجدت أن الزوج إذا ما تزوج واحدة عليها ألتفت بكليته وبخيره وببسمته وحنانه إلى الزوجة الجديدة ، لذلك فلابد مرأة أن تكره زواج الرجل عليها بامرأة أخرى .
إن الذين يأخذون حكم الله في إباحة التعدد يجب أن يلزموا أنفسهم بحكم الله أيضاً في العدالة ، فإن لم يفعلوا فهم يسيعون التمرد على حكم الله ، وسيجد الناس حيثيات لهذا الترد ، وسيقال : انظر ، إن فلان تزوج بأخرى وأهمل الأولى ، أو ترك أولاده دون رعاية واتجه إلى الزوجة الجديدة .
فكيف تأخذ إباحة الله في شيء ولا تأخذ إلزامه في شيء آخر ، إن من يفعل ذلك يشكك الناس في حكم الله ، ويجعل الناس تتمرد على حكم الله ـ والسطحيون في الفهم يقولون : إنهم معذورون وهذا منطق لا يتأتى .
إن آفة الأحكام أن تؤخذ حكم جزئي دون مراعاة الظروف كلها ، والذي يأخذ حكماً عن الله لابد أن يأخذ كل منهج الله عن الله تعالى
هات إنساناً عدل في العِشْرة وفي النفقة وفي البيتوتة وفي مكان الزمان ولم يرجح واحدة على أخرى ، فالزوجة الأولى إن فعلت شيئاً فهي لن تجد حيثية لها أمام الناس . أما عندما يكون الأمر غير ذلك فإنها سوف تجد الحيثية للأعتراض ، والصراخ الذي نسمعه هذه الأيام إنما نشأ من أن بعضاً قد أخذ حكم الله في إباحة التعدد ولم يأخذ حكم الله في عدالة التعدد . والعدالة تكون في المور التي للرجل فيها خيار . أما الأمور التي لا خيار للرجل فيها فلم يطالبه الله بها
ومن السطحيين من يقول : إن الله قال : اعدلوا ، ثم حكم أننا لا نستطيع أن نعدل .
نقول لهم : بالله أهذا تشريع ؟ ، أيعطي الله باليمين ويسحب بالشمال ؟ ألم يشرع الحق على عدم الاستطاعة فقال :
{{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ فَتَذَرُوهَا كَالْمُعَلَّقَةِ وَإِن تُصْلِحُواْ وَتَتَّقُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا}}
ومادام قد شرع على عدم الاستطاعة في العدل المطلق فهو قد أبقى الحكم ولم يلغه ، وعلى المؤمن ألا يجعل منهج الله له في حركة حياته عضين بمعنى أنه يأخذ حكماً في صالحه ويترك حكماً إن كان عليه .
فالمنهج من الله يؤخذ جملة واحدة من كل الناس ، لأن أي انحراف في فرد من أفراد الأمة الإسلامية يصيب المجموع بضرر . فكل حق لك هو واجب عند غيرك ، فإن أردت أن تأخذ حقك فأدّ واجبك .
والذين يأخذون حكم الله في إباحة التعدد يجب أن يأخذوا حكم الله أيضاً في العدل ، وإلا أعطوا خصوم دين الله حججا قوية في إبطال شرع الله ، وتغيير ما شرع الله بحجة ما يرونه من آثار أخذ حكم وإهمال حكم آخر .
والعدل المراد في التعدد هو القسمة بالسوية في المكان ، أي أن لكل واحدة من تالمتعددات مكاناً يساوي مكان الأخرين ، وفي الزمان ، وفي متاع المكان ، وفيما يخص الرجل من متاع نفسه ، فليس له أن يجعل شيئاً له قيمة عند واحدة ، وشيئاً لا قيمة له عند واحدة أخرى ، يأتي مثلا بيجامة ((منامه)) صُوف ويضعها عند واحدة ، ويأتي بأخرى من قماش أقل جودة ويضعها عن واحدة ، لا
لابد من المساواة ، لا في متاعها فقط ، بل متاعك أنت الذي تتمتع به عندها ، حتى أن بعض المسلمين الأوائل كان يساوي بينهن في النعال التي يلبسها في بيته ، فيأتي بها من لون واحد وشسكل واحد وصنف واحد ، وذلك حتى لا تَدِلُّ واحدة منهن على الأخرى قائلة : إن زوجي يكون عندي أحسن هنداماً منه عندك .
والعدالة المطلوبة ـ أيضاً ـ هي العدالة فيما يدخل في اختيارك ، لأن العدالة التي تدخل في اختيارك لا يكلف الله بها ، فأنت عدلت في المكان ، وفي الزمان ، وفي المتاع لكل واحدة ، وفي المتاع لك عند كل واحدة ، ولكن لا يطلب الله منك أن تعدل بميل قلبك وحب نفسك ؛ لأن ذلك ليس في مكنتك .
والرسول صلى الله عليه وسلم يعطينا هنا القول : عن عائشة رضى الله عنها قالت : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقسم ويعد ويقول : ( اللهم هذا قسمي فيما أملك فلا تلمني فيما تملك ولا أملك ) يعني القلب } رواه الإمام احمد وأبو داود والدارمي .
إذن فهذا معنى قول الحق : { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ ... النساء129}(6/337)
لأن هناك أشياء لا تدخل في قدرتك ، ولا تدخل في اختيارك ، كأن ترتاح نفسياً عند واحدة ولا ترتاح نفسياً عند أخرى ، أو ترتاح جنسيا عند واحدة ولا ترتاح عند أخرى ، ولكن الأمر الظاهر للكل يجب أن يكون فيه القسمة بالسوية حتى لا تَدِلُّ واحد على واحدة .
وإذا كان هذا في النساء المتعددات ـ وهن عوارض ـ حيث من الممكن أن يخرج الرجل عن أي امرأة ـ بطلاق أو فراق فما بالك بأولادها منه ؟ لابد أيضاً من العدالة .
والذي يفسد جو الحكم المنهجي لله أن أناساً يجدون رجلا عدّد ، فأخذ بإباحة الله في التعدد ، ثم لم يعدل ، فوجدوا أبناءه من واحدة مهملين مشردين ، فيأخذون من ذلك حجة على الإسلام . والذين يحاولوا أن يفعلوا ما فعلوا في قوانين الأحوال الشخصية إنما نظروا إلى ذلك التباين الشديد الذي يحدثه بعض الأباء الحمقى نتيجة تفضيل أبناء واحدة على الأخرى في المأكل والملبس والتعليم !
إذن فالمسلم هو الذي يهجر دينه ويعرضه للنقد والنيل من أعدائه له . فكل إنسان مسلم على ثغرة من ثغرات دين الله تعالى فعليه أن يصون أقواله وأفعاله وحركاته وسكناته من أي انحراف أو شطط ؛ لأن كل مسلم بحركته وبتصرفه يقف على ثغرة من منهج الله ، ولا تظنوا أن الثغرات فقط هي الشيء الذي يدخل منه أعداء الله على الأرض كالثغور ، لا ..... الثغرة هي الفجوة حتى في القيم يدخل منها خصم الإسلام لينال من الإسلام .
إنك إذا ما تصرفت تصرفاً لا يليق فأنت فتحت ثغرة لخصوم الله . فسد كل ثغرة من هذه الثغات ، وإذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توسع في العدل بين الزوجات توسعاً لم يقف به عند قدرته ، وإن وقف به عند اختياره ، فرسول الله صلى الله عليه وسلم حين مرض كان من الممكن أن يعذره المرض فيستقر في بيت واحدة من نسائه ، ولكنه كان يأمر بأن يحمله بعض الصحابه ليطوف على بقية نسائه في أيامهن فأخذ قدرة الغير . وكان إذا سافر يقرع بينهن ، هذه هي العدالة .
وحين توجد مثل هذه العدالة يشيع في الناس أن الله لا يشرع إلا الحق ، ولا يشرع إلا صدقاً ، ولا يشرع إلا خيراً ، ويسد الباب على كل خصم من خصوم دين الله ، حتى لا يجد ثغرة ينفذ منها إلى ما حرم دين الله ، وإن لم يستطع المسلم هذه الاستطاعة فليلزم نفسه بواحدة . ومع ذلك حين يلزم المسلم نفسه بزوجة واحدة ، هل انتفت العدالة مع النفس الواحدة ؟ لا
فلا يصح ولا يستقم ولا يحل أن يهمل الرجل زوجته . ولذلك حينما شكت امرأة عمر بن الخطاب رضى الله عنه أن زوجها لا يأتي إليها وهي واحدة وليس لها ضرائر ، فكان عنده احد الصحابة ، فقال له : أفتها ( أي أعطها الفتوى )
قال الصحابي : لك أن يبيت عندك الليلة الرابعة بعد كل ثلاث ليال .
ذلك أن الصحابي فرض أن لها شريكات ثلاثا ، فهي تستحق الليلة الرابعة .
وسُر عمر بن الخطاب رضى الله عنه من الصحابي ؛ لأنه عرف كيف يفتي حتى في أمر المرأة الواحدة .
إذن قوله الحق سبحانه وتعالى : {{وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ }} النساء129
أي لا تظنوا أن المطلوب منكم تكليفاً هو العدالة حتى في ميل القلب وحبه ، لا .
إنما العدالة في الأمر الاختياري ، ومادام الأمر قد خرج عن طاقة النفس وقدرتها فقد قال ـ سبحانه ـ (( فلا تميلوا كل الميل )) . ويأخذ السطحيون الذين يريدون أن يبرروا الخروج عن منهج الله فيقولوا : إن المطلوب هو العدل وقد حكم الله أننا لا نستطيع العدل .
ولهؤلاء نقول : هل يعطي ربنا باليمين ويأخذ بالشمال ؟ فكأنه يقول : أعدلوا وأنا أعلم أنكم لن تعدلوا ؟ فكيف يأتي لكم مثل هذا الفهم ؟ إن الحق حين قال : { وَلَن تَسْتَطِيعُواْ أَن تَعْدِلُواْ بَيْنَ النِّسَاء وَلَوْ حَرَصْتُمْ .. النساء129} أى لا يتعدى العدل ما لا تملكون من الهوى والميل ؛ لأن ذلك ليس في إمكانكم ، ولذلك قال : { فَلاَ تَمِيلُواْ كُلَّ الْمَيْلِ }} النساء129
نقول ذلك للذين يريدون أن يطلقوا الحكم غير واعين ولا فاهمين عن الله ، ونقوله كذلك للفاهمين الذين يريدون أن يدلسوا على منهج الله ، وهذه المسألة من المسائل التي تتعرض للأسرة ، وربها الرجل .فهب أن رجلا ليس له ميل إلى زوجته ، فماذا يكون الموقف ؟ أمن الأحسن أن يطلقها ويسرحها ، أم تظل عنده ويأتي بامرأة تستطيع نفسه أن ترتاح معها ؟ أو يطلق غرائزه في أعراض الناس ؟
إن الحق حينما شرع ، إنما يشرع ديناً متكاملاً ، لا تأخذ حكماً منه لتترك حكماً آخر .
والأحداث التي أرهقت المجتمعات غير المسلمة ألجأتهم إلى كثير من قضايا الإسلام ، ولعدم الإطالة هناك بعض الدول تكلمت عن إباحة التعدد لا لأن الإسلام قال به ، ولكن لأن ظروفهم الاجتماعية حكمت عليهم أن لا يحل مشاكلهم إلا هذا ، حتى ينهوا مسألة الخليلات . والخليلات هن اللائي يذهب إليهن الرجال ليهتكوا أعراضهن ويأتوا منهن بلقطاء ليس لهم أب .(6/338)
إن من الخير أن تكون المرأة الثانية ، امرأة واضحة في المجتمع . ومسألة زواج الرجل منها معروفة للجميع ، ويتحمل هو عبء الأسرة كلها . ويمكن لمن يريد أن يستوضح كثيراً من أمر هؤلاء الناس أن يرجع إلى كتاب تفسير في هذا الموضوع للدكتور محمد خفاجة حيث أورد قائمة بالدول وقرارتها في إباحة التعدد عند هذه الآية .
وهنا يجب أن ننتبه إلى حقيقفى وهي : أن التعدد لم يأمر الله به ، وإنما أباحه ، فالذيتلرهقه هذه الحكاية لا يعدد ، فالله لم يأمر بالتعدد ولكنه أباح للمؤمن أن يعدد . والمباح أمر يكونالمؤمن حراً فيه يستخدم رخصة الإباحة أو لا يستعملها ، ثم لنبحث بحثاً آخر . إذا كان هناك تعدد في طرف من طرفين فإن كان الطرفان متساويين في العدد ، فإن التعدد في واحدة لا يتأتى ، والمثل هو الآتي :
إذا دخل عشرة أشخاص حجرة وكان بالحجرة عشرة كراسي فكل واحد يجلس على كرسي ، ولا يمكن بطبيعة الحال أن يأخذ واحد كرسياً للجلوس وكرسياً آخر لمد عليه ساقه ، ولكن إذا كان هناك أحد عشر كرسياً ، فواحد من الناس ياخذ كرسياً للجلوس وآخر لستند عليه ، إذن فتعدد طرف في طرف لا ينشأ إلا من فائض . فإذا لم يكن هناك فائض ، فالتعدد ـ واقعاً ـ يمتنع ، لأن كل رجل سيتزوج امرأة واحدة وتنتهي المسألة ، ولو أراد أن يعدد الزواج فلن يجد .
إذن فإباحة التعدد تعطينا أن الله قد أباحه وهو يعلم أنه ممكن لأن هناك فائضاً . والفائض كما قلنا معلوم ، لأن عدد ذكور كل نوع من الأنواع أقل من عدد الإناث .
وضربنا المثل من قبل في البيض عندما يتم تفريخه ؛ فإننا نجد عدداً قليلاً من الدجيوك والبقية إناث . إذن فالإناث في النبات وفي الحيوان وفي كل شيء أكثر من الذكور .
وإذا كانت الإناث أكثر من الذكور ، ثم أخذ كل ذكر مقابله فما مصير الأعداد التي تفيض وتزيد من الإناث ؟
إما أن تعف الزائدة فتكبت غرائزها وتحبط ، وتنفس في كثير من تصرفتها بالنسبة للرجل وللمحيط بالرجل ، وإما أن تنطلق ، تنطلق مع من ؟ إنها تنطلق مع متزوج . وإن حدث ذلك فالعلاقات الاجتماعية تفسد .
ولكن الله حين أباح التعدد أراد أن يجعل منه مندوحة لامتصاص الفائض من النساء ؛ ولكن بشرط العدالة . وحين يقول الحق : { فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً } النساء 3 .. أي إن لم تستطع العدل الاختياري فليلزم الإنسان واحدة .
وبعد ذلك يقول الحق : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ } النساء 3
وهناك من يقف عند ((مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ)) ويتجادل ، ونطمئن هؤلاء الذين يقفون عند هذا القول ونقول : لم يعد هناك مصدر الآن لملك اليمين ؛ لأن المسلمين الآن في خنوع ، وقد اجترأ عليهم الكفار ، وصاروا يقتطعون دولاً من دولهم . وما هبّ المسلمون ليقفوا لحماية أرض إسلامية . ولم تعد هناك حرب بين المسلمين وكفار ، بحيث يكون فيه أسرى و (( ملك اليمين)) .
ولكنا ندافع عنه أيام كان هناك ملك يمين . ولنر المعنى الناضج حين يبيح الله متعة السيد بما ملكت يمينه ، انظر إلى المعنى ، فالإسلام قد جاء ومن بين أهدافه أن يصفي الرق ، ولم يأت ليجئ بالرق .
وبعد أن كان لتصفية الرق سبب واحد هو إدارة السيد . عدَّدَ الإسلام مصاريف تصفية الرق ؛ فارتكاب ذنب ما يقال للمذنب : اعتق رقبة كفارة اليمين . وكفارة ظهار فيؤمر رجل ظاهر من زوجته بأن يعتق رقبة وكفارة فطر في صيام ، وكفارة قتل ... إلخ .... إذن الإسلام يوسع مصارف العتق .
ومن يوسع مصاريف العتق أيريد أن يبقى على الرق ، أم يريد أن يصفيه ويمحوه ؟
لنفترض أن مؤمناً لم يذنب ، ولم يفعل ما يستحق أن يعتق من أجله رقبة ، وعنده جوار ، هنا يضع الإسلام القواعد لمعاملة الجواري :
ـ إن لم يكن عندك ما يستحق التكفير ، فعليك أن تطعم الجارية مما تأكا وتلبسها ما يلبس أهل بيتك ، لا تكلفها ما لا تطيق ، فإن كلفتها فأعنها ، أي فضل هذا ، يدها بيد سيدها وسيدتها ، فما الذي ينقصها ؟ إن الذي ينقصها إرواء إلحاح الغريزة ، وخاصة أنها تكون في بيت رجل فيه امرأة ، وتراها حين تتزين لزوجها ، وتراها حين تخرج في الصباح لتستحم ، والنساء عندهن حساسية لهذا الأمر ، فتصوروا أن واحدة مما ملكت يمين السيد بهذه المواقف ؟ ألا تهاج في الغرائز؟
حين يبيح الله للسيد أن يستمتع بها وأن تستمتع به ، فإنه يرحمها من هذه الناحية ويعلمها أنها لا تقل عن سيدتها امرأة الرجل فتتمتع مثلها . ويريد الحق أيضاً أن يعمق تصفية الرق ، لأنه إن زوجها من رجل رقيق فإنها تظل جارية أمة ، والذي تلده يكون رقيقاً ، لكن عندما تتمتع مع سيدها وتأتي منه بولد ، فإنها تكون قد حررت نفسها وحررت ولدها ، وفي ذلك زيادة في تصفية الرق ، وفي ذلك إكرام لغريزتها . ولكن الحمقى يريدون أن يؤاخذوا الإسلام على هذا !!(6/339)
يقول الحق : ((فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ تَعْدِلُواْ فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) فالعدل أو الأكتفاء بواحدة أو ما ملكت اليمين ، ذلك أقرب ألا تجوروا .
وبعض الناس يقول : ((أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) أي ألا تكثر ذريتهم وعيالهم . ونقول لهم : إن كان كذلك فالحق أباح ما ملكت اليمين ، وبذلك يكون السبب في وجود العيال قد اتسع أكثر ، وقوه : ((ذَلِكَ أَدْنَى أَلاَّ تَعُولُواْ )) أي أقرب ألا تظلموا وتجوروا ، لأن العول فيه معنى الميل ، والعول في الميراثأن تزيد أسهم الأنصاب على الأصل ، وهذا معنى عالت المسألة ، وإذا ما زاد العدد فإن النصيب في التوزيع ينقص .
وبعد ذلك قال الحق : النساء 4
وَآتُواْ النَّسَاء صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِن طِبْنَ لَكُمْ عَن شَيْءٍ مِّنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَّرِيئًا
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
من خواطر الإمام / محمد متولي الشعراوي
================
للرجال بالجنة "حور عين".. فماذا للنساء؟
السؤال
الإخوة الكرام في شبكة "إسلام أون لاين.نت" :
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لدينا أستاذ لمادة اللغة العربية، لا داعي لذكر اسمه، سامحه الله، فبينما كنا ندرس درساً في علوم اللغة، وكنا نقرأ الأمثلة المعطاة في المرجع، وقفنا عند الآيتين 22. 23 من سورة الواقعة ( وَحُورٌ عِينٌ* كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ)، فخرج عن نطاق الدرس، وسألنا: الرجال يفوزون بالحور العين، فبماّذا سيفوز النساء؟، فلم أستطع الرد عليه. .. أفيدوني، وتفضلوا بالرد على هذا الأستاذ، و جزاكم الله خيراً
الرد
يقول الأستاذ منصور عرابي عضو فريق الاستشارات الإيمانية بمصر:
بسم الله، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم:
النفس البشرية – سواء كانت رجلا أو امرأة – تشتاق وتطرب عند ذكر الجنة وما حوته من أنواع الملذات.. فالجنة ونعيمها ليست خاصة بالرجال دون النساء إنما هي قد (أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) [آل عمران:133] من الجنسين، كما أخبرنا بذلك الله سبحانه وتعالى، حيث قال: (وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا)[النساء:124].
ورسالتك يا أخ مروان كان مضمونها: بماذا تفوز النساء في الجنة؟، وقد ذكرت فيها أن "مُدرِّسَكَ خرج عن نطاق الدرس، فقال: الرجال يفوزون بالحور العين، والنساء بماّذا سيفوزون؟" فلم تجد ردًّا عليه.. وطلبت الإفادة والرد على هذا الأستاذ.. فأقول لك، وبالله التوفيق:
عند ذكر الله للمغريات الموجودة في الجنة من أنواع المأكولات والمناظر الجميلة والمساكن والملابس فإنه يعمم ذلك للجنسين (الذكر والأنثى)، فالجميع يستمتع بما سبق، والجنة قد تزينت للنساء، كما تزينت للرجال.
وإذا كان الله قد أغرى الرجال وشوقهم للجنة بذكر ما فيها من (الحور العين) و(النساء الجميلات) ولم يرد مثل هذا للنساء .. فإن لذلك أسبابًا، منها أن الفطرة السليمة، والعقول المستنيرة، والرجولة الحقة، والأنوثة الطبيعية، والعُرف والدين.. كل ذلك يقبل أن يكون للرجل أكثر من زوجة في وقت واحد، ويأبى أن يعاشر المرأة أكثر من رجل واحد، فتلك طبيعة البشر، وفطرة الله التي فطر الناس عليها.
كما أن من طبيعة النساء الحياء، ولهذا فإن الله – عز وجل – لا يشوقهن للجنة بما يستحين منه، كما أن شوق المرأة للرجال ليس كشوق الرجال للمرأة، ولهذا فإن الله شوّق الرجال بذكر نساء الجنة، مصداقًا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة أضر على الرجال من النساء" [رواه البخاري].
أما المرأة فشوقها إلى الزينة من اللباس والحلي يفوق شوقها إلى الرجال؛ لأنه مما جُبلت عليه كما قال تعالى: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ)[الزخرف:18]. كما أن المرأة إذا دخلت الجنة فإن الله يعيد إليها شبابها وبكارتها، لقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة لا يدخلها عجوز.. إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حولهن أبكارا". وورد في بعض الآثار أن نساء الدنيا يكن في الجنة أجمل من الحور العين بأضعاف كثيرة؛ نظرًا لعبادتهن لله.
وقد ذكر الله ـ عز وجل ـ الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الزوجات للرجال في الجنة وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس مقتضى ذلك أنه ليس لهن أزواج.. بل لهن أزواج من بني آدم، فالمرأة التي ماتت قبل أن تتزوج، والمرأة التي ماتت وهي مطلقة، يُزوِّجُها الله – عز وجل – في الجنة من رجل من أهل الدنيا لقوله صلى الله عليه وسلم: "ما في الجنة أعزب" (رواه مسلم).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : إذا لم تتزوج – أي المرأة – في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر بها عينها في الجنة.. فالنعيم في الجنة ليس مقصورًا على الذكور وإنما هو للذكور والإناث ومن جملة النعيم: الزواج.(6/340)
ومثل ذلك المرأة التي لم يدخل زوجها الجنة، قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج، أو كان زوجها ليس من أهل الجنة، فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال، فيتزوجها أحدهم.
وأما المرأة التي ماتت بعد زواجها فهي – في الجنة – لزوجها الذي ماتت عنه، وأما المرأة التي مات عنها زوجها فبقيت بعده لم تتزوج حتى ماتت فهي زوجة له في الجنة، وأما المرأة التي مات عنها زوجها فتزوجت بعده فإنها تكون لآخر أزواجها مهما كثروا، لقوله صلى الله عليه وسلم: "المرأة لآخر أزواجها".
ولقول حذيفة – رضي الله عنه – لامرأته: إن شئت أن تكوني زوجتي في الجنة فلا تزوجي بعدي؛ فإن المرأة في الجنة لآخر أزواجها في الدنيا. ولذلك حرم الله على أزواج النبي أن يُنكَحن بعده؛ لأنهن أزواجه في الجنة.
وأقول لهذا المدرس وأمثاله، إذا لم تقتنع بالمنطق والعقل ومبادئ الدين القويم، فيكفيك أن أقول لك أن الله سبحانه: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) [الأنبياء:23].
وختاما؛
نسأل الله تعالى أن يوفقك لما يحب ويرضى، وأن يفقهك في دينك، وأن يعينك على طاعته، وأن يصرف عنك معصيته، وأن يرزقك رضاه و الجنة، وأن يعيذك من سخطه والنار، وأن يهدينا وإياك إلى الخير، وأن يصرف عنا وعنك شياطين الإنس والجن إنه سبحانه خير مأمول .. وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم...
http://www.islamonline.net/servlet/S...FEmanA%2FEmanA
=====================
فك طلاسم سر الحروف كما إدعي النصاري .... والرد عليهم
كتب م/ الدخاخني
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين
وبعد:
قرأت في موقع مسيحي : ..............
عن سر الحروف التي في أوائل السور القرآنية وفك طلاسمها:- ولن أستطيع هنا أن أنقل لكم الشبهه كامله نظرا لكثرة الكلام فيها . ولكن سألخص لكم الشبهه التي هي عن فك طلاسم سر الحروف التي في أوائل السور القرآنيه
وخلاصه القول أن علماء المسلمين لم يتوصلوا إلى تفسيرها وإنما ردوا علمها إلى الله تعالي وكل ما توصلوا إليه أن هذه الحروف كونت جمله واحدة هي
( نص حكيم قاطع له سر )هذا هو ما توصل اليه العلماء المسلمين .
أما المسيحيين فقد فسروها تفسيرا فيه الكثير والكثير والكثير(من الكذب والغش والتدليس) .
وأنا لن أتكلم هنا عن النواحي التاريخية التي ذكروها في طريقه تفسيرهم . ولا علي الخيال الواسع الذي دار بخلدهم وارجعوا كتابه القران إلى الراهب بحيره ولا اعلم من أين أتوا بهذا الكلام الذي لم نسمع عنه من قبل وليس هذا بغريب عنهم فهم دائما يسلكون طرق الغش .
و إنما أتحدث علي الطريقة التي فسروا بها هذه الحروف . وهي طريقه مدلول الحروف الرقمية أ =1 , ل=30 , م=40 وقالوا أن ابن كثير كان يعلم مدلول هذه الحروف ولكنه لم يفسرها
وأنا أقول ربما يعلم و لم يفسرها بهذه الطريقه وذلك لان ابن كثير يخاطب العقلاء ويعلم أنها طريقه غير صحيحه كما سأوضح فيما بعد.
وذلك بعكس( الجهلاء ) العلماء المسيحيين الذين يخاطبون الجهلاء أمثالهم فيصدقونهم بدون ادني تفكير. وقد تحدوا في موقعهم هذا أن يرد عليهم أحد من علماء المسلمين .
مع أن الرد عليهم سيكون من أي شخص جلس مع نفسه قليلا وفكر فيما قالوا .
واليكم طريقه تفكيرهم ( المسيحيين )
إقتباس من الموقع المسيحي:
___________
مفتاح طريقة حساب تلك الأحرف : أستخدم العرب قديماً نظاماً عددياً مرتبطاً بالحروف الأبجدية العربية ويسمى : " نظام الترقيم على حساب الجمل " وقد كان يوضع لكل حرف أبجدي عدد يدل عليه، فكانت الحروف الأبجدية تمثل أرقاماً . وبالعكس يستخدمون الأرقام للوصول إلي النصوص. والحروف الرقمية تمثل كل الحروف الأبجدية ( 28 حرفاً ) ولكل حرف له مدلوله الرقمي التي تبدأ برقم 1 وتنتهي عند الرقم 1000 وهى كالآتي:
مفتاح الحروف الرقمية وترتيبها الأصلي القديم :
أ=1 , ب=2 , ج=3 , د=4 , هه=5 , و=6 , ز=7 , ح=8 , ط=9 ي=10 , ك=20 , ل=30 , م=40 , ن=50 , س=60 , ع=70 , ف=80 , ص=90ق=100 , ر=200 , ش=300 , ت=400 , ث=500 , خ=600 , ذ=700 , ض=800 , ظ=900 , غ=1000
تعال نتصفح القرآن للبحث عن تلك الحروف وعددها لفك طلاسمها المكنونه :سنجد (الم ) وردت 6 مرات في السور الاتية ( البقرة , ال عمران , العنكبوت , الروم , لقمان , السجدة ) و( الر) وردت 5 مرات في السور الاتية
( يونس , هود , يوسف , إبراهيم , الحجر )و ولن أكمل هنا باقي الحروف فهي معروفه للجميع وانما اوردت الحروف السابقه
لاخذها( عينه ) دليل علي خطأ الباحث ( الجاهل ) في اثبات ألوهيه السيد المسيح ( عيسي عليه وعلي نبينا افضل الصلاة والسلام )
إقتباس من الموقع المسيحي:
____________(6/341)
وهذه الحروف بعد حذف المكرر منها وعددها 14 حرفاً فقط ، اختيرت بعناية فائقة، وترك النصف الآخر من الحروف الأبجدية تماماً، وهى تعبر عن نصوص لها سر وطلسم لا يعلمها إلا من عرف مفتاحه وفك طلاسمه ، وبحيرة الراهب عاش طوال الفترة المكية وحتى العام الثاني للهجرة تقريباً ، لذا كانت تلك الحروف المقطعة أغلبها في السور التي بالفترة المكية 26 سورة ، و3 سور فقط فى الفترة المدنية الأولى ، لأن بحيرة الراهب توفى بعد ذلك بعد أن أنجز مهمته في ترتيب الحروف . والحروف هي: ( ا ل م ر ص ك هـ ى ع ح ط س ن ق ) = 14 حرفاً غير مكررة. والترتيب الذي قصده الراهب من الحروف السابقة بعد ترتيبها ليجعلها تعّبر عن نص له معنى وهى: ( نص حكيم له سر قاطع ) = 14 حرفاً غير مكررة.
________
ملحوظه : الذي توصل الى ترتيب ال14 حرف الى( نص حكيم قاطع له سر ) هم علماء المسلمين وليس الراهب بحيرة كما يدعي الباحث ( الجاهل ) راجع اول البحث علي موقعهم
إقتباس من الموقع المسيحي :
________ ___
وهى نفس الحروف السابقة مرتبة. آي أن النص الذي قصده بحيرة الراهب هو نص لـ 14 حرف لها سر وجعلها في عبارة: (نص حكيم له سر قاطع) لا تقبل تغيرها إلي نصوص أخرى و إنما نصوص محددة بحروف وأرقام محددة لتلك الأحرف. لها معنى ثابت صحيح بحيث يكون مجموع تلك الأحرف العددية تساوى مجموع حروف النص الخاص بكل آية. وهذا ما يسمى بعلم ( نظام الترقيم على حساب الجمل ). وهى طريقة معروفه استخدمها العرب مثلها مثل الحضارات الأخرى. وهى حروف لنصوص وعبارات إنجيلية تخص عقيدة المسيحيين فى المسيح ، والتي ترفضها النصوص القرآنية في آياته. وقد جمعها بحيرة الراهب في تلك الحروف ووضعها في أول بعض السور، بحروف مختارة وبتكرار مقصود، وجعلها تحمل آية رقم (1) ليؤكد على أهميتها وعلى صدق عقيدة المسيحيين في التثليث والتوحيد
____________ ____
وستكتشفون فيما بعد ان علم( نظام الترقيم على حساب الجمل ) الذي استخدمه الباحث ( الجاهل) علم خطاء ولا عجب ايضا في ذلك فالمسيحيين دائما يسلكون الطريق الخطاء .
إقتباس من الموقع المسيحي :
_______________ __
طريقة فك طلاسم الحروف باستخدام مفتاح دليل الحروف بالجدول الأبجدي الرقمي السابق .المجموعة الأولى : وهى ذات الحروف الثلاثة المكررة 6 مرات وهى مجموعة ( الم ).وردت في 6 سور ( البقرة – آل عمران – العنكبوت – الروم – لقمان – السجدة ).أ = 1 ، ل = 30 ، م = 40 بمجموع = 71وحيث إنها مكررة 6 مرات فيكون الناتج هو 6 × 71 = 426فيكون النص المقصود لا بد وان يكون مجموع حروفه العددية تساوى 426 أيضاً. والنصوص هي:
يسوع المسيح هو ابن الإله
146+149 +11+ 53+67 = 426
هذا النص يؤكد طبيعة المسيح الإلهية والتجسّد ، ويؤكد أن يسوع هو المسيح ، وهو شخص واحد.
_________
هذا إدعائهم ولكي نخرسهم فقد أتيت بنص عكسي تماما ( ينفي أن يكون يسوع بن الله ) وأيضا مجموع حروفه العدديه = 426
إن يسوع ليس هو بن الله
51+146+100+11+52+66=426
هذا النص يؤكد أن يسوع ليس هو بن الله وهو أيضا مجموع حروفه العدديه 426
وهذا يثبت أن هذه الطريقة في الحساب خاطئة لأنه ممكن عن طريق التباديل والتوافيق يمكن أن تكون الكثير من الجمل التي يكون مجموع حروفها العدديه 426 فإذا كان المراد هي الجمل التي تساوي مجموع حروفها العدديه 426
فأي الجمل نصدق التي تثبت أنه ابن الله أم التي تنفي بنوته .
وهذا النص يبطل هذه الفكرة الشيطانية . ويوضح في ذات الوقت لماذا لم يعتمد ابن كثير علي هذه الطريقة.لانها ببساطه طريقه لا يسلكها إلا الضالين عن الحقيقة وطبعا ابن كثير ليس منهم .
النص الثاني الذي أورده الموقع المسيحي هو :
إقتباس من الموقع المسيحي :
______________
والنص التالي: يؤكد صلب المسيح وقيامته
يسوع هو صٌلب وقام
146+11+122+ 147= 426
__________
وقد أتيت لهم بنص عكسي وأيضا مجموع حروفه العدديه 426
ويسوع لم يصلب ويهان
6+146+70+132+6+66=426
وهذا النص يقول أن يسوع لم يصلب ويهان كما يدعي المسيحيين انه علق علي الصليب واهن بالضرب علي قفاه من اليهود والبسوه تاج الشوك وبصقوا في وجهه ( سبحان الله عما يصفون)
واليكم المجموعة الثانية من بحثهم الذي استغرق : أربعة عشر قرنا كما يقولون .
إقتباس من الموقع المسيحي :
_____________
المجموعة الثانية: وهى ذات الثلاث حروف ومكررة 5 مرات وهى مجموعة
( الر ) . وردت في 5 سور ( يونس – هود – يوسف – إبراهيم – الحجر ).
أ = 1 ، ل = 30 ، ر = 200 بمجموع 231وحيث إنه وردت 5 مرات فيكون الناتج هو = 5 × 231 = 1155والنص الذي يمثل الرقم ( 1155 ).
والمسيح الخالق والديان العادل
155 +762 + 102+ 136 = 1155
وهذا النص يثبت أن صفات المسيح هي من صفات الله، فالمسيح خالق ، وهو أيضاً دياناً للعالمين ومجموع حروفه العددية 1155 .(6/342)
وكذلك النص الاتي يؤكد صراحة أن يسوع هو الله ، وكلمة يسوع بلغة الإنجيل تعنى مخّلص وهى:
يسوع هو الله مخّلص العالم
146+11+66+ 760+ 172= 1155
وايضا مجموع حروفه العددية 1155 .
______________
وقد اتيت إليهم بالنص العكسي وأيضا مجموع حروفه العدديه 1155
المسيح ليس هو الخالق ولا الديان
149+100+11+762+6+31+96=1155
فهذا النص يؤكد أن المسيح لا يحمل صفات الله فهو ليس خالق ولا ديان ومجموع حروفه العدديه 1155 أيضا .
وايضا
يسوع المسيح كآدم بشرا . ليس إله ولا إبن الله
146+149+65+503+100+36+37+53+66= 1155
وهذا النص ايضا يقول صراحه ان يسوع المسيح مثل آدم عليهم السلام يحمل نفس صفاته البشريه والكاف هنا للتشبيه ولا يمكن ان نشبه آم عليه السلام بالله سبحانه وتعالي وحتي لايقول جاهل انه يحمل صفات آدم البشريه ( الناسوت ) ولكنه ايضا يحمل صفات الالوهية ( الاهوت) فقد جاء الشق الثاني ليؤكد انه ليس إله كما يدعي المسيحيين ولا أبن الله كما يقولون ومجموع حروفه العدديه 1155 ايضا .
آما آن للاخوة المسيحيين أن يفكروا مليا فيما يقوله لهم القساوسة الضالين .
ولا احب أن أطيل عليكم و إنما أريد أن أقول لكم إن طريقه المدلول الرقمي الذي اتبعها الباحث ( الجاهل )المسيحي لا تنفع لإثبات ألوهية السيد المسيح أو لإثبات عدم ألوهيته فهي طريقه خاطئة لا يسلكها إلا الضالين وصدق الله العظيم ( اهدنا الصراط المستقيم * صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) صدق الله العظيم وبلغ رسوله الكريم ونحن علي ذلك من الشاهدين .
إليكم الآن آخر رسالة الباحث ( الجاهل ) المسيحي الذي يدعونا إلى التفكير مع انه هو لم يفكر فيما قاله . والذي أوضح أن هذا البحث اخذ أربعه عشر قرنا من الزمان ونحن بعون الله تعالي وبالعقل الذي منحنا الله إياه أتثبتنا في ساعات قليله فقط انه بحث خاطئ ولا يسلك طريقه إلا الضالين .
وهذه أخر رسالة الأخ الباحث( الجاهل) وأنا أعتقد إنه نقلها لنا من موقع إسلامي لأن هذا الكلام موجهه لهم ليستعملوا عقولهم التي تركوها لقساوستهم :
إقتباس من الموقع المسيحي :
_______________
أخي المسلم وأختي المسلمة وأهلى وعشيرتى: نحن نحبكم جميعاً ، ولا نكره إنساناً يخالفنا الديانة او العقيدة ، على أى وجه من الوجوه ، لأنكم أخوتي فى الإنسانية ، من نفس واحدة وروح واحدة ، ومن أب واحد وأم واحدة ، خلقهم الله أحراراً وفى أحسن تكوين . وجعل الله فينا عقلاً وفكراً متميزين عن الحيوانات ، بهذا العقل الممنوح لنا خاصة من دون المخلوقات الأرضية بنفحة من سبحانه ، لكى تستعمل هذا العقل وهذا الفكر فى البحث عن الله وعبادته ، وهذا العقل خُلق لاستخدامه وليس لكبحه وقتل صاحبه ، استخدم عقلك وفكرك وليس سيفك او بندقيتك للمناقشة. أخوتي المسلمين وعشيرتى : باب النقاش مفتوح ، والرد مكفول للجميع ، وعليك ان ترد إذا كان عندك رداً ، وأنني واثق تمام الثقة بأنه لا يوجد أى رد على هذا البحث ، ليس لأني أحجر على رأيك في الرد ، ولكن لأن هذا الموضوع أخذ حقه كاملاً من البحث والنقاش طوال أربعة عشر قرناً من الزمان ، ولم يتوصل أى عالم من علماء الإسلام لفك رموز تلك الحروف المقطعة حتى هذه اللحظة ، بالرغم ان التفسير موجود منذ مئات السنين عند الكثير جداً من المسيحيين ، ولكن العقول أغلقت على سماع الحق ، والعصبية وتحجر الفكر طغى عن رؤية الحق لمجد دنيوي زائل ، بل أقول وبكل ثقة ، لا يستطيع أحدا بفك طلاسم تلك الحروف حتى يوم القيامة ، إذا لم يرجع لأصول تلك الحروف الرقمية وواضعها ، لأن واضعها هو الوحيد الذي يعرف طلا سمها وفك أسرارها المكنونة ، وترك بحيرة تلك الطلاسم الحرفية بالتداول سراً حتى يحين الوقت المناسب لكشفها ونشرها . وهذا الوقت قد جاء.
______________
انتهى كلام الباحث ( الجاهل ) المسيحي الذي اعمي الله بصيرته فلم يري إلا ما أراه له الشيطان و إني لأرجو أن يكون قد جاء الوقت لكل مسيحي أن يستخدم عقله لمعرفة الحق ويتحرروا من أفكار بولس الرسول الكذاب والقساوسه الذين يضللونهم .
نسأل الله أن يهدينا وإياكم إلى عبادة الله الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لم يتخذ صاحبه ولا ولد سبحانه وتعالي عما يقولون علوا كبيرا.
=================
قولهم : إن القرآن مدح أهل الكتاب(6/343)
قال النصارى : القرآن الكريم أثنى على أهل الكتاب بقوله تعالى : {قل ياأيها الكافرون * لآ أعبد ما تعبدون * ولآ أنتم عابدون ما أعبد } إلى قوله تعالى : {لكم دينكم ولي دين } ، وبقوله تعالى : { ولا تجادلوا أهل الكتب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم } ، والظالمون إنما هم اليهود عبدة العجل ، وقتلة الأنبياء ، وبقوله تعالى :{وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون }.ولم يقل : كونوا به مسلمين ، وبقوله تعالى : {لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون }. فذكر حميد صفاتنا وجميل نياتنا ، ونفا عنا الشرك بقوله : {والذين أشركوا }، ومدحنا بقوله تعالى : {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الأخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.
والجواب : أما قوله تعالى : {قل يأيها الكافرون }إلى آخرها ، فمعناها : أن قريشا قالت له عليه السلام : اعبد آلهتنا عاما ، ونعبد إلهك عاما ، فأمره الله تعالى أن يقول لهم ذلك ، فليس المراد النصارى ، ولو كان المراد النصارى لم ينتفعوا بذلك ، لأن قوله تعالى : {لكم دينكم ولي دين } معناه الموادعة والمتاركة ، فإن الله تعالى أول ما بعث نبيه عليه السلام أمره أولا بالإرشاد بالبيان ليهتدي من قصده الاهتداء ، فلما قويت شوكة الإسلام أمره بالقتال بقوله تعالى : {ياأيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير }.
قال العلماء : نسخت هذه الآية نيفا وعشرين آية منها : {لكم دينكم ولي دين } {لايضركم من ضل إذا اهتديتم } ، {لست عليهم بمسيطر } وغير ذلك ، وليس في المتاركة والاقتصار على الموعظة دليل على صحة الدين المتروك .
وقوله تعالى : {ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن } دليل على أنهم على الباطل ، فإنهم لو كانوا على الحق ما احتجنا للجدال معهم ، فهي تدل على عكس ما قالوا ، وقوله تعالى : { إلا الذين ظلموا منهم } المراد من طغى ، فإنا نعدل معه عن الدليل والبرهان إلى السيف والسنان ، وأمره تعالى لنا بأن نؤمن بما أنزل على أهل الكتاب صحيح ، ولكن أين ذلك المنزل ؟ والله إن وجوده أعز من عنقاء مغرب !
وأما مدح النصارى بأنهم أقرب مودة ، وأنهم متواضعون فمسلم ، لكن هذا لا يمنع أن يكونوا كفرة مخلدين في النار ، لأن السجايا الجليلة والآداب الكسبية تجمع مع الكفر والإيمان ، كالأمانة والشجاعة ، والظرف واللطف ، وجودة العقل ، فليس فيه دليل على صحة دينهم .
وأما نفي الشرك عنهم فالمراد الشرك بعبادة الأصنام ، لا الشرك بعبادة الولد ، واعتقاد التثليث ، وسببه أنهم مع التثليث يقولون : الثلاثة واحد ، فأشاروا إلى التوحيد بزعمهم بوجه من الوجوه ، ويقولون : نحن لا نعبد إلا الله تعالى ، لكن الله تعالى هو المسيح ، ونعبد المسيح ، والمسيح هو الله ، تعالى الله عن قولهم ، فهذا وجه التوحيد من حيث الجملة ، ثم يعكسون ذلك فيقولون : الله ثالث ثلاثة !! وأما عبدة الأوثان فيصرحون بتعدد الآلهة من كل وجه ، ولا يقول أحد منهم : إن الصنم هو الله تعالى ، وكانوا باسم الشرك أولى من النصارى ، وكان النصارى باسم الكفر أولى ، حيث جعلوا الله تعالى بعض مخلوقاته ، وعبدوا الله تعالى ، وذلك المخلوق ، فساووا عبدة الأوثان في عبادة غير الله تعالى ، وزادوا بالاتحاد والصاحبة والأولاد ، فلا يفيدهم كون الله تعالى خصص كل طائفة من الكفار باسم هو أولى بها في اللغة مدحا ولا تصويبا لما هم عليه
====================
إله المسلمين غير عاقل ..مجرد إسقاط أعمى ..قاتلهم الله أنى يؤفكون؟
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد
أخبرني أحد الأخوة أنه سمع شبهة من أحد أغبياء النصارى البالتوك
ماذا يقول هذا السفيه؟
يقول إله المسلمين غير عاقل.......لماذا يا أذكى أفراد نوعك المنقرض؟
لأنه يقول فى القرآن في سورة الكافرون
ولا انتم عابدون ما اعبد
ما - قال هنا هي لغير العاقل
الرد
بسم الله
أنا قلت هذه الشبهة المؤكد لا ينتجها عقل نصراني(وأسف لنسبة العقل للنصارى) .... أكيد قرأها فى أحد التفاسير..لأنهم لا يعرفون فى اللغة العربية سوي قول (عين حمقة) تصحيحا لعامية (عين حمئه) كزكريا بطرس عبقرى زمانه
فقرأت تفسير الآية وصدق ظني...دائما ينسخون الشبهة من كتب التفسير ويتركون لنا نسخ الرد الذي بجانب الشبهة مباشرة(6/344)
تفسير القرطبي للآية "وقال: "ما أعبد"، ولم يقل: من أعبد؛ ليقابل به "ولا أنا عابد ما عبدتم" وهي أصنام وأوثان، ولا يصلح فيها إلا "ما" دون "من" فحمل الأول على الثاني، ليتقابل الكلام ولا يتنافى. وقد جاءت "ما" لمن يعقل. ومنه قولهم: سبحان ما سخركن لنا. وقيل: إن معنى الآيات وتقديرها: قل يا أيها الكافرون لا أعبد الأصنام التي تعبدونها، ولا أنتم عابدون الله عز وجل الذي أعبده؛ لإشراككم به، واتخاذكم الأصنام، فإن زعمتم أنكم تعبدونه، فأنتم كاذبون؛ لأنكم تعبدونه مشركين. فأنا لا أعبد ما عبدتم، أي مثل عبادتكم؛ "فما" مصدرية. وكذلك "ولا أنتم عابدون ما أعبد" مصدرية أيضا؛ معناه ولا أنتم عابدون مثل عبادتي، التي هي توحيد.
الآية: 6 {لكم دينكم ولي دين}
....
انتهى
وتلك شبهتهم واهية وأمهم هاوية..!!!
ماذا تفعل لو كنت مكاني؟؟؟
مثلا..ماذا تقول فى شخص يصفر للذباب؟
أهذا عقل؟
هل هذا عمل عاقل؟؟
أم أنه من الفراغ؟
أشعياء 7 : 18 و يكون في ذلك اليوم ان الرب يصفر للذباب الذي في اقصى ترع مصر و للنحل الذي في ارض اشور
إلهكم يقطع منه جزء وهو لا حول له ولا قوة
هل كان يعقل ما يفعل به؟؟
لوقا 2 : 21 و لما تمت ثمانية ايام ليختنوا الصبي سمي يسوع كما تسمى من الملاك قبل ان حبل به في البطن
أى إله هذا الذي يختن؟
يقطع جزء فاسد منه...وتقولون قدوس؟
وكيف يوافق على ذلك؟
أم كان صغيرا لا يقوى على المعارضه؟
هل هذا إله عاقل؟
وأخيرا أخبركم لماذا هذه الشبهة بالذات....أنه إسقاط أعمى لما هو فيهم علينا
لماذا هم عندما أقاموا المجامع الوثنية للتوفيق بين التوحيد فى العهدين القديم والجديد والأدلة الجازمه أن الله واحد كل هذا مع أهوائهم فى كون المسيح إلها والروح إلها....ففكرا بفكرة الثالوث وجعلوا الله ثالوثا .....ثالث ثلاثة
فالآب (الله) هو الجسد
والأبن هو العقل
والروح هي الحياة
ويقولون لك لا يمكن أن يكون جسدا بلا عقل
ولا يمكن أن يكون إله بلا حياة
وبالتالى يصلون للتثليث فى ذات الله رغم أنهم يعرفون يقينا ببطلانه العقلى والنقلي ولا نعرف صفات كصفاتهم كل منها في مكان وكل منها بشكل وكل منها يذهب ويجئ ويكلمون بعض ..ومازالوا ينكرون كونها ذوات وأشخاص متعدده ..شئ يجنن
ولكن يا أخوة المشكلة العويصة فى صلب الإبن وموته ثلاث أيام....ولا تنسوا الإبن هو العقل
وهنا سألوا من بعض أشباه المفكرين منهم
هل بقي الإله ثلاثة أيام بلا عقل....؟؟
وطبعا يجيب عليهم القس بقول بولس (لا تجادل ولا تناقش يا اخ جرجس)
فيلبي 2 : 14 افعلوا كل شيء بلا دمدمة ولا مجادلة
ومبدأ (أقفل عقلك أقفل قلبك ربنا يحبك)
ولكن القساوسة مازالوا فى أعظم سبا لله و معضلة أن إلههم كان بلا عقل ثلاثة أيام؟
فالمسلمون يسبحون إلههم وهم يلعنوه ويسبوه بفضل بولس والمجامع..
مشكلة أليس كذلك؟
ولم يجدوا جوابا فماذا يفعلون؟
لا .......فقط يسقطون علينا ما فيهم ويقولون لعوام النصارى...إياكم أن تسلموا فإن إله المسلمين غير عاقل تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا..لأنه قال (ولا أنتم عابدون ما أعبد)
وطبعا هؤلاء العامة لا يعرفون لغة عربية وينقصهم عضو هام هو العقل...بل مسحة من العقل...فينقولون لنا ونحن نرد عليهم ونقول أنها ما المصدرية وأصول اللغة والأكيد انهم لن يفهموا ما نقول لهم وربما لا يفهمون المقصود بالشبهة أساسا..
ولا نقول إلا ....نصيحتنا الذهاب لطبيب نفسي لأن الإسقاط والشيزوفرنيا أمراض خطيرة و ربنا الشافي إن شاء الله
وإلى عامة النصارى نحتاج بعض العقلاء المؤمنين بكتابهم المقدس.....نحتاج أشباه مفكرين لكي يقارنوا بين دينكم وديننا ويختاروا دين الحق...هل نجد هؤلاء أم أنقرضوا؟
===============
لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى
أراد الله عز وجل أن يصلنا به وصل العبادية التي تجعلنا نعلن والولاء لله في كل يوم ، خمس مرات ، وسبحانه يريدنا أن نُقبل عليه بجماع عقولنا وفكرنا وروحنا بحيث لا يغيب منا شيء .
هو سبحانه يقول (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )) ولم يقل : لا تصلوا وأنتم سكارى ؟ أي لا تقاربوا الصلاة ولا تقوموا إليها واجتنبوها ، وفيه إشارة إلى ترك المسكرات ، فما معنى ((لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)) ؟
معنى ذلك أنهم إذا كانوا لا يقربون الصلاة إذا ما شربوا الخمر ، فيكون تحريم المسكرات لم يأت به التشريع بعد ، فقد مر هذا الأمر على مراحل ، لأن الدين حينما جاء ليواجه أمة كانت على فترة من الرسل أي بعدت صلتها بالرسل ، فيجيء إلى أمر العقائد فيتكلم فيها كلاماً حاسماً باتَّا لا مرحلية فيه ، فالإيمان بإله واحد وعدم الشرك بالله هذه أمور ليس فيها مراحل ، ولا هوادة فيها .
ولكن المسائل التي تتعلق بإلف العادة ، فقد جاءت الأوامر فيها مرحلية .
فلا نقسر ولا نكره العادة على غير معتادها بل نحاول أن نتدرج في المسائل الخاضعة للعادة ما دام هناك شيء يقود إلى التعود .(6/345)
إن الله سبحانه وتعالى من رحمته بمن يشرع لهم جعل في مسائل العادة والرتابة مرحليات ، فهذه مرحلة من المراحل : (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )) ، والصلاة هي : الأقوال والأفعال المعرفة المبدوءة بالتكبير والمنتهية بالتسليم بشرائطها الخاصة ، هذه هي الصلاة ، اصطلاحياً في الإسلام وإن كانت الصلاة في المعنى اللغوي العام هو مطلق الدعاء .
و{ سًكارى } جمع ( سكران ) وهو من شرب ما يستر عقله ، وأصل المسألة مأخوذة من السَّكرْ ما سد به النهر ، فالماء حين ينساب يضعون سداً ، هذا السد يمنع تدفق الماء ، وكذلك الخمر ساعة يشربها تمنع تدفق الفكر والعقل ، فأخذ من هذا المعنى ، (( لا تقربوا الصلاة الصلاة وأنتم سكارى )) المفهوم أن الصلاة تأخذهم خمسة أوقات للقاء الله ، والسكر والخُمار ، وهو ما يمكث من أثر المسْكِر في النفس ، ومادام لن يقرب الصلاة وهو سكران فيمتنع في الأوقات المتقاربة . إذن فقد حملهم على أن يخرقوا العادة بأوقات يطول فيها أمد الابتعاد عن السُكر .
وماداموا قد اعتادوا أن يتركوها طوال النهار وحتى العشاء ، فسيصلي الواحد منهم ثم يشرب وينام .
إذن فقد مكث طوال النهار لم يشرب ، هذه مرحلة من المراحل ، وأوجد الحق سبحانه وتعالى في هذه المسألة مرحليات تتقلبها النفس البشرية . فاول ما جاء ليتكلم عن الخمر قال :
سورة النحل 67
وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
ويلاحظ هنا أن ( السُكر ) مقدم ، على الرزق الموصوف بالحسن ، ففيه سكر وفيه رزق . كأنهم عندما كانوا يألون العنب أو البلح فهذا رزق ، ووصف الله الرزق بأنه حسن . ولكنهم كانوا أيضاً ياخذون العنب ويصنعون منه خمراً ، فقدم ربنا (السُكرَ) لأنهم يفعلون ذلك فيه ، ولكنه لم يصفه بالحسن ، بل قال : (( تتخذون منه سكراً )) لكن كلمة رزق وُصف بالحسن .
بالله عندما نسمع ((سكَراً ورزقاً حسناً )) ألا نفهم أن كونه سكراً يعني غير حسن ، لأن مقابل الحسن : قبيح . وكأنه قال : ومن ثمرات النخل والأعناب تتخذون منه سكراً أي شراباً قبيحاً ورزقاً حسناً ، ولاهتمامكم أنتم بالسكر ، قدمه ، وبعد ذلك ماذا حدث ؟
عندما يريد الحق سبحانه وتعالى أن يأتي بحكم تكون المقدمة له مثل النصيحة ، فالنصيحة ليست حكماً شرعياً ، والنصيحة أن يبين لك وأنت تختار ، يقول الحق : البقرة 219
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
هو سبحانه شرح القضية فقط وأنت حر في أن تختار فقال : (( قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس )) ولكن الإثم أكبر من النفع ، فهل قال لنا ماذا نفعل ؟ لا
لأنه يريد أن يستأنس العقول لترجح من نفسها الحكم ، وأن يصل الإنسان إلى الحكم بنفسه ، فسبحانه قال : (( وإثمهما أكبر من نفعهما )) فمادام الإثم أكبر من النفع فما مرجحات البدائل ؟ مرجحات البدائل تظهر لك حين تقارن بين بديلين ثم تعرف أقل البديلين شراً وأكثر البديلين خيراً .
فحين يقول الحق : (( فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )) إذن فهذه نصيحة ، ومادامت نصيحة فالخير أن يتبعها الإنسان ويستأمن الله على نصيحته . لكن لا حكم هنا ، فظل هناك ناس يشربون وناس لا يشربون ، وبعد ذلك حدثت قصة من جاء يصلي وقرأ سورة الكافرون ، ولأن عقله قد سد قال : قل ياأيها الكافرون أعبد ما تعبدون .... فوصلت المسألة ذروتها وهنا جاء الحكم فنحن لا نتدخل معك سواء سكرت أم لا ، لكن سكرك لا يصح أن يؤدي بك أن نكفر في الصلاة ، فلا تقرب الصلاة وأنت مخمور . هذا نهي ، وأمر ، وتكليف .
(( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)) ومادام لا نقرب الصلاة ونحن سكارى فسنأخذ وقتاً نتمتع فيه ، إذن ففيه إلف بالترك ، وبعد ذلك حدثت الحكاية التي طلبوا فيها أن يفتي الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الخمر ، فقالوا للنبي : بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزل قوله الحق :
المائدة 90
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(6/346)
إذن فقوله : (( ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم السكارى)) مرحلة من مراحل التلطيف في تحريم الخمر ، فحرمها زمناً ، هذا الزمن هو الوقت الذي يلقى الإنسان فيه ربه ، إنه أوضح لك : اعملها بعيداً ، لكن عندما تأتي فعليك أن تأتي بجماع فكرك وجماع عقلك ، (( حتى تعلموا ما تقولون)) فكأن هذه أعطتنا حكماً : أن الذي يسكر لا يعرف ماذا يقول ، إنما في العبادة وفي القرآن فلا يصح أن يصل إلى هذا الحد ، وعندما تصل إلى هذا الحد يتدخل ربنا فيقول : (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) .
ثم جاء بحكم آخر . (( ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا )) ومعروف ما هي الجنابة : إنها الأثر الناتج من التقاء الرجل بالمرأة . وليس لأحد شأن بهذه المسألة مادامت تتم في ضوء شريعة الله وشأننا في ذلك أن ناتمر بأمر ربنا ونغتسل من الجنابة سواء فهمنا الحكمة من وراء ذلك أو لم نفهم .
(( ولا جنباً إلا عابري سبيل )) ، فلا تقربوا الصلاة ، بالسكر أو بالجنابة ولم يقل : (( لا تصلوا )) . والصلاة مكانها المسجد ، فقول : (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتي تعلموا ما تقولون ولا جنباً )) ، أي لا تقربوا الصلاة ، والقرب عرضة أن يكون ذهاباً للمسجد ، فكأنه يقول : لا تذهب إلا إذا كان المسجد لا طريق للماء إلا منه .
وربنا سبحانه وتعالى يقول : (( أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً )) ومن رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن لطف الحق بها أن التشريع جاء ليقبل عليه الإنسان ، لأنه تشريع فلا تقل لي مثلاً : أنا أتوضأ لكي أنظف نفسي ولكننا نقول لك : هل تتوضأ لتنظف نفسك وعندما تفقد الماء تأتي بتراب لتضعه على وجهك ؟ فلا تقل لي النظافة أو كذا ، إنه استجابة الصلاة بالشيء الذي فرضه الله ، فقال لي : توضأ فإن لم تجد ماءً فتيمم ، أينقلني من الماء الذي ينظف إلى أن أمسح كَفَّيَّ بالتراب ثم ألمس بهما وجهي ؟ نعم ؛ لأن المسألة أمر من الله فُهمت علته أم لم تُفهم ؛ ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( أعطيت خمساً لم يُعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجُعلت لي الأرض مسجداً طهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )) رواه البخاري ومسلم والنسائي عن جابر .
(( فتيمموا صعيداً طيباً )) أي تكون واثقاً أنه ليس عليه نجاسة ، (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) ، المسألة فيها (( جنب)) وفيها كذا وكذا ... (( تيمم )) ، إذن فكلمة (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) ليس ذلك معناه أن التيمم خَلَف وبديل عن الوضوء فحسب ، ففي الوضوء كنت أتمضمض ، وكنت أستنشق ، وكنت أغسل الوجه ، وكنت أغسل اليدين ، وأمسح الرأس والأذنين ... مثلاً ، وأنا أتكلم عن الأركان والسنن .
وفي هذه الاية يوضح الحق : مادامت المسألة بصعيد طيب وتراب فذلك يصح سواء أكانت للحدث الأصغر أم للجنابة ، إذن فيكفي أن تمسح بالوجه واليدين .
ولماذا قال الحق في ذلك : (( إن الله غفواً غفوراً )) ، لأنه غفر وستر علينا في المشقة في ضرورة البحث عن الماء ويسر ورخص لنا في التيمم .
والله أعلم
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
من خواطر الإمام المرحوم / الشعراوي .
====================
وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب
قال النصارى : القرآن دل على تعظيم الحواريين والإنجيل ، وأنه غير مبدل ؛ بقوله تعالى:{وأنزلنا إليك الكتب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتب }. وإذا صدقها لا تكون مبدلة ، ولا يطرأ التغيير عليها بعد ذلك لشهرتها في الأعصار والأمصار ، فيعذر تغيرها ، ولقوله تعالى في القرآن :{الَمَ * ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين }. والكتاب هو الإنجيل لقوله تعالى: {فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاؤا بالبينات والزبر والكتب المنير }. والكتاب ها هنا هو الإنجيل ، ولأنه تعالى لو أراد القرآن لم يقل ذلك ؛ بل قال هذا ، ولقوله تعالى: {آمنت بما أنزل الله من كتاب }.
والجواب:أن تعظيم الحواريين لا نزاع فيه ، وأنهم من خواص عباد الله الذين اتبعوا عيسى عليه السلام ، ولم يبدلوا ، وكانوا معتقدين لظهور نبينا محمد –صلى الله عليه وسلم- في آخر الزمان ، على ما دلت عليه كتبهم وإنما كفر وخالف الحادثون بعدهم : وأما تصديق القرآن لما بين يديه فمعناه : أن الكتب المتقدمة عند نزولها قبل تغييرها وتخبيطها كانت حقا موافقة للقرآن ، والقرآن موافق لها ، وليس المراد الكتب الموجود اليوم ؛ فإن لفظ التوراة والإنجيل إنما ينصرفان إلى المُنزلين .(6/347)
وأما قوله تعالى : { ذلك الكتاب } ، وأنه المراد به الإنجيل : فمن الافتراء العجيب والتخيل الغريب ، بل أجمع المسلمون قاطبة على أن المراد به القرآن ليس إلا ، وإذا أخبر الناطق بذا اللفظ ، وهو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أن المراد هذا الكتاب ، كيف يليق أن يُحمل على غيره ؟! فإن كل أحد مصدق فيما يدعيه في قول نفسه ، إنما ينازع في تفسير قول غيره إن أمكنت منازعته .
وأما الإشارة بذلك التي اغتر بها هذا فاعلم أن للإشارة ثلاثة أحوال : ذا للقريب ، وذاك للمتوسط ، وذلك للبعيد ، لكن البعد والقرب يكون تارة بالزمان وتارة بالمكان ، وتارة بالشرف ، وتارة بالاستحالة ، ولذلك قالت زليخا في حق يوسف عليه السلام بالحضرة: وقد قطعن أيديهن من الدهش بحسنه ، {فذلكن الذي لمتننى فيه }، إشارة لبعده عليه السلام في شرف الحسن ، وكذلك القرآن الكريم لما عظمت رتبته في الشرف أشير إليه بذلك ، وقد أشير إليه بذلك لبعد مكانه ، لأنه مكتوب في اللوح المحفوظ ، وقيل: لبعد زمانه لأنه وعد به في الكتب المنزلة قديما.
وأما قوله تعالى :{جاؤا بالبينات والزبر والكتاب المنير }.فاعلم : أن اللام في لسان العرب تكون لاستغراق الجنس نحو حرم الله الخنزير والظلم ، وللعهد نحو قولك لمن رآك أهنت رجلا : أكرمت الرجل بعد إهانته ، ولها محامل كثيرة ليس هذا موضعها فتحمل في كل مكان على ما يليق بها ، فهي في قوله تعالى : { ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين } للعهد ، لأنه موعود به مذكور على ألسنة الأنبياء عليهم السلام ، فصار معلوما فأشير إليه بلام العهد. وهي في قوله تعالى : {بالبينات والزبر والكتاب } للجنس ، إشارة إلى جميع الكتب المنزلة المتقدمة ، ولا يمكن أن يفهم القرآن الكريم إلا من فهم لسان العرب فهما متقنا.
وقوله تعالى لنبيه عليه السلام؛ فهو أمر له بأن يقول : {آمنت بما أنزل الله من كتاب } . فالمراد الكتب المنزلة لا المبدلة ، وهذا لا يمتري فيه عاقل ، ونحن ننازعهم في أن ما بأيديهم منزلة ، بل هي مبدلة مغيرة في غاية الوهن والضعف ، وسقم الحفظ ، والرواية والسند بحيث لا يوثق بشئ منها .
( المرجع : رسالة " إفحام النصارى " دار القاسم ، ص 39-44)
==============
تفسير الرازي - (ج 6 / ص 73)
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (48)
ثم قال تعالى : { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب } وهذا خطاب مع محمد صلى الله عليه وسلم ، فقوله { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب بالحق } أي القرآن ، وقوله { مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الكتاب } أي كل كتاب نزل من السماء سوى القرآن .
وقوله { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } فيه مسائل :
المسألة الأولى : في المهيمن قولان : الأول : قال الخليل وأبو عبيدة : يقال قد هيمن إذا كان رقيباً على الشيء وشاهداً عليه حافظاً . قال حسّان :
إن الكتاب مهيمن لنبينا ... والحق يعرفه ذوو الألباب
والثاني : قالوا : الأصل في قولنا : آمن يؤمن فهو مؤمن ، أأمن يؤامن فهو مؤامن بهمزتين ، ثم قلبت الأولى هاء كما في : هرقت وأرقت ، وهياك وإياك ، وقلبت الثانية ياء فصار مهيمناً فلهذا قال المفسرون { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } أي أميناً على الكتب التي قبله .
المسألة الثانية : إنما كان القرآن مهيمناً على الكتب لأنه الكتاب الذي لا يصير مسنوخاً ألبتة ، ولا يتطرق إليه البتديل والتحريف على ما قال تعالى : { إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر وَإِنَّا لَهُ لحافظون } [ الحجر : 9 ] وإذا كان كذلك كانت شهادة القرآن على أن التوراة والإنجيل والزبور حق صدق باقية أبداً ، فكانت حقيقة هذه الكتب معلومة أبداً .
المسألة الثالثة : قال صاحب «الكشاف» قرىء { وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } بفتح الميم لأنه مشهود عليه من عند الله تعالى : بأن يصونه عن التحريف والتبديل لما قررنا من الآيات ، ولقوله { لاَّ يَأْتِيهِ الباطل مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ } [ فصلت : 42 ] والمهيمن عليه هو الله تعالى .
ثم قال تعالى : { فاحكم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ الله } يعني فاحكم بين اليهود بالقرآن والوحي الذي نزله الله تعالى عليك .
{ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحق } وفيه مسائل :(6/348)
المسألة الأولى : { وَلاَ تَتَّبِعِ } يريد ولا تنحرف ، ولذلك عداه بعن ، كأنه قيل : ولا تنحرف عما جاءك من الحق متبعاً أهواءهم .
المسألة الثانية : روي أن جماعة من اليهود قالوا : تعالوا نذهب إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا نفتنه عن دينه ، ثم دخلوا عليه وقالوا : يا محمد قد عرفت أنا أحبار اليهود وأشرافهم ، وإنا إن اتبعناك اتبعك كل اليهود ، وإن بيننا وبين خصومنا حكومة فنحاكمهم إليك ، فاقض لنا ونحن نؤمن بك ، فأنزل الله تعالى هذه الآية .
المسألة الثالثة : تمسك من طعن في عصمة الأنبياء بهذه الآية وقال : لولا جواز المعصية عليهم وإلا لما قال : { وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الحق } .
والجواب : أن ذلك مقدور له ولكن لا يفعله لمكان النهي . وقيل : الخطاب له والمراد غيره .
ثم قال تعالى : { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا } وفيه مسائل :
المسألة الأولى : لفظ ( الشرعة ) : في اشتقاقه وجهان : الأول : معنى شرع بين وأوضح . قال ابن السكيت : لفظ الشرع مصدر : شرعت الإهاب ، إذا شققته وسلخته . الثاني : شرع مأخوذ من الشروع في الشيء وهو الدخول فيه ، والشريعة في كلام العرب المشرعة التي يشرعها الناس فيشربون منها ، فالشريعة فعيلة بمعنى المعفولة ، وهي الأشياء التي أوجب الله تعالى على المكلفين أن يشرعوا فيها ، وأما المنهاج فهو الطريق الواضح ، يقال : نهجب لك الطريق وأنهجب لغتان .
المسألة الثانية : احتج أكثر العلماء بهذه الآية على أن شرع من قبلنا لا يلزمنا ، لأن قوله { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا } يدل على أنه يجب أن يكون كل رسول مستقلاً بشريعة خاصة ، وذلك ينفي كون أمة أحد الرسل مكلفة بشريعة الرسول الآخر .
المسألة الثالثة : وردت آيات دالة على عدم التباين في طريقة الأنبياء والرسل ، وآيات دالة على حصول التباين فيها .
أما النوع الأول : فقوله : { شَرَعَ لَكُم مّنَ الدين مَا وصى بِهِ نُوحاً } [ الشورى : 13 ] إلى قوله { أَنْ أَقِيمُواْ الدين وَلاَ تَتَفَرَّقُواْ فِيهِ } [ الشورى : 13 ] وقال { أُوْلَئِكَ الذين هَدَى الله فَبِهُدَاهُمُ اقتده } [ الأنعام : 90 ] .
وأما النوع الثاني : فهو هذه الآية ، وطريق الجمع أن نقول : النوع الأول من الآيات مصروف إلى ما يتعلق بأصول الدين ، والنوع الثاني مصروف إلى ما يتعلق بفروع الدين .
المسألة الرابعة : الخطاب في قوله { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا } خطاب للأمم الثلاث : أمة موسى ، وأمة عيسى ، وأمة محمد عليهم السلام ، بدليل أن ذكر هؤلاء الثلاثة قد تقدم في قوله { إِنَّا أَنزَلْنَا التوراة فِيهَا هُدًى وَنُورٌ } [ المائدة : 44 ] ثم قال { وَقَفَّيْنَا على ءاثارهم بِعَيسَى ابن مَرْيَمَ } [ المائدة : 46 ] ثم قال { وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الكتاب } [ المائدة : 48 ] .
ثم قال : { لِكُلّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً ومنهاجا } يعني شرائع مختلفة : للتوراة شريعة ، وللإنجيل شريعة ، وللقرآن شريعة .
المسألة الخامسة : قال بعضهم : الشرعة والمنهاج عبارتان عن معنى واحد ، والتكرير للتأكيد والمراد بهما الدين . وقال آخرون : بينهما فرق ، فالشرعة عبارة عن مطلق الشريعة ، والطريقة عبارة عن مكارم الشريعة ، وهي المراد بالمنهاج ، فالشريعة أول ، والطريقة رخر . وقال المبرد : الشريعة ابتداء الطريقة ، والطريقة المنهاج المستمر ، وهذا تقرير ما قلناه . والله أعلم بأسرار كلامه .
ثم قال تعالى : { وَلَوْ شَاء الله لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحدة } أي جماعة متفقة على شريعة واحدة ، أو ذوي أمة واحدة ، أي دين واحد لا اختلاف فيه . قال الأصحاب : هذا يدل على أن الكل بمشيئة الله تعالى والمعتزلة حملوه على مشيئة الالجاء .
ثم قال تعالى : { ولكن لّيَبْلُوَكُمْ فِيمَا ءاتاكم } من الشرائع المختلفة ، هل تعملون بها منقادين لله خاضعين لتكاليف الله ، أم تتبعون الشبه وتقصرون في العمل .
{ فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ } أي فابتدروها وسابقوا نحوها .
{ إلى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً } استئناف في معنى التعليل لاستباق الخيرات .
{ فَيُنَبّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } فيخبركم بما لا تشكون معه من الجزاء الفاصل بين محقكم ومبطلكم ، وموفيكم ومقصركم في العمل ، والمراد أن الأمر سيؤول إلى ما يزول معه الكشوك ويحصل مع اليقين ، وذلك عند مجازاة المحسن بإحسانه والمسيء بإساءته .
في ظلال القرآن - (ج 2 / ص 381)
{ وأنزلنا إليك الكتاب بالحق } . .
يتمثل الحق في صدوره من جهة الألوهية ، وهي الجهه التي تملك حق تنزيل الشرائع ، وفرض القوانين . . ويتمثل الحق في محتوياته ، وفي كل ما يعرض له من شئون العقيده والشريعه ، وفي كل ما يقصه من خبر ، وما يحمله من توجيه .
{ مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه } . .(6/349)
فهو الصوره الأخيره لدين الله ، وهو المرجع الأخير في هذا الشأن ، والمرجع الأخير في منهج الحياة وشرائع الناس ، ونظام حياتهم ، بلا تعديل بعد ذلك ولا تبديل .
