فعلى المرأة -إذن- أن توقف الاستفادة من هذه المنحة، وأن تتوب إلى الله مما أكلته من المال بغير حق، ومن تمام توبتها أن تعزم على رد جميع ما استفادته، وأن لا تتأخر في قضائه إلا بقدر ما يؤخر المعسر، لقول الله تعالى: وإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ (البقرة: من الآية280)، ولها حينئذ أن تستبقي لنفسها من المال ما تنفق به على نفسها وعيالها، فهي في حكم المفلس، وفيه يقول خليل: وترك له قوته والنفقة الواجبة عليه لظن يسرته وكسوتهم كل دستاً معتاداً.
ثم إنه لا فرق في منع هذه المنحة عن المرأة بين حالها قبل وفاة الزوج الثاني وبعده، إذ بتزوجها سقط حقها في المنحة، ولا يمكن أن يعود هذا الحق إلا بتجديده من الواهب.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى
============
مناقشة شيخ الأزهر في مسألة الحجاب في دار الكفر
تاريخ 25 ذو القعدة 1424 / 18-01-2004
السؤال
تحدث شيخ الأزهر في كلمة ألقاها بأن الحجاب فرض على المسلمة بشرط أن تعيش في دولة مسلمة، يعني إن عاشت في فرنسا مثلا لا يشترط عليها أن ترتدي الحجاب، أرجو أن تفيدوني بالإثبات من القرآن أو السنة؟ وجزاكم الله خيراً
السرعه في الإجابه لو تكرمتم.
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإننا لم نسمع من شيخ الأزهر ما ذكرته السائلة من أنه جعل الحجاب فرضاً على المسلمة بشرط إقامتها في بلاد المسلمين فإنه يقر بأن الحجاب فرض على المسلمة في كل مكان، ولكن خلاصة ما سمعناه منه أن للدولة الكافرة أن تمنع من لبس الحجاب وأن ذلك حق لها.
وأنه إذا منعت الدولة من لبس الحجاب فإن للمسلمة خلع الحجاب لأنها مضطرة، واستشهد بقول الله عز وجل: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلا عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ [البقرة:173].
وقد أخطأ في المسألتين:
أما المسألة الأولى: فهي إقراره بأن لهم أن يمنعوا المسلمات من ارتداء الحجاب، وهذا مخالف للشريعة وهو مخالف أيضاً لدستور تلك الدولة.
أما مخالفته للشريعة فوجهها أن تلك الدول ليس لها أن تنقض العهد الذي بينها وبين من أقام فيها من المسلمين بالحيلولة بينهم وبين القيام بشعائرهم الدينية التي أوجبها عليهم دينهم، إذ أنهم قد دخلوا تلك البلاد وأعطوا الأمان على ما اشتمله دستورها من حرية التدين وحق القيام بالشعائر الدينية، ومخالفة هذا نقض للعهد، وهذا غير جائز فضلاً عن أن يكون حقاً لهم كما زعم، وعجباً كيف يكون الصد عن سبيل الله ودينه حقا للبشر أيا كانوا.
هذا؛ والراجح من أقوال العلماء أن الكفار مخاطبون بفروع الشريعة، أي أنهم يحاسبون على تركها في الآخرة ويعذبون لذلك كما دل على ذلك القرآن، فقد قال الله سبحانه عن أهل النار إنهم يقولون إذا سئلوا عن سبب دخولهم إياها قالوا، كما قال الله عز وجل عنهم: قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ* وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ.... [المدثر:43-44]، فدلت الآية على أنهم يعذبون على تركهم الصلاة.
هكذا قرر هذه المسألة فقهاء المسلمين من الشافعية وغيرهم، فإذا كانوا يعذبون على ترك الفرع الواجب من فروع الشريعة فكيف يكون من حقهم أن يمنعوا الناس منه.
أما المسألة الثانية: فقوله إن المرأة المسلمة لها أن تنزع الحجاب بحكم الاضطرار، وهذا خطأ وخطؤه هذا الإطلاق الذي لم تراع فيه قيود الضرورة وضوابطها، إذ أن النساء يختلفن في هذا الحكم باختلاف أحوالهن.
فمن كانت قادرة على الهجرة من تلك البلاد إلى بلاد تتمكن فيها من إقامة دينها وجبت عليها الهجرة.
ومن كانت غير مضطرة للتعلم في مدارس تلك الدولة لم يجز لها خلع الحجاب، إذ لا ضرورة توجب ذلك، ومن اضطرت إلى الدراسة وتوافرت فيها ضوابط الضرورة المعتبرة عند العلماء، جاز لها من ذلك بقدر ما تدفع به ضرورتها، فلا تخرج إلا بقدر الضرورة، ولا تنزع من الحجاب إلا بقدر ما تدعو إليه الضرورة وهكذا...
وبهذا يعلم خطأ شيخ الأزهر في ما قاله، ونسأل الله عز وجل أن يرده إلى الصواب وأن يفرج عن المسلمين ما هم فيه.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى
=============
حكم مشاركة الكفار في دار الحرب في هديهم الظاهر
تاريخ 22 صفر 1425 / 13-04-2004
السؤال
سؤالي يوجد عندنا مسجد كبير في مدينة تدعى ادمنتن وعندنا شيخ لهذا الجامع وحدث منذ فترة أن الجالية المسيحية العربية أقامت عشاء تبرع لشراء كنيسة ودعت عددا من المسؤولين عن الإسلام لهذا العشاء وقد ذهب عدد كبير منهم وتبرعوا ومنهم الشيخ وعندما سألناه قال هذا يجوز ولكنه قال إنه لم يتبرع وقد ألقى خطابا فما حكم هذا
جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فمشاركة المسلم في بناء كنيسة بعمل أو تبرع غير جائز، لأنه تعاون على الباطل، وقد سبق أن ذكرنا شيئا من ذلك في الفتوى رقم: 7204، والفتوى رقم: 17391.
أما مجرد الحضور في مجلس تجمع فيه تبرعات لبناء كنيسة فلا مانع منه، إن تعلقت بالحضور مصلحة أو دفع ضرر بالمسلمين ونحو ذلك.(5/243)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأمورا بالمخالفة لهم (الكفار) في الهدي الظاهر، لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحيانا في هديهم الظاهر إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمورهم لإخبار المسلمين بذلك، أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الحسنة. اهـ.
والله أعلم.
المفتي: ... مركز الفتوى
=============
ديار الكفر وديار الإسلام
المجيب أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ 16/12/1423هـ
السؤال
الإخوة الأحبة في الموقع؛ السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد فسؤالي عن تحديد ديار الكفر وديار الإسلام، وهل الديار التي غالبية شعبها مسلمون ولكن تحكمها الأنظمة الكافرة أو التي لا تطبق شرع الله وكانت سابقا من ديار المسلمين هل تعتبر بهذه الصفة ديار كفر أم ديار إسلام؟ وهل يجوز السفر إليها للسياحة مع تجنب الذهاب إلى مواطن المنكرات فيها؟ وهل تجب الهجرة منها لمن هو قادر على ذلك؟ والسلام عليكم
أرجو الإجابة في أقرب وقت.
الجواب
بلاد الإسلام هي: البلاد التي يحكمها المسلمون وتجري فيها الأحكام الإسلامية ويكون النفوذ فيها للمسلمين ولو كان أغلب السكان كفاراً أو يهوداً أو نصارى أو وثنيين، وبلاد الكفر عكس هذا تماماً، وقد تكون دار الكفر للكفار الحربيين أو داراً للكفار المهادنين والمعاهدين ويكفر الحاكم إذا حكم بغير ما أنزل الله مما هو معلوم من الدين بالضرورة زعماً منه بأن حكم غير الله أفضل من حكمه أو مساوياً له. أما إذا حكم بغير شرع الله وهو يعلم أن حكم الله هو الذي لا يصلح للبشر غيره ولكنه حكم بخلافه نتيجة شهوة مادية أو مجبراً من هو أقوى منه ويهدده إن حكم بشرع الله وهو ممن إذا قال فعل - فهذا الحاكم حينئذ لا يكفر كفراً ينقله من الملة ولكنه مرتكب لكبيرة من كبائر الذنوب عليه المبادرة للتوبة منها عسى الله أن يتوب عليه.
والهجرة الشرعية من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لا تجب شرعاً إلا إذا عجز المرء عن إظهار شعائر دينه الاعتقادية والتعبدية وإظهار الدين ضد إخفائه فالمظهر لدينه هو الذي يتمكن من إعلانه ولا يضطهد من أجل ذلك. والعاجز عن إظهار ذلك هو العاجز شرعاً، وشعائر الاعتقاد والتعبد مجتمعة في أركان الإسلام والإيمان والإحسان أما الحسبة أو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فليس وجوده أو عدمه شرطاً في الهجرة والإقامة اللهم إلاّ الإنكار بالقلب. وإذا نظرنا في واقع أكثر بلاد الكفر في الشرق والغرب وجدنا المسلم - في الغالب - يستطيع إظهار دينه ومعتقده وذلك لوجود الحرية الشخصية فيها، وإن حصل تقصير من المسلمين المقيمين بين الكفار فلكثرة الشر هناك ولضعف الإيمان عند بعض أولئك المسلمين لا غير، وقوة الإيمان أو ضعفه ليست شرطاً في الهجرة.
أما البلاد التي كانت سابقاً من بلاد المسلمين كبلاد الأندلس - أسبانيا والبرتغال حالياً، فتعتبر الآن بلاد كفر. أما السفر لغرض السياحة إلى هذه البلاد وغيرها الأصل فيه أنه مباح إذا اجتنبت فيها المنكرات ودواعيها. وأنصح بعدم السفر للسياحة في بلاد الكفار خاصة بالأطفال والنساء لغير ضرورة. وفق الله الجميع إلى كل خير آمين.
================
تطبيق حد الرجم في ديار الكفر
المجيب هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف الفهرسة/ الدعوة الإسلامية/الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
التاريخ 9/9/1424هـ
السؤال
إذا زنى رجل متزوج بامرأة متزوجة في ديار الكفر، وكان هناك عدداً كافياً من الشهود مستعدين للإدلاء بشهادتهم، ولكن لا يوجد قاض لإصدار الحكم، فهل يطبق عليهما حد الرجم بدون وجود قاضٍ؟ وماذا يجب على المسلمين في هذه المنطقة أن يفعلوا؟ هل يتغيَّر الوضع في حال وجود قاضٍ؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإقامة الحدود مثل رجم الزاني وقطع يد السارق وجلد شارب الخمر يقيمها من له ولاية كالقاضي؛ لأنها تحتاج لإثبات وحكم بموجبها، ولو لم توكل للقضاة لصار في ذلك فوضى عامة وضرر كبير.
والواجب على المسلمين المقيمين في بلاد غير إسلامية أن يسعوا لدى الحكومات في إقامة قاضٍ يحكم بالشريعة بينهم، فإن أمكن فهذا المطلوب، وإلا فإن الواجب عليهم بذل النصيحة والتذكير والإرشاد لبعضهم، وإن أمكن أن يعاقب بما يردعه من مثل الهجر الجماعي حتى يظهر التوبة مثلاً فهذا حسن أيضاً.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
==============
نكاح المهاجرة إلى ديار الكفر
تاريخ الفتوى : 15 شوال 1422
السؤال
السلام عليكم.
ما حكم الزواج بمهاجرة إلى بلاد الكفر؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فإن كانت هذه المهاجرة مسلمة ذات دين وخلق، فلا حرج عليك بالزواج منها، بشرط: أن يقوم على زواجها وليها، أو وكيله. مع التنبيه لحكم الإقامة في بلاد الكفر. وانظر في ذلك الجواب رقم: 2007 .(5/244)
وإن كانت هذه المهاجرة غير ملتزمة بأخلاق وأحكام الإسلام، فلا ننصحك بالزواج منها، وابحث عن غيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها،ولجمالها، ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك" رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
حول دراسة المرأة وعملها في ديار الكفر
رقم الفتوى 30079 حول دراسة المرأة وعملها في ديار الكفر
تاريخ الفتوى : 19 ذو الحجة 1424
السؤال
نحن نعيش في استراليا, وأختي تدرس وتأخذ معونة دراسة من الحكومه، وهي تريد أن تعمل وتدرس لكي تشتري ما تريد لأن النقود لا تكفي سوى الأكل والشرب والمواصلات، لكن لا تكفي لشراء كتب دراسيه وملابس ومستلزمات أخرى، أمي تعطيها ما تريد ولكن بعد إلحاح، وهي لديها وقت فراغ ويزداد فى الاجازة, وكل صواحبها يعملن، هى لم تجد شغلاً حلالاً، وأريد أن أعرف هل تستطيع أن تعمل فى سوبر ماركت حيث كل ما يباع حلال ما عدا لحم الخنزير، فهل العمل فى هذا المكان جائز بالنسبة لظروفها وهي فى سن مراهقه وأخاف عليها من الفراغ حيث لاحظت تغيراً في تصرفاتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:
فلا بد أن نبين لكم أموراً لم تسألوا عنها وهي لا تقل أهمية عما سألتم عنه:
أولاً: أن الإقامة في بلاد الكفار لا تجوز إلا لضرورة أو حاجة ماسة، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 2007 .
ثانياً: دراسة هذه البنت في مدارس البلاد لا تخلو من الوقوع في محظورات ومخاطر كثيرة منها الاختلاط المحرم الفاضح المنتشر في تلك المدارس، والمفضي غالباً إلى عقد الصداقات المحرمة وما تجر إليه من الوقوع فيما حرم الله تعالى، وخاصة لمن لم يكن محصناً بالإيمان القوي والعلم الشرعي مع توفيق الله تعالى.
ثالثاً: عمل المرأة لا يجوز إلا إذا كان مضبوطاً بالضوابط الشرعية، ولمزيد من الفائدة تراجع الفتوى رقم: 5181 ، والفتوى رقم: 8528 .
ولا شك أن العمل في السوبر ماركت لن تتوافر فيه تلك الضوابط.
وأخيراً نأتي إلى ما سألتم عنه فنقول: إن كان العمل يقتضي بيع تلك المواد المحرمة فإنه لا يجوز، وإن كان مقصوراً على بيع المباح فقط وخضع للضوابط السابقة جاز، والأولى والأسلم تركه، وقد بينا ذلك في الفتوى رقم: 6397 .
هذا مع مراعاة أن عمل المرأة في هذا المجال لا يمكن أن يضبط بالضوابط الشرعية، وخلاصة القول: إننا ننصحكم بمغادرة تلك البلاد والسعي إلى الإقامة وطلب العيش في بلد إسلامي.
وإن لم يمكن ذلك في الوقت الحاضر فانتبهوا لأنفسكم وحافظوا على دينكم الذي هو عصمة أمركم ومصدر سعادتكم في الدنيا والآخرة، ولا تلهينكم زهرة تلك الحياة المادية البحتة عن دينكم فتصرفكم عن المحافظة عليه والاعتصام به.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
المقيم في ديار الكفر.. وزكاة الفطر
رقم الفتوى 38823 المقيم في ديار الكفر.. وزكاة الفطر
تاريخ الفتوى : 19 شعبان 1424
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته سؤالي هو: إذا كنت مسافرة لبلد غير مسلم وأدركت شهر رمضان.. كيف أنفق زكاة الفطر، في بلادي أم في البلاد التي أنا موجودة فيها؟ أرجو أن تفيدوني؟ وجزاكم الله خيراً
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فالأصل أن زكاة الفطر تدفع لمستحقيها من أهل البلد الذي وجبت فيه، فإذا كان في هذا البلد (غير المسلم) مسلمون فقراء فادفعيها إليهم، وإلا أخرجيها في بلدك، وانظري في جواز نقل الزكاة الفتوى رقم: 9442 . وفي إخراج الزوجة زكاة الفطر عن نفسها راجعي الفتوى رقم: 28127 ، والفتوى رقم: 28717 في زكاة البنت العاملة. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===========
هل يسوغ ضياع المال في الإيجار شراء بيت بالربا في ديار الكفر
رقم الفتوى 42640 هل يسوغ ضياع المال في الإيجار شراء بيت بالربا في ديار الكفر
تاريخ الفتوى : 07 ذو القعدة 1424
السؤال
نحن نقيم في كندا ونريد شراء شقة، ولكن لا بد أن نأخذ قرضاً من بنك ربوي لاستكمال الثمن وقد أجاز البعض هذا على اعتبار أننا ندفع الآن الكثير من المال في الإيجار وهو مال ضائع فمن الأفضل أن نشتري الآن ثم نبيع لاحقا وبذلك لا يضيع علينا المال في الإيجار. فهل يجوز أخذ القرض لهذا السبب؟ جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد: فقد سبقت لنا عدة فتاوى بهذا الخصوص نحيلك منها على الفتاوى التالية: 1215 / 6501 / 13433 وما ذكرت من كون هذه الأموال ستضيع بسبب الإيجار لا نرى أنه مسوغ للتعامل بالربا، فاتقوا الله يجعل لكم مخرجاً ويجعل لكم من أمركم يسراً كما وعد بذلك في كتابه، ولا يخلف الله وعده. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
حكم العمل في مطاعم ديار الكفر
رقم الفتوى 43076 حكم العمل في مطاعم ديار الكفر
تاريخ الفتوى : 22 ذو القعدة 1424
السؤال(5/245)
أنا مقيم في ألمانيا ولم يتسن لي فرصة عمل إلا في أحد مطاعم الوجبات الخفيفةBürger king علما بأن العمل بالمدينة التي أسكن فيها قليل، ولايوجد لدي عمل آخر. لا يباع في المطعم خمر, هل أتركه أفتوني جزاكم الله خيرا
الفتوى
الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإذا كانت هذه الوجبات الخفيفة خالية من اللحوم المحرمة كلحم الخنزير، واللحوم التي هي من ذكاة المجوس، ونحو ذلك، ولم يحملك هذا العمل على ممارسة أمر محرم، فلا حرج في العمل في هذا المطعم، إذ أن أقصى ما فيه أنك تعمل مع الكفار، وقد سبق أن بينا إباحة ذلك إذا لم يكن يؤدي إلى الحرام، وراجع الفتوى رقم: 15840 .
وأما إذا اختل شيء من هذه القيود، فلا يجوز أن تعمل هذا العمل إلا للضرورة القصوى، وراجع الفتوى رقم: 33520 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
كيف تحفظ نفسك في ديار الكفر
رقم الفتوى 45121 كيف تحفظ نفسك في ديار الكفر
تاريخ الفتوى : 12 محرم 1425
السؤال
ماهي النصيحة التي تعطوني إياها وأنا في بلد الغربة
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلتعلم أولاً أيها الأخ الكريم أن إقامة المسلم في دار الكفر غير جائزة إلا لضرورة اقتضتها كتحصيل علم نافع لا يوجد في بلاد المسلمين، أو علاج، أو مصلحة تعود بالنفع على الإسلام والمسلمين، أو غير ذلك من الضروريات أو الحاجيات، فإذا كانت إقامتك لهذه الأسباب فاعلم أن الضرورة تقدر بقدرها، فعليك أن تحتاط لدينك وخلقك غاية الحيطة، فإن رأس مالك في هذه الحياة دينك، فإذا ذهب لم يبق لك شيء. فكل ما من شأنه إضعاف دينك وإفساد خلقك، فلا تقربه، وأفضل ما تفعله في ديار الكفر أن تبحث عن رفقة مؤمنة صالحة على مذهب أهل السنة والجماعة فتلزمهم، فإنهم ضمان لك من الانحراف بعد تثبيت الله لك، فمن شأن الرفقة الصالحة أن تذكر الشخص إذا نسي، وتعينه إذا ذكر، وتحفظه وتحوطه، وفي الحديث: فعليكم بالجماعة، فإنما يأكل الذئب من الغنم القاصية . رواه أحمد وغيره. والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
===========
هي يجب على من أسلم من أهل ديار الكفر تغيير جنسيته
رقم الفتوى 51281 هي يجب على من أسلم من أهل ديار الكفر تغيير جنسيته
تاريخ الفتوى : 02 جمادي الثانية 1425
السؤال
أنا مسلم مغربي مقيم في ألمانيا ، ومتزوج بألمانية مسلمة والحمد لله ، أريد الحصول على الجنسية الألمانية ، لأن ذلك يسهل عليّ الكثير من الأمور كالعمل وحق المشاركة في الانتخاب ... إلى غير ذلك ، علما أن جنسيتي المغربية ستبقى كما هي . فهل يجوز شرعاً الحصول على هذه الجنسية ؟ وإذا كان الجواب لا ، فهل يجب على زوجتي أن تغير جنسيتها؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فلا يجوز لك أخي السائل التجنس بجنسية دولة كافرة لما يترتب على ذلك من أمور، ولما يشتمل عليه من محاذير، منها: التلفظ بما لا يحل اعتقاده ولا الرضا به أو العمل به من الالتزام بقوانينهم وقسم الولاء لهم ونحو ذلك، ومنها: الانخراط في الجندية والقتال في صفوفهم عند نشوب الحرب ونحو ذلك من المحاذير.
ولهذا؛ نقول: لا يجوز للمسلم أن يتجنس بجنسية هذه الدول إلا لضرورة ملجئة لذلك؛ كأن يكون المسلم مضطهدا في بلاده ولا يمكنه الرجوع إليها ولا الخروج من دار الشرك إلا بواسطة التجنس، مع بذل الجهد في التخلص من تلك اللوازم الباطلة قدر الإمكان، وأن يكون مظهرا لشعائر دينه في هذه البلدان.
أما التجنس بغرض الحصول على بعض الامتيازات فلا يجوز، وانظر الفتوى رقم: 26795 .
ولا يجب على زوجتك أن تغير جنسيتها، لأنها غير ملزمة بقسم الولاء ونحوه مما ذكر سابقا من التلفظ بألفاظ لا يحل للمسلم أن يتلفظ بها أو يقرها.
ونلفت نظر السائل إلى أنه لا يجوز للمسلم أن يدلي بصوته في الانتخابات للكافر، لأن ذلك يعني الثقة فيه والولاء له، والكافر ليس محلا للثقة والولاء، وقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ [سورة الممتحنة: 1]. وانظر الفتوى رقم: 32733 في حكم انتخاب الكافر.
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
دراسة المرأة في ديار الكفر
رقم الفتوى 57514 دراسة المرأة في ديار الكفر
تاريخ الفتوى : 17 ذو القعدة 1425
السؤال
أنا مسملة متزوجة أعمل في البحوث في جامعة في كندا أعمل مع أناس غير مسلمين مسيحيين بوذيين وعلمانيين أنا مسلمة ألبس الحجاب وأنا أفكر في إكمال الدكتوراة فهل يسمح الإسلام بذلك؟ وما هي مشورتكم المفضلة؟
الفتوى
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:(5/246)
فإذا كان لا يترتب على عملك أو دراستك محظور شرعي مثل الاختلاط المحرم أو الخلوة بالرجال أو خشية الفتنة في الدين، أو دراسة ما لا يجوز، فلا حرج في عملك أو إكمال دراستك وإلا حرم ذلك.
ونصيحتنا لك أن تقدمي - في حالة وجود محظور شرعي- الحفاظ على دينك وطاعة ربك، والقيام بواجبك كزوجة وأم على العمل والدراسة، وتذكري قول النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لن تدع شيئاً اتقاء الله تبارك وتعالى إلا آتاك الله خيراً منه . رواه الإمام أحمد في المسند. قال الشيخ شعيب الأرناؤوط : إسناده صحيح، وراجعي الفتاوى التالية أرقامها: 2523 ، 3672 ، 522 .
والله أعلم.
المفتي: مركز الفتوى بإشراف د.عبدالله الفقيه
============
عمل المرأة في ديار الكفر
السؤال الثاني من الفتوى رقم ( 5512 )
س2: أ- عمل المسلمة من حيث المبدأ. ب- عملها في ديار الغرب، مما يضطرها في كثير من الأحيان إلى خلع الحجاب، وعدم قدرتها على أداء الصلاة في وقتها، وكثير من التنازلات، وترك أبنائها في دور الحضانة في رعاية غير المسلمين.
ج2: أ- يجوز للمرأة المسلمة أن تعمل فيما يناسبها شرعا في حدود ما يصون عرضها ويحفظ عليها دينها وكرامتها، ولا يكون مثار فتنة في المجتمع، ولا سببا في انتشار الفساد، ولا ضياع حقوق زوجها وأولادها الواجبة عليها، فإنها راعية في بيت زوجها ومسئولة عن رعيتها. ب- إذا كان الواقع كما ذكر، كان عملها على هذا الشكل حراما، لما تقدم في الجواب عن فقرة (أ).
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عضو ... عضو ... نائب الرئيس ... الرئيس
عبد الله بن قعود ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز
==============
توجيهات ونصائح للمسافرين إلى ديار الكفر
عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ
الرياض
1/4/1422
جامع الإمام تركي بن عبد الله
الخطبة الأولى
أما بعد:
فيا أيها الناس، اتقوا الله حق التقوى.
عباد الله، الإيمان خير حلةٍ ارتداها العبد، وخير لباسٍ لبسه، يَابَنِى آدَمَ قَدْ أَنزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوارِى سَوْءاتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذالِكَ خَيْرٌ [الأعراف:26]. فالإيمان أعظم نعمة منَّ الله بها على عبده، فأعظم النعم أن منّ الله عليك بالإيمان، وشرح صدرك لقبول الإيمان، والتزام الإيمان، فتلك نعمة عظيمة منّ الله بها عليك، فاشكر الله عليها، بقلبك ولسانك وجوارحك، قال تعالى: وَلَاكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِى قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الراشِدُونَ [الحجرات:7].
فإذا حبّب الله إليك الإيمان، وزينه في قلبك، فتمكن الإيمان من قلبك، فتلك من أعظم نعم الله عليك.
ومن فضله أن كرَّه إليك الكفر، وكرَّه إليك الفسوق والعصيان، ترك الأوامر وفعل المناهي، أُوْلَئِكَ هُمُ الراشِدُونَ، الذين هدوا إلى الخير، هدوا إلى الطريق المستقيم.
أيها المسلم:
تأمل في نعمة الإيمان، تراها النعمة العظمى، والمنة الكبرى من الله عليك، لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُواْ عَلَيْهِمْ ءايَاتِهِ وَيُزَكّيهِمْ وَيُعَلّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِى ضَلَالٍ مُّبِينٍ [آل عمران:164].
أيها المؤمن:
نعمة الإيمان شرُفتَ بها، وفضلتَ بها على كثير ممن خلق الله، ممن حرموا نعمة الإيمان، وحيل بينهم وبين الهدى، نعمة الإيمان مُيّزتَ بها عن مشابهة الحيوان، وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مّنَ الْجِنّ وَالإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لاَّ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَّ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءاذَانٌ لاَّ يَسْمَعُونَ بِهَا أُوْلَئِكَ كَالأنعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُوْلَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ [الأعراف:179]. فمن حُرِِمَ نعمة الإيمان فمنزلته منزلة بهيمة الأنعام، بل الأنعام أهدى منه سبيلاً، أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلاً [الفرقان:44].
أيها المؤمن:
حياتك ليست كحياة من يقول: مَا هِىَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ [الجاثية:24]، حياتك تخالط إيمانك، فحياتك حياة من يعلم أنه ميّت وأنه ملاقي الله، وموقوف بين يدي الله، وأن الله مجازيه على أعماله، لِيَجْزِىَ الَّذِينَ أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى الَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِالْحُسْنَى [النجم:31].
حياتك - أيها المؤمن - ليست بمجرد التمتع بالملذات، وقضاء الوقت في تناولها من غير استعداد لما أمامك، فأنت تخالف من قال الله عنهم: وَالَّذِينَ كَفَرُواْ يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ [محمد:12].(5/247)
بل حياتك حياة تسمو فيها للدرجات العلى، وتعمل على مصالح ترجو من الله أن يثيبك على ذلك العمل، وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيّبَةً فِى جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوانٌ مّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذالِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:72].
أيها المؤمن:
حياتك ليست كحياة أولئك التائهين في حياتهم، الضالين عن سواء السبيل، المتخبطين في كل أحوالهم، بل حياتك حياة المؤمن المخلص، الذي آمن بالله، رضي بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد نبياً رسولاً، فهو يعمل الأعمال الصالحة، ويجدّ ويجتهد، ويسأل ربه أن يثبته على الطريق المستقيم، فدائماً يقول: رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ [آل عمران:8].
عرف الإيمان حقاً، وعرف فضل الإيمان، وخالطت بشاشة الإيمان قلبَه، فهو يسأل الله أن يثبته على هذا الإيمان، وأن لا ينزعه منه، حتى يلقى الله وهو على الإسلام ما بدّل ولا غير.
أيها المؤمن:
إن إيمانك بالله ورسوله، إيمان ملازم لك في حياتك كلها، إلى أن تفارق الدنيا، وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].
إذاً أخي، لا تكن حالك كحال الذين طال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون، ولتكن حالك حال من يرجو ما عند الله، ويستعد للقاء الله، مَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [العنكبوت:5].
أخي المؤمن:
إن إيمانك لا يتخلى عنك في حياتك، وفي أي أرض الله كنت، فالإيمان ملازم لك، لا يتخلى عنك أبداً، لأن إيمانك إيمان صادق، ولهذا لا يمكن أن تتخلى يوماً عن الإيمان.
فتوحيدك لربك، وتعلق قلبك بربك محبة وخوفاً ورجاءً، دائماً على نفسك، محافظتك على الصلوات الخمس، وعنايتك بها وقتاً وجماعةً، دائماً أنت تحافظ عليها، وقائم بها خير قيام.
أخلاق الإسلام ملازمة لك، فأنت على خلق عظيم من دينك، إذاً فأنت ملازم لِذلك الخلق، امتثال الأوامر، والبعد عن النواهي.
هكذا يكون المؤمن، ليس المؤمن مذبذباً، ولكنه صادق مستقيم، الإيمان الصادق واليقين الجازم، فلا تنفك شريعة الإسلام عنك يوماً من الأيام، وإنما أنت مستقيم عليها إلى أن يوافيك الأجل، هكذا حال المؤمن الذي هداه الله، وشرح للإيمان صدره، فقبل الحق وآمن به.
أخي المؤمن، أختي المؤمنة:
في هذه الأيام قد يبتلى من يبتلى بمفارقة ديار الإسلام، والذهاب لقضاء الإجازة هنا وهناك، وكل يذهب إلى ما يريد، وكلٌّ يختار من البقاع والأماكن ما يهوى، ويذهب إلى أي مكان شاء، على قدر هوايته، وعلى قدر ماله، وعلى قدر رغبته.
ولكن يا أخي المسلم ويا أختي المسلمة، وصيتي للجميع بتقوى الله في السر والعلانية، وصيتي للجميع أن يلزموا الإيمان، ويحافظوا عليه، وأن لا يكونوا شماتةً لأعداء الإسلام.
إن بعض أبنائنا وبعض بناتنا، هدى الله الجميع لكل خير، إذا فارقوا ديار الإسلام، ألقوا جلباب الحياء، ونزعوا جلباب الحياء، وكأن دينهم الذي كانوا يعملون به تركوه في ديارهم، فلا حاجة لهم به.
لماذا؟ ترى كثيراً منهم يتهاونون بالصلاة، ويستخفون بها، إن لم يضيعوها والعياذ بالله، ترى البعض من أولئك، ينفقون نفقات طائلة، ويبذلون أموالاً طائلة، في أمور ما شرع لهم الإنفاق فيها، بل بعض ما ينفقون فيه أمور تخالف شرع الله، ترى بعضهم يخجل أن يقيم شعيرة الصلاة أمام الآخرين، بل يستحي أن يقول: هو مسلم، يخجل أن يقول: هو مؤمن، أو يخجل أن يقيم صلاته وغيره ينظر إليه، لماذا؟ لأنه لم يتمكن الإيمان من قلبه، ويرى أنه إذا فارق ديار الإسلام فلا التزام بصلاة، ولا التزام بأخلاق، ولا محافظة على كرامة، ولا قيام بالواجب.
فيا أخي المسلم:
اتق الله في نفسك، واتق الله فيمن يصحبك من زوجتك وأبنائك وبناتك، واتق الله في دينك، اتق الله في إسلامك.
أيتها الأخت المسلمة:
اتقي الله في دينك، اتقي الله في أخلاق إسلامك، الزمي الحجاب، فإنه عزك وشرفك، الزمي الحجاب وابتعدي عن مخالطة الرجال، وتمسكي بدينك، فإن ذلك عنوان صدق الإيمان.
يا أيها المسلم:
اتق الله، ولازم دين الإسلام، فوالله إنه العزة والكرامة، وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ [المنافقون:8]. مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً [فاطر:10].
فيا أهل الإسلام:
عارٌ على المسلمين أن يكونوا في بلاد أعداء الإسلام متجردين من أخلاقهم وقيمهم، وفضائلهم وكرامتهم، عار على أهل الإسلام ذلك، الواجب على المسلم أن يكون قدوة صالحة، وأسوة حسنة، إذا رآه غير المسلمين رأوا فيه الخلق الكريم، والعمل الصالح، والاستقامة على دينه، والمحافظة عليه، والبعد عن كل أماكن السوء والفجور.
يا أيها المسلم:(5/248)
اتق الله في إسلامك، إياك أن تغشى مجالس العقار، موائد القمار، وأماكن اللهو واللعب والباطل، وأماكن الفساد وسوء الأخلاق، الزم دينك، واحفظ إسلامك، واستقم عليه، لعل الله أن يمنَّ عليك بالثبات.
إن أيَّ مال تنفقه في أمر غير مشروع لك، فإنك آثمٌ بذلك، وَلاَ تُبَذّرْ تَبْذِيرًا إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُواْ إِخْوانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبّهِ كَفُورًا [الإسراء:26-27]. والتبذير حقيقته إنفاق المال فيما حرم الله، ولو كان يسيراً، فإذا أنفقت مالاً في غير ما أحل الله، أنفقته في الحرام، فأنت آثم بذلك.
فكن يا أخي المسلم داعياً إلى الله، بسيرتك وأخلاقك، بتعاملك، حتى تثبت للآخرين أن دين الإسلام هو الدين الحق، وهو الدين العدل، وهو الدين الصدق.
إن تخليك عن إسلامك، وعن أوامره ونواهيه دليل على انهزام شخصيتك، وضعف إيمانك، فاتق الله أخي المسلم، واستقم على الطاعة، لتكون من المؤمنين حقاً، إِنَّ الَّذِينَ قَالُواْ رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُواْ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [الأحقاف:13-14].
فالمسلم في أي أرض الله، هو متمسك بدينه، ثابت عليه، لا يزداد مع رؤية المغريات إلا ثباتاً على دينه، وتمسكاً بهذا الإسلام، وشكراً لله على نعمة الهداية، إذا رأى ضلال من ضل، وانحطاط من انحطّ عن الأخلاق، ورأى تلك المجتمعات المنحلة في أخلاقها وقيمها، المُشبِهين لبهائم الأنعام، حمد الله على أن هداه للإسلام، ومنَّ عليه بالإسلام، وجعله مؤمناً حقاً.
فيا أخي المسلم:
أوصيك بالثبات على دينك، أوصيك بالاستقامة على هذا الدين، أوصيك بتقوى الله في سرك وعلانيتك، ليعلم الله منك حبّك للإسلام، ولزومك له، واستقامتك عليه، حتى تكون من المؤمنين حقاً.
زوَّد الله الجميع بالتقوى، وحفِظ الجميع من كل سوء، إنه على كل شيء قدير.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.
-------------------------
الخطبة الثانية
الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، كما يحب ربنا ويرضى.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين.
أما بعد: فيا أيها الناس، اتقوا الله تعالى حق التقوى.
عباد الله، تتحدث الصحف أحياناً عن تقارير: ماذا ينفقه السائحون في هذه البلاد أو غيرها، ماذا ينفق السياح من أهل هذا البلد، أو ما ينفقه السياح من هذا البلد أو ما جاورها من البلاد الغنية، مقدار ما ينفقون في دول العالم الخارجي، وأنها تقدر أحياناً بما يزيد على عشرين مليار دولار، أي ما يقارب من ستين أو سبعين [مليار] ريال سعودي.
هذه الأموال ينفقها أبناء المسلمين إذا خرجوا عن ديار الإسلام للعالم الخارجي، ينفقونها بسخاء وطيب نفس، ربما حرموا أنفسهم وأولادهم بعض ملذاتهم، وجمعوا تلك الأموال لكي تكون منفقة خارج البلد في شهر أو شهرين معاً، ثم يرجع مفلساً فكأنه ما أنفق شيئاً، هذه الأموال تنفق بسخاء، وسواء كان المنفق لها غنياً، أو كان متوسط الحال، أو كان فقيراً.
المهم أنها أموال طائلة، تنفق بسخاء في تلك المجتمعات، وأهل تلك المجتمعات إذا رأوا من أبنائنا تلك النفقة المتجاوزة للحد، ماذا يقال عنا؟ يقال عنا أننا قوم لا نفقه ولا ندري، وليس للمال عندنا قدر أو قيمة، وإنما نحن أناس مترفون، ننفق أموالنا في كل أمر حسن أو سيئ، لا نبالي به.
هكذا يقال عنا، فلماذا لا يتعقل المسلمون؟ ولماذا لا يرجعون إلى أنفسهم، ويحاسبون أنفسهم، ما هذه النفقات الطائلة؟ لماذا؟! هل هي ضرورية أم غير ضرورية؟ لا والله، ليس كثير منها ضرورياً.
أعداء الإسلام، إذا نظموا السياحة لأنفسهم، وقضاء إجازاتهم، ترى نفقاتهم نفقات محدودة، بقدر ما يمكن، لا يمكن أن يجاوز حده في هذه النفقات، وإنما نفقاتهم على قدر حاجاتهم الضرورية، لأنهم يرون من السياحة تنقلاً واطلاعاً فقط، فترى النفقة محدودة إلى آخر سبيل، ولكن أبناء المسلمين يضيِّقون على أنفسهم في معظم عامهم، ويتعاون الرجل وامرأته، مدرسة ومدرس، وموظف وموظفة، يتعاونون لكي يجمعوا تلك الأموال، ثم تنفق في سبيل الشيطان.
فيا أيها المسلمون، اتقوا الله في أنفسكم، وفي نفقاتكم، وفيما تأتون وتذرون، اتقوا الله في أنفسكم، واستقيموا على طاعة ربكم، واحرصوا أن تكونوا قدوة في الصبر، والأعمال الصالحة، لا قدوة في الإسراف، وقدوة في التبذير، وقدوة في إضاعة الأموال فيما لا يحل.
إن المسلمين لو عادوا إلى أنفسهم، لرأوا أن كثيراً من تصرفاتهم خاطئة جداً، ولا سيما في إنفاق الأموال، وإخراجها من بلاد الإسلام، وبذلها بالسخاء في سبيل الباطل، وفيما لا يحل للمسلمين أن ينفقوا فيه.
أسأل الله أن يوفق الجميع للفقه في دنيه، والتبصر في الأحوال كلها، إنه على كل شيء قدير.(5/249)
واعلموا - رحمكم الله - أن أحسن الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد ، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وعليكم بجماعة المسلمين، فإن يد الله على الجماعة، ومن شذ شذ في النار.
وصلوا رحمكم الله. . .
=============
أيها السائحون
الشيخ/ محمد بن إبراهيم السبر
الخطبة الأولى:
مع شدة حر الصيف اللافح، ولأواء الشمس وهجيرها، وسخونة الأجواء التي يتصبب منها الجبين عرقاً، يستعد كثير من الناس لقضاء الصيف والإجازة ، فحجوزات تؤكد، وتذاكر تقطع، وحقائب تجهز، وأحزمة تربط ، وأموال ترصد، حيث يممون وجوههم قبل المصايف والمناطق المعتدلة الباردة، وترحل نجائبهم للبلاد الخارجية، وزيارةٌ واحدةٌ للصالات الخارجية بالمطارات ووكلات السفر والسياحة تؤكد واقع الناس وما هم فيه حيث أجلبوا بخيلهم ورجلهم وانطلقوا زرافات ووحدانا للسفر والسياحة ، ذلك أن بعض المسلمين يجدون في شدة حر الصيف ولهيب سمومه عذراً ومسوغاً للسفر للبلاد الخارجية سفراً بلا حدود وانطلاقاً بلا غاية وسعياً بلا هدف ووجهة بلا مهمة حتى لو كان في ذلك ما فيه من الوقوع في المحرمات وإهمال الواجبات والاختلاط والتبرج والسفور .
وهذه الكلمات هي رسالة إلى كل من يعنيهم الأمر من هواة السفر والترحال والسياحة، إنها وقفة سؤال وعتاب لهؤلاء إلى الذين حملوا الصغير قبل الكبير، والعاجز قبل القادر، واصطحبوا النساء ومَنْ تحت ولايتهم إلى بلاد الكفر والنصرانية ومراتع الإلحاد والإباحية، رسالة إلى الذين يريدون قضاء الإجازة والصيف بداعي اللهو والترفيه والراحة والاستجمام ولكنهم جنوا على أنفسهم وضيعوا أولادهم وأهملوا محارمهم وغفلوا عن أعراضهم..
عباد الله : إن السفر والترحال والسياحة أمر ذو بال في واقع كل امرئ حي فالإنسان مجبول على حب التنقل والضرب في الأرض، والناس لهم في السفر والإجازة والسياحة مقاصد شتى ومآرب متنوعة فهذا يريد أن يعلل ويرفه جسده وذاك يريد أن يمتع عينيه بالمناظر الخلابة وآخرون بدعوى الدراسة والعمل والتجارة..
ونحن أبناء أمة كانت مطبوعة على الرحلة ومولعة بالسفر والسياحة فالعرب في الجاهلية كانوا يسافرون ويسيحون في الأرض إما سداً للفاقة أو طلباً للراحة أو للقتال والغارة، فجاء الإسلام العظيم مشرقاً بنوره الوضاء فزكى مبدأ السياحة وقواه وسما به، وامتن الله على قريش حين ذكرهم بأنه هيأ لهم أسباب رحلتين عظيمتين منتظمتين إلى اليمن تارةً وإلى الشام أخرى فقال سبحانه : " لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف ..."
لقد جاء الإسلام إلى الأعرابي الذي ينتقل ويسافر قطعاً للطريق وسلباً للقوافل والأموال ليجعله مجاهداً في سبيل الله، وليجعله سائحاً مسافراً يدعو إلى دين الله، كان يبحث عن منابع الماء ومواقع القطر ليشرب منها، فإذ به يبحث عن منابع العلم لينهل منها، لقد جاء الإسلام لعادة العرب فجعلها عبادةً و سياحةً تعود بالأجر والثواب ، فهذا سفر الحج والعمرة والهجرة والجهاد أكبر دليل على ذلك، جاء ليجعلها سياحةً وسفراً ورحلةً تعتبر بملكوت الله جل وعلا وتنظر في آياته الباهرة " قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ... "، وقال تعالى: " فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين "، ولقد أنكر الله جل وعلا ونعى على أناس يسافرون ويسيحون ولا يتأملون في خلقه فقال سبحانه : " وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون " .
وهذا محمد صلى الله عليه وسلم سافر وانتقل وساح في الأرض مرات وكرات إبان شبابه قبل البعثة وبعد نبوته ما بين حج وعمرة وهجرة وجهاد وتجارة..
وليس يخفى على الجميع أن السفر والسياحة وحب الاطلاع أصبحت في هذا الزمن من الأمور الترفيهية المطلوبة لدى عامة الناس خاصة بعد مواسم الدراسة وجهد العمل...
السياحة مصطلح وموضوع نجد الناس أمامه على طرفي نقيض، فمنهم الرافض رفضاً قاطعاً مستدلاً بالسلبيات والأضرار الناتجة عنها، ومنهم المرحب فرحاً بالإيجابيات، وكل محق ولكن كلا طرفي قصد الأمور ذميم، ونحن بوصفنا أمة إسلامية لابد أن نتعامل مع المستجدات العصرية والأحدوثات الجديدة بروح الواقع والاحتواء لا الرفض والانزواء ، ولابد أن نسخر هذه المصطلحات والأمور فيما ينفعنا ويعود بالخير علينا ديناً ودنيا .
ولا ريب أن الوسطية هي شعار الأمة الإسلامية قال الله تعالى: ( وكذلك جعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس )، والسياحة لها مفاهيم عدة وقوالب شتى ومناظير متعددة غير أن للمسلمين خاصة في بلاد الحرمين منظوراً ومفهوماً في السياحة يختلف عن غيرهم فلا يمكن أن نستورد مفاهيم غيرنا فيها فهم يفهمونها على ليلاهم ونحن نفهمها على قرآننا وسنة رسولنا صلى الله عليه وسلم .(5/250)
وبلادنا هذه حباها الله جل وعلا بمميزات كثيرة قلما يوجد نظيرها كاحتضانها للمقدسات الإسلامية والبقاع الطاهرة ، فهي بلاد التوحيد بلاد الحرمين وقبلة المسلمين ومهوى أفئدة المسلمين جميعاً، وما تتمتع به من الإيمان والأمن والاستقرار، وحفظ الأعراض والأموال، لذا لابد من مراعاة خصوصية هذا البلد الدينية قبل الخوض في شأن السياحة.
ولئن كانت السياحة عند القوم سفوراً وتعرياً ولهواً ومتعةً جسديةً فهي في الإسلام عبادة يؤجر المرء عليها ولها في القرآن والسنة الثناء الجميل والذكر النبيل فلقد وردت السياحةُ في كتابِ اللهِ وسنةِ رسوله صلى الله عليه وسلم تحملُ معاني ساميةً، وارتبطَ وصفُ السائحينَ بنماذجَ عاليةٍ من البشر، يقولُ تعالى في وصفِ الذين اشترى اللهُ منهُم أنفسَهم وأموالهم بأنَّ لهُم الجنة: (( التَّائِبُونَ العَابِدُونَ الحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدونَ الآمِرُونَ بِالمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ المُنكَرِ وَالحَافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَبَشِّرِ المُؤْمِنِينَ)) (سورة التوبة:112). والسائحون هم : الصائمون في قول أكثر المفسرين ، واستدُلَ لهُ بقولهِ تعالى في وصفِ نساءِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ((عَابِدَاتٍ سَائِحَاتٍ)) (سورة التحريم:5) . وبما وردَ في الحديثِ عن عائشةَ -رضي الله عنها- مرفوعاً: (( سِيَاحَةُ هَذهِ الأَمةُ الصِيَامُ )) وكذا فسرَ السياحةِ بالصيام؛ أَبو هريرةَ، وابن مسعودٍ، وابن عباسٍ، وعائشة وغيرهم- رضي الله عنهم- . وقال عطاء: السائحون: هُمُ الغزاةُ المُجاهِدُونَ في سبيلِ الله، وقيل السائحون : المُهاجِرون. وقيل : السفر في طلب العلم قال عِكرِمةَ السائحونَ: هم طلبةُ العلمِ، وقيل : سياحةُ القلب في معرفة الله ومحبته . قال الشيخ ابنُ سعدي رحمه الله : " والصحيح أن المراد بالسياحة السفر في القربات ، كالحج والعمرة، والجهاد وطلب العلم، وصلة الأقارب، ونحو ذلك" أهـ.
هذا هو مفهوم السياحة في الإسلام!!
سياحة تظهر دين الله وتحميه وتنصره قال صلى الله عليه وسلم :" إن سياحة أمتي الجهاد في سبيل الله " رواه أبو داود بإسناد صحيح .
سياحة للنظر والتدبر والتأمل والتفكر في ملكوت الله ، ( قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ) (الأنعام:11)، وقال سبحانه:(قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ) (النمل:69) ، وقال جل ذكره : (قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ ثُمَّ اللَّهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (العنكبوت:20). سياحة لطلب الرزق وتأمين الأمة معيشياً ، سياحة لطلب العلم والفكر والخير والدعوة إلى الله. هذا مفهوم السياحة في الإسلام.
وقد دُنِّسَ هذا اللفظُ حيثُ أصبحَ مُصطلحاً مُعاصِراً تُشَمُّ منهُ رائحةَ التلوثِ العقدي ، والفسادَ الأخلاقي، والتحللَ من الضوابطِ والقيمِ، فإلى اللهِ المُشتكي، وحسبُنا اللهُ ونعم الوكيل .
والسياحة مفهومها الحالي يخالف مفهوم الإسلام طريقة وهدفاً فلماذا كان أسلافنا يسافرون ؟! كانوا يسافرون دعوة إلى الله وجهاداً والآن أصبح السفر والسياحة عند سافر داعيةً- رضي الله عنه -البعض للجنس والشهوة والعبث واللهو!! لماذا سافر مصعب بن عمير ومعلماً للقرآن؟! لا ولياً للكفر ولا مهادناً ولا لاعباً ولا لاهياً.
لقد وطئ سلفنا الصالح بلاد الكفر وفرنسا وأوربا وآسيا لا جلوساً على الحانات ولا ارتياداً للخمارات ولا تصدراً لموائد القمار والمسارح ولا جلوساً في مدرجات الكرة ولا معانقة للباغيات والمومسات كلا !!
بل وطئوها ليخرجوا الناس من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ظلم وجور الأديان إلى نور وعدل الإسلام.
إنه لمن المحزن المبكي أن أصبحت السياحة والسفر إلى بلاد الكفار موضع افتخار بعض المخدوعين من المسلمين فهذا يفتخر أن ابتعث للدراسة هناك، أو أن له ولداً يدرس في الدول الغربية، وهذا يتبجح بقضائه الإجازة كل عام متنقلاً بين شواطئ أوربا وسهولها وجبالها دون تفكير في النتائج أو تقدير للعواقب..
ثم إن هؤلاء إذا ذهبوا ذابت شخصياتهم مع الكفار فلبسوا لباسهم واقتدوا بآثارهم حتى النساء المسلمات يخلعن ثياب الستر والعفاف ليلبسن لباس الكافرات والداعرات؟!! فلماذا نعطي الدنية في ديننا ؟! وكيف يستبدل المسلم الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!، وكيف يتنازل من علياء إيمانه إلى حضيض ومزبلة الكفر...
