وقد علق الدسوقي على قول خليل السابق بقوله: [كأن أراد قلع سن فقلع غيرها، أو تجاوز بغير اختياره الحد المعلوم في الطب عند أهل المعرفة] (1) .
وقال المواق: (قال ابن القاسم لا ضمان على طبيب وحجام وخاتن وبيطار إن مات حيوان بما صنعوا به إن لم يخالفوا، وضمن ما سرى كطبيب جهل أو قصر) (2) .
فمفهوم قوله إن لم يخالفوا أنهم إن خالفوا تعديًا أو تقصيرًا ضمنوا كما يدل عليه قوله: (أو قصر) . . . . .
وقال ابن القيم: (وإن كان الخاتن عارفًا بالصناعة وختن المولود في الزمن الذي يختن في مثله وأعطى الصناعة حقها لم يضمن سراية الجرح اتفاقًا) (3) .
وقد علق قيس بن المبارك على هذا الحكم بقوله: (دل قوله وأعطى الصناعة حقها على اعتباره لأصول المهنة الطبية سببًا من أسباب سقوط المسؤولية، ومفهوم وصفه هذا يدل على أن عدم الأخذ بهذه الأصول يعتبر موجبًا للمسؤولية) (4) .
وقال ابن الشحنة: (ليس على الفصاد والبزاغ والحجام ضمان السراية إذا لم يقطعوا زيادة على القدر المعهود المأذون فيه) (5) .
وقال الشافعي: (وإذا أمر الرجل أن يحجمه وأن يختن غلامه أو يبطر دابته فتلفوا من فعله، فإن كان فعل ما يفعله مثله مما فيه الصلاح للمفعول به عند أهل العلم بتلك الصناعة فلا ضمان عليه وإن كان فعل ما لا يفعله مثله من أراد الصلاح وكان عالمًا به فهو ضامن) (6) . فجعل نفي المسؤولية والضمان عنه مشروطًا بفعل ما فيه الصلاح للمفعول له عند أهل العلم.
ولا شك أن في كل ما تقدم بيان وإيضاح للإلزام أصول المهنة وتضمين من لم يلتزم بها ومن قصر في تحليل الدم ومشتقاته حتى أصيب السليم يكون عمله محظورًا معاقبًا عليه في الدنيا بالضمان وفي الآخرة بالعقاب.
ولقد اتخذت المملكة العربية السعودية إجراء وقائيًا عامًا حيث منعت استيراد الدم من الخارج واكتفت بما يتم جمعه من الداخل (7) بعد أن اتخذت عدة وسائل لتشجيع المواطنين على التبرع بالدم وهذا إجراء يشكر ولا يكفر ويذكر ولا ينسى. والله أعلم.
__________
(1) حاشية على الشرح الكبير: 4 / 316
(2) التاج والإكليل مع مواهب الجليل: 6 / 320 – 321
(3) تحفة المودود: ص 195
(4) التداوي والمسؤولية الطبية: ص 178
(5) لسان الحكم: ص 292
(6) الأم
(7) محمد البار، ومحمد صافي، الإيدز: ص 306(9/2000)
المبحث الثالث
في عزل مريض الإيدز عن أماكن التجمع
كالمدارس وميادين العمل
يمكن تقسيم هذا المبحث إلى تمهيد ومطلبين:
المطلب الأول: الحكم إذا كان المرض ينتقل بالمعايشة العامة والمصافحة والأكل والشرب واستعمال الأدوات والمراحيض.
المطلب الثاني: الحكم إذا كان المرض لا ينتقل بالمعايشة العامة والمصافحة والأكل والشرب واستعمال الأدوات والمراحيض.
التمهيد:
الأمراض المعدية التي تنتقل من المريض إلى آخر تختلف طرق ووسائل انتقالها من مرض إلى آخر، فمنها ما ينتقل بواسطة التنفس كأمراض الجهاز التنفسي كالأنفلونزا والسل الرئوي، ومنها ما ينتقل بواسطة الفم كأمراض الجهاز الهضمي مثل الدوسنتاريا والتيفود، ومنها ما ينتقل عن طريق المعاشرة الجنسية مثل الزهري والسيلان، ومنها ما ينتقل بطريقة الملامسة كالجدري والجذام، وبعضها ينتقل بواسطة الحقن أو نقل الدم كالالتهاب الكبدي الفيروسي أو بواسطة وخز الحشرات كالملاريا التي تنقلها البعوضة أو الطاعون الذي تنقله الفئران والبراغيث، وقد يكون للمرض الواحد أكثر من وسيلة لانتقاله (1) كالإيدز إذا تحقق أنه ينتقل بالاتصال الجنسي وعن طريق الدم ومشتقاته كزراعة الأعضاء والمخدرات التي تؤخذ عن طريق الحقن وحيث إن الأمر كما ذكر في وسائل انتقال الأمراض، وبعض الأسئلة التي طرحت وطلبت الإجابة عليها يتوقف الجواب عليها على تحديد الرأي الطبي ووضوحه في وسائل انتقال المرض، والسؤال الذي تجب الإجابة عليه حتى يعطى الحكم الصحيح على هذه الأسئلة هو: هل مرض الإيدز ينتقل عن طريق الملامسة والمجالسة والمعايشة واستعمال الأدوات والمراحيض والإفرازات التي يفرزها الجسم كاللعاب والدمع أو لا ينتقل بواسطة هذه الوسائل؟.
__________
(1) محمد علي البار، العدوي بين الطب وحديث المصطفى: ص 22(9/2001)
استفاض بين الناس في مراحل المرض الأولى أن مرض الإيدز ينتقل بالمعايشة، والأطباء عند ظهور أعراض المرض الأولى كانوا يحذرون من مصافحة مرضى الإيدز ومجالستهم، ولقد نقلت الصحف أن بعض المجرمين الهاربين الذين يحيط بهم رجال الأمن يدعي أنه مصاب بالإيدز حتى يتمكن من الهرب، بل إن رجال الأمن إذا أرادوا التعامل مع الشاذين جنسيًا أو مدمني المخدرات يلبسون القفازات والأقنعة الواقية خوفًا من الإيدز – حيث تعتبر هذه الفئات مرتعًا للمرض – كما تم إمداد رجال الإسعاف بأجهزة بلاستيكية تمنع وصول وتلاصق فم المسعف بفم المصاب، وعندما حاول التليفزيون في الولايات المتحدة تقديم أحد مرضى الإيدز رفض العاملون في الإستديو دخول المبني واضطرت الإدارة لإلغاء البرنامج، ونشرت الصحف قصة اللص الذي دخل بنكًا في نيويورك وناول الموظفة قصاصة مكتوبًا عليها أنا مصاب بالإيدز فناوليني ما معك من النقود وإلا بصقت في وجهك فناولته مسرعة كل النقود وتكررت الحادثة في أماكن مختلفة في أوروبا (1)
بل لقد ذكرت قصة الطبيب الذي امتنع عن استعمال الهاتف العام خوفًا من خطر الإيدز (2) ، غير أن هذا الخوف وهذا الهلع بدا يخف ويزول شيئًا فشيئًا بسبب كثرة المؤتمرات والندوات والنشرات التي ذكرت فيها الوسائل المتفق على أنها ناقلة للمرض باتفاق وهي: الاتصال الجنسي، ونقل الدم، والمخدرات خصوصًا التي تعطى عن طريق الحقن، والجروح، والحمل أما غيرها فما يزال مجال نظر بين الأطباء ولذا فالحكم الشرعي يفرع على أحد احتمالين.
__________
(1) محمد علي البار ومحمد صافي، الإيدز: ص 84 – 85.
(2) محمد علي البار ومحمد صافي، الإيدز: ص 86(9/2002)
المطلب الأول
في الإجابة على احتمال انتقاله بالمعايشة والملامسة والتنفس
والاشتراك في المراحيض والأكل والشرب
واستعمال الأدوات المراحيض
وبناء على هذا نورد عدة أدلة موجبة لعزله ومنعه من التعليم مع غيره وفصله من العمل أو إيجاد فرصة عمل له بعيدة عن الاختلاط وكذا تعليم المرضى منفردين عن غيرهم … ومما يمكن أن يستدل به على ذلك.
1- قوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها)) . . . . (1) .
وفي هذا الحديث عدة معجزات اكتشفت بعد قرون طويلة منها أن هذا المرض ينتقل عن طريق الاستنشاق حيث يصل إلى الرئتين ومنها إلى البدن فيفسد البدن.
وفي الطب أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملًا للميكروب ولم يظهر عليه أثر من آثار المرض فترة الحضانة – الفترة الزمنية التي تسبق ظهور الأعراض منذ دخول الميكروب الجسم – ولذلك أمر السليم بعدم الخروج من مكان الوباء؛ لأنه قد يكون حاملًا للمرض فيعرض الآخرين للخطر دون أن يشعر هو أو يشعر الآخرون ولذا جاء المنع شديدًا والوعيد مرعبًا مخفيًا (2) ، في حديث: ((الفار من الطاعون كالفار من الزحف)) . . . .، وحديث: فما الطاعون؟ قال: ((غدة كغدة البعيرة، المقيم بها كالشهيد والفار منها كالفار من الزحف)) . . . . (3) .
وشبيه بالطاعون كل وباء أو مرض ينتقل عن طريق الاستنشاق والمجالسة والمعايشة فيمنع السليم من الدخول إلى بلد الوباء كما يمنع المريض والسليم أيضًا من الخروج منها خشية أن يكون حاملًا للمرض ولم تظهر عليه أعراضه ويعدي غيره.
2- قال صلى الله عليه وسلم: ((لا يورد ممرض على مصح)) . . . . (4) .
وفي هذا الحديث منع صاحب الماشية المراض من الورود على صاحب الماشية الصحيحة خشية انتقال العدوى.
3- ثبت أنه كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا قد بايعناك فارجع)) . . . . (5) فهذا المجذوم قد أرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم بالبيعة ولم يأذن بدخوله على الناس، وعمر أخرج المجذومة من المطاف وهذا هو الحجر الصحي بأجلى معانيه وأوضح صوره يتضح من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم، وسنة الخلفاء الراشدين من بعده فكل مرض يشابه الطاعون والجرب في وسائل انتقاله يأخذ حكمه، وحيث إن مرض الإيدز معد ينتقل من المرضى إلى الأصحاء ولم يتم بعد الحسم في انتقاله عن طريق المعايشة، فأرى أنه يجب عزل المريض وإبعاده، عن الأصحاء ولو بإقامة محاجر صحية خاصة كمحاجر المجذومين ومرضى السل والأوبئة الأخرى كسائر الأمراض المحجرية (6) .
__________
(1) البخاري، الجامع الصحيح، مع فتح الباري: 10 / 178 – 179؛ ومسلم الجامع الصحيح، مع شرح النووي: 14 / 206
(2) محمد البار، العدوي بين الطب وحديث المصطفى: ص 73
(3) أحمد بن حنبل، المسند: 6 / 82، 145، 255
(4) البخاري، الجامع الصحيح مع فتح الباري: 10 / 241؛ ومسلم الجامع الصحيح مع شرح النووي: 14/ 215 – 216
(5) مسلم، الصحيح مع شرح النووي: 14 / 288
(6) ذكر الأطباء الذين التقيت بهم في المؤتمرات والندوات العلمية أن المرض لا ينتقل بالمعايشة في وقتنا الحاضر، وأن أبدوا تخوفًا من قدرة بعض الفيروسات والجراثيم على المقاومة للأدوية والمضادات والتغير في وسائل الانتقال. والله أعلم(9/2003)
المطلب الثاني
الحكم إذا كان المرض لا ينتقل بالمعايشة العامة والمصافحة
والأكل والشرب واستعمال الأدوات والمراحيض
هذا الأمر لم يحسم بعد عند الأطباء وإن كان توجه كثير منهم إلى عدم انتقاله، جاء في كتاب قصة الإيدز: (لا ينتقل فيروس الإيدز عن طريق اللعاب والعرق والدموع أو البول أو رذاذ التنفس أو المصافحة أو ماء حمام السباحة أو الحمامات العامة أو المراحيض أو الغذاء أو ماء الشرب) (1) .
هذا القول مع ما كان سائدًا يجعل من يريد تفريغ الأحكام الشرعية مترددًا بين احتمالين سبق الكلام وإعطاء الحكم على الاحتمال الأول، والحكم على الاحتمال الثاني هو عدم جواز عزله وحرمانه من التعليم والعمل لا سيما إذا كان المريض يتصرف في حياته تصرفًا مسؤولا لا يخشى منه الإضرار بغيره، فحقوقه العامة والخاصة لا يجوز المساس بها فلا ضرر ولا ضرار، والتدابير الوقائية التي تتخذ للحماية من كل مرض حسب طرق انتقاله من مريض إلى آخر.
فالضرورة تقدر بقدرها ولا يعطى الأمر أكثر مما يستحق، فمريض الإيدز يعاني من الآلام النفسية والصحية والاجتماعية والشيء الكثير ولذلك صرح بعض المصابين عندما طرد من عمله قائلًا: (إنك لا تعيش آلام الإيدز فقط ولكن تعيش منبوذا من المجتمع، وحتى إذا مت فإنهم يرفضون تجهيز جثتك) (2) .
فالضرورات تقدر بقدرها، ولذلك يذكر الأطباء الذين يرون عدم انتقاله بغير الوسائل الأربع المتفق عليها احتياطات تؤيدها الأدلة العامة والقواعد الكلية ومقاصد الشريعة العامة منها: أن منع الطفل المصاب من اللعب مع غيره في المدرسة واجب شرعي حيث إن اللعب يعد مصدرًا للجرح وعند حصول الجرح في مصاب وسليم ينتقل المرض عن طريق الدم، وكذا يؤكدون على وجوب أخذ الاحتياطات في المدرسة حين استعمال الأطفال للآلات الحادة وتبادلها بين سليم ومصاب، فثقب الجلد بأي طريقة واستعمال أدوات ملوثة وسيلة من وسائل انتقال المرض فيجب أخذ التدابير والاحتياطات اللازمة والكفيلة بمنع انتشار الأمراض حسب طبيعة انتقالها وذلك من ضمن الواجبات الشرعية على ولاة الأمور التي لا يجوز التهاون فيها أو الإخلال بها ومن لم يراع ذلك حكم بفسقه. والله أعلم.
__________
(1) رفعت كمال، قصة الإيدز: ص 91
(2) محمد البار ومحمد صافي، الإيدز: ص 89(9/2004)
المبحث الرابع
في الاحتياطات الواجب اتخاذها عند الحلق في الحج
للوقاية من أمراض الإيدز والالتهاب الكبدي
يوجد كثير من المهن التي يتم من خلالها انتقال العدوى سواء من العاملين أنفسهم أو من زبون إلى آخر فينتقل المرض من شخص إلى آخر حتى ينتشر المرض إلى عدد كير من أفراد المجتمع، والخبر الذي نقل 1989م أن مرض الإيدز انتشر في الاتحاد السوفيتي بسبب نقص أمواس الحلاقة وإبر الحقن التي يتكرر استخدامها، مؤشر قوي يحتم أخذ الحيطة، ولقد بلغ الاحتياط ببعض الأطباء والصيادلة أن يحلقوا البعضهم أو يذهبوا بأدواتهم من موسي حلاقة وغيرها إلى الحلاقين حيث تأكد لديهم أن استخدام آلة حادة ملوثة بالفيروس إذا استخدمت فجرحت مريضًا وسليمًا انتقل المرض إلى السليم كالإيدز والوباء الكبدي (1) ، ولذلك يجب اتخاذ كافة الاحتياطات اللازمة حتى تتم الوقاية من هذه الأمراض ومنها ما يلي:
1- توزيع ماكينات حلاقة مجانية أو بثمن رمزي على جميع الحجاج عند دخولهم إلى البلاد وتنبيه الحجاج إذا لجأوا إلى الحلاقين عند الجمرات أو غيرها إلى وجوب استعمال هذه الأدوات ودون غيرها أو استخدام أدوات أخرى لم تستخدم من قبل (2) ، فالدولة أيدها الله والمواطنون في المملكة العربية السعودية يعملون كثيرًا في سبيل راحة الحجاج وحمايتهم بل لقد وصل الأمر إلى تقديم وجبات غذائية ومياه صحية مجانية للحجاج فكيف إذا تعلق الأمر بحماية الحجيج من وباء خطير بل من عدة أمراض الوسيلة الناقلة لها أدوات الحلاقة من أمواس وغيرها؟.
2- توعية الحجاج في وسائل الإعلام المختلفة وتثقيفهم بكتابة ملصقات ونشرات بلغات الحجاج المختلفة توزع عند المطوفين وفي أماكن تجمع الحجاج حتى يعرف كل حاج خطورة ذلك ليجتنبه.
3- تثقيف وتوعية الحلاقين (3) وتعريفهم بالأمراض التي يمكن أن تنتقل بسببهم وطرق انتقالها ووسائل الوقاية منها..
4- التطعيم الإجباري لجميع العاملين من الحلاقين بلقاح التهاب الكبد الوبائي، والكشف الدوري عليهم للتأكد من سلامتهم ومنع الذين لم يطعموا أو يلتزموا بالاحتياطات من مزاولة المهنة.
5- تعقيم الأدوات التي تستخدم تعقيمًا جيدًا إن لم يكن استخدام الأدوات مرة واحدة (4) .
6- التنسيق الكامل بين وزارة الصحة – الطب الوقائي – والبلديات ومركز أبحاث الحج بحيث يتم أخذ عينات من القادمين من المناطق التي ينتشر فيها المرض فإن كانت نسبة المصابين عالية لزم أخذ الحذر في الأعوام القادمة قبل مغادرة الحجاج بلادهم عن طريق السفارات والقنصليات السعودية في الخارج وهذا يتوقف على حسم الرأي الطبي في انتقال المرض بالمعايشة فإن كان ينتقل بها وجب منعهم من الدخول، فالنبي صلى الله عليه وسلم منع المجذوم من الدخول على الصحابة وأرسل إليه إنا قد بايعناك فارجع، وعمر منع المجذومة من الطواف ولكن هذا الأمر ينبغي طرحه على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية حتى لا يكون سببًا في مشاكل سياسية قبل اتضاح خطورته وإن كان لا ينتقل بالمعايشة وجب اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بمنع انتشاره عند الحلق.
7- الاهتمام بالتثقيف والتوعية العامة في وسائل الإعلام المختلفة بخطورة المرض ووسائل انتقاله حتى يمكن تجنبها والحماية منها.
8- وجوب تأكد الزبون من نظافة المحل والأدوات، وطلبه استعمال أدوات معقمة ونظيفة.
9- ضرورة الزيارات الفجائية من قبل المسؤولين لهذه المحلات للتأكد من تطبيق أسس السلامة الوقائية.
__________
(1) رفعت كمال، قصة الإيدز: ص 19. عكاظ، 24 / 8 /1413 هـ، عدد 9698
(2) عكاظ، 24 / 8 / 1413 هـ، عدد 9698
(3) قد يصعب توعية الحلاقين إذ إن الذين يمارسون الحلاقة في الحج غير معروفين قبل الموسم ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله.
(4) عكاظ: 24 / 8 / 1413 هـ، عدد 9698، ومقابلة أجريتها مع بعض الأطباء بجامعة أم القرى وقسم الطب الوقائي بوزارة الصحة بمكة.(9/2005)
المبحث الخامس
الحكم الشرعي في اعتبار الإيدز مرض موت
ويمكن تقسيمه إلى مطلبين:
المطلب الأول: تعريف مرض الموت والعلاقة بينه وبين الإيدز.
المطلب الثاني: شروط مرض الموت.
المطلب الأول
تعريف مرض الموت والعلاقة بينه وبين الإيدز
حياة مريض الإيدز قد تطول، وإن كانت نهايته – بحسب معارف اليوم – محتومة الموت إلا أنه كالمصاب بالسرطان يمكن أن يعيش سنين عديدة. وقد آثار هذا الوباء الذي لم يسبق له نظير في التاريخ كثيرًا من الرعب والذعر والخوف وسبب آثارًا اجتماعية واقتصادية وسياسية ونفسية.. ففي أوروبا أظهر استطلاع للرأي أجرته ثماني صحف أوروبية في بلدان مختلفة أن كلمة إيدز ليس له غير مدلول واحد لدى الناس وهو الموت، وأن الكلمتين أصبح لا فرق بينهما على الإطلاق (1) ولنعد مما شاع بين الناس الذين انتشر فيهم المرض وعرفوا وطأته وخطورته إلى أقوال الفقهاء الذين عرفوه وبينوا آثاره في تصرفات المريض (2) .
يمكن تقسيم أقوال الفقهاء إلى مذهبين:
المذهب الأول: مذهب أكثر الحنفية والإمام مالك.
ورد عن أكثر أهل الحنفية عدة أقوال:
فقيل: أن لا يقدر أن يقوم إلا أن يقام.
وقيل: إذا خطا ثلاث خطوات من غير أن يهادي فصحيح وإلا فمريض.
وقيل: أن لا يقدر أن يمشي إلا أن يهادي.
وقيل: أن لا يقوم بمصالحه خارج البيت ولا تقوم المرأة بمصالحها داخله.
وقيل: أن لا يصلي قائما (3) وذهب الإمام مالك إلى أن المرض الذي يقعد صاحبه عن الدخول أو الخروج مرض موت (4)
__________
(1) المدينة عدد 9692 في 18 / 6 / 1414 هـ
(2) مرض الموت لا يؤثر في عقود المعاوضات التي يقوم فيها كل من الطرفي. بدفع مال للآخر ويأخذ ما يقابله سواء كان هذا المال عينًا ومنفعة كالبيع والشراء بقيمة المثل وذلك فيما لا يخرج عن العادة وإنما تأثيره في التبرعات التي تقوم على أساس المنحة والمعونة من أحد الطرفين للآخر كالهبة والوصية.
(3) الحصكفي، الدر المختار مع حاشية بن عابدين 3/ 307، وابن الهمام شرح فتح القدير 3/ 155
(4) المواق، التاج والإكليلي، ص 785(9/2006)
وقد أرجع الكاساني هذه الأقوال إلى ضابط واحد بقوله:
والحاصل أن مرض الموت هو الذي يخاف منه الموت غالبًا (1) .
فمن اتصف بهذه الصفات يخاف عليه الموت كما ذكر – رحمه الله -.
المذهب الثاني: المعتمد عند المالكية والشافعية والحنابلة وبعض الحنفية أن مرض الموت ما يحصل الموت عنه وإن لم يغلب.
قال الدردير: وحجر على مريض ذكرًا كان أو أنثى سفيهًا أو رشيدًا إذا مرض مرضًا ينشأ الموت عنه عادة إن لم يغلب الموت عنه (2) .
وقال النووي: قال الإمام لا يشترط في المرض المخوف كون الموت منه غالبًا بل يكفي أن لا يكون نادرًا (3) .
ونقل البعلي عن ابن تيمية النص الآتي: ليس معنى المرض المخوف الذي يغلب على القلب الموت منه ويتساوى في الظن جانب البقاء والموت، لأن أصحابنا جعلوا ضرب المخاض من الأمراض المخوفة، وليس الهلاك غالبًا ولا مساويًا للسلامة وإنما الغرض أن يكون مسببًا صالحًا للموت فيضاف إليه، ويجوز حدوثه عنده، وأقرب ما يقال: ما يكثر حصول الموت منه فلا عبرة بما يندر منه ولا يجب أن يكون الموت منه أكثر السلامة (4) .
مناقشة:
تحديد مرض الموت بحركات خاصة غير منضبط، لأن تلك الأمور تختلف باختلاف الأشخاص قوة وضعفًا، وكما تختلف بنوع العمل الذي يقوم به الشخص، فالعامل الذي يقوم بالأعمال الشاقة غير الذي يقوم بالأعمال اليسيرة.
كما أن المريض قد يقوم ببعض الحركات محاولة منه لإنقاذ تصرفاته إذا علم أن عدم الحركة مؤثر في تصرفاته (5) .
__________
(1) بدائع الصنائع (4 / 2070
(2) الشرح الصغير (3 / 399)
(3) روضة الطالبين: 6 / 130
(4) اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية ص 191؛ وانظر البهوتي، كشاف القناع 4 / 323
(5) ابن حميد، مرض الموت، ص14(9/2007)
وأما تحديد المرض بما يحصل منه الهلاك غالبًا فيلزم عليه ألا يحجر على الحامل حين الطلق، لأنه لا يغلب منه الهلاك ولا يتساوى الهلاك والنجاة في أزمانهم بل السلامة هي الغالبة (1) .
الراجح: ذهب الجمهور في تعريف مرض الموت إلى أنه ما يعتبر الموت بسببه غير نادر، ولا شك أن الإيدز إذا أصاب شخصًا فمصيره إلى الهلاك إذ لا علاج له عند الأطباء (2) ولا فرق بين كلمة إيدز وكلمة الموت عند من عرف خطورته في المجتمعات التي انتشر فيها وقد شبهه بعض الأطباء بالقنبلة التي يخشى انفجارها في أي وقت.
أضف إلى ذلك أن كثيرًا من مرضى الإيدز قد يصابون في بعض مرحل المرض ببعض الاضطرابات العصبية وأكثرها شيوعًا هو الاعتلال الدماغي المصاحب للإيدز الذي يحدث بسببه تغيرات سلوكية شبيهة بالخرف الموجب للحجر، والله أعلم (3)
المطلب الثاني
شروط مرض الموت
لعل العلة المؤثرة في تصرفات المريض هي: أنه إذا أحس دنو أجله وأنه سيرحل عما قريب ويترك أمواله احتملت تصرفاته حينئذ احتمالًا قويًا أنه قصد بها المحاباة لبعض الورثة، أو الإضرار بالبعض الآخر والغرماء فشرع الحجر عليه حماية لحقوق الوارثين والغرماء (4)
وقد اشترط الفقهاء لهذا المرض شرطين أساسيين:.
أحدهما: أن يصل هذا المرض إلى درجة من الخطورة والخوف على المريض من الهلاك إذ ليس كل مرض مميت، وينبغي الرجوع إلى الأطباء ليبينوا طبيعته هل هو مخوف أو لا؟
__________
(1) ابن حميد مرض الموت، ص 14
(2) المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، ص 42
(3) المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، ص42.
(4) ابن حميد مرض الموت، ص 10؛ حسين الجبوري، عوارض الأهلية، ص 297.(9/2008)
الثاني: أن يحصل الموت بعد المرض مباشرة سواء كان الموت بسببه أم بسبب آخر كقتل أو حرق أو تصادم.
فإن برئ من المرض فتصرفاته صحيحة، حيث ظهر أنها صدرت من الأهل في المحل ولا مانع من النفاذ (1) .
ولا فرق بين الأمراض المزمنة وغيرها فما خشي منه الهلاك فهو مرض موت، وما لم يخش منه الهلاك ليس كذلك.
جاء في المدونة سئل الإمام مالك – رضي الله عنه – عن أهل البلايا مثل المفلوج أو المجذوم أو الأبرص أو ما أشبه هؤلاء، في أموالهم إذا أعطوها أو تصدقوا بها في حالاتهم قال مالك: ما كان من ذلك أمرًا يخاف على صاحبه فلا يجوز له إلا في ثلث ماله وما كان من ذلك لا يخاف على صاحبه منه فرب مفلوج يعيش زمانًا (2) .
وجاء في شرح مجلة الأحكام العدلية مرض الموت مقيد بغير الأمراض المزمنة التي طالت ولم يخف منها الموت كالفالج ونحوه وإن صيرته ذا فراش (3) .
فمدار الحكم على خوف الهلاك حيثما وجد حجر على المريض وإن طال بقاء المرض، وما لم يوجد خوف الهلاك كانت تصرفات المريض تصرفات صحيح، وإن قصرت مدة المرض ومات به، والله أعلم.
__________
(1) المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، ص 42، ابن حميد مرض الموت، ص 10؛ حسين الجبوري، عوارض الأهلية، ص 297
(2) الإمام مالك 3 / 36؛ وانظر البهوتي كشاف القناع (4 / 324)
(3) البار: ص 888(9/2009)
الخاتمة
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده حمدًا يليق بجلال وجهه وعظيم سلطانه، وأصلي وأسلم على خير خلقه وعلى آله وصحبه وأسلم تسليمًا كثيرًا … وبعد:
فهذا آخر البحث الذي قمت به عن مرض الإيدز – نقص المناعة المكتسبة – وقد اتضح لي عدة نتائج أذكر أهمها ملخصًا فيما يلي:
1- إن الله سبحانه وتعالى ما خلق من داء إلا وله دواء ولكن قد تحجب معرفته عن الناس عقوبة أو ابتلاء.
2-إن مرض الإيدز لم يكتشف له علاج ولا مصل واق حتى أنهيت كتابة هذا البحث.
3- إن العالم قد وصل إلى منتصف الطريق بمعرفة أكثر وسائل انتقاله وطرق الحماية منه.
4- إن هذا المرض عقوبة معجلة بسبب البعد عن منهج الله القويم وطريقه المستقيم فهو ينتشر في الشاذين جنسيًا والزناة ومدمني المخدرات ومن له علاقة بهم.
5- ظهور بعض المعجزات التي أخبر عنها الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم بقوله: ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشى فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) . . . . (1) .
__________
(1) ابن ماجه، السنن 2 / 1333(9/2010)
وقوله: ((لا تزال أمتي بخير ما لم يفش فيهم ولد الزنى فإذا فشى فيهم ولد الزنى فيوشك أن يعمهم الله عز وجل بعقاب)) (1)
وهذا المرض الخطير والوباء العظيم الذي ظهر في فئات المجرمين وغيرهم عقوبة من عقوباته سبحانه وتعالى على ارتكاب معاصيه.
6- حيث إن المرض ينتقل بالمعاشرة الجنسية فإذا أصاب أحد الزوجين كان للآخر حق المفارقة ووجوب الاحتياط ومتابعة حالته إن حصلت معاشرة جنسية بينهما.
7- إيقاف الرضاعة من الأم المصابة إذا توفر البديل المناسب.
8- منع المرأة المصابة من الحمل محافظة على صحتها من التدهور وحماية للطفل من العدوى.
9- عدم جواز إجهاض الجنين المصابة أمه بعد نفخ الروح فيه.
10- وجوب الاحتياط والحذر في حضانة المصاب لطفل سليم حتى يقطع بعد انتقال المرض بالملاصقة بين المصاب والسليم.
11- جناية المريض وتسببه في إصابة غيره قد تكون من باب الفساد في الأرض وقد تكون من صور القتل العمد بالأسباب الخفية وقد تكون قتل خطأ موجب للدية والكفارة وقد تكون بسبب تفريط الأطباء والفنيين في المستشفيات أثناء نقل الدم ومشتقاته أو استعمال الإبر.
12- مرض الإيدز مرض موت تترتب عليه آثاره.
13- لزوم تكثيف التوعية للحجاج بخطورة الحلاقة المتكررة بآلة واحدة لعدة مرات ومنع المرضى والذين لا يتخذون الاحتياطات اللازمة من مزاولة هذه المهنة.
14- حينما يؤدي كل دوره بداية من الأسرة حماية وتوعية ومضيًا إلى دور التعليم والتربية وانتقالًا إلى مجالات الحياة المختلفة في المسجد ومواقع العمل وسائر الأنشطة اليومية وذلك برسم أهداف متكاملة تنفذ بوسائل تتم السيطرة على المرض والحماية منه بإذن الله.
وصدق الله إذ يقول: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
__________
(1) أحمد بن حنبل، المسند: 6/ 333(9/2011)
فهرس المصادر والمراجع
- البابرتي، العناية على هامش فتح القدير.
- البخاري، الجامع الصحيح مع فتح الباري، مطابع الشعب: 1378.
- البسام، نيل المآرب، الطبعة الأولى، مكتبة ومطبعة النهضة الحديثة.
- البعلي، اختيارات شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق الفقي، مكتبة السداوي.
- البهوتي، شرح منتهى الإرادات، مطبعة أنصار السنة المحمدية:1316.
- البهوتي، كشاف القناع، مكتبة النصر الحديثة – الرياض.
- البيهقي، السنن الكبرى، الطبعة الأولى: 1353 هـ، دار المعارف العثمانية الهند.
-ابن تيمية، القواعد النورانية، الطبعة الأولى: 1392 هـ، مكتبة الكليات الأزهرية.
- الثبيتي، التفريق بين الزوجين، الطبعة الأولى، دار إحياء التراث
- الجبوري، عوارض الأهلية عند الأصوليين، جامعة أم القرى.
- ابن حزم، المحلى، تحقيق محمد منير الدمشقي، مكتبة الجمهورية العربية: 1387 هـ.
- الحلي، شرائع الإسلام، الطبعة الأولى: 1389.
- ابن حميد، مرض الموت، رسالة ماجستير بجامعة أم القرى.
- ابن حنبل، المسند الطبعة الثانية 1398 هـ، المكتب الإسلامي للطباعة والنشر، بيروت.
- الخرشي، شرح مختصر خليل، دار صادر.
- ابن خطيب الدهشة، مختصر قواعد العلائي.
- أبو داود، السنن، تحقيق: محمد محيي الدين، دار إحياء السنة النبوية.
- الدردير، الشرح الصغير، دار المعارف.
- الدردير، الشرح الكبير، على هامش حاشية الدسوقي.
- الدسوقي، حاشية على الشرح الكبير – المكتبة التجارية الكبرى، دار الفكر.
- رفعت كمال، قصة الإيدز، مطابع دار أخبار اليوم.
- الرملي، نهاية المحتاج، المكتبة الإسلامية، رياض الشيخ.
- الزيلعي، تبيين الحقائق، الطبعة الأولى:1313 هـ، المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق – مصر.(9/2012)
- السرخسي، المبسوط، الطبعة الأولى، مطبعة السعادة.
- السيوطي، الأشباه والنظائر، دار إحياء الكتب العربية.
- ابن الشحنة، لسان الحكام مع معين الحكام.
- الشربيني، مغني المحتاج، المكتبة الإسلامية.
- الشوكاني، نيل الأوطار، مصطفى البابي الحلبي.
- ابن أبي شيبة، المصنف، الطبعة الأولى: 1390 هـ، مطبعة العلوم الشرقية.
- الصاوي، حاشية علي الشرح الصغير، على هامش الشرح الصغير.
- الصنعاني، سبل السلام، الطبعة الرابعة: 1379 هـ، مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
- الصنعاني، المصنف، الطبعة الأولى.
- الطرابلسي، معين الحكام، الطبعة الثانية: 1393 هـ، مصطفى الحلبي.
- ابن عابدين، حاشية رد المحتار، الطبعة الثانية: 1386 هـ، مصطفى البابي الحلبي.
- عبد الرحمن بن حسن، فتح المجيد، الطبعة الأخيرة، 386 هـ، مطبعة المشهد الحسيني.
- الصنعاني، المصنف، الطبعة الأولى.
- الطرابلسي، معين الحكام، الطبعة الثانية: 1393 هـ، مصطفى الحلبي.
- ابن عابدين، حاشية رد المحتار، الطبعة الثانية: 1386هـ، مصطفى البابي الحلبي.
- عبد الرحمن بن حسن، فتح المجيد، الطبعة الأخيرة: 1386 هـ، مطبعة المشهد الحسيني.
- العلائي، المجموع المذهب في قواعد المذهب – مخطوط.
- الفتوحي، منتهى الإرادات، تحقيق: عبد الغني عبد الخالق، مكتبة دار العروبة.
- الفيروز آبادي، القاموس المحيط، المؤسسة العربية للطباعة والنشر.
- الفيومي، المصباح المنير، مطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
- ابن قاسم، حاشية علي تحفة المحتاج، دار صادر.
- ابن قدامة، المغني، مكتبة الجمهورية.
- قليوبي حاشية علي شرح المحلى على المنهاج، الطبعة الثالثة: 1375 مصطفى البابي الحلبي.
- قيس مبارك، التداوي والمسؤولية الطبية، الطبعة الأولى: (1412 هـ، مكتبة الفارابي.(9/2013)
- ابن القيم، تحفة المودود في أحكام المولود، الطبعة الأولى: 1391 هـ، مكتبة دار البيان.
- زاد المعاد، الطبعة الثالثة: 1392 هـ، دار الفكر.
- الطب النبوي.
- مفتاح دار السعادة، دار الكتب العلمية – بيروت.
- الكاساني، بدائع الصنائع، مطبعة العاصمة – بالقاهرة.
- ابن ماجه، السنن، الطبعة الأولى، المطبعة التازية.
- المحلى، شرح المنهاج على هامش حاشيتي قليوبي وعميرة، ط 3: 1385 هـ مصطفى البابي.
- محمد علي البار، العدوى بين الطب وحديث المصطفى، دار الشروق.
- محمد البار، ومحمد صافي، الإيدز، الطبعة الأولى: 1407 هـ، دار المنارة.
- محمد فيض الله، نظرية الضمان، الطبعة الأولى: 1403 هـ، مكتبة دار التراث – الكويت.
- المرتضى، البحر الزخار، الطبعة الأولى: 1367 هـ.
- المرداوي، الإنصاف، الطبعة الأولى: 1367 هـ
- مسلم، الجامع الصحيح مع شرح النووي.
- الموصلي، الدر المختار مع حاشية ابن عابدين.
- ابن نجيم، الأشباه والنظائر، مؤسسة الحلبي وشركاه: 1387 هـ
- النووي، روضة الطالبين المكتب الإسلامي للطباعة والنشر.
- شرح صحيح مسلم، الطبعة الثانية: 1392 هـ
- ابن الهمام، فتح القدير، الطبعة الأولى: 1315 هـ، المطبعة الأميرية ببولاق – مصر.
- الصحف: صحيفة عكاظ – صحيفة المدينة – صحيفة الهدف.(9/2014)
الأسرة ومرض الإيدز
إعداد
الدكتور جاسم علي سالم
مدرس قانون المعاملات المدنية
بكلية الشريعة والقانون بجامعة الإمارات العربية المتحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسرة ومرض الإيدز
مقدمة:
إن الأمراض الوبائية غير محددة، وتختلف في مدى خطورتها على الإنسان وحياته، بل المرض الواحد منها قد تختلف درجة خطورته من إنسان إلى آخر حسب الصحة الجسمانية للمصاب بالمرض.
ونرى أن خطورة المرض تأتي من كونه ينتقل بالعدوى، ذلك لأنه سيخلق الرعب والخوف من احتمال انتقاله، وإن كان لم ينتقل حقيقة.
ويخفف من ذلك إمكانية الحد منه بمعرفة طرق انتقاله والسيطرة عليه.
والإيدز الذي يسمى طاعون العصر يعرف بأنه مجموعة أعراض متزامنة للنقص المكتسب في المناعة (1) ، إنه مجموعة أعراض وليس مرضًا محددًا واحدًا، ولا يتأتى عن جرثومة ولا عن مورثة، إنما هو مجموعة متعددة العوامل من الأعراض لها تعريفها الخاص (2) .
والإيدز لم يعد كما كان متصورا في السابق أن طريق انتقاله من المصاب إلى السليم عن طريق الاتصال الجنسي، فنقل الدم والحمل والرضاع والصلة الحميمة بين الأم والطفل، قد تسبب هذا المرض (3) .
وقد ينتقل عن طريق المخدرات والإبرة المستعملة وغير ذلك من الأجهزة الملوثة، والإيدز لم يصبح مشكلة صحية يعاني منها المصابون به أو المتصلون به فقط، بل الإيدز الآن مشكلة اقتصادية واجتماعية.
فهو مشكلة اقتصادية من حيث تطلبه للميزانيات العالية التي يجب أن تخصص لمرض الإيدز. والمصيبة الأكبر إذا كان أكثر المصابين به هم الشباب والذين يعتبرون عماد الدولة ومركز نمائها، حيث ذكر في بعض الإحصائيات أن 92 % من المصابين به في أمريكا هم الأفراد ما بين سنة 17 – 49 (4) .
والإيدز كذلك مشكلة اجتماعية مرعبة، إذ هذا المرض لا يؤثر فقط في المصاب بل في المجتمع برمته فهو مرض اجتماعي نفسي أيضًا، ووجود هذا المرض كشف زيف الحريات الشخصية والتي يستظل بها الشاذون والداعرون والمدمنون، ومن هنا بدأت المجتمعات تحاول أن تبني الجانب الأخلاقي المفقود، وتنفق في سبيل ذلك الأموال الطائلة، وتجدد التعاليم الدينية والأخلاقية المفقودة، وتحاول إعطاء المدرسة والجامعة دورًا رئيسيًا في هذا البناء المجتمعي.
__________
(1) ومرض الإيدز نقص المناعة المكتسبة ترجمته Acquired Immune Dificiency وكلمة إيدز مأخوذة من الحروف الأولى من هذه الكلمات باللغة الإنجليزية، انظر د. عبد الهادي مصباح المهدي، الإيدز بين الرعب والاهتمام والحقيقة ص: 14.
(2) عالم بدون إيدز، ليون شايتو وسيمون مارتن مؤسسة الأبحاث اللغوية ص: 7
(3) د. محمد علي البار، الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها ص 143 – 145
(4) انظر د. عبد الهادي مصباح المهدي، د. محمد علي البار، الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها ص 20(9/2015)
على كلٍ فهو مرض يجدر أن تبحث آثاره الاجتماعية، وكذلك الشرعية والقانونية وما ينتج عنه من مسؤوليات جنائية أو مدنية أو شرعية، وستكون دراستنا هنا الإيدز وأحكام الأسرة نتناول فيها موضوعات عديدة وهي كالآتي:
1- مدى جواز إلزام الزوجين بالفحص الطبي قبل الزواج.
2- وجوب إعلام الزوج المصاب زوجته بمرضه.
3- هل للولي أن يمنع عقد زواج موليته من مصاب الإيدز؟
4- طلب الزوج السليم الفرقة إذا أصيب الآخر بالإيدز.
5- هل أسباب الفرقة للعيوب محصورة فيما ذكره الفقهاء من عيوب أم تتعدى لغيرها لذات العلة؟
6- تواجد فيروس الإيدز في لبن المرضع.
7- مدى جواز حضانة المصابة بالإيدز للطفل السليم.
أولًا: مدى جواز إلزام الزوجين بالفحص الطبي قبل الزواج
إن الله سبحانه وتعالى قد مَيَّزَ الإنسان عن غيره من المخلوقات بميزات كثيرة أهمها العقل المفكر الذي هو مناط الأحكام، إذ غير العاقل في الأصل لا يؤاخذ على تصرفاته، لذلك يجب إعمال العقل في تحقيق مصلحة الإنسان، والمصلحة تستوجب أن يكون هو إلزام الشارعين في الزواج بإجراء الفحص الطبي للتأكد من الخلو من الأمراض الخطيرة والخبيثة، والفحص هنا لن يتوقف على مرض الإيدز بل سيشمل أمراضًا كثيرة لا بد من التأكد منها خاصة أنها أصبحت ظاهرة، مثل الإنيميا المنغلية والتي إذا تواجدت في الزوجين جاء الأبناء ضعافًا مرضى، مهددين بالموت أو العيش غير أصحاء، ونرى أن كثيرًا من الأمراض التي قيل عنها إنها انقرضت قد صحت مرة أخرى، فما دام العلم يستطيع أن يكشف لنا ذلك على وجه الدقة في كثير من الأحيان فلا موازنة في أعمال الكشف الطبي قبل عقد الزواج (1) .
والكشف الطبي للتأكد من خلو الزوجين من الموانع المرضية يقع تحت قاعدة: (لا ضرر ولا ضرار) . . . . (2) .
__________
(1) انظر كتاب الدكتور عبد الرحمن الصابوني في أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية وما عليه العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة – مكتبة الفلاح ص 272 – 273. وقد أوضح بأن قانون الأحوال الشخصية السوري وضع شروطًا تسبق العقد (وسميت الشروط القانونية لعقد الزواج) ومنها شهادة من طبيب يختاره الطرفان بخلوهما من الأمراض السارية ومن الموانع الصحية للزواج. وللقاضي التثبت من ذلك بمعرفة طبيب يختاره، ويقول الأستاذ الصابوني: إن تقريرًا من طبيب لا يؤخر زواجًا ولكنه يعطي صوره واضحة لكل من راغبي الزواج عن شريك حياته المقبل، والشريعة الإسلامية تتقبل كل ما هو نافع ومفيد للفرد والأسرة في هذا المضمار ولو لم ينص عليه الفقهاء.
(2) وهو بلفظ حديث أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجة عن ابن عباس وأخرجه ابن ماجة أيضًا عن عبادة، وأخرجه ابن أبي شيبة والحاكم والدارقطني. وحسنه عدد من العلماء وقال العلائي: للحديث شواهد تنتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به، نقلًا عن شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقا ص 417.(9/2016)
وقد سيق ذلك بأسلوب نفي الجنس ليكون أبلغ في النهي (1) .
وكذلك على أساس قاعدة (دفع الضرر المتوقع مستقبلًا) وهو الضرر الذي لم يقع بعد، ولكن ظروف الحال تنبئ بوقوعه، فإذا كان الضرر سيقع لا محالة فإن دفعه يكون حقًا (2) .
وكذلك قاعدة (الضرر يزال) . . . . أي يجب إزالته باعتبار أن الأخبار في كلام الفقهاء للوجوب (3) .
وإذا ظن البعض أن هذا الأمر فيه تكلف ومشقة على الراغبين في الزواج، فإن التأكد من السلامة أمر أكثر أهمية حتى لا يقع ما يندم عليه، وكل ذلك يخضع تحت قاعدة الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف ويقال: إذا تعارض مفسدتان روعي عظمهما بارتكاب أخفهما (4) .
وهذا الأمر إذا كان لم ينص عليه الشرع أو لم يذكره الفقهاء السابقون إلا أنه بتحقيقه المصلحة العامة للمجتمع يقع تحت مضمون القاعدة التي تقول: التصرف على الرغبة منوط بالمصلحة (مادة 58 من مجلة الأحكام العدلية) .
ونضيف في ختام هذه المسألة ما جاء في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة تحت مسائل في الفقه كالآتي: حكم الشرط القاضي بتحليل دم الزوج للتأكد من سلامته من مرض نقص المناعة.
ومفاد هذه المسألة أن شابًا تقدم إلى أب يطلب يد ابنته للزاج، فسأل هذا أن يحضر شهادة عن تحليل دمه موثقة من مستشفى أو مختبر معترف بهما تثبت أنه سليم من مرض نقص المناعة، فاعترض الشاب على ذلك بحجة عدم لزوم هذا الشرط من الناحية الشرعية – فما هو الحكم في ذلك؟.
الجواب على ذلك جواز هذا الشرط.
فمن حيث العموم يحق للعاقد عند عقده اشتراط ما يراه في مصلحته أو مصلحة من ينوب عنه، على ألا يكون في هذا الشرط ما ينافي الأحكام الشرعية استدلالًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون على شروطهم إلا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا)) . . . . (5) .
__________
(1) وهو بلفظ حديث أخرجه أحمد في مسنده وابن ماجة عن ابن عباس وأخرجه ابن ماجة أيضًا عن عبادة، وأخرجه ابن أبي شيبة والحاكم والدارقطني. وحسنه عدد من العلماء وقال العلائي: للحديث شواهد تنتهي مجموعها إلى درجة الصحة أو الحسن المحتج به، نقلًا عن شرح القواعد الفقهية للشيخ أحمد الزرقا ص113.
(2) د. محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 6
(3) نقلًا عن أحمد الزرقا، د. محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 125
(4) نقلًا عن أحمد الزرقا، د. محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 147
(5) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج 4، ص258(9/2017)
ومن حيث الخصوص يحق لأب المرأة أو وليها اشتراط ما يراه لمنفعتها عند عقد زواجها ما لم يكن في ذلك أيضًا مخالفة للأحكام الشرعية استدلالًا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه عقبة بن عامر أنه قال: ((أحق الشروط أن تفوا بها ما استحللتم به الفروج)) . . . . (1) .
ثم ذكر أن الشروط لمنفعة الزوجة على ثلاثة أوجه، وذكر في الوجه الثالث: أن يتشرط الأب عليه (أي على المتقدم للزواج) ما فيه دفع ضرر محتمل عنها مثل معرفة قدرته على انجاب الولد أو سلامته من الأمراض مثل الجذام أو نقص المناعة محل السؤال أو أي مرض آخر ينتقل إليها منه فيعرض حياتها للخطر، ذلك أن الأصل دفع الضرر متى كان من الممكن دفعه، فالأب ومن في حكمه أمين على موليته، فإذا خشي عليها من احتمال انتقال العدوى إليها من الزوج وجب عليه الاحتراز من ذلك ابتداء بالتثبت من سلامة الزوج، ولما كانت بعض الأمراض – كما هو الحال في مرض نقص المناعة – من الأمراض المعدية ولا تظهر آثاره إلا بعد مدة من الزمن، ولما كان وجوده من عدمه يتطلب فحص الدم وتحليله حق للأب ومن في حكمه أن يشترط على من يريد الزواج من ابنته سلامته منه، بل الواجب على طالب الزواج أن يكشف ما قد يكون لديه من الأمراض أو العيوب، فقد روي أن عمر رضي الله عنه بعث رجلًا على بعض السقاية فتزوج من امرأة وهو عقيم فقال له عمر: هل أعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا، قال: فأعلمها ثم خيرها (2) .
وقال أبو محمد صاحب الإمام أبي حنيفة ينبغي خلو الزوج من كل عيب لا يمكن الزوجة المقام معه إلا بضرر كالجنون والجذام، وجعل الشرط لها في ذلك أوجب من شرط الزوج له، ذلك أن هذا يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق لأنه بيده والمرأة لا يمكنها ذلك لأنها لا تملك الطلاق (3) .
ويرى الإمام ابن تيمية أن الأصل في الشروط الصحة واللزوم ما لم يدل الدليل على خلافه، وذكر ما قيل بأن الأصل في الشروط عدم الصحة إلا ما دل الدليل على خلافه، ورأى أن القول الأول هو الصحيح إذا لم يكن المشروط مخالفًا لكتاب الله (4) .
__________
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري ج 5 ص 380
(2) مصنف عبد الرزاق ج 6 ص 162
(3) بدائع الصنائع ج 2 ص 326 – 327؛ وكذلك نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ج 6 ص 256 – 308 – 312
(4) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية، جمع عبد الرحمن بن قاسم ج 29 ص 346 – 347؛ كذلك زاد المعاد في هدي خير العباد لابن القيم ج 4، ص 4- 5(9/2018)
وخلاصة المسألة أن شرط الأب ومن في حكمه على طالب الزواج من ابنته إثبات سلامته من مرض نقص المناعة شرط صحيح، وإذا ثبت بعد الزواج أن الزوج مصاب بهذا المرض – أو أي مرض معد آخر– حق للزوجة فسخ عقد النكاح، أما إذا كان المرض عضالًا غير معد فلها الخيار وللزوج كذلك عندما تكون هي المريضة.
فإن قيل فما الحكم إذا طلب راغب الزواج إثبات سلامة الزوجة من هذا المرض خاصة إذا كانت مطلقة؟ فالجواب يجوز له ذلك، إذا فالحكم في كلتا الحالتين واحد؛ طالما أن المقصود هو التحرز من مرض عضال ينتقل بالعدوى ويؤدي للضرر بأحد الزوجين (1)
ثانيا: وجوب إعلام الزوج المصاب زوجه
وهذه نقطة تترتب على سابقتها، فلو أن أحد الزوجين أصيب بمرض الإيدز وعلم به بعد الفحص فهل من حقه كتم هذا المرض عن أسرته وخاصة زوجه مع العلم أنه قد تنتقل آثار هذا المرض إلى السليم عن طريق المعاشرة الجنسية مثلًا؟ فالجواب هو الوجوب بالإفضاء وعدم إخفائه وذلك للأدلة الشرعية والعقلية التالية:
1- روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بين غفار، فلما دخل ووضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها بياضًا (أي البرص) فانحاز عن الفراش ثم قال: ((خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما أتاها شيئًا)) . . . . (2) .
وفي رواية ((الحقي بأهلك)) وزاد البيهقي: (فلما أدخلت رأى بكشحها وضحًا فردها إلى أهلها وقال: ((دلستم علي)) ) (3) .
__________
(1) مجلة البحوث الفقهية المعاصرة تصدرها المملكة العربية السعودية العدد 11 السنة 3 -أكتوبر – نوفمبر – ديسمبر 1991 مسائل في الفقه ص 177 – 179
(2) الشوكاني نيل الأوطار ج 6 ص 176 – 177
(3) البيهقي السنن الكبرى ج 7 ص 214(9/2019)
والتدليس هو الغش بحيث يخفى العيب المعلوم عند التعاقد من قبل الطرف الآخر لكونه مؤثرًا في محل العقد، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من غشنا فليس منا)) . . . . (1) .
2- وعن أنس بن مالك أن عمر بعث رجلًا على بعض السقاية فتزوج امرأة وكان عقيمًا فقال له عمر: أعلمتها أنك عقيم؟ قال: لا، قال فانطلق فأعلمها ثم خيرها (2) .
وكذلك ما ورد عن سليمان بن يسار أن ابن سندر تزوج امرأة وهو خصي فقال له عمر أعلمتها؟ قال: لا، قال: أعلمها ثم خيرها (3)
وعن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة، وبه جنون، أو ضرر، فإنها تخير فإن شاءت رضيت، وإن شاءت فارقت (4) .
ومن الممكن الاستفادة هنا أن أمير المؤمنين ارتأى عدم جواز إخفاء العقم عن الزوجة، وهو أمر قد يكون ضرره مقصورًا على النفس، فكيف لمرض يؤثر على البدن والنفس تأثيرًا خطيرًا قد ينتج عنه الموت وفقًا للمسلمات الطبية؟!
3- وقد روي كذلك عن عمر: إذا تزوج الرجل المرأة وبها جنون أو جذام أو مرض أو قرن، فإن كان دخل بها فلها الصداق بمسه إياها، وهو له على الولي (5) .
كأنه هنا أوجب على الولي أن يخبر الخاطب قبل الدخول، ولكن إن لم يخبره ودخل بها كان على الولي دفع المهر الذي قدمه للزوجة، وطبعًا هذا إذا كان الزوج لم يكن عالمًا بالمرض قبل الدخول بها وإلا سقط بها حقه برضائه الضمني وهو الدخول بها بعد علمه.
__________
(1) وقد أخرج مسلم هذا الحديث بقصته في الصحيح: حيث ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم مر على صبرة طعام فأدخل يده فيها فنالت أصابعه بلللًا، فقال: (ما هذا يا صاحب الطعام؟) قال: أصابته السماء يا رسول الله؛ قال: (أفلا جعلته فوق الطعام كي يراه الناس، من غشني فليس مني) . . . . ج 2 ص 109 بشرح النووي – نيل الأوطار ج 5 ص 239
(2) مصنف عبد الرزاق ج 6 ص 162 و 253، المحلى ج 10 ص 61، كذلك موسوعة فقه عمر عصره وحياته للدكتور محمد رواس قلعة جي ص 630
(3) المغني ج6 ص 652
(4) موطأ مالك رواية يحيى بن يحيى الليثي ص 384 / 1188
(5) سنن البيهقي ج 7 / 215 و 135؛ والمغني ج 6 ص 656؛ وعبد الرزاق ج 6 ص 244(9/2020)
4- وكذلك فإن حديث ((لا ضرر ولا ضرار)) . . . . (1) . والمقصود بلا ضرر: أنه لا يجوز الإضرار ابتداء بمعنى أنه لا يجوز للإنسان أن يضر شخصًا آخر في نفسه وماله لأن الضرر ظلم والظلم ممنوع في كل دين (2) ، وأما قوله ولا ضرار: فإنه لا يجوز مقابلة الضرر بمثله هوهو الضرار، كما لو أضر شخص آخر في نفسه وماله لا يجوز للشخص المتضرر أن يقابل ذلك الشخص بضرر، بل يراجع الحاكم ويطلب إزالة الضرر (3) .
ونقل مرض الإيدز ضرر وأي ضرر، فيمتنع على الإنسان نقله إلى الآخرين وعليه إعلامهم به في الحالة التي لا يجوز السكوت عنها كتجنيبه المخالطة معه.
وعدم الإفضاء يعد تدليسًا، فيذهب جمهور الفقهاء من المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه إذا دلس أحد الزوجين على الآخر، بأن كتم عيبًا فيه، يثبت الخيار، لم يعلمه المدلس عليه وقت العقد ولا قبله وهو خيار فسخ النكاح (4) .
وقد جاء في المادة 186 من قانون المعاملات المدنية الإماراتي (يعتبر السكوت عمدًا عن واقعة أو ملابسة تغريرًا إذا ثبت أن من غرر به ما كان ليبرم العقد لو علم بتلك الواقعة أو هذه الملابسة (. . . . وهنا تتحقق الوسيلة التغريرية المطلوبة بمجرد كتابة أمر يجب الإفصاح عنه عمدًا (5) .
وهذا الالتزام قد يجد مصدره في طبيعة عقد النكاح الذي يتطلب درجة عالية من الثقة بين طرفيه مما يفرض على كل منهما الإفضاء للآخر بالمعلومات المؤثرة في العقد.
ولنا أن نتساءل: هل عدم الإفضاء يرتب المسؤولية المدنية الشرعية؟
أما المسؤولية المدنية: والجنائية، فإننا نقول نعم وفقًا لأحكام الديات والأروش وحكومة العدل، ونعلم أن من مقاصد الشرع رفع الظلم وجبر الضرر، ونحن هنا لن نبحث هذه الموضوعات باعتبار أن موضوعنا هو في أحكام الزواج، أما مسألة الميراث، فإذا كان المتسبب في إصابة الآخر بالإيدز هو الزوج مثلًا بحيث أصاب زوجته وماتت بهذا المرض قبله فهل يرثها؟ وإذا كان قد ترتب عليه دفع الدية، فهل يرث من الدية؟
__________
(1) أخرجه مالك في الموطأ ج 2 ص 745 من حديث يحيى المازني مرسلًا، ولكن له شواهد موصولة يتقوى بها وقد أصبح قاعدة عامة.
(2) على حيدر درر الحكام بشرح مجلة الأحكام، الكتاب الأول قاعدة 19 ص 32
(3) علي حيدر درر الحكام بشرح مجلة الأحكام، الكتاب الأول قاعدة 19 ص 33.
(4) روضة الطالبين ج 7 ص 176 – 183؛ مغني المحتاج ج 6 ص 202 – 208؛ قليوبي عميرة ج 3 ص 261؛ مطالب أولي النهي ج 5 ص 141 – 150؛ شرح الزرقاني لموطأ مالك ج 3 ص 235 – 243؛ المغني ج 6 ص 650
(5) الأستاذ الدكتور مصطفى الجمال أحكام المعاملات المدنية في إطار الفقهين الإسلامي والغربي وقانون المعاملات المدنية الإماراتي مصادر الالتزام ص 237، انظر الالتزام قبل التعاقد للدكتور نزيه صادق المهدي ص 274(9/2021)
يجب علينا هنا أن نوضح بأن الزوجة التي ماتت بسبب الإيدز الذي نقله إليها زوجها وهو يعلم بإصابته، أو كان يفترض علمه باعتبار مخالطته للمومسات في بلد أو منطقة اشتهر إصابة النساء العاهرات بالإيدز.. فلا يعد هذا قتل خطأ، فهو قتل عمد على اعتبار تجريح موت الشخص نتيجة لإصابته بهذا المرض (1) .
فإذا قلنا بذلك فإن الأحناف قد بينوا بأن القتل الذي يمنع الميراث هو القتل العمد العدوان، والقتل الذي يشبه العمد، والقتل الخطأ، والقتل الذي يشبه الخطأ، أو ما جرى مجرى الخطأ (2) .
ويذهب المالكية والحنابلة إلى أن القاتل عمدًا مباشرًا أو متسببًا يمنع من الميراث من المال والدية (3) ، ويذهب الشافعية إلى أن القاتل لا يرث من مقتولة مطلقًا سواء أكان مباشرة أم تسببًا، ودليلهم عموم خبر الترمذي وغيره ((ليس للقاتل شيء)) أي من الميراث. (4) ولذا نرى أن عقوبة المنع من الميراث تطال الزوج عند جميع الفقهاء على اعتبار أن قتلها عدوان.
ثالثًا: هل للولي أن يمنع عقد زواج موليته من مصاب بالإيدز؟
القياس هنا يكون على المصاب بالجذام والبرص، فقد ورد في المذهب الحنبلي أنه يجوز للولي أن يمنع موليته من الزواج لاعتبارات الضرر، وأنه عار عليها وعلى أهلها وضرر بالولد من هذا النكاح، فقد ذكر ابن قدامة في جواز منع الولي لموليته من الزواج من الأبرص والمجذوم وجهين في الفقه الحنبلي (أحدهما) لا يملك منعها لأن الحق لها والضرر عليها فأشبه المجبوب والعنين (والثاني) له منعها لأن عليه ضررًا فإنه يتعير به ويخشى تعديه إلى الولد فأشبه التزويج لمن لا يكافئها وهذا مذهب الشافعي، والأولى أن له منعها في جميع الصور لأن عليها فيه ضررًا دائمًا وعارًا عليها وعلى أهلها، فملك منعها منه كالتزويج بغير كفء، أما إذا اتفقا على ذلك ورضي به جاز وصح النكاح لأن الحق لهما ولا يخرج عنهما، ويكره لهما ذلك لما ذكره الإمام أبو عبد الله من أنها وإن رضيت الآن تكره فيما تكره بعد، ويحتمل أن يملك سائر الأولياء الاعتراض عليهما ومنعهما من هذا التزويج لأن العار يلحق بهم وينالهم الضرر فأشبه ما لو زوجها بغير كفء (5) . وكذلك ذكر البهوتي: وإن اختارت مكلفة أن تتزوج مجنونًا أو مجذومًا أو أبرص فلوليها العاقد منعها منه لأن فيه عارًا عليها وعلى أهلها وضررًا يخشى تعديه إلى الولد، كمنعها من تزويجها بغير كفء (6) .
__________
(1) ولا يمكن أن يدعي أنه قد احتاط لنفسه عند المعاشرة باستعمال المطاط الواقي حيث ثبت أنه في كثير من الأحيان لا يحقق النتيجة وهي عدم الإصابة، انظر كتاب عالم بدون إيدز ليون شايتو وسيمون مارتن ترجمة مؤسسة الأبحاث اللغوية – قبرص ص 40 – 41
(2) السراجية ج 18، الشرح الكبير ج 4 ص 469 – 671؛ الهداية ج 4 ص 118 أحمد إبراهيم كتاب المعاملات الشرعية والمالية 1937 ص 671؛ د. صديق الضرير الميراث ص 27 – 28؛ د. محمد يوسف موسى التركة والميراث في الإسلام ص 165 وما بعدها.
(3) حاشية الدسوقي ج 4 ص 486 الكبير ج 4 ص 450؛ د. وهبة الزحيلي الفقه الإسلامي وأدلته ج 8 ص 262 – 263؛ د. صبحي المحمصاني المبادئ الشرعية والقانونية في الحجر والعقاب والميراث أو الوصية ص 298
(4) المغني ج6 ص 320 كذالك د. وهبة الزحيلي الفقه الإسلامي وأدلته ج8 ص322؛ د. صديق الضرير،الميراث ص32
(5) المغني ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 590
(6) شرح منتهى الإرادات ج 3 ص 54(9/2022)
ونحن نؤيد هذا الاتجاه بالقول بأن لولي المرأة المصاب زوجها التفريق خاصة لما يثيره هذا المرض من المخاطر والمخاوف والأهل يعيرون بهذا المرض الخطير، والذي يعادل الآن الخوف من الإصابة منه الإصابة ذاتها على النفس، ويمكن أن يكيف العقد هنا على اعتبار عدم اللزوم للكفاءة بين الزوجين لإصابة أحدهما بمرض الإيدز الخطير، خاصة إذا تحللنا من النظرة الضيقة لمعنى الكفاءة بحيث تكون صورها تتحدد وفق الأعراف والعادات والتي قد تطرأ عليها ظروف اجتماعية تفيد الانسجام والاستقرار المطلوب بين الزوجين ونستشهد بقول الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الصابوني في إعطائه لعناصر الكفاءة منظورًا واسعًا متغيرًا فيقول: وليست عناصر الكفاءة كما حددها الفقهاء من نسب ومال وحرفة، بل هي كل ما كان يؤدي وجوده بين الزوجين إلى عدم الانسجام من فوراق في أمور اجتماعية تحول غالبًا دون التوافق والانسجام والاستقرار، ولهذا فأمر هذه العناصر متروك للعرف غير محدد، والفقهاء حين ذكروا هذه العناصر ذكروها لأنها كانت في عصرهم معيارًا للتكافؤ، ولهذا فإننا نرى لا لزومًا إطلاقًا لحصر عناصر الكفاءة بالأمور التي ذكرها الفقهاء، وفق تلك المقاييس التي وضعوها لملائمة عصرهم والتي لم تعد تتلائم بعد قرون وقرون من غير تلك العصور (1)
رابعًا: طلب الزوج السليم الفرقة إذا أصيب الآخر بالإيدز
نفترض هنا أن الزوج أو الزوجة أصيب أحدهما بهذا المرض الخطير هل يحق للسليم أن يطلب فك رابطة الزواج أم لا؟
بالرجوع إلى أقوال الفقهاء نراهم في بحثهم حول العيوب أو الأمراض التي يتم على أثرها الفرقة بين الزوجين قد ميزوا بين أنواع مختلفة من العيوب التي تصيب الزوجين، ومن ثم اختلفت المذاهب فيما إذا كان الحق في فك عقدة الزواج يعد حقًا للزوج والزوجة أم غير ذلك؟ وهل فك عقدة الزواج هو فسخ له أم طلاق؟
وبما أننا نبحث في مرض له نتائج خطيرة على المصاب ومعد ويصيب الإنسان في صحته البدنية كما هو الأمر في نفسه، وكما أوضحنا سابقًا يقاس على ما ذكره العلماء في مرض البرص والجذام والأمراض التناسيلة، أكثر من غيرها من الأمراض، فلذا سيكون حديثنا في القياس على الفقهاء على هذين الداءين دن غيرهما من العيوب.
__________
(1) د. عبد الرحمن الصابوني: أحكام الزواج في الشريعة الإسلامية وما عليه العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة ص 265.(9/2023)
أ- فأما الظاهرية فمذهبهم لا يجوز رد النكاح بأي عيب وجده أحد الزوجين بالآخر مهما كان العيب والمرض. وحجتهم في ذلك أنه لم يثبت دليل صحيح في هذا الأمر سوى من كتاب الله أو عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو صحابته، فالأصل إذن بقاء النكاح ولا يزول إلا بدليل هنا على إزالته (1) .
إلا أن ابن حزم قال في هذا الأمر أنه إذا شرط أحد الزوجين على الآخر السلامة من العيوب، فالشرط يلزم الطرف الآخر ويكون لصاحبه إبطال العقد، فقد جاء في المحلى: فإن اشترط السلامة في عقد النكاح، فوجد عيبًا - أي عيب كان - فهو نكاح مفسوخ مردود لا خيار له في إجازته ولا صداق فيه ولا ميراث ولا نفقة، دخل أو لم يدخل، لأن التي أدخلت عليه غير التي تزوج، لأن السالمة غير المعيب فإذا لم يتزوجها فلا زوجية بينهما (2) .
ب- مذهب الحنفية: قصر أبو حنيفة وأبو يوسف التفريق على الأمراض التناسلية كالجب، والعنة، والخصاء دون الأمراض المنفرة والمضرة (3) ، أما محمد بن الحسن فقد أثبت خيار الفسخ للمرأة دون الرجل في حالة كون الزوج مصابًا بعيب لا يمكنها المقام معه بضرر كالجنون والجذام والبرص، ونقيس عليها الإيدز لأن العلة هنا أوضح (4) .
إلا أن إثبات الفرقة هنا مقتصر على الزوجة دون الرجل باعتبار أن الرجل يملك حق الطلاق (5) .
ج- مذهب الجمهور: ويذهب المالكية والشافعية والحنابلة إلى أن الحق للزوجين في طلب التفريق لهذه الأمراض، وقد قسم المالكية الأمراض والعيوب إلى ثلاثة أقسام فيفرق بالعيوب عندهم كالتالي:
- عيوب توجد في الرجال وهي الجب والخصاء والعنة والاعتراض.
__________
(1) ابن حزم، المحلى ج 10 ص 63 – 67
(2) ابن حزم، المحلى ج 10 ص 63 – 67
(3) فتح القدير للكمال ابن الهمام ج 3 ص267؛ بدائع الصنائع للكاساني ج 2 ص 327؛ مختصر الطحاوي ص 182 ابن عابدين؛ حاشية رد المحتار ج 3 ص 501؛ العناية للبابرتي ج 3 ص 297
(4) الكاساني بدائع الصنائع ج 2 ص 327؛ الزيلعي تبيين الحقائق ج 3 ص 35
(5) السرخسي المبسوط ج 5 ص 97 بدائع الصنائع ج 2 ص 327؛ وانظر د. يوسف قاسم حقوق الاسرة في الفقه الإسلامي ص 318 وما بعدها؛ الشيخ محمد أبو زهرة الأحوال الشخصية ص 356 وما بعدها.(9/2024)
- وعيوب النساء هي الرتق والقرن والعفل والإفضاء والبخر.
- والعيوب المشتركة هي الجنون والجذام والبرص والعذيطة والحنانة المشكلة (1)
وعند الشافعية يفرق بالعيوب التالية:
- عيوب الرجال وهي العنة والجب.
- عيوب النساء هي الرتق والقرن.
- أما العيوب المشتركة فهي الجنون والجذام والبرص (2) .
عند الحنابلة يفرق بالعيوب التالية:
- عيوب الرجال وهي العنة والجب.
- وعيوب خاصة بالنساء هي الفتق والقرن والعفل.
- وعيوب مشتركة، هي الجنون والبرص والجذام (3) .
دليل الجمهور في حق كل من الزوجين طلب التفريق للأمراض:
1- إن رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار فلما دخلت عليه أبصر بكشحها وضحًا فردهًا إلى أهلها وقال: ((دلستم علي)) (4) .
2- ما رواه البخاري أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فر من المجذوم فرارك من الأسد)) . . . . والفسخ طريقة الفرار (5) .
3- وقد روي عن عمر أنه قال: أنه إذا تزوج الرجل المرأة وبها جنون أو جذام أو مرض أو قرن فإن كان دخل بها فلها الصداق بمسه إياها وهو له على الولي (6)
4- ما رواه الشعبي عن علي بن أبي طالب: أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن فزوجها بالخيار ما لم يمسها؛ إن شاء أمسك، وإن شاء طلق (7) .
__________
(1) شرح الخرشي ج 2 ص 730؛ وحاشية الدسوقي ج 3 ص 277
(2) النووي، روضة الطالبين ج 7 ص 177؛ الأم للشافعي ج 5 ص 76
(3) المغني ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 580؛ ابن تيمية مجموع الفتاوى 32 كتاب النكاح ص 171 – 172؛ البهوتي كشاف القناع ج 5 ص 11
(4) البيهقي السنن الكبرى ج 7 ص 214؛ سبل السلام ج 3 ص 180
(5) نقلًا عن أ. د. عبد الرحمن الصابوني أحكام الطلاق في الفقه الإسلامي وما عليه في دولة الإمارات العربية المتحدة ص 102
(6) سنن البيهقي ج 7 ص 215 و 135؛ مجموع فتاوى ابن تيمية ج 32 ص 172؛ والمغنى ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 579 وقد جاء فيه إن خيار الفسخ يثبت لكل واحد من الزوجين لعيب يجده في صاحبه في الجملة وله وعن عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس وبه قال جابر والشافعي وإسحاق …
(7) زاد المعاد ج 4 ص 31(9/2025)
وهل يشترط أن يكون العيب المراد الرد به قديمًا؟
يتفق الفقه على أن العيب السابق على العقد وكذلك المقارن له أي الحادث أثناء العقد يجوز به الرد. أما إذا كان العيب طارئًا بعد العقد فقد ذهب المالكية على أنه إذا كان العيب الطارئ على العقد في الزوجة لم يكن للزوج خيار الرد مطلقًا، وهو مصيبة حلت به وله حق الطلاق.
وأما العيب الطارئ على الزوج بعد العقد فلهم تفصيل في ذلك حيث قالوا: للزوجة فقط الرد بالجذام البين ضد الخفي وإن قل، والبرص المضر أي الفاحش الحادثين بعد العقد سواء بعد العقد وقبل الدخول أو بعد الدخول (1) .
وذهب المالكية إلى العيوب التي يرجى البرء منها يجب التأجيل فيها كالجنون والبرص والجذام والرتق والقرن والعفل والبخر فإذا كان البرء منها مرجوًا يؤجله القاضي بحسب ما يراه مناسبًا، شهرًا أو شهرين ولم يحدوا لذلك حدًا (2) .
ويرى الشافعية في العيب القديم: يخير به الزوج مطلقًا، أما العيب الحادث بعد العقد: فإذا كان العيب الحادث في الزوج تخيرت قبل الدخول جزمًا وبعد الدخول على الأصح. وإن كان العيب حادثًا بالزوجة بعد العقد، في القديم عند الشافعي لا يخير الزوج لتمكنه من الطلاق بخلافها، وفي القول الجديد أنه يخير كالزوجة لتضرره بالعيب القديم، ولا معنى لإمكان تخلصه منها بالطلاق دونها لأنه سيغرم نصف الصداق لها قبل الدخول دون الفسخ بالعيب (3) .
وعند الحنابلة ذكر ابن قدامة عن الخرقي من الحنابلة يثبت الخيار في العيب القديم والعيب الحادث بعد العقد.
وذهب أبو بكر وابن حامد من الحنابلة إلى أن العقد يفسخ بالعيب القديم والمقارن للعقد لا الطارئ عليه لأن العقد أصبح لازمًا، فلا يفسخ (4) .
وظاهر كلام الخرقي أن خيار العيب ثابت على التراخي لا يسقط ما لم يوجد منه ما يدل على الرضا به من القول والاستمتاع للزوج والتمكن من الزوجة وذكر القاضي أنه على الفور (5) .
خامسًا: هل أسباب الفرقة للعيوب محصور فيما ذكره
الفقهاء من عيوب أم تتعدى لغيرها لذات العلة؟
ظاهر نصوص الفقهاء توحي بحصر أسباب الفرقة للعيوب في هذه الأمراض.
فقد جاء في بداية المجتهد وفي حكم الرد، فاتفق مالك والشافعي على أن الرد يكون من أربعة عيوب: الجنون والجذام والبرص وداء الفرج الذي يمنع الوطء (6) . وجاء في مغني المحتاج قوله: واختصار المصنف على ما ذكره من العيوب يقتضي أنه لا خيار فيما عداها، قال في الروضة: وهو الصحيح الذي قطع به الجمهور (7) . وكذلك ما أورده ابن قدامة ثلاثة يشترك فيها الزوجان وهي الجنون والجذام والبرص … (8) .
مع ذلك إننا نجد نصوصًا للفقهاء تدل على عدم حصر التفريق على العيوب التي ذكروها، وإن ما ذكر إنما على سبيل المثال لا الحصر لديهم، فقد يكون باعتبار شهرة هذه الأمراض ومسمياتها عندهم دون الأخرى، أو عدم معرفة أسماء الأخرى، وإن كان الجامع بينها هو الضرر والنفور والخوف من العدوى، منها ما ذكره الكاساني من قول محمد بن الحسن: خلوه من كل عيب لا يمكنها المقام معه إلا بضرر، كالجنون والجذام والبرص شرط للزوم النكاح حتى يفسخ النكاح وهي قد جاءت بصيغة التمثيل (9) .
وكذلك ما جاء في بداية المجتهد حيث يقول ابن رشد: واختلف أصحاب مالك في العلة التي من أجلها قصر الرد على هذه العيوب الأربعة، فقيل لأن ذلك شرع غير معلل، وقيل لأن ذلك مما لا يخفى، ومحمل سائر العيوب على أنها مما لا تخفى وقيل لأنها يخاف سريانها إلى الأبناء، وعلى هذا التعليل يرد القرع، وعلى الأول يرد بكل عيب إذا علم أنه مما خفي على الزوج (10) .
ومن ذلك ما قاله ابن تيمية في الاختيارات العلمية: وترد المرأة بكل عيب ينفر من كمال الاستمتاع (11) . وكذلك ما ذكره ابن قيم الجوزية: وأما الاقتصار على عيبين وستة أو سبعة أو ثمانية دون ما هو أولى منها , مساو لها بلا وجه له.
فالعمى والخرس والطرش وكونها مقطوعة اليدين والرجلين أو أحدهما، أو كون الرجل كذلك من أعظم المنفرات. وقوله: والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار (12) .
__________
(1) الخرشي ج 3 ص 237؛ الدسوقي ج 5 ص 278 – 280
(2) وإن ذكر الخرشي بالنسبة للبرص والجذام سنة وفي برص وجذام رجي برؤهما سنة (ش) في بعض النسخ بإثبات الواو، أي وأجلا في الجنون وفي الجذام والبرص حيث رجي برء من ذكر سنه ولا فرق بين ما كان من هذه قبل العقد وما حدث بعده
(3) مغني المحتاج ج 3 ص 203 – 204؛ منهاج الطالبين للنووي ص 100
(4) المغني ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 583 – 584
(5) الشرح الكبير ج 7 ص 583 – 584
(6) ابن رشد بداية المجتهد ونهاية المقصد ج 2 ص 62
(7) مغني المحتاج ج 3 ص 202
(8) المغنى ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 580
(9) انظر بدائع الصنائع ج 2 ص 327
(10) بداية المجتهد ج 2 ص 62؛ وكذلك الخرشي ج 3 ص 237 – 238
(11) نقلا عن الموسوعة الفقهية الكويتية ج 29 تحت لفظ طلاق ص 69
(12) زاد المعاد ج 4 ص 30 – 31، كذلك ابن قدامة المغني ويليه الشرح الكبير ج 7 ص 581(9/2026)
ونرى أن هذا الاتجاه مقبول واقرب إلى التطبيق من الاتجاه الأول في حصر الأمراض التي يجوز بها الفرقة، ذلك لأن حصر الفرقة في تلك الأمراض قد يكون من الممتنع حيث إن بعض تلك الأمراض قد وجد لها العلاج في هذا الزمان، فلابد أن يتغير حكمها تطبيقًا لقاعدة لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان، وكذلك هنا من الأمراض ما هو أشد منها خطرًا وفتكًا بالناس ولم يوجد لها علاج حتى يومنا هذا فلابد من إعطاء الحق للسليم في طلب الفرقة من غير السليم وهو المصاب بها.
وما ذكر في الموطأ بسندنا حيث قال عن سعيد بن المسيب أنه قال: أيما رجل تزوج امرأة وبه جنون، أو ضرر فإنها تخير، فإن شاءت قرت، وإن شاءت فارقت (1) .
لذلك نرى القياس اعتبار مرض الإيدز من الأمراض التي يحق بها التفريق من باب أولى لكون العلة ليست مساوية فحسب بل أظهر فيه من غيره.
نوع الفرقة الثابتة بالعيب وطريق وقوعها:
يرى الحنفية والمالكية أن الفرقة للعيب طلاق بائن، أما الشافعية والحنابلة فهم على أنها فسخ وليس طلاقًا.
ويرى الحنفية أن الفرقة للعيب لا تقع بغير الرفع إلى القاضي ثم القاضي يكلف الزوج بالطلاق، فإن طلق فيها وإلا طلقها عليه، وروي عنهم أن الفرقة تقع باختيار الزوجة نفسها بانتهاء المدة المضروبة في العنة بدون قضاء، وهو ظاهر الرواية (2) .
ويذهب المالكية إلى ما ذهب إليه الحنفية إلا أنهم اشترطوا إذن القاضي لها بالتطليق إذا كان بقولها وأن يحكم به القاضي بعد ذلك رفعًا للخلاف، والحكم هنا إنما هو للإشهاد والتوثيق، لا لوقوع الطلاق، لأنه وقع بقولها (3) .
وللشافعية قولان أحدهما: أنها تستقل بالفسخ بعد ثبوت حقها فيه لدى القاضي بيمينها أو إقراراه. وثانيهما: لابد من فسخ القاضي رفعًا للخلاف (4) . .
__________
(1) موطأ مالك برواية يحيى بن يحيى الليثي رقم 1188 … والقول (وضرر) . . . . كل ضرر دون التقيد بمرض فاحش دون غيره من الأمراض الفاحشة المستعصية. وقد ذكر عبد الرحمن الصابوني في كتابه الطلاق المرجع السابق ردًا على من حصر العيوب فيما ذكره الفقهاء السابقون كالتالي: (....على أن جمهور الفقهاء الذين أعطوا لكل من الزوجين الحق بطلب التفريق للعيوب والأمراض، لم يطلقوا قولهم في كل عيب بل حصروا العيوب وحددوها مع اختلاف فيما بينهم في ذلك، ولذا قالوا: لا يجوز بغير هذه العيوب طلب التفريق، وكأنهم علموا الأمراض المستعصية في عصرهم أو المنفرة، فحددوها، ولكن نجد الآن عدم جدوى هذا التحديد لتغير الزمان ووجود علاج لتلك الأمراض التي وجدت في عصرهم، كما وجدت أمراض حديثة لم تكن معروف لديهم، فمن الجمود في الفقه أن نجيز التفريق لمرض وجد دواؤه ولا نجيز التفريق لمرض لا شفاء منه لا لشيء بل لأن ذلك المرض ذكره الفقهاء حين عرفوه بعصرهم، وهذا لم يعرفوه لأنه اكتشف حديثًا) ص 103.
(2) البحر الرائق ج 4 ص 125؛ الدرر المختار ج 3 ص 495 وما بعدها.
(3) الشرح الكبير ج 2 ص 282 – 283 كذلك الخرشي على مختصر خليل ج 3 ص 241
(4) مغني المحتاج، ج3 ص207(9/2027)
أما الحنابلة فإن الفسخ لا يتم إلا بحكم القاضي (1) وقد نص مشروع قانون الأحوال الشخصية بدولة الإمارات العربية في المادة 134 على التالي: لكل من الزوجين أن يطلب التفريق إذا وجد بالآخر عيبًا مستحكمًا لا يمكن البرء منه أو يمكن بعد زمن طويل ولا يمكن المقام معه إلا بضرر كالجنون والجذام والبرص سواء أكان ذلك العيب قائمًا قبل العقد ولم يعلم به الطالب أم حدث بعد العقد ولم يرض به. فإن تم الزواج وهو عالم بالعيب أو حدث العيب بعد العقد ورضي به صراحة أو دلالة بعد العلم فلا يجوز له أن يطلب التفريق
والمستخلص من النص المذكور الآتي:
1- أعطى النص لكل من الزوجين الحق في التفريق موافقًا بذلك مذهب الجمهور المالكية والحنابلة والشافعية.
2- ساق النص الأمراض التي ذكرها على سبيل التمثيل لا الحصر، وإن ذكر بعض الأمراض للقياس عليها بكونها معدية خطيرة يخشى انتقالها للغير.
3- وجواز التفريق للأمراض المخيفة سواء أكان هذا المرض قائمًا قبل العقد ولم يعلم به طالب الفرقة أو حدث بعد العقد ولم يرض به.
أما إذا كان عالمًا بالعيب قبل العقد ورغم ذلك تم العقد فإن حقه يسقط في طلب الفرقة.
ولكن ما الحكم إذا تطور المرض بعد العقد ورغم العلم السابق به؟ فهل يعطي ذلك للطرف الآخر الحق في الفسخ؟ يجيبنا على ذلك الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الصابوني على أنه لابد من الإشارة أن سكوته على مرض معين إذا بقي المرض في حدوده التي أطلع عليها، أما إذا تطور المرض إلى حالة أشد أو أخطر فإن حق السليم متجدد بالمطالبة بالتفريق (2) .
__________
(1) ورد عن ابن قدامة ويحتاج الفسخ إلى حاكم لأنه مجتهد فيه كفسخ العنة والفسخ للإعسار بالنفقة، ج 7 ص 585؛ وكذلك مجموع فتاوى ابن تيمية 32 ص 172 – 173
(2) أحكام الطلاق، ورد عن ابن قدامة: ويحتاج الفسخ إلى حاكم لأنه مجتهد فيه كفسخ العنة والفسخ للإعسار بالنفقة، ج 7 ص 585؛ وكذلك مجموع فتاوى ابن تيمية 32 ص105(9/2028)
سادسًا: مدى جواز إجهاض جنين الأم المصابة بالإيدز
يوضح علماء الطب المتخصصون بأن مرض الإيدز المصاب به الأم الممكن أن ينتقل إلى الجنين في حالات مختلفة منها:
1- قد تحدث الإصابة للجنين عن طريق الحيوان المنوي الذي يلقح البويضة بسبب إصابة القيحة أو النطفة الأمشاج، وهذا يؤدي إلى إصابة الأجنة في مرحلة مبكرة (1) .
2- قد يصاب الجنين بالعدوى من الأم المصابة بعدوى الفيروس وتعد الإصابة بالعدوى أثناء وجود الجنين بالرحم، هي أهم وسائل انتقال العدوى من الأم إلى المولود حيث تكون هناك مدة طويلة أثناء فترة الحمل يمكن للفيروس خلالها أن ينتقل إلى الدورة الدموية للجنين من خلال مشيمة الأم التي تحمل الفيروس في دمها (2) .
3- يصاب الطفل أثناء عملية الولادة ونزوله من الرحم والمهبل المصاب.
4- قد تحدث الإصابة بعد الولادة نتيجة الالتصاق والصلة الحميمة بينه وبين الأم أو الأب والمصاب.
5- احتمال حدوث ذلك أثناء التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب (3) .
بناء على استعراضنا لطرق انتقال مرض الإيدز للطفل سواء عن طريق الأب أو عن طريق الأم مما يعني جواز الاحتياط عند الاتصال الجنسي وقد نجد فيما كان يفعله بعض الصحابة من العزل ولم يمنعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم دليلًا، فقد جاء في الصحيحين عن جابر رضي الله عنه قال: ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل وجاء في صحيح مسلم أنه قال: فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فلم ينهنا)) .
ومما جاء في الصحيحين عن أبي سعيد الخدري أنه قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق وأحببنا العزل وسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما عليكم أن لا تفعلوا فإن الله عز وجل كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة)) . . . . (4) .
__________
(1) د. محمد علي البار وأ. د. محمد أيمن صافي الإيدز وباء العصر ص 72.
(2) د. عبد الهادي مصباح المهدي الإيدز بين الرعب والاهتمام والحقيقة ص 214؛ د. محمد علي البار الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها ص 143.
(3) د. محمد علي البار ود. محمد أيمن صافي الإيدز وباء العصر ص 72 – 73؛ كذلك د. محمد علي البار الأمراض الجنسية ص 142 – 143. د. عبد الفتاح عطا الله مرض الإيدز طاعون العصر ص 64 – 65
(4) نقلًا عن الأستاذ محمد سلام مدكور الجنين والأحكام المتعلقة به في الفقه الإسلامي سنة 1969 ص 316.(9/2029)
ويقول الإمام أبو حامد الغزالي: (ليس العزل كالإجهاض والوأد لأن ذلك جناية على موجود حاصل، وقال: إن من البواعث على العزل استبقاء جمال المرأة وسمنها لدوام الاستمتاع بها، واستبقاء حياتها خوفًا من خطر الطلق، والخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الولد، وقال: ليس شيء من هذه الأشياء منهيًا عنه، وإنما المنهي عنه منع الحمل خوفًا من إنجاب أنثى مسايرة لبعض الطبائع الفاسدة) . . . . (1) .
ويذهب الفقهاء من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز إباحة العزل في الأصل (2) . وهناك الآن أنواع كثيرة من طرق العزل التي تمنع تلقيح البويضات في الرحم كما نعلمها.
ولكن ما هو الحل في حالة أن الجنين قد بدأ تكونه في الرحم هل يجوز إجهاضه أم لا؟.
يتفق الفقه على تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح إلا لعذر والتقدير للمدة التي يتضح منها الرجوع أربعة أشهر أو مائة وعشرون يومًا حسب رأي الفقهاء ولا يجوز الإجهاض إلا لعذر كأن يكون بقاء الحمل فيه خطرا مؤكدًا على حياة الأم (3) .
فقد نص فقهاء الحنفية على أنه يباح للمرأة إسقاط الولد قبل أربعة أشهر ولو بلا إذن الزوج. وقد نقل ابن عابدين في حاشيته عن النهر ما يفيد ذلك وهو أنه يباح الإسقاط بعد الحمل ما لم يتخلق من الولد شيء ولا يكون ذلك إلا بعد مائة وعشرين يومًا، فإذا كان قد تخلق منه شيء وجبت الغرة على المتسبب في الإجهاض.
كما نقل ابن عابدين عن صاحب الخانية أنه لا يجوز ويأثم فاعل الإجهاض سواء أكان الأب أم الأم أم غيرهما، واستدل صاحب الخانية على أن المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه لأنه أصل الصيد. وعلى هذا فإن الطرح الذي لم يتبين بعض خلقه هو مبتدأ الخلقة إذا لو ترك لكان نفسًا كاملة. نعم إذا كان هناك عذر يؤيد الإسقاط كانقطاع لبن الأم بعد ظهور الحمل. وكشعورها بالضعف عند تحمل أعباء الحمل وكون الوضع يتم بالنسبة لها من غير طريقه الطبيعي أي بالعملية القيصرية.
__________
(1) أبي حامد الغزالي إحياء علوم الدين ج 2 ص 51 – 53.
(2) فتح القدير ج 2 ص 494؛ البدائع ج 2 ص 433؛ حاشية ابن عابدين ج 2 ص 411؛ حاشية الدسوقي على الشرح الكبير ج 2 ص 466؛ البحر الزخار ج 3 ص 80؛ منتهى الإرادات ج 2 ص 227
(3) فقد قرر مجلس المجمع الفقهي الإسلامي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة من يوم السبت 17 فبراير 1990 النظر في موضوع إسقاط الجنين (أي إجهاضه) المشوه خلقيًا وأقر بالأغلبية ما يلي: إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يومًا لا يجوز إسقاطه ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواء أكان مشوهًا أم لا وذلك دفعًا لأعظم الضررين. أما قبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات، وبناء على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية، أن الجنين مشوه تشويهًا خطيرًا غير قابل للعلاج وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلامًا عليه وعلى أهله، فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين، والمجلس إذ يقرر ويوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر …. منشور في مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد الثامن السنة الثانية يناير وفبراير ومارس 1991.(9/2030)
وما نقل ابن وهبان من أن وجود العذر يبيح الإجهاض قبل الأربعة أشهر كأن ينقطع لبنها بعد ظهور الحامل، وليس لأبي الصبي ما يستأجر به الظئر ويخاف هلاكه، وما نقل عن الذخيرة من أن المرأة لو أرادت إلقاء ما في بطنها قبل نفخ الروح فإن الفقهاء يختلفون في إباحة ذلك.
وينقل عن الفقيه على بن موسى القول بكراهة ذلك لأن الماء بعدما دفع في الرحم مآله الحياة، فيكون له حكم الحياة، ومثله في الظهيرية، وعلق ابن وهبان على ذلك بأن إباحة الإسقاط محمولة على حالة العذر أو أنها لا تأثم إثم القتل (1) .
أما المالكية فيفهم من كلامهم أنهم يمنعون الإجهاض ولو قبل الأربعين يومًا فقد جاء في شرح الدردير لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يومًا، وإذا نفخت فيه الروح حرم إجماعًا وقال الدسوقي في حاشيته: إنه المعتمد (2) . فالنص على أنه لا يجوز ولو قبل الأربعين يومًا كأنهم لا يجيزون إسقاط ما استقر بالرحم حتى ولو كان نطفة في طورها الأول.
فكل ما طرحته المرأة من مضغة أو علقة مما يعلم أنه ولد فهو جنين وفيه غرة، بل رتب بعض المالكية المسؤولية في الدم الخارج مما لا يقبل الذوبان إذا صب عليه ماء حار (3) .
وأما الشافعية فقد جاء في نهاية المحتاج أنه اختلف في النطفة قبل تمام الأربعين يومًا على قولين: قيل لا يثبت لها حكم السقط والوأد وقيل لها حرمة ولا يباح إفسادها (4) ، وجاء في إحياء علوم الدين أن أول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة وتستعد لقبول الحياة وإفساد ذلك جناية (5) .
وقال الشيرازي: وإن ضربت بطن امرأة فألقت مضغة فيها صورة لآدمي فشهد أربعة نسوة أن فيها صورة الآدمي وجبت فيه الغرة (6) .
__________
(1) نقلًا عن الأستاذ محمد سلام مدكور رحمه الله، وكذلك عن حاشية ابن عابدين رد المحتار ج 6 ص 591؛ وشرح فتح القدير لابن الهمام ج 2 ص 539؛ البغدادي مجمع الضمانات ص 50؛ كذلك مجلة البحوث الفقهية المعاصرة العدد 15 السنة 4 - أكتوبر ونوفمبر وديسمبر 1992 تحت مسائل فقهية ص 261؛ وانظر كذلك د. محمد نعيم ياسين أحكام الإجهاض بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت السنة 6 عدد 13 إبريل 1989.
(2) الشرح الكبير ج 2 ص 266
(3) انظر شرح الزرقاني ج 4 ص 23 وما بعدها؛ بداية المجتهد ج 2 ص 348؛ الشرح الكبير ج 2 ص 266؛ حاشية الدسوقي ج 4 ص 268؛ شرح الخرشي ج 8 ص 38؛ انظر كذلك د. عوض أحمد إدريس الدية بين العقوبة والتعويض في الفقه الإسلامي المقارن ص 247 وما بعدها
(4) نهاية المحتاج ج 8 ص 416
(5) إحياء علوم الدين ج 2 ص 49 – 50
(6) المهذب ج 2ص 197(9/2031)
أما في الفقه الحنبلي فقد ذكر عن ابن قدامة أنه إذا أسقطت المرأة ما ليس فيه صورة آدمي فلا شيء فيه ولو شهد ثقات من القوابل أن في الطرح مبدأ خلق آدمي، لو بقي تصور، فأصح الوجهين أنه لا شيء فيه لأن الأصل براءة الذمة فلا تشغل بالشك (1) ، وقد ذكر ابن رجب أنه يجب الغرة بقتله إذا ألقته أمه ميتًا من الضرب، وهو ثابت بالسنة الصحيحة، وقد أنكر النبي صلى الله عليه وسلم على من اعترض على ذلك … فإن الجنين إما أن يكون صادفه الضرب وفيه حياة ويكون ذلك قبل وجود الحياة فيه ولا يجوز أن يكون قد فارقته الحياة لأنه لو مات لم يستقر في البطن، وحينئذ فالجاني إما أن يكون قتله أو منع انعقاد حياته فضمنه بالغرة لتفويت إبقاء حياته (2) .
والخلاصة من هذه الآراء التي سقناها أنه إذا كان الإجهاض بعذر كوجود ضرر يلحق بالأم مع بقاء الجنين، فإنه يجوز الإجهاض سواء قبل المائة والعشرين يومًا أو بعدها، أما غير ذلك فلا يجوز بعد المائة والعشرين يومًا أو قبلها حتى ولو خيف على أن يخرج الجنين مشوهًا، ذلك لأنه إذا قيل بانعقاد حياته بعد المائة والعشرين يومًا فنقول إنه بطرحه قبل هذه المدة قد فوت انعقاد حياته وهو اعتراض على إرادة الخالق وحكمته، ولذا فنحن نؤيد عدم جواز إجهاض الجنين من أم أو أب مصابين بالإيدز. والآن التقنية العلمية توضح مدى حالة الطفل وهو في بطن أمه، بل هو يعالج وتجرى له العمليات وأمه حامل به، فيكون الأمر خاضعًا للقرارات العلمية الطبية أفضل من التقدير الفقهي إذ يكون بعيدًا عن التقديرات أو التأكيدات الطبية.
موقف القانون في دولة الإمارات العربية المتحدة:
ولا يبعد عن قولنا الذي نجد أساسه في الفقه المالكي، وكذلك عند ابن رجب من الحنابلة فيما سبق سياقه، ما أورده قانون المعاملات المدنية الإماراتي، فقد نص القانون في المادة 71 منه على الآتي:
1 – تبدأ شخصية الإنسان بتمام ولادته حيًا وتنتهي بموته.
2- ويعين القانون حقوق الحمل المستكن.
__________
(1) المغني ويليه الشرح الكبير ج 8 ص 539
(2) قواعد ابن رجب الحنبلي القاعدة رقم 84 ص 184(9/2032)
رغم أن القانون أوضح أن الشخصية القانونية للإنسان منذ لحظة ولادته حيًا حتى تنتهي حياته بالممات، إلا أنه باعتبار استقراره في بطن أمه وأن حياته أصلا انعقدت في بطن أمه منذ يوم كونه مضغة في الرحم، فهو هنا باعتبار استقراره في بطن أمه كان احتمال ولادته حيًا أغلب، وبالتالي يزداد احتمال اكتساب هذا الجنين بعد ولادته الشخصية القانونية، ولهذا كان لابد من إثبات الحقوق الشخصية القانونية ولكن مع وجود الاحتمالية غير المؤكدة تمامًا لذلك، فإن الشخصية القانونية هنا بالنسبة له مجازية أو كما يقول بعض الفقه القانوني، شخصية قانونية باعتباره إنسانًا ممكنًا أو محتملًا وليست نهائية، حيث تبقى معلقة على شرط فاسخ وهو تمام ولادته حيًا (1) .