ومن ثم فكل اختلاف يجب أن يرد إلى هذا الكتاب ليفصل فيه . سواء كان هذا الاختلاف في التصور الاعتقادي بين أصحاب الديانات السماويه ، أو في الشريعه التي جاء هذا الكتاب بصورتها الأخيره . أو كان هذا الاختلاف بين المسلمين أنفسهم ، فالمرجع الذي يعودون إليه بآرائهم في شأن الحياه كله هو هذا الكتاب ، ولا قيمه لآراء الرجال ما لم يكن لها أصل تستند إليه من هذا المرجع الأخير .
وتترتب على هذه الحقيقه مقتضياتها المباشره :
{ فاحكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق } . .
والأمر موجه ابتداء إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما كان فيه من أمر أهل الكتاب الذين يجيئون إليه متحاكمين . ولكنه ليس خاصاً بهذا السبب ، بل هو عام . . وإلى آخر الزمان . . طالما أنه ليس هناك رسول جديد ، ولا رساله جديدة ، لتعديل شيء ما في هذا المرجع الأخير!
لقد كمل هذا الدين ، وتمت به نعمة الله على المسلمين . ورضيه الله لهم منهج حياه للناس أجمعين . ولم يعد هنالك من سبيل لتعديل شيء فيه أو تبديله ، ولا لترك شيء من حكمه إلى حكم آخر ، ولا شيء من شريعته إلى شريعة أخرى . وقد علم الله حين رضيه للناس ، أنه يسع الناس جميعاً . وعلم الله حين رضيه مرجعاً أخيراً أنه يحقق الخير للناس جميعاً .
وأنه يسع حياة الناس جميعاً ، الى يوم الدين . وأي تعديل في هذا المنهج - ودعك من العدول عنه - هو إنكار لهذا المعلوم من الدين بالضرورة . يخرج صاحبه من هذا الدين . ولو قال باللسان ألف مرة : إنه من المسلمين!
وقد علم الله أن معاذير كثيره يمكن أن تقوم وأن يبرر بها العدول عن شيء مما أنزل الله واتباع أهواء المحكومين المتحاكمين . . وأن هواجس قد تتسرب في ضرورة الحكم بما أنزل الله كله بلا عدول عن شيء فيه ، في بعض الملابسات والظروف . فحذر الله نبيه - صلى الله عليه وسلم - في هذه الآيات مرتين من اتباع أهواء المتحاكمين ، ومن فتنتهم له عن بعض ما أنزل الله إليه . .
وأولى هذه الهواجس : الرغبة البشرية الخفية في تأليف القلوب بين الطوائف المتعددة ، والاتجاهات والعقائد المتجمعة في بلد واحد . ومسايرة بعض رغباتهم عند ما تصطدم ببعض أحكام الشريعة ، والميل إلى التساهل في الأمور الطفيفة ، أو التي يبدو أنها ليست من أساسيات الشريعة!
وقد روي أن اليهود عرضوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يؤمنوا له إذا تصالح معهم على التسامح في أحكام بعينها منها حكم الرجم . وأن هذا التحذير قد نزل بخصوص هذا العرض . . ولكن الأمر- كما هو ظاهر - أعم من حالة بعينها وعرض بعينه . فهو أمر يعرض في مناسبات شتى ، ويتعرض له أصحاب هذه الشريعة في كل حين . . وقد شاء الله - سبحانه - أن يحسم في هذا الأمر ، وأن يقطع الطريق على الرغبة البشرية الخفية في التساهل مراعاة للاعتبارات والظروف ، وتأليفاً للقلوب حين تختلف الرغبات والأهواء . فقال لنبيه : إن الله لو شاء لجعل الناس أمة واحدة؛ ولكنه جعل لكل منهم طريقاً ومنهاجاً؛ وجعلهم مبتلين مختبرين فيما آتاهم من الدين والشريعة ، وما آتاهم في الحياة كلها من عطايا . وأن كلاً منهم يسلك طريقه؛ ثم يرجعون كلهم إلى الله ، فينبئهم بالحقيقة ، ويحاسبهم على ما اتخذوا من منهج وطريق . . وأنه إذن لا يجوز أن يفكر في التساهل في شيء من الشريعة لتجميع المختلفين في المشارب والمناهج . . فهم لا يتجمعون :
{ لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً . ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة . ولكن ليبلوكم فيما آتاكم . فاستبقوا الخيرات . إلى الله مرجعكم جميعاً . فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون } .
بذلك أغلق الله - سبحانه - مداخل الشيطان كلها؛ وبخاصة ما يبدو منها خيراً وتأليفاً للقلوب وتجميعاً للصفوف؛ بالتساهل في شيء من شريعة الله؛ في مقابل إرضاء الجميع! أو في مقابل ما يسمونه وحدة الصفوف!
إن شريعة الله أبقى وأغلى من أن يضحى بجزء منها في مقابل شيء قدر الله ألا يكون! فالناس قد خلقوا ولكل منهم استعداد ، ولكل منهم مشرب ، ولكل منهم منهج ، ولكل منهم طريق .
ولحكمة من حكم الله خلقوا هكذا مختلفين . وقد عرض الله عليهم الهدى؛ وتركهم يستبقون . وجعل هذا ابتلاء لهم يقوم عليه جزاؤهم يوم يرجعون إليه ، وهم إليه راجعون؛(6/350)
وإنها لتعلة باطلة إذن ، ومحاولة فاشلة ، أن يحاول أحد تجميعهم على حساب شريعة الله ، أو بتعبير آخر على حساب صلاح الحياة البشرية وفلاحها . فالعدول أو التعديل في شريعة الله لا يعني شيئاً إلا الفساد في الأرض؛ وإلا الانحراف عن المنهج الوحيد القويم؛ وإلا انتفاء العدالة في حياة البشر؛ وإلا عبودية الناس بعضهم لبعض ، واتخاذ بعضهم لبعض أرباباً من دون الله . . وهو شر عظيم وفساد عظيم . . لا يجوز ارتكابه في محاولة عقيمة لا تكون؛ لأنها غير ما قدره الله في طبيعة البشر؛ ولأنها مضادة للحكمة التي من أجلها قدر ما قدر من اختلاف المناهج والمشارع ، والاتجاهات والمشارب . . وهو خالق الخلق وصاحب الأمر الأول فيهم والأخير . وإليه المرجع والمصير . .
إن محاولة التساهل في شيء من شريعة الله ، لمثل هذا الغرض ، تبدو - في ظل هذا النص الصادق الذي يبدو مصداقه في واقع الحياة البشرية في كل ناحية - محاولة سخيفة؛ لا مبرر لها من الواقع؛ ولا سند لها من إرادة الله؛ ولا قبول لها في حس المسلم ، الذي لا يحاول إلا تحقيق مشيئة الله . فكيف وبعض من يسمون أنفسهم « مسلمين » يقولون : إنه لا يجوز تطبيق الشريعة حتى لا نخسر « السائحين »؟!!! أي والله هكذا يقولون!
ويعود السياق فيؤكد هذه الحقيقة ، ويزيدها وضوحاً . فالنص الأول : { فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق } . . قد يعني النهي عن ترك شريعة الله كلها إلى أهوائهم! فالآن يحذره من فتنتهم له عن بعض ما أنزل الله إليه :
{ وأن احكم بينهم بما أنزل الله ، ولا تتبع أهواءهم ، واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك } . .
فالتحذير هنا أشد وأدق؛ وهو تصوير للأمر على حقيقته . . فهي فتنة يجب أن تحذر . . والأمر في هذا المجال لا يعدو أن يكون حكماً بما أنزل الله كاملاً؛ أو أن يكون اتباعاً للهوى وفتنة يحذر الله منها .
ثم يستمر السياق في تتبع الهواجس والخواطر؛ فيهون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أمرهم إذا لم يعجبهم هذا الاستمساك الكامل بالصغيرة قبل الكبيرة في هذه الشريعة ، وإذا هم تولوا فلم يختاروا الإسلام ديناً؛ أو تولوا عن الاحتكام إلى شريعة الله ( في ذلك الأوان حيث كان هناك تخيير قبل أن يصبح هذا حتماً في دار الإسلام ) :
{ فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم . وإن كثيراً من الناس لفاسقون } .
فإن تولوا فلا عليك منهم؛ ولا يفتنك هذا عن الاستمساك الكامل بحكم الله وشريعته . ولا تجعل إعراضهم يفت في عضدك أو يحولك عن موقفك .
فإنهم إنما يتولون ويعرضون لأن الله يريد أن يجزيهم على بعض ذنوبهم . فهم الذين سيصيبهم السوء بهذا الإعراض : لا أنت ولا شريعة الله ودينه؛ ولا الصف المسلم المستمسك بدينه . . ثم إنها طبيعة البشر : { وإن كثيراً من الناس لفاسقون } فهم يخرجون وينحرفون . لأنهم هكذا؛ ولا حيلة لك في هذا الأمر ، ولا ذنب للشريعة! ولا سبيل لاستقامتهم على الطريق!
وبذلك يغلق كل منافذ الشيطان ومداخله إلى النفس المؤمنة؛ ويأخذ الطريق على كل حجة وكل ذريعة لترك شيء من أحكام هذه الشريعة؛ لغرض من الأغراض؛ في ظرف من الظروف . .
ثم يقفهم على مفرق الطريق . . فإنه إما حكم الله ، وإما حكم الجاهلية . ولا وسط بين الطرفين ولا بديل . . حكم الله يقوم في الأرض ، وشريعة الله تنفذ في حياة الناس ، ومنهج الله يقود حياة البشر . . أو أنه حكم الجاهلية ، وشريعة الهوى ، ومنهج العبودية . . فأيهما يريدون؟
{ أفحكم الجاهلية يبغون؟ ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟ } . .
إن معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص . فالجاهلية - كما يصفها الله ويحددها قرآنه - هي حكم البشر للبشر ، لأنها هي عبودية البشر للبشر ، والخروج من عبودية الله ، ورفض ألوهية الله ، والاعتراف في مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لهم من دون الله . .
إن الجاهلية - في ضوء هذا النص - ليست فترة من الزمان؛ ولكنها وضع من الأوضاع . هذا الوضع يوجد بالأمس ، ويوجد اليوم ، ويوجد غداً ، فيأخذ صفة الجاهلية ، المقابلة للإسلام ، والمناقضة للإسلام .
والناس - في أي زمان وفي أي مكان - إما أنهم يحكمون بشريعة الله - دون فتنة عن بعض منها - ويقبلونها ويسلمون بها تسليماً ، فهم إذن في دين الله . وإما إنهم يحكمون بشريعة من صنع البشر - في أي صورة من الصور - ويقبلونها فهم إذن في جاهلية؛ وهم في دين من يحكمون بشريعته ، وليسوا بحال في دين الله . والذي لا يبتغي حكم الله يبتغي حكم الجاهلية؛ والذي يرفض شريعة الله يقبل شريعة الجاهلية ، ويعيش في الجاهلية .
وهذا مفرق الطريق ، يقف الله الناس عليه . وهم بعد ذلك بالخيار!
ثم يسألهم سؤال استنكار لابتغائهم حكم الجاهلية؛ وسؤال تقرير لأفضلية حكم الله .
{ ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون؟ } . .
وأجل! فمن أحسن من الله حكماً؟(6/351)
ومن ذا الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس ، ويحكم فيهم ، خيراً مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟
أيستطيع أن يقول : إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟ أيستطيع أن يقول : إنه أرحم بالناس من رب الناس؟ أيستطيع أن يقول : إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس؟ أيستطيع أن يقول : إن الله - سبحانه - وهو يشرع شريعته الأخيرة ، ويرسل رسوله الأخير؛ ويجعل رسوله خاتم النبيين ، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات ، ويجعل شريعته شريعة الأبد .
كان - سبحانه - يجهل أن أحوالاً ستطرأ وأن حاجات ستستجد ، وأن ملابسات ستقع؛ فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه ، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان؟!
ما الذي يستطيع أن يقوله من ينحي شريعة الله عن حكم الحياة ، ويستبدل بها شريعة الجاهلية . وحكم الجاهلية؛ ويجعل هواه هو أو هوى شعب من الشعوب ، أو هوى جيل من أجيال البشر ، فوق حكم الله ، وفوق شريعة الله؟
ما الذي يستطيع أن يقوله . . وبخاصة إذا كان يدعي أنه من المسلمين؟!
الظروف؟ الملابسات؟ عدم رغبة الناس؟ الخوف من الأعداء؟ . . ألم يكن هذا كله في علم الله؛ وهو يأمر المسلمين أن يقيموا بينهم شريعته ، وأن يسيروا على منهجه ، وألا يفتنوا عن بعض ما أنزله؟
قصور شريعة الله عن استيعاب الحاجات الطارئة ، والأوضاع المتجددة ، والاحوال المتغلبة؟ ألم يكن ذلك في علم الله؛ وهو يشدد هذا التشديد ، ويحذر هذا التحذير؟
يستطيع غير المسلم أن يقول ما يشاء . . ولكن المسلم . . أو من يدعون الإسلام . . ما الذي يقولونه من هذا كله ، ثم يبقون على شيء من الإسلام؟ أو يبقى لهم شيء من الإسلام؟
إنه مفرق الطريق ، الذي لا معدى عنده من الاختيار؛ ولا فائدة في المماحكة عنده ولا الجدال . .
إما إسلام وإما جاهلية . إما إيمان وإما كفر . إما حكم الله وإما حكم الجاهلية . .
والذين لا يحكمون بما أنزل الله هم الكافرون الظالمون الفاسقون . والذين لا يقبلون حكم الله من المحكومين ما هم بمؤمنين . .
إن هذه القضية يجب أن تكون واضحة وحاسمة في ضمير المسلم؛ وألا يتردد في تطبيقها على واقع الناس في زمانه؛ والتسليم بمقتضى هذه الحقيقة ونتيجة هذا التطبيق على الأعداء والأصدقاء!
وما لم يحسم ضمير المسلم في هذه القضية ، فلن يستقيم له ميزان؛ ولن يتضح له منهج ، ولن يفرق في ضميره بين الحق والباطل؛ ولن يخطو خطوة واحدة في الطريق الصحيح . . وإذا جاز أن تبقى هذه القضية غامضة أو مائعة في نفوس الجماهير من الناس؛ فما يجوز أن تبقى غامضة ولا مائعة في نفوس من يريدون أن يكونوا « المسلمين » وأن يحققوا لأنفسهم هذا الوصف العظيم . .
================
شبة اقتباس التوراة من شريعة حمورابي وتأييد القرآن لذلك
في احد المناقشات مع احد النصاري في احد المنتديات وبالاستعانة بما قاله الدكتور منقذ السقار عن اقتباس كتبة التوراة من تشريعات حمورابي كدليل علي التحريف دارت المناقشة ولكني فوجئت بالسؤال التالي ( اذا كنت تقول ان التوراة مقتبسة من تشريع حمورابي فكيف يشهد القرأن لجزء في التوراة بانه مما كتب الله علي بني اسرائيل مع ان هذا النص ايضا موجود في تشريع حمورابي وفي التوراة كيف يشهد القران لكلام مقتبس علي انه وحي مع انه مجرد اقتباس وذكر هذة الاية
(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) المائدة 45
وهذة الاية موجودة في تشريع حورابي تقريبا بنفس المعني (( اذا كسر أنسان لرجل شريف سنا او فقأ له عينه أو أي شيء اخر حل به نفس الأذى الذي سببه له,).وفي التوراة تثنية 19 (نفس بنفس عين بعين سن بسن يد بيد رجل برجل)وقد رددت عليه بأنه يوجد انبياء كثير قبل حمورابي وموسي عليه السلام مثل ادم وشيث وادريس ونوح وابراهيم ربما ذكرت هذة الاية في صحفهم واقتبسها حمورابي نفسه واقرتها التوراة بعد ذلك مثلما ذكرت تماما في مخطوطات السومريين قصة ادم وطوفان نوح وخلق السموات والارض مع نسبتها لاشخاص والهة غير الله ولكن واضح انها مقتبسة من كتب الانبياء اساسا )
ولا أدري هل وفقت في الاجابة ام هل ان نبي الله موسي كان يسبق حمورابي وليس العكس لان التواريخ في كتب اليهود غير مضبوطة الله اعلم0
فأرجو من الاخوة مما لديه علم او بحث في هذا الموضوع او لديه رد جيد الافادة حتي لا تكون شبهة تتردد بعد ذلك وجزاكم الله خيرا0
الرد
السيف البتار
ما قولكم بشريعة حمورابي؟!(6/352)
سنة 1901 عثرت بعثة "دو مرغان" الأثرية في مدينة سوس على نصب من الصوان طول الواحد متران وربع المتر، يحمل في أعلاه صورة للإله شمس وهو يستقبل حمورابي. وتنقسم أعمدة النصب إلى مربعات دوّن فيها مراسيم تشريعية تشبه شريعة موسى – فلدينا في شريعة موسى (خروج 15:21) "من ضرب أباه أو أمه يُقتل قتلاً"، وفي شريعة حمورابي بند 195 "من ضرب أباه تُقطع يده".
يقول العلامة ف. كنيون F. Kenyon: "من الطبيعي أن شرائع تعالج مشاكل مماثلة في بلاد مجاورة قد تكون بينها عناصر وعقابات متشابهة. ولكن حمورابي أغفل معظم ما ذكره موسى والعكس بالعكس.
والنقطة المهمة أن الوصايا العشر فريدة في نوعها وليس لها نظير في تشريع الأمم إن من ناحية السموّ أو من ناحية الإيجاز السديد ولذلك فلها أهمية دائمة.
حمورابي الذي حكم بابل ما بين 1792-1750 قبل الميلاد
خروج بنى إسرائيل من مصر فيما بين القرن الرابع عشر والثالث عشر قبل الميلاد
المهتدي بالله
ان بعض أجزاء شريعة موسى مطابقة لأجزاء معروفة من شريعة حمورابي، وبسبب هذا التطابق زعم بعض العلماء أن العبرانيون استسقوا قوانينهم منها. بينما نصَّ كتاب وثائق من وقت العهد القديم: "أنه لا أساس لافتراض أن العبرانيين استعاروا بعضاً من قوانين البابليين. ومع اختلاف مجموعتي القوانين في الصياغة، فإنهما مختلفين في الجوهر".
وهنا بعضٌ من الاختلاف بين التشريعيّن:
شريعة حمورابي و شريعة موسى
عقوبة الإعدام لسرقة معبد أو الممتلكات الحكومية العامة، أو حيازة مسروقات. يعاقب السارق بدفع تعويض للضحية.
الإعدام لمساعدة عبد على الهرب أو إواء عبدٍ هارب "يجب أن لا تعيد العبد الهارب من سيده إليك"
إذا ما تهالك بيت فوق ابن صاحبه، فإن ابن الباني يُعدم. "يجب أن لا يؤاخذ الأبناء بجريرة أبائهم، وأن لا يُعدموا على حساب أبائهم".
مجرد نفي عند وقوع سفاح القربى:"إذا ما قام رجل برتبة بمجامعة ابنته، فإن الأب سيجبر على مغادرة المدينة". الإعدام لسفاح القربى.
الفرق في العقوبة اعتماداً على الطبقة التي ينحدر منها الجاني: العقوبة الشديدة لمن يتعدى على شخص من طبقة عليا.
والعقوبة البسيطة لمن يتعدى على الطبقات الدنيا. يجب أن لا تعامل من هم دونك بازدراء لصالح من هو أعظم شأناً منه
والله المستعان ... ... ...
شريعة حمورابي
وُجدت شريعة حمورابي في عام 1700 قبل الميلاد لتكون من أوائل الأنظمة المكونة من مجموعة من القوانين في تاريخ البشر، وإحدى أفضل الأمثلة المحفوظة لمثل هذا النوع من الوثائق لبلاد ما بين الرافدين. ومن مجموعات القوانين والتشريعات تتضمن مخطوطة أور-نامو، ومخطوطة إشنونا، ومخطوطة لبت-إشتار ملك آيسن.
وهي توضح قوانين وسنن وعقوبات من يخترق القانون. ولقد ركزت على السرقة، والزراعة (أو رعاية الأغنام)، وإتلاف الممتلكات، وحقوق المرأة، وحقوق الأطفال، وحقوق العبيد، والقتل، والموت، والإصابات. وتختلف العقوبات على حسب الطبقة التي ينحدر منها المنتهك لإحدى القوانين والضحية. ولا تقبل هذه القوانين الاعتذار، أو توضيحٍ للأخطاء إذا ما وقعت. ولقد فتح المجال أمام الجميع لرؤية هذه التشريعات الجديدة كي لا يتم التذرع بجهل القوانين كعذر. وعلى كلٍ، فلم يوجد إلا القلة من القادرين على القراءة إبان تلك الحقبة التاريخية.
ولقد خطرت فكرة سن هذه الشريعة الجديدة لحمورابي عندما شعر بوجوب إيجاد هذه الشريعة لإرضاء الآلهة. وعلى العكس من بقية ملوك تلك الفترة، فلم يزعم حمورابي أنه سليل آلهة وذا ذاتٍ إلهية، إلا أنه وصف نفسه بخليل الآلهة. وفي الجزء العلوي من العمود ظهر حمورابي أمام عرش إله الشمس شمش.
رُقمت البنود من 1 إلى 282 (مع الإشارة إلى أن البند 13، والبنود من 66 لـ 99، و110، و111 مفقودة) على عمود طوله 8 أقدام،2.5 متر، والمكون من حجر الديورت. ولقد اكتشف هذا العمود عام 1909 في سوسا. ويُعرض العمود الآن في متحف اللوفر في باريس، فرنسا. مرسوم على الحجر الملك حمورابى وهو يستمع الى إله الشمس الجالس على عرشه وهناك كاتب تحت حمورابى يسجل القوانين.
ولقد تمت الإشارة إلى هذه الشريعة كأول مثال لمفهومٍ قانوني يشير إلى أن بعض القوانين ضرورية وأساسية حتى أنها تتخطى قدرة الملوك على تغييرها. وبنقش هذه القوانين على الحجر فإنها دائمة، وبهذا يحيى المفهوم والذي تم تكريسه في الأنظمة القانونية الحديثة وأعطت المصطلح منقوش على الحجر ماهيته في الأنظمة الحالية.
[تحرير]
الفرق بين شريعة حمورابي وشريعة موسى
بعض أجزاء شريعة موسى مطابقة لأجزاء معروفة من شريعة حمورابي، وبسبب هذا التطابق زعم بعض العلماء أن العبرانيون استسقوا قوانينهم منها. بينما نصَّ كتاب وثائق من وقت العهد القديم: "أنه لا أساس لافتراض أن العبرانيين استعاروا بعضاً من قوانين البابليين. ومع اختلاف مجموعتي القوانين في الصياغة، فإنهما مختلفين في الجوهر".
وهنا بعضٌ من الاختلاف بين التشريعيّن:(6/353)
شريعة حمورابي ... شريعة موسى ...
عقوبة الإعدام لسرقة معبد أو الممتلكات الحكومية العامة، أو حيازة مسروقات. ... يعاقب السارق بدفع تعويض للضحية. ...
الإعدام لمساعدة عبد على الهرب أو إواء عبدٍ هارب ...
"يجب أن لا تعيد العبد الهارب من سيده إليك" ...
إذا ما تهالك بيت فوق ابن صاحبه، فإن ابن الباني يُعدم. ... "يجب أن لا يؤاخذ الأبناء بجريرة أبائهم، وأن لا يُعدموا على حساب أبائهم". ...
مجرد نفي عند وقوع سفاح القربى:"إذا ما قام رجل برتبة بمجامعة ابنته، فإن الأب سيجبر على مغادرة المدينة". ... الإعدام لسفاح القربى. ...
الفرق في العقوبة اعتماداً على الطبقة التي ينحدر منها الجاني: العقوبة الشديدة لمن يتعدى على شخص من طبقة عليا. والعقوبة البسيطة لمن يتعدى على الطبقات الدنيا. ...
يجب أن لا تعامل من هم دونك بازدراء لصالح من هو أعظم شأناً منه ...
=============
وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة
قال النصارى : في الكتاب العزيز يقول الله : {وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيمة} ؛ فهذا مدح لنا .
والجواب: أن الذين اتبعوه ليسوا النصارى الذين اعتقدوا أنه ابن الله ، وسلكوا مسلك هؤلاء الجهلة ، فإن اتباع الإنسان موافقته فيما جاء به، وكون هؤلاء المتأخرين اتبعوه غير صحيح ، بل متبعوه هم الحواريون ، ومن تابعهم قبل ظهور القول بالتثليث ، أولئك هم الذين رفعهم الله في الدنيا والآخرة ، ونحن إنما نطالب هؤلاء بالرجوع إلى ما كان أولئك عليه ، فإنهم قدس الله أرواحهم آمنوا بعيسى وبجملة النبيين صلوات الله عليهم أجمعين ، وكان عيسى عليه السلام بشرهم بمحمد –صلى الله عليه وسلم- ، فكانوا ينتظرون ظهوره ليؤمنوا به عليه السلام ، وكذلك لما ظهر عليه السلام جاءه أربعون راهبا من نجران فتأملوه فوجدوه هو الموعود به في ساعة واحدة بمجرد النظر والتأمل لعلاماته ، فهؤلاء هم الذين اتبعوه وهم المرفوعون المعظمون ، وأما هؤلاء النصارى فهم الذين كفروا به مع من كفر ، وجعلوه سببا لانتهاك حرمة الربوبية بنسبة واجب الوجود المقدس عن صفات البشر إلى الصاحبة والولد الذي ينفر منها أقل رهبانهم ، حتى إنه قد ورد أن الله تعالى إذا قال لعيسى عليه السلام يوم القيامة :{ءأنت قلت للناس اتخذونى وأمي إلهين من دون الله }. يسكت أربعين سنة خجلا من الله تعالى ؛ حيث جُعل سببا للكفر به ، وانتهاك حرمة جلاله ، فخواص الله تعالى يألمون ويخجلون من اطلاعهم على انتهاك الحرمة ،وإن لم يكن لهم فيها مدخل ولا لهم فيها تعلق ، فكيف إذا كان لهم فيها تعلق من حيث الجملة ؟! ومن عاشر أماثل الناس ورؤسائهم ، وله عقل قويم وطبع مستقيم غير طبع النصارى أدرك هذا ، فما آذى أحد عيسى عليه السلام ما آذته هؤلاء النصارى ، نسأل الله العفو والعافية بمنه وكرمه
( المرجع : رسالة " إفحام النصارى " دار القاسم ، ص 30-33
------------------
تفسير الرازي - (ج 4 / ص 228)
الصفة الثالثة : من صفات عيسى قوله تعالى : { وَمُطَهّرُكَ مِنَ الذين كَفَرُواْ } والمعنى مخرجك من بينهم ومفرق بينك وبينهم ، وكما عظم شأنه بلفظ الرفع إليه أخبر عن معنى التخليص بلفظ التطهير وكل ذلك يدل على المبالغة في إعلاء شأنه وتعظيم منصبه عند الله تعالى .
الصفة الرابعة : قوله { وَجَاعِلُ الذين اتبعوك فَوْقَ الذين كَفَرُواْ إلى يَوْمِ القيامة } وجهان الأول : أن المعنى : الذين اتبعوا دين عيسى يكونون فوق الذين كفروا به ، وهم اليهود بالقهر والسلطان والاستعلاء إلى يوم القيامة ، فيكون ذلك إخباراً عن ذل اليهود وإنهم يكونون مقهورين إلى يوم القيامة ، فأما الذين اتبعوا المسيح عليه السلام فهم الذين كانوا يؤمنون بأنه عبد الله ورسوله وأما بعد الإسلام فهم المسلمون ، وأما النصارى فهم وإن أظهروا من أنفسهم موافقته فهم يخالفونه أشد المخالفة من حيث أن صريح العقل يشهد أنه عليه السلام ما كان يرضى بشيء مما يقوله هؤلاء الجهال ، ومع ذلك فإنا نرى أن دولة النصارى في الدنيا أعظم وأقوى من أمر اليهود فلا نرى في طرف من أطراف الدنيا ملكاً يهودياً ولا بلدة مملوءة من اليهود بل يكونون أين كانوا بالذلة والمسكنة وأما النصارى فأمرهم بخلاف ذلك الثاني : أن المراد من هذه الفوقية الفوقية بالحجة والدليل .
واعلم أن هذه الآية تدل على أن رفعه في قوله { وَرَافِعُكَ إِلَىَّ } هو الرفعة بالدرجة والمنقبة ، لا بالمكان والجهة ، كما أن الفوقية في هذه ليست بالمكان بل بالدرجة والرفعة .(6/354)
أما قوله { ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ } فالمعنى أنه تعالى بشّر عيسى عليه السلام بأنه يعطيه في الدنيا تلك الخواص الشريفة ، والدرجات الرفيعة العالية ، وأما في القيامة فإنه يحكم بين المؤمنين به ، وبين الجاحدين برسالته ، وكيفية ذلك الحكم ما ذكره في الآية التي بعد هذه الآية وبقي من مباحث هذه الآية موضع مشكل وهو أن نص القرآن دل على أنه تعالى حين رفعه ألقى شبهه على غيره على ما قال : { وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ولكن شُبّهَ لَهُمْ } [ النساء : 157 ] والأخبار أيضاً واردة بذلك إلا أن الروايات اختلفت ، فتارة يروى أن الله تعالى ألقى شبهه على بعض الأعداء الذين دلوا اليهود على مكانه حتى قتلوه وصلبوه ، وتارة يروى أنه عليه السلام رغب بعض خواص أصحابه في أن يلقي شبهه حتى يقتل مكانه ، وبالجملة فكيفما كان ففي إلقاء شبهه على الغير إشكالات :
الإشكال الأول : إنا لو جوزنا إلقاء شبه إنسان على إنسان آخر لزم السفسطة ، فإني إذا رأيت ولدي ثم رأيته ثانياً فحينئذ أجوز أن يكون هذا الذي رأيته ثانياً ليس بولدي بل هو إنسان ألقي شبهه عليه وحينئذ يرتفع الأمان على المحسوسات ، وأيضاً فالصحابة الذين رأوا محمداً صلى الله عليه وسلم يأمرهم وينهاهم وجب أن لا يعرفوا أنه محمد لاحتمال أنه ألقي شبهه على غيره وذلك يفضي إلى سقوط الشرائع ، وأيضاً فمدار الأمر في الأخبار المتواترة على أن يكون المخبر الأول إنما أخبر عن المحسوس ، فإذا جاز وقوع الغلط في المبصرات كان سقوط خبر المتواتر أولى وبالجملة ففتح هذا الباب أوله سفسطة وآخره إبطال النبوات بالكلية .
والإشكال الثاني : وهو أن الله تعالى كان قد أمر جبريل عليه السلام بأن يكون معه في أكثر الأحوال ، هكذا قاله المفسرون في تفسير قوله { إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ القدس } [ المائدة : 110 ] ثم إن طرف جناح واحد من أجنحة جبريل عليه السلام كان يكفي العالم من البشر فكيف لم يكف في منع أولئك اليهود عنه؟ وأيضاً أنه عليه السلام لما كان قادراً على إحياء الموتى ، وإبراء الأكمه والأبرص ، فكيف لم يقدر على إماتة أولئك اليهود الذين قصدوه بالسوء وعلى إسقامهم وإلقاء الزمانة والفلج عليهم حتى يصيروا عاجزين عن التعرض له؟
والإشكال الثالث : إنه تعالى كان قادراً على تخليصه من أولئك الأعداء بأن يرفعه إلى السماء فما الفائدة في إلقاء شبهه على غيره ، وهل فيه إلا إلقاء مسكين في القتل من غير فائدة إليه؟ .
والإشكال الرابع : أنه إذا ألقى شبهه على غيره ثم إنه رفع بعد ذلك إلى السماء فالقوم اعتقدوا فيه أنه هو عيسى مع أنه ما كان عيسى ، فهذا كان إلقاء لهم في الجهل والتلبيس ، وهذا لا يليق بحكمة الله تعالى .
والإشكال الخامس : أن النصارى على كثرتهم في مشارق الأرض ومغاربها وشدة محبتهم للمسيح عليه السلام ، وغلوهم في أمره أخبروا أنهم شاهدوه مقتولاً مصلوباً ، فلو أنكرنا ذلك كان طعناً فيما ثبت بالتواتر ، والطعن في التواتر يوجب الطعن في نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم ، ونبوّة عيسى ، بل في وجودهما ، ووجود سائر الأنبياء عليهم الصلاة والسلام وكل ذلك باطل .
والإشكال السادس : أنه ثبت بالتواتر أن المصلوب بقي حياً زماناً طويلاً ، فلو لم يكن ذلك عيسى بل كان غيره لأظهر الجزع ، ولقال : إني لست بعيسى بل إنما أنا غيره ، ولبالغ في تعريف هذا المعنى ، ولو ذكر ذلك لاشتهر عند الخلق هذا المعنى ، فلما لم يوجد شيء من هذا علمنا أن ليس الأمر على ما ذكرتم ، فهذا جملة ما في الموضع من السؤالات :
والجواب عن الأول : أن كل من أثبت القادر المختار ، سلم أنه تعالى قادر على أن يخلق إنساناً آخر على صورة زيد مثلاً ، ثم إن هذا التصوير لا يوجب الشك المذكور ، فكذا القول فيما ذكرتم :والجواب عن الثاني : أن جبريل عليه السلام لو دفع الأعداء عنه أو أقدر الله تعالى عيسى عليه السلام على دفع الأعداء عن نفسه لبلغت معجزته إلى حد الإلجاء ، وذلك غير جائز .
وهذا هو الجواب عن الإشكال الثالث : فإنه تعالى لو رفعه إلى السماء وما ألقي شبهه على الغير لبلغت تلك المعجزة إلى حد الإلجاء .
والجواب عن الرابع : أن تلامذة عيسى كانوا حاضرين ، وكانوا عالمين بكيفية الواقعة ، وهم كانوا يزيلون ذلك التلبيس .
والجواب عن الخامس : أن الحاضرين في ذلك الوقت كانوا قليلين ودخول الشبهة على الجمع القليل جائز والتواتر إذا انتهى في آخر الأمر إلى الجمع القليل لم يكن مفيداً للعلم .(6/355)
والجواب عن السادس : إن بتقدير أن يكون الذي ألقي شبه عيسى عليه السلام عليه كان مسلماً وقبل ذلك عن عيسى جائز أن يسكت عن تعريف حقيقة الحال في تلك الواقعة ، وبالجملة فالأسئلة التي ذكروها أمور تتطرق الاحتمالات إليها من بعض الوجوه ، ولما ثبت بالمعجز القاطع صدق محمد صلى الله عليه وسلم في كل ما أخبر عنه امتنع صيرورة هذه الأسئلة المحتملة معارضة للنص القاطع ، والله ولي الهداية .
في ظلال القرآن - (ج 1 / ص 375)
وأما أن الله جعل الذين اتبعوه فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة .
فلا يصعب القول فيه . فالذين اتبعوه هم الذين يؤمنون بدين الله الصحيح . . الإسلام . . الذي عرف حقيقته كل نبي ، وجاء به كل رسول ، وآمن به كل من آمن حقاً بدين الله . . وهؤلاء فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة في ميزان الله . . كما أنهم كذلك في واقع الحياة كلما واجهوا معسكر الكفر بحقيقة الإيمان ، وحقيقة الاتباع . . ودين الله واحد . وقد جاء به عيسى بن مريم كما جاء به من قبله ومن بعده كل رسول . والذين يتبعون محمداً - صلى الله عليه وسلم - هم في الوقت ذاته اتبعوا موكب الرسل كلهم . من لدن آدم - عليه السلام - إلى آخر الزمان .
وهذا المفهوم الشامل هو الذي يتفق مع سياق السورة ، ومع حقيقة الدين كما يركز عليها هذا السياق .
=================
الثناء في القرآن على طائفة من النصارى استجابت للحق لا على جميع النصارى.؟
وصل إلى دار الإفتاء من الأَخ عمر الغيلان بمكة المكرمة سؤال يقول فيه: إن الله تعالى يقول في كتابه عن النصارى: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى) الآيات(33) ومعلوم لدينا في الوقت الحاضر عداوتهم الشديدة للإسلام والمسلمين. فما موقفنا منهم؟ ويقول: هل تجوز اللعنة عليهم كما جازت على اليهود؟ ويصف شدة حيرته في هذه المسأَلة.
فأَجاب سماحة المفتي بالجواب التالي:
ليس في الثناء المذكور في هذه الآيات ما يوجب الحيرة في شأْن النصارى والتوقف في لعنتهم، فإن الموصوفين بتلك الصفات ليس المقصود بهم جميع النصارى بل طائفة منهم استجابت للحق ولم تستكبر عن اتباعه. وفي تعيين تلك الطائفة مسلكان للمفسرين:
1- أَن المقصود بهذه الطائفة أًصحاب النجاشي: اما الذين آمنوا إذ جاءتهم مهاجرة المؤمنين كما في رواية أَبي الشيخ وابن جرير عن عطاء. واما الذين قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم من نصارى الحبشة، لما أَخرجه ابن جرير وابن المنذر وابن أَبي حاتم وأَبو الشيخ عن مجاهد أَنه قال في قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى) قال هم الوفد الذين جاءوا مع جعفر وأَصحابه من أَرض الحبشة.
2- إن تلك الطائفة قوم كانوا على شريعة عيسى عليه السلام من أَهل الإيمان فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم آمنوا به وصدقوه، لما أخرجه عبد بن حميد وابن جرير وأَبو الشيخ عن قتادة في قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى) قال أُناس من أَهل الكتاب كانوا على على شريعة من الحق مما جاء به عيسى يؤمنون به وينتهون إليه فلما بعث الله نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم صدقوه وآمنوا به وعرفوا ما جاء به من الحق أَنه من عند الله فأَثنى عليهم بما تسمعون. وعلى هذين التفسيرين اقتصر ابن جرير الطبري في تفسيره. اختار أَن هذه الآيات في صفة أَقوام بهذه المثابة سواء كانوا أَصحاب النجاشي أَو غيرهم. وعبارته: والصواب في ذلك عندي أَن الله وصف صفة قوم قالوا إنا نصارى أَن نبي الله صلى الله عليه وسلم يجدهم أَقرب الناس ودادًا لأَهل الإيمان بالله ورسوله ولم يبين لنا أَسماءهم. وقد يجوز أَن يكون اريد بذلك أَصحاب النجاشي. ويجوز أَن يكون أُريد به قوم كانوا على شريعة عيسى عليه السلام فأَدركهم الإسلام فأَسلموا لما سمعوا القرآن وعرفوا أَنه الحق ولم يستكبروا عنه.
وتوجيه هذه الآيات إلى أَنها في طائفة معينة من النصارى استجابت للحق. هو المشهور، وهو الذي يقتضيه سياق الآيات المسئوول عنها وإليه مال العلامة ابن القيم في (هداية الحيارى من اليهود والنصارى).
ثم قال بعد كلام طويل في هذه الآيات: والمقصود ان هؤلاء –أَي الموصوفين بهذه الصفات الذين عرفوا أَنه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أَعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة إلى الإيمان.(6/356)
وقال ابن كثير في تفسيره: وهذا الصنف من النصارى أَي الذين أَثنى الله عليهم في هذه الآيات – هم المذكورون في قوله تعالى: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ لاَ يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللّهِ ثَمَنًا قَلِيلاً) الآية(34) وهم الذين قال الله فيهم (الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِن قَبْلِهِ هُم بِهِ يُؤْمِنُونَ - وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِن قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ) إلى قوله: (لَا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ)(35) ولهذا قال تعالى هنا: (فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَار)ُ أَي فجازاهم على إيمانهم وتصديقهم واعترافهم بالحق جنات تجري من تحتها الأَنهار (خَالِدِينَ فِيهَا) أي ماكثين فيها أبدًا لا يحولون ولا يزولون ( وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ)(36) أَي في اتباعهم الحق وانقيادهم له حيث كان وأَيًا كان، ومع من كان. اهـ.
وممن صرح بأَن هذه الآيات لم يرد بها جميع النصارى الإمام البغوي في معالم التنزيل قال في قوله تعالى: (وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى): لم يرد به جميع النصارى لأَنهم في عداوتهم المسلمين كاليهود في قتلهم المسلمين وأَسرهم وتخريبهم بلاده وهدم مساجدهم وإحراق مصاحفهم لا ولا كرامة لهم بل الآية فيمن أَسلم منهم مثل النجاشي وأَصحابه. وحكى القول بأَن ذلك في جميع النصارى لما فيهم من اللين حكاه بصفة التمريض.
وأَما لعنة من لم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم من النصارى فلا يحصى ما جاء من الأَدلة القطعية، ومنها ما روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن عائشة رضي الله عنهما أَن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في مرضه الذي لم يقم منه: ((لَعنَ الله الْيهود والنَّصَارى اتَّخَذوا قبور أَنبِيائِهِم مساجِد)) وكيف لا يلعن من وصف الله قوله في كتابه إذ يقول: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)(37) وإذ يقول: (لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ)(38) إلى غير ذلك من النصوص المتضمنة لكفرياتهم وضلالاتهم، وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أَنه فسر الضالين في قوله تعالى: (اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ - صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ) بأَنهم النصارى.
وقال الإمام ابن أَبي حاتم في تفسيره: لا أَعلم بين المفسرين في هذا –أَي تفسير المغضوب عليهم باليهود والضالين بالنصارى- اختلافًا. اهـ.
ومن الآيات المصرحة بمصيرهم قوله تعالى آخر تلك الآيات التي ذكرها السائل: (وَالَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ)(39).
والخلاصة أَن الآيات لا تعني جميع النصارى بل إنما تعني طائفة منهم استجابت للحق بعدما عرفته ولم تستكبر عن اتباعه وأَن لعنة النصارى جائزة مثل لعنة اليهود. والله الموفق.
(من الفتاوي المذاعة) وهي الفتاوي التي طلبت الاذاعة جوابها.
-----------
(33) المائدة 82- 86.
(34) سورة آل عمران 199.
(35) سورة القصص 55.
(36) سورة المائدة 35.
(37) سورة المائدة 17.
(38) سورة المائدة 72.
(39) العنكبوت 86.
===================
آية إقرأ بسم ربك الذي خلق هي أول آية نزلت على رسول الله إذا لماذا لا نجدها في أول القرآن ؟
رحيم
الرد
بل الشبهة تكون إن كانت سورة العلق في أول المصحف وآخر ما نزل من القرآن الكريم في آخره.
فالإعجاز القرآني بالنظم هذا محله أصلاً..
تناسب الآيات والسور تناسباً بديعاً معجزاً، رغم أنها تنزلت متفرقة نجوماً على مدى 23 سنة.
ولو كان القرآن الكريم من تأليف سيدنا محمد لرتبه بحسب نزوله.
أرجو الاطلاع على كتب علوم القرآن التي بعنوان تناسب السور
وأشهرها كتاب السيوطي
د هشام عزمي
لأن آيات القرآن ليست مرتبة حسب النزول بل آياته وسوره موضوعة حسب ترتيبه في اللوح المحفوظ .. نقل السيوطي في الإتقان عن البغوي قوله : (( وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يلقن أصحابه ويعلمهم ما نزل عليه من القرآن على الترتيب الذي هو الآن في مصاحفنا ، بتوقيف جبريل إياه على ذلك ، وإعلامه عند نزول كل آية ، أن هذه الآية تكتب عقب آية كذا في سوره كذا ، فثبت أن سعي الصحابة كان في جمعه في موضع واحد لا في ترتيبه ، فإن القرآن مكتوب في اللوح المحفوظ على هذا الترتيب ، أنزله الله جملة إلى السماء الدنيا ، ثم كان ينزله مفرقًا عند الحاجة ، وترتيب النزول غير ترتيب التلاوة .(6/357)
وقال ابن الحصار : ترتيب السور ووضع الآيات مواضعها إنما كان بالوحي ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : "ضعوا آية كذا في موضع كذا" ، وقد حصل اليقين من النقل المتواتر بهذا الترتيب من تلاوة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومما أجمع الصحابة على وضعه هكذا في المصحف )) السيوطي ، الإتقان في علوم القرآن ج1 ص175-176 .
=============
ولاتجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن
الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم، وقولوا أمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون
الشبهه
بقلم : القمص مرقس عزيز خليل
كتب الأستاذ الفاضل والكاتب الجليل الدكتور زغلول النجار مقالا كبيرا مساحته صفحة كاملة بجريدة الأهرام الصادرة في 2001/4/23 بعنوان من الآيات الكونية في القرآن الكريم . وفي البداية يسرني ان أبعث الي سيادته بباقة من زهور الحب فهو عالم كبير غني عن التعريف . ونحن اخوان وان اختلفت ديانتانا . الم يعلن القرآن الكريم ولو شاء ربك لجعل الناس امة واحدة فاذا كانت تلك هي ارادة الله فليس هناك مبرر للاختلاف؟ بل يجب ان يكون الحب هو شعارنا .
لقد جاء بالقرآن الكريم : لتجدن اشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين اشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين امنوا الذين قالوا انا نصاري ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وانهم لايستكبرون ) وايضا ( واذ قال الله ياعيسي اني متوفيك ورافعك الي ومطهرك من الذين كفروا وجاهل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا الي يوم القيامة ) و ( اليوم احل لكم الطيبات وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم ) وأيضا ( انما المؤمنون اخوة ) و ( ياأيها الناس انا خلقناكم من ذكر وأنثي وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله أتقاكم )
وجاء بالكتاب المقدس عن المحبة ( كل من يبغض اخاه فهو قاتل نفس وأنتم تعلمون ان كل قاتل نفس ليس له حياة أبدية ) و ( اليس اب واحد لكلنا . أليس اله واحد خلقنا . فلم يغدر الرجل بأخيه؟ ) و ( البغضة تهيج الخصومات والمحبة تستر كل العيوب ) و ( احبوا اعداءكم باركوا لاعنيكم . احسنوا الي مبغضيكم وصلوا لأجل الذين يسيئون اليكم ) و ( أكلة من البقول حيث تكون المحبة خير من ثور معلوف ومعه بغضه ) و ( ياأولادي لانحب بالكلام ولا باللسان بل بالعمل والحق ) و ( عيشوا بالسلام .. اتبعوا السلام مع الجميع ) و ( من لايحب لايعرف الله لأن الله محبة ) و ( بالمحبة اخدموا بعضكم بعضا ).
ولكن عندي علي كاتبنا الموقر وعالمنا الجليل عتاب محبة حيث ذكر سيادته في افتتاحية مقاله مانصه ( تعرضت الكتب السماوية السابقة ( للقرآن الكريم ) كلها اما للضياع التام . أو للتحريف والتبديل والتغيير . ولذلك فالقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي يتعبد بتلاوته والذي لاتصلح الصلاة الا بقراءة فاتحته وعدد من آياته ..... الخ ) وليسمح لي كاتبنا الكبير ان أقول له من حقك ان تكتب ماتشاء عن القرآن الكريم وتصفه بأروع الأوصاف وتكتب عنه طوال حياتك ( أطال الله حياتك ) وتمتدحه بكل الصور مثلما افعل انا ايضا بالكتاب المقدس ولكن ليس حسنا ان تصل الي غايتك عن طريق الاساءة أو التجريح أو الاقلال من شأن الكتاب المقدس . لقد امضيت سنوات عديدة في دراسة مختلف الأديان واعلم تماما ان القرآن الكريم قد وصف كتابنا المقدس بأروع الأوصاف وسأوجز النزر القليل مما جاء به عن كتابنا المقدس .
أولا : شهادة القرآن الكريم لتنزيل التوراة ( العهد القديم ): سورة الأنعام : قل من انزل الكتاب الذي جاء به موسي نورا وهدي للناس وفي سورة الأنبياء :( ولقد آتينا موسي وهارون الفرقان وضياء وذكرا للمتقين ) وقد قال الرازي في تفسيره ( الفرقان اي الكتاب الجامع لكونه فارقا بين الحق والباطل وضياء يستضاء به من ظلمات الحيرة والجهالة وذكرا يتعظ به المتقون او ذكر مايحتاجون اليه من شرائع )
ثانيا : شهادة القرآن الكريم لتنزيل المزامير ( الزابور ):
سورة الأنبياء :( ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر ان الأرض يرثها عبادي الصالحون )
سورة الاسراء :( ولقد فضلنا بعض النبيين عن بعض وآتينا داود زبورا )
ثالثا : شهادة القرآن الكريم لتنزيل الانجيل :
سورة المائدة :( وليحكم اهل الانجيل بما انزل الله فيه )
في سورة الحديد :( ثم قفينا علي آثارهم برسلنا وقفينا بعيسي بن مريم وآتيناه الانجيل )
وفي سورة المائدة أوضح القرآن الكريم ان الانجيل موحي به للحواريين ( تلاميذ السيد المسيح )( وإد أوحيت إلي الحوار بين )
وفي سورة يس يعلن خروجهم للتبشير ( قالوا ربنا يعلم انا اليكم لمرسلون وما علينا الا البلاغ المبين )
رابعا : شهادة القرآن الكريم لتنزيل الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد
سورة الشوري :( وقل آمنت بما انزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم )
سورة آل عمران ( وأنزلنا التوراة والانجيل من قبل هدي للناس )(6/358)
سورة النحل :( وما أرسلنا من قبلك الا رجالا نوحي اليهم فاسألوا اهل الذكر ان كنتم لاتعلمون )
خامسا : وصف القرآن الكريم الكتاب المقدس بأوصاف رائعة مثل :
فيه هدي ونور ..( موعظة للمتقين )( سورة المائدة ) ـ ( الكتاب المستبين )( سورة الصافات ) ـ ( اماما ورحمة )( سورة هود ) ـ ( الكتاب المنير )( سورة آل عمران ) ـ ( تماما علي الذي احسن وتفصيلا لكل شئ وهدي ورحمة ) سورة الانعام ـ الذكر ( سورتي الأنبياء والحجر ) وقد اطلق هذا الاسم علي القرآن الكريم ايضا .
سادسا : يرفع القرآن الكريم الشك عن الكتاب المقدس فيقول :
في سورة السجدة ) ولقد آتينا موسي الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه )
سورة يونس ( فان كنت في شك مما أنزلنا اليك فاسال الذين يقرأون الكتاب من قبلك )
سورة الأعراف :( نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه )
سورة فاطر :( والذي أوحينا اليك من الكتاب هو الحق مصدقا لما بين يديه )
سورة النساء :( ياأيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما انزلنا مصدقا لما معكم )
سورة الانعام ( ولامبدل لكلمات الله )
سورة الكهف :( لامبدل لكلماته )
سورة الفتح :( ولن تجد لسنة الله تبديلا )
سورة يونس :( لاتبديل لكلمات الله )
سورة الحجر ( انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) وقد جاء في تفسير الجلالين ( انه يحفظ ماانزله من التبديل والتحريف أو الزيادة أو النقص )
ان القول بضياع الكتاب المقدس ( الكتب السابقة للقرآن الكريم ) أو تحريفها هو قول جارح لمشاعر الملايين من المسيحيين في العالم كله . ونحن لانقبل ان يسئ احد من المسيحيين الي الاسلام وأيضا لانقبل ان يسئ احد من المسلمين الي المسيحية . ومن يرد الحديث في هذه الموضوعات غير المقبولة فليكن ذلك في الكليات المتخصصة في دراسة الأديان المقارنة لقد اعلن السيد المسيح ان السماء والأرض تزولان وحرف من كتابنا المقدس لايزول . وتشهد لذلك الآثار المنتشرة في كل مكان وايضا المخطوطات الأثرية القديمة للكتاب المقدس والتي ترجع للقرون الأولي والتي تسبق مجيئ الاسلام وهي موجودة بوفرة في متاحف العالم ولاتختلف اطلاقا عن النسخ التي بين ايدينا . ليتنا نسعي الي التقارب وليس الي التباعد فنحن اخوان ومرة اخري أرسل باقة حب لكاتبنا الكبير .
الرد عليها
ردا على القمص مرقس عزيز خليل
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لاشريك له وأن محمداً عبده ورسوله وأن عيسى ابن مريم عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه. أما بعد:
هذه مناقشة سريعة لما كتبه القمص مرقس عزيز خليل في جريدة الأهرام (عدد 41778 في 25/4/2001) رداً على مقال الأستاذ الدكتور زغلول راغب النجار والذي نشرته الأهرام في 23/4/2001.
و أبدأ هذه المناقشة بالتأكيد على أن النقاش بين المسلمين والنصارى ليس جديدا بل يعود إلى بداية الرسالة المحمدية الخالدة، و القرآن الكريم وضع لنا أسس النقاش والمجادلة مع أهل الكتاب وهم اليهود والنصارى وذلك بقول الحق (تبارك وتعالى): "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلاّ بالتي هي أحسن إلاّ الذين ظلموا منهم، وقولوا أمنّا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون" (العنكبوت: 46).
حين بُعث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كان بعض العرب من النصارى الذين إتبعوا دعوة نبي الله عيسى بن مريم (عليه وعلى أمه السلام)، كما كانت للنصارى دول على أطراف ديار العرب و بالقرب منها كالشام ومصر والحبشة. لذلك كان إتصال المسلمين بالنصارى مبكرا جداً من أول تاريخ الدعوة الإسلامية، وبالذات في مصر التي كان يحكمها المقوقس الذي أرسل له رسول الله (صلى الله عليه وسلم) برسالة يدعوه فيها إلى الإسلام، فرد المقوقس رداً حسناً ولكنه لم يسلم، وأوصى الرسول الكريم بأهل مصر خيراً فقال: "إذا فتحتم مصرا فاستوصوا بالأقباط خيرا فإن لهم ذمة ورحما"؛ ولعل تطبيق هذه الوصية كان سبباً في دخول الكثيرين من نصارى مصر إلى دين الإسلام حتى غدت مصر، أرض الكنانة، دار الإسلام وحصنه الحصين.(6/359)
ومن حالات الإتصال المبكر بين المسلمين والنصارى هجرة المسلمين الأولى من مكة إلى الحبشة ونزولهم عند ملكها النجاشي. وكان النجاشي ملكاً كريماً عادلاً لايظلم عنده أحد، لذا أوصى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صحابته بالهجرة إليه. وعندما أرادت قريش إعادة المهاجرين إلى مكة، أرسلت إلى النجاشي إثنين من دهاتها ومعهما الهدايا له ولبطارقته، وعندما عجزا عن رشايته، رميا بأخر سهم في كنانتهما، فذكرا له ما يقوله المسلمون عن عيسى وأمه (عليهما السلام)، وذلك محاولة منهما لإثارة غضبه وغضب بطارقته على المهاجرين، ولكنه حين إستمع إلى ما قرأه عليه جعفر بن أبي طالب من سورة مريم بكى وبكت بطارقته، ثم قال النجاشي: "إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة". وهذه هي الحقيقة التي عرفها قيصرالروم ولكنه ضن بملكه الذي كان يتهدده إعلان إسلامه لجهل أمته، وتعصبهم الأعمى لدين لم ينزّل لهم ولم يفهموه.
ومحور رد القمص عزيز هو الإنكار على ما أورده الأستاذ الدكتور زغلول النجار في مقاله من حقيقة التحريف الذي طال الكتب السماوية السابقة للقرآن ومنها التوراة والزبور والإنجيل. وليس في ما ذكر إنكار لأصول تلك الكتب السماوية المقدسة، ولكنه إثبات لحقيقة أن الذي بقي منها بين أيدي الناس إلى اليوم محرف ويختلف عن الأصل الذي أنزل.
وقد أكثر القمص من إيراد آيات من القرآن الكريم يستدل بها على أن التوراة والزبور والإنجيل كتب منزلة من الله على رسله، ونحن المسلمين لانختلف معه في ذلك لأن التصديق بما أنزله الله من كتب ركن من أركان الإيمان، والإيمان كما عرفه رسول الله (صلّى الله عليه وسلم) هو: "أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله وباليوم الأخر وبالقدر خيره وشرّه"، إذ لايسع المسلم أن ينكر شيئاً من أصول الكتب المقدسة التي أنزلها الله (تعالى) على رسله، لأن إنكار أي منها يفضي إلى الكفر. ولكن محل الخلاف هو كون هذه الكتب إمّا فقدت بالكامل أو نالها الكثير من التحريف والتبديل الذي غير من أصلها السماوي، والناظر البصير في حال أصحاب هذه الكتب اليوم يرى أنهم ليسوا على شيء.
ونحن المسلمين كما نؤمن بحقيقة تنزيل كل من صحف إبراهيم وتوراة موسى وزبور داود و إنجيل عيسى (على نبينا وعليهم من الله السلام) وأن هذه وغيرها من الكتب السماوية قد أنزل من لدن رب العالمين، وأن هذ ثابت بنص كتاب الله وسنة نبيه محمد (صلى الله عليه وسلم)، فإننا نؤمن أيضا بضياع أصول تلك الكتب و تحريف ما بقي منها عن أصولها كالتحريف الذي طال الإنجيل من قبل أحباراليهود ورهبان النصارى، والإدلة على هذ التحريف مستفيضة من الكتاب والسنة والنظر الصحيح ويؤكد عليها الواقع الحالي الذي عليه حال النصارى اليوم، والأمر لايكلفك أكثر من أن تجلس قبالة جهاز التلفزيون وتتابع بعض البرامج الدينية التي تقدمها قنوات الكنائس والإرساليات الأمريكية والأوروبية لترى مقدار التباين في معتقداتهم، والتناقض في أقوالهم، فكل جماعة ترى الدين من منظار يختلف عن بقية الجماعات، وهذا نتيجة التحريف والتبديل الذي تعرض له إنجيل عيسى (عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام) أثناء نقله مشافهة عبر الأجيال حتى حين تدوينه، وما تعرض له بعد التدوين من حذف وإضافة وإلى مداخلات بشرية إختلط فيها الحق بالباطل، ثم تعرضت النسخ المكتوبة إلى مراجعات وإعادة تحرير دون توفر الأصل الذي يرجع إليه، فتداخلت الأهواء وتمايزت حتى أنتجت نسخا مختلفة تنسب الى الكتاب المقدس.
وتحريف كل من التوراة والإنجيل أخرجهما من إطارهما الرباني، وجعلهما عاجزين عن هداية البشرية، فأصبحت الرسالة التي يحملها كل منها لاتشبع نهم الباحث عن الحقيقة، وكثيراً ما نسأل المسلمين الجدد والذين كانوا يهودا أو نصارى قبل إسلامهم عن الداعي لترك دينهم والتحول إلى الإسلام فيقولون إنهم بحثوا عن الحق الذي تطمئن إليه نفوسهم فلم يجدوه إلاّ في الإسلام. فالغموض الذي يكتنف أصل الإعتقاد عندهم وما يتبعه من عبادات ومعاملات وأخلاق أوقعهم في حيرة شديدة وسبب لهم الكثير من القلق النفسي ما يضطرون معه الى اللجوء إلى رجال الدين علهم يجدون عندهم ما يشفي ما في نفوسهم، ولكن رجال الدين يعجزون عن إزالة الإلتباس لضياع الأصل الرباني الذي يرجعون إليه ويأخذون منه، فلو كان ماتحت أيديهم هو الكتاب الذي أنزله الله لتبين لهم الحق ولسلكوا سواء السبيل.(6/360)
ورد القمص يرتكز على الإستشهاد بالعديد من أيات القرآن الكريم و الإكثار من ذلك حتى أنه أنزل أيات على غير منزلها، وإستشهد بها في غير موضعها، وعنى بها غير مقصودها، وإيراده آيات القرآن الكريم بهذه الكثرة دلالة على أنه قرأ القرآن الكريم بل أكثر من المطالعة فية، ولكن يبدوا أنها مطالعة إنتقائية أخذ منها ما ظن أنه يؤيد رأيه وضرب صفحا عن كل ما سواه، ولو أنه قرأ القرآن بتجرد ورغبة في الحق لكان فيما يجده من الآيات مايغنيه عن الرد، أليس الله (تعالى) يقول في محكم كتابه : "لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثه، وما من إله إلاّ إله واحد، وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم" (المائدة: 73) ويقول سبحانه وتعالى : " لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح إبن مريم " (المائدة: 17 و72)، بل ألم يقرأ صاحب الرد قول الله (الأحد الصمد) : "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ءأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلاهين من دون الله، قال سبحانك ما يكون لى أن أقول ما ليس لي بحق، إن كنت قلته فقد علمته، تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علاّم الغيوب * ما قلت لهم إلاّ ما أمرتني به أن أعبدوا الله ربي وربكم، وكنت عليهم شهيداً ما دمت فيهم، فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم، وأنت على كل شيء شهيد" (المائدة: 116-117).
وإني لأعجب من إيراد القمص ذكر الأية (47) من سورة النساء والتي يقول فيها ربنا (تبارك وتعالى) : "يا أيها الذين أوتوا الكتاب آمنوا بما أنزلنا مصدقا لما معكم"، أليس الخطاب في هذه الآية الكريمة موجهاً له ولأمثاله من الذين أوتوا الكتاب؟ فما يمنعه من الإيمان بما أنزله الله في القرآن الكريم وهو الحق من ربهم؟
والذي ينظر في بعض الأناجيل يلحظ أنها تحوي على لسان الله (تبارك وتعالى) تعبيرات من مثل : " يا أولادي ويا أبنائي " وما يشابهها بأسلوب لايليق برب العالمين، وإذا علمنا أن الأنجيل لم يكتب إلاّ بعد أن رفع الله (تعالى) عيسى إليه بأكثر من ثمانين سنة على أقل تقدير ، أدركنا أن ما نجده في الأنجيل ونسخه المتعددة والمتباينه ما هو إلاّ توجيهات الحواريين ونصائحهم لأتباعهم وربما نصائح الأتباع ومن جاء بعدهم. والقرآن يقول: "إتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم وما أمروا إلاّ ليعبدوا إلاهاً واحداً لا إله إلاّ هو، سبحانه عما يشركون" (التوبة: 31).
وإني أسأل القمص مرقس عزيز: هل الإنجيل الذي عندهم محفوظ بلفظه ومعناه أم معناه دون لفظه أم العكس؟ وأسأله أيضاً عن مقدار الإختلاف بين نسخ الإنجيل المختلفة التي بين أيدي طوائف النصارى، وهى تتناقض في أحكامها وتتباين في معانيها؟ أم أن الفروق بينها معفي عنها ولاتحيل المعنى إلى سواه؟ هل من الممكن أن يقيم الدليل على ذلك؟ إذا لم يقم الدليل على إتفاق الأناجيل، فأيها يمكن أن يكون المعتمد؟ وهل يسلم النصارى بكافة طوائفهم لهذ الإنجيل المعتمد؟ بل هل تجتمع عليه طائفتان منهم؟
وحال النصارى ومقالهم يؤكد على التباين بين المتداول من نسخ الإنجيل و التناقض في أحكامها، فقد ذكرت دائرة المعارف البريطانيا في مقالها عن المسيحية والذي كتبه عدد كبير من قساوسة الدين المسيحي أن بين الأناجيل الأربعة المتداولة اليوم أكثر من ثمانين ألف تناقض، وأن تسمية المسيحية لم تكن معروفة على عهد المسيح (عليه السلام)، وإنما أدخلت في القرن الثاني والثالث من الميلاد. وأن القواعد الرئيسية للديانة المسيحية المعاصرة من مثل الخطيئة والكفارة، و الإدعاء الباطل بألوهية المسيح، وبألوهية أمه،وبالصلب، والتثليث ، وغير ذلك من العقائد المختلفة ، كل ذلك لم يكن معروفاً على عهد المسيح بل أدخله رجال الكنيسة في القرنين الثاني والثالث بعد الميلاد.
وما ثورة أوروبا على الدين ونبذها له إلا نتيجة طبيعية لإستبداد قوم منهم بإسم الدين وإستغلاله في مصالح خاصة أوجدت الشعور بالضيق والضيم عند عامة الناس ما ملأ نفوسهم حقدا على الدين ورغبة في التخلص منه ومن تبعاته، ولم يفوتوا الفرصة عندما سنحت فثارت ثائرتهم فنحّوا الدين جانبا، وانطلقوا من عقالهم، فأصبح واحدهم لايعرف معروفا ولا ينكر منكرا، والسبب الأصيل في ذلك هو التحريف الذي نال من الأديان السماوية التي أنزلت على كل من أنبياء الله موسى وداود وعيسى وما ألصق بها زورا وبهتانا.(6/361)
والحديث عن تحريف الإنجيل ليس فيه إساءة البته لمشاعر النصارى، بل فيه شحذ لأذهانهم، وإثارة لهممهم ليسلكوا السبيل الموصل للحق، السبيل الذي ينتهي بهم إلى رضوان الله وإلى جنة عرضها السموات والأرض. نحن المسلمون منهيون عن سب ما يعبده الأخرون أوإثارة مشاعرهم، ولكننا مأمورون بقول الحق وبيانه للناس كافة ودعوتهم إليه، فنحن المسلمون كما قال ربعي بن عامر: (إبتعثنا الله لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والأخرة)، والتاريخ يثبت أن الناس متى عرفوا حقيقة الإسلام تحولوا إليه وتركوا ما سواه، والمثال الأبرز في ذلك هو تحول الناس في مصر في بداية الفتح الإسلامي إلى الإسلام رغبة وحبا فيه بعد ما تبين لهم ما يدعوهم إليه وما يرغبهم فيه، وأن الصلة في الإسلام صلة مباشرة بين العبد وربه لاتحتاج إلى وسيط، وهذه غاية الحرية، فلا يحتاج الإنسان إذا إرتكب معصية أو أخطأ في حق نفسه إلى وسيط يهتك عنده أستاره، ويكشف له من أسراره ما يشعره بضعفه وقلة حيلته ودنو درجته بالنسبة لآخرين حتى وإن ألبسوا ذلك لباس الدين، أما الإسلام فيقرر حقيقة أن الناس سواسية لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى، والمذنب يكفيه أن يغلق بابه أو يصف قدميه في محرابه ويتوجه إلى الله (تعالى) في سره بالدعاء والإستغفار وصدق التوبة، وهو موعود بالصفح والغفران وتبديل السيئات حسنات، إن شاء الله (تعالى). وهذ هو الأصل في دين الله الذي أنزله على خاتم أنبيائه ورسله سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم)، كما أنزله على من سبقه من الأنبياء (عليهم السلام) فقال عز من قائل "إن الدين عند الله الإسلام، وما اختلف الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بأيات الله فإن الله سريع الحساب" (آل عمران: 19)، وعلى ذلك فإن التحريف الذي طال كلاً من اليهودية والنصرانية قد أوجد من يقطع طريق الناس إلى ربهم.
ما أوردته في هذه المناقشة ينطلق من إعتقادنا نحن المسلمين في عيسى (عليه السلام) وفي الإنجيل وفى الإنجيل الذى تلقاه من ربه وخالقه، وإني أدعو القمص مرقس عزيز مواصلة النقاش في هذه القضية الحساسة لعله أن يكتشف من دينه ما يجهله، أو يبين لنا ما يظن أننا نجهله، فالأصل في المرء أنه مؤتمن علي دينه وحريص على الذب عنه وتنقيته من كل شائبه، وليكن الحق رائدنا، وليست الغاية هي التنقص وإلقاء التهم، وقد قال الله (تعالى): "قل ياأهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألاّ نعبد إلاّ الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنّا مسلمون" (آل عمران: 64). أسأل الله (العلى القدير) أن ينير بصائرنا، وأن يرينا الحق حقاً ويرزقنا إتباعه، وأن يرينا الباطل باطلاً ويرزقنا اجتنابه، إنه وحده ولي ذلك والقادر عليه.
موقع الدكتور زغلول النجار
==================
تعقيب تغيير الجغرافيا في مقال د . زغلول النجار
بقلم : القس / رفعت فكري سعيد
طالعتنا جريدة الأهرام يوم الاثنين 20 فبراير 2006 بالمقال الأسبوعي للدكتور زغلول النجار من أسرار القرآن والذي تناول فيه سيادته بالشرح سورة الأعراف وأبرز في عنوان مقاله الآية 157 والتي تقول ( الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل ) ولو تناول الدكتور الفاضل القرآن بالشرح دون أن يتعرض لأي نص من نصوص من الكتاب المقدس لما لامه أحد ولكنه وفي صدر مقاله نشر صفحتين من الكتاب المقدس إحداهما باللغة العربية والأخري باللغة الإنجليزية للمزمور الرابع والثمانين وقد أشار سيادته تحديدا إلي الآيتين 6,5
( طوبي لأناس عزهم بك . طرق بيتك في قلوبهم عابرين في وادي البكاء يصيروا ينبوعا أيضا ببركات يغطون مورة ) وفي رشارته وضع الدكتور النجار دائرة حمراء حول كلمة البكاء وكتب فوقها باللون الأحمر وادي بكا كما وضع دائرة أخري حمراء علي الترجمة الإنجليزية حول كلمة Baca وكتب سيادته فوقها باللون الأحمر كلمة مكة وقال سيادته في متن مقاله ( من ركائز العقيدة الإسلامية في سورة الأعراف التسليم بأن النبي والرسول الخاتم ـ صلوات الله وسلامه عليه ـ مرسل من الله ـ تعالي ـ للناس جميعا وان ذكره الشريف قد جاء في كتب السابقين وان انكره الضالون عن الحق المحاربون لأهله )(6/362)
ومن الجدير بالذكر أنها ليست المرة الأولي التي يتعرض فيها الدكتور النجار للكتاب المقدس ولكنه في معظم مقالاته لايتورع أن يتهم الكتاب المقدس التحريف وقد تعرض في مقال سابق بجريدة الاهرام يوم 9 يناير 2006 لنفس الآيتين الواردتين بالمزمور المذكور فقال ما نصه ( ولكن في الترجمة إلي اللغة العربية ( نشر دار الكتاب المقدس في الشرق الأوسط ص 892) تم تحريف ( وادي بكة ) إلي ( وادي البكاء ) كما تم تحريف التعبير ( حج بيتك ) إلي ( طرق بيتك ) أي بيت الله ). وحيث أن الدكتور زغلول يتعرض لبعض نصوص الكتاب المقدس ويفسرها علي هواه أرجو أن يتسع صدره لهذه الملاحظات :-
أولا :- كنا نتمني أن يشرح الدكتور زغلول النجار القرآن ما شاء له الشرح وأن يتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن ما شاء له الحديث دون أن يتعرض لكتب الآخرين .
ثانيا : كان من المهم أن يفرق الدكتور زغلول بين التوراة والإنجيل والمزامير , فالتوراة كلمة لا تطلق إلا للدلالة علي أسفار موسي الخمسة , والإنجيل هو البشارة المفرحة التي تحكي لنا قصة حياة السيد المسيح وتعاليمه السامية ومعجزاته البينات . أما المزامير فهي ما يسمي بالزبور وهو ما كتب معظمه داود النبي بوحي من الله . والآيات التي تعرض لها الدكتور النجار لم ترد لا في التوراة ولا في الانجيل ولكنها وردت في المزامير .
ثالثا :- قال الدكتور النجار إن بكة هي مكة وإنه تم تحريف ( وادي بكة ) إلي ( وادي البكاء ) ولست أدري ما الذي جعل الدكتور الفاضل يحضر لنا إحدي الترجمات الإنجليزية لإثبات وجهة نظره وكان الأولي به أن يحضر النص العبري للمزمور حيث إنه يعلم تمام العلم أن معظم أسفار العهد القديم كتبت باللغة العبرية ولكنه خشي أن يحضر لنا النص العبري وذلك لأنه لن يجد فيه كلمة مكة التي أراد أن يقمحها علي الترجمة العربية بزعم أننا حرفنا كتابنا المقدس ووضعنا كلمة البكاء بدلا من بكة التي هي مكة من وجهة نظره !!!
رابعا :- كنا نتمني أن يتوخي الدكتور الجليل الدقة والأمانة العلمية فيما يكتب فبقليل من البحث كان سيعرف أن وادي بكة هو واد قاحل جاف به الكثير من أشجار البلسان التي لاتحتاج في نموها إلي رطوبة كثيرة وكانت تفرز مادة صمغية وكأنها الدموع لذلك سموها أشجار البكاء وقد ورد ذكرها في الكتاب المقدس في عدة مواضع منها صموئيل الثاني 5:23 وأخبار الايام الأول 14:15,14 ووادي بكة كان المرحلة الأخيرة في الرحلة من شمالي فلسطين إلي أورشليم . فما أيسر علي الدكتور النجار أن يغير الحرف باء ويجعله فيما لتكون الكلمة مكة بدلا من بكه ولكن هل يمكنه بهذه البساطة أن يغير الجغرافيا والتاريخ أيضا؟ !!
