الحديث المذكور أخرجه البخاري (4986) قال: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ بْنِ السَّبَّاقِ، أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ مَقْتَلَ أَهْلِ الْيَمَامَةِ، فَإِذَا عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ عِنْدَهُ. قَالَ أَبُو بَكْرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي، فَقَالَ: إِنَّ الْقَتْلَ قَدْ اسْتَحَرَّ يَوْمَ الْيَمَامَةِ بِقُرَّاءِ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ الْقَتْلُ بِالْقُرَّاءِ بِالْمَوَاطِنِ فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنْ الْقُرْآنِ، وَإِنِّي أَرَى أَنْ تَأْمُرَ بِجَمْعِ الْقُرْآنِ، قُلْتُ لِعُمَرَ: كَيْفَ تَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟! قَالَ عُمَرُ: هَذَا وَاللَّهِ خَيْرٌ. فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِذَلِكَ، وَرَأَيْتُ فِي ذَلِكَ الَّذِي رَأَى عُمَرُ. قَالَ زَيْدٌ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ رَجُلٌ شَابٌّ عَاقِلٌ لا نَتَّهِمُك،َ وَقَدْ كُنْتَ تَكْتُبُ الْوَحْيَ لِرَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَتَتَبَّعْ الْقُرْآنَ فَاجْمَعْهُ. فَوَاللَّهِ لَوْ كَلَّفُونِي نَقْلَ جَبَلٍ مِنْ الْجِبَالِ مَا كَانَ أَثْقَلَ عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ الْقُرْآنِ. قُلْتُ: كَيْفَ تَفْعَلُونَ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟! قَالَ: هُوَ وَاللَّهِ خَيْرٌ، فَلَمْ يَزَلْ أَبُو بَكْرٍ يُرَاجِعُنِي حَتَّى شَرَحَ اللَّهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-، فَتَتَبَّعْتُ الْقُرْآنَ أَجْمَعُهُ مِنْ الْعُسُبِ وَاللِّخَافِ وَصُدُورِ الرِّجَالِ، حَتَّى وَجَدْتُ آخِرَ سُورَةِ التَّوْبَةِ مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الْأَنْصَارِيِّ، لَمْ أَجِدْهَا مَعَ أَحَدٍ غَيْرِهِ: "لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ..." حَتَّى خَاتِمَةِ بَرَاءَةَ، فَكَانَتْ الصُّحُفُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللَّهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَيَاتَهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عنهما-.
قال البخاري: قَالَ ابْنُ شِهَابٍ: وَأَخْبَرَنِي خَارِجَةُ بْنُ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، سَمِعَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ قَالَ: فَقَدْتُ آيَةً مِنْ الْأَحْزَابِ حِينَ نَسَخْنَا الْمُصْحَفَ قَدْ كُنْتُ أَسْمَعُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقْرَأُ بِهَا، فَالْتَمَسْنَاهَا فَوَجَدْنَاهَا مَعَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيِّ: " مِنْ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ " فَأَلْحَقْنَاهَا فِي سُورَتِهَا فِي الْمُصْحَفِ.
كان زيد – رضي الله عنه – لا يكتفي في جمعه للقرآن بالحفظ دون الكتابة ، وكان لا يقبل من أحدٍ شيئاً حتى يشهد شاهدان، ولما جمع القرآن لم يجد آخر براءة مكتوبة إلا عند أبي خزيمة بن أوس ، وكذلك آية الأحزاب لم يجدها مكتوبة إلا عند خزيمة بن ثابت ذي الشهادتين، ومعنى هذا أنه لم يجد هذه الآيات مكتوبة وإلا فهي محفوظة في صدور الصحابة ، ويدل على ذلك قول زيد نفسه: فقدتُ آية من سورة الأحزاب .... ، فإن تعبيره بلفظ " فقدت " يشعر بأنه كان يحفظ هذه الآية ، وأنها كانت معروفة له ، غير أنه فقدها مكتوبة . وهذا لا ينفي أن تكون هذه الآيات متواترة ، ونحن بحمد الله لدينا دليل قطعي على أن هذا القرآن محفوظ بحفظ الله ، قال الله عز وجل : " إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ" هذا والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
================== ... ...
شبه حول نزول القرآن منجما
المجيب عمر بن عبد الله المقبل
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف القرآن الكريم وعلومه/ مسائل متفرقة في القرآن
التاريخ 06/02/1426هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
قرأت تفسير الآية الأولى من سورة القدر: (إنا أنزلناه في ليلة القدر). وفي التفسير: إن القرآن الكريم نزل جملة إلى السماء الدنيا، ومن المعروف أنه نزل مُنَجَّمًا، وعندما يكون في مكان ما ليل، فقد يكون في الآخر نهار، أرجو التوضيح. وجزاكم الله خيرًا.
الجواب
بسم الله، الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.(5/327)
قد جاء عن ابن عباس، رضي الله عنهما، أن القرآن الكريم أنزل إلى بيت العزة في السماء الدنيا في ليلة القدر، ثم نزل منجمًا على قلب الرسول صلى الله عليه وسلم. انظر ما رواه الحاكم في المستدرك (2881). والليل المراد هنا هو ليل مكة، حيث إنها مهبط الوحي أول ما نزل، ولا إشكال في ذلك. والله أعلم
==============
نزول القرآن منجما
أنزل الله تعالى القرآن على محمد صلى الله عليه وسلم لهداية البشرية ، فكان نزوله حدثاً جللا يؤذن بمكانته عند أهل السماء وأهل الأرض ، فإنزاله الأول من اللوح المحفوظ إلى بيت العزة في السماء الدنيا وذلك في ليلة القدر من شهر رمضان أشعر العالم العلوي من ملائكة الله بشرف الأمة المحمدية التي أكرمها الله بهذه الرسالة الجديدة لتكون خير أمة أخرجت للناس، وتنزيله الثاني مفرقا على خلاف المعهود في الكتب السماوية قبله أثار دهشة كفار العرب مما حملهم على المماراة، حتى أسفر لهم صبح الحقيقة فيما وراء ذلك من أسرار الحكمة الإلهية، فلم يكن الرسول ليتلقى الرسالة العظمى جملة واحدة، ويقنع بها القوم مع ما هم عليه من صلف وعناد، فكان الوحي يتنزل عليه تباعا تثبيتا لقلبه، وتسلية له، وتدرجا مع الأحداث والوقائع حتى أكمل الله الدين وأتم النعمة.
قال تعالى:(( وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا ولا يأتونك بمثل إلاجئناك بالحق وأحسن تفسيرا)) فالقران نزل منجما أي مفرقا في ثلاث وعشرين سنة هي عمر الرسالة المحمدية، وكانت الحكمة من نزوله منجما تتلخص في الآتي:
1- تثبيت فؤاد النبي صلى الله عليه وسلم:
واجه النبي صلى الله عله وسلم من قومه أول الأمر عنادا ونفورا وجفوة وأذى وهو راغب في دعوتهم وهدايتهم، فاحتاج أن ينزل عليه القرآن مرة بعد مرة، بحسب الوقائع والأحداث، تثبيتا لقلبه، وتسلية له، ولهذا حشد القرآن بقصص الأنبياء السابقين وما لاقوه من أعدائهم من صنوف العناد والاستكبار والأذى ثم كانت العاقبة لهم بالنصر والتأييد والتمكين، وهو مصير كل من تمسك بدين الله تعالى.
2- التحدي والإعجاز:
فإن تحدي الكفار بالقرآن وهو مفرق مع عجزهم عن الإتيان بمثله أدخل في الإعجاز، وأبلغ في الحجة من أن ينزل جملة ويقال لهم : جيئوا بمثله.
3- يسير حفظه وفهمه:
نزل القرآن على أمة أمية لا تقرأ ولا تكتب، سجلها ذاكرة حافظة، فما كان للأمة الأمية أن تحفظ القرآن كله بيسر لو نزل جملة واحدة، وأن تفهم معانيه وتتدبر آياته، فكان نزوله هكذا مفرقا خير عون لها على حفظه في صدورها وفهم آياته، والالتزام بتعاليمه.
4- مسايرة الحوادث والتدرج في التشريع:
فما كان الناس ليقبلوا على هذا الدين الجديد لولا أن القرآن عالجهم بحكمة، وأعطاهم من دوائه الناجع جرعات يستطبون بها من الفساد والرذيلة، فكلما حدثت حادثة بينهم نزل الحكم فيها يجلي لهم صبحها، ويرشدهم إلى الهدى، ويضع لهم أصول التشريع حسب المقتضيات ، فكان هذا طبا لقلوبهم.
5- الدلالة القاطعة على أن القرآن تنزيل من حكيم حميد:
وذلك أن القرآن نزل منجما في أكثر من عشرين عاما، تنزل الآية والآيات على فترات من الزمن فيقرؤه الإنسان ويتلو سوره فيجده محكم النسج، دقيق السبك، مترابط المعاني، رصين الأسلوب، متناسق الآيات والسور، ولو كان هذا القرآن من كلام البشر وقيل في مناسبات متعددة، ووقائع متتالية، وأحداث متعاقبة، لوقع فيه التفكك والانفصام، واستعصى أن يكون بينه التوافق والانسجام. قال تعالى:(( ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا))
==============
نزول القرآن منجما مفرقاًَ يقول تعالى في التنزيل: وإنه لتنزيل رب العالمين (192) نزل به الروح الأمين (193) على قلبك لتكون من المنذرين (194) بلسان عربي مبين {الشعراء: 192- 195}.
ويقول: قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين {النحل: 102}، ويقول: تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم {الجاثية: 2}، ويقول: وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله {البقرة: 23}، ويقول: قل من كان عدوا لجبريل فإنه نزله على قلبك بإذن الله مصدقا لما بين يديه وهدى وبشرى للمؤمنين {البقرة: 97}.(5/328)
فهذه الآيات ناطقة بأن القرآن الكريم كلام الله بألفاظه العربية، وأن جبريل نزل به على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأن هذا النزول غير النزول الأول إلى سماء الدنيا، فالمراد به نزوله منجمًا "مفرقًا"، ويدل التعبير بلفظ التنزيل دون الإنزال على أن المقصود النزول على سبيل التدرج والتنجيم، فإن علماء اللغة يفرقون بين الإنزال والتنزيل، فالتنزيل لما نزل مفرقًا، والإنزال أعم. وقد نزل القرآن منجمًا في ثلاث وعشرين سنة منها ثلاث عشرة بمكة على الرأي الراجح، وعشر بالمدينة، وجاء التصريح بنزوله مفرقًا في قوله تعالى: وقرآنا فرقناه لتقرأه على الناس على مكث ونزلناه تنزيلا {الإسراء: 106}، أي جعلنا نزوله مفرقًا كي تقرأه على الناس على مهل وتثبت، ونزلناه تنزيلاً بحسب الوقائع والأحداث.
أما الكتب السماوية الأخرى- كالتوراة والإنجيل والزبور- فكان نزولها جملة ولم تنزل مفرقة، يدل على هذا قوله تعالى: وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا {الفرقان: 32}، فهذه الآية دليل على أن الكتب السماوية السابقة نزلت جملة، وهو ما عليه جمهور العلماء، ولو كان نزولها مفرقًا لما كان هناك ما يدعو الكفار إلى التعجب من نزول القرآن منجمًا، فمعنى قولهم: لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة هلا أنزل عليه القرآن دفعة واحدة كسائر الكتب؟ وما له أنزل على التنجيم؟ ولم أنزل مفرقًا؟ ولم يرد الله عليهم بأن هذه سنته في إنزال الكتب السماوية كلها كما رد عليهم في قولهم: وقالوا ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشي في الأسواق {الفرقان: 7} بقوله: وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق {الفرقان: 20}.
وكما رد عليهم في قولهم: أبعث الله بشرا رسولا {الإسراء: 94} بقوله: قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا {الإسراء: 95}، وقوله: وما أرسلنا قبلك إلا رجالا نوحي إليهم {الأنبياء: 7}، بل أجابهم الله تعالى ببيان وجه الحكمة من تنزيل القرآن منجمًا بقوله: كذلك لنثبت به فؤادك ، أي: كذلك أنزل مفرقًا لحكمة تقوية قلب رسول الله، ورتلناه ترتيلا أي: قدرناه آية بعد آية بعضه إثر بعض، أو بيناه تبيينًا، فإن إنزاله مفرقًا حسب الحوادث أقرب إلى الحفظ والفهم وذلك من أعظم أسباب التثبت.
والذي استقرئ من الأحاديث الصحيحة أن القرآن كان ينزل بحسب الحاجة خمس آيات وعشر آيات وأكثر وأقل، وقد صح نزول العشر آيات في قصة الإفك جملة، وصح نزول عشر آيات في أول المؤمنين جملة، وصح نزول "غير أولي الضرر" وحدها وهي بعض آية.
الحكمة من نزول القرآن منجمًا
الحكمة الأولى: تثبيت قلب النبي صلى الله عليه وسلم :
لقوله تعالى: وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا (32) ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا {الفرقان: 32، 33}.
لقد وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوته إلى الناس، فوجد منهم نفورًا وقسوة، وتصدى له قوم غلاظ الأكباد فُطروا على الجفوة، وجبلوا على العناد، يتعرضون له بصنوف الأذى والعنت مع رغبته الصادقة في إبلاغهم الخير الذي يحمله إليهم، حتى قال الله فيه: فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفا {الكهف: 6}.
فكان الوحي يتنزل على رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فترة بعد فترة، بما يثبت قلبه على الحق، ويشحذ عزمه للمضي قدمًا في طريق دعوته، لا يبالي بظلمات الجهالة التي يواجهها من قومه.
يبين الله له سنته في الأنبياء السابقين الذين كذبوا وأوذوا فصبروا حتى جاءهم نصر الله وأن قومه لم يكذبوه إلا علوًا واستكبارًا، فيجد عليه الصلاة والسلام في ذلك السنة الإلهية في موكب النبوة عبر التاريخ التي يتأسى بها تسلية له إزاء أذى قومه، وتكذيبهم إياه، وإعراضهم عنه: قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون (33) ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا {الأنعام: 33، 34}، وقال تعالى: فإن كذبوك فقد كذب رسل من قبلك جاءوا بالبينات والزبر والكتاب المنير {آل عمران: 184}، ويأمره القرآن بالصبر كما صبر الرسل من قبله: فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل {الأحقاف: 35}.(5/329)
ويطمئن نفسه بما تكفل الله به من كفايته أمر المكذبين، واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا (10) وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا {المزمل: 10- 11}، وهذا هو ما جاء في حكمة قصص الأنبياء بالقرآن: وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك {هود: 120}، وكلما اشتد ألم رسول الله صلى الله عليه وسلم لتكذيب قومه، وداخله الحزن لأذاهم نزل القرآن دعمًا وتسلية له، يهدد المكذبين بأن الله يعلم أحوالهم، وسيجازيهم على ما كان منهم: فلا يحزنك قولهم إنا نعلم ما يسرون وما يعلنون {يس: 76}، ولا يحزنك قولهم إن العزة لله جميعا هو السميع العليم {يونس: 65}، كما يبشره الله تعالى بآيات المنعة والغلبة والنصر: والله يعصمك من الناس {المائدة: 67}، وينصرك الله نصرا عزيزا {الفتح: 3}، كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز {المجادلة: 21}.
وهكذا كانت آيات القرآن تتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم تباعًا تسلية له بعد تسلية وعزاء بعد عزاء، حتى لا يأخذ منه الحزن مأخذه ولا يستبد به الأسى، ولا يجد اليأس إلى نفسه سبيلاً، فله في قصص الأنبياء أسوة، وفي مصير المكذبين سلوى، وفي العِدَة بالنصر بشرى، وكلما عرض له شيء من الحزن بمقتضى الطبع البشري تكررت التسلية فثبت قلبه على دعوته، وأطمأن إلى النصر.
وهذه الحكمة هي التي رد الله بها على اعتراض الكفار في تنجيم القرآن بقوله تعالى: كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا {الفرقان: 32}.
قال أبو شامة: "فإن قيل: ما السِّرُّ في نزله منجمًا؟ وهلا أنزل كسائر الكتب جملة؟ قلنا: هذا سؤال قد تولى الله جوابه، فقال تعالى: وقال الذين كفروا لولا نزل عليه القرآن جملة واحدة يعنون: كما أنزل على من قبله من الرسل، فأجابهم تعالى بقوله: "كذلك" أي أنزلناه مفرقًا لنثبت به فؤادك أي لنقويّ به قلبك، فإن الوحي إذا كان يتجدد في كل حادثة كان أقوى للقلب، وأشد عناية بالمرسل إليه، ويستلزم ذلك كثرة نزول الملك إليه، وتجدد العهد به، وبما معه من الرسالة الواردة من ذلك الجناب العزيز، فيحدث له من السرور ما تقصر عنه العبارة، ولهذا كان أجود ما يكون في رمضان لكثرة لقياه جبريل".
الحكمة الثانية: التحدي والإعجاز:
فالمشركون تمادوا في غيهم، وبالغوا في عتوهم، وكانوا يسألون أسئلة تعجيز وتحدٍ يمتحنون بها رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم في نبوته ويسوقون له من ذلك كل عجيب من باطلهم، كعلم الساعة: يسألونك عن الساعة {الأعراف: 187}، واستعجال العذاب: ويستعجلونك بالعذاب {الحج: 47}، فيتنزل القرآن بما يبين وجه الحق لهم، وبما هو أوضح معنى في مؤدى أسئلتهم كما قال تعالى: ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا {الفرقان: 33} أي: ولا يأتونك بسؤال عجيب من أسئلتهم الباطلة إلا أتيناك نحن بالجواب الحق، وبما هو أحسن معنى من تلك الأسئلة التي هي مثل في البطلان.
الحكمة الثالثة: مسايرة الحوادث والطوارئ في تجددها وتفرقها:
فكلما جدّ منهم جديد نزل من القرآن ما يناسبه، وفصّل لهم الله من أحكامه ما يوافقه، وتشتمل هذه الحكمة على أمور أربعة:
أولها: إجابة السائلين عن أسئلتهم عندما يوجهونها إلى الرسول صلى الله عليه وسلم سواء أكانت تلك الأسئلة لغرض التثبت من رسالته كما قال تعالى في جواب سؤال أعدائه: ويسألونك عن الروح قل الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا {الإسراء: 85}، أم كانت لغرض التنور ومعرفة حكم الله كقوله تعالى: ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو {البقرة: 219}.
ثانيها: مجاراة الأقضية والحوادث في حينها ببيان حكم الله فيها عند حدوثها، ومعلوم أن تلك الأقضية والحوادث لم تقع جملة واحدة وإنما وقعت متفرقة.
ومن ثم كان لا بد من نزول القرآن مفرقًا على حسب هذه الأقضية والوقائع، ومن الأمثلة على ذلك قوله تعالى: قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله {المجادلة: 1}.
ثالثها: لفت أنظار المسلمين إلى تصحيح الأخطاء التي كانوا فيها، مثال ذلك: قول الله تعالى: وإذ غدوت من أهلك تبوئ المؤمنين مقاعد للقتال والله سميع عليم {آل عمران: 121}، فقد نزل هذا القول الكريم في غزوة أحد إرشادًا للمسلمين إلى موقع الخطأ الذي وقعوا فيه.
رابعها: كشف حال أعداء الله المنافقين، وهتك أستارهم للنبي صلى الله عليه وسلم والمسلمين، ويظهر هذا واضحًا من قول الله تعالى: ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين إلى قوله تعالى: إن الله على كل شيء قدير {البقرة: 8- 20}. فالآيات المذكورة فضحت المنافقين وكشفت أستارهم.
الحكمة الرابعة: التدرج في تشريع الأحكام:(5/330)
وذلك حتى يصل إلى درجة الكمال، فالله عز وجل لم يكلف عباده ما لا يطيقونه، بل سلك بهم طريقًا وسطًا، فاهتم القرآن أولاً بزرع وتثبيت العقيدة في النفوس، ولم يكلفهم من العبادات في مكة إلا القليل، فالصلاة لم تفرض عليهم إلا قبل الهجرة بقليل، ثم فرض الصيام والزكاة في السنة الثانية من الهجرة، ثم فرض الحج في السنة السادسة من الهجرة.
ولم يحرم القرآن عليهم ما كان يجري في نفوسهم جرى الدم في العروق مرة واحدة، كما في آيات الخمر الذي نشأ الناس عليه، وألفوه، وكان من الصعب عليهم أن يُجابهُوا بالمنع منه منعًا باتًا، فنزل في شأنه أولاً قوله تعالى: يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما {البقرة: 219}، فكان في هذه الآية تهيئة للنفوس لقبول تحريمه، حيث إن العقل يقتضي أن لا يمارس شيئًا إثمه أكبر من نفعه، ثم نزل ثانيًا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون {النساء: 43}، فكان في هذه الآية تمرين على تركه في بعض الأوقات وهي أوقات الصلوات، ثم نزل ثالثًا قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90) إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون (91) وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول واحذروا فإن توليتم فاعلموا أنما على رسولنا البلاغ المبين {المائدة: 90- 92}، فكان في هذه الآيات المنع من الخمر منعًا باتًا في جميع الأوقات، بعد أن هُيئت النفوس، ثم مرنت على المنع منه في بعض الأوقات، وكذا الربا لم يحرمه القرآن إلا بعد الهجرة أيضًا.
الحكمة الخامسة: تنشيط الهمم لقبول ما نزل من القرآن وتنفيذه:
حيث يتشوق الناس بلهف وشوق إلى نزول الآية، لا سيما عند اشتداد الحاجة إليها كما في آيات الإفك واللعان.
الحكمة السادسة: تيسير حفظه وفهمه:
لقد نزل القرآن الكريم على أمة أمية لا تعرف القراءة والكتابة، سجلها ذاكرة حافظة ليس لها دراية بالكتابة والتدوين حتى تكتب وتدون، ثم تحفظ وتفهم، هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين {الجمعة: 2}، وقال تعالى: الذين يتبعون الرسول النبي الأمي {الأعراف: 157}، فما كان للأمة الأمية أن تحفظ القرآن كله بيسر لو نزل جملة واحدة، وأن تفهم معانيه وتتدبر آياته، فكان نزوله مفرقًا خير عون لها على حفظه في صدورها وفهم آياته، كلما نزلت الآية أو الآيات حفظها الصحابة، وتدبروا بيانها ووقفوا عند أحكامها، واستمر هذا منهجًا للتعليم في حياة التابعين، عن أبي نضرة قال: "كان أبو سعيد الخدري يعلمنا القرآن خمس آيات بالغداة، وخمس آيات بالعشي، ويخبران جبريل نزل بالقرآن خمس آيات خمس آيات". أخرجه ابن عساكر. وعن خالد بن دينار قال: "قال لنا أبو العالية: تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن النبي صلى الله عليه وسلم كأن يأخذه من جبريل خمسًا خمسًا". أخرجه اليبهقي. وعن عمر قال: "تعلموا القرآن خمس آيات خمس آيات فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على النبي صلى الله عليه وسلم خمسًا خمسًا". أخرجه البيهقي في شعب الإيمان.
الحكمة السابعة: الدلالة القاطعة على أن القرآن الكريم تنزيل من حكيم حميد:
إن هذا القرآن الذي نزل منجمًا على رسول الله صلى الله عليه وسلم في أكثر من عشرين تنزل الآية أو الآيات على فترات من الزمن يقرؤه الإنسان ويتلو سُوَرَهُ فيجده مُحكم النسج، مترابط المعاني، رصين الأسلوب، متناسق الآيات والسور، كأنه عقد فريد نظمت حباته بما لم يعهد له مثيل في كلام البشر: كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير {هود: 1}، ولو كان هذا القرآن من كلام البشر قيل في مناسبات متعددة، ووقائع متتالية، وأحداث متعاقبة، لوقع فيه التفكك والانفصام، واستعصى أن يكون بينه التوافق والانسجام: ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا {النساء: 82}. هذا والله أعلم.
==============
ما الحكمة في نزول القرآن منجما في ثلاث وعشرين سنة؟ ... ... لو نزل القرآن دفعة واحدة ولم ينزل في 23 سنة لقالوا ”لماذا نزل القرآن دفعة واحدة ولم ينزل على مكث؟“
الأساس في مثل هذه المسائل هو التسليم والإيمان بأن ما جاء به الله تعالى هو الحق. وإلا انفتح الباب لأسئلة في جميع المسائل: لماذا كان مجموع ركعات صلاة الظهر عشر ركعات؟[1] ولماذا كانت صلاة الجمعة في يوم الجمعة؟ ولماذا كانت نسبة الزكاة من المال نسبة 1/40 ولم تكن 1/41 ؟..الخ. أسئلة لا تنتهي ولا تنقطع. لذا كان علينا أن ندرك بأن هذه الأمور سر من أسرار العبودية.(5/331)
صحيح أن هناك حكماً ذاتية في الصلاة. فلا شك أن وقوف الإنسان أمام ربه خمس مرات في اليوم له فوائد ومصالح، ولكن إن أتينا إلى عدد الركعات فإن الله تعالى هو الذي قضى أن تكون عدد ركعات الوتر ثلاثا، وثلاث ركعات لصلاة المغرب، وأربع ركعات لصلاة العصر. ولو وكّل الأمر إلينا وقيل لنا أنتم مكلفون بالصلاة خمس مرات في اليوم، وعليكم أنتم إعطاء القرار حول شكل الصلاة، إذن لاختلفنا في هذا الأمر وأعطى كل منا رقماً مختلفاً، ولقام كل منا بترتيب وتخطيط الصلوات حسب ظروفه ومشاغله اليومية. إن تعيين العدد بطريق العقل يختلف عن طريق الوحي. فالوحي ينسج لحياتك المعنوية من العلم الإلهي نسيجاً حكيماً متميزاً. لذا يمكن البحث هنا عن حكم الصلاة، أما التساؤل عن عدد الركعات فلا.
لنزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة حكم مماثلة. فهو قد نزل في عهد بدأت فيه أمارات لبداية رقي الإنسانية وتكاملها. لذا جاء أكمل نبي وهو الرسول محمد صلى الله عليه و سلم المصطفى من قبل الله وأحب الناس إليه. وكانت مهمة أصحابه أن يكونوا معلمين للأمم المتحضرة وأن يرقوا بها إلى أعلى مراتب التقدم. غير أن العادات السيئة والأخلاق الذميمة قد استولت على نفوسهم وجرت مجرى الدم في عروقهم، فكانت مهمة نزع هذه الأخلاق والعادات السيئة واحدة تلو الأخرى تختلف عن مهمة القيام –بعد هذا– بزرع العادات الحميدة والأخلاق الفاضلة في نفوسهم. فلو نزل القرآن دفعة واحدة وطالبهم بكل هذه الأمور دفعة واحدة لعجزوا ولم يتحملوا ذلك. علما بأن هذا أمر مخالف لسنن الكون ولطرق تكامل الإنسان.
نستطيع أن نعطي أمثلة عن حياتنا الحالية ولنفكر في الذين اعتادوا على التدخين أو ابتلوا بالإدمان على الخمر أو على التسكع في الشوارع أو إدمان الجلوس في المقاهي. فلو قطعت رأس هؤلاء ولو قلت لأحدهم: يا فلان! إن ذهبت إلى المقهى فستموت، لاخترع المعاذير وذهب إلى المقهى. ولو لم يذهب يوماً وبقى في البيت لقضى وقته وهو يطلق الحسرات والآهات ثم لم يتحمل واتخذ طريقه إلى المقهى. ذلك لأنه اعتاد على ذلك، ومن الصعب عليه تغيير ما اعتاد عليه مع أنها عادة صغيرة وغير مهمة.
والآن لنتناول المدمن على التدخين. إن قلت لمثل هذا المدمن "اترك التدخين، لأنه مضر بصحتك. لأن التدخين انتحار بطيء فكأنك ضربت خنجراً في صدره" بل لو جعلت طبيباً يذكر له أنه لا توجد فائدة في التدخين بل له الأضرار الفلانية والفلانية لتردد كثيراً في ترك التدخين. بل إن كثيراً من الأطباء يدخنون مع علمهم بأضراره.
ثم خذ المدمن على الخمر تراه قد تبدل عالمه فهو ثمل على الدوام، ولو نزل درجة واحدة لوصل إلى مستوى المخلوقات الدنيا. فلو طلبت منه ترك الخمر فجأة لكان طلبك هذا طلباً لتغيير نفسيته وعادته.
والآن تصوروا وجود الآلاف الذين جرت مثل هذه العادات السيئة في عروقهم مجرى الدم، وكذلك من تطبع بأخلاق سيئة، ثم تأملوا معي ضرورة نزول القرآن بشكل تدريجي.
أجل! لقد قام القرآن بنزع الأشواك أولاً وإزالة العادات السيئة ثم قام بوظيفة التزيين. أي قام بتنظيف أرواحهم من الأخلاق السيئة أولاً، ثم زين نفوسهم بالأخلاق العالية. ونجح في إصلاح آلاف النفوس في مدة قصيرة. ونحن نعتقد أن نزول القرآن في ثلاث وعشرين سنة يعد نزولاً سريعاً. وكما قال بديع الزمان سعيد النورسي ”ترى لو ذهب فلاسفة عصرنا إلى جزيرة العرب وبذلوا كل جهودهم فهل يستطيعون في مئة سنة إنجاز ما أنجزه رسولنا صلى الله عليه و سلم في سنة واحدة؟!“ إننا نتحداكم، الكل يعرف بأن الخمر يسبب كل سنة خراب مئات البيوت، وتقوم جمعيات الهلال الاخضر،[2] بإلقاء العديد من المحاضرات كل سنة في هذا الموضوع، وأدرجت هذا الموضوع في المدارس المتوسطة والثانوية. ولكن كم من المدمنين على الكحول تركوا هذا الإدمان وتخلصوا منه؟ ولتقم الجامعات بكل أساتذتها ويعبئوا جهودهم سنة كاملة، فهل يستطيعون إنقاذ عشرين شخصاً من هؤلاء المدمنين؟ ولو نجحوا في هذا لعددنا هذا نجاحاً كبيراً منهم وكتبنا نجاحهم هذا بحروف من ذهب بجانب اجراءات رسولنا صلى الله عليه و سلم. ولكن هيهات... هيهات.... لقد حدث ذلك مرة واحدة فقط ويعلم الأصدقاء والأعداء أن تكراره محال.
أجل! إن فترة ثلاث وعشرين سنة تعد فترة قصيرة وسريعة، لذا فإن ما عمله القرآن وما أنجزه يعد معجزة. فما قطعه رسولنا صلى الله عليه و سلم في ثلاث وعشرين سنة من مسافة لم تستطع البشرية قطعها في آلاف السنوات.. ولن تستطيع أن تقطعها.
وبينما استهدف القرآن الكريم إزالة المئات من العادات والأخلاق السيئة من النفوس من جهة، استهدف من جهة أخرى تزيين النفوس بالأخلاق الرفيعة السامية دون أن يؤذي هذه النفوس أو يجرحها أو يؤلمها، وقام بتمرير وتحقيق مسائل كثيرة في مراحل عديدة حتى جعلها صالحة للتطبيق، بينما تحتاج تحقيق بعض هذه المراحل في أيامنا الحالية إلى أضعاف مدة 23 سنة بعدة مرات.(5/332)
هذه المدة، أي ثلاث وعشرون سنة كانت مدة ضرورية لكي يتقبل إنسان ذلك العهد الكثير من الأوامر ومن النواهي، وكانت ضرورية للإزالة التدريجية أو الإنشاء والبناء التدريجي لكثير من الأمور والمسائل. فمثلاً تم تحريم الخمر في هذه المدة على ثلاث أو أربع مراحل، وحرم وأد البنات على مرحلتين. وتم تنظيم الحياة القبلية البدائية وتأمين الوحدة بينها، وإيصال الناس إلى الشعور الاجتماعي، أي تم إكسابهم خصال ولياقة تشكيل مجتمع. ولم يتم هذا الاّ بمحاربة العادات والأخلاق الفاسدة وإقامة الأخلاق السامية مكانها بإجراءات غاية في الصعوبة. وكانت كل هذه الأمور بحاجة إلى فترة زمنية أطول.
ثم إننا نقول حالياً كانت ظروف هذه السنة كذا، لذا يقتضي إقامة التوازن الاجتماعي الفلاني والتنظيم الفلاني، ويتم حساب تغير الشروط في السنة القادمة، وتعيير الخطط وضبطها حسب التغيرات والشروط المتوقعة في السنوات القادمة. وهكذا نقوم بأخذ طبيعة الأمور وطبيعة الأشياء بنظر الاعتبار لكي يتم التلاؤم معها. وشبيه بهذا ما كان يحدث في العهد النبوي.
فالمسلمون كانوا ينمون تدريجياً كنمو شجرة باسقة ويتلاءمون ويتكيفون مع الظروف والشروط الجديدة. وفي كل يوم كان هناك من يلتحق بركب الإسلام، وكان هناك في كل يوم شعور جديد وفكر جديد وتكييف جديد لتحويل الفرد إلى فرد إجتماعي. كان هذا يحدث بشكل تدريجي، ولكنه يحدث بشكل متناسق ومتناغم وبشكل متعاقب. وهكذا أصبحت هذه المراحل تعكس الخصائص والحقائق الخالدة للإسلام ضمن نواة صغيرة في البعد الزمني.
ولو لم يحدث هذا ضمن ثلاث وعشرين سنة، أي لو طلب إحداث كل هذه التغيرات مرة واحدة وبشكل آني، لما تحمل ذلك المجتمع البدوي ذلك. نستطيع تشبيه ذلك بشخص يتعرض لأشعة الشمس. فهذا يحدث تغييراً في جلده. ولو ذهب إلى بلدان باردة لحدث بعض التغيرات الصغيرة عنده. ولكن لا يمكن لهذا الشخص تحمل عشرين طفرة كبيرة مرة واحدة، لأن أي حي يتعرض لمثل هذه التغيرات الكبيرة سيموت. وهذا يشبه ارتفاع شخص يعيش تحت ضغط جوي واحد إلى ارتفاع عشرين ألف قدم بشكل فجائي. فمثل هذا الارتقاع الفجائي سيؤدي إلى موته. وحتى الطائرات عندما تصعد إلى مثل هذا الارتفاع فإنه يتم أخذ التدابير اللازمة كأقنعة الاكسجين وغيرها.
وكما يؤدي الارتفاع المفاجئ إلى عشرين ألف قدم إلى موت الإنسان. كذلك فإن مطالبة مجتمع يملك تصوراً بدائياً للحياة وللفرد وللعائلة بجميع أحكام القرآن –إن كان القرآن نازلاً مرة واحدة– دفعة واحدة والقول ”هاكم... هذه هي أحكام القرآن... طبقوها كلها دون نقص“، لو قيل هذا لما استطاع أحد أن يقبل ذلك. لآن هذا كان يعني ارتفاع المجتمع إلى علو عشرين ألف قدم دفعة واحدة، ولما كان باستطاعة ذلك المجتمع تحمل ذلك. لذا فإن نزول أحكام القرآن على مهل طوال 23 سنة هو رعاية لمقتضى فطرة الإنسان وطبيعته البشرية.
بما أننا لا نستطيع فصل الإنسان عن الكون، لذا كان علينا تناوله حسب طبيعة الحوادث الجارية فيه. لأننا لا نستطيع النظر إليه خارج التطورات الجارية في الكون. فكما يتم النمو في الكون بشكل تدريجي، وتجري قوانينه حسب هذا الاتجاه، كذلك فإن نمو الإنسان وسموه وتكامله يجري بالنمط نفسه. وهذا هو السبب في نزول القرآن الذي هو أساس الرقي ومجموع المبادئ السامية على مهل طوال ثلاث وعشرين سنة.
لقد كان من حكمة الله جعل هذه الفترة الزمنية 23 سنة، وكان من الممكن أن تكون 24 أو 25 سنة. وقد اقتضى القدر الإلهي أن يكون عمر سيد الأنبياء صلى الله عليه و سلم 63 سنة وأن يختتم هذا العمر بعد 23 سنة من نبوته. وكان من الممكن أن يكون عمره 64 سنة، عند ذلك بلغت سنوات الوحي 24 سنة، وكنا نرى هذه المدة ضمن الإطار نفسه من الحكمة الإلهية. والله أعلم.
[1] المقصود هو مجموع ركعات الفرض والسنة في صلاة الظهر. (المترجم)
[2] تقوم جمعيات الهلال الاخضر بمحاربة المسكرات. (المترجم) ... ...
============== ... ...
العبرة من أختلاف الالفاظ في القصص القراني عند سرد القصة بسورة أخرى
المجيب د.محمد بن سريّع السريّع
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف القرآن الكريم وعلومه/ مسائل متفرقة في القرآن
التاريخ 21/11/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(5/333)
فسؤالي، عفا الله عنكم: أني عندما أقرأ القرآن الكريم، وخصوصًا عندما أمر على قصص القرآن يرد في ذهني إشكال وهو أن- مثلًا- هذه القصة وقعت مرة واحدة، وأجد التعبيرات القرآنية مختلفة مما يشكل علي أيُّ الألفاظ قيلت، مع أن المعنى واحد، مثلًا يقول الله تعالى، عن موسى: (إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارًا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى)[طه: 10]. بينما يقول في سورة النمل: (إني آنست نارا سآتيكم منها بخبر أو آتيكم بشهاب قبس لعلكم تصطلون). وقال في سورة القصص: (آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار). والأمثلة على هذا كثيرة ولا تخفى عليكم، فهل هذا من المتشابه الذي يجب الإمساك عنه؟ أم أن الله تقدس وعلا يروي ذلك بالمعنى؟ أم ماذا؟ أفيدونا مأجورين وبارك الله في علمكم ونفع بكم، آمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فليس ما سأل عنه السائل من المتشابه الذي لا يعقل معناه أو المراد به، بل هذا التنوع في العبارات هو لأن الآيات تدل على أكثر من معنى، ففي كل آية يبرز معنى من المعاني، ومن المعلوم أن موسى عليه السلام، أو فرعون لم يتكلما باللغة العربية التي نزل بها القرآن الكريم، وإنما جاء التعبير في القرآن عن المعاني التي ذكروها كما هي، فمثلًا القبس أو شهاب القبس، أو جذوة النار تدل على شيء واحد، فلا اختلاف بينها، وإن كانت كل آية تشير إلى معنى زائد غير ما أشارت إليه الآية الأخرى، ولذلك لا تجد بين هذه الآيات وإن اختلفت ألفاظها تضادًّا أو تناقضًا، بل تجد بينها توافقًا، مع أن كل آية تشير إلى معنى زائد بحسب سياقها. والله أعلم.
--------------------
خصائص القصص القرآني
القِصّة القرآنية والهدف العام من نزول القرآن
يمتاز القصص القرآني عن غيره من القصص في نقطة مركزية، هي: قضية الهدف والغرض الذي جاء من أجله القصص في القرآن، وتنعكس هذه النقطة ـ كما سوف نتبين ـ على خصائص وميزات اُخرى.
فالقرآن لم يتناول القِصّة باعتبار أنّها عمل (فني) مستقل في موضوعه وطريقة التعبير فيها.
كما أنّه لم يأت بها من أجل الحديث عن أخبار الماضين وتسجيل حياتهم وشؤونهم، أو من أجل التسلية والمتعة كما يفعل المؤرخون أو القصّاصون، وإنّما كان الغرض من القِصّة في القرآن الكريم هو: المساهمة مع جملة الأساليب العديدة الأُخرى التي استخدمها القرآن الكريم؛ لتحقيق أهدافه وأغراضه الدينية التي جاء من أجلها، وكان القِصّة القرآنية من أهمّ هذه الأساليب.
فالقرآن الكريم ـ كما ذكرنا في بحثنا عن (الهدف من نزول القرآن) ـ يمثّل رسالة دينية تهدف ـ قبل كلّ شيء ـ إلى إيجاد عملية التغيير بأبعادها المختلفة، والتي لخصناها بالأمور التالية:
1ـ إيجاد التغيير الاجتماعي الجذري.
2ـ بيان المنهج الصحيح للحياة الإنسانية الذي يتمّ على أساسه هذا التغيير، والذي يعبّر عنه القرآن الكريم بـ (الصراط المستقيم).
3ـ خلق القاعدة الثورية القادرة على تحمّل المسؤولية(1).
وقد كان لهذا الهدف آثار ونتائج متعدّدة انسحبت على أساليب ومناهج القرآن، يمكن أن نلاحظها في القضايا والظواهر القرآنية التالية:
1ـ طريقة نزول القرآن التدريجي.
2ـ طريقة عرض الأفكار والأحكام والقضايا والمفاهيم المختلفة.
3ـ ربط نزول القرآن بالأحداث والوقائع والأسئلة المسماة بـ (أسباب النزول).
4ـ ظاهرة نزول القرآن باللغة العربية دون غيرها من اللغات.
5ـ ظاهرة اختلاف أسلوب القرآن في عرض الموضوعات في الإطناب والتفصيل، أو القصر والإيجاز.
6ـ ظاهرة اسلوب القرآن في المزج بين الصور والمشاهد المتعدّدة، وكذلك الموضوعات المختلفة في مقطع واحد.
7ـ ظاهرة الاختلاف في الاسلوب والمضمون بين القسم المكي من القرآن والقسم المدني منه.
8ـ وجود ظاهرة النسخ، وظاهرة المحكم والمتشابه، وظاهرة التخصيص والتقييد.
9ـ ظاهرة تناول بعض التفاصيل في الأحكام الشرعية.
10ـ ظاهرة طرح بعض القضايا ذات الطابع الشخصي في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
وقد نتج عن ذلك نشوء كثير من الدراسات القرآنية، مثل: دراسة الناسخ والمنسوخ، والمحكم والمتشابه، والمكّي والمدنيّ، أساب النزول، أو غير ذلك من الدراسات الفنية ذات العلاقة باسلوب القرآن.
وقد تأَثرت القِصّة في القرآن ـ أيضاً ـ بهذا الهدف العام من نزول القرآن كما سوف نتبين، ولذا لا بدّ لنا حين نريد أن ندرس القِصّة القرآنية، ونتعرّف على مزاياها وخصائصها الرئيسة أن نضع أمامنا هذا الهدف القرآني العام؛ لنتعرّف من خلاله على الاسلوب الذي اتّبعه القرآن، والمضمون الذي تناوله في عرضه القِصّة القرآنية مساهمة منه في تحقيق هذا الهدف.?
=============
مفهوم القصة في القرآن الكريم.
الحمد لله رب العالمين والسلام على العباد الصالحين، وبعد:(5/334)
لكل شيء قصة في التكوين والتغيير والتطوير من البداية إلى النهاية، والتاريخ معرض مشحون بالقصص المختلفة الأنواع والألوان، والمرء يتعلق بماضيه برباط قصصي محكم تراوده بأحداثها وشخوصها وتطبع أحاسيسه بمؤثراتها وتبقى ماثلة بأعيائها للعيان بحيث يصعب تخطيها وتناسيها.
وفي سن مبكرة يسمع الصغير أنواعاً من القصص ويتعلق بها حتى ينام عليها، وهذا أهم الأسباب في الانصراف للأبوين والجدين الكبيرين.
ولقد أدرك الناس مدى تأثير القصة في التعليم والتربية، وكان من السهل فهم المقاصد والمطالب بطريق السرد القصصي، وكان من السهل أيضاً سبر أغوار النفس لإيقاظها وتربيتها وتوجيهها.
فليس غريباً على القرآن إذن أن يدخل ميدان القصة من القمة وبطرق أنواعاً ويسلك ميادين فيعرض لتكوين السموات والأرضيين في الحياتين الدنيوية والأخروية ويعرض قضية الحياة والموت وتاريخ الإنسان وصراعه الداخلي والخارجي مع نفسه ومع عدوه الشيطان. والله المستعان. ... أ – القصة في اللغة:
قال الراغب في مفرداته: القص تتبع الأثر، والقصص الأثر، والقصص الأخبار. وما ذكره ابن فارس في مقاييسه قريب من هذا.
أما لسان العرب فقد فصل وأطال ونقل من الكتاب والسنة والأخبار والأمثال، والنقول والأقاويل ومن زبدة ما قال،(القصة): الخبر والقصص: الخبر المقصوص- بالفتح - وضع موضع المصدر حتى صار أغلب عليه والقصص بكسر القاف: جمع القصة.
ب - القصة في الاصطلاح:
عرفها بعضهم بقوله: أخبار عن أحوال الأمم الماضية والوقائع الحاضرة والحوادث السابقة. وهذا التعريف \"وأشباهه\" مأخوذ من أنواع القصة، والتعريف الذي أراه مناسباً في جمعه ومنعه هو أن القصة: خبر عن حوادث حسية ونفسية تدور حول شخوص محدودة الزمان والمكان.
والمراد بالخبر هو العلم المنقول حكاية ورواية، والحوادث هي الظواهر المحسوسة أي المدركة بحاسة من الحواس المعروفة، والحوادث النفسية هي الباطنية في الضمائر والنيات والمشاعر، والشخوص هي الشخصيات أفراداً وجماعات، وحدود الزمان هي البداية والنهاية المحدودة بوحدة زمنية كاليوم والشهر والسنة، وحدود المكان المساحة من طول وعرض مع الارتفاع في الحجم.
خصائص القصة القرآنية:
1- القصة القرآنية حقيقية في وقوعها وصادقة في خبرها فليست خيالاً ولا كذباً.
ولقد تجرأ باحث مع مشرفه في جامعة عربية على اتهام القصة القرآنية بالخيالية بدعوى أن الحرية الفنية تقتضي عدم التقيد بالصدق، وبناء على ذلك ينبغي أن لا تكون قصص الأنبياء حقائق بل القصة القرآنية هي تصوير للواقع النفسي لا للحوادث وأنها حرب أعصاب.. بل أفرطوا في جراءتهم واتهامهم بوجود أساطير وحوادث ملفقة ومكذوبة، بالإضافة إلى دعوى أن مصدر القصة القرآنية هي كتب الأديان الأخرى والحكايات الشعبية والأفراد العاديون… وحينما استفتي علماء الأزهر في شأن هذه الرسالة لم يترددوا في الإجماع على كفر الباحث والمشرف معاً.
2- حسن الاختيار بعرض الوجه الأحسن من القصة والإعراض عما لا خير فيه فضلاً عن الشر، ولذلك تسمى القصص القرآنية أحسن القصص.
وهذه ميزة للقرآن بخلاف المعهود المعدود في الكتب الأخرى كالتوراة والإنجيل حيث تعرض القصة كاملة بخيرها وشرها، ولقد حوت قصص أهل الكتاب نتيجة لذلك على كثير من الجوانب الضارة في التعليم والتربية.
والتوجيه واضح في تحديد غرض أو أغراض القصة القرآنية من حيث التكليف للدعوة والتعليم والتربية.
3- التفاوت في العرض طولاً وقصراً فمثلاً سورة نوح في قصة واحدة وهذه القصة ذكرت في آية واحدة هي قوله:{إنا لما طغى الماء حملناكم في الجارية}.
4- التقطيع بعرض المشاهد منفصلة غير متصلة وغير متسلسة وهذا يعني عدم مراعاة التسلسل التاريخي والترتيب الزمني لحوادث القصة كما هو شأن كتب التاريخ وكما هو حال التوراة والإنجيل.
5- تكرير القصة لفظاً ومعنى أو التكرير بالمعنى، والثاني هو الغالب والذي يسوغ التكرار تنوع السياق سباقاً ولحاقاً، ومعلوم أن التكرير وإن كان من عيوب الكلام من وجه فإنه من وجه آخر أدل على البلاغة وأجل في الإعجاز، فإذا كانت البلاغة تحقق في وجه واحد من البيان فإن عرض ذات الموضوع وقد ازداد في قوة الإعجاز وتعدد وجوهه لأن الكلام المعجز في بيانه الأول إذا أضيف إليه وجوه أخرى تعدد وتقوى مع العلم أن التكرير بصورة عامة وتكرير القصة بوجه خاص ينصرف إلى ترسيخ المعاني والتأكيد على الأغراض لتعميق الآثار.
فوائد القصة القرآنية:
للقصة القرآنية فائدة مهمة تتعلق بالداعية الأول ومن تبعه من الدعاة من حيث الإعداد والتربية وهذه الفائدة هي التسلية بدفع الهم والحزن والخوف، {وكلاً نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين} 120هود، ولقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم في وضع شديد في نفسه بسبب موقف قومه ووصل به الحال كما قال تعالى:{ فلعلك باخع نفسك على آثارهم إن لم يؤمنوا بهذا الحديث أسفاً}.(5/335)
وهناك فائدة أخرى وهي حول تأثير القصة في نفس الإنسان حيث يدفعه حب الاستطلاع إلى التعلق والتشوق وإلى تعقب عقد القصة وترقب حلولها من خلال السرد القصصي.
وهناك فوائد أخرى كثيرة نذكر منها:
1- بيان السنن الدينية أي أصول الدين والعبادات كما قال تعالى:{وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله أنا فاعبدون}25الأنبياء، وقال تعالى: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه} 13الشورى.
2- بيان السنن الدنيوية كما قال تعالى:{فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين فتلك بيوتهم خاوية بما ظلموا إن في ذلك لآية لقوم يعلمون}51-52النحل.
3- تصديق الأنبياء السابقين يشهد له قوله في سورة الشورى {شرع لكم من الدين ما وصى...}الآية المذكورة في الفائدة الأولى.
4- إظهار صدق الرسول صلى الله عليه وسلم في نبوته فهو أمي لم يتعلم على المعلمين ولم يأخذ من أهل الكتاب فكيف يورد ما لديهم ويرد عليهم كما قال تعالى:{تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العاقبة للمتقين} 49هود، وقال تعالى:{وما كنت بجانب الغربي إذ قضينا إلى موسى الأمر وما كنت من الشاهدين ولكنا أنشأنا قروناً فتطاول عليهم العمر وما كنت ثاوياً في أهل مدين تتلو عليهم آياتنا ولكنا كنا مرسلين، وما كنت بجانب الطور إذ نادينا ولكن رحمة من ربك لتنذر قوماً ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يتذكرون} 44-46 القصص.
وقال تعالى في محاجة أهل الكتاب:{وبكفرهم وقولهم على مريم بهتاناً عظيماً وقولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقيناً بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزاً حكيماً} 156-158النساء.
وقال تعالى:{كل الطعام كان حلاً لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين} 93 آل عمران.
=========
القصة القرآنية :
تعددت القصص في القرآنية الكريم ، وتعددت أغراضها وفوائدها ، إذ فيها تثبيت لفؤاد النبي صلى الله عليه وسلم ، وموعظة وذكرى للمؤمنين ، وعبرة لأولي الألباب ، أو نجد القرآن يوجه الرسول صلى الله عليه وسلم إلى أن يتخذ القصة مسلكا من مسالك نشر دعوته ، ووسيلة يستخدمها في توجيه الناس ، فيأمره بمخاطبة الناس عبر قص قصص الأولين عليهم ، حتى يكون لهم في آثار السابقين عبرة وهدى وموعظة حسنة ، فقال تعالى : ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ [ الأعراف- 176 ] خصائصالخطبةوالخطيبص .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بلغوا عني ولو آية وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج رواهالبخاريالأنبياء .
فأذن صلى الله عليه وسلم في الحديث عن بني إسرائيل ، ومن ذلك إيراد قصصهم وأخبارهم لما فيها من العبرة والعظة ، على أن يخلو ذلك من الخرافات والأساطير ، والإسرائيليات الموغلة في الأوهام المخالفة لشريعة الإسلام الواضحة الكذب ، ولا يكون ذلك أيضا مجالا لتصديقهم أو تكذيبهم ، أو الإعجاب بهم ، إنما القصد استخلاص العبرة .
قال ابن كثير رحمه الله : " وإنما أباح الشارع الرواية عنهم في قوله : وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج فيما قد يجوزه ، فأما فيما تحيله العقول ، ويحكم فيه بالبطلان ، ويغلب على الظنون كذبه ، فليس من هذا القبيل " تفسيرابنكثير .
ومما يؤسف له حقا أن المنابر تكاد تخلو من التذكير بما قصه القرآن الكريم من القصص ، مع عظم العبرة ، وقوة الموعظة فيها ، فإن الخطيب البارع يستطيع أن ينزلها على واقع المخاطبين مع الإيجاز والتوجيه لتغدو أحداثها كأنما هي واقعة بينهم ، ماثلة أمام أعينهم ، ومهما كانت القصة طويلة ، فإنه يستطيع أن يخلص إلى زبدتها وخلاصتها بأسلوب بليغ وجيز ، وبأداء فصيح لا يتجاوز في زمنه دقائق معدودة ، بل ربما رأى أن الأفضل توزيعها على أكثر من خطبة ، مع ربط بواقع الناس والتحذير من نقمة الله تعالى وأليم عقابه ، وشدة بطشه ، وبيان سنته في المكذبين والمعرضين الغافلين ، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَحْوِيلًا .
إن الخطيب البليغ ، والداعية الموفق لا ينبغي له أن يغفل عن هذه الذخيرة الجليلة من بيان ما يذكر به ، فإن التذكير بالقصة تذكير بالقرآن ، وقوة بيانه ، وبلاغة عرضه للأحداث ، وعواقب الأعمال دون أدنى شائبة من ضعف الحوار أو طروء الخيال ، أو عدم مطابقة الواقع .
قال تعالى : فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ [الأعراف- 7] .
وقال تعالى : إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ [الأنعام- 57 ] .(5/336)
إن من خصائص القصة القرآنية أنها صالحة للاعتبار والاستشهاد في كل زمان ، ولا عجب فهي جزء من هذا القرآن الذي هو موعظة دائمة ، ورسالة خالدة لا تنفد خزائنه ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يخلق عن كثرة الرد .
نموذج :
فخذ مثلا من القصة القرآنية قصة "أصحاب الجنة" الذين غرهم المال ، وغيرهم الجشع والطمع ، فمنعوا حق المساكين الذين كان والدهم يوصله إليهم ، فلقد كان للمساكين نصيب من العطاء عندما كان صاحب تلك الجنة حيا ، ثم لما مات تآمر أبناؤه فيما بينهم واستكثروا ما ينقطع لهؤلاء المساكين من مالهم ، فاتفقوا على أن يقطعوا الثمر في وقت مبكر من النهار حيث يأمنون تعرض المساكين لهم في هذا الوقت الباكر .
وأقسموا اليمين على ذلك دون استثناء ، فباتوا على كيد وغدوا على حرد ، وإذا بطائف من الله تعالى يطوف عليها شجرة شجرة ، وثمرة ثمرة ، فلا يبقي منها باقية ، فكأنه سبقهم إليها من صرمها وأتى على ثمارها كلها .
فانظر كيف قوبل مكرهم وشدة تعميتهم وتبييتهم لسوء النية بهذا الانتقام الإلهي السريع قُلِ اللَّهُ أَسْرَعُ مَكْرًا ثم تخلص القصة إلى العبرة العظيمة : كَذَلِكَ الْعَذَابُ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ [القلم - 33] .
ألا ترى أن القصة في أحداثها وعبرتها تصلح أن تكون تذكارا صارخا في كل جيل لأولئك الذين بطروا نعمة الله ، وبدلوها جحودا وكنودا ، وما نقموا إلا أن أغناهم الله ووسع عليهم من فضله ، وبسط لهم الرزق ، فأمسكت أيديهم ، وشحت قلوبهم ، ومنعوا حق الله عباد الله ، وأخفوا الشر ومنعوا الخير .
إنه نموذج من الكنود البشري المتكرر ، تصلح له هذه التذكرة القرآنية في كل عصر ، وهكذا كل القصص القرآني ، فإنه يصلح أن يكون عظة بليغة وتذكرة حالة إذا أحسن ربطه بالواقع ، بأسلوب موجز ، وعرض محكم .
واقع الآخرين :
ومما يحسن الاستشهاد به في الخطبة ، وتنويه الخطيب به بين الحين والحين ما يزخر به واقع غير المسلمين من تناقضات ، وما يعصف به من فساد وموبقات ، وآثار مدمرة في المجالات الصحية ، والاجتماعية ، والاقتصادية ، تتمثل في الأمراض الجنسية الفتاكة ، وجرائم القتل ، والاغتصاب ، والسرقة ، وترويج المخدرات ، وتفكك الأسرة ، والروابط الاجتماعية ، وغير ذلك مما يصلح أن تكون كل جزئية منه مدارا لمضمون خطبة ، ومحورا للتوجيه والتذكير ، واستخلاص العبر ، ولكن ليحذر الخطيب في هذا المجال من التهويل والمبالغة ، والإفراط في وصف تلك المجتمعات ، والاعتماد في استقاء المعلومات ، والإحصائيات على مصادر غير موثوق بها ، أو جهات غير معتمدة .
وليكن قصده بيان عظمة الإسلام ونعمته ، وسلامة المجتمع الإسلامي من أمراض الانحراف والشذوذ ، والإيدز ، وغير ذلك مما تعاني منه المجتمعات الكافرة والخارجة على دين الله تعالى المتمردة على شرائعه ، وليست مهمة الخطبة إيصال المعلومات الجديدة للناس ، بقدر ما هي تفعيل للسامعين ، وتحريك لنفوسهم ثم الانتقال بهم من حال التأثر إلى التغير والإصلاح .
الاستشهاد بالقصة :
لا يخفى أن اشتمال الخطبة على ضرب المثل ، وحكاية القصة من الواقع الاجتماعي للمخاطبين ، له أثر كبير في شد انتباههم ، وتحريك عاطفتهم ، ولكن لا يتأتى للخطيب هذا الصيد المؤثر إلا بصلته بالمجتمع والناس بفئاتهم المختلفة ، ولا يكفي أن يجلس في بيته ، وينزوي في مسجده ينتظر أن يأتوه بأسئلتهم وقضاياهم الاجتماعية المتعددة ، وبقدر صلة الخطيب الاجتماعية ، وعلاقاته المتنوعة يحصل لديه العديد من الحوادث الواقعية ، والقصص التي تصلح أن يضمنها بعض خطبه لما فيها من الفوائد ، والعبر ، وعوامل التأثير على الناس ، فإن هذه القصص والحوادث تتميز بما يلي :
1- أنها من واقع الناس ، فليست خيالية ، ولا هي من نسج الأوهام والخرافات ، وبالتالي فإن ما فيه عبرة وعظة من هذه القصص الوقائع ، يصلح للاقتداء والتطبيق ، فلا تصف في جملة المثاليات التي يصعب تحقيقها ، فإن بعض الناس إذا دعي إلى بعض القيم ، والأخلاق الإسلامية ، تذرع بأنها مثاليات لا تتحقق في الواقع ، أو أنه لا يمكن فعلها في عصرنا ، فذكر الخطيب لشيء من هذه القصص والأحداث والوقائع يزيل التصور الخاطئ في المجال العملي التطبيقي .
2- أن ذكر مثل هذه القصص الوقائع ، وتلمس الحلول للمشكلات يوجد حركة اجتماعيه ، ومحاورات ، وربما ألفت لجان لمتابعة هذه المشكلات ومعالجتها ، إذ يتكون لدى الكثير من المصلحين الحماس لمناقشة هذه القضايا بعد أن كانوا يتهيبون ذلك .
3- إيجاد قدر كبير من الغيرة ، والتفاعل ، والمشاعر الجماعية ، والشجاعة الأدبية ، عند كثير من الناس ، مما يوقظ المشاعر ، والتفكير الجماعي .(5/337)
فإن من الظواهر المرضية السقيمة التي تفشت في كثير من المجتمعات أن يعيش الإنسان لنفسه وحسب ، لا يبالي بمشكلات الآخرين ، بل لا يبالي لمشكلات جيرانه ، وإخوانه ، والأقربين منه ، وربما اعتقد أن الأمر لا يعنيه ، وتركه من حسن إسلامه ، وبذلك ضاقت مساحة الإصلاح في المجتمع وتقلصت وظيفة الأمر بالمعروف والتناصح والتعاون على البر والتقوى ، واتسعت مساحة الصمت ، وعدم إنكار المنكر ، والتهيب من المناصحة والتذكير .
غير أن الخطيب عندما يتعرض لذكر مثل هذه القصص ، والأحداث ، والوقائع ينبغي أن يتنبه إلى أمور مهمة حتى لا يكون لذلك آثار سيئه ، وانعكاسات ضارة تفسد بدل أن تصلح ، ومن هذه الأمور :
أ- التثبت الشديد ، والتوثق الأكيد من وقوع القصة أو الحادثة ، ولا يكفي أن يسمعها من بعض المصادر أو من بعض الأشخاص الذين لا يعرف مدى ضبطهم وإتقانهم ، وحرصهم على التثبت من الأخبار ، فإن مخالفة بعض هذه الأخبار والحوادث للواقع ، أو مجانبة بعض تفصيلاتها للحقيقة من شأنه أن يزلزل ثقة الناس بأخباره ونقوله ، مما ينعكس على خطبه ، ودروسه ، ومواعظه .
إن التثبت من النقل والأخبار منهج إسلامي أصيل يجب أن يراعيه المسلم في علاقاته المختلفة ، وعلى الأخص الخطباء ، والدعاة ، والوعاظ ، لأن دائرة النشر لديهم أوسع من غيرهم ، والجمهور المتلقي منهم أكبر من غيرهم .
إن الخطيب ، أو الداعية ليس " قرص أسطوانة " أو " شريطا " يسجل عليه الناس شائعاتهم ، ومقولاتهم ، وقصصهم كيف كانت ، لتعميمها من خلاله على الناس فلا يصح أن يقبل الخبر على علاته ، ولا يقبله من كل من دب ودرج ، فيجمع في كلامه بين الأروى والنعام ، بل يجب عليه أن يتحرى فلا يقبل الخبر إلا من الثقة ، الضابط المأمون ، والدليل لهذا الأصل وهذا المنهج الإسلامي قوله تعالى : يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [ الحجرات : 6 ] ، قال ابن جرير رحمه القه : قول الله تعالى : فَتَبَيَّنُوا أمهلوا حتى تعرفوا صحته لا تعجلوا بقوله ، وكذلك معنى فتثبتوا جامعالبيانفيتأويلالقرآن .
وقال أبو حيان رحمه الله : أمر يقتضي أن لا يعتمد على كلام الفاسق ، ولا يبنى عليه حكم . البحرالمحيط .
قال ابن كثير رحمه الله : يأمر تعالى بالتثبت في خبر الفاسق ليحتاط له ، لئلا يحكم بقوله فيكون الحاكم قد اقتفى وراءه ، وقد نهى الله عز وجل من اتباع سبيل المفسدين ، ومن هاهنا امتنع طوائف من العلماء من قبول رواية مجهول الحال لاحتمال فسقه في نفس الأمر ، وقبلها آخرون لأنا إنما أمرنا بالتثبت عند خبر الفاسق ، وهذا ليس بمحقق الفسق لأنه مجهول الحال . تفسيرالقرآنالعظيم .
وواضح من كلام العلماء أن الراوي لا يحذر من خبره لفسقه فقط ، بل إن الأمر يقتضي ذلك أيضا في حال كثرة الخطأ ، وكثرة الوهم ، وعدم الضبط ، لذلك قد يوصف الثقة عند المحدثين بالوهم ، وإنما خص الفاسق بالذكر لأن خبره قد يكون أشد عماء وأعظم خطرا من غيره ، والحذر لا يعني تمدد أثر الشك ليصبح هو الأصل في كل خبر ، ويصبح التشكيك في كل مخبر هو الأصل . " ومدلول الآية عام ، وهو يتضمن مبدأ التمحيص والتثبت من خبر الفاسق ، فأما الصالح فيؤخذ بخبره ، لأن هذا هو الأصل في الجماعة المؤمنة ، وخبر الفاسق استثناء ، والأخذ بخبر الصالح جزء من منهج التثبت لأنه أحد مصادره ، أما الشك المطلق في جميع المصادر ، وفي جميع الأخبار فهو مخالف لأصل الثقة المفروض بين الجماعة المؤمنة . فيظلالالقرآن .
ب- تنقية هذه القصص الوقائع وتمحيصها ، ليصل إلى ما يصلح منها لأن يذكره في الخطبة لاشتماله على العبرة والعظة ، ولكونه مناسبا للوسط الذي يعيش فيه المخاطبون ، ولا تنبو عنه أسماعهم ، أو تمجه عقولهم .
ج- الحذر من التصريح بذكر أشخاص القصة ، أو بعضهم ، أو مكانها ، أو بلدها إذا كان ذلك يؤذي بعض المخاطبين بل يحكيها على وجه التعميم ، لأن المقصود هو التوجيه لا التجريح ، والموعظة لا التسلية ، وربما لا يصلح حتى التعريض في بعض الأحيان ، كأن تقع القصة في قرية ، أو بلدة من البلدات الصغيرة ، فإن التعريض حينئذ يكون كالتصريح ، لأن القصة معلومة لدى الجميع ، أما في مجال الخير فلا بأس من ذكر الأشخاص أحيانا مع مراعاة أدب المدح في الإسلام .
===============
شبهات حول القصص القرآني
الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
وصلت إلى الموقع رسالة من أحد الإخوة يطلب فيها الإجابة على بعض الشبهات حول مزاعم أخطاء قصص القرآن الكريم.
ونحن في موقع موسوعة الإعجاز في القرآن والسنة نرحب بأسئلتكم، وندعوكم للمشاركة في منتدى نور الحق للحوار حول ما يثار حول الإسلام العظيم من شبهات.
وهذه الشبهات هي التي أرسلها الأخ الكريم ونقدها.
الشبهة الأولى:(5/338)
آلهة قوم نوح –عليه السلام- بأسمائها تُعبد عند العرب بعد هلاك قوم نوح كلهم ، فكيف انتقلت هذه الآلهة بأسمائها إلى العرب المتأخرين رغم الانقطاع الكبير بين الأمتين ؟ ، لأن كثيرا من المفسرين قالوا إن عبادة تلك الأصنام انتقلت إلى العرب ، فقوم نوح و كل البشر هلكوا بسبب الطوفان ، و لم يبق منهم إلا أبناء نوح –عليه السلام- المؤمنين ، لقوله تعالى ((و جعلنا ذريته هم الباقين )) ، فكيف انتقلت تلك الآلهة بأسمائها نفسها إلى العرب المتأخرين؟
الجواب:
في البداية ينبغي التنبيه إلى تدليس موقع الإنترنت الذي أثار تلك الشبهة، فقد نقل عن الإمام فخر الدين الرازي قوله: " كيف ينقل نوح أصناماً معه في السفينة بعد أن ظل طيلة ألف سنةٍ إلا خمسين عاماً حسب رواية القرآن يحاربها؟ وهل يقبل عقل أن يكون نوح سبباً لإضلال قوم وهداية آخرين؟ "
بينما نص عبارته في تفسيره مفاتيح الغيب 9/128: " هذه الأصنام الخمسة كانت أكبر أصنامهم، ثم إنها انتقلت عن قوم نوح إلى العرب، فكان وَدّ لكلب، وسواع لهمدان، ويغوث لمذحج، ويعوق لمراد، ونسر لحمير؛ ولذلك سمت العرب بعبد ود، وعبد يغوث، هكذا قيل في الكتب. وفيه إشكال؛ لأن الدنيا قد خربت في زمان الطوفان، فكيف بقيت تلك الأصنام؟ وكيف انتقلت إلى العرب؟ ولا يمكن أن يقال: إن نوحاً عليه السلام وضعها في السفينة وأمسكها؛ لأنه عليه السلام إنما جاء لنفيها وكسرها، فكيف يمكن أن يقال إنه وضعها في السفينة سعياً منه في حفظها ؟ ".
وهنا يتبين تدليسهم، فهو لم يقل إن أحداً من المفسرين قال بذلك، بل قال: لا يمكن القول بذلك، وشتان بين الأمرين.
أما جواب الشبهة الجواب: لا يمنع أن الشيطان الذين زين الشرك لأتباعه في زمن نوح عليه السلام، أن يزينه للقبائل العربية. أما بقاء الأصنام فهو غير مستبعد، لأن الطوفان أهلك الكائنات الحية في مكان حدوثه، ولم يهلِك الجمادات.
ونقل القرطبي في تفسيره 18/308 عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ أن الشياطين أخرجتها لمشركي العرب.
قلت: لا يستبعد أن تكون الشياطين وسوست لهم بأسمائها. أو نقل المؤمنون الناجون من قوم نوح أسماء الأصنام إلى أبنائهم، على أنها معلومات تاريخية ـ كما نعلم نحن بأسماء عشرات الأصنام للعرب وغيرهم ـ، ومنهم انتقلت إلى مَن بعدَهُم.. وهكذا، إلى أن عُبِدت.
الشبهة الثانية:
أهمل القرآن مقوِّمات التاريخ، فلم يحدّد الزمان والمكان، ولم يعيّن الأشخاص.
فليس هناك قصة قرآنية جاءت فيها هذه المقوّمات. فقصة موسى، رغم تكرارها، لم تذكر لنا تفاصيل دقيقة من حياته لا يستغني عنها المؤرخ، مثل ذكر صفة موسى ونسبه ووقت إرساله، والقصد من ذلك، وأين وكيف جعل هارون وزيراً له وسبب ذلك؟ وما كان بينهما وبين القوم من جدلٍ وحوار، وغير ذلك مما لا يمكن الاستغناء عنه، لأن التاريخ لا يكون تاريخاً إلا به.
الجواب:
هذا ليس عيبا في القصص القرآني، بل دليل أكيد على أنها ليست بشرية. فقصص البشر هي التي تعنى بالزمان والمكان وأسماء الأشخاص لمجرد التسلية والمتعة والخيال، بينما القرآن الكريم قصصه جمَعَت بين أنها قصص حق، وأنها تركز على مكامن العبرة والعظة من القصص.
خذ هذه المقارنة مثلاً:
يجد الناظر إلى مختلف قصص الكتاب المقدس عند أهل الكتاب، الكثير من الإطالات التي لا فائدة منها، ومعلومات تاريخية لا قيمة لها، ولا علاقة لها بالوحي الإلهي، بل هي أقرب إلى السرد التاريخي ـ إن لم تكن أساطير ـ من القصص الهداف لكل منصف..
ومن الإطالات بلا داعٍ في كتبهم المقدسة، تلك المعلومات التاريخية التي تبلغ 90% من موضوعات الأسفار المقدسة، وكثير منها معلومات تافهة لا تفيد.. من ذلك ما ورد في سفر صموئيل " فبادرت أبيجال وأخذت مائتي رغيف خبز وزقي خمر، وخمسة خرفان مهيئة، وخمس كيلات من الفريك، ومائتي عنقود من الزبيب، ومائتي قرص من التين، ووضعتها على الحمير " [سفر صموئيل الأول 25/18]، فما الذي أفاد البشرية معرفة ذلك ؟
وسفر الأيام الأول [24 - 27] يعرض لنا قائمة طويلة لوكلاء الملك داود وولاته، فما علاقة ذلك بالوحي؟
وفي سفر الملوك الأول إصحاحان كاملان في وصف الهيكل وطوله وعرضه وسماكته وارتفاعه وعدد نوافذه وأبوابه.. وتفاصيل تزعم التوراة أنها مواصفات يريدها الرب لمسكنه الأبدي (انظر سفر الملوك الأول 6-7).
مع ملاحظة تناقضها مع موضع آخر، حين يقول العهد القديم: " هل يسكن الله حقاً على الأرض، هوذا السماوات وسماء السماوات لا تسعك، فكم بالأقل هذا البيت الذي بنيت " [سفر الملوك الأول 8/27].
وفي أخبار الأيام الأول [من الإصحاح الأول إلى التاسع] ست عشرة صفحة كلها أنساب لآدم وأحفاده وإبراهيم وذريته.
ثم قائمة أخرى [في سفر عزرا 2/1-67] بأسماء العائدين من بابل حسب عائلاتهم، وأعداد كل عائلة إضافة لأعداد حميرهم وجمالهم.. الخ
كما ثمة قوائم أخرى بأعداد الجيوش والبوابين من كل سبط، وعدد كل جيش.. الخ (انظر الأيام 23/1 - 27/34).(5/339)
وفي سفر الخروج يأمر موسى بصناعة التابوت بمواصفات دقيقة تستمر تسع صفحات، فهل وحي ينزل بذلك كله وغيره مما يطول المقام بتتبعه.
بينما التفاصيل الدقيقة في القصص القرآني جاءت لخدمة غرض العبرة من القصة الكريمة، كقوله تعالى ممتناً على الفتية المؤمنين أهل الكهف: " وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ.. " [الكهف: 18] جاعلاً تقليبهم أهم في القصة من أسمائهم، بل أهم من عددهم.. وذلك لبيان مزيد عناية الله جل جلاله بعباده المؤمنين، الذين اعتزلوا باطل مجتمعهم، ففضلوا تراب أرض الكهف، على فراش البيت الوثير.. فكان تقليبهم ـ حتى لا تتقرح جنوبهم ـ منسوباً إلى الله جل جلاله، وعبَّر عنه بنون العَظَمَة " نُقَلِّبُهُمْ " تشريفاً لهم، وهل هنالك عناية وتكريم أكثر من ذلك ؟
إن التفاصيل المملة في القصص دليل بشرية مصدره، فالكتاب الإلهي (المقدس) أعلى وأجل من الغرق في تفاصيل لا تهم سائر الناس.
والأسوأ من الخوض في تفاصيل القصص التي بلا فائدة منها: إقحام قصص في الكتاب الديني عند الحديث في تفاصيل حياة شخصية لا علاقة لها بالمؤمنين من بعد. حيث يجد الناظر إليه عشرات المواضع التي تشهد باستخدام الكتاب المقدس في حمل رسائل شخصية لا علاقة للوحي بها، ومن ذلك: " يسلم عليك أولاد أختك ". [يوحنا 2/ 13]. ويرسل يوحنا المزيد من السلامات لأحبابه " غايس الحبيب الذي أحبه بالحق. أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً... سلام لك، يسلم عليك الأحباء، سلم على الأحباء بأسمائهم " [يوحنا 3/ 1-14].
وفي رسائل بولس مثل ذلك، ومنه: " تسلم عليكم كنائس آسيا، يسلم عليكم.. أكيلا وبريسكلا.. يسلم عليكم الإخوة أجمعون، سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة ". [كورنثوس الأولى16/19 – 20].
ويواصل بولس تسجيل رغباته الشخصية وأخبار أصدقائه في كورنثوس، فيقول: " الرداء الذي تركته في تراوس عند كابرس أحضِرهُ متى جئت، والكتب أيضاً لاسيما الرقوق.. سلم على ريسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس، أراستس بقي في كورنثوس، وأما ترو فيمس فتركته في ميليتس مريضاً. بادر أن تجيء قبل الشتاء.." [تيموثاوس الثانية 4/13 – 21].
الفرق في تفاصيل القصص دليل بشريتها، فكيف يكون الدليل الذي عليهم دليلاً لهم، والدليل على ربانية مصدر القرآن الكريم دليلاً علينا ؟!
تتميز القصة القرآنية بحسن اختيار الأحداث، بذكر ما يناسب من أحداثها لمناسبة سياق الآيات الكريمة السابقة واللاحق لتلك القصة، وبالالتزام بعرض الوجه الأحسن من القصة، والإعراض عما لا خير فيه، مما لا يفيد العلم به تطبيقاً وموعظة.. ولهذا كان اقتصار القصص القرآني على ثمار القصة اليانعة، دون ذكر الغث من تفاصيلها؛ ولذلك فقصص القرآنية: أحسن القصص.
وهذه ميزة للقرآن الكريم بخلاف المعهود المعدود في الكتب المقدسة لليهود والنصارى، حيث تعرض القصة كاملة بخيرها وشرها. ولقد حوت قصص أهل الكتاب نتيجة لذلك على كثير من الجوانب الضارة في التعليم والتربية.
وكل قصة من قصص القرآن الكريم تجد التوجيه التربوي فيها واضح، ويستطيع أي متدبر لها تحديد غرض أو أغراض كثيرة، من حيث التكليف للدعوة والتعليم والتربية..
والتعميم في زعم عدم اكتمال مجريات السرد التاريخي لجميع القصص القرآني تعميم مغلوط، فالمتدبر للقصص القرآني يلاحظ تغاير أسلوب القصص، فمرة تعرض القصة من أولها، ومرة من وسطها، ومرة من آخرها. وتارة تعرض كاملة، وتارة يكتفي ببعض حلقاتها، وتارة تتوسط بين هذا وذاك.. حسبما تكمن العبرة في هذا الجزء أو ذاك على النحو التالي:
1. نجد قصصاً تعرض منذ الحلقة الأولى: حلقة ميلاد بطلها، لأن في مولده عظة بارزة، وذلك مثل:
أ) قصة سيدنا آدم عليه السلام بدأت منذ خلقه، وفيها مظهر لقدرة الله جل جلاله، وكمال علمه، ونعمته على آدم وبنيه. وفي حادثة إبليس معه ما فيها من أغراض دينية.
ب) ومثلها قصة مولد سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، وهو يعرض بتفصيل كامل، ذلك أن مولده هو الآية الكبرى في حياته؛ وحول هذا المولد قام الجدل كله؛ وعنه تفرعت كل قضايا النصرانية قبل الإسلام وبعده.
ج) وقبلها قصة مولد سيدنا موسى عليه السلام؛ لأن لمولده في عهد اضطهاد بني اسرائيل، وتذبيح الذكور من أطفالهم، ونجاته هو من ذلك مع وجوده بين آل فرعون أنفسهم.. قيمة خاصة في بيان رعاية الله له، وإعداده إعداداً خاصّاً للمهمة التي سينهض بها. ثم تذكر من حياته حلقاتها ذات المغزى.
د) وإسماعيل وإسحاق ـ عليهما السلام ـ عرض القرآن الكريم قصة مولدهما؛ لأن في هذا المولد عبرة.
هـ) وكذلك يذكر مولد يحيى لزكريا ـ عليهما السلام ـ بعد أن وهن منه العظم واشتعل الرأس شيباً.(5/340)
2. ونجد قصصاً أخرى تعرض من حلقة متأخرة نسبيّاً: كقصة سيدنا يوسف عليه السلام تبدأ قصته صبيّاً، فمن هذه الحلقة يرى الرؤيا التي تُسيّر حياته كلها، وتؤثر في مستقبله جميعاً، إذ يرى أحد عشر كوكباً والشمس والقمر له ساجدين؛ فيدرك أبوه مغزاها ويقربه إليه، فيغار إخوته منه.. ثم تسير القصة في طريقها المرسوم بعد هذه الرؤيا.
3. ثم نجد قصصاً لا تعرض إلا في حلقة متأخرة جداً:
فنوح وهود وصالح ولوط وشعيب ـ عليهم السلام ـ وكثيرون غيرهم، لا تعرض قصصهم إلا عند بيان الرسالة، وهي الحلقة الوحيدة التي تعرض من حياتهم، لأنها أهم حلقة منها، والعبرة كامنة فيها.
تلك شهادة من مثيري الشبهة بأن القصص القرآني يختلف عن قصص جميع المخلوقين من الأدباء والبلغاء ورواة الأساطير، وهي شهادة للقرآن الكريم ليست عليه.
القصص القرآني أجلّ وأسمى من أن يكون هدفه السرد التاريخي للمتعة والتسلية وإضاعة الوقت.. فتلك غاية الروايات، وكتب الحكايات.
بل إن الناقد المنصف يجد أن أي نص من نصوص آيات قصص القرآن الكريم، له علاقة وطيدة بالغاية ـ أو الغايات ـ الروحية والتربوية والخلقية لتلك القصة.
كما أن عرض القرآن الكريم لقصص السابقين يتميز بأسلوب فريد بديع معجز، لا تستطيع فطرة أي إنسان إنكاره، ومن الظلم نقد بشر ـ أي بشر ـ لكلام الله جل جلاله، مستخدماً ما يزعم أنها معايير نقدية للقصص ـ متجددة، ناقصة، متغيرة، لا يمكن الاتفاق عليها بين كل النقاد ـ وضعها مخلوقون مجبولون على النقص والخطأ والهوى.
الشبهة الثالثة:
إسناده بعض الأحداث لأناسٍ في موطن، ثم إسناده نفس الأحداث لغيرهم من الأشخاص في موطن آخر. ومن ذلك قوله: قال الملأ من قوم فرعون إن هذا لساحرٌ عليم قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (الأعراف 7:109).
ولكنه يقول على لسان فرعون نفسه في نفس الموقف: قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِنَّ
هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (الشعراء 26: 34).
كذلك نجد في قصة إبراهيم أن البشرى بالغلام كانت لامرأته: "وَلَقَدْ جَاءَتْ
رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ … وَامْرَأَتُهُ قَائِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ" (هود 11: 69).
بينما نجد أن البشرى لإبراهيم نفسه "وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ" (الحِجْر 15: 51-53).
"هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ سَلاَمٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ … فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ" (الذاريات
51: 24-28).
الجواب:
- فرعون أم ملئه ؟
لا يوجد ما يمنع أن يقول كل منهم ذلك، بل في تكرار قول الملأ الحرفي لما قال فرعون دليل طاعتهم الشديدة له، حتى بألفاظه حرفياً. وهذا أبلغ في بيان عِظَم إيمان سحرة فرعون ـ رضي الله عنهم ـ، فمَن كان في مجتمعٍ يتصف بالولاء المطلق لفرعون، ما الذي دفعه إلى الإيمان بالله جل جلاله، والاستشهاد في سبيله بلا نفع دنيوي ؟
وفيه تبكيت للملأ بكونهم مجرد أبواق، مقلدين إمعات يكررون كلام فرعون بلا فكر وروية..
وإشارة إلى صعوبة مهمة سيدنا موسى عليه السلام وحاجته إلى وجود سيدنا هارون عليه السلام وزيراً مسانداً له في دعوته لفرعون وملئه.
- البشرى لإبراهيم أم لزوجته؟
اختلف التعبير باختلاف المقام، وهذا طبيعي غير مستغرَب.. بل المستغرَب التكرار الحرفي.
من الطبيعي أن يجلس الضيوف مع سيدنا إبراهيم عليه السلام في البداية دون وجود زوجه. ولهذا فزوجه لم تحضر البشارة الأولى، فلما حضرت عندما أدخلت الطعام بشروها.
أي أن سيدنا إبراهيم عليه السلام سمع البشارة مرتين، مرة لوحده ومرة مع زوجه. أما زوجه فسمعتها مرة واحدة.
كأن يأتيك ضيف ويبشرك.. ثم يدخل أخوك ويبشره أمامك.
الشبهة الرابعة:
إنطاقه الشخص الواحد في الموقف الواحد بعبارات مختلفة حين يكرر القصة، ومن ذلك
تصويره لموقف الله من موسى حين رؤيته النار، فقد نودي مرة بقوله: "فَلَمَّا
جَاءَهَا نُودِيَ أَنْ بُورِكَ مَنْ فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا" (النمل 27: 8) ونودي مرة أخرى بقوله: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ مِنْ شَاطِيِء الْوَادِي الْأَيْمَنِ فِي الْبُقَعْةِ الْمُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَنْ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (القصص 28: 30).
وفي سورة طه: "فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً" (طه 20: 11، 12).
الجواب:(5/341)
قال ذلك كله، وأخذ من الحوار ما يناسب سياق السورة، وهذا لا يعد تناقضاً، بل قمة البلاغة.
والترتيب كما يلي:
لما وصل سيدنا موسى عليه السلام إلى ما ظن أنه مصدر النار، " نُودِيَ أَن بُورِكَ مَن فِي النَّارِ وَمَنْ حَوْلَهَا وَسُبْحَانَ اللَّهِ رَبِّ العَالَمِينَ " [النمل: 8] عندها تعجَّب وبحث عن مصدر الصوت: فـ " نُودِيَ مِن شَاطِئِ الوَادِ الأيْمَنِ فِي البُقْعَةِ المُبَارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ أَن يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا اللَّهُ رَبُّ العَالَمِينَ ". [القصص: 30] وزيادة لتثبيته وتأكيد أن ما سمعه حق لا أوهام، كُرِّر النداء مرة أخرى.. فنودي مرة ثالثة: " إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ المُقَدَّسِ طُوًى وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي " [طه: 13].
تكرار النداء إطناب مطلوب لتأكيد صحته، وإبعاداً لأي هاجس نفسي يشكك في مصدره، واسترعاءً لانتباهه فيكون في أقصى حالات الخشوع؛ لأهمية ما سيؤمَر به. فتكرر النداء تهيئة له ـ بنقله من جو (الخوف على أهله) إلى جو (سماع الوصايا الإلهية المباركة ووعيها) ـ وإزالةً للوحشة عنه، وزيادة في الأنس.
والإطناب في الكلام محمود في ذلك الموقف، وهو مطلوب بلاغةً؛ لإزالة الوَحشة. فسيدنا موسى عليه السلام سار مسافة في الليل، وترك أهله لوحدهم، ولم يعهد مثل ذاك الموقف عند الطور.. لأجل كل ذلك، الإكثار من الكلام المؤنِس مطلوب.
كقوله تعالى في سورة طه: " وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى(17)قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى(18) ". " يعني: أي شيء الذي بيدك ؟ أو ما الذي بيدك ؟ وكان عالماً بما في يده، ولكن الحكمة في سؤاله؛ لإزالة الوحشة عن موسى، لأن موسى كان خائفاً مستوحشاً. كرجل دخل على ملك وهو خائف فسأله عن شيء، فتزول بعض الوحشة عنه بذلك، ويستأنس بسؤاله ". انظر: بحر العلوم، السمرقندي 2/392.
الشبهة الخامسة:
وجود مواقف جديدة لم تحدث أصلاً في سياق القصة مثل قوله عن اليهود:
"وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ" (النساء 4: 157). فمن المعروف عقلاً ومنطقاً أن اليهود لم يقولوا إن المسيح رسول الله، لأنهم لو اعتقدوا بذلك لما قتلوه ولما صلبوه!
الجواب:
جملة: " رَسُولَ اللَّهِ " جملة معترضة، ليست على لسان اليهود. ولهذا جاءت على النصب، على تقدير: أعني رسولَ الله. والحكمة منها أمران: الأول: تأكيد عدم ألوهيته، والثاني: التنبيه إلى أنهم قتلوا شبيه عيسى عليه السلام. أي هم قتلوا شبيه عيسى عليه السلام، ولكنهم في الحقيقة لم يقتلوا عيسى رسولَ الله.
الشبهة السادسة:
جاءت المادة التاريخية في القرآن لتكون في خدمة الدعوة الإسلامية، فلم تخضع
لمناهج البحث العلمية، إنما كانت مادة موجَّهة تسيطر عليها الأغراض الدينية،
فأصبحت مُجَسِّدةً لحياة محمد وأتباعه وقومه، لا لأحداث التاريخ الحقيقية. فسِيَر
الأنبياء المذكورين في القرآن ليست حتماً هي أحداث حياتهم بقدر ما هي أحداث
الدعوة المحمدية!
الجواب:
أكثر قصص الأنبياء والدعاة في القرآن الكريم، تحوي مشاهد تتشابه مع قصص باقي الأنبياء والدعاة، والقصة القرآنية تنتقي المشاهد الملائمة لسياق الآيات الكريمة وشخصية السورة الكريمة المذكورة فيها، دليلاً عملياً صادقاً ومثالاً حياً على صحة ما فيها من تشريعات وأخلاق وسنن كونية وأساليب ناجحة في الخطاب الدعوي.
فتتحقق إحدى الأغراض الرئيسة للقصص القرآني وهي: تسلية النبي صلى الله عليه وسلم والدعاة المضطهدين من الطغاة، فهل يطلب مثيرو الشبهات أن يذكر الله جل جلاله قصص صبر أولي العزم من الرسل بعد الهجرة إلى المدينة، حيث المسلمين آمنين مطمئنين، فتحت لهم الدنيا ؟!
كل ذلك من محاسن القصص القرآني وصدقها، وحسن انتقاء ما يوافق من أحداثها لما يهم المسلم في كل عصر ومصر. ومن هنا نجد القرآن الكريم يقدم من خلال قصصه الحق، طرق معالجة مجرَّبة للواقعَ الذي كان يعيشه المسلمون في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، فيذكر ما يتطابق من الأحداث مع هذا الواقع من ناحية، كما يعالج الواقع الذي تعيشه الأجيال والعصور الإنسانية المستقبلية من ناحية أُخرى.(5/342)
فإنّ انطباق هذا الكلام على القصص والأحداث ذات العلاقة بالأنبياء وأقوامهم، أو بالتاريخ الماضي إنّما هو بملاحظة هذا البعد وتلك الصفة في القصة القرآنية، وما أجَلَّها من حكمة ! وفي قوله تعالى: " لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [يوسف:111]. إشارة إلى هذه المزية من مزايا القصص القرآني.
فمَن يستفيد مِن تجارب غيره، يضيف أعماراً إلى عمره !
كما أنها تبين عدداً من السنن الإلهية الثابتة الخاصة بالأمم والجماعات والأفراد، يتخذ منها العقلاء مرآة ينظرون منها إلى أنفسهم وحياتهم وأحوال مجتمعاتهم.
إنّ القصص التاريخية عندما تكون شتاتاً من الأحداث المتفرقة التي تتجمع وتتفرق بصورة اعتباطية، ومن دون بيان عبرة مستقاة من قانون وسنة مذكورة فيها.. تفقد الشفافية التي تمكن الإنسان أن ينظر منها إلى نفسه وعصره وأمته. ولكن عندما يكون التاريخ مجموعة من السنن والقوانين الثابتة، فإن بإمكان الإنسان أن ينظر من خلال مرآة التاريخ إلى نفسه وعصره، ويقوِّم من خلال هذه المرآة نفسه ومجتمعه.
هذا ما نص عليه القرآن الكريم:
- " وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ " [الأعراف: 96].
- " وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكَابِرَ مُجْرِمِيهَا لِيَمْكُرُوا فِيهَا وَمَا يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَمَا يَشْعُرُونَ " [الأنعام: 123].
- " وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ " [يونس: 13].
- " وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ وَقَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِمُ الْمَثُلَاتُ وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ وَإِنَّ رَبَّكَ لَشَدِيدُ الْعِقَابِ ". [الرعد: 6].
- وفي سورة الإسراء: " وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا(16)وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِنَ الْقُرُونِ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا(17) ".
- " فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا ظَلَمُوا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ " [النمل: 52].
- " فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ ". [فصلت: 13].
- " أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا ". [محمد: 10].
الآيات القرآنية في هذا المعنى كثيرة، وكلّها تنطق بهذا الفهم العلمي الدقيق للتاريخ: فيها عبرة وسنن وقوانين وأصول ثابتة للتاريخ والحياة، فلا هزيمة ولا انتكاسة، ولا ازدهار ونمو ونضج، إلاّ بموجب قوانين وسنن إلهية ثابتة.
وهذه السنن كلها لله تعالى أوجدها بمشيئته وحكمته، وهدى إليها عباده.. وما القصص القرآني إلا نماذج تنادي بالإنسان: " التمس العبرة مني، فالعاقل من اتعظ بنفسه. ودونه من يجعل نفسه عِظةً للآخرين ".
بهذا المنطق خاطب سيدنا هود عليه السلام عاداً: " أَوَعَجِبْتُمْ أَنْ جَاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلَى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ قَوْمِ نُوحٍ وَزَادَكُمْ فِي الْخَلْقِ بَسْطَةً فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ ". [الأعراف: 69].
ثم صالحٌ ثموداً: " وَاذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الْأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِهَا قُصُورًا وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتًا فَاذْكُرُوا آلَاءَ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ ". [الأعراف: 74].
تلك كانت أبرز سمات القصص القرآني التي يتبين للناظر المنصف إليها، أنها مزية للقصص القرآني، ليس كمثلها قصص في الدنيا.. ومع ذلك تستمر الشبهات حول القصص القرآني تحاول النيل من صدقها وواقعيتها، وتطعن في تكرار بعضها، وتزعم أنها متناقضة ـ ولكن هيهات ـ..
================
الرد على أن القران يكرر القصص مرات ومرات
المجيب ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف القرآن الكريم وعلومه/ مسائل متفرقة في القرآن
التاريخ 21/11/1425هـ
السؤال(5/343)
ما الحكمة من تكرار نفس القصة في العديد من سور القرآن مثل قصة موسى عليه السلام، وفرعون؟
الجواب
السؤال
ما الحكمة من تكرار نفس القصة في العديد من سور القرآن مثل قصة موسى عليه السلام، وفرعون؟
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وبعد:
فتكرار القصص في القرآن الكريم، يرتكز بشكل أساس على عدد من القصص، التي أعيد ذكرها في القرآن الكريم، وهي قصة آدم، ونوح، وعاد، وهود، وإبراهيم، ولوط، وشعيب، وموسى، فهذه أبرز القصص التي وردت في القرآن الكريم وتكرر ذكرها فيه، ويمكن إدراك بعض الحكمة من هذا التأكيد على تلك القصص بعينها، وإعادة القول فيها مرة بعد أخرى، عند التأمل في طبيعة تلك القصص، ومضمونها.
إن المتأمل في هذه القصص، يجد كل قصة منها بأحداثها تعالج أنواعًا من الانحراف، الذي يظهر في المجتمعات البشرية، باعتبارها تجمعات إنسانية، بغض النظر عن جنسها، وبيئتها الزمانية والمكانية، وهذا النوع من الضلال عن الحق، والانحراف عن الصراط المستقيم، الذي أشارت إليه قصص القرآن الكريم، لم يزل يتكرر في المجتمعات البشرية، فمثلًا: قصة فرعون مع موسى- وقد أشار إليها السائل- تمثل نوعًا من الانحراف الذي يورثه عز السلطة ونشوة القوة، حتى تبلغ بصاحبها درجة من الانحراف تصل به إلى أن يكذب أكبر كذبة عرفتها البشرية، فيقول: أنا ربكم الأعلى. فضلًا عن الكبر والبطر والأشر، ونحن لم نزل نرى هذا المثل يتكرر على تعاقب الزمان ومر العصور، ولذا رأينا أن الله تعالى أعاد ذكر هذه القصة في أكثر من موضع، فهي لا تعالج أمرًا ظرفيًّا آنيًّا يكون ثم يزول، بل هي صورة لم تزل تتكرر مرة بعد أخرى، وكذا الشأن في باقي القصص التي أعيد ذكرها في القرآن الكريم، فكل منها تعالج نوعًا من الانحراف الذي تشهده المجتمعات البشرية في كل العصور. وإذًا: فتكرار مثل هذه القصص، والتأكيد عليها، وإعادتها مرة بعد أخرى، هو مما تقتضيه الحكمة، فالناظر في هذه القصص يتمثل المنهج الأمثل في مواجهة هذه الانحرافات على منهج الأنبياء عليهم السلام.
وفضلاً عن هذا، فقد تميز كل موضع ذكرت فيه تلك القصص، بأنه يعتني بجانب من جوانب أحداث القصة، ويلقي الضوء على زاوية من زواياها، على نحو لا يوجد في الموضع الآخر، الذي تذكر فيه القصة، على معنى: أن السياقات التي ترد فيها القصة، تختلف باختلاف موضعها الذي تذكر فيه، واختلاف السياقات يورث- ولابد- اختلافًا في المعاني التي تستفاد منها، وهذا ما يؤكد ما قرره أهل العلم من أن القصة لا تتكرر على نحو حرفي، بل لها في كل موضع ذكرت فيه ما يميزها، ويجعلها موضعًا لاستنباط هدايات وعظات جديدة، وبعد هذا فقصص القرآن الكريم، مظهر من مظاهر الإعجاز البياني، فالقصة الواحدة ترد في القرآن الكريم، بسياقات وألفاظ متعددة، بتعدد المواضع التي ترد فيها، وهذا من كمال البلاغة وعظيم البيان.
والله أعلم. وصلى الله على وسلم على نبينا محمد.
==============
الإعجاز القصصي في القرآن الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم
الإعجاز القصصي في القرآن الكريم
القصة القرآنية وأسرار تكرارها في القرآن العظيم
المهندس عبد الدائم الكحيل
www.kaheel7.com
مقدمة
الحمد لله الذي منَّ علينا بعلمٍ نسأله تعالى أن يجعله علماً نافعاً نزداد به إيماناً وحباً لهذا القرآن الذي أنزله رب العزة سبحانه ليكون نوراً وهدى وشفاء ورحمة للمؤمنين، وصلى الله على رسول الله للعالمين كافة محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إن هذا البحث هو واحد من سلسلة من الأبحاث العلمية التي تهدف إلى اكتشاف أسرار وعجائب كتاب الله تعالى. وفي كل بحث يعيش القارئ مع حقائق رقمية جديدة تبرهن على المعجزة القرآنية في هذا العصر الذي أصبح للغة الأرقام مكان بارز فيه.
وفي الفقرات التالية سوف نحاول الإجابة عن سؤال مهم: ما هو سر تكرار القصة في القرآن الكريم؟ وسوف نرى أن هذا التكرار يخفي وراءه معجزة عظيمة، إنها المعجزة القصصية لسور القرآن العظيم.
إن محور الإعجاز الرقمي لآيات القرآن وسوره يعتمد على الرقم (7)، وهنا تتجلى عظمة الخالق عز وجل، فقد اقتضت حكمته أن يجعل عدد السماوات (7) من الأرض مثلهن،وأن يجعل أيام الأسبوع (7) وأن يجعل لغة القرآن ـ اللغة العربية ـ ثمانية وعشرين حرفاً أي (7 × 4) وأن يجعل أعظم سورة فيه هي السبع المثاني وهي فاتحة الكتاب وهي (7) آيات... وحقائق أخرى لا تحصى عن الرقم (7).
عندما ندرك هذه الحقائق الثابتة نعلم أن الله تعالى هو الذي أنزل هذا القرآن ورتَّب آياته وسوره بما ينسجم مع الرقم (7)، وهذا دليل على أن خالق الكون هو نفسه منزل القرآن.(5/344)
كما يؤكد هذا البحث على أن ترتيب سور القرآن قد تمَّ بإرادة الله وقدرته وإلهامه، وأن هذا الترتيب هو بحدِّ ذاته معجز للبشر، وهذا ما تثبته لغة الأرقام من خلال الأمثلة التي اخترتها والتي هي غيض من فيض، فعدد الحقائق الرقمية في كتاب الله لا يُحصى وعجائب القرآن الكريم لا تنقضي وأسراره لا نهاية لها.
هذا البحث... لِمَن؟
القرآن الكريم هو كتاب موجّه لكل البشر بلا استثناء، لذلك أي بحث حول كتاب الله هو بحث موجَّه أيضاً لكل البشر. فكل مؤمن بهذا القرآن ينبغي عليه أن يبحث عن كل ما هو جديد حول كتاب ربه، فمن أحب شيئاً تعلق به، ولكن قد يأتي من يقول: ما فائدة هذه الأرقام، وهل هذه الأرقام تقربنا إلى الله تعالى؟
عندما جاء نبي الله صالح عليه السلام إلى قومه طلبوا منه المعجزة، فآتاه الله الناقة فكانت دليلاً له على نبوته وصدق رسالته من الله سبحانه وتعالى، ولما أرسل الله موسى عليه السلام إلى فرعون وملئه أيضاً طلبوا منه معجزة فآتاه الله العصا لتكون حجة له على قومه. وهذه حال رسل الله عليهم السلام، وهنا نتساءل: هل كانت الناقة هدفاً بحد ذاتها؟ هل كانت العصا هي الغاية؟ إن هذه كانت مجرد وسائل مادية لترغم الكافر على الاعتراف بصدق الرسالة الإلهية، وكذلك لغة الأرقام وضعها رب العزة سبحانه في كتابه لتكون وسيلة متجددة في عصرنا هذا لنزداد إيماناً بعظمة كتاب الله تعالى ونزداد حباً لمن أنزل عليه القرآن، هذا النبي الأمي عليه الصلاة والسلام الذي بعثه الله رحمة للعالمين، ونتذكر قول الحبيب ‘ قبل 14 قرناً عن علاقة القرآن بالرقم (7): (إن هذا القرآن أنزل على سبعة أحرف) [البخاري ومسلم]، في هذا الحديث الشريف هنالك معجزة نبوية، فمن الذي أخبر الرسول الكريم ‘ في ذلك الزمن بهذه الحقيقة التي نكتشفها اليوم؟
حول لغة الأرقام
المعجزة هي الشيء الذي لا يمكن لبشرٍ أن يأتي بمثله، ومن عظمة المعجزة القرآنية أنها تناسب كل زمان ومكان ومستمرة على مرِّ العصور.
نحن كلنا نعلم أن القرآن قد نزل في قوم برعوا بالشعر واللغة، فجاءت المعجزة القرآنية لتعجزهم لغوياً وبلاغياً، حتى قالوا عن القرآن بأنه سحر، والإنسان لا يصف شيئاً بالسحر إلا إذا أذهله هذا الشيء وأصبح فوق مستوى تفكيره. فالعرب قوم كان سلاحهم الفصاحة والبيان، فعندما سمعوا أسلوب القرآن كان هذا الأسلوب الرائع وسيلة لإقناعهم بأن هذا القرآن ليس قول بشر بل هو قول رب البشر سبحانه.
هذه هي قوة المعجزة، تقلب الملحد من الإلحاد إلى الإيمان بسرعة، وربما نتذكر كيف كان إسلام عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عندما سمع آيات من سورة طه، فتحول فجأة إلى إنسانٍ رقيق تدمع عينيه من خشية الله تعالى بعد أن كان من المعاندين لهذا الدين.
وتأمل معي العصر الذي نعيشه اليوم، هل بقي للبلاغة مكان يُذكر؟ لقد أصبح للأرقام بلاغة ربما تفوق بلاغة الكلمات، وأصبحت لغة الرقم هي لغة الإقناع ولغة العلم ولغة التطور. والحكمة تقتضي أن تكون معجزة القرآن في هذا العصر معجزة علمية ورقمية.
فالإعجاز العلمي للقرآن لا يخفى على أحد، فقد تحدث كتاب الله عن حقائق علمية وكونية وطبيَّة... لم يكتشفها العلم الحديث إلا منذ سنوات فقط، أليس هذا إعجازاً علمياً للقرآن؟
ولغة الأرقام في القرآن والتي نحاول اليوم اكتشافها سيكون لها الأثر الأكبر في المستقبل لإقناع غير المؤمنين بأن هذا القرآن هو كتاب الله.
لماذا تتكرر القصة في القرآن الكريم؟
إن أي تساؤل حول كتاب الله لا نجد جواباً عنه يُخفي وراءهُ معجزة عظيمة. والسؤال الذي طالما كرره العلماء: ما هو السر الحقيقي وراء تكرار القصة في كتاب الله تعالى؟ وقد تمحورت آراء العلماء في ذلك حول أهداف ثلاثة:
1 ـ الحكمة من تكرار القصة القرآنية في مواضع متعددة من كتاب الله تعالى هي زيادة العبرة والموعظة ولتذكير المؤمن دائماً بعاقبة المكذبين من الأمم السابقة، ليبقى في حالة يقظة وخشية مستمرة وخوف من عذاب الله تعالى.ومن جهة ثانية ليبقى في حالة سرور وتفاؤل برحمة الله ووعده وأنه ينجي عباده المؤمنين.
2 ـ إن من حكمة الله تعالى في ذكر القصة ذاتها في عدة سور هو استكمال جوانب القصة، فتُذكر القصة مختصرة جداً أحياناً وأحياناً مطوَّلة، وأحياناً تُذكر أحداث جديدة في كل مرة. إذن هنا القصة لا تتكرر إنما تتكامل.
3 ـ إن تكرار القصة في مواضع محددة من آيات القرآن يضفي على أسلوب القرآن جمالية وروعة وبياناً لا يمكن للبشر أن يأتوا بمثله. وبالرغم من تكرار القصة عبر سور القرآن الذي استمر نزوله فترة 23 عاماً، لا نجد أبداً أي تناقض أو نقص أو خلاف، إذن نحن هنا أمام معجزة لغوية وبيانية تشهد على أن القرآن كتاب الله تعالى.(5/345)
إن الأهداف الثلاثة هذه صحيحة وتشكل بمجملها جواباً مقنعاً عن سرِّ تكرار القصة القرآنية، ولكن هنالك هدف رابع مهم جدّاً تحدثنا عنه لغة الأرقام. فمعجزة القرآن العظيم لا تقتصر على بلاغته وجمال أسلوبه بل إن وراء هذه اللغة البليغة لغة لا تقل بلاغة عن بلاغة الكلمات، وهي لغة الأرقام التي تأتي اليوم لتثبت بشكل قاطع أن القرآن كتاب مُحْكَم، وأن تكرار القصة إنما يتبع نظاماً رقمياً مذهلاً، وهذا ما سنراه في صفحات هذا البحث إن شاء الله تعالى.
نحو نظام رقمي لسور القرآن
لقد أنزل الله القرآن خلال (23) سنة، وقال فيه: (إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 15/9]، هذا البيان الإلهي يؤكد أن الله تعالى قد حفظ كل شيء في كتابه دون تحريف أو تغيير إلى يوم القيامة، وهذا يقودنا إلى الاستنتاج بأن ترتيب سور القرآن الذي نراه الآن أيضاً قد حدث بعناية الله وحفظه وقدرته، وربما يسأل سائل لماذا يختلف ترتيب سور القرآن عن ترتيب نزول هذه السور زمنياً. وسوف نجد أن هذا الترتيب يخفي وراءه معجزة وهذا ما سنثبته بلغة الأرقام.
لقد تبين من خلال الدراسة العلمية الرقمية لتكرار كلمات القرآن، بأن هذا التكرار يتبع نظاماً رقمياً مُحْكَماً يعتمد على الرقم (7)، وسوف نقتصر في بحثنا هذا على كشف النظام المذهل لسور القرآن. والمنهج الجديد الذي نعتمده هو صف أرقام السور بجانب بعضها حسب تسلسلها في كتاب الله، وقراءة هذه الأرقام كما هي من دون أن نجمعها أو نغير فيها شيئاً، بكلمة أخرى: ندرس القرآن كما هو دون زيادة أو نقصان أو تبديل أي شيء فيه. وهذه الطريقة تعطي نتائج دقيقة حتى إنه يمكننا القول: إن كل كلمة وكل حرف في هذا القرآن إنما وضعه الله تعالى وفق نظام دقيق جداً، ولو تغير حرف واحد لاختل هذا النظام البديع.
فالقرآن كتاب مُحْكَم كيفما نظرنا لآياته وسوره وجدناها مُحْكَمة إحكاماً دقيقاً، ولكي ندرك جانباً من هذا الإحكام وعلاقته بالرقم (7) نلجأ إلى أول سورة وآخر سورة في كتاب الله لنجد أن رقم أول سورة هو (1)، ورقم آخر سورة هو (114). نضع هذين الرقمين في جدول بسيط:
السورة ... أول سورة في القرآن آخر سورة في القرآن
رقمها ... 1 114
من هذا الجدول عندما نصف الرقمين (1 ـ 114) نحصل على عدد جديد هو (1141) أي (ألف ومئة وواحد وأربعون)، هذا العدد الذي يمثل أول وآخر سورة يقبل القسمة تماماً على (7)، أي العدد (1141) ينقسم على (7) من دون باقٍ، لذا:
1141 = 7 × 163
إن مجموع أرقام العدد (1141) هو سبعة:1+ 4+ 1+ 1 = 7
إن سور القرآن العظيم البالغ عددها (114) سورة قد رتبها الله تعالى ونظم كلماتها بشكل يعجز البشر عن الإتيان بمثله. فنجد الكلمة القرآنية تتكرر عبر سور القرآن بنظام رقمي يكون الرقم (7) هو الرقم المشترك بين هذه السور.
في الفقرات القادمة سوف نشاهد بعض المواقف من قصص القرآن، وكيف تكررت كلماتها بنظام مُحْكَم.
وتجدر الإشارة إلى أن هذه الأمثلة هي جزء صغير وصغير جداً مما هو موجود في كتاب الله عزَّ وجل.
من قصة إبراهيم عليه السلام
أول شيء رفضه الأنبياء جميعاً هو عبادة الأصنام، فهذا خليل الرحمن إبراهيم عليه السلام يبدأ بأبيه الذي كان يتخذ آلهة من الأصنام فيقول منكراً عليه هذا العمل: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لأَبِيهِ آزَرَ أَتَتَّخِذُ أَصْنَاماً آلِهَةً إِنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ) [الأنعام: 6/74]، وتتكرر قصة إبراهيم عبر آيات القرآن، ولكن في موضع آخر يوجه النداء إلى أبيه وقومه معاً فيقول: (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ إِبْرَاهِيمَ (69) إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَامًا فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ) [الشعراء: 26/69 ـ 71].
الملفت للانتباه في هذين النصين من كتاب الله أن كلمة (أصناماً) لم ترد في القرآن كله إلا في هاتين السورتين فقط. ودائماً في سياق قصة إبراهيم، بكلمة أخرى كلمة (أصناماً) خاصة بقصة سيدنا إبراهيم عليه السلام. وهنا نكتشف شيئاً جديداً وهو أن كل كلمة من كلمات القرآن تستخدم استخداماً دقيقاً جداً من أول القرآن وحتى آخره.
إذن نحن أمام نظام لغوي مُحْكَم، يرافقه نظام رقمي مُحْكَم أيضاً، ولكن كيف ذلك، وما علاقة سورة الأنعام بسورة الشعراء؟ وما علاقة الرقم (7) بذلك؟
عندما نقوم بصَف رقمي السورتين (6 ـ 26) يتشكل لدينا عدد جديد هو (266) (مئتان وستة وستون)، إن هذا العدد من مضاعفات الرقم (7)، أي ينقسم على (7) تماماً:
266 = 7 × 38
إن هذه النتيجة تتكرر كثيراً في كلمات القرآن، فمثلاً نجد البيان القرآني يثني على إبراهيم عليه السلام وصبره وكثرة رجوعه إلى الله تعالى وشدة حِلمِه وإنابته للخالق عز وجل.(5/346)
يقول عز وجل في مُحْكَم الذكر عن إبراهيم عليه السلام: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لِأَبِيهِ إِلَّا عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) [التوبة: 9/114]، ويتكرر هذا الثناء على إبراهيم عليه السلام في سورة أخرى، يقول تعالى: (إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوَّاهٌ مُنِيبٌ) [هود: 11/75]. وهنا نجد حقائق لغوية ورقمية، فكلمة (أواه) في القرآن لم ترد إلا في هاتين السورتين، وكما نرى الحديث دائماً مرتبط بصفة لإبراهيم عليه السلام، وكأن الله تعالى قد خَصَّ كل نبيٍّ بصفات لم يعطها لغيره. فكلمة (أواه) هي صفة لسيدنا إبراهيم عليه السلام، وهذه حقيقة لغوية لا يمكن ّّّلأحدٍ أن ينكرها.
وهنا نجد النظام نفسه يتكرر مع هذه الكلمة، فعندما نقوم بصفّ رقمي السورتين (9 ـ 11) نجد عدداً جديداً هو (119)، هذا العدد أيضاً ينقسم على (7) من دون باق:
119 = 7 × 17
وهنا لدينا ملاحظة مهمة وهي أن سورة التوبة نزلت بعد سورة هود بسنوات ولكننا نجد ترتيبها في القرآن بعكس ذلك. وهنا ربما نستنتج جزءاً من الحكمة في تسلسل سور القرآن بالشكل الذي نراه. فقد اقتضت حكمة الله تعالى أن يختار ترتيباً لسور كتابه يناسب النظام الرقمي المُحْكَم لهذه السور، فلو تغيرَّ هذا الترتيب لاختل هذا النظام, والله تعالى أعلم.
إذن ترتيب سور القرآن تم بوحي وقدرة وإلهامٍ من الله سبحانه وتعالى، وهذا دليل على صدق هذا القرآن وصدق رسالة الإسلام إلى البشر جميعاً.
ويجب ألا يخفى علينا أن الله تعالى قد نظَّم كل شيء في هذا الكون، كذلك نظمَّ كل شيء في هذا القرآن.
من قصة بني إسرائيل ...
لقد أنجى الله بني إسرائيل من عدوّهم فرعون ومنَّ عليهم بنعمٍ كثيرة، ولكنهم قابلوا هذه النعم بالعصيان والطغيان. هذا هو كتاب الله ينطق بالحق ليعبرَّ لنا عن حقيقة هؤلاء القوم، وقد وضع الله تعالى بحكمته كل كلمة من كلمات هذه القصة بشكل يعجز البشر عن الإتيان بمثله.
قصة موسى عليه السلام مع بني إسرائيل تكررت كثيراً في القرآن، هذا التكرر يخفي وراءه معجزة رقمية. فعندما يتحدث القرآن عن نجاة بني إسرائيل من فرعون يُكرّر هذا الحدث بنظام دقيق. فكلمة ( أَنجَيْنَاكُم} تكررت في القرآن كله (3) مرات في هذه الآيات:
1 ـ (وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ) [البقرة: 2/50].
2 ـ (وَإِذْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَونَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُقَتِّلُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاء مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) [الأعراف: 7/141].
3 – (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنْجَيْنَاكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) [طه: 20/80].
هذه الكلمة لم ترد في القرآن إلا أثناء الحديث عن بني إسرائيل ولم ترد في أية قصة أخرى، فهذه الكلمة خاصة ببني إسرائيل واستُخدمت في وصف الموقف ذاته.
ومع أن السور الثلاثة التي ذكرت فيها هذه الكلمة متباعدة منها ما نزل بمكة ومنها ما نزل بالمدينة، إلا أنها جاءت منسجمة من حيث المعنى اللغوي فلا خلاف بينها. والعجيب فعلاً أن ترتيب هذه السور الثلاثة في القرآن يتبع نظاماً رقمياً.
والعدد الذي يمثل هذه السور الثلاث (2072) ينقسم على (7) تماماً:
2072 = 7 × 296
لقد أنجى الله تعالى بني إسرائيل من عدوهم فرعون، ليس هذا فحسب بل أنزل الله عليهم المن والسلوى عسى أن يشكروا نعمة الله عز وجل، ويحدثنا القرآن عبر (3) آيات عن هذه النعم، فيقول:
1 ـ (وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [البقرة: 2/57].
2 ـ (وَقَطَّعْنَاهُمُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى إِذِ اسْتَسْقَاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ وَظَلَّلْنَا عَلَيْهِمُ الْغَمَامَ وَأَنزَلْنَا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِن كَانُواْ أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ) [الأعراف: 7/160].
3 ـ (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ قَدْ أَنجَيْنَاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ وَوَاعَدْنَاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى) [طه: 20/80].
تتكرر هذه الحقيقة ثلاث مرات ولكن النظام الرقمي يبقى واحداً، ويبقى الرقم (7) هو محور هذا الإعجاز الإلهي.(5/347)
إن أرقام السور هذه (2-7-20) تشكل عدداً يقبل القسمة على (7) تماماً:
2072 = 7 × 296
ولكن قد يسأل سائل: ماذا عن أرقام الآيات؟ ونقول إن كل شيء في هذا القرآن منظم بنظام دقيق يفوق طاقة الإنس والجن. لذلك رأينا أن أرقام السور الثلاث تشكل عدداً من مضاعفات الرقم سبعة، ولنكتب الآن أرقام هذه الآيات الثلاث لنرى أن النظام الرقمي يبقى مستمراً:
إن العدد الذي يمثل هذه الآيات الثلاث هو (8016057) (عدد مركب من 7 مراتب) ويقبل القسمة على (7) تماماً:
8016057 = 7× 1145151
وهنا نرى أن ناتج هذه القسمة (1145151) عدد مكون من (7) مراتب ويقبل القسمة على (7) أيضاً:
1145151 = 7× 163593
ولكن بعد هذه النعم العظيمة لبني إسرائيل كيف كان ردهم على ذلك، وكيف قابلوا هذه النعم؟ لقد قابلوا هذه النعم بالعصيان على الرغم من سماعهم لصوت الحق، لنتأمل هاتين الآيتين في صفة بني إسرائيل وكيف عبَّر عنهم البيان الإلهي:
1 ـ (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاسْمَعُواْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَأُشْرِبُواْ فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِن كُنتُمْ مُّؤْمِنِينَ) [البقرة: 2/93].
2 ـ (مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا وَاسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَرَاعِنَا لَيّاً بِأَلْسِنَتِهِمْ وَطَعْناً فِي الدِّينِ وَلَوْ أَنَّهُمْ قَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا وَاسْمَعْ وَانظُرْنَا لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَقْوَمَ وَلَكِن لَّعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 4/46].
إن عبارة سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا لم ترد في القرآن كله إلا في هذين الموضعين وكما نرى الحديث دائما على لسان بني إسرائيل، وكأن الله تعالى يريد أن يقول لنا بأن هذه الكلمة لا تليق إلا بهؤلاء، فهي لم ترد على لسان أي من البشر إلا بني إسرائيل!
هذه الحقيقة نكتشفها اليوم لنعلم حقيقة هؤلاء اليهود الذين حرفوا كلام الله، لذلك جاءت كلمة (وَعَصَيْنَا) لتعبر تعبيراً دقيقاً عن مضمون هؤلاء. وقد لاحظتُ شيئاً عجيباً في هاتين الآيتين:
1 ـ الآية الأولى جاءت بصيغة الماضي قَالُواْ ، فهذا يدل على ماضيهم وتاريخهم في المعصية. ولكي لا يظن أحد أن هذا الماضي انتهى جاءت الآية الثانية بصيغة الاستمرار وَيَقُولُونَ للدلالة على حاضرهم ومستقبلهم في معصية أوامر الله تعالى، فهم في حالة عصيان مستمر.
2 ـ ولكن لغة الأرقام تأتي لتنطق بالحق وتصدق قول الله تعالى، فأرقام السورتين تشكل عدداً يقبل القسمة على (7)، وكما نرى العدد الذي يمثل السورتين هو(42) يقبل القسمة على (7) تماماً:
42 = 7 × 6
لم يكتفوا بعصيانهم بل أغلقوا قلوبهم وغلفوها بغلاف من الجحود والكفر، ويأتي البيان القرآني ليصف قلوب هؤلاء على لسانهم، ولنستمع إلى هاتين الآيتين:
1 ـ (وَقَالُواْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ) [البقرة: 2/88].
2 ـ (فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِم بَآيَاتِ اللّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقًّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 4/155].
وهنا من جديد نجد أن عبارة قُلُوبُنَا غُلْفٌ لم ترد في القرآن كله إلا في هذين الموضعين، وهذا يثبت أن كلمات القرآن تُستخدم بدقة متناهية فكلمة غُلْفٌ هي كلمة خاصة ببني إسرائيل بل لا تليق هذه الكلمة إلا بهم. ولكن هنالك شيء أكثر إدهاشاً.
1 ـ فالآية الأولى جاءت على صيغة الماضي وَقَالُواْ لتخبرنا عن ماضي هؤلاء وحقيقة قلوبهم المظلمة، ثم جاءت الآية الثانية بصيغة الاستمرار وَقَوْلِهِمْ لتؤكد حاضرهم ومستقبلهم أيضاً، وهذا التدرج الزمني كثير في القرآن، فتسلسل الآيات والسور يراعي هذه الناحية لذلك يمكن القول بأن القرآن يحوي من الإعجازات ما لا يتصوره عقل: لغوياً وتاريخياً وعلمياً وفلسفياً وتشريعياً ورقمياً، ألا نظن أننا أمام منظومة إعجازية متكاملة في هذا القرآن؟
2 ـ في الآية الأولى نلاحظ قول الله تعالى وردّه عليهم بَل لَّعَنَهُمُ اللَّه بِكُفْرِهِمْ ، وهذا منتهى الذل أن يلعنهم الله فماذا بقي لهم من الأمل في الدنيا أو الآخرة؟ ولكن الآية الثانية نجد قول الله ورده عليهم بصيغة ثانية: بَلْ طَبَعَ اللّهُ عَلَيْهَا وهذا يؤكد أنه لا أمل لهذه القلوب أن تنفتح أمام كلام الله، فقد لعنهم الله وطبع على قلوبهم فماذا ينتظرون بعد ذلك؟
3 ـ ولكن هل تنطبق هذه المواصفات على جميع اليهود؟(5/348)
إن نهايتَي الآيتين تجيبنا على ذلك، فالآية الأولى انتهت بـ فَقَلِيلاً مَّا يُؤْمِنُونَ للدلالة على قلة إيمانهم أما الآية الثانية فانتهت بـ فَلاَ يُؤْمِنُونَ إِلاَّ قَلِيلاً حتى المؤمنون منهم عددهم قليل جداً.
إذن هم قليلو الإيمان كيفاً وكماً. وهنا نتساءل: أليست هذه معجزة بلاغية فائقة؟
ولكن للأرقام أيضاً بلاغتها ومنطقها، فقد جاءت أرقام السورتين متناسبة مع الرقم (7)، العدد (42) في هذا الجدول يقبل القسمة على (7) أيضاً:
42 = 7 × 6
وهكذا لو سرنا عبر قصة بني إسرائيل في القرآن ومواقفهم مع نبي الله موسى عليه السلام، لرأينا أن كل شيء يسير بنظام، وهذه القصة تحتاج لبحث مستقل بل مجموعة من الأبحاث لكشف أسرار معجزة هذا القرآن.
من قصة صالح عليه السلام
النبي صالح عليه السلام هو رسول كريم أرسله الله لقوم زاد طغيانهم واستكبروا في الأرض بغير الحق، إنهم قوم ثمود، لم يدمرهم الله فجأة، بل أرسل إليهم من يحاورهم ويقيم عليهم الحُجَّة ويُقنعهم؟ وهكذا حال رسُل الله عليهم السلام، جاءوا بالبينات وبالمجادلة بالتي هي أحسن.
لقد كانت معجزة هذا النبي الكريم هي الناقة التي أيَّده الله تعالى بها، فما هي الآيات التي تحدثت عن معجزة هذا النبي الكريم؟ وهل يوجد وراء تكرارها معجزة ثانية؟
لقد تكررت كلمة (الناقة) في القرآن بالضبط (7) مرات، والحديث دائماً يخص قصة ثمود مع نبيهم صالح عليه السلام. لنستعرض هذه الآيات السبعة لنرى أنه لا يوجد تكرار في القرآن، بل نظام متكامل:
1 ـ (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الأعراف: 7/73].
2 ـ (فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [الأعراف: 7/77].
3 ـ (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ) [هود: 11/64].
4 ـ (وَمَا مَنَعَنَا أَن نُّرْسِلَ بِالآيَاتِ إِلاَّ أَن كَذَّبَ بِهَا الأَوَّلُونَ وَآتَيْنَا ثَمُودَ النَّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُواْ بِهَا وَمَا نُرْسِلُ بِالآيَاتِ إِلاَّ تَخْوِيفاً) [الإسراء: 17/59].
5 ـ (قَالَ هَذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الشعراء: 26/155].
6 ـ (إِنَّا مُرْسِلُو النَّاقَةِ فِتْنَةً لَّهُمْ فَارْتَقِبْهُمْ وَاصْطَبِرْ) [القمر: 54/27].
7 ـ (فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ نَاقَةَ اللَّهِ وَسُقْيَاهَا) [الشمس: 91/13].
إذن تتكرر كملة النَّاقَةِ سبع مرات في القرآن، وكما نرى الحديث دائماً في الآيات السبعة عن قصة سيدنا صالح عليه السلام مع قومه ثمود. ولو تعمقنا في هذه القصة كيف تكررت في القرآن نجد أنه في كل سورة تذكر فيها هذه القصة نجد أسلوباً جديداً في التعبير، وبالرغم من ذلك لا نجد أثراً لأي تناقض أو اختلاف، أليس هذا دليلاً على أن القرآن هو كتاب مُحْكَم؟
وفي بحثنا هذا نحن نستخدم لغة الأرقام لإثبات معجزة القرآن في كل عصرٍ من العصور. إن أرقام السور التي وردت فيها كلمة نَاقَةَ هي:
7-11-17-26-54-91
إن هذه السور تتبع نظاماً رقمياً يعتمد على الرقم سبعة، فعندما نقوم بصف أرقام هذه السور يتشكل لدينا عدد ضخم هو: (91542617117) هذا العدد ينقسم على (7) تماماً، لنرى مصداق ذلك بلغة الأرقام:
91542617117 = 7 × 13077516731
إننا في هذه النتيجة أمام حقيقة رقمية ثابتة، فكلمات القرآن تتكرر بنظام مُحْكَم وفق خطة رسمها البارىء عز وجل لكتابه ليكون أعظم كتاب على الإطلاق. فعلى الرغم من تباعد هذه السور الستة ونحن نعلم أنها نزلت خلال فترة زمنية تمتد سنواتٍ، جاءت كلمة (الناقة) دائماً في القصة ذاتها ولم ترد في أية قصة أخرى، وهكذا حال كثير من كلمات القرآن الكريم.
ولكي نزداد يقيناً بعظمة هذا النظام المُحْكَم ندقق النظر في هذه القصة وتكرارها في كتاب الله. فقد ورد تحذير على لسان صالح عليه السلام فقال لقومه في ثلاث مواضع من القرآن عن عذاب الله:
1 ـ (وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [الأعراف: 7/73].(5/349)
2 ـ (وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ) [هود: 11/64].
3 ـ (وَلَا تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ) [الشعراء: 26/156].
هذه العبارة لم ترد إلا في هذه المواضع الثلاثة من كتاب الله، ودائماً على لسان صالح عليه السلام، والمذهل أن كلمة فَيَأْخُذَكُمْ لم ترد في القرآن كله إلا في هذه الآيات الثلاث، وكأن هذه الكلمة خاصة بقوم ثمود وأنه سيأخذهم عذاب أليم ـ’قريب ـ عظيم.
وانظر معي إلى التدرج اللغوي في هذه الآيات الثلاث عن صفة عذاب الله فحذرهم أولاً من (عذاب أليم) ولكنهم لم يستجيبوا لهذا التحذير فأكد لهم بعدها بقوله: (عذاب قريب) أي أن عذاب الله قد اقترب، ولكنهم لم يبالوا بهذا النداء فجاءهم التحذير الأخير ليصف أن اليوم الذي ينتظرهم قد اقترب كثيراً فقال لهم (عذاب يوم عظيم) فأكد صدق هذا الوعد بكلمة (يوم) وأنه سيكون يوماً عظيماً
هذا التدرج اللغوي المُحْكَم الذي يدل على إعجاز القرآن، نجد وراءه تدرجاً رقمياً مذهلاً، فأرقام السور الثلاث هذه أيضاً لها علاقة بالرقم سبعة، إن العدد الذي يمثل أرقام السور الثلاثة هو 26117 يقبل القسم على سبعة تماماً:
26117 = 7 × 3731
والعجيب أن ناتج القسمة هذا أيضاً ينقسم على (7) تماماً:
3731 = 7× 533
تجدر الإشارة إلى أن كلمة (ولا تمسّوها) أيضاً لم ترد إلا في هذه الآيات الثلاث، فهي كلمة خاصة بقصة قوم ثمود ولم ترد في أي موضع آخر. إننا في هذه الحالة أمام برنامج متكامل لاستخدام الكلمات في القرآن، وهذا إعجاز جديد في كتاب الله تعالى وهو إعجاز استخدام الكلمات في القرآن الكريم.
ونتساءل: هل يستطيع أدباء البشر وشعراؤهم وعلماؤهم أن يؤلفوا كتاباً ضخماً مثل القرآن ويحددوا مسبقاً استخدام كل كلمة من كلماته؟
نعود الآن للآيات السبعة حيث وردت كلمة (الناقة) فإذا دققنا النظر في هذه الكلمة نجد أنها وردت بصيغة (ناقة) أي غير معرَّفة (من دون الـ التعريف) (4) مرات، المذهل أن العدد الذي يمثل هذه السور الأربعة يبقى قابلاً للقسمة على (7) تماماً:
9126117 = 7 × 1303731
وهنا نستنتج أن النظام الرقمي المُحْكَم لا يقتصر على كل كلمة من كلمات القرآن فحسب، بل على شكل هذه الكلمة أيضاً. وبالنتيجة يمكن القول: كيفما نظرنا لهذا القرآن وجدناه كتاباً مُحْكَماً.
وعلى الرغم من معجزة صالح عليه السلام، وتحذيره لقومه فإنهم كانوا قوماً مفسدين، لم يستجيبوا لنداء الله تعالى ولا لتحذير رسوله فعقروا هذه الناقة. ويأتي البيان الإلهي ليصف هذا التعدي على حدود الله وعاقبة ذلك. لنتأمل الآيات الثلاث الآتية:
1 ـ (فَعَقَرُوهَا فَقَالَ تَمَتَّعُواْ فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ) [هود: 11/65].
2 ـ (فَعَقَرُوهَا فَأَصْبَحُوا نَادِمِينَ) [الشعراء: 26/157].
3 ـ (فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوهَا فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنبِهِمْ فَسَوَّاهَا) [الشمس: 91/14].
إن كلمة (عقروها) لم ترد في القرآن كله إلا في هذه الآيات الثلاث، وكما نرى الحديث دائماً عن قصة ثمود. في هذه الآيات معجزة يمكن تسميتها بمعجزة تسلسل الحدث في القرآن. فالآية الأولى تحدثت عن وعد صالح عليه السلام لهم بالعذاب جزاء فعلتهم، ثم تأتي الآية الثانية لتعبر عن ندمهم لأنهم أدركوا أن العذاب واقع لا محالة. أما الآية الثالثة فجاءت بالعذاب مباشرة (فدمدم عليهم ربّهم). إذن جاءت التدرج الزمني للأحداث عبر الآيات الثلاث من الوعد بالعذاب.. إلى اقتراب هذا العذاب حيث لا ينفع الندم...
وأخيراً وقوع هذا العذاب. ومع أن هذه الآيات متباعدة من حيث النزول ومن حيث الترتيب في القرآن فقد جاءت متناسقة ومتدرجة وتعبر تعبيراً دقيقاً عن حقيقة هذه القصة. فأين هم كُتاّب القصة من نظام كهذا؟
إن أحدنا ينسى ما كتبه في الأسبوع الماضي، فهل بقي محمد ‘ وهو النبي الأمي متذكراً هذه القصة وغيرها (23) سنة؟ أليس في هذا دليل على صدق رسالة هذا الرسول الكريم عليه أفضل الصلاة والتسليم؟
ولكن قد يأتي من لا تقنعه لغة الكلمات هذه على وضوحها، فهل أعد الله لأمثال هؤلاء لغة تقنعهم؟ إنها لغة الرقم التي لن يجد أعداء القرآن مهرباً من الاعتراف بها ولوفي قرارة أنفسهم.
فلو عدنا للآيات الثلاث حيث وردت كلمات (عقروها) لوجدنا أنها تقع في ثلاث سور ، إن العدد الذي يمثل هذه السور الثلاث هو(912611) ينقسم على (7) تماماً:
912611 = 7 × 130373
وسبحان الله! أرقام السور ذاتها تتكرر ويبقى نظام ثابتاً وواحداً وشاهداً على وحدانية البارىء عز وجل!!
ملاحظة:
إن أرقام السور الستة حيث وردت كلمة (الناقة) تتشابك مع بعضها دون أن يختل النظام الرقمي لها:
1 ـ كلمة (الناقة) وردت في السور: (7، 11، 17، 26، 54، 91).(5/350)
2 ـ كلمة (ناقة) وردت في السور: (7، 11، 26، 91).
3 ـ كلمة (يأخذكم) وردت في السور: (7، 11، 26).
4 ـ كلمة (عقروها) وردت في السور: (11، 26، 91).
وانظر معي إلى عظمة المعجزة الرقمية، فالأرقام ذاتها تتكرر والكلمات أيضاً نفسها تتكرر ويبقى النظام الرقمي واحداً لا يختلف ولا يتغير. فكل عدد من الأعداد الأربعة السابقة يقبل القسمة على (7) تماماً:
1 ـ (91542617117) : يقبل القسمة على (7).
2 ـ (9126117) : يقبل القسمة على (7).
3 ـ (26117) : يقبل القسمة على (7).
4 ـ (912611) : يقبل القسمة على (7).
إن هذه الأعداد الأربعة قد دخل في تركيبها العدد (11) (رقم سورة هود) والعدد (26) (رقم سورة الشعراء)، أما الرقم (7) (سورة الأعراف) فقد دخل في تركيب الأعداد الثلاث الأولى... وهكذا منظومة وشبكة من الأرقام، فهل نستطيع نحن البشر تركيب مجرد أرقام بهذه المواصفات؟ فكيف إذا كانت هذه الأرقام تعبر عن أحداث وقصص وكلمات بليغة؟ أليست هذه آية من آيات الله في آفاق أرقام الواسعة؟ الإعجاز التاريخي لقصص القرآن
لا يوجد في العالم كتاب مثل القرآن يسرد القصة ويكررها مراراً، وبالرغم من ذلك لا تملُّ منه الألسُن ولا يشبع منه العلماء ولا تنقضي عجائبه، وهذا أمر طبيعي فالقرآن كتاب الله رب البشر، فهل يعقل أن يتفوق البشر على خالقهم؟ والذي لا يؤمن بكتاب ربه فبمَ يؤمن إذن؟
وفي هذا البحث تصديق واضح لكلام الله تعالى، فلو أراد أحد أن يؤلف كتاباً يشبه القرآن ويراعي النظام الرقمي لتكرار الكلمات فلن يستطيع بل سيحصل على ما يشبه الكلمات المتقاطعة التي لا معنى لها، وربما هذه لا يتمكن منها أبداً. فالله تعالى تحدى الإنس والجن أن يأتوا بمثل هذا القرآن ليس لغوياً فحسب بل رقمياً أيضاً.
فلو قام أحدنا بتركيب أرقام تنقسم على (7)، فإنه سيجد صعوبة وجهداً خصوصاً عندما تكثر هذه الأرقام. ولا ننسى أننا في هذا النظام الرقمي لسور القرآن نحن أمام أعداد محددة ومتسلسلة، أي من (1) وحتى (114)، وتراعي تسلسل سور القرآن، فلا يجوز تقديم رقم على رقم أو سورة على سورة، وبالرغم من ذلك نجد أن كلمات القرآن كلها مُحْكَمة سواءً رأينا هذا الإحكام أم لم نتمكن من رؤيته. والأمثلة في هذا البحث هي غيض من فيض فلو استعرضنا كلمات القرآن كلها وحروفه، لاحتجنا إلى مئات الأبحاث العلمية. ولكن الهدف ليس كثرة الأرقام بل ما تعبر عنه هذه الأرقام، لندرك عظم شأن هذا القرآن وعظم هذا النبي الأمي ‘ الذي علم العلماء وكان رحمة للعالمين.
والآن سوف نرى أن النظام المُحْكَم لسور القرآن لا يقتصر على كلماته فحسب, بل الكلمات التي تعبر عن مرحلة زمنية أيضاً منظمة تنظيماً زمنياً دقيقاً.
إبراهيم ويوسُف عليهما السلام
قصتين في القرآن لرسولين تجمع بينهما صفة الصبر على الأذى، إبراهيم عليه السلام صبر على أذى أبيه وقومه ويأتي بعده يوسف عليه السلام ليصبر على إخوته، وفي كلتا القصتين يأتي الأذى من قريب (أبو إبراهيم ـ وإخوة يوسف). وتبدأ قصة إبراهيم عليه السلام: عندما علَّمه الله تعالي وأراه ملكوت السماوات والأرض. يقول تعالى في قصة إبراهيم عليه السلام: (فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ) [الأنعام: 6/76].
ويأتي من بعده يوسف عليه السلام لتبدأ قصتهُ أيضاً برؤيا يقصها على أبيه فيقول: (إِذْ قَالَ يُوسُفُ لِأَبِيهِ يَا أَبتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ) [يوسف: 12/4]. والعجيب أن كلمة (كوكباً) لم ترد في القرآن إلا في هاتين الآيتين في سياق قصة إبراهيم وقصة يوسف عليهما السلام. وجاء تسلسل الآيتين في كتاب الله مطابقاً للتسلسل التاريخي لقصة هذين الرسولين. فكما نعلم إبراهيم يسبق يوسف زمنياً فيوسف هو حفيد إبراهيم، وهذه معجزة تاريخية لقصص القرآن العظيم.
أرقام السورتين حيث وردت كلمة (كوكباً) حسب تسلسلها في القرآن تشكل عدداً هو (126) من مضاعفات الرقم سبعة:
126 = 7 × 18
حتى أرقام الآيتين قد رتبها الله تعالي بشكل يتناسب مع الرقم (7)، إن العدد الذي يمثل رقم الآيتين هو (476) ينقسم على (7) تماماً:
476 = 7 × 68
ولكن العجيب أن ناتجي القسمة في كلتا الحالتين (18) و(68) لو قمنا بصف هذين العددين لنتج معنا عدد يقبل القسمة على (7) أيضاً:
6818 = 7 × 974
إذن أرقام السور نظمها الله بنظام مُحْكَم، أرقام الآيات أيضاً نظمها الله بنظام مُحْكَم، وحتى ناتج القسمة نظَّمه الله تعالى بنظام مُعجز، أليست هذه معجزة تستحق التدبر والاهتمام؟ وهل يمكن لمعجزة القرآن العظيم أن تكون وسيلة لزيادة الإيمان وزيادة التدبر في آيات القرآن وبالتالي زيادة القرب من الله تعالى؟
كلمة لأربع أنبياء(5/351)
يبشر الله عباده المؤمنين برسول كريم اسمه أحمد ‘، وتأتي البشرى على لسان روح الله وكلمته المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فيقول هذا الرسول الكريم لبني إسرائيل مبشراً لهم: (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) [الصف: 61/6]. ونحن نعلم أنه لا نبي بعد رسول الله ‘ فهو خاتم النبيين.
إن عبارة (من بعدي) في هذه الآية تدل على زمن، هذه العبارة تكررت في القرآن، ونسأل: كيف تكررت هذه العبارة وعلى لسان مَن وردت؟ وما هو ترتيب الآية السابقة التي جاءت على لسان المسيح عليه السلام؟ لنستمع إلى هذه الآيات الأربعة:
1 ـ (أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ) [البقرة:2/133].
2 ـ (وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِن بَعْدِيَ أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الألْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُواْ يَقْتُلُونَنِي فَلاَ تُشْمِتْ بِيَ الأعْدَاء وَلاَ تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأعراف: 7/150].
3 ـ (قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لَّا يَنبَغِي لِأَحَدٍ مِّنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ) [ص: 38/35].
4 ـ (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءهُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُّبِينٌ) [الصف: 61/6].
إن كلمة (بعدي) لم ترد إلا في هذه الآيات الأربعة من القرآن، ولكن السؤال على لسان من وردت هذه الآيات؟ إذا استعرضنا هذه الآيات من القرآن وجدنا أن:
1 ـ الآية الأولى في سياق قصة يعقوب عليه السلام.
2 ـ الآية ثانية في سياق قصة موسى وهارون عليهما السلام.
3 ـ الآية الثالثة في سياق قصة داود وسليمان عليهما السلام.
4 ـ الآية الرابعة في سياق قصة المسيح عليه السلام والبشرى.
هذه لغة القصة في كتاب الله تعالى, ولكن ماذا تخبرنا لغة التاريخ؟
إن تسلسل هذه الآيات الأربعة مطابق تماماً للتسلسل التاريخي لهذه القصص، فنحن جميعاً نعلم دون خلاف أن التسلسل التاريخي للأنبياء الأربعة هو: يعقوب ثم موسى ثم داود ثم المسيح عليهم السلام، لذلك جاء تسلسل الآيات الأربعة موافقاً لهذا الترتيب. وهنا ربما ندرك الحكمة من أن ترتيب سور المصحف يختلف عن ترتيب نزول سور القرآن، لأن هذا الترتيب فيه معجزة!
ولكن هنالك ملاحظة مذهلة وهي أن كلام المسيح عليه السلام والبشرى التي جاء بها، ورد في آخر هذه الآيات وهذا دليل على أنه لا نبي بعد رسول الله ‘. وهذا ليس كل شيء فلا يزال هنالك المزيد، فالأرقام لها حديث هنا، فلو قمنا بكتابة أرقام السور الأربعة حيث وردت كلمة (بعدي) نجد أن العدد الذي يمثل هذه السور الأربعة هو (613872) يقبل القسمة على (7) تماماً:
613872 = 7 × 87696
والعدد الناتج من هذه العملية هو (87696) أيضاً ينقسم على (7) تماماً:
12528 × 7 = 87696
الترتيب الزمني للقصة
الإسلام هودين العلم، لذلك فقد علمَّ الله أنبياءه ورُسلَه الكرام فقال في حق يعقوب عليه السلام: (وَلَمَّا دَخَلُواْ مِنْ حَيْثُ أَمَرَهُمْ أَبُوهُم مَّا كَانَ يُغْنِي عَنْهُم مِّنَ اللّهِ مِن شَيْءٍ إِلاَّ حَاجَةً فِي نَفْسِ يَعْقُوبَ قَضَاهَا وَإِنَّهُ لَذُو عِلْمٍ لِّمَا عَلَّمْنَاهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ) [يوسف: 12/68].
أما العبد الصالح في قصته مع موسى عليه السلام فقد قال الله فيه (فَوَجَدَا عَبْداً مِّنْ عِبَادِنَا آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً) [الكهف: 18/65].
وفي قصة داود وسليمان عليهما السلام فقد علمَّ الله سليمان علوماً كثيرة فقال: (وَعَلَّمْنَاهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَّكُمْ لِتُحْصِنَكُم مِّن بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنتُمْ شَاكِرُونَ) [الأنبياء: 21/80].(5/352)
ولكن عندما يكون الحديث عن خاتم النبيين يأتي البيان الإلهي ليمدح هذا النبي الأمي ‘ ويؤكد بأن كل كلمة نطق بها إنما هي وحي من عند الله تعالى. يقول تعالى عن نبيه وحبيبه المصطفى عليه الصلاة والسلام: (وَمَا عَلَّمْنَاهُ الشِّعْرَ وَمَا يَنبَغِي لَهُ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ) [يس: 36/69].
والعجيب حقاً أن كلمة (عَلَّمْنَاهُ) وردت مع أنبياء الله وعباده المؤمنين دائماً بصيغة الإثبات إلا مع الرسول الأعظم ‘ فقد جاءت بصيغة النفي (وما عَلَّمْنَاهُ) ليؤكد لنا أن القرآن هو كتاب الله تعالى وليس للرسول ‘ ولا حرفاً فيه بل كلٌّ من عند الله. وهذه الحقيقة اللغوية ثابتة لأن كلمة (عَلَّمْنَاهُ) تكررت في القرآن كله 4 مرات، والحديث عن 4 عباد صالحين هم: يعقوب ـ الخَضِر ـ داود ـ محمد عليهم السلام وجاء ترتيب هذه الآيات الأربعة موافقاً ومطابقاً للتسلسل التاريخي.
1 ـ قصة يعقوب عليه السلام.
2 ـ قصة موسى مع الخضر عليهما السلام.
3 ـ قصة داود وسليمان عليهما السلام.
4 ـ حديث عن محمد صلى الله عليه وسلم.
ونتساءل: هل جاء الترتيب الزمني والترتيب القرآني متطابقاً بالمصادفة؟ وهل يمكن لمصادفة أن تتكرر؟
لنكتب أرقام السور الأربعة حيث وردت هذه الكلمة حسب تسلسلها في القرآن:
وهنا نجد الإعجاز الرقمي لهذه الأعداد، فالعدد الجديد المتشكل من أرقام هذه السور الأربعة هو (36211812) يقبل القسمة على (7) تماماً:
36211812 = 7 × 5173116
بعد هذه النتائج التي لا تقبل الجدل فلغة الأرقام هي لغة يقينية وثابتة، وبعدما رأيناه من إعجاز لغوي وتاريخي ورقمي نطرح سؤالاً على كل من لم يؤمن بهذا القرآن: كيف جاء هذا النظام المُحْكَم؟ هل كان الرسول الكريم ‘ متفرغاً للحسابات والأرقام؟ هل كان أصحابه رضوان الله عليهم عندما جمعوا القرآن ورَّتبوه بالشكل الذي نراه وبالشكل الذي ارتضاه الله لكتابه، هل كانوا علماء في الرياضيات والأنظمة الرقمية؟
من خطاب نوح لقومه
لقد استكبر قوم نوح عليه السلام عن الإيمان وطلبوا منه أن يطرد المؤمنين فقال لهم: (وَيَا قَوْمِ لا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مَالاً إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَمَا أَنَاْ بِطَارِدِ الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَلَكِنِّيَ أَرَاكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ) [هود: 11/29].
وفي موضع آخر ورد هذا الرد على لسان نوح عليه السلام فقال لقومه: (وَمَا أَنَا بِطَارِدِ الْمُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 26/114].
إذن كلمة (طارِد) تكررت مرتين في القرآن كله ودائما ترد هذه الكلمة على لسان نوح عليه السلام، وجاءت أرقام السورتين: هود (11)، الشعراء (26) لتشكل عدداً هو (2611) من مضاعفات السبعة بالاتجاهين:
العدد: 2611 = 7 × 373
مقلوبه: 1162 = 7 × 166
ومجموع الناتجين (373) و (66) يعطي عدداً من مضاعفات السبعة لمرتين:
373+ 66 = 539 = 7 × 7 × 11
ولكن الله تعالى ينجي رسله الذين آمنوا، فقد تكررت كلمة (أنجيناه) في حق ثلاثة من رسل الله (نوح ـ هود ـ لوط) عليهم السلام في المواضع التالية:
1 ـ (فَكَذَّبُوهُ فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ وَأَغْرَقْنَا الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً عَمِينَ) [الأعراف: 7/64].
2 ـ (فَأَنجَيْنَاهُ وَالَّذِينَ مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِّنَّا وَقَطَعْنَا دَابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَمَا كَانُواْ مُؤْمِنِينَ) [الأعراف: 7/72].
3 ـ (فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كَانَتْ مِنَ الْغَابِرِينَ) [الأعراف: 7/83].
4 ـ (فَأَنجَيْنَاهُ وَمَن مَّعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ) [الشعراء: 26/119].
5 ـ (فَأَنجَيْنَاهُ وَأَهْلَهُ إِلَّا امْرَأَتَهُ قَدَّرْنَاهَا مِنَ الْغَابِرِينَ) [النمل: 27/57].
6 ـ (فَأَنجَيْنَاهُ وَأَصْحَابَ السَّفِينَةِ وَجَعَلْنَاهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ) [العنكبوت: 29/15].
إذن كلمة (فأنجيناه) تكررت ست مرات والقصة دائماً مع رسل الله عليهم السلام لأن الكافر لا يستحق أبداً النجاة, بل مصيره إلى الهلاك.
لقد جاءت أرقام السور الأربعة: الأعراف (7)، الشعراء (26)، النمل (27)، العنكبوت (29) لتشكل عدداً هو: (2927267) من مضاعفات السبعة:
2927267 = 7 × 418181
لاحظ بأن العدد الذي يمثل أرقام هذه السور (2927267) مؤلف من سبع مراتب! ومجموع أرقامه المفردة السبعة هو عدد من مضاعفات السبعة :
7+ 6+ 2+ 7+ 2+ 9+ 2 = 35 = 7 × 5
من قصة يونس عليه السلام
وردت كلمة (متعناهم) في قصة يونس عليه السلام مع قومه مرتين في القرآن الكريم:
1ـ (فَلَوْلاَ كَانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَهَا إِيمَانُهَا إِلاَّ قَوْمَ يُونُسَ لَمَّا آمَنُواْ كَشَفْنَا عَنْهُمْ عَذَابَ الخِزْيِ فِي الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [يونس: 10/98].(5/353)
2 ـ (فَآمَنُوا فَمَتَّعْنَاهُمْ إِلَى حِينٍ) [الصافات: 37/148].
إن هذه الكلمة تكررت في قصة سيدنا يونس عليه السلام في السورتين: يونس (10) والصافات (37)، وجاءت أرقام السورتين (3710) من مضاعفات السبعة:
3710 = 7 × 530
ولكن هنالك موطن آخر وردت كلمة (متعناهم) فيه وهو قوله تعالى: (أَفَرَأَيْتَ إِن مَّتَّعْنَاهُمْ سِنِينَ) [الشعراء 26/205]، والعجيب أننا إذا ضممنا هذه الكلمة إلى الكلمتين السابقتين يبقى النظام قائماً على الرغم من تداخل الأرقام، لنشاهد ذلك.
إن العدد الذي يمثل أرقام السورتين الثلاث هو: (372610) من مضاعفات السبعة:
372610 = 7 × 53230
إن هذه النتيجة تثبت أنه لا مصادفة في كتاب الله، فلو كان الأمر يتم عن طريق المصادفة لما رأينا هذا التناسب مع الرقم سبعة.
كلام الملائكة
في قصة سيدنا لوط عليه السلام عندما طغى قومه وارتكبوا الفواحش بأنواعها أرسل الله إليهم ملائكة العذاب، وقبل ذهابهم إلى قوم لوط عليهم السلام مروا على سيدنا إبراهيم ليبشروه بالغلام. وقد سألهم سيدنا إبراهيم عليه السلام عن سر مجيئهم فقالوا: (فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لاَ تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُواْ لاَ تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ) [هود: 11/70]، وفي موضع آخر نجد القصة تتكرر ويتكرر جوابهم: (قَالُواْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ) [الحجر: 15/58]، ثم يتكرر هذا الجواب مرة ثالثة
في سياق قصة ثالثة فيقولون: (قَالُوا إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمٍ مُّجْرِمِينَ) [الذاريات: 51/32].
إذن الموقف يتكرر في كتاب الله ثلاث مرات في ثلاث سور وتتكرر الكلمة ذاتها (أُرْسِلْنا) على لسان الملائكة، إن هذه الكلمة خاصة بهذا الموقف بالذات لم
ترد في القرآن كله إلا في هذه المواضع الثلاثة فقط ودائماً على لسان ملائكة الله عليهم السلام في جوابهم لسيدنا إبراهيم عليه السلام، والعجيب أن الله تعالى قد رتب أرقام السور الثلاث حيث وردت هذه الكلمة في السور ذوات الترتيب:
هود (11)، الحجر (15)، الذاريات (51)
لتشكل عدداً هو(511511) من مضاعفات الرقم سبعة وبالاتجاهين:
العدد: 511511 = 7 × 7 × 10439
مقلوبه: 115115 = 7 × 16445
كما أن مجموع أرقام هذا العدد من مضاعفات السبعة :
1+ 1+ 5+ 1+ 1+ 5 = 14 = 7 × 2
من قصة السَّحَرة
نعلم كيف جاء السحرة إلى فرعون وأرادوا أن يبطلوا معجزة سيدنا موسى عليه السلام، ولكن الله لا يصلح عمل المفسدين، فجعلتهم المعجزة يسجدون لله تعالى وينقلبوا من الكفر إلى الإيمان بفضل من الله عز وجل.
وإذا تأملنا في كتاب الله تعالى نجد أن كلمة (السَّحَرة) تكررت في القرآن كله (8) مرات في (4) سور كما يلي:
1 ـ (وَجَاء السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ قَالْواْ إِنَّ لَنَا لأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) [الأعراف: 7/113].
2 ـ (وَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ) [الأعراف: 7/120].
3 ـ (فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُواْ مَا أَنتُم مُّلْقُونَ) [يونس: 10/80].
4 ـ (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّداً قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى) [طه: 20/70].
5 ـ (فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ) [الشعراء: 26/38].
6 ـ (لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِينَ) [الشعراء:26/40].
7 ـ (فَلَمَّا جَاء السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لَأَجْراً إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ) [الشعراء: 26/41].
8 ـ (فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِينَ) [الشعراء: 26/46].
إن العدد الذي يمثل أرقام هذه السور هو (2620107) يتألف من سبع مراتب وهو من مضاعفات السبعة بالاتجاهين:
العدد: 2620107 = 7 × 374301
مقلوبه: 7010262 = 7 × 1001466
كما أننا لو جمعنا أرقام هذه السور جمعاً عادياً نحصل على عدد من مضاعفات السبعة:
7 + 10 + 20 + 26 = 63 = 7 × 9
من قصة المسيح عليه السلام
لقد أعطى الله تعالى لرسوله وعبده ونبيه عيسى ابن مريم عليه السلام معجزات كثيرة أكرمه بها لتكون دليلاً على صدق رسالته في ذلك الزمان.
واليوم مع أننا لا نرى معجزات المسيح عليه السلام، إلا أننا نستطيع رؤية المعجزة الرقمية لتكرار قصة هذا الرسول الكريم في القرآن الكريم. فمن أحب أن يعرف حقيقة المسيح عليه السلام فعليه أن يقرأ القرآن!
ومن معجزات هذا النبي أنه كلم الناس وهو طفل في المهد، وهذه معجزة من معجزات المسيح عليه السلام تحدث عنها القرآن. فقد وردت كلمة (المهد) في القرآن كله ثلاث مرات في ثلاث سور هي:
1 ـ (وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَمِنَ الصَّالِحِينَ) [آل عمران: 3/46].(5/354)
2ـ (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) [المائدة: 5/110].
3 ـ (فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيّاً) [مريم: 19/29].
ولو قمنا بصفِّ أرقام السور الثلاثة:
آل عمران (3)، المائدة (5)، مريم (19)
نجد العدد (1953) من مضاعفات السبعة بالاتجاهين:
العدد: 1953 = 7 × 279
مقلوبه: 3591 = 7 × 513
وهنا تجدر الملاحظة بأننا أمام ثلاث سور وهي: آل عمران ـ المائدة ـ مريم، ومع أن سورة مريم نزلت قبل سورتي آل عمران والمائدة إلا أن تسلسلها في ترتيب سور القرآن جاء بعد هاتين السورتين، لأن هذا الترتيب ضروري للنظام الرقمي، ولو تغير هذا الترتيب لاختل هذا النظام المُحْكَم!
إذن يمكن القول بأن هذا الترتيب الذي نراه لسور كتاب الله تعالى، مع أنه تم على أيدي الصحابة رضوان الله عليهم إلا أن الله تعالى هو الذي تولى ترتيب هذه السور بالشكل الذي ارتضاه.
ولو كان ترتيب سور القرآن من صنع بشر (أي جاء بالمصادفة) لما رأينا هذا النظام المُحْكَم أبداً.
ولكي نزداد يقيناً بمصداقية هذا النظام العجيب وأنه صادر من لدن حكيم خبير. نأتي إلى صفة مهمة أيَّد الله بها المسيح عليه السلام وهي (روح القُدُس) فقال: (وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ) [البقرة: 2/87].
ويتكرر هذا التصريح الإلهي بحرفيته في آية ثانية: (تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) [البقرة 2/253].
ثم يؤكد الله تعالى هذه الحقيقة مرة ثالثة بقوله في خطابه للمسيح عليه السلام: (إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَإِذْ تَخْلُقُ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ بِإِذْنِي فَتَنفُخُ فِيهَا فَتَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِي وَتُبْرِئُ الأَكْمَهَ وَالأَبْرَصَ بِإِذْنِي وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوتَى بِإِذْنِي وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ) [المائدة: 5/110].
هذه آيات ثلاث خاصة بسيدنا المسيح عليه السلام، ولكن إذا بحثنا عن (روح القُدُس) في القرآن كله نجد أن هذه الكلمة قد وردت في موضع آخر في الحديث عن المؤمنين وأن الله تعالى قد نزل القرآن بواسطة روح القدس على قلب الحبيب المصطفى، يقول تعالى: (قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ) [النحل: 16/102].
إذن كما أيد الله نبيه عيسى عليه السلام بروح القدس كذلك أيَّد نبيه محمداً ‘ بروح القدس، وجاءت أرقام السور كما يلي:
إن العدد (1652) من مضاعفات السبعة ومجموع أرقامه كذلك:
1652 = 7 × 236
2 + 5 + 6 + 1 = 14 = 7 × 2
في سياق قصة المسيح عليه السلام تكررت كلمة (الحواريون) ثلاث مرات في الآيات:
1 ـ (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 3/52].(5/355)
2 ـ (إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَن يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَآئِدَةً مِّنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُواْ اللّهَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ) [المائدة: 5/112].
3 ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ فَآَمَنَت طَّائِفَةٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ وَكَفَرَت طَّائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آَمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ) [الصف: 61/14].
أرقام السور الثلاث هي:
آل عمران (3)، المائدة (5)، الصف (61)
تشكل عدداً هو: (6153) من مضاعفات السبعة:
6153 = 7 × 879
خطاب للرسول
القرآن العظيم يكرر الخطاب للمصطفى محمد عليه وعلى آله الصلاة والسلام، وفي العديد من مواضع القرآن نجد الأوامر الإلهية تصدر لحبيب الرحمن والعجيب أن تكرار هذه الأوامر بحرفيتها في القرآن قد جاء بنظام يقوم على الرقم سبعة أيضاً.
فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم وهو الرؤوف بالمؤمنين الرحيم بهم، كان يحزن على هؤلاء المشركين ويتمنى لو يؤمنوا بالله تعالى ورسالته، لذلك جاء الأمر الإلهي بالخطاب لهذا النبي الرحيم عليه الصلاة والسلام: (فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِن لَّمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً) [الكهف: 18/6]، هذا الخطاب ورد في مقدمة سورة الكهف.
وإذا ذهبنا إلى مقدمة سورة الشعراء رأينا العبارة تتكرر من خلال قوله تعالى لحبيبه ‘: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَّفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) [الشعراء: 26/3].
إذن كلمة (باخع) لم ترد في القرآن كله إلا في موضعين والخطاب في كلا الموضعين للرسول صلى الله عليه وسلم، وقد جاءت أرقام السورتين:
الكهف (18)، الشعراء (26)
لتشكل عدداً (2618) من مضاعفات السبعة بالاتجاهين:
العدد: 2618 = 7 × 374
مقلوبه: 8162 = 7 × 1166
ولو قمنا بجمع ناتجي القسمة لوجدنا عدداً من مضاعفات السبعة أيضاً:
374 + 1166 = 1540 = 7 × 220
حتى عندما مكر المشركون برسول الله ‘ أمره ربه سبحانه ألا يكون في ضيق من هذا المكر لأن معه الله تعالى، فقال له: (وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) [النحل: 16/127].
ثم في آية ثانية أكَّد الله تعالى هذا الأمر بقوله لحبيبه: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُن فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ) [النمل: 27/70].
وهنا نجد أن أرقام السورتين:
النحل (16)، النمل (27)
وعند صف الأرقام يتشكل عدد من مضاعفات السبعة:
2716 = 7 × 388
الأوامر تتكرر بنظام
كل شيء في هذا الكتاب العظيم يسير بنظام مُحْكَم، حتى الأوامر الإلهية لعباد الله جاء ترتيبها بنظام يقوم على الرقم سبعة. وكمثال على ذلك نختار الأمر الإلهي (لا تقربوا) حيث يحذر الله تعالى عباده من خطورة الاقتراب مما حرم الله على عباده.
هذا الأمر تكرر في القرآن خمس مرات في الآيات الآتية:
1 ـ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْرَبُواْ الصَّلاَةَ وَأَنتُمْ سُكَارَى حَتَّىَ تَعْلَمُواْ مَا تَقُولُونَ وَلاَ جُنُباً إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىَ تَغْتَسِلُواْ وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاء أَحَدٌ مِّنكُم مِّن الْغَآئِطِ أَوْ لاَمَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُواْ بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً ) [النساء:4/43].
2 ـ (قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) [الأنعام: 6/151].
3 ـ (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لاَ نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُواْ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللّهِ أَوْفُواْ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) [الأنعام: 6/152].
4 ـ (وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً) [الإسراء: 17/32].
5 ـ (وَلاَ تَقْرَبُواْ مَالَ الْيَتِيمِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً) [الإسراء: 17/34].(5/356)
إذن تكرر هذا الأمر الإلهي خمس مرات في (3) سور هي:
النساء (4) ـ الأنعام (6) ـ الإسراء (17)
وقد جاءت أرقام هذه السور بنظام يقوم على الرقم سبعة، فالعدد الذين يمثل مصفوف أرقام هذه السور هو (1764) من مضاعفات السبعة لمرتين:
1764 = 7 × 7 × 36
هذا النظام الدقيق يشمل آلاف الكلمات القرآنية والعبارات التي تتكرر دائماً بما يتناسب مع الرقم سبعة.
تجدر الإشارة إلى أن كلمة (تقربوا) وردت دائماً مسبوقة بـ (لا) أي (لا تقربوا) لله تعالى على خطورة مجرد الاقتراب من الفواحش على اختلاف أنواعها.
ولو تتبعنا كل كلمة من كلمات القرآن ودرسنا دلالتها من الناحية الغوية ومن الناحية الرقمية لرأينا نظاماً بديعاً لهذه الكلمات. ولو كان البحث يتسع لسردنا آلاف الكلمات، ولا نبالغ إذا قلنا: في كل كلمة معجزة!
ملاحظة مهمة
لقد تبين لي من خلال البحث المستمر في هذه المعجزة أن كلمات القرآن العظيم تتكرر بأنظمة رقمية متعددة, وفي بحثنا هذا اقتصرنا على كلمات تتعلّق بالقصة القرآنية, وتناسب هذا التكرار مع الرقم سبعة.
إلا أن هنالك أرقاماً أخرى غير الرقم سبعة, وهنالك طرائق أخرى تتعلق بحروف هذه الكلمات ونسب تكرارها في كتاب الله تعالى, وهذه الإعجازات تمّ بحثها في أجزاء هذه السلسلة من الأبحاث بحيث يكتشف القارئ في كل بحث جانباً من جوانب المعجزة الرقمية.
إن البارئ سبحانه وتعالى قد رتب جميع كلمات كتابه بنظام محكَم, ولكن قد لا نتمكن من رؤية هذا النظام في كلمة ما, فلا يعني أن هذا النظام غير موجود, بل على العكس كلما تعمّقنا وتدبّرنا في كلمات القرآن رأينا إعجازاً أكبر وأكبر...
ويمكن للقارئ الكريم الاطلاع على أبحاث الإعجاز الرقمي والتي تصدر تباعاً ليكوِّن فكرة جيدة عن هذه المعجزة الجديدة.
خاتمة (آفاق لغة الأرقام في القرآن)
في هذا البحث رأينا النظام الرقمي المُحْكَم لسور القرآن من خلال أمثلة من القصص القرآني. ولا يزال هنالك الكثير من كلمات القرآن تنتظر من يبحث ويتدبر فيها ليرى عجائب القرآن التي لا تنقضي، ولكن يبقى السؤال: ماذا بعد؟ ماذا تعني هذه النتائج وما هو مستقبل هذا العلم الناشئ ـ الإعجاز الرقمي ـ وماذا يمكن للغة الأرقام أن تصنع؟
كلنا يعلم أننا نعيش عصراً رقمياً، فالاختراعات الحديثة والعلوم والتقنيات والتطورات العلمية التي يشهدها عصرنا هذا ولاسيما الكمبيوتر والإنترنت والاتصالات الرقمية.. وغيرها تعتمد أساساً على الرياضيات والأرقام والأنظمة الرقمية. واليوم عندما نكتشف أن العلم الذي يفتخر به الغرب موجود في القرآن منذ (14) قرناً وبشكل معجز لا يمكن لبشر أن يأتي بمثله، فإن هذا سيكون برهاناً مادياً على صدق كتاب الله بلغة العصر ـ الأرقام.
إنني على يقين بأننا لو درسنا هذا القرآن حقَّ الدراسة، وأظهرنا للعالم أجمع عظم شأنه ومعجزته فإن نظرة غير المسلمين لهذا القرآن سوف تختلف كثيراً، بل سيعيدون حساباتهم ليدركوا أن الإسلام هو دين العلم والرحمة والتسامح وهو دين العقل والمنطق.
إن لغة الأرقام هي لغة عالمية يفهمها جميع البشر، ووجود هذه اللغة في القرآن يعني أنه كتاب لجميع البشر. ومنذ آلاف السنين جاء الأنبياء جميعاً بآيات ومعجزات واضحة لتدعم دعوتهم إلى الله وليقيموا الحجة على أقوامهم لتكون المعجزة سبيلاً وطريقاً إلى الهدى والإيمان بالله.
المراجع
1 ـ القرآن الكريم ـ برواية حفص عن عاصم.
2 ـ المعجم المفهرس لألفاظ القرآن ـ محمد فؤاد عبد الباقي.
وأخيراً نرجو زيارة موقع المؤلف «أسرار إعجاز القرآن» وقد تم تخصيص عدة أقسام للإعجاز الرقمي: www.kaheel7.com
---------------------
تكرار القصة في القرآن الكريم
آية الله السيد محمد باقر الحكيم ...
على الساحة القرآنية الرحبة تلتقي كل الأفكار والآراء والمشاعر الخالصة لربها والمخلصة لدينها ورسالتها.. وما أجدر برسالة التقريب وهي تركز على مساحات الالتقاء أن تقف طويلا عند مائدة القرآن الكريم لتقدم الزاد الذي لا يختلف فيه جميع أبناء المذاهب الإسلاميّة.
الاهتمام بالدراسات القرآنية يجمع العقول والقلوب ويشدها نحو هدف واحد سام رفيع يسمو على الصغائر والاختلافات الجانبية.. خاصة إذا كانت هذه الدراسات تنطلق من فهم معمق منفتح لأهداف رسالة القرآن في مجالاتها البناءة المعطاءة. في الحلقة الأولى تحدث الباحث عن الفرق بين القصص القرآني وغيره، وأغراض القصة في القرآن الكريم، وفي هذه الحلقة يدور الحديث عن بعض ظواهر القصة القرآنية.
ظواهر عامة في القصة القرآنية
يحسن بنا أن ندرس ظواهر أساسية برزت في عرض القصة القرآنية:
تكرار القصة في القرآن الكريم(5/357)
من ظواهر القصة في القرآن الكريم تكرار الحديث عن القصة الواحدة في مواضع مختلفة. وقد أثيرت بعض الشبهات حول هذه الظاهرة فقيل:إن القصة بعد أن تذكر في القرآن مرة واحد تستنفد أغراضها الدينية والتربوية والتاريخية فلماذا يتحدث عنها القرآن الكريم مرة أخرى. وقد أثيرت هذه المشكلة في زمن مقدم من البحث العلمي في القرآن الكريم، لذا نجد الإشارة إلى ذلك في مفردات الراغب الأصفهاني، وفي مقدمة تفسير التبيان للشيخ الطوسي(1)، قال:والوجه في تكرير القصة بعد القصة في القرآن:أن رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ كان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة فلو لم تكن الانباء والقصص متكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم وقصة نوح إلى قوم آخرين، فأراد الله بلطفه ورحمته أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها في كل سمع، ويثبتها في كل قلب ويزيد الحاضرين في الافهام.
فالشيخ الطوسي يفسر التكرار بعاملين:
الأول، معالجة التفرق في القطع القرآنية ليكون تكرار القصة موجباً لوصولها إلى الجميع.
والثاني، زيادة إفهام الحاضرين الذين يصلهم القرآن الكريم بكامله.
وعبارة الشيخ الطوسي قد لا تعالج المسألة بشكل أساسي، غير أنها تدل على أن الموضوع طرح في الدراسات القرآنية عند القدماء أيضاً.
ونحن هنا نذكر بعض الوجوه التي يمكن أن تكون تفسيراً لتكرار القصة الواحدة في القرآن الكريم:
الأول:أن التكرار إنّما يكون بسبب تعدد الغرض الديني الذي يترتب على القصة الواحدة، وقد عرفنا في بحثنا السابق لأغراض القصة(2) أن أهداف القصة متعددة، فقد تأتي القصة في موضع لأداء غرض معين، وتأتي في موضع آخر لأداء غرض آخر وهكذا.
الثاني:أن القرآن الكريم اتخذ من القصة أسلوباً لتأكيد بعض المفاهيم الإسلامية لدى الأُمة المسلمة، وذلك عن طريق ملاحظة الوقائع الخارجية التي كانت تعيشها الأُمة وربطها بواقع القصة من حيث وحدة الهدف والمضمون.
وهذا الربط بين المفهوم الإسلامي في القصة والواقعة الخارجية المعاشة للمسلمين قد يؤدي إلى فهم خاطئ للمفهوم المراد إعطاؤه للأمة، فيفهم انحصاره في نطاق الواقعة التي عاشتها القصة وظروفها الخاصة، فتأتي القصة الواحدة في القرآن الكريم مكررة من أجل تفادي هذا الحصر والتضييق في المفهوم، وتأكيد شموله واتساعه لكل الوقائع والأحداث المشابهة، ليتخذ صفة القانون الأخلاقي أو التاريخي الذي ينطبق على كل الوقائع والأحداث.
الثالث:أن التكرار يكون سبباً في فاعلية القصة كمنبّه للأمة على علاقة القضية الخارجية التي تواجهها ـ في عصر النزول أو بعده ـ بالمفهوم الإسلامي لتستمد منه روحه ومنهجه. فيكون تكرار القصة بياناً للمنبه عند الحاجة إليه.
ولعلّ هذا السبب والسبب الذي قبله هو ما يمكن أن نلاحظه في تكرار قصة موسى والفرق بين روحها العامة في القصص المكي وروحها في القصص المدني، فإنها تؤكد في القصص المكي منها على العلاقة العامة بين موسى من جانب وفرعون وملائه من جانب آخر، دون أن تذكر أوضاع بني إسرائيل تجاه موسى نفسه، إلا في موردين يذكر فيهما انحراف بني إسرائيل عن العقيدة الإلهية بشكل
عام، وهذا بخلاف الروح العامة لقصة موسى في السور المدنية فإنها تتحدث عن علاقة موسى مع بني إسرائيل وتتحدث عن هذه العلاقة وارتباطها بالمشاكل الاجتماعية والسياسية.
وهذا قد يدلنا على أن هذا التكرار للقصة في السورة المكية إنّما كان لمعالجة روحية تتعلق بحوادث مختلفة واجهت النبي والمسلمين، ومن أهداف هذه المعالجة توسعة نطاق المفهوم العام الذي تعطيه قصة موسى في العلاقة بين النبي والجبارين من قومه، أو القوانين التي تحكم هذه العلاقة، وأن هذه العلاقة مع نهايتها لا تختلف فيها حادثة عن حادثة أو موقف عن موقف.
ولعل إلى هذا التفسير تشير الآيات الكريمة التي جاءت في سورة الفرقان:
?وقال الذين كفروا لو لا نزل عليه القرآن جملة واحدة كذلك لنثبت به فؤادك ورتلناه ترتيلا. ولا يأتونك بمثل إلاّ جئناك بالحق وأحسن تفسيرا. الذين يحشرون على وجوههم إلى جهنم أولئك شر مكانا وأضل سبيلاً ولقد آتينا موسى الكتاب وجعلنا معه أخاه هارون وزيراً?(3).
الملاحظ في هذه الآيات أن القرآن يذكر أنّ سبب التدرج والترتيب في القرآن الكريم هو التثبيت للنبي من ناحية والإتيان بالحق والتفسير الأفضل للوقائع والأحداث والأمثال من ناحية أخرى، ثم يأتي بهذا التفسير الأحسن من قصة موسى ـ عليه السلام ـ.(5/358)
الرابع:أن الدعوة الإسلاميّة مرت بمراحل متعددة في سيرها الطولى، وقد كان القرآن الكريم يواكب هذه المراحل ويماشيها في عطائه وطبيعة أسلوبه، وهذا كان يفرض أن تعرض القصة الواحدة بأساليب متفاوتة في الطول والقصر.. نظراً لطبيعة الدعوة وطريقة بيان المفاهيم والعبر فيها، كما نجد ذلك في قصص الأنبياء حين تعرض في السورة القصيرة المكية ثم يتطور العرض بعد ذلك إلى شكل أكثر تفصيلاً في السور المكية المتأخرة أو السور المدنية.
الخامس:أن تكرار القصة لم يأت في القرآن الكريم بشكل يتطابق فيه نص القصة مع نص آخر لها، بل كان فيها شيء من الزيادة والنقيصة. وإنّما تختلف الموارد في بعض التفاصيل وطريقة العرض، لأن طريقة عرض القصة القرآنية قد تستبطن مفهوماً دينياً يختلف عن المفهوم الديني الآخر الذي تستبطنه طريقة عرض أخرى. هذا الأمر، الذي نسميه بالسياق القرآني، يقتضي التكرار أيضاً، لتحقيق هذا الغرض السياقي الذي يختلف عن الغرض السياقي الآخر لنفس القصة، وسوف تتضح معالم هذه النقاط بشكل أكثر عند دراستنا التطبيقية التالية لقصة موسى في القرآن الكريم.
وقد ذكر السيوطي في الإتقان عدة أسباب أخرى ينسبها إلى «البدر بن جماعة» في كتابه(المقتنص في فوائد تكرار القصص).
منها:ما ذكره الشيخ الطوسي آنفاً.
ومنها:أن ذلك كان من وسائل التحدي بالقرآن لاختلاف القصة بالنظم، ومع ذلك عجز العرب عن الإتيان بمثله.
وذكر أسباباً أخرى فيها تكرار لهذه الأسباب(4).
اختصاص القصة بأنبياء الشرق الأوسط
وثمة ظاهرة أخرى هي أن القرآن الكريم تحدث عن مجموعة من الأنبياء كانوا يعيشون جميعاً في منطقة الشرق الأوسط، أي المنطقة التي كان يتفاعل معها العرب الذين نزل القرآن في محيطهم ومجتمعهم. وقد تفسر هذه الظاهرة بأن النبوات كانت بالأصل في هذه المنطقة، ومن خلالها انتشر الهدى في جميع أنحاء العالم، ويؤيد ذلك الاستعراض التاريخي للنبوات وتاريخ الإنسان في التوراة، وبعض الأبحاث الآثارية والروايات الدينية خصوصاً الواردة عن أهل البيت ـ عليهم السلام ـ، وحينئذ يصبح تفسير هذه الظاهرة واضحاً، وهو أن الواقع التاريخي للحياة الإنسانية فرض هذه الظاهرة.
ولكن توجد شواهد في القرآن الكريم تنفي هذا التفسير لهذه الظاهرة، فالقرآن يشير في بعض آياته إلى أن هناك مجموعة أخرى من الأنبياء لم يتحدث عنهم القرآن الكريم، مع أن حياتهم لابد وأنها كانت زاخرة بالأحداث، شأنهم في ذلك شأن الأنبياء الآخرين:
?انّا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده وأوحينا إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وأيوب ويونس وهارون وسليمان وآتينا داود زبوراً ورسلاً قد قصصناهم عليك من قبل ورسلاً لم نقصصهم عليك وكلم الله موسى تكليما?(5).
كما أنّ هذا المضمون جاء أيضاً في سورة(غافر / 78)، علماً بأن سورة النساء من السورة المدنية المتأخرة، ومن هنا فلا مجال لاحتمال أن هذه الآية نزلت في فترة زمنية لم يكن القرآن قد تعرض فيها إلى جميع قصص الأنبياء التي وردت في القرآن الكريم.
وهناك مجموعة من الآيات تدل على أن الأنبياء والرسل كانوا يبعثون إلى كل قرية ومدينة لإقامة الحجة من الله على الناس، كما نفهم من الآية (165) من سورة النساء، التي جاءت في سياق الآيتين السابقتين. ?رسلاً مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيما?(6).
بالإضافة إلى موارد أخرى لها هذه الدلالة:
?ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين ?(7).
?وما كان الله ليضل قوماً بعد إذ هداهم حتّى يبين لهم ما يتقون..?(8).
?ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضي بينهم بالقسط وهم لا يظلمون?(9).
?إنا أرسلناك بالحق بشيراً ونذيراً وإن من أمة إلاّ خلا فيها نذير?(10).
وجاء التعبير في بعض الآيات عن ذلك بوجود الشهيد في كل أمة(النساء:41 ـ النحل:84 ـ القصص:75).
ومن هنا فلابد من تفسير هذه الظاهرة بتفسير آخر كأن يكون الغرض الأساس من القصة كما ذكرنا هو انتزاع العبرة واستنباط القوانين والسنن التاريخية منها، ولم يكن الغرض من القصة السرد التاريخي لحياة الأنبياء أو كتابة تاريخ الرسالات، ولذلك يتحدث القرآن عن الأمور العامة المشتركة بين هؤلاء الأنبياء، عدا بعض الموارد التي يكون هناك غرض خاص في طرح بعض القضايا فيها.
ولما كان تأثير القصة في تحقيق هذه الأغراض يرتبط بمدى إيمان الجماعة بواقعيتها، وإدراكهم لحقائقها، ومدى انطباق ظروفها على ظروف الجماعة نفسها، لذا تكون القصة المنتزعة من تاريخ الأُمة نفسها، ومن واقعها وظروفها وحياتها أكثر تأكيداً وانطباقاً على السنّة التاريخية، وأكثر تأثيراً في الواقع الروحي والنفسي للجماعة، وقد أكدنا سابقاً أن صفة «الواقعية» من الصفات التي تتميز بها القصة القرآنية.(5/359)
وبهذا تكون هذه القصص اكثر انسجاماً مع هذا الهدف القرآني، بلحاظ أن القاعدة التي يريد أن يحقق القرآن الكريم التغيير فيها في المرحلة الأولى هي الشعوب التي تسكن هذه المنطقة، وتتفاعل مع هذا التاريخ، وهذا لا يعني أن القرآن الكريم تختص هدايته بهذه الشعوب، بل أن أحد أغراض القرآن هو إيجاد التغيير في هذه الشعوب كقاعدة ينطلق منها التغيير ويستند إليها في مسيرته إلى بقية الشعوب كما حصل ذلك فعلاً، وأشرنا إليه في بحث الهدف من نزول القرآن.
صحيح أنّه قد تكون القصة المنتزعة من تاريخ النبوات التي كانت في الهند أو الصين ـ على فرض وجودها في تلك المناطق وهو فرض منطقي ومقبول جداً ـ مؤثرة في الشعب الهندي أو الصيني، إلاّ أن القرآن الكريم كان مهتماً بشكل خاص
وفي مرحلة نزوله بتغيير القاعدة التي تتمثل بالشعب العربي والشعوب المتفاعلة معه فعلاً في ذلك الوقت. وضرب الأمثال وسرد القصص عن هذه الأمم التي لم تكن موجودة في المحيط الذي نزل فيه القرآن يبعد القصة بأكملها عن «الواقعية» التي حرص القرآن الكريم على تأكيدها في قصصه، ولكن تبقى النتائج العامة المشتركة بين الأنبياء ذات تأثير عام بالنسبة إلى مختلف الشعوب.
فقصة النبي الواحد لها تأثير خاص يرتبط بالوسط الذي تواجد فيه ذلك النبي، باعتبارها حالة التجسيد المعاش في ذلك الوسط، وذات التأثير الشعوري والوجداني فيه. وفي الوقت نفسه يكون للقصة تأثير عام ضمن المفاهيم العامة والسنن التاريخية التي توحي بها القصة، والعبر التي يمكن أن تستخلص منها، وهذا ما يمكن أن تستفيد منه كل الشعوب الأخرى. وبذلك يتحقق للقرآن الكريم بُعده العام الشامل، ويبقى حياً ومؤثراً في هذا الوسط وغيره من الأوساط الإنسانية.
نعم من الصحيح أن نضيف أيضاً القول بأن الأنبياء مثل نوح وإبراهيم وموسى وعيسى يمثلون الأصول العامة للنبوات في كل العالم، وكان خاتمهم النبي محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ يمثل امتداداً لتلك النبوات، ولكن نجد أن القرآن لم يتحدث عن هذه الأصول وتفرعاتها فحسب، بل تحدث عن أنبياء مثل صالح وشعيب وهود ويونس وإدريس وغيرهم ممن يمثلون نبوات ليست بهذا القدر من الأهمية على الظاهر. والله هو العالم بحقائق الأمور.
ظاهرة تأكيد إبراهيم وموسى
من الملاحظ أن القرآن الكريم أكد في قصصه على بعض الأنبياء وذكر تفاصيل حياتهم وظروفهم أكثر من بعضهم الآخر، ونجد ذلك في خصوص النبي إبراهيم وموسى عليهما السلام مع أنّه قد يقال بأن الخصائص العامة لحركة الأنبياء والدعوة الإلهية التي يراد منها بالأصل استنباط «العبرة» و«الموعظة» أو استخلاص القانون والسنة التاريخية، أو تحقيق الأغراض الأخرى متشابهة، ويؤكد ذلك ما نجده في القرآن الكريم في بعض الموارد من الإشارة إلى قصص مجموعة من الأنبياء في سياق
واحد.
فهل إن هذا «التأكيد» يعني أهمية شخصية هذا النبي وفضله بالمقارنة مع بقية الأنبياء فقط ؟ أو يمكن أن يكون وراء ذلك ـ مضافاً إلى هذه الأهمية ـ مقاصد وأهداف أخرى اقتضت هذا اللون من التأكيد؟
والجواب عن هذا السؤال، أن بعض هؤلاء الأنبياء قد يكون أفضل من بعض آخر، ويظهر من القرآن الكريم أن هذا الأفضل هو نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ـ عليهم السلام ـ باعتبارهم أنبياء أولي العزم. ولكن لا يعني ذلك ارتباط تأكيد القرآن على هؤلاء الأنبياء بأفضليتهم. لأن القرآن بالأصل ليس بصدد تقويم عمل هؤلاء الأنبياء والحديث عن التفاضل بينهم، وإنّما الأهداف الأصلية للقصة التي أشرنا إليها وذكرها القرآن هي العبرة والموعظة وتصديق النبوات والتثبيت وإقامة الحجة والبرهان على صدق نبوة محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ ومضمون رسالته، كما تشير إليه الآيات القرآنية.
?وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين?(11).
?لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب ما كان حديثا يفترى ولكن تصديق الذي بين يديه وتفصيل كل شيء وهدى ورحمة لقوم يؤمنون?(21).
?رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل وكان الله عزيزاً حكيماً?(13).
ولذلك يمكن أن نقول بأن السبب في تأكيد القرآن لشخصية هؤلاء الأنبياء في حديثه عنهم لأسباب أخرى يأتي في مقدمتها:أن لهؤلاء الأنبياء أتباعاً وأقوماً يرتبطون بهم ـ روحياً وعقائدياً ـ في المجتمع الذي كان يتفاعل القرآن معه عند نزوله من العرب والأقوام الأخرى المحيطة بهم، وهذا الأمر كان يفرض ـ من أجل إيجاد القاعدة الرسالية ـ أن يتحدث عنهم القرآن بإسهاب.
مضافاً إلى أسباب أخرى ذات علاقة بالهدف العام للقرآن الكريم الذي أشرنا إليه سابقاً.
بالنسبة للنبي إبراهيم ـ عليه السلام ـ يمكن أن نجد الأسباب التالية لتوسع القرآن في الحديث عنه:
1 ـ كان إبراهيم ـ عليه السلام ـ يعتبر لدى كل القاعدة التي نزل فيها القرآن الكريم(المشركين، واليهود، والنصارى) أبا لجميع الأنبياء ويحظى باحترام الجميع له.(5/360)
2 ـ إن تأكيد القرآن ارتباط الإسلام وشعائره بإبراهيم له أهمية خاصة في إعطاء الرسالة الإسلاميّة جذراً تاريخياً ممتداً إلى ما هو أبعد من الديانتين اليهودية والنصرانية، ويحقق لها الاستقلال عنهما من ناحية، والوحدة مع هذه الديانات في المصدر التشريعي لها وهو الله تعالى من ناحية أخرى.
3 ـ إعطاء فكرة «التوحيد» التي طرحها القرآن على المشركين أصلاً وانتماءاً يرتبط به هؤلاء المشركون في تاريخهم بحيث يكون الشرك والوثنية انحرافاً عن هذا الأصل الصحيح، وبذلك يعالج القرآن الكريم الحاجز النفسي الذي كان يعيشه المشركون في موضوع العدول عن دين الآباء والأجداد.
قال تعالى:?وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير?(14).
4 ـ ويتجلى هذا الربط التاريخي بشكل أوضح عندما يصبح إبراهيم ـ عليه السلام ـ هو المبشر بالنبي العربي الأمي، حيث يكون هذا الرسول هو الأمل المنقذ، وتكون بعثة الرسول محمد ـ صلى الله عليه وآله ـ استجابة لدعاء إبراهيم ـ عليه السلام ـ وذلك في مثل قوله تعالى:
?وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم. ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك وأرنا مناسكنا وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم. ربنا وابعث فيهم رسولا منهم يتلوا عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم إنك أنت العزيز الحكيم?.
5 ـ إعطاء الرسالة الإسلاميّة شيئاً من الاستقلال عن اليهودية والنصرانية يحرر القاعدة التي يتفاعل معها القرآن من الشعور بالتبعية روحياً ومعنوياً ودينياً لعلماء اليهود والنصارى، لأنها كانت تنظر إلى علماء اليهود والنصارى بأنهم أهل الذكر والكتاب والمعرفة بالأديان والرسالات السماوية، أو ترى أن الأصل في الديانات هو اليهودية والنصرانية كما سوف نشير إلى ذلك.
?ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين. إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه وهذا النبي والذين آمنوا والله ولي المؤمنين?(15).
?وقالوا كونوا هودا أو نصارى تهتدوا قل بل ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين?(16).
ومن هنا نفهم أهمية تأكيد القرآن قصة بناء إبراهيم للكعبة، وندائه بالحج، لأن هذه الشعائر الدينية ليس لها وجود في الديانة اليهودية والمسيحية من ناحية، وللموقع الخاص الذي كانت تحتله الكعبة بين العرب عامة من ناحية أخرى، وللقرار الذي كان القرآن قد اتخذه بجعل الكعبة قبلة للمسلمين، تأكيداً لاستقلالية الرسالة في كل معالمها من ناحية ثالثة. صرف الأنظار عن الأرض المقدسة وبيت المقدس ـ الذي يحظى بالقدسية الخاصة بسبب نشوء الديانات المختلفة فيه ـ ووجود إبراهيم وأنبياء بني إسرائيل كلهم في هذه الأرض، يحتاج إلى إعطاء هذه الأهمية للبيت والكعبة المشرفة وهذا الانتساب الأصيل إلى إبراهيم.
وأما النبي موسى ـ عليه السلام ـ فإننا يمكن أن نجد الأمور التالية أيضاً في تأكيد قصته:
1 ـ موقعه من الديانة اليهودية والشعب الإسرائيلي والانجاز السياسي والاجتماعي الذي حققه لهم، وكذلك ما تحقق من خلال التوراة من تشريع وحكمة وقانون.
2 ـ إن المعانات الطويلة التي مر بها موسى ـ عليه السلام ـ كانت تشبه معاناة رسول
الله ـ صلى الله عليه وآله ـ سواء تجاه الطغاة الفراعنة أم المنافقين من الإسرائيليين، أم في توطيد دعائم الحكم الإلهي في الأرض.
3 ـ إن موقع موسى ـ عليه السلام ـ من الديانتين اليهودية والنصرانية كان موقعاً متميزاً، لأن النصرانية أيضا كانت ترى أن الأصل في الدين هو موسى ـ عليه السلام ـ وما جاء به من نور أو تشريعات وقوانين وأن النصرانية هي عملية تصحيح للانحرافات اليهودية وأيضا كانت تعترف بالتوراة القائمة(العهد القديم).
4 ـ إننا نجد ملامح الظروف الموضوعية القائمة التي كانت تحيط بالرسالة الإسلاميّة والقرآن الكريم في موطن نزوله، وبالمجتمع الذي يعمل على تغييره موجودة في كل هذه الأمور المرتبطة بهذين النبيين العظيمين. لأن القرآن كان يعايش ويتفاعل باستمرار مع أهل الكتاب وعلمائهم وأقوامهم، وكان بحاجة إلى هذا التفصيل، والحديث ـ أحياناً ـ حتّى عن الحياة الشخصية لموسى ـ عليه السلام ـ لما في ذلك من التأثير في أوساطهم.
5 ـ إن العرب المشركين كانوا ينظرون إلى علماء اليهود ـ الذين يتصلون بهم أحياناً ـ أنهم أهل الذكر والكتاب والوحي الإلهي والمعرفة بالرسالات الإلهية كما أشار القرآن الكريم إلى ذلك.
قال تعالى:?وما أرسلنا من قبلك إلاّ رجالاً نوحي إليهم فسئلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون?(17).(5/361)
وقال تعالى:?ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يؤمنون بالجبت والطاغوت ويقولون للذين كفروا هؤلاء أهدى من الذين آمنوا سبيلاً?(18).
ولاشك أن القرآن يكون أكثر تأثيراً في هذه الأوساط أيضاً عندما يتحدث عن النبي موسى ـ عليه السلام ـ حديث العارف بكل الخصوصيات والأمور بحيث يفوق كتب العهدين بذلك.
6 ـ القرآن يسعى جادا لإعطاء فكرة أن هذه الرسالات إنّما تمثل امتداداً واحداً في
_____________________________
17 ـ النحل:43.
18ـ النساء:51.
الوحي الإلهي، وانتساباً واحداً إلى السماء، في الوقت نفسه يؤكد على استقلالية الرسالة الإسلاميّة، بمعنى أنها ليست تابعة ومتشعبة عن التحرك الرسالي أو السياسي للرسالات الأخرى، كما أنها ليست عملاً إصلاحياً في إطار تلك الرسالات، بل هي من جانب مصدقة لها، لأنها تمثل امتداداً للرسالات الإلهية في التاريخ البشري، ولكنها من جانب آخر وفي الوقت نفسه مهيمنة عليها أو مستقلة عنها.
قال تعالى:?وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فأحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون?(18).
ويتضح ذلك بشكل أفضل بملاحظة سياق الآيات السابقة عليها، والتي يشير فيها القرآن الكريم إلى نزول التوراة والإنجيل والنسبة بينهما، والتي تختلف عن نسبة القرآن إليهما.
وحديث القرآن عن عيسى ـ عليه السلام ـ يأتي لإزالة ما علق في أذهان الجماعة التي نزل فيها القرآن من أفكار وتصورات منحرفة عن الأنبياء تنافي مع عصمتهم أو علاقتهم بالله أو طبيعة شخصيتهم، من هنا تحدث القرآن الكريم عن شخصيته وظروفها أكثر مما تحدث عن أعماله ونشاطاته. وهذا يمثل غرضاً وهدفاً آخر بالإضافة إلى الأغراض السابقة التي أشرنا إليها في الفصل السابق.
قال تعالى:?إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون. الحق من ربك فلا تكن من الممترين. فمن حاجك فيه من بعد ماجاءك من العلم فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم ونساءنا ونساءكم وأنفسنا وأنفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين. إن هذا لهو القصص الحق وما من إله إلاّ الله وإن الله لهو العزيز الحكيم?(19).
وكذلك ما جاء من الحديث في القرآن عن حياة مريم وولادة عيسى في سورة آل عمران، أو في سورة مريم، أو الاهتمام بمناقشة فكرة ألوهية عيسى التي جاءت في عدة موارد، منها ما جاء في سورة المائدة:
?وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله ؟ قال: سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب..?(20).
ظاهر أسلوب القصة
لاشك أن أسلوب القصة في القرآن الكريم جاء متميزاً عن الأسلوب المعروف للقصة في التراث الأدبي والإنساني، حيث يكتفي القرآن الكريم بذكر الأحداث بشكل إجمالي أحياناً وبدون ترتيبها الزماني أحياناً أخرى، أو الانتقال فيها من حدث إلى آخر باقتطاع جانب من الأحداث ثالثة. مضافاً إلى الاستطراد في التعرض إلى المفاهيم والحقائق والموضوعات العقائدية أو الأخلاقية أو الكونية أو الشرعية. وغير ذلك من الامتيازات والخصوصيات التي قد تثير ملاحظة كبيرة حول أسلوب القصة في القرآن الكريم، تخرج القصة فيه عن كونها عملاً فنياً مستقلاً له أهدافه الخاصة. وتفقد بذلك القصة في القرآن الكريم هويتها الخاصة.
والحديث حول هذا الموضوع له جانبان:
أحدهما: الجانب الفني لأسلوب القصة الذي يمكن من خلاله أن يتبين أن القصة القرآنية تشتمل على جميع العناصر الأساسية في هذا العمل الأدبي الفني.
ثانيهما: تفسير وجود هذا الخلاف وهذه الظاهرة في أسلوب القصة في القرآن الكريم.
أما الحديث في الجانب الأول فهو حديث واسع ذو طبيعة أدبية وفنية، وقد تناولته بعض الدراسات القرآنية الأدبية الخاصة أو أشارت إليه بعض الدراسات القرآنية العامة قديماً وحديثاً(21) وهو خارج عن حدود هذا البحث القرآني وأهدافه المحدودة.
_______
20 ـ المائدة:116 ـ 119.
21 ـ انظر كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب، وكتاب الإسلام والفن، للدكتور محمود البستاني.
وأما الحديث عن الجانب الثاني فإن الملاحظة الرئيسية التي يمكن أن نذكرها ونؤكدها هنا هي أن أسلوب القصة في القرآن الكريم جاء منسجماً ـ بطبيعة الحال ـ مع الأسلوب العام للقرآن الكريم والذي يمكن التعرف على ميزاته من خلال الدراسات التي تناولت الجانب الفني والأدبي في أسلوب القرآن الكريم. ومنها الدراسات التي تناولت هذا الجانب في إعجاز القرآن وهي أكثر الدراسات القديمة في الإعجاز. ويأتي في مقدمة هذه الميزات والخصائص:(5/362)
1 ـ أسلوب مزج الموضوعات والمفاهيم المتعددة بعضها مع بعضها الآخر في مقطع واحد وذلك من أجل الخروج بصورة متكاملة لهذه المضامين مرة واحدة لما ذكرنا من أن القرآن ليس كتاباً علمياً، بل هو كتاب تغيير وهداية ورحمة فهو يمزج الحقائق الكونية بالمعارف العقائدية وبالأحكام الشرعية السلوكية وبالموعظة والإرشاد والتبشير والتحذير، والعواطف والمشاعر والأحاسيس بالعقل والإدراك من أجل أن يزكي ويعلم ليعمل الإنسان ويلتزم طريق الحق ?الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً وهو العزيز الغفور?.
2 ـ تكرار الموضوعات والمفاهيم بصيغ متعددة وفي سياقات مختلفة لتأكيدها أو لتحقيق مزيد من الأغراض والأهداف المتعددة، كما لاحظنا ذلك في بحث أغراض القصة وفي تفسير ظاهرة تكرار القصة.
وسوف نتبين مزيداً من ذلك عند دراسة قصة موسى ـ عليه السلام ـ بحسب مواضعها في القرآن الكريم في الفصل الآتي:
3 ـ اختلاف أسلوب القرآن في عرض الموضوعات بحسب الإيجاز والقصر والإطناب والتفصيل وكذلك بحسب الإيقاع الصوتي والتركيب اللفظي للآيات الكريمة. وذلك مراعاة للمراحل التي مرت بها الرسالة الإسلاميّة أو في محاولة للتأثير النفسي والروحي في المخاطبين، مما جعل أسلوب القرآن الكريم أسلوباً يختلف فيه عن كل من النثر والشعر العربي.
4 ـ إن أسلوب القرآن الكريم تأثر بالهدف العام لنزول القرآن الكريم، فإن هذا
الهدف كما كان له تأثير على المضمون القرآني كما أشرنا إليه سابقاً كان له تأثير على أسلوب القرآن الكريم أيضاً. وجاء الأسلوب أداة موظفة لتحقيق هذا الهدف العام.
5 ـ نلاحظ دائماً بأن ذكر القصة في القرآن الكريم يأتي دائماً مرتبطاً بسياقها والآيات السابقة أو اللاحقة لها أو كليهما، وهذا يعني أن القصة ترتبط بشكل مباشر وتفصيلي بالقرآن الكريم أسلوباً ومضموناً. فالارتباط هنا والتفاعل ليس على المستوى العام للهدف فحسب، بل هو ارتباط على مستوى التفاصيل في تطبيقات هذا الهدف أيضاً.
_______________
1 ـ التبيان، مقدمة المؤلف 1 / 14.
2ـ لزيادة الإيضاح أنظر:سيد قطب، التصوير الفني في القرآن / 128 ـ 134.
3 ـ الفرقان / 32 ـ 35.
ـ4 الإتقان في علوم القرآن 3 / 230 ـ 231 تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم
5 ـ النساء:163 ـ 164.
6 ـ النساء:165.
7 ـ النحل:36.
8 ـ التوبة:115.
9 ـ يونس:47.
10 ـ فاطر:24.
11 ـ هود:120.
21 ـ يوسف:111.
31 ـ النساء:165.
14 ـ الحج:78.
15 ـ آل عمران:67 ـ 68.
16 ـ البقرة:135.
17 ـ النحل:43.
18ـ النساء:51.
19 ـ المائدة:48.
20ـ آل عمران:59 ـ 62.
20 ـ المائدة:116 ـ 119.
21 ـ انظر كتاب التصوير الفني في القرآن الكريم لسيد قطب، وكتاب الإسلام والفن، للدكتور محمود البستاني.
==============
ما الحكمة من تكرار القصة في القرآن ...
العنوان ...
ذكرت قصة سيدنا موسى في القرآن أكثر من مرة وموضوعها واحد، مع تشابه النصوص في كل موضع، والتكرار في النص الأدبي يضعفه فكيف يتناسب مع إعجاز القرآن وبلاغته؟السؤال ...
الحل
قصص القرآن الكريم هو أحسن القصص صدقًا وبلاغة، قال تعالى: (نَحْنَ نَقُصُّ عَلَيْكَ نَبَأَهُمْ بِالْحَقِّ) (سورة الكهف : 13) وقال (تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا ) (سورة هود: 49) وتتضح حكمة هذا القصص من قوله تعالى: (وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ وَجَاءَكَ فِي هَذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ) (سورة هود : 120).
وإذا كان هناك تكرار في القرآن للقصة الواحدة فلا ينبغي أن يغيب عن أذهاننا أن القرآن لم ينزل مرة واحدة حتى يُعاب التكرار، ولكنه نزل مُنجمًا مفرقًا على مدى ثلاث وعشرين سنة، تنزل الجملة منه بحسب الظروف الطارئة، والقصة الواحدة قد تصلح لكل هذه الظروف، متسقة معها مراعاة لمقتضى الحال، و ذلك هو سر البلاغة التي نزل بها القرآن في أعلى درجاتها.
والنظرة العابرة إلى القصة التي نزلت عدة مرات قد يفهم منها أنها متشابهة متماثلة تمامًا، لكن النظرة الدقيقة ترينا أن القصة في موضع يُركز فيها على جانب، منها وتكون الجوانب الأخرى تابعة ومكملة؛ لأن المقام يقتضي إبراز هذا الجانب، بينما تراها هي في موضع آخر يُركز فيها على جانب معيَّن منها كان في غيرها من التوابع المكملة، وذلك لاقتضاء المقام له أيضًا، ولذلك قد يهمل في بعضها لفظ أو يترك تعيين اسم يوجد له داع للذكر، أو التعيين في مقام آخر، ومن هنا كان متغايرة وليست متشابهة، بالنظر إلى الجانب الذي كان عليه التركيز في كل منها.(5/363)
وليست قصة موسى هي وحدها التي تكررت في القرآن، فإلى جانبها قصص لرسل آخرين، تحمل هذه الحكمة التي في قصة موسى، وقد يرشح للاهتمام بها تشابه ظروف الدعوة أكثر بين موسى ومحمد عليها الصلاة والسلام، وبخاصة أن عددًا كبيرًا من اليهود كان موجودًا في المدينة وكان لهم دور كبير في مقاومة الدعوة.
على أن قضية ضعف النص الأدبي بتكراره ليست دائمة مسلَّمة، فقد يكون لتكراره ما يجعله بليغًا حتى لو كان متشابهًا تمام التشابه في تركيبه، سواء منه المفردات والجمل، وكان من البلاغة العربية تكرار اسم الحبيب في البيت الواحد من الشعر تعميقًا لحبه وإيذانًا بشرفه.
ألا حبذا هند وأرض بها هند
وهند أتى من دونها النأي والبعد
وتكرار قوله تعالى في سورة الرحمن (فَبِأيِّ آَلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) إحدى وثلاثين مرة تنبيه على أن كل نعمة من النعم التي احتوتها تستحق أن يُذكر بها حتى لا تُنسى، وحتى يُعرف فضل المنعِم بها وتكرار قوله تعالى في سورة المرسلات (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) عشر مرات، وهي قصيرة أيضًا كسورة الرحمن، دليل على أن المقام يقتضي التنبيه والتحذير عند كل ما يذكر من موجبات هذا التحذير.
وبهذا لا مجال للطعن في بلاغة القرآن الكريم، الذي تحدَّى الله به الجن والإنس وما يزال يتحدى، ومن يتعمق في المعرفة والتدبر أدرك أنه ما يزال على الشاطيء، ولم ينزل بعدُ إلى البحر بأعماقه المليئة بالأسرار، فهو صنع الله الذي أتقن كل شيء (لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد) (سورة فصلت: 42). ...
============== ... ...
كيف أمر الله ابليس بالسجود لآدم وهو ليس من الملائكة والخطاب كان للملائكة بالآية ؟
المجيب د.مساعد بن سليمان الطيار
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
التصنيف العقائد والمذاهب الفكرية/شبهات حول العقيدة الإسلامية
التاريخ 23/9/1424هـ
السؤال
يقول الله -جل وعلا- "وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلا إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ" [الكهف: من الآية50]، السؤال:عندما وجه الله -جل وعلا- الأمر بالسجود وجهه إلى الملائكة، ولم يوجهه إلى الجن، فإبليس لم يسجد وهو غير مقصود في ظاهر الآية، إذاً كيف يؤاخذ الله إبليس وهو لم يؤمر بالسجود، حيث قال تعالى: "وإذ قال ربك للملائكة ..." ثم قال سبحانه :"إلا إبليس كان من الجن، ففسق عن أمر ربه"، آمل من فضيلتكم التكرم ببيان الإجابة عن هذه
الشبهة، وفقكم الله وسدد خطاكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد
أيها الأخ الفاضل، حسنٌ أن سميت هذه المسألة بأنها شبهة، والتحقيق في هذا الأمر واضح لو أنك نظرت إلى قوله تعالى:" وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاَّ إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِين[ٍ الأعراف: 12]، فهذه الآية نصٌّ صريح على دخوله في الأمر بالسجود مع الملائكة ، ولو كان الأمر كما قلت لكان إبليس أولى من يحتجُّ بهذا، وهو لم يفعل، بل قال: أنا خير منه ... إلخ، ففهم أنه مأمور بهذا الخطاب، وإن لم يكن من الملائكة. والسؤال الذي يرد: إذا كان إبليس مأمورًا بالسجود كما نصَّت الآيات، فكيف يُدركُ دخوله في الخطاب، ولم يرد توجيه الأمر إليه مباشرة؟
فالجواب أن يقال: إن ذلك جاء على صيغة تغليب الأكثر وتوجيه الخطاب إليه، فإبليس فردٌ والملائكة جمعٌ كثيرٌ، فذُكروا بالأمر بالسجود دونه من باب التغليب وهو أسلوب عربي عريق، قد جاء كثيرًا في نصوص القرآن والسنة ولغة العرب، والله الموفق.
ومن باب الفائدة فيما يتعلق بأصل إبليس وما وقع له في السماء يحسن أن تراجع ما كتبه الشيخ الفاضل عبد الله بن عبد العزيز السبتي تحت عنوان (الجن والشياطين سلالة من؟)، في خزانة الفتاوى من الموقع نفسه تحت باب تفسير آيات وسور من القرآن، وأسأل الله لي ولك التوفيق
===============
الجن والشياطين سلالة من ؟؟
المجيب ... د. عبد الله السبتي
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف ... القرآن الكريم وعلومه/تفسير آيات أشكلت
التاريخ ... 22/7/1422
السؤال
يقول الله تعالى (وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة...الآية
الإنس من بني آدم والجن من نسل من؟والشياطين من نسل من؟وماذا قال أهل العلم بقوله تعالى (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء )
ظاهر قول الملائكة بأن الأرض كان يقطنها مخلوق مفسد فمن هم؟
الجواب(5/364)
الذي يظهر والله أعلم أن إبليس هو أبو الجن وذلك هو ظاهر القرآن ولا معارض له مقبول فإن الله سبحانه قد أخبر في كتابه عن إبليس أنه اعترض على السجود بقوله :(خلقتني من نار وخلقته من طين)فهو يتحدث عن خلقه هو لا عن غيره من أب أو جد فأول الجن خلقا هو إبليس وهو أبوهم (أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو)كما أن أول الإنس خلقا هو آدم وهو أبوهم وإبليس قد خلق قبل آدم (ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمأ مسنون*والجان خلقناه من قبل من نار السموم)
قال الحسن البصري رحمه الله :"ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قط وإنه لأصل الجن كما أن آدم أصل الإنس "قال ابن كثير:" وهذا إسناد صحيح عن الحسن " (1/74) في تفسير قوله (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم).
قال ابن القيم_رحمه الله_:
واسأل أبا الجن اللعين أتعرف الخلاق أم أصبحت ذا نكران
وقال ابن حجر في الفتح(6/369):" إبليس أبو الجن كلهم "
وكل قول غير هذا غير فإنه معارض لظاهر القرآن كما أن مستنده النقل عن بني إسرائيل فمرة ينسب إلى حي من الملائكة وأخرى إلى الجن ولكن اصطفى فكان بين الملائكة ...إلى غير ذلك من الأقوال، والمسألة سمعية لا مجال للرأي فيها، ومثلها لا يستند فيه على الإسرائيليات، وتجدر الإشارة إلى أنها قد وردت مجموعة من الروايات عن المتقدمين في إبليس وكيفية نسبته إلى الجن، وتحديد مهمته، وذكر عبادته، وكيفية انتقاله، إلى السماء وتسميته، وغير ذلك، ومصدر ذلك والله أعلم الإسرائيليات، قال ابن كثير في تفسيره (3/87):" وقد روي في هذا آثاراً كثيرة عن السلف وغالبها من الإسرائيليات، التي تنقل لينظر فيها، والله أعلم بحال كثير، منها ومنها ما قد يقطع بكذبه لمخالفته الحق الذي بأيدينا، وفي القرآن غنية عن كل ما عداه من الأخبار المتقدمة، لأنها، لا تكاد تخلو من تبديل وزيادة ونقصان وقد وضع في هذا أشياء كثيرة ".
وحينئذ فلا داعي للعدول عن ظاهر القرآن.
وبهذا القول يزول الإشكال عن كيفية وجود إبليس بين الملائكة وهو ليس منهم، فالله قد خلقه وجعله بينهم، كما أنه خلق آدم وجعله في الجنة ثم أنزل الجميع إلى الأرض جزاءا وابتلاء، هذا بالنسبة لأبي الجن.
وأما بالنسبة لأبي الشياطين فلا بد من مقدمة لبيان ذلك، فإن لفظ ( شيطان ) يطلق على إبليس ويطلق على جنس من الجن وهم المرة من ذرية إبليس، ويطلق على المتمرد من الإنس على أوامر ربه.
فأما إطلاقه على إبليس ففي مثل قوله تعالى (فأزلهما الشيطان عنها )وقوله تعالى (فوسوس لهما الشيطان )وقوله تعالى (لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة)وهذا غالب إطلاقه، فالشيطان علم في الغالب على إبليس.
وأما إطلاقه على جنس من الجن ففي مثل قوله تعالى (وما تنزلت به الشياطين) وقوله تعالى (هل أنبئكم على من تنزل الشياطين ) (والشياطين كل بناء وغواص ) (وجعلناها رجوما للشياطين) وهو ههنا وصف لهم.
وأما إطلاقه على متمردي الإنس ففي مثل قوله تعالى (وكذلك جعلنا لكل نبي عدو شياطين الجن والإنس يوحي بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا) وهو هنا وصف لهم أيضا.
وحينئذ فلا يمكن أن يقال : أبو الشياطين هو فلان إذ منهم جن ومنهم بشر، إلا أن يكون الحكم أغلبي، فيقال إبليس أبو الشياطين لأن غالب الشياطين منهم ولأنه مصدر شيطنتهم والله أعلم.
س/ هل يدل قول الملائكة (أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء)؟
ج/ ليس في الآية دليل صريح على ذلك؛ إذ ربما عرفت الملائكة أن هذا الخليفة سيفسد في الأرض ويسفك الدماء بوحي من الله إليها كما نقل معناه ابن كثير عن الحسن البصري في تفسير الآية.
وقد ورد في كتب التواريخ وبعض التفاسير:أنهم علموا ذلك بسبب أعمال من تقدم آدم من الجن الذين سكنوا الأرض، وسبق بيان شئ من ذلك السؤال، السابق والله أعلم.
=============== ... ...
ذكر المحرمات حصرا في [الأنعام: 145] ولكن أتت السنة بتحريم أكل الحمر الأهلية
وهي { إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (173) [البقرة/173] }
المجيب د. محمد بن عبد الله القناص
عضو هيئة التدريس بجامعة القصيم
التصنيف السنة النبوية وعلومها/مشكل الحديث
التاريخ 20/05/1426هـ
السؤال(5/365)
قال تعالى: "قل لا أجد فيما أوحي إلي محرماً على طاعم يطعمه إلا أن يكون ميتة أو دماً مسفوحاً أو لحم خنزير.." [الأنعام: 145]، ولكننا نعلم من الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن أكل الحمر الأهلية والسباع وغيرها. فكيف يكون التوفيق بين الآية والحديث؟ وفي صحيح البخاري روى عمرو: قلت لجابر بن زيد: "يزعم الناس أن النبي -صلى الله عليه وسلم- نهى عن أكل لحم الحمر، ولكن الحبر ابن عباس رفض أن يفتي في ذلك, وتلا: "قل لا أجد فيما أوحي إلي" الآية أرجو توضيح المسألة. وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله, وبعد:
ثبت في السنة النهي عن لحوم الحمر الأهلية, وعن كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير، ففي الصحيحين من حديث أنس رضي الله عنه: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنْهَيَانِكُمْ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ فَإِنَّهَا رِجْسٌ. صحيح البخاري (4198)، وصحيح مسلم (1940)، وفيهما من حديث جابر -رضي الله عنه- قال: نَهَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ، وَأَذِنَ فِي لُحُومِ الْخَيْلِ. صحيح البخاري (4219)، وصحيح مسلم (1941)، وفيهما من حديث أبي ثعلبة -رضي الله عنه- قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لُحُومَ الْحُمُرِ الْأَهْلِيَّةِ. صحيح البخاري (5527)، وصحيح مسلم (1936)، وفي صحيح مسلم (1933) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- عَنْ النَّبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: " كُلُّ ذِي نَابٍ مِنْ السِّبَاعِ فَأَكْلُهُ حَرَامٌ"، وفيه (1934) من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما- قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِن السِّبَاعِ، وَعَن كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ مِن الطَّيْرِ".
وهذه الأحاديث تدل على تحريم ما ذكر، وهو قول جمهور العلماء، وأما الاستدلال بقوله تعالى:
(قُلْ لا أجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ) [الأنعام:145]، وكون ابن عباس أخذ بظاهرها، فيجاب عنه بما يأتي:
1- أن الاستدلال بالآية يتم فيما لم يرد فيه النص بالتحريم، والحمر الأهلية قد تواردت النصوص على تحريمها – كما سبق – والتنصيص على التحريم مقدَّم على عموم التحليل وعلى القياس.
2- أن الآية الكريمة مكيَّة، والحصر فيها قبل أن يستجد تحريم ما ذُكر في السنة، فقد حُرمت أشياء بعد نزولها، والآية جاءت بصيغة الفعل الماضي: (قُلْ لا أَجِدُ)، فمعنى ذلك أن وقت نزول الآية لم يحرم إلا ما ذكر فيها، ثم حرم أشياء بعد نزولها.
3- أن الآية جاءت في سياق نقض أقوال المشركين الذين حرموا أشياء بأهوائهم، وافتروا على الله عز وجل، ومن ذلك أنهم يجعلون بعض الأنعام محرماً ما في بطونها على الإناث دون الذكور، وأشياء أخرى ذكرت في الآيات، فجاءت هذه الآية الكريمة لتبين أنه لا يحرم من بهيمة الأنعام إلا الميتة، وما أهل لغير الله به، والله أعلم.
4 – أن الله -سبحانه وتعالى- وصف المحرمات في الآية بأنها رجس، فما كان مشتركاً في هذا الوصف فيدخل في التحريم، وقد وصف النبي -صلى الله عليه وسلم- الحمر الأهلية في حديث أنس – كما تقدَّم – بأنها رجس.
أما ما يروى عن ابن عباس – رضي الله عنهما – في الاستدلال بالآية على أن الحمر الأهلية ليست محرمة -صحيح البخاري (5529)- فيجاب عنه بما يأتي:
1- أن ابن عباس – رضي الله عنهما – لم يتحقَّق له أن تحريم الحمر الأهلية تحريماً مؤبداً، بسبب ما جاء في بعض الروايات أنها حُرمت من أجل خوف قلة الظهر, أو لأنها لم تخمس أو لأنها جوالة القرية، أي جلالة تأكل النجاسات. انظر صحيح البخاري (3155)، وصحيح مسلم (1937)، وسنن أبي داود (3809)، ومعجم الطبراني (12226)، ولهذا توقَّف ابن عباس هل كان تحريمها بسببٍ عارض أو على وجه التأبيد، ولكن حديث أنس في الصحيحين صريح بأنها حرمت لأنها رجس.
2- أنه يروى عن ابن عباس أنه رجع عن رأيه هذا, وجزم بالتحريم. انظر المنتقى لابن الجارود (732), ومعجم الطبراني (11067)،
قال ابن القيم: "والتحقيق أن ابن عباس أباحها أولاً؛ حيث لم يبلغه النهي فسمع ذلك منه جماعة فرووا ما سمعوه، ثم بلغه النهي عنها فتوقف هل هو للتحريم أو لأجل كونها حمولة، فروى ذلك عنه الشعبي وغيره، ثم لما ناظره علي بن أبي طالب جزم بالتحريم كما رواه عنه مجاهد" [تهذيب السنن (5/322-323)].
================= ... ...
شبهات لغوية مزعومة حول القرآن ( 1 )(5/366)
يتهجم المنصرون والمستشرقون وجهلة اللغة العربية على بعض الصور النحوية أو البلاغية التى لا يفهمونها فى القرآن الكريم ، سواء أكان هذا عن عمد أم عن جهل، فهو نفس حال الذى يريد أن يخبأ نور الشمس بمنديل يمسكه فى يديه
والعجب العجاب أنهم لا يرون ما يحمله كتابهم من مخالفات علمية، ونقائص أخلاقية، وأخطاء حسابية، وصور للإله أو للأنبياء مشينة وتصفهم بكل النقص، فهم بحق لا يرون الخشبة التى فى عيونهم، التى تعمى أبصارهم لرؤية نور وصفاء القرآن الكريم. فجاءت صورتهم كما وصف عيسى عليه السلام: (وَلِمَاذَا تُلاَحِظُ الْقَشَّةَ فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَلكِنَّكَ لاَ تَتَنَبَّهُ إِلَى الْخَشَبَةِ الْكَبِيرَةِ فِي عَيْنِكَ؟ 42أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَاأَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَشَّةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ! وأَنْتَ لاَ تُلاحِظُ الْخَشَبَةَ الَّتِي في عَيْنِكَ أَنْتَ. يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَعِنْدَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً لِتُخْرِجَ الْقَشَّةَ الَّتِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ) (لوقا6: 41-42).
فتبعاً لشرع وأحكام العهدين القديم والجديد يستحق كل النصارى والقسيسين القتل لأنهم لا يعظمون السبت (32وَلمَّا كَانَ بَنُو إِسْرَائِيل فِي البَرِّيَّةِ وَجَدُوا رَجُلاً يَحْتَطِبُ حَطَباً فِي يَوْمِ السَّبْتِ. 33فَقَدَّمَهُ الذِينَ وَجَدُوهُ يَحْتَطِبُ حَطَباً إِلى مُوسَى وَهَارُونَ وَكُلِّ الجَمَاعَةِ. 34فَوَضَعُوهُ فِي المَحْرَسِ لأَنَّهُ لمْ يُعْلنْ مَاذَا يُفْعَلُ بِهِ. 35فَقَال الرَّبُّ لِمُوسَى: «قَتْلاً يُقْتَلُ الرَّجُلُ. يَرْجُمُهُ بِحِجَارَةٍ كُلُّ الجَمَاعَةِ خَارِجَ المَحَلةِ». 36فَأَخْرَجَهُ كُلُّ الجَمَاعَةِ إِلى خَارِجِ المَحَلةِ وَرَجَمُوهُ بِحِجَارَةٍ فَمَاتَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ مُوسَى.) خروج 15: 32 – 36
فقد شدد العهد القديم على الحفاظ على السبت ، وصرح عيسى عليه السلام بأنه جاء ليكمل الناموس وليس لينقضه ، فإلى أن تقوم الساعة لن ينقص حرف واحد منه (متى 5: 17-18) (12اِحْفَظْ يَوْمَ السَّبْتِ لِتُقَدِّسَهُ كَمَا أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ. 13سِتَّةَ أَيَّامٍ تَشْتَغِلُ وَتَعْمَلُ جَمِيعَ أَعْمَالِكَ 14وَأَمَّا اليَوْمُ السَّابِعُ فَسَبْتٌ لِلرَّبِّ إِلهِكَ لا تَعْمَل فِيهِ عَمَلاً مَا أَنْتَ وَابْنُكَ وَابْنَتُكَ وَعَبْدُكَ وَأَمَتُكَ وَثَوْرُكَ وَحِمَارُكَ وَكُلُّ بَهَائِمِكَ وَنَزِيلُكَ الذِي فِي أَبْوَابِكَ لِيَسْتَرِيحَ عَبْدُكَ وَأَمَتُكَ مِثْلكَ. ...... لأَجْلِ ذَلِكَ أَوْصَاكَ الرَّبُّ إِلهُكَ أَنْ تَحْفَظَ يَوْمَ السَّبْتِ.) تثنية 5: 12 - 15
إلا أن بولس بدافع شخصى منه قد ألغى كلام الرب الباقى إلى الأبد: و(18فَإِنَّهُ يَصِيرُ إِبْطَالُ الْوَصِيَّةِ السَّابِقَةِ مِنْ أَجْلِ ضُعْفِهَا وَعَدَمِ نَفْعِهَا، 19إِذِ النَّامُوسُ لَمْ يُكَمِّلْ شَيْئاً. وَلَكِنْ يَصِيرُ إِدْخَالُ رَجَاءٍ أَفْضَلَ بِهِ نَقْتَرِبُ إِلَى اللهِ) عبرانيين7: 18–19
و(7فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ الأَوَّلُ بِلاَ عَيْبٍ لَمَا طُلِبَ مَوْضِعٌ لِثَانٍ. 8لأَنَّهُ يَقُولُ لَهُمْ لاَئِماً: (هُوَذَا أَيَّامٌ تَأْتِي يَقُولُ الرَّبُّ، حِينَ أُكَمِّلُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ وَمَعَ بَيْتِ يَهُوذَا عَهْداً جَدِيداً. 9لاَ كَالْعَهْدِ الَّذِي عَمِلْتُهُ مَعَ آبَائِهِمْ يَوْمَ أَمْسَكْتُ بِيَدِهِمْ لِأُخْرِجَهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ، لأَنَّهُمْ لَمْ يَثْبُتُوا فِي عَهْدِي، وَأَنَا أَهْمَلْتُهُمْ يَقُولُ الرَّبُّ. 10لأَنَّ هَذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلَهاً وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْباً. 11وَلاَ يُعَلِّمُونَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلاً: اعْرِفِ الرَّبَّ، لأَنَّ الْجَمِيعَ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ. 12لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحاً عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ». 13فَإِذْ قَالَ «جَدِيداً» عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنَ الاِضْمِحْلاَلِ.) عبرانيين 8: 7 – 13
و(9ثُمَّ قَالَ: «هَئَنَذَا أَجِيءُ لأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللهُ». يَنْزِعُ الأَوَّلَ لِكَيْ يُثَبِّتَ الثَّانِيَ.) عبرانيين 10: 9 فهل مشيئة الله المذكورة فى العهد القديم أم المذكورة فى خيال بولس ولا تحتويها أى من الكتب السابقة؟ حتى كلام عيسى عليه السلام قد بدله:
و(33اَلسَّمَاءُ وَالأَرْضُ تَزُولاَنِ وَلَكِنَّ كَلاَمِي لاَ يَزُولُ.) لوقا21: 33(5/367)
و(18فَإِنِّي الْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِلَى أَنْ تَزُولَ السَّمَاءُ وَالأَرْضُ لاَ يَزُولُ حَرْفٌ وَاحِدٌ أَوْ نُقْطَةٌ وَاحِدَةٌ مِنَ النَّامُوسِ حَتَّى يَكُونَ الْكُلُّ.) متى 5: 18
و(بِكَلِمَةِ اللهِ الْحَيَّةِ الْبَاقِيَةِ إِلَى الأَبَدِ.) بطرس الأولى 1: 23
إلا أن أعينهم قد عميت لرؤية واقع كتابهم وتعاليمه: فاقرأوا كتابكم:
إن المشكلة مشكلة هذا الكتاب الذى أفسد سيرة الصالحين من الأنبياء والمرسلين وجعلهم زعماء عصابات مسلحة سفاكى دماء زناة عابدين للأوثان والأصنام من دون الله، ثم ينسبون هذا الهراء لله وحاشاه.
إن مشكلة هذا الكتاب هى القضاء على كل فضيلة ، هو محاربة الله ورسله ، كما لو كان الكتاب ينطق ويقول لله: إذا كنت تريد سلاماً وصلاحاً على الأرض فلن ندعك تفعل ذلك ، وإذا أرسلت نبياً أو رسولاً فسنشوه صورته ونجعله يبدو أمام الناس من أحط البشر وأكثرهم سعياً وراء الفساد. فاقرأوا ما يقوله الكتاب المقدس عن صفوة البشر – أنبياء الله ومختاريه لهداية عباده!
اقرأ نبى الله يعقوب ينهب ويسرق: 27لَكِنِ الْبَهَائِمُ وَغَنِيمَةُ تِلْكَ الْمَدِينَةِ نَهَبَهَا إِسْرَائِيلُ لأَنْفُسِهِمْ حَسَبَ قَوْلِ الرَّبِّ الَّذِي أَمَرَ بِهِ يَشُوعَ. (يشوع 8: 27)
اقرأ نبى الله يعقوب يكذب على أبيه ويسرق البركة والنبوة من أخيه : الأصحاح السابع والعشرين من سفر التكوين
اقرأ زنا نبى الله لوط بابنتيه: 30وَصَعِدَ لُوطٌ مِنْ صُوغَرَ وَسَكَنَ فِي الْجَبَلِ وَابْنَتَاهُ مَعَهُ لأَنَّهُ خَافَ أَنْ يَسْكُنَ فِي صُوغَرَ. فَسَكَنَ فِي الْمَغَارَةِ هُوَ وَابْنَتَاهُ. 31وَقَالَتِ الْبِكْرُ لِلصَّغِيرَةِ: «أَبُونَا قَدْ شَاخَ وَلَيْسَ فِي الأَرْضِ رَجُلٌ لِيَدْخُلَ عَلَيْنَا كَعَادَةِ كُلِّ الأَرْضِ. 32هَلُمَّ نَسْقِي أَبَانَا خَمْراً وَنَضْطَجِعُ مَعَهُ فَنُحْيِي مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». 33فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْراً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ وَدَخَلَتِ الْبِكْرُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَ أَبِيهَا وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا. 34وَحَدَثَ فِي الْغَدِ أَنَّ الْبِكْرَ قَالَتْ لِلصَّغِيرَةِ: «إِنِّي قَدِ اضْطَجَعْتُ الْبَارِحَةَ مَعَ أَبِي. نَسْقِيهِ خَمْراً اللَّيْلَةَ أَيْضاً فَادْخُلِي اضْطَجِعِي مَعَهُ فَنُحْيِيَ مِنْ أَبِينَا نَسْلاً». 35فَسَقَتَا أَبَاهُمَا خَمْراً فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ أَيْضاً وَقَامَتِ الصَّغِيرَةُ وَاضْطَجَعَتْ مَعَهُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِاضْطِجَاعِهَا وَلاَ بِقِيَامِهَا 36فَحَبِلَتِ ابْنَتَا لُوطٍ مِنْ أَبِيهِمَا. 37فَوَلَدَتِ الْبِكْرُ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ «مُوآبَ» - وَهُوَ أَبُو الْمُوآبِيِّينَ إِلَى الْيَوْمِ. 38وَالصَّغِيرَةُ أَيْضاً وَلَدَتِ ابْناً وَدَعَتِ اسْمَهُ «بِنْ عَمِّي» - وَهُوَ أَبُو بَنِي عَمُّونَ إِلَى الْيَوْمِ. (تكوين 19: 30-38)
اقرأ: نبى الله إبراهيم لا يخشى الله ويضحى بشرفه وشرف زوجته سارة خوفاً على نفسه من القتل ولتحقيق مكاسب دنيوية، ويأمر زوجته بالكذب: “11وَحَدَثَ لَمَّا قَرُبَ أَنْ يَدْخُلَ مِصْرَ أَنَّهُ قَالَ لِسَارَايَ امْرَأَتِهِ: «إِنِّي قَدْ عَلِمْتُ أَنَّكِ امْرَأَةٌ حَسَنَةُ الْمَنْظَرِ. 12فَيَكُونُ إِذَا رَآكِ الْمِصْرِيُّونَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ: هَذِهِ امْرَأَتُهُ. فَيَقْتُلُونَنِي وَيَسْتَبْقُونَكِ. 13قُولِي إِنَّكِ أُخْتِي لِيَكُونَ لِي خَيْرٌ بِسَبَبِكِ وَتَحْيَا نَفْسِي مِنْ أَجْلِكِ». 14فَحَدَثَ لَمَّا دَخَلَ أَبْرَامُ إِلَى مِصْرَ أَنَّ الْمِصْرِيِّينَ رَأَوُا الْمَرْأَةَ أَنَّهَا حَسَنَةٌ جِدّاً. 15وَرَآهَا رُؤَسَاءُ فِرْعَوْنَ وَمَدَحُوهَا لَدَى فِرْعَوْنَ فَأُخِذَتِ الْمَرْأَةُ إِلَى بَيْتِ فِرْعَوْنَ 16فَصَنَعَ إِلَى أَبْرَامَ خَيْراً بِسَبَبِهَا وَصَارَ لَهُ غَنَمٌ وَبَقَرٌ وَحَمِيرٌ وَعَبِيدٌ وَإِمَاءٌ وَأُتُنٌ وَجِمَالٌ. (تكوين 12)
اقرأ: الكتاب المقدس يأمر بنى إسرائيل بسرقة ذهب المصريين عند خروجهم من مصر: 22بَلْ تَطْلُبُ كُلُّ امْرَأَةٍ مِنْ جَارَتِهَا وَمِنْ نَزِيلَةِ بَيْتِهَا أَمْتِعَةَ فِضَّةٍ وَأَمْتِعَةَ ذَهَبٍ وَثِيَاباً وَتَضَعُونَهَا عَلَى بَنِيكُمْ وَبَنَاتِكُمْ. فَتَسْلِبُونَ الْمِصْرِيِّينَ. (خروج 3: 22
وأيضاً خروج 12: 35 – 36)(5/368)
اقرأ ندم الرب على أنه جعل شاول ملكاً لأنه لم يقتل البهائم كما قتل الشعب كله: 3فَالآنَ اذْهَبْ وَاضْرِبْ عَمَالِيقَ وَحَرِّمُوا كُلَّ مَا لَهُ وَلاَ تَعْفُ عَنْهُمْ بَلِ اقْتُلْ رَجُلاً وَامْرَأَةً, طِفْلاً وَرَضِيعاً, بَقَراً وَغَنَماً, جَمَلاً وَحِمَاراً». ... 8وَأَمْسَكَ أَجَاجَ مَلِكَ عَمَالِيقَ حَيّاً, وَحَرَّمَ جَمِيعَ الشَّعْبِ بِحَدِّ السَّيْفِ. 9وَعَفَا شَاوُلُ وَالشَّعْبُ عَنْ أَجَاجَ وَعَنْ خِيَارِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْحُمْلاَنِ وَالْخِرَافِ وَعَنْ كُلِّ الْجَيِّدِ, وَلَمْ يَرْضُوا أَنْ يُحَرِّمُوهَا. وَكُلُّ الأَمْلاَكِ الْمُحْتَقَرَةِ وَالْمَهْزُولَةِ حَرَّمُوهَا. 10وَكَانَ كَلاَمُ الرَّبِّ إِلَى صَمُوئِيلَ: 11«نَدِمْتُ عَلَى أَنِّي قَدْ جَعَلْتُ شَاوُلَ مَلِكاً, لأَنَّهُ رَجَعَ مِنْ وَرَائِي وَلَمْ يُقِمْ كَلاَمِي».(صموئيل الأول 15: 3 – 11)
سارة تكذب على الله: “فضحكت سارة فى باطنها ... فقال الرب لإبراهيم لماذا ضحكت سارة ... فأنكرت سارة قائلة لم أضحك. لأنها خافت. فقال لا بل ضحكت.” (تكوين 18: 12 -15)
اقرأ الكتاب المقدس يعلمك كيف يزنى الأخ بأخته: اقرأ سيناريو هذا الفيلم فى الأصحاح الثالث عشر من سفر صموئيل الثانى
اقرأ زنا نبى الله داوود عليه السلام بجارته “امرأة أوريا” وخيانته العظمى للتخلص من زوجها: الأصحاح الحادى عشر من سفر صموئيل الثانى!!!
اقرأ نبى الله سليمان يعبد الأوثان: 9فَغَضِبَ الرَّبُّ عَلَى سُلَيْمَانَ لأَنَّ قَلْبَهُ مَالَ عَنِ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ الَّذِي تَرَاءَى لَهُ مَرَّتَيْنِ، 10وَأَوْصَاهُ فِي هَذَا الأَمْرِ أَنْ لاَ يَتَّبِعَ آلِهَةً أُخْرَى. فَلَمْ يَحْفَظْ مَا أَوْصَى بِهِ الرَّبُّ. (الملوك الأول 11: 9 – 10) ألم يفكر واحد منكم فلماذا تعتبرون كتب هذا النبى الوثنى إلى اليوم أسفاراً مقدسة من وحى الله؟
اقرأ الابن الأصغر “أخزيا” أكبر من أبيه “يهورام” بسنتين!!! “20كَانَ ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَثَلاَثِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ وَمَلَكَ ثَمَانِيَ سِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ وَذَهَبَ غَيْرَ مَأْسُوفٍ عَلَيْهِ ..” (أخبار الأيام الثانى 21: 20)
“وَمَلَّكَ سُكَّانُ أُورُشَلِيمَ أَخَزْيَا ابْنَهُ الأَصْغَرَ عِوَضاً عَنْهُ ... 2كَانَ أَخَزْيَا ابْنَ اثْنَتَيْنِ وَأَرْبَعِينَ سَنَةً حِينَ مَلَكَ ..” (أخبار الأيام الثانى 22: 1 - 2)
الكتاب المقدس لا يعرف الفرق بين الله والشيطان!! “1وَعَادَ فَحَمِيَ غَضَبُ الرَّبِّ عَلَى إِسْرَائِيلَ فَأَهَاجَ عَلَيْهِمْ دَاوُدَ قَائِلاً: «امْضِ وَأَحْصِ إِسْرَائِيلَ وَيَهُوذَا».” (صموئيل الثانى 24: 1) “1وَوَقَفَ الشَّيْطَانُ ضِدَّ إِسْرَائِيلَ وَأَغْوَى دَاوُدَ لِيُحْصِيَ إِسْرَائِيلَ.” (أخبار الأيام الأول 21: 1)
اقرأ الكتاب المقدس يدعى أن الله أمر نبيه حزقيال وبنى اسرائيل بأكل الخراء: “12وَتَأْكُلُ كَعْكاً مِنَ الشَّعِيرِ. عَلَى الْخُرْءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنَ الإِنْسَانِ تَخْبِزُهُ أَمَامَ عُيُونِهِمْ». 13وَقَالَ الرَّبُّ: هَكَذَا يَأْكُلُ بَنُو إِسْرَائِيلَ خُبْزَهُمُ النَّجِسَ بَيْنَ الأُمَمِ الَّذِينَ أَطْرُدُهُمْ إِلَيْهِمْ».” (حزقيال 4: 12-13) ، وأن قوما آخرين يأكلون غائطهم ويشربون بولهم (ملوك ثاني 18: 27)
اقرأ اعتراف لوقا بوجود أناجيل عديدة وقصص كثيرة فى أمور يقينية: “1إِذْ كَانَ كَثِيرُونَ قَدْ أَخَذُوا بِتَأْلِيفِ قِصَّةٍ فِي الأُمُورِ الْمُتَيَقَّنَةِ عِنْدَنَا 2كَمَا سَلَّمَهَا إِلَيْنَا الَّذِينَ كَانُوا مُنْذُ الْبَدْءِ مُعَايِنِينَ وَخُدَّاماً لِلْكَلِمَةِ 3رَأَيْتُ أَنَا أَيْضاً إِذْ قَدْ تَتَبَّعْتُ كُلَّ شَيْءٍ مِنَ الأَوَّلِ بِتَدْقِيقٍ أَنْ أَكْتُبَ عَلَى التَّوَالِي إِلَيْكَ أَيُّهَا الْعَزِيزُ ثَاوُفِيلُسُ 4لِتَعْرِفَ صِحَّةَ الْكَلاَمِ الَّذِي عُلِّمْتَ بِهِ.” (لوقا 1: 1-4) رسالة شخصية ادعوا أنها من وحى الله!!!
اقرأ بولس حرَّف تعاليم عيسى وعلَّم قومه الإرتداد عن أوامر الله: “وَقَالُوا لَهُ: «أَنْتَ تَرَى أَيُّهَا الأَخُ كَمْ يُوجَدُ رَبْوَةً مِنَ الْيَهُودِ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُمْ جَمِيعاً غَيُورُونَ لِلنَّامُوسِ. 21وَقَدْ أُخْبِرُوا عَنْكَ أَنَّكَ تُعَلِّمُ جَمِيعَ الْيَهُودِ الَّذِينَ بَيْنَ الْأُمَمِ الاِرْتِدَادَ عَنْ مُوسَى قَائِلاً أَنْ لاَ يَخْتِنُوا أَوْلاَدَهُمْ وَلاَ يَسْلُكُوا حَسَبَ الْعَوَائِدِ.” (أعمال الرسل 21: 21) لذلك لم يتركه التلاميذ يختلط بالشعب حتى لا يفسد دينهم إلى أن تمكن من تحقيق مخططه الصهيونى: “30وَلَمَّا كَانَ بُولُسُ يُرِيدُ أَنْ يَدْخُلَ بَيْنَ الشَّعْبِ لَمْ يَدَعْهُ التَّلاَمِيذُ.” (أعمال الرسل 19: 30)(5/369)
اقرأ بولس يُدلى برأيه الخاص ويضعه ضمن كلمات الله الموحى بها!! “25وَأَمَّا الْعَذَارَى فَلَيْسَ عِنْدِي أَمْرٌ مِنَ الرَّبِّ فِيهِنَّ وَلَكِنَّنِي أُعْطِي رَأْياً كَمَنْ رَحِمَهُ الرَّبُّ أَنْ يَكُونَ أَمِيناً.” (كورنثوس الأولى 7: 25)
اقرأ رسائل بولس الشخصية أصبحت من وحى الله: “11لُوقَا وَحْدَهُ مَعِي. خُذْ مَرْقُسَ وَأَحْضِرْهُ مَعَكَ لأَنَّهُ نَافِعٌ لِي لِلْخِدْمَةِ. 12أَمَّا تِيخِيكُسُ فَقَدْ أَرْسَلْتُهُ إِلَى أَفَسُسَ. 13اَلرِّدَاءَ الَّذِي تَرَكْتُهُ فِي تَرُواسَ عِنْدَ كَارْبُسَ أَحْضِرْهُ مَتَى جِئْتَ، وَالْكُتُبَ أَيْضاً وَلاَ سِيَّمَا الرُّقُوقَ. 14إِسْكَنْدَرُ النَّحَّاسُ أَظْهَرَ لِي شُرُوراً كَثِيرَةً. لِيُجَازِهِ الرَّبُّ حَسَبَ أَعْمَالِهِ. 15فَاحْتَفِظْ مِنْهُ أَنْتَ أَيْضاً لأَنَّهُ قَاوَمَ أَقْوَالَنَا جِدّاً. … 19سَلِّمْ عَلَى فِرِسْكَا وَأَكِيلاَ وَبَيْتِ أُنِيسِيفُورُسَ. 20أَرَاسْتُسُ بَقِيَ فِي كُورِنْثُوسَ. وَأَمَّا تُرُوفِيمُسُ فَتَرَكْتُهُ فِي مِيلِيتُسَ مَرِيضاً. 21بَادِرْ أَنْ تَجِيءَ قَبْلَ الشِّتَاءِ. يُسَلِّمُ عَلَيْكَ أَفْبُولُسُ وَبُودِيسُ وَلِينُسُ وَكَلاَفَِدِيَّةُ وَالإِخْوَةُ جَمِيعاً.” (تيوثاوس الثانية 4: 11-21)
“3سَلِّمُوا عَلَى بِرِيسْكِلاَّ وَأَكِيلاَ ... سَلِّمُوا عَلَى أَبَيْنِتُوسَ حَبِيبِي ... 6سَلِّمُوا عَلَى مَرْيَمَ 7سَلِّمُوا عَلَى أَنْدَرُونِكُوسَ وَيُونِيَاسَ ... 8سَلِّمُوا عَلَى أَمْبِلِيَاسَ حَبِيبِي فِي الرَّبِّ. 9سَلِّمُوا عَلَى أُورْبَانُوسَ ...وَعَلَى إِسْتَاخِيسَ حَبِيبِي. ... 11سَلِّمُوا عَلَى هِيرُودِيُونَ نَسِيبِي. سَلِّمُوا عَلَى الَّذِينَ هُمْ مِنْ أَهْلِ نَرْكِسُّوسَ الْكَائِنِينَ فِي الرَّبِّ. 12سَلِّمُوا عَلَى تَرِيفَيْنَا وَتَرِيفُوسَا التَّاعِبَتَيْنِ فِي الرَّبِّ. سَلِّمُوا عَلَى بَرْسِيسَ الْمَحْبُوبَةِ الَّتِي تَعِبَتْ كَثِيراً فِي الرَّبِّ. 13سَلِّمُوا عَلَى رُوفُسَ ...14سَلِّمُوا عَلَى أَسِينْكِرِيتُسَ وَفِلِيغُونَ وَهَرْمَاسَ وَبَتْرُوبَاسَ وَهَرْمِيسَ وَعَلَى الإِخْوَةِ الَّذِينَ مَعَهُمْ. 15سَلِّمُوا عَلَى فِيلُولُوغُسَ وَجُولِيَا وَنِيرِيُوسَ وَأُخْتِهِ وَأُولُمْبَاسَ وَعَلَى جَمِيعِ الْقِدِّيسِينَ الَّذِينَ مَعَهُمْ. 16سَلِّمُوا بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ بِقُبْلَةٍ مُقَدَّسَةٍ. كَنَائِسُ الْمَسِيحِ تُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ. 21يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ تِيمُوثَاوُسُ الْعَامِلُ مَعِي وَلُوكِيُوسُ وَيَاسُونُ وَسُوسِيبَاتْرُسُ أَنْسِبَائِي. 22أَنَا تَرْتِيُوسُ كَاتِبُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ أُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ فِي الرَّبِّ. 23يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ غَايُسُ مُضَيِّفِي وَمُضَيِّفُ الْكَنِيسَةِ كُلِّهَا. يُسَلِّمُ عَلَيْكُمْ أَرَاسْتُسُ خَازِنُ الْمَدِينَةِ وَكَوَارْتُسُ الأَخُ. (كُتِبَتْ إِلَى أَهْلِ رُومِيَةَ مِنْ كُورِنْثُوسَ عَلَى يَدِ فِيبِي خَادِمَةِ كَنِيسَةِ كَنْخَرِيَا) (رومية 16: 3 – 27)
اقرأ بولس وأتباعه يدينون (يحاكمون) الملائكة!!! “3أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّنَا سَنَدِينُ مَلاَئِكَةً؟ فَبِالأَوْلَى أُمُورَ هَذِهِ الْحَيَاةِ!” (كورنثوس الأولى 6: 3)
اقرأ صدق الله يزداد بكذب بولس!!! “7فَإِنَّهُ إِنْ كَانَ صِدْقُ اللهِ قَدِ ازْدَادَ بِكَذِبِي لِمَجْدِهِ فَلِمَاذَا أُدَانُ أَنَا بَعْدُ كَخَاطِئٍ؟” (رومية 3: 7)
اقرأ قصة المصارعة الحرة بين يعقوب وربه، وانتصر يعقوب على الله، وطرحه أرضا وغلبه وكان الله يرجوه أن يطلقه حتى يعود إلى السماء (تكوين 32: 22).
اقرأ عنصرية الرب وتعاونه مع اليهود: الرب أمر كل أجنبي إذا لقي يهوديا أن يسجد له على الأرض ويلحس غبار نعليه (إشعياء 49: 21)
وكذلك تجدون في كتابكم نصوصا مثيرة للغريزة الجنسية مثل سفر نشيد الأنشاد الذي يتضمن نصوصا تأبى المرأة العفيفة أن تسمعها لئلا تخدش حياءها حتى إننا نجد جورج برنارد شو ينصح بحفظ البايبل بعيدا عن متناول الأطفال لما فيه من النصوص الجنسية الفاضحة حتى وصف البايبل بأنه أخطر كتاب على وجه الأرض وأمر بوضعه في مكان محكم الإقفال.
اقرأ البلاغة وتعلم الفصاحة وانهل من العلم الغزير للكتاب المقدس:
(الله صانعي، مؤتي الأغاني في الليل، الذي يعلمنا أكثر من وحوش الأرض، ويجعلنا أحكم من طيور السماء.) (أيوب35: 10)
فما هو العلم الذي تعلمكم إياه وحوش الأرض. وما هي الحكمة التي تؤتيكم إياها الطيور؟؟؟
(لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت. للولادة وقت وللموت وقت. للغرس وقت ولقلع المغروس وقت. للبكاء وقت وللضحك وقت. وللنوح وقت وللرقص وقت. لتفريق الحجارة وقت ولجمع الحجارة وقت. للمعانقة وقت وللانفصال عن المعانقة وقت. للتمزيق وقت وللتخييط وقت.) (الجامعة 3: 1)(5/370)
أرأيتم هذا التعبير الأدبي الذي عجز عن مثله أبو العتاهية والمتنبي وسائر أدباء العرب؟ أسلوب لا أدبي رفيع الركاكة. هكذا.. تمزيق وتخييط. جمع حجارة وتفريقها. وضع غرس ثم قلعه. نوح ورقص.
1 - رفع المعطوف على المنصوب
س 106: جاء في سورة المائدة 5: 69 (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِونَ وَالنَّصَارَى مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآَخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).
وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم إن فيقول والصابئين كما فعل هذا في سورة البقرة 2: 62 والحج 22: 17.
الرد: لو كان في الجملة اسم موصول واحد لحق لك أن تنكر ذلك ، لكن لا يلزم للاسم الموصول الثاني أن يكون تابعا لإنَّ. فالواو هنا استئنافية من باب إضافة الجُملة للجملة ، وليست عطفا على الجملة الأولى.
لذلك رُفِعَ (والصابئون) للإستئناف (اسم مبتدأ) وخبره محذوف تقديره والصابئون كذلك أى فى حكمهم. والفائدة من عدم عطفهم على مَن قبلهم هو أن الصابئين أشد الفرق المذكورين فى هذه الآية ضلالاً ، فكأنه قيل: كل هؤلاء الفرق إن آمنوا وعملوا الصالحات قَبِلَ اللهُ تَوْبتهم وأزال ذنبهم ، حتى الصابئون فإنهم إن آمنوا كانوا أيضاً كذلك.
وقيل فيه أيضاً: إنَّ لفظ إنَّ ينصب المبتدأ لفظا ويبقى مرفوعا محلا، فيصح لغة أن تكون (والصابئون) معطوفة على محل اسم إن سواء كان ذلك قبل مجيء الخبر أو بعده ، أو هي معطوفة على المضمر في (هادوا).
2 - نصب الفاعل
س 107: جاء في سورة البقرة 2: 124 (وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ
إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ). وكان يجب أن يرفع الفاعل فيقول الظالمون.
الرد: ينال فعل متعدى بمعنى (يشمل أو يَعُم) كما فى الآية أى لا يشمل عهدى الظالمين، فعهدى هنا فاعل، والظالمين مفعول به. مثال لذلك لقد ناله ظلماً، وأسفنا لما ناله من إهانة. والإمامة والعهد بالإمامة هنا معناه النبوة، وبذلك تكون جواباً من اللله على طلب نبينا إبراهيم أن يجعل النبوة فى ذريته فوافقه الله إلا أنه استثنى الظالمين، كما لو أنه أراد قول (إلا الظالمين من ذريتك). وتجىء أيضاً بمعنى حصل على مثل: نال الظالم جزاءه.
س 113: جاء في سورة البقرة 2: 17 (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ
مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) . وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول ذهب الله بنوره .
الرد: فهو هنا لم يشبه الجماعة بالواحد وإنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ومثال ذلك قوله: (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثمَّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) [الجمعة 5]. فلما أضاءت ما حوله أضاءت أيضاً للآخرين ، فكان عقاب الله أنها ذهبت بأبصارهم جميعاً، لاحظ أن الله يضرب المثل بقوم استوقد أحدهم ناراً فلمَّا أضاءت ما حول فاعل هذه النار أضاءت أيضاً حول ذهب الله بأبصار هذا القوم.
ونلاحظ أنه قال (ذهب) وهى أبلغ من أذهب لأن ذهب بالشىء اسطحبه ومضى به معه، فكأنما أراد الله أن يذكرهم أنه يرون بنور الله وفى معيته، وحيث أنهم اختاروا طريق الظلمة فقد أخذ الله نوره وتركهم فى ظلمات أنفسهم التى اختاروا البقاء فيها.
3 - تذكير خبر الاسم المؤنث
س 108: جاء في سورة الأعراف 7: 56 (وَلاَ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاَحِهَا
وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِين).
وكان يجب أن يتبع خبر إن اسمها في التأنيث فيقول قريبة .
الرد: إن كلمة قريب على وزن فعيل، وصيغة فعيل يستوى فيها المذكر والمؤنث.
4 - تأنيث العدد وجمع المعدود
س 109: جاء في سورة الأعراف 7: 160 (وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً) .
وكان يجب أن يذكر العدد ويأتي بمفرد المعدود فيقول اثني عشر سبطاً .(5/371)
الرد: لأن تمييز (اثنتي عشرة) ليس هو (أسباطا) [لأن تمييز الأعداد من 11 إلى 99 مفرد منصوب] بل هو مفهوم من قوله تعالى (و قطعناهم)، والمعنى اثنتي عشرة قطعة أي فرقة، وهذا التركيب في الذروة العليا من البلاغة، حيث حذف التمييز لدلالة قوله (وقطعناهم) عليه ، وذكر وصفا ملازما لفرق بني إسرائيل وهم الأسباط بدلا من التمييز. وعند القرطبي أنه لما جاء بعد السبط (أمما) ذهب التأنيث إلى الأمم ، وكلمة (أسباطا) بدل من (اثنتي عشرة)، وكلمة (أمما) نعت للأسباط. وأسباط يعقوب من تناسلوا من أبنائه ، ولو جعل الأسباط تمييزه فقال: اثني عشر سبطا، لكان الكلام ناقصا لا يصح في كتاب بليغ؟ لأن السبط يصدق على الواحد، فيكون أسباط يعقوب اثني عشر رجلا فقط، ولهذا جمع الأسباط و قال بعدها (أمما) لأن الأمة هي الجماعة الكثيرة، وقد كانت كل فرقة من أسباط يعقوب جماعة كبيرة. [واثنتى هنا مفعول به ثانى ، والمفعول به الأول (هم)].
5 - جمع الضمير العائد على المثنى
س 110:جاء في سورة الحج 22: 19(هذانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ). وكان يجب أن يثنّي الضمير العائد على المثنّى فيقول خصمان اختصما في ربهما.
الرد: الجملة في الآية مستأنفة مسوقة لسرد قصة المتبارزين يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة. التقدير هؤلاء القوم صاروا في خصومتهم على نوعين. وينضوي تحت كل نوع جماعة كبيرة من البشر. نوع موحدون يسجدون لله وقسم آخر حق عليه العذاب كما نصت عليه الآية التي قبلها.
6 - أتى باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً
س 111: جاء في سورة التوبة 9: 69 (وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا). وكان يجب أن
يجمع الاسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول خضتم كالذين خاضوا.
الرد: المتعلق (الجار والمجرور) محذوف تقديره كالحديث الذى خاضوا فيه. كأنه
أراد أن يقول وخضتم فى الحديث الذى خاضوا هم فيه.
7 - جزم الفعل المعطوف على المنصوب
س 112: جاء في سورة المنافقون 63: 10 (وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ
أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ) وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المنصوب فأَصدق وأَكون .
الرد: وفي النقطة الخامسة يقال : إن الكلمة (وأكن) تقرأ بالنصب والجزم ، أما
النصب فظاهر لأنها معطوفة على (فأُصدق) المنصوب لفظا في جواب (لولا)، وأما الجزم فلأن كلمة (فأصدق ) وإن كانت منصوبة لفظا لكنها مجزومة محلا بشرط مفهوم من قوله (لولا أخرتني)،حيث إن قوله (فأصدق) مترتب على قوله (أخرتني)، فكأنه قال: إن أخرتني أصدق وأكن. وقد وضع العلماء قاعدة فقالوا: إن العطف على المحل المجزوم بالشرط المفهوم مما قبله جائز عند العرب ، ولو لم تكن الفاء لكانت كلمة أصدق مجزومة، فجاز العطف على موضع الفاء.
[فالواو هنا من باب عطف الجملة على الجملة وليست من باب عطف الفعل على الفعل ، وهو مجزوم فى باب الطلب (الأمر) لأن الطلب كالشرط.]
دهم ناراً فلمَّا أضاءت ما حول فاعل هذه النار أضاءت أيضاً حول ذهب الله بأبصار هذا القوم.
8 - جعل الضمير العائد على المفرد جمعاً
س 113: جاء في سورة البقرة 2: 17 (مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ
مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ) . وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول ذهب الله بنوره .
الرد: فهو هنا لم يشبه الجماعة بالواحد وإنما شبهت قصتهم بقصة المستوقد. ومثال ذلك قوله: (مثل الذين حُمِّلوا التوراة ثمَّ لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا) [الجمعة 5]. فلما أضاءت ما حوله أضاءت أيضاً للآخرين ، فكان عقاب الله أنها ذهبت بأبصارهم جميعاً، لاحظ أن الله يضرب المثل بقوم استوقد أحدهم ناراً فلمَّا أضاءت ما حول فاعل هذه النار أضاءت أيضاً حول ذهب الله بأبصار هذا القوم.
ونلاحظ أنه قال (ذهب) وهى أبلغ من أذهب لأن ذهب بالشىء اصطحبه ومضى به معه، فكأنما أراد الله أن يذكرهم أنه يرون بنور الله وفى معيته، وحيث أنهم اختاروا طريق الظلمة فقد أخذ الله نوره وتركهم فى ظلمات أنفسهم التى اختاروا البقاء فيها.
9 - نصب المعطوف على المرفوع
س 114: جاء في سورة النساء 4: 162 (لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ
يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً). وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول والمقيمون الصلاة .
الرد: (والمقيمين الصلاة) أي وأمدح المقيمين الصلاة، وفي هذا مزيد العناية بهم،
فالكلمة منصوبة على المدح.
[هذه جملة اعتراضية بمعنى (وأخص وأمدح) وهى مفعول به لفعل محذوف(5/372)
تقديره (وأمدح) لمنزلة الصلاة ، فهى أول ما سيحاسب عليه المرء يوم القيامة. وفيها جمال بلاغى حيث يلفت فيها آذان السامعين لأهمية ما قيل. أما (والمؤتون) بعدها على الرفع فهى معطوفة على الجملة التى قبلها.]
10- نصب المضاف إليه
س 115: جاء في سورة هود 11: 10 (وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ
ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ). وكان يجب أن يجرَّ المضاف إليه فيقول بعد ضراءِ .
الرد: يعرف دارسى اللغة العربية أن علامات جر الاسم هى (الكسرة أو الياء أو الفتحة فى الممنوع من الصرف): فيجر الاسم بالفتحة فى المفرد وجمع التكسير إذا كانت مجردة من ال والإضافة وتُجَر الأسماء الممنوعة من الصرف بالفتحة حتى لو كانت مضافة ، ولا يلحق آخرها تنوين. وتسمى الكسرة علامة الجر الأصلية، وتسمى الياء والفتحة علامتى الجر الفرعيتين. ويمنع من الصرف إذا كان على وزن صيغة منتهى الجموع أى على وزن (أفاعل – أفاعيل – فعائل – مفاعل – مفاعيل – فواعل – فعاليل) مثل: أفاضل – أناشيد – رسائل – مدارس – مفاتيح – شوارع – عصافير. والاسم المؤنث الذى ينتهى بألف التأنيث المقصورة (نحو: سلوى و نجوى) أو بألف التأنيث الممدودة (نحو: حمراء – صحراء – أصدقاء) سواء أكان علماً أم صفة أم اسماً ، وسواء أدلَّ على مفرد أم دلَّ على جمع. لذلك فتح ضرَّاءَ لأنه اسم معتل آخره ألف تأنيث ممدودة وهى ممنوعة من الصرف.
11- أتى بجمع كثرة حيث أريد القلة
س 116: جاء في سورة البقرة 2: 80(لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً).وكان يجب
أن يجمعها جمع قلة حيث أنهم أراد القلة فيقول أياماً معدودات .
الرد: ورد فى القرآن: (إلاَّ أياماً معدودات) [آل عمران 24] و (فى أيَّامٍ معدودات) [البقرة 203] و (فى أيامٍ معلومات) [الحج 28].
إذا كان الاسم مذكراً فالأصل فى صفة جمعه التاء: رجال مؤمنة ، كيزان مكسورة ، ثياب مقطوعة ؛ وإن كان مؤنثاً كان الأصل فى صفة جمعه الألف والتاء: نساء مؤمنات ، جِرارٌ مكسورات.
إلا أنه قد يوجد نادراً الجمع بالألف والتاء مع الاسم المذكر مثل: حمَّام
حمَّامات. فالله تعالى تكلم فى سورة البقرة بما هو الأصل وهو قوله تعالى (أياماً معدودة) وفى آل عمران بما هو الفرع.
وعلى ذلك يجوز فى جمع التكسير لغير العاقل أن ينعت بالمفرد المؤنث أو الجمع، فنقول: جبال شامخة وجبال شامخات ، ورود حمراء وورود حمراوات. وفى رأى آخر أنها تعنى أياماً قليلة مثل (دراهم معدودة). ولكن الأكثر أن (معدودة) في الكثرة ، و(معدودات) في القلة (فهي ثلاثة أيام المبيت في منى) وهي قليلة العدد.
12- أتى بجمع قلة حيث أريد الكثرة
س 117: جاء في سورة البقرة 2: 183 و184 (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ * أَيَّامًا مَّعْدُودَات). وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث أن المراد جمع كثرة عدته 30 يوماً فيقول أياماً معدودة .
الرد: (أياماً معدودات) أى مقدورات بعدد معلوم ، أو قلائل ، فكأنما يريد الله أن يقول: إنى رحمتكم وخففت عنكم حين لم أفرض عليكم صيام الدهر كله ، ولا صيام أكثره ، ولو شئت لفعلت ذلك ولكنى رحمتكم وما أوجبت الصوم عليكم إلا فى أيام قليلة.
ويجوز فى جمع التكسير لغير العاقل أن ينعت بالمفرد المؤنث أو الجمع، فنقول: جبال شامخة وجبال شامخات ، ورود حمراء وورود حمراوات.
13- جمع اسم علم حيث يجب إفراده
س 118: جاء في سورة الصافات 37: 123-132 (وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ...
سَلاَمٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ... إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِين). فلماذا قال إلياسين بالجمع عن إلياس المفرد؟ فمن الخطا لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلَّف.
وجاء في سورة التين 95: 1-3 وَالتِّينِ وَالزَيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ . فلماذا قال سينين بالجمع عن سيناء؟ فمن الخطأ لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلف.
الرد: إن اسم إلياس معرب عن العبرية ، فهو اسم علم أعجمي ، مثل إبراهيم
وأبرام ، فيصح لفظه إلياس و إلياسين ، وهما إسمان لنبي واحد ، ومهما أتى بلفظ فإنه لا يعني مخالفة لغة العرب ، ولا يعترض على أهل اللغة بما اصطلحوا على النطق به بوجه أو بأكثر. فالاسم ليس من الأسماء العربية حتى يقال هذا مخالف للغة العرب، وكذلك لفظ سيناء يطلق سينين وسَيْنين وسيناء بفتح السين وكسرها فيهما. ومن باب تسمية الشيء الواحد بتسميات متشابهة أيضاً كتسمية مكة بكة.
14- أتى باسم الفاعل بدل المصدر
س 119: جاء في سورة البقرة 2: 177 (لَيْسَ َالبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ(5/373)
وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ). والصواب أن يُقال ولكن البر أن تؤمنوا بالله لأن البر هو الإيمان لا المؤمن.
الرد: يقول الأمام الرازى أنه حذف فى هذه الآية المضاف كما لو أراد قول (ولكن البر كل البر الذى يؤدى إلى الثواب العظيم بر من آمن بالله. وشبيه ذلك الآية (أجعلتم سقاية الحاجِّ ... كَمَنْ ءامَنَ) [التوبة 19] وتقديره: أجعلتم أهل سقاية الحاج كمن آمن؟ ، أو أجعلتم سقاية الحاج كإيمان من آمن؟ ليقع التمثيل بين مصدرين أو بين فاعلين، إذ لا يقع التمثيل بين مصدر وفاعل.
وقد يُقصدً بها الشخص نفسه فتكون كلمة (البرَّ) هنا معناها البار مثل الآية (والعاقبة للتقوى) [طه 132] أى للمتقين ، ومثله قول الله تعالى (أرأيتم إن أصبح ماءُكم غوراً) [المُلك 30] أى غائراً.
وقد يكون معناها ولكنَّ ذا البر ، كقوله: (هم درجات عند ربهم) [آل عمران 163] أى ذو درجات.
وكأن السائل بولسيّ المنهج الذي يرى الإيمان شيئا غير العمل. ولهذا لاحظ فيها مخالفة لمنهجه فقال: لأن البر هو الإيمان. كما قال بولس من قبله: (إذ نحسب أن الانسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس) رومية 3: 28 فليذهب وليقرأ سفر يعقوب المناقض لعقيدة بولس مخالفا كل نص العهد القديم والجديد. (10لأَنَّ مَنْ حَفِظَ كُلَّ النَّامُوسِ، وَإِنَّمَا عَثَرَ فِي وَاحِدَةٍ، فَقَدْ صَارَ مُجْرِماً فِي الْكُلِّ. 11لأَنَّ الَّذِي قَالَ: «لاَ تَزْنِ» قَالَ أَيْضاً: «لاَ تَقْتُلْ». فَإِنْ لَمْ تَزْنِ وَلَكِنْ قَتَلْتَ، فَقَدْ صِرْتَ مُتَعَدِّياً النَّامُوسَ.) يعقوب 2: 10-11 و (18لَكِنْ يَقُولُ قَائِلٌ: «أَنْتَ لَكَ إِيمَانٌ، وَأَنَا لِي أَعْمَالٌ!» أَرِنِي إِيمَانَكَ بِدُونِ أَعْمَالِكَ، وَأَنَا أُرِيكَ بِأَعْمَالِي إِيمَانِي. 19أَنْتَ تُؤْمِنُ أَنَّ اللَّهَ وَاحِدٌ. حَسَناً تَفْعَلُ. وَالشَّيَاطِينُ يُؤْمِنُونَ وَيَقْشَعِرُّونَ! 20وَلَكِنْ هَلْ تُرِيدُ أَنْ تَعْلَمَ أَيُّهَا الإِنْسَانُ الْبَاطِلُ أَنَّ الإِيمَانَ بِدُونِ أَعْمَالٍ مَيِّتٌ؟ 21أَلَمْ يَتَبَرَّرْ إِبْرَاهِيمُ أَبُونَا بِالأَعْمَالِ، إِذْ قَدَّمَ إِسْحَاقَ [وهذا خطأ من الكاتب إذ أنه إسماعيل] ابْنَهُ عَلَى الْمَذْبَحِ؟ 22فَتَرَى أَنَّ الإِيمَانَ عَمِلَ مَعَ أَعْمَالِهِ، وَبِالأَعْمَالِ أُكْمِلَ الإِيمَانُ،) يعقوب 2: 18-22
ويقول العهد القديم: قال موسى وهارون لله: («اللهُمَّ إِلهَ أَرْوَاحِ جَمِيعِ البَشَرِ هَل يُخْطِئُ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَتَسْخَطَ عَلى كُلِّ الجَمَاعَةِ؟») (العدد 16 : 22)
(16«لا يُقْتَلُ الآبَاءُ عَنِ الأَوْلادِ وَلا يُقْتَلُ الأَوْلادُ عَنِ الآبَاءِ. كُلُّ إِنْسَانٍ بِخَطِيَّتِهِ يُقْتَلُ.) (التثنية 24 : 16)
"19[وَأَنْتُمْ تَقُولُونَ: لِمَاذَا لاَ يَحْمِلُ الاِبْنُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ؟ أَمَّا الاِبْنُ فَقَدْ فَعَلَ حَقّاً وَعَدْلاً. حَفِظَ جَمِيعَ فَرَائِضِي وَعَمِلَ بِهَا فَحَيَاةً يَحْيَا. 20اَلنَّفْسُ الَّتِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. الاِبْنُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ وَالأَبُ لاَ يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الاِبْنِ. بِرُّ الْبَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ. 21فَإِذَا رَجَعَ الشِّرِّيرُ عَنْ جَمِيعِ خَطَايَاهُ الَّتِي فَعَلَهَا وَحَفِظَ كُلَّ فَرَائِضِي وَفَعَلَ حَقّاً وَعَدْلاً فَحَيَاةً يَحْيَا. لاَ يَمُوتُ. 22كُلُّ مَعَاصِيهِ الَّتِي فَعَلَهَا لاَ تُذْكَرُ عَلَيْهِ. فِي بِرِّهِ الَّذِي عَمِلَ يَحْيَا. 23هَلْ مَسَرَّةً أُسَرُّ بِمَوْتِ الشِّرِّيرِ يَقُولُ السَّيِّدُ الرَّبُّ؟ أَلاَ بِرُجُوعِهِ عَنْ طُرُقِهِ فَيَحْيَا؟ " (حزقيال 18 : 19- 23)
والصحيح أن الإيمان عمل. إذن فالبر هو عمل المؤمن. فيصير معنى الآية ولكن البر هو أن يعمل الإنسان كذا وكذا ، فالإيمان بالله من الأعمال الإيمانية وتتضمن أعمالا للقلب تبعث على عمل الجوارح كالخشية والخضوع والتوكل والخوف والرجاء. وهذه كلها تبعث على العمل الصالح.
15- نصب المعطوف على المرفوع
س 120: جاء في سورة البقرة 2: 177 (وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ
فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ). وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول والموفون... والصابرون .
الرد: الصابرين هنا مفعولاً به لفعل محذوف تقديره وأخص بالمدح الصابرين، والعطف هنا من باب عطف الجملة على الجملة.
16- وضع الفعل المضارع بدل الماضي
س 121: جاء في سورة آل عمران 3: 59 (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِن تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُون) . وكان يجب أن يعتبر المقام الذي يقتضي صيغة الماضي لا المضارع فيقول قال له كن فكان .(5/374)
الرد: وفي النقطة السادسة قال (فيكون) للإشارة إلى أن قدرة الله على إيجاد شيء ممكن وإعدامه لم تنقض، بل هي مستمرة في الحال والاستقبال في كل زمان ومكان ، فالذي خلق آدم من تراب فقال له (كن) فكان ، قادر على خلق غيره في الحال والاستقبال (فيكون) بقوله تعالى (كن). وقد نقل المنصرون هذا من كتب التفسير: أي إن المعنى : فكان، فظنوا لجهلهم بفن التفسير أن قول المفسرين بذلك لتصحيح خطأ وقع في القرآن، وأن الصواب : فكان ، بصيغة الماضي . قال القرطبي : "فكان . والمستقبل يكون في موضع الماضي إذا عرف المعنى"
وهل نقول: إذا أمرتك بشيء فعلت؟ أم أن الأصح أن تقول: إذا أمرتك بشيء تفعله؟ وتقدير السياق في الآية فإذا أراد الله شيئا فيكون ما أراد.
[من الممكن فى اللغة استخدام المضارع فى قص أشياء حدثت فى الماضى لغرض بلاغى وهو استحضار الصورة فى الذهن، وكذلك من الممكن استخدام الماضى للإشارة إلى وقوع الفعل فى المستقبل لا محالة مثل: (أتى أمر الله فلا تستعجلوه)]
17- لم يأت بجواب لمّا
س 122: جاء في سورة يوسف 12: 15 (فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ
الجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ). فأين جواب لمّا؟ ولو حذف الواو التي قبل أوحينا لاستقام المعنى..
الرد: الجواب هنا محذوف تقديره فجعلوه فيها أو نفَّذوا مؤامرتهم وأرسله معهم.
وهذا من الأساليب البلاغية العالية للقرآن أنه لا يذكر لك تفاصيل مفهومة بديهية في السياق.
18- أتى بتركيب يؤدي إلى اضطراب المعنى
س 123: جاء في سورة الفتح 48: 8 و9(إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا لتُؤْمِنُوا
بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً). وهنا ترى اضطراباً في المعنى بسبب الالتفات من خطاب محمد إلى خطاب غيره. ولأن الضمير المنصوب في قوله تعزّروه وتوقروه عائد على الرسول المذكور آخراً وفي قوله تسبحوه عائد على اسم الجلالة المذكور أولاً. هذا ما يقتضيه المعنى. وليس في اللفظ ما يعينه تعييناً يزيل اللبس. فإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الرسول يكون كفراً، لأن التسبيح لله فقط. وإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الله يكون كفراً، لأنه تعالى لا يحتاج لمن يعزره ويقويه!!
الرد: نعم. فإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الرسول يكون كفراً، لأن التسبيح لله فقط.
بعد أن قال تعالى (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا) فقد بيَّنَ فائدة وأسباب
الإرسال المرتبطة بلام التعليل ليعلم الرسول والناس كلهم السبب من إرساله لذلك قال (لتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً).
والخطاب هنا للرسول فى الإرسال ، ثم توجه للمؤمنين به ليبين لهم أسباب إرساله لهذا الرسول. كما لو خاطب المدرس أحد تلاميذه أمام باقى تلاميذ الفصل، فقال له: لقد أرسلتك إلى زملائك لتعلموا كلكم بموعد الإمتحان.
19- نوَّن الممنوع من الصرف
س 124: وجاء في سورة الإنسان 76: 4 (إِنَّا أَعْتَدْنَال للْكَافِرِينَ سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً). فلماذا قال سلاسلاً بالتنوين مع أنها لا تُنوَّن لامتناعها من الصرف؟
الرد: سلاسلاً ليست من أوزان الأسماء الممنوعة من الصرف الخاصة بصيغة منتهى الجموع. وأوزان الأسماء التى على صيغة منتهى الحموع هى: (أفاعل – أفاعيل – فعائل – مفاعل – مفاعيل – فواعل – فعاليل) مثل: أفاضل – أناشيد – رسائل – مدارس – مفاتيح – شوارع – عصافير. ويمنع الاسم من الصرف فى صيغة منتهى الجموع بشرط أن يكون بعد ألف الجمع حرفين ، أو ثلاثة أوسطهم ساكن:
1- مساجد: تمنع من الصرف لأنها على وزن مفاعل (صيغة منتهى الجموع) ولأن بعد الألف حرفان.
2- مصابيح: تمنع من الصرف لأنها على وزن مفاعيل (صيغة منتهى الجموع) ولأن بعد الألف ثلاثة أحرف أوسطهم ساكن.
وقد قرأت سلاسلَ بدون تنوين على لغة من لغات أهل العرب التى تصرِّف كل الأسماء الممنوعة من الصرف فى النثر. أو أن تكون الألف المنونة فى سلاسلاً بدلاً من حرف الإطلاق. (الكشاف للزمخشرى ج 4 ص 167)
وكذلك جاء في سورة الإنسان 76: 15 (وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا) بالتنوين مع أنها لا تُنّوَن لامتناعها عن الصرف؟ إنها على وزن مصابيح.
الرد: لو رجعتم للمصحف لعرفتم أن قواريرا غير منونة ، فهى غير منونة على قراءة عاصم وكثيرين غيره، ولكن قرأ الإمامان النحويان الكسائى الكوفى، ونافع المدنى قواريراً منصرفة ، وهذ1 جائز فى اللغة العربية لتناسب الفواصل فى الآيات.
20- تذكير خبر الاسم المؤنث(5/375)
س 125: جاء في سورة الشورى 42: 17 (اللهُ الذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ
وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ). فلماذا لم يتبع خبر لعل اسمها في التأنيث فيقول قريبة؟
الرد: خبر لعل هنا محذوف لظهوره البيَّن تقديره لعل حدوث الساعة قريب.
وفيه أيضا فائدة وهي أن الرحمة والرحم عند العرب واحد فحملوا الخبر على المعنى. ومثله قول القائل: إمرأة قتيل. ويؤيده قوله تعالى: (هذا رحمة من ربي) فأتى اسم الإشارة مذكرا. ومثله قوله تعالى: (والملائكة بعد ذلك ظهير).
وقد جهل المعترض بأنه المذكر والمؤنث يستويان في أوزان خمسة:
1 – (فعول): كرجل صبور وامرأة صبور.
2 – (فعيل): كرجل جريح وامرأة جريح.
3 – (مفعال): كرجل منحار وامرأة منحار أي كثير النحر.
4 – (فعيل): بكسر الميم مثل مسكين، فنقول رجل مسكين، وامرأة مسكين.
5 – (مِفعَل): بكسر الميم وفتح العين. كمغشم وهو الذي لا ينتهي عما يريده ويهواه من شجاعته. ومدعس من الدعس وهو الطعن.
21- أتى بتوضيح الواضح
س 126: جاء في سورة البقرة 2: 196 (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ
وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَاِملَةٌ) . فلماذا لم يقل تلك عشرة مع حذف كلمة كاملة تلافيا لإيضاح الواضح، لأنه من يظن العشرة تسعة؟
الرد: إن التوكيد طريقة مشهورة فى كلام العرب ، كقوله تعالى: (ولكن تَعْمَى
القلوب التى فى الصدور) [الحج 46] ، وقوله تعالى: (ولا طائرٌ يطير بجناحيه) [الأنعام 38] ، أو يقول قائل سمعته بأذني ورأيته بعيني ، والفائدة فيه أن الكلام الذى يعبر عنه بالعبارات الكثيرة ويعرف بالصفات الكثيرة، أبعد عن السهو والنسيان من الكلام الذى يعبَّر عنه بالعبارة الواحدة ، وإذا كان التوكيد مشتملاً على هذه الحكمة كان ذكره فى هذا الموضع دلالة على أن رعاية العدد فى هذا الصوم من المهمات التى لا يجوز إهمالها ألبتة.
وقيل أيضاً إن الله أتى بكلمة (كاملة) لبيان الكمال من ثلاثة أوجه: أنها كلمة فى البدل عن الهَدىْ قائمة مقامه ، وثانيهما أنها كاملة فى أن ثواب صاحبه كامل مثل ثواب من يأتى بالهَدىْ من القادرين عليه ، وثالثهما أنها كاملة فى أن حج المتمتع إذا أتى بهذا الصيام يكون كاملاً ، مثل حج من لم يأت بهذا التمتع.
وذهب الإمام الطبري إلى أن المعنى « تلك عشرة فرضنا إكمالها عليكم، إكمال صومها لمتعتكم بالعمرة إلى الحج، فأخرج ذلك مخرج الخبر.
22- أتى بضمير فاعل مع وجود فاعل
س 127: جاء في سورة الأنبياء 21: 3 (وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الذِينَ ظَلَمُوا) مع حذف
ضمير الفاعل في أسرّوا لوجود الفاعل ظاهراً وهو الذين .
الرد: وفي هذه النقطة يقال : إن التركيب مطابق لقواعد اللغة العربية باتفاق علماء اللغة وإن اختلفوا في الفاعل الذي أسنِدَ إليه الفعل، والجمهور على أنه مسند للضمير، والاسم الظاهر بدل منه.
ووجود علامة التثنية والجمع فى الفعل قبل الفاعل لغة طىء وأزد شنوءة، وقلنا من قبل إن القرآن نزل بلغات غير لغة قريش ، وهذا أمر كان لا بد منه ، ومع هذا جاء هذا التعبير فى لغة قريش ، ومنه قول عبد الله بن قيس بن الرقيات يرثى مصعب بن الزبير:
تولى قتال المارقين بنفسه وقد أسلماه مبعد وحميم
وقول محمد بن عبد الله العتبى من ولد عتبة بن أبى سفيان الأموى القرشى:
رأين الغوانى الشيب لاح بعارضى فأعرضن عنى بالخدود النواضر
[الذين ظلموا ليست هنا فاعلاً مكرراً ، فكلمة أسر هى الفعل ، والواو فاعله، والنجوى مفعول به، والذين نعت صفاتهم بأنهم ظلموا]
23- الالتفات من المخاطب إلى الغائب قبل إتمام المعنى
س 128: جاء في سورة يونس 10: 22 (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ
طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ). فلماذا التفت عن المخاطب إلى الغائب قبل تمام المعنى؟ والأصحّ أن يستمر على خطاب المخاطب.
الرد: 1- المقصود هو المبالغة كأنه تعالى يذكر حالهم لغيرهم لتعجيبهم منها ،
ويستدعى منهم مزيد الإنكار والتقبيح. فالغرض هنا بلاغى لإثارة الذهن والإلتفات لما سيفعله هؤلاء المُبعدين من نكران لصنيع الله بهم.
2- إن مخاطبته تعالى لعباده، هى على لسان الرسول صلى الله عليه وسلم، فهى بمنزلة الخبر عن الغائب ، وكل من أقام الغائب مقام المخاطب ، حسن منه أن يرده مرة أخرى إلى الغائب.
3- إن الإنتقال فى الكلام من لفظ الغيبة إلى الحضور هو من باب التقرب والإكرام كقوله تعالى: (الحمد لله ربَّ العالمين * الرحمن الرحيم) [الفاتحة 2-3] وكله مقام الغيب ، ثم انتقل منها إلى قوله تعالى: (إيَّاكَ نعبدُ وإيَّاكَ نستعين) [الفاتحة 5] ، وهذا يدل على أن العبد كأنه انتقلَ من مقام الغيبة إلى مقام الحضور ، وهو يوجب علو الدرجة ، وكمال القرب من خدمة رب العالمين.(5/376)
أما إذا انتقل الخطاب من الحضور إلى الغيب وهو من أعظم أنواع البلاغة كقوله: (هو الذى يُسَيَّركم) ينطوي على الامتنان وإظهار نعمة المخاطبين، (حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ) (وَجَرَيْنَ بِهِمْ) ولما كان المسيرون في البر والبحر مؤمنين وكفارا والخطاب شامل لهم جميعا حسن الخطاب بذلك ليستديم الصالح الشكر، ولعل الطالح يتذكر هذه النعمة فيتهيأ قلبه لتذكر وشكر مسديها.
ولما كان في آخر الآية ما يقتضي أنهم إذا نجوا بغوا في الأرض، عدل عن خطابهم بذلك إلى الغيبة، لئلا يخاطب المؤمنين بما لا يليق صدوره منهم وهو البغي بغير الحق.، فهذا يدل على المقت والتبعيد والطرد ، وهو اللائق بحال هؤلاء ، لأن من كان صفته أنه يقابل إحسان الله تعالى إليه بالكفران، كان اللائق به ماذُكِرَ. ففيها فائدتان: المبالغة والمقت أوالتبعيد.
24- أتى بضمير المفرد للعائد على المثنى
س 129: جاء في سورة التوبة 9: 62 (وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ). فلماذا لم
يثنّ الضمير العائد على الاثنين اسم الجلالة ورسوله فيقول أن يرضوهما؟
الرد: 1- لا يُثنَّى مع الله أحدٌ ، ولا يُذكر الله تعالى مع غيره بالذكر المُجْمَل ، بل
يجب أن يفرد بالذكر تعظيماً له.
2- ثم إن المقصود بجميع الطاعات والعبادات هو الله ، فاقتصر على ذكره.
3- ويجوز أن يكون المراد يرضوهما فاكتفى بذكر الواحد كقوله:
نحن بما عندنا وأنت بما عندك راضٍ والرأى مختلفُ
أى نحن بما عندنا راضون.
4- أن العالم بالأسرار والضمائر هو الله تعالى ، وإخلاص القلب لا يعلمه إلا الله ، فلهذا السبب خصَّ الله تعالى نفسه بالذكر.
5- كما أن رضا الرسول من رضا الله وحصول المخالفة بينهما ممتنع فهو تابع لرضاء ربه ، لذلك اكتفى بذكر أحدهما كما يقال: إحسان زيد وإجماله نعشنى وجبرنى. وقد قال أهل العلم: إن إفراد الضمير لتلازم الرضاءين.
6- أو على تقدير: والله أحق أن يرضُوه ورسوله كذلك، كما قال سيبويه:
فهما جملتان حذف خبر إحداهما لدلالة الثاني عليه والتقدير: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك.
25- أتى باسم جمع بدل المثنى
س 130: جاء في سورة التحريم 66: 4 (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا).
والخطاب (كما يقول البيضاوي). موجّه لحفصة وعائشة. فلماذا لم يقل صغا قلباكما بدل صغت قلوبكما إذ أنه ليس للاثنتين أكثر من قلبين؟
الرد: القلب متغير فهو لا يثبت على حال واحدة ، فلذلك جمعه فصار قلب
الإنسان قلوب ، فالحواس كلها تُفرَد ما عدا القلب: ومثل ذلك (وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة) [النحل 78] ، ولعل المراد به هو جمع بناء على القلة تنبيهاً على هناك الكثير من يسمع الحق بل ويراه ، لكن هناك قلة من القلوب التى تستجيب وتخشع لله.
أن الله قد أتى بالجمع في قوله (قلوبكما) وساغ ذلك لإضافته إلى مثنى وهو ضميراهما. والجمع في مثل هذا أكثر استعمالا من المثنى. فإن العرب كرهوا اجتماع تَثْنيَيْن فعدلوا إلى الجمع لأن التثنية جمع في المعنى والإفراد.
ولا يجوز عند البصريين إلا في الشعر كقوله: حمامة بطن الواديين ترنمي سقاك من العز الفوادي مطيرها.
26- رفع القرآن اسم إنْ
س ...: جاء فى سورة طه الآية 63 (إنْ هذانِ لَساحِرَانِ) وكان يجب أن يقول: إنْ
هذين لساحرين
الرد: إنْ بالسكون وهى مخففة من ان ، وإنْ المخففة تكون مهملة وجوباً إذا جاء بعدها فعل ، أما إذا جاء بعدها اسم فالغالب هو الإهمال نحو: (إنْ زيدٌ لكريم) ومتى أُهمِلَت أ يقترن خبرها باللام المفتوحة وجوباً للتفرقة بينها وبين إنْ النافية كى لا يقع اللّبس. واسمها دائماً ضمير محذوف يُسمَّى ضمير (الشأن) وخبرها جملة ، وهى هنا (هذان ساحران).
اتسعنت بعد الله على اتمام هذا العمل بالتفسير الكبير للإمام الرازى ، وبمجهود أخى الشيخ دمشقية على موقع المهتدون وموقع برسوم على الانترنت ، وبمجهود أخوة أخرين من أساتذة اللغة العربية.
================== ... ...
هل إسماعيل أباً ليعقوب كما ذكر القرآن ؟؟ ...
يقول السؤال :
إني لا أفهم هذه الآية "أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ ..."، لأنني أعلم أن إسماعيل عم يعقوب، اشرح لي هذا الأمر.
ويجيب الشيخ / عبد الحكيم القاسم
عضو هيئة التدريس بكلية المعلمين
الجواب
الأب في اللغة يطلق حقيقة ومجازاً:فأما الحقيقي فيطلق على الوالد ؛ لأنه يغذو ولده.(5/377)
وأما المجازي: فيطلق على كل من كان سببا في إيجاد شيء، أو صلاحه أو ظهوره، كما في قوله تعالى:"النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم" [الأحزاب: 6]قرئ بزيادة: وهو أب لهم ومعناها صحيح، ويسمى العم مع الأب أبوان وكذلك الأم مع الأب، وكذلك الجد مع الأب ، كما في الآية المسئول عنها، فإسماعيل لم يكن من آبائهم، وإنما كان عمهم حقيقة، وبعضهم يقول هنا: هذا الإطلاق على التغليب.وفي السنة قال النبي -صلى الله عليه وسلم- عن عمه العباس لعمر –رضي الله عنهما- :"أماشعرت أن عم الرجل صنو أبيه" رواه البخاري (1468)، ومسلم (983)، واللفظ له من حديث أبي هريرة –رضي الله عنه- ، وقال :"الخالة بمنزلة الأم " متفق عليه عند البخاري (2699)، ومسلم (1783) من حديث البراء بن عازب –رضي الله عنه-.ومن إطلاق الأب على الجد العالي قوله تعالى: " كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ " [الأعراف]، وَهُمَا: آدَم وَحَوَّاءُ , ومن السنة : "ارْمُوا بَنِي إسْمَاعِيلَ فَإِنَّ أَبَاكُمْ كَانَ رَامِيًا " رواه البخاري (2899) من حديث سلمة بن الأكوع –رضي الله عنه-. وفي القرآن يأتي الأب ويراد به أربعة معاني –حكاها ابن الجوزي في الوجوه والنظائر ص 111-112 – وهي :
الأب الأصلي الأدنى : كما هو واضح في مثل قوله تعالى :"وورثه أبواه" [النساء: 11]، وقوله تعالى: "وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر" [الأنعام: 74]على الصحيح ، "وأبونا شيخ كبير" [القصص: 23]. ويطلق ويراد به الأب الأعلى: كما في قوله
:"واتبعت ملة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب"[يوسف38]، وقوله تعالى: "ملة أبيكم إبراهيم" [الحج 78]، ويطلق ويراد به العم: كما في الآية المسئول عنها. ويطلق ويراد به الخالة، ومثاله قوله تعالى عن يوسف: "ورفع أبويه على العرش"[يوسف100] ا.هـ . قلت: –إن صح الخبر في الرابع - ولكن الظاهر أن الأبوين حقيقة أمه وأبوه ، والله أعلم .
وننقل كلاما للشيخ ابن عثيمين - رحمة الله علية - في الامر اذ قال
{ وإله آبائك } جمع أب؛ ثم بينوا الآباء بقولهم: { إبراهيم وإسماعيل وإسحاق }؛ { إبراهيم } بالنسبة إلى يعقوب جدّ؛ و{ إسماعيل } بالنسبة إليه عم؛ و{ إسحاق بالنسبة إليه أب مباشر؛ أما إطلاق الأبوة على إبراهيم، وعلى إسحاق فالأمر فيه ظاهر؛ لأن إسحاق أبوه، وإبراهيم جده؛ والجد أب؛ بل قال الله عزّ وجلّ لهذه الأمة: {ملة أبيكم إبراهيم} [الحج: 78] ؛ وهي بينها وبين إبراهيم عالَم؛ لكن الإشكال في عدِّهم إسماعيل من آبائه مع أنه عمهم؛ فيقال كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمر رضي الله عنه: «أما شعرت أن عم الرجل صنو أبيه»(1) ؛ و«الصنو» الغصنان أصلهما واحد؛ فذُكر مع الآباء؛ لأن العم صنو الأب؛ وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «الخالة بمنزلة الأم»(2) ؛ كذلك نقول: العم بمنزلة الأب؛ وقيل: إن هذا من باب التغليب، وأن الأب لا يطلق حقيقة على العم إلا مقروناً بالأب الحقيقي؛ وعلى هذا فلا يكون فيها إشكال إطلاقاً؛ لأن التغليب سائغ في اللغة العربية، فيقال: «القمران»؛ والمراد بهما الشمس، والقمر؛ ويقال: «العُمَرانِ»؛ وهما أبو بكر، وعمر . وقوله تعالى: { إبراهيم } بدل من { آبائك }؛ أو عطف بيان؛
والله من وراء القصد وهو يهدي السبيل
... ============== ...
هل توفي سيدنا عيسى عليه السلام ؟
للشيخ الشعراوي ولابن جبرين
متوفيك
نقف عند هذه الكلمة ، فنحن غالباً ما نأخذ معنى الألفاظ من الغالب الشائع ، ثم تموت المعاني الأخرى في اللفظ ويروج المعنى الشائع فنفهم المقصد من اللفظ .
إن كلمة (( التوفي )) نفهمها على إنها الموت ، ولكن علينا هنا أن نرجع إلى أصل استعمال اللفظية ، فإنه قد يغلب معنى على لفظ ، وهذا اللفظ موضوع لمعان متعددة ، فيأخذه واحد ليجعله خاصاً بواحد من هذه .
إن كلمة (( التوفي )) قد يأخذها واحدا لمعنى (( الوفاة )) وهو الموت ، ولكن ، ألم يكن ربك الذي قال (( إني متوفيك )) ؟ وهو القائل في القرآن الكريم
؟ وهو القائل في القرآن الكريم
سورة الأنعام 60
بسم الله الرحمن الرحيم
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
إذن (( يتوفاكم )) هنا بأي معنى ؟ إنها بمعنى ينيمكم . فالنوم معنى من معاني التوفي . ألم يقل الحق في كتابه أيضاً الذي قال فيه (( إني متوفيك ))
سورة الزمر 42
بسم الله الرحمن الرحيم
اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىَ عَلَيهَا المَوتَ ويُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ(5/378)
لقد سمى الحق النوم موتاً أيضاً . هذا من ناحية منطق القرآن ، إن منطق القرآن الكريم بين لنا أن كلمة (( التوفي )) ليس معناها هو الموت فقط ولكن لها معان أخرى ، إلا أنه غلب اللفظ عند المستعملين للغة على معنى فاستقل اللفظ عندهم بهذا المعنى ، فإذا ما أطلق اللفظ عند هؤلاء لا ينصرف إلا لهذا المعنى ، ولهؤلاء نقول : لا ، لا بد أن ندقق جيداً في اللفظ ولماذا جاء ؟
وقد يقول قائل : ولماذا يختار الله اللفظ هكذا ؟ والإجابة هي : لأن الأشياء التي قد يقف فيها العقل لا تؤثر في الحكام المطلوبة ويأتي فيها الله بأسلوب يحتمل هذا ، ويحتمل ذلك ، حتى لا يقف أحد في أمر لا يستأهل وقفة .
فالذي يعتقد أن عيسى عليه السلام قد رفعه الله إلى السماء ما الذي زاد عليه من أحكام دينه ؟ والذي لا يعتقد أن عيسى عليه السلام قد رُفع ، ما الذي نقص عليه من أحكام دينه ، إن هذه القضية لا تؤثر فى الأحكام المطلوبة للدين ، لكن العقل قد يقف فيها ؟
فيقول قائل : كيف يصعد إلى السماء ؟ ويقول آخر : لقد توفاه الله .
وليعتقد أي إنسان كما يُريد لأنها لا تؤثر في الأحكام المطلوبة للدين .
إذن ، فالأشياء التي لا تؤثر في الحكم المطلوب من الخلق يأتي بها الله بكلام يحتمل الفهم على أكثر من وجه حتى لا يترك العقل في حيرة أمام مسألة لا تضر ولا تنفع .
وعرفنا الآن أن (( توفى )) تأتي من الوفاة بمعنى النوم من قوله سبحانه :
سورة الأنعام 60
بسم الله الرحمن الرحيم
وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُّسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ
ومن قوله سبحانه وتعالى
سورة الزمر 42
بسم الله الرحمن الرحيم
اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا والَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَىَ عَلَيهَا المَوتَ ويُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَومٍ يَتَفَكَّرُونَ
إن الحق سبحانه قد سمى النوم موتاً لأن النوم غيب عن حس الحياة . واللغة العربية توضح ذلك :
فأنت تقول - على سبيل المثال – لمن أقرضته مبلغاً من المال ، ويطلب منك أن تتنازل عن بعضه .. فتقول : لا
لا بد أن أستوفي مالي ، وعندما يُعطيك كل مالك ، تقول له : استوفيت مالي تماماً ، فتوفيته هنا تعني : أنك أخذت مالك بتمامه .
إذن معنى (( متوفيك )) قد يكون هو أخذك الشيء تاماً .
أقول ذلك حتى نعرف الفرق بين الموت والقتل ، وكلاهما يلتقي في أنه سلب للحياة ، وكلمة سلب للحياة قد تكون مرة بنقض البنية ، كضرب واحد لأخر على جمجمته فيقتله ، هذا لون من سلب الحياة ، ولكن بنقض البنية .
أما الموت فلا يكون بنقض البنية ، إنما يأخذ الله الروح ، وتبقى البنية كما هي ، ولذلك فرق الله في قرآنه الحكيم بين (( موت )) و (( قتل )) وإن اتحد معاً في إزهاق الحياة .
آل عمران 144
بسم الله الرحمن الرحيم
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَّنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَن يَّضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ
إن الموت والقتل يؤدي كل منهما إلى انتهاء الحياة ، لكن القتل ينهي الحياة بنقض البنية ، ولذلك يقدر البعض البشر على البشر فيقتلون بعضهم بعضاً . لكن لا أحد يستطيع أن يقول : (( أنا أريد أن يموت فلان )) ، فالموت هو ما يجريه الله على عباده من سلب للحياة بنزع الروح .
إن البشر يقدرون على البنية بالقتل ، والبنية ليست هي التي تنزع الروح ، ولكن الروح تحل في المادة فتحياً ، وعندما ينزعها الله من المادة تموت وترم أي تصير رمة .
إذن ، فالقتل إنما هو إخلال بالمواصفات الخاصة التي أرادها الله لوجود الروح فى المادة ، كسلامة المخ والقلب .
فإذا اختل شيء من هذه المواصفات الخاصة الأساسية فالروح تقول (( أنا لا أسكن هنا )) .
إن الروح إذا ما انتزعت ، فلأنها لا تريد أن تنتزع .. لأي سبب ولكن البنية لا تصلح لسكنها .
ونضرب المثل ولله المثل الأعلى :
إن الكهرباء التي في المنزل يتم تركيبها ، وتعرف وجود الكهرباء بالمصباح الذي يصدر منه الضوء . إن المصباح لم يأت بالنور ، لأن النور لا يظهر إلا فى بنية بهذه المواصفات بدليل أن المصباح عندما ينكسر تظل الكهرباء موجودة ، ولكن الضوء يذهب .
كذلك الروح بالنسبة للجسد . إن الروح لا توجد إلا في جسد له مواصفات خاصة . وأهم هذه المواصفات الخاصة أن تكون خلايا البنية مناسبة ، فإن توقف القلب ، فمن الممكن تدليكه قبل مرور سبع ثواني على التوقف ، لكن إن فسدت خلايا المخ ، فكل شئ ينتهي لأن المواصفات اختلت .(5/379)
إذن ، فالروح لا تحل إلا فى بنية لها مواصفات خاصة ، والقتل وسيلة أساسية لهدم البنية ، وإذهاب الحياة ، لكن الموت هو إزهاق الحياة بغير هدم البنية ، ولا يقدر على ذلك إلا الله سبحانه وتعالى .
ولكن خلق الله يقدرون على البنية ، لأنها مادة ولذلك يستطيعون تخريبها .
إذن :
(( فمتوفيك )) تعني مرة تمام الشيء
(( كاستيفاء المال )) وتعني مرة (( النوم )) .
وحين يقول الحق : (( إني متوفيك )) ماذا يعني ذلك ؟ إنه سبحانه وتعالى يريد أن يقول : أريدك تاماً
أي أن خلقي لا يقدرون على هدم بنيتك ، إني طالبك إلى تاماً ، لأنك في الأرض عرضه لأغيار البشر من البشر ، لكني سآتي بك في مكان تكون خالصاً لي وحدي ، لقد أخذتك من البشر تاماً ، أي أن الروح في جسدك بكل مواصفتها ، فالذين يقدرون عليه من هدم المادة لن يتمكنوا منه .
إذن ، فقول الحق : (( ورافعك إليّ )) هذا القول الحكيم يأتي مستقيماً مع قول الحق (( متوفيك )) .
وقد يقول قائل : لماذا نأخذ الوفاة بهذا المعنى ؟
نقول : إن الحق بجلال قدرته كان قادر على أن يقول : إني رافعك إلىّ ثم أتوفاك بعد ذلك . .. . ونقول أيضاً : من الذي قال : إن (( الواو )) تقضي الترتيب فى الحدث ؟ ألم يقل الحق سبحانه :
القمر 16
بسم الله الرحمن الرحيم
فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي و َنُذُرِ
هل جاء العذاب قبل النذر أو بعدها ؟ إن العذاب إنما يكون من بعد النذر . إن (( الواو )) تفيد الجمع للحدثين فقط . ألم يقل الله في كتابه أيضاً :
الأحزاب 7
بسم الله الرحمن الرحيم
وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيْسَى ابنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيْثَاقًا غَلِيظًا
إن (( الواو )) لا تقتضي ترتيب الأحداث ، فعلى فرض انك قد أخذت (( متوفيك )) أي (( مميتك )) ، فمن الذي قال : إن (( الواو )) تقتضي الترتيب في الحدث ؟ بمعنى أن الحق يتوفى عيسى ثم يرفعه .
فإذا قال قائل : ولماذا جاءت (( متوفيك )) أولاً ؟
نرد على ذلك : لأن البعض قد ظن أن الرفع تبرئه من الموت .
ولكن عيسى عليه السلام سيموت قطعاً ، فالموت ضربه لازب ، ومسألة يمر بها كل بشر .
هذا الكلام من ناحية النص القرآني . فإذا ما ذهبنا إلى الحديث وجدنا أن الله فوض رسوله صلى الله عليه وسلم ليشرح ويبين ، ألم يقل الحق :
النحل 44
بسم الله الرحمن الرحيم
بِالبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ
فالحديث كما رواه البخاري ومسلم : ( كيف أنتم إذا نزل ابن مريم فيكم وإمامكم منكم ) ؟
أي أن النبي صلى الله عليه وسلم بين لنا أن ابن مريم سينزل مرة أخرى .
ولنقف الآن وقفة عقلية لنواجه العقلانيين الذين يحاولون التعب في الدنيا فنقول : يا عقلانيون أقبلتم في بداية عيسى عليه السلام أن يوجد من غير أب على غير طريقة الخلق فى الإيجاد والميلاد ؟
سيقولون : نعم .
هنا نقول : إذا كنتم قد قبلتم بداية مولده بشيء عجيب خارق للنواميس فكيف تقفون في نهاية حياته إن كانت خارقة للنواميس ؟
إن الذي جعلكم تقبلون العجيبة الأولى يمهد لكم أن تقبلوا العجيبة الثانية . إن الحق سبحانه وتعالى يقول :
آل عمران 55
بسم الله الرحمن الرحيم
إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ القِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ
إن الله سبحانه وتعالى يبلغ عيسى عليه السلام إنني سأخذك تاما غير مقدور عليك من البشر ومطهرك من خبث هؤلاء الكافرين ونجاستهم ، وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة .
وكلمة (( اتبع )) تدل على أن هناك (( مُتَّبعًا )) يتلو مُتّبَعا .
أي أن المتِبع هو الذي يأتي بعد ، فمن الذي جاء بعد عيسى عليه السلام بمنهج من السماء ؟
إنه سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
ولكن على أي منهج يكون الذين اتبعوك ؟
أ على المنهج الذي جاؤا به أم المنهج الذي بلغته أنت يا عيسى ؟
إن الذي يتبعك على غير المنهج الذي قلته لن يكون تبعا لك ، ولكن الذي يأتي ليصحح الوضع على المنهج الصحيح فهو الذي اتبعك .
وقد جاء سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ليصحح الوضع ويبلغ المنهج كما أراده الله (( وجاعل الذين اتبعوك فوق الذين كفروا إلى يوم القيامة )) .
فإن أخذنا المعنى بهذا :
إن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم هي التي اتبعت منهج الله الذي جاء به الرسل جميعاً ، ونزل به عيسى أيضاً
أن أمة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم قد صححت كثيراً من القضايا التي انحرف بها القوم .
اللهم تقبل منا صالح الأعمال
من خواطر الشيخ / محمد متولي الشعراوي
وانقل لكم ما قاله الشيخ بن جبرين عن الأمر(5/380)
الصحيح أن الوفاة هنا هي النوم، أي أن الله رفعه إليه وهو نائم، فإن النوم يصدق عليه أنه وفاة أي شبيه بها، كما قال الله تعالى: اللَّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا أي يتوفى الأحياء في المنام بحيث تفارقهم أرواحهم فراقا خاصا يفقدون فيه الإحساس والصوت والحركة الاختيارية، ثم تعود إليهم أرواحهم عند اليقظة. وقد ورد في الحديث أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يقول عند النوم: باسمك ربي وضعت جنبي وبك أرفعه؛ فإن أمسكت نفسي فارحمها، وإن أرسلتها فاحفظها بما تحفظ به عبادك الصالحين . وكان رسول الله [ 23 ] -صلى الله عليه وسلم- يقول عند القيام من النوم: الحمد لله الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور . الحمد لله الذي رد عليّ روحي وعافاني في جسدي . فعلى هذا يكون المعنى: إني متوفيك وفاة نوم بحيث لا تشعر بالرفع إلى السماء، أي أنه رقد نوما عميقا ثم في حال نومه رفعه الله كما شاء، فلم يستيقظ إلا بعد ما رفع إلى السماء. وذهب آخرون إلى أنه توفي وفاة موت مدة يسيرة رفع فيها إلى السماء، ثم بعث وعاش وقال مطر الوراق: إِنِّي مُتَوَفِّيكَ من الدنيا وليس بوفاة [ 24 ] موت، وكذا قال ابن جرير إن وفاته: رفعه من الدنيا بحيث لا يكون من أهلها، ولا يحتاج إلى ما يحتاج إليه أهلها من الأكل والشرب والنوم واليقظة ونحو ذلك. وقد وردت الأحاديث الكثيرة في أنه ينزل في آخر الزمان ويحكم بهده الشريعة، ويكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية فلا يقبل إلا الإسلام، واستدل على ذلك بقوله تعالى: وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ أي قبل موت عيسى والله أعلم
============
عيسى ابن مريم قرائن علمية وعددية
(قرائن علمية وعددية قرآنية تفسر ولادته العذرية ورفعه حياً وعودته رحمة للبشرية)
بقلم الدكتور محمد جميل الحبال
قال الله تعالى :(ولنجعله آية للناس ورحمة) [ مريم:21]
المقدمة:
لقد أيًّد الله سبحانه وتعالى الانبياء والمرسلين بالآيات المعجزات والبينات الباهرات. ويتميز سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام عن بقية اخوانه من الانبياء والمرسلين بكثرتها برغم عمره القصير نسبيا بالمقارنة اليهم، والذي لم يتجاوز الثلاثة والثلاثين عاما. قال تعالى:
( وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ ) [البقرة:من الآيتين 87-253 ]
وقد بين القرآن الكريم هذه المعجزات التي جرت على يديه وبإذن منه سبحانه وتعالى وذلك في كل من الآيات (45-46) و(49) من سورة آل عمران، والآيات من (110) الى (115) من سورة المائدة والآيات من (24) إلى (33) من سورة مريم وهذه البينات هي:
1- الكلام بعد ولادته مباشرة وفي المهد .
2- خلق الطير من الطين .
3- ابراء الأكمه والابرص (شفاء المرضى) .
4- احياء الموتى .
5- اخبار الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيتوهم .
6- انزال المائدة من السماء على الحواريين.
7- الوجاهة في الدنيا وفي الآخرة.
وفضلا عن هذه المعجزات الباهرات والايات البينات فانه عليه السلام يتفرد متميزا ايضا بالآيات المعجزات الثلاث الآتية:
1- ولادته العذرية من مريم الصدّيقة البتول (من أُم دون أب) في قوله تعالى:
(قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران:47]
2- رفعه إلى الله حياً ونجاته من القتل والصلب في قوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء:157- 158 ]
3- نزوله عائداً الى الارض رحمة للناس، وكعلامة من علامات الساعة الكبرى في قوله تعالى: (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ) [الزخرف:61]وكما جاءت بذلك الاحاديث النبوية الشريفة والتي سنذكرها لاحقا.
من اجل ذلك فان سيدنا عيسى ابن مريم لوحده ومع والدته يعتبران آية من آيات الله الباهرات خصهما الله بهذا المعنى في ثلاث آيات مباركات بكونه (او كونهما معاً) كذلك في قوله تعالى:
1- ( وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) [مريم: 21 ].
2- (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) [الانبياء: 90 ].
3- (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [المؤمنون:50 ].(5/381)
وهذا تطابق رائع ودقيق بين هذه الآيات القرآنية الثلاث مع الآيات المعجزات الثلاث التي تفرًّد بها سيدنا المسيح عيسى ابن مريم عن بقية اخوانه من الانبياء والمرسلين عليهم جميعا افضل الصلاة والتسليم، كما سنفصل ذلك لاحقا بعون الله تعالى.
والذي يهمنا في هذا الجانب هو سرد القرائن والادلة العلمية والإحصائية والعددية القرآنية التي لها علاقة بالعدد(16) ومضاعفاته, والتي تصب في موضوع الاعجاز الرياضي في القرآن الكريم والتي تفسر وتقرب الينا مفهوم هذه البينات والآيات الثلاث .
وقبل ان نفصل هذه القرائن و الإشارات علينا كمسلمين ومؤمنين التصديق والتسليم بهذه المعجزات والآيات التي ذكرها القرآن الكريم وفصلها الرسول الكريم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في كثير من احاديثه المتواترة، وعلينا الاعتقاد والتصديق بها كجزء من اركان الايمان والعقيدة، دون الحاجة الى ايراد القرائن العلمية والاحصائية في اثباتها او تفسيرها. وهذا قول صحيح ! فنحن مأمورون بالايمان بالغيب الذي هو احد اركان الايمان في قوله تعالى:(الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ) [البقرة: 3 ]. ونحن مأمورون أيضا وفي نفس الوقت شرعا وعقلا أنه كلما ظهر دليل علمي يوضح او يفسر هذا الامر الغيبي او ذاك ان نبينه للناس، خاصة إننا في عصر التقدم العلمي والمعرفي. هذا العصر الذي اصبحت فيه لغة العلم والكومبيوتر هي اللغة السائدة. وقد بدأت العلوم المعاصرة وحقائقها الثابته تفسر وتبين كثيرا من الاوامر الشرعية والعقائدية وتثبت صحتها.[1]
.وفي القرآن الكريم ادلة كثيرة وامثلة متعددة على ما نقول نذكر منها مثالا واحدا بخصوص سؤال سيدنا ابراهيم عليه السلام، عن كيفية احياء الموتى في قوله تعالى:
(وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ) [ البقرة:260].
والسائل هنا سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام وهو اب الانبياء والمرسلين جميعا ممن جاء بعده، وليس شخصا عاديا والذي قال الله في حقه: (وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ) [الانعام:75]. فبالرغم من ذلك وهو من الموقنين فقد طالب بالدليل التجريبي لاحياء الموتى وكما يقول صاحب تفسير (زبدة التفسير في فتح القدير) ما نصه:((أرني) لم يرد رؤية القلب انما اراد رؤية العين لتحصل له الطمأنينة (اولم تؤمن؟) بأنني قادر على الاحياء حتى تسألني إراءته ! (قال بلى) علمت وامنت بأنك قادر على ذلك (ولكن ليطمئن قلبي) باجتماع دليل العيان الى دلائل الايمان، ولم يكن شاكا في احياء الموتى قط وانما طلب المعاينة لما جبلت عليه النفوس البشرية في رؤية ما اخبرت عنه ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم "ليس الخبر كالمعاينة" .وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: "مافي القرآن عندي آية ارجى منها") [2].
وفي ذلك اشارة واضحة الى وجوب اقران الحقائق العلمية الملموسة والوسائل التجريبية الصحيحة التي هي من نواميس الله عزوجل في خلق الكون والانسان مع الحقائق الايمانية والغيبية كلما امكن ذلك .
ونحن في عصر العلم والكومبيوتر كما قلنا فعلينا ان نستعمل هذه اللغة العلمية التي أصبحت في متناول ايدينا لشرح وتفسير مقاصد الشريعة الغراء وبالاسلوب الصحيح المعاصر، وإيجاد فكر إسلامي علمي متكامل يجمع بين الاصالة والحداثة، وبين الإيمان والعلم لأن الاسلام أمر بهما وشجع عليهما. وبهذا الأسلوب نستطيع وبعون الله تعالى أن نقدم الحجة بالأدلة والبراهين العلمية لغير المسلمين بأحقية هذا الدين، وقد يهديهم الله سبحانه وتعالى بهذا الطريق وبالحكمة والموعظة الحسنة الى الايمان ان كانوا صادقين للوصول الى الحقيقة. وفي الوقت نفسه نعزز الثقة في نفوس كثير من المسلمين ونزيد في ايمانهم امام هذه التحديات والافكار التي تدعي العلمانية والعقلانية قال تعالى:
(لِيَسْتَيْقِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَاناً) [المدثر:31]
ومن هذا المنطلق فاننا سنتناول في بحثنا هذا معجزة خلق سيدنا عيسى ابن مريم من ام دون أب، وأنه عليه السلام قد رفعه الله اليه حيا ولم يقتل او يصلب، وانه كذلك سينزل وهو حي رحمة للناس وإنقاذاٌ لهم، فيرفع الظلم والشرك ويقيم العدل والامان والإسلام.
أولاً: ولادة سيدنا عيسى ابن مريم العذرية (من ام دون اب)
ان الآية الاولى التي يتميز بها سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام عن بقية اخوانه من الانبياء والمرسلين انه ولد من ام دون اب ، كما جاء ذلك في القران الكريم:(5/382)
1- في قوله تعالى: (قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران:47]
2- وفي قوله تعالى : (قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً،قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً) [مريم:20-21]
ان الله عز وجل ضرب لنا من خلال العلم وحقائقه مثالا توضيحيا يقرب لنا الموضوعات الغيبية المذكورة اعلاه (الولادة العذرية) عن طريق خلق النحل وسورتها في القرآن الكريم وعلاقة ذكرهما (عيسى ابن مريم والنحل) بما يتعلق بالمعجزة الرقمية القرآنية والعدد (16) في العلم والقرآن الكريم, كمحور ربط وضبط بينهما, اثباتا وتوضيحا لما ذكره وكذلك تثبيتا للمؤمنين واقامة الحجة على غيرهم, قال تعالى:
(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا وَهُدىً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ)[النحل: 102].
وسنتناول ذكر النحل في القرآن والعلم اولا, ثم ذكر سيدنا عيسى ابن مريم ووالدته في القرآن الكريم ثانيا ، وسنوضح الثوابت العلمية للربط بينهما, وكذلك من خلال الرقم (16) ومضاعفاته،كما ورد في الايات القرانية ، كمؤشر وبرهان على صحة هذه الامور الغيبية.
قال تعالى:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُوراً مُبِيناً) [النساء: 174].
(النحل) في القرآن:
1. ان ترتيب سورة النحل في القرآن الكريم هو(16).
2. ان عدد آيات سورة النحل هو(128) وهذا العدد هو من مضاعفات (16) حيث ان: (16X8=128)
3. ان عدد احرف الكلمات الاربع الاولى من الآيتين (68 ) و(69) اللتين ذكرتا النحل وبعض طبائعه وفوائده في سورتها هو (16) حرفا في قوله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) [النحل: 68 ]، وهذه الحروف والكلمات هي التي خاطب الله تعالى بها (النحل) وألهم هذه الحشرة العجيبة ذات الفائدة الكبيرة للانسان من خلال ما تخرجه من بطونها من منتوجات مفيدة جدا كالعسل وغيره في قوله تعالى:
(ثُمَّ كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ ذُلُلاً يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[النحل:69].
وقد اكتشف العلماء حديثا قسما من كبيرا من هذه الفوائد وبعضا من أسرار حياتها الدقيقة والنظامية جدا التي اذهلت المتخصصين في دراسة (امة النحل) والتي وافقت ما جاء في القرآن الكريم.
صلة الانسان بموضوع النحل والعقيدة:
1- بالاعجاز البلاغي والعددي في القران الكريم:
(ومما يلفت النظر ان الخطاب في الاية أعلاه جاء بضمير المخاطب (الكاف) في (ربك) ولم ترد الآية بلفظ ( واوحى الله الى النحل ) أو ( واوحينا الى النحل) ، ولكنها وردت بقوله تعالى: (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)[النحل:68] . والمخاطب هنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والخطاب له خطابا لامته (امة الاجابة والدعوة) التي نزل القران الكريم من اجل منفعتها وهدايتها .وفي ذلك اشارة عظيمة الى ان هناك صلة بين الانسان المعني في خطاب الله سبحانه وتعالى وبين ماعُهدَ به الى النحل ، من طبيعة واعمال ، يقوم بها بوحي من الله سبحانه وتعالى .وهذه الصلة غير مباشرة ... فكاف المخاطب يفيد نسبة الرسول عليه الصلاة والسلام الى ربه ، من باب التكريم ، وان هذا التكريم نتيجة مترتبة على ايمان الرسول صلى الله عليه وسلم (ومن بعده امته ) بما اوحاه الله تعالى في كتابه (في ايات النحل) [3].
وهذا الربط في بيان صلة الانسان في موضوع النحل وموضوع العقيدة والخطاب التكريمي للامة عن طريق رسولها الامين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في المجال البلاغي القراني، في قوله :
(وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)ولم يقل (واوحى الله الى النحل ) او (واوحينا الى النحل ) كما مذكور اعلاه ، هو شيئ جميل وصحيح ولكن تجب الاشارة الى الجانب العددي لاحرف هذه العبارات ، فان ماجاء في القران في قوله (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ) وكما ذكرنا يتالف من (16) حرفا ، اما لو جاء بالصيغتين المذكورتين أعلاه فان عدد الاحرف فيهما (17) و (15) حرفا على التوالي ، ولاختل الميزان في هذه الحالة !!!
والخطاب بقوله عز وجل (وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ)، فيه إعجاز رقمي متناسق ودقيق فضلا عن الاعجاز النظمي والبلاغي المذكورين. فتأمل روعة كتاب الله ودقته في وضع كل كلمة بل كل حرف في مكانه المناسب. وهكذا يتحقق الاعجاز الكامل والشامل في القران الكريم وانه وحي من الله سبحانه وتعالى ولو كان غير ذلك لوقع فيه الاختلاف والتناقض الشديدين، قال تعالى:(5/383)
(أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً)[النساء: 82 ]
2- بالوحي للانبياء والنحل الطاهرين:
ان عيسى ابن مريم ولد طاهرا من طاهرة(من ام بدون اب) كما يحصل في امة النحل (كما ستذكره لاحقا) . والنحل ايضا طاهر ياكل طاهرا ويعطي العسل وغيره من المنتجات الطاهرة، وعمله المنظم والدقيق وحي من الله اليه كما اوحي الى الانبياء و المرسلين الاطهار ومنهم عيسى ابن مريم. فالعسل شفاء ويطهر الناس من الامراض والاسقام ، والوحي تطهير لهم من الشرك والاوهام!
(النحل) في العلم:
1. ان عدد الكروموسومات في النحل هو (16) زوجا.
2. ان الكروموسومات في ذكر النحل وخلافا لبقية المخلوقات هو (16) فردا (اي نصف العدد اعلاه), والسبب في ذلك ان ذكرالنحل ( (Droneينتج من بيوض غير ملقحة بعملية تسمى التكاثر العذري (Parthenogenesis)وذلك بأحدى هاتين الطريقتين:
اولا:ان الملكة الواحدة (في كل خلية نحل توجد ملكة واحدة فقط كما هو معلوم) تضع حوالي 200 – 250 الف بويضة في الموسم الواحد او ما يقارب 1500 بويضة في اليوم معظمها ملقح, تنتج النحلات الشغالات المنتجة للعسل وغيره وعدد قليل منها غير ملقح, والتي من المفروض كما في بقية المخلوقات ان لا تنتج شيئا, ولكن في حالتها الخاصة فانها بقدرة الله تعالى عز وجل تعطي ذكور النحل!! ويلاحظ انه بعد اربع سنوات من حياة الملكة تميل الى وضع بيوض غير ملقحة, وذلك لقرب مخزونها من النطف المنوية بالنفاد وهذا الامر يضعف خلية النحل علما انها تلقح مرة واحدة وغالبا من قبل ذكر واحد وفي الجو (الهواء الطلق تحديدا) في رحلة التلقيح (التزاوج) والتي تستغرق عادة عشرين دقيقة.
ثانيا: عن طريق الملكة الكاذبة او(الأم الكاذبة), حيث انه في حالة موت او فقدان الملكة لأي سبب كان, تقوم الشغالات الفتية بتغذية احداهن بالغذاء الملكي فتنمو مبايضها (التي هي ضامرة ومتوقفة عن العمل اصلا وغير قابلة للتلقيح ولا تنتج بيوضا), وتبدأ بوضع بيوضا غير ملقحة تعطي ذكورا فقط تحمل بالطبع (16) كروموسوما فرديا في تكاثر عذري غير جنسي فريد من نوعه بقدرته وأمره سبحانه وتعالى!
ان انتاج ذكور النحل من بيوض غير ملقحة (سواء من الملكة الحقيقية او الكاذبة) وذلك من انثى دون تلقيح من ذكر, دلالة عظيمة على قدرته عز وجل كما ذكرنا, وهو ايضا مثال علمي واقعي جعله الله لنا نموذجا واضحا مقربا لمعجزة خلق سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام من ام عذراء دون أب (اي من بيضة غير ملقحة), قال تعالى على لسان السيدة مريم العذراء:
(قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [آل عمران: 47].
3. ان المدة التي تستغرقها مبايض النحلة الشغالة (الأم او الملكة الكاذبة) لوضع البيوض غير الملقحة المذكورة في الفقرة اعلاه هي ما بين 6 – 26 يوما، أي بمعدل (16) يوما بالضبط فتأمل! وكما ذكرنا سابقا فأن هذه البيوض غير الملقحة تنتج ذكورا فقط والتي تنحصر وظيفتها بالتزاوج مع الملكة وتلقيحها في رحلة التزاوج التي ذكرناها.
4. ان البيضة التي ستصبح ملكة تحتاج الى (16) يوما بالضبط لتبلغ مرحلة الحشرة الناضجة مرورا بمراحل اليرقة والعذراء, بينما البيوض التي ستنتج الشغالات والذكور تحتاج لبلوغ هذه المرحلة الى (21) و(24) يوما على التوالي، علما ان خلية النحل الواحدة تحتوي على ملكة واحدة فقط كما بيناه سابقا، وعشرات الألوف من الشغالات والمئات من الذكور. فتأمل خصوصية الملكة واهميتها في (امة النحل) لذلك اختصها الله عز وجل (والله اعلم) بهذه الايام المتناسقة مع معطيات كتابه بخصوص هذا الرقم وهو(16) يوما بالضبط لبلوغها دور الحشرة الكاملة .
الاشارات الاحصائية القرآنية المتعلقة بالعدد (16)على وجه الخصوص ذات الدلالة على ولادة المسيح العذرية:
أولا : (عيسى ابن مريم) في القرآن:
1. جاء ذكر سيدنا عيسى ابن مريم في القرآن الكريم (33) مرة، ولكن بصيغ مختلفة منها: عيسى ابن مريم، وابن مريم، والمسيح، وعيسى، والمسيح ابن مريم. وذلك بعدد سني عمره في الارض والتي بلغت 33 عاما قبل رفعه حيا عليه الصلاة والسلام. وقد ذكر رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ذلك في الحديث الشريف قائلا: (رفع عيسى ابن مريم الى السماء وهو ابن ثلاث وثلاثين سنة)[4]. كما مبين في الجدول رقم (1) .
جدول رقم(1) : يبين اسماء السور وارقام الايات التي ورد فيها اسم المسيح في القرآن الكريم(33) مرة بصيغ مختلفة وحسب ترتيب ورودها في المصحف الشريف
اسم السورة ... رقم الآية
البقرة ... 87 ،136 ،253
آل عمران ... 45 ،52 ،55 ،59 ،84
النساء ... 157 ،163 ،171 ،172
المائدة ... 17،17 ،46 ،72 ،72 ،75 ،78 ،110 ،112، 114، 116
الانعام ... 85
التوبة ... 30،31(5/384)
مريم ... 34 (ذَلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ) وتتألف هذه الآية من (34) حرفا ايضا !كما وردت كلمة (مريم) 34 مرة في القران الكريم 2
الأحزاب ... 7
الشورى ... 13
الزخرف ... 63
الحديد ... 27
الصف ... 6 ،14
وهناك تسع مجموعات من الآيات الكريمة في القرآن الكريم تتناول حقيقة المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام وبيان رسالته وسيرته ومعجزاته وترد على المدعين بالوهيته او انه ابن الله وكذلك تنفي صلبه او قتله بل تؤيد رفعه حيا وكل مجموعة من هذه الآيات يتألف من (33) كلمة بالتمام والكمال وهذا العدد مساو ايضا لعدد سني عمره (33) عاما منها قوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:157- 158).
وكذلك قوله تعالى: (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرائيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) (المائدة:72).[5]
أما اسمه الكامل (عيسى ابن مريم) فقد ورد بهذه الصيغة في القرآن الكريم (16) مرة بالضبط [6] ، كما مبين في الجدول رقم (2)
جدول رقم (2) : يبين اسم السورة ورقم الاية التي ذكر فيها عبارة (عيسى ابن مريم) (16) مرة في القران الكريم حسب ترتيب ورودها في المصحف الشريف
ت ... اسم السورة ... رقم الآية
1 ... البقرة ... 87 (وهي اول ماورد في المصحف من اسمائه)
2 ... البقرة ... 253
3 ... آل عمران ... 45
4 ... النساء ... 157
5 ... النساء ... 171
6 ... المائدة ... 46
7 ... المائدة ... 78
8 ... المائدة ... 110
9 ... المائدة ... 112
10 ... المائدة ... 114
11 ... المائدة ... 116
12 ... مريم ... 34
13 ... الاحزاب ... 7
14 ... الحديد ... 27
15 ... الصف ... 6
16 ... الصف ... 14 (وهي آخر ما ورد في المصحف من اسمائه)
الحقائق المستنبطة من الجدول رقم(2):
سورة المائدة
وهي السورة القرآنية المتميزة بذكر عيسى ابن مريم وامه وسيرتهما ودعوة عيسى مع صحابته (الحواريون) عندما طلبوا منه أن ينزل عليهم الله مائدة من السماء كدليل مادي على صدق رسالته ولكي يأكلوا منها وتطمئن قلوبهم بذلك في قوله تعالى:
(إِذْ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ قَالَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، قَالُوا نُرِيدُ أَنْ نَأْكُلَ مِنْهَا وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُنَا وَنَعْلَمَ أَنْ قَدْ صَدَقْتَنَا وَنَكُونَ عَلَيْهَا مِنَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة:112 - 113] ومن هذه الاية جاء اسم السورة (المائدة) ونجد فيها:
1- إن عبارة (عيسى ابن مريم) قد تكررت فيها (6) مرات(اكثر من اي سورة اخرى) وابتدأت بالآية رقم(46) وانتهت بالاية (116) حيث يظهر في كليهما العدد (6) و (16)
2- ان مجموع ارقام الايات الست المذكورة اعلاه هو (576)، وهذا الناتج من مضاعفات العدد(16) ايضا . حيث ان:
46 +78+ 110+ 112+114+116=576 ( 36 X16 = 576) فتامل!
سورة الصف
1. ان عبارة (عيسى ابن مريم) تكررت في القران (16) مرة كما ذكرنا، وان آخر مرة ذكرت فيها هذه العبارة هي في سورة الصف ، ذات الترتيب (61) في المصحف الشريف وهذا العدد هو مقلوب العدد(16) حيث يظهر فيه الرقم (1) والرقم (6)
2. وردت عبارة (عيسى ابن مريم) مرتان في هذه السورة المباركة:
الاولى / في الآية رقم (6) قوله تعالى:
(وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) [الصف: 6]وتتألف هذه الآية من (31) كلمة
والثانية/ في الاية رقم (14) وهي الآية الاخيرة من هذه السورة والتي تحتوي على عبارة (عيسى ابن مريم)الذي هو من اسماء سيدنا (عيسى) عليه السلام حيث ورد اسمه فيها للمرة الاخيرة في المصحف الشريف، قوله تعالى:(5/385)
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ فَآمَنَتْ طَائِفَةٌ مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ وَكَفَرَتْ طَائِفَةٌ فَأَيَّدْنَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَى عَدُوِّهِمْ فَأَصْبَحُوا ظَاهِرِينَ)[ الصف : 14].
وتتالف هذه الآية من (35) كلمة .
ومجموع الكلمات في هاتين الآيتين = 31+35=66
وهذا الناتج من مضاعفات العدد (16) وهذا الناتج هو ضعف العدد(33) الذي يمثل عمر سيدنا عيسى ابن مريم
3. اذا احصينا مجموع الكلمات في هاتين الايتين الى نهاية عبارة (عيسى ابن مريم) فيهما فان مجوعهما (16) كلمة بالضبط ! (في الاولى 5 كلمات وفي الثانية 11 كلمة) .
فتأمل هذه الاشارة المباشرة والربط الدقيق بين هذا التكرار في ذكر اسمه (عيسى ابن مريم)(16) مرة مع عدد الكروموسومات الفردية (16) في ذكر النحل وغيرها من المؤشرات التي لها علاقة بهذا العدد (16) الواردة اعلاه بخصوص النحل في القرآن والعلم كمثال تقريبي, على معجزة خلق سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام، قال تعالى: (وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ) [العنكبوت: 43].
ثانيا: (مريم ابنة عمران) في القرآن :
لقد تكرر اسم (مريم) في القران الكريم(34) مرة [7]. وقد جاء ذكر اسمها بصورة كاملة (مريم ابنة عمران) مرة واحدة فقط وذلك في الآية الاخيرة من سورة التحريم ذات الترتيب القراني (66) في المصحف الشريف قوله تعالى:
(وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ) [التحريم:12].
وان ترتيب هذه السورة (66) هو من مضاعفات العدد(16). وان ترتيب هذه السورة (66) هو ضعف العدد(33) الذي يمثل عمر سيدنا عيسى ابن مريم كما ذكرنا ذلك سابقا.
ان سيدنا عيسى ووالدته العذراء مريم عليهما السلام حالة واحدة في هذه المعجزة فهما آية واحدة كذلك كما قال سبحانه وتعالى:
(وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) [الانبياء:21] .
وقال تعالى ايضا :
(وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً وَآوَيْنَاهُمَا إِلَى رَبْوَةٍ ذَاتِ قَرَارٍ وَمَعِينٍ) [المؤمنون: 50].
يقول الفخر الرازي في تفسير هذه الآية الكريمة (فأشتركا جميعا في هذه الامر العجيب الخارق للعادة انه جعلهما آية بنفس الولادة لانه ولد من غير ذكر ووالدته من غير ذكر... وذلك لأن الولادة فيه وفيها آية واحدة فيهما وقال تعالى (آية) ولم يقل (آيتين) )! [8]
وجاء في ( القاموس المحيط ) للفيروزابادي في معنىالآية: (العلامة والعبرة والامارة) وفي كتب التفسير الآية: (علامة على قدرة الله عز وجل ).
فمريم عليها السلام آية :
1- في ولادتها من ام ، كانت عاقرا ثم حملتها بعد ان عجزت .
2- في طفولتها وحداثتها .
بقوله عز وجل : (فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتاً حَسَناً وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) [ آل عمران : 37] .
3- في حملها بالمسيح وولادتها العذرية له عليه السلام وهي العذراء البتول التي لم يمسسها بشر. كما اكدته الآيتان أدناه:
(قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [ سورة آل عمران : 47 ] .
(قَالَتْ أَنَّى يَكُونُ لِي غُلامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيّاً) [ مريم : 20 ]
حساب (الجّمّل) لكلمة (آية):
وفي مجال الاعجاز العددي في خصوص كلمة (آية) ان حساب (الجّمل) لهذه الكلمة
هو(16) ايضا!! حيث ان حساب احرفها وفق هذا النظام كالاتي :
حرف الالف = 1
حرف الياء = 10 حيث ان ( 1+10+5= 16)
وحرف الهاء = 5
ثالثا :مريم العذراء مع ولدها عيسى في القران (سورة مريم):
واذا درسنا الاشارات الاحصائية بخصوص قصة مريم العذراء مع ولدها عيسى في (سورة مريم) موضوعة البحث والتي ذكرتهما على امتداد عشرين آية في مطلعها تقريبا، فإننا سنتوصل إلى الحقائق آلاتية المذكورة في الجدول رقم (3) علما أن هذه السورة تقع في بداية الجزء (16) من القران الكريم.
جدول رقم (3): يبين عدد الكلمات في كل آية من الآيات العشرين التي ذكرت قصة مريم العذراء مع ولدها عيسى في سورة مريم
رقم الآية ... عدد كلماتها ... رقم الآية ... عدد كلماتها ... رقم الآية ... عدد كلماتها(5/386)
16(1x16) ... 10 ... 23 ... 13 ... 30 ... 8
17 ... 11 ... 24 ... 10 ... 31 ... 11
18 ... 8 ... 25 ... 8 ... 32(2x16) ... 6
19 ... 9 ... 26 ... 18 ... 33 ... 9
20 ... 11 ... 27 ... 10 ... 34 ... 9
21 ... 15 ... 28 ... 11 ... 35 ... 16
22 ... 5 ... 29 ... 10 ... المجموع ... (208)كلمة
الحقائق المستنبطة من الجدول رقم (3):
1- القصة تبدأ من الآية رقم (16) قوله تعالى: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَبِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَاناً شَرْقِيّاً) (مريم:16)
1-وتنتهي بالاية رقم (35) قوله تعالى : (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (مريم:35)
2- عبارة (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَبِ مَرْيَمَ) التي ابتدأت بها القصة تتألف من (16) حرفا حسب الرسم القرآني (العثماني) للمصحف الشريف.
3- مجموع الكلمات في هذه الايات العشرين =(208) الذي هو من مضاعفات العدد (16) حيث ان (16x13=208).
4- مجموع كلمات الآية رقم (16) والآية رقم (32) والتي هي من مضاعفات العدد (16) = 10+ 6= 16 كلمة!!
5- الآية الأخيرة من المجموعة أعلاه هي الآية رقم (35) وتتألف من (16) كلمة بالضبط. إذ أن هذا الجدول يبدا بالعدد(16) وينتهي بالعدد (16) أيضا. فتأمل!
(لَقَدْ أَحْصَهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً) [مريم: 94]:
إن هذه الآية المباركة قد جاءت في اواخر سورة مريم موضوعة البحث، وتتالف من(16) حرفا (حسب الرسم القرآني للمصحف العثماني)! فبعد أن ذكر الله عز وجل قصتها مع ولدها عيسى في بداية السورة ( من الآية 16 إلى الآية 35 )، والتي انتهت بقوله تعالى: (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) [ مريم: 35]، انتقل السياق القراني بعد ذلك الى موضوعات اخرى، ثم عاد في أواخر هذه السورة إلى نفس الموضوع، ففند فرية اتخاذ الله عز وجل ولدا (حاشاه سبحانه وتعالى)، وذلك في قوله تعالى: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً) [مريم/ 88 ] الى قوله تعالى: (وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً، إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدا، لَقَدْ أَحْصَهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً)[ مريم 92 -95]نافيا بشدة اتخاذ الله سبحانه وتعالى ولدا. وجاءت اية الإحصاء والعد (لَقَدْ أَحْصَهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً) [مريم / 94] في سياق هذا الموضوع المهم والتي تتالف من (16) حرفا كما ذكرنا، لشد الانتباه الى هذا الموضوع الاعجازي العددي والتاشير على ان هناك قيمة احصائية في موضوع (عيسى بن مريم) له علاقة بالعدد (16) ومضاعفاته كمحور ربط و ضبط فيه والله اعلم.
والباري عز وجل وبحكمته وتقديره لو لم يذكر هذه الاية(لَقَدْ أَحْصَهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدّاً)، فان المعنى يبقى مستقيما ولا غبار عليه في قوله تعالى( إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً، وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَرْداً). ولكن الله جل جلاله لهذا الامر وربما لامور اخرى جاء بهذه الاية الاحصائية بين هاتين الايتين لبيان الاعجاز العددي في هذا الموضوع والله اعلم بمراده!
ثانيا: رفع سيدنا عيسى ابن مريم الى االسماء حيا ونجاته من القتل او الصلب:
إن الآية الثانية التي ميز الله بها سيدنا عيسى ابن مريم عن بقية اخوانه من الانبياء والمرسلين أن رفعه إليه حيا، وأنقذه من القتل والصلب عندما تآمر اليهود وارادوا به ذلك كما هو واضح وصريح في قوله تعالى:
1- (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [ النساء: 157 – 158].
2- (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [آل عمران: 54-55 ].(5/387)
فقد جاء في تفسير القرطبي في معنى قوله تعالى (متوفيك) ما يلي: (وقال الحسن وابن جريج: معنى متوفيك قابضك ورافعك الى السماء من غير موت، مثل توفيت مالي من فلان اي قبضته.. وقال ابن زيد : متوفيك قابضك ، ومتوفيك ورافعك واحد ولم يمت بعد ..والصحيح ان الله تعالى رفعه الى السماء من غير وفاة ولانوم كما قال الحسن ابن زيد ، وهو اختيار الطبري ، وهو الصحيح عن ابن عباس ) [9].
نفي صلب وقتل المسيح :
(كما ينفي القران الكريم، ان يكون المسيح عليه السلام قد صلب او قتل في قوله عز وجل: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [ النساء: 157 – 158]
يقول الطبري في تفسير هاتين الايتين :
واختلف أهل التأويل في صفة التشبيه الذي شبه لليهود في امر عيسى، فقال بعضهم: لما احاطت اليهود به وباصحابِه، احاطوا بهم، وهم لايثبتون معرفة عيسى بعينه، وذلك انهم جميعا حُولوا في صورة عيسى، فاشكل على الذين كانوا يريدون قتل عيسى، عيسى من غيره، وخرج من كان في البيت مع عيسى.... اما قوله جل ثناؤه:( بل رفعه الله اليه ) فانه يعني: بل رفع الله المسيح اليه، يقول: لم يقتلوه ولم يصلبوه، ولكن الله رفعه اليه، فطهره من الذين كفروا.
ويقول كل من البيضاوي والصابوني في تفسيرهما لعبارة (......وماقتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم......) وما يشابه قول الطبري، لجهة ان الله سبحانه وتعالى حول صورة شخص اخر وجعله شبيها للمسيح عليه السلام، فقام اليهود بصلب وقتل ذلك الشبيه للمسيح عليه الصلاة والسلام. ولكن مهما كان المقصود بقوله (شبه لهم) اهو الشخص الذي قتلوه وصلبوه، ام هو حصول القتل والصلب على المسيح عليه السلام، بدليل قوله تعالى(وما قتلوه يقينا)، فيبقى ان القران الكريم ينفي القتل والصلب نفيا قاطعا وجازما بقوله :
( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [ النساء: 157 – 158]). [10]
وقد أنجى الله سبحانه وتعالى كثيرا من الانبياء والمرسلين وحماهم من المشركين كما في حالة سيدنا ابراهيم عليه الصلاة والسلام عندما القاه قومه في النار ليحرقوه فانجاه الله جل جلاله بان جعل النار بردا وسلاما عليه (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ) [الأنبياء:70]، وكذلك عندما تآمر ال فرعون على قتل موسى عليه السلام بعث الله عز وجل من ينبئه بالأمر وينصح له بالخروج من المدينة (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ) [القصص:20]، فخرج من مدينته وتوجه الى مدين وبذلك نجاه الله تعالى من القتل.
لكنًّ المسيح لما تآمر عليه اليهود على قتله رفعه الله سبحانه تعالى اليه كما اخبر الله عن ذلك بقوله: (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ، إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) [ ال عمران:54-55] وقد كان بوسعه سبحانه وتعالى أن ينجيه من تلك المؤامرة بأي وسيلة شاء وهو على كل شئ قدير، والذي تكفل بحفظه بقوله ( وإذ كففت بني إسرائيل عنك) ]المائدة:110[ولكنه أراد برفعة إلى السماء أن يري الناس تمام تلك الاية التي ارادها في خلقه للمسيح عليه السلام، وكذلك في رفعه وفي عودته (وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ)[ مريم: 21]
(أضف إلى ذلك أن القران الكريم يخبرنا في الايات الثلاث الآتية ان الله سبحانه وتعالى قد أيد المسيح عليه السلام، بروح القدس (الذي هو جبريل عليه السلام) في قوله تعالى:
1- (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [البقرة:87 ].
2- (وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [البقرة:253 ].(5/388)
3- (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ) [ المائدة:110]
(يقول الالوسي في تفسيره للاية (87) من سورة البقرة (وخص عيسى عليه السلام بذكر التاييد بروح القدس لانه سبحانه وتعالى خصه به من وقت صباه الى حال كبره ، كما قال سبحانه وتعالى (إِذْ أَيَّدْتُكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً ) [المائدة : 110] ، ولانه حفظه حتى لم يدن منه الشيطان ، ولانه بالغ اثنا عشر الف يهودي لقتله ، فدخل عيسى بيتا فرفعه عليه الصلاة والسلام مكانا عليا .
فالروح القدس الذي حمى المسيح عليه السلام، وحفظه، منذ لحظة ميلاده، ومن مس ومكر الشيطان رغم مالهذا الاخير من قدرات، الايمكنه حمايته من مكر اليهود وأذاهم؟!!)[11]
وتجدر الإشارة أن الآيات الثلاث المذكورة أعلاه عن (روح القدس) تتناسب عدديا ايضا مع الآيات الثلاث التي خص الله بها سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام مميزا اياه عن بقية اخوانه من الانبياء والمرسلين ( ولادته العذرية، رفعه حيا عودته، ثم عودته رحمة للامة ) حيث ان الله عزوجل اراد ان يكون المسيح ابن مريم عليه السلام آية للناس وقد كرر القرآن الكريم ذلك في ثلاث آيات ايضا كما ذكرناها سابقا وهي:
1-(وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ) [مريم: من الآية21].
2- (وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: من الآية 90].
3- (وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً) [المؤمنون: من الآية 50].
ولو عدنا الى آيات القرآن الكريم التي حدثتنا عن بقية سير الانبياء والمرسلين بمن فيهم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم (خاتم الانبياء والمرسلين) والرحمة المهداة الى العالمين لقوله عز وجل (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]، لما وجدنا آية واحدة تصف ايا منهم بأنه كان (آية)، وعليه يكون المسيح عليه السلام وحده قد وصفه القرآن الكريم (بالآية) من دون سائر اخوانه الانبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام.
فتأمل هذا التناسق الرائع بين الايات الثلاث عن (روح القدس) مع ذكر (عيسى ابن مريم) فيها ثلاث مرات، والايات الثلاث عن سيدنا عيسى ابن مريم بكونه (آية) للناس، وكذلك آياته ومعجزاته الثلاث ايضا موضوعة البحث (ولادته العذرية، رفعه حيا إلى السماء، ثم عودته رحمة للناس) كما أن كلمة (آية) تتألف من أحرف ثلاثة!
الإشارات الإحصائية القرآنية المتعلقة بالعدد (16) ذات الدلالة برفع سيدنا عيسى حياً:
ذكرنا ان العدد (16) هو محور الضبط والربط في معجزة خلق سيدنا عيسى ابن مريم ولكن ماهي علاقته في موضوع رفعه حيا الى السماء ونجاته من القتل او الصلب؟!
يمكن تلخيص ذلك بالقرائن الاتية :
1- ان الايتين 157-158 من سورة النساء التي نصتا على ذلك وهما: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً، بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [ النساء: 157 – 158] تتالف من (160) حرفا.
فان الاية الاولى تتالف من (128) حرفا، وهذا العدد من مضاعفات (16)
حيث ان (8X16 = 128)
وكذلك فان الآية الثانية تتألف من (32) حرفا وهذا العدد ايضا من مضاعفات (16) حيث ان (2X16=32) ، ومجموعهما سيكون بالطبع من مضاعفات العدد (16) كذلك ، حيث ان (128+32=160) فتأمل!!
2- وفي قوله تعالى: (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) [النساء:157] تتألف من(16) كلمة بالضبط.
3- كماان قوله تعالى: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ) تتألف من (16) حرفا أيضا!
4- إن كلمة (الرفع) التي وردت بخصوص رفع سيدنا عيسى حيا الى السماء ونجاته بتقدير من الله سبحانه وتعالى قد وردت في موضعين منفردين في القرآن الكريم لم يتكررا في جميع القرآن الكريم
الاول:في سورة آل عمران (إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ وَمُطَهِّرُكَ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَجَاعِلُ الَّذِينَ اتَّبَعُوكَ فَوْقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأَحْكُمُ بَيْنَكُمْ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ) (آل عمران:55)
والثاني:في سورة النساء (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) [النساء:158]. والكلمتان (رافعك) و(رفعه) وردتا كل منهما مرة واحدة فقط في القرآن الكريم.[12](5/389)
والامر العجيب ان الفرق بين هاتين الكلمتين في حساب عدد الآيات من الآية رقم (55) في سورة آل عمران الى الآية رقم (158) من سورة النساء التي تليها في الترتيب في المصحف الشريف هو (304) آية، وهذا العدد من مضاعفات (16) .
حيث ان (16X16=304) فتأمل ايضا ولاحظ هذا الربط الدقيق !
ثالثاً: عودة عيسى ابن مريم ونزوله حياً رحمة للناس (مجيئه الثاني)
وان الآية الثالثة التي يتميز بها سيدنا عيسى ابن مريم عن بقية اخوانه من الانبياء والمرسلين هو نزوله حيا وعودته لاقامة الشريعة والعدل، فأن الله عز وجل من رحمته وكما رحم البشرية بأرسال سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم فانه سيرحمها ثانية بنزول سيدنا عيسى ابن مريم رحمة وهداية للناس جميعا قبل قيام الساعة، وكعلامة من علاماتها الكبرى, كما سبق وأن ارسله الى بني اسرائيل رحمة وهداية وكذبوا به وأرادو قتله ورفعه الله حيا كما نص على ذلك في بعض من الآيات القرآنية الكريمة المذكورة اعلاه.
ومن الآيات القرآنية والاحاديث النبوية التي تبشر بعودة عيسى ابن مريم ومجيئه الثاني :
اولأً : من الآيات القرآنية - قوله عز وجل:
1- (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) [النساء:159] والمقصود في قوله تعالى (قبل موته) كما جاء في التفاسير اي قبل موت سيدنا عيسى وذلك بعد نزوله وعودته رحمة للبشرية وانقاذا لها. ويؤكد بأن اهل الكتاب يومها سيؤمنون به وبحقيقة رسالته .
2- (وَإِنَّهُ لَعِلْمٌ لِلسَّاعَةِ فَلا تَمْتَرُنَّ بِهَا وَاتَّبِعُونِ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)[الزخرف:61] (يقول الطبري في تفسيرهذه الآية (اختلف اهل التأويل في الهاء التي في قوله عزوجل (وانه) وما المعني بها ومن ذكر ماهي فقال بعضهم هي من ذكر عيسى ، وهي عائدة عليه وقالوا معنى الكلام : وان عيسى ظهوره علم يعلم به مجيئ الساعة، لأن ظهوره من اشراطها ونزوله الى الارض دليل على فناء الدنيا واقبال الآخرة).[13]
ثانيا: من الاحاديث النبوية- قوله صلى الله عليه وسلم:
1- (لا تقوم الساعة حتى ينزل عيسى ابن مريم حكما مقسطا واماما عدلا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويفيض المال حتى لا يقبله احد).[14]
2- (الانبياء اخوة لعلات (اي ابوهم واحد)، ودينهم واحد وأمهاتهم شتى وانا اولى الناس بعيسى ابن مريم لأنه لم يكن بيني وبينه نبي وانه نازل فأذا رأيتموه فأعرفوه... فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية ويعطل الملل حتى يهلك الله في زمانه الملل كلها غير الاسلام ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال الكذاب وتقع الامنة في الارض حتى ترتع الابل مع الاسد والذئاب مع الغنم فيمكث ما شاء الله ان يمكث، ثم يتوفى ويصلي عليه المسلمون ويدفنوه).[15]
الاشارات الاحصائية القرآنية المتعلقة بالعدد (16) ذات الدلاله على عودة عيسى ابن مريم رحمة للبشرية :
والآن سنذكر أهم الإشارات الإحصائية في القرآن الكريم ذات العلاقة بالعدد(16) ومضاعفاته التي تدل على عودة المسيح ومجيئه الثاني كمحور ضبط وربط في هذا الموضوع، كما أثبتنا ذلك في الموضوعين السابقين (ولادته العذرية ورفعه حيا الى السماء) وذلك في المؤشرات الثلاث آلاتية:
1- (الرحمن) في القرآن:
لقد تكررت كلمة (الرحمن) في في القران الكريم (57) مرة وفي سورة مريم موضوعة البحث تكررت (16) مرة بالضبط.[16] أي بنسبة 30% تقريبا في هذه السورة لوحدها، وبعدد اكثر من اي سورة اخرى في القران ، حتى ان سورة (الرحمن) في القران الكريم قد جاءت كلمة (الرحمن) فيها مرة واحدة فقط! وذلك في قوله تعالى: (الرحمن، عَلَّمَ الْقُرْآنَ) [الرحمن:1-2[
كما مبين في الجدول رقم (4) ادناه:
جدول رقم (4): يبين تكرار كلمة (الرحمن) في (سورة مريم) مع ذكر رقم ونص الاية حسب ترتيب ورودها في السورة المذكورة
ت ... رقم الاية ... نص الاية
1 ... 18 ... قَالَتْ إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيّاً
2 ... 26 ... فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْناً فَإِمَّا تَرَيِنَّ مِنَ الْبَشَرِ أَحَداً فَقُولِي إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْماً فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيّاً
3 ... 44 ... يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيّاً
4 ... 45 ... يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِنَ الرَّحْمَنِ فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيّاً
5 ... 58 ... أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرائيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً(5/390)
6 ... 61 ... جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمَنُ عِبَادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كَانَ وَعْدُهُ مَأْتِيّاً
7 ... 69 ... ثُمَّ لَنَنْزِعَنَّ مِنْ كُلِّ شِيعَةٍ أَيُّهُمْ أَشَدُّ عَلَى الرَّحْمَنِ عِتِيّاً
8 ... 75 ... قُلْ مَنْ كَانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَنُ مَدّاً حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضْعَفُ جُنْداً
9 ... 78 ... أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً
10 ... 85 ... يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْداً
11 ... 87 ... لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْداً
12 ... 88 ... وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً
13 ... 91 ... أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً
14 ... 92 ... وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً
15 ... 93 ... إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً
16 ... 96 ... إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَنُ وُدّاً
الحقائق المستنبطة من الجدول رقم(4) :
1- ان تكرار كلمة (الرحمن) في سورة مريم هو (16) ،ابتداءاً من الآية رقم (18) وانتهاءاً بالآية (96) كما مبين في الجدول اعلاه علما ان عدد ايات هذه السورة هو (98) اية .
2- ان الاية رقم (96) ذات التسلسل (16)في الجدول اعلاه هي من مضاعفات العدد (16) ايضا حيث ان: (16X6=96) .
واذا ما دققنا في الحكمة من تكراراسم (الرحمن) الذي هو من أسماء الله الحسنى الفريدة في صفاته (لكونه من أسماء الذات) ، لعرفنا السبب وهو (والله اعلم) ان في هذه السورة تتجلى الرحمة الالهية للبشرية بهدايتهم الى العقيدة الصحيحة والمنهاج القويم في هذه الحياة وصولا الى رضوان الله وسعادتهم في الدنيا والاخرة, وذلك عن طريق ارسال الانبياء والمرسلين وانزال الكتب السماوية كما ورد في هذا السياق في الآيات الاتية في هذه السورة المباركة:
• (ذِكْرُ رَحْمَتِ رَبِّكَ عَبْدَهُ زَكَرِيَّا) [مريم: 2] .
• (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْراً مَقْضِيّاً) مريم: 21. والكلام هنا عن سيدنا عيسى عليه السلام
• (وَوَهَبْنَا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنَا وَجَعَلْنَا لَهُمْ لِسَانَ صِدْقٍ عَلِيّاً) [ مريم: 50 ]. والكلام هنا عن سيدنا ابراهيم واسحق ويعقوب عليهم الصلاة والسلام.
• (وَوَهَبْنَا لَهُ مِنْ رَحْمَتِنَا أَخَاهُ هَارُونَ نَبِيّاً)[مريم: 54].والكلام هناعن سيدنا موسى عليه السلام.
فتبين من ذلك ان الله عز وجل اعطى جزءا من رحمته (ابراهيم واسحق ويعقوب)، ورحم موسى بهارون، وارسل عيسى رحمة للناس، وميز سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم عنهم بان اعطاه الرحمة كلها، فارسله رحمة للعالمين. قال تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء:107]
وفي شرح اسم (الرحمن) يقول الامام ابو حامد الغزالي (المتوفي عام 505هـ) في كتابه (المقصد الاسنى في شرح أسماء الله الحسنى) ما نصه (الرحمن أسم مشتق من الرحمة ةالرحمة تستدعي مرحوما ولا مرحوما الا وهو محتاج....والرحمن أخص من الرحيم ولذلك لا يسمى به غير الله والرحيم قد يطلق على غيره فهو من هذا الوجه قريب من اسم الله الجاري مجرى العلم (لأنه دال على الذات الجامعة للصفات الالهية كلها ولا يطلق على غيره لا حقيقة ولا مجازا) وأن كان هذا مشتقا من الرحمة قطعا, ولذلك جمع الله بينهما فقال:
(قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى) [الاسراء: 110]. فالرحمن هو العطوف على العباد بالايجاد اولا, وبالهدآية الى الايمان وأسباب السعادة ثانيا, وألاسعاد في الاخرة ثالثا ، والانعام بالنظرالى وجهه الكريم رابعا)[17].
من اجل ذلك ولغيره – والله اعلم- تكررت كلمة (الرحمن) في هذه السورة أكثر من غيرها لتضفي عليها جوا من الرحمة التي تتمثل بها هذه الصفة المتميزة للبارئ عز وجل (الرحمن الرحيم), والتي جاءت متناسقة معنىً وعددا مع تكراراسم سيدنا (عيسى ابن مريم) والعدد (16) ايضا في سورة مريم ، في اعجاز علمي ورقمي جديد وفريد للقرآن الكريم, يقرب لنا مفهوم عودته ونزوله حيا رحمة للامة وانتصارا للحق والاسلام ، كما قرب لنا معجزة خلقه في حالة خلق ذكر النحل من بيضة غير ملقحة ، ناتجة عن الملكة الحقيقية او الملكة الكاذبة العذراء من دون تلقيح من ذكر كما بيناه آنفا.(5/391)
وفي شرح قوله صلى الله عليه وسلم (فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ) كناية عن ابطال العقيدة الزائغة في الصلب والفداء والتثليث (فيكسر الصليب)، وكذلك في ابطال الشريعة المحرفة (ويقتل الخنزير)، حيث ان الديانة النصرانية قد حرفت من قبل شاؤول اليهودي الذي يلقب ببولص الرسول أولا، ومن قبل الامبراطور قسطنطين فيما بعد ثانيا. فيقوم سيدنا المسيح باعادتهما الى قواعدهما الاصلية الصحيحة كما نزلت عليه، حيث أن شريعة بني اسرائيل التي جاءت بها التوراة والتي اتبعها سيدنا المسيح ابن مريم كانت تحرم بالاصل اكل الخنزير ولم يأت المسيح بشريعة جديدة او اي شئ يخالف تعاليم التوراة فقد جاء في الاصحاح (14) من تثنية الاشتراع ( لا تأكل أية قبيحة... فهي نجس لكم وكذلك الخنزير ، فمع انه ذو حافر مشقوق ، لكنه لايجتر،فهو نجس لكم ، لاتأكلوا شيئاً من لحمها ولا تمسوا ميتتها )[18]
وجاء في انجيل متّى قول المسيح عليه السلام (لاتظنوا أني قد جئت لأنقض الشريعة او الانبياء، ماجئت لأنقص بل لأكمل. الحق الحق اقول لكم ، لن يزول حرف او نقطة من الشريعة حتى يتم كل شئ ) متّى 5/17: 19 .
اما عقيدة الصلب والفداء والتثليث فهي دخيلة ومبتدعة ايضا على الديانة النصرانية كما هو معلوم من قبل بولص، لأن سيدنا عيسى ابن مريم لم يصلب اصلا بل رفعه الله اليه كما جاء في القرآن الكريم وذكرناه سابقا كما انه لم يدعّ الألوهية أو انه ابن الله بل جاء بالتوحيد الخالص وكذلك بالنسبة لوالدته مريم العذراء البتول عليهما السلام.
(لقد ابتدع بولص نظرياته الخاصة في التوحيد المركب، تلك النظريات الوثنية المعقدة والمتناقضة ، التي خاطها عبر رسائله الثلاثة عشر دون اي دليل او برهان ، الا بنات افكاره ، التي سرحت بعيدا عن يسوع المسيح الذي لم يعرفه بولص اطلاقا ، وبعيدا عن رسله وتلاميذه ، الذين كان يكن لهم حقدا لايوصف ويكنون له حقدا لايوازيه حقد . معتقدا انه الوحيد بين بني البشر من يحمل سر المسيح ، عن طريق مكاشفات الهية خاصة ، وكذلك عن طريق اوهام اختلقها بصعوده الى السماء الثالثة والفردوس ، حيث تلقى كلمات لاتلفظ ولايحق لأنسان ان يذكرها . وللأسف الشديد لبست الكنيسة ماحاكه لها بولص دون وعي او ارادة او تبصر بالعواقب ، عندما ضمت رسائله للكتاب المقدس ، فحولت الديانة المسيحية الى ديانة وثنية ، محت فيها كل اصولها التوحيدية الثابتة والتي وردت صريحة وواضحة في الاناجيل على لسان يسوع المسيح ورسله ، وكذلك مناقضة لكل الرسائل السماوية ..........
والخلاصة أن عقيدة الفداء والخلاص هي عقيدة لاتتماشى مع العقل والمنطق ولايمكن للفطرة السليمة ان تهضمها الا اذا عزلنا العقل عن حجيته . وهي حالة غريبة مستهجنة تناقض حكمة الخالق وعدله ، لايبقى من داع معها لأرسال الرسل والانبياء لتعليم البشر الاخلاق والمثل العليا ولاحاجة بعد ذلك لثواب وعقاب وجنة ونار ، حيث يتساوى الجميع المحسن والمسئ بنعمة الخلاص !
بهذا التناقض الغريب الذي زرعه بولص بغرسه تلك العقيدة ارتكب اعظم جناية بحق الرسالة التي جاء بها السيد المسيح ، بل انه اكثر من ذلك ارتكب اكبر جريمة بحق البشرية جمعاء عندما تحلل من كل الشرائع فترك الباب مفتوحا لارتكاب كل الجرائم والمخالفات بحجة نعمة الخلاص بالمسيح !)[19]
3- (اله واحد) في القرآن :
لقد اختص الله سبحانه وتعالى نفسه بصفة الربوبية والالوهية والوحدانية، وانه واحد احد فرد صمد، لم يلد ولم يولد، وبذلك يرد على الذين يقولون ان رسول الله (عيسى ابن مريم) عليه السلام هو الله او هو ابن الله (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا). لذلك نجد ان في القران الكريم تناسقا صريحا في وصفه سبحانه وتعالى لذاته العليا في عبارة واحدة انه (اله واحد). فقد وردت هذه العبارة في (16) آية من آيات القرآن الكريم [20] تاكيدا على وحدانيته سبحانه وتعالى وتناسقا رائعا مع تكرار عبارة (عيسى ابن مريم ) عبدالله ورسوله وغيرها من الموشرات الكثيرة المذكورة في البحث ذات العلاقة بالعدد (16)، وهذا شاهد عددي آخر من القران الكريم يصب في محور العدد (16) للتاكيد على عقيدة التوحيد وقدرة الخالق (الاله الواحد) في خلق(عيسى ابن مريم) من ام دون أب، كما خلق (ذكر النحل) من بيضة غير مخصبة او من بيوض النحلة الشغالة (العقيمة) من دون تلقيح من
ذكر، كما فصلناه سابقا والايات الكريمات ال(16) فقط التي تحوي على ذات العبارة (اله واحد) كما مبين في الجدول رقم (5) ادناه.
جدول رقم (5): يبين عبارة (اله واحد) الواردة في القرآن الكريم حسب ترتيبها في المصحف الشريف مع ذكر اسم السورة ورقم الآية التي وردت فيها
ت ... اسم السورة ... رقم الاية ... نص الآيه
1 ... البقرة ... 133 ... قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً(5/392)
2 ... البقرة ... 163 ... وَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ
3 ... النساء ... 171 ... وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ
4 ... المائدة ... 73 ... لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ
5 ... الانعام ... 19 ... قُلْ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنَّنِي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ
6 ... التوبة ... 31 ... وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ
7 ... ابراهيم ... 52 ... هَذَا بَلاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ
8 ... النحل ... 22 ... إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ
9 ... النحل ... 51 ... وَقَالَ اللَّهُ لا تَتَّخِذُوا إِلَهَيْنِ اثْنَيْنِ إِنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ
10 ... الكهف ... 110 ... قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
11 ... الانبياء ... 108 ... قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُون
12 ... الحج ... 34 ... فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِين
13 ... العنكبوت ... 46 ... وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ
14 ... الصافات ... 4 ... إِنَّ إِلَهَكُمْ لَوَاحِدٌ
15 ... ص ... 5 ... أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهاً وَاحِداً إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ
16 ... فصلت ... 6 ... قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ
وجميع الايات المذكروة ذات الصلة بعبارة (اله واحد) تخاطب الناس بصورة عامة ، والمشركين بصورة خاصة .
وقد لاحظنا ان هناك ثلاث ايات فقط تخاطب اهل الكتاب ( من اليهود ومن النصارى على وجه الخصوص) في الرد عليهم ونهيهم عن الشرك في اتخاذ انبيائهم او احبارهم ورهبانهم اربابا من دون الله خاصة سيدنا(عيسى ابن مريم) موضوع البحث، وذلك لنفي صفة الالوهية عنه وانه رسول كريم وبشر وان لا تنسحب اياته الثلاث التي تفرد بها عن بقية اخوانه من الانبياء والمرسلين في ولادته العذرية ورفعه حيا وعودته رحمة للامة على كونه اله ،فيتصورون انها من صفات الالوهية ، لذلك جاءت هذه الايات الثلاث المذكورة ادناه في التركيز على عبوديته لله سبحانه وتعالى الذي هو (الاله الواحد) لتكون متناسقة ومتطابقة في المعنى والمبنى مع الثلاثيات الاخرى المذكورة في البحث.
والآيات الكريمات الثلاثة هي قوله تعالى :
1. (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)[ النساء : 171] .
2. (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [المائدة : 73] .
3. (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهاً وَاحِداً لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) [التوبة : 31] .
3- (سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ) في القرآن:
كذلك فإن في القران الكريم (16) اية بالضبط تنفي ان يكون الله سبحانه وتعالى قد اتخذ له ولدا [21] وقد ذكر الله سبحانه وتعالى ذلك بأساليب مختلفة رائعة في النظم والبيان ومتناسقة في المعنى والبرهان . وهذا الرقم يتناسق مع تكرار عبارة (اله واحد) وعبارة (عيسى ابن مريم) عبد الله ورسوله المذكورتين سابقا وكما مبين في الجدول رقم(6) ادناه :
جدول رقم(6): يبين عبارة (ولم يتخذ ولدا) ومرادفاتها في القران الكريم مع بيان اسم السورة ورقم ونص الاية الكريمة حسب ترتيب ورودها في المصحف الشريف
ت ... اسم السورة ... رقم الاية ... نص الاية
1 ... البقرة ... 116 ... (وَقَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ)(5/393)
2 ... النساء ... 171 ... (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً)
3 ... الانعام ... 101 ... (بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)
4 ... يونس ... 68 ... (قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ إِنْ عِنْدَكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بِهَذَا أَتَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ)
5 ... الاسراء ... 111 ... (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً)
6 ... الكهف ... 4 ... (وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَداً)
7 ... مريم ... 35 ... (مَا كَانَ لِلَّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحَانَهُ إِذَا قَضَى أَمْراً فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ)
8 ... مريم ... 88 ... (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً)
9 ... مريم ... 91 ... (أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَداً)
10 ... مريم ... 92 ... (وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً)
11 ... الانبياء ... 26 ... (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَلْ عِبَادٌ مُكْرَمُونَ)
12 ... المؤمنون ... 91 ... (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)
13 ... الفرقان ... 2 ... (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَمْ يَتَّخِذْ وَلَداً وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً)
14 ... الزخرف ... 81 ... (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ)
15 ... الزمر ... 4 ... (لَوْ أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَداً لاصْطَفَى مِمَّا يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ سُبْحَانَهُ هُوَ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ)
16 ... الجن ... 3 ... (وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلا وَلَداً)
الحقائق المستنبطة من الجدول رقم (6):
1- ان الاية الاولى في هذا الجدول تحمل الرقم (116) من سورة البقرة ويظهر لنا فيها العدد(16) الذي هو محور الربط والضبط في هذا الموضوع .
2- ان الاية الثانية في هذا الجدول ذات الرقم (171) من سورة النساء (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْراً لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً) تشتمل على المحاور الثلاث التي لها علاقة بالعدد (16) وهي :
اولا : عبارة (عيسى ابن مريم) موضوع الجدول رقم (2) كما ورد سابقا .
ثانيا: عبارة (انما الله اله واحد) موضوع الجدول رقم(5) كما ورد سابقا.
ثالثا : عبارة (سبحانه ان يكون له ولد) ومرادفاتها. موضوع الجدول رقم (6) اعلاه
حيث ان كل منها قد ورد في القران الكريم (16) مرة!! فتامل هذا التناسق الرائع والاعجازي العددي القراني الذي يعطي لنا القرائن الاحصائية في بيان وتعزيز هذه الامور العقائدية الغيبية كما هو الحال في القرائن العلمية.(5/394)
واذا ما علمنا ان (الرحمن) جل جلاله قد تكرر اسمه في سورة مريم (16) مرة بالضبط ايضا (كما جاء في الجدول رقم 4) ليضفي جو الرحمة على هذه السورة وسيرحم الناس ايضا بالمجيء الثاني لسيدنا (عيسى ابن مريم) وعودته حيا لانقاذهم واقامة الاسلام (دين التوحيد الخالص والشريعة القويمة) كما قلنا وبذلك يبطل العقائد الشركية والمحرفة التي ابتدعها بولس ومن تبعه بحقه، ومنها انه اله او ابن اله (التثليث)،قال تعالى: حيث سيظهر للناس عقيدة التوحيد الخالص وانه بشر وان الله جل ثناؤه (اله واحد) لاشريك له وانه سبحانه (لم يتخذ ولدا) كما جاء في الجدولين رقم (5) و(6)، وانه عليه السلام سيموت ويدفن في المدينة المنورة كما جاء في الحديث الشريف: عن عبد الله بن عمرو (رضي الله عنه) ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (يخرج الدجال في امتي فيمكث اربعين ، لا ادري اربعين يوما او اربعين شهرا او اربعين عاما. فيبعث الله عيسى ابن مريم كانه عروة ابن مسعود، فيطلبه فيهلكه ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة) رواه الامام مسلم.
وقال عبد الله بن سلام (رضي الله عنه) : (مكتوب في التوراة صفة محمد وصفة عيسى صلى الله عليهما وسلم ، ويدفن عيسى مع محمد صلى الله عليه وسلم) رواه الترمذي بسند حسن. ثم قال ابو هريرة (رضي الله عنه) : واقرؤا ان شئتم قوله تعالى:
(وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً) [النساء:159] أي انًّ النصارى جميعا وغيرهم من اهل الكتاب سيؤمنون برسالة سيدنا عيسى ابن مريم عليه السلام التوحيدية الخالصة بعد نزوله حيا من السماء وقبل موته.
وبذلك يتحقق لنا الربط بين (الرحمن) في سورة مريم موضوعة البحث و(اله واحد) و(سبحانه ان يكون له ولد) في القران الكريم، كدليل على عودته رحمة للناس ويتحقق الربط بان هذه العبارات قد تكررت في القران الكريم (16) مرة بالضبط ، مع اسمه الكامل (عيسى ابن مريم) الذي جاء (16) مرة بالضبط ايضا كما ذكرنا بالجدول رقم (2) . والله غالب على امره ولكن اكثر الناس لايعلمون.
الخاتمة
هذه اهم القرائن العلمية والاعجازية العددية الاحصائية في القران الكريم ذات العلاقة بالعدد(16) ومضاعفاته كمحور ضبط وربط في بيان الحقيقة الباهرة والاية المعجزة (عيسى ابن مريم) ، والتي تفسر لنا انه عبد مخلوق ابن السيدة العذراء البتول (مريم ابنة عمران) ، لا اب له ، انه نبي ورسول ، وليس انه اله او ابن اله! وهو اية ومعجزة اولا في خلقه وولادته ، واية ومعجزة ثانيا في نجاته ورفعه الى السماء ، واية ومعجزة ثالثا في نزوله وعودته مرة اخرى رحمة للبشرية ، فضلا عن معجزاته الكثيرة في حياته عليه السلام .
لقد حاول المتكبرون الاثمون واليهود المجرمون الحاقدون ان يقتلوه ويحرفوا رسالته ، ولكن لم يستطيعوا ذلك ولم تنته بعد ، كما ان حياته لم تنته بعد ، فنجاه الله من بين ايديهم وحرم على الصليب لحمه وعلى المسامير اختراقه ، ورفعه الله حيا الى السماء وهو الان فيها في حفظ الله ورعايته ، وسيعود الى الحياة الدنيا عندما يريد ذلك رب العزة ، وسيكمل الرسالة ويصحح المفاهيم بجلاء ووضوح . انه وعد الله ، وانه آت لامحالة ، وهذا الواقع يتطلب ذلك في عالم عمَّ فيه الظلم والطغيان وانتشرت فيه المنكرات والفساد .