ولهذا السبب فقد أثبت القانون بعض الحقوق للجنين ومنها حقه في عدم الاعتداء عليه ورعايته حتى يولد سليمًا، وبما أن قانون المعاملات المدنية الإماراتي أحال على القانون في بيان حقوق الحمل، ولم يصدر حتى الآن القانون أو القوانين المنظمة لذلك، فإننا نرجع لتطبيق المادة الأولى من قانون المعاملات المدنية الإماراتي، فإنه تسري هنا أحكام الشريعة الإسلامية على أن يراعى تخير أنسب الحلول من مذهبي الإمام مالك والإمام أحمد بن حنبل، فإذا لم يوجد فمن مذهبي الإمام الشافعي والإمام أبي حنيفة، وكما رأينا فإن المذهب المالكي قد تشدد في جواز إسقاط الجنين ورتب الغرة والإثم على ذلك، وكذلك ما رأيناه في قواعد ابن رجب الحنبلي (2) .
__________
(1) د. محمد المرسي زهرة، بحث في الطبيعة القانونية للجنين: مجلة المحامي الكويتية، أعداد إبريل ومايو ويونية 1990 ص 240
(2) انظر د. محمد نعيم ياسين: أحكام الإجهاض: بحث منشور في مجلة الشريعة والدراسات الإسلامية السنة 6 عدد 13 إبريل 1989 ص 275 وما بعدها(9/2033)
سابعا: تواجد فيروس الإيدز في لبن المرضع
تؤكد تقارير الأطباء من تواجد فيروس الإيدز في لبن الأم المصابة بمرض الإيدز، فقد ذكر الدكتور عبد الهادي مصباح المهدي في هذا الموضوع الآتي: والوقت الذي يصاب فيه الجنين إذا أصيب أثناء وجوده في رحم الأم بالعدوى غير محدد أو معروف، والإصابة بالعدوى يمكن أن تحدث أثناء الحمل، أو أثناء الولادة، أو بعد الولادة، عن طريق لبن الأم، أو الوسائل الأخرى الملوثة التي يمكن أن تصل إلى الطفل من خلال الأم (1) .
وقد جاء في كتاب (الإيدز وباء العصر) عند عرض كيفية الفيروس للأجنة الإشارة إلى انتقال الفيروس عبر الثدي أيضًا أثناء الرضاعة، وقد ذكر صاحب الكتاب أنه قد تأكد وجود الفيروس في لبن الأم وأن ذلك ويؤكد احتمال الإصابة عن طريق الرضاعة من الأم (2) .
ووفقًا لهذه المعطيات فهل يسمح للأم المصابة بإرضاع طفلها؟
للإجابة على هذا السؤال نرى أنه إذا كان الطفل مصابًا فلا يمنع من إرضاعه فالمصيبة قد حلت، أما إذا كان لم يصب فإن احتمال إصابته عن طريق لبن الأم متوافرة ومقررة من أهل العلم فيجب أن تمنع الأم من إرضاع طفلها، ونجد في كتب القه الإسلامي معينًا لهذا الرأي فقد ذكر البهوتي الآتي: وإذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من الحضانة كما أفتي به المجد بن تيمية، وصرح بذلك العلائي الشافعي في قواعده، وقال: لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها (3) .
وكذلك تطبيقًا لقاعدة الضرر يدفع بقدر الإمكان وكذلك (لا ضرر ولا ضرار) . . . . وكذلك (دفع الضرر المتوقع مآلًا) . . . . (4) ، فيكون الضرر متوقعًا إذا لم يقع بعد، ولكن كافة الظروف المحيطة تشير إلى أنه سيقع حتمًا، فإذا كان الضرر سيقع لا محالة فإن دفعه واجب وفقًا لقاعدة الضرر يزال. ويتفرع على هذه المسألة حضانة الأم المصابة بالإيدز لطفلها.
__________
(1) كتابه الإيدز بين الرعب والاهتمام والحقيقية ص 214 وهو يحمل دكتوراه في الميكروبيولوجي وتحاليل المناعة من الولايات المتحدة
(2) د. محمد علي البار والدكتور محمد أيمن صافي ص 73، وقد أشار إلى التأكيد على انتقاله من لبن الأم بالإشارة إلى كتاب Aids the story of adiscease
(3) كشاف القناع عن متن الإقناع لمنصور بن يونس بن إدريس البهوتي ج 5 ص 499.
(4) انظر الدكتور محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 6- 7(9/2034)
ثامنًا: مدى جواز حضانة المصابة بالإيدز للطفل السليم
كما تعرض علماء الطب لأمر حضانة الأم المصابة بالإيدز لطفلها السليم، فقد أجابو على هذا التساؤل بالآتي حيث جاء في (كتاب الإيدز وباء العصر) : تحدث الإصابة بعد الولادة نتيجة الالتصاق والصلة الحميمة بينه وبين الأم أو الأب المصاب قبل ظهور الأعراض غالبًا (1) .
ولقد جاء في كشاف القناع: إذا كان بالأم برص أو جذام سقط حقها من الحضانة كما أفتى به المجد بن تيمية وصرح بذلك العلائي الشافعي في قواعده. وقال: لأنه يخشى على الولد من لبنها ومخالطتها انتهى. قال في الإنصاف: وقال غير واحد وهو واضح في كل عيب متعد ضرره إلى غيره، وإلا فخلاف لنا (ويأتي في التقرير أن الجذامى ممنوعون من مخالطة الأصحاء) فمنعهم من حضانتهم أولى (2) .
ومع هذه النصوص فإننا نعرف أن الإيدز له طرق ينتقل بها إلى الطفل أو الجنين كنقل الدم والحمل والرضاع، إنما مسألة الحضانة فأمر فيه نظر، حتى إن كتبًا كثيرة في علم الطب قد تطرقت للعناصر المختلفة في انتقال المرض، ولم تتعرض لانتقاله عن طريق الحضانة إذا ما تم اتخاذ الرعاية ووسائل الوقاية، فلذا لا يجوز إسقاط حضانة الأم فقط لأنها مصابة بالإيدز إذا لم تكن الحضانة تؤدي للإصابة بالإيدز (3) .
ومع ذلك فإذا كان مرض الإيدز يؤثر على الحواس بحيث تصبح الأم في حالة جنون أو عته إذا ما كان المرض في ازدياد فإن الحضانة هنا تسقط عنها بناء على آراء الفقهاء (4) .
الخاتمة
وفي ختام هذا البحث أرى بأننا لن نجد أقوى من تقوية الوازع الديني لدى أفراد المجتمع والتمسك بمبادئ الدين الحنيف والبعد عن الرذائل وما قرب إليهما من عمل.
- وكما ذكرنا فإنه لا بد في عصرنا هذا – وقد زادت الأمراض والأوبئة وانتشرت بين الناس – من أن يتقرر الزواج بعد إجراء الكشف الطبي على الطرفين، وذلك حماية لهما وصيانة من كل داء قد يصل لهما، وهذا مدعاة لخلق أسرة مسلمة قوية متماسكة، وهذا أفضل من اكتشاف المرض بعد الزواج مما يعكره أو ينقصه.
وهنا لا بد أن نذكر بأنه إذا كان الناس لم يألفوا ذلك، فإن زماننا هذا يتطلب ذلك، وتغير الأحكام بتغير الأزمان لا ينكر، فعلى العلماء والقائمين على الأمر تنبيه الناس سواء من فوق منابر المساجد أو الوسائل الإعلامية المختلفة.
وبعد ذلك لا بد من أن يكون لولاة الأمر شأن في دعوة الناس لذلك وحثهم عليه.
- أن يعتاد الناس على المراجعة الوقائية عن طريق المراكز الطبية وأن تقوم الدول الإسلامية بتهيئة هذه المراكز وتسهيلها.
- ورغم ما ذكرنا من أقوال العلماء والشراح في أحكام الفقه الإسلامي فإنه من الضروري أن يرتبط ذلك بعلماء الطب المتخصصين ويا حبذا وجود الطبيب العالم والمتفقه.
-وكذلك يجب على العالم الإسلامي أن لا ينتظر الحلول تأتيه من الغرب، فلا بد من أن يكون إيجابيًا ويقوم بدوره بإجراء التجارب والاختبارات للوصول إلى حلول للأمراض والأوبئة المنتشرة والتي من المحتمل وصولها إلينا.
- وفي النهاية لا بد من أن نحث الشباب على الزواج بناء على حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ((من استطاع منكم الباءة فليتزوج …)) . . . . كما يجب علينا توفير الاستطاعة للشباب، وفي كافة المجتمعات كما هو الآن – والله الحمد – في دولة الإمارات حيث تدخلت السلطة بقيادة رئيس الدولة – حفظه الله – في تخفيف أعباء الزواج حتى تنحل عقدة التعنس وكذلك حل مشكلة الشباب غير القادرين على الزواج للأسباب الاقتصادية.
وما توفيقي إلا بالله رب العالمين.
الدكتور جاسم علي سالم
__________
(1) د. محمد علي البار ود. محمد أيمن صافي انظر الدكتور محمد شتا أبو سعد، لا ضرر ولا ضرار في الإسلام ص 69 وكذلك الدكتور محمد علي البار الأمراض الجنسية ص 143 – 144
(2) البهوتي ج 5 ص 499؛ انظر كذلك في عدم جواز حضانة الأم المجنونة المعتوهة، مواهب الجليل ج 4 ص 215؛ نهاية المحتاج ج 6 ص 273؛ الأم ج 5 ص 74؛ والدسوقي على الشرح الكبير ج 2 ص 480؛ وفي ذلك يقول الأستاذ الدكتور عبد الرحمن الصابوني (فالقدرة على رعاية الطفل وصيانته: فيجب أن تكون الحضانة قادرة على القيام بشؤون الطفل فإن كانت مريضة مرضًا معديًا فهي غير أهل للحضانة لأنها تؤذي الطفل وينتقل المرض إليه، ولهذا نصت بعض القوانين صراحة على وجوب خلو الحضانة من الأمراض المعدية كما في قوانين السودان والمغرب، وجاء في المنشور السوداني، رقم 38 لعام 1927: أن مرض الحضانة مرضًا معديًا يسقط حضانتها للمحضون وكذلك سكناها مع مريض مرضًا معديًا … د. عبد الرحمن الصابوني أحكام الطلاق في الفقه الإسلامي وما عليه العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة ص 262.
(3) انظر على سبيل المثال د. عبد الهادي مصباح المهدي (الإيدز بين الرعب والاهتمام والحقيقة) كذلك كتاب عالم بدون إيدز الطريقة الصحية المثيرة للمعالجة الشاملة ليمون شايتو وسيمون مارتن ترجمة اللغة العربية مؤسسة الإيمان اللغوية، وكتاب (مرض الإيدز عدوان من البشر أم عقاب من القدر) . . . . ترجمة طارق مصطفى عبارة، كذلك كتاب (نقص المناعة المكتسب) للدكتور حرب عطا الهرفي العلوي.
(4) انظر كشاف القناع ج 3 ص 327؛ الأم ج 5 ص 74؛ مواهب الجليل ج 4 ص 215؛ نهاية المحتاج ج 6 ص 273(9/2035)
إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي
من مرض نقص المناعة المكتسبة (الإيدز)
إعداد
الشيخ أحمد موسى الموسى
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف
في الإمارات العربية المتحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وأصحابه ومن سار على نهجهم إلى يوم الدين.
استجابة لتوصيات مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة التي عقدت في بروناي – دار السلام – عام 1993 م، وبالنظر إلى الموضوعات التسعة التي يرغب المجمع الموقر إغناءها بالبحث والحوار في دورته التاسعة التي سيعقدها في مدينة أبو ظبي 1995 م، فقد اخترت أن أساهم في ذلك بالموضوع التاسع الذي جعلته تحت عنوان: إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي من مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) وسلكته في قسمين.
القسم الأول: تشخيص الأزمة علميًا وأخلاقيًا، وفيه.
1- مقدمة تاريخية حول الكوارث المرضية في تاريخ الطب.
2- موقف الأديان السماوية من الشذوذ الجنسي.
3- وموقفها من جريمة (الزنى) .
4- تحليل وتفسير آية الزنى في سورة الإسراء
القسم الثاني: إجراءات الوقاية الزوجية من الإيدز، وفيه:
1- أحكام المصابين بالإيدز في الفقه الإسلامي.
أ- المباحث الأصولية المستخدمة هنا.
ب- القضايا المعاصرة المطروحة.
ج- فتاوى وأقضية.
والله أسال أن يسدد الفكر ويحفظ من الزلل، إذ الموضوع جديد وهو يندرج فيما لا نص فيه من الأحكام ولا بد للفقه الإسلامي أن يقدم رؤيته في تطويق هذا المرض العصري الخطير، وأن يعلن عن الأحكام التي يراها حلولًا مناسبة لجملة من القضايا التي تتعلق بشؤون الأسرة والحياة الزوجية.(9/2036)
القسم الأول
التشخيص العلمي والأخلاقي
يحدثنا تاريخ القرون الوسطى أن وباء الطاعون كان قد اجتاح أوربا فحصد منها عشرات الملايين ويقول مؤرخو الطب: كان الطاعون يستأصل من البشرية أكثر ما تستأصله الحروب.
ويقال إن أول من طبق الحرب الجرثومية هم التتار في عام 1347 حيث حاصروا قلعة في القرم تحصن فيها قراصنة البندقية وتجارها، فلقد لاحظوا أن الآلاف ماتوا خلال أيام بسبب المرض، فما كان منهم لشدة غيظهم إلا أن حملوا جثث الأموات وقذفوها بالمنجنيق فوق أسوار القلعة فانتشر الطاعون بين الإيطاليين فقضى عليهم، ومن تبقى منهم هرب في السفن إلى إيطاليا، حيث انتشر المرض بكل قوته في أوربا فقضى خلال سنوات قليلة على حوالي 25 مليون، وحتى نعرف معنى الرقم فيجب أن نعلم أن عدد السكان في كل أوربا لم يكن يتجاوز 100 مليون نسمة.
واليوم يطل على الإنسانية وباء مرعب، حتى الآن تشير الإحصائيات المعلنة أنه قد حصد خمسة عشر مليونًا، وإنه سريع الانتشار كسرعة وسائل المواصلات بين البشر ثورة والاتصالات … إنه الإيدز.
وإذا كانت البشرية قد أنفقت أربعمائة عام حتى تمكن الطب من كبح جماح الطاعون بإيجاد الأمصال والأدوية اللازمة للانتصار على الطاعون فكم يلزمها لكبح جماح الإيدز؟!.
إننا رغم النجاحات المذهلة في العلم – خاصة في الطب ومستلزماته – فقد وقف المعنيون اليوم مندهشين أمام اجتياحات هذا الطاعون الجديد، وهم عاجزون أيضًا عن مواجهته باكتشاف الأدوية المضادة وهو الآن يتغلغل في مجامع الناس والمجتمعات، قاصيها ودانيها، وإنه يهدد الحضارة الإنسانية المعاصرة بعذابه الأليم والمهين، إنه يهدد كبرى المدن الأمريكية مثل نيويورك ولوس أنجلوس وغيرهما من كبريات مدن أوروبا والعالم مع انتشار الفوضى الجنسية، والشذوذ الجنسي – اللواط – والمخدرات.(9/2037)
وكأننا مرة أخرى نقف وجهًا لوجه أمام حقائق التاريخ الغابر بأحداثه الكويتية وكوارثه الضخمة، مستسلمين، وكذلك وكم نحس ونحن نعيد تلاوة سورة النجم في القرآن الكريم: {وَأَنَّهُ أَهْلَكَ عَادًا الْأُولَى (50) وَثَمُودَ فَمَا أَبْقَى (51) وَقَوْمَ نُوحٍ مِنْ قَبْلُ إِنَّهُمْ كَانُوا هُمْ أَظْلَمَ وَأَطْغَى (52) وَالْمُؤْتَفِكَةَ أَهْوَى (53) فَغَشَّاهَا مَا غَشَّى (54) فَبِأَيِّ آَلَاءِ رَبِّكَ تَتَمَارَى (55) هَذَا نَذِيرٌ مِنَ النُّذُرِ الْأُولَى (56) أَزِفَتِ الْآَزِفَةُ (57) لَيْسَ لَهَا مِنْ دُونِ اللَّهِ كَاشِفَةٌ (58) أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ (61) فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا (62) } [النجم: 50 –62] .
إن براهين الإسلام ونظامه الأخلاقي ليشع بهما القرآن الكريم وهو يبني المجتمعات الراقية، حيث لا يمكن أن ينتشر هذا الطاعون الجديد في بيئة اعتنى الإسلام بطهارة أذواقها وسمو العلاقات الأخلاقية بين أفرادها، وترشيد التواصل الطبيعي بين الرجال والنساء {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] .
{وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] .
لقد اكتشف الإيدز عام 1981 م، وعقد له أكبر مؤتمر دولي في لندن في مطلع عام 1988 م، ومثلته معظم دول الأرض، إذ وصل عددها 150 دولة.
وفكر المؤتمرون في جدية المواجهة، وكيفية المكافحة لهذا الوباء المستطير، فكان أن قرروا ودعوا بالدرجة الأولى إلى الطهارة الأخلاقية والحياة الجنسية أي الكفاح عن سلامة الحياة العائلية التي توصل الجنس البشري إلى تشكيلها خلال رحلته الأثربولوجية الطويلة.
وفي أعقاب هذه الدعوة تشكلت في الغرب جبهة أخلاقية تصدر النشرات والدوريات وتعقد الندوات، من نماذجها مجلة (إيما) التي تصدرها إيليس شفارتزر.(9/2038)
ولأول مرة في العالم الغربي الصناعي نهض من يحرض على نمو الأخلاق العلمية بجدية في مواجهة ثورة الإباحية المجنونة، ولأول مرة بدأت الروح الأخلاقية هناك تحظى بالجلال العلمي، والنظر إلى القيود الجنسية التي جاءت بها الأديان، ومنها الإسلام، بأنها في مصلحة حماية الجنس البشري، وبذلك تصبح العفة والأمانة الزوجية، والإخلاص للعائلة مؤسسة ليس فقط على المواعظ، بل على قوانين صارمة تشبه قوانين الفيزياء والكيمياء، وهذا تطور جديد في علم الأخلاق لم يره إلا جيلنا نحن فقط، وصدق تعالى إذ يقول: {وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينٍ} [ص: 88] .
إنني أشير هذا إلى جملة من المواقف، منها ما طلع به الفيلسوف الحقوقي جاك فاسي في ميونيخ إذ دعا إلى تطبيق قوانين الأوبئة في ألمانيا لحماية صحة الأمة بمعنى إخبار الدولة بلا سرية واضطلاعها بالمهمة اللازمة حيال كل حالة إيدز – كما فعلت السويد.
وذكرت مجلة الشترن الألمانية (النجمة) أن العلماء بدأوا يوردون أدلة المتدينين ويؤيدونها بقوة العلم.
وهكذا صار بإمكاننا أن نكرر ما قاله الفيلسوف الهولندي (اسبينوزا) في القرن السابع عشر حين طرح عنونًا لكتابه (الأخلاق مؤيدة بالبرهان الهندسي) وإذا كانت أزمة الأخلاق في موجات الإباحية، والفوضى الجنسية والشذوذ والمخدرات، هي مفاتيح البحث حول نقص المناعة، الإيدز، فليكن حديثي اليوم حول المحاور الثلاثة التالية:
1-موقف الأديان من الشذوذ الجنسي، (عمل قوم لوط) .
2-موقف الأديان من الزنا.
3-أحكام المصابين بالمرض في الفقه الإسلامي.(9/2039)
(قصة لوط في العهد القديم)
جاء في سفر التكوين (1) ما يلي: وقال الرب إن صراخ سدوم وعمورة قد كثر، وخطيتهم قد عظمت جدًا، فجاء الملكان إلى سدوم مساء، وكان لوط جالسًا في باب سدوم، فلما رآهما لوط قام لاستقبالهما وسجد بوجهه إلى الأرض.
ولما اضطجعا أحاط بالبيت رجال المدينة – رجال سدوم من الحدث إلى الشيخ … كل الشعب من أقصاها – فنادوا لوطًا وقالوا له أين الرجلان اللذان دخلًا إليك الليلة أخرجهما إلينا لنعرفهما.. فخرج إليهم لوط إلى الباب، وأغلق الباب وراءه، وقال: لا تفعلوا شرًا يا إخوتي … فألحوا على الرجلِ لوطٍ جدًا، وتقدموا ليكسروا الباب فمد الرجلان أيديهما وأدخلا لوطًا إليهما إلى البيت وأغلقا الباب. وأما الرجال الذين على باب البيت فضرباهم بالعمى من الصغير إلى الكبير، فعجزوا عن أن يجدوا الباب، ولما طلع الفجر كان الملكان يعجلان لوطًا قائلين: قم خذ امرأتك وابنتيك الموجودتين لئلا تهلك بإثم المدينة. ولما توانى أمسك الرجلان بيده وبيد امرأته وبيد ابنتيه لشفقة الرب عليه، وأخرجاه ووضعاه خارج المدينة، وكان لما أخرجاهم إلى خارج أنه قال: اهرب لحياتك، لا تنظر إلى ورائك ولا تقف في كل الدائرة.
وفي سفر التكوين (2) : وإذا أشرقت الشمس على الأرض، دخل لوط إلى صوغر، فأمطر الرب على سدوم وعمورة كبريتًا ونارًا من عند الرب من السماء، وقلب تلك المدن، وكل الدائرة وجميع سكان المدن ونبات الأرض. ونظرت امرأته من ورائه فصارت عمود ملح، وبكر إبراهيم في الغد إلى المكان الذي وقف فيه أمام الرب وتطلع نحو سدوم وعمورة ونحو كل الأرض الدائرة، ونظر وإذا دخان الأرض يصعد كدخان الأتون.
(قصة لوط في الإنجيل)
وورد في إنجيل لوقا (3) إشارة موجزة تقول: وكما حدث في عهد لوط، إذ كانوا يأكلون ويشربون ويبيعون ويغرسون ويبنون ولكن يوم خرج لوط من سدوم، أمطر الله نارًا وكبريتًا من السماء فأهلكهم أجمعين.
ولا ذكر لقصة لوط في بقية الأناجيل، وإنما ورد التحذير من الزنا.
__________
(1) الاصحاح 18 –19
(2) الاصحاح 19 فقرة 23 – 28
(3) الفصل 17 / 28 / 30(9/2040)
ففي إنجيل متى (1) قال السيد المسيح: (سمعتم أنه قيل لا تزنِ، أما أنا فأقول لكم إن كل من نظر إلى امرأة حتى يشتهيها فقد زنى بها في قلبه، فإن عثرتك عينك اليمنى فاقلعها وانبذها عنك بعيدًا فإنه خير لك أن يهلك أحد أعضائك ويلقى جسدك كله في جهنم) .
وفي رسالة بولس إلى أهل قورنتس (2) يقول: (اهربوا من الفجور، إن كل خطيئة يفعلها الإنسان هو خارج الجسد) أما الفاجر فإنه يجرم إلى جسده، أولا تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدسي الذي فيكم، الذي نلتموه من الله؟ (3) .
(قصة لوط في القرآن الكريم) .
جاءت قصة لوط في / 14 / موضعًا من القرآن الكريم هي السور التالية:
الأعراف – الأنعام – هود – الحجر – الشعراء – النمل – العنكبوت – الحج – القمر – التحريم – الأنبياء – الصافات – ص – ق
بينما ورد ذكر لفظ الزنا في أربعة مواضع: الإسراء – الفرقان – النور – الممتحنة.
والمرض الحديث (الإيدز) الذي انتشر من خلال الشيوعية الجنسية، والجماع الشرجي (عمل قوم لوط) … فيه معنى كبير لإظهار آية الله في خلقه.
__________
(1) متى 5 / 27
(2) 6 /13
(3) يقول محمد صلى الله عليه وسلم: (الأنبياء أبناء علات: أبوهم واحد وأمهاتهم شتى، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} ) [الشورى: 13](9/2041)
ففي سورة هود قال سبحانه وتعالى: {وَلَمَّا جَاءتْ رُسُلُنَا لُوطًا سِيءَ بِهِمْ وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ، وَجَاءَهُ قَوْمُهُ يُهْرَعُونَ إِلَيْهِ وَمِنْ قَبْلُ كَانُواْ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِيِّ هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ فَاتَّقُواْ اللَّهَ وَلاَ تُخْزُونِ فِي ضَيْفِي أَلَيْسَ مِنكُمْ رَجُلٌ رَّشِيدٌ، قَالُواْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا لَنَا فِي بَنَاتِكَ مِنْ حَقٍّ وَإِنَّكَ لَتَعْلَمُ مَا نُرِيدُ، قَالَ لَوْ أَنَّ لِي بِكُمْ قُوَّةً أو آوِي إلى رُكْنٍ شَدِيدٍ، قَالُواْ يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَن يَصِلُواْ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِنَ اللَّيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ مِنكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيبُهَا مَا أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ، فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ، مُسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 77 – 83] .
هنا ملاحظتان:
الأولى: أنه كان في قوم لوط رجم جماعي قام به جنود ربك وما يعلم جنود ربك إلا هو.
الثانية: لقد ذكرت مجلة ميونيخ الطبية الأسبوعية بعد المؤتمر الطبي الألماني الأول للإيدز في مطلع عام 1988م، أنه مع مزيد من المعلومات والدراسة عن طبيعة الفيروسات يبدو الموضوع أكثر تعقيدًا أو أشد غموضًا، ومن أحدث المعلومات تبين أن الفيروس لا يهاجم فقط نوعًا من الخلايا البيض المناعية، بل له ولع بخلايا الجهاز العصبي المركزي – المخ – فضلًا عن مهاجمة الغشاء المخاطي للجهاز الهضمي – والنقطة الأخيرة ذات أهمية، لأنها ألقت الضوء على السبب في انتقال المرض عن طريق اللواط، فلقد وجد أن للفيروس مسامير خاصة على قشرته الخارجية بإمكانه أن يغطس بواسطتها في جدار الخلايا المخاطية، حتى إذا استقر وتسمر على ظهر الخلية، أمكنه أن يدخل مقذوفه النووي إلى داخل الخلية وبالتالي الإصابة. هذا خلافًا للنظرية القديمة التي كانت ترى أن العمل الجنسي باللواط يؤدي إلى تشققات في جدران المستقيم، وبالتالي انتفاخ مجاري الدم وتسرب الفيروس عبره.
فلا حاجة لشقوق، بل يكفي الدخول إلى هذا الشق الآثم فقط وفيه الكفاية وزيادة.
هذا الكشف الأخير الذي توصل إليه فريق من الأطباء في أمريكا بعد دراسة مطولة على مجموعة من المصابين بواسطة الدكتور ليفي Levy ومجموعته.(9/2042)
حكم اللواط: قال الأئمة: مالك وأحمد والشافعي في قول: أي قول جمهور الفقهاء (حده القتل سواء كان بكرًا أم ثيبًا، فاعلًا أو مفعولًا به) .
وهذا القول مروي عن أبي بكر وعمر وابن عباس رضوان الله عليهم، وإليه ذهبت طائفة من العلماء، ونقل بعض الحنابلة إجماع الصحابة على أن الحد في اللواط القتل واستدلوا بحديث: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) . رواه الخمسة إلا النسائي عن ابن عباس.
واستدلوا أيضًا بما روي عن أبي بكر أنه جمع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فسألهم عن رجل ينكح كما تنكح النساء فكان أشدهم يومئذ قولًا علي بن أبي طالب، قال: هذا ذنب لم تعص به أمة من الأمم إلا أمة واحدة صنع الله بها ما قد علمتم، نرى أن نحرقه بالنار فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد يأمره أن يحرقه بالنار، أخرجه البيهقي بسند مرسل.
تحليل آية الزنا في سورة الإسراء
قال سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئا كَبِيرًا وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ إِلَّا بِالحَقِّ} [الإسراء: 31 – 33] .
والسؤال العلمي المطروح: لماذا زج الله جل وعز آية الزنا بين قتلين.
هل هنا دائرة للجريمة محورها آية الزنا؟
كيف نظر المفسرون إلى هذا النسق في الأسلوب القرآني؟
وأي الآيات الثلاث أشد نهيًا وأبلغ في التحذير؟
لماذا لم يسلط النهي على الزنا مباشرة، وإنما سلط على مجرد القرب منه أي مقدماته: من الخلوة والمعاشرة والقبلة ثم الزنا متضمنًا.(9/2043)
إن بيانات بعض التفاسير تظهر أن الزنا نوع من القتل المعنوي للمرأة، إذ تفقد كرامتها ومكانتها في المجتمع. ولكنني لا أعتقد أن هذا يعد سببًا وجيهًا أو كافيًا وأعتقد كذلك أن أسلوب النهي الخاص بمشكلة الزنا، أبلغ تحذيرًا. علمًا أن هذا النسق من النواهي – ضمن ما يسمى في الديانات السابقة: الوصايا العشر – قد ورد مرة أخرى في سورة الأنعام: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151] .
هذا ما أجبت به طلاب كلية الطب في جامعة حلب يوم تجمع بعضهم حولي وسألوني عن موقف القرآن الكريم من هذا الوباء الجديد (الإيدز) ….
وهكذا يصور لنا النسق القرآني المعجز في السورتين جريمة الزنا – وبالمنطق الهندسي للأخلاق – محور الدائرة القتل التي نهانا الفكر الديني عن اقترافها.
ومن أجل ذلك يتحدث النبي العظيم صلوات الله عليه وعلى آله، وهو الشارح الأول لكتاب الله فيما يرويه ابن عمر قال: أقبل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((يا معشر المهاجرين – خمس خصال إذا ابتليتم بهن – وأعوذ بالله أن تدركوهن:
* لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا (في رواية الطبراني: (( ((إلا فشا فيهم الموت)) )) .
* ولم ينقصوا الميزان والمكيال إلا أخذوا بالسنين وشدة المئونة وجور السلطان عليهم.
* ولم يمنعوا زكاة أموالهم إلا منعوا القطر من السماء، ولولا البهائم لم يمطروا.
* ولم ينقضوا عهد الله ورسوله إلا سلط الله عليهم عدوًا من غيرهم فأخذوا بعض ما في أيديهم.
* وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، ويتخيروا فيما أنزل الله، إلا جعل الله بأسهم بينهم)) – رواه ابن ماجة، واللفظ له، كما في الترغيب للمنذري (1) .
__________
(1) الترغيب والترهيب 2 / 568(9/2044)
القسم الثاني
إجراءات الوقاية الزوجية في الفقه الإسلامي
أ- المباحث الأصولية المستخدمة:
يندرج الإيدز فيما لا نص فيه من الأحكام – فيجب فيه الاجتهاد لأن لله في كل حادثة حكمًا معينًا، بيد أن الحوادث قد اقتضت نواميس الحياة أنها لا تظهر على مسرحها دفعة واحدة، فما صادف وجوده عصر التشريع بين الوحي حكمه، وما ظهر على مسرح الوجود بعد انقطاع الوحي، ترك الله أمر حكمه إلى أهل الذكر من المجتهدين ومن أهل الاختصاص – قال تعالى: {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ} [الحشر: 2] وقال كذلك: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] .
ومن أجل هذا كان الاجتهاد – الذي هو بذل الجهد للتوصل إلى الحكم فيما لا نص فيه بالتفكير واستخدام الوسائل التي هدى الشرع إليها – أمرًا ضروريًا يحتمه علينا واقعنا ومجريات أمورنا، والوقائع التي تجري بين الناس قد يدل على حكمها الكتاب أو السنة، فإن دل الكتاب على الحكم فقد تكون الدلالة قطعية – وهنا لا اجتهاد.
وقد تكون الدلالة ظنية – كتحديد معنى القرء – فهنا محل الاجتهاد وكذلك السنة – فإذا كانت ثابتة على سبيل القطع بأن كانت متواترة – فلا اجتهاد وإنما المجال للاجتهاد فيه من حيث الدلالة إذا كانت الدلالة ظنية.(9/2045)
وإن كانت السنة ثابتة على سبيل الظن بأن كانت من أخبار الآحاد كان مجال الاجتهاد فيها من حيث السند ومن حيث الدلالة معًا – إن كانت الدلالة ظنية.
الغاية من الاجتهاد:
بعد هذه المقدمة المركزة نقول: إذا حدثت واقعة ليس فيها نص للشارع كان للمجتهد أن يبحث عن الحكم الشرعي لهذه الواقعة على ضوء الأدلة الشرعية الأخرى – وهي هنا القياس والمصلحة المرسلة – والاستحسان والعرف وسد الذرائع – فإذا ما وفقه الله إلى حكم عمل به وأفتى بمقتضاه وحكم على أساسه، وهذا الحكم وإن لم يكن حكم الله نصًا، فإنه مما وفق الله المجتهد للاهتداء إليه، من خلال التعرف عليه بالأمارات التي نصبها الشارع للوصول إلى الأحكام التي لم ينص عليها، فالغاية من الاجتهاد إذن هي وصول المجتهد إلى ما يرجح في رأيه أنه حكم الشارع (1) . وإنما كان الحكم الذي يصل المجتهد بوساطة هذه المصادر حكمًا شرعيًا لأن الحكم يرجع في النهاية إلى نص شرعي وبناء على ما تقدم فإنا في قضايا وباء (الإيدز) لابد أن نتوسل بمباحث:
القياس – أي إلحاق أمر لم يرد نص في حكمه، أو إجماع – بأمر ورد في حكمه نص أو إجماع، لاشتراكهما في المعنى الذي شرع هذا الحكم من أجله، وبذلك تتسع الشريعة بحيث تكون وافية بحاجة العباد ومصالحهم كقياس حالات متعددة من المصابين بالإيدز في نسخ العقد وما يتبع ذلك بالعيوب المنصوص عليها أو طلب الطلاق.
والمصالح: إذ هدف الشارع من الأحكام: تحقيق مصالح الناس ورفع المفاسد عنهم، وعلى هذا الأصل ينبغي أن يتصدر التشريعات الاجتهادية في الأشياء التي لا نص فيها مطلقًا، فيجب أن تكون وفق مصالح الناس ويجب أن تنزه عن أهوائهم وعن رغباتهم.
__________
(1) الفقه الإسلامي أساس التشريع – المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية: بمصر، بحث الشيخ محمد زكريا البرديسي بتصرف، وكذلك: نيل الأوطار للشوكاني ج 4 ص 106(9/2046)
غير أن هذه المصالح قد يرشدنا الشارع إلى اعتبارها بنص خاص، وقد يرشدنا إلى إلغائها بنص خاص، وقد يسكت، فهي بهذا الاعتبار تتنوع إلى مصالح معتبرة وإلى مصالح ملغاة، وإلى مصالح مرسلة، فالمصالح المعتبرة – كحفظ الكليات الخمس، والملغاة كانتحار المريض الميئوس من شفائه، فإن هذه المصلحة قام الدليل الشرعي على إلغائها – قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] فهذه الآية تقطع بحرمة قتل النفس مطلقًا ولو كان مصابًا بالإيدز، والمصالح المرسلة هي كل وصف لم يرد فيه نص شرعي معين بالاعتبار أو الإلغاء إن حقق مصلحة كقوانين السير، وبناء المشافي، واتخاذ السجون … والمصلحة العامة تقدم على الخاصة عند التعارض كإسقاط الحمل للزوجين المصابين بالإيدز وهي مصلحة خاصة خشية ولادات مصابة تنتشر في المجتمع.
وسد الذرائع: من حيث إن موارد الأحكام قسمان:
1-مقاصد وهي الغايات التي تشتمل على المصالح أو المقاصد.
2-وسائل وهي التي تفضي إلى هذه المقاصد وتوصل إليها.
وحكم هذه الوسائل حكم ما أفضت إليه من تحريم أو تحليل، غير أن الوسائل أخف رتبة من المقاصد في الحكم.
ومثالها: منع الزوجين المصابين بالإيدز من الإنجاب أصلًا خشية الحمل بمن يحمل هذه العدوى – وكضرورة خضوع الخاطبين للفحص الطبي قبل إجراءات العقد، وتقديمهما تقريرًا طبيًا يثبت عدم إصابتهما بالأمراض الخطرة والمعدية.
الاستحسان: هو العدول في مسألة عن تطبيق حكم نظائرها عليها إلى حكم آخر نظرًا لوجود ما يقتضي هذا العدول من نص أو إجماع أو ضرورة أو عرف أو مصلحة أو قياس، وما يلزمها هنا هو الاستحسان الثابت بالمصلحة والاستحسان الثابت بالقياس.
فمن الاستحسان الثابت بالمصلحة: إلزام الخاطب أو المخطوبة بالتفريق إذا طرأ على أحدهما مرض الإيدز قبل العقد ولو كانا متحابين، إذ يتحقق هذا الاستحسان في كل مسألة عدل فيها عن حكم نظائرها إلى الحكم آخر اقتضته المصلحة، والمثال المذكور من هذا القبيل، إذ القاعدة المقررة: استمرار الإباحة وتعايش الراغبين في الزواج في السراء والضرار، ومراعاة الجوانب الإنسانية، خاصة في التحمل والتضحية، لكن يعدل عن هذه القاعدة المقررة، ويحكم بالتفريق صونًا لحياة الصحيح من العدوى المحققة بالمصاب.(9/2047)
ومن الاستحسان الثابت بالقياس: وهو كل مسألة يجتمع فيها قياسان أحدهما ظاهر جلي والآخر خفي، ثم يعدل عن الأخذ بمقتضى الجلي ويؤخذ الخفي، من هذا النوع إرادة الزواج بامرأة مصابة بمرض الإيدز – مع العلم مسبقًا بأنها مصابة – القياس الجلي منع هذا الزواج وكفى، لكن يعدل عن ذلك ويؤخذ بالقياس الخفي، وهو تحريم الراغب بهذا الزواج ومعاقبته تعزيرًا – إن أصر – لأنه شروع في الانتحار، يشبه محاولة الانتحار بتجرع السم، أو بالتردي من شاهق، بل يعاقب كل من يحاول المساهمة في تسهيل هذا الزواج.
ب- المشاكل المعاصرة المطروحة
وهكذا – ومن خلال هذه القواعد الأصولية – نجتهد ونقبل اجتهاد الآخرين في المشاكل الإنسانية والاجتماعية، فردية كانت أو عامة، تلك الناجمة عن آثار هذا الوباء العصري المسمى بالإيدز فهو بكل المقاييس الطبية والفقهية مرض خطير ومعد، وإذا حدثنا الفقهاء القدامى عن العيوب الزوجية التي تبيح فسخ العقد أو التفريق أو الطلاق، وذلك بحسب مواطن الاتفاق أو الافتراق فيما بين المذاهب ورجالها، فإنا اليوم أمام عيب عصري لا يرقى إلى خطورته أي من العيوب المذكورة في كتب الفقه القديمة، وأحسب أن فقهاء عصرنا هذا مجمعون إجماعًا مطلقًا على هذا حتى الظاهريين الذين يسقطون الخيار مطلقًا.
وبالنظر إلى توصيات مجلس المجمع في دورته الثامنة في بروناي 1993م الصادرة بالقرار رقم 86 / 13 / د 8 وما يضاف إليه من أسئلة وقضايا أخرى ما تزال تثار وبالنسبة إلى ما يخص الحياة الزوجية منها تحديدا، نقول وبالله التوفيق.(9/2048)
للحياة الزوجية أهداف أساسية يطلب التشريع الإسلامي توافرها، ولاستقرار النفس البشرية في ظل أسرة متنامية متكاملة: من أهمها سلامة الزوجين من العيوب والأمراض التي تحول دون استقرار النفس في سكنها الروحي والاجتماعي، وسلامة حياة الأطفال من عدوى الوالدين، لكن هذه المسائل الشائكة ستتدخل حتمًا فيها المسألة الإنسانية (التضيحة) الشخصية بالمسائل المتصلة بالحق العام، صونًا للمجتمع كله من الخطر.
فإذا كانت (التضيحة) الشخصية لأحد الزوجين في تحمل زوجه والصبر على شدته مندوبة ومن أشهر الفضائل الإنسانية، فإنها لا بد أن تكون مقيدة بشرط أمن العاقبة أما أن يعرض المرء نفسه للهلكة، أو خطر الموت برضاه – كحالة الإصابة بمرض الإيدز – فإن ذلك لا يجوز شرعًا لما يأتي:
ورد في البخاري وغيره عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((وفر من المجذوم فرارك من الأسد)) . . . . .
وورد في صحيح مسلم (2231) عن عمرو عن أبيه قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي صلى الله عليه وسلم: ((ارجع فقد بايعناك)) .
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يوردن ممرض على مصح)) .
وهناك القاعدة الكلية المشهورة الواردة في نص الحديث المروي عن ابن عباس – أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لا ضرر ولا ضرار (1) .
وفي صحيح مسلم 2218 عن أسامة بن زيد رضي الله عنه. قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الطاعون رجز أو عذاب أرسل على بني إسرائيل أو على من كان قبلكم فإذا سمعتم به في أرض فلا تقدموا عليه وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا فرارًا منه)) .
وقد ثبت أنه صلى الله عليه وسلم تزوج فلما رأى بكشحها بياضًا – وهو علامة على إصابتها بالبرص – لم يدخل بها وفارقها.
بعد هذا لا يصح الاغترار بشعار التضحية الإنسانية، مقابل الوقوع في الانتحار البطيء من جراء العدوى بالإيدز.
__________
(1) رواه الإمام أحمد 1 / 313 وابن ماجة(9/2049)
ولقد اهتمت وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف في دولة الإمارات العربية المتحدة مع جهات رسمية أخرى منذ فترة بهذه المسألة، فاستكتبت نخبة من علمائها وباحثيها، فقدموا دراسة نشرت مؤخرًا ضمن كتاب: الزواج في الإسلام نوجزها فيما يلي:
هناك ثلاث حالات يكتشف فيها مرض الإيدز بأحد الزوجين أو بكليهما.
الحالة الأولى: أن يكتشف المرض قبل إجراء العقد، والحكم فيها وقف إجراء العقد وأن يمضي كل طرف إلى سبيله.
الحالة الثانية: اكتشاف المرض بعد العقد، وفيها عشر مسائل:
1-2 هل اكتشف المرض قبل الدخول أم بعده؟
3-4 هل كان المريض عالمًا بوجود مرضه قبل العقد أم لا؟
5-6 هل رضي الطرف الآخر – مع علمه بوجود المرض – بالاستمرار وإمضاء العقد أم لم يرض؟
7-8 هل المصاب الزوج أم الزوجة؟
9-10 هل حصل المرض بفعل حرام يستوجب العقوبة أم بفعل جائز وقع فيه بالخطأ أو النسيان أو الإهمال؟
(ففي المسألة الأولى)
نحكم بوجوب التفريق بين الزوجين فورًا قبل أن يقع المحظور.
(وفي المسألة الثانية)
وهي اكتشاف المرض بعد الدخول نفصل:
فإن لم تنتقل العدوى إلى الطرف الآخر فرق بين الزوجين في الحال وإن انتقلت العدوى كان الخيار لمن ابتلى بها بالتفريق أو الاستمرار لكنني أميل إلى ضرورة الاستمرار في الحياة الزوجية ومراعاة الجانب الإنساني حتى يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.(9/2050)
بيد أن المهم جدًا في هذه الحالة – كما تقول الدراسة – التأكيد على امتناع الزوجين عن الإنجاب بكل الوسائل الممكنة، رحمة بالأولاد الذين سيولدون وهم يحملون المرض نفسه، ومن المهم أن لولي الأمر حرصًا على السلامة العامة وحماية للمجتمع من هذا الوباء الخبيث أن يتخذ كل الإجراءات الكفيلة بمنع الإنجاب من أبوين مصابين بهذا المرض ولو بإجراء فحوص دورية لهما والسعي للإجهاض في الأيام الأولى من الحمل إن وقع ذلك.
(المسألة الثالثة)
وهي أن يكون العاقد المريض عالمًا بوجود المرض فيه، وهذا هو الغش والخداع والمكر والتدليس، فمن حق الطرف الآخر السليم، حماية نفسه واتخاذ كافة الأسباب اللازمة لذلك بما فيها المطالبة بدفع التعويضات المناسبة للأضرار التي لحقت به فعلًا من جراء هذا الغش، ثم هناك حقوق أخرى تخص عصبته وورثته.
(المسألة الرابعة)
وهي التي لا يكون العاقد المريض عالمًا بمرضه قبل العقد، وهذه الحالة وإن كانت تعفيه من العقوبات الخاصة بالضرر والغش، لكنها لا تمنع من مطالبته بالتعويض عن الأضرار الناجمة، ولا تمنع كذلك الطرف الآخر حقه في طلب التفريق إن رغب به.
(المسألة الخامسة)
وهي حالة رضا الطرف الآخر السليم باستمرار العقد رغم اكتشاف المرض – وهنا لا بد من التفصيل.
إن لم يحصل دخول أو عدوى لزم التفريق، وإن رضي السليم بالاستمرار فذلك من حق المجتمع ممثلًا بولي الزوجة أو القاضي، لمنع الأفراد من ممارسة حقوقهم فيما يرجع عليهم وعلى الناس والأجيال بالضرر.
وإن حصل الدخول أو انتقلت العدوى، كان الخيار للآخر بين الاستمرار أو طلب الفسخ مع التعويض عن الأضرار.
وفي حالة اختياره الاستمرار لزم اتخاذ الإجراءات الكفيلة بمنع الإنجاب كما أشرنا إلى ذلك في المسألة الثانية.
(المسألة السادسة)
وهي حالة عدم رضا الطرف الآخر بالاستمرار، ومن حقه ذلك فيفرق بينهما ويعوض المتضرر.(9/2051)
(المسألة السابعة)
وهي ما إذا كانت الإصابة بالزوج، وهنا يتفق جمهور الفقهاء على أن من حق الزوجة طلب التفريق عند القاضي، إلا إذا شرطت عند العقد أن تكون العصمة في يدها فتستطيع عندئذ استعمال حقها في الانفصال، ولا بد أن يكون ذلك بحكم القاضي إن طالبت بالتعويض عن الأضرار الحاصلة من جراء الدخول في هذا العقد.
(المسألة الثامنة)
وهي إذا كانت الإصابة بالزوجة، وهنا يختلف الفقهاء في حق الزوج في طلب التفريق للعيب – فقد ذهب الحنفية إلى أن الزوج لا يملك طلب التفريق لأنه يمكنه دفع الضرر عن نفسه بالطلاق – أما الزوجة فلا يمكنها دفع الضرر عن نفسها إلا بإعطائها الحق في طلب التفريق لأنها لا تملك الطلاق … إلا إذا شرطته لنفسها في العقد (وبمذهب الأحناف أخذ كل من القانون المصري رقم 25 لسنة 1920 في المواد 9 – 10 – 11) .
وكذلك القانون السوري الذي أجاز للمرأة طلب التفريق في المواد (105، 106، 107) .
وذهب الأئمة الثلاثة إلى إعطاء هذا الحق لكل من الزوجين، لأن كلا منهما يتضرر بالعيوب، أما اللجوء إلى الطلاق فيؤدي إلى الإلزام بكل المهر بعد الدخول وبنصفه قبل الدخول، لكن التفريق بسبب العيب يعفي الرجل من نصف المهر قبل الدخول، وبعد الدخول للمرأة المسمى بالاتفاق.
ومن حق الزوج بعد ذلك أن يرجع بالمهر بعد الدخول على ولي الزوجة لتدليسه بكتمان العيب وليس للزوجة في هذه الحالة سكنى ولا نفقة ….
وقد أخذ مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد لدول مجلس التعاون بمذهب الأئمة المالكية والشافعية والحنابلة فأعطى للزوجين حق الطلب بالتفريق للعيب، فنص في المادة (99) الفقرة (أ) على أن لكل من الزوجين التفريق لعلة في الآخر يتعذر معها استمرار الحياة الزوجية ولا يرجى منها برء، أو يرجى البرء بعد مضي أكثر من سنة، سواء أكانت العلة عقلية أو عضوية، وسواء أصيب بها قبل العقد أو بعده.
وفي حالة مرض الإيدز الذي نحن بصدده نرى الأخذ بمذهب الجمهور وبما اتجه إليه مشروع قانون الأحوال الشخصية الموحد لدول مجلس التعاون، فنعطي حق طلب التفريق للطرفين والله تعالى أعلم.(9/2052)
(المسألة التاسعة والعاشرة)
وهما ما إذا كان المرض الذي أصيب به الزوج ناشئًا عن ارتكاب فعل محرم، أو كان ناشئًا عن فعل جائز بسبب الخطأ والنسيان أو الإهمال.
وللحكم في هاتين المسألتين ينبغي أن نلحظ أمورًا:
الأول: يجب التفريق في التعامل بين المصاب بفعل جائز والآخر المصاب بفعل حرام، والأول مريض معذور يحتاج إلى العناية والرعاية والشفقة وتخفيف الآلام والمتاعب، والثاني مذنب لا يعامل معاملة المريض المعذور إلا بعد التوبة أو أخذ حظه من العقوبة الشرعية.
والثاني: يجب التخفيف ما أمكن عن المصاب المعذور بحيث لا تتعاظم عليه المصيبة وتتضاعف من جهتين أو أكثر، بينما يلزم التشديد على الآخر ما أمكن زجرًا له وردعًا لأمثاله عن ارتكاب المحرم ومواقعة الفواحش.
الثالث: دعوى التفريق للعيب بسبب هذا المرض الخبيث (الإيدز) لا يعتبر قذفًا للطرف المريض ما دامت الدعوى قاصرة على طلب التفريق للعيب.
الرابع: دعوى التفريق بسبب هذا المرض أيضًا لا يعتبر شهادة صالحة لإقامة نصاب الشهادة الشرعي في كل من الزنا واللواط.
الخامس: حالة واحدة يتعين بها على القاضي إقامة الحد الشرعي على المصاب من فعل محرم وهي ما إذا حصل منه إقرار بارتكاب إحدى الفاحشتين: الزنا أو اللواط.
الحالة الثالثة: وهي الحالة التي يطرأ فيها المرض على أحد الزوجين خلال حياتهما الزوجية وهنا صورتان:
الأولى: أن يكون المرض ناشئًا عن ارتكاب الفاحشة.
والحكم هنا أن يلجأ إلى إثبات ذلك بالبينة الشرعية إن كانت لديه، فإن ثبت الحد على المصاب، حكم القاضي عليه بالرجم في حالة الزنا وبالقتل في حالة اللواط (أو الرجم على الخلاف بين العلماء في هذا) وتحصل الفرقة بين الزوجين ضرورة.
وإن لم يكن لدى الطرف الآخر بينة لجأ إلى اللعان.
فإن أقر المصاب بارتكاب الفاحشة لزمه الحد الشرعي وإلا فرق القاضي بين الزوجين فالفرقة في الحالتين حاصلة بالضرورة والحكم.(9/2053)
ويمكن للطرف الآخر إن لم يختر طريق الخلاص بدعوى إصابة الطرف المصاب للحد، أن يطلب التفريق دون التعرض لمسألة الحد من أساسها، ويرجع تفصيل الحكم إلى ما نذكره في الصورة التالية:
الصورة الثانية: أن يطرأ المرض بفعل جائز بسبب الخطأ أو النسيان أو الإهمال ويتفرع على هذه صور أخرى.
الأولى: أن تحصل المعاشرة بعد حصول الإصابة بالمرض فتنتقل العدوى للآخر، وهنا يجوز طلب التفريق ويلزم لأن المحذور قد وقع بانتقال العدوى، ولكنهما إذا اختارا الاستمرار في الحياة الزوجية لزمهما اتخاذ الإجراءات الكيلة لمنع الحمل كما ذكرنا سابقًا في المسألة الثانية من النقطة الثانية.
الثانية: أن يمتنع الطرف الآخر عن المعاشرة ويبقى معافا من الإصابة، وهنا يجوز له أن يطلب التفريق حماية لنفسه ومستقبله ومستقبل أولاده من العدوى الممكنة في كل وقت بالدم أو المعاشرة أو اللبن.
كما يجوز له الإقامة على عهده مع زوجته بشرط الامتناع عن كل أسباب العدوى وأن يتخذ كل الاحتياطات اللازمة لمنع انتقال العدوى إليه.
ويجوز لولي المرأة كما سبق أن ذكرنا في الأحوال المماثلة حين يرى المصلحة مقتضية للتفريق أن يطلب التفريق عند القاضي ولو كان ذلك بغير رضاها، كما يجوز لولي الأمر التدخل بالتفريق حين تدعوا الحاجة أو الضرورة لذلك.
وقد رأينا كيف أعطى مشروع القانون الموحد للأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الحق لكل من الزوجين طلب التفريق للعلة، سواء أكانت عقلية أم عضوية وسواء أصيب بها الطرف الآخر قبل العقد أم بعده وذلك في المادة (99) من المشروع.
وهل يسقط الحق في طلب التفريق إذا علم به الآخر ورضي به صراحة أو دلالة أم لا؟
يمكن تصوير المسألة في حالتين: الأولى أن يكون العيب موجودًا قبل العقد والثانية: أن يجد بعد العقد.(9/2054)
فإن كانت الأولى: فالاتجاه العام عند الفقهاء يذهب إلى أن هذا الحق يسقط إذا علم الطرف الآخر بالعيب ورضي به صراحة أو دلالة.
لأن من شروط الفقهاء لطلب التفريق بالعيب السابق على العقد.
1-ألا يكون طالب التفريق عالمًا بالعيب وقت العقد، فإن علم به في العقد وأتم العقد لم يحق له طلب الفسخ، لأن قبوله التعاقد مع علمه بالعيب رضًا منه به.
2-أن يرضى بالعيب بعد العقد، فإن علم بوجوده بعده وأظهر رضاه صراحة كأن يقول: رضيت. أو دلالة كأن يمكن الآخر من الاستمتاع سقط حقه أيضًا في الفسخ (1)
وإن كانت الثانية: وهي حالة ما إذا طرأ العيب بعد نفاذ العقد، ورضي به الطرف الآخر هل يسقط حقه في طلب التفريق بعد الرضا أو لا؟
من الظاهر جدًا أن الفقهاء إذا كان اتجاههم العام يقول بسقوط حق المتضرر في الفسخ للعيب الحاصل قبل العقد إذا رضي به فلأن يقولوا بالسقوط هنا أولى، بل قد ذهبوا إلى أبعد من هذا.
فقال الحنفية: بأن المرأة إذا جن زوجها أو أصبح عنينًا بعد الزواج وكان قد دخل بها ولو مرة واحدة لا يحق لها طلب الفسخ لسقوط حقها بالمرة الواحدة قضاء لا ديانة.
وفرق المالكية بين عيب الزوج وعيب الزوجة فقالوا: إن كان العيب بالزوجة فليس للزوج الخيار أو طلب التفريق بهذا العيب، لأنه مصيبة نزلت به وعيب حدث بالمعقود عليه بعد لزوم العقد فأشبه العيب الحادث للمبيع، وإن كان العيب الحادث بالزوج فللزوجة الحق في طلب التفريق إن كان العيب جنونًا أو مرضًا لشدة التأذي به وعدم الصبر عليه، وليس لها الحق في التفريق بالعيوب التناسلية الأخرى من جب وعنة أو خصاء.
__________
(1) وانظر في هذا ابن عابدين رد المحتار 2 / 593 – 594؛ والمحلى على المنهاج؛ وحاشيتي قليوبي وعميرة 4 / 265؛ والشرح الصغير مع حاشية الدردير 2 / 468؛ والمغني لابن قدامة 6 / 653؛ وفي القانون المصري في المادة (9) ؛ وفي القانون السوري المادة (106)(9/2055)
وأطلق الشافعية والحنابلة القول بجواز التفريق بالعيب الحادث بعد الزواج، كالعيب القائم قبله لحصول الضرر به، وكالعيب المقارن للعقد، ولأنه لا خلاص للمرأة إلا بطلب التفريق بخلاف الرجل الذي يمكنه الخلاص بالطلاق.
لكن الشافعية استثنوا طروء العنة بعد الدخول بالزوجة ولو مرة واحدة، فإنهم لا يجيزون لها طلب الفسخ لحصول مقصود النكاح بمرة واحدة.
فإذا كانت هذه أقوالهم في العيب الحادث بعد العقد فلأن يقولوا بسقوط الحق بعد الرضا بالعيب أولى.
والذي يبدو لنا ما قدمناه في هذه المسألة من أقوال وآراء للعلماء تتعلق بسقوط حق الطرف المتضرر بالعيب بعد رضاه به، سواء أكان ذلك العيب حاصلًا قبل العقد أم حادثًا بعد العقد ومضي الحياة الزوجية مقبول في الجملة في العيوب التي ذكروها.
ولكننا أمام هذا البلاء الخطير المسمى بالإيدز: نرى أن حق الطرف المتضرر باستمرار العقد مع الضرر لا يسقط بحال حتى ولو رضي به، لأن قاعدة (الساقط لا يعود) قد تطبق في كل عيب ولا يكون في تطبيقها أي ضرر عام، أم هنا فإن ضرر المرض العام والخاص يقضي بقبول طلب لفسخ حتى من الذين رضوا بالعيب أو لا؛ كأية قضية من قضايا النظام العام الذي لا يجوز التراضي على خلافه، لأنا نرى أن الاستمرار في مثل هذه الأحوال في الحياة الزوجية كمحاولة الانتحار – قياسًا – كما سبق بيانه.
هذا ويبقى أمام النظر الفقهي جملة من الأسئلة تتعلق بما ذكره المجمع الموقر في الدورة الثامنة – نرجو أن يشبعها الفقهاء والأطباء بحثًا، لنبرز للعالم رحمة الإسلام بالبشرية عامة، حيث يقدم لها الحلول مجانًا كما أشرت إلى ذلك – وقانا الله جميعًا من السوء –والسلام عليكم.
الشيخ أحمد موسى الموسى(9/2056)
أهم مراجع البحث
- القرآن الكريم.
- صحيح البخاري.
- صحيح مسلم.
- سنن الترمذي
- سنن أبي داوود
- الترغيب والترهيب للمنذري.
- نيل الأوطار للشوكاني.
- فيض القدير شرح الجامع الصغير للمناوي
- حاشية ابن عابدين – رد المحتار.
- حاشيتي قليوبي وعميرة
- الشرح الصغير مع حاشية الدردير.
- المغني لابن قدامة.
- روائع البيان في تفسير آيات الأحكام للصابوني.
- قوانين الأحكام الشرعية، ومسائل الفروع الفقهية لابن جزي المالكي.
- قانون الأحوال الشخصية المصري.
- قانون الأحوال الشخصية السوري.
- قانون الأحوال الشخصية لدول مجلس التعاون الخليجي.
- الزواج في الإسلام – إعداد مؤسسة صندوق الزواج – أبو ظبي.
- الإيدز – الطاعون الجديد للدكتور خالص جلي.
- العهد القديم.
- الأناجيل.
- بعض النشريات لوزارة الصحة السورية.(9/2057)
رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز
ملخص
لأعمال الندوة الفقهية السابعة
للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت
إعداد
الدكتور أحمد رجائي الجندي
الأمين العام المساعد للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
يعتبر مرض الإيدز من أخطر الأمراض التي أصابت البشرية منذ خلق الله الأرض ومن عليها، وقد ثار جدل كثير حول كيفية ظهور المرض وتشخيصه لأول مرة، وقد أثبتت الأبحاث والدراسات أنه رغم أن أول حالة مكتشفة لمرض الإيدز كانت عام 1981 إلا أنه ثبت أيضًا بتحليل عينات الدم التي كانت محفوظة لمدة في المعامل المركزية بالولايات المتحدة لأشخاص توفوا دون معرفة سبب الوفاة أن هذا المرض كان موجودًا منذ عام 1965 من بين تلك العينات المحفوظة … وليس هذا مهمًا إلا أن المهم أن فيروس هذا المرض ضعيف جدًا ولا يقاوم درجة الجفاف أو ارتفاع الحرارة إلا أنه إذا دخل دم الإنسان فإنه لايترك صاحبه إلا معه في القبر.
وحتى الآن لم يتم التوصل إلى علاج المرض، وليس ثمة أمل في العشر سنوات القادمة للوصول إلى علاج حاسم للمرض أو لقاح واق نتيجة التطور السريع للفيروس وعدم ثباتة على شكل أو صورة معينة مما يسبب الكثير من المتاعب للعلماء لكي يتوصلوا إلى معرفة دواء لهذا الوباء.
وأهم ما توصل إليه العلماء حتى الآن بعد حصر طرق عدواه هي:
1-طريق الجماع الجنسي سواء أكان ذلك بين رجل وامرأة أو رجل ورجل أو امرأة وامرأة.
2-الدخول إلى الدم إما عن طريق نقل الدم أو عن طريق الحقن أو الجروح النافذة.
3-من الأم المصابة لجنينها إما أثناء الحمل أو أثناء الولادة.(9/2058)
والطريقان الأخيران أمكن السيطرة إلى حد كبير عليهما خاصة بعد اكتشاف طرق الكشف عن الفيروس بالطرق السريعة والحديثة ورغم هذا فهناك الكثير من المآسي التي نسمع بها من وقت لآخر سواء في فرنسا أو المانية أو بلاد أخرى، إلا أن هذه الصور في طريقها إلى الاختفاء إن شاء الله.
والطريق الأول في نقل العدوى وهو الجنس والذي يمثل أخطر الطرق وأكثرها شيوعًا وتصل نسبة الإصابة عن هذا الطريق إلى 80 % والباقي بواسطة الطرق الأخرى، ويمكن السيطرة عليه لو أننا مسلمون أو غير مسلمين اتبعنا الأوامر الربانية التي تنهى عن الزنا وتعتبره حرامًا واجتناب الطرق المؤدية إليه حتى لا يقع الإنسان أمام ضعفه البشري مصداقًا لقوله تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] .
فالشهوة إحدى الصفات الحيوانية كما وصفها الرسول الكريم في حديثه: ((رَكَّبَ الله الحيوان من شهوة بلا عقل وركَّب الملائكة من عقل بلا شهوة وركَّب الإنسان من كليهما فمن طغت شهوته على عقله كان عند الله أشر من البهائم ومن طغى عقله على شهوته كان عند الله أخير من الملائكة)) ولم يدرك الغرب فداحة الأمر وبدلًا من الدعوة إلى الفضيلة والحث عليها خرجوا بمصطلحات ما أنزل الله بها من سلطان مثل الجنس الآمن باستعمال العازل الذكري أو الأنثوي والذي ثبت فشله في الوقاية في كثير من الأحوال إذ نجاحه يحتاج استخدامه منذ بداية العملية إلى نهايتها والحرص الشديد ألا يخرج منيٌّ خارجه ولا يصل السائل المهبلي على الذكر وبرغم كل هذه الاحتياطات الشديدة فقد ثبت أن نسبة الأمان لا تصل إلى مائة بالمائة حسب إحصائيات منظمة الصحة العالمية. وقد أظهر كثير من الاستطلاعات مع من أصيبوا بالفيروس بأن العازل الذكري كان في متناول أيديهم لكنهم ساعة العملية نسوا الله فأنساهم أنفسهم وتلك كانت العاقبة.
وكذلك فإن تفشي الإصابة بهذا المرض أصبحت علامة مميزة لتلك الدول التي ظهر فيها ما يسمى بصناعة أو سياحة الجنس فهناك قرى كاملة أبيدت عن آخرها بسبب هذا المرض أو أبيد فيها شبابها وتركوا من ورائهم ذرية ضعافًا أو كهولًا لا يقدرون على إنتاج شيء.(9/2059)
ومن حسن الحظ أن العدوى بفيروس هذا المرض قد وصلت إلى الدول الإسلامية متأخرة وبعد التعرف على بعض من خصائص الفيروس وطرق عدواه فتنبهت هذه الدول وأصدرت الكثير من التحذيرات والتعليمات إلى أبنائها لكي يتجنبوا الإصابة بهذا المرض الخطير، وتظهر الإحصائيات العالمية أن الدول الإسلامية والجاليات الإسلامية التي تعيش في المهجر ما زالت نسبة الإصابة فيها أقل من مثيلاتها في الدول غير الإسلامية وليس هناك من سبب يميز دولنا الإسلامية عن غيرها، إلا الوازع الديني في بلاد المسلمين الذي أولى جريمة الزنا خصوصية كبيرة وشدد عقوبتها لعلها الجريمة الوحيدة في الإسلام المنصوص عليها بالتفصيل الكامل وهي عقوبة زاجرة.
إلا أن الحقائق المتوفرة الآن حول المرض تدل على أن جميع دول العالم بها إصابات ولا يوجد شعب محصن ضد هذا المرض، بل الأخطر من ذلك بأن بداية المرض كانت الإصابات فيه إصابات خارجية أي أتت من خارج ديار المسلمين، أما الجديد الآن فإن كثيرًا من الإصابات أصبحت إصابات داخلية أي من بين أفراد البلد الواحد وهذا مؤشر خطير يجب أخذه بعين الاعتبار نحو التوعية من المرض وطرق الإصابة والتوعية بطرق الوقاية.
إضافة إلى ذلك فإن أعداد المصابين بالمرض في زيادة مستمرة عامًا بعد آخر، وأن معظم الحالات بين الذكور وتصل إلى حوالي 75 % من الحالات وعمر المصابين يتراوح بين 15 – 49 عامًا، أي عمر الإنتاج والعمل والشباب والفتوة، وهذا يمثل 90 % من الحالات والمتوقع أن يصل عدد المصابين في عام 2000 إلى حوالي 40 مليون ما بين طفل ورجل وامرأة، وسيصل عدد الأيتام إلى حوالي 10 ملايين طفل يتيم، ولقد تبين من الإحصائيات العالمية أن المرض أكثر انتشارا في إفريقيا وجنوب شرق آسيا والهند حيث يكثر الفقر وتتحول الدعارة والجنس إلى مصدر للرزق أو صناعة يتولاها ويمولها تجار الموت كما في المخدرات، كما بدأت تظهر علامات خطيرة كمضاعفات للإصابة بمرض الإيدز في تفشي كثير من الأمراض التي تسمى أمراضًا انتهازية والتي كان العالم على وشك إعلان التخلص منها فحالات السل الرئوي في ازدياد خطير ولعل أخطر المناطق في إفريقيا حيث يصل عدد الإصابات بفيروس الإيدز فيها إلى حوالي 9 مليون إصابة وقد توفي منهم حوالي مليونين وتحول نظام الرعاية الصحية في هذه الدول إلى رعاية لمرضى الإيدز والذين يحتلون حوالي 75 % من الأسرة في جميع المستشفيات التي لا يتوافر فيها الحد الأدنى من العلاج لارتفاع تكاليفه.(9/2060)
يأتي بعد إفريقيا جنوب آسيا إذ يقدر عدد الإصابات الآن بحوالي مليوني مواطن في الفترة الأخيرة وهي أربعة أضعاف ما كانت عليه الحالة في عام 1991 وتقدر السلطات المسؤولة في تايلاند بأنه بحلول عام 2000 سوف تكون قيمة خسائرها حوالي 9 مليار دولار بسبب مرض الإيدز وبذلك نجد أن المرض كان مشكلة الدول المتقدمة إلا أنه الآن أصبح الخطر الداهم والمشكلة الكبرى للدول النامية والفقيرة لسببين:
أ- إذ أن سن الإصابة هي سن الإنتاج والسعي والإعالة وعند الوفاة تفقد الأسرة مواردها وعائلها وتفقد الدولة عنصرًا من عناصر الإنتاج.
ب- التكلفة المالية لمريض الإيدز عالية جدًا وتمثل عبئًا خطيرًا على موارد الدولة حيث تحولت الخدمات الصحية الأولية الضرورية والتي من المفروض تقديمها لأبناء هذه الدول إلى خدمات لمرضى الإيدز مما يشكل نكسة في الخدمات الصحية.
هذا عن مرض الإيدز وما يمثله من مخاطر على المجتمعات الإنسانية جميعًا سواء أكانت الإصابة به عن طريق الجنس أو الدم أو الأم.
ونتيجة لتراكمات لاثني عشر عامًا منذ ظهور أول حالة مرضية حتى الآن ظهرت مشاكل اجتماعية كثيرة اجتهدت فيها الدول الغربية وعقدت الكثير من اللقاءات والاجتماعات لوضع الأطر التي تحدد حقوق وواجبات المصابين والمرضى بمرض الإيدز وغاب الرأي الإسلامي إلا من اجتهادات فردية جاءت غير ملبية للمتطلبات العامة فبادرت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية لعقد ندوتها الفقهية الطبية السابعة بمشاركة وزارة الصحة بالكويت ومجمع الفقه الإسلامي بجدة والمكتب الإقليمي بالإسكندرية لمنظمة الصحة العالمية.
والمشاكل الاجتماعية التي ناقشتها الندوة هي:
حكم عزل مريض الإيدز – حكم تعمد نقل العدوى – حقوق الزوج المصاب وواجباته – حكم زواج حاملي فيروس الإيدز – حق المعاشرة بالنسبة للمصابين – حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة – حق طلب التفريق أو الطلاق للزوج السليم – حكم إجهاض الحامل في ظل مرض الإيدز – حكم حضانة الأم المصابة لوليدها السليم وإرضاعه – حكم اعتبار مرض الإيدز مرض الموت.(9/2061)
ومرفق مع هذا ملخص عن الجوانب الطبية والرأي الفقهي في المشاكل الاجتماعية التي نوقشت أثناء الندوة والتوصيات التي أوصى بها المؤتمرون، إضافة إلى ذلك كتبنا في بداية الملخص كيف يمكن معالجة الإصابة بالمرض باتباع التعاليم الإسلامية، ولعلي هنا أقول بأن العالم غير الإسلامي يرفع شعار الجنس الآمن باستخدام العوازل الذكرية والأنثوية لتقليل فرص الإصابة.
بينما المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية والمكتب الإقليمي بالأسكندرية لمنظمة الصحة العالمية برفع شعار (الجنس الحلال) عن طريق اتباع ما أحله الله لنا والعفة والفضيلة والابتعاد عما نهانا عنه هو الضمان بعدم الإصابة نهائيًا لا تقليلها والحد من عدد الإصابات الحالية.
وقد تصادف بعد عقد ندوتنا أن عقدت الكويت مؤتمرها العالمي الرابع عن مرض الإيدز وشارك فيه نخبة من العلماء العاملين في هذا المرض وقد تبين الآتي:
1-أن المرض ليس قاصرًا على قطر بعينه دون آخر فجميع دول العالم ظهرت فيها الإصابة كما أن الفيروس يصيب جميع الأعمار ولا يختص عمرًا معينًا.
2-أن عوامل انتشار المرض هي إشاعة الفاحشة والجري وراء الغرائر.
كالحيوانات أو أشد سوءًا أو الوقوع في براثن إدمان المخدرات والمسكرات.
3-أن عوامل الانتشار هذه تكثر حيث يقل الوازع الديني ويكثر الفقر والفاقة وهما من العوامل المساعدة لانتشار الإصابة بالمرض.
4-أن الإصابة بالفيروس كانت قليلة خاصة في أفريقيا وجنوب شرق آسيا إلا أنها انفجرت وأصبحت كالنار في الهشيم، ويمكن حدوث ذلك في أي منطقة من مناطق العالم لأن الفيروس لم يعد كامنًا ولا مختصًا بالجماعات التي تمارس الشذوذ الجنسي وعلى الجميع أن يعوا الدروس المستفادة من تلك المناطق حتى لا تقع في بلادهم واتباع أسلوب وقائي فعال خاصة أن الدول الإسلامية لديها تراثها وتقاليدها التي يمكن أن تلعب دورًا هامًا في حماية مواطنيها من الإصابة.
5-توعية الشباب بأن الطرق الخاصة (بالجنس الآمن) غير مضمونة فهي تعتمد على عوامل كثيرة لكن الحلال هو الطريق الوحيد المضمون مائة بالمائة.
6-عمل برامج توعية ومخاطبة الناس باللغة التي يفهمونها وحسب تقاليدهم بأخطار المرض فقد ثبت أن الإنسان يهتم حيثما كان بالاستماع والتعلم إذا كان الأمر يتعلق بحياته أو حياة أسرته.(9/2062)
7-الاهتمام بالشباب خاصة في الدول ذات الوفرة المالية والتي يستطيع أبناؤها السفر خاصة إلى المناطق الموبوءة فيجب الحض على الفضيلة والعفة والسلوك السوي ويجب أن تكون التوعية بالصورة الحقيقية عن المرض دون إفراط أو تفريط.
8-يجب أن يشارك في انحصار المرض كل أفراد المجتمع والجهات المسؤولة من الإعلام والتربية والتعليم والعمل والشئون الاجتماعية.
9-يجب العناية بمن أصيبوا بالفيروس وأن يقدم لهم كل الرعاية الصحية الممكنة وألا يتعرضوا للأذى النفسي أو الاجتماعي بسبب الإصابة.
السياسة الشرعية في مواجهة مرض الأيدز
نطلق اسم الأمراض المعدية على طائفة من الأمراض تسببها كائنات دقيقة تدعى المكروبات أو الجراثيم.
والعادة أن يكون لكل جرثوم مستقر ومستودع. أما مستقره الذي يهمنا فهو الإنسان. وأما مستودعه فهو المنبع الذي يضمن استمرار العدوى.
ونعني بالعدوى نزول الجرثوم بساحة البدن، أي دخوله إليه وتكاثره فيه.
ولا تعني العدوى حتمًا حدوث المرض، لأن الله سبحانه قد زود الإنسان بجهاز مناعي يتولى مسؤولية الدفاع عن البدن ضد هذه العداوى ويقوم الجهاز المناعي بهذا العمل بواسطة أصناف متعددة من الخلايا، منها ما يهاجم الجرثوم بذاته فيلتهمه أو يقتله، ومنها ما يهاجم الجرثوم بمفرزاته (التي نسميها الأجسام المضادة أو الأضداد) ، ومنها ما يساعد الأصناف الأخرى من الخلايا في الهجوم فيقوم بدور المؤازر والمساعف.
من أجل ذلك إذا حدثت العدوى، فيمكن أن تتطور الأمور في أحد اتجاهات أربعة.(9/2063)
أولها- أن تتغلب وسائل المقاومة أو المناعة في البدن على الجرثوم، وتقضي عليه قبل أن يتمكن من الجسم، وبذلك لا تظهر أعراض المرض.
وثانيها- أن يتغلب الجرثوم ابتداء على وسائل دفاع البدن، فيحدث مرض عدوائي (أي ناجم عن العدوى) ، قد تكون مدته قصيرة وقد تطول، وفي النهاية إما أن يتغلب الجسم فيحدث الشفاء، أو يتغلب الجرثوم فتحدث الوفاة.
وثالثها- أن تقوم وسائل المناعة بتطويق الجرثوم المعتدي، وتضيق عليه الخناق وتحاصره بسور تحيطه به، فيخنس مؤقتا، ولكنه يبقى حيًا متربصًا ينتهز فرصة للانقضاض.
ورابعها- أن تصل الحرب بين وسائل دفاع البدن وبين الجرثوم إلى مرحلة هدنة مسلحة، لا يقضي فيها الجسم على الجرثوم، كما أن الجرثوم لا يقوم بإيذاء البدن، ولكن الشخص يمكن أن ينقل الجرثوم إلى جسم آخر فيسبب فيه العدوى وربما المرض، ويسمى الشخص في هذه الحالة حامل الجرثوم. على أنه في بعض أحوال هذه الهدنة المسلحة، ولا سيما تلك التي يطول أمدها، يقوم الجرثوم خلسة بمحاولاته لتدمير الجهاز المناعي وتخريب خلاياه، فإذا نجح في ذلك تحول الوضع لصالح الجرثوم.
وهكذا، فقد يكون الإنسان مصابًا بعدوى جرثوم معين، وهو يحمل هذا الجرثوم فيه ولكنه لا ينقله، وقد يكون مصابًا بالعدوى وهو قادر على نقل الجرثوم للآخرين ولو لم يظهر عليه المرض (وهو من دعوناه حامل الجرثوم) ، وقد تتطور العدوى فيه إلى مرض صريح، يعاني منه صاحبه وينقل جرثومه إلى الآخرين.
الايدز
كلمة الأيدز مؤلفة من الأحرف الأولى بالانكليزية لاسم مرض خطير يدعى (متلازمة العوز المناعي المكتسب) هو متلازمة أي مجموعة من الأعراض المرضية تتلازم وتتزامن. وهو مكتسب لأن الإنسان يكتسبه اكتسابًا بالعدوى. ولما كان الجهاز المناعي في هذا المرض يتم تدميره تدميرًا كبيرًا، فإن الإنسان يصاب بعوز مناعي، أي نقص شديد في عناصر المناعة، ينجم عنه عجز الإنسان عن مجابهة سائر أنواع الجراثيم، بما في ذلك تلك الجراثيم التي ليس من عادتها أن تحدث المرض في الإنسان، ولكنها تنتهز فرصة العوز المناعي لتحدثه، ولذلك تدعى الجراثيم الإنتهازية.(9/2064)
ومرض الأيدز هذا سببه فيروس، وهو كائن دقيق لا يرى إلا بالمجهر الإليكتروني، يطلق عليه اسم (فيروس العوز المناعي البشري) . وهو ينتقل من الإنسان إلى الإنسان بواسطة سوائل البدن التي تحتوي عليه، وهي بالدرجة الأولى السوائل الجنسية (المني وسوائل عنق الرحم والسائل المهبلي) ، والدم. وعلى هذا يكون الانتقال إما بالاتصال الجنسي (بين شخصين من الجنس نفسه أو من جنسين مختلفين) وإما بنقل الدم نقلًا علاجيًا أو دخوله مع حقن المخدرات أو الأدوات الواخزة للجلد.
طرق انتقال العدوى بفيروس الأيدز
تم اكتشاف الفيروس كما ذكرنا في معظم سوائل الجسم، إلا أن الدراسات الوبائية التي أجريت في شتى أنحاء العالم قد أثبتت أن العدوى تنتقل بثلاثة طرق رئيسية هي:
1- الاتصالات الجنسية: بين أفراد الجنس الواحد أو الجنسين على السواء. وهذا الطريق يمثل أكثر من 90 % من حالات العدوى ولا سيما بعد تناقص أهمية الطرق الأخرى. وهناك ممارسات جنسية معينة تزيد من خطر انتقال العدوى، مثل تعدد القرناء الجنسيين واللواط، والمخالطة الجنسية للبغايا، وكذلك وجود أمراض تناسلية أخرى.
2-الدم ومشتقاته: سواء بنقل الدم العلاجي أو باستخدام الإبر والمحاقن الملوثة بالفيروس ولا سيما في حالة تعاطي المخدرات حقنا. وقد قلت أهمية نقل الدم العلاجي بعد اكتشاف وتطبيق وسائل التأكد من خلو الدم المنقول من الفيروس. أما الانتقال في حالة تعاطي المخدرات حقنا فلا تزال له أهمية كبيرة.
3-انتقال العدوى من الأم للجنين: دل استعمال أحدث طريقة لكشف جزئيات الفيروس، على أن نسبة إصابة الجنين وهو في داخل الرحم بالعدوى هي نسبة ضئيلة لا تتجاوز العشرة بالمائة. وتحدث معظم حالات العدوى للجنين أثناء الولادة من جراء تلوث الجنين بالمفرزات التناسلية المعدية بمعدل ثلاثين بالمائة. ولا تنتقل العدوى من الأم إلى الجنين في ستين بالمائة من الحالات.(9/2065)
الطرق الأخرى: لا توجد بينات على أن العدوى تنتقل عن طريق الحشرات، أو الطعام أو الشراب، أو المراحيض، أو المسابح (حمامات السباحة) أو المقاعد، أو أدوات الطعام المشتركة، أو حتى الملابس المستعملة.
وقد ذكرت حالات معدودة في العالم كله يعتقد أن العدوى فيها قد انتقلت عن طريق لبن الأم، ومن أن فيروس الإيدز يوجد في لبن الأم في نسبة قليلة جدًا من الحالات، كما هو الحال في إفرازات البدن الأخرى كاللعاب والعرق والبول، فإن العدوى لا تتم عن طريق الجهاز الهضمي، ولكن يظن ظنًا أن المص الذي يمارسه الرضيع مع ما يرافقه من ضغط شديد على الغشاء المخاطي الرقيق في فمه، قد يؤدي إلى انتقال العدوي إذا كانت حلمة الثدي متشققة دامية، ولكن الاحتمال كما ذكرنا ضئيل جدًا.
بعد أن تتم العدوى بهذا الفيروس (أي دخول الفيروس إلى البدن) ، فإنه يختفي بسرعة داخل بعض الخلايا ويندمج فيها ويأخذ في التكاثر تدريجيًا وفي تدميره هذه الخلايا. وتمر العدوى في الجسم بمراحل من أهمها مرحلة الكمون، وهي مرحلة تستغرق ما بين عدة أشهر وعدة سنوات. وخلال هذه المدة يتكاثر الفيروس، ويهاجم خلايا الجهاز المناعي مما يؤدي إلى تناقص عددها شيئًا فشيئًا حتى تصل إلى المستوى الحرج، الذي لا يستطيع معه الشخص المصاب مقاومة جراثيم الأمراض أو الخلايا الضارة مثل الخلايا السرطانية، فيحدث ما هو معروف بمرض الإيدز على وجه الخصوص. وتكون مرحلة الكمون – أي المرحلة ما بين العدوى وبين ظهور الأعراض المميزة للمرض – قصيرة نسبيًا في الأطفال (أقل من سنتين) وتتراوح في البالغين ما بين 7 – 10 سنوات. وتقصر هذه المدة بحدوث أمراض أخرى مصاحبة، أو سوء التغذية، أو الحمل في المرأة. ولذلك فإن متوسطها في إفريقيا خمس سنين لما فيها من سوء في التغذية وأمراض أخرى كالملاريا مثلًا، في حين يكون متوسطها في أمريكا عشر سنين بفضل التغذية الجيدة والعلاج المناسب للأمراض المرافقة.
ويكون الشخص معديًا طوال هذه المدة.
أما مرض الإيدز على وجه الخصوص، فهو المرحلة الأخيرة من مراحل العدوى بفيروس الإيدز، وهي مرحلة تتصف بأعراض وعلامات مرضية ظاهرة ترافقها أمراض الجراثيم الإنتهازية والأورام الخبيثة، وذلك من جراء تدمير الفيروس لخلايا الجهاز المناعي التي تفتك بالجراثيم والخلايا السرطانية. والغالب أن المريض الذي يصل إلى هذه المرحلة، يموت خلال فترة قصيرة قد تكون أشهرًا قليلة ولا تتعدى السنتين.(9/2066)
طرق المقاومة والمكافحة
تجدر الإشارة إلى أنه لا توجد حتى الآن علاجات شافية ولا لقاحات واقية من العدوى. ولذلك فإن الابتعاد عن السلوكيات المحفوفة بالمخاطر هي السبيل الوحيد لاجتناب العدوى. ومن الممكن حاليًا الوقاية بدرجة كبيرة - تكاد تكون مؤكدة - من العدوى عن طريق الدم المنقول، والحقن والأدوات الثاقبة للجلد، وهناك بعض الأمور التي يحدث فيها جدل كثير ومنها موضوع عزل المريض، وكذلك الأمور المتعلقة بانتقال العدوى من الأم إلى الجنين، سوف نتطرق إليها فيما بعد.
خير سبيل للخروج من المآزق والحماية من المهالك في زمان تكالبت فيه الشهوات وكثرت صنوف المغريات هو تربية النفس الإنسانية على عدم الإفراط في طلب الشهوات والإغراق في المتع والملذات وتربيتها – كذلك – على إحداث توازن بين الغرائز الإنسانية يحقق الهدف من خلفها ويمنعها من التجاوز والطغيان.
فهذان أساسان تقوم عليهما السياسة الإسلامية في مواجهة أسباب هذا المرض ومكافحة الانحرافات والجرائم.
وخير عاصم هو الدين الإسلامي وتعاليمه التي توثق الصلة بالله، فالدين يهدف إلى تحقيق العبودية لله عز وجل التي تستلزم الخضوع لسلطانه، وتنمي الإحساس بدوام مراقبته، وتعلمه تحمل المسؤولية، والخوف من يوم الحساب وبذلك يكون المسلم ملتزمًا في جميع تصرفاته وفي كل ما يأخذ أو يدع، وكل ما يفعل أو يتجنب، يهتدي فيه بهدى القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
وما أكثر الآيات القرآنية التي تبين أن أساس الفلاح في الدنيا والآخرة هو الإيمان بالله واتباع هداه، وأن أساس الفساد والشقاء في الدنيا والنكال في الآخرة هو اتباع الهوى، في قوله تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (124) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا (125) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آَيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى (126) } [طه: 123، 126] . وقوله: {وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى (40) فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى (41) } [النازعات: 40 41] .
وما ذكرى الهوى في القرآن الكريم إلا في معرض الذم: {وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ} [القصص: 50] ، {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 14] ، {أُولَئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ} [محمد: 16] ..(9/2067)
وإن الإيمان يجعل الإنسان في حصن من الوقوع في الخطايا لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) . . . . (1) .
وحتى حين يزين له الشيطان السوء تنفعل نفسه بالإيمان، أو يترك الإيمان في قلبه فيذكر الله ويستحضر جلاله ويخشى عقابه فيرجع إلى الحق والهداية لقوله سبحانه:: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ} [الأعراف: 201] .
وفي القرآن الكريم كثير من الأمثلة التي بلغت النفس الإنسانية فيها أعلى درجات الكفاءة في التسامي على الشهوات والتنزه عن الهفوات في رسل الله عليهم السلام ومن سار على دربهم ومن أتباعهم الكرام.
ما رسمه القرآن للوقاية من هذا المرض:
وفضلًا عما أفاض فيه القرآن من تربية النفس على الإيمان والفضائل، فقد وضَّح لنا طريق الوقاية من هذا المرض، بل ومن كل سوء.
وهذا الطريق يتركز على ثلاث شعب، الزواج، الوقاية من الوقوع في الحرام، الردع.
ويجب على من أراد أن يحمي بني البشر من الدمار أن يتبع هذا النهج.
1- الزواج:
فالزواج هو الطريق الإيجابي لمنع الناس من الوقوع في المحرمات التي تجر إلى هذا الوباء وإلى الدمار، فالحكيم سبحانه وهو رب عباده والخبير بما يصلحهم قد أغلق باب الزنا لمضرته، وفتح في مقابل ذلك أبواب الخير على مصاريعها، فخير صارف للناس عن الحرام هو فتح أبواب الحلال، كما رغَّبنا سبحانه في الزواج على الرغم من أنه استجابة للفطرة.
__________
(1) رواه الشيخان، ورقم الحديث بالؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 36.(9/2068)
ودعانا رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم إلى تيسير سبيله، وأعلمنا أن تنكُّب هدي الإسلام في الزواج يؤدي إلى الفساد، ففي الحديث الشريف: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض)) . . . . (1) .
والآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي تحض على الزواج وتبين أحكامه تجل عن الحصر.
2- الوقاية من الوقوع في الحرام
وإن المشرع سبحانه لحكمته ورحمته بعباده قد أغلق الأبواب أو سد الذرائع الموصلة للحرام، وأساس هذه الوقاية هو البعد عن المثيرات وهي:
أ- تحريم النظر، فقد فطرنا الله على أن نتأثر بما نرى ونشاهد، حتى قيل: النظر بريد الزنا، ولذا علمنا الرسول عندما يثار أحد أن يلجأ إلى زوجته، ففي الحديث الشريف: (إن المرأة تقبل في صورة شيطان، فمن وجد من ذلك شيئًا فليأت أهله فإنه يذهب ما في نفسه)) . . . . (2) .. لهذا أمرنا سبحانه بغض البصر {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ} . [النور: 30] .
وفي توجيه الأمر إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ليأمر به المؤمنين ما يشعر بأهمية الأمر وتوكيده، حيث يصبح أمرين، أمرًا من الله، وأمرًا من رسوله الذي كلفنا الله اتباعه والانصياع لأمره.
وقدمت الآية غض البصر على حفظ الفرج، لأن الثاني مترتب على الأول، ثم بينت الآية أن ذلك أطهر للنفوس وأقوم للحياة، لأنه يؤدي إلى الاستقرار والبعد عن المهالك وحفظ الفروج يقتضي سترها وحمياتها من الوقوع في الحرام.
__________
(1) سنن الترمذي وسنن ابن ماجة – نكاح -.
(2) سنن أبي داود – نكاح – 2 / 246، في صورة شيطان، أي يزينها الشيطان في عين الرجل ليثيره.(9/2069)
وذيلت الآية الكريمة بما يردع النفوس، فمن يتلصص أو يحاول اختلاس النظر فإن الله خبير بفعله وسيجزيه عليه ويوضح ذلك قوله تعالى: {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ} [غافر: 19] ، أي يعلم ما يحدث من عبده من نظرة خائنة وما يترتب على ذلك حين ترتسم صورة المرئي في صدر الرائي ثم يتخيل نفسه معها في أوضاع محرمة، والنساء – كذلك – مأمورات بغض البصر {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 31] .
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن النظر في أحاديث متعددة.
ب- وجوب الحجاب، فقد أوجب الله على المرأة – من باب الاحتياط، حتى إذا وجد من لا يمتثل لأمر غض البصر فإنه لا يرى ما يثيره – أن تستر بدنها وألا تظهر زينتها، اللهم إلا ما جرت العادة بظهوره وكان في ستره حرج ومشقة كالوجه والكفين، في قوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور: 31] .
وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن النظر في أحاديث متعددة.
ومما يؤكد أن المرأة منهية عن فعل ما يثيره قوله تعالى في ختام الآية {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور: 31] .
فالآية تنهي المرأة عن أن تضرب برجلها فيظهر صوت خلخالها، لأن ذلك يثير الرجال، ومثله صوت الأساور والتكسر في المشية وما إلى ذلك.
ومن المعلوم أن من شروط لباس المرأة أن يكون سادلًا فضفاضًا لا يشف عما تحته غير براق أو ملفت للنظر.
ج- تحريم الخلوة فلا يجوز شرعًا أن يخلو رجل بامرأة لا تحل له، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم)) . . . . . (1) ..
والحكمة من ذلك فضلًا عن حمايتها من قالة السوء وضحها الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ((لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثهما الشيطان)) . . . . (2) .
د- تحريم الاختلاط والتبرج، فلقد حرم الله اختلاط الرجال والنساء – غير المحارم – ولو بدون خلوة، في قوله تعالى: {وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب: 33] ، وذلك لأن الله تعالى خلق الرجال ميالين إلى النساء مفتونين بهن، مصداقًا لقوله تعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} [آل عمران: 14] ، ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما تركت فتنة أضر على الرجال من النساء)) . . . . (3) .
__________
(1) البخاري ومسلم، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان 850.
(2) أخرجه الترمذي وأحمد في مسنده: 3 /339
(3) البخاري ومسلم، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان: 774(9/2070)
ومما قاله المفسرون في تفسير التبرج: أن النساء كن يتمشين مع الرجال، وكانت المرأة تستر بدنها وشعرها، ولكنها كانت لا تلوي الخمار على عنقها فترى فتحة قميصها، والجاهلية الأولى: المغرقة في الجهالة.
هـ – وجوب الاستئذان عند الدخول في كل وقت للبالغين، لقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور: 27] .
ووجوب استئذان غير البالغين والخدم في ثلاث أوقات هي مظنة عدم اكتمال الستر، في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ} [النور: 58] .
والحكمة من ذلك حفظ الحرمات واستقرار البيوت ومنع الإثارة وحماية الصغار من تفتح أذهانهم على العورات وإثارة غرائزهم ليتربوا على الحياء والفضيلة.
و تحريم المثيرات من الأغاني واللهو والمسلسلات والأفلام التي لا هم لها إلا تهييج الغرائز وإثارة الشهوات، في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ} [لقمان: 6] فقد فسر الصحابة ذلك بأنه الغناء، ولن يضل المرء غيره إلا إذا أصبح إمامًا في الضلال، والشراء مستعار لأن ترك ما يجب فعله، واتباع هذه المنكرات شراء لها.
وهذا كله من فعل الشيطان، لقوله تعالى: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ} [الإسراء: 64] ، أي استزل، أوقعه في الزلل والمعصية، واستخفه وأقطعه عن الحق (القرآن والعلم) إلى الباطل (الغناء والمزامير واللهو) ..
وحذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الأغاني واللهو في قوله: ((من ذهب إلى قينة (مغنية) صب في أذنه الآنك (الرصاص المذاب) يوم القيامة))
ز- تحريم المسكرات، كما حرم سبحانه ما يذهب العقل الذي هو صمام الأمن لدى الإنسان كي يبقى المرء على إنسانيته وثباته فلا يقع في الضار والمحرم، لأن الذي يفقد عقله يقع في أكبر الفواحش، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((الخمر أم الفواحش وأكبر الكبائر ومن شرب الخمر ترك الصلاة ووقع على أمه وخالته)) . . . . (1) .
__________
(1) رواه الطبراني في الكبيرعن ابن عمر.(9/2071)
ورب العزة سبحانه قد نفرنا من الخمر حيث قرنها بنوعين من الشرك بالله، في العبادة: (الأصنام) وفي علم الغيب: (الأزلام) وبين لنا أن الشيطان فيما يزينه لنا من شربها يوقع بيننا العداوة والغضاء ويصرفنا عن ذكر الله فلا نأبه بالوقوع في محرم ولا نؤدي الصلاة وغيرها من الواجبات، يقول عز من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) } [المائدة: 90 – 91] .
3- العقوبة الزاجرة:
فإذا لم يجد التربية، ولا فتح باب الحلال ولا سد أبواب الإثارة، ووقع المرء في السوء فلابد من عقوبة رادعة.
والحكمة من مشروعية العقوبة هي مساعدة المرء على الكف عن المعصية وعدم الوقوع فيها، وذلك لأن النفس إذا دعتها الشهوة إلى ارتكاب المعصية وتذكرت العقوبة المترتبة على ذلك فإن ألم العقوبة سيرجح على لذة المعصية فيقل عن الوقوع في السوء.
وقد قرر الله عز وجل للزنا عقوبة رادعة هي الجلد مائة جلدة لغير المحصن، لقوله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2] ..
وقد نهت الآية الكريمة عن الرأفة بالجاني لمصلحته هو أولًا، لأنه إذا أيقن بالعقاب إن وقع في السوء كف عن السوء واتجه إلى الحلال ولمصلحة المجتمع لحمايته من الدمار.
وأما المحصن وهو من سبق له زواج شرعي، حتى ولو طلق أو ترمل، مسلمًا كان أو ذميمًا فإن حده الرجم حتى الموت، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((خذوا عني خذوا عني قد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة ونفي سنة، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) . . . . (1) .
__________
(1) رواه مسلم – حدود – والحكمة من النفي أو التغريب هو ابتعاد المذنب عن موطن الجريمة وانقطاعه عن الأسباب التي أدت إليها ووحشته وضعفه بانقطاعه عن أهله.(9/2072)
وقد أمر صلى الله عليه وسلم برجم من جاءه من المحصنين معترفًا بجريمة الزنا، كماعز والغامدية، والرجم شرعة قديمة نزلت به التوراة، فعن البراء بن عازب قال: مر على النبي صلى الله عليه وسلم بيهودي محممًا (دهن وجهه بالقار) مجلودًا، فدعاهم، فقال. ((أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم؟)) قالوا: نعم فدعا رجلًا من علمائهم فقال: ((أنشدك بالله الذي أنزل التوراة على موسى أهكذا تجدون حد الزنا في كتابكم)) ؟ فقال: لا، ولولا أنك نشدتني بهذا لم أخبرك بحد الرجم، ولكن كثر في أشرافنا، وكنا إذا أخذنا الشريف تركناه، وإذا أخذنا الضعيف أقمنا عليه الحد، فقالوا تعالوا لنجتمع على شيء نقيمه على الشريف والوضيع، فجعلنا التحميم والجلد مكان الرجم، فقال صلوات الله وسلامه عليه (1) . ((اللهم إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه، وأمر به فرجم))
ورجم الزاني المحصن هو الجزاء العادل، فما أشبهه بالعضو الفاسد الذي يجب بتره لسلامة الجسم، فمن يعرف طريق الحلال ثم ينصرف عنه إلى الحرام ويأبى إلى الإفساد والاعتداء على الأعراض، والعمل على تدمير الناس وإهلاكهم فلابد من تطهير المجتمع منه.