خامسا :- هناك علم يسمي بعلم تفسير الكتاب المقدس وهذا العلم به الكثير من الأسس والقواعد التي يجب اتباعها عند تفسير أي نص كتابي فهناك الخلفية التاريخية للنص وهناك السياق والقرينة وأسباب الكتابة وظروفها واللغة الأصلية المستخدمة في كتابة النص 00 كل هذه الأمور وغيرها لابد أن توضع في الاعتبار عند التفسير ومزمور 84 الذي تعرض له الدكتور النجار يصف سعادة القلب المشتاق للوجود في بيت الله ( هيكل أورشليم آنذاك ) فالحجاج اليهود وهم في طريق صعودهم إلي أورشليم كانوا يجوزون في ( وادي بكا ) ولكن إيمانهم كان يحول هذا الوادي إلي بركة وفي عبورهم ( تل مورة ) الذي يعني المرار فإنهم يغطونه بالبركات
فهذا هو معني كلمات المزمور وقت كتابته ولا تحمل الكلمات أية معان أخري .
سادسا :- علي الدكتور النجار أن يفسر القرآن كما يشاء سواء اتفق معه علماء الإسلام أو أختلفوا اما وأن يتعرض لأيات الكتاب المقدس ويفسرها علي هواه دون الرجوع إلي أهل الكتاب في وقت نحتاج فيه جميعا إلي التعاون والتكاتف ورأب الصدع كما أن احترام مقدسات الآخر الديني المغاير هو أمر هام يجب أن تحرص عليه جميع وسائل الإعلام وألا تتعرض بأي حال من الأحوال للمساس بها .
وختاما .. للأمانة نستطيع أن نقول من كل ماسبق إن النص الذي فسره حضرة العالم لايتحدث عن مكة لا من قريب ولا من بعيد وكنا نتمني من الدكتور الفاضل أن ينتهج المنهج العلمي وهو يتعرض لنص من الكتاب المقدس والأمانة العلمية هما رأس مال كل عالم جليل .
من المستفيد من محاولات تغيير الحقيقة ؟
بقلم :
الأستاذ الدكتور زغلول راغب محمد النجار
رئيس لجنة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية
بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية – مصر
قرأت في عدد الاثنين 27/2/2006 م من جريدة الأهرام الغراء تعقيبا من القس ( رفعت فكرى سعيد ) على مقالي المنشور في نفس الجريدة بعددها الصادر بتاريخ 20/2/2006م وللتوضيح أورد النقاط التالية :
1. نحن نعلم جيدا أن " مزامير " داود – عليه السلام – وترجمتها المحتواة في العهد القديم هي جزء لا يتجزأ منه ، ونحن معشر المسلمين نؤمن بصدق وحيها ، ولكن أين أصولها ؟(6/363)
2. إن الأسماء لا تترجم بل تنقل كما هي في جميع التراجم ، والاسم ( وادي بكة ) موجود في جميع تراجم العهد القديم بمختلف اللغات ماعدا بعض التراجم العربية – بما في ذلك اللغة العبرية التي ترجمت عنها وهو موجود برسمه العبري في قواميس كلمات العهد القديم ، ولست أدرى كيف تحول هذا الاسم في بعض التراجم من ( وادي بكة ) إلى (وادي البكاء ) والفارق بينهما أكبر من أن يغفل ؟ وعلى ذلك فلست أنا الذي غيرت الجغرافيا أو التاريخ ، ولكن هم الذين ترجموا العهد القديم إلى اللغة العربية .
3. لا يوجد واد اسمه (وادي البكاء ) في شمال فلسطين العربية المسلمة ، وهذه المنطقة من أكثر المناطق العربية مطرا ، ولا توجد بها أودية قاحلة وهى صفة وصف بها ( وادي بكة ) الذي يضم الكعبة المشرفة والذي يقول فيه ربنا – تبارك وتعالى - :
" إن أول بيت وضع للناس للذي ببكة مباركا وهدى للعالمين *" (سورة آل عمران :96 )
ويقول على لسان أبي الأنبياء إبراهيم – عليه السلام - :
" ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم ... * "
(سورة إبراهيم : 37 )
4. من ذلك يتضح أنني لم أغير اسم ( بكة ) إلى ( مكة ) لأني لا أملك ذلك الحق ولا يملكه أي إنسان لأن الاسمين مذكوران في القرآن الكريم الذي حفظه ربنا – تبارك وتعالى – بحفظه على مدى أربعة عشر قرنا في نفس لغة وحيه ( اللغة العربية ) دون أن يضاف إليه حرف واحد أو ينتقص منه حرف واحد .
5. إن تجربتي الواسعة في خدمة تفسير القرآن الكريم والتي تشهد لها مقالاتي بجريدة الأهرام ( وقد فاق عددها المائتين ) ، وعشرات الكتب والمجلدات المنشورة باللغات العربية ، والإنجليزية ، والفرنسية ، والألمانية ، والروسية ، والصينية ، وغيرها تؤكد لكل ذي بصيرة درايتي بضوابط التفسير للكتب المقدسة .
6. إن ( بيت الله) في النص المشار إليه في المزمور رقم (84) ليس بالقطع هو ما يسمى " بهيكل سليمان " ، لأن واضح أن النص يشير إلى ( الكعبة المشرفة ) بمكة المكرمة في ( وادي بكة ) ، فمن أين جاءت الإشارة إلى الهيكل المزعوم ؟
7. إن نص المزمور (84) يتحدث عن حج المؤمنين إلى بيت الله الذي هو في (وادي بكة ) ، ولا يتحدث عن اليهود بصفة محددة ، ومن الثابت عندنا أن جميع المؤمنين وفى مقدمتهم أنبياء الله جميعا من آدم إلى محمد ( صلى الله وسلم وبارك عليهم أجمعين ) قد حجوا بيت الله الحرام في مكة المكرمة (وادي بكة ) وأدوا فريضة الحج بكافة شعائرها تماما كما يؤديها مسلموا اليوم ، وإن قلوب جميع المؤمنين في كل زمان تهفوا إلى حج بيت الله .
8. في مقالي المشار إليه لم أقم بتفسير المزمور (84) ولكن أتيت بالنصين العربي ، والإنجليزي مصورين من نسختين للكتاب المقدس عندكم لأثبت لكم بالكلمة والصورة أن ترجمة النص ( The Valley of Bacca) لا يمكن أن تكون هي ( وادي البكاء ) لأن الأسماء لا تترجم ، فلماذا تغير الاسم في الترجمة العربية وحدها ؟ وما هي مبررات ذلك ؟ ومن يملك حق تغيير الجغرافيا والتاريخ والدين المنزل من الله تعالى ؟
9. ليست المناقشات العلمية الجادة المدعمة بالأدلة المنطقية الصحيحة هي التي تثير الفتن ، وتؤدى إلى حرق الوطن ، ولكن قلب الحقائق ، ومحاولة الانتصار للأخطاء بالتجاوزات غير اللائقة على الحق وأهله والتي تزايدت في الآونة الأخيرة بشكل مزعج من أمثال ما يتردد في قناة للموت تسمى خطأ باسم " قناة الحياة " وما يكتب بمجلة " الكتيبة الطيبة " وفى جريدة " وطني " ، وما جاء بالمسرحية الهزلية التافهة التي أجريت بإحدى كنائس الإسكندرية ، والأفلام الملفقة لرموز الإسلام والتي تعرض في عدد من دور مفروض أنها للعبادة ، والمؤتمرات بالداخل والخارج والتي يتم فيها التطاول بغير حق على الإسلام وكتابه ونبيه ورموزه وغير ذلك مما لا داعي له أبدا هو الذي يثير الفتن ، ويؤجج الكراهية بين أبناء شعب واحد عاشوا متحابين لأكثر من ألف وأربعمائة سنة .
10- وأود أن أؤكد هنا أنه إذا كان من حق المسلم مناقشة كل الكتب السابقة على بعثة الرسول الخاتم – صلى الله عليه وسلم – لإيماننا بأصولها ، وبالرسل الذين تلقوها والذين نجلهم ونوقرهم جميعا دون أدنى تفريق ، فإن هذا لا يعطى لغير المسلم الذي لا يؤمن بالقرآن الكريم ، ولا يبعثه خاتم الأنبياء والمرسلين – صلى الله عليه وسلم –
أي حق في مناقشة الإسلام أو التعرض لكتابة أو لنبيه أو حتى الاستشهاد بشيء من آيات القرآن الكريم الذي لا يؤمن بصدق وحيه .
11. من كل ما سبق يتضح بجلاء أن النص الذي استشهدت به في مقال الاثنين 20/2/2006م(6/364)
يشير بوضوح لا لبس فيه إلى أشرف بقاع الأرض وأقدسها عند رب العالمين وهى مكة المكرمة ( وادي بكة ) حيث يوجد بيت الله ( الكعبة المشرفة ) التي تشتاق قلوب الملايين من المؤمنين إلى الحج إليه . والله يقول الحق وهو يهدى إلى سواء السبيل وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا . ...
================
الرد على موقع نصرانى يشكك فى الاعجاز البلاغى فى القرآن فى بعض الآيات
نسال اي اعجاز في قول القرآن :"أنزل على عبده الكتاب , ولم يجعل له عوجا قيما"
والتركيب الصحيح هو : انزل على عبده الكتاب قيما , ولم يجعل له عوجا
الرد
قال تعالى((الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجاً قَيِّماً لِّيُنذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِّن لَّدُنْهُ وَيُبَشِّرَ المُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً)) 1-2 الكهف
فإن الصفة الأولى (لم يجعل له عوجا)) تعني نفي التناقض في أحكامه--- ولا خلل في كل ما ذكر فيه --- مستقيم في هديه
أما الصفة الثانية ( قيما)فهي تعني أنه سبب لهداية الآخرين--فهو قيم شفيق على مصالح الآنام---ولا تعني "قيما" الإستقامة---لأن نفي العوج في الصفة الآولى يعني الإستقامة والقرآن منزه عن التكرار
إن الصفة الآولى تدل على أن القرآن كامل في ذاته والثانية تدل على أنه مكمل لغيره وذكر كونه كاملا في ذاته مقدم على ذكر كونه مكملا لغيره فلا تقديم ولا تأخير هنا فسقطت بعون الله الشبهة الأولىـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واي اعجاز في فوله :" ارنا الله جهرة " والصحيح كما قال ابن عباس وابن جرير : (قالوا جهرة : ارنا الله )
فالآية بتمامها هي ((يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسَى أَكْبَرَ مِنْ ذَلِكَ فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ))النساء 153
ومثلها (( وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنظُرُونَ )) البقرة 55
وواضع الشبهة يريد أن يكون قول قوم موسى له جهارا"أرنا الله"---أعني أنه يقصد أن قوم موسى قالوا له بصوت جاهر واضح مسموع"أرنا الله" مع أن معنى الآية مختلف إذ هم يريدون رؤية الله جهارا لا سرا ولا رؤية قلبية---وشتان بين ما أراد قائل الشبهة وبين ما أراد القرآن والجهرة مصدر بوزن فَعلة من الجهر وهو الظهور الواضح فيستعمل في ظهور الذوات والأصوات حقيقة على قول الراغب إذ قال: «الجهر ظهور الشيء بإفراط إما بحاسة البصر نحو رأيته جهاراً ومنه جهر البئر إذا أظهر ماءها، وإما بحاسة السمع نحو:{ وإن تجهر بالقول }اذن سقطت الشبهة الثانية ....هيا نكمل .....
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونسال اي اعجاز في قوله :"افرايت من اتخذ الهه هواه " والصحيح هو :(من اتخذ هواه الهه) لأن من اتخذ الهه هواه فهو غير مذموم
والأية بتمامها {أَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ أَفَأَنتَ تَكُونُ عَلَيْهِ وَكِيلاً }الفرقان43وهذه شبهة لا يقول بها أحد له معرفة بسيطة باللغة العربية لأن المذموم هو الشخص الذي يتخذ من يهوى إلها له لا لأنه يستحق العبادة إنما فقط لأنه يهواه إن قائل الشبهة يقصد بقوله((لأن من اتخذ الهه هواه فهو غير مذموم )) أن المتخذ الهه هواه هو من كان عنده الله في مركز عاطفته ووجدانه وهواه لذلك نفى الذم عنه مع أن معنى الآية واضح---وهو أن هذا الشخص مذموم لأنه عبد من يهوى لا من يستحق العبادة ويجب أن يعلم أن " اتخذ " فعل يتخذ مفعولين يتحول أو يصير المفعول الأول إلى الحال الذي عليه الثاني---وهذا يعني أن إله هذا الشخص المذموم هو من يهوى لا من يستحق العبادة وبهذا المعنى قال إبن عاشور في التحرير والتنوير
((فقوله تعالى: { أرأيت من اتخذ إلهه هواه } إذا أجري على الترتيب كان معناه جعل إلهه الشيء الذي يهوى عبادته، أي ما يُحب أن يكون إلهاً له، أي لمجرد الشهوة لا لأن إلهه مستحق للإلهية، فالمعنى: من اتخذ رباً له محبوبه فإن الذين عبدوا الأصنام كانت شهوتهم في أن يعبدوها وليست لهم حجة على استحقاقها العبادة. فإطلاق { إلهه } على هذا الوجه إطلاق حقيقي))
وبذلك سقطت الشبهة الثالثةـ
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما الشبهة الرابعة فقال فيها ((ونسأل اي إعجاز في قوله : فضحكت فبشرناها , والصحيح هو فبشرناها فضحكت ))
أما الآية بتمامها فهي ((هود 71 وَامْرَأَتُهُ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ ))(6/365)
هو يريد أن يكون الضحك ناتج عن البشارة---وكأنه أراد أنها بشرت ففرحت فضحكت---فالضحك نجم عن سعادتها بما بشرت فيه لذلك قال هذا المشتبه "والصحيح هو فبشرناها فضحكت "
أما التفسير الصحيح فهو أن ضحكها كان لسبب آخر غير البشارة بإسحاق---فقد عظم سرورها فضحكت بسبب تطمين الملائكة لزوجها إبراهيم في قوله تعالى{ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ } وفي مثل حالة من كان خائفا فزال خوفه لا يستغرب منه الضحك سرورا
فلا تقديم ولا تأخير---فسقطت شبهته الرابعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أما شبهته الخامسة فهي قوله (( وأيضا أي أعجاز في قوله " لولا كلمة من ربك لكان لزاما زاجل مسمى " والصحيح هو :ولولا كلمة واجل مسمى لكان لزاما ))والآية بتمامها ((طه 129 وَلَوْلاَ كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى ))
وكما تلاحظون أن قائل الشبهة يذكر الآية محرفة---كما ذكر غيرها محرفا أيضا
والحقيقة أن التقدير هنا هو""لولا كلمة سبقت من ربك وأجل مسمى لكان لزاما"" ففيها تأخير لعبارة"وأجل مسمى" فهذا لا شك فيه أما لماذا جاء هذا التأخير فأنه لمراعاة نفس الفاصلة في كافة آيات هذه السورة
لاحظوا من بدايتها ((طه مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى تَنزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَوَاتِ العُلَى الرَّحْمَنُ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى))
لاحظوا وسط السورة ((فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتَى قَالَ لَهُم مُّوسَى وَيْلَكُمْ لاَ تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِباً فَيُسْحِتَكُم بِعَذَابٍ وَقَدْ خَابَ مَنِ افْتَرَى فَتَنَازَعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوَى قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ المُثْلَى فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفاًّ وَقَدْ أَفْلَحَ اليَوْمَ مَنِ اسْتَعْلَى)
لاحظوا ما حول الآية قيد الدراسة (( قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ اليَوْمَ تُنسَى وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ القُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَسَاكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لأُوْلِي النُّهَى وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَاماً وَأَجَلٌ مُّسَمًّى))
فما الأدعى للبلاغة---مراعاة نفس الفاصلة وهي الألف المقصورة الأصلية في نهاية كافة آيات السورة؟
أم قطع هذا التجانس بإدخال لازمة مختلفة فيم لوكان السياق"وأجل مسمى لكان لزاما"؟؟
أكيد أن البلاغة الأكمل تكون بمراعاة نفس الفاصلة ونفس التجانس ونفس الجرس --
وبذلك سقطت الشبهة الخامسة بعونه تعالى
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- وأين الاعجاز في قوله :"فلا تعجبك أموالهم ولا اولادهم و انما يريد الله ليعذبهم بها في
الحياة الدنيا " والصحيح :" لا تعجبك اموالهم ولا اولادهم في الحياة الدنيا , انما يريد الله ليعذبهم بها في الآخرة الرد أنه استشكل كيف يفصل بين الفعل ( تعجبك ) ومعموله ( في الحياة الدنيا ) فاصل طويل ( إنما يريد الله ليعذبهم بها )؟
وهذا ناشء من سوء فهم للآية. إذ المعنى الصحيح: فلا تعجبك يا محمد أموال الكفار ولا أولادهم، فلم يعطهم الله إياها إكراماً لهم، بل ذلك استدراج لهم، فالله تعالى يعذبهم بها في تحمل المشاق في تحصيلها وتجرع المصائب في الحفاظ عليها، ولا يزالون كذلك تلهيهم وتصدهم حتى يفجعهم الموت وهم على كفرهم.
وعليه فالجار والمجرور ( في الدنيا ) متعلق بفعل ( يعذبهم ). وعليه فلا تقديم ولا تأخير. والحمد لله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- وفي القرآن غرابات منها شبهة في مرجع الضمائر الى اصحابها , فيحتار المرء في المعنى المقصود مثلا في قوله : اليه يصعد الكلام الطيب , والعمل الصالح يرفعه.
فالضمير في " يرفعه " كقواعد لغة يجب ان يعود فيما عاد اليه ضمير "اليه " وهو الله , ولكن لا يستقيم المعنى الا بان يعود الى " الكلام الطيب"او الى " العمل الصالح " ولكنها احدى حزازير القرآن .
الرد أن المعنى ليس كما زعم، بل المعنى الصحيح: إلى الله يصعد الكلم الطيب. نقف، ثم نستأنف الكلام: والعمل الصالح يرفعه الله تعالى. وعليه فلا إشكال، ولله الحمد.(6/366)
وفسر بعض أهل العلم الآية بأن المعنى أن الكلم الطيب يرفع العمل الصالح فلا إشكال كذلك، لأن ضمير الفاعل المستتر في ( يرفعه ) يعود على ( الكلم الطيب ) وضمير النصب يعود على ( العمل الصالح ). فيكون المعنى الكلم الطيب ( قول لا إله إلا الله ) يرفع العمل الصالح، لأن العمل من غير توحيد لا يقبل.
وقول ثالث أن المعنى أن العمل الصالح يرفع الكلم الطيب، ولا إشكال كذلك. لأن القول بلا عمل زعم كاذب، وإنما يصدق
المرء إن صدق قوله عمله. وهذا المعنى بناء على أن الضمير المستتر في يرفعه عائد على ( العمل الصالح ) وأن الهاء عائدة على ( الكلم الطيب ).
وهذان القولان اختلفا في عود الضميرين: ضمير الرفع وضمير النصب. فهل هذا يمدح به القرآن أم يذم؟ بل هذا من أوجه جمعه للكلم، حيث يدل على المعاني الكثيرة بألفاظ قليلة، وذلك لأن الضمير يدخل في باب المشترك اللفظي، وعند عدم القرينة يجب حمله على كل المعاني ما لم تكن معارضة، ولا تعارض بينها هنا، فيكون كل المعاني مقصودة لله تعالى مرادة، وليس الشأن كما زعم هذا الفاهم خطأاً أن الله تعالى دل على مراده لكن بإيهام غيره. لا وكلا، بل كلام ربنا واضح جلي.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
واما قوله "ولا تستفت فيهم منهم أحدا" فأرجاع الضمائر لأصحابها فيها الكثير من الخلط
فهل كل هذا الخلط فيه من الأعجاز شيء؟؟!!! وهل هو جائز في اللغة والمنطق؟؟!!!
الرد سبب هذا الاستشكال هو قلة فهم المستشكل، لأن الضمير في ( فيهم ) يعود على المسؤول عنهم، وهم أصحاب الكهف، والضمير في ( منهم ) يعود على المسؤول وهم الكفار المتقولون. ويمتنع أن يكون غير هذا. وعليه فلا إشكال في الآية، لكن في فهم القارئ هداه الله. بقي ما الحكمة من إضماره الاثنين ولم يصرح بأي منهما؟ ذلك لأنه أخصر مع كونه غير ملتبس، فكان أولى. والحمد لله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومن غرابات القرآن مثلا في قوله " هو الله أحد , الله الصمد"لماذا جاءت لفظة " أحد " في صيغة النكرة
و"الصمد " جاءت في صيغة المعرفة ؟!!
الرد أن الاستشكال نشأ من جهل بأسباب التنكير والتعريف عند العرب. فهنا قد نكر الله تعالى لفظة ( أحد ) لأن تعريفها لا يزيدها شيئاً إلا كثرة الحروف، إذ ليس واحد لا شفع له إلا الله تعالى، كما قال تعالى: ( ليس كمثله شيء ) وقال تعالى: ( فلا تضربوا لله الأمثال ) وقال تعالى: ( ولله المثل الأعلى ). ولو عرفت ( أحد ) لتوهم متوهم أن ثم واحد غيره، وأن التعريف هنا لتحديد أيهم هو المراد، وهذا باطل قطعاً. لذا وذاك كان مقتضى الحكمة البالغة التنكير.
أما الصمد فهو المقصود في الحوائج. ومعلوم أن الإنسان في حوائجه يقصد من كان قادراً من البشر ويقصد المشركون آلهتهم إلى غير ذلك، فجاء التعريف ليبين أي المقصودين هو المراد. ولا يمتنع أن تكون ( أل ) هنا للاستغراق، أعني لاستغراق الصفات، فيكون الصمد الذي اكتمل فيه القدرة على الإجابة، كما تقول: فلان الرجل أي الذي اكتمل فيه صفات الرجال. ولا يمتنع كذلك أن تكون ( أل ) هنا للعهد الذهني، أي الصمد الذي هو وحده مستحق لأن يصمد إليه الخلق لا أي صمد.
وبهذا تتهافت الشبهة ولله الحمد.
ولماذا اجاز القرآن التأنيث في مكان ولم يجزه في مكان آخر, فمثلا في قوله :"أعجاز نخل خاوية " ثم يقول في مكان آخر :"واعجاز نخل منقعر "
الرد أن هذا الاستشكال ناشئ من الجهل بما يجوز تأنيثه وتذكيره وما يجب تذكيره أو تأنيثه. فكلمة ( أعجاز ) جمع لغير عاقل، فيجوز تذكيره باعتبار معنى أن آحاده مذكرة ( عجز ) ويجوز تأنيثه باعتبار أن لفظه مؤنث. فهذا مما يجوز فيه الوجهان، وعليه فكلاهما صواب تستعمله العرب.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
, وفي قوله " السماء منفطر " وفي مكان آخر : اذا انفطرت السماء , والى ما هنالك من غرائب كثيرة في القرآن
والرد مثل الرد السابق. فكلمة السماء مما يذكر ويؤنث. قال بعض العلماء لأن مجازها السقف وهو مذكر، فتؤنث باعتبار الحقيقة وتذكر باعتبار المجاز. وقال بعضهم هو من باب الجراد والشجر والأعجاز كما مر. وقال بعضهم هو من باب قول العرب: ( امرأة مرضع ) أي ذات إرضاع، فيكون المعنى: ( السماء ذات انفطار ). فالحاصل أن جواز التذكير والتأنيث ثابت، لكن في سببه أقوال، ولا يبعد صحتها جميعاً، إذ لا يمتنع أن تجتمع الأسباب الكثيرة على نتيجة واحدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
- ثم ايضا ايهما اصح في الاعجاز ؟!
قوله : " ادخلوا الباب سجدا وقولوا : حطة " اما قوله : " قولوا حطة , وادخلوا الباب سجدا " ؟؟!!!-(6/367)
الرد أن الواو لا تقتضي ترتيباً، وإنما هي لمطلق الجمع. وعليه فكل صحيح فصيح إذ لا اختلاف في المعنى بينهما. ألا ترى أنك تقول: ( جاء محمد وخالد ) وأقول: ( جاء خالد ومحمد ) ولا يكون لكلامنا أحدنا على صاحبه فضل. فتسقط الشبهة ولله الحمد
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله :" ما أهل به لغير الله " ام قوله :" ما أهل لغير الله به "؟؟؟!!
الرد أن كلاً من حرفي الجر الباء واللام متعلق بالفعل ( أهل ). وكل منهما جائز التقديم والتأخير، وعليه يكون الرد كما سبق: أمران جائزان، ولا إشكال.
لكن هنا يزاد أن الآية التي فيها تقديم الباء فيها مزيد اهتمام بحكم ما ذبح على النصب، والآيات التي فيها تقديم اللام فيها مزيد اهتمام بحكم التوحيد والذبح لغير الله. فتحصل أن للفعل جهتين: جهة أنه غير مذكى الذكاة الشرعية، وجهة أنه شرك بالله تعالى. فكان في تقديم هذا مرة وهذا مرة معنىً لم يكن ليوجد لو كان أحدهما قدم دائماً،ولله الحمد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله :" ولن تمسنا النار اياما معدودة " ام قوله :"اياما معدودات" ؟؟!!!
.... معدودة أم معدودات
الرد أن منشأ استشكاله هنا الجهل بأساليب العرب في الجمع. فكلمة أيام يجوز وصفها بصيغة المفرد: ( أياماً معدودة ) باعتبار المعنى أنها مدة واحدة، ويجوز وصفها بصيغة الجمع: ( أياماً معدودات ) باعتبار اللفظ أنها جمع يوم. كما تقول:أيام الإجازة قصيرة، وأيام الاختبارات طوال.
ولكل معنىً مطلوب إثباته، فالأول المفرد يفيد أن هذه الأيام تنقضي بزعمهم كثرت أو قلت. والثاني يفيد أن الأيام قليلة، إذ جمع المؤنت السالم جمع قلة. فكان في تغيير اللفظ زيادة معنى، وهذا مقتضى الحكمة والبلاغة، ولله الحمد.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله :"ان هدى الله هو هدى " ام قوله :" ان الهدى هدى الله " ؟؟!!!!
تحريف من الموقع فى الأيات ......
فالأية تقول : ( ُ إِنَّ هُدَى اللّهِ هُوَ الْهُدى) وليس (ان هدى الله هو هدى )
والان الى الرد على هذه الشبهة ...
الرد أن منشأ إستشكاله عدم تدبر الفرق بين الجملتين. ففي الأولى يخبر سبحانه وتعالى عن هدى الله الذي رضيه لعباده أنه هو الهدى الحق الذي ما عداه كان باطلاً، فالمراد حصر الهدى الحق في هدى الله. وفي الثانية يخبر سبحانه وتعالى أن الهدى الحق الذي من عداه كان مبطلاً هو هدى الله الذي رضيه لعباده، بعكس الأولى، فيكون المراد حصر هدى الله تعالى في الهدى الحق. والفرق بينهما أن الأولى منع كون غير دين الإسلام دين حق، والثانية تطهير وتنزيه لدين الإسلام أن يكون غير حق. ففي كل منهما معنىً زائد على الآخر، وكل منهما مناسب للسياق الذي ذكر فيه.
فالأولى في قوله تعالى: ( ولن ترضى عنك اليهود والنصارى حتى تتبع ملتهم قل إن هدى الله هو الهدى ولئن اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير ) وفي قوله تعالى: ( قل أندعوا من دون الله ما لا ينفعنا ولا يضرنا ونرد على أعقابنا بعد إذ هدانا الله كالذي استهوته الشياطين في الأرض حيران له أصحاب يدعونه إلى الهدى ائتنا قل إن هدى الله هو الهدى وأمرنا لنسلم لرب العالمين ). فالسياق في الآيتين في ذكر من ضل الطريق الصواب وأراد استزلال غيره إلى الباطل، فكان الكلام عن طريق الحق: ما هو؟ فأجاب سبحانه عن ذلك بما يناسبه، وهو أن يحصر دين الحق الذي يطلبه الإنسان ويبحث عنه في الإسلام.
والثانية في قوله تعالى: ( وقالت طائفة من أهل الكتاب آمنوا بالذي أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون. ولا تؤمنوا إلا لمن تبع دينكم قل إن الهدى هدى الله أن يؤتى أحد مثلما أوتيتم أو يحاجوكم عند ربكم قل إن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم ). فالسياق في ذكر كلام اليهود الذين يريدون أن يصدوا عن سبيل الله تعالى بأن يخادعوا المؤمنين بادعاء أنهم آمنوا بالإسلام ثم ارتدوا عنه لخلل رأوه فيه، ثم كلامهم في العناد في البقاء على دينهم حتى لو كان أحد أوتي من العلم والفضل مثل ما أوتوا، فالكلام عن الهدى: يريدون أن يردوا المهتدين إلى الكفر وأن يصروا هم على الكفر ولا يتبعوا الهدى، فناسب أن يذكرهم الله تعالى أن الهدى والضلال ليس مما يملكون، بل هو لله تعالى، فقال سبحانه: ( إن الهدى ) الذي تتكلمون عنه ( هدى الله ) لا يملكه غيره. فدين الإسلام الذي رضيه الله تعالى ليس فيه باطل تشنعون به عليه عند الناس، وفيه من الفضل والعلم مثل ما عندكم، فوجب اتباعه.
والحمد لله رب العالمين
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــــ
. قوله :"...... وما انزل الينا " ام قوله :".....وما انزل علينا"؟؟؟!!!(6/368)
والرد أن الاستشكال من عدم فهم دلالات حروف المعاني. ذلك أن ( إلى ) تفيد انتهاء الغاية وأن ( على ) تفيد العلو. فتكون الأولى مفيدة أنا متعبدون
بهذا الشرع المنزل، والثانية مفيدة أن مصدر هذا الشرع هو الله تعالى لا غيره. فكان لكل فائدة زائدة، ولله الحكمة البالغة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
قوله :"ولا تقتلوا اولادكم من املاق " ام قوله :".....خشية أملاق "؟؟!!!
والرد أن كلاً من الآيتين يحمل من المعنى ما لا تحمله الأخرى. فالآية الأولى تتكلم عن الذي يقتل أولاده بسبب فقر واقع به، لذا قال بعدها سبحانه وتعالى: ( نحن نرزقكم وإياهم ) فتكلم عن رزق الوالدين أولاً لما هم فيه الآن من فقر. والآية الثانية تتكلم عن الذي يقتلهم بسبب خوفه من فقر قد يحدث له عند زيادة عياله، لذا قال سبحانه وتعالى بعدها: ( نحن نرزقهم وإياكم ) فتكلم عن رزق العيال أولاً لأن سبب القتل الخوف على أن لا يجدوا لهم ما يطعمون. والله أعلم، وله الحمد
فتبين أن التنويع في الألفاظ كان لتنويع في المعاني، ولله الحكمة البالغة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وآخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين .
المصدر :شبكة الفصيح لعلوم اللغة العربية. ... ... ...
===================
شبهة : التكرار فى القصص القرآنى
بسم الله الرحمن الرحيم
يعرف علماء البلاغة (الإيجاز) بأنه التعبير عن المراد بلفظ غير زائد، ويقابله (الإطناب) ؛ وهو التعبير عن المراد بلفظ أزيد من الأول. ويكاد يجمع الجمهور على أن الإيجاز، والاختصار بمعنى واحد؛ ولكنهم يفرقون بين الإطناب، والإسهاب بأن الأول تطويل لفائدة، وأن الثاني تطويل لفائدة، أو غير فائدة.
ومن بديع الإيجاز قول الله تعالى في وصف خمر الجنة : ?لا يصدَّعون عنها ولا ينزفون? [الواقعة:19] . فقد جمع عيوب خمر الدنيا من الصداع، وعدم العقل، وذهاب المال، ونفاد الشراب، ثم نفى ذلك كله بـ(لا).
ومن بديع الإطناب قوله تعالى على لسان يوسف عليه السلام : ?وما أبرىء نفسي إن النفس لأمارة بالسوء? [ يوسف:53]. ففي قوله: ?وما أبرىء نفسي? تحيير للمخاطب، وتردد في أنه كيف لا يبرىء نفسه؛ وهي بريئة، قد ثبت عصمتها ! ثم جاء الجواب عن ذلك بقوله: ?إن النفس لأمارة بالسوء?.
ومن الآيات البديعة، التي جمعت بين الإيجاز، والإطناب، في أسلوب رفيع، قول الله تعالى : ? قالت نملة يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده وهم لا يشعرون? [النمل:18].
أما الإطناب فنلحظه في قول هذه النملة : ? يا أيها?، وقولها:?وهم لا يشعرون?. أما قولها:?يا أيها? فقال سيبويه : " الألف والهاء لحقت(أيًّا) توكيدًا؛ فكأنك كررت (يا) مرتين، وصار الاسم تنبيهًا ". وقال الزمخشري : " كرر النداء في القرآن بـ(ياأيها) دون غيره؛ لأن فيه أوجهًا من التأكيد، وأسبابًا من المبالغة؛ منها: ما في (يا) من التأكيد، والتنبيه، وما في (ها) من التنبيه، وما في التدرُّج من الإبهام في (أيّ) إلى التوضيح. والمقام يناسبه المبالغة، والتأكيد ".
وأما قولها : ?وهم لا يشعرون? فهو تكميل لما قبله، جيء به، لرفع توهم غيره. ويسمَّى ذلك عند علماء البلاغة، والبيان: احتراسًا، وذلك من نسبة الظلم إلى سليمان- عليه السلام- وكأن هذه النملة عرفت أن الأنبياء معصومون، فلا يقع منهم خطأ إلا على سبيل السهو. وفي ذلك قال الفخر الرازي : " وهذا تنبيه عظيم على وجوب الجزم بعصمة الأنبياء- عليهم السلام ". ومثل ذلك قوله تعالى:? فتصيبكم منهم معرة من غير علم?[الفتح:25]. أي: تصيبكم جناية كجناية العَرِّ؛ وهو الجرب.
وأما الإيجاز فنلحظه فيما جمعت هذه النملة في قولها من أجناس الكلام0 فقد جمعت أحد عشر جنسًا: النداء، والكناية، والتنبيه، والتسمية، والأمر، والقصص، والتحذير، والتخصيص، والتعميم، والإشارة، والعذر. فالنداء: (يا). والكناية: (أيُّ). والتنبيه: (ها). والتسمية: (النمل). والأمر: (ادخلوا). والقصص: (مساكنكم). والتحذير: (لا يحطمنكم). والتخصيص: (سليمان). والتعميم: (جنوده). والإشارة: (هم). والعذر: (لا يشعرون).
فأدَّت هذه النملة بذلك خمسة حقوق: حق الله تعالى، وحق رسوله، وحقها، وحق رعيتها، وحق الجنود.
فأما حق الله تعالى فإنها استُرعيت على النمل، فقامت بحقهم. وأما حق سليمان- عليه السلام- فقد نبَّهته على النمل. وأما حقها فهو إسقاطها حق الله تعالى عن الجنود في نصحهم. وأما حق الرعية فهو نصحها لهم؛ ليدخلوا مساكنهم. وأما حق الجنود فهو إعلامها إياهم، وجميع الخلق، أن من استرعاه الله تعالى رعيَّة، وجب عليه حفظها، والذبِّ عنها، وهو داخل في الخبر المشهور : " كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته ". هذا من جهة المعنى.(6/369)
وأما من جهة المبنى(اللفظ) فإن كلمة (نملة) من الكلمات التي يجوز فيها أن تكون مؤنثة، وأن تكون مذكرة؛ وإنما أنث لفظها للفرق بين الواحد، والجمع من هذا الجنس. ألا ترى إلى قوله عليه الصلاة والسلام : " لا تضحي بعوراء، ولا عجفاء، ولا عمياء " كيف أخرج هذه الصفات على اللفظ مؤنثة، ولا يعني الإناث من الأنعام خاصة!
وأما تنكير(نملة) ففيه دلالة على البعضيَّة، والعموم. أي: قالت نملة من هذا النمل. وهذا يعني أن كل نملة مسئولة عن جماعة النمل.
وأما قولها : ?ادخلوا مساكنكم? ففيه إيجاز بالحذف بليغ ؛ لأن أصله: ادخلوا في مساكنكم، فحذف منه(في) تنبيهًا على السرعة في الدخول.. ومن الفوائد البديعة، التي لا يتنبَّه إليها الكثيرون: أنك إذا قلت: (دخلت) فإنك تعني بذلك انتقالك من بسيط من الأرض، ومنكشفها إلى ما كان منها غير بسيط، منكشف. فإذا كان المنقول إليه مكانًا غير مختصٍّ، وجب إدخال(في) قبله. وإذا كان مكانًا مختصًّا، جاز إدخال (في) قبله، وجاز إسقاطها. وإسقاطها أبلغ من إدخالها للفائدة التي ذكرناها. وعلى هذا تقول: دخلت في البيت، ودخلت البيت.. ومن دخولها قبل المكان غير المختص قوله تعالى : ?وأدخلني في عبادك الصالحين?[ النمل:19]00 وقد اجتمع ذكرها، وحذفها في قول الله تعالى : ?يا أيتها النفس المطمئنة* ارجعي إلى ربك راضية مرضية* فادخلي في عبادي* وادخلي جنتي?[الفجر:27-30].
وأما قولها : ?لا يحْطمَنَّكم? ، بنون مشددة، أو خفيفة، فظاهره النفيُ؛ ولكن معناه على النهي. والنهيُ إذا جاء على صورة النفي، كان أبلغ من النهي الصريح. وفيه تنبيه على أن من يسير في الطريق، لا يلزمه التحرُّز؛ وإنما يلزم من كان في الطريق.. ثم إن في التعبير بـ(يحطمنكم)، دون غيره من الألفاظ، دلالة دقيقة على المعنى المراد، لا يمكن لأيِّ لفظ أن يعبِّر عنه. ويبيِّن ذلك أن (الحطم)- في اللغة- هو الهشْم، مع اختصاصه بما هو يابس، أو ضعيف.
وبعد.. فقد أدركت هذه النملة الضعيفة فخامة ملك سليمان، وأحسَّت بصوت جنوده قبل وصولهم إلى وادي النمل، فنادت قومها، وأمرتهم بالدخول في مساكنهم أمر من يعقل، وصدر من النمل الامتثال لأمرها، فأتت بأحسن ما يمكن أن يؤتى به في قولها من الحكم، وأغربه، وأفصحه، وأجمعه للمعاني. وروي عن سليمان- عليه السلام- أنه قال لها بعد أن تبسم ضاحكًا من قولها: لم قلت للنمل:?ادخلوا مساكنكم?؟ أخفت عليهم من ظلمنا؟! فقالت: لا، ولكن خفت أن يفتتنوا بما يرَوْا من ملكك، فيشغلهم ذلك عن طاعة الله!
بقي أن تعلم أن النمل- على ضعفه- مخلوق قويُّ الحسِّ، شمَّامٌ جدًّا، يدَّخر القوت، ويشق الحبة من القمح قطعتين؛ لئلا تنبت، ويشق الحبة من الكزبرة أربع قطع؛ لأنها إذا قطعت قطعتين أنبتت، وتأكل في عامها بعض ما تجمع، وتدخر الباقي عدة أعوام.
فتأمل حكمة الله تعالى في أضعف خلقه، وردِّدْ مع سليمان- عليه السلام- قوله : ?رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وأن أعمل صالحًا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين?.. اللهم آمين، والحمد لله رب العالمين!
كتب الشيخ محمد قطب عن هذا الموضوع في أحد مقالاته :
أشرت من قبل فى كتاب ((دراسات قرآنية)) إلى ما يطلق عليه ظاهرة التكرار فى القرآن0 وقلت إن القرآن نادر جدا فى القرآن الكريم لا يتجاوز آيات معدودة جاءت بنصها فى أكثر من سورة0 ولكن الظاهرة الحقيقية ليست هى التكرار إنما هى التشابه الذى يؤدى إلى التنوع، وقلت إنها كثمار الجنة تبدو لأول وهلة أنها هى هى، ولكنها عند المذاق يتبين الفرق بينها وبين ما كان من قبل : (كلما رزقوا منها من ثمرة رزقاً قالوا هذا الذى رزقنا من قبل وأتوا به متشابهاً) (البقرة) .
وهذا التشابه الذى يؤدى إلى التنويع هو ذاته لون من الإعجاز0 فالموضوع الواحد يعرض مرارا، ولكنه يعرض فى كل مرة مختلفا عما سبقه نوعا من الاختلاف، فيكون جديدا فى كل مرة، ويكون- مع التلاوة المستمرة للقرآن- متجددا على الدوام0
- وقد يكون الاختلاف فى حرف واحد، ولكنه يغير الصورة!
خذ هذا النموذج:
( وإذ نجيناكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم)) (البقرة)
((وإذ قال موسى لقومه اذكروا نعمة الله عليكم إذ أنجاكم من آل فرعون يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم وفى ذلكم بلاء من ربكم عظيم)) (ابراهيم)(6/370)
هناك نوعان من الاختلاف بين الآيتين – وإن كان موضوعهما واحدا – فالآية الأولى خطاب من الله تبارك وتعالى إلى بنى إسرائيل يذكرهم بنعمه عليهم، ويمن عليهم بأنه نجاهم من آل فرعون الذين يسومونهم سوء العذاب، والثانية خطاب من موسى عليه السلام إلى قومه يذكرهم بنعم الله عليهم، ويذكرهم بالذات بتلك النعمة الكبرى، وهى تنجيتهم من آل فرعون الذين يسومونهم سوء العذاب، بالإضافة إلى التغيير فى صيغة الفعل: نجيناكم وأنجاكم، أحدهما متعد بالتضعييف والآخر متعد بالهمزة، وأحدهما بضمير المتكلم والثانى بضمير الغائب .
ولكن انظر إلى الجزء الخاص بالعذاب الذى كان يوقعه آل فرعون ببنى إسرائيل. إن فيه اختلافا بين الآيتين يحدث تغييرا فى الصورة :
((يسومونكم سوء العذاب يذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم))
((يسومونكم سوء العذاب ويذبحون أبناءكم ويستحيون نساءكم))
إن الفارق بين العبارتين حرف واحد، هو الواو التى جاءت فى الآية الثانية قبل كلمة ((يذبحون))، ولكن انظر كم أحدث الحرف الواحد من الاختلاف بين الصورتين!
فى الصورة الأولى ينحصر العذاب فى قتل الأولاد واستحياء النساء، وفى الثانية يصبح هذا الأمر واحدا فقط من ألوان العذاب التى تصب على بنى إسرائيل، وإن كان السياق يوحى بأنه من أبرزها، وأشدها وأخبثها. إذ أجمل ((سوء العذاب)) وفصل ((قتل الأولاد واستحياء النساء))0
ذلك مجرد نموذج ينفى خاطر ((التكرار)) الذى يتوهمه قارئ القرآن لأول وهلة، ويبرز بدلا منه ظاهرة ((التشابه)) التى تؤدى إلى التنويع، والتى تشبه ثمار الجنة الموصوفة فى القرآن الكريم0
و للحديث بقية ...
باسم الله نتابع :
فإذا تدبرنا مجالين بالذات يوهمان بالتكرار للوهلة الأولى، بينما حقيقتهما التشابه وليس التكرار، فذانك هما قصص الأنبياء مع أقوامهم، وصور النعيم والعذاب فى اليوم الآخر، وهما من أكثر الموضوعات ورودا فى القرآن الكريم، ولكن بشكل مختلف فى كل مرة، وذلك – فى ذاته – كما أشرنا من قبل لون من الإعجاز، لا يرد بهذه الصورة فى كلام البشر المحدودى القدرة فى مجال التعبير .
خذ هذا النموذج من قصة نوح فى ثلاث سور من سور القرآن .
- من سورة هود :
((ولقد أرسلنا نوحاً إلى قومه إنى لكم نذير مبين(25) أن لا تعبدوا إلا الله إنى أخاف عليكم عذاب يوم أليم(26) فقال الملأ الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نراك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادى الرأى وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كاذبين(27) قال يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتانى رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون(28) ويا قوم لا أسألكم عليه ما لا إن أجرى إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقوا ربهم ولكنى أراكم قوما تجهلون(29) ويا قوم من ينصرنى من الله إن طردتهم أفلا تذكرون(30) ولا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إنى ملك ولا أقول للذين تزدرى أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما فى أنفسهم إنى إذا لمن الظالمين(31) قالوا يا نوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين(32) قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين(33) ولا ينفعكم نصحى إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وغليه ترجعون(34) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلى إجرامى وأنا برئ مما تجرمون(35) وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون(36) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبنى فى الذين ظلموا إنهم مغرقون(37) ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون(38) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم(39) حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل(40) وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرساها إن ربى لغفور رحيم(41) وهى تجرى بهم فى موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان فى معزل يا بنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين(42) قال سآوى إلى جبل يعصمنى من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين(43) وقيل يا أرض ابلعى ماءك ويا سماء أقلعى وغيض الماء وقضى الأمر واستوت على الجودى وقيل بعدا للقوم الظالمين))
- ومن سورة الأعراف:
((لقد أرسلنا نوحا إلى قومه فقال يا قوم اعبدوا الله ما لكم من إله غيره إنى أخاف عليكم عذاب يوم عظيم (59) قال الملأ من قومه إنا لنراك فى ضلال مبين(60) قال يا قوم ليس بى ضلالة ولكنى رسول من رب العالمين)(61) أبلغكم رسالات ربى وأنصح لكم وأعلم من الله مالا تعلمون(62) أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ولتتقوا ولعلكم ترحمون(63) فكذبوه فأنجيناه والذين معه فى الفلك وأغرقنا الذين كذبوا بآياتنا إنهم كانوا قوما عمين)) .(6/371)
- ومن سورة الشعراء :
((كذبت قوم نوح المرسلين(105) إذ قال لهم أخوهم نوح ألا تتقون(106) إنى لكم رسول أمين(107) فاتقوا الله وأطيعون(108) وما أسألكم عليه من أجر إن أجرى إلا على رب العالمين(109) فاتقوا الله وأطيعون(110) قالوا أنؤمن لك واتبعك الأرذلون(111) قال وما علمى بما كانوا يعملون(112) أن حسابهم إلا على ربى لو تشعرون(113) وما أنا بطارد المؤمنين(114) إن أنا إلا نذير مبين(115) قالوا لئن لم تنته يا نوح لتكونن من المرجومين(116) قال رب إن قومى كذبون(117) فافتح بينى وبينهم فتحاً ونجنى ومن معى من المؤمنين(118) فأنجيناه ومن معه فى الفلك المشحون(119) ثم أغرقنا بعد الباقين(120) إن فى ذلك لآية وما أكثرهم مؤمنين(121) وإن ربك لهو العزيز الرحيم)).
إنها قصة واحدة 00 قصة نوح مع قومه، وجدالهم معه، وردوده عليهم، وتكذيبهم له، وإغراقهم فى النهاية ونجاة المؤمنين .
ولكن هل هى واحدة فى السرد القرآنى، أم إنها صور متعددة وإن تشابهت فى عمومياتها، وفى بدئها وفى نهايتك؟
إن اختلاف الصور فى طرق السرد المختلفة هو فى ذاته جمال، لأنه يعطى فى كل مرة جوا مختلفا للقصة فى نفس القارئ، والسامع، فكأنها قصة جديدة، مع أن الأشخاص هم هم، والوقائع هى هى فى النهاية .
ولكن القصص فى القرآن لا يرد لمجرد القصص، وإن كان مشتملا من الناحية الفنية الجمالية على عناصر الجمال الفنى التى تجعل له مدخلا لطيفا إلى النفس، فيكون أبلغ تأثيرا فيها، مما لو كان مجرد فكرة أو قضية تخاطب العقل وحده ولا تخاطب الوجدان .
ولكن الروعة فى هذا القصص أنه – مع جماله الفنى – يؤدى هدفا دعويا مما يشتمل عليه كتاب الدعوة الأعظم، فى تناسق كامل بين الهدف الدعوى والجمال الفنى.. وإذ كانت الأهداف الدعوية كثيرة ومتعددة ومختلفة، يجئ القصص القرآنى فى صورة مختلفة فى كل مرة، متناسقة مع الهدف المقصود من إيراد القصة، مع توافر الجمال الفنى فى كل مرة .
ولنراجع قصة نوح فى السور الثلاث التى أثبتناها منذ قليل، لنرى تناسقها فى كل مرة مع الهدف من إيراد القصة .. :
- الهدف من إيراد القصة فى سورة هود – كما هو مذكور فى سياق السورة – ثلاثة أمور:
((ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد(100) وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التى يدعون من دون الله من شىء لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب(101) وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهى ظالمة إن أخذه أليم شديد (102) إن فى ذلك لآية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود))
((وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين))
فهى إنذار للناس لكى يحذروا عذاب الآخرة ويتقوه .. وهى تثبيت لقلب الرسول ، وهى موعظة وذكرى للمؤمنين .
وكان من المناسب لهذه الأهداف الثلاثة تطويل العرض، والإكثار من ذكر التفاصيل فيما وقع بين كل رسول وقومه. وكان ذلك مناسبا بصفة خاصة للهدف المتعلق بتثبيت قلب الرسول وهو يلقى العنت من قومه : من تكذيبهم وجدلهم واللدد فى خصومتهم.. فها هو ذا رسول سابق من رسل الله قد لقى مثل ذلك العنت، وصبر عليه، ثم نجاه الله وقضى على الذين كذبوه ..
- أما الهدف فى سورة الأعراف – كما جاء فى سياق الصورة – فهو هذا البيان:
((وما أرسلنا فى قرية من نبى إلا أخذنا أهلها بالبأساء والضراء لعلهم يضرعون(94) ثم بدلنا مكان السيئة الحسنة حتى عفوا وقالوا قد مس آباءنا الضراء والسراء فأخذناهم بغتة وهم لا يشعرون))
فالتركيز هنا هو على الأخذ المباغت، وليس على ما جرى من أحداث بين الرسول وقومه، فلا يركز عليها فى السياق .
- وأما فى سورة الشعراء فهدف إيراد القصة – كما هو مذكور فى السورة – أن الكفار يطالبون الرسول بآية تجعلهم يصدقون أنه رسول من عند الله. فجاء التركيز فى القصة على الآية، وهى إهلاك المكذبين وتنجية المؤمنين، وليس على تفاصيل الأحداث كما كان الحال فى سورة هود .
وهكذا يتم للقصة جمالها الفنى مع وفائها – فى كل مرة – بالهدف من إيراد القصة، وتتنوع الصور فى كل مرة بما يناسب سياق العرض .
وذلك من الإعجاز ...
و للحديث بقية ..
يتابع الشيخ محمد قطب فيقول :
والشأن كذلك فى مشاهد القيامة، وهى كثيرة متنوعة، تعرض أحيانا فى اختصار شديد، فى كلمات معدودات، وأحيانا بالتفصيل فى آيات متواليات، وفى كل مرة تعطى جوا خاصا، يتناسب – من جهة – مع قصر السورة أو طولها، ومن جهة أخرى مع السياق المعروض فى السورة، ولكل سورة من سور القرآن جوها الخاص وسياقها الخاص، وإن اشتركت جميعا فى هدف واحد كبير مشترك، هو هداية للناس إلى ربهم، وتعريفهم به، وبما يجب عليهم تجاهه – سبحانه – من خالص العبادة وخالص الطاعة .
خذ مثالا من أمثلة الإيجاز البليغ ، سورة القارعة :(6/372)
((القارعة(1) ما القارعة (2) وما أدراك ما القارعة(3) يوم يكون الناس كالفراش المبثوث(4) وتكون الجبال كالعهن المنفوش(5) فأما من ثقلت موازينه(6) فهو فى عيشة راضية(7) وأما من خفت موازينه(8) فأمه هاوية (9) وما أدراك ما هية (10) نار حامية))
وخذ صورة أخرى أكثر تفصيلا، ولكن فى غير طول، فى سورة الغاشية :
((هل أتاك حديث الغاشية (1) وجوه يومئذ خاشعة(2) عاملة ناصبة(3) تصلى ناراً حامية(4) تسقى من عين آنية(5) ليس لهم طعام إلا من ضريع(6) لا يسمن ولا يغنى من جوع(7) وجوه يومئذ ناعمة(8) لسعيها راضية(9) فى جنة عالية(10) لا تسمع فيها لاغية(11) فيها عين جارية(12) فيها سرر مرفوع (13) وأكواب موضوعة(14) ونمارق مصفوفة(15) وزرابى مبثوثة)) .
وخذ وصفا أكثر تفصيلا للعذاب، فى سورة الحج:
((هذان خصمان اختصموا فى ربهم فالذين كفروا قطعت لهم ثياب من نار يصب من فوق رءوسهم الحميم(19) يصهر به ما فى بطونهم والجلود(20) ولهم مقامع من حديد(21) كلما أرادوا أن يخرجوا منها من غم أعيدوا فيها وذوقوا عذاب الحريق)) .
أو هذا المشهد من سورة الواقعة:
((وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال(41) فى سموم وحميم(42) وظل من يحموم(43) لا بارد ولا كريم(44) إنهم كانوا قبل ذلك مترفين(45) وكانوا يصرون على الحنث العظيم(46) وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا تراباً وعظاماً أئنا لمبعثون(47) أو آباؤنا الأولون(48) قل أن الأولين والآخرين(49) لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم(50) ثم إنكم أيها الضالون المكذبون(51) لآكلون من شجر من زقوم(52) فمالئون منها البطون(53) فشاربون عليه من الحميم(54) فشاربون شرب الهيم(55) هذا نزلهم يوم الدين)) .
ثم خذ هذا المشهد المفصل للنعيم، من سورة الإنسان:
((فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسروراً(11) وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا (12) متكئين فيها على الأرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا(13) ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا(14) ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا(15) قوارير من فضة قدروها تقديرا(16) ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا(17) عينا فيها تسمى سلسبيلا(18) ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثوراً(19) وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكاً كبيرا(20) عاليهم ثياب من سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهوراً(21) عن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكوراً)) .
ماذا تجد فى نفسك حين تتبع هذه المشاهد فى القرآن الكريم؟
إنك أولاً فى عرض متنوع على الدوام، سواء من حيث الإيجاز والتطويل، أو من حيث مفردات الوصف للنعيم والعذاب، التى تختلف فى كل معرض عنها فى المعرض الآخر، والتى تشكل فى كل مرة صورة مختلفة عن الصورة الأخرى، حتى إن اتحدث فى عموميتها0
وأنت ثانياً فى عرض حى متدفق الحيوية، لا تملك ألا تنفعل به نفسك، ويتأثر به وجدانك. بل لا تملك إلا أن تعيش فيه كأنه حاضر أمامك اللحظة، يحيط بك من كل جانب، ويأخذ عليك أقطار نفسك، بل يصل التأثر به أن يعيش الإنسان فيه كأنه حاضر، وكأن الحياة الدنيا- التى هى الحاضر فى الحقيقة- كانت واقعا قديما، حدث ذات يوم ثم مضى وانقضى، وليست هى التى يعيشها الإنسان فى هذه اللحظة، فيظل خاطر الآخرة حيا فى النفس لا يفارقها، يما تشتمل عليه من صور النعيم والعذاب، الأولى تدفع الشوق إلى الجنة، والثانية تحذر من الوقوع فى العذاب. وذلك من الإعجاز ..
و للحديث بقية ..
و يسرد الشيخ محمد قطب فيقول :
وثمة مجال ثالث يبدو فيه التنويع- لا التكرار- أوضح ما يكون، ذلك مجال الآيات الدالة على قدرة الله .
إن القرآن- كما قلنا- كتاب هداية، مهمته الأولى هداية الناس إلى ربهم، وإلى الصراط المستقيم:
((قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين(15) يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)) .
وأوسع الأبواب التى ترد فى القرآن لتعريف الناس بربهم هو الآيات الدالة على قدرة الله، والتى تؤدى بالقلب البشرى- حين يتدبرها على حقيقتها- أن ينبذ الآلهة الزائفة كلها، ويتعلق بالإله الحق، الذى لا إله غيره، ويعبده وحده بلا شريك .
الآيات فى مجملها واحد: خلق السموات والأرض، وخلق الناس، وتدبير الكون، والهيمنة التامة على كل ما فى الوجود ومن فى الوجود، سواء فى الماضى أو الحاضر أو المستقبل، والحاكمية المطلقة على كل شئ فى الكون المادى أوفى حياة البشر.
ولكن هذه الأمور لا تأتى فى صورة واحدة.. بل فى مئات الصور فى القرآن من أوله إلى آخره .وتختلف الصور.. مرة من حيث الطول والقصر، ومرة من حيث المفردات المذكورة فى كل منها، ومرة من حيث الحجم الذى تأخذه كل مفردة من المفردات فى سياق السورة
فخلق السموات والأرض ربما كان أكثر الآيات ورودا فى معرض إثبات قدرة الله التى لا تحدها حدود. ولكن هذه القضية الواحدة ترد فى صور شتى تجعلها جديدة وقائمة بذاتها فى كل مرة:(6/373)
((هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سموات وهو بكل شىء عليم)) (البقرة)
((إن فى خلق السموات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التى تجرى فى البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون)) (البقرة)
((هو الذى أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون(10) ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن ذلك لآية لقوم يتفكرون(11) وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمره إن فى ذلك لآيات لقوم يعقلون(12) وما ذرأ لكم فى الأرض مختلفا ألوانه إن فى ذلك لآية لقوم يذكرون(13) وهو الذى سخر البحر لتأكلون منه لحما طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون(14) وألقى فى الأرض رواسى أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون(15) وعلامات وبالنجم هم يهتدون(16) أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون)) (النحل)
فكيف ترى فى هذه الآيات ؟!
أهى ذات المشاهد المألوفة التى يتبلد عليها الحس لأنها مكررة أمامه؟ أم إنها أمر آخر جديد يهز الوجدان ويحرك المشاعر؟!
وما الجديد فيها؟!
إن الجديد فيها شيئان يبرزهما السياق. الأول أن السياق يعرضها لا على أنها ((مرئيات)) أمام الإنسان يطلب منه أن يشاهدها، أو حتى أن يلتفت إليها التفاتا خاصا.. إنما يصلها مباشرة بالقدرة القادرة التى أوجدتها، والتى تحركها وتدبر أمرها.. تصلها بالله؛ فيشاهدها الإنسان – مع السياق القرآنى- فى ثوب جديد غير ذلك الذى تبلد عليه الحس. فتنتفض حية فى الوجدان، لأن الوجدان يتابع فيها يد الصانع القادر الجليل، فى كل شىء بمفرده، وفى المجموع الذى تكونه المفردات.. فينبض القلب بالتأثر العميق .
أما الشىء الآخر فهو التنوع المستمر فى العرض.. إن له خاصية ذات تأثير، هى إحياء المشهد المعروض كأنه فى كل مرة جديد .
وذلك من الإعجاز .
عن طالب علم بمنتدى أهل الحديث
===================
سؤال حول آية في سورة الرحمن مرج البحرين يلتقيان
بسم الله الرحمن الرحيم
هناك سؤال حول آية في سورة الرحمن ألا وهي " مرج البحرين يلتقيان #بينهما برزخ لا يبغيان#فبأي آلاء ربكما تكذبان#يخرج منهما اللؤلؤ و المرجان .
و الشاهد هو هل اللؤلؤ و المرجان يخرجان من الماء العذب ... ...
لسلام عليكم و رحمة الله و بركاته
لا إشكال بإذن الله تعالى فى هذه الأية الكريمة ، و هناك رد لغوى و أخر علمى و كلاهما كاف شاف و يعكس روعة القرأن
أما من الناحية اللغوية :
لأنه معلوم فى جهة العرب جواز إطلاق اللفظ على الكل مع إرادة الجزء
قال ابن كثير [أَيْ مِنْ مَجْمُوعهمَا فَإِذَا وُجِدَ ذَلِكَ مِنْ أَحَدهمَا كَفَى، كَمَا قَالَ تَعَالَى { يَا مَعْشَر الْجِنّ وَالْإِنْس أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُل مِنْكُمْ } وَالرُّسُل إِنَّمَا كَانُوا فِي الْإِنْس خَاصَّة دُون الْجِنّ وَقَدْ صَحَّ هَذَا الْإِطْلَاق ]
و أما من النحية العلمية :
فقد أثبت العلم الحديث أن هناك برازخ لا فقط بين المياة العذبة و المالحة بل حتى بين البحار المالحة بعضها و بعض، فإكتشف العلم الحديث وجود اختلاف في تركيي المياة المالحة فى البحار من مكان لأخر و كذلك فى درجة الملوحة، الحرارة ، بحيث تحتوى تلك المسطحات المائية المالحة على بحار متجاورة كل منها له خصائصة و طبيعته و تحيى به كائنات معينة و بين هذه البخار برزخ بديع بحيث لا تطغى خصائص إحداها على الأخر
و إليك هذا الربط من موقع الإعجاز العلمى يؤكد هذه الحقيقة
http://www.55a.net/firas/arabic/inde...select_page=11 ... ... ...
أكرمكم الله إخواني الأعزاء و جزاكم الله خيرا علي سرعة الرد
و لكن هناك نقطة ألا وهي أن المقال الذي جئت به أخي رحيم يرد علي نصف الشبهة الأ و هو مسألة اللؤلؤ أما المرجان فلم يرد عليه و أنا بنفسي رجعت إلي الموسوعة البريطانية التي استدل بها الدكتور إبراهيم عوض علي ظهور اللؤلؤ في الأنهار العذبة ووجدت الأمر بالفعل كما قال و بقي الجزء الآخر و هو المرجان كنت لم أهتد إليه إلي أن وقع في يدي هذا الموقع في أثناء بحثي في جوجل و هو موقع مرتبط بصورة أو بأخري بهيئة الإذاعة البريطانية BBC و هو يشتمل علي قاموس به تعريف لكلمة مرجان Coral ووجدت فيه هذه المفاجأة الرائعة
.
Coral
- marine (rarely freshwater) organism that lives in shallow water, often in groups (colonies, reefs). Found over a wide span of Earth history, the Great Barrier Reef is a present-day example of a series of coral reefs.و ترجمتها
المرجان : كائن بحري (و يوجد بشكل نادر في المياه العذبة ) يعيش في المياه الضحلة و غالبا في جماعات ( مستعمرات ، شعاب) ..............الخ(6/374)
مع ملاحظة أن معظم الموسوعات العالمية لم تدرج هذه المعلومة إلي الآن في متنها
وهذا هو الرابط و أرجوا من الأخوة المتميزين في اللغة الإنجليزية أن يراسلوا الموقع لعله يدلهم علي مصدر هذه المعلومة في الموسوعات العالمية
http://www.open2.net/naturalhistory/glossary.html
*- أخي العزيز رحيم لن أفعلها مرة أخري و المرة القادمة سأدرج نص الشبهة و أرجو
ألا تغضب مني ... ...
ان كلمة (بحر) اذا اطلقت فهى تعنى المسطحات المائيه الكبيره ذات المياه المالحه الا اذا خصصت بالماء العذب وفى هذا
يصبح معنى البحر هو النهر العذب ومثال ذلك قول الشافعى
اعرض عن الجاهل السفيه ****** فكل ما قال فهو فيه
ما ضر بحر الفرات يوما ******** ان خاض بعض الكلاب فيه
فأن كلمة بحر قيدت بما جاء بعدها اى الفرات وهو النهر المعروف فى العراق فعلم انه عبر عن النهر بكلمة بحر
ومثال ذلك فى كتاب الله
(وهو الذي مرج البحرين هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج وجعل بينهما برزخا وحجرا محجورا ) الفرقان 53
وكقوله تعالى
(وما يستوي البحران هذا عذب فرات سائغ شرابه وهذا ملح اجاج ومن كل تاكلون لحما طريا وتستخرجون حلية تلبسونها وترى الفلك فيه مواخر لتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) فاطر 12
وقوله البحرين والبحران قيدا بقوله (هذا عذب فرات وهذا ملح اجاج ) فعلم ان المقصود هنا بحر ونهر فى نقطة الالتقاء
عند المصب . واطلق عليها بحران للتغليب كقولك الشمسان وتعنى بهما الشمس والقمر وكقول الله تعالى ( من المؤمنين رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه) فأنه اطلق الرجال بالرغم من دخول النساء فى هذا الفضل وذلك للتغليب وهو اسلوب معروف فى العربيه . والاعجاز العلمى فى هذه الايه واضح ومشاهد فى الحياة اليوميه فنرى ان ل الانهار لها مصبات فى البحار وبالرغم من التقاء الاثنين الا ان احدهما لا يطغى على الثانى بملوحه او عذوبه بل كما لوكان بينهما حاجز
يمنع احدهما من الطغيان على الاخر ويمكنك رؤية هذه الظاهره عند مصبات الانهار وعلى سبيل المثال فى دمياط ورشيد بمصر .
اما اية سورة الرحمن فتختلف حيث انه اطلق لفظة (البحرين ) دون تقيد احدهما بعذوبه المياه وبذلك علم ان المقصود ملوحة البحرين لاطلاق اللفظ وعدم التقيد والتخصيص فالمقصود فى اية ورة الرحمن التقاء البحرين المالحين كإلتقاء البحر المتوسط والمحيط الاطلنطى والتقاء المحيط الاطلنطى بالمحيط الهندى والهندى بالهادى ... الخ
ومن المعلوم ان اللؤلؤ والمرجان يخرجان بصفه عامه من البحار المالحه كالخليج العربى وبحر اليابان واجمل الشعاب المرجانيه فى العالم فى البحر الاحمر وغيرها .
على هذا فلا اشكال فى النص بل على العكس لقد اعطتنا هذه الايه دليلا جديدا على الاعجاز العلمى فى عالم البحار
فبالرغم من اشتراك بحار العالم فى ملوحة الماء الا ان العلم اثبت ان لكل بحر صفات مميزه له من حيث نسبة الملوحه ودرجة الحراره ونوعية الكائنات التى تعيش فى كل بحر وبالرغم من اشتراك جل بحار العالم فى قاع واحد الا انهم لم يمتزجوا او يطغى احدهما على الاخر بدرجة ملوحه او درجة حراره ويسمى علماء البحار تلك الفواصل الوهميه بين البحار بعضها البعض بمناطق البرازخ البحريه وسبحان الله العظيم القائل ( مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان)
=============
من هو أبو مريم ؟
الشبهه
“إِذْ قَالَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَا لْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ ; (آية 35 ، 36).
خلط القرآن أبا موسى بأبي مريم، فقال إنّ عمران أبا موسى وهارون هو أبو مريم التي حملت الكلمة الإلهية. ومما يؤيّد خطأه هذا قوله في سورة مريم: يا أخت هارون (19: 28). مع أن بين موسى والمسيح نحو 1500 سنة.
ولما رأى علماء المسلمين هذا قالوا إن عمران المذكور في هذه العبارة هو غير والد موسى، ولكنهم أخطأوا، لأن الكتاب المقدس لا يذكر شيئاً عن ميلاد العذراء مريم، ولم يكن هناك مصدر يستقي منه محمد أخباره، ولكن كانت هناك بعض خرافات الغنوسيين الذين ملأوا الجزيرة العربية، وأيضاً المريميين الذين كانوا يُؤلِّهون العذراء مريم ويضعون حول ميلادها وحياتها كثيراً من المعجزات كما ورد في كتابي مولد العذراء وطفولية المخلّص و إنجيل الطفولية (راجع الطبري والقرطبي والرازي في تفسير آل عمران 3: 35 ، 36).
الرد
قال علماؤنا : كان لعمران بن ماثان ابنتان : إحداهما حنة والأخرى يملشقع وبنو ماثان من ملوك بني إسرائيل من نسل داود عليه السلام(6/375)
وأن زكريا بن أذن، وعمران بن ماثان، كانا في عصر واحد، وامرأة عمران حنة بنت فاقوذ، وقد تزوج زكريا بابنته إيشاع أخت مريم، وكان يحيى وعيسى عليهما السلام ابني خالة
اقتباس:
ولما رأى علماء المسلمين هذا قالوا إن عمران المذكور في هذه العبارة هو غير والد موسى، ولكنهم أخطأوا، لأن الكتاب المقدس لا يذكر شيئاً عن ميلاد العذراء مريم، ولم يكن هناك مصدر يستقي منه محمد أخباره،
ومن قال أن الكتاب المقدس هو مرجع للإسلام ... وإن لم يذكر الكتاب المقدس شيء عن ميلاد العذراء فهذا عيب من عيوب الكتاب المقدس الذي لم يذكر شيء عن ام الرب (كما تؤمنون بذلك ) .... فبنت من هي ؟
وقول : ولم يكن هناك مصدر يستقي منه محمد أخباره ، وكأنكم تنشدوا الأغنية وتردوا على انفسكم ... تقولون أن رسول الإسلام كان يقتبس القرآن من الكتاب المقدس والآن تقولون أن الكتاب المقدس لم يذكر قصة ولادة العذراء ..... ألم تؤمنوا بعد ذلك أن القرآن كلام الله ؟
=================
الله يتردد (سبحان الله عما يصفون)
حدثني محمد بن عثمان بن كرامة حدثنا خالد بن مخلد حدثنا سليمان بن بلال حدثني شريك بن عبد الله بن أبي نمر عن عطاء عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قال من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها وإن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن نفس المؤمن يكره الموت وأنا أكره مساءته
صحيح البخاري .. كتاب الرقاق .. باب التواضع
يجلس على العرش و العرش له أطيط و صرير من ثقله و يشبه الراكب على الرحل
1132 - ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد إن شاء والله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله ؟ إن الله فوق عرشه وعرشه على سمواته، وأرضه مثل القبة وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب . ( د عن جبير بن مطعم ) .
راجع كنز العمال في سنن الأقوال و الأفعال .. كتاب الإيمان و الإسلام .. الباب الثالث ( في لواحق كتاب الإيمان ) .. الفصل الأول في الصفات
الله يتحسر
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ (يس 30
الله يقف أمام المسلم عندما يصلي و الذين كانوا يبصقون كانوا يبصقون على الله
حدثنا قتيبة قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه فقام فحكه بيده فقال إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدميه ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا
حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى
حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه
الله يمسك خبزة بيده كما يمسك الإنسان خبزته
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة قال بلى قال تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال ألا أخبرك بإدامهم قال إدامهم بالام ونون قالوا وما هذا قال ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفا
صحيح البخاري .. كتاب الرقاق .. باب يقبض الله الأرض يوم القيامة
ارجوكم ما مدى صحه هادا الحديث بالذات
حدثنا أبو حفص بن سلمون ثنا عمرو بن عثمان ثنا أحمد بن محمد بن يوسف الاِصبهاني حدثنا شعيب بن بيان الصفار حدثنا عمران القطان عن قتادة عن أنس رضي الله عنه مرفوعا: إذا كان يوم الجمعة ينزل الله بين الاَذان والاِقامة عليه رداء مكتوب عليه إنني أنا الله لا إلَه إلا أنا، يقف في قبلة كل مؤمن مقبلاً عليه فإذا سلم الاِمام صعد إلى السماء. وروى عن ابن سلمون بإسناد له: رأيت ربي بعرفات على جمل أحمر عليه إزار .
راجع لسان الميزان لإبن حجر العسقلاني .. باب من اسمه الحسن .. ج2 ص238
الرد
الشرح(6/376)
من المقرر أن التردد قد يقع نتيجة خوف من مجهول أو رقة فى العقيدة … فيكون مذموماً قطعاً إن قام بهذه المناسبة كما قال تعالى فى حق المنافقين
{إِنَّمَا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَارْتَابَتْ قُلُوبُهُمْ فَهُمْ فِي رَيْبِهِمْ يَتَرَدَّدُونَ }
و قال عز و جل {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء وَمَن يُضْلِلِ اللّهُ فَلَن تَجِدَ لَهُ سَبِيلاً }
و ذلك المعنى للتردد محال فى حق الله تعالى و هو الحق المؤمن الخبير ، و لا ينسجم سياق الحديث ههنا مع هذا المحمل الذى يلمز به المبطلون… فغاية الخبر إظهار فضل الأولياء و رحمة الرب الرؤوف بهم حتى أنه سبحانه أراد لو لم يذيقهم بلاءً كرهوه ، و فى ذات الوقت قدر سبحانه بإرادته الكونية و حكمته العلوية الفناء على كل مخلوق إلا وجهه الكريم …و الإنتقال من دار الإختبار إلى دار القرار و من دار العمل إلى دار الحساب،
فعُبر عن تعارض الإرادتين الكاملتين بالتردد و لم يقصد أن الله (تعالى عما يصفون) يخشى الإقدام على فعل خشية عاقبته أو أنه سبحانه لا يوقن ما يفعل!
