أيضاً من هذه الأساليب استلاب الهوية الإسلامية وتشتيتها عن طريق ضربها بهويات أخرى قومية وطنية ، وبعدين بعد ما يقسموا العالم الإسلامي يقسموه إلى عالم عربي وعالم غير عربي ، وبعدين العالم العربي يقسموه لبلاد ، البلاد اتقسمت إلى نعرات إقليمية داخلية حتى أنهم في الآخر حاولوا أن يبعثوا الروح في إيه القومية النوبية في مصر ، بيقولوا النوبيين دول أصلهم يرجع إلى بذور يهودية ، واضح ، في الجزائر تشجيع اللغة البربرية بين وقت وآخر ، لماذا ؟ لأن هذا كله تشتيت وإضعاف للهوية ، في نفس الوقت هذه الهويات المتعددة يمكن أن تسخر من قبل أعداء الأمة في إثارة القلقلة ولضرب وحدة المجتمع ، وإثارة البلابل والفتن ، ممكن من الخارج تُحرك كما حصل في جنوب السودان ، وبتالي تفقد الأمة تماسكها .
من هذه الأساليب أيضاً الترويج لدعوة العولمة ، العولمة يعني توحيد الثقافة العالمية ، هم ما يهمهمش قومية ، طبعاً من المفروض إن القومية تتعارض مع إيه ؟ مع العالمية لكن هم مش قصدهم لا القومية ولا العالمية ، هم أهم حاجة إن نحن لا نكون مسلمين ، أي حاجة تضعف الإسلام مرحباً حتى لو تصادمت مع عقائدهم وأفكارهم لكن أهم حاجة إنه تضعف الهوية الإسلامية ، فأحياناً يشجعون القوميات والنعرات الإقليمية ، وأحياناً يشجعون العولمة والتذويب في الثقافة العالمية ، والحقيقة إن العولمة قناع تختفي تحته فكرة تسويد الثقافة الغربية التي كان يُعبر عنها بصراحة من قبل ، الثقافة الغربية فيما مضى كانوا يسمونها في عهد الاستعمار رسالة الرجل الأبيض إلى العالم الملون ، هو الذي سيهدي هذه البشرية الرجل الأبيض اللي هو أرقى بقى ما وصل إليه التطور البشري ، الآن بيغلفوها بكلمة العالمية ، فتهدف العالمية إلى تذويب هوية الأمم وتبخير مثلها العليا وصهرها في أتونها ، ودمج الفكر الإسلامي واحتوائه في قيم تخالف الإسلام ، في كل شيء بيحاولوا أن يذوبوا الهوية حتى في أبسط الأشياء حتى في أبسط العادات بعملية حتى المكدلة السندوتشات تيك أواي مش عارف إيه ، كل هذه الأشياء هي عبارة عن إيه حتى عادات الأكل والشرب الآن أصبحت تُقتبس من الغرب واضح .
أحد المسئولين أعتقد أمريكي كان سُئل عن رأيه يعني هل يتوقع أن تحصل حرب بين مصر وإسرائيل ؟ قال يصعب على المرء أن يتصور منذ الآن أن تقوم حرب بين دولتين في كل منهما فرع لماكدونالد ، الأخوة في ماكدونالد ، أي نعم .
أيضاً من هذه الأساليب التغريب الذي استمر سمة ثقافية بارزة حتى بعد أن اضطر الغرب إلى تقويض خيامه ثم الرحيل عن بلاد المسلمين ، الذي حدث أنه لم يرحل إلا بعد أن أقام وكلاءه حراساً على مصالحه ومقاصده ، رحل الإنكليز الحمر وحل محلهم الإنكليز السمر ، وبعبارة شاهد من أهلها وهو صاحب كتاب تغريب العالم يقول "لقد انتقل البيض إلى الكواليس لكنهم لا يزالون مخرجي العرض المسرحي" .
من هذه الأساليب لتذويب الهوية استقطاب المرأة المسلمة ، خداع المرأة المسلمة والتغرير بها بدعاوى تحرير المرأة ومساواتها بالرجل ، والترويج لفكرة القومية النسائية ، فصل قضية المرأة المسلمة عن قضية الوطن المسلم ، كيف ؟ بأن القومية مسلمات ، يقول لك امرأة مش عارف في جنوب افريقيا اشتغلت بوسطجية ، واحدة مش عارف عملت كذا كأنه نصر لكل إيه النساء في العالم ، في رابطة بتربط النساء قومية نسائية تربط المسلمة باليهودية بالنصرانية بعابدة الأبقار والأوثان وبالملحدة كأن قضيتهن واحدة ومعتقداتهن واحدة ومطالبهن واحدة ومعركتهن ضد الرجل واحدة ، فالعداء لمطلق الرجل طبعاً هذا يعني كلام معروف .
من ذلك أيضاً إشغال المسلمين بالترفيه وبالشهوات ودفع المجتمع إلى السطحية في النظر إلى الحقائق بزيادة معدلات تعرضه للإعلام الترفيهي مع تقليل الزمن المتاح للتأمل والتفكر والتدبر في الأحداث اليومية ؛ إذن وسائل الترفيه هذه والإعلام هي آلات الجراحة النفسية المطلوبة لاستبدال الهوية .
من ذلك أيضاً استغلال العامل الاقتصادي في تذويب الهوية ؛ لأن العطاء لابد له من مقابل ، وغالباً هذا المقابل لابد أن يشمل إضعاف العقيدة والتنازل عن الهوية .
من ذلك أيضاً الحرب النفسية المدعمة بالأساليب التعسفية لإنهاك الدعوة إلى الهوية وتنحية رموزها عن مواقع التأثير الإعلامي والتربوي ، وتسليط الحملات التي تصفهم بالتطرف والإرهاب والأصولية مع تركهم مكشوفين في العراء عرضة لانتقاد وسخرية أعداء الهوية الإسلامية لكيلا يشكل الدين أي مرجعية معتبرة للأمة ، أي نعم .
من ذلك أيضاً تقسيم الدين إلى قشر ولباب وإلى شكليات وجوهر ، وطبعاً هذه دعوى يعني خبيثة من لحن قول العلمانيين ، وقد يعني فصلنا الكلام فيها في مناسبة أخرى ، لكن باختصار يعني نحن كما نقول للكافرين لكم دينكم ولنا دين أيضاً نقول لكم قشرتكم ولنا قشرتنا ، فينبغي أيضاً أن نتميز في الظاهر كما نتميز عنهم في الجوهر { صبغة الله ومن أحسن من الله صبغة } .
ما السبيل إلى استرداد هويتنا ؟
نقول نحن حينما نتكلم على قضية الهوية لا نبتدع ولا نؤسس هوية مفقودة لكننا نريد استعادة الوعي بالهوية الموجودة .
الحقيقة أن الناس ما زال فيهم الجذور موجودة ، العاطفة موجودة الاستعداد موجود ، لكنهم ضحايا هذه الأساليب التي ذكرناها ، يعني يكفي إن الجنود المصريين الذين ذهبوا في حفر الباطن أيام حرب العراق أول ما سمعوا يعني هم رايحين أصلاً علشان يحاربوا مين ؟ الجيش العراقي ، أول ما سمعوا أن العراق أطلقت أول صاروخ على إسرائيل ظلوا يهللون ويكبرون بهذا النصر العظيم ، هذا بيكشف عن المعدن الأصيل والراسخ الذي أحدثه الإسلام في جذور هذه الأمة ـ الهوية الإسلامية ـ فالحقيقة هي القضية نحن نحتاج الآن مش إن إحنا نؤسس هوية جديدة ، لأ نحن نحتاج إلى استعادة الوعي بالهوية الموجودة بالفعل التي صارت كصفحة مكتوبة تراكمت عليها طبقات الأتربة حتى صارت غير مقروءة ، لماذا ؟ لأن أحداً لم يحاول قراءتها من زمن ، فالمطلوب إزالة هذه الأتربة ، واستحضار واجترار الأفكار والقيم التي يُطلب الوعي بها من وراء حائط النسيان ، لابد من توظيف الطاقات المتاحة وأهمها تدعيم الإعلام الإسلامي والدعوة الإسلامية بكافة أشكالها لتحصل إحياء لحركة تجديد الدين بالمنهج وفقاً للمنهج السلفي الواضح بمنتهى الوضوح ، لابد أن يكون التجديد سلفياً ، لماذا ؟ لأن الرسول عليه الصلاة والسلام قال ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ) على منهاج النبوة ، فأي انحراف عن منهاج النبوة الذي هو منهج أهل السنة والجماعة ، منهج السلف الصالح لا يمكن أن يحدث تجديداً ولا تمكيناً ؛ لأن في هذا عودة إلى منابع الإسلام الصافية بعيداً عن مخلفات القرون .
أيضاً إظهار حتمية الحل الإسلامي لمعضلات واقعنا الأليم ، وتحرير الهوية الإسلامية من كل مظاهر الخور والتبعية والتقليد ، والتصدي لمحاولات تذويب الهوية الإسلامية وقطع صلة الأمة بدينها خاصة من خلال تخريب مناهج التعليم وتشويه التاريخ الإسلامي وإضعاف اللغة العربية ومزاحمة القيم الإسلامية بقيم غربية ، وغير ذلك من أنشطة التبشير ، لا نقول التبشير النصراني لكن التبشير العلماني والغزو الفكري وتسميم الآبار الإسلامية أو ما يُطلق عليه الذين لا خلاق لهم تجفيف منابع الدين بلا مغاربة ، نسأل الله أن يجفف الدم في عروقهم وأن يأخذهم أخذ عزيز مقتدر ويريح البلاد والعباد من شرورهم .
هل ستعود الهوية الإسلامية ؟(3/241)
بعبارة أخرى يمكن أن يُسأل هذا السؤال هل سيعود إلى المسلمين مجدهم وعزهم وسيادتهم ؟ لماذا ؟ لأن هناك ارتباطاً وثيقاً بين العودة للهوية الإسلامية وبين النصر والتمكين ، والجواب نعم كما وعدنا الله ورسوله وصدق الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، يقول تعالى { هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون } وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث ( ثم تكون خلافة على منهاج النبوة ) وقال تعالى في صفة الذين سيسلطهم على اليهود إن عادوا إلى الإفساد في الأرض { بعثنا عليكم عباداً لنا } انظر الهوية { عباداً لنا أولي بأس شديد } فالهوية هي العبودية لله ، وأخبر صلى الله عليه وسلم أن الهوية الإسلامية ستكون هي هوية الذين يقاتلون اليهود ويهزمونهم ويؤدبونهم حتى إن الحجر والشجر ليتعرف على المسلم بهويته الإسلامية ، يقول الحجر والشجر إيه الحديث ؟ لتقاتلن اليهود حتى لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود حتى إن الحجر والشجر يختبئ خلفه اليهودي يقول يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي ورائي أو خلفي تعالى فاقتله إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود ، والطريف أن اليهود الآن يستكثرون من زراعة نبات الغرقد في فلسطين أي نعم .