إن من أعجب العجب أن الكفار إذا جاؤوا إلى بلادنا لا يغيرون أزياءهم ولا يتحولون عنها؟! وبعض المسلمين على العكس من ذلك إذا ذهب إليهم تحول إلى عاداتهم وجال في حاناتهم وجاس في الملاهي والمسارح والشواطئ..(5/251)
يا عجباً لهؤلاء الذين ركبوا دابة السفر وامتطوا ثبج السياحة ؟! يفرون من ديارهم ديار التوحيد والإيمان إلي ديار الكفر والطغيان، يهربون من ديار ملؤها الأمن والأمان إلى بلاد تتزايد فيها نسب الجرائم والقتل تزايد الثواني، يتولون عن سوح طاهرة مباركة يدوي فيها الآذان وتعج بالتكبير إلى ديار خواء تصلصل فيها أجراس الكنائس كل ذلك في رحلات عابثة كلها إسراف وتبذير..
وليت هؤلاء حين رحلوا ، رحلوا دعوة إلى الله تعالى وتبليغ دينه، وليت هؤلاء يوم أن أنفقوا ، أنفقوا نصرةً للمجاهدين أو سداً لحاجة المعوزين أو إغاثةً للاجئين، ولكنهم - وللأسف - وأقولها بمرارة رحلوا وسافروا وساحوا للهوى والشيطان إن أنفقوا فعلى لذة رخيصة وشهوة وضيعة وإن جلسوا وساحوا فعلى شواطئ وأندية العراة، بل إن السائح المسلم يساوي عند الغرب وزنه ذهباً فهو مثال للبذخ يسكن في أرقي الفنادق ويبذل المال في الحلال والحرام ويتصدر موائد الخمرة والقمار...
يا هؤلاء لئن كان السفر جبلاً يعبق بالهواء العليل فذلك موجود في بلادنا المحافظة .. ولئن كانت السياحة سهولاً وبحراً عباباً فذلك موجود في ديارنا المسلمة ولئن كانت السياحة علوماً تجتنى ومعارف تقتنى فالعالم الإسلامي هو ابن بجدتها وهو منبع العلوم وموئلها فلماذا الإصرار على السياحة في ديار الكفر والتثليث والإلحاد والإباحية دونما حاجة أو مصلحة أو ضرورة وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :" أنا بريء من امرئ يقيم بين ظهراني المشركين " ( رواه أبو داود والنسائي )، وقد استثنى العلماء من ذلك المجاهد في سبيل الله، والداعية إلى الله، والمسافر للعلاج أو لدراسة ما ينفع المسلمين أو للتجارة ، كل ذلك مشروط بأن يكون مظهراً لدينه قادراً على إقامة شعائره قوي الإيمان وللضرورة حينئذ أحكامها...
وأنت يا من تهوى السياحة والسفر والترحال لا تنسى حينما تدعوك المصلحة للسفر إلى ديار الكفار أو غيرها أنك سفير فوق العادة تمثل دينك وأخلاق مجتمعك، فأنت تحمل مسؤولية عظيمة وهي أمانة تمثيل الإسلام فبعض الناس كان سبباً في إعراض ونكسة أقوام عن هذا الدين شعر أم لم يشعر فاحمل دينك بقوة وأظهره بشجاعة قال تعالى: " يا يحي خذ الكتاب بقوة " وقال سبحانه : " فخذها بقوة " وقال جل ذكره : " فاستمسك بالذي أوحي إليك " .
عباد الله : إن طائفة ممن يسافرون وللأسف الشديد يشوهون صورة الإسلام بسوء فعالهم وتصرفاتهم يشوهونه عند من لا يعرف حقيقته ويصدون عنه مَنْ يتطلع إليه ويريد الدخول فيه ونتيجة لذلك خرج الكفار والغرب بوجه أخص خرجوا بصورة قاتمة عن الإسلام والمسلمين وأن الإسلام قمار وخمر و غانية ولهو وإسراف وبربرية ؟! لأنه ظن أن هؤلاء يمثلون الإسلام وهم سفراؤه فيا هؤلاء كونوا خير السفراء...
وبماذا يرجع إلينا هؤلاء المسافرون والسائحون ؟! هل يرجع الواحد منهم لوطنه بالعلم والمال وأسرار السلاح والتكنولوجيا وبما ينفع الأمة في صراعها مع أعدائها ؟ كلا بل يرجع محملاً بالإيدز والأدواء التي لا دواء لها!! يرجع مغسول العقل ممسوخ الديانة خائر القوى وبجيوب فارغة !! وبعضهم يرجع إلينا في التوابيت ميتاً!!
عباد الله : إن من المنكرات العظيمة التي تحدث بدعوى السياحة زيارة النُصب والأصنام والأوثان بدعوى أنها آثار تاريخية وإرث حضاري، وكذلك مشاهدة الألعاب السحرية كالسرك وإتيان السحرة والكهنة والعرافين ومدعي علم الغيب من قارئي الكف والفنجان وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم :" من أتى عرافاً فسأله فصدقه بما يقول لم تقبل له صلاة أربعين يوماً " رواه مسلم ، وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:" من أتى كاهناً فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد " رواه أبو داود.
ومن المنكرات التي تحدث في الإجازة والصيف إهمال الأولاد والبنين والبنات خاصة في السفر إلى المصايف وعند المنتزهات والشاليهات وتبدوا صور الإهمال بجلاء في عدم أمرهم بالصلاة، وسهرهم المفرط، وإهمال أمر الستر والحجاب فتجد المرأة تلبس العباءة الفاتنة كالعباءة المخصرة أو الفرنسية أو البنطال مما يجعلها فتنة للناظرين وكذلك عدم تجنيبهم مواطن الفتنة والبلاء فيزج بهم في أماكن يحدث فيها التبرج والسفور والاختلاط.
يقولُ العلامةُ ابن باز- رحمهُ الله تعالى- : (السفرُ إلى البلادِ التي فيها الكُفر والضلال والحرية، وانتشارَ الفسادِ من الزنى وشُربِ الخمرِ وأنواعِ الكُفرِ والضلالِ فيهِ خطرٌ عظيمٌ على الرجلِ والمرأة ، وكم من صالحٍ سافرَ ورجعَ فاسداً، وكم من مُسلمٍ رجعَ كافراً، فخطرُ السفرِ عظيمٌ، والواجبُ الحذرُ من السفرِ لبلادِهم، لا في شهرِ العسلِ ولا في غيره).
لقد أثبتت الدراسات أن كثيراً من الأمراض سببها السفر إلى الخارج فقد ووُجِدَ في عيادةٍ واحدةٍ خاصة، للأمراضِ التناسليةِ في السعوديةِ ما يُقارِبُ من مائةِ حالةٍ لمرضِ الهر بس الجنسي، مُعظَمُها لشبابٍ سافروا في الإجازةِ إلى أوربا وأمريكا وجنوبَ شرقِ آسيا، وعادُوا منها بمرضِ الهِر بس، كما صرحَ بذلكَ أحدُ الأطباءِ السُعوديين لمجلةِ اليمامة !!(5/252)
وقد حدثني أحد أطباء الأمراض التناسلية أن عيادته تزدهر بالمراجعين بعد نهاية فصل الصيف والإجازات!!
كما أثبتتِ الدراساتُ الاجتماعيةُ أنَّ معظمَ مُتعاطي المُخدراتِ في السعوديةِ قد وقعُوا في تجربتِهم الأولى، في رحلاتِهم السياحيةِ خارجَ السعودية !!
ناهيكم عن تضييع الأهل والذرية في هذه الأسفار وتعريضهم لمواطن الفساد والهلكة ولسان حال الواحد منهم يقول :
وإذا سألتم عن أبي ، فأبي لهُ *** رسمٌ على بوابةِ السفراتِ
أرخى زمامي ثُمَّ راحَ يلُومني *** ويُهينني بقوارعِ الكلماتِ
أنا يا أبي الغالي ضحيةُ ثروةٍ *** فَتحت لقلبي أسوأَ الصفحاتِ
أغرقتني فيها وما راقبتَني *** وتركتنِي كالصيدِ في الفلواتِ
كم كُنتُ أبحثُ عنكَ يا أبتي فما *** ألقاكَ إلاَّ تائهُ النظراتِ
هلاَّ أبيتَ عليَّ أن أمشي إلى *** حتفي وأن أسعى إلى صبواتي
أرسلتَنِي للغربِ يا أبتي ولم *** تُشفق على عقلِي من السكراتِ
أنسيتَ أنَّ الغربَ سرُّ شقائنا *** وإليهِ تُنسبُ أبشعُ الآفاتِ
فيا أيها الآباء والأولياء : الله الله في رعاية الأبناء ومن تحت أيديكم من النساء قال تعالى : ( يا أيها الذين قوا أنفسكم وأهاليكم ناراً ) ، واعلموا انهم أمانة عندكم سوف تسألون عنها ، يقولُ صلى الله عليه وسلم : (( كُلُكُم راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتهِ، فالإمامُ راعٍ ومسؤولٌ عن رعيتهِ، والرجلُ راعٍ في أهلهِ ومسؤولٌ عن رعيتهِ، والمرأةُ في بيتِ زوجها راعيةً ومسؤولةً عن رعيتها)) رواهُ البخاري ومسلم. ويقول صلى الله عليه وسلم : ((كفى بالمرءِ إثماً أن يُضيِّعَ من يقوت )) رواهُ أبو داود ، وقال صلى الله عليه وسلم : ((إنَّ الله سائلٌ كلُّ راعِ عمَّا استرعاهُ الله، حفظَ أم ضيَّعَ حتى يُسألَ الرجلُ عن أهلِ بيتهِ)) رواهُ ابن حبان، وحسنهُ الألباني، فأعد للسؤالِ جواباً وللجوابِ صوابا .
ألا وإن من البلايا – عباد الله - ما أحدث في بعض الأماكن والمصايف من أمور منكرة كحفلات الأغاني الساهرة التي يجلب لها الفنانون والفنانات وتعد لها المسارح الكبيرة... تلك الحفلات والمهرجانات والمناسبات التي عمودها الغناء وآلات المعازف وخيمتها الغفلة عن ذكر الله جل وعلا، والغناء – يا عباد الله – من المحرمات التي استهان بها كثير من الناس إلا من عصم الله قال الله تعالى: ( ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ويتخذها هزواً أولئك لهم عذاب مهين * وإذا تتلى عليه آياتنا ولى مستكبراً كأن لم يسمعها كأن في أذنيه وقراً فبشرهه بعذاب أليم ) قال أكثر المفسرين : المراد بلهو الحديث في بالله الذي لا- رضي الله عنه -هذه الآية الغناء ، ويحلف الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود إله إلا هو – ثلاث مرات – إنه الغناء ، وكذا قالَ ابنُ عباس، وجابرُ، وعكرمةُ، وسعيد بنُ جبير، ومجاهدٌ ومكحول وغيرهم، (تفسير ابن كثير 3/703).
قال الإمام أحمد : الغناء ينبت النفاق في القلب فلا يعجبني، وقال الفضيل بن عياض : الغناء رقية الزنا واستماع الأغاني والمعازف سبب لأنواع العقوبات في الدنيا والآخرة . قال ابن القيم : " والذي شاهدناه نحن وغيرنا وعرفناه بالتجارُب أنه ما ظهرت المعازف وآلات اللهو في قوم وفشت فيهم واشتغلوا بها إلا سلط الله عليهم العدو ، وبُلو بالقحط والجدب ، وولاة السوء " آهـ .
فتجنب - أخي المسلم - وجنب مَنْ تحت ولا يتك مواقعَ اللهوِ والفسوقِ والعصيان، كالحفلاتِ الغنائيةِ، والتجمُعاتِ المختلطة، فإنَّ اللهَ يُمهِلُ ولا يُهمل، وإنَّ اللهَ يَغَارُ وغيرتَهُ أن تُنتَهكَ حُرمَتَهُ، يقولُ النبي صلى الله عليه وسلم : (( في هذه الأمةِ خسفٌ ومسخٌ وقذف " فقالَ رجلٌ من المُسلمين: يا رسولَ اللهِ ومتى ذاك ؟ قال: إذا ظهرت القِيناتِ والمعازفِ، وشُربت الخُمور)) رواهُ الترمذي وصححهُ الألباني، فلا تأمن من مكرِ اللهِ تعالى، ولا يأمن من مكرِ اللهِ إلاَّ القومُ الخاسرون .
وفي السُنةِ النبويةِ تأكيدٌ على حُرمةِ الغناء، ففي صحيحِ البخاري عن أبي مالك أنه سمع النبي- رضي الله عنه -الأشعري صلى الله عليه وسلم يقول: ((ليكُوننَّ من أمتي قومٌ يستحلونَ الحِرَ والحريرِ والخمرِ والمعازف)) . وتأملوا كيفَ جُمعَ تحريمُ الغناءِ والمعازفِ مع تحريمِ الفروج، والحريرِ والخمر؟ وما فتئَ علماءُ الأمةِ الربانيون يُحذِرُونَ من فتنةِ وعبوديةِ الشهوات.
يقولُ الشافعي - رحمه الله -: (من لزمَ الشهواتِ لزمتهُ عبوديةُ أبناءِ الدنيا) (سير أعلام النبلاء 10/97). ويقولُ ابنُ تيميةَ - رحمهُ الله -: (والعشقُ والشهواتُ إنَّما يُبتلى به أهلُ الإعراضِ عن الإخلاصِ لله، الذين فِيهم نوعٌ من الشركِ، وإلاَّ فأهلُ الإخلاصِ كما قال تعالى في حقِّ يوسفَ- عليه السلام-: (( كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاء إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلصِينَ )) (سورة يوسف:24) (الفتاوى 15/421).(5/253)
وأخيراً أحذر أخي المسلم، أختي المسلمة أن نكونَ ممن قالَ اللهُ فيهم: (( فَخَلفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلقَوْنَ غَيًّا)) (سورة مريم:59).
الخطبة الثانية :
الحمد لله وكفى سمع الله لمن دعا والصلاة والسلام على النبى المجتبى وآله وصحبه وعلى مَنْ على منهاجهم اقتفى , وبعد فاتقوا الله عباد الله حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى.
عباد الله : كلامنا عن السياحة والسفر والاصطياف لا يعني أن يكون المسلم نشازاً مع أهله لا يرفههم ولا يدخل السعادة على قلوبهم!! هناك مجال للترفيه والراحة والتنزه ولكن بالسبل المباحة المأمونة التي تعود بالنفع على الفرد والمجتمع ، هناك بدائل شرعية وبدائل مباحة ومن هذه البدائل ومنها :
- الذهاب للعمرة إلى بيت الله الحرام أو زيارة مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال صلى الله عليه وسلم : ( صلاة في مسجدي افضلُ من ألف صلاة فيما سواه إلا المسجدَ الحرام وصلاة في المسجد الحرام أفضلُ من مائة ألف صلاة فيما سواه ) رواه أحمد وابن ماجة وصححه الألباني.
- وكذلك السفر في بر الوالدين وصلة الأرحام وزيارة العلماء والصالحين في الله تعالى وإجابة دعوات الأفراح والمناسبات التي ليس فيها منكرات قال صلى الله عليه وسلم : " من لم يجب الدعوة فقد عصى ابا القاسم ".
- وكذلك السفر لأجل الدعوة إلى الله قال تعالى : " ومن أحسن قولاً ممن دعا على الله وعمل صالحاً وقال إنني من المسلمين " وقال صلى الله عليه وسلم : " فوالله لن يهدي الله بك رجلاً خير لك من حمر النعم "
- ومن الأمور المعينة على استغلال الإجازة والفراغ وهذا نوصي به الناس بعامة والشباب بخاصة طلب العلم وتحصيله والسفر لأجله قال صلى الله عليه وسلم : " ومن سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهل الله له به طريقاً إلى الجنة " رواه مسلم . ولقد كان السلف يقول : لو أعلم مكان أحد أعلم- رضي الله عنه -يرحلون في طلب العلم والمعرفة فهذا ابن مسعود مني بكتاب الله تناله المطايا لأتيته " وقال البخاري رحمه الله تعالى في صحيحه : " رحل جابر بن عبد الله مسيرة شهر إلى عبد الله بن أنيس في حديث واحد " أهـ. وقال الشعبي رحمه الله : لو سافر رجل من الشام إلى أقصى اليمن في سبيل كلمة تدله على هدى أو ترده عن ردى ما كان سفره ضائعاً " أهـ .
- وكذلك العناية بالقرآن الكريم والاشتغال به حفظاً وتلاوةً وتعلماً وتعليماً قال صلى الله عليه وسلم : " خيركم من تعلم القرآن وعلمه ".
- ومن البدائل المتاحة والمتيسرة بحمد لله السياحة النقية والنزهة البريئة إلى ربوع البلاد الإسلامية المحافظة التي تنعي أبناءها الذين هجروها، ويمكن للسلم أن يجمع بين الراحة والعبادة فيزور مكة ويذهب للطائف ومن ثم إلى جدة بشرط البعد عن مواطن الفتنة والبلاء.
- ويحمد لهذه البلاد المباركة المعطاءة ما وفرته من محاضن تربوية وبرامج نافعة للجيل والشباب المسلم من حلق ومدارس لتحفيظ القران الكريم وهاهي المراكز والنوادي الصيفية تأتي لتحفظ فلذات الأكباد من الضياع ولتملأ الفراغ وتحرك الطاقات وتستثمر القدرات ...ألخ.
------------
* إمام وخطيب جامع الأميرة موضي السديري بالعريجاء بالرياض
ص . ب 150063 الرياض 11745 ناسوخ:014365191
البريد الالكتروني: alsaber111@hotmail.com
==============
عمل المسلم عند الكافر
د. سعد بن مطر العتيبي
السؤال :
ماالحكم في العمل تحت إدارة مدير هندوسي؟
الجواب :
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله، أما بعد:
فسؤالك لم يتضمن تفصيلاً يمكن الاقتصار في الإجابة على ما ورد فيه، وعلى كل حال ؛ فهذا جواب يعطيك القواعد العامة في الموضوع ، ولعلَّك تجد فيه ما يكفي في كشف حكم حالك .
أولاً: المسألة المذكورة من مسائل التعامل والتعاقد في أبواب المعاوضات -وهو في سؤالك: باب الإجارة- وهو تعاقد يتم بناء على الاتفاق بين الأطراف؛ فالأصل فيها المعاقدة والاتفاق والتراضي؛ فليس هو من باب الولايات ولا من مسائل الموالاة -اللذين ربما كانا سبب الإشكال لديك- ما لم يتضمن العمل المستأجر عليه شيئاً من ذلك.
فقد اتفق أهل العلم على أنَّ التعامل مع غير أهل الإسلام مشروع بضوابطه الشرعية، ومن ثم فلا يدخل في باب الموالاة لهم، ويدل لهذا الأصل أدلة كثيرة، ليس هذا محل ذكرها.
ثانياً: سؤالك هذا يدخل تحت ما يعرف عند الفقهاء باستئجار الكافر للمسلم، ويعني: المعاقدة والاتفاق والتراضي على القيام بعمل أو تقديم منفعة معينة.
وتأجير المسلم نفسه عند غير المسلم، أمر لا حرج فيه -إن شاء الله تعالى- إذا توافرت شروطه التي سيأتي ذكرها _إن شاء الله تعالى_.
ومما استدل به العلماء على جواز ذلك، ما يلي:(5/254)
1) حديث كعب بن عجرة -رضي الله عنه- قال: أتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- فرأيته متغيراً، قال: فقلت: بأبي أنت مالي أراك متغيراً؟ قال: ما دخل جوفي ما يدخل جوف ذات كبد منذ ثلاث قال: فذهبت فإذا يهودي يسقي إبلًا له فسقيت له على كل دلو بتمرة، فجمعت تمراً وأتيت به النبي -صلى الله عليه وسلم- فقال: من أين لك يا كعب؟ فأخبرته، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: أتحبني يا كعب؟ قلت: بأبي أنت نعم. وقد رواه الطبراني، وجود إسناده غير واحد من أهل العلم.
2) ما ورد من أنّ علياً -رضي الله عنه- أجر نفسه ليهودي يسقي له كل دلو بتمرة، فأخبر النبي -صلى الله عليه وسلم- بذلك فلم ينكره. رواه ابن ماجه. وهو وإن كان في سنده مقال إلا أنه قد احتج به بعض أهل العلم بشواهده.
والقاعدة في هذه المسألة: أنه يجوز للمسلم العمل عند الكافر -سواء كان هذا الكافر فرداً عادياً أو مسؤولاً في شركة- بثلاثة شروط:
الأول: أن يكون العمل الذي سيقوم به الأجير المسلم لمصلحة الكافر، مباحاً ومشروعاً في ذاته، وفي آثاره.
فالمباح في ذاته، كبناء دار، أو قيادة مركبة في تسويق بضاعة مباحة، أو توريد خضروات أو بيع أسماك، ونحو ذلك، فهذا جائز.
بخلاف ما لو كان هذا العمل محرماً في ذاته، كتسويق المحرمات ونقل الخمور، ورعي الخنازير وتسويق لحومها، وتصميم الدعايات لها أو لغيرها من الأمور المحرمة، كالربا وبنوكه ومعاملاته، ونحو ذلك؛ لأنَّ العمل المحرم لا يجوز للمسلم القيام به أصلاً.
وقد نص الفقهاء على أن من يفعل ذلك من المسلمين يستحق التعزير بعقوبات منها: مصادرة ما يأخذه من الكافر من أجرة أو راتب.
وأما إباحته ومشروعيته في آثاره، فكتوريد السيارات ووسائل الاتصال المشروعة، وبناء المصانع في ديار أهل الإسلام، و الأعمال الإعلامية التي تخدم الإسلام وأهله، وترجمة المسلم الأمين الحاذق للمواقع الإسلامية، والكتب الشرعية، لبعض الجامعات والمراكز العلمية الجادة في ديار الكفر، ونحو ذلك، فهذا جائز ومشروع.
بخلاف ما لو كان في هذا العمل ضرر على الإسلام أو المسلمين؛ كالعمل الإعلامي الموجه ضد الإسلام وأهله، مراسلاً كان هذا الأجير المسلم أو محرراً أو منسقاً، أو فنياً ، و مثله وأشد: العمل التجسسي ضد المسلمين بجميع صوره وأشكاله.
وهذه الأمثلة الأخيرة من أخطر الأعمال أثراً؛ لأنَّها من أعظم صور موالاة أهل الكفر وتوليهم _والعياذ بالله_، فالجرم فيها أشد، وقد تقدح في إسلام المسلم فضلاً عن إيمانه.
وخلاصة هذا الشرط ، أنه يحرم القيام بأي عمل محرم كعصر خمر أو بيع لحوم ميتة أو خنزير أو صيانة آلات طرب أو تصوير حفلات فيها نساء أو فجور؛ كما يحرم العمل في كل ما فيه ضرر على أهل الإسلام كالتجسس، بل ولو كان العمل في أصله مباحاً، كالكتابة والترجمة، وذلك إذا كان لجهات متربصة بأهل الإسلام.
وتختلف درجات الحرمة باختلاف العمل المحرم، وربما يصل إلى الكفر _والعياذ بالله_ كما سبق.
الثاني: ألا يعود على الأجير المسلم في هذا العمل أو بسببه ضرر في الدين؛ كما لو لم يسمح له صاحب العمل بأداء الصلوات أو حضور الجمع والجماعات مثلاً.
الثالث: ألا يشتمل هذا العمل على مذلة أو مهانة للمسلم؛ كالخدمة الشخصية الخاصة، من مثل تقديم الطعام له، أو تقريب حذائه، أو الوقوف بين يديه، أو فتح باب السيارة له، ونحو ذلك.
ومما ينبغي التنبيه عليه أن يتورع المسلم من العمل في شركة يرى علماء الإسلام مصلحة شرعية في مقاطعة بضاعتها أو خدماتها مقاطعة اقتصادية، حتى لا يكون عوناً لأعداء الإسلام.
وعلى كل حال؛ فينبغي للمسلم أن لا ينسى رسالته؛ فليستغل وجوده بين غير المسلمين في دعوتهم إلى الإسلام بالحكمة والوسائل المشروعة المحببة للنفوس، ومن أكثرها أثراً التزامه بأخلاق الإسلام في معاملته؛ فقد قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم- لعلي -رضي الله عنه- لما بعثه إلى الكفار يوم خيبر: "ادعهم إلى الإسلام وأخبرهم بما يجب عليهم فو الله لأن يهدي الله بك رجلاً خير لك من أن يكون لك حمر النعم" رواه البخاري ومسلم.
والله -تعالى- أعلم.
==============
استخدام البالتوك في الدعوة إلى الله عز وجل والبديل المقترح
عاصم بن عبدالله القريوتي
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته ومن سار على نهجه إلى يوم الدين .
أما بعد :
فإننا نعيش في هذا العصر في تطورٍ متسارعٍ في عالم تبادل المعلومات مما يحتم علينا معشر المسلمين السير ضمن هذا التيار حتى قيل ( كان الأمي قديمًا من لا يحسن القراءة و الكتابة و أما اليوم فهو من لا يحسن استخدام الكمبيوتر ) ولا أريد مناقشة هذه المقولة و إن كان لها نصيب من الاعتبار، ولكننا لا يمكن أن نبقى في معزلٍ عن مواكبة هذا التيار .
وإن الاستفادة من الوسائل الحديثة - وأعني بذلك استخدام شبكة الإنترنت - في الدعوة إلى الله يعدّ من وسائل الدعوة ، فهي كالكتاب والإذاعة والشريط والمقالات عبر الصحف والمجلات ، إذ لكلٍ من هذه الوسائل روادها وطالبوها و ثمراتها .(5/255)
ومن فوائد الإنترنت الحصول على برامج عديدة في العلوم المختلفة في التفسير، والحديث ، والفتاوى الفقهية ، واللغة ، إضافة إلى تحميل الكتب والمصنفات العديدة بلغاتٍ مختلفةٍ على أجهزة الحاسوب و هذه تفيد كثيراً الدول التي يصعب أو لا يكمن نقل الكتب إليها ، إضافةً إلى تبصير المسلمين بأحوال العالم الإسلامي وما يعانون منه وطرح مشكلاتهم و سبل حلها .
وإن حديثي فيما يخص شبكة الإنترنت يتعلق في استخدام برنامج البالتوك (paltalk) ، وإن هذا البرنامج عبارة عن محادثات صوتية قد يصاحبها كتابة ، وربما تكون مرئية أيضًا ، وإن هذا البرنامج - البالتوك - ذو شهرةٍ قويةٍ عالميةٍ لقوة خدماته وإمكانياته .
و لا ريب أن الوسائل الإعلامية سلاح ذو حدين إذ يمكن أن يستخدم في الخير وفي الشر أيضا ، وهذا البرنامج منها .
ولقد بدأت العناية والاهتمام من قبل المسلمين في الدعوة إلى الله عز وجل من خلال هذا البرنامج عبر السنوات القليلة الماضية - حسب اطّلاعي - ومن أوائل من سبق مع الأسف في استخدام ذلك هم القاديانية ، مع ما هم فيه من كفرٍ وباطلٍ وانحرافٍ في دعواهم نبوة الكذاب ميرزا غلام أحمد و ما يلبسون به على كثير من الناس وخاصة الذين يدخلون في دين الإسلام .
إيجابيات البرنامج :
يمكن القول بأن الإيجابيات لهذا البرنامج أبرزها ما يلي :
أولاً : استخدامه كوسيلة من الوسائل الإعلامية الحديثة في إلقاء الدروس والمحاضرات والندوات والفتاوى .
ثانيًا : إيصال العلم الشرعي المستمد من الكتاب والسنة وفهم السلف إلى ديار المسلمين المتباعدة ، وإلى ديار الكفر التي يقل فيها العلماء وطلبة العلم ، أو المناطق التي ربما يصعب أولا يسمح بنقل الكتب والمصادر إليها ، ففي هذا تغلب على تلك الصعوبات ، وفيه تيسير التلقي العلمي عوضًا عن حلق العلم المباشرة على الشيوخ حيث لا يمكنهم ذلك ، إضافة إلى فائدته للنساء حيث يصعب على كثير منهن متابعة حلقات العلو وحضورهن الدروس .
ثالثاً : تبصير المسلمين بدينهم الحق وترسيخ العقيدة الإسلامية الصحيحة المستمدة من الكتاب و السنة مع التحذير من الفرق المنحرفة بالرد على شبهاتهم التي يطرحونها خلال هذا البرنامج .
رابعًا : يعد هذا البرنامج وسيلة من الوسائل الحديثة الهامة في بيان محاسن الإسلام وعدالته ونشر ذلك بلغاتٍ مختلفةٍ وبلوغ ذلك أقاصي الدنيا و أطرافها .
خامسًا : الرد على مطاعن النصارى وشبهاتهم التي يعرضها المبشرون في كتبهم وفي خلال هذا البرنامج .
سادسًا : الرد على القاديانية ( الأحمدية ) وبيان باطلهم وانحرافهم عن دين الإسلام ووقوعهم في الكفر في ادعائهم صحة النبوة بعد دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - .
سابعاً : نقل الدروس العلمية والدورات العلمية التي تقام في العطل وغيرها لما فيها من فوائد عدة .
سابعًا : إمكانية طرح عدد من الدروس التي تؤخذ عادة بالتلقي عن الشيوخ كدروس التجويد للقرآن الكريم وتعميم الفائدة في ذلك .
ثامنًا : إمكانية إقامة غرف خاصة للأخوات من النساء يتدارسن فيها كتاب الله وأمور دينهن و أمور النساء من خلال غرف مغلقة لا يدخلها إلا من يردن من النساء من خلال رقم خاص للغرفة تضعه من تريد الدخول .
سلبيات هذا البرنامج :
لا ريب أن الوسائل الحديثة لا يخلو بعضها من أوجه سلبية ، منه ما يمكن التغلب عليه و منه ما لا يمكن ، وسأحاول إن شاء الله عرض أبرز ما ظهر لي من سلبيات مع كيفية التغلب عليها إن وجدت .
أولاً : وجود غرف كثيرة ضمن البالتوك تتنافى مع الآداب والأخلاق والقيم الإسلامية ، لذا ينبغي على المسلم ألا يدخل إلا في غرف مخصوصة معلومة الفائدة من خلال سؤاله من يثق بدينه ، ولا يجلس يبحث وينقّب فيدخل في الصالح والطالح من هذه الغرف .
ثانيًا : إمكانية دخول بعض الناس ممن قد يسيء الأدب في هذه الغرف ، ويمكن لمديري الغرف الجيدة أن يضبطوا ذلك إلى حدٍ كبيرٍ إذا وقع ذلك بمنع من يفعل ذلك من الكتابة أو إخراجه من الغرفة .
ثالثًا : ظهور دعايات غير إخلاقية ضمن البالتوك ، ويمكن التغلب على ذلك فيما يتعلق بمديري الغرف وذلك بإيجادهم الغرف عن طريق الاستئجار للغرف من الموقع ، وبذلك لا ترد في غرفهم الدعايات ولديهم الخيار في وضع ما يشاءون لأنفسهم ، وأما في غير غرفهم فالأمر لا يزال قائمًا في ظهور الإعلانات ، ويمكن التغلب على ذلك من خلال اشتراك الشخص في الموقع بعدم إظهار الدعايات الخاصة في البالتوك وهو اشتراك ذو قيمة قليلة باسم له ، وبهذا لا تظهر له دعايات إذا دخل بهذا الاسم في جميع الغرف .
رابعًا : وجود التصوير ضمن البالتوك من خلال الكاميرات ، وإن كان هذا غير منتشر كثير إلى الآن لكن الإمكانية موجودة وبدأ ظهوره وانتشاره علمًا بأن الأمر فيه اختياري للمستخدم إن شاء استقبل الصورة مع الحديث وإن شاء بدونها ، ويمكن لمديري الغرف منع من يستخدم الكاميرا بإزالتها .(5/256)
يضاف إلى ذلك بأنه يمكن لمستخدم الإنترنت عمومًا أن يلغي من يرغب كافة الصور فلا تأتيه أي صورة على الإطلاق حتى المناظر الطبيعية وذلك بفعل عملية يسيرة خلال الإعدادات من المستكشف في الإنترنت .
نصائح وتوجيهات :
أولا : ينبغي على المسلم أن يحرص على وقته وعلى الاستفادة منه و أن لا يضيع وقته عبر شبكة الإنترنت بما لا طائل تحته ولا ثمرة كبيرة منه .
ثانيًا : يحرص على الدخول في الغرف النافعة المشهود لها بسلامة منهجها وعدم انحرافها و بحصول الفائدة منها .
ثالثًا : اجتناب دخول الغرف المنحرفة لأصحاب الفرق الضالة ، إذ حضور ذلك تكثير لسوادهم وإقرار للاستماع لباطلهم ، إضافة مع كون البدع والشبهات قد تنقدح في نفوس بعض الناس لقلة علمهم أو ضعفه ، فلذا لا ينبغي أن يدخل هذه الغرف ويناقش فيها إلا من كان على بصيرة في دينه وبعقائد الفرق الضالة وأساليبهم .
رابعًا : ينبغي على طلبة العلم والعلماء والأساتذة والمربين المشاركة في هذا البرنامج من خلال الدخول في غرف خاصة ينشؤؤنها أو غرف معروفة بالاستقامة بدخولهم بأسماء حقيقية لتعم الفائدة ولتحصل الثقة والاطمئنان إليهم وإلى أحاديثهم وإلى إجاباتهم .
خامسًا : ينبغي المحاولة في اختيار الأوقات المناسبة قدر الاستطاعة ليعم النفع والاستفادة من هذه الدروس و الأنشطة العلمية .
مقترحات وتطلعات :
تتطلع إلى إقامة موقع إسلامي يبثّ الدروس والمحاضرات والندوات بلغات مختلفة متعددة وبأوقات تتناسب مع تلك الدول .
وإن مثل هذا العمل مناط بأن تتولاه جهات إسلامية معنية بالدعوة إلى الله عز وجل كوزارة الشؤون الإسلامية والدعوة و الإرشاد بالمملكة العربية السعودية ورابطة العلام الإسلامي وغير ذلك من المؤسسات المعنية ؛ لتكون بعيدة عن سلبيات البالتوك ، ولتؤدي هدفًا وتحقيقًا للقيام بواجب الدعوة إلى الله على بصيرة ضمن هذه الوسيلة الإعلامية الحديثة ( الإنترنت ) ولتكون بديلاً عن البالتوك و سلبياته .
وإن هذا الموقع المقترح يمكن أن يقدم نقلاً حيًا مباشرًا لدروس الحرمين الشريفين لما فيها من عظيم الفائدة ، ويقدم نقلا لإذاعة القرآن الكريم من المملكة العربية السعودية إضافة إلى الاهتمام بشئون الإسلام والمسلمين ونقل كافة الدورات العلمية عبر الموقع المقترح .
ومما يزيد في فائدة هذا الطرح إيصال الإعلام الإسلامي الهادف إلى دول شتى في العالم مما يصعب أو لا يصلهم البثّ الإذاعي لإذاعة القرآن الكريم و برامجها ، بينما عبر هذه الوسيلة فالأمر فيها متاح وميسور ، مع ملاحظة أن كثيرًا من الغرف الموجودة الآن في البالتوك في بعض اللغات مثل اللغة التركية و الأردية و الأوزبكية قلّما يوجد فيها مع الأسف اهتمام بالدعوة إلى الله في ذلك .
ويمكن لهذا الموقع الإسلامي المطروح أن يصاحبه أيضًا جانب من الترفيه المشروع ، وطرح المسابقات العلمية الثقافية الهادئة وتشجيع الفائزين بذلك في أنحاء العالم .
وإني لأرجو أن تصل هذه الطروحات و المقترحات إلى من يعني بأمور المسلمين ومن له يد في إيصال ذلك لتأخذ الأمور مجراها في التنفيذ بعد الدراسة والتمحيص .
ختامًا : أسأل الله عز و جل بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يستعملنا في طاعته ومرضاته وفي كل ما يقربنا إليه ، وأن يجنبنا معصيته وسبل الهلاك وأن يشرح صدورنا للدعوة إلى الله على بصيرة .
والحمد لله رب العالمين
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه وأزواجه وذريته الطيبين الطاهرين ومن سار على نهجه إلى يوم الدين .
كتبه
الدكتور عاصم بن عبدالله القريوتي
الباحث بمركز خدمة السنة والسيرة النبوية
==============
أخي انصر هذا الدين
إخواني الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
لا يخفى عليكم ولا على ذي عينين أن الكفر قد حشد جمعه وجمع حشده وأناخ بكلكله كله في ساحة الإسلام وتعاضد الكفر الخارجي مع النفاق الداخلي على أهل الإيمان .
والدرع الواقي والدواء الشافي من ذلك أن نعمل جميعا في إقامة دين الله وإقامة الدين لا تتم إلا بمجابهة أخطار الخارج وتقويم انحراف الداخل أو بالأدق ما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : ( قوام الدين كتاب يهدي وسيف ينصر وكفى بربك هاديا ونصيرا )
يتأول قول الله تعالى (لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (الحديد:25)
وقد قام بالنصرة بالسيف طائفة من المؤمنين وهم المجاهدون الصادقون
وقام بالهداية بالكتاب بعض العلماء وطلاب العلم والدعاة العاملين(5/257)
وهاتان الطائفتان هم بقية الخير في الأمة الذين قاموا بمايجب عليهم نحودينهم وإيمانهم فنجوا بصلاحهم وإصلاحهم قال سبحانه : (فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) (هود: 116-117 )
وبقيت في الأمة جموع غفيرة تتفرج معركة الإسلام مع خصومه
وكثير منهم ممن ينتسب إلى الصحوة الإسلامية فحبهم للإسلام وحميتهم على الدين لا تتجاوز عبارات الإعجاب بالمجاهدين والمصلحين وعبارات الذم والتشنيع على الكافرين وهذا وإن كان خيرا إلا أنه لا ينصر ملة ولا ينقذ أمة .
فأقول لهذه الجموع الخاملة والطاقات المعطلة كونوا أنصار الله وخوضوا المعركة مع إخوانكم وسارعوا في رد كيد الأعداء من الكفار والمنافقين .
فأنت أخي المسلم قادر على أن تفعل للإسلام الكثير مهما قل علمك وضعف تدبيرك وخفي اسمك وجهل قدرك
أنت كنز الدر والياقوت في لجة البحر وإن لم يعرفوك
محفل الأجيال محتاج إلى صوتك العلي ولإن لم يسمعوك
فمجالات نصرة الدين ووسائل وأساليب الدعوة لا حصر لها فستجد فيها ما يناسب تخصصك وقدراتك فابحث عن ذلك وشاور فيه أهل العلم والصلاح من حولك وقل لهم أنا سهم للإسلام فحيث كانت مصلحة الإسلام فارموا بي هناك
وإليك بعض الخواطر في بعض الأمور التي تستطيع فعلها
أولا :
محافظتك على فرائض الله واجتناب حرماته فذلك من أعظم ما تنصر به الأمة
كما أن من أسباب تسلط أعدائها عليها ذنوب أبنائها
فالذنوب جراحات أثخنت الأمة
فيا أخي الكريم إن لم تدفع عن الأمة فلاتوهنها بذنوبك ومعاصيك فتعين بذلك أعداءها عليها فرب جرح وقع في مقتل
ثانيا :
احرص على أن لا تجلس مجلسا إلا وتنصح فيه للدين أو تأمر فيه بالمعروف أو تنهى فيه عن المنكر أو تدعو فيه إلى الخير أو تحذر فيه أساليب الكفار والمنافقين
ثالثا:
أن هناك وسيلة وأسلوب دعوي رباني نبوي يغفل عنه كثير منا في الدعوة إلى الله وهو أسلوب الرسالة فالله أرسل إلى عباده الكتب يقرأونها فيهتدون بها وأهل اليمن استجابوا لسليمان عليه السلام برسالة كتبها إليهم وحملها هدهد
وكثير من الأمراء والملوك وزعماء القبائل دخلوا الإسلام بالرسائل
فللرسالة تأثيرها على المرسل إليه
فعندما يشعر أنه المخاطب بهذا الكلام من المرسل يعطيه اهتمامه ويرجع إليه إذا أراده
وأيضا المرسل قد يدبج في رسالته من حسن القول ولين الخطاب وقوة الإستدلال ما يغيب عنه عند المحادثة والخطاب
وأرجو أن تكتب الرسائل بخط اليد ليشعر المرسل إليه بأنه المعني في الخطاب
فالناس سأموا المطبوع والرسائل المفتوحة إلى الجميع
فاكتب رسائل بخط يدك لكل من جارك قاطع الصلاة
رسالة إلى التاجر رسالة إلى الشاب غير المستقيم
رسالة على المغترب في ديار الكفر
رسالة إلى من فرطت في الحجاب
رسالة إلى موظف البنك
رسالة إلى صاحب الدش
رسالة إلى صاحب الفندق
رسالة إلى صاحب تسجيلات الفيديو
رسالة إلى صاحب تسجيلات الأغاني
رسالة ............ رسالة
...... وهكذا لكل من رأيت لزوم نصحه في معروف أو نهيه عن المنكر
وتكتب الرسالة بأسلوب رفيع لين مؤدب تخاطب عاطفته وعقله وممكن تستعين في صياغتها ببعض المشايخ وطلاب العلم ويترك مكان اسم الموجهه إليه فارغا واسم المرسل يكتب عبد الله بن عبدالرحمن بن عبد العزيز الناصح مثلا إن كنت لا تريد المرسل إليه يعرف شخصك
وتحتفظ بالأصل وتصور من كل رسالة عددا كبيرا ويفضل أن يكون تصويرا ملونا لتظهر الرسالة كأنها أصل للمرسل إليه لأنك تحتاج إلى إرسالها مرات كلما لاح لك صاحبها .
ثم إليك أمثلة لما تفعل :
1= تقوم بأخذ أرقام فاكس البنوك أو الفنادق مثلا وترسل بالفاكس الرسالة الخاصة بالمحل أو موظفيه وممكن المدراء وكبار الرجال في المؤسسات ترسل لهم عبر البريد الخاص بهم
فتخيل أنه يفتح الظرف أو الموظف يقرأ الفاكس يجد فيه ما يذكره بربه ويحذره من عقوبة فعله وآثاره الوخيمة عليه في الدنيا والآخرة
2= تمر على محل الفيديو تسلمه ظرفا قائلا له هذه رسالة لك من عبد الله بن عبد الرحمن وتمضي لسبيلك
3= تمر بجوار بيت عليه دش فتلقى الولد الصغير بعد أن تطرق الباب بأدب وتقول له
هذه رسالة مهمة تعطيها أباك فتنتظر الأم والأولاد موعد رجوع الأب لينظروا مافي الرسالة فيسألوه عن فحواها فيجدون ويسمعون خيرا
4= تقف في السوق فترى شابا مظاهر عدم الإستقامة واضحة عليه فتدخل يدك في جيبك وتخرج رسالة مظرفة تسلمها له بأدب قائلا له كم كنت أبحث عنك يقول لماذا قل معي لك رسالة من أخيك عبدالرحمن 00من هو 000 لو قرأت الرسالة لعرفته وتمضي وتتركه مع الخير
5= صاحبك أو من تعرفه المغترب في أمريكا مثلا يدق عامل البريد بابه يسلمه رسالة منك تذكره فيها بالله وبدينه وتحذره من الكفر والفسوق والعصيان وترشده إلى الخير(5/258)
كم وقعها في نفسه من الرياض من صنعاء من بغداد من القاهرة من القرية النائية والبادية البعيدة رسالة تذكرني بالله
وهكذا تمضي في عملك أو دراستك أو نزهتك وأنت تحمل رسائل الخير مبشرا داعيا إلى الله
خواطر :
1= جمعت مع إخوان لي مبلغ قدره 4000 ريال سعودي واشترينا ورقا وظروفا
وكتبنا رسائل عددها 5 ثم صورناها فكان العدد كالتالي :
خمسة وعشرون ألف لرب البيت الذي أدخل فيه الدش
وخمسة آلاف موزعة على الفنادق ومحلات الغناء والفيديو
وأتينا بجموع من الأحباب الأشبال الصغار وشغلناهم في التظريف
ثم وزعنا الرسائل على الشباب الكبار لكل مجموعة منطقة محددة من مدينة ما
انطلقوا بعد صلاة العصر ولم يأت العشاء إلا وثلاثون ألف رسالة سلمت لأصحابها في المدينة
2= أحدهم أعرفه أدخل ولده الدش إلى بيته وهو رضي بالحال وهو يصلي وعلى خير
كتبت له رسالة باسمي ذكرته فيه بما فتح الله علي
يرسل لي بعد بضعة أيام شاكرا بأنه قرأ الرسالة وصعد السطح وأنزله وفعلا وإلى اليوم بيته خاليا من ذلك .
3= أعرف أخا تركب معه الطائرة فتناوله المضيفة الشراب وهو يناولها رسالة الهداية الي كتبها بيده قبل قليل لعل الله يهديها بها .
4= أعرف أخا يتصل بالتلفونات لا لشيء إلا ليذكر الناس بصلاة الفجر أحدهم قال له والله ما ذكرني أحد بها إلا أنت .
5= أعرف أخوة يجمعون شرائط المحاضرات والدروس من المكتبات التي اتخذها بعض الإخوة زينة ويذهبون بها إلى مواقف التاكسي وسيارات الأجرة يوزعونها عليهم والله رأيتهم يتخاطفونها
وغيرها من وسائل الدعوة التي لا تحتاج إلى مؤسسات ولا إلى كثير مال ولا إلى قوة حجة وبيان .
فلعنك الظلام لا يجدي شيئا ولكن أوقد شمعة تبدد ولو جزءا منه
طلب أخير : أرجو من الأخوة المشاركة في صياغة هذه الرسائل كل رسالة ليستفيد منه من أراد العمل .
محب العلماء والمجاهدين والدعاة
الدليل اليماني
المصدر شبكة أنا المسلم
للفائدة رسائل دعوية للتوزيع
===============
أيها الرماة؛ الزموا مكانكم
د.وسيم فتح الله
إن بوارق السيوف التي يسدد شهداؤنا الأبرار أثمانها أقساطاً من كلومهم ودمائهم، هي التي تضيء لنا ظلمات الطريق اليوم، وتبعث فينا الأمل بأن قلب هذه الأمة لا يزال ينبض، وأن دماءها الإيمانية لا تزال تجري، وأن شرايين الصحوة لا تزال تتمدد فيها لتستوعب هذا الدم المتفجر في أرجائها كلِ أرجائها، غير آبهة بحدود ولا تضاريس، وغير ناظرة إلا إلى أي السبل أقرب لتثعب من خلال جراحاتها دماءُ شهادةٍ جديدة، بعد أن كانت دماء حياةٍ جديدة، وهكذا دأب هذه الأمة بين دماء تجري في جسدها لتبعث فيها نشوة الإيمان، ودماء تهراق على أرض الشهادة لتملأ أرجاء الكون بعبق المسك والريحان، وبين هذه الدماء وهذه الدماء تذكرة الواحد الديان :"لن ينالَ الله َ لحومُها ولا دماؤها ولكن يناله التقوى منكم"[1]...