قال الإمام ابن حجر: [هَذَا خِطَابًا لَنَا بِمَا نَعْقِلُ وَالرَّبُّ مُنَزَّهٌ عَنْ حَقِيقَتِهِ , بَلْ هُوَ مِنْ جِنْسِ قَوْلِهِ " وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْته هَرْوَلَةً " فَكَمَا أَنَّ أَحَدَنَا يُرِيدُ أَنْ يَضْرِب وَلَده تَأْدِيبًا فَتَمْنَعُهُ الْمَحَبَّةُ وَتَبْعَثُهُ الشَّفَقَةُ فَيَتَرَدَّدُ بَيْنَهُمَا وَلَوْ كَانَ غَيْرَ الْوَالِدِ كَالْمُعَلَّمِ لَمْ يَتَرَدَّدْ بَلْ كَانَ يُبَادِرُ إِلَى ضَرْبِهِ لِتَأْدِيبِهِ فَأُرِيدَ تَفْهِيمُنَا تَحْقِيق الْمَحَبَّة لِلْوَلِيِّ بِذِكْرِ التَّرَدُّد .]
قَالَ الشَّيْخ أَبُو الْفَضْل بْن عَطَاء : [فِي هَذَا الْحَدِيث عِظَم قَدْر الْوَلِيِّ , لِكَوْنِهِ خَرَجَ عَنْ تَدْبِيره إِلَى تَدْبِير رَبّه , وَعَنْ اِنْتِصَاره لِنَفْسِهِ إِلَى اِنْتِصَارِ اللَّهِ لَهُ , وَعَنْ حَوْلِهِ وَقُوَّتِهِ بِصِدْقِ تَوَكُّلِهِ ]
و سئل شيخ الإسلام رحمه الله في ((الفتاوى)) (18/129) عن معنى تردد الله في هذا الحديث؟ فأجاب :
[هذا حديث شريف ، قد رواه البخاري من حديث أبي هريرة ، وهو أشرف حديث روي في صفة الأولياء ، وقد ردَّ هذا الكلام طائفة ، وقالوا : إنَّ الله لا يوصف بالتردد ، وإنما يتردد من لا يعلم عواقب الأمور ، والله أعلم بالعواقب ، وربما قال بعضهم : إنَّ الله يعامل معاملة المتردد.
والتحقيق : أنَّ كلام رسوله حق ، وليس أحد أعلم بالله من رسوله ، ولا أنصح للأمة منه ، ولا أفصح ولا أحسن بياناً منه ، فإذا كان كذلك ؛ كان المتحذلق والمنكر عليه من أضل الناس وأجهلهم وأسوئهم أدباً ، بل يجب تأديبه وتعزيره ، ويجب أن يصان كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الظنون الباطلة والاعتقادات الفاسدة ، ولكن المتردد منا ، وإن كان تردده في الأمر لأجل كونه ما يعلم عاقبة الأمور ؛ لا يكون ما وصف الله به نفسه بمنْزلة ما يوصف به الواحد منا ؛ فإن الله ليس كمثله شيء ؛ لا في ذاته ، ولا في صفاته ، ولا في أفعاله ، ثم هذا باطل ؛ فإن الواحد منا يتردد تارة لعدم العلم بالعواقب ، وتارة لما في الفعلين من المصالح والمفاسد ، فيريد الفعل لما فيه من المصلحة ، ويكرهه لما فيه من المفسدة ، لا لجهل منه بالشيء الواحد الذي يحب من وجه ويكره من وجه ؛ كما قيل :
فأعْجَبْ لِشَيْءٍ عَلى البغضاءِ محبوبُُِ الشَّيْبُ كُرْهٌ وكُرْهٌ أَنْ أفَارِقَهُ
وهذا مثل إرادة المريض لدوائه الكريه ، بل جميع ما يريده العبد من الأعمال الصالحة التي تكرهها النفس هو من هذا الباب ، وفي الصحيح {حفت النار بالشهوات ، وحفت الجنة بالمكاره} ، وقال تعالى كُتِبَ عَلَيْكُمْ القِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ الآية.(6/377)
ومن هذا الباب يظهر معنى التردد المذكور في هذا الحديث ؛ فإنه قال : ((لا يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه)) ؛ فإن العبد الذي هذا حاله صار محبوباً للحق محباً له ، يتقرب إليه أولاً بالفرائض وهو يحبها ، ثم اجتهد في النوافل التي يحبها ويحب فاعلها ، فأتى بكل ما يقدر عليه من محبوب الحق ، فأحبه الحق لفعل محبوبه من الجانبين بقصد اتفاق الإرادة ؛ بحيث يحب ما يحبه، ويكره ما يكرهه محبوبه ، والرب يكره أن يسوء عبده ومحبوبه ، فلزم من هذا أن يكره الموت ؛ ليزداد من محاب محبوبه ، والله سبحانه وتعالى قد قضى بالموت ، فكل ما قضى به ؛ فهو يريده ، ولا بد منه ؛ فالرب مريد لموته لما سبق به قضاؤه ، وهو مع ذلك كارهٌ لمساءة عبده ، وهي المساءة التي تحصل له بالموت ، فصار الموت مراداً للحق من وجه ، مكروهاً له من وجه ، وهذا حقيقة التردد ، وهو أن يكون الشيء الواحد مراداً من وجه مكروهاً من وجه، وإن كان لابد من ترجح أحد الجانبين ، كما ترجح إرادة الموت ، لكن مع وجود كراهة مساءة عبده ، وليس أرادته لموت المؤمن الذي يحبه ويكره مساءته كإرادته لموت الكافر الذي يبغضه ويريد مساءته)).
ثم قال (ص 135) : ((والمقصود هنا : التنبيه على أنَّ الشيء المعين يكون محبوباً من وجه مكروهاً من وجه ، وأن هذا حقيقة التردد ، وكما أنَّ هذا في الأفعال ؛ فهو في الأشخاص ، والله أعلم))
وقال الشيخ ابن عثيمين –رحمه الله- في ((لقاء الباب المفتوح)) (س1369) ((إثبات التردد لله عَزَّ وجَلَّ على وجه الإطلاق لا يجوز ، لأن الله تعالى ذكر التردد في هذه المسألة : ((ما ترددت عن شيء أنا فاعله كترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن)) ، وليس هذا التردد من أجل الشك في المصلحة، ولا من أجل الشك في القدرة على فعل الشيء،بل هو من أجل رحمة هذا العبد المؤمن،ولهذا قال في نفس الحديث : ((يكره الموت ، وأكره إساءته ، ولابد له منه)). وهذا لا يعني أنَّ الله عَزَّ وجَلَّ موصوف بالتردد في قدرته أو في علمه، بخلاف الآدمي فهو إذا أراد أن يفعل الشيء يتردد ، إما لشكه في نتائجه ومصلحته ، وإما لشكه في قدرته عليه : هل يقدر أو لا يقدر. أما الرب عَزَّ وجَلَّ فلا
إقتباس:
يجلس على العرش و العرش له أطيط و صرير من ثقله و يشبه الراكب على الرحل
1132 - ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد إن شاء والله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله ؟ إن الله فوق عرشه وعرشه على سمواته، وأرضه مثل القبة وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب . ( د عن جبير بن مطعم ) .
راجع كنز العمال في سنن الأقوال و الأفعال .. كتاب الإيمان و الإسلام .. الباب الثالث ( في لواحق كتاب الإيمان ) .. الفصل الأول في الصفات
تفنيد أحاديث أطيط العرش من ثقل الله ؟
سلوا الله الفردوس؛فإنها سرة الجنة، وإن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش. قال الألباني «ضعيف» (سلسلة الضعيفة3705).
ويحك لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك تدري ما الله عز وجل ؟ إن عرشه على سماواته وأرضيه هكذا – وقال بأصبعه مثل القبة – وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني (سلسلة الضعيفة2639).
أن كرسيه وسع السماوات والأرض، و إنه يقعد عليه، ما يفضل منه مقدار أربع أصابع-ثم قال بأصابعه فجمعها - و إن له أطيطا كأطيط الرحل الجديد إذا ركب من ثقله. قال الألباني « منكر» (سلسلة الضعيفة866).
ويحك أتدري ما تقول ؟ وسبح رسول الله، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك ! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك ! أتدري ما الله ؟ إن الله فوق عرشه، وعرشه فوق سمواته، وقال بأصابعه ! مثل القبة ( عليه)، وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني (ضعيف) (شرح الطحاوية ص311).
أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم أعرابي فقال يا رسول الله جهدت الأنفس وضاعت العيال ونهكت الأموال وهلكت الأنعام فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله ونستشفع بالله عليك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ويحك أتدري ما تقول وسبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه ثم قال ويحك إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه شأن الله أعظم من ذلك ويحك أتدري ما الله إن عرشه على سماواته لهكذا وقال بأصابعه مثل القبة عليه وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني (ضعيف) (ضعيف أبي داود1017).
ويحك ! إنه لا يستشفع بالله على أحد من خلقه، إن شان الله أعظم من ذلك، ويحك ! أتدري ما الله ؟ إن الله فوق عرشه، و عرشه على سمواته و أرضه مثل القبة، و إنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني « ضعيف» (ضعيف الجامع6137).سلوا الله الفردوس، فإنها سرة الجنة، و إن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش. قال الألباني (ضعيف الجامع3273).
إن أهل الفردوس يسمعون أطيط العرش. قال الألباني « ضعيف» (ضعيف الجامع1837).(6/378)
إن امرأة أتت النبي فقالت: ادع الله أن يدخلني الجنة فقال: فعظم الرب تبارك و تعالى و قال: إن عرشه فوق سبع سموات و إن به لأطيطا كأطيط الرجل الحديد إذا ركب من ثقله. قال الألباني «ضعيف» (كتاب السنة لابن أبي عاصم ح رقم574).
أتى رسول الله أعرابي فقال: يا رسول الله جهدت الأنفس و ضاع العيال و نهكت الأبدان و هلكت الأموال فاستسق الله لنا فإنا نستشفع بك على الله تبارك و تعالى و نستشفع بالله عليك قال قال رسول الله: ويحك تدري ما تقول فسبح رسول الله فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه فقال: ويحك لا تستشفع بالله على أحد من خلقه فإن شأن الله أعظم من ذلك ويحك تدري ما الله إن عرشه على سمواته و أرضيه لهكذا مثل القبة و إنه ليأط أطيط الرجل بالراكب. قال الألباني «ضعيف» (كتاب السنة ح رقم575).
أتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أعرابي، فقال: وجهدت الأنفس، وجاع العيال، ونهكت الأموال، وهلكت الأنعام؛ فاستسق الله لنا؛ فإنا نستشفع بالله عليك! فقال النبي –صلى الله عليه وسلم- سبحان الله! سبحان الله!، فما زال يسبح حتى عرف ذلك في وجوه أصحابه، ثم قال: ويحك! إنه لا يستشفع بالله على أحد، شأن الله أعظم من ذلك، ويحك! أتدري ما الله؟! إن عرشه على سماواته لهكذا- وقال بأصابعه مثل القبة عليه-؛ وإنه ليئط به أطيط الرحل بالراكب. قال الألباني « ضعيف ولا يصح في الأطيط حديث (مشكاة المصابيح5660)
و يرجى الرجوع لمصدر التخريجات فى شبكة الدفاع عن السنة
إقتباس:
الله يتحسر
يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ (يس 30
أولا:
زعم أن قوله تعالى يا حسرةً على العباد تعنى تحسر الله و ندمه (تعالى الله عما يقولون ) ,و قد نفسه فى ورطة فالقرأن الكريم لم ينسبب لله تعالى صفة الندم قط, و قوله سبحانه "يا حسرة على العباد" لم يفسرها أحد من سلف الأمة و علماءها بانها ندم الله , و لم تقل الأية " يا حسرتى" أو " يا حسرة الله " بل جاء اللفظ مطلقاً له محامله الصحيحة , و لو توقف الفقراء الخابطين فى أمر اللغة أمثال عبدالنور عن الحديث فيما يجهلون لأراحو و استراحو , فعن ابن عباس قال: ياحسرة على العباد أى يا ويل العباد,و قال قتادة: أى يا حسرة العباد على أنفسهم على ما ضيعت من أمر الله و فرطت فى جنب الله,و عن مجاهد:كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرسل, و قال الامام ابن كثير : و معنى هذا يا حسرتهم و ندامتهم يوم القيامة إذ عاينوا العذاب كيف كذبوا رسل الله و خالفوا أمره ,و قال ابن جرير مثله و نقل عن بعض أهل العربية قولهم: معنى ذلك يا لها من حسرة على العباد بذنبهم, و جاز أن يكون ذلك من باب الاضافة إلى الفاعل فيكون العباد فاعلين فهو كقول"يا قيام زيد"
, ويظهر ذلك المعنى بوضوح فى سائر أيات القرأن العظيم كقوله تعالى كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم و ما هم بخارجين من النار و قوله سبحانه إن الذين كفروا ينفقون أمالهم ليصدوا عن سبيل الله, فسينفقونها ثم تكون عليهم حسرةً ثم يُغلبون, و الذين كفروا إلى جهنم يحشرون و يقول تعالى عن القرأن و انه لحسرة على الكافرين , و يقول عن يوم القيامة و أنذرهم يوم الحسرة إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين و كقوله تعالى أن تقول نفس يا حسرتى على ما فرطت فى جنب الله و إن كنت لمن الساخرين ,
و كذلك فى قوله تعالى {فَلَمَّا آسَفُونَا انتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ} فالأسف محرك يستعمل فى لغة العرب بمعنى شدة الحزن و بمعنى شدة الغضب و هو المراد فى الأية و الإنتقام مكافأة بالعقوبة فيكون المعنى ( فلما أسخطونا بأعمالهم السيئة عاقبهم الله تعالى)
ال الإمام ابن كثير : ((عَنْ اِبْن عَبَّاس رَضِيَ اللَّه عَنْهُمَا: آسَفُونَا أَسْخَطُونَا ، وَقَالَ الضَّحَّاك عَنْهُ :أَغْضَبُونَا وَهَكَذَا قَالَ اِبْن عَبَّاس أَيْضًا وَمُجَاهِد وَعِكْرِمَة وَسَعِيد بْن جُبَيْر وَمُحَمَّد بْن كَعْب الْقُرَظِيّ وَقَتَادَة وَالسُّدِّيّ وَغَيْرهمْ مِنْ الْمُفَسِّرِينَ ))
و عَنْ طَارِق بْن شِهَاب قَالَ "كُنْت عِنْد عَبْد اللَّه رَضِيَ اللَّه عَنْهُ فَذُكِرَ عِنْده مَوْت الْفَجْأَة فَقَالَ تَخْفِيف عَلَى الْمُؤْمِن وَحَسْرَة عَلَى الْكَافِر ثُمَّ قَرَأَ رَضِيَ اللَّه عَنْهُ ( فَلَمَّا آسَفُونَا اِنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ))، وَقَالَ عُمَر بْن عَبْد الْعَزِيز رَضِيَ اللَّه عَنْهُ "وَجَدْت النِّقْمَة مَعَ الْغَفْلَة يَعْنِي قَوْله تَبَارَكَ وَتَعَالَى {فَلَمَّا آسَفُونَا اِنْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ }(6/379)
- و قد أمر الله تعالى نبيه الكريم (صلى الله عليه و سلم) بعدم التحسر أو التأسف على الكافرين و ما ينتظرهم من مصير و جعل عمدة ذلك العلم و الإيمان بأسماء الله و صفاته , فيطمئن بأنه لن يهلك هالك إلا عن بينة و أن الله تعالى لا يظلم مثقال ذرة و لكن الناس أنفسهم يظلمون ,وأنه سبحانه علام الغيوب يضل الفاسقين بحق و يهدى إليه من اناب و هو الحكيم العليم فقال عز و جل فلا تذهب نفسك عليهم حسراتٍ إن الله عليم بما يصنعون , و المتأمل فى الأيات الحكيمات من صورة البقرة يدرك أن علم الله و حكمته الأزليين أكبرو أعظم من إدراك المخلوقات فقال تعالى
{وإذ قال ربك للملائكة إنى جاعل فى الأرض خليفة, قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء و نحن نسبح بحمدك و نقدس لك, قال إنى أعلم ما لا تعلمون}
فالله لا يتحسر و لا يكون شيئاً إلا بعلمه و إذنه تعالى فيجب على من يقدم على تفسير أيات الله أن يعود للقرأن و السنة و قول سلف الأمة لا أن يقول بأهواءه و جهالاته
ثانياً
إليك نصوصالندم الحقيقى المنسوب للرب فى الكتاب المخرف
(( فندم الرب على الشر الذى قال إنه يفعله بشعبه)) خروج 14:32
"الرب ندم لأنه ملك شاول على إسرائيل" صموئيل الأول 35:15,
((ندمت على أني جعلت شاول ملكاً لأنه رجع من ورائي ولم يُقم كلامي)) 1صموئيل 15: 11
(( فحزن الرب أنه عمل الإنسان في الأرض، وتأسف في قلبه, فقال الرب: أمحو عن وجه الأرض الإنسان الذي خلقته، الإنسان مع بهائم ودبابات وطيور السماء، لأني حزنت أني عملتهم )) تكوين 6:6
((فنظر إلى ضيقهم إذ سمع صراخهم، وذكر لهم عهده، وندم حسب كثرة رحمته)) مزمور 106: 44 و45
يعنى لرب يندم و بكثرة لدرجة أنه (مل من كثرة الندم!!)
(( إلى الوراء سرت فأمد يدى عليك و أهلكك . مللت من الندامة)) ارمياء 15: 6
الله يقف أمام المسلم عندما يصلي و الذين كانوا يبصقون كانوا يبصقون على الله
إقتباس:
حدثنا قتيبة قال حدثنا إسماعيل بن جعفر عن حميد عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى نخامة في القبلة فشق ذلك عليه حتى رئي في وجهه فقام فحكه بيده فقال إن أحدكم إذا قام في صلاته فإنه يناجي ربه أو إن ربه بينه وبين القبلة فلا يبزقن أحدكم قبل قبلته ولكن عن يساره أو تحت قدميه ثم أخذ طرف ردائه فبصق فيه ثم رد بعضه على بعض فقال أو يفعل هكذا
حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن نافع عن عبد الله بن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى بصاقا في جدار القبلة فحكه ثم أقبل على الناس فقال إذا كان أحدكم يصلي فلا يبصق قبل وجهه فإن الله قبل وجهه إذا صلى
حدثنا عبد الله بن يوسف قال أخبرنا مالك عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى في جدار القبلة مخاطا أو بصاقا أو نخامة فحكه
هذا سؤال استفزازى و يتميز صاحبه بنصيب وافر من الانحطاط الخلقى و ليس هذا بمستبعد عن أبناء موقع الكذب و البهتان
اولا: لم تقل أى من هذه النصوص أن الله تعالى جل فى علاه ينزل و يقف بذاه بين المصلى و القبلة ، بل النصوص متواترة قطعية الدلالة أن الله تعالى مستوى على عرشه بائن عن خلقه لا تسع ذاته المجيدة السماوات و الارض ،قال الخطابي : معناه أن توجهه إلى القبلة مفض بالقصد منه إلى ربه فصار في التقدير : فإن مقصوده بينه وبين قبلته . وقيل هو على حذف مضاف أي عظمة الله أو ثواب الله .
وقال ابن عبد البر : هو كلام خرج على التعظيم لشأن القبلة
فغاية ما فى النصوص الحث على تعظيم القبلة امتالاً و تسليما لأمر الله بالاتجاه اليها حتى أن العبد ان فعل و أقام الصلاة كما أُمر صار أقرب ما يكون من ربه و ينظر اليه الله و تصير الصلاة سجال بين العبد و ربه، فليس من بديهيات الأدب حينذ أن يبصق المصلى تجاه هذه القبلة ؟ بل و حتى خارج الصلاة نًهى المسلم عن استقبال القبلة أو استدبارها بغائط أو تبول ،
فهذه تنبيهات شرعية لها مغزى عظيم و هو اضافة القدسية على المكان بتقديس رب المكان و الاستحضار القلبى لمراقبة الله و تعظيم حرماته
و إلا فالإتجاه الى القبلة من كل جهة ، من الهند و الصين و اندونيسا و مصر
و الله تعالى يخبرنا فى كتابه العزيز أن الهدف من القبلة تعظيم أمر الله و توحيد صفوف المسلمين و إلا فأينما نولى فثم وجه الله
((ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا وجوهكم فثم وجه الله،))
و القبلة أصلا تسقط عن من ضل الاتجاه او من تنفل تنفل مطلق علىدابة أو ما شابه
و الله تعالى عما يصفون لا يناله أذى مخلوقاته أبداً ، و ليس الأمر أن من يبصق يبصق على الذات الالهية كما قال ذلك المجرم ، و الله تعالى يقول فى الحديث القدسى ((عبادى انكم لن تبلغوا ضرى فتضرونى ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى))(6/380)
لكن العجيب أن الاله الذى وقف بين يدى عباده فعلا و بصقوا على وجهه حقيقة و ضربوه على قفاه و عروه كما ولدته أمه أقصد أمته هو يسوع، و قد تصارع الرب من قبلأيضاً مع يعقوب و ضُرب ضرباَ مبرحاً ،
أفلا يستحيى النصارى أن يصدر عنهم بعد ذلك مثل هذا الاعتراض؟
إقتباس:
الله يمسك خبزة بيده كما يمسك الإنسان خبزته
حدثنا يحيى بن بكير حدثنا الليث عن خالد عن سعيد بن أبي هلال عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار عن أبي سعيد الخدري قال النبي صلى الله عليه وسلم تكون الأرض يوم القيامة خبزة واحدة يتكفؤها الجبار بيده كما يكفأ أحدكم خبزته في السفر نزلا لأهل الجنة فأتى رجل من اليهود فقال بارك الرحمن عليك يا أبا القاسم ألا أخبرك بنزل أهل الجنة يوم القيامة قال بلى قال تكون الأرض خبزة واحدة كما قال النبي صلى الله عليه وسلم فنظر النبي صلى الله عليه وسلم إلينا ثم ضحك حتى بدت نواجذه ثم قال ألا أخبرك بإدامهم قال إدامهم بالام ونون قالوا وما هذا قال ثور ونون يأكل من زائدة كبدهما سبعون ألفا
صحيح البخاري .. كتاب الرقاق .. باب يقبض الله الأرض يوم القيامة
هذا الحديث ليس فيه تشبيه لله بالعبيد ، كلا و حاشا
بل القاعدة المحكمة التى يرد اليها كل أمر (( ليس كمثله شىء وهو السميع البصير))
فلا يوجد أى مشابهة أو مثلية بين الله و المخلوقات
و إنما هذا تشبيه للفعل بالفعل و ليس للفاعل بالفاعل من مراعاة أن كيف الفعل مجهول لنا، محسوم له بالكمال الذى يليق بذات الله
قال الطيبى أيضاً : [التشبيه لا يستلزم المشاركة بين المشبه والمشبه به في جميع الأوصاف بل يكفي حصوله في البعض وتقريره أنه شبه أرض الحشر بالخبزة في الاستواء والبياض وشبه أرض الجنة في كونها نزلا لأهلها ومهيأة لهم تكرمة بعجالة الراكب زاده يقنع به في سفره]
و ذلك كقول النبى عليه السلام
{إنكم ترون ربكم كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته }
فالتشبيه هنا للرؤية بالرؤية و ليس تشبيه المرئى بالمرئى
و كما كقول أحدهم لابنه او تلميذه : الله يراك كما أراك ، و يسمعك كما أسمعك، فهذا تشبيه للفعل دون كيفه و دون قصد مقارنة الصفة الفعلية الكاملة الغير مخلوقة بالصفة الفعلية الناقصة المخلوقة
===============
ما هي الأدلة العلمية لتحريم أكل لحم الجوارح وكل ذي ناب وأكل لحم الخنزير؟ علماً أن هناك شعوباً على غير الملة يأكلونها ويتمتعون بصحة جيدة؟
موقع د زغلول النجار
علماء الحيوان يقسمون الكائنات على أساس طبيعة غذائها، إلى ثلاث مجموعات: منها ما يسمى (آكلات الأعشاب) و(آكلات اللحوم)، و(آكلات اللحوم والأعشاب)، والإنسان من النوع الثالث، ويقول العلماء: إن كل مجموعة يمكن أن تحمل الأمراض نفسها فيما بينها، والخنزير من مجموعة الإنسان نفسه (آكلات اللحوم والأعشاب)، لذلك فانتقال الأمراض منه وارد جداً، إذا أكله الإنسان، إضافة إلى أن أحد العلماء الألمان (أسلم) في أحد بحوثه يقول: (اتضح أن دهن الخنزير من أصعب اللحوم في الهضم)، وهذا يسبب للإنسان أمراضاً لا كبيرة لا يتحملها الإنسان، والأصل في التحريم أولاً وأخيراً أنه طاعة لله سبحانه وتعالى، سواء فهم الإنسان الحكمة أو لم يفهمها•
===============
شبهة جديدة حول كفالة مريم
زكريا ومريم:
“فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ ; (آية 37).
قالوا إنّ زكريا هو الذي كفل مريم ووضعها في محراب، وكان يغلق عليها سبعة أبواب. فإذا دخل عليها المحراب وجد عندها فاكهةً في غير وقتها: فاكهة الشتاء في الصيف، وفاكهة الصيف في الشتاء. وقالوا كان يأتيها رزقُها من الجنَّة، فيقول زكريا: يا مريم أَنَّى لكِ هذا؟ فتقول هو من عند الله. تكلمت وهي صغيرة في المهد كما فعل ولدها عيسى. وقال محمد بن اسحق: أصابت بني إسرائيل أزمة حتى ضعُف زكريا عن حملها وكفالتها. فاقترعوا (على كفالتها) فوقعت القرعة على نجارٍ يقال له يوسف، فعرفت مريم في وجهه شدّةً، فقالت له: يا يوسف أحسِنْ بالله الظن فإنه سيرزقنا . فإذا أتاها بشيءٍ أنماه الله وزاده، فيدخل زكريا عليها فيقول يا مريم أنّى لك هذا؟ فتقول: هو من عند الله .
فنقول: (1) من تتبَّع جدول نسب مريم العذراء يجد أنها من نسل داود، أي من النسل الملوكي، فقول القرآن إن زكريا كان يكفلها خطأ.
(2) أخطأ أيضاً في قوله إن الله كان يأتيها بفاكهةٍ في غير أوانها، من الجنة، فإن الجنة ليست محل أكل وشرب، ونعيمها لا يقوم بالملاذ المادية الجسدية، بل كل تنعماتها روحية.(6/381)
(3) يخبرنا الكتاب المقدس أن القديسة مريم كانت مخطوبة ليوسف، فوُجدت حبلى من الروح القدس قبل أن يجتمعا، فظهر له الله في رؤيا وأخبره أن الذي حُبل به فيها هو من الروح القدس، وسيُدعى اسمه يسوع لأنه يخلّص شعبه من خطاياهم (متى 1).
(4) كان الشرع اليهودي يحرّم وجود امرأة داخل الهيكل، ولكنهم يقولون إن مريم كانت مقيمة بالهيكل، وهذا خطأ لا يقع فيه من كان على علم بحقائق الشريعة اليهودية.
المحرر الذي جعل حراً خالصاً، يقال: حررت العبد إذا خلصته عن الرق، وحررت الكتاب إذا أصلحته، وخلصته فلم تبق فيه شيئاً من وجوه الغلط، ورجل حر إذا كان خالصاً لنفسه ليس لأحد عليه تعلق، والطين الحر الخالص عن الرمل والحجارة والحمأة والعيوب أما التفسير فقيل مخلصاً للعبادة عن الشعبي، وقيل: خادماً للبيعة، وقيل: عتيقاً من أمر الدنيا لطاعة الله، وقيل: خادماً لمن يدرس الكتاب، ويعلم في البيع، والمعنى أنها نذرت أن تجعل ذلك الولد وقفاً على طاعة الله، قال الأصم: لم يكن لبني إسرائيل غنيمة ولا سبي، فكان تحريرهم جعلهم أولادهم على الصفة التي ذكرنا، وذلك لأنه كان الأمر في دينهم أن الولد إذا صار بحيث يمكن استخدامه كان يجب عليه خدمة الأبوين، فكانوا بالنذر يتركون ذلك النوع من الانتفاع، ويجعلونهم محررين لخدمة بيت الله وطاعة الله تعالى، وقيل: كان المحرر يجعل في الكنيسة يقوم بخدمتها حتى يبلغ الحلم، ثم يخير بين المقام والذهاب، فإن أبى المقام وأراد أن يذهب ذهب، وإن اختار المقام فليس له بعد ذلك خيار، ولم يكن نبي إلا ومن نسله محرر في بيت المقدس.
إن حنة نذرت مطلقاً إما لأنها بنت الأمر على التقدير، أو لأنها جعلت ذلك النذر وسيلة إلى طلب الذكر.
تثنية 2321
اذا نذرت نذرا للرب الهك فلا تؤخر وفاءه . لان الرب الهك يطلبه منك فتكون عليك خطية . 22 ولكن اذا امتنعت ان تنذر لا تكون عليك خطية 23 ما خرج من شفتيك احفظ واعمل كما نذرت للرب الهك تبرعا كما تكلم فمك
ولهذا اعلم أن هذا النوع من النذر كان في شرع بني إسرائيل وغير موجود في شرع الإسلام
ثم قال تعالى: { قَالَتْ رَبّ إِنّى وَضَعْتُهَا أُنثَى } واعلم أن الفائدة في هذا الكلام أنه تقدم منها النذر في تحرير ما في بطنها، وكان الغالب على ظنها أنه ذكر فلم تشترط ذلك في كلامها، وكانت العادة عندهم أن الذي يحرر ويفرغ لخدمة المسجد وطاعة الله هو الذكر دون الأنثى فقالت { رَبّ إِنّى وَضَعْتُهَا أُنثَى } خائفة أن نذرها لم يقع الموقع الذي يعتمد به ومعتذرة من إطلاقها النذر المتقدم فذكرت ذلك لا على سبيل الإعلام لله تعالى، تعالى الله عن أن يحتاج إلى إعلامها، بل ذكرت ذلك على سبيل الاعتذار.
ثم قال تعالى حكاية عنها { وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالأُنثَى } : أن مرادها تفضيل الولد الذكر على الأنثى، وسبب هذا التفضيل من وجوه
أحدها: أن شرعهم أنه لا يجوز تحرير الذكور دون الإناث
والثاني: أن الذكر يصح أن يستمر على خدمة موضع العبادة، ولا يصح ذلك في الأنثى لمكان الحيض وسائر عوارض النسوان
والثالث: الذكر يصلح لقوته وشدته للخدمة دون الأنثى فإنها ضعيفة لا تقوى على الخدمة
والرابع: أن الذكر لا يلحقه عيب في الخدمة والاختلاط بالناس وليس كذلك الأنثى
والخامس: أن الذكر لا يلحقه من التهمة عند الاختلاط ما يلحق الأنثى فهذه الوجوه تقتضي فضل الذكر على الأنثى في هذا المعنى.
وقولها { وَإِنّى سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ } وفيه أبحاث:
أن ظاهر هذا الكلام يدل على ما حكينا من أن عمران كان قد مات في حال حمل حنة بمريم، فلذلك تولت الأم تسميتها، لأن العادة أن ذلك يتولاه الآباء.
{ وكفلها زكريا }..
أي جعل كفالتها له، وجعله أميناً عليها.. وكان زكريا رئيس الهيكل اليهودي. من ذرية هارون الذين صارت إليهم سدانة الهيكل.
ونشأت مباركة مجدودة. يهيىء لها الله من رزقه فيضاً من فيوضاته:
{ كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً. قال: يا مريم أنى لك هذا؟ قالت: هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب }..
ولا نخوض نحن في صفة هذا الرزق كما خاضت الروايات الكثيرة. فيكفي أن نعرف أنها كانت مباركة يفيض من حولها الخير ويفيض الرزق من كل ما يسمى رزقاً. حتى ليعجب كافلها - وهو نبي - من فيض الرزق. فيسألها: كيف ومن أين هذا كله؟ فلا تزيد على أن تقول في خشوع المؤمن وتواضعه واعترافه بنعمة الله وفضله، وتفويض الأمر إليه كله:
{ هو من عند الله. إن الله يرزق من يشاء بغير حساب }..
وهي كلمة تصور حال المؤمن مع ربه، واحتفاظه بالسر الذي بينه وبينه. والتواضع في الحديث عن هذا السر، لا التنفج به والمباهاة! كما أن ذكر هذه الظاهرة غير المألوفة التي تثير عجب نبي الله زكريا. هي التمهيد للعجائب التي تليها في ميلاد يحيى وميلاد عيسى..(6/382)
وقد يجهل النصارى ما بالجنة كما جاء بالكتاب المقدس وكأنهم يجهلوا دينهم ويتبعوا رجال الدين الذي يضللونهم بأن الجنة روحية لا جسدية ... لنرى
ماورد على لسان المسيح عليه السلام بشرب الخمر في ملكوت الله أي الجنة :
مرقس [ 14 : 25 ] : (( الحق اقول لكم اني لا اشرب بعد من نتاج الكرمة الى ذلك اليوم حينما اشربه جديدا في ملكوت الله. ))
ما ورد في الانجيل على اشتمال الجنة على الأكل :
جاء في إنجيل لوقا [ 22 : 30 ] قول المسيح لتلاميذه : (( وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً ، لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي ، ونجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر ))
ان هذا الكلام من المسيح حجة على النصارى ، فقد قال المسيح : (( ان إليعازر هذا في كفالة ابراهيم يتنعم ويتلذذ في الآخرة ))
رؤية الله في الآخرة بالجسد :
جاء في سفر أيوب : (( أعلم أن إلهى حي ، وأنى سأقوم فى اليوم الأخير بجسدى وسأرى بعينى الله مخلّصى )) [أى 19: 25ـ27]
فهل بعد كل هذا سيستمر النصارى بدعوه أن جنتهم جنة روحيه فقط ??
اقتباس:
(4) كان الشرع اليهودي يحرّم وجود امرأة داخل الهيكل، ولكنهم يقولون إن مريم كانت مقيمة بالهيكل، وهذا خطأ لا يقع فيه من كان على علم بحقائق الشريعة اليهودية.
قلنا هي نذرت والنذر في اليهودي كان مباح وله أحكام :
تثنية 2321
اذا نذرت نذرا للرب الهك فلا تؤخر وفاءه . لان الرب الهك يطلبه منك فتكون عليك خطية . 22 ولكن اذا امتنعت ان تنذر لا تكون عليك خطية 23 ما خرج من شفتيك احفظ واعمل كما نذرت للرب الهك تبرعا كما تكلم فمك
================
هل توجد أرض غير أرضنا ؟
منصور حسب النبي ـ رئيس قسم الفيزياء بجامعة عين شمس سابقاً : إن هناك ستة أراضي أخرى غير أرضنا ولكل أرض سماؤها التي تعلوها، وما يؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: " اللهم رب السماوات السبع وما أظللن ورب الأرضين وما أقللن " كما يقول : إن هذه الأرضين يعيش عليها خلق آخرون عقلاء مستشهداً بقوله تعالى : " الله الذي خلق سبع سماوات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علماً " الطلاق:12 ، مما يدل على تنزل الأمر ••• وأن هذا الأمر لابد أن يكون موجهاً إلى كائنات عاقلة، وأنه قد يأتي زمان تجتمع فيه كل هذه الكائنات مستشهداً بقوله تعالى : " ومن آياته خلق السماوات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير " الشورى : 29 •• ما تعليقكم على ذلك؟ علماً بأن هذا التفسير يتعارض مع آيات كثيرة في مواضع أخرى وعن ما يعلمه الكثير من تطابق السماوات وصولاً إلى سدرة المنتهى؟
الحقيقة •• هذا قصور في فهم دلالة الآيات ، فالقرآن الكريم يقول : " الذي خلق سبع سماوات طباقاً " الملك : 3 ، وطباقاً تعني أنها متطابقة حول مركز واحد يغلِّف الخارج منها الداخل، أي كرات سبع ••• كرة داخل كرة حتى تصل إلى السماء الدنيا ، والعلم التجريبي والفيزياء تقول : إن كوننا كون منحنٍ لأن الإنسان لا يستطيع أن يرى إلا جزءاً صغيراً من السماء الدنيا، والقرآن بنصه يقول : " ولقد زيَّنا السماء الدنيا بمصابيح " الملك:5، والمصابيح هي النجوم ، والنجوم لا توجد إلا في السماء الدنيا ، ولا يمكن لكوكب أن يوجد بمفرده دون أن يكون تابعاً لنجم، فإذا كانت النجوم قاصرة على السماء الدنيا ••• فكيف توجد أرضين في سماوات أخرى ولا يوجد فيها نجوم؟!! هذا فهم قاصر ••• والقرآن بنصه ينفي هذا القول ، ولا يوجد دليل علمي يؤكد ذلك، لكن إذا كانت السماوات السبع متطابقة كما ذكرنا فلا بد أن تكون الأرضين السبع كلها لها الشبه نفسه الخارج منها يغلّف الداخل ، ولذلك يتحدث القرآن الكريم عن أقطار السماوات والأرض ، ولا يمكن أن يكون قطر السماوات والأرض واحداً إلا إذا كانت متطابقة بداخل بعضها بعضاً ، وإلا إذا كانت الأرض في مركز الكون، ويؤكد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم : " من اغتصب شبراً من هذه الأرض خسف به يوم القيامة إلى سبع أرضين" • أما تفسير قوله تعالى : " يتنزل الأمر بينهن " على وجوب وجود خلق عقلاء على كل أرض ، فهذا تكلف شديد في التفسير وقصور في فهم الآيات ، وهذا لا يعني أننا ننفي أن الكون مليء بالخلق، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول : " أطت السماء أطاً وحق لها أن تئط ، ما في أربعة أصابع إلا وفيها ملك قائم أو راكع أو ساجد يعبد ربه " فنحن نسلم بنص القرآن الكريم على أن الكون مليء بالخلق ، منهم ما أخبرنا عنهم بالملائكة والجن من الخلق الغيبي ومنهم من لم يخبرنا عنهم ولا نعرفهم ونحن غير مكلفين بمتابعتها .
================
وداً وسُواعاً ويغوثَ ويعوقَ ونسراً(6/383)
:يقول: بانَ للعقل الإسلامي أن وداً وسُواعاً ويغوثَ ويعوقَ ونسراً كانت الأوثان التي تعبد في الجزيرة العربية زمن البعثة المحمدية ، وعجز العقل الإسلامي عن أن يفهم الصلة بين هذه الأوثان وبين نوح عليه السلام حتى تجيء في قصته ، فالدنيا خربت في زمن نوح بالطوفان , فكيف بقيت تلك الأصنام؟(810).
-الجواب:
نسأل:مَن قال إن الدنيا خربت؟ إنما هلك كل الناس إلا من كان في السفينة ، وأما بقاء الأصنام وغيرها من الجمادات فهو غير مستبعد.
قال القرطبي : (عن ابن عباس: إن نوحا عليه السلام كان يحرس جسد آدم عليه السلام , على جبل بالهند, فيمنع الكافرين أن يطوفوا بقبره, فقال لهم الشيطان: إن هؤلاء يفخرون عليكم، ويزعمون أنهم بنو آدم دونكم , وإنما هو جسد , وأنا أصور لكم مثله تطوفون به. فصور لهم هذه الأصنام الخمسة ، وحملهم على عبادتها, فلما كان أيام الطوفان دفنها الطين والتراب والماء, فلم تزل مدفونة حتى أخرجها الشيطان لمشركي العرب) (811).
===============
فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ
سياق آيات قصة لوط في سورة الحِجْر , يخالف سياق نفس القصة في سورة هود وغيرها من السور :
ففي الحِجْر : ( فَلَمَّا جَاءَ آلَ لُوطٍ الْمُرْسَلُونَ(61)قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ مُنكَرُونَ(62)قَالُوا بَلْ جِئْنَاكَ بِمَا كَانُوا فِيهِ يَمْتَرُونَ(63)وَأَتَيْنَاكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ(64)فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَاتَّبِعْ أَدْبَارَهُمْ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ وَامْضُوا حَيْثُ تُؤْمَرُونَ(65)وَقَضَيْنَا إِلَيْهِ ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ(66)وَجَاءَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَسْتَبْشِرُونَ(67)قَالَ إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ(68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ(69)قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ(71) ( [الحجر:61-71].
وأما في هود : ( وَلَمَّا جَاءَتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ(77)وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِن قَبْلُ كَانُوا يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَاقَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنْكُمْ رَجُلٌ رَشِيدٌ (78) قَالُوا لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ (79) قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أَوْ آوِي إِلَى رُكْنٍ شَدِيدٍ(80) قَالُوا يَالُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُوا إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلَا يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ (81) ( [هود:77-81]، ففي الحجر أخبروه أنهم رسل الله قبل أن يأتي قومه ، وفي هود أخبروه بعد ذلك؟.
-الجواب:
لا شك أن سياق سورة هود هو سياق قصة لوط ,كما يدل عليه غيره من الآيات ، ويدل عليه أيضا قوله في الحجر: ( إِنَّ هَؤُلَاءِ ضَيْفِي فَلَا تَفْضَحُونِ(68) وَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تُخْزُونِ(69) قَالُوا أَوَلَمْ نَنْهَكَ عَنِ الْعَالَمِينَ(70)قَالَ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي إِنْ كُْنتُمْ فَاعِلِينَ ( فلو كان يعلم أنهم ملائكة لما قال هذا الكلام لقومه.
وليس في الحجر ما يدل على خلاف هذا ، وكون الآيات قدمت كلام الملائكة مع أنه متأخر حدوثا , فهذا لا يضر لحكمة معينة، والواو لا تقتضي الترتيب ،قال ابن كثير: ( قوله: قال
( إن هؤلاء ضيفي فلا تفضحون واتقوا الله ولا تخزون ( . وهذا إنما قاله لهم قبل أن يعلم بأنهم رسل الله ، كما قال في سورة هود , وأما ههنا فتقدم ذكر أنهم رسل الله , وعطف ذكر مجيء قومه ومحاجته لهم ، ولكن الواو لا تقتضي الترتيب ولا سيما إذا دل دليل على خلافه
===============
أن في القرآن أساطير للأولين
وذكر خلف الله أن في القرآن أساطير للأولين ؛ومثل لها بالذي مر على قرية وهو خاوية على عروشها، وقصة أهل الكهف، لأن ما فيها من أخبار الغيب لا يتفق مع مقاييس العقل(813).
-الجواب:
1- تحكيم القرآن إلى العقل خطير جدا ، لأن العقل أحيانا كثيرة يخطئ، فكيف يحاكم الكتاب المعصوم إلى ما هو كثير الخطأ، ثم عقول الناس تتفاوت ؛فهناك العبقري وهناك الأخرق، وبينهما مراتب كثيرة، فأي عقل من هذه المراتب نحاكم لها القرآن ، ثم إذا وجدنا عقولا بمنزلة مقبولة لنقد القرآن ؛ فما هو الحل عندما تختلف هذه العقول، لاشك إن هذا باب لو فتح لا يغلق .(6/384)
2- قصة أهل الكهف يثبتها أهل الكتاب أيضا، بل إنما نزلت هذه الآيات بناء على استفسارهم عنها –كما تقدم-(814)، والعادة أنهم لا يطعنون في كتبهم المقدسة –على خلاف بعض بني جلدتنا-، فالطعن في قصة تتابعت الكتب السماوية على إثباتها جرأة خطيرة .
3-هذه دعوى من غير دليل ، وكل دعوى بلا دليل باطلة ، لاسيما إذا كان القرآن يقرر خلاف هذه الدعوى.
==============
الطعن في قصة سليمان عليه السلام مع بلقيس والهدهد:
قال الإمام الرازي: ( أن الملاحدة طعنت في هذه القصة من وجود :
أحدها : أن هذه الآيات اشتملت على أن النملة والهدد تكلما بكلام لا يصدر ذلك الكلام إلا من العقلاء ، وذلك يجر إلي السفسطة ، فإنا لو جوزنا ذلك لما أمنا في النملة التي نشاهدها في زماننا هذا أن تكون أعلم بالهندسة من إقليدس وبالنحو من سيبويه ، وكذلك القول في القملة والصئبان ، ويجوز أن يكون فيهم الأنبياء والتكاليف والمعجزات .
ومعلوم أن من جوز ذلك كان إلى الجنون أقرب .
وثانيها : أن سليمان عليه السلام كان بالشام ، فكيف طار الهدد في تلك اللحظة اللطيفة من الشام إلى اليمن ، ثم رجع إليه .
وثالثها : كيف خفي على سليمان عليه السلام حال مثل تلك المملكة العظيمة مع ما يقال إن الجن والإنس كانوا في طاعة سليمان ، وأنه عليه السلام كان ملك الدنيا بالكلية ، وكان تحت راية بلقيس حال طيران الهدهد إلا مسيرة ثلاثة أيام ؟.
ورابعها : من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالي ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافة إلي الشيطان وتزينه ؟) (815).
-الجواب:
قال الرازي في الجواب على ذلك:
(والجواب على الأول : أن ذلك الاحتمال قائم في أول العقل ، وإنما يدفع ذلك بالإجماع .
وعن البواقي : أن الإيمان بافتقار العالم إلي المختار يزيل هذه الشكوك)(816).
(هذا ما رد به الرازي على هذه الطعون ، وهو رد مجمل قاصر يكاد يسلم – بعد هذه الطعون الفصلة – بالعجز على الرد المفصل القوي ، مما يذكرنا بما قيل عن الرازي أنه – مع علمه وفضله – كان يذكر الطعون مفصلة ولا يورد معها – أحيانا – ما يكافئها من الجواب ، مما فتح مجالا أمام متبعي الشبهات للاستدلال على طعونهم بما أورده الرازي ولم يفلح – مع كبير علمه – في الرد المقنع عليه .
والحقيقة أن هذه الطعون – التي عرض لها خلف الله في سياق نظريته السابقة – لا تقوم في مجموعها أو تفصيلاتها كمستند للطعن في شيء من القرآن الكريم ، وسيكون ردنا عليها نقضاً لكل من يستدل بها وذلك على النحو التالي :
(أ) فيما يتصل بكلام الهدهد والنملة – فقد أصبح من المقطوع به الآن عند العلماء الذين يدرسون سلوك أنواع الطير والحيوان والحشرات ، أن لكل منها لغة تقوم مقام اللغة المعهودة عند البشر ، في التعبير ونقل الأحاسيس والمعارف ، على نحو ما ماتزال تفاصيله مجهولة من البشر ، لكن المقطوع به من شواهد كثيرة جداً أن لكل منها نوعاً من اللغة يتم به الأتصال بين أفراده ، وقد سجل بعض العلماء تسجيلات صوتية لأنواع من الطيور في حالة الفزع نقلت إليهم – في غاية من الوضوح – هذه المشاعر والمعاني (817) .
فلم يعد يشك الآن في أن كل نوع من الأحياء له لغة خاصة بأفراده ، وهذا أمر واضح لكل من يراقب سلوك الطيور والحشرات ،بل إن بعض العلماء يذهبون إلى أن أنواع النبات هي الأخرى تملك لغة واتصالاً فيما بينها ، على نحو ما – مما لا يتسع المجال لتقرير القول فيه ، ولا يتطلبه.
فما العجب بعد هذا من أن تتكلم النملة ، ويتكلم الهدهد ، بكلام يفهمه سليمان عليه السلام لأنه – كما ورد في القرآن الكريم – علم منطق الطير وأوتي من كل شيء (النمل 16) (818) ؟ أما أنهم تكلموا بكلام يدل على شيء من العقل فإن من يراقب سلوك الطير والحشرات فسوف يدرك بغاية من الوضوح أن سلوكهم يجرى على نظم من الوعى والتدبير والعمل من أجل غايات تهديهم إليها غرائزهم وفطرهم ، وعلى المعاند في هذا أن يقراء شيء عن سلوك الحشرات والطيور في كتب العلم التجريبي ، وسوف يذهله ما يقرأ ، وعليه أن يراقب العمل والنطام في (مملكة النحل) أو في (عالم النمل وقراه التي ينشئها ) .. وليس ذلك كله إلا مصدقاً لقوله تعالي ( ربنا الذي أعطي كل شيء خلقه ثم هدى ( [طه : 50] وقوله : ( وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ثم إلى ربهم يحشرون ( [ الأنعام : 38 ] ، وهو الذي تدل عليه بحق كافة مشاهدات العلماء المحققين . والمتشكك في ذلك إنما هو المستحق لسخرية الساخرين ! فما العجب إذن في أن تتكلم نملة ويتكلم هدهد ؟ وما العجب في أن يفهم عنهما من عرف لغة كل منهما ؟(6/385)
ولا يجر ذلك – كما زعم الملاحدة الطاعنون – إلي شيء من السفسطة التي ذكروها ، فلم يقل القرآن الكريم بشيء من ذلك ، إنما قال بما تدل عليه ملاحظة هذه الأنواع ، وهو أن لها منطقاً ، أما علم الهندسة ، والنحو ، والتكاليف ، والمعجزات؛ فإنما هو من قول الملاحدة الذي يرد عليهم ، لأننا لا نحمل القرآن الكريم إلا ما نطق به لا ما قام في أوهام الملاحدة.
(ب) فيما يتصل بطيران الهدهد من الشام إلي اليمن ، ثم الرجوع إلى الشام ، فالذي ورد في القرآن الكريم عنه قوله تعالى :( فمكث غير بعيد .. ( [ النمل : 22 ] ، وليس في القرآن الكريم تحديد أن الهدهد مكث " لحظة " كما يقول هؤلاء ، ولا يفهم من " غير بعيد " في سياقها إلا مدة تكفي للطيران ، وقد قرئت على صفحاء العرب من المشركين في عصر الرسالة – وهم أعلم باللغة ، وكانوا يعرفون اليمن والشام – فما أثاروا – فيما علمنا – هذا الاعتراض ، فعلم منه أن التعبير القرآني يخلوا عن دواعي اعتراض هؤلاء الملاحدة .
(ج) أنا كيف خفي على سليمان حال مملكة سبأ – فإن القرآن الكريم لم يصفه بأنه كان يعرف الغيب ، وقد كان هذا غيبا بالنسبة إليه ، وليس فيما وصف القرآن الكريم به سليمان عليه السلام إلا تسخير الرياح والشياطين وتعليم منطق الطير وإيتاء الملك الذي لا ينبغي لأحد بعده ، لكن ليس فيه شيء من وصفه بعلم غير ما علمه الله له ، فما العجب في أن تكون في الأرض أشياء وممالك كان سليمان – مع عظمة ما أعطاه الله له – يجهلها ؟ إن القرآن الكريم لا يذكر شيئا عن أن سليمان - عليه السلام – كان ملك الدنيا كلها بأكملها – كما يزعم هؤلاء الطاعنون – ولعل مستندهم في هذا إنما هو بعض المبالغات الإسرائيلية التي لم يرد لها ذكر في الوحي القرآني .
أما إذا كان واحد منهم قد فهم ذلك من قوله تعالى :( وحشر لسليمان جنوده من الجن والإنس والطير فهم يوزعون ( [النمل : 16] ، فهو لا يعرف شيئاً عن أساليب البيان العربية ، لأن (من) هنا للتبعيض ، وليس المعني أن كل الأنس – دون استثناء – كانوا تحت ملكه .
ولعل الذي جر الطاعنين إلي طعنهم ما ذكروه هم من أنه كان تحت راية ملكة سبأ اثنا عشر الف ملك تحت راية كل منهم مائة ألف !
وليس في نصوص القرآن الكريم شيء من هذا مطلقاً ، والعدد الذي ذكروه يجاوز بكثير جداً ما يمكن أن يكون موجوداً عندئذ من عدد السكان ، وهو يذكرنا بما نقده ابن خلدون من مبالغات المؤرخين القدماء ، وما حذر منه ( فيكو) من غرور الأمم حين تكتب تارخها – فكيف تحمل هذه المبالغات على نصوص القرآن الكريم التي لم تعرض لها إطلاقاً ؟
فلا عجب إذن أن يجهل سليمان - عليه السلام – أمر ملكة سباً مع كل ما أعطاه الله له ، لأنه لم يعطه علم كل ما في الأرض ، ولم تكن هناك اتصالات منتظمة بين المالك بحيث تعرف كل منها الأخرى ، وتتصل بها على النحو الذي نعهده في عصرنا والذي حدث بعد ذلك بحكم التطور العمراني ، ولم تكن الجن التي سخرت لسليمان – عليه السلام – أيضاً تعرف الغيب كما ورد في قوله تعالي : ( فلما قضينا عليه الموت ما دلهم على موته إلا دابة الأرض تأكل منسأته فلما خر تبينت الجن أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين ( [سبأ : 14] .
(د) أما من أين حصل للهدهد معرفة الله تعالى ووجوب السجود له وإنكار سجودهم للشمس وإضافته إلي الشيطان وتزيينه؟ فإنما كان الهدهد من جند سليمان عليه السلام ، والآيات تتكلم عن أمر ( غيبي ) لا يقاس على معرفة البشر الآن بأحوال الطير ، وما المانع من أن تكون فطرة كافة المخلوقات عارفة بوجوب السجود لله تعالى وحده ، وقد جاء في القرآن الكريم شاهداً بذلك قوله تعالى : ( اولم يروا إلي ما خلق الله من شيء يتفيؤ ظلاله عن اليمين والشمائل سجداً لله وهم داخرون ولله يسجد ما في السموات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ( [ النحل : 48-49] وقوله : ( والنجم والشجر يسجدان ( [الرحمن : 6] وقوله : ( الم تر ان الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون ( [النور : 41] وقوله ( تسبح له السموات السبع والأرض ومن فيهم وإن من شيء إلا يسبح بحمده ولكن لا تفقهون تسبيحهم إنه كان حليماً غفوراً ( [الإسراء : 44] ... فما العجب بعد هذا كله أن بكون الهدهد من جند سليمان – عليه السلام – عارفاً لوجوب السجود لله تعالى وحده منكراً السجود لغيره ؟(6/386)
إن القضية – فيما نري قضية إخبار عن الغيب لا تصل معرفة البشر التجريبية أو العقلية إلى شيء يستند إليه إنكار هذا الإخبار الذي يجاوز حدود هذه المعرفة ، فالمؤمنون بالغيب وبصدق الوحي القرآني يؤمنون به ، والمكذبون ينكرون بكل ما لا يقع منهم تحت حس مباشر أو تجربة مادية ، لكنهم في مثل هذه القضايا الغيبية لا مستند لهم في إنكارهم إلا محض الشك والتكذيب وقياس الغائب على الشاهد وتحكيم عقولهم القاصرة فيما هو من علم الغيب ،... ولسنا نملك لهؤلاء وسيلة تحملهم على الإيمان بالغيب وعدم قياس الأمور فيه على علم الشهادة البشرية . ( ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئا اولئك الذين لم يرد الله ان يطهر قلوبهم لهم في الدنيا خزي ولهم في الأخرة عذاب عظيم ( [المائدة : 41] .
.... وبهذا يتبين لنا أنه ليس فيما ورد من قصة سليمان في سورة النمل ما يطعن في صحة شيء مما ورد في القرآن الكريم)(819).
وقد ذكر خلف الله طعونا أخرى لكنها لا تدخل في موضوع (دعوى معارضة القرآن للحقائق التاريخية) ، لذلك لم أذكرها ،وإن كان من رد على خلف الله ذكرها ؛ لأني لا أرد على كتاب خلف الله، بل أرد على من زعم هذه الدعوى، وأغلب إشكالاته من باب تعارض الآيات بعضها مع بعض , وقد أجبنا على أكثرها في المطلب السابق
================
الطعون العامة التي يوردها الطاعنون
الطعون العامة التي يوردها الطاعنون ، ونشير هنا إلى الأسباب التي كانت وراءها ، أو التي دفعت هؤلاء إلي الخوض في قضايا تمس القرآن الكريم ، ومن ثم يمكن القول بأن اختلافهم في القرآن يرجع إلى مجموعة من الاعتبارات ؛ نذكر أهمها فيما يلى :
أما نفي نسبة القرآن إلى الله تعالى ، وزعم عدم حفظ القرآن ، وما يندرج تحتهما من طعونات ، فإنها دعاوى من غير أدلة ولا برهان ، وسببها الحقد المحض ، ولعل سببها الوحيد لديهم دعواهم وجود التناقض في القرآن ، والتناقض دليل على عدم قدسيته .
وأما دعوى تناقض القرآن فإنها ترجع لخمسة أسباب ، كما ذكرها الزركشي ، فقد قال - رحمه الله - :
الأول : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى :
كقوله تعالى في خلق آدم إنه (من تراب( [ آل عمران : 59] ، ومرة (من حمأ مسنون( [الحجر : 26] ، ومرة (من طين لازب( [الصافات : 11] ، ومرة (من صلصال كالفخار( [الرحمن : 14] ، وهذه الألفاظ مختلفة ، ومعانيها في أحوال مختلفة ؛ لأن الصلصال غير الحمأ ، والحمأ غير التراب ، إلا أن مرجعها كلها إلى جوهر ، وهو التراب ، ومن التراب تدرجت هذه الأحوال .
ومنه قوله تعالى : (فإذا هي ثعبان مبين( [ الشعراء : 32 ] ، وفي موضع (تهتز كأنها جان( [القصص : 31] ، والجان الصغير من الحيات ، والثعبان الكبير منها ؛ وذلك لأن خلقها خلق الثعبان العظيم واهتزازها وحركاتها وخفتها كاهتزاز الجان وخفته .
السبب الثاني : اختلاف الموضوع :
كقوله تعالى : (وقفوهم إنهم مسئولون([الصافات : 24] ، وقوله : (فلنسألن الذين أرسل إليهم و لنسألن المرسلين( [ الأعراف : 6 ] ، مع قوله : (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان( [الرحمن : 36] ؛ قال الحليمي : فتحمل الآية الأولى على السؤال عن التوحيد وتصديق الرسل ، والثانية على ما يستلزم الإقرار بالنبوات من شرائع الدين وفروعه .
وحمله غيره على اختلاف الأماكن ؛ لأن في القيامة مواقف كثيرة ، فموضع يسأل ويناقش وموضع آخر يرحم ويلطف به ، وموضع آخر يعنف ويوبخ وهم الكفار ، وموضع آخر لا يعنف وهم المؤمنون .
وقوله : (ولا يكلمهم الله يوم القيامة([البقرة : 174] ، مع قوله : (فوربك لنسألنهم أجمعين عما كانوا يعملون([الحجر : 92-93] وقيل : المنفي كلام التلطف والإكرام ، والمثبت سؤال التوبيخ والإهانة ، فلا تنافي ، وقيل : إن المنفي كلامهم في النار، والمثبت كلامهم في الحساب .
وكقوله : (ثم لم تكن فتنتهم إلا أن قالوا والله ربنا ما كنا مشركين([الأنعام : 23] ، مع قوله : (ولا يكتمون الله حديثا([النساء : 42] ، فإن الأولى تقتضي أنهم كتموا كفرهم السابق ، والجواب من وجهين ؛ أحدهما : أن للقيامة مواطن ففي بعضها يقع منهم الكذب ، وفي بعضها لا يقع ، كما سبق ، والثاني : أن الكذب يكون بأقوالهم ، والصدق يكون من جوارحهم ، فيأمرها الله تعالى بالنطق فتنطق بالصدق .
ومنه قوله تعالى : (اتقوا الله حق تقاته([آل عمران : 102] ، مع قوله : (فاتقوا الله ما استطعتم([التغابن : 16] ، يحكى عن الشيخ العارف أبي الحسن الشاذلي ، رحمه الله ، أنه جمع بينهما فحمل الآية الأولى على التوحيد ، والثانية على الأعمال ، والمقام يقتضي ذلك ؛ لأنه قال بعد الأولى (ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون( .(6/387)
وقيل : بل الثانية ناسخة ؛ قال ابن المنير : الظاهر أن قوله : (اتقوا الله حق تقاته( إنما نسخ حكمه لا فضله وأجره ، وقد فسر النبي ( حق تقاته بأن قال : « هو أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر » . فقالوا : أينا يطيق ذلك . فنزلت(فاتقوا الله ما استطعتم( وكان التكليف أولا باستيعاب العمر بالعبادة بلا فترة ولا نعاس ، كما كانت الصلاة خمسين ثم صارت بحسب الاستطاعة خمسا ، والاقتدار منزل على هذا الاعتبار ، ولم ينحط من درجاته ، وقال الشيخ كمال الدين الزملكاني : وفي كون ذلك منسوخا نظر ، وقوله : (ما استطعتم( هو (حق تقاته( إذ به أمر فإن (حق تقاته( الوقوف على أمره ودينه ، وقد قال بذلك كثير من العلماء اهـ .
والحديث الذي ذكره ابن المنير في تفسيره (حق تقاته(لم يثبت مرفوعا ، بل هو من كلام ابن مسعود رواه النسائي ، وليس فيه قول الصحابة : أينا يطيق ذلك ، ونزول قوله تعالى : (فاتقوا الله ما استطعتم( .
ومنه قوله تعالى : (فإن خفتم ألا تعدلوا فواحدة([النساء : 3] مع قوله في أواخر السورة : (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم( [النساء : 129] فالأولى تُفهم إمكان العدل ، والثانية تنفيه ؛ والجواب أن المراد بالعدل في الأولى العدل بين الأزواج في توفية حقوقهن ، وهذا ممكن الوقوع وعدمه ، والمراد به في الثانية الميل القلبي ؛ فالإنسان لا يملك ميل قلبه إلى بعض زوجاته دون بعض ، وقد كان يقسم بين نسائه ثم يقول : " اللهم هذا قسمي في ما أملك ، فلا تؤاخذني بما لا أملك " . يعني ميل القلب ، وكان عمر يقول : اللهم قلبي فلا أملكه ، وأما ما سوى ذلك فأرجو أن أعدل .
ويمكن أن يكون المراد بالعدل في الثانية العدل التام ؛ أشار إليه ابن عطية ، وقد يحتاج الاختلاف إلى تقدير ، فيرتفع به الإشكال كقوله تعالى : (لا يستوي القاعدون من المؤمنين غير أولي الضرر والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة وكلا وعد الله الحسنى([النساء : 95] ثم قال سبحانه : (وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما( والأصل في الأولى : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من أولي الضرر درجة ، والأصل في الثانية : وفضل الله المجاهدين على القاعدين من الأصحاء درجات .
وكقوله تعالى : (إن الله لا يأمر بالفحشاء([الأعراف : 28] مع قوله : (أمرنا مترفيها ففسقوا فيها([الإسراء : 16] ، والمعنى أمّرناهم وملّكناهم وأردنا منهم الصلاح فأفسدوا ، والمراد بالأمر في الأولى أنه لا يأمر به شرعا ولكن قضاء ؛ لاستحالة أن يجري في ملكه مالا يريد ، وفرقٌ بين الأمر الكوني والديني .
الثالث : الاختلاف في جهتي الفعل :
كقوله تعالى : (فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم( [الأنفال : 17] ؛ أضيف القتل إليهم على جهة الكسب والمباشرة ، ونفاه عنهم باعتبار التأثير ؛ ولهذا قال الجمهور : إن الأفعال مخلوقة لله تعالى ، مكتسبة للآدميين ، فنفي الفعل بإحدى الجهتين لا يعارضه إثباته بالجهة الأخرى . وكذا قوله : (وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى([الأنفال:17] أي ما رميت خلقا إذ رميت كسبا . وقيل : إن الرمي يشتمل على القبض والإرسال وهما بكسب الرامي ، وعلى التبليغ والإصابة وهما بفعل الله عز وجل ؛ قال ابن جرير الطبري : وهي الدليل على أن الله خالق لأفعال العباد ؛ فإن الله تعالى أضافه إلى نبيه ثم نفاه عنه ، وذلك فعل واحد ؛ لأنه من الله تعالى التوصيل إليهم ومن نبيه بالحذف والإرسال ، وإذا ثبت هذا لزم مثله في سائر أفعال العباد المكتسبة ، فمن الله تعالى الإنشاء والإيجاد ، ومن الخلق الاكتساب بالقوى .
ومثله قوله تعالى : (الرجال قوامون على النساء([النساء : 34] وقال تعالى : (وقوموا لله قانتين([البقرة : 238] فقيام الانتصاب لا ينافي القيام بالأمر لاختلاف جهتي الفعل .
الرابع : الاختلاف في الحقيقة والمجاز :
كقوله : (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى([الحج : 2] (ويأتيه الموت من كل مكان وما هو بميت([إبراهيم : 17] وهو يرجع لقول المناطقة : الاختلاف بالإضافة . أي وترى الناس سكارى بالإضافة إلى أهوال القيامة مجازا ، وما هم بسكارى بالإضافة إلى الخمر حقيقة .
ومثله في الاعتبارين قوله تعالى : (آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين( [البقرة:8] وقوله : (ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون([الأنفال : 21] ، وقوله تعالى : (وتراهم ينظرون إليك وهم لا يبصرون( [الأعراف : 198] ، فإنه لا يلزم من نفي النظر نفي الإبصار ، لجواز قولهم : نظرت إليه فلم أبصره .
الخامس : بوجهين واعتبارين :(6/388)
وهو الجامع للمفترقات ، كقوله : (فبصرك اليوم حديد([ق : 22] وقال : (خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي([الشورى : 45] ، قال قطرب : (فبصرك( : أي علمك ومعرفتك بها قوية ، من قولهم : بصر بكذا وكذا . أي علم ، وليس المراد رؤية العين ، قال الفارسي : ويدل على ذلك قوله : (فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم الحديد( وصف البصر بالحدة .
وكقوله تعالى : (وقال الملأ من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك( [الأعراف : 127] مع قوله : (أنا ربكم الأعلى( [النازعات : 24] ؛ فقيل : يجوز أن يكون معناه : ويذرك وآلهتك إن ساغ لهم ، ويكون إضافة الآلهة إليه ملكا كان يعبد في دين قومه ، ثم يدعوهم إلى أن يكون هو الأعلى ، كما تقول العرب موالي من فوق وموالي من أسفل ، فيكون اعتقادهم في الآلهة مع فرعون أنها مملوكة له ، فيحسن قولهم : (وآلهتك((108) ، وقوله تعالى : (الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله( [الرعد : 28] مع قوله : (إنما المؤمنون الذين إذا ذكر الله وجلت قلوبهم( [الأنفال : 2] فقد يظن أن الوجل خلاف الطمأنينة ؛ وجوابه أن الطمأنينة إنما تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد ، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى ، فتوجل القلوب لذلك ، وقد جمع بينهما في قوله : (تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله( [الزمر : 23] فإن هؤلاء قد سكنت نفوسهم إلى معتقدهم ، ووثقوا به ، فانتفى عنهم الشك .
وكقوله : (خمسين ألف سنة( [المعارج : 4] وفي موضع (ألف سنة( [السجدة : 5]، وأجيب بأنه باعتبار حال المؤمن والكافر بدليل (وكان يوما على الكافرين عسيرا( [الفرقان : 26] . وكقوله : (بألف من الملائكة مردفين( [الأنفال : 9] وفي آية أخرى (بثلاثة آلاف من الملائكة منزلين( [آل عمران : 124] ، قيل : إن الألف أردفهم بثلاثة آلاف ، وكان الأكثر مددا للأقل ، وكان الألف (مردفين) بفتحها…)(109) .
إذن فأسباب إيهام التناقض عند الزركشي خمسة : -
السبب الأول : وقوع المخبر به على أحوال مختلفة وتطويرات شتى .
السبب الثاني : اختلاف الموضوع .
السبب الثالث : اختلافهما في جهتي الفعل .
السبب الرابع : اختلافهما في الحقيقة والمجاز .
السبب الخامس : الاختلاف لوجهين واعتبارين .
وذكر صاحب كشف الأسرار أن من أسباب الاختلاف في القرآن :
(1- ( الغُمُوض فِي المعنى ) أَيْ الْإشكال إنَّمَا يَقَعُ لِغُمُوضٍ فِي الْمَعْنَى , وَمِنْ نَظَائِرِهِ قولُه تعالى : (فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ( , اشْتَبَهَ مَعْنَاهُ عَلَى السَّامِعِ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَيْفَ أَوْ بِمَعْنَى أَيْنَ ، فَعُرِفَ بَعْدَ الطَّلَبِ وَالتَّأَمُّلِ أَنَّهُ بِمَعْنَى كَيْفَ ، بِقَرِينَةِ الْحَرْثِ وَبِدَلَالَةِ حُرْمَةِ الْقُرْبَانِ فِي الْأَذَى الْعَارِضِ , وَهُوَ الْحَيْضُ فَفِي الْأَذَى اللَّازِمِ أَوْلَى .
2- (والاستعارة البديعة) وَأَمَّا نَظِيرُ الِاسْتِعَارَةِ الْبَدِيعَةِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ( , فَالْقَوَارِيرُ لَا يَكُونُ مِنْ الْفِضَّةِ ، وَمَا كَانَ مِنْ الْفِضَّةِ لَا يَكُونُ قَوَارِيرَ ، وَلَكِنْ لِلْفِضَّةِ صِفَةُ كَمَالٍ, وَهِيَ نَفَاسَةُ جَوْهَرِهِ وَبَيَاضُ لَوْنِهِ ، وَصِفَةُ نُقْصَانٍ وَهِيَ أَنَّهَا لَا تَصْفُو وَلَا تَشِفُّ وَلِلْقَارُورَةِ صِفَةُ كَمَالٍ أَيْضًا ، وَهِيَ الصَّفَاءُ وَالشَّفِيفُ ، وَصِفَةُ نُقْصَانٍ , وَهِيَ خَسَاسَةُ الْجَوْهَرِ ، فَعُرِفَ بَعْدَ التَّأَمُّلِ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ كُلٍّ وَاحِدٍ صِفَةُ كَمَالِهِ ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا مَخْلُوقَةٌ مِنْ فِضَّةٍ , وَهِيَ مَعَ بَيَاضِ الْفِضَّةِ فِي صَفَاءِ الْقَوَارِيرِ وَشَفِيفِهَا . وَقَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ (فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ( , فَاللِّبَاسُ لَا يُذَاقُ وَلَكِنَّهُ يَشْمَلُ الظَّاهِرَ ، وَلَا أَثَرَ لَهُ فِي الْبَاطِنِ ، وَالْإِذَاقَةُ أَثَرُهَا فِي الْبَاطِنِ وَلَا شُمُولَ لَهَا ، فَاسْتُعِيرَتْ الْإِذَاقَةُ لِمَا يَصِلُ مِنْ أَثَرِ الضَّرَرِ إلَى الْبَاطِنِ وَاللِّبَاسُ بِالشُّمُولِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : فَأَذَاقَهُمْ مَا غَشِيَهُمْ مِنْ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ . أَيْ أَثَرُهُمَا وَاصِلٌ إلَى بَوَاطِنِهِمْ مَعَ كَوْنِهِ شَامِلًا لَهُمْ . )(110)
ولعل أضبط التقاسيم بالنسبة لأسباب الطعون هو ما ذكره الراغب الأصبهاني(111) ؛ حيث قال :
(والمتشابه من القرآن : ما أشكل تفسيره لمشابهته بغيره ؛ إما من حيث اللفظ ، أو من حيث المعنى ؛ فقال الفقهاء : المتشابه ما لا ينبئ ظاهره عن مراده ، وحقيقة ذلك أن الآيات عند اعتبار بعضها ببعض ثلاثة أضرب :
محكم على الإطلاق ، ومتشابه على الإطلاق ، ومحكم من وجه متشابه من وجه .
فالمتشابه في الجملة(112) ثلاثة أضرب :(6/389)
متشابه من جهة اللفظ فقط ، ومتشابه من جهة المعنى فقط ، ومتشابه من جهتهما .
- والمتشابه من جهة اللفظ ضربان :
1- أحدهما يرجع إلى الألفاظ المفردة ، وذلك :
أ-إما من جهة غرابته نحو : الأبّ(113) ، ويزفون(114) .
ب-وإما من جهة مشاركة اللفظ كاليد ، والعين(115) .
2- والثاني يرجع إلى جملة الكلام المركب ، وذلك ثلاثة أضرب :
أ- ضرب لاختصار الكلام نحو : ( وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُم مِّنَ النِّسَاءِ…)[النساء : 3] ، أي فلا تتزوجوهن وانكحوا … ،
ب- وضرب لبسط الكلام نحو : ( ليس كمثله شيء) [الشورى-11] ، لأنه لو قيل : ليس مثله شيء . كان أظهر للسامع .
ج - وضرب لنظم الكلام نحو (أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجاً قيما( [ الكهف/1-2] ، تقديره : أنزل الكتاب قيّما ولم يجعل له عوجاً . وقوله : (لولا رجالٌ مؤمنون( إلى قوله : (لو تزيّلوا([ سورة الفتح /25] .