فالإسلام وعبادة الله وحده هو مفتاح النصر والتمكين ، أما شعارات الدجاجلة الذين بدلوا نعمة الله كفراً والذين هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا فهؤلاء ستجرفهم سنة الله { فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض } فما هؤلاء الضالون المضلون من دعاة التغريب والقومية والعلمانية إلى آخره سوى فقاقيع سنحت لها الفرصة لتطفو على السطح ثم تتلاشى كأن لم تكن وسينتصر الإسلام رغم أنف الجميع .
إن العالم الإسلامي هو الآن الأجدر بالوصاية على المجتمع البشري بعد انسحاب الأديان الأخرى من معترك الحياة وبعد انهيار الشيوعية الملحدة وإفلاس الغرب المادي من القيم الروحية السامية ، والعالم الإسلامي له في المجد نسب عريق وطريق عميق وله حضور تاريخي متميز ويملك مقومات الانطلاقة المستقبلية الجادة ، إنه صاحب القوة الكبرى الكامنة التي يحسب لها الغرب ألف حساب رغم ضعفه البادي والظاهر ؛ ومن أجل ذلك كان للعالم الإسلامي الحظ الأوفر من مؤامرات تحطيم الهوية ومسخها ، وفوق ذلك كله هو عالم إن عاد إلى هويته فهو عالم موصول بالسماء مؤيد بالمدد الرباني الذي لايضعه الغرب في حساباته ، قال تعالى مخاطباً إيانا بهذه الهوية { وجاهدوا في الله حق جهاده هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج ملة أبيكم إبراهيم هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا } من قبل وفي هذا القرآن { هو سماكم المسلمين من قبل وفي هذا ليكون الرسول شهيداً عليكم وتكونوا شهداء على الناس فأقيموا الصلاة وءاتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير } .
لنتأمل هذه العبارة التي نطق بها عدو لدود ، لكن لكونها توافق سنن الكون وقوانين الحياة نقول صدق وهو كذوب فقد قص الأستاذ يوسف العظم أن وزير الحرب اليهودي موشى ديان لقي في إحدى جولاته في فلسطين المحتلة شاباً مؤمناً في مجموعة من الشباب في حي من أحياء قرية عربية باسلة ، فصافحهم اليهودي الخبيث بخبث يهودي غادر ، غير أن الشاب المؤمن أبى أن يصافحه وقال له أنتم أعداء أمتنا تحتلون أرضنا وتسلبون حريتنا ولكن يوم الخلاص منكم لابد آتٍ بإذن الله لتتحقق نبوءة الرسول صلى الله عليه وسلم ( لتقاتلن اليهود أنتم شرقي النهر وهم غربيه ) فابتسم ديان الماكر وقال حقاً سيأتي يوم نخرج فيه من هذه الأرض ، وهذه نبوءة نجد لها في كتبنا أصلاً ولكن متى ؟ واستطرد اليهودي الخبيث قائلاً إذا قام فيكم شعب يعتز بتراثه ويحترم دينه ويقدر قيمه الحضارية وإذا قام فينا شعب يرفض تراثه ويتنكر لتاريخه عندها تقوم لكم قائمة وينتهي حكم إسرائيل .
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، أشهد ألا إله إلا أنت ، أستغفرك وأتوب إليك ، ما أعتقد أن الوقت يسمح بالنظر في الأسئلة فنعتذر عن إجابة الأسئلة وجزاكم الله خيراً .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
=============
الهوية الإسلامية في مواجهة العولمة
حسين أبوبكر إدريس*
العولمة.. وجهة نظر إسلامية
طرحت نظرية العولمة أو(الكوكبية) على نطاق واسع وتعددت حولها الآراء والمفاهيم وشاع استعمال هذا اللفظ في الصحافة والإعلام، ولم يدخل بعد بصورة واضحة في المصطلحات الأكاديمية، مما سبب له شيء من الغموض وعدم التحديد، وهو لفظ يدل على حالة أكثر مما يدل على مفهوم، وحالة العولمة هي تلك الحالة التي يعيشها الناس من خلال تطور المواصلات والاتصالات والتقنيات الحديثة، ولأن حياة البشر على ظهر الأرض متعددة الجوانب كان من المحتم أن يجري البحث في العولمة الفكرية والثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية والقانونية، وإزاء الطرح الكثيف المتشعب لهذه النظرية جديدة تحدث في حياة المسلمين. وأرى أن في الإسلام عقائد وتعاليم تشكل مذهبا إسلاميا في العولمة يمكن أن نقارنه بالنظريات الأخرى. فالقرآن الكريم رسالة للبشر كافة وهو رسالة عالمية لكل الأجناس والأمم التي تعيش على كوكب الأرض. وفي هذا يقول الحق تبارك وتعالى للنبي صلى الله عليه وسلم: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين) سورة الأنبياء آية 107 ، ويقول المولى عز وجل (تبارك الذي أنزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرا) سورة الفرقان الآية 1 ، وقد حاول المسلمون إبلاغ الرسالة الإسلامية إلى البشر في كل إرجاء العالم فاعتنق الإسلام أقوام من الفرس والهنود والصينيين والأتراك والأفارقة والأوربيين والأمريكيين. وعالمية الرسالة الإسلامية تستند إلى حقيقة أساسية يقررها القرآن الكريم ألا وهي أن كل الشعوب والقبائل ينتمون إلى أب واحد وأم واحدة فيقول سبحانه وتعالى في سورة الحجرات آية 13 (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم..)الآية.
إذا فالرسالة الإلهية واحدة وهي الإيمان بالله تعالى الواحد الأحد الفرد الصمد الذي لا شريك له ولا مثيل له. وتنص الآية 13 من سورة الحجرات على وجود التنوع ضمن الوحدة فأصل البشر أب واحد ولكن الله جعل ذريته شعوبا وميزان القوى والتقرب إلى الله هو التقوى. ونحن نعلم أن أمريكا تريد تحويل دول العالم إلى ولايات أمريكية، ولكن نقول لها أن تفكيرها في القضاء على كل الثقافات البشرية لكن تبقى الثقافة الغربية وحدها هذا أيضا مستحيل. يريدون أن تكون الأنظمة والدساتير والقوانين، أن تكون (براجماتية) أساسها الفلسفة المادية الحسية. ولا مجال لكتاب سماوي أو وحي إلهي في تجديد المذاهب الفلسفية أو الدساتير أو الشرائع أو القيم الأخلاقية، وهذا هو الذي يطلبونه من خلال عولمة العالم الإسلامي، أن يتم إبعاد الإسلام عن مجالات الفكر والعمل وبذلك يتحول المسلمون إلا أن يتلقون كل ذلك صاغرين، وبذلك تزول كل أخطار الاستقلال الفردي والعملي الذي يكلفه الإسلام للمسلمين، وتزول كل مقومات الوحدة الإسلامية والتضامن الإسلامي. الغول المخيف للغرب! تتبعثر الشعوب الإسلامية وتتمزق وتسقط في مستنقع الضعف والهوان ويستمر نهب ثرواتها واستغلال خيراتها وإمكاناتها إلى يوم الدين.(3/242)
وهذا هو التطبيق العملي (للبراجماتية) الأمريكية في السياسة الدولية لتحقيق المصالح الأمريكية. وفي سبيل ذلك تسخر أمريكا كل القوى المادية والعسكرية وتستغل حقوق الإنسان والحريات والتعددية والديمقراطية.. وإذا تعارضت الديمقراطية مع المصالح الأمريكية ضرب بالديمقراطية عرض الحائط.
وتعمل أمريكا بوسائل شتى لغرض العولمة بالمفهوم الأمريكي على العالم كله والعالم الإسلامي خاصة. ونرى ذلك في دعمها للقوى العلمانية والداخلية بالمال والحماية . وحماية الأفراد والمرتدين عن الإسلام وتكريمهم كما حدث مع (سلمان رشدي) وآخرين وقد انتشرت الجمعيات الأهلية المدنية (التي تضع لنفسها أهدافا غير إسلامية) وتدفقت عليها الدولارات بسخاء لا نظير له. والحرمان والتجويع والحصار لأي نظام يتمرد على الإدارة الأمريكية أو يتخذ الإسلام منهاج حياة كاملة ومن محاولات أمريكا في ذلك تقييد الحكومات المسلمة باتفاقيات مجحفة ظالمة كاتفاقية منع الانتشار النووي وغيرها .
وكذلك محاولتهم الواسعة في نشر اللغة الإنجليزية وإقصاء اللغة العربية ودفنها حية ! ولقد كانت نشاطات العولمة تأتينا صريحة على أيدي الفرنسيين أو الإنجليز أو الروس أو الأمريكان ولكن الآن تأتي من مصدر آخر هو مواثيق الأمم المتحدة وهذه المواثيق من صنع الغرب وأساسها نظرة مادية علمانية للوجود (الانتولوجيا) .
ولكننا نقول أن العولمة بمعني وجود أرضية مشتركة بين شعوب الأرض تسمح بقيام علاقات بينها وتسمح بوجود قوانين تنظم لخير الجميع تعتبر نظرية مقبولة . أما أن العولمة التي تعني فرض فلسفة (البراجماتية) النفعية المادية العلمانية وما يتصل بها من قيم وقوانين ومبادئ على سكان الأرض فهي نظرية مرفوضة رفضا باتا في ضوء الإسلام وهذا أمر بدهي إذ كيف يقبل الإسلام نظرية تريد نسخه وإقصاءه عن حياة أمته .
والمشكلة التي تواجه الأمة الإسلامية ليست تلك النظرية وحدها بل أنصارها من أبناء المسلمين وبخاصة أولئك الذين يحكمون المسلمين ويتحكمون في التربية والتعليم والإعلام ويسخرون كل القوى المؤثرة في توجيه الشعوب لإقناعهم بالعولمة المرفوضة إسلاميا وفضلا عن ذلك يكتمون الصوت الإسلامي الحر الذي يقاوم العولمة الأمريكية ويحرمون من استعمال هذا الصوت الإسلامي الحر الذي يقاوم العولمة الأمريكية ويحرمون من استعمال هذا الصوت الإسلامي الحر في وسائل الإعلام بصورة واسعة . وفي هذا المناخ الاستبدادي تتقدم العولمة الأمريكية يوما بعد يوم وتنحسر الصيغة الإسلامية عن المجتمع المسلم بالقدر نفسه . لقد تعرت الحقيقة المستورة وتكشفت جوانبها الخفية وهذا الحديث الراهن يريدون به جعل العالم دولة واحدة وإزالة الحواجز بين البشر مل الدين واللغة والعادات والتقاليد . ومن بصمات العولمة إلغاء اللغة والاستعاضة عنها بلغات أخرى وبالعامية والدارجة كما نشاهد ذلك في الإعلانات الكثيرة في أجهزة الإعلام .