اننا بانتظار قدومك ايها الرسول الكريم والمصلح العظيم يا ابن مريم العذراء البتول !
والحمد لله رب العالمين
الدكتور محمد جميل الحبال
طبيب استشاري / باحث في الاعجاز العلمي والطبي في القران الكريم والسنة النبوية
الموصل / العراق 21/7/2005
e-mail: alhabbal45@yahoo.com
المصادر:
1. ... ابن كثير الدمشقي – البداية والنهاية – مجلد 1-2 مكتبة المعارف – بيروت (بدون سنة)
2. ... أبو حامد الغزالي – المقصد الاسنى في شرح أسماء الله الحسنى – من منشورات محمد علي بيضون – دار الكتب العلمية, بيروت (2001م)
3. ... الفخر الرازي– التفسير الكبير – الطبعة الأولى – مؤسسة المطبوعات الإسلامية - القاهرة (بدون سنة).
4. ... أسامة عبد الغني – الإنجيل الحق يتجلى بعد محاكمة بولس – المنهج العلمي للدراسات والنشر – بيروت (2001م).
5. ... اسامة كامل ابو شقرا – المسيح في القران – بيروت ( 2004 م ) .
6. القرطبي – الجامع لاحكام القران – دار الكتاب العربي للطباعة والنشر - القاهرة (1967 م ) .
7. ... لقمان ابراهيم القزاز – مملكة النحل والعدد (16) – مجلة آيات – العدد 8– ص 34-36 (2004م)
8. ... عبد المنعم محمد الحنفي – من أوجه الإعجاز العلمي في عالم النحل – هيئة الإعجاز العلمي في القران والسنة – مطابع رابطة العالم الإسلامي – مكة المكرمة – (بدون سنة) .
9. ... محمد أنور شاه الكشميري – التصريح بما تواتر في نزول المسيح –مراجعة وتحقيق عبد الفتاح أبو غدة – ط5 , دار القلم – بيروت (1992م).(5/395)
10. ... محمد فؤاد عبد الباقي– المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم – الطبعة الرابعة
11. ... محمد جميل الحبال – العلوم المعاصرة في خدمة الداعية الإسلامي – مطابقة الحقائق العلمية للآيات القرآنية – دار المنهاج القويم – دمشق(2005م).
12. ... مزاحم الصائغ وعبد الرحيم مصطفى – المدخل الى تربية النحل – مطبعة الزراعة – اربيل (2003 م ).
13. ... محمد سليمان الأشقر –زبدة التفسير في فتح القدير- ط2 – وزارة الأوقاف والشؤون الدينية - الكويت (1988 م)
14. ... هاني عرموش – النحل والتداوي بعسله وعكبره وسمه – دار النفائس– بيروت (2002م) .
____________
[1] -لزيادة التفصيل عن هذا الموضوع راجع كتابنا – العلوم المعاصرة في خدمة الداعية الاسلامي- مطابقة الحقائق العلمية للإيات القرآنية- دار المنهاج القويم –دمشق(2005 م )
[2] - محمد سليمان الاشقر- زبدة التفسير في فتح القدير ، ص55
[3] - عبد المنعم محمد الحفني – من اوجه الاعجاز العلمي في عالم النحل - ص 18 –19
[4]- الحافظ ابن كثير – البداية والنهاية. 1-278.
[5] - (لزيادة التفاصيل عن هذا الموضوع يراجع فصل: المعجزة الخالدة المتجددة - ص 359-367، من كتاب (الانجيل الحق يتجلى بعد محاكمة بولص) تأليف اسامة عبدالغني.
[6]-محمد فؤاد عبد الباقي- المعجم المفهرس لالفاظ القرآن الكريم, كلمة (مريم) وعبارة (عيسى ابن مريم) ص 840 .
[7] - محمد فؤاد عبد الباقي – المعجم المفهرس لالفاظ القران الكريم - كلمة (مريم) – ص 839 – 840 .
[8]- الفخر الرازي – التفسير الكبير - 23103.
[9] - القرطبي - الجامع لأحكام القرآن – 4/100 .
[10] -- اسامة أبو شقرا-المسيح في القرآن.ص186-188 (بتصرف)
[11] - اسامة ابو شقرا – المسيح في القران ، نفي صلب وقتل المسيح - ص 186- 190 .
[12] - محمد فؤاد عبدالباقي- المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم- كلمة (رافعك) وكلمة (رفعه)- ص410 .
[13] - أسامة أبو شقرا-المسيح في القرآن - ص105
[14] - رواه الامام أحمد في مسنده عن ابي هريرة رضي الله عنه 2494.
[15] - رواه الامام احمد في مسنده 2437 , وابن حجر في فتح البارئ 6357 عن ابي هريرة ايضا.
[16] - محمد فؤاد عبد الباقي – المعجم المفهرس لالفاظ القران الكريم ، كلمة (الرحمن)- ص 389 – 390
[17] أبو حامد الغزالي – المقصد الاسنى في شرح اسماء الله الحسنى - 214
[18] الكتاب المقدس (العهد القديم) تثنية الاشتراع 14/3: 8 / دار المشرق /بيروت (1986)
[19] - اسامة عبد الغني / الانجيل الحق يتجلى بعد محاكمة بولص / ص163- 164 و ص320
[20] - محمد فؤاد عبد الباقي-المعجم المفهرس لالفاض القران الكريم - كلمة (واحد) ،وكلمة (واحدا) – ص 913
[21] - محمد فؤاد عبد الباقي-المعجم المفهرس لالفاض القران الكريم - كلمة (ولد) و كلمة( ولدا) – ص 930
============= ... ...
معنى قوله تعالى ( يا عيسى إني متوفيك )
كتب شيخ الاسلام ابن تيمية ( نقلة لنا اخونا السيف البتار ) جزاة الله خيرا
معنى التوفي
ولفظ التوفي في لغة العرب معناه الاستيفاء والقبض وذلك ثلاثة أنواع أحدها توفي النوم والثاني توفي الموت والثالث توفي الروح والبدن جميعا ... فإنه بذلك خرج عن حال أهل الأرض الذين يحتاجون إلى الأكل والشرب واللباس ويخرج منهم الغائط والبول والمسيح عليه السلام توفاه الله وهو في السماء الثانية إلى أن ينزل إلى الأرض ليست حاله كحالة أهل الأرض في الأكل والشرب واللباس والنوم والغائط والبول ونحو ذلك
ولة باب جيد بعنوان
دقائق التفسير الجامع لتفسير ابن تيمية
فصل عيسى عبد الله ورسوله
قال تعالى سورة البقرة الآية 87
الوجه الأول : ُأخبر عن المسيح أنه لم يقل لهم إلا ما أمره الله به بقوله أن اعبدوا الله ربي وربكم وكان عليهم شهيدا ما دام فيهم وبعد موته كان الله الرقيب عليهم فإذا كان بعضهم قد غلط في النقل عنه أو في تفسير كلامه أو تعمد تغيير دينه لم يكن على المسيح عليه السلام من ذلك درك وإنما هو رسول عليه البلاغ المبين
وقد أخبر الله سبحانه أن أول ما تكلم به المسيح أن قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا وجعلني مباركا أينما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا
ثم طلب لنفسه السلام فقال والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا
والنصارى يقولون علينا منه السلام كما يقوم الغالية فيمن يدعون فيه الإلهية كالنصيرية في علي والحاكمية في الحاكم
الوجه الثاني : أن يقال إن الله لم يذكر أن المسيح مات ولا قتل وإنما قال يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا وقال المسيح فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد
وقال تعالى سورة النساء الآيات 155 161
فذم الله اليهود بأشياء منها قولهم على مريم بهتانا عظيما حيث زعموا أنها بغي ومنها قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله(5/396)
قال تعالى وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وأضاف هذا القول إليهم وذمهم عليه ولم يذكر النصارى لأن الذين تولوا صلب المصلوب المشبه به هم اليهود
ولم يكن أحد من النصارى شاهدا معهم بل كان الحواريون خائفين غائبين فلم يشهد أحد منهم الصلب
وإنما شهده اليهود وهم الذين أخبروا الناس أنهم صلبوا المسيح والذين نقلوا أن المسيح صلب من النصارى وغيرهم إنما نقلوه عن أولئك اليهود وهم شرط من أعوان الظلمة لم يكونوا خلقا كثيرا يمتنع تواطؤهم على الكذب
قال تعالى وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم فنفى عنه القتل ثم قال وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته
وهذا عند أكثر العلماء معناه قبل موت المسيح وقد قيل قبل موت اليهود وهو ضعيف كما قيل إنه قبل موت محمد = وهو أضعف فإنه لو آمن به قبل الموت لنفعه إيمانه به فإن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر
وإن قيل المراد به الإيمان الذي يكون بعد الغرغرة لم يكن في هذا فائدة فإن كل أحد بعد موته يؤمن بالغيب الذي كان يجحده فلا اختصاص للمسيح به ولأنه قال قبل موته ولم يقل بعد موته ولأنه ولا فرق بين إيمانه بالمسيح وبمحمد صلوات الله عليه وسلامه واليهودي الذي يموت على اليهودية فيموت كافرا بمحمد والمسيح عليهما الصلاة والسلام ولأنه قال وإن من أهل الكتاب إلا ليؤمنن به قبل موته وقوله ليؤمنن به ... فعل مقسم عليه .... وهذا إنما يكون في المستقبل فدل ذلك على أن هذا الإيمان بعد إخبار الله بهذا .... ولو أريد قبل موت الكتابي لقال وإن من أهل الكتاب إلا من يؤمن به لم يقل ليؤمنن به
وأيضا فإنه قال إن من أهل الكتاب ... وهذا يعم اليهود والنصارى ... فدل ذلك على أن جميع أهل الكتاب اليهود والنصارى يؤمنون بالمسيح قبل موت المسيح وذلك إذا نزل آمنت اليهود والنصارى بأنه رسول الله ليس كاذبا كما يقول اليهود ولا هو الله كما تقوله النصارى
والمحافظة على هذا العموم أولى من أن يدعي أن كل كتابي ليؤمنن به قبل أن يموت الكتابي فإن هذا يستلزم إيمان كل يهودي ونصراني وهذا خلاف الواقع وهو لما قال وإن منهم إلا ليؤمنن به قبل موته ودل على أن المراد بإيمانهم قبل أن يموت هو علم أنه أريد بالعموم .. عموم من كان موجودا حين نزوله أي لا يتخلف منهم أحد عن الإيمان به لا إيمان من كل منهم ميتا
وهذا كما يقال إنه لا يبقى بلد إلا دخله الدجال إلا مكة والمدينة أي في المدائن الموجودة حينئذ ... وسبب إيمان أهل الكتاب به حينئذ ظاهر فإنه يظهر لكل أحد أنه رسول مؤيد ليس بكذاب ولا هو رب العالمين
فالله تعالى ذكر إيمانهم به إذا نزل إلى الأرض فإنه تعالى لما ذكر رفعه إلى الله بقوله إني متوفيك ورافعك إلي وهو ينزل إلى الأرض قبل يوم القيامة ويموت حينئذ أخبر الآية الزخرف الآيات 59 65
في الصحيحين أن النبي = قال
يوشك أن ينزل فيكم ابن مريم حكما عدلا وإماما مقسطا فيكسر الصليب ويقتل الخنزير ويضع الجزية
وقوله تعالى وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبه لهم وإن الذين اختلفوا فيه لفي شك منه ما لهم به من علم إلا اتباع الظن وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه وكان الله عزيزا حكيما بيان أن الله رفعه حيا وسلمه من القتل وبين أنهم يؤمنون به قبل أن يموت
وكذلك قوله ومطهرك من الذين كفروا ولو مات لم يكن فرق بينه وبين غيره
معنى التوفي
ولفظ التوفي في لغة العرب معناه الاستيفاء والقبض وذلك ثلاثة أنواع أحدها توفي النوم والثاني توفي الموت والثالث توفي الروح والبدن جميعا ... فإنه بذلك خرج عن حال أهل الأرض الذين يحتاجون إلى الأكل والشرب واللباس ويخرج منهم الغائط والبول والمسيح عليه السلام توفاه الله وهو في السماء الثانية إلى أن ينزل إلى الأرض ليست حاله كحالة أهل الأرض في الأكل والشرب واللباس والنوم والغائط والبول ونحو ذلك
الوجه الثالث قولهم إنه عنى بموته عن موت الناسوت كان ينبغي لهم أن يقولوا على أصلهم عنى بتوفيته عن توفي الناسوت وسواء قيل موته أو توفيته فليس هو شيئا غير الناسوت فليس هناك شيء غيره لم يتوف الله تعالى قال
إني متوفيك ورافعك إلي : فالمتوفى هو المرفوع إلى الله
وقولهم إن المرفوع هو اللاهوت .... مخالف لنص القرآن ولو كان هناك موت فكيف إذا لم يكن فإنهم جعلوا المرفوع غير المتوفى ... والقرآن أخبر أن المرفوع هو المتوفى
وكذلك قوله في الآية الأخرى وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه هو تكذيب لليهود في قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى ابن مريم رسول الله
واليهود لم يدعوا قتل لاهوت ولا أثبتوا لله لاهوتا في المسيح ... والله تعالى لم يذكر دعوى قتله عن النصارى حتى يقال إن مقصودهم قتل الناسوت دون اللاهوت بل عن اليهود الذين لا يثبتون إلا الناسوت(5/397)
وقد زعموا أنهم قتلوه فقال تعالى وما قتلوه يقينا بل رفعه الله إليه .... فأثبت رفع الذي قالوا إنهم قتلوه وإنما هو الناسوت فعلم أنه هو الذي نفي عنه القتل وهو الذي رفع والنصارى معترفون برفع الناسوت لكن يزعمون أنه صُلب وأقام في القبر إما يوما وإما ثلاثة أيام ثم صعد إلى السماء وقعد عن يمين الأب الناسوت مع اللاهوت
وقوله تعالى وما قتلوه يقينا ... معناه أن نفي قتله هو يقين لا ريب فيه بخلاف الذين اختلفوا بأنهم في شك منه من قتله وغير قتله فليسوا مستيقنين أنه قتل إذ لا حجة معه بذلك
ولذلك كانت طائفة من النصارى يقولون إنه لم يصلب فإن الذين صلبوا المصلوب هم اليهود وكان قد اشتبه عليهم المسيح بغيره كما دل عليه القرآن وكذلك عند أهل الكتاب أنه اشتبه بغيره فلم يعرفوا من هو المسيح من أولئك حتى قال لهم بعض الناس أنا أعرفه فعرفوه وقول من قالوا معنى الكلام ما قتلوه علما بل ظنا قول ضعيف
الوجه الرابع أنه قال تعالى إذ قال الله يا عيسى إني متوفيك ورافعك إلي ومطهرك من الذين كفروا فلو كان المرفوع هو اللاهوت لكان رب العالمين قال لنفسه أو لكلمته إني رافعك إلي وكذلك قوله بل رفعه الله إليه فالمسيح عندهم هو الله
ومن المعلوم أنه يمتنع رفع نفسه إلى نفسه وإذا قالوا هو الكلمة فهم مع ذلك أنه الإله الخالق لا يجعلونه بمنزلة التوراة والقرآن ونحوهما مما هو كلام الله الذي قال فيه إليه يصعد الكلم الطيب بل عندهم هو الله الخالق الرازق رب العالمين ورفع رب العالمين إلى رب العالمين ممتنع
الوجه الخامس قوله وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم دليل على أنه بعد توفيته لم يكن الرقيب عليهم إلا الله دون المسيح فإن قوله كنت أنت يدل على الحصر كقوله إن كان هذا هو الحق ونحو ذلك ... فعلم أن المسيح بعد توفيته ليس رقيبا على اتباعه بل الله هو الرقيب المطلع عليهم المحصي أعمالهم المجازي عليها والمسيح ليس برقيب فلا يطلع على أعمالهم ولا يحصيها ولا يجازيهم بها
...
===============
القرآن الكريم قد اقتبس من شعر امرىء القيس
متابعة لدفع الشبهات المثارة حول القرآن الكريم ، نقف اليوم مع شبهة تمسك بها بعض الجهلة من النصارى وغيرهم ، وحاصلها الادعاء بأن القرآن الكريم قد اقتبس من شعر امرىء القيس عدة فقرات منه ، وضمنها في آياته وسوره ، ولم يحصل هذا الأمر في آية أو آيتين ، بل هي عدة آيات كما يزعمون .
وإذا كان الأمر كذلك ، لم يكن لما يدندن حوله المسلمون من بلاغة القرآن وإعجازه مكان أو حقيقة ، بل القرآن في ذلك معتمد على بلاغة من سبقه من فحول الشعراء وأساطين اللغة .
وقد استدل هؤلاء بما أورده المناوي في كتابه فيض القدير شرح الجامع الصغير [ 2 / 187 ] ، حيث قال ما نصه :" وقد تكلم امرؤ القيس بالقرآن قبل أن ينزل ، فقال :
يتمنى المرء في الصيف الشتاء حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد قتل الإنسان ما أكفره
وقال :
اقتربت الساعة وانشق القمر من غزال صاد قلبي ونفر
وقال :
إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها
تقوم الأنام على رسلها ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل فإما عليها وإما لها " ا.هـ
وقد أورد بعضهم شيئا من الأبيات السابقة بألفاظ مختلفة ، فقال بعضهم إن امرأ القيس قال :
دنت الساعة وانشق القمر غزال صاد قلبي ونفر
مر يوم العيد بي في زينة فرماني فتعاطى فعقر
بسهام من لحاظ فاتك فر عني كهشيم المحتظر
وزاد بعضهم فقال :
وإذا ما غاب عني ساعة كانت الساعة أدهى وأمر
وقد جاء في القرآن الكريم قوله تعالى { قتل الإنسان ما أكفره } ، وقوله تعالى { اقتربت الساعة وانشق القمر } ، وقوله تعالى { إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها } ، وقوله تعالى { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر } ، وقوله تعالى { فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر } ، وقوله تعالى { بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر }
وهذه
الشبهة منقوضة بأكثر من عشرين وجها ، وبيان ذلك فيما يلي :
الوجه الأول : أن هذه الأبيات ليس لها وجود في كتب اللغة والأدب ، وقد بحثنا في عشرات من كتب البلاغة والأدب واللغة والشعر المتقدمة ، ولم يذكر أحد شيئا من الأبيات السابقة أو جزءا منها .
الوجه الثاني : أنه لا توجد هذه الأبيات في ديوان امرىء القيس ، على اختلاف طبعاته ، ونسخه ورواياته ، ولو كانت إحدى الأبيات السابقة صحيحة النسبة إليه أو حتى كاذبة لذكرت في إحدى دواوينه .(5/398)
الوجه الثالث : أن أي متخصص وباحث في الأدب العربي ، وشعر امرئ القيس على وجه الخصوص يعلم أن شعر امرئ القيس قد وجد عناية خاصة ، وتضافرت جهود القدماء والمحدثين على جمعه وروايته ونشره ، وهناك العديد من النسخ المشهورة لديوانه كنسخة "الأعلم الشنتمري" ، ونسخة "الطوسي" ، ونسخة "السكري" ، ونسخة "البطليوسي" ، ونسخة "ابن النحاس" وغيرها ، ولا يوجد أي ذكر لهذه الأبيات في هذه النسخ ، لا من قريب ولا من بعيد ، فهل كان هؤلاء أعلم بشعر امرئ القيس ممن عنوا بجمعه وتمحصيه ونقده .
الوجه الرابع : أنه حتى الدراسات المعاصرة التي عنيت بشعر امرئ القيس وديوانه ، وما نسب إليه من ذلك ، لم يذكر أحد منهم شيئاً من هذه الأبيات لا على أنها من قوله ، ولا على أنها مما نحل عليه – أي نسب إليه وليس هو من قوله – ، ومنها دراسة للأستاذ "محمد أبو الفضل إبراهيم" في أكثر من 500 صفحة حول شعر امرئ القيس ، وقد ذكر فيه ما صحت نسبته إليه وما لم يصح ، وما نحل عليه ومن نحله ، ولم يذكر مع ذلك بيتاً واحداً من هذه الأبيات السابقة .
الوجه الخامس : أن امرأ القيس وغيره من الشعراء قد نحلت عليهم العديد من القصائد فضلا عن الأبيات ، بل نحل على بعضهم قصص كاملة لا زمام لها ولا خطام ، وقضية نحل الشعر ونسبته لقدماء الشعراء أمر معروف لا يستطيع أحد إنكاره ، وقد عرف عن "حماد الراوية" و "خلف الأحمر" أنهم كانوا يكتبون الشعر ثم ينسبوه إلى من سبقهم من كبار الشعراء ، وقد ذكر ابن عبد ربه – وهو من المتقدمين توفي سنة 328 هـ - في كتابه " العقد الفريد " في باب عقده لرواة الشعر ، قال : " وكان خَلف الأحمر أَروى الناس للشِّعر وأعلَمهم بجيّده .... وكان خَلفٌ مع روايته وحِفظه يقول الشعر فيُحسن ، وينَحله الشعراء ، ويقال إن الشعر المَنسوب إلى ابن أخت تأبّط شَرّاً وهو :
إنَّ بالشِّعب الذي دون سَلْع لقتيلاً دَمُه ما يُطَلُّ
لخلَف الأحمر ، وإنه نَحله إياه ، وكذلك كان يفعل حمّاد الرواية ، يَخلط الشعر القديم بأبيات له ، قال حماد : ما مِن شاعر إلا قد زِدْتُ في شعره أبياتاً فجازت عليه إلا الأعشى ، أعشى بكر ، فإني لم أزد في شعره قطُّ غيرَ بيت فأفسدتُ عليه الشعر ، قيل له : وما البيتُ الذي أدخلته في شعر الأعشى ؟ فقال :
وأنكرتْني وما كان الذي نَكِرتْ من الحوادث إلا الشَّيبَ والصلعَا " ا.هـ [ العقد الفريد 821 ]
وقال الصفدي - المتوفى سنة 764 هـ - في كتابه "الوافي بالوفيات" في ترجمة "خلف الأحمر": " خلف الأحمر الشاعر صاحب البراعة في الآداب ، يكنى أبا محرز ، مولى بلال بن أبي بردة ، حمل عنه ديوانه أبو نواس ، وتوفي في حدود الثمانين ومائة . وكان راوية ثقة علاّمة ، يسلك الأصمعيّ طريقه ويحذو حذوه حتى قيل : هو معلِّم الأصمعي ، وهو والأصمعيّ فتَّقا المعاني ، وأوضحا المذاهب ، وبيَّنا المعالم ، ولم يكن فيه ما يعاب به إلا أنه كان يعمل القصيدة يسلك فيها ألفاظ العرب القدماء ، وينحلها أعيان الشعراء ، كأبي داود ، والإيادي ، وتأبَّط شراً ، والشنفري وغيرهم فلا يفرَّق بين ألفاظه وألفاظهم ، ويرويها جلَّة العلماء لذلك الشاعر الذي نحله إيّاها ، فمّما نحله تأبَّط شرّاً وهي في الحماسة من الرمل :
إنّ بالشِّعب الذي دون سلعٍ لقتيلاً دمه لا يطلُّ
ومما نحله الشّنفري القصيدة المعروفة بلامية العرب وهي من الطويل :
أقيموا بني أمي صدور مطيِّكم فإني إلى قومٍ سواكم لأميل
..... قال خلف الأحمر : أنا وضعت على النابغة القصيدة التي منها : من البسيط
خيل صيامٌ وخيلٌ غير صائمةٍ تحت العجاج وأخرى تعلك اللُّجما
وقال أبو الطيب اللّغويّ : كان خلف الأحمر يصنع الشعر وينسبه إلى العرب ، فلا يعرف . ثم نسك ، وكان يختم القرآن كلّ يوم وليلة . ". اهـ
ومثل ذلك ذكره ياقوت الحموي - المتوفى سنة 626 هـ - في كتابه " معجم الأدباء " ( 4 / 179 ) في ترجمة خلف الأحمر .
ونقل أبو الحسن الجرجاني – المتوفى سنة 392 هـ - في كتابه " الوساطة بين المتنبي وخصومه " ص24 - وهو يناقش من يعترض عليه بأن شعر المتقدمين كان فيه من متانة الكلام ، وجزالة المنطق وفخامة الشعر ، ما يصعب معه أن ينسج على منواله ، ولو حاول أحد أن يقول قصيدة أو يقرضَ بيتاً يُقارب شعر امرئ القيس وزهير ، في فخامته ، وقوة أسْره ، وصلابة معجَمه لوجده أبعد من العيّوق مُتناولاً ، وأصعبَ من الكبريت الأحمر مطلباً ؟ .
فرد على المعترض قائلا :" أحلتك على ما قالت العلماء في حمّاد وخلَف وابن دأْب وأضرابِهم ، ممن نحلَ القدماءَ شعره فاندمج في أثناء شعرهم ، وغلب في أضعافه ، وصعُب على أهل العناية إفرادُه ، وتعسّر ، مع شدة الصعوبة حتى تكلّف فلْي الدواوين ، واستقراءُ القصائد فنُفِي منها ما لعلّه أمتن وأفخم ، وأجمع لوجوه الجوْدة وأسباب الاختيار مما أثبت وقُبِل . "(5/399)
[ راجع الأعلام 2 / 358. معجم البلدان 11 / 64. أنباء الرواة 1 / 348. الفهرست ص / 50. طبقات الشعراء ص /147 ]
وإنما أوردنا كل هذه النقولات لنثبت أن وقوع النحل في شعر العرب أمر وارد وحاصل ، وقد أوردنا لك كلام المتقدمين ، الذين عرفوا كلام العرب وأشعارهم ، وسبقوا المحدثين والمستشرقين ، أما المعاصرون ، فقد قال الأستاذ محمد أبو الفضل في مقدمة دراسته عن امرىء القيس وشعره :" استفاضت أخباره على ألسنة الرواة ، وزخرت بها كتب الأدب والتراجم والتاريخ ، ونسجت حول سيرته القصص ، وصيغت الأساطير ، واختلط فيها الصحيح بالزائف ، وامتزج الحق بالباطل ، وتناول المؤرخون والأدباء بالبحث والنقد والتحليل ، وخاصة في العصر الحديث ... وفي جميع أطوار حياته منذ حداثته وطراءة سنه ، إلى آخر أيامه ، قال الشعر وصاغ القريض ... وأصبح عند الناس قدر وافر من قصيده ، فنحلوه كل شعر جهل قائله ، أو خمل صاحبه ، من جيد يعسر تمييزه عن شعره ، ورديء سفساف مهلهل النسج ، سقيم المعنى ، وللعلماء من القدماء حول هذا الشعر وتحقيق نسبته إليه أقوال معروفة مشهورة " اهـ [ امرؤ القيس ص 6 ]
فلو نسبت الأبيات التي هي موضع
الشبهة إلى امرىء القيس دون سند أو برهان ، فلا شك حينئذ في أنها منحولة ومكذوبة عليه ، ومع ذلك فإنه حتى في المنحول الذي يذكره من جمع شعر امرئ القيس و ما نحل عليه لا تذكر هذه الأبيات .
الوجه السادس : أن بعض الأبيات السابقة منسوبة بالفعل إلى غير امرىء القيس ، قال الذهبي – المتوفى سنة 748 هـ - في تاريخ الإسلام في ترجمة " محمد بن محمد بن عبد الكريم بن برز – المعروف بمؤيد الدين القمي - " :" وكان كاتبا سديدا بليغا وحيدا ، فاضلا، أديبا، عاقلا، لبييا، كامل المعرفة بالإنشاء، مقتدرا على الارتجال ... وله يد باسطة في النّحو واللّغة، ومداخلةٌ في جميع العلوم ، إلى أن قال: أنشدني عبد العظيم بن عبد القويّ المنذري، أخبرنا عليّ بن ظافر الأزديّ، أنشدني الوزير مؤيّد الدّين القمّي النائب في الوزارة الناصرية، أنشدني جمال الدّين النّحويّ لنفسه في قينة:
سمّيتها شجراً صدقت لأنّها كم أثمرت طرباً لقلب الواجد
يا حسن زهرتها وطيب ثمارها لو أنّها تسقى بماءٍ واحد
وبه – يعني بالإسناد السابق - قال: وأنشدنا لنفسه:
يشتهي الإنسان في الصّيف الشّتا فإذا ما جاءه أنكره
فهو لا يرضى بعيشٍ واحدٍ قتل الإنسان ما أكفره " اهـ
فهذا الذهبي - وهو من المتقدمين - يروي البيتين السابقين بالسند منسوبين إلى غير امرىء القيس ، على أن "التيفاشي" – وهو من كبار أدباء العرب توفي سنة 651 هـ - صاحب كتاب " سرور النفوس بمدارك الحواس الخمسة" ينسب البيتين [ ص 89 ] إلى يحيى بن صاعد ، قال :" يحيى بن صاعد :
يشتهي الإِنسانُ في الصيفِ الشتا فإذا جاء الشتا أنكرَهُ
فهو لا يرضى بحالٍ أبداً قُتِلَ الإنسانُ ما أكفره " ا.هـ
وأيا كان الأمر ، فإن "التيفاشي" والذهبي متقدمان على المناوي ، وقد نسبا كما رأيت البيتين إلى غير امرىء القيس .
الوجه السابع : أن بعض المفسرين أنكر هذين البيتين صراحة ، قال محمود الألوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى { قتل الإنسان ما أكفره } :" قال الإمام – أي الرازي - إن الجملة الأولى تدل على استحقاقهم أعظم أنواع العقاب عرفا ، والثانية تنبيه على أنهم اتصفوا بأعظم أنواع القبائح والمنكرات شرعا ، ولم يسمع ذلك قبل نزول القرآن ، وما نسب إلى امرىء القيس من قوله :
يتمنى المرء في الصيف الشتا فإذا جاء الشتا أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد قتل الإنسان ما أكفره
لا أصل له ، ومن له أدنى معرفة بكلام العرب لا يجهل أن قائل ذلك مولد أراد الاقتباس لا جاهلي " اهـ [ روح المعاني 30 / 44 ] ، فانظر إلى كلام من ذاق أشعار العرب ، وألف أساليبهم ، حيث لم يخف عليه ركاكة الألفاظ وضعف السبك .
الوجه الثامن : أن المتقدمين من أهل اللغة والأدب كانوا يعكسون القضية ، فكانوا يذكرون الآيات القرآنية التي اقتبسها الشعراء من القرآن ، وضمنوها شعرهم ، فهذا ابن داود الظاهري الأصفهاني - وهو من أعلم الناس بأشعار العرب ، كما أنه متقدم توفي سنة 227هـ - قد عقد في كتابه " الزهرة " فصلا لما استعانت به الشعراء من كلام الله تعالى ، وكان مما ذكر قوله سبحانه { إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها } ، وأن الخنساء ضمنته في أبيات لها فقالت :
أبعدَ ابن عمرو من آل الشّريد حلَّتْ به الأرضُ أثقالها
فخر الشّوامِخُ من فَقْدِه وزُلزلتِ الأرضُ زلزالها(5/400)
وهذا مما يدل على أن أول من نطق بهذه العبارة هو القرآن الكريم ، لأنه لو كان امرؤ القيس قد قالها قبل القرآن الكريم ، لما كان للفصل الذي عقده فائدة ، ولكانت الخنساء قد ضمنت أبيات امرىء القيس في شعرها ، لا آيات القرآن الكريم ، ولكان القرآن الكريم نفسه قد ضمن أبيات امرأ القيس ، لكن لأن الأبيات الثلاثة المنحولة على امرىء القيس والتي سبق ذكرها أول البحث ، وأولها :
إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها
لكون تلك الأبيات لا وجود لها في عصر ابن داود الظاهري ، لم يذكرها أو يشر إليها ، بل كان الفصل الذي عقده في الآيات القرآنية التي استعان بها الشعراء .
الوجه التاسع : أن غاية ما ذكر في كتب بعض المتقدمين مما نحل على امرىء القيس ، وذكر لفظه في القرآن الكريم ، ما نسب إليه من قوله :
أنا منْ قومٍ كرامٍ يطعمونَ الطيباتِ
بجفانٍ كالجوابي وقدورٍ راسياتِ
هذان هما البيتان الوحيدان اللذان ذكرهما بعض المتقدمين منسوبين إلى امرىء القيس ، ومع ذلك فقد أنكروهما وشككوا في صحة نسبتهما إليه ، فذكر ابن أبي الأصبع - المتوفى سنة 654 هـ - في كتابه " تحرير التحبير في صناعة الشعر والنثر" ص486 عندما تكلم عن الإيداع أو التضمين ، وما قيل من وقوع ذلك في القرآن الكريم في قوله تعالى { يعملون له ما يشاء من محاريب وتماثيل وجفان كالجواب وقدور راسيات }، قال : " على أن بعض الرواة ذكر أنه وضعه بعض الزنادقة ، وتكلم على الآية الكريمة ، وأن امرأ القيس لم يصح أنه تلفظ به ."
ونقل عبد الرحيم العباس - المتوفى 963 هـ - في كتابه : " معاهد التنصيص على شواهد التلخيص " ص 2297 – قول ابن أبي الأصبع ، وأقره ثم أعقبه بقوله :" قلت : وقد تصفحت ديوانه على اختلاف رُواته ، فلم أجد فيه قصيدة على هذا الوزن والروي " اهـ .
فهذه كتب الأدباء والعلماء ، وأساطين اللغة والشعر الذي اطلعوا على أشعار العرب ودواوين امرئ القيس حتى نهاية القرن العاشر الهجري ، لا ينسبون إلى امرئ القيس أي شيء من هذا القبيل ، ولو أنهم اطلعوا على غيرها من الأبيات لذكروه ، سواء صحت نسبته أم لم تصح .
الوجه العاشر : أن أي نقد يوجه إلى شيء من الأبيات المنسوبة إلى امرىء القيس ، يوضح ضعف سبكها ، وتهلهل نسجها ، وسقم معناها ، وسخف بعض التراكيب فيها ، فالبيت الذي فيه :
اقتربت الساعة وانشق القمر من غزال صاد قلبي ونفر
ما المراد بالساعة واقترابها ، إن كان المراد بالساعة يوم القيامة ، فالجاهليون لم يكونوا يؤمنون بالمعاد ، فضلا عن أن يذكروه في أشعارهم أو يضعوه في قصائدهم ، وإن كان المراد ساعة لقاء الحبيبة كما يزعم البعض ، فما المراد حينئذ بقوله ( وانشق القمر ) ، فإن كان المراد انشقاق القمر فعلا ، فهذا كذب ، إذ لم ينشق القمر في عهدهم أبدا ، بل انشق على عهد النبي صلى الله عليه وسلم كما جاءت بذلك الروايات ، وإن كان المراد بالقمر ذكر المحبوبة ، فليس من عادة العرب التعبير عن جمال المحبوبة بانشقاق القمر ، وأي جمال في انشقاق القمر إذا انشق ، وما وجه الحسن في انشقاقه ليشبه به المحبوبة ، وقد دأب العرب على تشبيه حسن النساء بالبدر حين اكتماله ، لا بانشقاق القمر ، ثم انظر إلى ركاكة الأسلوب في البيت السابق وقارنه بقول امرىء القيس في معلقته :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمأل
وقوله :
مكر مفر مقبل مدر معا كجلمود صخر حطه السيل من عل
وقوله :
ألا عم صباحا أيها الطلل البالي وهل يعمن من كان في العصر الخالي
بل قارن الأبيات التي هي موضع
الشبهة ، والتي ذكرت أول البحث ، بما ثبت نحله على امرىء القيس ، وجزم بأنه ليس من قوله ، مثل :
ترى القنة الحقباء منها كأنها كميت يبارى رعلة الخيل فارد
ومثل :
وآليت لا أعطي مليكا مقادتي ولا سوقة حتى يئوب ابن مندله
ومثل :
فجعت به في ملتقى الحي خيله تركت عناق الطير تحجل حوله
وإذا قرأت الأبيات السابقة ، والتي ثبت أنها منحولة على امرىء القيس ، علمت أن الأبيات التي هي موضع
الشبهة مكذوبة لا شك في ذلك ، وأنها من أردأ المنحول .
الوجه الحادي عشر : أن البيت الذي فيه :
مر يوم العيد بي في زينة فرماني فتعاطى فعقر
يظهر منه ركاكة الأسلوب ، فإن قوله ( فتعاطى ) جاء بعد قوله ( فرماني ) ، فإذا كان قد رماه ، فأي شيء تعاطاه ، والتعاطي هو تناول الشيء ، فلماذا يتعاطى شيئا بعد أن رماه ، وكان المفترض أن يتعاطى شيئا ثم يرميه به ، لا أن يرميه ثم يتعاطى ، وقد جاء بعد هذا البيت :
بسهام من لحاظ(5/401)
أي أنه قد رماه بسهام من سهام العيون ، وإذا كان الأمر كذلك ، فما فائدة قوله ( فتعاطى فعقر ) إلا الزيادة في قبح الأسلوب ورداءة المعنى ، على أن العقر إن أريد به الذبح فإنه لا يأتي في اللغة إلا في الناقة والخيل ، يقال : عقرت الناقة ، وعقرت الخيل ، ولا يقال عقر بمعنى ذبح إلا في الناقة والخيل . وإن أريد به الجرح ، فإن البيت موضوع أصلا للدلالة على الرمي المعنوي بسهام العيون ، لا على الرمي الحقيقي بآلة أو نحو ذلك ، وأيا ما كان الأمر فإن ضعف الأسلوب وركاكة التعبير تخجل من نسبة هذا الشعر إلى شاعر مولد فضلا عن شاعر عربي جاهلي .
الوجه الثاني عشر : أن البيت الذي فيه :
بسهام من لحاظ فاتك فر عني كهشيم المحتظر
فيه ركاكة وخلل تركيب واضحين ، فقوله ( كهشيم المحتظر ) لا معنى له في البيت ، فإن ( هشيم المحتظر ) هو حشيش الحظائر البالي الذي تدوسه الأغنام بأقدامها ، أو هو العظام المحترقة ، أو التراب المتناثر من الحائط كما جاء في تفسيرها [ انظر تفسير الطبري 11 / 561 ] ، فأي علاقة بين ذلك وبين فراره عنه ، وما وجه الشبه ، وهل يفر وهو كشيهم المحتظر ؟ أم كان الأولى به أن يهلك ويموت إذا صار كهشيم المحتظر ، وقارن بين ضعف التشبيه هنا ، وقوته في قوله تعالى { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر }
الوجه الثالث عشر : أن المناوي رحمه الله صاحب فيض القدير ، لم تكن له عناية في كتابه ذلك إلا بشرح أحاديث الجامع الصغير ، فلم يعتن بجمع الشعر أو نسبته ، أو تمحيص رواياته ، وكتابه "فيض القدير" ليس كتابا معتمدا في نقل الشعر أو نسبته ، وإنما هو كتاب في شرح الحديث ، هذا فضلا عن كونه من المتأخرين ، حيث توفي سنة 1029 هـ ، فكيف يصبح كلامه مقدما على كلام من سبقه من أساطين اللغة ، وعلماء الأدب والبلاغة ، ولا شك في أن نسبته لتلك الأبيات إلى امرىء القيس خطأ محض ، كما سبق بيانه ، ولهذا لا يذكر لها سندا أو عزوا أو مصدرا .
الوجه الرابع عشر : أن البيت الذي ذكره المناوي ، وهو :
اقتربت الساعة وانشق القمر من غزال صاد قلبي ونفر
غير مستقيم من ناحية الوزن الشعري ، فالشطر الأول مكسور ، إلا لو أبدلنا ( اقتربت ) بـ ( دنت ) ، وحينئذ يتبين أن المناوي لم يكن على عناية في كتابه بذكر الشعر أو تحقيقه ، لا سيما وأن البيت الذي فيه :
إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها
لا يستقيم في ميزان الشعر ألبتة ، فالتاء زائدة وكاسرة للوزن ، وليس هناك رواية مكذوبة أخرى لتصحح هذا الخلل ، مما يدلك على أن أصل نسبة تلك الأبيات إلى امرىء القيس ، محض خطأ أو كذب .
الوجه الخامس عشر : أن الأبيات الثلاثة التي ذكرها المناوي ، وهي :
إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها
تقوم الأنام على رسلها ليوم الحساب ترى حالها
يحاسبها ملك عادل فإما عليها وإما لها
لا يمكن أن تصدر من امرىء القيس ، فليس هي من معهود شعره ، كما أن أهل الجاهلية لم يكونوا يؤمنون بالبعث ، فضلا عن أن يذكروا تفاصيل إخراج الأرض لأثقالها وقيام الأنام لربها ، مع حضور الرسل ليوم الحساب ، إضافة إلى مشهد حساب الله تعالى للخلائق ، إلا ما نقل عن الحنفاء الذين عرف اتصالهم بأهل الكتاب ، ووجد في شعرهم شيئ من ذلك كأمية بن أبي الصلت ، وزيد بن عمرو بن نفيل ، وامرؤ القيس ليس منهم قطعا .
الوجه السادس عشر : أن البيتين المنسوبين إليه ، والذين ذكرهما المناوي ، وهما :
يتمنى المرء في الصيف الشتاء حتى إذا جاء الشتاء أنكره
فهو لا يرضى بحال واحد قتل الإنسان ما أكفره
في هذين البيتين خلل من ناحية الوزن الشعري ، وبيانه أن كل أشطار البيتين من بحر الرمل ، إلا الشطر الثاني من البيت الأول ، فهو من بحر الرجز ، ولا يمكن أن يقع هذا من مثل امرىء القيس ، اللهم إلا إذا أخذنا بالرواية التي ذكرها الذهبي في تاريخه والتي نسب فيها البيتين إلى غير امرىء القيس ، أو الرواية التي ذكرها "التيفاشي" ، فحينئذ يستقيم البيت على بحر الرمل .
الوجه السابع عشر : أن كفار قريش كانوا أعلم الناس بأشعار العرب ، وأحفظهم له ، وأعرفهم بمداخله ومخارجه ، وقد كانوا مع ذلك أحرص الناس على بيان كذب النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنه ما هو إلا ساحر أو كاهن أو شاعر ، ومع ذلك كله لم يقل له أحد منهم : إن ما جئت به يشبه شعر امرىء القيس أو أحد غيره ، فضلا عن أن يقول له إن ما جئت به مقتبس من شعر من سبق ، وإذا كانوا قد ادعوا أن النبي صلى الله عليه وسلم شاعر ، ورد الله تعالى عليهم بقوله { وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون } ، فلم يستطيعوا تكذيب كلام الله تعالى ، ولم يقدروا على أن يأتوا بدليل على كلامهم إلا التهويش والتكذيب ، ولو كان ذلك الشعر من كلام امرىء القيس ، لكان كفار قريش وصناديد الكفر أول من يستعين به في رد كلام الله تعالى .(5/402)
الوجه الثامن عشر : أن الوليد بن المغيرة شهد على نفسه وقومه من قبل بأن القرآن الكريم ليس من جنس شعر العرب ، فضلا عن أن يكون مقتبسا منه ، قال الوليد :" والله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ، ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني ، ولا بأشعار الجن ، والله ما يشبه الذي يقول شيئا من هذا " ، وإذا كان كذلك علم أن الأبيات السابقة مكذوبة لا محالة .
وقال ضماد بن ثعلبة الأزدي لرسول الله - صلى الله عليه وسلم- كما في صحيح مسلم :" لقد سمعت قول الكهنة ، وقول السحرة ، وقول الشعراء فما سمعت مثل كلماتك هؤلاء ولقد بلغن ناعوس البحر " .
وفي قصة عتبة بن ربيعة حين جاء يفاوض النبي - صلى الله عليه وسلم- على أن يترك دعوته ويعرض عليه المال والملك والسلطان ، فقرأ عليه - صلى الله عليه وسلم - شيئاً من القرآن ، فلما رجع إلى قومه وجلسوا إليه قالوا : ما وراءك يا أبا الوليد ؟ قال : ورائي أني والله قد سمعت قولاً ما سمعت مثله قط ، والله ما هو بالشعر ولا الكهانة ، يا معشر قريش ، أطيعوني واجعلوها بي ، خلوا بين هذا الرجل وبين ما هو فيه ، واعتزلوه ، فوالله ليكونن لقوله الذي سمعت نبأ ، فإن تصبه العرب فقد كفيتموه بغيركم ، وإن يظهر على العرب فملكه ملككم ، وعزه عزكم ، وكنتم أسعد الناس به ، قالوا : سحرك والله يا أبا الوليد بلسانه ، قال : هذا رأيي لكم فاصنعوا ما بدا لكم .
ولما بلغ أبا ذر مبعث النبي صلى الله عليه وسلم بمكة قال لأخيه اركب إلى هذا الوادي فاعلم لي علم هذا الرجل الذي يزعم أنه يأتيه الخبر من السماء ، فاسمع من قوله ثم ائتني ، فانطلق أخوه حتى قدم مكة وسمع من قوله ، ثم رجع إلى أبي ذر فقال : رأيته يأمر بمكارم الأخلاق ، وكلاما ما هو بالشعر ، فقال : ما شفيتني فيما أردت فتزود وحمل شنة له فيها ماء حتى قدم مكة ليسمع منه ، ثم أسلم رضي الله عنه .
الوجه التاسع عشر : أنه على فرض صحة نسبه تلك الأبيات إلى امرىء القيس ، فإن القرآن الكريم لم ينزل بالعبرية أو السريانية ، بل نزل بلغة العرب ، وإذا كان كذلك فلا غضاضة في أن يحصل تشابه في بعض الكلمات أو التراكيب ، إذ القرآن الكريم نزل ليتحدى كفار قريش ، قائلا لهم : إنكم تنطقون بهذه الأحرف ، وتقولون تلك الكلمات ، لكنكم مع ذلك عاجزون عن أن تأتوا بمثل القرآن من جهة القوة والإحكام والإتقان ، والتشابه في بعض الكلمات والتراكيب لا يعني الاقتباس والنقل كما هو معلوم .
الوجه العشرون : على فرض صحة نسبة تلك الأبيات إلى امرىء القيس ، فإنها لا تتعدى مع المكذوب منها عشرة أبيات ، فلو سلمنا جدلا بأن القرآن اقتبس في عشر آيات منه ، من عشرة أبيات ، فمن أين أتى القرآن بأكثر من ستة آلاف آية أخرى !!!
ونقول أخيرا – وهو الوجه الحادي والعشرون – إن هذه الفرية ليست وليدة اليوم ، فقد بدأت أصداؤها منذ بداية القرن التاسع عشر الميلادي ، حين نشرت الجمعية الإنجليزية المكلفة بالدعوة إلى النصرانية كتابا بعنوان "تنوير الأفهام" ، وقد كتب ذلك الكتاب أحد الحاقدين على الإسلام وأهله ، وضمن كتابه الأبيات التي ذكرناها أول المقال ، ونسبها إلى امرىء القيس ، ثم ادعى بعد ذلك أن القرآن الكريم قد اقتبس من تلك الأبيات .
ونص الأبيات التي لفقها على امرىء القيس :
دنت الساعة وانشق القمر عن غزال صاد قلبي ونفر
أحور قد حرت في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حور
مر يوم العيد في زينته فرماني فتعاطى فعقر
بسهام من لحاظ فاتك فتركني كهشيم المحتظر
وإذا ما غاب عني ساعة كانت الساعة أدهى وأمر
كتب الحسن على وجنته بسحيق المسك سطرًا مختصر
عادة الأقمار تسري في الدجى فرأيت الليل يسري بالقمر
بالضحى والليل من طرته فرقه ذا النور كم شيء زهر
قلت إذ شق العذار خده دنت الساعة وانشق القمر
[ انظر مجلة المنار 7/3/101 ]
وقد تنبه العلامة محمد رشيد رضا رحمه الله لهذه الفرية ، وردها بالأدلة والبراهين ، ونحن ننقل شيئا من كلامه لأهميته ، قال رحمه الله :" لولا أن في القراء بعض العوام ، لما كنت في حاجة إلى التنبيه على أن هذه القصيدة يستحيل أن تكون لعربي ، بل يجب أن تكون لتلميذ أو مبتدئ ضعيف في اللغة من أهل الحضر المخنثين عشاق الغِلمان ، فهي في ركاكة أسلوبها وعبارتها وضعف عربيتها وموضوعها ، بريئة من شعر العرب لا سيما الجاهليين منهم ، فكيف يصح أن تكون لحامل لوائهم ، وأبلغ بلغائهم .
وهب أن امرأ القيس زير النساء كان يتغزل بالغلمان - وافرضه جدلا - ولكن هل يسهل عليك أن تقول : إن أشعر شعراء العرب صاحب ( قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل ) يقول : أحور قد حرت في أوصافه ناعس الطرف بعينيه حور ، وتضيق عليه اللغة فيكرر المعنى الواحد في البيت مرتين ؛ فيقول : أحور بعينيه حور .(5/403)
أتصدق أن عربيا يقول : انشق القمر عن غزال ، وهو لغو من القول ؟ وما معنى : دنت الساعة في البيت ؟ وأي عيد كان عند الجاهلية يمر فيه الغلمان متزينين ؟ وهل يسمح لك ذوقك بأن تصدق أن امرأ القيس يقول : فرماني فتعاطى فعقر ، وأي شىء تعاطى بعد الرمي ، والتعاطي : التناول ... وهل يقول امرؤ القيس : لحاظ فاتك ؟ فيصف الجمع بالمفرد
وهل يشبّه العربي طلوع الشعر في الخد بالسُرى في الليل ؟ مع أنه سير في ضياء كالنهار ؟
وكيف تفهم وتعرب قوله :
بالضحى والليل من طرته فرقه ذا النور كم شيء زهر
وهل يقول عربي ، أو مستعرب فصيح في حبيبه : إن العذار شق خده شقًّا ؟!
.... بعد هذه الإشارات الكافية في بيان أن الشعر ليس للعرب الجاهليين ، ولا للمخضرمين ، وإنما هو من خنوثة وضعف المتأخرين ، أسمح لك بأن تفرض أنه لامرىء القيس إكراما واحتراما للمؤلف – أي مؤلف كتاب "تنوير الأفهام" - ، ولكن هل يمكن لأحد أن يكرمه ويحترمه فيقول : إن الكلمات التي وضع لها العلامات هي عين آيات القرآن ؟ .... وليس في القرآن ( فرماني فتعاطى فعقر ) وقد ذكرنا لك الآية آنفا ، وقوله ( تركني كهشيم المحتظر ) مثله ، وإنما الآية الكريمة { إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر } فالمعنى مختلف والنظم مختلف ، وليس في البيت إلا ذكر المشبه به ، وهو فيه في غير محله ؛ لأن تشبيه الشخص الواحد بالهشيم يجمعه صاحب الحظيرة لغنمه لا معنى له ، وإنما يحسن هذا التشبيه لأمة فُنيت وبادت كما في الآية ... وليس في القرآن أيضًا : كانت الساعة أدهى وأمر ، وإنما فيه { سيهزم الجمع ويولون الدبر * بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر } ، فههنا وعيدان شرهما الساعة المنتظرة فصح أن يقال : إنها أدهى وأمر ، وليس في البيت شيء يأتي فيه التفضيل على بابه .
واعلم أن هذا الشعر من كلام المولدين المتأخرين هو أدنى ما نظموا في الاقتباس ، ولم ينسبه إلى امرىء القيس إلا أجهل الناس .
ثم إن المعنى مختلف ، والنظم مختلف ، فكيف يصح قول المؤلف – أي مؤلف كتاب "تنوير الأفهام" - : إن هذه الكلمات من آيات القرآن ، وإنها لا تختلف عنها في المعنى ، ولو فرضنا أن هذه الكلمات العربية استعملت في معنى سخيف في الشعر ليس فيه شائبة البلاغة ، ثم جاءت في القرآن العربي بمعان أخرى وأسلوب آخر ، وكانت آيات في البلاغة كما أنها في الشعر عبرة في السخافة ، فهل يصح لعاقل أن يقول : إن صاحب هذا الكلام البليغ في موضوع الزجر والوعظ مأخوذ من ذلك الشعر الخنث في عشق الغلمان ، وأن المعنى واحد لا يختلف ؟
فمن كان معتبرا باستنباط هؤلاء الناس وتهافتهم في الطعن والاعتراض على القرآن فليعتبر بهذا ، ومن أراد أن يضحك من النقد الفاضح لصاحبه ، الرافع لشأن خصمه فليضحك ، ومن أراد أن يزن تعصب هؤلاء النصارى بهذا الميزان فليزنه ، وإنه ليرجح بتعصب العالمين ." اهـ [ مجلة المنار 7 / الجزء 5 / ص 161 ]
وختاما ، فإن أي محاولة للتشكيك في إعجاز القرآن وبلاغته ، إنما هي محاولة فاشلة يائسة ، فقد اجتمع في كفار قريش أقوى عاملين للتشكيك في القرآن الكريم ، العامل الأول : كونهم أهل اللغة العربية ، وفيهم فطاحل الشعراء والخطباء ، والعامل الثاني : رغبتهم الجامحة في إطفاء نور الله تعالى والصد عن سبيله .
ومع ذلك كله ، لم يستطيعوا أن يخفوا أو ينكروا إعجاز القرآن وبلاغته وقوته ، بل نسبوا إعجازه إلى ما لا يحسنه كل أحد كالسحر والكهانة ، فأي تشكيك بعدهم في بلاغة القرآن الكريم وإعجازه ، إنما هو ضرب من الكذب والهذيان ، إذ إن أولى الناس بهذا التشكيك – وهم كفار قريش – وقفوا حائرين أمام عبارات القرآن وآياته ، فكيف بالمولدين بعدهم ممن لا يحسن أحدهم إعراب جملة ، أو بناء قصيدة ، فضلا عن أن يعارض معلقة من المعلقات المشهورة ، { والله متم نوره ولو كره الكافرون } .
=============
هل القران لم يأتِ بجديد ؟؟
بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله ومن والاه وبعد :
يتسائل المسيحيون عن الجديد الذي جاء به الإسلام ، وقبل البدء بالإجابة ، نحن كذلك نود أن نسألهم الآتي :
ما الجديد الذي جاء به يشوع النبي في سفره زيادةً على شريعة موسى ؟ وما الجديد الذي جاءت به راعوث النبية في سفرها زيادة على شريعة موسى ؟ وما الجديد الذي جاء به كل انبياء بني اسرائيل زيادة عن شريعة موسى ؟!
أما عن الجديد الذي جاء به الإسلام فنقول وبالله التوفيق :(5/404)
ان ما جاء به الإسلام لم يكن جديداً بقدر ما كان تصحيحاً للرسالات التي سبقته وكيف ان الاسلام كان مجدداً بالدرجة الأولى لما أوحاه الله على أول الانبياء ، فنجد أن القرآن الكريم قد جاء بعقيدة التوحيد الصحيحة، إذ أفرد الله سبحانه بالعبودية، وبيَّن أنه الخالق والمدبر لكل أمر في هذا الكون من مبتداه إلى منتهاه، وأن مقاليد الكون كلها بيده سبحانه، وهذا واضح لكل قارئ لكتاب الله وضوح الشمس في كبد السماء؛ بينما تقوم عقيدة اليهود المحرَّفة على وصف الخالق بصفات بشرية لا تليق بجلاله سبحانه، وفي أحسن أحوالها تقول بوجود إله حق، إلا أن مفهوم الإله في تلك العقيدة أنه إله قومي خاص بشعب إسرائيل فحسب .
وكذلك فإن عقيدة المسيحية تقوم على أكثر من تصور بخصوص الذات الإلهية، ويأتي في مقدمة تلك التصورات عقيدة التثليث، وعقيدة حلول الذات الإلهية في شخص عيسى عليه السلام، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا .
ثم في مجال العقيدة أيضًا، لا توجد كلمة واحدة في جميع أدبيات الكتب المقدسة - كما يذكر عبد الأحد داود في كتابه "محمد في الكتاب المقدس" - حول قيامة الأجساد، أو حول الجنة والنار؛ بينما نجد القرآن الكريم حافلاً بهذه المسائل، بل جعل الإيمان بها من أهم مرتكزات الإيمان الصحيح .
أما في مجال التشريع، فقد جاء القرآن الكريم بشريعة واقعية، راعت مصالح الدنيا والآخرة معًا، ولبَّت مطالب الجسد والروح في آنٍ؛ ففي حين دعت الشريعة المسيحية إلى الرهبانية، التي تعني اعتزال الحياة وتحقير الدنيا - وكان هذا الموقف من الشريعة المسيحية رد فعل على العبودية اليهودية للحياة الدنيا ومتاعها - رأينا القرآن يذمُّ موقف النصارى من الرهبنة، وينعى عليهم هذا الموقف السلبي من الحياة، فيقول: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} (الحديد:27) فالشريعة الإسلامية - كما نزلت في القرآن - ترى في الرهبانية موقفًا لا يتفق بحال مع ما جاءت به من الوسطية والتوازن بين حاجات الروح والجسد .
وهذه الوسطية الإسلامية أمر مطرد وجارٍ في جميع أحكام الشريعة الإسلامية، يقف عليها كل من تتبع أمرها، وعرف حقيقتها، وهذا ما لم يكن في الشرائع السابقة البتة.
وبعبارة أخرى يمكن القول: لقد جاءت شريعة الإسلام بتشريع يواكب الحاضر والمستقبل جميعًا، باعتبارها الرسالة الأخيرة التي أكمل الله بها الدين، وختم بها الرسالات، ونقلها من المحيط المحدَّد إلى المحيط الأوسع، ومن دائرة القوم إلى دائرة العالمية والإنسانية {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ}(سبأ:28) .
أما في مجال العبادات، فلم يحصر القرآن مفهوم العبادة في نطاق ضيق، ولاضمن شكليات محددة وطقوس جامدة، بل وسع مفهوم العبادة غاية الوسع، وجعل القصد من الخلق والحياة العبادة {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ}(الذاريات:56) وأيضاً لم يقيِّد أداء العبادة في مكان محدد، بل جعل الأرض كلها مكانًا لذلك {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(البقرة:115) ولا يخفى أن الأمر في الشرائع السابقة لم يكن على ما جاء به القرآن .
أما في مجال المعاملات، فنقف على بعض الأمثلة التي توضح جديد القرآن:
- في محيط الأسرة نظرت التوراة إلى المرأة باعتبارها مصدر كل شر، أما الإسلام فقد رفع مكانة المرأة، ولم يفرق بينها وبين الرجل إلا في مواضع اقتضتها طبيعة الأشياء والأمور {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} (البقرة:228) .
- أما في السلم والحرب، فقد اعتبر القرآن السلام هو الأصل في الإسلام: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كافة..}(البقرة:208) وجعل الحرب ضرورة تقتضيها سَنَن العمران والدفع الحضاري من الخير للشر ومن الحق للباطل؛ هذا فضلاً عن آداب القتال التي شرعها الإسلام. وكل هذا لا نقف عليه في الشريعتين اليهودية والنصرانية .
- أما في شؤون المال والاقتصاد فقد كان الربا وما يزال قوام الاقتصاد بين أهل الكتاب...وكان المال وما زال عند أهل الكتاب المعبود والغاية التي يجب الوصول إليها بأية وسيلة كانت...في حين جاء الإسلام بتحريم كل تعامل ربوي، وآذن القرآن بحرب من الله لكل من يتعامل به...وبين الموقف الصحيح من المال، وأن الأصل فيه أنه لله، وأن الإنسان في هذه الحياة مستخلف عليه ومحاسب عليه، كسباً وإنفاقاً {وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فيه} (الحديد:7). والأمثلة على هذا أكثر من أن يحصرها مقال كهذا، وفيما ذكرنا غنية لما أردنا بيانه. والحمد لله الذي { لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى والأَخرة وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } (القصص:70) وصلى الله على خاتم المرسلين .(5/405)
================== ... ...
هل استعان الرسول بأحبار اليهود فيما أوحي إليه من القرآن ؟
من الشبه التي أُثيرت حول القرآن الكريم، شبهة تقول: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد استعان في كتابة القرآن الكريم ببعض أحبار اليهود ورهبان النصارى؛ وهذه
الشبهة ذات صلة وثيقة بشبهة كنا قد تحدثنا عنها في مقال سابق لنا، تقول: إن القرآن الكريم كان من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم، ولم يكن بوحي من الله سبحانه وتعالى. وقد بينا في ذاك المقال تهافت تلك
الشبهة، وأنها لا تقوم على سند عقلي ولا نقلي .
ونقول في الرد على هذه
الشبهة - موضوع مقالنا - إن محاولة إيجاد أي علاقة بين النص القرآني - وهو نص إلهي - والاستعانة بعناصر من أهل الكتاب، هو نوع من القول الخرافي والأسطوري، الذي يكذبه الواقع التاريخي والدليل العقلي .
وبيان ذلك، أن المشركين من أهل مكة - قد دأبوا على أن يجدوا أي صلة أو علاقة تدل على كذب رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما جاء به عن ربه؛ ولو صح لديهم أو شاع عندهم أنه صلى الله عليه وسلم كان يستعين ببعض أهل الكتاب لكانت تلك فرصتهم، وحجتهم القوية على أنه غير صادق فيما جاء به من الوحي. ومن الثابت تاريخياً أن اتهامات المشركين - بمن فيهم اليهود - لم يكن فيها أنه استعان بعناصر من أهل الكتاب، مع أن الفرصة أمام اليهود والنصارى كانت سانحة لهم ليوجهوا له مثل هذه الاتهام، أَمَا وإنهم لم يفعلوا ذلك - مع توافر الدواعي - دل على أن هذه المقولة كاذبة، ولا تمت إلى الحقيقة بصلة .
ثم على فرض أن هذا الإدعاء لم يكن أهل مكة يعرفونه، فمن المفروض أن مصدر الاستعانة - لو صح هذا - وهم أهل الكتاب كانوا موجودين زمن البعثة المحمدية، بدليل أن بعض وفود أهل الكتاب قد جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم ينقل إلينا التاريخ أن أحداً منهم أعلن أن محمداً أخذ عنهم أو استعان بهم .
بل أكثر من هذا وذاك، فإن الخلافات والنزاعات التي جرت بين اليهود ورسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هجرته إلى المدينة كانت دافعاً مغرياً لإعلان كذبه - حاشاه - فيما يدعيه، من أن الوحي يأتيه من السماء، وكان ثمة فرصة لإشاعة أنهم هم الذين علموه القرآن، أو على الأقل ساعدوه في تأليفه، وهذا ما لم يحدث، ولو حدث ذلك لتناقلته الأخبار، ولسارت بأمره الركبان .
وكما ذكرنا في غير هذا الموضع، من أن أسلوب الرجل يدل عليه، ويخبر عن صفاته وشمائله، وأن الشمائل والصفات التي عُرف بها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته وشبابه، لتدل دلالة قاطعة على كذب هذه الفرية...فهل يُعرف بالكذب من كان يُلَقب بالصادق الأمين، وهل يُعرف الكذب ممن كان مرجعًا للقبائل، فيما اختلفت فيه وتنازعت عليه، ثم لو كان صلى الله عليه وسلم كذاباً أو مفترياً أكانت تكون له هذه المكانة بين قومه، تلك المكانة التي أقر له الجميع بها. والحق الذي لا يقبل غيره هو أن شخصية اتصفت بتلك الصفات والشمائل لا يمكن لصاحبها أن يفتريَ على الناس الكذب، أو أن يدعيَ شيئًا لم يكن له .
وحاصل القول: إن هذه
الشبهة لا ينهض بها دليل عقلي، ولا يقوم بها سند تاريخي، بل هي من ساقط القول وباطله...وصدق الله إذ يقول على لسان نبيه: { أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ} (هود:35) نسأل الله أن يرد كيد الظالمين في نحورهم، وأن لا يجعل للكافرين على المؤمنين سبيلاً، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .
===========
الرد على شبهة السامري
كتبة الاخ : بلال 41
سوف أرد بعون الله تعالى وتوفيقه هنا على شبهة يسأل عنها النصارى ، وهي في الأصل مقتبسة من كتاب ( هل القرآن معصوم ) ...
ولنستعرض
الشبهة سوياً...
يقول المعترض :
جاء في سورة طه 20: 85-88 "قَالَ فَإِنَّا قَدْ فَتَنَّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَأَضَلَّهُمُ السَّامِرِيُّ فَرَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ يَا قَوْمِ أَلَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً أَفَطَالَ عَلَيْكُمُ العَهْدُ أَمْ أَرَدْتُمْ أَنْ يَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّكُمْ فَأَخَلَفْتُمْ مَوْعِدِي قَالُوا مَا أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا وَلَكِنَّا حُمِّلْنَا أَوْزَاراً مِنْ زِينَةِ القَوْمِ فَقَذَفْنَاهَا فَكَذَلِكَ أَلْقَى السَّامِرِيُّ فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَدا لهُ خُوَارٌ فَقَالُوا هذا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ".
وقالوا: السامرة مدينة في فلسطين لم يكن لها وجود لما خرج بنو إسرائيل من مصر وسافروا في سيناء، فعمل لهم هارون العجل الذهبي كطلبهم. فكيف نتخيل سامرياً يصنع لهم العجل قبل أن يكون للسامريين وجود؟
وللرد نقول وبالله تعالى نتأيد :(5/406)
قبل ألخوض في التفاصيل أنبه الى شيء ، وهو أن المعترض المسيحي ينصّب الكتاب المقدس حكماً على القرآن ، وهذا أمر مرفوض بتاتاً ، لأننا نحن المسلمين نؤمن ونقطع بتحريف الكتاب المقدس وتبديله ، وعلى ذلك لا نقبل أن يجعلوه حكما على القرآن الكريم ، ولا نسلم بصحة معلوماته التاريخية ، فكيف نقبل بكتاب نؤمن بتحريفه أن يكون حكماً على القرآن الكريم ؟؟؟؟
فهنا تكون
الشبهة ساقطة من أساسها ، وفي هذا كفاية ، فلسنا بعد ذلك بحاجة للرد إلا تطوعاً منّا وتكرماً ، وبالرغم من ذلك ، سوف نثبت لهم بإذن الله على فرض صحة كتابهم سقوط شبهتهم وبطلانها .
ولنبدأ في التفاصيل وسوف نفترض هنا أن معلومات الكتاب المقدس التاريخية صحيحة فنقول :
لقد بنى المعترض إعتراضه على أن اسم ( السامري مقتبس من مدينة تسمى ( السامرة ) ، وكذلك يرى المعترض أن السامرة هي أول شيء أطلق عليه سامرة ، وفي هذا خطأ جسيم ...
أولاً اسم السامرة ( شومرون بالعبري ) مشتق من سامر ( شامر بالعبرية الذي معناه الحارس ) ، والاسماء التي من أصل عبري مثل ( موسى ، يسوع ، سبت ، سامر ) ، يلفظها العبريون هكذا ( موشى ، يشوع ، شبت ، شامر ) ، ومعنى السامرة هو مركز الحارس ( أنظر قاموس الكتاب المقدس ) .
وبنيت هذه المدينة على جبل اسمه( جبل السامرة ) ، وهذا الجبل كان يمتلكه رجل اسمه شامر ، وفي أيام حكم الملك عمري ملك يهوذا ، إشترى الملكُ الجبل من شامر ، ثم بنى المدينة عليه ، ولهذا دعيت المدينة مدينة السامرة نسبة الى شامر الذي كان يمتلك الجبل الذي بنيت عليه ، إقرأ معي الملوك الاول ( 16 : 23 و 24 ) :
23 في السنة الواحدة والثلاثين لآسا ملك يهوذا ملك عمري على اسرائيل اثنتي عشرة سنة . ملك في ترصة ست سنين .
24 واشترى جبل السامرة من شامر بوزنتين من الفضة وبنى على الجبل ودعا اسم المدينة التي بناها باسم شامر صاحب الجبل السامرة .
فمن هنا نستخلص الآتي :
أن اسم السامرة لم يوجد لأول مرة زمن وجود المدينة ، بل كان هذا الاسم موجوداً قبلها وهو شامر ، وطالما أن هذا الاسم موجود قبل وجود المدينة ، فلا يمنع أن يكون هذا الاسم قديماً وأن يكون هناك قبل شامر صاحب الجبل بمئات السنين من تسمى بهذا الاسم ...
ويُحتمل أن يكون السامري الذي في القرآن يعود اسمه الى قبيلة أو عشيرة أو قرية دعيت باسم شامر ، لأن كما هو معلوم أن الكثير من القرى والمدن والقبائل و الشعوب دعيت بأسماء رجال أو نساء ، مثل الشعب الكنعاني نسبة الى كنعان بن حام بن نوح ، واليهود نسبة الى يهوذا بن يعقوب ، ومثل الشعب الاسرائيلي نسبة الى النبي اسرائيل أو يعقوب عليه السلام ، ومثل سبط اللاويين نسبة إلى لاوي بن يعقوب ، وومثل مدينة حنوك التي دعيت باسم حنوك بن قايين ( تكوين 4 : 17 ) وغيرها ...
فإذن نقول إنه من الجائز أن يكون هناك قبيلة أو عشيرة (1) أو قرية دعيت باسم شامر في زمن النبي موسى عليه السلام ، والسامري الذي في القرآن هو رجل من هذه القبيلة أو القرية ، فإذن سقط الاعتراض ولله الحمد .
هذا شيء ، وهناك شيء آخر ألا وهو القول إن الملك عمري هو أول من بنى مدينة السامرة أمر ليس مقطوعاً بصحته ، بل ذهب قاموس الكتاب المقدس الى إحتمال أن الملك عمري أصلح بناء المدينة ، وهذا ما يقوله القاموس :
السامرة:
اسم عبراني معناه (( مركز الحارس )).
( 1 ) عاصمة الأسباط العشرة أثناء أطول مدة في تاريخهم. وقد بُنيت المدينة أو أصلح بناؤها أيام عمري بن آخاب ملك إسرائيل ...
وقوله ( بنيت أو أصلح بناؤها ) يُفيد إحتمالاً وهو أن المدينة موجودة من قبل ، وربما كانت مهدمة أو قديمة فأعاد الملك عمري بناءها ...
والذي يدل على ان المدينة قديمة وموجودة قبل الملك عمري هذا النص في سفر الملوك الاول ( 13 : 32 ) :
لانه تماما سيتم الكلام الذي نادى به بكلام الرب نحو المذبح الذي في بيت ايل ونحو جميع بيوت المرتفعات التي في مدن السامرة .
وهذا الكلام ذكر قبل ثلاثة اصحاحات من ذكر بناء الملك عمري للمدينة ، فكيف يقول ( في مدن السامرة ) ولم تكن المدينة قد بنيت بعد ؟؟؟؟
فإما أن يقولوا إنّ هذا تحريف في الكتاب المقدس أو يُقروا أن المدينة موجودة قبل الملك عمري ولا يُعرف زمن بنائها ، ولا يستطيع أحد أن يحدد في هذا الاحتمال أن المدينة لم تكن موجودة في زمن موسى عليه السلام ولربما انها موجودة قبل موسى أيضاً وهذا ما لا يمكن الجزم به .
فإذن سقط الاعتراض من أساسه ، والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات .
وهذا الردّ النافع من أخي وحبيبي في الله الأستاذ eeww2000 ، وهو ردّ قاصم يقلع
الشبهة من جذورها ويقضي عليها إلى الأبد في منتدى آخر .
وأترككم مع نص كلامه حفظه الله في حواره مع أحد النصارى :(5/407)
نقول العهد القديم ينسب صناعة العجل الى هارون و القران ينسبه الى السامرى و تعجب معى ينسبوا الكفر الى نبى كبير من بنى اسرائيل و يصدقوا كاتب سفر الخروج على هزله و يكذبوا القران الذى يبرىء النبى هارون من هذه الفعلة الشنيعة .
قد تسال لماذا اقول على هزله لان كاتب السفر رغم انه ينسب هذه الفعلة الشنيعة الى هارون الا انه يجعله يفلت من العقاب تماما كما جعله يفلت من العقاب فى قصة زوجة موسى الكوشية .
و سبب اخر يجعلنى اقول ان كاتب هذا السفر يهزل تعامله مع الرب بطريقة هزلية كذلك انظر النص
الذى يخاطب فيه موسى الرب
ِرْجِعْ عَنْ حُمُوِّ غَضَبِكَ وَنْدَمْ عَلَى لشَّرِّ بِشَعْبِكَ.
موسى يراجع الرب فى غضبه و يطلب منه ان يندم
و الكارثة ان الرب ندم فعلا بعد كلام موسى الذى خلاصته محاولة اقناع الرب بالعفو عن عبدة العجل حتى لا يشمت فيه المصريين ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟.
ولماذا لا تتسال ما الذى يجعل القران اذا كان من عند غير الله بزعم بعض المتسرعيين بتبرئة النبى هارون لماذا يخالف القران التوراة التى ينقل منها و يضع الذنب كله على السامرى الذى سنعرف بعد قليل لماذا سمى بهذا الاسم .
تماما مثلما اهتم القران بحادثة التكلم فى المهد التى تبرىء السيدة مريم الصديقة و كتبة الاناجيل لم يهتموا الا بوضع نساء زانيات فى نسب المسيح عليه السلام .
القران يختصم اهل الملتين و لا سبب الا لانه وحده هو المهيمن و العليم بكل ما كان ...........
انتم تلقون الشبهات على امل الا يرد احد و لكن الله يشاء دائما غير ما ترجون و هو سبحانه غالب على امره و لكن اكثركم لا تعلمون ..............
عن السامرى تتحدث كيف ينسب السامرى الى مدينة جاءت بعده ب نصف قرن ؟؟؟؟؟؟؟.
اليك هذه المفاجأة و اذا كنت او غيرك لن ترد حاول ان تفكر بينك و بين نفسك فقط لعل الله يهديك الى الحق او على اقل تقدير تعترف فى النهاية ان الشبهات المذكورة فى هذا الموضوع سخيفة و متهافتة و لن تذكروها بعد اليوم ....
السامرى يا صديقى ليس نسبة الى السامرة البلدة التى هى شمرون بالعبرية و انما هى صفة على النسب الى شمرون بن يساكر بن يعقوب الذى ينسب اليه الشمرونيين عشيرة شمرون من سبط يساكر ابن يعقوب احد اسباط بنى اسرائيل الاثنى عشر .
السامرى الذى فى القران هو من صميم اسباط بنى اسرائيل فى التيه لا شان له بالسامريين الساكنين السامرة فى فلسطين لم يسمه القران بل نسبه الى بنى ابيه ......
البلدة اسمها شمرون و ابن يساكر اسمه شمرون
اذ تفاعلت مع الموضوع و سمعت منك اى رد ساكمل لاخبرك ان معنى السامرى التى هى شمرونى بالعبرية سيكون لا مساس المذكورة فى القران و لكن هذه الامور تحتاج الى جدية فى البحث بصراحة افتقدها فى هذا الموضوع .
بقيت بعض التوضيحات عن السين و الشين معروف ان السين هى التحويل العربى للشين العبرية
و هذا النص يثبت ما اقول
1 الملوك 16 ك 24
24 واشترى جبل السامرة من شامر بوزنتين من الفضة وبنى على الجبل ودعا اسم المدينة التي بناها باسم شامر صاحب الجبل السامرة.
رغم ان اسم صاحب الجبل شامر الا ان التسمية على اسمه اصبحت سامرة
و هذا النص عن شمرون الذى هو نفس اسم البلدة بالعبرية
العدد 26 : 24
Nm:26:24:
24 ولياشوب عشيرة الياشوبيين.ولشمرون عشيرة الشمرونيين. (SVD)
اذن الشمرونيين تصبح بنفس القاعدة السامريين و هو المطلوب اثباته
و لك كل الشكر و التحية
هل تعرف لماذا اشكرك لانك تحفزنى على البحث بصرف النظر عن الرد من عدمه و لاحظ ان هناك من يقرا و يفكر و ربما يصل الى الحق فى يوم من الايام
اشكرك مرة اخرى .....
و الحمد لله رب العالمين
... ============== ...
شبهه سورة النورين أو الولاية
بسم الله والصلاة السلام على رسول الله . . .
أما بعد ،،،
يدعي أعداء الاسلام من النصارى وغيرهم بوجود نقص في سور القرآن الكريم ويستدلون على ذلك بسورتين مكذوبتين اسموها سورتا الولاية والنورين ليس لهما وجود في القرآن الكريم وإليك نصهما :(5/408)
يا أيها الذين آمنوا أمنوا بالنورين أنزلناهما يتلوان عليكم آياتي ويحذرانكم عذاب يوم عظيم . نوران بعضهما من بعض وأنا السميع العليم . إن الذي يوفون ورسوله في آيات لهم جنات نعيم . والذين كفروا من بعد ما آمنوا بنقضهم ميثاقهم و ما عاهدهم الرسول عليه يقذفون في الجحيم . ظلموا أنفسهم وعصوا الوصي الرسول أولئك يسقون من حميم. إن الله الذي نور السموات والأرض بما شاء واصطفى من الملائكة وجعل من المؤمنين أولئك في خلقه. يفعل الله ما يشاء لا إله إلا هو الرحمن الرحيم. قد مكر الذين من قبلهم برسلهم فأخذهم بمكرهم إن أخذي شديد أليم. إن الله قد أهلك عادا وثمودا بما كسبوا وجعلهم لكم تذكرة فلا تتقون. وفرعون بما طغى على موسى وأخيه هارون أغرقته ومن تبعه أجمعين . ليكون لكم آيته وإن أكثركم فاسقون . إن الله يجمعهم في يوم الحشر فلا يستطيعون الجواب حين يسألون إن الجحيم مأواهم وإن الله عليم حكيم . يا أيها الرسول بلغ إنذاري فسوف يعلمون . قد خسر الذين كانوا عن آياتي وحكمي معرضون . مثل الذين يوفون بعهدك إني جزيتهم جنات النعيم . إن الله لذو مغفرة وأجرعظيم وإن عليا من المتقين . وإنا لنوفيه حقه يوم الدين . وما نحن عن ظلمه بغافلين. وكرمناه على أهلك أجمعين . فإنه وذريته لصابرون وإن عدوهم إمام المجرمين . قل للذين كفروا بعدما آمنوا أطلبتم زينة الحياة الدنيا واستعجلتم بها ونسيتم ما وعدكم الله رسوله ونقضتم العهود من بعد توكيدها وقد ضربنا لكم الأمثال لعلكم تهتدون . يا أيها الرسول قد أنزلنا إليك آيات بينات فيها من يتوفاه مؤمنا ومن يتولاه من بعدك يظهرون . فأعرض عنهم إنهم معرضون . إنا لهم محضرون . في يوم لا يغني عنهم شيئا ولا هم يرحمون . إن لهم في جهنم مقاما عنه لا يعدلون . فسبح باسم ربك وكن من الساجدين . ولقد أرسلنا موسى وهارون بما استخلف فبغوا هارون فصبر جميل . فجعلنا منهم القردة والخنازير ولعناهم إلى يوم يبعثون . فاصبر فسوف يبصرون .ولقد آتينا بك الحكم كالذين من قبلك من المرسلين . وجعلنا لك منهم وصيا لعلهم يرجعون . ومن يتولى عن أمري فإني مرجعة فليتمتعوا بكفرهم قليلا فلا تسأل عن الناكثين. يا أيها الرسول قد جعلنا لكم في أعناق الذين آمنوا عهدا فخذ وكن من الشاكرين . إن عليا قانتا بالليل ساجدا يحذر الآخرة ويرجو ثواب ربه . قل هل يستوي الذين ظلموا وهم بعذابي يعلمون . سيجعل الأغلال في أعناقهم وهم على أعمالهم يندمون . إنا بشرناك بذريته الصالحين . وإنهم لأمرنا لا يخلفون فعليهم مني صلوات ورحمة أحياء وأمواتا ويوم يبعثون . وعلى الذين يبغون عليهم من بعدك غضبي إنهم قوم سوء خاسرين . وعلي الذين سلكوا مسلكهم مني رحمة وهم في الفرقان آمنون والحمد لله رب العالمين.
يا أيها الذين آمنوا آمنوا بالنبي والولي اللذيّن بعثناهما يهديانكم إلى الصراط المستقيم. نبي وولي بعضهما من بعض وأنا العليم الخبير. إن الذين يوفون بعهد الله لهم جنات النعيم. والذين إذا تليت عليهم آياتنا كانوا بآياتنا مكذبون. إن لهم في جهنم مقاماً عظيماً إذا نودي لهم يوم القيامة: أين الظالمون المكذبون للمرسلين. ما خلفتهم المرسلين إلا عني وما كان الله ليظهرهم إلى أجل قريب وسبح بحمد ربك، وعليّ من الشاهدين". تعالى الله عما يقولون ويفترون.
الجواب :
اعلموا رحمكم الله ان هذه النصوص هي من النصوص التي لا يملك صاحبها غير مجرد الدعوى أنها من القرآن الكريم ، ولايقدر أن يذكر ذلك بإسناد واحد ولو كان ضعيفاً ، نكرر : لا يقدر أن يذكر ذلك باسناد واحد ولو كان ضعيفاً ، وإنما افتراها مفتر ٍفنسبها إلى أنها مما أسقطه الصحابة من القرآن ، فتبعه أصحاب الضلالة من بعده من أشياعه على كذبه وإفكه لأنهم حسبوا فيه نصر ما ينتمون إليه . وإلا فهل يستطيعوا أن يأتوا باسناد واحد لهذه النصوص المسماه بسورة الولاية ؟؟ كلا ثم كلا . . . ومعلوم أن السند هو سلسلة الرواة الذين نقلوا الحديث واحداً عن الآخر حتى يبلغوا به إلى قائله. قال ابن المبارك : الإسناد عندي من الدين،. لولا الإسناد لذهب الدين ولقال من شاء ما شاء.
وصدق الله العظيم إذ يقول : (( إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ ))
ونرجو ملاحظة التخبط الحاصل في هذه النصوص المكذوبة وركاكتها وسخافة ما خلقوه وحبكوه أعداء الأسلام وقد قال أحد المحققين تعليقاً على هذه النصوص المكذوبة : " أنها ليست تضاهي شيئاً من القرآن الحكيم المنزل إعجازاً على قلب سيد المرسلين ، إذ من المقطوع به أن كل أحد يمكنه تلفيق هكذا ألفاظ و كلمات لا رابط بينها و لا انسجام فضلاً عن المعنى الصحيح ، و قد قال تعالى بشأن القرآن العزيز : (( قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ))(5/409)
(( وانه لَكِتَابٌ عَزِيزٌ لاَّ يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلاَ مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ ))
هذا ومما يثبت أيضاً كذب هذه النصوص وتلفيقها وانها ليست من القرآن الكريم في شىء هو وجود النص التالي فيها :
إن الله لذو مغفرة وأجرعظيم وإن عليا من المتقين . وإنا لنوفيه حقه يوم الدين . وما نحن عن ظلمه بغافلين.
فمن الواضح ان النص يتحدث عن الظلم المزعوم اللي حدث لسيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه - أي بعد وفاة النبي وانقطاع الوحي . وبما أن القرآن نزل واُتِم إنزاله على سيدنا محمد قبل وقوع هذا الظلم المزعوم فهذا يعني بطلان كونها من القرآن الذي اكتمل نزوله قبل وفاة النبي صلى الله عليه وسلم .
===================== ... ...
الرد على شبهة المحلل في الإسلام
سؤال : جاء في سورة البقرة 2: 230 فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ .
وفسرها البيضاوي بقوله: قالت امرأة رفاعة لرسول الله: إن رفاعة طلقني فبتَّ طلاقي، وإن عبد الرحمن بن الزبير تزوجني، وإن ما معه مثل هدبة الثوب. فقال رسول الله: أتريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ قالت: نعم. قال: لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك .
وكثيراً ما تكون امرأة لها زوج عظيم وأولاد وبنات هم سادة مجتمعهم، وفي حالة غضبٍ يطلّقها زوجها، ثم يندم على ما فعل. فإذا الشرع القرآني يُلزم هذه السيدة أن تُجامع غير زوجها قبل أن تعود إليه.
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وبعد : ـ
لقد اباح الاسلام الطلاق ، وأن الرجل إذا طلق زوجته ، ثلاث طلقات ، حرمت عليه ، ثم إذا تزوجت رجلا آخر ـ بغير اتفاق مع الأول ـ وطلقها الآخر ، وأحبت أن ترجع إلى الأول ، جاز لها ذلك .
ومعلوم أن هذا النصراني يجهل أن المقصود بقول النبي صلى الله عليه وسلم ( لا حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك ) دخول الزوج على زوجته ، أي لا يحل لك أن ترجعي إلى الأول ، حتى يحصل الدخول بينك ويين الثاني ، ثم يطلقك هذا الثاني ، طلاقا شرعيا ، فإن أردت الرجوع إلى الأول جاز لك ذلك .
أو ربما تجاهل وهو يعلم ، ليفترى على دين الإسلام ، فقال : ( فإذاً الشرع القرآني يُلزم هذه السيدة أن تُجامع غير زوجها قبل أن تعود إليه) ، ليوهم أن المقصود تجامع غير زوجها بالحرام ، بينما الحديث في ذكر دخول الزوج الثاني على زوجته ، لتحل لزوجها الأول ، ليس فيه ذكر أن تجامع غير زوجها بالحرام !!
ومعلوم أنه باتفاق العلماء أن زواجها من الثاني يكون باطلا إن كان باتفاق مسبق مع الأول ، لكي يحلل لها الرجوع إلى الأول ، وفي الحديث الصحيح ( لعن الله المحلل والمحلل له ) رواه أحمد والنسائي وأبوداود والترمذي من حديث علي رضي الله عنه ، أي الذي يتزوج المرأة باتفاق معها أو مع زوجها الأول ، ثم يطلقها لتحل للأول فقط .
وأما إن طلق الرجل زوجته ثلاث طلقات ، ثم تزوجت رجلا آخر ، ثم طلقها بعد الدخول بها من قصد تحليلها للأول، جاز لها أن ترجع إلى الأول بزواج جديد وعقد جديد .
كما أنه من المعلوم أن طلاق الغضبان لا يقع ، لحديث ( لاطلاق في إغلاق ) رواه أحمد وأبو داود من حديث عائشة رضي الله عنها ، والإغلاق هو الغضب الشديد ، فقول النصراني (وكثيراً ما تكون امرأة لها زوج عظيم وأولاد وبنات هم سادة مجتمعهم، وفي حالة غضبٍ يطلّقها زوجها، ثم يندم على ما فعل ) جهل بشريعة الإسلام التي تجعل الطلاق حال الغضب غير واقع .
كما أن إباحة الطلاق ، من محاسن الإسلام ، ذلك أن الزواج قد لايمكن استمراره لسبب من الأسباب ، وتصبح العشرة بين الزوجين متعذرة ، وفيها مضرة كبيرة على الزوجين ، فيكون الزوج أو الزوجة بين خيارين :
أحدهما أن يتخذ الزوج عشيقة أو الزوجة عشيقا مع بقاء عقد النكاح إذا كان الطلاق لا يصح ، ومن فعل هذا فقد أغضب الله تعالى .
الثاني : أن يفترقا ، ويرى كل سبيله ، كما قال تعالى ( وإن يتفرقا يغن الله كلا من سعته ) ، وهو الطلاق الشرعي .
ولاريب أن التفرق في هذه الحالة هو الخيار الصحيح الذي يقره العقل والمنطق ، ولما كانت النصارى في سابق عهدها لا تبيح الطلاق، فقد وقع عليهم حرج عظيم بسبب ذلك ، اضطرهم أن يُقروا الانفصال بين الزوجين ، فيأخذوا بما أقرته شريعة الإسلام
قال الله تعالى : (( الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان، ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئاً إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله فإن خفتم الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به، تلك حدود الله فلا تعتدوها ومن يتعد حدود الله فأولئك هم الظالمون*فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره )).(5/410)
وهذا يفهم منه أن للرجل إذا طلق امرأته أن يراجعها ما دامت في عدتها، فإن طلقها الثانية فله أن يراجعها كذلك، فإن طلقها الثالثة فليس له عليها سبيل حتى تنكح زوجا غيره، فإن طلقها الزوج الثاني وخرجت من عدتها فللزوج الأول أن يتزوجها.
وهذا إبطال لما كان يفعل في الجاهلية، فقد كان للرجل أن يطلق امرأته، فإذا قاربت العدة راجعها، ثم يطلقها، ثم يراجعها، وهكذا حتى تكون كالمعلقة، لا هي ذات زوج فتسكن إليه، ولا هي مسرحة حتى تحل للأزواج، فأبطل الله ذلك، وأبان أن ليس للرجل أن يفعل ذلك إلا مرتين فإن طلقها الثالثه فلا تعود له إلا بعد أن تتزوج غيره، فإن طلقها الثاني حلت للأول، وهذا التشريع فيه رحمة بالمرأة، وإزالة لعنت الأزواج.
وهذا فيه قطع طمع الرجل فيها، إذ شرط في حلها له أن تبعد عنه فتكون ذات زوج، وربما أمسكها طول حياته فلا ينالها أبدا، فيكون ذلك أدعى لأن يتروي في الطلاق فلا يسرف فيه ولا يبذر.
قال الله تعالى في حق المطلقة ثلاثا : (( فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجاً غيره )) أي حتى تنكح زوجاً غيره نكاح رغبة، نكاحاً معتاداً، يراد للدوام والاستمرار، لا نكاحاً صوريا ليس فيه من النكاح إلا صورته، فأما معناه وحقيقته من سكون كل منهما إلى الآخر، ومن التواد والتراحم والتحاب فليس منها في قليل ولا كثير، ويدل على ذلك أن من مقاصد الشرع أن يصون المرأة ولا يعرضها على كثير، فليس في عرضها ما يصلح أن يكون غرضا.
وإنما أراد الشارع أن يخيف المطلق، فهو يقول : تأن في الطلاق، فإذا بلغت الطلقة الثالثة لم تحل لك لا في حال عزوبتها ولا في حال زواجها، لأنها ذات زوج، وذات الزوج لا تحل، ولا تحل لك إلا إذا فارقها زوجها، وهذا نادر وقليل الوقوع، فإذا كنت متعلقا بها فلا تخاطر بطلاقها، وكما يدل النظر العقلي على بطلان عقد نكاح التحليل وفساده جاءت النصوص عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والصحابة والتابعين ببما يدل على تحريمه:
(1) ورد عن ابن مسعود(رضي الله عنه) أنه قال : (( لعن رسول الله المحلل والمحلل له )) رواه الإمام أحمد في مسنده، والنسائى في سننه، والترمذي في جامعه.
ولما روي الترمذي عن ابن مسعود (( لعن المحلل )) صحح الحديث ثم قال: والعمل عليه عند أهل العلم من أصحاب النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)، منهم: عمر ابن الخطاب، وعثمان بن عفان، وعبدالله بن عمر، وهو قول الفقهاء من التابعين.
(2) عن عقبة بن عامر أنه قال: قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : (( ألا أخبركم بالتيس المستعار؟ قالوا بلى يارسول الله، قال هو المحلل، لعن الله المحلل والمحلل له )) رواه ابن ماجه في سننه.
(3) روي عمرو بن نافع عن أبيه قال: جاء رجل إلى ابن عمر فسأله عن رجل طلق امرأته ثلاثا، فتزوجها أخ له من غير مؤامرة بينهما ليحلها لأخيه، هل تحل للأول؟ قال لا، إلا نكاح رغبة. كنا نعد هذا سفاحا على عهد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم). رواه الحاكم في صحيحه.
(4) قال عمر بن الخطاب(رضي الله عنه): لا أوتي بمحلل ولا محلل له إلا رجمتها.
أرأيتم أن الشريعة الإسلامية كانت أشد إنكاراً لما أنكرتموه، وأشد استهجانا لما استهجنتموه، فسمت الحلل تيساً مستعارا، وهذا فيه من التقبيح والاتسهجان ما فيه، ولعنته، وهل يلعن الله ورسوله من يفعل مستحبا أو جائزا أو مكروهاً أو صغيراً، أو لعنته مختصة يمن أرتكب كبيرة أو ما هو أعظم منها، كما قال ابن عباس، كل ذنب ختم بلعنة أو غضب أو عذاب أو نار فهو كبيرة.
===============
شبهه هل يقول الله: إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين؟
سؤال : يقول المسلمون إنّ القرآن هو كلام الله ، نزَّله على محمد. فهل يقول الله: إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين؟ وهل يطلب الله من نفسه، ولنفسه، أن يهتدي للصراط المستقيم؟ ولمن يوجّه الله هذا الدعاء؟
الجواب :
الحمد لله ،
أولاً : من الواضح جداً أن السائل لا يعرف أساليب اللغة العربية، ولا طرائق البلغاء في الكلام، ولا منهجهم في البيان، ومن الواضح أيضاً أن السائل ليس له أدنى معرفة بمقاصد وتوجيهات القرآن الكريم الذي نزل بلغة العرب .
ثانياً : أن القرآن كتاب تعليم وتوجيه فقد جاء ليعلم المسلمين ماذا يقولون في صلاتهم ، وبماذا يدعون ربهم فقد أنزل الله سورة (الفاتحة) لتكون دعاءاً وصلاة للمسلمين يتلونها في كل ركعة وفيها : {الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين} وهذا كلام الله عن نفسه سبحانه يصف نفسه بهذه الصفات الجليلة العظيمة ثم يعلم المسلمين أن يقولوا في صلاتهم ودعائهم هذا {إياك نعبد، وإياك نستعين، اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم، غير المغضوب عليهم، ولا الضالين}.(5/411)
فهذه السورة تعليم وتوجيه من الرب سبحانه وتعالى لعباده المؤمنين ليصلوا ويدعوا بها في كل ركعة من ركعات صلاتهم.. وفي هذه السورة من البلاغة والإعجاز والمعاني ما لا تسعه هذه الرسالة الموجزة. ولو أن عالماً بالعربية تدبرها كفته إعجازاً وشهادةً أن هذا القرآن منزل من الله سبحانه وتعالى وليس من كلام بشر.
والخلاصة من هذا السؤال أن صاحبه إنما أتى به من كونه لا يعلم العربية ولا أساليب البيان والفصاحة علماً بأن هناك لون من ألوان التعبير يسمى بـ (الإلتفاف) أي التحول من الغيبة إلى الخطاب، ومن الخطاب إلى الغيبة، لمقاصد كثيرة كتخفيف العتاب، أو توجيه النظر إلى البعيد أو استحضار المشهد، أو التعظيم، أو التحقير ونحو ذلك من مقاصد البلغاء. فعلى السائل أن يرجع الي اساليب اللغة العربية وطرائق البلغاء في الكلام
================
الله أحسن الخالقين
تقول الشبهة : إن قولة تعالى الله أحسن الخالقين هو إفادة بأن هناك خالقين يشاركونه في الأمر
ورد الأخ المستحيل
يستبشع الأستاذ نبيل- نصراني كان يحاور الأخ - كلمة أحسن الخالقين في القرآن و يتعجب كيف نقول أن الله أحسن الخالقين ! هل هناك خالقين آخرين ؟!! لذا رأينا أن نعطيه درسًا قصيرًا في اللغة ليعرف قدره و مكانته أمام كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من أمامه و لا من خلفه . يقول الأزهري : " وأَصل الخلق التقدير، فهو باعْتبار تقدير ما منه وجُودُها وبالاعتبار للإِيجادِ على وَفْقِ التقدير خالقٌ .
والخَلْقُ في كلام العرب : ابتِداع الشيء على مِثال لم يُسبق إِليه : وكل شيء خلَقه الله فهو مُبْتَدِئه على غير مثال سُبق إِليه : أَلا له الخَلق والأَمر تبارك الله أَحسن الخالقين " (لسان العرب لابن منظور مادة خ-ل-ق)
و يقول أبو بكر الأنباري : " الخلق في كلام العرب على وجهين: أَحدهما الإِنْشاء على مثال أَبْدعَه، والآخر التقدير؛ وقال في قوله تعالى: فتبارك الله أَحسنُ الخالقين، معناه أَحسن المُقدِّرين؛ وكذلك قوله تعالى: وتَخْلقُون إِفْكاً؛ أَي تُقدِّرون كذباً .
وقوله تعالى: أَنِّي أَخْلُق لكم من الطين خَلْقه؛ تقديره، ولم يرد أَنه يُحدِث معدوماً " (المصدر السابق)
و معنى هذا الكلام أن الخلق عادة يعني صنع الشئ و تحويله من صورة إلى صورة أخرى لذا نسمى الإبداعات النادرة أعمال خلاقة لروعة تقديرها و مهارة خالقها أي صانعها ، أما الخلق بمعنى الإيجاد من العدم فينفرد به الله لذا كان هو أحسن الخالقين أي الذي لا يخلق على منواله أحدٌ أبدًا .
-----------------
إزالة شبهة حول قول الله ( فتبارك الله أحسن الخالقين)
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420 / 01-06-1999 السؤال
يقول عز وجل في سورة المؤمنون (فتبارك الله أحسن الخالقين) فهل يعني هذا أن هناك إلهاً آخر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فقد ذكر المفسرون أوجهاً في قوله تعالى ( فتبارك الله أحسن الخالقين )[ المؤمنون : 14] أهمها :
الأول : أن الخلق هنا بمعنى الصنع ، فالمعنى: تبارك الله أتقن الصانعين.
وهذا جار على لغة العرب، ومنه قول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ ض القوم يخلق ثم لا يفري .
الثاني : أن الخلق بمعنى التقدير ، فإنه سبحانه هو أحسن المقدرين جل وعلا .
الثالث: أن المعنى : أن الله تعالى هو أحسن الخالقين في اعتقادكم وظنكم .
الرابع : وهو أحسنها : أننا نثبت للمخلوق خلقاً، لكنه ليس كخلق الله تعالى. فخلق الله جل وعلا إيجاد من العدم.
وخلق المخلوق لا يكون إلا بالتغيير والتحويل والتصرف في شيء خلقه الله تعالى .
ومن ذلك ما جاء في الصحيحين أنه يقال للمصورين يوم القيامة " أحيوا ما خلقتم " ومعلوم أن المصور لم يوجد شيئاً من العدم
إنما حول الطين، أو الحجر إلى صورة إنسان أو طير ، وحول بالتلوين الرقعة البيضاء إلى ملونة، والطين والحجر والمواد والورق كلهم من خلق الله تعالى .
وأيضا : فالعبد لا يمكنه فعل شيء إلا عند وجود الإرادة الجازمة والقدرة التامة، والإرادة والقدرة كلتاهما مخلوقتان لله عز وجل، وخالق السبب التام خالق للمسبَّب. ولهذا كان من اعتقاد أهل السنة والجماعة أن الله تعالى خالق للعباد وأفعالهم، كما قال ربنا (والله خلقكم وما تعملون ) [الصافات: 96] .
والحاصل أن الخلق الذي هو الإيجاد من العدم صفة يختص بها الله تعالى، كما قال ( أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون )[ النحل: 17] وقال تعالى ( هل من خالق غير الله يرزقكم من السماء والأرض لا إله إلا هو) [فاطر: 3 ] . والله أعلم
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
----------
تفسير قوله تعالى "تبارك الله أحسن الخالقين"
تاريخ الفتوى : 01 صفر 1425 السؤال
بسم الله الرحمن الحيم و الصلاة والسلام على رسول الله ما معنى قوله تعالى < تبارك الله أحسن الخالقين>و ما المقصود بـ <الخالقين>
الفتوى(5/412)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد قال الإمام القرطبي في تفسيره لهذه الآية: وقوله تبارك: تفاعل من البركة، أحسن الخالقين: أتقن الصانعين، يقال لمن صنع شيئاً خلقه، ومنه قول الشاعر:
ولأنت تفري ما خلقت وبعـ*ـض الناس يخلق ثم لا يفري
وذهب بعض الناس إلى نفي هذه اللفظة عن الناس، وإنما يضاف الخلق إلى الله تعالى، وقال ابن جريج: إنما قال: أحسن الخالقين لأنه تعالى أذن لعيسى عليه السلام أن يخلق، واضطرب بعضهم في ذلك، ولا تُنفى اللفظة عن البشر في معنى الصنع، وإنما هي منفية بمعنى الاختراع والإيجاد من العدم. انتهى.
وقال الشوكاني في فتح القدير: فتبارك الله أحسن الخالقين: أي استحق التعظيم والثناء، وقيل مأخوذ من البركة أي كثر خيره وبركته، والخلق في اللغة التقدير، يقال خلقت الأديم إذا قسته لتقطع منه شيئاً، فمعنى أحسن الخالقين أتقن الصانعين المقدرين. انتهى.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=============== ... ...
فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ ، الجَوَارِ الكُنَّسِ
كتب : السيف البتار
يدعي بعض الجهلة المضللين أن المقصود بهاتين الآيتين أن الله عز وجل يقسم بالبقر الوحشي ، علماً بأن كل لغة لها معاني مفردات ... فمثال لذلك
وبالرجوع إلى قاموس الياس
اللغة الإنجليزية :
كوكب المريخ أو الاهُ حربِ :Mars
ملَف اسطواني أو دَرْج أو قائمة أو رَغيف أو دَحْرجة :Roll
اللغة الفرنسية : مكان استخراج الأحجار أو مهنة : carrière
وهذا يوضح أن اللغة العربية ليست لغة شاذة عن لغات العالم
فكل لغة لها معاني مفردات ولهذا توصل العلم إلى أهمية وجود قواميس للغة أمر من الأمور الهامة للثقافات علماً بأن كثير من الكلمات تحمل معاني عدة .
فلو نظرنا للنصارى نجدهم ينصرفوا عن معجم الوجيز أو ما شابهه للتعرف على ادعاءات قساوسهم بالكذب على القرآن كنوع من أنواع التدبر
بسم الله الرحمن الرحيم
اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِّنْ دُونِ اللَّهِ
فكما حدث معي من إحدى النصارى عندما ذكرت له أن سفر ارميا يذكر { حرفتم كلام الرب } وأن كلمة ((حرف الكلام)) معناها بالقاموس : غيره وصرفه عن معاني ... وأنه لا يوجد أكثر من ذلك معنى يثبت أن الكتاب المقدس مُحرف ... فقال لي : لا .. ارجع لتفسير هذه الفقرة لأن أصل لغة الكتاب المقدس ليست العربية
مصيبة بل مُصيبتين بل ثلاث بل أكثر ... لأنه بذلك أقر بوقوع خطأ في الترجمة .. وما وقع في القليل وقع بالكثير ... وطالما وقع الخطأ ظهر التحريف ... فهل يوجد معنى آخر للتحريف غير هذا ؟!
ونجد كلمة الخُنَّسِ
خَنِسَ – خَنَساً : انخفضت قصبة أنفِه مع ارتفاع قليل في َطرَف الأنف
خَنِسَ القدم : انبسط أخْمَصُها
للرجل : أخْنَسُ
للنساء : خنْسَاءُ ..... جمعها خُنْس
الخَنْسَاءُ : البقرة الوحشية
الخُنَّسِ : الكواكب كلها
وخنوسُها : استخفاؤها نهاراً
وبهذا يظهر لنا أن كلمة الخُنَّسِ لها عدة معاني كما هو ظاهر في عدة كلمات أجنبية أخرى
ولكن الحقد والكراهية والغيرة من قوة الإسلام وعظمته جعلتهم يتشككوا في معاني كلمات القرآن لدرجة الجهل والغباء
كَنَسَ : الظَّبْيُ – كَنْسًا: دخل كِناسَهُ
للنجوم : كُنُوساً : استمرت في مسارها ثم انصرفت راجعة ً .. فهي كانِسة ،(جمعها : كُنٌَّس
والجواري الكُنَّس : الكواكب السَّيَّارة
وللمكان – كَنْسًا : نَحَّي عنه القًمامة
وهكذا وضح لأعمى القلب والبصر أن لكل كلمة عدة معاني فالأمانة في النقل مطلوبة ولكن .... السارق يعتقد أن كل الناس مثله ، والغشاش يعتقد كذلك ايضاً
ولنقدم للسادة النصارى مثال صغير لكي يثبتوا أنهم أحق منا
ما هو الفرق بين : مَنْ ، مِنْ ، مَنَّ
وما معنى كلمة : دون
ولو وصل بنا المستوى إلى هذا الانحطاط فما أكثر الكلمات بالكتاب المقدس التي تحمل المعاني والتي يثار حولها الجدل ومنها
يوحنا
14: 26 و اما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء و يذكركم بكل ما قلته لكم
فهل تعرف ما هو معنى كلمة معزي : هو واحدة المَعْز .... بمعنى ان اليسوع سيطلب من الأب أن يرسل للنصارى حيوان لهم
فنسألهم : من المفروض أن هذا الرب السيوع صادق : فهذا الحيوان بينكم الآن ، فهل نقصت الحيوانات من الدنيا ليرسل لكم الرب اليسوع حيوان آخر .... أهذا هو روح الحق ؟ هل روح الحق أصبحت من عالم الحيوانات ؟
فأعتذر لهذا الأسلوب ولكن علينا أن نتبع قول :
خاطبوا الناس على قدر عقولهم
وها هو موقع يوضح أمر فاضغط على الخبر
فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ ، الجَوَارِ الكُنَّسِ
واضاف الدكتور هشام عزمي
من تفسير الطبري للآية :(5/413)
وقوله: فَلا أُقْسِمُ بالخُنّسِ الجَوَارِ الكُنّسِ. اختلف أهل التأويل في الخُنّس الجوار الكُنّس. فقال بعضهم: هي النجوم الدراريّ الخمسة, تخنِس في مجراها فترجع, وتكنس فتستتر في بيوتها, كما تكنِس الظباء في المغار, والنجوم الخمسة: بَهْرام, وزُحَل, وعُطارد, والزّهَرَة, والمُشْتَري. ذكر من قال ذلك:
28211ـ حدثنا هناد, قال: حدثنا أبو الأحوص, عن سماك, عن خالد بن عُرْعُرة, أن رجلاً قام إلى عليّ رضي الله عنه, فقال: ما الجَوَارِ الْكُنّسِ؟ قال: هي الكواكب.
28212ـ حدثنا ابن المثنى, قال: حدثنا محمد بن حعفر, قال: حدثنا شعبة, عن سِماك بن حرب, قال: سمعت خالد بن عُرْعُرة, قال: سمعت عليا عليه السلام, وسُئل عن لا أُقْسِمُ بالخُنّسِ الجَوَارِ الْكُنّسِ قال: هي النجوم تخنس بالنهار, وتكنِس بالليل.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سماك, عن خالد بن عرعرة, عن عليّ رضي الله عنه, قال: النجوم.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن رجل من مُراد, عن عليّ: أنه قال: هل تدرون ما الخنس؟ هي النجوم تجري بالليل, وتخنس بالنهار.
28213ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني جرير بن حازم, أنه سمع الحسن يُسْأل, فقيل: يا أبا سعيد ما الجواري الْكُنّس؟ قال: النجوم.
28214ـ حدثنا محمد بن بشار, قال: حدثنا هوذة بن خليفة, قال: حدثنا عوف, عن بكر بن عبد الله, في قوله: فَلا أُقْسِمُ بالخُنّس الجَوَارِ الْكُنّسِ قال: هي النجوم الدراريّ, التي تجري تستقبل المشرق.
28215ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن مجاهد, قال: هي النجوم.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن رجل من مراد, عن عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه فَلا أُقْسِمُ بالخُنّسِ الجِوَارِ الْكُنّسِ قال: يعني النجوم, تكنس بالنهار, وتبدو بالليل.
28216ـ حدثنا بشر, قال: حدثنا يزيد, قال: حدثنا سعيد, عن قتادة, قوله: فَلا أُقْسِمُ بالخُنّسِ الجِوَارِ الْكُنّسِ قال: هي النجوم تبدو بالليل وتخنس بالنهار.
28217ـ حدثنا ابن عبد الأعلى, قال: حدثنا ابن ثور, عن معمر, عن الحسن, في قوله فَلا أُقْسِمُ بالخُنّسِ الجَوَارِ الْكُنّسِ قال: هي النجوم تخنس بالنهار, والجوار الكنس: سيرهنّ إذا غبن.
28218ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال ابن زيد, في قوله: الخُنّسِ الجَوَارِ الكُنّسِ قال: الخنس والجواري الكنس: النجوم الخنس, إنها تخنِس تتأخر عن مطلعها, هي تتأخر كلّ عام لها في كلّ عام تأخر عن تعجيل ذلك الطلوع تخنس عنه. والكنس: تكنس بالنهار فلا تُرَى. قال: والجواري تجري بعد, فهذا الخنس الجواري الكنس.
وقال آخرون: هي بقر الوحش التي تكنس في كناسها. ذكر من قال ذلك:
28219ـ حدثنا الحسن بن عرفة, قال: حدثنا هشيم بن بشير, عن زكريا بن أبي زائدة, عن أبي إسحاق السّبيعيّ, عن أبي ميسرة, عن عبد الله بن مسعود أنه قال لأبي ميسرة: ما الجواري الكنس؟ قال: فقال بقر الوحش قال: فقال: وأنا أرى ذلك.
حدثنا ابن بشار, قال: حدثنا يحيى, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي ميسرة, عن عبد الله, في قوله الجِوَارِي الْكُنّسِ: قال: بقر الوحش.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن عمرو ابن شرحبيل, قال: قال ابن مسعود: يا عمرو ما الجواري الكنس, أو ما تراها؟ قال عمرو: أراها البقر, قال عبد الله: وأنا أراها البقر.
حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا وكيع, عن سفيان, عن أبي إسحاق, عن أبي ميسرة, قال: سألت عنها عبد الله, فذكر نحوه.
28220ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: ثني جرير بن حازم, قال: ثني الحجاج بن المنذر, قال: سألت أبا الشّعثاء جابر بن زيد, عن الجواري الكنس, قال: هي البقر إذا كَنَست كوانسها.
قال يونس: قال لي عبد الله بن وهب: هي البقر إذا فرّت من الذئاب, فذلك الذي أراد بقوله: كنست كوانسها.
28221ـ حدثني يونس, قال: أخبرنا ابن وهب, قال: قال جرير, وحدثني الصلت بن راشد, عن مجاهد مثل ذلك.
28222ـ حدثني أبو السائب, قال: حدثنا أبو معاوية, عن الأعمش, عن إبراهيم, في قوله: الجَوَارِ الكُنّسِ قال: هي بقر الوحش.
28223ـ حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا جرير, عن مغيرة, قال: سُئل مجاهد ونحن عند إبراهيم, عن قوله الجَوَارِ الْكُنّسِ قال: لا أدري, فانتهره إبراهيم وقال: لِمَ لا تدري؟ فقال: إنهم يروُون عن عليّ رضي الله عنه, وكنا نسمع أنها البقر, فقال إبراهيم: هي البقر. الجواري الكنس: جِحَرة بقر الوحش التي تأوي إليها, والخنس الجواري: البقر.(5/414)
28224ـ حدثنا يعقوب, قال: حدثنا هشيم, قال: أخبرنا مغيرة, عن إبراهيم ومجاهد أنهما تذاكرا هذه الاَية فَلا أُقْسِمُ بالخُنّسِ الجَوَارِ الْكُنّسِ فقال إبراهيم لمجاهد: قل فيها ما سمعت, قال: فقال مجاهد: كنا نسمع فيها شيئا, وناس يقولون: إنها النجوم قال: فقال إبراهيم: إنهم يكذبون على عليّ رضي الله عنه, هذا كما رَوَوا عن عليّ رضي الله عنه, أنه ضمن الأسفل الأعلى, والأعلى الأسفل.
حدثنا ابن حميد, قال: حدثنا مهران,عن سفيان, عن المغيرة, قال: سُئل مجاهد عن الجواري الكنس قال: لا أدري, يزعمون أنها البقر قال: فقال إبراهيم: ما لا تدري هي البقر قال: يذكرون عن عليّ رضي الله عنه أنها النجوم, قال: يكذبون على عليّ عليه السلام.
وقال آخرون: هي الظباء. ذكر من قال ذلك:
28225ـ حدثني محمد بن سعد, قال: ثني أبي, قال: ثني عمي, قال: ثني أبي, عن أبيه, عن ابن عباس, في قوله: فَلا أُقْسِمُ بالخُنّسِ الجَوَارِ الْكُنّسِ يعني: الظباء.
28226ـ حدثنا أبو كريب, قال: حدثنا ابن يمان, عن أشعث بن إسحاق, عن جعفر, عن سعيد بن جُبَير فَلا أُقْسِمُ بالخُنّسِ قال: الظباء.
28227ـ حدثني يعقوب, قال: حدثنا ابن علية, قال: حدثنا ابن أبي نجيح, عن مجاهد, في قوله: فَلا أُقْسِمُ بالخُنّسِ الجَوَارِ الْكُنّسِ قال: كنا نقول: «أظنه قال»: الظباء, حتى زعم سعيد بن جُبير أنه سأل ابن عباس عنها, فأعاد عليه قراءتها.
28228ـ حُدثت عن الحسين, قال: سمعت أبا معاذ يقول: حدثنا عبيد, قال: سمعت الضحاك يقول في قوله: الخُنّسِ الجَوَارِ الْكُنّسِ يعني الظباء.
وأولى الأقوال في ذلك بالصواب: أن يقال: إن الله تعالى ذكره أقسم بأشياء تخنس أحيانا: أي تغيب, وتجري أحيانا وتكنس أخرى, وكنوسها: أن تأوي في مكانسها, والمكانِس عند العرب, هي المواضع التي تأوي إليها بقر الوحش والظباء, واحدها مَكْنِس وكِناس, كما قال الأعشى:
فلَمّا لَحِقْنا الْحَيّ أتْلَعَ أُنّسٌكمَا أتْلَعَتْ تَحْتَ المَكانِسِ رَبْرَبُ
فهذه جمع مَكْنِس, وكما قال في الكِناس طَرَفة بن العبد:
كأنّ كِناسَيْ ضَالَةٍ يَكْنُفانِهَا وأطْرَ قِسِيَ تَحْتَ صُلْبٍ مَؤَيّدِ
وأما الدلالة على أن الكِناس قد يكون للظباء, فقول أوس بن حَجَر:
ألَمْ تَرَ أنّ اللّهَ أنْزَلَ مُزْنَةً وعُفْرُ الظّباءِ فِي الْكِناسِ تَقَمّعُ
فالكِناس في كلام العرب ما وصفت, وغير مُنكر أن يُستعار ذلك في المواضع التي تكون بها النجوم من السماء, فإذا كان ذلك كذلك, ولم يكن في الاَية دلالة على أن المراد بذلك النجوم دون البقر, ولا البقر دون الظباء, فالصواب أن يُعَمّ بذلك كلّ ما كانت صفته الخنوس أحيانا, والجري أخرى, والكنوس بآنات على ما وصف جلّ ثناؤه من صفتها.
-------------
القرآن الكريم والحديث عن الثقوب السوداء
بقلم للدكتور زغلول النجار
قال تعالى :( فلا أقسم بالخنس الجوارِالكنس )التكوير (15 ـ16).
ثالثا : تشهد الأمور الكونية المقسوم بها في القرآن الكريم للخالق ( سبحانه وتعالى ) بطلاقة القدرة , وكمال الصنعة , وتمام الحكمة , وشمول العلم , ومن هنا فلابد لنا من إعادة النظر في مدلولاتها كلما اتسعت دائرة المعرفة الإنسانية بالكون ومكوناته , وبالسنن الإلهية الحاكمة له حتى يتحقق وصف المصطفي ( صلى الله عليه وسلم ) للقرآن الكريم بأنه : لا تنتهي عجائبه , ولا يخلق علي كثرة الرد , وحتى يتحقق لنا جانب من أبرز جوانب الإعجاز في كتاب الله وهو ورود الآية أو الآيات في كلمات محدودة يري فيها أهل كل عصر معني معينا , وتظل هذه المعاني تتسع باتساع دائرة المعرفة الإنسانية في تكامل لا يعرف التضاد , وليس هذا لغير كلام الله .
رابعا ً: بعد القسم بكل من الخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس يأتي جواب القسم :
إنه لقول رسول كريم ( التكوير :19)
صورة حقيقة تشير لمكان أحد الثقوب السوداء
ثانيا : الجوار : أي الجارية .( في أفلاكها ) وهي جمع جارية , من الجري وهو المر السريع .
ثالثا : الكنس : ( كنس ) الكاف والنون والسين تشكل أصلين صحيحين , أحدهما يدل علي سفر شئ عن وجه شئ وهو كشفه والأصل الآخر يدل علي استخفاء , فالأول كنس البيت , وهو سفر التراب عن وجه أرضه , والمكنسه آلة الكنس , والكناسة ما كنس .
والأصل الآخر : الكناس : بيت الظبي , والكانس : الظبي يدخل كناسه , والكنس : الكواكب تكنس في بروجها كما تدخل الظباء في كناسها , قال أبو عبيدة : تكنس في المغيب .(5/415)
وقيل الكنس جمع كانس ( أي قائم بالكنس ) أو مختف من كنس الظبي أي دخل كناسه وهو بيته الذي يتخذه من أغصان الشجر , وسمي كذلك لأنه يكنس الرمل حتى يصل إليه . وعندي أن الكنس هي صيغة منتهي الجموع للفظة كانس أي قائم بعملية الكنس , وجمعها كانسون , أو للفظة كناس وجمعها كناسون , والكانس والكناس هو الذي يقوم بعملية الكنس ( أي سفر شيء عن وجه شيء آخر , وإزالته ), لأنه لا يعقل أن يكون المعني المقصود في الآية الكريمة للفظة الكنس هي المنزوية المختفية وقد استوفي هذا المعني باللفظ الخنس , ولكن أخذ اللفظتين بنفس المعني دفع بجمهور المفسرين إلي القول بأن من معاني فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس *: أقسم قسما مؤكدا بالنجوم المضيئة التي تختفي بالنهار وتظهر بالليل وهو معني الخنس , والتي تجري في أفلاكها لتختفي وتستتر وقت غروبها كما تستتر الظباء في كناسها ( أي مغاراتها ) وهو معني الجوار الكنس , قال القرطبي : هي النجوم تخنس بالنهار , وتظهر بالليل , وتكنس وقت غروبها أي تستتر كما تكنس الظباء في المغار وهو الكناس , وقال مخلوف : أقسم الله تعالى بالنجوم التي تخنس بالنهار أي يغيب ضوؤها فيه عن الأبصار مع كونها فوق الأفق , وتظهر بالليل , وتكنس أي تستتر وقت غروبها أي نزولها تحت الأفق كما تكنس الظباء في كنسها .. وقال بعض المتأخرين من المفسرين : هي الكواكب التي تخنس أي ترجع في دورتها الفلكية , وتجري في أفلاكها وتختفي .
ومع جواز هذه المعاني كلها إلا أني أري الوصف في هاتين الآيتين الكريمتين : فلا أقسم بالخنس * الجوار الكنس *. ينطبق انطباقا كاملا مع حقيقة كونية مبهرة تمثل مرحلة خطيرة من مراحل حياة النجوم يسميها علماء الفلك اليوم باسم الثقوب السود (Black Holes).
وهذه الحقيقة لم تكتشف إلا في العقود المتأخرة من القرن العشرين , وورودها في القرآن الكريم الذي أنزل قبل ألف وأربعمائة سنة بهذه التعبيرات العلمية الدقيقة علي نبي أمي ( صلى الله عليه وسلم ), في أمة كانت غالبيتها الساحقة من الأميين .
===============
الفهرس العام
أولا - الرد على شبهات حول القران الكريم ... 1
ما هو القرآن ؟ ... 1
الرد على من يحاول أن يثبت عدم صحة القرآن الكريم ... 3
الرد على دعوى تحريف القرآن ... 6
شبهة حول صفة مكر الله سبحانه وتعالى ... 8
الرد عل الشبهة الخاصة بالآية (إلا ألقى الشيطان في أمنيته) ... 10
فرية الغرانيق والرد عليها ... 30
الرد على شبهة شخصية هامان في القرآن الكريم ... 41
الرد على ما زعم حول سورة الحفد و الخلع ... 46
الرد على أكذوبة النصارى بأن الرسول قد اقتبس من شعر امرىء القيس الجاهلي ... 48
غروب الشمس في عين حمئة ... 55
كيف يمكن القول بأن عيسى لم يمت في الوقت الذي يؤكد فيه القرآن وفاته في سورة آل عمران ؟ ... 63
هل القرآن مدح المسيح والنصارى والانجيل وأثنى عليهم ؟ ... 64
ما معنى قول الله سبحانه وتعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )) مع ان النبي لم يكن رحمة للكافرين ؟ ... 65
ما صحة حديث عائشة رضي الله عنها التي روت فيه أن الداجن قد أكلت من نسخة القرآن التي كانت معها ؟ ... 66
الرد على شبهة سورتى الولاية والنورين المكذوبتين ... 69
الرد على شبهة سورة الولاية أو النورين الكاذبة ... 72
هل كان الإنجيل موجودا على زمن موسى ... 74
فتبارك الله أحسن الخالقين ... 77
... من هو الإسكندر ذى القرنين ... ... 78
... كيف نرد على موقع يضع نصوصاً سماها سورة؟ ... ... 80
... الرد على رسالة نصراني يسأل عن معجزة إخبار القرآن بنزول الحديد من الفضاء الخارجي ... ... 84
... ما المقصود بكلمة ( كان) في وصف الله تعالى - وكان الله عليماً حكيما ً- وأمثالها؟ ... ... 89
... هل يسمح الله بأخذ السبايا وملك اليمين ؟ ... ... 91
تفسير قول تعالى : عبس وتولى ... 92
... يحكي القرآن عن إسراء محمد إلى المسجد الأقصى مع أن المسجد الأقصى قد بني بعد محمد عليه الصلاة و السلام بنحو مئة سنة ... ... 107
1- جمع القرآن ... 108
الشبهات حول جمع القرآن وترتيبه ... 130
رد شبهات أسباب النزول للقرآن وشرحها ... 139
المكي والمدني ... 148
الوحي والقرآن ... 159
الصابئين والصابئون كيف اختلف القرآن بشرحها ؟ ... 167
وإذا أردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقوا فيها ... 169
وما قتلوه وما صلبوه ولكن شبة لهم ( من هو الشبيه ) لعيسى عليه السلام ؟ ... 170
2- تعدد مصاحف القرآن ... 172
3- تعدد قراءات القرآن ... 176
4- الكلام الأعجمى ... 186
5- الكلام العاطل ... 189
6- الكلام المتناقض ... 195
7- الكلام المفكك ... 202
8- الكلام المكرر ... 203
9- الكلام المنسوخ ... 212
10- الكلام الغريب ... 218
11- الكلام المنقول عن غيره دعوى أن القرآن مقتبس من التوراة ... 226
12- رفع المعطوف على المنصوب ... 247
13- نصب المعطوف على المرفوع ... 253(5/416)
14- نصب الفاعل ... 260
15- تذكير خبر الاسم المؤنث ... 261
16- تأنيث العدد ، وجمع المعدود ... 264
17- جمع الضمير العائد على المثنى ... 266
18- الإتيان باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً ... 268
19- جزم الفعل المعطوف على المنصوب ... 270
20- جَعْلُ الضمير العائد على المفرد جمعاً ... 272
21- الإتيان بجمع كثرة فى موضع جمع القلة ... 275
22- الإتيان بجمع قلة فى موضع جمع الكثرة ... 279
23- جَمْعُ اسمِ عَلَمٍ يجب إفراده ... 280
24- الإتيان بالموصول بدل المصدر ... 282
25- وضع الفعل المضارع موضع الماضى ... 286
26- عدم الإتيان بجواب " لمَّا " ... 289
27- الإتيان بتركيب أدى إلى اضطراب المعنى ... 291
28- صَرْفُ الممنوع من الصرف ... 294
29- الإتيان بتوضيح الواضح ... 295
30- الالتفات من المخاطب إلى الغائب قبل تمام المعنى ... 299
31- الإتيان بفاعلين لفعل واحد (1) ... 301
32- الإتيان بالضمير العائد على المثنى مفردًا ... 306
33- الإتيان بالجمع مكان المثنى ... 310
34- نصبُ المضاف إليه ! ... 312
35- هل تناقض القرآن فى مادة خلق الإنسان ؟ ... 313
الرد على شبهاتهم في قولة تعالى يخرج من بين الصلب والترائب ... 316
أصول نشأة الإنسان من معجزات القرآن ... 320
36- حول موقف القرآن من الشرك بالله ... 367
37- حول عصيان إبليس وهو من الملائكة الذين لا يعصون الله ... 371
38- حول عصيان البشر: مع أنهم من المخلوقات الطائعة القانتة لله ... 372
39- حول مدة خلق السموات والأرض ... 374
40- حول خلاف القرآن للكتاب المقدس فى أسماء بعض الشخصيات التاريخية ... 377
41- حول تسمية القرآن الكريم مريم " أخت هارون " واختلافه فى ذلك مع الكتاب المقدس ... 380
يا أخت هارون _ كيف يخطا االقرآن بنسب مريم عليها السلام لهارون وبينهم مئات السنين؟ ... 381
ما معنى أن الله جعل المسلمين أمةً وسطًا؟ ... 384
42- حول خلاف القرآن للكتاب المقدس فى عصر نمرود ... 390
43- حول الإسكندر ذى القرنين.. وهل كان عبدًا صالحًا ؟ أم من عبدة الأوثان ؟ ... 392
44- حول غروب الشمس فى عين حمئة ومخالفة ذلك للحقائق العلمية ... 394
45- حول حفظ الله للذكر وهل الذكر هو كل القرآن ؟ أم بعض القرآن؟ ... 395
46- حول تاريخية أو خلود أحكام القرآن الكريم ... 401
الروح القدس من هو الروح القدس ؟ ... 406
هل للتثليث وجود في الاسلام ؟ ... 408
سؤال : ما معنى قول الله سبحانه وتعالى : (( وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ )) مع أن النبي لم يكن رحمة للكافرين ؟ ... 411
إنسانيّة محمد صلى الله عليه وسلم ... 412
وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ... 416
سؤال : جاء في سورة المائدة 5: 38 وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَا قْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِنَ اللهِ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ . ... 419
438– مكانة النبي صلى الله عليه وسلم في القرآن ... 422
سورة الفاتحة ... 434
سؤال : لماذا سميت سورة البقرة بهذا الإسم ؟ ... 435
والسؤال : كيف تستأذن الشمس وتسجد تحت العرش ؟ ... 440
رفع اللبس عن حديث سجود الشمس ... 441
شبهة سجود الشمس تحت العرش. ... 459
والشمس تجري لمستقر لها ... 463
تفسير قوله تعالى : ألم نجعل الأرض مهادا ... ... 466
علماء الإسلام يجمعون على كروية الأرض ... 472
تفسير قوله سبحانه تعالى : ومن كل شيىء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ... 490
الزوجية في النباتات ... 493
{ ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون } . . ... 495
ما المقصود بكلمة ( كان ) في وصف الله تعالى : ( وكان الله عليماً حكيماً ) وأمثالها ؟ ... 496
ما حكم زواج المحلل ؟ ... 498
تنقيط المصحف ... 501
تفسير الآيات 155 - 159 من سورة الأعراف ... 504
تفسير قوله تعالى : وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ... 506
معجزة خلق الإنسان ـ الوعي الظاهر في خلايا البويضة ... 508
66- هل الجبال تحفظ توازن الأرض ؟ والأرض تدور حول نفسها ؟ ... 518
الجبال والتوازن الأرضي ... 518
67- هل النجوم رجوم الشياطين ؟ ... 522
عن حكم تعلم علم النجوم؟ وما الحكمة من خلقها؟ ... 524
حقائق علم الفلك ... 526
68- القرآن يتناقض مع العلم ... 529
القرآن الكريم والتوراة والإنجيل والعلم ... 531
69- كيف يكون العلم كفرًا ؟ ... 549
المحكم والمتشابه...تعريفه وفوائده وموقف المسلم منه ... 549
التقويم الزمني ... 557
الطواف في الكون ... 579
70- رىّ مصر بالغيث ! ... 584
71- الرعد ملك من الملائكة ... 585
شرح حديث الرعد في ضوء معطيات الدين والعلم ... 586
72- الوادى طوى ... 589
73- هل الزيتون يخرج من طور سيناء ، وهو يخرج من فلسطين ، فكيف ذلك ؟ ... 590
74- جبل قاف المحيط بالأرض كلها ... 591
75- هامان وزير فرعون ... 591
76- قارون وهامان مصريان ... 592
77- العجل الذهبى من صنع السامرى ... 592(5/417)
78- أبو إبراهيم آزر ... 593
79- مريم العذراء بنت عمران ... 594
80- يوسف همّ بالفساد ... 595
81- نوح يدعو للضلال ... 619
82- فرعون ينجو من الغرق ... 623
فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية ... 624
83- انتباذ مريم ... 633
84- مريم تلد فى البرية ووليدها يكلمها من تحتها ... 634
85- لكل أمة رسول منها إليها ... 636
86- خَلْط الأسماء ... 638
87- أخنوخ وليس إدريس ... 639
88- نوح لم يتبعه الأراذل ... 640
فقه القادرين على التمام ... 644
89- تهاويل خيالية حول برج بابل ... 648
90- اختراع طفل ينطق بالشهادة ... 650
قلت (علي) : الصحيح أنه طفل رضيع نطق بالشهادة ... 651
91- الكعبة بيت زحل ... 655
مقام إبراهيم ... 658
92- إسماعيل بين الأنبياء ... 667
93- أبناء يعقوب يطلبون أن يلعب يوسف معهم ... 668
94- وليمة نسائية وهمية ... 668
95- عدم سجن بنيامين ... 676
96- قميص سحرى ... 677
97- ابنة فرعون أو زوجته ... 678
98- طرح الأولاد فى النهر صدر قبل ولادة موسى لا بعد إرساليته ... 679
99- صَدَاق امرأة موسى ... 686
100- لم ترث إسرائيل مصر ... 687
101- ضربات مصر عشر لا تسع ... 688
102- الطوفان على المصريين ... 690
103- صخرة حوريب وليست آبار إيلّيم ... 690
104- لوحا الشريعة ... 691
105- هل طلبوا رؤية الله ؟ ... 698
106- سليمان أو أبشالوم ... 699
107- هاجر أو السيدة العذراء ... 706
108- لم تنزل مائدة من السماء ... 706
109- قصة ذى الكفل ... 708
110- أصحاب الرس ... 708
111- حتى لقمان نبى ... 708
112- الكعبة مقام إبراهيم ... 709
113- فرعون بنى برج بابل بمصر ... 711
114- شاول الملك أو جدعون القاضى ... 714
115- يتكلم فى المهد ... 714
116- يصنع من الطين طيراً ... 715
117- إنكار الصَّلب ... 715
القرآن وزعم صلب المسيح - الشيخ عبد المجيد الزنداني ... 716
ما هو موقف المسلمين من الأخبار والعقائد التي تضمنتها كتب أهل الكتاب ؟ ... 720
هل الضمير نحن في القران الكريم المقصود بة عيسى علية السلام ...؟ ... 721
التثليث في الاسلام ؟؟ ... 722
هل النصارى سيدخلون الجنة ...؟ ... 725
من الذبيح إسماعيل أم اسحق ؟ ... ... 727
هل هناك اخطاء في رسم المصحف ...؟ ... 731
ما المقصود المقصود: بملك اليمين ... ... 733
ما معنى: "ولم يكن له كفواً أحد" ... ... 735
اختلاف المفسرين هل هو اختلاف في القرآن؟ ... ... 737
الرد على شبهاتهم حول قولة تعالي ( "ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء..." ) ... 738
هل هناك تعارض بين إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ [النساء/48] وبين إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا [الزمر/53] ... 749
تفسير قولة تعالى مّنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج ... 755
الرد على شبهاتهم في قوله تعالى يخرج من بين الصلب والترائب ... 760
تأملات فى سورة الطارق ... 764
هل التقى موسى وشعيب؟ ... 770
الرد على شبهة أن بالقرآن أخطاء إملائية ... 771
الرد على شبهة اختلاف مصاحف الصحابة ... 772
الرد على شبهة حول آية الرجم المنسوخة ... 775
الرد على شبهة حول مراحل خلق الانسان كما ذكرة القران الكريم ... 780
هل فقد شي من سورة الاحزب في جمع القرآن ؟؟ ... 784
شبه حول نزول القرآن منجما ... 786
نزول القرآن منجما ... 787
العبرة من أختلاف الالفاظ في القصص القراني عند سرد القصة بسورة أخرى ... 800
خصائص القصص القرآني ... 801
شبهات حول القصص القرآني ... 813
الرد على أن القران يكرر القصص مرات ومرات ... 826
الإعجاز القصصي في القرآن الكريم ... 828
كيف أمر الله ابليس بالسجود لآدم وهو ليس من الملائكة والخطاب كان للملائكة بالآية ؟ ... 878
الجن والشياطين سلالة من ؟؟ ... 879
ذكر المحرمات حصرا في [الأنعام: 145] ولكن أتت السنة بتحريم أكل الحمر الأهلية ... 882
شبهات لغوية مزعومة حول القرآن ( 1 ) ... 884
هل إسماعيل أباً ليعقوب كما ذكر القرآن ؟؟ ... ... 908
هل توفي سيدنا عيسى عليه السلام ؟ ... 910
عيسى ابن مريم قرائن علمية وعددية ... 918
معنى قوله تعالى ( يا عيسى إني متوفيك ) ... 955
القرآن الكريم قد اقتبس من شعر امرىء القيس ... 960
هل القران لم يأتِ بجديد ؟؟ ... 976
هل استعان الرسول بأحبار اليهود فيما أوحي إليه من القرآن ؟ ... 979
الرد على شبهة السامري ... 980
شبهه سورة النورين أو الولاية ... 986
الرد على شبهة المحلل في الإسلام ... 989
شبهه هل يقول الله: إيّاك نعبد، وإيّاك نستعين؟ ... 993
الله أحسن الخالقين ... 994
فَلا أُقْسِمُ بِالخُنَّسِ ، الجَوَارِ الكُنَّسِ ... 997
القرآن الكريم والحديث عن الثقوب السوداء ... 1004(5/418)
الباب الثاني– شبهات حول القرآن الكريم (2)
فيض رب الكعبة في شرح الأحرف السبعة
كتبه الأخ : سيف الإسلام
فقد آثرت ان افرد هنا هذا البحث للرد علي هذه المسالة و هي مسالة القراءات و الأحرف و قد حاولت تلخيصها و تبسيطها قدر المستطاع و الله المستعان
اولا و بنظرة تاريخية نجد ان هذا الموضوع و هو موضوع القراءات و الأحرف تكلم فيه الكثير منذ اكثر من الف عام
قلت و ما سنسرده هنا بالدليل ربما يخالف ما اعتقده الكثير من العلماء علي مر العصور و لكن هذا ما اراه ثابتا عندي
فما كان فيه من صواب فمن الله و ما كان فيه من خطأ فمن نفسي و من الشيطان و الله و رسوله منه براء
اول ما اذكره هنا هو قول الامام الشافعي الشهير: آمنت بالله و بما قال الله علي مراد الله و امنت برسول الله و بما قال رسول الله علي مراد رسول الله
و قصدي من هذا هو اننا اهل السنة و الجماعة نؤمن بكل ما قال الله و كل ما ثبت عن رسوله صلي الله عليه و سلم و ان اختلفنا في تأويل هذا الحديث فنحن مؤمنون بقصد الله و رسوله منه فمن اصاب منا فقد اصاب و من اخطأ منا فقد اجتهد و اثبت ايمانه بمراد الله و رسوله حتي و ان خالف رايه و تفسيره
و سابدأ اليوم بذكر ما اتفق عليه الجميع حول هذا الموضوع ثم اذكر رايي فيما خالفت فيه و دليلي علي ذلك و الله الموفق و المستعان
و بنظرة عامة نجد ان اول من ربط بين القراءات السبع المشهورة و الاحرف السبع ليس ابن مجاهد فقط كما ذكر الكثير بل سبقه الخليل بن أحمد الفراهيدى و سنذكر راي الفراهيدي لاحقا و صحته من عدمه و اختلاف راييه عن جمع ابن مجاهد للقراءات السبع
اولا: القراءات العشر هي:
االقراءات التي وصلت إلينا بطريق متواتر و هي عشر قراءات، نقلها إلينا مجموعة من القراء وهم:
قراءة نافع المدني، وأشهر من روى عنه قالون و ورش .
قراءة ابن كثير المكي، وأشهر من روى عنه البَزي و قُنْبل .
قراءة أبي عمرو البصري، وأشهر من روى عنه الدوري و السوسي .
قراءة ابن عامر الشامي، وأشهر من روى عنه هشام و ابن ذكوان .
قراءة عاصم الكوفي، وأشهر من روى عنه شعبة و حفص .
قراءة حمزة الكوفي، وأشهر من روى عنه خَلَف و خلاّد .
قراءة الكِسائي الكوفي، وأشهر من روى عنه أبو الحارث ، و حفص الدوري .
قراءة أبي جعفر المدني، وأشهر من روى عنه ابن وردان و ابن جُمَّاز .
قراءة يعقوب البصري، وأشهر من روى عنه رُوَيس و رَوح .
قراءة خَلَف ، وأشهر من روى عنه إسحاق و إدريس .
هل مصدرها هو عدم تنقيط المصحف؟
هذه
الشبهة الباطلة يكذبها الواقع، وذلك أن هناك كلمات كثيرة جدا لو كان المرجع في اختلاف القراءات إلى الرسم لاختلفوا فيها ولكنك تجدهم متفقين على قراءتها بوجه واحد رغم احتمال رسمها لأكثر من قراءة.
فما مصادر القراءات اذن؟
اذا تتبعنا أسانيد القراءات كلها لوجدناها تصل إلى رسول الله فكل قارئ يقرأ وفق ما تلقاه من شيخه حتى يصل الإسناد إلى رسول الله فمرجع الاختلاف إذاً ليس الاعتماد على الرسم وإنما على التلقي والمشافهة (( و هذه النقطة رغم بداهتها لذي اي مسلم و لكن ذكرها هنا لاننا سنعتمد عليها لاحقا باذن الله ))
ولما كتب عثمان المصاحف أرسل مع كل مصحف قارئاً ليقرئ الناس، ولو جاز استخراج القراءات المختلفة من الرسم لما احتاج أن يرسل مع كل مصحف قارئاً
هل يجوز القراءة بالمعني ام انها منزلة؟؟
يزعم أصحاب هذه
الشبهة أنه يجوز استبدال لفظ مكان آخر في القرآن الكريم إذا كان يؤدي المعنى نفسه، مستدلين بما روي عن ابن مسعود أنه كان يقرئ رجلاً : إن شجرة الزقوم طعام الأثيم وكان الرجل يقول طعام اليتيم، فقال له ابن مسعود: أتستطيع أن تقول طعام الفاجر، قال نعم، قال فقل.
و هذا الأثر المروي عن ابن مسعود فهو ضعيف لا يصح الاحتجاج به، يقول القرطبي: ولاحجة في هذا للجهال من أهل الزيغ أنه يجوز إبدال حرف من القرآن بغيره، لأن ذلك إنما كان من عبد الله تقريباً للمتعلم وتوطئة منه للرجوع إلى الصواب واستعمال الحق والتكلم بالحرف على إنزال الله تعالى وحكاية رسول الله
هل وصل الينا القران متواترا في الكتابة فقط ام في اللفظ فقط ام كليهما ؟؟
الاعتماد في نقل القران على حفظ القلوب لا على المصاحف،كما في الحديث الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم انه قال : ( ان ربي قال لي ان قم في قريش فانذرهم . فقلت : اي رب، اذًا يثلغوا راسي ـ أي يشدخوا ـ فقال : اني مبتليك ومُبْتَلٍ بك، ومنزل عليك كتابًا لا يغسله الماء، تقرؤه نائمًا ويقظَانًا، فابعث جندًا ابعث مثليهم، وقاتل بمن اطاعك من عصاك، واَنْفِقْ اُنْفِقْ عليك ) فاخبر ان كتابه لا يحتاج في حفظه الى صحيفة تغسل بالماء، بل يقرؤه في كل حال، كما جاء في نعت امته : ( اناجيلهم في صدورهم ) بخلاف اهل الكتاب الذين لا يحفظونه الا في الكتب، ولا يقرؤونه كله الا نظرًا لا عن ظهر قلب .
ما هي اقسامها؟؟
- القراءات المقبولة وهي نوعان:(6/1)
أ- المتواترة: قال ابن الجزري: ( كل قراءة وافقت العربية مطلقاً ووافقت أحد المصاحف العثمانية ولو تقديراً وتواتر نقلها ، هذه القراءة المتواترة المقطوع بها)
ب- الصحيحة المشهورة وهي التي توفرت فيها شروط القراءة من حيث موافقة الرسم والعربية، وصح سندها، لكنها لم تبلغ حد التواتر، وإن كانت مشهورة مستفيضة.
ومن المعلوم أن القراءات المقبولة التي تجوز بها القراءة والصلاة عند أكثر أهل العلم هي ما صحّ من قراءات الأئمة العشرة مما وافق الرسم والعربية.
2- القراءات المردودة: وهي التي فقدت أحد شروط القبول، بأن لم يصح سندها أو خالفت الرسم أو العربية.
ما هو مصدر القراءات الشاذة و هل هذا يعني محاولة تحريف المصحف؟؟
حتي نفهم هذا الامر اذكر ما اشاره مالك بن أنس علي نافع القاري بالا يؤم القوم حينما استشاره فِى ذلك قائلا له: إنك بارع فِى القراءات فإذا سهوت فِى القراءة أثناء الصلاة ربما يظن بهذا السهو أنه قراءة مروية فيتلقى منك هذا السهو كقراءة. وتلك القراءات الشواذ دونها العلماء فِى كتب خاصة, منها الجارِى مجرى التفسير, ومنها السهو المحض.
قال العلماء: المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة
و ذلك ان بعض الصحابة كانوا يكتبون تفسير الايات في مصحفهم جنبا الي جنب الاية القرانية فظن البعض ان هذه قراءة و ان الشرح من القران!!!
اما من قصد حذف ابن مسعود للفاتحة و المعوذتين من مصحفه فقد من علينا الله بالرد علي هذه
الشبهة تفصيلا من قبل و سنعاود ذكرها ان شاء الله بعد هذه المشاركة حتي تعم الفائدة
اصل القراءات السبع و هل هي الاحرف السبع؟؟
اجمعنا جميعا ان اول من سمي القراءات السبع هو ابو بكر ابن مجاهد بعد ثلاثمائة سنة من الهجرة و كان قصده رحمه الله ان ينتخب قراءة سبعة من قراء الامصار ولم يقل هو ولا احد من الائمة ان ما خرج عن هذه السبعة فهو باطل ولا ان قول النبي صلى الله عليه وسلم : ( انزل القران على سبعة احرف ) اريد به قراءة هؤلاء السبعة و انما التبس هذا علي العوام
ولهذا قال من قال من ائمة القراء : لولا ان ابن مجاهد سبقني الى حمزة لجعلت مكانه يعقوب الحضرمي امام جامع البصرة وامام قراء البصرة في زمانه في راس المائتين .
قلت اظن ان الجميع سيتفق علي ما ذكرنا سابقا
اما موضع الخلاف فهو ما سنذكره لاحقا في تعريف الاحرف السبع و هل نسخ منها شيء في العرضة الاخيرة للقران و هل بقيت في مصحف ابي بكر و عثمان ام لا و الله المستعان......
هذا و للحديث بقية ما دام لفيض الرحمن علينا بقية......
اخوكم /سيف الاسلام خالد دربالا
================
المراد بالأحرف السبعة
وليد المسلم
المراد بالأحرف السبعة
اختلف العلماء في المراد من الأحرف السبعة في الأحاديث المذكورة اختلافًا كبيرًا، حتى قال السيوطي: اختُلِفَ في معنى هذا الحديث على نحو أربعين قولاً.(1)
والناظر في تلك الأقوال يقطع بأن أكثرها متداخل، وكثيرٌ منها لا يُعلم قائله، ولا يُعلم له دليلٌ يؤيده عند النظر والتمحيص.
قال المرسي 2) هذه الوجوه كلها متداخلةٌ، ولا أدري مستندها، ولا عمَّن نُقلت، ولا أدري لمَ خصَّ كل واحد منهم هذه الأحرف السبعة بِما ذكر؛ مع أنَّ كلها موجودة في القرآن، فلا أدري معنى التخصيص! وفيها أشياء لا أفهم معناها على الحقيقة، وأكثرها يعارضه حديث عمرَ مع هشام بن حكيمٍ الذي في الصحيح، فإنَّهما لم يختلفا في تفسيره ولا أحكامه، إنَّما اختلفا في قراءة حروفه، وقد ظنَّ كثيرٌ من العوامِّ أن المراد بِها القراءات السبعة، وهو جهلٌ قبيح.(3)
والذي يستحق المناقشة من هذه الأقوال ستة أقوال:
القول الأول: أن الحديث من المشكل المتشابه الذي لا يُعلم معناه، لأن الحرف مشترك لفظي، يصدق على معانٍ كثيرة، كالكلمة والمعنى، وحرف الهجاء، والجهة، ولم يُعيَّن المراد منها في الحديث.
وهو قول أبي جعفر محمد بن سعدان النحوي.(4)
ويُرَدُّ هذا القول بأنه لا يلزم من مجرد الاشتراك اللفظي الإشكال الصارف عن إدراك معنى المقصود؛ لأن المشترك اللفظي يترجح أحد معانيه بقرينة لفظية أو حالية.
وقد قامت القرائن على تعيُّن أحد المعاني، ومنع ما عداه، فلا يصح إرادة الكلمة هنا، لأن القرآن مؤلف من كلمات كثيرة، وليس من سبع فقط، ولا يصح إرادة المعنى، لأن معاني القرآن كثيرة جدًّا تفوق الحصر، ولا يصح إرادة حرف الهجاء، لأن القرآن مشتمل على جميع حروف الهجاء، لا على سبعة منها فقط، فتعيَّن أن المراد بالحرف هنا هو الجهة، وبذلك يبطل القول بإشكال معنى الحديث.
كما يُرَدُّ بِما ثبت في نص الحديث من أن النَّبِيّ ? أُمِر أن يقرئ أمته بِهذه الأحرف، وأنه قد فعل، وأمر أمته أن تقرأ القرآن بِها، وقد فعلت، فقرأ الصحابة ? على هذه الأحرف، فهي معلومة لدى الكثير منهم، فلا يعقل أن يكون الحديث مع كل ذلك من المتشابه الذي لا يُدرى معناه.(6/2)
ويُرَدُّ أيضًا بأن الحديث نص على أن الحكمة من إنزال الأحرف السبعة هو التيسير على الأمة، فكيف يتحقق التيسير بشيء مجهول؟!
القول الثاني: أن حقيقة العدد غير مرادةٍ، وذلك لأن لفظ السبعة يطلق في لسان العرب ويراد به الكثرة في الآحاد، كما يطلق لفظ السبعين ويراد به الكثرة في العشرات، ولفظ السبعمائة ويراد به الكثرة في المئات.
وهو مذهب القاضي عياض ونحى هذا المنحى القاسمي، والرافعي.(5)
ويردُّ هذا القول أن الأحاديث الواردة في هذا الأمر صريحة في إرادة حصر العدد في السبعة، ففيها استزادة الرَّسُول ? من جبريل الأحرف حرفًا حرفًا، وهذا قرينة على أن المرادَ العددُ الآحادُ الواقعُ بين الستة والثمانية.(6)
القول الثالث: أن المقصود سبعة أصناف من المعاني والأحكام، وهي: الحلال والحرام، والأمر والزجر، والمحكم والمتشابه، والأمثال.
وقد استدل أصحاب هذا الرأي بِما روي عن ابن مسعود عن النَّبِيّ ? أنه قال: كان الكتاب الأول ينزل من باب واحدٍ، وعلى حرفٍ واحدٍ، ونزل القرآن من سبعة أبوابٍ، وعلى سبعة أحرف: زاجرٌ وآمرٌ، وحلالٌ وحرامٌ، ومحكمٌ ومتشابهٌ، وأمثال، فأحلُّوا حلاله، وحرِّموا حرامه، وافعلوا ما أُمرتُم به، وانتهوا عمَّا نُهيتهم عنه، واعتبروا بأمثاله، واعملوا بِمحكمه، وآمنوا بِمتشابِهه، وقولوا: آمنا به كل من عند ربنا.(7)
ويُناقش هذا القول بأن هذا الحديث قد انتقده العلماء، ولم يسلموا بصحته.
قال ابن عبد البر: وهو حديث عند أهل العلم لا يثبت، وهو مجمع على ضعفه.(8)
قال الحافظ ابن حجر: وقد صحح الحديث المذكور ابن حبان والحاكم، وفي تصحيحه نظرٌ؛ لانقطاعه بين أبي سلمة وابن مسعود، وقد أخرجه البيهقي من وجه آخر عن الزهري عن أبي سلمة مرسلاً، وقال: هذا مرسل جيدٌ.(9)
كما أن سياق الأحاديث يأبى حمل المراد بالأحرف السبعة على هذه الوجوه، بل هي ظاهرةٌ في أن المراد أن الكلمة الواحدة تُقرأ على وجهين وثلاثة وأربعة إلى سبعة، تَهوينًا وتيسيرًا.
كما أن الشيء الواحد لا يكون حلالاً وحرامًا في آن واحد.
قال الطبري: ومعلومٌ أن تَماريهم فيما تَماروا فيه من ذلك، لو كان تَماريًا واختلافًا فيما دلت عليه تلاوتُهم من التحليل والتحريم، والوعد والوعيد، وما أشبه ذلك لكان مستحيلاً أن يصوِّب جميعهم.(10)
ولذلك ذهب أبو علي الأهوازي وغيره إلى أن قوله: زاجرٌ وآمرٌ… استئناف كلام آخر، أي هو زاجرٌ، أي القرآن، ولم يرد به تفسير الأحرف السبعة.
ويؤيد ذلك ما جاء في بعض روايات الحديث: زاجرًا وآمرًا… بالنصب، أي: نزل على هذه الصفة.
وقال أبو شامة: يحتمل أن يكون التفسير المذكور للأبواب، لا للأحرف، أي: هي سبعة أبواب من أبواب الكلام وأقسامه، وأنزله الله على هذه الأصناف، لم يقتصر منها على صنف واحدٍ، كغيره من الكتب.(11)
قال ابن حجر: ومِما يوضح أن قوله زاجرٌ وآمرٌ الخ ليس تفسيرًا للأحرف السبعة: ما وقع في مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب عقب حديث ابن عباس، قال ابن شهاب: بلغني أن تلك الأحرف السبعة إنَّما هي في الأمر الذي يكون واحدًا لا يختلف في حلال ولا حرام.(12)
قال ابن عطية: هذا القول ضعيف؛ لأن هذه لا تسمى أحرفًا، وأيضًا فالإجماع على أن التوسعة لم تقع في تحريم حلالٍ، ولا تحليل حرام، ولا في تغيير شيء من المعاني المذكورة.(13)
القول الرابع: أن المراد سبع لغات من لغات العرب الفصحى أنزل بِها القرآن، فهي متفرقة فيه، لا على أن هذه اللغات تجتمع في الكلمة الواحدة.(14)
وهو قول أبي عبيد القاسم بن سلام، وأحمد بن يحيى ثعلب، وصححه البيهقي، واختاره ابن عطية، وحكاه بعضهم عن القاضي أبي بكر الباقلاني.(15)
ويكفي في ردِّ هذا القول ما سبق من اختلاف عمر بن الخطاب وهشام بن حكيم في القراءة، وهما قرشيان، ولغتهما واحدة، فدلَّ على أن اختلافهما لم يكن في اللغات.(16)
كما أن قولهم إن هذه اللغات مفرقة في القرآن الكريم مردودٌ بأنه لو كانت الأحرف السبعة لغات في مواضع متفرقة من القرآن لَما حصل خلاف بين القراء في شيء من القرآن؛ لأن كل موضع سيكون مقروءًا بوجه واحد، ولَما حصلت المناكرة بين الصحابة عند سماع بعضهم قراءة بعضٍ.
ويرد هذا القول أيضًا أن نزول القرآن على سبعة أحرف إنَّما كان تيسيرًا على المكلفين، بنص الحديث، فلو فرض أن القرآن مؤلف من عدة لغات، كل جزء من لغة، لَما أمكن أهل كل لغة أن يقرؤوا منه إلا جزءًا واحدًا، وهو النازل بلغتهم.(17)
القول الخامس: أن المراد سبع لغات، ولكن على أن تكون في الكلمة الواحدة باختلاف الألفاظ واتفاق المعاني، كقول القائل: هلمَّ، وتعالَ، وأقبلْ، وإليَّ، ونحوي، وقصدي، وقُرْبي.
وهو قول سفيان بن عيينة وابن جرير الطبري والطحاوي، ونسبه ابن عبد البر لأكثر العلماء.(18)(6/3)
ويدل لِهذا القول حديث أَبِي بَكْرَةَ أَنَّ جِبْرِيلَ ? قَالَ: يَا مُحَمَّدُ، اقْرَأِ الْقُرْآنَ عَلَى حَرْفٍ. قَالَ مِيكَائِيلُ ?: اسْتَزِدْهُ، فَاسْتَزَادَهُ، قَالَ: اقْرَأْهُ عَلَى حَرْفَيْنِ. قَالَ مِيكَائِيلُ: اسْتَزِدْهُ، فَاسْتَزَادَهُ حَتَّى بَلَغَ سَبْعَةَ أَحْرُفٍ، قَالَ: كُلٌّ شَافٍ كَافٍ، مَا لَمْ تَخْتِمْ آيَةَ عَذَابٍ بِرَحْمَةٍ، أَوْ آيَةَ رَحْمَةٍ بِعَذَابٍ، نَحْوَ قَوْلِكَ تَعَالَ وَأَقْبِلْ وَهَلُمَّ وَاذْهَبْ وَأَسْرِعْ وَاعْجَلْ.(19)
قال السيوطي: إسناده جيد.(20)
ويجاب عن هذا القول بأن الأحاديث التي احتجوا بِها لا تدل على حصر الأحرف في نحو ما ذهبوا إليه، وإنما بيَّن الرَّسُول ? فيها الأحرف السبعة بِمثال يوضح نوعية هذه الأحرف، وأنَّها لا تؤدي إلى تناقض أو تضاد.
قال أبو عمر بن عبد البر: إنما أراد بِهذا ضرب المثل للحروف التي نزل القرآن عليها، أنَّها معانٍ متفقٌ مفهومها، مختلفٌ مسموعها، لا يكون في شيء منها معنىً وضده، ولا وجهٌ يخالفُ معنى وجهٍ خلافًا ينفيه ويضادُّه، كالرحمة التي هي خلاف العذاب وضده.(21)
ويردُّ هذا القول أيضًا بأن الحكمة من تنْزيل القرآن على سبعة أحرف هي التيسير على المكلفين، لاختلاف ألسنتهم، ولم يكن أكثر اختلاف العرب في استعمال الألفاظ المترادفة، بل أكثر اختلافهم إنَّما كان في اللهجات، من فكٍّ وإدغامٍ، وفتح وإمالة، وهمزٍ وتخفيفٍ، ونحو ذلك، ولا شك أن المشقة عليهم في هذه الأبواب أعظم من المشقة في استعمال هلمَّ مكان تعالَ أو أقبلْ.
كما أنه على قول ابن جرير لا يُدرى كيف يتخرَّج وجود الأوجه المتعددة من القراءات في المصاحف العثمانية، وكلها مثبتة فيها، سواء برسم واحدٍ، أو برسمين.
القول السادس: أن المراد بالأحرف السبعة الأنواع التي يقع بِها التغاير والاختلاف في القراءات القرآنية، أو في لغات العرب، ولا يخرج عنها، نحو الاختلاف في إعراب الكلمة، أو تغير صورتِها بالزيادة أو النقصان، أو اختلاف لغات العرب من الفتح والإمالة والإظهار والإدغام، ونحو ذلك.
وهو قول أبي حاتم السجستاني وابن قتيبة وأبي الفضل الرازي، وابن الجزري.(22)
والقائلون بِهذا القول اختلفوا في تعيين الوجوه التي وقع بِها التغاير اختلافًا كبيرًا:
فذهب أبو حاتم السجستاني إلى أنَّها: إبدال لفظ بآخر، وإبدال حرف بآخر، والتقديم أو التأخير بين الألفاظ أو الحروف، وزيادة حرف أو نقصانه، واختلاف حركات البناء، واختلاف الإعراب، والاختلاف الصوتي بين التفخيم والإمالة والإظهار والإدغام.(23)
ويرى ابن قتيبة والباقلاني أنَّها: الاختلاف بالتقديم والتأخير، والاختلاف بالزيادة والنقصان، والاختلاف بتغيير صورة اللفظ و معناه، والاختلاف بتغيير لفظ الكلمة ومعناها دون صورتِها، والاختلاف في بناء الكلمة ولفظها بِما لا يغير كتابتها ولا معناها، والاختلاف بِما يغير الصورة واللفظ، ولا يغير المعنى، والاختلاف في حركات الإعراب والبناء.(24)
ويرى أبو الفضل الرازي أنَّها: الاختلاف بين الإفراد والتثنية والجمع، والاختلاف في تصريف الأفعال وما يسند إليها، والاختلاف في وجوه الإعراب، والاختلاف بالزيادة والنقص، والاختلاف بالتقديم والتأخير، والاختلاف بقلب وإبدال كلمة بأخرى أو حرف بآخر، واختلاف اللغات.(25)
وذهب ابن الجزري إلى أنَّها: الاختلاف في الحركات بلا تغيير في المعنى والصورة، والاختلاف في الحركات بتغيير المعنى فقط، والاختلاف في الحروف بتغيير المعنى لا الصورة، والاختلاف في الحروف بتغيير الصورة لا المعنى، والاختلاف في الحروف بتغيير الصورة والمعنى، والاختلاف في التقديم والتأخير، والاختلاف بالزيادة والنقصان.(26)
القول الراجح
إذا نظرنا في الأخبار الواردة في الأحرف السبعة، وتفحصنا ألفاظها، لم نجد فيها عبارة صريحة تبين المراد بالأحرف السبعة، والذي يظهر أن ذلك كان لوضوح المراد منها عند السلف الأول، بشكل لا يحتاج معه إلى تفسير، حتى تتحقق الحكمة من الرخصة، فليس من المعقول أن يرخص لهم في شيء مجهول.
ولَما كانت الحاجة في بداية الأمر إلى إزالة ما وقع في نفوس الصحابة ? من شبهة وقوع التناقض والاضطراب، أو التصرف في كتاب الله تعالى، لأنَّهم ألفوا أول الأمر قراءة القرآن على وجه واحد، ثم سمع بعضهم بعضًا يقرأ على أوجهٍ متغايرة، أزال النَّبِيّ ? هذه الخواطر بأن أخبرهم بالرخصة، وضرب لَهم مثالاً على أنواع الاختلاف بين هذه الأوجه، وأنه ليس من باب التناقض والتضاد، بل من باب التنوُّع وزيادة المعاني.
وعند تدبر أوجه القراءات المتواترة التي نقلت إلينا نجد أن اللفظ الواحد قد يُقْرأ بأوجهٍ متعددةٍ، والناس إلى يومنا هذا يتناكرون عند سماع هذه الوجوه إذا لم يكن لهم سابقُ علمٍ بِها .(6/4)
فالذي يظهر والله أعلم أن المراد من الأحرف السبعة في الحديث الشريف أوجه متعددة متغايرة من وجوه القراءة، تكون في الكلمة القرآنية الواحدة، بحيث تُقرأ على وجهٍ واحد، أو أكثر من وجهٍ، إلى سبعة أوجه.(27)
ولا يلزم على هذا القول أن يكون في كل كلمة قرآنية أكثر من وجهٍ، بل توجد هذه الوجوه في بعض الكلمات دون بعض.
وقد ورد مثل ذلك في سورة الفرقان، وقد جمع الحافظ ابن حجر في شرحه على صحيح البخاري كل ما ورد من الخلاف في هذه السورة من القراءات المتواترة والشاذة، فبلغت مواضع الخلاف فيها مائة وثلاثين موضعًا.(28)
ولا يشكل عليه أيضًا ورود أكثر من سبع قراءات في بعض الكلمات، مثل قوله تعالى: } وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ {،(29) فقد ذكر فيه أبو حيان اثنتين وعشرين قراءة،(30) فإن علماء المسلمين أجمعوا على اشتراط التواتر لثبوت قرآنية أي نصٍّ، وبدون التواتر لا تثبت قرآنيته، وهذا الموضع وغيره إذا عرض على هذا الشرط لم يبق فيه من القراءات المتواترة ما يزيد على السبعة.
ففي الموضع المذكور قراءتان متواترتان: فقرأ حمزة} وَعَبُدَ الطَّاغُوتِ {، بضم الباء من (عبُد) وخفض (الطاغوت)، وقرأ الباقون} وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ {، بفتح الباء من (عبَد)، ونصب (الطاغوت).(31)
ومع اعتبار أن كثيرًا من أفراد الأحرف التي نزل بِها القرآن قد نسخ في العرضة الأخيرة للقرآن الكريم، فلا إشكال في عدم وجود كلمة من القرآن تقرأ على سبعة أوجه، فإن أقصى ما ورد من الأوجه المتواترة في مواضع من القرآن هو ستة أوجه، ومن أمثلة ذلك قوله تعالى: } أَرْجِهْ {،(32) فيها ست قراءات متواترة، وهي:
1. } أَرْجِهِ {، دون همزة، وبكسر الهاء من غير إشباع، قرأ بذلك قالون وابن وردان.
2. } أَرْجِهِ {، كالوجه السابق، لكن مع إشباع كسرة الهاء بوصلها بياء، وقرأ بذلك ورش والكسائي وابن جمَّاز، وخلف في اختياره.
3. } أَرْجِئْهُ و{، بالهمز، مع ضم الهاء وإشباع ضمها بوصلها بواو، وبذلك قرأ ابن كثير وهشام.
4. } أَرْجِئْهُ {، بالهمز، مع ضم الْهاء من غير إشباع، وقرأ كذلك أبو عمرو ويعقوب.
5. } أَرْجِئْهِ {، بالهمز، مع كسر الهاء من غير إشباع، قرأ بذلك ابن ذكوان.
6. } أَرْجِهْ {، دون الهمز، مع سكون الهاء، وهي قراءة الباقين من القراء العشرة.(33)
(1) الإتقان في علوم القرآن (1/131).
(2) هو شرف الدين محمد بن عبد الله السلمي المرسي، عالم بالأدب والتفسير والحديث، ضرير من أهل مرسية بالأندلس، له ثلاثة تفاسير: الكبير والصغير والأوسط، وله مؤلفات في النحو، توفي سنة 565 هـ. انظر سير أعلام النبلاء (23/312)، والأعلام للزركلي (6/233).
(3) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/141)، قال أبو شامة: ظنَّ قومٌ أن القراءات السبع الموجودة الآن هي التي أريدت في الحديث، وهو خلاف إجماع أهل العلم قاطبة، وإنما يظن ذلك بعض أهل الجهل. انظر فتح الباري (8/646)، وقد تكلف الدكتور حسن ضياء الدين عتر الرد على هذا الوهم بِما فيه كفاية، وإن كان من الضعف بحيث لا يحتاج إلى ردٍّ. انظر الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها ص 346-352.
(4) الإتقان في علوم القرآن (1/131)، والبرهان في علوم القرآن (1/213).
(5) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/131)، وتفسير القاسمي (محاسن التأويل) (1/287)، وإعجاز القرآن والبلاغة النبوية للرافعي ص 70-72.
(6) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/132).
(7) رواه الطبري في مقدمة تفسيره، باب القول في البيان عن معنى قول رَسُول اللهِ ? أنزل القرآن من سبعة أبواب الجنة (1/30).
(8) البرهان في علوم القرآن (1/216).
(9) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/645).
(10) تفسير الطبري، المقدمة (1/20-21).
(11) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/645)، وانظر تفسير الطبري، المقدمة (1/30-31).
(12) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/645)، وروى هذا البلاغ مسلم في صحيحه كتاب صلاة المسافرين وقصرها، بَاب بَيَانِ أَنَّ الْقُرْآنَ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ، صحيح مسلم مع شرح النووي (6/101) ح 819.
(13) انظر تفسير القرطبي، المقدمة (1/34-35).
(14) وقد اختلف القائلون بهذا القول في تعيين اللغات التي نزل بِها القرآن اختلافًا كبيرًا، وليس هو من مقصود هذا البحث، فليراجعه من شاء في: البرهان(1/219-220)، والإتقان (1/135-136).
(15) فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/643)، والإتقان (1/135)، والبرهان في علوم القرآن (1/217)، والجامع لشعب الإيمان للبيهقي (5/221).
(16) انظر نكت الانتصار لنقل القرآن ص 119، وفتح بشرح صحيح البخاري (8/644).
(17) انظر الأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها، للدكتور حسن ضياء الدين عتر، ص 172-173.
(18) الإتقان في علوم القرآن (1/134)، وتفسير الطبري، المقدمة (1/25)، وتأويل مشكل الآثار للطحاوي (4/185-488).
(19) رواه أحمد في مسنده، مسند البصريين (6/37) ح 19992.
(20) الإتقان في علوم القرآن (1/134).(6/5)
(21) انظر البرهان في علوم القرآن (1/221).
(22) فتح الباري (8/644-645).
(23) مقدمة كتاب المباني ص 221-228، والأحرف السبعة ومنزلة القراءات منها ص 148-153.
(24) تأويل مشكل القرآن لابن قتيبة ص 36-38، والإتقان في علوم القرآن (1/132).
(25) انظر الإتقان في علوم القرآن (1/133).
(26) النشر في القراءات العشر (1/25-28)، والإتقان في علوم القرآن (1/133-134).
(27) هذا القول أشار إليه السيوطي في الإتقان (1/135) على طرفين هما القول الثالث والقول الرابع، وكذلك صدر بنحوه الحافظ ابن حجر شرحه لحديث الأحرف السبعة، انظر فتح الباري (8/639).
(28) راجع فتح الباري بشرح صحيح البخاري (8/648-653).
(29) سورة المائدة من الآية 60.
(30) تفسير البحر المحيط ( 3/529-531).
(31) انظر النشر في القراءات العشر (2/255).
(32) في موضعين: الآية 111 من سورة الأعراف، والآية 36 من سورة الشعراء.
(33) النشر في القراءات العشر (1/311-312).
--------------
نزول القرآن على سبعة أحرف
(الشبكة الإسلامية)
ثبت في صحاح الأخبار قوله صلى الله عليه وسلم ( إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه) وعند مسلم من حديث أُبيٍّ رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن ربي أرسل إلي أن اقرأ القرآن على حرف، فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فأرسل إليَّ أن اقرأ على حرفين، فرددت إليه أن هوِّن على أمتي، فأرسل إلي أن اقرأه على سبعة أحرف) .
وأخرج أبو يعلى في "مسنده" أن عثمان رضي الله عنه قال وهو على المنبر: " أُذَكِّرُ الله رجلاً سمع النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( أنزل القرآن على سبعة أحرف، كلها شافٍ كافٍ ) لَمَّا قام، فقاموا حتى لم يُحْصَوا، فشهدوا بذلك، فقال: وأنا أشهد معهم " وقد ورد معنى هذا الحديث من رواية جمع من الصحابة، ونص بعض أهل العلم على تواتره.
غير أن أهل العلم ذهبوا في معنى الحديث مذاهب شتى، بعضها فيه نظر لا يُعوَّل عليه، وبعضها الآخر داخل في غيره وعائد إليه. ونحن نختار من أقوالهم أهم قولين، ونحيل من أراد الاستزادة في ذلك إلى كتب القراءات:
القول الأول: أن المراد بالأحرف السبعة لغات قبائل من العرب، وليس معناه أن يُقرأ الحرف الواحد على سبعة أوجه. وهذا القول هو اختيار القاسم بن سلاَّم ، وآخرون، وصححه البيهقي ، واختاره ابن عطية ، قال ابن الجزري : وأكثر العلماء على أنها لغات .
القول الثاني: أن المراد بالأحرف السبعة سبعة أوجه من المعاني المتفقة، بالألفاظ المختلفة، نحو: أقبل، هلُمَّ، تعال، عجِّل، أسرع... ونسب ابن عبد البر هذا القول إلى أكثر العلماء، وأسند عن أبي بن كعب أنه كان يقرأ قوله تعالى: { كلما أضاء لهم مشوا فيه } (البقرة:20) (سعوا فيه) قال: فهذا معنى السبعة الأحرف المذكورة في الأحاديث عند جمهور أهل الفقه والحديث، قال: وفي مصحف عثمان رضي الله عنه الذي بأيدي الناس اليوم منها حرف واحد، وهذا القول اختيار الإمام الطبري .
ثم إن المحققين من أهل العلم ذهبوا إلى أن القراءات السبع المتواترة التي يتداولها الناس اليوم هي غير الأحرف السبعة التي وردت بها الأحاديث، بل هذه القراءات اختيارات أولئك الأئمة القراء؛ حيث اختار كل واحد منهم طريقة في القراءة مما نُقل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم أقرأها غيره حتى عُرف بها، ونُسبت إليه، ويدل على ما ذكرنا ما نُقل عن أهل العلم في ذلك، إذ قالوا: "فأما من ظن أن قراءة كل واحد من هؤلاء القراء ..أحد الحروف السبعة التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، فذلك منه غلط عظيم". ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا المعنى: " لا نزاع بين العلماء المعتبرين أن الأحرف السبعة التي ذكر النبي صلى الله عليه وسلم أن القرآن نزل عليها ليست هي قراءات القراء السبعة المشهورة ..".
غير أن القراءات التي يُقرأ بها اليوم غير خارجة عن الأحرف السبعة. وهذا الذي عليه جمهور المسلمين من السلف والخلف.
وبناء على هذا الاختيار، فإن المصاحف العثمانية التي بين أيدينا اليوم - كما قال السيوطي - تشتمل على ما يحتمل رسمها من الأحرف السبعة فقط، وهي جامعة للعرضة التي عرضها النبي صلى الله عليه وسلم على جبريل عليه السلام، متضمنة لها.
ومن المفيد التنبيه في هذا السياق، إلى أن القراءة التي عُرضت على النبي صلى الله عليه وسلم في العام الذي قُبض فيه، هي القراءة التي يقرأ بها الناس اليوم.(6/6)
والحاصل من أقوال أهل العلم في هذه المسألة، أن المقصود بالأحرف السبعة لغات للعرب على أرجح الأقوال، وأن عثمان رضي الله عنه ومن كان معه من الصحابة جمعوا القرآن على حرف واحد من تلك الأحرف، وهو حرف قريش، وصار المصحف العثماني شاملاً لحرف قريش، ولِمَا يحتمله رسمه من الأحرف الستة المتبقية؛ وأن القراءات المتواترة ما هي إلا قراءات ضمن حرف قريش، احتملها الرسم العثماني الذي لم يكن منقوطًا ولا مشكولاً حينذاك. كما أن نسبة القراءات السبع إلى القراء السبعة إنما هي نسبة اختيار وشهرة، واتباع للنقل والأثر ليس إلا. والله أعلم بالصواب .
--------------
الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف
(الشبكة الإسلامية)
لقد استقر بنا المقام في مقال سابق إلى أن القول المعتمد عند علماء القراءات أن المقصود من الأحرف السبعة التي ورد الحديث بها؛ أنها لغات سبع من لغات العرب؛ وأن القراءة التي يقرأ الناس بها اليوم، هي القراءة التي اعتمدها عثمان رضي الله عنه، وأمر زيدًا بجمعها وإرسالها إلى أقطار المسلمين، وأجمع المسلمون عليها خلفًا عن سلف، واستقر العمل عليها فيما بعد .
ثم لسائل أن يسأل بعد هذا: لماذا لم ينزل القرآن على حرف واحد فقط ؟ وما هي الحكمة وراء تعدد الأحرف القرآنية ؟ والإجابة على هذا السؤال هو المحور الذي يعالجه هذا المقال.
لقد ذكر علماء القراءات العديد من الوجوه التي تبين الحكمة من نزول القرآن على سبعة أحرف. ونحن - في مقامنا هذا - نقتطف من تلك الوجوه أوضحها وأظهرها، فمن ذلك:
- الدلالة على حفظ كتاب الله سبحانه من التبديل والتحريف؛ ووجه ذلك أنه على الرغم من نزول القرآن بأكثر من حرف، غير أنه بقي محفوظاً بحفظ الله له، فلم يتطرق إليه تغيير ولا تبديل، لأنه محفوظ بحفظ الله .
- ومن الحِكَم التخفيف عن الأمة والتيسير عليها؛ فقد كانت الأمة التي تشرَّفت بنزول القرآن عليها أمة ذات قبائل كثيرة، وكان بينها اختلاف في اللهجات والأصوات وطرق الأداء...ولو أخذت كلها بقراءة القرآن على حرف واحد لشقَّ الأمر عليها...والشريعة مبناها ومجراها على رفع الحرج والتخفيف عن العباد، يقول المحقق ابن الجزري - وهو من أئمة علماء القراءات -: " أما سبب وروده على سبعة أحرف فالتخفيف على هذه الأمة، وإرادة اليسر بها والتهوين عليها وتوسعة ورحمة..." وقد جاء في الصحيح أن جبريل عليه السلام أتى رسول الله صلى الله عليه يأمره أن يقرأ القرآن على حرف فطلب منه رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يهون على هذه الأمة فأمره أن يقرأه على حرفين فطلب منه التخفيف إلى أن أمره أن يقرأه على سبعه أحرف.. والحديث في "صحيح مسلم " .
- ومنها إظهار فضل هذه الأمة على غيرها من الأمم؛ إذ لم ينزل كتاب سماوي على أمة إلا على وجه واحد، ونزل القرآن على سبعة أوجه، وفي هذه ما يدل على فضل هذه الأمة وخيريتها
- ومن الحكم أيضًا، بيان إعجاز القرآن للفطرة اللغوية عند العرب، فعلى الرغم من نزول القرآن على لغات متعددة من لغات العرب، غير أن أرباب تلك اللغات وفرسانها لم يستطيعوا مقارعة القرآن ومعارضته، فدلَّ ذلك على عجز الفِطَر اللغوية العربية بمجموعها على الإتيان ولو بآية من مثل آيات القرآن الكريم .
- ثم نضيف فوق ما تقدم فنقول: إن من حِكَم نزول القرآن على تلك الشاكلة تعدد استنباط الأحكام الشرعية، ومسايرتها لظروف الزمان والمكان والتطور.. ولهذا وجدنا الفقهاء يعتمدون في الاستنباط والاجتهاد على علم القراءات - والقراءات جزء من الأحرف السبع التي نزل القرآن عليها - الذي يمدهم بالأحكام الشرعية، ويفتح لهم من الآفاق ما لم يكن كذلك لو نزل القرآن على حرف واحد. وعلى هذا يكون تعدد الأحرف وتنوعها مقام تعدد الآيات .
ونختم مقالنا بالقول: إن تعدد تلك الحروف القرآنية وتنوعها يحمل دلالة قاطعة على أن القرآن الكريم ليس من قول البشر، بل هو كلام رب العالمين؛ فعلى الرغم من نزوله على سبعة أحرف، إلا أن الأمر لم يؤدِ إلى تناقض أو تضاد في القرآن، بل بقي القرآن الكريم يصدق بعضه بعضًا، ويُبيِّن بعضه بعضًا، ويشهد بعضه لبعض، فهو يسير على نسق واحد في علو الأسلوب والتعبير، ويسعى لهدف واحد يتمثل في هداية الناس أجمعين .
وصدق الله القائل في محكم كتابه: { ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا } (النساء:82) فلو كان القرآن مفتعلاً مختلقًا، كما يقوله من يقول من الجهلة والمضللين لوجدوا فيه اختلافًا، أي: اضطرابًا وتضاداً كثيراً، أما وإنه ليس كذلك، تعين بالضرورة أن يكون سالمًا من الاختلاف والتضاد. وهذا مقتضى أن يكون من عند الله سبحانه وتعالى .
-----------
وراء تعدد الحروف والقراءات حِكَم جليلة
تاريخ الفتوى : 24 جمادي الثانية 1423 / 02-09-2002 السؤال
سؤالي عن قراءات القرآن المختلفة كقراة نافع أو ابن كثير أو حمزة.......(6/7)
1-هل كان القرآن يتنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم بكل هذه القراءات وكيف كان يعلمها جبريل للنبي بكل هذه القراءات المتعددة ؟
2- وما الحكمة والفائدة من تعدد القراءات مع أنها كلها باللغة العربية ؟
3- لماذا تنسب القراءة لشخص ما كحمزة مثلاً وباقي القراء ولا تنسب للنبي صلى الله عليه وسلم مباشرة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن جبريل كان ينزل بالقرآن على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما أمره ربه، قال عز وجل:نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ*بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:193-195].
وقال تعالى:لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ* فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ [القيامة:16].
فبين الله تعالى أنه أنزله بلغة العرب، ولغة العرب مختلفة اللهجات، بحيث يوجد في كل لهجة بعض الكلمات التي لا يفهمها ولا يعرفها أهل اللغة الأخرى، فسهل الله تعالى على الأمة بإنزال القرآن على سبعة أحرف، ففي الصحيحين عن ابن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أقرأني جبريل على حرف فراجعته، فلم أزل أستزيده ويزيدني حتى انتهى إلى سبعة أحرف.
قال ابن حجر في الفتح: ونقل أبو شامة عن بعض الشيوخ أنه قال: أنزل القرآن أولاً بلسان قريش، ومن جاورهم من العرب الفصحاء، ثم أبيح للعرب أن يقرؤوه بلغاتهم التي جرت عادتهم باستعمالها على اختلافهم في الألفاظ والإعراب، ولم يكلف أحد منهم الانتقال من لغته إلى لغة أخرى للمشقة، ولما كان فيهم من الحمية، ولطلب تسهيل فهم المراد، كل ذلك من اتفاق المعنى. انتهى
وقال ابن حجر أيضاً موضحاً ذلك: إن الإباحة المذكورة لم تقع بالتشهي -أي أن كل أحد يغير الكلمة بمرادفها في لغته- بل المراعى في ذلك السماع من النبي صلى الله عليه وسلم. انتهى
وبهذا يتبين لك أيها السائل الحكمة من تعدد هذه الأحرف.
ولْيُعْلًم أن الأحرف السبعة المذكورة في الحديث، ليست هي القراءات السبع المشهورة الآن، وقد سبق بيان هذا شافيا وافياً في الفتوى رقم:
18304 والفتوى رقم: 5963 والفتوى رقم:
11163.
ومنها يتبين أن نسبة القراءة إلى الإمام أو الراوي إنما كانت لا شتهاره بها على الصورة التي علمها لغيره وتناقلها الناس عنه واحداً بعد واحد على نفس الصورة، وأن الكل ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا معنى لأن ينسب إليه بعض القراآت.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
------------
حقيقة القراءات القرآنية
(الشبكة الإسلامية)
روى البخاري و مسلم عن عمر رضي الله عنه أنه قال: ( سمعت هشام بن حكيم يقرأ سورة "الفرقان" في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستمعت لقراءته، فإذا هو يقرأ على حروف كثيرة لم يُقرئنيها رسول الله صلى الله عليه وسلم فكدت أُساوره - أي أثب عليه - في الصلاة، فصبرت حتى سلم، فَلَبَّبْتُه بردائه - أي أمسك بردائه من موضع عنقه - فقلت: من أقرأك هذه السورة ؟ قال: رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: كذبت، فانطلقتُ به أقوده إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: إني سمعت هذا يقرأ سورة الفرقان على حروف لم تقرأ فيها، فقال: أرسله - أي اتركه - اقرأ يا هشام، فقرأ عليه القراءة التي سمعته يقرأ، فقال: كذلك أنزلت، ثم قال: اقرأ يا عمر، فقرأت القراءة التي أقرأني، فقال: كذلك أنزلت ( إن القرآن أنزل على سبعة أحرف، فاقرؤوا ما تيسر منه ) .
وقد أجمع أهل العلم على أن القرآن الكريم نُقل إلينا عن النبي صلى الله عليه وسلم بروايات متعددة متواترة، ووضع العلماء لذلك علماً أسموه علم "القراءات القرآنية" بينوا فيه المقصود من هذا العلم، وأقسام تلك القراءات وأنواعها، وأهم القراء الذين رووا تلك القراءات، إضافة لأهم المؤلفات التي دوَّنت في هذا المجال .
والقراءات لغة، جمع قراءة، وهي في الأصل مصدر الفعل "قرأ"، أما المقصود من علم القراءات في اصطلاح العلماء، فهو العلم بكيفية أداء كلمات القرآن واختلافها، منسوبة لناقلها .
وقد قسَّم أهل العلم القراءات القرآنية إلى قسمين رئيسين هما: القراءة الصحيحة، والقراءة الشاذة .
أما القراءة الصحيحة فهي القراءة التي توافرت فيها ثلاثة أركان هي:
- أن توافق وجهاً صحيحاً من وجوه اللغة العربية .
- أن توافق القراءة رسم مصحف عثمان رضي الله عنه .
- أن تُنقل إلينا نقلاً متواتراً، أو بسند صحيح مشهور .