- والمتشابه من جهة المعنى : أوصاف الله تعالى ، وأوصاف يوم القيامة ، فإن تلك الصفات لا تتصور لنا ؛ إذ كان لا يحصل في نفوسنا صورة ما لم نحسه ، أو لم يكن من جنس ما نحسه
-والمتشابه من جهة المعنى واللفظ جميعاً خمسة أضرب :
الأول : من جهة الكمية كالعموم والخصوص(116) نحو : (اقتلوا المشركين( [ التوبة5].
والثاني : من جهة الكيفية كالوجوب والندب(117) ، نحو : (فانكحوا ما طاب لكم من النساء( [النساء/3] .
والثالث : من جهة الزمان كالناسخ والمنسوخ(118) نحو : (اتقوا الله حق تقاته([آل عمران : 102] .
والرابع : من جهة المكان والأمور التي نزلت فيها نحو : (وليس البر بأن تأتوا البيوت من ظهورها( [البقرة : 189]وقوله : (إنما النسيء زيادة في الكفر( [التوبة : 37] ، فإن من لا يعرف عادتهم في الجاهلية يتعذر عليه معرفة تفسير هذه الآية .
والخامس : من جهة الشروط التي بها يصح الفعل ، أو يفسد ، كشروط الصلاة والنكاح.
وهذه الجملة إذا تصورت ، علم أن كل ما ذكره المفسرون من تفسير المتشابه ، لا يخرج عن هذه التقاسيم .
ثم جميع المتشابه على ثلاثة أضرب :
ضرب لا سبيل للوقوف عليه ، كوقت الساعة ، وخروج دابة الأرض ، وكيفية الدابة ونحو ذلك .
وضرب للإنسان سبيل إلى معرفته ، كالألفاظ الغريبة والأحكام المغلقة .
وضرب متردد بين الأمرين ، يجوز أن يختص بمعرفة حقيقته بعض الراسخين في العلم ، ويخفى على من دونهم ، وهو الضرب المشار إليه بقوله عليه الصلاة والسلام لابن عباس "اللهم فقه في الدين وعلمه التأويل " .
وإذا عُرفت هذه الجملة عُلم أن الوقف على قوله : (وما يعلم تأويله إلا الله( ووصله بقوله (والراسخون في العلم( جائز ، وأن لكل واحد منهما وجها حسبما دل عليه التفصيل المتقدم . اهـ .
==================
ما رأيكم في قيام بعض المفسرين بلي أعناق النصوص لتتوافق مع الظواهر الكونية والاكتشافات العلمية والأحداث المعاصرة؟
الآيات الكونية في كتاب الله وسنَّة رسوله - صلى الله عليه وسلم - ، لا يمكن أن تفهم فهماً صحيحاً في إطار اللغة وحدها ، فلابد من توظيف الحقائق العلمية الصحيحة حتى تفهم دلالة هذه الآيات وتطبق بضوابط شديدة ، بمعنى ألا يتم تكلف أو اعتساف أو ليّ لأعناق الآيات ، لأن القرآن لا يحتاج ذلك ، ولأن القرآن في الأصل كتاب هداية ... أنزله الله هداية للإنسان في القضايا التي لا يستطيع الإنسان أن يضع لنفسه فيها ضوابط صحيحة كقضايا العقيدة ، والعبادة والأخلاق والمعاملات ، ولكن الله يعلم بعلمه المحيط أن الإنسان سيصل في يوم من الأيام إلى زمن مثل زماننا هذا، يفتح الله عليه الدنيا من أطرافها... فيرى من حقائق هذا الكون ما يذهله وما يطغيه في الوقت نفسه، فيطبق هذه السنن في تقنيات متقدمة، ويتخيل أنه ملك هذا الكون وأنه المهيمن عليه فينسى الدين والآخرة والبعث والجنة والنار ، فلا يؤمن إلا بالماديات الملموسة والمحسوسة ، لذلك أبقى الله لنا في كتابه وفي سنة نبيه صلى الله عليه وسلم هذه الإشارات الكونية لإقناع الإنسان أن القرآن لا يمكن أن يكون صناعة بشرية ، فالإنسان لم يصل إليها إلا بعد مجاهدة طويلة عبر مئات السنين وعشرات الآلاف من العماء ، ولكي يؤكد أن الذي خلق قادر على إفناء ما قد خلق وعلى إعادة بعثه من جديد وللاستشهاد على طلاقة قدرته في إبداع الخلق . إلا أنه يجب التأكد أن القرآن الكريم وآياته المعجزة لم تأت لنا بهدف الإخبار العلمي المباشر ، أي أنه ليس المقصود منها إعطاء الإنسان معلومة ، لأن العقل البشري لا يستطيع أن يستوعب الأشياء دفعة واحدة ، فالعقل البشري يحتاج إلى النظر والاستقراء والتجربة والملاحظة والاستنساخ حتى يفهم القضية .
============
هل خلق الله آدم على صورته؟
أرجو من اخوانى ان يوضحوا لى هذه النقطة
بالطبع نحن نؤمن ان الله ليس كمثله شئ و لكن ذكر أحدهم أن هناك حديث فى صحيح مسلم (خلق الله آدم على صورته) فما الحل فى هذه المسألة(6/390)
خلق الله عز وجل ادم علي صورته الضمير هنا يعود علي ادم عليه السلام و هذا هو القول الصحيح و المقصود من هذا الحديث:
آدم أي خلقه على صورته التي استمر عليها إلى أن أهبط وإلى أن مات دفعا لتوهم من يظن أنه لما كان في الجنة كان على صفة أخرى , أو ابتدأ خلقه كما وجد لم ينتقل في النشأة كما ينتقل ولده من حالة إلى حالة . وقيل للرد على الدهرية أنه لم يكن إنسان إلا من نطفة ولا تكون نطفة إنسان إلا من إنسان ولا أول لذلك , فبين أنه خلق من أول الأمر على هذه الصورة . وقيل للرد على الطبائعيين الزاعمين أن الإنسان قد يكون من فعل الطبع وتأثيره , وقيل للرد على القدرية الزاعمين أن الإنسان يخلق فعل نفسه
اما من قال ان الضمير يعود لله عز وجل و والمراد بالصورة الصفة فانهم قالوا ذلك بما ورد في بعض طرقه " على صورة الرحمن "
وهذه الرواية((خلق آدم على صورة الرحمن)) غير صحيحةو هذا حديث منكر و ضعيف
اما الكتاب المقدس فيقول في سفر التكوين الاصحاح الاول:
27 فخلق الله الانسان على صورته.على صورة الله خلقه.ذكرا وانثى خلقهم
هناك وجه آخر فى الإجابة على هذا الحديث ، لكنى أظنها لا تنفع غير المسلمين.
الوجه الآخر ، هو أن الله خلق آدم على الصورة التى أرادها الله ، و بالتالى فهذه الصورة ملكا لله ، لذلك فهى صورته أى الصورة التى صورها الله. ذكره الشيخ ابن عثيمين فى شرح العقيدة الواسطية و نقلتها بتصرف
وهناك شاهد أخر أخوانى وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعا )
فقوله صلى الله عليه وسلم (طوله) يدل على المقاييس وهو محال على الله سبحانه وتعالى
فلايوصف سبحانه وتعالى بالمقاييس
وهناك شاهد اخر من القران الكريم
في قوله تعالى
{إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثِمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}
(59) سورة آل عمران
فالمثلية هنا في طلاقة القدرة واستبعاد علاقة السببية { تزاوج الذكر والانثي }وليس في مراحل الخلق فمراحل خلق ادم عليه السلام تختلف عن مراحل خلق عيسى عليه السلام كما نعرف جميعا
فالهاء في كلمة {خلقه} عائدة علي آدم عليه السلام وليس عيسى عليه السلام فالله خلقه من {تراب}ثم قال له {كن} فكان
والله اعلم ... ... ...
=====================
المسيح وآدم
“إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ ; (آية 59).
- 1 - أجمع أهل التفسير على أن هذه العبارة قيلت في محاجّة نصارى وفد نجران. قال ابن عباس: إن رهطاً من أهل نجران قدموا على محمد، وكان فيهم السيد والعاقب. فقالوا لمحمد: ما شأنك تذكر صاحبنا؟ تزعم أنه عبد الله . فقال محمد: أجل إنه عبد الله . فقالوا له: هل رأيت له مثلاً، أو أُنبئت به؟ ثم خرجوا من عنده. فجاءه جبريل فقال له قل لهم إذا أتوك: إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية). والظاهر أن مسيحيي نجران حاجوا محمداً وأفحموه فعجز عن الجواب. وقيل إنه قال لهم إن المسيح عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم العذراء البتول، فغضبوا، وقالوا: يا محمد، هل رأيت إنساناً قط من غير أب؟ فأتى بهذه العبارة المتقدمة.
- 2 اعتقاد المسيحيين في عصر محمد كان مثل اعتقادهم الآن، فالمسيح كلمة الله الأزلي، والخالق الرازق. وقد أفحم نصارى نجران محمداً حتى عجز عن الإجابة. ولكنه بعد التفكير والتروّي ومضيّ زمن قال إن مَثَل المسيح كمثَل آدم. وقد أخطأ أيضاً في هذا التمثيل، فإن آدم من التراب ترابي، والمسيح هو كلمة الله الأزلي وروح منه، وشتان بين الاثنين. وآدم عصى ربَّه وجرَّ البشر للخطأ، والمسيح لم يخطئ أبداً، وفتح أمام المؤمنين به أبواب الخلود قال الإنجيل: “صَارَ آدَمُ الْإِنْسَانُ الْأَّوَلُ نَفْساً حَيَّةً، وَآدَمُ الْأَخِيرُ رُوحاً مُحْيِياً .,, الْإِنْسَانُ الْأَّوَلُ مِنَ الْأَرْضِ تُرَابِيٌّ. الْإِنْسَانُ الثَّانِي الرَّبُّ مِنَ السَّمَاءِ ; (1 كورنثوس 15: 45 ، 47). وقال يوحنا: في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان . والقرآن ناطق في عدد 45 بأنه كلمة منه وفي النساء 4: 171 يقول: كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه وهذا يعني أنه كان موجوداً قبل أن يُحبَل به.
- 3 - وهنا خطأ لغوي، فالأصحّ أن يُقال قال له كن فكان .
- 4 - خُلق آدم من تراب، أما المسيح فهو روح الله وكلمته.
- 5 - عصى آدم وغوى، أما المسيح فكان باراً تقياً.
- 6 - القرآن يقول إن الله نفخ في آدم نسمة الحياة. ولكن المسيح لم تُنفخ فيه هذه النسمة، بل كانت في مريم، ثم أنه (المائدة 110) نفخ في الطين فصار طيراً!
- 7 - ألم يكن من الأبلغ أن يقول: إن مثل مريم عند الله كمثل آدم، كلاً نفخنا فيه من روحنا .(6/391)
أجمع المفسرون على أن هذه الآية نزلت عند حضور وفد نجران على الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من جملة شبههم أن قالوا: يا محمد، لما سلمت أنه لا أب له من البشر وجب أن يكون أبوه هو الله تعالى، فقال: إن آدم ما كان له أب ولا أم ولم يلزم أن يكون ابناً لله تعالى، فكذا القول في عيسى عليه السلام، هذا حاصل الكلام، وأيضاً إذا جاز أن يخلق الله تعالى آدم من التراب فلم لا يجوز أن يخلق عيسى من دم مريم؟ بل هذا أقرب إلى العقل، فإن تولد الحيوان من الدم الذي يجتمع في رحم الأم أقرب من تولده من التراب اليابس، هذا تلخيص الكلام.
ثم ههنا مسائل:
المسألة الأولى: { مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ كَمَثَلِ ءَادَمَ } أي صفته كصفة آدم ونظيره قوله تعالى:
{ مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِى وُعِدَ الْمُتَّقُونَ }[الرعد: 35] أي صفة الجنة.
المسألة الثانية: قوله تعالى: { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } ليس بصلة لآدم ولا صفة ولكنه خبر مستأنف على جهة التفسير بحال آدم، قال الزجاج: هذا كما تقول في الكلام مثلك كمثل زيد، تريد أن تشبهه به في أمر من الأمور، ثم تخبر بقصة زيد فتقول فعل كذا وكذا.
المسألة الثالثة: اعلم أن العقل دل على أنه لا بد للناس من والد أول، وإلا لزم أن يكون كل ولد مسبوق بوالد لا إلى أول وهو محال، والقرآن دل على أن ذلك الوالد الأول هو آدم عليه السلام كما في هذه الآية، وقال:
{ يَأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا }[النساء: 1]
وقال: { هُوَ الَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا }[الأعراف: 189]
ثم إنه تعالى ذكر في كيفية خلق آدم عليه السلام وجوهاً كثيرة
أحدها: أنه مخلوق من التراب كما في هذه الآية
والثاني: أنه مخلوق من الماء، قال الله تعالى:{ وَهُوَ الَّذِى خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَصِهْراً }[الفرقان: 54]
والثالث: أنه مخلوق من الطين قال الله تعالى:{ الَّذِى أَحْسَنَ كُلَّ شَىْء خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسَنِ مِن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلاَلَةٍ مّن مَّاء مَّهِينٍ }[السجدة: 7، 8]
والرابع: أنه مخلوق من سلالة من طين قال تعالى:{ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَنَ مِن سُلَالَةٍ مّن طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَهُ نُطْفَةً فِى قَرَارٍ مَّكِينٍ }[المؤمنون: 12، 13]
الخامس: أنه مخلوق من طين لازب قال تعالى:{ إِنَّا خَلَقْنَهُم مّن طِينٍ لاَّزِبٍ }[الصافات: 11]
السادس: إنه مخلوق من صلصال قال تعالى:{ إِنّى خَلِقٌ بَشَرًا مِّن صَلْصَلٍ مّنْ حَمَإٍ مَّسْنُونٍ }[الحجر: 28]
السابع: أنه مخلوق من عجل، قال تعالى:{ خُلِقَ الإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ }[الأنبياء: 37]
الثامن: قال تعالى: { لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَنَ فِى كَبَدٍ }[البلد: 4]
أما الحكماء فقالوا: إنما خلق آدم عليه السلام من تراب لوجوه: الأول: ليكون متواضعاً الثاني: ليكون ستاراً الثالث: ليكون أشد التصاقاً بالأرض، وذلك لأنه إنما خلق لخلافة أهل الأرض، قال تعالى:{ إِنّي جَاعِلٌ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةً }[البقرة: 30]
أراد إظهار القدرة فخلق الشياطين من النار التي هي أضوأ الأجرام وابتلاهم بظلمات الضلالة، وخلق الملائكة من الهواء الذي هو ألطف الأجرام وأعطاهم كمال الشدة والقوة، وخلق آدم عليه السلام من التراب الذي هو أكثف الأجرام، ثم أعطاه المحبة والمعرفة والنور والهداية، وخلق السماوات من أمواج مياه البحار وأبقاها معلقة في الهواء حتى يكون خلقه هذه الأجرام برهاناً باهراً ودليلاً ظاهراً على أنه تعالى هو المدبر بغير احتياج، والخالق بلا مزاج وعلاج الخامس: خلق الإنسان من تراب ليكون مطفئاً لنار الشهوة، والغضب، والحرص، فإن هذه النيران لا تطفأ إلا بالتراب وإنما خلقه من الماء ليكون صافياً تتجلى فيه صور الأشياء، ثم إنه تعالى مزج بين الأرض والماء ليمتزج الكثيف فيصير طيناً وهو قوله { إِنّى خَلِقٌ بَشَراً مّن طِينٍ } ثم إنه في المرتبة الرابعة قال: { وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَنَ مِن سُلَلَةٍ مّن طِينٍ } والسلالة بمعنى المفعولة لأنها هي التي تسل من ألطف أجزاء الطين، ثم إنه في المرتبة السادسة أثبت له من الصفات ثلاثة أنواع:
أحدها: أنه من صلصال والصلصال: اليابس الذي إذا حرك تصلصل كالخزف الذي يسمع من داخله صوت. والثاني: الحمأ وهو الذي استقر في الماء مدة، وتغير لونه إلى السواد. والثالث: تغير رائحته قال تعالى:{ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ }[البقرة: 259] أي لم يتغير.
فهذه جملة الكلام في التوفيق بين الآيات الواردة في خلق آدم عليه السلام.
المسألة الرابعة: في الآية إشكال، وهو أنه تعالى قال: { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } فهذا يقتضي أن يكون خلق آدم متقدماً على قول الله له { كُنَّ } وذلك غير جائز.(6/392)
وأجاب عنه من وجوه الأول: قال أبو مسلم: قد بينا أن الخلق هو التقدير والتسوية، ويرجع معناه إلى علم الله تعالى بكيفية وقوعه وإراداته لإيقاعه على الوجه المخصوص وكل ذلك متقدم على وجود آدم عليه السلام تقديماً من الأزل إلى الأبد، وأما قوله { كُنَّ } فهو عبارة عن إدخاله في الوجود فثبت أن خلق آدم متقدم على قوله { كُنَّ }.
والجواب الثاني: وهو الذي عول عليه القاضي أنه تعالى خلقه من الطين ثم قال له { كُنَّ } أي أحياه كما قال: { ثم أنشأناه خلقاً آخر } فإن قيل الضمير في قوله خلقه راجع إلى آدم وحين كان تراباً لم يكن آدم عليه السلام موجوداً.
أجاب القاضي وقال: بل كان موجوداً وإنما وجد بعد حياته، وليست الحياة نفس آدم وهذا ضعيف لأن آدم عليه السلام ليس عبارة عن مجرد الأجسام المشكلة بالشكل المخصوص، بل هو عبارة عن هوية أخرى مخصوصة وهي: إما المزاج المعتدل، أو النفس، وينجر الكلام من هذا البحث إلى أن النفس ما هي، ولا شك أنها من أغمض المسائل.
الجواب: الصحيح أن يقال لما كان ذلك الهيكل بحيث سيصير آدم عن قريب سماه آدم عليه السلام قبل ذلك، تسمية لما سيقع بالواقع.
والجواب الثالث: أن قوله { ثُمَّ قَالَ لَهُ كُن فَيَكُونُ } يفيد تراخي هذا الخبر عن ذلك الخبر كما في قوله تعالى:{ ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ ءامَنُواْ }[البلد: 17]
ويقول القائل: أعطيت زيداً اليوم ألفاً ثم أعطيته أمس ألفين، ومراده: أعطيته اليوم ألفاً، ثم أنا أخبركم أني أعطيته أمس ألفين فكذا قوله { خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ } أي صيره خلقاً سوياً ثم إنه يخبركم أني إنما خلقته بأن قلت له { كُنَّ }.
المسألة الخامسة: في الآية إشكال آخر وهو أنه كان ينبغي أن يقال: ثم قال له كن فكان فلم يقل كذلك بل قال: { كُنْ فَيَكُونُ }.
والجواب: تأويل الكلام، ثم قال له { كُنْ فَيَكُونُ } فكان.
واعلم يا محمد أن ما قال له ربك { كُنَّ } فإنه يكون لا محالة
==============
التضارب فى القرآن
العرض:
في سورة ق: ".. فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ(22) ". ناقض " وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى(124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا(125) " طه.
النقد:
المقصود بالإبصار هنا: قوة المعرفة للحق واليقين به، يُقال: بصُرَ فلان بكذا: أي علِمَ به.[1]
أي: كأن الكافر يقول في الدنيا: " سأعد نفسي ليوم القيامة المزعوم، حججاً أحاجج بها الله ".
لكن، حين يبدأ الحساب، وتجادل كل نفس عن نفسها، يكون قد نسي تلك الحجج.
فكأنه يقول عندها: " إلهي لِمَ حشرتني أعمى عن حججي التي أعددتها، وكنت بصيراً بها ؟ ".
وسبب ذلك العَمَيان هو أنه لما بُعث، بصُر بعينيه حقيقة البعث (فصار بصره بقوة الحديد) [2]، فبُهت مَن وَقعت المفاجأة عليه، واسوَد وجهه وَجلاً.. فنسي لذلك حججه.. فيظل يبحث عنها بفكره، لكنه لا يهتدي إليها.
فبسبب هول ما شاهده ببصره، صار أعمى عن حججه !
وهكذا يتكامل معنَيا الآيتين الكريمتين، ولا يتناقضان.[3]
------------
[1] انظر: الإتقان، السيوطي، ص539، ونسبه إلى قطرب.
[2] بصرك حديد: أي شديد الوضوح، لا حاجز أمامه ولا غشاء. وقد اكتشف العلم الحديث أن الحديد له قابلية امتصاص كافة الإشعاعات الموجية ـ سواء كانت صوتية أم ضوئية ـ دون تشتيتها إلى بنسب ضئيلة جداً. ومن رحمة وحكمة الله Y أن خفف على الناس فضيق آفاق عيونهم ولم يسمح لهم برؤية كافة ما يصل الى العين من إشعاعات، ولكنها في الآخرة تكون في أوج اتساع آفاقها؛ لتبلغ النهاية في طاقتها: فتبصر أهوال القيامة بتفاصيلها. وفيه مزيد من تنعم أهل الجنة من النعيم، ومزيد من تعذيب أهل النار.. انظر: استراحة العدد، مجلة آيات، عدد8، آب 2004م، ص26، عمَّان.
[3] ويؤيد هذا التأويل، قوله تعالى: " وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الْآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا " [الإسراء: 72]، وفي سورة القصص: " وَقِيلَ ادْعُوا شُرَكَاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَرَأَوُا الْعَذَابَ لَوْ أَنَّهُمْ كَانُوا يَهْتَدُونَ(64)وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ(65)فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْبَاءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءَلُونَ
=================
إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا
يقول المخبول زكريا بطرس ان القرآن يناقض نفسه في قوله { فَكُلِي وَاشْرَبِي } ثم يقول { صَوْماً } .
فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَدًا فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنسِيًّا(6/393)
الرازي : { صَوْماً } صمتاً وفي مصحف عبد الله صمتاً واختلاف اللفظين يدل على أن الحرف ذكر تفسيراً لا قرآناً، وعن أنس بن مالك مثله وقيل صياماً إلا أنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم فعلى هذا كان ذكر الصوم دالاً على الصمت وهذا النوع من النذر كان جائزاً في شرعهم، وهل يجوز مثل هذا النذر في شرعنا قال القفال لعله يجوز لأن الاحتراز عن كلام الآدميين وتجريد الفكر لذكر الله تعالى قربة، ولعله لا يجوز لما فيه من التضييق وتعذيب النفس كنذر القيام في الشمس، وروي أنه دخل أبو بكر على امرأة قد نذرت أنها لا تتكلم فقال أبو بكر: إن الإسلام هدم هذا فتكلمي، والله أعلم.
أمرها الله تعالى بأن تنذر الصوم لئلا تشرع مع من اتهمها في الكلام لمعنيين: أحدهما: أن كلام عيسى عليه السلام أقوى في إزالة التهمة من كلامها وفيه دلالة على أن تفويض الأمر إلى الأفضل أولى. والثاني: كراهة مجادلة السفهاء وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافهاً.
وقول: { إِنّى نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً }
فقال قوم: إنها ما تكلمت معهم بذلك لأنها كانت مأمورة بأن تأتي بهذا النذر عند رؤيتها فإذا أتت بهذا النذر فلو تكلمت معهم بعد ذلك لوقعت في المناقضة ولكنها أمسكت وأومأت برأسها
وقال آخرون: إنها ما نذرت في الحال بل صبرت حتى أتاها القوم فذكرت لهم: { إِنّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَانِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلّمَ الْيَوْمَ إِنسِيّاً } وهذه الصيغة وإن كانت عامة إلا أنها صارت بالقرينة مخصوصة في حق هذا الكلام.
القرطبي
قول الله تعالى: " فقولي إني نذرت " هذا جواب الشرط وفيه إضمار، أي فسألك عن ولدك " فقولي إني نذرت للرحمن صوما " أي صمتاً، قاله ابن عباس وأنس بن مالك. وفي قراءة أبي بن كعب إني نذرت للرحمن صوما صمتا .
وروي عن أنس. وعنه أيضاً و وصمتا بواو، واختلاف اللفظين يدل على أن الحرف ذكر تفسيراً لا قرآناً، فإذا أتت معه واو فممكن أن يكون غير الصوم. والذي تتابعت به الأخبار عن أهل الحديث ورواة اللغة أن الصوم هو الصمت، لأن الصوم إمساك والصمت إمساك عن الكلام. وقيل: هو الصوم المعروف، وكان يلزمهم الصمت يوم الصوم إلا بالإشارة. وعلى هذا تخرج قراءة أنس وصمتا بواو، وأن الصمت كان عندهم في الصوم ملتزماً بالنذر، كما أن من نذر منا المشي إلى البيت أقتضى ذلك الإحرام بالحج أو العمرة.
ومعنى هذه الآية أن الله تعالى أمرها على لسان جبريل عليه السلام - أو ابنها على الخلاف المتقدم - بأن تمسك عن مخاطبة البشر، وتحيل على ابنها في ذلك ليرتفع عنها خجلها، وتتبين الآية فيقوم عذرها. وظاهر الآية أنها أبيح لها أن تقول هذه الألفاظ التي في الآية، وهو قول الجمهور. وقالت فرقة: معنى " قولي " بالإشارة لا بالكلام. الزمخشري : وفيه أن السكوت عن السفيه واجب، ومن أذل الناس سفيه لم يجد مسافهاً.
من التزم بالنذر ألا يكلم أحداً من الآدميين فيحتمل أن يقال إنه قربة فيلزم بالنذر، ويحتمل أن يقال: ذلك لا يجوز في شرعنا لما فيه من التضييق وتعذيب النفس، كنذر القيام في الشمس ونحوه. وعلى هذا كان نذر الصمت في تلك الشريعة لا في شريعتنا، وقد تقدم. وقد أمر ابن مسعود من فعل ذلك بالنطق بالكلام. وهذا هو الصحيح:
لحديث أبي إسرائيل، خرجه البخاري عن ابن عباس. وقال ابن زيد والسدي: كانت سنة الصيام عندهم الإمساك عن الأكل والكلام.
قلت: ومن سنتنا نحن في الصيام الإمساك عن الكلام القبيح، قال عليه الصلاة والسلام:
" إذا كان أحدكم صائماً فلا يرفث ولا يجهل فإن امرؤ قاتله أو شاتمه فليقل إني صائم ". وقال عليه الصلاة والسلام:
" من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه ".
ابن كثير(6/394)
وقوله: "فإما ترين من البشر أحداً" أي مهما رأيت من أحد "فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً" المراد بهذا القول الإشارة إليه بذلك, لا أن المراد به القول اللفظي لئلا ينافي "فلن أكلم اليوم إنسياً" قال أنس بن مالك في قوله: "إني نذرت للرحمن صوماً" قال: صمتاً, وكذا قال ابن عباس والضحاك , وفي رواية عن أنس : صوماً وصمتاً, وكذا قال قتادة وغيرهما, والمراد أنهم كانوا إذا صاموا في شريعتهم يحرم عليهم الطعام والكلام, نص على ذلك السدي وقتادة وعبد الرحمن بن زيد . وقال أبو إسحاق عن حارثة قال: كنت عند ابن مسعود , فجاء رجلان فسلم أحدهما ولم يسلم الاخر, فقال: ما شأنك ؟ قال أصحابه: حلف أن لا يكلم الناس اليوم, فقال عبد الله بن مسعود : كلم الناس وسلم عليهم, فإن تلك امرأة علمت أن أحداً لا يصدقها أنها حملت من غير زوج, يعني بذلك مريم عليها السلام, ليكون عذراً لها إذا سئلت. رواه ابن أبي حاتم وابن جرير رحمها الله. وقال عبد الرحمن بن زيد : لما قال عيسى لمريم: "لا تحزني" قالت: وكيف لا أحزن وأنت معي, لا ذات زوج ولا مملوكة ؟ أي شيء عذري عند الناس ؟ يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسياً منسياً, قال لها عيسى: أنا أكفيك الكلام "فإما ترين من البشر أحداً فقولي إني نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسياً" قال هذا كله من كلام عيسى لأمه, وكذا قال وهب .
إذن فإدعاء هذا الكاذب الجاهل باطل بدليل ان الصوم لا يقتصر على الأكل فقط ، ويؤكد هذا القول ما جاء بموقع الكلمة المسيحي :
يوضح موقع الكلمة المسيحي أن الصوم هنا لا يعني مجرد الامتناع عن بعض الأطعمة، وإنما ممارسة التوبة بكل أعمالها في القلب داخليًا من ندامة ومطانيات وصرخات!
==============
التضارب فى القرآن
السلام عليكم ورحمه الله وبركاته
هذه المداخله وردت فى أحد المنتديات (اللادينيين العرب) ليدلل على أن القرآن فيه تضارب وأنه ليس من عند الله .
أرجو التفضل بالرد عليها
ومداخله الكافر كما وردت بالنص كما يلى :
((( هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:29)
وهنا نرى ان الله خلق مافى الارض جميعا .. و كلمة جميعا تعنى ان الله خلق الاشجار والبحار والانهار والجبال وكل مافى الارض جميعا ...... ثم استوى الى السماء وسواها...
ولكنة يقول فى( سورة النازعات)
((( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا{27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33} )))
و من الايات هنا نعرف إن الله سوى السماء الاول واصبح هناك ليل وضحى ثم بعد ذلك دحا الارض و خلق الماء والمرعى من الارض وارسى الجبال .... وهذا يناقض ( البقرة 29) التى تقول ان الله هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ ((( جَمِيعاً))) اى بمافيها من ماء ومرعى وجبال قبل خلق السماء
ونجد فى (سورة فصلت )
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ / فصّلت 9- 11
فهنا الله خلق الارض اولا ووضع فيها الرواسى ثم سوى السماء .. بينما فى النازعات يقول ان الله سوى السماء اولا ثم جعل الرواسى فى الارض حيث قال ( وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32}
السؤال هنا: هل الله خلق كل مافى الارض جميعا من ماء ومرعى وجبال ثم سوى السماء بحسب ( البقرة 29 ) أم ان الله سوى السماء اولا ثم خلق ما فى الارض من ماء ومرعى وجبال بحسب ( النازعات 27- 31) ؟؟؟؟
ان الماء والمرعى والجبال هل هى اشياء فى الارض ام لا؟؟؟؟؟ طبعا هى اشياء فى الارض ... فبحسب البقرة 29 يكون الله قد خلقهم الاول لان الله خلق مافى الارض جميعا ثم سوى السماء
لكن فى النازعات نجد ان الله سوى السماء الاول ويقول كلمة ( وبعد ذلك) (الارض بعد ذلك ) اخرج منها الماء والمرعى والجبال
هل تقدر ان تقول لى الانهار خلقت قبل خلق السماء آم خلقت بعد خلق السماء؟؟؟؟(6/395)
لو قرأت ( البقرة 29 ) لايساورك ادنى شك فى ان الله خلق الانهار اولا قبل خلق السماء لان الانهار هى شى فى الارض والله خلق مافى الارض جميعا الاول ... لكن فى النازعات الله خلق السماء الاول وبعد ذلك اخرج الماء اى الانهار وجعل المرعى وهو الشى المعتمد على المياة
السؤال الثانى:
الجبال التى هى الرواسى هل خلقها الله اولا قبل السماء ( وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا)( سورة فصلت ) آم السماء كانت اولا قبل الجبال (وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} سورة النازعات) ؟؟؟؟
ان لم يكن هذا هو التناقض فماذا يكون التناقض؟؟؟؟ )أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً) (النساء:82) وهنا نجد مابين سورة البقرة و سورة النازعات اختلافا كثيرا
سورة فصلت، آيات 9-12: ( قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين و أوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفضاً ذلك تقدير العزيز العليم )
سورة النازعات، آيات 27-30: ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها ) فسورة البقرة وسورة فصلت تذكران خلق الله للأرض أولا ثم السماء. بينما سورة النازعات تذكر خلق السماء أولا ثم الأرض .
خلق الله الأرض في يومين ثم خلق السماء ثم استوى إلى السماء فسواهن في يومين آخرين ثم دحا الأرض ودحوها أن أخرج منها الماء والمرعى وخلق الجبال والجمال والآكام وما بينهما في يومين آخرين فذلك قوله ( دحاها ) , = يعني عملية خلق الأرض و الدحو كانت 4 أيام
هدا هو الترتيب يعني جعل الرواسي جاء مع الدحو في اليومين الأخيرين الدين تليا تسوية السماء
يعني في فصلت 9-12 الهه يصف خلق الأرض ايجادا و تكوينا اي 4 أيام مع التأكيد أن الرواسي -التي كانت مع عميلة الدحو كانت في اليوين الأخيرين بعد عملية تسوية السماء لدا في فصلت قال خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ ...فلا يقال أن الأرض كان لها نصيب 6 أيم و السماء 2 أيام =8 أيام .
خلق الأرض في 2 أيام تم استوى للسماء في يومين ثم بعد دلك بدأت مرحلة تكوين الجبال و فصلت لما دكرت تسوية السماء بعد " وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ " لأن الأمر لا يتعلق بتسلسل زماني لخلق الجبال في فصلت لدا جمع الكل و قيل في 4 أيام و انما و صف و لهدا كانت الآية وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ فاصلة بين القسمين فلا تسلسل زماني
*/ ما معنى الخلق هل هو اخراج و ايجاد شيء من عدم أو اخراج شيء من ما هو موجود سابقا ,,,?
الجواب
23/14
ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ
ادن ليس الخلق بالضرورة في المصطح القرآني يطلق على ايجاد من لا شيء و لكن أيضا يطلق لفظ خلق على تكوين و تصوير هندسي آخر من شيء قد و جد سابقا كمادة أولية –أرجوا أن لا تنسى هاته المقدمة –
7/54
إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام
كيق تم تقسيم ال 6 أيام ,,,,?£
قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين وتجعلون له أندادًا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسى من فوقها - يعني كانت موجودةلكن ظهرت فوق--وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين * ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعًا أو كرهًا قالتا أتينا طائعين * فقضاهن سبع سموات فى يومين وأوحى فى كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظًا ذلك تقدير العزيز العليم ) فصلت: 9ـ12.
قلنا أن الخلق ليس ضرورة اخراج شيء من عدم و لكن يطلق على التصوير و التشكيل الهندسي .في هاته السورة كم دام خلق الأرض هل 6 أيام (4+2) أم 4 أيام (2+2) ??
بل 4 أيام لكن غير متتالية يعني خلقت ألأرض كاملة كمادة أولية في يومين تم استواء السماء في يومين و بعدها تم الخلق الآخر أو التصوير و التشكيل الهندسي للأرض التي كانت أصلا موجودة كمادة أولية و قبل التصوير و التشكيل الهندسي و هو ما أطلق عليه القرآن الدحو(6/396)
سورة النازعات، آيات 27-30: ( أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها
قال بعد دلك أي الدحو كان في اليومين الأخيرين و بعد عملية الاستواؤء للسماء في يومين ..فيكون عملية خلق الأرض كمادة أولية و تصويرها و تشكيلها هندسيا في 4 أيام لا متتالية لكن بينهما فاصل استواء السماء في 2 أيام
طيب
دحو الأرض في العلوم الكونية
أولا ً: إخراج كل ماء الأرض من جوفها
ثانيا : إخراج الغلاف الغازي للأرض من جوفها
ثالثا : الصهارة الصخرية في نطاق الضعف الأرضي هي مصدر مياه وغازات الأرض
رابعاً : دورة الماء حول الأرض
خامسا ً: توزيع الماء علي سطح الأرض
سادسا : دحو الأرض معناه إخراج غلافيها المائي والغازي من جوفها
سابعا
? وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا ? (النبأ:7) .
وقال تعالى ? وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ ?(لقمان:10)وقال أيضاً? وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ?(الأنبياء:31)والجبال أوتاد بالنسبة لسطح الأرض، فكما يختفي معظم الوتد في الأرض للتثبيت، كذلك يختفي معظم الجبل في الأرض لتثبيت قشرة الأرض . وكما تثبت السفن بمراسيها التي تغوص في ماء سائل ، فكذلك تثبت قشرة الأرض بمراسيها الجبلية التي تمتد جذورها في طبقةٍ لزجةٍ نصف سائلة تطفو عليها القشرة الأرضية
أي اخراج الجبال البركانية التي كانت تخرج من تحت تلك القشرة للتبيت الأرض –يعني كانت موجودة مع الأرض لكن أخرجت للوجود في عملية الدحو و هو معنى قوله تعالى من فوقها التي كانت في اليومين الأخرين من 6 أيام
العمليات 7 كانت في اليومين الأخيرين من 6 ايام .فهل يعني ادن أن المياه الجوفية و و الجبال البركانية لم تكن موجودة في اليومين الأولين من خلق الأرض ??? بلى كانت مو جودة مع الأرض كمادة أولية لكن لم تخرج للأرض لتعطي الشكل و التصوير ألهند سي المعروف حاليا الا في اليومين الأخيرين من 6 أيام
ادن
سورة فصلت )
قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ / فصّلت 9- 11
فجعل الرواسي أي اخراج الجبال البركانية -التي كانت موجودة أصلا عند خلق الأرض في اليومين الأولين - من القشرة للتبيت الأرض أي لم تظهر في الوجود على الشكل الدي نعرفها الا في 2 الأخيرين من 6 أيام
*
( سورة النازعات)
((( أَأَنتُمْ أَشَدُّ خَلْقاً أَمِ السَّمَاء بَنَاهَا{27} رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا {28} وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا {29} وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا {30} أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءهَا وَمَرْعَاهَا {31} وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا {32} مَتَاعاً لَّكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ {33
ادن هاته السورة شرحت ألآولي أي ارسى الجبال بمعنى أخرجها من الأرض لترسوا على سطحها و دالك في 2 الأيام الأخيرة من 6 ايام أي عملية الارساء كانت بعد تسوية السماء أما وجود الجبال البركانية فكانت قبل تسوية السماء
*
هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) (البقرة:29)
نعم خلق الكل في اليومين الأولين كمادة أولية لكن التشكيل الهندسي أو العمليات 7 كانت في اليومين الأخيرين من 6 ايام= بعد التسوية
اقتباس:
ان لم يكن هذا هو التناقض فماذا يكون التناقض؟؟؟؟
في عقلك يا متخلف علميا و منطقيا
أبـ(تراب)ـــو كتب في : May 17 2004, 09:45 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين .. وبعد
إن المتتبع لما يكتبه المنصرون والملحدون حول التناقضات المزعومة في القرآن الكريم يجد العجب العجاب
فهم لم يكلفوا خاطرهم بالتوجه لكتب التفسير البياني والنحوي ليجدوا فيها ما يجيب عن تساؤلاتهم ، وهي مشروعة إن كانت بقصد طلب الحق (( وإن كنت أظن أن غالبها بقصد التشويش والنفخ في ضوء الشمس لإطفائها )) .
فلو كان طلبهم حقيقيا لبادروا التوجه إلى كتب التفسير أو مواقع الفتاوى الالكترونية..(6/397)
والأغرب من ذلك أن منهم من يذهب إلى كتب الإعجاز البياني ويأخذ منها شواهد العلماء حول الإعجاز البياني في القرآن الكريم ويجعلها طعناً فيه ؟؟؟!!!!
وكما قال أحدهم: هذا زمان القص واللصق
وإليكم بعضا من ذلك ... زعموا أن :
1. " هذا يوم لا ينطقون " [المرسلات 35] يناقض " لا تختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد " [ق28]
وتوجيه ذلك: هم لاينطقون منذ فترة قيامهم من قبورهم إلى أن يؤذن لهم عند الشفاعة فيتكلمون عند ذلك. فيوم القيامة أهوال ومواقف بينها أزمان متباعدة. فما لا يصح في هذا الموقف يصح في ذاك.
2. " ليس لهم طعام إلا من غسلين " [الحاقة36] يناقض " ليس لهم طعام إلا من ضريع" [الغاشية6]
التوجيه: عذاب النار دركات متفاوتة فريق منهم طعامه الضريع وفريق طعامه الغسلين، كل بحسب عمله.
كما أن فريقا منهم شرابه الصديد وآخر شرابه الحميم.
3. " إن الذين كفروا بعد إيمانهم ثم ازدادوا كفراً لن تقبل توبتهم " [آل عمران90] يناقض " يقبل التوبة عن عباده " [الشورى25]
التوجيه: التوبة التي لم تقبل هي التوبة الأولى من الكفر الأول. أي: لم تتحقق شروط قبول توبتهم الأولى وبالتالي لن يقبل الله توبتهم الظاهرة باللسان دون الجنان .. فهي ليس لها من التوبة سوى الاسم والشكل ولكنها في الحقيقة غير معتبرة
ملاحظة: شروط التوبة موجودة في قوله تعالى: " وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى " وهؤلاء الذين كفروا بعد إيمانهم لم يعملوا صالحا لأنهم ارتدوا بعد توبتهم بلسانهم.
4. " لا بيع فيه ولا خلة " [البقرة254] يناقض " الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين " [الزخرف67]
التوجيه: المقصود: لا خلة ( صداقة ) تنفع ولكن هناك خلة لا تنفع.
أو سيصبحون أعداءً لأن صداقتهم كانت سببا في زيادة سيئاتهم وبالتالي دركات عذابهم.
تقدير قوله: الأخلاء في الدنيا أعداء يومئذ لا تنفعهم خلتهم التي كانوا عليها في الدنيا.
أما المتقون فهم " إخواناً على سرر متقابلين " لأن أحدهم كان يمسك بيد أخيه ويقول له " هيا بنا نؤمن ساعة ".
5. " ونضع الموازين القسط ليوم القيامة " [الأنبياء47] يناقض " فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا " [الكهف105]
التوجيه: لم يُرد في الثانية نفي الموازنة وإنما المقصود القدر والجاه.
( فلان ليس له وزن عندي ) أي: لا قدر له. ولا يعني: ليس له ثقل .
6. " فلنسألن الذين أرسل إليهم ولنسألن المرسلين " [الأعراف6] يناقض " ولا يسأل عن ذنوبهم المجرمون " [القصص78] .
التوجيه: الأولى سؤال تقرير لإثبات الحجة عليهم عندما يسمعون جواب المرسلين إليهم.
والثانية: سؤال استخبار واستفهام بقصد أخذ لعلم وبناء الحكم عليه ( إحصاء عدد الحسنات والسيئات )
فهم ليسوا أهلا لذلك فهم كاذبون غير صادقين.
7. " كلما خبَت زدناهم سعيراً " [الإسراء97] يناقض " فلا يخفف عنهم " [البقرة86].
التوجيه: لم يرد بالخبو الهدوء والسكون حقيقة .. وإنما المعذبون بالنار هم الذين ظنوا ذلك لطول مكثهم وتعودهم وطبعهم على هذا الجو .. فالمقصود كلما قدّروا أنها خفت درجة حرارتها إيذانا بقرب انطفائها زدنا من حرها.
وهذا أذى نفسي أشد عليهم من الأذى الجسدي.
كما تقرب الماء من رجل عطشان شديد العطش ثم تلقيها على الأرض أمامه وتطعمه الملح.
8. حية موسى: مرة أكبر أنواع الحيات " ثعبان مبين " [الشعراء32] ومرة أصغر أنواع الحيات " كأنها جان " [القصص31].
التوجيه: هذان تشبيهان لها فهي حقيقة حجمها كبير كالحية من نوع الثعبان وفي نفس الوقت سريعة جدا مخيفة كنوع الجان .
وجه الشبه بينها وبين الحيات من نوع الجان ليس من حيث الحجم بل من جهة السرعة والقبح.
9. " ثم لا يموت فيها ولا يحيى " [الأعلى13] تناقض نفسها
التوجيه: ليس ميتاً فيستريح من العذاب والألم ولا يحيى حياة طبيعية يسلم فيها من العذاب والألم ( كل همّ الإنسان في الحياة الدنيا دفع الألم عن نفسه مهما كان نوع الألم: جوع ، مرض .. ).
10. كم لبث الناس في حياتهم الدنيا .. اختلفت إجابة الناس بعد بعثهم من القبور: " إن لبثتم إلا عشرا " [طه103] " إن لبثتم إلا يوما " [طه104] " إن لبثتم إلا قليلا " [المؤمنون114] " ما لبثوا غير ساعة " [الروم55]
التوجيه: لما خرجوا من قبورهم تناقشوا فيما بينهم .. استكثر بعضهم العشر فقال بل يوماً واستكثر بعضهم اليوم فقال قليلا وقال غيرهم ساعة ..
هذا الاختلاف لأن المتسائلين هم من الكفار الذين لم يكونوا من المؤمنين بالبعث.
11. " وكان الله عليما حكيما " [النساء17] يناقض " وهو بكل شيء عليم " [الأنعام101]
كان : لما مضى وانتهى
التوجيه: ليس كل ( كان ) لما مضى وانتهى
مثلا: شاهدك أحدهم جالسا تحت شجرة فقلت له: كنت جالسا تحتها من أول النهار.
وكقولك: كانت الشمس من أول الدهر.
فالمقصود بـ ( كان ) السبق والتقادم(6/398)
والمقصود بـ ( كان ) إذا نسبت لله جل جلاله : أنه لم يستجد عليه شيء ولم يخرج عن هذه الصفات كما لم يُتصوَّر أنه لم يكن يتصف بها.. فهو لا تطرأ عليه الحوادث سبحانه وتعالى.
12. " ولا ينظر إليهم " [آل عمران77] يناقض " لا يخفى عليه شيء " [آل عمران5]
التوجيه: المقصود نظر التعطف والرحمة
( فلان لا ينظر إلى نفسه وعياله )
13. " هل من خالق إلا الله " [النمل61] تناقض " فتبارك الله أحسن الخالقين " [المؤمنون14] وقوله عن سيدنا عيسى ابن مريم عليه الصلاة والسلام " وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير " [المائدة11]
التوجيه: المقصود بالأولى الإبداع والإنشاء من العدم
أما الثانية والثالثة: التصوير والتقدير .. فسيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام يصوّر شيئا مثل هيئة الطير، واستخدم فيها شيئا موجودا ( الطين ) فلم يخلق طائراً واحدا من العدم ... وكل ذلك بإذن الله تبارك وتعالى.
14. " وتراهم ينظرون إليك ولا يبصرون " [الأعراف198] تناقض نفسها
التوجيه: هذا مثل لمن لا يسمع ما يفيده ولا يبصر ما يمنعه من الوقوع في حفرة
إذا وقع شخص مبصر في حفرة كان بصره هو وقلته واحد .. حتى نحن نقول له: أنت أعمى. لأنه لم يستفد من بصره فيما ينجيه وكذلك حال الكفار مع آيات القرآن الكريم ومعجزات الأنبياء .
ومثله قوله تعالى " سكارى وما هم بسكارى " [الحج2] من شدة خوفهم واضطرابهم من يراهم يظن أنهم سكارى ولكنهم في الحقيقة ليسوا كذلك.
15. " فبصرك اليوم حديد " [ق22] يناقض " ينظرون من طرف خفي " [الشورى45]
التوجيه: بصر العلم والتيقن هو الحديد
والنظر من طرف خفي هو بسبب الذلة والمسكنة بعد تيقن وقوع العذاب.
16. " لعله يذكر أو يخشى " [طه44] كلمة ( لعل ) تفيد الشك وهذا يناقض كون الله تعالى لا يشك.
التوجيه: هذا نظير قولهم: كُل لعلك تشبع.. وفي الآية فيه معنى الترغيب
كقول المعلم للتلميذ: أدرس لعلك تصبح طبيبا
* إدخال ( لعل ) في الكلام يحمل معنىً لطيفا.
17. " ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كبيرا " [النساء82] . هذا يناقض الاختلاف الموجود في القراءات وحتى التناقضات التي ذكرت بعضها
التوجيه: المقصود أنه على نسق واحد من الإحكام والإعجاز وحسن النظم والفصاحة والبراعة الخارقة للعادة
والعرب تسمي الكذب ( اختلاف ).
18. " فإن كنت في شك فيما أنزلنا إليك " [يونس94] وقوله تعالى " ل~ن أشركت ليحبطن عملك " [الزمر65] هذا يناقض عصمة النبي صلى الله عليه وسلم.. هل كان الله تعالى يشك في إيمانه حتى يحذره ؟
التوجيه: الخطاب للرسول والمقصود أمته.
إذا كان عندك أبناء وتخاطب أفضلهم أمام الجميع وتتوعده إن أخطأ بعقاب ما فأنت لا تعنيه هو بالضرورة.
المقصود: إذا كان سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام وهو حبيب الله تعالى إذا فعل ( كذا ) لا تغنيه محبة الله تعالى شيئا فكيف نحن .
وهو مثل الحديث الشريف : " لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " .
19. " وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين " [يونس87]. تناقض: ثنى ( تبوءا ) ثم جمع ( اجعلوا ، أقيموا ) ثم أفرد ( بشِّر ).
التوجيه:
- " تبوءا " : خاطب موسى وهارون عليهما الصلاة والسلام لأنهما المتبوعان .
- " واجعلوا " و " أقيموا " : لهما ولقومهما لأن الصلاة واجبة على الجميع.
- " وبشر " : خاص بموسى عليه الصلاة والسلام تشريفا له.
20. " وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً إن كادت لتبدي به لولا أن ربطنا على قلبها " [القصص10]
لماذا عبّر عنه تارة بالفؤاد وتارة بالقلب ؟
التوجيه:
- الفؤاد ( الفأدُ هو الصدع ) : وصف لحالة أم موسى عليه السلام بما فيها من توتر وقلق وانفعال وسيطرة الوساوس والخواطر التي مزقت مشاعرها وصدّعت فؤادها .
- القلب ( التقلُّب : التغيُّر ) : انتقلت من حالة القلق والتمزق إلى حالة اليقين والاطمئنان والتسليم.
* كان فؤادها مشغولا بموسى عليه السلام ، ثم تغير الحال وحدث تقلُّب ففرغ قلبها عن هذا التوتر والانشغال.
===================
يسألونك عن الروح .. تأملات في دلائل النبوة و الإعجاز العلمي !
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته أعزائي ..
هناك آية معينة كلما قرأتها أحسست بعظمة هذا القرآن الكريم .. و تجعلني أفكر في نبوة محمدٍ صلى الله عليه و سلم ..
فما رأيكم أن أشارككم خطراتي و و تأملاتي حول تلك الآية الكريمة ؟!
طبعًا نعرف - من عنوان الموضوع - أن الآية الكريمة هي قوله سبحانه و تعالى ..
" و يسألونك عن الروح .. قل الروح من أمر ربي .. و ما أوتيتم من العلم إلا قليلًا " ! ..
عندما قرأت تلك الآية لأول مرة .. لم أتوقف أمامها كثيرًا ..
ربما لأني وقتها لم أكن أتدبر القرآن الكريم بالشكل الذي أمرني الله سبحانه و تعالى به ..
" أفلا يتدبرون القرآن ؟! " ..(6/399)
إن التدبر في آيات الله سبحانه و تعالى أمر هام للوقوف على آياته .. و التي وضعها لنا للدلالة على ربانية المصدر القرآني ..
فهيا نتدبر معًا تلك الآية ..
أقول أنني عندما قرأت تلك الآية أول مرة لم أتوقف أمامها كثيرًا .. إلا أني قرأت موضوعًا لأحد الملحدين منذ فترة يتناول تلك الآيه ..
و كانت الأسئلة التي تدور في فلك موضوعه من ملحدين و نصارى آخرين تقول : لماذا لم يقل محمد صلى الله عليه وسلم - و هو بزعمهم مؤلف القرآن الكريم - شيئًا عن الروح ؟ ..
و كنت أن غصت في مقعدي لدقائق و أغلقت عيناي أفكر في تلك الآية الكريمة ..
و هذه بعض الأمور التي تكشفت لي .. و التي برقت في ذهني .. و هي مجموعة من التأملات منها أسئلة أوجهها للادينيين .. و الملحدين .. و خواطر حول الآية نفسها ..
في الحقيقة إن تدبري لسؤال هذا الملحد .. لماذا لم يتكلم محمد صلى الله عليه وسلم عن الروح ؟ .. قد طرح تساؤلًا في خاطري ..
و هو سؤالٌ موجه إلى الملحد و اللاديني على حد سواء ..
ألا ترى معي عزيزي انه من الغريب جدًا ألا يتكلم محمد صلى الله عليه و سلم حول الروح ؟ .. ( إن فرضنا أن القرآن الكريم كلام محمد صلى الله عليه وسلم ) .. !
أوليس ذلك غريبًا بعض الشئ ؟
أقصد ..
إن القرآن الكريم كان يتكلم في أمور كثيرة من التي يمكن لأي شخص أن يكشفها لو أن محمد ( مؤلف القرآن بزعمهم ) أخطأ فيها ..
ورغم ذلك كان يروي التفاصيل ..
و رغم وجود الكثير من العلماء الدارسين لأمور تلك التفاصيل كأهل الكتاب مثلًا ..!!
في حين أن الأمر الوحيد الذي لا يمكن كشفه و لا يعرف أحد عنه شئ ... سكت عنه القرآن الكريم ... !!!!!
ألا يدل هذا على أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كان يتبع ما يوحى إليه فقط .. دون زيادة أو نقصان ؟!
عندما وصلت إلى تلك النقطة في تفكيري - و الحق أقول لكم - توقفت برهة و قلت .. لا تتسرع في الحكم بهذا الشكل .. ربما هناك وجهة نظر أخرى ..
هنا قررت أن أتخيل نفسي لو أني شخص يدعي النبوة و يدعي هبوط وحي عليه من السماء و يدعي أن كتابه ( لا ريب فيه ) ..
قررت أن أضع نفسي مكان الوضع - المزعوم - لمحمد صلى الله عليه و سلم عند زملاءنا اللادينيين و النصارى ..
هل جربت ذلك عزيزي اللاديني ؟؟ .. هل جربتم ذلك ؟ .. جرب معي و احك لي عن تجربتك ..
أنا جربت .. !
و إليك ما توصلت إليه ..
توصلت أني وجدت أن الموضوع الوحيد الذي كنت سأتكلم فيه دون أي مواربة و بإستفاضة تامه .. هو موضوع الروح !!!
لأنه ببساطة .. الكل يجهل عنها كل شئ !! ..
فمن سيمسك لي سيف النقد المحكم و يلعب دور المشكك الملهم !
تصوروا أعزائي .. الأمر الوحيد الذي يستطيع مدعي النبوة أن يؤلف فيه امتنع عنه محمد صلى الله عليه و سلم !! ..
أوليس ذلك يدل على أنه " يتبع ما أوحى إليه " .. فقط دون نقص أو زيادة ..
أوليس ذلك يدل على صدق الآية القرآنية " إن اتبع إلا ما يوحى إلي " ..
أما الأمور التي يمكن تخطأته فيها .. بل أشد الأمور التي اختلف فيها اليهود و النصارى .. تجد القرآن الكريم يفصل فيها .. !!!
غريبٌ حقًا أمر هذا الكتاب .. !
هل حقًا تعجبون كما أعجب أنا ؟ !
لهؤلاء الذين أثار ذلك الأمر اعجابهم أقول .. أقرأوا القصة التالية و سوف يزاداد عجبكم .. و للذين لم يمسكوا بالفكرة و لم تثبت بعد في تلافيف المخ عندهم أقول .. أقرأوا معي تلك القصة ربما تقنعكم و تشفي صدوركم ..
هذه القصة كما في الطبري ..
فقد حدث أن جاء وفد قرشي مكون من من النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط .. أو على الأقل كان النضر وعقبة على رأسه إلى اليهود في يثرب ..
و قد قال لهم اليهود أن يتحدوا محمدًا - صلى الله عليه و سلم - بأن ينبأهم بالقصص الثلاث الموجودة في صورة الكهف .. عن الرجل الصالح و ذي القرنين و أهل الكهف ..
ما دلالة هذا التحدي إخواني الكرام ؟
أن اليهود الخبثاء كانوا موقنين أشد ما يكون اليقين أن محمدٌ صلى الله عليه وسلم لا يمكن أبدًا أن يكون على علم بتلك القصص !
و إلا ما فكر أحبار اليهود الخبثاء أن يحرّضوا قريشًا على تحدى الرسول - صلى الله عليه وسلم - بهذا السؤال .. فالإنسان لا يقدم على مثل هذا التحدى الخطير إلا وهو موقن أن الخصم لن ينجح فى الجواب. أليس كذلك ؟!
وهب أن هذه النقطة قد فاتت اليهود .. ( وهم أخبث أهل الأرض فلا يمكن أن تفوتهم )
أفكانت تفوت مشركى قريش ؟!
لاحظ أخي القارئ أن الوفد مكون - كما قلت سابقًا - من النضر بن الحارث وعقبة بن أبى معيط .. كما جاء في الطبري .. و الأول كان يتهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - أنه يقول " أساطير الأولين " .. و الشخص الذي يقول شيئًا مثل هذا لا يمكن إلا أن يكون مطلعًا على هذه القصص بشكل لا يفوقه فيه غيره .. مما يؤهله لإطلاق هذا الإفك دون أن يستنكره الناس .. فكيف فات عنه ذلك ؟؟!!(6/400)
وعندنا أيضا الشعر الجاهلى .. وهو يخلو من الإشارة إلى أى من الحكايات الثلاث ( و هذا على ذمة د.ابراهيم عوض و هو أستاذ اللغة العربية في جامعة عين الشمس بالقاهرة و مؤلفاته في اللغة غنية عن التعريف ) ..
إن دلالة هذا التحدي أن مشركي قريش و اليهود كانوا على يقين جازم بأن من سيعرف هذا الكلام هو و لابد أخذه من الله سبحانه و تعالى ..
إن من يطلق تحديًا خطيرًا كهذا لا يمكن إلا أن يكون في تأكد تام من هذا الأمر ..
و لكن نحن لسنا هنا لمناقشة ذلك ..
نحن هنا لنرى شيئًا عجيبًا في النص القرآني ..
إن القصص موجودة في القرآن الكريم .. و مليئة بالتفاصيل الدقيقة التي إن كان فيها خطأ بسيط انتفى زعمه عند هؤلاء بالدليل القاطع ..
لاحظ من هم المحكمون .. إنهم اليهود ! .. بل زعماء اليهود .. فإن أخطأ خطأ بسيط .. فسوف تكون نهاية هذه الدعوى ..
و نقرأ القصص نجد تفصيلًا لهذا الأمر ..
بل إن المفسرين حاروا فى شرح معنى "الرقيم" .. وفى تحديد مكان الكهف .. وفى معرفة الشخصية الحقيقية للعبد الصالح بل لموسى نفسه .. وفى التعرف على مواضع البلاد التى بلغها ذو القرنين والأقوام الذين قابلهم ... !! (*)
هنا أسألكم سؤالًا ..
ألم يكن من الأجدى ( لو أنك مدعي كاذب للنبوة ) أن تقول : يسألونك عن ... قل هذا من علم ربي ... !!
و لا تقل أنهم سيكذبونك .. و أنك مضطر ..
لأن الآية القرآنية التي كان الممكن أن يؤلف فيها محمد صلى الله عليه وسلم - بزعمكم - قرآنًا و يزيد فيها بيانًا .. نقرأ القرآن الكريم فنرى قوله سبحانه و تعالى ..
" و يسألونك عن الروح .. قل الروح من أمر ربي .. و ما أوتيتم من العلم إلا قليلًا " ...
أريد أي ملحد أو نصراني أن يحل لي تلك الإشكالية بالله عليكم .. !!!!
أريد أي شخص أن يفحمني و يوضح لي أن هذا ليس دليلًا قويًا على النبوة و أنه - صلى الله عليه وسلم - لا يتبع إلا ما يوحى إليه من ربه .. و أنه نبي صادق و لا مكان في وحيه لأغراض شخصية أو هوى بشري ..
غريبٌ حقًا هذا الكتاب !! ..
غير أن عقلي لم يكف !! ..
تبًا لشياطين الانس و الجن .. ماذا هناك ؟؟؟
قال لي شيطاني و قد ظن أنه أمسكني من أم رأسي و أنه لا مهرب لي أو مخرج ..
قل لي يا هذا .. أنا سأتفق معك فيما قلت .. و ما حكيت إن أجبت على سؤالي ..
قل لي يا هذا .. إن كان محمد صلى الله عليه وسلم نبيًا حقًا .. و أن الله سبحانه و تعالى بكل شئ عليم ..
فقل لي بالله عليك ..
لماذا لم ينبأنا الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم بأمر الروح ؟؟!!
هنا تذكرت قول الله سبحانه و تعالى ..
" أفلا يتدبرون القرآن " ..
إنه وعد الله يا شباب .. !
إن من يتدبر القرآن بصدق سيجد غايته ..
فقرأت الآية الكريمة .. بتدبر ..
" و يسألونك عن الروح .. قل الروح من أمر ربي .. و ما أوتيتم من العلم إلا قليلًا " ! ..
هنا تفتق ذهني عن تلك الأمور و الخطرات التي أرجوا من الله سبحانه و تعالى أن يعيننا جميعًا في تدبرها .. و أرجوا من إخوتي المسلمين و كل من تدبر تلك الآية أن يفيدنا بخطراته
يتبادر إلى ذهني بعض الأشياء ...
مثلًا ..
1 - أن مسألة معرفة كنه الروح هو أمر بلا أي أهمية بالنسبة للإنسان .. فما دام هناك خالق فإن للروح خالق .. لذا فيجب على الإنسان أن يبحث في مسألة وجود الخالق .. عندها يصبح أمر الروح من العلم الذي لا يضر الجهل به و لا ينفع العلم به .. و هذا ينسف سؤالك الخبيث .. بل إن الآية جاءت بهذا الشكل لتوجه الإنسان إلى علم أنفع و أن أفضل علم هو علم الخالق و الذي يثبت بالضرورة وجود روح ..
2 - أن عقلي لا يستطيع فهم ماهية الروح .. أنظر إلى تعقيدات الجسم البشري .. في يوم ذهبت إلى صديقي في كلية طب الأسنان... و دخلت إحدى المحاضرات .. وجدت تعقيدًا شديدًا في شرح أحد العلوم التجريبية هناك .. إن جسد الإنسان معجزة بحد ذاته !! .. فلابد أن أمر تلك الروح و التي سر الحياة أمر شديد التعقيد .. أمر شديد التعقيد إلى درجة أن فهم ماهية تلك الروح أمر شديد الصعوبة على الفكر الإنساني .. و أضرب على هذا مثلًا .. أنت عندما تتكلم .. تتحرك عضلات الحنجرة .. و عندما تتحرك عضلات الحنجرة ما الذي دفعها أصلًا لتتحرك .. إشارة المخ .. طيب .. ما هو المؤثر على إشارات العصبية للمخ ؟ .. قس على ذلك المتعة الجنسية أيضًا .. اتبع الخطوات معي ..
إن دراسة كل عملية من تلك العمليات يُفنى عمر المرأ ( رغم التقدم الطبي الرهيب ) و لا يبلغه .. فكيف بالروح .. كيف بالآمر لكل هذا ؟؟!(6/401)
3 - أن الآية من وجهة نظري تحتوي على إعجاز علمي ... لاحظ قوله سبحانه و تعالى ( و ما أوتيتم من العلم إلا قليلًا ) .. أي أن علمكم أيها البشر مهما تقدم فلن يعرف السر الكامل للروح .. كل ما يهمك أن تعلموا أنها من أمر الله سبحانه و تعالى .. و هذا هو المفيد .. و هذا هو مبلغ علمكم ... و أنا هنا لا أستبق الأحداث و لا أعلق على أمر مستقبلي في العلم الحديث قد يكشفه بتسرع مني ..
و إنما ألفت النظر إلى أمرغريب .. و هو أن قول القرآن الكريم الذي خرج علينا من بيئة جاهلية منذ الف و اربعمائة سنة ما زال يصدق حتى الآن .. و العلم يقف حائرًا سلبيًا أمام تلك الظاهرة .. التي صنفت على أنها .. ظاهرة ميتافيزيقية ... !!!
فانظروا كيف التطايق بين حدود العلم البشري و النص القرآني ..
" و ما أوتيتم من العلم إلا قليلًا " ..
بل إن تطور العلوم بهذا الشكل ... يجعل أكثر علماء القرون الماضية علمًا و خبرة كـ " نيوتن " و " بيكون " .. و غيرهم ...... لو أنهم بعثوا الآن لشعروا أنهم حفنة من الجهلة !! .. لأن العلم في تقدم مستمر .. و في كل لحظة من كل زمن نجد أننا كنا قد أوتينا القليل جدًا من العلم !! .. هذه حقيقة تاريخية تجريبية لا سبيل لإنكارها ..
لذا فإن هذه الآية في حد ذاتها هي من أعظم آيات الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ..
أم لكم رأي آخر ؟؟؟
أتمنى سماع آرائكم ... !
و حتى هذا الحين .. ألقاكم على خير إن شاء الله سبحانه و تعالى ..
و الحمد لله رب العالمين ..
و السلام عليكم و رحمة الله وبركاته ..
حسام مجدي
(*) بتصرف من مقال الدكتور ابراهيم عوض " المهزلة الأركونية في المسألة القرآنية " .. يمكن الرجوع إلى مقال لمعلومات أكبر حول ذلك التحدي ..
================
عزيز أم فوطيفار ,?
متعلم كتب في :
اقتباس:
فى هذا السؤال والخاصة باسم الذى اشترى وآوى يوسف عليه السلام فى بيته ، والذى أطلق عليه القرآن الكريم اسم ( عزيز ) بينما سماه الكتاب المقدس Potiphar
تمثل ـ هى الأخرى ـ مشكلة من المشكلات ..
ذلك أن منصب هذا الذى آوى يوسف كان ( رئاسة الشرطة ) واسمه ( فوطيفار ) .. ولقبه ( العزيز ) .. فلا تناقض بين أسماء التعريف به هذه ..
ولقد تناولت ذلك المصادر الإسلامية .. فى ( قصص الأنبياء ) :
" وكان سيده رئيس شرطة المدينة ، واسمه ( فوطيفار ) ، ويعبر عن منصبه فى العبرية بـ ( سرهاطباحيم ) ، أى رئيس الشرطة .. " [ ص 122 ] .
وفى تفسير القرطبى :
" قال الضحاك : هذا الذى اشتراه ملك مصر ، ولقبه العزيز .. واسمه قطفير . وقال ابن إسحق : إطفير .. اشتراه لامرأته .. وقال ابن عباس : إنما اشتراه قطفير وزير ملك مصر .. وكان هذا العزيز الذى اشترى يوسف على خزائن الملك .... " [ القرطبى ج 9 ص 158 ] .
أما الخلافات والاختلافات الطفيفة فى نطق الاسم فهى واردة ، بسبب النقل من لغة إلى لغة .. ومن لهجة إلى لهجة .. وبسبب النسخ للمخطوطات .. والتصحيف والتحريف .. فلا مشكلة إذن حول هذه الأسماء
====================
النمروذ و ابراهيم
متعلم كتب في :
اقتباس:
حسب القرآن وأقوال المفسرين ، ألقى نمروذ بإبراهيم فى النار [ 21 : 68 ـ 69 ] ، وليس من المعقول أن يكون نمروذ حياً فى زمن إبراهيم ـ عليه السلام [ الكتاب المقدس : سفر التكوين : 8 : 10 ـ 11 ، 10 : 22 ـ 25 ، 11 : 13 ـ 26 ]
فى قصص القرآن الكريم عن إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ مشاهد عديدة .. منها معجزة نجاته من التحريق بالنار ، بعد أن حطم أصنام قومه التى يعبدون : ( قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين . قلنا : يا نار كونى برداً وسلاماً على إبراهيم . وأرادوا به كيداً فجعلناهم الأخسرين ) [ الأنبياء : 68 ـ 70 ] .
ويحكى القرآن " محاجة " إبراهيم للملك ـ فى سورة البقرة ـ : ( ألم تر إلى الذى حاج إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم : ربى الذى يحيى ويميت ، قال : أنا أحيى وأميت ، قال إبراهيم : فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب ، فبهت الذى كفر ، والله لا يهدى القوم الظالمين ) [ البقرة : 258 ] .
والقرآن الكريم لم يسم الملك الذى حاج إبراهيم فى ربه .. لأن قصد القرآن من القصص هو مضمون المحاجة ، والعبرة منها ، واسم الملك لا يقدم ولا يؤخر فى المضمون والعبرة .. أما تسمية هذا الملك ـ الذى حاجه إبراهيم ـ بـ ( النمروذ ) والاختلاف فى نطق اسمه ، ومدة ملكه .. فجميعها قصص تاريخى ، أورده المفسرون .. فهو غير ملزم للقرآن الكريم [ القرطبى ج 3 ص 283 ـ 285 ، والكشاف ج 1 ص 387 ـ 389 ] .
ومن ثم لا يصح أن يورد ذلك كشبهة تثار ضد القرآن .. فليس لدينا فى التاريخ الموثق والمحقق ما يثبت أو ينفى أن اسم الملك الذى حاج إبراهيم الخليل فى ربه هو ( النمروذ ) .. وإنما هو قصص تاريخى يحتاج إلى تحقيق .(6/402)
ولقد راجعت العهد القديم ، فى المواضع التى جاء ذكرها فى السؤال [ سفر التكوين : 8 : 10 ، 11 ، 10 : 22 ـ 25 ، 11 : 13 ـ 26 ] وهى تحكى عن قبائل نوح ، ومواليد ابنه سام ، فلم أجد فيها ذكراً للملك ( النمروذ ) .
وفى ( دائرة المعارف الإسلامية ) التى كتبها المستشرقون ، وقد حرر مادة ( إبراهيم ) فيها ( ج . ايزبرغ ) ، يأتى ذكر الملك نمروذ فى قصة إبراهيم دون اعتراض ، وفى أثنائها إشارات إلى مصادر عبرية أشارت إلى النمروذ ، منها ( دلالة الحائرين ) لموسى بن ميمون : الفصل 29 .. ومنها ( سفر هياشار ) : فصل نوح ..
وتأتى الإشارة إلى ( نمروذ ) الملك فى سفر التكوين ـ بالعهد القديم ـ الأصحاح 10 : 8 ـ 11 باعتباره " الذى ابتدأ يكون جباراً فى الأرض " .. وبه كان يضرب المثل فى التجبر .. " وان ابتداء مملكته بابل وآرك وأكد وكلنة من أرض شنغار . من تلك الأرض خرج أشور وبنى نينوى .. " الخ .. الخ .
وأخيراً .. فليس هناك ما يمنع تكرار الاسم ـ ( نمروذ ) ـ لأكثر من ملك فى أكثر من عصر وتاريخ .. ويبقى أن الشبهة ـ إذا كانت هناك شبهة ـ خاصة بالقصص التاريخى .. ولا علاقة لها بالقرآن الكريم
==================
و يكلم الناس في المهد
قوله تعالى عن المسيح عيسى بن مريم عليه السلام : ( و يكلم الناس في المهد ( [ آل عمران : 46 ]، حيث روى الرازي عن اليهود و النصارى أنهم ينكرون أن عيسى تكلم في زمن الطفولة ، و يحتجون بأن هذا لو حدث لكان من الوقائع العجيبة التي تنقل بالتواتر796 .
-الجواب:
1-أن هذا الآيات تليت على اليهود في زمن النبي ( ,وكان فيهم العلماء والأحبار فلم ينكر أحد منهم هذا الأمر.
2-كيف يُحاكم القرآن المحفوظ بحفظ الله له بكتب أهل الكتاب , التي ملئت تحريفا وزيفا , بل طال التحريف عندهم كتبهم المقدسة ، هذا لا يقبله عقل ، ومثل هذا كمثل عالم كبير السن والقدر والاطلاع ، تكلم في قضية ، فقال له الناس:نحن نخالفك بهذا ؛لأن عندنا كتابا محرفا لا ندري من ألفه ملئ بالأخطاء يخالف ما تقول ؟!!.
فإن كان هذا لا يجوز في حق البشر فكيف بخالق البشر،
يقول د.بلتاجي : (لو أن خلف الله يحاكم آيات القرآن الكريم إلى شيء يقيني لكان له وجه فيما يذكره ، لكنه يحاكمها إلى التواريخ القديمة وما عند اليهود والنصارى عنها.. فما قوله فيما في هذه التواريخ القديمة من خرافات وأساطير وأوهام آمنت بها البشرية أجيالً طويلة ، ثم تبين ضلالها وكذبها)(798) ؟.
3-دعوى أن هذا مطبق عليه عندهم منقوضة بما حصل من اليهود والنصارى في زمن النبي ( , من الإقرار عليه وعدم إنكاره ، مع حرصهم الشديد على مخالفته في ما هو أقل من ذلك.