مع أن دين الحق لا يفهم إلا بلغته العربية . وقديما سئل الإمام (الزمخشري) رحمة الله عليه ما سر عشقك للغة العربية ؟! قال الإمام : لأن القران سيد الكتب عربي، ومحمد صلى الله عليه وسلم سيد الأنبياء عربي، ولسان الحق عز وجل يوم القيامة عربي !
يقول الحق سبحانه وتعالى (كنتم خير أمة أخرجت للناس) رغم تخلفنا وفقرنا فما زالت راية الحق ترفرف في كل مكان وما زلنا نتفوق على أمم الأرض بعقائدنا وقيمنا وأخلاقنا وفضل كتابنا وعلمائنا. إنهم يقولون : إن من قواعد العولمة التكامل الاقتصادي فهم يحددون لنا ما نزرع وما نصنع، فإذا التزمنا بذلك فلن نستطيع أن نخالفهم وإن خالفناهم فلن نجد ما نطعم به الناس، وتكون النتيجة أن ينطلق الناس في الشوارع كالكلاب الجائعة إذن هم يتحكمون في أرزاقنا!.
ونحن نقول لا.. ففي شرعنا منظومة اقتصادية كاملة تنظم لنا حياتنا وفق قوانين شرعية ربانية. إذن يجب أن يلتزم المسلمون بالنصوص الشرعية في كل المجالات. وقد يعترض البعض ويصرخ كيف تفكرون ؟!
أمريكا تعطينا قمحا فهل شريعتكم التي تريدون تطبيقها تعطينا قمحا ؟!
نقول لذلك المعترض ما بالك لو طبقنا نصا واحدا من مئات النصوص الموجودة في القرآن الكريم التي تحض على التنمية والزراعة. مثلا في سورة قريش (لإيلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف) السورة تبرز مفاهيم أن الدولة يجب أن توجه الناس نحو التنمية الاقتصادية عن طريق (الإيلاف) أي الاجتماع والوئام وهو ما يعني السعي نحو العمل، وتحدّثُنا السورة عن غايتين أساسيتين للتنمية: الإطعام من جوع والأمن من خوف.
وفي سورة الجمعة الآية 10 (فإذا قضيتم الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله و اذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون).
والأحاديث كثيرة التي تحضنا على التنمية والإطعام والأمن من الخوف، قول رسولنا الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم (من أحيا أرضا مواتا فهي له) إذا فالأرض البوار في الإسلام ملك مشاع كالماء والهواء بالنسبة لمن يستصلحها، ومهمة الدولة هي إمداد هذه الأرض بالوسائل كالماء والكهرباء، ووسائل أخرى.
لقد خلق الله الأرض في يومين وقدر فيها الأقوات لأهلها في أربعة أيام إذا المسألة ليست في الندرة، ولكن في عدالة التوزيع والقدرة على الإصلاح والتنمية والحمد لله، فالدول الإسلامية تمتلك أراضي شاسعة جدا فوجب على المسلمين أن يوزعوا هذه الأراضي بالتساوي لكي يقوم أبناء المسلمين باستصلاحها لفائدة الجميع وهذا يذكرنا ببيت شعر :
لعمرك ما ضاقت بلاد بأهلها ولكن أخلاق الرجال تضيق
إذا فالعولمة لها آثار سيئة منها ضرب دور الدولة الوطنية في المجال الاقتصادي وضرب الهوية الثقافية للأمة. ومن ناحية الأثر الأول فإن الشركات المتعددة الجنسيات أدى تطورها وتضخمها إلى تعميق العولمة اقتصاديا وتعدد أنشطتها في كل المجالات كالاستثمار والإنتاج والنقل والتوزيع والمضاربة وسارت تؤثر في القرار السياسي والبعد الثقافي والمعرفي أما بالنسبة للأثر الثقافي وهوية الأمة فقد بدأ التطبيق الإعلامي والمعلوماتي الواسع في ثورة الاتصالات وامتلاء الفضاء الخارجي بالأقمار الصناعية ويتم الآن بث الحملات الإعلامية عن طريقها وبرامج الحاسب الآلي والإنترنت وذلك لأن الشعوب تتأثر بذلك بدرجة كبيرة، فلا بد أن نعمل على التصدي لتلك الحملات. إذا نرى للعولمة أثرا كبيرا في الإعلام والثقافة والقيم وذلك لضرب هويتنا الثقافية الإسلامية.
فانظر الآن إلى أطراف المعادلة يملك الغرب إعلاما بلا قيم ونحن نملك قيما بلا إعلام. إذا السؤال هل من الممكن أن نستخدم آليات العولمة المتقدمة في نشر رسالتنا على العالم؟!
نحن لدينا بديلا للطاقة الغربية هو الطاقة الروحية وعلينا أن نبحث خطوات التطبيق من أجل بعث هذه الطاقة إلى العالم. وأرى أن أول هذه الخطوات هو العمل على إنشاء القنوات الإعلامية الإسلامية التي تبث هذه الطاقة وتنشر المفاهيم الإسلامية على العالم.
ختاما نسأل الله أن ينجينا من اليهود وحيلهم، ومن آثار العولمة البغيضة التي تريد أن تهدم قيمنا وهويتنا وجماليات ديننا الكريم.
==============
الهوية الإسلامية ضرورة لمواجهة التغريب
في ظل طغيان وسائل الإعلام والتعليم يؤكد الكثيرون من الخبراء على أن دور الأسرة قد تراجع بالفعل - في مواجهة هذه الوسائل - في تربية الأبناء وتعليمهم إلى مرتبة متأخرة بعد أن كانت تتبوأ المكانة الأولى في هذا الإطار ..(3/243)
فكيف تعود الأسرة المسلمة محضناً أول للتربية كما كانت دائماً ؟ وكيف تتلافى الآثار السلبية لغالبية ما تبثه وسائل الإعلام وبعض مناهج التعليم في نفوس الناشئة ؟ هذا ما يجيب عليه الدكتور " أحمد العسال" الخبير التربوي ونائب رئيس الجامعة الإسلامية بإسلام آباد في هذا الحوار الذي بدأناه بسؤال تمهيدي كالتالي :
1- ما الخطوات التي ينبغي إتباعها لتقديم العلم المرتبط بكرامة الإنسان التي يهدرها الجهل والأمية والإعلام الفاسد والتعليم العاجز؟
- العلم أساس حياة الإنسان وأساس استقامته..خاصة العلم المتصل بالهداية والعلم المتصل بينابيع الإيمان ورحيق الخير في الإنسان .. ثم إن الله تبارك وتعالى لم يترك الإنسان هملاً أو عبثاً بل أرسل له الأنبياء والمرسلين ليأخذوا بيده إلى طريق الحق ..ليجنبوه الغواية والهوى والوقوع في حبائل الشهوة ..قال تعالى " وكذلك أوحينا إليك روحاً من أمرنا" وقال " ولما بلغ أشده آتيناه حكماً وعلماً"..وهكذا والإمام البخاري بوب لهذا فقال { العلم قبل القول والعمل} بل قبل النية فإنه يصحح النية واستشهد على ذلك بقوله تعالى :{ فاعلم أنه لا إله إلا الله}..
- وأول كلمة نزلت في القرآن "اقرأ" ثم كان من معجزات الحق سبحانه وتعالى أن يقسم بالقلم وأول ما خلق الله القلم .. لأن القلم هو أداة تقييد العلم ومن فضل الله سبحانه أن جاءت قصة آدم في القرآن حتى يعلم الإنسان شيئين هما:
الجانب التعليمي العام : ويتمثل في تعليم الله لآدم الأسماء كلها التي سيحتاجها ..وكان هذا تكريماً لآدم وفي ذلك أيضاً إظهار لحكمة الله عز وجل من خلق آدم ولذلك قالت الملائكة { سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم }..
الجانب التعليمي الآخر ( علم الهداية) : حينما أخطأ آدم وأكل من الشجرة تاب إلى الله عز وجل .. قال سبحانه ( قلنا اهبطوا منها جميعا فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون).. فكان العلم الآخر هو علم الكتاب .. وعلم الرسالة ..علماً يضبط خطوات الإنسان في هذه الحياة؛ لذلك فالخطوات التي ينبغي إتباعها لتقديم العلم المرتبط بكرامة الإنسان هي: أن يعرف الإنسان ربه..فيجب أن تشتمل مناهج التعليم في المراحل الأولى على تدريس قصص الأنبياء والصالحين للأطفال منذ سن الروضة ذلك أن معرفة الإنسان بربه سوف تضعه في دائرة أداء الواجبات التي عليه كما ستجمع إرادته ..لأن الإيمان يجمع الإرادة ويجعل الخشية ملازمة للإنسان ومن ثم يتولد لدى الفرد الضمير الحي والإخلاص في أعماله جميعاً فيغدو عنصر بناء في المجتمع لا عنصر هدم ..ولقد وضع الرسول صلى الله عليه وسلم أسس المنهج التعليمي للإنسان في مرحلة الطفولة من خلال حديثه للغلام " يا غلام احفظ الله يحفظك ..احفظ الله تجده تجاهك .. الحديث "..
ففي هذا الحديث نلمس كيفية غرس مراقبة الله في نفس الفرد منذ طفولته وكذلك غرس اليقين وعدم الاتكال أو اللجوء لغيره سبحانه وتعالى وذلك من خلال قوله "لو اجتمعت الأمة على أن ينفعوك.. لن ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك "، أيضاً تعلم الشجاعة.. وألا يخشى في الله لومة لائم من خلال قوله صلى الله عليه وسلم " لو اجتمعت الأمة على أن يضروك بشيء لن يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك " .. وهذا يعد أعظم المناهج للإنسان في مرحلة الطفولة ..حيث يترجم عملياً في باقي حياة الإنسان ..أيضاً حفلت السيرة النبوية بمواقف تعليمية عظيمة للأطفال من الرسول صلى الله عليه وسلم والمتمثلة في قوله صلى الله عليه وسلم لابن عباس " سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك " .. فهذا أيضاً داخل في نطاق المنهج التعليمي للأطفال في المراحل الأولى من خلال تعليمهم آداب الإسلام .. وهو ما يسمونه اليوم "الإتيكيت" الذي سبق الإسلام إليه جميع العلوم الأخرى .
والخطوة الثانية هي : الاهتمام بالمهارات لدى الطفل..ومن المؤسف أن مناهج تعليمنا تهتم بالكمية ولا تهتم بالمهارات لذلك فعلى الأم والأب والمدرس الجيد أن يكتشفوا المهارات في الأطفال لينموها..
معرفة الآخر
2- وماذا عن تعرض الطفل لوسائل التوجيه الأخرى؟
- لابد من التزود بالثقافة والفكر الإسلاميين.. حسب النمو العقلي ثم الفكر العام .. فمن المآخذ الشديدة أن تحصر الطفل في قناة تربوية واحدة ..فهو يريد أن يكتشف ما حوله فلابد أن يقرأ القصة والشعر والأدب ولابد كذلك من أن يقرأها من الآخرين بعد أن يتأسس إيمانه وفهمه ولابد من أن يعرف المجتمع الذي يعيش فيه .. وكما يقول الشاعر:
عرفت الشر لا للشر ولكن لتوقيه ... ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه.