عقوبة اللواط:
لقد شدد الله النكير على من وقعوا في هذه الجريمة النكراء التي ليس لها نظير عند غير بني الإنسان (2) ، حيث جعل عالي قريتهم سافلها وأمطرهم حجارة من نار أعدت لمن يتجاوز الحد ويخرج عن الطريق المستقيم، بقوله سبحانه: {فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ (82) مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ (83) } [هود: 82 –83] . (3)
وإنما أباد الله قوم لوط – لإصرارهم على هذه الجريمة -، لأنهم أشد على النسل من الوباء الفتاك، فلو فشا فعلهم هذا فلسوف يؤدي إلى فناء البرية بانعدام الذرية.
__________
(1) صحيح مسلم – حدود -27، مسند الإمام أحمد: 4 / 286.
(2) لقوله تعالى: {أَتَأْتُونَ الذُّكْرَانَ مِنَ الْعَالَمِينَ} [الشعراء: 165] فإن من معانيها من دون العالمين
(3) نضدت في نزولها حيث جاء بعضها في إثر بعض(9/2073)
وتذييل الآية الثانية يفيد أن ذلك العذاب ليس ببعيد على من يفعل فعلهم فيكون ممن ظلموا أنفسهم بكفرهم وعصيانهم وظلموا أهلهم بهذا العدوان.
والذي يقع في هذه الجريمة النكراء يرى قلة من العلماء أن يقاس حده على الزنا، فيرجم المحصن ويجلد من عداه مائة جلدة.
ولكن جمهور العلماء يرون أنه يقتل مطلقًا، لا فرق بين بكر وثيب، ولا بين كون المفعول به كبيرًا أو صغيرًا، ذكرًا أو امرأة أجنبية (1) ، لأن القياس لا يصح مع وجود النص، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) (2) .
ويجب إقامة حد السكر على متعاطي المخدرات، وأما مروجوها فيقام عليهم حد الحرابة، لأنهم ساعون في الأرض بالفساد.
وقد رفع المنتدون توصية إلى الحكومات والهيئات بوجوب تطبيق حدود الله على المخالفين والعمل على تيسير سبيل الزواج، لأن الوقاية خير من العلاج.
__________
(1) راجع المغنى لابن قدامة: 9 / 61
(2) سنن أبي داود – حدود -: 28 وسنن ابن ماجة – حدود(9/2074)
حكم عزل مريض الإيدز
1- الرأي الطبي:
يعتبر عزل المريض بالمفهوم الصحيح لذلك، أحد الأساسيات في مكافحة الأمراض المعدية بشكل عام، ولكن ما نعنيه بالعزل إنما هو (منع المريض من أن يكون مصدر عدوى للآخرين) . وهذا – كما هو واضح – يختلف باختلاف وسيلة انتقال العدوى، ففي مرض الملاريا مثلًا، يكون العزل بإبعاد المريض عن احتمالات لدغ البعوض له بجعله ينام تحت ناموسية. وفي الأمراض التي تنتقل عن طريق الطعام والشراب كالحمى التيفية (التيفود) والهيضة (الكوليرا) ، يكون العزل بإبعاد مفرزات المريض ولا سيما البراز عن أن تكون مصدرًا لتلوث الأطعمة والأشربة، وذلك بجعل المريض يتبرز في مرحاض خاص، وبتطهير البراز وغسل اليدين بعد التبرز، وفي الأمراض التي تنتقل عدواها عن طريق الجهاز التنفسي كالحمى المخية الشوكي (التهاب السحايا) والتدرن (السل) ، يكون العزل بالحيلولة دون وصول المفرزات التنفسية من المريض إلى السليم، فينام المريض في غرفة وحده، ويتحاشى السعال والعطاس في وجه الآخرين.
إن السلطات الصحية في معظم دول العالم لم تعد تلجأ إلى العزل في معازل خاصة إلا في حالات استثنائية جدًا، عندما لا تتوافر أساسيات الصحة الشخصية في المنزل، وإلا فإن المنزل، بل حتى الغرفة التي يقيم فيها المريض، تفي بأغراض العزل.
وكثيرًا ما يكون العزل لمصلحة المريض، حماية له من أن يعديه الآخرون بأمراض وهو في حالته المنهكة، أو لتقديم رعاية مركزة له.(9/2075)
فما هو مكان العزل في مرض الإيدز؟
إن مرض الإيدز ينتقل أساسًا عن طريق العلاقة الجنسية، فغاية العزل أن يتم عزل إفرازات الجهاز التناسلي في المرأة والمني في الرجل، عن الوصول إلى الغشاء المخاطي التناسلي لشخص غير مصاب بالعدوى. وقد دلت التجارب على أن استعمال الرفال أو العازل الذكري بالصورة المناسبة، يقلل من احتمالات العدوى إلى درجة كبيرة، فالعزل في الإيدز إذن هو عزل العضو التناسلي عن الإفرازات المحتوية على الفيروس بواسطة العازل الذكري.
ولنذكر أن درجة الإعداء أو احتمالات العدوى من جماع واحد لا تتعدى نصفًا بالمائة (أي مرة من كل مائتي مرة) ، إلا إذا كان أحد الطرفين مصابًا بمرض تناسلي آخر، نسبة احتمال العدوى إلى اثنين بالمائة، فإذا كان هنالك مريض بالإيدز متزوج، استخدم العازل الذكري استخدامًا صحيحًا، أي من أول عملية الاتصال الجنسي إلى آخرها، ولم يكن لديه أمراض تناسلية أخرى، فاحتمال انتقال العدوى إلى الزوجة يكاد يكون معدومًا.
أما مدة العزل، فهي طول الحقبة التي يكون فيها المرء معديًا، وهي محدودة في معظم الأمراض، أما في الإيدز فهي العمر كله.
2- الرأي الفقهي:
بناء على قواعد الشرع العامة من الحرص على عدم انتشار المرض بين الأفراد من حديثه صلى الله عليه وسلم: ((لا يوردن ممرض على مصح)) (1) . وحديثه ((إذا سمعتم بالطاعون في أرض فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض وأنتم فيها فلا تخرجوا منها)) . . . . (2) . وحديثه للمجذوم من وفد ثقيف الذي أقبل لمبايعة النبي صلى الله عليه وسلم: ((إنا قد بايعناك فارجع)) . . . . (3) . وما حدث من عمر – رضي الله عنه وقد خرج إلى الشام فسمع بالطاعون بها فاستشار الصحابة وقرر الرجوع وعدم الدخول على الوباء فقال له أبو عبيدة – رضي الله عنه –: أفرارًا من قدر الله؟ فقال عمر: نعم، نعم نفر من قدر الله إلى قدر الله (4) . والمعنى نفر من المرض إلى العافية وكلاهما من قدر الله.
__________
(1) البخاري – طب، باب: لا هامة، ومسلم – طيرة، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان: 1436، وهذا الحديث أقوى الدلائل على الحجر الصحي حتى بين الماشية والأنعام
(2) مسلم – الطاعون – مع اختلاف يسير في الألفاظ
(3) مسلم – اجتناب المجذوم – بشرح النووي: 14 / 228 حتى لا يدخل على الناس ويخالطهم.
(4) صحيح مسلم – كتاب الطاعون – درر: 14 / 210(9/2076)
وبناء على ما قرره الأطباء من أن العدوى بمرض الإيدز لا تنقل بالممارسات العادية كلمس المريض ومخالطته وتقبيله أو الاستعمال المشترك لأدوات الطعام والشراب أو حمامات السباحة ودورات المياه، أو الاجتماع معه في المدارس والمساجد والملاعب.
وبناء على ما أوصى به الشرع وأكدته المنظمات الدولية من وجوب حسن رعاية المريض والسماح بمزاولة أعماله في صورة اعتيادية فإن عزل المصابين بمرض الإيدز من التلاميذ أو العمال أو غيرهم عن زملائهم الأصحاء ليس له ما يسوغه وكل ما هو مطلوب في هذه الحال هو تجنب ما يؤدي إلى العدوى من الأمور التي ثبت انتقال العدوى بها كالمعاشرة الجنسية، واختلاف الدم ونقله من المريض إلى الصحيح وعدم الاستعمال المشترك للمحاقن والإبر ولا الأشياء الملوثة بدم المصاب وفي حالة الزوجين المصاب أحدهما يستعمل الرفال (الواقي الذكري) عند المعاشرة مع النصيحة بالتداوي والصون والعفاف منعًا لتفاقم المشكلة، وقد يكون من الواجب على المنظمة إصدار نداء للمعتمرين والحجاج بأن يكتفى في التحلل من الإحرام بالتقصير ومن أراد الحلق فليستخدم آلة خاصة به حيث إن الاستخدام المشترك للآلات الحادة مثل الأمواس ربما ينتج عنه التلوث بالدم بين الأفراد.
حكم تعمد نقل العدوى بالإيدز
1- الرأي الطبي:
ليس في التشريعات الوضعية العالمية عقوبة لمن يثبت أنه يتعمد إعداء الآخرين بعد أن ثبتت إصابته بالعدوى أو المرض، اللهم إلا في روسيا الاتحادية حيث يتعرض متعمد الإعداء إلى العقوبة والسجن، ويبدو أن ذلك التشريع قد وضع للبغايا بصورة خاصة.
على أنه من المأمول أن تحذو القوانين الوضعية حذو الشريعة الإسلامية التي تحرم ذلك اتباعًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) . . . . مع القاعدة الشرعية الأصولية (الضرر يزال) .(9/2077)
2- الرأي الفقهي:
ثبت طبيًا أن أكثر طرق انتقال عدوى الإيدز انتشارًا هي المعاشرة الجنسية إذ تتسبب في ما يربو على 90 % من حالات العدوى، وأنه ينقل كذلك عن طريق الحقن ونقل الدم أو عن طريق الدم من طمث أو جرح يلوث بدم المصاب، كما يحتمل أيضًا أن يحدث عن طريق حدوث خدوش أو جروح تتلوث بإفرازات المصاب بالعدوى، والتي تحتوي على المسببات، وقد يكون نقل العدوى عمدًا لفرد أو جماعات، وقد يكون خطأ أو بدون قصد، ومن الثابت طبيًا – كذلك – أن الإصابة بهذا المرض تؤدي إلى الوفاة طال الزمن أو قصر لعدم اكتشاف علاج شاف حتى الآن.
وعلى ذلك فإن نقل العدوى كوضع السم في الطعام، وهو آلة للقتل، وقد اقتص صلى الله عليه وسلم من اليهودية التي سممت الشاة، وقدمتها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأمر بقتلها لما توفي من أكل معه من الشاة، وهو بشر بن البراء بن معرور. (1) .
فالقتل بالأسباب الخفية يوجب القصاص كالقتل بالأسباب الظاهرة حتى لا يتخذها الأشرار وسيلة للوصول إلى مآربهم.
وإن نقل العدوى بالإيدز لمن أشنع صور الحرابة والإفساد في الأرض.
وبناء على ما تقدم فإن تعمد نقل العدوى بهذا المرض إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد، عمل محرم شرعًا، ويعد من الموبقات التي أمر الشرع باجتنابها في قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الإسراء: 33] وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) . . . . قالوا يا رسول الله وما هن؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات)) (2) .
ويستوجب هذا العمل العقوبة الدنيوية فضلًا عن العقوبة الأخروية إن لم يتب.
وتتفاوت العقوبة الدنيوية بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع، فإن كان قصد المعتد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع، فعمله هذا يعد نوعًا من الحرابة والإفساد في الأرض، وقد شدد الله النكير على من يفعل ذلك حيث يقول: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] .
__________
(1) سنن أبي داود: 4 /175
(2) رواه الشيخان ورقمه باللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان 56(9/2078)
وقد رأى جماعة من السلف والمالكية أن الإمام مخير في قاطع الطريق بين هذه العقوبات (1) .
ويرى الأحناف أن الآية على التخيير في من قتل وأخذ المال فقط، فالإمام مخير فيه بين قطع اليد والرجل ثم القتل أو قطعهما والصلب أو الصلب فقط (2) .
ورأي فريق ثالث أنها على التنويع (3) لتفاوت الجنايات، والعقل يقتضي أن يكون الجزاء مناسبًا للجناية ويشهد لهذا الرأي ما روي عن أنس رضي الله عنه، من ((أن الرسول صلى الله عليه وسلم سأل جبريل عليه السلام عن القصاص فيمن حارب، فقال: من سرق مالًا وأخاف السبيل فاقطع يده لسرقته ورجله بإخافته، ومن قتل فاقتله، ومن قتل وأخاف السبيل واستحل الفرج والحرام فأصلبه)) (4) .
ومما يؤكد اعتباره كالمحارب ما قاله الإمام مالك (5) . من أن المتستر في ذلك والمعلن بحرابته سواء، والمحتال كالمحارب، وهو الذي يحتال في قتل أو أخذ مال أو هتك عرض وإن لم يشهر السلاح، وقد يكون من المناسب له أن يقتل ويصلب ليتحقق الزجر والردع.
وإن كان قصده إعداء شخص بعينه، وكانت طريقة الإعداء تصيب بهذا المرض غالبًا، وانتقلت العدوى وأدت إلى قتل المنقول إليه يعاقب بالقتل قصاصًا.
وإن تمت العدوى ولم يمت المنقول إليه، عوقب المتعمد بعقوبة تعزيزية مناسبة، وعند حدوث الوفاة يكون من حق الورثة الدية.
وأما إذا كان قصده (من تعمد نقل العدوى) إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى، فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.
وإذا تم نقل العدوى عن طريق الخطأ أو لقلة الاحتياط ومات المنقول إليه فإن ذلك قتل خطأ يستوجب الدية، وإن لم يمت المنقول إليه يعزر المتسبب في العدوى تعزيرًا مناسبًا.
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 6 / 152
(2) أحكام القرآن للجصاص 418؛ والصلب لا يكون إلا مع القتل.
(3) الأم للإمام الشافعي: 6 / 139.
(4) تفسير الطبري: 6 / 216؛ وتفسير ابن كثير:2 / 51
(5) أحكام القرآن لابن العربي: 2 / 596.(9/2079)
وتجب عليه كذلك كفارة لقوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92] . فهي واجبة لغير المحارب حتى ولو كان غير مسلم وإن عجز عن الصيام أطعم ستين مسكينًا قياسًا على كفارة الظهار والفطر العمد في رمضان.
وغني عن البيان أن ذلك لا يسقط عنه حد الجريمة التي ارتكبها في سبيل العدوى إذا كانت زنا أو لواطًا.
ففي حالة الجلد يتم جلده قبل تنفيذ حد نقل العدوى، وفي حالتي الرجم أو الإلقاء من شاهق يتحمل دية من مات بسبب نقل العدوى، وتجب على العاقلة وهم عصبة الجاني وذلك من باب التآزر، ولكي يأخذوا على الجاني فلا يقع في مثل هذا الخطأ.
حقوق الزوج المصاب وواجباته
أ- أثر الزواج في الحماية من هذا المرض.
ب- حكم الزواج من المصاب.
ج- حق المعاشرة بالنسبة للمصابين بهذا المرض.
د- حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة.
أ- أثر الزواج في الحماية من هذا المرض:
لقد أثبتت الإحصاءات أن الممارسات الجنسية غير المشروعة بين أفراد الجنس الواحد أو الجنسين معًا لها الدور الأكبر في انتقال العدوى بفيروس الإيدز خاصة ممارسة الجنس في بيوت الدعارة حيث تكثر العدوى بالأمراض التناسلية الأخرى مما يزيد من خطورة نقل العدوى.(9/2080)
ولهذا يدرك العقلاء حكمة الله تعالى في تحريم الإباحية وقصر قضاء الشهوة على طريق مأمون العواقب، وهو الزواج، واعتبار ذلك طريق المؤمنين الفالحين، والخروج عنه جريمة وتعديًا، حيث يقول سبحانه: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5 – 7]
وقد شدد الله النكير على من يقع في جريمة الزنا حيث جعل حده مائة جلدة إن كان غير محصن كما بينت الآية الكريمة: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: 2]
وإن كان محصنًا، وهو من سبق له زواج شرعي فحده الرجم حتى الموت لقوله صلى الله عليه وسلم عقب نزوله الآية السابقة: ((خذوا عني، فقد جعل الله لهن سبيلًا، البكر بالبكر جلد مائة وتغريب عام، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم)) . . . . (1) .
وشدد النكير كذلك على جريمة اللواط حيث جعل حدها القتل (بالحجارة أو الرمي من شاهق) في قوله صلى الله عليه وسلم: ((من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به)) . . . . (2) .
ويدركون الحكمة كذلك في تسمية الزواج إحصانًا والمتزوج محصنًا في قوله تعالى: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: 24] وقوله: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} [النساء: 25] .
ولذا رغبنا الشرع في الزواج لأنه الطريق الوحيد لإرواء الغرائز وابتغاء النسل وتحقيق كرامة الإنسان، حيث بين لنا الله أن ذلك من سنن المرسلين في قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} [الرعد: 38] . وبينه الرسول صلى الله عليه وسلم في قوله: ((أربع من سنن المرسلين: الحياء، والتعطر والسواك والنكاح)) (3) .
__________
(1) صحيح مسلم – حدود – ورقم الحديث بالمختصر: 1036
(2) سنن أبي داود – حدود -: 28، وسنن ابن ماجة حدود
(3) سنن الإمام أحمد: 5 / 421(9/2081)
وعَدَّ الرسول صلى الله عليه وسلم الزوجة الصالحة خير متاع الدنيا حيث يقول: ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) (1)
ويعتبره صلوات الله وسلامه عليه عبادة يستكمل بها المرء نصف دينه، حيث يقول: ((من رزقه الله امرأة صالحة فقد أعانه على شطر دينه فليتق الله في الشطر الباقي)) . . . . (2) . وذلك لأن الزواج يعف المرء عن الزنا فيغلق بابًا من بابي الذنوب، وهو باب الفرج، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((من وقاه الله شر اثنتين له الجنة، ما بين لحييه (فكيه) وما بين رجليه)) (3) .
وعلى ذلك، فالزواج نعمة من الله تستوجب الشكر، ولذا امتن الله علينا في قوله: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} [الروم: 21] .
ومدح من يسأله من عباده الزوجة والذرية، حيث يقول: {وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ} [الفرقان: 74] .
وقد كلَّف الله الأمة أن تزوج من لا زوج له في قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور: 32] .
وشرع الله عز وجل – على مر العصور – تعدد الزوجات ليكون صمام أمن من الوقوع في المحارم، حيث يقول سبحانه: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [النساء: 3] ، فقد قال العلماء في العلاقة بين فعل الشرط وجوابه في الآية الكريمة يا من تحذرون ظلم اليتامى احذروا الزنا وأمامكم الحلال الطيب من واحدة إلى أربع.
__________
(1) مختصر صحيح مسلم، حديث رقم 897
(2) رواه الطبراني والحاكم
(3) مسند الإمام أحمد: 5 / 362(9/2082)
رعاية المعاشرة الزوجية:
وقد رعى الإسلام المعاشرة الزوجية في أخص خصوصياتها وهو الجماع، حيث بيَّن القرآن الكريم وقته وهو طهر الزوجة من الحيض والنفاس في قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة: 222] .
وبيَّن – كذلك – موضعه، وهو مكان الإنجاب، في قوله تعالى: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ} [البقرة: 223] . وقوله: {مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ} [البقرة: 222] أي في الموضع الذي أمركم الله باجتنابه وقت نزول الدم وهو الفرج.
ولعل حكمه الله في نهيه الرجل عن إتيان زوجته وهي حائض أو نفساء، وعن إتيانها في الدبر تتجلى الآن في ضوء ما عرف من أثر الدم الطمث واللواط في انتشار عدوى الإيدز.
كما اعتبر الشرع إحصان الزوج لزوجته عبادة يتقرب بها إلى ربه، حيث جاء في الحديث ((وفي بُضْع أحدكم صدقة)) قالوا يا رسول الله، أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ فقال: ((أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه فيها وزر؟)) قالوا: نعم. قال ((فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له الأجر)) (1) .
وهذا حق للزوجة لا يجوز أن يشغل عنه المرء بكثرة الصيام والقيام، فقد قال صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن عمرو بن العاص: ((يا عبد الله، ألم أخبر أنك تصوم النهار وتقوم الليل)) . . . . فقلت: بلى يا رسول الله، قال: ((فلا تفعل، صم وافطر، وقم ونم، فإن لجسدك عليك حقًا، وإن لعينك عليك حقًا وإن لزوجك عليك حقًا)) . . . . (2) .
حكم زواج حاملي فيروس الإيدز:
إذا كان الزواج أعظم وسيلة للوقاية من انتشار العدوى بمرض الإيدز فيجب ألا يكون سببًا في نقله وانتشاره.
ولا يجوز أبدًا لمن يعلم أنه مصاب بمرض الإيدز أن يقدم على الزواج من إنسان سليم بدون إعلامه بذلك لأن في ذلك إضرارًا به وقد نهانا صلى الله عليه وسلم عن إضرار الآخرين حيث يقول: ((لا ضرر ولا ضرار)) . . . . (3) . ولأن في إخفاء ذلك تدليسًا وغشًا، وقد نفر صلى الله عليه وسلم من الغش لأنه يخرج عن حوزة الإسلام ففي الحديث الشريف: ((من غش فليس مني)) (4) .
وإذا أخفى المريض بالإيدز على زوجه ذلك وتم الزواج وانتقلت العدوى فهو متعمد العدوى.
__________
(1) مسند الإمام أحمد: 5 / 167
(2) رواه الشيخان، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان: 715
(3) أخرجه أحمد وابن ماجة عن ابن عباس
(4) صحيح مسلم – بيوع – ورقم الحديث بالمختصر 947(9/2083)
وجوب الفحص على الزوجين:
وقد يكون من الواجب في ظل هذا الخطر الداهم أن يفرض على كلا الزوجين إجراء فحص للتأكد من خلوهما من مرض الإيدز، ولكل منهما طلبه من الطرف الآخر.
وللحكومة أن تعتبره من مسوغات إبرام العقد من باب حماية أفرادها، لأننا نحكم بالتفريق لوجوده بأحد الزوجين بعد العقد.
وهل يجوز للمصابين الزواج؟:
يجوز زواجهما سواء امتنعًا عن الإنجاب عن طريق العزل أو الرفال، أو لم يمتنعا.
أما في حالة إصابة المرأة فإن انتقال العدوى إلى الجنين يحدث في نسبة ليست قليلة ويجب لهذا الاحتراز من الحمل.
حق المعاشرة بالنسبة للمصابين بهذا المرض:
من المعلوم شرعًا أن الجماع من مقومات الحياة الزوجية، وأنه حق لكلا الزوجين على سواء، وأن انعدامه بدون عذر مخالفة شرعية قد وضع الإسلام لها حدا، ففي حالة امتناع الزوجة من تمكين زوجها من وطئها – بدون عذر شرعي – تعتبر ناشزًا، وعلى الزوج أن يحاول إصلاحها بواسطة حكمين فإن لم يجد ذلك سقطت نفقتها، وحق له أن يطلق أو يرفع الأمر إلى القاضي ليحكم بالتفريق، وفي كلتا الحالتين تحرم الزوجة من حقوق المطلقة من المتعة والنفقة هذا فضلًا عما ينالها من عقاب الله لامتناعها عن تمكين الزوج من حق من حقوقه الشرعية، فقد قال صلى الله عليه وسلم: ((ولا تؤدي المرأة حق الله عزَّ وجل عليها كله حتى تؤدي حق زوجها عليها كله، حتى لو سألها نفسها وهي على ظهر قتب لأعطته إياه)) (1) .
__________
(1) مسند الإمام أحمد: 4 / 381؛ والقتب الرحل الصغير على قدر سنام البعير(9/2084)
وفي حالة امتناع الزوج عن وطء زوجته – بدون عذر شرعي – فإنه يعد موليًا (1) ، وقد وضع الله عز وجل حدًا لذلك بأن نمهل هذا الزوج مدة أربعة أشهر فإن فاء أي رجع إلى الصواب وجامع زوجته على أن لن يعود لمثلها فإن الله يغفر له ما كان منه من تقصير، وإن أصر على امتناعه إلى أن انقضت الأربعة أشهر طلقت منه زوجته – إن أصرت على شكواها – وأخذت جميع حقوقها من مؤخر صداق ومتعة (2) ،يقول سبحانه: {لِّلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فَآؤُوا فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاَقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 226 – 227) .
وفي حالة امتناع الوطء لوجود عيب في أحد الزوجين، فإن القاضي يفرق بينهما أو يحكم بالتطليق إذا كان العيب مستحكمًا لا برء منه، أو يمهلهما فترة ابتغاء صلاح الحال إذا كان العيب غير مستحكم، وفي حالة عدم تحقق الصلاح يحكم بالتفريق أو التطليق (3) .
وبناء على ذلك، فإذا كان أحد الزوجين مصابًا بالإيدز، فإن لغير المصاب منهما أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية لما ثبت طبيًا من أن الاتصال الجنسي هو الطريق الرئيسي لنقل العدوى.
أما إذا رضي الزوج بالمعاشرة الجنسية، فإن الاحتياط يستوجب استعمال العازل الذكري الذي يقلل من احتمالات العدوى والحمل إذا أحسن استعماله.
بالنسبة للزوجين المصابين يمكن أن يجامع كل منهما الآخر ويستحسن أن يكون ذلك باستخدام العوازل الذكرية أو الأنثوية لمنع تكرار نقل العدوى بينهما خاصة وأن الفيروس قد تتغير نوعيته داخل جسم المصاب بالعدوى كما أن تكرار العدوى تسبب سرعة تطور العدوى إلى المرض.
حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة
1- الرأي الطبي:
إن احتمالات انتقال العدوى من الزوج المريض إلى الزوج السليم واردة، ولا سيما إذا كان المريض يرفض استعمال العازل الذكري، واحتمالات انتقال المرض من الذكر إلى الأنثى أكبر بكثير من احتمالات انتقاله من الأنثى إلى الذكر، لأن المني يحتوي على كمية كبيرة من الفيروس، ويستقر مدة طويلة على الغشاء المخاطي للمرأة، فاحتمالات عدوى الزوجة السليمة من زوج مصاب احتمالات كبيرة، مع احتمال أن يولد أطفال مصابون أيضًا.
__________
(1) المولي: هو الحالف ألا يقرب زوجه، وقد أطلق العلماء ذلك أيضًا على من يمتنع عن جماع زوجته ولو بدون يمين
(2) المتعة قدر من المال يدفع للمطلقة تطييبًا لخاطرها، لقوله تعالى:. {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ} [البقرة:241]
(3) التفريق إذا كان العيب من جهة الزوجة ولا تأخذ حينئذ حقوق المطلقة، بل ربما طالبها الزوج بما دفعه إذا كانت قد دلست عليه، والتطليق إذا كان العيب من جهته وتأخذ حقوقها كاملة(9/2085)
يضاف إلى ذلك أمران اثنان: أولهما: أن من شروط استمرار الزواج قدرة الزوج على الجماع، وهذه قدرة منقوصة في حال إصابته بالإيدز، نظرًا لضرورة استعمال الرفال في كل مرة منذ بداية العملية الجنسية إلى نهايتها, وإذا كان العزل عن المرأة جائزًا إذا أذنت، فإن عدم إذنها قد يؤلف مدخلًا لتسويغ طلب الطلاق.
والأمر الثاني: أن الإنجاب مقصد أساسي من مقاصد الزواج، وواضح أن العزل عن الزوجة بالشروط المطلوبة للوقاية من الإيدز يجعل احتمال الإنجاب أقرب إلى العدم، وقد يكون ذلك مدخلًا آخر لتسويغ طلب الطلاق.
لقد وضع ابن القيم (1) . رحمه الله – ضابطًا للعيوب التي يجوز الفسخ بها، فقال: والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار أي في العقد قياسًا على البيع بل هو أولى.
وقد عزا إلى ابن شهاب الزهري، وذكر عنه أنه قال: (يرد النكاح من كل داء عضال) وعزا كذلك إلى القاضي شريح الذي قال عن عقد الزواج: إن كان دلس لك بعيب لم يجز.
وذكر ابن القيم كذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه أمر رجلًا عقيمًا تزوج امرأة من غير أن يخبرها، أن يخبرها بعقمه ثم يخيرها.
وحكمه رضي الله عنه على الزوج بإخبار زوجته وتخييرها، لأن الغرض الأسمى للزواج هو الإنجاب، وهو مطلب لكلًا الزوجين على سواء، وعدم الإنجاب مناف للسكن والرحمة والمودة وعلى ذلك سارت قوانين الأحوال الشخصية في كثير من البلدان الإسلامية.
ويستوي في ذلك أن يكون العيب موجودًا قبل العقد أو وجد بعده ولم يرض به الطرف الآخر.
وهذا ينطبق اليوم على مرض الإيدز، بل إن مرض الإيدز أشد لما يؤدي إليه من هلاك بسبب العدوى، وتشير جميع التقارير الدولية والعالمية على خطورة الإيدز وما يمكن أن ينتج عنه من آثار مدمرة على حياة الإنسان وبقائه على سطح هذه البسيطة.
__________
(1) زاد المعاد: 4 / 30، 31(9/2086)
حق طلب التفريق أو الطلاق للزوج السليم
وبناء على ما تقدم، فإنه يحق لكلا الزوجين طلب الفرقة من الزوج المصاب بمرض الإيدز باعتبار أنه مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي، ويستوي في ذلك أن يكون موجودًا قبل العقد أم جدَّ بعده.
ويكون تفريقًا إذا كانت الزوجة هي المصابة فلن يكون لها حقوق المطلقة، بل له أن يرجع عليها أو على وليها بالمطالبة بما دفع – إن لم يكن قد دخل بها -، وبعوض المهر إن كان قد دخل.
ويكون طلاقًا إذا كان الزوج هو المصاب فتأخذ الزوجة مؤخر الصداق ومتعة المطلقة.
ويضاف إلى ذلك أن المدلس منهما الذي كان يعلم بالمرض ولم يخبر الطرف الآخر يدخل تحت طائلة عقوبة ناقل العدوى التي سبق الحديث عنها.
حكم إجهاض الحامل في ظل مرض الإيدز
1- الرأي الطبي:
لم يتمكن العلماء حتى الآن من معرفة إصابة الجنين وهو داخل الرحم سواء في الأشهر الأربعة الأولى أو في ما بعدها، وقد ذكرنا أن نسبة انتقال العدوى إلى الجنين في أثناء الحمل نسبة ضئيلة لا تتجاوز عشرة بالمائة، ويعتقد أن هذه النسبة لا تحدث إلا في الأشهر الأخيرة من الحمل، لكن إذا توصل العلم إلى تشخيص إصابة الجنين مبكرًا، فقد يكون هناك مسوغ لإجهاض الجنين في الفترة التي يسمح فيها الشرع بالإجهاض، وذلك في ضوء ما نعلمه من أنه لا يوجد علاج لهذا المرض حتى الآن، على أن هذا الحكم لا بد من أن يتغير إذا ظهر علاج للإيدز.
على أنه قد ينصح بالإجهاض لمصلحة الأم، فقد ذكرنا أن الحمل هو من جملة العوامل التي تقصر مرحلة كمون المرض وتسرع ظهوره. فالمرأة تسوء حالتها وتتدهور صحتها أثناء الحمل، ولعل في هذا مسوغًا أكبر لإجراء الإجهاض حرصًا على الأصل.(9/2087)
2- الرأي الفقهي:
قيمة الأولاد:
إن للأولاد قيمة عظمى في نفوس الناس، فهم شطر زينة الحياة الدنيا، مصداقًا لقوله تعالى: {الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} [الكهف: 46] .
ولذا يمن سبحانه وتعالى علينا بهذه النعمة في قوله: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} [النحل: 72] .
وقد حضنا الشرع على الإنجاب، وأمرنا باحترام الجنين، لأنه أصل الإنسان، ومن أمارات هذا الاحترام.
فطر الحامل في رمضان إن خافت على جنينها، وتأخير تنفيذ الحد أو القصاص من أجله، وحرمة العدوان عليه حتى ولو كان جنين سفاح.
وعقاب من يعتدي على الجنين فيسقطه أن يدفع ديته إن نزل حيًا، عن مدة يعيش مثله فيها ثم مات متأثرًا بالجناية.
ووجوب الغرة وهي قيمة عشر دية أمة – ثم الكفارة – التي هي بمثابة اعتذار للمجتمع لوقوع الجناية على أفراده، وتعويض لأهل الجنين عن تلكم الخسارة وهي عتق رقبة مؤمنة فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين، فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا، فقد روي (1) . عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه استشار الناس في إملاص المرأة، فقال المغيرة بن شعبة: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بغرة: عبد أو أمة. قال: لتأتين بمن يشهد معك، فشهد له محمد بن مسلمة – رضي الله عنهما -.
ولقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء: 92] (2) .
__________
(1) المغني لابن قدامة: 8 / 408، والإملاص: ضرب المرأة في بطنها فتلقي جنينها.
(2) وقيست حالة العجز عن الصيام بحالة كفارة الفطر العمد في رمضان، وكفارة الظهار(9/2088)
أقوال الفقهاء في إسقاط الجنين
مجمل أقوال الفقهاء في هذا الأمر ما يلي:
1-عندما تتعرض الأم للخطر بسبب الحمل نسقط الجنين مهما مضى عليه من وقت الحمل.
2-وفي حالة عدم تعرض الأم للخطر، فهم مجمعون على حرمة العدوان عليه إذا مضى على بدء الحمل مائة وعشرون يومًا، لتمام خلقه ونفخ الروح فيه، لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا – نطفة – ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكن مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقة وأجله وعمله، وشقي أم سعيد ….)) (1) وهي الأطوار التي تشير إليها هذه الآيات الكريمة: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِّنْ طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [المؤمنون: 12 –14] .
3 –يرى الحنابلة خطر العدوان على الجنين عندما يبدأ في التخلق، وقد علم أن الحد الزمني لذلك هو بعد أربعين يومًا، فإذا تجاوز الحمل أربعين يومًا حرم الإسقاط (2) .
4-حرمة إسقاطه بمجرد العلوق، والقائلون بذلك:
أ- الإمام الغزالي:
حيث قال (3) . في الفرق بين العزل وبين الإجهاض أو الوأد أنهما جناية على موجود حاصل، لأن الوجود له مراتب، أولها أن تقع النطفة في الرحم وتستعد لقبول الحياة، فإفساد ذلك جناية، فإذا صارت مضغة وعلقة كانت الجناية أفحش، وإن نفخ فيه الروح ازدادت الجناية تفاحشًا.
ثم يؤكد كلامه بالتفريق بين العزل وبين الإجهاض، بأن العزل شبيه بنقض العقد قبل الإيجاب، لأن ماء المرأة ركن في الانعقاد، فيجري الماءان مجرى الإيجاب والقبول في العقود، فمن أوجب ثم رجع قبل القبول لا يكون جانيًا على العقد بالنقض والفسخ، ولكن الرجوع بعد القبول يعد نقضًا للعقد وفسخًا له.
__________
(1) رواه الشيخان، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان 1295
(2) رواه الشيخان، ورقم الحديث باللؤلؤ والمرجان 76، نقلًا عن إحياء علوم الدين
(3) تحديد النسل للسيوطي نقلًا عن القوانين الفقهية لابن جزي 235(9/2089)
ب- بعض الأحناف:
ففي حاشية ابن عابدين (1) . أنه قد جاء في كراهة الخانية: ولا أقول بحل الإسقاط قبل التخلق، لأن المحرم لو كسر بيض الصيد ضمنه، لأنه أصل الصيد، وكذلك النطفة بعد العلوق أصل الإنسان، لأن الماء بعد وقوعه في الرحم مآله الحياة كما في بيض صيد الحرم، ويقول ابن وهبان من فقهاء الأحناف: إباحة الإسقاط قبل التخلق المروي عن بعض الأحناف محمولة على حالة العذر أو أنها لا تؤثم إثم القتل.
ج- المالكية:
حيث قالوا: لا يجوز إخراج المني المتكون في الرحم ولو قبل الأربعين يومًا (2) .
وجاء في القوانين الفقهية لابن جزي: وإذا قبض الرحم المني لم يجز التعرض له، وأشد من ذلك إذا تخلق، وأشد من ذلك إذا نفخ فيه الروح، فإنه قتل للنفس إجماعًا (3) .
فعلماء الشريعة – إذا – يرون ما يراه الأطباء من أن مادة التلقيح فيها حيوية يقدرها الفقهاء ويعتدون بها، وذلك حين حكموا بالضمان على كاسر بيض الصيد في الحرم، لأنه أصل الصيد، وقد قاسوا على ذلك الحيوان المنوي بعد تلقيحه ببويضة الزوجة واستقرارهما في الرحم.
ويطلق البعض على هذه الحياة؛ الحياة الحيوانية، أما الحياة التي تكون بعد تمام أربعة أشهر على بدء الحمل، فهي الحياة الإنسانية، التي عبر عنها الله بالخلق الآخر، وعبر عنها الرسول بنفخ الروح.
__________
(1) 3 / 176 والخانية اسم كتاب للأحناف، يعني في باب الكراهة من هذا الكتاب
(2) تحديد النسل 83، نقلًا عن حاشية الدسوقي: 2 /237
(3) تحديد النسل، 83 نقلًا عن القوانين الفقهية 235.(9/2090)
وهناك سؤالان مطروحان:
السؤال الأول: هل يجوز إسقاط الجنين المصاب بالإيدز؟
بعد الاستنارة برأي أهل الاختصاص الذين يقولون: إن احتمالات انتقال العدوى من الأم المصابة إلى الجنين واردة وأن أغلبها حدث حول وقت الولادة، وحيث إنه حتى الآن لم يتمكن العلماء من معرفة إصابة الجنين وهو في الرحم قبل تمام مائة وعشرين يومًا على بدء حمله أو بعدها فما الحكم في ضوء عدم وجود علاج لمريض الإيدز حتى الآن؟
والجواب: إن إسقاطه قبل 120 يومًا من بدء حمله حرام على الرأي الأحوط، لأن النطفة حية ترزق، وهي أصل الإنسان فالعدوان عليها عدوان عليه كما هو الحال في العدوان على بيض الصيد في الحرم أو للمحرم، وفي رأي آخر يكره كراهة تحريمية.
وفي حالة التأكد من إصابته بعد تمام مائة وعشرين يومًا على بدء حمله، فلا يجوز إسقاطه، شأنه في ذلك شأن الجنين المشوه الذي لا يجوز إسقاطه، وشأن مريض الإيدز الذي لا يجوز أن نمتنع عن علاجه، فضلًا عن أن نميته.
السؤال الثاني: هل يجوز إسقاط الجنين من أجل المصابة بالإيدز؟
والجواب: إذا كان وجوده سيعرض الأم للهلاك فإننا نضحي به لأن حياته مظنونة وحياة أمه متيقنة والتضحية بالمظنون من أجل المتيقن أمر واجب.
وأما إذا لم تتعرض الأم للخطر، ولكن الحمل سيقصر فترة كمون المرض فلا يجوز التعرض له لسببين:
الأول: أنه يمكن التغلب على ذلك بحسن الرعاية الصحية للأم.
الثاني: أن ظهور المرض مبكرًا لا دخل له في قصر الأجل، لأنه محدد عند الله لعموم قوله تعالى: {إِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ فَلَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ} [يونس: 49] .(9/2091)
حكم حضانة الأم المصابة لوليدها السليم وإرضاعه
1- الرأي الطبي:
ذكرنا أن انتقال فيروس الإيدز بلبن الأم لم يذكر إلا في حالات محدودة جدًا في العالم كله حتى الآن.
ومع ذلك فإن الرأي السائد في المجتمعات التي يمكن أن يوجد فيها للرضيع ظئر، أو يتوافر له من بدائل لبن الأم ما يحقق له معظم المزايا الغذائية التي يزوده بها لبن الأم، عدم إرضاع الطفل من الأم المصابة بالعدوى، أما في غير هذه الظروف فإن من مصلحة الطفل إرضاعه من أمه، حيث إن الضرر المحتمل من ذلك أقل كثيرًا من احتمال تعرضه للعدوى بالأمراض المختلفة نتيجة عدم توافر بدائل للبن الأم.
أما إذا ثبت أن الطفل مصاب بالإيدز كذلك، فلا حرج من إرضاعه من أمه ابتداء.
ولم يثبت انتقال العدوى في العائلات، حتى ولو لم تتخذ احتياطات إضافية، إلا بين الزوج والزوجة، فإذا راعت الأم الأساسيات البسيطة لنقل العدوى، فلن تكون مصدر خطر على طفلها، ومن هذه الأساسيات أن لا تلامس أغشيته المخاطية إذا أصيبت بجرح أو تلوثت بدم حيضها.
وإلا فإن حضانة الأم للطفل لها مميزات عديدة من حيث التطور النفسي والنشأة الطبيعية للطفل، وهي مميزات لا يجوز أن يضحى بها من أجل احتمال عدوى يكاد يكون معدومًا.
2- الرأي الفقهي:
إن مما اشترطه الفقهاء في الحاضن سلامتها من الأمراض المعدية التي تنتقل عن طريق التنفس أو اللمس أو المخالطة واستخدام الحاجيات.
ولقد قال أهل الاختصاص: إن العدوى بالإيدز لا تنتقل عن طريق مثل هذه الممارسات وإنه لم يثبت انتقال العدوى في العائلات – حتى ولو لم تتخذ احتياطات إضافية – إلا بالمعاشرة الجنسية.
فإذا راعت الأم الأساسيات البسيطة لعدم نقل العدوى فلن تكون مصدر خطر على محضونها.(9/2092)
ومن هذه الأساسيات، ألا تلامس أغشيته المخاطية إذا أصيبت بجرح أو تلوثت يدها بدم حيضها.
وبناء على ذلك فلا يجوز أن تحرم الحاضنة من حقها، ونحرم المحضون من رعاية من هي أفضل له من غيرها.
وأما إرضاع الأم المصابة بهذا المرض وليدها السليم، فقد ذكر أهل الاختصاص بأن هناك حالات معدودة في العالم كله يعتقد أن العدوى فيها قد انتقلت عن طريق لبن المرضع، وحيث إن فيروس الإيدز يوجد بلبن الأم في نسبة ضئيلة من الحالات كما هو الحال في إفرازات البدن الأخرى من اللعاب والعرق والبول، ولكن يظن أن حدوث تشققات في حلمة الثدي مما يتسبب عنه خروج دم مع اللبن واحتمال عدوى الرضيع.
وبناء على ذلك، فلا يجوز حرمان الرضيع والمرضع من حقهما وتفويت المؤكد من مصلحتهما البدنية والنفسية لمجرد احتمال ضئيل لضرر يمكن الاحتراز من وقوعه إذا حرصت المرضع على تنفيذ وصاية الأطباء بأن تتجنب الإرضاع المباشر عند وجود تشققات بحلمة الثدي مع ملاحظة ما سبق بالنسبة للحضانة.
ويضاف إلى ذلك العمل بوصاية الشرع بأن نعامل مريض الإيدز معاملة عادية كي نهون عليه مصابه وبذلك أيضًا أوصت المنظمات الدولية.
حكم اعتبار مرض الإيدز مرض الموت
1- الرأي الطبي:
إن حياة المريض بالإيدز قد تطول عشر سنوات أو أكثر. صحيح إن نهايته – بحسب معارف اليوم – محتومة وهي الموت، إلا أنه كالمصاب بالسرطان يمكن أن يعيش سنين عددًا.
ومن أجل ذلك لا ينبغي- في نظرنا – الحكم على تصرفاته على أنها تصرفات مريض مرض الموت، اللهم إلا في مراحله النهائية.
على أن مريض الإيدز قد يصاب في بعض مراحل المرض ببعض الاضطرابات العصبية، وأكثرها شيوعًا هو الاعتلال الدماغي المصاحب للإيدز الذي يتصف بتغيرات سلوكية مترقية مصحوبة بالخرف. ويحدث (خرف الإيدز) هذا عادة فيما يقرب من ثلث مرضى الإيدز في مراحل متأخرة من المرض، وحكمه إذا حصل حكم الخرف.(9/2093)
2- الرأي الفقهي:
يعرف جمهور الفقهاء مرض الموت بأنه المرض المخوف الذي يتصل بالموت، ولو لم يكن الموت بسببه (1) ، فهم يشترطون لتحققه أمرين:
أحدهما: أن يكون مخوفًا، أي غلب الهلاك منه عادة أو يكثر.
فقد جاء بالفتاوى الهندية: وحد مرض الموت تكلموا فيه، والمختار للفتوى أنه إن كان يغلب منه الموت كان مرض موت، سواء أكان صاحب فراش أم لا (2) .
وقال النووي: المرض المخوف هو الذي يخاف منه الموت لكثرة من يموت به (3) .
ومن الضروري في زماننا هذا مع تقدم علم الطب أن يرجع إلى الأطباء والخبراء في طبيعة الأمراض لمعرفة كون المرض مخوفًا أو غير مخوف، على أن يكونوا عدولًا، لأن قولهم فيه من قبيل الشهادة على أموال المسلمين وحقوقهم.
وإنما اشترط الفقهاء اجتماع هذين الوضعين لتحقق مرض الموت، لأن وجود هاتين العلاقتين يدل على أن المريض في حالة نفسية يستشعر دنو أجله، مما قد يبعثه على إبرام تصرفات قد تضر بحقوق دائنيه وورثته.
وهذا هو السبب في تقييد الشارع لتصرفاته التي تمس حقوقهما، وجعله أحكامًا خاصة لتلك التصرفات بحسب نوعها، وما ينتج عنه من آثار.
التكييف الفقهي لمرض الموت:
يرى الأحناف في تكييف هذا المرض أنه أحد العوارض التي تطرأ على الأهلية، فتسبب تقييد تصرفات المريض بما لا يضر بحقوق الآخرين مع بقاء أهليته بالنسبة لحقوق الله أو حقوق العباد.
ونظرًا لكون مرض الموت سببًا لتعلق حق الوارث والغريم بالمال، كان من أسباب حجر المريض عن التبرعات بالقدر الذي يحفظ حق الوارث والغريم.
وبناء على ما تقدم، وعلى ما عرف طبيًا عن مرض الإيدز بأن العدوى به في الجسم تمر بمراحل، من أهمها مرحلة الكمون، وهي من فترة دخول الفيروس في الجسم إلى أن تظهر أعراض المرض المميزة له، وتستغرق هذه المرحلة فترة قد تمتد إلى عدة سنوات يكون فيها المصاب بالعدوى عاديًا في تصرفاته، وفي المراحل المتأخرة من العدوى يحدث في ما يقرب من ثلث المرض تغيرات سلوكية مصحوبة بالخرف.
ولهذا فإن مرض الإيدز لا يعد مرض موت شرعًا إلا إذا اكتملت أعراضه وأدى بالمريض إلى الخرف أو أقعده عن ممارسة الحياة اليومية واتصل بالموت.
__________
(1) الأم للشافعي: 4 / 35؛ مغني المحتاج: 3 / 50
(2) 40 / 176
(3) تحرير ألفاظ التنبيه 241(9/2094)
بسم الله الرحمن الرحيم
توصيات
الندوة الفقهية الطبية السادسة
رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز
المنعقدة في الكويت
خلال الفترة من 23 – 25 جمادى الآخرة 1414 هـ
الموافق 6- 8 ديسمبر 1993
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية لتحمد الله جلت قدرته على فضله ونعمته أن استأنفت نشاطها في مجالاتها المختلفة، وآداء الرسالة الملقاة على عاتقها، والنهوض بما يستوجبه نظامها الأساسي، وذلك إثر توقف قهري بسبب الاحتلال العراقي وما لحق مقر المنظمة من تخريب وتدمير وإتلاف على يد قوات الاحتلال العراقي الغادر.
وإن المنظمة ما كانت لتواصل مسيرتها لولا عون من الله ثم الدعم المستمر والتأييد المتصل الذي تلقاه من لدن حضرة صاحب السمو أمير دولة الكويت وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء والحكومة الرشيدة بدولة الكويت ووزارة الصحة ممثلة بوزيرها والمسؤولين فيها.
وبحمد الله وحسن توفيقه بدأت المنظمة أولى خطواتها بعد تحرير دولة الكويت حيث تم انعقاد (الندوة الفقهية الطبية السادسة) وموضوعها:
رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز
بالتعاون مع وزارة الصحة بدولة الكويت – مجمع الفقه الإسلامي بجدة – والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية في الفترة من 23 – 25 جمادى الآخرة 1414 من الهجرة التي توافقها 6 – 8 ديسمبر 1993 للميلاد، وذلك تحت رعاية صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت.(9/2095)
وقد شارك في أعمال الندوة ما يربو على 130 شخصًا من الفقهاء والأطباء والعلماء الذين قدموا من أكثر من ثلاث وعشرين دولة.
عقد حفل الافتتاح بقاعة الاجتماعات الكبرى بمقر المنظمة بمركز المرزوق للطب الإسلامي شهده عدد كبير من المسؤولين في الدولة والسفراء وجمع غفير من المهتمين بالأمور الفقهية والشئون الطبية، وقد استهل الحفل بتلاوة من القرآن الكريم أعقبها كلمة مندوب صاحب السمو أمير البلاد راعي الحفل والتي ألقاها سعادة وزير الصحة بدولة الكويت الدكتور عبد الوهاب سليمان الفوزان ثم كلمة للأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة تلتها كلمة منظمة الصحة العالمية ألقاها الدكتور محمد هيثم الخياط، وكان ختام الحفل كلمة رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية سعادة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي.
وقد تشرف أعضاء مجلس أمناء المنظمة وعدد من المشاركين في الندوة بمقابلة حضرة صاحب السمو أمير البلاد ومقابلة سمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، وقد ألقى عدد من المشاركين كلمات أمام حضرة صاحب السمو واشادوا بإنجازات المنطقة في السنوات السابقة وأشادوا بدعم سموه وسمو ولي العهد وتعاون وزارة الصحة في تعزيز أعمالها ثم استمعوا إلى توجيهات وإرشادات سمو الأمير وسمو ولي العهد.
ثم بعد ذلك واصلت الندوة أعمالها في فندق ميريديان، وكانت ذات شقين:
أولًا: الجوانب الطبية لمرض الإيدز من حيث أسبابه وطرق انتقاله وخطورته.(9/2096)
ثانيًا – الجوانب الفقهية وتشتمل على:
1-حكم عزل مريض الإيدز.
2-حكم تعمد نقل العدوى.
3-حقوق الزوج المصاب وواجباته.
أ- حكم إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز
ب- جواز حضانة الأم المصابة بالإيدز لوليدها السليم وإرضاعه.
ج- حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز.
د – حق المعاشرة الزوجية.
4-اعتبار مرض الإيدز مرض الموت.
وعلى مدى ثلاثة أيام استغرقتها الندوة في الأبحاث والمناقشات انتهت في جلستها الختامية التي عقدت في مركز الطب الإسلامي إلى الآراء والتوصيات التالية:
أولًا – عزل المريض:
تؤكد المعلومات الطبية المتوافرة حاليًا أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري (الإيدز) لا تحدث عن طريق المعايشة أو الملامسة أو التنفس أو الحشرات أو الاشتراك في الأكل أو الشراب أوالمراحيض أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام أو غير ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية، وإنما تنتقل العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:
1-الاتصال الجنسي بأي شكل كان.
2-نقل الدم الملوث أو مشتقاته.
3-استعمال المحاقن الملوثة، ولا سيما بين متعاطي المخدرات.
4-الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها.
بناء على ما تقدم فإن عزل المصابين من التلاميذ أو العاملين أوغيرهم عن زملائهم الأصحاء ليس له ما يسوغه.(9/2097)
ثانيًا - تعمد نقل العدوى:
تعمد نقل العدوى بمرض الإيدز إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد عمل محرم ويعد من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.
فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع فعمله هذا يعد نوعًا من الحرابة والإفساد في الأرض ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة. {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33]
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وكانت طريقة الإعداء تصيب به غالبًا انتقلت العدوى وأدت إلى قتل المنقول إليه يعاقب بالقتل قصاصًا.
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وتمت العدوى ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة وعند حدوث الوفاة يكون من حق الورثة الدية.
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.
ثالثًا: إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز:
كانت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية قد عقدت ندوة حول الإنجاب في ضوء الإسلام، وتوصلت في موضوع حكم الإجهاض إلى ما يلي:
- أن الجنين حي من بداية الحمل، وأن حياته محترمة في كافة أدوارها، خاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز العدوان عليها بالإسقاط إلا للضرورة الطبية القصوى، وخالف بعض المشاركين فرأى جوازه قبل تمام الأربعين يومًا وخاصة عند وجود الأعذار.
وترى الندوة أن هذا الحكم ينطبق على الأم الحامل المصابة بعدوى الإيدز.(9/2098)
رابعًا – حضانة الأم المصابة بالإيدز لوليدها السليم وإرضاعه:
أ- لما كانت المعطيات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى الإيدز لوليدها السليم، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية فترى الندوة أنه لا مانع شرعًا من أن تقوم الأم بحضانته.
ب- لما كان احتمال عدوى الطفل السليم من أمه المصابة بعدوى الإيدز أثناء الرضاعة نادرًا جدًا، وإن كان ذلك واردًا بسبب ما يحتويه لبن الأم من فيروس أو ما يتسرب إلى فم الرضيع من دم الأم بسبب تشقق الحلمة، فللأم أن ترضع طفلها لما في الإرضاع من المزايا العديدة، وعليها أن تتخذ من الوسائل ما يخفف احتمال عدوى رضيعها، ويجوز لها أن تمتنع من إرضاعه إذا أمكن أن توجد للرضيع مرضعة ترضعه، أو أن تتوافر له من بدائل لبن الأم تغذية كافية.
خامسًا – حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز:
ترى الندوة أن لكل من الزوجين طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز باعتبار أن الإيدز مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.
سادسًا – حق المعاشرة الزوجية:
إذا كان أحد الزوجين مصابًا بالإيدز، فإن لغير المصاب منهما أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية، لما سبق ذكره من أن الاتصال الجنسي هو الطريق الرئيسي لنقل العدوى.
أما إذا رضي الزوج السليم بالمعاشرة الجنسية، فإن الاحتياط يستوجب استعمال العازل الذكري الذي يقلل من احتمالات العدوى والحمل إذا أحسن استعماله.
سابعًا – اعتبار مرض الإيدز مرض موت:
لا يعد الإيدز مرض موت شرعًا إلا إذا اكتملت أعراضه وأقعد المريض عن ممارسة الحياة العادية، واتصل بالموت.(9/2099)
ثامنًا: توصيات عامة:
1-على الجهات الرسمية والشعبية العمل على توعية أفراد المجتمع بخطورة مرض الإيدز، وكيفية انتقال عدواه، وسبل الوقاية منه، ولا سيما التمسك بالعفة، والحث على الفضيلة.
2-ينبغي إدخال التربية الإسلامية في المناهج المدرسية لجميع المستويات التعليمية، بحيث تتكامل مع المناهج الدراسية الأخرى في سبيل بناء شخصية الفرد بما يحقق مصلحة الأفراد والمجتمع ويضمن الوقاية من هذا الوباء.
3-من أجل حماية الشباب من الانحراف الجنسي، ينبغي تشجيع الزاج المبكر، وإزالة العقبات التي تسبب تأخير سن الزواج.
4-من حق المصاب بعدوى الإيدز أن يحصل على العلاج والرعاية الصحية اللذين تتطلبهما حالته الصحية، مهما كانت طريقة إصابته بالعدوى، وعليه أن يعلم طبيبه بإصابته حرصًا عليه وعلى مراجعيه من احتمال انتقال العدوى إليهم، وعلى الطبيب أن يلتزم بعلاجه متخذًا من الاحتياطات ما يقي به نفسه وغيره.
ويجب توعية المصاب بعدوى الإيدز بكيفية الحفاظ على حالته من مزيد من التدهور، وكف العدوى عن الآخرين، ولا يجوز أن يظلم أو يخذل أو يلمز بسبب مرضه.
5-تدعو الندوة إلى تطبيق الشريعة الإسلامية التي هي عصمة للأمة الإسلامية من مثل هذه الأمراض والآفات التي تفتك بالجماعات والأفراد.
6-لوسائل الإعلام دور هام في توعية الناس بمخاطر الإيدز وسبل الوقاية منه، ولا سيما في الحض على العفة، ولذا عليها أن تتجنب عرض كل ما من شأنه إثارة الغرائز أو الإغراء بالرذيلة.
7-على الجهات الرسمية توفير الكواشف الضرورية لتشخيص الإصابة بعدوى الإيدز على أوسع نطاق، لما للكشف المبكر من أثر فعال في الوقاية من انتشار المرض.
8-تناشد الندوة جميع المتدينين والعقلاء في كل أنحاء العالم أن يضموا صفوفهم وجهودهم إلى المسلمين في دعوتهم إلى العفة ومحاربة جميع صور الاتصال الجنسي خارج إطار الزواج الشرعي.
9-أناب المشاركون سعادة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي بإرسال برقيتي شكر لصاحب السمو أمير دولة الكويت الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح حفظه الله وسمو ولي عهده الأمين على دعم المنظمة واستقبال سموهما لمجلس الأمناء وبعض المشاركين في الندوة.(9/2100)
أسماء السادة المشاركين
في ندوة (رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز)
1-د. إبراهيم الصياد
2- د. إبراهيم المهلهل
3- د. إبراهيم جميل بدران
4-د. أحمد إمام
5-د. أحمد أبو الفضل
6-د. أحمد الشطي
7-د. أحمد الغساني
8-د. أحمد القاضي
9-د. أحمدالهاشمي
10-د. أحمد رجائي الندي
11-د. أحمد عيسى
12-د. أحمد كامل شنبو
13-د. أحمد مسلم
14-د. أحمد حجي الكردي
15-د. إحسان دوغراماجي
16-المستشار أسامة أحمد
17-د. أسامة الطيب
18-د. أسامة رسلان(9/2101)
19-د. المهدي بن عبود
20-د. توفيق يوسف الواعي
21-د. جمال العشيري
22-د. جمال ماضي
23-د. جواد بهبهاني
24-د. حامد جامع
25-د. حامد محمود شتلة
26-د. حسان حتحوت
27-د. حسين المؤمن
28-د. حسنين محمود حسنين
29-د. حمد العباد
30-د. حمداتي شبيهنا ماء العينين
31-د. خالد المذكور
32- الأستاذ خالد المرزوق
33-الشيخ خليل الميس
34-السيد خليل العنزي
35-د. رضا علي
36-د. سالوناز حتحوت
37-المستشار سري صيام
38-د. سعود بن مسعد الثبيتي
39-د. سهير سعيد شعير
40-د. صلاح العتيقي
41-د. صلاح عيد
42-د. صديقة العوضي
43-د. صديقة عبد العظيم أبو الحسن
44-الشيخ طه الصابونجي
45-د. عبد الرحمن آل محمود
46-د. عبد الرحمن عبد الله العوضي
47-د. عبد الله بن سليمان المنيع
48-د. عبد الله باسلامة(9/2102)
49-المستشار عبد الله العيسى
50-د. عبد الله محمد عبد الله
51-د. عبد الله الغنيم
52-د. عبد الحليم أحمدي
53-الشيخ عبد الحميد جاسم البلالي
54-د. عبد الرزاق خليفة الشايجي
55-د. عبد الستار أبو غدة
56-د. عبد الستار الشلاح
57-د. عبد العزيز العنزي
58-السيد عبد العزيز البشير
59-د. عبد اللطيف السنان
60-د. عبد المنعم أبو الفتوح
61-د. عبد الفتاح الشيخ
62-د. عبد الفتاح شوقي
63-د. عبد السلام صبحي حامد
64-د. عبد الكريم شحاتة
65-د. عبد الوهاب الفوزان
66-د. عجيل النشمي
67-د. عصام الشربيني
68-د. عصام العريان
69-د. علي السيف
70-د. علي عبد الفتاح
71-د. عمر الجيدي
72-د. عمر سليمان الأشقر
73-د. عيسى الشيخة(9/2103)
74-د. عيسى زكي شقرا
75-عبده معلم موسى
76-د. محمد السيد طنطاوي
77-الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة
78-الشيخ محمد المختار السلامي
79-د. محمد الهواري
80-السيد محمد بلال
81-د. محمد حلمي وهدان
82-د. محمد خليل حداد
83-د. محمد رضا الجندي
84-حكيم / محمد سعيد
85-د. محمد سعيد البوطي
86-محمد سليمان الأشقر
87-د. محمد صعيب الشامي
88-د. محمد علي البار
89-د. محمد عدنان صقال
90-د. محمد عبد السلام محمد
91-د. محمد عبد الغفار الشريف
92-د. محمد فوزي فيض الله
93-د. محمد نعيم ياسين
94-د. محمد هيثم الخياط
95-د. محمود محمد حسن
96-د. مدحت عاصم
97-د. نزيه حماد
98-الشيخ نظام محمد صالح يعقوب
99-د. وليد البصيري
100-د. وليد مساعد الطبطبائي
101-د. وهبة الزحيلي
102- السيد يحيى أبو الفتوح
103-د. يوسف القرضاوي(9/2104)
الإيدز ومشاكله الاجتماعية والفقهية
وثيقة مقدمة من
الدكتور محمد علي البار
مستشار الطب الإسلامي بمستشفى الملك فهد التخصصية بجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله الذي حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن والقائل في محكم التنزيل: {وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأنعام: 151] .
والقائل عز من قائل: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] .
والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للعالمين وآله وصحبه أجمعين.
والقائل: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) (1) .
والقائل: ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) (2)
وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فما أن شاعت الفاحشة في بلاد الغرب ومنه إلى مختلف بلاد العالم إلا أصابهم الله بآفة الأمراض الجنسية، وأخطرها، متلازمة نقص المناعة المكتسب، المعروف باسم الإيدز (أو سيدا في الجهات الناطقة بالفرنسية) .
وفي هذا البحث المقدم بصورة مختصرة إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثامنة لمجمع الفقه الإسلامي المنعقدة بدار السلام بروناي في الفترة ما بين 1 – 7 محرم 1414 هـ الموافق 21 – 27 يونيو 1993 تعرضت لمرض الإيدز ومشاكله الاجتماعية … وقد أصدر المجمع الفقهي الموقر قراراته التي ألحقتها بهذا البحث، وأجل النظر في بعضها، ثم عقدت ندوة متخصصة نظمتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية حول المشاكل الاجتماعية والفقهية المتعلقة بالإيدز، وذلك في 23 – 25 جمادى الآخرة 1414 هـ الموافق 6 – 8 ديسمبر 1993. وقد اشتركت في هذه الندوة ومناقشاتها الخصبة وأبحاثها الرصينة.. وأضفت بعض ما جد من أبحاث حول هذا المرض الخبيث وأعدت النظر فيما كتبت من قبل بحيث يتفق مع ما توصلت إليه الندوة في غالب قراراتها التي ألحقتها بالكتاب ليكون مرجعًا في هذا الموضوع الحيوي الهام.
والله أسأل أن ينفع بهذا البحث والأبحاث المماثلة التي تضمها هذه السلسة التي تحاول أن تجيب على بعض الأسئلة الطبية الفقهية الاجتماعية بعد أن تعرض لأبعاد المشكلة وآراء الفقهاء والأطباء والعلماء وقراراتهم الهامة فيها.
__________
(1) أخرجه البخاري في صحيحه
(2) أخرجه الحاكم في المستدرك وابن ماجة في سننه والبزار.(9/2105)
تعريف الإيدز
(متلازمة العوز المناعي)
(Acquined Immune Deficiency)
هو مرض سببه فيروس من الفصيلة المنعكسة Retrorirus ينتقل أساسًا عبر الاتصال الجنسي سواء كان بين ذكر وذكر أو ذكر وأنثى، كما ينتقل أيضا عبر الدم ومحتويات الدم. ويؤدي إلى فقدان المناعة لأن الفيروس يهاجم الخلايا اللمفاوية المسؤولة عن المناعة، وبالذات الخلايا اللمفاوية T4، فإذا ضعف جهاز المناعة تناوشت الجسم الميكروبات الانتهازية infection Opputunistic، وهي ميكروبات وطفيليات لا صولة لها ولا جولة عند وجود جهاز المناعة السوي، ولكنها تستغل ضعف جهاز المناعة فتهجم على الجسم الضعيف المقاومة فتصرعه وتقضي عليه … وأهم هذه الميكروبات والطفيليات هي:
1- الطفيلي المتحوصل في الرئتين neumocystis carini ويؤدي إلى وفاة نصف حالات الإيدز في أوربا والولايات المتحدة.
2- ميكروب الدرن (بأنواع غير معتادة) وأكثر انتشاره في إفريقيا.
3- طفيليات البوغيات المختلفة Crypto sporodium ويسبب الإسهال الشديد وأكثر انتشاره في إفريقيا، ويؤدي إلى وفاة نسبة غير قليلة من مرضى الإيدز.
ويؤدي إضعاف جهاز المناعة أيضًا إلى انتشار الأورام الخبيثة، وأهمها دون ريب، ورم (غرن) كابوسي الذي يؤدي إلى وفاة ما لا يقل عن 25 بالمئة من حالات الإيدز.(9/2106)
كيفية انتشار الإيدز:
رغم أن المصاب بالإيدز يخرج فيروسات الإيدز في إفرازاته كلها بما فيها الدموع والبول واللبن من المرضع، إلا أن وسائل العدوى تتركز في العوامل الآتية فقط:
1- الشذوذ الجنسي (اللواط)
2 - الزنا.
ويشكل هذان العاملان اليوم ما يوازي 90 بالمئة من حالات انتشار الإيدز. ويعتبر الشذوذ الجنسي (اللواط) العامل الأساسي في حدوث الإيدز وانتشاره في الولايات المتحدة وكندا ودول أوربا الغربية بصورة خاصة، حيث يشكل الشاذون جنسيًا ما بين 70 و 80 بالمئة من جميع حالات الإيدز في هذه البلاد.
ويعتبر الزنا العامل الأساسي في إفريقيا الاستوائية، وفي الوباء الذي انتشر مؤخرًا في الهند وبانجكوك (تايلند) ، حيث بلغت نسبة المصابات بفيروس الإيدز من البغايا في بومباي (الهند) وبانجوك أكثر من 70 بالمائة. بلغت نسبة البغايا الحاملات لفيروس الإيدز في نيروبي (كينيا) ، وبيوتار (رواندا) ، وزائير، وزامبيا ويوغندا، وأنجولا ما بين 80 – 90 بالمئة.
3- الدم ومحتويات الدم (1) : وهذا العامل كان مهمًا جدًا في الماضي حتى عام 1986 عندما ظهر فحص اليزا (Eliza) الذي يمكن بواسطته معرفة الدم الملوث. وبالتالي لم يعد هذا العامل مهمًا جدًا في تسبيب الإيدز اليوم. وإن كان قد أصاب آلاف الأشخاص في مختلف أنحاء العالم بالإيدز وجعل عشرات الآلاف يحملون الفيروس. وبما أن المملكة العربية السعودية ودول الخريج الأخرى كانت تستورد الدم الملوث بفيروس الإيدز من بريطانيا والولايات المتحدة حتى عام 1986 فإن كثيرين ممن تلقوا هذا الدم الملوث أصيبوا بالإيدز، أو يحملون فيروس الإيدز في المملكة ودول الخريج. وربما أن هؤلاء المصابين بالإيدز أو الحاملين لفيروس الإيدز يطلبون تعويضًا في الولايات المتحدة وأوروبا، وتقوم المحاكم هناك بإعطاء المصاب بالإيدز نتيجة نقل الدم تعويضًا يبلغ مليون دولار أو أكثر، فإن من حق من أصيبوا بالإيدز في المملكة ودول الخليج نتيجة الدم الملوث أن يطالبوا المستشفيات بهذا المبالغ. كما أن من حق المستشفيات أن تطلب هذه المبالغ من المصادر التي مولتها بهذا الدم الملوث!! وهي مبالغ تصل إلى آلاف الملايين من الدولارات والتي ينبغي أن نطالب بها الولايات المتحدة وبريطانيا.
ونحن نعرف يقينًا أنه لو أصيب بريطاني أو أمريكي بالإيدز نتيجة دم ملوث من البلاد العربية لحجزوا الأموال العربية الموجودة لديهم حتى يتم دفع التعويض المطلوب الذي قد يبلغ عشرات الملايين من الدولارات!!
__________
(1) حدثت حالات من انتشار تلوث الدم أو مشتقات الدم في فرنسا وألمانيا في عام 1993 فما بالك بدول العالم الثالث، وخاصة في الأرياف. إن الخطر من الدماء الملوثة لم يختف بعد، وإن كان قد انخفض بعد ظهور فحص اليزا (Eliza)(9/2107)
4- انتقال فيروس الإيدز عن طريق الحقن والإبر الملوثة … وأكثر ما يكون ذلك لدى مدمني المخدرات الذين يتعاطونها بواسطة الحقن بالوريد. ولذا فإن الدول الغربية ومنظمة الصحة العالمية تقدم نصائحها لهؤلاء على الوجه التالي: ينبغي أن تتحول من الحقن إلى الشم أو البلع!! إذا لم تستطع ذلك فعليك باستخدام حقن معقمة ولا تشارك أحد في حقنتك!! ويعتبر استخدام المخدرات بطريق الحقن الملوثة مسؤولا عن 20 –25 بالمئة من حالات الإيدز في أوربا والولايات المتحدة.
5- انتقال فيروس الإيدز من الأم المصابة إلى جنينها: وتقول منظمة الصحة العالمية أن هناك ما يقارب مليونًا ونصف مليون طفل حاملين لفيروس الإيدز بهذه الطريقة حتى نهاية عام 1993، 75 بالمئة منهم في إفريقيا. وتقرر منظمة الصحة العالمية أن عشرة بالمائة من الحوامل المصابات بفيروس الإيدز سينقلن هذا الفيروس إلى أجنتهن ويحدث ذلك في الأشهر الأخيرة من الحمل. ثم إن نسبة أخرى كبيرة (30 %) ستصاب بالفيروس أثناء الولادة، ونسبة ضئيلة قد تصاب، نتيجة الرضاعة والاتصال الحميم بين الأم ووليدها.
6- ينتقل فيروس الإيدز أيضًا بواسطة التلقيح الاصطناعي وزرع الأعضاء: وهي حالات محدودة. وفي منطقة الخليج والمملكة هناك 14 شخصًا يحملون فيروس الإيدز نتيجة زرع الكلى في بومباي – بالهند.
7- ينتقل فيروس الإيدز أيضًا عن طريق العمليات الجراحة أو الإصابة بإبرة أثناء استخدام الآلات أو سحب الدم. وهذه الحالات جميعًا نادرة الحدوث.
ومثلها الحالات التي يمكن أن تحدث نتيجة الحجامة أو الحلاقة بموسي واحدة لأكثر من شخص، أو عمليات الوشم التي تمارس في بعض المناطق الريفية، وعند غير المسلمين (وقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الوشم ولعن الواشمات والمستوشرات لأسنانهن والواصلات لشعورهن …. الخ) . وهذه كلها تعتبر من المخاطر المحتملة وإن كانت نادرة الحدوث إلى وقتنا هذا.
وبما أن بعض القادمين للحج قد يأتون من مناطق ينتشر فيها الإيدز مثل إفريقيا الاستوائية والحبشة والصومال، فإن عملية الحلق التي تتم عند الجمرات ينبغي أن يتم الإشراف عليها حتى لا يستخدم الموسي لأكثر من شخص واحد وقد بذلت حكومة خادم الحرمين الشريفين جهودًا جبارة في رعاية الحجيج والحفاظ على صحتهم وسلامتهم، ولا تزال تبذل مشكورة الجهود الجبارة، ولن يكلفها شيئًا كثيرًا إعطاء كل حاج عند قدومه الأراضي المقدسة موسي خاصة به من الأنواع الرخيصة التي ترمى بعد الاستعمال.(9/2108)
لا ينتقل فيروس الإيدز بالطرق التالية:
1- المصافحة.
2- الأكل سويًا.
3- السباحة
4- استخدام الهواتف العامة.
5- استخدام دورات المياه.
6- زيارة مريض الإيدز أو الجلوس عنده.
7- استنشاق الهواء، وبالتالي لا يعدي عطس أو كحة مريض الإيدز لغيره.
8-وخز الحشرات مثل البعوض أو غيره.
فيروس الإيدز:
ينتمي فيروس الإيدز إلى مجموعة من الفيروسات المعروفة باسم الفيروسات المنعكسة (العكوسة) Retroviruses وهي فيروسات تحمل الحامض النووي الريبوزي RNA، ولكنها تستطيع بواسطة أنزيم يدعي الناسخ أو الكاتب المنعكس Transcriptase أن تتحول إلى الحامض النووي (دنا) DNA. وهذه المجموعة نادرًا ما تصيب الإنسان بالمرض، وإن كانت مرتبطة ببعض أنواع سرطان خلايا الدم البيضاء. وقد اتفق على تسمية فيروس الإيدز باسم فيروس العوز المناعي الإنساني Immuno deficiency virus Human وذلك منذ عام 1986. وقد تبين أن هناك نوعين منهما: أحدهما وهو المنتشر في الولايات المتحدة وأوربا ومعظم بقاع العالم. وهو المسبب الرئيسي لمرض الإيدز (متلازمة عوز المناعة المكتسب) وهناك نوع ثان (HIV type 11) : وقد ظهر بصورة خاصة في إفريقيا، ويبدو أنه أقل من الأول خطورة، وأبطأ منه في إحداث المرض.
وقد استطاع العلماء (مجموعة مونتانييه في فرنسا وجالو ومجموعته في الولايات المتحدة) اكتشاف فيروس الإيدز فيما بين عام 1983 و 1984. وأمكن الآن معرفة دقائق تركيب هذا الفيورس بصورة مدهشة.
وقد حفز فيروس الإيدز ومرضه العلماء إلى إجراء أبحاث مكثفة في عالم الفيروسات، وفي علم المناعة. وحدثت قفزات رائعة في هذه العلوم خلال العقد الماضي منذ اكتشاف الفيروس إلى اليوم. ولكن لا يزال إيجاد مصل أو علاج شاف لمرض الإيدز بعيد المنال حتى الآن (1994) رغم التقدم العلمي المثير.(9/2109)
معلومات هامة عن الإيدز
1- تم معرفة الحالات الأولى من الإيدز عام 1981.
وفي ذلك الوقت لم يكن العلماء والأطباء قد عرفوا السبب لمرض الإيدز ولا كيفية انتقاله. وكل الذي تعرفوا عليه وجود مجموعة من الشبان يفقدون مناعتهم دون سبب ظاهر، وكان هؤلاء يعانون من أمراض انتهازية شديدة وظهور ورم كابوسي (نوع من السرطان) وذلك بسبب فقدان المناعة … وكانت معظم الحالات لمجموعة من الشاذين جنسيًا في الولايات المتحدة.
2- تم التعرف على سبب مرض الإيدز، وهو فيروس الإيدز من مجموعة الفيروسات المنعكسة عام 1983 وعام 1984 (المجموعة الأولى في فرنسا والثانية في الولايات المتحدة) .
3- انتشر الإيدز في العالم بأجمعه وبنهاية عام 1992 أعلنت 173 دولة حدوث حالات إيدز لديها. وبلغ المجموع الكلي من حالات الإيدز المبلغ عنها 611,589. وفي نهاية يونيه 1993 كان عدد الحالات المبلغ عنها والتي تعاني من الإيدز هو 718.894 حالة بالتوزيع التالي:
الولايات المتحدة وأمريكا اللاتينية 371.086
أفريقيا (بالذات الاستوائية) 247.577
آسيا 3.561
أوروبا 92.482
أوقيانوسيا (استراليا ونيوزيلنده) 4.188
ولا تزال الولايات المتحدة الأمريكية تتصدر دول العالم في الحالات المبلغ عنها رسميًا.
4- انتشر فيروس الإيدز في إفريقيا الاستوائية بصورة رهيبة بحيث تعتبر حاليًا منطقة موبوءة، حيث تقدر منظمة الصحة العالمية أن نصف عدد الذين يحملون فيروس الإيدز من البالغين هم في أفريقيا الاستوائية وأن ثلاثة أرباع الأطفال المصابين بفيروس الإيدز هم في هذه القارة البائسة.(9/2110)
5- في نهاية 1993 قدرت منظمة الصحة العالمية عدد حاملي فيروس الإيدز في العالم بخمسة عشر مليونًا.
6- وهناك فرق كبير بين حاملي الفيروس وهم الذين لا يبدو عليهم أي مرض وبين أولئك الذين أصيبوا بالمرض فعلًا … ففي تايلند تم الإبلاغ عن 179 حالة مرض إيدز عام 1992 بينما يقدر عدد الذين يحملون الفيروس في تلك الفترة قرابة نصف مليون شخص. وفي الهند عن 102 حالة إيدز عام 1992 بينما تقدر منظمة الصحة العالمية عدد حاملي الفيروس بمليونين ونصف المليون.
7 -تقدر منظمة الصحة العالمية عدد الذين لاقوا حتفهم بسبب فيروس الإيدز منذ ظهوره عام 1981. وحتى نهاية عام 1992 بـ 1,700,000 (مليون وسبعمائة ألف) بينما الأرقام الفعلية المسجلة هي أقل من ذلك بكثير.
7- العدد الفعلي المسجل لحالات الإيدز في البلاد العربية والمبلغ عنها إلى منظمة الصحة العالمية حتى نهاية عام 1992 هو 1296 شخصًا فقط … وفي نفس الوقت تقدر منظمة الصحة العالمية عدد حاملي الفيروس في البلاد العربية بـ 75.000 على الأقل.
وفي نهاية عام 1993 أعلنت الحكومة اليمنية وجود 180 حالة إيدز مرضية بينما كانت التقارير السابقة خالية من أي حالة.
9- تعتقد منظمة الصحة العالمية أن هناك فارقًا كبيرًا بين ما هو مسجل من حالات الإيدز وبين الحالات الحقيقية الموجودة. ويرجع ذلك إلى عدة عوامل مثل عدم التشخيص، وعدم توفر الإمكانات الطبية وعدم التبليغ، ومحاولة التقليل من الخطر وطمأنة الجماهير.
10- تقدر منظمة الصحة العالمية حدوث نصف مليون حالة من العدوى بفيروس الإيدز كل عام، منها 300.000 حالة بين الذكور و 200.000 حالة بين الإناث، وبحلول عام 2000 سيتساوى الذكور والإناث.
11- 90 بالمائة من حالات العدوى بفيروس الإيدز ناتجة عن الزنا واللواط.
12- تلعب السياحة دورًا كبيرًا في نشر مرض الإيدز في كثير من بلدان العالم.
13- مدة الحضانة قد تصل إلى عشر سنوات أي أن حامل الفيروس يظهر سليمًا ولا يشتكي من أي مرض، ومع ذلك ينقل العدوى لكل من يتصل بهم أو الأطفال وفي ضعيفي المقاومة وتزداد في البالغين الذين يتمتعون بصحة جيدة.(9/2111)
14- لا يعرف حتى الآن نسبة الذين يصابون بالمرض من جملة من دخل الفيروس أجسامهم. ولكن منظمة الصحة العالمية تعتقد أن الأغلبية الساحقة سيصابون بالمرض خلال أثنى عشر عامًا من دخول الفيروس.
15- هناك عدة عقاقير تساعد على مقاومة الفيروس وتحسين المناعة ومن ضمنها عقار زيدوفيودين AZT. كما أن معالجةالميكروبات الانتهازية حققت بعض التقدم، وكذلك علاج سرطان (ورم) كابوسي. لذا فإن بعض حالات مرض الإيدز تعيش سنوات طويلة (أغلبها في عذاب) وقد رأيت مريضًا من السويد في هولندة أثناء مؤتمر عقد عن الإيدز عام 1990، وكان لا يزال حيًا رغم إصابته بالمرض في بداية الثمانينات. ولكن معظم الحالات تلاقي حتفها خلال عامين منذ ظهور أعراض مرض الإيدز.
16- تزداد فرصة الإصابة بالإيدز عند الاتصال الجنسي بشخص مصاب بالإيدز عشرة أضعاف عند وجود قرح في الجهاز التناسلي. وذلك مثل وجود الزهري، القرحة الرخوة … الخ.
وقد ثبت أن لأمراض الجنسية الأخرى (حتى الكلاميديا التي قد تكون بدون أي أعراض ظاهرة) تزيد من فرصة الإصابة بفيروس الإيدز.
17- تقل فرصة الإصابة بفيروس الإيدز (والأمراض الجنسية الأخرى) عند استعمال الرفال (الكوندوم، الواقي، الجراب) ، ولكن استعماله لا يقي بصورة أكيدة من حدوث الإصابة وذلك لاحتمالات انزلاق الكوندوم أو حدوث تمزق فيه …. الخ.
18- تقل فرصة الإصابة بفيروس الإيدز (وكذلك معظم الأمراض الجنسية مثل القرحة الرخوة والهربز والزهري) لدى المختونين بالمقارنة مع غير المختونين، وقد ثبت أن الغلفة (القلفة) تزيد من احتمالات الإصابة بالأمراض الجنسية بما فيها الإيدز.
19- الإيدز مرض جنسي أي أنه يحدث نتيجة اتصال جنسي بين مصاب وسليم. والمصدر الأساسي في العالم لنشر الإيدز فئتان: الشاذون جنسيًا والبغايا. وقد ثبت أن 90 بالمائة من حالات الإيدز هي نتيجة اتصال جنسي، فإذا أمكن التوصل إلى منع اللواط والزنا، فإن ذلك يعني القضاء على 90 % من أسباب انتشار الإيدز.لهذا ينبغي أن تصب كل الجهود في هذه النقطة، على عكس ما تفعله اليوم الدول الغربية ومنظمة الصحة العالمية، وغيرها من المنظمات الصحية والعالمية المهتمة بموضوع الإيدز.(9/2112)
إن القضاء على الإيدز أو إيقاف دوره المدمر لا يمكن أن يتم بدون محاربة الزنا واللواط والبغاء وكل الطرق الملتوية المؤدية إليها مثل السياحة والفن الداعر ….. الخ.
20 –يمثل تعاطي المخدرات بواسطة الحقن مصدرًا آخر لنشر الإيدز وخاصة في الدول الغربية وفي شرق آسي حيث يمثل ما بين 15 – 25 بالمئة من مجموع حالات الإيدز في تلك البلاد … ولذا فإن محاربة المخدرات والتصدي لمشكلتها سيقلل إلى حد كبير من فرص الإصابة بالإيدز.
21- يصاب كل يوم 5000 شخص بفيروس الإيدز، ما يقارب 70 % منهم شباب أقل من 25 سنة وتذكر منظمة الصحة العالمية أن إصابة الفتيات من سن 15 إلى سن 25 سنة هي أكثر من إصابة الفتيان … ذلك لبلوغ الفتاة قبل الفتى وممارستها للنشاط الجنسي قبله.
مراحل الإصابة بالإيدز
مرحلة العدوى:
عندما يدخل فيروس الإيدز إلى جسم إنسان ما (بواسطة اتصال جنسي أو نقل دم أو محتويات دم ملوث أو حقنة ملوثة) لا تظهر على معظم المصابين أي أعراض على الإطلاق. بينما هناك فئة محدودة من الناس تظهر عليهم آثار حمى وخمود واعتلال في الصحة، وتضخم في الغدد اللمفاوية Lymphadenopathy وآلام عضلية وصداع وبخاصة في محجر العين … ويظهر لدى بعضهم طفح جلدي بقعي حطاطي hGlvhqaculopapular rash موزع على جذع المصاب، يصحبه ألم في الحلق مع كحة (سعال) … وتبقى هذه الأعراض والعلامات لمدة أسبوعين ثم تختفي تمامًا. ومن النادر حدوث التهاب في الدماغ.
وفي هذه الفترة تكون الفحوصات المتعلقة بالأجسام المضادة للفيروس الإيدز سلبية. ولا تكون إيجابية إلا بعد مرور ستة إلى أثنى عشر أسبوعًا منذ حدوث العدوى … وهذا الفحص يعرف باسم فحص أليزا Eliza وهو يعتمد على وجود مضادات في جسم المصاب لفيروس الإيدز. وقد يترافق التحول المصلي (من سلبي إلى إيجابي) بظواهر جلدية وطفح، وفي بعض الأحيان النادرة نسبيًا يحدث اعتلال دماغي حاد neute enccphalopathy وفيه تحدث حمى شديدة وهذيان وفقدان للوعي. وقد تحدث نوبات من التشنج.(9/2113)
مرحلة الكمون:
وفي غالب الحالات يمر المصاب بالفيروس بفترة كمون. أي لا تكون لديه أي أعرضا أو شكوى بينما هو ينقل المرض لغيره (بواسطة الاتصال الجنسي أو الدم) . وتستمر فترة الكمون مدة تتراوح ما بين عدة أشهر وعدة سنوات قد تصل إلى اثني عشر عامًا … وفي خلال هذه الفترة يتكاثر الفيروس ولكن الخلايا اللمفاوية وخاصة من نوع CD4 (T4) تبقى في الحدود الطبيعية.
مرحلة مرض الغدد اللمفاوية المنتشر والمستمر
(Persistent Generalised Lymphad enopathy)
بعد مرور فترة الكمون يظهر على ما يقارب من 30 % من المصابين بفيروس الإيدز تضخم في الغدد اللمفاوية في موضعين أو أكثر (خارج المنطقة الأربية، لأن هذه المنطقة كثيرًا ما تتضخم فيها الغدد اللمفاوية لأسباب أخرى) ويستمر تضخم الغدد لمدة ثلاثة أشهر أو أكثر. وقد لا يصحب ظهور الغدد اللمفاوية أي شكاوى أخرى (ثلث الحالات تقريبًا) بينما يشكو الآخرون من اعتلال في الصحة، وحمى وعرق.
المرحلة المتلازمة المرتبطة بالإيدز (AIDS Related Complex)
تتحول معظم الحالات السابقة إلى هذه المتلازمة التي يظهر فيها نقصان في الوزن (أكثر من 10 % من وزن الشخص) ، نقص الصفائح الدموية Thrombcytopenia، ومجموعة من الأمراض الجلدية مثل الحماق النطاقي ودهنية الجلد من عدوى فيروسية مثل الهربس (الحلأ) في الفم والشفة وأعضاء التناسل، والمليساء المعدية molluscum contagiosum؛ كما تظهر فطريات كانديدا (المبيضة) في الفم بالإضافة إلى وجود ابيضاض وشعيرات على اللسان والفم تعرف باسم الطلوان الأشعر بالفم oral hairy leukoplakia. ويصاب بعض المرضى بالإسهال بالإضافة إلى الحمى والعرق وخاصة العرق الليلي.
عند ظهور هذه الأعراض المصاحبة تكون الخلايا اللمفاوية المناعية من نوع (CD4) T4 وقد وصلت إلى 400 خلية في كل مليلتر من الدم.(9/2114)
مرحلة الإيدز:
تزداد الأعراض السابقة شراسة وتتكاثر الميكروبات الانتهازية كما تحدث أورام عدة نتيجة الخل المناعي وأهم هذه الأورام لا ريب هو ورم (غرن) كابوسي. وأهم الميكروبات الانتهازية هي:
أ- الطفيلي المتحوصل في الرئتين pneumocystis Carini: وتسبب الإسهال المتكرر الشديد المستمر وهي أكثر ظهورًا في حالات الإيدز في إفريقيا. ويسبب لذلك هزالًا شديدًا مما جعل المرض يعرف: المرض الرشيق Slim Disease.
ب- طفيليات البوغيات المختفية cryptosporodium:وتسبب الإسهال المتكرر الشديد المستمر وهي أكثر ظهورا في حالات الإيدز في إفريقيا.ويسبب ذلك هزالا شديدا مما جعل المرض يعرف بإسم:المرض الرشيق shim diseae
ج- السل الرئوي: ويكون أكثر انتشارًا في الجسم … وقد تكون الميكروبات المسببة للسل من النوع البقري أو الطيري Bovine. avian لا الإنساني. ويظهر تدرن دخني T.B.miliary في الرئتين وأعضاء أخرى.
د- مقوسة جوندي Oxoplasmosis: وتظهر كأورام في الدماغ.
هـ – فطريات كانديدًا بالفم والمريء Candida albicans
و هربس (حلأ) نطاقي متكرر Herpes Zoster
ز- فطر المستخفية المتجددة croypto coccus neoformans: وتسبب عادة التهابًا في السحايا.
وهناك عدة فطريات وميكروبات أخرى انتهازية تصيب مريض الإيدز وما ذكرناها أهمها. هذا بالإضافة إلى الأعراض والعلامات الناتجة عن فيروس الإيدز نفسه الذي يصيب خلايا الدماغ فيسبب خرفًا (نوعان من الجنون) Dementia واعتلالًا في الدماغ، والتهاب السحايا الحاد والمزن، والاعتلال العصبي المحيطي، والتهاب العضلات المتعدد polymyositis.
وهناك ورم كابوسي الذي يظهر أول الأمر كبقع جلدية داكنة ثم تنتشر في الجلد وفي الفم وفي الأحشاء الداخلية لتقضي على المريض خلال فترة تتراوح بين ستة أشهر وسنتين.
تشخيص الإيدز
يعتمد تشخيص الإيدز على فهم الطبيب لقصة تطور الإيدز ومراحله وكيفية استخدام الوسائل المخبرية المتاحة. ولابد للطبيب لكي يشخص المرض أن يكون عارفًا بمراحله المختلفة وتاريخ المرض واستقصاء المعلومات عن الشخص (المصاب) وهل هو من الشاذين جنسيًا، أوله علاقات جنسية (زنا) مع البغايا أو غيرهن. كما ينبغي معرفة إن كان المريض قد تلقى دمًا أو مشتقات الدم في خلال السنوات الخمس الماضية. إلى آخر قائمة الأسئلةالتي ينبغي للطبيب أن يعرف الإجابة عنها.
تقوم بنوك الدم وفي حالات نقل الأعضاء بفحص الدم روتينيًا من أجل التأكد من خلوه من فيروس الإيدز , الفحص الشائع المستخدم هو فحص اليزا (ELIZA) Assay Enzyma linked lmmuno sorbent وهو يعتمد على وجود مضادات الأجسام لفيروس الإيدز في الدم (المصل) وهذا الفحص أصبح متوفرًا في كل بنوك الدم في العالم (ما عدا بعض المستشفيات الريفية في العالم الثالث) .
ويعتبر فحص اليزا حساسًا ولكن لابد من تأكيده بفحص آخر مثل اختبار البقعة المناعية (الغربية) blot (Immunodot) Western وهو يعتمد على وجود مستضدات الفيروس نفسه antigen. ويعتمد الفحص على الرحلان الكهربائي للأنتيجن (المستضاد) وبالذات رقم 24 أو المستضاد gp41.
ورغم أن هذه الطرق حساسة (أكثر من 99 %) ونوعية specific حوالي 100 % إلى أنها لا تخلو في حالات نادرة من التفاعلات الكاذبة.
وليس من السهل تشخيص العدوى بفيروس الإيدز في المواليد أو الأجنة لأمهات مصابات بالعدوى نظرًا لأن مضادات الأجسام antibodies تنتقل إلى الجنين من الأم بصرف النظر عما إذا كانت العدوى قد انتقلت إليه أم لا.. وأخيرًا تمكن العلماء من فحص لا يتطرق إليه الشك ويتعرف على الفيروس نفسه وليس مستضادات الأجسام وهو اختبار تفاعل سلسلة البولميراز (polymerase chain reaction) PCR واختبار إنتاج الأضداد في الزجاج IVAP، ولكن هذه الحصوات لا تزال معقدة وباهظة الثمن ولا تجري إلا في المختبرات المتقدمة، وهي غير متوفرة على الإطلاق في معظم دول العالم الثالث، ولا يتوقع توفرها في القريب العاجل.(9/2115)
هناك أيضًا فحوصات مخبرية لمعرفة خلايا الدم اللمفاوية من نوع (T4) CD4 وهو فحص مهم جدًا لمعرفة مرحلة المرض.
فإن كان العدد ألفًا لكل مليلتر من الدم فالمريض لا يعاني من مرحلة الإيدز وهو لا يزال في المرحلة الأولية فإذا ما وصل عددها إلى 400 فقد بدأ في مرحلة الإيدز وتبدأ الانتانات الانتهازية في الظهور، وكذلك ورم كابوسي. فإذا ما انحدرت إلى 200 خلية فقط في مليلتر من الدم، فإن الأورام والانتان الانتهازية تستشري …. والمريض يكون قد وصل فعلًا إلى مرحلة الخطر ونادرًا ما يعيش مثلا هذا الشخص أكثر من ستة أشهر.
وفي المراحل الأولى تقل خلايا الدم البيضاء اللمفاوية من نوع (T4) CD4 بمعدل 50 إلى 100 خلية كل عام فتهبط من 1000 إلى 900 في العام الأول حتى إذا وصلت إلى 500 فإن المريض يكون قد وصل إلى المرحلة المتلازمة المرتبطة بالإيدز، فإذا انحدرت الخلايا إلى 400 فإنه يكون قد بدأ في العد التنازلي ووصل إلى مرحلة الإيدز ذاتها. فإذا وصل إلى 200 خلية أو أقل فإن حالته تنذر بالخطر المحدق وقرب النهاية.
ويتم تشخيص ورم كابوسي إكلينيكيًا (المظهر السريري) وبالفحص الباثوليجي. كما يتم معرفة مختلف أنواع الميكروبات والفطريات والطفيليات الانتهازية بالفحوصات المخبرية المتعددة التي لا داعي هنا للخوض في تفاصيلها.
وتحتاج كل مرحلة من هذه المراحل إلى علاج خاص نوضحه فيما يلي:
معالجة مرضى الإيدز:
وتنقسم إلى المحاور التالية:
أ- الأدوية المضادة للفيروس HIV:
لا تزال العقاقير المضادة لفيروس الإيدز في حقل التجارب ما عدا عقار AZT (زيد وفيودين) …. وهو عقار مكلف باهظ الثمن وله مضاعفات (اختلاطات كثيرة) . ولكنه يعتبر أفضل العقاقير الموجودة حتى الآن. ويستخدم معه في بعض الأحيان عقار ثنائي ديوكسي سيتدين ddc وثنائي ديوكسي انوزين ddI وإذا ثبتت فعاليتهما فإنها أقل كلفة من عقار زيدوفيودين (AZT) … وهناك عقاقير كثرة جدًا وكلها لا تزال في حقل التجارب.(9/2116)
ب- الأدوية التي تحسن الوظائف المناعية للمصاب Immuno modulators:
تشمل منشطات المناعة مثل انترليوكين 2 وانتر فيرون جاما، وهرمونات الغدة السعترية (thymic homones) . وقد قام الدكتور أحمد القاضي وزملاؤه في الولايات المتحدة بتجربة الحبة السوداء وبعض الأعشاب الأخرى (التي تحسن المناعة) في بعض حالات الإيدز … ولا تزال جميع هذه المواد في طور التجارب وتحتاج إلى دراسات موسعة ومعرفة مدى التحسن.
ج- إعطاء مضادات الأجسام وحيدة النسيلة antibodies monoclonal:
وهي لا تزال قيد الدراسة والبحث.
د- أدوية لمعالجة الأمراض (الانتهازية) والأورام المرتبطة بالإيدز:
معالجة المتكيسات الرئوية (الطفيلي المتوصل في الرئتين carini pneumocystitis) بعقار الكوتريميكسارول (المعروف تجاريًا باسم سيبترن أو باكتريم) وحقن البنتاميدين … وتعالج البوغيات المختفية (كريبتوسبوريديوم) بعقار السيبترين Septrin السابق ذكره وبوساطة عقار سيبرامايسين spiramycin.. وتعالج مقوسة جوندي toxoplamosis بواسطة السبترين والسيبرامايسين والدارابريم (عقار من عقاقير الملاريا) .
وتعطي مضادات الدرن بصورة مكثفة (من ثلاثة إلى خمسة عقاقير مجتمعة وهي الريفامبيسين والريمفون والايثامبيتول والاستربتومايسين والسيكلوسيرين) .
وتتم معالجة كل نوع من أنواع الميكروبات الانتهازية والفطريات بما يناسبه من العقاقير الكثيرة المتوفرة.(9/2117)
الوقاية من الإيدز
بما ان طرق العدوى بالإيدز أصبحت معروفة فإن اتخاذ التدابير الوقائية ممكنة، ولكن للأسف نجد أن الإيدز وانتشاره مرتبطان بالسلوك الإنساني المنحرف، وبما أن الغرب يصر على الاستمرار في غوايته وانحرافه. ونشر ذلك الانحراف والغواية في مختلف أرجاء العالم فإن الإيدز وكافة الأمراض الجنسية سيستمران في الانتشار مصداقًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) . . . . (1) . وقوله صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله: ((إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)) . (2) . وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت، ولا منع قوم زكاة إلا حبس عنهم القطر)) . (3) وهذه الأحاديث الشريفة معجزة من معجزاته العديدة التي لا تكاد تحصى لكثرتها … وقد وقع ما حذر منه البشير النذير ولابد إذن لاجتثاث آفة الإيدز والأمراض الجنسية الأخرى من محاربة الخنا والزنا والشذوذ الجنسي وغيره من الانحرافات والقاذورات التي انتشرت في مجتمعات العالم … وكل ما يؤدي إلى الزنا ينبغي الوقاية منه ومحاربته. قال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء: 32] وقال تعالى: {قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} [الأنعام: 151] . ومنع سبحانه تعالى كل سبيل يؤدي إلى الزنا وانتشار الفاحشة. قال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آَبَائِهِنَّ أَوْ آَبَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَائِهِنَّ أَوْ أَبْنَاءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ أَوْ نِسَائِهِنَّ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ أَوِ الطِّفْلِ الَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُوا عَلَى عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (31) } [النور: 30 –31] .