4- (إن الرازي لم يترك هذه الشبهة دون رد ، و بالتالي لم يكن من الذين يقولون بها على سبيل الإيمان أو الاقتناع ، فقد قال : أجاب المتكلمون عن هذه الشبهة , و قالوا : إن كلام عيسى عليه السلام في المهد , إنما كان للدلالة على براءة حال مريم عليها السلام من الفاحشة، و كان الحاضرون جمعاً قليلين ، فالسامعون لذلك الكلام كان جمعاً قليلاً ، و لا يبعد في مثله التواطؤ على الإخفاء . ،وقال : والجواب أن تواريخ موسى وفرعون قد طال العهد بها ، واضطربت الأحوال والأدوار , فلم يبق على كلام أهل التاريخ اعتماد في هذا الباب ، فكان الأخذ بقول الله تعالى أولى)(799).
5-(إن عدم تسجيل التاريخ البشري لواقعة تكلم عيسى في المهد لا يعتبر دليلاً قاطعاً لعدم حدوث ذلك ، حتى يدعي أحد تكذيب القرآن في الإخبار به ، و يصح ادعاؤه .
أما فيما يتصل بالتواريخ البشرية , فمما لاشك فيه أنها أهملت تسجيل كثير من الأحداث الفردية – مهما تكن أهميتها في ذاتها – حيث لم يتوفر لها من الشهادة الصادقة , و توفر سبل الإذاعة ، و النقل , و البقاء على مر العصور ما يكفل لها ذلك .(6/403)
إذ يكفي أن تنقطع حلقة في هذه السلسة لتصبح الواقعة في حكم المجهول من الأجيال التالية،و على العكس من ذلك , فإن بعض الأوهام الكاذبة في ذاتها , قد يتوفر لها من ظروف إيمان بعض الناس بصحتها – بناء على بعض الشواهد و الظواهر الخادعة – و تسجيلهم لها ، ثم رعايتها بظروف تضمن إذاعتها و انتقالها عبر الأجيال – ما يجعلها تدخل التاريخ من أوسع أبوابه ، و هي في أصلها أسطورة كاذبة لا نصيب لها من الحق .و قد تلعب يد التحريف و التجهيل و التعمية ببعض جوانب واقعة صحيحة في أصلها , فإذا بها قد جمعت في نهاية الأمر بين الحق و الباطل في قصة واحدة ,هذا معروف مسجل عن أوهام التواريخ و أخطائها ، فهي تهمل ، و تنسى ، و تحرف ، وتخدع ، و تتوهم ، وكل هذا يتضمنه ما يسمى بـ"التاريخ البشري" ، وخاصة في عصور ما قبل التدوين المنظم , ذي الأساليب و الإمكانات المنضبطة شيئاً ما . وإذا كان هذا ثابتاً لاشك فيه , فهل يقبل منطق البحث العلمي النزيه , أن يتخذ إغفال التواريخ القديمة لحادثة فردية , مثل كلام طفل في المهد , دليلاً قاطعاً على كذب الوحي في إخباره بها (800)؟).
===============
أخذ محمد (عليه الصلاه والسلام) أقوال الصحابة
“وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ; (آل عمران 144).
قال ابن عباس ومجاهد والضحّاك: لما نزل النبيُّ بأُحُد، أمر الرماة أن يلزموا أصل الجبل، وأن لا ينتقلوا عن ذلك سواء كان الأمر لهم أو عليهم، فلما وقفوا وحملوا على الكفار وهزموهم وقُتل صاحب لوائهم، حمل محمد مع أصحابه فهزموا أبا سفيان، فبادر قومٌ من الرماة إلى الغنيمة. وكان خالد بن الوليد صاحب ميمنة الكفّار، فلما رأى تفرُّق الرماة حمل على المسلمين فهزمهم وفرّق جمعهم وكثُر القتل في المسلمين، ورمى عبد الله بن قميئة الحارثي محمداً بحجر فكسر رباعيَّته وشجَّ وجهه، وأقبل يريد قتله، فذبَّ عنه مصعب بن عمير (وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أُحد) حتى قتله ابن قميئة، فظن أنه قتل محمداً، فقال: قد قتلت محمداً وصرخ صارخ: ألا إن محمداً قد قُتل! ففشا في الناس خبر قتله، فهنالك قال بعض المسلمين: ليت عبد الله بن أُبيّ يأخذ لنا أماناً من أبي سفيان . وقال قوم من المنافقين: لو كان نبياً لما قُتل، ارجعوا إلى إخوانكم وإلى دينكم . فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك: يا قوم، إن كان محمد قد قُتل فإن ربَّ محمد لا يموت، وما تصنعون بالحياة بعد محمد؟ قاتلوا على ما قاتل عليه، وموتوا على ما مات عليه . ثم قال: اللهم، إني أعتذر إليك مما يقول هؤلاء . ثم سلَّ سيفه فقاتل حتى قُتل. ومرَّ بعض المهاجرين بأنصاريٍّ يتشحَّط في دمه، فقال: يا فلان، أشعرت أن محمداً قد قُتل؟ فقال: إن كان قد قُتل فقد بلغ، قاتلوا على دينكم . ولما شُجَّ وجه محمد وكُسرت رباعيته، احتمله طلحة بن عبد الله، ودافع عنه أبو بكر وعلي ونفر آخرون معهم. ثم أن محمداً جعل ينادي ويقول: إليَّ عبادَ الله حتى انحازت إليه طائفة من أصحابه، فلامهم على هزيمتهم، فقالوا: يارسول الله، فديناك بآبائنا وأمهاتنا. أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا فولَّينا مُدْبرين . ومعنى الآية وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل فسيخلو كما خلوا، وكما أن أتباعهم بقوا متمسِّكين بعد خُلوِّهم، فعليكم أن تتمسكوا بدينه بعد خلوّه، لأن الغرض من بعثة الرسل تبليغ الرسالة وإلزام الحجة، لا وجودهم بين أظهر قومهم أبداً (الرازي في تفسير آل عمران 3: 144).
هذا بالإضافة إلى أن هذه الآية كان قد قالها مصعب ابن عمير، حتى أن السيوطي يقول إن هذه الآية لم تُسمع إلا من مصعب، ثم بعد ذلك قال محمد إن الله أنزلها عليه (الإتقان في علوم القرآن - باب ما نزل من القرآن على لسان الصحابة).
الحكمة والفوائد من أسباب النزول:
-1الحكمة:
أ- معرفة وجه ما ينطوي عليه تشريع الحكم على التعيين لما فيه نفع المؤمنين وغير المؤمنين، فالمؤمن يزداد إيماناً على إيمانه لما شاهده وعرف سبب نزوله، والكافر إن كان منصفاً يبهره صدق هذه الرسالة الإلهية فيكون سبباً لإسلامه، لأن ما نزل بسبب من الأسباب إنما يدل على عظمة المُنزل وصدق المُنزَل عليه.
-2الفوائد:
أ- الاستعانة على فهم الآية وتفسيرها وإزالة الإشكال عنها، لما هو معلوم من الارتباط بين السبب والمسبب.
قال الواحدي: لا يمكن تفسير الآية دون الوقوف على قصتها وبيان نزولها.
قال ابن دقيق العيد: بيان سبب النزول طريق قوي في فهم معاني القرآن.
قال ابن تيمية: معرفة سبب النزول يعين على فهم الآية، فإن العلم بالسبب يورث العلم بالمسبب.
وقد أشكل على مروان بن الحكم قوله تعالى: {لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوا...} [آل عمران: 188].(6/404)
وقال: لئن كان كل امرىء فرح بما أُوتي، وأحب أن يحمد بما لم يفعل معذباً، لنعذبنَّ أجمعون، حتى بين له ابن عباس أن الآية نزلت في أهل الكتاب حين سألهم النبي صلى الله عليه وسلم عن شيء، فكتموه إياه، وأخبروه بغيره، وأَرَوْه أنهم أخبروه بما سألهم عنه، واستحمدوا بذلك إليه.
ب- أن لفظ الآية يكون عاماً، ويقوم الدليل على تخصيصه، فإذا عُرف السبب قصر التخصيص على ما عدا صورته.
جـ- دفع توهم الحصر، قال الإمام الشافعي ما معناه في قوله تعالى: {قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا...} [الأنعام: 145]: إن الكفار لما حرموا ما أحل الله، وأحلوا ما حرم الله، وكانوا على المضادة - أي تصرفهم بقصد المخالفة - جاءت الآية مناقضة لغرضهم فكأنه قال: لا حلال إلا ما حرمتموه، ولا حرام إلا ما أحللتموه.
تعدد الأسباب والمُنَزَّل واحد:
وذلك بأن تقع عدة وقائع في أزمنة متقاربة، فتنزل الآية لأجلها كلها، وذلك واقع في مواضيع متعددة من القرآن، والعمدة في ذلك على صحة الروايات، فإذا صحت الروايات بعدة أسباب ولم يكن ثمة ما يدل على تباعدها كان ذلك دليلاً على أن الكل سبب لنزول الآية والآيات.
===================
مذهب التناسخ
“وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ; (آية 169).
قال ابن عباس إن محمداً قال لأصحابه: لما أُصيب إخوانكم بأُحد جُعلت أرواحهم في أجواف طيرٍ خُضرٍ ترِدُ أنهارَ الجنّة وتأكل من ثمارها، وتأوي إلى قناديل من ذهب معلّقة في ظل العرش. فلما وجدوا طِيب مأكلهم ومشربهم ومقيلهم قالوا: يا ليت إخواننا يعلمون صنع الله لئلا يزهدوا في الجهاد، ولا ينكثوا عن الحرب. فقال الله: أنا أبلغهم عنكم. فقال: ولا تحسبنّ الخ (الطبري في تفسير هذه الآية).
ويقول مصدر الشبهة : راجع تعليقنا على النساء 4: 156.
والآية نص في النهي عن حسبان أن الذين قتلوا في سبيل الله, وفارقوا هذه الحياة, وبعدوا عن أعين الناس.. أموات.
. ونص كذلك في إثبات أنهم { أحياء }.. { عند ربهم }. ثم يلي هذا النهي وهذا الإثبات, وصف ما لهم من خصائص الحياة. فهم { يرزقون }..
ومع أننا نحن - في هذه الفانية - لا نعرف نوع الحياة التي يحياها الشهداء, إلا ما يبلغنا من وصفها في الأحاديث الصحاح.. إلا أن هذا النص الصادق من العليم الخبير كفيل وحده بأن يغير مفاهيمنا للموت والحياة, وما بينهما من انفصال والتئام. وكفيل وحده بأن يعلمنا أن الأمور في حقيقتها ليست كما هي في ظواهرها التي ندركها; وأننا حين ننشىء مفاهيمنا للحقائق المطلقة بالاستناد إلى الظواهر التي ندركها. لا ننتهي إلى إدراك حقيقي لها; وأنه أولى لنا أن ننتظر البيان في شأنها ممن يملك البيان سبحانه وتعالى.
فهؤلاء ناس منا, يقتلون, وتفارقهم الحياة التي نعرف ظواهرها, ويفارقون الحياة كما تبدو لنا من ظاهرها. ولكن لأنهم: { قتلوا في سبيل الله } ; وتجردوا له من كل الأعراض والأغراض الجزئية الصغيرة; واتصلت أرواحهم بالله, فجادوا بأرواحهم في سبيله.. لأنهم قتلوا كذلك, فإن الله - سبحانه - يخبرنا في الخبر الصادق, أنهم ليسوا أمواتاً. وينهانا أن نحسبهم كذلك, ويؤكد لنا أنهم أحياء عنده, وأنهم يرزقون. فيتلقون رزقه لهم استقبال الأحياء.. ويخبرنا كذلك بما لهم من خصائص الحياة الأخرى:
{ فرحين بما آتاهم الله من فضله }..
فهم يستقبلون رزق الله بالفرح; لأنهم يدركون أنه { من فضله } عليهم. فهو دليل رضاه وهم قد قتلوا في سبيل الله. فأي شيء يفرحهم إذن أكثر من رزقه الذي يتمثل فيه رضاه؟
ثم هم مشغولون بمن وراءهم من إخوانهم; وهم مستبشرون لهم; لما علموه من رضى الله عن المؤمنين المجاهدين:
{ ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم ألا خوف عليهم ولا هم يحزنون. يستبشرون بنعمة من الله وفضل, وأن الله لا يضيع أجر المؤمنين }.
إنهم لم ينفصلوا من إخوانهم { الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم } ولم تنقطع بهم صلاتهم. إنهم { أحياء } كذلك معهم, مستبشرون بما لهم في الدنيا والآخرة. موضع استبشارهم لهم: { أن لا خوف عليهم ولا هم يحزنون }.. وقد عرفوا هذا واستيقنوه من حياتهم { عند ربهم } ومن تلقيهم لما يفيضه عليهم من نعمة وفضل, ومن يقينهم بأن هذا شأن الله مع المؤمنين الصادقين. وأنه لا يضيع أجر المؤمنين..
فما الذي يبقى من خصائص الحياة غير متحقق للشهداء - الذين قتلوا في سبيل الله؟ - وما الذي يفصلهم عن إخوانهم الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم؟ وما الذي يجعل هذه النقلة موضع حسرة وفقدان ووحشة في نفس الذين لم يلحقوا بهم من خلفهم; وهي أولى أن تكون موضع غبطة ورضى وأنس, عن هذه الرحلة إلى جوار الله, مع هذا الاتصال بالأحياء والحياة!
إنها تعديل كامل لمفهوم الموت - متى كان في سبيل الله - وللمشاعر المصاحبة له في نفوس المجاهدين أنفسهم, وفي النفوس التي يخلفونها من ورائهم.(6/405)
وإفساح لمجال الحياة ومشاعرها وصورها, بحيث تتجاوز نطاق هذه العاجلة, كما تتجاوز مظاهر الحياة الزائلة. وحيث تستقر في مجال فسيح عريض، لا تعترضه الحواجز التي تقوم في أذهاننا وتصوراتنا عن هذه النقلة من صورة إلى صورة, ومن حياة إلى حياة!
ووفقاً لهذا المفهوم الجديد الذي أقامته هذه الآية ونظائرها من القرآن الكريم في قلوب المسلمين, سارت خطى المجاهدين الكرام في طلب الشهادة في - سبيل الله -
==================
كم ملكاً بشر مريم - ما رأيكم ؟
كم ملكاً بشرها ؟ " في سورة آل عمران: " إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ(45) ". هنا اكثر من ملاك بينما في سورة مريم، بشرها ملاك واحد وقالت له: " قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا(20) " ".
الجواب: جمهور المفسرين على أن المقصود بالملائكة في قوله تعالى: " إِذْ قَالَتِ الْمَلائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ.. ". أنه هو وحده سيدنا جبريل u.
والعرب تُخبِر أحياناً عن الواحد بلفظ الجمع؛ لأنها تريد به: الجنس. [1]
كقولك: " ركبتُ السيارات من دمشق إلى عمّان ". (وأنت لم تركب إلا سيارة واحدة).
وقولك: " رأيت الساعي متنقلاً بدراجات البريد ". (وهو لم يركب إلا دراجة واحدة).
ومنه قوله تعالى في سورة آل عمران: " الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ.. " [آل عمران: 173]. والقائل واحد.[2]
ولا يمنع أن تكون جماعة من الملائكة بشرتها، بعد أن بشرها سيدنا جبريل.. في مجلس مختلف.
أي بشرها سيدنا جبريل في البداية.. وبعد فترة زمنية ليست بالطويلة، جاءت ملائكة أخرى وبشرتها.
وتكرار البشارة ضروري لثبيتها وتكريمها، ولتأكيد أهمية الأمر، وترسيخ اليقين بصدق البشرى وأنها ليست واهمة ولا حالمة، وفي تكرار البشارة أيضاً: تبشيرها بأمور زائدة عما بُشِّرت به في البشارة الأولى.
ونقد الشبهة التالية يؤكد هذا التوجيه..
ب. بماذا تكلمت مع مَن بشَّرها بالحمل ؟ " فى بشارة الملاك لمريم بالمسيح قالت مريم فى سورة ال عمران (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُن فَيَكُونُ {47}) بينما فى سورة مريم قالت فى نفس الحادثة ونفس الموقف كلام مختلف حيث تقول الاية (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً {20} قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا{ 21}) ".
الجواب: لا يستبعَد أن تكون كررت السؤال أكثر من مرة، لاختلاف المجلس، واختلاف المبشِّرين. عندها تكون الإجابة بصيغ مختلفة؛ فالأمر جلل ويخالف العادة.. ومن المستبعد أن تؤمن بصدق ما سمعته فوراً، وأن تدرك وتتفهم المطلوب منها منذ أول الأمر، بل التكرار في موقف كهذا محمود لترسيخ الفهم، وتأكيد صدق وحق وجدية الأمر، الخارق لما اعتاده الناس وألفوه، إضافة إلى كون الأمر سيمس سمعتها وشرفها ـ أمام قومها ـ وهي المرأة العفيفة الطاهرة.
هوامش:
------------
[1] قال أبو علي المرزوقي في كتابه الأمالي ص104، بعد أن وضَّح فصاحة ذلك: " ألا ترى أنه يحسن أن تقول لمن ملك عبداً، أو وهب ديناراً: صرت تملك العبيد وتهب الدنانير، وإن لم يكن ما ملكه أو وهبه إلاّ واحداً ؟ ".
[2] القائل: هو نُعيم بن مسعود t وقيل غيره، والمقصود بالناس الذين جمعوا لهم: أبو سفيان t. انظر: مفحمات الأقران في مبهمات القرآن، السيوطي، ص12.
____________
رحيم
د هشام عزمي
بسم الله والحمد لله . . .
الجواب عن الجزء الأول ممتاز وهو تلخيص بارع لما قاله أهل العلم في هذه المسألة .
أما الشبهة الثانية فلا أرى لها محلاً لهذا لم يلتفت إليها أحد من أهل العلم فيما أعلم ؛ فمريم عليها السلام لم تقل كلامًا مختلفًا في الآيتين بل هو نفس الكلام تقريبًا إذا راعينا أنها عليها السلام لم تكن تتحدث العربية بل الكلام هنا تعبير بالمعنى عن كلامها بلغتها الأصلية .
فهي قالت حسب سورة آل عمران : { رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ }
وحسب سورة مريم : { أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً }(6/406)
فالكلام شبه متطابق مع فارق أن سورة آل عمران ذكرت ندائها (رب) ولم تذكره سورة مريم ، وكذلك ذكرت سورة مريم قولها (ولم أك بغيا) ولم تذكره سورة آل عمران .. فبالجمع بين السورتين يمكن ان نقول أنها قالت : رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً ، ولا يضير القرآن ألا يأتي بكامل الكلام في كل موضع ، بل بما هو مناسب للسياق والسباق واللحاق والغرض من القصة ، والله أعلم .
ولا أظن عاقلاً وحدًا يعاند ويقول : هل قالت (ولد) كما في آل عمران أم (غلام) كما في مريم ؟! فالكلام الأصلي لها عليها السلام ليس بالعربية وما هو مكتوب في القرآن تعبير عنه بالعربية .
ونفس الكلام ينطبق على رد الملاك على مريم .. فقط علينا أن نتذكر أن الكلام إنما هو تعبير عن المعنى بالعربية وهذا يمكن أداؤه في صور شتى ، وليس نص الكلام حرفيًا فهذا غير معقول !
هذا مبلغ علمي والله أعلى وأعلم .
===================
نطق الحجر والشجر
طلعت علينا القنوات الفضائية وجريدة (آفاق عربية) منذ فترة في تصريح للشيخ أحمد ياسين ، بحدوث بشارة الرسول - صلى الله عليه وسلم - بنطق الشجر في رام الله ليدل على من يختبئ خلفه من اليهود فما تعليقكم؟
كل كائن على هذه الدنيا له قدر من الإدراك وله قدر من الإحساس ، ويعبد الله سبحانه وتعالى بطريقة لا ندركها ، فإذا أنطق الله الحجر والشجر ، فإن هذا لا يعجز الله سبحانه وتعالى ، وهذا في مناقب الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، فالإمام ـ علي كرَّم الله وجهه ـ يقول مررت مع الرسول في أحد شعاب مكة ، فما مررنا بحجر ولا شجر ولا جبل إلا وسلَّم على رسول الله بصفته ، فنطق الحجر والشجر الآن أمر وارد جداً ، ولكنه من الأمور التي لا يدركها كل الناس ، ومن العلامات الصغرى للساعة ، وكون بعض الأخوة شاهدوه ، فإن ما يجري على الساحة العالمية بعامة وما يجري على الساحة الفلسطينية بخاصة يوحي بأن كل العلامات الصغرى قد ظهرت ، ونحن في مواجهة العلامات الكبرى الآن
موقع د زغلول النجار
=============
تحريف أهل الكتاب كما وصفه القرآن
معنى التحريف في القرآن
تعريف التحريف في القواميس العربية
لسان العرب - ابن منظور ج9/ص43
تحريف الكلم عن مواضعه تغييره والتحريف في القرآن والكلمة تغيير الحرف عن معناه والكلمة عن معناها
مختار الصحاح - الرازي ج1/ص55
تحريف الكلام عن مواضعه تغييره وتحريف القلم قطه محرفا ويقال انحرف عنه و تحرف و حرف أي مال وعدل
تعريف التحريف في كتب التفسير
إملاء ما من به الرحمن من وجوه الإعراب والقراءات - العكبري ج1/ص215
يحرفون فيه وجهان أحدهما هو مستأنف لا موضع له أو في موضع رفع خبر لمبتدأ محذوف أي هم يحرفون والثاني ليست بمستأنف بل هو صفة لسماعون أي سماعون محرفون
غريب القرآن - السجستاني ج1/ص531
يحرفون الكلم يقلبونه ويغيرونه
أحكام القرآن - الجصاص ج4/ص41
يحرفون الكلم عن مواضعه تحريفهم إياه يكون بوجهين أحدهما بسوء التأويل والآخر بالتغيير والتبديل
تذكرة الاريب في تفسير الغريب ج1/ص138
يحرفون الكلم وهو تغييرهم حدود التوراة
تذكرة الاريب في تفسير الغريب ج1/ص117
التحريف التغيير و الكلم جمع كلمة وهو تبديل ما في التوراة
كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج17/ص442
يحرفون الكلم عن مواضعه و يلوون ألسنتهم بالكتاب لتحسبوه من الكتاب و ما هو من الكتاب و يقولون هو من عند الله و ما هو من عند الله و يكتبون الكتاب بأيديهم ليشتروا به ثمنا قليلا فهم يحرفون معاني الكتاب و هم يحرفون لفظه لمن لم يعرفه و يكذبون فى لفظهم و خطهم
معاني القرآن - النحاس ج2/ص307
يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي من بعد أن وضعه الله مواضعه فأحل حلاله وحرم حرامه
معاني القرآن - النحاس ج2/ص282
يجوز أن يكون معناه يبدلون حروفه ويجوز أن يكون معناه يتناولونه على غير معناه
معاني القرآن - النحاس ج2/ص102
فتح القدير - الشوكاني ج2/ص41
قوله يحرفون الكلم من بعد مواضعه من جملة صفات القوم المذكورين أي يميلونه عن مواضعه التى وضعه الله فيها ويتأولونه على غير تأويله والمحرفون هم اليهود
فتح القدير - الشوكاني ج2/ص23
يحرفون الكلم عن مواضعه يعنى حدود الله
فتح القدير - الشوكاني ج1/ص476
يحرفون الكلم عن مواضعه يعني يحرفون حدود الله في التوراة
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن مجاهد في قوله يحرفون الكلم عن مواضعه قال تبديل اليهود التوراة
روح المعاني - الألوسي ج6/ص147
يحرفون الكلم وهى التعينات الآلهية من بعد مواضعه فيزيلونها عماهى من الدلالة على الوجوه الحقانى أو يغيرون قوانين الشريعة بتمويهات الطبيعة كمن يؤول القرآن والاحاديث على وفق هوا
تنوير المقباس من تفسير ابن عباس ج1/ص94
يحرفون الكلم يغيرون صفة محمد ونعته والرجم على المحصن والمحصنة إذا زنيا
تفسير مجاهد ج1/ص159
من الذين هادوا يحرفون الكلم عن مواضعه يعني تبديل اليهود التوراة(6/407)
تفسير الواحدي ج1/ص312
يحرفون الكلم يغيرون كلام الله عن مواضعه من صفة محمد صلى الله عليه وسلم في كتابهم وآية الرجم
تفسير النسفي ج1/ص224
يحرفون الكلم عن مواضعه يميلونه عنها ويزيلونه لأنهم إذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره فقد أمالوه عن مواضعه فى التوراة التى وضعه الله تعالى فيها وأزالوه عنها
تفسير القرطبي ج6/ص181
يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي يتأولونه على غير تأويله بعد أن فهموه عنك وعرفوا مواضعه التي أرادها الله عز وجل وبين أحكامه
تفسير القرطبي ج:6 ص:181
تفسير القرطبي ج6/ص115
يحرفون الكلم عن مواضعه أي يتأولونه على غير تأويله ويلقون ذلك إلى العوام وقيل معناه يبدلون حروفه ويحرفون في موضع نصب أي جعلنا قلوبهم قاسية محرفين
تفسير القرطبي ج:6 ص:115
تفسير القرطبي ج5/ص243
إنما يحرفون كلم النبي صلى الله عليه وسلم أو ما عندهم في التوراة وليس يحرفون جميع الكلام ومعنى يحرفون يتأولونه على غير تأويله وذمهم الله تعالى بذلك لأنهم يفعلونه متعمدين وقيل عن مواضعه يعني صفة النبي
تفسير الطبري ج5/ص118
وأما تأويل قوله يحرفون الكلم عن مواضعه فإنه يقول يبدلون معناها ويغيرونها عن تأويله والكلم جماع كلمة
وكان مجاهد يقول عنى بالكلم التوراة
حدثني محمد بن عمرو قال ثنا أبو عاصم عن عيسى عن بن أبي نجيح عن مجاهد في قوله يحرفون الكلم عن مواضعه تبديل اليهود التوراة
تفسير السمرقندي ج1/ص400
ثم قال يحرفون الكلم والكلم جمع كلمة يعني يغيرون صفة محمد صلى الله عليه وسلم عن مواضعه يعني في كتابهم أي من بعدما وافق القرآن يعني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كتابهم ويقال استحلوا ما حرم الله تعالى عليهم ولم يعملوا به فكان ذلك تغيير الكلم عن مواضعه ثم قال ونسوا حظا يعني تركوا نصيبا مما ذكروا به يعني مما أمروا به في كتابهم
تفسير السعدي ج1/ص181
يحرفون الكلم عن مواضعه إما بتغيير اللفظ أو المعنى أو هما جميعا فمن تحريفهم تنزيل الصفات التي ذكرت في كتبهم التي لا تنطبق ولا تصدق إلا على محمد صلى الله عليه وسلم على أنه غير مراد بها ولا مقصود بها بل أريد بها غيره وكتمانهم ذلك فهذا حالهم في العلم شر حال قلبوا فيه الحقائق ونزلوا الحق على الباطل وجحدوا لذلك الحق
تفسير الجلالين ج1/ص144
يحرفون الكلم الذي في التوراة كآية الرجم من بعد مواضعه التي وضعه الله عليها أي يبدلونه
تفسير الجلالين ج1/ص138
يحرفون الكلم الذي في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم وغيره عن مواضعه التي وضعه الله عليها أي يبدلونه ونسوا تركوا حظا نصيبا مما ذكروا أمروا به في التوراة من اتباع محمد
تفسير الجلالين ج1/ص109
يحرفون يغيرون الكلم الذي أنزل الله في التوراة من نعت محمد صلى الله عليه وسلم عن مواضعه التي وضع عليها
تفسير الثعالبي ج1/ص462
هذه صفة اليهود في معنى ما حرفوه من التوراة وفيما يحرفونه من الأقوال عند كذبهم من بعد مواضعه أي من بعد أن وضع مواضعه
تفسير البيضاوي ج2/ص325
يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها إما لفظا بإهماله أو تغيير وضعه وإما معنى بحمله على غير المراد وإجرائه في غير مورده
تفسير البيضاوي ج2/ص196
يحرفون الكلم عن مواضعه أي من الذين هادوا قوم يحرفون الكلم أي يميلونه عن مواضعه التي وضعه الله فيها بإزالته عنها وإثبات غيره فيها أو يؤولونه على ما يشتهون فيميلونه عما أنزل الله فيه وقرئ الكلم بكسر الكاف وسكون اللام جمع كلمة تخفيف كلمة
تفسير البغوي ج2/ص38
يحرفون الكلم جمع كلمة ممن بعد مواضعه أي ممن بعد وضعه مواضعه
تفسير البغوي ج2/ص21
يحرفون الكلم عن مواضعه قيل هو تبديلهم نعت النبي صلى الله عليه وسلم وقيل تحريفهم بسوء التأويل
تفسير البغوي ج1/ص438
يحرفون الكلم يغيرون الكلم عن مواضعه يعني صفة محمد صلى الله عليه وسلم
تفسير ابن كثير ج2/ص59
يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي يتأولونه على غير تأويله ويبدلونه من بعد ما عقلوه
تفسير ابن كثير ج2/ص34
يحرفون الكلم عن مواضعه أي فسدت فهومهم وساء تصرفهم في آيات الله وتأولوا كتابه على غير ما أنزله وحملوه على غير مراده وقالوا عليه ما لم يقل عياذا بالله من ذلك
تفسير ابن كثير ج1/ص377
يخبر تعالى عن اليهود عليهم لعائن الله أن منهم فريقا يحرفون الكلم عن مواضعه ويبدلون كلام الله ويزيلونه عن المراد به ليوهموا الجهلة أنه في كتاب الله كذلك وينسبونه إلى الله وهو كذب على الله وهم يعلمون من أنفسهم أنهم قد كذبوا وافتروا في ذلك كله ولهذا قال الله تعالى ويقولون على الله الكذب وهم يعلمون وقال مجاهد والشعبي والحسن وقتادة والربيع بن أنس يلوون ألسنتهم بالكتاب يحرفونه وهكذا روى البخاري عن بن عباس أنهم يحرفون ويزيدون
تفسير ابن كثير ج1/ص377
فلا شك أنه قد دخلها التبديل والتحريف والزيادة والنقص
تفسير أبي السعود ج3/ص37(6/408)
يحرفون الكلم عن مواضعه الافتراء على الله تعالى وتعيينا للكذب الذي سمعه السماعون أي يميلونه ويزيلونه عن مواضعه بعد أن وضعه الله تعالى فيها إما لفظا بإهماله أو تغيير وضعه وإما معنى بحمله على غير المراد
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - الأندلسي ج2/ص192
وقوله تعالى يحرفون الكلم صفة لليهود فيما حرفوا من التوراة إذ ذاك أخطر أمر حرفوا فيه
وقوله من بعد مواضعه أي من بعد أن وضع مواضعه
الكشاف - الزمخشري ج1/ص666
يحرفون الكلم يميلونه ويزيلونه عن مواضعه التي وضعه الله تعالى فيها فيهملونه بغير مواضع بعد ان كان ذا مواضع إن اوتيتم هذا المحرف المزال عن مواضعه فخذوه واعلموا انه الحق اعملوا به وإن لم تؤتوه وأفتاكم محمد بخلافه
الكشاف - الزمخشري ج1/ص549
يحرفون الكلم عن مواضعه يميلونه عنها ويزيلونه لأنهم اذا بدلوه ووضعوا مكانه كلما غيره فقد أمالوه عن مواضعه التى وضعها الله فيها وازالوه عنها
الدر المنثور - السيوطي ج3/ص41
يحرفون الكلم عن مواضعه يعني حدود الله في التوراة
الدر المنثور - السيوطي ج2/ص554
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد في قوله يحرفون الكلم عن مواضعه قال تبديل اليهود التوراة
. التفسير الكبير - الرازي ج11/ص148
يحرفون الكلم عن مواضعه وهذا التحريف يحتمل التأويل الباطل ويحتمل تغيير اللفظ وقد بينا فيما تقدم أن الأول أولى لأن الكتاب المنقول بالتواتر لا يتأتى فيه تغيير اللفظ
التفسير الكبير - الرازي ج10/ص95
كيفية التحريف وجوه أحدها أنهم كانوا يبدلون اللفظ بلفظ آخر مثل تحريفهم اسم ربعة عن موضعه في التوراة
التفسير الكبير - الرازي ج10/ص95
فان قيل كيف يمكن هذا في الكتاب الذي بلغت آحاد حروفه وكلماته مبلغ التواتر المشهور في الشرق والغرب
قلنا لعله يقال القوم كانوا قليلين والعلماء بالكتاب كانوا في غاية القلة فقدروا على هذا التحريف والثاني أن المراد بالتحريف إلقاء الشبه الباطلة والتأويلات الفاسدة وصرف اللفظ عن معناه الحق إلى معنى باطل بوجوه الحيل اللفظية كما يفعله أهل البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم وهذا هو الأصح الثالث أنهم كانوا يدخلون على النبي صلى الله عليه وسلم ويسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به فاذا خرجوا من عنده حرفوا كلامه
المسألة الرابعة ذكر الله تعالى ههنا عن مواضعه وفي المائدة من بعد مواضعه والفرق أنا إذا فسرنا التحريف بالتأويلات الباطلة فههنا قوله يحرفون الكلم عن مواضعه معناه أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص فههنا قوله يحرفون الكلم عن مواضعه معناه أنهم يذكرون التأويلات الفاسدة لتلك النصوص وليس فيه بيان أنهم يخرجون تلك اللفظة من الكتاب وأما الآية المذكورة في سورة المائدة فهي دالة على أنهم جمعوا بين الأمرين فكانوا يذكرون التأويلات الفاسدة وكانوا يخرجون اللفظ أيضا من الكتاب فقوله يحرفون الكلم إشارة إلى التأويل الباطل وقوله من بعد مواضعه إشارة إلى إخراجه عن الكتاب
التفسير الكبير - الرازي ج9/ص107
أن هؤلاء اليهود يحرفون نصوص التوراة ويفسرونها بتفسيرات باطلة
التفسير الكبير - الرازي ج5/ص23
فالمروى عن ابن عباس أنهم كانوا محرفين يحرفون التوراة والإنجيل وعند المتكلمين هذا ممتنع لأنهما كانا كتابين بلغا في الشهرة والتواتر إلى حيث يتعذر ذلك فيهما بل كانوا يكتمون التأويل لأنه قد كان فيهم من يعرف الآيات الدالة على نبوة محمد عليه السلام وكانوا يذكرون لها تأويلات باطلة ويصرفونها عن محاملها الصحيحة الدالة على نبوة محمد عليه السلام فهذا هو المراد من الكتمان فيصير المعنى إن الذين يكتمون معاني ما أنزل الله من الكتاب
التسهيل لعلوم التنزيل - الكلبى ج1/ص177
يحرفون الكلم من بعد مواضعه أي يبدلونه من بعد أن يوضع في موضعه وقصدت به وجوهه القويمة
التسهيل لعلوم التنزيل - الكلبى ج1/ص172
يحرفون الكلم اختلف هل أريد تحريف الألفاظ أو المعاني
التسهيل لعلوم التنزيل - الكلبى ج1/ص144
يحرفون الكلم يحتمل تحريف اللفظ أو المعنى وقيل الكلم هنا التوراة
التسهيل لعلوم التنزيل - الكلبى ج1/ص111
يحرفون اللفظ أو المعنى لتحسبوه الضمير يعود على ما دل عليه قوله يلوون ألسنتهم وهو الكلام المحرف ما كان لبشر الآية هذا النفي متسلط على ثم يقول للناس والمعنى لا يدعي الربوبية من آتاه الله النبوة والإشارة إلى عيسى عليه السلام رد على النصارى الذين قالوا إنه الله وقيل إلى محمد صلى الله عليه وسلم لأن اليهود قالوا له يا محمد تريد أن نعبدك كما عبدت النصارى عيسى فقال معاذ الله ما بذلك أمرت ولا إليه دعوت
التفسير الكبير - الرازي ج3/ص128(6/409)
أما قوله تعالى يكتبون الكتاب بأيديهم ففيه وجهان الأول أن الرجل قد يقول كتبت إذا أمر بذلك ففائدة قوله بأيديهم أنه لم يقع منهم إلا على هذا الوجه الثاني أنه تأكيد وهذا الموضع مما يحسن فيه التأكيد كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه يا هذا كتبته بيمينك أما قوله تعالى ثم يقولون هاذا من عند الله فالمراد أن من يكتب هذه الكتابة ويكسب هذا الكسب في غاية الرداءة لأنهم ضلوا عن الدين وأضلوا وباعوا آخرتهم بدنياهم فذنبهم أعظم من ذنب غيرهم فإن المعلوم أن الكذب على الغير بما يضر يعظم إثمه فكيف بمن يكذب على الله ويضم إلى الكذب الإضلال ويضم إليهما حب الدنيا والاحتيال في تحصيلها ويضم إليها أنه مهد طريقا في الإضلال باقيا على وجه الدهر فلذلك عظم تعالى ما فعلوه فإن قيل إنه تعالى حكى عنهم أمرين أحدهما كتبة الكتاب والآخر إسناده إلى الله تعالى على سبيل الكذب فهذا الوعيد مرتب على الكتبة أو على إسناد المكتوب إلى الله أو عليهما معا قلنا لا شك أن كتبة الأشياء الباطلة لقصد الإضلال من المنكرات والكذب على الله تعالى أيضا كذلك والجمع بينهما منكر عظيم جدا أما قوله تعالى ليشتروا به ثمنا قليلا فهو تنبيه على أمرين الأول أنه تنبيه على نهاية شقاوتهم لأن العاقل يجب أن لا يرضى بالوزر القليل في الآخرة لأجل الأجر
الدر المنثور - السيوطي ج1/ص201
أخرج وكيع وابن المنذر والنسائي عن ابن عباس في قوله فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم قال نزلت في أهل الكتاب
الدر المنثور - السيوطي ج4/ص176
الذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هو من عند الله وما هو من عند الله البقرة الآية 79
وأخرج أبو الشيخ عن السدي رضي الله عنه في الآية قال أما الأحبار فمن اليهود وأما الرهبان فمن النصارى
الكشاف - الزمخشري ج1/ص185
يكتبون الكتاب المحرف بأيديهم تأكيد وهو من مجاز التأكيد كما تقول لمن ينكر معرفة ما كتبه يا هذا كتبته بيمينك هذه مما يكسبون
من الرشا
المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز - الأندلسي ج2/ص169
واختلف العلماء في معنى قوله يحرفون الكلم فقال قوم منهم ابن عباس تحريفهم هو بالتأويل ولا قدرة لهم على تبديل الألفاظ في التوراة ولا يتمكن لهم ذلك ويدل على ذلك بقاء آية الرجم واحتياجهم إلى أن يضع القارىء يده عليها وقالت فرقة بل حرفوا الكلام وبدلوه أيضا وفعلوا الأمرين جميعا بحسب ما أمكنهم
قال القاضي أبو محمد وألفاظ القرآن تحتمل المعنيين فقوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم يقتضي التبديل
ولا شك أنهم فعلوا الأمرين
تفسير أبي السعود ج1/ص120
للذين يكتبون الكتاب أي المحرف او ما كتبوه من التأويلات الزائغة
تفسير ابن كثير ج1/ص118
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم قال هم أحبار اليهود وكذا قال سعيد عن قتادة هم اليهود وقال سفيان الثوري عن عبد الرحمن بن علقمة سألت بن عباس رضي الله عنه عن قوله تعالى فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم قال نزلت في المشركين وأهل الكتاب
تفسير البيضاوي ج1/ص350
للذين يكتبون الكتاب يعني المحرفين ولعله أراد به ما كتبوه من التأويلات الزائغة
تفسير الجلالين ج1/ص16
فويل شدة عذاب للذين يكتبون الكتاب بأيديهم أي مختلقا من عندهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا من الدنيا
تفسير السعدي ج1/ص56
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون توعد تعالى المحرفين للكتاب الذين يقولون لتحريفهم وما يكتبون
تفسير السمعاني ج1/ص100
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون 79 وقالوا من كان هودا أو نصارى
تفسير الطبري ج1/ص378
القول في تأويل قوله تعالى للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا
يعني بذلك الذين حرفوا كتاب الله من يهود بني إسرائيل وكتبوا كتابا على ما تأولوه من تأويلاتهم مخالفا لما أنزل الله على نبيه موسى صلى الله عليه وسلم ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها ولا بما في التوراة جهال بما في كتب الله لطلب عرض من الدنيا خسيس فقال الله لهم فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون
تفسير الطبري ج1/ص380
فأعلم ربنا بقوله فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم عباده المؤمنين أن أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله بأيديهم على علم منهم وعمد للكذب على الله ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله تكذبا على الله وافتراء عليه
فنفى جل ثناؤه بقوله يكتبون الكتاب بأيديهم أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهالهم بأمر علمائهم وأحبارهم(6/410)
و بقوله فويل لهم مما كتبت أيديهم أي فالعذاب في الوادي السائل من صديد أهل النار في أسفل جهنم لهم يعني للذين يكتبون الكتاب الذي وصفنا أمره من يهود بني إسرائيل محرفا ثم قالوا هذا من عند الله ابتغاء عرض من الدنيا به قليل ممن يبتاعه منهم
تفسير القرطبي ج1/ص416
وقوله فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم قال بعد فويل لهم مما كتبت أيديهم ولم يقل مما كتبوا وكرر الويل تغليظا لفعلهم
تفسير النسفي ج1/ص54
للذين يكتبون الكتاب المحرف
روح المعاني - الألوسي ج1/ص302
والمراد ب الكتاب المحرف وقد روى أنهم كتبوا في التوراة ما يدل على خلاف صورة النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وبثوها في سفهائهم وفي العرب وأخفوا تلك النسخ التي كانت عندهم بغير تبديل وصاروا إذا سئلوا عن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم يقولون ما هذا هو الموصوف عندنا في التوراة ويخرجون التوراة المبدلة ويقرؤنها ويقولون هذه التوراة التي أنزلت من عند الله
روح المعاني - الألوسي ج:1 ص:302
زاد المسير - ابن الجوزي ج1/ص106
هذا الآية نزلت في أهل الكتاب الذين بدلوا التوراة وغيروا صفة النبي صلى الله عليه وسلم فيها وهذا قول ابن عباس وقتادة وابن زيد وسفيان
فتح القدير - الشوكاني ج1/ص105
فهؤلاء الكتبة لم يكتفوا بالتحريف ولا بالكتابة لذلك المحرف حتى نادوا في المحافل بأنه من عند الله لينالوا بهذه المعاصي والمتكررة هذا الغرض النزير والعوض الحقير
فتح القدير - الشوكاني ج1/ص106
قال نزلت في أهل الكتاب
البرهان في علوم القرآن - الزركشي ج2/ص432
فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم والكتابة لاتكون الا باليد ففائدته مباشرتهم ذلك التحريف بانفسهم وذلك زيادة في تقبيح فعلهم فانه يقال كتب فلان كذا وان لم يباشره بل امر به
التسهيل لعلوم التنزيل - الكلبى ج1/ص172
تحريف الألفاظ أو المعاني
التفسير الكبير - الرازي ج3/ص123
أما قوله تعالى ثم يحرفونه ففيه مسائل
المسألة الأولى قال القفال التحريف التغيير والتبديل وأصله من الانحراف عن الشيء والتحريف عنه قال تعالى إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة الأنفال 16 والتحريف هو إمالة الشيء عن حقه يقال قلم محرف إذا كان رأسه قط مائلا غير مستقيم
المسألة الثانية قال القاضي إن التحريف إما أن يكون في اللفظ أو في المعنى وحمل التحريف على تغيير اللفظ أولى من حمله على تغيير المعنى لأن كلام الله تعالى إذا كان باقيا على جهته وغيروا تأويله فإنما يكونون مغيرين لمعناه لا لنفس الكلام المسموع فإن أمكن أن يحمل على ذلك كما روي عن ابن عباس من أنهم زادوا فيه ونقصوا فهو أولى وإن لم يمكن ذلك فيجب أن يحمل على تغيير تأويله وإن كان التنزيل ثابتا وإنما يمتنع ذلك إذا ظهر كلام الله ظهورا متواترا كظهور القرآن فأما قبل أن يصير كذلك فغير ممتنع تحريف نفس كلامه لكن ذلك ينظر فيه فإن كان تغييرهم له يؤثر في قيام الحجة به فلا بد من أن يمنع الله تعالى منه وإن لم يؤثر في ذلك صح وقوعه فالتحريف الذي يصح في الكلام يجب أن يقسم على ما ذكرناه فأما تحريف المعنى فقد يصح على وجه ما لم يعلم قصد الرسول باضطرار فإنه متى علم ذلك امتنع منهم التحريف لما تقدم من علمهم بخلافه كما يمتنع الآن أن يتأول متأول تحريم لحم الخنزير والميتة والدم على غيرها
التفسير الكبير - الرازي ج3/ص124
المسألة الثالثة اعلم أنا إن قلنا بأن المحرفين هم الذين كانوا في زمن موسى عليه السلام فالأقرب أنهم حرفوا ما لا يتصل بأمر محمد صلى الله عليه وسلم روي أن قوما من السبعين المختارين سمعوا كلام الله حين كلم موسى بالطور وما أمر به موسى وما نهى عنه ثم قالوا سمعنا الله يقول في آخره إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا وإن شئتم أن لا تفعلوا فلا بأس وأما إن قلنا المحرفون هم الذين كانوا في زمن محمد عليه الصلاة والسلام فالأقرب أن المراد تحريف أمر محمد عليه الصلاة والسلام وذلك إما أنهم حرفوا نعت الرسول وصفته أو لأنهم حرفوا الشرائع كما حرفوا آية الرجم وظاهر القرآن لا يدل على أنهم أي شيء حرفوا
تفسير ابن كثير ج4/ص311
وقد قال بن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا هشام بن عمار حدثنا شهاب بن خراش حدثنا حجاج بن دينار عن منصور بن المعتمر عن الربيع بن أبي عميلة الفزاري قال حدثنا عبد الله بن مسعود حديثا ما سمعت أعجب إلي منه إلا شيئا من كتاب الله أو شيئا قاله النبي صلى الله عليه وسلم قال إن بني أسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم واستلذته وكان الحق يحول بينهم وبين كثير من شهواتهم
فتح القدير - الشوكاني ج1/ص534
قد اشتمل على بيان صفته وإيضاح حقيقته الإنجيل وما فيه هو من تحريف النصارى أبعدهم الله فقد كذبوا وصدق الله
فتح القدير - الشوكاني ج1/ص541(6/411)
وتلاعب بالدين والحق ما أخبرنا الله به في القرآن وما خالفه في التوراة أو النجيل أو الزبور فهو من تحريف المحرفين وتلاعب المتلاعبين ومن أعجب ما رايناه أن الأناجيل الأربعة كل واحد منها منسوب إلى واحد من أصحاب عيسى عليه السلام وحاصل ما فيها جميعا أن كل واحد من هؤلاء الأربعة ذكر سيرة عيسى من عند أن بعثه الله إلى أن رفعه إليه وذكر ما جرى له من المعجزات والمراجعات لليهود ونحوهم فاختلفت ألفاظهم وأتفقت معانهيا وقد يزيد بعضهم على بعض بحسب ما يقتضيه الحفظ والضبط وذكر ما قاله عيسى وما قيل له وليس فيها من كلام الله سبحانه شيء ولا أنزل على عيسى من عنده كتابا بل كان عيسى عليه السلام يحتج عليهم بما في التوراة ويذكر انه لم يأت بما يخالفها وهكذا الزبور فإنه من أوله إلى آخره من كلام داود عليه السلام وكلام الله أصدق وكتابه أحق وقد أخبرنا ان الأنجيل كتابه أنزله على عبده ورسوله عيسى ابن مريم وان الزبور كتابه آتاه داود وأنزله عليه
كتب ورسائل وفتاوى ابن تيمية في التفسير ج17/ص275
أحدها أنه ليس فى شيء من كلام الأنبياء تسمية صفة الله إبنا لا كلامه و لا غيره فتسميتهم صفة الله إبنا تحريف لكلام الأنبياء عن مواضعه و ما نقلوه عن المسيح من قوله عمدوا الناس بإسم الأب و الإبن و روح القدس لم يرد بالإبن صفة الله التى هي كلمته و لا بروح القدس حياته فإنه لا يوجد فى كلام الأنبياء إرادة هذا المعنى كما قد بسط هذا فى الرد على النصارى
الوجه الثاني أن هذه الكلمة التى هي الإبن أهي صفة الله قائمة به أم هي جوهر قائم بنفسه فإن كانت صفته بطل مذهبهم من و جوه أحدها أن الصفة لا تكون إلها يخلق و يرزق و يحيى و يميت و المسيح عندهم إله يخلق و يرزق و يحيى و يميت فإذا كان الذي تدرعه ليس بإله فهو أولى أن لا يكون إلها الثاني
أن الصفة لا تقوم بغير الموصوف فلا تفارقه و إن قالوا نزل عليه كلام الله أو قالوا أنه الكلمة أو غير ذلك فهذا قدر مشترك بينه و بين سائر الأنبياء
أحكام القرآن - الجصاص ج4/ص97
وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه قال ابن عباس ومجاهد وقتادة مهيمنا يعني أمينا وقيل شاهدا وقيل حفيظا وقيل مؤتمنا والمعنى فيه أنه أمين عليه ينقل إلينا ما في الكتب المتقدمة على حقيقته من غير تحريف ولا زيادة ولا نقصان لأن الأمين على الشيء مصدق عليه وكذلك الشاهد
تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار الأستاذ الأمام الشيخ محمد عبده الجزء السادس ص 282/384
(يحرفون الكلم عن مواضعه)
تحريف الكلم عن مواضعه يصدق بتحريف الألفاظ بالتقديم والتأخير والحذف والزيادة والنقصان وبتحريف المعاني بحمل الألفاظ على غير ما وضعت له ، وقد اختار كثير من علمائنا الاعلام هذا المعنى في تفسيرالآية وعللوه بأن التصرف في ألفاظ كتاب متواتر متعسر أو متعذر، وسبب هذا الإختيار والتعليل عدم وقوف أولئك العلماء على تاريخ أهل الكتاب وعدم أطلاعهم على كتبهم ، وقياس تواترها على القرآن والتحقيق الذي عليه العلماء الذين عرفوا تاريخ القوم واطلعوا على كتبهم التي يسمونها (الكتاب المقدس) التوراة وإنجيل هو أن التحريف اللفظي والمعنوي كلاهما واقع في تلك الكتب ماله من دافع ، وأنها كتب غير متواترة
( ونسوا حظا مما ذكروا به)
والحق أنهم أضاعوا كتابهم وفقدوه عندما أحرق البابليون هيكلهم وخربوا عاصمتهم ، وسبوا من أبقى عليه السيف منهم ، فلما عادت إليهم الحرية في الجملة جمعوا ما كانوا حفظوه من التوراة ووعوه بالعمل به ، أو ذكروه في بعض كتاباتهم لنحو الاستشهاد به ، ونسوا الباقي ، والآية ( ونسوا حظا مما ذكروا به) والآية ( أوتوا نصيبا من الكتاب ) لمن أعظم معجزات القرآن التي أثبتها التاريخ لنا بعد بعثة النبي صلى الله عليه وسلم بعدة قرون ، ولم يكن يخطر على بال أحد من العرب في زمن البعثة وهم أميون أن اليهود فقدوا كتابهم الذي هو أصل دينهم ثم كتبه لهم كاتب منهم نشأ في سبي والأسر بين الوثنيين بعد عدة قرون ، فنقص منه وزاد فيه ، ولم تعرف المصادر التي جمع منها ما كتبه معرفة صحيحة ، بل كان هذا مما خفي عن علماء المسلمين عدة قرون بعد انتشار العلم فيهم.
الدلائل على عدم الثقة بالأنجيل:
ص36
ألف سلوس من علماء الوثنيين في القرن الثاني للميلاد كتابا في أبطال الديانة النصرانية قال فيه كما نقل عنه أكهارن من علماء ألمانية ما ترجمة " بدل النصارى أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات بل أكثر من هذا تبديلا كأن مضامينها بدلت"
وفي كتبهم أن الفرقة الابيونية من فرق النصارى في القرن الأول للميلاد كانت تصدق بانجيل متى وحده تنكر ما عداه ، ولكن كان ذلك الإنجيل وهي عندهم من المبتدعة .
وفي رسالة بولس إلى أهل غلاطية ما نصه غل 1:6 ( إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعا عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى انجيل آخر)
???????????
metatithe?mi
met-at-ith'-ay-mee(6/412)
From G3326 and G5087; to transfer, that is, (literally) transport, (by implication) exchange, (reflexively) change sides, or (figuratively) pervert: - carry over, change, remove, translate, turn.
هكذا في ترجمة البروتستانت الأخيرة (يحولوا) وفي الترجمة القديمة التي نقل عنها كثيرون "يحرفوا" وفي الترجمة الجزويت "يقلبوا" removed، turned، change
في قاموس (الفهرس العربي لكلمات العهد الجديد اليونانية ص 506رقم 2776 لشرح معنى الكلمة (ينقل ،ينتقل ،يتغير ، يحول)
والمعاني متقاربة تدل كلها على أنه كان في عهد بولس قوم يدعون الناس إلى انجيل غير الذي يدعو هو إليه ، ومعنى كونه غيره أنهم حرفوه أو قلبوه حتى صار كأنه انجيل آخر وكما اعترف بولس بهذا اعترف بأنه كان يوجد في عصره رسل كذابون غدارون تشبهوا برسل المسيح صرح بذلك في رسالته إلى أهل كورنثيوس2 فقال (13:11) لأن مثل هؤلاء رسل كذبة فعلة ماكرون مغيرون شكلهم إلى رسل المسيح ولا عجب لأن الشيطان يغير شكله إلى ملاك نور فليس عظيما إذا كان خدامه أيضا يغيرون شكلهم كخدام للبر)
لقد حدد القرءان أنواع التحريف التي
أتبعها أهل الكتاب والتحريف هو إمالة كلام الله عن مقصده الإلهي وينقسم في القرءان إلى ما يلي :-
1- تحريف لفظي(الكلمة):
ــــــــــــــــــــــــــــــ
أ - تقديم أو تأخير 0
ب - زيادة أو نقصان0
ج- تبديل الحروف0
2- تحريف المعنى:
ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ - بحمل الألفاظ على غير ما وضعت له0
ب - تفسير على غير ماأنزل0
3- تحريف مطلق ومقيد :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ - أي أنهم يحرفون بالجملة0
ب-أو أنهم يقيدون التحريف بألفاظ معينه يحرفونها حتى يتغير المعنى0
عدم عصمة الكتاب المقدس
1- لا دليل على عصمة هذه الكتب ولا على أن كاتبيها كانوا معصومين
2- لا دليل على نسبتها إلى من نسبت إليهم لأنها غير متواترة
3- أنها متعارضة بعضها ببعض واختيار المجامع لها لا كانوا معصومين عندهم ولا عندنا
4- أنها معارضة للقرآن والقرآن قطعي والكتاب المقدس ظني ويقدم القطعي على الظني
.=================
حقه أم على قدر طاقتكم؟
“ا تَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ ; (آية 102).
مع قوله “فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ ; (التغابن 64: 16) أي على قدر طاقتكم.
لما قال محمد اتقوا الله حق تقاته . سألوه: يا رسول الله: ما حق تقاته؟ فقال: حق تقاته أن يُطاع فلا يُعصى، وأن يُذكر فلا يُنسى، وأن يُشكر فلا يُكفَر. فقالوا: يا رسول الله، ومن يطيق ذلك؟ فانزعجوا لنزولها انزعاجاً عظيماً. ثم أتى بعد مدة بعبارة تؤكد حكمها. وهي قوله: وجاهدوا في الله حق جهاده . فكان عليهم أعظم من الأولى. ومعناها: اعملوا لله حق عمله. فكادت عقولهم تذهل (الطبري في تفسير آل عمران 3: 102). فلما رأى محمد ذلك، وكان ذا سياسة، نسخها بالعبارة التي في التغابن وهي فاتقوا الله ما استطعتم فكان هذا تخفيفاً.
الرد
هل الأية المنسوخة كان هناك خير منها ولم ينزله الله ؟ نقول لا .. المعنى ان الآية المنسوخة كانت خيراً فى زمانها .. والحكم الثانى كان زيادة فى الخير بعد فترة من الزمن .. كلاهما خير فى زمنه وفى أحكامه .. والله تبارك وتعالى أنزل الآية الكريمة :
آلِ عِمْرَان
آية رقم : 102
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ
ولكن من يستطيع أن يتقى الله حق تقاته .. ذلك صعب على المسلمين .. ولذلك عندما نزلت الآية قالوا ليس منا من يستطيع أن يتقى الله حق تقاته .. فنزلت
الآية الكريمة :
التَّغَابُن
آية رقم : 16
فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيرًا لأَنْفُسِكُم وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ
الذى يتقى الله حق تقاته خير ، أم الذى يتقى الله ما أستطاع ؟ طبعاً حق تقاته خير من قدر الاستطاعة .. ولكن الله سبحانه وتعالى يقول { نأت بخير منها } ..
نقول إنك لم تفهم عن الله .. { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } فى الآية الأولى أو { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم } فى الآية الثانية .. أى الحالتين أحسن ؟ بقول إن العبرة بالنتيجة .. عندما تريد أن تقيم شيئاً لابد أن تبحث عن نتيجته أولا .
ولنقرب المعنى للأذهان سنضرب مثلا ولله الثلى الأعلى .. نفرض اِن هناك تاجر يبيع السلع بربح خمسين فى المائة .. ثم جاء تاجر أخر يبيع نفس السلع بربح خمسة عشر فى المائة .. ماذا يحدث ؟ سيقبل الناس طبعاً على ذلك الذى يبيع السلع بربح خمسة عشر فى المائة ويشترون منه كل ما يريدون ، والتاجر الذى يبيع السلع بربح خمسين فى المائة يحقق ربحاً أكبر .. ولكن الذى يبيع بربح خمسة عشر فى المائة يحقق ربحاً أقل ولكن بزيادة الكمية المبيعة .. يكون الربح فى النهاية أكبر .(6/413)
والذى يكبق الآية الكريمة { اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ } يحقق خيراً أكبر فى عمله .. ولكنه لا يستطيع أن يتقى الله حق تقاته إلا فى أعمال محدودة جداً .
إذن الخير هنا أكبر ولكن العمل الذى تنطبق عليه الآية محدود .
أما قوله تعالى : { فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم } فإنه قد حدد التقوى بقدر الأستطاعة .. ولذلك تكون الأعمال المقبوله كثيرة وإن كان الأجر عليها أقل .
عندما نأتى إلى النتيجة العامة .. أعمال أجرها أعلى ولكنها قليلة ومحدودة جداً .. وأعمال أجرها أقل ولكنها كثيرة .. أيهما فيه الخير ؟ طبعاً الأعمال الكثيرة ذات الأجر الأقل فى مجموعها تفوق الأعمال القليلة ذات الأجر المرتفع .
إذن فقد نسخت هذه الآية بما هو خير منها .. رغم أن الظاهر لا يبدو كذلك ، لأن اتقاء الله حق تقاته خير من اتقاء الله قدر الاستطاعة .. ولكن فى المحصلة العامة الخير فى الأية التى نصت على الاستطاعة ..
===================
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ
وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ ; (آية 199).
قال جابر بن عبد الله وأنس وابن عباس وقتادة: نزلت في النجاشي، وذلك لما مات نعاه جبريل لمحمد في اليوم الذي مات فيه، فقال محمد لأصحابه: اخرجوا فصلّوا على أخٍ لكم مات بغير أرضكم، فقالوا: من هو؟ فقال: النجاشي. فصلّى عليه وكبّر أربع تكبيرات واستغفر له. وقال لأصحابه: استغفروا له. فقال المنافقون: انظروا إلى هذا، يصلي على علج حبشي نصراني لم يره قط، وليس على دينه . فقال محمد: وإن من أهل الكتاب الخ. وقال مجاهد وابن جريج وابن زيد: نزلت في مؤمني أهل الكتاب كلهم (القرطبي في تفسير آل عمران 3: 199).
اللغة: أصل الخشوع السهولة من قولهم الخشعة وهي السهولة في الرمل كالربوة والخاشع من الأرض الذي لا يهتدى له لأن الرمل يعفي آثاره والخاشع الخاضع ببصره والخشوع هو التذلل خلاف التصعب.
الإعراب: خاشعين نصب على الحال من الضمير في يؤمن وهو عائد إلى مَنْ وقيل هو حال من الضمير في أنزل إليهم المجرور بإلى والأول أحسن.
النزول: اختلفوا في نزولها فقيل " نزلت في النجاشي ملك الحبشة واسمه أصحمة وهو بالعربية عطية وذلك أنه لما مات نعاه جبرائيل لرسول الله في اليوم الذي مات فيه فقال رسول الله: " اخرُجوا فصلوا على أخ لكم مات بغير أرضكم " قالوا ومن؟ قال: " النجاشي " فخرج رسول الله إلى البقيع وكشف له من المدينة إلى أرض الحبشة فأبصر سرير النجاشي وصلى عليه فقال المنافقون انظروا إلى هذا يصلي على عِلْج نصراني حبشي لم يره قطّ وليس على دينه فأنزل الله هذه الآية " عن جابر بن عبد الله وابن عباس وأنس وقتادة.
المعنى: لما ذَمَّ تعالى أهل الكتاب فيما تقدم وصف طائفة منهم بالإيمان وإظهار الحق والصدق فقال { وإن من أهل الكتاب } أي من اليهود والنصارى { لمن يؤمن بالله } أي يصدّق بالله ويقِرُّ بوحدانيته { وما أنزل إليكم } أيها المؤمنون وهو القرآن { وما أنزل إليهم } وهو التوراة والإنجيل { خاشعين لله } أي خاضعين له مستكينين له بالطاعة متذللين بها. قال ابن زيد الخاشع المتذلل الخائف وقال الحسن الخشوع الخوف اللازم للقلب من الله.
{ لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً } أي لا يأخذون عوضاً يسيراً على تحريف الكتاب وكتمان الحق من الرشى والمأكل كما فعله غيرهم ممن وصفهم تعالى في قوله
{ أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى }[البقرة: 16]
ولكن ينقادون إلى الحق يعملون بما أمرهم الله به وينتهون عما نهاهم عنه ثم قال { أولئك } يعني هؤلاء الذين وصفناهم { لهم أجرهم عند ربهم } معناه لهم ثواب أعمالهم وأجر طاعاتهم عند الله مذخور حتى يوفيهم الله يوم القيامة { إن الله سريع الحساب } وصف الحساب بالسرعة لأنه تعالى لا يؤخر الجزاء عمن يستحقه بطول الحساب لأنه لا يخفى عليه شيء من أعمالهم قبل أن يعملوها وبعد أن عملوها فلا حاجة به إلى إحصاء عدد فيقع في الإحصاء إبطاء وقيل معناه أنه يحاسب كل الخلق معاً فإذا حاسب واحداً فقد حاسب الجميع لأنه قادر على أن يكلمهم في حالة واحدة كل واحد بكلام يخصه لأنه القادر لنفسه عن أبي علي الجبائي. وإنما خصّ الله تعالى هذه الطائفة بالوعيد ليبيّن أن جزاء أعمالهم موفر عليهم ولا يضرهم كفر من كفر منهم
==================
أخذ محمد (عليه الصلاه والسلام) أقوال النساء
“وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ ; (آية 140).
لما أبطأ محمد على النساء في وقعة أُحد، خرجن ليستخبرن، فإذا رجلان مقبلان على بعير. فقالت امرأة: ما فعل محمد؟ فقالا: حي. قالت: فلا أبالي. يتخذ الله من عباده الشهداء .
فأخذ محمد عبارتها وقال إنها وحي. فلم يقتصر على إيراد أقوال عمر في القرآن، بل أخذ أيضاً أقوال النساء (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول هذه الآية).
قوله: { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء } فالمراد منه ذكر الحكمة ... وفيه مسائل:(6/414)
المسألة الأولى: في هذه الآية قولان: الأول: يتخذ منكم شهداء على الناس بما صدر منهم من الذنوب والمعاصي، فإن كونهم شهداء على الناس منصب عال ودرجة عالية. والثاني: المراد منه وليكرم قوماً بالشهادة، وذلك لأن قوما من المسلمين فاتهم يوم بدر، وكانوا يتمنون لقاء العدو وأن يكون لهم يوم كيوم بدر يقاتلون فيه العدو ويلتمسون فيه الشهادة، وأيضا القرآن مملوء من تعظيم حال الشهداء قال تعالى:
{ وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ }[آل عمران: 169]
وقال: { وَجِىء بِالنَّبِيّيْنَ وَالشُّهَدَاء } [الزمر: 69]
وقال: { فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مّنَ النَّبِيّينَ وَالصّدّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّلِحِينَ }[النساء: 69]
فكانت هذه المنزلة هي المنزلة الثالثة للنبوة، وإذا كان كذلك فكان من جملة الفوائد المطلوبة من تلك المداولة حصول هذا المنصب العظيم لبعض المؤمنين.
المسألة الثانية: احتج أصحابنا بهذه الآية على أن جميع الحوادث بارادة الله تعالى فقالوا: منصب الشهادة على ما ذكرتم، فان كان يمكن تحصيلها بدون تسليط الكفار على المؤمنين لم يبق لحسن التعليل وجه، وإن كان لا يمكن فحينئذ يكون قتل الكفار للمؤمنين من لوازم تلك الشهادة، فاذا كان تحصيل تلك الشهادة للعبد مطلوباً لله تعالى وجب أن يكون ذلك القتل مطلوباً لله تعالى، وأيضاً فقوله: { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء } تنصيص على أن ما به حصلت تلك الشهادة هو من الله تعالى، وذلك يدل على أن فعل العبد خلق الله تعالى.
المسألة الثالثة: الشهداء جمع شهيد كالكرماء والظرفاء، والمقتول من المسلمين بسيف الكفار شهيداً، وفي تعليل هذا الاسم وجوه: الأول: قال النضر بن شميل: الشهداء أحياء لقوله:
{ بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبّهِمْ يُرْزَقُونَ } [آل عمران: 169]
فأرواحهم حية وقد حضرت دار السلام، وأرواح غيرهم لا تشهدها، الثاني: قال ابن الانباري: لأن الله تعالى وملائكته شهدوا له بالجنة، فالشهيد فعيل بمعنى مفعول، الثالث: سموا شهداء لأنهم يشهدون يوم القيامة مع الأنبياء والصديقين، كما قال تعالى:
{ لّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ } [البقرة: 143]
الرابع: سموا شهداء لأنهم كما قتلوا أدخلوا الجنة، بدليل أن الكفار كما ماتوا أدخلوا النار بدليل قوله:
{ أُغْرِقُواْ فَأُدْخِلُواْ نَاراً } [نوح: 25]
فكذا ههنا يجب أن يقال: هؤلاء الذين قتلوا في سبيل الله، كما ماتوا دخلوا الجنة.
وأما ما جاء عن اسباب النزول للسيوطي نجد :
وأخرج ابن جرير وابن المنذر من طريق ابن جريج عن ابن عباس { وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء } قال: إن المسلمين كانوا يسألون ربهم اللهم: ربنا أرنا يوماً كيوم بدر، نقاتل فيه المشركين، ونبليك فيه خيراً، ونلتمس فيه الشهادة.
فلقوا المشركين يوم أحد، فاتخذ منهم شهداء.
وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن الضحاك في الآية قال: كان المسلمون يسألون ربهم أن يريهم يوماً كيوم بدر. يبلون فيه خيراً، ويرزقون فيه الشهادة، ويرزقون الجنة والحياة والرزق. فلقوا يوم أحد، فاتخذ الله منهم شهداء، وهم الذين ذكرهم الله تعالى فقال
{ ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أمواتاً }[البقرة: 154] الآية.
وأخرج عبد بن حميد وابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة { وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء } قال: يكرم الله أولياءه بالشهادة بأيدي عدوهم، ثم تصير حواصل الأمور وعواقبها لأهل طاعة الله.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عبيدة { وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء } يقول: أن لا تقتلوا لا تكونوا شهداء.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي الضحى قال: نزلت { ويتخذ منكم شهداء } فقتل منهم يومئذ سبعون، منهم أربعة من المهاجرين: منهم حمزة بن عبد المطلب، ومصعب بن عمير أخو بني عبد الدار، والشماس بن عثمان المخزومي، وعبد الله بن جحش الأسدي، وسائرهم من الأنصار.
وأخرج ابن أبي حاتم عن عكرمة قال: لما أبطأ على النساء الخبر خرجن يستخبرن فإذا رجلان مقتولان على دابة أو على بعير فقالت امرأة من الأنصار: من هذان؟ قالوا: فلان وفلان. أخوها وزوجها. أو زوجها وابنها، فقالت: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: حي... قالت: فلا أبالي يتخذ الله من عباده الشهداء. ونزل القرآن على ما قالت { ويتخذ منكم شهداء }.
ولقول : فأخذ محمد عبارتها وقال إنها وحي. فلم يقتصر على إيراد أقوال عمر في القرآن، بل أخذ أيضاً أقوال النساء
فلو نظرنا إلى سورة الكافرون نجد أسباب النزول هي :(6/415)
أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم والطبراني عن ابن عباس رضي الله عنهما أن قريشاً دعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن يعطوه مالاً فيكون أغنى رجل بمكة ويزوّجوه ما أراد من النساء، فقالوا: هذا لك يا محمد وكف عن شتم آلهتنا ولا تذكر آلهتنا بسوء، فإن لم تفعل فإنا نعرض عليك خصلة واحدة ولك فيها صلاح. قال: ما هي؟ قالوا: تعبد آلهتنا سنة ونعبد إلهك سنة. قال: حتى أنظر ما يأتيني من ربي فجاء الوحي من عند الله { قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون } الآية. وأنزل الله
فهل الرسول يأخذ من الكافرون ؟
يكفي القول في هذه النقطة هي :
المعروف بالعصر الجاهلي أن أهل الجزيرة العربية هم أهل الفصاحة والبلاغة .... لهذا نزل القرآن كمعجزة بلاغية يتحدى هؤلاء القوم ... وإلا لقالوا أن القرآن أضعف مما يكون أنهم أكثر منه بلاغة وفصاحة .. وبذلك لن يحقق المنهج القرآني هدفه السماوي ... ولهذا نزل القرآن أولاً بمعجزة بلاغية يتحدى العرب فيما نبغوا فيه .
فالقرآن الكريم أكتشف نوعاً من أنواع السجع باللغة العربية والتي لم يدركها شعراء الجاهلية من قبل .
فالسجع المعروف بين شعراء وخطباء الجاهلية .. هو أتفاق أخر كلمات بعض الجمل (جملتين أو أكثر ) في الحرف الأخير ... مثال :
الخطيب الجاهلي "قس بن ساعدة" في خطبته الموجودة في كتاب " جمهرة خطب العرب" ويقول :
" أيها الناس اسمعوا وعوا ، إنه من عاش مات ، ومن مات فان ، وكل ما هو آتٍ آت " .
هذا جزء من خطبته .. فنجد السجع بين " اسمعوا وعوا " وبين " مات – فات " وبين " آتٍ – آت "
فنجد أن السجع بين كلمتين فقط .
ولكن .... عندما نزل القرآن الكريم ... كشف نوع من أنواع السجع لم يعرفه العصر الجاهلي من قبل رغم تفوقهم في الفصاحة والبلاغة للغة العربية ... فالعصر الجاهلي إنتهى تفوقه في السجع بين كلمتين فقط كما ذكرت لك عاليه للخطيب " قس بن ساعدة " وغيره من الخطباء والشعراء .
ولكن القرآن جاء بأعلى من ذلك مما أبهر هؤلاء الخطباء والشعراء وهو السجع بين
حرف وكلمة
ومثال لذلك .. ولله المثل الأعلى
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
بسم الله الرحمن الرحيم
" ن والقلم وما يسطرون "
فهنا نجد السجع بين "ن" و "يسطرون"
وهذا نوع من أنواع السجع الذي لم يعرفه خطباء وشعراء العصر الجاهلي
=================
وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ
قال ابن عباس: أتت امرأةٌ للنبي، فقالت إنك تقول: للذكر مثل حظ الأنثيين، وشهادة امرأتين برجل أفنحن في العمل هكذا؟ إذا عملت المرأة حسنة كتبت لها نصف حسنة (أسباب النزول للسيوطي في النساء 4: 32). وقال المثنى: لما نزلت للذكر مثل حظ الأنثيين قال الرجال: إنّا لنرجو أن نزيد على النساء في الثواب كما في الميراث. وقالت النساء: لهم نصيبان من الذنوب، كما لهم نصيبان من الميراث (الطبري تفسير النساء 4: 32). فقال لهم محمد: ولا تتمنوا ما فضّل الله به بعضكم على بعض .