ولابد أن يعرف شيئاً عن الفنون وما هو لهو الحديث المقصود؟.. ومن عظمة القرآن أنه تكلم عن الجاهلية في شتى شؤونها وعن المكذبين ..وعن بني إسرائيل قال تعالى:{ أوكلما عاهدوا عهداً نبذه فريق منهم } وهذا ما نلمسه على أرض الواقع اليوم ونبذهم للاتفاقيات ..فمعرفة الآخرين تحصن الإنسان ومن الخطورة بمكان العزلة عن المجتمع .. العزلة عن الأفكار فالإنسان إذا لم يعرف غيره سيجهل نفسه .. ومعرفة الغير تعطيك رصيداً من اليقين بالحق الذي تؤمن به وبالخير الذي هداك الله إليه وبالنور الذي منحك الله إياه .
3- هل معنى ذلك أن نترك الأبناء أمام التلفاز يتجرعون من برامجه الغثة ما يشاءون؟
- هذا مما عمت به البلوى فلا نستطيع في عصر الفضائيات أن نحجب الأبناء عن رؤية ما في التلفاز كلية ولكن يجب أن يكون هناك ترشيد ..والآن ولله الحمد أصبح هناك فضائيات إسلامية ..ويجب أيضاً أن يكون هناك تذكرة مستمرة والطفل بطبعه خير .. وهذا عن تجربة ..ودوماً لتقل الأم لطفلها : هل ترضى لأمك أو أختك أن تكون متبرجة هكذا أمام الرجال ؟ أو أن تقول له: إذا أنت أكلت أكلاً طيباً انتفع به جسمك و إذا أكلت أكلاً فاسداً جر عليك المرض .. وهل تحب أن تأكل أكلاً حامضاً ؟..وهكذا ..فعندما تشحنين الابن بمثل هذه العبارات وتغرسين فيه كره أفعال هؤلاء الأشخاص وأن المرء يحشر مع من أحب .. فأنت تعملين وقاية له ومناعة ضد هذا الشيء وبالموالاة والمتابعة تأتي النتائج المرجوة .. أما أن تمنعه الأسرة من مشاهدة التلفاز كلية فكل ممنوع مرغوب ويمكن أن يتحايل على ذلك من أجل مشاهدته ..
التعليم ..والتربية
4- هل تستطيع الأسرة أن تتكفل بالعملية التربوية وحدها ؟
نعم تستطيع ذلك من خلال:
- أن تبحث في المجتمع عن العلماء الصالحين والأدباء الصالحين وترسل أبناءها لهم ويجب أن يكون هناك تواصل بين الأسرة وهؤلاء الصالحين .. وأذكر أنه من الأشياء التي أثرت فينا ونحن طلاب أننا كنا نسعى للعلماء الصالحين في بيوتهم لنتزود منهم وننهل من علومهم من أمثال الشيخ الشنتوت - رحمه الله - فالتواصل مع هؤلاء يكمل النقص الموجود في المناهج التعليمية في بعض الدول العربية .
- أيضاً الوسط الاجتماعي: فعلى الأسرة أن تهتم باختيار الوسط الاجتماعي الذي به من الخير ما يكمل .. فلماذا لا يزور الابن صديقاً طيباً من أسرة صالحة ؟ ولماذا لا يجتمع الأصدقاء بعضهم عند بعض ليقرءوا أو ليكملوا ما لا يجدونه في المناهج التعليمية ؟(3/244)
- وجود المكتبة الرشيدة ..فلابد من أن يكون للأبناء مكتبة في البيت وأن يكون فيها من صغار العلم قبل كباره ..فيها قصص الصحابة والصالحين والأبطال ..حتى إذا حذفت قصص الصحابة وقصص البطولات الإسلامية من مناهج التعليم وجدوها في البيت ..ثم إن على الأم الصالحة عبئاً كبيراً ولكنه عظيم في أهدافه .. فهي إذا قامت بسرد قصة من قصص القرآن أو غيرها من قصص الصحابة ( مثلاً ) قصة أبرهة ثم حفّظت الأبناء سورة الفيل أصبح الطفل يعرف السورة وتفسيرها مع القصة أيضاً ..وبفضل الله فإن الإعلام الإسلامي بدأ خطوات ناجحة في إخراج أشرطة مرئية للأبناء تصب في هذا الجانب .. فالأسرة عليها عبء كبير جداً ونحن الآن في عصر من أخطر العصور وهو عصر تتحكم فيه الآلة الإعلامية الرهيبة .. فإذا نحن لم نحبب القراءة إلى الأبناء .. وما لم نناقش معهم مختلف القضايا وما لم نفتح معهم باب الأخذ والعطاء الفكري فسوف يأكلهم الفساد أكلاً ..
المؤسسات والاستقلال
5- أين دور مؤسسات التعليم في هذا الصدد وهل أصبح شغلها الشاغل فقط "تجفيف المنابع الدينية" ؟
- نحن في محنة .. إرادة الأمة غير مجتمعة في مؤسسات بينما العالم الذي نعيشه - خارج العالم الإسلامي- عالم " مؤسسات منظمة" .. كنت في إنجلترا فكان منهج التعليم لا يتغير إلا كل 25سنة ولابد من أن يصدر لذلك كتاب "أبيض" يناقشه مجلس العموم وخبراء التعليم .. وفي أمريكا وصل الروس قبلهم إلى القمر فأصدروا تقرير "أمريكا في خطر" .. أما أمتنا للأسف فهي غائبة عن الوعي .. وعلى الرغم من أننا مٌكنا بوسائل عظيمة لكن ليس لدينا أناس عندهم ضمائر أو إيمان برسالة أو إيمان بأمة ..أناس كما يقال مهزومون داخلياً واستلبوا - استلاباً فكرياً - وأٌخرجوا من عباءة أمتهم ..ولبسوا لباس غيرهم فهم يريدون أن يقلدوا بينما المقلد لا يقدم شيئاً .
فأخطر مشكلة نواجهها هي قضية التعليم لأنه يخرج الآن شباباً يحمل ورقة ولا يحمل قلباً أو عقلاً أو مهارة وبالتالي نحن نضيف للمشكلة الاقتصادية مشكلة أخرى فالتعليم هو أساس تكوين الإنسان ..فإذا كنا نريد أن يكون هناك قطاع تعليم ناجح فلابد من أن تكون هناك مؤسسة ..هذه المؤسسة تشتمل على الخبراء وفيها أولياء الأمور ونواب الأمة حتى إذا صدر القرار يكون قراراً صحيحاً ..كما أن الإعلام الآن جزء من التعليم ..ولابد من أن يدخل تحت توجيه هذه المؤسسة ..وبدون ذلك سنكون فريسة لتوجيه الذين لا يخشون الله ولا يكرمون هذه الأمة .
6- هل ترون ضرورة لاستقلال مناهج تعليم البنات عن البنين؟
الله عز وجل خاطب المرأة والرجل خطاباً واحداً ..فلا أرى الاستقلال من حيث الاستقلال التام ولكن أرى ضرورة أن تكتمل المناهج التعليمية العامة بمنهج موازٍ يعطي للطالبة صورة عن رسالتها المستقبلية ويعطيها ملحة من فنون : التربية والإدارة والجمال ..لأن هذه أمور متعلقة برسالتها في بيتها ثم إعطائها دور الرسالة كما قامت به السيدة خديجة ومريم وعائشة ..لابد من أن تأخذ مصادر للمعرفة ومصادر للإلهام من الصالحات اللائي يسبقنها في مجال التربية والتعليم .. رضي الله عنهن جميعاً ..وحقيقة : المرأة ظلمت حينما أرادوا أن يعزلوها ويغلقوا عليها الباب ..فالإسلام دين مفتوح ولم يعرف على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في عصر الرسالة والصحابة ما يسمى "بعصر الحريم " فقد كانت النساء على عهد رسول الله يخرجن في الغزوات ..
وفي البخاري " باب مشاركة النساء في الغزوة" .. والكليات مقدمة على الفرعيات لأن الشرع له مقصد ومقاصد الشرع لا تتحقق إلا إذا تعلمت المرأة وذلك لا يتأتى لها إذا أغلق عليها الباب فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب ..كما أننا نعيش في عصر تنفجر فيه المعلومات .. فإذا نحن حجزنا المرأة المسلمة فقد ظلمنا أنفسنا وعطلنا طاقة في المجتمع ولم نؤد حق الله فيه وذلك ما دامت المرأة لا تتبرج ولا تختلى برجل .. حيث أن الجهل بمقاصد الشرع في الحياة شيء خطير ..فإذا أحل الله عز وجل شيئاَ فلا ينبغي لأحد أن يحرمه تحت أي ذريعة .
---------------
حوار/ أحلام علي
( المدينة المنورة)
==============
الهوية الإسلامية (ومؤامرة القضاء عليها)
يزداد إيقاع الأحداث في العالم كله مع تنامي عقود القرن الخامس عشر الهجري الذي يتوقع أن تصل الصحوة الإسلامية فيه إلى مرحلة النضوج وامتلاك الإرادة واستعادة الحق.
ومن يطالع الأحداث منذ بزوغ هذا القرن يستطيع أن يثق بأن المسلمين قد خلّفوا فعلاً مرحلة البكاء على الأطلال وترنيمات التهافت على الماضي الذي انقضى والحزن عليه .
أعتقد أن الأحداث قد علّمت المسلمين أن يخرجوا من دائرة العاطفة الجوفاء إلى دائرة البحث عن خطة ، عن طريق ، عن منهج يمكن به تفادي الوقوع في الأخطاء مرة أخرى بعد أن تكشفت لهم حقائق كثيرة ربما كانوا يجهلونها، ووضحت لهم وجوه ربما كانوا حسني الظن بها، وهي تخفي في أعماقها الرغبة في تدميرهم والقضاء على كيانهم .
(هَا أنْتُمْ أوْلاَءِ تُحِبُّوْنَهُمْ وَلاَيُحِبُّوْنَكُمْ وَتُؤمِنُوْنَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإذَا لَقُوْكُمْ قَالُوْا آمَنَّا وَإذَا خَلَوا عَضُّوْا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ) (آل عمران آية 119)
يجب أن يكون واضحًا لنا نحن المسلمين أن المؤامرة التي بدأت منذ نزول القرآن وظهور الإسلام لاتزال مستمرة ، وهي في كل عصر تأخذ طابعًا مختلفًا وقد نبأنا الله تبارك وتعالى من أخبارها وجاءت الأحداث متوالية ومتتابعة لتكشف لنا أبعاد المؤامرة التي تدبر للإسلام .