بيد أن هذه البشرى التي أخذت تشغلُ أهلَ الأرض قاطبةً مؤمنهم وكافرهم، ليست إلا بداية الطريق وليست إلا جولةً من الجولات، إن روح الجهاد التي تسري في جسد الأمة اليوم رغم كل مشاريع التخذيل والتثبيط، ورغم كل عمالات الزندقة والنفاق، ورغم كل أقساط الردة والموالاة الشيطانية التي يسددها جند إبليس، إن هذه البشرى ونحسبها من عاجل بشرى المؤمن بإذن الله، ليست إلا إرهاصاً من إرهاصات الصحوة المباركة، وليست إلا جولةً من جولات الصراع الشامل، فلا تزال بيننا وبين القضاء على شرذمة التمرد الشيطاني مفاوز وقفار، فإن القوم قد أعدوا العدة لحرب طويلة، ونحن لما نلتقط أنفاسنا من كبوات الأمس، ولما نُطهِّر قلوبنا مما ران عليها عبر عقود من الجهل والبعد عن الله تعالى، ولهذا لا بد من أن نحذر من الانشغال بأية نشوة نصرٍ عاجلة، اللهم إلا على سبيل التحفيز وشحذ الهمم، والحذر الحذر من الانشغال بجمع غنيمة أو تسجيل لحظة انتصار ميدانية عابرة، ولنتأمل جيداً ذلك الدرس القرآني العظيم:" ولقد صدقكم الله وعده إذ تحسّونهم بإذنه حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم ليبتليكم ولقد عفا عنكم والله ذو فضلٍ على المؤمنين"[2]، فها نحن اليوم قد بدأنا نرى ما نحب، فلنحذر من العواقب ما لا نحب، ولنعلم أن أولئك النفر من الرماة الذين خالفوا أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم فانشغلوا بجمع غنيمة عاجلة قد ضمنوا لأنفسهم العفو عند الله عز وجل، أما نحن فمن أين لنا هذا الضمان؟...(5/259)
نحن إذاً بحاجةٍ اليوم إلى الثبات كلٌ في موقعه؛ فعلى المجاهد بسلاحه أن يرابط على ثغره ولا يشغله الشوق إلى زوجٍ وولد، وعلى القائد الميداني أن يرابط في ميدانه يوجه ويسدد لا تشغله مناصب تنظيمية ومكاسب حركية زائلة، وعلى العالم أن يرابط على قلمه الذي يوقّع به عن الله عز وجل ورسوله صلى الله عليه وسلم فلا يوقع إلا على حق، ولا يخاف في الله لومة لائم، فإن الأعين ناظرةٌ إناه، وإن الآذان تصغي لفتواه، وإن أصبع المجاهد على رشاشه ينتظر ماذا يقول العالم، وإن القائد في الميدان يريد إجازة الخطة العسكرية يصغي لما يقوله العالم، وعلى من تكفل أهل المجاهد ألا يفرط فيهم وأن يقدمهم على نفسه، فإن المجاهد ما خرج إلا وقد أوكلهم بعد الله تعالى إليك، وعلى من أسبغ الله تعالى عليه رداء المال أن ينفق منه راجياً أن ينال فضل المجاهد وأجره وإن لم ينل حكمه، وعلى من ضاق عليه الأمر في خروجٍ أو ردءٍ أن لا يبرح يدعوا ربه ويتمنى الخروج صادقاً من قلبه فإن الله يبلغه ذلك، وعلى النساء أن يكففن عن أزواجهن فلا يرهقوهم بما لا طائل منه من متاع الدنيا الزائل، ولتنشغل أرحامهن بصناعة الشهداء، ولتنشغل قلوبهن وألسنتهن بالضراعة والدعاء إلى الله عز وجل أن يتخذ من ولدها وزوجها مجاهداً أو شهيداً، وعلى الأبوين ألا يضنوا على الله بفلذات أكبادهم ما لم يكونوا معذورين لا يستطيعون حيلةً ولا سبيلاً، وعلى كل مسلم مفارقٍ لجماعة المسلمين ببدنه أن يهجر ديار الكفر وينضم إلى سواد الأمة اليوم قبل أن لات حين ندم، عسى أن يلحقه شيء من روح الصحوة التي انبعثت في جسد الأمة اليوم، وعسى أن تناله وشيجة الولاء الإيماني المنقطعة بسبب إقامته بين ظهراني الكفار المحاربين لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم، وعلى كل فتى وفتاة ناشئين في هذه الأمة العظيمة أن يرتقوا بأهدافهم وطموحاتهم اليوم، وأن يتساءلوا عن حاجة الأمة إليهم، فتباً لمالٍ نجمعه فلا يزيدنا من الله إلا بُعداً، وتباً لشهادةٍ علمية نحوزها لنوظفها في مصانع الكفر وأقبية السياسة الصليبية، ومرحى بشاب نشأ في طاعة الله، وشابة نشأت في رحاب مدرسة النبوة، فانكبا على أوامر الله عز وجل يجهضان بها أوامر الشيطان وجنده، وهكذا فلن يعدم أحدنا اليوم أن يتخذ لنفسه في هذه المعركة موقعاً، ثم ليحدث نفسه بالثبات والرباط على هذا الموقع كما أمر رسولنا وقائدنا صلى الله عليه وسلم الرماة أن يلتزموا موقعهم، فإن المعركة لا تزال في بدايتها، وإنه لم يحن وقت جمع الغنيمة بعد، فلنوطن أنفسنا إذاً على أن لا ندع رباطاً إلا إلى رباط خير منه، وأن لا ننشغل بغاية إلا غايةً أسمى مما نحن فيه، وإننا والله لنجد ريح الجنة من هاهنا وهاهنا، فالزموا مكانكم، واعلموا أن أشد الرباط ما كان على ثغر التقوى، فإنه هو الذي أتعب من سبقنا، وهو الذي نجى به الله تعالى من نجى من سلفنا، ثم لنعلم أن لا عزة لنا إلا بذلٍ نطرح به أنفسنا بين يدي الله عز وجل، وسيفٍ نصون به جناب التوحيد، ونرفع به لواء إمام الغر المحجلين، والله غالبٌ على أمره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون...
--------------------------------------
[1] سورة الحج - آية 37
[2] سورة آل عمران - آية 152
================
مكانة علم الطب
عبدالعزيز بن محمد بن عبدالله السدحان
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا ، مَنْ يهده الله فلا مضل له ، ومَنْ يضلل فلا هادي له ، وأشهد أن لا إله إلاّ الله لا شريك له ، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله . أما بعد :
فإن من المعلوم لدى العقلاء أن علم الطب ومهنته تتبوأ مكانة رفيعة بين العلوم ، ويُكسى صاحبها هيبة تليق به بحسب علمه وحذقه .
ويزيد هذا تأكيداًَ ما للطب من علاقة جذرية بحياة الناس ، فمن من الناس لا يمرض ولا يعتل ؟ ومَنْ مِنَ الناس لا يعتري صحته سقم ولا نصب ؟ فكل الناس كذلك - إلاّ من شاء الله - لذا ترى الناس يهرعون إلى طلب الاستطباب طمعاً في الشفاء ، ويتحملون في ذلك الغالي والنفيس ، وكل ذلك يهون أمام نعمة الصحة والعافية .
لذا ، كان لعلم الطب مكانته ومنزلته وقد بّين ذلك الإمام الشافعي - رحمة الله تعالى - بعبارة موجزة فقال :
(( إنما العلم علمان : علم الدين وعلم الدنيا . فالعلم الذي للدين هو الفقه والعلم الذي للدنيا هو الطب )).
وفي رواية ثانية عنه . قال (( لا أعلم بعد الحلال والحرام أنبل من الطب ، إلاَّ أنّ أهل الكتاب قد غلبونا عليه )).
وفي رواية ثالثة عنه أنه كان يتلهف على ما ضيع المسلمون من الطب ويقول : (( ضيعوا ثلث العلم ووكلوا إلى اليهود والنصارى )) [آداب الشافعي ومناقبه للرازي] . فرحم الله الإمام الشافعي ما أدق وصفه وأبلغ لفظه ، وانظر يا رعاك الله إلى قوله عن أهل الكتاب أنهم غلبوا على علم الطب ، ثم انظر إلى تلهفه وحسرته على تفريط المسلمين وصدق رحمه الله تعالى .
ولعل مَنْ يقرأ " كتاب طبقات الأطباء والحكماء لسليمان بن حسان الأندلسي ت 377" يرى مصداق كلام الشافعي رحمه الله تعالى .(5/260)
لذا ، حرص أعداء الإسلام على اختلاف أجناسهم وألوانهم وبلدانهم على الجد في تحصيل علم الطب ، وبلغوا أرفع الدرجات ، ومما لا شك فيه ولا ريب أن من أعظم مقاصدهم تسخير نتيجة تحصيلهم في الدعوة إلى دينهم أو إخراج المسلم من دينه ليعيش بلا دين .
واسمع إلى قولهم " حيث تجد بشراً تجد آلاماً ، وحيث تكون الآلام تكون الحاجة إلى الطبيب ، وحيث تكون الحاجة إلى الطبيب فهنالك فرصة مناسبة للتبشير " ، وهكذا اتخذ المبشرون الطب ستاراً يقتربون تحته من المرضى .
واستمع أيضاً إلى قول أحدهم ويدعى الطبيب ( بول هاريسون) قال في كتابه - الطبيب في بلاد العرب - :
(( إن المبشر لا يرضى عن إنشاء مستشفى ولو بلغت منافع ذلك المستشفى منطقة ( عُمان ) بأسرها . لقد وُجدنا نحن في بلاد العرب لنجعل رجالها ونساءها نصارى ))
وصدق في قوله وهو الكذوب ، فلقد أفصح عن أمر بيّته في نفسه وعنه يدافع وناضل .
وصدق الله ، ومنْ أصدق من الله قيلاً ومَنْ أصدق من الله حديثاً :{ ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم } ولهذا كان بعضهم لا يعالج المريض أبداً إلاّ بعد أن يحمله على الاعتراف بأن الذي يشفيه هو المسيح.
وفي الحبشة كانت المعالجة لا تبدأ إلاّ بعد أن يركع المريض ويسأل المسيح أن يشفيه .
تقول ( ايرا هاريس ) في نصيحتها للطبيب الذاهب إلى مهمة تبشيرية :
(( يجب أن تنتهز الفرص لتصل إلى آذان المسلمين وقلوبهم فتكرز ( لعلها بمعنى تقنع أو ترسخ ) بهم بالإنجيل ، إيّاك أن تضيع التطبيب في المستوصفات والمستشفيات فإنه أثمن تلك الفرص على الإطلاق ، ولعل الشيطان يريد أن يفتنك فيقول لك : إن واجبك التطبيب فقط لا التبشير فلا تسمع منه )) [ انظر "التبشير والاستعمار في البلاد العربية " د.مصطفى الخالديوعمر فروخ . ]
أرأيت يا رعاك الله مدى التعصب والحقد على الإسلام وأهله .
فأحسن الله عزاءَنا في بعض المسلمين الذي خُدِعوا بأخلاقهم ، وبجّلوا سمعتهم وسيرتهم في المجالس ، غير آبهين بمعتقدهم الذي يأكل قلوبهم حقداً على الإسلام وأهله .
لكن مع هذا العداء وهذا التآمر من أعداء الإسلام فإن ما يرى ويسمع في هذه الأزمنة يشرح الصدور ويبهج النفوس . أعني بذلك إقبال كثير من شباب المسلمين على دراسة الطب علماً وعملاً فاستغلظ ذلك النبات واستوى على سوقه ، فرأينا شباباً ورجالاً صالحين تبوَّؤا المناصب وزاحموا أعداء الأُمة وأثبتوا أنهم محل الثقة وكانوا أحق بها وأهلها .
فتعلموا وعلِموا فعملوا وعلّموا فنفعهم الله ونفع بهم ، فجمعوا لمرضاهم بين طب القلوب وطب الأبدان ، فكان الدواء ناجعاً والأثر نافعاً .
فهنيئاً لنا بهم ولتسعد بل ولتفخر تلك الصحوة بهم ، فهم على ثغر عظيم وجبهة واسعة ولزاماً علينا أن نشاركهم في آمالهم وآلامهم .
أعانهم الله وسدّد خطاهم وبارك في جهودهم .
وليعلموا إن مكانتهم مرموقة منزلتهم عالية ، بل إن بعض الفتاوى الشرعية تُبنى على ضوء ما يقررونه ويقولونه . وإليك شاهداً واحداً على ذلك :
قال الإمام النووي رحمة الله تعالى :(( قال أصحابنا يجوز أن يعتمد في كون المرض مرخصاً في التيمم وأنه على الصفة المعتبرة على معرفة نفسه ، و إلا فله الاعتماد على قول طبيب واحد حاذق مسلم بالغ عادل ، فإن لم يكن بهذه الصفة لم يجز اعتماده ... )) [المجموع للنووي] .
وإننا إذ نؤمل في هذه الثلة الطيبة خيراً كثيراً ، فإننا نطمع في المزيد من الجهد ولعل من المطالب الأساسية بعد الإصلاح المستطاع ، تعريب كتب الطب حتى نتخلص من بعض التبعية المطلقة ، وهذا ليس عسيراً . ففي أطباء المسلمين مَنْ هو مرجع لكبار أطباء الغرب وديار الكفر عامة .
فلن يعجز أولئك الأطباء المسلمون عن القيام بهذه المهمة وهي وإن كانت جسيمة لكن :
وإذا كانت النفوس كباراً *** تعبت في مرادها الأجسام
وإن من التبعية المقيتة إعجاب كثير من سواد المسلمين بأطباء ديار الكفر والنظر إليهم بإكبار . يا سبحان الله ، ما هذا التناقض !؟ (( عندنا أطباء وعندنا مستشفيات وعندنا تجهيزات ووسائل للشفاء ، كل هذا عندنا ولكن ليست عندنا الثقة بأنفسنا . فإذا وثقنا بأنفسنا وأطبائنا وراجع الأطباء أنفسهم فنزهوها عن عيوبها واستكملوا فضائلها لم نحتج معهم إلى غيرهم )) [ذكريات الطنطاوي] .
ومن باب النصح أيضاً يقال : (( إن بعض الأطباء ممن قلت مراقبته لله يريد أن يأخذ أكثر من حقه ، وأن يستلب المريض أمواله . بل بعض المستشفيات الخاصة إنما أُنشئت لغرض تجاري هو جمع المال واستعجال الغنى . نريد أن تجرٍّد المريض من كل ما في كيسه من مال ولو استطاعت لجردت عظامه من اللحم الذي يلتصق بها )) [ذكريات الطنطاوي] .
وبعضهم يضيف إلى ما سبق استقدام الممرضات الكافرات وغير الكافرات والجميع من المتبرجات بزينة ، فجمع أصحاب تلك المستشفيات بين سَوْءتين : الطمع والمُنكر . فلا أكثر الله في المسلمين أمثالهم . ومثل تلك المستشفيات حري بالمقاطعة والحذر والتحذير منه ، ومن ترك شيئاً لله عوّضه الله خيراً منه .
والله أسأل أن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل ، في السر والعلن ، إنه سميع مجيب .(5/261)
اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
المصدر : كتاب المسائل الطبيبة للدكتور علي بن سليمان الرميخان
================
الإجازة والسفر
الدكتور عصام بن هاشم الجفري
الحمد لله الذي شرع لنا أكمل الشرائع وتعبدنا بأكمل دين؛من تمسك به نجا من كل شر وبلاء مبين،وترقى في سلم الفائزين ومن تفلت منه هلك مع الهالكين،وانكب على وجهه في دركات الخاسرين،أحمده سبحانه وأشكره على عظيم رحمته بعباده المتقين .أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كتب الفلاح والنجاح لعباده المتقين،وجعل الخزي والذلة من نصيب المعرضين المعاندين، وأشهد أن محمداُ عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين،فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً سرمدياً إلى يوم الدين.أما بعد :
فأوصيكم بوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال : ((..اتَّقِ اللَّهِ حَيْثُمَا كُنْتَ ..))([1])،فاتق الله أخي الحبيب أين ما كنت في أي زمان وفي أي مكان وأعلم علم اليقين أنك لا تخرج عن قدرة الله وتدبيره وسطوته وقهره،ولا تخفى عن علمه.أيها الأحبة في الله بعد أن انتهى المجتمع من الانشغال بقضية الامتحانات،أصبح شغل المجتمع الشاغل اليوم هو السفر؛فالإعلانات في مختلف وسائل الإعلام عن برامج السياحة ، والحديث الذي يسيطر على المجالس هو أين تقضى الإجازة،والسفر أحبتي ليس محرماً في الشرع بل قد شرع الشارع الحكيم من التخفيف في الأحكام ما يعين المسافر على سفره كقصر وجمع الصلاة ونحوها، لكن هناك أنواع من السفر تكون محرمة لعدة اعتبارات سيأتي تفصيلها ، ولي مع موضوع السفر وقفات:
الوقفة الأولى: مع ذاك الرجل الذي قل ماله وكثر عياله وهو يصر على السفر ونسمع وتسمعون عن قوم يقترون على أهليهم طوال العام من أجل أن يسافروا ومنهم من يشتري سيارات بالأقساط ويبيعها بالنقد ويتحمل فارق الخسارة من أجل أن يسافر ومنهم عياذاً بالله من يستدين من البنوك بالربا من أجل السفر،ولمثل هذا الصنف نقول له إن الإمام ابن تيمية سؤل في الفتاوى عن سفر صاحب العيال (فأجاب:أما سفر صاحب العيال إن كان يضر بعياله لم يسافر فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كَفَى بِالْمَرْءِ إِثْمًا أَنْ يُضَيِّعَ مَنْ يَقُوتُ))(2)،وسواء كان تضررهم لقلة النفقة أو لضعفهم،وسفر مثل هذا حرام.وإن كانوا لا يتضررون بل يتألمون وتنقص أحوالهم فإن لم يكن في السفر فائدة جسيمة تربوا على ثواب مقامه عندهم كعلم يخاف فوته وشيخ يتعين الاجتماع به وإلا فمقامه عندهم أفضل وهذا لعمري إن صحت نيته في السفر كان مشروعاً،وأما إن كان كسفر كثير من الناس إنما يسافر قلقاً وتزجية للوقت فهذا مقامه يعبد الله في بيته خير له بكل حال..)(3)،هذا في حق صاحب السفر المباح فما بالكم بمن كان سفره محرماً ، إن في السفر مع الأصدقاء و زملاء العمل وترك الأهل والأولاد لا سيما إذا كانت المدة كبيرة خطر عظيم فالأولاد بحاجة ماسة إلى متابعة أبيهم المستمرة لهم،وكم من الأباء يشتكي من صعوبة التربية في هذا الزمان مع وجوده بجوار أولاده فكيف إذا اجتمع على الأولاد فراغ الإجازة وغيبة الرقيب،ثم إن الله قد يعاقبه على ما يرتكبه من آثام هناك فيهتك عرضه هنا بينما هو يهتك في أعراض الناس هناك.(5/262)
الوقفة الثانية : متى يكون السفر محرماً؟ إن مما يحول السفر من الإباحة إلى التحريم أن ينوي العبد المسافر أن يرتكب المحرمات هناك والتي لا يستطيع ارتكابها هنا بفضل الله إلا بمشقة؛ كأن ينوي أن يرتكب في سفره الزنا،أو شرب الخمر وتعاطى المخدرات أو أن يحضر المسارح ودور السينما لمشاهدة الممثلات والراقصات أو غير ذلك مما يغضب رب الأرض والسموات، فيكون سفره هذا سفر معصية،فنقول لمثل هذا إن الوقت الذي تمضيه في هذا هو وقت أمضيته في حرام،والمال الذي أنفقته على ذلك هو مال منفق على حرام وقد أخبر الصادق المصدوق بقوله:((لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ))أخرجه الترمذي قَالَ هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ(4)،فبماذا تجيب في ذلك اليوم العظيم؟ نقول له أما لك عبرة في قوم خرجوا ينون مثل ما تنوي فاخترمتهم المنية وعادوا محمولين على الأكتاف في توابيت ليواجهوا ظلمة القبر وفتنته وما بعده،نقول له أما تخشى الفضيحة يوم العرض الأكبر أمام الخلق أجمعين من لدن آدم إلى آخر ما خلق الله فقد قال صلى الله عليه وسلم :((يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ))(5)،أما تخشى أن تموت وفي يدك كأس الخمر أو أنت في وفرة الزنا فتأتي على حالك ذاك اليوم. ومن السفر المحرم السفر إلى بلاد الكفر لغير حاجة شرعية كطلب طب لا يوجد إلا عندهم ، أو تعلم علم مباح لا يعطيه غيرهم أو نحو ذلك فقد قال صلى الله عليه وسلم : ((لَا تُسَاكِنُوا الْمُشْرِكِينَ وَلَا تُجَامِعُوهُمْ فَمَنْ سَاكَنَهُمْ أَوْ جَامَعَهُمْ فَهُوَ مِثْلُهُمْ))أخرجه الترمذي(6)،أي لا تسكنوا معهم في مساكنهم ولا تحضروا مجامعهم ، وأي وعيد أشد من ذلك ، وقال صلوات ربي وسلامه عليه:((..أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ مُسْلِمٍ يُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِ الْمُشْرِكِينَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَلِمَ قَالَ لَا تَرَايَا نَارَاهُمَا))(7)،(قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي مَعْنَاهُ ثَلَاثَةُ وُجُوهٍ:قِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَسْتَوِي حُكْمُهُمَا.وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّ اللَّهَ فَرَّقَ بَيْنَ دَارَيْ الْإِسْلَامِ وَالْكُفْرِ,فَلَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُسَاكِنَ الْكُفَّارَ فِي بِلَادِهِمْ حَتَّى إِذَا أَوْقَدُوا نَارًا كَانَ مِنْهُمْ حَيْثُ يَرَاهَا.وَقِيلَ مَعْنَاهُ لَا يَتَّسِمُ الْمُسْلِمُ بِسِمَةِ الْمُشْرِكِ وَلَا يَتَشَبَّهُ بِهِ فِي هَدْيِهِ وَشَكْلِهِ.)(8)، وعند أبي داود من حديث سمرة أيضاً أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:((مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ وَسَكَنَ مَعَهُ فَإِنَّهُ مِثْلُهُ))(9)،(والمراد بالمشرك في الحديث الْكُفَّار وَنَصَّ عَلَى الْمُشْرِك لِأَنَّهُ الْأَغْلَب حِينَئِذٍ وَالْمَعْنَى مَنْ اِجْتَمَعَ مَعَ الْمُشْرِك وَوَافَقَهُ وَرَافَقَهُ وَمَشَى مَعَهُ، (وَسَكَنَ مَعَهُ):أَيْ فِي دِيَار الْكُفْر،قَالَ الْإِمَام اِبْن تَيْمِيَة:الْمُشَابَهَة وَالْمُشَاكَلَة فِي الْأُمُور الظَّاهِرَة تُوجِب مُشَابَهَة وَمُشَاكَلَة فِي الْأُمُور الْبَاطِنَة,وَالْمُشَابَهَة فِي الْهُدْي الظَّاهِر تُوجِب مُنَاسَبَة وَائْتِلَافًا وَإِنْ بَعُدَ الزَّمَان وَالْمَكَان,وَهَذَا أَمْر مَحْسُوس,فَمُرَافَقَتهمْ وَمُسَاكَنَتهمْ وَلَوْ قَلِيلًا سَبَب لِنَوْعٍ مَا مِنْ اِنْتِسَاب أَخْلَاقهمْ الَّتِي هِيَ مَلْعُونَة,وَمَا كَانَ مَظِنَّة لِفَسَادٍ خَفِيّ غَيْر مُنْضَبِط عُلِّقَ الْحُكْم بِهِ وَأُدِيرَ التَّحْرِيم عَلَيْهِ,فَمُسَاكَنَتهمْ فِي الظَّاهِر سَبَب وَمَظِنَّة لِمُشَابَهَتِهِمْ فِي الْأَخْلَاق وَالْأَفْعَال الْمَذْمُومَة بَلْ فِي نَفْس الِاعْتِقَادَات,فَيَصِير مُسَاكِن الْكَافِر مِثْله وَأَيْضًا الْمُشَارَكَة فِي الظَّاهِر تُورِث نَوْع مَوَدَّة وَمَحَبَّة وَمُوَالَاة فِي الْبَاطِن,كَمَا أَنَّ الْمَحَبَّة فِي الْبَاطِن تُورِث الْمُشَابَهَة فِي الظَّاهِر,وَهَذَا مِمَّا يَشْهَد بِهِ الْحَسَن,فَإِنَّ الرَّجُلَيْنِ إِذَا كَانَا مِنْ بَلَد وَاجْتَمَعَا فِي دَار غُرْبَة كَانَ بَيْنهمَا مِنْ الْمَوَدَّة وَالِائْتِلَاف أَمْر عَظِيم بِمُوجِبِ الطَّبْع.وَإِذَا كَانَتْ الْمُشَابَهَة فِي أُمُور دُنْيَوِيَّة تُورِث الْمَحَبَّة وَالْمُوَالَاة فَكَيْف بِالْمُشَابَهَةِ فِي الْأُمُور الدِّينِيَّة,فَالْمُوَالَاة لِلْمُشْرِكِينَ تُنَافِي الْإِيمَان{وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}اِنْتَهَى كَلَامه.)(10)،والذي يسافر إلى ديار الكفر قد يأكل من لحم الخنزير أو الميتة وغالب لحومهم اليوم من الميتة أما بالصعق الكهربائي أو غيره أو قد يجلس على موائد تدار عليها الخمور،أو قد يتلوث أهله وأولاده بما في تلك البلاد من الفسق والفجور أيها الأحبة في الله وكم من قوم سافروا إلى بلاد إسلامية جاهر أهلها بمعصية الجبار فنزلت عقوبة الله(5/263)
بهم وهم بين أظهرهم حيث زلزت الأرض من تحتهم فتهدمت بيوتهم عليهم ومات من مات ثم يبعثوا على نياتهم فما يعرض المرء العاقل نفسه وأهله لمثل ذلك . أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:{..وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا}(11)
الخطبة الثانية
الحمد لله الذي جعل السعادة والهناء في الدنيا والآخرة لمن تمسك بهدى الدين،وجعل الشقاء والتعاسة للمعرضين المعاندين أحمده سبحانه وأشكره أن جعلنا بفضله وكرمه من عباده المسلمين،وأسأله سبحانه أن يبلغنا درجة المتقين وأن يجعلنا من جنده المخلصين وأن يرزقنا الفقه والبصيرة في الدين .أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له يقبل توبة التائبين ويغفر ذنوب المذنبين،وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمي الأمين ، إمام المتقين وقدوة الناس أجمعين فصلى الله عليه وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:فإني أوجه خطابي إلى الزوجة التي تدفع زوجها إلى السفر دفعاً فأقول لها أما تخشين أن يرى زوجك هناك في أجساد النساء شبه العارية جمالاً لا يرى جزء منه عندك فيزدريك ويحتقرك وتكون شرارة لهدم بيتك أوقدتيها بيدك؟ أما تخشين أن يزين له الشيطان طريق المخدرات فتعودين بزوج مدمن يجعل حياتك جحيماً؟ ونفس المقولة أقولها للرجل فالمرأة كالرجل تفتن كما يفتن ولنا في قصة امرأة العزيز عبرة فنقول له أما تخشى أن تفتن زوجتك برجال ذلك البلد فتتحول محبتها لك كراهية ويترجم ذلك في صورة المشاكل لأتفه الأسباب؟ أيها الأحبة في الله إن العاقل البصير لا يدع بلداً أساسها الأمن والأمان ليذهب إلى بلدٍ أساسها الخوف والجريمة،لا يترك بلداً يأمن فيها بإذن الله وفضله على عرضه وماله إن تركه إلى بلد لا يأمن فيها ذلك،إن الشريف العفيف لا يرضى أن يترك بلداً ظاهرها العفة والطهارة إلى بلدٍ نشرت فيها رايات الرذيلة،لأنه يعلم أن الجو الموبوء مظنة العدوى . أيها الأحبة في الله إن حكومة هذه البلاد قد وفقها الله فيسرت لمن أراد الراحة والمتعة الأماكن المناسبة لذلك،كما أن الله قد حبا هذه البلاد أماكن عديدة تناسب قضاء الإجازات،حتى غدا الناس يقصدونها من الخارج،فمن مدينة رسول الله r ومسجدها ومآثرها التاريخية التي ينبغي أن نطلع أبناءنا عليها ليعيشوا السيرة النبوية المطهرة وكأنها حية أمام أعينهم،إلى جبال الجنوب ومناظرها الخلابة،وطبيعتها الساحرة، ونسمة هوائها العليل.أخي الحبيب اعلم أن كل قرشٍ تنفقه في بلادك سوف يعود بالخير عليك بإذن الله ولو بشكل غير مباشر،وفيه قوة لاقتصاد بلادك،وكل قرش تنفقه في بلاد أجنبية سيكون قوة لها وإضعافاً لاقتصاد بلادك فما بالك إن كانت تلك البلاد تعادي الإسلام وأهله؟.هي دعوة أيها الأحبة في الله إلى أن نقضي الإجازة في ربوع بلادنا،وعلى أن نؤدب أنفسنا وأولادنا بآداب الإسلام أثناء ذلك فلا يترك الأب أبناءه المراهقين يزعجون نساء الغير،كما لا يترك الأب بناته يتبرجن وكأنه جاء بهنَّ لعرضهنَّ للنظر.
---------------------
([1]) سنن الترمذي ، كتاب البر والصلة،حديث(1910).(2)أبو داود، كتاب الزكاة،حديث(1442).(3)الفتاوى،ج28،ص28.(4)الترمذي،كتاب صفة القيامة،حديث(2341).(5)مسند أحمد،حديث(14016) (6و7)الترمذي،كتاب السير،حديث(1530).(8)تحفة الأحوذي،شرح الحديث السابق.(9)سنن أبي داود،كتاب الجهاد،حديث(2405).(10)عون المعبود،شرح الحديث السابق.(11)الفتح:17.
==============
المقاومة الإسلامية في العراق من يحصد ثمارها ؟
محمد جلال القصاص
ليست المقاومة العراقية ولا الأفغانية ولا الشيشانية هي الأولى التي يقوم بها شعب ضد من يتعدى على أرضه وعرضه ويدنس مقدساته ؛ بل هي أمر فطري فطر الله عليه الناس من يوم كانوا ، وما استكان شعب إلا حين يؤمن بمعتقدات الغير كما حدث مع الفتوحات الإسلامية . فالمقاومة إذا أمر فطري ، بَيّدَ أنها تُوجه ... يَدٌ تزرعها وأخرى تحصدها .
وفي مقالي هذا ـ بحول الله وقوته ـ أحاول من خلال تتبع بعض حركات المقاومة في التاريخ وكيف كان مصيرها استخلاص بعض الدروس التي ربما يستفيد منها أهل الجهاد في العراق . وأبدأ ـ مستعينا بالله ـ بهذا النموذج .
نهضة محمد علي باشا في مصر .(5/264)
قبل مجيء الحملة الفرنسية على مصر ( 1798م ـ 1801م ) لم تكن الأمة متخلفة غافلة كما يُدندن بعض أدعياء الثقافة ، ولم تكن الأمة فقيرة إلى كل العوامل التي تساعدها على النهوض الذاتي لذا كان لابد من الاتصال بالغير والأخذ عنه كما يدعي جهلة المثقفين . أبدا لم يكن الأمر كذلك . فقد كانت هناك العديد من دعوات اليقظة التي كانت في الأمة قبل مجيء الحملات ( الاستعمارية ) الأوروبية عليها ، منها ـ على سبيل المثال ـ الدعوة السلفية على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في نجد ، والجهود التي قام بها عبد القادر عمر البغدادي صاحب خزانة الأدب في العراق ، ومحمد عبد الرزاق الحسيني المشهور بـ ( المرتضى الزبيدي ) صاحب تاج العروس ، وكذا الإمام الشوكاني في اليمن ، وحسن إبراهيم الجبرتي ( الجبرتي الكبير ) في مصر والذي كانت له جهود ومخترعات في مجال الفلك والرياضيات وهو جد الجبرتي صاحب التاريخ[1] ؛ وما يعنيني هو أنه كانت هناك بوادر صحوة فكرية تسير في الاتجاه الصحيح قبل مجيء الحملة الفرنسية على مصر ، وكذا نمت صحوة في مجال آخر حين قدمت الحملة الفرنسية ، إذ أنه بعد أن هَزم الفرنسيون النظام المملوكي الحاكم في مصر ، قامت مقاومة شعبية تحت قيادة علماء الدين وفي إطار الجهاد الشرعي ضد العدو الكافر ، فقد استطاع ( الشعب المصري تحت قيادة علماء الدين أن يمارس جهادا مسلحا ناجحا ضد الحملة الفرنسية ( ا1798 ـ 1801 م ) وضد حملة فريزر الإنجليزية ( 1807م ) .... وفي مجال التصنيع كان ثُوَّار القاهرة في الثورة الثانية على الحملة الفرنسية كانوا قد استطاعوا تصنيع البارود والمدافع )[2] . فقد كان رفضا للمحتل كما هو الحاصل اليوم في العراق ، وكانت صحوة يقودها علماء الدين .. تنطلق من الأزهر وترفع شعار الجهاد ضد المحتل الكافر .
وماذا حدث لهذه الصحوة وتلك ؟
أحاطت بالفرنسيس المشاكل فجعلتهم يرحلون عن مصر . ولكنهم خلَّفوا ورائهم محمد علي باشا ، وسواء أكانوا هم الذين جاؤوا به عن طريق التوسط عند الخليفة العثماني كما تحكي بعض المصادر [3] أم أنهم فقط وقفوا بجواره وشجعوه بمدِّهِ بالخبراء ( كسُليمان باشا الفرنساوي مثلا ) الذين أسسوا له الأسطول وبنوا الجيش من جديد وأنشئوا له القناطر الخيرية لتنظيم الريّ في الدلتا لتكتمل صورة ( النهضة ) في عين الفلاحين من أبناء الشعب ، فهذا لا يعنيني هنا ، وإنما فقط يعنيني أن الصحوة التي كانت في الأمة يومها قَطف ثمارها العدو بأيدي ( أبناء ) هذه الأمة وانقلب على الشجرة فقطع فروعها وأنهك جذرها فلم يبقى منها إلا قليل توارى في الأرض ؛ وأصبحت طاقات الأمة المصرية الناهضة حربا على الخلافة الإسلامية وعلى الدعوة السلفية في الجزيرة العربية ، واستخدمت الموارد البشرية والمادية لتحيق حلم يرتبط بشخص محمد علي ويمهد لقدوم العدو مرة ثانية ، وحين كاد عمرو أن يشب عن الطوق ... حين أراد محمد علي أن يتطاول على أسياده الأوربيين ويهاجم إحدى الدول الصليبية ( اليونان ) تجمع له الأوربيون في معركة ( نافرين ) وأرجعوه ، وفي مرحلة أخرى ـ في عهد الخديوي إسماعيل ـ زجوا بجيش (الصحوة ) في غابات أفريقيا ـ الصومال وأثيوبيا ـ حتى ذهبت قواه وعاد هيكلا لا يقوى إلا على قمع المعترضين من أبناء الشعب [4].إلى هذا الحد انتهت الصحوة المصرية ضد العدو الصليبي الفرنسي يومها ؟
ولكن ما هو السبب الحقيقي ؟
أجيب إن شاء الله بعد عرض هذا النموذج :
في العقدين الخامس والسادس من القرن الميلادي المنصرم كانت الأمة الإسلامية تعيش حالة من الغليان على الغرب كلِه ، وقامت حركات مسلحة تقاتل عن أرضها ودينها وحركات دعوية تريد إعادة الخلافة وتوحيد الكلمة وحركات سياسية مُغرضة ومخلصة تسير في نفس الاتجاه ؛ وكانت الصبغة الغالبة هي الصبغة الدينية ، والمطالب الأولى هي مطالب شرعية ، كان هذا في مصر ( حركة الإخوان المسلمون وخروج الثورات من الأزهر ) وفي الجزيرة العربية قامت صحوة ـ إن صح التعبير ـ من أجل لمّ الشمل تحت راية التوحيد ، وفي الجزائر ( الثورة الإسلامية ـ المليون شهيد ) وفي ليبيا كان عمر المختار ورفاقه يرفعون راية الجهاد ، ولم تخلو الشام ولا العراق ، والمهم أن الأمة كلها باختلاف شرائحها من عوام ومثقفين كانت ثائرة تريد طرد المحتل وإقامة شرع الله في الجملة .
فماذا حدث ؟
العكس تماما ... ما حدث كان على العكس تماما مما كانت تطالب به الأمة .
أُنشِأت الجامعة العربية كبديل للجامعة الإسلامية التي ربما لو تكونت لأعادت الخلافة الإسلامية أو حافظت على هوية الأمة على الأقل ، ثم بعد حين أصبحت الجامعة العربية شكلية لم تقدم أي شيء سوى أنها استوعبت حماس الأمة وكانت حلا مرحليا لمطالبة الشعوب بالوحدة ، وفي الأخير صارت إلى ما هي عليه اليوم .(5/265)
انتهى أمر هذه الصحوة بالعلمانية ـ فصل الدين عن الحياة ـ ... بكلمات أُخر : قَطَفَ ثمار هذه الصحوة العلمانيون ، وحدث ما لا يخفى من ابتلاء لقطاع عريض من الصحوة الإسلامية . فثمار هذه الصحوة ـ في العقدين الرابع والخامس من القرن العشرين ـ وضعت في سلّة العدو بيد ( أبناء ) الأمة ، فلم تعد الخلافة الإسلامية ، ولم تتحرر فلسطين بل لم تحافظ على هويتها الإسلامية ، ولم يُطبق شرع الله كما كانت تنادي الصحوة في كثير من البلدان التي قامت فيها . وخرجت الصحوة من المحنة فصائل بطيئة الحركة تتعثر في سيرها ... كلما نهضت من كبوة وقعت مرَّة أخرى ، فمن التعصب للجماعات إلى التعصب للأفراد ... ولا أريد الاسترسال فقط أريد القول : إننا بصدد تكرار ما حدث.
. وحتى يتضح مرادي أجيب على السؤال الذي طرحته من قبل :
كيف ضاعت الثمار بهذه السهولة ؟
أو قل : لماذا اتجه محمد على نحو فرنسا ؟ ولماذا أثني ( الشيوخ ) على ديار الكفر أعني رفاعة الطهطاوي ومن معه ومن جاء بعده ممن ينتسبون إلى الإسلام ؟ ثم لماذا قبلت الجماهير ـ ولو بعد حين ـ ما طُرح عليها ؟
أهي العمالة ؟
وإن كانت فهي ـ أي العمالة ـ عَرَض وليست بالمرض .. ليست هي الداء الحقيقي .
الداء الحقيقي هو الخلل العقدي .... نعم . خلل عقدي عند النخبة المثقفة جعلها تنبهر بالغرب تريد محاكاته ، وخلل عقدي عند الشعوب جعلها تقبل ما يملي عليها . ولا تهب- في الغالب - إلا دفاعا عن لقمة عيشها لا دينها .
وهذه معادلة أطرحها ليستبين بها قولي .
قبل قيام الثورة في مصر عام 1952م كان جل الشعب مع التيار الإسلامي .. ( الإخوان يومئذ ) ، وبعد قيام الثورة كان الشعب كله مع العبد الخاسر الذي ما عبد الناصر ( عبد الناصر ) . ما الذي جعل الجماهير بالأمس هنا واليوم هناك ؟ .
لا شيء سوى الخلل العقدي .
لا شيء سوى جرثومة الإرجاء التي أصابت الدين في القلوب فخلفته شهادة باللسان وصلاة في المساجد وصوم في رمضان وحجا إن قدروا على ذلك .
وهو بأم عينه ـ الخلل العقدي ـ الذي جعلهم يقبلون حكم ( الثوار ) ( الأحرار ) .. ( العرب الأمجاد ) وهم يحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم الله .. وهم يعذبون أولياء الله .. وهم يسخرون من سنة الحبيب ـ بأبي هو وأمي وأهلي وابني صلى الله عليه وسلم - بأوقع الألفاظ حتى قال سفيههم : لن نعود إلى عهد البغال والحمير .
هو بعينه ـ الخلل العقدي ـ الذي غيّم على العيون فجعلها لا ترى إلا ما يكتب في الهوية من ديانة .
وهو بعينه ـ الخلل العقدي ـ الذي جعل الحكام ـ إن كانوا صادقين في أنهم يريدون الخير لشعوبهم ـ يسيرون وراء الكفر وأهله .
ببساطة : الإرجاء العقدي عند الشعوب هو السبب في تقبل العلمانية ؟ .
حين عرفوا أن الدين صلاة وصيام وحج ونطق بالشهادة نظروا إلى مطالب الصحوة من إقامة سلطان الله في الأرض على أنه أمر ذائد . وأن قضية الصحوة مع العلمانية قضية من يحكم ـ كأفراد ـ ؟ وليس قضية إيمان وكفر ـ أكبر أو أصغر ـ .
هذا هو السبب ببساطة .
الحال هو الحال !
المقاومة العراقية تمثل حالة من الرفض لدى الشعوب ، وهي قابلة للتكرار إن توجه الأمريكان إلى قطر آخر ـ والله أسال أن يقصم ظهورهم في العراق ولا يخرجون منها بعافية ـ ولكنها إلى الآن لم تُوجهه . ويمكن أن تُسيس أو يغير مصيرها تماما كما حدث مع المصرين بعد رحيل الفرنسيين وكما حدث مع صحوة الأمة قبل حقبة الثورات في القرن الماضي كما قدمت ، ونستفيق وقد دخلنا في دوامة تذهب بجهد السابقين ويجلد فيها ظهور الحاضرين . وتكون عبئا على القادمين .والعياذ بالله .
أيها السادة !
ما أراه هو أن : الزمان قد دار دورة وها نحن نشهد نهاية مرحلة وبداية مرحلة أخرى ... فَشَلَتْ القومية العربية كطرح فكري وكتطبيق عملي ... وملّتها الجماهير ، ولا بد من البديل ، وقد جاءت الموجة الجديدة من الحروب الصليبية ... أو خَفِفْ اللفظ وقل : موجة جديدة من الحملات ( الاستعمارية ) ـ ولا فرق بينهما عندي ـ لتدشين مرحلة جديدة يمكن تسميتها بمرحلة العملاء ... فبالأمس قرضاي واليوم علاوي عميل المخابرات الأمريكية ومحمود عباس الذي رضي عنه كبير المغضوب عليهم ( شارون ) وكبير الضالين ( بوش ) ... وكثير من الباقين لا يحتاجون إلى تغيير ... وليس فقط في مجال الحكم بل في المجال الديني وفي مجال التعليم .. فانظر إلى علماء الدين (الرسميين ) ـ أتكلم عن الغالبية في الدول الديمقراطية ـ وانظر إلى القائمين على ( تطوير ) التعليم في العالم الإسلامي . أليس الكل يشترك في رفض ( الإرهاب ) ؟ والرغبة الجادة في ( تحسين ) صورة الإسلام عن طريق إعادة قراءته بصيغة يتفهمها أو يقبلها أبناء العم سام ومن وراءهم ؟! .
فيمكن أن ترحل أمريكا وتخلف وراءها عملاها . وهذا غالب الظن . ستختفي من الصورة ـ وإن بقيت على الأرض ـ ويتولى حلفاءها قتال المجاهدين وهنا ستختلط الرايات ثانية ، والعامة تُؤتى من أذنها ، وهي ـ العامّة ـ مع من يأتيها برزقها ، وأروني يوما صوَّتت فيه الجماهير لصاح الحرب .(5/266)
والمقصود هو الخوف من أن تنطفئ جذوة الصحوة ويذهب ثمارها بعد الرحيل الصوري للقوات الأمريكية المحتلة [5]وظهور حكومة ( وطنية خالصة ) ليس فيها أحد من بني الأصفر .وتصبح المقاومة بين مطرق جيش الحكومة العميل وسندان الشعب ، وفي أرضٍ كالعراق ليس فيها جبال مَنِيعة كأفغانستان تصعب عملية المقاومة جدا بل تكاد تكون مستحيلة .
فقبل أن يقطف العدو ثمار المقاومة الإسلامية في العراق بيد إخوانه من بني جلدتنا . علينا أن نتحرك للحيلولة دون ذلك . وهذه بعض المقترحات تحت العناوين التالية :
1ـ البلاء عام
الحملة الصليبية الجديدة تتميز بأنها متعددة الأهداف .. متشعبة متغلغلة في كل مناحي الحياة الفكرية والثقافية والاقتصادية والعسكرية . وفي ظني أن العولمة ـ بأبعادها الثلاث الثقافية الفكرية والعسكرية والاقتصادية ـ هي المسمى الحقيقي للحملة الصليبية الجديدة .فحين يتجرد الكلام من الدبلوماسية ، وترفع عن المتكلمين الأقنعة الزائفة تجد العولمة في بعدها الثقافي : دعوة كُفرية[6] تهدف إلى هدم ثوابتنا الإسلامية وإعادة قراءة الشريعة من جديد بلسان ( المتنورين ) من ( أبناء ) الأمة الإسلامية لصياغة ما أسموه بالإسلام المدني الديمقراطي .
وهي ـ العولمة ـ في بعدها الاقتصادي : هجمة شرسة يريد منها أصحاب رؤوس الأموال أن يأخذوا من فم الطبقة الكادحة في الشرق الأوسط ـ الدول العربية المسلمة ـ اللقمة التي يقتاتون بها ويصبح المالُ دُولَة بين الأغنياء منهم .
وهي ـ العولمة في بعدها العسكري ـ قوة واحدة في صورة تحالفات مشبوهة تريد السيطرة على العالم الإسلامي خاصة وغيره عامة .
هذه هي العولمة بدون مواربة ولا دغدغة في الكلام ... فكما ترى الجانبُ العسكري فرع منها . وهي تستهدف كل شيء على أرض المسلمين ... الناس والمال والقيم الدينية والخلقية .... كل شيء .
والعجيب أن الأمة تقف مشدوه كالأبله الأبكم العيي الذي لا يقدر على شيء وكل التصرفات خبط عشواء ... فردية ... خارج السيطرة أو في إطار الحزبية المبتدعة . وكما أن الأمة كلها مستهدفه فلابد أن تكون الأمة منوطة بالمواجهة والتصدي لهذا الغزو كل بما يستطيع . وإنني أرى المسئولية كلها تقع على ولاة الأمر ، وأزيد البيان تحت هذا العنوان .
2ـ متى تتحركون ؟
لا يجادلني أحدٌ في أن ولاة الأمر الذين عني الله في قوله : [ وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الخَوْفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ ]( النساء : 83 ) وقوله تعالى :[ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ]( النساء : 59 ) . هم الأمراء والعلماء .وإن دققتَ وجدتَ الأمر كله يرجع للعلماء فهم الذين يبُيَنِّونَ للأمراء ، وهم أهل الحلِّ والعقد الذين تنعقد بهم بيعة الأمراء ، و من العلماء تُعطى لغيرهم شرعية الخروج عليهم إن هم حادوا.
ومن عقود طويلة وأهل السلطان وأهل القرآن يتصارعان ( حتى حسم الطغاة في الأزمنة الأخيرة المعركة لصالح سلطان بلا قرآن ، ونصبت العلمانية خيامها الثقيلة الغليظة على جُل ربوع المسلمين ، تحادّ الدين في بلاده ، وتحارب التوحيد في مواطنه ، وتنفرد بالقيادة والريادة دون أهل العلم والعدل والعبادة ، وأصبحت ديكتاتورية لُكع ابن لُكع ، أو ديمقراطية الرويبضات التوافه ؛ هي صاحبة الحل والعقد واليد الطولى في التخطيط المتخبط ، والتصدي المرتجل المرتجف في مواجهة التحديات . . . إننا لو تأملنا عناصر القوة في هذه الأمة ؛ لوجدناها كلها تُفَرَّغ من مضمونها بذلك الفراغ القاتل في القيادة العلمية الموحِّدة لكلمتها ، والموجِّهة لسياستها ، والمنظِّمة لعلاقتها ، والدافِعة لقوتها في الدفاع أو الهجوم ؛ بحسب الضوابط المستمدة من شريعة الله .
إن غياب القيادة القائمة بهذه الشريعة على مستوى الأمة قد أبطل أثر هذه الشريعة في الارتفاع بأمتنا إلى العزة والتمكين ، فصارت الشريعة لا تحكم إلا بعض مظاهر الحياة الفردية للناس ؛ تماماً كما أرادت العلمانية بزعاماتها المزعومة ) [7](5/267)
ولعمر الله : لا بد لها ممن يجاهدون بسلاحهم تحت إمرة من يجاهدون بأقلامهم . واليوم الأمر معكوس قام المسلحون وقعد العلماء الربانيون عن توحيد الكلمة ـ فيما بينهم ـ والقيام بدور القيادة للأمة ... دور الأنبياء . فمتى يتحركون لسقيا هذه الشجرة التي نبتت في العراق وأفغانستان والشيشان وفلسطين والاعتناء بها حتى يطيب ثمرها وحمايتها كي لا يقطف العدو ثمارها ؟ ومَنْ ظن أنه في هذا الزمان يقوم بآداء واجب العلم الذي حمله الله إياه في قوله تعالى [ وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلاَ تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناًّ قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ ]( آل عمران : 187 ) وهو معافى في نفسه وأهله وماله فلا أظنه قد أصاب " يا بني أقم الصلاة وأمر بالمعروف وانهى عن المنكر واصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور [ لقمان : 17] .
3ـ لم هي عراقية ؟
وأيضا لم هي أفغانية ؟ ولم هي فلسطينية ؟ ولم هي شيشانية ؟ لم لا يقال المقاومة الإسلامية في العراق والمقاومة الإسلامية في فلسطين ... وهكذا؟ ؛ وبين الأسلوبين فرق كبير .
وأجد في نفسي حين أرى كثير من مشاهير المحللين الإسلاميين في المواقع الإسلامية على الشبكة العنكبوتية وفي الصحف والمجلات الإسلامية يتكلمون عن تحرير العراق ( الأرض ) وتحرير فلسطين (الأرض ) ... وكأنهم لا يعرفون أن ( راية الجهاد رفعت أساسا من أجل حفظ الدين " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنه ويكون الدين لله " أي " حتى لا يكون شرك ولا يعبد إلا الله وحده لا شريك له " ، فتحرير الأرض يكون من أجل منع فتنة الكفر والشرك عنها حتى لا يعبد فيها غير الله . ولو بقيت الأرض بعد ( استقلالها ) ( وتحريرها ) واقعة تحت هيمنة الكفر ولو كان محليا وطنيا , لما غير ذلك من أمر وجوب الجهاد شيئا . فالأمر إذا ليس إقامة سلطة محل سلطة وإنما ما هو السلطان الذي ستقيمه هذه السلطة ؟ أهو سلطان القرآن أم سلطان الشيطان ؟ !
وكذا تحرير الشعوب الإسلامية والمقدسات الإسلامية يكون لصد ضرر الكفر والشرك عنها . فغاية الجهاد واحدة في جوهرها : ـ أن لا تكون فتنة وأن يكون الدين ـ كل الدين ـ لله رب العالمين)[8] ولا أستطيع التوضيح أكثر من هذا .
وتغيير الخطاب إلى هذه الصورة يساعد على نضوج ثمرة المقاومة الإسلامية في العراق وغيرها وإبعاد اللصوص المتسلقين عن شجرتها ...لم لا تكون مفاصلة ـ ولو خطابية ـ والقوم اليوم قد أعلنوها مواجهة شاملة ورمونا عن قوس واحدة ؟
-------------------------------
[1] وفي كتاب ( الطريق إلى ثقافتنا ) للعلامة محمود محمد شاكر تفصيلٌ لذلك
[2] [ محمد مورو ـ المحايد العدد 107 ]
[3] في رسالة علمية ( ماجستير ) بعنوان الانحرافات العقدية والعملية في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجري . تعرض الكاتب فيها لهذه المرحلة الزمنية و واثبت بما لا يدع مجالا للشك أن محمد علي كان عميلا .
[4] المصدر السابق
[5] وهذا الاحتمال ـــ وهو الانسحاب الصوري ـــ وارد إذاتغيرت الإدارة الامريكية من جمهورية إلى ديمقراطية أو إذا ذاد الضرب على رأس بوش وجنده .
[6] كما يعرفها الدكتور عابد السفياني .. البيان عدد شوال 1422هـ
[7] دكتور عبد العزيز كامل من مقال ( تغير الخطط في مواجهة خطط التغيير )
[8] رسالة إلى طلائع الطائفة المنصورة ببيت المقدس واكناف بيت المقدس ملحق البيان العدد 200
===============
20 ضمانة لحماية جزيرة العرب (*)
كلما امتدّ رُواقُ الإسلامِ على أرضٍ ؛ فعُدَّها دار إسلام ، ومهما تعددت الولايات - العارضة -؛ فالجميع هو المملكة الإسلامية .