فكل قراءة استوفت تلك الأركان الثلاثة، كانت قراءة قرآنية، تصح القراءة بها في الصلاة، ويُتعبَّد بتلاوتها. وهذا هو قول عامة أهل العلم .(6/8)
أما القراءة الشاذة فهي كل قراءة خالفت الرسم العثماني على المعتمد من الأقوال؛ وعلى قول: إنها القراءة التي اختل فيها ركن من الأركان الثلاثة المتقدمة. ويدخل تحت باب القراءات الشاذة ما يسمى بـ " القراءات التفسيرية " وهي القراءة التي صح سندها، ووافقت العربية، إلا أنها خالفت الرسم العثماني، كقراءة سعد بن أبي وقاص قوله تعالى: { وله أخت } (النساء: 176) فقد قرأها ( وله أخت من أم ) وقراءة ابن عباس قوله تعالى: { وكان وراءهم ملك يأخذ كل سفينة غصبا * وأما الغلام فكان أبواه مؤمنين } (الكهف:79-80) حيث قرأها: ( وكان أمامهم ملك يأخذ كل سفينة غضباً * وأما الغلام فكان كافراً ) .
قال العلماء: المقصد من القراءة الشاذة تفسير القراءة المشهورة وتبيين معانيها؛ كقراءة عائشة و حفصة رضي الله عنهما، قوله تعالى: { حافظوا على الصلاة الوسطى } (البقرة:238) قرأتا الآية: ( والصلاة الوسطى صلاة العصر ) وقراءة ابن مسعود قوله تعالى: { فاقطعوا أيديهما } ( المائدة:38) قرأها: ( فاقطعوا أيمانهما ) وقراءة جابر قوله تعالى: { فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم } ( النور:23) قرأها: ( من بعد إكراههن لهن غفور رحيم ). فهذه الحروف - القراءات - وما شابهها صارت مفسِّرة للقرآن .
وقد اتفقت كلمة أهل العلم على أن ما وراء القراءات العشر التي جمعها القراء، شاذ غير متواتر، لا يجوز اعتقاد قرآنيته، ولا تصح الصلاة به، والتعبد بتلاوته، إلا أنهم قالوا: يجوز تعلمها وتعليمها وتدوينها، وبيان وجهها من جهة اللغة والإعراب . والقراءات التي وصلت إلينا بطريق متواتر عشر قراءات، نقلها إلينا مجموعة من القراء، امتازوا بدقة الرواية، وسلامة الضبط، وجودة الإتقان، وهاك أسماء أصحاب تلك القراءات، وأشهر رواتهم:
- قراءة نافع المدني، وأشهر من روى عنه، قالون و ورش .
- قراءة ابن كثير المكي، وأشهر من روى عنه البزي و قنبل .
- قراءة أبي عمرو البصري، وأشهر من روى عنه الدوري و السوسي .
- قراءة ابن عامر الشامي، وأشهر من روى عنه هشام و ابن ذكوان .
- قراءة عاصم الكوفي، وأشهر من روى عنه شعبة و حفص .
- قراءة حمزة الكوفي، وأشهر من روى عنه خلف و خلاد .
- قراءة الكسائي الكوفي، وأشهر من روى عنه أبو الحارث و حفص الدوري .
- قراءة أبي جعفر المدني، وأشهر من روى عنه عيسى بن وردان و ابن جماز .
- قراءة يعقوب المصري، وأشهر من روى عنه رويس و روح .
- قراءة خلف بن هشام البزار البغدادي، وأشهر من روى عنه إسحاق بن إبراهيم و إدريس بن عبد الكريم .
ثم إن كل ما نُسب لإمام من هؤلاء الأئمة العشرة، يسمى ( رواية ) فنقول مثلاً: قراءة عاصم برواية حفص وقراءة نافع برواية ورش ، وهكذا .
هذا، وإن ابن عاشور ذكر في تفسيره " التحرير والنتوير " أن القراءات التي يقرأ بها اليوم في بلاد الإسلام هي: قراءة نافع برواية ورش في بعض القطر التونسي، وبعض القطر المصري، وفي جميع القطر الجزائر، وجميع المغرب الأقصى، وما يتبعه من البلاد والسودان. وقراءة عاصم برواية حفص عنه في جميع المشرق، وغالب البلاد المصرية، والهند، وباكستان، وتركيا، والأفغان، قال - والكلام - لـ ابن عاشور - وبلغني أن قراءة أبي عمرو البصري يقرأ بها في السودان المجاور لمصر .
وقد ألف العلماء في علم القراءات تآليف عدة، وكان أبو عبيد القاسم بن سلام من أوائل من قام بالتأليف في هذا العلم، حيث ألف كتاب القراءات جمع فيه خمسة وعشرين قارئًا، واقتصر ابن مجاهد على جمع القراء السبع فقط. وكتب مكي بن أبي طالب كتاب " التذكرة " ومن الكتب المهمة في هذا العلم كتاب " حرز الأماني ووجه التهاني" لـ القاسم بن فيرة ، وهو عبارة عن نظم شعري لكل ما يتعلق بالقراء والقراءات، ويعرف هذا النظم بـ" الشاطبية " وقد وصفها الإمام الذهبي بقوله: " قد سارت الركبان بقصيدته، وحفظها خلق كثير، فلقد أبدع وأوجز وسهل الصعب " .
ومن الكتب المعتمدة في علم القراءات كتاب "النشر في القراءات العشر " للإمام ابن الجزري وهو من أجمع ما كُتب في هذا الموضوع، وقد وضعت عليه شروح كثيرة، وله نظم شعري بعنوان "طبية النشر" .
ونختم هذا المقال بالقول: إن نسبة القراءات السبع إلى القراء السبعة إنما هي نسبة اختيار وشهرة، لا رأي وشهوة، بل اتباع للنقل والأثر، وإن القراءات مبنيَّة على التلقي والرواية، لا على الرأي والاجتهاد، وإن جميع القراءات التي وصلت إلينا بطريق صحيح، متواتر أو مشهور، منزَّلة من عند الله تعالى، وموحي بها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، لذلك وجدنا أهل العلم يحذرون من أخذ القرآن من غير طريق التلقي والسماع والمشافهة .
----------------
القراءات القرآنية...رحمة وتيسير ورفع مشقة
تاريخ الفتوى : 14 جمادي الأولى 1423 / 24-07-2002 السؤال
بأي قراءة تقرأ ليبيا القرآن؟ ورش أم قالون؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:(6/9)
فمن سنة الله تعالى الماضية في خلقه أنه لم يرسل رسولاً إلا بلسان قومه، كما قال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسَانِ قَوْمِه)ِ [إبراهيم:4].
وقال تعالى: (فَإِنَّمَا يَسَّرْنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) [الدخان:58].
ولما كان العرب الذين نزل فيهم القرآن مختلفي اللهجات، وإن اتحدت لغتهم أنزل الله تعالى كتابه على لهجاتهم ليتمكنوا من تلاوته وينتفعوا بما فيه من أحكام وشرائع، فلو نزل بلهجة واحدة لكان في ذلك من المشقة ما لا يخفى، وخاصة أن العرب في ذلك الوقت أمة أميَّة لا تكتب ولا تحسب، ومن الصعب على الإنسان أن يتحول من لهجته التي درج عليها، فلو كلف الله تعالى العرب مخالفة لهجاتهم التي درجوا عليها، لكان في ذلك مشقة وحرج شديد، وهذا الدين جاء برفع المشقة والحرج (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ).
ولقد يسر الله تعالى حفظ هذا الكتاب وتلاوته ليكون دستوراً للأمة تطبقه في واقع حياتها، وتتعبد بتلاوته آناء الليل والنهار.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرئ الصحابة بلهجاتهم، ليسهل على كل قبيلة تلاوته بما يوافق لهجتها، فلم يضيعوا منه جملة واحدة، ولم يغفلوا منه كلمة، بل ولا حرفاً ولا حركة ولا سكوناً، ونقله التابعون عن الصحابة على هذا الوجه من الإحكام والتحرير والإتقان والتجويد.
ثم إن جماعة من التابعين وأتباع التابعين كرسوا حياتهم، ووهبوا أعمارهم، وقصروا جهودهم على قراءة القرآن وإقرائه، وعنوا العناية التامة بضبط ألفاظه، وتجويد كلماته، وتحرير قراءاته، وتحقيق رواياته، وكان ذلك شغلهم الشاغل، وهدفهم الأوحد حتى صاروا في ذلك أئمة يقتدى بهم، ويرحل إليهم ويؤخذ عنهم، لذلك نسبت القراءة إليهم فقيل: قراءة فلان كذا وكذا، فنسبة القراءة إليهم نسبة ملازمة ودوام لا نسبة اختراع وابتداع، ومن هؤلاء الذين انقطعوا للتعلم والتعليم القراء العشر أصحاب القراءات المعروفة، وعلى رأسهم قارئ المدينة: نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم، وراوياه عيسى بن مينا بن وردان الملقب: قالون. وعثمان بن سعيد الملقب: ورش.
وقد اشتهرت روايتهما عن نافع في المغرب الغربي، وشمال وغرب أفريقيا، وفي ليبيا اشتهرت رواية قالون حيث طبع هناك مصحف بروايته، وحسب علمنا فلم تطبع رواية قالون إلا في ليبيا مع أنهم يقرأون أيضاً برواية ورش.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
=================== ... ...
القرآن والنحو .. وحقائق غائبة
كتب الاخ : متعلم
الحمد لله وكفى .. وسلام على عباده الذين اصطفى .. ثم أما بعد ..
يعترض النصرانى على القرآن ، ببعض آياته التى أتت على غير الشائع نحوياً ، يظن واهماً أن ذلك ينقص من شأن الكتاب العزيز .
فكيف يكون رد المسلم على ذلك ؟
عادة ما يلجأ المسلم إلى أقوال علماء النحو واللغة ، وفيها تخريجات نحوية للإشكال المتوهم فى الآية ، وغالباً ما يشير ـ العالم ـ إلى أن الإشكال المتوهم هو لغة جائزة عند العرب .
كل هذا جميل ورائع ، لكن هناك أمراً قبله علينا أن نعيه أولاً ، ثم نعلمه للنصارى ثانياً .
إن النصارى يحاكمون القرآن العظيم إلى منهج القواعد النحوية للصف الثالث الإعدادى !
يظنون أن القواعد النحوية حاكمة على القرآن !
وهذا جهل فاضح بنشأة علم النحو .
إن علم النحو ليس علماً عقلياً ، بمعنى أن سيبويه ـ مثلاً ـ لم يعتمد على التفنن العقلى فى تقرير قواعد النحو .
إن علم النحو مبنى على الاستقراء .
فسيبويه ـ مثلاً ـ أخذ يحلل كل النصوص الواردة عن العرب ، من شعر وخطابة ونثر وغير ذلك ، فوجد أنهم ـ العرب ـ دائماً يرفعون الفاعل فى كلامهم ، فاستنبط من ذلك قاعدة " الفاعل مرفوع " .. وهكذا نتجت لدينا " قاعدة نحوية " تسطر فى كتب النحو ، ليتعلمها الأعاجم فيستقيم لسانهم بالعربية إذا جرت عليه .
أفلو كان سيبويه وجد العرب ينصبون الفاعل ، أكنا سنجد كتاب القواعد النحوية فى الصف الثالث الإعدادى ، يخبرنا بأنه يجب علينا نصب الفاعل كلما وجدناه ؟
بلى قارئى الكريم !
إن علم النحو مبنى على الاستقراء .. " القواعد النحوية " مستنبطة من " استقراء " صنيع العرب فى كلامهم .
إذا فهمت هذه النقطة قارئى الكريم ، سيسهل عليك ـ إن شاء الله ـ فهم ما بعدها .
وهو أن العرب لم تكن كلها لهجة واحدة ، ولم تكن كلها تسير على نفس القواعد النحوية ذاتها ، ولم تكن تلتزم كل قبيلة منها بنفس المعاملات النحوية .
إن قبائل العرب لم تكن تسير فى كلامها على منهج النحو للصف الثالث الإعدادى !
وليس معنى ذلك أنه كان لكل قبيلة " نحوها " الخاص بها .. كلا .. وإنما اشتركت كل قبائل العرب فى " معظم " القواعد النحوية المشهورة الآن .. لكنها ـ أبداً ـ لم تجتمع على " كل " تلك القواعد بعينها .(6/10)
لعلك أدركت الآن ـ قارئى الكريم ـ أن دائرة الخلاف فى التعاملات النحوية بين القبائل العربية كانت صغيرة ، لكنها واقعة لا سبيل إلى إنكارها .
لكن لا تنتظر أن يخبرك واضعو المناهج النحوية فى المدارس بكل الاختلافات النحوية فى كل مسألة ، إنما هم يخبرونك فقط بـ " الشائع " و " الأعم " و " الأغلب " .. ثم يتوسع من شاء فى دراسته الجامعية ، لأنها أكثر تخصصاً .
وكل طالب مبتدئ فى قسم للغة العربية فى أى جامعة يدرك جيداً ما قلته سابقاً .
هنالك ـ فى المرحلة الجامعية ـ يدرس " الاختلافات " النحوية ، ويعرف ما هو الفرق بين " المذاهب " النحوية ، وبم تتميز " مدرسة الكوفة " عن " مدرسة البصرة " .. إلى آخر هذه الأمور .
إذن .. وضع العلماء القواعد النحوية بناء على استقراء كلام العرب ، وما وجدوه من اختلافات أثبتوه .
هل بقى ما يقال ؟
بالطبع بقى .
بقى أن تعلم أن " أهم " مصادر العلماء التى اعتمدوا عليها فى الاستقراء هو القرآن العظيم نفسه !
لأن القرآن أصدق صورة لعصره ، ليس فقط عند المسلم ، ولكن عند الجميع مسلمين وغير مسلمين ، فحتى أولئك الذين لا يؤمنون بمصدره الإلهى ، يؤمنون بأن القرآن أصدق تمثيل لعصره فى الأحداث التاريخية والعادات الجارية .. واللغة وقواعدها .
إن علماء النحو يستدلون على صحة قاعدة نحوية ما بورودها فى القرآن ، ليس فى قراءة حفص عن عاصم فقط ، بل يكفى ورودها فى أى قراءة متواترة أخرى .
أى أن القرآن ـ عند النحاة ـ هو الحاكم على صحة القاعدة النحوية ، وهى التى تسعى لتجد شاهداً على صحتها فى أى من قراءاته المتواترة .
القرآن هو الحاكم على النحو وليس العكس .
علينا أن نعى هذه الحقيقة جيداً ، وعلينا أن نعلم النصارى ما جهلوه منها .
إن النصرانى المعترض ، عندما يقرأ ما أتى به المسلم من تخريجات نحوية للعلماء ، يظن أن أقوال العلماء هى مجرد محاولات للهروب وإخفاء الحقيقة ! .. والحقيقة الثابتة ـ عنده ـ أن القرآن به أخطاء نحوية .. الحقيقة الثابتة عنده أن محمداً ـ صلوات ربى وسلامه عليه ـ لم يستذكر دروس كتاب النحو فى الصف الثالث الإعدادى جيداً !
الطريف فى الأمر ، أن النصارى يعترضون على المخالفات النحوية فى الآيات ، ولا يدرون من رصد هذه المخالفات !
لا تظن قارئى الكريم أن بعض النصارى العرب ـ سيرفنت أو غيره ـ تأملوا القرآن ، فاكتشفوا هذه الأخطاء المتوهمة ، بعدما حاكموه لما تعلموه فى الابتدائية من قواعد نحوية .. كلا .. لا تظن ذلك أبداً .
إنما كل ما يكتب عند النصارى حول ما يسمونه " أخطاء نحوية فى القرآن " ليس من كلامهم ، ولا من لباب أذهانهم ، ولا من بنات أفكارهم .
لقد نقلوا كل هذه " الأخطاء !" عن كتب المستشرقين الأعاجم ! من أمثال " نولدكه " وغيره .
لن أتوقف بك ـ قارئى الكريم ـ كثيراً فى محطة هؤلاء المستشرقين أعجميى القلب واللسان .. لن أخبرك شيئاً عن بعض كتاباتهم التى توضح مدى جهلهم الفاضح باللغة العربية ، مع أنك ساعتها ستدرك أنك لست أجهل أهل الأرض باللغة العربية ! .. ولن أخبرك شيئاً عن حقدهم الدفين ـ والظاهر ! ـ على دين الحق وكتابه ونبيه بل وأهله .. لن أخبرك شيئاً عن ذلك ، ولن أقف بك فى هذه المحطة أبداً .
لكن تعال نتعدى هذه المرحلة لنتساءل .. من أين أتى هؤلاء المتعالمين من المستشرقين بما أسموه " أخطاء نحوية " ، لينقلها نصارى العرب منهم بعد ذلك جهلاً بغير علم ؟
مرة أخرى أحذرك قارئى الكريم ! .. لا تتخيل أو تظن أو تتوهم أن هذا المستشرق الألكن ، ذا اللسان الأعجم ، قد تأمل القرآن " فتنبه " إلى تلك " الأخطاء " !
هم أحقر من ذلك قارئى الكريم ، وإن أوهموك بغير ذلك !
كان ما فعله هؤلاء المستشرقون كالتالى .. قرأوا كتب النحو التى ألفها علماء العربية ، وكذلك كتب التفسير ، وأخذوا يتتبعون ما رصده " علماء المسلمين " أنفسهم ، من ورود آيات قرآنية موافقة لقواعد نحوية لم تنل حظاً من الشهرة مثل غيرها .
لقد وجد المستشرقون بغيتهم !
فليجمعوا إذن كل تلك الإشارات والمواضع .. وليحذفوا تعقيبات العلماء منها ! .. وليطلقوا على ما جمعوه " أخطاء نحوية " ! .. وليسموا ما فعلوه " بحثاً علمياً " ! .. وليكن موصوفاً بالنزاهة والتجرد الموضوعى !
هذه هى قصتنا قارئى الكريم !(6/11)
إن ما يتهوك به النصارى من أخطاء نحوية فى القرآن ، ليست من نتاج ذكائهم ، وإنما نقلوها ـ جهلاً بغير علم ـ عن المستشرقين .. والمستشرقون ـ أعجميو القلب واللسان ـ لم يأتوا بها من لباب أذهانهم ، وإنما نقلوها ـ عدواً بغير علم ـ مما خطته أيدى عباقرة المسلمين الأفذاذ ، الذين كانوا يجرون على منهج علمى محكم سديد ، يستقرأون ما نقل عن العرب ، وينزلون إلى البادية ، ويعيشون بين الأعراب الذين لم يختلطوا ، فينقلون عنهم كلامهم وأشعارهم ونثرهم ، ويحللون كل ذلك تحليلاً مرهقاً للكلمة والحرف ، ثم يستنبطون ما جرى من قواعد على لسان العرب ، ويحددون الأغلب من غيره ، والشائع مما هو دونه فى الشيوع .
بعد أن سطر عباقرة المسلمين علومهم اللغوية والنحوية فى كتبهم ، راصدين كل الظواهر بأمانة ونقد ، يأتى المستشرقون ليقتطعوا من كلامهم ما ظنوه يخدمهم .. ساعدهم فى ذلك جهلهم الفاحش باللغة العربية ، وساعدهم علمهم بسذاجة وجهل من دونهم من شعوب النصرانية .
أرجو أن أكون قد أوضحت بعض الحقائق الغائبة فى موضوعنا .
اللهم ارزقنا حبك ، وحب من يحبك ، وحب كل قول وعمل يقربنا إلى حبك .
==================
هل ذكر بولس في القرآن ؟
كتب الاخ : متعلم
الشبهة :
الرسول العظيم بولس ..
يحظى بالنصيب الاكبر من عداوة ابليس وعملائه نتيجة لمجهوداته الجبارة التي اوصلت كلمة الرب الخلاصية الى ارجاء الارض ...
وهذا الرسول بالذات من يقلق راحة المسلمين .. فراحوا يعادونه باشد العداوة , وملقين عليه كل تهمة باطلة وفرية ساقطة .. محاولين النيل من المسيحية وعقائدها عن طريق الطعن بالرسول بولس ..<آR>
ولان جميع اعتراضات المسلمين على هذا الرسول الجبار قد تمت مناقشتها والرد عليها في كل مناسبة .. لهذا فموضوعي هنا ليس لهذه الغاية .. انما لاثبت للمسلمين ومن واقع كتبهم ومصادرهم .. كون الرسول بولس رسول حقيقي من عند الله !! .. واذا ما تبين لهم هذا ستسقط جميع اعتراضاتهم سقوطاً مدوياً الى الابد..
لنبدأ بالقران :
جاء في سورة يس جانب من قصة اعمال الرسل اي رسل وتلاميذ المسيح له كل المجد ..
{ واضرب لهم مثلاً اصحاب القرية اذ جاءها المرسلون . اذ ارسلنا
اليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا انا اليكم مرسلون } ( سورة يس :13-14).
وجاء بعدها : { وجاء من اقصا المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين } ( يس : 20)
{ اتبعوا من لا يسالكم اجراً وهم مهتدون } ( يس :21).
والان .. من هم اولئك الرسل .. ؟؟
وكانوا رسل من ...؟؟؟!!!
والسؤال الاهم :
من كان الرسول الثالث الذي عززهم به الله ؟؟؟!!!!
وللاجابة سنقوم بالرجوع الى التفسير .. وسابدا بابن كثير .. اذ نقل تفسيراً لسورة يس :13 و14 ما يلي :
إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمُ اثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ فَقَالُوا إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ
وَقَوْله تَعَالَى : " إِذْ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ اِثْنَيْنِ فَكَذَّبُوهُمَا " أَيْ بَادَرُوهُمَا بِالتَّكْذِيبِ " فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ " أَيْ قَوَّيْنَاهُمَا وَشَدَدْنَا أَزْرهمَا بِرَسُولٍ ثَالِث . قَالَ اِبْن جُرَيْج عَنْ وَهْب بْن سُلَيْمَان عَنْ شُعَيْب الْجِبَابِيّ قَالَ كَانَ اِسْم الرَّسُولَيْنِ الْأَوَّلَيْنِ شَمْعُون وَيُوحَنَّا وَاسْم الثَّالِث بولُص وَالْقَرْيَة أَنْطَاكِيَّة " فَقَالُوا " أَيْ لِأَهْلِ تِلْكَ الْقَرْيَة " إِنَّا إِلَيْكُمْ مُرْسَلُونَ " أَيْ مِنْ رَبّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ يَأْمُركُمْ بِعِبَادَتِهِ وَحْده لَا شَرِيك لَهُ وَقَالَهُ أَبُو الْعَالِيَة وَزَعَمَ قَتَادَة أَنَّهُمْ كَانُوا رُسُل الْمَسِيح عَلَيْهِ السَّلَام إِلَى أَهْل أَنْطَاكِيَّة .
http://quran.al-islam.com/Tafseer/D...Sora=36&nAya=13
ارايتم ! .. بالحرف الواحد يقول المفسر بان الرسول الثالث هو : بولس ..!!
وجاء في تفسير الجلالين : بان هؤلاء الرسل هم رسل المسيح !
وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا أَصْحَابَ الْقَرْيَةِ إِذْ جَاءَهَا الْمُرْسَلُونَ
"وَاضْرِبْ" اجْعَلْ "لَهُمْ مَثَلًا" مَفْعُول أَوَّل "أَصْحَاب" مَفْعُول ثَانٍ "الْقَرْيَة" أَنْطَاكِيَّة "إذْ جَاءَهَا" إلَى آخِره بَدَل اشْتِمَال مِنْ أَصْحَاب الْقَرْيَة "الْمُرْسَلُونَ" أَي رُسُل عيسى
http://quran.al-islam.com/Tafseer/DispTafsser.asp?
l=arb&taf=GALALEEN&nType=1&nSora=36&nAya=13
والنص القراني يقول بان الله هو من ارسلهم ! .. " اذ ارسلنا " ! .. " فعززنا بثالث " ..!
هذا من القران والتفسير ..
اما من اقوال محمد , فاقتبس من اوثق كتاب سيرة وهو السيرة النبوية لابن هشام
( ابي محمد عبد الملك بن هشام بن ايوب الحميري المعافري , المتوفي سنة 213 هجرية طبعة دار الكتب
العلمية بيروت - لبنان ) ..
بالتحديد من فصل : ( خروج رسل رسول الله الى الملوك ص 870) ما يلي :(6/12)
{ ان رسول الله خرج على اصحابه فقال لهم : ان الله بعثني رحمة وكافة , فادوا عني يرحمكم الله ,ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم , قالوا : وكيف يا رسول الله كان اختلافهم ؟ قال : دعاهم لمثل ما دعوتكم له , فاما من قرب به فاحب وسلم . واما من بهد فكره وابى , فشكا ذلك عيسى منهم الى الله , فاصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وُجه اليهم . قال ابن اسحق : وكان من بعث عيسى ابن مريم عليه السلام من الحواريين والاتباع الذين كانوا بعدهم في الارض : بطرس الحواري , ومعه بولس , وكان بولس من الاتباع ولم يكن من الحواريين الى رومية , واندرائس ومنتا الى الارض التي ياكل اهلها الناس , وتوماس الى ارض بابل من ارض المشرق , وفيلبس الى ارض قرطاجنة وهي افريقية , ويحنس الى افسوس قرية الفتية اصحاب الكهف ,ويعقوبس الى اورشلم وهي ايلياء قرية بيت المقدس , وابن ثلماء الى الاعرابية وهي ارض الحجاز , وسيمن الى ارض البربر , ويهوذا ولم يكن من الحواريين جعل مكان يودس }.
انتهى مقتبساً من كتاب : السيرة النبوية لابن هشام باب : خروج رسل رسول الله الى الملوك ص 870).
http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=hes2713.htm
وذات التفاصيل وذكر بولس كرسول للمسيح ورد في " الروض الانف " للسهيلي
http://sirah.al-islam.com/display.asp?f=rwd4233.htm
ونتيجة ما اوردنا اعلاه نتوصل الى هذه الحقائق السبعة :
1- تكلم القران عن رسل المسيح وكانهم رسل الله !
2- ذكر ابن كثير رسولان هما : شمعون ويوحنا ارسلا الى انطاكية.
3- والرسول الثالث الذي عززهما الله وقواهم بارساله هو بولص ! كما ذكر صراحة ابن كثير.
4- وصف القران حواريي المسيح بانهم : رسل , ومرسلون !! وهذا يعني ان بولس هو رسول المسيح الى الناس .
5- وصف رسل المسيح الثلاثة بانهم : لا يسالوا اجراً وهم مهتدون ! ويعني ان الرسول بولس مهتدي ويدعو الى الهداية ..
6- ذكر عن محمد في السيرة النبوية لابن هشام : بانه حكى عن ارسالية المسيح للحواريين الى ارجاء الارض وانهم تكلموا بالسنة ولغات اخرى بحسب الشعوب والامم التي ارسلوا اليها ..!!
7- ذكر نفس المصدر بان الرسول بولس قد ارسل مع بطرس الى رومية من قبل المسيح . وكان من التابعين .
فهل بعد كل هذا ياتي مسلم ويطعن في الرسول بولس وفي رسوليته ...؟؟!!!!
هل هناك من مسلم يخبرنا :
لماذا لم يحذر محمد رسول الاسلام الناس من بولس .. وبانه هو من حرف ديانة المسيح ..
او انه من افسد عقائدها .. الى اخر تلك الدعاوى العريضة التي يشيعها مسلمي العصور الاخيرة ...؟؟؟؟؟!!!!!!
امام المسلم الان .. امرين لا ثالث لهما .. إما :
- بولس رسول صادق من عند الله !
- او ان محمد لم ينتقده , جهلاً منه او كذباً !
الرد على هذه
الشبهة :
" بولس رسول الله فى القرآن " ! .. كذب ـ عمداً أو خطئاً ـ من قال هذا أو ادعاه !
يحاول كثير من النصارى أن يلتمسوا سنداً لصحة بعض معتقداتهم من آيات القرآن ، وحسبك بهذا تهافتاً وضعفاً !
استندوا على ما جاء فى كلام الرحمن ، من ذكر القرية إذ جاءها المرسلون ، فى سورة يس .
وجدوا فى كلام منقول عن بعض علماء المسلمين ، أن المرسلين المذكورين فى القصة هم أصحاب عيسى عليه السلام ، أرسلهم لدعوة أنطاكية إلى توحيد الله بلا شريك .. فتمسكوا بهذا القول ، وعضوا عليه بالنواجذ .
ولما تعثروا فى اسم بولس بين أقوال هؤلاء العلماء ، لم تثبت قلوبهم من الفرح ، واهتزت أنفسهم طرباً ، لما ظنوا أن فى ذلك إعلاء من شأن شاول اليهودى .
فنقول والله المستعان :
لعلماء المسلمين ومفسريهم فى تعيين هؤلاء الرسل المذكورين قولان مشهوران ..
القول الأول وهو الراجح : أن هؤلاء الرسل هم من الله ابتداء ، وليسوا رسل المسيح عليه السلام ..
القول الثانى المرجوح لانعدام الدليل : أن هؤلاء الرسل هم رسل عيسى عليه السلام ..
وسنبين فيما بعد ـ بمشيئة الله ـ أن القول الأول هو المعتبر ، وأن القول الثانى لا دليل عليه ، بل تآزرت الأدلة على نفيه .
ثم إننا نتنزل ونقول : حتى على افتراض أن المراد من قوله تعالى هم رسل عيسى عليه السلام ، فليس فى ذلك ما يعلى من شأن بولس مثقال ذرة ؛ لأن بولس ليس من حواريى عيسى أو أصحابه ، بل لم يره مرة واحدة فى حياته ، فيكون المراد بالرسل المذكورين فى الآية ـ على فرض التنزل ـ : الحواريون ، ومعلوم أن بولس ليس داخلاً فيهم ، لأنه محروم من هذا الشرف بإجماع العالمين !
وهذا على سبيل التنزل فقط كما أسلفنا .. وإلا فظاهر الآيات واضح ، وهو المراد ، وعليه تضافرت الأدلة ، من داخل النص القرآنى ، ومن خارجه ، والقول المتنزل إليه حُرم دليل الإثبات ، ومردود بالأدلة الواضحة ، كما سنبين إن شاء الله .(6/13)
إذن .. خلص للنص القرآنى سلامته من ذكر بولس ، سواء قلنا : إن الرسل المذكورين هم رسل الله ، أو قلنا : إنهم رسل عيسى عليه السلام .. على كلا القولين ، ليس لبولس نصيب فيهما .
[c] ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ [/c]
ولكن لبولس نصيب آخر ، ليس فى آيات الرحمن فهيهات ، ولكن فى أقوال بعض علماء المسلمين .. وذلك أن الذين أخذوا بهذا القول الثانى المرجوح ، من علماء المسلمين ومفسريهم ، اختلفوا فى تعيين أسماء هؤلاء الرسل ، بعدما اتفقوا على أنهم رسل رسول الله عيسى عليه السلام .. وفى اختلافهم هذا لم يجتمعوا على أن بولس هو أحدهم ، ولكن منهم من جعل بولس أحدهم ، ومنهم من لم يذكره من الثلاثة .. ثم إن هؤلاء الذين جعلوه واحداً من الثلاثة اختلفوا ، منهم من جعله أحد الرسولين الأولين ، ومنهم من جعله الثالث .
ماذا فعل باحثنا الهمام ؟!
ترك القول الراجح والمؤيد بالأدلة من الآية .. وعدل عنه إلى القول الواهن ..
لكنه وجد أن أصحاب القول الواهن لا يجتمعون على تعيين بولس من الثلاثة المذكورين ، فترك من أهملوا بولس ، وذكر الرواية التى عينت بولس من الرسل ، وهو يحسب أنه يحسن صنعاً .
إن من ظن أن هذا التعيين من بعض علماء المسلمين ، يخدمه فى محاولة رفع قدر بولس ، فهو واهم يتكلم بغير علم .
وإنما هذا الظن الجاهل قاد إليه الجهل بمسألتين عظيمتين .. الأولى : أن المسلم لا يعتقد بعصمة علمائه ، وعلماؤه هم الذين لقنوه ذلك .. والثانية : أن المسلم لا يحتاج إلى تعيين ما لم يعينه القرآن ، لأن غرض القصة يتحقق دون ذكر هذا التعيين .
المسألة الأولى ..
المسلم لا يعتقد بأن كل قول لعالم من المسلمين يجب الأخذ به ، أو أنه يلزمه فى دينه ، وإنما الذى يلزمه به ، ولا يخلص له إيمانه إلا به ، هو كلام الرحمن جل وعلا ، وكلام رسوله عليه الصلاة والسلام .
وأما كلام العلماء فهو كلام من ليس بمعصوم ، وإنما العصمة فى اجتماعهم ، لأن أمة محمد عليه الصلاة والسلام لا تجتمع على ضلالة ، فالذى أجمع عليه العلماء يلزم المسلم فى دينه ، وأما ما اختلفوا فيه من المسائل الخبرية والتشريعية ، فللمسلم أن يأخذ بالقول الذى يوافق الكتاب والسنة ، وله أن يضرب بما خالف الكتاب والسنة عرض الحائط ، نصحنا علماؤنا أنفسهم بذلك !
وما قررناه سابقاً غير مستساغ لغير المسلم ، لأنه يغالى فى تعظيم سادته وكبرائه ، ويفرط فى اتباع أحباره ورهبانه ، وهذا يفسر لنا سر إنكار البعض على المسلمين عدم تمسكهم بكل قول للعلماء ، لأنهم تصوروا أن المسلم يعامل " علماءَ " دينه ، كما يعامل غير المسلم " رجالَ " دينه !
والجهل بهذه المسألة .. الجهل بأن المسلم لا يلتزم بكل قول لعالم ، هو الذى قاد إلى الظن بأن القول المنقول عن بعض علماء المسلمين يلزم المسلم ، ويُحسب على القرآن .. فإذا قال بعض علماء المسلمين : إن بولس هو أحد الرسل المذكورين فى سورة يس ، لزم ذلك المسلم ، ولزم ذلك القرآن ، فيكون القرآن هو الذى قال إن بولس رسول الله ! .. وقد بينا ما فى هذا الظن الخاطئ من خطل ، وبينا سبب الجهل الذى قاد إليه ، وأوقع فيه .. فكن من ذلك على بينة .
المسألة الثانية ..
يبهم القرآن كثيراً من أسماء شخصياته ، فى قصصه العظيم ، ولا يؤثر ذلك عند المسلم فى فهم القصة ، لأن ما أبهمه القرآن لا يقف الجهل به عائقاً أمام فهم أحداث القصة الرئيسية ، التى يريد القرآن إيصالها للمتلقى ، وصولاً به إلى استخلاص العبر الحكيمة والعظات الجليلة .
لكن غير المسلم تعود من كتابه غير ذلك .. تعود الإغراق فى التفصيلات النافعة وغير النافعة .. لم يتعود على أسلوب القرآن فى تنقية القصة مما يشتت ذهن المتلقى عن موطن العبر والعظات .. وبالتالى يستنكر بشدة أن يغفل القرآن ذكر بعض التفصيلات ، التى لا يضره إغفالها لو فقه وتدبر .
ثم يغتر بما يذكره المفسرون فى كتبهم ، من مرويات عن بنى إسرائيل وغيرهم ، تذكر كثيراً من هذه التفصيلات التى أهملها القرآن ، فلا يفهم هذا الصنيع من المفسرين ، فيظن أنهم يريدون تكملة ما " نقص " من القرآن ، ولم يعلم أنهم يدركون كمال القرآن ، ويدركون أن فيما ذكره الكفاية .. لكنه الثراء العلمى ، والأمانة العلمية ، ومحاولة الاستئناس بما لا يضر إغفاله .
لكنه لم يفطن إلى سر صنيع مفسرينا الكرام ، فيظن أن فيما ذكروه من تفصيلات يُحسب على القرآن ، فيكون بمثابة أن القرآن قاله ، لأن القرآن لم يصرح به لكن ذكره المفسر عند تفسير الآية ، فيظن أن قول المفسر فى منزلة نص القرآن ، من جهة إلزام المسلم فى دينه .. فيكون على ذلك عنده ، أنه إذا ذكر بعض المفسرين أن بولس من هؤلاء الرسل الثلاثة ، يكون ذلك موضحاً لما أبهمه القرآن ، فيكون " تكميلاً " للقرآن ، وبالتالى له حجية القرآن فى نفس المسلم ، فيلزمه الأخذ به .(6/14)
فالجهل بهذه الخصيصة ، لأسلوب القرآن فى قصصه العظيم ، يقود إلى الظن بأن بعض أقوال المفسرين تلزم المسلم فى دينه .. وقد بينا عوار هذا الظن ، وخطل ما بنى عليه من جهل .
والمقصود .. أن الظن بأن ما ذكره بعض المفسرين ، من تعيين بولس رسولاً فى قصة يس ، يلزم المسلم فى دينه ، هو ظن خاطئ بنى على الجهل .. فإن قائله جهل أن المسلم لا يعتقد بعصمة علمائه ، فظن أن أى قول لأى عالم يلزم المسلم ، وهذا من الخطأ بمكان عظيم كما بينا .. ثم إنه جهل خصيصة للإعجاز القرآنى فى قصصه ، وهى إبهامه واختصاره لما لا يضر إغفاله ، فتوهم النقص فى ذلك ، واغتر بذكر المفسرين لبعض التفصيلات ، فحسب أن فى ذكر بعض المفسرين لتعيين بولس بين الرسل فى قصة يس .. حسب أن فى ذلك إلزام للمسلم فى دينه .. وقد بينا خطأ هذه المسألة كأختها .. ولله الحمد والمنة .
والحاصل أن من توهم أن تعيين بعض علماء المسلمين لبولس بين رسل المسيح ، يخدمه فى محاولة الرفع من شأن بولس ، هو واهم يتكلم بغير علم ، أوقعه فى وهمه الجهل بمسألتين جليلتين .
فإن هذا القول لبعض علماء المسلمين لا يلزم المسلم فى دينه أبداً ، ليس فقط لأنه قول مرجوح مردود بالأدلة ، وليس فقط لأن فيه خلاف حتى بين الفريق القائل به ، ولكن لأنه أيضاً مبنى على الظن بإلزام كل قول عالم للمسلم ، ومبنى على الظن بأن ما أغفله القرآن يحتاج إليه المسلم ، وكلا الظنين خطأ وباطل ، وما بنى عليهما باطل .
لكن ها هنا مسألة لطيفة .. فقد يقال : حسناً .. ما قدمتموه يبين عدم إلزام هذا القول للمسلم ، لكن ألا يدل هذا القول من هؤلاء العلماء ، على أن بولس عندهم ليس كذاباً ، وإلا ما عدوه ضمن رسل المسيح عليه السلام ؟
فنقول وبالله التوفيق :
أولاً ..
لم ترد رواية واحدة بسند صحيح عن أحد هؤلاء العلماء ، لا من التابعين ولا من غيرهم ، فيها النص على اسم بولس ، وإنما الروايات كلها ضعيفة السند ، لكنها اشتهرت بالمعنى المجمل لها عن هؤلاء العلماء ، وهذا الذى نال الشهرة حتى قبلنا مناقشته ، هو أن هؤلاء الرسل هم رسل المسيح عليه السلام ، هذا هو القدر المشهور فقط ، والذى يحتج به على هؤلاء العلماء ، وأما تعيين أسماء الرسل أنفسهم ـ ومن بينهم بولس ـ فلم ينل هذه الشهرة ، وبالتالى لا حجة فيه عليهم .
وهذا يفسر لك سبب الاضطراب فى تعيين أسماء هؤلاء الحواريين ، لأن هذا التعيين لم ينل من الشهرة القدر الكافى عن هؤلاء العلماء ، وإنما الذى نال الشهرة هو قولهم إن رسل يس هم أصحاب عيسى عليه السلام ، دون النص على أسمائهم .
من أجل ذلك لا يصح الاحتجاج بذكر بولس بين الروايات ، على أنه معتبر عندهم ، لعدم صحة سند ذلك عن هؤلاء العلماء ، ولا يعتبر ضعف السند مانعاً من قبول مناقشة الرأى المرجوح ، لأنه اشتهر بمعناه المجمل .
ثانياً ..
من أين استقى هؤلاء العلماء النص على أسماء هؤلاء الحواريين ؟ .. يخطئ من ظن أنهم استقوه من النبى عليه الصلاة والسلام ، فإنه ليس هناك رواية واحدة فيها ذكر بولس هذا ، اللهم إلا رواية واحدة فقط ، تذكر هذا الرسم " بولس " كاسم واد فى جهنم ! .. على أن هذه الرواية لا يعتد بها !
فمن أين استقى هؤلاء العلماء معلوماتهم ؟ .. لقد كانوا يروون ما رواه لهم أهل الكتاب ، ولا شك أن ليس كل ما كان يروى لهم حقاً وصدقاً ! .. ولا يتضرر المسلم عموماً من ذكر أقوال أهل الكتاب ، لأنه يعلم أنه لا حجة فيها البتة ، إنما هى تذكر وتروى لعموم إباحة النبى عليه الصلاة والسلام .. فقط ليس إلا .
والمقصود هنا ، أن الخطأ كان من الكتابى ، ورواه العالم ـ على فرض ثبوت الرواية تنزلاً ـ مستشفعاً بالأمر المبيح العام من النبى عليه الصلاة والسلام ، عالماً أن ليس فى ذلك حجة عليه ولا على أى مسلم ، ناهيك أن يكون فيه حجة على النص القرآنى .
لهذين الأمرين ، لا يصح اعتبار ورود اسم بولس عن بعض علمائنا ، فى قولهم المرجوح ، تزكية لبولس منهم .. أولاً .. لعدم ثبوت النص على اسم بولس فى الروايات بالسند الصحيح .. وثانياً .. لأنهم لم يأتوا باسمه ـ إن كانوا قد فعلوا ـ إلا رواية عن أهل الكتاب ، التى يعلم المسلم مكانتها من الاحتجاج .
ولكن ها هنا مسألة أدق وألطف .. فقد يقال : قبول هؤلاء العلماء لاسم " بولس " ، على فرض أنهم نصوا عليه ، يعتبر عدم طعن منهم فيه ، ولو رووا ذلك من باب السكوت عنه ، إذ كان يلزمهم بيان كذب بولس بحسب اعتقاد أكثر علماء المسلمين .
فنقول وبالله التوفيق :
أولاً .. ليس من الثابت المتيقن أن بولس الذى تذكره الروايات هو شاول اليهودى ، على الأقل يمكن أن يقال : ليس من الثابت عند هؤلاء العلماء أن هذا هو ذاك .
ثانياً .. لا يضرنا أن نقر ، عند التنزل ، أن هؤلاء العلماء جهلوا حال بولس ، فذلك لا يضر المسلم فى شىء ، ولا يلزمه باعتناق رأيهم ، لأنه قد يظهر لعالم ما لا يظهر لآخر ، وهذا يؤمن به المسلم ، ولا غضاضة فيه أبداً .(6/15)
بل إن هذا الإقرار منا ، عند التنزل ، لا يضر هؤلاء العلماء ولا مقامهم عندنا ، لأنه ليس من شرط رفعة قدر العالم فى الإسلام ألا يخطئ ، فإنه لا يحيط بعلم هذا الدين إلا خاتم المرسلين ، بما نزله على قلبه رب العالمين .. وقد كان فى صحابة رسول الله من يجهل بعض المسائل ، ولم يعلمها إلا بعد موت النبى عليه الصلاة والسلام ، ولم ينقص ذلك من قدرهم عند الناس ، ولا عند الله .. فلا يضر هؤلاء العلماء إقرارنا بغياب معلومة عنهم .. لا ينقص من قدرهم أبداً عندنا .. ولا فى ميزان أحكم الحاكمين
على ضوء ما فات ، نناقش ما كتبه زميلنا "البابلى" تفصيلياً ، كاشفين عواره ، ومبينين الصواب بإذن الله .
تقول : " بالحرف الواحد يقول المفسر بان الرسول الثالث هو : بولس " ..
تحسب بذلك أنك توهم قارئك المسكين ، بأن ابن كثير يعتنق رأيك ، وابن كثير لا يقول أصلاً بأن رسل يس هم حواريي عيسى ، ناهيك عن أن ينص على بولس ولا غيره .. لكن هذا الإيهام إن راج على المسيحى المسكين ، فلا يدخل على المسلم المطلع بحال .
يقول ابن كثير فى تفسيره : ج 3 ص 567 :
" يقول تعالى : واضرب يا محمد لقومك الذين كذبوك مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون .. قال ابن إسحاق فيما بلغه ، عن ابن عباس رضي الله عنهما ، وكعب الأحبار ، ووهب بن منبه : إنها مدينة أنطاكية ، وكان بها ملك ، يقال له : انطيخس ابن انطيخس بن انطيخس ، وكان يعبد الأصنام ، فبعث الله تعالى إليه ثلاثة من الرسل ، وهم صادق وصدوق وشلوم ، فكذبهم .. وهكذا روي عن بريدة بن الخصيب ، وعكرمة ، وقتادة ، والزهري ، أنها : إنطاكية ..وقد استشكل بعض الأئمة كونها إنطاكية بما سنذكره ، بعد تمام القصة ، إن شاء الله تعالى "
وبعد تمام القصة وفى ابن كثير بما وعد ، يقول فى ص 570 :
" وقد تقدم عن الكثير من السلف ، أن هذه القرية هي انطاكية ، وأن هؤلاء الثلاثة كانوا رسلاً من عند المسيح عيسى بن مريم عليه الصلاة والسلام .. وفي ذلك نظر من وجوه :
" أحدهما : أن ظاهر القصة يدل على أن هؤلاء كانوا رسل الله عز وجل ، لا من جهة المسيح عليه السلام ، كما قال تعالى " إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون .. " إلى أن قالوا " .. ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون . وما علينا إلا البلاغ المبين " .. ولو كان هؤلاء من الحواريين لقالوا عبارة تناسب أنهم من عند المسيح عليه السلام ، والله تعالى أعلم .. ثم .. لو كانوا رسلَ المسيح لما قالوا لهم " إن أنتم إلا بشر مثلنا " ..
" والثاني : أن أهل انطاكية آمنوا برسل المسيح إليهم ، وكانوا أول مدينة آمنت بالمسيح ، ولهذا كانت عند النصارى إحدى المدائن الأربعة اللاتي فيهن بتاركة .. فإذا تقرر أن انطاكية أول مدينة آمنت ، فأهل هذه القرية ذكر الله تعالى أنهم كذبوا رسله ، وأنه أهلكهم بصيحة واحدة أخمدتهم ، والله أعلم ..
" الثالث : أن قصة انطاكية مع الحواريين بين أصحاب المسيح بعد نزول التوراة ، وقد ذكر أبو سعيد الخدري رضي الله عنه وغير واحد من السلف ، أن الله تبارك وتعالى بعد إنزاله التوراة لم يهلك أمة من الأمم عن آخرهم بعذاب يبعثه عليهم ، بل أمر المؤمنين بعد ذلك بقتال المشركين .. ذكروه عند قوله تبارك وتعالى " ولقد آتينا موسى الكتاب من بعد ما أهلكنا القرون الأولى " .. ا.هـ
إذن .. ابن كثير لا يقول بأن بولس من رسل المسيح ، لأنه أصلاً لا يؤمن بأن رسل يس هم رسل عيسى عليه السلام ، وإنما يقول بأنهم رسل الله عز وجل ، الواحد الأحد ، الفرد الصمد .
ثم تستشهد بتفسير الجلالين ، الذى رأى أن الرسل هم رسل عيسى عليه السلام ، وهو يتابع فى ذلك أصحاب هذا الرأى دون بينة ، وقد بينا سابقاً رأينا فى موقف المفسرين الأوائل ، كقتادة وغيره ، وأما من تابعوهم من مفسرينا المتأخرين كالجلالين وغيرهما ، فنقول مثلما علمونا : كلٌ يؤخذ من كلامه ويرد إلا محمد عليه الصلاة والسلام ، ولا ينقص هذا من قدرهم عندنا ولا عند الله .. ثم إن قولهم بأنهم رسل عيسى عليه السلام ، ليس فيه حجة على أن بولس كان منهم ، فبولس سيخرج خاوى الوفاض من كلا الرأيين كما بينا سابقاً ، لأنه حُرم شرف صحبة عيسى عليه السلام .
ثم تزعم بعدها أنك ستستشهد على صحة دعواك من أقوال محمد .. صلى الله عليه وسلم ، ثم تنقل لنا ما يلى من رواية ابن إسحاق :
" أن رسول الله خرج على اصحابه فقال لهم : ان الله بعثني رحمة وكافة ، فادوا عني يرحمكم الله ، ولا تختلفوا علي كما اختلف الحواريون على عيسى ابن مريم ، قالوا : وكيف يا رسول الله كان اختلافهم ؟ قال : دعاهم لمثل ما دعوتكم له ، فاما من قرب به فاحب وسلم ، واما من بهد فكره وابى ، فشكا ذلك عيسى منهم الى الله ، فاصبحوا وكل رجل منهم يتكلم بلغة القوم الذين وُجه اليهم "
أين ذكر بولس على لسان النبى عليه الصلاة والسلام ؟ .. أين ما ادعيته من الاستشهاد من أقوال النبى عليه الصلاة والسلام ؟ ..(6/16)
ولا أناقش هنا سند الرواية ، ولكن تنزلاً على فرض صحة السند ، هل نص الرسول عليه الصلاة والسلام على بولس هذا ؟ .. بالطبع كلا .. إن النبى عليه الصلاة والسلام يتكلم عن الحواريين .. وبولس لم يكن منهم ، إن كان قد بلغك هذا !
وأنتهز الفرصة وأنبه على أن من يتصدى لمثل أمرنا ، لا بد أن يعد عدته ، ولا يهجم على ما لا يعلم .. أما أن يأتينا أحدهم بمسائل ، ولا يعرف كيف ينسب القول لصاحبه ، فعلى الدنيا السلام ! .. ولنا أن نسائله : هل إيمانه مبنى بمثل هذه الطريقة الرائعة ؟ .. هل جرى فى إثبات عقيدته على هذه القواعد العلمية المحكمة ؟!
إن من لا يفقه التفرقة بين أقوال الشخص وقول غيره ، حرى به أن يكفينا شره ، ولا نسمع منه بعد ذلك أنه يصحح عقائد الآخرين أو يتكلم عنها .. عليه أن ينشغل بنفسه أولاً ، عليه أن يراجع معتقده ، إن كان قد بناه بهذه الطريقة الفاضلة !
ثم تورد قول ابن إسحق :
" وكان من بعث عيسى ابن مريم عليه السلام من الحواريين والاتباع الذين كانوا بعدهم في الارض : بطرس الحواري ، ومعه بولس ، وكان بولس من الاتباع ولم يكن من الحواريين الى رومية .. "
ولا أدرى .. هل تعتقد فعلاً أن عيسى عليه السلام بعث " بولسك " المعروف فى حياته ؟ .. بالطبع كلا ، وأنت تخطئ ابن إسحق فى قوله هذا ، وأنا معك أعتقد أيضاً بخطأ القول فى نفسه ، لو عنى به بولسنا الشهير .. ولكن هل يتحمل ابن إسحق خطأ القول كاملاً ؟ أم يشترك معه أحد فى تحمله ؟ أم ينجو ابن إسحق من تحمله ؟ .. هذه مسألة أخرى لا تعنينى هنا .. فعلى كل الأحوال لا يلزمنى هذا القول فى دينى كما بينت سابقاً .
وعلى جرفك الهار هذا ، بنيت سبعة " حقائق " كما تتوهم !
تقول :
" ( 1 ) .. تكلم القران عن رسل المسيح وكانهم رسل الله ! " ..
كذبت ـ عمداً أو جهلاً ـ فى هذا ، فإن القرآن لم يسمى الحواريين رسل الله أبداً ، لا فى سورة يس كما بينا ، ولا فى غيرها .
" ( 2 ) .. ذكر ابن كثير رسولان هما : شمعون ويوحنا أرسلا الى انطاكية "
لم يذكرها ابن كثير على أنه يعتقد ذلك فعلاً ، وإنما يظن ذلك من لا خبرة له بالتفاسير ، والأولى ألا يهجم الإنسان على ما لا يعلم ، وأن يدع الأمر لأهله .. فابن كثير إنما " حكى " ذلك عن رواية مذكورة عن شعيب الجبائى ، ولا يلزم من ذلك إيمانه بثبوت الرواية فعلاً عن الجبائى ، ولا يلزم اعتقاده فعلاً بأنهما كانا شمعون ويوحنا فعلاً ، لأنه لا يعتنق أصلاً الرأى القائل بأن رسل يس هم رسل عيسى عليه السلام ، كما بينا .. ولله الحمد والمنة .
" ( 3 ) .. والرسول الثالث الذي عززهما الله وقواهم بارساله هو بولص ! كما ذكر صراحة ابن كثير "
لا داعى لتعجبك وإظهاره بعلامة ! .. وابن كثير لم يعترف بجريمة قتل حتى تؤكد أنه " ذكر صراحة " ! .. ابن كثير رحمه الله يعرف ما يفعله .. الرجل ينقل رواية اشتهرت من باب الأمانة العلمية ، لكنه لا يعتقد بثبوتها عمن نقلت عنه ، فضلاً عن أن يعترف لمن نقلت عنه بصحة رأيه فى المسألة .. وإنما يصعب على غير المسلم استساغة هذا الاستقلال العلمى من علمائنا ، لجدة ذلك عليه !
" ( 4 ) .. وصف القران حواريي المسيح بانهم : رسل ، ومرسلون !! وهذا يعني ان بولس هو رسول المسيح الى الناس "
نتيجة باطلة بنيت على مقدمة خاطئة ! .. لم يصف القرآن الحواريين بأنهم رسل الله ، لا فى هذه الآيات ولا فى غيرها .. أرجو ألا تتعشم فى ذلك كثيراً ! .. ثم إن بولس ليس من الحواريين !
" ( 5 ) .. وصف رسل المسيح الثلاثة بانهم : لا يسالوا اجراً وهم مهتدون ! ويعني ان الرسول بولس مهتدي ويدعو الى الهداية "
للأسف .. خيب القرآن ظنك .. أعتذر عن هذا بشدة ! .. لم يكن الوصف للحواريين رضى الله عنهم ، ثم إن بولس لم يكن من الحواريين أصلاً .
" ( 6 ) .. ذكر عن محمد في السيرة النبوية لابن هشام : بانه حكى عن ارسالية المسيح للحواريين الى ارجاء الارض وانهم تكلموا بالسنة ولغات اخرى بحسب الشعوب والامم التي ارسلوا اليها ..!!"
هل تحققت من سند الرواية التى تريد الاستشهاد بها ؟ .. أم أن مسألة " التثبت " هذه غريبة عليك لم تتعودها ؟ .. حاول دوماً أن تتعود على التثبت من الأخبار .. خاصة فى المعتقد !
ثم إن الرواية ـ لو صح سندها ـ فليس فيها نصيب لبولس ! ..
" ( 7 ) .. ذكر نفس المصدر بان الرسول بولس قد ارسل مع بطرس الى رومية من قبل المسيح . وكان من التابعين "
بينا من قبل أن هذا لا يحسب على القرآن أو السنة ، وإنما هو من رواية ابن إسحاق ، ثم إننا لا نسلم بتحمل ابن إسحاق للمسئولية كاملة ، لما قدمناه ، ولا يعنينا هنا تحملها أم لا ، الذى يعنينا أن المسلم غير ملزم بكلام ابن إسحاق ، وكلامه لا يحسب على القرآن أو السنة .. وإنما يظن ذلك الجاهل بدين الإسلام فقط .. والأحرى بالإنسان أن يقرأ قليلاً عن الدين الذى يريد أن يتكلم عنه ، وإلا فليسكت وليترك المطلعون يتكلمون حتى لا يفضح نفسه .(6/17)
هذا عن أصل المبحث .. ثم تطرقت إلى مسألة أخرى ، لا بأس بأن نعلق عليها ..
تقول : " لماذا لم يحذر محمد رسول الاسلام الناس من بولس ، وبانه هو من حرف ديانة المسيح ؟ "
هذا سؤال من لا يعلم شيئاً عن القرآن ، ولا يفقه كتابه !
أولاً ..
هل تتخيل أن الكتب السماوية تنزل بما تريده أنت من تفصيلات ؟ .. إن وحى ربك ليس على هواك كما تتوهم !
إن المسلم لا يحتاج من القرآن أن ينص له على أن بولس هو الذى حرف ديانة المسيح عليه السلام ، لا يحتاج ذلك من القرآن ولا من السنة ، بل لا يهم المسلم إن كان بولس قد فعل ذلك فعلاً أم لا ! .. الذى يهم المسلم هو : هل حرفت ديانة المسيح أم لا ؟ .. وشتان ما بين الأمرين !
ذكر القرآن لنا ما نحتاجه ، وهو أن دين المسيح كان على التوحيد ، مثله مثل باقى إخوانه من أنبياء الله عليهم الصلاة والسلام ، وأنه لم يقل للناس اتخذونى إلهاً ، ولم يعلمهم تثليثاً ولا غيره ، وأن التبديل فى الدين إنما حصل من بعد رفعه .. هذا هو ما يحتاجه المسلم .. ولا حاجة به إلى النص على تأثير بولس أو غيره ، ولا عن مجمع نيقية ولا غيره ، ولا عن كل هذه التفصيلات ، وإنما يشير إليها القرآن بإجمال فقط ، وغير متعذر على المسلم ولا على غيره تحصيل التفصيلات إن أراد .
ثانياً ..
أنت تخيلت أن المسلمين يعادون بولس عداوة شخصية ، وليس الأمر كذلك ، وإنما المسلمين الذين يعادون بولس ، إنما عادوه من أجل تحريف دين رب العالمين ، وليس كل المسلمين يعادون بولس كما توهمت ، وإنما كل المسلمين يؤمنون بتحريف رسالة المسيح عليه السلام بالتثليث وغيره ، كل المسلمين مجمعون على هذا ، ولكن هل فعل ذلك بولس أم غيره ؟ .. لا يغير فى حقيقة الأمر كثيراً عندنا .. المهم أننا نؤمن أن التحريف وقع ، وأن المسيح لم يقل للناس أبداً اتخذونى إلهاً .
ثم لما بحث بعض علمائنا فى تاريخ المسيحية ، الذى سطرته أيدى أبناؤها ، وجدوا أن بولس ـ فى نظرهم ـ هو الذى أحل ما حرم الله للمسيحيين ، فعادوا بولس من أجل ذلك ، وليس من أجل ما لبس به الشيطان عليك !
الجدير بالذكر أن ليس من المسلمين وحدهم من ناصبوا بولس العداء ، أو اعتقدوا بأنه غير دين المسيح عليه السلام ، بل قال معهم بذلك الكثيرون من أبناء الشعوب المسيحية .
ثالثاً ..
حتى أساعدك على إزالة الوهم عن عينيك ، أرد سؤالك عليك .. لماذا لم يذكر الكتاب المقدس شيئاً عن النبى عليه الصلاة والسلام ؟
لا تتسرع يا عزيزى بإيراد هذه العبارة أو تلك ، متوهماً أنها " ترمز " إلى النبى العربى الذى سيظهر ، وحاول أن تقرأ أولاً عن تفنيد علماء المسلمين لمثل هذه العبارات ، وليكن هذا دأبك دائماً ، أن تحاول الاطلاع أولاً على الرأى الآخر قبل " الهجوم " على موضوعك الذى تنشد ، فكلها عبارات لا تخدمك ، ولو وافقتك على إسقاطها على النبى لأوقعت كتابك فى مشاكل لا تنقصه أبداً .
عموماً .. لن أتطرق إلى ذلك .. لكن يبقى أن الكتاب المقدس لم يذكر شيئاً عن ظهور النبى الكذاب محمد بوضوح .. صلوات ربى وسلامه عليه .. على الأقل لم يذكر ظهوره صراحة ، مع خطورة أمر هذا النبى .
فإن نص الكتاب المقدس على ظهور النبى محمد ، أولى من نص القرآن على بولس ، مع أننا قد بينا أننا لسنا فى حاجة إلى ذكر بولس وتحريفه للديانة ، وإنما الحاجة فى ذكر تحريف الدين فقط .
وذلك .. أن حال بولس ـ على فرض ثبوت كلامه له ! ـ لا يخفى ، ولا شبهة فيه ، فإن المسيحى كان يتبع المسيح عليه السلام ، فإذا جاءه بولس أو غيره ليقول له إنى أنسخ ديانة المسيح ، فلا شبهة فى ذلك على المؤمن أبداً ، لأنه يعلم أن نسخ الرسالات إنما يكون من الرسل لا من أتباعهم ، وأن المسيح لو أراد لفعل ما شاء فى حياته هو من التحليل والتحريم(6/18)
أما حال محمد عليه الصلاة والسلام ، فلو كان نبياً كذاباً ، لكانت مصيبة ! .. لأن هذا النبى لم يدعِ أنه تابع للمسيح ولا لغيره ، وإنما ادعى أعظم دعوى يمكن أن يدعيها بشر ، ادعى أنه مرسل من عند الله ابتداء ، وأن الله يوحى إليه ، ثم ادعى أن مخالفيه لو ماتوا بعدما سمعوا به فمصيرهم إلى النار ، وادعى أن مخالفيه فى الدنيا لو حاربوه فحل له سبى نسائهم وذراريهم وأخذ أموالهم ، وقد جهر هذا النبى بكل هذه الدعاوى ولم يستخف بها ، وعلم ذلك المؤمن به والكافر .. ثم إن الله عز وجل أيد هذا النبى بالمعجزات والخوارق ، ورأتها الجموع العظيمة وشهدت بذلك ، وتحدى العرب أن يأتوا بمثل قرآنه أو بعضه ، فأعجزهم الله أن يأتوا بشىء من ذلك .. وفى هذا من الفتنة ـ لو كان نبياً كذاباً ـ ما فيه ! .. ثم إن هذا النبى ما يدعو على أحد إلا وتستجاب دعوته .. ثم إن الله يؤيده وينصره ، بالحجة والبيان ثلاثة عشر عاماً فى مكة ، لا يستطيع مخالف له أن يعلو عليه بالحجة ، مع أنهم استعانوا عليه بعلماء أهل الكتاب فلم يقدروا .. ثم إن الله أيده ونصره بالسيف بعد ذلك ، وكتب له الظهور على أعدائه ، ونصرة دينه ، وتثبيت دعائمه ، وبناء أركان مجتمعه ، وترسية أعمدته .. ثم إن هذا النبى ادعى أنه لن يموت حتى يبلغ دينه كاملاً غير منقوص ، وأن الله سيعصمه من أعدائه حتى يفعل ، ثم كتب الله لهذا النبى نجاح ما ادعاه ، ولم يمت إلا بعد أن بلغ " فاليوم أكملت لكم دينكم " ..
كل هذا كان من حال النبى محمد ، فلو كان كذاباً لكان فى ذلك من الفتنة ما فيه ، فكان الأولى والأجدر بالكتاب المقدس أن يذكر هذا النبى صراحة وبوضوح ، لأنه سيأتى ليضل الناس عن عقيدة التثليث ! .. ويصرفهم عن لاهوت السيد المسيح ! .. ولن يكتفى بالقول ، بل سيظهر على أعدائه بالحجة واللسان ، ثم بالسيف والسنان ، وسيقيم أعظم حضارة عرفها العالم ، وسيتبعه أكثر الأمم عدداً ، فما تبع نبى مثلما تبع الناس هذا النبى .
أخشى أن تظننى أتحدث عن بولس أو عن النبى عليه الصلاة والسلام ! .. إنما أتحدث عن أمر آخر .
المقصود أن سؤالك الذى سألت ، عن عدم ذكر القرآن لبولس ، يرد على كتابك بأكثر مما يرد على القرآن ، لأن الفتنة بالنبى عليه الصلاة والسلام أعظم ، لو كان نبياً كذاباً .. مع أننا قد بينا أن المسلم ليس بحاجة لأن يذكر القرآن بولس ، بعدما ذكر تبديل دين المسيح عليه السلام عن مسار التوحيد الطبيعى .
رابعاً ..
نبه القرآن على بولس وأمثاله على سبيل العموم ، فقال عز من قائل مخبراً عن حال أهل الكتاب : " اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله .. " .. وقد استشكل ذلك على عدى بن حاتم وكان نصرانياً ، فقال : إنا لسنا كنا نعبدهم .. فقال النبى عليه الصلاة والسلام : ألم يكونوا يحلون لكم الحرام فتحلونه ؟ ألم يكونوا يحرمون عليكم الحلال فتحرمونه ؟ .. فتلك عبادتكم إياهم !
فبين أن التحليل والتحريم هو حق خالص لله عز وجل ، من ادعى أن له شيئاً فيه فقد ادعى نصيباً من الربوبية ، ومن اتبع حبراً أو قديساً فى تحريم حلال أو حل حرام ، فقد عبده من دون الله ، واتخذه رباً من دون الله ، إذ أعطاه ما لا يصرف إلا لله عز وجل من الطاعة والخضوع .
فكل من نسخ حكماً واحداً ، بعد رفع المسيح عليه السلام ، سواء بولس أو غيره ، فهو داخل فى هذه الآية ولا شك .
صدقنى يا عزيزى .. لا نصيب لبولس فى قرآن ولا سنة .. أقصد بالحسن ! .. لا ترجو ذلك ولا تأمله .. أخشى أن يطول انتظارك ، ويخيب رجاؤك !
لعل القارئ لاحظ أنى أهملت ذكر أدلة الرأى الراجح ، على أن رسل يس هم رسل من الله ابتداء ، والتى بذاتها تنفى أن يكونوا رسل المسيح عليه السلام ، فضلاً عن أن نتطرق إلى من كانوا ، وهل كان بولس بينهم أم لا .. أهملت ذكر هذه الأدلة ، مكتفياً بما ورد فى كلام ابن كثير رحمه الله .. وبما سأورده فيما يلى من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، فقد كرَّ على الرأى المرجوح واجتثه من منبته ، جزاه الله عنا خير الجزاء ، وأفضل أن أترك القارئ وجهاً لوجه ، مع كلام هذا الحبر العلامة فيما يلى ..
يقول ابن تيمية رحمه الله ، فى كتابه : الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح : ج 1 ، ص 251 ط دار الحديث :(6/19)
" .. ليس في القرآن آية تنطق بأن الحواريين رسل الله ، بل ولا صرح في القرآن بأنه أرسلهم ، لكن قال في سورة يس : " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون . إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما ، فعززنا بثالث ، فقالوا : إنا إليكم مرسلون . قالوا : ما أنتم إلا بشر مثلنا ، وما أنزل الرحمن من شيء ، إن أنتم إلا تكذبون . قالوا : ربنا يعلم إنا إليكم لمرسلون . وما علينا إلا البلاغ المبين . قالوا : إنا تطيرنا بكم ، لئن لم تنتهوا لنرجمنكم وليمسنكم منا عذاب أليم . قالوا : طائركم معكم ، أئن ذكرتم ؟ بل أنتم قوم مسرفون . وجاء من أقصا المدينة رجل يسعى ، قال : يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا يسألكم أجراً وهم مهتدون . ومالي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون ؟ . أأتحذ من دونه آلهة ، إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون . إني إذاً لفي ضلال مبين . إني آمنت بربكم فاسمعون . قيل : ادخل الجنة ، قال : يا ليت قومي يعلمون . بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين . وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء ، وما كنا منزلين . إن كانت إلا صيحة واحدة ، فإذا هم خامدون . يا حسرة على العباد ! ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون " ..
" فهذا كلام الله ، ليس فيه ذكر أن هؤلاء المرسلين كانوا من الحواريين ، ولا أن الذين أرسلوا إليهم آمنوا بهم ، وفيه أن هؤلاء القوم ـ الذين أرسل إليهم هؤلاء الثلاثة ـ أنزل الله عليهم صيحة واحدة فإذا هم خامدون ..
" وقد ذكر طائفة من المفسرين ، أن هؤلاء كانوا من الحواريين ، وأن القرية : أنطاكية ، وأن هذا الرجل اسمه : حبيب النجار .. ثم إن بعضهم يقول : إن المسيح أرسلهم في حياته ..
" لكن المعروف عند النصارى ، أن أهل إنطاكية آمنوا بالحواريين واتبعوهم ، لم يهلك الله أهل إنطاكية ، والقرآن يدل على أن الله أهلك قوم هذا الرجل الذي آمن بالرسل ..
" وأيضاً فالنصارى يقولون : إنما جاءوا إلى أهل إنطاكية بعد رفع المسيح ، وإن الذين جاءوا كانوا اثنين ، لم يكن لهما ثالث ، قيل : أحدهما شمعون الصفا ، والآخر بولص ، ويقولون : إن أهل إنطاكية آمنوا بهم ، ولا يذكرون حبيب النجار ، ولا مجيء رجل من أقصى المدينة ، بل يقولون : إن شمعون وبولص دعوا الله حتى أحيا ابن الملك ..
" فالأمر المنقول عند النصارى ، أن هؤلاء المذكورين في القرآن ليسوا من الحواريين ، وهذا أصح القولين عند علماء المسلمين وأئمة المفسرين ، وذكروا أن المذكورين في القرآن في سورة يس ليسوا من الحواريين ، بل كانوا قبل المسيح ، وسموهم بأسماء غير الحواريين ، كما ذكر محمد بن إسحاق ، قال سلمة بن الفضل : كان من حديث صاحب يس ، فيما حدثني محمد بن إسحاق ، عن ابن عباس ، وعن كعب ، وعن وهب بن منبه ، أنه كان رجلاً من أهل إنطاكية ، وكان اسمه حبيبا ، وكان يعمل الحرير ، وكان رجلاً سقيماً ، قد أسرع فيه الجذام ، وكان منزله عند باب من أبواب المدينة يتاجر ، وكان مؤمناً ذا صدقة ، يجمع كسبه إذا أمسى ـ فيما يذكرون ـ فيقسمه نصفين ، فيطعم نصفه عياله ، ويتصدق بنصفه ، وكان بالمدينة التي هو بها ـ مدينة إنطاكية ـ فرعون من الفراعنة ، يقال له : إنطخس بن إنطنخس ، يعبد الأصنام ، صاحب شرك ، فبعث الله إليه المرسلين ، وهم ثلاثة صادق وصدوق وشلوم ، فقدم الله إليه وإلى أهل المدينة منهم اثنين فكذبوهما ، ثم عزز الله بالثالث ..
" وروى الربيع بن أنس ، عن أبي العالية ، في قوله تعالى " واضرب لهم مثلاً أصحاب القرية إذ جاءها المرسلون . إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث " : لكي تكون الحجة عليهم أشد ، فأتوا أهل القرية ، فدعوهم إلى الله وحده وعبادته لا شريك له ، فكذبوهم ، فأتوا على رجل في ناحية القرية في زرع له ، فسألهم الرجل : ما أنتم ؟ قالوا : نحن رسل رب العالمين ، أرسلنا إلى أهل هذه القرية ، ندعوهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، قال لهم : أتسألون على ذلك أجراً ؟ قالوا : لا ، قال : فألقى ما في يده ، ثم أتى أهل المدينة ، فقال : " يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون " ..
" وهذا القول هو الصواب ، وأن هؤلاء المرسلين كانوا رسلاً لله قبل المسيح ، وأنهم كانوا قد أرسلوا إلى إنطاكية ، وآمن بهم حبيب النجار ، فهم كانوا قبل المسيح ، ولم تؤمن أهل المدينة بالرسل ، بل أهلكهم الله تعالى ، كما أخبر في القرآن ، ثم بعد هذا عمرت إنطاكية ، وكان أهلها مشركين ، حتى جاءهم من جاءهم من الحواريين ، فآمنوا بالمسيح على أيديهم ، ودخلوا دين المسيح ..
" ويقال : إن إنطاكية أول المدائن الكبار الذين آمنوا بالمسيح عليه السلام ، وذلك بعد رفعه إلى السماء ، ولكن ظن من ظن من المفسرين أن المذكورين في القرآن هم رسل المسيح وهم من الحواريين ، وهذا غلط لوجوه :(6/20)
" منها : أن الله قد ذكر في كتابه ، أنه أهلك الذين جاءتهم الرسل ، وأهل إنطاكية لما جاءهم من دعاهم إلى دين المسيح آمنوا ولم يهلكوا ..
" ومنها : أن الرسل في القرآن ثلاثة ، وجاءهم رجل من أقصى المدينة يسعى ، والذين جاءوا من أتباع المسيح كانوا اثنين ، ولم يأتهم رجل يسعى ، لا حبيب ولا غيره ..
" ومنها : أن هؤلاء جاءوا بعد المسيح ، فلم يكن الله أرسلهم ..
" وهذا ، كما أن الله ذكر في القرآن ، أنه أهلك أهل مدين بالظلة ، لما جاءهم شعيب ، وذكر في القرآن ، أن موسى أتاها ، وتزوج ببنت واحد منها ، فظن بعض الناس أنه شعيب النبي ، وهذا غلط عند علماء المسلمين ، مثل ابن عباس والحسن البصري وابن جريج وغيرهم ، كلهم ذكروا أن الذي صاهره موسى ليس هو شعيباً النبي ، وحُكى أنه شعيب عمن لا يعرف من العلماء ، ولم يثبت عن أحد من الصحابة والتابعين ، كما بسطناه في موضعه ، وأهل الكتاب يقرون بأن الذي صاهره موسى ليس هو شعيباً ، بل رجل من أهل مدين ، ومنهم من يقول : إنها غير مدين التي أهلك الله أهلها ، والله أعلم ..
" وكذلك ذكر المفسرون في المرسلين : هل أرسلهم الله ؟ أو أرسلهم المسيح ؟ قولين : أحدهما : أن الله هو الذي أرسلهم .. قال أبو الفرج ابن الجوزي : وهذا ظاهر القرآن ، وهو مروي عن ابن عباس وكعب ووهب بن منبه ، قال : وقال المفسرون في قوله " إن كانت إلا صيحة واحدة " : أخذ جبريل بعضادتي باب المدينة ، وصاح بهم صيحة واحدة ، فإذا هم ميتون ، لا يسمع لهم حس كالنار إذا أطفئت ، وذلك قوله " فإذا هم خامدون " أي : ساكنون كهيئة الرماد الخامد .. ومعلوم عند الناس أن أهل إنطاكية لم يصبهم ذلك بعد مبعث المسيح ، بل آمنوا قبل أن يبدل دينه ، وكانوا مسلمين مؤمنين به على دينه ، إلى أن تبدل دينه بعد ذلك ..
" ومما يبين ذلك ، أن المعروف عند أهل العلم ، أنه بعد نزول التوراة ، لم يهلك الله مكذبي الأمم بعذاب من السماء يعمهم كما أهلك قوم نوح وعاد وثمود وقوم لوط وفرعون وغيرهم ، بل أمر المؤمنين بجهاد الكفار ، كما أمر بني إسرائيل على لسان موسى بقتال الجبابرة ، وهذه القرية أهلك الله أهلها بعذاب من السماء ، فدل ذلك على أن هؤلاء الرسل المذكورين في يس كانوا قبل موسى عليه السلام ..
" وأيضاً ، فإن الله لم يذكر في القرآن رسولاً أرسله غيره ، وإنما ذكر الرسل الذين أرسلهم هو
" وأيضاً ، فإنه قال : " إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث " .. فأخبر أنه أرسلهم ، كما أخبر أنه أرسل نوحاً وموسى وغيرهما ..
" وفي الآية " قالوا : ما أنتم إلا بشر مثلنا ، وما أنزل الرحمن من شيء " .. ومثل هذا هو خطاب المشركين لمن قال : إن الله أرسله وأنزل عليه الوحي .. لا لمن جاء رسولاً من عند رسول ..
" وقد قال بعد هذا : " يا حسرة على العباد ! ما يأتيهم من رسول إلا كانوا به يستهزءون " .. وهذا إنما هو في الرسل الذين جاءوهم من عند الله ، لا من عند رسله ..
"وأيضاً ، فإن الله ضرب هذا مثلاً لمن أرسل إليه محمداً ، يحذرهم أن ينتقم الله منهم كما انتقم من هؤلاء ، ومحمد ـ عليه الصلاة والسلام ـ إنما يضرب له المثل برسول نظيره ، لا بمن أصحابه أفضل منهم ، فإن أبا بكر وعمر وعثمان وعلياً أفضل من الحواريين باتفاق علماء المسلمين ، ولم يبعث الله بعد المسيح رسولاً ، بل جعل ذلك الزمان زمان فترة كقوله " يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم على فترة من الرسل " ..
" وأيضاً ، فإنه قال تعالى : " إذ أرسلنا إليهم اثنين فكذبوهما فعززنا بثالث فقالوا إنا إليكم مرسلون . قالوا ما أنتم إلا بشر مثلنا " .. ولو كانوا رسل رسول ، لكان التكذيب لمن أرسلهم ، ولم يكن في قولهم " إن أنتم إلا بشر مثلنا شبهة ؛ فإن أحداً لا ينكر أن يكون رسلُ رسلِ الله بشراً ، وإنما أنكروا أن يكون رسول الله بشراً ..
" وأيضاً ، فلو كان التكذيب لهما ، وهما رسل الرسول ، لأمكنهما أن يقولا : فأرسلوا إلى من أرسلنا أو إلى أصحابه ، فإنهم يعلمون صدقنا في البلاغ عنه .. بخلاف ما إذا كانا رسل الله ..(6/21)
" وأيضاً ، فقوله " إذ أرسلنا إليهم اثنين " : صريح في أن الله هو المرسل ، ومن أرسلهم غيره ، إنما أرسلهم ذلك ، لم يرسلهم الله .. كما لا يقال لمن أرسله محمد بن عبد الله : إنهم رسلُ الله .. فلا يقال لدحية بن خليفة ال***ي : إن الله أرسله ، ولا يقال ذلك للمغيرة بن شعبة ، وعبد الله بن حذافة ، وأمثالهما ممن أرسلهم الرسول عليه الصلاة والسلام .. وذلك أن النبي أرسل رسله إلى ملوك الأرض ، كما أرسل دحية بن خليفة إلى قيصر ، وأرسل عبد الله بن حذافة إلى كسرى ، وأرسل حاطب بن أبي بلتعة إلى المقوقس ، كما تقدم ذكر ذلك .. ومعلوم أنه لا يقال في هؤلاء : إن الله أرسلهم ، ولا يسمون عند المسلمين : رسل الله ، ولا يجوز ـ باتفاق المسلمين ـ أن يقال : هؤلاء داخلون في قوله " لقد أرسلنا رسلنا بالبينات " .. فإذا كانت رسل محمد عليه الصلاة والسلام لم يتناولهم اسم رسل الله في الكتاب الذي جاء به ، فكيف يجوز أن يقال : إن هذا الاسم يتناول رسلَ رسولٍ غيره ؟! ..
" والمقصود هنا : بيان معاني القرآن ، وما أراده الله تبارك وتعالى بقوله " إذ جاءها المرسلون إذ أرسلنا إليهم اثنين " .. هل مراد الله ورسوله محمد : مَن أرسلهم الله ؟ أو من أرسلهم رسوله ؟ ..
" وقد عُلم يقيناً أن محمداً عليه الصلاة والسلام لم يدخل في مثل هذا ، فمن قال : إن محمداً أراد بذلك من أرسله رسولٌ فقد كذب على محمد عليه الصلاة والسلام عمداً أو خطئاً " ا.هـ .ر
... ==============
الرد عى الاستدلال بالآية 146 من سورة البقرة على عدم تحريف الإنجيل
كتب الدكتور : هشام عزمي
تقول الشبهه
الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ(146)
البقرة 146
هذه الآية تعد دليلا قويا أن الكتاب كان موجودا في وقت نبي الإسلام… بعد 600 سنة من رسالة الإنجيل… وهي تعد دليلا على أن الإنجيل كانت له أصولا في هذا الوقت
والسؤال هو : هل يقصد نبي الإسلام الإنجيل المنزل على المسيح عيسى بن مريم وهو التعبير الذي يستخدمه القرآن أم الأناجيل الأربع الموجودة بين أيدينا، أم الكتاب المقدس ككل والذي نستخدمه الآن … وهل يقصد التوراة المنزلة على موسى كتعبير القرآن أم كتاب العهد القديم الموجود بين أيدينا
يحاول المسلم التفريق بين التعبير ( التوراة المنزل على موسى والإنجيل المنزل على عيسى وبين الكتب الموجودة في أيدينا زاعما أن هذه الكتب المنزلة هي الكتب الأصلية.والسؤال إذا كانت هذه الكتب هي الأصلية وليست الموجودة بين أيدينا فهي لابد وأن يكون لها أصول في القرن السادس الميلادي بناء على هذه الآية … فكيف يكون لها وجود في القرن السادس مع مسيحيين ويهود الجزيرة العربية وتختفي تماما بعد هذا؟ علميا مستحيل اختفاؤها ولابد أن يكون لها أصول من المخطوطات.
ولكن الواقع يقول أنه لا يوجد كتاب اسمه الإنجيل المنزل على عيسى ولكن يوجد لدي المسيحيين الكتاب المقدس، إذا فهذا الكتاب هو ما يقصده القرآن بتعبير ( آتيناهم الكتاب)
وإذا كان القرآن يقصد الإنجيل الذي بين أيدينا فبناء على هذه الآية الإنجيل صحيح وغير محرف … إذ أن هناك من أهل الكتاب من يعرفونه معرفة تامة في وقت رسالة نبي الإسلام. إذا علينا أن نحضر المخطوطات التي كانت موجودة في القرن السادس ومطابقتها بالتي هي بين أيدينا … وسنكتشف أنها متطابقة… وبالتالي يجب علينا أن نعترف بصدق الإنجيل الذي بين أيدينا دون تحريف … لأنه إذا قلنا أن الإنجيل حرف يكون السؤال متى؟ فإذا كانت الإجابة قبل نزول القرآن نجعل القرآن كاذبا وهذا ما لا يرضاه أي مسلم
ورد الدكتور بقولة
بالنسبة لهذه
الشبهة ، فالكاتب قد قفز مرة واحدة من الآية إلى الاستنتاج دون أن يوضح لقرائه كيف توصل لهذا الاستنتاج الذي غاب عن المسلمين شرقاً و غرباً و شمالاً و جنوباً على مدار 14 قرناً من الزمان !
أقل واجب هو أن يوضح الكاتب لقرائه كيف توصل إلى استنتاجه ، أليس كذلك ؟
و العجيب أنه بعد أن وضع المقدمة العقلية العارية من البرهان - التي هي وجود الكتب الصحيحة اللامحرفة في أيدي أهل الكتاب - انطلق يسرد قضيته و يفصلها و يقعدها و يؤصلها و كأن توضيح كيفية وصوله لمقدمته هو أمر مفروغ منه !
و أنا لم أفهم استدلال الكاتب النصراني لقضيته إلا قرب نهاية المقال عندما قال : "وإذا كان القرآن يقصد الإنجيل الذي بين أيدينا فبناء على هذه الآية الإنجيل صحيح وغير محرف … إذ أن هناك من أهل الكتاب من يعرفونه معرفة تامة في وقت رسالة نبي الإسلام" . هنا ادركت ما التبس عليه فهمه و صار تحديد مصدر سوء الفهم واضحاً و الحمد لله .
و في الرد نقول بعد حمد الله تعالى و السلام على عباده الذين اصطفى :
الضمير في قوله (يعرفونه) لا يعود على الكتاب بل على النبي (صلى الله عليه و سلم) ؛ ففي تفسير الجلالين ص26 :(6/22)
{ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ } أي محمداً { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ } بنعته في كتبهم قال ابن سلام: (لقد عرفته حين رأيته كما أعرف ابني ومعرفتي لمحمد أشدّ)
و في الكشاف للزمخشري ج1 ص187 :
{ يَعْرِفُونَهُ } يعرفون رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة جلية يميزون بينه وبين غيره بالوصف المعين المشخص { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءهُمْ } لا يشتبه عليهم أبناؤهم وأبناء غيرهم. وعن عمر رضي الله عنه أنه سأل عبد الله بن سلام عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أعلم به مني بابني. قال: ولم؟ قال: لأني لست أشك في محمد أنه نبي. فأما ولدي، فلعل والدته خانت، فقبل عمر رأسه. وجاز الإضمار وإن لم يسبق له ذكر لأن الكلام يدل عليه ولا يلتبس على السامع. ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإشعار بأنه لشهرته وكونه علماً معلوماً بغير إعلام. وقيل: الضمير للعلم أو القرآن أو تحويل القبلة.
و في تفسير النسفي ج1 ص90 :
{ يَعْرِفُونَهُ } أي محمداً عليه السلام أو القرآن أو تحويل القبلة. والأول أظهر لقوله { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ } قال عبد الله بن سلام: أنا أعلم به مني بابني فقال له عمر: ولم؟ قال: لأني لست أشك في محمد أنه نبي فأما ولدي فلعل والدته خانت فقبل عمر رأسه.
و في تفسير البيضاوي ج1 ص236 :
{ يَعْرِفُونَهُ } الضمير لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن لم يسبق ذكره لدلالة الكلام عليه. وقيل للعلم، أو القرآن، أو التحويل { كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمُ } يشهد للأول: أي يعرفونه بأوصافه كمعرفتهم أبناءهم لا يلتبسون عليهم بغيرهم. عن عمر رضي الله تعالى عنه أنه سأل عبد الله بن سلام رضي الله تعالى عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: أنا أعلم به مني بابني قال: ولم، قال: لأني لست أشك في محمد أنه نبي فأما ولدي فلعل والدته قد خانت.
و بناءاً على هذه الشواهد تنمحي القضية التي بنى عليها الكاتب النصراني قضيته ؛ فالذي يعرفه أهل الكتاب كابنائهم هو الرسول صلى الله عليه و سلم و ليس الكتب الموجودة في أيدي أهل الكتاب .
هل انتهت قضيتنا عند هذا القدر ؟
كلا !
دعنا نفترض جدلاً - أقول جدلاً - أن الرسول عليه الصلاة و السلام و القرآن الكريم قد شهدا للكتاب المقدس بالأصالة و عدم التحريف ، هنا يبرز السؤال : أي كتاب مقدس شهدا له ؟؟
هل هو الكتاب المقدس للكنيسة الأرثوذكسية القبطية ؟
أم الأرثوذكسية اليونانية ؟
أم الكاثوليكية الرومانية ؟
أم السيريانية ؟
أم الأثيوبية ؟
أم ربما هو الكتاب المقدس للكنيسة البروتستانتية ؟
و لكل كنيسةٍ كتابٌ مقدسٌ !
حسنُ ، دعنا نعود لكاتب المقال مرة أخري ، و هذه المرة لنناقش اعتراضه على كون أهل الكتاب يعرفون الرسول عليه الصلاة و السلام كما يعرفون أبنائهم و الرد - ببساطة - هو شهادة حبر إسرائيلي جليل معاصر للرسول في مقام عبد الله بن سلام و الذي شهد له يهود المدينة بالعلم ، بل و الرياسة في العلم ، و كذلك دخول الآلاف المؤلفة من النصارى في الإسلام من أهل مصر و الشام و العراق على أيدي الفاتحين المسلمين و لم يكن هذا إلا لأنهم وجدوا هذا تحقيقاً للنبوءات التي علموها من كتابهم (رغم تحريف العديد من المواضع فيه) و اقرأ إن شئت كتبهم التي فصلوا و شرحوا هذه النبوءات بدءاً من (الدين و الدولة) لابن ربان الطبري و انتهاءاً بكتاب (محمد في الكتاب المقدس) لعبد الأحد داود (بنجامين كلداني سابقاً) . و من المعاصرين الذين يعرفونه كما يعرفون أبنائهم محمد زكي النجار صاحب كتاب (المنارات الساطعة في ظلمات الدنيا الحالكة) و كان أسقفاً مصرياً بطهطا و الدكتور إبراهيم خليل محمد صاحب كتاب (محمد في التوراة و الإنجيل و القرآن) و كان قسيساً مصرياً أسلم و أبناؤه الأربعة في منتصف القرن العشرين و واصف سليمان الراعي صاحب كتاب (كنت نصرانياً) و غيرهم ..
هؤلاء هم الذين أتاهم الله الكتاب و يعرفونه كما يعرفون أبنائهم و ليسوا من المعاندين ككاتب هذا المقال نرجو له الهداية .
================
ما معنى (حتى يقيموا التوراة و الإنجيل) ؟؟
كتبة الدكتور : هشام عزمي
السؤال :
يقول الله تعالى (( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الفاسقين )) وإشكالي في كون الله عز وجل أخبر عن أهل الكتاب أنهم ليسو على شيء حتى يقيموا التوراة والإنجيل ومعلوم أن القرآن نسخ الكتب السابقة والخطاب كان موجها في الآية لمن هم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
الرد :
بسم الله ...(6/23)
المقصود بالتوراة و الإنجيل هنا هي الكتب قبل التبديل و التحريف فلا سبيل لإقامتها إلا بالرجوع إلى القرآن الكريم المهيمن الذي يشهد لما أنزله الله فيهما و يشهد على ما حرفه الناس فيهما و هذا ما أخبرنا به الله في سورة المائدة في قوله تعالى "مهيمناً عليه" فما وافق القرآن هو صدق أنزله الله و ما خالفه كذب و ما لم يوافقه و لم يخالفه نتوقف فيه فلا نصدقه و لا نكذبه
أما المقصود بقوله تعالى "وما أنزل إليكم من ربكم" فهو القرآن الكريم فهم ليسوا على شيئ حتى يقيموا التوراة الصحيحة و الإنجيل الصحيح و القرآن المنزل و هذا كله لا يمكن بلوغه إلا بالقرآن المصدق المهيمن .
و هذا نفس ما قاله ابن حزم رحمه الله في الفصل ج1 ص92 :
وأما قول الله عز وجل " يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " فحق لا مرية فيه وهكذا نقول ولا سبيل لهم إلى إقامتها أبداً لرفع ما أسقطوا منها فليسوا على شيء إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل كلهم يؤمنون حينئذ بما أنزل الله منهما وجد أو عدم ويكذبون بما يدل فيهما مما لم ينزله الله تعالى فيهما وهذه هي إقامتهما حقاً فلاح صدق قولنا موافقاً لنص الآية بلا تأويل والحمد لله رب العالمين .
و بالله التوفيق .
المصدر : ملتقى أهل التفسير
================== ... ...
هل كانت سورة الأحزاب في طول البقرة؟
كتبة الدكتور / هشام عزمي
سؤال :
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته ،،،
أود أن أعرف مدى صحة هذا الحديث بخصوص كون سورة الأحزاب في طول سورة البقرة قبل النسخ و قد قمت بالبحث عنه و تخريجه على هذا الرابط
http://www.sonnh.com/Takhreg.aspx?HadithID=152184
و لم يبق سوى الوقوف على صحته من عدمها و هل كان النسخ بهذه الغزارة حقاً ؟؟
أرجو ألا أكون قد أثقلت عليكم و بالله التوفيق .
الرد :
أخي الدكتور / هشام
هذا الحديث أخرجه : أحمد بسنده عن يزيد بن أبي زياد عن زر بن حبيش ، عن أبي بن كعب ، ومرة أخرى عن عاصم بن بهدلة ، عن زر عن أبي .
أما الأول فإسناده ضعيف ؛ لضعف يزيد بن أبي زياد ، وهو أبو عبد الله الكوفي ، مولى عبد الله بن الحارث بن نوفل . قال ابن معين : ضعيف الحديث ، وقال أحمد بن حنبل : لم يكن بالحافظ ، وقال في موضع آخر : حديثه ليس بذاك ، وقال أبو زرعة : لين ، يكتب حديثه ولا يحتج به ، وقال ابن المبارك : ارم به ، وقال شعبة : كان رفَّعًا ، وقال الذهبي : صدوق عالم فهم ، شيعي ، رديء الحفظ ، لم يترك ، وقال ابن حجر : ضعيف .
وأما الثاني ؛ فضعيف أيضًا ؛ في إسناده عاصم بن بهدلة ، هو ابن أبي النجود ، أبو بكر المقرئ المشهور ، شيخ حفص المقرئ ، قال أبو حاتم : محله عندي محل الصدق ، صالح الحديث ، ولم يكن بذاك الحافظ ، وقال ابن معين : لا بأس به ، وقال أبو زرعة : ثقة ، وقال العجلي : صاحب سنة وقراءة للقرآن ، رأسًا في القراءة ، وقال الدارقطني : في حفظه شيء ، وقال ابن سعد : كان ثقة ، إلا أنه كان كثير الخطأ في حديثه ، وقال ابن حجر : صدوق له أوهام ، حجة في القراءة .
كما أخرج رواية عاصم هذه النسائي في " السنن " ، وابن حبان في " الصحيح " ، والحاكم في " المستدرك " ، والطبري في " تهذيب الآثار " ، والبيهقي في " السنن " ، ، والطيالسي في " المسند " ، وعبد الرزاق في " المصنف " ، والطبراني في " الأوسط " ، وابن سلَّام في " فضائل القرآن " ، وأبو نعيم في " تاريخ أصبهان ، والأصبهاني في " طبقات المحدثين " .
فالحديث يدور على عاصم بن بهدلة ، وقد تفرد بهذا المتن ، وتفرده غير معتبر لسوء حفظه ، وهذا الحديث يعدُّ مما وهم فيه عاصم .
كتبه أبو أنس الأزهري
=================== ... ...
هل يجوز الزواج من البنت من الزنا - تفسير القرطبي للآية 54 الفرقان ؟
تقول الشبهه انه جاء في تفسير القرطبي للاية 54 من سورة الفرقان
. قُلْت : اِخْتَلَفَ الْفُقَهَاء فِي نِكَاح الرَّجُل اِبْنَته مِنْ زِنًى أَوْ أُخْته أَوْ بِنْت اِبْنه مِنْ زِنًى ; فَحَرَّمَ ذَلِكَ قَوْم مِنْهُمْ اِبْن الْقَاسِم , وَهُوَ قَوْل أَبِي حَنِيفَة وَأَصْحَابه , وَأَجَازَ ذَلِكَ آخَرُونَ مِنْهُمْ عَبْد الْمَلِك بْن الْمَاجِشُونِ , وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ ,
والرد عليها
الرد
بالنسبه لسؤالك اعتقد انك تقصد سوره الفرقان 54 , {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاء بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} (54) سورة الفرقان ورأى الامام الشافعى رحمه الله
الشرح
نَسَبًا وَصِهْرًا(6/24)
النسب والصهر معنيان يعمان كل قربى تكون بين آدميين . قال ابن العربي : النسب عبارة عن خلط الماء بين الذكر والأنثى على وجه الشرع ; فإن كان بمعصية كان خلقا مطلقا ولم يكن نسبا محققا , ولذلك لم يدخل تحت قوله : " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم " [ النساء : 23 ] بنته من الزنى ; لأنها ليست ببنت له في أصح القولين لعلمائنا وأصح القولين في الدين ; وإذا لم يكن نسب شرعا فلا صهر شرعا فلا يحرم الزنى بنت أم ولا أم بنت , وما يحرم من الحلال لا يحرم من الحرام ; لأن الله امتن بالنسب والصهر على عباده ورفع قدرهما , وعلق الأحكام في الحل والحرمة عليهما فلا يلحق الباطل بهما ولا يساويهما . قلت : اختلف الفقهاء في نكاح الرجل ابنته من زنى أو أخته أو بنت ابنه من زنى ; فحرم ذلك قوم منهم ابن القاسم , وهو قول أبي حنيفة وأصحابه , وأجاز ذلك آخرون منهم عبد الملك بن الماجشون , وهو قول الشافعي , وقد مضى هذا في " النساء " مجودا . قال الفراء : النسب الذي لا يحل نكاحه , والصهر الذي يحل نكاحه . وقاله الزجاج : وهو قول علي بن أبي طالب رضي الله عنه . واشتقاق الصهر من صهرت الشيء إذا خلطته ; فكل واحد من الصهرين قد خالط صاحبه , فسميت المناكح صهرا لاختلاط الناس بها . وقيل : الصهر قرابة النكاح ; فقرابة الزوجة هم الأختان , وقرابة الزوج هم الأحماء . والأصهار يقع عاما لذلك كله ; قاله الأصمعي . وقال ابن الأعرابي : الأختان أبو المرأة وأخوهما وعمها - كما قال الأصمعي - والصهر زوج ابنة الرجل وأخوه وأبوه وعمه . وقال محمد بن الحسن في رواية أبي سليمان الجوزجاني : أختان الرجل أزواج بناته وأخواته وعماته وخالاته , وكل ذات محرم منه , وأصهاره كل ذي رحم محرم من زوجته . قال النحاس : الأولى في هذا أن يكون القول في الأصهار ما قال الأصمعي , وأن يكون من قبلهما جميعا . يقال : صهرت الشيء أي خلطته ; فكل واحد منهما قد خلط صاحبه . والأولى في الأختان ما قال محمد بن الحسن لجهتين : إحداهما الحديث المرفوع , روى محمد بن إسحاق عن يزيد بن عبد الله بن قسيط عن محمد بن أسامة بن زيد عن أبيه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( أما أنت يا علي فختني وأبو ولدي وأنت مني وأنا منك ) . فهذا على أن زوج البنت ختن . والجهة الأخرى أن اشتقاق الختن من ختنه إذا قطعه ; وكان الزوج قد انقطع عن أهله , وقطع زوجته عن أهلها . وقال الضحاك : الصهر قرابة الرضاع . قال ابن عطية : وذلك عندي وهم أوجبه أن ابن عباس قال : حرم من النسب سبع , ومن الصهر خمس . وفي رواية أخرى من الصهر سبع ; يريد قوله عز وجل : " حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ وبنات الأخت " [ النساء : 23 ] فهذا هو النسب . ثم يريد بالصهر قوله تعالى : " وأمهاتكم اللاتي أرضعنكم " إلى قوله : " وأن تجمعوا بين الأختين " . ثم ذكر المحصنات . ومحمل هذا أن ابن عباس أراد حرم من الصهر ما ذكر معه , فقد أشار بما ذكر إلى عظمه وهو الصهر , لا أن الرضاع صهر , وإنما الرضاع عديل النسب يحرم منه ما يحرم من النسب بحكم الحديث المأثور فيه . ومن روى وحرم من الصهر خمس أسقط من الآيتين الجمع بين الأختين والمحصنات ; وهن ذوات الأزواج . قلت : فابن عطية جعل الرضاع مع ما تقدم نسبا , وهو قول الزجاج . قال أبو إسحاق : النسب الذي ليس بصهر من قوله جل ثناؤه : " حرمت عليكم أمهاتكم " [ النساء : 23 ] إلى قوله " وأن تجمعوا بين الأختين " [ النساء : 23 ] والصهر من له التزويج . قال ابن عطية : وحكى الزهراوي قولا أن النسب من جهة البنين والصهر من جهة البنات . قلت : وذكر هذا القول النحاس , وقال : لأن المصاهرة من جهتين تكون . وقال ابن سيرين : نزلت هذه الآية في النبي صلى الله عليه وسلم وعلي رضي الله عنه ; لأنه جمعه معه نسب وصهر . قال ابن عطية : فاجتماعهما وكادة حرمة إلى يوم القيامة .
الخلاصه
لا تجوز عند كل العلماء
, ولم ينفرد بالاباحه الا الامام الشافعى فقط رحمه الله
تعليق النصرانى :
بشكرك اخي العزيز عالرد الواضح
اللي فهمته ان اكثر العلماء بيقولو حرام ماعدا الشافعي واجتهاده خطأ
هيك معقول
خاتمه مهمه
هذه المسائل الفقيه ليس لها اى حقيقه فى الواقع , ولكن هى افتراضات من العلماء لحل اى مشكله مستقبليه , وهذا لذكائهم وفطنتهم واجابتهم على كل الاسئله التى تثار حول الاسلام , ثم لم انهم لم يجدوا اسئله , فخترعوا هم اسئله واجابوها ,
لكن اسئل انا سؤال
هل عمرك شفت فعلا فى حياتك او سمعت عن قصه ان رجل تزوج ابنته من الزنى ؟؟؟؟؟
وانه لمن المخزى والعار فعلا ان يحاكم اى شخص الدين الاسلامى لمجرد افتراضات من العلماء فى حالات نظريه تقع تحت مسمى (( لو حدث كذا كذا )) فما هو الحل وراى الاسلام
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين
===============
معنى الصمد ردا ي كذب زكريا بطرس
سال أحد الاخوة(6/25)
بالأمس تابعت حلقة جديدة للمدعو زكريا بطرس حول التثليث وقد قال ما يلي:
ان هناك اكثر من 10 تفاسير حول كلمة "الصمد" ولم يتفق مفسروا القران حول معناها واضاف ان هذه الأية دليل على عقيدة التثليث وذلك ان المعنى الفعلي لكلمة " الصمد" هو الواحد في مجموع وقال: وسبب اختلاف التفاسير هو ان كلمة " الصمد" هو لفظ أعجمي عبراني وبالعودة الى القاموس العبراني نجدها "شمد" ومعناها الواحد في مجموع وبالتالي فأن تفسير الأيات هو على النحو التالي " الله احد اي واحد الله الصمد اي واحد في مجموع والمجموع هو ثلاثة اقانيم حسب المعنى العبراني وباللغة اليوننانية " سمد" ومعناها ايضا الواحد المكون من مجموع
واجابت الاخت : نسيبة بنت كعب
هذا ما جاء فى تفسير كلمة الصمد من معجم لسان العرب وبها كل المعانى الممكنة - ومفيش فيها خالص اى حاجة تعنى واحد ومكون من ثلاثة - هو جاب الكلام ده منين - لسه برضة بيجيب مصاحف عجيبة يمسكها بالمقلوب ويقول المصحف قال كده !
علما بان المعجم يأتى باصل الكلمة ومش معقول يكون بقلظ عنده معلوما ت مش موجوده فى المعاجم !
صمد
صَمَدَه يَصْمِدُه صَمْداً وصَمَد إِليه كلاهما: قَصَدَه. وصَمَدَ صَمْدَ الأَمْر: قَصَدَ قَصْدَه واعتمده. وتَصَمَّد له بالعصا: قَصَدَ.
وفي حديث معاذ بن الجَمُوح في قتل أَبي جهل: فَصَمَدْت له حتى أَمكنَتني منه غِرَّة أَي وثَبْتُ له وقَصَدْته وانتظرت غفلته. وفي حديث علي: فَصَمْداً صَمْداً حتى يَتَجلى لكم عمود الحق. وبيت مُصَمَّد، بالتشديد، أَي مَقْصود.
وتَصَمَّدَ رأْسَه بالعصا: عَمَد لمعْظَمه. وصَمَده بالعَصا صَمْداً إذا ضربه بها.
وصَمَّدَ رأْسه تَصْميداً: وذلك إذا لف رأْسه بخرقة أَو ثوب أَو مِنْديلٍ ما خلا العمامةَ، وهي الصِّمادُ.
والصِّمادُ: عِفاصُ القارورة؛ وقد صَمَدَها يَصْمِدُها. ابن الأَعرابي: الصِّمادُ سِدادُ القارُورة؛ وقال الليث: الصمادَةُ عِفاص القارورة. وأَصْمَدَ إِليه الأَمَر: أَسْنَدَه.
والصَّمَد، بالتحريك: السَّيِّدُ المُطاع الذي لا يُقْضى دونه أَمر، وقيل: الذي يُصْمَدُ إِليه في الحوائج أَي يُقْصَدُ؛ قال:
أَلا بَكَّرَ النَّاعي بخَيْرَيْ بَني أَسَدْ...بعَمْرو بنِ مَسْعُود، وبالسَّيد الصَّمَد
ْ ويروى بِخَيْرِ بني أَسد؛ وأَنشد الجوهري:
عَلَوْتُه بِجُسامٍ، ثم قُلْتُ له: خُذْها حُذَيفُ، فأَنْتَ السَّيِّدِ الصَّمَدُ
والصِّمَد: من صفاته تعالى وتقدّس لأَنه أُصْمِدَتْ إِليه الأُمور فلم يَقْضِ فيها غيره؛ وقيل: هو المُصْمَتُ الذي لا جَوْفَ له، وهذا لا يجوز على الله، عز وجل. والمُصْمَدُ: لغة في المُصْمَت وهو الذي لا جَوف له، وقيل: الصَّمد الذي لا يَطْعَم، وقيل: الصمد السيِّد الذي ينتهي إِليه السُّودَد،
وقيل: الصمد السيد الذي قد انتهى سُودَدُه؛ قال الأَزهري: أَما الله تعالى فلا نهاية لسُودَدِه لأَن سُودَدَه غير مَحْدود؛ وقيل: الصمد الدائم الباقي بعد فناء خَلقه؛ وقيل: هو الذي يُصمَد إِليه الأَمر فلا يُقْضَى دونه، وهو من الرجال الذي ليس فوقه أَحد، وقيل: الصمد الذي صَمَد إِليه كل شيء أَي الذي خَلق الأَشياءَ كلها لا يَسْتَغْني عنه شيء وكلها دالّ على وحدانيته. وروي عن عمر أَنه قال: أَيها الناس إِياكم وتَعَلُّمَ الأَنساب والطَّعْن فيها، فوَالذي نفسُ محمد بيده، لو قلت: لا يخرج من هذا الباب إِلا صَمَدٌ، ما خرج إِلا أَقَلُّكم؛ وقيل: الصَّمَد هو الذي انتهى في سَوْدَدِه والذي يُقْصَد في الحوائج؛ وقال أَبو عمرو: الصمد من الرجال الذي لا يَعْطَشُ ولا يَجوع في الحرب؛ وأَنشد:
وسَاريةٍ فَوْقَها أَسْوَد ........ بِكَفِّ سَبَنْتَى ذَفيفٍ صَمَد
ْ قال: السارية الجبل المُرْتَفِعُ الذاهبُ في السماء كأَنه عمود.
والأَسود: العلم بِكَفِّ رجل جَرِيء. والصمَد: الرَّفَيعُ من كل شيء.
والصَّمْدُ: المَكانُ الغليظ المرتفع من الأَرض لا يبلغ أَن يكون جبلاً، وجمعه أَصْمادٌ وصِماد؛ قال أَبو النجم:
يُغادِرُ الصَّمْدَ كَظَهْر الأَجْزَل
والمُصَمَّدُ: الصُّلْب الذي ليس فيه خَوَر.
أَبو خيرة: الصَّمْد والصِّماد ما دَقَّ من غلَظِ الجبل وتواضَعَ واطْمأَنَّ ونَبَتَ فيه الشجر. وقال أَبو عمرو: الصَّمْدُ الشديد من الأَرض.
بناءٌ مُصْمَدٌ أَي مُعَلّىً. ويقال لما أَشرَفَ من الأَرض الصَّمْدُ، بإِسكان الميم. ورَوْضاتُ بني عُقَيْل يقال لها الصِّمادُ والرّبابُ.
والصَّمْدَة والصُّمْدة: صَخْرة راسية في الأَرض مُسْتَوِيَةٌ بِمَتْنِ الأَرض وربما ارتفعت شيئاً؛ قال: مُخالِفُ صُمْدَةٍ وقَرِينُ أُخرى، تَجُرُّ عليه حاصِبَهَا الشَّمالُ وناقة صَمْدَة وصَمَدة: حُمِلَ عليها قلم تَلْقَحْ؛ الفتح عن كراع.
ويقال: ناقة مِصْمادٌ وهي الباقية على القُرِّ والجَدْبِ الدائمةُ الرِّسْلَ؛ ونوقٌ مَصامِدُ ومَصامِيدُ؛ قال الأَغلب:
بَيْنَ طَرِيِّ سَمَكٍ ومالحَ......ولُقَّحٍ مَصامِدٍ مَجالِحِ(6/26)
والصَّمْدُ: ماء للرّباب وهو في شاكلةٍ في شقِّ ضَرِيَّةَ الجنوبيِّ.
فين بقى الثلاثه فى واحد - هو عامل سبشيال اوفر ?
: Jesus is Muslimواضاف اخونا
من قال أن اللغة العربية اخذت الكلمة من العبرية وليس العكس هو الصحيح خصوصا ان كل الأدلة الملموسة وغير الملموسة تثبت ان العربية هي اللغة الأصل وان العبرية والآرامية هي فروع من اللغة العربية !
يعني باختصار لماذا لا تكون الكلمة عربية قحة ولكن استخدمت في العبرية وتحورت وتغيرمفهومها ومعناها مع الوقت !
بالمناسبة وحسب معلوماتي البسيطة فلا اذكر أن هناك أي علاقة بين اللغة العبرية واليونانية ولو قالوا الآرامية لقلت لا بأس ولكن ألا يثبت هذا ان جميع تلك اللغات اخذت الكثير عن اللغة العربية !!
"سمد" أو "شمد " في العبرية تعني تدمير ولا تعني أبدا واحد في مجموع كما ادعى ذلك المعتوه.ويمكن الإستعانة بأخوينا اشعياء وجهاد من اجل التأكيد على هذه الحقيقة.
ولم تستخدم أبدا في العهد القديم بمعنى واحد في ثلاثة او مجموع كما قال ,وليت هذا المدعي يخبرنا أين ذكرت في العهد القديم حيث ان كلمة بهذه الخطورة يستدل بها على التثليث لابد انها قد ذكرت في مكان ما من كتابهم بهذا المعنى.أليس كذلك؟
وإن لم يجدها فليته يأتينا بأي كلمة اخرى وليس مجرد كلمة "سمد" او صمد يكون معناها ( واحد في ثلاثة ) !
ولله في خلقه شئون
... ==============
رداً على أكاذيب زكريا بطرس حول الناسخ والمنسوخ في القرآن الكريم)
بقلم / الأستاذ الدكتورعبدالعظيم المطعني
النسخ في عرف الشرائع هو إحلال حكم محل حكم آخر لحكمة معقولة المعنى ومقبولة، ومنذ عهد طويل اتخذ مخالفو الإسلام هذا النسخ وسيلة للتشكيك في الإسلام بناء على مقولة باطلة تصورها اليهود وروجوا لها وهي: أن النسخ في كلام الله لا يجوز لأنه لا يترتب عليه اتهام الله بالجهل والنقص، لأنه إذا قضى بحكم في أي مسألة من مسائل التكليف الذي أمر الله بها عباده، فيجب أن يكون هذا الحكم معصوماً من الخطأ لأنه صادر عن الله، فإذا نسخ "ألغى" هذا الحكم فمعناه أنه اكتشف خطأ في الحكم الأول فتدارك هذا الخطأ يوضع الحكم الجديد موضع الحكم الأول!!
ويسمون هذا بـ"البداء" أي الظهور وهو ظهور الخطأ في الحكم الأول والصواب في الحكم الثاني الذي نسخ الحكم الأول وحل محله؟ هذه مقولة اليهود التي روجوا لها ثم زعموا أن هذا النسخ ليس له وجود إلا في القرآن، ولما كانت كلمات الله لا تتبدل كما ورد ذلك في القرآن في عدة آيات لم يفهموا معناها، او فهموه ولكنهم حرفوه - كعادتهم – رتبوا على وجود النسخ في القرآن طعنين.
أحدهما: أنه ليس وحيا من عند الله، لأنه لو كان من عند الله لامتنع أن يكون فيه نسخ!
والثاني: أنه- إن كان من عند الله - فهو محرف ومبدل، وليس باقياً على الصفة التي أنزله الله عليها؟ أما استدلالهم على النسخ في القرآن فقد تزرعوا فيه بقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} سورة البقرة : 106
وليس لهم في هذه الآية أي دليل، لأن المراد من كلمة { آيَةٍ} هي المعجزات المادية الحسية، التي كان الله يؤيد بها رسله، والمعجزات الحسية المادية محددة الزمان، تقع في لحظة تطول أو تقصر، ثم تختفي وهي – أي المعجزات الحسية المادية- لا تبقى زمانين كجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وانفجار الماء من الحجر حين ضربه موسى بعصاه لما أمره الله بهذا الضرب، وهي كذلك محددة المكان، تقع في موضع دون بقية المواضع.
والمراد بنسخ المعجزة الحسية المادية هو توقفها وخفاؤها بعد ظهورها بمعنى أن برودة النار وسلامتها على إبراهيم عليه السلام اختفت بعد زمن وقوعها وكذلك طوفان نوح عليه السلام والميت الذي أحياه عيسى عليه السلام بإذن الله وقدرته، كل هذا اختفى من آماد بعيد.. لان المعجزة الحسية المادة لا تبقى زمانين كما سلف.
أما نسيان أو إنساء الله المعجزات الحسية المادية فهذا أمر فطري "طبيعي" لأن تلك المعجزات كانت في ذاكرة الذين شاهدوها لحظة وقوعها، ثم تأخذ في الاختفاء والنسيان جيلا بعد جيل. هذا هو المقصود من قوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} يعني إذا اختفت معجزة بعد وقوعها فإن الله قادر على أن يأتي هو { بِخَيْرٍ مِّنْهَا} أي أقوى وأظهر منها لأن المعجزات الحسية المادية تتفاوت فيما بينها في الضخامة وقوة التأثير على مشاهديها فطوفان نوح عليه السلام هو في نفسه أقوى وأظهر من تفجر الماء من الحجر حين ضربه موسى عليه السلام بعصاه وليس المراد من الخيرية في الآية المقارنة بين ما هو أقل خيراً وأكثر خيراً، كما فهم قمص قناة الحياة (إياها) زكريا بطرس.(6/27)
هذا هو المراد من الآية {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا} (سورة البقرة : 106) فالنسخ فيها لا علاقة له أبداً بإحلال حكم شرعي محل حكم شرعي آخر، وليس المراد من {مِنْ آيَةٍ} هي الآية القولية في القرآن، حتى يقال أن القرآن يثبت تبديل كلام الله، أو كما قال مهرج قناة الحياة أن محمدا (صلى الله عليه وسلم) نسي سوراً كاملة من القرآن ولم يبلغها للمسلمين؟!
هذا اللغو باطل.. ونسأل مهرج قناة الحياة: إذا كان محمد الذي نزل عليه القرآن نسي سوراً كاملة ولم يبلغها للمسلمين فمن أين علم هو بهذه السور التي لم يبلغها فتلقى الوحي ومحيت من ذاكرته وبهذا يتضح من أقصر طريق أن هذه الآية لا صلة لها بالنسخ في الأحكام الشرعية، أما استدلالهم بقوله تعالى : { لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ} (سورة الكهف : 27) يعني كلمات الله، فيخطئون خطأ شنيعاً في فهمها لأنهم يفهمون منها الكلام الموحى من عند الله سواء كان في الكتب السابقة على القرآن، أو في القرآن نفسه، بينما المراد من كلمات الله في هذه الآية وأمثالها: هي سنن الله في خلقه والقوانين النافذة في الكون والمجتمع، وهذا شيء شرحه يطول، ومن أمثلته.. {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} (آل عمران: 85) هي سنة مطردة قاهرة لا يمكن لأحد تبديلها أو تعطيلها.
أما الزعم بأن النسخ خاص بالقرآن، وأن جميع ما سبقه من الكتب السماوية ليس فيه نسخ فهذه دعوى من أكذب الدعاوى على الإطلاق. وإذا رجعنا إلى "الكتاب المقدس" بعهديه القديم والجديد، وجدنا أن النسخ فيه أكثر من أن يحصى بدءاً من شريعة آدم، ونوح وإبراهيم وموسى وعيسى صلى الله عليهم وسلم.
ففي شريعة آدم كان الأخ يتزوج من أخته الشقيقة فحدث في شريعة إبراهيم تعديل لهذا الحكم، فقد كانت سارة زوجة إبراهيم أختاً له من أبيه لا من أمه ولذلك قال عنها إبراهيم وليست ابنة أمي.. إنها أختي بالحقيقة بنت أبي، أنظر سفر التكوين الإصحاح العشرين الآية الثامنة عشر.
وإنما قال إبراهيم [وليست ابنة أمي] لأن الزواج بالأخت من الأم كان لا يجوز في شريعة إبراهيم عليه السلام فهذا نسخ وقع بين شريعة آدم عليه السلام وبين شريعة إبراهيم عليه السلام، ثم جاءت شريعة موسى فحرمت الزواج بالأخت تحريماً مطلقاً سواء كانت شقيقة أو لأب أو لأم، فقد جاء في سفر الأحبار (اللاويين) بالإصحاح الثامن عشر، الفقرة التاسعة ما يأتي: [لا تكشف عورة أختك من أبيك أو من أمك] وفي الإصحاح العشرين من السفر المذكور الفقرة السابقة نص على أن الزواج من الأخت مساو للزنا في الحرمة، إذ جاء فيها أي رجل تزوج أخته ابنة أبيه أو ابنة أمه ورأى عورتها ورأت عورته فهذا عار شديد فيقتلان أمام شعبهما.
وفي الإصحاح السابع من سفر التثنية الفقرة الثانية والعشرين تكرر هذا التحريم حيث جاء في الموضع المذكور [يكون ملعوناً من ضاجع أخته من أبيه أو من أمه] فقد نسخت شريعة موسى عليه السلام ما كان مباحاً في شريعتي آدم وإبراهيم عليهما السلام وقضت بتجريمه والعقوبة عليه من فضيحة الإثنين معاً بتنفيذ عقوبة القتل أمام الناس.
ويلاحظ أن النسخ الذي تم بين شريعتي آدم وإبراهيم كان جزئياً بتعديل الحكم من الاتساع إلى الضيق. أما النسخ بين شريعتي إبراهيم وموسى كان كلياً بإلغاء الإباحة بكل صورها في الموضوع شاهد وقوع النسخ، وإحلال التحريم المطلق محل الإباحة الجزئية.
وهذا النسخ بصوره الثلاث يثبت يقيناً أن النسخ ليس خاصاً بالقرآن كما يزعم مهرج قناة الحياة، بل هو عام في جميع الشرائع السابقة عليه مع وجود فروق جوهرية سوف نشير إليها إذا سنحت الفرصة.
كذلك كانت جميع الحيوانات حلالاً لحمها للناس في شريعة نوح. جاء ذلك في سفر التكوين الإصحاح التاسع الفقرة الثالثة قول "الله" لنوح عليه السلام: [وكل ما يتحرك على الأرض وهو حي يكون لكم مأكولاً كالبقل الأخضر].
وقد جاء في شريعة موسى عليه السلام تحريم حيوانات أخرى كثيرة منها الخنزير كما هو مذكور في سفر الأحبار(اللاويين) الإصحاح الحادي عشر والإصحاح الرابع عشر من سفر الاستثناء، وبعض مترجمي التوراة إلى العربية زاد كلمة طاهر بعد كلمة حي فصارت العبارة [كل حي طاهر] لإخراج الحيوانات الحية النجسة وهذا نوع من التحريف بالزيادة في الترجمة إلى العربية.
ومن صور النسخ في شريعة موسى عليه السلام تحريم الجمع بين الأختين في الزواج بالرجل الواحد في زمن واحد، وكان هذا الجمع جائزاً في شريعة يعقوب عليه السلام وهو من أنبياء بني إسرائيل قبل موسى، ويعقوب نفسه جمع في التزوج من أختين هما ليا وراحيل، وهذا مذكور في سفر التكوين الإصحاح التاسع والعشرين، فلما كانت شريعة موسى عليه السلام نسخت هذا الحكم، واعتبرت التزوج بالأختين في وقت واحد محرماً، وقد جاء في سفر اللاويين الإصحاح الثامن عشر الفقرة الثامنة عشر ما يأتي: [لا تتزوج أخت امرأتك من حياتها فيحزنها ولا تكشف عورتهما جميعاً فتحزنهما].(6/28)
ومن صور النسخ التي لا تقبل الجدل في شريعة عيسى عليه السلام لأحكام كانت مشروعة في شريعة موسى ما يأتي: كان طلاق الرجل زوجته جائزاً جوازاً مطلقاً لأي سبب من الأسباب، وهذا مذكور في الإصحاح الرابع والعشرين من سفر التثنية فجاءت شريعة عيسى عليه السلام ونسخت هذا الجواز المطلق وحصرته في سبب واحد هو الزنا.
فقد جاء في إنجيل متى الإصحاح الخامس الفقرة الحادية والثلاثين ما يأتي: [وقيل من طلق امرأته فليعطها كتاب طلاق وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته لغير علة الزنا يجعلها تزني]. فهذا النسخ صريح على لسان عيسى عليه السلام كما روى متى يفيد أن جواز تطليق المرأة لأي سبب غير الزنا منسوخ في شريعة عيسى، وقد كان جائزاً في شريعة موسى.
وتكرر هذا النسخ مرة أخرى في إنجيل متى الإصحاح التاسع عشر في فقراته الأولى فليرجع إليه من شاء والنسخ في شريعة عيسى ليس مقصوراً عليه هو وحده بل شاركه فيه حواريوه (تلاميذه) وشاركه فيه بولس المسمى في العهد الجديد (الأناجيل) بولس الرسول وهو ليس من حواري المسيح عليه السلام والحواريون وبولس ليسوا رسلا موحى إليهم وحياً مباشراً من عند الله، وهذا موضع إجماع في الإيمان المسيحي كما هو معروف.
ولا نريد الإكثار من إيراد صور النسخ في الشريعة العيسوية، فذلك ليس من أهدافنا هنا، إنما هدفنا الرئيسي أن نثبت بالأدلة اليقينية من واقع النصوص المقدسة من العهدين القديم والجديد أن النسخ شائع في جميع الكتب والشرائع السماوية وليس مقصوراً على القرآن والإسلام، لنبين في وضوح كذب هذه الدعوى التي أكثروا الطنين حولها في هذه الأيام، وبخاصة زكريا بطرس مهرج قناة "الحياة".
فمن النسخ المنسوب إلى الحواريين أنهم نسخوا كل الأحكام العملية التي زخرت بها التوراة أو شريعة موسى عليه السلام إلا أربعة أحكام أبقوا على تحريمها، وهي: الزنا والدم وأكل المخنوق والذبح للأصنام وهذا مذكور في الإصحاح الخامس عشر من أعمل الحواريين.
ثم جاء بولس من بعدهم ونسخ ثلاثة من الأربعة التي أبقى الحواريين حرمتها وجعلها حلالا، وهي الدم وأكل المخنوق والذبح للأصنام، أما الزنا فأبقاه على حرمته كما هو في شريعة موسى عليه السلام كما نسخ بولس مشروعية الختان التي كانت معمولا بها في شريعة موسى، ثم استمر العمل بها في صدر شريعة عيسى، والدليل على ذلك أن عيسى نفسه عليه السلام اختتن ولما آل أمر المسيحية إلى بولس وقف العمل به (نسخه) وله في ذلك كلام منسوب إليه، وهو طويل نكتفي منه بالآتي: [وها أنا بولس أقول لكم إنكم إن إختتنتم لن ينفعكم المسيح بشيء] الإصحاح الخامس من رسالة بولس إلى أهل غلاطية، والواقع الذي لا ينكر أن بولس لما آل إليه شأن المسيحية نسخ كل الأحكام العملية التي كانت في شريعته وعلى يديه انفصلت المسيحية عن اليهودية.
وكان لبولس أسباب اعتمد عليها في نسخ كل ما في الشريعة الموسوية من الأحكام العملية، وهي كثيرة نذكر منها:
1- أن تجدد الإمامة (الرسالة) يقتضي تجدد الناموس (القوانين والأحكام).
2- أن الشيء القديم البالي (شريعة موسى) قابل للفناء.
3- أن من يعمل بالناموس (شريعة موسى) يحرم من نعم المسيح.
وبهذا وغيره استباح إقصاء شريعة موسى كلها عن العمل يعني نسخها كلها، ولذلك تعتبر شريعة عيسى عليه السلام أكثر الشرائع نسخاً بلا أي منازع. هذا بالنسبة لما حدث من نسخ شريعة موسى على النحو المتقدم.
على أن في الشريعة العيسوية صوراً من النسخ والأحكام وردت فيها هي نفسها، وهي كثيرة لا نريد أن نطيل أكثر مما تقدم بذكرها أو بعض منها. أما النسخ في القرآن فله بيان خاص نرجو أن نوفيه حقه لاحقاً، والذي نذكره الآن عنه هو الآتي:
أولاً: أنه قليل إلى حد الندرة وفي أوسع الأحوال لا يتجاوز وقوع النسخ في القرآن عند المحققين آيات دون أصابع اليدين.
ثانياً: أنه مع ندرته من فعل الله نفسه، وليس لأحد سلطان، ولو كان النبي نفسه صلى الله عليه وسلم، أن ينسخ حكماً قطعي الدلالة والثبوت في كتاب الله العزيز.
هذا بينما مر بنا أن النسخ في شريعة عيسى مارسه الحواريون (تلاميذه) ومارسه بولس، وهم جميعاً ليسوا رسلاً موحى إليهم من عند الله وحياً مباشراً، وهنا نقول لمهرج قناة (الحياة) هل أنت تجهل هذه الحقائق التي اقتبسناها مباشرة من أسفار الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد؟ أم أنت تعلمها؟! فإن كنت تجهلها فلا يحق لك أن تتحدث عن أمور لا رأس لك فيها ولا قدم.
وإن كنت تعلمها فلا يحق لك أن تجعل النسخ في القرآن دليلاً على أنه ليس وحياً من عندالله، لأنك تؤمن بالكتاب المقدس، بأنه وحي من عند الله، وقولك بأن النسخ يقضي بأن الكلام الذي وقع فيه ينفي عنه صفة الوحي المنزل، يصيبك أنت في إيمانك، ولا يصيب سواك ممن عنيتهم، فكف عن مهاتراتك لئلا يصيبك سهمك.
=================
شبهات حول الناسخ والمنسوخ والرد عليها
النوع الخامس: الناسخ والمنسوخ
تعريف الناسخ
ب- شروط النسخ(6/29)
جـ- حكمة وقوع النسخ
د- أقسام النسخ في القرآن الكريم
1-نسخ التلاوة والحكم معاً
2-نسخ التلاوة مع بقاء الحكم
3-نسخ الحكم وبقاء التلاوة
أمثلة
هـ - النسخ إلى بدل وإلى غير بدل
و- أنواع النسخ
النوع الأول: نسخ القرآن بالقرآن
النوع الثاني: نسخ القرآن بالسنة
شرح النقاط بالتفصيل وبالترتيب
أ- تعريف النسخ
1- لغة: الإزالة. يقال: نسخت الشمس الظّل، أي أزالته. ويأتي بمعنى التبديل والتحويل، يشهد له قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ} [النحل: 101].
2- اصطلاحاً: رفع الحكم الشرعي بدليل شرعي متأخر. فالحكم المرفوع يسمى: المنسوخ، والدليل الرافع يسمى: الناسخ، ويسمى الرفع: النسخ.
فعملية النسخ على هذا تقضي منسوخاً وهو الحكم الذي كان مقرراً سابقاً، وتقتضي ناسخاً، وهو الدليل اللاحق.
ب- شروط النسخ.
1- أن يكون الحكم المنسوخ شرعياً.
2- أن يكون الدليل على ارتفاع الحكم دليلاً شرعياً متراخياً عن الخطاب المنسوخ حكمه.
3- ألا يكون الخطاب المرفوع حكمه مقيداً بوقت معين مثل قوله تعالى:
{فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} [البقرة:109] فالعفو والصفح مقيد بمجيء أمر الله.
جـ- حكمه وقوع النسخ:
1- يحتل النسخ مكانة هامة في تاريخ الأديان، حيث أن النسخ هو السبيل لنقل الإنسان إلى الحالة الأكمل عبر ما يعرف بالتدرج في التشريع، وقد كان الخاتم لكل الشرائع السابقة والمتمم له ما جاء به سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وبهذا التشريع بلغت الإنسانية الغاية في كمال التشريع.
وتفصيل هذا: أن النوع الإنساني تقلب كما يتقلب الطفل في أدوار مختلفة، ولكل دور من هذه الأدوار حال تناسبه غير الحال التي تناسب دوراً غيره، فالبشر أول عهدهم بالوجود كانوا كالوليد أول عهده بالوجود سذاجة، وبساطة، وضعفاً، وجهالة، ثم اخذوا يتحولون من هذا العهد رويداً رويداً، ومروا في هذا التحول أو مرت عليهم أعراض متبانية، من ضآلة العقل، وعماية الجهل، وطيش الشباب، وغشم القوة على التفاوت في هذا بينهم، اقتضى وجود شرائع مختلفة لهم تبعاً لهذا التفاوت.
حتى إذا بلغ العالم أوان نضجه واستوائه، وربطت مدنيته بين أقطاره وشعوبه، جاء هذا الدين الحنيف ختاماً للأديان ومتمماً للشرائع، وجامعاً لعناصر الحيوية ومصالح الإنسانية و مرونة القواعد، جمعاً وفَّقَ بين مطالب الروح والجسد، وآخى بين العلم والدين، ونظم علاقة الإنسان بالله وبالعالم كله من أفراد، وأسر، وجماعات، وأمم، وشعوب، وحيوان، ونبات، وجماد، مما جعله بحق ديناً عاماً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
2- ومن الحكم أيضاً التخفيف والتيسير: مثاله: إن الله تعالى أمر بثبات الواحد من الصَحابَة للعشرة في قوله تعالى: {إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [ الأنفال:65] ثم نسخ بعد ذلك بقوله تعالى :{الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ} [الأنفال:66] فهذا المثال يدل دلالة واضحة على التخفيف والتسير ورفع المشقة، حتى يتذكر المسلم نعمة الله عليه.
3- مراعات مصالح العباد.
4- ابتلاء المكلف واختباره حسب تطور الدعوة وحال الناس.
د- أقسام النسخ في القرآن الكريم
1- نسخ التلاوة والحكم معاً.
رُوي عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت: كان فيما نزل من القرآن:"عشر رضعات معلومات يحرّمن " فنسخن خمس رضعات معلومات، فتوفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي مما يقرأ من القرآن". ولا يجوز قراءة منسوخ التلاوة والحكم في الصلاة ولا العمل به، لأنه قد نسخ بالكلية. إلا أن الخمس رضعات منسوخ التلاوة باقي الحكم عند الشافعية.
2-نسخ التلاوة مع بقاء الحكم.
يُعمل بهذا القسم إذا تلقته الأمة بالقبول، لما روي أنه كان في سورة النور: "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما نكالاً من الله والله عزيز حكيم "، ولهذا قال عمر: لولا أن يقول الناس زاد عمر في كتاب الله لكتبتها بيدي.
وهذان القسمان: (1- نسخ الحكم والتلاوة) و (2- نسخ التلاوة مع بقاء الحكم) قليل في القرآن الكريم، ونادر أن يوجد فيه مثل هذان القسمان، لأن الله سبحانه أنزل كتابه المجيد ليتعبد الناس بتلاوته، وبتطبيق أحكامه.
3- نسخ الحكم وبقاء التلاوة.
فهذا القسم كثير في القرآن الكريم، وهو في ثلاث وستين سورة.
مثاله:
1- قيام الليل:
المنسوخ: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمْ اللَّيْلَ إِلا قَلِيلا * نِصْفَهُ أَوْ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلا}[المزمل: 1- 3].
الناسخ: قوله تعالى: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِنْ ثُلُثَي اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِنْ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ} [المزمل:20].(6/30)
النسخ: وجه النسخ أن وجوب قيام الليل ارتفع بما تيسر، أي لم يَعُدْ واجباً.
2- محاسبة النفس.
المنسوخ: قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ}
[البقرة: 284].
الناسخ: قوله تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا} [ البقرة:286 ].
النسخ: وجهه أن المحاسبة على خطرات الأنفس بالآية الأولى رُفعت بالآية التالية.
3-حق التقوى.
المنسوخ: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} [آل عمران: 102].
الناسخ: قوله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: 16].
النسخ: رفع حق التقوى بالتقوى المستطاعة.
- ما الحكمة من نسخ الحكم وبقاء التلاوة؟
1- إن القرآن كما يتلى ليعرف الحكم منه، والعمل به، فإنه كذلك يُتلى لكونه كلام الله تعالى، فيثاب عليه، فتركت التلاوة لهذه الحكمة.
2- إن النسخ غالباً يكون للتخفيف، فأبقيت التلاوة تذكيراً بالنعمة ورفع المشقة، حتى يتذكر العبد نعمة الله عليه.
هـ- النسخ إلى بدل وإلى غير بدل
1- النسخ إلى بدل مماثل، كنسخ التوجه من بيت المقدس إلى بيت الحرام: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة :144].
2- النسخ إلى بدل أثقل، كحبس الزناة في البيوت إلى الرجم للمحصن، والجلد لغير المحصن. ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان.
3- النسخ إلى غير بدل، كنسخ الصدقة بين يدي نجوى الرسول صلى الله عليه وسلم.
4- النسخ إلى بدل أخف: مر معنا في الأمثلة السابقة ( قيام الليل ).
و- أنواع النسخ
النوع الأول: نسخ القرآن بالقرآن، وهو متفق على جوازه ووقوعه.
النوع الثاني: نسخ القرآن بالسنة وهو قسمان.
1- نسخ القرآن بالنسبة الآحادية، والجمهور على عدم جوازه.
2- نسخ القرآن بالسنة المتواترة.
أ- أجازه الإمام أبو حنيفة ومالك ورواية عن أحمد، واستدلوا بقوله تعالى: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ} [البقرة: 180] فقد نسخت هذه الآية بالحديث المستفيض، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: " ألا لا وصية لوارث " ولا ناسخ إلا السنة . وغيره من الأدلة .
ب- منعه الإمام الشافعي ورواية أخرى لأحمد، واستدلوا بقوله تعالى: {مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا} [البقرة: 106] قالوا: السنة ليست خيراً من القرآن ولا مثله.
النوع الثالث: نسخ السنة بالقرآن: أجازه الجمهور، ومثلوا له بنسخ التوجه إلى بيت المقدس الذي كان ثابتاً بالسنة بالتوجه إلى المسجد الحرام. ونسخ صوم عاشوراء بصوم رمضان.
=============== ... ...
هل هناك تناقض في مدة خلق السموات والأرض ؟
كتبة : أبو تراب
الشبهة
) (قل أئنكم لتكفرون بالذى خلق الأرض فى يومين وتجعلون له أنداداً ذلك رب العالمين (9( وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواءً للسائلين (10) ثم استوى إلى السماء وهى دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرهاً قالتا أتينا طائعين (11) فقضاهن سبع سماوات فى يومين وأوحى فى كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظاً ذلك تقدير العزيز العليم (12)) فصلت
1(أأنتم أشد خلقاً أم السماء بناها (27) رفع سمكها فسواها (2 وأغطش ليلها وأخرج ضحاها (29) والأرض بعد ذلك دحاها (30) أخرج منها ماءها ومرعاها (31) والجبال أرساها (32) متاعاً لكم ولأنعامكم (33)) النازعات
(هو الذى خلق لكم ما فى الأرض جميعاً ثم استوى إلى السماء فسواهن سبع سماوات وهو بكل شىء عليم) البقرة 29
1-فهناك اختلاف في ترتيب الخلق بين الثلاث ايات
2-خلق الارض في اربعة ايام ربانية بينما استغرق خلق السبع سماوات و المجرات اللامتناهية يومين ربانين فقط بالرغم من اثبات العلم الحديث مما لا يدع شكا ان الفرق بينهما لا متناهي لدرجة لا يتصورها
لماذا استغرق خلق الارض ضعف المدة اللازمة لخلق السبع سماوات بمشتملاتها
التفسير الذي اقوله انها مستوحاة مع تصرف بسيط
من التوراة سفر التكوين
انتهت الشبهه
السؤال هنا: هل الله خلق كل مافى الارض جميعا من ماء ومرعى وجبال ثم سوى السماء بحسب ( البقرة 29 ) أم ان الله سوى السماء اولا ثم خلق ما فى الارض من ماء ومرعى وجبال بحسب ( النازعات 27- 31) ؟؟؟؟
ان الماء والمرعى والجبال هل هى اشياء فى الارض ام لا؟؟؟؟؟ طبعا هى اشياء فى الارض ... فبحسب البقرة 29 يكون الله قد خلقهم الاول لان الله خلق مافى الارض جميعا ثم سوى السماء
لكن فى النازعات نجد ان الله سوى السماء الاول ويقول كلمة ( وبعد ذلك) (الارض بعد ذلك ) اخرج منها الماء والمرعى والجبال
هل تقدر ان تقول لى الانهار خلقت قبل خلق السماء آم خلقت بعد خلق السماء؟؟؟؟(6/31)
لو قرأت ( البقرة 29 ) لايساورك ادنى شك فى ان الله خلق الانهار اولا قبل خلق السماء لان الانهار هى شى فى الارض والله خلق مافى الارض جميعا الاول ... لكن فى النازعات الله خلق السماء الاول وبعد ذلك اخرج الماء اى الانهار وجعل المرعى وهو الشى المعتمد على المياة
===============
الرد على شبهة حفص متهم بالكذب وهو راوي للقرآن
ان الحمد لله المتكفل بحفظ كتابة والقائل ان نحن نزلنا الذكر وانا لة لحافظون والصلاة والسلام علي المبلغ لرسالة رب العالمين اشرف المرسلين وخلق الله اجمعين محمد بن عبد الله وعلي اله وصحبه وسلم
أما بعد
شبهة رايتها وهالني ما فيها من تلبيس وتدليس ولخطورتها رددت ردا مبدأيا باذن الله حتي تنهار وتسقط من الاساس واليكم قريبا جدا باذن الله تنقيح وتفصيل لهذا الرد
تقول
الشبهة :-
انه كتب في ختام المصحف الشريف
كتب هذا المصحف وضبط على ما يوافق روايةَ حفص بن سليمان بن المغيرة الأسَدىّ الكوفِىّ لقراءة عاصم بن أبِى النَّجود الكوفِىّ التابعِىّ عن أبِى عبد الرحمن عبد الله بن حَبيب السُّلمىّ عن
عثمانَ بن عفَّانَ وعلِىّ بن أبِى طالب وزيد بن ثابت وأبَىّ بن كعْب عن النَبىِّ صلى الله عليه وسلم
ويقولون ان حفص رجل متروك عند علماء المسلمين وساقو في سبيل هذا العديد من ترجمات القوم له منها
أبو عمر حفص بن سليمان الأسدي عن عاصم بن بهدلة وعلقمة بن مرثد متروك الحديث.
الكنى و الاسماء ج1 ص540
حفص بن أبي داود هو بن سليمان قال بن عدي كذا يسميه أبو الربيع الزهراني لضعفه.
تهذيب التهذيب ج2 ص344
قلت الامر يحتاج بدايه أن نوضح بعض الفوائد ثم نرد علي تلك الشبة التي اشتمل عرضها علي العديد من التلبيس
فوائد
مبدأيا ان تلك
الشبهة ليست علي القران الكريم ولكنه تعني بتضعيف احد رواة إحدي طرق تلاوته .
وهو حفص
ان القائلين بضعف رواية حفص في الحديث اجتمعو علي صدقة في قراءة القران الكريم
انه معتاد ان يمتدح احد الرجال في احد العلوم ولا يمدح في الاخر بل يهجر ويترك وهذا امر معلوم بة في الحياة
القراءات لغة :
جمع مفردها قراءة و مادة ( ق . ر . أ ) تدور في لسان العرب حول معنى الجمع و الاجتماع.
و القراءة من قرأ يقرأ و قرآنا فهو قارئ ، و هم قرَّاء و قارئون.
فالقراءة مصدر من قول القائل : قرأت الشيء إذا جمعته و ضممت بعضه إلى بعض ، و كقولك : ما قَرَأَت الناقة سَلِي قط. تريد بذلك أنها لم تَضُم رحما على ولد
تعريف القراءات اصطلاحا:
للعلماء في تعريف القراءات مذاهب كثيرة منها تعريف:
1- الزركشي ( ت 794هـ ) :- القراءات اختلاف ألفاظ الوحي في كتابة الحروف أو كيفيتها من تخفيف و تثقيل و غيرهما
ابن الجزري ( ت 833هـ ) :- علم بكيفية أداء كلمات القرآن و اختلافها معزوًا لناقله
تعريف الشهاب القسطلاني ( ت 923هـ ):- علم يعرف منه اتفاق الناقلين لكتاب الله و اختلافهم في اللغة و الإعراب و الحذف و الإثبات ، و التحريك و الإسكان ، و الفصل و الاتصال ، و غير ذلك من هيئة النطق و الإبدال من حيث السماع
ترجمة حفص
اسمه : حفص بن سليمان الدوري الغاضري الأسدي صاحب عاصم وربيبه ، أخذ عن عاصم القراءات وأتقنها فشهد له العلماء بالإمامة فيها.
أخذ القراءة عن حفص عبيد بن الصباح وأخوه عمرو بن الصباح ، وأبو شعيب القواس ، وحمزة بن القاسم ، وخلف الحداد عرضاً وسماعاً وكثير من التلاميذ أخذوا عنه وصاروا من بعده علماء في هذا الفن رحمه الله تعالى.
وقد أثنى عليه العلماء وعدوه مقدماً على أبي بكر بن عياش وهو الراوي الآخر عن عاصم فهو أكثر حفظاً وإتقاناً.
ويصفونه بضبط الحروف التي قرأ بها عاصم ، وقالوا إن الرواية الصحيحة التي رويت عن عاصم هي رواية حفص بن سليمان.
وليس ذلك بغريب فقد كان ربيب عاصم فلازمه وأتقن قراءته ، وتوفي حفص رحمه الله وجزاه عن القرآن وأهله أحسن الجزاء سنة 180 هـ.
الرد
اولا تلك القراءة لم يتفرد بها حفص بل نقلت لنا عن طريق التواتر
والغريب جدا ان تلاوة حفص قد نقلت لنا علي التواتر ولم ينفرد حفص باي شي اي ان جميع تلاوة حفص نقلت لنا من غيره بل نقلت لنا بطريق التواتر وهو ما يجعل رواية حفص مقبولة لجميع الامة لان اقوي الاسانيد هي تلك المتواترة - نلاحظ هنا اننا لم نجب بعد علي
الشبهة ولكنها فائدة نوضحها في البداية -
وعندما نلاحظ مثلا القصيدة الشاطبية سيتبين لنا هذا بجلاء
- وَمَا قَبْلَهُ التَّسْكِينُ لاِبُنِ كَثِيرِهِمْ وَفِيهِ مُهَاناً مَعْهُ حَفْصٌ أَخُو وِلاَ
- وَعَنْهُمْ وَعَنْ حَفْصٍ فَأَلْقِهْ وَيَتَّقِهْ حَمى صَفْوَهُ قَوْمٌ بِخُلْفٍ وَأَنْهَلاَ
وَيُوصى بِفَتْحِ الصَّادِ صَحَّ كَمَا دَنَا وَوَافَقَ حَفْصٌ فِي الأَخِيرِ مُجَمَّلاَ
- وَشَدَّدَ حَفْصٌ مُنْزَلٌ وَابْنُ عَامِرٍ وَحُرِّمَ فَتْحُ الضَّمِّ وَالْكَسْرِ إذْ عَلاَ(6/32)
** يتلاحظ لنا مما سبق و غيره كثير جدا ان رواية حفص لها العديد من الطرق غير حفص ولقد حكي هذا العديد من اهل العلم منهم العلامة ابن الجزري وكذا القسطلاني وغيرهم كثير
ومن ثم فان رواية حفص هي سليمة لغيرها فضلا عن سلامتها لذاتها للاجماع علي عدولة في رواية القران ولكن نقول لمن يشكك فيها فهي ايضا سليمة لغيرها ولتعدد طرقها التي وسمت بانها رواية متواترة .
ثانيا : من المعروف عن اهل العلم انهم يمتدحون البعض في بعض الاقسام من العلوم ولا ياخذون عنهم في الباقي بل يزمونهم في البقية . وهذا ليس في موقف حفص فقط بل سنجدة في العديد من اهل العلم يذكر فيه هكذا كان صدوقا كذا ومتروك في كذا
ولقد قال اهل العلم في حفص الاتي :-
قال عنه الذَّهبي ( ت : 748 ) ـ بعد أن ذكر جرح علماء الحديث فيه : ( قلت : أما في القراءةِ ، فثقة ثبت ضابط ، بخلاف حاله في الحديث)[ معرفة القراء الكبار ، للذهبي ( 1 : 140 )]
وقال ابن حجر العسقلاني ( ت : 852 ) : ( متروك الحديث مع إمامته في القراءة)[ تقريب التهذيب ، لابن حجر العسقلاني ، تحقيق : صغير أحمد الباكستاني ( ص : 257 )]
سليمان الغاضري الكوفي قارىء الكوفة وتلميذ عاصم . وقد حدث عن علقة بن مرثد وجماعة .
وعاش تسعين سنة . وهو متروك الحديث حجة في القراءة
قال الهيثمي: وفيه حفص بن سليمان القاري وثقه أحمد وضعفه الأئمة في الحديث
قال المناوي وغيره: حفص بن سليمان ابن امرأة عاصم ثبت في القراءة لا في الحديث
وقد أثنى عليه العلماء وعدوه مقدماً على أبي بكر بن عياش وهو الراوي الآخر عن عاصم فهو أكثر حفظاً وإتقاناً
قلت : ولما لم ينقل هذا قائل الشبه بل اقتصر فقط علي عرض ما ساقوة علية في امر الحديث ولم يسوق ما اثنو به عليه في القراءة
وقلت انه لعجب ان تاخذ كلام الرجل في شق ثم تنكرة في الشق الاخر فلقد حكو كلام القوم في الحديث الذي بسندة حفص ونقول لهم اتقصدقون قولهم ايضا في مكانه حفص في القراءة ؟؟ لما تؤمنون ببعض الكتاب وتكفرون ببعضه انه امر عجيب حقا .
ثالثا : رواية حفص نقلت لنا عن طريق التواتر ولم تكن من طريق واحد مطلقا وهذا واضح في الفائدة الاولي من منظومة الشطبية مثلا توضح لكم انة وافق اخرون في ما نقل و وافقه اخرون ايضا
هذا رد مبدائي لاني رددت علي عجل عندما شاهدت
الشبهة ولكم ان شاء الله ردا مفصلا قريبا باذن الرحمن
واخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمي
=================
الرد على ما يثار حول صفة المكر
يثير البعض من جهلة النصارى هذه
الشبهة حول صفة المكر لله سبحانه وتعالى ويقولون كيف يمكن ان تكون هذه الصفة المذمومة لله سبحانه وتعالى ؟
وللرد عليهم وتبيان جهلهم ننقل لكم ما جاء في مفردات الراغب الأصفهانى أن المكر هو صرف الغير عما يقصده بحيلة ، وذلك ضربان :
مكر محمود ، وذلك أن يتحرى بذلك فعل جميل ، وعلى ذلك قال سبحانه وتعالى:{ والله خير الماكرين } فلا يكون مكره الا خيرا
ومكر مذموم ، وهو أن يتحرى به فعل قبيح ، قال تعالى {ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} فاطر: 43 ،
فالمكر يكون في موضع مدحاً ويكون في موضع ذماً : فإن كان في مقابلة من يمكر ، فهو مدح ، لأنه يقتضي أنك أنت أقوى منه . وإن كان في غير ذلك ، فهو ذم ويسمى خيانة .
ولهذا لم يصف الله نفسه بصفة المكر على سبيل الاطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها أي على سبيل المقابلة والتقييد فيقال : يمكر بأعدائه، أو يمكر بمن يمكر برسله والمؤمنين ، وما أشبه هذا كما قال الله تعالى :{ ومكروا مكراً ومكرنا مكراً وهم لا يشعرون } وقال تعالى { ومكرواً ومكر الله والله خير الماكرين } آل عمران : 45 وقوله تعالى :{ وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } الأنفال : 30 ، وقوله تعالى :{ فانظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين } النمل : 51
وكذلك قوله سبحانه وتعالى : (( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلَّهِ الْمَكْرُ جَمِيعًا يَعْلَمُ مَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَسَيَعْلَمُ الْكُفَّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدَّارِ )) وقوله : (( وَقَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ )) أي برسلهم ، وبالحق الذي جاءت به الرسل ، فلم يغن عنهم مكرهم ولم يصنعوا شيئاً ، وقوله (( فلله المكر جميعاً )) أي : لا يقدر أحد أن يمكر مكراً إلا بإذنه ، وتحت قضائه وقدره ومشيئته سبحانه وتعالى . فلا عبرة بمكرهم ولا قيمة له ولا يلتفت إليه ، فَلِلَّهِ أَسْبَاب الْمَكْر جَمِيعًا , وَبِيَدِهِ وَإِلَيْهِ , لا يَضُرّ مَكْر مَنْ مَكَرَ مِنْهُمْ أَحَدًا إلا مَنْ أَرَادَ ضُرّه بِهِ , فلا يَضُرّ الْمَاكِرُونَ بِمَكْرِهِمْ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّه أَنْ يَضُرّهُ ذَلِكَ .
ومن هنا نعرف أن المكر هو التدبير، فإن كان فى شر فهو مذموم ، وإن كان فى خير فهو محمود .(6/33)
والآن لنرى بعض الصفات المثبته لله في كتاب النصارى المقدس :
الجبار :
ونجدها في مزمور [ 24: 8 ] : (( من هو هذا ملك المجد. الرب القدير الجبار الرب الجبار في القتال ))
القهار : ونجدها في سفر أيوب [ 30: 11] : (( لانه اطلق العنان وقهرني فنزعوا الزمام قدامي. ))
المذل :
ونجدها في سفر دانيال [ 4: 37 ] : (( فالآن انا نبوخذناصّر اسبح واعظم واحمد ملك السماء الذي كل اعماله حق وطرقه عدل ومن يسلك بالكبرياء فهو قادر على ان يذلّه )) ويقول بولس لأهل كورنثوس : (( وأخشى أن يجعلني إلهي ذليلاً بينكم عند مجيئي إليكم مرة أخرى )) 2 كو 12 : 21. انظر أيضا مزمور 88 : 7 .
المنتقم :
ونجدها في مزمور [ 18: 47 ] : (( الاله المنتقم لي والذي يخضع الشعوب تحتي )) وفي حزقيال (( واجعل نقمتي في ادوم بيد شعبي اسرائيل فيفعلون بادوم كغضبي وكسخطي فيعرفون نقمتي يقول السيد الرب )) حزقيال 25 : 14
الضار :
ونجدها في سفر الأمثال [ 8 : 36 ] : (( ومن يخطئ عني يضر نفسه. كل مبغضي يحبون الموت ))
خالق الشر :
ونجدها في سفر اشعيا [ 45 : 7 ] : (( مصور النور وخالق الظلمة صانع السلام وخالق الشر. انا الرب صانع كل هذه ))
مضل :
ونجدها في الرسالة الثانية إلى تسالونكي [ 2 : 11 ] : (( ولاجل هذا سيرسل اليهم الله عمل الضلال حتى يصدقوا الكذب )) وفي سفر حزقيال [ 14 : 9 ] : (( فاذا ضل النبي وتكلم كلاما فانا الرب قد اضللت ذلك النبي ))
الوارث :
ونجدها في عبرانيين [ 1 :1 ، 3 ]
فعلى النصارى أن يقرأوا و يفهموا كتابهم قبل أن يفتروا على الإسلام واهله . . والله المستعان ،،،
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ،،،
=============== ... ...
الرد على شبهة أن في القرآن حلفاً بالفجر والليالي العشر وغيرهما .
إن فى القرآن أن صاحب القرآن يقسم بالفجر والليالى العشر. فلماذا يحلف ؟ وهل يحتاج صاحب القول الصادق إلى قسم يؤكد به كلامه ؟
الرد على
الشبهة:
إن المعترض يعنى بصاحب القرآن محمداً صلى الله عليه وسلم ولا يعنى مُنَزِّلة وهو الله ـ عز وجل ـ والقسم من الله نفسه بمخلوقاته هو للدلالة على عظمها وأهميتها ومنافعها للناس. وفى التوراة: " الذى حلف الرب لهم أنه " [يشوع 5: 6] " حلف الرب بيمينه " [إشعياء 62: 8] وفى الإنجيل " ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه ، ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه " [متى 23: 21ـ22] وفى الزبور: " أقسم الرب ولن يندم "[مز 110: 4] وفى سفر التكوين: " بذاتى أقسمت ، يقول الرب " [تك 22: 16] وفى سفر أعمال الرسل أن كاهناً وأولاده كانوا يقسمون باسم يسوع المسيح " قائلين نقسم عليك بيسوع " [أع 19: 13
=============
إسماعيل بين الأنبياء
إن القرآن ذكر أن إسماعيل كان (رسولاً نبيًّا) وفى التوراة أنه إنسان وحشى. وهذا تناقض.
الرد على الشبهة:
1- أما أنه كان رسولاً فهذا لا إشكال فيه. فإن الشريعة التى كان عليها هى شريعة نوح ـ عليه السلام ـ وكان يبلغها للناس كما يبلغها غيره.
2- وأما أنه كان نبيًّا فهذا هو الإشكال عند المؤلف ، وهو ليس بإشكال. لأن النبى هو المنبئ بغيب ، ويقع الغيب من بعده كما أنبأ به. فلننظر فى إسماعيل ـ بحسب تفسير كلمة النبى عندهم ـ هل أنبأ بغيب أم لا ؟ إنه من إبراهيم الذى سار مع الله ، ودعا إليه ، ورغب فيه. ولسيره ، وعده الله بالبركة فى إسماعيل وإسحاق. والبركة ملك ونبوة وإذْ وُعد إسماعيل بنبى من نسله ، وأنبأ بتحقق هذا الوعد. ووقع كما قال. فإنه قد ظهر منه محمد صلى الله عليه وسلم فإنه يكون نبيًّا.
ففى التوراة: " ولما كان أبرام ابن تسع وتسعين سنة ؛ ظهر الرب لأبرام وقال له: " أنا الله القدير. سر أمامى ، وكن كاملاً ؛ فأجعل عهدى بينى وبينك وأكثرك كثيراً جداً " [تك 17: 1ـ2] وعن البركة فى إسحاق: " وأباركها وأعطيك أيضاً منها أبناء أُباركها فتكون أمماً وملوك شعوب منها يكونون " [تك 17: 16] ، وعن البركة فى إسماعيل: " وأما إسماعيل فقد سمعت لك فيه. ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيراً جداً.. " [ تك 17: 20] وقد قام ببركة إسحاق نبى الله موسى ، وقام ببركة إسماعيل نبى الله محمد. وإسماعيل قد أنبأ به من قبل ظهوره.
============== ... ...
الرد على شبهة العجل الذهبى الذي من صنع السامرى
كيف يكون اسمه السامري ولم يكن هناك وجود لمدينة السامرة
إن مدينة السامرة فى فلسطين لم يكن لها وجود لما خرج بنو إسرائيل من مصر ، مع موسى ، وسكنوا أرض سيناء. وفيها عمل لهم هارون العجل الذهبى كطلبهم. فكيف نتخيل سامرياً يضع لهم العجل قبل أن يكون للسامريين وجود ؟
الرد على الشبهة:1(6/34)
ـ إنه ليس فى فلسطين مدينة تسمى بمدينة السامرة. وإنما كان للسامريين مملكة فى فلسطين ، عاصمتها " نابلس " المسماة قديماً " شكيم " وكانت هذه المملكة مكونة من عشرة أسباط. وكان للسبطين مملكة فى فلسطين عاصمتها " القدس " المسماة قديماً " أورشليم ".2 ـ ولما صعد موسى عليه السلام إلى جبل الطور وتلقى التوراة ، نزل فوجد اليهود يعبدون عجلاً جسداً له خوار. فسأل عن ذلك فدلوه على من أغراهم بعبادتهم. فأمسك به وسأله (ما خطبك يا سامرى)أى ما هذا الذى فعلته أيها المضل ؟ لأن كلمة (سامرى) تطلق على المضل. ولا تطلق على شخص كاسم من الأسماء.
وبهذا المعنى لا يكون الذى أضلهم رجل مسمى بالسامرى ، حتى يتوجه الإشكال. وإلا يلزم أن يكون السامرى من أسماء المسيح عيسى ـ عليه السلام ـ فإن اليهود قالوا له: " إنك سامرى ، وبك شيطان " [يو 8: 48.
... ============= ...
الرد على شبهة أن مريم تلد فى البرية ووليدها يكلمها من تحتها
لقد ولدت مريم السيد المسيح فى بيت لحم كما تنبأ أنبياء التوراة بذلك قبل حدوثه بمئات السنين ، وليس بجوار جذع نخلة.
. ووضعت مريم وليدها فى مذود [لوقا 2: 2ـ20] وغريب أن يكلمها وليدها من تحتها: أن تهز جذع النخلة وتأكل من البلح وتشرب من الجدول. فإذا مرّ بها أحد تقول: (إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا ) (1) فأين الصوم وهى الآكلة الشاربة المتكلمة ؟
الرد على الشبهة:
1 ـ ولادة المسيح فى بيت لحم ـ كما قال المؤلف ـ تدل على أن مريم من سكان الخليل التى هى حبرون ، ولا تدل على أنها من سكان الناصرة. ففى خريطة فلسطين تجد بيت لحم تحت أورشليم ، وبعدها حبرون. وعلى هذا تكون مريم بعد حملها بالمسيح وإحساسها بدنو الوضع. قد اتجهت إلى حَبرون (فأجاءها المخاض (عند بيت لحم. ولو كانت من الناصرة وأحست بالحمل وبالوضع. لاتجهت إلى الناصرة. وعندئذ يكون الوضع فى مكان بين أورشليم وبين الناصرة. فقولهم بالمخاض فى بيت لحم يصدق القرآن فى أنها كانت من نسل هارون الساكنين فى حبرون.
2 ـ وقول المعترض: إن التوراة تنبأت بولادة المسيح فى بيت لحم. يقصد به ما جاء فى سفر ميخا وهو " أما أنت يا بيت لحم أفراتة وأنت صغيرة أن تكونى بين ألوف يهوذا ، فمنك يخرج لى الذى يكون متسلطاً على إسرائيل ، ومخارجه منذ القديم منذ أيام الأزل " [ميخا 5: 2].
والنبوءة موضوعة وليست من النص الأصلى. بدليل: أن المسيح كان من الهارونيين من جهة أمه ، وبيت لحم من مدن سبط يهوذا. ولو كان له أب لأمكن للنصارى نسبته إلى سبط أبيه. ولكنه لا أب له ؛ فكيف ينتسب إلى سبط يهوذا أو غير سبط يهوذا ؟ وبدليل: أن المتسلط على إسرائيل وهو النبى الأمى الآتى على مثال موسى. يكون ملكاً وفاتح بلاد. ولم يكن المسيح ملكاً ولا فاتح بلاد.. وبدليل: أن سفر ميخا مرفوض من السامريين. وبدليل أن شراح سفر ميخا يصرحون بالتناقض فيه.والنبوءة من مواضع التناقض التى صرحوا بها. يقول الشراح: "هناك تعليمان متشابكان فى كتاب ميخا: الأول: الله يدين شعبه ويعاقبه [ف1 ـ 3: 6: 1 ـ 7: 7] الله يعد شعبه بالخلاص [ف 4ـ 5 و 7: 8ـ20] حين يُعيده إلى حاله السابقة ويجعله بقيادة رئيس من نسل داود [5: 1ـ4].
3 ـ وقد جاء فى إنجيل متى الأبوكريفى معجزة النخلة.
4 ـ وكلام المسيح فى المهد جاء فى برنابا وفى إنجيل الطفولية العربى ، وجاء فى تاريخ يوسيفوس.
5 ـ وقال المعترض: إن المسيح كلم أمه من تحتها: أن تهز جذع النخلة.. إلخ. وهو قد قال بذلك على قراءة " مِن تحتها " والحق: أن الذى ناداها هو ملاك الله نفسه. وسياق الكلام يدل على أنه الملاك. فإنه قد قال لها: (كذلك قال ربك هو علىّ هيّن ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمراً مقضياً ) (2)، ولما حملته وانتبذت به وأجاءها المخاض وتمنّت الموت ؛ عاد إلى خطابه معها فقال: (ألا تحزنى قد جعل ربك تحتك سريا وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطباً جنياً فكلى واشربى وقرى عيناً فإما ترين من البشر أحداً فقولى إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا ) (3).
وأما كلام المسيح فهو لم يقل إلا (إنى عبد الله أتانى الكتاب وجعلنى نبيا وجعلنى مباركا أينما كنت وأوصانى بالصلاة والزكاة مادمت حيًّا وبرا بوالدتى ولم يجعلنى جباراً شقيا والسلام علىّ يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا ) (4).
6 ـ المعترض قد غالط فى نقل المعنى بقوله: " وغريب أن يكلمها وليدها من تحتها: أن تهز جذع النخلة وتأكل من البلح وتشرب من الجدول ؛ فإذا مر بها أحد تقول: (إنى نذرت للرحمن صوماً فلن أكلم اليوم إنسيا ) (5) فأين الصوم وهى الآكلة الشاربة المتكلمة ؟ ".(6/35)
ووجه المغالطة: أنه يقول فإذا مر بها أحد تقول.. إلخ. والمعنى الصحيح: أنها لا تقول لكل أحد يمر عليها إنها صائمة عن الطعام والشراب. وإنما تقول: لا أتكلم مع أحد فى أمر ابنى فى هذه الأيام. فجملة (فإما ترين من البشر.. (جملة مستأنفة لا صلة لها بالطعام وبالشراب. وقولها: (إنى نذرت للرحمن صوما (تعنى به المعنى المجازى وهو الإمساك عن الكلام بدليل: (فلن أكلم (ولم تقل فلن آكل.
--------------------------
(1) مريم: 26.
(2) مريم: 21.
(3) مريم: 24ـ26.
(4) مريم: 30ـ33.
(5) مريم: 26.
=================
الرد على شبهة شخصية هامان في القرآن الكريم
يقول بعض النصارى ان القرآن يحكي في سورة القصص وغيرها من السور أن هامان كان وزيراً لفرعون مع أن هامان كان في بابل وجاء بعد فرعون بنحو ألف سنة !!
(( وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ )) (6) سورة القصص
الجواب :
أولاً : أن هذا الآيات تليت على اليهود في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ,وكان فيهم العلماء والأحبار فلم ينكر أحد منهم هذا الأمر.
ثانياً : من أعلم المؤلف بأن هامان كان وزيراً لفرعون ؟ وهذا السؤال على معنى أن هامان اسم شخص. ولا أحد أعلمه بأن هامان اسم شخص إلا الرواة الذين لا يوثق بمروياتهم. وإذا أصرّ على أن هامان اسم شخص. فليسلّم بأن فرعون اسم شخص. ومعلوم أنه لقب " الملك " كان لرئيس المصريين فى زمن يوسف ـ عليه السلام ـ وأن لقب " فرعون " كان لرئيس المصريين فى زمن موسى ـ عليه السلام ـ مما يدل على تغير نظام الحكم.
وإذا صح أن " هامان " لقب لكل نائب عن الملك ، لا اسم شخص. فإنه يصح أن يُطلق على النائب عن فرعون أو عن أى ملك من الملوك. وعلى ذلك يكون معنى: (إن فرعون وهامان وجنودهما ) (1) هو إن رئيس مصر الملقب بفرعون ، ونائبه الملقب بهامان (وجنودهما كانوا خاطئين) ومثل ذلك: مثل لقب الملك الذى يُطلق على رؤساء البلاد ؛ فإنه يطلق على رؤساء فارس واليونان ومصر واليمن وسائر البلاد ، ولا يتوجه على إطلاقه خطأ من أخطاء التاريخ.
وفى الإنجيل أن اليهود كانوا يطلقون لقب " المضلّ " على من يخالفهم فى الرأى. وإذا أطلقه العبرانيون على رجل منهم يقولون له: يا سامرى ، بدل قولهم يا مضل. وذلك لأنهم يعتبرون السامريين كفاراً. وإذا أطلقه السامريون على رجل منهم يقولون له: يا عبرانى ، بدل قولهم يا مضل. وذلك لأنهم يعتبرون العبرانيين كفاراً. وإذا سمع العبرانى عنهم كلمة " سامرى " لا يفهم منها أنها اسم شخص ، وإنما يفهم منها أنها لقب للذم. وعن هذا المعنى جاء فى إنجيل يوحنا أن علماء اليهود قالوا لعيسى ـ عليه السلام ـ: " إنك سامرى ، وبك شيطان " ورد عليهم بقوله: " أنا ليس بى شيطان ، لكنى أكرم أبى وأنتم تهينوننى. أنا لست أطلب مجدى. يُوجد من يطلب ويدين " [يو 8: 48ـ50].
ثالثاً : ماذا تقول النقوش الهيروغليفية عن هامان ؟
المعلومات التي في القرآن الكريم حول مصر القديمة وحكامها تكشف العديد من الحقائق التاريخية التي لم تكن معلنة وغير معروفة حتى أوقات أخيرة . . .
هامان مذكور في القرآن في ستة أماكن مختلفة كأحد المقربين إلى فرعون بينما تذكر لنا التوراة أن هامان لم يُذكر في حياة موسى عليه السلام على الإطلاق وأن هامان كان وزيراً وخليلا لأحشوريش ملك الفرس الذي يدعوه اليونان زركيس, وكثيراً من الذين يريدون أن يطعنوا في القرآن و يدعون أن محمد صلى الله عليه وسلم كتب القرآن بالنسخ من التوراة مع أن هناك إختلاف في بعض القصص منها شخصية هامان في القرآن والتوراة , سخافة هذه الأدعاءات عرضت فقط بعد فك طلاسم الأبجدية الهيروغليفية المصرية قبل 200 سنة تقريباً وأسم هامان قد أكتشف في المخطوطات القديمة وقبل هذه الأكتشافات لم يكن شئ معروف عن التاريخ الفرعوني, ولغز الهيروغليفية تم حله سنة 1799 بأكتشاف حجر رشيد الذي يعود الى 196 قبل الميلاد وتعود أهمية هذا الحجر بأنه كتب بثلاث لغات : اللغة الهيروغليفية والديموقيطية واليونانية وبمساعدة اليونانية تم فك لغز الهيروغليفية من قبل شاملبيون وبعدها تم معرفة الكثير حول تاريخ الفراعنة وخلال ترجمة نقش من النقوش المصرية القديمة تم الكشف عن أسم ( هامان ) وهذا الأسم أشير إليه في لوح أثري في متحف هوف في فينا وفي مجموعة من النقوش كشفت لنا أن هامان كان رئيس عمال محجر البناء
وها هي النقوش تكشف لنا حقيقة هامان بعكس ماذكرته التوراة والأنجيل ورداً على الزعم الخاطئ لمعارضي القرآن , وهامان الشخص الذي عاش في مصر وفي وقت موسى والذي كان أقرب المقربين لفرعون كما ذكر القرآن لنا(6/36)
قال الله تعالى : {وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا أَيُّهَا الْمَلَأُ مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي فَأَوْقِدْ لِي يَا هَامَانُ عَلَى الطِّينِ فَاجْعَل لِّي صَرْحًا لَّعَلِّي أَطَّلِعُ إِلَى إِلَهِ مُوسَى وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ مِنَ الْكَاذِبِينَ} (38) سورة القصص صدق الله العظيم
والنقطة المهمة المذكورة في القرآن هي أن هامان هو الشخص الذي أمره فرعون بأن يبني له صرحا ليتطلع لآله موسى وهنا يظهر إعجاز القرآن في حقيقة هامان والتي لم تعرف حقيقته إلا بعد فك رموز اللغة الهيروغليفية بعكس التحريف الذي في التوراة والأنجيل الذي يذكر لنا بأنه كان وزيراً وخليلا لأحشوريش ملك الفرس
المصدر : كتاب معجزات القرآن للمؤلف هارون يحي
================= ... ...
الرد على الجاهل بخصوص مخطوط المصحف
ادعى الكاذب بنتائوور أنه أرسل إلى مكتبة سمرقند خطاباً ودفع خمسة عشر دولاراً قيمة تصوير مخطوط المصحف الشريف مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه ,في محاولة منه وممن هم خلفه للطعن في كتاب الله , ولكنهم نسوا وعموا عن أن الله جل وعلا قد تعهد بحفظ هذا الكتاب منذ نزول جبريل به على سيد البشر محمد صلى الله عليه وسلم وحتى قيام الساعة
ولقد تبين لنا كذبه من عدة وجوه
أولا :
أرسلنا إلى إخواننا بسمرقند لللإستفسار عن المخطوط فأفادونا بالتالي :
بالفعل كان هذا المصحف موجودا بسمرقند ولكنه نقل إلى بطرسبرج عاصمة روسيا القيصرية وبعد الثورة البلشفية سنة 1917 ثم نقل إلى تركستان وهو يوجد الآن في طشقند فيبدو أن الكاذب بنتائور قد أرسل الخطاب قبل سنة 1917 حين كان المصحف بسمرقند أو أن من طلبوا منه تزوير هذا البحث أخطأوا في الإسم فاشتبه عليهم اسم سمرقند وطشقند
ولعلم الجاهل بنتائور أنه توجد نسخة مصورة من هذا المصحف الشريف في قاعة القران الكريم بدار الكتب المصرية تم تصويرها عن الأصل الموجود بطشقند على يد المصور الروسي (بلوساركس) فإن أراد كذباً منمقاً كان أولى به أن يدعي تصوير نسخة القاهرة .
ثم لعلمك أيها الجاهل أن مخطوط مصحف عثمان بن عفان رضي الله عنه , موجود بالقاهرة , وأما الموجود بطشقند فيسميه العلماء المصحف المنسوب إلى عثمان , لأنهم يدققون في الفاظهم , ومخطوطات المصحف الشريف موجودة بكل متاحف ومكتبات العالم بعدد لا حصر له .ويبدو أنك التقط أي مخطوط لتصب على أسماعنا سخافاتك التي قلتها
ثانياً :
علم قراءة وتحقيق المخطوطات هو علم يدرس بالجامعات والمعاهد وهو ما لا نظن أن الجاهل بنتائور على علم به على الإطلاق أو أنه قد سمع به . وحسب أصول هذا العلم أيها الجاهل فإن كافة الكتب القديمة كانت تكتب بخط اليد حيث لا طباعة وقتها ولما كان البشر لا يخلوا من الأخطاء والسهو مهما بلغت دقتهم , لهذا فجزء من دراسة هذا العلم هو دراسة طرقهم في التصحيح عند وقوع الخطأ أو السهو أو السقط - ولا أدري أتفهم معنى هذه المصطلحات أم لا ؟
فمن طرق التصحيح عند السهو أن يلحق المسهو عنه بالهوامش سواء كانت سفلية أم جانبية
أن تمحى الزيادات بعدة طرق منها وضع خط على الكلمة الزائدة لبيان أنها زادت بفعل خطأ الكاتب
ونسوق لك مثالا اي هكذا :
لا إله إلا إلا الله
ولأنك مثل باقي إخوانك من العلوج محرفي الكلم عن مواضعه لذلك سقت لنا قطعا من المخطوط ولم تنشر الصفحات بالكامل حتى يتبين التصحيح وأيضاً طريقة قصك للآيات من المخطوط توحي لكل ذي عقل أنك تخفي شيئا , هذا على افتراض أن مخطوطتك هي مخطوطة طشقند ولكن يأبى الله إلا أن يكشف كذبك بسهو نسيت أن تمحوه ألا وهو في الآية الأولى التي ذكرتها ببحثك
(تأكل في أرض الله)
وقع السهو من كاتب المخطوط فكتبها الأرض ثم وضع خطاً على حرف الام ألف ليبين أنه زائد سهواً ولكن لأنك جاهل وأراد الله أن يبين للناس كذبك وخداعك لذا لم تمح هذا الخط
وأيضا جريمتك لم تكن كاملة ولجهلك العميق نسيت أن تمحو تصحيحا غير واضح في الآية
(وعلى الذين هادوا حرمنا كل ذي ظفر)
فالتصحيح بجانب الايات بخط صغير مكتوب رأسياً
والمثال الثالث يا عريض القفا هو آية
(وظللنا عليكم الغمام )
يبدو أنك حاولت قص الصورة لإخفاء التصحيح ولكنك تركت حرفي العين واللام بالطرف الأيسر من الصورة ليتضح بهذا كذبك وافتراءك
ولأني أعرف أنك مخادع وكاذب فأنا على يقين أنك لو كنت انتبهت لعلامات التصحيح التي أسوقها لك في الصورة القادمة وهي من مخطوطك لكنت محوتها حتى تتم خدعتك لتنطلي على عوام المسلمين
ومما سبق يتبين أنه إذا كان التصحيح موجوداً في البعض فهو موجود بالجميع ولكنك أخفيته لأنك مخادع
ثم أنقل لك من بعض مواقعكم دفاعكم عن قولنا بالتحريف في الإنجيل , فلماذا لم تطبق ما تدعونه على نسخة المخطوط
(وأنواع الأخطاء المحتمل حدوثها في أثناء عملية النسخ كثيرة مثل:
1- حذف حرف أو كلمة أو أحياناً سطر بأكمله حيث تقع العين سهواً على السطر التالي.(6/37)
2- تكرار كلمة أو سطر عن طريق السهو، وهو عكس الخطأ السابق.
3- أخطاء هجائية لإحدى الكلمات.)
وهذا الذي ذكر بأحد مواقعكم هو نقل حرفي لعلم ابتدعه المسلمون وهو علم التثبت والتحقق والنقل , فهلا كنت متجردا في بحثك وطبقت ما تدعونه على مخطوطك ؟؟؟ بالطبع كلنا يعلم انك مخادع
ثالثا :
من أصول هذا العلم أن الباحث ينشر مع بحثه توثيق المخطوط , والتوثيق وهذا ما أظن أنك لا تعلمه يكن في أول صفحة , أو آخر صفحة من المخطوط , كأختام , أو توقيعات , أو سند للمخطوط .
ولأنك مدلس فلم تنشر لنا هذا أو لأن من دفعوك لكتابة ما كتبت فقط ساقوا لك تلك الصور وطلبوا منك الكتابة فأنت عندي لست إلا مطية لمن هم خلفك .
رابعاً :
وهو الأهم إليك أيها الجاهل صورة المخطوط الحقيقية , مخطوط طشقند , ومع قليل من التدقيق يتبين أنها كتبت بالخط الكوفي أيضاً ولكن يلاحظ أن رسم الحرف وانسيابيته وخط الكاتب يختلف عما هو في مخطوط الكاذب بنتائور وانظر الى المسافات بين الكلمات والسطور هل تتطابق مع مخطوط الأفاق بنتائور مما يوضح أنه مخادع
أخزاك الله في الدنيا والآخرة
===============
فيض الرحمن في الرد علي من ادعى ان الفاتحة قد تم تحريفها بواسطة عبد الملك بن مروان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام علي ارشف خلق الله وبعد
عن الزهرِي أنه بلغه ((( و أكرر ))) --- بلغه--- أن النبي وأَبا بكر وعمر وعثمان ومعاوية وابنه يزيد كانوا يقرؤون مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ قال الزهري: وأول من أحدث: مَلِكِ هو مروان
و للرد نقول:
1- اظن ان صيغة الحديث كافيه و كل لبيب بالإشارة يفهم (( هذا ان كان لبيبا أصلا ))
2- قال ابن كثير معلقا علي ما قاله الزهري: مروان عنده علم بصحة ما قرأه، لم يطلع عليه ابن شهاب اي ان الذي قاله الزهري خطأ و قوله ليس مسند
و السؤال ألان ما دليل ما قاله ابن كثير؟؟
3- وردت الروايات أيضا عند من أخرج خبر الزهري بأن النبي كان يقرأ: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ بدون ألف
عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا ذَكَرَتْ قِرَاءةَ رَسُولِ اللهِ: بِسْم اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ ،يقطِّع قراءته آيةً آيَةً
وعنها أيضا أنها قالت: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُقَطِّعُ قِرَاءتَهُ، يَقُولُ: الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، ثُمَّ يَقِفُ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، ثُمَّ يَقِفُ، وَكَانَ يَقْرَؤُهَا: مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ
4- أن المصاحف العثمانية اتفقت جميعها على رسم ( ملك ) هكذا دون ألف، وهذا الرسم محتمل للقراءتين بالمد والقصر جميعًا .
فيض المنان في الرد على من ادعى ان الحجاج حرّف مصحف عثمان :
الحمد لله و كفي و سلام علي عباده الذين اصطفي , اما بعد
يثير النصارى شبهة ان الحجاج حرّف و غير في المصحف عندما جاء لينقطه
و أليكم
الشبهة منقولة من موقعهم:
الحجاج قد غيَّر في حروف المصحف وغيَّر على الأقل عشر كلمات ، و السجستاني قد ألَّف كتاب اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان "
و للرد نقول :
1-الدليل العقلي : و هو كيف اذا غير الحجاج هذه الحروف ان لا يعيب عليه احد من الحفاظ ؟؟
أم ان النصارى يريدون إقناعنا انه لم يحفظ احد القرآن أيام الحجاج
2- الدليل النقلي: أولا قصة تنقيط المصاحف ليست كما رواها النصارى و لكنها كالأتي (( كما وردت في مذاهل العرفان الجزء الأول من صفحة 280 إلي صفحة 281))
قال الزرقاني : والمعروف أن المصحف العثماني لم يكن منقوطاً … وسواء أكان هذا أم ذاك فإن إعجام – أي : تنقيط - المصاحف لم يحدث على المشهور إلا في عهد عبد الملك بن مروان
فأمر عبد الملك ابن مروان الحجاج أن يُعنى بهذا الأمر الجلل ، وندب " الحجاج " طاعة لأمير المؤمنين رجلين لهذا هما :
1-نصر بن عاصم الليثي
2-يحيى بن يعمر العدواني
و هما تلميذي أبو الأسود الدوؤلي
و السؤال ألان هل هذا المصحف هو أول مصحف منقط ؟؟؟؟؟
نقول لا فقد نقط المصحف أبو الأسود الدؤلي و ابن سيرين كان له مصحف منقط و لكن كلا المصحفيين كانا علي وجه الخصوص لا العموم
اما ما اثير حول تحريف الحجاج للمصاحف فاليكم الرواية كاملة :
عن عبَّاد بن صهيب عن عوف بن أبي جميلة أن الحجاج بن يوسف غيّر في مصحف عثمان أحد عشر حرفاً ، قال : كانت في البقرة : 259 { لم يتسن وانظر } بغير هاء ، فغيرها " لَم يَتَسَنه " .
وكانت في المائدة : 48 { شريعة ومنهاجاً } ، فغيّرها " شِرعَةً وَمِنهاجَاً ".
وكانت في يونس : 22 { هو الذي ينشركم } ، فغيَّرها " يُسَيّرُكُم " .
وكانت في يوسف : 45 { أنا آتيكم بتأويله } ، فغيَّرها " أنا أُنَبِئُكُم بِتَأوِيلِهِ " .
وكانت في الزخرف : 32 { نحن قسمنا بينهم معايشهم } ، فغيّرها " مَعِيشَتَهُم " .
وكانت في التكوير : 24 { وما هو على الغيب بظنين } ، فغيّرها { بِضَنينٍ }… الخ ..(6/38)
كتاب " المصاحف " للسجستاني ( ص 49 ) .
و اليكم الحكم علي عباد بن صهيب :
1-قال علي بن المديني : ذهب حديثه
2- قال البخاري :متروك
3- قال الترمذي :متروك
4- وقال ابن حبان : كان قدريّاً داعيةً ، ومع ذلك يروي أشياء إذا سمعها المبتدئ في هذه الصناعة شهد لها بالوضع
5-قال الذهبي : متروك
و الرواية موضوعة
و اليكم رأي الرافضة في هذا الامر :
قال الخوئي – وهو من الرافضة - : هذه الدعوى تشبه هذيان المحمومين وخرافات المجانين وكيف لم يذكر هذا الخطب العظيم مؤرخ في تاريخه ، ولا ناقد في نقده مع ما فيه من الأهمية ، وكثرة الدواعي إلى نقله ؟ وكيف لم يتعرض لنقله واحد من المسلمين في وقته ؟ وكيف أغضى المسلمون عن هذا العمل بعد انقضاء عهد الحجاج وانتهاء سلطته ؟ وهب أنّه تمكّن من جمع نسخ المصاحف جميعها ، ولم تشذّ عن قدرته نسخةٌ واحدةٌ من أقطار المسلمين المتباعدة ، فهل تمكّن من إزالته عن صدور المسلمين وقلوب حفظة القرآن وعددهم في ذلك الوقت لا يحصيه إلاّ الله .
و بالمناسبة:
الإمام السجستاني لم يؤلف كتاباً اسمه " ما غيَّره الحجاج في مصحف عثمان " ، وكل ما هنالك أن الإمام السجستاني ترجم للرواية سالفة الذكر عن الحجاج بقوله : ( باب ما كتب الحجَّاج بن يوسف في المصحف ) .
...
================
المقصود بقولة تعالى إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون
حول حفظ الله للذكر وهل الذكر هو كل القرآن ؟ أم بعض القرآن؟
هناك من لا يؤمنون بأن القرآن قد حفظ ، كما تقول الآية الكريمة: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، ويقولون: قد يكون الذكر جزءً ا من القرآن ، وليس كله. ويستدلون بكلام لعمر بن الخطاب ـ رضى الله عنه ـ بأنه أقسم على أن هناك آية فى القرآن تتحدث عن الرجم ـ وهذه الآية غير موجودة ـ وأن غنمه أكلت ورقة من القرآن كانت بيد عائشة رضى الله عنها (انتهى).
الرد على
الشبهة:
وفى الجواب عن هذه
الشبهة نسأل:
لماذا بعث الله ـ سبحانه وتعالى ـ الرسل ، وأنزل الكتب ؟.
لقد كان ذلك رعاية من الله لخلقه.. ولطفًا بهم.. وحتى يكون حسابه لهم ـ كى لا يتساوى المحسن والمسىء ـ وجزاؤه إياهم على أفعالهم عدلاً إلهيًا خالصًا.. (وإن من أمة إلا خلا فيها نذير ) (1) (وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) (2).
(لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل ) (3).