وقد وصلنا الآن إلى مرحلة توصف بأنها مرحلة اجتثاث الشجرة من جذورها ، هكذا تخطط القوى المتجمعة من غربية وماركسية وصهيونية ولكن هل نستطيع ؟ وهل الإسلام الذي جاء لينقذ البشرية ويخرجها من الظلمات إلى النور عرضة للأزمة ؟ . ومن الحق أن يقال : إن الأزمة موجهة إلى المسلمين وأنهم هم الذين سيتحملون عواقبها إذا ما عجزوا عن حماية الأمانة الموكولة إليهم والحفاظ على بيضة الدين،فإذا تولوا فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه.
أما الإسلام فإنه باقٍ وهو ملاذ البشرية كلها وسوف ينصره الله إذا خذله أهله المتفرقون الآن والخاضعون للقوى المختلفة التي تصرب بعضهم ببعض .
إن أمامنا المثلاث والتجارب والأحداث ماتزال قائمة يجب أن نلتمس عبرتها ونحاول أن نستفيد منها للوصول إلى طريق العمل الذي يجب أن يكون قد بدأ فعلاً .
فهذا القرن الخامس عشر الهجري هو قرن بناء الخطط العملية لتحرير العقل المسلم والنفس المسلمة من التبعية للفكر الغربي الوافد الذي خضعنا له أكثر من مائة عام منذ فرض علينا قانون نابليون ومنهج دنلوب وخطط زويمر .
ومنذ فرضت علينا إرساليات التبشير مناهجها التربوية والتعليمية التي تحولت إلى وزارات التعليم العربية بكل ما تحمل من أخطار وآثام وازدواجية .
هذه المناهج التي ركزت على الإقليمية والعلمانية والقومية والماركسية بتنويع يختلف في كل قطر عن الآخر؛ ولكنها تجمع كلها على هدف واحد هو تمزيق الوحدة الإسلامية والحيلولة دون قيامها مرة أخرى.(3/245)
ولقد نشأت في ظل المخططات دعوات وتنظيمات كشف الزمن عجزها عن العطاء وعدم قدرتها على تلبية مطامح النفس المسلمة والعربية التي شكلها الدين الحق من إبراهيم ، وموسى ، وعيسى - ومحمد عليهم الصلاة والسلام - في ترابط جامع لأمة واحدة تؤمن بالله الواحد وتسلم وجهها إليه خالصًا ومنه تستمد منهج الحياة والعمل والمجتمع كما رسمته الكتب السماوية المنزلة وحيث جاء القرآن الكريم فمقدمه للناس في الصورة العالمية الخاتمة بحيث أصبح هو منهج الفكر لهذه الأمة كلها بكل ألوانها وعناصرها كما حدث عن ذلك كثير من المخططين والباحثين .
فقد استصفى الفكر الإسلامي خلاصة الوحي الرباني كله الذي أنزل على الرسل والأنبياء واستصفاه من مصدريه القرآن والسنة نورًا على طريق البشرية كلها إلى يوم القيامة فكان لابد أن يواجه من الدعوات والنحل والمناهج البشرية. وهي التي عجزت عن العطاء وأسقطتها المتغيرات.
وكان آخر ذلك سقوط منهج الغرب الليبرالي وسقوط الماركسية. فأسقطت هذه المناهج في مسقط رأسها وفي بلادها التي صاغتها ، وأعلنت البشرية منذ سنوات طويلة أنها في حاجة إلى منهج جديد ينقذها من براثن النظام الربوي الذي اغتالها ، أما سقوط الماركسية على النحو الذي حدث فقد كشف عن عجز الايدلوجيات البشرية عن العطاء حتى انها بعد سبعين عامًا من سيطرتها على مجرى الأحداث ومن خلال فلسفة عريضة خالفت فيها مناهج الفطرة وعارضت حقائق الدين ومفاهيم العلم وحاولت أن تشق طريقها ضد التيار فعجزت وحاصرتها الأحداث وقصفتها الرياح وأسقطت منهجها وحطمت شراعها .
لابد أن نعي نحن المسلمين هذه الأحداث وأن نؤمن بأن قيام الكيان الصهيوني في قلب العالم الإسلامي وسيطرته على القدس قبلة المسلمين ومسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من نفس العمل الذي يحاول أن يفرض ما يعارض الفطرة ويخالف حقائق الدين والعلم جميعًا فلابد من سقوطه . ولقد أقامت من قبل القوى الصليبية كيانًا زائفًا في نفس الموقع لم يزل يقاومه المسلمون ويجتمعون له ويجاهدون في سبيل تدميره ويقدمون الأرواح رخيصة في سبيل إعلاء كلمة الله تبارك وتعالى .
المسلمون اليوم في امتحان جديد هو أقسى من امتحان الحروب الصليبية؛ ولكن الصحوة الإسلامية التي أثبتت اليوم رسوخ أقدامها وعجز الأعداء عن إزالتها قادرة على الثبات في الموقع وحماية الثغور وإعداد قوى الردع الكفيلة برد العدوان واستخلاص الحق واستعادة بيت المقدس. ولن يكون ذلك إلا من خلال وحدة الإيمان والارتفاع فوق المطامع والأهواء والتحرر من الترف والانحلال .
وليعلم المسلمون أن سقوط هذه الايدلوجيات كلها هو لحساب الإسلام وأن الغرب لن يستطيع أن يسيطر على العالم ويقوده نحو الخضوع والتبعية بعد أن أثبتت مناهجه وايدلوجياته عجزها وفسادها وأعلن كبار العلماء والمفكرين الغربيين أنّه لا أمل إلا في الإسلام فهو وحده القادر على إنقاذ البشرية.
ولكن أصحاب المطامع من عباد العجل الذهبي وإمبراطورية الربا لايزالون يخططون من أجل السيطرة على الأمة الإسلامية وثرواتها ومقدراتها التي استنزفت منذ أكثر من قرنين من الزمان لحساب القوي العالمية في نفس الوقت الذي عاش أهل الوطو يواجهون المجاعات ، والنهب ، والاحتواء ، في محاولة لإخضاع المسلمين والعرب ، وضرب بعضهم ببعض ، ولقد استفاق العرب والمسلمون اليوم وعرفوا أنهم قادرون على التعامل السمح الكريم بين طوائفهم كما أمرهم القرآن وكما رسم لهم النبي صلى الله عليه وسلم وكما وضع عمر بن الخطاب وعمرو بن العاص وغيرهم ميثاق الترابط بين العناصر المختلفة في قلب المجتمع الإسلامي العربي .
ومن هنا فنحن في أشد الحاجة إلى الدخول في مرحلة تحرير الهوية وتصحيح الوجهة. وذلك بإقامة معاملاتنا سواء في مجال التجارة أو الزراعة أو الاقتصاد على أساس تحري الحلال وتجاوز الحرام .
وإن علينا أن نحرر مناهجنا التعليمية من الزيوف التي فرضتها الحضارة الغربية من أجل هدم وحدتنا العامة ، وتحرير مناهجنا الاجتماعية والترفيهية من عوامل تدمير وحدة المجتمع وتكامله ولنحذر من أخطار التداخل الذي يرمي إلى تفريغ هذه الصحوة من مضمونها أو احتوائها أو تدميرها أو إجهاضها
===============
الحفاظ على الهوية الإسلامية
فى إطار التجديد
تمهيد:
إن مما يقلق المراقبين لدعاة التجديد فى الفكر الإسلامى، هو المساس بالهوية الإسلامية، سواء كانت للفرد أو الأسرة أو المجتمع، وخصوصا الأحوال الشخصية، من أحكام الزواج، والطلاق والميراث، وكذلك ما يتعلق بالقضاء. خصوصا بعد أن أصبح العالم اليوم كالبلدة الواحدة، التى يمتزج بها الناس وبما أن الإنسان بطبيعته يتأثر، ويؤثر بالآخرين، فلابد من وضع الحماية اللازمة للمحافظة على الهوية الإسلامية.
وإن أكثر الهويات الإسلامية تعرضا للتهديد بالتأثير، هم المسلمون الذين يعيشون بين الكفار فى الغرب.
المحافظة على الهوية الإسلامية فى العقيدة:
لقد اعتبرت الشريعة الإسلامية العقيدة أهم المقاصد التى جاءت لحمايتها، والمحافظة عليها، وإن كبر خطر يواجه المسلمين، وخصوصا الذين هاجروا إلى الغرب، هو انصهار العقيدة الإسلامية فى العقائد الأخرى، بحيث يختلط على المسلم تمييز ما هو من الإسلام ممن هو دخيل عليه من العقائد الأخرى، كالاحتفال بأعياد المجوس، واليونان القدماء، وغيرهم، أو الاعتقادات الشركية والوثنية.
كثيرا ما تدعو منظمات حقوق الإنسان العالمية المسلمين إلى تغيير موقفهم من حرية الاعتقاد من خلال إلغاء حد الردة، الذى هو أحد الحدود الإسلامية، بحجة أن حرية الاعتقاد مكفولة لأى إنسان، دون منعه من الانتقال من دين إلى آخر. ولابد من التأكيد على ضرورة المحافظة على الهوية الإسلامية فى العقيدة، بمنع تمكين المسلم من تغيير دينه، وذلك استنادا إلى قول المصطفى صلى الله عليه وسلم "من بذَّل دينه فاقتلوه"
الحفاظ على الهوية،الإسلامية فى الأحوال الشخصية:
إن مجال التجديد فى الأحوال الشخصية من زواج، وطلاق، وميراث، وغيرها، يكاد يكون معدوما، إلا من جهة التجديد فى أسلوب عرضه، وإبراز الجوانب الإيجابية التى تحظى بها هذه الجوانب لدى المسلمين بثوب جديد.
ولكن للأسف نجد كثيرا من المثقفين يدعو إلى التجديد والتغيير حتى فى الأحكام الشرعية التى وردت فيها نصوص قطعية، وتناسى أنه "لا اجتهاد مع نص" وقد يكون دافعه إلى ذلك اجتناب الانتقادات التى توجه إلى الإسلام من الكفار، سواء من اليهود أو النصارى، أو من غيرهم.
فهو يريد أن يدافع عن الإسلام- فى ظنه- ولكنه يحارب الله ورسولهصلى الله عليه وسلم ويكون عوناً لأعداء الإسلام.
وهناك من هو مندُس بين المسلمين ويدعوهم إلى التخلى عن أحكامهم الشرعية فى مجال الأحوال الشخصية.
وإن أهم القضايا التى تطرح فى مسائل التجديد فى الأحوال الشخصية ما يلى:
1- تحريم تعدد الزوجات.
2- السماح للمسلمة بالزواج من أهل الكتاب.
3- عدم إيقاع الطلاق إلا من خلال القاضى .
4- مساواة الأولاد الذكور والإناث فى الميراث.
5- اباحة التبنى .