وعُدّ عاصمَتها جزيرةَ العرب ؛ لما لها من خصائصَ في الشرع تتميزُ بها ولا يُشاركها فيها غيرُها .
وَعُدَّ جميعَ المسلمينَ - مهما تعدّدت ديارُهم و ولاياتُهم - يكوِّنون الجامعةَ الإسلاميةَ . وعُدَّ عربَ الجزيرة فيها هم حُفّاظُ هذه الرابطة الدينية للجامعة الإسلامية ، وذلك لما لهم من خصالٍ وخصائصَ شريفةٍ لا يشاركُهم فيها غيرُهم .
وإذا كانت مدارجُ الشرفِ في الإسلام هي : الإسلامُ ، التقوى ، العلم ، النسب ، وكان أشرفُ الأنساب هو نسبُ العربِ وكان العربُ هم مادة الإسلام ؛ فعُدَّ عربَ الجزيرة هم صلبَ العربِ ، وهم مادةَ المسلمين بعد أن صفّاهم الله تعالى من نَتَنِ الجاهلية وغَلَيانِ العصبية القبلية ودعاوى الجاهليةِ ، فشرّفهم بالإسلام وحَطّمَ قيودَ الوثنية والنعراتِ القومية والسبلَ البعثية فلا وطنية ولا قومية لكنها الرابطة الإيمانية والأخوة الإسلامية ، وخاطبهم وغيرهم : " ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه " وحفظ لهم ميزاتِهم وسرَّ اختيارهم حَمَلَةَ الرسالةِ الأولين .(5/268)
إذا كان الحالُ كذلك ؛ فإن دارَ الإسلام أيّاً كانت وإن المسلمين أيّاً كانوا وفي الطليعة هذه الجزيرةُ وعربُها ؛ الكلُّ رأسُ مال تجب المحافظةُ عليه من التوى والضياع والفرقةِ والانقسام ، وتجب تربيته وتنميته واستصلاحُ أحوالهِ، وهذا أولى من مجاهدةِ الكفار لإدخالهم في الإسلام ؛ لأن استصلاح أحوال المسلمين وحفظَ بَيضَتِهم من باب المحافظة على رأس المال ، ومجاهدةُ الكافرين من باب طلبِ الربح .
وهل يَطلُبُ الربحَ من يفتقد رأسَ مالِه ؟! وهل يُوصَل إلى مجاهدةِ الكافرين والنصرةِ عليهم إلا بالمسلمين الذين يمثلون الطرازَ الأول السائرَ على منهاج النبوة .
وإذا كان الأمر كذلك ؛ فإن هذه الجزيرةَ من المنطقة الإسلامية " هي معقلُ الإسلام والمسلمين وعاصمته الخالدة وقلبُ العالم الإسلامي كمركزِ القلبِ في الجسم الإنساني ورأسِ مال المسلمين والخطِّ الأخيرِ في الدفاع عن الوجود الإسلامي " (1) .
وهذه الجزيرة (2)" في العالم الإسلامي ( بمثابةِ ) مركزِ القلب في الجسم الانساني الذي إذا عاش وقَوِيَ وأدّى رسالته في الجهاز الجسمي والنظامِ الحيويِّ الصحي ؛ عاش الجسم وقوي وإذا دَبَّ الوهنُ إلى هذا القلب أو اعتلَّ وتخلّى عن وظيفته ودورِه أسرعَ إليه الموتُ واستولت عليه الأمراضُ والعللُ وعجزَ الأطباءُ الحاذقون عن إعادة الحياة إليه بالطرق الصناعية .
وقد أشار إلى هذه الصلةِ الدقيقة العميقة بين القلب والجسد الحديثُ الصحيح المشهور الذي جاء فيه : " ألا إن في الجسد مضغةً إذا صَلَحت صَلَح الجسدُ كلُّه وإذا فسدت فَسَدَ الجسدُ كله ألا وهي القلب " .
وذلك لأن الحجازَ مَهبِطُ الوحي ومبعثُ الإسلام ومصدرُ الدعوة الإسلامية ومركزُ الإسلام الدائمُ وعاصمته الخالدةُ وهو البلدُ المثاليُّ والمقياسُ الصحيح الدائمُ للحياة الإسلامية وتعاليمِ الإسلام العالمية وصلاحيتِها للبقاءِ والتطبيق وظهورِ المجتمع الإسلامي في حيويته وأصالته وجماله وقوته فالرسالةُ الإسلامية مهما كانت عالميةً آفاقيةً لا بُدَّ لها من مركزٍ يُعَدُّ مقياسًا وميزانا لعمليّتِها وواقعيتها ، وأسوةً وقدوة لجميع المدن والقرى والمجتمعات التي تؤمن بهذه الرسالة وتحتضن هذه العقيدةَ والدعوة .
والإنسان مفطور على البحث عن المقياس الصحيح والبلدِ المثالي والموئِلِ الذي يأوي إليه والمصدرِ الذي يستمِدُّ منه القوةَ والثقة والحماسة والاندفاعَ ؛ سواءٌ في الأديان والشرائع والنظم والفلسفات والحضارات والمدنيات والآداب والعادات واللغات واللهجات والأناقةِ والثقافة وسلامةِ الذوق ورِقّة الشعور .
فكان لكل دينٍ مركزٌ يحتجُّ بعمله وأعرافه ، وكان لكل حضارةٍ بلدٌ مثالي أو عاصمةٌ أو قاعدةٌ يستدلُّ بأساليبِ الحياة فيها، والأنماطِ المدنية ، والمثلِ الاجتماعية في نواحيها، ولكلِّ لغةٍ و أدبٍ مركزٌ يستند إليه في معرفة الصحيح الفصيح من التعبير والبيان ، ومناهجِ اللغة والكلام ، والحكمِ على المفردات واللغات بالصحة والخطإ ، و لكلِ عصرٍ إقليمٌ وبلدٌ مثالي يتظرَّف الناسُ ويتنبَّلون بتقليد عاداته وتقاليده ، واتخاذِ مُثُله وقِيَمِه أمثلةً كاملةً للحياةِ الراقيةِ والأخلاقِ الفاضلة .
وقد عَقَد الله بين العرب والإسلام ، ثم بين الحجاز والأمة الإسلامية ، ثم بين الحرمينِ الشريفينِ وقلوبِ المسلمين للأبد، وربط مصيرَ أحدِهِما بالآخر .
وقد حَرَصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان في ذلك نبيا مُلهَما وحكيما كلَّ الحكمة - على بقاءِ هذا الرباط الوثيق المقدَّس بين جزيرة العرب والإسلام فضلا عن الحجاز والحرمين الشريفين ، وحَرَصَ على سلامة هذا المركز وهدوئِه وشدةِ تمسّكه بهذا الدين وعضِّهِ عليه بالنواجذ؛ لأن العاصمةَ يجبُ أن تكون بعيدةً عن كلِّ تشويشٍ وعن كل فوضى وعن كل صراعٍ عقائدي أو مبدئي ، فشَرَعَ لذلك أحكاما بعيدةَ النتائج واسعةَ المدى ، وأوصى لذلك وصايا دقيقةً حكيمةً ، وأخذ لذلك من أصحابه وأمَّتِه عهودًا ومواثيقَ .
وقد ذكرت عائشةُ أمُّ المؤمنين رضي الله عنها؛ قالت : كان آخرَ ما عَهِدَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم أن قال : " لا يُترك بجزيرة العرب دينان " (3) .
وعن رافعٍ أن النبي صلى الله عليه وسلم " أمَرَ ألانَدع في المدينة دينا غيرَ الإسلام إلا أُخرج ".
وعن جابر بن عبدالله قال : أخبرني عمرُ بنُ الخطاب أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " لأخرجنَّ اليهودَ والنصارى من جزيرة العرب حتى لا أدَعَ فيها إلا مسلمًا " (4) .
وأخذ بذلك الخلفاءُ الراشدونَ المهديُّون فكانوا ينظرون دائما إلى جزيرة العرب كمعقلٍ للإسلام ورأسِ مالِ الدعوة الإسلامية " انتهى .
لذلك ؛ فإن المُتعَيّن على أهل هذه الجزيرةِ ، وعلى من بسط اللهُ يده عليهم وعليها : المحافظةُ على هذه المَيِّزات والخصائصِ الشرعية ؛ليَظهر تميّزُها، وتبقى الجزيرةُ وأهلها مصدرَ الإشعاعِ لنور الإسلام على العالم .
وليُعلَم أنه كلما قَوِيَ هذا النورُ؛ امتدَّ هذا الإشعاعُ ، وكلما ضَعُفَ وتضاءَلَ في هذه الجزيرةِ وأهلِها؛ تقاصرَ .ولا حول ولا قوة إلا بالله .(5/269)
ثم اعلم أن هذه الضَّماناتِ منها ما هو عامٌّ لأهلِ الإسلام مهما كانت ديارهم ومهما تعدَّدَ جنسهم ، لكنها تتأكد في حقِّ أهل هذه الجزيرة ، ومنها ماهو خاص بها لموجبِ النصِّ .(5)
ثم منها ما هو متيسِّرٌ إعمالُهُ ومنها ما فيه نوعُ عُسرٍ ومشقَّةٍ لاختلالِ الأحوالِ ، لكن نذكره معذرةً أمامَ اللهِ وأمامَ التاريخِ والأجيالِ المتعاقبةِ - والله المستعان -.
وإليك بيان بعضٍ منها :
1. كما تكون المحافظةُ على الحدودِ المكانيَّةِ لأيِّ إقليمٍ ولائيٍّ ؛ فإن المحافظةَ على الحدود الشرعية والخصائص المرعيةِ وصيانتِها لهذه الجزيرة واجبةٌ كذلك على من بسط الله يده عليها .
وعليه ؛ فإن النتيجة من المحافظة على الحدود الإقليميّةِ الولائيّةِ معاقبةُ من ينتهكها ، فكذلك من باب أولى تجب معاقبة من ينال من حدودها وخصائصها وحرماتِها الشرعيةِ بما يلاقي انتهاكَه شرعا.
2. سلطان الحاكمية فيها لا يجوز أن يكون لغير دولة التوحيد ، ورايةِ التوحيد .
ومن عجائب المقدور ولطائفِ الحيِّ القيوم ، ولأمر خيرٍ يريده الله - وهو سبحانه أعلمُ بالأحوال - في هذه الأمة المرحومة إن شاء الله تعالى : صار العَلَم الولائيُّ في قلب هذه الجزيرة يحمل كلمةَ التوحيد ، وهكذا كان اللواءُ الأبيض للنبي صلى الله عليه وسلم مكتوبا عليه " لا إله إلا الله محمدٌ رسول الله " .
رواه أحمد والترمذي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما .(6)
ولهذا ؛ فإن الأعلامَ إن نُكِّسَت - ابتداعا- لموت العظماء ؛ فإن هذا هو العَلَمُ الوحيد الذي يكون تنكيسه من أشد مواطن الإثم والجُناح .
وبالجملة ؛ فلا تُساسُ الأمة بغير شرع الله الإسلام كما قال حسان رضي الله عنه :
وما الدين إلا أن تُقامَ شرائعٌ *** وتُؤمَنَ سُبلٌ بيننا وهِضابُ
واعلم أن أي شقاء في الأمة أو فسادٍ هو بسبب ما يُصَبُّ على الأمة من تحلِّلٍ وانحلال في إقامة الدين بين العباد .
3." اتخاذُ الحياةِ الإسلامية ؛ الحياة التي يرضاها اللهُ وينصُرُ عليها ، والحرصُ على إزالةِ جميعِ المنكرات وأسبابِ السخط ودواعي الخذلانِ والفشلِ في المجال الإداري والأخلاقِ الاجتماعية والفردية ، وتتبُّعُها تتبُّعا دقيقا، والحدُّ من الثراء الفاحش وتكدسِه في عددٍ محدود وطبقةٍ معينة ، وتقييدُ التجارةِ وحركةِ الاستيرادِ الحُرَّةِ على حساب أخلاقِ الشعب وفي مصلحةِ عددٍ محدودٍ جدا وطبقةٍ معينة ؛ فإن كل ذلك مما يمهِّد الأرض ويفتح الطريق للشيوعية المتطرِّفَة (7) ، والاشتراكيةِ المقَنَّعة . والحيلولة بقدر الإمكان وإلى أقصى الحدود؛ فإن ذلك مما يجحِفُ بالشعب ويجني على الأخلاق ويجعلُ الحسبةَ والأمرَ بالمعروف والنهيَ عن المنكر شبهَ مستحيلٍ، وقد نبَّه نابغةُ العرب وفيلسوف المؤَرِّخين العلامةُ ابنُ خَلدون على ضرره وسوءِ أثرِهِ في الحياة " انتهى مُلخَّصا (8).
4. إخضاعُ كلِّ ما يجري ويصدُرُ على أرض هذه الجزيرةِ من أنظمةٍ وأوامرَ وتعليماتٍ وقوانينَ لمقاصد الإسلام وللمقاصد التي بنيت لها هذه الكعبةُ المشرفةُ واختيرت لها هذه الأرض لتكون مركزا للإسلام ومصدر إشعاع عالميا وللحكمة التي نبه عليها القرآن بقوله : " ومن يرد فيه بإلحاد بظلم نذقه من عذاب أليم " .
5. إزالةُ التناقض بين إسلامية هذه الديار القائمةِ منذ فجر الرسالة وإلى يومنا هذا وبين كل ما ينافسها " في مجال الإعلام والتربية والمظاهرِ الاجتماعية واتجاهاتِ الشعب من اندفاعٍ مشهورٍ إلى الترفيه والتسلية والأغاني والملاهي والقَصَصِ المثيرة والبرامجِ المستوردة الرقيعة التي أفلت معها الزِّمامُ من يد المربّين والآباءِ والأساتذةِ والعلماء ، والتي لا يحتفظ معها أي شعب بالبقية الباقيةِ من الشعور الديني والحصانة الخُلُقية ولا يستعد للطوارئ والمفاجآت ولا يتحمل أقل صدمة أو خطر من الخارج " (9).
6. يجبُ على من بسط الله يده على أيٍّ من هذه الجزيرةِ منعُ سُكنى المشركينَ وإيوئهم ، وتطهيرُها منهم فضلا عن أن يكون لهم فيها أيُّ كيانٍ أو تملُّكٍ ، شائعًا أو مستقلا .
وإن وجد من له تملك فيها وجب على ولي الأمر بيعه لمسلم ولا يجوز إقراره عليه كما لو اشترى كافر مملوكا مسلما فإنه لا يجوز تملكه له ويجب تخليصه من ملكه : " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " فكذلك لا يجوز إقرار أرض من جزيرة العرب في ملك كافر (10).
وعليه ؛ فإن وجودَ أيِّ نظامِ يقضي بتملُّك الكافرِ في هذه الجزيرةِ يُعَدُّ من نواقضِ هذا الواجب ، فيجب إلغاء ما ينقضه .
أما وجودُ لَبِنَة على لَبنة لمعبد كافر : كنيسةٍ أو صومَعَةٍ أو بيتِ نارٍ.. وهكذا ؛ فهذا عينُ المبارزةِ والمحاربةِ لدينه وشرعه : الإسلامِ .
فلا يجوز أن يكون فيها محلُّ عبادةٍ إلا لمسجدٍ في الإسلام .
7. يجب على من ولاّهُ الله الأمرَ المنعُ الباتُّ من منح التجنُّسِ لأيِّ كافر أو مشرك لا يدين بالإسلام ، وتطهيرُها من التصرُّفات الجاهلية في ذلك .(5/270)
8. وإذا كانتِ العِلّةُ الشرعيةُ في إخراجِ المشركين من هذه الجزيرةِ ، وعدمِ الرضا بأي كيان لهم فيها ، هي : لتبقى هذه الديارُ ديارَ إسلامٍ ، وأهلُها مسلمين ، فتسلمُ قاعدةُ المسلمين ، ويسلم قادتُهم من أي تهويد أو تنصير ... فإن الحكمَ يدور مع علته .
وعليه ؛ فلا يُفيد هذا الحكمُ القصرَ على إخراج أجسادِ المشركين من هذه الجزيرة ، بل يرمي إلى ما هو أبعدُ من ذلك إلى العلة التي من أجلها وجب إخراجهم منها وحَرُمَت سُكناهم فيها .
ولذا؛ فيشمل هذا الحكمَ إخراجُ نفوذهم وتوجيههم وحضارتهم ودعوتهم وتياراتهم المعادية للإسلام وعن كل ما يهدّد أخلاقيات هذه البلاد وينال من كرامتها .
فاحتفِظ - حَفِظنا الله وإياك بالإسلام - بهذا المَدرَكِ الفقهي ، و أسِّس عليه ما تراه من الضمانات بعدُ .
9. وعليه ؛ إذا كانت الجزيرةُ وبخاصةٍ قلبَها تثير حساسية المسلمين عند أي هجمة شرسة عليها من استيلاء استعماري أو فرض منهج عقدي أو سلوكي علني فإن العِدا والمبطنين لها سلكوا مسلك الوأد الخفي لعصب الحياة في العالم الإسلامي على أرض الجزيرة : الإسلام صافيا على منهاج النبوة وذلك بتسرب موجات الغزو تحت شعار الحضارة وقناع العلم وتكثيف اجتماعات ولقاءات تكسر حاجز النفرة من الأهواء المضلة وتذوب صفاء الحياة وتكدر صفوها وتقودها إلى تراقي الاحتضار .
وعليه ؛ فيجب أن يُحسب لهذا كلُّ حساب ، فليُرفَض كلُّ سابلة تؤدي إلى هذا المضمار .
ومن ألأم هذه المسالك ما يعود به عدد من المبتعثين من شباب هذه الأمة إلى ديار الكفر إذ يعودون وهم يحملون تحللا عقديا رهيبا منضوين تحت لواء حزبي مارق وفي لحظات يمسكون بأعمال قيادية عن طريقها ينفِّذون مخططاتهم ويدعو بعضهم بعضا فيتداعون على صالحي الأمة وعلى صالح أعمالها وهذا أضرّ داء استشرى في هذه الجزيرة فهل من متيقظ ؟! وهل من مستبصر ؟!
أما فتح المدارس العالمية الأجنبية الاستعمارية فهي صعقة غضبية يتناثر الصبر دونها ، فحرام فتحها ، وحرام دخول أولاد المسلمين فيها، وقد أفردت بشأنها كتابا- والحمد لله رب العالمين - .
10. وعليه ؛ فتجب ملاحقة البدع ومحاصرتها في أمر كلي أو جزئي وإن دقّ وتنظيف الجزيرة منها .
فإنه " متى اغتذت القلوب بالبدع لم يبق فيها فضل للسنن ، فتكون بمنزلة من اغتذى بالطعام الخبيث " (11).
وإن وجد من يحمل حدثا وبدعة في الإسلام فتستصلح حاله أو يطرد من هذه الجزيرة وينفى عنها لأن الله إذا حرّم شيئا حرم الأسباب الموصلة إليه فقد حرم الشرع استيطان الكفار لهذه الجزيرة ، والأهواءُ المضلة سابقةُ الخروجِ من الملة ، والبدعُ بريدُ الكفر ، والمبتدعة خفراؤه ، فإذا تعذّر استصلاح حملة البدعة والنافخين في كيرها تعيّن نفيُهم حمايةً لحرمة قاعدة الإسلام وسَكَنَتها .
11. جزيرة العرب هي بارقة الأمل للمسلمين في نشر عقيدة التوحيد لأنها موئل جماعة المسلمين الأول وهي السُّور الحافظ حول الحرمين الشريفين فينبغي أن تكون كذلك أبدا فلا يسمح فيها بحال بقيام أي نشاط عقدي أو دعوي - مهما كان - تحت مظلة الإسلام ؛ مخالفا منهاج النبوة الذي قامت به جماعة المسلمين الأولى : صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وجدّده وأعلى مناره الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى .
فالجماعة واحدة : جماعة المسلمين تحت عَلَم التوحيد على طريق النبوة لا تتوازعُهم الفرق والأهواء ولا الجماعات والأحزاب .
وإن قبول أي دعوة تحت مظلة الإسلام تخالف ذلك هي وسيلةُ إجهازٍ على دعوة التوحيد وتفتيتٍ لجماعة المسلمين ، وإسقاطٍ لامتياز الدعوة ، وسقوطٍ لجماعتها ، وكسرٍ لحاجز النفرة من البدع والمبتدعين ، والفسق والفاسقين .
والجماعات إن استشرى تعددها في الجزيرة فهو خطر داهم يهدد واقعها ويهدم مستقبلها ويسلّم بيدها ملفَّ الاستعمار لها وبه تكون مجمّع صراع فكري وعقدي وسلوكي ينشأ عن ذلك (12) إسلامٌ إقليمي : فينشأ إسلام إيراني ، وإسلام تركي ، وإسلام هندي ، وإسلام أفغاني ، وإسلام أوروبي ، وإسلام أمريكي ويظهر في جانب من جوانب العالم الإسلامي الواسع تحريفٌ ديني أو مسخ للإسلام أو تنجح مؤامرة يحوكها رجل ذكي من أعداء الإسلام فلا تمكن مقاومتها والتغلب عليها وكان ذلك من حِكم مشروعية الحج وأسراره لأنه استعراضٌ عالميٌّ للأمم الإسلامية وطبقات الأمة المسلمة على صعيد واحد ووقت واحد في رحاب البيت الحرام الذي جعله الله ملتقى المسلمين وقياما للناس (13) .
ولما كانت الجزيرةُ والحجازُ معقلَ الإسلام ومبدأه ومنتهاه ، والموئلَ الذي يأوي إليه الإسلامُ والمسلمون في ساعات عصيبة وأزمات مختلفة وفي آخر الزمان وقد جاء في بعض الأحاديث مايدلّ على ذلك فعن عمرو بن عوف قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
" إن الدين ليأرِزُ إلى الحجاز كما تأرِز الحيةُ إلى جُحرها ، وليعقِلَنَّ الدينُ من الحجاز مَعقِلَ الأَروِيَة من رؤوس الجبال " (14).
وعن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الإسلام بدأ غريبا وسيعود كما بدأ، وهو يأرِزُ بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جُحرها " (15).(5/271)
وعن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " إن الإيمان ليأرِز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها " (16).
ولما كانت هذه الجزيرةُ وهذه البقاعُ المقدسة مصدرَ الإشعاعِ العالمي الإسلامي ، ومقياسَ قوةِ الإسلام وسلطانه ؛ كان علماء المسلمين وقادتهم - في كل زمن وبلد - شديدي الحساسية لما يقع فيها من حوادث ولما يجري فيها من تيارات دقيقي الحساب لمدى تمسكها بالتعاليم والآداب الإسلامية ومحافظتها على الروح الدينية والعاطفة الإسلامية كبيري الغيرة عليها وعلى قيادتها للعالم الإسلامي وقد تجلى ذلك في كتابات علماء الإسلام وأدبهم وشعرهم في أزمنة مختلفة وقد سار قول أشهر شعراء إيران وأدبائها: الشيخ مصلح الدين سعدي الشيرازي (المتوفى 691) مسير المثلِ :
" إذا بدأت طلائع الفساد والانحرافات من فناء الكعبة ورحاب البيت الحرام ؛ فعلى الإسلام والمسلمين السلام " .
وقد فزع الشاعر الفارسي المسمى بأبي المجد مجدودٍ الغزنوي المعروف بالحكيم السَّنَّائي (المتوفى 546) لحوادثَ جرت في عصره ولتسرُّب نفوذ بعض القوى المعادية للإسلام إلى جزيرة العرب وإلى البقاع المقدسة ومركز الإسلام فأشار إلى ذلك في قصيدة له وحَسَب له كلَّ حساب وحذّر العالمَ الإسلامي من سوء عاقبته وأثارَ غيرةَ أهلِ الحجاز وأبناءِ الجزيرة " انتهى .
فواجبٌ واللهِ تنظيفُ هذه الجزيرة من تلكم المناهج الفكرية المبتدعة والأهواء الضالة وأن تبقى عُنوانَ نُصرةٍ للكتاب والسنة والسيرِ على هدي سلف الأمة حربا للبدع والأهواء المُضِلّة .
12. وعليه ؛ فيجب تعميقُ الرابطة الدينية ثم يجب جَذمُ جُذورِ العصبية لغير الكتاب والسنة مهما ظهرت في أي مِسلاخ فهي عصبيات جاهلية مُنتِنَة تثيرُ الشغب وتشعلُ الفتن وتضرِمُ المشاكلَ وتزرعُ الإحنَ .
فواجبٌ محاصرتها وإطفاؤها وتحطيمُ جمعِها، سواءٌ أكانت عصبيةً قَبَليّة أم عصبيةً رياضية أو سواهُما من تلكم الموجات الكاسحة التي تبذل فيها جهود الشياطين حاملين جراثيم الهرج ركضا وراء السراب لنَقلَةِ شباب الأمة إلى آخر أشواط التخلف فيكونون هباء منثورا لا يقتلون صيدا ولا ينكؤون عدوا .
إنها قوة ما إن تفور إلا وتغور ، فإنا لله وإنا إليه راجعون .
13. يجب تعميق الوحدة الأخلاقية في قالب الإسلام لا غير فواجبٌ وقفُ مرحلة الإغارة على أخلاقيات هذه الجزيرة الإسلامية والانتقالِ منها إلى السلوكيات الغُثائية الوافدة في مجالات الحياة كافة وتحت إرخاء العَنان للترفّه والمد الحضاري الغُثائي الغربي ، والتهامِ اللذات والتسابق إلى عوامل الاسترخاء والتميّع والتفكيرِ المترهل والنَّهَم في جلب الكماليات والتسابُقِ إلى مظاهر البذخ حتى في اللباس للذكور والإناث كلُبس البنطال والقُبعة - الكبوس ، ويقال: البرنيطة - والألبسة الخالعة للنساء، وغيرها . فالله الله في لباسكم الإسلامي يا أهل الجزيرة .ومثل : المواقيت والمقاييس والموازين .. إلى آخر شهوةِ التشبّهِ بأعداء الله الكافرين .
وصدق النبي صلى الله عليه وسلم : " لتتبِعُنَّ سَنَنَ من كان قبلكم شبرا بشبرٍ وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جُحر ضب لتبعتموهم " (17).
وما هذا إلا لأن التشبه يفعل الأفاعيل فيُفقِدُ النفوسَ والبلادَ حُرمتها ومكانتها ويقطع صلتها عن الماضي ويشبه إلى حد بعيد (الميكروبات) فتلك تُمرض القلوب وهذه تُمرض الأبدان .
وإذا كانت الشريعة تنهى عن هذا عمومَ المسلمين ؛ فإن النهي يتأكد في حق أهل هذه الجزيرة .
وواجبٌ واللهِ بجانبِ وقفِ هذا المدِّ عنهم : ترميمُ ما فسد في هذه العصابة الكريمة وما داخَلَها من أخلاق وافدة غريبة عليها في دينها وعُنصُرِها .
ولا بدّ من دعوةٍ جَهيرة لصدّ هذه العوادي و الوِفاداتِ المفسدة لأخلاقيات هذه البلاد وكفّ الخطر المحيط بها، وإنشاءِ أهلِها خَلقا آخر على سَنَنِ الفطرة يمزقون بهَديِهِم وفِعالهم تلك الحملات الغُثائية وما ذلك على الله بعزيز .
14. التميُّز في عامة الهدي عملا وقدوة ودعوة على رسم الكتاب والسنة بلا مضاهاة ولا مشابهة ولا تَغَرُّب فإن الشريعة تنهى عن المضاهاة والتشبه بالمشركين والمنافقين وبالشياطين وبالأعاجم والمبتدعة وأهل الأهواء وبالنساء والمخنّثين .. ونحو ذلك من وجوه الانحراف القاضية على تميز الشخصية الإسلامية بأي نوع من أنواع الانحراف بما " قد يكون كفرا وقد يكون فسقا وقد يكون سيئة وقد يكون خطأ .
وهذا الانحراف أمرٌ تتقاضاه الطباع ويزينه الشيطان فلذلك أمِرَ العبدُ بدوام دعاء الله سبحانه بالهداية إلى الاستقامة التي لا يهودية فيها ولا نصرانية أصلا ".
وإن الشريعة تنهى عن التعرُّب ؛ بمعنى : الرجوعِ إلى البادية بعد الهجرة وبمعنى مشابهة الأعراب فيما يخالف هدي الإسلام ولو بالألفاظ ؛ كلفظ العَتمة : " لا تغلِبَنّكم الأعرابُ على اسم صلاتكم العتمة ؛ فإنما هي العشاء "(18) .وباديةُ كلِّ ديار بحسبها .(5/272)
وتنهى نهيًا بالغا عن ذينِكَ المتضادَّين : (الحمراءِ) من غير العرب ويقال : أهل التسوية وهم : " (الشعوبية) مذهب أراذل الموالي و(القومية العربية) مذهب أراذل النصارى الذين قامت ثقافتهم على تمجيد القومية العربية ثم تسرب رشحها إلى أفئدةِ مُنحلّةِ المسلمين .. " (19) .
إن الشريعة كما تزدحم نصوصُها وقواعدُها في رفض هذه العوامل المنحرفة ؛ فإنها ترسم للمسلم هديا سويا يرفض التبعية والمحاكاة والانحراف ودعت إلى (تعريب) الأمة فيما أقره الإسلام من فاضل أخلاق العرب وصفاتهم وسماتهم وذلك من طرق شتى :
أ . تعريب لسان الأمة من رطانة الأعاجم إلى شعار الإسلام ولغة القرآن لسان العرب ؛" لأن الدين فيه أقوال وأعمال ، ففقه العربية هو الطريق إلى فقه أقواله ، وفقه السنة هو الطريق إلى فقه أعماله " .
ب . تعريب أخلاقها وذلك بالمشابهة للسابقين من الصحابة رضي الله عنهم ومن تبعهم بإحسان .
وفي هذا نظر إلى فقه السلف حيث فضّلوا كثيرا من غير العرب على العرب لتعريب أخلاقهم ومشابهتها بأخلاق السلف الصالح .
قال الأصمعي رحمه الله تعالى (20) : " عَجَمُ أصبهانَ قُريشُ العجمِ ".
ولما ساق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى آثارا مهمة على هذا المنحى ؛ قال : " إن الأمة مُجمِعة على هذه القاعدة وهي : فضلُ طريقة العرب السابقين وأن الفاضلَ من تَبِعَهم " .
ج. تعريب اللباس الذي هدى إليه الإسلام ؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى (21) : " وقال الفقهاء من أصحاب الإمام أحمد وغيره منهم القاضي أبو يعلى وابن عقيل والشيخ أبو محمد عبد القادر الجيلي وغيرهم في أصناف اللباس وأقسامه : ومن اللباس المكروه ما خالف زِيَّ العرب وأشبه زي الأعاجم وعادتهم ، ولفظُ عبدالقادر : ويُكره كل ماخالف زِيَّ العرب وشابه زِي العجم " .
وفي كتاب أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه (22) : " وعليكم بالمَعَدِّيَّةِ وذروا التنعم وزي العجم " .
قال شيخ الإسلام رحمه الله تعالى : " وهذا ثابتٌ على شرط الصحيحين وفيه أن عمر رضي الله عنه أمر بالمعدِّية وهي زي بني معدّ بن عدنان وهم العرب فالمعدية نسبة إلى معدّ ونهى عن زي العجم وزي المشركين وهذا عام كما لا يخفى " .
فالزموا لباسكم يا أهل الجزيرة ، وذروا عنكم ظاهر الإثم وباطنه في لباس الكفار في القبعة والبنطال وما هذه الفتنة التي نشرت بين شَبَبَتِكم في لبس القبعة بعد عام 1411 ؛ إذ نثرت في الأسواق وعرضت بأرخص الأسعار، وتنافس في لبسها الأطفال والشباب ، وهي في حقيقتها شعار تعبدي للنصارى كالصليب والزنار ، فضلا عن أن تكون من التشبه بألبسة الكفار، فهي رمز تحول في الرجال كالمطالبة بخلع الحجاب رمز تحول في النساء .
وأقول : إن هذه " القبعة " التي راجت بين المراهقين والأطفال هي رمز علني للتحول فلا يجوز استيرادها ولا بيعها ولا لبسها ، ويجب منعها وواجب على ولي أمر الطفل والشاب منعه من لبسها فاتقوا الله في مواليدكم يا أهل الإسلام .
وقد أفردت رسالة بشأنها ؛ لخطرها . والله المستعان .
د. التاريخ الهجري : الزموا التاريخ الإسلامي " التاريخ الهجري " في جميع مواقيت عباداتكم ومعاملاتكم وشؤون حياتكم فهو شعار إسلامي ينادي على إسلامكم ولا ترضوا به بديلا ولا مساويا فإنه لمواقيتكم كشعار الأذان لصلاتكم ؛ ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما استشار أصحابه رضي الله عنهم ليجعل وسيلة إعلام ونداء للصلوات الخمس أشار بعضهم بضرب الناقوس وبعضهم بكذا .. فلم يرض النبي صلى الله عليه وسلم بشعارات الكفار حتى فرض الأذان في القصة المشهورة .
وكذلك الشأن في التاريخ ، فإن الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه استشار في ذلك فأشار بعضهم بتاريخ النصارى وبعضهم بكذا ..فلم يرض - رضي الله عنه - بشعارات الكفار حتى أشار علي بن أبي طالب رضي الله عنه باتخاذ الهجرة بداية للتاريخ فسُرَّ بذلك رضي الله عنه وأجمع عليه الصحابة رضي الله عنهم وجرى عليه عمل المسلمين .
15. وإذا كان الإسلام قد محا العصبية القبلية الممقوتة ؛ فإن المحافظة على سلاسل النسب مطلوبة والمحافظة عل نقاء النطف وأنسابها لا تعني العصبية بحال .
وعليه ؛ فينبغي سدّ منافذ التهجين لأول رائد للإسلام : العِرق العربي لتبقى سلاسل النسب صافية من الدَخَل وملامحُ العرب سالمةً من سُحنة العُلُوج والعَجَم صانها الله من تلكم الأذايا والبلايا .
واعتبار الكفاءة له آثار حسان في التربية وعزة الدار وقوام الأخلاق ومناهج الشرف .
" وأما التساهل في ذلك فله دَخَل عظيم في انحلال الأخلاق لأن للتزوج بمجهولات الأصول أو الأخلاق ، أو بسافلات الطباع والعادات ، أو بالغريبات جنسا مفاسدَ شتى لأن الرجل ينجرُّ طوعا أو كرها لأخلاق زوجته فإن كانت سافلة يتسفّل لا محالة وإن كانت غريبة يتبغّضُ في أهله وقومه وجرّته إلى موالاة قومها والتخلق بأخلاقهم حتى يكون أطوع لها من خلخالها .. " (23).
ولشاعر الحرم علي بن زين العابدين قصيدة معبرة في التحذير من الزواج بالأجنبيات ، منها :
العيون الزرق لا تعجبني *** إنني أهوى العيون العسلية(5/273)
يافتاة الغرب لا تندفعي *** إنني أهوى فتاتي العربية
دينها الإسلام قد هذبها *** وارتضاها عفة فضلى تقية
صاغها الله عفافا وتقى *** وانتقاها من خيار البشرية
حرة النفس منيعا عرضها *** سمحة الأخلاق من رجس نقية
الوفاء المحض من شيمتها *** والحياء الحق سيماها الجلية
رقة في حشمة في طاعة *** تلك والله صفات قدسية
لم تكن قبلي لغيري متعة *** لا ولن تغدو لغيري في العشية
16. لا تكون جزيرة العرب سردابا للمولّد وألسنة الأعجمين .
بما أن لسان أهل هذه الجزيرة هو لسان العرب وبه نزل القرآن فهو لغة الإسلام ومفتاح المكتبة الإسلامية فإنه لايجوز تهجين اللسان العربي ويجب تنشيط حركة التصحيح للسان العرب وأن يكون أهلها في منأى عن هجنة اللسان وأن تبقى عروبته كلمة باقية في أعقابهم ينشرون في العالم تعريب اللسان ولا يمتد إليهم تغريب له بحال .
واعتبر في الحال الحاضرة - على الرغم من لوثة العجمة وهجنة العامية - فإنه لم يزل عندهم بقية صالحة من السليقة العربية فإذا قرؤوا النص من كتاب أو سنة فهموا المعنى المراد باطمئنان بعيدين عن رسوم التدقيقات و الإشكالات التي تفسد المعنى ولا يشير إليها المبنى خلافا لغيرهم ممن خاضوا هذه المحالة فتشتّتت منهم الأذهان وعميت عليهم الأفهام . والله المستعان .
17. وبما أن الاسم عنوان المسمى وشعار يدعى به المرء في الآخرة والأولى والاسم كالثوب إن قصر شان وإن طال شان ونحن مأسورون في قالب الشرع المطهر ومن أبرز سماته أن لا يكون في الاسم تشبه بأعداء الله ولا متابعة للفساق فعلى المسلمين عامة وعلى أهل هذه الجزيرة بخاصة العناية في تسمية مواليدهم بما لا ينابذ الشرع فإذا أتى إليها الوافد أو خرج منها القاطن فلا يسمع الآخرون إلا عبدَالله وعبدَ الرحمن ومحمدا وأحمدَ وعائشةَ وفاطمةَ .. وهكذا في الأسماء الشرعية في ألوف مؤلفة زخرت بها كتب السير والتراجم .
أما تلك الأسماء لأمم الكفر : فكتوريا ، سوزان .. فليس لها عند أهل الإيمان نصيب ومثلها أسماء الفساق الأخرى التي ليس لها بهاء ولا لياقة .. وهكذا في سلسلة يطول ذكرها .
أقول : على أهل هذه الجزيرة أن يتقوا الله وأن يلتزموا بأدب الإسلام وسنة النبي صلى الله عليه وسلم وأن لا يؤذوا السمع والبصر في تلكم الأسماء المتخاذلة وإن التساهل في الأسماء كالتساهل في الأفعال كل منهما قبيح وعلى جهة الأحوال المدنية وضع الضوابط الشرعية لذلك .
18. هذه الجزيرة مضافة إلى أهلها : العرب والاعتبار لهم بالإسلام فلتبق للعرب والمسلمين نسبا ولسانا ودارا حتى لا تكون الإضافة شبه صورية وإنه لِعالي مكانتهم تعقد الآمال بناصيتهم .
والذي ينبغي أن تأتي وفود الإسلام إلى معقله جزيرة العرب حجاجا أو عمارا أو عاملين فيرتوون من التوحيد الصافي من أي شائبة ليعودوا إلى أهليهم من المسلمين : دعاة توحيد وبناة عقيدة .
19. ويجب أن يكون دور حرّاس الشريعة في هذه الجزيرة من منجزات الحضارة الحديثة في الطب والهندسة والاقتصاد .. هو دور الأصالة والتجديد لا دور التبعية الماسخة والوأد الخفي - بل والعلني - لمقومات البلاد الأساسية : الإسلام ، وخوض عجلة الحياة في الأوحال .
وعليه ؛ فبعثُ روح الاكتساب والعمل والجد والتحصيل والتخصص في هذه العلوم من أهم المهمات لبناء الحياة في هذه الجزيرة على يد أبنائها فهم أسلم لها وأصلح لحالها من الدخلاء عليها .
20. حمل أهلها على الحماس الديني والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتعميق التقوى والشوق إلى الترقي لحماية الشريعة .
ومن الأوليات : شكرُ هذه النعم ببسط لسان التذكير وقلم التدوين بما أفاء الله عليهم وأنعم من هذه الخصائص وأن من شكرها المحافظة عليها وحفظها وإعمال الحياة في قالبها وأن أي تشويش عليها خدش لها ونقص لشكرها وأخيرا غيابٌ لمزيةِ القدوة .
ومن لازم ذلك الإجهاز على أي عادة أعجمية أو عامل حضاري غُثائي وأن يبقى حق الامتياز في هذه الجزيرة إسلاميا محضا يرفض كل تقليد دامس ولايقبل يد أي لامس . والله الهادي إلى سواء السبيل .
بكر بن عبدالله أبو زيد
=========
الهوامش :
(*) فصل من كتاب خصائص جزيرة العرب للفضيلة الشيخ بكر بن عبدالله أبو زيد .
[1] رسالة أبي الحسن الندوي : " إلى أين تتجه الجزيرة العربية وإلى أي غاية تنتهي ؟ "
[2] " كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وجزيرة العرب " للندوي ص 3-5
[3] رواه أحمد وغيره . وفي الباب عن جماعة من الصحابة ، فانظر : سلسلة الأحاديث الصحيحة (924 و 1132 و 1133 و 1134 )
[4] رواه مسلم وأبو عبيد في الأموال
[5] انظر نقلا مهما عن الإمام الطبري - رحمه الله تعالى - في : " شرح البخاري " لابن بطال : (5/ 342-345).
[6] انظر التفصيل عن رايات النبي صلى الله عليه وسلم وألويته في " التراتيب الإدارية " (1/ 317-323) للكتاني ، وكتاب " العلم العثماني " لأحمد تيمور .
[7] وقد تحطمت الشيوعية اليوم بيد زعمائها ، وانهدمت بمعول ساستها ، فالحمد لله رب العالمين .
[8] الندوي ص 45 .
[9] " كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وجزيرة العرب " ص44-45(5/274)
[10] انظر : شرح البخاري لابن بطال : 5/345
[11] اقتضاء الصراط المستقيم ص281
[12] " كيف ينظر المسلمون إلى الحجاز وجزيرة العرب " ص8-10
[13] راجع باب : أسرار الحج في " حجة الله البالغة " للشيخ أحمد بن عبد الرحيم المعروف بولي الله الدهلوي .
[14] تقدم تخريجه
[15] رواه مسلم 146 ، وابن مندة في الإيمان 421 ، والبيهقي في الزهد الكبير 202.
وورد الحديث أيضا من طريق سعد بن أبي وقاص ، أخرجه أحمد 1/ 184 ، والبزار 3286 ، وابن مندة 424 ؛ بسند صحيح .
وفي الباب عن غيرهما بأسانيد فيها ضعف .
[16] تقدم تخريجه
[17] متفق عليه .
[18] رواه مسلم 644 ، وأبو داود 4984 ، والنسائي 1/270 . وانظر في كتب التفسير تفسير الآية 109 من سورة يوسف .
[19] " العرب والإسلام " للندوي ص8-11
[20] " اقتضاء الصراط المستقيم " ص207
[21] " اقتضاء الصراط المستقيم " ص137
[22] " اقتضاء الصراط المستقيم " ص125-129 ، وانظر شرحه في " الفروسية " لابن القيم رحمه الله . و "المعدية" : نسبة إلى معد بن عدنان .
[23] كتاب " أم القرى " ص180-181
==================
فمن أيّ المراتب أنت ؟
أبو مصعب
لماذا تفرح بالإجازة ؟
وبأي شيءٍ تنوي استغلالها ؟
هل لك برنامج معين في الإجازة ؟
إجابات هذه الأسئلة وغيرها تتفاوت وتتغاير بحسب توجه الشخص وميوله وطاقته وهمته ، (( وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا )) وكلّ إناءٍ بما فيه ينضح . فالناس في الإجازة على ثلاثة مراتب ، فمنهم الظالم لنفسه ومنهم المقتصد ومنهم السابق بالخيرات ،
فأما القسم الأول فنفوسهم إلى كلّ ما يُغضب الله منشرحة وإلى الطاعات والقربات متثاقلة يبارزون الله بشتى أنواع المعاصي ، منهم من قد أعدّ العدة وهبّ إلى ساحات الخنا والفسوق وإلى ديار الكفر والفجور ، ومنهم من تسكع بالشوارع والأسواق فجعل همّه وغايته أذية عباد الله وانتهاك أعراضهم ، جند بالنهار ركبان بالليل همم عالية وطموحات دونها الثريا ولكن ليست في مرضاة الله ولا في سبيله .
وأما القسم الثاني فهم الذين اكتفوا بالفرائض واجتنبوا كثيراً من المعاصي ، ليس لهم طموح ولا هدف واضح ولا همّة في الزيادة والاستزادة من نوافل العبادات والطاعات ، مكثرون من المباحات وقد يشتغلون بتوافه الأمور ، فالوقت والصحة لا يعنيان لهم شيئاً ويفرحون بالإجازة لأجل النوم والراحة والدعة .
وأما القسم الثالث فهم أعلى المراتب وأفضلها وأهلها من الأتقياء الأنقياء الأصفياء هم خاصة الله وأحباءه لا يرضون بالدنية ولا بالقليل من الأعمال همم تُناطح القمم عرفوا الوقت وثمّنوه فلكلّ دقيقة منه لها شأن عندهم ، استنشقوا بقلوبهم عبق سير أسلافهم فشحذوا بها الهمم وتنافسوا . فيا تُرى ما هي أحوال أسلافهم مع الوقت ؟ وكيف كانوا يقضونه ؟ وما هي نضرتهم للفراغ ؟
يقول ابن مسعود رضي الله عنه : إني لأكره أن أرى الرجل فارغا ، لا في عمل الدنيا ، ولا في عمل الآخرة .
كان ابن الجوزي رحمه الله من شدة حرصه على الوقت يجعل بريَ الأقلام في أوقات مجالسة من يزوره ، وقد أوصى يوماً ابنه فقال :واعلم يا بني أنّ الأيام تبسط ساعات ، والساعات تبسط أنفاساً ، وكل نَفَسٍ خِزانة ، فاحذر أن يذهب نَفَسٌ بغير شيء ، فتَرى في القيامةِ خزانةً فارغة فتندم .
والوقتُ أنفسُ ما عُنيتَ بحفظه *** وأراه أسهل ما عليك يضيعُ
قال الحسن البصري رحمه الله : أدركت أقواماً كانوا على أوقاتهم أشدّ منكم على دراهمكم ودنانيركم .
عامر بن عبد قيس - أحد التابعين - قال له رجل مرة : كلّمني . فقال له : أمسك الشمس ! وما ذلك إلا ليشعره بقيمة الوقت .
قال موسى بن إسماعيل : لو قلت لكم إني ما رأيت حماد بن سلمة ضاحكا قط صدقتكم ، كان مشغولا بنفسه ؛ إما أن يُحدِّث ، وإما أن يقرأ ، وإما أن يسبح ، وإما أن يصلي . كان قد قسم النهار على هذه الأعمال .
فماذا عسانا أن نقول نحن بعد هذا وفينا من يتفنّن في تضييع الأوقات بتوافه الأمور والأشياء ، بل وبما يُغضب الله ، والله يقول : (( فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ ))
قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره : أي إذا فرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها فانصب إلى العبادة وقم إليها نشيطا فارغ البال وأخلص لربك النية والرغبة .
وقال صلى الله عليه وسلم : ( نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس : الصحة ، والفراغ ) . رواه البخاري .
فهاهما النعمتان قد اجتمعتا في هذه الأيام عند الكثيرين ، فأروا الله يا عباد الله من أنفسكم خيراً ، واعلموا أنه سيأتي يوم يندم المُحسن على ساعةٍ لم يزدد فيها إحسانا ، هذا حال المُحسن في تفريطه لساعة فما ظنّك بحال من أمضى سنيناً يبارز الله بشتى أنواع المعاصي ، ( يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الإِنسَانُ وَأَنَّى لَهُ الذِّكْرَى * يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي ) ، فإلى متى التسويف يا هذا وماذا تنتظر إلا غناً مطغياً أو فقراً منسياً أو مرضاً مفسداً أو هرماً مفنداً أو موت مجهزاً أو الدجال فالدجال شرّ غائب يُنتظر أو الساعة والساعة أدهى وأمر .(5/275)
يا من يعد غداً لتوبته *** أعلى يقين من بلوغ غدِ ؟
المرء في زللٍ على أملٍ *** ومنية الإنسان بالرصدِ
أيام عمرك كلها عدد *** ولعلّ يومك آخر العددِ
==============
مكانة المرأة في الإسلام
الحمد لله حمدا كثيرا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى اللهم لك الحمد ملء السماوات والأرض فكل الحمد لك اللهم لك الشكر ملء السماوات والأرض فكل الشكر لك نحمدك على نعمة الإسلام والإيمان والقرآن ونحمدك على أن هديتنا للإسلام وجعلتنا من أمة خير الأنام صلوات الله وسلامه عليه نشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك وأن محمدا عبدك ورسولك صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان وسلم تسليما كثيرا السلام عليكم ورحمة الله وبركاته واسأل الله عز وجل أن يجعل هذه الدقائق في ميزان الحسنات في يوم تعز فيه الحسنات في يوم الحسرات وأن يجعل من تسبب في ذلك بشيء قليل أو كثير يجعل هذه في ميزانه وأن يجعلها له من الباقيات الصالحات هو ولي ذلك والقادر عليه أيتها الأخوات المؤمنات إدارة ومعلمات وطالبات ومنسوبات أوصيكن ونفسي بتقوى الله عز وجل وأن نقدم لأنفسنا أعمال تبيض وجوهنا يوم أن نلقى الله (يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم) (يوم تأتي كل نفس تجادل عن نفسها) (يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا) (يوم يبعثر ما في القبور ويحصل ما في الصدور) يوم تبلى السرائر وتنكشف الضمائر يوم الحاقة والطامة والقارعة والزلزلة والصاخة (يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه)
أيتها الأخوات من أنتن لولا الإسلام والإيمان والقرآن؟ أنتن بالإسلام وبالإيمان والقرآن شيء وبدونها والله لا شيء، ولعلكنَّ تُعِرنني أسماعكنَّ قليلا، لتعرفن تلك النعمة التي أنتنَّ تعِشْنَها في هذه الأيام، يوم تسمعْن لحال المرأة في عصور الجاهلية، وأنتنَّ تتبوأن نعمة الهداية. كيف كانت المرأة؟ كانت سلعة تُباع وتُشترى، يُتشاءم منها وتُزدرى، تُبَاع كالبهيمة والمتاع، تُكْرَه على الزواج والبِغَاء، تُورث ولا تَرث، تُملَك ولا تَمْلِك، للزوج حق التصرف في مالها -إن ملكت مالها- بدون إذنها، بل لقد أُخْتلِفَ فيها في بعض الجاهليات، هل هي إنسان ذو نفس وروح كالرجل أم لا؟ ويقرر أحد المجامع الروسية أنها حيوان نَجِس يجب عليه الخدمة فحسب، فهي ككلب عَقُور، تُمنَع من الضَّحِك -أيضا-؛ لأنها أحبولة شيطان، وتتعدد الجاهليات، والنهاية والنتيجة واحدة. جاهلية تبيح للوالد بيع ابنته، بل له حق قتلها ووأدها في مهدها، ثم لا قِصاص ولا قَصاص فيمن قتلها ولا دِيَة، إن بُشِّر بها ظلَّ وجهه مسودًا وهو كظيم، يتوارى من القوم من سوء ما بُشِّر به، أيُمْسِكَه على هونٍ، أم يدسُّه في التراب.