وقبل ختم النبوة والرسالة ، كانت مهمة حفظ كتب الرسالات والشرائع موكولة إلى أمم هذه الرسالات كجزء من التكليف لهم والاختبار لاستقامتهم فى هذا التكليف: (إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتى ثمنًا قليلاً ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون ) (4).لكنهم فرطوا فى القيام بتكليف الحفظ للكتب بالنسيان حينًا وبالتحريف والإخفاء حينًا آخر: (فبما نقضهم ميثاقهم لعناهم وجعلنا قلوبهم قاسية يحرفون الكَلِمَ عن مواضعه ونسوا حظًا مما ذكروا به ولا تزال تطلع على خائنة منهم إلا قليلاً منهم فاعف عنهم واصفح إن الله يحب المحسنين * ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظًا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون * يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرًا مما كنتم تخفون من الكتاب ويعفو عن كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين * يهدى به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم ) (5).
وعندما كانوا يحرفون هذه الكتب ، أو ينسون بعضها ويخفون البعض الآخر ، كان الله يبعث رسولاً جديدًا بكتاب جديد..
أما عندما أراد الله ـ سبحانه وتعالى ـ مع بلوغ الإنسانية سن الرشد ـ ختم النبوات والرسالات بنبوة ورسالة محمد صلى الله عليه وسلم ، فكان لابد لحفظ كتاب الشريعة الخاتمة من حافظ لا يجوز عليه الإهمال ، ولا يتأتى منه التحريف ، ولا يليق به النسيان.. أى كان لابد من الحفظ المعصوم الدائم للكتاب المعجز الخالد. لأن ترك حفظ الكتاب الخاتم للبشر ، الذين يجوز عليهم الإهمال والتحريف والنسيان معناه طروء وحدوث التحريف والضياع لهذا الكتاب ، حيث لا وحى سيأتى ولا رسول سيبعث ولا كتاب سينزل.. الأمر الذى لو حدث ـ افتراضًا ـ سيضل الناس ولا رعاية لهم ، ولا حُجة عليهم ، تجعل من حسابهم وجزائهم عدلاً إلهيًا مناسبًا.
ولذلك ، انتقلت مهمة حفظ الوحى الخاتم ـ القرآن الكريم ـ فى الرسالة الخاتمة إلى الله ـ سبحانه وتعالى ـ الذى لا يتخلف حفظه أبدًا ، بعد أن كانت هذه المهمة فى الرسالات السابقة ، استحفاظًا من الله للناس ، أى طلبًا منه لهم أن يحفظوا ما أنزل عليهم من الكتاب. فكان الوعد الإلهى المؤكد: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (6).(6/39)
ولذلك هيأ الله لتدوين القرآن الكريم من كتبة الوحى ما لم يتهيأ لكتاب سابق.. وجعل جمعه وعدًا إلهيًا وإنجازًا ربانيًا: (لا تحرك به لسانك لتعجل به * إن علينا جمعه وقرآنه * فإذا قرأناه فاتبع قرآنه * ثم إن علينا بيانه ) (7). فكان الحفظ للقرآن ـ كل القرآن ـ وعدًا إلهيًّا. وإنجازًا ربانيًا ، وذلك حتى تستمر حجة الله على عباده ، ويكون حسابه لهم عدلاً خالصًا.
ولم يقل أحد ، ولا جائز فى العقل ـ فضلاً عن النقل ـ أن يقال: إن الذكر ، الذى تعهد الله بحفظه ، هو بعض القرآن ، وليس كل القرآن.. لأن ضياع أى جزء من القرآن إنما يعنى تخلف رعاية الله لخلقه ، وسقوط حُجته على عباده.. ثم إن القرآن لا يقف بالحفظ عندما يطلق عليه الذكر ، فضلاً عن أن مصطلح الذكر إنما يشمل كل القرآن.. تشهد على ذلك الآيات الكثيرة فى كتاب الله.. فالمراد بالذكر القرآن.. كل القرآن.. والكتاب.. كل الكتاب ـ وليس بعضه ـ بدليل قول الله سبحانه وتعالى: (فاسألوا أهل الذكر ) (8) ، أى أهل الكتب السابقة.. والله يشير إلى القرآن والتنزيل ـ أى كل ما نزل به الوحى ـ بلفظ الذكر (أو عجبتم أن جاءكم ذكر من ربكم على رجل منكم لينذركم ) (9) ، (وقالوا يا أيها الذى نُزِل عليه الذكر إنك لمجنون ) (10) ، (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نُزّل إليهم ولعلهم يتفكرون ) (11) ، (وهذا ذكر مبارك أنزلناه أفأنتم له منكرون ) (12) ، (إن هو إلا ذكر وقرآن مبين ) (13) ، (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون * وما هو إلا ذكر للعالمين ) (14). والذكر هو كل ما جاء به الوحى ، فالوحى هو الذكر (فاستمسك بالذى أوحى إليك إنك على صراط مستقيم * وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تُسألون ) (15). بل إن سياق آية (إنا نحن نزلنا الذكر (شاهد على أن الذكر والقرآن والكتاب هو الوحى (آلر تلك آيات الكتاب وقرآن مبين ) (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم)، (وقالوا يا أيها الذى نُزل عليه الذكر إنك لمجنون (، (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) (16).
ثم إن القرآن الكريم يؤكد أن الحفظ ، ونفى الشك والريبة إنما هو لكل القرآن ولجميع التنزيل ، وليس لبعض القرآن: (ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ) (17) (تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين ) (18) (ذلك بأن الله نزل الكتاب بالحق ) (19) (نزل عليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه ) (20) (إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس ) (21) (وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ) (22). (ما فرطنا فى الكتاب من شىء ) (23).. ولو ضاع شىء من هذا الكتاب أى القرآن والتنزيل لحدث التفريط الذى تنفيه هذه الآية ، ولانتفت حجة الله على البشر (وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون * أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين * أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة ) (24).. فحجة الله على الناس ـ بعد ختم الوحى القرآن الكريم ـ تنتفى وتسقط إذا حدث جهل بشىء مما أنزل فى الكتاب ـ القرآن ـ: (وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ) (25) ولو أن القرآن ضاع منه شىء لتخلف وعد الله بتنزيل تبيان كل شىء فيه ، لتتم شهادة الرسول صلى الله عليه وسلم على أمته: (ويوم نبعث فى كل أمة شهيدًا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدًا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شىء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين ) (26).
وختم النبوة والرسالة ، يعنى انتفاء بعث رسول جديد ، ونزول كتاب جديد.. وحتى تقوم حُجة الله على عباده لابد من بقاء القرآن كله محفوظًا ، ليكون قيّما على الناس ، أى دائم القيام على هدايتهم وإرشادهم: (الحمد لله الذى أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسًا شديدًا من لدنه ويبشر المؤمنين الذين يعملون الصالحات أن لهم أجرًا حسنًا ) (27).
وإذا كان الكتاب هو كل القرآن ، فلقد وعد الله سبحانه بأن يحفظه ويورثه للذين اصطفاهم من عباده ، بعد أن أنزله على المصطفى من رسله ، وجمعه وقرأه: (والذى أوحينا إليك من الكتاب هو الحق مصدقًا لما بين يديه إن الله بعباده لخبير بصير * ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير ) (28).
ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه كتاب عزيز ، أى منيع ، محفوظ من العبث به وفيه.. وأنه ممتنع عن الإبطال ، لا يأتيه الباطل من بينه يديه ولا من خلفه ، بأى حال من الأحوال: (إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز * لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) (29). والذكر فى هذه الآية هو كل الكتاب ، العزيز على أى عبث به وفيه..(6/40)
ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه كتاب علىّ حكيم ، فوق تطاول المتطاولين ، بشرًا كانوا أو أزمنة ودهورًا: (إن جعلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون * وإنه فى أم الكتاب لدينا لعلى حكيم ) (30).
ومن صفات القرآن ـ كل القرآن ـ أنه فى كتاب مكنون: أى مصون ومحفوظ عن اللعب والعبث والتحريف (إنه لقرآن كريم * فى كتاب مكنون ) (31).
ولقد صدّق التاريخ على هذا الحفظ الإلهى لهذا القرآن المجيد.. ومن يقرأ تاريخ التوراة ـ حتى ذلك الذى كتبه علماء اليهودية ـ يعلم ما أصابها بعد سنوات من نزولها.. وكيف أعيدت كتابة أسفارها على النحو الذى صنعه " عزرا " وغيره من الأحبار ، فى صورة مليئة بالتحريف.. ومن يتأمل تناقضات الأناجيل ـ حتى الشهيرة منها ـ والفروق الجوهرية بينها وبين غير الشهيرة ـ من مثل أناجيل " مخطوطات نجع حمادى " ، و " مخطوطات البحر الميت " ، " إنجيل برنابا " يعلم ما أصاب الإنجيل بعد سنوات معدودة من بعثة المسيح ـ عليه السلام ـ لكن.. ها هو القرآن الكريم كما نزل به الروح الأمين على قلب الصادق الأمين ، لم يتغير فيه حرف ولا رسم ولا حركة ولا غُنّة ولا مدّ وقد مضى على نزوله أكثر من أربعة عشر قرنًا مرت فيها أمته بأطوار من التراجع والانحطاط ، وفقدت فيها الذاكرة الإسلامية ملايين المخطوطات التى أبادتها غزوات الطغاة ، واندثرت فيها مذاهب وفلسفات.. وظل القرآن الكريم عزيزًا منيعًا محفوظًا بحفظ الله خير الحافظين.. فالتاريخ ـ هو الآخر ـ قد غدا شاهدًا على هذا الحفظ الإلهى لكل القرآن الكريم..
فبرهان العقل ـ المتعلق بختم الرسالة.. وختم الوحى ـ يجعل حفظ القرآن ـ كل القرآن ـ لإقامة الحجة على الناس ـ ضرورة عقلية.
وكذلك النقل المتكرر فى القرآن ـ بلفظ القرآن.. والكتاب.. والتنزيل.. والذكر.. ـ شاهد هو الآخر على الحفظ الإلهى لكل حرف وكل كلمة وكل آية وكل سورة من هذا القرآن الكريم.. فهو وحى الله الخاتم.. تعهد سبحانه وتعالى بجمعه وحفظه ، وحجة خالدة ، كى لا يكون للناس على الله حجة إذا ما ضاع شىء من هذا التنزيل العزيز المنيع الحكيم.
أما بعض المرويات التى يفهم منها البعض شكًّا فى حفظ كل ما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم من القرآن.. فإن منطق العقل ، ومنهاج البحث العلمى ، وقواعد نقد النصوص والمرويات ، التى اتفق عليها العلماء والعقلاء من كل الحضارات والفلسفات والأنساق الفكرية.. كلها تؤكد على ضرورة الموازنة بين المتعارض والمتناقض من الروايات.. والأخذ بالمصدر الأوثق عند تعذر الجمع بين المرويات.. فإذا كان لدينا ـ على نحو ما قدمنا ـ شهادة العقل الصريح على أن حفظ القرآن ـ كل القرآن ـ هو ضرورة عقلية ، تقتضيها حقيقة ختم النبوة والرسالة واكتمال الوحى.. وإذا كانت شهادة العقل الصريح هذه مدعومة بنصوص آيات القرآن الكريم ، أى بالمصدر المعجز ، قطعى الدلالة والثبوت.. فهل يكون عاقلاً من يترك شهادة العقل الصريح ، والنقل المعجز الصحيح ، ويلتفت إلى رواية من روايات يعلم الله من رواها ؟ ولماذا رواها ؟.
إن منطق البحث العلمى ، الذى أجمع عليه كل عقلاء الدنيا ، فى التعامل مع النصوص ، قد حسم هذه القضية التى نرجو أن تكون هذه الإجابة حاسمة للشبهة المثارة حولها.. والله من وراء القصد ، منه نلتمس الهداية والحكمة والرشاد..
_____________
(1) فاطر: 24.
(2) الإسراء: 15.
(3) النساء: 165.
(4) المائدة: 44.
(5) المائدة: 13ـ16.
(6) الحجر: 9.
(7) القيامة: 16ـ19.
(8) الأنبياء: 7.
(9) الأعراف: 69.
(10) الحجر: 6.
(11) النحل: 44.
(12) الأنبياء: 50.
(13) يس: 69.
(14) القلم: 51ـ52.
(15) الزخرف: 43ـ44.
(16) الحجر: 1، 4، 6، 9.
(17) البقرة: 2.
(18) السجدة: 2.
(19) البقرة: 176.
(20) آل عمران: 3.
(21) النساء: 105.
(22) المائدة: 48.
(23) الأنعام: 38.
(24) الأنعام: 155ـ157.
(25) الحجر: 4.
(26) النحل: 89.
(27) الكهف: 1ـ2.
(28) فاطر: 31ـ32.
(29) فصلت: 41ـ42.
(30) الزخرف: 3ـ4.
(31) الواقعة: 77ـ78.
--------------
في ظلال القرآن - (ج 4 / ص 421)
وننظر نحن اليوم من وراء القرون إلى وعد الله الحق بحفظ هذا الذكر؛ فنرى فيه المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب إلى جانب غيرها من الشواهد الكثيرة ونرى أن الأحوال والظروف والملابسات والعوامل التي تقلبت على هذا الكتاب في خلال هذه القرون ما كان يمكن أن تتركه مصوناً محفوظاً لا تتبدل فيه كلمة ، ولا تحرف فيه جملة ، لولا أن هنالك قدرة خارجة عن إرادة البشر ، أكبر من الأحوال والظروف والملابسات والعوامل ، تحفظ هذا الكتاب من التغيير والتبديل ، وتصونه من العبث والتحريف .(6/41)
لقد جاء على هذا القرآن زمان في أيام الفتن الأولى كثرت فيه الفرق ، وكثر فيه النزاع ، وطمت فيه الفتن ، وتماوجت فيه الأحداث . وراحت كل فرقة تبحث لها عن سند في هذا القرآن وفي حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ودخل في هذه الفتن وساقها أعداء هذا الدين الأصلاء من اليهود خاصة ثم من « القوميين » دعاة « القومية » الذين تسمّوا بالشعوبيين!
ولقد أدخلت هذه الفرق على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما احتاج إلى جهد عشرات العلماء الأتقياء الأذكياء عشرات من السنين لتحرير سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وغربلتها وتنقيتها من كل دخيل عليها من كيد أولئك الكائدين لهذا الدين .
كما استطاعت هذه الفرق في تلك الفتن أن تؤول معاني النصوص القرآنية ، وأن تحاول أن تلوي هذه النصوص لتشهد لها بما تريد تقريره من الأحكام والاتجاهات . .
ولكنها عجزت جميعاً وفي أشد أوقات الفتن حلوكة واضطرابا أن تحدث حدثاً واحداً في نصوص هذا الكتاب المحفوظ؛ وبقيت نصوصه كما أنزلها الله؛ حجة باقية على كل محرف وكل مؤول؛ وحجة باقية كذلك على ربانية هذا الذكر المحفوظ .
ثم جاء على المسلمين زمان ما نزال نعانيه ضعفوا فيه عن حماية أنفسهم ، وعن حماية عقيدتهم ، وعن حماية نظامهم ، وعن حماية أرضهم ، وعن حماية أعراضهم وأموالهم وأخلاقهم . وحتى عن حماية عقولهم وإدراكهم! وغيّر عليهم أعداؤهم الغالبون كل معروف عندهم ، وأحلوا مكانه كل منكر فيهم .
. كل منكر من العقائد والتصورات ، ومن القيم والموازين ، ومن الأخلاق والعادات ، ومن الأنظمة والقوانين . . . وزينوا لهم الانحلال والفساد والتوقح والتعري من كل خصائص « الإنسان » وردوهم إلى حياة كحياة الحيوان . . وأحياناً إلى حياة يشمئز منها الحيوان . . ووضعوا لهم ذلك الشر كله تحت عنوانات براقة من « التقدم » و « التطور » و « العلمانية » و « العلمية » و « الانطلاق » و « التحرر » و « تحطيم الأغلال » و « الثورية » و « التجديد » . . إلى آخر تلك الشعارات والعناوين . . وأصبح « المسلمون » بالأسماء وحدها مسلمين . ليس لهم من هذا الدين قليل ولا كثير . وباتوا غثاء كغثاء السيل لا يمنع ولا يدفع ، ولا يصلح لشيء إلا أن يكون وقوداً للنار . . وهو وقود هزيل! . .
ولكن أعداء هذا الدين بعد هذا كله لم يستطيعوا تبديل نصوص هذا الكتاب ولا تحريفها . ولم يكونوا في هذا من الزاهدين . فلقد كانوا أحرص الناس على بلوغ هذا الهدف لو كان يبلغ ، وعلى نيل هذه الأمنية لو كانت تنال!
ولقد بذل أعداء هذا الدين وفي مقدمتهم اليهود رصيدهم من تجارب أربعة آلاف سنة أو تزيد في الكيد لدين الله . وقدروا على أشياء كثيرة . . قدروا على الدس في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى تاريخ الأمة المسلمة . وقدروا على تزوير الأحداث ودس الأشخاص في جسم المجتمع المسلم ليؤدوا الأدوار التي يعجزون عن أدائها وهم سافرون . وقدروا على تحطيم الدول والمجتمعات والأنظمة والقوانين . وقدروا على تقديم عملائهم الخونة في صورة الأبطال الأمجاد ليقوموا لهم بأعمال الهدم والتدمير في أجسام المجتمعات الإسلامية على مدار القرون ، وبخاصة في العصر الحديث :
ولكنهم لم يقدروا على شيء واحد والظروف الظاهرية كلها مهيأة له . . لم يقدروا على إحداث شيء في هذا الكتاب المحفوظ ، الذي لا حماية له من أهله المنتسبين إليه؛ وهم بعد أن نبذوه وراء ظهورهم غثاء كغثاء السيل لا يدفع ولا يمنع؛ فدل هذا مرة أخرى على ربانية هذا الكتاب ، وشهدت هذه المعجزة الباهرة بأنه حقاً تنزيل من عزيز حكيم .
لقد كان هذا الوعد على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد وعد . أما هو اليوم من وراء كل تلك الأحداث الضخام؛ ومن وراء كل تلك القرون الطوال . فهو المعجزة الشاهدة بربانية هذا الكتاب ، والتي لا يماري فيها إلا عنيد جهول :
{ إنا نحن نزلنا الذكر ، وإنا له لحافظون } . . وصدق الله العظيم . .
----------------
القواعد الذهبية
إعداد الدكتور: نظمي خليل أبو العطا موسى
الخصائص الخمس للشريعة الإسلامية!!
خلق الله الإنسان وخلق له بيئة أرضية صالحة لحياته وحياة أبنائه وخلق له العقل والبدن وهيأه للتعلم ولم يتركه هملاً، بل أرسل له الرسل وختم الرسالات برسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وأتم الدين بمبعثه وتمم مكارم الأخلاق برسالته وشريعته.
الشريعة في الشرع تطلق على الأحكام التكليفية العملية. قال تعالى: ) لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً (. وقال: ) وجعلناك على شريعة من الأمر (.
قال قتادة: تطلق الشريعة على الأمر والنهي والحدود والفرائض لأنها طريق إلى الحق، وجاء في كتاب النهاية لابن الأثير: الشريعة ما سنه الله لعباده من الدين وافترضه عليهم يقال: شرع لهم يشرع شرعاً فهو شارع وقد شرع الله الدين شرعاً إذا أظهره وبينه.(6/42)
ـ وعلى هذا نستطيع القول: إن الشريعة تطلق على الدين، وعرفها بعضهم بأنها: عبارة عن الأحكام التي سنها الله لعباده ليكونوا مؤمنين عاملين على ما يسعدهم في الدنيا والآخرة، وأما شرع الدين فهو وضعه وإنزاله من عند الله تعالى كما قال عز وجل: ) شرع لكم من الدين ما وصى به نوحاً ([الشورى: 13]. ( كتاب المقاصد العامة للشريعة الإسلامية، يوسف العالم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ص19 ـ 20 ). والمراد بالشريعة هنا الأحكام المشروعة من عند الله فليس لغير الله تعالى أن يشرع.
الخصائص العامة للشريعة الإسلامية
للشريعة الإسلامية كما جاء في المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ( المرجع السابق ) خصائص عامة تميزها عن غيرها من الشرائع، لأنها شريعة الله ( العليم الخبير ) الكاملة (الباقية ) ما دامت الحياة البشرية قائمة ومن هذه الخصائص:
ـ عمومها للمكلفين.
ـ جمعها بين الثبات والمرونة.
ـ شمولها لرعاية مصالح الدين والدنيا والأفراد والجماعات.
ـ ربطها لأحكام السلوك بالإيمان بالله واليوم الآخر.
ـ حفظ مصدريها من التحريف والتبديل.
عليك أخي المسلم أن تعرف تلك الخصائص العامة لشريعة الله لتطبقها على علم.
الخاصية الأولى: عمومها وهي أن الشريعة بحسب المكلفين أي: لا يختص الخطاب في أي حكم من أحكامها بمكلف دون آخر ما دام شرط التكليف للناس بشيراً ونذيراً. وقال تعالى: ) وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً (. وقوله تعالى: ) قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً (. وقال صلى الله عليه وسلم: ( بعثت إلى الأحمر والأسود ) رواه الشيخان.
بما أن الأحكام موضوعة لمصالح العباد فالعباد بالنسبة إلى ما تقتضيه سواء.
الخاصية الثانية: جمع الشريعة بين الثبات والمرونة في أحكامها.
قال ابن القيم ـ رحمه الله ـ في إغاثة اللهفان: الأحكام نوعان: نوع لا يتغير عن حالة واحدة هو عليها لا بحسب الأزمنة ولا الأمكنة، ولا اجتهاد الأئمة، كوجوب الواجبات، وتحريم المحرمات، فهذا لا يتطرق إليه تغيير ولا اجتهاد مخالف لما وضع عليه.
ـ والنوع الثاني: ما يتغير بحسب اقتضاء المصلحة له زماناً ومكاناً وحالاً كمقادير التقديرات وصفاتها فإن الشرع يتنوع فيها بحسب المصلحة.
ـ وبهذه الخاصية تستوعب الشريعة الإسلامية كل ما جد من وقائع وما تبدل من عرف وعادة صالحين فلا يستطيع أحد أن يصفها بالجمود (المقاصد العامة للشريعة الإسلامية ـ مرجع سابق).
الخاصية الثالثة: فأحكام الشريعة ( الإسلامية ) شاملة لجميع المصالح الدنيوية والأخروية والفردية والجماعية بدون الدنيا ولا تعرف الجماعة بدون فرد ولا فرد بدون جماعة ( المرجع السابق ).
الخاصية الرابعة: ربط أحكام السلوك والتعامل بوازع الدين.
ـ فالأحكام الشرعية تحكم سلوك الناس وتعاملهم مربوطة بوازع الإيمان بالله واليوم الآخر فللشريعة الإسلامية كغيرها من الشرائع الوضعية لها جهاز بشري يتولى المراقبة والمعاقبة على المخالفة لأحكامها، وتمتاز الشريعة الإسلامية برقابة عليا وهي مراقبة العلي الخبير الذي علم خائنة الأعين وما تخفي الصدور.
ـ وهذه الخاصية من أعظم الفوارق بين القوانين الوضعية والشريعة الإسلامية.
الخاصية الخامسة: في حفظ مصدري الشريعة من التحريف والتبديل.
فقد عصم الله شرعه من التحريف، التبديل وذلك بحفظه سبحانه وتعالى للقرآن الكريم، قال تعالى: ) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (. والسنة مرتبطة بالكتاب وتعضده ويعضدها وهي محفوظة بإذن الله أيضاً: ) اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً ([المائدة: 3].
وهكذا تميزت الشريعة الإسلامية بخصائص عامة ميزتها عن باقي الشرائع والحمد لله.
القاعدة الذهبية في تحريم الضرر والفساد!!
الضرر بغير حق من السلوكيات التي تفتت الناس، وتزرع بينهم العداوة والبغضاء وتؤصل للحقد والكراهية، من هنا كانت القاعدة المانعة لهذا السلوك من القواعد الكلية في حياة الناس.
القاعدة:
وضع صلى الله عليه وسلم القاعدة العامة في تحريم الضرر بغير حق، وكذلك الضرار فقال صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار ). حديث حسن. رواه ابن ماجة والدار قطني وغيرهما.
والضرر: هو محاولة الإنسان إلحاق المفسدة بنفسه أو بغيره، أو أن تدخل على غيرك ضرراً لمصلحتك. والضرار: أن يتراشق اثنان بما فيه مفسدة لهما أو تدخل على غيرك ضرراً لا منفعة لك فيه.
رفع الشريعة للضرر
ـ لم يكلف الله عباده بفعل شيء يضرهم، إن عين ما يأمرهم به هو عين صلاح دينهم ودنياهم، وما نهاهم عنه هو عين فساد دينهم ودنياهم كما قال ابن رجب في جامع العلوم والحكم، ولم يأمر الله عباده بشيء هو ضار لهم في أبدانهم ـ فأسقط الله الصيام عن المريض والمسافر والعجوز وقال سبحانه: ) يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر (.(6/43)
ـ كما أمر الله بعدم مطالبة المعسر بدين وأن ينظر إلى حال يسره. قال تعالى: ) وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة (. ولا يكلف المدين ببيع مسكنه أو ملبسه وخادمه لتسديد دينه وكذلك ما يحتاج إليه للتجارة والزراعة والصناعة لنفقته ونفقة من يعولهم.
ـ كما نهى الله عن إضرار الورقة بالوصية. قال تعالى: ) من بعد وصية يوصى بها أو دين غير مضار (.
ـ كما منع الإسلام تخصيص بعض الأبناء أو الورثة بما لا حق لهم فيه مما يضر الإخوة وباقي الورثة.
ـ ومنعت الشريعة الضرر بالزوجة في المعاشرة والطلاق والمعيشة وأن أطال البعد عن زوجته بغير عذر وطلبت من الزوج رفع الضرر فأبى، للحاكم في هذه الحالة الحق في التفريق بينهما، وشرع الله الطلاق والخلع لرفع الضرر عن الأطراف.
ـ كما حرمت الشريعة استغلال حاجات الناس والبيع لهم بما يوقع الضرر عليهم فنهى صلى الله عليه وسلم عن بيع المضطر.
ـ كما منعت الشريعة إيذاء الجار في البنيان والطريق والماء.
ـ كما منعت الشريعة منع الماء والملح والنار والكلأ.
كما حرم الله إضرار الأم بولدها.
ـ ومن القواعد الإسلامية أنه: ) ولا تزر وازرة وزر أخرى (.
وهكذا رفعت الشريعة الإسلامية الضرر عن الناس حتى عن المخالفين لنا في الدين، فتشريع الجزية وإجارة المشركين من القواعد الإسلامية المعلومة.
صور لتطبيق القاعدة في حياتنا العصرية:
ـ للقاعدة السابقة العديد من الفوائد التي تعود على الفرد والمجتمع بالفائدة ومن هذه الصور:
ـ بعض المتعاقدين يتعاقدون مع العمال والموظفين والمعلمين برواتب قليلة لا تكفي الموظف، في الوقت الذي ينفق فيه صاحب العمل الملايين على أسرته وتجهيزات محله أو مصنعه أو مدرسته وعندما تقول له: إن في هذا ظلماً بالعباد يقول لك: ( العقد شريعة المتعاقدين ) وهو راضٍ بذلك.
ـ ونحن نقول لهذا: أين تطبيقك لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرر ولا ضرار).
ـ البائع الذي يستغل جهل المشتري بثمن السلعة، ونوعها ويبيعه السلعة بثمن مرتفع وعندما تسأله يقول: لك هذا بيع وشراء، والتجارة شطارة، ونحن نقول له: أين أنت من القاعدة الشرعية: ( لا ضرر ولا ضرار ).
ـ رئيس العمل الذي يستغل حاجة مرؤسيه ويسخرهم في أعماله الخاصة، والقيام بأعماله في العمل نقول له: طبق قول رسولك: ( لا ضرر ولا ضرار ).
ـ المقرض الذي يستغل حاجة المقترض ويرفع عليه السعر إن كان القرض على هيئة سلعة نقول له: اتق الله وطبق قول رسولك الكريم صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار ).
ـ الجار الذي يستغل ضعف جاره أو فقره ويؤذيه في بيته وأولاده نقول له: اتق الله وطبق قول رسولك صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار ).
وهكذا أخوة الإسلام هذه هي القاعدة الذهبية في رفع الضرر والإضرار عن العباد التي هي من القواعد الذهبية الشرعية في المعاملات بين الناس. ومن هنا جاء قول فقهاء المسلمين: (الضرر يرفع).
ـ من هناك نفهم أن قول صلى الله عليه وسلم: ( لا ضرر ولا ضرار ) قاعدة كبرى أغلق بها صلى الله عليه وسلم منافذ الضرر والفساد أمام المسلمين، فلم يبق في تشريع الإسلام إلا كل ما فيه صلاح دنياهم وأخراهم ( المقاصد العامة للشريعة الإسلامية يوسف العالم، المعهد العالمي للفكر الإسلامي ص89 ).
القاعدة الذهبية في الحفاظ على خيرية الأمة الإسلامية:
حديثنا اليوم عن القاعدة الذهبية في الحفاظ على خيرية الأمة الإسلامية لا من ناحية وجوبها وأهميتها، فهذا معلوم من الدين بالضرورة. فقد أجمعت الأمة على وجوبها ولم يخالف في ذلك أحد، وأكد الله تعالى فرض تلك القاعدة في مواضع من كتابه، وبينها رسول الله صلى الله عليه وسلم في أخبار متواترة، وأجمع السلف وفقهاء الأمصار على وجوبها ( كما قال الجصاص ـ رحمه الله ـ في أحكام القرآن )، تلك القاعدة هي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
حديثنا اليوم عن قاعدة الشرع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومتى يجوز تركه، فكما قال الدكتور عبد العزيز المسعود حفظه الله في بحثه لرسالة الدكتوراة عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. قال: يجب على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يعرف قاعدة الشرع في ذلك حتى يقدم عليه أو يحجم عنه.
فمعرفة القاعدة العامة في باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أهم الأمور ومن أعظم الواجبات التي تعبدنا الله ـ سبحانه وتعالى ـ بفعلها حيث إنه لا بد عند الأمر والنهي أن تكون المصلحة راجحة إذ بهذا بُعث الرسل وأنزلت الكتب وكل ما أمر الله به فهو صلاح أو فيه مصلحة، وكل ما نهى عنه الله فهو فساد أو فيه مفسدة، وكذلك ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم، إذ الشارع يعرف متى يصلح الأمر فيأمر والنهي فينهي.. ولا يكن همه إزالة المنكر فقط صارفاً النظر عن الأمور التي تحدث بعد ذلك فقد يحصل من المفاسد أكثر من زوال ذلك المنكر يقول ابن القيم ـ رحمه الله ـ في أعلام الموقعين:
فإنكار المنكر له أربع درجات:(6/44)
الأولى: أن يزول ويخلفه ضده ( وهذه مشروعة ).
الثانية: أن يقل وإن لم يزل بجملته ( وهذه مشروعة ).
والثالثة: أن يخلفه ما هو مثله ( وهذه موضع اجتهاد ).
والرابعة: أن يخلفه ما هو شر منه ( وهذه محرمة ).
فالمقصود من الأمر والنهي حصول المصلحة فذلك مقصود الشرع فإن وجدت المصلحة أو كانت هي الغالبة تعين الأمر والنهي.
يقول الشاطبي ـ رحمه الله ـ في الموافقات:
فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتبار فهي المقصودة شرعاً ولتحصيلها وقع الطلب على العباد ليجري قانونها على أقوم طريق وأهدى سبيل، وليكون حصولها أتم وأقرب وأولى بنيل المقصود، فإن تبعتها مفسدة أو مشقة فليست بمقصودة في شرعية ذلك الفعل وطلبه، وكذلك المفسدة إذا كانت هي الغالبة فرفعها هو المقصود شرعاً ولأجله وقع النهي ليكون رفعها على أتم وجوه الإمكان حسبما يشهد له كل عقل سليم.
فمعرفة هذا الباب أمر ضروري للآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر، وخاصة حينما تتداخل المصالح والمفاسد.
قال الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي في أسرار المنهج الرباني:
إنما الغاية التي شرع من اجلها مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إشاعة الحق في المجتمع وإزالة الباطل عنه بقدر الإمكان، وذلك عن طريق النصيحة لدين الله عز وجل وإنما يتم ذلك ضمن جو من الصفاء النفسي بعيداً عن الأغراض والأهواء والضغائن، وبأسلوب موضوعي يستهدف مخاطبة الفكر والعقل ولا يتجه إلى جرح الشعور والنفس وفي وقت لا يخشى فيه من الفضيحة والتشهير، ففي هذه الحالة وحدها يشرع مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لعامة المسلمين أما في الحالات المخالفة الأخرى فإن التلبس بذلك لا يعدو أن يكون فتحاً لذريعة الشر في أي مشكل من أشكاله وهو ما لا يرضاه الله سبحانه وتعالى ومن أجل ذلك كانت ضرورة لنظر في آداب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أشد من ضرورة اقتحام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
خلاصة القاعدة:
لا بد أن يلمّ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر بجانب النظر في المصلحة والمفسدة، وأهم من ذلك إخلاص النية لله تعالى فلا يكون أمره ونهيه انتصاراً للنفس.
وإذا أمعن الآمر في أقوال العلماء في القاعدة السابقة عرف متى يأمر ومتى ينهى ومتى يقدم ومن يحجم وبذلك نحفظ لأمتنا خيريتها ودينها.
القاعدة الذهبية في العفو عن الناس!!
العفو عن الناس من شيم الكرام، والعفو عنهم عند المقدرة من شيم المحسنين، والعفو عنهم مع الإصلاح من شيم المؤمنين، وقد وضع الله سبحانه وتعالى في ذلك قاعدة كلية فقال سبحانه في سورة الشورى: ) وجزاء سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين، ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل، إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق، أولئك لهم عذاب أليم، ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور ([الشورى: 40 ـ 43].
ابن السعدي والقاعدة السابقة:
كتب الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي في كتابه: مجموع الفوائد واقتناص الأوابد كلاماً طيباً، وفائدة مفيدة في العفو عن الناس فقال:
ـ العفو عن الناس إذا أساؤوا إليك كله محمود، وخصوصاً من لهم حق متأكد ( عليك ) من ولادة وقرابة وصداقة ونحوها.
ـ وأخص من ذلك من كانت إساءتهم إليك صادرة عن مقصد حسن هو فيه غالط في أصله أو مقداره.
ـ وكان بعضهم يقول: كل من أساء إلي بقول أو فعل أو اعتراض، وقصده بذلك وجه الله، أو كان قصده مشوباً بعضه لله وبعضه تبع لغرض النفس، فهو مني في حل، وقد سامحته لله الذي للمسيىء إلى نوع احتساب، وإن كان مخطئاً أو مزوراً عليه أو نانياً على قول الطائفة التي عرفت بالاعتراض على، فكل هذه الأقسام قد سامحته لله علمت بإساءته أو جهلتها.
المسيء عن قصد:
ثم قال ـ رحمه الله ـ: وأما من ليس له من المقاصد إلا الأغراض النفسية والعدوان المتمخض الذي يعلمه من نفسه، فهذا لا أقابله بإساءته وأمره إلى الله، ومن وصل إلى هذه الحالة، فليحمد الله على هذه النعمة الكبرى، وعلى راحة الضمير، وعلى كثرة ما يجني من الخير، وعلى ما يرجى له من جزاء ربه له ومعاملته له، وأنه يرجى أن يكمل له النواقص ويعفو عما مزج فيه العبد أغراضه وشهواته النفسية مع داعي الإخلاص.
العفو عن المفسد:
ثم قال ـ رحمه الله ـ: ويستثنى من هذا الأصل العفو عن المجرم المفسد المتمرد الذي العفو عنه مما يزيده في عتوه وتمرده، فالواجب في مثل هذا الردع والزجر بكل ممكن ولعل هذا يؤخذ من القيد الذي ذكره الله بقوله: ) فمن عفا وأصلح ( فشرط الله أن يكون العفو فيه صلاحاً، فأما العفو الذي لا صلاح فيه، بل فيه ضده، فهو منهي عنه. والله أعلم.
صور من عفو المصطفى صلى الله عليه وسلم:(6/45)
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كأني أنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يحكي نبياً من الأنبياء، صلوات الله وسلامه عليهم، ضربه قومه فأدموه، وهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: ( اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون ) متفق عليه.
وهنا قمة التسامح والعفو عن الجاهلين الذين لا يعلمون.
القاعدة الذهبية في تقوى الله ومراقبته!!
حديثنا اليوم عن القاعدة الذهبية في تقوى الله ومراقبته والمحافظة على ذلك والعمل بمقتضاه، فنحن أحوج ما نكون إلى تقوى الله وطاعته، والمداومة على الامتثال لأوامره، والعمل على محو سيئاتنا بالحسنات، وأن ينعكس ذلك على سلوكنا فتتحسن أخلاقنا وتنصلح أعمالنا.
القاعدة الذهبية
قعّد رسول الله صلى الله عليه وسلم القاعدة العامة في تقوى الله ومراقبته الدائمة، فقال صلى الله عليه وسلم: ( اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلقٍ حسن ). حديث حسن أو حسن صحيح.
أهمية القاعدة السابقة:
إذا طبق كل مسلم هذه القاعدة النبوية في حياته: ( اتق الله حيثما كنت ) أنصلح حال الأمة الإسلامية، فإذا اتقى كل منا ربه في عمله، وبيته، وفي الشارع، ووحيداً ومع الناس ما رأينا هذه الظواهر السلبية في حياة المسلمين من تضييع للأوقات والأموال والأعمار والأولاد والزوجات وانتهاك للحرمات، من هنا كانت هذه هي القاعدة الذهبية في تقوى الله ومراقبته والعمل على طاعته.
التقوى
أصل التقوى كما قال ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم هي: أن يجعل العبد بينه وبين ربه ما يخشاه من ربه من غضبه وسخطه وعقابه وقاية تقيه من ذلك وهو فعل طاعته واجتناب معاصية، وإذا أضيفت التقوى إليه سبحانه كما في قوله تعالى: ) واتقوا الله الذي إليه تحشرون (. وقوله تعالى: ) واتقوا الله إن الله خبيرٌ بما تعملون (. فالمعنى اتقوا سخطه وغضبه وهو أعظم ما يتقى وعن ذلك ينشأ عقابه الدنيوي والأخروي. قال تعالى: ) ويحذركم الله نفسه (. وقال: ( هو أهل التقوى وأهل المغفرة ). فهو سبحانه أهل أن يخشى ويهاب ويجل ويعظم في صدور عباده حتى يعبدوه ويطيعوه لما يستحقه من الإجلال والإكرام وصفات الكبرياء والعظمة وقوة البطش وشدة البأس.
ويدخل في التقوى فعل الواجبات وترك المحرمات والشبهات وربما دخل فيها بعد ذلك فعل المندوبات وترك المكروهات وهي أعلى درجات التقوى.
قال الحسن: المتقون اتقوا ما حرم الله عليهم وأدوا ما افترض الله عليهم.
وقال عمر بن عبد العزيز ـ رحمه الله ـ: ليس تقوى الله بصيام النهار ولا بقيام الليل، والتخليط فيما بين ذلك، ولكن تقوى الله ترك ما حرم الله وأداء ما افترض الله، فمن رزق بعض ذلك خيراً فهو خير إلى خير.
وقال أبو الدرداء: تمام التقوى أن يتقي الله العبد حتى يتقيه من مثقال ذرة وحتى يترك بعض ما يرى أنه خلال، خشية أن يكون حراماً حجاباً بينه وبين الحرام فإن الله قد بيّن للعباد الذي يصيرهم إليه فقال: ) فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شرّاً يره (.
فلا تحقرن شيئاً من الخير أن تفعله ولا شيئاً من الشر أن تتقيه.
الحسنات يذهبن السيئات
على العبد إذا أحدث ذنباً أن يتبعه بعمل صالح عسى الله أن يكفر عنه سيئاته. وخالق الناس بخلق حسن.
مخالفة الناس بخلق حسن من خصال التقوى ولا تتم التقوى إلا به.
قال ابن رجب: وإنما أفرده بالذكر للحاجة إلى بيانه فإن كثيراً من الناس يظن أن التقوى هي القيام بحق الله، دون حق عباده فنص له على الأمر بإحسان العشرة للناس. والجمع بين القيام بحقوق الله وحقوق عباده عزيز جداً لا يقوى عليه إلا الكمل من الأنبياء والصديقين.
قال الحارث المحاسبي: ثلاثة أشياء عزيزة أو معدومة: حسن الوجه مع الصيانة وحسن الخلق مع الديانة، وحسن الإخاء مع الأمانة.
وحسن الخلق أن تصل من قطعك وتعطي من حرمك وتعفو عمن ظلمك.
الخلاصة:
وهكذا أخي المسلم عليك أن تتقي الله في كل عمل تقوم به، وفي كل مكان توجد فيه فالله يراك ويعلم ما تضع، وعليك أن تعامل الناس معاملة إسلامية حسنة وهذا كله من تقوى الله وطاعته ومراقبته.
القاعدة الذهبية في الدعاء الجامع!!
إذا علم المسلم: ( أن الدعاء هو العبادة ). كما في الحديث الصحيح فمعنى ذلك، كما قال الشيخ عبد الرحمن ابن سعدي ـ رحمه الله ـ في مجموع الفوائد، معنى ذلك: أن الدعاء فيه التضرع إلى الله وإظهار الضعف والحاجة إلى الله وأن الدعاء ملازم للتوكل والاستعانة بالله، فإن التوكل هو الاعتماد بالقلب على الله والثقة به في حصول المحبوبات واندفاع المكروهات والدعاء يقويه، بل يعبر عنه ويصرح به. فإن الداعي يعلم ضرورته التامة إلى الله، وأنها بيد الله، ويطلبها من ربه راجياً له واثقاً به وهذا هو روح العبادة.(6/46)
ومنها: إن الداعي لما كان يدعو الله لمصلحته ومنفعته ويطلب من الله حوائجه، فربما ظن الظان أن ذلك هو المقصود، وأنه إن حصلت الحاجة التي دعا من أجلها فقد حصل المراد، وإن لم تحصل فقد ضاع سعيه ( ودعاؤه ) وهذا ظن غالط، فأخبر صلى الله عليه وسلم: (إن الدعاء) عبادة لله، سواء أجيب العبد إلى ما سأل أو لم يجب، فإنه كسب العبادة لله بدعائه كما لو صلى أو قرأ أو ذكر الله، فإن حصل مع هذه العبادة، التي هي المقصود الأعظم، مطلوبة وإلا فهو غانم ومحصل لعبادة ربه. (أ.هـ).
إذا علمت أخي المسلم أن الدعاء عبادة فاتبع قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ( إذا سألت فاسأل الله ). فسؤال الله عز وجل دون خلقه هو المتعين، وفيه: الاعتراف بقدرة المسؤول عن رفع الضر ونيل المطلوب وجلب المنافع ودرء المضار كما قال ابن رجب الحنبل ـ رحمه الله ـ في جامع العلوم والحكم، ولا يصلح الذل والافتقار إلا لله وحده لأنه حقيقة العبادة، وكان الصحابي كما قلنا في موضع آخر يسأل الله ملح عجينه وعلف شاته.
القاعدة الذهبية في الدعاء الجامع
وردت هذه القاعدة في الحديث الذي أخرجه الترمذي وابن ماجة في الدعاء المأثور عنه صلى الله عليه وسلم: ( اللهم إني أسألك موجبات رحمتك وعزائم مغفرتك ).
ابن السعدي وشرح القاعدة
قال الشيخ عبد الرحمن بن ناصر بن سعدي ـ رحمه الله ـ في شرح هذه القاعدة:
( الحديث ): دعاء جامع نافع، فإن مجموع مطالب السائلين حصول الرحمة المتضمنة لخير الدنيا والآخرة، وحصول المغفرة المتضمنة لاندفاع الشرور في الدنيا والآخرة.
موجبات الرحمة
وقال: وموجبات الرحمة هي الأسباب التي توجبها والأوصاف التي تقتضيها، وقد ثبت في نصوص كثيرة من الكتاب والسنة من أسباب الرحمة العامة والرحمة الخاصة أمور كثيرة مثل قوله ( تعالى ): ) إن رحمة الله قريب من المحسنين ([الأعراف: الآية 56]. أي: في عبادة الله وإلى عباد الله. وقوله صلى الله عليه وسلم: ( الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ) صححه الألباني ـ رحمه الله ـ.
عزائم المغفرة
وقال: وأما عزائم المغفرة، فكذلك هي الصفات والأخلاق والأعمال جعلها الله سبباً لنيل مغفرته عامة أو خاصة مثل قوله ( تعالى ): ) وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحاً ثم اهتدى ([سورة طه: آية 82]. ونحوها من النصوص التي لا تحصى في ذلك أسباب المغفرة التي أعظمها الإيمان والصدق والإخلاص، فسؤال موجبات الرحمة وعزائم المغفرة يدخل في هذا التوفيق لكل سبب ينال به رحمة الله ومغفرته، فصلى الله وسلم على من أعطي جوامع الكلم، ونوافعها وأصول الخير وفروعه. (أ. هـ).
وبعد أخي المسلم
فهذا الدعاء: ( اللهم إني أسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك ) من الأدعية الجامعة، ومن القواعد الذهبية في الدعاء الجامع.
القاعدة الذهبية في عالمية المسلم
المسلم إنسان عالمي، يحمل رسالة الخير إلى العالم كله مسلمة وكافرة، أسوده وأحمره، شرقيه وغربيه، لأن المسلم ابن للرسالة العالمية الإسلام وقد بعثنا الله لنخرج الناس من الظلمات إلى النور ومن عبادة الطواغيت إلى عبادة رب العالمين من هنا كان المسلم إنسان عالمي، والإنسان في دين الله والإسلام، مكر لأن الله هو الذي خلقه بيديه، ونفخ فيه من روحه، وكرمه، وسخر له ما في الأرض جميعاً، والقواعد الذهبية في عالمية المسلم كثيرة نختار منها القاعدة التالية:
القاعدة:
قال صلى الله عليه وسلم: ( من أحب أن يزحزح عن النار، ويدخل الجنة، فلتأته منيته وهو يؤمن بالله واليوم الآخر وليأت إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه ) رواه مسلم.
ـ وكلمة الناس في الحديث وفي آيات القرآن تعني كل الناس المؤمن والكافر، الأسود والأبيض، الرجال والنساء من هنا كان المسلم عالمياً.
ـ فالمسلم حب للناس ما يحب لنفسه، ويأتي إلى الناس الذي يحب أن يؤتى إليه.
ـ فالمسلم يحب أن يعيش موحداً ويموت موحداً، وهو يحب للناس ذلك، وهذا يتطلب منه أن يعمل على نشر عقيدة التوحيد ودين الإسلام.
ـ والمسلم يحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة، وهو يحب للناس ذلك لذلك خرج صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم لزحزحة الناس عن النار وإدخالهم الجنة، ومن وقف في سبيل ذلك قاتلوه لتصل ـ رحمة الله ـ إلى كل إنسان على الأرض.
ـ المسلم يحب أن يعيش في مجتمع أمن تسوده المحبة والعدل والمساواة والحرية لذلك إذا تملك الأرض والحكم فهو عادل يؤمن الناس على دينهم وأموالهم وأعراضهم ومعتقداتهم فالناس جميعاً أخوة متساوون كأسنان المشط ) فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ([الكهف: 29]. ) لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ([الشورى: 20].
--------------
تطور دراسة الإعجاز القرآني على مر العصور
أ.د / عبد الغني محمد بركة
أستاذ متفرغ بكلية اللغة العربية، ووكيل الكلية الأسبق في جامعة الأزهر(6/47)
بدايةً ... إن استيعاب هذه الجهود العلمية الزاخرة بالأفكار والقضايا والمناقشات والآراء، في إطار مقالة مختصرة أمر فوق الطاقة.
لهذا: أرجو أن تعتبر هذه المقالة رؤوس موضوعات، تلقى عليها بعض الأضواء لتكون مرشداً لمن يرغب في مواصلة بحث الموضوع باستيعاب وتعمق، ويمكننا أن نشير على النقاط الأساسية التي سنحاول أن نجمع فيها أطراف الموضوع.
بحيث تمهد كل نقطة لما تتلوها، وتلتحم بها، ليشكل المجموع بناء مترابط الأجزاء، يعطي فهماً للموضوع حسب الطاقة.
سنبدأ ـ إن شاء الله ـ ببيان معنى الإعجاز والمعجزة، وكيف أنها ضرورة لإثبات صدق الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، ثم ننتقل إلى الحديث عما امتازت به المعجزة القرآنية عن غيرها من معجزات الأنبياء السابقين، نظراً للخصائص التي انفردت بها الرسالة الإسلامية، ثم نستعرض المراحل التي مرت بها قضية الإعجاز بدءاً من صدر الإسلام، وانتقالاً إلى مرحلة تالية ركز العلماء فيها جهودهم على مواجهة ما أثاره المشككون من شبهات حول الموضوع، ثم إلى مرحلة نضج القضية، وإبراز الجوانب الموضوعية التي جعلت من النص القرآني نصاً معجزاً، ثم ننتقل أخيراً إلى العصر الحديث، وما قام به علماؤه من إضافات أكدت أن الإعجاز القرآني إعجاز دائم متجدد على مدى الزمن، لتظل الدعوة الإسلامية محروسة بدليل صدقها حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
أما عن المعجزة: فهي مشتقة من الفعل: ( أعجز ).
نقول: أعجزني هذا الشيء، أي: صيرني عاجزاً، بمعنى: أنه فاق قدرتي، ولم أستطع القيام به.
ومن هنا عرف العلماء المعجزة بأنها: أمر يجريه الله على يد نبي من أنبيائه عليهم السلام، يفوق قدرة البشر، ويتحدى به النبي قومه فلا يستطيعون مجتمعين أو متفرقين أن يأتوا بشيء يماثله، والحكمة في ذلك: أن ادعاء النبوة وما يلزمه من الاتصال بالملأ الأعلى، وتلقى خبر السماء، لا تسلم به العقول دون دليل حاسم يثبته، ولهذا جرت سنة الله تعالى أن يظهر على يد كل نبي أمراً معجزاً يكون دليلاً على صدق دعواه، حتى يتبين الحق من الباطل، وتنقطع حجة المعارضين.
ووجه دلالة المعجزة على صدق النبي، أن العقل يدرك أن الكون يسير على سنن مطردة، وأن هناك ارتباط لا يتخلف بين الأسباب ومسبباتها العادية، فالنار تحرق، والولد يولد من أب وأم، إلى غير ذلك من الربط بين الأسباب ومسبباتها، فإذا تخلفت الأسباب عن مسبباتها، فولد ولد من غير أب كعيسى عليه السلام، أو أصبحت النار لا تحرق، بل تكون برداً وسلاماً، كما حدث لإبراهيم عليه السلام، أو تحرك الجامد كما حدث لعصى موسى، إذ انقلبت حية تلقف ما يأفكون.... إذا حدث هذا حكم العقل بأن الذي فعل ذلك لا بد أن يكون فوق الأسباب ومسبباتها، وأنه يفعل ما يشاء ويختار، وأن الذي خرق العادات لا بد أن يكون هو خالقها وموجدها، وأن خرق العادات لا بد أن يكون مقصوداً، فإذا علمت الغاية، وبينت المقاصد تبين صدق ما يدعيه النبي.
ولكي تكون المعجزة قاطعة لكل حجة، كانت دائماً من جنس ما يحسنه قوم النبي وينبغون فيه، إذ تكون بهذا أقوى دلالة على صدق النبي في دعواه.
وعلى هذه القاعدة المطردة، جاءت معجزة سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآناً يتلى، لأن البيان كان مناط فخر العربي، وموئل تطاولهم واعتزازهم.
غير أن النظرة الدقيقة تعطي معجزة نبينا صلى الله عليه وسلم أبعاداً أخرى، تتناسب مع طبيعة رسالته الخاتمة.
ذلك أن معجزات الأنبياء السابقين، كانت مادية ملموسة ينتهي أثرها بمجرد إعلان تعاليمها، ولا تلزم إلا من اطلع عليها أو صدق من أخبره بها، لأن ذلك هو المناسب لطبيعة هذه الرسالات السابقة على الرسالة الإسلامية.
فقد كانت كل رسالة خاصة بقوم النبي الذين بعث إليهم كما أنها رسالات مؤقتة بزمن معين، لا يمضي وقت حتى يصطفي الله نبياً جديداً، يحدد ما أندرس من الشريعة السابقة، أو يضيف إليها ويوسع في آفاقها، حسبما يقتضيه تطور البشرية.
أما رسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فلها طبيعة أخرى، إذ هي خاتمة الرسالات جميعاً، وهي الحلقة الأخيرة في سلسلة النبوات الطاهرة، كما أنها عامة للبشر جميعاً، وصدق الله العظيم حيث يقول: ) وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين (، وحيث يقول سبحانه: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين)[سورة الأحزاب:40].
ومن هنا كان لا بد أن تكون معجزته شيئاً باقياً ثابتاً أبد الدهر، لتكون حجة الله القائمة على خلقه في كل زمان ومكان.
ولتظل الدعوة محروسة بمعجزتها، مقرونة بدليل صدقها إلى قيام الساعة، فكانت المعجزة المحمدية قرآناً يتلى، ويتعهد الله بحفظه وصيانته من أن يبدل أو يحرف ) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (.(6/48)
ولقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فيما يروى عنه أنه قال: ( ما من نبي إلا أوتي ما على مثله آمن البشر، وإنما كان الذي أوتيته وحياً أوحاه الله إلي، فأرجو أن أكون أكثرهم تابعاً يوم القيامة ) متفق عليه.
والعجيب: أن العرب ظلوا يطالبون الرسول عليه السلام بمعجزات مادية، من جنس معجزات الأنبياء السابقين، ويحكي القرآن الكريم عنهم ذلك: )) وَقَالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأرْضِ يَنْبُوعاً (90) أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيراً (91) أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاءَ كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً أَوْ تَأْتِيَ بِاللَّهِ وَالْمَلائِكَةِ قَبِيلاً (92) أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِنْ زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاءِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَاباً نَقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنْتُ إِلا بَشَراً رَسُولاً (93) )[سورة الإسراء].
ولكن الله تعالى بين لهم أنهم إذا كانوا صادقين حقاً، وفي أنهم سيستجيبون للمعجزات، فإن القرآن أكبرها جميعاً وأعلى شأناً مما يطلبون )) وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آَيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الآيات عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ (50) أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (51))[سورة العنكبوت].
هذا، وقضية الإعجاز القرآني من أولى القضايا التي اتجه العلماء إلى دراستها، وبذلوا جهوداً هائلة في تحقيقها، والكشف عن أدلتها، وتتبع أوجهها، إذ هي الأساس الذي يقوم عليه البناء الإيماني للمسلم، فالذي يطمئن عقله وقلبه، ويصل إلى اليقين بأن القرآن الكريم معجز للبشر وأنه من المستحيل أن يتمكن البشر مجتمعين أو متفرقين أن يأتوا بمثله.
أقول: إن الإنسان الذي يصل يقينه إلى هذا الحد، ليس أمامه إلا أن يسلم بأن القرآن الكريم من عند الله وما دام القرآن من عند الله فكل ما تضمنه حق خالص، لا سبيل لباطل إليه، ويكون ذلك موجباً للإيمان بما فيه، والانقياد لتعاليمه، والسير على هداه.
ولنبدأ بالقضية في مراحلها الأولى، منذ بدء الدعوة، فلا خلاف في أن للعرب الذين نزل فيهم القرآن الكريم قدم راسخة في البيان والبلاغة، وقدرة فائقة في تذوق الكلام والتمييز بين جيده ورديئه، فقد امتازوا من بين معاصريهم من الأمم بالنزوع إلى الكلام الطيب، وأقاموا الأسواق الأدبية، يعرض فيها كل بليغ ما تجود به قريحته من شعر أو خطبة أو حكمة، كانوا يتبارون في التجويد، ويحتكمون إلى نقاد شهدوا لهم بالقدرة على النقد والتمييز بين الكلام، فيقدم هذا ويؤخر ذلك تبعاً لما تضمنه كلام كل منهم من بلاغة وقوة.
ومما تجدر الإشارة إليه في هذا المقام، أنه قد حدثت قبل البعثة المحمدية أحداث كانت توطئة وتمهيداً لما سيحدث بعد البعثة من تحد للعرب جميعاً ببلاغة القرآن وإعجازه، فوجود الكعبة المشرفة في مكة وتوافد العرب من أنحاء الجزيرة العربية عليها في مواسم الحج، ووقوعها أيضاً في منتصف الطريق بين اليمن جنوباً والشام شمالاً، وهي طريق ممهدة مسلوكة لقوافل التجارة، هذا الوضع الفريد أحدث تقارباً بين اللهجات العربية، وجعل لهجة قريش هي السائدة بين العرب، ففي مكة تختلط القبائل وتتلاقح اللهجات العربية وتتقارب، وتصفي مما بها من وعورة وغرابة، فتتماذج لتصبح لهجة سائدة يتكلمها الجميع، ويبدعون بها آثارهم الأدبية، وقد أدى ذلك كله إلى أن يصبح العرب جميعاً في ربوع الجزيرة العربية، وأنحائها مؤهلين لتذوق بلاغة الكلام في راقي مدارجه.
وفي هؤلاء القوم الذين يعتزون بالبيان، ويتناقلون شوارده ودرره، وتهنأ القبيلة بالشاعر ينبغ بين أبنائها، لأنه سيكون الصوت المدافع عنها، والمذيع لمفاخرها.
في هؤلاء القوم نزول القرآن الكريم، وتلا عليهم المصطفى صلى الله عليه وسلم ما يتلقاه من ربه، وتتابعت نجوم القرآن الكريم على قلب رسول الله، وعلى الفور أدرك العرب أنهم أمام شيء لا عهد لهم به، وأن ما يسمعونه إنما هو كلام معجز لا يستطيعه بشر.
وقد أتضح هذا بجلاء فيما رواه التاريخ الصحيح عنهم، سواء في ذلك ما صدر عن بعضهم من أقوال، أو ما ثبت من أحوال حين تحداهم القرآن الكريم أن يأتوا بمثله أو بشيء من مثله.(6/49)
أما عن أقوالهم فمن ذلك: حديث الوليد بن المغيرة حين أتى قريشاً فقال: إن الناس يجتمعون غداً بالموسم، وقد فشا أمر هذا الرجل ـ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم ـ فهم سائلوكم عنه فبماذا تردون عليهم، فأخذوا يتدارسون الأمر فقالوا: نقول: مجنون يحنق ـ أي: يشتد غضبه فلا يدري ما يقول. فقال الوليد: يأتونه فيكلمونه، فيجدونه صحيحاً فصيحاً عادلاً، فيكذبوكم. فقالوا: نقول هو شاعر: قال الوليد: هم العرب، وقد رووا الشعر، وفهم الشعراء، وقوله ليس يشبه الشعر فيكذبونكم. قالوا: نقول كاهن، قال: إنهم لقوا الكهان، فإذا سمعوا قوله لم يجدوه يشبه الكهنة، فيكذبونكم. ثم انصرف إلى منزله. فقالوا: صبأ الوليد ـ يعنون أسلم ـ ولئن صبأ لا يبقى أحد إلا صبأ. ثم بعثوا إليه ابن أخيه أبا جهل بن هشام ابن المغيرة، ليساومه حتى يرجع عما يراه في محمد، فعاد إلى قريش فقال: تزعمون أني صبأت، ولعمري: ما صبأت، إنكم قلتم: محمد مجنون، وقد ولد بين أظهركم، لم يغب عنكم ليلة ولا يوماً، فهل رأيتموه يحنق قط، فكيف يكون مجنوناً ولا يحنق قط؟ وقلتم: شاعر، أنتم شعراء، فما منكم أحد يقول ما يقول، وقلتم كاهن، فهل حدثكم محمد في شيء يكون في غد إلا أن يقول إن شاء الله قالوا فكيف نقول يا أبا المغيرة؟ قال: أقول: ساحر يفرق بين الرجل وامرأته، والرجل وأخيه، فنزل فيه قوله تعالى: (إِنَّهُ فَكَّرَ وَقَدَّرَ (18) فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (19) ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ (20) ثُمَّ نَظَرَ (21) ثُمَّ عَبَسَ وَبَسَرَ (22) ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ (23) فَقَالَ إِنْ هَذَا إِلا سِحْرٌ يُؤْثَرُ (24) إِنْ هَذَا إِلا قَوْلُ الْبَشَرِ (25) ) [سورة المدثر]، والقصة غنية عن أي تعليق فهي تفصح بكل جلاء عن حيرة صناديد قريش وقادتها ورجال الرأي فيها، في قرآن محمد، الذي لا عهد لهم بمثله.
ومما وعاه التاريخ أيضاً، أن الوليد عقبة سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرأ قوله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)[سورة النحل] فقال له: أعد، فأعاد. فقال الوليد ـ والله إن له لحلاوة وإن عليه لطلاوة، وإن أسفله لمغدق وإن أعلاه لمثمر، وما هو بقول بشر.
ومن أحوالهم الدالة على تأثير القرآن فيهم، أنه ربما وصلت آيات منه إلى مسمع أشدهم عداوة للإسلام.
فإذا به يتحول إلى إنسان جديد، ويلقى وراء ظهره كل ما كان يكنه من عداوة وبغض للإسلام ونبيه، ويتقدم مبايعاً موقناً أن هذه الكلمات ليست من قول بشر. حدت هذا لعمر بن الخطاب إذ خرج ذات مساء متوشحاً سيفه يريد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورهطاً من أصحابه في بيت عند الصفا، سمع أنهم مجتمعون فيه.
فقابله أحد أصحابه وعرف مقصده فقال له: غرتك نفسك يا عمر، أفلا رجعت إلى أهل بيتك فتقيم أمرهم، فسأله عمر وقد رابه ما سمع: أي أهل بيتي تعني، فأخبره أن صهره (وابن عمه) سعيد بن زيد قد أسلم، وكذلك أسلمت زوجته أخت عمر فاطمة بنت الخطاب. فذهب إليها عمر مغيظاً محنقاً.
وهنا سمع خبايا يتلو عليهما القرآن، فاقتحم الباب وبطش بصهره وبأخته فاطمة ثم أخذ الصحيفة التي لمح أخته تخفيها عند دخوله فلما قرأ صدراً منها من سورة طه قال: ما أحسن هذه الكلام وأكرمه، ثم ذهب من فوره إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأعلن إسلامه فكبر النبي تكبيرة عرف أهل البيت من أصحابه أن عمر قد أسلم، وأعز الله به الإسلام.
وعندما رأى المشركون تأثير القرآن فيمن يستمع إليه، كان طريقهم لمقاومته، هو الحيلولة بمختلف الوسائل بين القرآن والناس، مهما كلفهم ذلك من تضحية، فتواصوا بعدم سماعه، وكانوا يلاقون القبائل الواردة إلى مكة في المواسم، يحذرونهم منه، ويحكي القرآن الكريم ذلك عنهم في قوله تعالى:( وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون).
وما ذلك إلا لأنهم أدركوا تأثير هذا القرآن فيهم وفي أتباعهم، وهم يرون هؤلاء الأتباع كأنهم يسحرون بين عشية وضحاها بالآيات يسمعون إليها، فتنقاد إليها النفوس، وتهوي إليها الأفئدة.(6/50)
ثم جاء دور التحدي، ليحسم الأمر، ويقطع عليهم كل سبيل، فقد تحداهم القرآن الكريم، وكرر عليهم التحدي في صور متعددة فدعاهم أول مرة أن يأتوا بمثله، فلما عجزوا تنزل معهم إلى الأخف فالأخف فدعاهم أن يأتوا بعشر سور مثله فلما عجزوا تنزل معهم في التحدي إلى أبعد مدى يمكن أن يصل إليه التنزيل، فاكتفى منهم بأن يأتوا بسورة واحدة منه، دون تحديد السورة، طالت أم قصرت، وذلك في قوله تعالى في سورة البقرة، وهي آخر آيات التحدي، إذ نزلت في العهد المدني:(وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (23) فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ) [سورة البقرة].
وكانت هذه الآية الكريمة قمة التحدي، بما تضمنته من إثارة واستفزاز لهم، كي يدفعوا عن أنفسهم هذه العجز، إن كانت بهم قدرة على ذلك، قد أباح لهم أن يستعينوا بمن شاءوا إن كانوا صادقين، ثم بالغ في إثارتهم واستفزازهم حتى يثبت أن قدرتهم على المعارضة منفية تماماً، فلن تقع ولن تكون فقال لهم: ) ولن تفعلوا أي: إن هذا فوق قدرتكم، وفوق الحيلة، وفوق الاستعانة، ثم جعلهم وقوداً، ثم قرنهم بالأحجار، ثم سماهم كافرين؛ وليس بعد ذلك مدى يذهب إليه في الإثارة والاستفزاز، فلو كان بهم طاقة لدفعوا عن أنفسهم هذا الهوان، ولعارضوا القرآن حتى يبطلوا دعواه.
إن طبيعة الأشياء تقتضي ألا يسلم الإنسان لخصمه بالفضل، وهو يجد سبيلاً إلى دفعه ولا يرضى إنسان لنفسه أن يوصم بالعجز وهو قادر على قهر أعدائه، فكيف يجوز أن يقوم من يدعي النبوة في قوم من صميم العرب، أهل اللسن والفصاحة، فيخبرهم أنه رسول الله تعالى إلى الخلق كافة، وأنه يبشر بالجنة، وينذر بالنار، ثم يسفه أحلامهم، ويسلب آلهتهم كل قيمة، ثم يقول: حجتي أن الله تعالى قد أنزل علي كتاباً عربياً مبيناً، تعرفون ألفاظه، وتفهمون معانيه، ألا إنكم لا تقدرون على أن تأتوا بمثله، ولا بعشر سور منه، ولا بسورة واحدة حتى وإن استعنتم بمن شئتم من الجن والإنس، كيف يصنع معهم ذلك، ثم لا تدعوهم أنفسهم إلى معارضته ليبينوا خطأ دعواه، ألا يكون ذلك عجزاً منهم، واعترافاً بأن ذلك فوق قدرتهم.
ولو أن العرب قد تركوه وشأنه، لقلنا إنهم قد تجاهلوه استخفافاً بأمره، ولكنهم قد بلغ بهم الغيظ من مقالته حداً تركوا معه أحلامهم الراجحة، وواجهوه بكل قبيح، ولقوه بكل أذى ومكروه ووقفوا له بكل طريق، ودارت بينهم وبينه المعارك الطاحنة، التي قتل فيها صناديدهم، ونال منهم ونالوا منه.
فهل يعقل أن يتركوا إبطال حجته، وهي لا تكلفهم أكثر من معارضة ما جاء به بكلام من مثله، ثم يلجأون إلى مواجهته بأمور تأباها الحكمة، ويدعو إليها السفه، ولا يقدم عليها إلا من أعوزته الحيلة وعز عليه المخلص، وأيقن أنه لا سبيل له إلى ما يرمي إليه.
وهكذا حسم الأمر وأصبح الإعجاز القرآني حقيقة تاريخية لا جدال حولها ولا شبهة فيها، واستمر الحال على هذا طوال القرن الأول والثاني الهجريين، حتى إذا جاء القرن الثالث الهجري وحمل معه دعاوى وشبهات أثارها الحاقدون، الذين سبقوا إلى الإسلام بحكم الغلبة، ونفوسهم تنطوي على حقد دفين، ينتهز فرصة مواتية ليتنفس عن أحقاده وبغضه، وتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ قضية الإعجاز القرآني.
هذه المرحلة الجديدة يمكن أن نطلق عليها ( مرحلة الدفاع عن الإعجاز القرآني )، وقد تمثل ذلك في الرد على ما أثاره المشككون من شبهات، إضافة إلى بحوث علمية دقيقة تبرز السمات الموضوعية التي بين بها الأسلوب القرآني وتصل ببلاغته إلى حد الإعجاز.
أما عن الشبهات التي أثيرت فمن أهمها شبهتان:
الشبهة الأولى:القول بأن عجز العرب عن الإتيان بمثل القرآن لم يكن بسبب عدم قدرتهم على ذلك، بل إنهم عجزوا لأن الله صرفهم عنه بما أطلق عليه القول بالصرفة.
الشبهة الثانية:أن القرآن الكريم يتضمن بعض الألفاظ والأساليب المعيبة في مقامها وسياقها.
ونبدأ بمناقشة موضوع القول بالصرفة.
يرى بعض الباحثين أن فكرة الصرفة قد تسربت إلى الفكر الإسلامي من الثقافة الهندية، وأن بعض المثقفين من علماء المسلمين اطلعوا على أقوال ـ البراهمة ـ رجال الدين في الديانة الهندية في كتابهم المسمى ـ الفيدا ـ، وهو يشتمل على مجموعة من الأشعار ليس في كلام الناس ما يماثلها في زعمهم.(6/51)
ويقول جمهور علمائهم: إن البشر يعجزون عن أن يأتوا بمثلها لأن ـ براهماً ـ صرفهم عن أن يأتوا بمثلها، وعندما دخلت الأفكار الهندية في عهد أبي جعفر المنصور ومن وليه من حكام بني العباس، تلقفها الذين يحبون كل وافد من الأفكار فدفعتهم الفلسفة إلى أن يعتنقوا ذلك القول، ويطبقوه على القرآن الكريم وإن كان لا ينطبق، فقال قائلهم: .... إن العرب إذا عجزوا عن أن يأتوا بمثل القرآن، ما كان عجزهم لأمر ذاتي من ألفاظه ومعانيه ونظمه، بل كان عجزهم لأن الله صرفهم عن أن يأتوا بمثله.
ويقال: أن أول من جاهر بهذا القول وأعلنه ودعا إليه ودافع عنه هو إبراهيم ابن سيار الشهير بالنظام، المتوفى سنة 224.
والنظام هذا هو رأس المعتزلة وعمدة المتكلمين، وأستاذ الجاحظ.
والواقع: أن مفهوم الصرفة كما ذكره النظام لم يكتب له الرواج، نظراً لأنه يسلب النص القرآني إعجازه الذاتي، ويدعى أنه في طوق العرب لو لم يصرفهم الله عن معارضته.
وقد قال غيره من العلماء بالصرفة لكن مفهومها عندهم مغاير لمفهومها عند النظام، فقد نسب القوة بالصرفة إلى الشريف المرتضى، وهو من علماء الشيعة الذي يشار إليهم بالبنان.
ومفهوم الصرفة عند الشريف المرتضى: أن العرب قادرون على النظم والعبارات المماثلة لما جاء في القرآن الكريم، لكن عجزهم أنه كان بسبب أنهم لم يعطوا العلم الذي يستطيعون به محاكاة القرآن.
وهذا القول ينافيه أن الله سبحانه وتعالى طالبهم بأن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات... وأعفاهم من أن يكون كلامهم مشتملاً على ما في القرآن من علم، واقتصر على التحدي بالنظم والعبارة واللفظ.
على أنه من العلماء من يقول بالصرفة، باعتبارها وجهاً من وجوه الإعجاز، من جهة كونها دالة على القوة وباعتبار أن ذلك ـ على فرض حدوثه ـ يعتبر أمراً خارجاً عن العادة كسائر المعجزات التي دلت على النبوة، أي: أن ذلك احتمال عقلي، والتسليم به إنما هو على سبيل التنزل مع الخصم والمجادلة والمنافحة عن الحق، وهذه الطريقة وإن لم تكن مرضية، لأن القرآن في نفسه معجز لا يستطيعه بشر، إلا أنها تصلح على سبيل التنزل والمجادلة والمنافحة عن الحق.
باعتبار أنها لو صحت فإنها لا تطعن في أن القرآن الكريم من عند الله، بل تثبت أن الصرفة دليل على النبوة، وهذا لا يمنع من أن القرآن في نفسه معجز.
وأياً كان الأمر في مفهوم الصرفة عند أصحاب القول بها، فقد تصدى العلماء لهذه الشبهة، واقتلعوها من جذورها، وبلغوا من ذلك مبلغاً لا مزيد عليه.
وسوف أوجز أقوال العلماء في الرد على أصحاب هذه الشبهة وإبطالها دون الرد على أصحاب هذه الردود، تجنباً للتكرار.
وإن كان أهم هؤلاء العلماء: الخطابي ( ت سنة 388 ) في كتابه: بيان إعجاز القرآن، والرماني ( ت سنة 386 ) في كتابه: النكت في القرآن. والباقلاني ( ت سنة 403 ) في كتابه: إعجاز القرآن... وعبد القاهر الجرجاني ( ت سنة 471 ) في كتابه: الرسالة الشافية في إعجاز القرآن.
استدل العلماء على بطلان القول بالصرفة بأدلة/ منها:
أولاً:لو كان الأمر على ما ذهبوا إليه، وكان الإعجاز بالصرفة حقاً، فإنه يلزم من ذلك أن يكون العرب قد تراجعت حالها في البلاغة والبيان، وفي جودة النظم وشرف المعنى، وأن يكونوا قد نقصوا في قرائحهم وأذهانهم، وعدموا الكثير مما كانوا يستطيعون، وأن تكون أشعارهم وخطبهم التي قاموا بها بعد أن سمعوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وتحدوا إلى المعارضة قاصرة عما سمع منهم من قبل القصور الشديد.
وإذا كان الأمر كذلك، وأنهم منعوا منزلة من الفصاحة كانوا عليها، لزمهم أن يعرفوا ذلك من أنفسهم، ولو عرفوه لجاء عنهم ذكره، ولكانوا قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم، إنا كنا نستطيع قبل هذا الذي جئتنا به، ولكنك سحرتنا، واحتلت علينا في شيء حال بيننا وبينه، وكان أقل ما يجب عليهم في ذلك: أن يتذاكروه فيما بينهم، ويشكو البعض إلى بعض، وإذا كان ذلك لك لم يرد، ولم يذكر أن كان منهم قول في هذا المعنى لا ما قال ولا ما كثر، فهذا دليل على أنه قول فاسد، ورأي ليس من آراء ذوي التحصيل. فإن قالوا: إنه نقصان حدث في فصاحتهم من غير أن يشعروا به، قيل لهم: إذا كانوا لم يشعروا بما حدث لهم من نقص ما فلا يتصور أن تقوم لهم حجة بالعجز عنه مثل القرآن.
ثانياً:لو سلمنا أن العرب المعاصرين للبعثة قد صرفوا كما يزعمون، لم يكن من قبلهم من أهل الجاهلية مصروفين عما كان يعدل القرآن في الفصاحة والبلاغة وحسن النظم.
فلما لم يوجد في كلام من قبلهم مثله، علم أن ما دعاه القائل بالصرفة ظاهره البطلان.(6/52)
ثالثاً: إن في سياق آية التحدي ما يدل على فساد هذا القول، وذلك أنه لا يقال عن الشيء يمنعه الإنسان بعد أن كان قادراً عليه ـ لا يقال في هذه الحالة: إني قد جئتكم بما لا تقدرون على مثله ولو احتشدتهم له، وإنما يقال: إني أعطيت أن أحول بينكم وبين كلام كنتم تستطيعونه وأمنعكم إياه وما شاكل ذلك. كما يقال مثلاً للأشداء، إن الآية أن تعجزوا عن رفع ما كان يسهل عليكم رفعه، فقد بان إذن ـ أنه لا مساغ لحمل الآية على ما ذهبوا إليه.
رابعاً: الأخبار التي جاءت عن العرب في شأن تعظيم القرآن، وفي وصفه به، من نحو أن له لحلاوة وأن عليه لطلاوة.... الخ.
فمحال أن يعظموه وأن يبهتوا عند سماعه، وهم يرون فيما قاله الأولون ما يوازيه.
وهكذا ساق العلماء الدليل تلو الدليل على بطلان القول بالصرفة، وتأكيد أن بلاغة القرآن تعود إلى أمر ذاتي فيه، جعله معجزاً للبشر.
هذا عن شبهة القول بالصرفة، أما عن شبهة أن القرآن الكريم قد تضمن ألفاظاً وأساليب ليست مما تقتضيه البلاغة، فقد فند العلماء أيضاً هذه الشبهة بردود مفحمة، من ذلك مثلاً ما ذكره الخطابي في رده على بعض ما أثاروه من شبهات.
فقد قال المشككون في قوله تعالى: (قَالُواْ يَا أَبَانَا إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ وَتَرَكْنَا يُوسُفَ عِندَ مَتَاعِنَا فَأَكَلَهُ الذِّئْبُ وَمَا أَنتَ بِمُؤْمِنٍ لِّنَا وَلَوْ كُنَّا صَادِقِينَ) [سورة يوسف].
قالوا: إنما يستعمل في فعل السباع خصوصاً ( الافتراس ) يقال: افترسه السبع، هذا هو المختار الفصيح في منعاه، فأما ( فأكله ) فهو عام لا يختص به نوع من الحيوان.
ويرد الخطابي قائلاً. فإما قوله تعالى فأكله الذئب فإن الافتراس معناه في فعل السبع والقتل. فحسب، وأصل الفرس ـ دق العنق، والقوم إنما ادعوا على الذئب أنه أكله أكلاً، وأتى على جميع أجزائه. وذلك أنهم خافوا مطالبة أبيهم لهم بأثر باق منه، يشهد بصحة ما قالوه، فادعوا فيه الأكل ليزيلوا عن أنفسهم المطالبة، والفرس لا يعطي تمام هذا المعنى. وبهذا يكون اللفظ القرآني قد وقع مطابقاً للمعنى المراد.
وإليكم نموذجاً آخر.
قال تعالى: (وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم )[سورة ص] قال المشككون: المشي ـ في هذا ليس بأبلغ الكلام، ولو قيل بدل ذلك: امضوا وانطلقوا ـ لكان أبلغ وأحسن.
ويرد الخطابي:أن المشي ـ في هذا المحل أولى وأشبه بالمعنى، وذلك لأنه إنما قصد الاستمرار على العادة الجارية، في غير انزعاج منهم، ولا انتقال عن الأمر الأول، وذلك أشبه بالثبات والصبر على الأمر المأمور به في قوله واصبروا والمعنى: كأنهم قالوا: امشوا على هيأتكم، ولا تبالوا بقوله.
ولو قيل: امضوا وانطلقوا... لكان فيه زيادة انزعاج ليس في قوله ( امشوا ) والقوم لم يقصدوا ذلك ولم يريدوه.
فالخطابي هنا يربط بين المقام واختيار اللفظ الملائم له دون غيره، فلما كان الملأ من قريش يريدون أن يشعروا أتباعهم بأن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم لا يستحق الاهتمام به، ولا الاكتراث له، لأنه ظاهر البطلان في زعمهم، فالواجب تجاهله تمام، كأن شيئاً لم يحدث، وأن أفضل ما نواجهه به نمضي في حياتنا، ونتناسى الأمر كله، وهذا المقام استدعى التعبير ـ امشوا ـ لأنه هو الملائم لما يريدون أيهما إتباعهم به.
أما امضوا وانطلقوا ـ فلا تناسب المقام كما توحي به من الانزعاج وتغيير العادة الرتيبة التي اعتادوها، والأمر ليس كذلك ـ في زعمهم ـ بالنسبة لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو أقل من أن يأبهوا له.
وذلك منهم في تضليل أتباعهم وطمس معالم الحقيقة عنهم.
وهكذا يمضي الخطابي وغيره من علماء تلك الفترة يوردون الشبهات ويفندونها بما كشف عن وجده الحق في البلاغة القرآنية.
ننتقل الآن إلى ما أنجزه علماء هذه المرحلة، من بحوث علمية دقيقة، تبرز السمات الموضوعية التي اتسم بها الأسلوب القرآني، وتصل ببلاغته إلى حد الإعجاز.
نبدأ أولاً:بما أبرزه علماء هذه المرحلة، من تعدد وجه الإعجاز القرآني، وأنهم قسموا وجوه الإعجاز قسمين، الأول الوجه المعجز الذي وقع به التحدي، وهو الإعجاز البلاغي وحده، لأنه الوجه المطرد في كل سورة من سور القرآن الكريم، وقد كان التحدي بأن يأتوا بسورة من سوره، والوجه الذي يعتبر القاسم المشترك في كل السور إنما هو الإعجاز البلاغي.
القسم الثاني:وجود معجزة في ذاتها لكن لم يقع بها التحدي، كالإخبار بالغيب، وما تضمنه القرآن من علوم ومعارف لا يتهيأ لبشر الإحاطة بها... إلى غير ذلك من الوجوه المعجزة للبشر التي سنتعرض لبعضها.(6/53)
وبهذا كان القرآن الكريم معجزاً للعالم كله، فطبيعة الرسالة الإسلامية هي التي تستوجب هذا التعدد في الجوانب المعجزة بالقرآن الكريم، فهي ـ كما سبق أن أوضحنا ـ خاتمة الرسالات، كما أنها موجهة إلى الجنس البشري كله، وهذه الخصائص التي انفردت بها دون سائر الرسالات اقتضت أن تكون معجزتها أمراً معجزاً في هذا الإطار الممتد عبر الزمن إلى يوم الدين، وعبر العالم كله بما يضم من أجناس وشعوب وثقافات ومذاهب.
ومن هنا قسم العلماء البشر في إدراك الإعجاز القرآني في ثلاثة أقسام:
أول الأقسام:من تناهى في معرفة اللسان العربي، ووقف على طرقه ومذاهبه ـ كالعرب الذين نزل فيهم القرآن، ومن أتى بعدهم ممن راض نفسه بالعلم واكتملت لديه آلة التمييز بين الأساليب وخصائصها، وهذا القسم يدرك الإعجاز القرآني إدراكاً ضرورياً لا يحتاج معه إلى بحث أو تدقيق. ويكفيه في ذلك التأمل والتصور.
القسم الثاني:وهو المقابل للقسم الأول، ويضم هذا القسم من ليسوا من أصحاب اللسان العربي، على ثقافتهم وحضاراتهم، وهؤلاء يمكنهم إدراك الإعجاز القرآني عن طريق الاستدلال العقلي، بأن يعلموا عجز العرب ـ وهم أهل اللسان الذي نزل به أذن أشد عجزاً منهم.
كما يمكنهم إدراك الإعجاز القرآني من خلال معرفتهم بالوجوه الأخرى التي اقتضتها حكمة الله ورحمته، فغير العربي يجد في هذه الوجوه الأخرى إعجازاً يلزمه بالتصديق بأن هذا الكتاب من عند الله، وأن ما تضمنه هو شرع الله الواجب الإتباع.
وهذه الوجوه في تعددها واختلاف طبيعتها وافية تماماً بالإلزام على مدى التاريخ، ولكل الأجناس والشعوب، وستظل كذلك ـ إن شاء الله ـ ما بقيت الحياة.
والعجيب في الأمر: أن إدراك الإعجاز في الوجوه التي تضمنها القرآن الكريم التي لم يتحد بها العرب الأوائل أمر ميسور لا يتطلب سوى صدق التوجه والاستعداد لقبول الحق.
لأن هذه الوجوه تعود إلى ضوابط موضوعية ملزمة لكل عاقل، وهل يجادل أحد في أن محمداً صلى الله عليه وسلم لا يستطيع كبشر أن يخترق حجب الغيب ويخبر عما كان وما سيكون منها، إذاً لا بد أنه يستمد ذلك من قوة أعلى من البشر، وهل يجادل أحد في أنه عليه السلام، لا يستطيع ـ كبشر ـ أن يأتي من العلوم الكونية والإنسانية ما لا يدرك البشر بعضه إلا بعد مرور قرون متطاولة.
وقل مثل هذا في جميع الوجوه المعجزة التي تضمنها القرآن الكريم، ولم يتحد بها العرب الأوائل.
القسم الثالث:من كان من أهل اللسان العربي، إلا أنه لم يبلغ في الفصاحة الحد الذي يتناهى إلى معرفة وجوه تصرف اللغة، وطرق الأساليب. وهؤلاء عليهم أن يأخذوا أنفسهم بدراسة الأساليب وحدود البلاغة ـ ومواقع البيان، إلى غير ذلك مما يؤهلهم لإدراك ما في القرآن الكريم من بلاغة معجزة، وإلا فليكتفوا بالاستدلال العقلي وبالوجوه الأخرى الدالة على الإعجاز، كما هو الشأن فيمن ليسوا من أهل العربية.
ننتقل الآن إلى جهود علماء هذه المرحلة الزمنية في إبراز السمات الموضوعية للأسلوب القرآني التي وصلت به إلى درجة الإعجاز، ونكتفي هنا بما جاء في كتاب ( إعجاز القرآن ) للباقلاني، فقد تضمن كل ما نقله عمن سبقه وأضافه هو إليه ما هداه إليه اجتهاده في الموضوع.
يرى الباقلاني أن السمات المميزة للأسلوب القرآني وانفرد بها متعددة منها:
أولاً: مغايرة الأسلوب القرآني لجميع أنماط التعبير المعروفة عند العرب فالقرآن الكريم ليس شعراً أو سجعاً ولا مرسلاً إرسالاً، كما هو الشأن في صور التعبير عند العرب، لكنه نمط فريد، لا يشبه شيئاً من أنماط تعبيرهم عن المعاني.
وقد بذل الباقلاني جهداً مضنياً في إثبات فكرته هذه، وقد أصاب في بعض ما قال، ولم يسلم له بعضه مما لا يتسع المقام لتفصيله.
ثانياً: عدم التفاوت الفني في الأسلوب القرآني، ويعني بذلك: أن القرآن الكريم في جميع سوره وآياته على درجة واحدة من البلاغى، ولا يتدنى عن شيء، وتلك سمة لا طاقة للبشر بها، ويتضح ذلك في جوانب كثيرة، فالقرآن الكريم لا يتفاوت على كثرة ما يتصرف فيه من الأعراض من قصص ومواعظ، واحتجاج وحكم وأحكام، ووعد ووعيد، وتبشير وتخويف، إلى آخر الأغراض التي تضمنها القرآن الكريم.
والباقلاني: محق في كل ما قاله عن هذه السمة التي انفرد بها القرآن دون غيره، فهذا شيء لا يمكن أن يتحقق لبشر مهما سمت منزلته، وتعاظم اقتداره البياني، وأمامنا آراء النقاد تؤكد ذلك، وتجمع عليه إجماعاً لا يشذ عنه أحد.
لقد كان العرب عندما يوازنون بين الشعراء، يضربون المثل في الإجادة، بامرىء القيس إذا ركب، والنابغة إذا رهب، وزهيراً إذا رغب، ومعنى ذلك: أن كلاً من هؤلاء يجود في غرض معين ويشهد له بالتفوق فيه، ومؤدى ذلك: أنه يقصر في غير هذا الغرض.(6/54)
وعندما حاول صاحب كتاب ( الواسطة بين المتنبي وخصومه )... الدفاع عن المتنبي، كان أقصى ما يريد في دفاعه عنه قوله: ليس بغيتنا فيما قصدنا، الشهادة لأبي الطيب بالعصمة، وإنما غايتنا أن نلحقه بأهل طبقته، وأن نجعله رجلاً من فحول الشعراء، ونمنعك من إحباط حسناته بسيئاته، ولا نسوغ ذلك التحامل على تقدمه في الأكثر بتقصيره في الأقل... وهذا اعتراف من أكبر المدافعين عن المتنبي بما في شعره من تفاوت بين الإجادة والتقصير. وتلك غاية ما يستطيعه المدافع عنه.
ولقد قام الباقلاني بعمل رائع حقاً ـ عندما عمد إلى قصيدتين من عيون الشعر العربي بالنقد، إحداهما: معلقة امرىء القيس، حامل لواء شعراء الجاهلية، والأخرى للبحتري، من أحب الحظوة والتقدم عند نقاد الكلام، والقيمة الحقيقة لما قام به الباقلاني، أنه أبرز هذه الحقيقة وأكدها.
وهي: أن البشر لا يمكن أن يصل بأدبه على الكمال، بل لا بد أن يعتريه التفاوت، ويعلو ويهبط، ويحلق ويهوي.
أما القرآن الكريم فأينما يممت لم تقع عينك منه إلا على الطريقة المثلى للتعبير، والمطابقة الكاملة لما يقتضيه الحال.
وسوف أورد ـ إن شاء الله ـ شواهد قرآنية في أغراض متفاوتة تؤكد هذا كله. عندما أجد السياق المناسب لذلك.
ثالثاً:تميز الكلمة من القرآن غيرها من سائر الكلام، بالرونق والفصاحة، ويتبين ذلك في القرآن ورجحان فصاحته، بأن تذكر منه الكلمة في تضاعيف الكلام، أو تقذف ما بين شعر، فتأخذ الأسماع، وتتشوق إليها النفوس، ويرى وجه رونقها بادياً، غامراً سائر ما تقرن به كالدرة التي ترى في سلك الخرز، وكالياقوتة وسط العقد.
رابعاً: إن اله تعالى قد سهل سبيل القرآن بجملته، فهو خارج عن الوحشي المستكره، والغريب المستنكر وعن الصنعة المتكلفة، وجعله سبحانه قريباً إلى الأفهام، ويبادر لفظه معناه إلى القلب، يساير المغزى منه عبارته إلى النفس، وهو مع ذلك ممتنع المطلب، غير نطمع مع قربه في نفسه، والموهبة مع دنوه أن يقدر عليه أو يظفر به.
وهكذا مضى الباقلاني وغيره يعددون السمات التي انفرد بها الأسلوب القرآني وبوأه منزله الإعجاز.
ولننتقل على مرحلة جديدة يمكن أن نطلق عليها... ( مرحلة نضج قضية الإعجاز البلاغي ). ويأتي على قمة الدارسين لقضية الإعجاز القرآني في هذه المرحلة، الإمام عبد القاهر الجرجاني ( المتوفى سنة 471 هـ )، فقد كانت دراساته البلاغية في مجملها، تنطلق من إحساس عميق، بأن قضية الإعجاز القرآني يجب أن تحتل المقام الأول في اهتمامات العلماء، وأن إدراك الإعجاز القرآني لا يتم إلا بدراسة متأنية واعية لخصائص التعبير، التي تجعل بعضه يعلو بعضاً، حتى يصل إلى درجة تنقطع عندها الآمال في معارضته، وهي درجة (الإعجاز ).
وآراء عبد القاهر حول الموضوع، موزعة في كتبه البلاغية، وأهمها: دلائل الإعجاز، والرسالة الشافية، وأسرار البلاغية.
ويمكننا أن نختصر آراءه حول القضية في ثلاثة موضوعات أساسية تدور حولها دراساته في كتبه كلها.
أولها: أن القرآن معجز ببلاغته.
وثانيها: أن بلاغة القرآن في نظمه، فإعجازه في نظمه.
وثالثها: بيان طبيعة النظم وما هيته.
وسنحاول ـ إن شاء الله ـ أن نتتبع هذه الموضوعات الموزعة في كتبه، ونبرز جوانبها المتعددة، بما يجعلها صورة دقيقة لآرائه في القضية.
أولاً: القرآن الكريم معجز ببلاغته:
يمهد عبد القاهر لإثبات ذلك بذكر بعض الحقائق التي يؤدي التسليم بها إلى التسليم بأن القرآن الكريم معجز ببلاغته فيقول:
( معلوم أن سبيل الكلام سبيل ما يدخله التفاضل، وأن للتفاضل فيه غايات ينأى بعضها عن بعض، ومنازل يعلو بعضها بعضاً، وأن علم ذلك علم يخص أهله، وأن الأصل والقدوة فيه للعرب، ومن عداهم تبع لهم، وقاصر عنهم فيه.
وأنه لا يجوز أن يدعى للمتأخرين من الخطباء والبلغاء عن زمن النبي ـ صلى الله عليه وسلم الذي نزل فيه الوحي، وكان فيه التحدي، أنهم زادوا على أولئك الأولين، أو كملوا في علم البلاغة أو تعاطيه ما لم يكملوا له... والأمر في ذلك أظهر من أن يخفى، أو ينكره جاهل أو معاند.
وإذا نظرنا في دلائل أحوال العرب الذين نزل فيهم القرآن، وفي أقوالهم حين تلي عليهم، وتحدوا بأن يأتوا بمثله، وجدنا أحوالهم وأقوالهم تفصح بأنهم لم يشكوا في عجزهم عن معارضته، والإتيان بمثله، ولم تحدثهم أنفسهم بأن لهم إلى ذلك سبيلاً على وجه من الوجوه.
ثم يورد عبد القاهر بعد ذلك من أقوال العرب الذين نزل فيهم القرآن وأحوالهم ما يؤكد هذه الحقيقة.
على نحو ما سبق به من أقوال العلماء، التي أشرنا إليها قبل ذلك.
وبعد أن يصل إلى هدفه من إثبات ذلك بأقوالهم أنفسهم، وبمناقشة من أتى بعدهم، وإبطال دعواهم المشككة في بلاغة القرآن من ادعاء ( الصرافة ) وغيرها، ينتقل إلى النقطة التالية وهي:
ـ إن بلاغة القرآن في نظمه، فإعجازه في نظمه. وهنا يذكرنا عبد القاهر، بأن المزية التي يعود إليها تقدم كلام على كلام في البلاغة، إنما تدرك بالفكر.(6/55)
ويتوصل إليها بإعمال النظر وبذل الجهد.
فهل يمكن أن يكون في الكلمات المفردة ما يدرك ويستنبط بالرؤية والجهد، إن الكلمات إرض مشاع، لكل قائل أن يأخذ منها ما يحقق غرضه.
وكذلك لا يجوز أن يكون الإعراب من الوجه التي تظهر بها المزية، وذلك لأن العلم بالإعراب مشترك بين العرب جميعاً، فليس أحدهم أعلم من غيره بأن إعراب الفاعل الرفع، أو المفعول النصب.
ومن العجيب: أننا إذا نظرنا في الإعراب، وجدنا وجه التفاضل فيه محالاً، لأنه لا يتصور أن يكون للرفع والنصب في كلام مزية عليهما في كلام آخر، وإنما الذي يتصور، أن يكون معنا كلاماً قد وقع في إعرابهما خلل، ثم كان أحدهما أكثر صواباً من الآخر، وكلاماً قد استمر أحدهما على الصواب ولم يستمر الآخر، ولا يكون هذا تفاضلاً في الإعراب، ولكن تركا له في شيء واستعمالاً له في آخر.
وكذلك لا تعود الفضيلة في الكلام بأن يكون المتكلم قد استعمل من اللغتين في الشيء أصحهما وما يقال أنها أفصحهما، ولا بأن يكون قد استعمل الغريب من الألفاظ، لأنه العلم بجميع ذلك لا يعدو أن يكون علماً باللغة، وبأنس الكلم المفردة، وبما طريقة الحفظ، دون أن يستعان عليه بالنظر وإعمال الفكر.
وإذا كانت المزية التي توجب تقدم الكلام على غيره، لا تعود إلى شيء مما ذكر، فلا شك أنها تقود إلى النظم وصياغة العبارة، فذلك هو الجانب الوحيد الذي يحتاج إلى الفكر وبذل الجهد ثم أننا نعلم أن تفضيل الكلام على غيره، ووصفه بالفصاحة والبلاغة، إنما يعود لأمر أحدثه في الكلام، وشيء كان له جهد فيه، وإذا كان كذلك فينبغي أن ننظر إلى المتكلم، هل يستطيع أن يزيد من عند نفسه شيئاً في اللفظ ليس في اللغة، حتى يجعل من صنيعه مزية يعبر عنها بالفصاحة.
إذا نظرنا وجدنا أنه لا يستطيع أن يصنع باللفظ شيئاً أصلاً، ولا أن يحدث فيه وصفاً، كيف وإنه أفسد على نفسه وأبطل أن يكون متكلماً، لأنه لا يكون متكلماً حتى يعمل أوضاع اللغة على ما وضعت عليه فلم يبق للمتكلم شيء ينسب إليه سوى طريقة نظم العبارة، أو صياغة الفكرة في ألفاظ، عن طريق تعليق الكلمات ببعضها البعض، وفق معاني النحو، لتصبح صورة للمعنى في نفسه. وهذا يجيء الدور على بيان مفهوم النظم وماهيته.
وجوهر النظم عند عبد القاهر، أن تصاغ العبارة بطريقة تفصح تماماً عما في نفس قائلها، وتكشف عما يريد أن يوصله إلى مخاطبة، ولا يتم ذلك إلا إذا كانت عبارته صورة للمعنى القائم في نفسه فالمتكلم في صياغته للعبارة، إنما يقتفي أثر المعنى في نفسه، ويرتب عبارته حسب ترتيب المعنى، فالبليغ صانع، له من صناعته بمقدار ما بذل من جهد في سبيل صناعة أسلوب جميع، وعليه أن يختار أسلوب العرض المناسب، الذي يتضمن من الخواص ما يكون مطابقاً للمعنى القائم في نفسه، بدءاً من اختيار الألفاظ التي هي ألصق بالمعنى من حيث معناها اللغوي، ودلالاتها المتعددة بجرسها وإيحاءاتها التي اكتسبها طوال استعمالها في أذهان مستمعيها، ومروراً باختيار الصيغة لمطابقتها بخواصها لدقائق جوانب المعنى وخرافية، وانتهاء بإبراز في الصورة المناسبة لما يقتضيه المقام، ومن هنا كان اختلاف الأدباء في عرض المعاني والتعبير عنها.
ذلك لأن المعنى الواحد تتعاقب عليه الصور، ويصوغه كل أديب في صورة فيها من السمات والخصائص ما يبرر نسبتها إليه دون سواه، وإن كان أصل المعنى أو الغرض العام واحداً في الجميع، وتتفاوت هذه الصور في الجمال بمقدار التوفيق في المآخاة بين المعنى والصورة الدالة عليه.
وشواهد ذلك حاضرة، ننظر إلى قول الناس: الطبع لا يتغير.
فتر فيه معنى عامياً غفلاً معروفاً في كل جيل، ثم ننظر إلى قول المتنبي:
يراد من القلب نسيانكم وتأبى الطباع على الناقل
هذا، وقد لقيت آراء عبد القاهر ما هي أهل له، من قبول العلماء الذين تلقوها، وهيأ الله منهم من تكفل بالجانب التطبيقي لها، وعلى رأسهم الإمام جار الله الزمخشري ( المتوفى سنة 538) في كتابه تفسير القرآن الذي سماه ( الكشاف عن حقائق التنزيل، وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، والذي أصبح منهلاً ينهل منه الباحثون عن أسرار الإعجاز القرآني. كما هيأ له من ضبط ولمَّ شعثها وضبط قواعدها. وترتيب أبوابها وعلى رأس هؤلاء: الفخر الرازي في كتابه ( نهاية الإيجاز في دراسة الإعجاز ).
غير أن الرازي في محاولته لضبط آراء أستاذه غلبت عليه طبيعته المنطقية الفلسفية، فبدت واضحة في عمله. ووقع في خطأ أفسد ما حاول إصلاحه، فآراء عبد القاهر على ما بها من توزع في مواطن معالجتها، وإطناب في محاولة الإقناع بها، كانت تساق في أسلوب أدبي يخاطب الوجدان والذوق، ويبرز أسرار جمال التعبير بأسلوب رقيق شفاف يستهوي القلوب.
أما الرازي، فقد أحال الأمر إلى مجال للجدل المنطقي، وتتبع لما توجيه القسمة العقلية للآراء فتتابعت تقسيماته للموضوعات إلى عشرات الأبواب ومئات الفصول، وأمثالها من القواعد والتنبيهات التي يصل القارىء في تتبعها.(6/56)
وهذا المسلك الذي اختطه الرازي ظل طوال قرون مسيطراً على عقول الباحثين، فساروا خلفه مستسلمين، يتبارون داخل دائرة مغلقة لا تجد في ثناياها غير تلخيص كتاب، ثم إعادة للتلخيص، فحاشية على الشرح، ثم تعليق على الحاشية، إلى آخر هذه السلسلة العقيمة التي لا تتضمن، على الرغم مما بها من جهد عقلي خارق، وقدرة مذهلة على الحجاج ـ لا تتضمن شيئاً مما كانت البلاغة أحوج ما تكون إليه لتؤدي دورها في صقل المواهب، وتنمية الملكات القادرة على الإحساس بجماليات التعبير وتذوق محاسنه.
وتطاول الزمن دون أن يتغير هذا المنهج في البحث، حتى أذن الله تعالى لهذه الأمة أن تفيق من غفوتها، وأن تنفض عنها الكثير من المعوقات التي تشل حركتها.
وعلى أيدي رواد النهضة فبعثت من جديد كتب عبد القاهر ورجال مدرسته، التي يتسم منهجها باستلهام النصوص الأدبية وأسرارها.
وعرض خواطر العلماء ونظراتهم في تلك النصوص بأسلوب مشرق مضيء يستهوي الدارس، ويضع يده على موطن جماله، ويفصح عن سر سموه.
وسنختار علماً من هؤلاء كنموذج لمن تعرض لقضية الإعجاز القرآني في العصر الحديث، وهو المرحوم الدكتور / محمد عبد الله دراز، وكتابه ( النبأ العظيم ).
يعتبر كتاب ... النبأ العظيم... كتاباً فريداً في منهجه الذي اتبعه في دراسة هذه القضية والإقناع بها لأنه كما يقول مؤلفه: حديث يبدأ من نقطة البدءـ فلا يتطلب من قارئه انضواء تحت راية معينة، ولا اعتناقاً لمذهب معين، ولا يفترض فيه تخصصاً في ثقافة معينة، ولا حصولاً على مؤهل معين، وإنما يناشد القارىء فقط أن يعود بنفسه صحيفة بيضاء، إلا من فطرة سليمة، ورغبة صادقة في الوصول إلى الحق، وسوف يأخذ المؤلف بيد القارىء مجتازاً به مراحل البحث، التي يسلم بعضها إلى بعض، في رفق وأناة يصل إلى نهاية المطاف، الذي لا يسع القارىء إلا التسليم به.
ويتضمن الكتاب بحوثاً تتضمن مرحلتين متتابعتين في البحث.
الأولى: دراسة تمهيدية خارجة عن جوهر القرآن نفسه، هدفها الوصول إلى أن القرآن الكريم إلهي المصدر، وليس للرسول صلى الله عليه وسلم فيه إلا الحفظ، ثم الحكاية والتبليغ، ثم البيان والتفسير، ثم التطبيق والتنفيذ.
المرحلة الثانية:دراسة في جوهر القرآن نفسه. هدفها إثبات الإعجاز القرآني من أي النواحي اتجهنا إليه، سواء في ذلك ناحية أسلوبه، أو ناحية علومه ومعارفه، أو ناحية اثره الذي أحدثه في العالم وغير به التاريخ.
أما عن إثبات أن القرآن الكريم إلهي المصدر، فيرى الدكتور / دراز: أنه لا خلاف على أن القرآن الكريم جاء على لسان رجل عربي أمي ولد بمكة، هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب صلى الله عليه وسلم أما من أين جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أمن عند نفسه ووحي ضميره، أم من عند معلم، ومن هو هذا المعلم فهذا مات يحتاج إلى بيان.
وأول ذلك: أن القرآن صريح في أنه لا صنعة فيه لمحمد صلى الله عليه وسلم ولا أحد من الخلق، وإنما هو منزل من عند الله لفظه ومعناه.
قال تعالى: )(إنا أنزلناه قرآناً عربياً ).
وقال سبحانه لنبيه: ) قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي، إن أتبع إلا ما يوحى إلي (.
والمعروف أن كثيراً من الأدباء يسطون على آثار غيرهم فيسرقونها، أما أن أحداً ينسب لغيره أنفس آثار عقله، وأغلى ما تجود به قريحته، فذلك ما لم يلده الدهر.
وقد يحيك في صدر جاهل: أن هذا الزعيم قد نسب القرآن إلى الوحي الإلهي، لأنه في ذلك ما يعنيه على تحقيق غرضه من استجابة الناس له، ونفاذ أمره فيهم. لكن علينا أن نتذكر أموراً تمحو هذه الشبهة:
أولها:أن صاحب هذا القرآن قد صدر عنه الكلام المنسوب إلى نفسه، والكلام المنسوب إلى الله تعالى، فلم تكن نسبة ما نسبه إلى نفسه بناقصة من لزوم طاعته شيئاً، ولا نسبة ما نسبه على ربه بزائدة فيه شيئاً، بل استوجب على الناس طاعته فيهما على السواء، فكانت حرمتهما في النفوس على سواء.
ثانيهما:أن هذه الشبه مبنية على افتراض باطل، وهو تجويز أن يكون هذا الزعيم من الذين يرون الوصول إلى غايتهم بأية وسيلة كانت، مستبيحين الكذب والتمويه، فالواقع التاريخي يؤكد أنه عليه السلام، كان في حركاته وسكناته، وفي رضائه وغضبه، وسائر جوانب حياته مثالاً في دقة الصدق وصرامة الحق، وأن ذلك كان من أخص شمائله قبل الرسالة، وبعدها.
وسنته المطهرة زاخرة بالمثل الواضحة الدالة على مبلغ صدقه وأمانته في دعوى الوحي هذه.
ومن ذلك: أنه عليه السلام كانت تنزل به نوازل نحفره على القول، وتلح عليه أن يتكلم، بحيث لو كان الأمر إليه لسارع إلى الكلام، لكنه كانت تمضي الأيام والليالي، ولا يجد في شأن ما نزل به قرآناً يقرؤه على الناس، من ذلك ما أرجف به المرجفون من حديث الإفك، فقد طال الأمر وأبطأ الوحي والناس يخوضون، ولو كان الأمر إليه، لسارع إلى تبرئتها صيانة لعرضه، لكنه صلى الله عليه وسلم ظل صابراً حتى نزل بعد طول انتظار صدر سورة النور معلناً براءتها.(6/57)
ثالثاً:صحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم كان له من الذكاء الفطري، والبصيرة النافذة، ما يؤهله لإدراك الحق والباطل من الآراء، والحسن والقبيح من الأخلاق.
إلا أن ما في القرآن الكريم لم يكن كله من هذا النوع الذي تبلغه بالملكات البشرية مهما بلغ اكتمالها.
إذا أضفنا إلى ذلك ما تضمنه القرآن من أمور غيبية تقع في مستقبل الأيام ثم تتحقق كما أخبر عنها تماماً، دون أن يتخلف منها شيء ازددنا يقيناً بأن القرآن الكريم، ما هو إلا وحي يوحى، وأنه لا سبيل للقوى البشرية إليه بحال، كما أخبر أن الروم سيغلبون الفرس بعد بضع سنين، وليس ذلك فقط بل سيواكب هذا تزامن معه أن ينتصر المسلمون على أعدائهم.
يقول سبحانه:(غُلِبَتِ الرُّومُ (2) فِي أَدْنَى الأرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (3) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الأمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (5) وَعْدَ اللَّهِ لا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ (6) [سورة الروم].
وتمضي الأيام ويتحقق وعد الله تماماً كما أخبر.
ومن ذلك أيضاً: وعد الله بحفظ كتابه الكريم بقوله: ) إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (.
وتمضي الأيام وها هو كتاب محفوظ بعناية الله وحفظه، على الرغم مما دبر له من مكائد وما مر بالمسلمين من محن، بل إننا نرى عجباً، فكلما هجس في خواطر الغيورين على كتاب الله هاجس يمس حفظ كتاب الله رأينا من أساليب الحفظ وأساليب تلقيه نقياً كاملاً بأصوات قراءة يتلونه حق تلاوته، كما أنزل من مخارج حروفه حرفاً حرفاً لا ينقص منه مدة ولا غنة، مما لا يخطر على بال أحد، من إذاعات متخصصة وتسجيلات وحكمة، ومن تسابق الغيورين على البذل في القيام بحق لكتاب الله.
وهكذا يصل الدكتور / دراز بالقارىء، إلى الاقتناع العقلي والاطمئنان القلبي بأن القرآن الكريم إلهي المصدر.
وينتقل بعد ذلك إلى مرحلة الدراسة في جوهر القرآن نفسه، هدفها إثبات أن القرآن الكريم معجز من أي ناحية جئناه.
وتحت عنوان: ( الإعجاز اللغوي للقرآن الكريم ) يدير الدكتور / دراز حواراً هادئاً يناقش ويقنع دون تعسف أو انفعال، شأن الواثق بنفسه، فيستعرض الشبهات التي يمكن أن تثار حول الموضوع ويجيب عنها بما يشفي به الصدور من ذلك ما قد يقال من أننا إذا سلمنا بأن سكوت العرب عن المعارضة كان عجزاً إلا أننا لا نرى من الناحية اللغوية للقرآن الكريم ما يمكن أن يكون سبباً في الإعجاز، لأن القرآن لم يخرج عن مفهوم العرب في لغتهم، فمن حروفهم ركبت كلماته، ومن كلماتهم ألفت جمله وآياته وعلى مناهجهم في التأليف جاء تأليف، فأي جديد في ذلك كله حتى نقول: أنه جاءهم بما فوق طاقتهم اللغوية؟.
والجواب: أننا نسلم بأن القرآن لم يخرج في لغته عن سنن العرب إفراداً وتركيباً، لكن هذا لا يمنع أن يأتي القرآن بما يعجز الجميع.
ويورد الدكتور / دراز شبهة أخرى فحواها، أن العرب على اختلاف مراتبهم في البيان، لم يصلوا إلى طبقة البلاغة المحمدية، وهذا القصور الذي قعد بهم عن مجاراته في عامة كلامه، هو الذي قعد بهم عن معارضة قرآنه، فلا يكون هذا العجز حجة على قدسية القرآن، كما لو يكن حجة على قدسية الأسلوب النبوي؟.
الجواب: أننا نسلم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان أفصح العرب، لكن: أكان هذا التفاوت بينه وبين الناس مما يتفق مثله في العادة بين بعض الناس وبعض في حدود القدرة البشرية، أم كان أمراً شاذاً خارقاً للعادة بالكلية؟ ولا بد من التسليم بأن ما كان بين الرسول وغيره من تفاوت في الأسلوب، هو ما يكون بين بليغ وبليغ، وبين الحسن والحسين.
فقد نقرأ القطعة من البيان النبوي، فنطمع في مجاراتها، وقد نقرأ الحكمة فيشتبه علينا أمرها، أمن كلام النبي صلى الله عليه وسلم أم من كلام الصحابة والتابعين، أما الأسلوب القرآني فإنه يحمل طابعاً لا يلتبس معه بغيره، ولا يجعل طامعاً يحوم حول حماه.
بل إننا نقول: لو كان القرآن صورة لتلك الفطرة المحمدية لوجب أن ينطبع ذلك على سائر كلامه صلى الله عليه وسلم كما انطبع على القرآن، لأن الفطرة الواحدة لا تكون فطرتين، ولكننا نرى الأسلوب القرآني ضرباً وحدة الأسلوب النبوي ضرباً وحده.
ينتقل بعد ذلك د / دراز إلى الحديث عن خصائص الأسلوب القرآني وأولها ما يسميه القشرة السطحية للجمال القرآني.(6/58)
فيقول: أول ما يسترعي انتباه المستمع للقرآن الكريم خاصية تأليفه الصوتي، ذلك أننا حين ننصت عن بعد إلى قارىء يرتل القرآن حق ترتيله، بحيث لا يصل إلى مسامعنا جرس الحروف وإنما نسمع فقط حركتها وسكناتها ومدَّاتها وغناتها واتصالاتها وسكناتها، سوف نجد أنفسنا بإزاء لحن غريب عجيب لا تجده في كلام آخر لوجود هذا التجديد ـ بل إننا سنجد فيه شيئاً لا تجده في الموسيقى والشعر، لأن القصائد تتحد فيها الأوزان بيتاً بيتاً، وكذلك الموسيقى تتشابه أصداؤها وتتقارب فلا يلبث السمع أن يملها بينما نحن مع القرآن في لحن متنوع متجدد يأخذ بأوتار القلب.
ثانياً: الخصائص البيانية للقرآن الكريم:
يرتب الدكتور / دراز دراسته لهذا الجانب على أربع درجات:
أـ القرآن في قطعة قطعة منه، ويعني بالقطعة ما يؤدي معنى كاملاً، يؤدي عادة في بضع آيات وقد يؤدي في آية طويلة أو سورة قصيرة، وهو الحد الأدنى للتحدي.
وفي هذا الجانب لا يرى في وصف القرآن خيراً من أنه تلتقي عنده نهايات الفضيلة كلها، على تباعد ما بين أطرافها. فهو يجمع أولاً بين... القصد في اللفظ الوفاء بحق المعنى.. فالذي يعمد إلى إيجاز اللفظ لا مناص من أن يحيف على المعنى قليلاً أو كثيراً، فإن حرصه على الإيجاز يحمله على بذل جهده في ضم أطراف المعنى، وحذف ما استطاع من أدوات التمهيد والتشويق، ووسائل التثبيت والتقرير، إلى غير ذلك مما تمس حاجة النفس إليه في البيان، فيخرج ثوباً متقلصاً، يقصر عن غايته.
أما الذي عمد إلى الوفاء بحق المعنى، وإبراز دقائقه، فلن يجد بداً من أن يمد في نفسه مداً، لأنه لا يجد في القليل من اللفظ ما يؤدي عن نفسه رسالتها كاملة، فإذا أعطى نفسه حظها من ذلك باعد بين أطراف كلامه وأبطأ في الوصول إلى غايته.
والدليل على ذلك: أن البليغ حينما يتعقب كلام نفسه ـ الفينة بعد الفينة ـ يجد فيه زائداً يمحوه أو ناقصاً يثبته ويجد فيه ما يقدم أو يؤخر، كما يروى عن زهير ـ وهو من هو.
في تهذيب قصائده التي كان يسميها ( الحوليات ) لأنه كان يقضي عاماً كاملاً في تهذيبها قبل أن يطلع عليها أحداً.
أما القرآن الكريم، فإن هاتين الغايتين على أتمهما فيه، فحيثما نظرنا في القرآن نجد بياناً قد قدر على حاجة النفس أحسن تقدير، يؤدي لنا من كل معنى صورة نقية لا يشوبها شيء مما هو غريب عنها، وافية لا يشذ منها شيء من عناصرها الأصلية، ولواحقها الكمالية، كل ذلك في أوجز لفظ وأنقاه.
كما يجمع القرآن بين خطاب العامة وخطاب الخاصة... فإننا لو خاطبنا الأذكياء بالواضح المكشوف الذي نخاطب به الأغبياء لنزلنا بهم إلى مستوى لا يرضونه لأنفسهم.
ولو أننا خاطبنا العامة باللمحة الدالة والإشارة المعبرة لجئناهم من ذلك بما لا تطيقه عقولهم، أما في القرآن الكريم فإن جملة واحدة منه تلقى إلى العلماء والجهلاء، وإلى الأذكياء والأغبياء، وإلى السوقة والملوك، فيراها كل منهم مقدرة على مقياس عقله. وعلى وفق حاجته، وهذا شيء لا يوجد على أتمه إلا في القرآن الكريم.
كما يجمع القرآن الكريم بين إقناع العقل وإمتاع العاطفة. فإن قوة التفكير في الإنسان تبحث عن الحق لمعرفته، عن الخبر للعمل به، أما قوة الوجدان فإنها تسجل إحساساً بما في الأشياء من لذة وألم، والبيان التام هو الذي يوفي بهاتين الحاجتين، يمنح النفس حظها من الفائدة العقلية والمتعة الوجدانية معاً، وهذا أمر لم يأت على أتمه إلا في القرآن الكريم.
كما يجمع القرآن أيضاً بين ( البيان والإجمال )، فإن الناس إذا عمدوا إلى تحديد أغراضهم، لم تتسع لتأويل، وإذا أجملوها ذهبوا إلى الإبهام والإلباس، أما بالنسبة للقرآن الكريم، فإننا نجد في أسلوبه من الملامسة الشفوف والخلو من كل غريب ما يجعل ألفاظه تسابق معانيها إلى النفس، ولكننا إذا أعدنا الكرة، ونظرنا فيه من جديد، رأينا أنفسنا بإزاء معنى جديد، يلوح لنا غير الذي سبق إلى فهمنا أول مرة، حتى ترى للجملة الواحدة أو الكلمة الواحدة، وجوهاً عدة، كلها صحيح أو محتمل للصحة، وللنظر في قوله تعالى: )(والله يرزق من يشاء بغير حساب( لنرى مصداق ذلك:
فهذه الكلمة على ما بها من وضوح في المعنى، إلا أنه بها من المرونة ما يبيح لنا أن نذهب في معناها مذاهب متعددة: فإذا قلنا في معناها:
أنه سبحانه يرزق من يشاء بغير محاسب يحاسبه، ولا سائل يسأله. لماذا يبسط لهؤلاء ويقدر على هؤلاء. أصبنا. وإذا قلنا: أنه يرزق بغير تقتير ولا محاسبة لنفسه عند الاتفاق خوف النفاد أصبنا ـ ولو قلنا أنه يرزق من يشاء من حيث لا ينتظر ولا يحتسب أصبنا. ولو قلنا: أنه يرزق من يشاء بغير معاتبة ومناقشة على عمله أصبنا، كما لو قلنا: أنه يرزق من يشاء رزقاً كثيراً لا يدخل تحت حصر ولا حساب أصبنا. ويكون في هذا أو ذاك وعد للصالحين. إما بدخول الجنة بغير حساب أو بمضاعفة الأجر أضعافاً مضاعفة كثيرة لا يحصرها العد.(6/59)
وهكذا نرى أن ما تم به القرآن من مرونة في النص الكريم وسف الفرق الإسلامية كلها على اختلاف منازعها، كما وسع الآراء العلمية على اختلاف وسائلها.
وينتقل د / دراز بعد ذلك إلى النظر في القرآن كوحدات أكبر، فتحت عنوان: ( القرآن في سورة منه ) يذكر أن ذلك يؤدي بنا إلى ملاحظة الجمع بين ( الكثرة ) و (الوحدة ) في كل سورة.
فمن المعروف: أن القرآن الكريم لم ينزل جملة واحدة، وإنما نزل منجماً حسب الوقائع والدواعي المتجددة، وكان الرسول عليه السلام كلما نزلت عليه آية، أمر كتاب الوحي بأن يضعوها في مكان كذا من سورة كذا، دون اعتبار لترتيبها حسب نزولها.
واستمر الحال على ذلك منذ بعثته عليه السلام حتى قبيل وفاته ( زهاء 23 سنة )، والرسول عليه السلام بشر، ما كان ليدري ما ستجيء به الأيام من أحداث، ولا ما سيكون في مستقبل الزمان من قضايا، وبالتالي: لم يكن يعرف ما سينزل بشأنها من قرآن.
وتمضي الأيام وآيات القرآن بتتابع نزولها والرسول يأمر بوضعها مواضعها التي يشير إليها، موزعة على السور، حتى اكتمل نزول القرآن. فإذا نحن أمام بناء متناسق متكامل تتآخى أجزاؤه. وتأتلف وتنسجم، ولا يؤخذ عليه شيء من التنافر أو التفاوت بين شيء من أجزائه، حتى أن الناظر فيه دون أن يعلم بنزوله منجماً، ولا يخطر بباله أنه رتب بهذه الطريقة.
إن ذلك ولا شك دليل قاطع على أن القرآن الكريم كلام الله لا كلام بشر.
ويرى الدكتور / دراز أن هذا النهج الكلي في دراسة النسق القرآني هو السياسة الرشيدة، التي يجب أن تتبع، فلا يتقدم الناظر إلى البحث في الصلات الموضعية بين جزء وجزء، إلا بعد أن يحكم النظر في السورة كلها، بإحصاء أجزائها وضبط مقاصدها العامة، فالسورة مهما تعددت قضاياها، فهي كلام واحد، يتعلق آخره بأوله، وأوله بآخره، ويترامى بجملته إلى غرض واحد كما تتعلق الجمل بعضها ببعض في القضية الواحدة.
ولا نجد ما نختم به دراستنا ( النبأ العظيم ) خيراً من قوله صاحبه: ( لعمري لئن كانت للقرآن الكريم في بلاغته معجزات وفي أساليب ترتيبه معجزات، وفي نبوءاته معجزات، وفي تشريعاته الخالدة معجزات، وفي كل ما استخدمه من حقائق العلوم النفسية والكونية معجزات. لعمري أنه في ترتيبه آية على هذا الوجه معجزة المعجزات).
وبعد: أيها القارئ الكريم: ماذا نأخذ وماذا ندع لنبيين أن القرآن الكريم معجز، أنه في الحقيقة معجز من أي ناحية أتيناه، إنه معجز في بلاغته، معجز في ترابطه وتماسكه، معجز في تشريعاته وهدايته، معجز في معارفه وعلومه، معجز في غيوبه وأسراره، إنه روح من الله، صدق فيه قوله سبحانه: )) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ ()صدق الله العظيم. وصدق نبيه الكريم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
* * *
أ.د. / عبد الغني محمد بركة
تم نشر المقالة بالتعاون مع جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة ـ مصر القاهرة
-------------
إسلامية العلم والمعرفة
منهج حضاري لمستقبل البشرية
أ.د/ منصور محمد حسب النبي(1)
إن إسلامية العلم والمعرفة قضية منهجية تقوم على اكتشاف العلاقة بين القرآن والكون، أي بين الوحي والوجود للربط بين عالمي الغيب والشهادة، لنثبت أ في عصر العلم ـ استيعاب القرآن الكريم للكون وقوانينه وحركته، وللإنسان ومعارفه وحياته في إجمالية ثقافية حضارية رائعة لازمة لتقدم البشرية في المستقبل في إطار المبادىء الأربعة التالية:
1ـ القرآن الكريم يحث على العلم النافع وإسلامية المعرفة.
2ـ المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة.
3ـ الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة لإثبات صدق النبوة وعالمية الرسالة.
4ـ الإشارات القرآنية للقضايا الكونية المطروحة للبحث العلمي في المستقبل.
أولاً: إسلامية العلم والمعرفة:
نزل القرآن الكريم منذ أربعة عشر قرناً في أول آياته يحث على القراءة لتحصيل العلم والمعرفة بشرط الإيمان بالله، حتى لا يطغى الإنسان كما في قوله تعالى: )اقرأ باسم ربك الذي خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم كلا إن الإنسان ليطغى. إن رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى ([سورة العلق: 1 ـ 8].(6/60)
وبهذا يشترط القرآن الكريم إسلامية العلم والمعرفة لصالح البشرية، لأن العلم بلا دين يؤدي إلى الإلحاد والغطرسة، كما في الحضارة الحديثة المعاصرة، وإلى الهلاك كما في الحرب العالمية الأولى والثانية، وقد يؤدي إلى الرخاء المادي مع الفراغ الروحي، والخوف من المخزون الضخم لأسلحة الدمار الشامل، وهذه الحضارة المزيفة اتخذت من العلم المادي إلهاً، ومن التكنولوجيا سلطاناً للسيطرة والتحكم واستعمار الآخرين والمساهمة في تخلفهم...
لهذا ينادي الإسلام بربط القرآن بالكون، أي: ربط الوحي بالوجود، والدين بالعلم، والغيب بالشهادة، كأساس لإسلامية العلم والمعرفة، ولا تعارض بين الدين والعلم في الإسلام، فلقد وردت كلمة ( العلم ) أكثر من ثمان مئة مرة بالقرآن الكريم، علاوة على مئات المرات لكلمات ( العقل ) و (الفكر ) و( المعرفة ) وبهذا فعلمية القرآن ساطعة سطوع الشمس، وعندما تمسك المسلمون بدينهم قدموا للبشرية إسهاماً علمياً ملحوظاً في الطبيعة والرياضيات والفلك في العصور الوسطى باعتراف المنصفين من علماء الغرب، مثل برينولت الذي يقول في كتابه ( بناء الإنسانية makung of humanity).
لا توجد ناحية من نواحي الازدهار الأوروبي في مطلع عصر النهضة إلا ويمكن إرجاع أصلها إلى المنهج العلمي التجريبي الذي نقله روجر بيكون من العرب أثناء وجودهم في إسبانيا ( 800 ـ 1200م ).
وللأسف يتجاهل الغرب هذه الحقيقة بل ويتهم دين الإسلام بأنه سبب التخلف الحالي للمسلمين، ناسياً أن هذا التخلف ناتج من خضوع المسلمين لاستعمار التتار والمغول والصليبيين قديماً، واستعمار الغرب والصهيونية حديثاً، وسيطرة هذا النفوذ الأجنبي على عقول المسلمين، فأصبحوا للأسف تابعين لغيرهم، وأهملوا دينهم، وقلدوا الغرب وانبهروا بحضارته الحديثة دون أن يشاركوا في صنعها أو توجيهها، ونسوا قول الله تعالى: )ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك ([سورة المائدة: 49].
وقوله تعالى: )أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم ([سورة الجاثية: 23].
وكان الواجب على المسلمين أن يتسلحوا بثقافتهم الإسلامية لإحيائها وتأصيلها وتجديدها وتعميمها لإعطاء منهج جديد لإسلامية العلم والمعرفة في مواجهة الإلحاد المادي المعاصر، والنظام العالمي الجائر، وخاصة بعد أن سقط القناع ذو الوجهين عن هذا النظام وعن كل شعاراته، وأتضح الزيف في تطبيقه للديمقراطية وحقوق الإنسان، وعلاوة على اعتراف بعض علماء القرن العشرين البارزين أمثال: أينشتين، وكريسي، وموريسون، وغيرهم بوجود الله وقدرته، وظهرت كتب كثيرة حول الدين والعلم في الغرب، ولهذا فقد حان الوقت لإظهار الوجه الحضاري للإسلام والمسلمين باتباع إسلامية المعرفة وبيان الإعجاز العلمي للقرآن والسنة.
ولقد واجه أجدادنا المسلمون في بدء ظهور الإسلام حضارتي الروم والفرس دون انصهارهم في إحداهما مدافعين عن ذاتيتهم، فالإسلام له أيدلوجية خاصة أساسها القرآن والسنة، وشعارها العلم والإيمان، كما سنوضح فيما يلي:
1ـ العلم بلا دين ـ أو الدين بلا علم ـ مرفوض في الإسلام،ولا بد من الجمع بينهما، كما في قوله تعالى:
)ولقد جئناهم بكتاب فصلناه على علم هدى ورحمة لقوم يؤمنون ([سورة الأعراف: 52].
)وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ([سورة الحج: 54].
)بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم ([سورة العنكبوت: 49].
)شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم ([سورة آل عمران: 18].
2ـ دعا الإسلام إلى طلب العلم النافع والمعرفة كما في قول النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له طريقاً إلى الجنة ".
والعلم هنا هو العلم النافع المرتبط بالإيمان؛ حتى لا يتحول العلماء إلى جبابرة كما في قول الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " اللَّهُمَّ إني أعُوذُ بِكَ مِنْ عِلْمٍ لا يَنْفَعُ".
3ـ الإسلام يرفع من شأن العلماء، كما في قوله تعالى:
)قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون ([سورة الزمر: 9].
)يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ([سورة المجادلة: 11].
وقال النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ:
· " العلماء ورثة الأنبياء ".
5ـ العلم في الإسلام يشمل علوم الدين والدنيا، ولقد أشار القرآن الكريم للعلوم الكونية في أكثر من سبع مئة آية.
والعلماء هنا دعاة لإسلامية المعرفة، وليس الجبابرة الذين يتيهون صلفاً وغروراً، ويقولون كما قال قارون:
)إنما أوتيته على علم عندي ([سورة القصص: 78].
ثانياً: المنهج القرآني لبحث وتحصيل العلم والمعرفة:
1ـ العلم في القرآن الكريم هو الحق اليقيني الثابت بالبرهان القاطع، كما في قوله تعالى في تعميم شامل لكل المعارف:
)قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين ([سورة البقرة: 111].(6/61)
)قل هل عندكم من علم فتخرجوه لنا إن تتبعون إلا الظن ([سورة الأنعام: 148].
)إن الظن لا يغني من الحق شيئاً ([سورة يونس: 36].
2ـ القرآن يؤكد ضرورة المشاهدة الصحيحة باستخدام البصر والسمع والعقلمعاً كأساس للمنهج العلمي التجريبي، كما في قوله تعالى:
)ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً ([سورة الإسراء: 36].
ويحث على النظر والتدبر في الكون بهدف العلم والإيمان، كما في قوله تعالى: )قل انظروا ماذا في السماوات والأرض وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ([سورة يونس: 101].
والتأكيد على المنهج الاستقرائي في النظرة العلمية للبحث عن كيفية تركيب الأشياء، كما في قوله تعالى:
)أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت. وإلى السماء كيف رفعت. وإلى الجبال كيف نصبت. وإلى الأرض كيف سطحت ([سورة الغاشية: 17 ـ 20].
3ـ القرآن الكريم ينهى عن التقليد الأعمى في تحصيل العلم والمعرفة كسلوك حضاري عام، كما في قوله تعالى:
)وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول قالوا: حسبنا ما وجدنا عليه آباءنا أو لو كان آباؤهم لا يعلمون شيئاً ولا يهتدون ([سورة المائدة: 104].
4ـ يدعو القرآن الكريم دائماً إلى استخدام العقل كأحد أركان العبادة، كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس وما أنزل الله من السماء من ماء فأحيا به الأرض بعد موتها وبث فيها من كل دابة وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض لآيات لقوم يعقلون ([سورة البقرة: 164].
5ـ العلم لا يقف عند حد معين بهدف استمرار التقدم العلمي، كما في قوله تعالى: )وقل رب زدني علماً ([سورة طه: 114].
ولهذا يجب الاستمرار في البحث حتى يأتي اليقين، كما في قوله تعالى:
)لكل نبأ مستقر وسوف تعلمون ([سورة الأنعام: 67].
ومسيرة العلم لن تتوقف؛ لأن كلمات الله في الكون لا نهائية، كما في قوله تعالى: )قل لو كان البحر مداداً لكلمات ربي لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مدداً ([سورة الكهف: 109].
كما أن العلم البشري محدود، بينما العلم الإلهي مطلق ولا نهائي، فالبشرية رغم العصر الحالي للعلم والتكنولوجي ما زالت على الشاطىء، بينما محيط الكون مملوء بالعلم والمعرفة، كما في قوله تعالى:
)وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً ([سورة الإسراء: 85].
)نرفع درجات من نشاء وفوق كل ذي علم عليم ([سورة يوسف: 76].
6ـ العلم والمعرفة منحة إلهية للإنسان، كما في قوله تعالى:
)علم الإنسان ما لم يعلم ([سورة العلق: 5].
)ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ([سورة البقرة: 255].
)الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان ([سورة الرحمن: 1 ـ 4].
7ـ إسلامية المعرفة تتميز بما يلي:
( أ ) الربانية والتوحيد في المنهج والهدف:
كما في قوله تعالى:
)إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهار لآيات لأولي الألباب. الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلاً سبحانك فقنا عذاب النار ([سورة آل عمران: 190 ـ 191].
وقوله تعالى:
)لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن ([سورة فصلت: 37].
)قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد ([سورة الإخلاص: 1 ـ 4].
( ب ) الإنسانية:
أي: المعرفة لصالح الإنسان وخيره وسعادته في الدنيا والآخرة، كما في قوله تعالى:
)وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الجاثية: 13].
)وسخر لكم الفلك لتجري في البحر بأمره وسخر لكم الأنهار. وسخر لكم الشمس والقمر دائبين وسخر لكم الليل والنهار. وآتاكم من كل ما سألتموه ([سورة إبراهيم: 32 ـ 34].
ويجب على الإنسان أن يكون سيداً لما سخر له وليس عبداً إلا الله.
( ج ) الشمول والإحاطة:
القرآن الكريم موسوعة تشمل جميع أساسيات المعارف في عالمي الغيب والشهادة تاركاً التفاصيل لاجتهاد البشر، كما في قوله تعالى:
)وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم ما فرطنا في الكتاب من شيء ([سورة الأنعام: 38].
( د ) الوسطية والتوازن:
وتعني التوازن بين الروح والمادة، وبين الفرد والجماعة، وبين الوحي والوجود، وبين الدين والدنيا، وبين الشرعي والمدني في العلوم الإنسانية، أي: المعرفة التي توازن بين كل من الطرفين في منهج مستقيم لا يميل لأحدهما على حساب الآخر، كما في قوله تعالى:
)اهدنا الصراط المستقيم ([سورة الفاتحة: 6].
وهذا التوازن ضروري، لأن الإخلال به يؤدي إما إلى إلحاد مادي كما في الحضارة الحديثة، أو إلى رهبانية كما في المسيحية، بينما الإسلام يرفض النقيضين.
8ـ التوجيه الإسلامي للعلوم يعتمد على ما يلي:
( أ ) الماء أصل الحياة:كما في قوله تعالى:
)وجعلنا من الماء كل شيء حي أفلا يؤمنون ([سورة الأنبياء: 30].(6/62)
( ب ) الوحدنية صفة الخالق،والزوجية صفة المخلوق: كما في قوله تعالى: )ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ([سورة الذاريات: 49].
( ج ) الكون لا يعرف السكون:فالحركة والطواف قوانين شاملة سارية لأجل مسمى، كما في قوله تعالى:
)كل يجري لأجل مسمى ([سورة الرعد: 2].
)كل في فلك يسبحون ([سورة الأنبياء: 33].
( د ) اللانهائية لله وحده،أما الكون فيخضع للمقدار في عالمي الغيب والشهادة، كما في قوله تعالى:
)وكل شيء عنده بمقدار، عالم الغيب والشهادة الكبير المتعال ([سورة الرعد: 8 ـ 9].
( هـ ) الوجود وقوانينه دليل على وحدانية الله، كما في قوله تعالى:
)ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت ([سورة الملك: 3].
( و ) الوحدانية ـ وليس التعدد ـ شرط الانتظام والتماثل في السماوات والأرض، كما في قوله تعالى:
)لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ([سورة الأنبياء: 22].
(ق)ثبوت الفطرة وقوانين الكون، كما في قوله تعالى:
)فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ([سورة الروم: 30].
)فلن تجد لسنة الله تبديلاً ولن تجد بسنة الله تحويلاً ([سورة فاطر: 43].
)الشمس والقمر بحسبان ([سورة الرحمن: 5].
ثالثاً: بيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية:
يهدف الإعجاز العلمي للقرآن والسنة إلى إثبات صدق الوحي في القرآن الكريم، وصدق نبوة سيدنا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ لغير المؤمنين به، كما في قوله تعالى:
)سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ([سورة فصلت: 53].
وهذا وعد إلهي بدأ يتحقق في زماننا، وسيظل متجدداً حتى قيام الساعة نظراً لعالمية الرسالة لكل مكان وزمان. والقرآن الكريم هو الرسالة الإلهية الخاتمة؛ ولهذا فهو الكتاب السماوي الوحيد الذي لم يحور، وتعهد الله بحفظه، كما في قوله تعالى:
)إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ([سورة الحجر: 9].
)ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين ([سورة البقرة: 2].
ولهذا فالقرآن الكريم يتفق مع حقائق العلم بعكس الكتب السماوية السابقة التي حورها أهل الكتاب، فتعارضت مع العلم، ( كما يقول الدكتور موريس بوكاي ).
وفيما يلي نورد الأمثلة التالية لبيان الإعجاز العلمي للقرآن الكريم والسنة النبوية والذي تظهر دلائله كلما تقدم العلم:
1ـ قدم العالم الفرنسي برنارد باليسي عام 1580 أول تصور علمي صحيح لدورة الماء في الطبيعة رغم الخرافات التي كانت سائدة حول هذا الموضوع؛ مؤكداً أهمية الشمس في تبخير مياه البحار والمحيطات، كما في قوله تعالى:
)وجعلنا سراجاً وهاجاً. وأنزلنا من المصعرات ماء ثجاجاً ([سورة النبأ: 13 ـ 14].
ودور الرياح في نزول الأمطار، كما في قوله تعالى:
)وأرسلنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء ([سورة الحجر: 22].
ودور الأمطار في تكوين المياه الجوفية، تماماً كما في قول الله تعالى:
)ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ([سورة الزمر: 21].
2ـ أعلن كوبر نيكس عام 1543م، وأيده كل من جاليليو ونيوتن أن الأرض ليست ساكنة ولكنها تدور حول نفسها بسرعة تم قياسها حديثاً بمقدار 1000 ميل / ساعة، عند خط الاستواء، كما أشار القرآن الكريم في قول الله تعالى: )يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل ([سورة الزمر: 5].
وتدور الأرض حول الشمس بسرعة 67000 ميل / سعة، كما ثبت ذلك علمياً في القرن العشرين، ولقد أشار القرآن الكريم إلى حركة الأرض في قوله تعالى:
)وترى الجبال تحسبها جامدة وهي تمر مر السحاب ([سورة النمل: 88].
3ـ ثبت علمياً ( 1917م ) أن الشمس ومعها كواكبها تدور حول مركز مجرة سكة التبانة بسرعة 497000 ميل / ساعة، أي: أن الشمس لها فلك خاص بها علاوة على فلك الأرض ( الليل والنهار ) حول الشمس وفلك القمر حول الأرض، كما في قوله تعالى:
)وهو الذي خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل في فلك يسبحون ([سورة الأنبياء: 33].
كما ثبت حديثاً أن الشمس تجري في الفضاء الكوني بسرعة 43000 ميل / ساعة نحو مجم فيجا، لمستقر لها، كما في قوله تعالى:
)والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ([سورة يس: 38].
4ـ بدأ الفلكي الألماني بازل ( 1838م ) بأول قياس لبعد النجوم، وتبين علمياً الآن أن مواقع النجوم متباعدة ومذهلة، لأنها تبعد عنا مسافة تتراوح بين 4 وعدة بلايين من السنين الضوئية، كما في قوله تعالى:
)فلا أقسم بمواقع النجوم. وإنه لقسم لو تعلمون عظيم )[سورة الواقعة: 75 ـ 76].
5ـ أعلن اللورد هاتون ( 1800 م ) أن الحاضر مفتاح للماضي ( في علم الجيولوجيا ) لأن البحث في الصخور عن الحفريات سيؤدي إلى التعرف على توزيع العصور الجيولوجية وبداية الخلق، كما في قوله تعالى:
)قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ([سورة العنكبوت: 20].(6/63)
8ـ تم حديثاً إثبات أن البرق ينشأ من التفريغ الكهربي بين السحاب الركامي ( المرتفع كالجبال ) نتيجة الكهربية المتولدة بواسطة البرد كما في قوله تعالى: )وينزل من السماء من جبال فيها من برد، فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء يكاد سنا برقه يذهب بالأبصار ([سورة النور: 43].
9ـ تنبأ القرآن باحتمال تواجدنا في السماء كما في قوله تعالى:
)وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير([سورة العنكبوت: 22].
10ـ تم حديثاً التعرف على تركيب الغلاف الجوي وانعدام الأكسجين، على ارتفاع 30 كم ـ تقريباً ـ من سطح الأرض، كما في قوله تعالى:
)يجعل صدره ضيقاً حرجاً كأنما يصعد في السماء ([سورة الأنعام: 125].
11ـ كما تحقق لرواد الفضاء بعد عام 1960م رؤية ظلام الفضاء الكوني بسواد حالك، لإنعدام التشتت الضوئي عند هذا الارتفاع فصاعداً، كما في قوله تعالى: )ولو فتحنا عليهم باباً من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ([سورة الحجر: 14 ـ 15].
13ـ كما أشار القرآن الكريم إلى كل وسائل المواصلات في المستقبل كما في قوله تعالى: )والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون ([سورة النحل: 8].
16ـ لقد توصلت أنا حديثاً إلى إثبات قرآني لأهم حقيقة كونية لنسبية اينشتين التي تنص على أن سرعة الضوء في الفراغ وقدرها 299792.5 كم / ثانية هي الثابت المطلق الوحيد في الكون، وتمثل الحد الأقصى للسرعة الكونية كما في المعادلة القرآنية التالية، والتفسير الجديد لقوله تعالى: )يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون ([سورة السجدة: 5].
وقوله تعالى مؤكداً هذه الحقيقة ومشيراً إلى نسبة الزمن:
)وإن يوماً عند ربك كألف سنة مما تعدون ([سورة الحج: 47].
17ـ بدأ ظهور التلوث البيئي على مستوى الكرة الأرضية كما في قوله تعالى: )ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون ([سورة الروم: 41].
18ـ ويشير القرآن الكريم إلى تطور الجنين في رحم الأم مؤكداً ما وصل إليه العلم الحديث، كما في قوله تعالى: )ثم خلقنا النطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عظاماً فكسونا العظام لحماً ثم أنشأناه خلقاً آخر فتبارك الله أحسن الخالقين ([سورة المؤمنون: 14].
19ـ ويشير القرآن الكريم إلى دورة الحياة والموت بواسطة التمثيل الضوئي للشجر الأخضر في الدنيا لإثبات البعث في الآخرة، كما في قوله تعالى: )قال من يحيي العظام وهي رميم. قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم. الذي جعل لكم من الشجر الأخضر ناراً فإذا أنتم منه توقدون ([سورة يس: 78 ـ 80].
كما يعطينا الله سبحانه مثالاً يصف الناس يوم القيامة في عالم الغيب بالفراش المبثوث الذي يتطور أمام أعيننا في عالم الشهادة من دودة إلى شرنقة إلى فراشة في قوله تعالى: )يوم يكون الناس كالفراش المبثوث ([سورة القارعة: 4].
فالدودة تمثل الدنيا بحركتها، والشرنقة تمثل القبور بسكونها، والفراشة تمثل البعث بانطلاقها من قبرها.
20ـ يشير القرآن الكريم إلى ظاهرة تمدد ( توسع ) الكون التي تم قياسها حديثاً بالإزاحة الحمراء للمجرات، كما في قوله تعالى: )والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون ([سورة الذاريات: 47].
رابعاً: الإشارات القرآنية للقضايا الكونية المستقبلية:
1ـ بداية الكون بانفجار عظيم ونهايته بانسحاق عظيم:
يشير القرآن الكريم إلى الانفجار العظيم وتوسع الكون لحظة بداية الزمن والخلق، كما في قوله تعالى: )أولم ير الذين كفروا أن السماوات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما ([سورة الأنبياء: 30].
ويشير إلى توقف هذا التمدد مستقبلاً ثم الانكماش الكوني، وحدوث الانسحاق العظيم عند نهاية الزمن يوم القيامة، كما في قوله تعالى: )يوم نطوي السماء كطي السجل للكتب كما بدأنا أول خلق نعيده وعداً علينا إنا كنا فاعلين ([سورة الأنبياء: 104].
وقوله تعالى: )كلا إذا دكت الأرض دكاً دكاً (سورة الفجر: 21].
2ـ عمر الكون:
يفصل القرآن الكريم مراحل الخلق بوصف الأيام الستة ( بخلاف ما نعده من أيام ) كمراحل زمنية متساوية عددها ستة لخلق السماوات والأرض وما بينهما مع إعطاء العمر الجيولوجي للأرض بما يعادل يومين، أي: ما يعادل ثلث الأيام الستة كما في الآيات ( 9 ـ 12 ) من سورة فصلت، وبهذا يكون عمر الكون حسب تفسيري لهذه الآيات:
= العمر الجيولوجي المقاس حالياً للأرض منذ تصلبت وحتى الآن × 3
= 4.6 مليار سنة × 3 = 13.8 مليار سنة.
ولقد أعلنت وكالة الفضاء مؤخراً رقماً يقارب هذا الرقم لتحديد عمر الكون.
4ـ المبدأ الإنساني:(6/64)
أعلن ستيفن هوكنج المبدأ الإنساني الذي ينص على أن الإنسان هو الهدف والغاية النهائية لنشأة الكون وتطوره بالدليل العلمي الذي يؤكد تسخير الكون كله ( بالقصد الإلهي وليس بالصدفة ) لقدوم الإنسان وتهيئة الظروف الطبيعية اللازمة لحياته بقدرة الله ـ سبحانه وتعالى ـ كما في قوله تعالى:
)وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعاً منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون ([سورة الجاثية: 13].
5ـ توحيد قوى الطبيعة:
يلهث العلماء حالياً وراء توحيد القوى الفيزيائية الكونية المتعددة في نظرية التوحيد الكبرى (Grand unified theory gut)وهذا يتمشى مع وحدانية الخالق وقوله تعالى: )أن القوة لله جميعاً ([سورة البقرة: 165].
6ـ الهندسة الوراثية:
أشار القرآن الكريم إلى تطبيقات الهندسة الوراثية وحذر من استغلالها طبقاً لوساوس الشيطان لتغيير خلق الله كما في قوله تعالى: ) وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا([سورة النساء: 119].
11ـ شيخوخة الشمس وتحولها إلى عملاق أحمر قبل الوفاة:
يتحدث العالم الآن عن شيخوخة الشمس ووفاتها في المستقبل عند تحولها إلى عملاق أحمر بتكور ـ أي: بانتفاخ ـ سطحها تدريجياً فتبلع كواكبها التي تتحول على الترتيب إلى غازات وأبخرة وعندئذٍ يصبح لون السماء أحمر وردياً ودرجة الحرارة فوق رؤوسنا حوالي 3000 درجة مئوية، وتبتلع الشمس القمر الذي سيختفي بدوره ويتبخر في هذه الحالة في غلاف العملاق الذي سيقترب من الأرض فتشتعل البحار لتحلل مائها بالحرارة إلى أيدروجين يشتعل وأكسجين يساعد على الاشتعال.
وكل هذه التوقعات العلمية واردة نصاً بالقرآن الكريم كما في قوله تعالى:
)إذا الشمس كورت ([سورة التكوير: 1].
)فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان ([سورة الرحمن: 37].
أي: تصبح السماء وردية اللون، أي: حمراء كالزيت المغلي إشارة للعملاق الأحمر، كما يتضح أيضاً في الآية التالية:
)فإذا برق البصر، وخسف القمر. وجمع الشمس والقمر. يقول الإنسان يومئذٍ أين المفر. كلا لا وزر. إلى ربك يومئذٍ المستقر ([سورة القيامة: 7 ـ 12].
)وإذا البحار سجرت ([سورة التكوير: 6].
)وإذا البحار فجرت ([سورة الإنفطار: 3].
وبهذا فإن إسلامية العلم والمعرفة بديل حضاري عالمي وتجديد للفكر الإسلامي لتصحيح آثار الفكر الغربي، ومشروع هام لازم لكل البشرية كمنهج ثقافي حضاري يجمع بين العلم والدين، ويفتح الباب على مصراعيه للفروض والاحتمالات والخيال العلمي الحر الطليق من كل قيد، بل يسمح باستخدام الشك كطريق لليقين الذي سيبدو في عصر العلم واضحاً كالشمس، يؤكد لنا صدق القرآن وصدق نبوة سيدنا محمد (صلى الله عليه وسلم ) وعالمية رسالة الإسلام كما في قوله تعالى: )إن الدين عند الله الإسلام ([سورة آل عمران: 19].
وقوله سبحانه مخاطباً رسول الله للناس جميعاً، أي النبي محمداً (صلى الله عليه وسلم ) لتأكيد هذه الحقيقة: )قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً ([سورة الأعراف: 158].
وقوله سبحانه مشيراً إلى خلود القرآن لكل العالمين، وتجدد إعجازه لكل زمان، )إن هو إلا ذكر للعالمين. ولتعلمن نبأه حتى حين ([سورة ص: 87 ـ 88].
تم نشر البحث بالتعاون مع جمعية الإعجاز العلمي في القرآن والسنة في القاهرة
المراجع:
1ـ قضايا العصر في ضوء الإسلام. أ. أنور الجندي، الكتاب رقم 38 سلسلة البحوث الإسلامية (ص: 122) ـ 1971م.
2ـ العلم يدعو إلى الإيمان. مترجم. د.كريس موريسون 1980م مكتبة النهضة المصرية.
3ـ 1983 (p.davis good and the bew physics penguim books) الإسلام في عصر العلم أ.د. الغمراوي ـ المختار الإسلامي القاهرة 1970 ـ الله ياجلى في عصر العلم ( مترجم ) نخبة من العلماء الأمريكيين ـ مؤسسة الحلبي القاهرة 1960م.
4ـ (the new story of science: robert m.augros. new york. 1984) مترجم بعنوان: العلم في منظوره الجديد. عالم المعرفة، العدد 134 ـ الكويت.
5ـ الكون والإعجاز العلمي في القرآن أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الفكر العربي 1996 ـ القاهرة.
6ـ إسلامية المعرفة: المعد العالمي للفكر الإسلامي بالقاهرة / العدد 15 يوليو 1994م.
(international institute of islamic though publications. Verginia & cairo).
إسلامية المعرفة أ.د. محمد عمارة. دار الشرق الأوسط للنشر 1991م.
7ـ سلسلة المعارف الكونية بين العلم والقرآن. أ.د. منصور حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة 1996م.
8ـ (the biblo. The quran and science maurice bucaille. North american trust publication 1979).
مترجم بعنوان ( القرآن والتوراة... والإنجيل والعلم ) د. موريس بوكاي، دار المعارف، القاهرة 1980م.(6/65)
9ـ ارتياد الفضاء بين العلم والقرآن. ـ أ.د. منصور حسب النبي، دار الفكر العربي، القاهرة 1996م.
10ـ الإشارات القرآنية للسرعة العظمى والنسبية. أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الآفاق العلمية ـ القاهرة 1995م.
11ـ إعجاز القرآن في آفاق الزمان والمكان أ.د. منصور حسب النبي ـ دار الفكر العربي ـ القاهرة 1996م.
12ـ (the glorious quran and modern science prof. Mansour hassab el-naby/ general egyptian book organization, cairo 1990).
مترجم بعنوان ( القرآن الكريم والعلم الحديث ) أ.د. منصور حسب النبي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة 1991م.
13ـ (new horizons in astronomy. Brandt, san francisco 1972).
مترجم بعنوان ( آفاق جديدة في علم الفلك ). جون براندت وستيفان ماران ـ مكتبة الوعي العربي (ص 421) ـ القاهرة 1972م.
14ـ (end cosrmic catastrophe and the fate of the universe frank close – science & schuster, englabd 1988).
مترجم بعنوان ( النهاية ) عالم المعرفة، العدد 191 ـ الكويت 1994م.
أ.د / منصور محمد حسب النبي
[2] – أستاذ بكلية البنات جامعة عين شمس، ورئيس مجلس إدارة الجمعية (سابقاً).
================
شبهات وردود حول بعض القضايا القرآنية
إعداد رشيدة مقيوش
منذ ظهور الإسلام والأعداء يحاولون التصدي لهذا الدين الجديد ومحاربته، وبالتالي الوصول إلى تشويه القرآن وتحريفه كباقي الكتب السماوية، لكن الله تعالى أفشل محاولاتهم وثبطها بأن أوكل إليه حفظ القرآن وأوكل إلينا العمل به قائلا(إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)[الحجر9]، وقوله(إن الذين كفروا بالباطل ما جاءهم وانه لكتاب عزيز*لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) [ فصلت42]وبما أن الله تعالى سد عليهم باب العبث في كتابه، وتطويعه لهوى أنفسهم، بدأوا يشككون فيه، يعارضونه تارة ويكذبونه أخرى، فقالوا عنه كتاب من صنع البشر لأنه مليء بالتناقضات فنسبوه إلى محمد(صلى الله عليه وسلم) لكن الله سبحانه أبى إلا أن ينصر هذا الدين بأعدائه حيث قدم هؤلاء خدمة كبيرة للإسلام فأثبتوا بكفرهم صحة القرآن وآياته وهم لايعلمون .
ومن بين ما ناقشه هؤلاء المستشرقون، القضايا التالية:
1) خلق السماوات والأرض
قال الله تعالى(ما أشهدتهم خلق السماوات ولاخلق أنفسهم وما كنت متخذ المضلين عضدا) [الكهف 51] فهذا إعجاز غيبي بليغ يخبرنا أن أهم قضية سيتناولها هؤلاء المضلون هي قضية خلق السماوات والأرض فسبحان الله العليم القدير.
* قالوا إن القرآن الكريم أخبرنا في عدة سور أن الله تعالى خلق السماوات والأرض في ستة أيام، وفي سورة فصلت أن أيام الخلق ثمانية فقالوا إنها هفوة بشرية ونسيان لكنهم لم يفهموا دقة بلاغة القرآن وإعجازه.
*نرد عليهم فنقول:
قال الله تعالى في سورة [الأعراف54] (إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام) وكذلك قال في سورة يونس والفرقان أن خلقهما كان في ستة أيام أما قوله في سورة[ فصلت9-11] (قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين* وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء للسا ئلين* ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أوكرها قالتا أتينا طائعين* فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها)(6/66)
إذن إذا أحصينا أيام الخلق في سورة فصلت نجد ها ثمانية: يومين لخلق الأرض؛ أربعة أيام قدر فيها رزقها وبارك فيها، أيام الخلق هذه ستة أيام، ويومان آخران لخلق السماوات، إذن فهي ثمانية أيام، لكننا لو دققنا في الآية الكريمة لوجدنا بدايتها تختلف عن الآيات السابقة، فالآية بدأت بمخاطبة الكافرين الذين يجعلون لله أندادا ويجادلون فيه، أي أن الله أراد أن يخبرنا أن الذي يستخدم هذه الآية في التشكيك في القرآن هم أولئك الكافرون، الذين يريدون أن ينشروا ويذيعوا الكفر بين الناس، ويريدون أن يجعلوا لله أندادا، ثم خاطب هنا أولئك الذين سيأتون بعد قرون عديدة ليشككوا في القرآن مستخدمين هذه الآية في محاولة التشكيك، فالله تعالى يتحدث بعد ذلك عن إتمام خلق الأرض ثم يعطينا تفصيل الخلق فيقول خلق الأرض في يومين، فجعل فيها رواسي وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام، إن الله تعالى بين لنا أن مدة الخلق كلها بالنسبة للأرض هي أربعة أيام وليست ستة ولنضرب مثلا لذلك ولله المثل الأعلى؛ عندما نقول وضعت أساس العمارة في ثلاثة أشهر وأتممت بناءها في عام، هل معنى ذلك أن العمارة استغرقت عاما وثلاثة أشهر، لا، لقد أتممتها في عام ولكن جزء الأساس استغرق ثلاثة أشهر من عام البناء هنا تحدثت بالتفصيل والجزء من الكل ليس منفصلا ولا زائدا عنه لأن المرحلة الأولى جزء من الكل، إذن تفصيل الخلق جاء في سورة (فصلت) لأنه في باقي الآيات جاء مجملا ، فتحدث عن الأرض خلقها في يومين ،ثم أتم الخلق فيها بأن جعل فيها رواسي وبارك فيها أقوتها في أربعة أيام، يعني استغرقت الأرض وما فيها أربعة أيام، ثم خلق السماوات في يومين فأيام الخلق كلها ستة أيام .
2) قضية الود.....والمعروف
* قوله تعالى(لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم) [المجادلة 22 ] ثم قوله (وان جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا) [ لقمان15]فهنا يقول المستشرقون أن الله تعالى ينهانا عن أن نود من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءنا، وفي الآية الثانية يقول لا تودهم وصاحبهما بالمعروف فكيف يستقيم أمران مختلفان في نفس الشئ .
نرد عليهم فنقول :
إن المعروف يفعله الرجل لمن يحبه بقلبه ومن لايحب، كأن تساعد إنسانا في الطريق على الركوب أو تعطي مالا لشخص سرق منه ماله في الطريق وأنت لا تعرفه، فهنا أسديت معروفا عسى الله أن يجزيك عنه ولكن المودة مكانها القلب، انك لا تود إلا من تحب، فالمعروف لا يمس القلب ولكن المودة تمس القلب وفي المودة يكون القلب حاضرا، أما في المعروف لا يكون معه، والله لا يجعل لك قلبين في صدرك مصداقا لقوله (ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه ) إنما امتداد المعروف هو رضاء الله تعالى، أما استعمال كلمة الود في الآية الأولى فلا تجد مثلا إنسانا مؤمنا يحب إنسانا يحارب الله ورسوله حتى ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم فالحب من داخل القلب ومن داخل النفس، فيأتي بمسألة الوالدين وينهانا أن نستخدم العنف ضدهما لأنهم في هذه الحالة يكونون في سن كبيرة ضعفاء اقتربوا من نهاية العمر، هؤلاء الذين قدموا لنا المعروف بأنهم قاموا بتربيتنا وبالسهر علينا فيأمرنا الله بأن نحتفظ لهم بالود إن كانوا مؤمنين، أما إن حاولوا أن يدخلوا الشرك إلى قلوبنا يطالبنا الله بألا نطيعهما، ولكن نصاحبهما في الدنيا معروفا، إرضاء لله تعالى وإرضاء للجميل، ولكن القلب لا يودهم فالمعروف لمن تحبه ومن لا تحبه، أما الود فلمن تحب فقط.
ثم يمضي المستشرقون في لغوهم وإعراضهم عن القرآن الكريم :
فيقولون : في سورة[الأحقاف15]يقول الله تعالى(ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها)و في سورة[لقمان14]يقول (ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن)
إن الله تعالى أوصى بالوالدين ثم ذكر الأم وحدها دون الأب ولم يوصي بالأب.
نرد عليهم قائلين :
إن الله تعالى اختص الأم بالتوصية لأنها تقوم بالجزء الغير المنظور في حياة الابن أو غير المدرك عقلا لأن الطفل وهو صغير في الرضاعة وفي الحمل والولادة وحتى يبلغ ويعقل؛ الأم هي التي تقدم كل شيء هي التي تسهر ترضعه، وهي التي تحمل، وتلد، أما إذا كبر وعقل.. من الذي يجد أمامه..؟أباه ، طبعا إذا أراد شيئا فان أباه هو من يحققه له، إذا أراد مالا أو شراء شيء، كل هذا يقوم به الأب، إذن فضل الأب ظاهرا أمامه، أما فضل الأم فهو مستتر، لهذا وصى الله تعالى بالأم أكثر من الأب لأن الطفل حينما يحقق له أبوه كل رغباته يحس بفضل أبيه علبه، ولكنه ناذرا ما يقدر التعب الذي تعبته أمه، لذلك وصى الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام بصحبة الأم في السفر قائلا (أمك، أمك ، أمك، ثم أبوك) .
3) (أتى أمر الله فلا تستعجلوه..)(6/67)
يقولون أن الله تعالى يقول في سورة[النحل1] (أتى أمر الله فلا تستعجلوه )كيف يمكن أن يقول الله سبحانه وتعالى أتى، ثم يقول لا تستعجلوه، أتى فعل ماض لأنه حدث، ولا تستعجلوه مستقبل،
كيف يمضي هذا مع ذلك
نرد عليهم فنقول :
أنت حين تتحدث عن الله تعالى فيجب أن تضع في عقلك وذهنك وتفكيرك أن الله ليس كمثله شيء، أتى هذه في علم الله حدث وتم وانتهى في علم الله سبحانه، في علم اليقين، ولكن الأشياء تخرج من علم الله سبحانه إلى علم البشر بكلمة كن، الذي هو الأمر الذي يحمل التنفيذ، فالله سبحانه وتعالى عنده علم الساعة ومادام قد تقرر فليس هناك في الدنيا قوة تستطيع أن تمنع حدوثه، فلا تطلبوه بكلمة كن وأنتم في عجلة .لماذا ؟ لأن المؤمن الحقيقي إذا كان يخشى شيئا فانه يخشى يوم الساعة ويوم الحساب، يخشى عدل الله سبحانه الذي لا يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها (ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا ) الكهف 49] فالإنسان المؤمن يخاف يوم الحساب ويخشاه مهما كان إيمانه، ويرتعد من هول ذلك اليوم، أما الكافر المتحدي لا يعرف معنى الآخرة والحساب فهو يستعجل لذلك ، قال الله تعالى (أتى أمر الله ) أي أن الساعة تقررت وانتهى أمرها، ثم الأمر فلا تستعجلوه، أي لا تتعجلوا يوم الحساب لأنكم تجهلون ما فيه من أهوال فهي بالنسبة لله تم وانتهى، ولكنه بالنسبة لي أنا مستقبل، فليس هناك أي تناقض بين استخدام الماضي والمستقبل حينما يقول الله تعالى كلمة كن وينفخ في الصور، لا يملك إنسان أن يمنع الله تعالى من تنفيذ أمر قدره مادام قد قال أتى، لا أحد يملك مقومات الغد ولكن الذي يملكها هو الله، إذن فقد تم فعلا ولكنه محجوب عني لذلك قال الله تعالى (فلا تستعجلوه ) .
4) هل رأى محمد ..؟؟؟
في قوله تعالى ( ألم ترى كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ) [ الفيل 1]يقول المستشرقون أن محمدا ولد عام الفيل فكيف يكون التعبير (ألم تر ) وهو لم ير شيئا .
نرد عليهم بقولنا :
إن هذه قضية من قضايا الإيمان ما يقوله الله سبحانه للإنسان المؤمن هو رؤيا صادقة فعندما يقول الله *ألم تر* معناها الرؤيا مستمرة لكل مؤمن بالله، لان الرؤيا هنا معجزة كبرى، والله يريدها أن تثبت في عقولنا لأن قضية الإيمان الكبرى هنا هي أن الله سبحانه في معجزة قد خلق من الضعف قوة ،وهذه لا يستطيع أن يفعلها إلا الله لأن الله تعالى استخدم أضعف مخلوقاته ليهزم خلقا من أقوى مخلوقاته، وهذه معجزة لا يمكن أن تتم إلا على يده سبحانه، فشكك المستشرقون في هذه القضية وادعوا أن الذي فتك بجيش أبرهة هو الأمراض والجراثيم، لكن عام الفيل حدث عند مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، وبعث عليه السلام في سن الأربعين، وكان في ذلك الوقت من هم في سن الخامسة والخمسين، والسبعين، ممن رأوا عام الفيل رأي العين، فلو لم تأت هذه الطير، ولم تلق بحجارة من سجيل، ولم تجعل الجيش كعصف مأكول، لقام هؤلاء الناس وأثبتوا أن ذلك لم يقع وكذبوا محمد عليه السلام، لكنهم عاشوها وعاصروها، إن كلام الله تعالى بالنسبة للمؤمن هو يقين بمثابة الرؤيا الدائمة، لذلك قال الله تعالى (ألم تر ) ولم يقل رأيت أو علمت (ألم تر) حاضر متجدد مستمر يحدث وسيحدث على مر السنين إلى يوم الساعة، انه قضية الحق ينصر الله المظلوم على الظالم مهما كانت قوة الظالم ومهما كان ضعف المظلوم.
5) من هم الكاذبون ..؟؟؟
قوله تعالى (إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد أنك لرسول الله والله يعلم أنك لرسوله ويشهد أن المنافقون لكاذبون) [ المنافقون1] يقول المستشرقون إن المنافقون قد شهدوا أن محمدا رسول الله وأن الله يعلم أن محمدا رسوله ويعلم أيضا أن المنافقون كاذبون كيف يكون المنافقون كاذبون وهم شهدوا بما شهد الله، كيف تكون الشهادتان متفقتين في أن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع ذلك يكون المنافقون كاذبين، مع اتفاق ما شهدوا به مع علم الله، مع أن الكذب هو عدم مطابقة الكلام للواقع، فهل كلام المنافقين بأن محمدا رسول الله ليس مطابقا للواقع ؟ هذا تناقض هكذا يقول المستشرقون .
نرد عليهم فنقول :
التكذيب يقع هنا على كلمة (نشهد) لأنهم قالوا نشهد أنك لرسول الله، فالتكذيب وارد على كلمة (نشهد) لأن معنى الشهادة: أننا نقول بألسنتنا ما في قلوبنا، والله يعلم أن ما في قلوبهم يخالف ما يقولونه بألسنتهم إذن فقولهم (نشهد أنك ) كلمة نشهد، هم كاذبون فيها، كاذبون في أمر الشهادة لأنهم لا يشهدون ولا يؤمنون أن محمدا لرسول الله، إنما جاءوا لينافقوا بهذا الكلام لاعن صدق، ولكن عن نفاق، محمد رسول الله لا تكذيب فيها، ولكن التكذيب منصب على كلمة نشهد، وهنا فرق بين الشاهد والمشهود به، فرق تكذيب الشهادة وليس تكذيب المشهود به، والمشهود به أنك رسول الله صحيح مائة بالمائة ولكن شهادة المنافقين هي المكذبة .
6) السؤال ليس للعلم :(6/68)
إن الله تعالى يقول في الرحمان (فيومئذ لا يسأل عن ذنبه انس ولاجان ) [ الرحمان39] ويقول في [الصافات 24] (وقفوهم إنهم مسؤولون) فيقول المستشرقون أن هناك تناقض، في الأولى نفي للسؤال، وفي الثانية إثبات للسؤال إذن محمد نسي .
نقول لهم :
إنكم لا تعلمون أنواع السؤال: فهو نوع تسأله لتعلم، ونوع تسأله ليكون المسؤول شاهدا على نفسه، فالتلميذ حين يسأل أستاذه يسأله ليعلم ليعرف العلم، ولكن حين يسأل الأستاذ تلميذه لا يسأل للعلم، ولكن يسأله ليكون شهيدا على نفسه، لا يستطيع أن يجادل أو يقول لقد حفظت وهو لم يقرأ حرفا، فأسئلة الامتحانات التي تضعها الوزارة لا تضعها لأنها تريد أن تتعلم من الطلبة، ولكن ليكون الطالب شاهدا على نفسه فورقة الإجابة موجودة وهي شاهدة على درجة الطالب سواء (ممتاز أوضعيف ) فالآية الأولى (فيومئذ لايسأل عن ذنبه انس ولا جان ) فهي تنفي السؤال للمعرفة والله أعلم بذنوبهم فهو غير محتاج لأن يسأل للعلم، أو ليعرف منهم لأنه أعلم منهم، ولأن السائل أعلم من المسؤول، أما الآية الثانية (وقفوهم إنهم مسؤولون ) أي إنكم ستسألون لتقروا الحقيقة والواقع في الحساب لا لتقولوا شيئا لا يعلمه الله، لتكونوا شهداء على أنفسكم،
فأين هو التناقض فالله سبحانه يتحدث عن الكافرين والمكذبين، قال تعالى (وقالوا يا ويلنا هذا يوم الدين* هذا يوم الفصل الذي كنتم به تكذبون *احشروا الذين ظلموا وأزواجهم وما كانوا يعبدون* من دون الله فاهدوهم إلى صراط الجحيم* وقفوهم إنهم مسؤولون) فالسؤال هنا ليكونوا شهداء على أنفسهم هذا الذي كنتم به تكذبون ،هذا ما عبدتم من دون الله ،هاهو وقت الحساب لتكونوا شهداء على أنفسكم .
تحذير وتنبيه
إن الله تعالى حفظ كتابه من تدليس الأعداء، فجعله معجزة خالدة ترد على الشبهات العالقة به، لهذا لم يستطيعوا دس سمومهم فيه، ولكنهم لكامل الأسف استطاعوا الوصول إلى كتب التفسير، والسيرة فحشوها بالإسرائيليات، مغتنمين انتهاء عهد المخطوطات، وظهور عهد المطبوعات، فالمكتبات الإسلامية تعج بالكثير من هذه الكتب المشبوهة، التي تضل فكر المسلم، وتعمي بصيرته، لهذا على العلماء والمفكرين الإسلاميين، تنقية الثرات الإسلامي من كل الشوائب، وتحري الدقة والتحقيق في ذلك.
المصادر والمراجع
1) القرآن الكريم
2) معجزة القرآن الكريم لمحمد متولي الشعراوي
لمراسلة المؤلف : makrach_7@hotmail.com
==================
حفظ القرآن من التحريف
(الشبكة الإسلامية)
امتاز القرآن الكريم عن غيره من الكتب السماوية بكفالة الله عز وجل له وحفظه من التحريف والتغيير ، فقال سبحانه : { إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون }(الحجر:9) قال أهل العلم : حَفِظَه الله من أن يزاد فيه أو ينقص منه ، ولولا أن الله سبحانه تولى حفظه بنفسه لأصابه ما أصاب الكتب قبله من التحريف والتبديل ، إذ أوكل الله حفظها إلى من أنزلت عليهم قال تعالى { إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء } (المائدة: من الآية44) والحكمة من تفضيل القرآن بهذه الميزة العظيمة ، كونه خاتم الكتب السماوية .
وقد هيأ الله له من أسباب الحفظ ما لم يهيئه لغيره من الكتب ، فمن تلك الأسباب ما فعله الخليفة الراشد أبو بكر الصديق رضي الله عنه من جمع القرآن في الصحف ، وذلك لما كثر القتل في القرّاء يوم اليمامة وخشي ضياع القرآن بضياع حفظته ، كما ثبت ذلك في صحيح البخاري .
ومن أسباب حفظه أيضا ما قام به الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه بموافقة جميع الصحابة من جمع الناس على مصحف واحد جمع فيه القراءات الثابتة ، ثم بعث به إلى الآفاق ، وأحرق ما سواه ، بعد أن ظهرت بوادر الاختلاف .
ومن أعظم أسباب حفظ القرآن الكريم ما يسره الله عز وجل من تسهيل حفظه في الصدور حتى أقدر على حفظه الصغير والكبير والجاهل والمتعلم والعربي والعجمي لا يختص بحفظه أحد دون أحد ، قال تعالى : { ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر } (القمر:32) .(6/69)
ومن جميل ما يحكى مما يعد شاهدا حيا على حفظ الله لكتابه وصيانته له من أن تعبث به أيدي البشر أن يهوديا دخل على المأمون في مجلسه فتكلم فأحسن العبارة ، فلما انتهى المجلس دعاه المأمون فقال إسرائيلي ؟ قال نعم ، فدعاه إلى الإسلام ، ورغبه بالعطايا ، فقال : ديني ودين آبائي ثم انصرف ، فلما كان العام المقبل حضر فتكلم في الفقه فأحسن فقال المأمون أو لست صاحبنا قال نعم قال فما سبب إسلامك ؟ قال انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان وأنت تراني حسن الخط فعمدت إلى التوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها الكنيسة فاشتريت مني ، وعمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها ونقصت وأدخلتها البيعة فاشتريت مني ، وعمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ وزدت فيها ونقصت وأدخلتها الوراقين فتصفحوها فلما أن وجدوا فيها الزيادة والنقصان رموا بها فلم يشتروها ، فعلمت أن هذا كتاب محفوظ فكان هذا سبب إسلامي .
فمن هنا كانت قضية حفظ القرآن محسومة في ذهن كل مسلم ، مُسلَّمة عند كل مؤمن ، وقد نص العلماء على أن من ادعى حصول النقص أو الزيادة في كتاب الله فقد كذب الله في خبره ومن كذّب الله في خبره فقد كفر .
---------------
الدليل على حفظ القرآن من التحريف
تاريخ الفتوى : 28 رمضان 1421 / 25-12-2000 السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة المحترمون
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
هل يوجد حديث نبوي شريف عند مذاهب أهل السُنة، مداره أن القُرآن الكريم لم يصبه التحريف؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالدليل على سلامة هذا القرآن من التحريف، هو قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر: 9].
وقد أجمع المسلمون على حفظه، وسلامته من كل تحريف، وعلى أن من ادعى وقوع التحريف فيه أنه كافر. وقد سبق بيان ذلك مفصلا تحت الفتوى رقم: 6472 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
----------
الرد على من زعم أن القرآن محرف
تاريخ الفتوى : 28 رمضان 1421 / 25-12-2000 السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السادة المحترمون
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الرجاء ذكر عنوان كتاب مُعتبر عند مذاهب أهل السُنّة، عن موضوع تحريف القرآن و أهل السُنة؛ (يعني موقفهم تجاه هذا الموضوع).
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فأهل السنة والجماعة يعتقدون سلامة القرآن العظيم من التحريف، والتبديل، والتغيير، والنقص، والزيادة بأي وجه من الوجوه، ويرون أن القول بذلك طعن في وعد الله تعالى الذي لا يتخلف، وذلك قوله سبحانه: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) [الحجر: 9].
والظن بأن الصحابة أو بعضهم أقدم على ذلك طعن في الله، وفي رسوله.
ذلك أن الله تعالى لم يكن لينصر رسوله على أمم الكفر والشرك، ثم يحيطه بجماعة من المنافقين يربيهم ويعلمهم ويؤاكلهم ويجالسهم ويعيش دهره معهم، وهم خونة فجرة، لا يؤتمنون على وحي، ولا يصلحون لحمل الرسالة، وتبليغ الدين، فأي طعن في الله تعالى فوق هذا الطعن؟! وأي تكذيب لوعد الله بالنصر والتمكين وإكمال الدين فوق هذا التكذيب؟!.
وكيف يسعى رسول الله صلى الله عليه وسلم لهداية أمم الأرض، وهو عاجز عن أن يصطفي جماعة قليلة من حوله؟!.
وأي نصر وفتح يهبه الله له، وهو لا يفتأ يؤاكل ويجالس، بل ويصاهر ويناسب كفاراً منافقين سيسعون إلى تغيير القرآن وتبديله؟!.
والظن بأن الصحابة الذين جمعوا القرآن، ودونوه يمكن أن يزيدوا فيه، أو ينقصوا منه طعن في الدين كله، وهل جاءنا الدين إلا عن طريقهم؟! وهل وصول الإسلام إلينا إلا ثمرة من ثمار دعوتهم وجهادهم؟!
ومن هنا كان قول أهل السنة والجماعة، أن من ادعى وجود التحريف في القرآن فهو كافر، ومن قال قولاً يفضي إلى تضليل الأمة فهو كافر.
وقد كتب أهل السنة في ذلك كتابات متنوعة، منها ما يذكرونه في أبواب الردة من كتب الفقه، وينصون على حكم هذه المسألة، ومنها ما هو في سياق الرد على الزنادقة والملاحدة والطوائف المنحرفة، ومنها ما يذكر في كتب الاعتقاد في بيان منزلة القرآن الكريم. ومنها تآليف معاصرة اهتمت بتقرير المسألة، ودحض شبهات المخالفين، ككتاب: الشيعة والقرآن للشيخ إحسان إلهي ظهير، وكتاب: أصول مذهب الشيعة الإمامية للدكتور ناصر بن عبد الله القفاري. وكتاب: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة له أيضا.
ومن كلام أهل السنة في ذلك:(6/70)
قال القاضي عياض في كتابه: الشفا في بيان حقوق المصطفى صلى الله عليه وسلم 2/304. (وقد أجمع المسلمون أن القرآن المتلو في جميع أقطار الأرض المكتوب في المصحف بأيدي المسلمين، مما جمعه الدفتان من أول "الحمد لله رب العالمين" إلى آخر " قل أعوذ برب الناس" أنه كلام الله، ووحيه المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأن جميع ما فيه حق، وأن من نقص منه حرفاً قاصداً لذلك، أو بدله بحرف آخر مكانه، أو زاد فيه حرفاً مما لم يشتمل عليه المصحف الذي وقع الإجماع عليه، وأجمع على أنه ليس من القرآن عامداً لكل هذا أنه كافر).
وقال ابن قدامة في لمعة الاعتقاد (ولا خلاف بين المسلمين في أن من جحد من القرآن سورة أو آية أو كلمة أو حرفاً متفقاً عليه أنه كافر).
وقال القاضي أبو يعلى (والقرآن ما غُيِّر ولا بُدِّل ولا نُقِص منه، ولا زِيدَ فيه، خلافاً للرافضة القائلين: إن القرآن قد غير وبدل وخولف بين نظمه وترتيبه). وقال (إن القرآن جمع بمحضر من الصحابة رضي الله عنهم، وأجمعوا عليه، ولم ينكر منكر، ولا رد أحد من الصحابة ذلك ولا طعن فيه، ولو كان مغيراً مبدلاً لوجب أن ينقل عن أحد من الصحابة أنه طعن فيه، لأن مثل هذا لا يجوز أن ينكتم في مستقر العادة... ولأنه لو كان مغيراً ومبدلاً لوجب على علي رضي الله عنه أن يبينه ويصلحه، ويبين للناس بياناً عاماً أنه أصلح ما كان مغيراً، فلما لم يفعل ذلك ، بل كان يقرؤه ويستعمله، دل على أنه غير مبدل، ولا مغير).اهـ.
وليعلم أن بعض ضعاف العقول ظنوا أن إثبات النسخ نوع من التحريف، وحاولوا أن يشنعوا على أهل السنة بذلك، وهذا ناشئ من الجهل، واتباع الهوى، فإن النسخ قد دل عليه القرآن وأثبتته السنة، ولا يصدر إلا عن الله، أو عن رسوله صلى الله عليه وسلم.
ومن زعم أن في كتب السنة روايات صحيحة تعتمد شيئاً من تحريف القرآن فهو كاذب.
ومن ادعى أن روايات التحريف عند غير أهل السنة مقابلة بمثلها عند أهل السنة فهو مغالط، وذلك من وجهين: الأول: أن القضية ليست في روايات قد تصح، وقد تضعف، ولكن في تصريح بعض أئمة الضلال بكون القرآن محرفاً ومبدلاً ومغيراً.
والثاني: أنه على فرض وجود روايات من ذلك عند أهل السنة، فهي ساقطة باطلة قابلها أهل السنة بالإنكار، وحكموا على من اعتقد هذا التحريف بالكفر والردة، وهذا ما لم تفعله الفرق المنحرفة الطاعنة في القرآن، فإنهم يثبتون الروايات، ويتبنون ما تدل عليه، ولا يجرؤون على تكفير من اعتقدها ودان بها. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
--------------
الحكمة من حفظ القرآن دون غيره من الكتب المنزلة
تاريخ الفتوى : 16 صفر 1420 / 01-06-1999 السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم"إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافطون"صدق الله العظيم لماذا تكفل الله عزوجل بحماية القرآن الكريم بينما لم يتكفل بحماية الكتب السماوية من التحريف بحيث عبث العابثون من يهود ونصارى في كتبهم السماوية ؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فالإيمان يقوم على التسليم لأمر الله والرضا، بحكمه، والانقياد لشرعه والاعتقاد بأن ما شرع الله وقضاه مبني على الحكمة التامة، وأنه تعالى: ( لا يُسأل عما يفعل وهم يُسألون) [الأنبياء:23]وقد يقف العبد على بعض الأسرار والحكم لبعض الأمور ولا يقف على البعض الآخر،ولعل من الحكم لحفظ القرآن دون غيره من الكتب - مع أن الكل من عند الله- أن القرآن لما كان هو آخر الكتب، ومحمد صلى الله عليه وسلم هو آخر الأنبياء، ناسب أن يكون هذا الكتاب العظيم محفوظاً من التبديل والتغيير لانتفاء بعثة نبي آخر ينفي التحريف ويظهر الحق.
وهذا على عكس الكتب السابقة التي جاء بعدها الأنبياء وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم، فأخبر عن تحريفها، وأكد ما فيها من الحق .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
الرد على شبهه عصيان إبليس وهو من الملائكة الذين لا يعصون الله
يؤكد القرآن أنه لا يمكن للملائكة أن تعصى الله [ التحريم: 6 ] ومع ذلك فقد عصى إبليس الذى كان من الملائكة ، كما فى الآية [ البقرة: 34 ] فأيهما صحيح ؟. (انتهى).
الرد على الشبهة:
الملائكة مخلوقات مجبولة على طاعة الله وعبادته والتسبيح له وبه.. فهم لا يعصون الله سبحانه وتعالى: (يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارًا وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ) (1).
ومع تقرير هذه الآية أن هؤلاء الملائكة القائمين على النار [ لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون ] يقرر القرآن الكريم أن إبليس ـ وهو من الملائكة ـ فى قمة العصيان والعصاة: (وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين ) (2).(6/71)
وهناك إمكانية للجمع بين معانى الآيتين ، وذلك بأن نقول: إن عموم الملائكة لا يعصون الله ـ سبحانه وتعالى ـ فهم مفطورون ومجبولون على الطاعة.. لكن هذا لا ينفى وجود صنف هم الجن ـ ومنهم إبليس ، شملهم القرآن تحت اسم الملائكة ـ كما وصف الملائكة أيضًا بأنهم جِنَّة ـ لخفائهم واستتارهم ـ وهذا الصنف من الجن ، منهم الطائعون ومنهم العصاة..
وفى تفسير الإمام محمد عبده [1265 ـ 1323هـ ،1849 ـ 1905م] لآية [ لبقرة: 34 ] يقول:
" أى سجدوا إلا إبليس ، وهو فرد من أفراد الملائكة ، كما يفهم من الآية وأمثالها فى القصة ، إلا آية الكهف فإنها ناطقة بأنه كان من الجن.. وليس عندنا دليل على أن بين الملائكة والجن فصلاً جوهريًا يميز أحدهما عن الآخر ، وإنما هو اختلاف أصناف ، عندما تختلف أوصاف. فالظاهر أن الجن صنف من الملائكة. وقد أطلق القرآن لفظ الجنَّة على الملائكة ، على رأى جمهور المفسرين فى قوله تعالى: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) (3). وعلى الشياطين فى آخر سورة الناس " (4).
ونحن نجد هذا الرأى أيضًا عند القرطبى ـ فى تفسيره [ الجامع لأحكام القرآن ] فيقول:
" وقال سعيد بن جبير: إن الجن سِبْط من الملائكة ، خلقوا من نار ، وإبليس منهم ، وخُلق سائر الملائكة من نور.. والملائكة قد تسمى جنا لاستتارها. وفى التنزيل: (وجعلوا بينه وبين الجنة نسبا ) (5) وقال الشاعر أعشى قيس ـ فى ذكر سليمان ـ عليه السلام:
وسَخَّر من جنّ الملائكة تسعة قيامًا لديه يعملون بلا أجر (6).
فلا تناقض إذًا بين كون الملائكة لا يعصون الله.. وبين عصيان إبليس.. وهو من الجن ، الذين أطلق عليهم اسم الملائكة ـ فهو مثله كمثل الجن هؤلاء منهم الطائعون ومنهم العصاة.
________________
(1) التحريم: 6.
(2) البقرة: 34.
(3) الصافات: 158.