__________
(1) أخرجه الحاكم وابن ماجة والبزار
(2) أخرجه الحاكم
(3) أخرجه الحاكم(9/2118)
وندد المولى سبحانه وتعالى بالذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا حيث قال عز من قائل: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النور: 19] .
والذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا وفي المجتمعات الإسلامية كثيرون يتدثرون برداء التقدم والحضارة وعدم الانغلاق والتحجر، ورداء العلمانية (اللائكية) ، وعدم التعصب، ويستخدمون أجهزة الإعلام كلها المرئية والمسموعة والمقروءة …ويتصرفون في كثير من أجهزة الحكومات في مناطق شتى من العالم الإسلامي …ويشجعون على الفاحشة باسم الفن والأدب والقصة والتمثيلية والمسرح ….. إلخ ويدخل في ذلك قطعًا علب الليل وأماكن الدعارة الظاهرة والمستترة، وتجارة البغاء والمتدثرة بدثار السياحة والفندقة!!.
وكم تعاني البلاد الإسلامية عربًا وعجمًا من هذه السياحة الموبوءة … حيث يقدم المصابون والمصابات بالإيدز وينشرونه في بلاد الإسلام … وما تنشره الصحف عن هجمة الروسيات في دول الخليج ونشرهن للإيدز والأمراض الجنسية ليس ببعيد …
ودور السياح من اليهود والأمريكان في نشر الإيدز في مصر معروف منشور في الصحف والمجلات … والأمر ذاته يحدث في تركيا وفي تونس وفي غيرها من البلاد التي تعتمد على السياحة في مداخيلها … كما أن بعض شباب الخليج الذين يذهبون إلى تايلند والفلبين والهند وغيرها يعودون بأمراض جنسية خطيرة، والإيدز ضمنها دون ريب. كما أن عددًا منهم يصبح مدمنًا للمخدرات وهو طريق آخر للهلاك والدمار.
ولابد لمواجهة مشكلة الإيدز من محاربة موجة الإباحية وإعادة دور الدين والفضيلة وتربية الناشئة على المناهج القويمة.
وإزالة الركام القذر من أجهزة الإعلام وتطهيرها من المفسدين … وتوضيح مخاطر ما يسمى الفن (الداعر) … ومنع الخمور والمخدرات ومحاربتها بكل الوسائل … وتغيير القوانين الوضعية التي تبيح الزنا والربا واللواط، والتي تبيح المسكرات والخمور … والعودة إلى حياة الطهر والعفاف، وتشجيع الزواج والحياة العائلية والنظيفة المستقيمة.(9/2119)
وهذا لا شك يتطلب جهودًا مضنية لأن الأيدي القذرة الملوثة وأيدي يهود والصليبيين ستحارب بكل ما أوتيت من قوة عودة الأمة إلى إسلامها وطهرها وعفافها … وسيحارب الداعين إلى الإسلام والاحتكام لشريعته وسيودعون السجون …وسيلاقون القتل والتشريد والتعذيب والتنكيل والاستهزاء والقذف بأشنع التهم … وهو أمر عانت منه أمة الإسلام على مدى قرن من الزمان تقريبًا منذ أن دخل الاستعمار بلاد الإسلام … واتخذ طائفة من أبناء الأمة أقلامًا والسنة داعية لمبادئه وحضارته … والهجمة لا تزال مستمرة منذ عهد كمال أتاتورك (من يهود الدومنة) الذي حطم الخلاقة الإسلامية وقضى عليها إلى يومنا هذا.
ومع هذا فالخير قادم لا ريب فيه والنصر للإسلام آت لا شك فيه. {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج: 40] ، وليظهرن الله هذا الدين على الدين كله وعدا من أصدق القائلين.
ويرتبط الإيدز أيضًا بالمخدرات وتعاطيها زرقًا بالوريد … ومشكلة المخدرات لن تحل إلا بإعادة شباب الأمة إلى محاضن الإيمان ومحاربة الوسائل الداعرة الفاجرة في وسائل الإعلام التي تحث وتدعو للإباحية.
ولابد من الاهتمام بدور المسجد والمدرسة والمنزل في مواجهة هذه التحديات. وهذه معركة خطير خطيرة تستهدف كيان الأمة الروحي والنفسي والجسدي … وبوادر الصحوة بادية للعيان، وتحتاج إلى ترشيد واستخدام الحكمة لأن الأعداء متكالبون للقضاء على هذه النبتة الصالحة: {يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} [التوبة: 32] .
كذلك لابد من الاهتمام بموضوع نقل الدم ومشتقات الدم … والدم في الإسلام نجس قال تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145] .(9/2120)
والرجس هو النجس … وقد أجمعت الأمة على أن الدم المسفوح نجس لا يجوز التداوي به إلا عند الضرورة لأنقاذ حياة أو لحاجة شديدة تنزل منزلة الضرورة … وقد أسرف الأطباء في استخدام الدم ومشتقاته في الأربعين عامًا الماضية، وظهرت اليوم دعوات قوية بين الأطباء ومن منظمة الصحة العالمية إلى الإقلال من استخدام الدم قدر الإمكان … وإلى استخدام بدائله المصنعة كلما كان ذلك ممكنًا …. وفي العمليات غير المستعجلة يمكن أخذ الدم من المريض ذاته قبل العملية وإعطاؤه إياه في وقت العملية. كما أن استرجاع الدم أثناء العمليات بواسطة آلات حديثة يسرت إجراء كثير من العمليات دون الحاجة لنقل الدم.
ولابد من إجراء الفحوصات للدم من المتبرعين به … واستبعاد أي متبرع مشبوه وأي شخص مصاب والعياذ بالله بالشذوذ أو الزنا أو استخدام المخدرات فإنه يمنع من التبرع بالدم أو الأعضاء (حيًا وميتًا) .
ويمكن استخدام مشتقات الدم مثل عامل 8 لمرضى الناعور (الهيموفيليا) بعد تسخين هذه المشتقات بطرق فنية خاصة إلى درجة 65 مئوية، وذلك يقضي على فيروس الإيدز. ورغم كل هذه الاحتياطات إلا أن الدم ومشتقاته لا يزال مصدرًا لحدوث الإيدز من حين لآخر كما حدث في فرنسا لمرضى الهيوفيليا، وفي ألمانيا عند التراخي في استخدام الفحوصات اللازمة لبنوك الدم … والأمر أخطر من ذلك في الهند وفي أفريقيا، وفي دول العالم الثالث الفقير ذي الإمكانيات الهزيلة، والذي يمكن فيه بسهولة مخالفة النظم المقررة دون خوف من عقاب أو رادع من ضمير.
واستخدام الرفال (الحاجز الواقي) بين الزوجين عند إصابة أحدهما وسيلة من وسائل الحد من الإصابة، وإن كانت غير مضمونة، وذلك لإمكان انخرام الرفال (الكوندوم) أو سقوطه أثناء الوقاع … وهو وسيلة من لا وسيلة أخرى له.
وللأسف فإن سياسة منظمة الصحة العالمية في محاربة الإيدز سياسة عقيمة لأنها لا تواجه المشكلة من أساسها، بل تحاول أن تخفف من آثارها بنشرها الدعوة لاستخدام الرفال واستخدام ما تسميه (الجنس الآمن) (safe sex) وتقصد به عدم الإيلاج في الفرج والشرج والفم، واستخدام ما عدا ذلك. وهو أمر غريب لأن من تبع هواه وشهوته لن يقف عند حد معين، بل سيتبع نفسه هواها ... وكذلك دعوتها لاستخدام الرفال (الكوندوم) دعوة داحضة لأن أصحاب الشهوات والزناة واللواطية لن يستخدموه، وإذا استخدموه تعرض الكوندوم للسقوط والتمزق أو الانخرام … الخ.
وكذلك دعوة المنظمة للتحول من زرق المخدرات إلى بلعها أو تدخينها أو شمها ليس إلا دلالة على تفاهتها لأن المسطول لن يرعوي عن أي طريق.. ودعوتها لإعطائهم الحقن المعقمة تضحك الثكلى وتزيد الطين بلة!!.
ولا شك أن كل طريق منحرف يؤدي إلى الطرق المنحرفة الأخرى والفكر السقيم والآراء الضالة.(9/2121)
ورغم أن الاتجاه العام لمنظمة الصحة العالمية في محاربة الإيدز هو ما ذكرناه إلا أن المكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية لشرق البحر المتوسط (الإسكندرية) قد بذل جهودًا جبارة لتوضيح أهمية الدين والمحافظة على العفة والمبادرة بالزواج المبكر للشباب. وذلك يرجع إلى أن مدير هذا المكتب رجل فاضل ذو خلق ودين هو معالي الدكتور حسين الجزائري (وزير الصحة سابقًا في المملكة العربية السعودية) ويعينه ثلة من خيار الأطباء على رأسهم الأستاذ الدكتور محمد هيثم الخياط الطبيب الداعية النابغة والدكتور محمد حلمي وهدان، مدير الوقاية من الأمراض ومكافحتها أجزل الله مثوبتهم وثبت مقولتهم. وقد نشر المكتب الإقليمي كتابًا بعنوان: (دور الدين والأخلاقيات في الوقاية من الإيدز ومكافحته) وهو كتاب قيم في هذا الصدد، ولكن منظمة الصحة العالمية ذكرت في أول صفحة من الكتاب أن: هذه الوثيقة ليست من المنشورات الرسمية لمنظمة الصحة العالمية … وأن مسؤولية الآراء الواردة في الوثائق المقترنة بأسماء المؤلفين إنما تقع على عاتق أصحاب هذه الآراء حصرًا.
وكأنها تتبرأ مما جاء فيه رغم تلطفه في عرض المسائل.
وقد أصدر المكتب الإقليمي توصيات بشأن دور الدين والأخلاقيات في مجال الوقاية من الإيدز والأمراض المنقولة جنسيًا، ومكافحتها سننقلها بكاملها في الملاحق. وقد اشترك في هذه الندوة مجموعة من علماء الإسلام في العصر الحديث نذكر منهم الشيخ محمد الغزالي والشيخ المختار السلامي (مفتي تونس) والشيخ محمد سيد طنطاوي (مفتي مصر) والشيخ أحمد عمر هاشم (نائب رئيس جامعة الأزهر) والشيخ صديق علامة (مدير الأوقاف في الإسكندرية) ، ومجموعة من القسس مثل القس ويصا القمص جرجس، والقس أثناسيوس ميخائيل كرم، بالإضافة إلى السادة الأطباء مدير المكتب الإقليمي الدكتور حسين الجزائري والمدير التنفيذي للبرامج، الدكتور محمد هيثم الخياط والدكتور محمد حليم وهدان، مدير الوقاية من الأمراض ومكافحتها، والدكتور عبد المنعم محمد علي مسؤول مركز تبادل المعلومات عن الإيدز والدكتور محمد الخطيب مسؤول التثقيف الصحي بمكتب المنظمة، والأستاذ عادل صلاح رئيس وحدة الإعلام بالمكتب الإقليمي.(9/2122)
عزل مريض الإيدز والمصاب بفيروس الإيدز
بما أن الشخص المصاب بالإيدز يسبب الهلع والرعب لمن حوله نتيجة لما اعتور هذا المرض من حملات تخويف مرعبة، لذا فإن المصاب بالإيدز، في كثير من الأحيان، ينبذ ويعامل بقسوة. والمشكلة تختلف من بلد لآخر.
ولابد من إفراد مستشفيات أو أجزاء من مستشفيات لمداواة مرضى الإيدز واتخاذ الاحتياطات اللازمة، وخاصة عند أخذ التحاليل الطبية وإزالة إفرازات المريض، وكذلك عند غسل الميت المصاب بالإيدز للتوقي من إفرازاته التي تحمل فيروس الإيدز، وخاصة تلك المختلطة بدمه. والتي يمكن أن تدخل إلى جسم الإنسان عبر شقوق صغيرة أو سجحات في جلده.
وبما أن المريض بالإيدز قد تطول به الحياة لعدة سنوات، فإن من المتعذر إبقاءه طوال هذه المدة في المستشفى. ولذا ينبغي أن يعود إلى بيته في الحالات والأوقات التي لا تستدعي حالته دخول المستشفى، وأن يقدم لأهله وذويه المعلومات الكافية في كيفية رعايته دون أن يتعرضوا للعدوى.
وبما أن العدوى لا تحدث – في الغالب الأعم – إلا عن طريق الممارسة الجنسية (الجماع) أو الدم فإن تجنب الوقاع والدم أمر متيسر.. وغالبًا ما يكون المريض بالإيدز في حالة صحية لا تسمح له بطلب الوقاع.
وينبغي أن يعامل المجتمع مريض الإيدز بما يستحقه من الشفقة والرحمة، وخاصة أن كثيرًا ممن أصيبوا بهذا المرض الخبيث في بلادنا كان ناتجًا عن نقل الدم في الأساس، وبالتالي هو ضحية من الضحايا دون ذنب اقترفه.. وقد يكون مثل هذا الشخص المصاب اتصل بزوجته قبل أن يعلم بإصابته بفيروس الإيدز ونقل إليها المرض، وكذا الأطفال …وهؤلاء كلهم أبرياء. ثم على فرض أن الشخص قد ألم بخطيئة ثم تاب، فإن في المرض كفارة للمسلم وواجب المجتمع المسلم أن يعامل هؤلاء المساكين الضعفاء بالشفقة والرحمة … لا يستثنى من ذلك إلا المجاهرون بالمعصية، المستمرون في غوايتهم وضلالهم فهؤلاء ينبغي أن تطبق بحقهم أحكام الشريعة الإسلامية الغراء التي تدرأ الفاسد وتستأصله.
وواجب من أصيب بفيروس الإيدز من المسلمين عند معرفته ذلك أن يستسلم أولًا لقضاء الله وقدره، ويبادر بالتوبة ورد المظالم والحقوق وأن يصلح ما بينه وبين ربه. وأن يستعد لما لا بد منه، وهو ملاقاة ربه … ولا يفعل مثل ما يفعل الكفرة الذين يبادرون إلى الانتحار والعياذ بالله فينهي بذلك حياته أسوأ نهاية، وينتقل من عذاب الدنيا إلى عذاب الآخرة وبئس المصير.(9/2123)
ثم إن واجبه بعد ذلك أن يعرف كيفية انتقال المرض إلى الآخرين، وأن يحرص كل الحرص على عدم إصابتهم، وعلى النصح لهم. وأن لا يغش أحدًا من إخوانه المسلمين، ومن فضل الله سبحانه وتعالى أن العدوى تكاد أن تكون محصورة في الوقاع (الاتصال الجنسي) وفي انتقال الدم. وإذا امتنع عن هذين الطريقين فقد امتنع عن إصابة الآخرين بالإيدز. وأما المرأة المصابة بالفيروس فإن عليها أن تمتنع عن الحمل أيضًا لسببين: أولهما: أن الإيدز يزداد شراسة بالحمل، وبالتالي سيزداد المرض لديها بذلك. وثانيهما: أن الإيدز قد ينتقل إلى جنينها في أثناء الحمل (غالبًا في الأشهر الأخيرة منه) ، أو أثناء الولادة، فإذا تجنبت الحمل حمت نفسها من شراسة المرض وزيادته، وحمت الجنين من الإصابة بالفيروس وسنزيد هذه النقطة بحثًا في موضعها.
وتقوم الدول الغنية بتوفير الرعاية الصحية لمرضى الإيدز، وذلك بتوفير ممرض أو ممرضة مدربة تدريبًا جيدًا لزيارة المصاب بالإيدز في منزله. كما أن المصاب يذهب إلى مستوصف خاص أو مستشفى لزيارة الطبيب وإجراء الفحوصات من حين لآخر …وعند حصول مضاعفات المرض يتم إدخال المصاب إلى المستشفى ورعايته هناك.
وهكذا يتضح عدم الحاجة إلى عزل مريض الإيدز في مكان خاص بل يبقى المريض في بيته وتوفر له أسباب الرعاية قدر الإمكان ولا يتم إدخاله المستشفى إلا عند الحاجة، وذلك يوفر للدولة والمجتمع مبالغ طائلة، ويقلل أيضًا من احتمالات انتقال عدوى المرض.
أما الشخص السليم الذي يحمل فيروس الإيدز وليس به أي مرض ظاهر فإنه يستطيع أن يمارس العمل أو الدراسة دون أي خوف من الإصابة والعدوى، طالما يتم اجتناب الاتصال الجنسي والدم وهو أمر هين ميسر.
وينبغي الحذر من استخدام أدوات المريض الشخصية مثل فرشاة الأسنان أو موسى الحلاقة، كما ينبغي اتخاذ كافة الاحتياطات الضرورية عند فحص دمه أو إفرازاته، كما ينبغي لحامل الفيروس أن يتجنب الرياضيات العنيفة والمسابقات لاحتمال إصابته وخروج الدم منه، فإذا جاء المسعفون لإنقاذه تعرضوا للإصابة بالعدوى بسبب دمه. ويمنع حامل الفيروس من التبرع بالدم أو أي عضو من أعضائه حيًا أو ميتًا.(9/2124)
ويجب على حامل الفيروس ومريض الإيدز أن يخبرا أطباءهما والمختبرات وأطباء الأسنان بالحقيقة إذا كانوا لا يعلمونها ليأخذوا حذرهم عند إجراء الفحوصات ولتعقيم الآلات، أو استخدام آلات ترمى بعد الاستعمال.
وقد جاء في قرار الندوة المشتركة بين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ومجمع الفقه الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية المنعقدة في الكويت (23 – 25 جمادى الآخرة 1414 هـ / 6 – 8 ديسمبر 1993) ما يلي حول عزل المريض:
تؤكد المعلومات الطبية المتوافرة حاليًا أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري (الإيدز) لا تحدث عن طريق المعايشة، أو الملامسة، أو التنفس، أو الحشرات، أو الاشتراك في الأكل أو الشرب، أو المراحيض، أو حمامات السباحة، أو المقاعد، أو أدوات الطعام أو غير ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية، وإنما تنتقل العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:
1- الاتصال الجنسي بأي شكل كان (المقصود السوي والشاذ)
2- نقل الدم الملوث أو مشتقاته.
3- استعمال المحاقن الملوثة، ولا سيما بين متعاطي المخدرات.
4- الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها (المقصود أثناء الحمل والولادة ونادرًا الرضاعة) .
بناء على ما تقدم فإن عزل المصابين من التلاميذ أو العاملين أو غيرهم عن زملائهم الأصحاء ليس له ما يسوغه.
عزل الطلبة المصابين بالإيدز:
وقد جاء في بيان منظمة الصحة العالمية بالاشتراك مع منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ومنظمة العمل الدولية واتحادات المهن التعليمية العالمية والاتحاد العالمي للمدرسين والنقابات التعليمية ما يلي:
إن نسبة كبيرة من الناس في جميع البلدان تبلغ أعمارها اليوم ما بين خمس وثماني عشرة سنة ومن بين هؤلاء أعداد كبيرة، إما أنها من طلاب المدارس أو أن لها صلة بهم.(9/2125)
وللمعلومات والقيم والمهارات التي تقدم في المدارس تأثير هائل على حياة هؤلاء الشباب. وإذا أريد للمعرفة أن تتزايد وللسلوكيات المحفوفة بالخطر أن تتناقص بين الناشئة فلا غنى عن المشاركة الفعالة للمدرسين من خلال التنظيمات الممثلة لهم (وبالتعاون مع خبراء الصحة والاتصالات والعلوم الاجتماعية) في تخطيط وتنفيذ ولتقويم المنهاج المدرسية لتعزيز الصحة التي تعالج قضايا الإيدز وغيره من الأمراض المنقولة جنسيًا. وفضلًا عن ذلك فإن لمشاركتهم أهمية جوهرية في مبادرات مقاومة الجهل، ومقاومة التمييز ضد زملائهم وتلاميذهم المصابين بعدوى الفيروس.
ثم ذكر البيان أوجه العدوى بفيروس الإيدز ثم قال: من أجل ذلك ينبغي أن تكون مضامين العدوى بالفيروس والإصابة بالإيدز في البيئات المدرسية مفهومة بكل الوضوح لدى المدرسين والتلاميذ والوالدين. وينبغي أن يجري المدرسون مناقشات مستفيضة حول طرق انتقال الفيروس والسلوكيات التي من شأنها خفض خطر العدوى، وذلك ضمن البرامج الوطنية للوقاية من الإيدز ومكافحته في كل بلد.
ومن الأهمية بمكان أن يفهم كل من له صلة بالبيئات المدرسية، وأن يؤكد للآخرين أن الاتصال المعتاد فيما بين الطلبة، وفيما بين المدرسين، وفيما بين الطالب والمدرس لا ينطوي على أي خطر للإصابة بالعدوى أو نقلها للآخرين. إن السلوكيات الأساسية التي تؤدي للعدوى بين الطلاب في الأعمار التي تتراوح بين الخامسة والثامنة عشرة هي التي تسببها بين الكبار: الاتصال الجنسي، ووصول الأدوات الثاقبة للجلد والملوثة بالفيروس إلى مجرى الدم، وعمليات نقل الدم في البلاد التي لا تفحص الدم بصورة روتينية بحثًا عن أضداد الفيروس.
وتنادي الوثيقة بالسماح للمصابين بفيروس الإيدز من الطلبة والأساتذة بالاستمرار في التعلم والتعليم وممارسة نشاطهم المعتاد مع توضيح مخاطر السلوكيات المنحرفة التي قد تحدث بين الطلبة (اللواط، والزنا، واستخدام المخدرات) ومناقشة هذه المخاطر بصورة واضحة ومتكررة.
ولكن من الغريب حقًا إصرار الوثيقة على أن لا يبلغ المصاب بفيروس الإيدز إدارة المدرسة أو المكتب الطبي بأنه مصاب بفيروس الإيدز … مع أن علمهم بذلك ييسر اتخاذ الاحتياطات اللازمة حتى لا ينقل العدوى.(9/2126)
والأشد غرابة من ذلك هو أن تصر الوثيقة على حرية المصاب بفيروس الإيدز باتخاذ السلوكيات التي تناسبه مع توضيح مخاطر العدوى بصورة عامة له ولكافة أفراد المجتمع … أي باختصار إذا كان شاذًا جنسيًا فلا لوم عليه إذا هو مارس شذوذه (لعنات الله عليه وعليهم أجمعين) ، ولكن يتعين عليه استخدام الغمد الواقي (الكبوت، الكوندوم، الرفال) …..
وهذا من تأثيرات اليهود عليهم لعائن الله المتتابعة الذين ينشرون الفساد في الأرض. والتوراة المحرفة قد اتهمت لوطًا عليه السلام بأنه قد زنى بابنتيه، وأن داود عليه السلام قد زنى بحليلة جاره ثم أنجب منها سليمان، وأن يهوذا (ابن يعقوب عليه السلام) قد زنى وزوجة ابنه ثامار، وأن الزنا واللواط قد انتشر في إسرائيل حتى أن بيت الرب (بيت المقدس وفيه الهيكل المزعوم) كانت تتم فيه عمليات اللواط والزنا ويسكن فيه (لعائن الله المتتابعة عليهم) قد أمر يوشع بن نون عليه السلام أن يتزوج راحاب الزانية، وأنه أمر النبي يوشع كذلك بأن يتزوج البغية جومر بنت دوبلايم … وهؤلاء اليهود اليوم يتحكمون في أجهزة الإعلام وفي كافة المنظمات. وقد حضرت بنفسي مؤتمرًا في هولندا عقد لدراسة حقوق المصابين بالإيدز عام 1990 وذهبت ممثلًا لمعالي الدكتور عبد الله نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي آنذاك. وفوجئت في المؤتمر بأن المنظمين له يهود، وذوا النفوذ فيه يهود … وقد دخلت معارك كلامية ضدهم وهم يحاولون إصدار القرارات التي تدفع عن أصحاب الشذوذ والزناة باعتبار ذلك من حقوق الإنسان. ولذا نجد أن معظم قرارات منظمة الصحة العالمية والمنظمات العالمية الأخرى متأثرة جدًا بهذا الاتجاه (1) .
والواجب في مثل هذه الحالات أن يعاقب هؤلاء المجرمون الذين يتظاهرون ويعلنون أن هم شاذون جنسيا كما ينبغي معاقبة من يعلن أنه من الزناة … وينبغي معاقبة ومنع كل وسيلة من وسائل إشاعة الفاحشة في المجتمعات. وذلك يستدعي أيضًا تطهير الإعلام وما يسمى الفن والمسرح والسينما والسياحة من هذه القاذورات، كما ينبغي إلغاء كل المواد الموجودة في القوانين الوضعية التي تبيح الزنا واللواط وهي مواد كثيرة موجودة في معظم قوانين البلاد الإسلامية (عربًا وعجمًا) فضلًا عن قوانين الدول الكافرة.
وما دامت هذه الدول تصر على إبقاء الزنا واللواط مباحين فإن العقوبات الإلهية لن تتوقف … وسيستمر الإيدز وما هو شر من الإيدز.
وذلك مصداقًا لأحادث الحبيب المصطفى صلوات ربي وسلامه عليه حيث يقول: ((لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا. . . .)) (2) . وحيث يقول: ((إذا ظهر الربا والزنا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)) . . . . (3) . وفي قوله: ((ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت)) . . . . (4)
__________
(1) احتوت بنود مؤتمر السكان والتنمية العالمي المنعقد في القاهرة في الفترة 5 – 13 سبتمبر 1994 على فقرات كثيرة تتحدث عن الحقوق الجنسية للشاذين والزناة وقد عارضها الأزهر وغيره من المنظمات الإسلامية والدول الإسلامية.
(2) أخرجه الحاكم والبزار وابن ماجة
(3) أخرجه الحاكم
(4) أخرجه الحاكم(9/2127)
الإصابة بفيروس الإيدز والعمل
بما أن المصاب بفيروس الإيدز يبقى فترة طويلة قد تبلغ عشر سنوات قبل أن تظهر عليه أعراض المرض، وبما أن الفيروس لا يعدي إلا بواسطة الاتصال الجنسي ونقل الدم، وكلاهما مستبعد جدًا في مجال العمل فإن منع المصاب بفيروس الإيدز من العمل من عمله ليس له ما يبرره إلا إذا كان العمل في حد ذاته سيسبب خطرًا للآخرين. ولذا فإن العمل إذا لم يتضمن أعمالًا خطيرة قد ينزف منها الشخص وبالتالي ينقل العدوى لمن يسعفه، فإن هذا العمل لا يشكل أي خطر لنقل فيروس الإيدز إلى المجتمع.
ولا نعتبر البغاء والدعارة عملًا والدول التي تسمح بذلك تخالف الفطرة والعقل والشرع وتعرض شعوبها للإصابة بالأمراض الجنسية الخطيرة الخطيرة … ولذا فإن أعمال الدعارة الظاهرة والخفية وعلب الليل وما شاكل ذلك كلها مكامن الخطر الحقيقية على الأمة … من الغريب حقًا أن تسمح بها دول تدعي الإسلام، وما هي من الإسلام في شيء. وتعتبر ذلك من علامات الحضارة والتقدم ومن مصادر الدخل للأمة والدولة … وأخبث بها من حضارة وأخسئ بها من مصدر للدخل!!. ولا يمكن لمن يدعي الإسلام أن يسمح بذلك … وادعاؤه كذب وبهتان ومحاربة ومحادة لله ورسوله.. وللأسف فإن دولًا عديدة تسمى نفسها مسلمة تبيح الربا والزنا واللواط بنص القانون وتحميه الدولة بشرائعها الشاذة الغربية … وتحارب كل من يدعو إلى قفل المواخير السرية والعلنية … وإلى منع الربا والزنا واللواط وتتهمه بالرجعية والأصولية والتشدد! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم … وإنا لله وإنا إليه راجعون!! وهذا حقًا هو المصاب الأليم الفاجع الذي أصيبت به أمة الإسلام … ولذا كتب الله عليها الذلة والمهانة من أعدائها حتى تراجع دينها وتعود لشريعة ربها.
وقد أصدرت منظمة الصحة العالمية بالاشتراك مع مكتب العمل الدولي وثيقة في 27 – 29 يونية (حزيران) بشأن الإيدز في محل العمل. وقد استهلت الوثيقة بأهمية المعركة ضد الإيدز وتوعية الجماهير بمخاطره وأنواع السلوك التي تؤدي إلى نشره، ثم ذكرت الوثيقة وسائل انتقال الإيدز التي أفضنا في ذكرها.(9/2128)
وجاء في الوثيقة: (وفي الغالبية العظمى من المهن والمنشآت المهنية، لا ينطوي العمل على أي خطر للعدوى بالفيروس أو نقله بين العمال، أو من عامل إلى عميل أو العكس، وتتناول هذه الوثيقة أولئك العمال المستخدمين في هذه المهن. وسوف ينظم البرنامج العالمي للإيدز بمنظمة الصحة العالمية مشاورة أخرى تتناول المهن أو المنشآت المهنية الأخرى التي قد يوجد بها خطر ملحوظ لاكتساب العدوى أو نقلها كما في العاملين الصحيين)
وتتحدث الوثيقة بعد ذلك عن حقوق الإنسان وحماية الكرامة الإنسانية للمصابين بفيروس الإيدز وحقهم في العمل الشريف وحثت الدول على:
1- خلق روح من التفاهم للمصابين بعدوى فيروس الإيدز ومرضى الإيدز والعطف عليهم.
2- حماية الحقوق الإنسانية والكرامة البشرية للمصابين بفيروس الإيدز وتجنب ممارسة التمييز ضدهم أو حرصهم عند تقديم الخدمات وفرص العمل والسفر (وهنا ملاحظة إصرار منظمة الصحة العالمية على الدفاع عن الشاذين جنسيًا وحقهم في سلوكهم الخاطئ الفاضح) .
3- ضمان سرية اختبار فيروس العوز المناعي وتعزيز توافر الاستشارات الخصوصية وغيرها من خدمات الدعم.
وتصرُّ الوثيقة على عدم الحاجة لإجراء الفحوصات التي توضح وجود عدوى فيروس الإيدز من عدمها. كما تمنع السؤال عن السلوكيات المؤدية للإيدز باعتبار أن ذلك من حق الشخص الممارس وحده.. وهو موقف شاذ وغريب إذ لا شك أن من حق جهة العمل أن تعرف سلوكيات موظفها، وإذا ما كان سلوكه الظاهر خطرًا على الآخرين. وهي دعوة من منظمة الصحة العالمية ومكتب العمل الدولي، بصورة مستترة للدفاع عن الشذوذ الجنسي والدفاع عن الزنا … وليس ذلك بغريب على هذه المنظمة التي ينخر فيها فساد اليهود وآراؤهم وفلسفاتهم. وتكرر المنظمة قولها: (المصابون بعدوى الإيدز ينبغي أن لا يتعرضوا للتمييز ضدهم) مهما كان سلوكهم الشخصي مقززًا ومصادمًا لأخلاقيات المجتمع.(9/2129)
وبفضل الله إن المصابين بفيروس الإيدز نتيجة الشذوذ الجنسي في البلاد الإسلامية لا يكادون يوجدون وهم محدودون جدًا ومختفون ولا يعلنون قاذوراتهم … وأكثرية المصابين بالفيروس هم ضحايا للدم ومشتقات الدم والإبر الملوثة … ولهذا فإن من حقهم الاستمرار في العمل الشريف، والحصول على كل مزاياه.
وفي حالات الإسعاف الأولى في محيط العمل لا بد من اتخاذ كافة الاحتياطات لعدم التلوث بالدم من المصابين بصورة عامة، ولمن يحملون فيروس الإيدز بصورة خاصة. وهذا يستدعي أن تكون إدارة العمل مدركة لنتائج فحوصات الدم المتعلقة بفيروس الإيدز إذ إن ذلك يجعلها تتخذ الاحتياطات الكفيلة بمنع انتقال العدوى في مثل هذه الظروف.
ولا يبدو أن الدعوة للحفاظ على السرية التامة لفحوصات الإيدز وعدم إيصالها إلى جهة العمل أو أي جهة أخرى منطقية.
إذ إن ذلك يعيق اتخاذ الاحتياطات اللازمة، ولذا ينبغي أن تكون هذه المعلومات في نطاق محدود جدًا بإدارة العمل، أو بالجهة التعليمية المسؤولة أو الجهة الصحية في حالات إصابة الطلبة على سبيل المثال.
وتعاليم الإسلام تحث على إغاثة الملهوف وفك العاني ومداواة المصاب والمكلوم بالكلمة الطيبة الحانية ((وبحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم)) … فلا بد إذن من السماح للعامل بالعمل مادام يقدر على ذلك، فلو كان يحمل فيروس الإيدز. ولا بد كذلك من السماح للطالب بالدراسة مع اتخاذ كافة الاحتياطات ومنعه من الألعاب العنيفة والتعارك من زملائه حتى لا يكون مصدرًا للعدوى بهذا الفيروس المخيف المرعب.
وما عدا ذلك يجد حقه كاملًا في الرعاية والدراسة والعمل.
أما مريض الإيدز فإنه لا شك لا يستطيع العمل بسبب شراسة الإيدز وشدة فتكه، وخاصة في مراحله الأخيرة.(9/2130)
وإعاشته تكون إما من ماله إن كان له مال، أو من معاشه إن كان له معاش أو من الضمان الاجتماعي، فإن على الدولة واجب كفالة مواطنيها عند حاجتهم وعوزهم. وتتكفل الدولة أيضًا برعايته ومداواته من الأمراض الانتهازية والأورام التي تحدث في المصابين بهذا المرض. ولا يعني ذلك أن يبقى طوال هذه المدة في المستشفى، بل يمكن أن تتم الرعاية في بيته ويزوره ممرض مدرب بانتظام، فإذا استدعت حالته دخول المستشفى تم إدخاله حسب الحاجة.
وهناك تأمين صحي في كثير من البلدان، وذلك يخفف العبء إلى حد كبير عن الدولة، حيث يشترك الشخص في أثناء صحته في هذا التأمين بحيث يضمن العلاج والتداوي عند مرضه.
وللأسرة دور هام في رعاية مريض الإيدز … وإذا تم توضيح الحقائق العملية للأسرة مبسطة ميسرة، فإن الأسرة لن تتخلى عن فرد من أفرادها بسبب مرضه، وحين حاجته لرعايتها ... ولا خوف على الأسرة إذا اتخذت الاحتياطات الضرورية، وهي يسيرة معروفة سهلة التطبيق.
هل على المصاب بالإيدز عقوبة إذا تسبب في إصابة شخص آخر؟
إذا قام حامل الفيروس أو مريض الإيدز بنقل المرض إلى غيره عامدًا سواء أكان بالاتصال الجنسي (ولو كان بين الزوجين) ، أو بواسطة إبرة ملوثة بالدم فلا شك أن هذا الشخص ينبغي أن يعاقب.
وفي الوقت الحاضر تتم محاكمة مسؤولين كبار في وزارة الصحة الفرنسية لأنهم أهملوا إجراءات فحص الدم (بعد ظهور فحص أليزا) ، وسمحوا بإعطاء دماء ملوثة بفيروس الإيدز إلى مجموعة كبيرة من الأطفال في فرنسا مصابين بمرض الهيموفيليا (الناعور) ، وأدى ذلك إلى إصابة المئات من هؤلاء الأطفال بمرض الإيدز.(9/2131)
وقد حكمت المحكمة على المسؤولين بالسجن، وتم تعويض أهالي المصابين بآلاف الملايين من الدولارات.. كما تمت محاكمة شركة لبيع الدم حيث باعت دمًا ملوثًا بالإيدز في ألمانيا.
وقد حكمت المحاكم أيضًا في الولايات المتحدة لكل طفل مصاب بالإيدز نتيجة نقل الدم الملوث أو محتويات الدم بمليون دولار رغم أن هذه الحالات قد أصيبت بها الأطفال قبل ظهور فحص الدم الخاص بمعرفة فيروس الإيدز (فحص أليزا) الذي لم يعرف ويعم إلا في عام 1986.
والموقف في دول الخليج والسعودية مشابه لذلك، فهناك مئات الأشخاص الذين أصيبوا بمرض الإيدز نتيجة دم ملوث تم استيراده من نيويورك ولندن، وعليه فينبغي المطالبة بالتعويض من هذه الجهات التي باعت هذا الدم الملوث … وللأسف رغم أنني قد طالبت بذلك مرارًا وكتبته في الصحف إلا أن أحدا لم يلتفت بعد لهذا الأمر.
وهناك إجراء آخر هام وهو أن تقوم الدولة بمراجعة الملفات في المستشفيات الحكومية والخاصة لمعرفة الأشخاص الذين تلقوا دماء مستوردة من الخارج حتى عام 1986، وتقوم بالتالي بفحص دمائهم، ومعرفة من منهم يحمل فيروس الإيدز حتى يتم أخذ الاحتياطات اللازمة … وإذا ثبت أن هذا الشخص يحمل فيروس الإيدز فينبغي آنذاك فحص زوجته وأطفاله إذ ربما يكون قد نقل لهم هذا المرض … (الزوجة عن طريق الوقاع والأطفال عن طريق الأم إما بالحمل أو الولادة أو الرضاعة) .
وقد بحث العلماء الأجلاء موضوع تعمد نقل العدوى في الندوة الفقهية السادسة التي نظمتها (المنظمة الإسلامية) للعلوم الطبية بالكويت بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الكويتية في الفترة من 23 – 25 جمادى الآخرة 1414 هـ / 6 – 8 ديسمبر 1993 م.
وجاء في قراراتها ما يلي:
تعمد نقل العدوى بمرض الإيدز إلى السليم منه بأي صورة من صور التعمد عمل محرم، ويعد من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية، وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.(9/2132)
فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع فعمله هذا يعد نوعًا من الحرابة والإفساد في الأرض (1) ، ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] .
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وكانت طريقة الإعداء تصيب به غالبًا، وانتقلت العدوى وأدت إلى قتل المنقول إليه يعاقب بالقتل قصاصًا.
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه، وتمت العدوى ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيزية المناسبة. وعند حدوث الوفاة يكون من حق الورثة الدية.
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه، ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية
ولم يذكر القرار المذكور حالة إصابة عدد من الناس بفيروس الإيدز نتيجة إهمال في فحص الدم – كما ينبغي بالطرق المعهودة – ولكن لم يكن هناك تعمد لإصابة أحد. وأنما حدث ذلك بسبب عدم أخذ الاحتياطات وإجراء الفحوصات اللازمة، كما حدث في المانيا حيث قامت شركة لبيع الدم بإجراء فحص (اليزا) المطلوب على عينات عشوائية من الدم المخزون لديها، ولم تفحص كل كيس من أكياس الدم على حدة وأدى ذلك إلى حدوث نتيجة سلبية لفحص اليزا (فحص للأجسام المضادة لفيروس الإيدز) ، وقامت الشركة بالتالي ببيع هذا الدم على اعتبار أنه دم نظيف بينما هو في الواقع يحمل فيروس الإيدز.
والمحاكمة للشركة لا تزال جارية وقد طلب المدعي العام توقيع عقوبة السجن (ما بين خمس وعشر سنوات) بتهمة الإهمال في إجراء الفحوصات بالإضافة إلى التعويض المالي لكل المتضررين والذين انتقل إليهم الفيروس.
ولا شك أن الشركة هذه أو الطبيب سيضمن في الفقه الإسلامي، لأن الخطأ قد وقع بسبب إهمال في مثل هذه الحالة ولم يتم إجراء جميع الفحوصات المطلوبة. والضمان على عاقلة الطبيب فيما زاد على ثلث الدية كما هو مقرر في كتب الفقه (2) .
__________
(1) نشرت الصحف وفود مجموعة من السياح اليهود إلى مصر. يحملون الجنسية الأمريكية والإسرائيلية ويحملون فيروس الإيدز ويتعمدون نشره وذلك بإغراء الشباب والفتيات بالاتصال الجنسي معهم وبهم ويدفعون لهم الأموال. وقد قامت السلطات المصرية عندما علمت بأمرهم بإخراجهم من البلد وتسفيرهم. وبطبيعة الحال لم تجرؤ على محاكمتهم.
(2) انظر بحث ضمان الطبيب من هذه المسألة(9/2133)
ثم إن بيع الدم غير مقبول في الإسلام ومحرم لأنه نجس، وقد نصت على ذلك جميع الفتاوى الصادرة من المجامع الفقهية ودور الإفتاء والسادة الفقهاء الذين أفتوا بإباحة نقل الدم بشروط … ومنها استخدام ذلك للضرورة لإنقاذ حياة، أو حاجة تنزل منزلة الضرورة. ومنها أن لا يكون ذلك بعوض، لأن العوض في مثل هذه الحالة محرم.
أما إذا قام الطبيب بفحص المتبرع بالدم ووجد النتيجة سلبية لأن الفيروس لا يزال في الفترة الأولى (قد تكون النتيجة سلبية لمدة ثلاثة أشهر بعد الإصابة) ، ثم قام الطبيب بنقل هذا الدم، فإن الطبيب لا يضمن، لأنه قد قام بكل ما هو مطلوب من إجراء الفحوص والتأكد من عدم وجود الفيروس (حسب الفحوص المتوفرة حاليًا) … ولذا فإن أحكام الشرع الحنيف تعفي مثل هذا الطبيب الذي عرف بالطب ولم تخطئ يده، وبذل الوسع في إجراء الفحوص لسلامة مريضه، فلا ضمان على مثل هذا الطبيب (1) . .
حكم إجهاض المرأة الحامل المصابة بفيروس الإيدز
ينصح الأطباء المرأة المصابة بفيروس الإيدز أن لا تحمل، كما ينصحون زوجها بأن يستخدم الرفال (الغمد الواقي، الكبوت، الكوندوم) وخاصة إذا لم يكن هو حاملًا للفيروس..
ولكن ما هو الموقف الشرعي إذا حملت مثل هذه المرأة؟ أو إنها لم تكتشف أنها تحمل فيروس الإيدز إلا بعد حملها؟
من المعلوم أن الحمل يزيد في شراسة مرض الإيدز ولذا فإن المرأة المصابة بهذا المرض، ولو في مراحله الأولى، تنصح بعدم الحمل.
كذلك من المعلوم أن ما يوازي 10 بالمائة من الأجنة يصابون بالفيروس عبر المشيمة من الأم أثناء الحمل في الأشهر الأخيرة منه. كما أن ما يقرب من 30 بالمائة يصابون بالفيروس أثناء الولادة.. وللأسف فإن الولادة بالعملية القيصرية لا تقلل من هذا الخطر.
__________
(1) انظر مبحث ضمان الطبيب من هذه السلسلة(9/2134)
ومن الصعب جدًا معرفة ما إذا كان الجنين مصابًا بفيروس الإيدز أم لا ذلك لأن مضادات الأجسام والتي يعتمد عليها فحص أليزا ينتقل من الأم إلى الجنين عبر المشيمة، ولذا فإن الفحص يمكن أن يكون إيجابيًا بدون وجود عدوى بالفيروس.
وأخيرًا تمكن العلماء من التأكد من وجود فيروس الإيدز من عدمه بواسطة فحص يعرف باسم تفاعل سلسلة البوليمراز (PCR,Polymerase chain reaction) وفي هذا الفحص يتم تنمية أي جزء يسير من الفيروس المسبب للإيدز (انتيجن) وبالتالي يمكن التعرف عليه. ولكن مشكلة هذا الفحص أنه معقد ومكلف ولا يجرى إلا في مراكز معدودة متقدمة. ومن المتوقع أن يتم تيسيره وتعميمه في المستقبل القريب، وذلك يشكل خطوة هامة لتشخيص فيروس الإيدز تشخيصًا مؤكدًا. وستبقى مع ذلك مشكلة أن الفحص لن يتم إلا في الأشهر الأخيرة من الحمل.
وفي هذه الحالة يحرم قولًا واحدًا إجهاضه لأنه قد نفخ فيه الروح وتجاوز 120 يومًا بيقين.
التوجه الصحيح في مثل هذه الحالات أن تنصح المرأة بعدم الحمل طالما أن فحص الإيدز لديها إيجابي، ولها أن تستعمل كافة وسائل منع الحمل المناسبة.
أما إذا حدث حمل فإن الإجهاض يصعب تبريره لأن الجنين لا يصاب إلا في الأشهر الأخيرة من الحمل (نسبة 10 % فقط من الأجنة) بينما يصاب 30 % من الأجنة أثناء عملية الولادة سواء كانت ولادة طبيعية أو بعملية قيصرية (1) .
والمبرر الوحيد هو أن يكون الحمل سببًا في سوء حالة الحامل المصابة بالإيدز، ويشترط في ذلك أن يكون الإجهاض وسيلة مؤكدة لتحسن حالتها، وهذا أمر غير مؤكد وبالتالي فإن الإجهاض في هذه الحالة أيضًا غير مبرر.
__________
(1) هناك أبحاث طبية حديثة تقرر أن الولادة بالقيصرية تقلل نسبيًا من إصابة المولود بالإيدز(9/2135)
ولا يجوز الإجهاض بعد نفخ الروح قولًا واحدًا إلا إذا كان استمرار الحمل سيؤدي إلى قتل المرأة الحامل، وآنذاك تقدم حياتها على حياته لأنها أصله … وهذا ما قرره الشيخ محمود شلتوت والشيخ يوسف القرضاوي والمجامع الفقهية في فتاواها المتعددة حول الإجهاض وآخرها فتوى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته الثانية عشرة المنعقدة بمكة المكرمة في 15 – 22 رجب 1410 هـ / 10 – 17 فبراير 1990 م والذي جاء فيه أن المجلس قرر بأكثرية الأصوات ما يلي:
1- إذا كان الحمل قد بلغ مائة وعشرين يومًا لا يجوز إسقاطه، ولو كان التشخيص الطبي يفيد أنه مشوه الخلقة إلا إذا ثبت بتقرير لجنة طبية من الأطباء الثقات المختصين أن بقاء الحمل فيه خطر مؤكد على حياة الأم فعندئذ يجوز إسقاطه سواء كان مشوهًا أم لا دفعًا لأعظم الضررين.
2- قبل مرور مائة وعشرين يومًا على الحمل إذا ثبت وتأكد بتقرير لجنة طبية من الأطباء المختصين الثقات، وبناء على الفحوص الفنية بالأجهزة والوسائل المختبرية أن الجنين مشوه توشيهًا خطيرًا غير قابل للعلاج، وأنه إذا بقي وولد في موعده ستكون حياته سيئة وآلامًا عليه وعلى أهله فعندئذ يجوز إسقاطه بناء على طلب الوالدين.
والمجلس إذ يقرر ذلك يوصي الأطباء والوالدين بتقوى الله والتثبت في هذا الأمر والله ولي التوفيق.
واعتبرت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية عدم جواز الإجهاض إلا للضرورة القصوى ورأي بعض المشاركين في الندوة جواز الإجهاض قبل تمام الأربعين يومًا، وخاصة عند وجود الأعذار.
والخلاصة أن الإيدز لا يشكل مبررًا للإجهاض لأنه لا يحدث إلا في الأشهر الأخيرة من الحمل ونسبة حدوثه في حدود 10 % فقط. وأما النسبة الأكبر 30 % فتحدث أثناء الولادة.(9/2136)
حضانة الأم المصابة بفيروس الإيدز لوليدها السليم وإرضاعه
أظهرت الفحوصات المتعددة احتمالًا ضعيفًا لانتقال فيروس الإيدز من الأم المرضعة إلى وليدها أثناء الرضاعة، كما أثبتت أن الكمية الموجودة من الفيروس في لبن الثدي قليلة جدًا. ونظرًا لأهمية الرضاعة وخاصة في الدول النامية الفقيرة حيث يتوفى كثير من الأطفال بسبب عدم الرضاعة، فإن رأي منظمة الصحة العالمية هو أن تقوم الأم بإرضاع طفلها، ولو كانت هي مصابة بفيروس الإيدز، وذلك في المناطق التي يخشى فيها على حياة الطفل من عدم الإرضاع. وأما المناطق الأخرى التي تتوفر فيها النظافة والألبان البديلة فإن خطر الرضاعة وإن كان ضئيلا ًيجعل إعطاء الطفل الألبان البديلة أكثر أمنًا.
وإليك نص ما جاء في بيان منظمة الصحة العالمية بشأن العلاقة بين انتقال فيروس الإيدز وبين الرضاعة الطبيعية (أبريل 1992) .
التوصيات:
1- ينبغي الاستمرار في حماية الرضاعة الطبيعية وتشجيعها وتعزيزها في كل المجتمعات بصرف النظر عن معدلات العدوى بفيروس العوز المناعي البشري.
2- حيثما تكون الأسباب الرئيسية لوفيات الرضع هي الأمراض المعدية Infectious diseases وسوء التغذية، يكون الأطفال الذين لا يرضعون من أمهاتهم معرضين بدرجة مفرطة لخطر الموت بسبب هذه الحالات (1) . وفي هذه الظروف تكن مواصلة الرضاعة الطبيعية هي النصيحة النموذجية للنساء الحوامل، حتى المعروفات بأنهن مصابات بالعدوى (أي فيروس الإيدز) . وذلك لأن احتمالات عدوى الوليد عن طريق لبن الأم تكون على الأرجح أقل من احتمالات وفاته من أسباب أخرى في حالة حرمانه من الرضاعة الطبيعية.. وكلما ارتفع خطر وفاة المواليد خلال فترة الرضاعة، ارتفعت بالمثل درجة الحماية التي تحققه الرضاعة الطبيعية، وارتفعت كذلك أهمية نصح الأمهات بإرضاع أطفالهن ...
3 – في المواقع التي لا تكون الأمراض المعدية فيها هي الأسباب الرئيسية لوفيات الرضع، ينبغي نصح السيدات الحوامل المعروفات بأنهن مصابات بالعدوى (لفيروس الإيدز) ، بأن لا يرضعن أطفالهن، بل يستعملن طريقة أخرى مأمونة لتغذيتهم …
__________
(1) تقرر منظمة الصحة العالمية أن مليونًا ونصف مليون طفل يموتون سنويًا بسبب الإهمال الناتج من عدم الرضاعة (الطبيعية) بالإضافة إلى أعداد كبيرة أخرى يتوفون بسبب عدم الرضاعة (الطبيعية) مما ينتج عنه سوء التغذية والتهابات رئوية بسبب ضعف المقاومة. لذا فإن الرضاعة (الطبيعية) لتنقذ ملايين الأطفال سنويًا من الموت ومن الأمراض الخطيرة.(9/2137)
4- عندما يتقرر تغذية الوليد بطريقة صناعية، ينبغي أن لايتأثر اختيار طريقة التغذية البديلة والمستحضر الغذائي بأية ضغوط تجارية. وينتظر من الشركات أن تحترم هذا المبدأ تمشيًا مع القواعد الدولية لتسويق بدائل لبن الأم… وحين يتقرر استعمال لبن ممنوح (أي من امرأة أخرى متبرعة) فينبغي أولًا معاملته بالبسترة (وذلك يعني تسخينه وقتل فيروس الإيدز) ، مع اختبار السيدات المانحات بحثاُ عن أضداد الفيروس حيثما أمكن ذلك. وإذا كان البديل المختار هو استخدام مرضعة فينبغي العناية باختيار مرضعة معروفة بأنها سلبية للفيروس، (حيثما أمكن) .
ثم تحدثت الوثيقة عن أهمية توفير وسائل منع الحمل للمصابات بفيروس الإيدز وتجنب الإنجاب. وأهمية عدم الوقوع في العدوى للنساء والرجال وذلك بتجنب السلوكيات الخاطئة التي تؤدي إلى العدوى.
وقد أصدرت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي ضمن قراراتها حول الإيدز (انظر الملاحق) وفيه أن الندوة ترى: (أنه لا مانع شرعًا من حضانة الأم المصابة بفيروس الإيدز لطفلها. ولكن بما أن احتمال العدوى أثناء الرضاعة وارد، وإن كان قليلًا، فإن الأحواط هو عدم إرضاع الأم لطفلها إذا أمكن أن توجد للرضيع ظئر سليمة ترضعه، أو أن تتوافر له بدائل أخرى للتغذية بصورة كافية من الألبان المجففة، فإذا تعذر ذلك فلابد من إرضاعه حماية له من الهلاك) .(9/2138)
حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة وعدم المعاشرة الجنسية
لقد قررت الندوة المنعقدة حول الإيدز ومشاكله التي نظمتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الكويتية في الكويت (23 – 25 جمادى الآخر 1414 هـ / 6 – 8 ديسمبر 1993م) أن لكل من الزوجين حق طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز باعتبار أن الإيدز مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.
(أما إذا قررا الاستمرار في حياتهما الزوجية فإن للزوج السليم أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية، فإن رضي بالاتصال فإن الاحتياط يستوجب استعمال العازل الذكري الذي يقلل من احتمالات العدوى والحمل إذا أحسن استعماله …) .
ولابد للشخص المصاب أن يعلم زوجه بحقيقة مرضه ولا يخفيه عنه، لأنه إن فعل ذلك نقل المرض إلى السليم فيكون آثمًا ويستحق العقوبة التي سبق ذكرها.
ولا شك أنه ينبغي الإعلام كذلك عند الزواج (عند الخطبة وقبل العقد) حتى لا يدلس على الخاطب. وقد روي أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج امرأة من بني غفار فلما دخل ووضع ثوبه وقعد على الفراش أبصر بكشحها (1) بياضًا (2) فانحاز عن الفراش ثم قال: ((خذي عليك ثيابك ولم يأخذ مما آتاها شيئًا)) . . . . (3) . وفي رواية البيهقي قال لأهلها: ((دلستم علي)) . . . . (4) والتدليس هو إخفاء العيب وكتمه. وهو من الغش المنهي عنه.
وأخرجه عبد الرزاق (الصنعاني) في مصنفه عن ابن سيرين أن عمر بن الخطاب بعث رجلًا على السعاية فأتاه (وكان عقيمًا) فقال الرجل: تزوجت. فقال (عمر: أخبرتها أنك عقيم لا يولد لك؟ قال: لا، قال: فأخبرها وخيرها (5) .
وقد قرر الفقهاء أن الشخص إذا تزوج امرأة ووجد بها عيبًا (مثل الجذام والبرص) ولم يخبروه به، كان له أن يردها وأن يأخذ مهره من وليها ولا شيء لها فإن كان قد دخل بها فإن لها صداقها بما استمتع به منها. ويأخذ مهره من وليها الذي دلس عليه إن كان العيب مما يعرفه الولي.
__________
(1) الكشح: ما بين الخاصرة إلى أسفل الضلوع من الخلف
(2) يقصد برصًا. ولم يكن القدماء يفرقون بين البرص والجذام. وكلاهما يسبب بياضًا في الجلد … والجذام Ieprosy معد بينما البرص (البهاق) Vitiligo غير معد.
(3) نيل الأوطار للشوكاني ج 6 / 176، 177
(4) السنن الكبرى للبيهقي ج 7 / 214
(5) مصنف عبد الرزاق ج 6 / 253، 254(9/2139)
وقد بحث هذا الموضوع ثلة من أفاضل الفقهاء في الندوة الفقهية الطبية السادسة التي نظمتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية في الكويت (23 – 25 جمادى الآخر 1414 هـ، 6 – 5 ديسمبر 1993 م) . وقد جاء في بحث الشيخ الدكتور سعود الثبيتي (من جامعة أم القرى بمكة المكرمة) أن للفقهاء ثلاثة آراء في موضوع التفريق بين الزوجين كالآتي:
الرأي الأول: وهو عدم جواز التفريق مهما كانت الأسباب والدوافع، وهو رأي الظاهرية فإذا صح النكاح فلا يجوز فسخه مطلقًا سواء كان المريض موجودًا قبل العقد والدخول أم حدث بعد العقد والدخول. ولا فرق في ذلك بين وجود المرض في الرجل أو المرأة إذ لا يجوز للقاضي ولا لغيره أن يفرق بين زوجين صح عقد نكاحهما. جاء في المحلى لابن حزم: (لا يفسخ النكاح بعد صحته بجذام حادث ولا ببرص كذلك. ولا بجنون كذلك، ولا بأن يجد بها شيئًا من هذه العيوب ولا بأن تجده هي كذلك) (1) . واعتبر التفريق باطلًا لم يأت به كتاب ولا سنة ولا صح عن أحد من الصحابة ولا أوجبه قياس ولا معقول (2) .
ويمكن للزوج أن يطلق زوجته ويمكن للزوجة أن تخالعه.
وقد أخذ برأي الظاهرية أيضًا الإمام الشوكاني حيث قال في نيل الأوطار: (من أمعن النظر لم يجد في الباب ما يصلح للاستدلال به على الفسخ بالمعنى المذكور عند الفقهاء) (3) .
الرأي الثاني: يرى الحنفية أن الرجل بيده الطلاق، ويستطيع بالتالي أن يتخلص من هذا الزواج إن شاء، جاء في العناية: (وإذا كان بالزوجة عيب – أي عيب كان – فلا خيار للزوج في فسخ النكاح) (4) وعللوا ذلك بأن الزوج يملك العصمة. أما المرأة فإنها لا تملك الطلاق، ولذا جعلوا لها حق طلب التفريق من القاضي. وجاء في فتح القدير: (وعند محمد لا خيار للزوج بعيب في المرأة، ولها الخيار بالعيب فيه من الثلاثة: الجنون والجذام والبرص) (5) .
__________
(1) ابن حزم، المحلى ج 11 / 357
(2) المحلى ج 11 / 377
(3) نيل الأوطار للشوكاني 6 / 178
(4) السرخسي: المبسوط ج 5 / 97 والكاساني: بدائع الصنائع: ج 2 / 1526 والبابرتي: العناية ج 2 / 267
(5) ابن الهمام: فتح القدير ج 3 / 267؛ وانظر حاشية ابن عابدين أيضًا ج 3 / 501(9/2140)
وقد اختلف فقهاء الحنفية في حصر العيوب والأمراض التي يحق للمرأة طلب الفرقة لأجلها فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف في حصرها في عدد معين لا يتجاوزه إلى غيره، وذهب محمد بن الحسن إلى عدم الحصر. قال محمد: ترد المرأة إذا كان بالرجل عيب فاحش بحيث لا تطيق المقام معه لأنه تعذر عليها الوصول إلى حقها لمعنى فيه فصار كالجب والعنة (1) .
وذكر (أن الخيار في العيوب الخمسة إنما ثبت لدفع الضرر عن المرأة. وهذه العيوب في إلحاق الضرر بها فوق تلك لأنها من الأمراض المعدية عادة فلما ثبت الخيار بتلك فلأن يثبت الخيار بهذه أولى (. . . . (2) .
وقد استدل الحنفية إلى ما ذهبوا إليه بحديث النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((لا ضرر ولا ضرار)) . . . . (3) . وفي إمساكها مع خشية تعدي المرض إليها إضرار بها. وقال تعالى: {فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 229] وإمساكها مع خوفها من انتقال المرض إليها ليس فيه من الإحسان شيء. وبقاؤها معه على خوف من المرض يؤدي إلى فوات مقصد الإلفة والرحمة والإحصان، وهي أهم مقاصد الزواج.
الرأي الثالث: وهو رأي جمهور الفقهاء. ويقسمون العيوب والأمراض التي يفسخ النكاح بسببها إلى قسمين: إما أن تكون موجودة قبل العقد والدخول أو حادثة بعدهما. فالموجودة قبل العقد اتفق جمهور فقهاء الحنابلة والشافعية والمالكية والزيدية على الرد بها (واختلفوا في عدد هذه العيوب والأمراض، وبعضهم مثل ابن تيمية وابن القيم وبعض الشافعية جعلها في كل علة تسبب الضرر أو النفرة بين الزوجين) .
ولم يفرق الحنابلة والشافعية بين العيوب والأمراض الحادثة قبل العقد وتلك الحادثة بعده في جواز التفريق، بينما جعل المالكية والأمامية للمرأة حق طلب الفسخ في العيوب والأمراض الحادثة قبل العقد بالنسبة للرجل لأن بيده العصمة ويستطيع التطليق، وهي ليست كذلك.
__________
(1) الزيلعي: تبيين الحقائق، والجب: هو قطع الذكر بحيث لا يبقى معه شيء يصلح للجماع وهو الجبوب، والعنة: عدم القدرة على الجماع بسبب عدم الانتشار والانتصاب
(2) الكاساني: بدائع الصنائع ج 4 / 1527
(3) أخرجه ابن ماجة والدارقطني ومالك في الموطأ. وقال النووي: حسن الإسناد(9/2141)
جاء في حاشية الدسوقي: (العيوب المشتركة إن كانت قبل العقد كان لكل من الزوجين رد صاحبه به، وإن وجدت بعد العقد كان للزوجة أن ترد به الزوج، دون الزوج فليس له أن يرد الزوجة، لأنه قادر على مفارقتها بالطلاق إن تضرر، لأن الطلاق بيده بخلاف المرأة، فلذا ثبت لها الخيار) (1) . وكذلك فعل الإمامية حيث يقول الحلي في كتابه شرائع الإسلام: (العيوب الحادثة للمرأة قبل العقد مبيحة للفسخ. وما يتجدد بعد العقد الوطء لا يفسخ به) (2) .
وعن عمر رضي الله عنه قال: أيما امرأة غُر بها رجل، بها جنون أو جذام أو برص فلها مهرها بما أصاب منها. وصداق الرجل على من غَرَّه. وفي لفظ: قضى عمر في البرصاء والجذماء والمجنونة إذا دخل بها فرق بينهما.. والصداق لها بمسيسه إياها، وهو له على وليها. (3) .
وهناك روايات متعددة عن عمر رضي الله عنه أنه قضى بالتفريق بينهما، ولها المهر بما مس منها. وللزوج المخدوع مهره وصداقه يدفعه الولي الذي غره.
والإشكال هو حين يتزوج الرجل المرأة وهي سليمة ثم يظهر عليها المرض المعدي أو العيب الذي يؤدي إلى الفسخ فالمهر الذي دفعه الزوج بما استحل من فرجها ولم يغره الولي حتى يطلبه منه. فأشبه ذلك الطلاق.. التفريق بينهما لا يستفيد منه الزوج إلا أن التفريق لا يحسب طلقة …. وفي التفريق لا يستطيع الزوج أن يراجعها إلا بمهر جديد وعقد جديد … لذا كان رأي المالكية ومن نحا نحوهم في أن الرجل بيده الطلاق ولا حاجة له في التفريق إذا تبين حدوث العيب بعد العقد والدخول، رأيا معقولًا.
وقد قام الدكتور عمر الأشقر بدراسة هذا الموضوع من جوانبه المختلفة في بحثه المقدم للندوة حول الإيدز وعنوان بحثه: حكم فسخ نكاح من أصيب بالإيدز ووصل إلى ما سماه خلاصة القول في المذاهب المختلفة كما يلي (باختصار وتصرف ….) .
__________
(1) الدسوقي: الحاشية على الشرح الكبير ج 2 / 248 (وهو في مراجع المذهب المالكي) .
(2) الحلي: شرائع الإسلام ج 2 / 320
(3) الشوكاني: نيل الأوطار ج 6 / 177(9/2142)
خلاصة القول في مذهب الحنفية:
لا يجوز عند الحنفية لأي من الزوجين فسخ عقد النكاح إذا كان الزوج الآخر مريضًا بالإيدز وهذا القول هو العمدة في المذهب الحنفي وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله (لأن الأسباب التي تبيح الفسخ من الزوجة عندهما محددة) أما محمد بن الحسن الشيباني من أئمة الحنفية فإنه يعطي للزوجة حق الفسخ إذا كان زوجها مصابًا بهذا المرض (أي الإيدز) ، ولا يعطي هذا الحق للزوج إذا كانت الزوجة هي المصابة به (لأن بيده عقدة النكاح ويستطيع أن يطلق متى شاء) .
مذهب المالكية والشافعية والحنابلة:
من خلال البحث في العيوب التي يجوز أن يفسخ بها النكاح عند المذاهب الثلاثة يرجح الباحث أن مرض الإيدز من الأمراض التي يجوز لكل واحد من الزوجين أن يفسخ به النكاح في المذاهب الثلاثة والإصابة بالإيدز والهربز ونحوهما أشد ضررًا من الجذام والبرص والجنون والعذيطة (1) ، والناسور والقروح السيالة في الفرج والخصاء … إلخ التي ذكرها الفقهاء وأباحوا بها الفسخ. ويمكن تقسيم العيوب التي يجوز بها الفسخ عند الفقهاء إلى قسمين:
القسم الأول: يضم العيوب الجنسية مثل المجبوب والمخصي والعنين بالنسبة للرجل وانسداد الفرج بالنسبة للمرأة وهو ما يعرف بالرتق، أو أن يوجد في الفرج عظم يمنع الوطء، ويسمى قرنًا، أو أن يوجد في الفرج لحم يمنع الوطء ويسمى عضلًا. وكلها عيوب تمنع الوطء. وألحقوا بها الفتق ويعرفونه بأنه انخرام ما بين السبيلين أو انخرام ما بين مخرج البول والمهبل، وهو ما يعرف في الطب اليوم باسم الناسور المهبلي الشرجي أو الناسور المهبلي المثاني أو الإحليلي Ano or Recto vaginal , vagino vesical or Uretheral fistula كما ألحقوا بها العذيطة.
__________
(1) العذيطة: هي التغوط عند الجماع ويقال للرجل عذيوط وللمرأة عذيوطة. ومثل الغائط البول عند الجماع.(9/2143)
القسم الثاني: الجنون والجذام والبرص وأضاف بعضهم البخَر في الفم والفرج والقرع والكساح، وكل عيب مستحكم منفر، ومن هؤلاء الإمام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم. قال ابن القيم في زاد المعاد: (والقياس أن كل عيب ينفر الزوج الآخر منه، ولا يحصل به مقصود النكاح من الرحمة والمودة يوجب الخيار) (1) . وقال: (يردُّ النكاح من كل داء عضال) .
وذكر ابن القيم أيضًا أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: أيما امرأة تزوجت وبها جنون أوجذام أو برص، فدخل بها، ثم اطلع على ذلك، فلها مهرها بمسيسه إياها، وعلى الولي الصداق بما دلس كما غره. وذكر عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال: أيما امرأة نكحت وبها برص أو جنون أو جذام أو قرن فزوجها بالخيار ما لم يمسها، إن شاء أمسك وإن شاء طلق، وإن مسها فلها المهر بما استحل من فرجها.
وذكر الدكتور عمر الأشقر الفروق بين الطلاق والفسخ فذكر تعريف الفقهاء للطلاق مثل قولهم: الطلاق حل عقدة النكاح بلفظ الطلاق ونحوها. وفي الطلاق للمرأة المهر والمتعة في العدة إذا تم ذلك بعد الدخول فإن طلقها قبل أن يمسها فلها نصف الصداق المسمى فإن لم يكن قد سمى الصداق وحدده فلها المتعة قال تعالى: {لَّا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنُّ أَوْ تَفْرِضُواْ لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدْرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَن تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إَلاَّ أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُواْ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلاَ تَنْسَوُاْ الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: 236 – 237] .
وأما الفسخ بسبب عيب علم به الزوج قبل الدخول فلا يلزم الزوج شيء: لا نصف المهر ولا المتعة..وأما إذا علم به بعد الدخول بها فلها المهر بما مسها به ويعود به على من غره. أي أن الولي الذي غره (أو غيره) عليه أن يدفع للزوج ما دفعه من مهر. والمهر للزوجة بعد الدخول ثابت سواء كان العيب فيه أم فيها.
__________
(1) زاد المعاد لابن القيم ج 4 / 31(9/2144)
ولكن إن كان العيب فيها ولم يعلم بذلك إلا بعد الدخول فإنه مُغرر به. ويقع الصداق (المهر) على من غرَّه. فإن كان الذي غرَّه الولي عاد به على الولي وإن كانت الزوجة هي التي غرته وبها عيب مما يخفى على الولي فهي التي تتحمل ذلك، وإن كان غيرهما تحمَّل الذي غرَّ الصداق.
وقد اكتفى المجمع الفقهي بالكلام المجمل دون أن يدخل في التفاصيل حيث قرر: (أن لكل من الزوجين حق طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز باعتبار أن الإيدز مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.) ويكون بذلك قد أخذ برأي جمهور الفقهاء وهم الشافعية والحنابلة والمالكية، ولم يدخل في التفاصيل الفقهية المتشعبة لهذه القضية وأجل ذلك إلى الدورة التاسعة للمجمع الفقهي التي ستعقد عام 1415 هـ.
اعتبار الإيدز مرض موت
هل يعتبر الإيدز مرض موت؟ وبالتالي تتحدد تصرفات الشخص بحيث لا يضر الورثة والدائنين. ولا تنفذ تلك التصرفات وتصبح باطلة؟
لقد بحث الفقهاء المجتمعون في الندوة الفقهية الطبية السادسة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي هذه النقطة، وكان قراراهم فيها كالتالي: (لا يعد الإيدز مرض موت شرعًا إلا إذا اكتملت أعراضه، وأقعد المريض من ممارسة الحياة العادية واتصل بالموت) .
وقد عرف الفقهاء مرض الموت بأنه: (المرض المخوف الذي يتصل بالموت، ولو لم يكن الموت بسببه وهو تعريف الإمام الشافعي) (1) وكما يقول الدكتور نزيه حماد في بحثه (أثر مرض الإيدز في تقييد التصرفات في الفقه الإسلامي) المقدم للندوة المذكورة أعلاه: (لا بد لتحقق وصف مرض الموت أن يتوافر فيه وصفان:
__________
(1) الأم للشافعي ج 4 / 35؛ ومغني المحتاج ج 3 / 503.(9/2145)
أحدهما: أن يكون مخوفًا، أي يغلب الهلاك منه عادة أو يكثر. قال النووي: المرض المخوف هو الذي يخاف منه الموت لكثرة من يموت به) (1) . وقال ابن تيمية: ليس معنى المرض المخوف الذي يغلب على القلب الموت منه أو يتساوى في الظن جانب البقاء والموت.. وإنما الغرض أن يكون سببًا صالحًا للموت فيضاف إليه ويجوز حدوثه عنده. وأقرب ما يقال: ما يكثر حصول الموت منه، فلا عبرة بما يندر وجود الموت منه (2) .
الثاني: أن يتصل المرض بالموت سواء وقع الموت بسببه أم بسبب آخر خارجي عن المرض كقتل أو غرق أو حريق أو تصادم أو غير ذلك (3) والمريض ما دام حيًا لا يجوز لدائنيه أو لورثته الاعتراض على تصرفاته لجواز أن يشفى من مرضه، أما إذا انتهى المرض المخوف بالموت فتبين عندئذ أن التصرف قد وقع في مرض الموت وبالتالي يعود الورثة أو الدائنين بأثر رجعي لإبطال تلك التصرفات الضارة بهم) (4) .
يقول الدكتور نزيه حماد: (وإنما اشترط الفقهاء لتحقق مرض الموت أن يجتمع فيه الوصفان المشار إليهما، واعتبروهما مناطًا للتعليل يدور معهما الحكم وجودًا وعدمًا لأن قيام هاتين العلامتين يدل على أن المريض في حالة نفسية ويستشعر فيها دنو أجله، واقتراب منيته، وأنه مشرف على الموت، مما قد يبعثه على إبرام تصرفات قد تضر بحقوق دائنيه وورثته. وذلك هو السبب في تقييد الشارع لتصرفاته التي تمس بحقوقهما، وجعل أحكاما خاصة لها بحسب نوع التصرف وما ينتج من آثار) .
وقد أدخل الفقهاء في حكم مرض الموت التحام القتال فتوقع الهلاك أشد من المرض المخوف، والأسير المحبوس إذا كان من العادة أن يقتل، وإذا ركب البحر وتموج واضطرب وهبت الريح العاصف وخيف الغرق فهو مخوف.. والمرأة الحامل عند الطلق (لأن الولادة كانت مخوفة ويهلك الكثير من النساء بسببها. أما اليوم فلم تعد كذلك إلا حالات نادرة محددة) .
__________
(1) تحرير ألفاظ التنبيه ص 241
(2) الاختيارات الفقهية من فتاوى ابن تيمية ص 191
(3) تبيين الحقائق للزيلعي ج 2/448.
(4) المغني ج 6/505؛ المهذب ج 1/460؛ نهاية المحتاج ج 6/59.(9/2146)
ومرض الموت لا ينافي الأهلية وذلك لعدم منافاة المرض المخوف لفهم الخطاب التشريعي، ولهذا صح نكاح المريض عند جمهور الفقهاء وطلاقه وإسلامه وعتقه. وتنعقد جميع التصرفات التي تنشئها. ولكن نظرًا لكون مرض الموت سببًا لتعلق حق الوارث والغريم (الدائن) بالمال كان من أسباب حجر المريض عن التبرعات: وهو في حق الوارث ما زاد عن الثلث (لأن من حق الشخص أن يوصي بثلث ماله) . وأما في حق الغريم الدائن فجميع المال إن كان الدين مستغرقًا لماله كله، وبما يفي الدين إن لم يكن مستغرقًا.
ولا يؤثر المرض في الحجر على المريض فيما لا يتعلق به حق الوارث والغريم كما يقول الدكتور نزيه حماد. وله أن يصرف ماله فيما يتعلق به حاجة أصلية للمريض كالنفقة وأجرة الطبيب وأجرة المسكن، والنكاح بمهر المثل على الراجح من أقوال الفقهاء.
ثم قال: (وما ذكرنا من أن المريض مرض الموت يعتبر محجورًا عليه حجرًا جزئيًا يمنع نفاذ تصرفاته الضارة بحقوق دائنيه أو ورثته هو مذهب جمهور الفقهاء من الحنفية والشافعية والمالكية والحنابلة، خلافًا لابن حزم الظاهري الذي اعتبر المريض كالصحيح في تصرفاته كلها دون أي فرق… على أن تعلق حقوق هؤلاء (أي الورثة والدائنين) بسبب المرض لا يمنع أن يكون للمريض حق في ماله. لذلك اعتبر حق المريض في حاجاته الأصلية ومصالحه الضرورية مقدمًا في ماله على حقوق غيره من دائنين وورثة، فله أن ينفق من ماله أثناء مرضه على نفسه وعلى من تجب عليه نفقتهم بالمعروف من طعام وشراب وملبس ومسكن وأجرة طبيب وثمن دواء ونحو ذلك، لأن نفقة الإنسان حال حياته مقدمة في ماله على سداد ديونه دفعًا لهلاكه وحفظًا لكرامته. وأيضًا فإن من حقه أن يعقد العقود ويجرى التصرفات المالية، وتكون صحيحة ونافذة إن لم تمس بحقوق الدائنين والورثة. وليس لأحد منهم حق الاعتراض عليه أو منعه لأن من حق المريض تنمية ماله وتكثيره) .
وبما أن المصاب بفيروس الإيدز يمر بمراحل متعددة، ويكون في فترة الكمون وكأنه لا مرض به على الإطلاق. ثم عند بداية ظهور الأعراض الأولية، وحتى عند ظهور مرض الغدد اللمفاوية المنتشر، فإن حالة هذا الشخص تعتبر عادية ولا تدخل في حالة مرض الموت. فإذا ما وصل إلى ظهور الأمراض الانتهازية والأورام الخبيثة وانخفضت الخلايا اللمفاوية من نوع T4 (CD4) إلى 400 فما دونها، فإنه يكون آنذاك قد دخل في مرحلة المرض المخوف المؤدي إلى الموت… ولم يسجل الطب أن شخصًا وصل إلى هذه المرحلة شفي منها قط. بل يسير حثيثًا إلى نهايته المحتومة.. ولذا فإن مرض الموت ينطبق عليه تمام الانطباق.(9/2147)
الملاحق
محلق رقم (1) : قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الإيدز.
ملحق رقم (2) : قرار المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الكويتية.
ملحق رقم (3) : توصيات المشاورة الإقليمية لمكتب منظمة الصحة العالمية (شرق البحر الأبيض المتوسط) بشأن دور الدين والأخلاقيات في مجال الوقاية من الإيدز والأمراض المنقولة جنسيًا، ومكافحتها.
ملحق رقم (1)
قرار مجمع الفقه الإسلامي بشأن الإيدز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 86 / 13 /د
بشأن: (مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز))
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثامن ببندر سيري باجوان، بروناي دار السلام من 1 إلى 7 محرم 1414 هـ الموافق 21 – 27 يونيو 1993 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز)) .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
1- بما أن ارتكاب فاحشتي الزنا واللواط أهم سبب للأمراض الجنسية التي أخطرها الإيدز (متلازمة العوز المناعي المكتسب) ، فإن محاربة الرذيلة وتوجيه الإعلام والسياحة وجهة صالحة تعتبر عوامل هامة في الوقاية منها. ولا شك أن الالتزام بتعاليم الإسلام الحنيف ومحاربة الرذيلة وإصلاح أجهزة الإعلام ومنع الأفلام والمسلسلات الخليعة ومراقبة السياحة تعتبر من العوامل الأساسية للوقاية من هذه الأمراض.(9/2148)
ويوصي مجلس المجمع الجهات المختصة في الدول الإسلامية باتخاذ كافة التدابير للوقاية من الإيدز ومعاقبة من يقوم بنقل الإيدز إلى غيره متعمدا. كما يوصي حكومة المملكة العربية السعودية بمواصلة تكثيف الجهود لحماية ضيوف الرحمن واتخاذ ما تراه من إجراءات كفيلة بوقايتهم من احتمال الإصابة بمرض الإيدز.
2- في حالة إصابة أحد الزوجين بهذا المرض، فإن عليه أن يخبر الآخر وأن يتعاون معه في إجراءات الوقاية كافة.
ويوصي المجمع بتوفير الرعاية للمصابين بهذا المرض.
ويجب على المصاب أو حامل الفيروس أن يتجنب كل وسيلة يعدي بها غيره، كما ينبغي توفير التعليم للأطفال الذين يحملون فيروس الإيدز بالطرق المناسبة.
3- يوصي مجلس المجمع الأمانة العامة باستكتاب الأطباء والفقهاء في الموضوعات التالية، لاستكمال البحث فيها وعرضها في دورات قادمة:
أ- عزل حامل فيروس الإيدز ومريضه.
ب- موقف جهات العمل من المصابين بالإيدز.
ج- إجهاض المرأة الحامل المصابة بفيروس الإيدز.
د- إعطاء حق الفسخ لامرأة المصاب بفيروس الإيدز.
هـ – هل تعتبر الإصابة بمرض الإيدز من قبيل مرض الموت من حيث تصرفات المصاب؟
و أثر إصابة الأم بالإيدز على حقها في الحضانة.
ز- ما الحكم الشرعي فيمن تعمد نقل مرض الإيدز إلى غيره؟
ح- تعويض المصابين بفيروس الإيدز عن طريق نقل الدم أو محتوياته أو نقل الأعضاء.
ط- إجراء الفحوصات الطبية قبل الزواج لتجنب مخاطر الأمراض المعدية وأهمها الإيدز.
والله أعلم.(9/2149)
محلق رقم (2)
قرار المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي
ومنظمة الصحة العالمية ووزارة الصحة الكويتية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وأشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبة أجمعين.
إن المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية لتحمد الله جلت قدرته على فضله ونعمته أن استأنفت نشاطها في مجالاتها المختلفة وأداء الرسالة الملقاة على عاتقها، والنهوض بما يستوجبه نظامها الأساسي وذلك إثر توقف قهري بسبب الاحتلال العراقي، وما لحق مقر المنظمة من تخريب وتدمير وإتلاف على يد قوات الاحتلال العراقي الغادر.
وإن المنظمة كانت لتواصل مسيرتها لولا عون من الله ثم الدعم المستمر والتأييد المتصل الذي تلقاه من لدن صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء والحكومة الرشيدة ووزارة الصحة ممثلة بوزيرها والمسؤولين فيها.
وبحمد الله وحسن توفيقه بدأت المنظمة أولى خطواتها بعد التحرير حيث تم انعقاد (الندوة الفقهية الطبية السادسة) وموضوعها:
(رؤية إسلامية للمشاكل الاجتماعية لمرض الإيدز)
بالتعاون مع وزارة الصحة – مجمع الفقه الإسلامي بجدة – والمكتب الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية بالإسكندرية في الفترة من 23 – 25 جمادي الآخر 1414 من الهجرة التي توافقها 6 –8 ديسمبر 1993 للميلاد، وذلك تحت رعاية حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير البلاد.(9/2150)
وقد شارك في أعمال الندوة ما يربو على 130 شخصا من الفقهاء والأطباء والعلماء الذين قدموا من أكثر من ثلاث وعشرين دولة.
عقد حفل الافتتاح بقاعة الاجتماعات الكبرى بمقر المنظمة بمركز المرزوق للطب الإسلامي شهده عدد كبير من المسؤولين في الدولة والسفراء وجمع غفير من المهتمين بالأمور الفقهية والشؤون الطبية، وقد استهل الحفل بتلاوة من القرآن الكريم أعقبها كلمة مندوب صاحب السمو أمير البلاد راعي الحفل والتي ألقاها سعادة الدكتور وزير الصحة الدكتور عبد الوهاب سليمان الفوزان ثم كلمة للأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة تلتها كلمة منظمة الصحة العالمية ألقاها الدكتور محمد هيثم الخياط، وكان ختام الحفل كلمة رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية سعادة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي.
وقد تشرف أعضاء مجلس أمناء المنظمة وعدد من المشاركين في الندوة بمقابلة صاحب السمو أمير البلاد ومقابلة ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء، وقد ألقى عدد من المشاركين كلمات امام صاحب السمو أشادوا بانجازات المنظمة في السنوات السابقة وأشادوا بدعم سموه وسمو ولي العهد وتعاون وزارة الصحة في تعزيز أعمالها ثم استمعوا إلى توجيهات وإرشادات سمو الأمير وسمو ولي العهد.
ثم بعد ذلك واصلت الندوة أعمالها في فندق ميريديان، وكانت ذات شقين:
أولا: الجوانب الطبية لمرض الإيدز من حيث أسبابه وطرق انتقاله وخطورته.
ثانيا: الجوانب الفقهية وتشتمل على:
أ- حكم عزل مريض الإيدز.
ب- حكم تعمد نقل العدوى.
ج- حقوق الزوجة المصابة وواجباتها.
د- حق الزوجة غير المصابة في طلب الطلاق وحق الزوج المصاب في المعاشرة.
هـ- اعتبار مرض الإيدز مرض موت.
وعلى مدى ثلاثة أيام استغرقتها الندوة في الأبحاث والمناقشات انتهت في جلستها الختامية التي عقدتها في مركز الطب الإسلامي إلى الآراء والتوصيات التالية:(9/2151)
أولا – عزل المريض:
تؤكد المعلومات الطبية المتوافرة حاليا أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري (الإيدز) لا تحدث عن طريق المعايشة أو الملامسة أو التنفس أو الحشرات أو الاشتراك في الأكل أو الشرب أو المراحيض أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام أو غير ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية، وإنما تنتقل العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:
ا- الاتصال الجنسي بأي شكل كان.
2- نقل الدم الملوث أو مشتقاته.
3- استعمال المحاقن الملوثة، ولاسيما بين متعاطي المخدرات.
4- الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها.
بناء على ما تقدم فإن عزل المصابين من التلاميذ أو العاملين أو غيرهم عن زملائهم الأصحاء ليس له ما يسوغه.
ثانيا – تعمد نقل العدوى:
تعمد نقل العدوى بمرض الإيدز إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد عمل محرم ويعد من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامه الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.
فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذه المرض الخبيث في المجتمع فعمله هذا يعد نوعا من الحرابة والإفساد في الأرض ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة. {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] .
وإن كان قصده متعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وكانت طريقة الإعداء تصيب به غالبا وانتقلت العدوى وأدت إلى قتل المنقول إليه يعاقب بالقتل قصاصا.
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وتمت العدوى ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة وعند حدوث الوفاة يكون من حق الورثة الدية.
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.
ثالثا – إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز:
كانت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية قد عقدت ندوة حول الإنجاب في ضوء الإسلام، وتوصلت في موضوع حكم الإجهاض إلى ما يلي:
- (أن الجنين حي من بداية الحمل، وأن حياته محترمة في كافة أدوارها، خاصة نفخ الروح، وأنه لا يجوز العدوان عليها بالإسقاط إلا للضرورة الطبية القصوى، وخالف بعض المشاركين فرأى جوازه قبل تمام الأربعين يوما وخاصة عند وجود الأعذار) .(9/2152)
وترى الندوة أن هذا الحكم ينطبق على الأم الحامل المصابة بعدوى الإيدز.
رابعا – حضانة الأم المصابة بالإيدز لوليدها السليم وإرضاعه:
أ- لما كانت المعطيات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى الإيدز لوليدها السليم، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية فترى الندوة أنه لا مانع شرعا من أن تقوم الأم بحضانته.
ب- لما كان احتمال عدوى الطفل السليم من أمه المصابة بعدوى الإيدز أثناء الرضاعة واردا – وإن كان ذلك قليلا – فإن الأحواط عدم إرضاعه، إذا أمكن أن توجد للرضيع ظئر ترضعه، أو أن تتوافر له من بدائل لبن الأم تغذية كافية أما إن تعذر ذلك فلا مفر من إرضاعه حماية له من الهلاك.
خامسا – حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز.
ترى الندوة أن لكل من الزوجين طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز باعتبار أن الإيدز مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.
سادسا – اعتبار مرض الإيدز مرض موت:
لا يعد الإيدز مرض موت شرعا إلا إذا اكتملت أعراضه، وأقعد المريض عن ممارسة الحياة العادية واتصل بالموت.
سابعا – حق المعاشرة الزوجية:
إذا كان أحد الزوجين مصابا بالإيدز، فإن لغير المصاب منهما أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية، لما سبق ذكره من أن الاتصال الجنسي هو الطريق الرئيسي لنقل العدوى.
أما إذا رضي الزوج السليم بالمعاشرة الجنسية، فإن الاحتياط يستوجب استعمال العازل الذكري الذي يقلل من احتمالات العدوى والحمل إذا أحسن استعماله.(9/2153)
ملحق رقم (3)
توصيات المشاورة الإقليمية
لمكتب منظمة الصحة العالمية (شرق البحر الأبيض المتوسط)
بشأن دور الدين والأخلاقيات في مجال الوقاية
من الإيدز والأمراض المنقولة جسديا ومكافحتها
1- إن مغالبة جائحة فيروس العوز المناعي البشري (الإيدز) تتطلب جهودا وموارد تتجاوز قدرة السلطات الصحية وحدها. ولذلك فإن كافة القطاعات المعنية الأخرى بصفة عامة، والقطاع الديني بصفة خاصة، مدعوة إلى الوقوف صفا واحدا في مواجهة هذا التحدي. وينبغي الربط بين العمل الروحي وبين الجهود الصحية وغيرها على أساس مستمر، لا يقتصر على وقت معين أو مشكلة بعينها.
2- للمسجد والكنيسة دور أساسي في توعية المجتمع، وعليهما فضلا عن إبراز التعاليم الدينية، معالجة الجوانب ذات الصلة بالوقاية من الأمراض ومكافحتها. ومن بينها الإيدز وسائر الأمراض المنقولة جنسيا، آخذين في الاعتبار المبادئ القويمة بِشأن الحرية وحقوق الإنسان وتكافل المجتمع وترابطه، والعلاقات الشخصية والحياة العائلية. وعلى السلطات الصحية أن تتيح لرجال الدين ما يلزم من المعطيات الوبائية بشأن حدوث هذه الأمراض في المجتمعات، لمساعدتهم على إعداد مواعظهم وفقا لها.
3- لما كان الإيدز وسائر الأمراض المنقولة جنسيا تصيب الشباب والقوى العاملة بأعلى المعدلات، فمن المهم توجيه الاهتمام إلى هذه الفئة والتركيز عليها , ومن أجل تعظيم آثار أنشطة الإعلام في هذه الفئة وغيرها من المجموعات المعرضة، يجب مزج المعلومات العلمية مع الإرشاد الروحي في جهد تربوي جيد التنظيم، يحشد جميع المعنيين بقطاعات الصحة والتعليم والخدمات الاجتماعية، فضلا عن رجال الدين ومؤسساته.
4- ينبغي في إقليم شرق البحر المتوسط ضمان إدخال التربية الدينية في المناهج المدرسية لجميع المستويات التعليمية بحيث تدعم المناهج الدراسية الأخرى وتتكامل معها، على أن يكون الهدف التربوي هو بناء شخصية الفرد بطريقة متناسقة مع مصالح الآخرين ومصلحة المجتمع.
5- التربية الجنسية ضرورية ضمن الحدود المناسبة للفئة العمرية والمستوى التعليمي. وينبغي أن تكون متكاملة مع التربية الصحية والإرشاد الديني، ولا بد من تشكيل مزيج متوازن من هذه المداخلات التربوية يكون هدفه النهائي تحقيق توازن روحي بدني متوافق مع الثقافات والتقاليد السائدة.
6- وسائل الإعلام الحكومية وغير الحكومية شريكان لهما أهميتهما في الجهود العالمية المبذولة ضد جائحة الإيدز. وينبغي أن توفر لها جميعا معلومات حول الجوانب العلمية للمشكلة، فضلا عن معلومات عن الضوابط الدينية والسلوكية والأخلاقية ذات الصلة، إذ أردنا ضمان دعم المجتمع ومشاركته.(9/2154)
7- الجنس وظيفة وحاجة بيولوجية في تكوين الكائن البشري، وللجنس مطالبه واحتياجاته الطبيعية التي يجب أن تنظم وتضبط وفقا للمعايير الاجتماعية المقبولة , ومن أجل حماية الشباب من الانحراف الجنسي ينبغي في إقليم شرق البحر المتوسط تشجيع الزواج المبكر بحل المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي تسبب في الوقت الحاضر تأخير سن الزواج , وينبغي أن تصاحب الزواج المبكر دعوة إلى تنظيم الأسرة وتأجيل الحمل والإنجاب.
8- حقوق الإنسان مصونة في جميع الأديان. ولا ينبغي أن تتخذ الدعوة إلى الحرية الفردية ذريعة لممارسة سلوك فيه مساس بحرية وسلامة الأفراد الآخرين أو المجتمع بصفة عامة، بما في ذلك تعريضهم للعدوى.
9- من حق المريض أن يحصل على العلاج الكافي الذي تتطلبه حالته الصحية , ويجب توعيته بكيفية الحفاظ على حالته من مزيد من التدهور، وكف العدوى عن الآخرين ولا تبيح الأديان تعريض المرضى للتمييز أو الوصم أو الإهمال لأي سبب من الأسباب، مهما كانت طريقة إصابته بالعدوى.
10- تنبغي حماية العائلات المتأثرة ومساندتها حتى تتمكن من توفير الرعاية لمرضاها، ومغالبة وطأة خسائرها. وتعريض هذه العائلات لأي تمييز أو مشقة إنما يخالف المبادئ الأخلاقية السائدة في هذا الإقليم.
11 – التزامات الطبيب تحكمها القوانين واللوائح المهنية التي تلقي على عاتقه مسؤولية الإبلاغ عن بعض الأمراض. وفضلا عن ضرورة إبلاغ المريض بحالته المرضية وبكيفية حماية الآخرين من الإصابة بالعدوى فإن من حق الزوج أو الزوجة أن يحاط علما. وعلى الطبيب أن يتكفل بذلك بالتنسيق مع المريض نفسه. إن الإبلاغ عن المرض بهدف الوقاية من انتشار العدوى، هو مسؤولية لا تلقيها على الطبيب القوانين الوضعية وحدها وإنما تدعو إليه كذلك الأديان جميعها. ولا ينبغي النظر إلى هذا الإجراء على أنه انتهاك لأسرار المهنة.
12- ليس ثمة ما يحول دون استعمال العازل الذكري، حيثما تكون هناك ضرورة لحماية زوج أو زوجة شخص مصاب بالعدوى، وليس من المقبول ترويج استعمال العازل الذكري للوقاية من الأمراض المنقولة جنسيا في خارج هذا الإطار، بل يجب أن توجه الدعوة نحو العفة والوفاء والاستقامة، فهذه الخصال السامية وحدها هي التي تضمن للإنسان سلامته التامة وتقيه شر المرض والعدوى.(9/2155)
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
المناقشة
(الإيدز)
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد الله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لدينا في هذه الجلسة موضوع نقص المناعة المكتسب (الإيدز) الدكتور أحمد رجائي لم يحضر. الشيخ سعود، مستعدون للعرض؟ تفضل.
الدكتور سعود الثبيتي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. وبعد،
فإن موضوع الإيدز كما هو معلوم قد عرض في الدورة الثامنة في بروناي، وعلى إثر المناقشات التي دارت في ذلك المكان اقترحت ندوة تعقد بين مجمع الفقه الإسلامي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، وقد دعيت إلى هذه الندوة ودامت ثلاثة أيام، وحيث قد كلفت بالعرض في هذا الموضوع فأبدأ – إن شاء الله – بملخص مستعجل مركزا على توصيات وقرارات الندوة آنفة الذكر ومعلقا حين الحاجة إلى ما يحتاج إلى تعليق أو تنبيه.
فالحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وبعد:
فإن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) أصبح من أهم الأمور الشاغلة للأطباء والشرعيين، وعلماء الاجتماع والنفس، ورجال التربية، لما له من أضرار مادية ونفسية واجتماعية، حيث لا يحده الزمان والمكان، ينتقل من الآباء إلى الأبناء ومن بلد إلى آخر، حتى لقد وجدت حالات في جميع أنحاء العالم، فالتنقل للدراسة أو العلاج أو التجارة أو السياحة سبب في انتقاله، فهو مرض له وطأته العالمية، حيث بلغ عدد المصابين الذين اكتشفت إصابتهم أكثر من خمسة عشر مليونا، والإصابات المعلنة في البلاد العربية أكثر من خمسة وسبعين ألفا، وفي اعتقاد منظمة الصحة العالمية أن هناك فارقا بين الإصابات الحقيقية والمعلنة، ويرجع ذلك إلى قلة الإمكانات لاكتشافه.(9/2156)
ونسبة الإصابة في ازدياد مستمر، تقدرها منظمة الصحة العالمية بنصف مليون كل عام، منهم 90 % من الإصابات بسبب الزنا واللواط. وقد اهتم مجتمع الفقه الإسلامي بدراسته من حيث جوانبه الطبية والأحكام والآثار المترتبة عليه فاستكتب عددا من الأطباء والفقهاء عرضت أبحاثهم في الدورة الثامنة في بروناي، تقرر على ضوء ما قُدِّم عقد ندوة بالتعاون مع مجمع الفقه الإسلامي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت، عقدت الندوة في الفترة ما بين 23 –25 جمادى الآخرة، وحضرها أكثر من مائة وثلاثين مشاركا من الفقهاء والأطباء واتخذت عدة توصيات سوف أعرضها في نهاية الملخص.
وقد قدم لهذه الدورة أربعة أبحاث ووثيقة وتوصيات الندوة الطبية السالفة الذكر.
فكتب كل من الدكتور جاسم علي سالم بحثا في هذا، والشيخ أحمد موسى، وسعود الثبيتي، وبحث الدكتور أحمد رجائي، ووثيقة مقدمة من الدكتور محمد علي البار المستشار الشرعي لمستشفى الملك فهد، وتوصيات الندوة الطبية للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية التي سوف أعرضها في نهاية العرض، إن شاء الله.
وبعد استعراض ما قدم من وثائق طبية وجدت أن طرق انتقاله الرئيسية المعروفة الآن أربعة:
1- الاتصال الجنسي بأي شكل سواء كانت بين زوجين أو بطريق غير مشروع، وإن كانت نسبة انتقاله بطرق الزنا واللواط تصل إلى 90 % من حالات الإصابة.
2- نقل الدم الملوث أو مشتقاته كزراعة الأعضاء.
3- استعمال المحاقن الملوثة ولاسيما بين متعاطي المخدرات.
4- الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها أثناء الحمل والولادة.
وإن وجدت حالات تناولتها الصحف حيث انتقل المرض بين طفلتين كانتا في حضانة إحدى المستشفيات في ألمانيا، ولم يتم عن أي طريق من الطرق الرئيسية المعروفة السابقة عند الأطباء، فنأمل من الأطباء إعطاء تفسير لهذا الانتقال الذي حصل بين طفلتين لم يحصل بينهما سبب رئيسي من الأسباب الرئيسية المعروفة عند الأطباء والمعلنة والواصلة إلينا. وقد ركز الفقهاء على مسائل مهمة منها.
- إخبار السليم من الزوجين بمرض الآخر ولكن بطريقة هادئة غير مروعة حتى تتخذ التدابير اللازمة، وليس في ذلك إفشاء لسر المهنة، وله من الأدلة ما يؤيده منها ما جاء عن عمر – رضي الله عنه – حينما بعث رجلا على السعاية فأتاه فقال له: تزوجت فقال: هل أخبرتها أنك عقيم لا يولد لك؟ قال: لا. قال: فأخبرها وخيرها.