وفى الغالب الذى يطرح مثل هذه الأفكار لم يتمتع بقدر من العلم الشرعى، أو يكون ممن تأثر بالثقافة الغربية، ولا يعرف الثوابت الإسلامية التى لا تعرف التغيير أو التبديل أو التطوير فى ذاتها.
المحافظة على الهوية الإسلامية للمرأة:(3/246)
إن المرأة تعد نصف المجتمع، وقد اعتنت الشريعة الإسلامية بالمرأة عناية كبيرة، فبينت الأجر العظيم فى تربيتها، والإنفاق عليها، وجعلت جزاء ذلك الجنة، ولابد من المحافظة على الهوية الإسلامية للمرأة فى إطار التجديد، ويتمثل ذلك فيمايلى:
أولاَ.. من ناحية الشكل:
إن تمسك المرأة بالحجاب الشرعى، وعدم كشفها لشعرها، أو جسدها، من أهم المسائل التى ينبغى أن يحافظ عليها فى مسيرة التجديد، ومن الغريب أن نجد من يدعو إلى أن الحجاب الشرعى عادة عربية، وليس واجبا شرعيا، والأغرب من ذلك ما قرأته لأحد الكتاب المعروفين أن هناك رأياَ عند العلماء يعتبر الحجاب الشرعى يختلف فى تحديده بحسب الأزمنة والأمكنة، وباختلاف الشعوب، وبذلك تنسلخ المرأة من لباس الحشمة.
إن الحجاب بالنسبة للمرأة ليس مجرد حفظ لها ممن يريد بها سوء ا من الرجال، أو منع الفتنة فى المجتمع، بل إن الحجاب هو إعلان من المرأة المسلمة بأنها ملتزمة بأحكام الشريعة الإسلامية، وممتثلة لأوامر ربها، ومطيعة له.
ثانيا.. من ناحية الجوهر:
إن التجديد فى دور المرأة المسلمة ينبغى أن يؤكد فيه على ثوابت المرأة المسلمة فى المجتمع، فهى إما أن تكون أًما صالحة، أو زوجة صالحة، أو بنتا صالحة، أو أختا صالحة.
ولها فى كل موقع من هذه المواقع مسئولية خاصة بها، يجب أن تقوم بها على الوجه الذى شرعه الله تعالى.
فالتجديد لا يكون فى المسئولية، وإنما فى وسائل تنفيذها، وهو أحد أسرار خلود هذه الشريعة الإسلامية السمحة، فهى تصلح لكل زمان ومكان، ومهما اختلفت الأحوال، أو اختلف الأشخاص.
وسائل الحفاظ على الهوية الإسلامية فى إطار التجديد:
لابد من بيان وسائل المحافظة على الهوية الإسلامية للفرد والمجتمع، فى إطار التجديد، وأهم هذه الوسائل ما يلى:
1- ربط الأمة الإسلامية بالقرآن الكريم، حفظا، وتلاوة، وتفسيرا.
2- تثقيف المجتمع بسيرة النبىصلى الله عليه وسلم وكيفية الاستفادة منها فى واقعنا المعاصر، من خلال عرضها بأسلوب عصرى، يستطيع أن يستفيد منه السياسى، والعسكرى، والإداري، والعامل، بشكل يسير ومبسط.
3- إعداد المناهج المدرسية التى تعالج الظواهر المتجددة فى مجتمعاتنا، وتواكب التطور، لترسيخ القيم الإسلامية الحميدة.
4- إعداد البرامج التليفزيونية، من مسلسلات، أو أفلام تربط الجيل الحالى بسلف الأمة من القرون الثلاثة المفضلة، بهدف المحافظة على الهوية الإسلامية.
5- إقامة المحاضرات العامة التى تصب فى هدف المحافظة على الهوية الإسلامية.
ضوابط التجديد:
وحتى نتمكن من حماية الهوية الإسلامية فى ظل التجديد، لابد من وضع ضوابط للتجديد فى التفكير الإسلامي:
1- إن التجديد لا يمس الجانب العقائدى لدى المسلمين، باعتباره مسألة توقيفية.
2- عدم المساس بالثوابت الشرعية، من مسائل العبادات أو الأحوال الشخصية وغيرها فى إطار التجديد.
3- أن يكون التجديد لتحقق مصلحة معتبرة.
4- أن تكون الوسائل المبتكرة للتجديد مشروعة.
5- ألا يكون فى التجديد مشابهة للكفار فى عقائدهم وعباداتهم.
ومتى تحققت هذه الضوابط الخمسة فى التجديد فإننا يمكن أن نحافظ على الهوية الإسلامي
==============
مؤتمر في واشنطن يبحث في هوية المسلمين 1/2
كتب تقرير واشنطن
29/08/2007
… وفي معظم المجتمعات الإسلامية غالباً ما ينظر إلى دعم القضية الفلسطينية على أنه إحدى المسلمات، وأنها قضية المجتمع الإسلامي ككل، وأن العداء لأمريكا هو المرحلة التابعة. كذلك اقترنت قضية الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية، والجدل الذي أثر حول خطاب الحبر الأعظم بابا الفاتيكان، بتعبئة واضحة جداً للشعور الإسلامي المتخطي للحدود القومية.
بحث مؤتمر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية استطلاعات للرأي العام أظهرت أن الإسلام هو أحد الأطر المهيمنة لمرجعية المسلمين في جميع أنحاء العالم. فقد ناقشت إليزابيث ميولر جروس إستطلاع مركز بيو الأخير الذي أجري بين المسلمين الأمريكيين، والذي وجد أن أغلبهم فخور كونهم أمريكيين، وأن معظمهم من الطبقة المتوسطة.
لا تقتصر الهوية الإسلامية على الطريقة العادية التي يحيا بها الناس، لكنها تمتد لتشمل الطريقة التي ينظرون بها إلى جيرانهم، وحكوماتهم، والمسلمين الذين يعيشون خارج أوطانهم، والعالم غير الإسلامي. وبينما نشأت مفاهيم التضامن الإسلامي المتخطية للحدود القومية منذ قرون، عجلت حركة الهجرة الثابتة للبشر والأفكار، التي جاءت إلى حد ما كنتيجة لثورة المعلومات وتوافر وسائل الإعلام الإلكترونية، مما ساعد وسهل من ارتباط المسلمين يبعضهم البعض في جميع أركان العالم.
في محاولة لفهم أشكال الهوية الإسلامية بطريقة أفضل، وكيف تلعب الشبكات غير الراديكالية والهويات دوراً في تشكيل وجهات نظر المسلمين حول العالم عقد برنامج الشرق الأوسط وجنوب آسيا التابع لمعهد الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن www.csis.org مؤتمراً في 30 مايو 2007، استضاف مجموعة من الأساتذة الذين يمثلون عدد عريض من التيارات الفكرية المختلفة، من أصحاب الخبرات العالمية الواسعة.
نقاط رئيسية:
خلص المؤتمر إلى النقاط الآتية:
- يمثل الدين أحد أركان الهوية الرئيسية لغالبية البشر ومنهم المسلمين، وليس بالضرورة أن يتغلب الدين على المصادر الأخرى المشكلة للهوية كالعرق أو القومية. إلا أن الطبيعة الدينية الخاصة التي ترتبط بالعقائد والإله يسرت له إدعاء خاص بالسلطة. فبعض الشعائر الإسلامية، كالحج الذي يجمع المسلمين من جميع أنحاء العالم، تساعد على التأكيد على الهويات الإسلامية المشتركة، كذلك تفعل الأنشطة الممولة بسخاء للترويج للفهم المحافظ للدين الإسلامي في مختلف دول العالم.
- حتى عندما تركز الشبكات الإسلامية على قضايا محلية، فإنها في أغلب الأحيان تستخدم قضايا دولية، كالقضية الفلسطينية للتركيز على مسألة النظام الدولي. وفي بعض الأحيان تستخدم الأحزاب السياسية القضايا الدولية أيضاً مثل معارضة الحرب على العراق، من أجل الحصول على مكاسب سياسية محلية.
- تتشارك العديد من الجماعات الإسلامية في نفس الفهم لبعض الروايات التاريخية التي تؤكد على الشعور بالمعاناة من الظلم. في حين تنظر روايات أخرى إلى العنف وأسلوب العقاب نظرة شرعية، وترى أن التطهر الأخلاقي ضرورة لتقوية المجتمع، كما تعتبر الغرب منافقاً في علاقاته مع الدول والمجتمعات الإسلامية.
- وبالرغم من أن العديد من الشبكات الإسلامية غالباً ما تدخل تحت عباءة التقاليد، فإنها تعد من ضمن أكثر المنظمات حداثة في العالم، مستخدمة الأساليب التقنية الحديثة في الاتصالات، والتجنيد، وتوزيع المعلومات، فهم جماعات ديناميكية، ونفعية بدرجة كبيرة.
- يعني الظهور المتزايد لهوية المسلمين الدينية تعاطف قطاع عريض من المسلمين مع الأفكار التي تتناغم مع تلك الهوية قد يكون أكبر بكثير من الأفكار التي قد تبدو أجنبية أو مفروضة عليهم. فعلى سبيل المثال يشمل الدين الإسلامي مفهوماً متطوراً جداً حول "العدالة" التي يمكن أن تدخل ضمن نطاق العلمانية الدينية أيضاً، في حين أنه ينظر إلى "الديمقراطية" في معظم الأحيان على أنها أحد الواردات العلمانية الأجنبية.
فهم الهوية الإسلامية العابرة للقارات:(3/247)
على مدار السنوات الخمس الماضية تم تخصيص قدر هائل من الاهتمام والموارد لفهم الحركات الإسلامية الراديكالية المتخطية لحدود القومية. ومع ذلك لم يتم التركيز بالقدر الكافي على فهم الروابط الناشئة بين عموم المسلمين، الذين يمثلون أغلبية مسلمي العالم البالغ عددهم 1.3 مليار مسلم. وبعيداً عن حدود الراديكالية والعنف، يزداد الشعور الناشئ بالهوية والتضامن، ويشكل الطريقة التي ينظر بها المسلمون إلى وضعهم في العالم. وتكشف النظرة العالمية للمجتمع الإسلامي الناشئ عن نفسها في الشرق الأوسط، وكذلك في مدن الولايات المتحدة، والمناطق الفقيرة بغرب أفريقيا، ودول جنوب شرق آسيا.
لا تتخذ الهويات الإسلامية المتخطية للحدود القومية شكلاً واحداً، ولا تحمل نفس المضامين. فبالنسبة للبعض يعد الترابط أحد أهم عناصر الإيمان الرئيسية، أما بالنسبة للبعض الآخر فهناك إرتباط سياسي واضح، يؤثر على معتقدات البعض الخاصة بطريقة الحكم في بلادهم، ونظرتهم إلى الحكومات الأخرى. ففي بعض الدول تتشابك الهوية الإسلامية بطرق معقدة مع الهوية القومية. ففي باكستان على سبيل الخصوص تدعم كلا الهويتين الأخرى، وتميل إلى زيادة كراهية الهند، وفي بعض الأحيان الولايات المتحدة، خاصة على المستوى الشعبي. وفي معظم المجتمعات الإسلامية غالباً ما ينظر إلى دعم القضية الفلسطينية على أنه إحدى المسلمات، وأنها قضية المجتمع الإسلامي ككل، وأن العداء لأمريكا هو المرحلة التابعة. كذلك اقترنت قضية الرسوم الكاريكاتورية الدنمركية، والجدل الذي أثر حول خطاب الحبر الأعظم بابا الفاتيكان، بتعبئة واضحة جداً للشعور الإسلامي المتخطي للحدود القومية.