(4) [ الأعمال الكاملة للإمام محمد عبده ] ج4 ص 133 ، دراسة وتحقيق. د. محمد عمارة ، طبعة دار الشروق. القاهرة 1414هـ 1993م.
(5) الصافات: 158.
(6) [ الجامع لأحكام القرآن ] ج1 ص294 ، 295 مصدر سابق.
===============
الرد على شبهة أن الله لا يغفر أن يشرك به ولكنه غفر لنبي الله إبراهيم
يوضح القرآن أن الله لا يغفر أن يشرك به (سورة النساء آية: 48). ومع ذلك فقد غفر الله لإبراهيم ـ عليه السلام ـ بل جعله نبيّا رغم أنه عبد النجوم والشمس والقمر (الأنعام: 76ـ78). فما الإجابة ؟ (انتهى).
الرد على الشبهة:
الشرك محبط للعمل: (قل أفغير الله تأمرونى أعبد أيها الجاهلون * ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين * بل الله فاعبد وكن من الشاكرين ) (1) (إن الله لا يغفر أن يُشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ومن يشرك بالله فقد افترى إثمًا عظيمًا ) (2).
والأنبياء والرسل هم صفوة الله من خلقه ، يصطفيهم ويستخلصهم ، ويصنعهم على عينه ، وينزههم حتى قبل البعثة لهم والوحى إليهم عن الأمور التى تخل بجدارتهم للنبوة والرسالة.. ومن ذلك الشرك ، الذى لو حدث منهم واقترفوه لكان مبررًا لغيرهم أن يقترفه ويقع فيه.. ولذلك ، لم يرد فى القرآن الكريم ما يقطع بشرك أحد من الأنبياء والرسل قبل بعثته.. بمن فى ذلك أبو الأنبياء وخليل الرحمن إبراهيم ـ عليه السلام ـ.
أما الآيات التى يشير إليها السؤال.. وهى قول الله سبحانه وتعالى: (وإذ قال إبراهيم لأبيه آزر أتتخذ أصنامًا آلهة إنى أراك وقومك فى ضلال مبين * وكذلك نرى إبراهيم ملكوت السموات والأرض وليكون من الموقنين * فلما جن عليه الليل رأى كوكبًا قال هذا ربى فلما أفل قال لا أحب الآفلين * فلما رأى القمر بازغًا قال هذا ربى فلما أفل قال لئن لم يهدنى ربى لأكونن من القوم الضالين * فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربى هذا أكبر فلما أفلت قال يا قوم إنى برئ مما تشركون * إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفًا وما أنا من المشركين * وحاجّه قومه قال أتحاجّونى فى الله وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربى شيئًا وسع ربى كل شىء علمًا أفلا تتذكرون * وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنكم أشركتم بالله ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأى الفريقين أحق بالأمن إن كنتم تعلمون * الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون * وتلك حجتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجات من نشاء إن ربك حكيم عليم ) (3).
أما هذه الآيات ، فليس فيها دليل على أن إبراهيم ـ عليه السلام ـ قد مر بمرحلة شرك ، وحاشا لله أن يقع فى ذلك، وإنما هى تحكى كيف آتى الله إبراهيم الحجة على قومه.. حجة التوحيد ، ودحض الشرك.. فهى حجاج وحوار يسلم فيه إبراهيم جدلاً ـ كشأن الحوار ـ بما يشركون ، لينقض هذا الشرك ، ويقيم الحجة على تهاوى ما به يحتجون ، وعلى صدق التوحيد المركوز فى فطرته.. ليخلص من هذا الحوار والحجاج والاحتجاج إلى أن الخيار الوحيد المتبقى ـ بعد هذه الخيارات التى سقطت ـ هو التوحيد..(6/72)
فهو حوار التدرج من توحيد الفطرة إلى التوحيد القائم على المنطق والبرهان والاستدلال ، الذى فند دعاوى وحجج الخصوم.. والاستدلال اليقينى (وليكون من الموقنين (وليس فيه انتقال من الشرك إلى التوحيد.
تلك هى الحقيقة التى رجحها المفسرون.
* فالقرطبى ، أبو عبد الله محمد بن أحمد الأنصارى [671هـ 1273م] يقول فى تفسيره [ الجامع لأحكام القرآن ] ـ مورد الآراء المختلفة حول هذا الموضوع:
قوله تعالى: (هذا ربى (اختلف فى معناه على أقوال ، فقيل: كان هذا منه فى مُهلة النظر وحال الطفوليّة وقبل قيام الحجة ، وفى تلك الحال لا يكون كفر ولا إيمان.
وقال قوم: هذا لا يصح ، وقالوا: غير جائز أن يكون لله تعالى رسول يأتى عليه وقت من الأوقات إلا وهو لله تعالى موحِّد وبه عارف ، ومن كل معبود سواه برئ. قالوا: وكيف يصح أن يتوهم هذا على من عصمه الله وأتاه رشده من قبلُ ، وأراه ملكوته ليكون من الموقنين ، ولا يجوز أن يوصف بالخلو من المعرفة ، بل عرف الرب أول النظر.. وقد أخبر الله تعالى عن إبراهيم أنه قال: (واجنبنى وبنىّ أن نعبد الأصنام ) (4) وقال عز وجل: (إذ جاء ربه بقلب سليم ) (5) أى لم يشرك قط.. لقد قال: (هذا ربى (على قول قومه ، لأنهم كانوا يعبدون الأصنام والشمس والقمر. ونظير هذا قوله تعالى: (أين شركائى ) (6). وهو جل وعلا واحد لا شريك له ، والمعنى: أين شركائى على قولكم..
وقيل: إنما قال: (هذا ربى (لتقرير الحُجة على قومه ، فأظهر موافقتهم ، فلما أفل النجم قرّر الحُجة ، وقال: ما تَغَيَّرَ لا يجوز أن يكون ربًّا ، وكانوا يعظمون النجوم ويعبدونها ويحكمون بها.
ومن أحسن ما قيل فى هذا ما صح عن ابن عباس أنه قال فى قوله ـ عز وجل ـ: (نور على نور ) (7) قال: كذلك قلب المؤمن يعرف الله عز وجل ويستدل عليه بقلبه ، فإذا عرفه ازداد نورًا على نور ، وكذلك إبراهيم ـ عليه السلام ـ ، عرف الله عز وجل بقلبه واستدل عليه بدلائله ، فعلم أن له ربًّا وخالقًا. فلما عرَّفه الله عز وجل بنفسه ازداد معرفة فقال: (أتحاجونى فى الله وقد هدان (.
وقيل: هو على معنى الاستفهام والتوبيخ ، منكرًا لفعلهم ، والمعنى: أهذا ربى ، أو مثل هذا يكون ربًّا ؟! فحذف الهمزة. وفى التنزيل: " (أفإن مت فهم الخالدون ) (8). أى أفهم الخالدون ؟.. " (9).
* ومع هذا الرأى أيضًا الزمخشرى ، أبو القاسم جار الله محمود بن عمر الخوارزمى [467 ـ 538هـ 1075 ـ 1144م ] ، صاحب تفسير [ الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل فى وجوه التأويل ] الذى يقول فى تفسير هذه الآيات:
" وكان أبوه آزر وقومه يعبدون الأصنام والشمس والقمر والكواكب ، فأراد أن ينبههم على الخطأ فى دينهم ، وأن يرشدهم إلى طريق النظر والاستدلال ، ويعرِّفهم أن النظر الصحيح مؤدٍّ إلى أن شيئًا منها لا يصح أن يكون إلها ، لقيام دليل الحدوث فيها ، وأن وراءها مُحْدِثًا أحدثها وصانعًا صنعها ومدبرًا دبر طلوعها وأفولها وانتقالها ومسيرها وسائر أحوالها ".
(هذا ربى (: قول من ينصف خصمه مع علمه بأنه مبطل ، فيحكى قوله كما هو غير متعصب لمذهبه ، لأن ذلك أدعى إلى الحق وأنجى من الشَّغَب ، ثم يكرُّ عليه بعد حكايته فيبطله بالحُجة.
(لا أحب الآفلين (: لا أحب عبادة الأرباب المتغيرين من حال إلى حال ، المنتقلين من مكان إلى مكان ، المحتجبين بستر ، فإن ذلك من صفات الأجْرام.
(لئن لم يهدنى ربى (: تنبيه لقومه على أن من اتخذ القمر إلها وهو نظير الكواكب فى الأفول فهو ضال ، وأن الهداية إلى الحق بتوفيق الله ولطفه..
(إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض (أى للذى دلت هذه المحدثات عليه وعلى أنه مبتدئها ومبدعها (10).
* وعلى هذا الرأى أيضًا من المحدثين ـ الشيخ عبد الوهاب النجار [ 1278ـ1360هـ ،1862ـ1941م] ـ صاحب [ قصص الأنبياء ] ـ الذى يقول: " لقد أتى إبراهيم فى الاحتجاج لدينه وتزييف دين قومه بطريقة التدرج فى الإلزام أو التدرج فى تكوين العقيدة.. " (11).
وذلك هو موقف إبراهيم الخليل ـ عليه السلام ـ من الشرك.. لقد عصمه الله منه.. وإنما هى طريقة فى الجدال يتدرج بها مع قومه ، من منطلقاتهم ليصل إلى هدم هذه المنطلقات ، وإلى إقامة الدليل العقلى على عقيدة التوحيد الفطرية المركوزة فى القلوب.
_________________
(1) الزمر: 64ـ66.
(2) النساء: 48.
(3) الأنعام: 74ـ83.
(4) إبراهيم: 35.
(5) الصافات: 84.
(6) القصص: 74.
(7) النور: 35.
(8) الأنبياء: 34.
(9) [ الجامع لأحكام القرآن ] ج7 ص 25 ، 26 ، طبعة دار الكاتب العربى للطباعة والنشر ـ القاهرة 1387هـ 1967م.
(10) [ الكشاف ] ج2 ص 30 ، 31 طبعة دار الفكر ـ بيروت ـ بدون تاريخ ـ وهى طبعة مصورة عن طبعة طهران " انتشارات أفتاب ـ تهران " وهى الأخرى بدون تاريخ للطبع.
(11) [ قصص الأنبياء ] ص 80 طبعة دار إحياء التراث العربى ـ بيروت ـ لبنان ـ بدون تاريخ للطبع
============
انتصار الروم البيزنطيين
غلبت الروم في أدنى الأرض(6/73)
قال الله تعالى في كتابه العزيز: :( الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6}(سورة الروم).
تمهيد:
كانت الإمبراطورية الفارسية تقع شرقي الجزيرة العربية، على الساحل الآخر للخليج العربي، على حين كانت الإمبراطورية الرومانية تمتد عن غربي الجزيرة على ساحل البحر الأحمر إلى ما فوق البحر الأسود.
وقد سميت الأولى ـ أيضاً ـ بالإمبراطورية الساسانية، والأخرى بالبيزنطية.
وكانت حدود الإمبراطوريتين تصل إلى الفرات ودجلة، في شمال الجزيرة العربية. وكانتا أقوى حكومتين شهدهما ذلك العصر.
ويبدأ تاريخ الإمبراطورية الرومانية ـ كما يرى المؤرخ " جبن " ـ في القرن الثاني بعد الميلاد، وكانت تتمتع حينئذ بمكانتها كأرقى دولة حضارية في العالم.
وقد شغل المؤرخين تاريخ زوال الروم، كما لم يشغلهم زوال أية حضارة أخرى(1).
وليس يغني كتاب من الكتب التي ألفت حول هذا الموضوع عن الكتب الأخرى، ولكن يمكن اعتبار كتاب المؤرخ " أدوارد جبن"، " تاريخ سقوط وانحداد الإمبراطورية الرومانية" (2)أكثرهم تفصيلاً وثقة، وقد ذكر المؤرخ في الجزء الخامس من كتابه الوقائع المتعلقة ببحثنا هنا.
اعتنق الملك " قسطنطين " الدين المسيحي عام 325م، وجعله ديانة البلاد الرسمية، فآمنت بها أكثرية رعايا الروم. وعلى الجانب الآخر، رفض الفرس ـ عباد الشمس ـ هذه الدعوة.
وكان الملك الذي تولى زمام الإمبراطورية الرومانية في أواخر القرن السابع الميلادي هو "موريس"، وكان ملكاً غافلاً عن شؤون البلاد والسياسة، ولذلك قاد جيشه ثورة ضده، بقيادة " فوكاس Phocas"" .
وأصبح فوكاس ملك الروم، بعد نجاح الثورة، والقضاء على العائلة الملكية بطريقة وحشية، وأرسل سفيراً له إلى إمبراطور إيران " كسرى أبرويز الثاني " وهو ابن " أنوشيروان " العادل.
وكان " كسرى " هذا مخلصاً للملك " موريس"، إذ كان قد لجأ إليه عام 590ـ 591م، بسبب مؤامرة داخلية في الأمبراطورية الفارسية، وقد عاونه " موريس" بجنوده لإستعادة العرش. ومما يروى أيضاً أن " كسرى " تزوج بنت " موريس"، أثناء إقامته ببلاد الروم، ولذلك كان يدعوه " بالأب" .
ولما عرف بأخبار انقلاب الروم، غضب غضباً شديداً، وأمر بسجن السفير الرومي، وأعلن عدم اعترافه بشرعية حكومة الروم الجديدة.
وأغار " كسرى أبرويز" على بلاد الروم، وزحفت جحافله عابرة نهر الفرات إلى الشام. ولم يتمكن " فوكاس" من مقاومة جيوش الفرس التي استولت على مدينتي " انطاكية والقدس"، فاتسعت حدود الإمبراطورية كالنسطورية، واليعقوبية ـ حاقدة على النظام الجديد في روما، فناصرت الفاتحين الجدد، وتبعها اليهود، مما سهل غلبة الفرس.
وأرسل بعض أعيان الروم رسالة سرية إلى الحاكم الرومي في المستعمرات الإفريقية يناشدونه إنقاذ الإمبراطورية، فأرسل الحاكم جيشاً كبيراً بقيادة ابنه الشاب " هرقل " فسار بجيشه في الطريق البحرية، بسرية تامة .. حتى إن " فوكاس" لم يدر بمجيئهم إلا عندما شاهد الأساطيل وهي تقترب من السواحل الرومانية، واستطاع هرقل ـ دون مقاومة تذكر أن يستولي على الإمبراطورية، وقتل " فوكاس" الخائن.
بيد أن هرقل لم يتمكن، برغم استيلائه على الإمبراطورية، وقتله " فوكاس" من إيقاف طوفان الفرس.. فضاع من الروم كل ما ملكوا من البلاد في شرقي العاصمة، وجنوبيها. لم يعد العلم الصليبي يرفرف على العراق، والشام، وفلسطين، ومصر، وآسيا الصغرى، بل علتها راية الفرس: " درفش كاوياني " !!!
وتقلصت الإمبراطورية الرومانية في عاصمتها، وسدت جميع الطرق في حصار اقتصادي قاس، وعم القحط، وفشت الأمراض الوبائية، ولم يبق من الإمبراطورية، غير جذور شجرها العملاق. وكان الشعب في العاصمة خائفاً يترقب ضرب الفرس للعاصمة، ودخولهم فيها، وترتب على ذلك أن أغلقت جميع الأسواق، وكسدت التجارة، وتحولت معاهد العلم، والثقافة إلى مقابر موحشة مهجورة .
وبدأ عباد النار يستبدون بالرعايا الروم للقضاء على المسيحية..
فبدأوا يسخرون علانية من الشعائر الدينية المقدسة، ودمروا الكنائس، وأراقوا دماء ما يقرب من 100.000من المسيحيين المسالمين. وأقاموا بيوت عبادة النار في كل مكان، وأرغموا الناس على عبادة الشمس والنار، واغتصبوا الصليب المقدس، وأرسلوه إلى " المدائن" .
ويقول المؤرخ " جبن" في المجلد الخامس من كتابه:(6/74)
" ولو كانت نوايا " كسرى " طيبة في حقيقة الأمر، لكان اصطلح مع الروم بعد قتلهم "فوكاس"، ولاستقبل " هرقل " كخير صديق أخذ بثأر حليفه، وصاحب نعمته " موريس"، بأحسن طريقة، ولكنه أبان عن نواياه الحقيقة عندما قرر مواصلة الحرب " (3).
ويمكن قياس الهوة الكبرى التي حدثت بين الروم والفرس من خطاب وجهه " كسرى" إلى " هرقل" من بيت المقدس، قائلاً :
" من لدن الإله كسرى، الذي هو أكبر الآلهة، وملك الأرض كلها، إلى عبده اللئيم الغافل هرقل: إنك تقول: إنك تثق في إلهك! فلماذا لا ينقذ إلهك القدس من يدي!؟
واستبد اليأس، والقنوط بهرقل من هذه الأحوال السيئة، وقرر العودة إلى قصره الواقع في " قرطاجنة" على الساحل الإفريقي.. فلم يعد يهمه أن يدافع عن الإمبراطورية، بل كان شغله الشاغل إنقاذ نفسه.. وأرسلت السفن الملكية إلى البحر، وخرج " هرقل" في طريقه ليستقل إحدى هذه السفن إلى منفاه الاختياري.
وفي هذه الساعة الحرجة تحايل كبير الأساقفة الروم باسم الدين والمسيح، ونجح في إقناع " هرقل" بالبقاء، وذهب " هرقل" مع الأسقف إلى قربان" سانت صوفيا " يعاهد الله تعالى على أنه لن يعيش أو يموت إلا مع الشعب الذي أختاره الله له .
وبإشارة من الجنرال الإيراني سين (Sain) أرسل (هرقل) سفيراً إلى " كسرى " طالباً منه الصلح، ولكن لم يكد القاصد الرومي يصل إلى القصر، حتى صاح "كسرى" في غضب شديد: " لا أريد هذا القاصد! حتى يهجر إلهه، الصليبي، ويعبد الشمس ألهتنا " (4).
وبعد مضي ستة أعوام على الحرب، رضي الإمبراطور الفارسي أن يصالح هرقل على شروط معينة هي أن يدفع ملك الروم " ألف تالنت (5) من الذهب، وألف تالنت من الفضة، وألف ثوب (6)من الحرير، وألف جواد، وألف فتاة عذاراء" .
ويصف " جبن " هذه الشروط بأنها " مخزية" دون شك، وكان من الممكن أن يقبلها " هرقل" لولا المدة القصيرة التي أتيحت له لدفعها من المملكة المنهوبة، والمحدودة الأرجاء، ولذلك آثر أن يستعمل هذه الثورة كمحاولة أخيرة، ضد أعدائه.
وبينما سيطرت على العاصمتين الفارسية، والرومية هذه الأحداث، فقد سيطرت على شعب العاصمة المركزية في شبه الجزيرة العربية ـ وهي " مكة " المكرمة ـ مشكلة مماثلة : كان الفرس مجوساً من عباد الشمس والنار، وكان الروم من المؤمنين بالمسيح، وبالوحي، وبالرسالة، وبالله تعالى. وكان المسلمون مع الروم ـ نفسياً ـ يرجون غلبهم على الكفار، والمشركين، كما كان كفار مكة مع الفرس، لكونهم من عباد المظاهر المادية. وأصبح الصراع بين الفرس، والروم رمزاً خارجياً للصراع الذي كان يدور بين أهل الإسلام وأهل الشرك في " مكة" وبطريقة نفسية كانت كل من الجماعتين تشعر بأن نتيجة هذا الصراع الخارجي هي نفس مآل صراعهما الداخلي. فلما انتصر الفرس على الروم قرب البحر الميت عام 616م، واستولوا على جميع المناطق الشرقية من دولة الروم، انتهزها المشركون فرصة للسخرية من المسلمين، قائلين: لقد غلب إخواننا على إخوانكم، وكذلك سوف نقضي عليكم، إذا لم تصطلحوا معنا تاركين دينكم الجديد!! وكان المسلمون بمكة في أضعفن وأسوأ أحوالهم المادية، وفي تلك الحالة البائسة، صدرت كلمات من لسان الرسول صلى ا لله عليه وسلم :
بسم الله الرحمن الرحيم : : ( الم {1} غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ {4} بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ {5} وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ {6}(سورة الروم).
وتعليقاً على هذه النبوة يكتب " جبن" :
" في ذلك الوقت، حين تنبأ القرآن بهذه النبوة، لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعاً، لأن السنين الإثنتي عشرة الأولى من حكومة " هرقل " كانت تؤذن بانتهاء الإمبراطورية الرومانية " (7).
ولكن من المعلوم أن هذه النبوة جاءت من لدن من هو مهيمن على كل الوسائل : والأحوال، ومن بيده قلوب الناس، وأقدارهم، ولم يكد يبشر بهذه البشرى، حتى أخذ انقلاب يظهر على شاشة الإمبراطورية الرومانية.
ويرويه " جبن " على النحو التالي :(6/75)
" إنها من أبرز البطولات التاريخية، تلك التي نراها في " هرقل" فقد ظهر هذا الإمبراطور غاية في الكسل، والتمتع بالملذات، وعبادة الأوهام في السنين الأولى، والأخيرة من حكومته، كان يبدو كما لو كان متفرجاً أبله، استسلم لمصائب شعبه، ولكن الضباب الذي يسود السماء ساعتي الصباح، والمساء، يغيب حيناً من الوقت لشدة الشمس الظهيرة، وهذا هو ما حدث بالنسبة إلى هرقل، فقد تحول " أرقاديوس(8) القصور" إلى " قيصر ميدان الحرب (9)"فجأة، واستطاع أن يستعيد مجد الروم خلال ست حروب شجاعة شنها ضد الفرس وكان من واجب المؤرخين الروم أين يزيحوا الستار عن الحقيقة، تبياناً لأسرار هذه اليقظة، والنوم. وبعد هذه القرون التي مضت يمكننا الحكم بأنه لم تكن هناك دوافع سياسية وراء هذه البطولة، بل كانت نتيجة غريزة هرقل الذاتية، فقد انقطع عن كافة الملذات، حتى أنه هجر ابنة أخته " مارتينا " التي تزوجها لشدة هيامه بها، رغم أنها كانت محرمة عليه " (10).
هرقل ذلك الغافل الفاقد العزيمة ـ وضع خطة عظيمة لقهر الفرس، وبدأ في تجهيز العدة، والعتاد، ولكن رغم ذلك كله، عندما خرج هرقل مع جنوده بدا لكثيرين من سكان "القسطنطينية" أنهم يرون آخر جيش في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية.
وكان هرقل يعرف أن قوة الفرس البحرية ضعيفة، ولذلك أعد بحريته للإغارة على الفرس من الخلف. وسار بجيوشه عن طريق البحر الأسود إلى " أرمينيا "، وشن على الفرس هجوماً مفاجئاً في نفس الميدان الذي هزم فيه الإسكندر جيوش الفرس، لما زحف على أراضي مصر والشام، ولم يستطع الفرس مقاومة هذه الغارة المفاجئة، فلاذوا بالفرار.
وكان الفرس يملكون جيشاً كبيراً في " آسيا الصغرى"، ولكن " هرقل" فاجأهم بأساطيله مرة أخرى، وأنزل بهم هزيمة فادحة، بعد إحراز هذا النصر الكبير عاد " هرقل" إلى عاصمته " القسطنطينية " عن طريق البحر، وعقد معاهدة مع الأفاريين (Avars)، واستطاع بنصرتهم أن يسد سيل الفرس عند عاصمتهم.
وبعد الحربين اللتين مر ذكرهما شن هرقل ثلاث حروب أخرى ضد الفرس في سنوات 623، 624، 625م. واستطاع أن ينفذ إلى أراضي العراق القديم(ميسو بوتانيا) عن طريق البحر الأسود، وأضطر الفرس إلى الانسحاب من جميع الأراضي الرومية، نتيجة هذه الحروبن وأصبح " هرقل " في مركز يسمح له بالتوغل في قلب الإمبراطورية الفارسية، وكانت آخر هذه الحروب المصيرية ـ تلك الحروب التي خاضها الفريقان في " نينوا" على ضفاف " دجلة " في ديسمبر عام 627م.
ولما لم يستطيع " كسرى أبرويز" مقاومة سيل الروم، حاول الفرار من قصره الحبيب "دستكرد" ولكن ثورة داخلية نشبت في الإمبراطورية، واعتقله ابنه " شيرويه"، وزج به في سجن داخل القصر الملكي، حيث لقي حتفه، لسوء الأحوال في اليوم الخامس من اعتقاله، وقد قتل ابنه " شيرويه " ثماني عشرة من أبناء أبيه " كسرى" أمام عينيه .
ولكن " شيرويه" هو الآخر لم يستطع أن يجلس على العرش أكثر من ثمانية أشهر، حيث قتله أحد أشقائه، وهكذا بدأ القتال داخل البيت الملكي، وتولى تسعة ملوك زمام ملوك الحكم في غضون أربعة أعوام. ولم يكن من الممكن، أو المعقول في هذه الأحوال السيئة، أن يواصل الفرس حربهم ضد الروم...
فأرسل " قباد الثاني" ابن كسرى أبرويز الثاني يرجو الصلح، وأعلن تنازله عن الأراضي الرومية، كما أعاد الصليب المقدس، ورجع " هرقل" إلى عاصمته " القسطنطينية " في مارس عام 628م، في احتفال رائع، حيث كان يجر مركبته أربعة أفيال، وأستقبله آلاف مؤلفة من الجماهير، خارج العاصمة، وفي أيديهم المشاعل، وأغصان الزيتون(11)!!
وهكذا صدق ما تنبأ به القرآن الكريم عن غلبة الروم في مدته المقررة، أي في أقل من عشر سنين، كما هو المراد في لغة العرب من كلمة : " بضع " !
وقد أبدى " جبن " حيرته، وإعجابه بهذه النبوءة، ولكنه كي يقلل من أهميتها ربطها برسالة النبي صلى الله عليه وسلم إلى " كسرى" .
يقول جبن :
" وعندما أتم الإمبراطور الفارسي نصره على الروم، وصلته رسالة من مواطن خامل الذكر من "مكة" دعاه إلى الإيمان بمحمد، رسول الله، ولكنه رفض هذه الدعوة، ومزق الرسالة..
وعندما بلغ هذا الخبر رسول العرب، قال : سوف يمزق الله دولته تمزيقاً، وسوف يقضي على قوته".
" ومحمد الذي جلس في الشرق على حاشية الإمبراطوريتين العظيمتين، طار فرحاً، مما سمع عن تصارع الإمبراطوريتين وقتالهما، وجرؤ في إبّان الفتوحات الفارسية وبلوغها القمة أن يتنبأ بأن الغلبة تكون لراية الروم بعد بضع سنين، وفي ذلك الوقت، حين ساق الرجل هذه النبوءة، لم تكون أية نبوءة أبعد منها وقوعاً، لأن الأعوام الإثني عشر الأولى من حكومة هرقل كانت تشي بنهاية الإمبراطورية الرومانية " (12).(6/76)
بيد أن جميع مؤرخي الإسلام يعرفون معرفة تامة أن هذه النبوءة لا علاقة لها بالرسالة التي وجهها النبي إلى " كسرى أبرويز"، لأن تلك الرسالة إنما أرسلت في العام السابع من الهجرة، بعد صلح الحديبية، أي عام 628م، في حين أن آية النبوءة المذكورة نزلت بمكة عام 616م، أي قبل الهجرة بوقت طويل، فين الحدثين فاصل يبلغ اثني عشر عاماً (13).
أما وجه الإعجاز: تنبأ القرآن بهزيمة الفرس على أيدي الروم في بضع سنين وقد كان.
كما أنه هناك وجه إعجازي آخر في هذه الآيات، وهي أنها تقرر حقيقة جغرافية لم تكن معروفة عند أحد في ذلك الوقت.
فالآية الثالثة من سورة الروم خسروا المعركة في أدنى الأرض قال تعالى:(غُلِبَتِ الرُّومُ {2} فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ {3} فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ).
و تعبير " أدنى الأرض" في العربية يعني حسب بعض التفاسير مكاناً قريباً، ولكن هذا التفسير مجازي، لأن كلمة أدنى لم تأتي في هذه الآية بهذا المعنى فكلمة أدنى باللغة العربية مشتقة من دنا يدنو بمعنى القريبة، وتأتي بمعنى المنخفض، والأرض تعني العالم. و لذلك فإن أدنى الأرض معناها أكثر الأمكنة انخفاضاً في العالم .
و المثير للاهتمام أن أهم مراحل الحرب التي كانت بين الروم والفرس وأسفرت عن هزيمة الروم وخسارتهم للقدس، حصلت في أكثر مناطق العالم انخفاضاً في حوض البحر الميت الذي يقع في منطقة تتقاطع فيها كل من سوريا و الأردن و فلسطين و يبلغ مستوى سطح الأرض هنا 395 متراً تحت سطح البحر ، مما يجعل هذه المنطقة فعلاً أدنى منطقة من الأرض .
و أهم ما في الأمر أن ارتفاع البحر الميت لم يكن ليقاس في غياب تقنيات القياس الحديثة، ولذلك كان من المستحيل أن يعرف أي شخص في ذلك الوقت أن هذه المنطقة أكثر المناطق انخفاضاً في العالم، ومع ذلك فإن هذه الحقيقة ذكرت في القرآن و هذا يؤكد مرة أخرى على أن القرآن هو وحي إلهي .
تنبيه :
تم نقل القسم الأول من المقالة عن كتاب شبهات حول القرآن وتفنيدها تأليف الدكتور غازي عناية ولكن بتصرف.
القسم الثاني عن كتاب هارون يحيى معجزة القرآن .
مقالات ذات صلة :
الرد على منكري الإعجاز في سورة الروم بقلم المهندس عبد الدائم الكحيل
الهوامش :
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
Western Civilization,p.210
The history of decline and fall of the Roman Empire ,by Empire ,by Edward Gibbon
(ص ـ 76ـ ج 5)
Talent ميزان يوناني قديم، حوالي ستة وعشرين كيلوا جراماً، لدى الأثينيين وقد يطلق على كمية النقود الذهبية أو الفضية التي تزنه.
الثوب : ثلاثون متراً من القماش تقريباُ .
ص ـ 74 المجلد 5.
أرقاديوس (377ـ 408م )، أحد أباطرة الرومان، وهو الابن الأكبر لتيودوس الأول تولى العرش سنة 395م ، وأشتهر بالجبن ـ المراجع .
قيصر أو " سيزار " (144ـ 101 ق.م) قائد وسياسي روسي عظيم.
ص ـ 76 ـ 77 المجلد الخامس .
جبن : ص ـ 94 ، ج ـ 53
المرجع السابق ، ص 73 ـ 74
Encyclopaedia of Religion and Ethics
============
الردّ على منكري الإعجاز في سورة الروم
بقلم: عبد الدائم الكحيل
الحمد لله الذي جعل كتابه مليئاً بالمعجزات، الحمد لله الذي أودع في هذا الكتاب العظيم دلائل وبراهين تؤكد إعجازه الخالد على الرغم من محاولات المشككين لإطفاء نور الله ويأبى الله ذلك، الحمد لله الذي نبّأنا بما سيفعله هؤلاء من محاولات لإخماد نور الحق والإيمان فقال: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ)[التوبة: 31-33].
فهؤلاء الذين جعلوا من رسولهم المسيح عليه السلام إلهاً-تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً- لم يكتفوا بذلك، بل يحاولون أن يشككوا المسلمين بعقيدتهم وإيمانهم وكتاب ربهم. ولكن الله الذي أنزل القرآن سوف يسخِّر لهذا الكتاب من يدافع عنه ويُظهر معجزته وعجائبه التي حدثنا عنها الرسول الكريم عليه وعلى آله وأصحابه الصلاة والتسليم.
هذا قولهم بأفواههم...
ومن هذه المحاولات ما قرأته على أحد المواقع والذي يسمي نفسه "الردّ على الإسلام"! إنهم لا يدركون خطورة أقوالهم، فهم عندما يردُّون على الإسلام فكأنما يردون على الله قوله-سبحانه وتعالى. ولذلك فلن تنجح خططهم ولن يحصدوا إلا الخيبة والخسران.(6/77)
يقولون في نقد الإعجاز في قوله تعالى:(غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ)[الروم: 2-3]:
”درج المفسرون على تفسير أدنى بمعنى الأقرب. وأيضا القرآن نفسه يستعمل أدنى بمعنى أقرب. ولكن طلع علينا السيد الزنداني بفتوى أن أدنى هي أخفض. بينما لا نجد مشكلة في القرآن لاستعمال "أخفض" ككلمة.
وحيث أن أدنى بحسبه تعني أخفض فيجب أن تكون المعركة تمت بالقرب من القدس كي تكتمل المعجزة. من غير دليل على أن الآية تشير إلى معركة الفرس والرومان سوى إشارة أخفض الأرض. والتي يجب أن تكون القدس.
الملفت للنظر بأن المسلمين لم يهتموا بدراسة تاريخ تلك الحقبة لتحديد تلك المعركة التي انتصر فيها الفرس على الروم. ولكن صانعوا المعجزات لا يجدون غضاضة في تجاهل التاريخ وعدم البحث عن الحقيقة طالما وافقت هواهم" (1).
هذا ما قرأته على موقعهم، وسوف نستمع الآن إلى قول القرآن العظيم وأن المعجزة ثابتة ولا يمكن لإنسان عاقل أن يتجاهلها أو يشكِّك في مصداقيتها.
أدنى الأرض
يحدثنا القرآن في عصر لم يكن باستطاعة أحد أن يقيس أخفض نقطة على سطح اليابسة من الأرض، يحدثنا عن هذه المنطقة بالذات، وأن معركة وقعت فيها وكانت نتيجتها انتصار الفرس على الروم. يقول تعالى: (الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ * بِنَصْرِ اللَّهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ * وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآَخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ)[الروم: 1-7].
لقد حدَّدت هذه الآيات موقع المعركة في (أدنى الأرض) فما هو معنى هذه العبارة؟ وهل يمكن أن نفهمها بأنها تعني فقط (أقرب الأرض) كما فسَّرها المفسِّرون الأوائل رحمهم الله تعالى أم أن هنالك معاني أخرى؟ وهل هنالك معجزة في هذه الآية الكريمة؟
رحلة من التأملات
لقد تأملت هذا النص الكريم طويلاً واطلعتُ على تفاسيره فوجدتُ أن المفسرين يفسرون قوله تعالى (أدنى الأرض) بأقرب الأرض (2) أي أقرب أرض الروم إلى أرض العرب وهي أغوار البحر الميت أي المنطقة المحيطة بهذا البحر.
ولكن الذي لفتَ انتباهي هو أن عبارة (أدنى الأرض) عامة وليست خاصة بأرض العرب، أي أن القرآن في هذه الآية يطلق صفة (أدنى) على الأرض دون تحديد أرض معينة، ولذلك فقد فهم المفسرون أن الأدنى هو الأقرب بسبب أنهم لم يتصوّروا أن هذه المعركة قد وقعت في أخفض منطقة على وجه اليابسة.
وهذه هي عظمة القرآن أن المعجزة تبقى مختفية قروناً طويلة على الرغم من المحاولات الكبيرة لفهمها إلا أن الله تعالى يُظهرها في الوقت المناسب لتبقى آيات الله مستمرة وقائمة إلى يوم القيامة، ولو أن المفسرين استطاعوا تفسير القرآن كله إذن سوف تتوقف المعجزة! والله تعالى قد تعهّد بأنه سيرينا آياته وينبغي علينا ألا ننكرها، يقول تعالى: (وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَأَيَّ آَيَاتِ اللَّهِ تُنْكِرُونَ) [غافر: 81].
ثم تأملتُ قوله تعالى عن المسجد الأقصى وهو مسجد يقع في مدينة القدس التي لا تبعد سوى عشرين كيلو متراً عن منطقة البحر الميت حيث دارت المعركة، يقول تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آَيَاتِنَا إِنَّه هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الإسراء: 1]. وبدأت التساؤلات: كيف يصِف الله تعالى منطقة البحر الميت بأنها "أقرب الأرض"، ثم يعود ويصِف المسجد الموجود هناك بأنه "المسجد الأقصى" أي الأبعد؟؟
ثم تأملتُ في الخرائط الجغرافية فوجدتُ بأن المنطقة التي وقعت فيها المعركة وهي التي سماها القرآن بـ (أدنى الأرض) تبعد عن مكة أكثر من ألف ومئتي كيلو متراً، فكيف تكون هذه الأرض هي "الأقرب" وهي تقع على هذه المسافة الكبيرة؟ وكيف يكون المسجد الأقصى هو "الأبعد" وهو يقع على نفس المسافة من مكة المكرمة حيث نزلت هذه الآيات؟
ثم تساءلتُ: لو أن الله تعالى يقصد كلمة (أقرب) فلماذا لم يستخدم هذه الكلمة؟ إذن كلمة (أدنى) هي المقصودة وهي الكلمة التي تعطي المعنى الدقيق والمطلوب وهذا ما سنراه يقيناً.
معاني متعددة للكلمة(6/78)
نعلم بأن الله تعالى قد خلق سبع سماوات طباقاً وسمى السماء السفلى أي أخفض سماء سمَّاها (السماء الدنيا)، فقال: (فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ)[فصلت: 12]. وهنا كلمة (الدنيا) جاءت بمعنى الأقرب من الأرض، ولكن تتضمن معنى آخر وهو الطبقة السفلى بين طبقات السماء السبعة. وسُمِّيت بالدنيا لدنوِّها من الأرض(3).
ويقول أيضاً: (وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ)[السجدة: 21]. ويفسر المفسرون كلمة (الأدنى) هنا بمصائب الدنيا وأمراضها. وهنا لا يمكن أن تكون (الأدنى) بمعنى الأقرب بل (الأصغر) لأن الله تعالى يقارن في هذه الآية بين نوعين من أنواع العذاب:
1- (الْعَذَابِ الْأَدْنَى)
2- (الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ)
إذن في هذه الآية نحن أمام مقياسين هما (الأدنى) و(الأكبر) أي الأصغر والأكبر، كما نعبر عنه في مصطلحاتنا اليوم بالحدّ الأدنى والحد الأعلى، ونقصد الأصغر والأكبر.
يقول تعالى: (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا)[المجادلة: 7].وهنا جاءت كلمة (أدنى) بمعنى أقلّ لأنها قد أُتبعت بكلمة (أكثر). ونرى أن كلمة أدنى تُستخدم هنا مع الأعداد (4).
كيف نفهم الآية؟
إذن من معاني كلمة (أدنى) لدينا: الأقل والأصغر والأقرب، فما هي المنطقة على سطح الكرة الأرضية والتي تتصف بهذه الصفات الثلاث؟ إنها منطقة البحر الميت، فهي:
1- الأقرب: حيث هي أقرب أرض للروم إلى أرض العرب.
2- الأصغر: فهذه المنطقة مساحتها صغيرة جداً ولا تتجاوز الكيلو مترات المعدودة، وذلك مقارنة بمساحة سطح الأرض والتي تزيد على ملايين الكيلو مترات المربعة.
3- الأقلّ: فهذه المنطقة هي الأقل ارتفاعاً على سطح اليابسة، فهي تنخفض عن سطح البحر بمقدار 400 متراً تقريباً، ولا يوجد في العالم كله أدنى من هذه النقطة إلا ما نجده في أعماق المحيطات.
ولذلك فإن فهمنا لهذه الآية على هذا النحو لا يتعارض مع القرآن وكذلك لا يتعارض مع معطيات العلم، ثم إنهم يعترضون على أن كلمة(أدنى) تفسرها المعاجم اللغوية على أنها (أقرب)، وأن هذه المعاجم لم تورد كلمة (أخفض) ضمن معاني الكلمة.
ولكننا نجد المعاجم تورد معنى الأسفل أو الوادي ضمن معاني هذه الكلمة، فعلى سبيل المثال لدينا في القاموس المحيط في معنى كلمة (دنا): تقول العرب الأدنيان وهما واديان (5). وفي لسان العرب : والأَدْنَى: السَّفِلُ، فالعرب لا تستغرب أن يكون ضمن معاني هذه الكلمة هو الأسفل أو الوادي (6).
ولكننا نجد هؤلاء القوم يأخذون من المعاني ما يتفق مع حججهم الواهية، ويتركون المعاني التي لا تروق لهم.
هل القرآن تابع للمعاجم اللغوية؟
وهنا نود أن نقول: هل نحن ملزمون بأن نفهم القرآن كله على ضوء المعاجم؟ ولو كان هذا صحيحاً إذن لأمكن تفسير القرآن بالكامل ولم يعد هالك حاجة للمفسرين والمجتهدين! ولنفرض أننا لم نعثر على معنى كلمة ما في المعاجم، فهل هذا يعني أن القرآن غير صحيح؟! مثلاً كلمة (الم) و(الر) و(كهيعص) هذه الكلمات غير موجودة في المعاجم، فهل هذا يعني أنها غير صحيحة؟
طبعاً كلام الله تعالى هو الأساس الذي يجب أن ننطلق منه وليس المعاجم اللغوية، وذلك لأن هذه المعاجم تم وضعها بعد نزول القرآن بمئات السنين، وكذلك التفاسير. وتجدر الإشارة إلى أن معظم الانتقادات التي يوجهها هؤلاء لكتاب الله يعتمدون فيها على الفهم القديم للآية وعلى فهم المفسرين لها، وينسون أن هنالك معجزة متجددة للقرآن تتجلى في كل عصر من العصور بما يتناسب مع علوم العصر.
فمثلاً عندما فهم المفسرون من قوله تعالى: (وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ)[الغاشية: 20] أن الأرض ليست كروية بل مسطحة، وذلك حسب معطيات عصرهم، فهل نتابعهم على هذا الفهم ونخالف حقائق العلم؟ أم أننا نتدبر القرآن لنجد أنه لا تناقض بين القرآن والعلم! لأن كلمة (سُطِحَتْ) تعني أن الله قد مهَّدها وجعلها صالحة للحياة، بعكس القمر الذي نجد سطحه مليئاً بالمرتفعات والوديان مما يجعله غير مسطح وغير قابل للحياة. وهذا يعني أن الله تعالى قد جعل للكرة الأرضية سطحاً ممهداً.
فمثلاً إذا قلنا "انظر إلى هذه القبة كيف أن الذي صمَّمها وصنعها جعل لها سطحاً رائعاً" لا يعني هذا الكلام أن القبة أصبحت مستوية، بل جميع الأجسام تملك سطحاً.
إن هذه الدقة العلمية في استخدام الكلمات القرآنية هي ما نجده في قول الحق تبارك وتعالى: (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا) [النساء: 82].(6/79)
إن هذه الآية تقرر أننا إذا ما تدبرنا القرآن سوف لن نعثر فيه على أية تناقضات وهذا دليل كاف على أنه كتاب الله تعالى. إن كتب البشر نجدها تتحدث عن نظرية علمية ثم يأتي عصر يثبتُ فيه خطأ هذه النظرية ورفضها تماماً، بينما نجد القرآن صالحاً لكل زمان ومكان وميسّر الفهم.
إنهم دائماً يعترضون على الإعجاز العلمي للقرآن لأنه يخاطبهم بلغة قوية هي لغة العلم، ولذلك فإنهم يلجؤون إلى الكتب القديمة حيث كان متعذراً وقتها فهم هذه الآيات كما نفهمها في ضوء المعارف الحديثة. ونقول لهم: لماذا تلزموننا بفهم القرآن كما فهمه المفسرون قبل مئات السنين، ولا تلزمون أنفسكم بفهم الكتاب المقدس كما فهمه القسيسون قبل عشرات السنين فقط عندما حددوا عمر الكون بسبعة آلاف سنة ثم ثبُت يقيناً أن عمره بلايين السنوات!! (7).
خاتمة
إن ميزة القرآن الكريم أن البدوي في الصحراء كان لا يجد مشكلة في فهمه والتعامل مع كلماته ومعانيه، وعالم الذرة يفهمه أيضاً ولا يجد مشكلة في تدبره مهما تطور العلم، وعالم اللغة يفهم منه أشياء قد لا يفهمها غيره، وعالم الفلك قد يرى فيه حقائق لم يرها أحد من قبله، وهكذا هو كتاب شامل كامل لجميع البشر ولجميع العصور.
ونقول لكل من يظن أن النبي الكريم عليه صلوات الله وسلامه هو من وضع القرآن، أن يعود للكتب السماوية السابقة والصحيحة ليجد فيها الحقيقة الإلهية المتمثلة بدعوة الحق تعالى لهؤلاء ليؤمنوا برسالة الإسلام، يقول عز وجل: (الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآَمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ)[يونس: 157-158].
للمراسلة على البريد الإلكتروني
newmiracle7@hotmail.com
الهوامش
(1) http://answering-islam.org/Arabic/Quran/Science/index.html
(2) انظر مثلاً تفسير الطبري أو تفسير ابن كثير لقوله تعالى: (غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ).
(4) انظر تفسير فتح القدير للإمام الشوكاني في تفسير قوله تعالى:(ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلاَّ هو معهم) أي: ولا أقلّ من العدد المذكور: كالواحد والاثنين، ولا أكثر منه كالستة والسبعة إلاّ هو معهم يعلم ما يتناجون به لا يخفى عليه منه شيء.
(5) انظر القاموس المحيط في معنى كلمة (دنا): وقوله: "والأَدْنَيانِ: وادِيانِ".
(6)انظر لسان العرب في معنى كلمة (دنا): "ويقال: دَنَا و أَدْنَى و دَنَّى إِذا قَرُبَ، قال: و أَدْنى إِذا عاش عَيْشاً ضَيّقاً بعد سَعَةٍ. و الأَدْنَى: السَّفِلُ".
(7)انظر كتاب موريس بوكاي: دراسة الكتب المقدسة.
ملاحظة
يرجى الاطلاع على بحث مهم حول هذا الموضوع بعنوان: "انتصار الروم البيزنطيين" إعداد الأستاذ فراس نور الحق. المقال متوفر على الرابط:
http://55a.net/firas/arabic/index.php?page=show_det&id=39
________________________________________
تعليق لغوي بقلم الباحث ياسر محمود الأقرع
بِسْمِ اللّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
( الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ )
اتفق المفسرون على أن كلمة أدنى الواردة في الآية ( 3 ) من سورة ( الروم ) هي بمعنى: أقرب. وذلك انطلاقاً مما حملته معاجم اللغة من معان لهذه الكلمة لا تكاد تخرج عن معنى القرب والدنوّ.
وظل مفسرو القرآن ودارسوه يتحدثون عن الإعجاز الغيبي في هذه الآية، ذلك أن الله أخبرنا بها أن الروم سيهزمون الفرس في بضع سنين ( من ثلاث إلى تسع سنوات ) وهذا ما شهده معاصرو نزول الآية بعد نزولها بتسع سنوات.
ثم طالعنا بحث جديد يؤكد أن أهم مراحل الحرب التي أسفرت عن هزيمة الروم وخسارتهم كانت في أكثر مناطق العالم انخفاضاً، في حوض البحر الميت الذي يقع في منطقة تتقاطع فيها كل من سورية والأردن وفلسطين، ويبلغ مستوى سطح الأرض في هذه المنطقة ( 395 ) متراً تحت سطح البحر، وهذا يعني أنها أدنى منطقة في الأرض.(6/80)
ويذهب البحث إلى أن كلمة " أدنى " الواردة في قوله تعالى ( غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ ) لها معنى آخر هو ( أخفض ) إضافة إلى المعنى الذي تعارف عليه المفسرون وهو ( أقرب ). وقد أنكر بعض من قرأ البحث هذه النتيجة مؤكداً أن كلمة " أدنى " تعني من الوجهة اللغوية ( أقرب ) ، وليس ثمة رأي آخر يدل على أنها قد تأتي بمعنى ( أخفض ) .
في هذا الموضوع نقول : إن معاجم اللغة _ لمن يتأملها _ بنيت على أساس تراكمي ، إذ أخذ كل معجم مادته ممن سبقه في هذا المضمار، وقلما زاد الأخير على سابقيه شيئاً ، إلى درجة يصعب معها اكتشاف الفروق بين معجم وآخر في تناول معاني الكلمة الواحدة .
وهذا ما نلحظه بالرجوع إلى مادة " دنا " أو " دنو " في المعاجم اللغوية، إذ نجد أنفسنا أمام معان معينة، وكلام معاد ، وشواهد مكررة، تناقلها أصحاب المعاجم، الواحد عن الآخر.
فقد أجمعت المعاجم اللغوية على أن كلمة " دنا " بمعنى اقترب .
أما إن جاءت بالهمز " دنأ " فهي من الدناءة أي : الخسة والوضاعة .
وإذا كان معنى كلمة دنا مقتصراً ـ من الناحية اللغوية ـ على ما ذكرناه ، فماذا نقول إذاً في قوله تعالى في الآية ( 7 ) من سورة المجادلة:
( أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ )
وكذلك في قوله تعالى في الآية ( 20 ) من سورة المزمل:
( إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ .... )
نلاحظ أن كلمة أدنى في الآيتين السابقتين جاءت بمعنى " أقل " ولا يستقيم المعنى إذا نحن أوّلناها على أنها " أقرب " نزولاً عند معطيات المعاجم اللغوية.
في سورة المجادلة جاءت " أدنى " بمعنى " أقل " مرتبطة بدلالة عددية فالأدنى من العدد ثلاثة هو العدد اثنان.
وفي سورة المزمل جاءت كلمة ( أدنى ) بمعنى " أقل " مقترنة بدلالة زمنية ( أدنى من ثلثي الليل )، والأدنى من ذلك: نصفه أو ثلثه أو ربعه أو ....
إذاً جاءت كلمة " أدنى " التي بمعنى أقل ذات دلالة عددية في سورة المجادلة، وذات دلالة زمنية في سورة المزمل، وفي الدلالات العددية أو الزمنية هنالك ما هو أدنى " أقل " وما هو" أكثر" ولكن في الحديث عن الأرض ما هي دلالة كلمة " أدنى " إن كانت بمعنى "أقل" ..!؟
ما هو أدنى الأرض أو " أقلها " جيولوجياً ..!؟
أدنى الأرض معناها أقلها سماكة، وحيث تكون الأرض أقل سماكة تكون أخفض.
وكلمة أدنى بمعنى أخفض، ( والانخفاض ضد العلو) وردت كثيراً في الشعر العربي. كما في قول ابن قيم الجوزية:
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فإن تفعل رجعت بذلة وهوان
لا تؤثر الأدنى على الأعلى فتحـ ـرم ذا وذا يا ذلة الحرمانِ
فنحن نلاحظ في البيتين السابقين ( الطباق ) بين كلمتي: الأدنى والأعلى، وورودهما على أنهما متضادتين من حيث المعنى.
ويقول( أبو عدي النمري):
تهامية الأدنى حجازية الذرى كأن عليها من عُمان شقيقها
على الرغم من أن الشاعر في معرض الحديث عن النسب ، القريب منه والبعيد ، إلا أنه يختار للتعبير عن ذلك كلمتين متضادتين معنوياً من وجهة نظره. وهما: الأدنى ـ الذرا
الذرا : أكثر الأماكن علوّاً.
الأدنى: أكثر الأماكن انخافضاً.
لنعد قليلاً ولنتناول عبارة " أدنى الأرض " على أنها " أقرب الأرض " كما اتفق عليها المفسرون . والقرب والبعد مسألة نسبية. ومن ثم فهي أقرب الأرض إلى مَنْ !؟.
قيل في تفسير الآية: إنها أقرب أرض الروم إلى فارس. ونحن نلاحظ أن كلمة الأرض في الآية جاءت معرفة بـ( أل ) العهدية. وأل العهدية هذه تضعنا أمام احتمالين:
إما أن تكون كلمة الأرض ـ هناـ مختصة بمنطقة معينة وموقع محدد. أي تواضع عليها كل من المرسل والمتلقي، فهي معهود ذهني بينهما.
أو تكون عامة. أي الأرض كلها دون تخصيص، وهي معهود ذهني عام.
فأما الاحتمال الأول: فهو ما حملته لنا كتب مفسري القرآن ودارسيه من أن الأرض المذكورة هي أقرب أرض الروم إلى فارس.
ويبقى الاحتمال الثاني وهو ما يجيز لنا أن نعدَّ كلمة الأرض في الآية لفظاً عاماً أريد به الأرض كلها.
وفي هذه الحالة يصبح أدنى الأرض بمعنى أكثرها انخفاضاً أمراً ممكناً، بل لعله يكون بهذا المعنى أقرب إلى الدقة، وإن كان لا ينفي الاحتمال الأول من الوجهة اللغوية.
===============
هل في القرآن ألفاظ غير عربية ؟
تاريخ الفتوى : 13 ربيع الأول 1425 / 03-05-2004 السؤال
يقول تعالى في كتابه العزيز "إنا أنزلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون".(6/81)
وهده الآية تشير إلى أن القرآن أنزل باللغة العربية كما هو معلوم .
أود أن أستفسركم عن وجود أسماء أعجمية به.
ولكم الشكر الجزيل . كما أطلب من المجيب عن سؤالي أن يكتب اسمه جزاه الله خيرا.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فليس في القرآن تركيب على غير أساليب العرب، وفيه أسماء أعلام لمن لسانه غير لسان العرب نحو إسرائيل وعمران ونوح...
وقد اختلف العلماء فيما إذا كان فيه ألفاظ غير الأعلام وليست من كلام العرب.
قال القرطبي في مقدمة تفسيره: واختلفوا هل وقع ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب، فذهب القاضي أبو بكر بن الطيب والطيبي وغيرهما إلى أن ذلك لا يوجد فيه، وأن القرآن عربي صريح، وما وجد فيه من الألفاظ التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها أن تواردت اللغات عليها فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة وغيرهم، وذهب بعضهم إلى وجودها فيه، وأن تلك الألفاظ لقلتها لا تخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا، ولا رسول الله عن كونه متكلما بلسان قومه... (1/104).
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
البرامج التنصيرية في القنوات الفضائية
تاريخ الفتوى : 16 شوال 1425 / 29-11-2004 السؤال
سؤالي هو عبارة عن إستفسار عن كتاب دائرة المعارف الإسلامية الصادر عن الأزهر الشريف, لأني شاهدت برنامج على قناة الحياة المسيحية (التبشيرية) اسمه (أسئلة عن الإيمان) يستخدم نصوصا من هذا الكتاب كمرجع محاولة منه لإثبات (وأستغفر الله) أن القرآن متناقض في كثير من آياته وأنه ليس كلام الله وأن سيدنا محمد كذاب وأيضا كثير من الادعاءات والكذب, والمشكلة أن هذه القناة أصبحت تقريبا موجودة في معظم البيوت, ويمكن أن يشاهدها بعض الجهلة ويصدقون ما يقال فيها وخصوصا في هذا البرنامج الذي يهاجم الإسلام ويحاول إثبات أن القرآن ليس من عندالله، أرجو منكم ان تحاولوا الرد على بعض هذه الادعاءات بالحجة على الأقل على إيميل البرنامج.الذي سأحاول الحصول عليه وإرساله لكم إذا لقيت منكم تجاوبا؟ وجزاكم الله خيراً.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فما فتئ النصارى بعد أن عجزوا عن تنصير المسلمين يشككونهم في دينهم، وفي عصمة نبيهم صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَاء فَلاَ تَتَّخِذُواْ مِنْهُمْ أَوْلِيَاء {النساء:89}.
واعلم أن الأزهر لم يصدر عنه دائرة معارف، وإنما دائرة المعارف الإسلامية الموجودة أصدرتها (دار الشعب) للطباعة في مصر، ووضعها الأستاذ محمد فريد وجدي، ولم يتمها، فالنصارى يستغلون جهل المشاهدين فيحيلونهم على مراجع وهمية اعتماداً منهم على أن المشاهدين لن ينشطوا لتتبعهم والتثبت مما يطرحونه.
هذا، وإن الآباء الذين يدخلون الفضائيات إلى بيوتهم، ويمكنون ابناءهم من متابعة البرامج التنصيرية آثمون، ومعرضون لوعيد الله، ففي صحيح الإمام مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة. وأي غش للرعية أعظم من إفساد دينها.
وقد تصدى العلماء للرد على شبهات النصارى القديمة والجديدة التي يثيرونها حول القرآن والسنة، وذلك في موقع الأزهر على الإنترنت، وإذا أردت أن تطلع على بطلان دين النصارى، فراجع الكتب التالية:
الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح. لابن تيمية.
هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى. لابن القيم.
إظهار الحق لرحمة الله الهندي.
محاضرات في النصرانية لمحمد أبو زهرة.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
-------------
الشر في القنوات الفضائية أغلب من الخير
تاريخ الفتوى : 01 رمضان 1424 / 27-10-2003 السؤال
يوجد العديد من القنوات الفضائية تشكك في الإسلام وتوجه له السب مباشرة مثل قناة الحياة، ما ردكم على هذا؟ ما حكم الصلاة في المساجد التي بها مقابر؟ هل الدعاء يغير القدر أم لا؟
الفتوى(6/82)
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فمشاهدة القنوات الفضائية تشتمل على الخير والشر، لكن الشر فيها أغلب، فقناة تنشر الخلاعة، وأخرى تهدم الدين، وثالثة تلوث الأفكار وهكذا، وما كان هذا شأنه، فالشرع يُغلب فيه جانب التحريم على جانب الإباحة، كما حرم الله تعالى الخمر والميسر مع أن فيهما منافع قال تعالى: يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا(البقرة: من الآية219). ولذا فإن الفتوى تقتضي المنع من مشاهدة هذه القنوات سداً للذريعة وصيانة للدين، إلا إذا كان المشاهد ممن لديه القدرة، ليرد على تلك الأفكار المنحرفة وينقضها، ويعري ناشريها، مع ملاحظة الإمساك عن المشاهدة عند وجود مناظر خليعة أو فاتنة، وراجع الفتويين التاليتين: 27217/ 26365 ولمعرفة حكم الصلاة في المساجد التي بها قبور راجع الفتويين التاليتين: 4527/ 1530 . ولمعرفة العلاقة بين الدعاء والقدر راجع الفتوى رقم:9890 والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===============
شبهات حول القرآن ...
الشبكة الإسلامية ...
شبهة رددتها بعض الألسنة -قديمًا وحديثًا- تقول: إن القرآن لم يأتِ بجديد عما جاء في الكتب السابقة!! وهذه الشبهة -كما سيتضح- ذات صلة وثيقة بشبهة سابقة، كنا قد تحدثنا عنها، تقول: إن القرآن ليس إلا تلفيقًا وتجميعًا من الكتب السابقة!! فما حقيقة الأمر في هذه الشبهة، وما خَطْبها ورصيدها من الصحة والواقع؟ هذا ما نحاول الإجابة عنه في هذا المقال.
ولكن...قبل الدخول في تفاصيل ذلك، نود أن نلفت انتباه القارئ الكريم إلى ملاحظتين مهمتين في هذا السياق، حاصل أولهما: أن أصل التوراة والإنجيل حق لا ريب فيه؛ لأنهما من عند الله سبحانه، ومن ثَمَّ فلا يمكن لتلك الكتب أن يناقض بعضها بعضًا، بل هي مكملة ومتممة لبعضها البعض؛ بيد أن التوراة والإنجيل -وهذا أيضًا حق وواقع لا يمكن نكرانه بحال- طرأ عليهما الكثير من التحريف والتبديل. فإذا تبين هذا، فإن حديثنا هنا يتعلق بما في التوراة والإنجيل المحرَّفين، واللذين بقيا بين أيدي الناس .
أما الملاحظة الثانية فمفادها أنه مما لا شك فيه أن القرآن جاء مصدقًا ومهيمنًا على ما سبقه من الكتب السماوية؛ ومن معاني الهيمنة أن يكون في القرآن ما ليس في غيره من الكتب. وبناءً على هاتين الملاحظتين، نشرع في الرد على هذه الشبهة، فنقول:
إن الناظر والمتأمل فيما جاء في التوراة والإنجيل، وما جاء في القرآن الكريم، لا يعجزه أن يقف على بطلان هذه الشبهة من أساسها، ويتبين له ـ مقارنة بما جاء في التوراة والإنجيل ـ عناصر الجدة التي تضمنها القرآن الكريم، والتي اشتملت على جوانب عدة، كالعقيدة والتشريع والعبادات والمعاملات .
ففي جانب العقيدة -وهو الجانب الأهم والأبرز- نجد أن القرآن الكريم قد جاء بعقيدة التوحيد الصحيحة، إذ أفرد الله سبحانه بالعبودية، وبيَّن أنه الخالق والمدبر لكل أمر في هذا الكون من مبتداه إلى منتهاه، وأن مقاليد الكون كلها بيده سبحانه، وهذا واضح لكل قارئ لكتاب الله، وضوح الشمس في كبد السماء؛ بينما تقوم عقيدة اليهود المحرَّفة على وصف الخالق بصفات بشرية لا تليق بجلاله سبحانه، وفي أحسن أحوالها، تقول بوجود إله حق، إلا أن مفهوم الإله في تلك العقيدة أنه إله قومي، خاص بشعب إسرائيل فحسب .
وكذلك فإن عقيدة النصارى المحرفة تقوم على أكثر من تصور بخصوص الذات الإلهية، ويأتي في مقدمة تلك التصورات عقيدة التثليث، وعقيدة حلول الذات الإلهية في شخص عيسى عليه السلام، تعالى الله عما يقولون علوًا كبيرًا .
ثم في مجال العقيدة أيضًا، لا توجد كلمة واحدة في جميع أدبيات الكتب المقدسة -كما يذكر عبد الأحد داود في كتابه «محمد في الكتاب المقدس»- حول قيامة الأجساد، أو حول الجنة والنار؛ بينما نجد القرآن الكريم حافلًا بهذه المسائل، بل جعل الإيمان بها من أهم مرتكزات الإيمان الصحيح .
أما في مجال التشريع، فقد جاء القرآن الكريم بشريعة واقعية، راعت مصالح الدنيا والآخرة معًا، ولبَّت مطالب الجسد والروح في آنٍ؛ ففي حين دعت الشريعة المسيحية إلى الرهبانية، التي تعني اعتزال الحياة وتحقير الدنيا -وكان هذا الموقف من الشريعة المسيحية رد فعل على العبودية اليهودية للحياة الدنيا ومتاعها- رأينا القرآن يذمُّ موقف النصارى من الرهبنة، وينعى عليهم هذا الموقف السلبي من الحياة، فيقول: ?وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَ? [الحديد:27]. فالشريعة الإسلامية -كما نزلت في القرآن- ترى في الرهبانية موقفًا لا يتفق بحال مع ما جاءت به من الوسطية والتوازن بين حاجات الروح ومتطلبات الجسد(6/83)
وهذه الوسطية الإسلامية أمر مطرد وجارٍ في جميع أحكام الشريعة الإسلامية، يقف عليها كل من تتبع أمرها، وعرف حقيقتها، وهذا ما لم يكن في الشرائع السابقة البتة .
وبعبارة أخرى يمكن القول: لقد جاءت شريعة الإسلام بتشريع يواكب الحاضر والمستقبل جميعًا، باعتبارها الرسالة الأخيرة التي أكمل الله بها الدين، وختم بها الرسالات، ونقلها من المحيط المحدَّد إلى المحيط الأوسع، ومن دائرة القوم إلى دائرة العالمية والإنسانية ?وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَّةً لِلنَّاسِ? [سبأ:28] .
أما في مجال العبادات، فلم يحصر القرآن مفهوم العبادة في نطاق ضيق، ولاضمن شكليات محددة وطقوس جامدة، بل وسَّع مفهوم العبادة غاية الوسع، وجعل القصد من الخلق والحياة العبادة ?وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإنْسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ? [الذاريات:56] وأيضًا لم يقيِّد أداء العبادة في مكان محدد، بل جعل الأرض كلها مكانًا لذلك ?فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ? [البقرة:115] ولا يخفى أن الأمر في الشرائع السابقة لم يكن على ما جاء به القرآن .
أما في مجال المعاملات، فنقف على بعض الأمثلة التي توضح جديد القرآن:
- في محيط الأسرة: نظرت التوراة إلى المرأة باعتبارها مصدر كل شر، أما الإسلام فقد رفع مكانة المرأة، ولم يفرق بينها وبين الرجل إلا في مواضع اقتضتها طبيعة الأشياء والأمور، قال تعالى موضحًا هذه الحقيقة: ?وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ? [البقرة:228] .
- وفي مجال الحرية واحترام كرامة الإنسان: نجد التعاليم المسيحية تعتبر طاعة الطبقة الحاكمة كطاعة المسيح، ونقرأ في تلك التعاليم مثلًا: أيها العبيد أطيعوا سادتكم حسب الجسد بخوف ورعدة. أما في الإسلام، فلا يخضع الإنسان إلا لخالقه وحده، ويقرر القرآن الحرية للإنسان من لحظة ميلاده، قال تعالى: ?وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ? [الإسراء:70] .
ـ أما في السلم والحرب: فقد اعتبر القرآن السلام هو الأصل في الإسلام: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كافة..? [البقرة:208] وجعل الحرب ضرورة تقتضيها سَنَن العمران والدفع الحضاري، من الخير للشر، ومن الحق للباطل؛ هذا فضلًا عن آداب القتال التي شرعها الإسلام. وكل هذا لا نقف عليه في الشريعتين اليهودية والنصرانية .
ـ أما في شؤون المال والاقتصاد: فقد كان الربا وما يزال قوام الاقتصاد بين أهل الكتاب...وكان المال وما زال عند أهل الكتاب المعبود والغاية التي يجب الوصول إليها بأية وسيلة كانت...في حين جاء الإسلام بتحريم كل تعامل ربوي، وآذن القرآن الكريم بحرب من الله لكل من يتعامل به...وبين الموقف الصحيح من المال، وأن الأصل فيه أنه لله، وأن الإنسان في هذه الحياة مستخلف عليه ومحاسب عليه، كسبًا وإنفاقًا، قال تعالى: ?وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فيه? [الحديد:7].
والأمثلة على هذا أكثر من أن يحصرها مقال كهذا، وفيما ذكرنا غنية لما أردنا بيانه. والحمد لله الذي ?لَهُ الْحَمْدُ فِي الأُولَى والأَخرة وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ? [القصص:70] وصلى الله على خاتم المرسلين.
=============
القرآن الكريم في كتابات المستشرقين
أحمد فوزي حميدة ** ...
هاجم المستشرق الفرنسي آتين دينيه الذي أشهر إسلامه عام 1927م وتسمى بناصر الدين في كتابه "الشرق كما يراه الغرب" المستشرقين ومناهجهم التأثيرية، وبيّن أن الافتتان بهم وبآرائهم لا أساس له، كما أعرب عن دهشته من ادعاء المستشرقين المغرضين بأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو مؤلف القرآن؛ حيث يقول دينيه في كتابه "محمد رسول الله": حقا أنه ليدهشني أن يرى بعض المستشرقين أن محمدا قد انتهز فرصة الخلوة فروى ورتب عمله للمستقبل، بل لقد ذهب بعضهم إلى أبعد من ذلك فوسوس أن محمدا ألف في تلك الفترة القرآن كله، أحقا لم يلاحظوا أن هذا الكتاب الإلهي خال من أية خطة سابقة على وجوده مرسومة على نسق المناهج الإنسانية، وأن كل سورة من سوره منفصلة عن غيرها بحادثة وقعت بعد الرسالة طيلة فترة تزيد على عشرين عاما، وأنه كان من المستحيل على محمد أن يتوقع ذلك ويتنبأ له؛ فهذا القرآن كتاب الله يستحيل أن يصدر عن محمد، وأنه لا مناص من الاعتراف بأن الله العلي القدير هو الذي أملى تلك الآيات البينات، حيث تجد أن معجزات الأنبياء الذين سبقوا محمدا كانت في الواقع معجزات وقتية وبالتالي معرضة للنسيان السريع بينما نستطيع أن نسمي الآيات القرآنية معجزة خالدة، ذلك أن تأثيرها دائم ومفعولها مستمر، ومن اليسير على المؤمن في كل زمان ومكان أن يرى هذه المعجزة بمجرد تلاوة آيات القرآن، كما أن في استغناء النبي محمد صلى الله عليه وسلم عن مدد الخوارق والمعجزات المادية التي اعتمد عليها من سبقوه من الأنبياء لأكبر معجزة على الإطلاق.(6/84)
نظرة المستشرقين للقرآن
حينما تعرض المستشرقون لدراسة القرآن الكريم والتراث الإسلامي بشكل عام جاءت آراؤهم حوله متباينة؛ حيث ذهب بعضهم إلى القول بتحريفه، وبأنه ليس كلام الله، وأنه من تأليف محمد (صلى الله عليه وسلم). ووقف وراء نظرتهم تلك محاولاتهم الدءوبة لتشويه الإسلام وحجب محاسنه؛ ليقنعوا شعوبهم بعدم صلاحية القرآن لهم كنظام حياة، ومحاولة تشويه تلك الصورة المشرقة التي انتشرت في أوربا في أعقاب الحروب الصليبية وعودة المحاربين إليها؛ لذا عمد المستشرقون إلى تأكيد أن الإسلام نتاج إنسان وليس بوحي؛ فالإسلام في نظرهم نتاج إنسان مصلح أو عبقري، والعبادات مأخوذة من بقايا الجاهلية ورواسب ديانات شرقية قديمة، فهم يشككون في الدعوة الإسلامية وصاحبها؛ وذلك لأن أكثر ما يخافه الغرب هو نهضة المسلمين واستعادة قواهم الفكرية والمادية خشية أن يجتاح الإسلام بمبادئه وشخصياته العالم الغربي، وفي ذلك يقول المستشرق لورانس براون: "إن الخطر الحقيقي كامن في نظام الإسلام وقدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الوحيد في وجه الاستعمار الغربي".
الاستشراق اليهودي
وقد رصدت بعض المؤلفات الإسلامية - التي ردت على الشبهات التي أثارها المستشرقون ضد القرآن والإسلام- الأسباب وراء موقف المستشرقين المغرضين منه؛ حيث كشفوا عن أنهم يخططون للتدمير الخلقي والفكري وانحلال العقائد السماوية وتفكك الإنسانية ونشوء الكراهية والحقد خاصة بعد سيطرة الصهيونية على العالم؛ نظرا للدور الخطير الذي لعبه الاستشراق اليهودي في تدعيم وتأكيد الشبهات والمطاعن ضد القرآن والإسلام بادعاء أن محمدا أخذ تعاليمه من التوراة بالإضافة إلى طعون أخرى روج لها المستشرقون اليهود على رأسهم برنارد لويس، وجاك بيرك، وبيرجر، وفنسنك، وجولد تسهير، والألماني الجنسية نولدكه.
أمية النبي..
جاءت شبهة معرفة الرسول (صلى الله عليه وسلم) للقراءة والكتابة كأقوى شبهة حاول المستشرقون تأكيدها؛ نظرا لأنها تقوم عليها شبهة أخطر منها وهي نسبة القرآن الكريم إلى الرسول (صلى الله عليه وسلم) على أنه من قام بتأليفه، وهي القضية التي تتوقف عليها نبوة الرسول ووحي الله إليه بالقرآن، ومن العجيب أن المستشرقين المغرضين لا يرون فرقا في الأسلوب والإعجاز بين كلام الله وذروة البلاغة الإنسانية في كلام الرسول صلى الله عليه وسلم، وحين تحدى الله البشر عامة والعرب خاصة أن يأتوا بمثله أو بمثل سورة من سور القرآن أو آية من آياته كان الرسول صلى الله عليه وسلم أول البشر والعرب الذين وقع عليهم التحدي القرآني؛ حتى إن الرسول صلى الله عليه وسلم كان ينهى عن كتابة حديثه في حياته لمن يخشى عليهم اختلاط القرآن بالحديث.
فقد ذهب المستشرق الفرنسي باريه في دائرة المعارف الإسلامية إلى انتفاء أمية الرسول صلى الله عليه وسلم حيث يقول: إن آية "وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِن تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُم مَّنْ إِن تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لاَّ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلاَّ مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِما ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ وَيَقُولُونَ عَلَى اللهِ الْكَذِبَ وَهُمْ يَعْلَمُونَ" (آل عمران: 75) لا يقصد بها من لا يعرفون القراءة والكتابة؛ حيث إن كلمة أمي أو أميين وضعها أهل الكتاب للدلالة على الوثنيين ويصعب الجزم بالمعاني التي كان يقصدها محمد من كلمة أمي، ثم يذكر باريه أقوالا لبعض المستشرقين، فيقول: ذهب بول أخيرا إلى أن كلمة أمي معناها الذي لا يقرأ ولا يكتب وليس معناها الوثني، ولكن باريه عقب على هذا الرأي بقوله: هناك عوامل لغوية تجعل من الصعب أن نقول إن كلمة أمي معناها "الذي لا يقرأ ولا يكتب" فلا الكلمة العربية "أمة" ولا العبرية "أماع" ولا الآرامية "أميتا" تدل على الأمة في حالة الجهالة، وقد استدل البعض بإطلاق لفظ الأمي على محمد بأنه لم يكن يقرأ أو يكتب، والحقيقة أن كلمة "الأمي" لا علاقة لها بهذه المسألة؛ لأن الآية "وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ" (البقرة: 78) التي تدعو إلى هذا الافتراض لا ترمي الأميين بالجهل بالقراءة والكتابة بل ترميهم بعدم معرفتهم بالكتب المنزلة.(6/85)
لم تكن النظرة السابقة هي السائدة فبعض المستشرقين المتعمقين في العربية عقدوا موازنات بين القرآن والحديث النبوي من حيث الأسلوب والمحتوى، واستنتجوا أن هناك أسلوبين في البيان، ومضمونين في المعاني والمبادئ؛ فأسلوب القرآن معجز لفظا ومعنى، وهو ينبئ عن مصدر علوي رباني، أما أسلوب الحديث فيومئ عن قدرة بلاغية بشرية متفوقة، وكذلك فإن مضامين القرآن ومعانيه كلية عامة في معظمها، أما مضامين الحديث ومعانيه فهي المفصلة والمبينة والشارحة لتلك المعاني القرآنية الكلية، على أن في بعضها تشريعا جديدا، ومعاني حديثة خاصة.
النبي وبُحيرا الراهب
أما المستشرق الإنجليزي بودلي فيذكر في كتابه "الرسول حياة محمد" أن النبي كان يجالس بحيرا الراهب ويتعلم منه طويلا؛ فقد ظل الراهب يحادث العربي الصغير، وكأنما يحادث رفيقا من رفقائه فأخبره بعقيدة عيسى وسفه عبادة الأصنام، وأرهف محمد السمع إلى ما ينطق الرجل به.
وفي موضع آخر من الكتاب ذكر بودلي: وكان على محمد أن يتلقى نزرا يسيرا من التعليم المدرس، ولكنه كان يحصل أكثر من أي طالب يمضي سحابة يومه في حجرة الدرس، كذا يتحدث بودلي وغيره من المستشرقين المغرضين عن تأثيرات نصرانية ويهودية للرسول في صغره، عن طريق سوق عكاظ وخطب قس بن ساعدة التي كانت تحظى بسمعة كبيرة بين شعراء العرب قبل الإسلام.
مستشرقون.. منصفون
ورغم هذه الهجمات فإن هناك عددا من المستشرقين لزموا جانب الإنصاف، وقطعوا بدقة القرآن الكريم، وبأنه يحوي كل ما تلاه محمد (صلى الله عليه وسلم) كما سمعه من الوحي الذي تلقاه من ربه صادقا كاملا.
فالمستشرق الإنجليزي الكولونيل "بودلي" في كتابه "الرسول حياة محمد" رغم أنه يشكك في نبوة الرسول ويشير إلى تأليفه القرآن، فإنه يعود ليعارض نفسه حين يصف القرآن بأنه وحي من الله؛ حيث يقول إن القرآن كتاب وحي لم يوضع للمطالعة وتزجية الفراغ وإنما وضع للتبشير والإيحاء والتذكير، ولن يتذوقه المطالع المتصفح كما يتذوقه السامع المصغي إليه بظاهر حسه وباطن نفسه لأنه يتطلب الإيمان ويتحدث إلى المؤمنين.
كما خصص المستشرق دكتور "فيليب حِتي" فصلا بعنوان القرآن كتاب الله ضمن كتابه تاريخ العرب، ذكر فيه أن دارسي القرآن من نقادة العلم الحديث اتفقوا على صحة الرواية في نسخ القرآن المتداولة اليوم، وأن هذه النسخ مطابقة للأصل الذي أقره زيد بن ثابت، وأن نص القرآن المعروف اليوم هو كما أنزل على لسان محمد صلى الله عليه وسلم.
أما المستشرق الفرنسي ليبون فيقول: حَسْب هذا الكتاب القرآن الكريم جلالا ومجددا أن الأربعة عشر قرنا التي مرت عليه لم تستطع أن تخفف ولو بعض الشيء من أسلوبه الذي لا يزال غضا كأن عهده بالوجود أمس.
ويقول "ديزيزيه بلانشيه" مؤلف كتاب "دراسات في التاريخ الديني": ولقد أتى محمد صلى الله عليه وسلم بكتاب تحدى به البشر جميعا أن يأتوا بسورة من مثله فقعد بهم العجز وشملتهم الخيبة وبهتوا أمام ذلك الإحراج القوي الذي أغلق في وجوههم كل باب، وكان في العرب أساطين اللغة وأعظم الأدباء والشعراء والبلغاء من لا يدانيهم في اللغة العربية أحد، ومع ذلك قصرت قدراتهم وعجزت عن التحدي، وما زال التحدي قائما حتى اليوم وسوف يظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها؛ والضامن لاستمرارية هذا التحدي أنه كلام الله.
أما "آن ماري شميل" فتصرح بأن "القرآن هو المعجزة الكبرى للنبي صلى الله عليه وسلم والدليل القاطع على صحة نبوته، وأنه رسالة الله إلى الناس كافة، وأن القرآن هو المهيمن على ما سلفه من الكتب المنزلة من الله على الأنبياء والرسول، وأنه -أي القرآن- يخاطب العقل والضمير والوجدان.
يقول "ماسينون": إن القرآن نظام عالمي واقعي موحى فهو ينظم تطبيق كل حادثة من أحداث الوجود وشرحها وتقديرها، إنه بالنسبة إلى جميع المؤمنين بمثابة ذاكرة أعدت أتم الإعداد أو مذكرة إحصائية للمفردات المضمونة والقابلة للتطبيق دائما والتي تتيح التمرين للتأمل، إنه رفقة أبدية للإدارة البشرية ومجموعة من العظات للأفعال العملية وللتأملات الباطنية التي تركز الانتباه في البراهين على المجد الإلهي بصورة لا تنقطع، والقرآن هو الذي يقوم بدور تبسيط مشكلة منهج الحياة أمام المؤمنين؛ لأن هذه المجموعة من القوانين الموحاة هي التي تغذي الذاكرة وتحل عقال العقل دون أن يكون لدى الفكر حاجة للتردد.
ويقول د. موريس الفرنسي: إن القرآن أفضل كتاب أخرجته العناية الأزلية لنبي، وأنه كتاب لا ريب فيه.
ويقول ألكس لوازون: خلف محمد للعالم كتابا هو آية البلاغة ومسجل الأخلاق، وهو كتاب مقدس وليس بين المسائل العلمية المكتشفة حديثا أو أن المكتشفات الحديثة مسألة تتعارض مع الأسس الإسلامية؛ فالانسجام تام بين تعاليم القرآن والقوانين الطبيعية.(6/86)
ويقول دكتور "شبلي شميل": ثم إن في القرآن أصولا اجتماعية عامة فيها من المرونة ما يجعلها صالحة للأخذ بها في كل زمان ومكان وحتى في أمر النساء، وإن القرآن فتح أمام البشرية أبواب العمل للدنيا والآخرة ولترفيه الروح والجسد بعد أن أوصد غيره من الأديان الأبواب فقصر وظيفة البشرية على الزهد والتخلي عن هذا العالم الفاني.
أما دكتورة "لورافيشيا" فتؤكد على أن القرآن وحي إلهي بصفاء النص القرآني عبر القرون إلى أيامنا هذه وإلى ما شاء الله، فتقول: ولا يزال لدينا برهان آخر على أن مصدر القرآن إلهي هو أن نصه ظل صافيا غير محرف طوال القرون التي تراخت ما بين تنزيله ويوم الناس، هذا وأن نصه سوف يظل على حاله تلك من الصفاء وعدم التحريف بإذن الله ما دام الكون.
أهم المراجع:
- الرسول صلى الله عليه وسلم في كتابات المستشرقين: نذير حمدان.
- أوربا والإسلام: د. عبد الحليم محمود.
- محمد رسول الله: المستشرق الفرنسي آتين دينيه وسليمان بن إبراهيم، ترجمة: د.عبد الحليم محمود، ود.محمد عبد الحليم محمود.
- الاستشراق والفلسفة الإسلامية بين التجديد والتبديد: أ.د. إبراهيم صقر.
- الاستشراق في الفكر العربي: د. محسن جاسم الموسى.
==================
ما هو المقصود بلفظ وما ملكت أيمانهم
السؤال
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
من المعروف أن الإسلام قد أحل للمسلم زوجته وما ملكت يمينه.
وسؤالي: ما هو المقصود بلفظ وما ملكت أيمانهم الوارد ذكرها بالقرآن الكريم؟ أفيدونا جزاكم الله خيراً
الجواب
سئلت اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء عن سؤال مشابه لسؤالك فأجابت عنه بما فيه كفاية، فإليك السؤال والإجابة.
السؤال: المراد بكلمة "ماملكت أيمانكم" وهل يحق للمالك هذا أن يتصرف فيما يملكه كيف يشاء بجميع ألوان التصرف دون أي حساب مع الافتراض بأنني أملك أمه وأملك زوجها مثلاً أيحق لي كل ألوان التصرف فيهما وما حدود هذا التصرف؟
الجواب: المراد بكلمة "ما ملكت أيمانكم" [النور:33]، في الشرع: ما ملكه الإنسان من العبيد أو الإماء أو غيرهما ملكاً شرعياً، وليس لمالك العبد أو الأمة أن يتصرف فيها بهواه أو رأيه المحض، بل بما شرعه الله من العدل، فيستخدمهما فيما يطيقانه من العمل المباح، وله أن يطأ أمته غير المتزوجة، فإذا حملت منه فهي أم ولده، لا يجوز له بيعها بل تصير حرة بموته، ولا يجوز له أن يفرق بين الأمة وطفلها، إلى غير ذلك مما شرعه الله من أحكام التصرفات العادلة للسيد في عبده وأمته من إباحة وتحريم.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو: عبدالله بن غديان
نائب الرئيس: عبدالرزاق عفيفي
الرئيس: عبدالعزيز بن عبدالله بن باز
==============
ما معنى (حتى يقيموا التوراة و الإنجيل) ؟؟
السؤال :
يقول الله تعالى (( قل يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا فلا تأس على القوم الفاسقين )) وإشكالي في كون الله عز وجل أخبر عن أهل الكتاب أنهم ليسو على شيء حتى يقيموا التوراة والإنجيل ومعلوم أن القرآن نسخ الكتب السابقة والخطاب كان موجها في الآية لمن هم في زمن النبي صلى الله عليه وسلم
الرد :
بسم الله ...
المقصود بالتوراة و الإنجيل هنا هي الكتب قبل التبديل و التحريف فلا سبيل لإقامتها إلا بالرجوع إلى القرآن الكريم المهيمن الذي يشهد لما أنزله الله فيهما و يشهد على ما حرفه الناس فيهما و هذا ما أخبرنا به الله في سورة المائدة في قوله تعالى "مهيمناً عليه" فما وافق القرآن هو صدق أنزله الله و ما خالفه كذب و ما لم يوافقه و لم يخالفه نتوقف فيه فلا نصدقه و لا نكذبه
أما المقصود بقوله تعالى "وما أنزل إليكم من ربكم" فهو القرآن الكريم فهم ليسوا على شيئ حتى يقيموا التوراة الصحيحة و الإنجيل الصحيح و القرآن المنزل و هذا كله لا يمكن بلوغه إلا بالقرآن المصدق المهيمن .
و هذا نفس ما قاله ابن حزم رحمه الله في الفصل ج1 ص92 :
وأما قول الله عز وجل " يا أهل الكتاب لستم على شيء حتى تقيموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليكم من ربكم " فحق لا مرية فيه وهكذا نقول ولا سبيل لهم إلى إقامتها أبداً لرفع ما أسقطوا منها فليسوا على شيء إلا بالإيمان بمحمد صلى الله عليه وسلم فيكونون حينئذ مقيمين للتوراة والإنجيل كلهم يؤمنون حينئذ بما أنزل الله منهما وجد أو عدم ويكذبون بما يدل فيهما مما لم ينزله الله تعالى فيهما وهذه هي إقامتهما حقاً فلاح صدق قولنا موافقاً لنص الآية بلا تأويل والحمد لله رب العالمين .
===================
رد على الطاعنين بأن رسول الله حرم شيئا أحله الله وذلك فى سورة التحريم
اولا بشكل بسيط جدا التحريم هو المنع والدليل قوله تعالى
سورة آل عمران آية رقم 93(6/87)
{كل الطعام كان حلا لبني إسرائيل إلا ما حرم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزل التوراة قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين}
يستطيع شخص ان يحرم على نفسه فرضا الموز او التفاح زهدا فرضا منه فى توفير التكاليف ولعدم الاسراف فلا ضير فى ذلك فهو مخير بأن يأكل او لا ياكل فهذا الله أعطاه الحق بذلك
ونعود الان لشرح المعنى للأية
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(1)قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ(2)وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ(3)إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ(4)عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ مُسْلِمَاتٍ مُؤْمِنَاتٍ قَانِتَاتٍ تَائِبَاتٍ عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا(5)}
الرد مع التفنيد
سبب النزول:
نزول الآية (1، 2):
أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين عن عائشة أنها قالت : "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب الْحَلْواء والعسل، وكان إذا انصرف من العصر دخل على نسائه، يمكث عند زينب بنت جحش، فيشرب عندها عسلاً، فتواطأتُ أنا وحفصة أنَّ أيّتنا دخل النبي صلى الله عليه وسلم عليها، فلتقل له : إني أجد منك ريح مَغَافير، أكلتَ مغافير، فقال : لا، بل شربت عسلاً عند زينب بنت جحش، ولن أعود إليه، وقد حلفتُ، لا تخبري بذلك أحداً".
نزول الآية (5):
{عسى ربّه ..}: أخرج البخاري عن أنس قال: قال عمر: اجتمع نساء النبّي صلى الله عليه وسلم في الغَيْرة عليه، فقلت: عسى ربّه إن طلقكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، فنزلت هذه الآية.(6/88)
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} الخطاب بلفظ النبوة مشعرٌ بالتوقير والتعظيم، والتنويه بمقامه الرفيع الشريف، فلم يخاطبه باسمه العلم كما خاطب سائر الرسل بقوله "يا إِبراهيم، يا نوحُ، يا عيسى بن مريم" وإِنما خاطبه بلفظ النبوة أو الرسالة، وذلك أعظم دليلٍ وبرهانٍ على أنه - صلوات الله عليه - أفضل الأنبياء والمرسلين ومعنى الآية: يا أيها الموحى إِليه من السماء، المنبأ بواسطة الأمين جبريل عليه السلام، لماذا تمنع نفسك ما أحلَّ الله لك من النساء؟ قال المفسرون: إِن رسول الله صلى الله عليه وسلم خلا بأم ولده "مارية" في بيت حفصة وعلمت بذلك فقال لها: اكتمي عليَّ وقد حرمت مارية على نفسي فنزلت الآية {يا أيها النبيُ لم تُحرّم ما أحلَّ الله لك} وفي افتتاح العتاب من حسن التلطف ما لا يخفى، فقد عاتبه على إِتعاب نفسه والتضييق عليها من أجل مرضاة أزواجه، كأنه يقول: لا تتعب نفسك في سبيل أزواجك، وأزواجك يسعين في مرضاتك، فأرح نفسك من هذا العناء {تَبْتَغِي مَرْضَاةَ أَزْوَاجِكَ}؟ أي تطلب رضا أزواجك بتحريم ما أحلَّ الله لك؟ قال ابن جزي: يعني تحريمه للجارية ابتغاء رضا حفصة، وهذا يدل على أنها نزلت في تحريم الجارية، وأما تحريم العسل فلم يقصد فيه رضا أزواجه وإِنما تركه لرائحته {وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي والله واسع المغفرة، عظيم الرحمة، حيث سامحك في امتناعك عن مارية، وإِنما عاتبك رحمة بك، وفي هذا إِشارة إِلى أن عتابه في ذلك إِنما كان كرامةً له، وإِنما وقع العتاب لتضييقه عليه السلام على نفسه، وامتناعه مما كان له فيه أُنسٌ ومتعة، وبئس ما قاله الزمخشري في أن هذا كان منه صلى الله عليه وسلم زلة لأنه حرَّم ما أحل الله له الخ فإِن هذا القول قلة أدب مع مقام النبوة، وجهل بصفات المعصوم، فلم يكن منه صلوات الله عليه تحريمٌ للحلال كما زعم حتى تعتبر مخالفة ومعصية، وإِنما امتنع عن بعض إِمائه تطييباً لخاطر بعض أزواجه، فعاتبه الله تعالى عليه رفقاً به، وتنويهاً بقدره، وإِجلالاً لمنصبه عليه السلام أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشق عليه، جرياً على ما أُلف من لطف الله تعالى به {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} أي قد شرع الله لكم يا معشر المؤمنين ما تتحللون به من أيمانكم وذلك بالكفارة {وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ} أي واللهُ وليُكم وناصركم {وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} أي وهو العليم بخلقه الحكيم في صنعه، فلا يأمر ولا ينهى إلا بما تقتضيه الحكمة والمصلحة .. ثم شرع تعالى في بيان القصة التي حدثت لرسول الله صلى الله عليه وسلم مع بعض زوجاته فقال {وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا} أي واذكر حين أسرَّ النبي محمد صلى الله عليه وسلم إِلى زوجته حفصة خبراً واستكتمها إِياه، قال ابن عباس: هو ما أسرَّ إِلى حفصة من تحريم الجارية على نفسه، كما أخبرها بأن الخلافة بعده تكون في أبي بكر وعمر، وطلب منها ألا تخبر بذلك أحداً {فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ} أي فلما أخبرت بذلك السرِّ عائشة وافشته لها {وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ} أي وأطلع الله نبيه بواسطة جبريل الأمين على إفشائها للسرِّ {عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ} أي أعلمها وأخبرها رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعض الحديث الذي أفشته معاتباً لها، ولم يخبرها بجميع ما حصل منها حياءً منه وكرماً، فإِن من عادة الفضلاء التغافل عن الزلات، والتقصير في اللوم والعتاب، قال الحسن: ما استقصى كريمٌ قط، وقال سفيان: ما زال التغافل من شيم الكرام، قال الخازن: المعنى أن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر حفصة ببعض ما أخبرت به عائشة وهو تحريم مارية على نفسه، وأعرض عن ذكر الخلافة لأنه صلى الله عليه وسلم كره أن ينتشر ذلك في الناس {فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ} أي فلما أخبر الرسول حفصة بأنها قد أفشت سرِّه {قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا} أي قالت: من أخبرك يا رسول الله بأني أفشيتُ سرك؟ قال أبو حيان: ظنت حفصة أن عائشة فضحتها -وكانت قد استكتمتها - فقالت من أنبأك هذا على سبيل التثبت، فأخبرها أن الله جل وعلا هو الذي نبأه به فسكتت وسلَّمت {قَالَ نَبَّأَنِي الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ} أي فقال عليه السلام: أخبرني بذلك ربُّ العزة، العليم بسرائر العباد، الخبير الذي لا تخفى عليه خافية {إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ} الخطاب لحفصة وعائشة، خاطبهما بطريق الالتفات ليكون أبلغ في معاتبتهما وحملهما على التوبة مما بدر منهما من الإِيذاء لسيد الأنبياء، وجوابه محذوف تقديره أي إِن تبتما كان خيراً لكما من التعاون على النبي صلى الله عليه وسلم بالإِيذاء {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} أي فقد زاغت ومالت قلوبكما عما يجب عليكما من الإِخلاص لرسول الله، بحب ما يحبه، وكراهة ما يكرهه {وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ} أي وإِن تتعاونا على النبي صلى الله عليه(6/89)
وسلم بما يسوؤه، من الوقيعة بينه وبين سائر نسائه {فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلاهُ} أي فإِنَّ الله تعالى هو وليُّه وناصره، فلا يضره ذلك التظاهر منكما {وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ} أي وجبريل كذلك وليه وناصره، والصالحون من المؤمنين، قال ابن عباس: أراد بصالح المؤمنين أبا بكر وعمر فقد كانا عوناً له عليه الصلاة والسلام عليهما، قال ابن جزي: معنى الآية: إِن تعاونتما عليه صلى الله عليه وسلم بما يسوؤه من إِفراط الغيرة، وإِفشاء سره ونحو ذلك، فإِنَّ له من ينصره ويتولاه، وقد ورد في الصحيح أنه لما وقع ذلك جاء عمر إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله: ما يشقُّ عليك من شأن النساء؟ فإِن كنت طلقتهنَّ فإِنَّ الله معك وملائكته وجبريل، وأبو بكرٍ وعمر معك فنزلت الآية موافقة لقول عمر {وَالْمَلائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ} أي والملائكة الأبرار بعد حضرة الله، وجبريل، وصالح المؤمنين أعوانٌ لرسول الله صلى الله عليه وسلم على من عاداه، فماذا يفيد تظاهر امرأتين على من هؤلاء أعوانه وأنصارهُ؟ أفرد {جبريل} بالذكر تعظيماً له، وإِظهاراً لمكانته عند الله تعالى فيكون قد ذُكر مرتين: مرةً بالإِفراد، ومرةً في العموم، ووسَّط {صالح المؤمنين} بين جبريل والملائكة تشريفاً لهم، واعتناءً بهم، وإِشادةً بفضل الصلاح، وختم الآية بذكر {الملائكة} أعظم المخلوقات وجعلهم ظهراء للنبي عليه الصلاة و السلام ليكون أفخم بالنبي صلوات الله عليه، وعظم مكانته، والانتصار له، إِذ هم بمثابة جيشٍ جرارٍ، يملأ القفار، نصرةً للنبي المختار، فمن ذا الذي يستطيع أن يناوئ الرسول صلى الله عليه وسلم بعد ذلك؟ ثم خوَّف تعالى نساء النبي بقوله {عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ} قال المفسرون: {عسى} من الله واجبٌ أي حقٌ واجب عل الله إِن طلقكنَّ رسوله {أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجًا خَيْرًا مِنْكُنَّ} أي أن يعطيه عليه السلام بدلكُنَّ زوجاتٍ صالحاتٍ خيراً وأفضل منكنَّ، قال القرطبي: هذا وعدٌ من الله تعالى لرسوله لو طلقهن في الدنيا أن يزوجه نساءً خيراً منهن، والله عالمٌ بأنه لا يطلقهن، ولكنْ أخبر عن قدرته، على أن رسوله لو طلقهن، لأبدله خيراً منهن، تخويفاً لهن .. ثم وصف تعالى هؤلاء الزوجات اللواتي سيبدله بهنَّ فقال {مُسْلِمَاتٍ} أي خاضعات مستسلماتٍ لأمر الله تعالى وأمر رسوله {مُؤْمِنَاتٍ} أي مصدقاتٍ بالله وبرسوله {قَانِتَاتٍ} أي مطيعاتٍ لما يُؤمرن به، مواظباتٍ على الطاعة {تائِبَاتٍ} أي تائباتٍ من الذنوب، لا يصررن على معصية {عَابِدَاتٍ} أي متعبداتٍ لله تعالى يكثرن العبادة، كأنَّ العبادة امتزجت، بقلوبهن، حتى صارت سجيةً لهن {سَائِحَاتٍ} أي مسافراتٍ مهاجراتٍ إلى الله ورسوله {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} أ ي منهنَّ ثيباتٍ، ومنهن أبكاراً، قال ابن كثير: قسمهن إِلى نوعين ليكون ذلك أشهى إِلى النفس، فإِنَّ التنوع يبسط النفس، وإِنما دخلت واو العطف هنا {ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا} للتنويع والتقسيم، ولو سقطت لاختل المعنى، لأن الثيوبة والبكارة لا يجتمعان، فتدبر سرَّ القرآن .
بَين يَدَيْ السُّورَة
* سورة التحريم من السور المدنية التي تتناول الشؤون التشريعية، وهي هنا تعالج قضايا وأحكاماً تتعلق "ببيت النبوة" وبأُمهات المؤمنين أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم الطاهرات، وذلك في إِطار تهيئة البيت المسلم، والنموذج الأكمل للأسرة السعيدة.
* تناولت السورة الكريمة في البدء الحديث عن تحريم الرسول صلى الله عليه وسلم لجاريته ومملوكته "مارية القبطية" على نفسه، وامتناعه عن معاشرتها إِرضاءً لرغبة بعض زوجاته الطاهرات، وجاء العتاب له لطيفاً رقيقاً، يشف عن عناية الله بعبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم أن يُضيّق على نفسه ما وسَّعه الله له {يا أيها النبيُ لم تُحرّمُ ما أحلَّ اللهُ لك تبتغي مرضاة أزواجك ..} الآية.
* ثم تناولت السورة أمراً على جانب كبير من الخطورة ألا وهو "إِفشاء السر" الذي يكون بين الزوجين، والذي يهدِّد الحياة الزوجية، وضربت المثل على ذلك برسول الله صلى الله عليه وسلم حين أسرَّ إِلى حفصة بسرٍّ واستكتمها إِياه، فأفشته إِلى عائشة حتى شاع الأمر وذاع، مما أغضب الرسول حتى همَّ بتطليق أزواجه {وإِذْ أسرَّ النبي إِلى بعض أزواجه حديثاً ..} الآية.
* وحملت السورة الكريمة حملة شديدةً عنيفة، على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم حين حدث ما حدث بينهن من التنافس، وغيرة بعضهن من بعض لأمورٍ يسيرة، وتوعدتهن بإِبدال الله لرسوله عليه السلام بنساءٍ خير منهنَّ، انتصاراً لرسول الله صلى الله عليه وسلم {عسى ربه إِن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن، مسلماتٍ، مؤمنات، قانتات، تائبات ..} الآية.(6/90)
* وختمت السورة بضرب مثلين: مثل للزوجة الكافرة في عصمة الرجل الصالح المؤمن، ومثلاً للزوجة المؤمنة في عصمة الرجل الفاجر الكافر، تنبيهاً للعباد على أنه لا يغني في الآخرة أحدٌ عن أحد، ولا ينفع حسب ولا نسب، إِذا لم يكن عمل الإِنسان صالحاً {ضرب الله مثلاً للذين كفروا امرأة نوح وامرأة لوط، كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما - أي كفرتا بالله ولم تؤمنا - فلم يغنيا عنهما من الله شيئاً وقيل ادخلا النار مع الداخلين * وضرب الله مثلاً للذين آمنوا امرأة فرعون إِذ قالت رب ابن لي عندك بيتاً في الجنة ..} الآيات. وهو ختم رائع يتناسق مع جوّ السورة وهدفها في ترسيخ دعائم الفضيلة والإيمان.
=================
المصطلحات الأعجمية في القرآن الكريم
إن المستشرقين قبلوا النظرية التي قال بها شفالي في كتابه ( تاريخ القرآن) أن "القرآن" قد اشتق من كلمة " قرياءنا" السريانية، ( ومعناها القراءة المقدسة، والدرس).
أما النظرة الغالبة لدى الدوائر الإسلامية فهي أن الكلمة اسم من قرأ .
ويشير الكاتب إلى أن كلا الرأيين يجد لنفسه سنداً من القرآن، حيث يظهر فعل " قرأ " ولكن ليس كما يتكرر بمعنى القراءة أو التلاوة . ثم يقول :
"ولعل أنسب النتائج وأقربها قبولاً هي أن مصطلح القرآن قد أصّل في القرآن نفسه لكي يمثّل كلمة " قيريانا السريانية " ولكنه أسس على مصدر عربي بصيغة " فعلان" من قرأ ".
وهكذا حاد كاتب المقال عن الحقيقة بعد أن تبينت له ، فالكلمة العربية اشتقت من القراءة، كما أن أول سورة من القرآن – حسب الترتيب الزماني للسور والذي أعده المستشرقون أنفسهم ، تبدأ بكلمة : اقْرَأ، فعل أمر من قرأ، وهي نفس المادة العربية التي اشتقت منها كلمة القرآن .
وآثر الكاتب أن يقحم الرأي المتعسف الذي افتراه المستشرق الألماني شفالي ومن سار على دربه من المستشرقين بأن الكلمة منحدرة من المصادر النصرانية السريانية، (معتمداً على مخطوطة سريانية من القرن السادس موجودة بالمتحف البريطاني) وهي المصادر التي لا يمكن لأحد أن يأتي بدليل على ظهورها وتأثيرها عند نزول القرآن الكريم.
ولا شك أن الكاتب يهدف بتصدير المقال بهذا المبحث اللغوي المتعسف إلى أن يبين أن هناك اتصالاً وثيقاً بين القرآن الكريم والمصادر المذكورة ، وأن هذا الاتصال إنما يبدأ بكلمة "القرآن" نفسها التي ليست في الواقع إلا كلمة مأخوذة من السريانية، كل ذلك لكي يسهل على القارئ أن يتقبل ما سوف يرد من آراء في هذا السياق.
ويمضي كاتب المقال قائلاً: " ولا يمكن لمعنى كلمة القرآن ومصدر الكتاب المقدس للمسلمين أن يتضحا تماماً دون أن نضع في الاعتبار استخدام عدد آخر من المصطلحات الوثيقة الصلة بالموضوع ، ولا يقتصر الأمر هنا على "آية" و"كتاب" فحسب، بل يشمل أيضاً " سورة " و "ذكر" و" مثاني"، و "حكمة" وغيرها.
ثم يقول " إن المعنى الأصلي للفظ "آية" كالكلمة الشبيهة في العبرية "أوث" ، والسريانية "آثا" ، هي العلامة والدليل وتأتي كرمز لحقيقة غير مرئية" ولكنه يستدرك قائلاً " غير أن اشتقاقها ليس مؤكداً".
وبعد ذلك يعرض لكلمة " سورة" فينقل عن شفالي قوله: إنها تبدو مشتقة من " صورطا" أو " سورثا" السريانية : ومعناها الكتاب المقدس .
كما يعرض للفظ" مثاني" فينقل ما قاله بعض المستشرقين من أنها مشتقة من " مشنا" العبرية، وبعضهم الآخر من " ماثنيتكا" السريانية أو الآرامية، لكن اللفظ كما يؤكد كاتب المقال – لابد أن يكون متأثراً بـ "ثنى" العربية، بمعنى أعاد وكرر.
ثم يأتي الكاتب إلى كلمة " حكمة" فيقول إنها ربما جاءت من الكلمة الآرامية "حخما" فالكاتب بقدر ما ينفي أن بعض هذه الكلمات ترجع إلى أصول عبرية أو سريانية أو آرامية فإنه يشير إلى صحة اشتقاق بعضها من هذه الأصول .
وهو يتتبع كل كلمة من الكلمات السابق ذكرها فيعرض لمعانيها الواردة في المكي ثم المدني من القرآن الكريم متبعاً في ذلك منهج النقد الأدنى، كما سبق أن أشرنا.
وإذا تأملنا النتائج التي توصل إليها المستشرقون في هذا البحث – وفقاً لما عرضه كاتب المقال – نجد أنها لم تأت بجديد، فهي قد أقرت بما أعلنه المسلمون من أن ألفاظ : قرآن، آية، سورة، كتاب إنما تمثل وحدات من التنزيل ، وأن الكتاب يعني كتاب الله.. إلخ ومن ثم لا يشتمل هذا المبحث إلا على ما أثاره بعض المستشرقين من شبهات حول اشتقاق بعض ألفاظ القرآن الكريم وردها إلى أصول عبرية أو سريانية، وبمعنى آخر ردّها إلى أصول يهودية أو نصرانية.
ولاشك أن الهدف من وراء هذا التشكيك في أصالة المصطلحات الرئيسة في القرآن الكريم وردّها إلى أصول عبرية أو سامية أو آرامية إنما هو استدراج للقارئ وتمهيد لإقناعه بأن القرآن هو من اختراع محمد وتأليفه، وأنه قد تعلم هذه الألفاظ من اليهود والنصارى.(6/91)
قال القرطبي أجمعوا على أنه ليس في القرآن شيء من التراكيب الأعجمية وأجمعوا أن فيه أعلاما من الأعجمية كإبراهيم ونوح ولوط واختلفوا هل فيه شيء من غير ذلك بالأعجمية فأنكر ذلك الباقلاني والطبري وقالا ما وقع فيه مما يوافق الأعجمية فهو من باب ما توافقت فيه اللغات
باب هل ورد في القرآن كلمات خارجة عن لغات العرب :
أولا لا خلاف بين الأئمة أنه ليس في القرآن كلام مركب على اساليب غير العرب وأن فيه أسماء أعلامالمن لسانه غير العرب كإسرائيل وجبريل وعمران ونوح ولوط وأختلفوا هل وقع فيه ألفاظ غير أعلام مفردة من غير كلام العرب فذهب القاضي أبو بكر الطيب وغيرهما إلى أن ذلك لا يوجد فيه وأن القرآن عربي صريح وما وجد فيه من الالفاظ التي تنسب إلى سائر اللغات إنما اتفق فيها ان تواردت اللغات عليها فتكلمت بها العرب والفرس والحبشة وغيرهم وذهب بعضهم إلى وجودها فيه وأن تلك الألفاظ لقلتها لا تخرج القرآن عن كونه عربيا مبينا ولا رسول الله عن كونه متكلما بلسان قومه .
فالمشكاة : الكوة
ونشأ : قام من الليل ومنه إن ناشئة الليل و ويؤتكم كفلين أي ضعفين و فرت من قسورة أي الأسد كله بلسان الحبشة
والغساق : البارد المنتن بلسان الترك
والقسطاس : الميزان بلغة الروم
والسجيل : الحجارة والطين بلسان الفرس
والطور : الجبل
واليم : البحر بالسريانية
والتنور : وجه الأرض بالعجمية
قال ابن عطية : فحقيقة العبارة عن هده الألفاظ أنها في الأصل أعجمية لكن استعملتها العرب وعربتها فهي عربية بهذا الوجه وقد كان للعرب العاربة التي نزل القرآن بلسانها بعض مخالطة لسائر الألسنة بتجارات وبرحلتي قريش وكسفر مسافر بن أبي عمرو إلى الشام وكسفر عمر بن الخطاب وكسفر عمرو بن العاص وعمارة بن الوليد إلى أرض الحبشة وكسفر الأعشى إلى الحيرة وصحبته لنصاراها مع كونه حجة في اللغة فعلقت العرب بهذا كله ألفاظا أعجمية غيرت بعضها بالنقص من حروفها وجرت إلى تخفيف ثقل العجمة واستعملتها في أشعارها ومحاوراتها حتى جرى مجرى العربي الصحيح ووقع بها البيان وعلى هذا الحد نزل بها القرآن فإن جهلها عربي ما فكجهله الصريح بما في لغة غيره كما لم يعرف ابن عباس معنى فاطر إلى غير ذلك .
قال ابن عطية : وما ذهب إليه الطبري رحمه الله من أن اللغتين اتفقتا في لفظة فذلك بعيد بل إحداهما أصل والأخرى فرع في الأكثر لأنا لا ندفع أيضا جواز الاتفاق قليلا شاذا
قال غيره : والأول أصح وقوله : هي أصل في كلام غيرهم دخيلة في كلامهم ليس بأولى من العكس فإن العرب لا يخلو أن تكون تخاطبت بها أو لا فإن كان الأول فهي من كلامهم إذ لا معنى للغتهم وكلامهم إلا ما كان كذلك عندهم ولا يبعد أن يكون غيرهم قد وافقهم على بعض كلماتهم .
وقد قال ذلك الإمام الكبير أبو عبيدة
فإن قيل : ليست هذه الكلمات على أوزان كلام العرب فلا تكون منه قلنا : ومن سلم لكم أنكم حصرتم أوزانهم حتى تخرجوا هذه منها فقد بحث القاضي عن أصول أوزان كلام العرب ورد هذه الأسماء إليها على الطريقة النحوية وأما إن لم تكن العرب تخاطبت بها ولا عرفتها استحال ان يخاطبهم الله بما لا يعرفون وحينئذ لا يكون القرآن عربيا مبينا ولا يكون الرسول مخاطبا لقومه بلسانهم والله أعلم
ويناقش الدكتور عبد الرحمن بدوي مزاعم المستشرقين في هذا الصدد قائلاً:
" ولكي نفترض صحة هذا الزعم فلا بد أن محمداً كان يعرف العبرية والسريانية واليونانية، ولابد أنه كان لديه مكتبة عظيمة اشتملت على كل الأدب التلمودي والأناجيل المسيحية ومختلف كتب الصلوات وقرارات المجامع الكنسية وكذلك بعض أعمال الآباء اليونانيين وكتب مختلف الكنائس : الملل والنحل المسيحية".
ويعلق عبد الرحمن بدوي على هذا بقوله : " هل يمكن أن يعقل هذا الكلام الشاذ لهؤلاء الكتاب، وهو كلام لا برهان عليه.
إن حياة النبي محمد صلى الله عليه وسلم قبل ظهور رسالته وبعدها معروفة للجميع… ولا أحد قديماً أو حديثاً يمكنه أن يؤكد أن النبي كان يعرف غير العربية، إذاً كيف يمكن أن يستفيد من هذه المصادر كما يدَّعون".
على أن اللغات العربية والعبرية والسريانية تنتمي إلى سلالة لغوية واحدة هي سلالة اللغات السامية، ولابد من أجل ذلك أن يكون بينها الكثير من التشابه والتماثل.
ومن ثم فإن القول بأن إحدى اللغات قد استعارت ألفاظاً بعينها من أخواتها هو ضرب من التعسف ، مالم يقم عليه دليل.
ويمكن أن تكون هذه الألفاظ قد وجدت في العربية قبل زمن النبي صلى الله عليه وسلم بوقت طويل واستقرت في اللغة العربية حتى أصبحت جزءاً منها وصارت من مفرداتها التي يروج استخدامها بين العرب.
كما أن من المستحيل الآن بسبب غموض تاريخ اللغات السامية أن نحدد من اقتبس هذه الألفاظ المشتركة من الآخر: العربية أم العبرية ؟
وهذا كاف في الدلالة على إثبات تفاهة حجج من توسع من المستشرقين في باب الاشتقاق من اللغات السامية
===============(6/92)
أعجاز القرآن ومعنى المعجزة والسحر والكذب والفرق بينهم
النوع التاسع: إعجاز القرآن
أ- الإعجاز
ب- تعريف المعجزة
جـ- شروط المعجزة
د- الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر
هـ -تنوع المعجزة وحكمته (القسم الأول: المعجزات الحسية -القسم الثاني: المعجزات العقلية)
و- تحدي القرآن للعرب وبيان عجزهم
الرد مع التفصيل لكل نقطة من هؤلاء التالى :
أ-الإعجاز
الإعجاز: إثبات العجز، والعجز: ضد القدرة، وهو القصور عن فعل الشيء.
ب-تعريف المعجزة: هي أمر خارق للعادة مقرون بالتحدي سالم عن المعارضة. يظهر على يد مدعي النبوة موافقاً لدعواه.
ج-شروط المعجزة.
1- أن تكون المعجزة خارقة للعادة غير ما اعتاد عليه الناس من سنن الكون والظواهر الطبيعية.
2-أن تكون المعجزة مقرونة بالتحدي للمكذبين أو الشاكين.
3-أن تكون المعجزة سالمة عن المعارضة، فمتى أمكن أن يعارض هذا الأمر ويأتي بمثله، بطل أن تكون معجزة.
د-الفرق بين المعجزة والكرامة والسحر
قد يكرم الله تعالى بعض أوليائه من المتقين الأبرار بأمر خارق يجريه له، ويسمى ذلك: الكرامة.
وثمة فرق شاسع بين المعجزة والكرامة ، لأن الكرامة لا يدعي صاحبها النبوة، وإنما تظهر على يده لصدقه في إتباع النبي. لأن هؤلاء الأبرار ما كانت تقع لهم هذه الخوارق لولا اعتصامهم بالاتباع الحق للنبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا يبين لنا أن شرط الكرامة للولي صدق الاتباع للنبي صلى الله عليه وسلم، لكن ليس من شرطه العصمة ، فان الولي قد يقع في المعصية، أما الأنبياء فقد عصمهم الله تعالى.
أما السحر فهو أبعد شيء عن المعجزة أو الكرامة، وان كان قد يقع فيه غرابة وعجائب، لكنه يفترق عن المعجزة والكرامة من أوجه كثيرة تظهر في شخص الساحر وفي عمل السحر.
فمما يفترق به الساحر عن الولي:
1- ركوب متن الفسق والعصيان.
2-الطاعة للشيطان.
3- التقرب إلى الشياطين بالكفر والجناية والمعاصي.
4-الساحر أكذب الناس وأشدهم شراً.
وأما عمل السحر فقد يكون مستغربا طريفا، لكنه لا يخرج عن طاقة الإنس والجن والحيوان، كالطيران في الهواء مثلا، بل هو أمر مقدور عليه لأنه يترتب على أسباب إذا عرفها أحد وتعاطاها صنع مثلها أو أقوى منها.
لذلك ما أن نواجه السحر بالحقيقة حتى يذهب سدى،{وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} [طه: 69].
ومن هنا خضع السحرة لسيدنا موسى عليه السلام، لأنهم وهم أعرف الناس بالسحر، كانوا أكثر الناس يقينا بحقية معجزته، وصدق نبوته، فما وسعهم أمام جلال المعجزة الإلهية إلا أن خروا سجدا وقالوا: {آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى} [ طه: 70].
هـ- تنوع المعجزة وحكمته:
تنقسم المعجزة إلى قسمين:
القسم الأول المعجزات الحسية:
مثل: معجزة الإسراء والمعراج ، وإنشقاق القمر، ونبع الماء من بين أصابع النبي صلى الله عليه وسلم، تكثير الطعام القليل…
القسم الثاني: المعجزات العقلية:
مثل الإخبار عن المغيَّبات، والقرآن الكريم.
وقد جرت سنة الله تعالى كما قضت حكمته أن يجعل معجزة كل نبي مشاكلة لما يتقن قومه ويتفوقون فيه. ولما كان الغرب قوم بيان ولسان وبلاغة، كانت معجزة النبي صلى الله عليه وسلم الكبرى هي: القرآن الكريم.
و- تحدي القرآن للعرب وبيان عجزهم.
1-لقد تحدى الله العرب -وهم أهل الفصاحة- بل العالم بالقرآن كله على رؤوس الأشهاد في كل جيل بأن يأتوا بمثله، فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ} [الطور: 33-34].
وقال تعالى: {قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الإسراء: 88]. فعجزوا عن الإتيان بمثله.
2-ولما كبلهم العجز عن هذا، فلم يفعلوا ما تحداهم، فجاءهم بتخفيف التحدي، فتحداهم بعشر سور، فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ * فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لا إِلَهَ إِلا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ} [هود: 13-14].
3-ثم أرخى لهم حبل التحدي ، ووسع لهم غاية التوسعة فتحداهم أن يأتوا بسورة واحدة، أي سورة ولو من قصار السور، فقال تعالى: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنْ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يونس: 38].
=============
شبهات وردود حول المحكم والمتشابه
النوع السادس: المحكم والمتشابه
أ- تعريف المحكم والمتشابه
2- تعريف المتشابه لغة وشرعاً
ب- القرآن من حيث الإحكام والتشابه (كله محكم-كله متشابه-بعضه محكم وبعضه متشابه)
جـ- رد المتشابه إلى محكم
د- حكمة ورود المحكم والمتشابه(6/93)
هـ- منشأ التشابه
و- آيات الصفات
التفصيل
أ- تعريف المحكم والمتشابه
1- تعريف المحكم.
أ- الإحْكام لغة: الإتقان البالغ، ومنه البناء المحكم الذي أتقن، فلا يتطرق إليه الخلل أو الفساد. أما اصطلاحاً فقد اختلف الأصوليون في تعريفه على أقوال منها:
1- أن المحكم ما عرف المراد منه، إما بالظهور أو بالتأويل.
2- أن المحكم لا يحتمل من التأويل إلا وجهاً واحداً.
3- أن المحكم هو الواضح الدلالة الذي لا يحتمل النسخ.
4- أن المحكم ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان.
5- أن المحكم هو المتقن الذي لا يتطرق إليه الإشكال.
2-تعريف المتشابه:
أ- لغة: مأخوذ من الشَّبَه، وهو التماثل بين شيئين أو أشياء. ولما كان التماثل بين الأشياء يؤدي إلى الشك والحيرة، ويُوقع في الالتباس، توسعوا في اللفظ، وأطلقوا عليه اسم " المتشابه ".
يقال: اشتبه الأمر عليه، أي التبس عليه.
أما اصطلاحاً فقد اختلف فيه أيضاً على أقوال:
1- ما استأثر الله بعلمه، كقيام الساعة، وخروج الدابة والدجال.
2- ما لم يستقل بنفسه واحتاج إلى بيان برده إلى غيره.
3- ما احتمل أكثر من وجه.
4- ما كان غير واضح الدلالة ويحتمل النسخ.
ب- القرآن من حيث الإحكام والتشابه يمكن اعتبار القرآن محكماً كله أو متشابهاً كله أو اعتبار بعضه محكماً وبعضه متشابهاً وتفصيله التالي:
1- القرآن كله محكم: بمعنى إحكام ألفاظه وعدم وجود خلل فيه، المراد بإحكامه أيضاً: إتقانه، وعدم تطرق النقص والاختلاف إليه. قال تعالى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هود: 1].
2- القرآن كله متشابه: بمعنى أن آياته متشابهة في الحق والصدق، والإعجاز، والهداية إلى الخير. قال تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ} [الزمر: 23].
3- بعض القرآن محكم وبعضه متشابه: بمعنى أن الآيات المحكمة هي أم الكتاب أي أن هذه الآيات جماع الكتاب وأصله، فهي بمنزلة الأم له، لا غموض فيها ولا التباس، كآيات الحلال والحرام التي هي أصل التشريع، بخلاف الآيات المتشابهة التي تختلف فيها الدلالة، على كثير من الناس، فمن رد المتشابه إلى المحكم الواضح فقد اهتدى. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} [آل عمران: 7].
جـ- رد المتشابه إلى المحكم
1- قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: 53].
هذه الآية متشابهة تحتمل معنيين:
المعنى الأول: غفران الذنوب جميعاً لمن تاب.
المعنى الثاني: غفران الذنوب جميعاً لمن لم يتب.
رد الآية المتشابهة إلى المحكمة: وهي قوله تعالى: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [طه: 82]. تبين من الآية المحكمة أن الله يغفر الذنوب جميعاً لمن تاب وهو مؤمن واتبع طريق الهدى .
2- قوله تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: 9].
هذه الآية تحتمل معنيين.
المعنى الأول: إن كلمة {إِنَّا نَحْنُ} تحتمل الواحد المعظم نفسه وهو حق.
المعنى الثاني: أنها للجماعة، وهو باطل، وتحتمل أيضاً الواحد ومعه غيره، فهي آية متشابهة تمسك بها النصارى الذين قالوا بالتثليث.
رد الآية المتشابهة إلى المحكمة: وهي قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ} [النحل: 22].
وقوله تعالى:{مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ} [المؤمنون: 91]. وقوله تعالى: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} [الإخلاص: 1].
تبين من الآيات المحكمة أن المراد بقوله: {إِنَّا نَحْنُ} هو الله الواحد المعظم نفسه.
د- حكمة ورود المحكم والمتشابه.
1- إن الله سبحانه احتج على العرب بالقرآن، إذ كان فَخْرُهم ورياستهم بالبلاغة وحسن البيان، والإيجاز والإطناب، والمجاز والكناية والإشارة والتلويح، وهكذا فقد اشتمل القرآن على هذه الفنون جميعها تحدياً وإعجازاً لهم.
2- أنزل الله سبحانه الآيات المتشابهات اختباراً ليقف المؤمن عنده، ويرده إلى عالِمِهِ، فيَعْظُم به ثوابه، ويرتاب بها المنافق، فيستحق العقوبة.
ولقد أشار الله تعالى في كتابه إلى وجه الحكمة في ذلك بقوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلا} [البقرة: 26] ثم قال: جواباً لهم: {يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا} . فأما أهل السعادة فيعملون بمحكمه، ويؤمنون بمتشابهه، فيستوجبون الرحمة والفضل، وأما أهل الشقاوة فيجحدونها،فيستوجبون الملامة.(6/94)
3- أراد الله عز وجل أن يشغل أهل العلم بردّه إلى المحكم، فيطول بذلك فكرهم، ويظهر بالبحث اهتمامهم، ولو أنزله محكماً لاستوى فيه العالم والجاهل، فشغل العلماء به ليعظم ثوابهم وتعلو منزلتهم، ويكرم عند الله مآبهم.
4- أنزل المتشابه لتشغل به قلوب المؤمنين ، وتتعب فيه جوارحهم وتنعدم في البحث عنه أوقاتهم، ومدد أعمارهم، فيجوزوا من الثواب حسبما كابدوا من المشقة.
وهكذا كانت المتشابهات ميدان سباق تنقدح فيه الأفكار والعلوم.
هـ- منشأ التشابه
نشأ التشابه من خفاء مراد الشارع في كلامه، فمرة يرجع إلى اللفظ، ومرة يرجع إلى المعنى، ومرة يرجع إلى اللفظ والمعنى.
1- اللفظ: قوله تعالى: {فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ} [الصافات: 93].
فلفظة: اليمين تحتمل استعمال يده اليمنى غير الشمال، وتحتمل أيضاً أن الضرب كان بقوة، لأن اليمين أقوى الجارحتين، وتحتمل أن الضرب كان بسبب اليمين التي حلفها إبراهيم، وفي قوله تعالى: {وَتَاللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ} [الأنبياء: 57].
2- المعنى: مثل ما استأثر الله بعلمه من أهوال يوم القيامة، وعلامات الساعة، والجنة والنار.
3- اللفظ والمعنى: قوله تعالى: {وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ اتَّقَى وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا} [البقرة: 189] فهذا الخفاء في المعنى وفي اللفظ معاً إذ لا يمكن معرفة معنى هذه الآية إلا بالرجوع إلى تفسيرها، فقد كان أهل الجاهلية يعتقدون أن الرجل إذا أحرم بالحج لم يدخل من باب البيت بل يخرق خرقاً أو يدخل من وراء البيت، فرد عليهم القرآن وبيَّن أن ليس شيء من ذلك من أبواب البر ولكن البر هو التقوى.
و- آيات الصفات
إنها محكمة لكونها صفات الله تعالى، متشابهة بالنسبة لنا من حيث كيفيتها مثل صفة: الاستواء على العرش، فهي معلومة في معناها، ولكن الكيف مرفوع كما قال الإمام مالك: الإستواء معلوم، والكيف مرفوع، والسؤال عنه بدعة. أي معنى الاستواء معلوم، ونثبت له كيفية، فصفات الله منزّهة عن الكيف، والسؤال عن الآيات المتشابهات.
===========
ما معنى الاية ({فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك
سورة يونس آية رقم 94
{فإن كنت في شك مما أنزلنا إليك فاسأل الذين يقرؤون الكتاب من قبلك لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين}
بسم الله
دائما النصارى تقول هذة الاية الله يخبر بها سيدنا محمد للأحتكام لكتبهم ولكن هذا قول مغلوط جدا ولكن ما المراد بالاية ؟
اولا
(فإن كنت) يا محمد (في شك مما أنزلنا إليك) من القصص فرضاً (فاسأل الذين يقرؤون الكتاب) التوراة (من قبلك) فإنه ثابت عندهم يخبرونك بصدقه ، قال صلى الله عليه وسلم : لا أشك ولا أسأل (لقد جاءك الحق من ربك فلا تكونن من الممترين) الشاكين فيه
الشك: اعتدال النقيضين عند الإنسان وتساويهما، وذلك قد يكون لوجود أمارتين متساويتين عند النقيضين، أو لعدم الأمارة فيهما، والشك ربما كان في الشيء هل هو موجود أو غير موجود؟ وربما كان في جنسه، من أي جنس هو؟ وربما كان في بعض صفاته، وربما كان في الغرض الذي لأجله أوجد. والشك: ضرب من الجهل، وهو أخص منه؛ لأن الجهل قد يكون عدم العلم بالنقيضين رأسا، فكل شك جهل، وليس كل جهل شكا، قال الله تعالى: (وإنهم لفي شك منه مريب( [هود/110]، (بل هم في شك يلعبون( [الدخان /9]، (فإن كنت في شك( [يونس/94]. واشتقاقه إما من شككت الشيء أي: خرقته، قال:- 270 - وشككت بالرمح الأصم ثيابه ***
وايضا هم قالو كيف ينزل الكتاب على بشر واستنكرو ذلك بحجة ان الذى اتى بالكتاب الانجيل لديهم ابن الله وهذا الله رد عليهم به وقال
{قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا}
سورة الإسراء آية رقم 95
وهنا الدليل على انه يا محمد من ينكر عليك انك رسول بشر فاسال الذين لديهم الكتاب هل ارسلنا عليهم بشرا ام ملاكا فأن كان بشرا فلما تستكبرون ان اكون رسول بشرا مثلكم ؟ وان كان ملاك فان صفة المعية للملاك مختلفة عن البشر ذلك بان الملاك وجب ان يكون من صنفه لكى يرونه ويكلموه ويفهمو منه فان معية الملاك مختلفة عن معية البشر ولذلك الله يرسل لكل جنس من جنسة وحتى لما جاء جبريل عليه السلام لمريم عليها السلام قال الله فتمثل لها بشرا سويا يعنى اخذ شكل بشر معتدل حتى تستطيع ان تراه ويكلمها لكى تكون الرسالة واضحة
وهنا الله يخبر نبيه الكريم انه يا اهل الكتاب هل الذين اتو من قبلى كانو بشرا ام ملائكة؟
ولهذا قال هاهنا " قل لو كان في الأرض ملائكة يمشون مطمئنين " أي كما أنتم فيها " لنزلنا عليهم من السماء ملكا رسولا " أي من جنسهم ولما كنتم أنتم بشرا بعثنا فيكم رسلنا منكم لطفا ورحمة .
وهذا الرد انه ليس المقصود اسالهم يا محمد واحتكم بما فى كتبهم بل يقول الله(6/95)
لو عارضوك فقل هاتو كتبكم لنرى هل الحكم موجود به الذى عارضتم عليه ام لا فأن كان موجودا فلما تعترضون على ما هو اصلا موجود بكتبكم وترفضونه ؟ فهذة حجة عليكم ايها النصارى وليست لكم
فقد رفضتم الجزية وهى مدونه فى كتابكم لما قال المسيح فاعطو الجميع حقوقهم الجزية لمن له الجزية والكرامة لمن له الكرامة والاكرام لمن له الاكرام
فلما تعترضون عليها والمسيح قال انه حق من الحقوق ولم يقل كسب بالغصب
وايضا الرجم للزانية والزانى اعترضتم عليها وهى مدونه لديكم بالتوراة الذى هو مكمل للأنجيل على قولكم
والكثير الكثير وايضا قتال الذين لا يؤمنون بالله واليوم الاخر فكان العهد القديم الذى هو التوراة قمه سفك الدماء وحتى الاطفال تقتل والحيونات بالاسلام رحمة والقرآن رحمة كبيرة أمام أحكامكم أيها النصارى
فالحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة
================
كيف يستوي الرحمن علي العرش ؟
الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة والايمان به واجب وحق
والله مستوى على العرش لا جلوس ولا قيام لأن الله خلق العرش لتعظيمه لا لحاجته له
ولو كان الله جالس كما قالت المعتزلة او واقف كما قالت بعض الاشاعرة والصوفية فأنه بهذا
اصبح العرش يحتوى الله والله لا محدود ولأصبح الله محتوى من قبل العرش اى احتواه العرش
لله وهذا لا يجوز على الله وان قالو انه جالس نسالهم الدليل على ذلك فلم يرد لا بالكتاب ولا
بالسنة ان الله سبحانه وتعالى جالس او واقف او انه مماس للعرش فأن الله سبحانه وتعالى
فوق المكان لأن المكان مخلوق والزمان مخلوق والله ازلى والمكان محدود والزمان له بداية
ومحدود فهل يجوز ان يقول الله كل من عليها فان والعرش سوف يفنى فاذن الله على العرش
لو كان المعنى بعلى اى انه جالس فوقه اذن الله سوف يفنى ايضا ولكن الله سبحانه وتعالى
فوق كل مخلوقاته والعرش آخر مخلوقاته سبحانه وتعالى ولو صح ذلك لما قال الله هذة الاية
{قل لو كان معه آلهة كما يقولون إذا لابتغوا إلى ذي العرش سبيلا} سورة الإسراء آية رقم 42
==============
الجنة في الاسلام هي للزواج وشرب الخمر فقط ؟
ان ما يردده أعداء الاسلام عن العقيدة الإسلامية حيال موضوع الجنة وأنه نعيم بالخمر والنساء والغناء فيه قصور كبير عن الاعتقاد الصحيح حيال ذلك ، فإن نعيم الجنة ليس نعيما حسيّاً جسدياً فقط بل هو كذلك نعيم قلبي بالطمأنينة والرضى به سبحانه وتعالى وبجواره ، بل إن أعظم نعيم في الجنة على الإطلاق هو رؤية الربّ سبحانه وتعالى ، فإن أهل الجنة إذا رأوا وجهه الكريم نسوا كلّ ما كانوا فيه من ألوان النعيم ، يقول الله سبحانه وتعالى في سورة يونس : (( لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ)) فالحسنى الجنة والزيادة النظر إلى وجه الله الكريم ، ويقول الله سبحانه وتعالى في سورة القيامة : (( وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ )) وفي الحديث الصحيح : ((فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئاً أحب إليهم من النظر إلى ربهم عزوجل)) مسلم برقم : 181
وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذّ الأعين ولا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما ، يقول الله سبحانه وتعالى : (( لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا تَأْثِيماً إِلَّا قِيلاً سَلاماً سَلاماً )) الواقعة : 26
وما ذكروه من أن دخول الجنة يتحقق بترك محرمات معينة ليفوز الإنسان بها في الآخرة هو أيضا خطأ كبير بهذا الإطلاق إذ أن الإسلام دين يأمر بالعمل لا بالترك فقط فلا تتحقق النجاة إلا بفعل المأمورات وليس بترك المنهيات فقط فهو قيام بالواجبات وانتهاء عن المحرمات ، وكذلك فإنه ليس كل نعيم الجنة مما كان محرما في الدنيا على سبيل المكافأة بل كم في الجنة من النعيم الذي كان مباحا في الدنيا فالزواج مباح هنا وهو نعيم هناك والفواكه الطيبة من الرمان والتين وغيرها مباح هنا وهو من النعيم هناك والأشربة من اللبن والعسل مباح هنا وهو نعيم هناك وهكذا ، بل إن المفسدة التي تشتمل عليها المحرمات في الدنيا تنتزع منها في الآخرة إذا كانت من نعيم الجنة كالخمر مثلاً قال الله سبحانه وتعالى عن خمر الجنة : (( لا فِيهَا غَوْلٌ وَلا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ)) فلا تُذهب العقل ولا تسبّب صداعاً ولا مغصاً ، فطبيعتها مختلفة عما هي عليه في الدنيا ، ( انظر تفسير الآية ) والمقصود أن نعيم الجنة ليس مقصورا على إباحة المحرمات الدنيوية . وكذلك مما يجدر التنبيه عليه أن هناك من المحرمات التي لا يجازى على تركها في الدنيا بإعطاء نظيرها في الآخرة سواء من ذلك المطعومات أو المشروبات أو الأفعال والأقوال فالسم مثلاً لا يكون نعيما في الآخرة مع حرمته في الدنيا وكذا اللواط ونكاح المحارم وغير ذلك لا تباح في الآخرة مع حظرها في الدنيا ، وهذا واضح بحمد الله .(6/96)
وأعلم أن كل ما في الجنة من سررها وفرشها وأكوابها _ مخالف لما في الدنيا من صنعة العباد ، وإنما دلنا الله بما أراناه من هذا الحاضر على ما عنده من الغائب ولذلك ليس في الدنيا شيىء مما في الجنة إلا الاسماء .
قال شيخ الاسلام الامام ابن تيمة رحمة الله عليه : واليهود والنصارى والصابئون من المتفلسفة وغيرهم فإنهم ينكرون أن يكون في الجنة أكل وشرب ولباس وزواج ويمنعون وجود ما أخبر به القرآن .
والرد عليهم هو أن ما ورد في القرآن الكريم من وصف ملذات الجنة أن حقيقتها ليست مماثلة لما في الدنيا ، بل بينها تباين عظيم من التشابه في الاسماء ، فنحن نعلمها إذا خوطبنا بتلك الأسماء من جهة القدر المشترك بينهما ولكن لتلك الحقائق خاصية لاندركها في الدنيا ، ولا سبيل إلي إدراكنا لها لعدم إدراك عينها أو نظيرها من كل وجه ، وتلك الحقائق على ما هي عليه ( رسالة الإكليل من مجموعة الرسائل الكبرى _ لابن تيمة 2 : 11 )
عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ((يأكل أهل الجنة فيها ويشربون ، ولا يتغوطون ، ولا يتمخطون ، ولا يبولون ، ولكن طعامهم ذاك جشاء كرشح المسك ، يلهمون التسبيح والتحميد كما يلهمون النفس)) [ مسلم برقم 2835 ]
ان طعام وشراب أهل الجنة ليس لحاجة البقاء وإنما كنوع من المتعة واللذة ، مكافأةً لمن دخلها من الصالحين . والحقيقة ان إنسان الجنة كامل الخلق والتكوين ، ولكن تركيبته الكيميائية والفيزيائية مختلفة فليس له حاجة بتاتاً للجهاز الهضمي بما فيه من اجهزة لمعالجة الطعام والشراب ثم التخلص من الفضلات . .
وفي معنى قوله سبحانه وتعالى : (( ولهم فيها أزواج مطهرة)) البقرة : 21
أي لا يَبُلْنَ وَلا يَتَغَوَّطْنَ وَلا يَلِدْنَ وَلا يَحِضْنَ وَلايُمْنِينَ وَلا يَبْصُقْنَ . تفسير القرطبيوقال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية :
وَقَوْله تَعَالَى : (( وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاج مُطَهَّرَة)) قَالَ اِبْن أَبِي طَلْحَة عَنْ اِبْن عَبَّاس مُطَهَّرَة مِنْ الْقَذَر وَالْأَذَى. وَقَالَ مُجَاهِد مِنْ الْحَيْض وَالْغَائِط وَالْبَوْل وَالنُّخَام وَالْبُزَاق وَالْمَنِيّ وَالْوَلَد وَقَالَ قَتَادَة مَطْهَرَة مِنْ الْأَذَى وَالْمَأْثَم . وَفِي رِوَايَة عَنْهُ لا حَيْض ولا كَلَف.
ولقد جاء في الحديث الذي رواه ابو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : يقول الله تعالى : (( أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ، ولا أذن سمعت ، ولا خطر على قلب بشر ، فأقرأوا إن شئتم : فلا تعلم نفس ما أخفى لهم من قرة أعين)) [ البخاري برقم 3244 ] [ مسلم برقم 2824 ] والآية من سورة السجدة : 17
وإليكم الآن هذه النصوص القاطعة من كتاب النصارى التي تدل على حسية الجنة لديهم :
أولا : ماورد على لسان المسيح عليه السلام بشرب الخمر في ملكوت الله أي الجنة :
مرقس [ 14 : 25 ] : ((الحق اقول لكم اني لا اشرب بعد من نتاج الكرمة الى ذلك اليوم حينما اشربه جديدا في ملكوت الله. ))
فالمسيح وعد تلاميذه بأنه سيشرب الخمر معهم في ملكوت الله الجديد وهذا الملكوت الجديد حسب ما يعتقده المسيحيين سيتحقق بعد أن يدين الله العالم ويحاسبهم في يوم القيامة
وهذا النص كافي لبيان حسية الجنة واقامة الحجة على النصارى . . .
ثانياً : ما ورد في الانجيل على اشتمال الجنة على الأكل :
جاء في إنجيل لوقا [ 22 : 30 ] قول المسيح لتلاميذه :((وأنا أجعل لكم كما جعل لي أبي ملكوتاً ، لتأكلوا وتشربوا على مائدتي في ملكوتي ، ونجلسوا على كراسي تدينون أسباط إسرائيل الاثنى عشر))قال المسيح في إنجيل لوقا [ 14 : 12 ] : ((عِنْدَمَا تُقِيمُ غَدَاءً أَوْ عَشَاءً، فَلاَ تَدْعُ أَصْدِقَاءَكَ وَلاَ إِخْوَتَكَ وَلاَ أَقْرِبَاءَكَ وَلاَ جِيرَانَكَ الأَغْنِيَاءَ، لِئَلاَّ يَدْعُوكَ هُمْ أَيْضاً بِالْمُقَابِلِ، فَتَكُونَ قَدْ كُوفِئْتَ. 13وَلكِنْ، عِنْدَمَا تُقِيمُ وَلِيمَةً ادْعُ الْفُقَرَاءَ وَالْمُعَاقِينَ وَالْعُرْجَ وَالْعُمْيَ؛ 14فَتَكُونَ مُبَارَكاً لأَنَّ هَؤُلاَءِ لاَ يَمْلِكُونَ مَا يُكَافِئُونَكَ بِهِ، فَإِنَّكَ تُكَافَأُ فِي قِيَامَةِ الأَبْرَارِ» .15فَلَمَّا سَمِعَ هَذَا أَحَدُ الْمُتَّكِئِينَ، قَالَ لَهُ:طُوبَى لِمَنْ سَيَتَنَاوَلُ الطَّعَامَ فِي مَلَكُوتِ اللهِ!))
وهذه النصوص كلها على خلاف معتقد النصارى . . .(6/97)
ثالثاً : ما جاء على لسان المسيح من وجود النعيم الحسي في الجنة عن طريق ضربه لمثل الانسان الفقير :قال المسيح عليه السلام : (( كَانَ هُنَالِكَ إِنْسَانٌ غَنِيٌّ، يَلْبَسُ الأُرْجُوَانَ وَنَاعِمَ الثِّيَابِ، وَيُقِيمُ الْوَلاَئِمَ الْمُتْرَفَةَ، مُتَنَعِّماً كُلَّ يَوْمٍ. 20وَكَانَ إِنْسَانٌ مِسْكِينٌ اسْمُهُ لِعَازَرُ، مَطْرُوحاً عِنْدَ بَابِهِ وَهُوَ مُصَابٌ بِالْقُرُوحِ، 21يَشْتَهِي أَنْ يَشْبَعَ مِنَ الْفُتَاتِ الْمُتَسَاقِطِ مِنْ مَائِدَةِ الْغَنِيِّ. حَتَّى الْكِلاَبُ كَانَتْ تَأْتِاي وَتَلْحَسُ قُرُوحَهُ.22وَمَاتَ الْمِسْكِينُ، وَحَمَلَتْهُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى حِضْنِ إِبْرَاهِيمَ. ثُمَّ مَاتَ الْغَنِيُّ أَيْضاً وَدُفِنَ. 23وَإِذْ رَفَعَ عَيْنَيْهِ وَهُوَ فِي الْهَاوِيَةِ يَتَعَذَّبُ، رَأَى إِبْرَاهِيمَ مِنْ بَعِيدٍ وَلِعَازَرَ فِي حِضْنِهِ. 24فَنَادَى قَائِلاً: يَاأَبِاي إِبْرَاهِيمَ! ارْحَمْنِي، وَأَرْسِلْ لِعَازَرَ لِيَغْمِسَ طَرَفَ إِصْبَعِهِ فِي الْمَاءِ وَيُبَرِّدَ لِسَانِي: فَإِنِّي مُعَذَّبٌ فِي هَذَا اللَّهِيبِ. 25وَلكِنَّ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: يَابُنَيَّ، تَذَكَّرْ أَنَّكَ نِلْتَ خَيْرَاتِكَ كَامِلَةً فِي أَثْنَاءِ حَيَاتِكَ، وَلِعَازَرُ نَالَ الْبَلاَيَا. وَلكِنَّهُ الآنَ يَتَعَزَّى هُنَا، وَأَنْتَ هُنَاكَ تَتَعَذَّبُ. 26وَفَضْلاً عَنْ هَذَا كُلِّهِ، فَإِنَّ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ هُوَّةً عَظِيمَةً قَدْ أُثْبِتَتْ، حتى إِنَّ الَّذِينَ يُرِيدُونَ الْعُبُورَ مِنْ هُنَا لاَ يَقْدِرُونَ، وَلاَ الَّذِينَ مِنْ هُنَاكَ يَسْتَطِيعُونَ الْعُبُورَ إِلَيْنَا )) [ انجيل لوقا 16 : 19 ] ترجمة كتاب الحياة
ان هذا الكلام من المسيح حجة على النصارى ، فقد قال المسيح : (( ان إليعازر هذا في كفالة ابراهيم يتنعم ويتلذذ في الآخرة)) . كما قال : (( ان ذلك الغني كان كل يوم يتنعم ويتلذذ في دنياه)) . والذي يبتدر إلى الافهام منه التنعم بالطيبات المألوفة المعروفة ، وقد جاء ذلك في الانجيل كثيراً ولكن النصارى محجوبون بالتقليد عن النظر في أقوال الأنبياء ...
رابعاً : رؤية الله في الآخرة بالجسد :
جاء في سفر أيوب : ((أعلم أن إلهى حي ، وأنى سأقوم فى اليوم الأخير بجسدى وسأرى بعينى الله مخلّصى)) [أى 19: 25ـ27] وفى ترجمة البروتستانت: " وبدون جسدى ".
خامساً : الإتكاء والإلتقاء مع الأنبياء :ورد في انجيل متى [ 8 : 11 ] قول المسيح : ((واقول لكم ان كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات.))
فهل بعد كل هذا سيستمر النصارى بدعوه أن جنتهم جنة روحيه فقط ??
==============
ما هو القرآن الكريم ؟
السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
الحمد لله رب العالمين و أفضل الصلاة و التسليم على سيدنا محمد أشرف المرسلين أما بعد :
السؤال: ما هو القرآن الكريم ؟
الجواب :القرآن الكريم هو كلام رب العالمين أنزله الله على رسوله محمد صلى الله عليه وسلم ليخرج الناس من الظلمات إلى النور : ((هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور)) الحديد : 9 .
وقد بين الله في القرآن الكريم أخبار الأولين والآخرين وخلق السماوات والأرضين وفصل فيه الحلال و الحرام وأصول الآداب والأخلاق وأحكام العبادات والمعاملات وسيرة الأنبياء والصالحين وجزاء المؤمنين والكافرين ووصف الجنة دار المؤمنين ووصف النار دار الكافرين وجعله تبياناً لكل شيء : (( ونزلنا عليك الكتاب تبياناً لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين )) النحل : 89 .
وفي القرآن الكريم بيان لأسماء الله وصفاته ومخلوقاته والدعوة إلى الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر : (( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير )) البقرة : 285 .
وفي القرآن الكريم بيان لأحوال يوم الدين وما بعد الموت من البعث والحشر والعرض والحساب ووصف الحوض والصراط والميزان والنعيم والعذاب وجمع الناس لذلك اليوم العظيم : (( الله لا إله إلا هو ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ومن أصدق من الله حديثاً )) النساء : 87
وفي القرآن الكريم دعوة إلى النظر والتفكر في الآيات الكونية والآيات القرآنية : ((قل انظروا ماذا في السماوات والأرض)) يونس : 101 . وقال سبحانه : ((أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها)) محمد : 24 .
والقرآن الكريم كتاب الله إلى الناس كافة : (( إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل )) الزمر/41 .(6/98)
والقرآن الكريم مصدق لما بين يديه من الكتب كالتوراة والإنجيل ومهيمن عليها كما قال سبحانه و تعالى : (( وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقاً لما بين يديه من الكتاب ومهيمناً عليه )) المائدة : 48 .
وبعد نزول القرآن أصبح هو كتاب البشرية إلى أن تقوم الساعة فمن لم يؤمن به فهو كافر يعاقب بالعذاب يوم القيامة كما قال سبحانه : (( والذين كذبوا بآياتنا يمسهم العذاب بما كانوا يفسقون)) الأنعام/49 .
ولعظمة القرآن وما فيه من الآيات والمعجزات والأمثال والعبر إلى جانب الفصاحة وروعة البيان قال الله عنه : (( لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون)) الحشر : 21 .
وقد تحدى الله الإنس والجن على أن يأتوا بمثله أو بسورة من مثله أو آية من مثله فلم يستطيعوا ولن يستطيعوا كما قال سبحانه : (( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيراً )) الإسراء : 88 .
ولما كان القرآن الكريم أعظم الكتب السماوية ، وأتمها و أكملها وآخرها ، أمر الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بإبلاغه للناس كافة بقوله : ((يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك و إن لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس )) المائدة : 67 .
ولأهمية هذا الكتاب وحاجة الأمة إليه فقد أكرمنا الله به فأنزله علينا وتكفل بحفظه لنا فقال : (( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )) الحجر : 9 .
من كتاب أصول الدين الإسلامي للشيخ محمد بن إبراهيم التويجري .
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
=================
الرد على شبهة الآية ألقى الشيطان في أمنيته الحج 52 و أكذوبة الغراتيق العلا
تحت عنوان : ( وحي من الشيطان ) كتب أعداء الاسلام ما يلي :
جاء في سورة الحج : (( وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللهُ آيَاتِهِ وَاللهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ .))
قال المفسرون : إن محمدا لما كان في مجلس قريش أنزل الله عليه سورة النجم فقرأها حتى بلغ أفرأيتم اللاّت والعزّى ومناة الثالثة الأخرى فألقى الشيطان على لسانه ما كان يحدّث به نفسه ويتمناه - وهو تلك الغرانيق العُلى وإن شفاعتهن لتُرتَجى . فلما سمعت قريش فرحوا به ومضى محمد في قراءته فقرأ السورة كلها، وسجد في آخرها وسجد المسلمون بسجوده، كما سجد جميع المشركين. وقالوا: لقد ذكر محمد آلهتنا بأحسن الذكر. وقد عرفنا أن الله يحيي ويميت ولكن آلهتنا تشفع لنا عنده .
ونحن نسأل : كيف يتنكر محمد لوحدانية الله ويمدح آلهة قريش ليتقرب إليهم ويفوز بالرياسة عليهم بالأقوال الشيطانية؟ وما الفرق بين النبي الكاذب والنبي الصادق إذا كان الشيطان ينطق على لسان كليهما ؟
الجواب :
هذا الكلام مبني على رواية باطلة مكذوبة ، قال عنها ابن كثير وغيره : " لم تصح عن النبي صلى الله عليه وسلم بسند صحيح " .
وقد سئل ابن خزيمة عن هذه القصة فقال : من وضع الزنادقة .
وقال البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل ، ورواية البخاري عارية عن ذكر الغرانيق .
وقال الإمام ابن حزم : (( والحديث الذي فيه : وانهن الغرانيق العلا ، وان شفاعتهن لترجى . فكذب بحت لم يصلح من طريق النقل ولامعنى للأشتغال به ، إذ وضع الكذب لا يعجز عنه أحد )) [ الاسلام بين الانصاف والجحود ] ص 69
واستناداً إلى القرآن والسنة واللغة والمعقول والتاريخ نفسه فإن هذه الرواية باطلة مكذوبة :
1- لأن أسانيدها واهية وضعيفة فلا تصح .
2- لأن النبى صلى الله عليه وسلم معصوم في تبليغه للرسالة محتجين بقوله سبحانه وتعالى :
(( وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ ))[ الحاقة : 44 ]
3- لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحترم الأصنام في الجاهلية إذ لم يعرف عنه أنه تقرب لصنم بل قال : (( بغض إلي الأوثان والشعر )) .
هذا وإليك أيها القارىء الكريم التفصيل من كتاب ( نصب المجانيق لنسف قصة الغرانيق ) للعلامة الالباني رحمه الله و قد و ضعتها في ملف مرفق في هذه المشاركة
و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين و نوصيكم بالدعاء لنا
اما بالنسبة لشبهة الغرانيق العلا وسجود رسول الله صلى الله عليه وسلم لهم فهى كذبة مفتراه كما وضح العلامة الالبانى وايضا شيخ الاسلام ابن تيمية رحمهما الله ولكى لا يشكل على أحد المسألة نوضحها بشكل مبسط
{وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم}
سورة الحج آية رقم 52 \\(6/99)
هنا الاية تتحدث عن ان الله منذ ان انزل الرسل منذ عهد سيدنا آدم عليه السلام يقول الله ان الشيطان كان له عدوا ولكل نبى او رسول عدو من الشياطين حسنا ولكن كيف نفسر الاية وماذا نسخ الشيطان ؟
اقول بقول الله سبحانه وتعالى ( إلا إذا تمنى ) يعنى تمنى النبى ان يهتدى قومه الى سبيل الرشد والقوام وطاعة الله فهنا عندما يتكلم النبى (( الشيطان في أمنيته ) العائد على المتسمع وليس على كلام النبى او الرسول
وهنا الله عندما يلقى الشيطان فى مسمع الكافر بشىء تهواه نفسه وذلك لأن الله قال ان الانسان الكافر قد أمتلا قلبة كفرا وذلك لقوله تعالى {وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور خذوا ما آتيناكم بقوة واسمعوا قالوا سمعنا وعصينا وأشربوا في قلوبهم العجل بكفرهم قل بئسما يأمركم به إيمانكم إن كنتم مؤمنين} سورة البقرة آية رقم 93
هنا الملاحظ انهم اشربو العجل يعنى قلوبهم أمتلأت من الكفر فكيف يدخل الايمان بها؟ فالرسول دعاهم الى الدين وهم كانو ممتلئين كفرا بقلوبهم فأوحى الشيطان لهم بزخرف القول واظهر لهم ان الرسول قال شيئا موافق هواهم وهو بخلاف ذلك بالطبع فهنا الله ينسخ قول الشيطان حيث ان النسخ لا يكون لا فى العقائد ولا فى الاخبار ولا فى القصص أنما النسخ يكون فى الاحكام فمن أحتج بعد ذلك من اى مخالف وقال ان الله نسخ قول الشيطان نقول له وبكل بساطة ان النسخ يكون بالاحكام وهم ارادو الكفار بأن يبيح رسول الله السجود للاصنام واعتبرو ذلك حكم من الله بنسخ العبادة الى ما دونهوذلك لا يحوز ولم يقره الله
النتيجة التى نستخلصها ان المنتمنى هو الكافر والذى القى فى امنية اى الشيطان القى فى أمنية الكافر كلاما فأوهمه بذلك لأن الشيطان ليس لديه سلطان على سورة الحجر آية رقم 39
{قال رب بما أغويتني لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين} سورة الحجر آية رقم 40
{إلا عبادك منهم المخلصين}
هؤلاء هم الانبياء والمعصومين والصالحين لا يقدر عليهم أبليس بأعترافه بنفسه فلا يقدر ان يغويه ولا ينقل كلاما عنه عن لسانة او يعلثم لسانه وبهذا تكون قد حلت الشبهة
والله الموفق
===================
من هم الربانيون الذين مدحهم الله بتعليم الكتاب ؟
قوله تعالى: وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ بِمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ الْكِتَابَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ[ آل عمران: 79 .
قَالَ ابْنُ جرير: كونوا، أيها الناس سادة الناس وقادتهم في أمر دينهم ودنياهم، ربَّانِيِّين بتعليمكم إياهم كتاب الله وما فيه من حلال وحرام، فرض وندب، وسائر ما حواه من معاني أمور دينهم، وبتلاوتكم إياه وِدرَاسَتِكُمُوهُ(1).
قال الشوكاني: كونوا معلمين بسبب كونكم علماء، وبسبب كونكم تدرسون العلم
وفي هذه الآية أعظم باعث لمن عَلِم على أن يعمل، وإنَّ مِن أعظمِ العملِ بالعلم تعليُمه، والإخلاص لله سبحانه . اهـ(2).
قال القرطبي: والربانيون واحدهم ربانى منسوب إلى الرب، والرباني الذي يربي الناس بصغار العلم قبل كباره وكأنه يقتدى بالرب سبحانه في تيسير الأمور(3).
قال الدكتور عبد القادر بن شيبه: رَبَّانِيِّينَ أي: كونوا حكماء، حلماء، علماء بإخلاص العبادة لله وحده، ومعرفة حقوق ربكم عليكم، ووضع الأمور في مواضعها وأدوا لكل ذي حق حقه، الربَّاني: هو المعلم للخير، ومن يسوس الناس، ويعرفهم أمور دينهم وأسباب سعادتهم .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وقال علي : الربانيون: هم الذين يُغذون الناس بالحكمة ويربونهم عليها(4) .
* خلاصة أقوال المفسرين في تفسير الآية *
أي: كونوا مخلصين العبادة لله وحده، معلِّمين للقرآن وما فيه من مواعظ وأحكام وحكم، عاملين بما فيه، حلماء، فقهاء، قادة للناس في أمر دينهم ودنياهم .
===============
الرد على ما زعم حول سورة الحفد و الخلع
السلام عليكم و رحمة الله و بركاتهيزعم أعداء الإسلام ان هناك سورتين حذفتا من القرآن الكريم و هما سورة الحفد والخلع ونصهما :
(( اللهم إنا نستعينك و نستهديك و نستغفرك و نتوب إليك و نؤمن بك و نتوكل عليك و نثني عليك الخير كله .نشكرك و لا نكفرك . ونخلع و نترك من يفجرك .اللهم أياك نعبد و لك نصلي و نسجد .و إليك نسعى و نحفد و نرجورحمتك و نخاف عذابك الجد بالكفار ملحق ))
الجواب
قال صاحب الأنتصار ما نصه (( هذا كلام القنوت المروي أن أبي بن كعب أثبته في مصحفه . لم تقم الحجة بأنه قرآن منزل بل هو ضرب من الدعاء و أنه لو كان قرآناً لنقل إلينا نقل القرآن و حصل العلم بصحته ))
وقد روي أنّ أبي ابن كعب أثبت هذا الدعاء في مصحفه، وهو قد أثبتَ في مصحفه ما ليس بقرآنٍ من دعاء أو تأويلٍ ( البرهان في علوم القرآن للزركشي2/ 136).(6/100)
و وجود هذا الدعاء في مصحف أبي بن كعب راجع الى ان بعض الصحابة الذي كانوا يكتبون القرآن لأنفسهم في صحف أو مصاحف خاصة بهم ربما كتبوا فيها ما ليس من القرآن ..مما يكون تأويلاً لبعض ما غمض عليهم من معاني القر آن أو يكون دعاء يجري مجرى القرآن في أنه يصح الإتيان به في الصلاة عند القنوت .
و هم يعلمون انه ذالك كله ليس بقرآن ولكن ندرة أدوات الكتابة و كونهم يكتبون القرآن لأنفسهم وحدهم دون غيرهم .هون عليهم ذالك لأنهم امنوا على انفسهم اللبس و أشتباه القرآن بغيره ، أضف إلى ذالك ان النبي نهى عن كتابة غير القرآن و ذالك كله مخافة اللبس و الخلط و الإشتباه في القرآن الكريم .
وقد أورد بعض جهال النصارى في سبيل نشر هذه الشبهة الساقطة بعض الروايات والتي منها :
1- عن الأعمش أنه قال: في قراءة أُبَيِّ بن كعبٍ: اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك بالكفار ملحِق
2- عن ابن سيرين قال: كتب أُبَيُّ بن كعبٍ في مصحفه فاتحة الكتاب والمعوذتين، واللهم إنا نستعينك، واللهم إياك نعبد، وتركهن ابن مسعودٍ، وكتب عثمان منهن فاتحة الكتاب والمعوذتين
وعن أُبَيِّ بن كعبٍ أنه كان يقنت بالسورتين، فذكرهما، وأنه كان يكتبهما في مصحفه
3- عن عبد الرحمن بن أبزى أنه قال: في مصحف ابن عباس قراءةُ أُبَيِّ بن كعبٍ وأبي موسى: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك الخير ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. وفيه: اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفِد. نخشى عذابك ونرجو رحمتك . إن عذابك بالكفار ملحِق
4 _ كما ورد أن بعض الصحابة كان يقنت بِهاتين السورتين:
عن عمر بن الخطاب أنه قنت بعد الركوع، فقال: بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إنا نستعينك ونستغفرك. ونثني عليك ولا نكفرك. ونخلع ونترك من يفجرك. بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم إياك نعبد. ولك نصلي ونسجد. وإليك نسعى ونحفد. نرجو رحمتك ونخشى عذابك. إن عذابك الجد بالكافرين ملحِق
و للرد علي هؤلاء الجهلة أقول :
_ أريد من اي مثقف ان يذكر لي رواية واحدة من هذه الروايات و يثبت لنا صحتها .
و لضرب مثال واحد فقط لا اكثر :
ان الرواية الاولي من كتاب ( غريب الحديث و الاثر ) لابن الاثير، فكعاده النصارى لا تجدهم الا جهلة (( لا يعرفون اي حديث يؤخذ به .... او جهال لا يعرفون في علم الحديث اصلاً ))
_ كان الصحابة يثبتون في مصاحفهم ما ليس بقرآن من التأويل والمعاني والأدعية، اعتمادًا على أنه لا يُشكل عليهم أنَّها ليست بقرآن و هذا ما فعله ابي بن كعب و سنفصله ان شاء الله في الرد علي شبهة المصاحف عند ابن مسعود .
_ بعض هذا الدعاء كان قرآنًا منَزلاً، ثم نُسخ، وأُبيح الدعاء به، وخُلط به ما ليس بقرآنٍ، فكان إثبات أُبَيٍّ هذا الدعاء .
_ نقل عن ابي بن كعب قراءته التي رواها نافع وابن كثير وأبو عمرو، وغيرهم، وليس فيها سورتا الحفد والخلع - كما هو معلوم .
_ كما أن مصحفه كان موافقًا لمصحف الجماعة قال أبو الحسن الأشعري : قد رأيت أنا مصحف أنسٍ بالبصرة، عند قومٍ من ولدِه، فوجدتُه مساويًا لمصحف الجماعة، وكان ولد أنسٍ يروي أنه خط انس وأملاء أبي بن كعب .
و أسأل الله أن أكون قد وفقت و بارك الله فيكم جميعا و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
================
ما صحة حديث عائشة رضي الله عنها التي روت فيه أن الداجن قد أكلت من نسخة القرآن التي كانت معها ؟
الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
أما بعد ،،،
كثيراً ما يستشهد أعداء الإسلام للتشكيك في نقل القرآن بحديث عائشة والذي جاء فيه : (( لقد نزلت آية الرجم ، ورضاعة الكبير عشراً ، ولقد كان في صحيفة تحت سريري فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم وتشاغلنا بموته ، دخل داجن فأكلها ))
والحق أن هذا الحديث لا يصح فإما ذكر الرضاع فيه غلط ، وقد أخرجه ابن ماجه ( رقم : 1944 ) وأبو يعلى ( رقم 4587 ، 4588 ) من طريق محمد بن اسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة .
وعن عبدالرحمن بن القاسم ، عن أبيه عن عائشة ، به .
قلت : ابن اسحاق صدوق ، ومن كانت هذه صفته فإن حديثه يكون في درجة الحسن بعد النظر الذي يخلص منه إلى نقائه من الخلل ، كذلك هو رجل مشهور بالتدليس مكثر منه ، يدلس عن المجروحين ، وشرط قبول رواية من هذا حاله أن يذكر سماعه ممن فوقه فإذا قال ( عن ) لم يقبل منه .
وابن اسحاق له في هذا الخبر إسنادان كما ترى ، وجمعه الأسانيد بعضها إلى بعض وحمل المتن على جميعها مما عيب عليه ، فربما كان اللفظ عنده بأحد الإسنادين فحمل الآخر عليه ، لأنه حسبه بمعناه ، وقد لا يكون كذلك .(6/101)
قيل لأحمد بن حنبل : ابن اسحاق إذا تفرد بحديث تقبله ؟ قال : (( لا ، والله إني رأيته يحدث عن جماعة بالحديث الواحد ، ولا يفصل كلام ذا من ذا )) ( تهذيب الكمال ( 24 : 422 ) .
نعم ربما كان يرويه تارةً فيذكر أحد إسناديه ، كذلك أخرجه أحمد ( 6 : 269 ) وابن الجوزي في نواسخ القرآن ( ص : 118 _ 119 ) من طريق إبراهيم بن سعيد ، عنه قال : حدثني عبدالله بن ابي بكر ، فذكره بإسناده دون إسناد ابن القاسم .
وحين رأى بعض الناس تصريح ابن اسحاق بالتحديث في هذه الرواية صححوها ، قالوا اندفعت شبهة تدليسه ، ونقول : فماذا عن شبهة تخليطه ؟
ولنجر الكلام في ظاهر الإسناد الآن في روايته عن ابن قاسم ، هذا على جواز أن يكون ابن اسحاق حفظه بإسناد ابن أبي بكر .
والتحقيق أنه لم يحفظه . . . .
وببعض ما ذكرت تبطل رواية ابن اسحاق ، وإذا كان جماعة من العلماء الكبار كأحمد بن حنبل والنسائي نصوا على أن ابن اسحاق ليس بحجة في الأحكام ، فهو أحرى أن لا يكون حجة تستعمل للتشكيك في نقل القرآن .
قال السرخسي: "حديث عائشة لا يكاد يصحّ ؛ لاَنّ بهذا لا ينعدم حفظه من القلوب، ولا يتعذّر عليهم به إثباته في صحيفة أُخرى، فعرفنا أنّه لاأصل لهذا الحديث .
على ان هناك بعض العلماء الافاضل قد بينوا معنى الحديث والمراد منه فقالوا :
إن التشريع الإسلامي في حياة النبي صلى الله عليه وسلم مر بمراحل عدة حتى وفاته صلى الله عليه وسلم، وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، ومن ذلك وقوع النسخ لبعض الأحكام والآيات، والنسخ عرفه العلماء بأنه: رفع الشارع حكماً منه متقدماً بحكم منه متأخر.
ولم يقع خلاف بين الأمم حول النسخ، ولا أنكرته ملة من الملل قط، إنما خالف في ذلك اليهود فأنكروا جواز النسخ عقلاً، وبناء على ذلك جحدوا النبوات بعد موسى عليه السلام، وأثاروا الشبهة، فزعموا أن النسخ محال على الله تعالى لأنه يدل على ظهور رأي بعد أن لم يكن، وكذا استصواب شيء عُلِمَ بعد أن لم يعلم، وهذا محال في حق الله تعالى.
والقرآن الكريم رد على هؤلاء وأمثالهم في شأن النسخ رداً صريحاً، لا يقبل نوعاً من أنواع التأويل السائغ لغة وعقلاً، وذلك في قوله تعالى : (ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير)[البقرة:106] فبين سبحانه أن مسألة النسخ ناشئة عن مداواة وعلاج مشاكل الناس، لدفع المفاسد عنهم وجلب المصالح لهم، لذلك قال تعالى: (نأت بخير منها أو مثلها) ثم عقب فقال: (ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير*ألم تعلم أن الله له ملك السموات والأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير) والنسخ ثلاثة أقسام:
الأول: نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ومثاله آية الرجم وهي(الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة..) فهذا مما نسخ لفظه، وبقي حكمه.
الثاني: نسخ الحكم والتلاوة معاً: ومثاله قول عائشة رضي الله عنها: (كان فيما نزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن، ثم نسخ بخمس معلومات يحرمن) فالجملة الأولى منسوخة في التلاوة والحكم، أما الجملة الثانية فهي منسوخة في التلاوة فقط، وحكمها باق عند الشافعية.
وقولها رضي الله عنها: (ولقد كان………..) أي ذلك القرآن بعد أن نسخ تلاوة (في صحيفة تحت سريري) والداجن: الشاة يعلفها الناس من منازلهم، وقد يقع على غير الشاة من كل ما يألف البيوت من الطير وغيرها.
قال ابن حزم رحمه الله تعالى: (فصح نسخ لفظها، وبقيت الصحيفة التي كتبت فيها كما قالت عائشة رضي الله عنها فأكلها الداجن، ولا حاجة إليها.. إلى أن قال: وبرهان هذا أنهم قد حفظوها، فلو كانت مثبتة في القرآن لما منع أكل الداجن للصحيفة من إثباتها في القرآن من حفظهم وبالله التوفيق.)
وقال ابن قتيبة:
(فإن كان العجب من الصحيفة فإن الصحف في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلى ما كتب به القرآن، لأنهم كانوا يكتبونه في الجريد والحجارة والخزف وأشباه هذا.
وإن كان العجب من وضعه تحت السرير فإن القوم لم يكونوا ملوكاً فتكون لهم الخزائن والأقفال والصناديق، وكانوا إذا أرادوا إحراز شيء أو صونه وضعوه تحت السرير ليأمنوا عليه من الوطء وعبث الصبي والبهيمة، وكيف يحرز من لم يكن في منزله حرز ولا قفل ولا خزانة، إلا بما يمكنه ويبلغه وجده، ومع النبوة التقلل والبذاذة كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يرقع ثوبه، ويخصف نعله، ويصلح خفه، ويقول: "إنما أنا عبد آكل كما يأكل العبد"
وإن كان العجب من الشاة فإن الشاة أفضل الأنعام، فما يعجب من أكل الشاة تلك الصحيفة، وهذا الفأر شر حشرات الأرض، يقرض المصاحف ويبول عليها، ولو كانت النار أحرقت الصحيفة أو ذهب بها المنافقون كان العجب منهم أقل.(6/102)
وقد أجاب أهل العلم عن هذا الحديث بأجوبة أبسط من هذا يرجع فيها إلى أقوالهم لمن أراد المزيد، وصدق الله تعالى إذ يقول: (ولو ردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمر منهم لعلمه الذي يستنبطونه منهم)[النساء:83] فلله الحمد والمنة، فنحن على يقين أنه لا يختلف مسلمان في أن الله تعالى افترض التبليغ على رسول صلى الله عليه وسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام قد بلغ كما أمر، قال تعالى: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته)[المائدة:67]
وقال تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)[الحجر:9] فصح أن الآيات التي ذهبت لو أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بتبليغها لبلغها، ولو بلغها لحفظت، ولو حفظت ما ضرها موته، كما لم يضر موته عليه السلام كل ما بلغ من القرآن، وإن كان عليه السلام لم يبلغ أو بلغه ولكن لم يأمر أن يكتب في القرآن فهو منسوخ بتبيين من الله تعالى، لا يحل أن يضاف إلى القرآن. ( كتبه الدكتور. عبد الله الفقيه )
===============
الرد على شبهة حول خلاف القرآن للكتاب المقدس فى عصر نمرود
حول خلاف القرآن للكتاب المقدس فى عصر نمرود
حسب قول القرآن والمفسرين ألقى نمرود بإبراهيم فى النار [ الأنبياء: 68:69 ] وليس من المعقول أن يكون نمرود حيًٌا فى زمن إبراهيم عليه السلام [الكتاب المقدس سفر التكوين 8: 10 , 11 , 10: 22:, , 11: 13:26 ]. (انتهى).
الرد على الشبهة:
فى قصص القرآن الكريم عن إبراهيم الخليل عليه السلام مشاهد عديدة.. منها معجزة نجاته من التحريق بالنار , بعد أن حطم أصنام قومه التى يعبدونها: (قالوا حرٌقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين * قلنا يا نار كونى بردًا وسلامًا على إبراهيم * وأرادوا به كيدًا فجعلناهم الأخسرين ) .
ويحكى القرآن محجٌة إبراهيم للملك فى سورة البقرة: (ألم تر إلى الذى حاجٌ إبراهيم فى ربه أن آتاه الله الملك إذ قال إبراهيم ربى الذى يحيى ويميت قال أنا أحيى وأميت قال إبراهيم فإن الله يأتى بالشمس من المشرق فأت بها من المغرب فبهت الذى كفر والله لا يهدى القوم الظالمين ) .
والقرآن الكريم لم يسم الملك الذى حاج إبراهيم فى ربه » لأن قصد القرآن من القصص هو مضمون المحاجٌة , والعبرة منها.. واسم الملك لا يقدم ولا يؤخر فى المضمون والعِبرة. أما تسمية هذا الملك الذى حاجٌه إبراهيم ب " النٌمروذ " والاختلاف فى نطق اسمه. ومدة ملكه.. فجميعها قصص تاريخى , أورده المفسرون.. فهو غير ملزم للقرآن الكريم .. ومن ثم لا يصح أن يورد ذلك كشبهة تثار ضد القرآن.. فليس لدينا فى التاريخ الموثق والمحقق ما يثبت أو ينفى أن اسم الملك الذى حاجٌ إبراهيم الخليل فى ربه هو " النٌمروذ ". وإنما هو قصص تاريخى يحتاج إلى تحقيق..
ولقد راجعتُ العهد القديم , فى المواضع التى جاء ذكرها فى السؤال [سفر التكوين الإصحاح 8: 10 , 11 والإصحاح 10: 22:, والإصحاح 11: 13:26] وهى تحكى عن قبائل نوح , ومواليد ابنه سام , فلم أجد فيها ذكر الملك " النٌمروذ ".
وفى [ دائرة المعارف الإسلامية ] التى كتبها المستشرقون وقد حرر مادة " إبراهيم " فيها " ج. إيزبرغ " يأتى ذكر الملك نمروذ فى قصة إبراهيم دون اعتراض.. وفى أثنائها إشارات إلى مصادر عبرية أشارت إلى النمروذ منها [ دلالة الحائرين لموسى بن ميمون الفصل 29 ].. ومنها " سفر هياشار " فصل نوح..
وتأتى الإشارة إلى " نمرود " الملك فى سفر التكوين بالعهد القديم الإصحاح 10: 11 باعتباره " الذى ابتدأ يكون جبارًا فى الأرض "..
وبه كان يُضرب المثل فى التجبر.. " وكان ابتداء مملكته بابل وأرك وأكدٌ وكلنة من أرض شنغار. من تلك الأرض خرج أشور وبنى نينوى.. " إلخ.. إلخ..
وأخيرًا.. فليس هناك ما يمنع تكرار لاسم " نمروذ " لأكثر من ملك فى أكثر من عصر وتاريخ.. ويبقى أن الشبهة إذًا كانت هناك شبهة خاصة بالقصص التاريخى.. ولا علاقة لها بالقرآن الكريم..
=============
هل القرآن جمع من كتب سابقة
الرد على شبهة أن القرآن جمع من كتب سابقة
ما انفك أعداء الإسلام منذ فجر الدعوة الإسلامية يبذلون جهدهم لتلفيق الشبه بهذا الدين» إضعافًا لقوته, ومحاصرة لنفوذه, وإيقافًا لحضوره...ولن يستطيعوا إلى ذلك سبيلاً .
ومن شبههم المندرجة في هذا الاتجاه, شبهة مفادها: أن القرآن الكريم ليس إلا تلفيقاً وتجميعًا من الكتب السماوية التي سبقته !! وتحديداً التوراة والإنجيل. والرد على هذه الشبهة هو محور حديثنا في هذا المقال. فنقول بداية:
إن منشأ هذه الشبهة يرجع إلى وجود تشابه بين القرآن الكريم وما سبقه من الكتب السماوية» إذ إن من المعلوم أن ثمة قيمًا إنسانية وفضائل بشرية ارتضاها الناس وتعارفوا عليها على مر العصور والأزمان, كقيم الحق والعدل والخير...(6/103)
وبالمقابل فإن ثمة أمورًا رفضها الناس وتعارفوا على نبذها ومحاربتها» كالباطل والظلم والشر...نقول: إذا تبين هذا فإن الشرائع السماوية كافة لم تنكر ما اتفقت الفِطَر الإنسانية السليمة على اعتباره, وأيضًا لم ترضَ بما اتفقت الفِطَر الإنسانية السليمة على إنكاره, وإنما جاءت تلك الشرائع على وَفْق الفِطَر الإنسانية» فأكدت قيم الحق والعدل والخير, ونبذت قيم الباطل والظلم والشر, وفرقت بين ما هو خير وحق, وما هو شر وباطل. فإذا وجدنا تشابها بين الكتب السماوية والقرآن في نحو هذه الأمور فإن هذا لا يعني - بحال من الأحوال - أن القرآن الكريم لم يكن إلا تلفيقاً لتلك الكتب السماوية السابقة عليه, وعلى هذا فلا يجوز أن يتهم محمد صلى الله عليه وسلم بأنه لفٌَق رسالة سماوية, لمجرد أن أقرٌَت رسالته كل قيمة فاضلة, ونبذت كل قيمة رذيلة وشريرة !!
ثم إضافة لما تقدم نقول: لا يصح بصفة خاصة اتهام القرآن الكريم بأنه من تلفيق محمد صلى الله عليه وسلم من الكتب السابقة لأمور, نُجْمل القول فيها في التالي:
- أن الرسالات السماوية السابقة للإسلام كانت كل رسالة منها تُعبٌِر عن مرحلة من مراحل تطور البشرية, وجاءت تلك الرسائل لأقوام خاصة» ثم شاءت إرادة الله سبحانه أن يجعل من دين الإسلام خاتم الأديان السماوية, التي لا يقبل سبحانه من عباده غيره, وجعل من هذا الدين دينًا قيمً, موافقًا ومناسبًا لكل زمان ومكان» وكان هذا يقتضي - والحال والمآل على ما ذكرنا - أن يكون القرآن الكريم هو الكتاب المهيمن على كل ما سبقه من الكتب, يؤكد صحيحها ويصحح ما حُرٌِف فيه, وهو إن اتفق معها أو اختلف فإن ذلك لا يعني أنه مُلَفٌَقٌ منها ولا مأخوذ عنه, لكنه التعبير الدقيق عن تكامل الرسالات السماوية واكتمالها…قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقٌِ مُصَدٌِقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ } (المائدة:48) .
- ثم إن الدراسات المقارنة للكتب السماوية الأخيرة - التوراة والإنجيل والقرآن - تؤيد وتؤكد بوضوح, وعلى لسان القوم أنفسهم, أن الحق دائماًَ ما قرره القرآن, سواء في قضية الألوهية أو قضية المسؤولية الفردية...ولم يكن في الرسالتين السابقتين ما كان محمدٌ صلى الله عليه وسلم بحاجة لأخذه منها في شؤون الدارين. ومع هذا كان من عظمة القرآن الكريم أنه اعتبر أن إيمان المسلم لا يكون صحيحًا ولا مقبولاً إلا إذا آمن بما جاء من كتب سماوية كافة.
بقي أن نشير - علاوة على ما تقدم - أن مما يمنع القول بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم استعان بما سبقه من كتب أمور, حاصلها:
- أنه صلى الله عليه وسلم كان أمياً لا يقرأ ولا يكتب, فأنٌَى له - وهو كذلك - أن يرجع إلى تلك الكتب, ليؤلف القرآن ؟؟
- ثم على فرض أنه صلى الله عليه وسلم كان يقرأ أو يكتب, فإن التوراة والإنجيل كانت مكتوبة باللغة العبرية لا العربية, فكيف له أن يستعين بها ؟؟
وبناء على كل ما تقرر, نخلص إلى القول: إن الرسالة المحمدية - ممثٌَلة بقرآنها - هي رسالة جديدة ذات شخصية مستقلة, جاءت لدعوة الناس جميعً, ومن جملتهم اليهود والنصارى...وإنٌَ من التمحٌُل والتهافت, بل من الهراء والافتراء القولُ: إن القرآن ليس إلا تلفيقًا لما سبقه من الكتب السماوية { كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلا كَذِباً } (الكهف:5) والحمد لله رب العالمين, وصلى الله على سيد الخلق أجمعين .
===============
شبهة أن القرآن مقتبس من التوراة
الشبهة التى تمسكوا بها وُرُودُ مواضع بينها تشابه فى كل من التوراة والقرآن الكريم. ومن أبرزها الجانب القصصى. وبعض المواضع التشريعية تمسكوا بها ، وقالوا: إن القرآن مقتبس من التوراة ، وبعضهم يضيف إلى هذا أن القرآن اقتبس مواضع أخرى من " الأناجيل ".