- التفريق بين الزوجين المصاب أحدهما، حيث إن من أكثر أسباب انتقال المرض المعاشرة الجنسية ولاسيما إذا اكتشف المرض قبل العقد أو بعده قبل الدخول، فيجب التفريق قبل الدخول.
- إذا علمت الإصابة بعد وقوع العقد وبعد الدخول، هناك حق لأحد الزوجين في المفارقة ولكن في هذه الناحية يجب الاحتياط والتنبه ومتابعة حالة الزوج الذي قد وقع بينه وبين الأخر معاشرة جنسية بعد حصول المرض في قرينه حتى لا يؤدي إلى انتشار المرض إلى غيره.(9/2157)
أمر آخر، هل يجوز لولي المرأة أن يمنعها أو للحكومة أو الأولياء أن يمنعوا الرجل من الزواج من مصابة بالإيدز وهو سليم؟
نصوص الفقهاء تدل على أنه يجوز لولي المرأة أن يمنعها من الزواج بمرض معد سواء كان هذا الإيدز أو غيره، بل الإيدز من أولى الأمراض. وقد ذكروا في هذا مثل الجذام وغيره من الأمراض التي يخشى تعديها إلى غير الزوجين، أو إلى الأطفال، أو تحصل المعرة ولا شك أن الإيدز من أخطر الأمراض وأكثرها انتشارا.
والأمر الثاني وهو ما ينبغي التنبيه عليه هو ما يتعلق بالحكومات ومنعها السالمين من الزواج بالمرضى أو غيرهم.
جواز اتخاذ التدابير اللازمة المانعة من الحمل إذا أصيب أحد الزوجين.
عدم جواز إجهاض الجنين بعد نفخ الروح فيه، وقبل نفخ الروح فيه على الراجح من أقوال أهل العلم. حيث إن نسبة إصابة الجنين لا تتجاوز 45 % فلا يجهض بسبب امر متوهم، ومن باب أولى بعد نفخ الروح فيه، فلا يصح بحال من الأحوال. وأما إن كان الخوف على الأم فلا يجوز أيضا لأنها مصابة، واحتمال إصابة الجنين قليلة، فلا تصح الجناية على من تغلب سلامته لحماية من أصيب وتحقق قرب هلاكه.
إرضاع الصبي من الأم المصابة حيث إن الفيروس موجود في لبن الأم فإن وجد بديل مناسب للرضاعة فلا يرضع من أمه، وإن لم يوجد بديل مناسب – فهذا قليل – أي عدم وجود بديل من الأغذية الصناعية قليل جدا فيرضع من أمه في البلاد الفقيرة التي لا يوجد فيها بدائل مناسبة لإنقاذ حياة الطفل الذي أمه مصابة بالإيدز.
حيث ظهر أن المعايشة ليست سببا في انتقال المرض فلا مانع من حضانة الأم المصابة للطفل السليم وإن كان هذا الأمر ما زال يثير في نفسي ما أشيع وما ذكر عن حالة الطفلتين اللتين من ألمانيا وانتقل المرض من إحداهما إلى الأخرى ولم يكن هناك سبب من الأسباب المعلنة عند الأطباء، فأرجو إعطاء تفسير لهذا الأمر.
جناية المريض وتسببه في إصابة غيره لها عدة صور مفصلة في توصيات الندوة فأحيلها إلى ذلك المكان. إلا أن مما ينبغي الاهتمام به في التوصيات الصادرة من الندوة الفقهية الطبية في الكويت مسألة من المسائل، فيما إذا نقل شخص المرض إلى شخص أخر بطريق التعمد ولم يمت، فقد ذكر في تلك الندوة أنه يعزر الناقل وإذا توفي المنقول إليه يكون لأولياء الميت هذا أو القتيل الذي قد جني عليه شخص يكون لهم الحق في الدية، وهذا أمر يحتاج إلى التريث وإعادة النظر فيه. وقد يكون الخطأ أو القتل بسبب تفريط الأطباء والممرضين والفنيين في مجال عملهم حين إجراء العمليات الجراحية ونقل الدم واستعمال الإبر. هذا أمر ينبغي كذلك أن يعطى حقه من الأهمية، وأن يعطى الحكم الشرعي فيه، حيث إن ما يحصل من الأطباء أو من كثير من الأطباء والفنيين والممرضين يعتبر وسيلة من وسائل التفريط، والمفرط كما يعلم ضامن، وهذا أمر يحتاج إلى زيادة اهتمام وعناية.(9/2158)
أمر آخر، هل يعتبر مرض الإيدز مرض موت؟ هذا أمر أفتي فيه ورفعت فيه توصية، وأرى أنه ينبغي عليَّ أن أفصل بعض التفصيل وإن لم يكن طويلا في هذه النقطة لعلها تزيل كثيرا مما علق في أذهان مصدري ذلك القرار. فمن المعلوم أن حياة مريض الإيدز قد تطول وإن كانت نهايته بحسب معارف اليوم محتومة بسبب هذا المرض، لأنه كالمصاب بالسرطان يمكن أن يعيش سنين عديدة، وقد أثار هذا الوباء والذي لم يسبق له نظير في التاريخ كثيرا من الرعب والذعر والخوف، ففي أوربا أظهر استطلاع رأي أجرته ثماني صحف أوربية في بلدان مختلفة أن كلمة (الإيدز) ليس لها غير مدلول واحد لدى الناس وهو الموت، وأن الكلمتين أصبح لا فرق بينهما على الإطلاق. ولنعد إلى تعريف مرض الموت عند الفقهاء بعد أن عرفنا مدلوله عند من انتشر فيهم، فقد جاء في بدائع الصنائع: (والحاصل أن مرض الموت هو الذي يخاف منه الموت غالبا) . وذهب كثير من فقهاء المالكية والشافعية والحنابلة إلى أنه: (ما يحصل الموت عنه وإن لم يغلب) . قال الدردير: (وحجر على مريض ذكرا كان أو أنثى إذا مرض مرضا ينشأ الموت عنه عادة وإن لم يغلب الموت عنه) . وقال النووي: (قال الإمام: لا يشترط في المرض المخوف كون الموت منه غالبا بل يكفي ألا يكون نادرا) . ونقل البعلي عن ابن تيمية – رحمه الله – النص الآتي: (ليس معنى المرض المخوف الذي يغلب الموت منه، ويتساوى في الظن جانب البقاء وجانب الموت، لأن أصحابنا جعلوا ضرب … من الأمراض المخوفة وليس الهلاك غالبا ولا مساويا للسلامة وإنما الغرض أن يكون مسببا صالحا للموت فيضاف إليه ويجوز حدوثه عنده، واقرب ما يقال ما يكثر حصول الموت منه، فلا عبرة بما يندر منه. ولا يجب أن يكون الموت منه اكثر من السلامة) . وقال في شرح العناية: (مرض الموت هو الذي يخاف منه الهلاك غالبا، ولا شك في خوف الهلاك من المرض، بل إن الموت منه والسلامة ميؤوس منها حسب معارف …) .(9/2159)
وأخيرا يجب تكثيف التوعية في أماكن التجمعات وخصوصا توعية الحجاج بأخطار الحلاقة المتكررة بموسٍ واحد، وأخذ الاحتياطات اللازمة لذلك. وحينما يؤدي كل دوره ويشعر بمسؤوليته بداية من الأسرة ورجال التعليم والتربية في مواقع العمل المختلفة وسائر الأنشطة وترسم الخطط وتنفذ، تتم السيطرة على هذا الوباء، حيث إن أسباب انتقاله قد علمت أو في غالبها الآن.
وإليكم الآن توصيات وقرارات الندوة الطبية الفقهية التي عقدت بالاشتراك بين مجمع الفقه الإسلامي والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت بين 23 –25 جمادى الآخرة. انتهت الندوة بعد المناقشات إلى التوصيات التالية:
أولا – عزل المريض:
تؤكد المعلومات الطبية المتوافرة حاليا أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري (الإيدز) لا تحدث عن طريق المعايشة أو الملابسة أو التنفس أو الحشرات أو الاشتراك في الأكل أو الشرب أو المراحيض أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام أو غير ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية، إنما تنتقل العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:
1- الاتصال الجنسي بأي شكل كان.
2- نقل الدم الملوث أو مشتقاته.
3- استعمال المحاقن الملوثة، ولاسيما بين متعاطي المخدرات.
4- الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها.
بناء على ما تقدم فإن عزل المصابين من التلاميذ أو العاملين أو غيرهم عن زملائهم الأصحاء ليس له ما يسوغه.
وأنا في الحقيقة أذكر قصة الطفلتين وأكررها لأنها لم يكن الانتقال فيها بسبب من الأسباب المعروفة للأطباء، وكما يقول الأطباء الفيروس قادر على تغيير حالته.(9/2160)
ثانيا – تعمد نقل العدوى:
تعمد نقل العدوى بمرض الإيدز إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد عمل محرم ويعد من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجب العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.
فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع فعمله هذا يعد نوعا من الحرابة والإفساد في الأرض ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آيه الحرابة: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] . وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وكانت طريقة الأعداء تصيب به غالبا وانتقلت العدوى وأدت إلى قتل المنقول إليه يعاقب بالقتل قصاصا.
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وتمت العدوى ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب المتعمد بالعقوبة التعزيرية المناسبة وعند حدوث الوفاة يكون من حق الورثة الدية.
وهذا أمر يحتاج إلى ترو وإلي إصدار حكم مناسب قصد الجاني في جنايته، والعقوبة التعزيرية لا تمنع عقوبة القصاص أو حد القصاص.
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.
ثالثا – إجهاض الأم المصابة بعدوى الإيدز:
كانت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية قد عقدت ندوة حول الإنجاب في ضوء الإسلام، وتوصلت في موضوع حكم الإجهاض إلى ما يلي:
- (إن الجنين حي من بداية الحمل، وإن حياته محترمة في كافة أدوارها وخاصة بعد نفخ الروح، وأنه لا يجوز العدوان عليها بالإسقاط إلا للضرورة الطبية القصوى، وخالف بعض المشاركين فرأى جوازه قبل تمام الأربعين يوما وخاصة عند وجود الأعذار.
وترى الندوة أن هذا الحكم ينطبق على الأم الحامل المصابة بعدوى الإيدز.(9/2161)
رابعا – حضانة الأم المصابة بالإيدز لوليدها السليم وإرضاعه:
أ- لما كانت المعطيات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى الإيدز لوليدها السليم، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية فترى الندوة أنه لا مانع شرعا من أن تقوم الأم بحضانته.
ب- لما كان احتمال عدوى الطفل السليم من أمه المصابة بعدوى الإيدز أثناء الرضاعة واردا، وإن كان ذلك قليلا فإن الأحوط عدم إرضاعه إذا أمكن أن توجد للرضيع ظئر ترضعه أو تتوافر له من بدائل لبن الأم تغذية كافية أما إن تعذر ذلك فلا مفر من إرضاعه حماية له من الهلاك.
خامسا – حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوي الإيدز:
ترى الندوة أن لكل من الزوجين طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى الإيدز باعتبار أن الإيدز مرض تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.
سادسا – حق المعاشرة الزوجية:
إذا كان أحد الزوجين مصابا بالإيدز، فإن لغير المصاب منهما أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية، لما سبق ذكره من أن الاتصال الجنسي هو الطريق الرئيسي لنقل العدوي.
أما إذا رضي الزوج السليم بالمعاشرة الجنسية، فإن لغير المصاب منهما أن يمتنع عن المعاشرة الجنسية، لما سبق ذكره من أن الاتصال الجنسي هو الطريق الرئيسي لنقل العدوى.
أما إذا رضي الزوج السليم بالمعاشرة الجنسية، فإن الاحتياط يستوجب استعمال العازل الذكرى الذي يقلل من احتمالات العدوى والحمل إذا أحسن استعماله.
سابعا – اعتبار مرض الإيدز مرض موت:
لا يعد الإيدز مرض موت شرعا إلا إذا اكتملت أعراضه وأقعد المريض عن ممارسة الحياة العادية، واتصل بالموت.
وآمل مراعاة أمور منها: الأول: الاهتمام باعتبار الإيدز أو عدم اعتباره مرض موت وفي أي مرحلة من المراحل يعتبر مرض موت، لأن مرض الإيدز كما هو معلوم يمر بثلاث مراحل: مرحلة إصابة ومرحلة كمون، ومرحلة ظهور الأعراض، وإذا أصاب المرض شخصا فلا يخرج منه – حسب معارف اليوم – حتى يكون مصيره الهلاك في جميع المراحل سواء كان مرحلة الإصابة أو مرحلة الكمون أو مرحلة ظهور الأعراض، فهو منذ إصابة الشخص به لا سبيل إلى النجاة منه – بحسب معارف اليوم – وهو طريق موصل له إلى الموت لا محالة.(9/2162)
الثاني: إذا تعمد شخص نقل العدوى وأصيب الشخص، عزر وإذا مات كان لورثته الدية، هذه مسألة ينبغي أن نتريث فيها كثيرا أو نعطي فيها الحكم الشرعي المناسب.
الثالث: منع الدول أو الأولياء من انتشار الزواج بين سليمين ومصابين إذا أمكن ذلك ولو حصل أمر بطلب ما يسمى بـ (الاختبارات المخبرية) أو شهادة الخلو من مرض الإيدز قبل الزواج ولاسيما في المجتمعات التي ينتشر فيها كثيرا بين الشباب لكان هذا أمرا من أمور السياسة الشرعية التي توكل إلى ولي الأمر.
وأكتفي بهذا القدر، وأشكركم على إتاحة الفرصة وحسن الاستماع.
الدكتور عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم
بالنسبة لما نقله زميلي وأخي عن (بدائع الصنائع) في موضوع الحنفية وتحديد أو تعريف مرض الموت ينقصه شيء من الدقة فيما أرى، لأن الفتوى لا تؤخذ من بدائع الصنائع، ولا من العناية، الفتوى تؤخذ من ابن عابدين والذي قرره ابن عابدين في الحاشية (رد المحتار على الدر) فيما أذكر أن مرض الموت هو ما أفضى إلى الموت، أو ما اتصل بالموت. هو صحيح أن أخي ذكر ذلك لكن لا نقلا عن الحنفية وإنما كرأي من عنده، الحنفية يشترطون اتصال المرض بالموت حتى لو أن إنسانا مرض مرضا خطيرا جدا ثم عافاه الله يوما واحدا أو ثلاثة أيام أو يومين وقال الأطباء له: لقد عوفيت وشوفيت والحمد لله، واخرج من المستشفى ولا شيء عليك، وعلى مسؤوليتنا، أنت الآن صحيح ولست بمريض، وأعطوه تقريرا طبيا بذلك ومات في اليوم الثاني فلا يعتبر مرض موت. يشترط اتصال المرض الخطير بالموت، أن يفضي إليه، هذا في المذهب الحنفي وعليه الفتوى، أما الطرق التي تفضل بها أخي وزملائي الأعزاء في المجمع الموقر فأضيف إليها أمرا وهو قضية تيسير الزواج، فإن أكثر الانحرافات تكون من العزوبة، وقد يقال إن هناك أناسا أصحاب نفوس هابطة، أقول: صحيح، أول الخمرة كأس وأول التدخين سيجارة وأول الانحراف حاجة من بعض النفوس الهابطة في عزوبة يقاسون منها ثم تنجرف أرجلهم فيحصل إدمان الخمر أو إدمان التدخين أو ما هو أحط من ذلك وهو إدمان الشذوذ الجنسي. وشكرا.(9/2163)
الشيخ علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا المرض في الواقع مرض الحضارة الحاضرة اليوم، ويصدق عليه قوله تعالي: {وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآَيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآَخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى} [طه: 127] . وأعتقد أن اتجاه الحضارة الغربية لفسح المجال للعلاقات الجنسية خارج الزواج أكبر جريمة بحق البشرية، وهذا ما تجلى بشكل قانوني في مؤتمر القاهرة من نشاطات الغرب في هذا المجال، وللحديث مجال واسع.
بالنسبة للأحكام الشرعية التي تترتب على هذا المرض، هناك إشارات – فقط – سريعة ويا حبذا لو تم التركيز عليها والوصول فيها إلى نتيجة.
بالنسبة لمرض الموت. هل يعتبر مرض الموت؟ أعتقد أن الفهم العرفي لمرض الموت هو المرض الذي يؤدي غالبا إلى الموت والذي ينتهي أيضا للموت. ربما هناك مرض يؤدي غالبا إلى الموت ولكنه لا ينتهي إلى الموت، هذا المرض لا تعتبر المعاملات فيه باطلة، أو هناك مرض لا يؤدي غالبا إلى الموت ولكنه ينتهي إلى الموت، هذا المرض أيضا لا يمكن أن نعتبره مرض موت باعتبار أن المقدم على المعاملات في أثناء هذا المرض لم يكن يتصور أنه سوف ينتهي به الأمر إلى هذه الحالة، والخوف كله من حالات ميل المريض بمرض الموت إلى التعدي على حقوق الورثة.
على أي حال بالنسبة لمرض الإيدز هناك حالة كمون قد تطول عشر سنوات، لا أدري الدكتور البار هو أعرف بها. وهناك حالة كَلَب وظهور، في حالة الثوران لا ريب وأن هذا المرض ينتهي بشكل طبيعي للموت، لا ريب، هذا المرض مرض موت في هذه الحالة أما في حالة الكمون فهناك توقف في اعتبار هذا المرض مرض موت، وبالتالي إبطال بعض الهبات التي تحدث من قبل المريض والتي تؤثر على حصص الورثة.
بالنسبة للإجهاض، قيل إن انتقال المرض من الأم إلى الجنين، لا أدرى أيضا، الأخصائيون يعرفون، قيل لا يتجاوز العشرة بالمئة (10 %) ، وكذلك إنما يتم الانتقال في الأشهر الأخيرة من الحمل، ومع هذا فيجب أن يمنع مطلقا مسألة تجويز الإجهاض حتى في حالات التأكد من الإصابة في المراحل الأخيرة. وهنا رواية لدي منقولة عن الإمام الصادق فيسأله السائل: (أن المرأة تخاف الحمل فتشرب الدواء فتلقي ما في بطنها؟ قال: لا، قلت: إنما هو نطفة. قال: إن أول ما يخلق نطفة) . يعني من أول انعقاد النطفة إلى آخر الحمل يجب ألا يُعتدى مطلقا على حياة الجنين حتى ولو جاء احتمال الإصابة، هذا مما أؤكد عليه.(9/2164)
مسألة تعمد نقل المرض المؤدي للموت وإن كان هذا الموت يحصل بعد – مثلا – شهرين أو ثلاثة، هذا التعمد فيه احتمال القتل العمد خصوصا وأن هذا المرض – كما قال الأستاذ المقرر – يرادف الموت حينما يكون، وحتى لو لم يقصد المتعمد لنقل المرض القتل ولكن كانت العملية بنفسها والمرض بنفسه بحالة طبيعية يؤدي للموت، هذا أمر أعتقد أنه فيه احتمال القتل العمد واحتماله قوي جدا، وأيضا احتمال ما قاله الأستاذ سعود احتمال انطباق حكم الحرابة أيضا قائم.
مسالة عزل المريض لم تذكر. عزل المريض، لا أدري ذكرها الأستاذ أم لا. مسالة مطروحة وربما رأى الولي أو الحاكم مسالة عزل المريض وألزمه بذلك.
مسألة الارتباط الجنسي بين الزوجين، إذا تمت الاحتياطات اللازمة لها يمكن فسح المجال لها، مع ذلك هناك من ينقل أن الاحتياطات المعروفة غير كافية، فإذا جاء هذا الاحتمال هناك إشكال في تجويز هذا الاتصال.
موضوع إذا أخفى أحد الزوجين هذا المرض عن الآخر، فما ذكر في الروايات يمكنه أن ينسحب بشكل واضح أو بشكل أولى على هذا المرض. فيمكن أن يتم الفسخ في هذا المجال. بالنسبة لحكم الحضانة، لم يثبت إلى حد الآن أن الإرضاع ناقل لكن مجرد الاحتمال يكفي للمنع من ذلك. يعني احتماله ينجز كما يقال بالنسبة للإرضاع، أما بالنسبة للحضانة الظاهر أنه لا مانع منها إلا أنه يجب ألا تختلط سوائل المرأة الحاضنة أو ما يتصل بها بحالات استعمال الطفل وأمثال ذلك. هذا أمر مطروح.
هناك الكثير من المشاكل الفقهية التي تحتاج لدراسة معمقة لا أعتقد أن ما قدم من بحوث يستوعب كل هذه الأمور حتى نستطيع أن نحكم بها بشكل واضح اللهم إلا أن يتقدم الأعضاء ببحوث في جلستنا هذه توفي كل هذه المسائل حقها. وشكرا.(9/2165)
الشيخ القاسم البيهقي:
بسم الله الرحم الرحيم.
أيها الأخوة الكرام، قد تعرضت لهذا الموضوع من موقعين، الموقع الأول، هو ما لاحظته من أن هذا المرض قد أفزع الناس وأقلقهم وأوجد لدى الناس ذعرا لا يتصوره العقل، وهذا ما لاحظناه في كل مكان. وعندما نتتبع أخبار هذا المرض نجد أن الناس يتهربون من المصاب به، حتى إن بعض الناس يدعون أنه في بعض البلاد إذا مات الإنسان يلقى من بعيد حتى أنه قد يحرق خوفا من أن ينتشر هذا المرض. وهذا يجعلني أتتبع في الكتب في المصادر الفرنسية، أتتبع نشأته وتتبعت أيضا عوامل انتشاره أو عدواه. فلا تهم في الحقيقة بدايته كما قيل في أمريكا سنة 1979م حسب الأقوال ولكن المهم الآن أن هذا المرض انتشر فأصبح الناس يخافون منه خوفا شديدا. والعوامل التي تؤدي إلى انتشاره هي نفسها التي ذكرت منذ قليل. وأنا في الحقيقة بعد ما قرأت هذه الأسباب وجدت أو تهيأ لي أنها هي من مصدر واحد. وأما العوامل الأخرى فهي ناتجة عنه. مثلا، المصدر الأساسي هو الانحراف الجنسي كما يقال، الدعارة والشذوذ الجنسي ومن هذا الوسط نشأ هذا المرض أولا، وإن العوامل الأخرى مثلا من الدم والحقن التي ذكرت هي حاملة لهذا الجرثوم، فإما أنها هي الدم الفاسد، الدم الذي نقل من إنسان مريض، فإذن السبب الأساسي هو هذا، وأما الأسباب الأخرى فإنها تكون الإصابة للسبب الأول وهو الانحراف الجنسي سواء كان هذا الانحراف بالدعارة أو باللواط، حتى قد يكون بين زوجين أصيب أحدهما فينتشر هذا المرض.
وقد تعرضت أيضا لموضوع آخر ولكن أنا عندي سؤال وهذا السؤال أوجهه للخبراء والأطباء خاصة أو اللذين تتبعوا هذا في المعامل، يقول الأطباء الذين سألتهم وكذلك بعض الكتب التي اطلعت عليها على أن هذا الفيروس ضعيف جدا وصغير جدا ولكن أنا وجهت السؤال إلى كثير من الأطباء فقلت لهم: ما عمر هذا الجرثوم إذا كان خرج من الجسم؟ مثلا إذا غادر جسم الإنسان ما عمره بعد ذلك؟ كم من الوقت يعيش؟ هم يقولون ضعيف وصغير جدا، كم من الوقت يعيش؟ إذا كان واحد مثلا حقن بإبرة وهذه الإبرة خرجت منه ولم تعقم وتركت فترة ما، ما هي الفترة التي يعيشها هذا الجرثوم؟ والحقيقة ما وجدت جوابا وأرجو أن يكون في الصالة أو في هذه القاعة متخصصون يجيبون على هذا.(9/2166)
وتعرضت أيضا لموضوع آخر وقد أشار إليه فضيلة الشيخ التسخيري وهو ما يخص العزل أي عزل المريض. وأنا شخصيا بعدما رأيت أن هذا المرض لا ينتشر إلا لعوامل معينة والتي ذكرت وهي عن طريق الاتصال الجنسي وعن طريق الدم الفاسد. هي العوامل الأساسية. رأيت أنه لا يصح – على أي حال هذا رأيي الشخصي – بحال من الأحوال عزل المريض، لأن هناك أمراضا خطيرة جدا نجد أن الناس يعيشون مع المرضى، مثلا مرض السل وهو من الأمراض الخطيرة، ولكن ما عزلوا مرض السل، الإنسان المريض بمرض السل يعيش مع أهله وأسرته والناس يعلمون – وهو يعلم أنه مريض – يتفادونه، مع أن مرض السل أخطر، لأنه ينتشر عن طرق أخرى غير الاتصال الجنسي.
والاتصال الجنسي هناك وسائل تتحكم فيه إذا علم أن الإنسان مريض. فإذا أنا أرى أنه لا ينبغي عزل المريض بل بالعكس ينبغي أن تقدم له كل الوسائل النفسية والمعنوية والرعاية لأنه مريض خصوصا إذا كان مسلما، وأن كثيرا من الناس وقعوا فيه رغم أنفهم، والذي حقن فوقع مريضا وهو لا ذنب له في هذا أما إذا كان الشخص الذي ظهر عليه المرض خصوصا في البلاد الإسلامية وهو معلوم أن هذا جاء عن طريق الزنا أو اللواط، إذا كان هناك تطبيق للشريعة الإسلامية فهو يحد، ثم بعد ذلك أيضا يعتنى به لأن الحد هو الواجب عليه، ويعتنى به ويراعى كما تراعي الناحية الإسلامية، أنه إذا كان واحد زنى أو قذف وأقيم عليه الحد ولكن بعد ذلك يعيش مع الناس وعليه العناية.
فإن هذه من المواضيع التي أنا أشرت إليها، ولكن أنا في الحقيقة عندما أبحث في هذا المرض وأسباب انتشاره جاءت مصيبة أخرى وتزامنت معه وهو أن الدعوة الحالية إلى تحديد النسل، فرأيت أن كثيرا من الدول – على كلٍ، قرأت في بعض الوثائق التي قرأتها وكذلك عندنا في النيجر مثلا – أن هناك إسرافا خارجا عن الإسلام في توزيع موانع الحمل وهذه الموانع سواء كانت العوازل أو غيرها من المواد الأخرى أنها توزع
تقريبا مجانا، وبعض الأوقات حتى على أطفال المدارس أقول أطفال ولا أقول شبابا، في سن الخامسة، ومع الأسف الشديد رأيت الأطفال يلعبون بها كما يلعبون عندنا بالبالونات أعتقد أنني وجهت ندائي للمجمع أرجو أن يكون قد أطلع عليه في البحث الذي قدمته، أرجو منكم أيها السادة أن تفتوا في هذا وهو: ما حكم من يقدم هذه العوازل لأولاد وشباب وغير متزوجين أيضا، حتى ولو كبارا، ما حكم الله في هذا؟ هل يجوز؟ أرجو أن يكون هناك قرار في هذا الموضوع ويوجه إلى الدول الإسلامية لأن هذا خطير جدا.(9/2167)
طبعًا بلا شك أنا تعرضت للموضوع الفقهي والذي يخص السؤال إذا كان الزوج مريضا أو الزوجة مثلا وهناك طفل نتج عن هذا الزواج، ما الحكم الشرعي؟ هل هناك فيه ضمان؟ تعرضت له ورأيت قولا لابن رشد يقول فيه: إن العمد في الأم هو خطأ في الجنين. فإذن معنى ذلك أن الزوج لا يكون سببا لقتله الطفل، إذا كان الزوج مريضا والزوجة سليمة، أعدى الزوج الزوجة، ثم الزوجة أعدت الطفل معنى ذلك أن الزوج ليس عليه قصاص. على كل حال لأن حكم الخطأ …، لأن الزوج لا يعدي مباشرة الطفل وإنما الزوجة هي التي تكون سببا في العدوى حسب ما يقال أثناء الحمل أو عند الولادة في بعض الأوقات. وأما الرضاع فهناك بلا شك حتى لما قرأته … مؤكد، حتى إن منظمة الصحة العالمية تدعو منذ شهر أنا قرأت وسمعت عن المؤتمر الذي عقد أظنه في … هنا قال إنه تدعو منظمة الصحة العالمية إلى الرضاع. رغم أن هناك احتمال أن يعدى الطفل عن طريق الرضاع لو كانت الأم مريضة. تعرضت لهذا الموضوع. على كل حال ما يخص الحكم الشرعي موجود في البحث وتعرضت أيضا للغرة الدية والميراث وهذه الأشياء. ولكن أرجو – إن شاء الله – فيما يخص استعمال العوازل لأنها أصبحت بلوى كبيرة جدا يتستر وراءها الكثير من الناس لارتكاب الفاحشة لأنهم يعلمون أنه قد لا يتركون بصمات للجريمة فيها، فإذن أرجو أن ينظر فيه المجمع ويتخذ فيه قرارا أو فتوى يوجهها للمسلمين في كل مكان. والسلام عليكم ورحمة الله.
جاسم على السالم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله والصلاة والسلام على رسول الله.
طبعا أنا لي بحث في هذا الموضوع، وأشكر العارض على قيامه بالتعرض للصور المعتادة في هذا الموضوع وأنا أعتقد أنني قد ذكرتها في بحثي الموجود معكم، وتعرضت فيه إلى نقاط محددة يمكن الرجوع لها دون تكرار إلى البحث، منها وجوب إعلام الزوج المصاب … فرق للعيوب محصورة فيما ذكره الفقهاء من العيوب أم تتعدى لغيرها لذات العلة. تواجد فيروس الإيدز في لبن المرضع، مدى جواز حضانة المصابة بالإيدز للطفل السليم. وأضيف الوسائل التي لم يذكرها العارض وأنا قد ذكرتها أو جاءت بعد ذلك هي: من المسائل الأولى يمكن مدى إلزام الزوجين أو الشارعين في الزواج بإجراء الفحص الطبي أو الكشف الطبي للتأكد من خلو الزوجين من الموانع المرضية. فهذه يمكن، أنا ذهبت إلى الوجوب في هذه المسألة للقواعد الكلية الموجودة في الفقه الإسلامي (لا ضرر ولا ضرار) ، فلا يجوز شرعا لأحد أن يلحق بآخر ضررا ولا ضرارا. كذلك على أساس قاعدة دفع الضرر المتوقع مآلا. قاعدة (الضرر يزال) أي تجب إزالته. وهناك من يقول إذا ظن البعض أن هذا الأمر فيه تكليف ومشقة على الراغبين في الزواج فإن التأكد من السلامة أمر أكثر أهمية حتى لا يقع ما يندم عليه. هذه مسألة من المسائل التي أشرنا إليها.(9/2168)
مسألة وجوب إعلام الزوج المصاب زوجته، يمكن في بحثي وجدت أنه لو أصيب أحد الزوجين بمرض حتى لو كان لاحقا على الزواج هل له الحق أن يخفي هذا الأمر أم يفضيه إلى الزوج السليم؟ فرأيت بالأدلة التي أتيت بها في بحثي بأنه يجب عليه إعلام الزوج أو الطرف السليم وهي أدلة شرعية ممكن الرجوع إليها من قبل حضراتكم.
المسألة الأخرى مسألة مرض الموت – التي تعرض إليها السادة وأنا لم أتعرض لها حقيقة في هذا البحث هي مرض الموت. إنما مرض الموت طبعا يتم في مرحلة شرحها السادة المناقشون سابقا، وأعتقد أن الأطباء يعلمون أن مرض الإيدز له مراحل عدة وهنا يمكن تحديده بالمرحلة. هناك السيد العارض قال ثلاث مراحل، ولكن الأطباء هناك من قال أربع مراحل، وهناك من قال ست مراحل، على اختلاف مدى تطور هذا المرض.
الوسائل الأخرى التي يمكنني أنا أن أضيفها – لو سمحتم لي – في هذا الموضوع منها مسألة تصرفات المريض مرض الموت واتصاله بالجنون. معظم الأطباء يفيدون، أن مرض الموت في مرحلة من مراحل المرض هذا يصل إلى مرحلة الجنون، فهل هناك حجر على تصرفاته؟ هل يعتبر مجنونا أم معتوها وفقا لكلام الأطباء؟ هذه مسألة يجب أن تثار لأنه يترتب عليها حكم شرعي. مسألة أخرى وهي مسألة اتصال تصرفات المريض وأحكام الغلط، هي هنا نقول إذا ما كان بمقدور المريض الذي تصرف في أمواله أثناء مرضه اعتقادا منه بأنه لا محالة هالك، أن يتمسك بأحكام الغلط إذا ما كتبت له النجاة، فإذا ما علم بإصابته بالمرض وشعوره بدنو أجله وموته القريب يدفعه إلى ترتيب أوضاعه وأوضاع أسرته المالية على أساس من هذا الاعتقاد، وكثيرا ما يتمثل هذا الترتيب في التصرف في أمواله لحال الحياة معاوضة أو تبرعا، أو لحال الوفاة على سبيل الوصية لكن طبعا الأعمار بيد الله – سبحانه وتعالى – وقد لا يصدق اعتقاده فيقف تطور هذا المرض وتمتد به الحياة أو يكتشف له دواء ناجع يؤدي إلى الشفاء الكامل منه، فإذا ما تحقق ذلك فإن المريض سوف يكتشف بالضرورة أنه قد وقع في وهم أو قلق دفع به إلى التصرف في أمواله على هذا النحو أو ذاك. وبعبارة أخرى سوف يكتشف أنه كان ضحية غلط في الباعث الدافع إلى التصرف فهل يمكن له التمسك بهذا الغلط لإبطال تصرفاته؟ هذه مسألة أخرى من المسائل التي يمكن أن يتعرض فيها لهذا الموضوع.
مسألة أخرى وهي نقل الدم. عندما تقوم المستشفيات الحكومية أو مراكز نقل الدم بنقل الدم إلى الشخص السليم ويكون هذا الدم ملوثا بهذا المرض (فيروس الإيدز) ، هل هنا تجبر الحكومات إذا كان المستشفى حكوميا أو مراكز نقل دم على دفع الدية لهذا الشخص إذا أدى هذا المرض إلى وفاته؟ طبعا هنا أنت لا يمكن أن تحكم عليه وتقول عمدا وتحكم على مؤسسة معنوية بالإعدام إنما قد تطالب بالدية، فهل هنا يجوز؟ هذه موجودة الآن في كل دولنا مسألة أنه قد تم نقل دم ملوث بفيروس الإيدز إلى أناس أصحاء وماتوا على هذا الأساس , أو قد نقلوه كذلك إلى أهلهم. فهذه مسألة من المسائل التي قد تثار في هذا الموضوع.
هناك مسألة أثرتها وهي أنه هل يجوز للحاكم منع هذا الزواج؛ منع زواج المصاب بالمرض بشخص سليم؟ طبعا البعض قال إنه إذا كان الاثنان مصابين فلا مانع، وهناك من قال إذا كان أحدهما مصابا والآخر سليما فيجوز للحاكم أو للسلطة أن تمنع ذلك، ربما أنني قد أتيت بأدلة في هذا الموضوع. فنحن نتكلم عن مسائل قد تقع فعلا، نحن نقول لو قيل يفترض أن يمنع من ذلك، بل أنا أقول حتى لو كان الاثنان مصابين بهذا الداء يمنعان لتعلق حق الطفل في الحياة فلا يجوز حتى تزويج اثنين مصابين بالإيدز. وشكرا لكم.(9/2169)
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الموضوعات التي بين أيدينا المتعلقة بالإيدز بعد العرض الذي قام به الدكتور سعود الثبيتي نستطيع أن نرجع إليها وقد رجع إليها أكثرنا – بحمد الله – لأنها وزعت على حضراتكم من أول الاجتماع، وبودي إذا سمحتم أن نكتفي بهذا القدر من سماع العروض لأن العارض هو مكلف بعرض بقية أراء الإخوان الذين شاركوه في الكتابة ونستمع إلى الخبير في هذه القضايا وهو الطبيب والذي – بحمد الله – له جوانب مزدوجة كبيرة من العلم الإسلامي ومن العلم الطبي، وقد جربناه مرات كثيرة وهو الدكتور البار.
الدكتور محمد علي البار:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحقيقة هنا مجموعة من الأطباء موجودون في القاعة كالدكتور عبد الله باسلامة والدكتور حسان شمسي باشا والدكتور عبد الوهاب، وربما يضيفون بعض النقاط الأخرى. وسأحاول أن أجيب على بعض الأسئلة التي أثيرت وذلك حفاظا على الوقت، وقتكم الثمين.
هذا الفيروس هو فيروس ضعيف كما أشار أحد الأخوة ووضع سؤالا وهو: ما مدى ضعفه؟ هذا الفيروس إذا تعرض للشمس أو تعرض للهواء أو تعرض للديتول أو السافلون أو المطهرات هذه يموت ولا يستطيع البقاء في مكان مفتوح للهواء أو للشمس أو للمواد الحافظة أو حتى الصابون، يعني هذه المواد كلها في الغالب الأعم أنها تقتل هذا الفيروس. ولكن هذا الفيروس إذا بقي في الدم أو إذا بقي في جسم الإنسان أو إذا بقي في الإفرازات الموجودة يستطيع أن يبقى فترة طويلة، وطبعا إذا بقي هذا الدم أو هذه الإفرازات أو هذه المواد في مكان مثلج أو غيره مثلا كما تعلمون يأخذون المني ويضعونه في البنوك ويجمدون المني لمدة عشرين سنة أو عشر سنوات وقد ناقشتم ذلك، هذا المني إذا كان مصابا وفيه فيروس الإيدز ممكن أن ينتقل مرة أخرى ولو بعد عشر سنوات لأنه في وضع كمون، أما إذا تعرض للمواد الحافظة وتعرض للمواد القاتلة أو تعرض للشمس أو تعرض للجفاف في الهواء الطبيعي الطلق يموت هذا الفيروس. هذا إجابة على السؤال ما مدى ضعف هذا الفيروس؟(9/2170)
طبعا أهم أسباب العدوى هي المعروفة لكم وهي الاتصال الجنسي وأغلب الحالات الموجودة في العالم فعلا كما ذكر الدكتور سعود الثبيتي في استعراضه الطيب أن حوالي 90 % من هذه الحالات اليوم في العالم هي ناتجة عن الزنا واللواط، اللواط في أوروبا والبلاد المتقدمة صناعيا يعتبر السبب الرئيسي ويبلغ ما بين 70 –80 % من حالات الإيدز في الولايات المتحدة وفي بريطانيا وفي أوروبا كلها. يدخل معه هناك موضوع الحقن الملوثة بالمخدرات، وتشكل هذه بالنسبة لهم هناك ما يقرب من 90 % من الحالات أو أكثر من 90 % من الحالات، والحالات الأخرى التي كانت تأتي بالنسبة لهم أيضا كان عن طريق الدم أو مشتقات الدم. يختلف من بلد إلى آخر يعني بعض البلدان 70 % والبعض 80 % وذلك في البلاد المتقدمة صناعيا (الغربية) , الآن بدأ أيضا يدخل لديهم الدم أصبح سببا نادرا جدا، يعني موجود هذا السبب ولكنه نادر وقد حدث في ألمانيا وفي فرنسا بعد اكتشاف فحص الدم، وسأتحدث عنه. السبب الرئيس الموجود في إفريقيا وفي منطقة شرق آسيا هو الزنا، وتعتبر في كثير من المناطق في أفريقيا (في كينيا وغيرها من المناطق) 90 % من البغايا والداعرات هناك مصابات بفيروس الإيدز، وفي الهند وتايلند (بانكوك) وصلت إلى نسبة 70 % من الداعرات يحملن فيروس الإيدز.
فهذا الطريق هو الطريق الرئيسي والأساسي. الطريق الآخر وهو موضوع الدم ومشتقاته وهو أيضا موضوع مهم، لم يوجد فحص لمعرفة هل هذا الدم ملوث بفيروس الإيدز حتى أواخر عام 1985م، يعني بدأ في أمريكا في أكتوبر 1985 م وبدأ ينشر هذا الفحص – فحص الليزر – على مختلف بقاع العالم ودخل إلى المملكة العربية السعودية ومنطقة الخليج في أوائل 1986 م وعم على جميع مراكز الدم، لكن حتى بداية عام 1986م كانت المملكة – على سبيل المثال – وبعض دول الخليج تستورد الدم يوميا من بريطانيا ومن الولايات المتحدة، وتستورد هذا الدم، الغريب أنه كان يباع (تجارة) والذين يبيعون الدم في الغالب هم إما من مدمني المخدرات أو من المجموعات الشاذة جنسيا، وكان يشكل مصدر خطر كبير جدا، في الواقع الأبحاث التي أجريت في المملكة العربية السعودية وفي الكويت وفي منطقة الخليج عموما، كان مؤتمر عقد قريبا في مستشفى الملك فيصل التخصصي وقدمت فيه عدة أبحاث وإحصائيات للحالات في المملكة وغيرها، معظم هذه الحالات كانت نتيجة نقل دم. ثم بعد ذلك قد يكون طبعا الزوج لا يعرف أو الزوجة لا تعرف أن هذا الدم ملوث فيتصل بها زوجها أو هي تتصل بزوجها فينقل هذا للآخر. وللأسف لم يوجد حصر للحالات التي تلقت دما منذ عام 79 أو 81 حتى عام 86 من الدم المستورد. لو عُمل هذا الحصر لهذه الحالات لعرف من هؤلاء الناس؟ ويجري عليهم هذا الفحص، وبالتالي ينبه على أن هناك خطرا من هذا المرض.(9/2171)
هناك مرض يسمى (مرض الناعور) ويحتاج المرضى فيه إلى نقل الدم، ويؤخذ هذا الدم من مجموعة كبيرة جدًا من المتبرعين (عامل ثمانية يؤخذ) ، هذا الدم معرض أيضا للتلوث لأنه يؤخذ من أعداد كبيرة جدًا من الناس ويستخلص منه هذه المادة. وكثير من الأطفال في مختلف بقاع العالم بما فيها المملكة العربية السعودية وفي الخليج مصابون بفيروس الإيدز نتيجة عامل ثمانية هذا، أو مرض الناعور. وبالتالي هؤلاء الأبرياء حقيقة في منطقتنا معظم الحالات الموجودة هي أما عن نقل الدم أو مشتقاته أو أن الشخص قبل أن يعلم بهذا المرض قد اتصل بزوجته ثم طبعا نقل المرض، وهذا في معظم الحالات عندنا، أو من الأم الحامل للجنين.
بالنسبة للمخدرات طبعا هي تشكل خطرا موجودا وهو نتيجة الحقنة نفسها وليست نتيجة للمخدر في ذاته، طبعا المخدر هو مصيبة في ذاته وهو موضوع آخر، لكن العدوى تحدث عن تبادل الحقن الملوثة بتكرار استعمالها بين الأشخاص فتنتقل العدوى إلى هؤلاء الذين يستخدمون هذه الحقن الملوثة. كل إبرة ملوثة سواء حقنت في مريض أو نقلت لشخص آخر ومنها حقن الوشم التي تستخدم في بعض البلاد، حتى الحجامة ممكن أنها تنقل العدوى إذا لم تعقم الآلة بواسطة الدم الذي انتقل من هذه الآلة إلى مكان آخر.. كل ما ينقل الدم من شخص إلى آخر ولو بكميات ضئيلة يعرض الإنسان لاحتمال الإصابة بمرض فيروس الإيدز أو انتقال هذا الفيروس إليه.
وكذلك ينتقل المرض من الأم الحامل إلى الجنين كما ذكر الدكتور سعود الثبيتي هي غالبا في آخر مدة الحمل، العدوى تحدث إذا حدثت وهي تشكل حوالي 10 %، و 30 % من حالات العدوى التي تحدث تكون في أثناء الولادة. وهناك عدة تساؤلات منها: هل العملية القيصرية ممكن أن تقلل من نسبة الإصابة أم لا؟ فإذا كانت تقلل نسبة الإصابة طبعا تكون العملية القيصرية هي الحل الأمثل في مثل هذه الحالات الموجودة. ولا شك أن الإصابة أو معظم حالات الإصابة إذا حدثت للجنين هي تحدث في أواخر فترة الحمل وبالتالي يكون قد مضى عليه فترة المائة وعشرين يوما التي ينفخ فيها الروح.(9/2172)
أسباب نادرة للإصابة بالإيدز منها: نقل الأعضاء. فمثلا في منطقة الخليج فيها أربعة عشر حالة موثقة أصيبوا بفيروس الإيدز نتيجة نقل كُلَى من الهند، وهي موثقة وموجودة معروفة. في الغرب – طبعا – نتيجة التبرع بالمني وغيره وهي حالات موجودة فيه. مشاريع أطفال الأنابيب هناك أيضا حالات موجودة ولكنها حالات نادرة. أيضا من الحالات النادرة استخدام الأدوات الطبية. يعني المجلة الطبية البريطانية نشرت في عدد هذا الشهر ما يلي:
بحث عن طبيب في استراليا نقل المرض إلى أربعة من النساء وذلك أثناء إجراء عمليات جراحية لهن، والسبب في ذلك ربما أن الأدوات التي استخدمها لم تعقم تعقيما جيدا وفي نفس الوقت استخدام الشفاط وهو آلة للارتشاف في عملية التخدير فكان فيها من التخدير الموجود فيها فيروس الإيدز فلما استخدم التخدير مرة أخرى يعتقد أنه كان هو السبب.
أثار الدكتور سعود الثبيتي – أيضا – الطفلين الموجودين في حضانة واحدة وأصيبا بنفس الفيروس. طبعا إذا كان واحد مصابا بالفيروس ومعروف أن فيروس الإيدز موجود في جميع الإفرازات الناتجة عن الجسم ولكن الإفرازات المركزة فيها هي الإفرازات الجنسية أو المني أو الإفرازات المهبلية والدم، وهذه هي الإفرازات المركزة. اللعاب موجود فيه واكتشف هذا ولكنه بكمية ضئيلة جدا. كذلك اكتشف في النخاع الشوكي السائل. واكتشف في إفرازات اللبن الموجود أثناء الإرضاع. وكذلك الميت عندما يموت وهذا يوجد إشكالا آخر. عندما يغسل الميت المصاب بفيروس الإيدز، كل الإفرازات التي عنده وكثير من المرضى هؤلاء تخرج منهم إفرازات مدممة في أثناء التغسيل، وهذه تشكل خطرا ولا بد للشخص الذي يغسل المصاب بالإيدز أن يأخذ الحذر ويستخدم القفازات كاملة في هذا حتى وخز إبرة من شخص يأخذ الدم من مريض وهو لا يعرف انه مصاب بالإيدز فإذا أصيب بهذه الإبرة بالخطأ ربما تنقل له هذا المرض.(9/2173)
فهناك أسباب متعددة لنقل المرض، لكن الأسباب الرئيسية التي تشكل الغالبية الكبرى من أسباب المرض هي الاتصال الجنسي وان كان الاتصال سويا أو غير سوى (شاذا) ، أو مشتقات الدم.
بالنسبة للسؤال الذي يقول هل الإيدز مرض موت؟ في الواقع مرض الإيدز يمر بمراحل كثيرة، يعني مرحلة دخول الفيروس إلى الجسم وبعض الناس يظهر عليهم بعض الأعراض الخفيفة أو أحيانا تكون شديدة لكنها تكون مؤقته ثم تختفي هذه الأعراض تماما، وقد لا تظهر أي أعراض على الإطلاق ويبقى في جسم الإنسان مدة طويلة تصل إلى اثنتي عشرة سنة، وهو إما أن يعرف بالصدفة إذا أجري له فحص وعرف أنه يحمل هذا الفيروس، لكنه قد لا يعرف أنه عنده هذا الفيروس، حتى يأتيه مرض ما فيذهب لإجراء فحص فيظهر أن عنده فيروس الإيدز. وليس له أي أعراض خارجية، قد يبقى عشر سنوات أو أثنتي عشر سنة، وهذه المدة تختلف من شخص إلى آخر وتبدأ الأعراض في الظهور.
ويعتمد ظهور الأعراض على أن الفيروس يهاجم خلايا موجودة في الجسم هي من خلايا الدفاع عن الجسم، الخلايا اللمفاوية من نوع يسمى رقم (T) أو (ت 4) ، وهي في الشخص السليم حوالي ألف وإذا وصلت إلى أربعمائة أو أقل فإن الأعراض تتناوشه الميكروبات وتبدأ المقاومة تضعف فتبدأ تظهر عليه. من العلامات الطبية الموجودة التي يستطيع أن يصل إليها الطبيب هو عد هذه الخلايا الموجودة في الدم، وعادة إذا وصلت أقل من الأربعمائة فإن الشخص يكون قد بدأ في الدخول في مرحلة مرض الإيدز وهي تختلف عن أنه حامل للفيروس. فإذا بدأت تقل عن الأربعمائة وتصل إلى المائتين فإنه يكون قد وصل إلى مرحلة الخطر. ولم يسجل أن شخصا ما وصل إلى هذه المرحلة قد شفي منها.(9/2174)
أما كون الشخص قد يشفى من المرض وهو لا يزال حاملا للفيروس هذه الحالة سجلت وهي موثقة وقريبة جدا، قبل أسبوعين فقط في الولايات المتحدة ونشرت قبل أسبوعين، لكنها معروفة منذ فترة حيث كانوا يتأكدون منها وهي طفلة حملت الفيروس من أمها أثناء الحمل وولدت وأجريت لها الفحوصات عدة مرات وتأكدوا أنها مصابة بفيروس الإيدز ثم بالمتابعة لهذه الطفلة في سن الثالثة اختفي الفيروس منها تماما وأعيد الفحص في أحسن المراكز عدة مرات والأطباء محتارون في معرفة كيفية قضاء الجسم على هذا الفيروس. طبعا الحالات النادرة هذه يمكن أن تحدث أن المناعة يعطيها الله – سبحانه وتعالى – لجسم الإنسان أن يتغلب على هذا المرض ومعظم الفيروسات والميكروبات التي تدخل إلى أجسامنا لا تسبب لنا المرض، يتغلب عليها الجسم وإنما نسبة بسيطة ممن يدخل الفيروس أو الميكروب إلى أجسامهم – غير فيروس الإيدز – هم الذين يصابون بالمرض. فعلى هذا هناك احتمال – أيضا – أن بعض الناس الذين دخل الفيروس إلى أجسامهم أنهم لا يظهر عليهم أي مرض على الإطلاق. هذا الاحتمال وارد وإن كان إلى الآن ضئيلا.
هل مرض الموت مرض جنون؟ إذا كان الكلام مطلقا طبعا ليس كل مرض موت مرض جنون وقد تختل تصرفات هذا الشخص في المراحل الأخيرة وقد يفقد الوعي على الإطلاق فلا يدرك على الإطلاق، لكن معظم أعراض الموت – يعني المرض المتصل بالموت كما تعرفونه انتم أيها الفقهاء – ليست هذه الأمراض تؤدي إلى الجنون وليس لها علاقة مباشرة بالجنون – هذه معظم – أظن – الإجابات المتعلقة بهذا الموضوع. وشكرا لكم.
الدكتور محمد عطا السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين، اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك.
السيد الرئيس، في الحقيقة بالأول أبدأ فأقول إن هذا الموضوع ناقشناه وعرضت أوراقه أو سجل في الدورة الماضية ولكن تأجل النقاش في الدورة الماضية للمجمع، فأرجو من الله أن يوفق هذا الاجتماع هذه المرة لإصدار قرار في هذه المسألة لأننا نعرف أن هذامن المسائل الطارئة التي يحب الناس أن يعرفوا فيها حكم الإسلام وعلاجه بما تقتضيه ضرورة الأمر.(9/2175)
النقطة التي أريد أن أثيرها وهي أن العارض للموضوع ذكر التوصيات المختلفة وأنا باختصار شديد لا أتفق معه في النقطة الأولى وهي موضوع عدم فصل المصاب بمرض الإيدز. وأرى في هذه الناحية أن المصاب يعني أحد شخصين إما أن يكون مصابا بهذا المرض نسبة للفساد أي التعدي من جانبه، في هذه الحالة يجب أن يفصل وهذا الذي أراه ويقتضي أن يفصل ويبعد عن المجتمع، لأن ضرره محقق إذا ترك وهواه في هذه المسألة.
أو أنه أصيب بهذا المرض بغير عدوان منه كالمسائل التي ذكرها الدكتور صباحا عن طريق العدوى من الأم أو عن طريق الحقن أو عن طريق نقل الدم، وهذا بريء في الحقيقة، ولكن مع ذلك أرى أن يبعد عن المجتمع بطريقة كريمة ويفصل لأنه أيضا لو ترك لكان في ذلك خطورة نقل هذا المرض من شخص إلى آخر وانتشاره بين الناس وهذا أيضا وارد.
ولذلك أنا أرى في كلتا الحالتين سواء اكتسب هذا المرض نتيجة عدوانه فيجب أن يفصل، هذا واضح. الثاني ولو أنه بريء ولكن مع ذلك أرى أنه يجب أن يفصل لحماية المجتمع ولكن تهيأ له من السبل الكريمة ما يكون في حبسه راحة وكرامة له بعكس الشخص الأول.
النقطة الثانية وهي موضوع الإجهاض أيضا أرى وأختلف مع العارض في التوصية التي ذكروها أنه إذا تحقق أن الجنين الذي تحمل به المرأة مصاب بمرض الإيدز وتحققت هذه المسألة … هم يقولون أيضا أنه لا يجهض وأنا في هذه المسألة لا أتفق معهم. أرى أن هذا في رأيي – تعند بعض الشيء،، نعلم كلنا ونتفق جميعا أن للجنين المحمول به حقا يجب أن يحافظ على حياته وألا يعتدي عليه، لكن أن نترك مثل هذا المصاب أكيدا بمرض الإيدز يخرج إلى المجتمع ويواجه مجتمعا يحترس منه في كثير من النواحي ويعامله معاملة ليست كمعاملة سائر البشر ويتخذ منه مواقف مختلفة، أنا في رأيي والله هذا عذاب شديد لهذا الشخص الذي يولد. وكذلك المجتمع يتحمل مسؤولية مولود جديد مصاب بهذا المرض ومراعاته وحمايته وأشياء كثيرة. ولذلك أنا أرى أنه إذا تحقق أن المرأة تحمل جنينا مصابا بمرض الإيدز أنا في رأيي في هذه الحالة أن يجهض ذلك الجنين وأخالف قرار الندوة في هذه المسألة، وهذا رأيي والله أعلم.(9/2176)
الرئيس:
شكرا، ولكن ما هي نسبة إصابة الحمل؟ لأن الدكتور محمد في الصباح ذكر النسبة.
الدكتور عطا السيد:
أنا تركتها مطلقة. في الحقيقة قلت إذا تأكد.
الرئيس: لا، نسبة إصابة الحمل، هل تمثل 10 % يا شيخ.
الدكتور عطا السيد:
نعم، في أواخر الحمل من 10- 20 % أحيانا يستطيعون أن يجزموا بأن هذا الجنين أو المحمول به قد اكتسب فعلا هذا الفيروس. في هذه الحالة أنا أترك التقدير للأطباء إذا تقدر لديهم أن هذا الجنين المحمول به مصاب فعلا بمرض الإيدز أرى في هذه الحالة يجب أن نتجاوز ذلك القرار ويجهض.
الدكتور حسان سفر:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
أصحاب الفضيلة والسعادة، مداخلتي تتعلق بما أشار إليه أخي العارض فضيلة الدكتور سعود الثبيتي حول مسألة توعية الحجاج ومراقبة الحلاقين. وأحب أن أوضح في هذه المسألة أن الأمر معمول به في المملكة التي تتشرف بخدمة ضيوف بيت الله الحرام وزوار مسجد رسول صلى الله عليه وسلم، وتقوم وزارة الحج بالتنبيه على ذلك أثناء إجراءات ومباحثات شؤون الحج مع وزارء الدول الإسلامية المعنية بهذا الأمر، إذ يطلب منهم على سبيل الإلزام التوعية للحجاج قبل سفرهم، دينيا وصحيا.
ثانيا: التأكد من خلو الحجاج من الأمراض الوبائية وخاصة الإيدز حتى يسمح لهم بالسفر إلى الأراضي المقدسة. وأجدها فرصة يا سيدي الرئيس فأرجو من المجمع الموقر أثناء التوصية بالتنصيص على ذلك ومطالبة الدول الإسلامية بعدم قدوم حجاج يحملون الأمراض أو مصابون بالإيدز، وذلك محافظة على حرمة النفس ومراعاة لمقاصد الشريعة الإسلامية والمحافظة على الكليات الخمس. وبالله التوفيق، وشكرا لكم.(9/2177)
الدكتور عبد الله باسلامة:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نقاط كثيرة استعرضت وأسئلة كثيرة طرحت، والدكتور البار – جزاه الله خيرا – وغيره قام بالإجابة على كثير من الاستفسارات.
بقي بعض النقاط التي قد توضع على بعض الحروف لبعض الأسئلة:
أذكر منها، طلب الفحص الطبي الإجباري لكل الراغبين في الزواج أو المتقدمين للزواج. قد يكون هذا واردا إذا كان الناتج عن هذا الفحص سوف يحمي لا نقول الأغلبية ولكن نسبة مرتفعة جدا. في بعض الدول وخاصة في العالم العربي والعالم الإسلامي لا تزال – بفضل الله – نسبة انتشار هذا الوباء نادرة ممكن أن تدخل في حكم النادر أو الضئيلة جدا. فإذا أردنا أن نفحص كل الراغبين في الزواج فقد نفحص الآلاف أو مئات الآلاف من الحالات لكي نحمي حالة واحدة، قد يكون هذا له المبرر الكافي، لكن إذا أخذنا في علم الاقتصاد والترجيحات العلمية نجد أنه أكثر مما يجب في الوضع الحالي فالفحص الإجباري قد لا يكون مناسبا داخل الدولة نفسها، ولكن الفحص الإجباري للراغبين في الزواج من العالم الخارجي، وهذا أنا في الحقيقة أعرفه أن في المملكة العربية السعودية من يرغب الزواج من امرأة أجنبية فلابد أن يحضر للسفارة ما يثبت خلوها – وكذلك هو – من هذا المرض قبل أن تتم الموافقة على عقد القران.(9/2178)
الموضوع الآخر مرض الموت. قد يكون فعلا أنه مرض ينتهي بالموت ولكن كما علمنا أنه يمر بمراحل تصل إلى عشرات السنين قبل أن ينتهي بالموت، فإذا حكمنا من الآن على كل مريض أثبت التحليل أنه يحمل هذا الفيروس بأنه مرض موت قد يكون خلال السنوات القادمة – 2 أو 3 أو 4 – يكتشف علاج ما، يؤدي إلى شفائه. فيجب أن يكون في قرارنا في هذا الموضوع لنا شيء من إمكانية التراجع أو وضع الاعتبار عندما يوجد الشفاء.
الموضوع الآخر وهو موضوع انتقال العدوى إلى الأجنة. هذا لا شك فيه أنه وارد ولكن بنسبة ضئيلة. لكي يصل السائل أو الدم من الأم إلى الجنين عادة يجب أن يتم بعد الأربعين يوما التي وافق بعض العلماء على جواز الإجهاض فيها، لابد أن يتم بعد هذه الفترة بحيث يتكون للجنين سوائل أو دم، وسوائل من الدم، ودم من الأم يصل عن طريق المشيمة إلى هناك. فمعظم انتقال العدوى تتم في الشهور الأخيرة مع الأسف وذلك بعد نفخ الروح. فالصعوبة هنا واردة بالنسبة لعملية الإجهاض وتبريرها والموافقة عليها. علميا إلى الآن وإن كان في الطريق الآن أن يتأكد من وصول الميكروب إلى الجنين في داخل البطن لا تزال صعبة. بعد الولادة أيضا فيها صعوبتين. الطرق الحديثة قد تثبت ما يدل على وجود المرض أو ما يدل على وجود آثار الميكروب في دم الطفل بعد ولادته ولكن قد تكون هذه انتقلت من المضادات من الأم إلى الجنين دون أن يكون هناك الفيروس الناقل للمرض وإن كان الآن فيه طريقة جديدة تستعمل لمعرفة هؤلاء الأطفال إذا كانوا فعلا قد أصيبوا بالميكروب ولا يزال يوجد في دم هؤلاء الأجنة.
الموضوع الذي أثير وهو كيف يمكن الانتقال بين طفلين أو اثنين من الرضع في حضانة؟! المعروف الآن في كل المستشفيات أنه إذا كانت هناك أم في حالة ولادة وهي معروفة أنها ناقلة للميكروب، اتفق علميا على أن تعزل السوائل والدم وكل ما يتعلق بولادتها عن بقية الحالات الأخرى لأنه كما نعرف أن الميكروب أو الفيروس ينتقل بالسوائل بالذات الدم والإفرازات المهبلية ومن النادر جدا في اللبن أو في اللعاب. كما أن الأطفال إذا كان قد انتقل إليهم هذا الفيروس فهو طبعا الحبل السري وما يمكن أن يخرج منه من دم قد يكون مادة فعالة لكي تنتقل إلى جنين آخر بواسطة الممرضة التي تمرض اثنين في وقت واحد أو ثلاثة أو أربعة. لذلك نُصح بأن يعزل هذا الطفل فور ولادته وان تتم حضانته في الفترة الأولى مع أمه في غرفتها، وهذا بعكس ما طلب أنه يعزل عن أمه إلى أن ينتقل إلى البيت وهذه مرحلة أخرى.(9/2179)
هناك فعلا أبرياء لا يزالون بيننا، وفي المجتمع العربي والإسلامي نقل إليهم هذا الميكروب، فيجب أن ننظر في حكمنا عليهم أن يكون يراعي ما أصيبوا به دون أن يكون إصابتهم نتيجة استهتار أو تهاون. وشكرا لكم.
الشيخ الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد،
فقد استمعت إلى العرض الشيق للبحث الذي قدم حول هذه القضية، واستمعت إلى المداخلات. وحقيقة الأمر أرى أن الأمر يحتاج إلى علاج من جذوره، فهناك العلاج الأول العفة، فالعفة يجب أن توفر أسبابها، من أسباب العفة تحصين الشباب ذكورا وإناثا بالزواج الشرعي، كما يشير إلى ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يقول عليه أفضل الصلاة والسلام: ((يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج)) . فقد يكون عزوف الشباب عن الزواج بدعوى تكميل الدراسة أو بدعوى ضمان المستقبل إلى غير ذلك من الدعاوى الطويلة العريضة التي تشاع الآن من أسباب هذه الانحرافات والعياذ بالله. وإذن تشجع هؤلاء الشباب وترسيخ الإيمان في قلوبهم حتى يعلموا أن المستقبل هو بيد الله – سبحانه وتعالى – ليس بيد أحد من الناس حتى يسعى إلى ضمان مستقبله، وإنما المستقبل بيد الله، وإلا فلا يدري أحدنا متى يفجعه ريب المنية أو متى يأتيه ريب الزمان بأي شيء يكرهه. فإذن اللجوء إلى الزواج هو حصانة للجنسين جميعا. ثم بجانب ذلك ترسيخ حدود الشرعية التي فرضها الله – تبارك وتعالى – في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بحيث يقام حد الزنا سواء كانا الزانيان بكرين فيحدان بالجلد الذي ذكره الله في كتابه، أو كانا محصنين فيحدان بالرجم الذي ثبتت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وأجمعت عليه الأمة.(9/2180)
أما مسألة وأد الجنين بسبب ما يتوقع أنه مصاب بهذا المرض من خلال الفحوص والتقارير الطبية فإني أرى في الإقدام على ذلك خطورة. ذلك لأن لهذا الجنين حرمه، والنبي صلى الله عليه وسلم قد قضى في الجنين بغرة عبد أو أمة. وليس هذا القضاء إلا تعبيرا عما للجنين من الحرمة، فكيف يقدم على القضاء على حياة هذا الجنين؟ مع أن هذا الأمر لا يعدو أن يكون ظنيا ولنجعله قطعيا، فنحن لسنا مسؤولين عنه، إذ هذا المرض لم يصب من قبلنا حتى نكون مسؤولين عنه، وإنما الله – تبارك وتعالى – ابتلاه به لسبب اقترفه شخص آخر والله هو الذي يؤاخذ صاحب الجريرة بجريرته. وما هي جريرة هذا الجنين حتى يقضى عليه؟ على أنه من المحتمل بأن تكون هذه الفحوص ليست دقيقة، وهذا وقع كثيرا، فكثيرا ما يقرر الأطباء أمرا ثم تأتي النتيجة بخلافه، وأنا بنفسي جاءني أحد ليزوج أخته على يدي بعدما أصيبت بمرض وقرر الأطباء أنها لن تعيش أكثر من عام ولكن مع ذلك أراد تزويجها لمن اتفقا على أن يزوجها به قبل أن تموت، فتزوجها الرجل وحملت وجاءت بأولاد ولا تزال حية إلى الآن مع أن هذه الدعوة جاءت من أطباء في بلد راقية في الولايات المتحدة الأمريكية. فإذن ما يقوله الأطباء هو مجرد ظن وليس يقينا. فكيف لمجرد ظن يقضى على حياة الجنين.
أما عزل المصاب بهذا المرض فإن ذلك يرجع إلى ما يراه الأطباء من خلال التجارب هل هو معد كالجذام مثلا؟ فإن كان كالجذام فإذن لا بد من العزل، أما إن لم يكن معديا والأصل العدم حتى تثبت العدوى فلا داعي إلى العزل، فإن عزل المصاب مما يزيد في مرضه ويجعله يعيش عيشه كآبة منطويا على نفسه غير محتك ببني مجتمعه، وهذا مما يزيده بلاء فوق بلائه. ومهما يكن من أمر فإن الدعوة إلى التمسك بالفضائل والأخلاق الحصن الحصين، فيجب أن يدعى إلى ذلك في خطب الجمعة، وفي المحاضرات، وفي الصحف، وبواسطة الإذاعة المسموعة والمرئية.
إذ هذا البلاء إنما هو ناتج عن انحراف الأخلاق، والله – سبحانه وتعالى – عندما ذكر قوم لوط وما أصيبوا به قال إثر ذلك: {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: 83] وبعدما ذكر الأمم السالفة وما أصيبوا به وما صدر منهم مما هو سبب لهذه الإصابة قال إثر ذلك: {وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ} [هود: 102] ، فنرجو أن يوصى بأن تحرص الدول الإسلامية بأن تتمسك بالأخلاق وأن الفضيلة هي مصدر كل خير، وحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم بيّن في هذ بأنه إذا فشت الفحشاء في قوم حتى ظهرت لا بد من أن يصابوا بما لم يكن في أسلافهم من الأمراض والأوجاع. فنسأل الله العافية، وشكرا لكم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(9/2181)
الشيخ خليل الميس:
استكمالا لما جاء على لسان أخينا الشيخ الخليلي نحن أمام العالم كله والذي يزايد بعضهم علينا بإنسانية الإنسان، فلا بد أن نقرر وهذا أمر ثابت في كتاب الله تعالي {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الإسراء: 70] ، كما هو ثابت في قوله تعالى {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] ، إذن نحن ما بين أمرين، أن نمنع القتل وأن نصبر على الأحياء أو الحفاظ على الحياة.
بالنسبة للإيدز لنبدأ في الأمور الإجرائية، وأود أن أنقل إلى مجمعكم الكريم أن وزارة الصحة في لبنان اتصلت بالمراجع المختصة من جميع المذاهب والملل واستصدروا قرارا بوجوب الفحص لكل خاطبين. لا يجري أي عقد زواج في لبنان إلا بعد أن يتقدم الخاطبان في المحكمة الشرعية بإجراء فحص أو من الجهات الأخرى، وذلك صيانة لهذا الأمر. هذا من وجه،
أمر آخر أن يعتبر علاج مرض الإيدز مثل علاج مرض القلب في لبنان رغم ظروفه المالية القاسية فإن علاج مرض القلب هو على نفقة الدولة، يعني مرضى القلب والأمراض المستعصية سار على نفقة الدولة فقد بيأس الإنسان ويترك نفسه. هذا مريض القلب إذا أهمل إنما يهمل نفسه فيموت ربما، إنما يخسر ذاته ولكن المريض بمرض الإيدز إذا أهمل ربما يؤثر في المجتمع كله. فإذن ربما يحسن أن تصدر توصية بأن تتبنى الدول علاج المرضى بمرض الإيدز أو تيسر لمن أراد أن يفحص نفسه حتى لا يمنع الفقر من العلاج لكونه يحمل مصيبة. اليوم نحن نعرف أن العالم كله يدعو إلى وقف الحرب النووية وما إلى ذلك والتجارب النووية فإن مرض الإيدز أظن هو قريب من القضايا النووية في العالم بل ربما أخطر من ذلك لأن تلك لا تضرب إلا في الحرب أما هذا ففي الحرب والسلم على حد سواء. إذن هذان إجراءان.
يبقى أمر آخر من الناحية الفقهية، المريض مرض الموت , نعم تصرفاته التي اتصلت بموته كلنا طبعا يعرف هذا الأمر المريض مرض الموت هو الذي أقعده المرض وأضناه حتى مات. يعني لنفترض جدلا أن رجلا مريضا بمرض الإيدز، زوجته هجرته وأبناؤه هجروه، فذهب إلى بلد لا تشترط إجراء الفحص الطبي وأجرى عقدا على امرأة أو اثنين أو ثلاث وكتب لهم كل ما يملك، وهذا قد يحصل منه وذلك في لحظة يأس من حياته، ماذا يكون قد فعل هذا؟ ألا نعتبر تصرفاته هنا تصرف مرض الموت ونبطل عليه مثل هذه التصرفات أم لا؟ هذا الذي يمكننا أن ننظر إليه أنه في لحظات يأسه إذا تصرف تصرف اليائس وأضر بالورثة أن يجرى عليه أحكام مريض مرض الموت.
هذا والله أعلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(9/2182)
الدكتور ناجي عجم:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أولا أشكر الشيخ خليل على هذه الاقتراحات البناءة وأضم صوتي إليه في أن إجراءات الفحص قبل الزواج خاصة إذا تخوف من هذا كذلك العلاج المجاني للمصابين.
وبالنسبة للمصاب بالإيدز أعتبر أن هذا المرض مرض الموت لأنه حتى الآن لم يكتشف له علاج، اللهم إلا إذا كشف له علاج فلا يعتبر مرض الموت لأنه يؤثر في نفسية المريض، وكما تفضل الشيخ خليل فقد يدعو هذا إلى محاباة في تصرفاته المالية ويحرم الورثة.
أما بالنسبة للإجهاض إذ بالإجماع لا يجوز قتل المصاب المكلف المتسبب في إصابته ما ذنب هذا الجنين البريء؟ وقد يكون هذا خطأ في الحكم على أنه مصاب. فلا أرى جواز إجهاضه وقتله أبدا ومن يقدم على ذلك – كما تفضل – فيجب فيه الغرة والكفارة أيضا عند بعض العلماء. أخونا الشيخ سعود – حفظه الله – في المتسبب في نقل العدوى عمدا، إذا نقل العدوى عمدا، إذا لم يمت المريض فأرى أن يقتل تعزيرا حرابة كما تفضل، وأما إذا مات المريض المتعمد إصابته فأرى أن يقتص من المتسبب. المتسبب في نقل عدوى المرض عمدا إن لم يمت المريض فللحاكم أن يقتله تعزيرا كحد الحرابة وإن مات المصاب (المظلوم) فلأولياء هذا الميت القصاص إما أن يطلبوا القصاص وحتى وإن عفا أولياء الميت فللحاكم أن يقتله تعزيرا لأنه قصد نقل هذا المرض. أما إذا أصيب أحد الزوجين بهذا المرض أرى أنه يمنع من المعاشرة، لا ضرر ولا ضرار، لأنه كما تفضل الأطباء 95 % من حالات نقل المرض عن طريق الجماع أو الوطء، فهذا فيه نقل المرض للطرف الآخر من الزوجين ولكل منهما حق طلب فسخ الزواج.
موضوع آخر، الدكتور القاسم قال إنه تقدم العوازل بغير طلب من المتزوجين، تقديم العوازل للناس. تقديم العوازل هذه وبغير طلب منهم تقديمها حرام وخاصة لغير المتزوجين هذا فيه إغراء وحض على الزنا وعلى الفاحشة.
أثيرت كذلك قضية إذا حصل نقل المرض بطريق الخطأ، مثل التحليل في مستشفى ولم توجد هناك رعاية فانتقل المرض بطريق خطأ إلى إنسان سليم. هذا يلتحق بخطأ الطبيب، والطبيب المخطئ لا يضمن، اللهم إلا إذا كان إهمال أو تقصير، حينئذ المتسبب يعزر ويغرم. هذا ما عندي، والله أعلم، وشكرا لكم.(9/2183)
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أرجو إذا تكرمتم أن نميز بين أمرين في الحوار وحتى في القرارات التي تصدر في نهاية الأمر، بين الأمور الصحية والإجرائية التي لا شأن لنا بها وهذا أمر تقوم به الجهات المعنية في البلاد العربية والإسلامية بل في العالم ككل من حيث أمور الوقاية والتوعية والحث على إجراءات العلاج المجاني أو غير ذلك، فهذا أمر إن دعونا له فهو من باب الحث. نحن يهمنا المسائل الفقهية التي تحتاج إلى حكم محدد. فاستقصاء هذه المسائل ثم النظر هل هو في هذا الأمر الذي جرى استقصاؤه، هنالك كتابات وتحليل كاف فيما هو مكتوب بين يدينا من بحث أو ليس هنالك؟ أظن أن في بعض هذه القضايا يمكن أن نجد معالجة كافية تتعلق بها من الناحية الفقهية إثر موضوع الحضانة، وموضوع فحص الزوجين، وموضوع العزل، أما الموضوعات فهي في الحقيقة تحتاج إلى مزيد من الاستقصاء مثل القتل بالإيدز سواء كان هذا القتل عمدا أو خطأ، فهذا تنتابه عملية تفصيل فهي واسعة واستدلالات لا بد في الواقع ان نترك هذا الأمر لمعالجة قادمة.
أيضا من القضايا الفقهية المتعلقة بالموضوع موضوع التفريق بين الزوجين وما يترتب على هذا الأمر من إجراءات تصون العلاقة الزوجية من أن تنقلب إلى وسيلة للإيدز أو القتل أو غير ذلك. لدينا ما هو موجود في البحوث ما يغطي هذه القضايا. كذلك أقترح أن يناط هذا الأمر بلجنة من السادة الأطباء والسادة الفقهاء لاستقصاء هذه المسائل حصرا وبيان ما يمكن أن نخرج فيه إلى توصيات محددة، وأما ما يحتاج إلى استكتاب وإلى بحثها يؤجل إلى دورة قادمة. وجزاكم الله خيرا.
الدكتور وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
كلامي موجز في هذه المرة وهو يقتصر على أن كل ما سمعته الآن من كلام بالرغم من تقديري له فهو لا يعدو أن يكون أمرا ظاهريا ينقصه كثير من التعمق، وقد بحث هذا الموضوع في الندوة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت وكان يحضره أطباء متخصصون كبار، وأيضا كثير من الأخوة السادة الموجودين هنا قد حضروا في هذه الندوة وتقدموا ببحوث في غاية العمق وتوصلوا إلى توصيات أرجو إذا كان هناك سيقرر مصير هذا الموضوع أن تعتمد هذه التوصيات ولن تجدوا أمثل منها ولا أعمق من الدراسات التي ذكرت فيها. فهذا ما أرجوه عند صياغة هذه الأمور. وشكرا.(9/2184)
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الواقع أن الموضوع كما تفضل المشايخ – الشيخ عبد السلام – الشيخ وهبة – من أنه ينقسم إلى ثلاثة أقسام:
أمور طبية وإجرائية، وهذه كشفت عنها الندوة التي عقدت في مظلة منظمة الطب الإسلامي في الكويت والتوصيات موجودة وأصحاب السعادة الأطباء أبدوا ما لديهم وهي تلتقي تقريبا مع ما أوصت به الندوة.
الأمر الثاني: في بعض القضايا الطبية كمسألة الإجهاض ومسألة إجراء الزواج وما إلى ذلك، فهذه أوضحت البحوث والمناقشات والمداولات التي حصلت.
القضايا الأخيرة وهي المهمة وهي اعتباره موتا أو قتلا والحكم الشرعي على من غش امرأة أو امرأة غشت خطيبا لها، هاتان القضيتان وهما مهمتان لم يأت لهما في المداولات ولا في الأبحاث ما يغطيهما، وهما القضيتان اللتان تشكلان على القضاة في المحاكم.
وعلى كل قد ترون مناسبا أن تؤلف لجنة لتحرير ما يمكن البت فيه وتشخيص مفردات القضايا التي يدعى إلى بحثها فقهيا في دورة لاحقة إن شاء الله تعالى.
وتكون اللجنة من:
العارض، المقرر، والشيخ عبد السلام العبادي، والشيخ وهبة الزحيلي، والشيخ البيهقي، مناسب؟. وبهذا ننتهي من هذا الموضوع.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(9/2185)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 94/ 7/ د 9
بشأن: (مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والأحكام الفقهية المتعلقة به)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1 – 6 أبريل 1995م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والأحكام المتعلقة به) .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.
اعتبر الموضوعات المطروحة على الدورة ذات صبغتين:
الأولى: تناولت الجوانب الطبية لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) من حيث أسبابه وطرق انتقاله وخطورته.
والثانية: تناولت الجوانب الفقهية وتشتمل هذه على:
1- حكم عزل مريض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) .
2- حكم تعمد نقل العدوى.
3- حقوق الزوج المصاب وواجباته.
أ- حكم إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) .
ب- حكم حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) . لوليدها السليم وإرضاعه.
ج- حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) .
هـ- حق المعاشرة الزوجية.
4- اعتبار مض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت.(9/2186)
أولا – عزل المريض:
تؤكد المعلومات الطبية المتوافرة حاليا أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لا تحدث عن طريق المعايشة أو الملامسة أو التنفس أو الحشرات أو الاشتراك في الأكل أو الشرب أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام ونحو ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية، وإنما تكون العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:
1- الاتصال الجنسي بأي شكل كان.
2- نقل الدم الملوث أو مشتقاته.
3- استعمال الإبر الملوثة، ولا سيما بين متعاطي المخدرات، وكذلك أمواس الحلاقة.
4- الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها في أثناء الحمل والولادة.
وبناء على ما تقدم فإن عزل المصابين إذا لم تخش منه العدوى، على زملائهم الأصحاء غير واجب شرعا ويتم التصرف مع المرضى وفق الإجراءات الطبية المتعمدة.
ثانيا – تعمد نقل العدوى
تعمد نقل العدوى بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد عمل محرم، ويعد من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.
فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع، فعمله هذا يعد نوعا من الحرابة والإفساد في الأرض ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة. {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] .
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وتمت العدوى ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب بالعقوبة التعزيرية المناسبة وعند حدوث الوفاة ينظر في تطبيق عقوبة القتل عليه.
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.(9/2187)
ثالثا – إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) :
نظرا لأن انتقال العدوى من الحامل المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلى جنينها لا تحدث غالبا إلا بعد تقدم الحمل (نفخ الروح في الجنين) أو أثناء الولادة، فلا يجوز إجهاض الجنين شرعا.
رابعا – حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لوليدها السليم وإرضاعه:
أ -لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لوليدها السليم، وإرضاعها له، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية، فإن لا مانع شرعا من أن تقوم الأم بحضانته ورضاعته ما لم يمنع من ذلك تقرير طبي.
خامسا – حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) :
للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.
سادسا – اعتبار مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت:
ويعد مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت شرعا إذا اكتملت أعراضه وأقعد المريض عن ممارسة الحياة العادية، واتصل به الموت.
سابعا – حق المباشرة الزوجية:
تؤجل لاستكمال بحثها.
ويوصي مجلس المجمع بضرورة الاستمرار على التأكد في موسم الحج من خلو الحجاج من الأمراض الوبائية، وبخاصة مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) .(9/2188)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم،
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 88/1/د9
بشأن (تجارة الذهب، الحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415هـ، الموافق 1- 6 إبريل 1995م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (تجارة الذهب الحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة) .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر أولا بشأن تجارة الذهب ما يلي:
أ - يجوز شراء الذهب والفضة بالشيكات المصدقة، على أن يتم التقابض بالمجلس.
ب - تأكيد ما ذهب إليه عامة الفقهاء من عدم جواز مبادلة الذهب المصوغ بذهب مصوغ أكثر مقدارا منه؛ لأنه لا عبرة في مبادلة الذهب بالذهب بالجودة أو الصياغة، لذا يرى المجمع عدم الحاجة للنظر في هذه المسألة؛ مراعاة لكون هذه المسألة لم يبق لها مجال في التطبيق العملي؛ لعدم التعامل بالعملات الذهبية بعد حلول العملات الورقية محلها، وهي إذا قوبلت بالذهب تعتبر جنسا آخر.(9/2189)
ج- تجوز المبادلة بين مقدار من الذهب ومقدار آخر أقل منه مضموم إليه جنس آخر، وذلك على اعتبار أن الزيادة في أحد العوضين مقابلة بالجنس الآخر في العوض الثاني.
د- بما أن المسائل التالية تحتاج إلى مزيد من التصورات والبحوث الفنية والشرعية عنها، فقد أرجئ اتخاذ قرارات فيها، بعد إثبات البيانات التي يقع بها التمييز بينها وهي:
شراء أسهم شركة تعمل في استخراج الذهب أو الفضة.
تملك أو تمليك الذهب من خلال تسليم وتسلم شهادات تمثل مقادير معينة منه موجودة في خزائن مصدر الشهادات، بحيث يتمكن بها من الحصول على الذهب أو التصرف فيه متى شاء.
قرر ثانيا بشأن الحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة ما يلي:
أ - الحوالات التي تقدم مبالغها بعملة ما، ويرغب طالبها تحويلها بنفس العملة جائزة شرعا، سواء أكان بدون مقابل أم بمقابل في حدود الأجر الفعلي، فإذا كانت بدون مقابل فهي من قبيل الحوالة المطلقة عند من لم يشترط مديونية المحال إليه، وهم الحنفية، وهي عند غيرهم سفتجة، وهي إعطاء شخص مالا لآخر لتوفيته للمعطي أو لوكيله في بلد آخر. وإذا كانت بمقابل فهي وكالة بأجر، وإذا كان القائمون بتنفيذ الحوالات يعملون لعموم الناس فإنهم ضامنون للمبالغ؛ جريا على تضمين الأجير المشترك.
ب - إذا كان المطلوب في الحوالة دفعها بعملة مغايرة للمبالغ المقدمة من طالبها، فإن العملية تتكون من صرف وحوالة بالمعنى المشار إليه في الفقرة (أ) ، وتجري عملية الصرف قبل التحويل، وذلك بتسليم العميل المبلغ للبنك، وتقييد البنك له في دفاتره بعد الاتفاق على سعر الصرف المثبت في المستند المسلم للعميل، ثم تجري الحوالة بالمعنى المشار إليه.(9/2190)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه
قرار رقم:89/2/د9
بشأن (السلم وتطبيقاته المعاصرة)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415هـ الموافق 1-6 أبريل 1995م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (السلم وتطبيقاته المعاصرة)
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر أولا بشأن (السلم) ما يلي:
أ - السلع التي يجري فيها عقد السلم تشمل كل ما يجوز بيعه ويمكن ضبط صفاته ويثبت دينا في الذمة، سواء أكانت من المواد الخام أم من المزروعات أم المصنوعات.
ب - يجب أن يحدد لعقد السلم أجل معلوم، إما بتاريخ معين، أو بالربط بأمر مؤكد الوقوع ولو كان ميعاد وقوعه يختلف اختلافا يسيرا لا يؤدي للتنازع كموسم الحصاد.
ج-الأصل تعجيل قبض رأسمال السلم في مجلس العقد ويجوز تأخيره ليومين أو ثلاثة ولو بشرط، على أن لا تكون مدة التأخير مساوية أو زائدة عن الأجل المحدد للسلم.
د-لا مانع شرعا من أخذ المسلم (المشتري) رهنا أو كفيلا من المسلم إليه (البائع) .
هـ -يجوز للمسلم (المشتري) مبادلة المسلم فيه بشيء آخر –غير النقد-بعد حلول الأجل، سواء كان الاستبدال بجنسه أم بغير جنسه. حيث إنه لم يرد في منع ذلك نص ثابت ولا إجماع، وذلك بشرط أن يكون البدل صالحا لأن يجعل مسلما فيه برأس مال السلم.(9/2191)
وإذا عجز المسلم إليه عن تسليم المسلم فيه عند حلول الأجل فإن المسلم (المشتري) يخير إلى أن يوجد المسلم فيه وفسخ العقد وأخذ رأس ماله، وإذا كان عجزه عن إعسار فنظرة إلى ميسرة.
ز-لا يجوز الشرط الجزائي عن التأخير في تسليم المسلم فيه؛ لأنه عبارة عن دين، ولا يجوز اشتراط الزيادة في الديون عند التأخير.
ح-لا يجوز جعل الدين رأس مال للسلم لأنه من بيع الدين بالدين.
قرّر ثانيا بشأن (التطبيقات المعاصرة للسلم) :
يعد السلم في عصرنا الحاضر أداة تمويل ذات كفاءة عالية في الاقتصاد الإسلامي وفي نشاطات المصارف الإسلامية، من حيث مرونتها واستجابتها لحاجات التمويل المختلفة، سواء أكان تمويلا قصير الأجل أم متوسطه أم طويله، واستجابتها لحاجات شرائح مختلفة ومتعددة من العملاء، سواء أكانوا من المنتجين الزراعيين أم الصناعيين أم المقاولين أم من التجار، واستجابتها لتمويل نفقات التشغيل والنفقات الرأسمالية الأخرى.
ولهذا تعددت مجالات تطبيق عقد السلم، ومنها ما يلي:
أ - يصلح عقد السلم لتمويل عمليات زراعية مختلفة، حيث يتعامل المصرف الإسلامي مع المزارعين الذين يتوقع أن توجد لديهم السلعة في الموسم من محاصيلهم أو محاصيل غيرهم التي يمكن أن يشتروها ويسلموها إذا أخفقوا في التسليم من محاصيلهم، فيقدم لهم بهذا التمويل نفعا بالغا ويدفع عنهم مشقة العجز المالي عن تحقيق إنتاجهم.
ب - يمكن استخدام عقد السلم في تمويل النشاط الزراعي والصناعي، ولا سيما تمويل المراحل السابقة لإنتاج وتصدير السلع والمنتجات الرائجة، وذلك بشرائها سلما وإعادة تسويقها بأسعار مجزية.
ج-يمكن تطبيق عقد السلم في تمويل الحرفيين وصغار المنتجين الزراعيين والصناعيين عن طريق إمدادهم بمستلزمات الإنتاج في صورة معدات وآلات أو مواد أولية كرأس مال سلم مقابل الحصول على بعض منتجاتهم وإعادة تسويقها.
ويوصي المجلس باستكمال صور التطبيقات المعاصرة للسلم بعد إعداد البحوث المتخصصة.(9/2192)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه
قرار رقم: 90 / 3 / د 9
بشأن (الودائع المصرفية حسابات المصارف)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1-6 أبريل 1995 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (الودائع المصرفية (حسابات المصارف)
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي
أولا: الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) سواء أكانت لدى البنوك الإسلامية أو البنوك الربوية هي قروض بالمنظور الفقهي، حيث إن المصرف المتسلم لهذه الودائع يده يد ضمان لها هو ملزم شرعا بالرد عند الطلب.
ولا يؤثر على حكم القرض كون البنك (المقترض) ، مليئا.
ثانيا: إن الودائع المصرفية تنقسم إلى نوعين بحسب واقع التعامل المصرفي:(9/2193)
أ - الودائع التي تدفع لها فوائد، كما هو الحال في البنوك الربوية، هي قروض ربوية محرمة سواء أكانت من نوع الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) ، أم الودائع لأجل، أم الودائع بإشعار، أم حسابات التوفير.
ب - الودائع التي تسلم للبنوك الملتزمة فعليا بأحكام الشريعة الإسلامية بعقد استثمار على حصة من الربح هي رأس مال مضاربة، وتنطبق عليها أحكام المضاربة (القراض) في الفقه الإسلامي التي منها عدم جواز ضمان المضارب (البنك) لرأس مال المضاربة.
ثالثا: إن الضمان في الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) هو على المقترضين لها (المساهمين في البنوك) ما داموا ينفردون بالأرباح المتولدة من استثمارها، ولا يشترك في ضمان تلك الحسابات الجارية المودعون في حسابات الاستثمار؛ لأنهم لم يشاركوا في اقتراضها ولا استحقاق أرباحها.
رابعا: إن رهن الودائع جائز، سواء أكانت من الودائع تحت الطلب (الحسابات الجارية) أم الودائع الاستثمارية، ولا يتم الرهن على مبالغها إلا بإجراء يمنع صاحب الحساب من التصرف فيه طيلة مدة الرهن. وإذا كان البنك الذي لديه الحساب الجاري هو المرتهن لزم نقل المبالغ إلى حساب استثماري؟ بحيث ينتفي الضمان للتحول من القرض إلى القراض (المضاربة) ويستحق أرباح الحساب صاحبه تجنبا لانتفاع المرتهن (الدائن) بنماء الرهن.
خامسا: يجوز الحجز من الحسابات إذا كان متفقا عليه بين البنك والعميل.
سادسا: الأصل في مشروعية التعامل الأمانة والصدق بالإفصاح عن البيانات بصورة تدفع اللبس أو الإيهام وتطابق الواقع وتنسجم مع المنظور الشرعي، ويتأكد ذلك بالنسبة للبنوك تجاه ما لديها من حسابات لاتصال عملها بالأمانة المفترضة ودفعا للتغرير بذوي العلاقة.(9/2194)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 91/4/د9
بشأن: " الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية "
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1-6 أبريل 1995 م.
بعد اطلاعه على الأبحاث الثلاثة الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "الاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية" التي تبين منها أن الموضوع تضمن بين عناصره مسألة شراء أسهم الشركات التي غرضها وأنشطتها الأساسية مشروعة لكنها تقترض أو تودع أموالها بالفائدة وهي لم يقع البت في أمرها بالرغم من عقد ندوتين لبحثها، وصدور قرار مبدئي فيها للمجمع في دورته السابعة، ثم قرار لاحق في دورته الثامنة بأن تقوم الأمانة العامة باستكتاب المزيد من البحوث في هذا الموضوع ليتمكن من اتخاذ القرار المناسب في دورة قادمة،
وبعد الشروع في المناقشات التي دارت حوله، تبين أن الموضوع يحتاج إلى الدراسات المتعددة المعمقة، لوضع الضوابط المتعلقة بهذا النوع من الشركات الذي هو الأكثر وقوعاً داخل البلاد الإسلامية وخارجها.
قرر ما يلي:
أولاً: تأجيل النظر في هذا الموضوع على أن يعد فيه مزيد من الدراسات والأبحاث بخصوصه وتستوعب فيه الجوانب الفنية والشرعية. وذلك ليتمكن المجمع من اتخاذ القرار المناسب فيه حسب توصية الدورة الثامنة (قرار 81/8/د9) .
ثانيًا: الاستفادة مما تضمنته الأبحاث الثلاثة عن الصناديق والإصدارات الاستثمارية لإعداد اللائحة الموصى بوضعها في القرار (5) للدورة الرابعة (بند أولاً/ 2 في العنصر الرابع) .(9/2195)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 93/5/د9
بشأن: " المناقصات "
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1-6 أبريل 1995م.
بعد اطلاعه على البحثين الواردين إلى المجمع بخصوص موضوع: "المناقصات"
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، وجرياً على خطة المجمع في وجوب إعداد عدد من الدراسات في كل موضوع لاستقصاء التصورات الفنية له، واستيعاب الاتجاهات الفقهية فيه،
قرر ما يلي:
أولاً: تأجيل إصدار القرار الخاص بالنقاط التي درست في هذا الموضوع، نظراً لأهميته، وضرورة استكمال بحث جميع جوانبه وتغطية كل تفصيلاته، والتعرف على جميع الآراء فيه، واستيفاء المجالات التي تجري المناقصات من أجلها، ولا سيما ما هو حرام منها كالأوراق المالية الربوية وسندات الخزانة.
ثانياً: أن يقوم أعضاء المجمع وخبراؤه بموافاة الأمانة العامة –قبل انتهاء الدورة إن أمكن أو خلال فترة قريبة بعدها –بما لديهم من نقاط فنية أو شرعية تتعلق بموضوع "المناقصات" سواء تعلقت بالإجراءات أم بالصيغ والعقود التي تقام المناقصة لإبرامها.
ثالثاً: استكتاب أبحاث أخرى في موضوع (المناقصات) يسهم فيها أهل الخبرات الفنية والفقهية والعملية في هذا الموضوع.(9/2196)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
قرار رقم: 93/6/د9
بشأن: "قضايا العملة"
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1-6 أبريل 1995 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "قضايا العملة"
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دلت على أن هناك اتجاهات عديدة بشأن معالجة حالات التضخم الجامح الذي يؤدي إلى الانهيار الكبير للقوة الشرائية لبعض العملات منها:
أ- أن تكون هذه الحالات الاستثنائية مشمولة أيضاً بتطبيق قرار المجمع الصادر في الدورة الخامسة، ونصه "العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملة ما هي بالمثل وليس بالقيمة؛ لأن الديون تقضى بأمثالها، فلا يجوز ربط الديون الثابتة في الذمة أيًّا كان مصدرها بمستوى الأسعار".
ب- أن يطبق في تلك الأحوال الاستثنائية مبدأ الربط بمؤشر تكاليف المعيشة (مراعاة القوة الشرائية للنقود) .
ج- أن يطبق مبدأ ربط النقود الورقية بالذهب (مراعاة قيمة هذه النقود بالذهب عند نشوء الالتزام) .
د- أن يؤخذ في مثل هذه الحالات بمبدأ الصلح الواجب، بعد تقرير إضرار الطرفين (الدائن والمدين) .
هـ- التفرقة بين انخفاض قيمة العملة عن طريق العرض والطلب في السوق، وبين تخفيض الدولة عملتها بإصدار قرار صريح في ذلك بما قد يؤدي إلى تغير اعتبار قيمة العملات الورقية التي أخذت قوتها بالاعتبار والاصطلاح.(9/2197)
و التفرقة بين انخفاض القوة الشرائية للنقود الذي يكون ناتجاً عن سياسات تتبناها الحكومات وبين الانخفاض الذي يكون بعوامل خارجية.
ز- الأخذ في هذه الأحوال الاستثنائية بمبدأ (وضع الجوائح) الذي هو من قبيل مراعاة الظروف الطارئة.
وفي ضوء هذه الاتجاهات المتباينة المحتاجة للبحث والتمحيص.
قرر ما يلي:
أولاً: أن تعقد الأمانة العامة للمجمع –بالتعاون مع إحدى المؤسسات المالية الإسلامية - ندوة متخصصة يشارك فيها عدد من ذوي الاختصاص في الاقتصاد والفقه، وتضم بعض أعضاء وخبراء المجمع، وذلك للنظر في الطريق الأقوم والأصلح الذي يقع الاتفاق عليه للوفاء بما في الذمة من الديون والالتزامات في الأحوال الاستثنائية المشار إليها أعلاه.
ثانياً: أن يشتمل جدول الندوة على:
أ- دراسة ماهية التضخم وأنواعه، وجميع التصورات الفنية المتعلقة به.
ب- دراسة آثار التضخم الاقتصادية والاجتماعية وكيفية معالجتها اقتصاديًّا.
ج- طرح الحلول الفقهية لمعالجة التضخم من مثل ما سبقت الإشارة إليه في ديباجة القرار.
ثالثاً: ترفع نتائج الندوة –مع أوراقها ومناقشتها- إلى مجلس المجمع في الدورة القادمة.(9/2198)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 94/ 7/ د 9
بشأن: (مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والأحكام الفقهية المتعلقة به)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1 – 6 أبريل 1995م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) والأحكام المتعلقة به) .
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله.
اعتبر الموضوعات المطروحة على الدورة ذات صبغتين:
الأولى: تناولت الجوانب الطبية لمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) من حيث أسبابه وطرق انتقاله وخطورته.
والثانية: تناولت الجوانب الفقهية وتشتمل هذه على:
1- حكم عزل مريض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) .
2- حكم تعمد نقل العدوى.
3- حقوق الزوج المصاب وواجباته.
أ- حكم إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) .
ب- حكم حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) . لوليدها السليم وإرضاعه.
ج- حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) .
هـ- حق المعاشرة الزوجية.
4- اعتبار مض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت.(9/2199)
أولا – عزل المريض:
تؤكد المعلومات الطبية المتوافرة حاليا أن العدوى بفيروس العوز المناعي البشري مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لا تحدث عن طريق المعايشة أو الملامسة أو التنفس أو الحشرات أو الاشتراك في الأكل أو الشرب أو حمامات السباحة أو المقاعد أو أدوات الطعام ونحو ذلك من أوجه المعايشة في الحياة اليومية العادية، وإنما تكون العدوى بصورة رئيسية بإحدى الطرق التالية:
1- الاتصال الجنسي بأي شكل كان.