بحث مؤتمر مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية استطلاعات للرأي العام أظهرت أن الإسلام هو أحد الأطر المهيمنة لمرجعية المسلمين في جميع أنحاء العالم. فقد ناقشت إليزابيث ميولر جروس إستطلاع مركز بيو الأخير الذي أجري بين المسلمين الأمريكيين، والذي وجد أن أغلبهم فخور كونهم أمريكيين، وأن معظمهم من الطبقة المتوسطة.
كذلك ذكرت داليا مجاهد، الباحثة بعهد جالوب للدراسات الإسلامية أن استطلاع المعهد يوضح أن الإسلام يتمتع بمقدرة فريدة على استقطاب أتباعه على الصعيدين المحلي والعالمي، لكن على الصعيد المحلي غالباً ما تكون الشبكات الإسلامية هي الأنشط.
هناك إجماع على أنه لا يوجد موقف واحد تجاه الهوية الإسلامية، وأنها تتشكل حسب العوامل الاجتماعية، والسياسية، والمحلية. فدرجة انفتاح الأنظمة السياسية، ودور الأحزاب السياسية الإسلامية تساعد على تشكيل الهوية الإسلامية. فمثلاً على الصعيد الدولي، غالباً ما تستخدم الأحزاب الإسلامية قضايا عالمية كالصراع الفلسطيني الإسرائيلي لإظهار طبيعة النظام الدولي. وما زالت القضايا المحلية، كما يحدث في الولايات المتحدة، تلعب دوراً رئيسياً في معظم الأحيان في تحديد شكل ونتائج السجال السياسي. وفي هذا المجال، استشهدت نعيمة طالب بنموذج التفاعل بين القضايا الإسلامية المحلية والدولية الذي تستخدمه الأحزاب الدينية في جنوب شرق آسيا لاستهداف أنصارها. فعلى سبيل المثال استغل حزب ماليزيا الإسلامي، وهو الحزب الذي يمثل المحافظين أصحاب الهوية الإسلامية، الحرب على العراق لاستغلال الشعور المحلي المعادي لأمريكا. وخلال حرب أفغانستان شجع أيضاً شباب المسلمين على المشاركة في الجهاد ضد السوفييت. وأوضحت طالب أن العديد من هذه الأحزاب تستجيب للناخبين، وأن الظروف الداخلية والسياسيات هي التي تحدد القضايا التي تسلط هذه الأحزاب تسليط الضوء عليها.
وعلى صعيد آخر حدد مصطفى كمال باشا أربعة محاور مشتركة تربط بين المسلمين في جميع أنحاء العالم:
- أولها الظلم التاريخي التي تنظر إلى المسلمين على أنهم ضحايا الهجمات الغربية، والذل الذي عانوه خلال بعض الأحداث مثل الحملات الصليبية، والاستعمار، والصراع العربي الإسرائيلي.
- المحور الثاني هو العنف، الذي يشمل العنف ضد المدنيين، والذي ينظر إليه على أنه وحدة أخلاقية في حرب غير متكافئة يشنها الغرب على الإسلام.
- المحور الثالث هي أن التطهر الأخلاقي أصبحت نقطة تجمع بالنسبة للعديد من الحركات بما فيها السلفية، وحتى القوى الأكثر اعتدالاً تدين النفوذ الغربي وتعتبره تلوثاً ثقافياً.
- المحور الرابع والأخير هو الرغبة في إظهار النفاق الغربي يقود الراديكاليين للسعي إلى حث الغرب على تغيير هويته الليبرالية من خلال حرب لإنهائية. دفع مصطفى كمال باشا بأن هذه الرغبة لاستثارة استجابة رجعية هي استراتيجية الحركات المنبثقة عن فكر القاعدة في جميع أنحاء العالم.
وتثير هذه النقاط الأربع ثلاثة أمور رئيسية:
أولها رؤية المسلمين لعدم احترام الغرب للإسلام، والتي تجسدت في الرسوم الكاريكاتورية الدانماركية.
ثانياً، الشعور المشترك بالظلم المستمر، وان الأخطاء السابقة لم تعلل أبداً.
ثالثاً، أن عدم شرعية وفاعلية الدولة الحديثة في شتى أنحاء العالم الإسلامي قد تغلفت بالعدول عن التطور كهدف (الظاهر في صورة الصناعة)، وإحلال السعي وراء الحداثة محله، (الظاهر في صورة التجارة).
من ناحية أخرى شجعت التوترات المشتعلة بين الدولة الحديثة، والأشكال التقليدية للهوية على الصراع من أجل السلطة داخل المجتمع الإسلامي ذاته. حيث يتبارى حالياً عدد من اللاعبين البارزين والمراكز من أجل احتكار الشرعية الإسلامية واستقطاب الأتباع، والتي تتراوح ما بين المراكز الثيوقراطية التقليدية، والأنماط الحديثة المرتبطة بالتدريب وتلقي المعلومات عبر الإنترنت.
وفي هذا الإطار يقال إنه لم يتلقى أحد من خاطفي طائرات 11 سبتمبر تدريباً في أحد المعاهد. فرجال الدين التابعين للحكومة يمثلون اختلاط العلمانية بالروحانية في كل من الدول ذات الأغلبية والأقلية المسلمة. (وقد أشار مقتدار خان إلى أن عدد الأئمة المدعومين من قبل الحكومة في بلجيكا لكل فرد يفوق أي مكان أخر في العالم). كذلك استشهدت مها عزام بالأهمية المتزايدة للسلطات الدينية المستقلة، مثل الشيخ يوسف القرضاوي، كنماذج على هؤلاء الذين ظهروا للحصول على مكانة ما في المجتمع الإسلامي. إلى جانب بعض الأصوات أخرى مثل عمر خالد، وطارق رمضان التي دخلت هذا المجال المزدحم، وحققت نجاحاً ملموساً بالمزج بين الأساليب الإعلامية الحديثة، والحديث عن حياة إسلامية جيدة. وتسأل كل من بيتر ماندافيل، وروبرت ساتلوف إذا ما كان نفوذ الدولة المتراجع في العالم الإسلامي يصل إلى نفس الدرجة من السوء التي توقعها البعض.
-=============
دور الأدب في الحفاظ على الهوية الإسلامية
إعداد : سلطان الحريري ...
نمرُّ اليوم بمرحلة عصيبة يُمتحن فيها إيمان المسلم، بما ابتلينا به من فرض النتاج الفكري والمذهبي والفلسفي المخالف للإسلام، القادم من الشرق أو الغرب علينا، عبر الزحف الفضائي، أو عبر شبكة المعلومات العالمية (الإنترنت)، أو عبر وسائل الإعلام المختلفة.
كلّ هذا يستدعي مزيداً من الحفاظ على الهويَّة الإسلامية ومقوِّماتها في أرواحنا، ومزيداً من التمسُّك بالشخصية الإسلامية ضد ذوبانها.(3/248)
وكما يملك كلّ منَّا هويّة أو بطاقة شخصية، تتضمَّن اسمه وعمره وجنسيته، مما يُعدُّ معالم بارزة ومتميِّزة في شخصيته، يكمن هناك في أقصى زوايا النفس هوية أخرى أعلى شأناً وأهم وأكثر تميُّزاً، وهي الهويَّة التي تحوي مقوِّمات الروح وركائزها الأساسية: العقيدة ثمَّ العقيدة ثمَّ العقيدة.
ومن هنا، كان لزاماً على الأديب المسلم أن يتمثَّل هذه الهويَّة في أدبه، مهما تعدَّدت الأغراض التي يكتب فيها، ولا يعني هذا أنَّه مُطالب بتحويل أدبه إلى وعظ مباشر، فلكلّ مقام مقال، ولكلّ شخص مقوِّماته وقدراته، إلاَّ أنَّ المسلمين يتفقون جميعاً في أنَّ كلاً على ثغر من ثغور الإسلام.
ومن المهمّ أن يحذر الأديب المسلم ممَّا يكره أدعياء الأدب وسدنة الضلال من أنَّ الأدب خارج على كلّ قانون، أو أنَّ الأديب لا يُحاسب من أي شخص على أي كلمة خارجة على الدين أو العقيدة أو الخلق. كقول أحدهم: (ذلك أنَّ الشعر هو الطاقة المحرَّرة بامتياز، ولا يمكن أن يكون مفسداً أو فاسداً مهما تناول المعاني التي تُعدُّ خطأ فاسدة. إنَّ هذه المعاني على افتراض وجودها ـ تصبح شريفة منذ أن يتناولها الشعر).
أو كما يزعم آخر من أنَّ الشعر والفن فوق القوانين والتعاليم الأخلاقية، فقوانين الفن، كما يرى ـ بحكم غاياتها الجمالية أو الإبداعية ـ مطلقة الحرية، والفنان يغيِّر شكل العالم دون تصريح من أحد. ويرى أنّ امرأ القيس، وعمر بن أبي ربيعة، وأبا نواس، ونزار قباني.. لو وصفوا في حديث عادي ما نظموه في بعض قصائدهم الغزلية، لاتهمناهم بالقذف والخروج عن حدود اللياقة والوقار، ولكن الذي كان يخضع للمقاييس الأخلاقية وهو حديث عادي، يصير فوق هذه المقاييس وهو لغة شعرية، فلا بدَّ من التمييز بين لغة الشعر ولغة الأخلاق.
وكلّ هذه الأقوال منافية للمنطق وللتفكير الصحيح، فالشعر قولٌ بشريُّ لا يملك الحصانة، ولا يختلف عن اللغة العادية إلاَّ في جمالياته فقط، ومن هنا فهو يخضع للتقويم، ولنا أن نحاسب الشعراء إذا حادوا عن السبيل المستقيم، ومالوا عن الصراط القويم، فقد قال |: ( الشعر بمنزلة الكلام حسنه كحسن الكلام، وقبيحه كقبيح الكلام).
وبالإضافة إلى ما ذُكر، فهناك تناقض بين ما يدعو إليه أولئك وما يكتبونه من شعر، فهم أنفسهم يصدرون في آرائهم عن فكر معيَّن مرتبط بفلسفات معروفة، تداخل فيها العديد من المذاهب . ومهما كثر التنظير عند كثير من الحداثيين، فإنَّ شاهدهم من النموذج الشعري غائب، وذلك أنَّهم دعاة للتمذهب تاريخاً وولاءً وتفلسفاً وانتماء، أكثر مما هم دعاة للمسألة الأدبية.