وعند اليهود إذا حاضت تكون نجسة، تنجس البيت، وكل ما تَمسُّه من طعام أو إنسان أو حيوان، وبعضهم يطردها من بيته؛ لأنها نجسة، فإذا تطهَّرت عادت لبيتها، وكان بعضهم ينصب لها خيمة عند بابه، ويضع أمامها خبزا وماء كالدابة، ويجعلها فيها حتى تطهر.
وعند الهنود الوثنيين عُبَّاد البقر يجب على كل زوجة يموت زوجها أن يُحرق جسدها حية على جسد زوجها المحروق.
وعند بعض النصارى أن المرأة ينبوع المعاصي، وأصل السيئات، وهي للرجل باب من أبواب جهنم، هذا كله قبل بعثة محمد -صلى الله عليه وسلم-.(5/276)
فهل أتاكنَّ أيتها المؤمنات المسلمات القانتات، بل هل أتاكنَّ يا بنات حواء في هذا العالم كله أنباء ما جاء به نبي الرحمة والهدى محمد -صلى الله عليه وسلم- من التعاليم في حقِّكنَّ فحمدتنَّ الله على ما تبوأتنَّ به من هذه النعمة. بعد تلك المهانة والذِلَّة، يأتي رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ليرفع مكانة المرأة، ليُعلي شأنها، فإذا به -صلى الله عليه وسلم- يبايع النساء بيعة مستقلة عن الرجال، وإذا بالآيات تتنزل، وإذا المرأة فيها إلى جانب الرجل تكُلَّف كما يُكَلَّف الرجل إلا فيما اختصت به. (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم من نفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (وَاللهُ جَعَلَ لَكُم منْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُم منْ أَزْوَاجِكُم بَنِينَ وَحَفَدَةً) (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) صفات صالحة في الرجال، ما ذكرها الله إلا وذكر في جانبها النساء، والصالحة كذلك. (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ)(الطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلْطَّيِّبَاتِ) (السَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ) (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي) وإذا برسول الله -صلى الله عليه وسلم- بعد مدة ليست باليسيرة يقول: "إنما النساء شقائق الرجال" وإذا به -صلى الله عليه وسلم- بعدها يقول في خطبته الشهيرة: "استوصوا بالنساء خيرًا فإنهن عندكم عَوَان "يعني أسيرات، ثم يقول -صلى الله عليه وسلم- رافعًا شأن المرأة، وشأن من اهتم بالمرأة على ضوابط الشرع: " خياركم خياركم لنسائهم، خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي" صلوات الله وسلامه عليه. يأتيه [ابن عاصم المنقري]؛ ليحدثه عن ضحاياه، وعن جهله المُطْبِق، ضحاياه المؤودات فيقول : لقد وأدت يا رسول الله اثنتي عشرة منهن، فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "من لا يَرحم لا يُرحم ،من كانت له أنثى فلم يَئدْها، ولم يُهِنْها، ولم يؤثر ولده عليها، أدخله الله -عز وجل وتعالى- بها الجنة ". ثم يقول -صلوات الله وسلامه عليه-: "من عَالَ جاريتيْن حتى تبلغا، جاء يوم القيامة أنا وهو كهاتين، وضمَّ بين أصابعه صلوات الله وسلامه عليه" ثم يقول -صلى الله عليه وسلم:" الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله، أو كالقائم لا يفتر، أو كالصائم لا يفطر" أو كما قال -صلى الله عليه وسلم-: أمٌّ مكرَّمَة مع الأب، أُمِرْنَا بحسن القول لهما (فَلاَ تَقُل لهما أُفٍّ) وحسن الرعاية (وَلاَ تَنْهَرْهُمَا) وحسن الاستماع إليهما والخطاب (وَقُل لَّهُمَا قَوْلاً كَرِيمًا) وحسن الدعاء لهما (وَقُل رّبّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبّيَانِي صَغِيرًا). أمٌّ مكرَّمة مقدَّمة على الأبِّ في البرِّ. "من أحق الناس بحسن صحابتي يا رسول الله؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أمك، قال: ثم من؟ قال: أبوك". يأتي [جاهمة] إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يريد الجهاد في سبيل الله من >اليمن<، قد قطع الوِهَاد والوِجَاد حتى وصل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: أردت يا رسول الله أن أغزو وجئت لأستشيرك، فقال -صلى الله عليه وسلم-": هل لك من أم؟ قال: نعم، قال: الْزمها؛ فإن الجنة عند رجليها " أو كما قال صلى الله عليه وسلم. بل أوصى -صلى الله عليه وسلم- بالأم وإن كانت غير مسلمة. فها هي [أسماء] تقول: "قدمت أمي عليَّ، وهي ما زالت مشركة، فاستفتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت: قدمت أمي وهي راغبة أَفأَصِلُها؟ قال: نعم -صلى الله عليه وسلم-، صِلي أمك".(5/277)
ليس هذا فحسب، بل أنزل الله فيكِ سورة كاملة باسم سورة النساء، وخصَّكِ بأحكام خاصة، وكرَّمك، وطهَّرك، واصطفاك، ورفع منزلتك، ووعظك، وذكَّرك، وجعلك راعية ومسؤولة، وأرجو من الله –عز وجل- أن تكوني كذلك، فالأمل –والله- فيكن –أيتها المؤمنات المتعلمات- كبير، والمسئولية –والله- عليكن عظيمة وجسيمة. راعيات في المدارس، راعيات في البيوت، فلتكنَّ قدوات، قدوات في المظاهر، وقدوات في المخابر، قدوات في القول، وفي العمل، وفي كل أمورِكن؛ فإن النبي –صلى الله عليه وسلم- الذي رفع شأنكن بهذا الدين يقول: "وما من راعٍ استرعاه الله رعية فضيَّعهم، أو بات غاشًا لهم إلا حرَّم الله عليه رائحة الجنة ". منذ بزوغ فجر الرسالة –يا أيتها المسلمة- والمرأة مُكرَّمة معزَّزة تقوم بدورها إلى جانب الرجل تؤازره، تشد من عزمه، تقوي همَّته، تناصره، تحفظه إن غاب، تسرُّهُ إذا حضر إليها، ثم تنال بعد ذلك نصيبها في شرف الدعوة إلى الله –عز وجل- . وتنال نصيبها من الإيذاء في سبيل الله. فها هي [سمية]، ما سمية؟! سمية أول شهيدة في الإسلام، وهاهو ابنها وزوجها يُعذَّبون، يُلبسون أذرع الحديد، ثم يُصهرون في الشمس، في رمضاء <مكة>، وما أدراكم ما تلك الرمضاء؟! ثم يمرُّ –صلى الله عليه وسلم- وهم يُعذَّبون بـ>الأبطح<، وهو في بداية دعوته لا يملك لنفسه شيئًا بل لا يملك ما يدفع به عنهم وعنها، فيقول: "اصبروا آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة" وذات يوم بالعشي يأتي [أبو جهل] إلى [سمية]، فيسبها، ويشتمها، ويتكلم بكل كلمة وَقِحَة ومهينة، وهي ثابتة بإيمانها، راسخة بيقينها، لا تلتفت إلى وقاحته، ولا تنظر إلى سفالته، وإنما رنت عينها مباشرة إلى جِنَانٍ ذاكية، وإلى منازل ذاكية، في دار النعيم والرِّضوان والتكريم، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها، نظرت إلى هناك ولم ترد عليه ليتقدم -أخزاه الله- إلى تلك العجوز الضعيفة الكبيرة فيطعنها بالحربة في موطن عِفَّتِها، لم يرحم ضعفها ولا عَجْزَهَا لتسقط؛ فتكون أول شهيدة في الإسلام، ثم يموت زوجها بعد ذلك بالعذاب فيحتسبها، ثم يحتسبه أبناء هذا الرجل، ويشاء الله أن يعيش ابنها [عمار] حتى يرى قاتل أمه يوم >بدر < مجدلاً على الأرض، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول له: " قتل الله قاتل أمك يا عمار، قتل الله قاتل أمك يا عمار".
أخواتي المؤمنات؛ ونَعِمَت المرأة في ظل الإسلام قرونًا، ولا زالت تنعم بذلك حتى جاءت جاهلية هذا القرن والذي قبله، فوأدت المرأة وأدًا معنويًا، أمثل خطرًا من وأد الجاهلية. فإن الموءودة في الجنة كما أخبر بذلك النبي –صلى الله عليه وسلم-.
أما موءودة هذا القرن فهي التي وأدت نفسها، وباعت عفَّتها، وأهدرت حياءها، لا تجد الجنة، ولا تجد ريحها، كاسية عارية، مائلة مُمِيلة، لا تجد عرف الجنة، وإن ريح الجنة ليوجد من مسافة كذا وكذا، أصغت بأذنها إلى الدعاة على أبواب جهنم، فقذفوها في جهنم، فشقيت وخسرت دنياها وأخراها، فهي تعض أصابع الندم هنا ويوم القيامة، نسأل الله –عز وجل- أن يتجاوز عنَّا، وعن العاصيات من أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-. يا أمَةَ الله تجيء جاهلية هذا القرن في صور متعددة؛ في صورة المشفق عليك، الضاحك ظاهرًا، وهو يريد قتلك باطنًا.
إذا رأيت نِيُوبَ اللَّيثِ بارزةً *** فلا تظنِّين أنَّ اللَّيث يبتسمُ
جاءت هذه الجاهلية في صورة المشفق عن طريق مجلة، أو عن طريق صفحة جريدة، أو أغنية فاجرة، أو مسلسلة، أو تمثيلية، أو جهاز استقبال، يريدون منكِ أن تكوني عاهرة، سافرة، فاجرة، يريدون أن تكوني بهيمة في مِسْلاخِ بشر. حاشاك يا ابنة الإسلام، ويا حفيدة [سمية] و[أسماء].
اسمعي لقائلهم سمع الكبار يوم يقول وهو أحد الكفار الذي يتربص بك وبأخواتك وبالمؤمنين الدوائر يقول: لا تستقيم حالة الشرق الإسلامي لنا حتى يُرفع الحجاب عن وجه المرأة، ويُغطَّى به القرآن، وحتى تؤتى الفواحش والمنكرات. وخاب وخَسِر.
ويقول الآخر: مزِّقيه مزِّقيه بلا ريث، فقد كان حارسًا كذابًا -يخاطب بذلك الحجاب-.
ويقول الآخر: إلى متى تحملين هذه الخيمة؟.
ويقول آخر: ينبغي أن تبحثي عن قائد يقودك إلى المدرسة والكليَّة .
ويقول آخر: لابد أن نجعل المرأة رسولاً لمبادئنا، ونخلِّصها من قيود الدين. خاب وخسر.
ويقول الآخر: إن الحجاب خاص بزوجات رسول الله –صلى الله عليه وسلم- .
فأين تنطلي مثل هذه الأمور؟ وأين هذا من القرآن؟ إنه لم يعرف القرآن، ولو عرف القرآن لقرأ قول الله في القرآن: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَآءِ الْمُؤْمِنِينَ)
ويقول أحدهم -وهو [قاسم أمين]، من الذين تأثروا بالغرب- يقول: إن الحجاب ضرر على المرأة؛ فهو معرقل لحياتها اليومية يضرب بالآيات عرض الحائط، ويحكِّم عقله، وينظر إلى الغرب الهائم. فعامله الله –عز وجل- بما يستحق.
وآخر يقول: كأس وغانية تفعلان في الأمة المحمدية مالا يفعله ألف مدفع؛ فأغرقوهم في الشهوات والملذَّات.(5/278)
كيف جاءت هذه الأمور؟ إنها لم تأتنا إلا من أعداء الإسلام، على طريقة من؟! على طريقة الذين رُبُّوا على أفكار أولئك.
يخرج [سعد زغلول] منفيًا مُرتبًا له من مصر إلى بريطانيا أيام الاحتلال، ليعود من هناك وهو بطل وزعيم وطني قومي، وقد رُتِّب له الأمر، فإذا بسرادق النساء في استقباله، وإذا بزوجته [صفية زغلول] –انتسبت إليه، ولا تنسب إلى أبيها على طريقة الغربيات الكابرات- تأتي معه على ظهر الباخرة، وتصل إلى هناك، ولمَّا وصلت إلى هناك، وجاءوا لاستقباله إذا الأمر مرتب، ينزل وينطلق مباشرة إلى سرادق النساء، إلى سرادق الحريم المحجبات فتقوم [هدى شعراوي] –عاملها الله بما يستحق- تقوم إليه محجبة، فينطلق إليها ليمد يده –وقد مدَّ اليهودي قبل ذلك يده فدفع ثمن ذلك نفسه- يمد يده إلى حجابها ويرفع ذلك، وهي تضحك وتصفِّق، ويضحك ويصفِّق، ثم يصفِّق النساء لِيُعْلِنَّ الرَّذيلة من ذلك اليوم، وليبدأنَ في تقليد الكافرات، هذا هو عمله، فماذا فعلت؟ التي قامت بالدور بعد ذلك [هدى] و[صفيَّة] ، انطلقا في مظاهرة ظاهرها وهدفها مناوأة الاحتلال الإنجليزي، وانطلقا إلى ميدان الإسماعيلية، ليقفا في ذلك الميدان محجبات سود كالغربان، كما أمر النبي –صلى الله عليه وسلم- ولكن لحاجة في نفسهن، رمين الحجاب ودُسْنَهُ بالأقدام، ثم أحرقْنَه في تلك الساحات، ليُعلنَّ التمرد على القيم والأخلاق الإسلامية، فماذا كان بعد ذلك؟! حصل في <مصر> ما حصل ، حصل فيها أن بدأ التغريب هناك على يد هؤلاء، وبين أيادي المؤمنات، وعلى مرأى المسلمين والمسلمات.
ماذا حصل؟! انطلقوا مباشرة، فإذا بالرجل ينطلق إلى جنب المرأة مباشرة، وإذا به يعمل معها، وإذا بها يخالطها في المدرسة تلميذًا ومعلِّمًا فيما بعد، وإذا بالأمور تنفرط، ليس هناك فتدب العدوى إلى بلاد عربية ، حتى يكاد لا يَسْلَم من ذلك بلد إلا من رحم الله، وقليل ما هم. وإذا بنا نئن ونشكو من اختلاط ، من رذيلة توأد، ومن طهر وعفاف يوأد، وإذا الفساد ينتشر، وإذا الداعية يطيح هنا وهناك، فإذا الآذان صُمَّت، واتجهت تقلِّد الغرب حتى في لباسها، قامت تقلدهم في الموضة والأزياء. جاءت هذه الصرعات فاستنفذت البيوت واستنفذت ميزانيات الأسر. حتى إنك لترى التي بلغت الخامسة عشر لا زال لباسها من فوق ركبتها، وتقول: لازلت صغيرة، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
وما –والله- ذكرت من هؤلاء سواءً [هدى] أو [قاسم] أو [زغلول] أو غيرهم من الدعاة هنا وهناك إلا نماذج للدعاة على أبواب جهنم الذين ألقوا بحجابهم، وداسوه بالأقدام إنما يتَحَدَّوْن مشاعر المسلمين، والذين يكتبون لتحرير المرأة، والذين وقفوا بذلك الميدان وسموه ميدان التحرير إنما هو التحرر من الفضيلة والخُلُق والطُّهر ولاشك، يكتبون، والله يكتب ما يُبيِّتون هم وأذنابهم إلى يوم يبعثون. (لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُم أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُم آذَانٌ لا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُ أُولَئِكَ هُمُ الغَافِلُونَ) (فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى القُلُوبُ التِي فِي الصُّدُورِ). أختي المؤمنة؛ هل لهؤلاء ومن على أدرابهم من الكُتَّاب والراقصات والعاهرات أهلٌ لأن يَكُنَّ قدوة للصالحات المؤمنات القانتات الصابرات الخاشعات ؟ نعوذ بالله من الانتكاس ، ونسأل الله الثبات حتى الممات . أنت الطهر ، وأنت الفضيلة ، وأنت السُّمُوُّ ، والطهر لا يقتدي بالرِّجس والمهين ، والفضيلة لا تقتدي بالرذيلة ، والسمو لا يقتدي بالسُّفْل . خابوا وخسروا وتعسوا وانتكسوا .
أغيظيهم وقولي بلسان حالك ومقالك:
دعهم يعضوا على صُمِّ الحَصَى كمدًا *** من مات من غيظه منهم له كفن
إن آمالنا في المسلمة المتعلِّمة والمعلِّمة أن تكون أقوى من التحدِّيات، آمالنا في المسلمة في كل مكان وآمالنا في المسلمة في هذه الجزيرة أن تكون أقوى من التحديات، تعتز بدينها، تتمسك بعقيدتها ومبادئها وأخلاقها، بل وتدعو إليها؛ فذلك من دينها.(5/279)
هاهو رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يخبر ليلة الإسراء أنه كما قال: "فلما كانت الليلة التي أُسْرِيَ بي أتت علىَّ رائحة طيِّبة ، فقلت: ما هذا الرائحة الطيبة يا جبريل؟ قال: هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها" أتدرون ما خبر هذه المرأة؟ وما خبر هذه الماشطة؟ اسمعنَ إليها؛ فلعل فيها ما يثبِّت المرأة أمام شهواتها، وأمام رغباتها، والترغيب والترهيب عمومًا. هذه كانت تمشط بنت فرعون، ذات يوم من الأيام، وبينما هي تمشِّط بنت فرعون –وهو الذي يقول: أنا ربكم الأعلى- وإذا بالمِدْرَى يسقط من يديها، -المشط أو المِفْرَق التي تفرق به الشعر يسقط من يديها-، ويوم سقط من يديها قالت: باسم الله –وقد كانت تخفي إيمانها قبل ذلك- فقالت بنت فرعون: أبي؟ قالت: باسم الله ربي، ورب أبيك، وربك رب العالمين جميعًا، فقالت: إذاً أخبره بذلك، قالت: افعلي، فذهبت وأخبرت أباها، فجاء في تكبُّره وتجبُّره، ووقف عندها، وقال: أو إنَّ لك ربًا غيري؟ أو إن لك ربًا غيري؟! قالت: ربي وربك ورب الجميع رب العالمين سبحانه وبحمده، فاغتاظ، وقال: أما أنت بمنتهية؟ قالت: لا، فقال: إذًا أعذب أو أقتل، قالت: (اقْضِ مَا أَنتَ قَاض إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاة الدُّنْيَا) فانطلق يعذِّبها، أوتد يديْها ورجليْها، وصنف عليها أنواع العذاب، فكانت تمزج حلاوة إيمانها بمرارة العذاب، فتطفو حلاوة الإيمان على مرارة العذاب، فتشتاق وتقول: إنما هي ساعات، وإلى جنات ونهر، في مقعد صدق عند مليك مقتدر. يرسل عليها العقارب لتلسعها علَّه أن يصل إلى قلبها، ثم يقول: أما أنت بمنتهية؟ فتقول: ربي وربك الله رب العالمين، فيعود ليرسل عليها الحيَّات لتنهشها، ثم يقول: أما أنت بمنتهية؟ فتقول: ربي وربك الله رب العالمين، ينوِّع عليها العذاب، ويصنف عليها ذلك، وهي راسخة بإيمانها وعقيدتها، قد علمت إنما هي سويعات، ثم تعود إلى الله –عز وجل- فماذا حصل؟ قال: إذاً أقتلك وأحرقك بالنَّار، قالت: (فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا) فأمر ببقرة من نحاس، قيل أنه قدِر على صورة بقرة، وقيل: إنها بقرة أُذِيبت، ثم جيء بها وبأولادها ليقفوا على طرف هذه النار، يقف على طرف هذه النار، ثم يأخذ واحدًا من أولادها، وقبل أن يأخذه قالت: لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قالت: أن تجمع عظامي مع عظام أولادي، ثم تدفننا في ثوب واحد، قال: ذلك لك علينا من الحق ، ثم رمى الولد الأول فوقفت ، فوقف أخوه الثاني وقال: اصبري يا أماه، فإن لك عند الله كذا وكذا إن صبرت، ثم رمى بالثاني، فقال الثالث: اصبري يا أماه؛ فإن لك عند الله كذا وكذا إن صبرت. ويرمي بهم واحداً بعد الآخر، وهي تقول: ربي وربك الله رب العالمين. لم يبقَ سوى طفل على ثديها رضيع لم ينطق بعد في شهوره الأولى، فما كان منها إلا أن ترددت أن تلقي بنفسها مع أولادها من أجل هذا الرضيع، ويشاء الله، فيطلق الثدي وينطقه الله الذي تعبده؛ ربها ورب كل شيء، فيقول: يا أماه اقتحمي؛ لَعذابُ الدنيا أهونُ من عذاب الآخرة، فتقتحم مع طفلها لتلقى الله- عز وجل-، راسخة ثابتة بإيمانها؛ فعليها رحمة الله ورضوانه. لم يقف الأمر عند ذلك، بل كانت [آسيا بنت مزاحم] زوج فرعون، والتي ربت [موسى] –صلوات الله وسلامه عليه- والتي قالت: (قُرَّتُ عَيْنٍ لي وَلَكَ لاَ تَقْتُلُوهُ عَسَى أَن يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا) كانت تراقب الموقف وهي مؤمنة، ولم تعلن إيمانها بعد؛ خوفًا من أن يفتنها عن دينها، ولما رأت من الماشطة ما رأت، فقوي في قلبها إيمانها، وتعلقت بربها؛ رب العالمين. فجاء إليها ليخبرها متبجحًا وقد علمت ما حصل، فقال: فعلت بالماشطة كذا وكذا، فقالت: الويل لك، ما أجرأك على الله! الويل لك ما أجرأك على الله! الويل لك، ما أجرأك على الله! قال: لقد اعتراك جنون الماشطة، قالت: بل آمَنْتُ بالله ربي ورب الماشطة، وربك رب العالمين. آمنت بالله رب العالمين، فذهب إلى والدتها، وقال: لأذيقنَّها ما ذاقته الماشطة أو لترجع، فجاءت أمها –برحمتها وشفقتها عليها- تعرض عليها أن تتنازل عن دينها –وهي إنما تتنازل عن الجنة التي عرضها السماوات والأرض- فماذا كان منها؟ قالت: يا أماه أما أن أكفر بالله، فوالله لا أكفر بالله، عندها بدأ في التعذيب، أوتد يديْها ورجليها، وعرَّضها لأشعة الشمس، ووكَّلَ من يعذبها يصنف عليها أنواع العذاب ويقول: أما أنت بمنتهية؟ فتقول: لن أنتهي حتى ألقى الله –أو كما قالت- فيأتي بعد ذلك، ويقول: لأرمينك بكذا وكذا من الصخور – يهدِّد – قالت: لا أرجع عن ذلك أبدًا، فماذا يحصل بعد ذلك؟ كان الذين يعذبونها في حرارة الشمس ينصرفون عنها ويذهبون بعيدًا عنها؟ فإذا ذهبوا، نزلت الملائكة لتظلَّها بأجنحتها، ثم يرجع إليها ويعرض عليها مرة أخرى، فترفض فيرمي بالصخرة عليها لتلقى الله –عز وجل- ثابتة بإيمانها. هذا خبر من قبلنا من الأمم.(5/280)
فما خبر من بعد البعثة؟ إن الخبر ليستلزم أن نقف عند [خديجة] –رضي الله عنها- تلك المؤمنة صاحبة الثراء، وصاحبة الجاه، وصاحبة المال، التي تزوجت رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وكانت أول مؤمنة به، وآزرته في محنته، وثبَّتته يوم خاف، ويوم عاصرت نزول القرآن من أول لحظاته، كانت أول مثبت للنبي –صلى الله عليه وسلم-، وهي التي جاء النبي –صلى الله عليه وسلم- منها الولد، وكان يذكر ذلك لها بعد موتها، رضي الله عنها، وصلى الله عليه وسلم. جاء إليها يومًا من الأيام، وهي تبكي بعد موت ابنها [القاسم]، فيقول: ما بك؟ قالت: دَرَّت لُبَينَة القاسم، فكان بودِّي لو عاش حتى يستكمل رضاعته، فقال –صلى الله عليه وسلم-: إن له في الجنة مرضعًا تستكمل له رضاعته، فهان عليها ما كان، ثم قامت معه حتى أنزل عليه الوحي، وجاء إليها يرتعش خائفًا مرتعدًا؛ لما رأى جبريل وهو يقول له: اقرأ، وهو يقول لها: زملوني ، دثِّروني، فيقول لها: والله يا خديجة لقد خشيت على نفسي، قالت: كلا والله لا يخزيك الله أبدًا؛ إنك لتحمل الكلَّ، وتُقْرِى الضَّيف، وتكسب المعدوم، وتعين على نوائب الحق. وقفت معه –صلى الله عليه وسلم- فقاسمته شدَّته ومحنته، وما تراجعت عن ذلك مع أنها صاحبة الجاه، وصاحبة السؤدد، وصاحبة المال، فزادت ذلك سؤددًا ومالاً وجاهًا يوم ارتقت لأن أفقد ولدي خير لي من أن أفقد حيائي وديني، إن الله خاطب رسوله فقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلاَبِيبِهِنَّ) ووالله ما أنا بخير منهن. فتخلقي بأخلاق أهل الإسلام، وارجعي إلى سِيَر هؤلاء الأعلام . وادعي إلى الله –عز وجل- فإنك مسؤولة عن علمك، ماذا عملت به أيتها المؤمنة فما عسى يكون الجواب؟ المرأة المسلمة على ثغرة عظيمة. فاللهَ اللهَ أن تؤتى البيوت من قِبَلِك. واللهَ اللهَ أن يؤتى الإسلام من قِبَلِك. واللهَ اللهَ أن يؤتى أبناء المسلمين من قبلك. هاهي مَثَل لك؛ لأن الخير يستمر في الأمة إلى قيام الساعة والأمثلة كثيرة في هذا العصر والذي قبله.
هاهي [بنان الطنطاوي]؛ ابنة الشيخ الوقور [على الطنطاوي] غفر الله لنا وله، وتجاوز عنا وعنه؛ زوجة [عصام العطار] علمت مسؤولية الزوجة في البيت، وآمنت بربها، ودعت بما تستطيع، وهيأت لذلك الداعية أن يدعو إلى الله –عز وجل-. انطلق يرد الناس من الضلالة إلى الهدى، ومن الغواية إلى الهدى والهداية، فأغاظ ذلك المنافقين، والذين يَشْرَقُونَ بالنور، والذين ما يعيشون إلا في الظلام، فما كان منهم إلا أن سجنوه في سجن من السجون، فأرسلت إليه رسالة، فما فحوى هذه الرسالة يا أيتها الداعية، يا أيتها المعلِّمة، يا أيتها المتعلِّمة؟ اسمعي إلى هذه الرسالة ماذا تقول لزوجها وهو في سجنه؟ تقول له: لا تحزن ولا تفكِّر فيَّ، ولا في أهلك، ولا في مالك، ولا في ولدك، ولكن فكِّر في دينك وواجبك ودعوتك؛ فإننا –والله- لا نطلب منك شيئًا يخصُّنا، وإنما نطلبك في الموقف السليم الكريم الذي يبيِّض وجهك، ويرضي ربك الكريم، يوم تقف بين يديْه حيثما كنت، وأينما كنت، أما نحن فالله معنا، ويكتب لنا الخير، وهو أعلم وأدرى سبحانه وأحكم.
انظر إلى هذه الكلمات، كيف وقفت معه وهو بعيد عنها، وقفت معه لأنها تعلم أنها على ثغرة وأنَّ ثغرةً ذهبت فسدَّت تلك الثغرة، ثم يشاء الله أن يخرج من ذلك السجن ليُشرَّد في ديار الغرب، وما أُخرج وما نُقِم منه إلا أن قال: ربي الله، واعتز بدينه ومبادئه، شُرِّد في بلاد الغرب ، ويبتليه الله –عز وجل- هناك أيضًا ليرفع درجته بإذن الله –عز وجل- ، ويوم ابتلاه الله –عز وجل- هناك بكونه يعيش بين الكفار، وكونه مشردًا عن أهله وغيرهم، يُبتلى بالشلل، يُشلُّ في ديار الغرب، لا أهل، ولا صاحب، ولا صديق، لكن له الله الذي أُخْرِج من أجله، وله الله الذي سُجِنَ من أجله، وله الله الذي دعا من أجله. فماذا فعلت هذه الزوجة؟ بعيدة عنه، بعيدة بجسمها لكن قلبها معه، وروحها معه، هدفها وهدفه واحد؛ وهو نشر دين الله، ولقاء الله، والتعامل مع الله –عز وجل-.(5/281)
كتبت إليه رسالة هناك وقالت: لا تحزن يا [عصام]، ولا تأس، يرفع الله من يبتليه، إن عجزت عن السير سرت بأقدامنا، وإن عجزت عن الكتابة كتبت بأيدينا، والله معك، الله الله معك ولن يَتِرَك، ولن يضيع لك ما أنت فيه. ثم تنطلق بعد ذلك لتلحق به في ديار الغرب إلى هناك، لا لتجلس بجانبه تندب حظَّها، ولا لتجلس بجانبه وتقول: جَنَت الدعوة عليه، لا ، وإنما لتجلس بجانبه هناك، لتأخذ أفكاره، وتأخذ علمه، فيكتب هو بيدها، ويسير بقدمها، فتنشئ مركزًا إسلاميًا في ديار الكفر، فلا إله إلا الله . كم من تائبة تابت على يديها هناك، وكم من ضالة كافرةٍ لا تعرف شيئًا إلا الحياة البهيمية ردها الله على يد [بنان الطنطاوي]، هناك مع زوجها تستشيره ليعطيها المعلومات، فتنطلق ويأبى أولئك الذين يَشْرَقُون بهذا الدين أن يروا للخير قولة أو جولة، ويأتي ثلاثة رجال يبحثون عن ذلك المشلول في تلك البلاد، وما وجدوه إلا أن دلُّوا على شقته، فجاءوا فاقتحموها، وتقدموا على هذه الداعية المسكينة -امرأة في بيت غربة، وبعيدة، لكن معها الله الذي قدمت نفسها له- فإذا بها يُطلق عليها خمس رصاصات؛ في العنق، وفي الكتف، وفي الإبط، لتسقط مُدْرَجة بدمائها. أسأل الله أن يجعلها من أهل الفردوس الأعلى. أسأل الله أن يكتب لها ولمن بعدها من أهلها النعيم المقيم السرمدي الأبدي الذي لا يزول. وأسأل الله أن يوقظ في بنات المسلمين ومعلمات ومتعلمات المسلمين نماذج مثل تلك النماذج، وأَعْظَمَ من تلك النماذج.
إن الأمة تنتظر منك الكثير والكثير. اعلمي أخيرًا أن طريق الجنة صعب، وأنه محفوف بالمكاره، لكن آخره السعادة الدائمة؛ أخبر بذلك من؟ أخبر به النبي –صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي رواه [مسلم] يوم يقول: "إن الله –عز وجل- لما خلق الجنة قال لجبريل: اذهب فانظر ما أعددت لعبادي الصالحين فيها، فذهب؛ فإذا فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، فرجع إلى ربه، وقال: يا رب وعزتك وجلالك لا يسمع بها أحد إلا دخلها ،" لِما فيها من النعيم، ثم حفَّها الله بالمكاره، بما تكره النفس من التكاليف؛ من الأوامر ، من النواهي ، من الضوابط الشرعية التي يتنقل الإنسان بينها وفيها، حفَّها بهذا كله. ثم قال: ارجع فانظر إليها، فنظر إليها، فإذا هي حفَّت بكل ما تكرهه النفس، فماذا قال؟ رجع إلى ربه، وقال: وعزتك وجلالك قد خشيت ألا يدخلها أحد. النفس يا أيها الأحبة ، والله لا يدخلها إلا من زكىَّ نفسه . اسمعوا إلى الله وهو يقسم، يٌقسم مرات بعد مرات، يقسم بالضحى، وله أن يقسم بما شاء (وَالضُّحَى وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى) ثم يقول هناك: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَالْقَمَرِ إِذَا تَلاَهَا وَالنَّهَارِ إِذَا جَلاَّهَا وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا وَالأرْضِ وَمَا طَحَاهَا وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا) ثم الجواب يأتيك بعد هذه الأقسام المتعددة المغلظة العظيمة من الرب العظيم يقول: (قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا) فوالله لن يفلح إلا من زكَّى نفسه بالإيمان بالله، والدعوة إلى الله -عز وجل-. وطريق النار سهل، ولكنه محفوف بالشهوات ، وآخره الشقاء الأبدي السرمدي الذي لا يزول. "لمَّا خلق الله النار -في نفس الحديث السابق- قال لجبريل: اذهب فانظر إليها، فذهب إليها، فإذا هي سوداء مظلمة، يحطم بعضها بعضًا، ترمي بشرر كالقصر، كأنه جِمَالت صُفْر، فرجع إلى ربه وقال: وعزتك وجلالك ما يسمع بها أحد فيدخلها، ثم حفَّها الله بالشهوات، وبكل ما تشتهيه النفس، وبكل ما ترتاح له النفس، وبكل ما تهواه النفس، ثم قال: ارجع فانظر إليها، فرجع فنظر إليها، فإذا هي قد حفت بكل ما تشتهيه النفس، فرجع إلى ربه وقال: لقد خشيت ألا يبقى أحد إلا دخلها". إن التعامل مع الله عظيم، وإن المتعامل مع الله لا يخيبه الله رجلاً كان أو امرأة، فيا أيتها المؤمنة انوِالخير، واعملي الخير، فوالله لن تزالي بخير ما نويت الخير، وما عملت الخير.
اسمعي لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من همَّ بحسنة ولم يعملها كتبت له حسنة، ومن همَّ بحسنة فعملها كتبت له عشر حسنات، ومن همَّ بسيئة ولم يعملها كتبت له حسنة، وإن عملها كتبت له سيئة واحدة". فضلا من الله ومِنَّة.(5/282)
فيا ويل ويا ويل ويا ثبور من غلبت آحاده عشراته. حسنة واحدة، أو سيئة واحدة تغلب عشرات الحسنات. يا ويل من كان حاله على ذلك. فانتبهن وتقربن إلى الله -عز وجل- بما يرضى الله. تقربن إليه بالفرائض؛ فإن أحب ما يتقرب به إلى الله الفرائض، ثم تقربن بالنوافل؛ فإنه لا تزال المرأة تتقرب، والرجل يتقرب بالنوافل حتى يحبه الله، "فإذا أحببته -كما قال-: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها، ولئن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه". فالهِمَّة الهمة؛ فإنها طريق إلى القمة. أسرعي ولا تنظري إلى الخلف، لا تنظري إلى أي عائق، واعلمي أن شبرًا بذراع، وأن ذراعًا بباع، وأن مشيًا بهرولة. فضلا من الله ومِنَّة. اصبري، وجِدِّي، ولا تسأمي، ولا تملي بالنصح، بالدعوة، بالقيام، بما أوجب الله عليكِ، فلا تنظري إلى لوم لائم، ولا إلى عتاب عاتب، ولا إلى هوى نفس أو شيطان. وإذا اجتمعت عليكِ هذه كلها، فانظري إلى منازل زاكية في جنان ورضوان. أدنى أهل الجنة فيها من يأتي بعد ما دخل أهل الجنة، فيقول الله له: ادخل الجنة، فيقول: يا رب وقد أخذ الناس منازلهم وسكنوا مساكنهم - يخيَّل إليه أنها ملأى- فيقول الله: ألا ترضى أن يكون لك مثل مَلِك من ملوك الدنيا؟ قال: بلى رضيت يا رب، قال: فإن لك مثله ومثله ومثله ومثله، وفي الخامسة يقول: رضيت يا رب رضيت. فيقول: ولك عشرة أمثاله، وما اشتهت نفسك، ولذَّت عينك وأنت فيها.
قولي خيرًا، وادعي خيرًا، وتكلمي خيرًا أو اصمتي؛ فكم كلمة جرى بها اللسان هلك بها الإنسان، وإن المرء ليقول الكلمة من سخط الله يكتب الله -عز وجل- لها بها سخطه إلى أن يلقاه.
أخيرًا. توبي إلى الله، واستغفري الله؛ فإن الشيطان قد قطع علي نفسه عهدًا، فقال: وعزتك وجلالك لأغوينهم ما دامت أرواحهم في أجسادهم، والله يقطع العهد على نفسه -ورغمت أنف إبليس- وعزتي وجلالي لا أزال أغفر لهم ما استغفروني.
فاللهم إنا نستغفرك، إنك كنت غفارًا، أرسل السماء علينا مدرارًا، وأقرَّ أعيننا بصلاح المؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات. اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى، وصفاتك العلا أن تجعلنا من الصالحين، وأولياء الله الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، وأن تجعلنا ممن باع نفسه لله، فجعل همَّه الله والدار الآخرة.
أسأل الله أن يرينا من بنات المسلمين، وأمهات المسلمين، وأخوات المسلمين ما تقَرُّ به الأعين، صالحات، قانتات، تائبات، عابدات. أسأل الله بأسمائه الحسنى، وصفاته العلا، من كان سببًا في هذا الاجتماع، ومن ساهم فيه بأي مساهمة صَغُرَت أو كَبُرَت أن تجعل له ذلك في ميزان الحسنات عظيمًا عظيمًا؛ فأنت أهل التقوى، وأهل المغفرة. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين .
فضيلة الشيخ / علي عبد الخالق القرني
=============
الدلائل الجليّة على مشروعية العمليّات الاستشهاديّة
إن الحمد لله نحمده و نستعينه و نستغفره ، و نعوذ بالله من شرور أنفسنا ، و من سيئات أعمالنا ، من يهده الله فلا مضل له ، و من يضلل فلا هادي له ، و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، و أشهد أن محمداً عبده و رسوله .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته و لا تموتنَّ إلا و أنتم مسلمون } [ آل عمران : 102 ] .
{ يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و بثَّ منهما رجالاً كثيراً و نساء ، و اتقوا الله الذي تساءلون به و الأرحام إن الله كان عليكم رقيباً } [ النساء : 1 ] .
{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و قولوا قولاً سديداً يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم - و من يطع الله و رسوله فقد فاز فوزاً عظيماً } [ الأحزاب :70،71 ] .
أمّا بعد :
فيوماً بعد يوم تُمتهن كرامة الأمة ، و تهون دماء أبنائها و ديارهم و أعراضهم على الأعداء ، و تتداعى علينا الأمم من كلّ حدب و صوب ، تصوّب سهامها إلى نحورنا ، و تلِغ في دمائنا ، و نحن حيارى بلا خيار ، و سكارى بلا قرار .
يستصرخنا القدس و أهله ، تتحشرج في نفوسهم الحسرة ، و تعتلج في حناجرهم الكلمات ، فيغصون بالدموع ، و يبكون الأمس و اليوم و الغد المجهول .
حتّام يا قُدساه جرحُكِ يَنزفُ *** و إلامَ يَرشُف من دماكِ الأسقُفُ ؟
خمسون عاماً قد مضينَ و نيّفُ *** و العُرب صرعى و المدافع تقصفُ
و إنّ الله تعالى كتب الجهاد على هذه الأمّة ، و جعله فريضةً قائمة على التعيين أو الكفاية ، ماضيةً إلى يوم القيامة مع كلّ برّ و فاجر لتكون كلمة الله هي العليا و كلمة الذين كفروا السفلى .
و من أعظم ما ابتليت به الأمّة في عصرنا الحاضر ، غياب فريضتين جليلتين تردّت الأمّة بفقدهما في دَرَكات الذل و الهوان ، و تداعت عليها الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها ، و هما تنصيب الإمام العادل خليفة المسلمين ، و النفرة للجهاد في سبيل الله تعالى ، لفتح البلاد و قلُوب العباد ، و الإثخان في أهل الكفر و الإلحاد و العناد .(5/283)
و ما تَعَيَّن الجهاد في مِصرٍ من الأمصار الإسلاميّة إلا هَبَّ المسلمون لنصرة أهله ، و نفروا خفافاً و ثقالاً ، يدفعون عن إخوانهم صولة العدوّ ، و يشاركونهم شَرف الذود عن حُرُمات المسلمين ، و الإثخان في العتاة المجرمين ، فمنهم من قضى نحبَه و منهم من ينتظر مرابطاً على الثغور في فلسطين و أفغانستان و الشيشان و الفلبين و الصومال و البوسنة و غيرها .
و الأصل في المسلم - و إن لم ينل شَرَف المشاركة الميدانيّة في الرباط في سبيل الله بعد - أن لا يكفّ عن تحديث نفسه بالجهاد ، و تهيئة نفسه له إعداداً و استعداداً ، و التطلّع إلى الشهادة في سبيل الله ، فقد روى أبو داوود بإسناد صحيح عن أَبِى هُرَيْرَةَ عَنِ النبي صلى الله عليه وسلم قَالَ : « مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ » . و من واظب على ذلك ، فلن يدّخر وسعاً في السعي إلى نيل مناه ، و ربّما دَفعه حبّ الشهادة و التطلّع إليها ، إلى أن يجود بنفسه في عمليّة يغلب على ظنّه أن تُقِلّه إلى مراتب الشهادة في سبيل الله ، ليلقى ربّه محباً للقائه ، روى الشيخان و الترمذي و النسائي و أحمد عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ عَنِ النَّبِىِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : « مَنْ أَحَبَّ لِقَاءَ اللَّهِ أَحَبَّ اللَّهُ لِقَاءَهُ ، وَمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ كَرِهَ اللَّهُ لِقَاءَهُ » ، و حاشاه تعالى أن يُخلف وعده ، أو يكره لقاء عبدٍ جاد بنفسه في سبيله تعالى .
فليتحين من فاتته المشاركة فيما مضى الفرصة للمشاركة فيما هو آت ، فإن الجهاد ماضٍ و لا بُدّ ، و على الرغم ممّا تمخّض عنه في السابق من خيراتٍ حِسان - رُغم قلّة النصير ، و كثرة النكير - فإنّ جراحات المسلمين لا تزال نازفة في شرق العالم الإسلاميّ و غَربه ، و لا يكاد يلتئم جُرحٌ حتى يُثلَم ثغر جديد هنا أو هناك ، فيهب لسدّه شبابٌ باعوا نفوسهم لله ، و ذاقوا حلاوة التضحية و الجهاد ، فغبّروا أقدامهم في سبيله ، و عفّروا جباههم بتراب الرباط في ميادينه و على ثغوره ، غير آبهين أو مبالين بصَلَف الطغاة ، و ملاحقة البغاة ، و خُذلان بعض الدعاة .
بل تراهم رهباناً في الليل ، فرساناً في النهار ، يقارعون الباطل ، و يصرخون في وجه أهله ( هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ ) [من سورة التوبة الآية 52] .
و إذا لهث القاعدون حول حطام الدنيا ، و تزاحموا بالأكتاف و الأقدام على أبواب الرزق و أسبابه في ديار الكفر ، رأيت أهل الثغور أكثر اطمئناناً و إيماناً و تسليماً ، يستحْلُون مرارة الرباط ، و يحتملون شظف العيش ، و لا يلتمسون من الدنيا و حطامها إلا قُدّرَ لهم تحت ظلال الرماح ، يحدو ركبهم خير البشر ، و أمير الظَفَر صلى الله عليه و سلّم ، الذي قال فيما رواه البخاري معلّقاً و أحمد بإسناد صحيح عَنِ عبد الله ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما عَنه عليه الصلاة و السلام : « جُعِلَ رِزْقِى تَحْتَ ظِلِّ رُمْحِى ، وَجُعِلَ الذِّلَّةُ وَالصَّغَارُ عَلَى مَنْ خَالَفَ أَمْرِي » . فطوبى لمن بايعه على ذلك أو بايع من بايع عليه ، ثبت في الصحيحين و سنن النسائي و الترمذي و مسند الإمام أحمد أن يَزِيدَ بْنِ أَبِى عُبَيْدٍ سأل سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ رضي الله عنه : عَلَى أَيِّ شَيءٍ بَايَعْتُمْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ ؟ قَالَ : عَلَى الْمَوْتِ .
فيا حُسنَها من بَيعةٍ ، و يا طِيبَها من مِيتة ، ترى مَن ارتضوها يمني نفسه و يؤمّل صاحبه في النصر و التمكين ، و يشدّ على يديه مبايعاً على الصبر و الثبات ، فلا يهولهم جَلل المُصاب ، و لا يسوؤهم الوصف بالعنف و الإرهاب ، و لا يزعزع عزائمهم ، أو يفت في عضُدهم ، سفك الدماء و تطاير الأشلاء ، ما دام ذلك في سبيل الله ، ابتغاءَ مَرضاته ، و رَجاء رِضاه .
و لستُ أُبالي حينَ أُقْتَل مُسلماً *** على أيّ جنبٍ كان في الله مَصرَعي
و ذلك في ذات الإله و إن يشأ *** يبارك على أوصال شِلوٍ مُمَزّعِ
و إذا كان الحقّ تعالى قد ( اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [ التوبة : 111 ] فلا فرق عند من باع نفسه لربّه ، بين رصاصة يستقبلها في صدرِ مقبلٍ غير مدبر ، و بينَ حزامٍ ينسف به الأعداء و إن قطع النياط و مزّق الأشلاء ، ما دام طعم الشهادة واحداً .
إني بذلت الروح دون كرامتي *** و سلكتُ دَربَ الموتِ أبغي مَفْخَرا
و غَرَستُ في كفّ المنيّة مُهجتي *** و رَوَيْتُ بالدم ما غَرَستُ فأزهرا
هذا فداء القدس أن يُجدي الفِدا *** و لتُربِ كابولٍ أقدّمُه قِرى(5/284)
روى النسائي و ابن ماجة و أحمد و الدارمي و الترمذي بإسنادٍ صحيح عَنْ أَبِى هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَا يَجِدُ الشَّهِيدُ مِنْ مَسِّ الْقَتْلِ إِلاَّ كَمَا يَجِدُ أَحَدُكُمْ مِنْ مَسِّ الْقَرْصَةِ » .
غير أنّ من بايعوا الشهيد على هذه الطريق و خَلفوه عليه ، يعزّ عليهم فراقه ، فيبكيه رفاقه ، و يسوؤهم أن لا تُوارى بين ظهرانيهم رُفاته ، و يسوؤنا أكثَر سماع من يشكك في مشروعيّة عَمَله ، و يصدّ الناس عن بلوغ هدفه ، بدعوى أن فعلته انتحاريّة ، و أن ميتته ميتةٌ جاهليّة .
و كفى بهذا التشكيك حافزاً لنا على البحث في مشروعية العمليّات الاستشهاديّة ، من باب إحقاق الحق و نُصرة المظلوم ، و إنزال من جاد بنفسه ، و ضحّى بدمه ، و بذل روحه رخيصةً في سبيل ربّه منزلته التي وُعِدها ، و ذلك من خلال المقاصد التالية :
المقصد الأوّل
في تعريف العمليّات الاستشهاديّة
اصطلاح العمليّات الاستشهاديّة اصطلاح مركب من :
العمليّات ؛ و هي جمع عمليّة : لفظ مشتق من العمل , يصدق على كل ما يُفعل ، و هو من الألفاظ المحدثة , و يُطلَق على جملة أعمال تُحدث أثراً خاصاً , فيقال : عمليةٌ جراحية ، أو عمليّة حربية [ انظر : المعجم الوسيط مادة : عمل ].
و العمليّة بهذه الصيغة مصدر صناعي دال على معنى خاص لم يكن ليدل عليه لولا زيادة الياء و التاء المربوطة في آخره ، و الفرق بين العمل و العملية كالفَرق بين الإنسان و الإنسانية ، و الحزب و الحزبية ، و الحجة و الحجية , و الحكم و الحاكمية ، و الإله و الإلهيّة ، و ما إلى ذلك .
و الاستشهاد : طلب الشهادة ، و هي القتل في سبيل الله .
روى مسلمٌ و أحمد عَنْ أَبِى مُوسَى الأشعري رضي الله عنه قَالَ : سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الرَّجُلِ يُقَاتِلُ شَجَاعَةً وَيُقَاتِلُ حَمِيَّةً وَيُقَاتِلُ رِيَاءً أَىُّ ذَلِكَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم : « مَنْ قَاتَلَ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي الْعُلْيَا فَهُوَ في سَبِيلِ اللَّهِ » .
و عليه فإنّ العمليات الاستشهادية : أعمالٌ مخوصة يقوم بها المجاهد في سبيل الله ، مع التيقّن أو غلبة الظن أنّها تُثْخِن في العدو و يَبلُغ القائم بها مراتب الشهداء بالقتل في سبيل الله .