2- نقل الدم الملوث أو مشتقاته.
3- استعمال الإبر الملوثة، ولا سيما بين متعاطي المخدرات، وكذلك أمواس الحلاقة.
4- الانتقال من الأم المصابة إلى طفلها في أثناء الحمل والولادة.
وبناء على ما تقدم فإن عزل المصابين إذا لم تخش منه العدوى، على زملائهم الأصحاء غير واجب شرعا ويتم التصرف مع المرضى وفق الإجراءات الطبية المتعمدة.
ثانيا – تعمد نقل العدوى
تعمد نقل العدوى بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلى السليم منه بأية صورة من صور التعمد عمل محرم، ويعد من كبائر الذنوب والآثام، كما أنه يستوجب العقوبة الدنيوية وتتفاوت هذه العقوبة بقدر جسامة الفعل وأثره على الأفراد وتأثيره على المجتمع.
فإن كان قصد المتعمد إشاعة هذا المرض الخبيث في المجتمع، فعمله هذا يعد نوعا من الحرابة والإفساد في الأرض ويستوجب إحدى العقوبات المنصوص عليها في آية الحرابة. {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [المائدة: 33] .
وإن كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه وتمت العدوى ولم يمت المنقول إليه بعد، عوقب بالعقوبة التعزيرية المناسبة وعند حدوث الوفاة ينظر في تطبيق عقوبة القتل عليه.
وأما إذا كان قصده من تعمد نقل العدوى إعداء شخص بعينه ولكن لم تنتقل إليه العدوى فإنه يعاقب عقوبة تعزيرية.(9/2200)
ثالثا – إجهاض الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) :
نظرا لأن انتقال العدوى من الحامل المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) إلى جنينها لا تحدث غالبا إلا بعد تقدم الحمل (نفخ الروح في الجنين) أو أثناء الولادة، فلا يجوز إجهاض الجنين شرعا.
رابعا – حضانة الأم المصابة بمرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لوليدها السليم وإرضاعه:
أ -لما كانت المعلومات الطبية الحاضرة تدل على أنه ليس هناك خطر مؤكد من حضانة الأم المصابة بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) لوليدها السليم، وإرضاعها له، شأنها في ذلك شأن المخالطة والمعايشة العادية، فإن لا مانع شرعا من أن تقوم الأم بحضانته ورضاعته ما لم يمنع من ذلك تقرير طبي.
خامسا – حق السليم من الزوجين في طلب الفرقة من الزوج المصاب بعدوى مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) :
للزوجة طلب الفرقة من الزوج المصاب باعتبار أن مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض معد تنتقل عدواه بصورة رئيسية بالاتصال الجنسي.
سادسا – اعتبار مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت:
ويعد مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) مرض موت شرعا إذا اكتملت أعراضه وأقعد المريض عن ممارسة الحياة العادية، واتصل به الموت.
سابعا – حق المباشرة الزوجية:
تؤجل لاستكمال بحثها.
ويوصي مجلس المجمع بضرورة الاستمرار على التأكد في موسم الحج من خلو الحجاج من الأمراض الوبائية، وبخاصة مرض نقص المناعة المكتسب (الإيدز) .(9/2201)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 95 / 8 / د9
بشأن مبدأ التحكيم في الفقه الإسلامي
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1 – 6 أبريل 1995 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: مبدأ التحكيم في الفقه الإسلامي
وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله:
قرر ما يلي:
أولًا: التحكيم اتفاق بين طرفي خصومة معينة، على تولية من يفصل في منازعة بينهما، بحكم ملزم، يطبق الشريعة الإسلامية.
وهو مشروع سواء أكان بين الأفراد أم في مجال المنازعات الدولية.
ثانيًا: التحكيم عقد غير لازم لكل من الطرفين المحتكمين والحكم، فيجوز لكل من الطرفين الرجوع فيه ما لم يشرع الحكم في التحكيم، ويجوز للحكم أن يعزل نفسه – ولو بعد قبوله – ما دام لم يصدر حكمه، ولا يجوز له أن يستخلف غيره دون إذن الطرفين لأن الرضا مرتبط بشخصه.
ثالثًا: لا يجوز التحكيم في كل ما هو حق لله تعالى كالحدود، ولا فيما استلزم الحكم فيه إثبات حكم أو نفيه بالنسبة لغير المتحاكمين ممن لا ولاية للحكم عليه، كاللعان لتعلق حق الولد به، ولا فيما ينفرد القضاء دون غيره بالنظر فيه.
فإذا قضى الحكم فيما لا يجوز فيه التحكيم فحكمه باطل ولا ينفذ.
رابعًا: يشترط في الحكم بحسب الأصل توافر شروط القضاء.
خامسًا: الأصل أن يتم تنفيذ حكم المحكم طواعية، فإن أبى أحد المحتكمين، عرض الأمر على القضاء لتنفيذه، وليس للقضاء نقضه ما لم يكن جورًا بينًا أو مخالفًا لحكم الشرع.
سادسًا: إذا لم تكن هناك محاكم دولية إسلامية يجوز احتكام الدول أو المؤسسات الإسلامية إلى محاكم دولية غير إسلامية توصلًا لما هو جائز شرعًا.
سابعًا: دعوة الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي إلى استكمال الإجراءات اللازمة لإقامة محكمة العدل الإسلامية الدولية وتمكينها من أداء مهامها المنصوص عليها في نظامها.(9/2202)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 96 /9/د9 بشأن: "سد الذرائع"
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق1-6 إبريل 1995م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "سد الذرائع" وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله،
قرر ما يلي:
1- سد الذرائع أصل من أصول الشريعة الإسلامية، وحقيقته: منع المباحات التي يتوصل بها إلى مفاسد أو محظورات.
2- سد الذرائع لا يقتصر على مواضع الاشتباه والاحتياط، وإنما يشمل كل ما من شأنه التوصل به إلى الحرام.
3- سد الذرائع يقتضي منع الحيل إلى إتيان المحظورات أو إبطال شيء من المطلوبات الشرعية، غير أن الحيلة تفترق عن الذريعة باشتراط وجود القصد في الأولى دون الثانية.
4- والذرائع أنواع:
(الأولى) مجمع على منعها: وهي المنصوص عليها في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة أو المؤدية إلى المفسدة قطعا أو كثيرا غالبًا، سواء أكانت الوسيلة مباحة أم مندوبة أم واجبة. ومن هذا النوع العقود التي يظهر منها القصد إلى الوقوع في الحرام بالنص عليه في العقد.
(والثانية) مجمع على فتحها: وهي التي ترجح فيها المصلحة على المفسدة (والثالثة) مختلف فيها: وهي التصرفات التي ظاهرها الصحة، لكن تكتنفها تهمة التوصل بها إلى باطن محظور، لكثرة قصد ذلك منها.
وضابط إباحة الذريعة: أن يكون إفضاؤها إلى المفسدة نادرًا، أو أن تكون مصلحة الفعل أرجح من مفسدته.
وضابط منع الذريعة: أن تكون من شأنها الإفضاء إلى المفسدة لا محالة (قطعاً) أو كثيرا أو أن تكون مفسدة الفعل أرجح مما قد يترتب على الوسيلة من المصلحة.(9/2203)
مشروع
معلمة القواعد الفقهية
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
توطئة
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله الأمين، وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، من الفقهاء وسائر علماء الإسلام الذين تواردوا على منصة خدمة الشريعة الإسلامية، واحدا بعد الآخر، إلى يوم الدين.
أما بعد: فإن المهمة الأساسية التي أنشئ من أجلها مجمع الفقه الإسلامي هي حشد طاقات فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها في سبيل مواجهة المعطيات الناجمة عن تطور الحياة المعاصرة ومشكلاتها بالاجتهاد المسترشد بالشريعة الإسلامية السمحة، بغية الوصول إلى الإجابة الإسلامية الأصيلة عن الأسئلة التي تطرحها الحياة المعاصرة. ومن أهم هذه الاسئلة ما يتصل بالفكر والقضايا المستجدة في مجال المعاملات المالية والاقتصادية وغيرها.
ولا ريب أن توفير الإجابات الإسلامية الأصيلة لمن يحتاجها من الأفراد والمؤسسات يحتاج إلى قنوات ووسائل من أنجعها في عالم اليوم: المعالم العلمية الأخصائية.
وقد صدر قرار المجمع في مؤتمره الثالث في صفر 1407 هـ (أكتوبر 1986م) المنعقد في عمان (المملكة الأردنية الهاشمية) متضمنا مشاريع المجمع العلمية في طليعتها مشروع إصدار معلمة القواعد الفقهية.
وهذا المشروع، إذا تم، على الوجه المأمول، كوّن لبنة قوية في بناء المجتمعات الإسلامية، وحل مشاكلها، مهما تطورت وتعقدت في عالمنا المعاصر، على أسس سليمة على قواعد الشريعة الإسلامية وأحكامها.
وسبيل هذه (المعلمة) أن تضع، إن شاء الله طريق الوصول إلى قواعد هذه الشريعة كما وضعها علماؤها أمام أعين كل دارس أو باحث يريد إدراك حقائق التشريع الإسلامي، روحه وفلسفته، فيقضي أولا على ما لابسها من تشويه، ويقدم ما يزيل الصدأ ويربأ الصدع، ويسد الثغرات، وثانيا يضع بين أيدي الفقهاء المجتهدين أسس الحلول الصالحة للمسيرة الصحيحة للمجتمعات الإسلامية المعاصرة والمستقبلة.(9/2204)
وستتضمن هذه الورقة تعريفا بمشروع (معلمة القواعد الفقهية) وبيانا لأهميته، ونبذة تاريخية عن نشأة القواعد الفقهية في الدراسات الشرعية، ثم التعريف بالقاعدة الفقهية والتمييز بينها وبين غيرها من القواعد الأصولية والقانونية، وقائمة تحضيرية في المصادر والمراجع الخاصة بالقواعد الفقهية وأمهات كتب الفقه من مختلف المذاهب الإسلامية، التي يمكن اعتمادها لإنجاز المشروع، وقد حددت اللجنة المكونة لدى الأمانة العامة للمجمع الخطة العلمية للشروع في إعداد (المعلمة) ، ومنهجها ومراحلها، والتقديرات المالية اللازمة لها.
تعريف بمعلمة القواعد الفقهية
تهدف الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي من وراء وضع هذه (المعلمة) إلى جمع القواعد الفقهية وإحصائها، ما أمكن، من مظانها ومصادرها الأصلية المتخصصة، ومن المصادر الفقهية التي تتضمن في طياتها جملة من القواعد الضوابط والفروق والمقاصد الشرعية، قد لا توجد في الكتب الخاصة بالقواعد الفقهية: المطبوعة والمحفوظة، وتنظيمها في شكل معجم علمي عصري يكون تحت تصرف الباحثين والقضاة والمفتين والراغبين في الوصول إلى هذه القواعد من منابعها الأصلية، بأقل جهد وبأيسر سبيل، لربط لغة العصر بلغة صدر الإسلام.
خصوصا ونحن الآن في العالم المعاصر، الذي نعيش فيه، نشاهد تطورات ملحوظة للعلم في شتى ميادينه، حيث شهدت المعرفة الإنسانية قفزات جبارة، بفضل ما حققه العلماء العاملون، وما حديث (الحاسوب الآلي) عنا ببعيد!!.
وقد قامت الأمانة العامة للمجمع بدراسة هذا المشروع من خلال لجنة متخصصة، في ضوء ما سبق وضعه من مذكرات وبيانات ومحاضر اجتماعات من الأساتذة والعلماء الذين سبقت لهم العناية والاهتمام بالقواعد الفقهية من خلال دراساتهم فيها أو تحقيقاتهم لبعض مراجعها.
هذا، وقد روعي ألا يقتصر المشروع على القواعد الفقهية، بل يشمل أيضا القواعد الأصولية لأنها ليست فيها مراجع مخصصة لها، ولا تقل الحاجة إليها عن الحاجة إلى القواعد الفقهية فضلا عن كون بعض القواعد مشتركة بين الفقه والأصول.(9/2205)
وبالإضافة للقواعد سيشمل المشروع:
- الضوابط الفقهية، وهي أكثر من القواعد الفقهية ولها أهمية مباشرة في أحكام الفقه ومسائله.
- المقاصد الشرعية، وليس فيها مرجع مستقل قديما أو حديثا إلا بعض الكتابات الموجزة أو التمهيدية. وإن الحاجة لماسة إليها في هذا العصر الذي اشتد فيه الاهتمام بفلسفة الفقه وتأصيله وعرضه في صورة نظريات عامة.
أهمية المشروع
أسرع المجمع من دورته السنوية الرابعة 1408 /1988 إلى بحث مشروع (معلمة القواعد الفقهية) بالدعوة إليه كفكرة، والتخطيط له كمشروع علمي، وعقد لجان لدراسته ووضع أسسه، وكان من أسباب الدعوة إلى هذا المشروع اهتمام العلماء من أقدم العصور بتشخيص القواعد الفقهية والتفريع عليها وتبرز أهمية هذا العمل في:
1- جامعية القواعد. فإن القاعدة قد تنتظم عددا كثيرا من الفروع لها في عامة أبواب الفقه الإسلامي.
2- إسعاف المعلمة للقاضي والمفتي عند غياب النص الفقهي.
3- فاعليتها المهمة في التطبيقات والنوازل المعاصرة.
محتويات المعلمة
التمهيد: دراسة تاريخية لنشأة القواعد الفقهية،
ومنهج المؤلفين في تدوينها
من المفيد أن توضع بين يدي المعلمة:
- لمحة موجزة عن تاريخ نشأة القواعد في الدراسات الشرعية.
- أطوارها: طور النشوء والتكوين، طور النمو والتدوين، طور الرسوخ والتنسيق.
- مناهج المؤلفين في تدوين القواعد الفقهية والأصولية والضوابط الفقهية والمقاصد الشرعية.(9/2206)
التعريفات اللغوية والاصطلاحية والمقارنة بينها
1- تعريف القاعدة لغة واصطلاحا.
2- تعريف القاعدة الفقهية اصطلاحا.
3- تعريف الأشباه والنظائر لغة واصطلاحا.
4- تعريف الضابط الفقهي.
5- تعريف الفروق الفقهية.
6- تعريف القاعدة القانونية.
7- تعريف القاعدة الأصولية.(9/2207)
8- تعريف النظريات الفقهية.
9- تعريف كليات مقاصد الشريعة.
10- المقارنة بين القاعدة الفقهية وغيرها من القواعد المذكورة.
مصادر القواعد الفقهية وأمهات الكتب الفقهية
(المطبوعة والمخطوطة) وفق الترتيب المذهبي المعروف
أولا: المذهب الحنفي:
أ- كتب الفقه:
1- شرح السير الكبير للإمام السرخسي مطبوع
2- المبسوط للإمام السرخسي مطبوع
3- الهداية في الفروع المرغيناني مطبوع
4- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع للكاساني مطبوع
5- فتح القدير للكمال بن الهمام مطبوع
6- حاشية رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين مطبوع
7- الفتاوى العالمكيرية مع قاضيخان مطبوع
8- تبيين الحقائق للزيلعي مطبوع
9- اختلاف الفقهاء للطحاوي (قيد التحقيق في جامعة الملك عبد العزيز بجدة)
10- الأسرار في الأصول والفروع للدبوسي
ب- كتب القواعد:
1- أصول الكرخي مطبوع
2- تاسيس النظر للدبوسي مطبوع
3- الأشباه والنظائر لابن نجيم (مع مراجعة أهم شروحه ولاسيما الحموي وشرح المفتي أبي السعود)
4- الفرائد البهية في القواعد والفوائد البهية لابن حمزة الحسيني مطبوع
5- شرح القواعد الفقهية لأحمد الزرقا مطبوع
6- مجلة الأحكام العدلية (تأليف لجنة من علماء الدولة العثمانية) ، (مع مراجعة أهم شروحه لاسيما شرح قواعد مجلة الأحكام العدلية لعلي حيدر وشرح مجلة الأحكام العدلية للأتاسي) (قسم القواعد) .(9/2208)
7- قواعد الفقه لعميم الإحسان المجدوي مطبوع
8- الفروق للكرابيسي.
9- مجامع الحقائق لأبي سعيد الخادمي (الخاتمة) .
10- أصول الجامع الكبير للملك المعظم عيسى الأيوبي مخطوط
ثانيا: المذهب المالكي:
أ – كتب الفقه:
1- البيان والتحصيل لابن رشد الجد. مطبوع
2- الشرح الكبير للدردير بحاشية الدسوقي مطبوع
3- مواهب الجليل للحطاب مطبوع
4- الذخيرة للقرافي
5- عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس
6- المعيار المعرب للونشريسي مطبوع
7- البهجة في شرح التحفة للتسولي، وشرحها أيضا للإمام التاودي.
8- شرح التلقين للمازري مخطوط
9- الجامع لابن يونس مخطوط
10- النوادر والزيادات لابن أبي زيد القيرواني مخطوط
11- عيون الأدلة في مسائل الخلاف لابن القصار مخطوط
ب- كتب القواعد:
1- أصول الفتيا لمحمد بن حارث الخشني.
2- الفروق للقرافي (مع مراجعة مختصراته وتعليقاته وموازنة قواعد الفروق بما ورد منها في (الذخيرة) وهو على وشك الظهور في سبعة أجزاء) .
3- القواعد للمقري.(9/2209)
4- إيضاح المسالك إلى قواعد الإمام مالك للونشريسي.
5- عدة البروق في الفروق للونشريسي.
6- قواعد الأحكام الشرعية لمحمد بن أحمد المالكي.
7- الموافقات للشاطبي.
8- المنهج إلى أصول المذهب لأبي الحسن الزقاق التجيمي (وشروحه) .
9- الجموع والفروق للقاضي عبد الوهاب البغدادي (وهو مخطوط ومحفوظ بخزانة القرويين بفاس ضمن مجموع رقم 3822) .
10- المذهب في ضبط قواعد المذهب لأبي عبد الله محمد بن عظوم (مخطوط وتوجد نسخة منه في المكتبة الوطنية بتونس تحت رقم 14891) .
11- عمل من طب لمن حب، للمقري (وقد حقق القسم الثاني من الكتاب في كلية الشريعة بالرياض) .
12- اليواقيت الثمينة في نظائر عالم المدينة لأبي الحسن علي بن عبد الواحد الأنصاري السجلماسي (مخطوط ويوجد بالمكتبة الوطنية بتونس ضمن مجموع رقم 14708) .
13- قواعد الإمام مالك لأبي محمد السجيني (مخطوط ومحفوظ بالخزانة العامة بالرباط ضمن مجموعة رقم 1723 ر) .
14- النظائر الفقهية لابن عبدون محمد المكناسي (مخطوط ومحفوظ في دار الكتب الوطنية بتونس ضمن مجموع رقم 14862) .
15- النظائر الفقهية للفاسي أبي عمران (مخطوط ومحفوظ في دار الكتب الوطنية بتونس ضمن مجموع رقم 1694) .
16- الدليل الماهر الناصح شرح المجاز الواضح في قواعد المذهب الراجح.(9/2210)
ثالثا: المذهب الشافعي:
أ- كتب الفقه:
1- كتاب الأم للإمام الشافعي.
2- فتح العزيز للرافعي (المطبوع منه إلى كتاب الإجارة والباقي كله مخطوط وقيد التحقيق في جامعة أم القرى) .
3- تحفة المحتاج لابن حجر الهيثمي: شرح المنهاج للنووي.
4- شرح المنهاج للجلال المحلي.
5- نهاية المحتاج لشمس الدين الرملي.
6- حاشية القليوبي وعميرة على منهاج الطالبين.
7- روضة الطالبين وعمدة المفتين للنووي.
8- مغني المحتاج للشربيني.
9- حاشية الجمل على شرح المنهاج لذكريا الأنصاري.
10- فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر العسقلاني.
11- طرح التثريب في شرح التقريب للإمام العراقي وابنه (حديث وكتاب في الخلاف العالي) .
ب- كتب القواعد:
1- قواعد الأحكام في مصالح الأنام للإمام عز الدين بن عبد السلام.
2- الأشباه والنظائر لتاج الدين السبكي.
3- الأشباه والنظائر لابن الملقن.
4- الأشباه والنظائر للسيوطي.
5- الأشباه والنظائر لابن الوكيل.
6- المنثور في القواعد للزركشي.
7- قواعد الحصني.
8- الاعتناء في الفروق والاستثناء للبكري.
9- مختصر قواعد العلائي لابن خطيب الدهشة.(9/2211)
10- شرح مختصر قواعد الزركشي لسراج الدين العبادي.
11- القواعد في الفروق الشافعية للجاجرمي.
12- الفرائد البهية لأبي بكر الأهدل اليمني الشافعي.
رابعا: المذهب الحنبلي:
أ- كتب الفقه:
1- المغني لابن قدامه (شرح مختصر الخرقي) .
2- المقنع لابن البنا.
3- شرح متن الخرقي للزركشي.
4- المبدع في شرح المقنع لابن مفلح.
5- كشاف القناع للبهوتي.
6- فتاوى شيخ الإسلام ابن تيميه.
ب- كتب القواعد:
1- القواعد لابن رجب.
2- القواعد والأصول الجامعة للسعدي.
3- طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والضوابط والأصول للسعدي.
4- القواعد النورانية الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية.
5- مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام (آخره) .
6- قواعد مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الإمام أحمد بن حنبل لأحمد القاري.
7- الفروق لأبي عبد الله السامري (مخطوط، ويوجد له نسخة مصورة على فيلم في قسم المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية. وقد حقق قسم منه بكلية الشريعة بالرياض) .
8- القواعد الكبرى والقواعد الصغرى كلاهما لنجم الدين سليمان الطوخي.
9- القواعد الفقهية لابن قاضي الحنبلي (مخطوط وتوجد له نسخة مصورة في قسم المخطوطات بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية رقمها 1924) .(9/2212)
خامسا: المذهب الظاهري:
أ- كتب الفقه:
1- المحلى لابن حزم.
2- الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي لعارف خليل محمد أبو عبد (رسالة علمية – دكتوراه) في جامعة الأزهر.
سادسا: المذهب الشيعي الأمامي الجعفري:
أ- كتب الفقه:
1- مستمسك العروة الوثقى للسيد محسن الطباطباني الحكيم.
2-وسائل الشيعة إلى تحصيل مسائل الشريعة للعاملي.
3- شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام للمحقق الحلي.
4- اللمعة الدمشقية في فقه الإمامية للعاملي.
5- دعائم الإسلام وذكر الحلال والحرام للنعمان بن محمد.
ب- كتب القواعد:
1- القواعد والفوائد لأبي عبد الله العاملي الشهير بالشهيد الأول.
2- تمهيد القواعد الأصولية والعربية لتفريع فوائد الأحكام الشرعية لزين الدين الجبعي العاملي الشهير بالشهيد الثاني.
3- عوائد الأيام في مهمات أدلة الأحكام للطواقي الإمامي.
4- عناوين الأصول للسيد الحسيني المراقي الإمامي.
5- تحرير المجلة للشيخ محمد حسين كاشف الغطاء
6-القواعد الفقهية للسيد حسن الموسوي البجوري.
7- نضد القواعد الفقهية على مذهب الإمامية للمقداد بن عبد الله السيوري الحلي الشهير بالفاضل السيوري مخطوط.
المذهب الزيدي:
أ- كتب الفقه:
1- الروض النضير شرح مجموع الفقه الكبير للسياغي اليمني.
2- البحر الزخار الجامع لمذهب علماء الأنصار للمرتضى.
3- السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار للشوكاني.(9/2213)
ب – كتب القواعد:
1- جامع المقاصد في شرح القواعد للكركي.
المذهب الإباضي:
أ- كتب الفقه:
1- كتاب الإيضاح لعامر الشماض.
2- شرح كتاب النيل وشفاء الغليل لأطفيش.
3- كتاب مكنون الخزائن وعيون المعادن للبشري.
4- بيان الشرع لمحمد بن إبراهيم الكندي.
5- كتاب لباب الآثار للسيد مهنا البوسعيدي.
6- منهج الطالبين وبلاغ الراغبين للشغصي الرسناتي.
7- معارج الآمال على مدارج الكمال للسالمي.
ب- كتب القواعد:
1- قاموس الشريعة للسعدي.
2- كتاب الجامع للبهلوي العماني.
3- جامع أبي الحسن البسيوي.
ثامنًا: مراجع لها وثيقة بالضوابط الفقهية:
1- أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية (مطبعة مصطفى محمد) .
2- الطرق الحكمية في السياسية لابن قيم الجوزية (مطبعة الآداب) .
3- الاعتصام للشاطبي (مطبعة المنار) .
4- الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف للدهلوي (المطبعة الخيرية) .
5- مقاصد الشريعة الإسلامية لابن عاشور (مطبعة تونس) .
6- ضوابط المصلحة في الشريعة الإسلامية للبوطي (مؤسسة الرسالة) .
7- نظرية الضرورة الشرعية مقارنة مع القانون الوضعي للزحيلي (مؤسسة الرسالة) .
8- حالة الضرورة في الشريعة الإسلامية لزيدان (مطبعة العاني) .
9- رفع الحرج في الشريعة الإسلامية لابن حميد.(9/2214)
الخطة العملية المقترحة للشروع في إعداد معلمة القواعد الفقهية
لقد أصبحت الحاجة ملحة لوضع تصور لكيفية الشروع في العمل، وهو أمر يتوقف عليه المضي في إنجاز المشروع (في حين أن كثيرًا مما سبق بحثه هو متأخر في الموقع العملي ويمكن استدراكه لاحقًا) .
إن من أهم العناصر (أو الخصائص) التي ينبغي مراعاتها في تنفيذ المشروع ما يلي:
الانتساب المذهبي للقاعدة:
فأكثر القواعد يختص بها مذهب دون آخر، وقليلة هي القواعد التي اجتمعت على اعتمادها جميع المذاهب أو معظمها، ولذا كان جمع القواعد – في الغالب – مقيدًا بمذهب معين، لأن الدور الذي تؤديه القواعد هو صياغة معنى الفروع المتماثلة في الحكم في أبواب الفقه، للتعبير عنها من خلال ذلك الأصل الفقهي وهذه الفروع هي من مذهب معين.
وهذا كما يصدق على القواعد الفقهية (الفروعية) ينطبق على القواعد الفقهية (الأصولية) وإن كان بصورة أخف، لأن الكتابة في الأصول أخذت طابع المقارنة دائمًا.
وتستدعي هذه الخصيصة أن يبدأ العمل في المشروع بحسب المذاهب كل منها على حدة.
وسوف يكون العمل الثاني هو المقارنة بين محتوى كل مذهب من القواعد للوصول إلى تصنيفها أو وصفها بأنها عامة أو خاصة بمذهب كذا.
تعدد الصياغة اللفظية للقاعدة:
وهذا ملحوظ كثيرًا حتى في المذهب الواحد، حيث تأتي القاعدة متغايرة الألفاظ- مع وحدة المعنى – أما مع اختلاف المذاهب فالتباين في الصياغة أوضح.
وتستدعي هذه الخصيصة أن تؤخذ في الاعتبار جميع الصياغات فيشار إليها مع اعتماد واحدة منها لتكون هي العنوان أو المدخل الرئيسي للاسترجاع. دون إهمال بقية الصياغات إذا كان اختلافها في الكلمة الأولى من القاعدة للاستفادة من ذلك هي الفهرس الألفبائي لأطراف القواعد.
مستلزمات بيان القاعدة:
بما أن الغرض من معلمة القواعد الفقهية هو إيجاد وسيلة لتحقيق الفوائد المستهدفة فإنه لا بد من أن تذكر مع نص القواعد عدة بيانات، هي:
أ- توضيح شارح للقاعدة، حيث إن معظم القواعد تتسم بالتركيز اللفظي والوجازة الشديدة، مما يستدعي شرح بعض ألفاظها وإظهار بعض ما هو مضمر أو مقدور أو محذوف في تراكيبها. مع اشتمال هذا التوضيح على المستند الشرعي للقاعدة إذا كان نصًا قرآنيًا أو حديثًا.
ب- بيان القواعد المتفرعة عن القاعدة إذا وجدت، أو الإشارة إلى القواعد المشابهة وذات الصلة الشديدة بموضوعها.(9/2215)
ج- بيان المستثنيات من القاعدة، وهذا وإن كان موقعه الموضوعي بعد ذكر تطبيقات القاعدة، ولكن نظرًا إلى كثرة تطبيقات القاعدة فإنه يحسن البدء بإخراج ما لم يدخل في القاعدة لأنه سيندرج في قاعدة أخرى. فيكون ذكر المستثنى عقب القواعد المشابهة من قبيل ذكر ما يتفق وما يفترق عن القاعدة.
د- بيان التطبيقات التي تندرج تحت القاعدة وهي الفروع التي يوردها أصحاب كتب القواعد عقب ذكر القاعدة، أو تأتي في كتب الفقه، وإذا كانت الفروع كثيرة يقتصر منها على بضعة فروع كل فرع من زمرة من زمر الفقه (العبادات / المعاملات / الأنكحة / القضاء والعبادات) . مع الإشارة في الهامش إلى بقيتها.
توثيق القاعدة:
وذلك ببيان المرجع مع تحديد الطبعة، والجزء والصفحة، والرقم المتسلسل إن وجد.
ترتيب القواعد:
معظم كتب القواعد أغفلت قضية الترتيب فجاءت فيها القواعد إما كيفما اتفق، أو حسب الأهمية النسبية، وبعض كتب القواعد مرتبة على الأبواب الفقهية.
ولا يخفى أن إدراج قاعدة كلية في أحد الأبواب هو من باب التغليب، لأن الأصل في تلك القواعد أنها تتعلق بالأبواب كلها أو بأكثر من باب (خلافا للضابط) لكن تذكر في أشهر تلك الأبواب.
وتستدعى هذه الخصيصة: الاعتماد في العرض الأصلي للقواعد على الترتيب الموضوعي حسب الأبواب، مع وضع فهارس متعددة تشمل الترتيب لأطراف القواعد، وربما الألفاظ الاصطلاحية التي تدور عليها القواعد (ينظر فهارس المدخل الفقهي للزرقا) .(9/2216)
نموذج البطاقات المستخدمة
الرقم المتسلسل الموضوع (الباب) : المذهب
نص القاعدة …………………………………………………………………………………………………….
الألفاظ الأخرى …………………………………………………………………………………………………….
التوضيح …………………………………………………………………………………………………….
المستثنى …………………………………………………………………………………………………….
التطبيقات: …………………………………………………………………………………………………….
المرجع …………………………………………………………………………………………………….(9/2217)
منهج إعداد معلمة القواعد الفقهية ومراحلها
هناك ثلاث مراحل أساسية في إعداد معلمة القواعد الفقهية. والغرض الآن تفصيل ما يتعلق بالمرحلة الأولى مع الإشارة إلى بعض جوانب لاحقة من المرحلتين لعلاقتهما ببعض التحضيرات التي ينبغي أن تؤخذ بالاعتبار منذ البداية، وهذه المراحل هي:
المرحلة الأولى:
تجهيز المادة العلمية الخاصة بكل مذهب من المذاهب الفقهية على مستويين متوازيين هما:
1- كتب القواعد (المتخصصة) المطبوعة.
2- كتب المدونات الفقهية وكتب الفتاوى المطبوعة.
المرحلة الثانية:
ترتيب المادة المجموعة حسب الموضوعات الفقهية مع الترقيم المتسلسل لها، ويتبع هذه المرحلة عملية الفهرسة المكملة لمقاصد الترتيب، لكنها تتأخر في الإنجاز عن المرحلة الثالثة لكي تشمل معطياتها أيضا، وسيأتي الكلام عنها.
المرحلة الثالثة:
مقارنة المادة المذهبية بعضها ببعض للوصول إلى مجموعة موحدة متكاملة يدمج فيها التكرار وتستدرك فيها مفردات كل مذهب. وفي هذه المرحلة يستدرك ما جاء في مخطوطات كتب القواعد من شتى المذاهب لإلحاق ما لم تتضمنه المطبوعة، وتأتي عقب هذه المرحلة عملية الفهرسة الشاملة والمتناولة لكل من:
- أطراف القواعد بترتيب ألفبائي مع الإحالة إلى الترتيب الموضوعي حسب الرقم المتسلسل.
- المصطلحات التي تدور عليها القواعد بترتيب ألفبائي.
وفيما يلي تفصيل ما يتصل بالمرحلة الأولى:(9/2218)
تفصيل منهج المرحلة الأولى لإعداد معلمة القواعد الفقهية
1- اختيار الأمانة العامة للمجمع (في ضوء ترشيحات الفريق المختار منها لمتابعة هذا المشروع) الكتب المفضلة من المعتمدة في كل مذهب. وكذلك اختيارها الأستاذين المكلفين بالعمل في كل مذهب أيضا (وعند الحاجة يختار ثلاثة) ويتم العمل بينهم بالشكل الذي يرونه مناسبا من حيث تقسيم العمل وتداوله بينهم ليكون معتمدا منهم وعلى مسؤوليتهم العلمية، كما يترك لهم اختيار الوسائل المناسبة لتجهيز المادة على بطاقات أو دفاتر أو بواسطة الحاسوب، والمهم تسليم المادة جاهزة.
2- إعداد الأساتذة المكلفين نموذجا لبضع قواعد، لدراستها من الأمانة، بقصد التثبيت من مراعاة المنهج والتنسيق بين المشتغلين في المذاهب كلها.
3- اختيار أتم الصياغات وأوضحها عند تعددها في كتب قواعد المذهب مع ملاحظة أن صياغات متأخري الفقهاء غالبا ما تكون أكثر تحريرا وتنقيحا وتداولا.
4- البيانات المطلوبة مع القاعدة:
أ- شرح إجمالي للقاعدة لتوضيح المعنى العام لها بما لا يقل عن ثلاثة سطور ولا يزيد عن ستة.
ب- بيان المستند الشرعي لها – إن وجد – من نص قرآني أو حديثي.
ج- الإشارة إلى القواعد المتفرعة عن القاعدة المذكورة أو القواعد المشابهة لها.
د- بيان التطبيقات المندرجة تحت القاعدة، بذكر أمثلة لكل زمرة من زمر فقه المذاهب (العبادات، المعاملات، الأنكحة، العقوبات والقضاء) مع تنويع الأبواب لإثبات كون القاعدة عامة وليست ضابطا لباب واحد. ويشار إلى مواطن التطبيقات التي لم تذكر لفائدة ذلك للباحثين ولا سيما عند التخزين بالحاسوب.
هـ – بيان المستثنى من القاعدة، مع الإشارة إلى اندراجه في قاعدة أخرى إن وجد.
و بيان المرجع مع تحديد الجزء والصفحة. ويشار في قائمة ملحقة إلى تحديد الناشرين ومكان الطبعات وتاريخها حسب المتاح.(9/2219)
ز- وضع رقم متسلسل للقاعدة، مع التصدير بثلاث أو أربع كلمات منها لتكون مدخلا للفهرسة. وكذلك الإشارة للمذهب، وهذا كله قبل نص القاعدة.
5- الترتيب الأٍساسي المطلوب هو بحسب الموضوع أي الباب الفقهي، وذلك حسب تبويب سيتم اعتماده من الأمانة العامة من حيث تسلسل الأبواب وتدعو الحاجة إليه لاحقا، لأن المطلوب إفراد قواعد كل باب على حدة ثم ترتيب الأبواب حسب القائمة المختارة للأبواب. كما لا يخفى أن من المناسب لسلامة الإعداد إفراد كل قاعدة عن الأخرى من حيث الصفحات أي تبدأ كل قاعدة بأول صفحة لإمكانية الإلحاق والاستدراك.
وبما أن القواعد تتعلق بجميع الأبواب أو بأكثر من باب، فإن ربطها بأحد الأبواب يراعى فيها الأغلب، بحسب كثرة تطبيقاتها في ذلك الباب.
وسوف توضع إحالات عند اكتمال الجمع للإشارة في بقية الأبواب إلى القاعدة التي ذكرت في أحدها.
أعضاء لجنة (معلمة القواعد الفقهية) والمستكتبون
وكما قلنا في بداية هذه المقدمة التمهيدية فإن الأمانة العامة للمجمع قامت بدراسة هذا المشروع والتقديرات المالية له والقوة العاملة من خلال لجان متخصصة واجتماعات من الأساتذة والعلماء الذين سبقت لهم العناية والاهتمام بالقواعد والضوابط الفقهية والمقاصد الشرعية من خلال دراساتهم فيها، أو تحقيقاتهم لبعض مراجعها. وتتكون أعضاء لجنة المعلمة من السادة:
1- الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
2- الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي.
3- الدكتور عبد الستار أبو غدة.
4- الدكتور علي أحمد الندوي.
5- الدكتور أحمد بن حميد.
6- الدكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو.
7- الدكتور أحمد العنقري.
8- الشيخ عبد الرحمن الشعلان.
9- الدكتور عمر بن سبيل.
10- الدكتور ناجي محمد شفيق عجم.
أما المستكتبون في (المعلمة) فلم تتعين أسماؤهم بصفة نهائية، وإنما طلبت الأمانة العامة للمجمع من أعضاء اللجنة تقديم أسماء الأشخاص الذين يقترحونهم من الأساتذة والأخصائيين في فن القواعد والضوابط الفقهية والمقاصد الشرعية، دراسة وتحقيقا، ومن الفقهاء الذين يتولون استخراج مادة المشروع من مظانها المختلفة، حتى يكون عدد من يكلف بهذا العمل مناسبا لعدد المصادر والمراجع التي سبق ذكرها، ولا أقل من عشرة يتوزعون هذه المصادر.
وكذلك تحديد خمسة للمراجعة حسب الاختصاص المذهبي، فيما يعود إلى المدرسة السنية، فهم أربعة، وأضيف إليها خامس يتولى مراجعة ما يمكن أن يقدم من القواعد والضوابط والمقاصد في المذاهب الأخرى.(9/2220)
الجهات التي تم الاتصال بها
وطلبا، بعد الفراغ من الإعداد الكامل للمعلمة، لتخزين موادها كلها في الحاسوب أجرينا اتصالات كثيرة بجهات متعددة منها:
1- الشركة (العالمية) بالرياض وجدة:
بخصوص استعمال الكمبيوتر والاستفادة منه في هذا المشروع، اتصلت الأمانة العامة للمجمع بالشركة (العالمية) في الرياض وبفرعها بجدة، لكنها لم تجد من الشركة مساعدة تفيدها في تخزين المعلومات وضبط برنامج الاستفادة منها.
2- البنك الإسلامي للتنمية بجدة:
تحولت الأمانة العامة للمجمع إلى الاتصال بالبنك الإسلامي للتنمية، ثم بقسم الكمبيوتر، وعقدت جلسات وعدوها بإثرها بإمكانية التعاون وتيسير هذا المهم، وطلبوا منها الكتابة في ذلك إلى رئيس البنك، وقد تم الاتصال به شخصيا من قبل الأمين العام للمجمع، وأظهر له الاستعداد والتعاون.
3- مركز التراث الإسلامي (العالمية) بالقاهرة.
بخصوص التعاون بينه وبين الأمانة العامة للمجمع على إنجاز المشروع، وضبط الخطة العملية المناسبة له، وذلك بالإفادة من خبرة المركز الواسعة تجاربه السابقة في مجال برمجة المعلومات وتخزينها في الحاسب الآلي.
وقد أبدى مدير المركز استعدادا للتعاون، وحضر فعلا للمشاركة في الاجتماع الذي عقد بالمجمع بين ممثلي القسم الفني، ومعهد البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وبين نخبة من الأخصائيين في فن القواعد الفقهية كما عقد في اليوم التالي اجتماع آخر في مقر البنك الإسلامي للتنمية في هذا الشأن.(9/2221)
التقديرات المالية لتكاليف المشروع
وقد تم وضع عدة تصورات لتقدير تكاليف المشروع، حيث كلفت الأمانة العامة للمجمع بعض الأساتذة في هذا الفن، وفي الخدمات الاستشارية، لتقديم اقتراحاتهم حول المصاريف اللازمة لإنجاز المشروع، وكانت تقديراتهم متفاوتة جدا بالنسبة لجمع القواعد من كتبها المخطوطة والمطبوعة، وبالنسبة لأمهات كتب الفقه التي يتأكد الرجوع إليها في كل مذهب.
وقد كتب في هذا الصدد كل من الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان، والدكتور عبد الستار أبو غدة، والدكتور سعود بن مسعد الثبيتي، والدكتور أحمد بن حميد، والدكتور نزيه كمال حماد.
تلك هي المعلومات الأولية التي أردنا عرضها على أعضاء المجمع الأكارم والسادة الخبراء والعلماء المشاركين في هذه الدورة التاسعة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي، وعلى كل من يهمه الأمر. والأمل في الله أن تتظافر الجهود على إصدار المعلمة لخدمة الفقه الإسلامي، وصون الشريعة السمحة بإبراز نظرياتها وقواعدها العامة، وصور تطبيق تلك القواعد على وجه يجلي الشريعة للكافة، ويعين المجتهدين على مواجهة المشاكل المستعصية، وإيجاد الحلول الشرعية المناسبة لها.
وإن المجمع ليرحب بكل الملاحظات، ويقدر جميع الاقتراحات التي يرجو أن تصله من صفوة الفقهاء والعلماء والخبراء والفنيين ليستعين بها على إنجاز هذا المشروع الهام، ويحقق الجدوى الكبيرة المنتظرة منه.
والله المسؤول أن يوفقنا ويسدد خطانا نعم المولى ونعم النصير إنه سميع مجيب.(9/2222)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 97/ 10 / د9
بشان: (معلمة القواعد الفقهية)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمرة التاسع بأبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1 – 6 أبريل 1995م.
بعد استحضار القرار المتخذ في الدورة الثالثة بإصدار معلمة القواعد الفقهية.
وبعد اطلاعه على المذكرة المعدة من الأمانة العامة عن المشروع المتضمنة بيان محتويات المعلمة، ومصادرها من الكتب المفردة للقواعد ومتعلقاتها أو المدونات الفقهية والأصولية، والخطة العملية المقترحة للشروع في إعداد المعلمة والنموذج المقترح للبطاقات المستخدمة في الإعداد لضمان توفيه كل قاعدة حقها من البيانات ومنهج إعداد المعلمة ومراحل الإعداد مع تفصيل المرحلة الأولى والتجهيزات التقنية باستخدام الحاسوب (الكومبيوتر) لاختصار الوقت اللازم للإعداد والتحقق من الاستقصاء والتناسق.
قرر ما يلي:
أولا: المضي في الخطوات التنفيذية لإعداد معلمة القواعد الفقهية وفق المنهج المقترح من الأمانة العامة بالتعاون مع اللجنة المكونة منها لهذا المشروع.
ثانيا: الاستفادة من خدمات الحاسوب للاطمئنان إلى استيعاب ما جاء في الكتب المتخصصة والكتب الفقهية والأصولية العاملة بصورة شاملة لكل من القواعد والضوابط والمقاصد العامة للتشريع.
ثالثا: موافاة الأعضاء والخبراء والأمانة العامة في أقرب وقت بما يبدو لهم من ملاحظات أو مقترحات حول المرحلة الأولى من الإعداد، للاستفادة منها قبل الشروع في التكليف باستخراج البيانات.(9/2223)
مشروع
الموسوعة الفقهية الاقتصادية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله إلى العالمين، وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد: فإن المهمة الأساسية التي أنشئ من أجلها مجمع الفقه الإسلامي، كما جاء في نظامه الأساسي، وهي: (ضرورة حشد طاقات فقهاء الأمة الإسلامية وعلمائها في سبيل مواجهة المعطيات الناجمة عن تطور الحياة المعاصرة ومشكلاتها بالاجتهاد المسترشد بالشريعة الإسلامية السمحة، بغية الوصول إلى الإجابة الإسلامية الأصيلة عن الأسئلة التي تطرحها الحياة المعاصرة) ومن أهم هذه الأسئلة ما يتصل بالنظم المستجدة في مجال المعاملات المالية والاقتصادية.
وانطلاقا من هذا تبنت الأمانة العامة للمجمع عددا كبيرا من المشاريع العلمية الإسلامية الهامة من أنجعها في عالم اليوم: الموسوعات العلمية الأخصائية لمواجهة القضايا العديدة المعقدة والملحة التي أفرزتها الحياة المعاصرة الحديثة في أوساط المجتمعات الإسلامية، وذلك في مجال الفكر والاجتماع والاقتصاد، وشتى نواحي الحياة المهمة التي تتطلب معرفة رأي الإٍسلام فيها، وموقفه منها، والبحث عن حلول جذرية ناجعة لها، لا تتعارض ولا تتناقض مع أحكام الشريعة الإٍسلامية.
وقد صدر قرار المجمع في مؤتمره الثالث في صفر 1407هـ (أكتوبر 1986 م) المنعقد في عمان (المملكة الأردنية الهاشمية متضمنا مشاريع المجمع العلمية وفي مقدمتها إصدار (الموسوعة الفقهية الاقتصادية) .
وسار المجمع خطوات في سبيل تحقيق هذا القرار، فدعا ثلة من علماء الأمة وخبرائها من اقتصاديين وفقهاء، وعقدت معهم، ومع جهات الاختصاص في الجامعات ومراكز الاقتصاد الإسلامي، جلسات عمل، فشكل منهم لجنة فنية كلفها بإعداد خطة تنفيذية للموسوعة، ثم أتبع ذلك ببعض الاستكتاب وفق تلك الخطة حتى يمكن للموسوعة أن تحقق غرضها المرسوم وهو مساعدة المسلمين على مواجهة المسائل القائمة في عالم اليوم. وهذا المنهج لابد أن ينطلق من هذه المسائل المستجدة ويجتهد في حلها.
والمذكرة الحاضرة توضح بإيجاز معالم المنهج لإعداد الموسوعة، وأهم مميزاتها، وموضوعاتها المقترحة، وموضوعات الزمرة الأولى والثانية وتفصيلاتها، وما وصل إلى المجمع من الدراسات والبحوث التي تم إنجازها.(9/2224)
تعريف الموسوعة الفقهية الاقتصادية
تعنى الموسوعة الفقهية الاقتصادية بشكل أساسي بالقضايا الاقتصادية المعاصرة والأشكال المستجدة من القضايا الاقتصادية والصيغ الحديثة من العقود التي يقوم عليها النشاط الاقتصادي في وقتنا الحاضر.
وسوف تستهل الموسوعة كل موضوع – أو زمرة من الموضوعات – بعرض للموقع الذي يحتله ذلك الموضوع في الحياة الاقتصادية اليوم والوظائف والحاجات التي يلبيها، ثم دراسة صيغ التعامل المعاصر والعقود الرئيسية المبنية عليه في ذلك الموضوع، وتكون تلك الدراسة في ضوء النصوص والمقاصد الشرعية وأحكام الفقه وقواعده، مع الاجتهاد في استنباط الأحكام الشرعية المناسبة للمستجدات، قدر الطاقة.
ويتضح من هذا أن الموسوعة سوف تسعى أن تكون ميدانا يتلاقى فيه الفقه بالحياة الاقتصادية المعاصرة على نحو يلبي حاجة الفقيه إلى معرفة الوقائع والمعاملات في عالم اليوم، كما يلبي حاجة المؤسسات والأخصائيين في تلك القضايا المعاصرة إلى معرفة وتدبر أحكام الفقه المتصلة بها.
وقد يفلح الكاتب أو الكاتبون لموضوع معين في الموسوعة في الوصول إلى فتاوى مناسبة لبعض أو كل الصيغ المستجدة التي ناقشوها، ولكن هذا لن يكون شرطا لازما في كل موضوع، بل الشرط اللازم هو أن يعالج الموضوع من جانبيه الفقهي والواقعي المعاصر بصورة متوازنة، بحيث يصلح منطلقا علميا موثوقا لفتاوى واجتهادات للمجمعي أو من الهيآت الشرعية والباحثين، كما يصلح منطلقا لابتكار صيغ جديدة توافق أحكام الشريعة وتلبي الحاجات المعاصرة بصورة ناجعة.
وينتظر أن يتطرق كاتب كل موضوع إلى ما قد يتوافر حوله من اجتهادات وفقه وفتاوى معاصرة، وأن يولي عناية خاصة لفتاوى المجمع وسواه من الهيآت العلمية المعتبرة.(9/2225)
الموسوعة الفقهية الاقتصادية تتكامل مع الموسوعات
الفقهية الأخرى ولا تكررها
هذه الموسوعة تتكامل مع الموسوعات الفقهية الأخرى ولا تكررها، فهي موسوعة فريدة بلا شك، وهي تختلف عن الموسوعات الفقهية الأخرى في طبيعتها وأهدافها فمثلا:
أ- اختلافها عن الموسوعة الفقهية الموسوعة الكويتية:
تصدر وزارة الأوقاف الكويتية موسوعة فقهية ممتازة، وقد قطعت شوطا طويلا حيث غطت نصف الحروف الهجائية تقريبا. ولا ريب أنها تسد فراغا مهما وتقدم خدمة جليلة للمسلمين. ولكن الموسوعة الفقهية الاقتصادية مختلفة عنها اختلافا أساسيا يتمثل في أن الأولى تقوم على منهج يقتصر على عرض ما هو موجود في الفقه من مصادره الأساسية فقط، وتستبعد الاجتهادات المتصلة بالأمور المستجدة. بينما تركز موسوعتنا بصفة أساسية على هذا العنصر، وتعنى بصفة رئيسية بمناقشة القضايا المعاصرة في ضوء الفقه الإسلامي، وتسعى بشكل حثيث إلى تقديم أساس صالح لاجتهادات مقبولة في تلك القضايا، على النحو الذي بيناه قبل قليل.
ب- اختلافها عن موسوعة جمال عبد الناصر:
لا تختلف موسوعة جمال عبد الناصر من هذه الناحية عن الموسوعة الكويتية ولذلك يصدق عليها ما ذكر أعلاه. ومن جهة أخرى فإن العمل في الموسوعة المذكورة قد توقف قبل أن يكتمل.
وبكلمة موجزة: إن الموسوعة الفقهية الاقتصادية هدفها متميز عن هدف الموسوعتين المذكورتين، وهي ستستفيد دون ريب مما حققته الموسوعتان، لكنها لن تكرر جهدهما بل ستبني عليه وتتكامل معه من حيث وصلها الماضي بالحاضر.(9/2226)
المميزات الأساسية للموسوعة الفقهية الاقتصادية
تتميز الموسوعة الاقتصادية بميزات متعددة تجعلها بحق موسوعة فريدة تستحق عناية المسلمين وبخاصة رجال الأعمال منهم. ويمكن تلخيص تلك المميزات بما يلي:
أ- إنها موسوعة صادرة عن مجمع الفقه الإسلامي بوصفه مؤسسة موثوقة، مما يضفي على الموسوعة مكانة متميزة.
ب- إنها تقدم تلخيصا محكما للفقه الإسلامي المتعلق بالقضايا المعاصرة، ولا تقوم بتكرار الأعمال الموسوعية الأخرى. ولا تركز على الفقه السابق ولكنها تعرض منه ما يساعد فقط على الوصول إلى الاجتهاد المتعلق بالقضايا المعاصرة، وتركز على الأعمال والنقول الفقهية التي تسهل الوصول إلى مثل تلك الاجتهادات.
ج- إنها تساعد في التوصل إلى بدائل مبتكرة للعقود والمعاملات الوضعية المعاصرة مؤسسة على الفقه القديم ومستفيدة من الفكر المعاصر المتعلق بالقضايا المالية والاقتصادية.
د- إنها تربط المصطلحات والمفاهيم ذات الأبعاد الاقتصادية والمحاسبية والقانونية التي سادت في العصور الإسلامية بالقضايا المعاصرة، فتبين المصطلحات المالية القديمة، وتوضح المقابل لها في التعامل الحديث، بحيث يمكن تحقيق مناط الأحكام الفقهية المختلفة والاجتهادات التي توصل إليها العلماء القدامى: (مثال ذلك مصطلحات الاحتكار، والسعر والثمن والقيمة، والمكوس …إلخ)
هـ- تسعى الموسوعة إلى أن تعرض على المجمع ما يسمح به برنامجه من القضايا التي تعالجها، وتضم ما يصدره المجمع من فتاوى في شأن تلك القضايا.
منهج العمل
تتبنى الموسوعة منهجا في العمل تمليه طبيعتها المتميزة وأهدافها المتعلقة بالنواحي النظرية والعملية في حياة المسلمين، كجمع واستقراء القضايا والمسائل المعاصرة في مجال الموسوعة، وذلك بالطلب إلى رجال الأعمال والمؤسسات المالية ومراكز البحوث والاقتصاديين والمحاسبين والمصرفيين والمحامين …إلخ، بأن يقدموا ما لديهم من أسئلة واستفسارات حول القضايا المعاصرة التي تنتابهم في أعمالهم، أو التي يرون بحكم خبرتهم أهمية معالجتها في الموسوعة.
وقد قام المجمع فعلا بالاتصال بكثير من المؤسسات ورجال الأعمال بهذا الغرض، والمجال مفتوح لتلقي المزيد.(9/2227)
موضوعات الموسوعة المقترحة حتى الآن (42) موضوعا
1- الاعتمادات المستندية.
2- بيع التقسيط.
3- الشيكات.
4- المقاولات.
5- الحوالات المصرفية.
6- الإجارة.
7- بيع التورق.
8- جوائز الادخار.
9- الحيازة.
10- السمسرة.
11- خيار الرؤية.
12- بيعتان في بيعة.
13- الكفالة.
14- الخلو والقفلية.
15- أذونات الخزينة.
16- اقتطاع الاحتياطات من الأرباح.
17- الجمارك.
18- عقد التوريد.
19- المناقصات، والبيع بالمزايدة، والنجش.
20- توزيع الأرباح بين المساهمين والمودعين.
21- الزيادة والنقص في خزائن الصيارفة.(9/2228)
22- استخدام الفوائد الربوية في دفع الضرائب.
23- القروض في المعاملات المصرفية (القرض الحسن) .
24- البيع قبل وصول البضاعة، وبيع ما ليس عند الإنسان.
25- بيع العربون.
26- الصرف وبيع الذهب والفضة.
27- الكمبيالات والأوراق التجارية.
28- بيع السلم.
29- بيع المرابحة.
30- الودائع المصرفية.
31- بيع الرجل على بيع أخيه.
32- الديون وغرامات التأخير.
33- الرهن.
34- الاستثمار في الأسهم.
35- خيار العيب.
36- عائد حساب الاستثمار.
37- الوكالة.
38- الاسم التجاري.
39- التمويل العقاري.
40- عقد الاستصناع.
41- الضرائب.
42- بطاقات الائتمان.(9/2229)
موضوعات الزمرة الأولى وتفصيلاتها
الموضوع الأول: الاعتمادات المستندية:
1- تعريف الاعتمادات المستندية:
[فيما يلي تعريف متداول، لأهمية التعريف في تصور ما بعده] :
(الاعتماد المستندي هو تعهد كتابي صادر من بنك، بناء على طلب مستورد، لصالح مورد، يتعهد فيه البنك بدفع أو قبول كمبيالة أو كمبيالات مستندية مرفقا بها مستندات الشحن إذا قدمت مطابقة لشروط الاعتماد)
2- الأهداف التي تؤديها الاعتمادات المستندية، وأهميتها في تمويل التجارة الخارجية، مع صلوحها للتجارة الداخلية.
3- أطراف الاعتماد المستندي، والعلاقة القانونية بينها.
4- الشروط الأساسية للاعتماد المستندي، ودور غرفة التجارة الدولية بباريس في تحديد الأطراف والشروط والأعراف المتبعة فيه.
5- التكييف الشرعي للاعتماد المستندي في الجملة، وهل هو عقد جديد مختلف عن العقود المسماة المعروفة ومتفق مع القواعد، العامة أو هو مركب من عقود؟
6- الفرق بين اعتمادات الاستيراد واعتمادات التصدير.
7- الصور المختلفة للاعتماد المستندى، وآثارها في الحقوق والالتزامات وتكييفها الشرعي:
أ- الاعتماد المغطى بالكامل، والمغطى جزئيا، وغير المغطى.
ب- الاعتماد المعزز، وغير المعزز.
ج- الاعتماد القابل للإلغاء، وغير القابل للإلغاء.
د- الاعتماد المعدل (تعديل الاعتماد) .
هـ- الاعتماد الدائري.
و الاعتماد القابل للتحويل.(9/2230)
ز- الاعتماد المتوازي Back to Back Cerdits (الاعتماد الثاني بضمان الاعتماد الأول، بنفس شروطه مع اختلافات المبلغ والسعر والمدة والمستفيد) .
ح- الاعتمادات بالاطلاع.
ط- الاعتمادات الدورية (القابلة للصرف) .
8- علاقات الاعتمادات المستندية بالعقود.
أ- علاقة الاعتماد المستندي بالوكالة، وطريقة حساب عمولة البنك من حيث كونها بمبلغ مقطوع أو بنسبة من المبلغ أو نسبة الغطاء أو المدة.
ب- تمديد الاعتماد بعمولة، وكيف تحسب؟
ج- علاقة الاعتماد بالضمان وحصوله بمقابل أو تبرعا (ضمنا) .
د- علاقة الاعتماد بالصرف، وكيفية إجرائه.
هـ- علاقة الاعتماد بالقبض، وهل تسليم المستندات قبض حكمي؟
و تحمل تبعة الهلاك في حال قبض المستندات أو القبض الفعلي.
ز- استحقاق الغنم (الخراج) وذلك في حالة التأمين من المصدر.
ح- تداخل الفوائد المصرفية في الاعتماد.
9- المبدأ المقرر بالعرف الموحد للاعتمادات من كونها عملية مصرفية مستقلة عن عقود البيع وليس للبنوك علاقة بتلك العقود:
أ- الصيغ المتعددة للاعتمادات المستندية بالمرابحة المستعملة في البنوك الإسلامية، وحكم أخذ عمولة الاعتماد من العميل في المرابحة.
ب- استخدام المشاركة مع العميل في الاعتمادات المستندية، وهل من حق البنك تقاضي عمولة الاعتماد كما لو كان غير مشارك؟
ج- تحديد تاريخ انعقاد العقد وتاريخ القبض في البيوع بالاعتمادات المستندية.
10- الاعتراضات الشرعية على صور الاعتمادات المستندية، والإجابة عنها، مع عرض لفتاوى المجامع الفقهية والهيئات الشرعية للبنوك حول الموضوع.(9/2231)
الموضوع الثاني: الصرف وبيع الذهب والفضة:
- تعريف الصرف
- أركانه
- حكمة اختصاص الأثمان بأحكام مختلفة عن السلع
1- القبض في الصرف:
- تحقيق معنى القبض في الصرف والأجل المسموح به عرفا.
- اشتراط القبض في المجلس.
- التشديد فيه بالتقابض.
- تأخير القبض.
- عقد الصرف في الذمة إذا تم القبض قبل الافتراق.
- التصرف في ثمن الصرف قبل قبضه.
- أمر بصرف ما لا يملكه قبل قبضه.
- الاستبدال ببدله قبل قبضه.
- ما هي صورة (أو صور) القبض المجزئة في البيع المذكور؟
- هل من قبض حكمي للذهب والفضة؟
- هل يجوز شراء الذهب من البنك نقدا والاكتفاء بتأكيدات موظف البنك أن الذهب موجود في خزينة البنك أم يجب التأكد من ذلك عيانا؟
- هل يلزم أن أقبض من البنك الذهب الذي اشتريته منه وأودعته في الحساب لديه؟ وهل يلزم أن أقبض منه بعد شهر (أو أقل أو أكثر) عين ذلك الذهب الذي اشتريته أم يجوز أن أقبض مثله فحسب؟ وهل ينقلب في الحالة الثانية إلى قرض؟
- هل يجوز للبنك بيع الذهب إلى عميل (يقبضه آنيا) وخصم ثمنه من حسابه لدى البنك أو لدى بنك آخر؟
- هل يجوز للفرد شراء الذهب بالشيك أو ببطاقة الائتمان وهل يعد ذلك قبضا للثمن؟
- هل يعد قبض الشيك قبضا لعملته؟ هل يلزم التحقق من امتلاك مصدر الشيك وحيازته عند الصرف للمبلغ المحرر عليه.(9/2232)
2- الخيار في الصرف:
- اشتراط الخيار في الصرف.
- الافتراق وفي الصرف خيار عيب أو رؤية.
3 - العيب في أخذ العوضين في الصرف:
- تبين نقص أحد العوضين في الصرف، أو زيادته.
- ظهور عيب في أحد العوضين المعينين في الصرف.
- الرد بالعيب.
4- أخذ الأرش في الصرف:
- أخذ أرش العوض في صرف معين بمعين.
- أخذ أرش العوض المعيب بعد تلفه.
- رد العوض المعيب إذا اختلف السعر.
5 - المواعدة في الصرف:
- هل تجوز المواعدة على البيع مع تأجيل كلا البدلين؟
- هو يجوز بيع المرابحة للآمر بالشراء (حيث الوعد ملزم) في الذهب والفضة؟
- هل يجوز التقسيط في بيع الذهب والفضة؟
- ما حكم التعامل بشهادات الذهب (وهي شهادات تصدرها مؤسسات متخصصة تخول صاحبها قبض كمية من الذهب ولا يلزم أن تكون تلك الكمية موجودة فعلا لدى المؤسسة في كل الأوقات) ؟
-هل يجوز تأجير الذهب؟ إذا كان سبائك ذهبيه، أو إذا كان مصاغا أو حليا نسائيا؟ هل يلزم دائما رد العين أم يجوز رد المثل؟
- هل تجوز المتاجرة بالأواني أو الحلي والساعات الذهبية المصنوعة للرجال؟
- ما حكم شراء أسهم شركة تعمل في استخراج الذهب وتعد اكثر أصولها من ذلك المعدن؟ هل يمثل السهم حصة شائعة في الذهب؟ هل لذلك تأثير على حكم التعامل بأسهمها؟
- ما حكم الصرف إذا ارتبط بمواعدة على صرف آخر في المستقبل يكون معاكسا للعملية الأولى؟(9/2233)
6- أحكام الذهب والفضة:
- ما هي خصوصية الذهب والفضة واختلافهما عن السلع الأخرى؟
- ما حكم استبدال الذهب بالذهب متفاضلا وحساب الفرق بالنقود؟
ما الحكم إذا كان مشغولا (أي فيه صنعة وصياغة) ؟
- ما حكم اقتراض الذهب والتسديد بقيمته من النقود؟ هل يجوز اشتراط ذلك في عقد القرض؟ هل يجوز تحديد سعر الصرف مقدما؟ هل يلتزم بسعر يوم القبض أو يوم التسديد؟
- هل يدخل بيع الذهب والفضة دائما في باب الصرف أم يكون في حالات البيوع العادية؟
- على اعتبار الثمنية علة الربا في التعامل بالدينار والدرهم، هل تثبت الربوية للذهب والفضة وبعد انقطاع النقود المعدنية وانتشار الورق النقدي؟
- هل هناك مانع شرعي من المتاجرة بالذهب والفضة؟ ومن تبني ذلك كمهنة النشاط الرئيسي فيها المخاطرة بمبلغ من المال للاستفادة من تغيرات الأسعار؟
- ما هي الشروط الشرعية لمبادلة الذهب والفضة المختلطين بغيرهما من لؤلؤ وغيره؟
- ما هي الشروط الشرعية لمبادلة الذهب والفضة من عيارات مختلفة؟
- ما حكم بيع وشراء القطع الذهبية التذكارية بأكثر من قيمة ما فيها من الذهب؟
- هل تجوز المصارفة الفورية بسعر يتراضى عليه الطرفان ولو اختلف عن سعر يومه السائد؟
- هل يجوز عقد القرض بوحدة حسابية (هي مجموع كميات محددة من عملات معينة) وأن يكون القرض وسداده بعملة يتفق عليها الطرفان. كأن يكون القرض بـ 1000 دينار إسلامي والدينار الإسلامي ليس عملة حقيقية (100 دينار إٍسلامي = 40 دولار أمريكي + 21 مارك ألماني + 17 ين ياباني + 11 فرنك فرنسي 11 جنية استرليني) ويتفق الطرفان على قبضه بما يعادله من الريالات يوم القبض، وعند السداد يتفقان على السداد بما يعادله من الدولار أو بالفرنك السويسري.(9/2234)
- ما حكم التعاقد على الصرف من تأجيل كلا البدلين في حالة وجود حاجات حقيقية للناس إلى ذلك.
- هل يجوز الإيداع في حساب مصرفي أو السحب منه بعملة غير عملة الحساب مع توكيل المصرف بعملية الصرف.
- هل يجوز للبنك تحديد سعر صرف مختلف للعملة إذا كانت شيكا يزيد (أو يقل) عن حال كونها نقدا؟ هل يجوز أن يختلف سعر الصرف بين كون البنك مشتريا؟ أو بائعا؟
الموضوع الثالث: الحوالات المصرفية:
- بيان صفة المعاملة وصورها (الحوالة المصرفية والشيك العالمي والحوالة البريدية وغيرها) وحاجة الناس إليها.
- التكييف الشرعي للحوالة المصرفية وهل تدخل في باب السفتجة أم القرض أم الوديعة؟
- الشروط الشرعية للحوالة.
- هل يجوز حساب أجرة البنك كنسبة من مبلغ الحوالة؟ ما هي الشروط الشرعية في طريقة حساب الأجرة؟
- هل يلزم البنك الذي يتم التحويل من خلاله ضمان مبلغ الحوالة؟ وهل يضمنه للطرف الأول أم للطرف الثاني (المحيل أم المستفيد) ؟(9/2235)
- تتعامل البنوك في مجال الحوالات مع بنوك في الدول المختلفة تسمى البنوك المراسلة وتفتح لديها حسابات لهذا الغرض وهي حسابات تترتب لها أو عليها فوائد حسبما تكون الأرصدة فيها دائنة أم مدينة. فهل يجوز للبنك الإسلامي أن يتفق مع بنك مراسل على عدم حساب أية فوائد واستبدال ذلك بأن يقبل الواحد منهما أن يكون مدينا للآخر بعدد من الدولارات لمدة من الزمن (النمر) تساوي في مجموعها ما يكون فيها دائنا له؟
-ما هي الشروط التي يجب توافرها حتى تكون المعاملة صحيحة شرعا إذا صاحب الحوالة صرف؟
وبخاصة ما يتعلق بالتقابض وتحديد يوم سعر الصرف. ولذلك صور:
1- أن يحول شخص من السعودية 1000 روبية إلى الباكستان فيدفع البنك السعودي مقابلها من الريالات عند طلب التحويل.
2- أن يحول شخص من السعودية 100 ريال إلى الباكستان فيدفعها للبنك السعودي ويدفع البنك المراسل في الباكستان إما نفس المبلغ بالريال السعودي (إذا كان يتعامل بالريال والحكومة تسمح بذلك) أو معادلة بالروبية.
3- أن يحول شخص من السعودية 100 دولار إلى الباكستان فيدفع ما يعادلها من الريالات ويدفع البنك المراسل في الباكستان إما نفس المبلغ بالدولار (إذا كان يتعامل به والحكومة تسمح بذلك) أو ما يعادله بالروبية.
- تحدد البنوك مدة معينة يقوم المراسل خلالها بصرف الحوالة للمستفيد، فإذا لم يفعل جاز (في العرف المصرفي) للبنك المحول أن يغير سعر الصرف (يعيد تقييم الحوالة) فهل لهذا وجه جواز شرعي؟
- إذا كانت الحوالة جزءا من صفقة متعددة الأغراض بين البنك والعميل (مثل تمويل مشروع …الخ) فهل يؤثر ذلك على جوازها أو على شروطها؟
- هل يلزم البنك الإسلامي أن يتأكد من الغرض من التحويل قبل أن يجريه ليتأكد من إباحة القصد ومشروعية الأموال المحولة؟ وفي أية أحوال؟(9/2236)
- هل يجوز للبنك استثمار مبلغ الحوالة خلال المدة التي تسبق تسليمها للمستفيد؟ وفيها أربع صور:
1- تعمد التأخير من قبل البنك المصدر للحوالة.
2- التأخير العادي الطبيعي.
3- عدم قبضها من قبل المستفيد.
4- تعمد تأخيرها من البنك المراسل.
- إذا تعمد البنك (المصدر أو المراسل) التأخير في دفع مبلغ الحوالة إلى المستفيد هل يجوز تغريمه؟ هل يجوز الشرط الجزائي المتضمن لذلك؟
الموضوع الرابع: الاستثمار في الأسهم:
1- تعريف السهم.
2- خصائص السهم، وبيان حكم كل خصيصة.
3- أنواع الأسهم، وبيان حكم كل نوع.
4-هل البيع في الأسهم واقع على حصة مشاعة في جميع أموال الشركة الثابتة والمنقولة، أم على الصك الذي يتداوله الناس؟
5- في حالة القول بأنه واقع على جميع الحصة بما فيها النقود، فما هو التوفيق بينه وبين اشتراط التساوي والتقابض في الأموال الربوية؟
وبينه وبين حديث القلادة التي أمر الرسول صلى الله عليه وسلم أن لا تباع حتى تفصل؟
6- هل يجب التأكد من نسبة الديون إلى الأصول في الشركة قبل تداول الأسهم؟
7- حكم شراء الأسهم لغرض الاستثمار في المشروع والحصول على الأرباح المتحققة من نشاط الشركة.
8- حكم شراء الأسهم بغرض بيعها والحصول على فرق الأسعار.
9- حكم إنشاء صناديق استثمارية يكون غرضها بيع وشراء الأسهم يوميا اعتمادا على توقعات أسعارها في المستقبل.
10- حكم شراء أسهم شركة تعمل في نشاط مباح، ولكنها تقترض من البنوك الربوية أحيانا وتودع أموالها لدى تلك البنوك وتحصل على الفائدة في أحيان أخرى.(9/2237)
11- حكم استثمار المسلم أمواله في شركات تعمل في نشاط مباح، ولكن مقرها، وأعمالها، واكثر ملاكها، في بلاد إسلامية، وتخضع لقوانين تلك الدولة.
12- زكاة الأسهم:
أ- حكم زكاة الأسهم في حالة المتاجرة بها.
ب- حكم زكاة الأسهم في حالة اقتنائها بغرض الحصول على الربح.
ج- كيف يمكن تقويم أسهم المساهم من أموال الشركة؟
د- هل كل أموال الشركة المساهمة يجب أن يزكى، أم أن بعضها لا تجب فيه الزكاة؟
هـ- إذا كانت أسهم أحد المساهمين لا تبلغ النصاب فهل يجب أن تضم إلى أمواله الخاصة ويزكى الجميع؟
و إذا كانت الشركة تخرج الزكاة الواجبة على الأرباح فقط. فهل يجب على مالك الأسهم إخراج زكاة رأس المال؟
الموضوع الخامس: عائد الاستثمار:
- ما هو المراد من العائد؟ وما الفرق بينه وبين الربح؟
- ما هي أنواع العوائد؟ وما حكم كل منها؟
- ما هي الطريقة السائغة شرعا لتحديد العائد على الاستثمار؟
- في الحالات التي يتغير فيها المستثمرون (المودعون) هل يجوز توزيع نسبة مئوية بصفة دورية محسوبة على اعتبارها ما سيقع من الأرباح أو العائد؟
- وإذا وافقه جميع المستثمرين على هذه الطريقة السابقة فهل تكون جائزة؟
- وفي الحالات التي لا يمكن فيها الرجوع على عميل قبض حصته، ثم يظهر أن الربح لم يتحقق في نهاية المدة، كيف تكون المحاسبة؟ ومن يتحمل الفرق، الشركة أم المستثمر؟ أو غير ذلك؟(9/2238)
- إذا أنشأ البنك حافظة استثمارية (صندوق) مقسمة إلى حصص يقوم بإدارتها نيابة عن المستثمرين، فهل يجوز له اقتطاع أجر لنفسه محسوب كنسبة من الربح؟ وهل يجوز كنسبة من الربح؟ وهل يجوز أن يكون مبلغا محددا مقطوعا؟ وهل يجب على البنك أن يوضح هذا؟
- ما هي التكاليف التي يجوز تحميلها للشركة في عقد المضاربة؟
- إذا كان العامل في المضاربة شركة (شخصية معنوية) فهل تعتبر جميع رواتب الموظفين والإدارة من ضمن التكاليف؟
- هل يجوز تنازل المستثمرين عن كل حق في التدخل في الإدارة؟
هل يجوز حساب العائد يوميا؟
الموضوع السادس: أذونات الخزينة:
- تعريف الدين العام والاقتراض العام وبيان أنواعه.
- تعريف أذونات الحكومة وخصائصها وأنواعها.
بما في ذلك:
- أذونات حكومية بقيمة اسمية (القيمة الاسمية هي المبلغ المثبت على السند) ثابتة وبفوائد ثابتة.
- أذونات حكومية بقيمة ثابتة وعائد تعاقدي ثابت تسميه الحكومة عائدا ربحيا وليس فوائد.
- أذونات حكومية بقيمة اسمية ثابتة لا يحصل مشتريها على فوائد دورية ولكنه في المقابل يدفع فيها عند الشراء أقل من قيمتها الاسمية.
- أذونات حكومية بقيمة اسمية ثابتة وبدون فوائد تعاقدية ولكن الحكومة تلتزم بإجراء قرعة بين حاملي الأذونات وتعطي الفائزين مبالغ مجزية (أكبر بكثير في العادة من الفوائد) ويفوز بها في العادة نسبة كبيرة من حاملي الأذونات.
- أذونات حكومية بقيمة اسمية ثابتة وبدون فوائد تعاقدية ولكن الحكومة تعطي في آخر كل سنة عائدا غير ثابت وغير تعاقدي لجميع حاملي الأذونات.(9/2239)
- أذونات حكومية بقيمة اسمية ثابتة وبدون فوائد تعاقدية ولكن الحكومة توزع في آخر كل سنة عائدا تقول إنه ربح نابع في استثمارات غير مخصصة.
- أذونات حكومية بعملة أجنبية وبدون فوائد ولكن تباع بسعر صرف يقل عن السعر السائد عند بيعها.
- أذونات تصدر بعملة أجنبية وبدون فوائد ولكنها تحصل بالعملة المحلية بسعر الصرف السائد عند بيعها وترد بالعملة المحلية بسعر الصرف السائد عند الاسترداد (للحماية من التضخم) .
- أذونات حكومية بدون فوائد ولكن يعطى حاملها عند السداد مبلغا يزيد عن قيمتها الاسمية بما يعادل فروق التضخم السنوية.
- التكييف الشرعي لأذونات الحكومة بصورها المختلفة، وحكم إصدار كل نوع منها من قبل حكومة إسلامية.
- حكم شراء كل نوع من هذه الأذونات سواء أحصل المشتري على العائد أو تبرع به للحكومة أو لغيرها، وهل ينبغي للمشتري التحقق من صحة قول الحكومة إن العائد ربح وليس فوائد؟
- حكم شراء الأذونات غير ذات العائد التعاقدي من قبل المؤسسات بأموال وضعت لديها على سبيل الوكالة وبقصد الاسترباح مثل حسابات المضاربة لدى إدارات البنوك الإسلامية.
- حكم رهن أذونات الحكومة وقبولها في الرهن.
- البدائل الشرعية لأذونات الحكومة.
- حكم تداول أذونات حكومية جائزة شرعا بسعر سوقي قد يختلف عن القيمة الاسمية.
- حكم الزكاة على أذونات الحكومة وعائداتها سواء منها الجائز شرعا أم غيره.(9/2240)
الموضوع السابع: اقتطاع الاحتياطات من الأرباح:
- تعريف الاحتياطات وأهدافها.
- أنواعها، وبيان الحاجة إلى كل نوع، وحكمه الشرعي (ومنها: الاحتياطي الاجباري، والنظامي والاختياري، واحتياطي مخاطر الاستثمار واحتياطي استهلاك الموجودات الثابتة واحتياطات تغير العملة والديون المشكوك فيها والالتزامات المستقبلية المحتملة وغيرها، إنشاء مؤسسات اجتماعية – أي احتياطات أخرى) .
- اختلاف معاملة الاحتياطات حسب أنواع الشركات.
- كيفية حساب كل نوع من أنواع الاحتياطات، ومن أي أرباح تقتطع؟
- حكم الاقتصار على توزيع جزء من الربح المتحقق، والاحتفاظ بجزء منه لسنوات قادمة كاحتياطي. وهل يجوز إذا علم أن بعض الشركاء في المشروع يبيعون حصتهم قبل انتهاء مدة المشروع؟ وهل يلزم موافقة الشركاء جميعا على ذلك عند اشتراكهم؟
- علاقة كل نوع من الاحتياطيات بتوزيع الربح بين المضارب ورب المال.
- إذا كان المصرف يتعامل مع أصناف كثيرة من المودعين والمستثمرين والمالكين في أنواع متعددة من الاستثمارات فما تأثير الاحتياطات على أنصبة كل منها؟ وهل يجوز للمصرف أن يضع نسب احتياطي مختلفة لكل فئة منهم إذا كان يخلط أموالهم، أو لا يخلطها؟
- طرق التصرف بكل نوع من الاحتياطات أثناء وجود الشركة وعند تصفيتها؟
- ملكية كل نوع من الاحتياطيات في نهاية الشركة أو في السنوات التالية لتوزيع الأرباح مع ملاحظة دخول وخروج شركاء أثناء الشركة.
- في حالة استهلاك أسهم الشركة / أو بعضها، ما مصير حصة تلك الأسهم من الاحتياطيات؟ ولمن تكون؟
- حكم الاحتياطيات لتغطية خسائر عام كامل.
- حكم الزكاة على الاحتياطيات، هل تجب فيها الزكاة؟ وإن وجبت هل تزكى مستقلة، أم مضاعفة إلى أموال الشركة الأخرى؟ وعلى من يجب إخراجها؟
- يلاحظ ضرورة ذكر المصطلحات المستعملة في بعض القوانين العربية والمصطلحات المحاسبية والفقهية باللغة العربية وما يقابلها بالإنجليزية والفرنسية ما أمكن ذلك.(9/2241)
الموضوع الثامن: توزيع الأرباح بين المسهمين والمودعين:
- حكم التفرقة بين المسهمين والمودعين في توزيع الأرباح وأسس ذلك من الوجهة الشرعية؟
- حكم التفرقة بين أرباح المسهمين والمودعين في حالة اختلاط أموالهما في الاستثمار وتحمل نفس المخاطرة؟
- حكم التفرقة في الربح بين المسهمين والمودعين إذا كان ذلك برضا المودعين.
- حكم التفرقة في الربح مع ملاحظة صعوبة رقابة المودعين على المسهمين عند قيامهم بعملية تحديد الربح وتوزيعه والتي يمكن أن تبنى عليها التفرقة بين المسهمين والمودعين.
- حكم التفرقة بين أرباح المسهمين والمودعين في حالة تداول أسهم البنك في الأسواق المالية.
- حكم التفرقة بين أنواع المسهمين في توزيع الأرباح.
- حكم التفرقة بين أنواع المودعين في توزيع الأرباح.
- يفترض هنا أن الودائع مقدمة على أساس المضاربة وأن المضارب شركة مسهمة، وينطبق ذلك على المصارف الإسلامية دون أن ينحصر بها.
الموضوع التاسع: عقد التوريد:
البيع في الشريعة ينتج آثاره الشرعية فور انعقاده. وهو يكون ناجزا يدفع فيه الثمن ويقبض المبيع عند العقد أو يكون مؤجلا بيتم فيه قبض البيع ويؤجل الثمن.
والسلم يؤجل فيه قبض المبيع ويقدم الثمن عند العقد. وفي الحياة المعاصرة، تحتاج الصناعة والتجارة والزراعة إلى تخطيط مسبق لأن أسلوب الإنتاج المعاصر يتضمن التزامات مسبقة مؤكدة.(9/2242)
فالمصنع يستثمر أموالا كبيرة في آلات ومبان وعقود عمل مع العمال فهو محتاج إلى التزام تعاقدي أكيد ثابت غير قابل لأي نقص لحصوله على المواد الأولية في أوقات محددة في المستقبل. وهذه الحاجة – بل الضرورة – هي غير الحاجة إلى التمويل. إنه يحتاج إلى تشغيل مصنعه وإلا خسر الكثير. مثل ذلك هو يحتاج إلى التزام تعاقدي أكيد ثابت لبيع إنتاجه على مدى زمني يطول أو يقصر. ومثله في كل ذلك التاجر والزارع.
لذلك فالعقد الأكثر شيوعا في جميع الأسواق اليوم وفي جميع البلدان إٍسلامية أو غير إسلامية هو عقد بيع ينص على أن يكون التسليم في موعد محدد في المستقبل وعلى دفع الثمن في موعد محدد في المستقبل أيضا.
فالعقد إذن هو عقد بيع:
- التسليم فيه في موعد محدد في المستقبل.
- ودفع الثمن في موعد محدد في المستقبل (قبل التسليم أو عنده أو بعده) .
- ولا يعلم المشتري – وليس من حقه أن يسأل – ما إذا كان البائع يملك المبيع عند العقد. أما بالنسبة للبائع فكثيرا ما يبيع على الوصف والذمة دون أن يملك أو يقبض ما يبيعه قبل عقد البيع.
- وهو عقد يجري في المثليات أو غيرها مما هو موصوف ومعروف للعاقدين، وفي السلع الزراعية مما لم تدخله صناعة وكذلك في السلع المصنوعة، سواء أكان الصانع فيها هو البائع أم لم يكن.
- وهو عقد قد يتضمن تمويلا من أحد الجانبين للآخر حسبما يكون فيه الدفع قبل التسليم أو بعده، وكثيرا ما لا يكون فيه تمويل فيكون الدفع عند التسليم.
- وقد يتضمن أن يتم التسليم على أقساط محددة.
- وقد يتضمن شرطا بإعطاء أحد الطرفين الحق بتكرار العقد أو بزيادة أو إنقاص الكمية.
- وقد يكون دفع الثمن فيه على أقساط أيضا.
والمستفتى عنه هو:
- ما هو التخريج الشرعي لهذا العقد؟ هل يدخل تحت باب من أبواب العقود المسماة؟ أم هو عقد جديد؟
- ما هو حكمه الشرعي مع ملاحظة حاجة الناس إليه؟(9/2243)
موضوعات الزمرة الثانية وتفصيلاتها
الموضوع الأول: الودائع المصرفية:
أ- تعريف الوديعة في الفقه والقانون.
ب- الفرق بين الوديعة والقرض.
ج- الودائع في المصارف التقليدية:
1- الحسابات الجارية.
2- الحسابات لأجل.
3- الحسابات الادخارية (التوفير) .
4- شهادات الإيداع.
5- الجاري المدين.
6- إثبات أن الودائع في المصارف بجميع أنواعها هي قروض بفائدة أو قروض بدون فائدة.
7- بيان ما يترتب على هذا من أحكام:
- بالنسبة للقروض الحسنة.
- بالنسبة للقروض الربوية.
د- الودائع في المصارف الاستثمارية:
1- الحسابات الجارية، مقارنتها بالحسابات الجارية التقليدية.
2- الحسابات الاستثمارية:
- الجارية.
- قصيرة الأجل.
- طويلة الأجل.
3- بيان أن الحسابات الاستثمارية هي حصة رب المال في عقد مضاربة.
4- طبيعة المضاربة مع الشخصيات الاعتبارية.
هـ- المعاملات التي تجرى في الحسابات الجارية.
1- دفتر الشيكات.
2- بطاقة السحب الآلي.
3- الصرف.
4- تحويل النقود.
5- كشف حساب مؤقتا، كشف الحساب بصفة مستمرة.
و الودائع في صناديق الاستثمار:
1- صناديق الاستثمار المغلقة.
3- صناديق الاستثمار المفتوحة.(9/2244)
الموضوع الثاني: الكمبيالة:
1- تعريف الكمبيالة والأوراق التجارية الأخرى، وبيان حاجة الناس إليها وارتباطها بالبيوع وصورها المختلفة عند القانونيين.
2- التكييف الفقهي للكمبيالة:
- بيان علاقتها بالسفتجة والحوالة وغيرها من المعاملات الشرعية.
- مقارنة ذلك برأي القانون الوضعي.
- بيان حكمها الشرعي.
3- تعريف عملية خصم الكمبيالة، وبيان الباعث عليه ومدى الفائدة منه.
4- بيان الحكم الشرعي في خصم الكمبيالة:
- التكييف الفقهي لخصم الكمبيالة، هل يمكن اعتباره من قبيل الإجارة أو الوكالة بأجر أو بيع الديون أو الضيعة ونحوها؟
- بيان الحكم الشرعي.
5- تظهير الكمبيالة (تحويلها) وتكييفه الفقهي وحكمه الشرعي.
6- الضمان في تظهير الكمبيالة قانونا وشرعا:
- إمكان التنازل عن الضمان من قبل المظهر له (المحال إليه) بعوض أو بدونه.
الموضوع الثالث: الجوائز على الودائع المصرفية، وشهادات الاستثمار وسندات الدين:
- وصف المعاملة بتتبع التجارب العملية التي يمكن الاطلاع عليها (تجارب مصر وماليزيا وإيران وتجارب البنوك الإسلامية إن وجدت) .
- بيان الأغراض المراد تحقيقها من تلك المعاملة وآثارها على معدل الادخار في الدول التي تعاملت بها.
- تعريف الجائزة لغة واصطلاحا، ومدى علاقتها بسعر الفائدة، وذكر الألفاظ ذات الصلة.(9/2245)
- بيان الصور المختلفة للجوائز مصنفة بحسب:
أ- نوع المعاملة المستحقة للجائزة:
- وديعة مصرفية مضمونة الأصل (لأجل محدد أو تحت الطلب) .
- وديعة استثمارية غير مضمونة الأصل ولا العائد.
- شهادة استثمار.
- سند دين حكومي بعائد.
- سند دين حكومي بدون عائد.
- سند دين تصدره مؤسسة القطاع العام.
- سند دين تصدره مؤسسة القطاع الخاص.
- سند دين تصدره مؤسسة خيرية.
ب- المستحقين:
- جميع المودعين أو حاملي السند أو الشهادة.
- بعض المودعين أو حاملي السند أو الشهادة، يحددون بعملية قرعة.
ج- كيفية استحقاق الجائزة:
- عن التزام مسبق من الوديع أو مصدر الشهادة أو السند.
- عن التزام مسبق من الدولة بصفتها وديعا أو مصدر سند أو شهادة استثمار.
- عن التزام سبق من الدولة بصفتها طرفا ثالثا.
- جائزة غير مشروطة ولكن تعارف عليها المتعاملون.
- جائزة غير مشروطة ولا جرى عليها العرف.
د- نوع الجائزة.
- جائزة نقدية من جنس الدين.
- جائزة عينية.
- التكييف الشرعي لصور الجوائز المختلفة وحكم كل منها. ويفضل تجميع تلك الصور في محاور بحسب الصفات المؤثرة في الحكم الشرعي.
- عرض البدائل المنسجمة من أحكام الشريعة للصور المحرمة.(9/2246)
الموضوع الرابع: غرامات التأخير على الديون:
- تعريف الدين.
- الحكم التكليفي للمماطلة في الديون.
- الحكم الوضعي للمماطلة في الديون.
- الوسائل الشرعية لضمان الوفاء بالدين (الرهن، الكفالة، الضمان، الحجر) .
- الإعسار الذي يعطي المدين مهلة إلى الميسرة.
- ما العمل إذا طال الزمن ولم يوسر المدين؟
- التعريف بغرامات التأخير.
- صور غرامات التأخير، ومدى الحاجة إليها.
- أي نوع من الشروط يدخل تحته اشتراط غرامات التأخير.
- أراء الفقهاء في غرامات التأخير.
- بيان دليل لكل رأي، ومناقشتها.
ترجيح أقوى الآراء دليلا.
- العقود التي يمكن أن يقع فيها غرامات التأخير. مثل:
أ- البيع المطلق. ب- السلم. ج- الإجارة. د- المقاولات.هـ- المناقصات. و الوديعة. ز- القرض. ح- العارية. ط- المهر. ك- الخلع.
- بيان علاقته بالعقود التالية:
1- بيان العربون. 2- بيان تميزه عن الصلح. 3- علاقته بعقد الضمان. 4- علاقته بعقد الكفالة. 5- علاقته بالربا.
- حتى تكون غرامات التأخير مستحقة الوفاء هل يلزم أن ينص عليها في العقد؟ أم أنه يمكن أن تكون باتفاق لاحق؟
- هل يمكن المطالبة بالتعويض عند تحقق الضرر. مثل ارتفاع الأسعار ارتفاعا مفاجئا، أو غير متوقع؟(9/2247)
- هل يترتب على بطلان العقد الأول، بطلان اشتراط غرامات التأخير؟ في حالة بطلان غرامات التأخير هل يبطل العقد الأساسي؟
- الحكمة من منع الشارع للعقوبة المالية على المماطل.
دور العقوبة المالية في ردع المدين عن المماطلة.
- هل من سبيل إلى عقوبة، تبقي جانب الردع وتلغي جانب التعويض؟
مثل: إنشاء صندوق من قبل الحكومة تجمع فيه غرامات التأخير، يعوض بها الدائن، مصرفا، أو فردا.
الموضوع الخامس: عقد المزايدة:
العناصر:
أولا: تعريف عقد المزايدة، أسماؤه، الغرض منه.
- أهميته في العصر الحديث، مجالاته والعقود التي يجري فيها (البيع، المشاركات، الإجارات) .
ثانيا: الاستدلال له جوازا أو منعا، ترجيح ما يعضده الدليل.
ثالثا: أركانه
رابعا: أقسام عقد المزايدة: جبري – اختياري.
خامسا: الصور القديمة والحديثة لعقد المزايدة وبيان مشروعيتها، الاجراءات المتبعة حديثا في عقد المزايدة ومشروعيتها.
سادسا: الشروط في عقد المزايدة:
- اشتراط العربون، اشتراط رسم الدخول، اشتراط الضمان الابتدائي والانتهائي، اشتراط رسوم إضافية فوق عوض المزايدة.
سابعا: مسائل في عقد المزايدة لبيان أحكامها:
- دعوى الغبن، سؤال بعض الحاضرين الكف عن المزايدة، اتفاق المشترين في السوق على ترك المزايدة، خيار المجلس في المزايدة، صحة إصدار قانون يلزم كل مزايد بالشراء إذا رسا عليه المزاد.(9/2248)
- إذا نادى المنادي على سلعة فأعطاه تاجر في عطاء ثم زاد غيره عليه، ثم رجع المنادي إلى التاجر الأول يطلب منه إنفاذ البيع فامتنع، وقال: زاد غيري علي فأنا الآن بالخيار بين الأخذ والترك.
- إذا أقر المنادي السلعة على تاجر بثمن معلوم، ثم شاور صاحبها فأمره بالبيع، فلما مضى المنادي لقبض الثمن قال له تاجر آخر: علي فيه زيادة كذا، فقال له المنادي: فقد باع صاحبها غيرك، وكان هذا بعد الاستقصاء.
- إذا نادى المنادي على السلعة فبلغ ثمنا فشاور صاحبه فقال له: اعمل فيها برأيك، فمضى ليقبض الثمن وقد نوى البيع من التاجر، لأنه قد بذل المجهود، واستقصى في طلب الشهادة، فقال له تاجر آخر: علي فيه زيادة كذا.
- المنادي ينادي على السلعة يبلغ بها ثمنا معلوما على تاجر، ويطلب الزيادة فلا يجد من يزيده، فيقول له تاجر آخر: أنا آخذها منك بالثمن الذي ذكرت أنك أعطيت.
- المنادي يبيع السلع بعد الاستقصاء وقبل مشورة صاحبها.
- يأتي المنادي التاجر بالسلعة التي زايد عليها ليبيعها منه بما أعطاه فيها، فقال التاجر: لا أرضاها، فقال له المنادي: ما كان العطاء آخرا إلا عليك. فقال التاجر: بل على غيري.
- يقر المنادي السلعة على التاجر ثم يمضي ليشاور صاحبه فيأمره بالبيع، فلما ذهب للتاجر ليقبض الثمن قال له التاجر: لا أرضاها، والمنادي يعلم أنه لو دفعها لغيره لا يأخذها إلا بأقل مما أعطاه فيها، فهل له أن يدفع السلعة لغيره ويلغي ذلك العطاء؟
ثامنا: المنادي (الدلال) (السمسار) في عقد المزايدة:
- تعريفه، حكمه.
- تكييفه فقها بالنسبة للبائع والمشتري، الأحكام المترتبة على ذلك.
- حكم افتتاح الدلال المزايدة بثمن معين.
- أجرة الدلال، حكمها، مقدارها، من يدفعها؟ هل للمنادي أن يأخذ الدلالة من الطرفين، استحقاق الأجرة إذا لم يتم البيع، حق الدلالة إذا كان الدلال هو البائع، أو المشتري، استرداد الأجرة من الدلال لدى فسخ العقد؟(9/2249)
مسائل لبيان أحكامها:
- يعرض المنادي السلعة على التاجر فيبلغ بها الثمن المطلوب، ثم يقع شجار بين المنادي وصاحب السلعة فيحلف المنادي (لا بعتها) فيأخذها صاحبها فيبيعها على الذي كان عليه العطاء فيأخذ الثمن فهل يجب للمنادي حق أولا؟
- يرد التاجر السعلة بعيب فيطلب من المنادي ما أعطاه، هل له حق مطالبته؟
- يعطى صاحب السلعة السلعة لمناد عليها فيقف الثمن ولكن يأبى صاحبها بيعها لسبب ما، ثم يعطيها لمناد آخر فيبيعها بنفس الثمن أو أقل، أو أكثر، أو باعها صاحبها بنفسه، فهل يستحق المنادي الأول الدلالة في ذمة صاحب السلعة؟
- إذا بلغت السلعة ثمنا بعد أن بذل المنادي الجهد في النداء عليها ولم يجد عليها زيادة فهل له أن يشتريها لنفسه؟
- اشتراك الدلالين في (مهنة المزايدة) .
- حكم عقد المزايدة عند اختيار المالك أحد الدلالين الشركاء في المهنة وقيام غيره بالمناداة.
- هل يستحق المنادي دلالة ثانية إذا تولي صاحب السلعة بنفسه بيع مثل السلعة التي جرت مناداة عليها سابقا بمثل الثمن الأول دون لجوء إلى المنادي، بدعوى أنه هو الذي حقق السوم الأول؟
مسائل في ضمان المنادي، صوره:
- باع المنادي سلعة من التاجر، وقد كان رأى فيها عيبا فكتمه فلما قبض البائع الثمن وحازها المشتري وجد العيب واعترف المنادي أنه كتمه ذلك.
- طلب المنادي الثمن من المشتري فأخذه إلى صاحب السلعة، على أنه إن رضي الثمن وباع دفعه إليه، فلما مضي به المنادي سقط من يده.
- أبقى المنادي السلعة عند التاجر بأمر رب السلعة فضاعت لدى التاجر.
- ترك المنادي السلعة عند التاجر ليشاور صاحبها فأنكر التاجر بعد ان تكون السلعة لديه، أو نسي المنادي المكان الذي أودعها فيه.
- باع المنادي السلعة فظهرت مستحقة فهل عليه عهدة؟
- قبض المنادي السلعة لينادي عليها فضاعت منه قبل النداء.
- طلب السمسار سلعة من التاجر لمن يشتريها فضاعت قبل أن يشتريها المشتري.
- ادعى المنادي أنه رد السلعة لربها، وأنكر ذلك ربها هل يضمنها المنادي.
تاسعا: التصرفات المحرمة التي يلتبس بعقد المزايدة:
- بيع الرجل على بيع أخيه، سوم الرجل على سوم أخيه.(9/2250)
النجش
تعريفه، الغرض منه، الدليل على ذلك.
- آثاره على العقد صحة أو فسادا.
- أساليب النجش القديمة، أساليبه الحديثة.
- مزايدة صاحب السلعة.
- حكم من اعتاد النجش في المبايعات.
عقد المناقصة
- تعريفه، الغرض منه.
- أهميته في العصر الحديث، مجالاته والعقود التي يجري فيها.
- مشروعيته، أركانه.
- أساليب المناقصة.
- مشروعية الإجراءات الحديثة.
- مسائل في عقد المناقصة:
- تنقيص الأسعار بقصد الإضرار بالمناقصين.
- التواطؤ في المناقصة.
- علاقتها بالمزايدة.
- الشروط في المناقصة:
- اشتراط رسم الدخول، اشتراط الضمان الابتدائي والانتهائي.
- اشتراط البراءة من العيب، اشتراط رسوم إضافية.
التعاقد عن طريق الممارسة
- تعريف الممارسة، الأسباب الموجبة لها، أهميتها في العصر الحديث.
- مشروعيتها.
- مجالاتها والعقود التي تجري فيها.
- الإجراءات المتبعة فيها، ومشروعيتها.
- العلاقة بين الممارسة، والمزايدة، والمناقصة.
- أساليب الممارسة.
- الممارسة طبقا لإحدى صور المزايدة، أو المناقصة.