فهذا القول هو أشبه بأقوال الساسة لا الأنبياء، فهو يحاول أن يحلّ مشكلة كان هو السبب فيها نتيجة تفرقته بين الناس على أساس النوع، فالرجل عنده أفضل من المرأة، والمرأة أفضل من العبد المسلم، والعبد المسلم أفضل من الجارية المسلمة، والجارية المسلمة أفضل من الرجل الكتابي (يهودي أو مسيحي). (راجع كتاب أحكام أهل الذمة ابن القيّم).
أفضل رد على هذا الكلام
الأحزاب 35 ..{ ان المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات اعد الله لهم مغفرة واجرا عظيما }
الفتح 5 { ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الانهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيئاتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما }
آل عمران 195 { فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لاَ أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِّنكُم مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى بَعْضُكُم مِّن بَعْضٍ فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ }
==================
واضربوهنّ
“الرِّجَالُ قَّوَامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً ; (آية 34).(6/416)
جاءت امرأة إلى محمد تستعدي على زوجها أنه لطمها، فقال: القصاص، فأنزل الله الرجال قوَّامون على النساء (الآية) ، فرجعت بغير قصاص.
وأخرج ابن جرير من طُرُقٍ عن الحسن، وفي بعضها أن رجلاً من الأنصار لطم امرأته فجاءت تلتمس القصاص، فجعل محمد بينهما القصاص، فنزلت فتعالى اللهُ الملكُ الحقُّ، ولا تَعْجَلْ بالقرآنِ من قبل أن يُقضَى إليك وحيُه، وقُلْ ربِّ زِدْني عِلماً .وأخرج نحوه عن ابن جريج والسدي.
وأخرج ابن مردويه عن علي قال: أتى محمداً رجلٌ من الأنصار بامرأة له، فقالت: يارسول الله، إنه ضربني فأثّر في وجهي، فقال محمد ليس له ذلك. فأنزل الله الرجال قوَّامون على النساء (الآية).
فرض المنطق السليم على محمد أن يعاقب الرجل الذي اعتدى على زوجته. ولكن رغبته في إرضاء رجاله جعله يعكس المنطق السليم، معتمداً على ما جاءه من وحي .
اعلم أنه تعالى قال:{ وَلاَ تَتَمَنَّوْاْ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ }[النساء: 32]
وقد ذكرنا أن سبب نزول هذه الآية أن النساء تكلمن في تفضيل الله الرجال عليهن في الميراث، فذكر تعالى في هذه الآية أنه إنما فضل الرجال على النساء في الميراث، لأن الرجال قوامون على النساء، فإنهما وإن اشتركا في استمتاع كل واحد منهما بالآخر، أمر الله الرجال أن يدفعوا إليهن المهر، ويدروا عليهن النفقة فصارت الزيادة من أحد الجانبين مقابلة بالزيادة من الجانب الآخر، فكأنه لا فضل ألبتة، فهذا هو بيان كيفية النظم. وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى: القوام؛ اسم لمن يكون مبالغا في القيام بالأمر، يقال: هذا قيم المرأة وقوامها للذي يقوم بأمرها ويهتم بحفظها. قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في بنت محمد بن سلمة وزوجها سعد بن الربيع أحد نقباء الأنصار، فإنه لطمها لطمة فنشزت عن فراشه وذهبت إلى الرسول عليه الصلاة والسلام وذكرت هذه الشكاية، وأنه لطمها وأن أثر اللطمة باق في وجهها، فقال عليه الصلاة والسلام: " اقتصي منه ثم قال لها اصبري حتى أنظر " فنزلت هذه الآية: { الرّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النّسَاء } أي مسلطون على أدبهن والأخذ فوق أيديهن، فكأنه تعالى جعله أميرا عليها ونافذ الحكم في حقها، فلما نزلت هذه الآية قال النبي صلى الله عليه وسلم: " أردنا أمراً وأراد الله أمرا والذي أراد الله خير " ورفع القصاص، ثم انه تعالى لما أثبت للرجال سلطنة على النساء ونفاذ أمر عليهن بين أن ذلك معلل بأمرين، أحدهما: قوله تعالى:
{ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ } [النساء: 34].
واعلم أن فضل الرجل على النساء حاصل من وجوه كثيرة، بعضها صفات حقيقية، وبعضها أحكام شرعية، أما الصفات الحقيقية فاعلم أن الفضائل الحقيقية يرجع حاصلها الى أمرين:
1) إلى العلم
2) إلى القدرة
ولا شك أن عقول الرجال وعلومهم أكثر، ولا شك أن قدرتهم على الأعمال الشاقة أكمل، فلهذين السببين حصلت الفضيلة للرجال على النساء في العقل والحزم والقوة، والكتابة في الغالب والفروسية والرمي، وأن منهم الأنبياء والعلماء، وفيهم الإمامة الكبرى والصغرى والجهاد والأذان والخطبة والاعتكاف والشهادة في الحدود والقصاص بالاتفاق، وفي الأنكحة عند الشافعي رضي الله عنه، وزيادة النصيب في الميراث والتعصيب في الميراث، وفي تحمل الدية في القتل والخطأ، وفي القسامة والولاية في النكاح والطلاق والرجعة وعدد الأزواج، وإليهم الانتساب، فكل ذلك يدل على فضل الرجال على النساء.
والسبب الثاني: لحصول هذه الفضيلة: قوله تعالى: { وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْولِهِمْ } يعني الرجل أفضل من المرأة لأنه يعطيها المهر وينفق عليها، ثم إنه تعالى قسم النساء قسمين، فوصف الصالحات منهن بأنهن قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال صاحب «الكشاف»: قرأ ابن مسعود (فالصالحات قوانت حوافظ للغيب). المسألة الثانية: قوله: { قَنِتَتٌ حَفِظَتٌ لّلْغَيْبِ } فيه وجهان: الأول: قانتات، أي مطيعات لله، { حَفِظَاتٌ لّلْغَيْبِ } أي قائمات بحقوق الزوج، وقدم قضاء حق الله ثم أتبع ذلك بقضاء حق الزوج. الثاني: أن حال المرأة إما أن يعتبر عند حضور الزوج أو عند غيبته، أما حالها عند حضور الزوج فقد وصفها الله بأنها قانتة، وأصل القنوت دوام الطاعة، فالمعنى أنهن قيمات بحقوق أزواجهن، وظاهر هذا إخبار، إلا أن المراد منه الأمر بالطاعة.(6/417)
واعلم أن المرأة لا تكون صالحة إلا إذا كانت مطيعة لزوجها، لأن الله تعالى قال: { فَالصَّلِحَاتُ قَنِتَتٌ } والألف واللام في الجمع يفيد الاستغراق، فهذا يقتضي أن كل امرأة تكون صالحة، فهي لا بد وأن تكون قانتة مطيعة. قال الواحدي رحمه الله: لفظ القنوت يفيد الطاعة، وهو عام في طاعة الله وطاعة الأزواج، وأما حال المرأة عند غيبة الزوج فقد وصفها الله تعالى بقوله: { حَفِظَتٌ لّلْغَيْبِ } واعلم أن الغيب خلاف الشهادة، والمعنى كونهن حافظات بمواجب الغيب، وذلك من وجوه:
أحدها: أنها تحفظ نفسها عن الزنا لئلا يلحق الزوج العار بسبب زناها، ولئلا يلتحق به الولد المتكون من نطفة غيره،
وثانيها: حفظ ماله عن الضياع،
وثالثها: حفظ منزله عما لا ينبغي، وعن النبي صلى الله عليه وسلم: " خير النساء إن نظرت اليها سرتك وإن أمرتها أطاعتك وإن غبت عنها حفظتك في مالك ونفسها " وتلا هذه الآية.
المسألة الثالثة: «ما» في قوله: { بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } فيه وجهان:
الأول: بمعنى الذي، والعائد اليه محذوف، والتقدير: بما حفظه الله لهن، والمعنى أن عليهن ان يحفظن حقوق الزوج في مقابلة ما حفظ الله حقوقهن على أزواجهن، حيث أمرهم بالعدل عليهن وإمساكهن بالمعروف وإعطائهن أجورهن، فقوله: { بِمَا حَفِظَ اللَّهُ } يجري مجرى ما يقال: هذا بذاك، أي هذا في مقابلة ذاك.
والوجه الثاني: أن تكون «ما» مصدرية، والتقدير: بحفظ الله، وعلى هذا التقدير ففيه وجهان: الأول: أنهن حافظات للغيب بما حفظ الله إياهن، أي لا يتيسر لهن حفظ إلا بتوفيق الله، فيكون هذا من باب إضافة المصدر إلى الفاعل. والثاني: أن المعنى: هو أن المرأة إنما تكون حافظة للغيب بسبب حفظهن الله أي بسبب حفظهن حدود الله وأوامره، فإن المرأة لولا أنها تحاول رعاية تكاليف الله وتجتهد في حفظ أوامره لما أطاعت زوجها، وهذا الوجه يكون من باب إضافة المصدر إلى المفعول.
واعلم أنه تعالى لما ذكر الصالحات ذكر بعده غير الصالحات، فقال: { وَاللَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ }.
واعلم أن الخوف عبارة عن حال يحصل في القلب عند ظن حدوث أمر مكروه في المستقبل.
قال الشافعي رضي الله عنه: { وَاللَّتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ } النشوز قد يكون قولا، وقد يكون فعلا، فالقول مثل أن كانت تلبيه إذا دعاها، وتخضع له بالقول إذا خاطبها ثم تغيرت، والفعل مثل أن كانت تقوم اليه إذا دخل عليها، أو كانت تسارع إلى أمره وتبادر إلى فراشه باستبشار إذا التمسها، ثم إنها تغيرت عن كل ذلك، فهذه أمارات دالة على نشوزها وعصيانها، فحينئذ ظن نشوزها ومقدمات هذه الأحوال توجب خوف النشوز. وأما النشوز فهو معصية الزوج والترفع عليه بالخلاف، وأصله من قولهم نشز الشيء إذا ارتفع، ومنه يقال للأرض المرتفعة: ونشز ونشر.
ثم قال تعالى: { فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ } وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قال الشافعي رضي الله عنه: أما الوعظ فإنه يقول لها: اتقي الله فإن لي عليك حقا وارجعي عما أنت عليه، واعلمي أن طاعتي فرض عليك ونحو هذا، ولا يضربها في هذه الحالة لجواز أن يكون لها في ذلك كفاية، فإن أصرت على ذلك النشوز فعند ذلك يهجرها في المضجع وفي ضمنه امتناعه من كلامها، وقال الشافعي رضي الله تعالى عنه: ولا يزيد في هجره الكلام ثلاثا، وأيضا فإذا هجرها في المضجع فإن كانت تحب الزوج شق ذلك عليها فتترك النشوز، وإن كانت تبغضه وافقها ذلك الهجران، فكان ذلك دليلا على كمال نشوزها، وفيهم من حمل ذلك على الهجران في المباشرة، لأن إضافة ذلك إلى المضاجع يفيد ذلك، ثم عند هذه الهجرة إن بقيت على النشوز ضربها. قال الشافعي رضي الله عنه: والضرب مباح وتركه أفضل.
روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: كنا معاشر قريش تملك رجالنا نساءهم، فقدمنا المدينة فوجدنا نساءهم تملك رجالهم، فاختلطت نساؤنا بنسائهم فذئرن على أزواجهن، فأذن في ضربهن فطاف بحجر نساء النبي صلى الله عليه وسلم جمع من النسوان كلهن يشكون أزواجهن، فقال صلى الله عليه وسلم: «لقد أطاف الليلة بآل محمد سبعون امرأة كلهن يشكون أزواجهن ولا تجدون أولئك خياركم» ومعناه أن الذين ضربوا أزواجهم ليسوا خيرا ممن لم يضربوا. قال الشافعي رضي الله عنه: فدل هذا الحديث على أن الأولى ترك الضرب، فأما إذا ضربها وجب في ذلك الضرب أن يكون بحيث لا يكون مفضيا إلى الهلاك ألبتة، بأن يكون مفرقا على بدنها، ولا يوالي بها في موضع واحد ويتقي الوجه لأنه مجمع المحاسن، وأن يكون دون الأربعين. ومن أصحابنا من قال: لا يبلغ به عشرين لأنه حد كامل في حق العبد، ومنهم من قال: ينبغي أن يكون الضرب بمنديل ملفوف أو بيده، ولا يضربها بالسياط ولا بالعصا، وبالجملة فالتخفيف مراعى في هذا الباب على أبلغ الوجوه.(6/418)
وأقول: الذي يدل عليه أنه تعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب، وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه مهما حصل الغرض بالطريق الاخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق والله أعلم.
المسألة الثانية: اختلف أصحابنا قال بعضهم: حكم هذه الآية مشروع على الترتيب، فان ظاهر اللفظ وإن دل على الجمع إلا أن فحوى الآية يدل على الترتيب، قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنه: يعظها بلسانه، فإن انتهت فلا سبيل له عليها، فإن أبت هجر مضجعها، فإن أبت ضربها، فان لم تتعظ بالضرب بعث الحكمين. وقال بعض أصحابنا: تحرير المذهب أن له عند خوف النشوز أن يعظها، وهل له أن يهجرها؟ فيه احتمال، وله عند إبداء النشوز أن يعظها أو يهجرها، أو يضربها.
ثم قال تعالى: { فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ } أي إذا رجعن عن النشوز إلى الطاعة عند هذا التأديب { فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً } أي لا تطلبوا عليهن الضرب والهجران طريقاً على سبيل التعنت والايذاء { إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً } وعلوه لا بعلو الجهة، وكبره لا بكبر الجثة، بل هو علي كبير لكمال قدرته ونفاذ مشيئته في كل الممكنات. وذكر هاتين الصفتين في هذا الموضع في غاية الحسن، وبيانه من وجوه:
الأول: أن المقصود منه تهديد الأزواج على ظلم النسوان، والمعنى أنهن ضعفن عن دفع ظلمكم وعجزن عن الانتصاف منكم، فالله سبحانه علي قاهر كبير قادر ينتصف لهن منكم ويستوفي حقهن منكم، فلا ينبغي أن تغتروا بكونكم أعلى يداً منهن، وأكبر درجة منهن.
الثاني: لا تبغوا عليهن إذا أطعنكم لعلو أيديكم. فإن الله أعلى منكم وأكبر من كل شيء، وهو متعال عن أن يكلف إلا بالحق.
الثالث: أنه تعالى مع علوه وكبريائه لا يكلفكم إلا ما تطيقون، فكذلك لا تكلفوهن محبتكم، فإنهن لا يقدرن على ذلك.
الرابع: أنه مع علوه وكبرئايه لا يؤاخذ العاصي إذا تاب، بل يغفر له، فإذا تابت المرأة عن نشوزها فأنتم أولى بأن تقبلوا توبتها وتتركوا معاقبتها.
الخامس: أنه تعالى مع علوه وكبرئايه اكتفى من العبد بالظواهر، ولم يهتك السرائر، فأنتم أولى أن تكتفوا بظاهر حال المرأة، وأن لا تقعوا في التفتيش عما في قلبها وضميرها من الحب والبغض.
==================
لا تقربوا الصلاة
لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ ; (آية 43).
روى أبو داود عن علي قال: صنع لنا عبد الرحمن بن عوف طعاماً، فدعانا وسقانا من الخمر فأخذت الخمر منا. وحضرت الصلاة فقدَّموني (والقول لعلي) إماماً فقرأت قل يا أيها الكافرون نحن نعبد ما تعبدون فبلغ ذلك محمداً فقال إن الله أنزل عليه لا تقربوا الصلاة وأنتم سُكارى (أسباب النزول للسيوطي سبب نزول النساء 4: 43).
وهذا القول لا يصل إلى درجة الوحي، فهو مجرد خبر. ولنفرض أن جاءك أُناس وقالوا: لقد ذهبنا للعمل ونحن سكارى فتشاجرنا مع رؤسائنا، فقلتَ لهم لا تذهبوا للعمل وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تفعلون. فهل هذا وحي؟
أراد الله عز وجل أن يصلنا به وصل العبادية التي تجعلنا نعلن والولاء لله في كل يوم ، خمس مرات ، وسبحانه يريدنا أن نُقبل عليه بجماع عقولنا وفكرنا وروحنا بحيث لا يغيب منا شيء .
هو سبحانه يقول (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )) ولم يقل : لا تصلوا وأنتم سكارى ؟ أي لا تقاربوا الصلاة ولا تقوموا إليها واجتنبوها ، وفيه إشارة إلى ترك المسكرات ، فما معنى ((لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)) ؟
معنى ذلك أنهم إذا كانوا لا يقربون الصلاة إذا ما شربوا الخمر ، فيكون تحريم المسكرات لم يأت به التشريع بعد ، فقد مر هذا الأمر على مراحل ، لأن الدين حينما جاء ليواجه أمة كانت على فترة من الرسل أي بعدت صلتها بالرسل ، فيجيء إلى أمر العقائد فيتكلم فيها كلاماً حاسماً باتَّا لا مرحلية فيه ، فالإيمان بإله واحد وعدم الشرك بالله هذه أمور ليس فيها مراحل ، ولا هوادة فيها .
ولكن المسائل التي تتعلق بإلف العادة ، فقد جاءت الأوامر فيها مرحلية .
فلا نقسر ولا نكره العادة على غير معتادها بل نحاول أن نتدرج في المسائل الخاضعة للعادة ما دام هناك شيء يقود إلى التعود .
إن الله سبحانه وتعالى من رحمته بمن يشرع لهم جعل في مسائل العادة والرتابة مرحليات ، فهذه مرحلة من المراحل : (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى )) ، والصلاة هي : الأقوال والأفعال المعرفة المبدوءة بالتكبير والمنتهية بالتسليم بشرائطها الخاصة ، هذه هي الصلاة ، اصطلاحياً في الإسلام وإن كانت الصلاة في المعنى اللغوي العام هو مطلق الدعاء .(6/419)
و{ سًكارى } جمع ( سكران ) وهو من شرب ما يستر عقله ، وأصل المسألة مأخوذة من السَّكرْ ما سد به النهر ، فالماء حين ينساب يضعون سداً ، هذا السد يمنع تدفق الماء ، وكذلك الخمر ساعة يشربها تمنع تدفق الفكر والعقل ، فأخذ من هذا المعنى ، (( لا تقربوا الصلاة الصلاة وأنتم سكارى )) المفهوم أن الصلاة تأخذهم خمسة أوقات للقاء الله ، والسكر والخُمار ، وهو ما يمكث من أثر المسْكِر في النفس ، ومادام لن يقرب الصلاة وهو سكران فيمتنع في الأوقات المتقاربة . إذن فقد حملهم على أن يخرقوا العادة بأوقات يطول فيها أمد الابتعاد عن السُكر .
وماداموا قد اعتادوا أن يتركوها طوال النهار وحتى العشاء ، فسيصلي الواحد منهم ثم يشرب وينام .
إذن فقد مكث طوال النهار لم يشرب ، هذه مرحلة من المراحل ، وأوجد الحق سبحانه وتعالى في هذه المسألة مرحليات تتقلبها النفس البشرية . فاول ما جاء ليتكلم عن الخمر قال
سورة النحل 67
وَمِن ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ
ويلاحظ هنا أن ( السُكر ) مقدم ، على الرزق الموصوف بالحسن ، ففيه سكر وفيه رزق . كأنهم عندما كانوا يألون العنب أو البلح فهذا رزق ، ووصف الله الرزق بأنه حسن . ولكنهم كانوا أيضاً ياخذون العنب ويصنعون منه خمراً ، فقدم ربنا (السُكرَ) لأنهم يفعلون ذلك فيه ، ولكنه لم يصفه بالحسن ، بل قال : (( تتخذون منه سكراً )) لكن كلمة رزق وُصف بالحسن .
بالله عندما نسمع ((سكَراً ورزقاً حسناً )) ألا نفهم أن كونه سكراً يعني غير حسن ، لأن مقابل الحسن : قبيح . وكأنه قال : ومن ثمرات النخل والأعناب تتخذون منه سكراً أي شراباً قبيحاً ورزقاً حسناً ، ولاهتمامكم أنتم بالسكر ، قدمه ، وبعد ذلك ماذا حدث ؟
عندما يريد الحق سبحانه وتعالى أن يأتي بحكم تكون المقدمة له مثل النصيحة ، فالنصيحة ليست حكماً شرعياً ، والنصيحة أن يبين لك وأنت تختار ، يقول الحق : البقرة 219
يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ
هو سبحانه شرح القضية فقط وأنت حر في أن تختار فقال : (( قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس )) ولكن الإثم أكبر من النفع ، فهل قال لنا ماذا نفعل ؟ لا
لأنه يريد أن يستأنس العقول لترجح من نفسها الحكم ، وأن يصل الإنسان إلى الحكم بنفسه ، فسبحانه قال : (( وإثمهما أكبر من نفعهما )) فمادام الإثم أكبر من النفع فما مرجحات البدائل ؟ مرجحات البدائل تظهر لك حين تقارن بين بديلين ثم تعرف أقل البديلين شراً وأكثر البديلين خيراً .
فحين يقول الحق : (( فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما )) إذن فهذه نصيحة ، ومادامت نصيحة فالخير أن يتبعها الإنسان ويستأمن الله على نصيحته . لكن لا حكم هنا ، فظل هناك ناس يشربون وناس لا يشربون ، وبعد ذلك حدثت قصة من جاء يصلي وقرأ سورة الكافرون ، ولأن عقله قد سد قال : قل ياأيها الكافرون أعبد ما تعبدون .... فوصلت المسألة ذروتها وهنا جاء الحكم فنحن لا نتدخل معك سواء سكرت أم لا ، لكن سكرك لا يصح أن يؤدي بك أن نكفر في الصلاة ، فلا تقرب الصلاة وأنت مخمور . هذا نهي ، وأمر ، وتكليف .
(( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى)) ومادام لا نقرب الصلاة ونحن سكارى فسنأخذ وقتاً نتمتع فيه ، إذن ففيه إلف بالترك ، وبعد ذلك حدثت الحكاية التي طلبوا فيها أن يفتي الرسول صلى الله عليه وسلم في أمر الخمر ، فقالوا للنبي : بين لنا في الخمر بياناً شافياً ، فنزل قوله الحق :
المائدة 90
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلاَمُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ
إذن فقوله : (( ياأيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم السكارى)) مرحلة من مراحل التلطيف في تحريم الخمر ، فحرمها زمناً ، هذا الزمن هو الوقت الذي يلقى الإنسان فيه ربه ، إنه أوضح لك : اعملها بعيداً ، لكن عندما تأتي فعليك أن تأتي بجماع فكرك وجماع عقلك ، (( حتى تعلموا ما تقولون)) فكأن هذه أعطتنا حكماً : أن الذي يسكر لا يعرف ماذا يقول ، إنما في العبادة وفي القرآن فلا يصح أن يصل إلى هذا الحد ، وعندما تصل إلى هذا الحد يتدخل ربنا فيقول : (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) .(6/420)
ثم جاء بحكم آخر . (( ولا جنباً إلا عابري سبيل حتى تغتسلوا )) ومعروف ما هي الجنابة : إنها الأثر الناتج من التقاء الرجل بالمرأة . وليس لأحد شأن بهذه المسألة مادامت تتم في ضوء شريعة الله وشأننا في ذلك أن ناتمر بأمر ربنا ونغتسل من الجنابة سواء فهمنا الحكمة من وراء ذلك أو لم نفهم .
(( ولا جنباً إلا عابري سبيل )) ، فلا تقربوا الصلاة ، بالسكر أو بالجنابة ولم يقل : (( لا تصلوا )) . والصلاة مكانها المسجد ، فقول : (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتي تعلموا ما تقولون ولا جنباً )) ، أي لا تقربوا الصلاة ، والقرب عرضة أن يكون ذهاباً للمسجد ، فكأنه يقول : لا تذهب إلا إذا كان المسجد لا طريق للماء إلا منه .
وربنا سبحانه وتعالى يقول : (( أو جاء أحد منكم من الغائط أو لمستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيداً طيباً )) ومن رحمة الله بأمة محمد صلى الله عليه وسلم ، ومن لطف الحق بها أن التشريع جاء ليقبل عليه الإنسان ، لأنه تشريع فلا تقل لي مثلاً : أنا أتوضأ لكي أنظف نفسي ولكننا نقول لك : هل تتوضأ لتنظف نفسك وعندما تفقد الماء تأتي بتراب لتضعه على وجهك ؟ فلا تقل لي النظافة أو كذا ، إنه استجابة الصلاة بالشيء الذي فرضه الله ، فقال لي : توضأ فإن لم تجد ماءً فتيمم ، أينقلني من الماء الذي ينظف إلى أن أمسح كَفَّيَّ بالتراب ثم ألمس بهما وجهي ؟ نعم ؛ لأن المسألة أمر من الله فُهمت علته أم لم تُفهم ؛ ولذلك فالنبي صلى الله عليه وسلم يقول :
(( أعطيت خمساً لم يُعطهن أحد من الأنبياء قبلي : نصرت بالرعب مسيرة شهر وجُعلت لي الأرض مسجداً طهوراً فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان كل نبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة )) رواه البخاري ومسلم والنسائي عن جابر .
(( فتيمموا صعيداً طيباً )) أي تكون واثقاً أنه ليس عليه نجاسة ، (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) ، المسألة فيها (( جنب)) وفيها كذا وكذا ... (( تيمم )) ، إذن فكلمة (( فامسحوا بوجوهكم وأيديكم )) ليس ذلك معناه أن التيمم خَلَف وبديل عن الوضوء فحسب ، ففي الوضوء كنت أتمضمض ، وكنت أستنشق ، وكنت أغسل الوجه ، وكنت أغسل اليدين ، وأمسح الرأس والأذنين ... مثلاً ، وأنا أتكلم عن الأركان والسنن .
وفي هذه الاية يوضح الحق : مادامت المسألة بصعيد طيب وتراب فذلك يصح سواء أكانت للحدث الأصغر أم للجنابة ، إذن فيكفي أن تمسح بالوجه واليدين .
ولماذا قال الحق في ذلك : (( إن الله غفواً غفوراً )) ، لأنه غفر وستر علينا في المشقة في ضرورة البحث عن الماء ويسر ورخص لنا في التيمم .
والله أعلم
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
من خواطر الإمام المرحوم / الشعراوي .
=====================
أسماء الأنبياء
وَوَهَبْنَا (لإبراهيم) ; لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلّاً هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِنَ الصَّالِحِينَ وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلّاً فَضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ ; (آيات 84 - 86).
المطّلع على الكتاب المقدس يرى أن محمداً يجهل أزمنة ظهور هؤلاء الأنبياء الكرام، ولذا قدّم المتأخر وأخّر المتقدّم، فكان ذكره لهم في غاية التشويش. هذا فضلاً عن أخطائه في أسمائهم فيحيى صوابه يوحنا، وإلياس صوابه إيليا، واليسع صوابه إليشع، ويونس صوابه يونان.
الرد
المسألة الأولى: اعلم أنه تعالى لما حكى عن إبراهيم عليه السلام أنه أظهر حجة الله تعالى في التوحيد ونصرها وذب عنها عدد وجوه نعمه وإحسانه عليه.
فأولها: قوله: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَهَا إِبْراهِيمَ } والمراد إنا نحن آتيناه تلك الحجة وهديناه إليها وأوقفنا عقله على حقيقتها. وذكر نفسه باللفظ الدال على العظمة وهو كناية الجمع على وفق ما يقوله عظماء الملوك. فعلنا، وقلنا، وذكرنا. ولما ذكر نفسه تعالى ههنا باللفظ الدال على العظمة وجب أن تكون تلك العظمة عظمة كاملة رفيعة شريفة، وذلك يدل على أن إيتاء الله تعالى إبراهيم عليه السلام تلك الحجة من أشرف النعم، ومن أجل مراتب العطايا والمواهب.
وثانيها: أنه تعالى خصه بالرفعة والاتصال إلى الدرجات العالية الرفيعة. وهي قوله: { نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَّن نَّشَاء }(6/421)
وثالثها: أنه جعله عزيزاً في الدنيا، وذلك لأنه تعالى جعل أشرف الناس وهم الأنبياء والرسل من نسله، ومن ذريته وأبقى هذه الكرامة في نسله إلى يوم القيامة، لأن من أعظم أنواع السرور علم المرء بأنه يكون من عقبه الأنبياء والملوك، والمقصود من هذه الآيات تعديد أنواع نعم الله على إبراهيم عليه السلام جزاء على قيامه بالذب عن دلائل التوحيد، فقال: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ } لصلبه { وَيَعْقُوبَ } بعده من إسحق.
فإن قالوا: لم لم يذكر إسمعيل عليه السلام مع إسحق، بل أخر ذكره عنه بدرجات؟ قلنا: لأن المقصود بالذكر ههنا أنبياء بني إسرائيل، وهم بأسرهم أولاد إسحق ويعقوب.
وأما إسمعيل فإنه ما خرج من صلبه أحد من الأنبياء إلا محمد صلى الله عليه وسلم، ولا يجوز ذكر محمد عليه الصلاة والسلام في هذا المقام، لأنه تعالى أمر محمداً عليه الصلاة والسلام أن يحتج على العرب في نفي الشرك بالله بأن إبراهيم لما ترك الشرك وأصر على التوحيد رزقه الله النعم العظيمة في الدين والدنيا، ومن النعم العظيمة في الدنيا أن آتاه الله أولاداً كانوا أنبياء وملوكاً، فإذا كان المحتج بهذه الحجة هو محمد عليه الصلاة والسلام امتنع أن يذكر نفسه في هذا المعرض، فلهذا السبب لم يذكر إسمعيل مع إسحق.
وأما قوله: { وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } فالمراد أنه سبحانه جعل إبراهيم في أشرف الأنساب، وذلك لأنه رزقه أولاداً مثل إسحق، ويعقوب. وجعل أنبياء بني إسرائيل من نسلهما، وأخرجه من أصلاب آباء طاهرين مثل نوح. وإدريس، وشيث. فالمقصود بيان كرامة إبراهيم عليه السلام بحسب الأولاد وبحسب الآباء.
أما قوله: { وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ } فقيل المراد ومن ذرية نوح، ويدل عليه وجوه:
الأول: أن نوحاً أقرب المذكورين وعود الضمير إلى الأقرب واجب.
الثاني: أنه تعالى ذكر في جملتهم لوطاً وهو كان ابن أخ إبراهيم وما كان من ذريته، بل كان من ذرية نوح عليه السلام، وكان رسولاً في زمان إبراهيم.
الثالث: أن ولد الإنسان لا يقال أنه ذريته، فعلى هذا إسمعيل عليه السلام ما كان من ذرية إبراهيم، بل هو من ذرية نوح عليه السلام.
الرابع: قيل إن يونس عليه السلام ما كان من ذرية إبراهيم عليه السلام، وكان من ذريةنوح عليه السلام.
والقول الثاني: أن الضمير عائد إلى إبراهيم عليه السلام، والتقدير: ومن ذرية إبراهيم داود وسليمان. واحتج القائلون بهذا القول: بأن إبراهيم هو المقصود بالذكر في هذه الآيات وإنما ذكر الله تعالى نوحاً لأن كون إبراهيم عليه السلام من أولاده أحد موجبات رفعة إبراهيم.
واعلم أنه تعالى ذكر أولاً أربعة من الأنبياء، وهم: نوح، وإبراهيم، وإسحق، ويعقوب. ثم ذكر من ذريتهم أربعة عشر من الأنبياء: داود، وسليمان، وأيوب، ويوسف، وموسى، وهرون، وزكريا، ويحيى، وعيسى، وإلياس، وإسمعيل، واليسع، ويونس، ولوطاً، والمجموع ثمانية عشر.
فإن قيل: رعاية الترتيب واجبة، والترتيب إما أن يعتبر بحسب الفضل والدرجة وإما أن يعتبر بحسب الزمان والمدة، والترتيب بحسب هذين النوعين غير معتبر في هذه الآية فما السبب فيه؟
قلنا: الحق أن حرف الواو لا يوجب الترتيب، وأحد الدلائل على صحة هذا المطلوب هذه الآية فإن حرف الواو حاصل ههنا مع أنه لا يفيد الترتيب ألبتة، لا بحسب الشرف ولا بحسب الزمان وأقول عندي فيه وجه من وجوه الترتيب، وذلك لأنه تعالى خص كل طائفة من طوائف الأنبياء بنوع من الإكرام والفضل.
فمن المراتب المعتبرة عند جمهور الخلق: الملك والسلطان والقدرة، والله تعالى قد أعطى داود وسليمان من هذا الباب نصيباً عظيماً.
والمرتبة الثانية: البلاء الشديد والمحنة العظيمة، وقد خص الله أيوب بهذه المرتبة والخاصية.
والمرتبة الثالثة: من كان مستجمعاً لهاتين الحالتين، وهو يوسف عليه السلام، فإنه نال البلاء الشديد الكثير في أول الأمر، ثم وصل إلى الملك في آخر الأمر.
والمرتبة الرابعة: من فضائل الأنبياء عليهم السلام وخواصهم قوة المعجزات وكثرة البراهين والمهابة العظيمة والصولة الشديدة وتخصيص الله تعالى إياهم بالتقريب العظيم والتكريم التام، وذلك كان في حق موسى وهرون.
والمرتبة الخامسة: الزهد الشديد والإعراض عن الدنيا، وترك مخالطة الخلق، وذلك كما في حق زكريا ويحيى وعيسى وإلياس، ولهذا السبب وصفهم الله بأنهم من الصالحين.
والمرتبة السادسة: الأنبياء الذين لم يبق لهم فيما بين الخلق أتباع وأشياع، وهم إسماعيل، واليسع، ويونس، ولوط. فإذا اعتبرنا هذا الوجه الذي راعيناه ظهر أن الترتيب حاصل في ذكر هؤلاء الأنبياء عليهم السلام بحسب هذا الوجه الذي شرحناه.(6/422)
المسألة الثانية: قال تعالى: { وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا } اختلفوا في أنه تعالى إلى ماذا هداهم؟ وكذا الكلام في قوله: { وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ } وكذا قوله في آخر الآية: { ذالِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِى بِهِ مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ }.
قال بعض المحققين: المراد من هذه الهداية الثواب العظيم، وهي الهداية إلى طريق الجنة، وذلك لأنه تعالى لما ذكر هذه الهداية قال بعدها: { وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ } وذلك يدل على أن تلك الهداية كانت جزاء المحسنين على إحسانهم وجزاء المحسن على إحسانه لا يكون إلا الثواب، فثبت أن المراد من هذه الهداية هو الهداية إلى الجنة. فأما الإرشاد إلى الدين وتحصيل المعرفة في قلبه، فإنه لا يكون جزاء له على عمله، وأيضاً لا يبعد أن يقال: المراد من هذه الهداية هو الهداية إلى الدين والمعرفة، وإنما ذلك كان جزاء على الإحسان الصادر منهم، لأنهم اجتهدوا في طلب الحق، فالله تعالى جازاهم على حسن طلبهم بإيصالهم إلى الحق، كما قال: { وَالَّذِينَ جَاهَدُواْ فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ } [العنكبوت: 69].
والقول الثالث: أن المراد من هذه الهداية: الإرشاد إلى النبوة والرسالة، لأن الهداية المخصوصة بالأنبياء ليست إلا ذلك.
فإن قالوا: لو كان الأمر كذلك لكان قوله: { وَكَذَلِكَ نَجْزِى االْمُحْسِنِينَ } يقتضي أن تكون الرسالة جزاء على عمل، وذلك عندكم باطل.
قلنا: يحمل قوله: { وَكَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ } على الجزاء الذي هو الثواب والكرامة، فيزول الإشكال. والله أعلم
=================
أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ
قال ابن عباس: قال أهل الكتاب: زعم محمد أنه أُوتي ما أوتي في تواضع وله تسع نسوة، وليس همُّه إلا النكاح، فأي مَلِك أفضل من هذا؟ فقال محمد: أم يحسدون الناس (أسباب النزول للواحدي سبب نزول النساء 4: 54). فقولهم لم يكن حسداً بل كان مجرد انتقاد، فإنهم رأوا أن صفات الأنبياء الصادقين غير منطبقةعلى صفاته، فردَّ عليهم موافقاً على ما قالوه فيه، مدَّعياً أن كثرة النساء من فضل الله.
فيه مسائل:
المسألة الأولى: أم: منقطعة، والتقدير بل يحسدون الناس.
المسألة الثانية: في المراد بلفظ «الناس» قولان: الأول: وهو قول ابن عباس والأكثرين انه محمد صلى الله عليه وسلم، وإنما جاز أن يقع عليه لفظ الجمع وهو واحد لأنه اجتمع عنده من خصال الخير ما لا يحصل إلا متفرقا في الجمع العظيم، ومن هذا يقال: فلان أمة وحده، أي يقوم مقام أمة، قال تعالى:{ إِنَّ إِبْراهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَنِتًا }[النحل: 120].
والقول الثاني: المراد ههنا هو الرسول ومن معه من المؤمنين، وقال من ذهب إلى هذا القول: ان لفظ الناس جمع، فحمله على الجمع أولى من حمله على المفرد.
واعلم أنه إنما حسن ذكر الناس لارادة طائفة معينة من الناس، لأن المقصود من الخلق إنما هو القيام بالعبودية، كما قال تعالى:
{ وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ }[الذاريات: 56]
فلما كان القائمون بهذا المقصود ليس إلا محمدا صلى الله عليه وسلم ومن كان على دينه كان وهو وأصحابه كأنهم كل الناس، فلهذا حسن إطلاق لفظ الناس وإرادتهم على التعيين:المسألة الثالثة: اختلفوا في تفسير الفضل الذي لأجله صاروا محسودين على قولين:
فالقول الأول: انه هو النبوة والكرامة الحاصلة بسببها في الدين والدنيا.
والقول الثاني: انهم حسدوه على انه كان له من الزوجات تسع.
واعلم أن الحسد لا يحصل إلا عند الفضيلة، فكلما كانت فضيلة الانسان أتم وأكمل كان حسد الحاسدين عليه أعظم، ومعلوم أن النبوة أعظم المناصب في الدين، ثم انه تعالى أعطاها لمحمد صلى الله عليه وسلم، وضم اليها انه جعله كل يوم أقوى دولة وأعظم شوكة وأكثر أنصاراً وأعواناً وكل ذلك مما يوجب الحسد العظيم. فاما كثرة النساء فهو كالأمر الحقير بالنسبة إلى ما ذكرناه، فلا يمكن تفسير هذا الفضل به، بل ان جعل الفضل اسما لجميع ما أنعم الله تعالى به عليه دخل هذا أيضا تحته، فأما على سبيل القصر عليه فبعيد.
واعلم أنه تعالى لما بين أن كثرة نعم الله عليه صارت سببا لحسد هؤلاء اليهود بين ما يدفع ذلك فقال:{ فَقَدْ ءاتَيْنَا ءالَ إِبْراهِيمَ الْكِتَبَ وَالْحِكْمَةَ وَءاتَيْنَاهُمْ مُّلْكاً عَظِيماً }[النساء: 54]
والمعنى أنه حصل في أولاد ابراهيم جماعة كثيرون جمعوا بين النبوة والملك، وأنتم لا تتعجبون من ذلك ولا تحسدونه، فلم تتعجبون من حال محمد ولم تحسدونه؟(6/423)
واعلم أن { الْكِتَابِ } إشارة إلى ظواهر الشريعة { وَالْحِكْمَةِ } إشارة إلى أسرار الحقيقة، وذلك هو كمال العلم، وأما الملك العظيم فهو كمال القدرة. وقد ثبت أن الكمالات الحقيقية ليست إلا العلم والقدرة، فهذا الكلام تنبيه على أنه سبحانه آتاهم أقصى ما يليق بالانسان من الكمالات، ولما لم يكن ذلك مستبعدا فيهم لا يكون مستبعدا في حق محمد صلى الله عليه وسلم.
وقيل: إنهم لما استكثروا نساءه قيل لهم: كيف استكثرتهم له التسع، وقد كان لداود مائة ولسليمان ثلثمائة بالمهر وسبعمائة سرية؟
ثم قال تعالى: { مِنْهُمْ مّنْ آمن بِهِ وَمِنْهُمْ مَّن صَدَّ عَنْهُ } واختلفوا في معنى «به» فقال بعضهم: بمحمد عليه الصلاة والسلام، والمراد أن هؤلاء القوم الذين أوتوا نصيبا من الكتاب آمن بعضهم وبقي بعضهم على الكفر والانكار. وقال آخرون: المراد من تقدم من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام. والمعنى أن أولئك الأنبياء مع ما خصصتهم به من النبوة والملك جرت عادة أممهم فيهم أن بعضهم آمن به وبعضهم بقوا على الكفر، فأنت يا محمد لا تتعجب مما عليه هؤلاء القوم، فان أحوال جميع الأمم مع جميع الأنبياء هكذا كانت، وذلك تسلية من الله ليكون أشد صبرا على ما ينال من قبلهم.
ثم قال: { وَكَفَى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً } أي كفى بجهنم في عذاب هؤلاء الكفار المتقدمين والمتأخرين. سعيرا، والسعير الوقود، يقال أوقدت النار وأسعرتها بمعنى واحد.
===================
لَايَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ
قال زيد بن ثابت: أملى عليَّ محمد: لا يستوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيلِ الله . فجاءهُ ابنُ أُم مكتومٍ وهو يُمِلُّها. قال: يارسولَ اللهِ، واللهِ لو أستطيعُ الجهادَ لجاهدتُ. وكان أعمى فأنزلَ اللهُ على محمد وفخذُهُ على فخذي، فثَقُلَتْ عليَّ حتى خِفْتُ أن تَرُضَّ فَخذِي. ثم سُرِّيَ عنه فأنزلَ اللهُ: غيرَ أُولِي الضرَرِ . وقال البَرَاء: لما نَزَلَتْ: لا يستوِي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ دعا محمد زيداً فكتبها. فجاء ابن أم مكتومٍ فَشَكا ضرارَتَهُ، فأنزلَ اللهُ غيرُ أُولِي الضَّرَرِ . وقال البَرَاء: لما نزلت: لا يستوي القاعدونَ من المؤمنينَ قال محمد: ادْعُوا فُلاناً. فجاءهُ ومعهُ الدَّواةُ والَّلوحُ أو الكَتِفُ، فقال: أكْتُبْ: لا يَستَوِي القاعدونَ من المؤمنينَ والمجاهدونَ في سبيل اللهِ، وخَلْفَ النبي ابنُ اُم مكتُومٍ، فقال يارسولَ اللهِ أنا ضَريرٌ. فنزَلَتْ مكانَها: لا يَستَوي القاعدونَ مِنَ المؤمنينَ غيرُ أولي الضرر، والمجاهدونَ في سبيل الله . (أخرجه البخاري والسيوطي في أسباب نزول النساء 95).
ونحن نسأل: ألم يكن الله عارفاً بابن أم مكتوم وأمثاله من المعوَّقين، فيُنزل على محمد آية مُحكمة، لا تحتاج أن يكملها ابن أم مكتوم؟ وهل كانت التكملة في اللوح المحفوظ، أم هي من إنشاء الأعمى؟
الموضوع الأساسي هو الهجرة إلى دار الإسلام؛ والحث على انضمام المسلمين المتخلفين في دار الكفر والحرب إلى الصف المسلم المجاهد في سبيل الله بالنفس والمال. واطراح الراحة النسبية والمصلحة كذلك في البقاء بمكة، إلى جوار الأهل والمال!
ولعل هذا هو المقصود بقوله تعالى في مطلع هذا الأمر : { لا يستوي القاعدون من المؤمنين - غير أولي الضرر - والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة - وكلا وعد الله الحسنى - وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً... }.. فما كان في المدينة قاعدون - إلا المنافقين المعوقين الذين تحدث عنهم بلهجة غير هذه اللهجة بالآيات السابقة !
وقد تلا هذه الفقرة فقرة أخرى فيها تحذير وتهديد لمن يظلون قاعدين هنالك في دار الكفر - وهم قادرون على الهجرة منها بدينهم وعقيدتهم - حتى تتوفاهم الملائكة { ظالمي أنفسهم }.. { فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً }..
ثم تلتها فقرة أخرى عن ضمان الله سبحانه لمن يهاجر في سبيله، منذ اللحظة التي يخرج فيها من بيته، قاصداً الهجرة إلى الله خالصة. عالج فيها كل المخاوف التي تهجس في النفس البشرية وهي تقدم على هذه المخاطرة، المحفوفة بالخطر، الكثيرة التكاليف في الوقت ذاته..
فالحديث مطرد عن الجهاد والهجرة إلى دار المجاهدين، وأحكام التعامل بين المسلمين في دار الهجرة وبقية الطوائف خارج هذه الدار - بما في ذلك المسلمون الذين لم يهاجروا - والحديث موصول.
كذلك يلم هذا الأمر بكيفية الصلاة عند الخوف - في ميدان القتال أو في أثناء طريق الهجرة - وتدل هذه العناية بالصلاة في هذه الآونة الحرجة، على طبيعة نظرة الإسلام إلى الصلاة - كما يهيىء لإيجاد حالة تعبئة نفسية كاملة؛ في مواجهة الخطر الحقيقي المحدق بالجماعة المسلمة؛ من أعدائها الذين يتربصون بها لحظة غفلة أو غرة!(6/424)
وينتهي الأمر بلمسة قوية عميقة التأثير؛ في التشجيع على الجهاد في سبيل الله؛ في وجه الآلام والمتاعب التي تصيب المجاهدين. وذلك في تصوير ناصع لحال المؤمنين المجاهدين، وحال أعدائهم المحاربين؛ على مفرق الطريق:
{ ولا تهنوا في ابتغاء القوم.. إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون. وترجون من الله ما لا يرجون.. }
وبهذا التصوير يفترق طريقان؛ ويبرز منهجان؛ ويصغر كل ألم، وتهون كل مشقة. ولا يبقى مجال للشعور بالضنى وبالكلال.
. فالآخرون كذلك يألمون. ولكنهم يرجون من الله ما لا يرجون!
ويرسم هذا الموضوع - بجملة الموضوعات التي يعالجها، وبطرائق العلاج التي يسلكها - ما كان يعتمل في جسم الجماعة المسلمة، وهي تواجه مشاق التكوين الواقعية؛ ومشكلات التكوين العملية. وما كان يشتجر في النفوس من عوامل الضعف البشري؛ ومن رواسب الماضي الجاهلي، ومن طبيعة الفطرة البشرية وهي تواجه التكاليف بمشاقها وآلامها؛ مع ما يصاحب هذه المشاق والآلام من أشواق ومن تطلع إلى الوفاء كذلك؛ يستثيرها المنهج الحكيم، ويستجيشها في الفطرة لتنهض بهذا الأمر العظيم.
ونرى ذلك كله مرتسماً من خلال الوصف للواقع؛ ومن خلال التشجيع والاستجاشة؛ ومن خلال المعالجة للمخاوف الفطرية والآلام الواقعية؛ ومن خلال التسليح في المعركة بالصلاة! وبالصلاة خاصة - إلى جانب التسلح بالعدة واليقظة - وبالثقة في ضمانة الله للمهاجرين، وثوابه للمجاهدين، وعونه للخارجين في سبيله، وما أعده للكافرين من عذاب مهين.
ونرى طريقة المنهج القرآني الرباني في التعامل مع النفس البشرية في قوتها وضعفها؛ وفي التعامل مع الجماعة الإنسانية في أثناء تكوينها وإنضاجها. ونرى شتى الخيوط التي يشدها منها في الوقت الواحد وفي الآية الواحدة.. ونرى - على الأخص - كيف يملأ مشاعر الجماعة المسلمة بالتفوق على عدوها، في الوقت الذي يملأ نفوسها بالحذر واليقظة والتهيؤ الدائم للخطر، وفي الوقت الذي يدلها كذلك على مواطن الضعف فيها، ومواضع التقصير، ويحذرها إياها أشد التحذير.
إنه منهج عجيب في تكامله وفي تقابله مع النفس البشرية؛ وفي عدد الأوتار التي يلمسها في اللمسة الواحدة، وعدد الخيوط التي يشدها في هذه النفس، فتصوت كلها وتستجيب!
لقد كان التفوق في منهج التربية، والتفوق في التنظيم الاجتماعي الذي قام عليه؛ هو الأمر البارز الظاهر فيما بين المجتمع المسلم وسائر المجتمعات حوله من فروق.. ولقد كان هذا التفوق البارز هو كذلك أوضح الأسباب - التي يراها البشر - لتمكن هذا المجتمع الناشىء الشاب - بكل ما كان في حياته من ملابسات ومن ضعف أحياناً وتقصير - من طي تلك المجتمعات الأخرى، والغلبة عليها. لا غلبة معركة بالسلاح فحسب؛ ولكن غلبة حضارة فتية على حضارات شاخت. غلبة منهج على مناهج، ونموذج من الحياة على نماذج؛ ومولد عصر جديد على مولد إنسان جديد..
و لنواجه النصوص بالتفصيل:{ لا يستوي القاعدون من المؤمنين - غير أولي الضرر - والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم. فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة، وكلا وعد الله الحسنى. وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً. درجات منه ومغفرة ورحمة. وكان الله غفوراً رحيماً }..
إن هذا النص القرآني كان يواجه حالة خاصة في المجتمع المسلم وما حوله؛ وكان يعالج حالة خاصة في هذا المجتمع من التراخي - من بعض عناصره - في النهوض بتكاليف الجهاد بالأموال والأنفس.
سواء كان المقصود أولئك الذين تخلفوا عن الهجرة احتفاظاً بأموالهم، إذ لم يكن المشركون يسمحون لمهاجر أن يحمل معه شيئاً من ماله؛ أو توفيراً لعناء الهجرة وما فيها من مخاطر، إذ لم يكن المشركون يتركون المسلمين يهاجرون، وكثيراً ما كانوا يحبسونهم ويؤذونهم - أو يزيدون في إيذائهم بتعبير أدق - إذا عرفوا منهم نية الهجرة.. سواء كان المقصود هم أولئك الذين تخلفوا عن الهجرة - وهو ما نرجحه - أو كان المقصود بعض المسلمين في دار الإسلام، الذين لم ينشطوا للجهاد بالأموال والأنفس - من غير المنافقين المبطئين الذين ورد ذكرهم في درس سابق - أو كان المقصود هؤلاء وهؤلاء ممن لم ينشطوا للجهاد بالأموال والأنفس في دار الحرب ودار الإسلام سواء.
إن هذا النص كان يواجه هذه الحالة الخاصة؛ ولكن التعبير القرآني يقرر قاعدة عامة؛ يطلقها من قيود الزمان، وملابسات البيئة؛ ويجعلها هي القاعدة التي ينظر الله بها إلى المؤمنين في كل زمان وفي كل مكان - قاعدة عدم الاستواء بين القاعدين من المؤمنين عن الجهاد بالأموال والأنفس - غير أولي الضرر الذين يقعدهم العجز عن الجهاد بالنفس، او يقعدهم الفقر والعجز عن الجهاد بالنفس والمال - عدم الاستواء بين هؤلاء القاعدين والآخرين الذين يجاهدون بأموالهم وأنفسهم.. قاعدة عامة على الإطلاق:
{ لا يستوي القاعدون من المؤمنين - غير أولي الضرر - والمجاهدون في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم }..(6/425)
ولا يتركها هكذا مبهمة، بل يوضحها ويقررها، ويبين طبيعة عدم الاستواء بين الفريقين:
{ فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة }..
وهذه الدرجة يمثلها رسول الله صلى الله عليه وسلم في مقامهم في الجنة.
في الصحيحين " عن أبي سعيد الخدري، أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: إن في الجنة مائة درجة أعدها الله للمجاهدين في سبيله. وما بين كل درجتين كما بين السماء والأرض ".
وقال الأعمش عن عمرو بن مرة، عن أبي عبيدة، " عن عبدالله بن مسعود قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " من رمى بسهم فله أجره درجة " فقال رجل: يا رسول الله، وما الدرجة؟ فقال: أما إنها ليست بعتبة أمك. ما بين الدرجتين مائة عام ".
وهذه المسافات التي يمثل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، نحسب أننا اليوم أقدر على تصورها؛ بعد الذي عرفناه من بعض أبعاد الكون. حتى إن الضوء ليصل من نجم إلى كوكب في مئات السنين الضوئية! وقد كان الذين يسمعون رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يصدقونه بما يقول. ولكنا - كما قلت - ربما كنا أقدر - فوق الإيمان - على تصور هذه الأبعاد بما عرفناه من بعض أبعاد الكون العجيب!
ثم يعود السياق بعد تقرير هذا الفارق في المستوى بين القاعدين من المؤمنين - غير أولي الضرر - والمجاهدين بأموالهم وأنفسهم، فيقرر أن الله وعد جميعهم الحسنى:
{ وكلاًّ وعد الله الحسنى }.
فللإيمان وزنه وقيمته على كل حال؛ مع تفاضل أهله في الدرجات وفق تفاضلهم في النهوض بتكاليف الإيمان؛ فيما يتعلق بالجهاد بالأموال والأنفس.. وهذا الاستدراك هو الذي نفهم منه أن هؤلاء القاعدين ليسوا هم المنافقين المبطئين. إنما هم طائفة أخرى صالحة في الصف المسلم ومخلصة؛ ولكنها قصرت في هذا الجانب؛ والقرآن يستحثها لتلافي التقصير؛ والخير مرجو فيها، والأمل قائم في أن تستجيب.
فإذا انتهى من هذا الاستدراك عاد لتقرير القاعدة الأولى؛ مؤكداً لها، متوسعاً في عرضها؛ ممعناً في الترغيب فيما وراءها من أجر عظيم:
{ وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجراً عظيماً. درجات منه ومغفرة ورحمة. وكان الله غفوراً رحيماً }.
وهذا التوكيد.. وهذه الوعود.. وهذا التمجيد للمجاهدين.. والتفضيل على القاعدين.. والتلويح بكل ما تهفو له نفس المؤمن من درجات الأجر العظيم.. ومن مغفرة الله ورحمته للذنوب والتقصير..
هذا كله يشي بحقيقتين هامتين:
الحقيقة الأولى : هي أن هذه النصوص كانت تواجه حالات قائمة في الجماعة المسلمة كما أسلفنا وتعالجها. وهذا كفيل بأن يجعلنا أكثر إدراكاً لطبيعة النفس البشرية، ولطبيعة الجماعات البشرية، وأنها مهما بلغت في مجموعها من التفوق في الإيمان والتربية فهي دائماً في حاجة إلى علاج ما يطرأ عليها من الضعف والحرص والشح والتقصير في مواجهة التكاليف، وبخاصة تكاليف الجهاد بالأموال والأنفس، مع خلوص النفس لله، وفي سبيل الله. وظهور هذه الخصائص البشرية - من الضعف والحرص والشح والتقصير - لا يدعو لليأس من النفس أو الجماعة، ولا إلى نفض اليد، منها وازدرائها؛ طالما أن عناصر الإخلاص والجد والتعلق بالصف والرغبة في التعامل مع الله موفورة فيها.. ولكن ليس معنى هذا هو إقرار النفس أو الجماعة على ما بدا منها من الضعف والحرص والشح والتقصير؛ والهتاف لها بالانبطاح في السفح، باعتبار أن هذا كله جزء من " واقعها "! بل لا بد لها من الهتاف لتنهض من السفح والحداء لتسير في المرتقى الصاعد، إلى القمة السامقة. بكل ألوان الهتاف والحداء.. كما نرى هنا في المنهج الرباني الحكيم.
والحقيقة الثانية: هي قيمة الجهاد بالأموال والأنفس في ميزان الله واعتبارات هذا الدين وأصالة هذا العنصر في طبيعة هذه العقيدة وهذا النظام. لما يعلمه الله - سبحانه - من طبيعة الطريق؛ وطبيعة البشر؛ وطبيعة المعسكرات المعادية للإسلام في كل حين.
إن " الجهاد " ليس ملابسة طارئة من ملابسات تلك الفترة. إنما هو ضرورة مصاحبة لركب هذه الدعوة! وليست المسألة - كما توهم بعض المخلصين - أن الإسلام نشأ في عصر الإمبراطوريات؛ فاندس في تصورات أهله - اقتباساً مما حولهم - أنه لا بد لهم من قوة قاهرة لحفظ التوازن!
هذه المقررات تشهد - على الأقل - بقلة ملابسة طبيعة الإسلام الأصيلة لنفوس هؤلاء القائلين بهذه التكهنات والظنون.
لو كان الجهاد ملابسة طارئة في حياة الأمة المسلمة ما استغرق كل هذه الفصول من صلب كتاب الله؛ في مثل هذا الأسلوب! ولما استغرق كذلك كل هذه الفصول من سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وفي مثل هذا الأسلوب..
لو كان الجهاد ملابسة طارئة ما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - تلك الكلمة الشاملة لكل مسلم إلى قيام الساعة: " من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من النفاق ".(6/426)
ولئن كان - صلى الله عليه وسلم - رد في حالات فردية بعض المجاهدين، لظروف عائلية لهم خاصة، كالذي جاء في الصحيح " أن رجلاً قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - أجاهد. قال: " لك أبوان؟ " قال: نعم. قال: ففيهما جاهد " . لئن كان ذلك فإنما هي حالة فردية لا تنقض القاعدة العامة؛ وفرد واحد لا ينقص المجاهدين الكثيرين. ولعله - صلى الله عليه وسلم - على عادته في معرفة كل ظروف جنوده فرداً فرداً، كان يعلم من حال هذا الرجل وأبويه، ما جعله يوجهه هذا التوجيه..
فلا يقولن أحد - بسبب ذلك - إنما كان الجهاد ملابسة طارئة بسبب ظروف. وقد تغيرت هذه الظروف!
وليس ذلك لأن الإسلام يجب أن يشهر سيفه ويمشي به في الطريق يقطع به الروؤس! ولكن لأن واقع حياة الناس وطبيعة طريق الدعوة تلزمه أن يمسك بهذا السيف ويأخذ حذره في كل حين!
إن الله - سبحانه - يعلم أن هذا أمر تكرهه الملوك! ويعلم أن لا بد لأصحاب السلطان أن يقاوموه. لأنه طريق غير طريقهم، ومنهج غير منهجهم. ليس بالأمس فقط. ولكن اليوم وغداً. وفي كل أرض، وفي كل جيل!
وإن الله - سبحانه - يعلم أن الشر متبجح، ولا يمكن أن يكون منصفاً. ولا يمكن أن يدع الخير ينمو - مهما يسلك هذا الخير من طرق سلمية موادعة! - فإن مجرد نمو الخير يحمل الخطورة على الشر. ومجرد وجود الحق يحمل الخطر على الباطل. ولا بد أن يجنح الشر إلى العدوان؛ ولا بد أن يدافع الباطل عن نفسه بمحاولة قتل الحق وخنقه بالقوة!
هذه جبلة! وليست ملابسة وقتية...
هذه فطرة! وليست حالة طارئة...
ومن ثم لا بد من الجهاد.. لابد منه في كل صورة.. ولا بد أن يبدأ في عالم الضمير.
ثم يظهر فيشمل عالم الحقيقة والواقع والشهود. ولا بد من مواجهة الشر المسلح بالخير المسلح. ولا بد من لقاء الباطل المتترس بالعدد بالحق المتوشح بالعدة.. وإلا كان الأمر انتحاراً. أو كان هزلاً لا يليق بالمؤمنين!
ولا بد من بذل الأموال والأنفس. كما طلب الله من المؤمنين. وكما اشترى منهم أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة.. فأما أن يقدر لهم الغلب؛ أو يقدر لهم الاستشهاد؛ فذلك شأنه - سبحانه - وذلك قدره المصحوب بحكمته.. أما هم فلهم إحدى الحسنيين عند ربهم.. والناس كلهم يموتون عندما يحين الأجل.. والشهداء وحدهم هم الذين يستشهدون..
هناك نقط ارتكاز أصيلة في هذه العقيدة، وفي منهجها الواقعي، وفي خط سيرها المرسوم، وفي طبيعة هذا الخط وحتمياته الفطرية، التي لا علاقة لها بتغير الظروف.
وهذه النقط لا يجوز أن تتميع في حس المؤمنين - تحت أي ظرف من الظروف. ومن هذه النقط.. الجهاد.. الذي يتحدث عنه الله سبحانه هذا الحديث.. الجهاد في سبيل الله وحده. وتحت رايته وحدها.. وهذا هو الجهاد الذي يسمى من يقتلون فيه " شهداء " ويتلقاهم الملأ الأعلى بالتكريم..
بعد ذلك يتحدث عن فريق من القاعدين؛ أولئك الذين يظلون قاعدين في دار الكفر لا يهاجرون؛ تمسك بهم أموالهم ومصالحهم، أو يمسك بهم ضعفهم عن مواجهة متاعب الهجرة وآلام الطريق - وهم قادرون لو أرادوا واعتزموا التضحية - أن يهاجروا.. حتى يحين أجلهم؛ وتأتي الملائكة لتتوفاهم. يتحدث عنهم فيصورهم صورة زرية منكرة؛ تستنهض كل قاعد منهم للفرار بدينه وعقيدته، وبمصيره عند ربه؛ من هذا الموقف الذي يرسمه لهم:
{ إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم.. قالوا: فيم كنتم؟ قالوا: كنا مستضعفين في الأرض. قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها؟ فأولئك مأواهم جهنم، وساءت مصيراً. إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، لا يستطيعون حيلة، ولا يهتدون سبيلاً. فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم، وكان الله عفوّاً غفوراً
====================
إبراهيم والكواكب
“فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ ; (أي على إبراهيم) ; اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لَأَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ ; (آيات 76 - 78).
ولمفسّريهم في هذه الأقوال آراء شتى:
(1) فمنهم من قال إن إبراهيم قال هذا القول قبل البلوغ، أي في حال طفوليته قبل قيام الحجة عليه. واستدل أصحاب هذا من القول: لئن لم يهدني ربي لأكوننّ من القوم الضالين . وهذا يدل على تحيُّر. وقيل إن كلامه هذا كان بعد بلوغه، وفسَّروا عبارة القرآن بأن إبراهيم أراد أن يعرّفهم جهلهم وخطأهم في تعظيم النجوم وعبادتها، بأن أراهم النقص الداخل عليها بسبب الأفول.
(2) قالوا إنه قال هذا القول على سبيل الاستفهام، وهو استفهامٌ استنكاري. وإسقاط حرف الاستفهام كثير في كلام العرب.
(3) إنه قال هذا على وجه الإحجاج، كأنه قال لهم: لو كان إلهاً كما تزعمون لما غاب.(6/427)
وغير ذلك من الأوجه التي اعتذروا بها عن وقوع إبراهيم في عبادة الكواكب (الرازي في تفسير الأنعام 6: 76 - 78).
والقول الحق الذي يغني عن كثرة التفسير هو الوارد في التوراة، من أن إبراهيم كان يعبد الله، وكذلك كان والداه. وكانوا من شعب الله المعترفين بوحدانيته المطيعين لأوامره، فلا يقول إبراهيم الذي تربَّى في مخافة الله عن الكواكب إنها ربه، حتى وإن قصد إقناعهم ببُطلان معبودهم، فإنه توجد طرق كثيرة لإدراك المقصود بغير هذه الطريقة
الرد
إن ملك ذلك الزمان رأى رؤيا وعبرها المعبرون بأنه يولد غلام ينازعه في ملكه، فأمر ذلك الملك بذبح كل غلام يولد، فحبلت أم إبراهيم به وماأظهرت حبلها للناس، فلما جاءها الطلق ذهبت إلى كهف في جبل ووضعت إبراهيم وسدت الباب بحجر، فجاء جبريل عليه السلام ووضع أصبعه في فمه فمصه فخرج منه رزقه وكان يتعهده جبريل عليه السلام، فكانت الأم تأتيه أحياناً وترضعه وبقي على هذه الصفة حتى كبر وعقل وعرف أن له رباً، فسأل الأم فقال لها: من ربي؟ فقالت أنا، فقال: ومن ربك؟ قالت أبوك، فقال للأب: ومن ربك؟ فقال: ملك البلد. فعرف إبراهيم عليه السلام جهلهما بربهما فنظر من باب ذلك الغار ليرى شيئاً يستدل به على وجود الرب سبحانه فرأى النجم الذي هو أضوأ النجوم في السماء. فقال: هذا ربي إلى آخر القصة. ثم القائلون بهذا القول اختلفوا، فمنهم من قال: إن هذا كان بعد البلوغ وجريان قلم التكليف عليه، ومنهم من قال: إن هذا كان قبل البلوغ. واتفق أكثر المحققين على فساد القول الأول واحتجوا عليه بوجوه:
الحجة الأولى: أن القول بربوبية النجم كفر بالإجماع والكفر غير جائز بالإجماع على الأنبياء.
الحجة الثانية: أن إبراهيم عليه السلام كان قد عرف ربه قبل هذه الواقعة بالدليل. والدليل على صحة ما ذكرناه أنه تعالى أخبر عنه أنه قال قبل هذه الواقعة لأبيه آزر:
{ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً ءالِهَةً إِنّى أراك وقومك في ظلال مبين }[الأنعام: 74].
الحجة الثالثة: أنه تعالى حكى عنه أنه دعا أباه إلى التوحيد وترك عبادة الأصنام بالرفق حيث قال:
{ ياأَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لاَ يَسْمَعُ وَلاَ يُبْصِرُ وَلاَ يُغْنِى عَنكَ شَيْئاً } [مريم: 42]
الله تعالى قال في صفة إبراهيم عليه السلام:
{ إِذْ جَاء رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ }[الصافات: 84]
وأقل مراتب القلب السليم أن يكون سليماً عن الكفر، وأيضاً مدحه فقال:
{ وَلَقَدْ ءاتَيْنَا إِبْراهِيمَ رُشْدَهُ مِن قَبْلُ وَكُنَّا بِهِ عَلِمِينَ }[الأنبياء: 51]
أي آتيناه رشده من قبل من أول زمان الفكرة. وقوله: { وَكُنَّا بِهِ عَلِمِينَ } أي بطهارته وكماله ونظيره قوله تعالى:
{ اللَّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ }[الأنعام: 124].
إن هذه الواقعة إنما حصلت بسبب مناظرة إبراهيم عليه السلام مع قومه، والدليل عليه أنه تعالى لما ذكر هذه القصة قال: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَاهَا إِبْراهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ } ولم يقل على نفسه، فعلم أن هذه المباحثة إنما جرت مع قومه لأجل أن يرشدهم إلى الإيمان والتوحيد. لا لأجل أن إبراهيم كان يطلب الدين والمعرفة لنفسه.
هناك من يقولون إن إبراهيم عليه السلام إنما اشتغل بالنظر في الكواكب والقمر والشمس حال ما كان في الغار، وهذا باطل. لأنه لو كان الأمر كذلك، فكيف يقول { يا قوم إنى بَرِىء مما تشْرِكونَ } مع أنه ما كان في الغار لا قوم ولا صنم.
قال تعالى: { وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونّى فِى اللَّهِ } وكيف يحاجونه وهم بعد ما رأوه وهو ما رآهم، وهذا يدل على أنه عليه السلام إنما اشتغل بالنظر في الكواكب والقمر والشمس بعد أن خالط قومه ورآهم يعبدون الأصنام ودعوه إلى عبادتها فذكر قوله: { لا أُحِبُّ الأَفِلِينَ } رداً عليهم وتنبيهاً لهم على فساد قولهم.
أن تلك الليلة كانت مسبوقة بالنهار، ولا شك أن الشمس كانت طالعة في اليوم المتقدم، ثم غربت، فكان ينبغي أن يستدل بغروبها السابق على أنها لا تصلح للآلهية، وإذا بطل بهذا الدليل صلاحية الشمس للإلهية بطل ذلك أيضاً في القمر والكوكب بطريق الأولى هذا إذا قلنا: إن هذه الواقعة كان المقصود منها تحصيل المعرفة لنفسه. أما إذا قلنا المقصود منها إلزام القوم وإلجاؤهم، فهذا السؤال غير وارد لأنه يمكن أن يقال أنه إنما اتفقت مكالمته مع القوم حال طلوع ذلك النجم، ثم امتدت المناظرة إلى أن طلع القمر وطلعت الشمس بعده وعلى هذا التقدير، فالسؤال غير وارد، فثبت بهذه الدلائل الظاهرة أنه لا يجوز أن يقال إن إبراهيم عليه السلام قال على سبيل الجزم: هذا ربي. وإذا بطل هذا بقي ههنا احتمالان:
الأول : أن يقال هذا كلام إبراهيم عليه السلام بعد البلوغ ولكن ليس الغرض منه إثبات ربوبية الكوكب بل الغرض منه أحد أمور سبعة :(6/428)
الأول: أن يقال إن إبراهيم عليه السلام لم يقل هذا ربي، على سبيل الأخبار، بل الغرض منه أنه كان يناظر عبدة الكوكب وكان مذهبهم أن الكوكب ربهم وآلههم، فذكر إبراهيم عليه السلام ذلك القول الذي قالوه بلفظهم وعبارتهم حتى يرجع إليه فيبطله، ومثاله: أن الواحد منا إذا ناظر من يقول بقدم الجسم، فيقول: الجسم قديم؟ فإذا كان كذلك، فلم نراه ونشاهده مركباً متغيراً؟ فهو إنما قال الجسم قديم إعادة لكلام الخصم حتى يلزم المحال عليه، فكذا ههنا قال: { هَذَا رَبّى } والمقصود منه حكاية قول الخصم، ثم ذكر غقيبه ما يدل على فساده وهو قوله: { لا أُحِبُّ الأَفِلِينَ } وهذا الوجه هو المتعمد في الجواب، والدليل عليه: أنه تعالى دل في أول الآية على هذه المناظرة بقوله تعالى: { وَتِلْكَ حُجَّتُنَا ءاتَيْنَهَا إِبْراهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ }.
والوجه الثاني في التأويل: أن نقول قوله: { هَذَا رَبّى } معناه هذا ربي في زعمكم واعتقادكم ونظيره أن يقول الموحد للمجسم على سبيل الاستهزاء: أن إلهه جسم محدود أي في زعمه واعتقاده قال تعالى:
{ وَانظُرْ إِلَى الهكَ الَّذِى ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفاً }[طه: 97]
وقال تعالى:
{ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ أَيْنَ شُرَكآءِيَ }[القصص: 62]
وكان صلوات الله عليه يقول: " يا إله الآلهة "
والمراد أنه تعالى إله الآلهة في زعمهم وقال:
{ ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ }[الدخان: 49]
أي عند نفسك.
والوجه الثالث في الجواب: أن المراد منه الاستفهام على سبيل الإنكار إلا أنه أسقط حرف الاستفهام استغناء عنه لدلالة الكلام عليه.
والوجه الرابع: أن يكون القول مضمراً فيه، والتقدير: قال يقولون هذا ربي. وإضمار القول كثير، كقوله تعالى:
{ وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْراهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَعِيلُ رَبَّنَا }[البقرة: 127]
أي يقولون ربنا وقوله:
{ وَالَّذِينَ اتَّخَذُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء مَا نَعْبُدُهُمْ إلاَّ لِيُقَرّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى }[الزمر: 3]
أي يقولون ما نعبدهم، فكذا ههنا التقدير: إن إبراهيم عليه السلام قال لقومه: يقولون هذا ربي. أي هذا هو الذي يدبرني ويربيني.
والوجه الخامس: أن يكون إبراهيم ذكر هذا الكلام على سبيل الاستهزاء كما يقال لذليل ساد قوماً هذا سيدكم على سبيل الاستهزاء.
الوجه السادس: أنه صلى الله عليه وسلم أراد أن يبطل قولهم بربوبية الكواكب إلا أنه عليه السلام كان قد عرف من تقليدهم لأسلافهم وبعد طباعهم عن قبول الدلائل أنه لو صرح بالدعوة إلى الله تعالى لم يقبلوه ولم يلتفتوا إليه، فمال إلى طريق به يستدرجهم إلى استماع الحجة. وذلك بأن ذكر كلاماً يوهم كونه مساعداً لهم على مذهبهم بربوبية الكواكب مع أن قلبه صلوات الله عليه كان مطمئناً بالإيمان، ومقصوده من ذلك أن يتمكن من ذكر الدليل على إبطاله وإفساده وأن يقبلوا قوله وتمام التقرير أنه لما يجد إلى الدعوة طريقاً سوى هذا الطريق
الوجه السابع: أن القوم لما دعوه إلى عبادة النجوم فكانوا في تلك المناظرة إلى أن طلع النجم الدري فقال إبراهيم عليه السلام { هَذَا رَبّى } أي هذا هو الرب الذي تدعونني إليه ثم سكت زماناً حتى أفل ثم قال: { لا أُحِبُّ الأَفِلِينَ } فهذا تمام تقرير هذه الأجوبة على الاحتمال الأول وهو أنه صلوات الله عليه ذكر هذا الكلام بعد البلوغ.