وهي بصورها العصريّة نمط من أنماط المقاومة الحديثة ، عُرفت بعد اكتشاف المتفجّرات في العصر الحديث ، و اشتهرت بعد أن أصبحت من وسائل ما يُعرف بحروب العصابات ، و سُبِق المسلمون إلى استعمالها ، حيث عُرِفت في الحرب الأهليّة الأمريكيّة و حَرب أمريكا في فيتنام و اليابان ، و أنحاء أخرى من العالم قبل أن يستعملها المسلمون الذين لجؤوا إليها لقلّة البدائل و الوسائل المتاحة في أيديهم ، و عدَم تمكنّهم من الصمود و الوقوف في وجوه الأعداء بإمكانيّاتهم المحدودة ، مؤثرين بالإقدام عليها ميتة العزة و الكرامة في سبيل الله ، على العيش في ذل و هوان ، و كأنّهم يتمثّلون قول الأوّل :
لا تسقني ماء الحياة بذلةٍ *** و لتَسقني بالعز كأس الحنظلِ
و في المقاصد التالية إن شاء الله تقريرٌ لمشروعيّة هذه العمليّات و فضل القيام بها ، و ما يُحتسب عند الله تعالى من ثواب الشهداء و منازلهم للقائمين بها ابتغاء ما عنده ، قياساً على ما جاء في مسألة المقتحم المغرر بنفسه في صف العدو في كتاب الله تعالى و سنّة نبيّه صلّى الله عليه و سلّم .
المقصد الثاني
الأدلّة على مشروعيّة و فضل الاقتحام على العدو و التغرير بالنفس في ذلك من الكتاب و السنّة و نماذج من سيَر السلف الصالح في إقراره
يدلّ على ما ذهبنا إليه من مشروعيّة و فضل خوض العمليّات الاستشهاديّة ما جاء في قصّة أصحاب الأخدود التي رواهها مسلم و الترمذي و أحمد عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه ، و فيها قَول الغلام للملك : « إِنَّكَ لَسْتَ بقاتلي حَتَّى تَفْعَلَ مَا آمُرُكَ بِهِ . قال : وَمَا هُوَ قال : تَجْمَعُ النَّاسَ في صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَتَصْلُبُنِى عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ خُذْ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِى ثُمَّ ضَعِ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قُلْ بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ . ثُمَّ ارْمِنِى فَإِنَّكَ إِذَا فَعَلْتَ ذَلِكَ قَتَلْتَنِى . فَجَمَعَ النَّاسَ فِى صَعِيدٍ وَاحِدٍ وَصَلَبَهُ عَلَى جِذْعٍ ثُمَّ أَخَذَ سَهْماً مِنْ كِنَانَتِهِ ثُمَّ وَضَعَ السَّهْمَ فِى كَبِدِ الْقَوْسِ ثُمَّ قال : بِاسْمِ اللَّهِ رَبِّ الْغُلاَمِ . ثُمَّ رَمَاهُ فَوَقَعَ السَّهْمُ فِى صُدْغِهِ فَوَضَعَ يَدَهُ فِى صُدْغِهِ فِى مَوْضِعِ السَّهْمِ فَمَاتَ فَقَالَ : النَّاسُ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ آمَنَّا بِرَبِّ الْغُلاَمِ » .(5/285)
قال شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله [ في مجموع الفتاوى : 28 /540 ] بعد ذكر قصّّّة الغلام هذه : ( و فيها أن الغلام أمر بقتل نفسه لأجل لمصلحة ظهور الدين و لهذا أحب الأئمة الأربعة أن ينغمس المسلم فى صف الكفار وإن غلب على ظنه أنهم يقتلونه إذا كان فى ذلك مصلحة للمسلمين ) .
قال الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله [ في شرح رياض الصالحين : 1 / 165 ] : ( إن الإنسان يجوز أن يغرر بنفسه في مصلحة عامَّة للمسلمين ، فإن هذا الغلام دلَّ الملك على أمر يقتله به ويهلك به نفسه ، وهو أن يأخذ سهماً من كنانته... الخ ) .
فانظر – رحمك الله – كيف أقدَم الغلام المؤمن على ما من شأنه أن يقتله يقيناً رجاء مصلحةٍ راجحةٍ و هي إسلام قومه ، الذين دخلوا بسببه في دين الله أفواجاً ، و هذا من شرع من قَبلَنا الذي لا ناسخ و لا معارض له في نصوص الكتاب و السنّة ، و الله أعلم .
و قد حَمَل عددٌ من الصحابة الكرام فمن بَعدَهم قوله تعالى : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [ البقرة : 207 ] على من حَمَلَ على العدو الكثير لوحده وغرر بنفسه في ذلك ، كما قال عمر بن الخطاب و أبو أيوب الأنصاري وأبو هريرة رضي الله عنهم فيما رواه أبو داود والترمذي و ابن حبان و صححه و الحاكم ، [ انظر : تفسير القرطبي 2 / 361 ] .
و روى ابن أبي شيبة في مصنّفه و البيهقي في سننه أنّ هشام بن عامر الأنصاري رضي الله عنه حمل بنفسه بين الصفين على العدو الكثير فأنكر عليه بعض الناس و قالوا : ألقى بنفسه إلى التهلكة ، فرد عليهم عمر بن الخطاب و أبو هريرة رضي الله عنهما بقوله تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) [ البقرة : 207 ] .
و روى القرطبي [ في تفسيره : 2 / 21 ] أنّ هذه الآية نزلت فيمن يقتحم القتال ، ثم ذكر قصّة أبي أيّوب رضي الله عنه .
و عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُفْرِدَ يَوْمَ أُحُدٍ في سَبْعَةٍ مِنَ الأَنْصَارِ وَرَجُلَيْنِ مِنْ قُرَيْشٍ فَلَمَّا رَهِقُوهُ قَالَ : « مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رفيقي في الْجَنَّةِ » . فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ ثُمَّ رَهِقُوهُ أَيْضاً فَقَالَ : « مَنْ يَرُدُّهُمْ عَنَّا وَلَهُ الْجَنَّةُ أَوْ هُوَ رفيقي في الْجَنَّةِ » . فَتَقَدَّمَ رَجُلٌ مِنَ الأَنْصَارِ فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ فَلَمْ يَزَلْ كَذَلِكَ حَتَّى قُتِلَ السَّبْعَةُ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِصَاحِبَيْهِ : « مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا » .
و معنى قول أنس : رَهِقوه أي غشيه المشركون و قرُبوا منه ، و قوله صلى الله عليه و سلّم : ( مَا أَنْصَفْنَا أَصْحَابَنَا ) أي ما أنصفت قريش الأنصار ، لكون القرشيَّيْن لم يخرجا للقتال , بل خرج الأنصار واحداً تلو الآخر , و روي : ( ما أَنَصَفَنَا ) بفتح الفاء ، و المراد على هذا : الذين فروا من القتال فإنهم لم ينصفوا لفرارهم . [ انظر شرح صحيح مسلم للنووي : 7/430 و ما بعدها ].
و في الصحيحين قصّة حملِ سلمة ابن الأكوع و الأخرم الأسدي و أبو قتادة لوحدهم على عيينة بن حصن و من معه ، و ثناء الرسول صلى الله عليه و سلم عليهم بقوله : « كَانَ خَيْرَ فُرْسَانِنَا الْيَوْمَ أَبُو قَتَادَةَ وَخَيْرَ رَجَّالَتِنَا سَلَمَةُ » .
قال ابن النحاس [ في مشارع الأشواق : 1 / 540 ] : و في الحديث الصحيح الثابت : أدل دليل على جواز حمل الواحد على الجمع الكثير من العدو وحده ، و إن غلب على ظنه أنه يقتل إذا كان مخلصا في طلب الشهادة كما فعل سلمة بن الأخرم الأسدي ، ولم يعب النبي عليه الصلاة والسلام ولم ينه الصحابة عن مثل فعله ، بل في الحديث دليل على استحباب هذا الفعل و فضله فإن النبي عليه الصلاة والسلام مدح أبا قتادة و سلمة على فعلهما كما تقدم ، مع أن كلاً منهما قد حمل على العدو وحده و لم يتأنّ إلى أن يلحق به المسلمون .اهـ .
و روى أحمد في المسند عَنْ أَبِى إِسْحَاقَ قَالَ قُلْتُ لِلْبَرَاءِ بن عازب رضي الله عنه : الرَّجُلُ يَحْمِلُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَهُوَ مِمَّنْ أَلْقَى بِيَدِهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ ؟ قَالَ : لاَ لأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ بَعَثَ رَسُولَهُ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : ( فَقَاتِلْ في سَبِيلِ اللَّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ ) [ النساء : 84 ] إِنَّمَا ذَاكَ في النَّفَقَةِ .
و روى هذا الأثر ابن حزم [ في المحلى : 7/294 ] عن أبي إسحاق السبيعي قال : سمعت رجلاً سأل البراء بن عازب : أرأيت لو أن رجلاً حمل على الكتيبة ، وهم ألف ، ألقى بيده إلى التهلكة ؟ قال البراء : لا ، ولكن التهلكة أن يصيب الرجل الذنب فيلقي بيده ، ويقول : لا توبة لي .
قال ابن حزم : و لم ينكر أبو أيوب الأنصاري ، و لا أبو موسى الأشعري أن يحمل الرجل وحده على العسكر الجرار ، و يثبت حتى يقتل .(5/286)
و في الباب أيضاً ما رواه أبو داوود و الترمذي بإسناد صحيح عَنْ أَسْلَمَ أَبِى عِمْرَانَ التُّجِيبِىِّ قَالَ كُنَّا بِمَدِينَةِ الرُّومِ فَأَخْرَجُوا إِلَيْنَا صَفًّا عَظِيماً مِنَ الرُّومِ فَخَرَجَ إِلَيْهِمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ مِثْلُهُمْ أَوْ أَكْثَرُ وَعَلَى أَهْلِ مِصْرَ عُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ وَعَلَى الْجَمَاعَةِ فَضَالَةُ بْنُ عُبَيْدٍ فَحَمَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى صَفِّ الرُّومِ حَتَّى دَخَلَ فِيهِمْ فَصَاحَ النَّاسُ وَقَالُوا سُبْحَانَ اللَّهِ يُلْقِى بِيَدَيْهِ إِلَى التَّهْلُكَةِ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ الأَنْصَارِىُّ فَقَالَ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّكُمْ تَتَأَوَّلُونَ هَذِهِ الآيَةَ هَذَا التَّأْوِيلَ وَإِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِينَا مَعْشَرَ الأَنْصَارِ لَمَّا أَعَزَّ اللَّهُ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَقَالَ بَعْضُنَا لِبَعْضٍ سِرًّا دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أَمْوَالَنَا قَدْ ضَاعَتْ وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَعَزَّ الإِسْلاَمَ وَكَثُرَ نَاصِرُوهُ فَلَوْ أَقَمْنَا في أَمْوَالِنَا فَأَصْلَحْنَا مَا ضَاعَ مِنْهَا . فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَرُدُّ عَلَيْنَا مَا قُلْنَا ( وَأَنْفِقُوا في سَبِيلِ اللَّهِ وَلاَ تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ ) [ البقرة : 195 ] فَكَانَتِ التَّهْلُكَةُ الإِقَامَةَ عَلَى الأَمْوَالِ وَإِصْلاَحَهَا وَتَرَكْنَا الْغَزْوَ فَمَا زَالَ أَبُو أَيُّوبَ شَاخِصاً فِى سَبِيلِ اللَّهِ حَتَّى دُفِنَ بِأَرْضِ الرُّومِ . قَالَ أَبُو عِيسَى الترمذي هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ غَرِيبٌ .
و في مصنف ابن أبي شيبة أنّ معاذ بن عفراء رضي الله عنه قال : يا رسول الله ، مايضحك الرب من عبده ؟ قال : غمسه يده في العدو حاسراً . قال : فألقى درعاً كانت عليه ، فقاتل حتى قتل . [ و في إسناد هذا الحديث مقال رغم تصحيح ابن حزم له في المحلى : 7/294 ، و روي بأسانيد أُخر في تاريخ الطبري : 2/33 ، و سيرة ابن هشام : 3/175 ] .
و في سير السلف الصالح من لدُن الصحابة الكرام فمن بعدهم رضي الله عنهم أجمعين صورٌ رائعة ، و نماذج فريدة ، و أدلةٌ ساطعة على العمل الاستشهاديّ و مشروعيّته ، و من ذلك :
ما جاء في قصّة تحصن بني حنيفة يوم اليمامة في بستان لمسيلمة كان يُعرف بحديقة الموت , فلمّا استعصى على المسلمين فتحه ، قال البراء بن مالك رضي الله عنه ( و هو ممّن إذا أقسم على الله أبَرّه ، كما في سنن الترمذي بإسناد صحيح ) لأصحابه : ضعوني في الجَحَفَة – أو قال : في ترسٍ ، و هما بمعنىً - و ألقوني إليهم فألقوه عليهم فقاتلهم حتى فتح الباب للمسلمين [رواه البيهقي في سننه الكبرى: 9/44 ، و القرطبي في تفسيره : 2 / 364 ، و انظره في أسد الغابة و تاريخ الطبري مفصّلاً ].
و روى الطبري [ في تفسيره : 2/363 ] أنّ خيل المسلمين نفرت من فيلة الفرس لما لقيهم المسلمون في وقعة الجسر , فعمد رجل من المسلمين فصنع فيلا من طين و آنس به فرسه حتى ألفه , فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل , فحمل على الفيل الذي كان يقدم فيلة العدو فقيل له : إنه قاتلك . فقال : لا ضير أن أُقتل ويفتح للمسلمين .
و هذا الفعل ليس له في لغة الإعلام المعاصر تسمية يعرف بها إلا أن يكون عمليّة استشهادية يسميها العلمانيون فدائيّة أو انتحاريّة .
قلتُ : وجهُ الاستدلال بما رُوي و الاستئناس بما قيل في مسألة حمل المجاهد المقتحم على العدو العظيم لوحده أو الانغماس في الصف و تغرير النفس و تعريضها للهلاك بغلبة الظن أو التيقّن عدم الفارق بينها و بين العمليّات الاستشهاديّة في العصر المحاضر ، حيث ينغمس المجاهد بين الكفار ، أو يقبل عليهم مقتحماً مغرراً بنفسه لينكي بهم و يوقع فيهم القتل والإصابة و يشرّد بهم من خلفهم .
و لا أزعم في هذه العجالة إجماعاً على مشروعية الاقتحام و التغرير بالنفس للإنكاء بالعدو و ما يقاس عليها من عمليات الاستشهاديين ، بل المسألة خلافيّة ، و سيأتي عرض الإمام القرطبي لقول المخالف فيها ، و ذهابه مذهب الجمهور في القول بمشروعيتها و جواز الإقدام عليها ، إن شاء الله .
المقصد الثالث
حكاية الإجماع على مشروعيّة تقحّم المهالك في الجهاد
نقل الحافظ ابن حجر رحمه الله [ في الفتح : 12 / 316 ] عن المهلب قوله : ( و قد أجمعوا على جواز تقحّم المهالك في الجهاد ) .
و روى ابن النحاس [ في مشارع الأشواق : 1 / 588 ] مثل ذلك عن المهلب .
و حكى الإمام النووي رحمه الله [ في شرح مسلم : 12 / 187 ] الاتفاق على التغرير بالنفس في الجهاد .
قلت : و في الإجماع المحكي إن ثبت إحقاق الحقّ إن شاء الله .
المقصد الرابع
في ذكر طائفة من أقوال السلف و الأئمة المتقدمين في هذا الباب
لم يَرَ جمهور أهل العلم المتقدمين بأساً في جواز الاقتحام و لو أدى إلى مهلكة ، بل حكي استحباب ذلك عن أئمة المذاهب الأربعة ، كما في كلام شيخ الإسلام ابن تيميّة المتقدّم عند ذكر قصّة الغلام .(5/287)
و لبيان ذلك أقتطف ما تيسّر من كتب المذاهب المعتمدة فأقول :
جاء في كتاب المبسوط للإمام السرخسي ( و هو من الحنفية ) : ( لو حمل الواحد على جمع عظيم من المشركين فإن كان يعلم أنه يصيب بعضهم أو يُنكي فيهم نكاية فلا بأس بذلك ، و إن كان يعلم أنه لا ينكى فيهم فلا ينبغي له أن يفعل ذلك ) . [ المبسوط ، للسرخسي : 10/76 ] .
و ذَكَر الجصّاص في تفسيره ن محمد بن الحسن الشيباني صاحبَ أبي حنيفة ذكر في السير الكبير أن رجلا لو حمل على ألف رجل و هو وحده ، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية فإني أكره له ذلك ، لأنه عرض نفسه للتلف بلا منفعة للمسلمين ، و إنما ينبغي للرجل أن يفعل هذا إذا كان يطمع في نجاة أو منفعة للمسلمين ، فإن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه يجرِّيء المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل ، فيقتلون و ينكون في العدو فلا بأس بذلك إن شاء الله ، لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو و لا يطمع في النجاة لم أر بأسا أن يحمل عليهم ، فكذلك إذا طمع أن يُُُنْكِِِِيَ غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك ، و أرجو أن يكون فيه مأجورا ، و إنما يكره له ذلك إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه ، و إن كان لا يطمع في نجاة و لا نكاية و لكنه مما يرهب العدو فلا بأس بذلك لأن هذا أفضل النكاية و فيه منفعة للمسلمين [ أحكام القرآن للجصاص : 1 / 327 ].
و وافقه الجصاص فقال [ في أحكام القرآن ، له : 1 / 328 و ما بعدها ]:
والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح لا يجوز غيره ، و على هذه المعاني يحمل تأويل من تأوّل في حديث أبي أيوب أنه ألقى بيده إلى التهلكة ، بحمله على العدو إذ لم يكن عندهم في ذلك منفعة ، و إذا كان كذلك فلا ينبغي أن يتلف نفسه ، بدون منفعة عائدة على الدين و لا على المسلمين ، فأما إذا كان في تلف نفسه منفعة عائدة على الدين فهذا مقام شريف مدح الله به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله : ( إنَّ اللَّهِ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ في سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ) [ التوبة : 111 ] ، و قال : (و لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ ) [ آل عمران : 169 ] ، و قال : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ ) [ البقرة : 207 ] ، في نظائر ذلك من الآي التي مدح الله فيها من بذل نفسه لله .اهـ.
و ممّن انتصر لذلك الإمام الشافعي رحمه الله حيث قال [ في كتاب الأم : 4/169 ] : ( لا أرى ضيقاً على الرجل أن يحمل على الجماعة حاسراً ، أو يبادر الرجل و إن كان الأغلب أنه مقتول , لأنه قد بودر بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و حَمَل رجل من الأنصار حاسراً على جماعة من المشركين يوم بدر بعد إعلام النبي صلى الله عليه وسلم بما في ذلك من الخير فقُتِل ) .
و في كلام الشافعي إشارة إلى ما رواه مسلم في صحيحه و أحمد في مسنده من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ المتقدّم .
و قال الإمام النووي رحمه الله [ في باب ثبوت الجنة للشهيد من شرح مسلم : 13 / 46 ] بعد ذِكر قصّة صاحب التَمرات : فيه جواز الانغماس في الكفار والتعرض للشهادة وهو جائز بلا كراهة عند جماهير العلماء . اهـ .
و في كتاب الفروع لابن مفلح الحنبلي [ 6 / 189 ] : ( قال و لو حمل على العدو و هو يعلم أنه لا ينجو لم يُعِن على قتل نفسه و قيل : له – أي للإمام أحمد - يحمل الرجل على مائة ؟ قال : إذا كان مع فرسان ، و ذكر شيخنا أنّه يستحب انغماسه لمنفعة للمسلمين و إلا نهى عنه و هو من التهلكة ) .
قال أبو عبداللّه القرطبي [ في تفسيره : 2 / 363 و ما بعدها ] : اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده ، فقال القاسم بن مخيمرة والقاسم بن محمد وعبد الملك من علمائنا : لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم ، إذا كان فيه قوة ، وكان للّه بنيّة خالصة ، فإن لم تكن له قوة فذلك من التهلكة ، و قيل : إذا طلب الشهادة وخلصت النية فليحمل ؛ لأن مقصوده واحد منهم . اهـ .(5/288)
ثمّ نقل [ في تفسيره أيضاً : 2 / 364 ] قول بعض المالكيّة : إن حمل على المائة أو جملة العسكر و نحوه و علم أو غلب على ظنه أنه يقتل ، و لكن سينكي نكاية أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز ، و نقل أيضا عن محمد بن الحسن الشيباني قوله : لو حمل رجل واحد على الألف من المشركين وهو وحده لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو ، فإن لم يكن كذلك فهو مكروه ؛ لأنه عرض نفسه للتلف من غير منفعة للمسلمين ، فإن كان قصده تجرئة المسلمين عليهم حتى يصنعوا مثل صنيعه فلا يبعد جوازه ؛ لأن فيه نفعاً للمسلمين على بعض الوجوه ، فإن كان قصده إرهاب العدو ليعلم العدو صلابة المسلمين في الدين ، فلا يبعد جوازه إذا كان فيه نفع للمسلمين ، فَتَلَفُ النفس لإعزاز دين اللّه وتوهين الكفر ؛ هو المقام الشريف الذي مدح اللّه به المؤمنين في قوله : ( إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ) [ المائدة : 111 ] ، إلى غيرها من آيات المدح التي مدح اللّه بها من بذل نفسه ، وعلى ذلك ينبغي أن يكون حكم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ) .
إلى أن قال [ في تفسيره : 2/364 ] : ( و الصحيح عندي جواز الاقتحام على العساكر لمن لا طاقة له بهم , لأنّ فيه أربعة وجوه :
الأول: طلب الشهادة .
الثاني: وجود النكاية .
الثالث : تجرئة المسلمين عليهم .
الرابع : ضعف نفوسهم ليروا أنّ هذا صنع واحد فما ظنك بالجمع ) .
و ذكر هذه الوجوه الأربعة أيضاً ابن العربي [ 1/166 ] .
و أختم بقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله : ( و أما قوله : أريد أن أقتل نفسي في الله فهذا كلام مجمل ؛ فإنه إذا فعل ما أمره الله به فأفضي ذلك إلى قتل نفسه فهذا محسن في ذلك ، مثل من يحمل على الصف وحده حملاً فيه منفعة للمسلمين و قد اعتقد أنه يقتل فهذا حسن ... ومثل ما كان بعض الصحابة ينغمس في العدو بحضرة النبي صلى الله عليه و سلّم ، و قد روى الخلال بإسناده عن عمر بن الخطاب أن رجلاً حمل على العدو وحده فقال الناس : ألقى بيده إلى التهلكة فقال عمر لا و لكنه ممن قال الله فيه : ( وَ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَ اللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ ) [ البقرة : 207 ] ) [ مجموع الفتاوى 25 / 279 ] .
المقصد الخامس
أقوال بعض أهل العلم المعاصرين في حكم العمليّّّات الاستشهاديّة
و من أهل العلم المعاصرين من له في المسألة قولان كعلامّة نجد الشيخ محمد الصالح العثيمين رحمه الله ، و ما أحد قوليه بأولى من الآخر إذ إنّّّه يبني حكمه على مراعاة المصالح و المفاسد ، فقد سُئل [ في اللقاء الشهري العشرين ] عن شابّ مجاهد فَجَّرَ نفسه في فلسطين فقَتَل و أصاب عَشرات اليهود ، هل هذا الفعل يعتبر منه انتحاراً أم جهاداً ؟ فأجاب بقوله : ( هذا الشاب الذي وضع على نفسه اللباس الذي يقتل ، أول من يقتل نفسه ، فلا شك أنه هو الذي تسبب في قتل نفسه ، و لا تجوز مثل هذه الحال إلا إذا كان في ذلك مصلحة كبيرة للإسلام ، فلو كانت هناك مصلحة كبيرة ونفع عظيم للإسلام ، كان ذلك جائزاً ) .
فانظر - رحمك الله - كيف راعى المصالح في حُكمه ، و بنى على تحقيق مصلحة كبيرةٍ و نفع عظيم للإسلام قوله ( كان ذلك جائزاً ) ، و اضبط بهذا الضابط سائر كلامه و فتاواه و إن كان ظاهرها التعارض ، ليسهُل عليك الجَمع ، و يزول عنك اللبس ، فإن الجواب بحسب السؤال ، و الحكم على الشيء فرعٌ عن تصوّره .
و مثل هذا الكلام يقال عن موقف محدّث الديار الشاميّة العلامّة الألباني ، الذي تعرّض رحمه الله إلى تطاول السفهاء و المتعالمين فنسبوا إليه زوراً و بهتاناً أنّه حكم على من يُقتل في عمليّة تفجير استشهاديّة يقوم بها في صفوف العدو بالانتحار ، و الشيخ بريء من ذلك براءةَ الذئب من دم يوسف ، و من فتاواه النيّرة في هذا الباب ما هو مثبت بصوته [ في الشريط الرابع و الثلاثين بعد المائة من سلسلة الهدى والنور ] حيث سُئل رحمه الله سؤالاً قال صاحبه : هناك قوات تسمى بالكوماندوز ، يكون فيها قوات للعدو تضايق المسلمين ، فيضعون – أي المسلمون - فرقة انتحارية تضع القنابل و يدخلون على دبابات العدو، و يكون هناك قتل... فهل يعد هذا انتحاراً ؟
فأجاب بقوله : ( لا يعد هذا انتحاراً ؛ لأنّ الانتحار هو: أن يقتل المسلم نفسه خلاصاً من هذه الحياة التعيسة ... أما هذه الصورة التي أنت تسأل عنها ... فهذا جهاد في سبيل اللّه... إلا أن هناك ملاحظة يجب الانتباه لها ، وهي أن هذا العمل لا ينبغي أن يكون فردياً شخصياً ، إنما يكون بأمر قائد الجيش ... فإذا كان قائد الجيش يستغني عن هذا الفدائي ، ويرى أن في خسارته ربح كبير من جهة أخرى ، وهو إفناء عدد كبير من المشركين و الكفار، فالرأي رأيه و تجب طاعته ، حتى و لو لم يَرضَ هذا الإنسان فعليه الطاعة ... ) .(5/289)
إلى أن قال رحمه الله : الانتحار من أكبر المحرمات في الإسلام ؛ لأنّه لا يفعله إلا غضبان على ربه ولم يرض بقضاء اللّه ... أما هذا فليس انتحاراً ، كما كان يفعله الصحابة يهجم الرجل على جماعة من الكفار بسيفه ، و يُعمِل فيهم السيف حتى يأتيه الموت و هو صابر ، لأنه يعلم أن مآله إلى الجنة ... فشتان بين من يقتل نفسه بهذه الطريقة الجهادية و بين من يتخلص من حياته بالانتحار ، أو يركب رأسه ويجتهد بنفسه ، فهذا يدخل في باب إلقاء النفس في التهلكة ) .
و هذا تفصيل و تفريق دقيق بين العمليّات الانتحاريّة ، و تلك الجهاديّة الاستشهادية من وُفّق لفهمه ، صان لسانه من الافتئات على علماء الأمّة ، و من أشكل عليه ، أو توهّم الإشكال فيه وَقَع في أعراضهم ، و ربّما ظنّ أو حسِبَ نَفسه مدافعاً منافحاً عنهم ، و كان من الذين يحسبون أنّهم يُحسنون صُنعاً .
و يلزم من كلام الشيخ ناصر رحمه الله أنّه لا بدّ في العمليّات الاستشهاديّة من التفريق بين من يجتهد من العوام من تلقاء نفسه ، و بين من يقوم بعمليّة استشهاديّّّة رُتّب لها ، و أمر بها الأمير ، لأنّ طاعة الأمير واجبةٌ ، بل هي من طاعة الله تعالى ، و يغلب على الظنّ أن العمليّات الفرديّة غير المنظمة لا تجدي نفعاً ، بل تجر المسلمين إلى مفاسد عظيمة في الغالب ، لذلك جرى التفريق بين الحالتين .
قلت ُ : جاء اشتراط إذن الأمير عند من أوجَبه في الاقتحام قياساً على اشتراط ذلك في المبارزة ، و لست أذهبُ إليه لتخلّف علّة الاشتراط في عمليّات الاقتحام ، و قد أجاد ابن قدامة المقدسي رحمه الله التفريق بين المسألتين فقال بعد أن قرر وجوب إذن الأمير للمبارز : ( و لنا أن الإمام أعلم بفرسانه و فرسان العدو و متى برز الإنسان إلى من لا يطيقه كان معرضاً نفسه للهلاك فيَكسِر قلوب المسلمين ، فينبغي أن يفوض ذلك إلى الإمام ليختار للمبارزة من يرضاه لها ، فيكون أقرب إلى الظفر ، و جبر قلوب المسلمين ، و كسر قلوب المشركين . فإن قيل : قد أبحتم له أن ينغمس في الكفار و هو سبب لقتله ، قلنا : إذا كان مبارزاً تعلقت قلوب الجيش به ، و ارتقبوا ظفره ، فإن ظفر جَبَرَ قلوبهم ، و سرَّهم ، و كسر قلوب الكفار ، و إن قُتِل كان بالعكس ، و المنغمس يطلب الشهادة لا يُتَرقَّبُ منه ظفر و لا مقاومة فافترقا ) [ المغني ، لابن قدامة : 9 / 176 ] .
و يا لَرَوعة قول الشافعي في كتاب السير [ كما في مختصر المزني نقلاً عن الأم ، له ] في مسألة اشتراط الإمام و إذنه في الغزو : وَإِنْ غَزَتْ طَائِفَةٌ بِغَيْرِ أَمْرِ الإمَامِ كَرِهْتُهُ لِمَا فِي إذْنِ الإمام مِنْ مَعْرِفَتِهِ بِغَزْوِهِمْ وَمَعْرِفَتِهِمْ وَيَأْتِيهِ الْخَبَرُ عَنْهُمْ فَيُعِينُهُمْ حَيْثُ يُخَافُ هَلَاكُهُمْ فَيُقْتَلُونَ ضِيعَةً . ( قَالَ الشَّافِعِيُّ ) رَحِمَهُ اللَّهُ وَلَا أَعْلَمُ ذَلِكَ يُحَرَّمُ عَلَيْهِمْ وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَكَرَ الْجَنَّةَ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنْ الأنصار : إنْ قُتِلْت يَا رَسُولَ اللَّهِ صَابِرًا مُحْتَسِبًا ؟ قَالَ فَلَكَ الْجَنَّةُ قَالَ فَانْغَمَسَ فِي الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ وَأَلْقَى رَجُلٌ مِنْ الأنصار دِرْعًا كَانَ عَلَيْهِ حِينَ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْجَنَّةَ ثُمَّ انْغَمَسَ فِي الْعَدُوِّ فَقَتَلُوهُ بَيْنَ يَدَيْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : فَإِذَا حَلَّ لِلْمُنْفَرِدِ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى مَا الأغلب أَنَّهُمْ يَقْتُلُونَهُ كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي الانْفِرَادِ مِنْ الرَّجُلِ وَالرِّجَالِ بِغَيْرِ إذْنِ الإمام . وَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ عَمْرَو بْنَ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيَّ وَرَجُلًا مِنْ الأنصار سَرِيَّةً وَحْدَهُمَا وَبَعَثَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ سَرِيَّةً وَحْدَهُ فَإِذَا سَنَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَتَسَرَّى وَاحِدٌ لِيُصِيبَ غِرَّةً وَيَسْلَمَ بِالْحِيلَةِ أَوْ يُقْتَلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَحُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى أَنَّ مَا أَوْجَفَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةٌ .(5/290)
و قال أيضاً : وَإِذَا غَزَا الْمُسْلِمُونَ بِلَادَ الْحَرْبِ فَسَرَتْ سَرِيَّةٌ كَثِيرَةٌ أَوْ قَلِيلَةٌ بِإِذْنِ الإمام أَوْ غَيْرِ إذْنِهِ فَسَوَاءٌ وَلَكِنِّي أَسْتَحِبُّ أَنْ لَا يَخْرُجُوا إلا بِإِذْنِ الإمام ... وأمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ فَلَا أَعْلَمُهُ يَحْرُمُ ) . و استدلّ رحمه الله لذلك بالحديث المتقدّم ، و أضاف إليه ( أَنَّ رَجُلًا مِنْ الأنصار تَخَلَّفَ عَنْ أَصْحَابِهِ بِبِئْرِ مَعُونَةَ فَرَأَى الطَّيْرَ عُكُوفًا عَلَى مُقْتَلَةِ أَصْحَابِهِ فَقَالَ لِعَمْرِو بْنِ أُمَيَّةَ سَأَتَقَدَّمُ إلَى هَؤُلَاءِ الْعَدُوِّ فَيَقْتُلُونِي وَلَا أَتَخَلَّفُ عَنْ مَشْهَدٍ قُتِلَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَفَعَلَ فَقُتِلَ فَرَجَعَ عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ فِيهِ قَوْلًا حَسَنًا وَ يُقَالُ : فَقَالَ لِعَمْرٍو فَهَلَّا تَقَدَّمْت فَقَاتَلْت حَتَّى تُقْتَلَ ؟ } فَإِذَا حَلَّ الرَّجُلُ الْمُنْفَرِدُ أَنْ يَتَقَدَّمَ عَلَى الْجَمَاعَةِ , الأغلب عِنْدَهُ وَعِنْدَ مَنْ رَآهُ أَنَّهَا سَتَقْتُلُهُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ رَآهُ حَيْثُ لَا يَرَى وَلَا يَأْمَنُ كَانَ هَذَا أَكْثَرَ مِمَّا فِي انْفِرَادِ الرَّجُلِ وَالرِّجَالُ بِغَيْرِ إذْنِ الإمام [ الأم ، للشافعي : 4 / 242 ] .
و من المقرر في مواضعه من كتب الفقه و السياسة الشرعيّة اشتراط الأمير – عند من اشترطه - في جهاد الطلب ، أمّا جهاد الدَفع فلا يحتاج إلى إذن الأمير و لا إلى وجوده أصلاً ، و يغلب على الظن أن الجهاد القائم في بلاد المسلمين اليوم هو من قبيل جهاد الدفع ، و الله المستعان ، فتَنَبّه !!
و مع ذلك نحسب أنّ إخواننا في بيت المقدس و أكناف بيت المقدس على علم بهذا و ليسوا سراة لا أمير لهم ، و الله حسيبنا و حسيبهم .
المقصد السادس
دلالة القواعد الفقهيّة و الأصوليّة على مشروعيّة العمليّات الاستشهاديّة
استقرّت القاعدة الفقهيّة ، على أنّ الأعمال بالنيّة ، لما رواه البخاري في الصحيح و مسلم في المقدمة و أبو داوود و ابن ماجة في سننهما عن عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رضى الله عنه - قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : « إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى » .
قال الحافظ ابن حَجَر في الفتح [8/185 و ما بعدها ] مُنيطاً الحُكمَ بقَصد صاحبهِ : أما مسألة حمل الواحد على العدد الكثير من العدو ، فصرح الجمهور بأنه إن كان لفرط شجاعته ، و ظنه أنه يرهب العدو بذلك ، أو يجرِّئ المسلمين عليهم ، أو نحو ذلك من المقاصد الصحيحة فهو حسن ، ومتى كان مجرد تهوّر فممنوع ، ولا سيما إن ترتّب على ذلك وهن في المسلمين ، واللّه أعلم .اهـ.
قلتُ : و إذا كانت النفس البشريّة مُلكاً لبارئها و خالقها ، و العبدَ مؤتَمَناً عَليها ، مسؤولاً عنها ، فليس له أن يتعدّى عليها فيؤذيها أو يزهقها بغير حقّ ، فإن أداء الأمانة في أسمى صُوَرها ، يكون بِبَذلِها لصاحبها و مالكها ، فمن جاد بنفسه طواعيةً في سبيل الله فقد أدّى ما عليه و أمره إلى الله .
و من التجنّي و مجاوزة الحق ؛ أن نحكم بالانتحار على من يريد الشهادة و يبذل نفسه في سبيل الله ، تحكّماً منّا في نيّته ، و حكماً على سريرته و ما في قلبه بغير علم ، مع علمنا أنّه لو أراد الانتحار لسلك إليه طرقاً أخرى و ما أكثرها و أيسرها .
كما يُستدلّ على مشروعيّة العمل الاستشهادي بقاعدة ( ما لا يتمّ الواجب إلا به فهو واجب ) المقرّرة عند الأصوليين ، ففي زمن الخَوَر و الضعف و الدَعة ، بل الصدّ عن الجهاد و التآمر على أهله ، و قطع السبل المفضية إليه ، مع الإقرار بوجوبه و تعيّنه ، لا يجد المجاهدون سبيلاً لمقارعة العدو و كسر شوكته ، سوى الاقتحام بأنفسهم في صفوفه ، رجاء ردّه على أعقابه ، و احتساب الشهادة لمن يقضي في تلك العمليات من المسلمين ، إذ لا بديل عن ذلك ، و لا سبيل للجهاد سوى هذا السبيل ، في ظل الظروف الراهنة ، فيُشرع العمل بهذه الصورة استناداً إلى القاعدة المتقدّمة الذِكر .
جاء في أضواء البيان للشيخ محمد الأمين بن المختار الشنقيطي رحمه الله عند تفسير قوله تعالى : ( مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ) [ الحشر : 5] : إنّ الإذن بالقتال إذن بكل ما يتطلبه , بناء على قاعدة : الأمر بالشيء أمر به و بما لا يتم إلا به . اهـ.
و هاهنا شبهة يحسن الردّ عليها ، و هي أنّ بعض المعاصرين أفتى بأن المقدم على الاقتحام في عمل استشهادي ، منتحر قاتل لنفسه ، مستحقّ للوعيد يوم القيامة .(5/291)
و نذكّر من هذا مذهبه بقول علماء الأصول : ( لا قياس مع الفارق ) ، فكيف يُقاس من طلب الشهادة بتفجير نفسه إيماناً و احتساباً في العملية الاستشهادية ، و يٌقبل على الله بنفس مطمئنّة فرحة مستبشرة متطلعة للشهادة والجنة و ما عند الله في الآخرة ، و نصرة الدين و النكاية بالعدو و الجهاد في سبيله في الدنيا بمن قتل نفسه جزعاً و قنوطاً أو تسخطا على القدر و اعتراضا على المقدور أو استعجالا للموت أو تخلصا من الآلام و العذاب أو يأسا من الشفاء ، بنفس خائفة يائسة ساخطة لا يستوون ، فقد قال تعالى : ( أفنجعل المسلمين كالمجرمين مالكم كيف تحكمون ) ، و قال تعالى : ( أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون ) .
و أما من قاس العمليّة الاستشهاديّة على الانتحار ، و ألحقها به في الحكم ؛ بدعوى أنّ من يفجّر نفسه بين عناصر العدو يشبه المنتحر من جهة مباشرته قتل نفسه بيده أو بما يحمله من متفجّرات ، لا بيد عدوّه أو سلاحه ، فقد أبعَد النجعةَ و أفسدَ القياسَ ، لأنّه لم يعِ مراد الأصوليين من تعريف للقياس بقولهم : هو إلحاق فَرعٍ بأصلٍ في الحُكم لعلّةٍ جامعة بينهما ، و بالتالي لم يُفرّق بين العلّة و الصفة ، فظنّ أنّ كلا الأمرين انتحار ، لأنّ فيه مباشرة للقتل ، و غاب عليه أنّ العلّة التي دَفَعت المنتحر إلى إزهاق روحه ، هي التخلّص من الحياة اعتراضاً على القَدَر ، و سخطاً على ما لحقه من قضاء الله و قَدَره ، و هذا خلاف ما تقدّم بيانه من دوافع المجاهد لبذل روحه في سبيل الله .
و إذا سلّمنا جَدَلاً أو تنزُّلاً بأنّ العلّة في الانتحار هي مباشرة المنتحر قتل نفسه ، فما ظنّكم بمن يعترض سبيل سيارة أو قطار كما هو الشائع عند المنتحرين في الغرب اليوم ، ألا يُعدُّ منتحراً رغم أنّه لم يحمل أداة القتل بيده ، و لم يباشر قتل نفسه بِسُمٍّ تَحَسَّاهُ ، أو حَدِيدَةٍ تَوَجَّأَ بِهَا فِي بَطْنِهِ ، و ما تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ ؟
المقصد السابع
مراعاة المصالح و المفاسد في الحكم على العمليّات الاستشهاديّة
إنَّ الحُكمَ على أفعال العباد تراعى فيه المصالح و المفاسد ، فلا يشرع منها ما يغلب على الظن أو يٌتَيَقَّن أنّه يؤدي إلى مفسدة ، تماماً كما هو الحال في باب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر .
قال أبو حامد الغزّالي - رحمه اللّه – [ في الإحياء 7 / 26 من الطبعة المنشورة مع شرحها و هو الإتحاف ] : ( لا خلاف في أن المسلم الواحد له أن يهجم على صف الكفار و يقاتل ، و إن علم أنه يقتل ، و كما أنه يجوز أن يقاتل الكفار حتى يقتل جاز -أيضاً- ذلك في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ولكن لو علم أنه لا نكاية لهجومه على الكفار ، كالأعمى يطرح نفسه على الصف ، أو العاجز ، فذلك حرام ، وداخل تحت عموم آية التهلكة ، وإنما جاز له الإقدام إذا علم أنه لا يُقْتل حتى يَقْتل ، أو علم أنه يكسر قلوب الكفار بمشاهدتهم جرأته ، واعتقادهم في سائر المسلمين قلةَ المبالاة ، وحبَّهم للشهادة في سبيل اللّه ، فتُكسَرُ بذلك شوكتهم ) .
قلتُ : نَظَراً لحساسية الوضع و دقّته ، و اختلاف النظرة بين الناس في ما يترتب عليه من المصالح و المفاسد فإنّ من الفقه في الدين و التبصّر في الواقع الرجوع إلى أهل الخبرة و الدراية في هذا الباب من عسكريين و إعلاميين و ساسة ، و قد ألفيناهم شبه شبه مجمعين على أن هذه العمليات لا تحرر أرضاً ، و لا تردُّ عدُوّاً ، و لا تعيد حقاً مغتصباً ، و لكنّها تثخن في العدو فتكفأ قَدره ، و تحط قَدره ، و تشيع البلبلة و التخويل في صفوفه ، و تزعزع أركانه و لو بقَدَر ، و هذه بعض محاسنها .
و مع ما قد يترتب عليها من زيادة صَلَف العدو و تجبّره و فتكه و انتقامه ، فإن الواقع أثبت عِظَم المنفعة و رجوح المصلحة على المفسدة و الحمد لله .
و من منظار المصالح و المفاسد أيضأ ، نرى أنّ الحرص على الشهادة يعوّض نقص العدة و العدد , و يؤثر في العدو أبلغ الأثر المادي و المعنوي ، و من أمثلة ذلك ما نشهده في بيت المقدس و أكناف بيت المقدس ، و ما شهدناه في جنوب السودان من عمليات الدبابين التي ترجمت واقعياً أنّ حبّ المسلم للشهادة يفوق تمسّك الكافر بالحياة .
و يترتّب على هذه العمليّات إرهاب العدو و إرعابه ، و هذا مقصدٌ شرعي ، قال تعالى : ( سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُوا بِاللَّهِ ) و قال سبحانه : ( فإما تثقفنّهم في الحرب فشرِّد بهم من خلفهم لعلهم يذكرون ) [ الأنفال : 57 ] .
و روى البخاري و غيره عن جابر بن عبد الله أنّ رسول الله صلى الله عليه و سلّم قال : « نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ » ، و لا أبلغ في إيقاع الرعب في صفوف العدو من الإقدام على الموت بطمأنينةِ من باع نفسه لله .(5/292)
و كفى مثالاً على جدوى العمليّات الاستشهاديّة و بالغِ أثَرِها في العصر الحديث ، أنّها أرغمت أنوف القادةِ الروس على إنهاء حربهم الأولى على الشيشان قبل عِدّة سنوات ، و أتت بهم صاغرين إلى التفاوض مع المجاهدين . و قد تمخّضت المفاوضات يومئذٍ عن هدنة السنوات الخمس ، التي ردّت الروس على أدبارهم ، و قَلَبتهم على أعقابهم ، لا يلوون على شيء ، و لا يتطلّعون إلى أكثر من حقن دماء من تبقّى من جهودهم ، بعد أن دبّ الرُّعب في صفوفهم ، و فرّق الذعر رأيهم ، و أطاش رَميَهم .
و لا يمنع من ذلك ما يراه الناظر بعينٍ واحدة ، من همجيّة الرد ، و عنجهيّة العدو ، فإنّ هذه سنّة الله في عباده ، و لنا العزاء في قوله تعالى : ( إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ و تِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ) [ آل عمران : 140 ] و قوله سبحانه : ( الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) [ آل عمران : 173 ] ، و قوله جلّ شأنه : ( إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لَا يَرْجُونَ ) [ النساء : 104 ] .
و نحن نعذر من لم يرَ في العمليّات الاستشهاديّة جدوى ، و لم يُعلّق عليها أملاً و إن كان صغيراً ، لأن الثمرة اليانعة التي رآها المجاهدون عَياناً في عمليّاتهم ، قد تكون خافيّةً على غيرهم ، و خاصّة أولئك الذين قعدوا مع القاعدين ، لأنّ ( الخفاء و الظهور من الأمور النسبيّة ، فربّما ظهر لِبَعض الناس ما حفي على غَيرِه ، و يَظهَر للإنسان الواحد في حالٍ ما خَفيَ عليه في حالٍ أخرى ، و أيضاً فالمقدّمات و إن كانت خفيّةً فقد فقد يُسلّمها بعض الناس ، و يُجادل فيما هو أجلى منها ، و قَد تفرَح النفس بما علِمته من البحث و النظر ما لا تَفرَح بما عَلِمَته من الأمور الظاهرة ) [ شرح العقيدة الطحاوية ، لابن أبي العزّ الحَنَفي ، ص : 112 ] .
المقصد الثامن
في ما يتعلّق بقتل المدنيين في هذه العمليّات
لا حجّة لمن يُنكر العمليّات الاستشهاديّة بدعوى أنّها تستهدف ( أو يقع من ضحاياها بعض ) المدنيين ، و النساء و الأطفال و الشيوخ غير المحاربين ، فقد روى الشيخان و أبو داوود و الترمذي و ابن ماجة و أحمد عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنِ الصَّعْبِ بْنِ جَثَّامَةَ - رضى الله عنهم - قال : مَرَّ بي النبي صلى الله عليه وسلم بِالأَبْوَاءِ - أَوْ بِوَدَّانَ - وَ سُئِلَ عَنْ أَهْلِ الدَّارِ يُبَيَّتُونَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، فَيُصَابُ مِنْ نِسَائِهِمْ وَ ذَرَارِيِّهِمْ قَالَ : « هُمْ مِنْهُمْ » . وَسَمِعْتُهُ يَقُولُ : « لاَ حِمَى إِلاَّ لِلَّهِ وَ لِرَسُولِهِ صلى الله عليه و سلم » .
و من هذا الحديث الشريف أخذ العلماء جواز التبييت في الحرب . قال الإمام أحمد : لا بأس بالبيات وهل غزو الروم إلا البيات ، و قال : لا نعلم أحداً كره البيات . [ انظر : المغني مع الشرح الكبير : 10 / 503 ].
هذا مع ما في التبييت من مخاطرة بغير المحاربين نساءً و أطفالاً و شيوخاً ، فالنص يقطع دابر الخلاف في المسألة ، و يجعلهم سواء .
و روى الترمذي عَنْ ثَوْرِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم نَصَبَ الْمَنْجَنِيقَ عَلَى أَهْلِ الطَّائِفِ . و معلوم أن الرمي بالمنجنيق يقع على كلّ من في الحصن ، و بثبوته يبطل التفريق بين المحاربين و بين ذويهم ، و الله أعلم .
بل يزاد على ذلك أن العبرة في التعامل مع العدو ليست بتقسيمهم إلى فسطاطين لا ثالث لهما ، بل يُلحق بالمحاربِ المساندُ بالرأي و المال ، لِفعل النبيّ صلى الله عليه و سلّم مع بني قريظة ، حيث قَتَل مقاتِلَتهم ( و هم القادرون على حمل السلاح من الرجال ) و لم يكن يسأل القُرَظيّ : أحاربتَ أم لا ؟
ثمّ إن دماء الكافرين لا يحصنها إلا عقد الذمّة أو الأمان ، فهل لدى اليهود في فلسطين شيء من ذلك ؟
المقصد التاسع و الأخير
في تلخيص ما تقدّم
خلاصة البحث في هذا الموضوع يمكن إيجازها في النقاط التالية :
• إن الجهاد ماض إلى قيام الساعة دَفعاً و طلباً مع كلّ برٍّ و فاجر ، و ليس لأحد أن يسقطه أو يوقفه إلا من عُذر شرعي .
• عامّة ما عرفه المسلمون في العصر الحديث من صور الجهاد ( في أفغانستان و البوسنة و الشيشان و فلسطين و الفلبين و غيرها ) هو من قبيل جهاد الدَفع لا الطَلَب ، و لا يشترط على من تعيّن عليه للخروج إليه وجود الأمير و لا إذن ولي الأمر الخاص و لا العام .
• ما يُعرف اليوم باسم العمليّات الاستشهاديّة مسألة معاصرةٌ مُحدثة تراعى في الحكم عليها المصالح و المفاسد ، التي تختلف زماناً و مكاناً ، كما يسوغ الاختلاف في تقريرها بين أهل العلم و الخبرة ، فتتباين آراؤهم تَبعاً لذلك ، و يعذر الجميع لاجتهادهم ، و يُدعى لعمومهم بالخير ، و لا يُتّخذون عرضاً .(5/293)
• في أحداث السيرة النبويّة و السنن الفعليّة و القوليّة و فعل السلف الصالح و أقوال الأئمّة ما يدل عن طريق القياس ( لتوافق العلّة ) على مشروعيّة العمليّات الاستشهاديّة بصوَرها المعاصرة ، و خاصّة تلك الواقعة في دِيار الجهاد المتعيّن كفلسطين .