* الرد على هذه الشبهة:(6/104)
كيف يتحقق الاقتباس عموماً ؟الاقتباس عملية فكرية لها ثلاثة أركان:الأول: الشخص المُقتَبَس منه.الثانى: الشخص المُقتَبِس (اسم فاعل).الثالث: المادة المُقتَبَسَة نفسها (اسم مفعول).والشخص المقُتَبَس منه سابق إلى الفكرة ، التى هى موضوع الاقتباس ، أما المادة المقُتَبَسَة فلها طريقتان عند الشخص المُقِتَبس ، إحداهما: أن يأخذ المقتبس الفكرة بلفظها ومعناها كلها أو بعضها. والثانية: أن يأخذها بمعناها كلها أو بعضها كذلك ويعبر عنها بكلام من عنده.والمقتبس فى عملية الاقتباس أسير المقتبس منه قطعاً ودائر فى فلكه ؛ إذ لا طريق له إلى معرفة ما اقتبس إلا ما ذكره المقتبس منه. فهو أصل ، والمقتبس فرع لا محالة.وعلى هذا فإن المقتبس لابد له وهو يزاول عملية الاقتباس من موقفين لا ثالث لهما:أحدهما: أن يأخذ الفكرة كلها بلفظها ومعناها أو بمعناها فقط.وثانيهما: أن يأخذ جزءً من الفكرة باللفظ والمعنى أو بالمعنى فقط.ويمتنع على المقتبس أن يزيد فى الفكرة المقتبسة أية زيادة غير موجودة فى الأصل ؛ لأننا قلنا: إن المقتبس لا طريق له لمعرفة ما اقتبس إلا ما ورد عند المقتبس منه ، فكيف يزيد على الفكرة والحال أنه لا صلة له بمصادرها الأولى إلا عن طريق المقتبس منه.إذا جرى الاقتباس على هذا النهج صدقت دعوى من يقول إن فلاناً اقتبس منى كذا.أما إذا تشابه ما كتبه اثنان ، أحدهما سابق والثانى لاحق ، واختلف ما كتبه الثانى عما كتبه الأول مثل:1- أن تكون الفكرة عند الثانى أبسط وأحكم ووجدنا فيها مالم نجده عند الأول.2- أو أن يصحح الثانى أخطاء وردت عند الأول ، أو يعرض الوقائع عرضاً يختلف عن سابقه.فى هذه الحال لا تصدق دعوى من يقول إن فلانا قد اقتبس منى كذا.ورَدُّ هذه الدعوى مقبول من المدعى عليه ، لأن المقتبس (اتهامًا) لما لم يدر فى فلك المقتبس منه (فرضاً) بل زاد عليه وخالفه فيما ذكر من وقائع فإن معنى ذلك أن الثانى تخطى ما كتبه الأول حتى وصل إلى مصدر الوقائع نفسها واستقى منها ما استقى. فهو إذن ليس مقتبساً وإنما مؤسس حقائق تلقاها من مصدرها الأصيل ولم ينقلها عن ناقل أو وسيط.وسوف نطبق هذه الأسس التى تحكم عملية الاقتباس على ما ادعاه القوم هنا وننظر:هل القرآن عندما اقتبس كما يدعون من التوراة كان خاضعاً لشرطى عملية الاقتباس وهما: نقل الفكرة كلها ، أو الاقتصار على نقل جزء منها فيكون بذلك دائراً فى فلك التوراة ، وتصدق حينئذ دعوى القوم بأن القرآن (معظمه) مقتبس من التوراة ؟أم أن القرآن لم يقف عند حدود ما ذكرته التوراة فى مواضع التشابه بينهما ؟ بل:1 عرض الوقائع عرضاً يختلف عن عرض التوراة لها.2 أضاف جديداً لم تعرفه التوراة فى المواضع المشتركة بينهما.3 صحح أخطاء " خطيرة " وردت فى التوراة فى مواضع متعددة.4 انفرد بذكر " مادة " خاصة به ليس لها مصدر سواه.5 فى حالة اختلافه مع التوراة حول واقعة يكون الصحيح هو ما ذكره القرآن. والباطل ما جاء فى التوراة بشهادة العقل والعلم إذا كان الاحتمال الأول هو الواقع فالقرآن مقتبس من التوراة..أما إذا كان الواقع هو الاحتمال الثانى فدعوى الاقتباس باطلة ويكون للقرآن فى هذه الحالة سلطانه الخاص به فى استقاء الحقائق ، وعرضها فلا اقتباس لا من توراة ولا من إنجيل ولا من غيرهما.لا أظن أن القارئ يختلف معنا فى هذه الأسس التى قدمناها لصحة الاتهام بالاقتباس عموماً.وما علينا بعد ذلك إلا أن نستعرض بعض صور التشابه بين التوراة والقرآن ، ونطبق عليها تلك الأسس المتقدمة تاركين الحرية التامة للقارئ سواء كان مسلماً أو غير مسلم فى الحكم على ما سوف تسفر عنه المقارنة أنحن على صواب فى نفى الاقتباس عن القرآن ؟.والمسألة بعد ذلك ليست مسألة اختلاف فى الرأى يصبح فيها كل فريق موصوفاً بالسلامة ، وأنه على الحق أو شعبة من حق.وإنما المسألة مسألة مصير أبدى من ورائه عقيدة صحيحة توجب النجاة لصاحبها يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم.أو عقيدة فاسدة تحل قومها دار البوار يوم يقدم الله إلى ما عملوا من عمل فيجعله هباءً منثوراً.الصورة الأولى من التشابه بين التوراة والقرآن. لقطة من قصة يوسف عليه السلام مع امرأة العزيزتبدأ هذه اللقطة من بدء مراودة امرأة عزيز مصر ليوسف (عليه السلام) ليفعل بها الفحشاء وتنتهى بقرار وضع يوسف فى السجن. واللقطة كما جاءت فى المصدرين هى:أولاً: نصوصها فى التوراة: (1) " وحدث بعد هذه الأمور أن امرأة سيده رفعت عينها إلى يوسف وقالت: اضطجع معى ، فأبى وقال لامرأة سيده: هو ذا سيدى لا يعرف معى ما فى البيت وكل ما له قد دفعه إلى يدى ، ليس هو فى هذا البيت أعظم منى. ولم يمسك عنى شيئا غيرك لأنك امرأته. فكيف أصنع هذا الشر العظيم ، وأخطئ إلى الله ، وكانت إذ كلمت يوسف يومًا فيوما أنه لم يسمع لها أن يضطجع بجانبها ليكون معها..ثم حدث نحو هذا الوقت أنه دخل البيت ليعمل عمله ولم يكن إنسان من أهل البيت هناك(6/105)
فى البيت فأمسكته بثوبه قائلة اضطجع معى فترك ثوبه فى يدها وخرج إلى خارج ، وكان لما رأت أنه ترك ثوبه فى يدها ، وهرب إلى خارج أنها نادت أهل بيتها وكلمتهم قائلة: " انظروا قد جاء إلينا برجل عبرانى ليداعبنا دخل إلىّ ليضطجع معى فصرخت بصوت عظيم ، وكان لما سمع أنى رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب وخرج إلى خارج. فَوَضَعَتْ ثوبه بجانبها حتى جاء سيده إلى بيته فكلمته بمثل هذا الكلام قائلة دخل إلىَّ العبد العبرانى الذى جئت به إلينا ليداعبنى وكان لما رفعت صوتى وصرخت أنه ترك ثوبه بجانبى وهرب إلى خارج فكان لما سمع سيده كلام امرأته الذى كلمته به قائلة بحسب هذا الكلام صنع بى عبدك أن غضبه حمى..فأخذ سيدُه يوسف ووضعه فى بيت السجن المكان الذى كان أسرى الملك محبوسين فيه ". نصوص القرآن الأمين (وَرَاوَدَتْهُ التى هوَ فى بيتها عن نفسه وغلّقتِ الأبوابَ وقالتْ هيت لك قال معاذ الله إنهُ ربى أحسنَ مثواى إنهُ لايُفلحُ الظالمون *ولقد هَمَّتْ به وَهَمَّ بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرفَ عنهُ السوءَ والفحشاء إنه من عبادنا المخلَصين * واستبقا الباب وقدت قميصه من دُبرٍ وألفيا سيدها لدى الباب قالت ما جزاءُ من أراد بأهلكَ سوءًا إلا أن يُسجن أو عذابُ أليم * قال هى راودتنى عن نفسى وشهد شاهدٌ من أهلها إن كان قميصَه قُد من قُبُل فصدقت وهو من الكاذبين وإن كان قميصه قُد من دُبرٍ فكذبت وهو من الصادقين * فلما رأى قميصه قُد من دُبرٍ قال إنه من كيدكُنَّ إن كيدكن عظيم * يوسف أعرض عن هذا واستغفرى لذنبكِ إنك كنتِ من الخاطئ... (2) ثم بدا لهم من بعد مارأوا الآيات لَيَسْجنُنَّهُ حتى حين ) (3).تلك هى نصوص الواقعة فى المصدرين:وأدعو القارئ أن يقرأ النصين مرات قراءة متأنية فاحصة. وأن يجتهد بنفسه فى التعرف على الفروق فى المصدرين قبل أن يسترسل معنا فيما نستخلصه من تلك الفروق. ثم يكمل ما يراه من نقص لدينا أو لديه فقد يدرك هو ما لم ندركه ، وقد ندرك نحن ما لم يدركه وربَّ قارئ أوعى من كاتب..الفروق كما نراهاالتوراة: القرآن الأمينالمراودة حدثت مرارًا ونُصح يوسف لامرأة سيده كان قبل المرة الأخيرة: المراودة حدثت مرة واحدة اقترنت بعزم المرأة على يوسف لينفذ رغبتها.تخلو من الإشارة إلى تغليق الأبواب وتقول إن يوسف ترك ثوبه بجانبها وهرب وانتظرت هى قدوم زوجها وقصت عليه القصة بعد أن أعلمت بها أهل بيتها. : يشير إلى تغليق الأبواب وأن يوسف هم بالخروج فَقَدَّتْ ثوبه من الخلف وحين وصلا إلى الباب فوجئا بالعزيز يدخل عليهما فبادرت المرأة بالشكوى فى الحال.لم يكن يوسف موجوداً حين دخل العزيز ولم يدافع يوسف عن نفسه لدى العزيز. : يوسف كان موجوداً حين قدم العزيز ، وقد دافع عن نفسه بعد وشاية المرأة ، وقال هى راودتنى عن نفسى.تخلو من حديث الشاهد وتقول إن العزيز حمى غضبه على يوسف بعد سماع المرأة: يذكر تفصيلاً شهادة الشاهد كما يذكر اقتناع العزيز بتلك الشهادة ولومه لامرأته وتذكيرها بخطئها. وتثبيت يوسف على العفة والطهارة.تقول إن العزيز فى الحال أمر بوضع يوسف فى السجن ولم يعرض أمره على رجال حاشيته.يشير إلى أن القرار بسجن يوسف كان بعد مداولة بين العزيز وحاشيته.تخلو من حديث النسوة اللاتى لُمْنَ امرأة العزيز على مراودتها فتاها عن نفسه ، وهى فجوة هائلة فى نص التوراة.يذكر حديث النسوة بالتفصيل كما يذكر موقف امرأة العزيز منهن ودعوتها إياهن ملتمسة أعذارها لديهن ومصرة على أن ينفذ رغبتهاهذه ستة فروق بارزة بين ما يورده القرآن الأمين ، وما ذكرته التوراة. والنظر الفاحص فى المصدرين يرينا أنهما لم يتفقا إلا فى " أصل " الواقعة من حيث هى واقعة وكفى ، ويختلفان بعد هذا فى كل شىء. على أن القرآن قام هنا بعملين جليلى الشأن:أولهما: أنه أورد جديداً لم تعرفه التوراة ومن أبرز هذا الجديد: (1) حديث النسوة وموقف المرأة منهن. (2) شهادة الشاهد الذى هو من أهل امرأة العزيز.ثانيهما: تصحيح أخطاء وقعت فيها التوراة ومن أبرزها: (1) لم يترك يوسف ثوبه لدى المرأة بل كان لابساً إياه ولكن قطع من الخلف. (2) غياب يوسف حين حضر العزيز وإسقاطها دفاعه عن نفسه.اعتراض وجوابه:قد يقول قائل: لماذا تفترض أن الخطأ هو ما فى التوراة ، وأن الصواب هو ما فى القرآن ؟! أليس ذلك تحيزاً منك للقرآن ؛ لأنه كتاب المسلمين وأنت مسلم ؟ ولماذا تفترض العكس ؟ وإذا لم تفترض أنت العكس فقد يقول به غيرك ، وماتراه أنت لا يصادر ما يراه الآخرون. هذا الاعتراض وارد فى مجال البحث. وإذن فلابد من إيضاح.والجواب:لم نتحيز للقرآن لأنه قرآن. ولنا فى هذا الحكم داعيان: الأول: لم يرد فى القرآن - قط - ما هو خلاف الحق ؛ لأنه لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. وقد ثبتت هذه الحقيقة فى كل مجالات البحوث التى أجريت على " مفاهيم " القرآن العظيم فى كل العصور. وهذا الداعى وحده كافٍ فى(6/106)
تأييد ما ذهبنا إليه.الثانى: وهو منتزع من الواقعة نفسها موضوع المقارنة وإليك البيان: كل من التوراة والقرآن متفقان على " عفة يوسف "وإعراضه عن الفحشاء. ثم اختلفا بعد ذلك:فالتوراة تقول: إن يوسف ترك ثوبه كله لدى المرأة وهرب والقرآن يقول: إنه لم يترك الثوب بل أمسكته المرأة من الخلف ولما لم يتوقف يوسف عليه السلام اقتطعت قطعة منه وبقيت ظاهرة فى ثوبه.فأى الروايتين أليق بعفة يوسف المتفق عليها بين المصدرين ؟! أن يترك ثوبه كله ؟! أم أن يُخرق ثوبه من الخلف ؟!إذا سلمنا برواية التوراة فيوسف ليس " عفيفاً " والمرأة على حق فى دعواها ؛ لأن يوسف لا يخلع ثوبه هكذا سليماً إلا إذا كان هو الراغب وهى الآبية.ولا يقال إن المرأة هى التى أخلعته ثوبه ؛ لأن يوسف رجل ، وهى امرأة فكيف تتغلب عليه وتخلع ثوبه بكل سهولة ، ثم لما يمتنع تحتفظ هى بالثوب كدليل مادى على جنايته المشينة ؟!وهل خرج يوسف " عريانًا " وترك ثوبه لدى غريمته..؟!والخلاصة أن رواية التوراة فيها إدانة صريحة ليوسف وهذا يتنافى مع العفة التى وافقت فيها القرآن الأمين.أما رواية القرآن فهى إدانة صريحة لامرأة العزيز ، وبراءة كاملة ليوسف عليه السلام .لقد دعته المرأة إلى نفسها ففر منها. فأدركته وأمسكته من الخلف وهو ما يزال فاراً هارباً من وجهها فتعرض ثوبه لعمليتى جذب عنيفتين إحداهما إلى الخلف بفعل المرأة والثانية إلى الأمام بحركة يوسف فانقطع ثوبه من الخلف.وهذا يتفق تماماً مع العفة المشهود بها ليوسف فى المصدرين ولهذا قلنا: إن القرآن صحح هذا الخطأ الوارد فى التوراة... فهل القرآن مقتبس من التوراة ؟!فهل تنطبق على القرآن أسس الاقتباس أم هو ذو سلطان خاص به فيما يقول ويقرر ؟.المقتبس لا بد من أن ينقل الفكرة كلها أو بعضها. وها نحن قد رأينا القرآن يتجاوز هذه الأسس فيأتى بجديد لم يذكر فيما سواه ، ويصحح خطأ وقع فيه ما سواه.فليس الاختلاف فيها اختلاف حَبْكٍ وصياغة ، وإنما هو اختلاف يشمل الأصول والفروع. هذا بالإضافة إلى إحكام البناء وعفة الألفاظ وشرف المعانى (4) .إن الذى روته التوراة هنا لا يصلح ولن يصلح أن يكون أساساً للذى ذكره القرآن. وإنما أساس القرآن هو الوحى الصادق الأمين. ذلك هو مصدر القرآن " الوضىء " وسيظل ذلك هو مصدره تتساقط بين يديه دعاوى الباطل ومفتريات المفترين فى كل عصر ومصر.الصورة الثانية من صور التشابه بين التوراة والقرآن قصة هابيل وقابيل ابنى آدمنصوص التوراة: " حدث من بعد أيام أن قابين قدم من أثمار الأرض قربانا للرب ، وقدم هابيل أيضا من أبكار غنمه ، ومن سمانها ، فنظر الرب إلى هابيل وقربانه ولكن إلى قابين. وقربانه لم ينظر. فاغتاظ قابين جداً وسقط وجهه. فقال الرب لقابين لماذا اغتظت ولماذا سقط وجهك ؟ إن أحسنت أفلا رفع ؟؟. وإن لم تحسن فعند الباب خطية رابضة وإليك اشتياقها ، وأنت تسود عليها. وكلم قابين هابيل أخاه. وحدث إذ كانا فى الحقل أن قابين قام على هابيل أخيه وقتله. فقال الرب لقابين أين هابيل أخوك فقال لا أعلم أحارس أنا لأخى ؟ فقال ماذا فعلت ؟ صوت دم أخيك صارخ إلىَّ من الأرض. فالآن ملعون أنت من الأرض التى فتحت فاها لتقبل دم أخيك من يدك متى عملت الأرض ؟؟ تعود تعطيك قوتها. تائهاً وهارباً تكون فى الأرض فقال قابين للرب: ذنبى أعظم من أن يحتمل أنك قد طردتنى اليوم على وجه الأرض ، ومن وجهك أختفى وأكون تائهاً وهارباً فى الأرض فيكون كل من وجدنى يقتلنى فقال له الرب: لذلك كل من قتل قابين فسبعة أضعاف ينتقم منه. وجعل الرب لقابين علامة لكى لا يقتله كل من وجده. فخرج قابين من لدن الرب وسكن فى أرض نود شرقى عدن " (5) .نصوص القرآن الأمين(واتل عليهم نبأ ابنى آدم بالحق إذ قربا قرباناً فتقبل من أحدهما ولم يتقبل من الآخر قال لأقتلنك قال إنما يتقبلُ الله من المتقين * لئن بسطت إلىَّ يدك لتقتلنى ما أنا بباسطٍ يدى إليك لأقتلك إنى أخافُ الله ربَّ العالمين * إنى أريد أن تبوء بإثمى وإثمك فتكون من أصحاب النار وذلك جزاء الظالمين* فطوعت له نفسهُ قتل أخيه فقتله فأصبح من الخاسرين * فبعث الله غرابًا يبحث فى الأرض ليُرِيَهُ كيف يوارى سوءة أخيه * قال ياويلتى أعجزت أن أكون مثل هذا الغراب فأوارىَ سوءة أخى فأصبح من النادمين * من أجل ذلك كتبنا على بنى إسرائيل أنه من قتل نفساً بغير نفس أو فسادٍ فى الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً ولقد جاءتهم رسلنا بالبينات ثم إن كثيراً منهم بعد ذلك فى الأرض لمسرفون ) (6) .الفروق بين المصدريناتفق المصدران حول نقطتين اثنتين لا ثالث لهما واختلفا فيما عداهما. اتفقا فى: مسألة القربان. وفى قتل أحد الأخوين للآخر. أما فيما عدا هاتين النقطتين فإن ما ورد فى القرآن يختلف تماماً عما ورد فى التوراة ، وذلك على النحو الآتى:التوارة/القرآن الأمينتسمى أحد الأخوين بقابين وهو " القاتل " والثانى " هابيل "(6/107)
كما تصف القربانين وتحدد نوعهما./ لايسميهما ويكتفى ببنوتهما لآدم كما اكتفى بذكر القربانين ولم يحددهما.تروى حواراً بين قابين والرب بعد قتله أخاه ،وتعلن غضب الرب على قابين وطرده من وجه الرب إلى أرض بعيدة. / لا يذكر حواراً حدث بين القاتل وبين الله ، ولا يذكر أن القاتل طرده الله من وجهه إلى أرض بعيدة ، إذ ليس على الله بعيد.التوراة تخلو من أى حوار بين الأخوين. / يذكر الحديث الذى دار بين ابنى آدم ويفصل القول عما صدر من القتيل قبل قتله وتهديده لأخيه بأنه سيكون من أصحاب النار إذا قتله ظلماً..لا مقابل فى التوراة لهذه الرواية ولمْ تبين مصير جثة القتيل ؟! / يذكر مسألة الغراب ، الذى بعثه الله لٍِيُرى القاتل كيف يتصرف فى جثة أخيه ، ويوارى عورته.تنسب الندم إلى " قابين " القاتل لما هدده الله بحرمانه من خيرات الأرض ، ولا تجعله يشعر بشناعة ذنبه./ يصرح بندم " القاتل " بعد دفنه أخيه وإدراكه فداحة جريمته.لا هدف لذكر القصة فى التوراة إلا مجرد التاريخ. فهى معلومات ذهنية خالية من روح التربية والتوجيه. /يجعل من هذه القصة هدفاً تربوياً ويبنى شريعة القصاص العادل عليها. ويلوم بنى إسرائيل على إفسادهم فى الأرض بعد مجىء رسل الله إليهم.أضف إلى هذه ما تحتوى عليه التوراة من سوء مخاطبة " قابين" الرب ، فترى فى العبارة التى فوق الخط: " أحارس أنا لأخى " فيها فظاظة لوصدرت من إنسان لأبيه لعد عاقًّا جافًّا فظًّا غليظًّا فكيف تصدر من " مربوب " إلى " ربه " وخالقه..؟!ولكن هكذا تنهج التوراة فلا هى تعرف " قدر الرب " ولا من تنقل عنه حواراً مع الرب.ولا غرابة فى هذا فالتوراة تذكر أن موسى أمر ربه بأن يرجع عن غضبه على بنى إسرائيل ، بل تهديده إياه سبحانه بالاستقالة من النبوة إذا هو لم يستجب لأمره.والواقع أن ما قصَّهُ علينا القرآن وهو الحق من أمر ابنى آدم مختلف تماماً عما ورد فى التوراة فى هذا الشأن.فكيف يقال: إن القرآن اقتبس هذه الأحداث من التوراة وصاغها فى قالب البلاغة العربية ؟!إن الاختلاف ليس فى الصياغة ، بل هو اختلاف أصيل كما قد رأيت من جدول الفروق المتقدم.والحاكم هنا هو العقل فإذا قيل: إن هذه القصة مقتبسة من التوراة قال العقل: * فمن أين أتى القرآن بكلام الشقيق الذى قتل مع أخيه ، وهو غير موجود فى نص التوراة التى يُدعى أنها مصدر القرآن ؟! * ومن أين أتى القرآن بقصة الغراب الذى جاء ليُرى القاتل كيف يوارى سوءة أخيه وهى غير واردة فى التوراة المُدَّعى أصالتها للقرآن ؟!* ولماذا أهمل القرآن الحوار الذى تورده التوراة بين " الرب " وقابين القاتل وهذا الحوار هو هيكل القصة كلها فى التوراة ؟!إن فاقد الشىء لا يعطيه أبداً ، وهذا هو حكم العقل. والحقائق الواردة فى القرآن غير موجودة فى التوراة قطعاً فكيف تعطى التوراة شيئاً هى لم تعرف عنه شيئاً قط..؟!لا.. إن القرآن له مصدره الخاص به الذى استمد منه الوقائع على وجهها الصحيح ، ومجرد التشابه بينه وبين التوراة فى " أصل الواقعة " لا يؤثر فى استقلال القرآن أبداً.الصورة الثالثة من صورالتشابه بين التوراة والقرآن مقارنة بين بعض التشريعاتالمحرمات من النساءقارَنَّا فيما سبق بين بعض المسائل التاريخية التى وردت فى كل من التوراة والقرآن الأمين. وأثبتنا بأقطع الأدلة أن القرآن له سلطانه الخاص به فيما يقول ويقرر ، ورددنا دعوى أن القرآن مقتبس من التوراة. وبَيَّنَّا حكم العقل فى هذه الدعوى كما أقمنا من الواقع " المحكى " أدلة على ذلك.ونريد هنا أن نقارن بين بعض المسائل التشريعية فى المصدرين ؛ لأنهم يقولون: إن المسائل والأحكام التشريعية التى فى القرآن لا مصدر لها سوى الاقتباس من التوراة.وقد اخترنا نص المحرمات من النساء فى التوراة لنقابله بنص المحرمات من النساء فى القرآن الحكيم ليظهر الحق.النص فى المصدرينأولاً: فى التوراة: " عورة أبيك وعورة أمك لا تكشف. إنها أمك لا تكشف عورتها. عورة امرأة أبيك لا تكشف. إنها عورة أبيك. عورة أختك بنت أبيك أو بنت أمك المولودة فى البيت ، أو المولودة خارجاً لا تكشف عورتها. عورة ابنة ابنك أو ابنة بنتك لا تكشف عورتها إنها عورتك. عورة بنت امرأة أبيك المولودة من أبيك لا تكشف عورتها إنها أختك. عورة أخت أبيك لا تكشف إنها قريبة أبيك. عورة أخت أمك لا تكشف إنها قريبة أمك عورة أخى أبيك لا تكشف ، إلى امرأته لا تقرب إنها عمتك. عورة كنتك لا تكشف. إنها امرأة ابنك لا تكشف عورتها.عورة امرأة أخيك لا تكشف إنها عورة أخيك. عورة امرأة ، وبنتها لا تكشف ، ولا تأخذ ابنة ابنتها أو ابنة بنتها لتكشف عورتها إنهما قريبتاها. إنه رذيلة. ولا تأخذ امرأة على أختها للضر لتكشف عورتها معها فى حياتها (7) .ثانياً: فى القرآن الحكيم: (ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ماقد سلف إنه كان فاحشة ومقتًا وساء سبيلا * حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم وأخواتكم وعماتكم وخالاتكم وبنات الأخ(6/108)
وبنات الأخت وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة وأمهات نسائكم وربائبكم اللاتى فى حجوركم من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم وحلائل أبنائكم الذين من أصلابكم وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفوراً رحيما والمحصنات من النساء.. ) (8).هذان هما النصان فى المصدرين. نص التوراة ، ونص القرآن الحكيم. فما هى أهم الفروق بينهما ياترى ؟!وقبل إجراء المقارنة نفترض صحة النص التوراتى وخلوه من التحريف إذ لا مانع أن يكون هذا النص فعلاً مترجماً عن نص أصلى تشريعى خلا مترجمه من إرادة تحريفه.والمهم هو أن نعرف هل يمكن أن يكون نص التوراة هذا أصلاً اقتبس منه القرآن الحكيم فكرة المحرمات من النساء ، علماً بأن النص التوراتى قابل إلى حد كبير لإجراء دراسات نقدية عليه ، ولكن هذا لا يعنينا هنا.الفروق بين المصدرين:التوراة :1- لا تقيم شأنًا للنسب من جهة الرضاعة.2- تحرم نكاح امرأة العم وتدعوها عمة.3- تحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه.4- لا تذكر حرمة النساء المتزوجات من رجال آخرين زواجهم قائم.5- تجعل التحريم غالباً للقرابة من جهة غير الزوج مثل قرابة الأب الأم العم 000 وهكذا.القرآن الأمين: 1- يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب.2- لا يحرم نكاح امرأة العم ولا يدعوها عمة.3- لا يحرم نكاح امرأة الأخ لأخيه إذا طلقها أو مات عنها أخوه.4- يحرم نكاح المتزوجات فعلاً من آخرين زواجاً قائماً ويطلق عليهن وصف المحصنات من النساء.5- يجعل التحريم لقرابة الزوج ممن حرمت عليه. أو قرابة زوجته أحياناً.هذه الفروق الواضحة لا تؤهل النص التوراتى لأن يكون أصلاً للنص القرآنى ، علميًّا ، وعقليًّا ، فللنص القرآنى سلطانه الخاص ومصدره المتميز عما ورد فى التوراة. وإلا لما كان بين النصين فروق من هذا النوع المذكور.وقفة مع ما تقدم:نكتفى بما تقدم من التوراة وإن كانت التوراة مصدراً ثَرَاً لمثل هذه المقارنات ، ولو أرخينا عنان القلم لما وقفنا عند حد قريب ولتضاعف هذاالحجم مئات المرات. ومع هذا فما من مقارنة تجرى بين التوراة وبين القرآن إلا وهى دليل جديد على نفى أن يكون القرآن مقتبساً من كتاب سابق عليه ، فالقرآن وحى أمين حفظ كلمات الله كما أنزلت على خاتم النبيين (وقد رأينا فى المقارنات الثلاث المتقدمة أن القرآن فوق ما يأتى به من جديد ليس معروفاً فى سواه إنه يصحح أخطاء وقعت فيما سواه وهذا هو معنى " الهيمنة " التى خَصَّ الله بها القرآن فى قوله تعالى: (مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه ) (9) .فالأمور التى لم يلحقها تحريف فى التوراة جاء القرآن مصدقاً لها أو هو مصدق لكل من التوراة والإنجيل بالصفة التى أنزلها الله عليهما قبل التحريف والتبديل.أما الأمور التى حُرفت ، وتعقبها القرآن فقصها قصًّا صحيحاً أميناً ، وصحح ما ألحقوه بهما من أخطاء ، فذلك هو سلطان " الهيمنة " المشهود للقرآن بها من منزل الكتاب على رسله.فالقرآن هو كلمة الله " الأخيرة " المعقبة على كل ما سواها ، وليس وراءها معقب يتلوها ؛ لأن الوجود الإنسانى ليس فى حاجة مع وجود القرآن إلى غير القرآن.كما أن الكون ليس فى حاجة مع الشمس إلى شمس أخرى تمده بالضوء والطاقة بعد وفاء الشمس بهما.ولنأخذ صورة مقارنة من العهد الجديد أيضًا حيث يختلف عن العهد القديم وذلك لأن نص الإنجيل الذى سندرسه يقابله من القرآن نصان كل منهما فى سورة مما يصعب معه وضع النص الإنجيلى فى جدول مقابلا بالنصين القرآنيين. ولهذا فإننا سنهمل نظام الجدول هنا ونكتفى بعرض النصوص ، والموازنة بينها والموضوع الذى سنخضعه للمقارنة هنا هو بشارة زكريا عليه السلام بابنه يحى عليه السلام وذلك على النحو الآتى:الصورة الرابعة من الإنجيل والقرآنبشارة زكريا ب " يحيى " (عليهما السلام)النص الإنجيلى: " لم يكن لهما يعنى زكريا وامرأته ولد. إذ كانت اليصابات يعنى امرأة زكريا عاقراً.وكان كلاهما متقدمين فى أيامهما فبينما هو يكهن فى نوبة غرفته أمام الله حسب عادة الكهنوت أصابته القرعة أن يدخل إلى هيكل الرب ويبخر ، وكان كل جمهور الشعب يصلى خارجاً وقت البخور. فظهر له ملاك الرب واقفاً عن يمين مذبح البخور. فلما رآه زكريا اضطرب ووقع عليه خوف. فقال له الملاك: لاتخف يا زكريا ؛ لأن طلبتك قد سمعت وامرأتك اليصابات ستلد لك ولداً وتسميه يوحنا ، ويكون لك فرح وابتهاج. وكثيرون سيفخرون بولادته ؛ لأنه يكون عظيماً أمام الرب. وخمراً ومسكراً لا يشرب ، ومن بطن أمه يمتلئ بروح القدس ويرد كثيرين من بنى إسرائيل إلى الرب إلههم ، ويتقدم أمامه بروح إيليا وقوته ليرد قلوب الآباء إلى الأبناء.والعصاة إلى فكر الأبرار ، لكى يهئ للرب شعباً مستعدًّا. فقال زكريا للملاك: كيف أعلم هذا و أنا شيخ وامرأتى متقدمة فى أيامها..؟!فأجاب الملاك وقال: أنا جبرائيل الواقف قدام الله. وأرسلت لأكلمك وأبشرك بهذا. وها أنت تكون صامتاً(6/109)
ولا تقدر أن تتكلم إلى اليوم الذى يكون فيه هذا لأنك لم تصدق كلامى الذى سيتم فى وقته. وكان الشعب منتظرين زكريا ومتعجبين من إبطائه فى الهيكل. فلما خرج لم يستطع أن يكلمهم ففهموا أنه قد رأى رؤيا فى الهيكل. فكان يومئ إليهم. وبقى صامتاً.." (10).النصوص القرآنية: (1) سورة آل عمران: (هنالِكَ دعا زكريا ربَّهُ قال رب هب لى من لدُنك ذريةً طيبةً إنك سميعُ الدعاء * فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب أن الله يُبشرك بيحيى مصدقاً بكلمةٍ من الله وسيداً وحصوراً ونبيًّا من الصالحين * قال رب أنى يكون لى غلامٌ وقد بلغنى الكبر وامرأتى عاقر قال كذلِكَ الله يفعلُ ما يشاء * قال ربِّ اجعل لى آية قال آيتك ألا تُكلم الناسَ ثلاثةَ أيام إلا رمزاً واذكر ربك كثيراً وسبح بالعشى والإبكار) (11).(2) سورة مريم: (ذكر رحمة ربك عبده زكريا * إذ نادى ربَّه نداءً خفيًّا * قال رب إنى وهن العظم منى واشتعل الرأس شيباً ولم أكن بدعائك ربِّ شقيًّا * وإنى خفت الموالى من ورائى وكانت امرأتى عاقراً فهب لى من لدنك وليًّا * يرثنى ويرث من آل يعقوب واجعله ربِّ رضيًّا * يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميًّا * قال رب أًنَّى يكون لى غلام وكانتً امرأتى عاقراً وقد بلغت من الكبر عتيًّا * قال كذلكَ قال ربكَ هو علىَّ هينٌ وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا * قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويًّا * فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيًّا * يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيًّا * وحناناً من لدنَّا وزكاةً وكان تقيًّا * وبراً بوالديه ولم يكن جباراً عصيًّا * وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيًّا) (12) .ذلك هو نص الإنجيل. وذان هما نصا القرآن الأمين. والقضية التى نناقشها هنا هى دعوى " الحاقدين " أن القرآن مقتبس من الأناجيل كما ادعوا قبلا أنه مقتبس من التوراة.وندعو القارئ أن يراجع النص الإنجيلى مرات ، وأن يتلو النصوص القرآنية مرات ، ويسأل نفسه هذا السؤال:هل من الممكن علميًّا وعقليًّا أن يكون النص الإنجيلى مصدرًا لما ورد فى القرآن الأمين ؟!إن المقارنة بين هذه النصوص تسفر عن انفراد النصوص القرآنية بدقائق لا وجود لها فى النص الإنجيلى. ومن أبرز تلك الدقائق ما يلى:أولاً: فى سورة آل عمران: (أ) تقدم على قصة البشارة فى" آل عمران" قصة نذر امرأة عمران ما فى بطنها لله محرراً. وهذا لم يرد فى النص الإنجيلى.(ب) الإخبار بأنها ولدت أنثى " مريم " وكانت ترجو المولود ذكرا وهذا لم يأت فى النص الإنجيلى.(ج) كفالة زكريا للمولودة "مريم " ووجود رزقها عندها دون أن يعرف مصدره والله سبحانه وتعالى أعلم سؤاله إياها عن مصدره. وهذا بدوره لم يرد فى النص الإنجيلى.(د) القرآن يربط بين قصة الدعاء بمولود لزكريا وبين قصة مولودة امرأة عمران. وهذا لا وجود له فى النص الإنجيلى.(ه) دعاء زكريا منصوص عليه فى القرآن وليس له ذكر فى النص الإنجيلى.ثانياً: فى سورة مريم: (أ) ما رتبه زكريا على هبة الله له وليًّا ، وهو أن يرثه ويرث من آل يعقوب. ولم يرد هذا فى النص الإنجيلى.(ب) السبب الذى حمل زكريا على دعاء ربه وهو خوفه الموالى من ورائه والنص الإنجيلى يخلو من هذا.(ج) كون زكريا أوحى لقومه بأن يسبحوا بكرة وعشيًّا. ولا وجود لهذا فى النص الإنجيلى.(د) الثناء على المولود " يحيى " من أنه بار بوالديه عليه سلام الله يوم ولادته ويوم موته ويوم بعثه حيًّا ورد فى القرآن ولا مقابل له فى النص الإنجيلى.هذا كله جديد خاص بالقرآن لا ذكر له فى سواه. وهذا يعنى أن القرآن قد صور الواقعة المقصوصة تصويراً أمينًا كاملاً.وهذه هى المهمة الأولى التى تعقب بها القرآن المهيمن ما ورد فى الإنجيل المذكور.وبقيت مهمة جليلة ثانية قام بها القرآن المهيمن نحو النص الإنجيلى ، كما قام بمثلها نحو النصوص التوراتية المتقدمة. وتلك المهمة هى: تصحيح الأخطاء التى وردت فى النص الإنجيلى.ومن ذلك: (أ) النص الإنجيلى يجعل الصمت الذى قام بزكريا عقوبة له من الملاك.فصحح القرآن هذه الواقعة ، وجعل الصمت استجابة لدعاء زكريا ربه. وقد حرص على هذا النصان القرآنيان معاً. ففى آل عمران (قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاثة أيام إلا رمزاً(وفى مريم: (قال رب اجعل لى آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا (.فالصمت فكان تكريما لزكريا عليه السلام من الله ، وليس عقوبة من الملاك ، وقد انساق بعض مفسرى القرآن الكريم وراء هذا التحريف الإنجيلى فقال: إن الصمت كان عقوبة لزكريا ، ولكن من الله لا من الملاك.وها نحن نرفض هذا كله سواء كان القائل به مسلما أو غيرمسلم.فما هو الذنب الذى ارتكبه زكريا حتى يعاقب من الله أو حتى من الملاك ؟!هل إقراره بكبر سنه وعقر امرأته هو الذنب ؟!لقد وقع هذا من إبراهيم عليه السلام حين بشر بإسحق ، ووقع من سارة حين بشرت به(6/110)
فلم يعاقب الله منهما أحداً.وقد وقع هذا من " مريم " حين بُشِّرَتْ بحملها بعيسى ولم يعاقبها الله عليه. فما السر فى ترك إبراهيم وسارة ومريم بلا عقوبة وإنزالها بزكريا وحده مع أن الذى صدر منه صدر مثله تماماً من غيره.أفى المسألة محاباة..؟! كلا.. فالله لا يحابى أحداً.إن أكبر دليل على نفى هذا القول هو خلو النصوص القرآنية منه ، وليس هذا تعصباً منا للقرآن. وإنما هو الحق ، والمسلك الكريم اللائق بمنزلة الرسل عند ربهم.إن الصمت الذى حل بزكريا كان بالنسبة لتكليم الناس ، ومع هذا فقد ظل لسانه يلج بحمد الله وتسبيحه فى العشى والإبكار كما نص القرآن الأمين. (ب) النص الإنجيلى يحدد مدة الصمت بخروج زكريا من الهيكل إلى يوم أن ولد يحيى.وهذا خطأ ثانٍ صححه القرآن المهيمن فجعل مدته ثلاثة أيام بلياليهن بعد الخروج من المحراب.(ج) النص الإنجيلى يجعل البشارة على لسان ملاك واحد ، بينما النصان القرآنيان يجعلانها على لسان جمع من الملائكة: (فنادته الملائكة وهو قائم يصلى فى المحراب ) (13).(يا زكريا إنا نبشرك بغلام.. ) (14).وهذا خطأ ثالث وقع فيه النص الإنجيلى فصححه القرآن الأمين.(د) النص الإنجيلى يجعل التسمبة ب " يحيى " يوحنا من اختيار زكريا بيد أن الملاك قد تنبأ بها.وهذا خطأ رابع صححه القرآن الأمين فجعل التسمية من وحى الله إلى زكريا: (.. اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا ) (15).(ه) النص الإنجيلى يقول: " إن زكريا حين جاءه الملاك وقع عليه خوف واضطراب ".وقد خلا النص القرآنى من هذا.. فدل خلوه منه على أنه لم يقع.ذلك أن القرآن الحكيم عَوَّدَنَا فى قَصِّهِ للوقائع المناظرة لهذه الواقعة أن يسجلها إذا حدثت ولا يهملها ، بدليل أنه قد نَصَّ عليها فى واقعة السحرة مع موسى عليه السلام فقال: (فأوجس فى نفسه خيفة موسى ) (16). وقال فى شأنه كذلك عند انقلاب العصى حية لأول مرة: (فلما رآها تهتز كأنها جَانُّ وَلَّى مُدبِراً ولم يُعَقِّبْ ) (17) . وحكاها عن إبراهيم عليه السلام حين جاءته الملائكة تبشره فقال حكاية عن إبراهيم لضيوفه: (إنا منكم وجلون ) (18). وحكاها عن مريم حين جاءها الملك: (قالت إنى أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا ) (19).وحِرْصُ القرآن على ذكر هذا الانفعال (الخوف ، إذا حدث) يدل على أن خلوه منه بالنسبة لزكريا دليل على أنه لم يقع منه خوف قط ، وهذا " الخلو "يعتبر تصحيحاً لما ورد فى الإنجيل من نسبة حدث إلى زكريا هو فى الواقع لم يصدر منه.فهذه خمسة أخطاء قام بتصحيحها القرآن الأمين نحو نصوص الإنجيل المذكورة هنا فى المقارنة. وبهذا نقول:إن القرآن أدى هنا فى تعقبه للنص الإنجيلى مهمتين جليلتين:الأولى: تصوير الواقعة المقصوصة تصويراً أميناً كاملاً.الثانية: تصحيح الأخطاء الواردة فى النص الإنجيلى المقارن.وقفة أخيرة مع دعوى الاقتباس:موضوع الدعوى كما يروج لها المبشرون أن القرآن اقتبس من الكتاب المقدس كل قَصَصِهِ التاريخى.والواقعة التى هى موضوع دعوى الاقتباس هنا هى حادثة تاريخية دينية محددة ببشارة زكريا عليه السلام بيحيى عبد الله ورسوله ووثائق تسجيلها هما: الإنجيل ، ثم القرآن الأمين.وصلة الإنجيل بالواقعة المقصوصة أنه سجلها فرضًا بعد زمن وقوعها بقليل ؛ لأن عيسى كان معاصراً ليحيى عليهما السلام وصلة القرآن الأمين بها أنه سجلها بعد حدوثها بزمن طويل " حوالى سبعمائة سنة ".وقرب الإنجيل من وقوع الحادثة المقصوصة ، وبُعد القرآن الزمنى عنها يقتضى إذا سلمنا جدلاً بدعوى الاقتباس المطروحة أن يأتى الاقتباس على إحدى صورتين:أولاهما: أن يقتبس القرآن جزءًا مما ورد من القصة الكلية فى الإنجيل. وتظل القصة فيه ناقصة عما هى عليه فى المصدر المقتبس منه (الإنجيل) على حسب زعمهم.ثانيهما: أن يقتبس القرآن القصة كلها كما هى فى الإنجيل بلا نقص ولا زيادة ، سواء أخذها بألفاظها أو صاغها فى أسلوب جديد (البلاغة العربية كما يدعون) ، بشرط أن يتقيد بالمعانى الواردة فى المصدر المقتبس منه ؛ لأن الفرض قائم (حتى الآن) على أن القرآن لم يكن له مصدر يستقى منه الواقعة غير الإنجيل المقتبس منه.ومحظور على القرآن عملا بهذه القيود التى تكتنف قضية الاقتباس للوقائع التاريخية من مصدرها الأوحد أن يأتى بجديد أو يضيف إلى الواقعة ما ليس فى مصدرها الأوحد.فماذا صنع القرآن إذن ؟هل اقتبس من الإنجيل جزءًا من الواقعة ؟ أم الواقعة كلها ؟!دائراً فى فلك الإنجيل دورة ناقصة أو دورة كاملة ؟!لو كان القرآن قد فعل هذا: اقتبس جزءاً من الواقعة كلها ، وَ لَوْ مع صياغة جديدة لم تغير من المعنى شيئا ؛ لكان لدعوى الاقتباس هذه ما يؤيدها من الواقع القرآنى نفسه. ولما تردد فى تصديقها أحد.ولكننا قد رأينا القرآن لم يفعل شيئًا مما تقدم. لم يقتبس جزءاً من الواقعة ولا الواقعة كلها.وإنما صورها تصويراً أميناً رائعاً. سجل كل حقائقها ، والتقط بعدساته كل دقائقها. وعرضها عرضاً جديداً نقيًّا(6/111)
صافياً ، وربط بينها وبين وقائع كانت كالسبب الموحد لها فى بناء محكم وعرض أمين.ولم يقف القرآن عند هذا الحد.. بل قام بإضافة الكثير جدًّا من الجديد الذى لم يعرفه الإنجيل. وصحح كثيراً من الأخطاء التى وردت فيه بفعل التحريف والتزوير. إما بالنص وإما بالسكوت. وهذا لا يتأتى من مقتبس ليس له مصدر سوى ما اقتبس منه.وإنما يتأتى ممن له مصدره ووسائله وسلطانه المتفوق ، بحيث يتخطى كل الحواجز ، ويسجل الواقعة من " مسرحها " كما رآها هو ، وعقلها هو ، وسجلها هو. وكان هذا هو القرآن.إن المصدر الوحيد للقرآن هو الوحى الصادق الأمين.. وليس ما سجله الأحبار والكهان ، والفريسيون ، والكتبة فى توراة أو أناجيل.إن مقاصد القرآن وتوجيهاته وكل محتوياته ليس فى التوراة ولا فى الإنجيل منها شىء يذكر. وفاقد الشىء لا يعطيه. هذا هو حكم العقل والعلم ، ومن لم يخضع لموازين الحق من عقل وعلم ونقل فقد ظلم نفسه.
(1) سفر التكوين الإصحاح (39) الفقرات (7 19).(2) لم نذكرالنص القرآنى الخاص بحديث النسوه إذ لا مقابل له فى التوراة.(3) يوسف: 23-29 ثم آية 35.(4) تأمل عبارة التوراة " اضطجع معى " تجدها مبتذلة فاضحة تكاد تجسم معناها تجسيماً. ثم تأمل عبارة القرآن (و راودته التى هو فى بيتها عن نفسه (تجدها كناية لطيفة شريفة بعيدة عن التبذل والإسفاف. والألفاظ أوعية المعانى والمعانى ظلال الألفاظ..(5) سفر التكوين (4-3-16)(6) المائدة: 27-32.(7) سفر اللاويين (18 7 18).(8) النساء: 22-24.(9) المائدة: 48.(10) إنجيل لوقا (7- 22) الإصحاح الأول.(11) آل عمران: 38-41. وراجع قبله الآيات من 35-37 للأهمية(12) مريم: 8 - 15(13) آل عمران: 39.(14) مريم:7.(15) مريم:7.(16) طه: 67.(17) القصص: 31.(18) الحجر: 52.(19) مريم:
================
الغرب يحاول محاصرة القرآن الكريم
بعد سلسلة طويلة من الافتراءات والتهجمات ومحاولات التحريف والتزوير والتشويه... واختلاق إفك مفترى سمّوه 'الفرقان الباطل' تولى تلفيقه 'المريض عقليًا ونفسيًا القبطي أنيس سوروس' بالتعاون مع المرتدة المفترية 'زوجة زلماي خليل زادة' الأفغاني الأصل سفير 'الولايات المتحدة' في العراق!.. وبعد تهجمات الكهنة الدجالين الذين أثروا على حساب النصب والضحك على ذقون الشعب الأمريكي والتجارة بالدين أمثال الكاهن جيري فلويل، وسويجارت، وبارت روبرتسون.. وأمثالهم وكل ما سمعناه ونسمعه من أذى لا يتوقف ما دامت قلوبهم مريضة حاقدة {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذىً كَثِيراً}[آل عمران:186]. وما داموا يحسدوننا على توحيدنا واستقامتنا ووضوحنا ومحبتنا لربنا ورسولنا وتمسك كثير منا بدينه {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ}[البقرة:109].
بعد ذلك كله، وبعد ما يسمى 'بمكافحة الإرهاب، وما يقصدون به إلا الإسلام' والقوانين العجيبة والقمعية والتمييزيه والمخالفة لأبسط حقوق الإنسان والتي صدرت ولا تزال تصدر هنا وهناك وأصبح بموجبها أي حديث عن المجاهدين والجهاد وأحكامه محرجًا، بل محظورًا حتى في بعض ديار المسلمين 'والجهاد كما نعلم هو ذروة سنام الإسلام ورمز عزته وعزة المسلمين'، وبعد قوانين اللاسامية والمحرقة، والتي ألجمت الإعلام الغربي عن الحديث عن جرائم اليهود قديمًا وحديثًا.
فكيف بالإسلام ماذا سيكون الموقف من مئات الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل وجرائمهم وخستهم في كثير من سور القرآن وآياته؟!
ماذا يفعل المسلمون في الغرب وأمريكا.. ثم عندنا حينما تزحف تلك القوانين ويصبح تطبيقها شرطًا للمساعدات ولحماية النظم وتتبناها الأمم المتحدة!.. 'كالدجال الذي يسعد من يطيعه ويشقي من يعارضه' ـ كما ورد في بعض الآثار!!(6/112)
هل تصبح كثير من الآيات 'محظورة' تُمنع قراءتها؟!! ماذا يكون موقف قارئ كثير من آيات القرآن؟!! مثل قوله تعالى: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى}[المائدة:82]، {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ}[المائدة:78]، {وَمِنَ الَّذِينَ هَادُوا سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ}[المائدة:41]، {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ}[المائدة:42]، {مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَاناً وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ}[المائدة:60]، {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلا قَلِيلاً، وَبِكُفْرِهِمْ وَقَوْلِهِمْ عَلَى مَرْيَمَ بُهْتَاناً عَظِيماً}[النساء:155، 156].
وغير ذلك من الآيات وأمثالها كثير.. مما دفع أحد الحاخامات في مؤتمر في الدوحة أن يقول المسلمين من فوق منبر المؤتمر: 'إن قرآنكم مليء بالتهجم علينا وشتمنا'.. ولم يجد أحدًا من الحاضرين يملك الشجاعة ليرد عليهم.. ربما خوفًا من الدولة المضيفة وإغضاب ضيوفها المدللين الأثيرين!!!.. كل ذلك من الآيات وأمثالها بالتأكيد سيدخلونها في باب 'اللاسامية' وبذلك يحظرون قراءة معظم القرآن!!
القانون البريطاني 'حظر تمجيد الإرهاب'
وتأتي ثالثة الأثافي بالقانون البريطاني الأخير 'حظر وتجريم تمجيد الإرهاب'...!
يعني إذا قرأت قوله تعالى: {قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ}[التوبة:123]، أو قوله سبحانه: {فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلا نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ}[النساء:84]، أو {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ}[لأنفال:65]، أو {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً}[التوبة:36]، أو {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}[البقرة:194]، أو {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ}[البقرة:190]، أو {فَقَاتِلُوا أَئِمَّةَ الْكُفْرِ}[التوبة:12]، {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ}[النساء: 76]، {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ}[الأنفال:60]، {جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ}[التوبة:73]... إلخ.
أو الآيات التي تمجد الشهداء والمجاهدين.. كقوله تعالى: {وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتاً بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}[آل عمران:169]، {وَمَنْ يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً}[النساء:74]، {الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ}[التوبة:20].
تُرى إذا قرأت أية من تلك الآيات وأمثالها، هل يطبق عليك دهاقنة الاستعمار والإفساد العالمي قانون 'تمجيد الإرهاب'؟!
'ولماذا يتغاضون عما في التوراة من إجرام وتمجيد للإبادة والتدمير وحض على الكراهية حدّ السحق والمحو للآخرين؟!'.
هل يريدون 'كسر' أي شوكة للإسلام والمسلمين حتى لا يجدوا من يردهم عن جرائمهم وطغيانهم، وذبحهم للشعوب صباح مساء؟!
ماذا يبقى ـ بعدُ ـ للمسلمين من قرآنهم ودينهم..؟! ولكن الله تعالى حفظ كتابه ودينه وتكفل برد كيد الكائدين في نحورهم ـ وما هي إلى مسألة زمن.. والعاقبة للمتقين {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً، وَأَكِيدُ كَيْداً، فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}[الطارق:15ـ17].
أخي الأستاذ هشام :
أنرت المنتدى والقسم بارك الله فيك..
تعقيبي على المقال هو علامة استفهام كبيرة عن بعض النصوص في العهد القديم والجديد في الكتاب المقدس هل ستترك يتغنى ويتعبد بها أم سنجد الخطوط الحمراء عليها أيضاً ؟
" وقال لاولئك في سمعي اعبروا في المدينة وراءه واضربوا . لا تشفقاعينكم ولا تعفوا . 6 الشيخ والشاب والعذراء والطفل والنساء اقتلوا للهلاك " حزقيال 5 : 9-11
واما النساء والاطفال والبهائم وكل ما في المدينة كل غنيمتها فتغتنمها لنفسك وتأكل غنيمة اعدائك التي اعطاك الرب الهك إصحاح 20 سفر التثنية رقم 14
وكان اليّ كلام الرب قائلا.
2 يا ابن آدم اجعل وجهك نحو جبل سعير وتنبأ عليه.
3 وقل له.هكذا قال السيد الرب.هانذا عليك يا جبل سعير وامد يدي عليك واجعلك خرابا مقفرا.(6/113)
4 اجعل مدنك خربة وتكون انت مقفرا وتعلم اني انا الرب.
5 لانه كانت لك بغضة ابدية ودفعت بني اسرائيل الى يد السيف في وقت مصيبتهم وقت اثم النهاية
6 لذلك حيّ انا يقول السيد الرب اني اهيّئك للدم والدم يتبعك.اذ لم تكره الدم فالدم يتبعك.
7 فاجعل جبل سعير خرابا ومقفرا واستأصل منه الذاهب والآئب.
8 واملأ جباله من قتلاه.تلالك واوديتك وجميع انهارك يسقطون فيها قتلى بالسيف.
9 واصيّرك خربا ابدية ومدنك لن تعود فتعلمون اني انا الرب.
وحرّموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة من طفل وشيخ حتى البقر والغنم والحمير بحد السيف. يوحنا :6:21: 21
" ولكن من ينكرني قدام الناس انكره انا ايضا قدام ابي الذي في
السموات 34 لا تظنوا اني جئت لألقي سلاما على الارض . ما جئت لألقي سلاما
بل سيفا . 35 فاني جئت لأفرّق الانسان ضد ابيه والابنة ضد امها والكنة ضد
حماتها . 36 واعداء الانسان اهل بيته . " متى _10 _42
وغيرها كثيراً............
اختي في الله رقية السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مشكلة اليهود والنصارى هي عدم معرفتهم لما هو مكتوب عندهم في كتابهم (المقدس) ودائما نسمع ما يقوله النصارى بأن دينهم دين حب وعندما نقرأ لهم ما ورد في كتابهم المحرف تصيبهم الدهشة.
في كنائسهم لا يقرأون الا ما يختاره قساوسهم وهذا ما يجعلهم اقل الناس علما بما في كتابهم.
ما جعلني انقل ما قرأت هو عدم تجرؤ الحاضرين على الرد على حاخامات الصهاينة اللذين هاجموا القرأن الكريم الذي فضحهم.
مشكلتنا الأساسية في عالمنا الإسلامي هي عدم السماح لمن لديه القدرة على فضح الإجرام والقتل والزنا والسحاق وزنا المحارم الخ..... المذكور في انجيلهم ان يذكر في وسائل الإعلام خوفا من رد فعل العدو الأمريكي والأوروبي ومن ما يسمى ( تجنبا للفتنة الأهلية) . وما تعرض له وما زال الأخ ابو اسلام احمد عبد الله لخير دليل على ما يتعرض له من فضح اناجيل وتوراة النصارى واليهود.
حتى في الغرض يتم اسكات كل من يحاول انتقاد اناجيلهم وطبعا بطريقة (ديمقراطية) .
اما من ناحية انتقاد القرآن الكريم فحدثي ولا حرج فهاذا يدخل في نطاق حرية التعبير الغربية.
وما حدث لأحمد رامي المغربي المسلم الذي انتقد وفضح العهد القديم واكاذيب ما يسمى بالمحرقة اليهودية اثناء الحرب العالمية الثانية لدليل أخر على بطلان ما يسمى بحرية الرأي في الغرب.
لقد سجن وفقد وظيفته وتعرض لأشد الإنتقادات وحرم من كل شئ بسبب حرية الرأي.
وهذا هو موقعه على الانترنت ومتوفر بلغات عدة
http://www.abbc.net/
================
تحليل الحلف
الرد على شبهة أن في القرآن حلفاً بأشياء معينه كالفجر والليالي العشر وغيرهما .
إن فى القرآن أن صاحب القرآن يقسم بالفجر والليالى العشر. فلماذا يحلف ؟ وهل يحتاج صاحب القول الصادق إلى قسم يؤكد به كلامه ؟
الرد على الشبهة:
إن المعترض يعنى بصاحب القرآن محمداً صلى الله عليه وسلم ولا يعنى مُنَزٌِلة وهو الله عز وجل والقسم من الله نفسه بمخلوقاته هو للدلالة على عظمها وأهميتها ومنافعها للناس. وفى التوراة: " الذى حلف الرب لهم أنه " [يشوع 5: 6] " حلف الرب بيمينه " [إشعياء 62: 8] وفى الإنجيل " ومن حلف بالهيكل فقد حلف به وبالساكن فيه , ومن حلف بالسماء فقد حلف بعرش الله وبالجالس عليه " [متى 23: 2122] وفى الزبور: " أقسم الرب ولن يندم "[مز 110: 4] وفى سفر التكوين: " بذاتى أقسمت , يقول الرب " [تك 22: 16] وفى سفر أعمال الرسل أن كاهناً وأولاده كانوا يقسمون باسم يسوع المسيح " قائلين نقسم عليك بيسوع " [أع 19: 13
==============
تفسير قولة تعالى مّنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاج
المجيب د. محمد دودح
باحث علمي في هيئة الإعجاز العلمي في الكتاب والسنة
التصنيف القرآن الكريم وعلومه/تفسير آيات وسور من القرآن
التاريخ 13/04/1426هـ
السؤال
السلام عليكم.
أنا إنسان طبيعي، لست متخصصاً في علوم الدين، ولكن وجهة نظري -باعتباري مسلماً ومرت علي آيات قرآنية- لماذا لا تكون الأنعام أنزلت من عند الله ولم تخلق على الأرض مثل نزول الحديد؟ والدليل على ذلك أن الله أنزل الناقة على سيدنا صالح، وأنزل الكبش على سيدنا إبراهيم، وإننا ننتظر حتى يكتشف هذه الحقيقة غيرنا، وللأسف كل اكتشاف جديد نقول بأنه موجود في القرآن، ونسارع بقولنا هذا دون النظر إلى أمور غيبية لا نعلمها، وكأننا نطلب شهادة الكفرة بأن ديننا هو من عند الله، الموضوع طويل وأكتفي بهذا. والسلام عليكم.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
جواباً على السؤال: لماذا لا يكون "إنزال الأنعام" في قوله تعالى: "وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ" [الزمر 6]؛ دلالة على تكونها خارج الأرض دون بقية الأحياء؟, وأجيب مستعيناً بالله العلي القدير سائلاً العون والتوفيق:(6/114)
الأصل هو حمل التعبير في القرآن الكريم على ظاهره، إلا بقرائن صارفة تبيح حمله على ضرب المثل, وقد أكثر القرآن الكريم من التمثيل كأبلغ سبيل لبيان المراد بحالة مماثلة، نحو ما يصرح به قوله تعالى: "وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ وَاللّهُ بِكُلّ شَيْءٍ عَلَيِمٌ"[النور: 35]، وقوله تعالى: "وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَفَكّرُونَ"[الحشر: 21]، وقوله تعالى: "وَيَضْرِبُ اللّهُ الأمْثَالَ لِلنّاسِ لَعَلّهُمْ يَتَذَكّرُونَ" [إبراهيم: 25]، وأما قوله تعالى: "وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَآ إِلاّ الْعَالِمُونَ" [العنكبوت: 43]؛ فيقصر الانتفاع بتلك الأمثال على العالم بالله عن تفكر وإدراك.
وفي قوله تعالى: "يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مّن رّبّكُمْ وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مّبِيناً" [النساء: 174], ظاهر التعبير (وَأَنْزَلْنَآ إِلَيْكُمْ نُوراً مّبِيناً) انتقال ضوء الشمس نحو الأرض, ولكن السياق يتعلق بإقامة البرهان في مجال الدين بقرينة التعبير (يَا أَيّهَا النّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مّن رّبّكُمْ).
ولذا لم يختلف المفسرون في تأويل لفظ (النور)، وصرفه عن ظاهر دلالته وبيان أن المراد به هو القرآن الكريم.
قال البيضاوي: "عنى بالبرهان المعجزات وبالنور القرآن أي قد جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل ولم يبق لكم عذر ولا علة"[تفسير البيضاوي (ج2ص285)].
وقال الثعالبي: "البرهان الحجة النيرة الواضحة التي تعطي اليقين التام, والنور المبين يعني القرآن"[ تفسير الثعالبي (ج1ص435)].
وقال السعدي: "يمتن تعالى على سائر الناس بما أوصل إليهم من البراهين القاطعة والأنوار الساطعة، ويقيم عليهم الحجة ويوضح لهم المحجة؛ فقال (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم) أي حجج قاطعة على الحق تبينه وتوضحه وتبين ضده، وهذا يشمل الأدلة العقلية والنقلية والآيات الأفقية والنفسية، لقوله تعالى: (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفاق وَفِيَ أَنفُسِهِمْ حَتّىَ يَتَبَيّنَ لَهُمْ أَنّهُ الْحَقّ),.. (وأنزلنا إليكم نوراً مبيناً)، وهو هذا القرآن العظيم الذي قد اشتمل على علوم الأولين والآخرين والأخبار الصادقة النافعة، والأمر بكل عدل وإحسان وخير، والنهي عن كل ظلم وشر، فالناس في ظلمة إن لم يستضيئوا بأنواره" [تفسير السعدي (ج1ص217)].
فإنزال القرآن –إذن- بلفظ النور تصوير للتشريف بجامع جلاء الطريق والاهتداء, وهكذا ترى أن التصوير يجسد الدلالة ويطلق العنان لتوارد فيض من المضامين، فيبلغ بالتعبير أعلى المراتب في البيان.
وقد ورد فعل (الإنزال) ليفيد الانتقال من الأعلى نحو الأسفل، كما في قوله تعالى: "وَأَنزَلَ مِنَ السّمَاءِ مَاءً"[البقرة: 22], وأما قوله تعالى: "وَأَنزْلْنَا الْحَدِيدَ"[الحديد: 25]؛ فيمكن حمله على النزول إلى لب الأرض لانتفاء ما يصرف عن الظاهر, ولا يجادل اليوم أحد بالفعل أن معظم لب الأرض حديد, فطابقت شهادة الواقع صريح التعبير, ولكن القرائن الصارفة قد تمنع حمل (الإنزال) على الظاهر، كأن يكون الموصوف من المعنويات، كما في قوله تعالى: "هُوَ الّذِيَ أَنزَلَ السّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ"[الفتح: 4], والقرينة أن السكينة حالة شعورية وليست تكويناً مادياً, ولذا عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه صرف النزول إلى (الجعل) بقوله: "( أَنزَلَ السّكِينَةَ) أي جعل الطمأنينة"[تفسير ابن كثير (ج4ص185)].
ومثلها (النعاس) في قوله تعالى: "ثُمّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نّعَاساً يَغْشَىَ طَائِفَةً مّنْكُمْ"[آل عمران:154]. فليس النعاس بالمثل جسماً مادياً ليصح وصفه بالنزول الحسي، وإنما يصح التمثيل بالمطر ينقذ الأرض العطشى خاصة مع العدول عن التعبير بفعل الإنزال إلى التصوير بالتغشية في قوله تعالى: "إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مّنْهُ وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السّمَاءِ مَاءًَ"[الأنفال:11], فتأمل الجناس بين النزول المعنوي للنعاس، والحسي للمطر بجامع النصرة والتثبيت, وكأن وقوع النعاس بما صاحبه من زوال الخوف غيثًا أحاط بهم فأزال خوفهم من الهلاك, ومثله قوله تعالى: "وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماًُ"[النساء: 113]. فليست الحكمة جسما لتنزل حسياً، ولم ينزل الكتاب صفحات ورقية؛ وإنما الإنزال بياناً للفضل ويفسره التعليم.(6/115)
وفي وصف بعثة النبيين -عليهم السلام أجمعين- في قوله تعالى: "كَانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقّ"[البقرة: 213]، لا تدل المعية بنزول الكتاب معهم على هبوطهم من السماء، وإنما فعل البعث يصرف (الإنزال) إلى التصوير تشريفاً لهم وبياناً لوحدة الرسالة لتوحيد الكتاب, ومثله قوله تعالى: "فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلََئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [الأعراف: 157].
وأما قوله تعالى: "يَابَنِيَ آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاساً يُوَارِي سَوْءَاتِكُمْ وَرِيشاً وَلِبَاسُ التّقْوَىَ ذَلِكَ خَيْرٌ"[الأعراف: 26]؛ فلا يفيد بالمثل أن ما نلبسه هبط من السماء، لأن مصدره معلوم كالصوف من الحيوان والقطن من نبات الأرض, ولذا اجتهد المفسرون في صرف (أنزلنا) عن معنى الهبوط, قال الشوكاني: "عبر سبحانه بالإنزال عن الخلق أي خلقنا لكم لباساً"[ تفسير فتح القدير للشوكاني (ج2ص197)].
وقال الجصاص: "وإنما قال أنزلنا لأن اللباس يكون من نبات الأرض أو من جلود الحيوان وأصوافها، وقوام جميعها بالمطر النازل من السماء"[أحكام القرآن للجصاص (ج4ص203)].
وقال السمعاني: "وفي معنى (أنزلنا عليكم) ثلاثة أقوال، أحدها: خلقنا لكم, والثاني: ألهمناكم كيفية صنعه, والثالث: أنزلنا المطر الذي هو سبب نبات ما يتخذ لباس"[تفسير زاد المسير لابن الجوزي (ج3ص181)].
وقد يصح أن معنى (الإنزال) في الملابس باعتبار الأصل وهي ترجع للمطر, وقد يصح نزول القرآن باعتبار العلاء المعنوي تشريفا, ويصح الجمع بين الحالتين بالتمثيل بالغيث ينزل ليغشي الأرض العطشى وينقذها من الهلاك.
ومن نعم الله –تعالى- على العرب الأولين أن هيأ لهم حيوانات الرعي التي كانت عماد حياتهم في البادية خاصة الأغنام والمعز والإبل والبقر, ولكنهم ضيقوا على أنفسهم بتقاليد تمنع الانتفاع ببعضها, ومن بالغ الرحمة إذن أن يشدد القرآن على تحريرهم من تلك التقاليد وإباحة تلك الأنعام لهم في بيان مستفيض حاسم؛ يقول تعالى: "وَمِنَ الأنْعَامِ حَمُولَةً وَفَرْشاً كُلُواْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَلاَ تَتّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشّيْطَانِ إِنّهُ لَكُمْ عَدُوّ مّبِينٌ. ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مّنَ الضّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ ءَآلذّكَرَيْنِ حَرّمَ أَمِ الاُنثَيَيْنِ أَمّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الاُنثَيَيْنِ نَبّئُونِي بِعِلْمٍ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ. وَمِنَ الإِبْلِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ"[الأنعام: 142-144].
ولفظ (الأنعام) اسم صفة لا اسم ذات ومنه (النعمة), لذا سميت أيضا بلفظ (النّعَمِ) في قوله تعالى: "يََأَيّهَا الّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مّتَعَمّداً فَجَزَآءٌ مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النّعَمِ"[المائدة: 95], ووصفها بالأنعام والنّعَمِ والرزق المباح للأكل يجسد بالتسمية نعمة الله تعالى عليهم, ويؤكد الإنعام وصف إيجاد الأنعام بلفظ (الإنزال) في قوله تعالى: "وَأَنزَلَ لَكُمْ مّنَ الأنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ"[الزمر: 6].
وقد يصح أن يكون فعل الإنزال في حالة النعمة أو النقمة باعتبار العلاء المعنوي بيانا لمشيئة الله تعالى وتقديره.
ويصح التمثيل بالمطر بلفظ (الإنزال) تجسيداً للنعمة؛ لأن نزوله هو أول مشهد متبادر لفعل الإنزال يبش له العربي الأول، ويشعره بالامتنان، ويجسد له رحمة الله تعالى, وهم محتاجون للأنعام تماما كاحتياج الأرض العطشى للمطر, واستبدال فعل (الإنزال) بأفعال (الخلق) و(الجعل) و(الإمداد) في بيان سبق التهيئة بالأنعام قرينة جلية تصرفه عن الظاهر الحسي إلى معنى الإيجاد؛ كما في قوله تعالى: "أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنّا خَلَقْنَا لَهُم مِمّا عَمِلَتْ أَيْدِينَآ أَنْعاماً فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ"[يس: 71], وقوله تعالى: "اللّهُ الّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأنْعَامَ لِتَرْكَبُواْ مِنْهَا وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ"[غافر: 79], وقوله تعالى: "أَمَدّكُمْ بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ"[الشعراء: 133], وتسمى الكوارث نوازل، وتوصف الأحداث تصويرًا بالوقوع والمجيء والإتيان، ولا يعني شيء من ذلك بالضرورة هبوطها من السماء.
قال البغوي: "(وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) معنى الإنزال هاهنا الإحداث والإنشاء، كقوله تعالى (أنزلنا عليكم لباسا)"[ تفسير البغوي (ج4ص72)].
وقال السمعاني: "أي وخلق لكم من الأنعام.., وهو مثل قوله تعالى (أنزلنا عليكم لباسا) أي خلقنا"[ تفسير السمعاني (ج4ص458)].(6/116)
وقال الكلبي: "وأما (أنزل) ففيه ثلاثة أوجه الأول:.. خلق, الثاني:.. قضى,.. الثالث أنه أنزل المطر الذي ينبت به النبات، فتعيش منه هذه الأنعام، فعبر بإنزالها عن إنزال أرزاقها وهذا بعيد"[ التسهيل لعلوم التنزيل للكلبي (ج3ص191)].
ولا يعني تعبير (الإنزال) إذن هبوط الأنعام من السماء دون كافة الأحياء, والتمثيل بالغيث يجمع كل ما قيل من معان، فيجسد عناية الله –تعالى- ويتضمن معنى التنزيه وسبق التهيئة والإنعام على العباد المحتاجين, ولكن قد تتحول النعمة نقمة بيانا لمشيئته تعالى ويصبح النزول غضب والمطر عقوبة, والواجب التوجيه اللائق لكل لفظ بما لا يخالف الواقع والنظرة الشاملة لكل الآيات وتقصي القرائن في كل سياق, وهو منهج الأعلام على مر الأيام, والله تعالى أعلم
===================
الرد على شبهة أن بالقرآن أخطاء إملائية
المجيب ناصر بن محمد الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف القرآن الكريم وعلومه/ مسائل متفرقة في القرآن
التاريخ 4/3/1424هـ
السؤال
السلام عليكم.
يتهم بعض الملاحدة القرآن الكريم بأنه جاء فيه بعض الكلمات التي فيها أخطاء –بزعمهم- إملائية مثل كلمة (القرءان) وكلمة (يس) وغير ذلك، فما هو الرد المناسب لهم؟
الجواب
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
رسم المصحف من الأمور الاصطلاحية التي لم تتلق بوحي من الله تعالى، وإنما كتبت على نحو ما اصطلح الناس عليه في ذلك الوقت واتفقوا –والأمور التي يتفق عليها الناس لا مشاحة فيها ولا منازعة ولا ينكر فيها على أحد إذا حصل بها المقصود-، ومن ذلك الرسم الإملائي، إذ هو أمر اصطلاحي جرى عليه الناس بقصد أن يكون وسيلة تساعدهم في تناقل العلم وغيره من أوجه النشاط الحضاري، والرسم الإملائي لما كان أمراً اصطلاحياً يجوز أن يقع فيه اختلاف وتغير، على مر العصور، ومن تتبع المراحل التي مر بها الرسم الإملائي العربي أدرك ذلك، بل حتى في عصرنا هذا يوجد اختلاف بين المدارس المعاصرة في رسم عدد غير قليل من الكلمات، ومثل هذا الاختلاف غير مؤثر ولا إشكال فيه، وكذلك الحال فيما يتعلق بالقرآن الكريم، فكونه قد كتب بالرسم الموجود في ذلك الوقت مما اصطلح على تسميته بعد ذلك بالرسم العثماني مما يخالف الرسم الإملائي المعاصر لا يعد ذلك نقصاً في القرآن الكريم، لخروجه عن حقيقته، لأنه لم ينزل مكتوباً، وإنما نزل متلواً، فلا يضره أن يكتب خطأ على فرض أن ذلك قد وقع، كما لو أنه كتب –مثلاً- على ألواح وقراطيس رديئة ونحو ذلك، لم يكن ذلك مما يعاب به القرآن الكريم، على أن أهل العلم كالإمام أبي عمر المدني قد كتبوا قديماً في بيان سبب رسم بعض الكلمات في القرآن على نحو يخالف الرسم القياسي مما يطول ذكره هنا، والله أعلم
=================
الرد على شبهة اختلاف مصاحف الصحابة
المجيب د. رياض بن محمد المسيميري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف القرآن الكريم وعلومه/ مسائل متفرقة في القرآن
التاريخ 11/11/1424هـ
السؤال
تعرضت لموقف أصابني بالحيرة و الدهشة معاً، فأنا أعرف شخصاً إنجليزياً أعطاني ورقة مطبوعة من موقع على الإنترنت، و فيها شبهات كثيرة على الإسلام، فالورقة عبارة عن ترجمة لمجموعة من الأحاديث في البخاري و مسلم بأرقامها،مترجمة باللغة الإنجليزية، و يقوم الموقع بشرحها بطريقة توحي لمن يقرؤها أن القرآن الكريم قد تم تحريفه، وأنه كان هناك مصاحف خاصة لبعض الصحابة الكرام - رضي الله عنهم- ، بالتحديد
عبد الله بن مسعود- رضي الله عنه- ، تختلف عن مصحف عثمان بن عفان – رضي الله عنه- ، والذي اتفق عليه المسلمون أجمعون، والذي هو موجود بأيدينا الآن، فمثلا: هناك حديث في البخاري مكتوب في الورقة بأنه في المجلد السادس، حديث رقم
468)، عن أن قوماً من الصحابة – رضي الله عنهم- ذهبوا لأبي الدرداء- رضي الله عنه- ، فسألهم عمن يستطيع قراءة سورة الليل كما كان يقرؤها عبد الله بن مسعود – رضي الله عنه-؟ فأشاروا إلى علقمة، الذي قرأ "والذكر والأنثى" بدلا من "وما خلق الذكر والأنثى"، وقال إنه لن يتبع من يقرأها بغير هذا، وأيضا حديث آخر في البخاري، مكتوب بأنه حديث رقم (60)، صفحة (46)، في المجلد السادس، عن(6/117)
ابن الزبير – رضي الله عنهما- أنه قال لسيدنا عثمان بن عفان – رضي الله عنه- عن أن هناك آية في سورة البقرة قد تم تغييرها بآية أخرى، أعتقد أنهم يقصدون آية عن الذين يتوفون و يتركون زوجاتهم،- عذراً فأنا لا أحفظ الآية - فإجابه عثمان – رضي الله عنه- بأن يترك الآية مكانها، فهو لن يغير أي شيء عن مكانه، والعديد من الأقوال الأخرى عن أشياء من هذا القبيل، وعن وجود اختلاف بين المسلمين وقت جمع القرآن، أرجو من سيادتكم التكرم بالرد علي، حيث إنني قد فوجئت وقتها ولم أستطع أن أرد على هذا الشخص، وأنا لا أريد أن يكون في قلبي أي شبهة على ديني، و لا أريد أن يوسوس لي الشيطان بأشياء تبعدني عن الله، أفيدوني بإجابة سريعة بالله عليكم عن كل نقطة ذكرتها في سؤالي، و معذرة للإطالة.
و جزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله، وأصلي وأسلم على رسول الله، وبعد: أخي في الله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
اعلم – وفقك الله وحفظك- أن القرآن الكريم كتاب الله المقدَّس، ودستوره المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه، وقد وصلنا كاملاً غير منقوص، لم يخرم منه حرف واحد، كيف وقد قال الله: "إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون" [الحجر:9]، وقد أجمع المسلمون على أن القرآن الذي بين أيدينا هو القرآن المنزل على محمد – صلى الله عليه وسلم- بتمامه وكماله، من غير زيادة ولا نقصان.
وقد كان لبعض الصحابة – رضي الله عنهم- مصاحف خاصة بهم، كتبوها لأنفسهم بقصد الحفظ والمذاكرة، ورتبوها باجتهادهم الخاص أحياناً وليس في ذلك مانع شرعي؛ لأن القرآن في مصاحفهم جميعاً، وهو لم يتغير، أو يتبدل، وإن اختلف الترتيب.
أرأيت لو أن إنساناً اليوم أراد حفظ سورة البقرة، وسورة النساء فكتبها أو صورها، وجمعها في ملزمة واحدة، فهل يقول أحد بالتحريم؟!.
أو هل يزعم أحد بوجود تناقض بين ما صفه هذا الإنسان من الجمع والترتيب مع المصحف العثماني المعروف؟!
الجواب: كلا فليس ثمة حرمة أو تناقص ، ثم اعلم أن عثمان – رضي الله عنه- حين جمع القرآن أقره كل الصحابة – رضي الله عنهم- على فعله، وأجمعوا عليه بما فيهم ابن مسعود، وأبو الدرداء- رضي الله عن الجميع.
وأما ما نقل عن ابن مسعود وأبي الدرداء –رضي الله عنهما- من قراءة "الذكر والأنثى" فالإسناد إليها من أصح الأسانيد، والرواية أخرجها الشيخان كلاهما وليس البخاري فقط. ففي البخاري (6278) ومسلم (824) بيد أنها قراءة منسوخة لإمكانية النسخ شرعاً وعقلاً، قال الله: "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير أو مثلها..." [البقرة:106]، ولعل النسخ لم يبلغ هذين الصحابيين الجليلين – رضي الله عنهما-.
قال الحافظ ابن حجر – رحمه الله-: ولعل هذا مما نسخت تلاوته، ولم يبلغ النسخ أبا الدرداء ومن ذكر معه –رضي الله عنهم-، والعجب من نقل الحفاظ من الكوفيين هذه القراءة عن علقمة وعن ابن مسعود – رضي الله عنه- وإليها تنتهي القراءة بالكوفة، ثم لم يقرأ بها أحد منهم، وكذا أهل الشام حملوا القراءة عن أبي الدرداء ولم يقرأ أحد منهم بهذا، فهذا مما يقوي أن التلاوة بها نسخت، ا.هـ الفتح (8/707).
وأما الآية الأخرى التي سألت عنها فهي قوله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً وصية لأزواجهم متاعاً إلى الحول غير إخراج..." [البقرة:240]. وهي آية منسوخة حكماً باقية تلاوة؛ لأن النسخ أنواع منها:
(1) أن ينسخ اللفظ والحكم.
(2) أن ينسخ اللفظ ويبقى الحكم.
(3) أن ينسخ الحكم ويبقى اللفظ مثل عدة المتوفى زوجها في الآية السابقة، فقد كانت العدة حولاً كاملاً، فنسخت إلى أربعة أشهر وعشرة أيام، كما في قوله تعالى: "والذين يتوفون منكم ويذرون أزواجاً يتربصن بأنفسهن أربعة أشهر وعشراً .." الآية وكلتاهما في البقرة [الآية:234].
وبهذه المناسبة أنصح الأخ السائل وغيره ألا يرتادوا تلك المواقع المشبوهة في شبكة الإنترنت، أو غيرها مما سخره أعداء الدين لإلقاء الشبهة وتشكيك الشباب وغيرهم في دينهم، واقتناص الفرص لبلبلة الأذهان وترويج الشائعات المغرضة، والآراء المسمومة.
وليس للعامة من أبناء الأمة إقحام أنفسهم في أتون تلك المواقع، أو قراءة ما يكتبه الملاحدة والكفرة والمنافقون بقصد التشكيك والإفساد حفاظاً على دينهم ورعاية لعقائدهم. والله المسؤول أن يحفظ علينا ديننا، ويكبت عدونا إنه سميع قريب. وفقك الله وأعانك والسلام عليكم.
=============
الرد على شبهة حول آية الرجم المنسوخة
المجيب د. محمد بن إبراهيم الغامدي
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد
التصنيف القرآن الكريم وعلومه/ مسائل متفرقة في القرآن
التاريخ 22/3/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله.
هل هنالك آية تسمى آية الرجم حذفت من القرآن؟ إن كان ذلك صحيحاً نرجوكم أن توضحوا لنا الحكمة من ذلك، وهل هناك آيات أخرى حذفت؟ وجزاكم الله خيراً.
الجواب
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده : أما بعد:(6/118)
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
فنقول وبالله التوفيق نعم هناك آية في كتاب الله عز وجل تسمى آية الرجم لم تحذف ولكن العبارة الصحيحة أنها نسخت لفظاً وبقي حكمها وهذا أمر مقرر شرعاً وهو نسخ اللفظ وبقاء الحكم
وهونوع من أنواع النسخ في القرآن أخرج البخاري في صحيحه6/2503 حديث( 6441 )حدثنا علي بن عبد الله حدثنا سفيان عن الزهري عن عبيد الله عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال عمر – رضي الله عنه - لقد خشيت أن يطول بالناس زمان حتى يقول قائل لا نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله ألا وإن الرجم حق على من زنى وقد أحصن إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف قال سفيان كذا حفظت ألا وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده، باب: رجم الحبلى من الزنا إذا أحصنت .
وأخرج البخاري (6/2504) أيضا من حديث عمر رضي الله عنه أنه قام فأثنى على الله بما هو أهله ثم قال أما بعد فإني قائل لكم مقالة قد قدر لي أن أقولها لا أدري لعلها بين يدي أجلي فمن عقلها ووعاها فليحدث بها حيث انتهت به راحلته ومن خشي أن لا يعقلها فلا أحل لأحد أن يكذب علي إن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل الله آية الرجم فقرأناها وعقلناها ووعيناها رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل والله ما نجد آية الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله).
وأخرج مسلم : 3/1317حديث( 1691 ) عن عمر رضي الله عنه أنه قال وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الله قد بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان مما أنزل عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله وإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء إذا قامت البينة أو كان الحبل أو الاعتراف وأخرج ابن حبان في صحيحه:10/274 أخبرنا محمد بن الحسن بن مكرم بالبصرة قال حدثنا داود بن رشيد قال حدثنا أبو حفص الأبار عن منصور عن عاصم بن أبي النجود عن زر بن حبيش قال لقيت أبي بن كعب – رضي الله عنه - فقلت له إن ابن مسعود – رضي الله عنه - كان يحك المعوذتين من المصاحف ويقول إنهما ليستا من القرآن فلا تجعلوا فيه ما ليس منه قال أبي قيل لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لنا فنحن نقول كم تعدون سورة الأحزاب من آية قال قلت ثلاثا وسبعين قال أبي والذي يحلف به إن كانت لتعدل سورة البقرة ولقد قرأنا فيها آية الرجم "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم".
وأخرج الحاكم في مستدركه2/450 أخبرنا أبو العباس أحمد بن هارون الفقيه حدثنا علي بن عبد العزيز حدثنا حجاج بن منهال حدثنا حماد بن سلمة عن عاصم عن زر عن أبي بن كعب رضي الله عنه قال كانت سورة الأحزاب توازي سورة البقرة وكان فيها "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
وأخرج أيضا في4/400 حديث( 8068 )قال حدثنا أحمد بن كامل القاضي ثنا محمد بن سعد العوفي ثنا روح بن عبادة ثنا شعبة قال وحدثنا أحمد بن محمد بن عيسى القاضي ثنا أبو النعمان محمد بن الفضل ثنا حماد بن زيد جميعا عن عاصم عن زر قال قال لي أبي بن كعب - رضي الله عنه - وكان يقرأ سورة الأحزاب قال قلت ثلاثا وسبعين آية قال قط قلت قط قال لقد رأيتها وإنها لتعدل البقرة ولقد قرأنا فيما قرأنا فيها "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالا من الله والله عزيز حكيم" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه
وأخرج أيضا برقم (8069) قال: أخبرنا أبو العباس القاسم بن القاسم السياري ثنا محمد بن موسى الباشاني ثنا علي بن الحسن بن شقيق أنبأ الحسين بن واقد ثنا يزيد النحوي عن عكرمة عن بن عباس رضي الله عنهما قال من كفر بالرجم فقد كفر بالقرآن من حيث لا يحتسب قوله -عز وجل- "يا أهل الكتاب قد جاءكم رسولنا يبين لكم كثيرا مما كنتم تخفون من الكتاب" [المائدة:15] فكان الرجم مما أخفوا هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
أخرج أيضا حديث برقم (8070) قال :حدثنا أبو العباس محمد بن يعقوب أنبأ محمد بن عبد الله بن عبد الحكم أنبأ بن وهب أخبرني الليث بن سعد عن سعيد بن أبي هلال عن مروان بن عثمان عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف أن خالته أخبرته قالت لقد أقرأنا رسول الله صلى الله عليه وسلم آية الرجم "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة بما قضيا من اللذة" هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه بهذه السياقة(6/119)
وأخرج أيضاً برقم (8071) فقال: حدثني محمد بن صالح بن هانئ ثنا الحسين بن محمد بن زياد ثنا محمد بن المثنى ومحمد بن بشار قالا ثنا محمد بن جعفر ثنا شعبة عن قتادة عن يونس بن جبير عن كثير بن الصلت قال كان ابن العاص وزيد بن ثابت – رضي الله عنهما - يكتبان المصاحف فمرا على هذه الآية فقال زيد – رضي الله عنه - سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ثم "الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة" فقال عمرو – رضي الله عنه - لما نزلت أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت أكتبها فكأنه كره ذلك فقال له عمرو ألا ترى أن الشيخ إذا زنى وقد أحصن جلد ورجم وإذا لم يحصن جلد وأن الثيب إذا زنى وقد أحصن رجم هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه.
فهذه الآية التي ذكرت ثبت أنها كانت فيما أنزل من القرآن ثم نسخ لفظها وبقي حكمها، وأما الحكمة من ذلك فقد نعلمها وقد لا نعلمها لكن إذا لم نعلمها فالواجب علينا التسليم
والنسخ أمر مقرر شرعاً:
يقول الله جل وعلا "ما ننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منه أو مثلها ألم تعلم أن الله على كل شيء قدير" [البقرة 106].
وقال "وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون" [النحل 101].
ومن الحكم التي ذكرها أهل العلم للنسخ 1- اللطف والتخفيف بعد التشديد والتغليظ قال تعالى "الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فإن يكن منكم مئة صابرة يغلبوا مئتين......." [الأنفال:66] فنسخ لقاء الواحد من المسلمين للعشرة من المشركين إلى لقاء الواحد للإثنين.
2-العقوبة والمجازاة على جرائم المكلفين كما في قوله - تعالى - "فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم..........." [النساء160].
3- التكريم للمكلف وطلب رضاه وما تطيب به نفسه كما في قوله –تعالى- "قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام......." الآية [البقرة:144]، وقد كان يستقبل بيت المقدس لكنه كان يكره استقبال قبلة اليهود ويحب استقبال قبلة إبراهيم -عليه السلام - فنسخ الله –سبحانه- ما كرهه بما رضيه من القبلتين كرامة له -صلى الله عليه وسلم-.
4-المصلحة المبنية على ما تقدم من السهولة بعد الصعوبة وتخفيف التكليف لكونه أقرب للاستجابة استصلاحا للمكلفين
5- وقد يكون ابتلاء من الله -عز وجل- ولا يبين وجه الأصلح فيه إذ له -عز وجل- فعل ما يشاء كما في قوله -عز وجل- "سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها" فأجابهم بقوله "قل لله المشرق والمغرب"الآية، [البقرة:142].
فأخبر أنه يملك المشرق والمغرب فله أن يوليهم إلى أي جهة
وعلل بالابتلاء في قوله: "وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه" [البقرة:143] فهذا نسخ للابتلاء والاختبار.
والنسخ باب واسع من أبواب أصول الفقه ينظر في هذا الواضح في أصول الفقه لأبي الوفاء ابن عقيل1/243وما بعدها
والذي ينبغي أن يعلم أن الرجم حكم ثابت أيضا بالسنة الصحيحة في حق الزاني المحصن إذا ثبت عليه ذلك بإقراره المعتبر شرعا أو بالبينة المعتبرة شرعا وتوافرت بقية شروطه المفصلة في كتب الفقه والله أعلم وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
===============
شبهة أخذ نبينا محمد عن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن
إعداد الأستاذ عبد الرحيم الشريف
تعد شبهة أخذ سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمعن اليهود المواضيع المعينة في تأليف القرآن الكريم، أقدم ما عُرِف من نشاطات المستشرقين. فكل من يؤرخ للنشاط الاستشراقي يؤكد أن أقدم دراسة استشراقية كانت بعنوان: " ماذا اقتبس محمد عن اليهودية ". [1]
توضيح تلك الشبهة:
يرى كثير من غير المسلمين أن محمداً صلى الله عليه وسلمكان على دين اليهود ، وأرسل اليهود لتدمير المسيحية التي تهدد كيانهم.. ومن ثم اقتبس عن كتبهم العقائد والشرائع والقصص.
وإن كان أكثرهم يخالف هذا الرأي ويزعم زعماً آخر وهو أن سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمكان مسيحياً من نصارى مكة، أعده ورقة بن نوفل بالتعاون مع الراهب بحيرا وحداد رومي اسمه يسار... لإعادة الروح إلى المسيحية في الجزيرة العربية. لكن محمداً صلى الله عليه وسلمخدعهم فأعجب بنفسه .... فادعى النبوة.
تلك الشبهة ملخصة.. وإليكم الرد عليها: [2]
من حكمة الله تعالى وتقديره، أنه لم يُعلم في مكة يهودي واحد، واليهود استقبلوا محمداً صلى الله عليه وسلمبعد الهجرة بالعداوة صراحة. [3]
إن قريشاً أحرص من المنصرين على إثبات بشرية مصدر الوحي ولكنهم ـ وهم الأدرى بحاله وتحركاته ـ لم يرصدوا أنه ذهب إلى معلم كتابي واحد.. ولم يفضحه رفاقه في السفر بأنه التقى بأي حبر أو كاهن.. ومن غير الممكن أن يتردد سيدنا محمد إلى بيت معلم يعلمه دون أن يلاحظ ذلك أحد، فمكة المكرمة مدينة صغيرة المساحة، أحياؤها ـ بل بيوتها ـ معروفة لكل واحد من أهلها.(6/120)
لم يكن في مكة أي كتاب ديني مدون، ولا مدرسة، ولا فلاسفة كما كانت عليه حضارات اليونان والصين وفارس والهند.
كما أنه لم يُعرف عن اليهود في كل الجزيرة العربية نبوغاً فكرياً ورقياً حضارياً، وفاقد الشيء لا يعطيه! [
ولم يكن النصارى أحسن حالاً منهم، بل كانوا لا يملكون حتى التميز بشعر خاص بهم ـ على الأقل ـ، وهذا ما يؤكده المستشرقون من أتباع دينهم. [
. ومحمد صلى الله عليه وسلملم يعاشر إلا قومه، ولم يثبت أبداً أنه خرج من مكة قبل البعثة إلا مرتين فقط: مرة وهو صغير مع عمه أبي طالب ومرة في تجارة خديجة وكان مرافقاً له غلامها ميسرة. ولو كان تغيير الدين يحدث بتلك السهولة بسبب التجارة، لكان غالب أهل مكة من اليهود والنصارى. بينما الواقع التاريخي، يثبت أن لا أحد من أهل مكة في الجاهلية قد غير دينه بسبب ما اطلع عليه من ديانات أثناء رحلاته التجارية.
. الغالبية العظمى من القصص القرآني كانت في السور المكية، أي قبل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلمإلى المدينة المنورة واحتكاكه باليهود.
. لو كان للاتصال باليهود ذلك الأثر الكبير في دعوى النبوة، فلماذا لم ينتقوا أحداً من أهل يثرب أو رجلاً من القريتين عظيم، أو عبد الله بن أبي سلول ـ ليحمي دعوتهم بجاهه وماله؟
إن في القرآن الكريم قصصاً لأنبياء وسابقين لا يعرفهم أهل الكتاب، كقصة صالح وهود وشعيب عليهم السلام.. كما أن في القصص القرآني تفاصيل غير موجودة في كتبهم، كمعجزات سيدنا عيسى ونفي صلبه وقتله، وتبرئة الأنبياء مما افتروه عليهم من خطايا وقبائح. [6]
. معجزاته ـ وخاصة معجزة القرآن الكريم البلاغية التي عجز العرب عن مضاهاتها ـ يستحيل أن تكون من تعليم أعاجم.
من غير المستغرب أن يجلس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمإلى حداد رومي [7] لبعض حاجات بيته الطبيعية، وليس من المنطق أن يكون القرآن الذي أعجز العرب بنظمه، قد ألقاه إليه ذلك الحداد في عجالة وهو جالس عنده في السوق.. وهل الجلوس عند الحداد فيه من الراحة والاستعدادات النفسية والذهنية ما يؤهله للتعلم، تعلم هذا القرآن العظيم ؟ [8]
أليست مهنة التعليم لذلك الحداد، أيسر عليه من الحدادة ؟
. أسباب النزول تنفي التعلم المسبق للنبي صلى الله عليه وسلم، فأين كان معلموه المفترضون حين نزل عليه القرآن في غزواته، وهو بين أصحابه يجيب عن أسئلتهم.. هل كانوا لا يُرَون إلا من قِبَل محمد صلى الله عليه وسلم؟
. لا يمنع أن يوجد في القرآن الكريم ما يوافق ما سبق من كتب سماوية، فالقرآن الكريم لا يقول بأنها كلها محرفة 100% بل فيها تحريف وفيها ما نجا من التحريف [9] .. ومثله ما نسب إلى كتب جهلة اليهود والهراطقة مما ليس موجوداً في الكتاب المقدس المعتمد حالياً.
فقد جعل النصارى من كتب بقايا النصارى الموحدين كتباً ممنوعة القراءة، بعد أن حكموا على رجالها بالهرطقة. بخاصة بعد مجمع نيقية الذي أقر التثليث ونبذ التوحيد.. فما المانع من أن تكون تلك الكتب هي الأقرب إلى الحق، وأن ما بين أيدينا من كتب اعترفت بها الكنيسة لاحقاً هي الباطل؟
. مخالفة القرآن الكريم عقائد أساسية تميزت بها اليهودية والمسيحية.. كتفضيل الجنس اليهودي وتكريمه على الناس بقبول عبادته لله عز وجل، وكذلك أساس عقيدة النصارى من تثليث وفداء وخلاص.
إن الإسلام هو دين الله الحق، الذي لم ينزل من السماء سواه. إن الدين عند الله الإسلام، دينه الذي من ابتغى غيره سبيلاً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، فكل الأنبياء جاؤوا بالإسلام، ولم يسمِّ أحد منهم نفسه يهودياً ولا نصرانياً بل حنيفاً مسلماً من لدن آدم uوحتى محمد صلى الله عليه وسلم.
وعلى هذا فلا يمكن القبول بزعم أن الإسلام ما هو إلا فرع من شجرة اليهودية أو النصرانية ـ المحرفة عن الإسلام ـ بل هي ذات الرسالة وعين العقائد والمبادئ العامة التي دعا إليها الإسلام.
ويُقال لهم: إن سلمنا معاً أن القرآن الكريم كلام الله Y، كالتوراة والإنجيل. فالتشابه بينه وبينها طبيعي لأن مصدرهما واحد. بل لو لم يكن هنالك اتفاق بين القرآن الكريم وتلك الكتب في جميع العقائد لقالوا: كيف يكون مصدرها واحداً وهي لم تتفق في أي عقيدة ؟!
فإن اتفق شيء مما تبقى من عقائد وشرائع الأنبياء السابقين مع الموجود في القرآن الكريم، فهو من أدلة وحدة مصدرها، وإن تفوق القرآن الكريم عليها بكونه كله قطعي الثبوت.
" أما المجاحدون من أهل الكتاب ـ لا سيما دعاة النصرانية في هذا الزمان ـ فهم يقولون فيما وافق القرآن به كتبهم، أنه مأخوذ منها بدليل موافقته لها. وفيما خالفها أنه غير صحيح بدليل أنه خالفها. وفيما لم يوافقها ولم يخالفها به أنه غير صحيح، لأنه لم يوجد عندنا، وهذا منتهى ما يُكابر به مُناظِر مناظراً، وأبطل ما يرد به خصم على خصم ". [11](6/121)
ولما كانت شبهة تعلم سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمعلى يد بحيرا وورقة بن نوفل تشكل أعظم شبهاتهم، فالرد عليها ملخصه ما يلي: [12]
إن تلك الشبهة فيها اتهام للنصرانيين الناسكين المتعبدين بالكذب والخداع، ومن غير المعقول أن يكون أواخر عهد ناسكين متعبدين، تسهيل مهمة شخص مخادع يدعي أنه موحى له من عند الله Y.
. قصر الوقت الذي شاهدهما فيه، فما في القرآن من عقائد وشرائع وقصص تحتاج إلى فترة زمنية طويلة. بل المنطق يقول إن أي إنسان عادي، لن يستطيع تأليف قوانين وشرائع مماثلة لتلك الموجودة في القرآن الكريم، إلا بعد مكث سنوات طويلة من التعلم.
. أين قريشاً منهما، ولماذا لم يحضروهما ليكونا دليلاً بين أيديهم على بشرية مصدر القرآن الكريم؟
. لم يصدر عن أي من ملوك النصارى العرب، أو الروم، أو القبط، أو الأحباش.. الذين وصلتهم رسالة الإسلام، أن ما في القرآن الكريم مسروق من عندهم.
5. لماذا لم يستخدما رجلاً أغنى وأكثر جاهاً منه صلى الله عليه وسلم، ليسهل عليهم المهمة ؟
. كان عمره صلى الله عليه وسلمعندما قابل بحيرا أول مرة تسعة أعوام، ولما تاجر لخديجة كان عمره خمسة وعشرين عاماً. وفي الأولى كان معه عمه، وفي الثانية ميسرة غلام خديجة. [13]
هل كان لدى ورقة بن نوفل أي حصيلة علمية أو معرفية، تؤهله ليكون مصدر القرآن الكريم؟ [14]
. كيف يستطيع ورقة ـ وهو كبير السن ـ أن يصعد إلى الجبل الذي فيه غار حراء، رغم أن صعوده شاق على أشد الشباب قوة؟
لم يتهم أي مشرك محمداً صلى الله عليه وسلمبأنه كان يقابل ورقة، رغم أن ذلك الزعم أقوى من اتهام حداد رومي.
. لماذا تأخر ورقة في إعلان نبوة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمإلى أن بلغ من العمر عتياً، وهل كان يضمن أنه سيعيش ذلك العمر ؟
أين باقي تلاميذ بحيرا وورقة ؟ هل من المعقول أن لا يكون لهما إلا تلميذ واحد يتيم فقير؟ ولماذا لم تبعث قريش بفتيانها إليهما ليتعلموا ؟
12. هل رافق بحيرا وورقة محمداً صلى الله عليه وسلمفي كل حركاته وسكناته ؟ إن في أسباب النزول رداً مباشراً على زعمهم.
قول ورقة بأن الوحي الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلمهو الذي نزل على موسى لا عيسى عليهما السلام، فلو كان نصرانياً لذكر سيدنا عيسى . وهذا اعتراف من ورقة على إلهية مصدر القرآن الكريم.
. لو كان لورقة ذلك التأثير على سيدنا محمد ، لكان أول من يذهب إليه صلى الله عليه وسلمبُعَيد نزول الوحي عليه وهو في غار حراء، قبل أن يعود إلى بيته.
15. لم يذكر التاريخ أن هنالك زيارات معتادة بين بيتي سيدنا محمد وورقة، ولم يكن بينهما صداقة معروفة قبل البعثة كصداقته بأبي بكر مثلاً.
كما لم يزر بحيرا مكة ولا المدينة قبل أو أثناء البعثة النبوية، فكيف له أن يعرف ظروف بيئة الرسول صلى الله عليه وسلموأحداثاً قبل الهجرة في مكة كموقف المشركين من الدعوة، وغيرها من أسباب نزول الآيات المكية. وبعد الهجرة: كالغزوات والعلاقة مع المنافقين.. وغيرها من أسباب نزول الآيات المدنية ؟
[1] كان ذلك عام 1134م على يد المستشرق اليهودي الألماني أبراهام جايجر، وقد نال عن دراسته تلك جائزة الدولة البروسية. انظر: المستشرقون والقرآن، عمر لطفي العالم، ص17.
[2] انظر: بذل المجود في إفحام اليهود، السموءل، ص147. وقضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل عباس، ص197. ووحي الله، د. حسن عتر، ص185.
[3] ذكر ابن هشام عن أم المؤمنين صفية بنت حيي بن أخطب ـ رضي الله عنها ـ أنها قالت: " كنت أحب ولد أبي إليه وإلى عمي أبي ياسر، لم ألقهما قط مع ولد لهما، إلا أخذاني دونه. قالت: فلما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلمونزل قباء.. غدا عليه أبي وعمي مُغلِّسين. قالت: فلم يرجعا حتى كانا مع غروب الشمس. ما التفت إليَّ واحد منهما، مع ما بهما من غم. قالت: وسمعت عمي أبا ياسر وهو يقول لأبي: أهو هو؟ قال: نعم والله. قال: أتعرفه وتثبته؟ قال: نعم. قال: فما في نفسك منه؟ قال: عداوته والله ما بقيت ". انظر: السيرة النبوية 2/123. وقولها: " مغلسين " أي وقت الغلس. والغلس: ظلمة آخر الليل إذا اختلطت بضوء الصباح. انظر: النهاية في غريب الحديث، الجزري، 4/377.
[4] لم يظهر بين يهود الجزيرة العربية من اشتهر بعلم أو فقه أو فلسفة.. وهذا يدل بالضرورة على عدم ازدهار الحركة الفكرية والثقافية عندهم، فهم آثروا البقاء منعزلين عن العالم، مكتفين بأبسط أنواع الحياة. انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي 6/8. ود. إسرائيل ولفنسون، تاريخ اليهودية في بلاد العرب، ص42.(6/122)
[5] " ولا يختلف الشعر النصراني عن شعر الشعراء الوثنيين بشيء... من الصعب على الباحث أن يجد فرقاً كبيراً بين شعر الشعراء النصارى وشعر الشعراء الوثنيين. ولهذا ذهب بعض المستشرقين إلى ان من الصعب التحدث عن وجود شعر نصراني عربي له ميزات امتاز بها عن الشعر الوثني قبل الإسلام ". انظر: العرب قبل الإسلام، د. جواد علي، الفصل166، 4/ 1311.
[6] انظر في سفر التكوين ما نسبوه إلى الأنبياء الكرام: نوح u 9/20-27ولوط u 19/30-38وإسحاق u 29.
[7] كي يتقن كفار قريش حبك فرية تلقي رسول الله صلى الله عليه وسلمالقرآن، وضعوا في معلمه شرطين: الأول: أن يكون من سكان مكة؛ ليتحقق زعمهم بتلقي القرآن عنه بكرة وأصيلاً. والثاني: أن يكون من غير قومهم وملتهم، ليُمكن عندها أن يُقال إن عنده علم ما لم يعلموا.. والتمسوا الشرطين فلم يجدوهما إلا عند حداد رومي. انظر: مدخل إلى القرآن، د. محمد دراز، ص134.
قلت: لو تحقق الشرطان في ورقة ـ أو غيره من أحبار اليهود والنصارى ـ ، لما أوقعوا أنفسهم في فضيحة انتقاء الحداد معلماً مزعوماً.
[8] الجلوس عند الحداد ـ وخاصة في ذلك الزمان ـ لا يرتاح إليه أحد. وقد وصف ما ينتاب المرء نتيجة ذلك الجلوس، من أوتي جوامع الكلم صلى الله عليه وسلمبأروع وصف حين قال: " مَثَلُ الْجَلِيسِ الصَّالِحِ وَالْجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صَاحِبِ الْمِسْكِ وَكِيرِ الْحَدَّادِ. لَا يَعْدَمُكَ مِنْ صَاحِبِ الْمِسْكِ إِمَّا تَشْتَرِيهِ أَوْ تَجِدُ رِيحَهُ. وَكِيرُ الْحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ، أَوْ ثَوْبَكَ، أَوْ تَجِدُ مِنْهُ رِيحًا خَبِيثَةً ". رواه البخاري في البيوع باب في العطار وبيع المسك 2101 . ولك أن تتخيل كيفية استماع القرآن الكريم لأول مرة، وأصوات مطارق الحدادين، ونار الكير، ناهيك عن الرائحة التي تصد حضور الذهن الضروري لأي تعليم.. فلو أراد حفظ نشيدٍ من أناشيد الأطفال في ذلك الجو، لكان متعذراً عليه !
[9] قال تعالى: " وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ " [الأنبياء: 105] وفي مزامير داود [37/11] " الأبرار يرثون الأرض ". فذكر ذلك بكل مصداقية، عكس متى الذي اقتبس تلك الفقرة ذاتها في إنجيله [5/5] دون الإشارة إلى اقتباسها.
[10] قال ابن تيمية: وجميع الأنبياء كانوا على دين الإسلام. انظر مجموع الفتاوى 27/370 وانظر الأدلة على كون كل الأنبياء دينهم الإسلام في: الخطاب الدعوي للأنبياء والدعاة في القرآن الكريم، عبد الرحيم الشريف، رسالة ماجستير غير منشورة، جامعة آل البيت، الأردن، 2001م، ص16-76.
[11] تفسير المنار، محمد رشيد رضا 3/249.
[12] انظر: الإسلام في قفص الاتهام، د. شوقي أبو خليل، ص32-39 والقرآن ليس دعوة نصرانية، د. سامي عصاصة ص65-117. ووحي الله، د. حسن عتر، ص139-165.
[13] انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، 1/23. والبداية والنهاية، ابن كثير، 2/295.
[14] كان ورقة يعبد الأصنام طيلة ستين سنة، ثم ذهب يبحث عن أفضل دين هو ومجموعة من أصدقائه، وترددوا بين الشرك والنصرانية واليهودية، ثم استقر رأيه ورأي أكثرهم على الحنفية. وكان عمر ورقة عند بعثة النبي مائة سنة. انظر: البداية والنهاية لابن كثير: 2/340 والسيرة الحلبية لعلي الحلبي 1/116، والاستيعاب في معرفة الأصحاب لابن عبد البر 2/616. فهو لا يملك ذلك العلم الواسع.
===============
ردّ على سورة القدر المزعومة
بقلم: ياسر محمود الأقرع
نقف ضمن سلسلة دراساتنا البلاغية التي نتناول فيها بعض نصوص الكتاب المزعوم "الفرقان الحق " عند الآيات الثلاث في أوّل السورة التي حملت اسم " سورة القدر " . والاقتصار على هذه الآيات في دراسة السورة يرجع إلى أمرين :
أولهما : انقطاعها شكلاً ومعنى عما يليها من الآيات في النص ذاته .
ثانيهما: إن الآيات الثلاث في مطلع السورة محاولة ساذجة تهدف إلى تقليد سورة القدر في القرآن الكريم .
وإذا كنا نؤمن حتماً أنه لا مجال للمقارنة بين عظمة النص القرآني ، وسخافة الفرقان الشيطاني ، ولا يُعَدُّ هذا الأمر ( أي المقارنة ) هدفاً من أهداف هذه الدراسة، فإننا سنترك للقارئ بعد الوقوف على التحليل البلاغي لما سنعرضه أن يتبين اضطراب الصياغة اللغوية، وضعف البناء البياني الذي يختزنه النص في آياته الثلاث .
تقول الآيات الثلاث في مطلع سورة القدر من الفرقان المزعوم:
1- إنا أنزلناه في ومضة الفجر في ساعة القدر
2- نوراً للضالين وهدى للناس كافة في كل عصر
3- فرقان حق وحكم عدل وقول فصل في كل أمر
الساعة ستون ومضة :
يطلق على هذا النص اسم " سورة القدر " ويفترض ، انطلاقاً من هذه التسمية، أن يكون لهذا الاسم ( القدر ) شأناً مهماً ، أو دلالة مميزة ، جعلت منه عنواناً للنص وفاتحة للدخول إليه .(6/123)
يبدأ النص بالحديث عن إنزال الفرقان الحقّ، ويحدد زمن نزوله على أنه ( في ومضة الفجر ) وهذه الـ ( في ) حرف جر يفيد الظرفية الزمانية أو المكانية .
فإذا استبعدنا احتمال أن تفيد هذه الـ (في) الظرفية المكانية في هذا السياق ، فهذا معناه أن الفرقان قد أنزل في ومضة الفجر زمانياً، وهو المقصود هنا. أي: كان إنزال الفرقان في وقت ومضة الفجر!! فما هذه الومضة ؟!
الومضة – لغوياً – من وَمَضَ : أي لمع ، والوميض : أن يومض البرق إيماضة ضعيفة ثم يخفى ثم يومض. ( لسان العرب م 7 / ص 252 ) ، إذا كان الومض لمعان يظهر ثم يختفي ، فما هي إذاً ومضة الفجر !؟ وهل للفجر ومضة !؟
إن ومضة الفجر حسب ما ورد في النص هي دلالة زمنية . وهي جزء من دلالة زمنية أوسع، أعني ( ساعة القدر ) أي أن ومضة الفجر تشكل جزءاً من أجزاء هذه الساعة ( ربما كانت الساعة تساوي ستين ومضة بتوقيت الفرقان الحق !!! ) ، فإذا كان هذا الفرقان قد أنزل في ومضة الفجر ( وليس للفجر ومضة ) وبهذا أي ( بنزول الفرقان) شُرِّفت هذه الومضة ، فأي شأن لساعة القدر في هذا الأمر ، وما دلالة ذكرها في هذا السياق، خصوصاً أن السورة أخذت اسمها من كلمة ( القدر ) .
ربما قيل : إن عظمة شأنها، وعلو مكانتها، إنما مصدره استيعاب هذه الساعة لومضة الفجر التي كان فيها إنزال الفرقان !!
في الرد نقول : الأمر الذي أريد تعظيمه هو إنزال الفرقان، والزمن الذي كان فيه هذا الإنزال – حسب ما ورد في النص – هو ومضة الفجر ( وهي دلالة زمنية ) فهذا الزمن هو الأولى بالتعظيم وبجعله اسماً للسورة ...
أمّا ساعة القدر فدلالة زمنية لا شرف لها بذاتها هنا ، بل جاء تعظيمها من كونها تستوعب الزمن الذي أريد تعظيمه وهو ( ومضة الفجر ) .
وإذا كان المقصود تعظيم الفرقان الحق دون أن يكون لزمن نزوله أهمية فإن ذكر ومضة الفجر وساعة القدر جاء فضلة زائدة في النص ولم يكن ثمة داعٍ لذكرهما ... فإلى أي الجانبين نميل !؟
ضلال ..!!
تبدأ الآية الثانية بالقول ( نوراً للضالين ) والحديث عن نزول الفرقان الحق، الذي جاء نوراً أي
( منوّراً ) والكلمة حال، جاءت اسماً جامداً بمعنى المشتق ...
لكنّ إنزال الفرقان – حسب ما جاء في النص – كان في ( ومضة الفجر ) والومضة كما بيّنا لمعان ثم اختفاء فهي التماع فيه ضوء شديد، والفجر نور أيضاً ...
فما الحاجة لوصف الفرقان بأنه نزل نوراً إن جاء في وقت الفجر بل في شدة التماعه ( حسب ما جاء في الآية ) .
نزل الفرقان (نوراً للضّالين) ومعنى ذلك أن بقية الناس ممن لا ينطوون تحت اسم ( الضالين ) هم مهتدون ، إذ الهدى عكس الضلال، وتأتي بعد ذلك عبارة ( وهدى للناس كافة ) ...
فما الحاجة في أن يكون الفرقان ( بعد أن جاء نوراً للضالين ) هدى للناس كافة ، وفي هؤلاء من لا يدخل في زمرة الضالين ، فهو مهتدٍ أصلاً .
أما إذا كان المقصود من عبارة ( هدى للناس كافة ) أن الناس كلهم في ضلال قبل نزول الفرقان، فإن هذا المعنى يغني عن ذكره العبارة السابقة: ( نوراً للضالين ) .
ترادف .. واجترار:
تبدأ الآية الثالثة بكلمة ( فرقانٌ ) هكذا بالرفع ، وهي خبر لمبتدأ محذوف تقديره ( هو ) أو ما يعادلها. ومجيئها في حالة الرفع يؤكد انقطاعها عما قبلها إذا لم تأتِ في حالة النصب ... على أنها حال لإنزال الفرقان.
والآية الثالثة لا تعدو كونها جملاً مترادفة تتقاطع وتتلاقى في المعاني التي تحملها :
فرقان حق وحكم عدل وقول فصل
هذه الجمل الثلاث في وصف الكتاب المنزل جاءت متفقة من حيث المدلول الذي هو ( تمييز الحق من الباطل ) وإن اختلفت من حيث الصياغة ...
ففرقان: معناه يفرق بين حق وباطل.
وحُكمٌ عدل : معناه حكم قائم على إعلاء كلمة الحق، ودحض دعاوى الباطل.
وقول فصل: يعني أنه قول يبيّن حدود الحق وحدود الباطل ويفصل بينهما .
ومعنى هذا كله أنه يمكن الاستغناء عن هذا الترادف في المدلولات بإيراد إحدى الجمل الثلاث والاستغناء بها عن سواها في تأدية المعنى وإيصاله .
ثم إن من البلاغة أن تحذف واو العطف بين الجمل الثلاث ذلك أن إثباتها يقتضي تغاير المعطوف والمعطوف عليه فالأصل أن تأتي الواو بين الصفات المتباعدة المتناقضة في الظاهر، حيث يبعد في الذهن اجتماع هذه الصفات في ذات واحدة ، وفي الجمل المذكورة ليس ثمة ما يدل على تباعد الصفات أو تناقضها في الظاهر بل هي تتفق من حيث المعنى ووجود واحدة منها كاف ليدل على وجود الصفات الأخرى.
إشكالية
وتختتم هذه الآية بجملة: ( في كل أمر )، وهذه العبارة تفترض أن كل أمر (هكذا دون استثناء) يحتاجإلى فرقان حق ، وحكم عدل، وقول فصل . وهذا يفترض أساساً وجود إشكالية ما في كل أمر، تضطرنا إلى طلب الحكم والتفريق بين الحق والباطل. فهل كل أمر يحتاج فعلاً إلى ذلك !؟
أليس ثمة أمور متفق عليها ، أو مسلّمات نشترك في الإيمان بها على اختلاف آرائنا واتجاهاتنا وميولنا ، وهي بطبيعة الحال لا تحتاج إلى تحكيم أو فصل !! ؟؟(6/124)
وبعد... فهذه هي سورة القدر ( والقدر: المنزلة)
اسم حمله عنوان السورة بوصفه دالاً لفظياً لا مدلول له، مرتبطاً بزمن لا غاية واضحة لذكره.
وتعظيم لفرقان جاء نوراً في وقت مشبع بالنور إلى حد الإبهار ( ومضة )
وترادف في المعاني، يكفي ذكر أحدها ليغني عن سواه، ويريح كاهل النص من فائض الكلمات، والدوران في فلك التقليد السطحي ومحاولة الصوغ الساذج ...
إنها سورة قدر لا قدر لها !!!
============
شبهة أن القرآن الكريم ابتدعه فكر سيدنا محمد
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في التفسير وعلوم القرآن
شبهة أن القرآن الكريم ابتدعه فكر سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم وعبقريته وهواه، لينال بذلك المجد والشهرة، ويبرر بعض شهواته ( المزعومة ) وتسهل سيطرته على أتباعه، ترغيباً وترهيباً.
الجواب عنها:
إن الزعم بأن القرآن الكريم من اختراع أهواء وتخيلات سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، من أضعف شبهاتهم. فهل عجزت أمهات ملايين العرب أن يلدن مثله؟ وهل كانت كل ظروف حياته تؤهله ليكون مرتاح البال، هانئاً، جالساً على أريكته.. ممسكاً ورقة وقلماً يكتب آيات من القرآن الكريم؟! إن ما يستطيعه آحاد البشر، يستطيعه مجموع البشر بالضرورة. فلماذا لم يقوموا بذلك إذاً؟
كما أن هنالك عدة ردود على ذلك الزعم، منها:[1]
1. الفرق في الأسلوب بين القرآن الكريم والحديث الشريف، فمن المؤكد أن الشخص الواحد مهما كان أديباً عبقرياً يستحيل أن تصدر عنه جمل مختلفة في أسلوبها في الوقت ذاته. فرسول الله صلى الله عليه وسلم بشر، يغضب ويفرح ويحزن ويتألم.. ولكنك تجد الفرق واضحاً بين ما صدر عنه من حديث نبوي شريف، وما أخبرنا أنه قرآن كريم.
فلو كان مصدر القرآن والحديث واحد، لكان من العسير جداً التفريق بين أسلوبيهما ونظمهما.
ولماذا لم يدَّعِ محمد صلى الله عليه وسلم أن أحاديثه آيات رغم أنها كذلك موحىً بها من عند الله جل جلاله .[2]
ولا يمكن القول أن لمحمدٍ صلى الله عليه وسلم أسلوبان فيما يصدر عنه من كلام، أسلوب منمق مزخرف هو القرآن الكريم، وأسلوب أقل منه هو الحديث الشريف. لأن أكثر القرآن الكريم نزل فجأة دون انتظار منه صلى الله عليه وسلم ، كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم هو أكثر الناس كرها للتنميق في الكلام، ولا ننسى أننا نتحدث عن العصر الذهبي للعربية، الذي سلمت في أذواق العرب وسليقتهم من أي مظهر من مظاهر اللحن.
هاتوا لنا إنساناً له موهبة أن يقول قولاً، وسجلوا له ميزات أسلوبه. ثم اسألوه أن يغير الأسلوب إلى أسلوب آخر، ثم سجلوا له الأسلوب الآخر. ثم قولوا له نريد أسلوباً ثالثاً.. فإنه لا يستطيع أن يبرأ من أسلوبه الأول أبداً؛ لأن الأسلوب هو الطريقة اللازمة للشخص في أداء المعنى. وما دامت له طريقة في أداء المعنى، فإن الأداء سيأخذ تشخيصاً لا يمكن أن يبرأ صاحبه نفسه منه..[3]
2. من تتبع سيرة النبي صلى الله عليه وسلم يرى مقدار خشيته من الله تعالى، وورعه. فيستحيل أن يترك الخداع والكذب على الناس، ويكذب فيما ينسبه إلى الله جل جلاله.
3. ماذا يريد الإنسان من دعوى النبوة إن كان كاذباً؟ إنه لا يريد أكثر من الجاه والمال. وقريش عرضت على رسول الله صلى الله عليه وسلم أقصى ما يتمناه خيال أي عربي في ذلك الزمان، من مال وجاه ونساء.. ولكنه ترك ذلك كله، وكان ينام على حصير أثر على جنبه الشريف صلى الله عليه وسلم ، وتعرض لعدة محاولات لاغتياله. وحارب المشركين.. رغم أنه كان يمكنه المكوث في عز وهناء، لو ترك الدعوة إلى دين الإسلام.
4. وجوه إعجاز القرآن الكريم المختلفة من بياني وعلمي وغيبي وتشريعي.. لم يأتِ بشرٌ بمثلها.
5. خلو القرآن الكريم من تسجيل حوادث مهمة في حياته، وأسماء أحبائه وأقرب المقربين إليه (والديه، أبنائه، السابقين إلى الإسلام، نسائه..) بل لم يذكر اسمه في القرآن الكريم إلا أربع مرات فقط.
6. وجود آيات العتاب في القرآن الكريم لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم .
7. كانت تمر على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم الملمات الكثيرة، والقضايا العديدة التي تتطلب جواباً سريعاً كحقيقة حادثة الإفك، والثلاثة الذين تخلفوا عن غزوة تبوك.. وتوفيت زوجه خديجة رضي الله عنها، وعمه أبو طالب، وابنه إبراهيم دون أن يذكر القرآن الكريم من ذلك شيئاً يواسيه.
وتزوج من أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها دون أن يسطر ذلك في القرآن الكريم، بينما زواجه من أم المؤمنين زينب رضي الله عنها فقد تحدث القرآن الكريم عنه؛ لكونه ذا صلة بالتشريع.
8. لم يجعل لاجتهاداته الشخصية أي تشريع ملزم للصحابة: كحادثة تأبير النخل[4]، واستشاراته المتكررة للصحابة في شتى الأمور تدل على ذلك أيضاً.(6/125)
9. صرّح القرآن الكريم بأن الأمر لو كان لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم لكان هواه ألا يُلقى إليه أي آية من ذلك القول الثقيل. قال تعالى في سورة القصص: " وَمَا كُنْتَ تَرْجُو أَنْ يُلْقَى إِلَيْكَ الْكِتَابُ إِلَّا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ..(86) ". نعم إنه قول ثقيل عليه صلى الله عليه وسلم ، قال تعالى في سورة المزمل: " إِنَّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلًا ثَقِيلًا(5) ".
بل لو كان الأمر بيده لأنزل كلاماً بحسب الطلب، ولكن لا ينبغي له ذلك. قال تعالى: " وَإِذَا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قَالُوا لَوْلَا اجْتَبَيْتَهَا قُلْ إِنَّمَا أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هَذَا بَصَائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ " [الأعراف: 202]. نعم، عدم استجابة محمد صلى الله عليه وسلم لطلباتهم ليكونوا على بصيرة، وليهتدوا، ورحمة بهم..؛ ليتأكد لهم أنه صلى الله عليه وسلم ليس مصدر الوحي.
وسبحان من يجعل في شبهاتهم دليلاً عليهم !
10. نزول القرآن الكريم منجماً في ثلاث وعشرين عاماً، ثم ترتيب ما نزل في نظم بديع محكم لا خلل فيه ولا تناقض ولا تغير في بلاغته. وذلك كله يستحيل أن يصدر عن بشر طبيعته النقص.
11. إن هذا القول مبني على وجود علم مدخر في العقل الباطن لسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن أين سيكون قد حصل على ذلك العلم السابق؟ لقد سبق مناقشة نقض احتمال أن يكون مصدر ذلك من الإنس أو الجن.
12. ما جاء في القرآن الكريم من عبادات شاقة، وتحريم ملذات يتوق إليها أي إنسان، ولم يكن لقريش أي غضاضة للقيام بها. لا يعقل أن يكون هواه قد أجبره على قيام أكثر الليل، وعلى الوصال في الصوم.. وأن يكون حرم عليه الخمر، والربا، ولبس الذهب والحرير، وقبول الصدقة، وتوريث أبنائه..
13. قد يستطيع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم تخويف الصحابة ـ إن افترضنا أنه ألف القرآن الكريم لتلك الغاية ـ ولكن.. هل هنالك إنسان في العالم يخوف نفسه من عذاب النار، أو يلقي بيده إلى التهلكة بصرف الحراس عنه وهو يعيش في وسطٍ مليء بأعداءٍ، المستترون فيه أكثر من الظاهرين؟ انظر مثلاً إلى قوله تعالى في سورة المائدة: " يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ(67) ".
هذا الصدق مع النفس، انبثق عنه صدق مع الآخرين.. بينته سورة يونس: " وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ[5]مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ(15)قُلْ لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلَا أَدْرَاكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُرًا مِنْ قَبْلِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ(16)فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ كَذَّبَ بِآيَاتِهِ إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ(17) ".
بهذا يتبين استحالة تكذيب رسول الله صلى الله عليه وسلم بزعم أن يكون لمحتوى القرآن الكريم أي مصدر من المخلوقات (إنساً أم جناً)، بل هو مصداق قوله تعالى في سورة الشورى: " وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ(52) ".
ولكن عمى البصيرة يحجبها عن ذلك، قال تعالى (في سورة الفرقان): " وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا إِفْكٌ افْتَرَاهُ وَأَعَانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ فَقَدْ جَاءُوا ظُلْمًا وَزُورًا(4)وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا(5)قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا(6) ".
بالإضافة إلى الحسد، الذي تحدثت عنه سورة البقرة: " وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) ".
[1] انظر: قضايا قرآنية في الموسوعة البريطانية، د. فضل حسن عباس، ص208. ومدخل لدراسة القرآن الكريم، محمد أبو شهبة، ص98. ومناهل العرفان، الزرقاني، 1/62.(6/126)
[2] روى البخاري في الحج باب يفعل في العمرة ما يفعل في الحج 1789: عن يعلى بن أمية t" أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ بِالْجِعْرَانَةِ، وَعَلَيْهِ جُبَّةٌ، وَعَلَيْهِ أَثَرُ الْخَلُوقِ ـ أَوْ قَالَ صُفْرَةٌ ـ فَقَالَ: كَيْفَ تَأْمُرُنِي أَنْ أَصْنَعَ فِي عُمْرَتِي؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ، فَسُتِرَ بِثَوْبٍ وَوَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الْوَحْيُ. فَقَالَ عُمَرُ: تَعَالَ، أَيَسُرُّكَ أَنْ تَنْظُرَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْوَحْيَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ. فَرَفَعَ طَرَفَ الثَّوْبِ فَنَظَرْتُ إِلَيْهِ لَهُ غَطِيطٌ ـ وَأَحْسِبُهُ قَالَ كَغَطِيطِ الْبَكْرِ ـ فَلَمَّا سُرِّيَ عَنْهُ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ عَنْ الْعُمْرَةِ؟ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ، وَاغْسِلْ أَثَرَ الْخَلُوقِ عَنْكَ، وَأَنْقِ الصُّفْرَةَ، وَاصْنَعْ فِي عُمْرَتِكَ كَمَا تَصْنَعُ فِي حَجِّكَ ". والشاهد هنا، أن الوحي ينزل بالقرآن لفظاً وبالحديث معنىً. والرسول صلى الله عليه وسلم لم يخلط بين الحديث والقرآن الكريم.[3] انظر: شبهات وأباطيل خصوم الإسلام، والرد عليها، محمد متولي الشعراوي، ص38. [4] روى مسلم في الفضائل باب وجوب امتثال ما قاله شرعاً.. 2363: " عن أنس tأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَوْمٍ يُلَقِّحُونَ [النخل] فَقَالَ: لَوْ لَمْ تَفْعَلُوا لَصَلُحَ. قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا. فَمَرَّ بِهِمْ فَقَالَ: مَا لِنَخْلِكُمْ ؟ قَالُوا: قُلْتَ كَذَا وَكَذَا. قَالَ: أَنْتُمْ أَعْلَمُ بِأَمْرِ دُنْيَاكُمْ ". والشيص: هو التمر الذي لا يشتد نواه ويقوى، أو لا يكون له نوىً أصلاً. انظر: النهاية في غريب الحديث، ابن الجزري 2/518 شيص. وذكر الرازي أن التمر يتشيَّص إذا لم تلقح النخل. انظر كتابه: مختار الصحاح، ص148 ش ي ص. [5] تحدث الزمخشري في الكشاف 2/111 عن تعليل ذلك الطلب من كفار قريش بكلام طويل، منه: " أما اقتراح التبديل والتغيير فللطمع ولاختبار الحال . وأنه إن وجد منه تبديل: فإما أن يهلكه الله، فينجون منه. أو لا يهلكه، فيسخرون منه، ويجعلوا التبديل حجة عليه، وتصحيحاً لافترائه على الله ".
===========
حول شبهة إدراك الشمس للقمر
الدكتور عبد الرحيم الشريف
نص الشبهة حرفياً:
" يس (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40}) واضح أنهلكي يمكن فرضا للشمس ان تدرك القمر ينبغي منطقيا أن يكونا أولاًمتحركين (يسبحون تعنى الحركة اى ان الشمس تتحرك) ثانيا أن يكون تحركهما على الأقل في مدارين متقاربين بحيث يمكن تصور إمكانية حدوث هذا الإدراك الذي تنفيه الآية.. اما إذا كان هذا الإدراك هو امر مستحيل حدوثه أصلا ولا ينفع حدوثه بأي حال من الأحوال فان الآية تصبح لا معنى لها وضربا من ضربات الهزيان [الصواب: الهذيان] .. لأنها في هذه الحالة الافتراضية تنفى وقوع حدث لا يمكن أصلا وقوعه.. أين هو الأعجاز الذي يتكلمون عنة ؟؟؟؟(6/127)
جاء فى سورة الرعد (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى يُدَبِّرُ الأمْرَ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لَعَلَّكُم بِلِقَاء رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ {2} وإبراهيم (وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَآئِبَينَ[1]وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ {33} والكهف (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ[2]وَوَجَدَ عِندَهَا قَوْماً قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَن تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَن تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً {86}ولقمان. أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى وَأَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ {29} وفاطر. يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَيُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُّسَمًّى ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِن قِطْمِيرٍ {13} والزمر (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهَارِ وَيُكَوِّرُ النَّهَارَ عَلَى اللَّيْلِ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لأجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ {5} والرحمن (الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ {5} والانعام (فَالِقُ الإصْبَاحِ وَجَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَاناً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{96} يس (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَّهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ {38 } يس (لا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ {40}والبقرة قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ {258} فهذه إحدى عشر آية كاملة تؤكد بما لا يدع ذرة من الشك أن القران يؤمن إيمان كامل [الصواب: إيماناً كاملاً] ان الشمس والقمر هما كائنان متحركان باى حال من الأحوال..وهذا ضد علم الفلك والعلم الذي غزا الفضاء وصور رواد الفضاء كل شيء وتم التأكد ان الأرض هي المتحركة تدور حول الشمس.. لكن الشمس لا تشابه الأرض فى جريانها وتشبه الآيات القرآنية عملها انه مثل نفس حركة القمر(الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَان)[3]والعلم أكد على اختلاف نهائي ان تكون الشمس مشابهة للقمر فى الجريان (يفسر الجلالين بحسبان تعنى الجريان).. ٍ القران يصور الشمس هي التي تطلع (راجع الكهف 90 } حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْراً {90} (وطة 130)(وسورة ق 39) } فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ {39}ان القران فى جميع الآيات السابقة يؤكد ان الشمس تجرى وتطلع[4]وهذا ما كذبته كاميرات رواد الفضاء وأبحاث كبار العلماء وهى أشياء ليس فيها غش فالعلم لا ديانة لة وهو يبحث عن الحقيقة اينما كانت".
الرد على ا لشبهة
أولاً: جريان الشمس والقمر:
عبّر القرآن الكريم عن هذا الجريان بالسباحة في الأفلاك.. أي كلٌّ من الكواكب والكويكبات والنجوم والمذنبات.. له فلك خاص به يسبح فيه.
وبما أن لكل منها فلكه الخاص ـ الذي لا يتداخل مع فلك غيره ـ فإن أحدها لن يدرك الآخر فيصدم به مما يحدث خللاً في نظام الكون فيؤثر سلباً على الحياة على الأرض.
ووجد علماء الفلك أن الشمس ـ مع كواكبها السائرة في فلكها ـ تسبح في الفضاء متنقلة بين النجوم، بسرعة قدرت بثلاثين كيلومتراً في الثانية وهي تتجه نحو نجم يدعى (الجاثي على ركبته).
والشمس في حركتها السنوية تمر ببروج ـ وهي مناطق ممتدة على جانبيها ـ قسموها إلى اثني عشر قسماً، كل شهر تمر ببرج منها.[5]
كل ما في الكون يدور[6]، ولكل من الشمس والقمر والأرض... مدار خاص، وسرعة دوران مختلفة، كل هذا يمنع أحدها، عن إدراك الآخر والاصطدام به.
" " كُلٌّ ": للعموم، فكأنه أخبر عن كل كوكب في السماء سيار ".[7]
وقد قدر علماء الفلك أن الشمس ـ وتوابعها ـ أكملت ثماني عشرة دورة حول المجرة، وبدورها هذه المجرة تدور حول مجموعة من المجرات تسمى (كدس المجرات). وكدس المجرات يجري نحو ما يسمى (كدس المجرات العملاق).[8]
ثانياً: كروية الشمس: لو قال القرآن إن الشمس مربعة أو مثلثة أو أي شكل غير الدائري ـ الكروي، إن أخذنا أبعاده الثلاثة ـ لما آمن إنسان على وجه الأرض.(6/128)
والذي أوقعه في هذا الخطأ، جهله بأن المقصود بالتكوير هو الجمع والضم واللف.. فالمعلوم أن: " الكاف والواو والراء أصلٌ صحيحٌ يدلّ على دُوْرٍ وتجمُّع. من ذلك الكوْر: الدَّور. يقال كار يَكُورُ، إذا دار. وكَوْرُ العمامة: دَوْرُها. والكُورَةُ: الصُّقْع [أي: المنطقة السكنية]، لأنَّه يدُور على ما فيه من قُرىً. ويقال: طعَنَه فكَوَّرَه، إذا ألقاه مجتمِعاً. ومنه قولُه تعالى: " إذا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ " [التكوير: 1]، كأنَّها جُمِعَت جَمْعاً ".[9]
أما الإعجاز العلمي في الآية الكريمة، فهو كما يلي مختصراً:
ما للشمس من وهج، يتكون من اندماجٍ داخل باطن الشمس لذرتين من الهيدروجين مما ينتج الهيليوم.. ونفاد الأكسجين من باطن الشمس ووفرة الهيليوم بعد سنين لا يعلمها إلا الله Y، يحدث اضطراب وعدم توازن في جسم الشمس؛ لأن الهيليوم أثقل من الهيدروجين بأربع مرات، عندها تلجأ الشمس إلى حركة تعيد توازنها فينتفخ الجزء الخارجي من الشمس ويتقلص لبها.
وعندها يكون اللب أضعف من أن يُسند الجزء الخارجي من الشمس، فينهار جسم الشمس على بعضه ـ بسبب جاذبية أجزاء بعضها لبعضها الآخر ـ فتنكمش الشمس انكماشاً سريعاً مفاجئاً فتتقارب الذرات تقارباً شديداً حتى تكاد تتداخل وهذا هو التكوير.
ولكن قوة التنافر بين الذرات تحافظ على مسافة بينها تمنع الالتحام، فتتعادل قوى التنافر الكهربائي مع قوى الجذب الناتج عن التكوير، عندها يحصل شيء من التوازن في الشمس وتسمى تلك المرحلة علمياً بمرحلة (القزم الأبيض).. فلا يبقى من نورها إلا ضوء خافت واهن.
وقد لاحظ العلماء ـ الذين يراقبون ولادة وموت النجوم ـ أن النجوم التي أكبر من شمسنا بمرة ونصف تصل إلى مرحلة التكوير ثم تتلاشى وتنفجر دون أن تتوازن فلا تصل إلى حالة (القزم الأبيض).
بينما النجوم التي تقارب حجم شمسنا فإنها تؤول إلى حالة مستقرة تماماً مع انخفات ضوئها.. وهذا يمكن أن يكون تفسير المستقر في قوله تعالى: " وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ " [يس: 38]. [10]
---------------(6/129)
[1] قال الراغب في المفردات، ص174: " الدأب: إدامة السير، دأب في السير دأبا. قال تعالى: " وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ " [إبراهيم: 33]. [2] سبق الرد عليها في الفصل الأول من هذا الباب، المبحث الثاني.[3] الرحمن:5. بل معنى حسبان: حساب.. أو جمع حساب كقولك: شهاب: شهبان. وهذا مذكور في كتب غريب القرآن والمعاجم. قال النحاس في معاني القرآن2/36: " المعروف في اللغة، أن الحسبان والحساب واحد ". والمقصود في هذه الآية الكريمة دقة الحساب.. قال سيد قطب في الظلال: " الشمس تبعد عن الأرض باثنين وتسعين ونصف مليون من الأميال. ولو كانت أقرب إلينا من هذا لاحترقت الأرض أو انصهرت أو استحالت بخارا يتصاعد في الفضاء. ولو كانت أبعد منا لأصاب التجمد والموت ما على الأرض من حياة. والذي يصل إلينا من حرارة الشمس لا يتجاوز جزءاً من مليوني جزء من حرارتها. وهذا القدر الضئيل هو الذي يلائم حياتنا. ولو كانت الشعرى بضخامتها وإشعاعها هي التي في مكان الشمس منا لتبخرت الكرة الأرضية, وذهبت بددا.ً وكذلك القمر في حجمه وبعده عن الأرض. فلو كان أكبر من هذا لكان المد الذي يحدثه في بحار الأرض كافيا لغمرها بطوفان يعم كل ما عليها. وكذلك لو كان أقرب مما وضعه الله بحسابه الذي لا يخطئ مقدار شعرة. وجاذبية الشمس وجاذبية القمر للأرض لهما حسابهما في توازن وضعها, وضبط خطاها في هذا الفضاء الشاسع الرهيب ". [4] ما فتئ الناس ـ في شتى الشعوب والثقافات ـ لغاية الآن يقولون: طلوع الشمس، غروب الشمس.. وهم متيقنون أن الأرض هي التي تدور حول الشمس. والأولى به أن ينظر في كتابه المقدس، فقد صرح في سفر إشعيا [38/8] أن الرب أوقف الشمس لأجل حزقيا، بل أرجعها عشر درجات !! " ارجع ظل الدرجات الذي نزل في درجات احاز بالشمس عشر درجات الى الوراء فرجعت الشمس عشر درجات في الدرجات التي نزلتها ". وانظر ما جاء سفر يونان 4/ 8: " وحدث عند طلوع الشمس أن الله أعدّ ريحاً شرقية ". وفي أول سفر الجامعة: " والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق ". وسفر أيوب 9/ 7 " الآمر الشمس فلا تشرق.. ". وفي سفر ناحوم 3/17: " تشرق الشمس فتطير ولا يعرف مكانها أين هو ". وقد قام الباحث بإحصاء ما يزيد عن ثلاثين موضعاً في كتابهم المقدس بهذا المعنى.[5] موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص306.[6] حتى السائل الحي في الخلية السيتوبلازم وأصغر مادة في الكون الذرة تدور الإلكترونات حول النواة.. والعجيب أن كل ما في الكون يدور بعكس عقارب الساعة كطواف الطائفين حول الكعبة. انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص350-352. نقلاً عن أ.د. أحمد فؤاد باشا، نائب رئيس جامعة القاهرة.[7] مفاتيح الغيب، الرازي 26/71.[8] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص368,[9] معجم مقاييس اللغة، ابن فارس 5/114.[10] انظر: موسوعة الإعجاز العلمي، يوسف الحاج أحمد، ص356. عن أبحاث لعالم فلك اسمه شاندرا سيخار. ونقل ص:369 عن الموسوعة الأمريكية أن علماء الفلك قدروا أن ما تملك الشمس من طاقة يكفيها لمدة خمسة بليون سنة أخرى ثم تنتهي كنجم قزم، وتبقى مستقرة على تلك الحالة. والله تعالى أعلم
==============
هل القرآن كلام الرهبان؟
بقلم: عبد الدائم الكحيل
تطالعنا مواقع الإنترنت في كل يوم بادعاءات جديدة مفادها أن القرآن هو من تأليف محمد صلى الله عليه وسلم! وأنه قد تلقى العلم من الرهبان مثل ورقة بن نوفل وبحيرة الراهب. ومن خلال هذا التشكيك بالقرآن الكريم وجد هؤلاء سبيلاً لإلصاق تهمة الإرهاب في تعاليم القرآن وأنه كتاب يأمر المسلمين بقتل الأبرياء!!
وسبحانك يا رب العالمين ما أكرمك وأرحمك وأعظمك! هم يقولون هذا الكلام الباطل على كتابك وعلى حبيبك ورسولك وخاتم أنبيائك عليه الصلاة والسلام، وأنت ترزقهم وتتفضل عليهم وتمهلهم!! ولكنني تذكرت قول الله تبارك وتعالى عن هؤلاء الذين يحاولون التشكيك برسالة الإسلام ويريدون أن يطفئوا نور القرآن بكلامهم ومقالاتهم: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ * يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) [التوبة: 31-33].
لماذا هذه المقالة؟(6/130)
قد يقول قائل: لماذا تردّ على هذه الادعاءات وتعرّف الناس بها؟ أليس الأجدر إهمالها وتركها لأنها لا تستحق الردّ؟ وأقول بأن المؤمن المحبّ لكتاب ربه يغار على هذا الكتاب الكريم، ولا يسمح لأحد أن ينتقده، بل إن السكوت عن أمر كهذا يعطي إشارة مبطّنة لبعض ضعاف القلوب من المسلمين أن علماءهم لا يستطيعون مجاراة هؤلاء أو الرد عليهم.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يرى منكراً يغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، ونحن نقتدي برسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقل ما نقدمه لخدمة كتاب الله تبارك وتعالى هو كلمة حق نظهر من خلالها صدق القرآن وأنه كتاب صادر من الله تعالى وأن الإسلام هو دين العلم والمنطق والعدل والرحمة والإنصاف.
لذلك نجد القرآن الكريم نفسه قد عرض أقوال منتقديه ومعارضيه وجاحديه بالتفصيل، وردّ عليهم بأسلوب منطقي وعلمي ولم يترك المؤمنين حائرين أمام هذه الاعتراضات. وقد خاطب تعالى حبيبه صلى الله عليه وسلم بقوله: (وَلَا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيرًا) [الفرقان: 33].
فقد رد القرآن جميع ادعاءات المعارضين بشكل علمي. ولو تأملنا آيات القرآن الكريم نجد مئات الآيات قد تحدثت عن أقوال الكافرين والملحدين والمشككين بالقرآن، بل إن القرآن حدثنا عما يدور في قلوبهم وأنفسهم وما تخفي صدورهم!! ولكن لماذا هذا الكمّ الهائل من الآيات التي تنقل لنا ادعاءات المبطلين وتناقش أقوالهم وأفعالهم وتردّ عليها؟
لقد وجدتُ بأن الهدف من وراء هذه الآيات هو تعليم المؤمن كيف يردّ إذا تعرض لموقف كهذا، وكيف يناقش ويتعامل مع منكري القرآن، وكيف يقنعهم بالحجة الدامغة. وكلنا يعلم كيف اعترض كفار مكة على القرآن وقالوا إنه سحر مبين تارة، وتارة أخرى قالوا بأنه كلام بشر. فكيف علّم الله رسوله أن يردّ عليهم؟
يقول تعالى على لسان هؤلاء المشركين: (أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ) [هود: 13]. هذا ادعاؤهم ولكن كيف أجابهم القرآن؟ يخاطب الله تعالى حبيبه محمداً صلى الله عليه وسلم بكلمة (قل) أي قل لهم يا محمد: (قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ) وماذا أيضاً؟ (وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ). ولكن الله أعطانا النتيجة مسبقاً فقال:(فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ وَأَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [هود: 14].
إذن عندما يأتي أحد الملحدين ويدعي بأن القرآن ليس كلام الله وأن الرسول قد افتراه ونسبه إلى الله، نطلب منه أن يأتي بسور تشبه سور القرآن! وعندما لا يستجيبون لهذا التحدي فينبغي علينا أن نعلم بأن الله هو الذي أنزل القرآن بعلمه وقدرته وحكمته.
وقد شهدنا الكثير من المحاولات الهادفة لتقليد النص القرآني والإتيان بمثله، ولكن هل هنالك محاولة واحدة نجحت وصدّقها أحد؟ وقد مضى على نزول القرآن أكثر من 1400 سنة فهل استطاع أحد أن يأتي بسورة واحدة يدعي أنها من عند الله وأقنع بها الناس؟
إذن القرآن يطلب منهم أن يأتوا بسور من مثله، وطلب منهم أن يعملوا ويجتهدوا في سبيل ذلك وهيهات أن تنجح محاولاتهم. وينبغي أن نستيقن دائماً بأن الله تبارك وتعالى لن يجعل حجّة لأحد على المؤمنين: (وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلًا) [النساء: 141]. ولذلك مهما حاول المشككون ومهما اجتهدوا فلن يستطيعوا الانتقاص من شأن هذا القرآن، ولن يتمكنوا من إضعاف معجزاته وعجائبه.
لذلك فإن القرآن يعرض أقوال الملحدين بأن القرآن هو أساطير وألغاز وخرافات نقلها وأملاها عليه الرهبان والكهان، فيقول على لسانهم: (وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) [الفرقان: 5]. ولكن كيف ردّ القرآن افتراءهم هذا؟ يقول تعالى معلماً رسوله الكريم كيف يرد عليهم: (قُلْ أَنْزَلَهُ الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا) [الفرقان: 6].
إن الله تعالى قد حدثنا عن هؤلاء في كتابه، وأخبرنا بأنه سيأتي زمن يدعي فيه المشككون بأن الرسول عليه الصلاة والسلام قد علّمه بشر، وأجابهم عن هذه الشبهة بأن البشر الذي ينسبون إليه العلم إنما كتابه وهو الإنجيل باللغة غير العربية أي لغة أعجمية، فكيف علّم الرسول كل هذه البلاغة وهو لا يتقنها؟ ولو كان لدى هذا الراهب بلاغة كالقرآن، إذن لماذا أعطاها للرسول؟ أليس الأجدر به أن ينسبها لنفسه مثل بقية البلغاء من العرب وحكمائهم وشعرائهم؟؟(6/131)
واستمع معي أخي القارئ إلى هذا النبأ الإلهي أخبرنا بما سيقوله هؤلاء وبالرد عليهم، يقول تعالى مخاطباً حبيبه محمداً عليه صلوات الله وسلامه: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ) هذا قولهم، ولكن كيف ردّ علهم سبحانه وتعالى؟ تأمل بقية الآية:(لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ) [النحل: 103]. وسؤالنا: هل هذه الآية العظيمة التي تنفي تعليم البشر للنبي الكريم، هل هذه الآية وضعها الراهب بحيرة أيضاً؟
نتوجه بسؤال لكل من يظن بأن القرآن هو كلام الرهبان والقسيسين أو كلام بشر ونسي أو تناسى المعجزات العلمية الغزيرة للقرآن:
كيف استطاع هؤلاء الرهبان في ذلك الزمن التنبؤ بأن الكون يتوسع: (وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ) [الذاريات: 47]. وكيف استطاعوا في ذلك الزمن أن يتحدثوا عن الثقوب السوداء التي لا تُرى وتكنس السماء كنساً: (فَلَا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ) [التكوير: 15-16]. وكيف علموا بوجود ظلمات وأمواج داخلية في البحر اللجي العميق: (أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ) [النور: 40]. كيف علموا بوجود أوتاد للجبال؟ (وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا) [النبأ: 7].
بل كيف استطاعوا أن يتحدثوا عن البنية النسيجية المحبوكة للكون: (وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ) [الذاريات: 7]. وهذه البنية لم تكتشف إلا حديثاً جداً. وكيف علموا بأن الكون كله بناء محكم: (وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) [البقرة: 22]. ولو ذهبنا نعدد معجزات القرآن العلمية فقط لاحتجنا لمئات الصفحات! فقد تحدث القرآن عن النجوم والكواكب والمشارق والمغارب والقمر المنير والشمس المضيئة ومنازل القمر وأصل الكون والنجوم النيوترونية.
كما تحدث القرآن عن السحاب والمطر وتشكل الغيوم والرعد والبرق وآلية تشكل البرَد، وتناول كذلك علم البيئة والتوازن البيئي والنباتي على الأرض، وتحدث عن مراحل تشكل النبات واهتزاز الأرض بعد اختلاط ترابها بالماء. تحدث كتاب الله تعالى عن البرزخ بين البحرين وعن البراكين في أعماق المحيطات، وتحدث عن علم الذرة وعلم الهندسة الوراثية وعلم الأجنة. وتناول القرآن الكثير من الحقائق العلمية في علوم الطب والفضاء والجبال والبحار وعلم الغذاء والهندسة الزراعية والتوازن العددي والتناسق البياني والبلاغي.
كما تحدث عن الكثير من الحقائق الغيبية والتشريعية، وتحدث عن علم الاقتصاد وعلم النفس والتربية، ونبأنا القرآن عن السابقين وعن المستقبل، وتحدث عن يوم القيامة بالتفصيل وكأننا نراه أمامنا. وتحدث عن أصحاب الجنة وأصحاب النار. وتحدث عن صفات الله تعالى وقدرته وعلمه ورحمته وحكمته. وجاء القرآن بحقائق لا يمكن إحصاؤها في كل المجالات وفي كل ما يتعلق بالدنيا والآخرة.
كل هذه الحقائق حدثنا عنها القرآن قبل أن يكتشفها العلم بقرون طويلة، فمَن الذي وضع هذه الحقائق العلمية المذهلة؟ أهو بحيرة؟ أم هو ربّ بحيرة ورب البشر جميعاً؟ وتأمل معي البيان الإلهي وكيف حدثنا عن عقيدة هؤلاء وكيف ردّ عليهم القرآن:(وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ * وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآَنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) [يونس: 36-38].
وهنا نتذكر حديث القرآن عن هؤلاء وأقوالهم بأن القرآن هو كلام كاهن، يقول تعالى: (فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ * وَمَا لَا تُبْصِرُونَ * إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَاعِرٍ قَلِيلًا مَا تُؤْمِنُونَ * وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ * تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الحاقة: 38-43]. ولذلك على كل من يدعي بأن هذا القرآن هو من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم أو أقوال الشعراء أو هو من تأليف الكهنة والقسيسين، فعليه أن يأتي بالدليل والبرهان العلمي على ذلك، بكلمة أخرى عليه أن يأتي بمثل هذا القرآن.
ونتوقف قليلاً عند قوله تعالى عن القرآن: (وَلَا بِقَوْلِ كَاهِنٍ) ونوجه لهم سؤالاً: هل هذه العبارة من تأليف الكاهن ورقة بن نوفل؟ أم الكاهن بحيرة؟ وهل يُعقل أن يقوم الكاهن بوضع القرآن ثم يقول هذا الكاهن لمحمد صلى الله عليه وسلم: أخبر قومك بأن هذا القرآن ليس بكلام كاهن؟!(6/132)
إذن لماذا يتخفى هذا الكاهن وراء الأقنعة؟ وماذا استفاد من ذلك؟ ونحن نعلم أن عظماء التاريخ وأرباب الشعر والبلاغة والعلم قد خلدوا ذكرهم وافتخروا بما قدموا لأممهم، فلماذا يقدم الراهب بحيرة كل هذه البلاغة التي خضعت لها رقاب العرب، ولم يستطيعوا معارضتها على الرغم من كفرهم ومحاربتهم لمحمد وقومه، لماذا يقدم هذا الكاهن كل هذه العلوم وكل هذه البلاغة لمحمد صلى الله عليه وسلم ثم يقول: إن هذا القرآن ليس بقول كاهن؟
والآن لنتوقف مع آية ردّ الله بها على هؤلاء المشككين بصدق القرآن وعلى كل من يدعي بأن القرآن ليس كتاب الله:(أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَلْ لَا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كَانُوا صَادِقِينَ) [الطور: 33-34]. إذن المنطق العلمي يقضي بأن أي كلام بشري يمكن تقليده والإتيان بمثله أو ما يشابهه. ولا نعرف أحداً على مر العصور ادعى بأن كلامه لا يمكن الإتيان بمثله.
ولو صدف أن جاء أديب أو شاعر وتحدّى الناس أن يأتوا بمثل كلامه، فإن هذا التحدي لن يصمد إلا عدة أيام حتى يأتيه من يقلده بل ويأتي بأفضل من كلامه، وهو في هذه الحالة لن يستطيع أن يثبت للناس أن كلامه يختلف أو أفضل من كلام غيره. ولكن الله تعالى تحدّى الإنس والجن أن يأتوا بمثل سورة من القرآن ووضع البراهين المادية المقنعة على ذلك. وقد يكون هذا العلم الجديد أي الإعجاز الرقمي في القرآن هو أفضل وسيلة في عصر التكنولوجيا الرقمية لإثبات استحالة الإتيان بمثل القرآن أو حتى بمثل سورة منه.
ومع ذلك فقد ظهرت حديثاً محاولات لتقليد القرآن والإتيان بمثله!! ومنهم من يزعم أنه استطاع تجاوز التحدي الإلهي وأتى بسورة تشبه سور القرآن!! وقد تكون أبحاث الإعجاز الرقمي وسيلة فعالة في إثبات استحالة الإتيان بمثل آية من القرآن، وأن هذه المحاولات لم تأت إلا بكلام عادي لا يمكن مقارنته بكلام القرآن الكريم.
ندعو البارئ عز وجلّ أن تكون أبحاث الإعجاز الرقمي وسيلة لكل من يشك بالقرآن يرى من خلالها صدق كتاب الله تعالى وصدق رسالة الإسلام، وأن يجعلنا من الذين يرون آيات الله ومعجزاته فيعرفونها ويزدادون بها إيماناً، يقول تعالى:
وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ
================
شبهة زعم وجود أخطاء جغرافية في القرآن الكريم..
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في علوم القرآن والتفسير
تحت عنوان " أسئلة جغرافية " جاءت الشبهات التالية ... مما سأنقله مختصراً:
" - مغيب الشمس في بئر جاء في سورة الكهف 83-86 وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي القَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْراً إِنَّا مَكَّنَّا لهُ فِي الأرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَباً فَأَتْبَعَ سَبَباً حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْماً.
ونحن نسأل: إذا كانت الشمس أكبر من الأرض مليوناً وثلاثين ألف مرة، فكيف تغرب في بئر رآها ذو القرنين ورأى ماءها وطينها ورأى الناس الذين عندها ؟؟[1]
- الأرض ثابتة لا تتحرك جاء في سورة لقمان 10 "خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ". وجاء في الرعد 3 "وَهُوَ الذِي مَدَّ الأرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ". وجاء في سورة الحِجر 19 "وَالأرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ". وجاء في سورة النحل 15 "وَأَلْقَى فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَأَنْهَاراً وَسُبُلا لعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ". وجاء في سورة الأنبياء 31 "وَجَعَلْنَا فِي الأرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجاً سُبُلا لعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ".
ونحن نسأل: إذا كان واضحاً أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل أربع وعشرين ساعة، وينشأ عن تلك الحركة الليل والنهار. وتدور حول الشمس مرة كل سنة، وينشأ عن ذلك الدوران الفصول الأربعة. فكيف تكون الأرض ممدودة مبسوطة ثابتة لا تتحرك، وأن الجبال تمنعها عن أن تميد؟
- النجوم رجوم للشياطين جاء في سورة المُلك 5 "وَلَقَدْ زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَجَعَلْنَاهَا رُجُوما للشَّيَاطِينِ وَأَعْتَدْنَا لهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ".(6/133)
وجاء في سورة الصافات 6-10 "إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةِ الكَوَاكِبِ وَحِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى المَلإ الأعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ دُحُوراً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ إِلا مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ". وجاء في سورة الحِجر 16-18 "وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجاً وَزَيَّنَّاهَا للنَّاظِرِينَ وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَاٍن رَجِيمٍ إِلا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ".
ونحن نسأل: إذا كان كل كوكب هو عالم ضخم، والكواكب هي ملايين العوالم الضخمة تسبح على أبعاد شاسعة في فضاء لا نهائي، فكيف نتصور الكواكب كالحجارة يمسك بها ملاك في حجم الإنسان ليضرب بها الشيطان منعا له من استماع أصوات سكان السماء؟ هل كل هذه الأجرام السماوية خُلقت لتكون ذخيرة أو عتاداً حربياً كالحجارة لرجم الشيطان حتى اشتهر اسمه بالشيطان الرجيم؟! وكيف يطرح الملائكة الكواكب؟ وكيف يُحفظ توازن الكون إذا سارت في غير فلكها؟
- السموات السبع والأراضي السبع جاء في سورة الطلاق 12 "اللَهُ الذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ"."..
ونحن نسأل: كيف يقول عن الفضاء المتسامي سموا لا متناهي فوقنا إنه سقف أملس قابل للسقوط، وإنه يوجد سبعة سقوف من هذا النوع؟ وإن ملايين الكواكب التي تسبح في الفضاء غير المحدود مصابيح مركزة في هذا السقف الموهوم؟ وكيف يقول إن أرضنا، وهي واحدة من ملايين الكواكب والسيارات والأقمار والشموس يوجد سبعة مثلها؟
- شهر النَّسيء كفر! جاء في سورة التوبة 36 و37 "إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ القَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيِهنَّ أَنْفُسَكُمْ وَقَاتِلُوا المُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللهَ مَعَ المُتَّقِينَ إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَاماً وَيُحَرِّمُونَهُ عَاما ليُواطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللهُ زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللهُ لا يَهْدِي القَوْمَ الكَافِرِين".
ونحن نسأل: يؤرخ جميع العلماء بالسنة الشمسية التي تفرق عن السنة القمرية شهر النسيء. فهل في هذا كفر؟ وكيف نعتبر الحساب الفلكي الطبيعي كفراً ؟
- ري مصر بالغيث! جاء في سورة يوسف 49 "ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ". والإشارة هنا إلى القحط الذي أصاب مصر سبع سنين متوالية أيام يوسف فيبشرهم بالخصب بعد الجدب، ويقول إنه في عام الخصب يُمطَرون، فكأن خصب مصر مسبَّب عن الغيث أو المطر. وهذا خلاف الواقع، فالمطر قلّما ينزل في مصر، ولا دخل له في خصبها الناتج عن فيضان النيل. فكيف ينسب خصب مصر للغيث والمطر ؟
- الزيتون في طور سيناء جاء في سورة المؤمنون 19 و20 "أَنْشَأْنَا لكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ ".
قال المفسرون: المراد بالشجرة هنا الزيتون وبالصبغ أي الآدام الذي به يصطبغ الخبز.
ونحن نسأل: لم تشتهر صحراء سيناء الجرداء بشجر الزيتون. ألم يكن الأجدر أن يذكر فلسطين بزيتونها، لا سيناء التي من قحطها أرسل الله لبني إسرائيل فيها المن من السماء ؟
- جريان الشمس جاء في سورة يس 38 "وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ العَزِيزِ العَلِيمِ ".
ونحن نسأل: الشمس ثابتة تدور حول نفسها ولا تنتقل من مكانها، والأرض هي التي تدور حولها. فكيف يقول القرآن إن الشمس تجري، وإن لها مستقراً تسير إليه ؟ ".
وجواب ذلك أن غالب نقدهم ناتج عن عدم فهمهم لمعاني اللغة العربية، ومقاصد الآيات الكريمة. كما أن الأصح أن يطلق على بعضها: نقدُ أخطاء المفسرين، ولذلك يجب أن يكون عنوانه: أخطاء جغرافية عند المفسرين. فلم يصرح القرآن الكريم بأي علم يخالف الحس والمشاهدة.. بحسب التفصيل التالي:
1. العين الحمئة:
أ. القرآن الكريم لم يقل إن الشمس تطلع من عين حمئة، بل نقل وَصْفَ ذي القرنين لمشهد شروق الشمس. ولهذا قال: " وَجَدَهَا " ولم يُثبت ذلك على أنه حقيقة كونية. فلا يجوز نسبة قول ذي القرنين وتعبيره البلاغي، إلى ما يرشد إليه القرآن الكريم من حقائق العقائد، والشواهد الكونية.(6/134)
إذا كنت متجهاً غرباً وأمامك جبل، فإنك سوف تجد الشمس تغرب خلف الجبل.. قطعاً لا يفهم أحد من ذلك أن الشمس تختبئ حقيقة خلف الجبل. وإن كان الذي أمامك بحيرة، فستجد الشمس تغرب في البحيرة. وذو القرنين وصل الى العين وقت غروب الشمس، فوجدها تغرب في تلك العين.. وعندما نقول: وجدها تغرب خلف الجبل أو وجدها تغرب في العين فذلك الأمر بنسبة له. والآية ليست مطلقة المعنى، بل مقيدة بشخص ذي القرنين.
وحتى ما رآه ذو القرنين لم يكن غروباً حقيقياً في العين الحمئة، حيث ينفي سياق القصة ـ عقلاً ـ إيمانه أن الشمس تغرب في عين حمئة لسببين:
الأول: ذو القرنين كان يتحدث مع السكان الموجودين قرب تلك العين الحمئة، فلو كان يقصد أن الشمس تدخل في العين حقيقة، فهل سيتكلم مع قوم حول الشمس الساخنة، ويعيشون حياة طبيعية ؟
الثاني: لما وصل ذو القرنين إلى مطلع الشمس، يفترض به ـ بحسب تلك الشبهة ـ أن يجد الشمس تطلع من عين حمئة بدلاً من أن يجدها تطلع على قوم. فلماذا قال: إنها طلعت على قوم، ولم يقل أشرقت من عين حمئة ؟
ب. قال تعالى ـ بعد تلك الآية الكريمة: " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَّمْ نَجْعَل لَّهُم مِّن دُونِهَا سِتْرًا (90) ".
ذو القرنين وجدها تطلع على قوم.. هل يفهم أحد من ذلك أنها تطلع على ظهورهم ؟! أو أنها ملامسة للقوم؛ لأنه الله Y يقول: " وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ " ؟ الواضح أنها بنسبة لذي القرنين كانت تطلع على أولئك القوم ـ هذه الآية أيضاً مقيدة بما رأى ذو القرنين ـ، وما ينطبق على هذه الآية، ينطبق على التي قبلها.
ج. " مغرب الشمس " هل هو ظرف زمان، أم ظرف مكان ؟
من الجائز أن: " مَغْرِبَ الشَّمْسِ " هنا يقصد بها: الوقت واللحظة التي تغرب فيها الشمس، كالمغرب المذكور في الحديث الشريف: " إِنَّمَا أَجَلُكُمْ فِي أَجَلِ مَنْ خَلَا مِنْ الْأُمَمِ، مَا بَيْنَ صَلَاةِ الْعَصْرِ إِلَى مَغْرِبِ الشَّمْسِ.. ".[2]
فيكون المعنى: ذو القرنين وصل إلى العين الحمئة، وقت الغروب. فوجد الشمس تغرب في تلك العين.. ثم وصل إلى قوم آخرين وقت شروقها..
انظر النص التالي في العهد القديم:" أما هما في عبر الأردن وراء طريق غروب الشمس في أرض الكنعانين " [سفر التثنية 11/30].
د. غروب الشمس لا يعني دخولها في الأرض ـ حتى في تعبيرنا الحالي ـ. وفي لغة العرب: غربت الشمس، وغربت القافلة، وغربت السفينة تأتي بمعنى واحد، وهو: اتجهت غرباً. فعندما نقول: غرب طير في البحيرة، وغربت الطائرة في المحيط، وغربت السفينة في البحر، وغربت الشمس في البحيرة.. يعني اتجهت غرباً ـ بالنسبة للشخص الذي ينظر إليها ـ. ولا يعني أنها دخلت في البحيرة.[3]
وسؤال أخير إلى أولئك (الأعاجم): هل كلمة (sunset) الإنجليزية والتي تعني حرفياً: " الشمس جلست ". تفيد أن الإنجليز يظنون أن الشمس تجلس في البحر، أو على قمة الجبل، أو على الأفق ؟
2. ثبات الأرض:
الآية الكريمة تبيِّن حفظ الأرض عن اضطراب باطنها، نتيجة دورانها حول نفسها، لا عن ثبات جرمها بالكامل.
" معنى تميد: تضطرب وتتزلزل، ولا يراد بالمَيَدَان مجرد حركة متزنة، والمصدر الثلاثي (فعلان) يأتي لإفادة هذا المعنى، مثل ميدان وغليان وثوران... وهكذا، والآية تذكر أن الله ثبت الأرض حتى يستطيع البشر أن يستقروا عليها في نومهم، ويزرعوا ويرعوا ماشيتهم، ولو كانت مضطربة ما استطاع الناس أن يطمئنوا عليها وأن يعملوا هذه الأعمال.
نحن ننام في الطائرة وفي القطار وفي السفينة، فإذا اضطرب واحد منها استيقظنا وشعرنا بالتعب، وقد نطلب من السائق أن يعمل شيئاً يسكنها لتثبت، ولا نعني بطلب تثبيته أنننت نريده أن يقف ولا يتحرك، بل أن ينقطع اضطرابه.. " وَكُلٌ فِيْ فَلَكٍ يَسْبَحُوْنَ " [يس: 40]، و" كُلٌ " كلمة تشمل الشمس وتوابعها من القمر والأرض والكواكب الأخرى، فالقرآن إذاً يقرر حركة كل هذه الكواكب ".[4]
3. وظائف النجوم:
أولاً: الآيات الكريمة تتحدث أن الحرارة الناتجة عن احتراق الجرم السماوي (الشهاب) ـ الذي لا يشترط أن يكون أصله نجماً ـ رجوم للشياطين. ولم تذكر أبداً أن أداة الرجم نجماً كاملاً. " والذي في الآية أن هناك أجساماً نارية تصيب الشياطين، ولم يذكر أن الشيطان يسقط عليه نجم أو أن الملائكة ترميه به، والعلم الحديث، ورواد الفضاء يتحدثون عن النيازك التي ترى في الفضاء الواسع مذنبات مضيئة، ومنها الناري الذي ينطفئ ويتفتت في سيره، وبعضها يصل إلى الأرض، وهي تشبه المقذوفات البركانية، والذين درسوا الجغرافية الفلكية يعرفون هذا، فهذه المقذوفات قطع تنفصل من الكواكب وتتحرك في الفضاء، خصوصاً إذا كان النجم أو الكوكب قريبا من الأرض، والله تعالى يصيب بها من يشاء ويحفظ بها من يشاء ".[5](6/135)
قال تعالى في سورة الحجر: " وَلَقَدْ جَعَلْنَا فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَزَيَّنَّاهَا لِلنَّاظِرِينَ(16)وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ(17)إِلَّا مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ مُبِينٌ(18) ". فالبروج بقيت في مكانها، والذي تحرك هو الشهاب.
وتأمل ما ورد في سورة الصافات: " إِنَّا زَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِزِينَةٍ الْكَوَاكِبِ(6)وَحِفْظًا مِنْ كُلِّ شَيْطَانٍ مَارِدٍ(7)لَا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ(8)دُحُورًا وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ(9)إِلَّا مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ(10) ". فالذي (أتْبَعَ) الشيطانَ الماردَ ليس الكوكب [المذكور في الآية رقم (6) ]، بل الشهاب [المذكور في الآية رقم (10) ].
ثانياً: عالم الشياطين غيب، لا يجوز قياس الغيب بأدوات البحث العلمي المستخدمة للمحسوسات.
ثالثاً: للنجوم في القرآن الكريم فوائد أخرى كالزينة، وعلامات يستدل بها الناس على الاتجاهات (انظر: الأنعام: 97، الحجر: 16، النحل: 16، الصافات: 6).
رابعاً: لا يشترط أن تكون النجوم المذكورة في القرآن الكريم هي عينها ما اتفق عليه اصطلاح الناس حديثاً بأنها ذلك الجرم الكوني الضخم الغازي المضيء بذاته كالشمس.[6] بعكس سائر الأجرام المعتمة كالكواكب والأقمار..
فيجوز أن يكون المقصود بالنجم ـ لغة لا اصطلاحاً ـ: كل جسم صلب يسبح في الفضاء. جاء في العين: " النَّجمُ: اسم يقعُ على الثُّريا، وكلِّ منزلٍ من منازلِ القمر سمِّي نجماً. وكل كوكب من أعلام الكواكب يُسمى نجماً، والنُّجومُ تَجمَعُ الكواكب كلَّها ".[7]
وتلك الشبهة ليس حديثة، بل أثارها الزنادقة في العصر العباسي، ورد عليهم الجاحظ بقوله:([8])
" قالوا: زعمتم أنَّ اللّه تعالى قال: " وَلَقد زَيَّنا السَّمَاءَ الدُّنْيا بِمَصَابِيْحَ وَجَعَلْناهَا رُجُومَاً لِلْشّيَاطِيْن" [الملك: 5]، وقال تعالى: " وَحَفِظْنَاهَا مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيْمٍ" [الحجر: 17]، ونحنُ لم نجدْ قطُّ كوكباً خلا مكانهُ، فما ينبغي أنْ يكون واحدٌ من جميع هذا الخلق، من سكّان الصحارى، والبحار، ومن يَراعِي النُّجوم للاهتداء، أو يفَكِّر في خلق السماوات أن يكون يرى كوكباً واحداً زائلاً، مع قوله: "وَجَعَلْناهَا رُجُوماً للشَّياطينِ" ؟
قيل لهم: قد يحرِّك الإنسانُ يدَه أو حاجبَه أو إصبَعه، فتضاف تلك الحركةُ إلى كلِّه، فلا يشكُّون أنّ الكلَّ هو العاملُ لتلك الحركة، ومتى فصَل شهابٌ من كوكب، فأحرق وأضاء في جميع البلاد، فقد حكَم كلُّ إنسانٍ بإضافة ذلك الإحراق إلى الكوكب، وهذا جواب قريبٌ سهل، والحمد للّه.
ولم يقلْ أحد: إنّه يجبُ في قوله: "وَجَعَلْنَاهَا رُجُوماً للِشَّيَاطِيْنِ " أنّه يَعْني الجميع، فإذا كان قد صحّ أنّه إنَّما عَنى نُجُوم المجرّة، والنجومَ التي تظهر في ليالي الحنادس[9]؛ لأنّه محال أن تقعَ عينٌ على ذلك الكوكبِ بعينه في وقت زوَاله حتّى يكون اللّه عزّ وجلَّ لو أفنى ذلك الكوكَب من بين جميع الكواكب الملتفَّة، لعرف هذا المتأمِّلُ مكانه، ولوَجَدَ مَسَّ فقدِه، ومن ظَنَّ بجهله أنَّه يستطيع الإحاطة بعدد النُّجوم فإنه متى تأَمَّلها في الحَنادس، وتأمَّل المجرَّة وما حولها، لم يضرِب المثل في كثرة العدد إلاّ بها، دونَ الرّمل والتّراب وقطْر السَّحاب.
وقال بعضُهم: يدنو الشِّهاب قريباً، ونراه يجيء عَرْضاً لا مُنْقضاً ولو كان الكوكب هو الذي ينقضُّ لم يُر كالخيط الدّقيق، ولأضاء جميع الدُّنيا، ولأحرق كلَّ شيء مما على وجْه الأرض.. فليس لكم أن تقضوا بأنّ المباشر لبدَن الشيطان هو الكوْكب حتى لا يكون غير ذلك، وأنتم تسمعونَ اللّه تعالى يقول: " فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ " [الصافات: 10] ".
يقصد بذلك: أن الذي يصيب بدن الشيطان، هو أثر حرارة النار الناتجة عن احتكاك الجرم السماوي بالغلاف الجوي للأرض، ونراه على صورة ضياء، لا عَين الجرم الموجود في مركزه ( الأثَرُ للعَرَضُ لا الجَوْهَر).
وأضاف فائدة أخرى في الموضع ذاته: " وطعن بعضهم من جهة أخرى فقال: زعمتم أنّ اللّه تبارك وتعالى قال: " وَحِفْظًاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مَاردٍ، لا يَسَّمَّعُونَ إِلى الملأ الأعْلى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، دُحُوْرَاً وَلَهُمْ عَذَابٌ وَاصِبٌ " وقال على سَنَنِ الكلام: " إلاّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَةَ فأتْبَعَهُ شهَابٌ ثاقبٌ " [الصافات: 10] قال: فكيف تكون الخطفة من المكان الممنوع ؟
قيل له: ليس بممنوعٍ من الخطفة، إذ كان لا محالة مرمِيّاً بالشِّهاب، ومقْتُولاً، على أنّه لو كان سلِمَ بالخطْفة لما كان استفاد شيئاً ".
4. السماوات السبع: هذا من الغيب، ومن الممكن أن يكشف العلم حقيقته فيما بعد.. ولا يشترط أن تكون السماء كالسطح الأملس، فكل ما علا وارتفع يسمى سماء، ولذلك يقال لسقف البيت، والسحاب.. سماء.[10](6/136)
والآية الأولى جاءت في ختام سورة الطلاق، وهي تلفت الأنظار إلى قدرة الله تعالى البالغة: " اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا(12) ".
آية عجيبة رهيبة تبين ضآلة الإنسان في هذا الكون العظيم، ويقف غير واحد من الكتاب مذهولاً أمام التعبير، وأمام مدلوله، وأمام هذا الإعجاز القرآني.
ما هذه السماوات ؟ وما هذه الأرضين ؟ كلٌّ ينظر من زاوية خاصة، وكلٌّ يجد في الآية ما يبهره.
قد تكون السماء التي توصل علمنا إليها بكل ما فيها من كواكب ونجوم وأفلاك إحدى سماوات سبع، والكرة الأرضية التي نعيش عليها هي أيضاً كذلك ! إن علم الفلك الحديث يؤيد هذا، ويذكر أن المجموعة الشمسية التي يتعلق بها عالمنا هذا ليست إلا واحدة من مجموعات أخرى لا يعلمها إلا الله الذي خلقها.
فهذا إعجاز قرآني؛ إذ لم يكن محمد صلى الله عليه وسلم يدرس علم الفلك ولا يعرف شيئاً عن هذه المستكشفات الحديثة.
وفي اللغة العربية يذكر العدد لإرادة التكثير، ويعبرون عنه بأنه عدد لا مفهوم له، وهذا كما تقول لصديقك: زرتك ألف مرة ولم تزرني. فأنت لا تريد ألفاً بعدده، وإنما تريد زرتك مرات كثيرة، فإذا حملنا العدد في الآية هذا المحمل، فالمعنى أن الله خلق سماوات كثيرة وأراضين كثيرة، وهذا حق وواضح.
" وَجَعَلْنَا السَّمَاءَ سَقْفًا مَحْفُوظًا وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ " [سورة الأنبياء:32]..
والسماء هي كل شيء نراه فوقنا، وفهمهم أن السماء لا تكون إلا بمعنى الفضاء، وهو جهل فاضح، لقد كان العرب يقولون لمحمد صلى الله عليه وسلم أسقط السماء علينا كسفاً؛ أي قطعاً، فهل كانوا يعنون الفضاء ؟
ونحن ننظر إلى الأعلى ليلاً ونهاراً فنرى الكواكب السابحة، لا نستطيع نحن ولا تستطيع الجن والإنس أن تغير من نظامها شيئاً، أو تعدل فيه أدنى تعديل ؟ كما أننا لا نستطيع حتى الوصول إليه، لقد كان من أعاجيب العلم أن وصل الناس إلى أرض القمر، والقمر تابع للأرض وكوكب ضئيل ! فأين الجهد البشري من هذه الكواكب البعيدة الجبارة ؟ وأين هي ؟ وما مدى العلم بها ؟[11]
5. النسيء: الآية الكريمة لم يقل أحد بأن المقصود بالنسيء فيها هو الأشهر الشمسية، بل المقصود: تلاعب بعض العرب في تحديد الأشهر الحرم، فإن كان لهم قوة وأرادوا غزو قبيلة ما في الأشهر الحرم، يقولون: نحن لسنا في شهر حرام. وإن أرادت قبيلة غزوهم وهم في ضعف قالوا: نحن في شهر حرام، رغم أن الشهر ليس كذلك. فجاء الإسلام وحدد الأشهر الحرم وأبقاها في مكانها.[12]
6. إغاثة مصر: لم تنص الآية الكريمة على أن الغيث (المطر) النازل على منطقة مصر بالتحديد، هو سبب غوث أهلها. كما أن المقصود بكلمة: " يُغَاثُ " الإعانة.[13] فإن وقع شخص في حفرة وقال: أغيثوني، لا يلقي عليه الناس الماء، بل يساعدونه. كما أنك لو فسرت الغيث بالمطر بحسب الآية الكريمة فهو صحيح؛ لأن سبب فيضان النيل نزول المطر (الغيث) عند منابع النيل، في هضبة البحيرات الأفريقية.
7. وجود شجر الزيتون في سيناء: لم تنص الآية الكريمة على كثرة وجود شجرة الزيتون في سيناء، بل لم تنص على أن الشجرة التي تنبت بالدهن هي شجرة الزيتون تحديداً.. بل ذلك من اجتهاد المفسرين.
نعم الزيتون في الشام أكثر[14]، ولكن ذلك لا ينفي وجود الزيتون السينائي المعروف علمياً باسم (Oleasinaensis) . وضربُ المثال على خلقها في صحراء سيناء القاحلة ـ لا بلاد الشام الخصبة ـ أبلغ في بيان قدرة الله تعالى على الخلق والعناية. وذكر الدكتور زغلول النجار، أن الموطن الأصلي لشجرة الزيتون هو منطقة سيناء، ومنها انتشر إلى حوض البحر المتوسط وأنحاء العالم.
8. جريان الشمس: ما جاء في الآية الكريمة صحيح، فهي تدور حول نفسها. وهي ـ والمجموعة الشمسية ـ يدورون حول المجرة، والمجرة مع مجموعاتها تدور حول الكون، فكل في فلك يسبحون.[15]
تلك إجابة أشهر شبهاتهم حول الأخطاء الجغرافية في القرآن الكريم.
في المقابل: إن سألت الكتاب المقدس عن سبب ظاهرة (قوس قزح) فستجد الإجابة في سفر التكوين [9/13-16]: " وضعت قوسي في السحاب فتكون علامة ميثاق بيني وبين الأرض فيكون متى انشر سحاباً على الأرض وتظهر القوس في السحاب أني أذكر ميثاقي الذي بيني وبينكم وبين كل نفس حيه في كل جسد فلا تكون أيضا المياه طوفاناً لتهلك كل ذي جسد ".
وتفسير هذه العبارة: بعدما أغرق الله الأرض، ونجى سيدنا نوح u ومن معه من الطوفان، قال الرب: ـ على حسب تعبير الكتاب المقدس ـ سوف لا أغرق الأرض مرة أخرى، وسوف أضع قوس قزح في السماء كعلامة؛ لكي لا أنسى وأُغرِق الأرض مرة أخرى، فعندما أرى قوس قزح، أتذكر أني أغرقت الأرض، ولا داعي لأن أغرقها مره أخرى.
للمناقشة والتعقيب
صلى الله عليه وسلمhim75@maktoob.com(6/137)
عبد الرحيم الشريف
----------
[1] يقول محمد أحمد خلف الله مؤيداً لهم في كتابه الفن القصصي في القرآن، ص 34: " بانَ للعقل الإسلامي أن مسألة غروب الشمس في عين حمئة، لا تستقيم وما يعرف من حقائق هذا الكون ".
[2] رواه البخاري في أحاديث الأنبياء باب ما ذكر عن بني إسرائيل 3459) عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ مرفوعاً. وذُكِر مثله في الحديث الطويل لتميم الداري t مع الجساسة الذي رواه مسلم في الفتن.. باب قصة الجساسة 2942) حيث وردت عبارة: " فَلِعِبَ بِهِمُ المَوْجُ شَهْرَاً فِيْ البَحْرِ، ثُمَّ أرْفِئوا إِلى جَزِيْرَةٍ فِيْ البَحْرِ، حَتَّى مَغْرِبَ الشَّمْسِ.. ". وورد في لسان العرب لابن منظور 1/638 غرب): " ولقيته مغرب الشمس ومغيربانها ومغيرباناتها أي: عند غروبها.. والمغرب في الأصل: موضع الغروب، ثم استعمل في المصدر والزمان ".
[3] ومن المهم هنا تأمل الكلام العلمي الموزرون ـ السابق لعصره ـ للفخر الرازي في تفسيره مفاتيح الغيب21/142: " ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك.. ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود. وأيضاً الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة، فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض ؟ إذا ثبت هذا فنقول: تأويل قوله: " تَغْرُبُ فِيْ عَيْنٍ حَمِئَةٍ " من وجوه.. أن ذا القرنين لما بلغ موضعها في المغرب ولم يبق بعده شيء من العمارات، وجد الشمس كأنها تغرب في عينٍ وهدةٍ مظلمةٍ ـ وإن لم تكن كذلك في الحقيقة ـ كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط، وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر.. قال أهل الأخبار: إن الشمس تغيب في عين كثيرة الماء والحمأة، وهذا في غاية البعد، وذلك لأنا إذا رصدنا كسوفاً قمرياً فإذا اعتبرناه ورأينا أن المغربيين قالوا: "حصل هذا الكسوف في أول الليل"، ورأينا المشرقيين قالوا: "حصل في أول النهار"، فعلمنا أن أول الليل عند أهل المغرب هو أول النهار الثاني عند أهل المشرق، بل ذلك الوقت الذي هو أول الليل عندنا فهو وقت العصر في بلد، ووقت الظهر في بلد آخر، ووقت الضحوة في بلد ثالث، ووقت طلوع الشمس في بلد رابع، ونصف الليل في بلد خامس. وإذا كانت هذه الأحوال معلومة بعد الاستقراء والاعتبار، وعلمنا أن الشمس طالعة ظاهرة في كل هذه الأوقات كان الذي يقال: إنها تغيب في الطين والحمأة كلاماً على خلاف اليقين. وكلام الله تعالى مبرَّأ عن هذه التهمة ".
[4] رد مفتريات على الإسلام، عبد الجليل شلبي، ص130.
[5] رد مفتريات على الإسلام، عبد الجليل شلبي، ص 132.
[6] انظر: الموسوعة العربية العالمية، إعداد مؤسسة أعمال الموسوعة للنشر، الرياض، 1996م، 25/125 نجم).
[7] العين، الخليل بن أحمد، 2/529 باب الجيم والنون والميم معهما).
[8] في كتابه: الحيوان ص169.
[9] قال ابن منظور في لسان العرب 6/58 حندس): " الحندس الظلمة.. وليلة حندسة وليل حندس: مظلم. والحنادس: ثلاث ليال من الشهر لظلمتهن ".
[10] انظر: لسان العرب، ابن منظور 14/398. وفيه: " كل ما علا وارتفع يُقال له: سما يسمو ".
[11] انظر: رد مفتريات على الإسلام، عبد الجليل شلبي، ص132-136.
[12] انظر: الجامع لأحكام القرآن، القرطبي 8/137.
[13] انظر: النهاية في غريب الأثر، ابن الأثير الجزري 3/392 غوث).
[14] أسماء البقع الجغرافية تتأثر يتغير الخرائط السياسية. فقد تكون منطقة ما تابعة لإقليم معين، في زمن. ثم تتبع غيره في زمن آخر. وعلى هذا فقد تكون منطقة سيناء تابعة لإقليم بلاد الشام لحالي. ويؤكد ذلك ما ورد في المزامير 68/17: " مركبات الله ربوات ألوف مكررة. الرب فيها. سينا في القدس ". وقد عدِّ العرب تبوك جزءاً من الشام. قال أبو عبيد الأندلسي في كتابه " معجم ما استعجم " 1/303: " تبوك بفتح التاء، وهي أقصى أثر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهي من أدنى أرض الشام ". ومثله ابن حجر في فتح الباري 9/548: " ووصل إلى تبوك ـ وهي من أطراف الشام ـ لكن لم يفتحها ". وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم1/224، وتحفة الأحوذي للمباركفوري7/24.
[15] قال سيد قطب في تفسير الظلال 5/2968: " والشمس تدور حول نفسها. وكان المظنون أنها ثابتة في موضعها الذي تدور فيه حول نفسها. ولكن عرف أخيراً أنها ليست مستقرة في مكانها. إنما هي تجري ـ تجري فعلا ـ تجري في اتجاه واحد في الفضاء الكوني الهائل بسرعة حسبها الفلكيون باثني عشر ميلا في الثانية ! والله ـ ربها الخبير بها وبجريانها وبمصيرها ـ يقول:إنها تجري لمستقر لها. هذا المستقر الذي ستنتهي إليه لا يعلمه إلا هو سبحانه. ولا يعلم موعده سواه.
وحين نتصور أن حجم هذه الشمس يبلغ نحو مليون ضعف لحجم أرضنا هذه. وأن هذه الكتلة الهائلة تتحرك وتجري في الفضاء, لا يسندها شيء, ندرك طرفاً من صفة القدرة التي تصرف هذا الوجود عن قوة وعن علم ".
==============(6/138)
هل اليوم الواحد يساوي ألف سنة أو خمسين ألف سنة عند الله ؟
ردا علي هذا السؤال قال الشيخ صبرى عسكر في محاضرة بغرفة الرد علي شبهات النصارى بالبال توك
مقدار الأيام عند الله,
هل اليوم الواحد يساوي ألف سنة أو خمسين ألف سنة عند الله ؟
ردا علي هذا السؤال قال الشيخ صبرى عسكر في محاضرة بغرفة الرد علي شبهات النصارى بالبال توك
أن الأيام عند الله مختلفة فيوم القيامة يوم مخصوص وهذا مقداره خمسين ألف سنة من أيام الدنيا كما قال تعالى:في سورة المعارج
( َ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ{1} لِّلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ{2} مِّنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ{3} تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ{4} فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً{5} إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً{6} وَنَرَاهُ قَرِيباً{7})
وأما سائر الأيام عند الله فكل يوم طوله ألف سنة من أيام هذه الدنيا، كما قال تعالى:
{وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ }
( الحج47 ).
ومعلوم أن الأيام على الكواكب تختلف بحسب حجمها وحركتها، فماذا يمنع أن يكون يوم القيامة أطول من سائر الأيام.
من محاضرات الشيخ صبرى عسكر بفرفة الرد علي شبهات النصاري
ِAnswring Christian's Propaganda
=============
شبهة حول نقل القرآن من سفر الخروج 21 :23-25
كتبه ابن الفاروق
يقول فاندر يروج صاحب كتيب ميزان الحق ان القرآن نقل الآية 45 من سورة المائدة من التوراة
) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ .(
والآية كاملة كالتالي :
) وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (
بتر هذا الدجال نصف الآية والتي تتحدث عن من يتجاوز عن الأقتصاص من خصمه وأعتبارها كفارة له عن ذنوبه وهذا كما هو واضح غير موجود بالنص المدعي الأقتباس منه في سفر الخروج 21 :23-25 ونصه وَإِنْ حَصَلَتْ أَذِيَّةٌ تُعْطِي نَفْساً بِنَفْسٍ وَعَيْناً بِعَيْنٍ وَسِنّاً بِسِنٍّ وَيَداً بِيَدٍ وَرِجْلاً بِرِجْلٍ.
وهو لا يسمح كما نري بالعفو من المعتدي في حقه بالتازل للمخطئ وشتان ما بين الفهمين فهم يطالب بأخذ الحق فقط وفهم يرتقي بالأنسان للعفو والصفح عمن أساء إليه وهو قادر علي عقابه والعفو عند المقدرة .