فلو كان المقصود أنه كان يعبد غير الله ما سكت زماناً لينتظر ما سيحدث للنجم ليقول : لا أحب الأفلين .
أما الاحتمال الثاني: وهو أنه ذكره قبل البلوغ وعند القرب منه فتقريره أنه تعالى كان قد خص إبراهيم بالعقل الكامل والقريحة الصافية، فخطر بباله قبل بلوغه إثبات الصانع سبحانه فتفكر فرأى النجم، فقال: { هَذَا رَبّى } فلما شاهد حركته قال: { لا أُحِبُّ الأَفِلِينَ } ثم إنه تعالى أكمل بلوغه في أثناء هذا البحث فقال في الحال: { إِنّى بَرِىء مّمَّا تُشْرِكُونَ } فهذا الاحتمال لا بأس به، وإن كان الاحتمال الأول أولى بالقبول لما ذكرنا من الدلائل الكثيرة، على أن هذه المناظرة إنما جرت لإبراهيم عليه السلام وقت اشتغاله بدعوة القوم إلى التوحيد والله أعلم
================
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ
وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ ; (آية 74).
والصواب أن أبا إبراهيم هو تارح (التكوين 11: 26). وقال محمد بن اسحق والكلبي والضحاك: اسم أبي إبراهيم وهو تارح، ضبطه بعضهم بالحاء المهملة، وبعضهم بالخاء المعجمة (ابن كثير في تفسير الأنعام 6: 74). والحقيقة هي تارح فقط، فإن الواجب أخذ هذه الأسماء من الأمة اليهودية ومن التوراة.(6/429)
وقال أهل السيرة: آزر هو اسمٌ كان ينادي به إبراهيم أباه، بمعنى يا شيخ أو يا مخرِّف. وإن اسم أبي إبراهيم هو تارح. وقالوا إنه كان له اسمان، وغير ذلك كثير (قصص الأنبياء عبد الوهاب النجار فصل قصة إبراهيم).
ولا يُفهم من التوراة أن إبراهيم كان يعبد الأصنام، بل العكس. والدليل على ذلك قول التكوين 11: 31 : ; وَأَخَذَ تَارَحُ أَبْرَامَ ابْنَهُ، وَلُوطاً بْنَ هَارَانَ ابْنَ ابْنِهِ، وَسَارَايَ كَنَّتَهُ امْرَأَةَ أَبْرَامَ ابْنِهِ، فَخَرَجُوا مَعاً مِنْ أُورِ الْكِلْدَانِيِّينَ لِيَذْهَبُوا إِلَى أَرْضِ كَنْعَانَ. فَأَتُوا إِلَى حَارَانَ وَأَقَامُوا هُنَاكَ “والظاهر أنهم هاجروا من وطنهم لأنهم تضايقوا من تمادي قومهم على عبادة الأصنام واقتراف الرذائل، فلو لم يكن تارح رجلاً تقياً يخاف الله لما ترك وطنه وهو عزيز عنده. ولو لم يكن تارح تقياً لما أطاع الأمر الإلهي. فطاعته من أقوى الأدلة على معرفته بالإله الحي الحقيقي
نبي الله إبراهيم عليه السلام ولد يتيماً مات أبوه تارخ وهو في بطن أمه، ثم عاش في بيت عمه آزر وهو المشار إليه في الآية الكريمة ? وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُبِينٍ ?
ولأن عمه آزر قد ربّاه أطلق عليه أنه أبوه، وإلاّ فهو عمه، حيث لا يكون المشرك عابد الصنم أباً للنبي .
يقول الآلوسي: (والذي عوّل عليه الجم الغفير أن آزر لم يكن والد إبراهيم ، وادعوا أنه ليس في آباء النبي كافر أصلاً
وكذلك نبي الله موسى الذي لا تجد دوراً لأبيه في القرآن أو نصوص التاريخ عند ولادته ونشأته، رغم المخاطر التي حفت بأمه أثناء ولادته، والملابسات التي اكتنفت نشأته.
ومن الواضح أن نبي الله عيسى ولد من غير أب. أما نبينا الأكرم محمد ، وهو أفضل الخلق، وأعزهم على الله، وأحبهم إليه، فقد مات أبوه وهو في بطن أمه، وماتت أمه وعمره ست سنوات، ثم عاش في كفالة جده عبد المطلب، ومن بعده عمه أبي طالب.
والعرب تسمي العم « أبا » قال تعالى : في قصة يعقوب : « قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحق ) وإسماعيل كان عم يعقوب عليهم السلام وقد سماه أبا في هذه الآية
إن لفظة «الأب» وان كانت تُستعمل عادة في لغة العرب في «الوالد»، إلاّ أن مورد استعمالها لا ينحصر في ذلك .
بل ربما استعملت ـ في لغة العرب وكذا في مصطلح القرآن الكريم ـ في: (العمّ) أيضاً. كما وقع ذلك في الآية التالية الّتي استعملت فيها لفظة الأب بمعنى العم إذ يقول سبحانه:
(إذْ قالَ لِبَنْيهِ ما تَعْبُدونَ مِنْ بَعْدِي قالُوا نَعْبُدُ إلهَكَ وإله آبائكَ إبْراهيم واسْماعيل وإسحاقَ إلهاً واحِداً ونحن لهُ مسلمون).
فإنّ ممّا لا ريب فيه أن «اسماعيل» كان عماً ليعقوب لا والداً له، فيعقوب هو ابن اسحاق، واسحاق هو أخو اسماعيل.
ومع ذلك سمّى أولادُ يعقوب «اسماعيل» الّذي كان (عمَّهم) أباً .
ومع وجود هذين الاستعمالين (استعمال الاب في الوالد تارة، وفي العم تارة اُخرى) يصبح احتمال كون المراد بالاب في الآيات المرتبطة بهداية «آزر» هو العمّ أمراً وارداً، وبخاصة إذا ضَمَمْنا إلى ذلك قرينة قوية في المقام وهي: اجماع العلماء الّذي نقله المفيد رحمه اللّه على طهارة آباء الانبياء واجدادهم من رجس الشرك والوثنية .
ولعل السبب في تسمية النبي «ابراهيم» عمَّه بالأب هو أنه كان الكافل لابراهيم ردحاً من الزمن، ومن هنا كان «ابراهيم» ينظر إليه بنظر الأب، وينزله منزلة الوالد .
القرآن ينفي اُبوّة «آزر» لإبراهيم:
ولكي نعرف رأي القرآن الكريم في مسألة العلاقة بين «آزر» و «ابراهيم» ـ عليه السلام ـ نلفت نظر القارىء الكريم إلى توضيح آيتين:
1- لقد أشرقت منطقةُ الحجاز بنور الايمان والإسلام بفضل جهود النبىّ «محمَّد» ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ وتضحياته الكبرى، وآمن اكثر الناس به عن رغبة ورضا، وعلموا بأن عاقبة الشرك، وعبادة الاوثان والاصنام هو الجحيم والعذاب الاليم .
إلاّ أنهم رغم ابتهاجهم وسرورهم بما وُفقوا له من إيمان وهداية، كانت ذكريات آبائهم واُمهاتهم الذين مضوا على الشرك والوثنية تزعج خواطرهم وتثير شفقتهم، واسفهم.
وكان سماع الآيات التي تشرح أحوال المشركين في يوم القيامة يحزنهم ويؤلمهم، وبغية ازالة هذا الالم الروحي المجهد طلبوا من رسول اللّه ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ أن يستغفر لابائهم واُمهاتهم كما فعل «إبراهيم» في شأن «آزر» فنزلت الآية في مقام الردّ على طلبهم ذاك، إذ قال سبحانه:(6/430)
(ما كانَ لِلنَّبِىِّ وَالَّذينَ آمَنُوا أنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْركينَ وَلَوْ كانُوا اُوْلي قَرْبى مِنْ بَعْدِ مَا تَبيَِّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أصْحابُ الْجَحْيمَ و ما كانَ اسْتِغْفارُ إِبْراهِيْمَ لأَبيْه إلا عَنْ مَوْعِدَة وَعَدَها إيّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌ للّه تَبَرَّاَ مِنْهُ إنَّ إبْراهيْمَ لأَوّاهٌ حَلِيمٌ) .
إنَّ ثمة قرائن كثيرة تدل على أنّ محادثة النبيّ «إبراهيم» وحواره مع «آزر» ووعده بطلب المغفرة له من اللّه سبحانه قد انتهى إلى قطع العلاقات،
والتبرّي منه في عهد فتوَّة «إبراهيم»، وشبابه، اى عندما كان «إبراهيم» لا يزال في مسقط رأسه «بابل» ولم يتوجه بعد إلى فلسطين ومصر وأرض الحجاز.
إننا نستنتج من هذه الآية أن «إبراهيم» قطع علاقته مع «آزر» ـ في أيام شبابه ـ بعد ما أصرّ «آزر» على كفره، ووثنيته، ولم يعد يذكره إلى آخر حياته .
2- لقد دعا «إبراهيم» ـ عليه السلام ـ في اُخريات حياته ـ أي في عهد شيخوخته ـ وبعد أن فرغ من تنفيذ مهمته الكبرى (تعمير الكعبة) واسكان ذريته في أرض مكة القاحلة، دعا وبكل اخلاص وصدق جماعة منهم والداه، وطلب من اللّه إجابة دعائه، إذ قال في حين الدعاء:
(رَبَّنا اغْفِرْليْ وَ لوالدىّ وَ لِلمؤمِنينْ يَوْمَ يَقُومُ الحِساب).
إنَ هذه الآية تفيد بصراحة ـ أن الدعاء المذكور كان بعد الفراغ من بناء الكعبة المعظمة، وتشييدها، يوم كان إبراهيم يمر بفترة الشيخوخة، فاذا كان مقصودُه من الوالد في الدعاء المذكور هو «آزر» وانه المراد له المغفرة الالهية كان معنى ذلك أن «ابراهيم» كان لم يزل على صلة بـ «آزر» حتّى أنه كان يستغفر له في حين أن الآية التي نزلت رداً على طلب المشركين أوضحت بأن «إبراهيم» كان قد قطع علاقاته بـ «آزر» في أيّام شبابه، وتبرّأ منه، ولا ينسجم الاستغفار مع قطع العلاقات .
إن ضَمَّ هاتين الآيتين بعضهما إلى بعض يكشف عن أنّ الّذي تبرّأ منه «ابراهيم» في أيام شبابه، وقطع علاقاته معه، واتخذوه عدواً هو غير الشخص الّذي بقي يذكره، ويستغفر له إلى اُخريات حياته
====================
القرآن مصدّق على التوراة والإنجيل:
“وَكَيْفَ يَحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بَا لْمُؤْمِنِينَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَناً قَلِيلاً وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَا حْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ ; (آيات 43 - 48).
قال الزمخشري: يحكم بها النبيون أي الأنبياء بين موسى والمسيح وهم ألف نبي (الكشاف في تفسير 5: 43). نقول: وهذا ظاهر البطلان، فالمدة بين المسيح وموسى ألف وستمائة عام، فكيف يكون فيها ألف نبي؟
وقال النسفي: لما بين يديه أي لِما تقدمه. وقوله مهيمناً عليه شاهداً عليه، لأنه يشهد له بالصحة والثبات. فالقرآن لم يقل ما صدّقته فصدّقوه، وما كذّبته فكذّبوه، وما سكتُّ عنه فلا تصدّقوه ولا تكذّبوه .
بل قال: من لم يحكم بالتوراة والإنجيل فهم الكافرون والظالمون والفاسقون .
وقال محمد: أنا أول من أُحيي أمر الله وكتابه أي التوراة والإنجيل (النسفي في تفسير المائدة 5: 43 48).
ومحمد هو الذي وضع التوراة على الوسادة وقال: آمنتُ بك وبمن أنزلك(6/431)
(تفسير ابن كثير على المائدة 43 48 وسنن أبي داود حديث رقم 4449).
ولما كان حضّه لأهل الكتاب على إقامة شريعتهم يُغني عن القرآن وعن رسالته قال: لكلٍ جعلنا منكم شِرْعة ومِنهاجاً، ولو شاء لجعلكم أمةً واحدة، ولكن ليبلوكم فيما آتاكم . قال المفسرون: لكل أمة شريعة، فللتوراة شريعة، وللإنجيل شريعة، وللقرآن شريعة يحلّ الله عز وجل فيها ما يشاء. وكل عبارة دلّت على عدم التباين فهي دالة على أصول الدين من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسُله واليوم الآخِر، وكل ذلك جاءت به الرسل من عند الله ولم يختلفوا فيه. وأما العبادات الدالة على حصول التباين بينهم فمحمولة على الفروع وما يتعلق بظواهر العبارات. فجائز، أن يتعبّد الله عباده في كل وقت بما يشاء. وقوله لكلٍ جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً يدل على أن كل رسول جاء بشريعة خاصة، فلا يُلزِم أمةَ رسولٍ الاقتداءَ بشريعةِ رسولٍ آخر . (الخازن جزء أول).
ونحن نختلف مع هذا المبدأ، لأن طريقة الخلاص واحدة في التوراة والإنجيل، وفحواها واحد
آية رقم : 185
قرآن كريم
شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ القُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ
وإذا سمعنا (( أنزل فيه القرآن)) فنفهم أن هناك كلمات :
· أنزل
· نَزٌلَ
· نزل
فإذا سمعنا كلمة (( أنزل )) نجدها منسوبة إلى الله دائماً :
القَدْر
آية رقم : 1
قرآن كريم
إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ في لَيْلَةِ القَدْرِ
أما في كلمة (( نَزَلَ )) فهو سبحانه يقول :
الشُّعَرَاء
آية رقم : 193
قرآن كريم
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ
وقال تعالى
القَدْر
آية رقم : 4
قرآن كريم
تَنَزَّلُ الملائِكَةُ
إذن فكلمة (( أنزل )) مقصورة على الله ، إنما كلمة (( نَزَّلَ )) تأتي من الملائكة ، و (( نَزَلَ )) تأتي من الروح الأمين الذي هو (( جبريل )) ، فكأن كلمة (( أنزل )) بهمزة التعدية ، عدت القرآن من وجوده مسطوراً في اللوح المحفوظ إلى أن يبرز إلى الوجود الإنساني ليباشر مهمته .
وكلمة (( نَزَلَ )) و (( نَزَّلَ )) نفهمها أن الحق أنزل القرآن من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا مناسبأ للأحداث ومناسباً للظروف .... فكأن الإنزال في رمضان جاء مرة واحدة .
نأتي لأعداء الإسلام الذي يهاجموننا بجهالة يقولون : كيف تقولون " إن رمضان أنزل فيه القرآن مع أنكم تشيعون القرآن في كل زمان ، فينزل هنا وينزل هناك وقد نزل في مدة الرسالة المحمدية ؟ " .
نقول لهم : يا سادة يا كرام ... نحن لم نقل إنه (( نزل )) ولكننا قلنا (( أنزل )) ، فـ (( أنزل )) : تعدي من العِلم الأعلى إلى أن يباشر مهمته في الوجود .
وحين يباشر مهمته في الوجود ينزل منه (( النَّجْم )) – يعني القسط القرآني – موافقاً للحدث الأرضي ليجيء الحكم وقت حاجتك ،فيستقر في الأرض ، إنما لو جاءنا القرآن مكتملاً مرة واحدة فقد يجوز أن يكون عندنا الحكم ولا نعرفه ، ولكن حينما لا يجيء الحكم إلا ساعة نحتاجه ، فهو يستقر في النفوس .
فحين يُريد الله حكماً من الأحكام ليعالج قضية من قضايا الوجود فهو لا ينتظر حتى ينزل فيه حكم من الملأ الأعلى من اللوح المحفوظ ، إنما الحكم موجود في السماء الدنيا ، فيقول للملائكة : تنزلوا به ، وجبريل ينزل في أي وقت شاء له الحق سبحانه أن ينزل من أوقات البعثة المحمدية ، أو الوقت الذي أراد الله سبحانه وتعالى أن يوجد فيه الحكم الذي يغطي قضية من القضايا .
إذن فحينما يوجد من يتفلسف ويشككنا .. نقول له .... لا
نحن نملك لغة عربية دقيقة جداً ، وعندنا فرق بين (( أنزل )) و (( نَزَّلَ )) و (( نزل )) ....... ولذلك فكلمة (( نزل )) تأتي للكتاب ، وتأتي للنازل بالكتاب ، يقول الحق :
الشُّعَرَاء
آية رقم : 193
قرآن كريم
نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ
ويقول سبحانه :
الإِسْرَاء
آية رقم : 105
قرآن كريم
وَبِالحَقِّ أَنْزَلْنَاهُ وَبِالحَقِّ نَزَلَ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلا مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا
وبعد ذلك يأتوا لنا هؤلاء الضالون ويتساءلوا : لماذا لم ينزل القرآن جملة واحدة ؟
أنظر أخي المسلم إلى الدقة في الهيئة التي أراد الله بها نزول القرآن فقد قال الله تعالى :
الفُرْقَان
آية رقم : 32
قرآن كريم
وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيْلا
فالله عز وجل ينزل القرآن لماذا ؟ (( ليثبت به فؤادك )) ومعنى (( لنثبت به فؤادك )) أي أنك ستتعرض لمنغصات شتى ، وهذه المنغصات الشتى كل منها يحتاج إلى تَرْبِيتٍ عليك وتهدئة لك ، فيأتي القسط القرآني ليفعل ذلك وينير أمامك الطريق .
((كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيْلا )) أي لم نأت به مرة واحدة بل جعلناه مرتباً على حسب ما يقتضيه من أحداث . حتى يتم العمل بكل قسط ، ويهضمه المؤمن ثم نأتي بقسط آخر
قال تعالى
الفُرْقَان
آية رقم : 33
قرآن كريم(6/432)
وَلا يَأْتُونَكَ ِبمَثَلٍ إِلا جِئْنَاكَ بِالحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا
إن أعداء الدين لهم اعتراضات ، ويحتاجون إلى أمثلة ، فلو أنه نزل جملة واحدة لأهدرَتْ هذه القضية ، وكذلك حين يسأل المؤمنون يقول القرآن : يسألونك عن كذا وعن كذا ، ولو شاء الله أن يُنزل القرآن دفعة واحدة ،فكيف كان يغطي هذه المسألة؟ .
فما داموا سوف يسألون فلينتظر حتى يسألوا ثم نأتي الإجابة بعد ذلك .
إذن فهذا هو معنى (( أنزل )) أي أنه أُنزل من اللوح المحفوظ ، ليباشر مهمته الوجود ،وبعد ذلك نزل به جبريل ، أو تتنزل به الملائكة على حسب الأحداث التي جاء القرآن ليغطيها .
ونجد أن النصارى ينسبوا التوراة والإنجيل للكتاب المقدس بقول أن الآية
{نزل عليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه وأنزل التوراة والإنجيل "3"}
(سورة آل عمران)........... تكشف ذلك
وعلى الرغم من جهلهم باللغة العربية وجب علينا التوضيح ..
وهنا يجب أن نلتفت إلى أن الحق قال عن القرآن: "نزل" وقال عن التوراة والإنجيل: "أنزل". لقد جاءت همزة التعدية وجمع ـ سبحانه ـ بين التوراة والإنجيل في الإنزال، وهذا يوضح لنا أن التوراة والإنجيل إنما أنزلهما الله مرة واحدة، أما القرآن الكريم فقد نزله الله في ثلاث وعشرين سنة منجما ومناسباً للحوادث التي طرأت على واقع المسلمين ، و"نزل" تفيد شيئا قد وجب عليك؛ لأن النزول معناه: شيء من أعلى ينزل، فالأعلى هو من خالق الكون والبشر .
آلِ عِمْرَان
آية رقم : 65
قرآن كريم
يَا أَهْلَ الكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالإِنْجِيلُ إِلاَّ مِنْ بَعْدِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ
وساعة يقول الحق عن القرآن: "مصدقا لما بين يديه" فمعنى ذلك أن القرآن يوضح المتجه؛ إنه مصدق لما قبله ولما سبقه، إنه مصدق للقضايا العقدية الإيمانية التي لا يختلف فيها دين عن دين؛ لأن الديانات إن اختلفت فإنما تختلف في بعض الأحكام، فهناك حكم يناسب زمنا وحكم آخر لا يناسب ذلك الزمن. أما العقائد فهي لا تتغير ولا تتبدل، وكذلك الأخبار وتاريخ الرسل، فليس في تلك الأمور تغيير. ومعنى "مصدق" أي أن يطابق الخبر الواقع، وهذا ما نسميه "الصدق". وإن لم يطابق الخبر الواقع فإننا نسميه "كذبا".
وإذا كان القرآن قد جاء مصداقا لما في التوراة والإنجيل ألا تكون هذه الكتب هداية لنا أيضا؟
نعم هي هداية لنا، ولكن الهداية إنما تكون بتصديق القرآن لها، حتى لا يكون كل ما جاء فيهما ومنسوبا إليهما حجة علينا. فالذي يصدقه القرآن هو الحجة علينا، فيكون "هدى للناس" معناها: الذين عاصروا هذه الديانات وهذه الكتب ، ونحن مؤمنون بما فيها بتصديق القرآن لها.
المائِدَة
آية رقم : 46
قرآن كريم
وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلمُتَّقِينَ
آتينا : أعطينا
البَقَرَة
آية رقم : 53
قرآن كريم
وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الكِتَابَ وَالفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ
آتينا : أعطينا ......... فمن الذي أعطى ؟ ... الله عز وجل ... فطالما هو الذي أنزل على سيدنا موسى عليه السلام التوراة وعلى سيدنا عيسى عليه السلام الإنجيل .... فهو الذي أعطاهم .
وهذا يوضح أن الكتاب المقدس ليس له شأن بالتوراة والإنجيل المذكورين بالقرآن ... ويمكن أن ننهي هذا الأمر بكل بساطة لنوفر على أنفسنا الوقت :
أي كتاب مقدس هو الذي نزل من عند الله ؟....
البروتستانت ... الكاثوليك ... الأرثودكس .... الإنجليون ... السامريون ... الأدفينتست السبتيين .... شهود يهوه ... ألخ
فليتفقوا على كتاب مقدس واحد وبعد ذلك يكون لنا لقاء آخر
=================
لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ
ما هي الطيبات؟
“لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ ; (آية 87).
روى البخاري عن عبد الله قال: كنا نغزو مع النبي وليس معنا نساء، فقلنا له: ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ورخَّص لنا بعد ذلك أن نتزوّج المرأة بالثوب، ثم قرأ لا تحرموا... (البخاري كتاب تفسير المائدة). فكما ترى أن محمداً كان يُبيح لأصحابه أشياء غريبة كهذا الحديث الذي أباح لهم فيه زواج المتعة، الذي قال عنه كثيرون إنه زنا. ثم تراه يقول لهم إن هذا هو طيّبات ما أحلّ الله
الرد(6/433)
اتفقت المذاهب الأربعة وجماهير الصحابة على أن زواج المتعة ونحوه حرام باطل، وكونه باطلاً عند الحنفية بالرغم من أن هذا الشرط من شروط الصحة؛ لأنه منصوص على حكمه في السنة، إلا أن الإمام زفر اعتبر الزواج المؤقت صحيحًا وشرط التأقيت فاسدًا أو باطلاً، أي لا عبرة بالتأقيت ويكون الزواج صحيحًا مؤبدًا؛ لأن النكاح لا يبطل بالشروط الفاسدة، ورد عليه بأن العقد المؤقت في معنى المتعة، والعبرة في العقود للمعاني لا للألفاظ.
وقال الشيعة الإمامية : يجوز زواج المتعة أو النكاح المنقطع بالمرأة المسلمة أو الكتابية، ويكره بالزانية، بشرط ذكر المهر، وتحديد الأجل أي المدة، وينعقد بأحد الألفاظ الثلاثة: وهي زوّجتك، وأنكحتك، ومتعتك، ولا يشترط الشهود ولا الولي لهذا العقد، وأحكامه هي:
1- الإخلال بذكر المهر مع ذكر الأجل يبطل العقد، وذكر المهر من دون الأجل يقلبه دائمًا.
2- لا حكم للشروط قبل العقد، ويلزم لو ذكرت فيه.
3- يجوز اشتراط إتيانها ليلاً أو نهارًا وألا يطأها في الفرج، والعزل من دون إذنها، ويلحق الولد بالأب وإن عزل، لكن لو نفاه لم يحتج إلى اللعان.
4- لا يقع بالمتعة طلاق بإجماع الشيعة، ولا لعان على الأظهر، ويقع الظهار على تردد.
5- لا يثبت بالمتعة ميراث بين الزوجين، وأما الولد فإنه يرثهما ويرثانه من غير خلاف.
6- إذا انقضى الأجل المتفق عليه، فالعدة حيضتان على الأشهر. وعدة غير الحائض خمسة وأربعون يومًا، وعدة الوفاة لو مات عنها في أشبه الروايتين أربعة أشهر وعشرة أيام.
7- لا يصح تجديد العقد قبل انقضاء الأجل، ولو أراده وهبها ما بقي من المدة واستأنف.
الأدلة:
أدلة الإمامية: استدل الإمامية على مشروعية النكاح المنقطع أو المتعة بما يلي:
1- بقول الله تعالى: (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَة) [النساء : 4/24] فإنه عبَّر بالاستمتاع دون الزواج، وبالأجور دون المهور، مما يدل على جواز المتعة، فالاستمتاع والتمتع بمعنى واحد، وإيتاء الأجر بعد الاستمتاع يكون في عقد الإجارة، والمتعة هو عقد الإجارة على منفعة البضع، أما المهر فإنه يجب بنفس عقد النكاح قبل الاستمتاع.
2- ثبت في السنة جواز المتعة في بعض الغزوات منها عام أوطاس، وفي عمرة القضاء، وفي خيبر، وعام الفتح، وفي تبوك ، قال ابن مسعود: "كنا نغزو مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليس معنا نساء، فقلنا" ألا نختصي؟ فنهانا عن ذلك، ثم رخّص لنا أن ننكح المرأة بالثوب إلى أجل، ثم قرأ عبد الله (أي ابن مسعود): (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللهُ لَكُم) [ المائدة: 5/87] ، الآية.
وفي صحيح مسلم عن جابر: "كنا نستمتع بالقبضة من التمر والدقيق على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم .. وأبي بكر، حتى نهى عمر في شأن عمرو بن حريث" .
وكان يقول بجواز المتعة ابن عباس وجماعة من السلف، منهم بعض الصحابة (أسماء بنت أبي بكر، وجابر وابن مسعود، ومعاوية وعمرو بن حريث، وأبو سعيد وسلمة ابنا أمية بن خلف)، ومنهم بعض التابعين (طاووس وعطاء، وسعيد بن جبير، وسائر فقهاء مكة ومنهم ابن جريج).
وأجاز المتعة الإمام المهدي، وحكاه عن الباقر والصادق والإمامية ، وأما الشيعة الزيدية فيقولون كالجمهور بتحريم نكاح المتعة، ويؤكدون أن ابن عباس رجع عن تحليله .
وأجيب عن هذه الأدلة بما يأتي :
1 - إن المراد بالاستمتاع في آية (فما استمتعتم) [النساء: 4/24]: النكاح؛ لأنه هو المذكور في أول الآية وآخرها، حيث بُدِئت بقوله تعالى: (وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم)
[النساء: 4/22] وختمت بقوله سبحانه: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَات) [النساء 4/25]، فدل على أن المراد بالاستمتاع هنا ما كان عن طريق النكاح، وليس المراد به المتعة المحرمة شرعًا.
أما التعبير بالأجر: فإن المهر في النكاح يُسمَّى في اللغة أجرًا، لقوله تعالى:
(فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوف) [النساء: 4/25] أي مهورهن، وقوله سبحانه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) [الأحزاب: 33/50] أي مهورهن.
وأما الأمر بإيتاء الأجر بعد الاستمتاع، والمهر يؤخذ قبل الاستمتاع، فهذا على طريقة في اللغة من تقديم وتأخير، والتقدير: فآتوهن أجورهن إذا استمتعتم بهن، أي إذا أردتم الاستمتاع بهن، مثل قوله تعالى: (إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ) [الطلاق 65/1] أي إذا أردتم الطلاق، ومثل: (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاة) [المائدة: 5/6] أي إذا أردتم القيام إلى الصلاة.(6/434)
2 - وأما الإذن بالمتعة في السنة النبوية في بعض الغزوات، فكان للضرورة القاهرة في الحرب، وبسبب العُزْبة في حال السفر، ثم حرّمها الرسول - صلى الله عليه وسلم - تحريمًا أبديًّا إلى يوم القيامة، بدليل الأحاديث الكثيرة، منها:
1- "يا أيها الناس، إني كنت أذنت لكم في الاستمتاع من النساء، وإن الله قد حرّم ذلك يوم القيامة، فمن كان عنده منهن شيء، فليخلّ سبيله، ولا تأخذوا مما آتيتموهن شيئًا" .
2- قال سلمة بن الأكوع: "رخّص لنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في متعة النساء عام أوطاس ثلاثة أيام، ثم نهى عنها" .
3 - قال سبرة بن معبد: "إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حجة الوداع نهى عن نكاح المتعة" .
4 - عن علي رضي الله عنه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -نهى عن نكاح المتعة وعن لحوم الحمر الأهلية زمن خيبر .
وأما ابن عباس: فكان يجيز المتعة للمضطر فقط، روى عنه سعيد بن جبير أنه قال: سبحان الله، ما بهذا أفتيت، وإنما هي كالميتة لا تحل إلا للمضطر. وأما الشيعة فقد توسعوا فيها وجعلوا الحكم عامًّا للمضطر وغيره، وللمقيم والمسافر.
ومع ذلك فقد أنكر عليه الصحابة، مما يجعل رأيه شاذًّا تفرد به، فقد أنكر عليه علي رضي الله عنه قائلاً له: إنك امرؤ تائه ؛ لأن النبي – صلى الله عليه وسلم – نهى عن متعة النساء يوم خيبر وعن لحوم الحمر الإنسية، وأنكر عليه عبد الله بن الزبير رضي الله عنه، روى مسلم عنه أنه قام بمكة فقال: "إن أناسًا أعمى الله قلوبهم كما أعمى أبصارهم يفتون بالمتعة – يعرِّض برجل هو عبد الله بن عباس – فناداه ابن عباس، فقال له: إنك لجلف جاف، فلعمري، لقد كانت المتعة تفعل في عهد أمير المتقين – أي رسول الله – صلى الله عليه وسلم - فقال له ابن الزبير: فجرب نفسك، فوالله لو فعلتها لأرجمنك بأحجارك".
ثم نقل المحدثون عن ابن عباس أنه رجع عن قوله، روى الترمذي عنه أنه قال: "إنما كانت المتعة في أول الإسلام، كان الرجل يقدم البلدة ليس له فيها معرفة، فيتزوج المرأة بقدر ما يرى أنه يقيم، فتحفظ له متاعه، وتصلح له شأنه، حتى نزلت هذه الآية: "إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) [المؤمنون: 23/6] قال ابن عباس: فكل فرج سواهما حرام". وروى البيهقي أيضًا وأبو عوانة في صحيحه رجوع ابن عباس .
والقول برجوعه هو الأصح لدى كثير من العلماء، ويؤكده إجماع الصحابة على التحريم المؤبد، ومن المستبعد أن يخالفهم، روى الحازمي في الناسخ والمنسوخ من حديث جابر بن عبد الله قال: "خرجنا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى غزوة تبوك، حتى إذا كنا عند العقبة مما يلي الشام، جاءت نسوة فذكرنا تمتعنا، وهن تطفن في رحالنا، فجاءنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنظر إليهن، وقال: من هؤلاء النسوة؟ فقلنا: يا رسول الله، نسوة تمتَّعنا منهن، قال: فغضب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى احمرَّت وجنتاه، وتمعَّر وجهه، وقام فينا خطيبًا، فحمد لله وأثنى عليه، ثم نهى عن المتعة، فتوادعنا يومئذ الرجال والنساء، ولم نَعُد، ولا نعود لها أبدًا، فبها سُمِّيت يومئذ: ثنية الوداع" .
وروى أبو عوانة عن ابن جريج أنه قال في البصرة، اشهدوا أني قد رجعت عن المتعة، بعد أن حدّثهم فيها ثمانية عشر حديثًا أنه لا بأس بها .
كل هذا يدل على نسخ إباحة المتعة، ولعل ابن عباس ومن وافقه من الصحابة والتابعين لم يبلغه الدليل الناسخ، فإذا ثبت النسخ وجب المصير إليه، أو يقال: إن إباحة المتعة كانت في مرتبة العفو التي لم يتعلق بها الحكم كالخمر قبل تحريمها، ثم ورد النص القاطع بالتحريم.
أدلة الجمهور:
استدل الجمهور على تحريم نكاح المتعة بالقرآن والسنة والإجماع والمعقول:
1 - أما القرآن: فقوله تعالى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلاَّ عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَهَّمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُون) [سورة المؤمنون: 23/5-7]، هذه الآية حرمت الاستمتاع بالنساء إلا من طريقين: "الزواج وملك اليمين، وليست المتعة زواجًا صحيحًا، ولا ملك يمين، فتكون محرمة، ودليل أنها ليست زواجًا أنها ترتفع من غير طلاق، ولا نفقة فيها، ولا يثبت بها التوارث.
2 - وأما السنة: فالأحاديث الكثيرة السابقة المتفق عليها التي ذكرتها عن علي وسَبْرة الجهني وسلمة بن الأكوع، وغيرعم رضي الله عنهم، والمتضمنة النهي الصريح عن نكاح المتعة عام خيبر، وبعد فتح مكة بخمسة عشر يومًا، وفي حجة الوداع.(6/435)
3 - وأما الإجماع: فقد أجمعت الأمة إلا الإمامية على الامتناع عن زواج المتعة، ولو كان جائزًا لأفتوا به، قال ابن المنذر: جاء عن الأوائل الرخصة فيها، أي في المتعة، ولا أعلم اليوم أحدًا يجيزها، إلا بعض الرافضة، ولا معنى لقول يخالف كتاب الله، وسنة رسوله، وقال القاضي عياض: ثم وقع الإجماع من جميع العلماء على تحريمها، إلا الروافض .
4 - أما المعقول: فإن الزواج إنما شرع مؤبدًا لأغراض ومقاصد اجتماعية، مثل سكن النفس وإنجاب الأولاد وتكوين الأسرة، وليس في المتعة إلا قضاء الشهوة، بنحو مؤقت، فهو كالزنى تمامًا، فلا معنى لتحريمه مع إباحة المتعة.
وبه يتبين رجحان أدلة الجمهور، والقول بتحريم المتعة وبطلان زواجها وبطلان الزواج المؤقت، وهذا ما يتقبله المنطق وروح الشريعة، ولا يمكن لأي إنسان متجرد محايد إلا إنكار المتعة والامتناع عنها نهائيا.والله تعالى أعلم
=================
لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ
أسئلة بلا إجابات:
“لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ; (آية 101).
لما رأى محمد أن أصحابه بدأوا يسألونه أسئلةً لا يجد عنده لها جواباً، خشي من ذلك فقال إن الله أنزل عليه قوله لا تسألوا
الرد
روى أنس أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فأكثروا المسألة، فقام على المنبر فقال: " سلوني فوالله لا تسألوني عن شيء ما دمت في مقامي هذا إلا حدثتكم به " فقام عبد الله بن حذافة السهمي وكان يطعن في نسبه، فقال يا نبي الله من أبي فقال: " أبوك حذافة بن قيس " وقال سراقة بن مالك ويروي عكاشة بن محصن يا رسول الله: الحج علينا في كل عام فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أعاد مرتين أو ثلاثة، فقال عليه الصلاة والسلام: " ويحك وما يؤمنك أن أقول نعم والله لو قلت نعم لوجبت، ولو وجبت لتركتم، ولو تركتم لكفرتم فاتركوني ما تركتكم فإنما هلك من كان قبلكم بكثرة سؤالهم فإذا أمرتكم بشيء فائتوا منه ما استطعتم وإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه " وقام آخر فقال: يا رسول الله أين أبي فقال " في النار " ولما اشتد غضب الرسول صلى الله عليه وسلم قام عمر وقال: رضينا بالله رباً وبالاسلام ديناً وبمحمد نبياً فأنزل الله تعالى هذه الآية.
وأعلم أن السؤال عن الأشياء ربما يؤدي إلى ظهور أحوال مكتومة يكره ظهورها وربما ترتبت عليه تكاليف شاقة صعبة فالأولى بالعاقل أن يسكت عما لا تكليف عليه فيه، ألا ترى أن الذي سأل عن أبيه فإنه لم يأمن أن يلحقه الرسول عليه الصلاة والسلام بغير أبيه فيفتضح، وأما السائل عن الحج فقد كاد أن يكون ممن قال النبي صلى الله عليه وسلم فيه:
" إن أعظم المسلمين في المسلمين جرماً من كان سبباً لتحريم حلال " إذ لم يؤمن أن يقول في الحج إيجاب في كل عام وكان عبيد بن عمير يقول: إن الله أحل وحرم فما أحل فاستحلوه، وما حرم فاجتنبوه، وترك بين ذلك أشياء لم يحللها ولم يحرمها، فذلك عفو من الله تعالى، ثم يتلو هذه الآية وقال أبو ثعلبة الخشني: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها، ونهى عن أشياء فلا تنتهكوها، وحدَّ حدوداً فلا تعتدوها، وعفا عن أشياء من غير نسيان فلا تبحثوا عنها.
ثم قال تعالى: { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } وفيه وجوه: الأول: أنه بيّن بالآية الأولى أن تلك الأشياء التي سألوا عنها أن أبديت لهم ساءتهم ثم بين بهذه الآية أنهم إن سألوا عنها أبديت لهم، فكان حاصل الكلام أنهم إن سألوا عنها أبديت لهم، وإن أبديت لهم ساءتهم، فيلزم من مجموع المقدمتين أنهم إن سألوا عنها ظهر لهم ما يسوءهم ولا يسرهم. والوجه الثاني: في تأويل الآية أن السؤال على قسمين. أحدهما: السؤال عن شيء لم يجز ذكره في الكتاب والسنة بوجه من الوجوه، فهذا السؤال منهى عنه بقوله { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ }.
والنوع الثاني من السؤال: السؤال عن شيء نزل به القرآن لكن السامع لم يفهمه كما ينبغي فههنا السؤال واجب، وهو المراد بقوله { وإن تسألوا عنها حين ينزل القرآن تبد لكم } والفائدة في ذكر هذا القسم أنه لما منع في الآية الأولى من السؤال أوهم أن جميع أنواع السؤال ممنوع منه فذكر ذلك تمييزاً لهذا القسم عن ذلك القسم.
فإن قيل قوله { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا } هذا الضمير عائد إلى الأشياء المذكورة في قوله { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء } فكيف يعقل في { أَشْيَاء } بأعيانها أن يكون السؤال عنها ممنوعاً وجائزاً معاً.
قلنا: الجواب عنه من وجهين: الأول: جائز أن يكون السؤال عنها ممنوعاً قبل نزول القرآن بها ومأموراً به بعد نزول القرآن بها، والثاني: أنهما وإن كانا نوعين مختلفين، إلا أنهما في كون كل واحد منهما مسؤولاً عنه شيء واحد، فلهذا الوجه حسن اتحاد الضمير وإن كانا في الحقيقة نوعين مختلفين.(6/436)
الوجه الثالث في تأويل الآية: إن قوله { لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء } دل على سؤالاتهم عن تلك الأشياء، فقوله { وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا } أي وإن تسألوا عن تلك السؤالات حين ينزل القرآن يبين لكم أن تلك السؤالات هل هي جائزة أم لا، والحاصل أن المراد من هذه الآية أنه يجب السؤال أولاً، وأنه هل يجوز السؤال عن كذا وكذا أم لا.
ثم قال تعالى: { عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } وفيه وجوه: الأول: عفا الله عما سلف من مسائلكم وإغضابكم للرسول بسببها، فلا تعودوا إلى مثلها. الثاني: أنه تعالى ذكر أن تلك الأشياء التي سألوا عنها إن أبديت لهم ساءتهم، فقال { عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } يعني عما ظهر عند تلك السؤالات مما يسؤكم ويثقل ويشق في التكليف عليكم. الثالث: في الآية تقديم وتأخير، والتقدير: لا تسألوا عن أشياء عفا الله عنها في الآية { إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ } وهذا ضعيف لأن الكلام إذا استقام من غير تغيير النظم لم يجز المصير إلى التقديم والتأخير، وعلى هذا الوجه فقوله { عَفَا اللَّهُ عَنْهَا } أي أمسك عنها وكف عن ذكرها ولم يكلف فيها بشيء، وهذا كقوله عليه الصلاة والسلام: " عفوت لكم عن صدقة الخيل، والرقيق " أي خففت عنكم بإسقاطها. ثم قال تعالى: { وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيم
===============
مائدة المسيح
إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَّزِلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ الَّلهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَاِئدَةً مِنَ السَّمَاءِ تَكُونُ لَنَا عِيداً لِأَّوَلِنَا وَآخِرِنَا وَآيَةً مِنْكَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ قَالَ اللَّهُ إِنِّي مُنَّزِلُهَا عَلَيْكُمْ فَمَنْ يَكْفُرْ بَعْدُ مِنْكُمْ فَإِنِّي أُعَذِّبُهُ عَذَاباً لَا أُعَذِّبُهُ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ ; (آيات 112 - 115).
ورد في الحديث أن محمداً قال: أُنزلت المائدة من السماء خبزاً ولحماً، وأُمروا أن لا يخونوا ولا يدّخروا لغدٍ، فخانوا وادَّخروا ورفعوا لغدٍ، فمُسخوا قردةً وخنازير . أخرجه الترمذي. وقال ابن عباس: إن عيسى قال لهم صوموا ثلاثين يوماً ثم اسألوا الله ما شئتم يعطيكموه، فصاموا. فلما فرغوا قالوا: يا عيسى إنّا لو عملنا عملاً لأحدٍ فقضينا عمله لأطعمنا، وسألوا المائدة. فأقبلت الملائكة بمائدة يحملونها عليها سبعة أرغفة وسبعة أحوات حتى وضعوها بين أيديهم، فأكل منها آخرُ الناس كما أكل أوَّلُهم. وقيل نزلت سفرةٌ حمراء بين غمامتين فأكل منها 1300 من أهل الفاقة والمرض البرص والجذام والمقعَدين فشُفوا مما بهم، وغير ذلك (ابن كثير في تفسير المائدة 5: 112 - 115).
وحقيقة القول إنه لما أبصرت الجماهير معجزات المسيح الباهرة تبعه جمع كثير إلى بحيرة طبرية. وكان مع غلام خمسة أرغفة شعير وسمكتان، فأخذها المسيح وباركها، فأكل منها خمسة آلاف شخص، وجمعوا مما بقي اثنتي عشرة قفة من الكِسر التي فضلت عن الآكلين (يوحنا 6: 1-15).
(1) فلم يطلب الرسل من المسيح أن يُنزّل عليهم مائدة من السماء ليأكلوا وتطمئن قلوبهم، ولم تنزل هذه المائدة وكان فيها اللحم والخبز.
(2) المائدة التي نزلت من السماء نزلت على الرسول بطرس، وكانت الغاية منها أن يعلّمه الله أن دعوة الإنجيل عامة (أعمال الرسل 10). هذا بالإضافة إلى أنها لم تكن مائدة حقيقية، بل كانت رؤيا رآها الرسول بطرس
الرد
القول : وحقيقة القول إنه لما أبصرت الجماهير معجزات المسيح الباهرة تبعه جمع كثير إلى بحيرة طبرية. وكان مع غلام خمسة أرغفة شعير وسمكتان، فأخذها المسيح وباركها، فأكل منها خمسة آلاف شخص، وجمعوا مما بقي اثنتي عشرة قفة من الكِسر التي فضلت عن الآكلين (يوحنا 6: 1-15).
يوحنا
6: 38 لاني قد نزلت من السماء ليس لاعمل مشيئتي بل مشيئة الذي ارسلني
6: 39 و هذه مشيئة الاب الذي ارسلني ان كل ما اعطاني لا اتلف منه شيئا بل اقيمه في اليوم الاخير
فاليسوع يعمل بإذن الله وليس بإذنه هو .. والكل أعترف أنه نبي وليس إله
يوحنا
6: 14 فلما راى الناس الاية التي صنعها يسوع قالوا ان هذا هو بالحقيقة النبي الاتي الى العالم(6/437)
قوله تعالى: { إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ: ياعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ }. قرأ الكسائي: بالتاء (هل تستطيع ربَّك) وبنصب الباء وقرأ الباقون بالياء وبضم الباء فمن قرأ: بالتاء (هل تستطيع ربك) معناه هل تستطيع أن تدعو ربك، ومن قرأ: بالياء، معناه: هل يجيبك ربك؟. { أَن يُنَزّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ } وذلك أن عيسى لما خرج اتبعه خمسة آلاف أو أقل أو أكثر، بعضهم كانوا أصحابه، وبعضه كانوا يطلبون منه أن يدعو لهم لمرض كان بهم أو علة أو كانوا زمنى أو عمياناً وبعضهم كانوا ينظرون ويستهزئون، وبعضهم نظارة فخرج إلى موضع فوقعوا في مفازة ولم يكن معهم نفقة فجاعوا فقالوا للحواريين: قولوا لعيسى حتى يدعو الله تعالى بأن ينزل علينا مائدة من السماء فجاءه شمعون فأخبره أن الناس يطلبون بأن تدعو الله أن ينزل عليهم مائدة من السماء فـ { قَالَ } عيسى: قل لهم { اتَّقُواْ اللَّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }. ويقال: هذا القول للحواريين: قل لهم اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، فلا تسألوا لأنفسكم البلاء فأخبر شمعون بذلك القوم فـ { قَالُواْ } لشمعون قل له: { نُرِيدُ أَن نَّأْكُلَ مِنْهَا } يعن المائدة { وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا } يعني تسكن قلوبنا إلى ما دعوتنا إليه { وَنَعْلَمَ أَن قَدْ صَدَقْتَنَا } بأنك نبي { وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ }. لمن غاب عنا ولمن بعدنا فقام عيسى وصلى ركعتين.
وكما ذكرنا من قبل أن المسلمون لا يأخذوا من الكتاب المقدس شيء لتحريفه
وبخصوص بطرس ، فالمعروف أن بطرس خائن وكاذب ... فكيف يكون رسول وبينه وبين الله وحي ؟
================
قايين وهابيل
لما قتل قايين أخاه هابيل، بعث الله غراباً يبحث في الأرض ليريه كيف يوارى سَوْأة أخيه. قال: “يَا وَيْلَتَى أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنَ النَّادِمِينَ ; (آية 31).
روى ابن أبي حاتم لما أراد أن يقتله أخذ برأسه وجعل يغمز رأسه وعظامه ولا يدري كيف يقتله. فجاءه إبليس فقال: أتريد أن تقتله؟ قال: نعم. قال: فخذ هذه الصخرة فاطرحها على رأسه. فأخذها وألقاها عليه فقتله. ثم جاء إبليس إلى حواء وقال لها إن قابيل قتل هابيل، فقالت له: ويحك، وأي شيء يكون القتل؟ قال: لا يأكل ولا يشرب ولا يتحرك. فجعلت تصيح حتى دخل عليها آدم، فقال: مالك؟ فلم تردّ. فقال: عليك الصيحة وعلى بناتك وأنا وبنيَّ منها براء.
فلما قتل قابيل هابيل تركه في العراء، ولم يدْرِ ما يصنع به، لأنه أول ميت من بني آدم على وجه الأرض، فقصدته السِّباع لتأكله، فحمله قابيل على ظهره في جرابٍ أربعين يوماً، وقال ابن عباس سنة، حتى أرْوَح وأنْتَن. فأراد الله أن يُري قابيل سُنّته في موتى بني آدم في الدفن، فبعث غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر فحفر له بمنقاره ورجليه حفيرة ثم ألقاه فيها وواراه بالتراب، وقابيل ينظر. فهذا معنى قوله فبعث الله غراباً (ابن كثير تفسير المائدة 5: 31).
أما قوله قابيل فصوابه قايين، ثم إن مراعاة القرآن للسجع مقدَّمةٌ عنده على الحقائق، فقال قابيل لأنه على وزن هابيل، كما قال طالوت لأنه على وزن جالوت.
وقول القرآن إن الغراب علّم قايين كيفية دفن أخيه مأخوذ من خرافات اليهود القديمة. وهل نتصوّر أن قايين كان يجهل هذا الأمر وقد كان يرى مدة حياته الذبائح تُقدّم لله؟ وهل يُعقل أنه لم يرَ في مدة حياته الطويلة أن دفن الطير أو الحيوان في الأرض ومواراته في التراب يكون واقياً للإنسان من رائحته المنتنة الكريهة، وقد أتى الله الإنسان عقلاً به يعقل ويدرك؟ وكتاب الله لا يتكلم عن هذه الخرافة
وفيه مسائل:
المسألة الأولى: قيل: لما قتله تركه لا يدري ما يصنع به، ثم خاف عليه السباع فحمله في جراب على ظهره سنة حتى تغير فبعث الله غراباً، وفيه وجوه: الأول: بعث الله غرابين فاقتتلا، فقتل أحدهما الآخر، فحفر له بمنقاره ورجليه ثم ألقاه في الحفرة، فتعلم قابيل ذلك من الغراب. الثاني: قال الأصم: لما قتله وتركه بعث الله غراباً يحثو التراب على المقتول، فلما رأى القاتل أن الله كيف يكرمه بعد موته ندم وقال: يا ويلتى. الثالث: قال أبو مسلم: عادة الغراب دفن الأشياء فجاء غراب فدفن شيئاً فتعلم ذلك منه.
المسألة الثانية: { لِيُرِيَهُ } فيه وجهان: الأول: ليريه الله أو ليريه الغراب، أي ليعلمه، لأنه لما كان سبب تعلمه فكأنه قصد تعليمه على سبيل المجاز.
المسألة الثالثة: { سوأة أَخِيهِ } عورة أخيه، وهو ما لا يجوز أن ينكشف من جسده، والسوأة الفضيحة لقبحها. وقيل سوأة أخيه، أي جيفة أخيه.
ثم قال تعالى: { قَالَ يَاوَيْلَتي أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْءةَ أَخِى فَأَصْبَحَ مِنَ النَّدِمِينَ } وفيه مسائل:(6/438)
المسألة الأولى: لا شك أن قوله { يا ويلتى } كلمة تحسر وتلهف، وفي الآية احتمالان: الأول: أنه ما كان يعلم كيف يدفن المقتول، فلما تعلم ذلك من الغراب علم أن الغراب أكثر علماً منه وعلم أنه إنما أقدم على قتل أخيه بسبب جهله وقلة معرفته، فندم وتلهف وتحسر على فعله. الثاني: أنه كان عالماً بكيفية دفنه، فإنه يبعد في الإنسان أن لا يهتدي إلى هذا القدر من العمل، إلا أنه لما قتله تركه بالعراء استخفافاً به، ولما رأى الغراب يدفن الغراب الآخر رق قلبه وقال: إن هذا الغراب لما قتل ذلك الآخر فبعد أن قتله أخفاه تحت الأرض،أفأكون أقل شفقه من هذا الغراب، وقيل: إن الغراب جاء وكان يحثي التراب على المقتول، فلما رأى أن الله أكرمه حال حياته بقبول قربانه. وأكرمه بعد مماته بأن بعث هذا الغراب ليدفنه تحت الأرض علم أنه عظيم الدرجة عند الله فتلهف على فعله، وعلم أنه لا قدرة له على التقرب إلى أخيه إلا بأن يدفنه في الأرض، فلا جرم قال: يا ويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب.
المسألة الثانية: قوله: { يا ويلتى } اعتراف على نفسه باستحقاق العذاب، وهي كلمة تستعمل عند وقوع الداهية العظيمة، ولفظها لفظ النداء، وكأن الويل غير حاضر له فناداه ليحضره، أي أيها الويل احضر، فهذا أوان حضورك، وذكر { يا } زيادة بيان كما في قوله
{ يا ويلتى أألد }[هود: 72] والله أعلم.
المسألة الثالثة: لفظ الندم وضع للزوم، ومنه سمي النديم نديماً لأنه يلازم المجلس
وفيه سؤال: وهو أنه صلى الله عليه وسلم قال: «الندم توبة» فلما كان من النادمين كان من التائبين فلم لم تقبل توبته؟
أجابوا عنه من وجوه: أحدها: أنه لما لم يعلم الدفن إلا من الغراب صار من النادمين على حمله على ظهره سنة، والثاني: أنه صار من النادمين على قتل أخيه، لأنه لم ينتفع بقتله، وسخط عليه بسببه أبوه وإخوته، فكان ندمه لأجل هذه الأسباب لا لكونه معصية، والثالث: أن ندمه كان لأجل أنه تركه بالعراء استخفافاً به بعد قتله، فلما رأى أن الغراب لما قتل الغراب دفنه ندم على قساوة قلبه وقال: هذا أخي وشقيقي ولحمه مختلط بلحمي ودمه مختلط بدمي، فإذا ظهرت الشفقة من الغراب على الغراب ولم تظهر مني على أخي كنت دون الغراب في الرحمة والأخلاق الحميدة فكان ندمه لهذه الأسباب، لا لأجل الخوف من الله تعالى فلا جرم لم ينفعه ذلك الند.
أما قول : وهل نتصوّر أن قايين كان يجهل هذا الأمر وقد كان يرى مدة حياته الذبائح تُقدّم لله؟
فالرد على ذلك : واضح أن صاحب الشهبة مختل عقلياً ، لأن أول من دُفن على الآرض كان هابيل فمن أين كان يعلم قابيل طريقة الدفن ... القصة في بدء الخليقة وليست في عهد متقدم
أما قول : وكتاب الله لا يتكلم عن هذه الخرافة
فالرد : لقد صدق ، فالخرافات لم نسمع عنها إلا من الكتاب المقدس وسفر رؤيا يوحنا
الله خروف
رؤيا 17:14
هؤلاء سيحاربون الخروف والخروف يغلبهم لانه رب الارباب وملك الملوك والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون
الله يطلق زوجته
اشعياء
50: 1 هكذا قال الرب اين كتاب طلاق امكم التي طلقتها او من هو من غرمائي الذي بعته اياكم هوذا من اجل اثامكم قد بعتم و من اجل ذنوبكم طلقت امكم
حزقيال 12:4
وتأكل كعكا من الشعير . على الخرء الذي يخرج من الانسان تخبزه امام عيونهم
==================
العجل له خوار
“وَا تَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً ; (آية 148). “وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ ; (طه 20: 85). “فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ 88 فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى ; (عددا 87 ، 88). ; قَالَ ;(أي موسى) ;فَمَا خَطْبُكَ يَا سَامِرِيُّ قَالَ بَصُرْتُ بِمَا لَمْ يَبْصُرُوا بِهِ فَقَبَضْتُ قَبْضَةً مِنْ أَثَرِ الرَّسُولِ فَنَبَذْتُهَا ; (عددا 95 ، 96). وفي الأعراف (150) أن موسى ألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه، قال: يا ابن أم إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني .
قوله له خُوار هو صوت البقر، وهو قول ابن عباس والحسن وقتادة وجمهور أهل التفسير. وقيل إنه خار مرّة، وقيل كان يخور كثيراً، وكلما خار سجدوا له، وإذ سكت رفعوا رؤوسهم. أما السامري فاختلفوا فيه، فتارةً قالوا إنه من عظماء بني إسرائيل من قبيلة، يقال لها السامرة، وقيل كان من القبط، وكان جاراً لموسى فآمن به، وقيل كان علجاً من علوج كرمان رفع إلى مصر وكان من قوم يعبدون البقر. فهذا السامري قذف من تراب حافر فرس جبريل في فم العجل، فخار. فإن قلتَ كيف عرف السامريُّ جبريلَ ورآه دون سائر الناس؟ فالجواب إنهم قالوا إن أمه ولدته في السنة التي كان يُقتل فيها البنون، فوضعته في كهفٍ حذراً عليه من القتل، فبعث الله إليه جبريل ليربّيه لما قضى الله على يديه من الفتنة.(6/439)
الوجه الثاني أنه لما نزل جبريل إلى موسى ليذهب به إلى الطور رآه السامري من بين سائر الناس، فلما رآه قال: إن لهذا شأناً. فقبض القبضة من أصل تربة أثرٍ موطئه. فلما سأل موسى قال: قبضت قبضة في أثر الرسول إليك يوم جاء للميعاد. وقيل رآه يوم فلق البحر، فأخذ القبضة وجعلها في عمامته لِمَا يريد الله أن يظهره من الفتنة على يديه (الطبري في تفسير طه 20: 85 - 96 ، الرازي في تفسير الأعراف 7: 150).
فالأخطاء في النص الأصلي وأقوال المفسرين كثيرة:
(1) قوله إن العجل له خوار مأخوذ من خرافات اليهود القديمة. ولا يخفى أن الله لا يساعد على الإشراك به، وهو منزّه عما يقولون.
(2) قوله إن السامري أضلّهم، مع أنه لم يكن في عصر موسى شيء يقال له سامرة ولا سامري، فهو من التخيُّلات البعيدة المستحيلة كما يدل عليه تاريخ بني إسرائيل بل تواريخ العالم قاطبة.
(3) أقبح من الغلطة السابقة قوله إن هذا السامري ألقى في فم العجل من تراب أثر فرس جبريل. فهل لجبريل فرس؟ وهل لفرسه أثر؟ لأنه ظنَّ أن جبريل إنسانٌ يركب فرساً.
(4) لم يجرّ موسى أخاه من رأسه كما يفعل السفهاء. إن القصة الحقيقية موجودة في الخروج 32: 1 - 35.
(5) ورد في كتاب يهودي يسمّى ترجوم يوناثان بن عزيا نفس هذه القصة، ولكن كان اليهود يقولون الربي يهوداه إسمائيل كان مختبئاً دخل العجل، وكان يخور لغش إسرائيل . فيبدو أن محمداً قد سمع هذه القصة من يهود عصره، ولما كان لا يعرف أن كلمة إسمائيل تعني ملك الموت بالعبرانية، ظن أنهم يقصدون السامرة، وخاصة أنه كان يعرف هذه البلدة نتيجة لأسفاره السابقة إلى الشام
الرد
إن بني إسرائيل كان لهم عيد يتزينون فيه ويستعيرون من القبط الحلي فاستعاروا حلي القبط لذلك اليوم، فلما أغرق الله القبط بقيت تلك الحلي في أيدي بني إسرائيل، فجمع السامري تلك الحلي وكان رجلاً مطاعاً فيهم ذا قدر وكانوا قد سألوا موسى عليه السلام أن يجعل لهم الهاً يعبدونه، فصاغ السامري عجلاً. ثم اختلف الناس، فقال قوم كان قد أخذ كفاً من تراب حافر فرس جبريل عليه السلام فألقاه في جوف ذلك العجل فانقلب لحماً ودماً وظهر منه الخوار مرة واحدة. فقال السامري: هذا الهكم واله موسى وقال أكثر المفسرين من المعتزلة: إنه كان قد جعل ذلك العجل مجوفاً ووضع في جوفه أنابيب على شكل مخصوص، وكان قد وضع ذلك التمثال على مهب الرياح، فكانت الريح تدخل في جوف الأنابيب ويظهر منه صوت مخصوص يشبه خوار العجل، وقال آخرون: إنه جعل ذلك التمثال أجوف، وجعل تحته في الموضع الذي نصب فيه العجل من ينفخ فيه من حيث لا يشعر به الناس فسمعوا الصوت من جوفه كالخوار. قال صاحب هذا القول والناس قد يفعلون الآن في هذه التصاوير التي يجرون فيها الماء على سبيل الفوارات ما يشبه ذلك، فبهذا الطريق وغيره أظهر الصوت من ذلك التمثال، ثم ألقى إلى الناس أن هذا العجل الههم واله موسى. بقي في لفظ الآية سؤالات:
السؤال الأول: لم قيل: { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً جَسَداً } والمتخذ هو السامري وحده؟.
والجواب: فيه وجهان:
الأول: أن الله نسب الفعل إليهم، لأن رجلاً منهم باشره كما يقال: بنو تميم قالوا كذا وفعلوا كذا، والقائل والفاعل واحد.
والثاني: أنهم كانوا مريدين لاتخاذه راضين به، فكأنهم اجتمعوا عليه.
السؤال الثاني: لم قال: { مِنْ حُلِيّهِمْ } ولم يكن الحلي لهم، وإنما حصل في أيديهم على سبيل العارية؟.
والجواب: أنه تعالى لما أهلك قوم فرعون بقيت تلك الأموال في أيديهم، وصارت ملكاً لهم كسائر أملاكهم بدليل قوله تعالى:
{ كَمْ تَرَكُواْ مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ }[الدخان: 25]،
{ وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ }[الشعراء: 58]،
{ وَنَعْمَةٍ كَانُواْ فِيهَا فَكِهِينَ * كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَهَا قَوْماً ءاخَرِينَ }[الدخان: 27، 28].
السؤال الثالث: هؤلاء الذين عبدوا العجل هم كل قوم موسى أو بعضهم؟.
والجواب: أن قوله تعالى: { وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِن بَعْدِهِ مِنْ حُلِيّهِمْ عِجْلاً } يفيد العموم.
قال الحسن: كلهم عبدوا العجل غير هارون. واحتج عليه بوجهين:
الأول: عموم هذه الآية
والثاني: قول موسى عليه السلام في هذه القصة { رَبّ اغْفِرْ لِى وَلاخِى } قال خص نفسه وأخاه بالدعاء، وذلك يدل على أن من كان مغايراً لهما ما كان أهلاً للدعاء ولو بقوا على الإيمان لما كان الأمر كذلك، وقال آخرون: بل كان قد بقي في بني إسرائيل من ثبت على إيمانه فإن ذلك الكفر إنما وقع في قوم مخصوصين، والدليل عليه قوله تعالى:
{ وَمِن قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ }
[الأعراف: 181].
فإن قيل: فهذا يوجب أنه لو صح أن يتكلم العجل ويهدي، يجوز أن يتخذ الهاً، وإلا فإن كان إثبات ذلك كنفيه في أنه لا يجوز أن يتخذ إلهاً فلا فائدة فيما ذكرتم.
والجواب من وجهين:(6/440)
الأول: لا يبعد أن يكون ذلك شرطاً لحصول الإلهية، فيلزم من عدمه عدم الإلهية وإن كان لا يلزم من حصوله حصول الإلهية.
الثاني: أن كل من قدر على أن يكلمهم وعلى أن يهديهم إلى الخير والشر فهو اله، والخلق لا يقدرون على الهداية، إنما يقدرون على وصف الهداية، فأما على وضع الدلائل ونصبها فلا قادر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
واعلم أنه ختم الآية بقوله: { وَكَانُواْ ظَالِمِينَ } أي كانوا ظالمين لأنفسهم حيث أعرضوا عن عبادة الله تعالى واشتغلوا بعبادة العجل، والله أعلم.
نرجو من السادة النصارى تحديد نسخة التوراة التي يمكن أن نطابقها بما جاء بالقرآن .... هل النسخة العبرانية أم السامرية ام السبعينية ؟
================
وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيماً
قال ابن عباس: نزلت هذه الآية في رجل من الأنصار يُقال له طعمة، سرق درعاً من جار له يُقال له قتادة بن النعمان، وكانت الدرع في جراب فيه دقيق، فجعل الدقيق ينتثر من خرْقٍ في الجراب حتى انتهى إلى داره، ثم خبأها عند رجل من اليهود يقال له زيد بن المين، فالتُمِسَت الدرع من عند طعمة، فحلف بالله ما أخذها وما له به من علم، فاتَّبع أصحاب الدرع أثر الدقيق حتى انتهى إلى منزل اليهودي، فأخذوها منه. فقال اليهودي: دفعها إليَّ طعمه. وشهد بذلك جماعة من اليهود. وجاء قوم طعمه وسألوا محمداً أن يجادل عن صاحبهم طعمه. فهمَّ محمد أن يقطع يد اليهودي بلا حق. وهرب طعمه لمكَّة وارتد بعد ذلك. ولما رأى محمد ما حدث قال إن الله أنزل عليه: ولا تكن للخائنين خصيماً (الكشاف في تفسير النساء 4: 105 ، 106).
هذه الآيات تحكي قصة لا تعرف لها الأرض نظيراً، ولا تعرف لها البشرية شبيهاً.. وتشهد - وحدها - بأن هذا القرآن وهذا الدين لا بد أن يكون من عند الله؛ لأن البشر - مهما ارتفع تصورهم، ومهما صفت أرواحهم، ومهما استقامت طبائعهم - لا يمكن أن يرتفعوا - بأنفسهم - إلى هذا المستوى الذي تشير إليه هذه الآيات؛ إلا بوحي من الله.. هذا المستوى الذي يرسم خطا على الأفق لم تصعد إليه البشرية - إلا في ظل هذا المنهج - ولا تملك الصعود إليه أبداً إلا في ظل هذا المنهج كذلك!
إنه في الوقت الذي كان اليهود في المدينة يطلقون كل سهامهم المسمومة، التي تحويها جعبتهم اللئيمة، على الإسلام والمسلمين؛ والتي حكت هذه السورة وسورة البقرة وسورة آل عمران جانباً منها ومن فعلها في الصف المسلم..
في الوقت الذي كانوا فيه ينشرون الأكاذيب؛ ويؤلبون المشركين؛ ويشجعون المنافقين، ويرسمون لهم الطريق؛ ويطلقون الإشاعات؛ ويضللون العقول؛ ويطعنون في القيادة النبوية، ويشككون في الوحي والرسالة؛ ويحاولون تفسيخ المجتمع المسلم من الداخل، في الوقت الذي يؤلبون عليه خصومه ليهاجموه من الخارج.. والإسلام ناشىء في المدينة، ورواسب الجاهلية ما يزال لها آثارها في النفوس؛ ووشائج القربى والمصلحة بين بعض المسلمين وبعض المشركين والمنافقين واليهود أنفسهم، تمثل خطراً حقيقياً على تماسك الصف المسلم وتناسقه..
في هذا الوقت الحرج، الخطر، الشديد الخطورة.. كانت هذه الآيات كلها تتنزل، على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعلى الجماعة المسلمة، لتنصف رجلاً يهودياً، اتهم ظلماً بسرقة؛ ولتدين الذين تآمروا على اتهامه، وهم بيت من الأنصار في المدينة. والأنصار يومئذ هم عدة الرسول - صلى الله عليه وسلم - وجنده، في مقاومة هذا الكيد الناصب من حوله، ومن حول الرسالة والدين والعقيدة الجديدة...!
أي مستوى هذا من النظافة والعدالة والتسامي! ثم أي كلام يمكن أن يرتفع ليصف هذا المستوى؟ وكل كلام، وكل تعليق، وكل تعقيب، يتهاوى دون هذه القمة السامقة؛ التي لا يبلغها البشر وحدهم. بل لا يعرفها البشر وحدهم. إلا أن يقادوا بمنهج الله، إلى هذا الأفق العلوي الكريم الوضيء؟!
والقصة التي رويت من عدة مصادر في سبب نزول هذه الآيات أن نفراً من الأنصار - قتادة بن النعمان وعمه رفاعة - غزوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بعض غزواته. فسرقت درع لأحدهم (رفاعة). فحامت الشبهة حول رجل من الأنصار من أهل بيت يقال لهم: بنو أبيرق. فأتى صاحب الدرع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: إن طعمة بن أبيرق سرق درعي. (وفي رواية: إنه بشير بن أبيرق.(6/441)
. وفي هذه الرواية: أن بشيراً هذا كان منافقاً يقول الشعر في ذم الصحابة وينسبه لبعض العرب!) فلما رأى السارق ذلك عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل يهودي (اسمه زيد ابن السمين). وقال لنفر من عشيرته: إني غيبت الدرع، وألقيتها في بيت فلان. وستوجد عنده. فانطلقوا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا نبي الله: إن صاحبنا بريء، وإن الذي سرق الدرع فلان. وقد أحطنا بذلك علماً. فاعذر صاحبنا على رؤوس الناس، وجادل عنه، فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك.. ولما عرف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الدرع وجدت في بيت اليهودي، قام فبرأ ابن أبيرق وعذره على رؤوس الناس. وكان أهله قد قالوا للنبي - صلى الله عليه وسلم - قبل ظهور الدرع في بيت اليهودي - إن قتادة بن النعمان وعمه عمداً إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت! قال قتادة: فأتيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فكلمته. فقال: " عمدت الى إهل بيت يذكر منهم إسلام وصلاح وترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة؟ " قال: فرجعت، ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ذلك. فأتاني عمي رفاعة فقال: يا ابن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: الله المستعان.. فلم نلبث أن نزلت: { إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله، ولا تكن للخائنين خصيماً } - أي بني أبيرق - وخصيماً: أي محامياً ومدافعاً ومجادلاً عنهم - { واستغفر الله } - أي مما قلت لقتادة - { إن الله كان غفوراً رحيماً }.. { ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم } - إلى قوله تعالى: { رحيماً } - أي لو استغفروا الله لغفر لهم - { ومن يكسب إثماً فإنما يكسبه على نفسه } - إلى قوله: { إثماً مبيناً }.. { ولولا فضل الله عليك ورحمته }. إلى قوله: { فسوف نؤتيه أجراً عظيماً }.. فلما نزل القرآن أتى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالسلاح فرده إلى رفاعة.. قال قتادة: لما أتيت عمي بالسلاح - وكان شيخاً قد عمي - أو عشي - في الجاهلية، وكنت أرى إسلامه مدخولاً، فلما أتيته بالسلاح قال: يا ابن أخي هي في سبيل الله. فعرفت أن إسلامه كان صحيحاً! فلما نزل القرآن لحق بشير بالمشركين، فأنزل الله تعالى:
{ ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى، ويتبع غير سبيل المؤمنين، نوله ما تولى، ونصله جهنم وساءت مصيراً. إن الله لا يغفر أن يشرك به. ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء. ومن يشرك بالله فقد ضل ضلالاً بعيداً }
إن المسألة لم تكن مجرد تبرئة بريء، تآمرت عليه عصبة لتوقعه في الاتهام - وإن كانت تبرئة بريء أمراً هائلاً ثقيل الوزن في ميزان الله - إنما كانت أكبر من ذلك. كانت هي إقامة الميزان الذي لا يميل مع الهوى، ولا مع العصبية، ولا يتأرجح مع المودة والشنآن أياً كانت الملابسات والأحوال.
وكانت المسألة هي تطهير هذا المجتمع الجديد؛ وعلاج عناصر الضعف البشري فيه مع علاج رواسب الجاهلية والعصبية - في كل صورها حتى في صورة العقيدة، إذا تعلق الأمر بإقامة العدل بين الناس - وإقامة هذا المجتمع الجديد، الفريد في تاريخ البشرية، على القاعدة الطيبة النظيفة الصلبة المتينة التي لا تدنسها شوائب الهوى والمصلحة والعصبية، والتي لا تترجرج مع الأهواء والميول والشهوات!
ولقد كان هناك أكثر من سبب للإغضاء عن الحادث، أو عدم التشديد فيه والتنديد به وكشفه هكذا لجميع الأبصار. بل فضحه بين الناس - على هذا النحو العنيف المكشوف..
كان هناك أكثر من سبب، لو كانت الاعتبارات الأرضية هي التي تتحكم وتحكم. ولو كانت موازين البشر ومقاييسهم هي التي يرجع إليها هذا المنهج!
كان هناك سبب واضح عريض.. أن هذا المتهم " يهودي ".. من " يهود ".. يهود التي لا تدع سهماً مسموماً تملكه إلا أطلقته في حرب الإسلام وأهله. يهود التي يذوق منها المسلمون الأمرين في هذه الحقبة (ويشاء الله أن يكون ذلك في كل حقبة!) يهود التي لا تعرف حقاً ولا عدلاً ولا نصفة، ولا تقيم اعتباراً لقيمة واحدة من قيم الأخلاق في التعامل مع المسلمين على الإطلاق!
وكان هنالك سبب آخر؛ وهو أن الأمر في الأنصار. الأنصار الذين آووا ونصروا. والذين قد يوجد هذا الحادث بين بعض بيوتهم ما يوجد من الضغائن. بينما أن اتجاه الاتهام إلى يهودي، يبعد شبح الشقاق!
وكان هنالك سبب ثالث. هو عدم إعطاء اليهود سهماً جديداً يوجهونه إلى الأنصار. وهو أن بعضهم يسرق بعضاً، ثم يتهمون اليهود! وهم لا يدعون هذه الفرصة تفلت للتشهير بها والتغرير!(6/442)