• إذا كان القياس إلحاقَ فَرعٍ بأصلٍ في الحُكم لعلّة جامعةٍ بينهما ، و اتّحدت العلّة بين العمليّات الاستشهاديّة و الحمل على العدوّ و الاقتحام عليه و الغرر بالنفس في ذلك طلباً للشهادة ، فإنّ الحكم واحدٌ في ذلك كلّه ، و إن اختلفت المسمّيات .
• لا وجه لتشبيه العمليّات الاستشهاديّة بالانتحار أو تسميتها بذلك ؛ لاختلاف النيّة و الباعث و الأثر ، و لا ينزّل حكم الانتحار على القائمين بهذه العمليّات ، و لا يجوز لغيرهم الحكم على نيّاتهم ، بل تُحمَل على أحسن المحامل ، و لا يُنسَب إلى ساكتٍ قَول .
• إذا جاز ورود المهالك في الجهاد ، و صحّ انعقاد الإجماع عليه ، فإن من أجلى صُوَره في زماننا العمليّات الاستشهاديّة القائمة على تفجير النفس بين الأعداء ، أو الاقتحام عليهم ، أو دفعهم إلى المهالك ( بتغيير مسارات مراكبهم عنوة و نحو ذلك ) صِرنا ضرورةً إلى القول بمشروعيّة ذلك كلّه ، إذ لا مندوحة للخروج على الإجماع القطعي الثبوت ، إذا انعَقَد .
• إن ما أخَذه بعض العُلماء المعاصرين على العمليّات الاستشهاديّة و منفذيها ، و أثّر في فتاواهم و أحكامهم حقٌّ كلّه أو جلّه ، يجب الوقوف عليه بتدبّر ، كمراعاة المصالح و المفاسد ، و البعد عن الطيش و العمل الفردي غير المدروس ، و نزع يد الطاعة من أمير الجهاد ، و ليُعلَم أنّ الفتاوى التي لا تجوّز هذه العمليّات منوطة بعلل ( كغلبة المفسدة على المصلحة ) تزول بزَوالها ، و لا تعني التحريم المُطلق بحال ، و أنّ قست ألفاظها ، و احتد أصحابها في طرحها .
• لا حجّة لمن يُنكر العمليّات الاستشهاديّة بدعوى أنّها تستهدف ( أو يقع من ضحاياها بعض ) المدنيين ، و النساء و الأطفال و الشيوخ غير المحاربين ، في زمن يساهم فيه الجميع في الحرب على الإسلام و أهله بآرائهم و أموالهم ( تبرعاتٍ و ضرائب ) و أصواتهم .
• العمليات الاستشهاديّة وسيلة شرعيّة من وسائل الجهاد ، يُلجأ إليها في وقت الحاجة ، و بمقدارها ، و ليست الأصلَ المتعيّن ، و لا السبيل الأوحد لمجاهدة الكفار و المنافقين و التغليظ عليهم ، بل الواجب على الأمّة الاستعداد و الإعداد بكل صوره المتاحة ( و أعدّوا لهم ما استطعتم من قوّةٍ و من رباط الخيل ترهبون به عدوَّ الله و عدوَّكم ) .
هذا و الله نسأل أن يمكن لعباده دينهم الذي ارتضى لهم ، يعبدونه لا يُشركون به شيئاً ، و يجودون في سبيله بالنفس و النفيس ، و أن يقرّ أعيننا بالنصر و التمكين ، و يرزقنا في المسجد الأقصى صلاةً ، و على ثغوره رباطاً ، و في أكنافه جهاداً ( و ما النصر إلا من عند الله ) .
و صلى الله و سلّم و بارك على نبيّنا محمّد و آله و صحبه أجمعين .
و كتب
أحمد بن عبد الكريم نجيب
( الملقّب بالشريف )
دَبْلِن ( إيرلندا ) في غرّة صفر الخير عام 1423 للهجرة
الموافق للخامس عَشَر من أبريل ( نيسان ) عام 2002 للميلاد
=============
مفاسد الإقامة في ديار الكفر
أولاً: تمهيد:
خلق الله - تعالى - الخلق بقدرته، وجعل منهم الكافر والمؤمن بحكمته، {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [التغابن:2]. وخلق - سبحانه - جنة ونارًا، وجعل لكل منهما أهلا وعمَّارًا، {لاَ يَسْتَوِى أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ}. وحرص الإسلام الدين الحق على تمييز أهله ومعتنقيه عن أعدائه ومناوئيه، {مَّا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيّبِ} [آل عمران:179]، وليس ذلك التمييز قاصرا على المخبر والمظهر فحسب بل حتى في السكنى والإقامة، ليكون ذلك سبيلا للتميز عنهم في المصير يوم القيامة، {لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [الأنفال:37]، وفيما يلي بيان لحكم الإسلام في الإقامة بين أظهر المشركين، وبيان لبعض المفاسد المتحققة من جراء الإقامة بينهم، والله الهادي إلى سواء السبيل..
ثانيًا: حكم الإقامة في ديار الكفر:
لقد تناول علماء الإسلام قديما وحديثا هذه المسألة بالتفصيل، وبيَّنوا الحكم الشرعي فيها، وأنه يختلف باختلاف حالات المقيمين بديار الكفر:(5/294)
1- فتحرم الإقامة وتجب الهجرة في حق من يقدر عليها ولا يمكنه إظهار دينه أو إقامة واجبات دينه في ديار الكفر، لقوله - تعالى -: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَئِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُواْ فِيمَ كُنتُمْ قَالُواْ كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأرْضِ قَالْواْ أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ واسِعَةً فَتُهَاجِرُواْ فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءتْ مَصِيرًا} [النساء:97]، ولقوله - صلى الله عليه وسلم -: ((أنا بريء من مسلم بين مشركين لا تراءى ناراهما))[1]، ومعناه لا يكون بموضع يرى نارَهم ويرون نارَه إذا أوقدت، ولأن القيام بواجبات دينه واجب، والهجرة من ضرورة الواجبات وتتمتها، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
2- ويسقط الوجوب عمّن يعجز عن الانتقال إلى ديار الإسلام إما لمرض أو إكراه على الإقامة أو ضعف كالنساء والولدان وشبههم، فالعاجز لا هجرة عليه لقوله - تعالى -: {إِلاَّ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرّجَالِ وَالنّسَاء وَالْوِلْدانِ لاَ يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلاَ يَهْتَدُونَ سَبِيلاً (98) فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَن يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء:98، 99].
3- وتستحب الهجرة إلى ديار الإسلام في حق من يقدر عليها، لكنه يتمكّن من إظهار دينه وإقامة واجباته في دار الكفر، فهذا تستحب في حقه ليتمكن من جهادهم، ولتكثير المسلمين ومعونتهم، والتخلص من تكثير الكفار ومخالطتهم ومشاهدة المنكر بينهم، ولا تجب عليه لإمكانه إقامة واجبات دينه بدون الهجرة.
وقد كان العباس عم النبي - صلى الله عليه وسلم - مقيما بمكة قبل فتحها مع إسلامه[2].
فإن قيل: ما ضابط إظهار الدين؟
فالجواب: ما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ:"إظهاره دينَه ليس مجرد فعل الصلاة وسائر فروع الدين واجتناب محرماته من الربا وغير ذلك، إنما إظهار الدين مجاهرته بالتوحيد والبراءة مما عليه المشركون من الشرك بالله في العبادة وغير ذلك من أنواع الكفر والضلال"[3].
ويرى بعض العلماء أنه قد يستحب للمسلم أن يقيم في دار الكفر وذلك إذا كان يرجو ظهور الإسلام بإقامته، أو إذا ترتب على بقائه بدار الكفر مصلحة للمسلمين، فقد نقل صاحب مغني المحتاج أن إسلام العباس - رضي الله عنه - كان قبل بدر، وكان يكتمه ويكتب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - بأخبار المشركين، وكان المسلمون يتقوَّون به بمكة، وكان يحبّ القدوم على النبي - صلى الله عليه وسلم -، فكتب إليه - صلى الله عليه وسلم -: ((إن مقامك بمكة خير))، ثم أظهر إسلامه يوم فتح مكة[4].
ولا شك أن هذا ليس لكل أحد، وأغلب الناس سريع التأثر بما عليه الكفار، وخاصة في هذا الزمان الذي غلب فيه أهل الكفر، ونحن نرى ولوع كثير من المسلمين بتقليد الكفار واتباعهم وهم في ديار الإسلام، فكيف الحال بمن هو مقيم بين أظهرهم؟! لا شك أن الفتنة أعظم والخطر أكبر، وأحكام الشريعة مبنية على الغالب الكثير، لا على ما شذّ وندر.
ثالثًا: مفاسد الإقامة في ديار الكفر:
من المقرر في أصول الشريعة الإسلامية أن الله - تعالى - ما أمر بشيء أمرَ إيجاب أو استحباب إلا وغلب على ذلك الشيء الخير والصلاح والعدل والنور والهدى، وما نهى عن شيء نهي تحريم أو كراهة إلا وغلب على ذلك الشيء الشر والفساد والظلم والظلمة والضلال.
والإقامة في ديار الكفر من جملة ما نهى الله - تعالى - عنه ورسوله - صلى الله عليه وسلم -، وذلك لاشتمالها على مفاسد وأضرار كثيرة راجحة، بعضها راجع إلى الدين، وبعضها إلى النفس، وبعضها إلى العرض، وبعضها إلى العقل، وبعضها إلى المال، فمن ذلك:
1- ضعف عقيدة الولاء والبراء ـ وهي أوثق عرى الإيمان ـ في نفس المسلم الذي يقيم بين الكفار، فتضعف هذه الشعيرة في قلبه شيئا فشيئا حتى تنعدم، فيجد نفسه محبا للكافرين؛ ينصرهم ويواليهم، وينتصر لهم ويدافع عنهم، ويبرّر جرائمهم واعتدآتهم، ويبغض المسلمين ويعاديهم، وينشر عيوبهم ومساويهم، ويجد غضاضة في الانتساب إليهم، وهذا من أخطر وأشنع ما يصيب المقيمين بديار الكفر من المسلمين إلا من عصم الله ورحم.
2- توارد الشبهات حول الإسلام والمسلمين عليه، بحيث لا يستطيع مجانبتها، فهو يسمعها من أفواههم وفي إذاعاتهم وقنواتهم، ويقرؤها في جرائدهم وصحفهم، وفي مجلاتهم وكتبهم، فتتمكن منه وتؤثر على فكره شيئا فشيئا حتى يصبح أذنا صاغية لهم، يصدّق كل ما يرمون به الإسلام والمسلمين، فيصير عنده ارتياب واضطراب في كثير من مبادئ الإسلام وأحكامه، وهذا والذي قبله بريد الكفر والعياذ بالله.
3- موت القلب، وبلادة الحس، وضعف الغيرة الدينية لديه، بحيث يألف المعاصي والمنكرات من كثرة ما يشاهدها بينهم، فهو لا ينكرها، ولا يشمئزّ عند رؤيتها، وهذا يجرّه إلى الانحلال والتميّع، ورمي المتمسك بدينه بالتشدد والتنطّع.(5/295)
4- تعرّضه لفتن الشهوات المغرية، وذلك لتوفّرها وتيسّر سبلها، وعدم استنكار وتقبيح المجتمع الكافر لها، وهذا إذا صادف ضعف الوازع الديني فتك بصاحبه لا محالة، فينساق وراء الشهوات المحرمة، ويقع في أوحالها صريعا قتيلا.
5- وقوعه حتما في مخالفات شرعية لا يستطيع أن ينفك عنها، سواء في عمله أو في دراسته أو في حياته الاجتماعية أو غير ذلك، كتأخير الصلاة عن وقتها والتبرج والربا والمعاملات المحرمة والتعرض للمآكل الخبيثة إلى غير ذلك من المحرمات التي لا ينفك عنها لأن حياتهم وقوانينهم مبنية على ذلك.
6- البحث عن الرخص وتتبع الأقوال الشاذة، بل التدين بزلات العلماء واستحداث أقوال لم يسبق قائل بها، وهذه المفسدة نتيجة حتمية للمفسدة السابقة.
7- ضياع الهوية ومعالم الشخصية الإسلامية، وذلك بتغير اللسان والتفكير والعادات والمظهر لصعوبة تميز المسلم في تلك الديار، فيتنازل شيئا فشيئا عن أمور دينه إلى أن يسهل عليه التنازل عما هو من أصل دينه، ومن لم يحصل منه ذلك حصل لذريته لا محالة.
8- عدم التمكن من مجاهدة الكفار بالبقاء في ديار الكفر، بل التعرض للقتل والإساءة والإهانة والأذية والمراهنة في حال ما إذا حصل قتال بين المسلمين والكافرين، فيكون بذلك عائقا من العوائق، وسببا من أسباب التثبيط.
هذه بعض مفاسد الإقامة في ديار الكفر يدركها كل صاحب بصيرة وصدق، ونحن نسمع ونرى بل ونعيش ما تعانيه بعض الدول الإسلامية من الضعف والهوان والاستسلام، والذي من أكبر أسبابه سيطرة بعض من تربى في ديار الكفر أو أقام بها وتشبع بأفكارهم على مراكز القوة والتأثير في المجتمعات الإسلامية، وهذا من أخطر ما يكون من الفساد وأشده تلبيسا وتدليسا؛ لأن من خلالهم ينفذ الكفار مخططاتهم الماكرة في حرب الإسلام والمسلمين من غير تعب ولا عناء، والله المستعان.
ـــــــــــــــــ
[1] أخرجه أبو داود (2645)، والترمذي (1604) من حديث ابن مسعود - رضي الله عنه -، وحسنه الألباني في صحيح الجامع (1461).
[2] انظر: المغني لابن قدامه (13/151).
[3] فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم (1/91-92).
[4] مغني المحتاج (4/239)، وانظر: الجهاد والقتال في السياسة الشرعية للدكتور محمد خير هيكل (1/687-692).
http://www.alminbar.net المصدر:
==============
سفر المرأة بدون محرم
المجيب ... د. الشريف حمزة بن حسين الفعر
عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
التصنيف ... الفهرسة/ فقه الأسرة/ قضايا المرأة /سفر المرأة
التاريخ ... 4/1/1423
السؤال
سؤالي يتمثل في إمكانية سفر المرأة للخارج لاستكمال دراستها العليا لبلد أجنبي .. وعدم قدرتها على اصطحاب أحد محارمها .. وهي غير متزوجة .
الجواب
السفر حتى وإن كان للدراسة إلا أنه لا يخلو عن مصاعب ومشاق تلحق بالمسافرة منها : مفارقة الأهل والأحباب، والشعور بالغربة، ومنها ما قد يتعرض له الإنسان من أذى ومضايقة في نفسه أو أهله أو دينه، وهذا الدين الذي كرمنا الله به -دين الإكرام- حرص على صيانة كرامة المسلمين رجالاً ونساءً ودفع الأذى عنهم، حتى أنه أوجب على المسلم الذي لا يستطيع إقامة شعائر دينه، أو لا يأمن من استذلال أعداء الله له وفتنته أن يغادر الدار التي يعيش فيها إلى دار يأمن فيها على نفسه وعلى دينه وهذا ما يعرف بالهجرة، وتوعده الله بالعذاب الأليم إن لم يفعل وهو قادر على ذلك فقال جل ذكره:" إن الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا فيم كنتم قالوا كنا مستضعفين في الأرض قالوا ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها فأولئك مأواهم جهنم وساءت مصيراً إلا المستضعفين من الرجال والنساء والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلاً فأولئك عسى الله أن يعفو عنهم وكان الله عفواً غفوراً " [النساء:97-99].
والمرأة مصونة مكرمة في هذا الدين في حلّها وترحالها، بزوجها إن كانت متزوجة، وبأقاربها المسلمين، وبولي أمر المسلمين، و بإخوانها المسلمين في ديار الإسلام، يدفعون عنها الغوائل ويحافظون على كرامتها وحيائها.
أما في السفر - وعلى الأخص إلى ديار الكفر- فإن المرأة حتى وإن كانت صالحة في نفسها - عرضة للفتنة والضعف -، وعرضة للإيذاء والاعتداء ممن لا خلاق لهم، ولذلك أوجب الشرع أن يكون سفرها مع محرم أو زوج، حتى ولو كان السفر لعبادة كأداء فريضة الحج، لأنها قد تحتاج، وقد تمرض ولا بد لها من طبيب يعالجها وقد يعتدى عليها ، فلا بد من المحرم لصيانتها، لا تعسفاً أو احتقاراً لها وإنما لمصلحتها الدينية والدنيوية .
ولهذا أيها الأخت الكريمة فإنه لا يجوز لك السفر إلى الديار البعيدة بمفردك حتى ولو بقصد الدراسة، نعم إذا كانت الدراسة والسكن في بيئة نسائية مأمونة، لا اختلاط فيها بالرجال، ولا يخشى فيها الفتنة، ولم يكن هناك بديل عن السفر فلا بأس في هذه الحال بشرط أن يصحب الولي المرأة إلى مقر دراستها هذه حتى يطمئن عليها ويأتي لمرافقتها إلى بلدها عند العودة، ولكن مثل هذا نادر لا يكاد يوجد. وبالله التوفيق
=============
البقاء بين ظهراني الكفار
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان(5/296)
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ العقائد والمذاهب الفكرية/الولاء والبراء
التاريخ ... 15/12/1423هـ
السؤال
السلام عليكم و رحمة الله وبركاته.
نحن جماعة من الإخوة كتب الله - عز وجل - لنا أن نتغرب عن أوطاننا الإسلامية لنعيش في ديار الكفر. وقد اختلفت أسباب مجيئ كل واحد منا, فمنا المضطر ومنا غير ذلك. فهل تجوز لنا الإقامة والبقاء في هذه الديار بحجة حرية التدين وإقامة الشعائر والدعوة إلى الله؟ -مع العلم أن غالبية الإخوة لا هم لهم إلا الدنيا -، عكس ما يقابل ذلك في أوطاننا من قهر واستبداد وتضييق على الدعوة وكلمة الحق. وكثرة الفساد والفجور وضيق المعيشة (السكن ومصادر تحصيل الرزق)؟؟ وهل إظهار الشعائر في ديار الكفر معناه إظهار العداوة والبغضاء لهم؟ كما جاء في القرآن: "قد بدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا..." أم أن له معنى آخر ؟؟
البعض من الإخوة هنا يعتمدون في مصدر رزقهم على منحة حكومية (الضمان الاجتماعي) مصدرها الضرائب المختلفة، على جميع الأنشطة الاقتصادية الحلال منها والحرام، هذه المنحة تقدم للعاطلين عن العمل حتى يجدوا مصدر رزق. فهل يجوز لمن يتقاضاها أن يشتغل في الخفاء دون أن يصرح للسلطات للحفاظ عليها ويكتب مع الإمضاء في وثيقة طلب المنحة أنه لا عمل له ولا دخل مادي وهذا يتكرر كل مرة يطلبها؟؟ أو أن يصرح بدخل غير صحيح للحصول على جزء منها؟؟ أو أن يصرح ويملأ وثائق بذلك مع وجود شاهدين يشهدان أنه وزوجته يعيشان منفصلين عن بعضهما (ليس بمعنى الطلاق) من أجل حصول الزوجة والأولاد على المنحة لأنهم يفقدونها في حال حصوله على عمل وهو يعيلهم؟؟ ما حكم الاشتغال كسائق لسيارة الأجرة (التاكسي) ونقل الناس من مكان لآخر ولو كان محرما (مخمرة, لهو, قمار...) وركوب النساء معه دون محرم....أفتونا مأجورين بشيء من التوسعة وبارك الله فيكم وسدد خطاكم.
الجواب
من ضيق عليه في معيشته أو دينه في بلده ولم يجد بلدة من بلاد المسلمين تأويه فرحل إلى بلاد الكفار فأقام بها طلباً للعيش والأمان فلا شيء عليه إن شاء الله في إقامته بين ظهراني الكفار، ما دام يقيم شعائر دينه، نتيجة حرية التدين في تلك البلاد، إن كان يستطيع فيها أن يظهر شعائر دينه الاعتقادية والتعبدية - دون منع أو اضطهاد - وشعائر الدين هي: أركان الإسلام وأركان الإيمان، وإظهار المسلم لشعائره التعبدية والعقدية في بلاد الكفار هو إظهار للعداوة والبغضاء والكفر بهم وبما يعبدون من دونه كما في قوله - تعالى -: "قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" الآية، [الممتحنة:4] وهؤلاء الصنف من الكفار هم الذين أعلنوا الحرب على المؤمنين دون غيرهم من المعاهدين المسالمين الذين أباح الله للمؤمنين أن يبروا بهم ويعدلوا فيهم"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [الممتحنة:8] وعداوة المسلم للكافر وبغضه لا تستلزم ظلمه، ولا إنكار المنكر الذي هو عليه باليد أو القوة، لأن ذلك ليس إليه، وقد تترتب عليه، مفسدة عظمى.
وما تصرفه الدولة (الكافرة) منحة للعاطلين عن العمل حتى يجدوا مصدر رزق يدر عليهم ما يسد حاجتهم أخذه حلال للآخذ، ولو كان غالب مصدره الحرام، وقبول المسلم منحة وهدية الكافر جائزة إذا كانت غير مشروطة بحرام.
ولا يجوز لمن يتقاضى هذه المنحة أن يخفي على الدولة ما وجده من عمل - إذا كان هذا العمل يدر عليه ما يكفيه، أما إذا كان هذا العمل لا يدر عليه ما يكفيه فلا بأس عليه حينئذ ولا يجوز له أن يدلي بمعلومات ناقصة أو مغلوطة أو وثائق مكذوبة، أنه وزوجته يعيشان منفصلين من أجل حصول الزوجة والأولاد على هذه المنحة، لأن هذا من الحيل المحرمة والكذب الحرام، فإن الكذب يهدي إلى الفجور والفجور يهدي إلى النار، كما جاء في الحديث الصحيح أما اشتغال المسلم في ديار الغرب كسائق سيارة أجرة ينقل الناس من مكان لآخر، وقد تكون هذه الأمكنة محرمة يزاول فيها الحرام، فلا ينبغي للمسلم الاشتغال بهذه المهنة إذا كان له مندوحة عنها، وإن كان مضطرا ًلذلك فلا بأس عليه - إن شاء الله - بشرط أن ينكر ذلك بقلبه على الأقل.
أما ركوب النساء مع السائق دون محرم داخل البلد أو خارجه فحرام إذا كانت بمفردها مع السائق الأجنبي أما إذا كانت النساء اثنتان فأكثر فجائز لعدم تحقق الخلوة كما في الحديث المتفق عليه "لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم" البخاري (5233) ومسلم(5/297)
(1341) وفي الحديث الآخر "لا يخلون رجل بامرأة فإن الشيطان ثالثهما" أحمد (114) والترمذي (2165) والنسائي في الكبرى (9175). وفقنا الله وإياكم للخير آمين.
============
يانصيب الحصول على الجنسية الأمريكية
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ... الفهرسة/ المعاملات/القمار والرهان والميسر
التاريخ ... 02/05/1425هـ
السؤال
ما هو الحكم الشرعي في (يانصيب الحصول على الجنسية الأمريكية) بالدليل؟.
الجواب
اليانصيب كما عرفها القانون هي: لعبة يسهم فيها عدد من الناس، بأن يدفع كل منهم مبلغاً صغيراً ابتغاء كسب النصيب، وهو عبارة عن مبلغ نقدي كبير، أو سلعة من السلع يوضع تحت السحب، ويكون لكل مساهم رقم، ثم توضع أرقام للمساهمين في مكان، ويسحب منها عن طريق الحظ رقم أو أرقام، فمن خرج رقمه كان هو الفائز بالنصيب، وهذا من القمار المحرم، كما في حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- مرفوعاً: "من حلف باللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله، ومن قال لصاحبه: تعال أقامرك فليتصدق" رواه البخاري(4860)، ومسلم(1647) من حديث أبي هريرة-رضي الله عنه- والقمار هو الميسر المحرم بنص القرآن "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ"[المائدة:90-91]، وسبب تحريم الميسر في الآية هو أن المشركين في مكة كانوا يتقامرون على الجزور ناقة يرونها يتوازعونها أسهماً بينهم تبلغ (29) سهماً، ثم يضعون هذه الأسهم في خريطة - كيسة - ويخبصونها ثم يبدأ كل واحد منهم يسحب سهماً، فمن ظهر له رقم من هذه الأسهم دفع جزءاً من قيمة الجزور يماثل قيمة سهمه الذي خرج له، وهكذا حتى النهاية ثم يدفعون قيمة هذه الأسهم الـ (29) إلى صاحب الجزور، ثم يذبحونها ويتصدقون بلحمها على الفقراء منهم، فجاءت الآية بالتحريم، هذا عن الشق الأول لسؤالك وهو حكم (اليانصيب).
أما الشق الثاني: وهو تجنس المسلم بالجنسية الأمريكية أو غيرها، فأقول إذا كان السفر والإقامة المؤقتة في بلاد الكفار لغير غرض شرعي فمنهي عنها؛ لأحاديث كثيرة منها ما رواه أبو داود(2645) والترمذي(1604): "أنا بريء من كل مسلم يقيم بين أظهر المشركين"، قالوا يا رسول الله ولم؟ قال: "لا تراءى ناراهما"، فإن النهي عن التجنس بجنسية الدولة الكافرة من باب أولى؛ لأنها إقامة دائمة، فالنهي عنها أشد وأعظم، وقد تدعوه الحال إلى أن يتحاكم إلى محاكمها وأنظمتها الكفرية، والإقامة بين أظهر الكفار تسبِّب ضعف الدين ورقته وضياع الأولاد والأهل، واستمراء المعاصي والمنكرات؛ لأن كثرة المساس تذهب الإحساس، كما يقال، هذا كله إذا كان التجنس بجنسية الدولة الكافرة أو الإقامة فيها لغير ضرورة شرعية، أما إذا كان هناك ضرورة تدعوه لأخذ جنسية الدولة الكافرة، كأن لا يأمن على نفسه أو أهله، فهو يلاحق ظلماً وعدواناً، أو لا يستطيع طلب الرزق له ولأولاده في بلاده التي نشأ بها، ولم يجد دولة مسلمة تؤيه، كما هو الحال اليوم مع كثير من الدعاة أو المعارضين لحكوماتهم، أو يكون المسلمون (الأقلية المسلمة) في بلاد الكفار بحاجة إلى من يعلمهم دينهم، ولا يحصل لهم هذا إلا إذا تجنَّس من يدعوهم بجنسية دولتهم، ففي مثل هذه الحالات يجوز أخذ جنسية دولة كافرة بشروط منها:
(1) أن يكون ولاؤه الحقيقي ومحبته القلبية لأمته المسلمة، ولو خالط الكفار وعاشرهم في الظاهر إنما لحمله جنسيتهم.
(2) أن لا يترتب على أخذه الجنسية ارتكابه لمحظور شرعي قطعي الدلالة.
(3) أن يتمكن من إظهار شعائره التعبدية من صلاة وصيام وزكاة ونحوها.
(4) أن يكون مضطر ضرورة شرعية لا محالة له منها للقاعدة الأصولية (الضرورات تبيح المحظورات) والضرورة تقدر بقدرها، أو يكون طلبه للجنسية باعثه حاجة ملحة لا مندوحة له منها؛ للقاعدة الفقهية (إن الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت أو خاصة) وإذا جازت الإقامة في بلاد الكفار لغرض شرعي جاز أخذ الجنسية؛ لأنها متفرعة عنها في كل حال، وما قد يرد على أخذ الجنسية من التحاكم إلى محاكم الكفر وقوانينه يرد على المقيم في ديار الكفر، فإنه ملزم باتباع أنظمة البلاد وقوانينها، ومثله من أسلم في دار الكفر أو ولد فيها مسلماً.(5/298)
وإذا جاز للمسلم أن يتوظف في حكومة كافرة، ويطبق من أنظمة الدولة ما يوافق شرع الله، كما كان من تولي نبي الله يوسف -عليه السلام- وظيفة المالية والخزانة لفرعون مصر قال تعالى: " قال اجْعَلْنِي عَلَى خَزَائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ"[يوسف: من الآية55]، فإن أخذ الجنسية من الدولة الكافرة أهون من هذا، ورحم الله شيخ الإسلام ابن تيمية (السابق لعصره) حيث يقول في مجموع الفتاوى(30/55): (الولاية وإن كانت جائزة أو مستحبة أو واجبة فقد يكون في حق الرجل المعين غيرها أوجب أو أحب، فيقدم حينئذ خير الخيرين وجوباً تارة واستحباباً أخرى، ومن هذا الباب تولي يوسف الصديق - عليه السلام -على خزائن الأرض لملك مصر، بل ومسألته له أن يجعله على خزائن الأرض، وكان هو وقومه كفاراً، كما قال تعالى: "وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ"[غافر: من الآية34]، وقال تعالى عنه: "يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ"[يوسف: 39-40]، ومعلوم أنه مع كفرهم لا بد أن يكون لهم عادة وسنة في قبض الأموال وصرفها على حاشية الملك وأهل بيته وجنده ورعيته، ولا تكون تلك جارية على سنة الأنبياء وعدلهم، ولم يكن يوسف - عليه السلام- يمكنه أن يفعل كل ما يريد وهو ما يراه من دين الله، فإن القوم لم يستجيبوا له، لكن فعل الممكن من العدل والإحسان، ونال يوسف - عليه السلام- بالسلطان من إكرام المؤمنين من أهل بيته، وهم مسلمون، بل وفيهم أبوه نبي الله يعقوب - عليه السلام- ما لم يكن يمكن أن يناله بدون ذلك، وهذا كله داخل في قوله تعالى: "فاتقوا الله ما استطعتم"[التغابن: 16] ا.هـ.
واستنباطاً من كلام شيخ الإسلام ابن تيمية هذا نقول: إذا كان نبي الله يوسف - عليه السلام- لم يستطع أن يفعل كل ما يريده فيمنع فرعون وجنده، وحاشيته من استئثارهم بالمال العام وتبذيره وحفظه لصالح الأمة، مع أنه -عليه السلام- هو المشرف والمتولي للخزانة العامة لدولة فرعون، وإنما فعل يوسف - عليه السلام- من العدل والإحسان ما تمكن منه وقدر عليه، إذا كان هذا جائزاً في حق يوسف -عليه السلام- وهو نبي يوحى إليه، فإنه في حق غيره من البشر أولى، ومنهم المتجنس بجنسية الكفار اضطراراً، فإن عليه أن يفعل الممكن من العدل والإحسان، وأخيراً ولو كان قليلاً مما اشتملت عليه أنظمة تلك البلاد وقوانينها وإظهار شعائر دينه من صلاة وصيام، وخلاصة الجواب: أن ما تفعله بعض المكاتب التجارية من اليانصيب للاقتراع للحصول على الجنسية الأمريكية أعتقد أنه مزايدة تجارية، ولا يمكن لدولة أن تجعل أنظمتها كالتجنس بأيدي تجار يزيدون عليها، ولو فرض وقوعه في دولة من الدول لامتنع في أمريكا، وبالأخص بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي غيرت مجرى التاريخ أو كادت، والتجنس بالجنسية الأمريكية أو غيرها جائز إذا توفرت في طالبها الشروط السابق ذكرها. والله تعالى أعلم، وصلى الله على نبينا محمد.
================
البقاء بين ظهراني المشركين
المجيب ... د. أحمد بن محمد الخضيري
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإٌسلامية
التصنيف ... الفهرسة/ الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ ... 22/5/1424هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا مسلم محافظ أدرس في الولايات الأمريكية مبتعث لأدرس تخصصا مهماً فهو أحدث من الموجود في بلادنا، إضافة إلى أنه مهم ونادر, والجميع يعلم أن زعماء أولئك القوم -الذين أنا مقيم عندهم- قاموا بالاعتداء ورفع راية الحرب على إخواننا المسلمين في بلاد دجلة والفرات. ولست أرضى ذلك، الحمد لله لم يبق لي إلا ثلاثة أشهر أو أقل بإذن الله -تعالى- على التخرج الذي تلزمني به الجهة الباعثة، حيث إنني استطعت -ولله الحمد والمنة- التحصيل الأساسي والكافي الذي ينفعنا ديناً ودنيا بإذن الله تعالى، السؤال هو: هل يجوز بقائي واستمراري في هذه الظروف العصيبة? إنما أردت أن أراجع وأطمئن لقول وتوصيات أهل الذكر. وجزاكم الله خيراً.
الجواب(5/299)
استمر في دراستك واحرص على تحقيق الغرض الذي من أجله ابتعثت، وبخاصة أنه لم يبق على تخرجك سوى مدة يسيرة، ولا أرى لك أن تقطع بعثتك بسبب ما تذكره من ظروف الحرب والاعتداء، لأنك ستخسر هذا العلم ولن يغير رجوعك من الأمر شيئاً، بل احرص على تحصيل العلم الذي من خلاله تنفع أمتك إذا رجعت، وتجاهد به الكفار في ميدان العلم، وعليك بإخلاص النية لله -تعالى-، واعلم أنه إذا حسنت نيتك في تحصيلك للعلم، فإن الله -تعالى- يثيبك على هذا أجزل الثواب وأوفاه، ومقام المسلم في ديار الكفر من أجل تحصيل علم نافع للمسلمين لا حرج فيه، إذا كان قد حصن نفسه من الشهوات والشبهات، وانطوى قلبه على بغض ما عليه هؤلاء القوم من كفر وإلحاد، ولتكن في مقامك هناك داعية إلى الله -تعالى- بسلوكك وصدقك وحسن تعاملك، والله أعلم.
===========
تطبيق حد الرجم في ديار الكفر
المجيب ... د. هاني بن عبدالله الجبير
قاضي بمحكمة مكة المكرمة
التصنيف ...
التاريخ ... 9/9/1424هـ
السؤال
إذا زنى رجل متزوج بامرأة متزوجة في ديار الكفر، وكان هناك عدداً كافياً من الشهود مستعدين للإدلاء بشهادتهم، ولكن لا يوجد قاض لإصدار الحكم، فهل يطبق عليهما حد الرجم بدون وجود قاضٍ؟ وماذا يجب على المسلمين في هذه المنطقة أن يفعلوا؟ هل يتغيَّر الوضع في حال وجود قاضٍ؟.
الجواب
الحمد لله وحده، وبعد:
فإقامة الحدود مثل رجم الزاني وقطع يد السارق وجلد شارب الخمر يقيمها من له ولاية كالقاضي؛ لأنها تحتاج لإثبات وحكم بموجبها، ولو لم توكل للقضاة لصار في ذلك فوضى عامة وضرر كبير.
والواجب على المسلمين المقيمين في بلاد غير إسلامية أن يسعوا لدى الحكومات في إقامة قاضٍ يحكم بالشريعة بينهم، فإن أمكن فهذا المطلوب، وإلا فإن الواجب عليهم بذل النصيحة والتذكير والإرشاد لبعضهم، وإن أمكن أن يعاقب بما يردعه من مثل الهجر الجماعي حتى يظهر التوبة مثلاً فهذا حسن أيضاً.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه وصلى الله على محمد وآله وصحبه.
===========
تقسيم الدار في الفقه الإسلامي
خطبة البحث:
الرسالة تتكون من مقدمة، وتمهيد ، وخمسة فصول، وخاتمة.
المقدمة: ذكر فيها الباحث أهمية الموضوع، وأسباب اختياره، وأهدافه، والمنهج العلمي المتبع في البحث، وإجراءات الدراسة، والدراسات المسابقة.
التمهيد:
تناول الباحث فيه مفهوم التقسيم ومفهوم الدار والمقصود بهما.
ويتكون من مبحثين:
المبحث الأول: تعريف التقسيم لغة واصطلاحاً.
المبحث الثاني: تعريف الدار لغة واصطلاحاً.
الفصل الأول: صف الدار وتقسيمها في الكتاب والسنة.
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: وصف الدار في الكتاب والسنة.
المبحث الثاني: النافون لتقسم الدار إلى دارين في الكتاب والسنة.
المبحث الثالث: المثبتون لتقسم الدار في الكتاب والسنة.
الفصل الثاني: مبدأ تقسم الدار .
وفيه ثلاث مباحث:
المبحث الأول: أصل العلاقة بين دار الإسلام ودار الكفر.
المبحث الثاني: القائلون بقيام تقسيم الدار على أصل العلاقة بين دار الإسلام ودار الكفر.
المبحث الثالث: مدى قيام تقسم الدار على أصل العلاقة بين دار الإسلام ودار الكفر.
الفصل الثالث: دار الإسلام ودار الكفر [فيه ثلاثة مباحث].
المبحث الأول: تعريف دار الإسلام ودار الكفر ومرادفاتهما.
المبحث الثاني: معايير الحكم في الدار من حيث الإسلام والكفر من خلال تعريفات الفقهاء .
المبحث الثالث: أقسام دار الإسلام ودار الكفر.
الفصل الرابع: دار العهد [وفيه مبحثان].
المبحث الأول: تعريف دار العهد لغة واصطلاحاً.
المبحث الثاني: حقيقة دار العهد ومدى استقلالها.
الفصل الخامس: تحول الدار، [وفيه مبحثان].
المبحث الأول: تحول دار الكفر إلى تحول دار الإسلام.
المبحث الثاني: تحول دار الإسلام إلى دار الكفر.
الخاتمة:
وتحتوي على أهم النتائج التي وصل الباحث إليها ومنها:
- أن الفقهاء يقصدون بالدار في اصطلاحهم الفقهي في باب السير والجهاد أن الدار هي الأرض [الإقليم الجغرافي] التي اختصت بالقهر والغلبة من قبل سلطة حاكمة على أناس، إما بالإسلام وغما بالكفر، فإن كانت الغلبة والقهر للمسلمين فهي: دار الإسلام، وإن كانت لغيرهم فهي دار الكفر.
- مصطلح الدار عند الفقهاء يقابل مصطلح دار الدولة في القانون الدولي المعاصر إجمالاً.
- الدولة في القانون الدولي المعاصر هي: مجموعة من الأفراد يقطنون على سبيل الدوام والاستقرار إقليماً معيناً يخضعون لسلطة سياسية معينة.
- أركان الدولة في القانون الدولي المعاصر هي: الإقليم والسكان والسلطة السياسية والحكم بما أنزل الله .
- يتفق نظام الدولة الإسلامية مع غيرها من أنظمة الدول غير الإسلامية في اشتراط قيام الدولة تحقق ثلاثة شروط هي: الإقليم والسكان والسلطة.(5/300)
- ينفرد نظام الدولة الإسلامية عن غيرها من أنظمة الدول غير الإسلامية والذي لا توليه المنظمة الوضعية أهمية، وهو الحكم بما أنزل الله والذي هو شعار تميز الدولة الإسلامية، وإنفرادها عن بقية الأنظمة والحكومات الوضعية كما ينفرد نظام الدولة الإسلامية قيام أركان الدولة الإسلامية على أصول التشريع الإسلامي من الكتاب والسنة والإجماع والقياس.
- تضافرات النصوص من الكتاب والسنة على وصف الدار من حيث الإسلام أو الكفر ، فقد كانت مكة قبل فتح النبي - صلى الله عليه وسلم - لها هي المثال القرآني والنبوي لدار الكفر والحرب.
- وكانت المدينة بعد هجرة النبي - صلى الله عليه وسلم - إليها هي المثال القرآني النبوي لدار الإسلام.
- إن مصطلح دار الإسلام ودار الكفر ودار الحرب هي مصطلحات قرآنية نبوية استمدها الفقهاء من نصوص الكتاب والسنة، وبنو عليها الأحكام الفقهية المترتبة على اختلافهما، وليس كما ذهب أغلبية النافون للتقسيم من نفي التقسيم في الكتاب والسنة وأنه قسيم طارئ ومحدث .
- لدار الإسلام مرادفات في كلام الفقهاء ، وكلها تؤدي على معنى واحد ومنها: دار الإيمان، بلاد الإسلام ، دار المسلمين ، بلاد المسلمين ، ديار المسلمين.
ولدار الكفر مرادفات في كلام الفقهاء وكلها تؤدي إلى معنى واحد: دار الحرب، دار الشرك، دار المشركين.
عن معيار الحكم على الدار هو: ظهور الحكام وغلبتها، وهذه ترتبط بنوع الحكم والحاكم وعقيدته.
فإن كان السلطان في بلاد المسلمين، وهذه البلاد تحت قهره وغلبته، وظهرت الحكام الإسلامية المنوطة بهذا السلطان فهي دار إسلام.
وإن كان الحاكم كافراً ويحكم البلاد بأحكام الكفر فهي دار كفر.
- إن المراد بالجزيرة العربية في النصوص الشرعية هي الجزيرة كلها؛ لأن الشارع إذا لم يأت بتحديد في قضية معينة، وكانت مطلقة عن التقييد، فإنه ينتقل إلى التحديد الاصطلاحي.
- إذا انقسمت بعض أجزاء دار الإسلام عن دار الإسلام الأصلية من حيث السلطة ، وتوافرت فيها أركان الدولة: الإقليم والسكان والسلطة المسلمة، وتحقق معيار دار الإسلام من ظهر أحكام الإسلام وغلبتها القائمة على السلطة المسلمة؛ فإن هذا الجزء المستقل من دار الإسلام يطلق عليها دولة إسلامية من قبيل الضرورة والأصل أن تتحد مع دار الإسلام الأصل بإمام واحد.
- أن أصل العلاقة بين [دار الإسلام] و[دار الكفر] هو الجهاد بكل ما تعنيه هذه الكلمة من دعوى الكفار إلى ثلاث خصال:
الإسلام، أو الدخول تحت سلطان الإسلام بعقد الجزية أو القتال إذا وقفوا في وجه الدعوة الإسلامية، ونشرها في أنحاء المعمورة .
واستخدام مصطلح [الجهاد] أراه أقرب إلى بيان معاني الإسلام ومقاصده السامية من التعبير بمصطلح [الحرب]؛ فإن مصطلح [الجهاد] مصطلح إسلامي شامل للجهاد بالنفس والمال، كما أنه قد يكون جهاداً للنفس ، وجهاداً للأعداء، فهو يتضمن من المعاني والإيحاءات ما لا نجده في كلمة أخرى، وعند إطلاق هذه الكلمة في هذا البحث فإنما تعني استفراغ الوسع والطاقة في مدافعة العداء وقتالهم مباشرة أو معاونته بمال أو رأي أو تكثير سواد وغيره.
بناء تقسم الدار إلى : دار الإسلام ودار الكفر عند الفقهاء على مناط الحكم على الدار ومعياره: ظهور الحكم، فإن كان الظهور لأحكام الإسلام فالدار: دار الإسلام، وإن كان الظهور لأحكام الكفر فالدار دار كفر .
- نوع الكفر المنسوب إلى الدار في كلام الفقهاء هو : الكفر الأكبر المخرج من الملة المستحق صاحبه الوعيد دون الخلود.
- تنقسم دار الكفر من حيث علاقتها بدار السلام إلى قسمين:
دار الكفر المحاربة وهي الأصل في دار الكفر، ودار الكفر المعاهدة وهي الاستثناء.
- دار العهد عند الفقهاء المتقدمين ليست مستقلة عن دار الحرب فهي إما أن تكون دار إسلام مثل دار أهل الذمة ودار أهل الأمان للحربي حال أمانة لأن السلطة فيها للمسلمين.
وإما دار حرب وهي التي ترتبط بمعاهدة مع دار الإسلام مثل دار المهادنين .
تتحول دار الكفر إلى دار الإسلام بظهور أحكام الإسلام بظهور أحكام الإسلام فيها المبنية على السلطان المسلم ولتحولها ثلاث صور: إما بإسلام أهلاً طوعاً من غير قتال وإما بالفتح الإسلامي ، وإما بالدخول صلحاً تحت سلطان المسلمين وفق عقد الذمة.
لا تتحول دار الإسلام إلى دار الكفر ما دامت أحكام الإسلام وشعائره ظاهرة والمتعلقة بالإمام والسكان معاً كالصلاة والأذان ووجود المساجد كمعالم بارزة ومميزة لبلاد الإسلام وسلطاته والأخذ بهذا الرأي للاحتياط في الدماء والأموال وعلوم الإسلام.
- تتحول دار الإسلام إلى دار الكفر إذا غلب عليها أهل الحرب، أو ارتد أهلها، أو نقض أهل الذمة العهد وغلبوا على دارهم وكانت السلطة لهم بعد أن كانت للمسلمين.
- إذا كفر الحاكم بعد إسلامه بحكمه دار الإسلام بغير ما أنزل الله فإن السكان المسلمون منكرين وكارهين وغير راضين بحكم الحاكم بغير ما أنزل الله.(5/301)
- إذا كفر الحاكم بعد إسلامه بحكمه دار الإسلام بغير ما أنزل الله لا تتحول دار الإسلام إلى دار الكفر ما دامت أحكام الإسلام وشعائره ظاهرة والمتعلقة بالإمام والسكان معاً كالصلاة والأذان ووجود المساجد معالم بارزة ومميزة لبلاد الإسلام وسلطته والأخذ بهذا الرأي للاحتياط في الدماء والأموال، وعلوم الإسلام.
وآخر دعوانا إن الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
=============
استئجار قاعة للصلاة تقام فيها شعائر نصرانية
المجيب ... أ.د. سعود بن عبدالله الفنيسان
عميد كلية الشريعة بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية سابقاً
التصنيف ...
التاريخ ... 30/1/1425هـ
السؤال
نظراً لضيق مسجدنا ونظراً لكثرة عدد المصلين يوم الجمعة فإن سلطات المدينة النصرانية وافقت على تأجيرنا قاعة تابعة لهم، ليست كنيسة وإنما مركز تقام فيها أنشطتهم وحفلاتهم وحتى شعائرهم يوم الأحد مع العلم أن مركزنا أصبح ضيقاً لا يسع إلا ثلث المصلين يوم الجمعة، فهل نقبل هذا العرض أم لا؟ وللعلم فإننا نخشى أن تستغل وسائل الإعلام الحدث ويصبح الأمر فيه منّة وافتخار على المسلمين.وجزاكم الله خيراً.
الجواب
يجوز استئجاركم هذه القاعة لإقامة صلاة الجمعة ما دام المسجد ضيقاً ولو كانت هذه القاعة تستخدم في أوقات أخرى من النصارى لإقامة أنشطتهم وبعض طقوسهم الدينية، وأنتم تشكرون على فعلكم هذا في إظهار شعائر الإسلام كصلاة الجمعة في مثل ديار الكفار، وأرجو الله أن يثيبكم على ذلك، وهذه الصالة في حقكم ليست مسجداً بالمعنى الاصطلاحي المتعارف عليه عند المصلين وإنما هي (مصلى)، والمصلى لا يأخذ حكم المسجد من حيث منع المرأة الحائض من المكث فيه، فيجوز للنساء حضور الخطبة في هذا المصلى، كما أنه لا تصلى فيه تحية المسجد بهذه النية وإنما بنية الصلاة المطلقة لقوله صلى الله عليه وسلم: "بين كل أذانين صلاة ثلاثاً لمن شاء" رواه البخاري (624)، ومسلم (838) من حديث عبد الله بن مغفل المزني - رضي الله عنه - والأذانان هما الأذان والإقامة، كما يجوز أداء النوافل العامة والقبلية منها للصلاة والبعدية لكونها غير مرتبطة بالمكان وإنما بالصلاة، ولا أعتقد أن يكون فعلكم هذا فتنة من النصارى؛ فإن ديننا لا يمنعنا من ذلك، بل هذا ربما يقربهم لنا وإن كانت الفتنة المتوقعة من بعض المسلمين؛ فينبغي أن يتفقهوا في دينهم أولاً، وفق الله الجميع إلى كل خير وفقهنا وإياك في دينه آمين.
=============
التقية والعمل بها
المجيب ... د. علي بن عمر با دحدح
عضو هيئة التدريس بجامعة الملك عبد العزيز
التصنيف ... الفهرسة/ أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ ... 17/1/1425هـ
السؤال
ما هي التقية؟ وكيف يتم العمل بها في جماعة السنة عند الاستعداد للحرب؟ هل هي جائزة؟.
الجواب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه .. وبعد:
فهذا إيجاز من القول عن التقية والخدعة وما يتصل بهما في أعمال المسلم في الأحوال المختلفة:
تعريف التقية:
لغة: من اتقيت الشيء وتَقَيته وأتَّقيه تقىً وتَقِيّة وتقاء، حذرته.
اصطلاحاً: عرفها ابن حجر بقوله: التقية: الحذر من إظهار ما في النفس من معتقد وغيره للغير(فتح الباري12/314)، وقد ورد في معنى التقية آيات قرآنية وأحاديث نبوية فمن الآيات: قوله -تعالى-:"لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون المؤمنين ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء إلا أن تتقوا منهم تقاة ويحذركم الله نفسه وإلى الله المصير"[آل عمران: 28]، عن ابن عباس - رضي الله عنهما- في قوله -تعالى-:"إلا أن تتقوا منهم تقاة"، فالتقية باللسان من حمل على أمر يتكلم به وهو معصية لله، فيتكلم به مخافة الناس، وقلبه مطمئن بالإيمان، فإن ذلك لا يضره، إنما التقية باللسان".(تفسير ابن أبي حاتم ج2/ص629) .
وقال ابن كثير:" أي إلا من خاف في بعض البلدان والأوقات من شرهم، فله أن يتقيهم بظاهره لا بباطنه ونيته كما قال البخاري، عن أبي الدرداء -رضي الله عنه - أنه قال :"إنا لنبشّ في وجوه أقوام، وقلوبنا تلعنهم" انظر ما رواه البخاري تعليقاً في كتاب: الأدب باب: المداراة مع الناس، وقال البخاري: قال الحسن: "التقية إلى يوم القيامة" انظر صحيح البخاري كتاب الإكراه. (ابن كثير 360-361).
وقال النسفي في معنى الاستثناء:" إلا أن تخافوا من جهتهم أمراً يجب اتقاؤه، أي: إلا أن يكون للكافر عليك سلطان، فتخافه على نفسك، ومالك، وحينئذ يجوز لك إظهار الموالاة وإبطال العداوة ".(تفسير النسفي 153/1).