ومن المهم أن يعي الأديب المسلم أنَّه لا شيء يعدل الأدب في تأثيره؛ لأنَّه ـ بما يملك من سمات فنيّة جمالية لا يجوز تجاهلها ـ ممتع ذو قيمة فنية رفيعة، فلا يجوز تجاهل هذا النشاط الإنساني ذي الدور الخطير، أو تسخيره للعبث والمتعة الرخيصة، أو توجيهه لشرّ الإنسان، وإفساد قيمه، وإثارة العواطف الشريرة الدنيئة فيه.
قصة مثل : وافق شَنُّ طَبقة
كان رجل من دُهاة العرب وعقلائهم يُقال له شن، فقال: والله لأطوفن حتى أجد امرأة مثلي أتزوجها، فبينما هو في بعض مسيره إذ وافقه رجل في الطريق، فسأله شن: أين تريد؟ فقال: موضع كذا، يريد القرية التي يقصدها شن، فوافقه حتى إذا أخذا في مسيرهما قال له شن: أتحملني أم أحملك؟ فقال له الرجل: يا جاهل أنا راكب وأنت راكب، فكيف أحملك أو تحملني! فسكت عنه شن.
وسارا حتى إذا قربا من القرية إذا بزرع قد استحصد، فقال شن: أترى هذا الزرع أكل أم لا؟ فقال له الرجل: يا جاهل، ترى نبتا مستحصدا فتقول أكل أم لا! فسكت عنه شن.
حتى إذا دخلا القرية لقيتهما جنازة فقال شن: أترى صاحب هذا النعش حيا أو ميتاً؟ فقال الرجل: ما رأيت أجهل منك، ترى جنازة تسأل عنها أميت صاحبها أم حي! فسكت عنه شن، فأراد مفارقته، فأبى الرجل أن يتركه حتى يصير به إلى منزله، فمضى معه، فكان للرجل بنت يقال لها طبقة، فلما دخل عليها أبوها سألته عن ضيفه، فأخبرها بمرافقته إياه، وشكا إليها جهله، وحدثها بحديثه، فقالت: يا أبت، ما هذا بجاهل، أما قوله: >أتحملني أم أحملك< فأراد أتحدثني، أم أحدثك حتى نقطع طريقنا، وأما قوله: >أترى هذا الزرع أكل أم لا؟< فأراد هل باعه أهله فأكلوا ثمنه أم لا؟، وأما قوله في الجنازة، فأراد هل ترك عقباً يحيا بهم ذكره أم لا؟، فخرج الرجل فقعد مع شن فحادثه ساعة، ثم قال: أتحب أن أفسر لك ما سألتني عنه؟ قال: نعم فسره، ففسره، قال شن: ما هذا من كلامك، فأخبرني عن صاحبه، قال: ابنة لي، فخطبها إليه فزوجه إياها، وحملها إلى أهله، فلما رأوها قالوا: >وافق شن طبقة<.
فذهبت مثلاً يضرب للمتوافقين.
ظمأ .. يتجاوز حرماني
للشاعر يس الفيل/ مصر
طرقتُ بابك أستجديك غفراناً
إنَّي أراكَ خلاصا.. ليس يبلغه
هذا رجائي.. وقد هيأت منطلقي
.. يارب إنك تدري أنني بشر
فهل تُراك.. إذا ما جئتُ معتذراً
أم أن جهلي بما قدرت يشفع لي
يارب أنت قطعت العهد من زمن
وأنت تعلم أنيِّ جئت مخترقاً
تُرى.. أؤمل.. أم أني بلا أمل
يارب إنيٍّ بكل الشوق مندفع
فخذ بكفي، ولا تنظر إلى شططي
أنا الذي لم أزل للعفو ظمآنا
إلا من اجتاز أفقَ الحب إذعانا
إلى هداك - فلم ينكث - وإن عانى
أسعى بأمرك إذعانا وعصيانا
تردني عنكَ - يوم العرض - خزيانا
أنا الذي بك تعلو كفتي شانا؟
وقلت: توبوا.. نكفر كل ما كانا
حواجز.. أرهقت من ضل أزمانا
أظل أجنى غراس العمر أحزانا؟
أستدرج الصفح أن يمتد خلجانا
هذا الذي أشبع المحروم حرمانا
- - - - - - - - - - - - - - - - -
الفهرس العام
الإسلام والآخر الحوار هو الحل ... 2
الفيدرالية .. الخطر القادم ! ... 103
العلمانية ...هل تصبح خيارا شعبيا في السنوات القادمة ؟ ... 173
التربية القرآنية في سورتي الإخلاص ... 183
قتل المرتد إذا لم يتب ... 195
تغيير مناهجنا الدراسية إلى أين؟ ... 232
نداء إلى شبابنا المسلم وحكومات شعوبنا الإسلامية ... 241
حتى يميز الخبيث من الطيب ... 274
العلمانية وخديعة استبعاد الدين ... 280
البعث.. ما هو الدور الجديد؟!! ... 292
لا جهاد بلا إرهاب ... 299
ولا يزالون يقاتلونكم ... 303
العراق ما بين سوء الاحتلال وأذنابه وسوأة "الحزب الإسلامي العراقي" ... 309
لماذا لا يجوز للمسلم أن يحتفل بالميلاد؟ ... 313
الحوار الوطني ... 320
القومية العربية ضيعت العراق ... 323
حماس ما بين فريق "أوسلو" وفِرق الرافضة؛ ماذا تجني؟! ... 332
فقاتلوا أولياء الشيطان ... 337
مشروع محمد عبده "الإصلاحي" وزرع الشوك ... 343
شبهة؛ التحالف مع الكفار لارتكاب أخف الضررين ... 351
شؤون داخلية ... 357
العولمة من خلال رؤية إسلامية ... 359
تونس ..والحرب الشرسة ضد الإسلام ... 378
غزوٌ من الخارج أم من الداخل ؟ ... 383
موجة التقليد والتشبه التي أصابت المسلمين ... 389
موجة التقليد والتشبه وأصالة المسلمين وصحوتهم ... 392
المرأة المسلمة والتحديات المعاصرة بين حديث القرآن والواقع (1- 3) ... 402
الليبراليون والدعوة إلى نقد الثوابت... ... 418
حقيقة الأرهاب ... 424
نقد الفكر الليبرالي ( جديد ومزيد ). ... 430
مسلمو تايلاند أسباب نكبتهم ووسائل نصرتهم ... 511
الرد على شبهات حول الجهاد العراقي ... 516
الأقلّيات الإسلاميّة.. واغتيال الهُويّة الثقافيّة ... 541
مسلمو البرازيل مهددون بالذوبان وفقدان الهوية ... 544(3/249)
عروبة العراق في خطر! ... 547
في ذكرى الانتفاضة..تهويدوطمس الهوية ... 551
الأمة بين سنتي الابتلاء والعمل (1/5) ... 557
الأمة بين سنتي الإبتلاء والعمل [2/5] ... 578
الأمة بين سنتي الإبتلاء والعمل [3/5] ... 587
الأمة بين سنتي الإبتلاء والعمل [4/5] ... 591
الأمة بين سنتي الإبتلاء والعمل [5/5] ... 593
لماذا خطف حزب الله الجنديين ؟ ... 604
أبعاد المؤامرة الدولية على المرأة والطفل ... 616
التغيير الاجتماعي والفكر الإسلامي المعاصر ... 618
أمريكا تعيد لعب الدور الروسي ... 622
الدولة في القومية العربية ... 626
تقسيم التوحيدي:سلاح أمريكي جديد! ... 633
المسلمون في جيانا .. نشاط كبير لإثبات الهوية ... 639
الحفاظ على الهوية والثقافة الإسلامية في إطار الرؤية المتكاملة ... 640
ثقافة الحِوار لا ثقافة الخُوار...!! ... 659
فى ندوة (الحرب الثقافية الباردة) ... 663
رئيس جبهة تحرير مورو الإسلامية في حوار شامل ... 667
محنة مسلمي السنغال في ظل هيمنة الفرانكفونية ... 673
هاجس الهوية وإشكاليات الفكر السياسي العربي... ... 678
صراع الهويات.. وخصائص الهوية الإسلامية ... ... 682
درس فلسطيني في الهوية ... 686
المسلمون في بريطانيا .. الهوية والدولة ... 688
أزمة الهوية الإسلامية في البلدان المغاربية ... 690
المرأة الفلسطينية في الخط الأخضر حارسة بوابة الهوية ... 695
أفغانستان .. الهوية الدينية والعرقية ... 698
الحفاظ على الهوية العربية يستلزم التصدي للعولمة ... 702
البُعد الإنساني في الهوية العربية الإسلامية ... 704
مسلمو أوروبا .. الهوية والمواطنة ... 705
الهجرة من بلاد الكفر إذا خشي على نفسه الفتنة ... 706
الهوية من مقومات التميز والبقاء للأفراد والأمم ... 707
مفهوم الهوية.. بين الثبات والتحول! ... 710
"يوم الأسرة العربية".. والبحث عن الهوية الغائبة ... 717
المسلمات في هولندا.. طموح يراعي الهوية ... 719
المسيحيون العرب.. وقلق الهوية الإسلامية ... 724
الهوية السودانية.. صراع ما بعد السلام ... 730
الأفريقانية والعروبة.. صراع دارفور في مرآة الهوية ... 736
"الهوية".. البحث الدائم عن الخلاص! ... 741
انتخابات البوسنة.. المسلمون انتصروا في تحدي الهوية ... 745
تركيا بين خيار الهوية الإسلامية والذوبان الأوروبي ... ... ... 748
الهوية الإسلامية... وإحياء الأمة ... 755
الالتزام بالإسلام إطارا مرجعيا يحمي أبناء الأمة من الاختراق ... 756
كيف استهدف العهد البورقيبي الهوية الإسلامية في تونس؟ ... 766
الهوية الإسلامية ... 773
الجيل الثاني من المهاجرين المسلمين يشعر بقوة انتمائه إلى الهوية الإسلامية ... 775
الهوية الإسلامية ... 778
الهوية الاسلامية ... 780
هل تخطت تونس هاجس الهوية الإسلامية؟ ... 782
إلغاء الهوية الإسلامية للدول العربية شرط أساسى لتحقيق السلام!! ... ... 786
تركيا بين الهوية الإسلامية والممارسة العلمانية ... 787
الهوية الإسلامية ... 791
الهوية الإسلامية في مواجهة العولمة ... 840
الهوية الإسلامية ضرورة لمواجهة التغريب ... 845
الهوية الإسلامية (ومؤامرة القضاء عليها) ... 851
الحفاظ على الهوية الإسلامية ... 854
مؤتمر في واشنطن يبحث في هوية المسلمين 1/2 ... 858
دور الأدب في الحفاظ على الهوية الإسلامية ... 863(3/250)