- الممارسة عن طريق الاتفاق المباشر.
- الممارسة بفاتورة، أو مذكرة.(9/2251)
مسائل السماسرة
لأبي العباس الابياني
تحقيق محمد العروسي المطوي
السماسرة:
جاء في سنن النسائي عن قيس بن أبي غرزة قوله: كنا بالمدينة نبيع الأوساق ونبتاعها. ونسمي أنفسنا السماسرة. ويسمينا الناس، فخرج إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسمانا باسم هو خير لنا من الذي سمينا به أنفسنا. فقال: ما معشر التجار إنه يشهد
بيعكم الخلف واللغوة فشربوه بالصدق (سنن النسائي ج7 ص247 من كتاب البيوع. وينظر النهاية لابن الأثير جـ 440، وإحالات المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي 2: 535) .
وأصل الكلمة أعجمية عربت لتدل على ما تعنيه الدلالة في الأسواق والوساطة بين البائع والمشتري (تنظر المعاجم اللغوية خاصة لسان العرب، والقاموس وتاج العروس) .
الموضوع السادس: السلم:
- تعريف السلم وبيان حكمه وحكمه مشروعيته، وتوضيح الأنشطة الاقتصادية التي يمكن أن يوجد فيها.
- شروط صحة السلم:
أ- الأموال التي يجوز أن تكون سلما (بضاعة السلم) مع التركيز على ما يلي: السلع والخدمات. العقود والأوراق المالية (مثل الأسهم) . المثليات والمقومات. الأموال المعينة. الأموال المعدومة والموجودة عند التعاقد.
ب- الثمن (رأس المال) مع التركيز على ما يلي:
طبيعته المالية، ومدى إمكانية كونه خدمة، تحديده، وهل من الضروري أن يحدد في مجلس العقد أو يمكن أن يحدد في ضوء مؤشر مستقل مثل سعر الصرف أو الرقم القياس إلخ؟ . قبضة، وهل يمكن أن يدفع مقسطا؟
- السلم المتوازي، وحكمه الشرعي.(9/2252)
- الأحكام في السلم.
أ- الوكالة في السلم (وهل يجوز أن يوكل كل من البائع والمشتري شخصا واحدا عنهما؟ وهل يجوز أن يكون البائع وكيلا عن المشتري في بيع بضاعة السلم عند حلول الأجل؟)
ب- الشروط في السلم، وهل يجوز فيه الشرط الجزائي؟ أو شرط زيادة الثمن إذا سلم البضاعة قبل حلول الأجل؟
ج- التصرف في المسلم فيه قبل حلول الأجل أو عنده، والحكمة من مشروعية القبض.
د- أخذ المشتري مالا مغايرا للبضاعة المسلم فيها.
هـ- اتحاد الثمن والبضاعة المسلم فيها في الطبيعة المالية.
و عجز البائع عن تسليم البضاعة عند حلول الأجل.
ز- السلم مع الحكومة، وهل له خصوصية تميزه عن السلم مع الأفراد وما الذي يترتب على ذلك؟
ح- عقود السلم، وشروطه.
الموضوع السابع: بيع ما ليس عند الإنسان
الفصل الأول
- بيان صور المعاملة التي نهي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم ومع بيان العلة والحكمة.
- الصور الجائزة في تقديم عرض الأسعار.
- الصور الجائزة في الوعد بالبيع.
- إذا قارب الشيء أخذ حكمه، والتصرف على اعتبارها ما سيقع، فهل يجوز للشركة التي تستورد على الدوام وتبيع، فقد يحدث أن تبيع أكثر مما هو موجود في مخازنها لحظة البيع، فهل يقع ذلك في المنهي عنه؟
- بيع السمسار والوكيل أو مندوب المبيعات هل يدخل في النهي؟
- عقود التوريد لتسليم البضاعة (وهي غير مملوكة للمورد) في موعد محدد في المستقبل ودفع الثمن في موعد محدد في المستقبل أيضا، بحيث يضمن لهم كميات معينة في مدى سنوات، هل يعد من بيع ما ليس عند الإنسان؟
- هل يمكن جعل عقد التوريد من قبيل عقد السلم المقسط، ما هي الصور المشروعة؟(9/2253)
- هل يمكن اعتبار عقد التوريد من قبيل الجعلة؟ ما هي الصور المشروعة؟
- في عقود توريد وجبات الطعام للجيش مثلا أو ملابس أو سلع أخرى يدخل فيها التصنيع هل تدخل في عقد الاستصناع؟
- عقد التوريد هل يدخل في العقود المسماة؟ أم هو عقد جديد؟
- بيع الثمار والخضار والزروع قبل الظهور.
- بيع ما يمكن في الأرض.
- المبيع على النموذج (الأنموذج) مع عدم ملك كل السلعة.
الفصل الثاني
بيع الشيء قبل قبضه
الصور التي نهي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بيان العلة والحكمة.
- هل يشمل هذا كل الأشياء العقارات والسلع المنقولة (المثليات وغيرها) والطعام؟
- إذا كان لدى التاجر نموذج منها وبقية السلعة يملكها ولكنها في مستودعات المصانع في بلد آخر، فهل يجوز أن يبيع على الأنموذج؟
هل يجوز هذا في باب الجعالة أو السلم، وما هي الصور الجائزة؟
- إذا كان التاجر مرتبطا باتفاقية ممتدة مع مورد معتمد، فهل يجوز له التصرف في البيع دون التأكد في كل مرة من أن البضاعة دخلت في مخازنه؟
- هل يشمل هذا بيع المنافع إجارتها قبل استلام العين المؤجرة؟
- المملوك قبل قبضه، هل يجوز التصرف فيه في غير عقد البيع، كأن يجعل صداقا أو أجرة عن عمل، أو رأس مال سلم (بالإحالة على من عنده) أو بدل صلح أو هبته أو رهنه أو إجارته؟
- ما هي البدائل المشروعة عن الصور الممنوعة؟(9/2254)
الموضوع التاسع: الضرائب
- تعريف الضرائب.
- التسميات المختلفة للضرائب:
التوظيف – الأتاوة – الرسم – المكس – الجمرك – الخراج – العشر ….
- الحكم الشرعي لفرض الضريبة، وشروط ذلك.
- الباعث على فرض الضريبة، وهل يجب الإفصاح عنه عند فرضها:
- عند الحاجة الفعلية لموارد إضافية.
- عند توقع الحاجة.
- لتوفير موارد للمتطلبات الطارئة.
- العلاقة بين الضريبة والزكاة.
- إمكانية الجمع بينهما.
- هل تغني الضريبة عن الزكاة؟
- هل يطبق الإعفاء أو التخفيف الضريبي بمقدار الزكاة المؤداة؟
- تقسيم الضرائب إلى مباشرة، وغير مباشرة.
- الضرائب على الدخل أو الخدمات أو على رؤوس الأفراد.
- الثبات والتصاعد والتنازل في الضرائب، وصلة ذلك بالعدالة أو الاستئناس بالزكاة.
- حكم أداء الضرائب عموما من المكسب الخبيث الواجب صرفه في وجوه الخير.
- أداء ضرائب الكسب الخبيث منه نفسه.
- مبدأ تفادي الازدواج الضريبي بين الدول.
- حكم التحايل على نظام الضرائب للتخلص منها أو تقليلها عما هو مقرر.
- حكم التحايل لتحاشي أداء الضرائب في بلد غير إسلامي.
- التعهد أو القبالة في أداء الضرائب عن مجموعة أو قرية (والمظالم المشتركة) .
- بعض التطبيقات التراثية في فرض الحكام لضرائب أو المعارضة أو التحفظ، لمراعاة شروطها.(9/2255)
الموضوع العاشر: بطاقات الائتمان:
(مستند يعطيه مصدره لشخص طبيعي أو اعتباري، بناء على عقد بينهما، يمكنه من شراء السلع والخدمات ممن يعتمد المستند، دون دفع الثمن حالا، لتضمنه التزام المصدر بالدفع، وحقه في الحصول على المقابل. وهناك نوع يمكنه من سحب النقود أيضا) .
نبذة تاريخية عن بطاقة الائتمان، وكونها من المعاملات المستجدة.
- أطراف بطاقة الائتمان.
المصدر – وكيل المصدر – القابل للبطاقة – حامل البطاقة.
- منافع بطاقة الائتمان للأطراف المختلفة، ومحاذيرها بالنسبة لهم وبوجه عام.
- إجراءات التعامل ببطاقة الائتمان.
- أنواع بطاقات الائتمان، والتكييف الشرعي لكل منها:
- بطاقة القيد الفوري (الحسم المباشر) .
- بطاقة القيد الآجل (السداد الشهري الشامل) .
- بطاقة القيد الدوري (السداد المقسط) .
- المدفوعات (الرسوم والأجور والعمولات) والتكييف الشرعي لها:
- رسم العضوية.
- رسم التجديد، ورسم التجديد المبكر.
- رسم استبدال بطاقة في حالات الضياع أو التلف أو السرقة.
- عمولة البنك من التاجر (نسبة من ثمن السلعة أو الخدمة) .
- عمولة السحب النقدي داخل بلد المصدر أو وكيله أو خارج بلدهما.
- أجرة استخدام الأجهزة الآلية.
- أجرة الاتصالات للحصول على التفويض.
- العمليات التابعة:
- تحويل العملة.
- تحصيل الشيكات.
- شراء الذهب والفضة باستخدام بطاقة الائتمان.
- العمليات الترغيبية:
- جوائز مصدر البطاقة وقابليها.
- التأمين على الحياة.
- المزايا الأخرى بحسب كون البطاقة فضية أو ذهبية.
- البديل الشرعي لما هو ممنوع من البطاقات أو من تطبيقاتها.
- حكم الوساطة في إصدار بطاقات الائتمان.
- حكم الانضمام لعضوية المنظمات العالمية المصدرة للبطاقات.(9/2256)
المستكتبون من الفقهاء والاقتصاديين في موضوعات الزمرة الأولى
الموضوع المستكتب ملاحظات
- الاعتمادات المستندية د. عبد الستار أبو غدة وصل بحثه
د. محمد علي القري بن عيد وصل بحثه
- الصرف وبيع الذهب والفضة الشيخ محمد المختار السلامي
د. موسى آدم عيسى
- الحوالات المصرفية د. نزيه كمال حماد وصل بحثه
د. سامي حسن حمود وصل بحثه
- الاستثمار في الأسهم د. حسين حامد حسان
د. علي محي الدين القره داغي وصل بحثه
د. أحمد محيي الدين
- عائد الاستثمار د. وهبة مصطفى الزحيلي وصله بحثه
د. أحمد عبد الفتاح الأشقر.
- أذونات الخزانة د. الصديق محمد الأمين الضرير وصله بحثه
د. رضا سعد الله
- اقتطاع الاحتياطات من الأرباح القاضي محمد تقي العثماني
د. حسين حسن شحاته وصله بحثه
- توزيع الأرباح بين المساهمين د. ناجي محمد شفيق عجم
د. رفعت عبد الكريم وصله بحثه
- عقد التوريد د. عبد الوهاب أبو سليمان وصله بحثه
د. منذر قحف وصله بحثه(9/2257)
لجنة الموسوعة الفقهية الاقتصادية
1- الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
2- الدكتور محمد علي القري بن عيد.
3- الدكتور صالح المرزوقي.
4- الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي.
5- الدكتور أحمد بن عبد الله بن حميد.
6- الدكتور شوقي دنيا.
7- الدكتور ناجي محمد شفيق عجم.
8- الدكتور عبد الستار أبو غدة.
9- الدكتور سامي حسن حمود.
10- الدكتور منذر قحف.
11- الدكتور رضا سعد الله.
تبين هذه الورقة الخطوات الأولى التي سار فيها المشروع. وهي تجربة وتأسيس في إعداد الموسوعة. وبهم المجمع أن يستفيد من ملاحظات واقتراحات أعضاء المجمع وخبرائه من فقهاء واقتصاديين، كما يعرض هذه الصورة على الهيآت الاقتصادية ورجال الأعمال لتلقي مزيدًا من الملاحظات والاقتراحات.
والله نسأل أن يمدنا بتوفيقه، ويسدد خطانا إلى العمل الصالح والنهضة بالفقه الإسلامي في عصرنا الحاضر.
* * *(9/2258)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله لرب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم: 98 / 11 / د 9
بشأن: المراحل المنجزة من مشروع الموسوعة الفقهية الاقتصادية. . . . .
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره التاسع بأبي ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة من 1 إلى 6 ذي القعدة 1415 هـ، الموافق 1 – 6 أبريل 1995م.
بعد استحضار القرار المتخذ في الدورة الثالثة بإصدار الموسوعة الفقهية الاقتصادية.
وبعد اطلاعه على المذكرة المعدة من الأمانة العامة عن المشروع المتضمنة بيان الخطوات والإجراءات التي قامت بها الأمانة العامة في هذا الصدد من عقد جلسات عمل وتشكيل لجنة فنية لإعداد الخطة التنفيذية واستخلاص قائمة بالموضوعات الأساسية للموسوعة، وقد تضمنت المذكرة الخطة التفصيلية بعدة زمر منها، مع الاستكتاب المشترك للمختصين من الاقتصاديين والفقهاء في موضوعات الزمرة الأولى منها:
قرر ما يلي:
أولًا: مواصلة العمل في إنجاز الموسوعة الفقهية الاقتصادية وفق المنهج المعد من الأمانة العامة بالتعاون مع اللجنة المكونة منها لهذا المشروع.
ثانيًا: العمل على نشرها ما ينجز من موضوعات الموسوعة طبعة تمهيدية (كل بحث على حدة) لوضع نماذج تساعد على الإنجاز، وتمكن المختصين من تقديم ملاحظاتهم واقتراحاتهم بشأن المشروع.(9/2259)
البيان الختامي الصادر عن
الدورة التاسعة
لمؤتمر مجلس مجمع الفقه الإسلامي
في إمارة أبو ظبي
دولة الإمارات العربية المتحدة
1- 6 ذي القعدة 1415هـ
1-6 إبريل (نيسان) 1995 م
بسم الله الرحمن الرحيم
(الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين) .
تحت رعاية صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة انعقدت برحاب المجمع الثقافي في إمارة أبو ظبي بدولة الإمارات العربية المتحدة الدورة التاسعة لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي المتفرع عن منظمة المؤتمر الإسلامي في الفترة ما بين 1-6 من شهر ذي القعدة 1415 هـ (1-6 أبريل (نيسان) 1995 م) .
بدأت الجلسة الافتتاحية بتلاوة كريمة من آي الذكر الحكيم، وتبعتها كلمة صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة – أعزه الله – وقد ألقاها نيابة عن سموه معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الرئيس الأعلى لجامعة الإمارات.
واشتملت كلمة صاحب السمو رئيس الدولة على دعوة علماء الأمة الإسلامية إلى الأخذ بأيدي المجتمعات الإسلامية من أجل تحقيق نظام إسلامي شامل ومتكامل، كما طلبت من المجمع تقديم حلول للقضايا الفقهية المعاصرة، منوها بما تحتوي عليه الشريعة الإسلامية من زاد فكري، ونظام قانوني، وعطاء روحي، ومرونة ويسر، وبما يتميز به أعضاء المجمع وخبراؤه، من تعويل على المصادر الشرعية الأساسية والاجتهاد في إطار روح الشرع وجوهر الدين. وهذه الخصائص كفيلة بتحقيق الحياة الطبية المتسمة بالطمأنينة والاستقرار، ثم ختم كلمته بالترحيب بكل ما صدر عن المجمع والدعوة إلى تعميم قراراته للإفادة منها والعمل بها.
ولهذه الاعتبارات تواصى المشاركون باتخاذ كلمة صاحب السمو وثيقة من وثائق المؤتمر.(9/2260)
وقد شارك في هذه الجلسة الافتتاحية كل من أصحاب المعالي والسعادة: الشيخ محمد بن أحمد بن الشيخ حسن الخزرجي، وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف بأبو ظبي، والدكتور حامد الغابد، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، والدكتور أحمد محمد علي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور أسامة جعفر فقيه، رئيس البنك الإسلامي للتنمية، وفضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، رئيس مجلس الفقه الإسلامي، وفضيلة الدكتور الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام للمجمع.
كما حضرها ثلة من الوزراء ووكلاء الوزارات والوجهاء والأساتذة الباحثين في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف وجامعة الإمارات والمؤسسات العلمية الأخرى وبعض رؤساء المنظمات الإسلامية وممثلي المؤسسات المتفرعة عن منظمة المؤتمر الإسلامي وحضرها أيضا أعضاء السلك الدبلوماسي الإسلامي بدولة الإمارات العربية المتحدة وأعضاء المجمع الممثلون لأكثر من ثلاثين دولة وأغلب الأعضاء المعينين.
وقد ألقى في هذه الجلسة معالي الدكتور حامد الغابد، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي كلمة حيا فيها الحاضرين ونوه بجهود المجمع، كما أشاد بالنهضة الشاملة لدولة الإمارات العربية المتحدة.
ثم ألقى معالي الدكتور أحمد محمد علي، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة أثنى فيها على جهود المجمع وموضوعاته ودوراته وقراراتها.
ثم ألقى معالي الدكتور أسامة جعفر فقيه، رئيس البنك الإسلامي للتنمية كلمة تحدث فيها عن مدى التعاون القائم بين المجتمع ومعهد البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية.
وتناول الكلمة بعد ذلك معالي رئيس مجلس المجمع الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، وتبعه الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، فبينا في كلمتيهما الرعاية السامية لهذه الدورة والتنظيم الدقيق لاستضافتها، كما أشار الأمين العام إلى المنتجات العلمية للمجمع ولا سيما تحقيق كتاب (عقد الجواهر الثمينة) ونشره على نفقة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، حفظه الله.(9/2261)
وعقدت بعد ذلك الجلسة التنظيمية التي جرت فيها الانتخابات بين أعضاء المجمع، وأسندت فيها من جديد رئاسة مجلس المجمع لفضيلة الشيخ العلامة بكر أبو زيد، كما تم تجديد انتخاب أصحاب الفضيلة والسعادة: الشيخ محمد المختار السلامي، والقاضي محمد تقي العثمان، والدكتور عمر جاه، نوابا للرئيس.
وتم إثر ذلك تجديد انتخاب أعضاء مكتب المجمع الممثلين للدول الست التالية: إندونيسيا – ماليزيا – الإمارات العربية المتحدة – المملكة المغربية – جمهورية تشاد وجمهورية النيجر.
وعقد المكتب اجتماعه الدوري برئاسة معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي فأقر جدول أعمال الجلسات كما نظر في ميزان المجمع وصادق عليه بالإجماع بعد دراسة دقيقة لمواده ثم عين فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غده مقررا عاما لهذه الدورة.
وامتدت بعد ذلك على مدة ستة أيام جلسات المجمع الصباحية والمسائية، وتمت مناقشة موضوعات جدول الأعمال خلالها، واستُمع إلى عروض كثيرة تتعلق بالقضايا المطروحة، وتناولت هذه الموضوعات جملة من القضايا الاقتصادية والمعاملات وهي: تجارة الذهب والحلول الشرعية لاجتماع الصرف والحوالة، والسلم وتطبيقاته المعاصرة، والودائع المصرفية، والاستثمار في الأسهم والوحدات الاستثمارية، والمناقصات، وقضايا التضخم والكساد في النقود الورقية. كما درس المجمع موضوع الإيدز وما يتعلق به من أحكام، ومبدأ التحكيم في الفقه الإٍسلامي، ومسألة هامة من المسائل الأصولية التي يعتمدها الفقهاء والمجتهدون في تقرير أحكامهم وهي مسألة سد الذرائع.
وبعد مناقشة هذه العروض والموضوعات من المجلس، قامت لجنة الصياغة بإعداد القرارات والتوصيات المتعلقة بتلك الموضوعات.(9/2262)
ومن المفيد أن نذكر هنا بأن البحوث التي قدمت في هذه الدورة للمجلس جاوزت السبعين بحثا، وإن العارضين والمقررين زادوا على العشرين.
وقد قدم لحضراتكم منذ حين فضيلة الدكتور الشيخ عجيل جاسم النشمي قرارات المجمع وتوصياته التي ناقشتموها وصادقتم عليها.
ولا يسعنا في ختام أعمالنا إلا أن نرفع من جديد إلى صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة كل الثناء والشكر على ما لقيه مجمع الفقه الإسلامي في هذه الدورة من تشجيع ودعم ورعاية سامية، ولما لقيه المشاركون من كرم الضيافة وحسن الوفادة مما يسر انعقاد الدورة التاسعة ومكنها من أسباب النجاح.
وقد عبر المشاركون عن عميق تقديرهم لمعالي وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف الشيخ محمد بن أحمد بن حسن الخزرجي على تعاونه مع المجمع، وتهيئته كل الظروف المواتية ليقوم المجمعيون المجتمعون بعملهم على أكمل الوجوه، وأثنوا على معالي الوزير أحمد بن خليفة السويدي على مساندته للمجمع ودعمه له.
وأعرب المجلس عن عميق تقديره لمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإٍسلامي الدكتور حامد الغابد، لما يلقاه المجمع لديه من دعم وتوجيه، ولإشرافه بنفسه على اجتماع مكتب المجمع ومساهمته في مداولاته.
ولا يسعنى هنا إلا أن أتوجه بالشكر الخالص إلى السادة الأعضاء والخبراء كافة، وإلى الأساتذة الباحثين والمناقشين خاصة الذين يرجع إليهم الفضل في دراسة المسائل المعروضة على هذه الدورة دراسة دقيقة متأنية، وقد توصلوا بعد ذلك بما بذلوه من جهود مواصلين ليلهم بنهارهم ومضطلعين بدورهم العلمي إلى تقريرهم مجتمعين الأحكام الفقهيه الصائبة المتصلة بتلك المسائل. ولا يغيب عني في هذا المقام أن أتوجه بالتقدير وخالص الشكر إلى معالي الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس المجمع، على ما قام به من جهود في إدارة الجلسات ومناقشة الموضوعات بروح علمية وأخلاق زكية تمكن مؤسستنا هذه من المضي قدما – إن شاء الله - في تحقيق رسالتها النبيلة، فجزاه الله وجزاهم خير الجزاء ورفع درجاتهم جميعا.(9/2263)
وإني لأشيد بما قامت به أجهزة الإعلام في دولة الإمارات العربية المتحدة وخارجها من تغطية شاملة لهذه الدورة، وللمباحث التي عرضت فيها، مخصصا بالذكر أجهزة إمارات أبو ظبي ودبي والشارقة من تلفزة وإذاعة وصحافة سهرت على تنفيذ ذلك بمتابعة كريمة من اللجنة التنظيمية التي ترأسها سعادة الدكتور محمد بن جمعة بن سالم وكيل وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف حفظه الله.
ولا يفوتني هنا أيضا أن أنوه بالجهود الكبيرة المتواصلة التي قامت بها بعزم وجد مثاليين الأمانة العامة بأجهزتها الإدارية والمالية والعلمية وقد تبينا آثار ذلك فيما قامت به من حسن إعداد وتنظيم للدورة، ومتابعة كاملة لأعمالها خطوة بخطوة، وجلساتها وما عرض فيها جلسة بعد جلسة، ولا أنسى أن أشكر المشرفين على قاعات الاجتماعات وعلى الإقامة بالفنادق وعلى عمليات الاستقبال والتوديع للمشاركين كافة في هذه الدورة التاسعة.
وفي ختام هذا البيان أدعو الله العلي القدير أن يرزقنا التوفيق والتسديد في أعمالنا ويمدنا بحسن عونه وكريم عنايته لنحقق أهداف المجمع ونبلغ بذلك خدمة ديننا ومستقبل أمتنا إنه سميع مجيب. وإلى أن نلتقي بإذن الله في الدورة العاشرة أتمنى لكم حياة طيبة زاخرة بالجهود العلمية والأعمال الصالحة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
صدر في أبو ظبي: 6 ذي القعدة 1415 هـ
الموافق: 6 أبريل (نيسان) 1995م.(9/2264)
قائمة بأسماء المشاركين في الدولة التاسعة لمجمع الفقه الإسلامي
أبو ظبي – دولة الإمارات العربية المتحدة
1- 6 ذي القعدة 1415 1- 6 إبريل 1995 م.
رقم الاسم الدولة الصفة
1 البروفسور محمد واسم محمد علي أذربيجان رئيس جامعة باكو
2 الدكتور عبد السلام داود العبادي الأردن وزير الأوقاف والمقدسات الإسلامية
3- الشيخ محمد بن أحمد حسن الخزرجي الإمارات وزير الأوقاف والشئون الاجتماعية
5 حجة الإسلام محمد علي التسخيري إيران الأمين العام للمجمع العالمي لأهل البيت
6 القاضي محمد تقي العثماني الباكستان قاضي محكمة النقض العليا بباكستان
7 الأستاذ سهيل بن حاج محي الدين بروناي دار السلام نائب مفتي سلطنة بروناي – دار السلام – وزارة الاوقاف
9 البرفسور صالح طوغ تركيا عميد كلية الالهيات بجامعة مرمار
10 الأستاذ تيجاني صابون محمد تشاد مدير التعليم العربي بتشاد
11 الشيخ محمد المختار السلامي تونس مفتي الجمهورية التونسية
12 الدكتور عمر جاه جامبيا مستشار رئيس البنك الإسلامي
13 الشيخ هارون خليف جيلي جيبوتي مستشار محكمة الاستئناف
14 الدكتور بكر بن عبد الله ابو زيد السعودية عضو هيئة كبار العلماء / رئيس مجلس المجمع
15 الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد السودان أستاذ بالجامعة الإسلامية
16 الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور سوريا رئيس المجمع العلمي العالي، عميد كلية العلوم الإسلامية العربية.
17 الشيخ آدم شيخ عبد الله علي الصومال إمام وخطيب
18 الشيخ أحمد بن حمد الخليلي عمان المفتي العام لسلطنة عمان
19 القاضي عبد القادر العماري قطر قاضي المحكمة الشرعية الأولى
20 الدكتور عجيل جاسم النشمي الكويت عميد كلية الشريعة – جامعة الكويت
21 الشيخ خليل محي الدين الميس لبنان مدير أزهر لبنان ومفتي البقاع
22 الدكتور إبراهيم بشير الغويل ليبيا عضو اللجنة التنفيذية لجمعية الدعوة الإسلامية(9/2265)
رقم الاسم الدولة الصفة
23 الدكتور عبد الله إبراهيم ماليزيا محاضر بالجامعة الإسلامية ببروناي دار السلام
24 الأستاذ مصطفى العلوي المغرب رئيس المجلس الأعلى للقضاء بالمغرب
25 الأستاذ محمد علي عبد الله النيجر قاضي ومستشار المحكمة العليا بنيامي
26 الأستاذ محمد سالم عبد الودود موريتانيا رئيس المجلس الإسلامي الأعلى
27 الشيخ محمد عبده عمر اليمن وكيل وزارة مساعد لقطاع الإرشاد والتوجيه
28 الدكتور عبد العزيز التويجري سعودي مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم
29 الدكتور أحمد بن محمد المقري يمني مدير مجمع الفقه الإسلامي
30 الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير سوداني أستاذ الشريعة الإسلامية – كلية القانون
31 الدكتور عبد الستار أبو غدة سوري مستشار شرعي بمؤسسة البركة – جدة
32 الدكتور أحمد رجائي الجندي مصري الأمين العام المساعد للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية – بالكويت(9/2266)
رقم الاسم الدولة الصفة
33 الدكتور سامي حسن محمود أردني المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب
34 الأستاذ عمر جميل الشريف أردني أستاذ الدراسات الإسلامية
35 الدكتور منذر قحف أمريكي المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب
36 الشيخ حسن الجواهري إيراني المدرس في الحوزة العلمية بقم
37 القاضي محمد رفيع العثماني باكستاني رئيس الجامعة لدار العلوم والمفتي بها
38 الأستاذ عبد اللطيف جناحي بحريني بنك البحرين الإسلامي
39 الأستاذ محي اوان عثمان بروناي وزارة الأوقاف والشئون الدينية
40 سهيلي بن الجاوي بروناي دار السلام رئيس القضاة بوزارة الشؤون الدينية
41 الدكتور أحمد المغربي جزائري المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
42 الدكتور إبراهيم كافي دوتمز تركي الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة مرمار
43 الدكتور محي الدين قادي تونسي أستاذ الفقه بجامعة الزيتونة
44 الشيخ مصطفى كمال التازي تونسي عضو المجلس الإسلامي الأعلى
45 الشيخ الطيب سلامة تونسي عضو المجلس الإسلامي الأعلى
46 الدكتور محمد شمام تونسي أستاذ محاضر بالمعهد الأعلى للقضاء
47 الشيخ الطيب بن قمرة تونسي أستاذ بجامعة الزيتونة – تونس
48 الدكتور محمد أديب صالح سعودي الرئيس التنفيذي لبنك فيصل الإسلامي
49 الدكتور نبيل عبد الله نصيف سعودي الرئيس التنفيذي لبنك فيصل الإسلامي
50 الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان سعودي أستاذ بكلية الشريعة – جامعة أم القرى
51 الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي سعودي أستاذ بكلية الشريعة – جامعة أم القرى
52 الدكتور صالح بن زابن المرزوقي سعودي رئيس الدراسات العليا للاقتصاد الإسلامي – جامعة أم القرى
53 الشيخ عبد الله سليمان بن منيع سعودي قاضي محكمة التمييز بالمنطقة الغربية – مكة المكرمة
54 الدكتور أحمد عبد الله بن حميد سعودي عضو هيئة التدريس بجامعة أم القرى
55 الدكتور محمد علي البار سعودي مركز الملك فهد للبحوث الطبية
56 الدكتور عبد الله باسلامه سعودي رئيس أقسام أمراض النساء والولادة – مستشفى جامعة الملك عبد العزيز(9/2267)
رقم الاسم الدولة الصفة
57 الدكتور حسان شمسي باشا سوري رئيس قسم العناية المركزة - - مستشفى الملك فهد للقوات المسلحة جدة
58 الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي سوري الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة دمشق
59 الشيخ ناجي محمد شفيق عجم سوري كلية الآداب – قسم الدراسات الإسلامية
60 الأستاذ محمد سليم دولة سوري المسؤول عن مراجعة وطباعة مجلة المجمع السنوية – جدة
61 الدكتور رفيق يونس المصري سوري مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
62 الدكتور نزيه كمال حماد سوري أستاذ الدراسات الإسلامية – فانكوفر – كندا
63 الدكتور علي محي الدين القره داغي قطري أستاذ بكلية الشريعة – جامعة قطر
64 الدكتور عبد الله محمد عبد الله كويتي المستشار بوزارة العدل
65 الدكتور خالد المذكور كويتي أستاذ الشريعة – جامعة الكويت
66 الشيخ أحمد بزيع الياسين كويتي مستشار بيت التمويل الكويتي
67 الدكتور علي أ؛ مد السالوس مصري أستاذ بكلية الشريعة – جامعة قطر
68 الدكتور محمد بدر يوسف المنياوي مصري عضو مجمع البحوث الإسلامية
69 الدكتور حسن علي الشاذلي مصري أستاذ بالمعهد العالي للقضاء
70 الدكتور حسين كامل فهيم مصري المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب
71 الدكتور محمد سيد طنطاوي مصري مفتي الديار المصرية
72 الشيخ محمد الحاج الناصر مغربي متفرغ للدراسات الإسلامية
73 مولاي مصطفى بن أحمد العلوي مغربي رئيس المجلس العلمي بمكناس
74 الأستاذ حمداتي شبيهنا ماء العينين مغربي مكلف بمهمة في الديوان الملكي
75 الشيخ محمد سليمان فرج مصري وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بأبو ظبي.(9/2268)
رقم الاسم الدولة الصفة
76 الشيخ عبد الله بن بيه موريتاني كلية الآداب – قسم الدراسات الإسلامية – جامعة الملك عبد العزيز بجدة
77 الأستاذ مختار ديره ليبي مدير كلية الدعوة – ليبيا
78 الشيخ القاسم البيهقي نيجري أستاذ بالجامعة الإسلامية بالنيجر
79 الشيخ يعقوب إسماعيل منشي القاسمي هندي ممثل الجاليات الإسلامية بأوروبا
80 الدكتور جاسم علي سالم إماراتي الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمارات العربية المتحدة
81 الدكتور خليفة بابكر الحسن سوداني الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمارات العربية المتحدة – العين
82 الدكتور محمد جبر الألفي مصري الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الإمارات
83 الدكتور علي داود الجفال إماراتي العين – دولة الإمارات العربية المتحدة
84 الشيخ محمد الشيباني بن أحمد الإمارات المفتى الشرعي بدائرة القضاء بأبي ظبي(9/2269)
كبار الشخصيات:
85 الدكتور حامد الغابد نيجري الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
86 الدكتور أحمد محمد علي سعودي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
87 الدكتور أسامة جعفر فقيه سعودي رئيس البنك الإسلامي للتنمية
88 الدكتور محمد أحمد الشريف ليبي الأمن العام لجمعية الدعوة الإسلامية – طرابلس – ليبيا
89 الأستاذ عبد الرحمن الراجحي سعودي رئيس مجلس إدارة مؤسسة الراجحي المصرفية(9/2270)
كلمة
سماحة الشيخ محمد بن أحمد بن الشيخ حسن الخزرجي
وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف
في الجلسة الختامية للدورة التاسعة لمجلس
مجمع الفقه الإسلامي
أبو ظبي – دولة الإمارات العربية المتحدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أيها العلماء الأجلاء،
فإني أشكركم على الاستجابة للدعوة الموجهة بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن أبنائي واخوتي في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لحضوركم في أبو ظبي عاصمة دولة الإمارات العربية المتحدة في دورة مجمعكم الفقهي التاسع وإنه لشرف لنا أن يجتمع أعضاء مجمع الفقه في مؤتمرهم هذا في بلدهم هذه تحت رعاية صاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات حفظه الله تعالى، لبحث ما يهم المسلمين من أحكام شرعية وقضايا إسلامية معاصرة وطرح الحلول المناسبة لكل موضوع على حدة بالدليل الساطع والحجة الواضحة بعد التحقيق والتدقيق والبحث الدقيق بأفكار ثاقبة وآراء متصورة لواقع القضايا إذ الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
وإني أدرك أنكم أيها العلماء الفضلاء وضعتم في مرآة عقولكم النيرة صور المسائل، فظهرت في الخيال والحس ماثلة وارفة ظلالها دانية ثمارها سهلة الاقتطاف لجانيها فدمتم كما رمتم، ولا زال حبل الوصال بيننا تشده الروابط والإخلاص والولاء، سائلا المولى جل وعلا أن يجمعنا على الحب في الله تعالى والبغض فيه وأن لا يجعل هذا آخر مؤتمركم الذي يعقد في بلادنا، وأن يجمعنا بكم ويثبت قلوبنا على دينه.
فإن في اجتماعكم شرفا لنا لنتائجه القيمة في القضايا الكلية والجزئية على أنكم معشر العلماء قادة الأمة الإسلامية لقوله تعالى {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،(9/2271)
كلمة
فضيلة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
رئيس مجلس مجمع الفقه الإٍسلامي الدولي
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله تعالى ونشكره ونثني عليه الخير كله، ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائه ورسله، أما بعد:
فعلى مدار ست ليال خلت من شهر ذي القعدة الجاري عقد مجلس مجمع الفقه الإسلامي بعد جلسته الافتتاحية عشر جلسات عمل، والآن نأتي إلى الجلسة الثانية عشرة (الختامية) والتي حوت في ساعاتها التي تزيد عن أربعين ساعة كما هائلا من المناقشات والمداولات وتبادل الخبرات من أصحاب الفضيلة الأعضاء والخبراء والباحثين، حتى توصل المجمع بحمد الله وتوفيقه إلى هذه القرارات التي تفضلتم بالاستماع إليها. وقد تميزت قرارات هذه الدورة بأمور منها.
الأول: أن جميع قراراته بالإجماع، من أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع العاملين.
الثاني: أن فيه حلا لقضايا لا نعلم أنها حلت بقرارات جماعية مثل السلم وتطبيقاته المعاصرة، والتي تعطي توسعة للعمل في المصارف الإسلامية، ومنها ما يتعلق بمرض نقص المناعة المكتسب في تفاصيله الدقيقة وقضاياه المهمة والتي ينتظرها رجال القضاء في العالم الإسلامي.
وإن مجمع الفقه الإسلامي برئاسته وأمانته وأعضائه وخبرائه وباحثيه وجميع العاملين فيه نقدم جميعا خالص الشكر والتقدير لصاحب السمو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، على هذه الاستضافة الكريمة والاستجابة الموفقة لعقد هذا المجمع والذي جرت فيه أعماله على خير ما يرام، وإن خير ما نقدمه لسموه الكريم هو دعوات صالحة، فنسأل الله الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يوفقه لكل عمل صالح مبرور وأن يرزقه البطانة الصالحة وأن يجعله نصرة للإسلام والمسلمين إنه على كل شيء قدير.
كما نبدي جميعا خاص شكرنا لرجال حكومته المباركين وعلى رأسهم صاحب المعالي سماحة الشيخ محمد بن أحمد بن حسن الخزرجي، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الإمارات العربية المتحدة، فإنه حفظه الله استفدنا منه حسن الخلق، وحسن التعامل والمتابعة الدقيقة لأعمال هذا المجمع، والتأكد من جريان خطوات الضيافة والاستضافة على خير ما يرام، وقد تم ذلك بحمد الله وتوفيقه.(9/2272)
كما نبدي خالص شكرنا وتقديرنا لسعادة وكيل الوزارة محمد بن جمعة بن سالم، وكيل وزارة الأوقاف والشؤون الإٍسلامية، ولسعادة وكيل الوزارة المساعد الشيخ عبيد العرقوبي، فإنهما حفزهما الله قد أبديا متابعة دقيقة واهتماما بالغا في متابعة أعمال هذا المجمع وجلساته ولجانه، فجزاهم الله خيرا.
وإن المجمع برئاسته وأعضائه يبدى خالص شكره وتقديره لصاحب المعالي الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، ولأسرة الأمانة، فقد أبدى – حفظه الله – عملا دؤوبا وسيرا حثيثا في متابعة أعمال هذا المجمع وتسهيلها على خير ما يرام في كافة خطواته فجزاه الله خيرا وأمتعه بالصحة والعافية. كما نشكر جميع العاملين في هذا المجمع. ولا أنسى أبدا أن نشكر أصحاب الفضيلة الأعضاء والخبراء والباحثين الذين توافدوا من المشارق والمغارب فأتوا إلى هذه البلاد لحضور هذه الدورة، ففي ذلك شد من أزرها، ومساهمة في الخير، واكتساب الأجر، أسال الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا جميعا إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين وإلى كل عمل صالح مبرور.
وسلام الله عليكم ورحمته وبركاته،،
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد(9/2273)
العدد العاشر(10/1)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقديم
معالي الدكتور عز الدين العراقي
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الحمد لله رب العاملين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بعد شكر المنعم الجليل على ما أولى، واستمناحه التوفيق والتسديد فيما دعا إليه وهدى، يشرفني أن أقدم للأمة الإسلامية جمعاء العدد العاشر من مجلة مجمع الفقه الإسلامي، هذا المجمع الذي كان وليد قرار القمة الإسلامية الثالثة، والذي يترجم اهتمام قادة هذه الأمة بمختلف قضايا المسلمين، وحرصهم على دراستها حسب المنهج القويم الذي يعتمد الاجتهاد الجماعي، ويرتكز على البحث والنظر ومراعاة الأصلح والأقوم والسير في طلب الحلول الناجعة الإسلامية العملية على أساس من روح الشريعة ومقاصدها، ووفق مصدريها الأساسيين: كتاب الله الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وإني لأنوه في هذا المقام بالجهود العظيمة التي يضطلع بها المجمع، وبما تعاقب لديه وتوافر من أعمال ودراسات وبحوث ومناقشات وآراء وقرارات، بدءا من دورته التأسيسية الأولى وإلى دورته العاشرة، ومن خلال اجتماعات مكتب المجلس وشعبه منفردة ومجتمعة. وهي دورات واجتماعات تسفر عن اجتهاد جماعي أصيل يسهم فيه الصفوة من علماء الأمة، وغير خاف أن مجمع الفقه الإسلامي يضطلع بمشاركة أعضائه العاملين وأهل النظر من رجال الفقه والفتوى والخبراء المختصين من اقتصاديين وفلكيين وأطباء ببحث الموضوعات وربط الجزئيات بالنصوص الشرعية من كتاب وسنة، وبالرجوع إلى طرق الاستنباط من إجماع وقياس ونحوها، قصد التوصل إلى الحلول الشرعية المناسبة، هدايةً للناس ولتوجيههم في أعمالهم وتصرفاتهم إلى أقوم سبيل.(10/2)
ولقد جاء هذا العدد العاشر من مجلة المجمع، زاخرا بمادة علمية وفيرة، متضمنا دراسات قيمة لقضايا فقهية واقتصادية وطبية واجتماعية، يجد فيها الدارسون والباحثون- على اختلاف مشاربهم- ضالتهم المنشودة ورغبتهم في الاستزادة من العلم والمعرفة.
ومع صدور هذا العدد يصل عدد مجلدات المجمع إلى ثلاثين مجلدا، مما يشكل ثروة علمية تضاف إلى المكتبة الإسلامية الكبيرة؛ لتسهم في إنارة الطريق للأمة الإسلامية في حاضرها ومستقبلها. ولم يكن للمجمع أن يصل إلى أهدافه النبيلة لولا الدعم المتواصل الذي يلقاه من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وخصوصا من دولة المقر التي لا تألو جهدا في تقديم العون المادي والمعنوي لمنظمة المؤتمر الإسلامي وأجهزتها ومؤسساتها. فلحكومات هذه الدول آيات الشكر والعرفان.
وإنه ليحدوني في هذا المقام التقدم بالشكر الجزيل إلى فضيلة الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، وإلى رئيس المجمع فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، وإلى أسرة المجمع، وأصحاب الفضيلة العلماء والفقهاء والخبراء، لما يبذلونه من جهود في سبيل خدمة دينهم وأمتهم.
وأطلب بهذه المناسبة، أن يعمم العدد الجديد وما تيسر من الأعداد السابقة من مجلة المجمع على أوسع نطاق ممكن، داخل العالم الإسلامي وخارجه، كي يتم الانتفاع من محتويات المجلة الانتفاع المرجو- في المستوى الأكاديمي وغير الأكاديمي- ذلك أن مثل هذا التعميم من شأنه أن يقرب بين المسلمين ويزيد في جمع صفوفهم، كما أن من شأنه أن يعرف غير المسلمين خارج العالم الإسلامي بحقيقة ديننا الحنيف وآفاقه الرحبة.
أسأل الله تعالى أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه الكريم، وأن ينتفع به كل ذي حاجة إليه، وأن يلهمنا رشدنا ويمدنا بعونه للمضي قُدُمًا في خدمة ديننا الحنيف، وتحقيق النهضة لأمتنا الإسلامية المجيدة وتمكينها من مواجهة تحديات العصر.
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
د. عز الدين العراقي(10/3)
بسم الله الرحمن الرحيم
كلمة المجمع
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبع هداه وترسم خطاه إلى يوم الدين، وبعد:
فقد دأب مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، منذ إنشائه، ومن خلال اجتماعات مكتب مجلسه وشعبه منفردة ومجتمعة، ولجانه العلمية كلجنة الموسوعة الفقهية الاقتصادية، ولجنة مَعْلَمَة القواعد الفقهية، على دراسة قضايا الأمة الإسلامية المستجدة والخروج منها بحلول عملية نابعة من الشريعة الإسلامية، وذلك بما هيأه الله تعالى له من ثلة كريمة من علماء الأمة وخبرائها المتخصصين في مجالات الفقه والاقتصاد الطب والاجتماع وغيرها ...
وقد انعقدت الدورة العاشرة لمجلس المجمع بمدينة جدة في الفترة من 23-28 صفر 1418/ 28 يونيو- 3 يوليو 1998، وتميزت بمشاركة أصحاب الفضيلة والسعادة أعضاء المجمع المنتدبين والمعينين، وجمع كبير من الباحثين والمفكرين المقتدرين والخبراء المتخصصين، وعدد من كبار الشخصيات الإسلامية الذين أسهم بعضهم بإلقاء كلمات في حفل الافتتاح.
وحظيت هذه الدورة بإشراف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، حفظه الله تعالى وأمد في عمره، حيث تكرم رعاه الله بتكليف صاحب السمو الملكي الكريم الأمير سعود بن عبد المحسن أمير منطقة مكة المكرمة بالنيابة لتمثيله في حفل الافتتاح وإلقاء خطابه الشريف عنه. واعتبر المؤتمر الخطاب الملكي الكريم وثيقة رسمية لأعمال الدورة.(10/4)
هذا، وقد بلغ مجموع الأبحاث التي شملها العرض والمناقشة واحداً وعشرين بحثا، تناولت معالجة الموضوعات التالية بمحاورها.
- الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة،
- المفطرات في مجال التداوي،
- الاستنساخ البشري وموقف الشريعة منه،
- العقود المستجدة ونماذج من تطبيقاتها،
- وبالإضافة إلى ذلك قام المؤتمر بدراسة توصيات ندوة طهران حول "دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي " والتوصيات الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالتعاون مع مجمع الفقه الإسلامي وجهات أخرى في الدار البيضاء بالمملكة المغربية في الفترة من 9-12 صفر 1418/ 4 ا-17 يونيو 1997.
وبعد المناقشة والمداولة بين أصحاب الفضيلة والسعادة الأعضاء والخبراء والباحثين توصل المجمع - بتوفيق من الله - إلى اتخاذ القرارات والتوصيات المناسبة بشأن هذه المسائل المطروحة.
وإنه ليسعد المجمع أن يقدم هذا العدد من مجلته على الوجه العلمي الذي التزمه من قبل، فجاء زاخرا بحلول لجملة من القضايا المتنوعة الفقهية العبادية والمعاملات الاقتصادية وقضايا بيولوجية أثارتها البحوث العلمية والاكتشافات العصرية ويحتاج الناس إلى التعرف على حكم الله تعالى فيها، كقضية الاستنساخ البشري التي كثر الحديث فيها والتساؤل عن حكم الشرع منها.
ونرجو أن يجد الدارسون والباحثون ورجال القضاء والإفتاء وقراء المجلة عموما، فيما تضمنه هذا العدد من بحوث ومناقشات وقرارات الإجابة الشافية لاستفساراتهم، ونؤكد للجميع بهذه المناسبة عزمنا على الاستمرار في هذا العمل المجمعي الفقهي بكل ما في وسعنا من قوة للنهوض بمسؤوليتنا كاملة، وتخطي الصعاب إلى أن يتحقق الهدف الذي من أجله أنشئ هذا المجمع.
والله العلي القدير نسأل أن يوفقنا جميعا لما يحبه ويرضاه، وأن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
وصلى الله على نبينا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(10/5)
كلمة
خادم الحرمين الشريفين
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين القائل: "من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "..
أيها الإخوة الكرام ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
يشرفني أن أفتتح الدورة العاشرة للمجمع الفقهي الإسلامي نيابة عن مولاي خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز، وأرحب بكم في المملكة العربية السعودية.. وندعو لكم بالتوفيق والسداد ... فإن الأمة الإسلامية، حكاما وشعوبا، يتطلعون إلى اجتماعاتكم الدورية؛ لأن قراراتكم تهم المسلم في دينه ودنياه.
أيها الإخوة الكرام:
إن عالم اليوم يعيش تقدما تكنولوجيا هائلا، ولا يكاد يمر يوم إلا ونسمع عن اكتشافات جديدة في شتى ألوان الحياة.. مما يتمخض عنه بعض القضايا التي لم تواجه أسلافنا من أعلام الفقه الإسلامي، مما يجعل حتمًا علينا فتح باب الاجتهاد الإسلامي، والذي لم يقفل قط في تاريخنا المضيء، وقد من الله علينا بعدد وفير من علمائنا المسلمين للاسترشاد بآرائهم في حل قضايا ومشاكل وهموم الأمة الإسلامية.
أيها الإخوة الأفاضل:
إن الفقه الإسلامي من أهم الأسس التي ساهمت في بناء الأمة الإسلامية وتكوين حضارتها وسد حاجاتها، وامتداد سلطانها وانطواء الشعوب المختلفة تحت لوائها، لأنه فقه يقوم على العدالة، ويصون الحقوق ويكفل الحريات، ويلائم الفطر السليمة، ويزيل الفوارق، ويساير التطور ...
فعالمنا الإسلامي اليوم يواجه أنواعًا جديدة من التحدي الحاقد من أناس لا تألو جهدا - متحدون أو منفصلون- للمساس بكرامة الإسلام وسماحته. وغزو أبنائه في عقيدتهم وأخلاقهم وسلوكياتهم.
وإنني أهيب بأعضاء المجمع الموقرين وبكافة علماء العالم الإسلامي أن لا يدخروا وسعا في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية والإنسانية العامة للمجمع.. كما يسرني أن أؤكد أن حكومة خادم الحرمين الشريفين - وكما هو معروف لدى الجميع- تؤيد أو تناصر دوما، وتعمل على كل ما فيه خير ورفعة وعزة الإسلام والمسلمين.
نسأل الله العلي القدير أن يوحد صفوفنا، وأن يجمع كلمتنا، ويوجه جهودنا إلى ما فيه رفعة الإسلام والمسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سمو الأمير سعود بن عبد المحسن
نائب أمير منطقة مكة المكرمة(10/6)
كلمة
معالي الدكتور عز الدين العراقي
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين
صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن،
أمير منطقة مكة المكرمة بالنيابة
أصحاب المعالي
أصحاب السماحة والفضيلة
أيها الجمع الكريم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وبعد؛ ففي مثل هذا الشهر من سنة 1983، وتنفيذا لقرار مؤتمر القمة الإسلامي الثالث، عقد المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، وبذلك أصبحت فكرة إنشاء المجمع التي كانت حلماً يراود مخيلات أبناء الأمة الإسلامية حقيقة واقعة.
ونلتقي اليوم في حفل افتتاح الدورة العاشرة للمجمع؛ بعد أن انقضت أربع عشرة سنة على قيام هذه المؤسسة الحية النشيطة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي.
وإنه ليسعدني أن أتوجه للمرة الأولى منذ أن تقلدت منصبي على رأس الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بكلمتي هذه إلى الجلسة الافتتاحية لهذه الدورة.
وأرى من واجبي بادئ ذي بدء أن أشكر قادة هذه الأمة على ما فتئوا يخصون به مجمعنا من عناية، تتمثل في توجيه وفود رفيعة المستوى للمشاركة في اجتماعاته المتوالية؛ مما يدل على تقديرهم للمهمة السامية التي يضطلع بها المجمع.
وأود كذلك أن أرحب بوفود الدول الأعضاء في مجلس المجمع، داعياً العلي القدير بأن يكلل أعمال هذه الدورة الجديدة بالنجاح والتوفيق.
وأنتهز هذه المناسبة كي أتوجه إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بأصدق عبارات الشكر على ما يحظى به المجمع وكل المؤسسات العاملة في نطاق منظمة المؤتمر الإسلامي من دعم ورعاية ومساندة، كما أتوجه إلى مقامه السامي بعبارات التقدير والامتنان للاستضافة الكريمة التي شملت بها المملكة العربية السعودية هذه الدورة، داعياً الله تعالى بأن يجازيه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.(10/7)
أيها الإخوة:
إن أهمية الفقه في مجتمعاتنا الإسلامية تظهر جلية في أنه يتناول بصورة مباشرة حياة الفرد والأسرة والمجتمع، كما يتناول العلاقات مع المجتمعات غير المسلمة. ولذا فإن مجمع الفقه الإسلامي منوط بمهمة جليلة؛ لأنه يتولى الاجتهاد فيما يجب الاجتهاد فيه، كما يتولى إصدار الفتاوى التي تناسب تطور الحياة اليومية، سنة بعد سنة بل يوماً بعد يوم. ويتولى أيضاً وضع دراسات وبحوث تمكن أولي الأمر وقادة الأمة من استحياء الأنظمة المناسبة للحياة اليومية في المجتمعات الإسلامية، مما يسهم في تحقيق التقارب والانسجام بين مجتمعاتنا، ويمهد بالتالي الطريق إلى تعزيز أسباب التضامن بيننا. ولا يخفى أننا نظرا لمقتضيات الحياة المعاصرة، ونظرا لمخلفات عهود التخلف والاستعمار الذي شتت صفوفنا وحاول التقليل من شأن شريعتنا؛ في حاجة إلى مثل هذا الاجتهاد والفتاوى أكثر من أي وقت مضى.
ولقد تابعت قبل تقلدي منصب الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي نشاط هذه المؤسسة الإسلامية الرائدة، ووقفت على أهمية دورها في تبصير المسلمين بأمور دينهم ودنياهم، ولا سيما في قضايا هذا العصر الذي يمتاز بالتطور العلمي والتكنولوجي البالغ السرعة.(10/8)
وأعتقد أن المجمع قد أحسن صنعا بالالتفات إلى القضايا الاقتصادية والاجتماعية والعلمية والطبية بصورة خاصة، كما التفت إلى دور المرأة في المجتمع، بجانب مشروعات علمية أخرى مثل: الموسوعة الفقهية الاقتصادية، ومَعْلَمَة القواعد الفقهية، وإحياء التراث.
والمجمع مدعو- شأنه شأن المؤسسات الإسلامية الأخرى- إلى بذل كل جهد ممكن للعمل على إبراز صورة الإسلام الحقيقية، والتصدي لمحاولات التشويه مهما كان مصدرها.
وكما نجح أجدادنا في رفع راية الإسلام بالإيمان والعمل، فلا شك في أننا قادرون على أن نحذو حذوهم، لنعيد إلى الإسلام مكانته على وجه البسيطة، لا سيما وأننا نمتلك إمكانات وطاقات وثروات لم يتوافر مثلها لأولئك الأجداد.
إن التحديات التي نواجهها اليوم تهدد مصير أمتنا؛ فالقدس مهددة تهديدا يتزايد يوما بعد يوم بالتهويد وبفقدان الهوية العربية الإسلامية، وفلسطين ما تزال القضية المزمنة الأولى التي لم تعرف بعد حلا، بينما تستمر معاناة أبناء الشعب الفلسطيني بسبب تمادى إسرائيل في تحدي القرارات الدولية والتوسع في إنشاء المستعمرات دون رادع.
ومهما يكن من أمر فمنظمة المؤتمر الإسلامي عاقدة العزم على أن تستمر في بذل قصارى جهدها للعمل على التوصل إلى تسويات ملائمة للقضايا التي تواجه أمتنا الإسلامية في شتى أنحاء العالم.(10/9)
أيها الإخوة:
اسمحوا لي بأن أكرر شكري لمقام خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز، على رعايته أعمال هذه الدورة، كما رعى دورات خمس أخرى من قبل. وأسأل الله أن يمد في عمره، وأن يبقيه ذخرا لبلده ولأمته المجيدة.
ولا يفوتني أن أشكر كذلك صاحب الفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع على تفانيه منذ إنشاء هذه المؤسسة في الارتقاء بمستوى إنجازاتها. كما لا يفوتني أن أنوه بالجهود المتواصلة التي ما فتئ سماحة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي يبذلها بدأب ونشاط كي يجعل هذه المؤسسة أداة أكثر فعالية في خدمة قضايا الإسلام، وفي مستوى تطلعات هذه الأمة. وليجازهما الله عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء وأحسنه.
والشكر أيضاً للسادة أعضاء المجلس وإلى خبراء المجمع على جهودهم المستمرة في خدمة هذه المؤسسة.
وفقنا الله جميعا إلى ما فيه صلاح أمرنا، وكلل أعمالنا بالنجاح.(10/10)
كلمة
معالي الدكتور عبد الله بن صالح العبيد
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن
صاحب الفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد
صاحب لفضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
أيها الإخوة الحضور
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أما بعد؛
فإنه من دواعي سروري أن أتشرف بالمشاركة مع إخواني أصحاب المعالي والفضيلة أعضاء المجمع الفقهي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الذي ينعقد لمناقشة ما يهم المسلمين من موضوعات مطروحة للبحث في هذا اللقاء المبارك.
أيها الجمع الكريم:
لا يخفى على الجميع ما يواجهه المسلمون في هذا العصر من تحديات ومشكلات، وما تتعرض له الأمة الإسلامية من غزو يهدد كيانها، ويقوض معالمها، ويفكك عرى الإيمان والإسلام في صفوف أبنائها، وهي تحديات تجاوزت عبور الخطوط البرية والبحرية والجوية إلى خطوط فضائية؛ تجاوزت حدود الأرض والعرض وما يباح وما لا يستباح، ولا شك أن مواجهة هذه التحديات لا تتوقف على جهة دون أخرى، أو تنحصر في مسؤولية جهة دون غيرها، فقد تجاوزت هذه التحديات حدود السلطات والمؤسسات، وبدأت تتعامل مع الأفراد مباشرة, وداخل البيت الواحد، وهي عودة بالإنسان إلى تجاوز السلطات والمرجعيات التنظيمية والتقليدية، وعلى قدر هذا الخطر علينا أن نواجه المسؤولية. ومع أن الحركة العلمية الإسلامية خلال الأربعين عاما الماضية قد بشرت بالخير الكثير، فقد قام العديد من الجامعات والمجامع والمراكز والمجالس والهيئات والمنظمات في الدول الإسلامية، ومع أنه عمل لا يستكثر، فإنه يحتاج إلى المزيد من المعالجات الشرعية، وهي مهام المجامع الفقهية وهيئات ومجالس الإفتاء التي تضم الكثيرين من خيار هذه الأمة، من الذين ندبوا أنفسهم للدعوة إلى الخير وقول كلمة الحق بما أوتوا من كتاب الله، وما يترتب على هذا الإتيان من بيان وعدم كتمان.(10/11)
أيها الجمع الكريم:
يسرني أن أنوه بما قام به هذا المجمع خلال الفترة القصيرة منذ تأسيسه، وبما قام به من بحوث علمية وما صدر عنه من قرارات وتوصيات. كما يسرني أن أشيد بما يقوم به هذا المجمع، وما يقوم به المجمع الفقهي الإسلامي التابع لرابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة؛ من جهود موفقة في البحث للوصول إلى فتاوى جماعية يطمئن إليها المسلمون في كل مكان، فقد لقيت جهودهما- ولله الحمد- القبول لدى المسلمين في أرض الله الواسعة، كما حظيت بالدعم والتأييد من حكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، حفظه الله، التي تستضيف مشكورة كلا من المجمعين، وتدعمهما مادياً ومعنوياً في إطار خدماتها العظيمة في سبيل الإسلام والمسلمين. فجزى الله خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة خير الجزاء، وأثابهما على ذلك أجزل الثواب.
وإن الرابطة لتتطلع إلى المزيد من التنسيق بين المجمعين وغيرهما من الهيئات المماثلة، حيث بدأت تتسع فكرة إنشاء مجالس الإفتاء في مجتمعات الأقليات والجاليات الإسلامية في غير البلاد الإسلامية دون التنسيق المباشر مع علماء الأمة وهيئاتها المتخصصة، وهي مسؤولية ينبغي ألا تكون غائبة عن هذا المجلس الموقر، كما أن التعامل والاتصال مع الهيئات والمنظمات الدينية والمذهبية والفكرية غير الإسلامية؛ أصبح من الأمور التي تحتاج إلى ضبط من قبل المجامع الفقهية، حيث أصبحت حائرة بين الاندفاع والتوقف، وأضحت بحاجة إلى أن تقوم المجامع والهيئات العلمية الإسلامية بهذه المهمة، لأن الاتصال والتعامل أمر قائم ولا بد منه، ولأن تقوم المجامع بهذا خير من أن يترك لحماس ومواقف الجهات الإدارية في الهيئات والمنظمات الإسلامية.
كما تتطلع الرابطة من مجلسكم الموقر إلى حث الدول الإسلامية بصفة مستمرة للأخذ بقراراته وتوصياته، كما أهيب بهذا المجلس الوقوف بحزم أمام محاولات فرض عقوبات دولية على الدول التي تطبق الأحكام الشرعية الإسلامية، حيث إن مجلسكم يمثل الدول الإسلامية بصفة رسمية.
وختاما لا يسعني إلا أن أتقدم بوافر الشكر والتقدير للقائمين على هذا المجمع الموقر، وعلى رأسهم فضيلة الرئيس د. بكر أبو زيد، وفضيلة الأمين العام د. محمد الحبيب ابن الخوجة، وأعضاء المجلس الكرام، وأسأل الله تعالى أن يوفق الجميع لخدمة دينه وإعلاء كلمته، وأسأله سبحانه كما جمعنا لخدمة دينه أن يجمعنا في دار كرامته، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(10/12)
كلمة
معالي الدكتور أحمد محمد علي
رئيس البنك الإسلامي للتنمية
صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود، أمير منطقة مكة المكرمة بالنيابة.
أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي والسعادة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، أحمده سبحانه وأشكره على عظيم آلائه وجزيل نعمائه، وأسأله سبحانه المزيد من فضله وتوفيقه، وأصلي وأسلم على خاتم النبيين والمرسلين نبي الهدى والرحمة، وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين وصحابته أجمعين.
صاحب السمو الملكي:
إن تشريف سموكم في حفل افتتاح هذه الدورة للمجمع نائبا عن خادم الحرمين الشريفين لهي لفتة كريمة تترجم مدى الاهتمام الذي يوليه خادم الحرمين الشريفين - يحفظه الله- لهذا المجمع منذ نشأته، حيث شرف بنفسه أول اجتماع للمجمع بمكة المكرمة، وإنه لاهتمام نابع من بعد الرؤية، ونفاذ البصيرة، وحرص لا ينفك على جمع كلمة الأمة، واهتدائها بالكتاب والسنة، واستلهام الشريعة في إيجاد الحلول الشرعية لكل ما يواجه المسلمين في شؤون حياتهم.
وإنه لشرف عظيم أن أنوب عن البنك الإسلامي للتنمية في التعبير لحضراتكم عن خالص الشكر والامتنان للمساعدات القيمة التي ما فتئ المجمع يسديها في نطاق اهتمامه المتواصل بأمور البنك الإسلامي للتنمية وأساليب عمله. فلقد حظي البنك بحمد الله بتوجيهات قيمة خاصة بعملياته، وبأخرى عامة تناولت دراسة عدد من التطورات التي شهدها هذا العصر، والمعاملات التي نشأت في ظل هذه التطورات، فجاءت قرارات المجمع المبينة هدى لمن أراد تطبيق مبادئ الدين الحنيف.
وإذا كانت تلك الإسهامات الجليلة قد أعانت بصورة مباشرة في توجيه عمليات البنك. فهو مستمد منها المزيد، في نطاق حرص البنك الأكيد على التقيد باتفاقية تأسيسه في إلزامها بخضوع جميع عمليات البنك لأحكام الشريعة الغراء، لذا فإن البنك يأخذ بتوجيهات المجمع، معتبرا إياه لسان حال إجماع الأمة في هذا العصر.(10/13)
صاحب السمو الملكي:
أصحاب السماحة والفضيلة:
يسعد البنك أن يتعاون مع المجمع الموقر في مواجهة مسؤولياته الكبيرة حيال التحديات التي يلاقيها المسلمون اليوم من جراء اختلاف الكلمة، والصراعات القبلية، والتخلف الاقتصادي، وارتفاع نسبة الأمية، وغير ذلك مما ابتليت به الأمة في هذا العصر.
وإن الأمل وطيد في أن تعين جهودكم المتواصلة على شد عضد أمة القران، أمة {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق: 1] ، وهي تواجه التطور العالمي السريع الناتج عن الاكتشافات العلمية المتلاحقة والتقدم التكنولوجي المذهل، وما يتطلبه ذلك من تجميع طاقات الأمة من أجل تحقيق المستوى العلمي والتكنولوجي اللائق بها، والحتمي لنهوضها وتقدمها، وتوحيد نظرة المسلمين إزاء التحديات والحفاظ على الهوية، وعلى القيم الخالدة الإسلامية التي يهددها الطغيان المادي المستشري في هذا العصر.
ولقد استجد صنف من التحديات جدير بعناية خاصة، بما يفرضه من حشد الطاقات من أجل تعزيز التعاون والتضامن، أعني بذلك العولمة الاقتصادية والتجارية عن طريق ما يسمى بمنظمة التجارة العالمية، وكذلك العولمة الثقافية والحضارية عن طريق الفضائيات، فالعولمة بوسائلها المختلفة حولت كوكبنا الأرضي إلى قرية واحدة يتم فيها تبادل السلع والأفكار والقيم والمبادئ محكومة بقانون الأقوى وشريعة الغاب.
فكم هي الجهود التي يتعين على المجمع بذلها- جهازا وأفرادا-لدرء المخاطر التي تهددنا بها القوى المادية الغربية بسيطرتها على الإعلام ووسائل الاتصال، وما يسمى بالمنظمات الدولية.
وانطلاقاً من وعي البنك بعظم التحدي، فهو على استعداد كامل لإسداء كل ما في وسعه من أجل دعم جهودكم الفردية والجماعية لمواجهة هذه التحديات الكبرى التي سيكون لها بالغ الأثر في مستقبل الأمة، وتهدد حفظ هويتها والتميز بمقوماتها وبمقدساتها.(10/14)
صاحب السمو الملكي:
أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي:
إنه ليسرني أن أزف إلى المجمع الكريم بشرى إنجاز النسخة التجريبية من مشروع المكنز الشامل للفقه والأصول والآداب الشرعية، وتتضمن النسخة التجريبية التي أنجزت في نطاق التعاون بين وزارة الأوقاف الكويتية والبنك الإسلامي للتنمية عشرة من الكتب المعتمدة، وحملت في قرص ممغنط، وسيكتمل إدخال بقية الكتب المئة التي تستوعب عددا من المذاهب الفقهية في غضون خمسة أشهر بإذنه تعالى.
وسيتيح هذا المكنز للمجمع وباحثيه الاستفادة من هذه المصادر الفقهية عبر دليل ميسر للوصول إلى نحو تسعمائة ألف عنوان من عناوين المسائل الجزئية.
وباعتبار أن هذا المكنز مستوعب لنصوص أمهات الكتب الفقهية وتحليلها الموضوعي، فهو يتيح أقصى استفادة من الحاسب الآلي، ويوفر جهد العلماء ووقتهم إلى درجة كبيرة.
كما يؤمل أن يعين هذا المكنز الخبراء الاقتصاديين وسائر ذوي الاختصاص في فروع المعرفة المهتمين بصلة الفقه بتخصصاتهم، حيث يسهمون في بحث الحكم الشرعي إزاءها.
ويسعد البنك أن يعمل معكم في تكملة منافع هذا المكنز بدعم إنجاز مشروع أمانة المجمع بإنشاء معلمة وافية للقواعد الفقهية، متكاملة مع المكنز، وشاملة للضوابط والفوائد والأشباه والنظائر والفروق، وربط الأدلة بالأحكام الفقهية.(10/15)
وسيتيح البنك الإسلامي للتنمية مخاطبة قاعدة المعلومات الفقهية المذكورة عن طريق شبكة معلوماته، وذلك ضمن قواعد البيانات التي توفرها شبكة معلومات الدول الإسلامية لمراكز البحوث في الدول الأعضاء.
صاحب السمو الملكي:
أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي:
إنه ليسعدني أن أجدد لسموكم الكريم عبارات الشكر على افتتاح هذا المؤتمر، كما يسرني أن أعبر عن صادق التقدير لمعالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع، ولسماحة الشيخ محمد الحبيب أبن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي , على حرصهم الدائب على تطوير أعمال المجمع.
وأتوجه إلى العلي القدير أن يسدد خطا مجلسكم الموقر لكل ما فيه خدمة الأمة للسير على هدي القرآن والسنة المطهرة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(10/16)
كلمة
معالي رئيس مجلس المجمع
فضيلة الدكتور بكر بن عبد أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والشكر له على ما أولانا وهدانا لعقد الدورة العاشرة لمجمع الفقه الإسلامي على أرض المملكة العربية السعودية في ضيافة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية، أجزل الله مثوبته، وأيده، ونصره ونصر به الحق، آمين. وتشريفه- حفظه الله- لافتتاح هذا المؤتمر في دورته العاشرة بنيابة صاحب السمو الملكي الأمير الموفق المسدد سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود نائب أمير منطقة الحرم الحرام وفقه الله لكل خير ونصر به الحق، آمين.
ويأتي هذا المؤتمر العاشر في دورة المجمع العاشرة على تمام عشر دورات مضت؛ أربع منها عقدت في أقطار أربعة من العالم الإسلامي، في المملكة الأردنية الهاشمية، وفي دولة الكويت، وفي سلطنة بروناي دار السلام، وفي أبو ظبي، وست دورات منها عقدت على أرض المملكة العربية السعودية في ضيافة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود- أيده الله- وليس ذلك غريبا على مقامه الكريم، وهو يحتضن الفقهية الإسلامية محليا ودوليا، ويدعمها ماديا ومعنويا، فجزاه الله خير الجزاء، ووفقه وولي عهده وسائر أعوانه إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد, إنه على كل شيء قدير.(10/17)
صاحب السمو الملكي
الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود
صاحب المعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة
صاحب المعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
الشيخ عبد الله بن صالح العبيد
صاحب المعالي رئيس البنك الإسلامي للتنمية
الدكتور أحمد محمد علي
أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة
رجال المجمع أعضاءه وخبراءه وباحثيه.
تَحَدُّثًا بنعمة الله- تعالى- على هذه البلاد وعلى سائر بلاد العالم الإسلامي وجود هذا المجمع الذي أثرى الحياة العلمية بجوانب متعددة منها ما يزيد عن أربعمائة بحث أنتجت نحو مئة قرار في مختلف القضايا الفقهية, في أمل من آمال الأمة تزف به عاجل البشرى إلى المسلمين في علاج داء من أدوائها لتمسح عن الأمة عن محيا وجهها بعض ما ألَمَّ بها في بعض من قضاياها، لإخراجها من عنوستها والبحث عن الحلول والبدائل لها، كل هذه تجري - بحمد الله- على قال الله تعالى، قال رسوله صلى الله عليه وسلم، قال الصحابة رضي الله تعالى عنهم، قال التابعون لهم بإحسان المستضيئون بنور السنة والقران.
ولهذا، فهذا المجمع بحمد الله- وليس معصوما- لا مجال فيه للفتاوى الطائرة، التي تسلق فيها الفتاوى من غير بحث ولا روية ولا سداد رأي، ولا مجال فيه للفتاوى المغتصبة التي ينابذ فيه الإسلام ,ويهرع فيها إلى القول الشاذ، ولا مجال فيه إلى العود على قراراته بالنكث بعد الإبرام. هذه مسيرة مشى عليها المجمع، ولهذا اكتسبت قراراته الثقة في العالم الإسلامي على مستويات متعددة.
صاحب السمو الملكي:
أيها الجمع الكريم:
أبدي خالص الشكر والتقدير لجميع أعضاء هذا المجمع ورجاله وباحثيه وخبرائه والعاملين فيه، وفي مقدمتهم معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة على ما أولاه ويوليه من تتبع دقيق لسير العمل في أمانة هذا المجمع، وحتى بلغت دوراته عشرا في عمره الذي بلغ نحو أربعة عشر عاما، وإنما النسيء هنا زيادة في الخير، والله يحفظنا وإياكم بالإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(10/18)
كلمة
معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة.
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمدك اللهم ونشكرك، ونثني عليك ونذكرك، ونستعينك ونستغفرك، ونؤمن بك ولا نكفرك، ونصلي ونسلم على محمد عبدك ونبيك ورسولك ومصطفاك، الداعي إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وعلى آله وصحبه.
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن نائب أمير منطقة مكة المكرمة.
حضرة صاحب السعادة السفير الأستاذ محمد صالح الزعيمي
ممثل صاحب المعالي الدكتور عز الدين العراقي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.(10/19)
حضرة صاحب المعالي الدكتور عبد الله بن صالح العبيد
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
حضرة صاحب المعالي الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية.
حضرة صاحب السماحة الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع.
حضرات أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي والسعادة.
حضرات ضيوفنا الكرام:
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
باعد ما بين دورتينا الدورة التاسعة دورة أبو ظبي، ودورتنا الحالية العاشرة دورة جدة - عروس المملكة العربية السعودية، وبوابة الحرمين الشريفين - شملنا من جديد على بركة الله في هذه الدورة في نهاية شهرنا هذا شهر صفر الخير 1418. والأيام مهما طالت والشهور مهما تعددت وتوالت، لا يفت انصرامها في ساعد الجد، ولا تلحق بمجمعكم الموقر مللا ولا فتورا ولا وهنا، بل هي بحمد الله لا تزيد العاملين في رحابه والمنتسبين إليه إلا حماسا ومضاء وعزما.(10/20)
ودعما لهذه المسيرة، وحرصا على استمرارية الاجتهاد في القضايا المطروحة على الأمة جمعاء وعلى الإنسانية في هذا العصر، تجلت من جديد الرعاية السابغة والعناية البالغة من لدن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، حفظه الله بألطافه، وأمد في عمره وأيده ونصره, فأشرف على افتتاح الدورة العاشرة بتكليف صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن نائب أمير منطقة مكة المكرمة بإلقاء خطابه الشريف عنه، وقدم للمجمع كعادته منحة سنية تعينه على عقد مؤتمره، وتقديم ما لديه من بحوث ودراسات وقرارات وتوصيات ينتفع بها عامة المسلمين، بإذن الله، في شتى الميادين ومختلف مجالات الحياة.. وذلك شأن خادم الحرمين الشريفين- رعاه الله- مع سائر المؤسسات الإسلامية في أطراف العالم، حتى لقد أصبح لسانها مفضيا بما تكنه للمقام السامي من عرفان وامتنان، ومترجما عن بالغ تقديرها لجهوده في هذه السبيل، قائلا:
يا قوام الدين قدها صعبة
لم تكن تتبع من قبل الزماما
أنت فينا هضبة الله التي
زادها قرع المقادير التئاما
ويد للدهر موهوب لها
إن أساء الدهر يوما أو ألاما
كل يوم نعم مشفوعة
لاحقات وتوال وقدامى(10/21)
ولقد قطعنا المدة الفاصلة بين المؤتمرين، التي نحسبها طويلة، باجتماعات مفيدة ولقاءات مشهودة في أعمال جد نافعة، وبحوث ودراسات متنوعة هامة ومعتبرة، لها- إن شاء الله- بعيد الأثر في التنظيم والترتيب عن طريق شعبة التخطيط، وفي العطاء والبذل في مجالات النظر والفكر والاجتماع والسياسة، مما له مساس أو علاقة بالواقعات والتطورات وسير الأحداث في المجتمع العربي والإسلامي وفي سائر بلاد العالم.
وتتضح هذه الجهود باستعراض المحاور التي قامت عليها، والاهتمامات التي صرفت فيها، والأعمال التي حرص المجمع على الإعداد لها والوفاء بإنجازها.
وأول هذه المحاور الموسوعة الفقهية التي تناول فيها المجمع في اللجنة الخاصة بها؛ دراسة وبحث ثمانية وعشرين موضوعا من موضوعات الاقتصاد وفقه المعاملات في شكليهما المرجعي الثابت، والمستجد المتطور. وقد وزعت هذه الموضوعات التي لا نطيل بذكرها كلها على زمر ثلاث, تناولت الأولى منها الصرف وبيع الذهب، والاعتمادات المستندية، والحوالات المصرفية، والاستثمار في الأسهم، وعائد الاستثمار، وأذونات الخزانة، واقتطاع الاحتياطيات، وتوزيع الأرباح على المساهمين، وعقد التوريد. وقد تم في جميعها الاستكتاب والمراجعة للبحوث، وأقر منها للنشر بحث اقتصادي في الحوالات المصرفية، ومثله في الاعتمادات المستندية، وثالث في الاستثمار في الأسهم، وبحث شرعي اقتصادي في عقد التوريد. ولن نشرع في طبع هذه البحوث الموسوعية بإذن الله حتى نكون قد وفينا بمراجعة بحث الزمرة الثانية التي تعد قدرا مساويا لموضوعات الزمرة الأولى. وعينا للزمرة الثالثة وهي عشرة موضوعات- ضبطنا محاورها، وناقشناها بين أفراد لجنة الموسوعة- من سيعالجها من الباحثين الأخصائيين.(10/22)
أما المحور الثاني فهو جمع القواعد الشرعية العامة والمقاصد، والضوابط والقواعد الأصولية. وهذا الموضوع الهام المتميز الذي سيساعد على التفقه، وعلى دراية أدق وأوسع بموضوعات الفقه، فروعه ووسائله، في مختلف المذاهب، ويعين على الفتوى، وعلى تطبيق الأحكام على مناطاتها، والاهتداء إلى حكم الله في يسر في القضايا المستجدة والمعقدة؛ هو موضوع المعلمة الفقهية، التي يشارك الآن في إعدادها ثمانية عشر فقيهاً أصولياً. وقد تم استمداد تلك القواعد والمقاصد وما جرى مجراها من المبسوط للسرخسي، ومن الأم للشافعي، ومن كشاف القناع للبهوتي، ومن المغني لابن قدامة، ومن مقدمات وفتاوى ابن رشد الجد، ومن البيان والتحصيل له، ومن إيضاح المسالك. وبقي بين أيدي الباحثين والدارسين أكثر من أربعين مصنفاً حددت الآجال للحصول على نتائج النظر فيها، لنتمكن بعد مراجعتها من تكوين لجنة من أصحاب الاختصاص تتولى ضبط هذه الأعمال في جملتها، وترتيبها على أكمل وجه يتم به إنشاء المعلمة، ومحاولة تخزينها في الحاسوب، فينتفع الخاص والعام بالإفادة منها تعريفا وتفسيرا، والوقوف على التراث الفقهي الإسلامي في أدق مميزاته، والإطلاع على فلسفة التشريع الإسلامي في مختلف قضايا الفقه وأبوابه.
وأما المحور الثالث فهو عبارة عن الندوات الأربع التي عقدها المجمع هنا بجدة، وبكوالالمبور بماليزيا، وبالدار البيضاء بالمغرب:(10/23)
الندوة الأولى: كانت حول التضخم، أقيمت بالاشتراك بين مجمع الفقه الإسلامي بجدة ومصرف فيصل الإسلامي بالبحرين، وقد أنجز منها حلقتا عمل؛ الأولى بجدة 28- 7/29/ 1416 هـ (20- 21/ 12/ 1995 م) ودارت بحوثها حول التضخم النقدي: مسبباته، أنواعه، آثاره. والثانية بكوالالمبور 20- 21/ 2/ 1417 هـ (6- 7/ 7/ 1996 م) وتناولت بالبحث التضخم وآثاره على المجتمعات.
الندوة الثانية: حول حقوق الإنسان. عقدت بجدة بين الثامن والعاشر من محرم 1417هـ/ 25- 27 مايو 1996م. وهي متعددة المحاور:
تناول الأول منها: المحور التاريخي: حصر ودراسة حقوق الإنسان.
وتناول الثاني: النظرة التحليلية لحقوق الإنسان.
والثالث: تطور النظرة لحقوق الإنسان.
والرابع: التطلعات المعاصرة والمستقبلية لحقوق الإنسان.
وقد قدم لهذه الندوة ثلاثة عشر بحثا، واستعرض فيها إعلان القاهرة، وتوصيات ندوة الخبراء حول دور المرأة في تنمية المجتمع الإسلامي.(10/24)
كما جمعت كل الدراسات وما تبعها من مناقشات وما صدر عن الندوة من توصيات إعدادا لطبعها في أقرب فرصة ممكنة.
الندوة الثالثة: جمعت المستكتبين والأخصائيين في فن القواعد فيما بين 23- 25 شعبان 1417هـ/ 4- 6 يناير 1997م. استعرض فيها ما أنجز من أعمال، ودار بين أعضائها نقاش ممتع ومفيد، كما صدرت عنها توصيات لتوجيه بعض الأعمال المعينة، وما سيستكتب فيه من موضوعات جديدة.
الندوة الرابعة: عقدها المجمع بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت في منتصف هذا الشهر بين 14-17 يونيو 1997م بالدار البيضاء. وتناولت القضايا المستجدة والعبادية منظورا إليها من وجهات النظر الحكمي الطبي، ومن خلال آراء الفقهاء المبنية على التفاصيل المعروضة والحقائق العلمية التي دلت عليها الدراسات المتخصصة والبحوث. وقد تناول البحث جملة من القضايا التي سيطرح بعضها في مؤتمرنا هذا، وهي: الاستنساخ، والمفطرات، والمواد الإضافية في الغذاء والدواء، والاستحالة وضوابطها الشرعية.
ويمكن أن نضيف، بحمد الله، إلى هذه الإنجازات الكريمة إصدارات جديدة للمجمع، تتمثل في مؤلفين جليلين من تأليف وتحقيق سماحة الدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد، حفظه الله، الأول منهما (المدخل المفصل إلى فقه الإمام أحمد بن حنبل وتخريجات الأصحاب) ويقع في جزئين، والثاني تحقيق لكتاب (بلغة الساغب وبغية الراغب) للفخر ابن تيمية.(10/25)
وإنا بعد هذا العرض لجملة من نشاطات المجمع التي ملأت ما بين المؤتمرين التاسع والعاشر لنلفت نظر حضراتكم إلى طبيعة الموضوعات الجديدة المطروحة على هذه الدورة.
فمنها الشرعي الفقهي العبادي مثل الذبائح والطرق الشرعية للذكاة, وهي القضية التي مازال أهلونا من الجاليات الإسلامية بأوروبا وغيرها يلقون العنت لاختلاف السبل فيها، فيسائلون ويستفتون، ويتطلعون إلى حسم يزيل اللبس ويملأ النفوس طمأنينة.
ومنها المفطرات التي تزداد مع الأيام تعقيدا لما لها من علاقة وارتباط بأحوال المرضى وبطرق العلاج, فاحتاجت إلى مزيد من الدرس والتشاور مع أهل الذكر لتطبيق الأحكام الشرعية على الوجه المطلوب في ركن من أركان الدين وشعيرة من شعائر المسلمين.
ومنها مستجدات علمية وابتكارات ثورية كقضية الاستنساخ, وهي قضية الساعة التي أثارتها البحوث البيولوجية والاختراعات في مجال الهندسة الوراثية، ودفعت بالناس عامتهم وخاصتهم إلى التساؤل عنها، والرجم بالغيب فيها، وإبداء الرأي حولها, وهي تتطلب قبل كل شيء تجلية مواقف العلماء منها بما يكشف عن حقيقتها، ويرشد إلى منافعها، وينبه على مضارها، فيسلك الفقهاء فيها مسلكا ينسجم مع التقدم العلمي، ويسير على الهدي الديني يزن الاستنساخ بميزان الشرع.(10/26)
وموضوع العقود المستجدة وبيان ضوابطها، والتعريف بما يبرم من عقود منها، وهو موضوع اقتصادي معقد يتصل بواقعنا اليومي, فيحتاج من الفقهاء إلى إخضاعها لأحكام المعاملات في الإسلام مع توقي المحاذير، واجتناب المنهيات، والحرص على تحقيق المقاصد الشرعية ورعاية المصالح المعتبرة.
ولعلنا بعون الله وتوفيقه نضيف من نتائج هذه البحوث المعروضة في القضايا المطروحة، إلى ما توصلنا إليه من مكاسب وتحقيقات وأحكام صدرت بها عن المجمع قراراته وتوصياته السابقة، ما يزداد به النفع وتكمل به الفائدة للأمة قاطبة.
وفي ختام هذه الكلمة أغتنم فرصة افتتاح الدورة العاشرة لمجلسكم الموقر لأزجي الشكر مجددا لحضرة صاحب السمو الملكي على تفضله بتشريف هذا الاجتماع، وللتنويه بجهود معالي الدكتور عز الدين العراقي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي على ما يبديه من رعاية كريمة ومساندة قيمة للمجمع.(10/27)
ولا أغفل عن الإشادة بالتعاون العلمي الكبير القائم بين مجمعنا ومعهد البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، ومع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، ومصرف فيصل الإسلامي بالبحرين. وإني لأشكر لسماحة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد تجاوبه مع الأمانة العامة للمجمع، ودعمه ورعايته لمشاريعنا العلمية وأنشطتنا المجمعية, ولا أنسى أحدا من الشيوخ الفقهاء الأجلاء، والأساتذة العلماء الألباء، من أعضاء المجمع وخبرائه والاقتصاديين والأطباء، الذين يلتقون جميعهم في رحاب هذه المؤسسة في كل دورة على إيمان وهدى، وعلم وحكمة، وروية ودراية، واجتهاد وعمل صالح.
فما شئت من داع إلى الله مسمع
ومن ناصر للحق ماضي الضرائب
هم استخدموا الأملاك عزا وأرهفوا
بصائرهم بعد الردي والمعاطب
تساموا إلى العز الممنع وارتقوا
من المجد أنشاز الذرى والغوارب
على إرث مجد الأولين تعلقوا
ذوائب أعناق العلى والمناصب
فهنيئا لنا بكم، وطوبى لنا باجتماعكم. وحللتم أهلا ونزلتم سهلا، والله يسدد خطانا وخطاكم، ويمدنا ويمدكم بعونه وتوفيقه. نعم المولى ونعم النصير. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(10/28)
بحث
أحكام الذبائح واللحوم المستوردة
إعداد
القاضي محمد تقي العثماني
قاضي محكمة النقض العليا بباكستان
مقدمة البحث
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى أحل للمسلمين أن يأكلوا من لحوم الحيوانات الطيبة، وينتفعوا بأجزائها الأخرى، ولكن جعل هذا الحل خاضعا لأحكام شرعها في الكتاب والسنة، وإن هذه الأحكام ترجع إلى التنويه بأن الحيوان في أصله مثل الإنسان من حيث يوجد فيه الروح والإدراك، والحواس التي تبعث فيه الراحة والألم. ومن هذه الجهة، كان الأصل أن لا يباح للإنسان ذبحه وأكل لحمه، والانتفاع بأجزائه, ولكن الله سبحانه جعل الإنسان أشرف المخلوقات ومخدوما للكون، وخلق لصالحه جميع ما خلق، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوَى إلى السَّمَاء فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [البقرة: 29] .
وبما أن أكل الحيوانات إنما أبيح على خلاف الأصل بمحض فضل من الله سبحانه وتعالى، فقد جعله الله تعالى خاضعا لبعض الأحكام التعبدية، ينبئ الامتثال بها عن اعتراف العبد بأن حل الحيوان له نعمة من الله سبحانه وتعالى وفضل منه، وأنه لا يستحق الاستمتاع بمثله من الحيوان، والالتذاذ بأكله إلا بعد الاعتراف بهذه النعمة والشكر عليها، والالتزام بالطرق التي شرعها الله سبحانه لإزهاق روح الحيوان.(10/29)
ومن هنا، امتازت الشريعة الإسلامية عن الشرائع الأخرى في تحديد طرق الذبح، ووضع مبادئها وشرع أحكامها. فليست قضية ذبح الحيوان من الأمور العادية التي يتصرف فيها الإنسان كيفما يشاء حسب حاجته، أو مصلحته، أو حسبما يتيسر له دون أن يتقيد في ذلك بأصول وأحكام، وإنما هي من الأمور التعبدية التي يجب على المسلم الالتزام بأحكامها المبينة في الكتاب والسنة.
فما ذهب إليه المفتي محمد عبده وتلميذه الشيخ رشيد رضا من كون ذبح الحيوان من الأمور العادية التي يجوز أن يتصرف فيها الإنسان بكل حرية (1) ، خطأ صريح، وقول مصادم للنصوص الصريحة، ولقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله)) .
وأصرح من ذلك رواية أخرى، ولفظها:
((أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها, وصلوا صلاتنا، واستقبلوا قبلتنا، وذبحوا ذبيحتنا، فقد حرمت علينا دماؤهم وأموالهم إلا بحقها)) (2) .
وقد قرن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذبح الذبيحة في هذا الحديث بالصلاة واستقبال القبلة، وجعله من ميزات الشريعة الإسلامية التي يمتاز بها المسلم عن غيره، ومن العلامات والشعائر التي تنبئ عن كون الرجل مسلماً، والتي يعصم بها دمه وماله. وأية شهادة أكبر من شهادة رسول الله صلى الله عليه وسلم على أن ذبح الحيوان بالطريق المشروع من الأمور التعبدية، ومن شعائر الدين التي تدل على إسلام من يمارسه؟ ويقول الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في شرح هذا الحديث:
(وفيه أن أمور الناس محمولة على الظاهر، فمن أظهر شعار الدين أجريت عليه أحكام أهله ما لم يظهر منه خلاف ذلك) (3) .
ولولا أن ذبح الحيوان خاضع لأحكام خاصة، لجاز كل حيوان قتله وثني أو مجوسي أو دهري، ولما اقتصر الحل على ذبيحة مسلم أو كتابي. ومن الواضح أن الأغذية غير الحيوانية المصنوعة من النباتات وغيرها لا يشترط فيها أن يكون صانعها مسلما أو كتابيًا، بل يجوز تناول هذه الأغذية بقطع النظر عن ديانة صانعها، فلو كان الذبح من الأمور العادية التي لا تتقيد بأحكام تعبدية، لجاز أكل لحم الحيوان بقطع النظر عن ديانة الذابح, وهذا دليل على أن الأغذية الحيوانية لها وضع خاص في الشريعة الإسلامية، ولا بد لحلة تناولها أن تكون موافقة لأحكام الذبح المشروعة في الكتاب والسنة.
__________
(1) راجع تفسير المنار
(2) أخرجه البخاري في صحيحه، باب فضل استقبال القبلة، رقم: 391 و 392، عن أنس بن مالك رضي الله عنه
(3) فتح الباري: 1/ 497(10/30)
ومن هنا أصبحت أحكام الصيد والذبائح من أهم أبواب الفقه الإسلامي، وقد بسط الفقهاء هذه الأحكام مستمدة من القرآن الكريم والسنة المطهرة، وآثار الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، بحيث لا يخلو كتاب من كتب الفقه، إلا وهو مشتمل على "كتاب الصيد والذبائح ".
ولا نريد في هذا البحث استقصاء هذه الأحكام، ولكن الغرض بيان مبادئها الأساسية، وتطبيقها على الأوضاع المعاصرة. وقد قسمنا هذا الموضوع على فصول آتية:
1- التذكية الشرعية وشروطها:
أ- طريق إزهاق الروح
ب- ذكر اسم الله تعالى عند الذبح
ج- كون الذابح مسلما أو كتابيا
2- طرق الذبح المستخدمة في المسالخ الحديثة.
3- حكم ما جهل ذابحه.
4- حكم اللحوم المستوردة.
ونسأل الله التوفيق للسداد والصواب والهداية إلى ما يحبه ويرضاه.(10/31)
التذكية الشرعية وشروطها:
التذكية والذكاة في أصل اللغة بمعنى الإتمام، ومن ذلك الذكاء في السن والفهم وهو التمام (1) . وسمي الطريق المشروع للذبح ذكاة، لأنه يتم الشروط التي يباح بها أكل الحيوان. وفسر القرطبي رحمه الله، قول الله سبحانه في سورة المائدة: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} بقوله: (أي أدركتم ذكاته على التمام) (2) .
وذهب بعض العلماء إلى أن التذكية الشرعية مأخوذة من التذكية بمعنى التطييب، وهو من قولهم: (رائحة ذكية) ، والحيوان إذا أسيل دمه فقد طابت رائحته.
هذا بالنسبة لمعناها اللغوي, أما معناها الاصطلاحي، فقد ذكره القرطبي: أنه عبارة عن إنهار الدم وفري الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور، والعقر في غير المقدور عليه؛ مقرونا بنية القصد لله تعالى وذكره عليه (3) .
وبما أن بعض الشروط التي ذكرها القرطبي في هذا التعريف مختلف فيها، فالأحسن في تعريف الذكاة أن يقال: (إزهاق روح الحيوان بالطريق المشروع الذي يجعل لحمه حلالا للمسلم) .
أما الشروط التي ذكرها الفقهاء للذكاة الشرعية، فإنها ترجع إلى ثلاثة عناصر، الأول: طريق إزهاق الروح، والثاني: ذكر اسم الله، والثالث: أهلية الذابح. فلنتكلم على هذه العناصر الثلاثة بشيء من التفصيل، والله المستعان.
__________
(1) راجع لسان العرب، لابن منظور: 14/ 288 تحت مادة ذكا
(2) تفسير القرطبي: 6/ 51
(3) تفسير القرطبي: 6/ 52 و 53(10/32)
أ- طريق إزهاق الروح:
إن طريق إزهاق الروح الذي اعتبرته الشريعة الإسلامية كافيا لحصول الذكاة الشرعية يختلف باختلاف أنواع الحيوان، فالحيوان الذي هو غير مقدور عليه- إما لكونه وحشياً، وإما لكونه شاردا من الحيوانات الأليفة- يكفي فيه أن يجرح بأية آلة جارحة تنهر الدم حتى يموت، ولا يشترط له أن يذبح أو ينحر. وهذا النوع من الذكاة يسمى: ذكاة اضطرارية، وهي مشروعة في حالة الصيد، ولسنا بصدد بيان أحكامها في هذا البحث.
أما الحيوانات المقدور عليها، إما لكونها أليفة، أو لكونها سيطر عليها الإنسان من الحيوانات الوحشية، فالواجب فيها إنهار الدم عن طريق فري الأوداج, والعمدة في ذلك النصوص الآتية:
(1) - عن رافع بن خديج، رضي الله عنه، في حديث طويل، أن جده ((سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفنذبح بالقصب؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل)) (1) . وكان السؤال عن الذبح، والذبح قطع الأوداج كما فسره عطاء فيما علق عنه البخاري (2) ، فدل مجموع السؤال والجواب على أن الذكاة الشرعية تحصل بقطع الأوداج بما يسبب إنهار الدم.
(2) - عن ابن عباس وأبي هريرة، رضي الله عنهما، قالا: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح، فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج، تترك حتى تموت)) (3) .
__________
(1) أخرجه البخاري في الذبائح والصيد، باب التسمية على الذبيحة، رقم 5498
(2) باب النحر والذبح (رقم الباب: 24) من الذبائح والصيد
(3) أخرجه أبو داود في الأضاحي، باب المبالغة في الذبح، وسكت عليه. وفي إسناده عمرو بن عبد الله الأسوار، يقال له: عمرو بن برق؛ وذكر الحافظ في التقريب أنه صدوق فيه لين(10/33)
وقال ابن الأثير رحمه الله: "الشريطة: الناقة ونحوها التي شرطت، أي أثر في حلقها أثر يسير كشرطة الحجام، من غير قطع الأوداج، ولا إجراء الدم، وكان هذا من فعل الجاهلية، يقطعون شيئا يسيرا من حلقها، فيكون ذلك تذكيتها عندهم. وإنما أضافها إلى الشيطان، كأن الشيطان حملهم على ذلك". (1)
(3) - عن عدي بن حاتم الطائي رضي عنه قال: ((قلت: يا رسول الله، إن أحدنا أصاب صيدا، وليس معه سكين، أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ فقال: "أمرر الدم بما شئت، واذكر اسم الله عز وجل)) (2) ، وأخرجه النسائي، ولفظه: إني أرسل كلبي فآخذ الصيد، فلا أجد ما أذكيه به، فأذبحه بالمروة والعصا، قال: "أنهر الدم بما شئت، واذكر اسم الله عز وجل " (3)
(4) - عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما أنه قال: "ما فرى الأوداج فكله" (4)
__________
(1) جامع الأصول، لابن الأثير: 4/ 482، رقم: 2574
(2) أخرجه أبو داود، باب الذبيحة بالمروة، وسكت عليه هو والمنذري
(3) سنن النسائي، الأضاحي، باب إباحة الذبح بالعود: 7/ 225، رقم 4401، وفي إسناده مرى بن قطري الكوفي؟ ذكره ابن حبان في الثقات، وقال الذهبي: لا يعرف (تهذيب التهذيب: 10/ 99)
(4) أخرجه مالك بلاغا في الموطأ: 2/ 489، في الذبائح، باب ما يجوز من الذكاة في حال الضرورة(10/34)
وعلى أساس هذه الأحاديث وأمثالها اشترط الفقهاء لشرعية الذبح أن تقطع الأوداج. والأوداج جمع الودج- بفتحتين- وهو عرق في العنق، وهما في الأصل ودجان، قال ابن منظور ناقلا عن ابن سيده: (الودجان: عرقان متصلان من الرأس إلى السحر، والجمع أوداج) (1) ولكن توسع بعض الفقهاء في استعمال هذه الكلمة بما يشمل الحلقوم والمريء. قال الكاساني: (ثم الأوداج أربعة؛ الحلقوم والمريء، والعرقان اللذان بينهما الحلقوم والمريء) (2) والحلقوم مجرى النفس، والمريء مجرى الطعام. ولا خلاف في أن الأكمل قطع هذه الأربعة جميعاً؟ الحلقوم، والمريء، والودجين (3) ولكن اختلف الفقهاء فيما إذا قطع بعضها دون بعض على أقوال:
فقال الشافعي رحمه الله: يجب قطع الحلقوم والمريء، وإن ذلك يكفي للذكاة ولو لم يقطع من الودجين شيئا (4)
واختلفت الروايات عن مالك، والراجح عندهم فيما هو مذكور في كتبهم أنه يجب قطع الحلقوم والودجين، ولا يجب قطع المريء (5)
__________
(1) لسان العرب: 2/ 397 تحت المادة.