ومنها قوله -تعالى-: "من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدراً فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم"[النحل: 106].قال ابن جرير في سبب نزول هذه الآية :"أخذ المشركون عماراً فعذّبوه حتى قاربهم في بعض ما أرادوا، فشكا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم- فقال له كيف تجد قلبك ؟ قال : مطمئناً بالإيمان، قال - صلى الله عليه وسلم- :" فإن عادوا فعد ".(تفسير الطبري 181/8).(5/302)
وقال ابن كثير: "ولهذا اتفق العلماء على أن المكره على الكفر يجوز له أن يوالي؛ إبقاء لمهجته، ويجوز له أن يأبى" . (ابن كثير 1078).
وأما السنة: فقد روى البخاري في صحيحه(2510)، ومسلم(1801) عن جابر- رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَنْ لِكَعْبِ بْنِ الْأَشْرَفِ فَإِنَّهُ قَدْ آذَى اللَّهَ وَرَسُولَه؟ُ فَقَامَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ - رضي الله عنه- فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَتُحِبُّ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ قَال:َ "نَعَمْ"، قَالَ: فَأْذَنْ لِي أَنْ أَقُولَ شَيْئًا، قَال:َ "قُلْ"، فَأَتَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ - رضي الله عنه- فَقَال:َ إِنَّ هَذَا الرَّجُلَ قَدْ سَأَلَنَا صَدَقَة،ً وَإِنَّهُ قَدْ عَنَّانَا، وَإِنِّي قَدْ أَتَيْتُكَ أَسْتَسْلِفُكَ، قَالَ: وَأَيْضًا وَاللَّهِ لَتَمَلُّنَّه،ُ قَال:َ إِنَّا قَدْ اتَّبَعْنَاه،ُ فَلَا نُحِبُّ أَنْ نَدَعَهُ حَتَّى نَنْظُرَ إِلَى أَيِّ شَيْءٍ يَصِيرُ شَأْنُهُ، وَقَدْ أَرَدْنَا أَنْ تُسْلِفَنَا وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْن،ِ- وحَدَّثَنَا عَمْرٌو غَيْرَ مَرَّةٍ فَلَمْ يَذْكُرْ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، أَوْ فَقُلْتُ لَهُ فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْنِ، فَقَال:َ أُرَى فِيهِ وَسْقًا أَوْ وَسْقَيْن-ِ فَقَالَ: نَعَمِ، ارْهَنُونِي قَالُوا: أَيَّ شَيْءٍ تُرِيدُ؟ قَال:َ ارْهَنُونِي نِسَاءَكُمْ، قَالُوا: كَيْفَ نَرْهَنُكَ نِسَاءَنَا وَأَنْتَ أَجْمَلُ الْعَرَب؟ِ قَالَ: فَارْهَنُونِي أَبْنَاءَكُم،ْ قَالُوا كَيْفَ نَرْهَنُكَ أَبْنَاءَنَا فَيُسَبُّ أَحَدُهُمْ فَيُقَال:ُ رُهِنَ بِوَسْقٍ أَوْ وَسْقَيْنِ هَذَا عَارٌ عَلَيْنَا، وَلَكِنَّا نَرْهَنُكَ اللَّأْمَة،َ قَالَ سُفْيَان:ُ يَعْنِي السِّلَاح،َ فَوَاعَدَهُ أَنْ يَأْتِيَه،ُ فَجَاءَهُ لَيْلًا، وَمَعَهُ أَبُو نَائِلَةَ وَهُوَ أَخُو كَعْبٍ مِنْ الرَّضَاعَةِ، فَدَعَاهُمْ إِلَى الْحِصْنِ، فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ، فَقَالَتْ لَهُ امْرَأَتُه:ُ أَيْنَ تَخْرُجُ هَذِهِ السَّاعَةَ؟ فَقَال:َ إِنَّمَا هُوَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَأَخِي أَبُو نَائِلَةَ- وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو: قَالَت:ْ أَسْمَعُ صَوْتًا كَأَنَّهُ يَقْطُرُ مِنْهُ الدَّمُ، قَالَ: إِنَّمَا هُوَ أَخِي مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ وَرَضِيعِي أَبُو نَائِلَةَ إِنَّ الْكَرِيمَ لَوْ دُعِيَ إِلَى طَعْنَةٍ بِلَيْلٍ لَأَجَابَ، قَال:َ وَيُدْخِلُ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ مَعَهُ رَجُلَيْنِ قِيلَ لِسُفْيَانَ سَمَّاهُمْ عَمْرٌو، قَالَ سَمَّى بَعْضَهُم؟ْ قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْن،ِ وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو أَبُو عَبْسِ بْنُ جَبْرٍ وَالْحَارِثُ بْنُ أَوْسٍ، وَعَبَّادُ بْنُ بِشْر،ٍ قَالَ عَمْرٌو: جَاءَ مَعَهُ بِرَجُلَيْنِ، فَقَالَ إِذَا مَا جَاءَ فَإِنِّي قَائِلٌ بِشَعَرِهِ فَأَشَمُّهُ فَإِذَا رَأَيْتُمُونِي اسْتَمْكَنْتُ مِنْ رَأْسِهِ فَدُونَكُمْ فَاضْرِبُوه،ُ وَقَالَ مَرَّةً: ثُمَّ أُشِمُّكُمْ فَنَزَلَ إِلَيْهِمْ مُتَوَشِّحًا، وَهُوَ يَنْفَحُ مِنْهُ رِيحُ الطِّيب،ِ فَقَال:َ مَا رَأَيْتُ كَالْيَوْمِ رِيحًا أَيْ أَطْيَبَ، وَقَالَ غَيْرُ عَمْرٍو قَال:َ عِنْدِي أَعْطَرُ نِسَاءِ الْعَرَب،ِ وَأَكْمَلُ الْعَرَبِ، قَالَ عَمْرٌو: فَقَالَ: أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَشُمَّ رَأْسَك؟َ قَال:َ نَعَمْ، فَشَمَّهُ ثُمَّ أَشَمَّ أَصْحَابَه،ُ ثُمَّ قَال:َ أَتَأْذَنُ لِي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُ قَالَ دُونَكُمْ فَقَتَلُوه،ُ ثُمَّ أَتَوْا النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فَأَخْبَرُوهُ".
قال النووي : وَاتَّفَقَ الْعُلَمَاء عَلَى جَوَاز خِدَاع الْكُفَّار فِي الْحَرْب , وَكَيْف أَمْكَنَ الْخِدَاع إِلَّا أَنْ يَكُون فِيهِ نَقْضُ عَهْد أَوْ أَمَان فَلَا يَحِلّ , وَقَدْ صَحَّ فِي الْحَدِيث جَوَاز الْكَذِب فِي ثَلَاثَة أَشْيَاء : أَحَدهَا فِي الْحَرْب .(شرح النووي لصحيح مسلم 45/12).
قال ابن حجر : . وَفِيهِ التَّحْرِيض عَلَى أَخْذ الْحَذَر فِي الْحَرْب , وَالنَّدْب إِلَى خِدَاع الْكُفَّار , وَأنَّ مَنْ لَمْ يَتَيَقَّظ لِذَلِكَ لَمْ يَأْمَن أَنْ يَنْعَكِس الْأَمْر عَلَيْهِ, قَالَ اِبْن الْعَرَبِيّ : الْخِدَاع فِي الْحَرْب يَقَع بِالتَّعْرِيضِ وَبِالْكَمِينِ وَنَحْو ذَلِكَ . وَفِي الْحَدِيث الْإِشَارَة إِلَى اِسْتِعْمَال الرَّأْي فِي الْحَرْب، بَلْ الِاحْتِيَاج إِلَيْهِ آكَد مِنْ الشَّجَاعَة , وَكَذَا وَقَعَ الِاقْتِصَار عَلَى مَا يُشِير إِلَيْهِ بِهَذَا الْحَدِيث, وَهُوَ كَقَوْلِهِ " الْحَجّ عَرَفَة " , قَالَ اِبْن الْمُنِير : مَعْنَى الْحَرْب خَدْعَة أَيْ الْحَرْب الْجَيِّدَة لِصَاحِبِهَا الْكَامِلَة فِي مَقْصُودهَا إِنَّمَا هِيَ الْمُخَادَعَة لَا الْمُوَاجَهَة , وَذَلِكَ لِخَطَرِ الْمُوَاجَهَة وَحُصُول الظَّفَر مَعَ الْمُخَادَعَة بِغَيْرِ خَطَر.(فتح الباري 158/6).(5/303)
وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بترجمتين، فقال: باب: الكذب في الحرب، وباب: الفتك بأهل الحرب، ونقل ابن حجر عن ابن العربي أنه قال :" الْكَذِب فِي الْحَرْب مِنْ الْمُسْتَثْنَى الْجَائِز بِالنَّصّ؛ِ رِفْقًا بِالْمُسْلِمِينَ لِحَاجَتِهِمْ" ثم قال ابن حجر :" وَيُقَوِّيه مَا أَخْرَجَهُ أَحْمَد(12001) وَابْن حِبَّانَ مِنْ حَدِيث أَنَس-رضي الله عنه- فِي قِصَّة الْحَجَّاج بْن عِلَاط الَّذِي أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَصَحَّحَهُ الْحَاكِم فِي اِسْتِئْذَانه النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُول عَنْهُ مَا شَاءَ لِمَصْلَحَتِهِ فِي اِسْتِخْلَاص مَاله مِنْ أَهْل مَكَّة، وَأَذِنَ لَهُ النَّبِيّ -صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-, وَإِخْبَاره لِأَهْلِ مَكَّة أَنَّ أَهْل خَيْبَر هَزَمُوا الْمُسْلِمِينَ وَغَيْر ذَلِكَ مِمَّا هُوَ مَشْهُور فِيهِ".(فتح الباري 159/6).
وأشار أهل العلم إلى أن الإجماع في مسألة الإكراه، قال ابن حجر :" قال ابن بطال تبعاً لابن المنذر: أجمعوا على أن من أكره على الكفر حتى خشي على نفسه القتل فكفر وقلبه مطمئن بالإيمان ألا يحكم عليه بالكفر، ولا تبين منه زوجته".(فتح الباري 314/12)
ومن مجموع ذلك يمكن القول بأن التقية عند أهل السنة هي إظهار المسلم لبعض الأقوال والفعال الموافقة لأهل الكفر أو الجارية على سبلهم إذا اضطر المسلم إلى ذلك؛ من أجل اجتناب شرهم، مع ثبات القلب على إنكار موافقتهم وبغضها والسعي لدفع الحاجة إليها . ( انظر فقه الإيمان والعمل الصالح د. العمري 520).
ضوابط التقية عند أهل السنة والجماعة:
الأول: ألا تكون التقية طريقاً للانفلات من ربقة التكاليف الشرعية، فلا يجوز الخروج عن حدود الشرع بحجة التقية.
ثانياً: التقية رخصة لا يلجأ إليها إلا في حال الاضطرار، والأخذ بالعزيمة أفضل. قال ابن حجر: (قال ابن بطال: أجمعوا على أن من أكره على الكفر واختار القتل أنه أعظم أجراً عند الله ممن اختار الرخصة، وأما غير الكفر فان أكره على أكل الخنزير وشرب الخمر مثلاً فالفعل أولى) (فتح الباري ج12/ص317).
ثالثاً: التقية لحال الضرورة تقدر بقدرها، فإذا اضطر المسلم إلى التقية وجب عليه أن يتقي الكفار بأدنى ما يمكن مما هو خروج عن حدود الشرع، وهذا لا يتعدى اللسان في كثير من الأحوال.
رابعاً: وجوب السعي للخروج من حكم الاضطرار أو الإكراه الذي أباح للمسلم التقية.
خامساً: التقية عند أهل السنة غالباً ما تكون مع الكفار وفي حال الإكراه والاضطرار.
ومن الناحية العملية هناك عدة حالات تطبيقية في حياة المسلمين المعاصرة منها :
أ- في حروب المواجهة العسكرية التقية بالكذب عند الحاجة جائز؛ لتحقيق مصلحة المسلمين ودفع الضرر والأذى عنهم دون أن يكون فيه غدر بنقض عهد أو أمان صريح، وهو من أعمال الحروب عامة .
ب- الأمة الإسلامية في حالة ضعف، ومن جهة أخرى هي في حالة مواجهة وحرب شعواء في المجالات العسكرية، فهناك حرب اقتصادية صناعية تحارب فيها الأمة؛ لئلا تمتلك ناصية العلم وأسرار التكنولوجيا، وتبقى عالة على أعدائها، وهناك حرب في مجال التعليم على المناهج؛ لمسخها وتفريغها من محتواها الذي يتضمن ثوابت الدين وهوية الأمة، وهكذا وكل ميدان من هذه الميادين يدخل فيه – بحسب تقدير الضرورة والحاجة – ضرب من التقية والخدعة، كأن يتم تحصيل أسرار العلوم والتكنولوجيا دون التصريح بهذا الهدف وبوسيلة لا تكشف التوجه بل بطرق وأساليب غير مباشرة وغير ظاهرة ونحو ذلك.
ج- المسلمون المستضعفون المضطهدون في بلاد ودول تحاربهم وتمنعهم من إظهار دينهم وهويتهم والقيام بأداء فرائضهم وشعائرهم كما كانت حالة المسلمين في الاتحاد السوفيتي الشيوعي سابقاً، وكما هو حال بعض المسلمين في مناطق الهند وبورما وغيرها، فهؤلاء ينطبق عليهم وضع الاضطرار الذي يقدرون فيه حاجتهم إلى خفاء ما يضر إظهاره، وإظهار ما يدفع عنه الأذى ولو كان غير حقيقي .
د- المسلمون في بلاد غير مسلمة وليسوا مضطهدين، ولكن القوانين المعمول بها في تلك البلاد تتعارض مع الأحكام الإسلامية؛ كمنع التعدد وكذلك ترتب الضرر على إظهار وإعلان بعض الأحكام الإسلامية لعدم فهم وتقبل المجتمعات لها، كما هو حال المسلمين في أوروبا ونحوها فإن لعلمائهم أن يجتهدوا في بعض ما فيه حاجة وضرورة لاتخاذ المناسب الذي يحقق المصالح ويدفع المفاسد، وإن كان عن طريق التورية والمعاريض وربما الكذب في حال الضرر الكبير والمفسدة العظيمة .
فحال المسلم في ديار الإسلام ورفع رايته وتطبيق شريعته يختلف عن المسلم في بلاد ومجتمعات وتشريعات ليست إسلامية فالأول يظهر الإسلام وشرائعه وشعائره والاعتزاز به ما قد لا يتاح مثله للثاني.(5/304)
قال ابن تيمية :" لو أن المسلم بدار حرب أو دار كفر غير حرب لم يكن مأموراً بالمخالفة لهم في الهدي الظاهر؛ لما عليه في ذلك من الضرر، بل قد يستحب للرجل أو يجب عليه أن يشاركهم أحياناً في هديهم الظاهر، إذا كان في ذلك مصلحة دينية من دعوتهم إلى الدين والاطلاع على باطن أمرهم لإخبار المسلمين بذلك أو دفع ضررهم عن المسلمين ونحو ذلك من المقاصد الصالحة" .(اقتضاء الصراط المستقيم 176-177).
ولا بد من التنبيه على أهمية مراعاة الضوابط المذكورة سابقاً، ومن المهم أن يكون الحرص عظيماً على التدين والإخلاص لله والورع، ثم عدم التوسع في مثل هذه المسائل بما لا تقتضيه الضرورات والحاجات الحقيقية، مع أهمية الانتباه إلى أنه ليس لكل أحد تقدير تلك الضرورات والإفتاء فيها بما يناسبها من التصرفات، وخاصة في المسائل العامة التي تتعلق بجميع أحوال المسلمين والجاليات الإسلامية في غير ديار الإسلام بل مرد ذلك إلى أهل العلم منهم للبحث في تلك المسائل بالرجوع لنصوص الشرع وقواعد وأصول الفقه ومقاصد الشريعة حتى تنضبط الأمور ويظل ارتباط المسلمين قوياً بدينهم وكتابهم وسنة نبيهم - صلى الله عليه وسلم-.
والتقية مصطلح له دلالة خاصة عند الشيعة ورأيت من المناسب إيجاز القول في بيان ذلك :
التقية عند الشيعة الإمامية.(ينظر: د ناصر القفاري، أصول مذاهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية 2/979-983)
تعريفها: (هي كتمان الحق وستر الاعتقاد فيه، وكتمان المخالفين، وترك مظاهرتهم بما يعقب ضراراً في الدين أو الدنيا).
واستدل الشيعة على التقية بالآيات التي استدل بها أهل السنة، ولكنهم توسعوا في استخدامها وخرجوا بها من حال الضرورة إلى حال الاختيار، فهي عندهم سلوك جماعي دائم وحالة مستمرة حتى يخرج القائم وهو محمد بن الحسن العسكري من سرداب سامراء. قال ابن بابويه من أئمتهم في كتابه الاعتقادات: (والتقية واجبة، لا يجوز رفعها إلى أن يخرج القائم، فمن تركها قبل خروجه فقد خرج عن دين الله -تعالى- وعن دين الإمامية وخالف الله ورسوله والأئمة).( ينظر: د ناصر القفاري، أصول مذاهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية 2/983).
وتقية الشيعة مع المسلمين ولا سيما أهل السنة؛ لأنهم يرون أهل السنة أشد كفراً من اليهود والنصارى لأن منكر إمامة الاثني عشر أشد من منكر النبوة عندهم.
ويرى الشيعة أن عصر القرون المفضلة عهد تقية.
التقية عندهم ركن من أركان دينهم كالصلاة أو أعظم، حتى قال قائلهم (اعتقادنا في التقية أنها واجبة من تركها بمنزلة من ترك الصلاة) وجعلوا التقية (تسعة أعشار الدين) (وأن من لا تقية له لا إيمان له)
وهي عندهم مطلوبة حتى مع انتفاء ما يبررها، ففي كتبهم (عليكم بالتقية؛ فإنه ليس منا من لما يجعلها شعاره ودثاره مع من يأمن جانبه؛ لتكون سجية مع من يحذره).
سبب غلو الشيعة في أمر التقية:
1- أن الشيعة تعد بيعة الخلفاء الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان - رضي الله عنهم - باطلة وهم ومن بايعهم في عداد الكفار، وعليٌّ - رضي الله عنه - ممن بايعهم وصلى خلفهم وجاهد معهم وسار على نهجهم وهذا يبطل مذهب الشيعة من أساسه فخرجوا من هذا التناقض بالقول بالتقية .
2- تبرير التناقض في مرويات الأئمة الذين زعموا لهم العصمة، فقالوا بالتقية؛ لتبرير هذا التناقض.
3- تسهيل مهمة الكذابين على الأئمة ومحاولة التعتيم على حقيقة مذهب أهل البيت، بحيث يوهمون الأتباع أن ما ينقله واضعو مبدأ التقية عن الأئمة هو مذهبهم، وأما ما اشتهر عن الأئمة وذاع عنهم وفعلوه أمام المسلمين فلا يمثل مذهبهم، وإنما يفعلونه تقية، فيسهل على أولئك الكذابين رد أقوالهم والدس عليهم وتكذيب ما يروى عنهم من حق.
وضع مبدأ التقية لعزل الشيعة عن المسلمين ، يقول أحد أئمتهم: (ما سمعتَ مني يشبه قول الناس- يعني أهل السنة- فيه التقية، وما سمعت مني لايشبه قول الناس فلا تقية فيه). وهذا مبدأ خطير، يؤدي بالشيعة إلى جعل مخالفة المسلمين هي القاعدة، وبالتالي يوافقون الكافرين ويخالفون المسلمين.
فالتقية عند الشيعة الإمامية نفاق لا يمت إلى الإسلام بصلة، ويجب على المسلم أن يتجنبها، ويحذر من هؤلاء الشيعة، وألا يثق بما يقولونه؛ لأن الأصل عندهم هو التقية، وهم كالمنافقين الذين وصفهم الله بقوله: "يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم"[الفتح: 11].
(ينظر: د ناصر القفاري، أصول مذاهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية 2/979-983)
والله -تعالى- أعلم وأحكم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
==============
الحرب مع اليهود
المجيب ... سامي بن عبد العزيز الماجد
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
التصنيف ... الفهرسة/ الجهاد ومعاملة الكفار/مسائل متفرقة في الجهاد ومعاملة الكفار
التاريخ ... 15/4/1423
السؤال
ما صحة القول إن حربنا مع اليهود ليست بحرب عقيدة؟
الجواب(5/305)
إن كان قصد هذا القائل أنَّ قتال المسلمين لليهود في فلسطين اليوم ليس سببه ضلالهم، ولا كونهم يهوداً، فقوله هذا حقٌّ من هذا الوجه، فإننا متّفقون على أنّ قتالهم وإخراجهم من ديار المسلمين لا يختلف حكمُه لو كانوا نصارى أو مجوساً أو هندوساً؛ لأنهم معتدون وظالمون وباغون، فإنهم قد استباحوا دماء المسلمين واستطالوا على أعراضهم وأموالهم، وغصبوا ديارهم، ودنّسوا المسجد الأقصى، فقتالهم وإخراجهم من أعظم الجهاد في سبيل الله، لا نشك في هذا على أن هذه الحرب القائمة بيننا وبينهم ستؤول إلى ما نبَّأنا به الصادقُ المصدوق -صلى الله عليه وسلم- أن المسلمين سيقاتلون اليهود في آخر الزمان ... قتال بين جيش الإيمان يقدمه نبي الله عيسى -عليه الصلاة والسلام-، وجيش الكفر يقدمه الدجَّال، وفي جنده اليهود، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر، فيقول الحجر أو الشجر: يا مسلم، يا عبد الله، هذا يهودي خلفي فتعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود" أخرجه البخاري (2709)، ومسلم (5203)، واللفظ له.
والمقصود: أنَّ هذه المقالة بمعناها هذا ليست بخاطئة ولا كاذبة، وإنما المقالة الخاطئة الكاذبة الخبيثة الباطلة ما تلوكه ألسنة بعض المنهزمين الجاهلين من أنَّ منابذتنا لليهود بالعداوة والبغضاء إنما هي وليدة عدوانهم واحتلالهم لأرض المسلمين، ليس إلاَّ!.
وهذا القول الخبيث يناقض عقيدة البراء بكل جلاء، إذ مفهومه أن هذه المعاداة والبغضاء لليهود يجب أن تزول متى خرجوا من أرض المسلمين، وكفّوا أيديهم عن بغيهم وعدوانهم،
ولكن عقيدة البراء تفرض علينا -نحن المسلمين- منابذة اليهود، بل وكل كافر بالعداوة والبغضاء -ولو لم يعتدوا علينا ويظلمونا- حتى يؤمنوا بالله وحده، متأسين بنبي الله إبراهيم -عليه الصلاة والسلام- والذين معه، كما قال -سبحانه-:"قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ" [الممتحنة:4].
فليس لليهود في سويداء قلوبنا إلا الكره والبغض والعداوة حتى يؤمنوا بالله وحده ويدخلوا في الإسلام، وحتى يخرجوا من ديار المسلمين ومقدساتهم، ويكفُّوا أيديهم عن الظلم والعدوان، غير أن كُرهنا وبغضنا لهم لهو أشد من كرهنا لغيرهم من الكفّار؛ لأنهم أشدُّ الناس عداوةً لنا، وأظهرهم مكراً وكيداً بنا، وصدورهم قد مُلئت خبثاً ومكراً، وفساداً وغدراً، أمّا إن كان القائل يقصد بمقالته تلك أن حرب اليهود على المسلمين في فلسطين لم يكن الدافع لها عقيدتهم وما تتضمنه من النبوءات، وإنما يدفعهم إليها قصد الاستيطان لإقامة دولة مستقلة تضمن لهم حقوقهم وتؤويهم من التشرد والاضطهاد ...إلخ، فحربهم على المسلمين في فلسطين متمحِّضةٌ لأغراض وأطماع دنيوية؛ فهذا قولٌ فيه سذاجة وغفلة وجهل بالواقع، وهو منقوضٌ باعترافات وتقريرات اليهود أنفسهم، فإنهم يسعون من خلال حربهم على المسلمين في فلسطين وغصب أراضيهم إلى تحقيق نبوءات الأسفار والتوراة المحرَّفة من إقامة دولة الأمة الموعودة والهيكل المزعوم، ومهما يكن فجهادهم واجب، بل هو من أعظم الجهاد في سبيل الله، وبغضهم ومعاداتهم دِينٌ نتقرب إلى الله به، وهو من مقتضى عقيدة البراء في الإسلام.
نسأل الله أن يجعلنا أذلة على المؤمنين أعزّة على الكافرين، سلماً لأوليائه، حرباً على أعدائه، وهو وحده المستعان، وهو حسبنا ومولانا فنعم المولى ونعم النصير، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
============
أصول التعامل مع الكفار
المجيب ... أ.د. عبد الله بن محمد الطيار
أستاذ الفقه بجامعة القصيم
التصنيف ... الفهرسة/ أصول الفقه /السياسة الشرعية
التاريخ ... 27/12/1425هـ
السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ما هي أصول التعامل مع غير المسلمين؟ وما هو فقه الجهاد؟ وأرجو توضيح مفهوم الجهاد.
الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. وبعد:
فقد عني الإسلام بالعلاقات بين الناس وفصّل الحقوق والواجبات لكل صنف منهم حسب قربهم وبعدهم من الشخص سواء أكانوا مسلمين أو غيرهم.
فشرع منهجاً وسطاً في التعامل مع غير المسلمين يقوم على العدل والتسامح، بعيداً عن الغلو والتفريط، لقد حرّم الله ظلم الكافر، وشدّد على ذلك، وأوجب العدل والإنصاف في التعامل معه، قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ولا يجرمنكم شنئآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون" [المائدة: 8].
وعلى ذلك فلا يجوز الاعتداء عليه في نفسه، أو ماله، أو عرضه، بل يعيش آمناً، وعليه أن يلتزم بما اتفق المسلمون معه عليه ولا يخل بذلك.(5/306)
وقد ضرب رسولنا – صلى الله عليه وسلم- منهجاً رائعاً في التعامل مع غير المسلمين في المجتمع المدني ووجدوا من سماحة الإسلام ويسره ما لم يجدوه في دياناتهم.
أما الجهاد فهو مشروع في كل زمان ومكان حسب قوة المسلمين وضعفهم وتسلّط أعدائهم عليهم، وهو على نوعين: جهاد الطلب، وجهاد الدفع.
وجهاد الطلب في هذه الأوقات غير مستطاع لضعف المسلمين وقوة أعدائهم، فيبقى جهاد الدفع، فكل عدو يتسلّط على ديار المسلمين ينبغي على أهله أن يدافعوا عنه بقدر ما يستطيعون، فإن كان لهم دولة تنظم شؤونهم وترعى مصالحهم فيجب عليهم أن يتركوا الأمر لها ترتب مصالح البلاد والعباد حسب إمكاناتها، ولا ينبغي التفرق والخلاف؛ لأن ذلك يضعف شوكة البلاد ويسهِّل تسلط الأعداء عليها.
وليعلم السائل أن هذه الأمور محكمة دقيقة لا يسوغ فيها اتباع الهوى أو بناء الأحكام على العواطف، فمثل هذه الأمور هي التي أوقعت كثيراً من البلاد الإسلامية في الحرج والخلاف والتناقض في التعامل مع الغير، فالزم غرز العلماء وأهل الرأي في بلدك واحذر من الاعتماد على عقلك أو عاطفتك أو الأخذ بفتوى غير المؤهلين علمياً، واعلم أن هذا الزمان زمن الفتن والسلامة لا يعدلها شيء. وفقك الله لخيري الدنيا والآخرة. وصلى الله وسلم على نبينا محمد.
(((((((((((((((((((((
الفهرس العام
إسلام زوجة الكافر فى دار الإسلام ودار الحرب…2
دار الإسلام و دار الحرب…5
ُدار الإسلام ودار الكفر…7
الفرق بين دار الإسلام ودار الكفر…8
دار الإسلام ودار الحرب…9
حكم الربا في دار الكفر كحكمه في دار الإسلام…10
أحكام الملتَقَط في دار الإسلام…11
الحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر…12
مسائل في أحكام دار الإسلام ودار الحرب…13
قسمة التركات لا فرق فيها بين دار الإسلام ودار الكفر…14
الموازنة بين الإقامة في دار الإسلام ودار الكفر…15
إقليمية الشريعة والقضاء في ديار الإسلام…17
المنشأ التاريخي لمفهوم دار الإسلام ولمفهوم الدولة الحديث…24
أركان الدولة الإسلامية ونشأتها وشخصيتها…37
المبحث الثاني ـ خصائص الدولة الإسلامية ومقارنتها بالدولة الحديثة…70
الوظيفة الثانية ـ وظيفة الدولة الخارجية :…118
مفهوم دار الإسلام ودار الحرب وحكم الهجرة منها…135
هل تجوز له الهجرة إلى أوربا إذا لم يستطع إظهار دينه في بلده ؟…138
حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم؟…142
هل تجوز السرقة من الكفار ؟…144
هل تقام صلاة الجمعة في دار الحرب ؟ أو دار الكفر ؟…146
من عقوبات ترك الجهاد في سبيل الله…147
رد الأموال المسروقة إلى أصحابها الكفار…151
حكم شراء بيت بالربا في بلاد الكفر…154
تمنع من لبس الحجاب فكيف تخرج للعمل وقضاء الحوائج؟…156
إذا وجد كنزا أو ركازا في دار الكفر…159
دار الكفر ودار الإسلام وقاطنيها…161
في شروط وموانع وأسباب التكفير…162
التكفير بناء على قاعدة (الأصل في الناس الكفر) لأن الدار دار كفر…213
الإرهاب في الإسلام…236
التطبيع.. صلح مقبول أم تفريط مرفوض…240
حكم سفر المرأة من غير مَحْرَم…250
الحب في الله والبغض في الله…259
واجب العلماء…275
حكم زواج المسلم بالكتابية…280
اللغة العربية التحديات والمواجهة…324
الشروط الموجبة لإقامة حد السرقة…357
حكم التجنّس بالجنسية الأوربية للمسلم…400
شبهات وأباطيل لخصوم الإسلام حول ميراث المرأة…405
تحريم مشاركة الكفار في أعيادهم…408
الوهابية حركة إصلاحية إسلامية وليست مذهبا دينيا جديدا…452
أحكام أهل الذمة باقية لم تنسخ…456
المسلمون في أوربا ومسئوليتنا عنهم (1)…466
دار الكفر ودار الإسلام…522
الحكمة من عدم مشروعية القتال في العصر المكي…523
استعانة المسلمين بالدولة الكافرة على دولة كافرة…539
الحق بالقافلة الفصل الأول ؛ مبررات الجهاد…561
حكم الأسرى…577
حكم العين - الجاسوس -…585
الغلول من الغنيمة…588
مبررات القتال ودوافعه…593
انقسام العالم إلى دار إسلام ودار حرب…597
أصناف الكفار باعتبار علاقتهم بدار الإسلام…599
أحكام دخول الحربي دار الإسلام…599
حكم دماء الكفار وذكر شروط الجهاد…601
في بيان أقسام الدور وأحكام أهلها…602
أسباب النزول المتعلقة بسورة الممتحنة…604
وجوب تميُّز وتمحيص أفراد المجتمع المسلم…610
صورٌ من سماحة الإسلام…615
مقاطعة بضائع الكفار نظرة شرعية…623
إعداد القوة الواقع والمأمول…642
الجزية في الإسلام…650
في ذكرى سقوط الخلافة...درس وعَبرة…664
ففروا إلى الله…670
قصة نزع الحجاب…674
آيةٌ فيها عشرون خُطبة…677
أمتي لا تحزني إن الله معنا!…681
الاستدلال بتعامل الرسول _صلى الله عليه وسلم_ مع اليهود على التطبيع…689
إشهار البندقية في حكم مشاركة النساء في الجندية…694
جمع المغنم في حكم سفر المرأة بلا محرم…716
لكم الله أيها المجاهدون!(1)…736
(الإصلاحيون) والخطاب الدعوي المنقوص…756
هل ستكسب أمريكا هذه الحرب…759
الإسلام والغرب شقاق أم وفاق…769
أعياد الميلاد.. ( مناسك، وشعائر ) ولكل أمة منسك…847(5/307)
اذا سب الكفار الرسول صلى الله عليه وسلم فانتظروا النصر المأمول…854
الرد على فتوى ( أبو رائد المالكي )حول الحكم بغير ما أنزل الله…862
منهج التعامل مع أهل البدعة في وقت الفتنة…912
موافقة الكفار في أعيادهم…929
مراحل الجهاد في سبيل الله .. المرحلة المدنية ( 56 -64)…937
فِقْهُ الْجِهَاد…959
الموقف من الرأي الآخر نظرة شرعية…1001
حكم الإقامة في بلاد الكفر في هذا العصر…1021
قواعد في فقه السياسة الشرعية…1026
حكم الاحتفال بأعياد الكفار…1039
سقوط ابن العلقمي على يد هولاكو…1050
التصور السياسي للحركة الإسلامية…1070
أين نحن من نظامنا السياسي الإسلامي ؟…1169
التقية ما بين أهل السنة والشيعة الإمامية…1182
التربية بالقصة قصص مناسبة للأطفال…1222
أهل الذمة والولايات السياسية…1242
مدلول السياسة الشرعية…1267
الإسلام والآخر الحوار هو الحل…1276
اللجوء السياسي إلى البلاد غير الإسلامية…1377
إسلام المرأة وبقاء زوجها على دينه…1382
اندماج الجاليات المسلمة في المجتمعات الغربية…1387
"محام كافر عن أسرى جوانتاناموا"…1392
قسم الولاء لتحصيل الجنسية…1394
حكم الإقامة في بلاد الكفار…1398
الابتعاث ومخاطره…1403
جلسة مع مغترب…1430
نقض الجذور الفكرية للديمقراطية الغربية…1463
مجالات السِّيَاسة الشَّرعيَّة من حيث المسائل والأحكام…1474
هل يجوز الزواج بالنصرانية.. اليوم ؟!!.. خبر وتعليق..…1505
أين المسلمون من هذه فريضة الجهاد اليوم ؟!…1511
انظروا عمَّن تأخذون دينكم؟!…1517
52 نقلا عن العلماء…1532
في حكم مظاهرة الكفار ومعاونتهم على المسلمين…1532
التكفير بناء على قاعدة (الأصل في الناس الكفر) لأن الدار دار كفر…1552
عدم التفريق في آثار التكفير بين الكافر الممتنع وبين المقدور عليه…1575
حكم أخذ الجنسية للمكره من دولة كافرة…1584
الرد على من زعم ان الأصل في المجتمعات الإسلامية؛ الكفر، وان من لم يكفر أهلها فهو كافر…1587
ما هي "بلاد الحرب"؟…1596
أنواع الديار وأحكامها…1598
دار حرب:…1600
دار عهد:…1600
أحكام تتعلق بزوجة الغائب والمفقود…1602
شرع الله مصدر حقوق الإنسان عندنا، لا شرع الأمم المتحدة.…1604
إلقاء التحية والسلام على الكافر…1606
حكم سفر المرأة بالطائرة دون محرم…1607
حكم عمل المرأة مضيفة في الطائرة…1610
دار الإسلام ودار الحرب…1612
حكم الإقامة في الدول الإسلامية المطبقة للقوانين الوضعية…1613
نقل زكاة المال إلى بلد آخر... رؤية شرعية…1615
معنى قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "انقطعت الهجرة"…1617
تفسير قوله تعالى ( إنما جزاء الذين يحاربون الله...)…1618
حكم الربا في دار الكفر كحكمه في دار الإسلام…1619
الرد على من أنكر الزنا بزعمه أن القرآن لم يحرمه…1620
حكم ذبح الحمير لإطعام الحيوانات…1624
أحكام الملتَقَط في دار الإسلام…1625
الحرام في دار الإسلام حرام في دار الكفر…1626
حكم الكذب على الزوجة…1627
الكذب والسرقة من الكفار...رؤية شرعية…1628
التعامل بالربا في دار الكفر...رؤية فقهية…1631
الربا مفسدة في نفسه، فيمتنع من الجميع…1632
تصرفه عليه الصلاة والسلام إذا أراد غزو قوم…1633
مسائل في أحكام دار الإسلام ودار الحرب…1636
الفرق بين الذمي والمعاهد…1637
حكم الاحتفال بعيد أول السنة الميلادية الكريسمس.…1637
الجمعة واجبة على من قام ببلاد الكفر إذا توفرت شرائطها…1641
ماهية الضرورة الملجئة لجواز سفر المرأة بغير محرم…1642
حكم الصدقة والحج عن تارك الصلاة جهلا…1643
حرمة التعامل مع الكفار في كل أمر محرم شرعاً…1643
حكم بيع الخمر للكافر…1644
معنى حديث "إذا بويع لخليفتين.."…1645
لا بأس بعضلها لتفتدي منك…1646
تبادل المتزوج الصور مع زميلته أشد قبحاً…1647
تواجدك في مكان الدراسة ليس عذرا في ترك الجمعة…1648
حكم التعامل مع البنوك في ديار الكفر…1649
الفرق بين السفر والهجرة…1650
تعريف الفقهاء لدار الإسلام…1650
حكم لقطة دار الكفر…1651
الصلاة في مسجد بني بقرض ربوي أفضل أم في غيره…1651
مصلحة الدعوة والتعليم أعظم من مصلحة إعفاء اللحية…1653
أخذ الفقير المال الحرام من حائزه على وجه الصدقة…1654
السفر للعمل بغير إذن الوالدين…1655
عمل المرأة بدار الكفر…1657
الإقامة بدار الكفر والاقتراض بفائدة لشراء بيت…1659
الغش والتزوير في دار الكفر…1661
بيع الأطعمة المشتملة على كحول لغير المسلمين…1662
قسمة التركات لا فرق فيها بين دار الإسلام ودار الكفر…1663
الموازنة بين الإقامة في دار الإسلام ودار الكفر…1664
سفر المرأة مع صبي لها…1665
المعاهد.. معناه.. وشروط سكنه في البلاد الإسلامية…1668
الوفاء بالعقد مع الكافر…1669
الصلاة في المساجد في ديار الكفر…1670
الحرام في بلاد الإسلام حرام في بلاد غير المسمين…1670
معنى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ) و (وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ)…1671(5/308)
الربا في دار الحرب و دار الإسلام…1673
البقاء في دار الكفر.. أم الهجرة لدار الإسلام والعمل في بنك ربوي…1676
حكم العمل في تحرير عقود الربا لغير المسلمين…1677
أقوال أهل العلم في تبعية الصغير لوالديه في الدين…1678
شروط جواز السفر للدراسة في ديار الكفار…1679
لا يجوز لمن لم يأمن على دينه السفر لديار الكفر…1680
الإقامة في بلاد الكفار…1682
كلمة هادية للأزواج القاطنين في بلاد الغرب…1683
كذب المقيم في الغرب على السلطات لتوفير المال…1685
ما تفعله المقيمة بدار الكفر التي يمنعها أخوها من العودة…1686
ترك الوطن واللجوء إلى دولة غربية…1687
حكم الإعانة على إنشاء مدرسة إسلامية في بلد غير مسلم…1687
إظهار شعائر الدين في بلاد الغرب…1688
هل تترك من تخشى على دينها دار الكفر دون زوجها…1689
احترام المسلم قوانين البلاد التي دخلها بأمان…1691
حكم احتيال المقيم في الغرب ليحصل على سكن أحسن…1692
الابتعاث إلى الخارج للدراسة…1694
العودة إلى بلاد الإسلام لمصلحة تربية الأولاد…1695
إقامة الآمن على دينه في بلد غير مسلم…1696
التزام المسلم بقوانين البلاد التي دخل إليها…1697
الإقامة في ديار الكافرين وشفاعة سيد المرسلين…1698
حكم تزوير بطاقة الدراسة للعمل في دار كفر…1700
الرحيل عن البلاد التي تعظم فيها فتنة النظر…1701
فوائد وأحكام للمقيمين في ديار غير إسلامية…1702
حكم الهجرة غيرالشرعية إلى أوروبا…1705
إقامة المرأة مع بناتها في بلاد الغرب…1706
لا يجوز البقاء في مكان يغلب على الظن الفتنة في الدين…1707
بلاد الملحدين وبلاد أهل الكتاب…1708
ترك الدراسة بل عدم الإقامة في دار الكفر…1709
كيف يحفظ الشخص نفسه في بلاد غير المسلمين…1710
المال الممنوح من الدول الأوروبية للاجئين إليها…1711
بقاء الأسرة في الدولة الكافرة عند الحاجة…1712
المحرم في ديار الإسلام محرم في ديار الكفر…1713
الإقامة في بلاد الكفر لأجل العمل وتسديد الديون…1715
الهجرة بالمال إلى الغرب للعمل…1716
حكم استباحة أموال الكفار…1717
من قضايا الشباب المهاجرين إلى غير بلاد المسلمين…1718
لا ينبغي للمؤمن أن يذل نفسه…1720
السفر إلى بلاد آسيا…1721
تجب الهجرة من بلاد الكفر لمن خشي على انحراف أبنائه…1722
موقف الشرع من السفر لبلاد الكفر لتعلم اللغة…1724
واجب من لا يستطيع إقامة شعائر دينه في بلده…1725
هجرة من لا يستطيع أن يقيم شعائر دينه…1726
تأخير الهجرة من دار الكفر لتجديد الإقامة…1727
البقاء في دار الكفر مع توفير اللحية أم الرجوع إلى الوطن حيث يمنع إطلاقها…1728
الالتزام بشروط المساعدات في الغرب…1729
التمسك بالحجاب والصلاة على وقتها في الغرب…1730
مخالفة القوانين المرعية في بلاد الغرب…1731
إصلاح المسكن المهجورفي الغرب وسكناه…1732
السفر إلى الغرب للمشاركة في دورة تدريبية…1733
من مفاسد الإقامة في ديار الكفر…1733
من خشي الفتنة على نفسه في ديار الكفر وجب عليه الخروج…1737
السفر بالمصحف إلى أرض العدو…1738
هل يصلح سيارته عند من يخالف القانون في بلد غير مسلم…1739
السفر لبلاد الغرب لغرض صحيح.. رؤية شرعية…1740
السفر لبلاد الكفار للعمل والدراسة والسياحة…1740
مسألة حول التجنس بجنسية دولة كافرة…1741
حكم الكذب للحصول على إقامة في دولة كافرة…1742
الإقامة بديار الكفر بغرض الدعوة إلى الله…1744
نصائح وإرشادات للمقيمين في ديار الغرب…1745
البقاء في بلاد غير المسلمين يختلف باختلاف حال المقيم…1747
حكم خلع المرأة للحجاب في بلاد الغرب…1748
ضوابط جواز السفر لطلب الرزق…1749
سافرت إلى الغرب لتحافظ على حجابها…1750
الهجرة من دار الفسق والبدعة مشروعة…1752
أحوال يتأكد معها السكن في الوطن الأصلي…1752
هل يهاجر من دار صعب عليه العيش فيها…1753
حكم الهجرة إلى بلاد الكفر لمن لم يستطع إقامة شعائر دينه في بلده…1754
حكم إقامة من يستطيع إقامة شعائر دينه في بلاد الكفر…1756
نصيحة موجهة للمسلمين في ديار الكفر…1757
كيف تحفظ نفسك في ديار الكفر…1758
الوسائل المحرمة للإقامة في ديار الكفر يزيد الأمر حرمة…1759
السفر للغرب للحاجة جائز…1760
من الأحوال المبيحة للهجرة إلى ديار الكفر…1761
زواجها يستلزم إقامتها في بلد غربي…1762
الهجرة من بلاد الكفر إذا خشي على نفسه الفتنة…1762
إباحة الإقامة في ديار الكفر مشروطة بالضرورة…1764
حكم المشاركة في القرعة للحصول على جنسية دولة كافرة…1764
حكم إقامة المرأة في غير وطنها بدون محرم…1765
الهجرة لدار الكفر…1766
حكم المتاجرة في بلاد الكفار…1766
هل تقيم مع أهلها أم تبقى معهم في دار الكفر…1767
إذا أقام بدار كفر لا يستطيع أن يقيم فيها دينه…1768
هاجر للدراسة فشعر باليأس والفشل…1770
حكم العلاج في بلاد الكفر…1771
الدراسة في بلاد الكفار…1772
الهجرة أحيانا تكون واجبة…1772
حكم الدراسة في بلاد الكفر…1773(5/309)
لا يحكم على المسلم بالكفر بإقامته بدار الكفر.…1774
الإقامة في بلاد الكفر للحصول على الجنسية…1774
متى تباح الدراسة في بلاد الكفر…1775
أصدقاؤه يدعونه إلى الحرام وهو يعيش في بلاد الكفار كيف يفعل؟…1776
عدم موافقة الزوجة للخروج من بلد الكفر لا تعتبر…1777
المحافظة على الدين أولى وأهم من أي شيء آخر…1778
حكم عدم الدفع للمواصلات في بلاد الكفر…1779
تستطيع القيام بكثير من أمور الدين…1780
أحوال الهجرة من بلاد الكفر…1781
ضوابط علاقة المسلم بالكفار في ديارهم…1782
حكم اللجوء لبلاد الكفر لتحصيل لقمة العيش…1783
حكم إقامة الفتاة في سكن جامعي في دولة كافرة…1784
هجرة الإنسان من مكان المعصية إلى مكان الطاعة واجبة…1785
شروط جواز الهجرة لديار الكفر…1787
الاستدلال بحديث (أنا بريء من...) في محله…1787
موقف الشرع من العمل في بلاد الكفر…1788
السفر لبلاد الكفر بين المصلحة والمفسدة…1790
العذر القاهر يرفع إثم الإقامة في بلاد الكفار…1791
البديل المأمون بلاد المسلمين…1792
رغبة الأب في دراسة ابنه في ديار الكفر...نظرة شرعية…1793
حكم العمل في بلاد الغرب…1794
حكم العمل في ديار الكفر…1795
هل ترخص الهجرة لديار الكفر لتحسين المعيشة…1796
نوعية الضرورة تحدد جواز الحلف لأخذ الجنسية من عدمه…1797
البديل الأفضل عن قضاء شهر العسل في البلاد الأوربية موجود…1798
كيف يحتاط المسلم لدينه في بلاد الكفر…1799
قد توجد حالات تجعل السكن في بلاد الكفر أفضل…1800
الهجرة على ثلاثة أضرب…1801
الجهل بالفروض الواجبة في ديار المسلمين ليس عذرا…1802
الإقامة في بلاد الكفر لأجل الدعوة جهاد…1802
التوصل لمحرمٍ بوسيلة محرمة أعظم إثما…1804
شروط جواز إعانة مريد الهجرة إلى بلاد الكفر…1805
دخول دار الكفر بأمان لا يبيح أموالهم وغدرهم…1806
من يدرس ويقيم في أماكن مختلطة كيف يحفظ صيامه؟…1807
تجوز الإقامة في بلاد الكفار إذا كانت لغرض الدعوة…1808
حكم الارتحال عن بلد مسلم…1809
الهجرة للإقامة والعمل في البلاد الأجنبية…1810
لا تجوز الهجرة من بلاد المسلمين إلى بلاد غير المسلمين إلا في حال الضرورة…1811
لا يجوز السفر إلى بلاد الكفر لقصد التنزه…1812
حكم السفر لبلاد الكفر لأجل الزواج…1813
... إن استطعت إكمال الدراسة في بلدك فهو أفضل…1814
هل يرجع لبلده من دار الكفر وتخسر زوجته الحجاب للحفاظ على الأولاد…1814
تعقيب على من يفتي بجواز شراء المنازل بالربا في دار الكفر…1816
حكم أخذ من تزوجت منحة حادث العمل المشروطة بعدم الزواج في دار الكفر…1818
مناقشة شيخ الأزهر في مسألة الحجاب في دار الكفر…1820
حكم مشاركة الكفار في دار الحرب في هديهم الظاهر…1821
ديار الكفر وديار الإسلام…1822
تطبيق حد الرجم في ديار الكفر…1824
نكاح المهاجرة إلى ديار الكفر…1825
حول دراسة المرأة وعملها في ديار الكفر…1825
المقيم في ديار الكفر.. وزكاة الفطر…1827
هل يسوغ ضياع المال في الإيجار شراء بيت بالربا في ديار الكفر…1827
حكم العمل في مطاعم ديار الكفر…1828
كيف تحفظ نفسك في ديار الكفر…1829
هي يجب على من أسلم من أهل ديار الكفر تغيير جنسيته…1830
دراسة المرأة في ديار الكفر…1831
عمل المرأة في ديار الكفر…1832
توجيهات ونصائح للمسافرين إلى ديار الكفر…1832
أيها السائحون…1839
عمل المسلم عند الكافر…1850
استخدام البالتوك في الدعوة إلى الله عز وجل…1853
أخي انصر هذا الدين…1858
أيها الرماة؛ الزموا مكانكم…1863
مكانة علم الطب…1865
الإجازة والسفر…1869
المقاومة الإسلامية في العراق من يحصد ثمارها ؟…1874
20 ضمانة لحماية جزيرة العرب (*)…1883
فمن أيّ المراتب أنت ؟…1900
مكانة المرأة في الإسلام…1902
الدلائل الجليّة على مشروعية العمليّات الاستشهاديّة…1916
مفاسد الإقامة في ديار الكفر…1940
سفر المرأة بدون محرم…1944
البقاء بين ظهراني الكفار…1945
يانصيب الحصول على الجنسية الأمريكية…1948
البقاء بين ظهراني المشركين…1951
تطبيق حد الرجم في ديار الكفر…1952
تقسيم الدار في الفقه الإسلامي…1953
استئجار قاعة للصلاة تقام فيها شعائر نصرانية…1958
التقية والعمل بها…1959
الحرب مع اليهود…1967
أصول التعامل مع الكفار…1969(5/310)