ولا أدري لماذا لا يملك صاحب هذا الكتيب روحا مرحه ولماذا لم يكمل باقي الأعداد التي يحاول يائسا أثبات أنها من عند الله وأعتقد أنه لا مانع من الترويح قليلا عن أنفسنا بإيراد الأعداد التي تلي النص الذي أستشهد به هذا الكاذب لوضع بسمه علي شفة القراء حيث نجد النصوص التالية تقول :
21: 28 و اذا نطح ثور رجلا او امراة فمات يرجم الثور و لا يؤكل لحمه و اما صاحب الثور فيكون بريئا
ولا ندري ما الحكمة من هذا النص المضحك والحكم بأن يرجم الثور لماذا الرجم مطلوب لذاته ولماذا لا يذبح أو يقتل بأي طريقة حسبما يري الناس هل من حكمة في رجم الثور هل ستجمع الثيران الأخري لتشهد رجمه ليكون لها أي للثيران عظة وتخويف من أن تأتي بمثل هذا الفعل , ولا يكتفي مؤلف هذا النص بهذا القدرمن الكوميديا الهزلية ولكنه يتابع قائلا في العدد الذي يليه :
21: 29 و لكن ان كان ثورا نطاحا من قبل و قد اشهد على صاحبه و لم يضبطه فقتل رجلا او امراة فالثور يرجم و صاحبه ايضا يقتل
لله الأمر من قبل ومن بعد إن تغاضينا عن النص الأول وجدنا النص الثاني يضعنا في معضلة فكيف يكون الثور نطاحا من قبل هل أبوه مثلا (أبو الثور) من كبار القوم أو عضو مجلس شعب مثلا نجح في تهريبه من النطحة الأولي ولم يتمكن في الثانية , (فعلا اصحاب العقول في راحة) وفي نهاية النص وبعد الكوميديا الهزلية نجد أن مؤلف النص ينهي نصه نهاية درامية لا يقبلها عقل ولا منطق فينهي هذا السخف برجم صاحب الثور ولنتخيل معا المشهد التالي :
الحاخام كوهين يجلس في بيته ممسكا ببعض أوراق التوراة يقرأ منها في خشوع وفجأة يسمع طرق شديد علي الباب فينهض مسرعا ويفتح الباب فيجد أحد رجال الشرطة عابسا وهو يقول :
الشرطي : أنت الحاخام كوهين
الحاخام كوهين : نعم انا هو خير
الشرطي : أنت مطلوب القبض عليك
الحاخام كوهين بدهشة : أنا .. أزاي أكيد حضرتك غلطان .
الشرطي : لا غلطان ولا حاجة .. أتفضل معايا بهدوء من فضلك
الحاخام كوهين : طيب ايه تهمتي .
الشرطي : هتعرف في التحقيق(6/139)
يرتدي الحاخام كوهين ثيابه كامله ويذهب مع الشرطي إلي المحقق وأمام بيت المحقق يلمح ثوره واقفا فيبتسم الحاخام كوهين قائلا في نفسه تلاقي الثور تاه وجايبني علشان أخده والله فيهم الخير ويصيح هاليلويا هاليلويا فيرمقه الشرطي بأستغراب فيبتسم كوهين خجلا ويسير معه إلي أن يصلا إلي المحقق .
المحقق : أسمك ووظيفتك
الحاخام كوهين : أنا حاخام يا ابني وأسمي كوهين
المحقق وهو يشير من النافذه بأتجاة الثور : الثور ده بتاعك ؟
الحاخام كوهين : أيوه يا بني كتر خيركم ده تايه مني بقي له يومين
المحقق للكاتب : أثبت عندك أعترافه
الحاخام كوهين : أيوه يا ابني أثبت الرب يباركك ثم يتابع قائلا ممكن اخد الثور وامشي .
فيبتسم المحقق بجانب فمه ويقول بسخرية : تمشي أيه يا سيدي أنت مقبوض عليك
الحاخام كوهين : مقبوض عليه ليه
المحقق : الثور بتاعك نطح شالوم وقتله
الحاخام كوهين : الثور قتل شالوم .. طيب وتقبضوا عليه ليه ؟
المحقق : أنت هتستهبل ولا ايه .. أنت مش عارف سفر الخروج 21: 29 .
الحاخام كوهين يضيق عينيه ويحاول جاهدا أن يفكر ثم يقول : عافه يا أبني بس مش واخد بالي بس أيه علاقته بموضوعنا.
المحقق يخرج من درج مكتبه ورقه ويعطيها لكوهين وهو يقول : ولكن ان كان ثورا نطاحا من قبل و قد اشهد على صاحبه و لم يضبطه فقتل رجلا او امراة فالثور يرجم و صاحبه ايضا يقتل واخد بالك وصاحبه أيضا يقتل
يغشي علي كوهين ويسقط أرضا وتنتهي القصة
القصة الخيالية السابقة ليست بقصد السخرية ولكن بالتأكيد هناك العديد من الناس الذين وقعوا تحت حكم هذا النص واجهوا مثل هذا الموقف هل فكرت يا صديقي في هذا أن يقتل إنسان بسبب ثور بسبب حيوان أعجم هل هذا كلام الله .
المهم عودة لموضوعنا لم يدعي رسول الله علية الصلاة والسلام أن دين الإسلام لا علاقة له باليهودية أو النصرانية أو أنه جاء بديانه من إله لم يرسل رسل من قبله ولكنه وكما يقول المولي عز وجل في سورة (النحل:64) :
) وَمَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلَّا لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ وَهُدىً وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ ( .
بسبب هذا نعامل اليهود والنصاري كأهل كتاب وهي ميزة لهم علي باقي الملل والديانات الأخري كالبوذية والهندوسية مثلا فالرسول عليه الصلاة والسلام جاء ليكمل ويختم الأنبياء من آدم وحتي المسيح عليه السلام فإن كان هناك تشابها في شئ فهو يؤكد صدق الرسول عليه الصلاة والصلام أثبات نبوته وليس العكس وهو ما يؤكد أيضا علي صحة القرآن الكريم وصدق ما فيه فالرسول عليه الصلاة والسلام كان أميا أي أنه لم يقرأ كتب اليهود والنصاري وهذا معروف ومعلوم للجميع ونورد هنا آية قرآنية لأثبات هذا إذ يقول المولي عز وجل :
) وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ( [العنكبوت : 48] .
وهي تؤكد علي معجزة بينة للرسول وهي أنه امي وجاء بمثل هذا القرآن والآية تخبرنا أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يقرأ أو يكتب حتي لا يكابر الكافرون ويقولون أن القرآن من تأليفه .
ومن ناحية أخري فإن التوراة والإنجيل لم تكن متداولة أو موجوده كما يظن النصاري في عهد رسول الله عليه الصلاة والسلام ولم يكن حتي مسموحا بقراءتها لعوام النصاري واليهود قبل ثورة مارتن لوثر علي الكنيسة وقيامه بطباعتها رغما عن أنف الكنيسة وكما قلنا سلفا نؤكد ثانية نحن لا نقول أن الكتاب مزيف لا اصل له ولكنه محرف أي أنه قد يوجد به قليلا من الصدق
من كتاب صواعق الحق – ابن الفاروق
=================
يوجد تناقض في عدد أيام خلق السموات والأرض
الشيخ صبري عسكر
إمام وخطيب بالأوقاف المصرية
الحمد لله الواحد الأحد { الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِرَبِّهِم يَعْدِلُونَ } (الأنعام1 ) أحمدك اللهم أن خلقتنا ولم نك شيئا ورزقتنا من غير حول منا ولا قوة أطعمتنا من جوع وكسوتنا من عرى وجمعت شملنا من شتات فلك الحمد ولك الشكر من عبد فقير ذليل غره طول الأمل وفرح بدنيا فانية وانشغل عن آخرة باقية لكنه لم ينس أن له ربا غفورا رحيما فكلما أذنب وأخطأ جاء ووقف على باب مولاه متذللا خاضعا خاشعا يقول :
لقد دأب أعداء الإسلام على كراهية الإسلام وأهله واعتادوا الكذب على الله ورسوله ورغم يقينهم بمصداقية الإسلام ومعرفتهم برسول الإسلام إلا أنهم دأبوا على الكذب ومحاولة اختلاق الأباطيل والافتراءات على القرآن تارة وعلى السنة تارة وعلى شخص نبينا تارة أخرى ولقد قيد الله لهم من علماء الأمة من يكشف باطلهم ويفتد مزاعمهم ويرد كيدهم في نحورهم حتى يظلوا صاغرين محتقرين لتطاولهم على ربهم وافترائهم على الحق المبين ومن ذلك :
1 - الشبهة الأولى في زعمهم أن القرآن الكريم متناقض :ـ(6/140)
(1) تناقض في القرآن حول عدد أيام خلق السماوات والأرض.
ذكر بها أن خلق السماوات والأرض تم في ستة أيام.
السورة (9:41 إلى 12) ذكر بها أن خلق الأرض تم في يومين وخلق الله الأنهار والغابات.. الخ في الأرض (بعد خلقها) في أربعة أيام، وأنه قد خلق السماوات في يومين (السورة 10 تتناقض مع السورة 41 ( 2+4+2=8 أيام ).
والجواب:
هذا السؤال يتعلق بقوله تعالى: من سورة فصلت
( قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ{9} وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ{10} ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ{11} فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاء الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظاً ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ{12}
نعم بجمع هذه الأيام دون فهم وعلم يكون المجموع ثمانية وقد ذكر الله في مواضع كثيرة من القرآن أنه خلق السماوات والأرض في ستة أيام..
وما ظنه الضال تناقضا فليس بتناقض فإن الأربعة أيام الأولى هي حصيلة جمع اثنين واثنين.. فقد خلق الله الأرض خلقا أوليا في يومين ثم جعل فيها الرواسي وهي الجبال ووضع فيها بركتها من الماء، والزرع، وما ذخره فيها من الأرزاق في يومين آخرين فكانت أربعة أيام.
فقول الله سبحانه وتعالى: { وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ{10} }،
هذه الأيام الأربعة هي حصيلة اليومين الأولين ويومين آخرين فيكون المجموع أربعة. وليست هذه الأربعة هي أربعة أيام مستقلة أخرى زيادة على اليومين الأولين.. ومن هنا جاء الخطأ عند السائل.. ثم إن الله خلق السماوات في يومين فيكون المجموع ستة أيام بجمع أربعة واثنين..
ولا تناقض في القرآن بأي وجه من الوجوه.. ثم إن القرآن لو كان مفترى كما يدعي هؤلاء الضالون من النصارى ومن وافقهم من العلمانيين فإن محمدا صلى الله عليه وسلم لم يكن ليجهل مثلا أن اثنين وأربعة واثنين تساوي ثمانية وأنه قال في مكان آخر من القرآن إن الله خلق السماوات والأرض في ستة أيام.. مثل هذا الموضع :
{إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ } ( الأعراف54 )
وفي موضع آخر من كتاب الله :
{الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيراً } ( الفرقان59)
فهل يتصور عاقل أن من يقدم على تزييف رسالة بهذا الحجم، وكتاب بهذه الصورة يمكن أن يخطئ مثل هذا الخطأ الذي لا يخطئه طفل في السنة الأولى الإبتدائية ؟!
لا شك أن من ظن أن الرسول افترى هذا القرآن العظيم ثم وقع في مثل هذا الخطأ المزعوم فهو من أحط الناس عقلا وفهما. والحال أن السائل لا يفهم لغة العرب وأن عربيا فصيحا يمكن أن يقول : زرت مصر فتجولت في القاهرة في يومين، وأنهيت جولتي في مدينة الإسكندرية في أربعة أيام ثم عدت إلى الرياض – السعودية .. لا شك أن هذا لم يمكث في مصر إلا أربعة أيام فقط وليس ستة أيام لأنه قوله: في يومين في أربعة أيام يعني يومين في القاهرة ويومين في الإسكندرية..
==============
هل للذكر مثل حظ الانثيين في كل الحالات
الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
( أما الميراث ) فقد ألقت الجهالة المفرطة لدى كثير من الناس في أحكامها ، أعباء ظلم شنيع انحط على الشريعة الإسلامية ، ومن ثم نسجت وهماً لا أصل له في قسمة الميراث بين الرجل والمرأة
يجعل هؤلاء الجهال من قول الله تعالى : { لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ } [النساء : 4 / 11 ] قاعدة مطردة نافذة في حال كل رجل وامرأة يلتقيان على قسمة ميراث . . بل ربما جعلوا من هذا الجزء من آية في كتاب الله تعالى ، ساحة تفكّه وتندّر ، فيما تقرره الشريعة الإسلامية طبق وهمهم ، من أن الرجل يفوز دائماً بضعف ما تفوز به المرأة من حقوق .
إن الآية تبدأ بقول الله تعالى : { يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنْثَيَيْنِ } [ النساء : 4 / 11 ] إذن فبيان الله تعالى يقرر هذا الحكم في حق الولدين أو الأولاد .(6/141)
أما الورثة الآخرون ، ذكوراً وإناثاً ، فلهم أحكامهم الواضحة الخاصة بكل منهم ، ونصيب الذكور والإناث واحد في أكثر الحالات ، وربما زاد نصيب الأنثى على نصيب الذكر في بعض الأحيان ، وإليكم طائفة من الأمثلة :
إذا ترك الميت أولاداً وأباً وأماً ، ورث كل من أبويه سدس التركة ، دون تفريق بين ذكورة الأب وأنوثة الأم ، وذلك عملاً بقوله تعالى : { وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما السُّدُسُ } [النساء : 4 / 11]
إذا ترك الميت أخاً لأمه أو أختاً لأمه ، ولم يكن ثمة من يحجبهما من الميراث ، فإن كلاً من الأخ والأخت يرث السدس ، دون أي فرق بين ذكر وأنثى ، عملاً بقول الله تعالى : { وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ واحِدٍ مِنْهُما السُّدُسُ } [النساء : 4 / 12]
إذا ترك الميت عدداً من الإخوة للأم ، اثنين فصاعداً ، وعدداً من الأخوات للأم ، إثنتين فصاعداً ، فإن الإخوة يرثون الثلث مشاركة ، والأخوات يرثن الثلث مشاركة ، دون تفريق بين الإناث والذكور ، لصريح قول الله تعالى : { فَإِنْ كانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكاءُ فِي الثُّلُثِ } [النساء : 4 / 12]
إذا تركت المرأة المتوفاة زوجها وابنتها ، فإن ابنتها ترث النصف ، ويرث والدها الذي هو زوج المتوفاة ، الربع ، أي إن الأنثى ترث هنا ضعف ما يرثه الذكر .
إذا ترك الميت زوجة وابنتين وأخاً له ، فإن الزوجة ترث ثمن المال ، وترث الابنتان الثلثين ، وما بقي فهو لعمهما وهو شقيق الميت ، وبذلك ترث كل من البنتين أكثر من عمهما ، وذلك هو قضاء رسول الله صلى الله عليه وسلم طبقاً لحكم الله عز وجل في آية الميراث
==============
موقف ابن مسعود من المعوذتين
- د. غازي عناية
شبهة الزيادة في بعض سور القرآن:
إن في المصحف ما ليس بقرآن. ويمثلون على ذلك بفاتحة الكتاب والمعوذتين، وحجتهم في ذلك أن الصحابي عبدالله بن مسعود أسقطها من مصحفه، ومن ثم أنكرها كقرآن.
تفنيد هذه الشبهة:
أولاً: عدم صحة النقل. فإن ما نسب إلى ابن مسعود غير صحيح، بل ومخالف لإجماع الأمة. ولا يعقل، بل يستحيل أن يحصل إنكار مثل هذا من صحابي جليل كعبدالله بن مسعود صاحب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الذي كان لا يفارقه، وشهد كثيراً من نزول الوحي، وهو الذي عاصر نزول الوحي في معظمه، وهو الأعلم من غيره بما هو قرآن، وما هو ليس بقرآن. وهو الصحابي الجليل الذي عرف عنه تقواه، وشدة غيرته على دينه، وعلى قرآنه، وبذلك فالعقلانية السليمة تقتضي بطلان ما نقل عن ابن مسعود في هذا الشأن.
قال الإمام النووي في ((شرح المهذب)): ((أجمع المسلمون على أن المعوذتين، والفاتحة من القرآن، وأن مَن جحد شيئاً منها كفر، وما نقل عن ابن مسعود باطل ليس بصحيح)).
وقال الإمام ابن حزم في كتاب ((القدح المعلى)): ((هذا كذب عن ابن مسعود، وموضوع)).
وأخرج الإمام مسلم في صحيحه عن عقبة بن عامر: ((أنه (ص) قرأهما في الصلاة)).
وأخرج ابن حبان من وجه آخر عن عقبة بن عامر أيضاً: ((فإن استطعت ألا تفوتك قراءتهما في صلاة، فافعل)).
وأخرج أحمد بن حنبل من طريق أبي العلاء بن الشخير عن رجل من الصحابة: ((بأن النبي (ص) أقرأنا المعوذتين، وقال له: إذا أنت صليت، فأقرأ بهما)).
وقد صحّ عند العلماء عن ابن مسعود نفسه قراءة عاصم، وفيها المعوذتان والفاتحة. وكذلك قرأ المعوذتين حمزة، والكسائي، وجميع القراء السبعة والعشرة، وغيرهم.
ثانياً: احتمال أن إنكار ابن مسعود كان قبل علمه بأنهما من القرآن. وبعد أن علم أنهما من القرآن آمن بهما، وأخذ بهما، وتمسك بهما. قال بعض العلماء: ((يحتمل أن ابن مسعود لم يسمع المعوذتين من النبي (ص). ولم تتواتر عنده، فتوقف في أمرهما، وإنما لم ينكر ذلك عليه، لأنه بصدد البحث، والنظر، والواجب عليه التثبت في هذا الأمر)).
ثالثاً: عدم صحة النقل عن ابن مسعود بأنه أنكر قرآنية الفاتحة. وحاشا أن تكون الفاتحة قد خفيت عليه، وهي أم القرآن، والسبع المثاني، ومثلها مستحيل أن يخفى على ابن مسعود. وكذلك لو صح أنه أسقطها من مصحفه، فلا يعني هذا أنه ينكرها.
قال ابن قتيبة ما نصه: ((وأما إسقاطه الفاتحة من مصحفه، فليس لظنه أنها ليست من القرآن (معاذ الله)، ولكنه ذهب إلى أن القرآن إنما كتب، وجمع بين اللوحين، مخافة الشك، والنسيان، والزيادة، والنقصان)).
رابعاً: إن إنكار ابن مسعود لقرآنية الفاتحة، والمعوذتين، لو صح، فإن هذا لا ينقض قرآنيتهما، وتواترهما، ولا يرفع العلم اليقيني بقرآنية ما صح قرآنيته، وليس من شروط تواتر القرآن، والعلم اليقيني بثبوته ألا يخالفه مخالف حتى ولو كان من الصحابة، وإلا لأمكن هدم كل تواتر، وإبطال كل علم يقيني قام عليه.
قال ابن قتيبة في ((مشكل القرآن)): ((ظن ابن مسعود أن المعوذتين ليستا من القرآن، لأنه رأى النبي (ص) يعوذ بهما الحسن، والحسين، فأقام على ظنه، ولا نقول إنه أصاب في ذلك، وأخطأ المهاجرون، والأنصار)).
===============(6/142)
مراحل تَخَلُّق الجنين
آيات الإعجاز:
قال الله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12-14].
وقال تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} [القيامة: 37-39].
وقال سبحانه
: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 7-8].
التفسير اللغوي:
قال ابن منظور في لسان العرب: - نطفة: النُّطفة والنُّطافة: القليل من الماء، والجمع نُطاف.
والنُّطفة ماء الرجل.
- علقة: عَلِقَ بالشيء عَلَقاً وعَلِقَهُ: نشب فيه.
والعَلَقُ: الدم، وقيل الدم الجامد الغليظ.
وقيل: الجامد قبل أن ييبس.
وقيل: بمعنى اشتدت حمرته.
والقطعة منه: عَلَقَةٌ.
وفي التنزيل: {ثم خلقنا النطفة علقة}.
- مضغة: مضَغَ يمضُغُ ويمضَغُ مَضْغاً: لاك.
وأمضغه الشيء ومضّغه: ألاكه إياه.
والمضغة: القطعة من اللحم.
وقيل تكون المضغة غير اللحم.
وقال الإمام النووي في تهذيب أسماء اللغات: إذا صارت العلقة التي خُلِقَ منها الإنسان لحمة فهي مضغة.
l
فهم المفسرين:
ذكر الإمام ابن حجر العسقلاني في كتابه (فتح الباري شرح صحيح البخاري) (11/481) قول الإمام ابن قيم الجوزية رحمهما الله تعالى عن تطور خلق الجنين ما نصّه: "إن داخل الرحم خشن كالإسفنج… وجعل فيه قبولاً للمني كطلب الأرض العطشى للماء فجعله طالباً مشتاقاً إليه بالطبع… فلذلك يمسكه ولا يزلقه بل ينضم عليه لئلا يفسده الهواء… فيأذن الله لملك الرحم في عقده أربعين يوماً، وفي تلك الأربعين يجمع خلقه.. قالوا إن المني إذا اشتمل عليه الرحم ولم يقذفه استدار على نفسه واشتد (مرحلة الكرة الجرثومية في اصطلاح علم الأجنة الحديث) إلى تمام ستة أيام، فينقط فيه ثلاث نقط في مواضع القلب والدماغ والكبد، ثم يظهر فيما بين تلك النقط خطوط خمسة إلى تمام ثلاثة أيام ثم تنفذ الدموية فيه إلى تمام خمسة عشر يوماً، فتتميز الأعضاء الثلاثة ثم تمتد رطوبة النخاع إلى تمام اثني عشر يوماً، ثم ينفصل الرأس عن المنكبين بحيث يظهر للحس في أربعة أيام، فيكمل في أربعين يوماً…".
وقال الإمام ابن كثير في تفسير قوله تعالى: {مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} قال عبد الله بن عباس رضي الله عنهما: "يعني ماء الرجل وماء المرأة إذا اجتمعا واختلطا ثم ينتقل بعدُ من طور إلى طور ومن حال إلى حال ومن لون إلى لون".
l مقدمة تاريخية:
مرّ تاريخ علم الأجنة بثلاث مراحل أساسية هي المرحلة الوصفية ومرحلة علم الأجنة التجريبي ومرحلة التقنية واستخدام الأجهزة.
1- المرحلة الوصفية أو علم الأجنة الوصفي:
- تعود إلى أكثر من ستة قرون قبل الميلاد وتستمر حتى القرن التاسع عشر.
وتم خلالها وصف الملاحظات الخاصة بظاهرة تطور الجنين.
- وقد وُجدت بعض السجلات المدونة من قشرة السلالات الفرعونية الرابعة والخامسة والسادسة في مصر القديمة حيث كان الاعتقاد بأن للمشيمة خواص سحرية خفية.
- أما اليونان القدماء فهم أول من ربط العلم بالمنطق بفضل تعليلاتهم المنطقية، ولم تُسجَّل منذ عام 200 بعد الميلاد حتى القرن السادس عشر أية معلومات تذكر عن علم الأجنة.
- وأما في القرن السادس عشر وما بعده فقد مهّدت أبحاث "فيسالبوس" و"فابريسيوس" و"هارفي" لبدء عصر الفحص المجهري، وتم اكتشاف الحيوان المنوي من طرق العالمين "هام" و"فان لوفينهوك" عام 1701م. إلا أن اختراع المجهر لم يكن كافياً لبيان تفاصيل تكوين الحيوان المنوي حيث اعتقد العلماء بأن الإنسان يكون مخلوقاً خلقاً تاماً في الحيوان المنوي في صورة قزم، وبينما كان فريق من العلماء يرى أن الإنسان يُخلَقٌ خلْقاً تاماً في بيضة، كان فريق آخر يقرر أن الإنسان يُخلق خلقاً تاماً في الحيوان المنوي. ولم ينته الجدل بين الفريقين إلا حوالي عام 1775م عندما أثبت "سبالانزاني" أهمية كل من الحيوان المنوي والبويضة في عملية التخلق البشري.
2- مرحلة علم الأجنة التجريبي:(6/143)
بدأت هذه المرحلة في أواخر القرن التاسع عشر حتى الأربعينات من القرن العشرين حيث قفزت أبحاث العالم "فون باير" بعلم الأجنة من مرحلة التجارب والمشاهدات إلى مرحلة صياغة المفاهيم الجنينية، كما طور العالم "روس هاريسون" تقنية زرع الحبل السري وبدأ "أوتو واربوغ" دراساته عن الآليات الكيميائية للتخلق، ودرس "فرانك راتزي ليلي" طريقة إخصاب الحيوان المنوي للبويضة، كما درس "هانس سبيما" آليات التفاعل النسيجي كالذي يحدث خلال التطور الجنيني، ودرس "يوهانس هولتفرتر" العمليات الحيوية التي تُظهِر بعض الترابط بين خلايا الأنسجة فيما بينها أو بينها وبين خلايا الأنسجة الأخرى.
3- مرحلة التقنية واستخدام الأجهزة:
وتمتد هذه المرحلة من الأربعينات إلى يومنا هذا، وقد تأثرت تأثراً بالغاً بتطور الأجهزة الطبية مما كان له التأثير القوي على مسار البحوث العلمية.
فلقد كان اكتشاف المجهر الإلكتروني وآلات التصوير المتطورة وأجهزة قياس الشدة النسبية لأجزاء الطيف، وكذا ظهور الحاسوب ومجموعة الكشف عن البروتينات والأحماض النووية، كل هذه كانت عوامل سمحت للعلماء بإجراء تجارب كانت تبدو قبل سنوات فقط من الأحلام الخيالية حيث تم التوصل إلى فهم ووصف دقيق لمراحل التخلق الجنيني بفضل كل هذه الأجهزة الحديثة.
l حقائق علمية:
- لقد كشف علم الأجنة الحديث عن المراحل التي يتم فيها خلق الإنسان وحدّدها بالأطوار التالية:
أ- مرحلة التخلق الأولى:
1- النطفة 4- كساء العظام
2- العلقة 5- كساء العظام باللحم 3- المضغة
ب- طور النشأة
جـ- طور قابلية الحياة
د- طور الحضانة الرحمية هـ- طور المخاض
l التفسير العلمي:
لقد ذكر القرآن الكريم المراحل الأساسية للتخلق البشري من لحظة الحمل إلى الولادة، قال تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ * ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12-14].
وقال تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى * ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى} [القيامة: 37-39].
وقال تعالى: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ * فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} [الانفطار: 7-8].
وتلك المراحل على ضوء الآيات الكريمة السابقة قسمان بارزان:
- مرحلة التخلق الأولى (مرحلة الحمل).
- مرحلة النشأة.
أ- مرحلة التخلق الأولى (مرحلة الحمل
وتشمل:
النطفة والعلقة والمضغة، وتخلق العظام ثم كسوة العظام باللحم (العضلات) حيث قال عليه الصلاة والسلام فيما رواه مسلم عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً، ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك، ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك، ثم يرسل الملك فينفخ فيه الروح ويؤمر بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أو سعيد".
إن هذا الحديث يدلّ على حقيقتين:
الأولى: أن جمع خلق الإنسان يتم في الأربعين يوماً الأولى.
والثانية: أن مراحل الخلق الأولى: النطفة، العلقة والمضغة إنما تتكون وتكتمل خلال هذه الفترة (الأربعين يوماً الأولى).
الجنين في الأربعين يوماً الأولى:
1- مرحلة النطفة:
خلال عملية الإخصاب يرحل ماء الرجل من المهبل ليقابل البويضة في ماء المرأة في قناة البويضات (قناة فالوب) ولا يصل من ماء الرجل إلا القليل ويخترق حيوان منوي واحد البويضة، ويحدث عقب ذلك مباشرة تغير سريع في غشائها يمنع دخول بقية المنويات، وبدخول المنوي في البويضة تتكون النطفة الأمشاج أي البويضة الملقحة (الزيجوت) Zygote وبهذا تبدأ مرحلة النطفة ومعناها اللغوي القطرة وهو الشكل الذي تتخذه البويضة الملقحة. إذن بداية هذا الطور مكونة من نطفة مختلطة من سائلين وتتحرك في وسط سائل، وتستغرق فترة زمنية هي الأيام الستة الأولى من الحمل، ويبدأ بعد ذلك التحول إلى طور العلقة في اليوم الرابع عشر.
وفي اليوم السادس تقريباً تشق النطفة طريقها إلى تحت سطح بطانة الرحم مواصلة انقساماتها الخلوية وتطورها ثم يتم انغراسها فيه وتكتمل بذلك مرحلة النطفة في اليوم الرابع عشر من التلقيح تقريباً وبذلك تأخذ حصتها من الأربعين يوماً.
2- طور العلقة:(6/144)
تستمر الخلايا في الانقسام والتكاثر بعد مرحلة النطفة ويتصلب الجنين بذلك، ثم يتثلم عند تكون الطبقة العصبية ويأخذ الجنين في اليوم الحادي والعشرين شكلاً يشبه العلقة، كما تعطي الدماء المحبوسة في الأوعية الدموية للجنين لون قطعة من الدم الجامد وبهذا تتكامل المعاني التي يدل عليها لفظ علقة المطلق على دودة تعيش في البرك وعلى شيء معلَّق وعلى قطعة من الدم الجامد، إلى حوالي اليوم الواحد والعشرين، وبهذا تأخذ العلقة حصتها من الأربعين يوماً وإلى هذا تشير الآية الكريمة {ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً} [المؤمنون: 14].
3- طور المضغة:
يبدأ هذا الطور بظهور الكتل البدنية في اليوم الرابع والعشرين أو الخامس والعشرين في أعلى اللوح الجنيني، ثم يتوالى ظهور هذه الكتل بالتدريج إلى مؤخرة الجنين.
وفي اليوم الثامن والعشرين يتكون الجنين من عدة فلقات تظهر بينها انبعاجات، مما يجعل شكل الجنين شبيهاً بالعلكة الممضوغة.
ويزداد اكتساب الجنين في تطوره شكل المضغة تدريجياً من حيث الحجم بحيث يكتمل هذا الطور في بقية الأيام الأربعين الأولى من حياته، وهذا الترتيب في خلق الأطوار الأولى يجيء فيه طور المضغة بعد طور العلقة مطابقاً لما ورد في الآية الكريمة: {فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً} [المؤمنون: 14].
وينتهي هذا الطور بنهاية الأسبوع السادس.
الجسد الفاصل:
وفي الأسبوع السابع تبدأ الصورة الآدمية في الوضوح نظراً لبداية انتشار الهيكل العظمي، فيمثل هذا الأسبوع (ما بين اليوم 40 و45) الحد الفاصل ما بين المضغة والشكل الإنساني.
4- طور العظام:
مع بداية الأسبوع السابع يبدأ الهيكل العظمي الغضروفي في الانتشار في الجسم كله، فيأخذ الجنين شكل الهيكل العظمي وتكَوُّن العظام هو أبرز تكوين في هذا الطور حيث يتم الانتقال من شكل المضغة الذي لا ترى فيه ملامح الصورة الآدمية إلى بداية شكل الهيكل العظمي في فترة زمنية وجيزة، وهذا الهيكل العظمي هو الذي يعطي الجنين مظهره الآدمي.
ومصطلح العظام الذي أطلقه القرآن الكريم على هذا الطور هو المصطلح الذي يعبر عن هذه المرحلة من حياة الحُمَيل تعبيراً دقيقاً يشمل المظهر الخارجي، وهو أهم تغيير في البناء الداخلي وما يصاحبه من علاقات جديدة بين أجزاء الجسم واستواء في مظهر الحُمَيل ويتميز بوضوح عن طور المضغة الذي قبله، قال تعالى: {فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا} [المؤمنون: 14].
5- طور الكساء باللحم:
يتميز هذا الطور بانتشار العضلات حول العظام وإحاطتها بها كما يحيط الكساء بلابسه. وبتمام كساء العظام بالعضلات تبدأ الصورة الآدمية بالاعتدال، فترتبط أجزاء الجسم بعلاقات أكثر تناسقاً، وبعد تمام تكوين العضلات يمكن للجنين أن يبدأ بالتحرك.
تبدأ مرحلة كساء العظام باللحم في نهاية الأسبوع السابع وتستمر إلى نهاية الأسبوع الثامن، وتأتي عقب طور العظام كما بين ذلك القرآن الكريم في قوله تعالى: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا} [المؤمنون: 14].
ويعتبر هذا الطور الذي ينتهي بنهاية الأسبوع الثامن نهاية مرحلة التخلق، كما اصطلح علماء الأجنة على اعتبار نهاية الأسبوع الثامن نهاية لمرحلة الحُمَيل (Embryo) ثم تأتي بعدها مرحلة الجنين (Foetus) التي توافق مرحلة النشأة، كما جاء في قوله تعالى: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 14].
ب- مرحلة النشأة خلقاً آخر:
النشأة مصدر مشتق من الفعل نشأ، وهذا الفعل له معنيان:
* الارتفاع بالشيء.
* ربا وشب ونما.
يبدأ هذا الطور بعد مرحلة الكساء باللحم، أي من الأسبوع التاسع، ويستغرق فترة زمنية يدل عليها استعمال حرف العطف (ثم) الذي يدل على فاصل زمني بين الكساء باللحم والنشأة خلقاً آخر، قال تعالى: {فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ} [المؤمنون: 14].
وفي خلال هذه المرحلة تتم عدة عمليات هامة في نمو الجنين تندرج بجلاء تحت الوصفين الذين جاءا في القرآن الكريم ويمكن بيانهما في ما يلي:
1- النشأة:
ويتضح بجلاء في سرعة معدل النمو من الأسبوع التاسع مقارنة بما قبله من المراحل.
2- خلقاً آخر:
هذا الوصف يتزامن مع الأول ويدل على أن الحُمَيل قد تحول في مرحلة النشأة إلى خلق آخر.
* ففي الفترة ما بين الأسبوعين التاسع والثاني عشر تبدأ أحجام كل من الرأس والجسم والأطراف في التوازن والاعتدال.
* وفي الأسبوع الثاني عشر يتحدد جنس الجنين بظهور الأعضاء التناسلية الخارجية.
* وفي نفس الأسبوع يتطور بناء الهيكل العظمي من العظام الغضروفية اللينة إلى العظام الكلية الصلبة، كما تتمايز الأطراف، ويمكن رؤية الأظافر على الأصابع.
* يظهر الشعر على الجلد في هذا الطور.
* يزداد وزن الجنين بصورة ملحوظة.
* تتطور العضلات الإرادية وغير الإرادية.
* تبدأ الحركات الإرادية في هذا الطور.(6/145)
تصبح الأعضاء والأجهزة مهيأة للقيام بوظائفها.
* وفي هذه المرحلة يتم نفخ الروح؛ طبقاً لما دلت عليه نصوص القرآن الكريم والسنة المطهرة ويمكن التعرف على نفخ الروح بمشاهدة ظاهرة النوم واليقظة في الجنين التي تدل نصوص قرآنية ونبوية عديدة على ارتباطها بالروح.
تمتد هذه المرحلة، مرحلة النشأة خلقاً آخر من الأسبوع التاسع إلى أن يدخل الجنين مرحلة القابلية للحياة خارج الرحم.
جـ: طور القابلية للحياة:
تبدأ تهيئة الجنين للحياة خارج الرحم في الأسبوع الثاني والعشرين وتنتهي في الأسبوع السادس والعشرين عندما يصبح الجهاز التنفسي مؤهلاً للقيام بوظائفه ويصبح الجهاز العصبي مؤهلاً لضبط حرارة جسم الجنين.
وتعادل الأسابيع الستة والعشرون تقريباً ستة أشهر قمرية، وقد قدّر القرآن الكريم أن مرحلة الحمل والحضانة تستغرق ثلاثين شهراً فقال تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا} [الأحقاف: 15] وبين أيضاً أن مدة الحضانة تستغرق عامين في قوله تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} [لقمان: 14].
وبذلك تكون مدة الحمل اللازمة ليصبح الجنين قابلاً للحياة هي ستة أشهر قمرية، وقبل الأسبوع الثاني والعشرين الذي يبدأ منه هذا الطور يخرج سقطاً في معظم الأجنة.
د- طور الحضانة الرحمية:
يدخل الجنين بعد الشهر السادس فترة حضانة تتم في الرحم، فلا تنشأ أجهزة أو أعضاء جديدة فكلها قد وجدت وأصبحت مؤهلة للعمل، ويقوم الرحم فيها بتوفير الغذاء والبيئة الملائمة لنمو الجنين وتستمر إلى طور المخاض والولادة.
هـ: طور المخاض:
بعد مرور تسعة أشهر قمرية يبدأ هذا الطور الذي ينتهي بالولادة، ويمثل هذا الطور مرحلة التخلي عن الجنين من قبل الرحم ودفعه خارج الجسم، قال تعالى: {ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ} [عبس: 20].
وجه الإعجاز:
وجه الإعجاز أن المصطلحات الواردة في القرآن الكريم تعبِّر بدقة عن التطورات التي تقع في مختلف مراحل التخلق فهي تصف هذه الأحداث حسب تسلسلها الزمني كما تصف التغيرات التي تطرأ على هيئة الجنين مع التخلق في كل مرحلة وصفاً دقيقاً. وما كان في وسع رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعرف هذه الحقائق في القرن السابع الميلادي لأن معظمها لم يكتشف إلا في القرن العشرين، وهذا يشهد بأنها وحي من الله سبحانه وتعالى إلى رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم، فسبحان الله تعالى القائل: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ سَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ فَتَعْرِفُونَهَا} [النمل: 93].
الموسوعة الإسلامية المعاصرة - كتاب الإعجاز العلمي
==============
لماذا التحريض على الجهاد والقتل؟
- الأخ ابن البلد
هل يحتاج الله للعنف والسيف لينشر فكره ؟ لقد حرض محمد أتباعه على القتال وأوصى بالغزو والجهاد في سبيل الدين ان شاء الله تعالى يكون الرد على هذا السؤال من الكتاب المقدس:
إليك ايها النصراني الأدلة من كتابك المقدس نفسه التي تثبت أن الجهاد وحمل السيف والقتال هي من الأمور الربانية الغير مسقطة للنبوات وقد أمر بها الرب وأوصى بها :
_ جاء في سفر الخروج [ 23 : 22 ] : قول الرب لموسى :
(( هَا أَنَا مُرْسِلٌ مَلاَكِي أَمَامَكَ لِيَحْرُسَكَ طَوَالَ الطَّرِيقِ، وَيَقُودَكَ إِلَى الأَرْضِ الَّتِي أَعْدَدْتُهَا لَكَ . . . 23إِذْ يَسِيرُ مَلاكِي أَمَامَكَ حَتَّى يُدْخِلَكَ بِلاَدَ الأَمُورِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ الَّذِينَ أَنَا أُبِيدُهُمْ. 24إِيَّاكَ أَنْ تَسْجُدَ لِآلِهَتِهِمْ، وَلاَ تَعْبُدْهَا، وَلاَ تَعْمَلْ أَعْمَالَهُمْ، بَلْ تُبِيدُهُمْ وَتُحَطِّمُ أَنْصَابَهُمْ. ))
_ وجاء في سفر الخروج [ 34 : 11 ] : أن الرب أمر موسى بدخول أراضي الامم الاخرى ليحطم اصنامهم ومذابحهم الوثنية في سبيل نشر دينه يقول النص :
(( أَطِعْ مَا أَوْصَيْتُكَ الْيَوْمَ بِهِ. هَا أَنَا طَارِدٌ مِنْ أَمَامِكَ الأَمُورِيِّينَ وَالْكَنْعَانِيِّينَ وَالْحِثِّيِّينَ وَالْفَرِزِّيِّينَ وَالْحِوِّيِّينَ وَالْيَبُوسِيِّينَ. 12إِيَّاكَ أَنْ تَعْقِدَ مُعَاهَدَةً مَعَ سُكَّانِ الأَرْضِ الَّتِي أَنْتَ مَاضٍ إِلَيْهَا لِئَلاَّ يَكُونُوا شَرَكاً لَكُمْ. 13بَلِ اهْدِمُوا مَذَابِحَهُمْ، وَاكْسِرُوا أَنْصَابَهُمْ، وَاقْطَعُوا أَشْجَارَهُمُ الْمُقَدَّسَةَ. 14إِيَّاكُمْ أَنْ تَعْبُدُوا إِلَهاً آخَرَ غَيْرِي، لأَنَّ الرَّبَّ اسْمُهُ غَيُورٌ جِدّاً.))
_ وجاء في رسالة بولس إلى العبرانيين [ 7 : 1 ، 2 ] أن نبي الله إبراهيم حارب الملوك وقهرهم وأخذ الغنائم منهم !!
فإذا كان حمل السيف هو أمر منافي للنبوة فلماذا أمر الرب موسى وإبراهيم بحمله ؟
ثم كيف يقول الرب لنبيه حزقيال في سفر حزقيال [ 11 : 8 ] :(6/146)
(( قَدْ فَزِعْتُمْ مِنَ السَّيْفِ، لِذَلِكَ أَجْلِبُ السَّيْفَ عَلَيْكُمْ، يَقُولُ الرَّبُّ. 9وَأُخْرِجُكُمْ مِنْ وَسَطِ الْمَدِينَةِ وَأُسَلِّمُكُمْ إِلَى قَبْضَةِ أَعْدَائِكُمْ، وَأُنَفِّذُ فِيكُمْ أَحْكَاماً، 10فَتُقْتَلُونَ بِالسَّيْفِ. وَأُنَفِّذُ قَضَاءً فِيكُمْ فِي تُخُومِ إِسْرَائِيلَ، فَتُدْرِكُونَ حِينَئِذٍ أَنِّي أَنَا الرَّبُّ.))
يقول كاتب سفر العدد [ 31 : 1 ] :
(( وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: 2«انْتَقِمْ مِنَ الْمِدْيَانِيِّينَ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ، وَبَعْدَهَا تَمُوتُ وَتَنْضَمُّ إِلَى قَوْمِكَ». 3فَقَالَ مُوسَى لِلشَّعْبِ: «جَهِّزُوا مِنْكُمْ رِجَالاً مُجَنَّدِينَ لِمُحَارَبَةِ الْمِدْيَانِيِّينَ وَالانْتِقَامِ لِلرَّبِّ مِنْهُمْ 4أَرْسِلُوا لِلْحَرْبِ أَلْفاً وَاحِداً مِنْ كُلِّ سِبْطٍ مِنْ أَسْبَاطِ إِسْرَائِيلَ. . . . فَحَارَبُوا الْمِدْيَانِيِّينَ كَمَا أَمَرَ الرَّبُّ وَقَتَلُوا كُلَّ ذَكَرٍ؛ 8وَقَتَلُوا مَعَهُمْ مُلُوكَهُمُ الْخَمْسَةَ: أَوِيَ وَرَاقِمَ وَصُورَ وَحُورَ وَرَابِعَ، كَمَا قَتَلُوا بَلْعَامَ بْنَ بَعُورَ بِحَدِّ السَّيْفِ. 9وَأَسَرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ نِسَاءَ الْمِدْيَانِيِّينَ وَأَطْفَالَهُمْ، وَغَنِمُوا جَمِيعَ بَهَائِمِهِمْ وَمَوَاشِيهِمْ وَسَائِرَ أَمْلاَكِهِمْ، 10وَأَحْرَقُوا مُدُنَهُمْ كُلَّهَا بِمَسَاكِنِهَا وَحُصُونِهَا، 11وَاسْتَوْلَوْا عَلَى كُلِّ الْغَنَائِمِ وَالأَسْلاَبِ مِنَ النَّاسِ وَالْحَيَوَانِ . . ))
ولا تنسوا أيها المسيحيون انكم تعتقدون أن العهد القديم هو كلام الله وعندكم وعلى الأخص عند الأرثوذكس أن المسيح هو الله فيكون بذلك أن مسيحكم هو الذي أمر موسى بالقتال وحمل السيف واحراق مدن ومساكن المديانيين وغيرهم !!
والآن هيا بنا نقرأ كيف أن بولس نفسه يرحب ويبتهج بالانبياء الذين قاتلوا وحملوا السيف
فهو القائل : (( وَهَلْ مِنْ حَاجَةٍ بَعْدُ لِمَزِيدٍ مِنَ الأَمْثِلَةِ؟ إِنَّ الْوَقْتَ لاَ يَتَّسِعُ لِي حَتَّى أَسْرُدَ أَخْبَارَ الإِيمَانِ عَنْ: جِدْعُونَ وَبَارَاقَ وَشَمْشُونَ وَيَفْتَاحَ وَدَاوُدَ وَصَمُوئِيلَ وَالأَنْبِيَاءِ. 33فَبِالإِيمَانِ، تَغَلَّبَ هَؤُلاَءِ عَلَى مَمَالِكِ الأَعْدَاءِ، وَحَكَمُوا حُكْماً عَادِلاً وَنَالُوا مَا وَعَدَهُمْ بِهِ اللهُ . وَبِهِ، أَطْبَقُوا أَفْوَاهَ الأُسُودِ، 34وَأَبْطَلُوا قُوَّةَ النَّارِ، وَنَجَوْا مِنَ الْمَوْتِ قَتْلاً بِالسَّيْفِ. وَبِهِ أَيْضاً نَالُوا القُوَّةَ بَعْدَ ضَعْفٍ، فَصَارُوا أَشِدَّاءَ فِي الْمَعَارِكِ،وَرَدُّوا جُيُوشاً غَرِيبَةً عَلَى أَعْقَابِهَا.)) [ الرسالة الى العبرانيين 11 : 32 ]
وهكذا يتناقل بولس أخبار الدمار والقتل على يد الانبياء بالابتهاج والتحميد .
============
هل قالت اليهود عزير بن الله ؟
- أبن الفاروق
وردت الشبهة في عدة مواقع نصرانية يتحدي فيها النصاري المسلمون بأن يأتوا من كتب اليهود بما يؤيد قوله تعالي في كتابه الكريم :
) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ([التوبة : 30].
بمعني أدق يطلب النصاري من المسلمون بأن يأتوا بدليل علي قول اليهود أو إدعاء اليهود بأن عزير أبن الله من كتب اليهود المعتمدة لديهم .
وبالطبع أي قارئ لأسفار (العهد القديم) لن يجد أي إشارة تفيد هذا .
وللرد علي هذا نجيب بفضل الله في النقاط التالية :
أولا :
بمراجعة الآية الكريمة نجد أن الله سبحانه وتعالي يقول :
) ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ([التوبة : 30].
أي وببساطة لم يقول الله عز وجل أنها في كتبهم ولكنه يقول إن هذا زعمهم بأفواههم أي لم تخرج عن إطار الزعم الشفوي , فلم يقل عز وجل مثلا [ وقالت اليهود عزير بن الله الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة ] ولكنه قال :
) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ([التوبة : 30].
وهذا بحد ذاته يجيب علي تساؤلات النصاري حول هذه النقطة .
ولا ننسي أن نذكر دقة اللفظ القرآني هنا ) ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ ([التوبة : 30]. والكلام هنا يعود علي النصاري واليهود في زعم بنوة عزير والمسيح لله فإن كان لا يوجد بكتب اليهود ما يقول ببنوة عزير لله فأيضا لن يجد القاري لكتب النصاري ما يؤيد زعمهم بأن المسيح أبن الله بل أن هناك ما يثبت عبودية المسيح عليه السلام لله إذ يقول يوحنا في الإنجيل المنسوب إليه :
[ 17: 3 و هذه هي الحياة الابدية ان يعرفوك انت الاله الحقيقي وحدك و يسوع المسيح الذي ارسلته ](6/147)
حيث نجد بكل وضوح أقرار المسيح بأن الله هو الإله الحقيقي وحده وأن يسوع ما هو إلا رسول خلت من قبله الرسل . بل أن المسيح نفسه لم يدعي هذا يخبرنا كاتب إنجيل لوقا :
22: 70 فقال الجميع افانت ابن الله فقال لهم انتم تقولون اني انا هو
لم يقل المسيح نعم أنا أبن الله ولكنه قال لهم أنتم الذين تقولون. وكاتب إنجيل يوحنا يقول :
( قال لهم يسوع : لو كنتم أولاد إبراهيم لكنتم تعملون أعمال إبراهيم ، ولكنكم تطلبون أن تقتلوني ، وأنا إنسان قد كلمكم بالحق الذي سمعه من الله).
يقول هنا المسيح بكل وضوح أنه إنسان يبلغهم الحق من ربه وربهم .
أما لفظة أبن الله فهي لفظة مجازية وليست حقيقة ولم يدعي بها المسيح وحده بل هناك أكثر من شخص أخر دعي بنفس اللقب أبن الله وهذا نجدهسفر الأيام الأول العدد 17 : 11-14 حيث يقول الربي لداوود :
[ ويكون متى كملت أيامك .. أني أقيم بعدك نسلك .. أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً ]
وهذا علي سبيل المثال لا الحصر لأثبات أن كلا من اليهود والنصاري إنما يقولون هذا بأفوههم ولم تقله كتبهم
ولكننا لن نتوقف عند هذا الحد بأمر الله بل سوف ننتقل لنقاط أخري تبطل هذا الزعم .
ثانيا :
لا يوجد أي وجه لللإستغراب في إدعاء اليهود بأن عزير أبن الله فمن قتل الأنبياء مثل زكريا ويوحنا علي سبيل المثال ومن عبد العجل الذهبي ورمال البحر المنشق بأمر الله وأمام اعينهم لا زالت عالقة بقدمة لا يستغرب منه أن يدعي للرحمن ولدا بل ونقول للنصاري هل يصعب تصديق هذا علي من قتل ربكم بحسب زعمكم .
ثالثا :
يجهل النصاري أن في علوم القرآن ما يعرف بأسباب النزول وأسباب نزول هذه الآيه وحده كفيل بدحض الشبهة ففي كتاب الروض الأنف نجد الرواية التالية لأسباب نزول هذه الآيه الكريمة :
[ قال ابن إسحاق : وأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم سلام بن مشكم ، ونعمان بن أوفى أبو أنس ومحمود بن دحية وشأس بن قيس ، ومالك بن الصيف ، فقالوا له كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، وأنت لا تزعم أن عزيرا ابن الله ؟ فأنزل الله عز وجل في ذلك من قولهم ) وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ ([التوبة : 30]. ]
وهذه الآية لا تتحدث عن اليهود بصفة عامة بل عن يهود المدينة فقط فقد كانوا هم من انتشر فيهم هذا القول الفاسد بنسب عزير لله كما أن زعم انصاري بأن المسيح أبن الله لا محل له عند العديد من الطوائف الأخري إذ يخطئ من يتصور أن كل المسيحيين تقول ببنوة المسيح لله فعلي سبيل المثال في العصر الحديث هناك شهود يهوه ينكروا بنوة المسيح لله وألوهيته المزعومه وقديما بقدم الأرثوذكسية والكاثوليكة يوجد الناسطرة نسبة إلي نسطور الذي يري يرى (أن اتحاد اللاهوت بعيسى الإنسان ليس اتحاداً حقيقياً، بل ساعده فقط، وفسر الحلول الإلهي بعيسى على المجاز أي حلول الأخلاق والتأييد والنصرة. وقال في إحدى خطبه:
"كيف أسجد لطفل ابن ثلاثة أشهر؟" وقال: "كيف يكون لله أم؟ إنما يولد من الجسد ليس إلا جسداً، وما يولد من الروح فهو روح. إن الخليقة لم تلد الخالق، بل ولدت إنساناً هو إله اللاهوت".) .
ويقول عنه المؤرخ ساويرس ابن المقفع في كتابه "تاريخ البطاركة": " إن نسطور كان شديد الإصرار على تجريد المسيح من الألوهية إذ قال: إن المسيح إنسان فقط. إنه نبي لا غير".
وهذا لا يعطي أي مصداقية لصاحب السؤال لأنه لا يوجد عقيدة واحدة لدي كل يهود العالم كما لا توجد عقيدة نصرانية واحدة لدي كل نصاري العالم فكل أتخذ إلهه هواه أو حمل النصوص مالا تحتمل من أجل أثبات ما يوافق هواه .
أما قوله تعالي في نهاية الآية :
) ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ ([التوبة : 30].
فيشير الله سبحانه وتعالي أن اليهو والنصاري إنما يفترون علي الله الكذب ويقولون بأفوههم أكاذيب ما أنزل الله بها من سلطان مثلهم مثل من سبقوهم إلي الكفر كالبوذيين القائلين بأن بوذا هو أبن الله أو من قالوا بأن كريسنا أبن الله من العذراء ديفاكي .
وأختتم الرد بقوله تعالي :
)قالوا اتخذ الله ولدا سبحانه هو الغني له ما في السماوات وما في الأرض إن عندكم من سلطان بهذا أتقولون على الله ما لا تعلمون ( [يونس : 68]
===============
شبهات حول أخطاء قرانية مزعومة
- للشيخ الدمشقية
كلمة قبل مناقشة الأخطاء اللغوية المزعومة:
العجب منكم أنكم تدققون في أمور لا تقارن بوجه من الوجوه أمام مصائب تضمنها كتابكم لا يقبلها إلا مجنون أو متعصب بلغ به تعصبه إلى الجنون.(6/148)
إننا نذكركم بما تضمنه كتابكم (البايبل) عن المسيح أنه قال « وَلِمَاذَا تُلاَحِظُ الْقَشَّةَ فِي عَيْنِ أَخِيكَ، وَلكِنَّكَ لاَ تَتَنَبَّهُ إِلَى الْخَشَبَةِ الْكَبِيرَةِ فِي عَيْنِكَ؟ 42أَوْ كَيْفَ تَقْدِرُ أَنْ تَقُولَ لأَخِيكَ: يَاأَخِي، دَعْنِي أُخْرِجِ الْقَشَّةَ الَّتِي فِي عَيْنِكَ! وأَنْتَ لاَ تُلاحِظُ الْخَشَبَةَ الَّتِي في عَيْنِكَ أَنْتَ. يَامُرَائِي، أَخْرِجْ أَوَّلاً الْخَشَبَةَ مِنْ عَيْنِكَ، وَعِنْدَئِذٍ تُبْصِرُ جَيِّداً لِتُخْرِجَ الْقَشَّةَ الَّتِي فِي عَيْنِ أَخِيكَ» (لوقا6/41).
هل عميت أعينكم عما في كتابكم من المصائب؟ فاقرأوا ما يلي:
تزعمون أن الرب أمر حزقيال أن يأكل الخرء الخارج من دبره فيخلطها مع الخبز ويطلب منه أن يعمم هذا الأمر على بني إسرائيل (حزقيال4/9) وأن قوما آخرين يأكلون غائطهم ويشربون بولهم (ملوك ثاني18/27) وأن يعقوب صارع ربه فطرحه أرضا وغلبه وكان الله يرجوه أن يطلقه حتى يعود إلى السماء (تكوين32/22) وأن الرب أمر كل أجنبي إذا لقي يهوديا أن يسجد له على الأرض ويلحس غبار نعليه (أشعيا49/21) وأن لوطا زنا بابنتيه فأنجبتا منه ولدين (تكوين19/30) وأن يهوذا زنا بكنته (تكوين38/15) وأن داود زنا بامرأة جاره (صموئيل ثاني11/1) وأن كل ما تمسه الحائض أو تقعد عليه يصير نجسا (لاويين15/19)
تجدون في كتابكم نصوصا مثيرة للغريزة الجنسية مثل سفر نشيد الأنشاد الذي يتضمن نصوصا تأبى المرأة العفيفة أن تسمعها لئلا تخدش حياءها حتى إننا نجد جورج برنارد شو ينصح بحفظ البايبل بعيدا عن متناول الأطفال لما فيه من النصوص الجنسية الفاضحة حتى وصف البايبل بأنه أخطر كتاب على وجه الأرض وأمر بوضعه في مكان محكم الإقفال.
لو سألت أحد هؤلاء أن يقرأ عليك نصا بالعربية أو يعرب لك نصا لطفق الصغار يضحكون على قراءته. فهو لا يجيد القراءة فضلا عن الإعراب. ومع ذلك يأتي ليتحدث عن أخطاء لغوية في القرآن.
نصوص بلاغية مضحكة من الكتاب المقدس
(خروج8:15) وبريح أنفك تراكمت المياه .
أتعون ما تقولون أيها الفصحاء البلغاء: بريح الأنف تتراكم المياه أمِ من الإصابة بالزكام؟
(أيوب10:35) الله صانعي، مؤتي الأغاني في الليل، الذي يعلمنا أكثر من وحوش الأرض، ويجعلنا أحكم من طيور السماء .
فما هو العلم الذي تعلمكم إياه وحوش الأرض. وما هي الحكمة التي تؤتيكم إياها الطيور؟؟؟
(1صمو1:2) قالت حنة : ارتفع قرني بالرب . اتسع فمي على أعدائي . وليس صخرة مثل الهنا . قسي الجبابرة انحطمت ..والضعفاء تمنطقوا بالبأس .
انحطمت تمنطقوا. إرتفاع القرن بالرب. وتشبيه لربكم بالصخرة؟؟؟
(الجامعة1:3) لكل شيء زمان ولكل أمر تحت السموات وقت. للولادة وقت وللموت وقت. للغرس وقت ولقلع المغروس وقت. للبكاء وقت وللضحك وقت. وللنوح وقت وللرقص وقت. لتفريق الحجارة وقت ولجمع الحجارة وقت. للمعانقة وقت وللانفصال عن المعانقة وقت. للتمزيق وقت وللتخييط وقت.
أرأيتم هذا التعبير الأدبي الذي عجز عن مثله أو العتاهية والمتنبي وسائر أدباء العرب؟ أسلوب لا أدبي رفيع الركاكة. هكذا.. تمزيق وتخييط. جمع حجارة وتفريقها. وضع غرس ثم قلعه. نوح ورقص.
الشبهات والرد عليها
1 - نصب الفاعل ورفع المفعول
جاء في سورة البقرة2/124 ) وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين(. والصحيح أن يقول (الظالمون) فالظالمون لا ينالون العهد. فجعل القرآن الفاعل منصوبا.
الجواب: لا ينال فاعل كما في قوله تعالى ) أهؤلاء الذين أقسمتم لا ينالهم الله برحمة( (الأعراف49). والمعنى أن الظالمين من ذريتك لا ينالهم استخلافي. وهذا تحكم منهم أن يقولوا إن الآية تعني أن الظالمين فاعل. والعهد مفعول. فإن عهد الله هو شرطه. ولا يتضمن شرطه الظالمين. وهذا الاستغلال منهم سببه امتناع ظهور علامة الرفع وهي الضمة فوق الياء (عهدي) فجعلوا (الظالمين) فاعلا مؤخرا و(عهدي) مفعولا مقدما؟ أنى لهم هذا التحكم والأصل تقديم الفاعل على المفعول لا سيما إذا كان السياق متضمنا للبس. كعدم ظهور التشكيل. فلو قلنا (ضرب موسى عيسى) لا يجوز تأخير الفاعل منعا من وقوع اللبس إذ لا بد حينئذ من تقديم الفاعل وتأخير المفعول. أما إذا لم يكن هناك لبسا فيجوز التقديم والتأخير مثل جاء في أول هذه الآية (إبتلى إبراهيمَ ربُه),
2 - رفع المعطوف على المنصوب
س 106: جاء في سورة المائدة 5: 69 إِنَّ الذِينَ آمَنُوا وَالذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئُونَ . وكان يجب أن ينصب المعطوف على اسم إن فيقول والصابئين كما فعل هذا في سورة البقرة 2: 62 والحج 22: 17.(6/149)
الجواب: لو كان في الجملة اسم موصول واحد لحق لك أن تنكر فإنه لا يكون إلا وجه واحد: (إن الذين آمنوا والصابئين) لكن لا يلزم لاسم الموصول الثاني أن يكون تابعا لإن. فالواو هنا استئنافية وليست عطفا على الجملة الأولى. والصابئون رفع على الابتداء، وخبره محذوف، والنية به التأخير عما في (إن) من إسمها وخبرها، كأنه قيل: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى: حكمهم كذا. والصابئون كذلك. هذا ما رجحه ابن سيبويه في مخالفة الإعراب، وأنشد شاهدا له:
وإلا فاعلموا أنا وأنتم بغاة ما بقينا على شقاق
أي فاعلموا أنّا بغاة وأنتم كذلك. ويكون العطف من باب عطف الجمل، فالصابئون وخبره المحذوف جملة معطوفة على جملة قوله: إن الذين آمنوا، ولا محل لها، كما لا محل للجملة التي عطفت عليها، وإنما قدم (الصابئون) تنبيها على أن هؤلاء أشد إيغالا في الضلالة واسترسالا في الغواية لأنهم جردوا من كل عقيدة» (إعراب القرآن2/526).
3 - تذكير خبر الاسم المؤنث
س 108: جاء في سورة الأعراف 7: 56 إِنَّ رَحْمَةَ اللهِ قَرِيبٌ مِنَ المُحْسِنِينَ . وكان يجب أن يتبع خبر إن اسمها في التأنيث فيقول قريبة .
الجواب: إن تذكير (قريب) على تذكير المكان. أي مكان قريب. قال الفراء: إن القريب إذا كان بمعنى المسافة فيجوز تذكيره وتأنيثه. واذا كان بمعنى النسب فيؤنث بلا اختلاف بينهم. فيقال: دارك منا قريب. قال تعالى (لعل الساعة أن تكون قريبا). (إعراب القرآن الكريم3/371).
4 - تأنيث العدد وجمع المعدود
س 109: جاء في سورة الأعراف 7: 160 وَقَطَّعْنَاهُمْ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أَسْبَاطاً أُمَماً . وكان يجب أن يذكر العدد ويأتي بمفرد المعدود فيقول اثني عشر سبطاً .
الجواب: إن (أسباطا) ليس تمييز لأنه جمع. وإنما هو بدل من (اثنتي عشرة) بدل كلٍ من كل. والتمييز محذوف. أي اثنتي عشرة فرقة. ولو كان (أسباطا) تمييزا عن اثنتي عشرة لذكر العددان. ولقيل: اثني عشر، بتذكيرهما وتجريدهما من علامة التأنيث، لأن السبط واحد الأسباط مذكر. ولا يجوز أن يكون (أسباطا) تمييزا، لأنه لو كان تمييزا لكان مفردا. وجاء في قول عنترة:
فيها اثنتان وأربعون حلوبة سوداً كخافية الغراب الأسحم
(إعراب القرآن الكريم 3/474).
5 - جمع الضمير العائد على المثنى
س 110: جاء في سورة الحج 22: 19 هذا نِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ . وكان يجب أن يثنّي الضمير العائد على المثنّى فيقول خصمان اختصما في ربهما
الجواب: الجملة في الآية مستأنفة مسوقة لسرد قصة المتبارزين يوم بدر وهم حمزة وعلي وعبيدة بن الحارث وعتبة وشيبة ابنا ربيعة والوليد بن عتبة.
التقدير هؤلاء القوم صاروا في خصومتهم على نوعين. وينضوي تحت كل نوع جماعة كبيرة من البشر. نوع موحدون يسجدون لله وقسم آخر حق عليه العذاب كما نصت عليه الآية التي قبلها. (إعراب القرآن الكريم 6/415)
6 - أتى باسم الموصول العائد على الجمع مفرداً
س 111: جاء في سورة التوبة 9: 69 وَخُضْتُمْ كَالذِي خَاضُوا . وكان يجب أن يجمع اسم الموصول العائد على ضمير الجمع فيقول خضتم كالذين خاضوا .
الجواب: الكاف ومدخولها في محل نصب على المفعولية المطلقة. والضمير المحذوف تقديره: كالأمر الذي خاضوا فيه (إعراب القرآن الكريم 4/129).
7 - جزم الفعل المعطوف على المنصوب
س 112: جاء في سورة المنافقون 63: 10 وَأَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ المَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلاَ أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ وكان يجب أن ينصب الفعل المعطوف على المصوب فأَصدق وأَكون .
الجواب: الفاء في (فأصدق) عاطفة. وأكن فعل مضارع مجزوم بالعطف على محل فأصدق وأكن. واسم أكن مستتر تقديره أنا. و(من الصالحين) خبرها. (إعراب القرآن الكريم 10/103).
8 - جعل الضمير العائد على المفرد جمعاً
س 113: جاء في سورة البقرة 2: 17 مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الذِي اسْتَوْقَدَ نَاراً فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ . وكان يجب أن يجعل الضمير العائد على المفرد مفرداً فيقول استوقد... ذهب الله بنوره .
الجواب: المخالفة بين الضميرين من فنون البلاغة القرآنية. فقد وحد الضمير في (استوقد) وحوله نظرا إلى جانب اللفظ لأن المنافقين كلهم على قول واحد وفعل واحد. وأما رعاية جانب المعنى في (بنورهم وتركهم) فلكون المقام تقبيح أحوالهم وبيان ذاتهم وضلالهم فإثبات الحكم لكل فرد منهم واقع. (إعراب القرآن الكريم 1/45).
9 - نصب المعطوف على المرفوع(6/150)
س 114: جاء في سورة النساء 4: 162 لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي العِلْمِ مِنْهُمْ وَالمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالمُقِيمِينَ الصَّلَاةَ وَالمُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ أُولَئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً. وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول والمقيمون الصلاة .
الجواب: الواو معترضة . والمقيمين نصب على المدح بإضمار فعل لبيان فضل الصلاة كما قال سيبويه. والنصب على المدح أو العناية لا يأتي في الكلام البليغ إلا لفائدة وهي هنا مزية الصلاة. وكما قال تعالى في آية أخرى )والموفون بعهدهم إذا عاهدوا والصابرين في البأساء والضراء(. وهذا سائغ في كلام العرب كما قال الشاعر:
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر
واستشهد سيبويه في ذلك بقول الشاعر:
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
الطاعنين ولما يطعنوا أحدا والقائلون: لمن دار تخليها
(إعراب القرآن الكريم 2/378)
10 - نصب المضاف إليه
س 115: جاء في سورة هود 11: 10 وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ نَعْمَاءَ بَعْدَ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئَاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ . وكان يجب أن يجرَّ المضاف إليه فيقول بعد ضراءِ .
الجواب: يظهر أن المعترض جاهل بأصول النحو والإعراب. وذلك أن (ضراء) مضاف إليه والمضاف إليه مجرور بالكسرة ولكن منع من الصرف انتهاء الكلمة بألف التأنيث الممدودة. (إعراب القرآن الكريم4/320).
11 - أتى بجمع كثرة حيث أريد القلة
س 116: جاء في سورة البقرة 2: 80 لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّاماً مَعْدُودَةً . وكان يجب أن يجمعها جمع قلة حيث أنهم أراد القلة فيقول أياماً معدودات .
الجواب: أنه يجوز فيه الوجهان معدودة ومعدودات ولكن الأكثر أن (معدودة) في الكثرة. و(معدودات) في القلة. قال الزجاج: كل عدد قل أَو كثر فهو معدود، ولكن معدودات أَدل على القِلَّة لأَن كل قليل يجمع بالأَلف والتاء نحو دُرَيْهِماتٍ وحَمَّاماتٍ. وقد يجوز أَن تقع الأَلف والتاء للتكثير» (لسان العرب1774) وهنا لا دلالة فيه على القلة بخلاف قوله تعالى ) واذكروا الله في أيام معدودات( فهي ثلاثة أيام المبيت في منى وهي قليلة العدد. كذلك الشأن في مناسك.
12 - أتى بجمع قلة حيث أريد الكثرة
س 117: جاء في سورة البقرة 2: 183 و184 كُتِبَ عَلَى الذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ أَيَّاماً مَعْدُودَات . وكان يجب أن يجمعها جمع كثرة حيث أن المراد جمع كثرة عدته 30 يوماً فيقول أياماً معدودة.
الجواب: تقدم جواز الوجهين في ذلك كما بينه الزجاج (نقلا عن لسان العرب لابن منظور ص1774).
13 - جمع اسم علم حيث يجب إفراده
س 118: جاء في سورة الصافات 37: 123-132 وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ المُرْسَلِينَ... سَلاَمٌ عَلَى إِلْيَاسِينَ ... إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُؤْمِنِين . فلماذا قال إلياسين بالجمع عن إلياس المفرد؟ فمن الخطا لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلَّف. وجاء في سورة التين 95: 1-3 وَالتِّينِ وَالزَيْتُونِ وَطُورِ سِينِينَ وَهَذَا البَلَدِ الأَمِينِ . فلماذا قال سينين بالجمع عن سيناء؟ فمن الخطأ لغوياً تغيير اسم العلَم حباً في السجع المتكلف.
الجواب: إن هذا اسم علم أعجمي ومهما أتى بلفظ فإنه لا يعني مخالفة لغة العرب. مثل إبراهيم وأبرام. وهما إسمان لنبي واحد. فهو إلياس واسمه الكامل إلياسين. فالاسم ليس من الأسماء العربية حتى يقال هذا مخالف للغة العرب. كذلك الأمر في قوله تعالى ) وطور سينين( والسينين باللغة الحبشية هو الشيء الحسن. فإنها من باب تسمية الشيء الواحد بتسميات متشابهة كتسمية مكة بكة.
14 - أتى باسم الفاعل بدل المصدر
س 119: جاء في سورة البقرة 2: 177 لَيْسَ َالبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ وَالمَغْرِبِ وَلَكِنَّ البِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ وَالمَلائِكَةِ وَالكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ. والصواب أن يُقال ولكن البر أن تؤمنوا بالله لأن البر هو الإيمان لا المؤمن.(6/151)
الجواب: وكأن السائل بولسي المنهج الذي يرى الايمان شيئا غير العمل. ولهذا لاحظ فيها مخالفة لمنهجه فقال: لأن البر هو الإيمان. كما قال بولس من قبله « نحسب أن الانسان يتبرر بالايمان فقط لا بالعمل». فليذهب وليقرأ سفر يعقوب المناقض لعقيدة الإرجاء التي وقع فيها بولس مخالفا كل نص العهد القديم والجديد. والصحيح أن الإيمان عمل. إذن فالبر هو عمل المؤمن. فيصير معنى الآية ولكن البر هو أن يعمل الإنسان كذا لا لمجرد أن يعمل شيئا واحدا ويظن أن الإيمان يتحقق به فقط. والإيمان بالله من الأعمال الإيمانية وتتضمن أعمالا للقلب تبعث على عمل الجوارح كالخشية والخضوع والتوكل والخوف والرجاء. وهذه كلها تبعث على العمل الصالح.
15 - نصب المعطوف على المرفوع
س 120: جاء في سورة البقرة 2: 177 وَالمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي البَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ البَأْسِ . وكان يجب أن يرفع المعطوف على المرفوع فيقول والموفون... والصابرون.
الجواب: جاء السياق بلفظ (الصابرين) وهو منصرب على المدح إشعارا بفضل الصبر ومدحا لأهله كما هو معروف عند العرب:
لا يبعدن قومي الذين هم سم العداة وآفة الجزر
النازلين بكل معترك والطيبون معاقد الأزر
واستشهد سيبويه في ذلك بقول الشاعر:
وكل قوم أطاعوا أمر سيدهم إلا نميرا أطاعت أمر غاويها
الطاعنين ولما يطعنوا أحدا والقائلون: لمن دار تخليها
(إعراب القرآن الكريم 1/250).
16 - وضع الفعل المضارع بدل الماضي
س 121: جاء في سورة آل عمران 3: 59 إنّ مثَل عيسى عند الله كمثَل آدمَ خلقه من ترابٍ ثم قال له كن فيكون . وكان يجب أن يعتبر المقام الذي يقتضي صيغة الماضي لا المضارع فيقول قال له كن فكان.
الجواب: وكيف يقتضي المقام صيغة الماضي لا المضارع. مع أن (ثم) حرف عطف للترتيب مع التراخي. وهل يعقل أن يكون السياق هكذا: أذا أمرتك بشيء فعلت؟ أم أن الأصح أن تقول: إذا أمرتك بشيء تفعله؟ وتقدير السياق في الآية فإذا أراد الله شيئا فيكون ما أراد. ولا يقال فكان ما أراد. فإن (أراد) فعل ماضي. وليس من المنطق أن يأتي المراد بصيغة الماضي لأنه تحقق بعدما أن أراده الله. فتكون صيغة المضارع مفيدة للتراخي بحيث يكون الشيء المراد بعد إرادة كونه. وتأمل لو أننا صغنا العبارة الأخيرة بقولنا: بحيث كان الشيء المراد بعد إرادة كونه!!! أي العبارة أبلغ وأكمل لو كنتم تفقهون؟ ولكن كما قيل « أبت العربية أن تتنصر».
17 - لم يأت بجواب لمّا
س 122: جاء في سورة يوسف 12: 15 فَلَمَّا ذَهَبُوا بِهِ وَأَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيَابَةِ الجُبِّ وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِ لَتُنَبِّئَنَّهُمْ بِأَمْرِهِمْ هذا وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ . فأين جواب لمّا؟ ولو حذف الواو التي قبل أوحينا لاستقام المعنى.
الجواب: وهذا من أساليب البلاغية العالية للقرآن أنه لا يذكر لك تفاصيل مفهومة بديهة في السياق. فإن جملة (فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب) معطوفة على محذوف يفهم من سياق القصة تقديره: فأرسله معهم. (إعراب القرآن الكريم 4/461).
18 - أتى بتركيب يؤدي إلى اضطراب المعنى
س 123: جاء في سورة الفتح 48: 8 و9 إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيرا لتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً . وهنا ترى اضطراباً في المعنى بسبب الالتفات من خطاب محمد إلى خطاب غيره. ولأن الضمير المنصوب في قوله تعزّروه وتوقروه عائد على الرسول المذكور آخراً وفي قوله تسبحوه عائد على اسم الجلالة المذكور أولاً. هذا ما يقتضيه المعنى. وليس في اللفظ ما يعينه تعييناً يزيل اللبس. فإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الرسول يكون كفراً، لأن التسبيح لله فقط. وإن كان القول تعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلاً عائداً على الله يكون كفراً، لأنه تعالى لا يحتاج لمن يعزره ويقويه!!
قبل أن نجيب على هذه الشبهة نذكر القوم بأن المسيح الذي هو عندهم رب احتاج إلى جحش ليركبه وأمر تلاميذه أن يقولوا لصاب الجحش« الرب محتاج إليهما» (متى21/2). وأن ربهم بدا عليه الخوف والقلق حتى ظهر له ملك يقويه ويشدده (لوقا22/43). أليس هذا من الكفر أيضا أن يحتاج الرب إلى جحش يركب عليه ومخلوق يشد من أزره؟
الجواب: نعم يكون كفرا إذا التزمنا بأن الضمير في التسبيح يعود على النبي e. لكننا لا نلتزم ذلك. وعلمنا ربنا أن التسبيح والذكر يكون له وحده.
وإنما نلتزم أن الله أرسل لنا النبي e لأسباب عديدة مرتبطة بلام التعليل: أولها لنؤمن بالله. وثانيهما لننصر رسوله e ونبجله بالاحترام والتقدير. ومن أسباب إرسال نبيه أن يعلمنا تسبيح الله بكرة وعشيا.
19 - نوَّن الممنوع من الصرف(6/152)
س 124: جاء في سورة الإنسان 76: 15 وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا بالتنوين مع أنها لا تُنّوَن لامتناعها عن الصرف؟ إنها على وزن مصابيح.
وجاء في سورة الإنسان 76: 4 إِنَّا أَعْتَدْنَا لْكَافِرِينَ سَلاَسِلاً وَأَغْلاَلاً وَسَعِيراً . فلماذا قال سلاسلاً بالتنوين مع أنها لا تُنوَّن لامتناعها من الصرف؟
الجواب: لم أجد التنوين المزعوم في قواريرا. وأما سلاسلا فلم أجدها منونة أيضا. وإنما هي في بعض القراءات المرجوحة. وليست هي في الرسم العثماني المتوافر بين أيدينا. فهل عند المعترض قرآن آخر يحتج به علينا؟
20 - تذكير خبر الاسم المؤنث
س 125: جاء في سورة الشورى 42: 17 اللهُ الذِي أَنْزَلَ الكِتَابَ بِالحَقِّ وَالمِيزَانَ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ. فلماذا لم يتبع خبر لعل اسمها في التأنيث فيقول قريبة؟
الجواب: في الآية مقدر محذوف وهو مجيء الساعة قريب. وفيه أيضا فائدة وهي أن الرحمة والرحم عند العرب واحد فحملوا الخبر على المعنى. ومثله قول القائل: إمرأة قتيل. ويؤيده قوله تعالى ) هذا رحمة من ربي( فأتى اسم الإشارة مذكرا. ومثله قوله تعالى ) والملائكة بعد ذلك ظهير(.
وقد جهل المعترض بأنه المذكر والمؤنث يستويان في أوزان خمسة:
1 - فعول كرجل صبور وامرأة صبور.
2 - فعيل: كرجل جريح وامرأة جريح.
3 – مفعال: كرجل منحار وامرأة منحار أي كثير النحر.
4 – فعيل: بكسر الميم مثل معطير ومسكين وجوزه سيبويه قياسا على الرجل.
5 – مفعل: بكسر الميم وفتح العين. كمغشم وهو الذي لا ينتهي عما يريده ويهواه من شجاعته. ومدعس من الدعس وهو الطعن.
(إعراب القرآن الكريم 9/25).
21 -أتى بتوضيح الواضح
س 126: جاء في سورة البقرة 2: 196 فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَاِملَةٌ . فلماذا لم يقل تلك عشرة مع حذف كلمة كاملة تلافيا لإيضاح الواضح، لأنه من يظن العشرة تسعة؟
الجواب: هذا من باب توكيد الكلام ولا عيب فيه. كما تقول: سمعته بأذني ورأيته بعيني. والحال الاكتفاء بلفظ السماع من غير أن تأتي بلفظ الأذُن والعين. وكما قال الله ) فخر عليهم السقف من فوقهم( ولا يكون الخر إلا من السماء.
وذهب الإمام الطبري إلى أن المعنى « تلك عشرة فرضنا إكمالها عليكم إكمال صومها لمتعتكم بالعمرة إلى الحج. فأخرج ذلك مخرج الخبر».
22 - أتى بضمير فاعل مع وجود فاعل
س 127: جاء في سورة الأنبياء 21: 3 وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الذِينَ ظَلَمُوا مع حذف ضمير الفاعل في أسرّوا لوجود الفاعل ظاهراً وهو الذين.
الجواب: أن هذا جائز على لغة طيء وأزدشنوءة ويضرب اليوم لهذه اللغة مثالا وهو ما يسمى بلغة (أكلوني البراغيث) نحو ضربوني قومك وضربنني نسوتك. وفي الحديث الطويل قول النبي e لورقة بن نوفل رحمه الله « أوَ مخرجي هم». وكان عمرو بن ملقط الجاهلي من شعراء العرب الأوائل يقول:
أُلفِيَتا عيناك عند القفا أولى فأولى لك ذا وقيه
(إعراب القرآن الكريم 6/279).
23 - الالتفات من المخاطب إلى الغائب قبل إتمام المعنى
س 128: جاء في سورة يونس 10: 21 حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ . فلماذا التفت عن المخاطب إلى الغائب قبل تمام المعنى؟ والأصحّ أن يستمر على خطاب المخاطب.
الجواب: أن الالتفات من الخطاب إلى الغيبة من أعظم أنواع البلاغة. فإنه لما كان قوله تعالى (هو الذي يسيركم) خطابا ينطوي على الامتنان وإظهار نعمة المخاطبين، ولما كان المسيرون في البر والبحر مؤمنين وكفارا والخطاب شامل لهم جميعا حسن الخطاب بذلك ليستديم الصالح الشكر، ولعل الطالح يتذكر هذه النعمة فيتهيأ قلبه لتذكر وشكر مسديها. ولما كان في آخر الآية ما يقتضي أنهم إذا نجوا بغوا في الأرض عدل عن خطابهم بذلك إلى الغيبة لئلا يخاطب المؤمنين بما لا يليق صدوره منهم وهو البغي بغير الحق. ومن جهة أخرى ذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها كالمخبر لهم ويستدعي منهم الإنكار عليهم والتقبيح لما اقترفوه، ففي الإلتفات فائدتان وهما المبالغة والمقت والتبعيد.
(إعراب القرآن الكريم 4/226).
24 - أتى بضمير المفرد للعائد على المثنى
س 129: جاء في سورة التوبة 9: 62 وَاللهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ . فلماذا لم يثنّ الضمير العائد على الاثنين اسم الجلالة ورسوله فيقول أن يرضوهما ؟
الجواب: أفرد الضمير للدلالة على أن إرضاء الله هو عين إرضاء الرسول. كذا قال أهل العلم: أن إفراد الضمير لتلازم الرضاءين. وقال سيبويه بأن المراد الله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك.فيكون الكلام جملتين حذف خبر إحداهما لدلالة الثاني عليه والتقدير: والله أحق أن يرضوه ورسوله كذلك. (إعراب القرآن الكريم 4/121).
25 - أتى باسم جمع بدل المثنى(6/153)
س 130: جاء في سورة التحريم 66: 4 إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا . والخطاب (كما يقول البيضاوي). موجّه لحفصة وعائشة. فلماذا لم يقل صغا قلباكما بدل صغت قلوبكما إذ أنه ليس للاثنتين أكثر من قلبين؟
الجواب: أن الله قد أتى بالجمع في قوله (قلوبكما) وساغ ذلك لإضافته إلى مثنى وهو ضميراهما. والجمع في مثل هذا أكثر استعمالا من المثنى. فإن العرب كرهوا اجتماع تثنيين فعدلوا إلى الجمع لأن التثنية جمع في المعنى والإفراد. لا يجوز عند البصريين إلا في الشعر كقوله:
حمامة بطن الواديين ترنمي سقاك من العز الفوادي مطيرها
(إعراب القرآن الكريم 10/134)
=============
الرد على خلق المسيح من الطين كهيئة الطير
- الشيخ صبري عسكر
الرد على من زعم ألوهية المسيح في القرآن الكريم
الحمد لله الواحد الأحد الذي لم يتخذ صاحبة ولا ولدا {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً } الجن3
أحمدك اللهم وأنت أهل أن تحمد خلقتنا ولم نك شيئا ورزقتنا بفضلك وجعلتنا من أمة الإسلام وعلمتنا كيف نعبدك ولولاك ما اهتدينا ولا صلينا ولا زكينا فلك الحمد ولك الشكر .
اللهم إنا نشهد لك بما شهدت به لنفسك وشهد لك به ملائكتك وألوا العلم من خلقك{ شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ } ( آل عمران18 ) اللهم إني أشهدك وأشهد حملة عرشك وملائكتك وجميع خلقك أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك ، اللهم إني نستودعك هذه الشهادة ليوم تشخص فيه الأبصار فترحمنا بها وتنقذنا بها من عذابك وتدخلنا بها جنتك يوم نلقاك .
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في خلقه ولا شريك له في ملكه ولا شريك له في عبادته هو الله ربنا وسع كل شيء رحمة وعلما ( رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْماً فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ) (غافر:7)
وأشهد أن محمدا عبدالله ورسوله أرسله الله رحمة للعالمين فدعا الناس لتوحيده فمن أطاعه نجا ومن عصاه هلك وكان حريصا عليهم حتى شهد له الله بذلك ( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ) (الأحزاب:6) وقال تعالى ( لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ ) ( التوبة: 128)
صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجه واهتدى بهديه واقتفى أثره إلى يوم الدين وبعد .
أيها الأخوة
أيتها الأخوات
أحييكم بتحية الإسلام
السلام الله عليكم ورحمته وبركاته
لقد تحدثنا في اللقاء السابق حول الإسلام ومنهجه في التعامل مع غير المسلمين وما يتميز به هذا الدين العظيم من التسامح والتراحم واستيعاب المخالفين له في حق الحياة ضمن منهجه القويم وهو أن نترك أهل الأديان وما يدينون به .
وتحدثنا أيضا عن تحالف قوى الشر المتمثلة في الصهيونية العالمية والصليبية الحاقدة والشيوعية السافرة ضد هذا العملاق العظيم وبينا سبب هذا العداء ، ثم تعرضنا لمنهج أعداء الإسلام في إثارة الشبهات حول الإسلام والمسألة كما وصفها الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله – [ لا تعدو أن أحمق غرته الأمانيُّ فجاء يناوش القلاع الشم فأصابته قذيفة أودت به ودمرت عليه مكمنه ، وبقيت القمم كما هي ترد الطرف وعاد المغرورون إلى أوكارهم الهشة فإذا بها مسوَّاة بالرغام لقد كنا سكوتا عن طمأنينة مسالمين عن قوة نخدم ديننا وأمتنا في بعد عن الجدل وإيثار للمودة . حتى جاء من يحاول - بغباوته – استفزازنا ؛ وبم ؟ بالهجوم على الإسلام ونبيه وصحابته وتاريخه منذ ظهر إلى اليوم ...) { التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام ص 3 }
وأقول لإخواني الكرام الذين يستمعون لحديثي لا تصدقوا أن في الإسلام شبهات ولا في القرآن ثغرات ولا في السنة خلل وإنما الشبهات والثغرات والخلل في عقول من يثيرها ولا تظنوا أنني أرد بمثل هذه المحاضرات على الذين يثيرونها وإنما أجدها فرصة لأبين لكم أيها المسلمون مافي دينكم من كمال وعظمة ولو علم أعداء الإسلام أنهم السبب في مثل هذه الدراسات التي تظهر جوانب العظمة في هذا الدين ما أثاروا شيئا من ذلك فكل شبهة يثيرونها تظهر عند المنصفين جانبا من جوانب الكمال والعظمة لديننا القويم .
وبالتالي فأنا أقول لمن تسول له نفسه ويزين له شيطانه أن يدخل في غرفهم بحجة أنه يدافع عن دينه قد جانبك الصواب وخالفت ربك وارتكبت إثما مبينا لأمور أوجزها فيما يلي :
1. أن الله تعالى تكفل بحفظ دينه ولم يترك حفظه لبشر فقال تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) (الحجر:9)(6/154)
2. لقد نهانا الله أن نجلس في مكان يسب في الله ورسوله ويكفر فيه بكلامه ( وَقَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتَابِ أَنْ إِذَا سَمِعْتُمْ آيَاتِ اللَّهِ يُكْفَرُ بِهَا وَيُسْتَهْزَأُ بِهَا فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللَّهَ جَامِعُ الْمُنَافِقِينَ وَالْكَافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً) (النساء:140)
3. أنهم لا يثيرون شبهات حول الإسلام لغرض التعلم أو المعرفة ولو كانوا كذلك لذهبوا إلى أهل العلم وسألوهم ( وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لَاتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلَّا قَلِيلاً) (النساء:83) فمقصدهم خبيث وهو إبعاد المسلمين عن دينهم وتشكيكهم في عقيدتهم فهل نبلغهم هدفهم ؟ .
4. قد يتلمس بعض المسلمين لأنفسهم أعذارا بحجة أنهم يذهبون إلى غرفهم للاستماع إلى مايثيرونه من شبهات لأجل دراستها والرد عليها وأقول لمن يقول بذلك عذرك غير مقبول لأنك نسيت أن المبدأ الإسلامي لا يوافق على مبدأ الغاية تبرر الوسيلة والمبدأ الإسلامي الغاية والوسيلة لابد أن تتوافق مع شرع الله فلا يحل للمحتسب أن يدخل بيتا دون إذن أهله بحجة أن يراقبهم كي يمسك بهم وهم على معصية وبالتالي فلا يحل لك أن تخالف أمر الله وتدخل في غرفهم بحجة الاستماع لشبههم حول الإسلام .
5. في دخول المسلمين لغرفهم تشجيعا لهم على الاستمرارية وزيادة لأعداد الداخلين عندهم ويعتبرون ذلك دليلا على نجاح عملهم وزيادة لأجورهم من الجهات العليا التي تمولهم وتساندهم ، فيكون دخول مما يدعم استمرارهم ومحاربتهم لله ولرسوله .
6. إننا إذا قاطعناهم نهائيا ولم يجدوا مسلما يشككونه فإنهم سيأتون بواحد منهم ويدعي أنه مسلم ويمثلون حوارا مفتعلا حتى يجدوا مسلما فإن لم يجدوا يأسوا واستمر يأسهم فيتوقفون عن اعتدائهم السافر على الله ورسوله وصحابته الكرام .
والآن : وبعد أن سمعتم بيان الحكم الشرعي بحرمة الدخول عندهم .
هل ندخل عندهم ؟ بالطبع لا وألف لا .
فإذا رأينا من يدخل عندهم من المسلمين بعد كل ذلك فماذا يكون موقفنا منه ؟
أرى أن من يعرف الحكم ويتضح له ونبين له أن يمتنع فإذا دخل بعد ذلك فإنما هو واحد منهم وإن تظاهر أنه مسلم وسمى نفسه باسم المسلمين .
أيها الأخوة : أعزوا أمر الله يعزكم الله ولا ترضوا الذلة والمهانة لدينكم ولا تدخلوا عندهم وتكونوا تحت ولا يتهم وتجعلوا من عباد الصليب أمراءً عليكم فترفعون أيديكم لهم فيأذنون لكم بالكلام أو يؤخرونكم أو يوافقون على بقائكم في غرفهم أو يطردونكم .
واسمحوا لي الآن أن أتناول شبهة من الشبهات التي يثيرونها ضد الإسلام لا لأدفع ثغرة عن ديننا ولكن لأبين جهلهم وأظهر لكم أنهم بغباوتهم أرادوا أن يسيئوا للإسلام فارتدت الإساءة عليهم وبقي الإسلام شامخا مرفوع الرأس عزيزا قويا كما أراد له الله .
كما سأوضح لكم من خلال هذه الدراسة أن كل شبهة يثيرونها ما هي إلا جانبا من جوانب العظمة في هذا الدين العظيم .
وأقول وبالله تعالى التوفيق :
من هذه الشبهات ما كان من أحد النصارى في البالتوك في إحدى الغرف الإسلامية وعلى إثر حوار معين حول جواز سب البابا الهالك أو عدم جواز سبه وكنت ممن يرى عدم سبه وخالفني في ذلك بعض إخواني المسلمين - وكل منا له رأيه - فطمع فيَّ أحد النصارى واسمه الغراب – طمع هذا الذي سمى نفسه بالغراب أن يُنَصرَني - لما رأى من هدوئي في الحوار مع إخواني بضرورة عدم السب والشتم لمن خالفنا من النصارى ، فرأيته يخاطبني على الخاص ويقول لي أن عيسى وهو المسيح وبنص القرآن الكريم إله ولكنكم ترفضون ذلك رغم إيمانكم بالقرآن .
فقلت له القرآن الكريم ينص على أن عيسى – عليه السلام إله ؟
قال نعم .
قلت فأين ذلك في القرآن الكريم ؟
فذكر الآية الكريمة من سورة آل عمران :
{وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران49
وبالطبع رجعت إلى تفسير الآية الكريمة لأكثر من تفسير فلم أجد في نص الآية ولا في تفسيرها ما يشير من قريب ولا من بعيد إلى ألوهية عيسى عليه السلام .
ومعنى الآية :
كما جاء في تفسير القرطبي بتصرف يسير :
قوله تعالى: (ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل)(6/155)
قال ابن جريج: الكتاب الكتابة والخط. وقيل: هو كتاب غير التوراة والإنجيل علمه الله عيسى عليه السلام.
( ورسولا ) ي ونجعله رسولا. أو يكلمهم رسولا. وقيل: هو معطوف على قوله (وجيها) وفي حديث أبي ذر الطويل (وأول أنبياء بني إسرائيل موسى وآخرهم عيسى عليه السلام)
"أني أخلق لكم " أي أصور وأقدر لكم. "من الطين كهيئة الطير "
قرأ الأعرج وأبو جعفر "كهيّة " بالتشديد. الباقون بالهمز.
"فأنفخ فيه " أي في الواحد منه أو منها أو في الطين فيكون طائرا .
قال وهب: كان يطير ما دام الناس ينظرون إليه فإذا غاب عن أعينهم سقط ميتا ليتميز فعل الخلق من فعل الله تعالى.
وقيل: لم يخلق غير الخفاش لأنه أكمل الطير خلقا ليكون أبلغ في القدرة لأن لها ثديا وأسنانا وأذنا، وهي تحيض وتطهر وتلد. ويقال: إنما طلبوا خلق خفاش لأنه أعجب من سائر الخلق؛ ومن عجائبه أنه لحم ودم يطير بغير ريش ويلد كما يلد الحيوان ولا يبيض كما يبيض سائر الطيور، فيكون له الضرع يخرج منه اللبن، ولا يبصر في ضوء النهار ولا في ظلمة الليل، وإنما يرى في ساعتين: بعد غروب الشمس ساعة وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يُسفر جدا، ويضحك كما يضحك الإنسان، ويحيض كما تحيض المرأة.
ويقال:
إن سؤالهم كان له على وجه التعنت فقالوا: أخلق لنا خفاشا واجعل فيه روحا إن كنت صادقا في مقالتك؛ فأخذ طينا وجعل منه خفاشا ثم نفخ فيه فإذا هو يطير بين السماء والأرض؛ وكان تسوية الطين والنفخ من عيسى والخلق من الله، كما أن النفخ من جبريل والخلق من الله.
قوله تعالى: "وأبرئ الأكمه والأبرص وأحي الموتى بإذن الله "
الأكمه: الذي يولد أعمى؛ عن ابن عباس. وكذا قال أبو عبيدة قال: هو الذي يولد أعمى؛
والبرص : معروف وهو بياض يعتري الجلد، والأبرص القمر، وسامُّ أبرص معروف، ويجمع على الأبارص. وخُص هذان بالذكر لأنهما عياءان.
وكان الغالب على زمن عيسى عليه السلام الطب فأراهم الله المعجزة من جنس ذلك.
"وأحيي الموتى بإذن الله "
قيل: أحيا أربعة أنفس: العاذر: وكان صديقا له، وابن العجوز وابنة العاشر وسام بن نوح؛ فالله أعلم.
فأما العاذر فإنه كان قد توفى قبل ذلك بأيام فدعا الله فقام بإذن الله وودكه يقطر فعاش وولد له،
وأما ابن العجوز فإنه مر به يُحمل على سريره فدعا الله فقام ولبس ثيابه وحمل السرير على عنقه ورجع إلى أهله.
وأما بنت العاشر فكان أتى عليها ليلة فدعا الله فعاشت بعد ذلك وولد لها؛ فلما رأوا ذلك قالوا: إنك تحيي من كان موته قريبا فلعلهم لم يموتوا فأصابتهم سكتة فأحيي لنا سام بن نوح.
فقال لهم: دلوني على قبره، فخرج وخرج القوم معه، حتى انتهى إلى قبره فدعا الله فخرج من قبره وقد شاب رأسه. فقال له عيسى: كيف شاب رأسك ولم يكن في زمانكم شيب؟ فقال: يا روح الله، إنك دعوتني فسمعت صوتا يقول: أجب روح الله، فظننت أن القيامة قد قامت، فمن هول ذلك شاب رأسي. فسأله عن النزع فقال: يا روح الله إن مرارة النزع لم تذهب عن حنجرتي؛ وقد كان من وقت موته أكثر من أربعة آلاف سنة، فقال للقوم: صدقوه فإنه نبي؛ فآمن به بعضهم وكذبه بعضهم وقالوا: هذا سحر.
قوله تعالى: [ وأنبئكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم إن في ذلك لآية لكم إن كنتم مؤمنين] أي بالذي تأكلونه وما تدخرون. وذلك أنهم لما أحيا لهم الموتى طلبوا منه آية أخرى وقالوا: أخبرنا بما نأكل في بيوتنا وما ندخر للغد؛ فأخبرهم فقال: يا فلان أنت أكلت كذا وكذا، وأنت أكلت كذا وكذا وادخرت كذا وكذا؛ فذلك قوله [وأنبئكم] الآية. وقرأ مجاهد والزهري والسختياني [وما تذخرون] بالذال المعجمة مخففا. وقال سعيد بن جبير وغيره: كان يخبر الصبيان في الكتاب بما يدخرون حتى منعهم آباؤهم من الجلوس معه.
قال قتادة: أخبرهم بما أكلوه من المائدة وما ادخروه منها خفية.
وبإعادة النظر للآية الكريمة نلحظ الآتي :
أولا : بدأت الآية بقول الله تعالى : ( وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ ) وهو تصريح بين واضح أنه رسول وليس إله وفيها أيضا تحديد للجهة المرسل إليها وفي ذلك دليل على خصوصية المهمة وكون ديانته ديانة خاصة ببني إسرائيل دون سواهم فإذا جاء بولس بعد ذلك وجعل من رسالة المسيح الخاصة رسالة عامة يكون قد غير وبدل في رسالة الله للمسيح عيسى عليه السلام .
وفي الآية ( أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ ) أي جئتكم بعلامة من ربكم ولو كان هو ربهم لكانت العلامة منه وليس من غيره .
ولعل قائلهم يقول أنه قال ( بآية من ربكم ) ولم يقل ربي فيستدل بذلك على كونه إله أو ابن إله فأقول :
أن الله العليم الخبير قد سبق علمه بما يدور في نفوس الخبثاء من عباده فرد عليهم بالآية رقم (51) من نفس السورة ( إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ ) (آل عمران:51) فهل يكون الإله مفتقر إلى رب آخر يخلقه ويعبده من كان عنده بقية عقل لا يقول ذلك .(6/156)
( أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللَّهِ )
فقد يستدلون بأن الذي يخلق إنما هو إله واستلالهم بذلك يدل على جهلهم فقد يستدل بجزء من الآية بما يتنافى مع آخره إنه يقول بإذن الله أي أنني أفعل شيئا ليس بإذني ولا بقدرتي ولكنه بإذن الله الذي أرسلني وعليه فيكون مفهوم الآية أنني أحمل لكم ما يدل على أن الذي أرسلني هو الله الخالق ودليلي على ذلك أنني سأريكم شيئا يدل على أن الله الخالق هو الذي أرسلني .
وكما تعلمون أنه أرسل إلى بني إسرائيل وهم أهل كتاب ويعرفون أن الله هو الخالق وأن أمر الخلق محسوم لله ولا يقدر عليه إلا هو سبحانه وتعالى وبالتالي فهو يخبرهم بأن الخالق الذي أرسله إليهم والذي يعرفونه ويؤمنون به أرسله وجعل دليل نبوته وصحة رسالته شيئا من خصائص الله ولكن لم يفته أن ينسب ذلك لله فلم يعترف اليهود به رسولا من عند الله وأنكروه وقرروا صلبه وقتله وبالغ النصارى فرفعوه فوق قدره وجعلوه إلها يعبد من دون الله .
فكان أمر الناس فيه بين منكر له وكافر به وبين مبالغ فيه ورفعه إلى مقام الألوهية حتى جاء الإسلام فأنصفه المسلمون وأعطوه حقه اللائق به من النبوة والرسالة فشهدوا له بالحق الذي أرسله الله من أجله وجاء القرآن ليشهد له أنه قد بلغ ما أمر بتبليغه دون تقصير أو تفريط قال تعالى ( وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ) (المائدة:116) ( مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) (المائدة:117) ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة:118)
فالقرآن الكريم يشهد لعيسى بن مريم بأنه بلغ ما أمره الله بتبليغه ويشهد له بأدبه الرفيع وأخلاقه الحسنة وحبه لعباد الله وتفويض أمرهم إليه سبحانه وتعالى ( إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (المائدة:118) لك الله يا نبي الله ما أحسن قولك وما أشد أدبك وما أجمل حديثك مع ربك ولما لا وأنت قد أرسلك ربك وأعدك وجهزك لتحمل رسالته إلى بني إسرائيل وهم قوم عرفوا بالجدل والمراوغة .
( وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ )
وآية أخرى ومعجزة كبرى وهي أنني أبرئ الأكمه والأبرص وأحيى الموتى بإذن الله فانتم يابني إسرائيل تعلمون أنني لم أتعلم الطب وقد عشت بينكم لم يعلمني منكم أحد وقد عجزتم عن إبراء الأكمه والأبرص وأما أنا فبإذن الله أبرئ الأكمه والأبرص بل وأحيى الموتى بإذن الله فهل تؤمنوا بي وتتبعوني وتصدقونني فيما أرسلت به ؟
( وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (آل عمران:49) كل هذه الآيات البينات لأبرهن لكم على صدق رسالتي وأن الله أرسلني إليكم فهل تؤمنون بي وتتبعونني فيما جئت إليكم به من ربكم .
( وَمُصَدِّقاً لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ) (آل عمران:50) إنني يا معشر بني إسرائيل ما جئت لكم بدين جديد ولا جئت بما تكرهونه بل جئت مصدقا لما بين أيديكم من التوراة ولأحل لكم بعض الذي حرم عليكم ، أي جئت لأخفف عنكم فهل تقبلون مني رسالة ربكم ؟
يا بني إسرائيل ها هي الآيات البينات الواضحات وها هي رسالة ربكم فاقبلوها .
ولكن هل قبل بنو إسرائيل رسالة ربهم بالطبع لا بل رفضوها وقرروا قتل عيسى ابن مريم فنجاه الله من أيديهم ولم يمكن عباد العجل وإخوان القردة والخنازير ومن قالوا على ربهم يد الله مغلولة ( وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) (المائدة:64) ومن قالوا على ربهم إن الله فقير ونحن أغنياء ( لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ سَنَكْتُبُ مَا قَالُوا وَقَتْلَهُمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ) (آل عمران:181)(6/157)
لقد أعدوا له محاكمة وقرروا قتله فلم يمكنه الله من عبده ورسوله عيسى عليه السلام ( وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً) (النساء:157) ()بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً) (النساء:158) يا لحقارة اليهود يرفضون رسالة ربهم ويقررون قتل رسوله فيجعل الله كيدهم في نحورهم ويلقي شبهه على أحدهم فيقتلونه جزاء وفاقا ويا لغباوة النصارى حينما يرفضون القرآن الذي يبرأ أم المسيح وينجي المسيح من كيد اليهود ويصدقون اليهود ويبنون عقيدتهم على أن اليهود قتلوا نبيهم وصلبوه وضربوه بالنعال على وجهه ورأسه وبصقوا في وجهه .
ثم أردف هذا الغراب الذي يحاورني ويطمع في تنصيري قائلا :
بما أن عيسى خلق فهو إله لأن الخالق حتما ولابد أن يكون إلها ثم عقب بقول الله تعالى :
{ أَفَمَن يَخْلُقُ كَمَن لاَّ يَخْلُقُ أَفَلا تَذَكَّرُونَ } ( النحل17 )
وكلام هذا النصراني مردود عليه لأن عيسى لم يخلق خلقا سويا باقيا متناسلا من تلقاء نفسه بل كان خلقا مؤقتا ليبرهن لهم على صدق نبوته مع ذكر من أذن له بذلك وهو الله ولنقرأ الآية الكريمة ليتأكد لنا نسبة الفعل إلى الله وليس إلى عيسى عليه السلام :
{وَرَسُولاً إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُم بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُم مِّنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ اللّهِ وَأُبْرِئُ الأكْمَهَ والأَبْرَصَ وَأُحْيِي الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللّهِ وَأُنَبِّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ }آل عمران49
وإذا كان عيسى قد صنع من الطين كهيئة الطير فصار طيرا بإذن الله فمن قبله موسى رمى عصاه فصارت حية تسعى أيضا بإذن الله ولم يقل أحد أنه إله والحية مخلوق له روح كالطائر الذي ذكر في شان عيسى بل أن الحية كانت اكبر من الطائر وابتلعت حبال وعصي السحرة التي أوهموا الناس أنها تتحرك .
وكما تعلمون أيها الأخوة أن الله يؤيد أنبياءه بمعجزات ولكي تكون معجزة لابد أن تكون أمرا خارقا للعادة وأن تكون من جنس ما نبغ فيه القوم المرسل إليهم هذا النبي ومن ذلك موسى عليه السلام أرسل على قوم انتشر فيهم السحر فكانت معجزته أن أيده الله بشيء عجز عنه السحرة بل لم يقفوا عند حد العجز ولكنه تيقنوا أن ما جاء به موسى عليه السلام من العصا التي انقلبت إلى حية والتهمت ما قدموه من سحر وكان متمثلا في حبال وعصي أعلنوا إيمانهم بالله رب العالمين وقالوا كما جاء ذكر القرآن الكريم ونكتفي بذكر مشهد واحد فقط من مشاهد القرآن الكريم في قضية موسى عليه السلام مع فرعون وهذا هو ماورد في سورة الشعراء :
قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَهاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ{29} قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ{30} قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ{31} فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ{32} وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ{33}
وثمة معجزة أخرى لموسى بن عمران عليه السلام فقد حدث أن رجلا قتل من بني إسرائيل ولم يعرفوا من قتله فأحياه الله على يد موسى وأخبر عن قاتله وفي ذلك أشار القرآن الكريم
( وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللّهُ مُخْرِجٌ مَّا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ{72} فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ{73}
ومع أنها إحياءٌ للموتى مثل إحياء الموتى عند عيسى عليه السلام فقد وقفت عند كونها معجزة أيد الله بها نبوته فقط
و لم يقل أحد أن موسى إله أو ابن الله .
وفي زمن عيسى عليه السلام كان الناس قد اشتغلوا بالطب ولكنهم عجزوا عن أمور منها إبراء الأكمه وهو الذي ولد أعمى والأبرص وهو المرض الجلدي المعروف وكذلك أن يتكلم ميت بعد موته فأيده الله بما عجز عنه قومه وهم يعلمون أنه لم يدرس الطب ولا غيره ليعلموا أن هذا الإعجاز من عند الله فيكون أدعى لإيمانهم .
وحجة النصارى تكمن في كون معجزة عيسى لا يقدر عليها بشر فإبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى مما يعجز عنه بشر وطالما أن عيسى فعله فهو إله .
والجواب :
أقول لهم إن كانت عندهم بقية عقل كل المعجزات التي أتى بها الأنبياء يعجز عنها البشر ولا يمكن لبشر أن يأتي بمثلها .
فهل كل الأنبياء آلهة ؟
فمعجزة صالح عليه السلام الناقة(6/158)
{وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالِحاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ قَدْ جَاءتْكُم بَيِّنَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوَءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ }الأعراف73
ولقد أرسلنا إلى قبيلة ثمود أخاهم صالحًا لمَّا عبدوا الأوثان من دون الله تعالى. فقال صالح لهم: يا قوم اعبدوا الله وحده; ليس لكم من إله يستحق العبادة غيره جل وعلا، فأخلصوا له العبادة, قد جئتكم بالبرهان على صدق ما أدعوكم إليه, إذ دعوتُ الله أمامكم, فأخرج لكم من الصخرة ناقة عظيمة كما سألتم, فاتركوها تأكل في أرض الله من المراعي, ولا تتعرضوا لها بأي أذى, فيصيبكم بسبب ذلك عذاب موجع.
{وَيَا قَوْمِ هَذِهِ نَاقَةُ اللّهِ لَكُمْ آيَةً فَذَرُوهَا تَأْكُلْ فِي أَرْضِ اللّهِ وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوءٍ فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابٌ قَرِيبٌ }هود64
ويا قوم هذه ناقة الله جعلها لكم حجة وعلامة تدلُّ على صدقي فيما أدعوكم إليه, فاتركوها تأكل في أرض الله فليس عليكم رزقها, ولا تمسُّوها بعَقْر, فإنكم إن فعلتم ذلك يأخذكم من الله عذاب قريب من عَقْرها.
{فَعَقَرُواْ النَّاقَةَ وَعَتَوْاْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَقَالُواْ يَا صَالِحُ ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِن كُنتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ }الأعراف77
فنحروا الناقة استخفافا منهم بوعيد صالح, واستكبروا عن امتثال أمر ربهم, وقالوا على سبيل الاستهزاء واستبعاد العذاب: يا صالح ائتنا بما تتوعَّدنا به من العذاب, إن كنت مِن رسل الله.
فهل يقدر بشر أن يأتي بناقة من الجبل أو من الصخر كناقة صالح ؟
بالطبع لا وألف لا ؟
ومع ذلك لم يدعي أحد أن صالحا إله أو ابن الله
ومعجزة نبينا محمد – صلى الله عليه وسلم – القرآن الكريم وتحدى الله به أرباب الفصاحة والبلاغة وهم أهل اللغة والشعر والأدب ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن
{أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ }هود13
بل أيقول هؤلاء المشركون من أهل "مكة": إن محمدًا قد افترى هذا القرآن؟ قل لهم: إن كان الأمر كما تزعمون فأتوا بعشر سور مثله مفتريات, وادعوا من استطعتم من جميع خلق الله ليساعدوكم على الإتيان بهذه السور العشر, إن كنتم صادقين في دعواكم.
{وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ }البقرة23
وإن كنتم -أيها الكافرون المعاندون- في شَكٍّ من القرآن الذي نَزَّلناه على عبدنا محمد – صلى الله عليه وسلم – , وتزعمون أنه ليس من عند الله, فهاتوا سورة تماثل سورة من القرآن, واستعينوا بمن تقدرون عليه مِن أعوانكم, إن كنتم صادقين في دعواكم
وعجز القوم كما عجز غيرهم وما زال العجز فيهم وسيظل إلى أن تقوم الساعة ومع ذلك لم يقل أحد ان محمدا إله بل نهى النبي محمد – صلى الله عليه وسلم – أمته أن يبالغوا في مدحه فقال ) لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى بن مريم )
ولولا أن القرآن أخبرنا عن معجزات الأنبياء السابقين ما صدقنا ولا كذبنا لأننا لم نرى شيئا وهي تكون لمن كان موجودا في زمن الرسول الذي أيده الله بهذه المعجزة أو بغيرها ، ولكن بقيت معجزة نبينا الخالدة ألا وهي القرآن الكريم بين أيدينا حتى الآن وستظل رغم أنف الحاقدين والمارقين إلى أن تقوم الساعة فهل كسبوا التحدي وأتوا بقرآن مثله أم عجزوا هم وأسلافهم وسيظل العجز لازم لهم إلى أن تقوم الساعة فهل من معتبر ؟ فهل من متبع للحق ؟ فهل من عاقل يقبل الحق ويتخلى عن باطله ؟ صدق الله العظيم ( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) (القصص:56)
أيها الأخوة والأخوات
إلى هنا نأتي إلى نهاية هذا اللقاء داعيا المولى عز وجل أن يحفظكم ويرعاكم وأن يهدي الضالين من عباده إلى الحق الذي هو الإسلام وأن يزيدكم إيمانا مع إيمانكم ويقينا مع يقينكم وأن يوفقكم للسير على الصراط المستقيم { صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ }الشورى53
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
أخوكم / صبري عسكر
إمام وخطيب بالأوقاف المصرية
==============
رد موريس بوكاى على دعاوى نقل القرآن من الكتاب المقدس
ادعاءات مضللة
الدكتور موريس بوكاى
عندما نحلل مفهوم نشأة الكون في القرآن الكريم يتبين لنا لأول وهلة مدى التباين بين ذلك المفهوم، وبين ما جاء بالكتب السماوية الأخرى .(6/159)
وهذه النتيجة - في حد ذاتها – تنفي تمامًا الادعاءات المضللة لمؤلفين غربيين عن التشابه بين القرآن الكريم والكتب السابقة، واتهامهم لمحمد – صلى الله عليه وسلم – باقتباس القرآن الكريم من التوراة والإنجيل.
كذب تلك الادعاءات :
وللتحقق من كذب هذا الادعاء تكفي مقارنة ما جاء بالتوراة من أن الله قد خلق الكون في الستة أيام ثم استراح! في اليوم "السابع" [1][1] – بالنص القرآني الحكيم :
] إِنَّ رَبَّكُمُ اللهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأمْرُ تَبَارَكَ اللهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ[ ( سورة الأعراف : الآية 54) .
إيضاح :
وينبغي أن نوضح هنا ما أكده المفَّسرون المعاصرون من أن المقصود بـ "الأيام" هنا ليس واحدها اليوم الأرضي المعروف (24 ساعة) ؛ بل هو المراحل والدهور [2][2].
وهذه الآيات إشارة إلى ما لم يعرفه البشر من قبل عن نسبية الزمن في الكون، فاليوم "الأرضي" الذي نعرفه إنما تضبطه دورة الأرض حول نفسها كل 24 ساعة، وهو يختلف تماما عن "اليوم" الذي يشهده أي كوكب آخر من كواكب المجموعة الشمسية، كما يتخذ الزمن وتقسيم وحداته (أيامه) في الكون الفسيح دلالات أخرى مغايرة تماما لما تعارفنا عليه على سطح الأرض.
وأهم من ذلك – في نظرى – عند مقارنة القرآن بغيره من الكتب السماوية أنه لم يُصِرّ على ترتيب معين لخلق الأرض قبل السموات؛ كما جاء بالكتب الأخرى؛ بل إن النصوص القرآنية في مجموعها تدل على تزامن نشأة الأرض ونشأة السموات ؛ فأحيانًا يذكر لفظ "السماء" أو "السموات" قبل لفظ "الأرض" وأحيانًا بعدها في الإشارات القرآنية لنشأة الكون [3][3] ؛ مثل ما جاء في "سورة طه":
] تَنْزِيلاً مِّمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا [ (طه : 4)
وما جاء بسورة الزّمر:
] خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقّ [ (الزمر : 5 ) .
وقد أدى ذلك الانفصال إلى نشأة العديد من العوالم المختلفة )الْعَالَمِين( كما يتكرر ذكرها بهذا اللفظ مرارًا مثلما جاء بفاتحة الكتاب :
]الْحَمْدُ للهِ رَبِّ الْعَالَمِين[ ( الفاتحة : 2) .
إشارة إلى مفهوم أساسي في خلق الكون
من ناحية أخرى يشير القرآن إلى مفهوم أساسى في "نشأة الكون" هو: نشأته من "دُخَان" [4][4]، وابتداؤه من جسم واحد متصل (رَتْق)؛ انفصل بعد ذلك إلى أجزاء (انفتق) وهو ما تشير إليه الآية الكريمة من سورة فُصّلت :
] ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ [(فصلت: من الآية11) مع الآية التالية من سورة الأنبياء :
]أَوَ لَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا[ ( الأنبياء : 30)
اتفاق مع المفهوم السائد
ويتفق ذلك كله مع المفهوم السائد : ألا وهو وجود كتلة دخانية أولية واحدة ، ثم انفصالها إلى المجرات ، ثم إلى النجوم ، ثم نشأة الكواكب بانفصالها عن النجوم .
كما يشير القرآن إلى خلق يتوسط السموات والأرض [5][5] كما جاء في سورة الفرقان:
] الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا [ (الفرقان : 59)
ويبدو لي أن هذا الخلق بينهما قد يشير إلى ما اكتشف مؤخرًا من كتل مادية تسبح في مسارات لا تنتمي إلى أي من الأفلاك المعروفة [6][6] .
خلاصة هذا البحث
وفي النهاية يبين لنا هذا العرض : مدى اتفاق المعارف الحديثة وما جاء بالقرآن الكريم، وكلاهما بدوره يختلف تمامًا عما جاء بالتوراة والإنجيل عن مراحل الخلق ، وخاصة ما ذكر فيهما عن خلق الأرض في اليوم الثالث قبل خلق السموات في اليوم الرابع ، على عكس ما نعرفه من أن "الأرض نشأت بالانفصال عن الشمس" [7][7] ؛ فكيف بالله عليكم يستقيم الادعاء : أن محمدًا – صلى الله عليه وسلم- قد استقى معارفه من تلك الكتب "السماوية" مع ما نعرفه الآن : أن القرآن قد جاء ليصحح ويعدل ما جاء بتلك الكتب ؛ ليصبح مطابقًا للمفاهيم الصحيحة التي ما اكتشفت إلا بعد عصره بقرون ؟
-------------
[1][1] في سفر التكوين: "وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل ، فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل" (2 / 3) .
[2][2] يؤكد ذلك ما جاء في القرآن الكريم صراحة في الآيتين :
( أ ) ]وَإِنَّ يَوْمًا عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون[ (الحج : 47) .
(ب) ]تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَة[ . (المعارج : 4) .
(ج) ]يُدَبِّرُ الأمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّون[ (السجدة : 5 ) .(6/160)
[3][3] الواقع أن التعبير القرآني مطرد في تقديم "السموات" على "الأرض" وتكرر ذلك في 178 موضعًا في القرآن ، عدا موضعين اقتضاهما سياق المعنى : ] يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَاوَات [ (إبراهيم : 48) ، وآية (طه : 4) المذكورة التي تنطوى على تثبيت قلب الرسول الكريم بأن وحي القرآن إنما أنزل على هذه الأرض ممن خلقها كما خلق السماوات العلا على امتدادها قبلها. ويتفق ذلك مع الحقيقة الكبرى : أن الأرض ليست مركز الكون – كما ظن الأقدمون – بل هى قطرة في بحر الكون اللانهائي
[4][4] "الدخان" هو خليط من غبار وغاز، ومازال ما لم يتكثف منه – في نجوم أو كواكب – يملأ فضاء "المجرات" .
[5][5] كما يقرر القرآن بوضوح أن ثمة عوالم من المخلوقات لا نعلمها تنتشر في أرجاء الكون الفسيح ] تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ[(الاسراء: من الآية44)
]وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَثَّ فِيهِمَا مِنْ دَابَّة[(الشورى: من الآية29)
[6][6] وربما يشير أيضا إلى ما يسمى "المادة المظلمة" ، التي هي القرين السلبي للمادة
[7][7] جاء بسفر التكوين : "في البدء خلق الله السموات والأرض، وإذ كانت الأرض مشوشة ومقفرة ... وأمر الله ليكن جَلَد يحجز بين مياه ومياه ... وسمى الله الجلد سماء"
================
يقولون لقد نقل محمد من كتب أهل الكتاب
- الأستاذ محمد قطب
كيف يتأتى للذى ينقل من كتاب يقول إن الله ثالث ثلاثة أن يقرر أن الله واحدا؟ وكيف يتأتى للذى ينقلب من كتاب يقرر أن لله ولدا يشاركه فى الألوهية، أن يقرر أن الله لا شريك له ولا ولد؟!
وكيف يتأتى للذى ينقل من كتب لم تترك نبيا من أنبياء الله إلا لطخت سمعته وشوهت صورته، واتهمته بما لا يجوز فى حق الرجل العادى فضلا عن النبى المرسل، أن يسرد سير الأنبياء وقصصهم بالنصاعة والطهر والسمو الذى وردت به سير الأنبياء فى القرآن؟!
وكيف يتأتى للذى ينقل من كتب لم تتعرض لآيات الله فى الكون، ولا لأطوار الجنين البشرى من النطفة للعلقة للمضغة للعظام لاكتمال التكوين، أن يسرد فى كل هذه الأمور حقائق لم يتعرف العلم عليها إلا منذ زمن قريب؟!
ألا تستحى هذه الناس؟!
((ومن أظلم ممن افترى على الله كذباً أو كذب بآياته إنه لا يفلح الظالمون))([6]).
ولكن المعركة لن تكف :
((ولا يزالون يقاتلونكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا))([7]).
فعلى المسلمين من جانبهم أن يعرفوا حقيقة دينهم، وحقيقة الكتاب المنزل إليهم، وأن يقدروه حق قدره، وأن يتدبروه ليعرفوا عظمته وإعجازه :
((أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً))([8]).
وأهم من ذلك كله أن يعملوا بما فيه، فإنما نزل ليكون منهج حياة لخير أمة أخرجت للناس.
ويوم يرجعون إلى كتابهم فيتدبرونه ليعملوا بمقتضاه، ستعود لهم خيريتهم، وسيعود لهم التمكين الذى
ان لهم فى الأرض، وسيقومون بالشهادة على كل البشرية كما أمرهم الله
=================
القرآن الكريم في مقابل الكتاب المقدس
الدكتور / موريس بوكاي
تعالَوْا أخيرًا نعقد مقارنة بين النصوص القرآنية ونصوص الكتاب المقدس ، وقد تناولنا لمحة من ذلك في معرض الحديث عن نشأة الكون ؛ حيث ظهر بجلاء مدى تطابق النص القرآني مع المعارف الحديثة على عكس مقولات الكتاب المقدس، والتي نعرف جميعًا أنها من وضع مجامع القسس حتى القرن السادس بعد الميلاد ، ومن ثم نسبتها إلى ما يسمى المجامع المسكونية [1][1] .
ولم يهتم واضعوها إلا بتقديم الموعظة، وبهدف محدد هو : الدعوة إلى مراعاة الواجبات الدينية .
وكان هذا الوضع أو "التأليف" – من وجهة نظر الواضعين – هدفًا مشروعًا تمامًا ؛ على حَدّ قول الأب "دي فو" المدير السابق لمعهد الكتاب المقدس بالقدس ، ويضم الكتاب المقدس أيضًا فقرات قصيرة أخرى عن "نشأة الكون" فيما يسمى بالنص اليهودي ، الذي يتناول الموضوع من زاوية أخرى تمامًا ، وكلا النّصين مأخوذ من سِفْر التكوين ، أى ما يسمى بالأسفار الخمسة ، العهد القديم (التوراة) ، والتي يفترض أنها جاءت على لسان موسى – عليه السلام – إلا أنه من المعروف أن هذه النصوص قد حرفت كثيرًا قبل أن تصل إلينا بصورتها الراهنة ! .
أبرز ما جاء في نصوص المجامع هذه في سفر التكوين :
ومن أبرز ما جاء في نصوص المجامع هذه في سفر التكوين : "السرد التاريخى لنسل آدم"، وهو سرد أصبح لا يُعْتَدّ به من وجهتي النظر : العلمية والتاريخية .
وقد نقل كل من "مَتَّى" و"لوقا" في إنجيليهما هذا السرد عند الحديث عن نسب عيسى – عليه السلام [2][2] :
أحدهما – ابتداء من آدم (إنجيل لوقا) .
والآخر – ابتداء من إبراهيم (إنجيل متى) .(6/161)
وقد أثبت العلم الخطأ الفادح في هذه النصوص فيما ذكرته عن تاريخ بدء الحياة على الأرض ، ثم تاريخ ظهور الإنسان، بما يتناقض تمامًا مع ما أكده العلم الحديث من تقديرات ، بينما سلم النص القرآني تمامًا من هذه الأخطاء والتناقضات .
عمر الحياة على الأرض :
أما بالنسبة لعمر الحياة على الأرض ، فإن التقويم اليهودي المستنتج من سلسلة نسب آدم بالكتاب المقدس – يفترض أن عمر الأرض في يومنا هذا حوالي 5738 عامًا ؛ وهو تقدير يتناقض مع الحقائق العلمية المؤكدة ، والتي تقدر عمر المجموعة الشمسية بأكثر من أربعة بلايين عام ، واكتشاف آثار لوجود الإنسان على الأرض منذ عشرات الآلاف من السنين ، وهنا يتبين لنا من جديد سلامة النص القرآني من أي إدعاءات تتناقض مع العلم والتاريخ !
اتفاق القرآن مع المفاهيم الحديثة وتناقض غيره من النصوص معها :
وقد رأينا إلى أي مَدًى يتفق القرآن مع المفاهيم الحديثة في نشأة الكون، بينما تتناقض نصوص الكتاب المقدس مع العلم ، وخاصة عندما تتحدث عن بدء خلق السموات والأرض بظهور الماء، ثم عن خلق "النور" في اليوم الأول ، قبل خلق النجوم (مصدر هذا النور) في اليوم الرابع ، ثم عن خلق الليل والنهار (قبل خلق الشمس والقمر في اليوم الثالث) ، وكذلك عن خلق الأرض في اليوم الرابع ، وعن ظهور الوحوش على الأرض في اليوم السادس، بعد ظهور الطيور في السماء في اليوم الخامس (وهو عكس الترتيب المفهوم) [3][3].
إلام ترجع هذه التناقضات ؟
وترجع هذه التناقضات إلى أن هذه المقولات إنما تمثل حصيلة الأفكار البشرية السائدة في القرن السادس الميلادي .
قصة الطوفان :
ويظهر التباين بشدة بين النصوص القرآنية والكتاب المقدس في موضوع : الطوفان ؛ حيث جاءت رواية الكتاب المقدس عن روايتين مختلفتين؛ وتشير إلى أن الطوفان قد عم العالم بأسره [4][4] قبل عهد إبراهيم – عليه السلام – بحوالي ثلاثمائة عام؛ أي حوالب القرن الحادي أو الثاني والعشرين قبل الميلاد !
وفي ذلك تناقض صارخ مع الحقائق التاريخية ؛ إذ كيف نتخيل غرق حضارات العالم بأسره في ذلك العصر الذي يناظر عصر ما قبل المملكة الوسطى بمصر، أي بين الأسرتين : العاشرة والحادية عشرة .
من هنا فإن المعارف الحديثة ترفض قبول ما جاء بالكتاب المقدس ؛ بينما نلمس صدق القرآن الكريم الذي يقرر أن الطوفان كان مقصورًا على قوم نوح – عليه السلام – عقابًا لهم على ما ارتكبوه من إصرار على الكفر والمعاصي ؛ شأنهم في ذلك شأن غيرهم من الأمم في مناسبات أخرى !
ولم يذكر القرآن تاريخًا محدَّدًا لحدوث الطوفان سوى أنه كان في عهد نوح – عليه السلام – وليس فيه ثَمةَ ما يتعارض مع الدراسات التاريخية والأثرية .
[1][1] الكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى - بعهديه القديم والجديد - إنما هو مجموعة من الكتب والرسائل والرؤى، ألفها عدد كبير من المؤلفين، عبر قرون عديدة بعد وفاة كل من موسى وعيسى عليهما السلام ، أما التوراة والإنجيل اللذان نزلا عليهما فلا أثر لهما الآن إلا في طيات عبارات محدودة في مواضع من الأسفار الخمسة من العهد القديم منسوبة إلى موسى عليه السلام ، وفي سيرة المسيح المعروفة باسم الأناجيل الأربعة ، ولم تسلم هذه النصوص من التحريف والتبديل عمدًا أو عفوا بفعل الخطأ والنسيان والترجمة عن لغتها الأصلية
[2][2] من المدهش أن كلا من إنجيل متى وإنجيل لوقا قد تناولا نسب عيسى من جهة يوسف النجار خطيب أمه العذراء البتول مريم ؛ وما هو بأبيه!!، ويختلف الإنجيلان اختلافا بينا في سردهما لسلسلة النسب حتى داود عليه السلام، سواء في طول السلسلة أو في تحديد أفرادها .(6/162)
[3][3] من العهد القديم (تكوين 1 ، 2) :في البَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ ، وَإذْ كَانَتِ الأرْضُ مُشَوَّشَةٌ وَمُقْفَرَةٌ وَتَكْتَنِفُ الظُلْمَة وَجْهَ المِيَاهِ ، وَإذْ كَانَ رُوحُ اللهِ يُرَفْرِفُ عَلى سَطْحِ المِيَاهِ ، أمَرَ اللهُ : "لِيَكُنْ نُورٌ"، فصَارَ نُورٌ وَرَأى اللهُ النُورَ فَاسْتَحْسَنهُ وَفصَلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الظَّلامِ. وَسَمَّى اللهُ النُّورَ نَهَارًا ، أمَّا الظَّلامُ فَسَمَّاهُ ليْلاً . وَهَكَذَا جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ، فَكَانَ الْيَوْمَ الأَوَّلَ. ثُمَّ أَمَرَ اللهُ : "لِيَكُنْ جَلَدٌ يَحْجُزُ بَيْنَ مِيَاهٍ وَمِيَاه. فَخَلَقَ اللهُ الْجَلَدَ، وَفَرَّقَ بَيْنَ الْمِيَاهِ الْتِي تحْمِلُهَا السُّحُبُ وَالْمِيَاهِ الْتِي تغْمُرُ الأرْضَ. وَهَكَذَا كَانَ وَسَمَّى اللهُ الْجَلَدَ سَمَاءً. ثُمَّ جَاءَ مَسَاءٌ أَعْقَبَهُ صَبَاحٌ فَكَانَ الْيَوْمَ الثَّانِي. ثُمَّ أَمَرَ اللهُ : "لِتتجَمَّع الْمِيَاهُ الْتي تحْتَ السَّمَاء إلى مَوْضِعٍ وَاحِدٍ، وَلْتَظْهَرِ الْيَابِسَةُ". وَهَكَذَا كَانَ. وَسَمَّى اللهُ الْيَابِسَةَ أَرْضًا وَالْمِيَاهَ الْمُجْتمِعَة بحَارًا . وَرَأى اللهُ ذَلِكَ فَاسْتحْسَنَهُ . وأمَرَ اللهُ : "لتنبت الأرض عشبا وبقلا مبزرا، وشجراً مثمرًا فيه بزره الذي ينتجُ ثمرا كجنسه في الأرض". وهكذا كان فأنبتت الأرض كل أنواع الأعشاب والبقول التي تحمل بزورًا من جنسها، والأشجار التي تحمل أثمارًا ذات بذور من جنسها. ورأى الله ذلك فاستحسنه . وجاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الثالث. ثم أمر الله : "لتكن أنوار في جلد السماء لتفرق بين النهار والليل ، فتكون علامات لتحديد أزمنة وأيام وسنين. وتكون أيضا أنوارا في جلد السماء لتضيء الأرض". وهكذا كان وخلق الله نورين عظيمين، النور الأكبر ليشرق في النهار، والنور الأصغر ليضيء في الليل، كما خلق النجوم أيضا ، وجعلها الله في جلد السماء لتضيء الأرض. لتتحكم بالنهار وبالليل ولتفرق بين النور والظلام. ورأى الله ذلك فاستحسنه . وجاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الرابع. ثم أمر الله: "لتزخر المياه بشتى الحيوانات الحية ولتحلق الطيور فوق الأرض عبر فضاء السماء. وهكذا خلق الله الحيوانات المائية الضخمة، والكائنات الحية التي اكتظت بها المياه، كلا حسب أجناسها، وأيضا الطيور وفقا لأنواعها. ورأى الله ذلك فاستحسنه. وباركها الله قائلا : "انتجي، وتكاثري واملأي مياه البحار. ولتتكاثر الطيور فوق الأرض . ثم جاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم الخامس ثم أمر الله: "لتخرج الأرض كائنات حية، كلا حسب جنسها، من بهائم وزواحف ووحوش وفقا لأنواعها". وهكذا كان. فخلق الله وحوش الأرض، والبهائم والزواحف، كلا حسب نوعها. ورأى الله ذلك فاستحسنه ثم قال الله: "لنصنع الإنسان على صورتنا، كمثالنا، فيتسلط على سمك البحر، وعلى طير السماء، وعلى الأرض، وعلى كل زاحف يزحف عليها". فخلق الله الإنسان على صورته. على صورة الله خلقه. ذكرا وأنثى خلقهم وباركهم الله قائلا لهم: "أثمروا وتكاثروا واملئوا الأرض وأخضعوها. وتسلطوا على سمك البحر، وعلى طير السماء وعلى كل حيوان يتحرك على الأرض. ثم قال لهم: "إني قد أعطيتكم كل أصناف البقول المبزرة المنتشرة على كل سطح الأرض، وكل شجر مثمر مبزر، لتكون لكم طعاما أما العشب الأخضر فقد جعلته طعاما لكل من وحوش الأرض وطيور السماء والحيوانات الزاحفة، ولكل ما فيه نسمة حياة" . وهكذا كان. ورأى الله ما خلقه فاستحسنه جدا. ثم جاء مساء أعقبه صباح فكان اليوم السادس وهكذا اكتملت السماوات والأرض بكل ما فيها. وفي اليوم السابع أتم الله عمله الذي قام به، فاستراح فيه من جميع ما عمله وبارك الله اليوم السابع وقدسه، لأنه استراح فيه من جميع أعمال الخلق" .
[4][4] جاء في سفر التكوين : "فها أنا آتٍ بطوفان الماء على الأرض لأهلك كل جسد فيه روح حياة من تحت السماء" (6 / 18)، ثم: "فمحى الله كل قائم كان على وجه الأرض: الناس والبهائم والدبابات وطيور السماء" (7 / 34) .
من كتاب القرآن والعلم الحديث
ترجمة الدكتور نبيل عبد السلام هارون
===============
شطحات في تساؤلات زكريا بطرس 1
محمود أباشيخ
ردا علي تساؤلات حول القرآن للقمص زكريا بطرس
قسم القمص زكريا بطرس كتابه " تساؤلات حول القرآن " إلي قسمين
الإعجاز اللغوى في القرآن
الإعجاز العامي في القرآن
في القسم الأول حاول نفي الإعجاز البلاغي في القرآن من خلال سرد ما توهمه انها أخطاء نحوية بينما حاول نفي الإعجاز العلمي للقرآن بأن زعم ان القرآن لم يأت بجديد بل نقل من الحضارات الزائلة ومن الكتاب المقدس
وفي محاولته لنفي كون القرآن وحيا ينبهنا القمص بأنه يناقش بفكر متحرر
" وينبغي أن يدرك القارئ أننا بفكر متحرر ومنطق سليم نناقش هذه الأمور، ويسعدنا أن نصغي لمن يرد على هذه التساؤلات."(6/163)
فهل نجح القمص في نفي قدسية القرآن وهل كتب بفكرر متحرر ومنطق سليم وما مدي مصداقيته في النقل أو الإقتباس من المصادر الإسلامية
وجدها تغرب في عين حمئة
يقول القمص زكريا بطرس
" قرأنا الكثير من الكتب عن إعجاز القرآن اللغوي أو البياني، والإعجاز العلمي والإعجاز الفلسفي، وإعجازه في الهدى وغيرها، ونريد أن نسأل بعض الأسئلة بخصوص إعجاز القرآن العلمي "
وبعد سطرين مباشرة من العنوان الكبير بنط عريض بعنوان عن مغيب الشمس في عين حمئة
الشبهة تتعلق بالآية السادسة وثمانين من سورة الكهف
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا
ويقول القمص زكريا بطرس زاعما انه ينقل من تفسير البيضاوي
" ويقول الإمام البيضاوي: [إن اليهود سألوا محمدا عن اسكندر الأكبر، فقال إن الله مكن له في الأرض، فسار إلى المكان الذي تغرب فيه الشمس، فوجدها تغرب في بئر حمئة، وحول البئر قوم يعبدون الأوثان! ...] "
ثم اسند القمص رواية إلي البيضاوي فقال
" وقال البيضاوي: [إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ "حامية" فقال: "حمئة" فبعث معاوية إلى كعب الأحبار: كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين] (وانظر أيضا تفسير الإمام النسفي الجزء الثالث ص 40و41) "
وطرح القمص سؤال خطير يبرز عبقريته قائلة
نحن نسأل: هل هذا صحيح، أن الشمس تغرب في عين حمئة أي بئر من الماء والطين؟ خاصة إذا نظرنا إلى:
أ- الحقيقة العلمية الأكيدة بأن الأرض تدور حول الشمس، وليس أن الشمس تسقط في بئر من الماء والطين.
شبهة خطيرة جدا من شبهات القمص العبقري وقد لا أتمكن من الرد عليها ولكن الذي لا شك فيه انه من حق العبد الفقير ومن حق كل قارئ أللقمص ان توفر له المصادر الصحيحة خاصة ان الكاتب رجل دين ويفترض انه محل ثقة
فليسمح لي القمص ان امارس حقي وأسأل
لماذا لا أجد الاقتباس التالي من تفسير البيضاوي للآية
" ويقول الإمام البيضاوي: [إن اليهود سألوا محمدا عن اسكندر الأكبر، فقال إن الله مكن له في الأرض، فسار إلى المكان الذي تغرب فيه الشمس، فوجدها تغرب في بئر حمئة، وحول البئر قوم يعبدون الأوثان! "
أن أقرب قول إلا إقتباس حضرة القس هو قوله
" واختلف في نبوته مع الاتفاق على إيمانه وصلاحه والسائلون هم اليهود سألوه امتحانا أو مشركو مكة { قل سأتلو عليكم منه ذكرا } خطاب للسائلين والهاء لذي القرنين وقيل لله
رغم عبقرية القمص زكريا بطرس إلا انه لم يدرك انه فقط الخراف الضالة هي التي تقدسه وتعصمه
قد يقول قائل لكل عبقري هفوة وهو قول مقبول ولكن ان يتكرر الأمر مباشرة فهذا ضحك علي الذقون لا يقبله إلا الخراف الضالة
بعد التدليس الأول مباشرة نجد ان القمص ينسب إلي البيضاوي القول الآتي
" وقال البيضاوي: [إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ "حامية" فقال: "حمئة" فبعث معاوية إلى كعب الأحبار: كيف تجد الشمس تغرب؟ قال: في ماء وطين] (وانظر أيضا تفسير الإمام النسفي الجزء الثالث ص 40و41) "
لا أدري كيف لم يدرك العبقري ان معظم الخراف تعرف ان البضاوي لم يكن صحابيا ولم يلتق بابن عباس كي يروي عنه
كان من الأجدر بالقمص ان يكون أكينا في النقل فيذكر ان البضاوي قال انه قيل ثم يذكر للقراء ان كلمة قيل صياغة تضعيف لدي المسلمين
وهذا ما ذكره البيضاوي
وقيل إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ حامية فقال حمئة فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجده في التوراة
نلاحظ إن البيضاوي لم يقل إن ابن عباس سمع معاوية إنما ذكر انه قيل إن ابن عباس سمع معاوية. كما انه يلاحظ إن القمص لم ير أي أهمية لقول كعب الأحبار " كذلك نجده في التوراة " فلم يذكرها ربما لضيق الوقت. إلا إن العبارة ذات دلالة واضحة ما كان له إن يبخل علينا, فإن من خلالها نفهم إن القصة كلها إسرائيليات إذ إن كعب الأحبار يخبرنا بما يذكره العهد القديم
قمة المصداقية العلمية لدي القمص انه ترك جزءا مهما فن قول البيضاوي من نفس الجملة التي اقتبسها ربما لم يرد القمص إن يشتت ذهن القاري
يقول البيضاوي
ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال { وجدها تغرب } ولم يقل كانت تغرب
نجد إن البيضاوي رحمه الله يوضح إن القرآن يتكلم عن رؤية ذو القرنين لا حقيقة الأمر لذلك قال الله تعالي وجدها تغرب ولم يقل كانت تغرب
ولتسليط الضوء علي مصداقية القمص ننقل النص كاملا وهو كالتالي
" ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء ولذلك قال { وجدها تغرب } ولم يقل كانت تغرب وقيل إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ حامية فقال حمئة فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب قال في ماء وطين كذلك نجده في التوراة "
ونجد أن تفسير الدلالين يذكر نفس المعني(6/164)
" وَغُرُوبهَا فِي الْعَيْن فِي رَأْي الْعَيْن وَإِلَّا فَهِيَ أَعْظَم مِنْ الدُّنْيَا "
وذكر القرطبي
" وقال القفال قال بعض العلماء : ليس المراد أنه انتهى إلى الشمس مغربا ومشرقا حتى وصل إلى جرمها ومسها لأنها تدور مع السماء حول الأرض من غير أن تلتصق بالأرض وهي أعظم من أن تدخل في عين من عيون الأرض بل هي أكبر من الأرض أضعافا مضاعفة بل المراد أنه انتهى إلى آخر العمارة من جهة المغرب ومن جهة المشرق فوجدها في رأي العين تغرب في عين حمئة كما أنا نشاهدها في الأرض الملساء كأنها تدخل في الأرض ولهذا قال : { وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا } ولم يرد أنها تطلع عليهم بأن تماسهم وتلاصقهم بل أراد أنهم أول من تطلع عليهم "
وقال الرازي
" أنه ثبت بالدليل أن الأرض كرة وأن السماء محيطة بها، ولا شك أن الشمس في الفلك، وأيضا قال: {ووجد عندها قوما } ومعلوم أن جلوس قوم في قرب الشمس غير موجود، وأيضا الشمس أكبر من الأرض بمرات كثيرة فكيف يعقل دخولها في عين من عيون الأرض، "
أما ابن كثيرا فيقول
´وَقَوْله : " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِب الشَّمْس " أَيْ فَسَلَكَ طَرِيقًا حَتَّى وَصَلَ إِلَى أَقْصَى مَا يُسْلَك فِيهِ مِنْ الْأَرْض مِنْ نَاحِيَة الْمَغْرِب وَهُوَ مَغْرِب الْأَرْض وَأَمَّا الْوُصُول إِلَى مَغْرِب الشَّمْس مِنْ السَّمَاء فَمُتَعَذِّر وَمَا يَذْكُرهُ أَصْحَاب الْقَصَص وَالْأَخْبَار مِنْ أَنَّهُ سَارَ فِي الْأَرْض مُدَّة وَالشَّمْس تَغْرُب مِنْ وَرَائِهِ فَشَيْء لَا حَقِيقَة لَهُ وَأَكْثَر ذَلِكَ مِنْ خُرَافَات أَهْل الْكِتَاب ´
الأمر واضح كما يبدوا لي ولكن هناك دائما عباقرة في الحقد لا يرون ما يراه ذوي متوسطي الذكاء ولهلا نقول ... ائتي انت بجملة بدل الآية القرآنية
هل تقول وجد إن الأرض دارت حول نفسها أم ماذا
إن قلت وجده الأرض دارت حول نفسها فالقول ليس صحيح لأنه لم يرها تدور
إنا لا نجد أفضل من قوله تعالي
حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ "
فإن كان بإمكان القمص إن يأتي بتعبير أفضل فنحن في انتظار مقولته وهذا هو التحدي
قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا
الإسراء 88
وإلي حين يأتينا القمص بعبارته سوف أتمعن في الإصحاح التالي قبل إن ارم التهم علي كتاب النصارى العجيب
فعبروا وذهبوا وغابت لهم الشمس عند جبعة التي لبنيامين.
Jgs:19:14:
وغابت الشمس عند جبعة التي لبنيامين ؟؟؟؟
وهل الشمس تغرب في جبعة بنيامين .....
لنفتح التفاسير
تفسير آدم كلار ,,,, لا يوجد تفسير لهذا النص
عجيب
تفسير بارنس .... لا يوجد تفسير لهذا النص
تفسير جي أيف بي ..... نفس الشيء
تفسير بولبيت .... لا يوجد تفسير لهذا النص
أخيرا وجدنا ضالتنا
تفسير انطنيوس فكري ,
لكنه لم يعلق علي كيفية غروب الشمس في جبعة بنيامين إذ إكتفي بالقول التالي
لم يرد اللوي ان يبيت في يبوس إذ هم وثنيون ويا ليته فعل فالوثننيون ما كانوا سيفعلون به أشر مما فعل إخوته البنياميون ولنلاحظ ان ان شعب الله إذا فسد يصير أشر من الوثنيين, إذا فسد الملح فإنه يدلس
تفسير انطنيوس فكرس – ص 101
إذا نحيل السؤال علي القمص زكريا بطرس
كيف تغرب الشمس في جبعة بنيامين
وإلي ان يأتينا بالجواب نتمعن في الأعداد التي جائت قبل هذا النص العجيب نتعلم منه حسن البيان
Jgs:19:1:
1. وفي تلك الايام حين لم يكن ملك في اسرائيل كان رجل لاوي متغربا في عقاب جبل افرايم.فاتخذ له امرأة سرية من بيت لحم يهوذا.
Jgs:19:2:
2 فزنت عليه سريته وذهبت من عنده الى بيت ابيها في بيت لحم يهوذا وكانت هناك اياما اربعة اشهر
Jgs:19:4:
4 وامسكه حموه ابو الفتاة فمكث معه ثلاثة ايام فأكلوا وشربوا وباتوا هناك.
Jgs:19:6:
6 فجلسا وأكلا كلاهما معا وشربا.وقال ابو الفتاة للرجل ارتض وبتّ وليطب قلبك.
Jgs:19:8:
8 ثم بكر في الغد في اليوم الخامس للذهاب فقال ابو الفتاة اسند قلبك.وتوانوا حتى يميل النهار.واكلا كلاهما
Jgs:19:9:
9 ثم قام الرجل للذهاب هو وسريته وغلامه فقال له حموه ابو الفتاة ان النهار قد مال الى الغروب.بيتوا الآن.هوذا آخر النهار.بتّ هنا وليطب قلبك وغدا تبكرون في طريقكم وتذهب الى خيمتك
Jgs:19:10:
فلم يرد الرجل ان يبيت بل قام وذهب وجاء الى مقابل يبوس.هي اورشليم.ومعه حماران مشدودان وسريته معه
Jgs:19:11:
وفيما هم عند يبوس والنهار قد انحدر جدا قال الغلام لسيده تعال نميل الى مدينة اليبوسيين هذه ونبيت فيها.
Jgs:19:12:
فقال له سيده لا نميل الى مدينة غريبة حيث ليس احد من بني اسرائيل هنا.نعبر الى جبعة
Jgs:19:14:
فعبروا وذهبوا وغابت لهم الشمس عند جبعة التي لبنيامين.(6/165)
عبارات رشيقة ولا أملك إلا قول ذلك حتي لا تعلق جمجمتي أمام الشمس تطبيقا للإصحاح التالي من سفر العدد
فقال الرب لموسى خذ جميع رؤوس الشعب وعلّقهم للرب مقابل الشمس فيرتدّ حمو غضب الرب عن اسرائيل Nm:25:4:
أقطع جميع رؤوس الشعب وعلقها امام الشمس ختي يهدأ إله المحبة
================
شطحات في تساؤلات زكريا بطرس 2
محمود أباشيخ
الشمس تغرب في خيمة حمئة
وكَلماتٌ إِلى أَقاصي الدُّنْيا بَيِّنة. هُناكَ لِلشَّمسِ نَصَبَ خَيمةً ... أو جعل للشمس مسكنا هلها – مزمور 19:4
فعبروا وذهبوا وغابت لهم الشمس عند جبعة التي لبنيامين
هذا قول الكتاب الذي يقدسه القمص زكريا بطرس
يقول بكل وضوح إن الشمس غربت عند جبعة بنيامين
قد يكون المقصود بهذه العبارة إن الشمس غربت حين وصولهم إلى تلك المنطقة ولكن من السهل جدا على
من أساء فهم الآية القرآنية أن يقف حائرا أمام النص العهد القديم خاصة إن كان ذو فكر متحرر كالقمص زكريا ...
و ما يثر الريبة هو تجنب أكثر المفسرين الخوض في هذا النص مما يرجح المعني الأول ألا وهو أن الشمس تغرب عند جبعة بنيامين ,خاصة إذا تواجدت نصوص أخري قاطعة الدلالة تشير إلى الفهم الأول
تقدم وذكرنا أن القمص زكريا زعم أنه يناقش بفكر متحرر, وها هي الفرصة الآن أمامه كي يثبت انه ذو فكر متحرر كما زعم , وها النص أمامه .,..... الشمس تغرب في جبعة بنيامين بينما قال رب العزة " حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ "
ليثبت صدق قوله ويخبرنا ... أي التعبيران أدق
وجدها تغرب في عين حمئة أم تغرب عند جبعة بنيامين
أقول بكل صدق وأمانة وبفكر متحرر أنه لا يوجد أدق وأبلغ من كلام رب العالمين ولو ان القرآن ذكر حقيقة الغروب العلمية لكان ذلك خطأ لسبب بسيط وهو ان ذوالقرنين لم ير حقيقة الغروب والقرآن يقول وجدها, أي رأها ولم ير ذو القرنين حقيقة الغروب ولا يمكن ان يره احد, فهل يعقل ان يقول القرآن انه راى ما لم ير .
فأنظر إلي دقة القرآن وقارنه بنص العهد القديم, ولن يخفي علي صاحب الفكر المتحرر لن يخفي عليه أثر قلم الكتبة الكذبة وإن أخذنا بالمعني الثاني فلا مفر من الإقرار بأن النص مصاب بفيروس الركاكة وتفوح منه رأئحة رعاة الغنم البسطاء
ان كتاب النصاري كتاب بشري ينقل لنا آراء بشرية لزمن معين وفكر معين فليس غريبا ان تجد فيه مسلمات سادت في زمن معين وقد كان اليهود في فترة من الفترات يظنون ان للأرض أربع زوايا
ولم يتردد كاتب سفر الرؤية ذلك السفر الذي يخبرنا ان الله خروف بسبعة قرون لم يتردد ان يذكر ان للأرض اربعة زوايا فواعجباه
Rv:7:1:
1. وبعد هذا رأيت أربعة ملائكة واقفين على أربع زوايا الارض ممسكين اربع رياح الارض لكي لا تهب ريح على الارض ولا على البحر ولا على شجرة ما
Rv:20:8:
8
ويخرج ليضل الامم الذين في اربع زوايا الارض جوج وما جوج ليجمعهم للحرب الذين عددهم مثل رمل البحر.
يحول الكهنة ان يوهموا البسطاء بأن المقصود بالزوايا هنا الجهات الأربعة ولكن هذا قول بدون دليل ولو كان المقصود به الجهات الأربع لقالها يوحنا ان كان فعلا هو الكاتب . وإن كان يوحنا استخدم الكلمة خطأ فلماذا لم يوقفه الخروف الذي يسوقه كما يزعم النصاري كما اوقفه من ان يسجد له حين خر يوحنا تلميذ يسوع ساجدا للخروف او يسوع عندما ظهر في شكل خروف بالتفسير الرمزي
الم يخر صاحب الإنجيل ساجدا
الم يوقفه قائلا لا تفعل السجود فقط لله
فلماذا لم يمنعه من ان يقع في هذا الخطأ القاتل
Rv:22:8:
8 وانا يوحنا الذي كان ينظر ويسمع هذا . وحين سمعت ونظرت خررت لاسجد امام رجلي الملاك الذي كان يريني هذا.
Rv:22:9:
9 فقال لي انظر لا تفعل . لاني عبد معك ومع اخوتك الانبياء والذين يحفظون أقوال هذا الكتاب . اسجد للّه.
وقد يقول قائل ان هذا خطأ في الترجمة وهذا ليس صحيح
قاموس روبيرستون المصور يذكر ان الكلمة المستخدمة تعني زواية لا جهات
" Corners goonias (NT:1137). An old word for angle (Matthew 6:5), also in Revelation 20:8 ".
Robertson's Word Pictures in the New Testament
وذكر المفسر الكبير آدم كلارك ان عمل الملائكة علي زواية الأرض الأربع هو لمنع تسلل الشياطين
Adam Clarke's Commentary, Copyright (c) 1996
ويقول تفسير ألبيرت بارنيس ان مفهوم يوحنا هو المفهوم الذي كان يسود في المجتمع اليهودي في ذلك الوقت إذ كانوا يظنون ان للأرض أربع زواية وأن لها أطراف تغيب فيها الشمس وتشرق منها بل انهم كانوا يعتقدون ان للأرض أعمدة
Barnes' Notes, Electronic Database. Copyright (c) 1997
وبهذا ايضا قال صاحبي تفسير جي ايف بي في سياق تفسير سفر هوشع 10:12 الذي يتحدث عن وقوف الشمس والقمر لإطالة النهار حتي يتمكن هوشع وجنوده من القضاء علي آخر طفل من أطفال الامورين(6/166)
هذه كان مستواهم العلمي حين ذاك ويمكنك ان تؤمن ان الأرض هي التي توقفت عن الدوران وفقا للعلم الحديث
Jamieson, Fausset, and Brown Commentary,
وفي سياق حديثه عن المزمور 104
المؤسس الارض على قواعدها فلا تتزعزع الى الدهر والابد.
يقول المفسرألبيرت بارنيس
" وذلك يعني ان الرب جعل أساسا تحت الأرض لتثبيتها وهذا الفهم ليس بغريب في الكتاب المقدس "
بينما يقول تفسير بالبيت ان امعني المقصود هنا ثبتها fixed
ثبتها بحيث لا تتحرك غير انه اضاف انه ليس بالضرورة ان تكون القواعد مادية
Pulpit Commentary,
ومن مفسري العرب قال أنطنيوس فكرس
المؤسس الارض على قواعدها فلا تتزعزع .. أي ثبت الله الأرض فلا
ص 465
بل ان- القدّيس إيريناوس أسقف ليون من آباء الكنيسة الأوال في كتابه الهراطقة إستخدم مفهوم الزوايا الأربع ليعلل على وجود اربع اناجيل
يقول القدّيس إيريناوس
لا يمكن ان يكون هناك اكثر من أربع اناجيل ولا اقل من أربع كما أن للأرض اربع زوايا وأربع رياح رئيسية وحين ان الإناجيل هي اعمدة الكنيسة فوجب ان يكون للكنيسة اربع اناجيل كما للأرض
ضد الهراطقة الجزء الثالث الباب الحادي عشر
هل توقف القمص عند قول القدّيس إيريناوس أسقف ليون وتمعن في مدلوله بفكر متحرر وهل ناقشه بمنطق سليم كما فعل مع الآية القرآنية أم مر عليه مرور الكرام ..... يبدوا ان الفكر لا يتحرر والمنطق لا يستقيم إلا عند التكبر على الله
يظن بعض الناس ان بإمكانهم أحيانا إخفاء جزء من الحقيقة أما صاحبنا القمص يظن ان بإمكانه ان يخفي كوكب الشمس في عين حمئة أو داخل خيمة ... وله كل العذر في ذلك ولا لوم علي خريج كلية لاهوتية تعلم ان الشمس تغرب في خيمة , وبدل ذلك يشغل القمص فكره المتحرر في حل هذه المشكلة المزعجة, اخذ يسرد على الخراف قصة ليست أصلا من تأليفه... ربما لشغلهم عن الخوض في نص غروب الشمس في الخيمة
المعضلة في هذا النص ليس فقط في خرافة غروب الشمس في الخيمة ولكن أيضا إختلاف النص في المخطوطات وبذلك إختلاف الترجمات والنسخ لدرجة التعارض البين في المعني بحيث انه من السهل ان لا يدرك القارئ انه يقرأ نفس الفقرة من نسخة مختلفة
وإذا قارنت بين النسخ العربية الثلاثة التالية تجد :
ان نسخة ملك جسمس لا تذكر كلمة الخيمة نهائيا .
و النسخة الكاثوليكية تذكر الخيمة التي تغرب فيها الشمس غير ان مترجميها اختاروا كلمة سطور بدل كلمة منطقهم .
في حين نسخة الحياة التطبيقية اختارت صوتهم مع ذكر الخيمة العجيبة .
المزامير 19:4 نسخة ملك جيمس
في كل الارض خرج منطقهم والى اقصى المسكونة كلماتهم.جعل للشمس مسكنا فيها
النسخة الكاثوليكية
بل في الأرضِ كُلِّها سُطورٌ بارِزة وكَلماتٌ إِلى أَقاصي الدُّنْيا بَيِّنة. هُناكَ لِلشَّمسِ نَصَبَ خَيمةً
نسخة الحياة التطبيقة
انْطَلَقَ صَوْتُهُمْ إِلَى الأَرْضِ كُلِّهَا وَكَلاَمُهُمْ إِلَى أَقَاصِي الْعَالَمِ. جَعَلَ لِلشَّمْسِ مَسْكَناً فِيهَ
قد تكون هذه إختلافات طفيفة في الترجمة الا اننا نري العجب عند النظر في النسخ الإنجليزية
النسخة الإنجليزية التطبيقة تذكر كلمة مسطرة بدل صوتهم .
بينما نسخة الرسالة تعكس المعني تماما بإختيارها كلمة صمتهم بدل صوتهم وتبديل الخيمة بالسد الضخم .
السؤال الذي يطرح نفسه هو, لماذا لم تذكر النسخة العربية لملك جيمس كلمة الخيمة ؟
يبدوا لي ان السبب هو الرغبة في الإيحاء ان المسكن هو السموات وتتضح تلك الرغبة الخبيثة في قول انطنيوس فكري في تفسيره
" جعل للشمس مسكناً فيها = أي في السموات "
ص 67
ألا أن الفقرة التي تلي الخيمة تخذله إذ يصعب ربط الفقرتين عند حذف كلمة الخيمة
5 وهي مثل العروس الخارج من حجلته.يبتهج مثل الجبار للسباق في الطريق.
نسخة ملك جيمس
وهنا يلجأ انطنيوس إلي الحل المجرب والشفرة السحرية ألا وهو الرمز فيقول
والشمس في العبرية والآرامية مذكر لذلك تشبه بالعريس والمسيح دعي شمس
ويضيف أنطنيوس قائلا
ولسبب أو لآخر إضطر انطنيوس فكري للإشارة إالي الكلمة المحذوفة الا وهي الخيمة وذلك لعدم إستقامة المعني بدونها
" أي هي تشق السماء في حركتها من الشروق للغروب بسرعة لتؤدي عملها الذي
حدده لها الرب فتنير للبشر وتوزع حرارتها عليها وتعطي حياة . الخارج من خدره =
(حجلته). جعل في الشمس مظلته ) سبعينية ( التصوير هنا أن الشمس كملك يضرب خيمته "
كلمة سبعينية بين القوسين إشارة إلي إختلاف النسحة السبعينية عن نسخة فلجاتة اللاتينسة
تحريفات خرافات وخزعبلات ليست الا ويستحيل ان تغرب الشمس في خيمة وما هذه النصوص إلا أوهام الإنسان البدائي
يقول المفسر الكبير البيرت بارنيس
" هذه لغة من يعتقد ان الأرض ملساء ( غير مكورة ) وأن لها أطراف تتنتهي إليها "
الكلمات بين القوسين ليست للمفسر
ويضيف البيرت بارنيس
" ومعني فيه ... المبيت الذي تبيت الشمس فيه "(6/167)
أي حيث تقضي الشمس ليلتها ... في الخيمة ... ونقصد بالخيمة ... بيت من بيوت الأعراب يبني من عيدان الشجر او من الكتان ... حتي لا يظن القمص اننا نتحدث عن رأس الخيمة فكل شيء محتمل ممن قالوا ان الإله خروف بسبعة قرون وان الشمس تغرب في خيمة تحوم حولها الخراف وهي تتوحم
محمود أباشيخ
كروية الأرض بين إجماع الأمة وإنكار الكنيسة
هل هذا هو الكتاب المقدس ... تحريفات خرافات وحزعبلات ... أم به أثر من بقاية الحق
لا شك ان في الكتاب المقدس أثر من الحق بل وحقائق شبه علمية سوف نناقشها فيما بعد ... بينما تختم في هذا الجزء من الرد علي شطحات القمص بذكر معجزة من معجزات الغروب في كتاب النصارى ثم ننظر في موقف الكنيسة ممن رفضوا الخرافات المذكورة ولماذا اختلف موقف علماء المسلمين عن موقف الكنيسة
بداية, ننظر إلي المعجزة وهي معجزة من نوع آخر تتعلق بغروب الشمس... بل هي أكبر من معجزة ... بل امر مستحيل. والله لا يفعل المستحيلات... جاء ذكر هذا الحدث في أول كتاب النصارى في سفر التكوين
ان أول عبارة في كتاب النصارى تقول
. في البدء خلق الله السموات والأرض ثم قال الإله ليكن نور فكان
الا أن يقول في الفقرة الخامسة من الإصحاح الأول
ودعا الله النور نهارا والظلمة دعاها ليلا.وكان مساء وكان صباح يوما واحدا
ثم خلق الرب الجلد وفصل بين المياه ودعا الجلد سماء وكان صباح يوما ثانيا
ثم يذكر الكتاب خلق النباتات مضيفة وكان صباح يوما ثالثا في الفقرة الثالثة عشرا
وتلك هي المعجزة .... وكان مساء وكان صباح ... وكان صباح وكان مساء ... والمعجزة ليست في العبارة البليغة انما في الشمس التي شرقت وغربت ثلاثة ايام قبل تواجدها
انها حقا معجزة من نوع آخر ان تمر الأيام والليالي تشرق فيها الشمس ثم تغرب دون ان يكون لها وجود
وها هو الكاتب يذكر لنا في الفقرة السادسة عشر من الإصحاح الأول انه الآن خلق الله الشمس والقمر
Gn: 1:16:
16 فعمل الله النورين العظيمين.النور الاكبر لحكم النهار والنور الاصغر لحكم الليل.والنجوم
لا لوم علي الكاتب فهو إنسان وما سمي إنسانا إلا لكثرة نسيانه ولكن اللوم علي من ينسب هذه الكوميديا لله سبحانه وتعالي ثم يقول ان الله قادر علي كل شيء كما ذكر الآب انطونيوس فكري في تفسيره حين أشار الي وجود رأيين في هذه المعضلة ويقول أصحاب الرأى الاول
" انها ايام حقيقية كل منها 24 ساعة وأصحاب هذا الرأى يقولون الله قادر علي كل شيء "
ص 28
الرأى الثاني والذي يرجحه المفسر يقول انها حقب زمنية لا نعرف مقدارها ويعطي المفسر سبب ترجيحه لهذا الرأى قائلا
" الأيام ليست أيم شمسية فالشمس لم تكن قد خلقت في اليوم الأول وحثي اليوم الثالث "
نفس المصدر والصفحة
هذا التأويل ممكن تقبله لو لم يذكر الكتاب عبارة " وكان صباح وكان مساء " ولو اكتفي بقول وكان يوما آخرا لكان تأويل انطونيوس اكثر قابلية للأخذ به ولكن أراد الله أن يفضح قلم الكتبة الكاذب في اول صفحة من كتاب نسب إليه زورا . وتلك هي الحقيقة التي يؤكدها سفر ارميا حين قال في الإصحاح الثامن الفقرة الثامنة
: كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا.حقا انه الى الكذب حوّلها قلم الكتبة الكاذب.
الله سبحانه تعالي هو العليم الحكيم وهذا الكلام ليس من الحكمة في شيء
كيف تقولون نحن حكماء ثم تنسبون هذه البدائية لله ... من شمس تغرب قبل نشأتها ونباتات تنبت قبل خلق الشمس ثم بعد كل هذا تزعمون تعب في نهاية عمله وأرتاح في اليوم السابع
وفرغ الله في اليوم السابع من عمله الذي عمل.فاستراح في اليوم السابع من جميع عمله الذي عمل ( التكوين 2:2 )
ايتعب الله وهو القائل
وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ
ق : 38
زوايا الأرض .. خيمة الشمس ... الجدران المصابة بالبرص ... الأرنب المجتر ... الخرفان التي تتوحم.. تلك هي الخرافات التي يقدسها النصارى ومن اجلها سفكوا دماء العلماء, وهل عاني العالم غليليو ووقف أمام محاكم التفتيش إلا بسبب غروب الشمس في خيمة ورفضه دعاء يشرع بتوقف الشمس كما تذكر الموسوعة الكاثوليكية مقرة بخطأ الكتاب المقدس
لقد أثار الكنيسة ينظر يته وقد اعتبرت الكنيسة انها تتعارض مع نص دعاء يشوع ( دعاء يشوع بتوقف الشمس )
وتقر الموسوعة ان الكنيسة ارتكبت خطأ فظيعا إذ تبين ان غليليو كان صائبا في نظريته التي تتعارض مع الكتاب المقدس
( الموسوعة الكاثوليكية تحت حرف G وكلمة Gallileo )
بقي غليلو في السجن مقهورا إلا ان مات البابا وعين مكانه البابا مافيو اوربان الثامن الذي تعاطف مع غليليو وكتب الي هيئة المحكمة رسالة قال فيها
" دعونا ننظر في الأمر بعناية ولنبدأ في طريقة لتأويل النص ثم نعلن اننا أسأنا فهم النص الذي يتعارض مع قوله "
ولكن البابا أوربان الثامن تراجع عن هذا الأمر ويبدوا انه أدرك ان ذلك يتعارض مع عصمة البابا(6/168)
مضت مئات السنين إلي ان تشجع البابا يوحنا بوالص الثاني وقدم إعتذارا لغليليو سنة 1992 ... فهل اضطرت هيئة إسلامية للاعتذار لأحد علماء المسلمين ..... لم يحدث ذلك ولسبب بسيط جدا وهو ان القرآن لا يتناقض مع الحقائق الكونية الثابتة, وينما سفك الكهنة دماء علمائهم نجد ان علماء الدين الإسلامي أقروا بكروية الأرض بل وأجمعوا علي ذلك قبل ولادة غليلو بمئات السنين
ان غليلوا الذي عاني الامرين من الكنيسة وخرافاتها ولد سنة م 1564 ميلادية ومات سنة 1642 بينما ولد العلامة علي بن أحمد بن سعيد بن حزم سنة 384 هجرية
وبينما مات غليلوا وعليه لعنات الكنيسة توفي العلامة ابن حزم والملاين تترحم عليه تاركا لنا صفحات تشل ألسنة أحقد الحاقدين ... لقد نقل إلينا ابن حزم إجماع المسلمين علي كروية الارض
يقول العلامة ابن حزم في كتابه الفصل في الملل تحت عنوان" مطلب بيان كروية الأرض " ما يلي
" قال أبو محمد وهذا حين نأخذ إن شاء الله تعالى في ذكر بعض ما اعترضوا به وذلك أنهم قالوا أن البراهين قد صحت بأن الأرض كروية والعامة تقول غير ذلك وجوابنا وبالله تعالى التوفيق أن أحد من أئمة المسلمين المستحقين لإسم الإمامة بالعلم رضي الله عنهم لم ينكروا تكوير الأرض ولا يحفظ لأحد منهم في دفعه كلمة بل البراهين من القرآن والسنة قد جاءت بتكويرها قال الله عز وجل يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وهذا أوضح بيان في تكوير بعضها على بعض مأخوذ من كور العمامة وهو ادارتها "
ج 1 صفحة 78
ويقول شيخ الإسلام وهو ايضا ممن عاش قبل المقهور غليلو يقول في" رسالة في الهلال " ج 25 ص 193 من مجموعة فناويه
هذا وقد ثبت بالكتاب والسنة وإجماع علماء الامة ان الافلاك مستديرة قال الله تعالى ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر وقال وهو الذى خلق الليل والنهار والشمس والقمر كل فى فلك يسبحون وقال تعالى لا الشمس ينبغى لها ان تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل فى فلك يسبحون
قال إبن عباس فى فلكة مثل فلكة المغزل وهكذا هو فى لسان العرب الفلك الشىء المستدير ومنه يقال تفلك ثدى الجارية اذا استدار قال تعالى يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل والتكوير هو التدوير ومنه قيل كار العمامة وكورها اذا ادارها ومنه قيل للكرة كرة وهى الجسم المستدير ولهذا يقال للأفلاك كروية الشكل لأن أصل الكرة كورة تحركت الواو وانفتح ما قبلها فقلبت الفا
وفي صفحة 194 من نفس المصدر يقول شيخا الإسلام
وقال الامام ابو الحسين أحمد بن جعفر بن المنادي من اعيان العلماء المشهورين بمعرفة الآثار والتصانيف الكبار فى فنون العلوم الدينية من الطبقة الثانية من اصحاب احمد لا خلاف بين العلماء ان السماء على مثال الكرة
ثم يضيف الشيخ قولا صاعقا على القلوب الحاقدة فيقول
قال وكذلك أجمعوا على ان الارض بجميع حركاتها من البر والبحر مثل الكرة
ويضيف
" فكرة الارض مثبتة فى وسط كرة السماء كالنقطة فى الدائرة "
وإن كان القمص لا يعرف من هو شيخ الإسلام فلا شك انه يعرف تلميذه إذ انه أستشهد من كتابه روضة المحبين ونزهة المشتاقين في سياق تبريره لنشيد الإفساد والفجور
العلامة ابن القيم لم يذكر فقط ان الأرض كروية بل أستخدم تلك الحقيقة في إثبات صفة العلو لله سبحانه وتعالى
إنه إذا كان سبحانه مباينا للعالم فإما أن يكون محيطا به أو لا يكون محيطا به فإن كان محيطا به لزم علوه عليه قطعا ضرورة علو المحيط على المحاط به ولهذا لما كانت السماء محيطة بالأرض كانت عالية عليها ولما كان الكرسي محيطا بالسماوات كان عاليا عليها ولما كان العرش محيطا بالكرسي كان عاليا فما كان محيطا بجميع ذلك كان عاليا عليه ضرورة ولا يستلزم ذلك محايثته لشيء مما هو محيط به ولا مماثلته ومشابهته له فإذا كانت السماء محيطة بالأرض وليست مماثلة لها فالتفاوت الذي بين العالم ورب العالم أعظم من التفاوت الذي بين الأرض والسماء
ثم يفترض ابن القيم غفتراضا جدليا ويقول
وإن لم يكن محيطا بالعالم بأن لا يكون العالم كرويا بل تكون السماوات كالسقف المستوي فهذا وإن كان خلاف الإجماع وخلاف ما دل عليه العقل والحس
الصواعق المرسلة ج 4 ص 1308
أي إجماع الامة علي كروية الارض
ورغم إجماع علماء المسلمين في هذه المسألة الا ان ذلك لم يردع النصارى من إلقاء التهم علي الشيخ بن باز رحمه الله بل وصل الأمر إلي إنشاء مواقع مزورة علي الشبكة العنكبوتين نشر عليها فتوى مزورة مفادها ان الشيخ رحمه الله كفر من قال بكروية الارض وربما لا يعرف عامة النصارى ان ما يروجه كبارهم إشاعة قديمة
وفي حديث لجريدة الندوة في عددها 11293 أشار الشيخ إلي الافتراء الموجه إليه فقال
كذب بحت لا أساس له من الصحة ، وقد يكون الناقل لم يتعمد الكذب ولكن لم يتثبت في النقل ، ومقالي مطبوع ومنشور
,اضاف الشيخ رحمه الله(6/169)
كما أني قد أثبت في المقال فيما نقلته عن العلامة ابن القيم رحمه الله ما يدل على إثبات كروية الأرض
فتاوي بن باز المجلد التاسع ص 157 - 160
من خلال الأدلة التي عرضناها تتضح عدة أمور أهممها
ان القمص زكريا بطرس كذاب.. دون قصد التجريح وبإمكانه الحصول علي إعتذار علني مع قبلة مقدسة إن أثبت صحة الإقتباسات المزورة التي نسبها للبيضاوي رحمه الله
كما تبين جهل القمص بالتاريخ , إذ لو كان علي علم بالدماء التي سفكتها الكنيسة من أجل وقف يشوع للشمس وغروبها في خيمة لما تطازل علي القرآن والإفتراء علي علمائنا وقد أثبتنا إجماعهم علي كروية الأرض قبل ولادة غليلو بمئات السنين ولله الحمد
اللهم اجعلنا ممن يسمعون القول فيتبعون أحسنه
اللهم أرنا الحق حقاً و ارزقنا اتباعه و مناصرته و أرنا الباطل باطلاً و ارزقنا اجتنابه و محاربته =================
الرد فاتحة الفرقان الحق المزعومة
عجز ... لا إعجاز !!!
بقلم: ياسر محمود الأقرع
رأينا في دراساتنا البلاغية للكتاب الموسوم بـ " الفرقان الحق " أن نقف على ما يدعى ( سورة الفاتحة) ونقوم بدراستها كاملة، نظراً لما تتضمنه عادة فاتحة الكتاب من أهمية تجعلها تحتل مكان الصدارة منه.
وكنّا بدأنا ـ انطلاقاً من ذلك ـ بدراسة الآية الأولى من السورة المذكورة ، وها نحن هنا نستكمل دراستنا البلاغية لما بقي منها كاملاً دون تجزئة ، وذلك لارتباط الآيات ( المزعومة ) المتبقية ارتباطاً معنوياً فيما بينها مما يدفعنا لدراستها مجملة، من غير تطويل مملّ أو إيجاز مخلّ وهذا نص الآيات المتبقية بدءاً من الآية الثانية :
( 2 ) مهيمن يحطم سيف الظلم بكف العدل ويهدي الظالمين
( 3 ) ويهدم صرح الكفر بيد الإيمان ويشيد موئلاً للتائبين
( 4 ) وينزع غلَّ الصدر شذى المحبة ويشفي نفوس الحاقدين
( 5 ) ويطهّر نجس الزنى بماء العفة ويبرئ المسافحين
( 6 ) ويفضح قول الإفك بصوت الحق ويكشف مكر المفترين
( 7 ) فيأيها الذين ضلّوا من عبادنا توبوا وآمنوا فأبواب الجنة مفتوحة للتائبين .
مهيمن ومهام أخرى !!!
تبدأ الآية الثانية بالاسم ( مهيمن ) وهو خبر لمبتدأ محذوف تقديره هو يعود على ( الفرقان ) .
والمهيمن – حسب ما جاء في معاجم اللغة – هو الشاهد و الرقيب . ومن ثمّ فليس هنالك من مهمةٍ للشاهد أو الرقيب غير مهمة المراقبة والمشاهدة بغية إقامة الحجة والدليل على المراقَب أو المشاهَد.
غير أن المهيمن ( الرقيب ) في هذا النص يحطم ويهدي ويهدم ويشيد ويطهر ويُبرئ .. وليس في الأفعال الواردة في النص مما يناسب مهمة المهيمن غير فضح قول الإفك وكشف مكر المفترين على أنهما من نتائج المشاهدة والمراقبة .
وهذا يدل على فهم خاطئ لمعنى كلمة ( مهيمن ) فجاءت في النص مرادفة لكلمة المتحكم أو المسيطر وما في معناهما .
معادلة القوة والضعف
لو تأملنا العبارات الواردة في النص لأدركنا أنها تقوم على افتراض وجود ميزان بين قوى الشر وقوى الخير ، ولكن معادلة العلاقة بين الخير والشر تستند إلى وجود شر ذي قوة وبطش مزوَّد بأدوات تساعده على البقاء، وخير لين الجانب ، ضعيف، هزيل، مجرّدٍ من كل ما يمنحه القدرة على مناهضة الشر.
ومع هذا فإن الخير المجرد من وسائل القوة، الذي يحمله الفرقان الحق – حسب النص – قادر على هزيمة الشر مع ما يمتلكه الأخير من أدوات البقاء والسيطرة .
تأمل هذا الخلل الواضح في معادلة القوة والضعف :
كف العدل تحطم سيف الظلم
يد الإيمان تهدم صرح الكفر
صوت الحقيفضح قول الإفك
إن الصورة الفنية التي أُريد لها أن تُظهر قدرة الحق على الوقوف في وجه الباطل قدّمت المعنى على عكس ما أريد لها ، وعرّت الحق من معاني القوة التي يتضمنها فبدا ضعيفاً هزيلاً ليّناً .
أفلا يحتاج سيف الظلم المجرَّد ، وصرح الكفر المشيّد، إلى قوة تجابهه ؟ أم أنَّ يداً فارغة وكفّاً عارية قادرتان وحدهما على فعل ذلك !!؟
أرادت العبارات المذكورة إظهار ضعف الظلم فأمسكته سيفاً، وبيان هشاشة الكفر فأسكنته صرحاً، ووصفت ادعاء الكاذب بالقول، بينما منحت صاحب الحق صوتاً ...!!
أوَلم يكن من البلاغة أن يكون السيف للعدل، والصرح للإيمان، والقول للحق ( وفرق كبير بين القول والصوت سنأتي على ذكره بعد قليل ) ...؟؟
أفعال في غير موضعها
جاءت هذه السورة حافلة بالأفعال ، غير أن معظمها جاء استخدامه خالياً من البلاغة ... فانظر في هذه الأفعال وتأمل:
يحطم سيف الظلم:
والتحطيم هو تهشيم الأشياء الصلبة وتفتيتها، وهو مختلف عن الكسر الذي يحول المكسور إلى قطعتين وهو غير التكسير الذي يعني تحويل المكسور إلى قطع ... لكنه دون حدّ التفتيت والتهشيم.
والأَولى مع ذكر السيف استخدام الفعل (يَكسِر- يُكَسّر)، فالسيف فيما أعلم يُلوى أو يكسر أو يكسَّر !!
يهدي الظالمين:
والهداية للضّالين ، أما الظالمون فقد تم كسر شوكتهم واستئصال شأفتهم حسب ما جاء في العبارة السابقة: ( يحطم سيف الظلم ).(6/170)
فهل يُستهدى الظالم بعد الحرب عليه، أم أن الدعوة إلى الهداية تسبق إعلان الحرب واللجوء إلى القوة ؟
أما أن تأتي الهداية بالقوة فهذا إكراه لا يناسب منهج العقائد التي تأتي بها الكتب وتدعو إلى تأملها العقول !!!
يهدم صرح الكفر ويشيد موئلاً للتائبين:
هنالك كفر وهنالك توبة ... فإذا كان الفرقان سيهدم صرح الكفر فأين هم التائبون ؟؟ هذا معناه أحد أمرين :
إما أن يكون التائبن جزءاً من صرح الكفر المتهدم وهم بذلك هالكون فلا توبة !!!
أو أن يكونوا خارج صرح الكفر فهم مؤمنون أساساً فلا حاجة للتوبة من الكفر .. إذ لا كفر !!!
ثم أليس الأَولى أن يُشاد موئل للتائبين من الكفر أوّلاً ثم يُستتابوا فإن لم يستجيبوا هُدم صرح الكفر بهم أوعليهم وأهلكوا...؟؟
ينزع غل الصدر شذى المحبة:
يأتي الفعل ينزع بعد الأفعال يحطم / يهدي / يهدم / يشيد . ويظنّ القارئ أن فاعل هذا الفعل هو ذاته فاعل الأفعال السابقة أي ( الفرقان ) لكنه يُفاجأ عند إكمال العبارة بكلمة ( شذى ) على أنها فاعل الفعل ينزع وهو فاعل مؤخر لمجيء المفعول به مقدماً عليه .
إذاً من ينزع غلَّ الصدر هو شذا المحبة وليس الفرقان.
وبسبب مجيء الفاعل المؤخر ( شذى ) منتهياً بحرف علة ، مما يعني تقدير الحركة على آخره تقديراً ، فإن الأمر قابل للالتباس ، فمن الممكن أن تكون الحركة المقدرة ( ضمة ) ويكون الاسم (شذى) فاعلاً ، أو ( فتحة ) ويكون بدلاً من غلّ ( وإن لم يستقم المعنى ) وتقتضي البلاغة دفعاً لهذا الالتباس أن يُقَدَّم الفاعل على فعله ( ينزع ) فيصير مبتدأ ، إشعاراً بأنّ الجملة غير معطوفة على الجملة الفعلية فليس من ينزع غل الصدر هو الفرقان وإنما شذى المحبة !!
فتصبح: وشذا المحبة ينزع غل الصدر ...
وشذى ( هكذا بالألف المقصورة ) حسب ما جاءت في النص، خطأ إملائي واضح ، فالأصل فيها أن تكتب بالألف الممدودة ( شذا ).
توبوا وآمنوا فأبواب الجنة مفتوحة للتائبين:
يا أيها الذين ضلوا توبوا وآمنوا ...
التائب من الضلال إلى الهدى ألا يعني أنه آمن ، فما الحاجة إلى الفعل آمنوا إذا كانت التوبة تتضمن معنى الإيمان أو العودة إلى الإيمان ؟؟
وإذا كان ثمة ضرورة لذكر التوبة والإيمان معاً، فأين جزاء الذين آمنوا على إيمانهم إذا كانت
( أبواب الجنة مفتوحة للتائبين ) ؟؟
الإضافة.. ارتباط لا بلاغي
لنتأمل العلاقة بين المضاف والمضاف إليه في العبارتين التاليتين :
- يطهِّر نجس الزنى :
إن هذا الفرقان يطهر نجس الزنى ، وليس نجس الزناة !!
ومعنى هذا الكلام أن للزنى نجساً ... فإن سكبنا ماء العفة على هذا النجس وأزلناه أصبح الزنى طاهراً لا نجس فيه ... والطاهر مباح !!؟؟ فهل بعد هذه البلاغة .. بلاغة !؟
- قول الإفك / صوت الحق :
القول كلام له معنى في ذاته. والصوت قد لا يحمل في ذاته معنى، فحروف المدّ أصوات قد لا تحمل دلالة بمفردها، وإنما تشكل لبنة في بنية أكبر تحمل دلالة وهي ( الكلمة ).
فكيف يكون للكذب قول واضح يحمل معنى، بينما يكون للحق صوت لا معنى له إذ يمكن أن يكون الصوت مجرد ضوضاء .
وبعد :
هذه فاتحة الفرقان الحق ... فإذا كانت فاتحة الكتاب على ما رأيناه من فهم خاطئ لبعض معاني المفردات ، وخلل في تركيب الصورة الفنية، وسوء في تلازم الكلمات وتعاقبها ( كما في الإضافة ) .
إذا كانت فاتحة الكتاب على هذا الشكل فأية لغة هشّة، وأية بلاغة عاجزة تلك التي يحملها هذا الكتاب؟؟
================
شبهة مصدر القرآن الكريم هي الشياطين
بقلم الأستاذ عبد الرحيم الشريف
ماجستير في تفسير القرآن وعلومه
ملخص الشبهة: لما علم الطاعنون في ألوهية مصدر القرآن الكريم، استحالة كونه من تعليم بشر، لو اجتمع كل البشر من شتى الشعوب والحضارات العالمية. توسلوا مصدراً غير بشري، لعلهم يجدون فيه ضالتهم... فتفتقت عبقريتهم عن مصدر مغاير تماماً.. لجأوا إلى الجن لعلهم يجدون فيهم المصدر المنشود للوحي.
شكلت خرافة الغرانيق [1] العمود الفقري لهذه الشبهة، وهي تستند أساساً على خرافة أن سيدنا محمداً rكان يصلي عند الكعبة جهراً !! ويقرأ سورة النجم، فألقى الشيطان على لسانه آيات يمدح بها آلهة المشركين فوصفها بأنها ذات شفاعة مرجوة: فقال: " تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهم لترتجى ". فسجد الرسول وسجد المشركون.
نقد تلك الخرافة المزعومة:[2]
أكثر المحققين من علماء المسلمين، قالوا: إن هذه الرواية باطلة موضوعة. واحتجوا على ذلك بالقرآن والسنة والمعقول والتاريخ.
ولاً: القرآن الكريم:
1. قال تعالى في سورة الحاقة: " وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الأَقَاوِيلِ 45 لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعنَا مِنْهُ الوَتِينَ 46 ".
2. وفي سورة يونس: " قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ 15 ".(6/171)