(2) بدائع الصنائع: 5/ 41
(3) المغني لابن قدامة: 11/ 45، دار الكتب العلمية، بيروت
(4) فتح الباري: 9/ 641, والأم: 2/ 259
(5) الذخيرة للقرافي: 4/ 133(10/35)
واختلفت الروايات كذلك عن أحمد بن حنبل، رحمه الله، فعنه رواية موافقة لقول الشافعي، ورواية أخرى أنه يجب قطع الودجين مع الحلقوم والمريء، فكأنه اشترط قطع الأربعة جميعا (1)
وقال الإمام أبو حنيفة، رحمه الله: إذا قطع الثلاثة- أية ثلاثة كانت-وترك واحدا يحل الحيوان. وقال أبو يوسف: لا يحل حتى يقطع الحلقوم والمريء وأحد العرقين. وقال محمد: لا يحل حتى يقطع من كل واحد من الأربعة أكثره (2)
وبالرغم من اختلاف الفقهاء في هذه التفاصيل الجزئية، فإنهم اتفقوا
على أن محل الذكاة الاختيارية هو الحلق واللبة، ولا بد من قطع أكثر من واحد من هذه الأربعة. والظاهر أن من اشترط قطع أحد الودجين على الأقل، فإن قوله هو الراجح، لأن إنهار الدم بكامله إنما يتحقق بقطع الودج الذي هو مجرى الدم. قال القرافي رحمه الله تعالى: (3) "ويؤكده قوله عليه السلام: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل)) . وإنهار الدم إنما يكون من الأوداج، وأصل الإنهار: السعة، ومنه النهر، لاتساعه للماء، والنهار، لاتساع الضوء فيه".
__________
(1) المغني لابن قدامة: 11/ 44 و45
(2) بدائع الصنائع: 5/ 41.
(3) الذخيرة للقرافي: 4/ 133.(10/36)
ووجه قول الإمام أبي حنيفة أن قطع الثلاثة من العروق الأربعة يقوم مقام الكل، على أن للأكثر حكم الكل فيما بني على التوسعة في أصول الشرع، والذكاة بنيت على التوسعة، حيث يكتفي فيها بالبعض بلا خلاف بين الفقهاء، وإنما اختلفوا في الكيفية، فيقام الأكثر فيها مقام الجميع (1)
آلة الذبح:
واتفق الفقهاء على أنه يجب للذكاة الشرعية أن تكون آلة الذبح محددة, تقطع أو تخرق بحدها لا بثقلها، ولا يجب أن تكون سكينا، بل يجوز الذبح بكل ما له حد، سواء كان من الحديد أم من الحجر أم الخشب. والدليل على ذلك ما أخرجه الشيخان وغيرهما من حديث رافع بن خديج رضي الله عنه: ((قلت: يا رسول الله! إنا ملاقو العدو غدًا وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ قال: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، ليس السن والظفر)) (2)
وقد مر حديث عدي بن حاتم، رضي الله عنه، حيث سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الذبح بالمروة وشقة العصا، فقال: ((أمرر الدم بما شئت)) . ولكن الأحاديث كلها متفقة على أنه يجب إنهار الدم بما يقطع ويخرق. ووجوب كون الآلة محددة كلمة إجماع فيما بين الفقهاء المتبوعين، غير أنهم اختلفوا في السن والظفر، فذهب الأئمة الحجازيون إلى عدم جواز الذبح بهما، سواء كانا متصلين بالجسم أو منفصلين، وذلك لعموم حديث رافع بن خديج - رضي الله عنه- الذي مر آنفا، وقد استثنى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم السن والظفر. أما أبو حنيفة، رحمه الله: فحمل الحديث على السن والظفر إذا كانا قائمين في الجسم، لأن الموت حينئذ يحصل بالخنق. أما إذا كانا مقلوعين، فتحصل منهما الذكاة مع الكراهة (3)
__________
(1) بدائع الصنائع: 5/ 42
(2) أخرجه الجماعة، راجع جامع الأصول، لابن الأثير: 4/ 489
(3) راجع رد المحتار: 5/ 208(10/37)
إزهاق الروح بغير قطع الأوداج:
أما إزهاق الروح بغير فري الأوداج، فلا تحصل به الذكاة الشرعية في الحيوان المقدور عليه، واتفق على ذلك الفقهاء. وقال الله سبحانه وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) } [المائدة: 3] .
وقال ابن كثير رحمه الله في تفسيره: "والمنخنقة، وهي التي تموت بالخنق، إما قصدا، وإما اتفاقا، بأن تتخبل في وثاقتها فتموت به، فهي حرام. وأما الموقوذة، فهي التي تضرب بشيء ثقيل غير محدد حتى تموت، كما قال ابن عباس وغير واحد: هي التي تضرب بالخشبة حتى يوقذها فتموت. قال قتادة: كان أهل الجاهلية يضربونها بالعصي، حتى إذا ماتت أكلوها. وفي الصحيح أن عدي بن حاتم قال: قلت: يا رسول الله! إني أرمي بالمعراض (1) الصيد، فأصيب، قال: ((إذا رميت بالمعراض فخزق (2) فكله، وإن أصاب بعرضه فإنما هو وقيذ، فلا تأكله)) (3) ففرق بين ما أصابه بالسهم أو بالمزراق ونحوه بحده فأحله، وما أصاب بعرضه فجعله وقيذا لم يحله، وهذا مجمع عليه عند الفقهاء ... وأما المتردية فهي التي تقع من شاهق أو موضع عال فتموت بذلك فلا تحل. قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: المتردية: التي تسقط من جبل.
__________
(1) المعراض- بكسر الميم- سهم يرمى به بلا ريش، ولا نصل، يمضي عرضا فيصيب بعرض العود، لا بحده. لسان العرب لابن منظور: 9/ 42؛ وجاء في تاج العروس: 5/ 50، هو من العيدان دقيق الطرفين غليظ الوسط، كهيئة العود الذي يحلج به القطن، فإذا رمى به الرامي ذهب مستويا، ويصيب بعرضه دون حده ... وإن قرب منه الصيد أصابه بموضع النصل منه فجرحه، ومنه حديث عدي بن حاتم.
(2) الخزق: الطعن، وخزق السهم: إذا أصاب الرمية ونفذ فيها وأسال الدم، راجع اللسان وتاج العروس.
(3) هذا الحديث أخرجه الجماعة في أبواب مختلفة من طرق شتى.(10/38)
وقال قتادة: هي التي تتردى في بئر، وقال السدي: هي التي تقع من جبل أو تتردى في بئر. وأما النطيحة، فهي التي ماتت بسبب نطح غيرها لها فهي حرام، وإن جرحها القرن وخرج منها الدم، ولو من مذبحها ...
{وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} أي ما عدا عليها أسد أو فهد أو نمر أو ذئب أو كلب فأكل بعضها فماتت بذلك، فهي حرام، وإن كان قد سأل منها الدم ولو من مذبحها، فلا تحل بالإجماع، وقد كان أهل الجاهلية يأكلون ما أفضل السبع من الشاة أو البعير أو البقرة أو نحو ذلك، فحرم الله ذلك على المؤمنين. وقوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} عائد على ما يمكن عوده عليه مما انعقد سبب موته، فأمكن تداركه بذكاة، وفيه حياة مستقرة، وذلك إنما يعود على قوله: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ} قال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس في قوله: إلا ما ذكيتم، يقول: إلا ما ذبحتم من هؤلاء، وفيه روح فكلوه، فهو ذكي. وكذا روي عن سعيد بن جبير، والحسن البصري والسدي ".
وتبين بهذه الآية الكريمة أن الحيوان إنما يحل إذا وقع إزهاق روحه بالذكاة الشرعية، ولا يحل بالخنق أو الوقذ ولا بأن يسيل دمه بأي طريق كان، لأن النطيحة ربما يسيل الدم من مذابحها، وكذلك ما قتله السبع، ولكن صرح القران الكريم بحرمتهما، فظهر بذلك أن الحيوان لا يحل بمجرد سيلان الدم، ولو من مذابحه، وإنما يجب أن يسيل الدم بطريق شرعه الله للتذكية.(10/39)
ب- التسمية عند الذبح:
ذهب جمهور الفقهاء إلى أنه يجب للذكاة الشرعية أن يذكر الذابح اسم الله تعالى عند الذبح، فإن ترك التسمية عمدا فلا تحل ذبيحته عند أبي حنيفة ومالك وأحمد وجمهور الفقهاء، وأما إذا نسيها فالذكاة معتبرة عند الحنفية والمالكية، ولا فرق عندهم في هذا بين الذبيحة والصيد. أما عند الحنابلة، فالنسيان معفو عنه في الذكاة الاختيارية فقط. أما في الصيد فلا تعتبر الذكاة إذا لم يذكر الصائد اسم الله عند إرسال السهم أو الكلب، سواء أتركها عمدا أم نسيان (1)
أما الإمام الشافعي رحمه الله فالمشهور عنه أن التسمية ليست واجبة عنده، وإنما هي سنة (2) فتحل الذبيحة وإن تركها الذابح عمدا, ولكن الذي يظهر من مراجعة كتاب الأم للشافعي أنه لم يصرح بحل متروك التسمية عمدا، وإنما صرح يحل ما نسي الذابح ذكر الله عليه, وعبارته ما يلي:
"وإذا أرسل الرجل المسلم كلبه أو طائره المعلمين أحببت له أن يسمي، فإن لم يسم ناسيا فقتل أكل، لأنهما إذا كان قتلهما كالذكاة، فهو لو نسي التسمية في الذبيحة أكل، لأن المسلم يذبح على اسم الله عز وجل وإن نسي" (3)
__________
(1) راجع بدائع الصنائع: 5/ 46 لمذهب الحنفية، والذخيرة للقرافي: 4/ 134 والصاوي على الدردير: 2/ 171 لمذهب المالكية، والمغني لابن قدامة: 11/ 4 لمذهب الحنابلة.
(2) قليوبي وعميرة: 4/ 245
(3) كتاب الأم، للشافعي: 2/ 227 كتاب الصيد والذبائح، باب تسمية الله عز وجل عند إرسال ما يصطاد.(10/40)
ثم إن الإمام الشافعي رحمه الله صرح فيما بعد بأن من يترك التسمية عند الذبح استخفافا لا يحل أكل ذبيحته، فقد ذكر رحمه الله في معرض ما هو مسَلَّم عنده:
"أن المسلم إن نسي اسم الله تعالى أكلت ذبيحته، وإن تركه استخفافاً لم تؤكل ذبيحته" (1)
وقد صرح بعض العلماء بأن الفقهاء أجمعوا على ذلك. فقد جاء في التفسير المظهري نقلا عن شرح المقدمة المالكية:
"وكل هذا في غير المتهاون، وأما المتهاون فلا خلاف أنها لا تؤكل ذبيحته تحريماً، قاله ابن الحارث والبشير؛ والمتهاون هو الذي يتكرر منه ذلك كثيرا، والله أعلم" (2)
وهذه العبارات تدل على أن مذهب الإمام الشافعي رحمه الله ليس على إطلاق الحل فيما تعتمد ترك التسمية عليه، وإنما تحرم الذبيحة عنده إذا ترك عليها التسمية تهاونا واستخفافا، وجعله الرجل عادة له. ومفاد ذلك أن حكم الحل مقتصر عنده على من ترك التسمية مرة أو مرتين اتفاقا، لا تهاونا واستخفافا، وفي تلك الصورة أيضا لا يخلو ذلك من كراهة، لأنه قال:"أحببت له أن يسمي". وقد صرح الفقهاء الشافعية بأن ترك التسمية عمدا مكروه، وأنه يأثم به التارك (3)
__________
(1) كتاب الأم: 2/ 131 باب ذبائح أهل الكتاب
(2) التفسير المظهري: 3/ 318، سورة الأنعام.
(3) انظر روضة الطالبين: 3/ 205، ورحمة الأمة: ص 118(10/41)
وبهذا ظهر أن متروك التسمية عمدا حرام عند الحنفية والمالكية والحنابلة، وحرام عند الشافعي، رحمه الله، أيضا إذا كان ذلك استخفافا وتهاونا، وصار كالعادة للذبائح. وما وقع اتفاقا فإنه لا يحكم بحرمته عنده، ولكنه لا يخلو من كراهة. وهذه الرخصة أيضا لا تساندها نصوص القرآن والسنة، حيث تضافرت الآيات والأحاديث على اعتبار التسمية ركناً من أركان الذكاة الشرعية. قال الله سبحانه وتعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} ٍ. [الأنعام: 121]
وأية عبارة أصرح على كون متروك التسمية حراماً من هذه الآية الكريمة الواضحة التي ليس فيها إجمال ولا خفاء؟ فإن فيه نهياً صريحاً، والنهي يقتضي التحريم، ولم يكتف القرآن بصيغة النهي، بل أتبعها بقوله {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] بما يقطع كل شبهة في هذا الباب. وليست هذه الآية هي الآية الوحيدة في القرآن الكريم، التي تدل على كون التسمية ركنا من أركان الذكاة، وإنما جاءت في القرآن الكريم آيات كثيرة تدل على ذلك، فمنها الآيات الآتية:
(1) {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4] .
(2) {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] .
(3) {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} [الحج: 36] .
(4) {وَقَالُواْ هَذِهِ أَنْعَامٌ وَحَرْثٌ حِجْرٌ لاَّ يَطْعَمُهَا إِلاَّ مَن نّشَاء بِزَعْمِهِمْ وَأَنْعَامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُهَا وَأَنْعَامٌ لاَّ يَذْكُرُونَ اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا افْتِرَاء عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِم بِمَا كَانُواْ يَفْتَرُونَ} [الأنعام: 138] .
(5) {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 119] .(10/42)
وهذه الآيات كلها تدل بأساليب مختلفة أن ذكر اسم الله تعالى من أهم العناصر التي تحل للمسلم أكل لحم الحيوان، ولم يكتف القرآن ببيان ذلك في آية أو آيتين، وإنما ذكر هذا الركن في كل من الذبيحة والصيد والأضحية بصفة مستقلة، وأنكر على من يتركه إنكارا بليغا، فجعله افتراء على الله، وأنكر أيضاً على من لا يستحل الذبيحة التي ذكر اسم الله عليها، بما يدل على أنه من أعظم الشروط للذكاة الشرعية.
وكذلك تكاثرت الأحاديث التي ذكر فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم التسمية في معرض الأركان التي يجب توافرها لحلة الذبيحة والصيد، وانظر الأحاديث الآتية:
(1) عن رافع بن خديج رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل)) (1)
(2) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه, عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لقي زيد بن عمرو بن نفيل بأسفل بلدح، وذاك قبل أن ينزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي، فقدمت إلى النبي صلى الله عليه وسلم سفرة، فأبى أن يأكل منها، ثم قال زيد: إني لست آكل مما تذبحون على أنصابكم، ولا آكل إلا ما ذكر اسم الله عليه (2)
وهذا دليل على أن حرمة متروك التسمية كانت من جملة شريعة إبراهيم عليه السلام.
(3) عن جندب بن سفيان البجلي، قال: ((ضحينا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم أضحاة ذات يوم، فإذا أناس قد ذبحوا ضحاياهم قبل الصلاة، فلما انصرف رآهم النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد ذبحوا قبل الصلاة, فقال: من ذبح قبل الصلاة فليذبح مكانها أخرى، ومن كان لم يذبح حتى صلينا فليذبح على اسم الله.)) (3)
__________
(1) صحيح البخاري، باب التسمية على الذبيحة، رقم: 5498، وأخرجه الجماعة.
(2) صحيح البخاري، مناقب الأنصار، باب حديث زيد بن عمرو بن نفيل، رقم: 3826، وأخرجه أيضا في الذبائح رقم: 5499
(3) صحيح البخاري، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: فليذبح على اسم الله، رقم: 5500(10/43)
(4) عن عباية بن رفاعة، عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله فكل)) (1)
(5) عن أبي ثعلبة الخشني رضي الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أسئلة، فأجاب رسول الله صلى الله عليه وسلم عن سؤاله في الصيد، فقال: ((فما صدت بقوسك فأذكر اسم الله وكل، وما صدت بكلابك المعلمة فاذكر اسم الله وكل)) (2)
(6) عن عدي بن حاتم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أرسلت كلابك المعلمة وذكرت اسم الله فكل مما أمسكن عليك)) (3)
(7) عن عدي بن حاتم قال: ((قلت: يا رسول الله إني أرسل كلبي أجد معه كلباً آخر، لا أدري أيهما أخذه؟ فقال: لا تأكل، فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره)) (4)
(8) وعنه رضي الله عنه مرفوعا: "وإذا خالط كلابا لم يذكر اسم الله عليها فأمسكن فقتلن فلا تأكل " (5)
ٍ (9) وعنه رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله إن أحدنا أصاب صيدا وليس معه سكين، أيذبح بالمروة وشقة العصا؟ قال: "أمرر الدم بما شئت واذكر اسم الله عز وجل ". (6)
__________
(1) صحيح البخاري، باب ما أنهر الدم من القصب ... الخ، رقم 5503
(2) صحيح البخاري، باب آنية المجوس، رقم: 5496
(3) صحيح البخاري، باب ما جاء في التصيد، رقم: 5487
(4) صحيح البخاري، باب إذا وجد مع الصيد كلباً آخر، رقم: 5486
(5) صحيح البخاري، باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة، رقم: 5484
(6) أخرجه أبو داود في باب الذبيحة بالمروة، رقم: 2824، والنسائي، باب إباحة الذبح بالعود، رقم 4401 وقد مر(10/44)
وإن هذه النصوص من الكتاب والسنة تدل على مدى التأكيد والتركيز على ذكر اسم الله تعالى عند الذبح, وإن النص الواحد من هذه النصوص كان كافيا لبيان أن التسمية ركن من أركان الذبح، ولكن الشارع لم يكتف ببيان هذا الحكم مرة واحدة، وإنما جاء به مرارا وتكرارا في عدة مناسبات وبأساليب مختلفة، وما ذلك إلا لأهميته البالغة، ولكونه شرطاً قطعيا لحصول الذكاة الشرعية في الحيوان.
وإن الحالة الوحيدة التي استثنيت من وجوب التسمية هي حالة النسيان. قال الجصاص رحمه الله تعالى:
"إن ترك التسمية ناسياً لا يمنع صحة الذكاة، من قبل أن قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} خطاب للعامد دون الناسي، ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} وليس ذلك صفة للناسي، ولأن الناسي في حال نسيانه غير مكلف بالتسمية، وروى الأوزاقي عن عطاء بن أبي رباح، عن عبيد بن عمير، عن عبد الله بن عباس، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تجاوز الله عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) . وإذا لم يكن مكلفاً للتسمية فقد أوقع الذكاة على الوجه المأمور به فلا يفسده ترك التسمية. وغير جائز إلزامه ذكاة أخرى لفوات ذلك منه، وليس ذلك مثل نسيان تكبيرة الصلاة، أو نسيان الطهارة ونحوها، لأن الذي يلزمه بعد الذكر هو فرض آخر، ولا يجوز أن يلزمه فرض آخر في الذكاة لفوات محلها" (1)
__________
(1) أحكام القرآن، للجصاص: 3/ 7 و 8، طبع لاهور(10/45)
ويدل على ذلك أيضاً ما أخرجه الدارقطني والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم يكفيه اسمه، فإن نسي أن يسمى حين يذبح فليسم، وليذكر اسم الله ثم ليأكل)) (1) ذكره الحافظ في التلخيص، ثم قال: وقد صححه ابن السكن (2) وقد أعله بعض المحدثين بمعقل بن عبد الله، ومحمد بن يزيد بن سنان. ولكن معقل بن عبد الله من رجال مسلم، ومحمد بن يزيد بن سنان وثقه ابن حبان والنفيلي ومسلمة, (3) وقد أخرج عبد بن حميد عن راشد بن سعد مرسلا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ذبيحة المسلم حلال سمي أو لم يسم، ما لم يتعمد، والصيد كذلك)) ذكره السيوطي في الدر المنثور. (4)
وهذه الروايات المرفوعة مؤيدة بما علقه البخاري عن ابن عباس موقوفا قال: " من نسي فلا بأس ". (5) ووصله الدارقطني، وسعيد بن منصور وغيره، ثم قال الحافظ: "وسنده صحيح " (6)
وبإزاء النصوص المتكاثرة التي تدل على وجوب التسمية عند الذبح، ما يستدل به الشافعية على عدم وجوبها لا يداني هذه النصوص في الثبوت والدلالة.
فمثلا: استدل بعضهم بقول الله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} قائلين: إن الله سبحانه وتعالى أطلق التذكية ولم يقيده بالتسمية، فظهر أنها غير واجبة. والجواب عن هذا الاستدلال واضح، وهو أن التذكية لها مفهوم معين في الشريعة، وقد دلت النصوص التي أسلفناها على أنها لا تحصل إلا بالتسمية، فالتسمية داخلة في مفهوم التذكية الشرعي، كما أن فري الأوداج داخل فيه. فذكر الله سبحانه التذكية كمفهوم كلي يشمل جميع أركانه الشرعية الثابتة بغيرها من النصوص، ومن جملتها التسمية، فالتسمية ملحوظة في قول الله عز وجل: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} .
__________
(1) نصب الراية، للزيلعي: 2/ 261
(2) التلخيص الحبير
(3) وراجع للبحث على إسناده: إعلاء السنن للتهانوي: 17/ 68
(4) الدر المنثور، للسيوطي: 3/ 42
(5) صحيح البخاري، باب التسمية على الذبيحة ومن ترك متعمدا، باب 15 من الذبائح
(6) فتح الباري: 9/ 624(10/46)
وكذلك استدل بعضهم بما أخرجه البخاري من حديث عائشة رضي الله عنها: ((أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: "سموا عليه أنتم وكلوه ". قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر)) (1)
ولكن هذا الحديث لا يتم به الاستدلال على حلة ما علم فيه باليقين أن ذابحه ترك التسمية عمدا، لأن غاية هذا الحديث حمل فعل المسلم على الوجه الصحيح، ومفاده أن المسلم إن قدم لحماً أو طعاماً، فالظاهر أنه حلال مذبوح بطريقة مشروعة، فيحمل على الظاهر، ونحن مأمورون بإحسان الظن بكل مسلم، فلا يجب البحث عن طريقة ذبحه، ما لم يتبين أنه ذبحه بطريقة غير مشروعة. وإن هؤلاء القوم الذين وقع السؤال عنهم كانوا مسلمين، وإن كانوا حديثي عهد بالكفر، كما صرحت به عائشة، فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بحمل فعلهم على الظاهر، وهو أنهم ذكروا اسم الله عليه، ولا يلزم منه حل الذبيحة إذا تيقن الرجل بأن ذابحها ترك التسمية متعمدا. ومن البديهي أن هذا الحديث صريح في أن السؤال إنما كان عن حالة لا نعلم فيها بيقين أن الذابح المسلم سمي على الذبيحة أو لم يسم؛ وهذا هو الواقع الذي يقع لمعظم المسلمين في اللحم الذي يوجد في أسواق المسلمين، فإننا لم نشاهد الذين ذبحوه هل سموا عند الذبح أم لا؟ فالحديث يبين حكم هذه الحالة، وأين ذلك من الحالة التي نعلم فيها بيقين أن الذابح ترك التسمية عن قصد وعمد؟ وكيف تقاس الحالة الثانية على الأولى؟
__________
(1) صحيح البخاري، باب ذبيحة الأعراب، رقم: 5507(10/47)
وقد يستدل بعضهم بما رواه أبو داود في مراسيله عن الصلت السدوسي مرسلا, أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكر، إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله)) (1) ، وهذا الحديث مروي عن الصلت السدوسي، وهو مجهول، كما قال ابن حزم وابن القطان: إنه لا يعرف بغير هذا الحديث، ولا روي عنه غير ثور بن يزيد (2) فإسناده لايخلو من ضعف، ولئن ثبت بطريق صحيح، فيمكن حمله على ترك التسمية في حالة النسيان، وذلك لتطبيقه على النصوص المتظاهرة المتكاثرة التي تدل على وجوب التسمية، وعلى أن ما ترك عليه التسمية عمدا حرام.
ومن أجل هذه الدلائل القوية، رجح بعض العلماء الشافعية قول الجمهور في هذا الباب. قال الحافظ ابن حجر رحمه الله:"وقواه الغزالي في الإحياء محتجا بأن ظاهر الآية الإيجاب مطلقاً وكذلك الأخبار، وأن الأخبار الدالة على الرخصة تحتمل التعميم وتحتمل الاختصاص بالناسي فكان حمله عليه أولى، لتجري الأدلة كلها على ظاهرها، ويعذر الناسي دون العامد". ولم يعقبه الحافظ بشيء (3) وقد ذكر عبارة الغزالي رحمه الله في باب ذبيحة الأعراب، ويظهر من صنيعه أنه مائل أيضا إلى ترجيح قول الجمهور في وجوب اشتراط التسمية، حيث ذكر قول الغزالي رحمه الله في ختام البحث، وضعف الحديث الذي استدل به على جواز متروك التسمية (4)
__________
(1) مراسيل أبي داود، ص 41
(2) راجع نصب الراية للزيلعي
(3) فتح الباري: 9/ 624
(4) فتح الباري: 9/ 634، رقم الباب 21(10/48)
جـ- شروط في الذابح:
ومن الشروط المهمة لحصول التذكية الشرعية أن يكون الذابح مسلما أو كتابيا، على كونه عاقلا مميزا، فلا تجوز ذبيحة غير أهل الكتاب من الكفار والمشركين، وهذا الشرط قد اتفق عليه الفقهاء، لا نعلم بينهم في ذلك خلافا، حتى حكى بعض العلماء الإجماع على ذلك (1) وإن معنى تحريم ذبيحتهم أن الكافر من غير أهل الكتاب -وإن ذبح ذبح المسلمين- فإنه لا تؤكل ذبيحته، قال الجصاص رحمه الله: "وقد علمنا أن المشركين وإن سموا على ذبائحهم لم تؤكل". (2)
ولقد شذ بعض المعاصرين، فقصر الحرمة على ذبيحة الوثنيين من أهل العرب، وأباح ذبيحة سائر الكفار غيرهم، سواء أكانوا وثنيين، أم ملحدين، أم دهريين، أم عبدة النار. وهذا قول خاطئ لا عهد به في الكتاب والسنة، ولا في أقوال السلف رحمهم الله تعالى، وإنما اشتبه الأمر عليهم بما زعموا أنه لا يوجد هناك نص صريح في الكتاب أو السنة يدل على أن ذبيحة غير أهل الكتاب من الكفار حرام، والأصل في الأشياء الإباحة، فلا يقال بحرمتها إلا بالنص (3)
__________
(1) انظر موسوعة الإجماع، لسعدي أبو جيب: 2/ 912 و 948، وسيأتي الكلام على ذبيحة المجوس
(2) أحكام القرآن للجصاص: 3/ 6
(3) فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب، للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، ص 19-22(10/49)
والواقع أن الأصل في الحيوانات الحرمة، ولا تحل إلا بما جاءت الشريعة بحله , والدليل على ذلك ما مر من حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه: " قلت: يا رسول الله، إني أرسل كلبي أجد معه كلبا آخر، لا أدري أيهما أخذه؟ فقال ((لا تأكل، فإنما سميت على كلبك، ولم تسم على غيره)) (1) فهذا الحديث يدل على أنه متى وقع الشك في حصول الذكاة الشرعية واستوى الاحتمالان، حرم أكل الحيوان، وهو دليل على أن الأصل في الحيوان الحرمة، فإنه لو كان الأصل الإباحة لما حرم الحيوان في حالة الشك.
ثم إن قول الله سبحانه قد خص الحل بذبيحة أهل الكتاب حيث قال: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، ولو كان طعام جميع الكفار حلالا لما خضهم بالذكر, وليس هذا استدلالا بمفهوم اللقب، كما زعمه بعض المعاصرين، وإنما هو رجوع في المسكوت عنه إلى الأصل، وهو الحرمة في الحيوان كما قدمنا.
__________
(1) صحيح البخاري، باب إذا وجد مع الصيد كلباً آخر، رقم 5486(10/50)
فالصحيح الذي أجمعت عليه الأمة طوال القرون أنه لا تحل الذبيحة للمسلمين إلا إذا كان الذابح مسلما أو من أهل الكتاب، والمراد بأهل الكتاب؛ اليهود والنصارى، وهناك بعض أقوال شاذة في اعتبار المجوس من أهل الكتاب استدلالا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) (1) ولكن الصحيح أن هذا الحديث إنما يتعلق بأخذ الجزية منهم، فإن الحديث ورد في هذا الموضوع, وإن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان مترددا في أنه هل تؤخذ منهم الجزية، حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه بهذا الحديث، فأخذ الجزية من المجوس. روى مالك في الموطأ عن محمد بن علي أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ذكر المجوس فقال: ما لك كيف أصنع في أمرهم؟ فقال عبد الرحمن بن عوف: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) (2)
واستدل الجمهور على اقتصار لقب أهل الكتاب على اليهود والنصارى بقول الله عز وجل: {أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ لَغَافِلِينَ} [الأنعام: 156]
وبأن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما عد المجوس من جملة أهل الكتاب، وإنما قال: ((سنوا بهم سنة أهل الكتاب)) ، يعني في أخذ الجزية، فتبين أنهم ليسوا من أهل الكتاب، وإنما يعاملون معاملة أهل الكتاب في قبول الجزية منهم.
__________
(1) راجع المحلى، لابن حزم: 7/ 456
(2) موطأ الإمام مالك، كتاب الزكاة، جزية أهل الكتاب(10/51)
مسألة ذبائح أهل الكتاب:
أما أهل الكتاب من اليهود والنصارى فقد أجمعت الأمة على أن ذبيحتهم حلال، وهم من أهل التذكية، والدليل عليه قول الله عز وجل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] ، والمراد من الطعام في هذه الآية الذبائح بإجماع أهل العلم. قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
{وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم} قال ابن عباس وأبو أمامة ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وعطاء والحسن ومكحول وإبراهيم النخعي والسدي ومقاتل بن حيان: يعني ذبائحهم. وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه تعالى وتقدس" (1)
وهل يشترط في ذبح أهل الكتاب ما يشترط في ذبح المسلمين من فري الأوداج، ومن الآلة المحددة، ومن ذكر اسم الله؟ هذه المسألة تحتاج إلى دراسة بالنظر إلى ما ادعى بعض المعاصرين من حل ذبيحتهم، بقطع النظر عن الطريق الذي اختاروه لذلك. ونريد أن نتكلم على هذه المسألة في شقين: الشق الأول: هل يجب لحل ذبيحة أهل الكتاب أن يذبحوا الحيوان بطريقة مشروعة للذبح من فري الأوداج بآلة محددة؟ والشق الثاني: هل يجب أن يذكروا اسم الله تعالى عند الذبح؟
__________
(1) تفسير ابن كثير: 19/2 طبع لاهور 1393 هـ(10/52)
أما المسألة الأولى: فالجمهور من الفقهاء على أن ذبيحة الكتابي إنما تحل إذا ذكاها بقطع العروق اللازمة بآلة محددة، وهو الحق الثابت بالأدلة الناطقة التي سنذكرها إن شاء الله تعالى، لكن زعم بعض المعاصرين أن ذبيحة الكتابي حلال، بأي طريق قتلها، لأنه داخل في عموم قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} وتمسكوا في ذلك بقول القاضي ابن العربي رحمه الله حيث قال: "ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها: هل يؤكل معه أو تؤخذ طعاما منه؟ وهي المسألة الثامنة. فقلت: تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا، إلا ما كذبهم الله سبحانه فيه" (1)
ولكن هذا القول الغريب من ابن العربي رحمه الله متعارض تمام التعارض مع الأصل الذي ذكره هو نفسه في نفس الكتاب قبل نحو صفحة من هذه العبارة، وعبارته هناك ما يلي:
"فإن قيل: فما أكلوه- أي أهل الكتاب- على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس؟ فالجواب: أن هذه ميتة، وهي حرام بالنص، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن، كالخنزير فإنه حلال لهم ومن طعامهم، وهو حرام علينا، فهذه مثله، والله أعلم" (2)
__________
(1) أحكام القرآن، لابن العربي: 2/ 556 طبع عيسى البابي الحلبي
(2) المرجع السابق: 2/ 255(10/53)
وهذا تعارض صريح في عبارتي ابن العربي، ومتى وقع التعارض بين عبارتيه، فالأجدر بالقبول ما هو ثابت بالنصوص، ومؤيد بتعامل الأمة، دون الفتوى الشاذة التي تنابذها الأدلة القوية الآتية:
1- إن الله سبحانه وتعالى قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (3) } ٍ [المائدة: 3] فحرم المنخنقة والموقوذة على الإطلاق. فيشمل كل ما مات بالخنق والوقذ، فمن يستدل بعموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} على كون مخنوقة الكتابي أو موقوذته حلالا، يلزمه أن يقول بحل الخنزير الذي ذبحه كتابي، لأنه من جملة "طعام أهل الكتاب "، فإن تمسك بالآية المذكورة في حرمة لحم الخنزير، فإن نفس الآية تحرم المنخنقة والموقوذة، ولا سبيل إلى التفريق بينهما, فإن خصت الآية المذكورة لحم الخنزير من عموم "طعام أهل الكتاب " فإنها خضت المنخنقة والموقوذة أيضا على قدم سواء، بل بالطريق الأولى، لأن الخنزير حلال في دينهم، والمنخنقة والموقوذة حرام في أصل دينهم، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، فإن كان الطعام الذي هو حلال في دينهم- وهو الخنزير- مستثنى من طعام أهل الكتاب المباح للمسلمين، فالطعام الذي هو حرام في أصل دينهم - وهو لحم المنخنقة والموقوذة- يكون مستثنى بالطريق الأولى.(10/54)
2- قد تقرر في أصول الفقه واللغة أنه متى ورد حكم على اسم مشتق، فمادة اشتقاقه هي العلة لذلك الحكم, مثلا إذا قلنا: أكرموا العلماء، فإن حكم الإكرام ورد على العلماء الذي هو اسم مشتق، فمادة اشتقاقه، وهي العلم، علة الإكرام، وهذا واضح مسلم. فإذا ورد حكم الحرمة في آية المائدة على المنخنقة والموقوذة فإن الخنق والوقذ علة لهذا الحكم, وإن ذلك يدل على أنه متى وجد الخنق أو الوقذ، ثبت حكم الحرمة، ولا تأثير في ذلك لديانة الخانق أو الواقذ، فيحرم الحيوان بالخنق والوقذ، سواء كان الفاعل مسلما أم كتابيا.
3- غاية ما يثبت من قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} أنهم في أمر الذبائح في حكم المسلمين سواء بسواء، لا أنهم يفوقون المسلمين، حتى يحل منهم ما يحرم من المسلمين، ونتيجة قول ابن العربي أن تكون للكفار مزية على المسلمين من حيث إن ما يقتلونه بأي طريق حلال طيب، وما يقتله المسلم بنفس الطريقة حرام , وهذه النتيجة باطلة بالبداهة.
4- من المسلم في الأمة الإسلامية أن الكفار كلهم ملة واحدة، وكان هذا الأصل يقتضي أن يكون أهل الكتاب مثل الكفار الآخرين في تحريم ذبيحتهم، ولكن الشريعة الإسلامية ميزت أهل الكتاب من بين سائر الكفار في أمر الذبيحة والمناكحة، لأن أحكام الذبح والنكاح عندهم كانت مماثلة لأحكام الإسلام في كلا الأمرين, فكانوا يراعون في الذبح نفس الشروط التي فرضها الإسلام على المسلمين, وهذه الأحكام موجودة حتى الآن في كتبهم المقدسة، بالرغم من التحريفات الكثيرة التي وقعت فيها. وإليكم بعض النصوص من كتابهم المقدس:
جاء في سفر اللاويين (الذي قد يسمى سفر الأحبار) :
"وأما شحم الميتة وشحم المفترسة، فيستعمل لكل عمل لكن أكلا لا تأكلوه" (لاوليين 7: 24) .
وجاء في سفر الاستثناء:
"وأما ذبائحك فيسفك دمها على مذبح الرب إلهك، واللحم تأكله. احفظ واسمع جميع هذه الكلمات التي أنا أوصيك بها لكي يكون لك ولأولادك من بعدك خير إلى الأبد إذا عملت الصالح والحق في عيني الرب إلهك" (الاستثناء: 12: 27 و 28)(10/55)
وهذان الكتابان يعترف بهما كل من اليهود والنصارى.
أما كتب النصارى فقط، فقد جاء في سفر أعمال الرسل- المنسوب إلى لوقا:
"لأنه قد رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلا أكثر، غير هذه الأشياء الواجبة، أن تمتنعوا عما ذبح للأصنام، وعن الدم، والمخنوق، والزنا". (أعمال 15: 28) .
وجاء في موضع آخرمن نفس الكتاب:
"وأما من جهة الذين آمنوا من الأمم، فأرسلنا نحن إليهم وحكمنا أن لا يحفظوا شيئاً مثل ذلك سوى أن يحافظوا على أنفسهم مما ذبح للأصنام، ومن الدم، ومن المخنوق، والزنا". (أعمال 21: 25) .
وإن بولوس (St'paul) الذي هو رسول في زعم النصارى، وهو المقتدى عندهم، يكتب في رسالته الأولى إلى أهل كورنثوس:
"بل إن ما يذبحه الأمم فإنما يذبحونه للشياطين لا لله، فلست أريد أن تكونوا أنتم شركاء الشياطين، لا تقدرون أن تشربوا كأس الرب وكأس الشياطين، لا تقدرون أن تشتركوا في مائدة الرب وفي مائدة شياطين" (1- كورنثوس 10: 20و21) .
ويجدر بالذكر أن بولوس هو الشخص الذي حكم- بالرغم من نصوص سيدنا عيسى عليه السلام- بنسخ جميع أحكام التوراة في حق النصارى، ومع ذلك فإنه أبقى الأحكام المتعلقة بالذبح محكمة غير منسوخة، فحرم الحيوان المخنوق، وأوجب أن يكون الذبح لله تعالى. وبهذا يتبين أن أحكام الذبح في أصل دين النصارى كانت باقية على نحو ما كانت عند اليهود, وإن كتب اليهود مملوءة بالأحكام التفصيلية للذبح, وجاء في كتاب مشنا، وهو المرجع الأساسي للأحكام المشروعة عند اليهود:
'If he slaughtered with a hand- sickle or with a b lint or with a reed. what he slaugters is valid.All may slaughter and at any time and with any implement excepting a reaping sickle or a saw or teeth or the finger- nails , since these choke".
"إن ذبح المرء بشفرة يدوية أو بزجاج حاد أو بقصب، فإن ما يذبحه حلال. كل أحد يستطيع أن يذبح، وفي أي وقت وبأية أداة، إلا بالمحصدة أو بالمنشار أو بالسن أو بظفر الأصابع، لأنها تخنق" (1)
__________
(1) The mishnah , hullin. l. p. 513 , oxford 1987.(10/56)
وإن الدكتور هربرت دينبي يكتب تحت هذا النص من مشنا أن أحكام الذبح التي اعتبرها اليهود جزء للشريعة التي أوتي موسى عليه السلام على الطور تتلخص في خمسة:
(أ) يجب أن لا تقع هناك وقفة في إمرار السكين، بل يجب أن يستمر السكين في حركات قدامية وخلفية.
(ب) يجب أن لا يضغط الحيوان بثقل.
(ج) يجب أن لا يضغط بالسكين على الجلد أو على الحلقوم والمريء.
(د) يجب أن لا يتجاوز السكين الموضع المعلوم من الحلق.
(هـ) يجب أن لا يؤثر عمل الذبح في إزالة الحنجرة أو المريء من موضعهما (1)
وإن هذه النصوص من الكتب التي يقدسها اليهود والنصارى، والتي هي المأخذ الأساسي لدينهم وشريعتهم تدل على الأمور الآتية:
أولا: أن المنخنقة والموقوذة حرام في شريعتهم، كما هو حرام في شريعتنا.
ثانياً: الظاهر أنهم يوجبون أن يكون الذبح لله، وبعبارة أخرى: بذكر اسم الله كما يظهر من رسالة بولوس إلى أهل كورنثيوس التي نقلنا عبارتها قريبا.
ثالثا: إن ابن العربي رحمه الله، حينما أفتى بحل الدجاجة التي فتل نصراني عنقها في العبارة المنقولة من أحكام القرآن- إن صحت نسبتها إليه ,فإنها متعارضة مع عبارته الأخرى في نفس الكتاب- فإنما أفتى على زعم منه أن المخنوقة حلال عند النصارى، لأنه علل هذه المسألة بقوله: (وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا) وقد تبين من النصوص النصرانية أن زعمه هذا خاطئ، فإن كتبهم المقدسة تصرح بكون المخنوق حراماً، كما حكينا عن سفر أعمال الرسل 15: 28 وا2: 25، ولئن علم أن المخنوق حرام في دينهم لما أفتى بذلك.
__________
(1) ibid , p. 513(10/57)
رابعاً: يتبين منه صحة ما قاله الحافظ ابن كثير رحمه الله:
"وهذا أمر مجمع عليه بين العلماء أن ذبائحهم حلال للمسلمين، لأنهم يعتقدون تحريم الذبح لغير الله، ولا يذكرون على ذبائحهم إلا اسم الله، وإن اعتقدوا فيه تعالى ما هو منزه عنه" (1)
5- نظرًا إلى ما سردنا من النصوص النصرانية يتحصل من حلة المخنوقة أو الموقوذة بيدِ نصرانيٍّ أنه لو كان الخانق أو الواقذ مسلما، فإن الحيوان حرام، ولو خنقه نصراني، فإن الحيوان حرام في دين النصارى أيضا ولكن نقول بأنه حلال للمسلمين، وإن كان حراما للنصارى!
فكأن كون الخانق من الكفار مزية تبرر أفعاله التي هي محظورة في شريعتنا وفي شريعتهم جميعا. وإن هذه النتائج الباطلة بالبداهة إنما تحصل إذا قلنا: إن ما قتله أحد من أهل الكتاب حلال للمسلمين، ولو قتله بطريق غير مشروع. وما يؤدي إلى مثل هذه النتائج الباطلة باطل.
6- إن ما يتميز به اليهود والنصارى من بين سائر الكفار أمران:
الأول: حل ذبيحتهم.
والثاني: حل مناكحة نسائهما، ومن المسلم أن التزوج بامرأة من أهل الكتاب إنما يحل إذا روعيت فيه جميع الشروط الواجبة في شريعتنا.
ولئن وقع النكاح بامرأة من أهل الكتاب على غير طريق المسلمين، مثل نكاح إحدى المحرمات، أو النكاح بغير شهود، أو بغير الإيجاب والقبول المشروعين؛ لا يقول بحله أحد. فتبين أن حلة نساء أهل الكتاب مشروطة بأن يقع العقد بطريق مشروع عند المسلمين، ولو وقع العقد بطريق غير مشروع فلا يصح الاستدلال على حلته بقول الله عز وجل: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ وَمَن يَكْفُرْ بِالإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} ٍ [المائدة: 5] فكيف لا تكون حلة ذبائحهم مشروطة بأن يقع الذبح بطريق مشروع؟ ولئن وقع ذبحهم بطريق غير مشروع مثل الخنق والوقذ، فكيف يصح الاستدلال على حدته بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} مع أن كلا الحكمين مقترنان في نسق واحد؟
__________
(1) تفسير ابن كثير 19/2(10/58)
7- بما أن حرمة الميتة والمنخنقة والموقوذة ثابتة بالنص القطعي المطلق، فإن فقهاء الأمة أطبقوا على حرمتها، ولو كان الخانق أو الواقذ من أهل الكتاب. ولم يقل أحد بحل المخنوقة أو الموقوذة بيد كتابي فيما نعلم إلا ابن العربي في عبارته المذكورة، وهي متعارضة كما رأيت بعبارته الأخرى المذكورة في نفس الكتاب قبل نحو صفحة فقط. أفتترك نصوص الكتاب والسنة والأدلة القوية التي ذكرناها بمجرد فتوى شاذة لابن العربي في حين أنها متناقضة، وفي حين أنها مبنية على زعم أن المخنوقة حلال في دين النصارى، وقد تبين خطؤه بنصوص كتبهم المقدسة؟.
ولو قطعنا النظر عن التناقض في عبارتي ابن العربي، وسلمنا أن ذلك مذهب له، فإن هذا مذهب شاذ ترده نصوص الكتاب والسنة والأدلة القوية التي أخذ بها جماهير علماء الأمة، فلا يجدر بأن يؤخذ بها في مثل هذه القضية الخطيرة التي متى وقع فيها الشك بين الحل والحرمة يرجح جانب الحرمة، فكيف إذا كان جانب الحرمة هو المتعين بالنظر إلى النصوص القطعية واتفاق أهل العلم؟
فالحق الصريح أنه لا تحل ذبيحة أهل الكتاب إلا إذا ذبحوا الحيوان بالطريق المشروع من قطع العروق وإسالة الدم، ولا يحل الحيوان إذا قتلوه بخنق أو وقذ، أو بأي طريق آخر غير مشروع.(10/59)
هل التسمية شرط في ذبيحة الكتابي؟
المسألة الثانية: هل يجب لحل ذبيحة أهل الكتاب أن يذكروا اسم الله عند الذبح؟ اختلف فيه الفقهاء على أقوال:
القول الأول: إن التسمية شرط لذبيحة المسلم والكتابي سواء بسواء. وهو مذهب الحنفية والحنابلة. قال ابن قدامة رحمه الله:
"فالتسمية مشترطة في كل ذابح مع العمد، سواء كان مسلما أو كتابيا, فإن ترك الكتابي التسمية عن عمد، أو ذكر اسم غير الله لم تحل ذبيحته. وروي ذلك عن علي، وبه قال النخعي والشافعي (1) وحماد وإسحاق وأصحاب الرأي. " (2)
__________
(1) هكذا ذكر ابن قدامة مذهب الشافعي، والمشهور عنه أنه لا يوجب التسمية للمسلمين، فكيف بأهل الكتاب؟ إلا أن يقال: إنه لا يقول بحل الذبيحة إذا ترك عليها التسمية استخفافاً وتهاوناً، والظاهر من الكافر أنه يترك استخفافا، فلا تحل ذبيحته عنده من هذه الجهة إذا ترك التسمية، والله سبحانه أعلم.
(2) المغني لابن قدامة: 11/ 56(10/60)
وقال الكاساني في البدائع:
"ثم إنما تؤكل ذبيحة الكتابي إذا لم يشهد ذبحه ولم يسمع منه شيء، أو سمع وشهد منه تسمية الله تعالى وحده، لأنه إذا لم يسمع منه شيء، يحمل على أنه قد سمى الله تبارك وتعالى وجرد التسمية، تحسينا للظن به كما بالمسلم (1) ولو سمع منه ذكر اسم الله تعالى، لكنه عنى بالله عز وجل المسيح عليه الصلاة والسلام، قالوا: تؤكل، لأنه أظهر تسمية هي تسمية المسلمين، إلا إذا نص فقال: بسم الله الذي هو ثالث ثلاثة، فلا تحل.
وقد روي عن سيدنا علي رضي الله عنه أنه سئل عن ذبائح أهل الكتاب وهم يقولون ما يقولون، فقال رضي الله عنه: قد أحل الله ذبائحهم وهو يعلم ما يقولون. فأما إذا سمع منه أنه سمي المسيح عليه الصلاة والسلام وحده، أو سمي الله سبحانه وتعالى وسمي المسيح، لا تؤكل ذبيحته. كذا روي عن سيدنا علي رضي الله عنه، ولم يرو عنه غيره خلافه" (2)
__________
(1) هذا إذا عرف من أهل الكتاب أنهم يسمون الله تعالى عند الذبح عموما. أما إذا عرف منهم ترك التسمية فلا
(2) بدائع الصنائع: 5/ 46(10/61)
والقول الثاني: إنه لا يجب لحل ذبيحة الكتابي أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح، فتحل الذبيحة إذا سكت عن التسمية, أما إذا ذكر غير الله تعالى مثل اسم المسيح وغيره فلا تحل ذبيحته، وهو قول المالكية. جاء في الشرح الصغير للدردير:
"وجب عند التذكية ذكر اسم الله بأي صيغة من تسمية أو تهليل أو تسبيح أو تكبير، لكن لمسلم لا كتابي، فلا يجب عند ذبحه ذكر الله، بل الشرط أن لا يذكر اسم غيره مما يعتقد ألوهيته) (1)
والقول الثالث: لا تجب التسمية لحل ذبيحة الكتابي، وتحل ذبيحته ولو سمي غير الله تعالى، وهو مروي عن عطاء ومجاهد، ومكحول، كما حكى عنهم ابن قدامة في المغني (2)
وإذا تأملنا في النصوص، وجدنا أن القول الأول هو الراجح، وذلك لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} وإن صيغة المجهول في {لَمْ يَذْكُرِ اسْمُ اللَّهِ} دليل واضح على أن ترك التسمية محرم للحيوان، سواء أكان الذابح مسلما أم كتابيا. وكذلك قول الله عز وجل في معرض بيان المحرمات: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} وَرَدَ بِصِيغَة الْمَجْهُولِ، فشمل ما إذا كان الذابح مسلما أو كتابيا, وكذلك قوله تعالى: {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ}
__________
(1) الشرح الصغير للدردير مع الصاوي: 2/ 170 و 171
(2) المغني لابن قدامة: 11/ 56(10/62)
وقد سبق منا أن كلا من اليهود والنصارى كانوا يذبحون الحيوانات على اسم الله تعالى، وقد حرم بولس على النصارى ما تذبحه الأمم الأخرى، لكونها تذبح للشياطين لا لله، كما مر من نصه في رسالته الأولى إلى أهل كورنثيوس (10: 20و21) ومن أجل هذا أبيحت ذبائح أهل الكتاب للمسلمين، كما سبق عن الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى. فإذا تركوا التسمية أو سموا غير الله تعالى، فقدت العلة التي أحلت ذبائحهم بسببها، وعادت الحرمة. وإن معظم ما ذكرنا من الأدلة على حرمة المخنوقة أو الموقوذة بيد كتابي، ينطبق على موضوع ذكر اسم الله تعالى أيضا، غير أن قضية ترك التسمية أخف بالنسبة إلى مسألة الخنق والوقذ، من جهة أن حرمة متروك التسمية من ذبائح أهل الكتاب مسألة مجتهد فيها، كما ذكرنا. أما مسألة الخنق والوقذ فليست محل اختلاف فيما بين الأئمة المتبوعين، ولا عبرة بعبارة ابن العربي المتعارضة، حتى تجعل المسألة خلافية. فالصحيح الراجح المؤيد بالنصوص الظاهرة أن ذبائح أهل الكتاب إنما تحل إذا راعوا جميع شروط الذبح المنصوصة في القرآن والسنة، وكان ذلك هو المعهود منهم حين نزلت الرخصة في أكل ذبائحهم، والله سبحانه وتعالى أعلم.(10/63)
ذبائح الماديين والدهرين المتسمين باسم النصارى:
ثم إن حلة ذبائح أهل الكتاب إنما يشترط لها أن يكون الذابح على دين النصارى واليهود، معتقدا مبادئ دينهم الأساسية، وإن كانت تلك المبادئ تخالف الإسلام، مثل عقيدة التثليث والكفارة، والإيمان بالتوراة والإنجيل المحرفتين، لأن الله سبحانه وتعالى سماهم أهل الكتاب بالرغم من كونهم يعتقدون هذه العقائد الباطلة عند نزول القرآن، وقد صرح بذلك القرآن الكريم حيث قال: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللهِ ذَلِكَ قَوْلُهُم بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِؤُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} [التوبة: 30] ، وقال: {لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ ثَالِثُ ثَلاَثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلاَّ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِن لَّمْ يَنتَهُواْ عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} [المائدة: 73] ، و {يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ} [المائدة: 13] ، وقال الجصاص رحمه الله تعالى: (وروى عبادة بن نسي، عن غضيف بن الحارث: أن عاملا لعمر بن الخطاب كتب إليه أن ناسا من السامرة يقرءون التوراة ويسبتون السبت ولا يؤمنون بالبعث، فما ترى؟ فكتب إليه عمر أنهم طائفة من أهل الكتاب) (1)
__________
(1) أحكام القرآن، للجصاص: 2/ 323(10/64)
فثبت بهذا أنه لا يشترط في كون الرجل من أهل الكتاب أن يؤمن بالتوحيد الخالص كما هو عقيدة المسلمين، ولا أن يؤمن بتحريف التوراة والإنجيل الموجودتين، ولا أن يؤمن بنسخ شريعة موسى وشريعة عيسى عليهما الصلاة والسلام, بل يكفي لذلك أن يؤمن بالعقائد الأساسية التي يؤمن بها اليهود والنصارى، والتي يتميزون بها عن الملل الأخرى.
ولكن لا يكفي لاعتبار المرء من أهل الكتاب مجرد أن يكون اسمه كاسم النصارى، ولا أن يعد في عدادهم عند الإحصاءات الرسمية فحسب، بل يجب أن تكون عقائده كعقائدهم. وقد ظهر في زماننا- ولا سيما في البلاد الغربية- عدد لا يحصى من الناس، أسماؤهم كأسماء النصارى، وربما يسجلون في الإحصاءات كنصارى، ولكنهم في الواقع دهريون أو ماديون، لا يؤمنون بوجود خالق لهذا الكون، فضلا عن العقائد الأخرى، بل يستهزؤون بالأديان كلها، وإن مثل هؤلاء من الرجال ليسوا من النصارى، فلا يجوز اعتبارهم من أهل الكتاب، فلا تحل ذبيحتهم.
والدليل على ذلك واضح، وهو أن أهل الكتاب إنما تميزوا عن سائر الكفار بفضل عقيدتهم بوجود الله جل ثناؤه، وبإيمانهم بالرسل وكتبهم السماوية، فمن لا يعتقد بوجود الله رأسا، ولا بإرسال الرسل وإنزال الكتب؛ لا يسوغ أن يعتبر من أهل الكتاب. وقد روي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- مثل هذا الحكم في نصارى بني تغلب.(10/65)
قال الجصاص رحمه الله تعالى:
"وروى محمد بن سيرين عن عبيدة قال: سألت عليا عن ذبائح نصارى العرب فقال: لا تحل ذبائحهم، فإنهم لم يتعلقوا من دينهم بشيء إلا بشرب الخمر" (1)
ومعنى ذلك أن هؤلاء لا يؤمنون بالتوراة والإنجيل، ولا بعقائدهم الأساسية، فلذلك لا يمكن اعتدادهم من جملة أهل الكتاب لمجرد كونهم منسوبين إلى النصرانية.
ولكن هذا الحكم إنما يتأتى في رجل تحقق فيه أنه لا يؤمن بالله ولا بالرسل ولا بالكتب السماوية. أما إذا كان الرجل باسمه ومظهره نصرانيا، يجوز أن نعتبره من النصارى، ما لم يتبين أن عقائده كعقائد الماديين.
حكم ما جهل ذابحه:
إذا جهل الذابح وطريق ذبحه، فإن ذلك لا يخلو من أحوال آتية:
1- إذا كان البلد مسلما، بمعنى أن أغلبية سكانها مسلمون، فما يوجد في أسواق ذلك البلد يحل أكله، ولو لم نعرف الذابح بعينه، أو لم نعرف هل سمي على الذبيحة أم لا؛ لأن ما وجد في بلاد الإسلام يحمل على كونه موافقا للأحكام الشرعية، ونحن مأمورون بإحسان الظن بالمسلمين, والأصل في ذلك حديث عائشة رضي الله عنها:
((أن قوماً قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا، فقال: سموا عليه أنتم وكلوه)) .
قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر (2)
__________
(1) أحكام القرآن، للجصاص: 2/ 323
(2) صحيح البخاري، باب ذبيحة الأعراب ونحوهم، رقم الحديث: 5507(10/66)
وقال الحافظ ابن حجر في شرح هذا الحديث:
"قال ابن التين: وأما التسمية على ذبح تولاه غيرهم من غير علمهم فلا تكليف عليهم فيه، وإنما يحمل على غير الصحة إذا تبين خلافها، ويحتمل أن يريد أن تسميتكم الآن تستبيحون بها أكل ما لم تعلموا أذكر اسم الله عليه أم لا، إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته إذا سمي. ويستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين، لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية، وبهذا الأخير جزم ابن عبد البر) (1)
ثم قول عائشة رضي الله عنها:"وكانوا حديثي عهد بالكفر" يدل على أنه كان يخشى منهم أن لا يعرفوا وجوب التسمية عند الذبح، ومع ذلك أجاز رسول الله صلى الله عليه وسلم أكل اللحم، لأن أمر المسلم، وإن كان جاهلا، يحمل على الصحة ما لم يتيقن المرء أنه باشر عملا على غير وجهه الصحيح. وإلى هذا المعنى أشار البخاري رحمه الله حيث ترجم على هذا الحديث: (باب ذبيحة الأعراب ونحوهم) وقد وقع التصريح بكونهم من الأعراب في رواية النسائي، كما حكى عنه الحافظ في الفتح, والأعراب يقل علمهم عادة.
2- أما إذا كان غالب أهل البلد من الكفار غير أهل الكتاب، فاللحم المعروض للبيع في السوق لا يحل للمسلمين، حتى يتبين بيقين أو بالظن الغالب أن هذا اللحم بعينه ذبحه مسلم أو كتابي بالطريق المشروع. وهذا ظاهر جدا.
3- وكذلك الحكم إذا كان أهل البلد مختلطين ما بين مسلم ووثني أو مجوسي؛ لأن ما وقع فيه الشك لا يحل حتى يتبين كونه حلالا، والدليل على ذلك حديث عدي بن حاتم رضي الله عنه الذي مر فيما قبل، حيث حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم الصيد الذي شارك في اصطياده كلاب أخرى.
4- أما إذا كان غالب أهل البلد من أهل الكتاب، فالأصل فيه ما سبق من حكم بلاد المسلمين، فإن أهل الكتاب حكمهم في أمر الذبيحة حكم المسلمين, لكن إذا عرف باليقين أو بالظن الغالب أن أهل الكتاب في ذلك البلد لا يذبحون الحيوان بالطريق المشروع، فلا يحل أكل اللحم حتى يتبين أن هذا اللحم بعينه حصل بالذكاة المشروعة، وهذا هو الحال في معظم البلاد الغربية اليوم, كما سنذكره إن شاء الله تعالى.
__________
(1) فتح الباري: 9/ 635 و 636(10/67)
طرق الذبح الآلية الحديثة:
قد سبب ازدياد العمران وكثرة متطلباتهم الغذائية أن تستخدم الأجهزة الآلية (الأوتوماتيكية) لذبح الحيوانات أيضا, وقد أنشئت لذلك مجازر ومسالخ ضخمة تبلغ منتجاتها آلاف الحيوانات كل يوم, فلا بد من معرفة حكمها الشرعي, وإن استخدام مثل هذه الأجهزة يختلف طريقه بالنسبة إلى نوع الحيوان, فطريق الذبح في الدجاج يختلف عن طريقه في البقر والغنم.
ذبح الدجاج:
أما الطريق الذي يستخدم في ذبح الدجاج- وقد شاهدته في كندا، وجنوب إفريقيا، وفي جزيرة ري يونين- أن الجهاز الواحد- وهو كبير جدا- يتكفل جميع مراحل الذبح والإنتاج، بحيث يدخل فيها الدجاج من طرف واحد، ويخرج لحمه الصافي معلبا من الطرف الآخر, وجميع المراحل ما بين ذلك؛ من ذبحه، ونتف ريشه، وإخراج أمعائه، وتنظيف لحمه، وتقطيعه وتعليبه، تتم بواسطة الجهاز الكهربائي, وإن هذا الجهاز يحتوي على قضيب حديدي طويل ينصب في عرض القاعة ما بين الجدارين، وإن هذا القضيب في أسفله علاقات كثيرة تتجه عراها إلى الأرض. فيؤتى بمئات من الدجاج في شواحن كبيرة، ثم يعلق كل دجاج برجليه، بحيث تعلق رجلاه في عروة العلاقة، وسائر جسمه معلق معكوسا- بمعنى أن حلقومه ومنقاره متجه إلى الأرض- وإن هذه العلاقات تسير على القضيب مع الدجاج المعلقة، حتى تأتي إلى منطقة ينصب فيها الماء البارد من فوقٍ في صورة شلالة صغيرة، فتمر بهذه الدجاج من خلال هذا الماء البارد, والمقصود بغمسها في الماء تنظيفها من الأدران، وفي بعض الحالات يحتوي هذا الماء على تيار كهربائي يخدر الدجاج,(10/68)
ثم تأتي هذه العلاقات إلى منطقة وضع في أسفلها سكين دوار يدور بسرعة شديدة، وإن هذا السكين الدوار منصوب في مكان تصل إليه أعناق الدجاج المعلقة معكوسة، فحينما تأتي العلاقة في هذه المنطقة فإنها تدور حول هذا السكين الدوار بشكل هلالي، فتصل أعناق عديد من الدجاج إلى طرف هذا السكين الدوار دفعة واحدة وتمر عليه، فيقطع السكين حلقوم كل واحد منها تلقائيا، ثم تتقدم العلاقات إلى الأمام وقد فرغ الجهاز من قطع حلقوم الدجاجات المعلقة فيها, وبعد قليل تمر على منطقة ينصب فيها الماء من فوق مرة أخرى، ولكن هذا الماء حار، ومقصود المرور عليه نتف ريش الدجاج, ثم هناك مراحل أخرى من إخراج أمعائه وتصفيته وتقطيعه في نفس الجهاز، ولكن نترك ذكرها لكونها خارجة عن عملية الذبح المقصودة بالبحث هنا, والجدير بالذكر أن هذا الجهاز الكهربائي لا يزال يسير طوال النهار، وأحيانا على مدار الساعة، لا يقف إلا في حالات استثنائية,
وإن ما يحتاج إلى البحث في هذه الطريقة من الناحية الشرعية أمور أربعة:
الأول: المرور على الماء البارد الذي فيه تيار من الكهرباء.
الثاني: قطع الحلقوم بالسكين الدوار.
الثالث: المرور على الماء الحار.
الرابع: كيف يتأدى واجب التسمية في هذا الطريق الميكانيكي؟(10/69)
أما المرور على الماء البارد قبل قطع حلقوم الدجاج، فلا يستخدم هذا الطريق في جميع المسالخ، بل يستغنى عنه في كثير منها, وإن كان الماء البارد بدون أثر كهربائي فهذا لا يؤثر في قضية الذبح، فإن كان في الماء أثر من الكهرباء، فإن ذلك لا يسبب موت الحيوان عادة، وإنما يخدر دماغه، والتخدير وإن كان يسبب انكماشا في القلب، فلا يخرج منه الدم عادة بذلك المقدار الذي يخرج من المذبوح بدون التخدير, ولكن مجرد ذلك لا يجعل الحيوان ميتة, ولكن إذا تحقق في حيوان بعينه أن هذه العملية سببت موته فلا يجوز أكله، وإن قطع حلقومه بعد ذلك بطريق مشروع, فلا بد من التأكد من أن برودة الماء أو تيار الكهرباء ليسر بتلك القوة التي تكون كافية لموت الحيوان، ثم لابد من مراقبة ذلك مراقبة دقيقة، حتى لا يخرج منه حيوان ميت، ومع ذلك فتركه أولى، للابتعاد عن أية شبهة.
وأما الذبح بالسكين الدوار، فإن هذا السكين يشبه الرحى وأطرافه حادة، وإن هذا الرحى لا يزال يدور بسرعة، وتمر على أطرافه أعناق الدجاج من جانب الحلقوم فتقطع تلقائيا، والظاهر أنه يقطع عروق الدجاج، ولكن قد يحدث أن تتحرك الدجاجة في العلاقة لسبب من الأسباب، فلا ينطبق عنق الدجاج على طرف السكين الدوار، فإما أن لا يقطع عنقه بتاتا، أو يقطع جزء قليل منه بحيث يقع الشك في قطع العروق، وفي كل من الحالتين لا تحصل به الذكاة الشرعية.(10/70)
أما قضية التسمية، فإنها صعبة جدا في استخدام هذا الطريق، فالمشكلة الأولى في تعيين الذابح، لأن التسمية إنما تجب على الذابح، حتى لو سمي رجل وذبح غيره لا يجوز, فالسؤال إذن، من هو الذابح في هذا الجهاز الميكانيكي؟ فيحتمل أن نقول: إن من شغَّل هذا الجهاز لأول مرة يعتبر ذابحا، لأن عمليات الأجهزة الكهربائية إنما تنسب إلى من شغلها؛ لأن الآلة ليست من ذوي العقول حتى ينسب إليها الفعل، فينسب الفعل إلى من استعملها، فيصير هو الفاعل بواسطة الآلة, ولكن المشكلة هنا: أن من يشغل هذا الجهاز في أول النهار مثلا، إنما يشغله مرة واحدة، ثم لا يزال يسير الجهاز طول أوقات العمل، وفي بعض الأحيان على مدار الساعة، فيقطع أعناق آلاف من الدجاج, فإذا سمي من شغله في أول النهار مرة واحدة، فهل تكفي هذه التسمية الواحدة للآلاف من الدجاج التي تذبح بهذا التشغيل في سائر النهار؟ والظاهر من النص القرآني: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} أن كل حيوان يحتاج إلى تسمية مستقلة يذبح بعدها على الفور، وعلى هذا الأساس استنبط الفقهاء الأحكام الآتية:
"وأما الشرط الذي يرجع إلى محل الذكاة، فمنها تعيين المحل بالتسمية في الذكاة الاختيارية, وعلى هذا يخرج ما إذا ذبح وسمي، ثم ذبح أخرى، يظن أن التسمية الأولى تجزئ عنهما؛ لم تؤكل، فلا بد أن يجدد لكل ذبيحة تسمية على حدة" (1)
__________
(1) الفتاوى الهندية، كتاب الذبائح، الباب الأول: 5/ 286(10/71)
"ولو أضجع شاة وأخذ السكين وسمى، ثم تركها وذبح شاة أخرى وترك التسمية عامدا عليها لا تحل". كذا في الخلاصة.
"وإذا أضجع شاة ليذبحها وسمي عليها، ثم كلم إنسانا، أو شرب ماء، أو حدد سكينا، أو أكل لقمة أو ما أشبه ذلك من عمل لم يكثر، حلت بتلك التسمية، وإن طال الحديث وكثر العمل كره أكلها، وليس في ذلك تقدير، بل ينظر فيه إلى العادة، إن استكثره الناس في العادة يكون كثيراً، وإن كان يعد قليلا فهو قليل" (1)
وقال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
"والتسمية على الذبيحة معتبرة حال الذبح أو قريباً منه، كما تعتبر على الطهارة, وإن سمي على شاة ثم أخذ أخرى فذبحها بتلك التسمية لم يجز، سواء أرسل الأولى أو ذبحها، لأنه لم يقصد الثانية بهذه التسمية, وإن رأى قطيعا من الغنم فقال: بسم الله. ثم أخذ شاة فذبحها بغير تسمية لم يحل, وإن جهل كون ذلك لا يجزئ، لم يجر مجرى النسيان؛ لأن النسيان يسقط المؤاخذة، والجاهل مؤاخذ، ولذلك يفطر الجاهل بالأكل في الصوم دون الناسي؛ وإن أضجع شاة ليذبحها وسقى، ثم ألقى السكين وأخذ أخرى، أو رد سلاما، أو كلم إنسانا أو أستسقى ماء ونحو ذلك وذبح حل؛ لأنه سمي على تلك الشاة بعينها ولم يفصل بينهما إلا بفصل يسير، فأشبه ما لو لم يتكلم) . (2)
__________
(1) الفتاوى الهندية، كتاب الذبائح، الباب الأول: 5/ 288
(2) المغني لابن قدامة: 11 / 33(10/72)
وقال المواق المالكي رحمه الله تعالى:
"قال مالك: لا بد من التسمية عند الرمي وعند إرسال الجوارح وعند الذبح لقوله {وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} (1)
وهذه العبارات الفقهية صريحة في أن الجمهور من الأئمة الذين يشترطون التسمية عند الذبح يشترطون أن تقع التسمية على حيوان بعينه، وأن تكون عند الذبح، وأن لا يفصل بين التسمية وبين الذبح فاصل يعتد به.
وهذه الشروط مفقودة في الطريق المذكور من الجهاز الميكانيكي، فإنه لو سمي من شغّله لأول مرة، لم يسم على حيوان بعينه، وقد وقع بين تسميته وبين ذبح آلاف الدجاج فاصل كبير، ربما يمتد إلى نهار كامل، أو يوم أو يومين، فالظاهر أن هذه التسمية لا تكفي لذكاة هذه الحيوانات بأجمعها، وهذا قريب مما ذكره ابن قدامة أن من رأى قطيعا من الغنم فقال: بسم الله، ثم أخذ شاة فذبحها بغير تسمية، فإنه يحرم (2)
__________
(1) التاج والإكليل بهامش مواهب الجليل: 3/ 219، كتاب الذكاة
(2) وهذه المسألة مذكورة أيضا في الفتاوى الهندية: 5/ 289(10/73)
وقد يستشكل هذا بما ذكره بعض الفقهاء:
(ولو أضجع إحدى الشاتين على الأخرى تكفي تسمية واحدة إذا ذبحهما بإمرار واحد، ولو جمع العصافير في يده فذبح وسمي، وذبح آخر على أثره ولم يسم لم يحل الثاني، ولو أمرَّ السكين على الكل جاز بتسمية واحدة) (1)
وقد يتوهم منه أن مسألتنا مشابهة لمن أضجع شاتين، أو جمع العصافير في يده، حيث تكفي تسمية واحدة، ولكن الحق أن مسألتنا لا تنطبق على هاتين الصورتين، لأن ذبح الشاتين أو العصافير إنما وقع في فور واحد، دون أن يقع بين التسمية وبينه فصل يعتد به، ولذلك قد صرح في نفس الجزئية المذكورة، أن الذابح إن جمع العصافير في يده وذبح بعد التسمية، ثم ذبح عصفورا آخر على أثره لم يحل هذا العصفور الأخير، لأن ذبحه قد انفصل عن العصافير التي ذبحت في فور واحد. أما في مسألتنا فلا نستطيع أن نقول: إن جميع ما ذبح من الدجاج في مدة يوم أو يومين مذبوح في فور واحد، وإنما هي عمليات كثيرة من الذبح تقع واحدة تلو الأخرى، فالفرق واضح.
__________
(1) الفتاوى الهندية: 5/ 289(10/74)
فهذا يدل على أنه لا يكفي التسمية الواحدة من مشغل الجهاز لذبح سائر الدجاج، وإن أقيم رجل عند السكين الدوار ليسمي عندما تأتي الدجاجات إليه فيقطع حلقومها- وهذا شيء رأيته في مذبح من مذابح كندا - فإن في كون تسميته معتبرة شرعا إشكالات آتية:
الأول: أن التسمية ينبغي أن تصدر من الذابح، وهذا الرجل الواقف أمام السكين الدوار لا علاقة له بعملية الذبح، فإنه لم يشغل الجهاز، ولا أدار السكين، ولا قرب الدجاجة إليه، وإنما هو رجل منفصل عن عملية الذبح تمام الانفصال، فتسميته ليست من الذابح.
والثاني: أن السكين الدوار تأتي إليه عدة دجاجات بفصل ثوان، ولا يمكن لهذا الرجل الواقف أن يسمي على واحد من هذه الدجاجات من غير فصل.
والثالث: أن هذا الرجل الواقف إنسان، وليس جهازا أوتوماتيكيا، فلا يستطيع أن لا ينشغل بأي عمل آخر دون التسمية، فربما تعرض له حاجات تشغله عن التسمية، وفي هذه الأثناء تمر عشرات من الدجاج على السكين الدوار، فتذبح بغير تسمية. وقد شاهدت بنفسي في المذبح المذكور من كندا أن هذا الرجل يغيب عن موضعه عند الجهاز لفترات ربما تستغرق نصف ساعة أو أكثر.(10/75)
وهناك ملحظ آخر في موضوع التسمية على هذا الجهاز الأوتوماتيكي، وهو أن نقيس تشغيل الجهاز على إرسال كلب الصيد، حيث لا تجب التسمية عند هلاك الصيد، وإنما تجب عند إرسال الكلب، وقد يكون بين الإرسال وبين هلاك الصيد فاصل كبير، وقد يهلك كلب الصيد عدة حيوانات في إرسال واحد، والظاهر أن التسمية الواحدة تكفي لحل جميعها. قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
"وإن سمي الصائد على صيد فأصاب غيره حل، وإن سمي على سهم ثم ألقاه وأخذ غيره فرمى به لم يبح ما صاده به، لأنه لما لم يمكن اعتبار التسمية على صيد بعينه اعتبرت الآلة التي يصيد بها بخلاف الذبيحة". ويحتمل أن يباح قياسا على ما لو سمي على سكين ثم ألقاها وأخذ غيرها. " وسقوط اعتبار تعيين الصيد لمشقته لا يقتضي اعتبار تعيين الآلة فلا يعتبر". (1)
وهذا، وإن كان متعلقاً بالذكاة الاضطرارية، ومسألتنا تتعلق بالذكاة الاختيارية، ولا تقاس حالة الاختيار على حالة الاضطرار، ولكن إذا نظرنا إلى حاجة إكثار الإنتاج في أسرع وقت، وذلك لازدياد العمران، وتكاثر عدد المستهلكين، وقلة الذابحين، وإلى أن الشريعة إنما أسقطت اعتبار تعيين الصيد لمشقته، كما يقول ابن قدامة رحمه الله، والمعهود من الشريعة في مثله دفع الحرج، فإن ذلك ربما يبدو مبررا لقياس حالة الاختيار على حالة الاضطرار في موضوع التسمية فقط، دفعا للحرج وتيسيرا على الناس.
__________
(1) المغني لابن قدامة: 33/11 و 34(10/76)
ولست أجزم بمدى قوة هذا الملحظ، لكن أردت أن أطرحه للبحث أمام العلماء للبت في هذا الموضوع, ولم أُفتِ بذلك حتى الآن، وخاصة في حين أن عندنا بديلا مناسباً للسكين الدوار، وهو يلبي حاجة الإنتاج في نفس الوقت، وذلك أن يزال السكين الدوار عن موضعه في الجهاز، ويقوم في محله أربعة أشخاص مسلمين يتناوبون في قطع حلقوم الدجاج مع ذكر اسم الله تعالى، كلما تمر عليهم العلاقات بالدجاج, وهذا أمر اقترحته على مذبح كبير في جزيرة ري يونين، فعملوا بذلك، وقد دلت التجربة على أن ذلك لم ينقص من كمية الإنتاج شيئا؛ وذلك لأن هؤلاء الأشخاص يقطعون حلقوم الدجاج في نفس الوقت الذي كان السكين الدوار يقطعه, وإن هذا الجهاز لا يغني عن استعمال الطاقة البشرية بالكلية، فقد شاهدنا أنهم اضطروا إلى تعيين رجال يقومون في بعض المناطق التي تمر عليها هذه العلاقات، وإنهم يستعملون أيديهم أو آلات يدوية لإخراج الأمعاء وغيرها من بطن الدجاج، ولم أعرف مذبحا يستغني عن مثل هذا العمل البشري بتاتا. فإن كانوا يقيمون أشخاصا لهذا الغرض، فإنهم يستطيعون أن يقيموا أربعة أشخاص عند مرحلة الذبح أيضا، فيقع الذبح بالطريقة المشروعة بأيدي ذابحين مسلمين، يسمون الله تعالى عند الذبح، والأمور الباقية يتكفلها الجهاز.(10/77)
وإضافة إلى جزيرة ري يونين، رأيت نفس الطريق معمولا به في مذبح أكبر منه بقرب من مدينة دربن في جنوب إفريقيا، وإنتاجهم اليومي يبلغ إلى ألوف من الدجاج كل يوم، وقد قبلوا هذا الاقتراح من المسلمين، ويعملون به دون أية صعوبة.
وكذلك كلمت أصحاب المذبح الذي زرته في كندا، واقترحت عليهم هذا الاقتراح، فأبدوا صلاحيتهم للعمل بذلك إذا طلب منهم المسلمون، ولكن جمعية المسلمين التي تصدر شهادة بكون ذبائحهم حلالا، لم تقبل ذلك مع الأسف الشديد.
وما دام هذا البديل متوفرا فلا تظهر هناك حاجة كبيرة لاستخدام السكين الدوار، ولقياس الذكاة الاختيارية على الاضطرارية، والله سبحانه أعلم.
مرور الدجاج على الماء الحار:
المسألة الأخيرة في موضوع هذا الجهاز، هي أن الدجاج- بعد المرور على السكين الدوار- تمر على منطقة ينصب فيها ماء حار من الفوق، وذلك لنتف ريشها، وهذا الماء الحار يمكن أن يسبب إشكالين:
الأول: أن الدجاج إذا لم يقطع حلقومه بالسكين الدوار بصورة مقبولة شرعا، فإنها تبقى حية إلى أن تمر على هذه المنطقة التي يغطس فيها الدجاج في ماء حار، فلا يبعد احتمال أن تموت تلك الدجاجة بحرارة الماء فتكون حراما.
والثاني: قد يستشكل بعض الناس من هذا الطريق أن هذا الغطس في الماء الحار إنما يقع قبل أن تخرج النجاسات من بطن الدجاج، فربما تسري هذه النجاسات إلى لحم الحيوان بفضل الغليان، وقد ذكر الفقهاء أن مثل هذا الحيوان لا يحل أبدا. جاء في الدر المختار:
"وكذا دجاجة ملقاة حالة غلي الماء للنتف قبل شقها".(10/78)
وقال ابن عابدين تحته:
(قال في الفتح: إنها لا تطهر أبدا، لكن على قول أبي يوسف تطهر، والعلة- والله أعلم- تشربها النجاسة بواسطة الغليان) (1)
ولكن هذا الإشكال غير وارد في مسألتنا، لأن درجة الحرارة في هذا الماء لا تبلغ إلى نقطة الغليان، حيث تكون أقل بكثير من مئة درجة مئوية, ثم بقاء الدجاج في هذا الماء الحار لا يجاوز دقائق معدودة لا تكفي لتشرب اللحم النجاسة, والفقهاء الذين قالوا بنجاسة الدجاج إنما قالوا ذلك إذا كان الماء بلغ إلى درجة الغليان، ويبقى فيه الدجاج مدة تكفي لتشريب اللحم النجاسة. قال ابن عابدين رحمه الله بعد بيان المسألة المذكورة:
"وعليه اشتهر أن اللحم السميط بمصر نجس، لكن العلة المذكورة لا تثبت ما لم يمكث اللحم بعد الغليان زمانا يقع في مثله التشرب والدخول في باطن اللحم، وكل منهما غير متحقق في السميط حيث لا يصل إلى حد الغليان، ولا يترك فيه إلا مقدار ما تصل الحرارة إلى ظاهر الجلد لتنحل مسام الصوف، بل لو ترك يمنع انقلاع الشعر" (2)
وهذا ينطبق تماما على هذا الماء الحار الذي تمر من خلاله الدجاج في هذا الجهاز, وقد أدخلت يدي في الماء فلم يكن محرقا، فضلا من كونه بلغ إلى حد الغليان.
__________
(1) رد المحتار لابن عابدين: 1/ 334، قبيل فصل الاستنجاء.
(2) رد المحتار: 334/1(10/79)
نتائج البحث في الطريق الآلي لذبح الدجاج:
ويتحصل مما ذكرنا من الطريق الآلي لذبح الدجاج أن هذا الطريق فيه خلل من الناحية الشرعية بوجوه:
1- في بعض المذابح يغطس الدجاج قبل ذبحه في ماء بارد فيه تيار كهربائي، ويخشى منه أن يسبب موت الدجاج قبل ذبحه، لأن بعض المتخصصين يرون أن هذا التيار الكهربائي يحدث توقف القلب في 90 % من الدجاج، والله أعلم.
2- السكين الدوار، وإن كان كافيا لقطع العروق، في معظم الأحيان، ولكن الدجاج في بعض الحالات لا يصل عنقه تماما إلى طرف السكين، فلا يقطع حلقومه أو يقطع جزء قليل منه، بحيث تبقى العروق غير مقطوعة.
3- لا يمكن مع وجود السكين الدوار أن تقع التسمية على كل دجاجة، والتسمية عند تشغيل الجهاز، أو من قبل شخص واقف عند السكين لا يفي بالمتطلبات الشرعية.
4-إن الماء الحار الذي تمر من خلاله الدجاج يخشى منه أن يسبب موت الدجاج التي لم يقطع عنقها بالسكين الدوار أو قطع ناقصا.
وبعد النظر في الأسباب الأربعة للخلل، يتبين أن تدارك هذا الخلل ليس بعسير, ويمكن استخدام هذا الجهاز الآلي للذبح بعد إجراء بعض التعديلات في طريق استخدامه, وهي ما يلي:
ا- عدم استخدام التيار الكهربائي في الماء البارد، أو التأكد من أن هذا التيار لا يسبب توقف قلبه.
2- عدم استخدام السكين الدوار، وإقامة أشخاص مسلمين أو من أهل الكتاب يتناوبون في ذبح الدجاجات التي تمر أمامهم، وذلك بأيديهم ومع تسمية الله تعالى على كل دجاجة, وقد ذكرت طريقه التفصيلي، وأن ذلك معمول به في عدة مذابح كبيرة طلب من أصحابها المسلمون ذلك, ولا يقلل ذلك من كمية الإنتاج.
3- التأكد من أن الماء الحار الذي تمر منه الدجاجات المذبوحة لا يبلغ إلى حد الغليان.
وبمراعاة هذه الأمور الثلاثة تكون الدجاجات المذبوحة بواسطة هذا الجهاز حلالا.(10/80)
الذبح الصناعي للأنعام:
أما ذبح الأنعام من البقر والغنم من الحيوانات الكبيرة، فطريقه غير طريق الدجاج، فلا يقع إزهاق الروح فيها بالسكين الآلي، وإنما يقع بأعمال يباشرها إنسان، فمن هذه الأعمال الخنق، كما هو المتبع في الطريقة التي تسمى الطريقة الإنكليزية، ويخرق فيها الصدر بين الضلعين، وينفخ فيه حتى يختنق الحيوان بضغط هواء المنفاخ على رئتيه، ولا يخرج من الحيوان دم. ومن البديهي أن الحيوان في هذه الصورة داخل في المنخنقة التي نطق بحرمتها القرآن الكريم، وقد حققنا فيما سبق أن الخنق محرم للحم الحيوان، سواء أصدر الخنق من مسلم أم من كتابي, فلا سبيل إلى حلة الحيوان المخنوق بهذه الصفة.
ولكن في معظم المذابح اليوم يتم الذبح بأنهار الدم بقطع جانب من العنق، أو بقطع الرقبة, وبما أن الطرق في جرح الحيوان متعددة، فلا نجزم هل هي تقطع الأوداج، أو تقطع الحيوان من محل آخر، ولا يحل الحيوان حتى يثبت أنه قطع من حلقه ما يجب أن يقطع شرعاً. ولكن إذا كان الذابح مسلماً فإنه يسع له أن يذبح الحيوان بطريقة مشروعة من فري الأوداج، ولكن محل البحث في ذبيحة هذه المجازر أنهم يصرون على تدويخ الحيوان أو تخديره قبل أن يشرع الإنسان في عملية الذبح، وإن هذا التدويخ في نظرهم واجب لإراحة الحيوان عند الذبح وتخفيف ألمه. ويستعملون عدة آلات لحصر الحيوان تضمن عدم انفلاته وتقديم عنقه إلى الذابح بسهولة.(10/81)
أما التدويخ، فيقع بطرق مختلفة, ولعل من أكثرها استعمالا، هو التدويخ بالمسدس، وهذا المسدس غير مسدس الرصاص، وإنما تخرج منه عند إطلاقه إبرة أو قضيب معدني, ويضعون المسدس في وسط جبهة الحيوان فيطلقونه، فتخرج هذه الإبرة أو القضيب, وتثقب دماغ الحيوان، فيفقد الحيوان الوعي فورا، وبعد ذلك يذبح.
والطريق الثاني للتدويخ هو: استعمال مطرقة ضخمة يضرب بها الحيوان على جبهته وهي مؤلمة للحيوان، ولذلك تركوها في معظم المجازر، واستبدلوا بها طريق استعمال المسدس.
والطريق الثالث: استعمال الغاز, ويحبس فيها الحيوان في هواء يحتوي على غاز ثاني أكسيد الكربون بنسبة معلومة، وإن هذا الغاز يؤثر على دماغه فيفقده الوعي، ثم يذبح الحيوان باليد.
والطريق الرابع للتدويخ: استعمال الصدمة الكهربائية, وتوضع فيها آلة كالملقط على صدغي الحيوان، ويرسل من خلاله تيار كهربائي ينفذ إلى الدماغ، فيفقد الحيوان الوعي بسبب هذه الصدمة الكهربائية.
والحكم الشرعي لهذا التدويخ يحتاج إلى البحث من ناحيتين: الأولى: هل استخدام هذا الطريق جائز شرعا؟ والثانية: هل تكون الذبيحة حلالا إن ذبحها مسلم أو كتابي بالطريق المشروع بعد هذا التدويخ؟(10/82)
أمَّا كون هذه الطرق جائزة شرعا، فيتوقف الحكم فيه على أن هذا الطريق يخفف من ألم الذبح على الحيوان أم لا؟ وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بإحسان ذبح الحيوان والرفق به في الحديث المعروف، حيث قال: ((إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) (1)
وكان من المسلم أن الطريق الذي شرعه الإسلام من قطع عروق حلق الحيوان أحسن الطرق لإزهاق روحه وأسهلها على الحيوان, أما التدويخ ففي بعض الحالات يضر بالحيوان ويؤلمه أكثر مما يؤلمه الذبح، كالضرب بالمطرقة على جبهته، فلا شك في كون هذا الطريق غير جائز في الشريعة, أما الطرق الأخرى، فلا نجزم بأنها تخفف من ألم الحيوان أو تزيد، لأن إطلاق المسدس على الجبهة إنما يحصل به وقذ عنيف، والصدمة الكهربائية لا تخلو من ألم، وحبس الحيوان في الغاز يؤدي إلى الضيق التنفسي، ولكن خبراء علم الحيوان يدعون أن ذلك يخفف من ألمه، فإذا تحقق ذلك قطعا وأنه لا يموت به الحيوان، جاز استعمالها، وألا فلا.
__________
(1) أخرجه مسلم في الصيد، باب الأمر بإحسان الذبح والقتل، رقم: 1955, وأخرجه أيضاً الترمذي في الديات؛ باب النهي عن المثلة, وأبو داود, والنسائي, كما في جامع الأصول:481/4(10/83)
أما حكم الحيوان الذي يذبح بعد هذا التدويخ، فيتوقف فيه الحكم على أن هذا التدويخ يسبب الموت أم لا؟ ويدعي الخبراء اليوم أنه لا يسبب موت الحيوان، بل يجعله فاقد الوعي ويعدم إحساسه بالألم, ولكن هذا الادعاء محل نظر: أما التدويخ بالمسدس، فإنه يحدث وقذا عنيفا في جبهة الحيوان ودماغه، ولا يبعد أن يموت به الحيوان، فيصير موقوذة، وقد شاهدت هذا الطريق للتدويخ في مدينة ديترويت من الولايات المتحدة , فرأيت أن القضيب الخارج من المسدس دخل في دماغ البقرة بقدر طول الإصبع تقريبا, وخرج من دماغه الدم وأنهار الحيوان على الأرض فورا، وانقطعت حركات أعضائه بالكلية كأنه ميت، ولكن قال لي صاحب المجزرة الأمريكي: إن الحيوان يبقى بعد إطلاق المسدس حيا لبضع دقائق، ولو لم يذبح في خلال اثنتي عشرة دقيقة فإنه يموت, ولم أستطع أن أتأكد من مدى صحة ما أدعاه, ولكن ما رأيته جعلني أشك في ادعاء أن هذا التدويخ لا يسبب موت الحيوان، ولم يكن هناك ما يبعد احتمال أن يموت بعض الحيوانات على الأقل بهذه الصدمة العنيفة.
وأما الصدمة الكهربائية، فقد اعترف بعض الخبراء بأنها توقف حركة القلب في بعض الحالات, وكذلك الغاز إذا تجاوز نسبة معلومة يمكن أن يسبب الموت.(10/84)
وإن هذا الموضوع يحتاج إلى دراسة فنية عميقة من المتخصصين المسلمين الغيورين على دينهم، وبما أن الموضوع خارج عن اختصاصي، فلا يسع لي أن أبت فيه بشيء، وأقترح على المجمع أن يكوِّن لجنة من الخبراء المسلمين ليقدموا تقريرا بعد دراستهم للموضوع، ولا شك أن هذه الطرق للتدويخ لو كانت مسببة للموت، أو يخشى منها الموت فلا يجوز استعمالها، ولا القول بحلة الحيوان المذبوح بعد التدويخ, وما دامت هذه الطرق مشكوكة، فالأسلم أن يبتعد عنها، ومن المعروف أن اليهود لا يقبلون أي طريق للتدويخ، والمسلمون أولى منهم بالابتعاد عن الشبهات، والله سبحانه وتعالى أعلم.
حكم اللحوم المستوردة:
قد اكتظت الأسواق اليوم باللحوم المستوردة من البلاد الأجنبية، من إنكلترا، ومن الولايات المتحدة، ومن هولندا، وأستراليا، والبرازيل. وقد ثبت بما سبق من الدلائل في هذا البحث أن ذبائح أهل الكتاب إنما تحل للمسلمين إذا كانوا يراعون الشروط اللازمة للذكاة الشرعية، وكان ذلك هو المعهود منهم حينما أباح القرآن الكريم ذبائحهم, فأما اليهود، فالمعروف عنهم حتى الآن أنهم يحتفظون بأحكام دينهم في اللحوم، وقد استطاعوا أن ينظموا لأنفسهم مجازر خاصة تحت رقابة علمائهم وأحبارهم، وقد تميز لحمهم باسم: (كوشر) وهو متوفر في كل مكان يوجد فيه اليهود.(10/85)
أما النصارى، فقد خلعوا ربقة التكليف في موضوع الذبائح إطلاقا، ولا يلتزمون اليوم بالأحكام التي هي مصرحة حتى اليوم في كتبهم المقدسة، والتي نقلنا بعض نصوصها فيما سبق, وحينئذ فلا تحل ذبيحتهم حتى يثبت أنه قد توفر فيها الشروط الشرعية.
فاللحوم التي تباع في أسواق البلاد الغربية، والتي تستورد إلى البلاد الإسلامية، وجوه المنع فيها كثيرة:
ا- لا سبيل إلى معرفة ديانة ذابحه، فإن تلك البلاد يوجد فيها وثنيون، ومجوسيون، ودهريون وماديون بكثرة، فلا يحصل اليقين بكون الذابح من أهل الكتاب.
2- ولو ثبت بالتحقيق، أو بحكم غلبة السكان أن ذابحه نصراني، فلا يعرف هل هو نصراني في الواقع، أو هو مادي في عقيدته، وقد سبق أن ذكرنا أن العدد الكثير منهم لا يعتقد بوجود خالق لهذا الكون، فليس هو نصرانيا في الواقع.
3- ولو ثبت بالتحقيق، أو على سبيل الحكم بالظاهر أنه نصراني، فإن المعروف من النصارى أنهم لا يلتزمون بالطرق المشروعة للذكاة، بل منهم من يهلك الدابة بالخنق، ومنهم من يقتله بغير فري الأوداج، ومنهم من يستعمل الطرق المشتبهة للتدويخ التي فصلناها.
4-الثابت يقينا أن النصارى لا يذكرون اسم الله عند الذبح، والقول الراجح المنصور عند جمهور أهل العلم أن التسمية شرط لحل ذبائح أهل الكتاب أيضاً.
وعند وجود هذه الوجوه القوية للمنع، لا يجوز لمسلم أن يأكل هذه اللحوم التي تباع في أسواق البلاد الغربية، حتى يتيقن في لحم معين أنه حصل عن طريق الذكاة الشرعية, وقد ثبت بحديث عدي بن حاتم رضي الله عنه أن الأصل في لحوم الحيوان المنع حتى يثبت خلافه، ولذلك منع رسول الله صلى الله عليه وسلم من الصيد الذي خالط فيه كلاب غير كلاب الصائد، وكذلك ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الصيد:
((إن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل، فإنك لا تدري؛ الماء قتله أو سهمك)) (1)
__________
(1) صحيح مسلم كتاب الصيد، رقم 943، وراجع تكملة فتح الملهم: 494/3(10/86)
وبهذا يثبت أنه إذا اجتمع في حيوان وجوه مبيحة ووجوه محرمة، فالترجيح للوجوه المحرمة, وهذا أيضاً يدل على أن الأصل في اللحوم المنع، حتى يثبت يقيناً أنه حلال , وهذا أصل ذكره غير واحد من الفقهاء. وكذلك الحكم في اللحوم المستوردة، فإنها تتأتى فيها جميع الوجوه الأربعة المذكورة, أما الشهادات المكتوبة على العلب أو على الكرتونات أنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية، فقد ثبت بكثير من البيانات أنها شهادات لا يوثق بها, وقد قامت هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية مشكورة ببعث مندوبيها إلى المجازر الأجنبية التي تصدر منها اللحوم إلى البلاد الإسلامية، وقد بعث هؤلاء المندوبون بتقاريرهم لما شاهدوه في تلك المجازر، ويكفينا أن نحكي هذه التقارير وما علقت عليها هيئة كبار العلماء، فإنها كافية في إثبات ما قلنا.
(1) تقرير من الداعية الأستاذ أحمد بن صالح محايري، عن اللحوم المستوردة من البرازيل إلى المملكة العربية السعودية، نصه:
تقرير في كيفية ذبح الطيور والمواشي الواردة إلى المملكة من البرازيل: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.(10/87)
معالي الرئيس العام العلامة الوالد الشيخ عبد العزيز بن باز المحترم حفظه الله تعالى:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. وبعد,
فتنفيذا لما جاء في رسالة سماحتكم السرية رقم 4/3442 وتاريخ 21/ 6/ 1398 هـ بشأن التحري عن كيفية ذبح الطيور والمواشي الموردة إلى المملكة، فيشرفني أن أرفع لمعاليكم ما يلي:
قمت في الفترة الواقعة ما بين 14رجب (20 حزيران) 1398 هـ إلى 30من رجب 1398 هـ في جولة بطريق البر إلى سبع مدن برازيلية، فيها شركات مصدرة للحوم والدواجن، وهذه المدن هي:
كورتيبا - وتبعد عن لوندرينا 450 كيلو مترا.
بونطا كروسا - وتبعد 210 كيلو مترا.
وكومبو كراندي - وتبعد 750 كيلو مترا.
وكويابا - وتبعد 1250 كيلو مترا.
وغويانا - وتبعد 110 كيلومترا.
وبروذينتي برودينتي - وتبعد 250 كيلو مترا.
وسان جوزيف - وتبعد 375 كيلو مترا.
ومع أنني اتصلت بكافة الشركات المصدرة للحوم في هذه المدن، واطلعت على كيفية الذبح فيها، إلا أنني أقتصر في تقريري هذا- إن شاء الله- على الكلام عن الشركات الموردة للملكة العربية السعودية، وعن ملاحظاتي واقتراحاتي على ضوء ما وصلت إليه من معلومات خلال جولتي هذه.(10/88)
شركة برنسيسا للدجاج والدواجن:
ومكانها في مدينة بونتا كروسا بولاية بارانا في البرازيل، تقوم هذه الشركة بتربية الدواجن في مزارعها الخاصة، وتذبح ما ينوف عن 150 طن في الشهر، وتقوم بتغليفها وتصديرها إلى عدة بلدان عربية؛ كمسقط وعمان والكويت، والمملكة العربية السعودية، وذلك عن طريق شركة بتروبراز البرازيلية، وذلك ضمن أكياس نايلون وكراتين كتب عليها باللغة العربية: " ذبح على الطريقة الإسلامية " -وقد أدرجت طيه أحد الأكياس للإحاطة - ولما طلبت وزارة التجارة في بعض الدول الإسلامية من المستوردين أن يكون مع أوراق الاستيراد ما يثبت أن اللحم المورد ذبح على الطريقة الإسلامية؛ قامت الشركة المذكورة بالاتصال برئيس الجمعية الإسلامية في مدينة كورتيبا القريبة منها، والمدعو حسين العميري، واتفقت معه أن يشهد خطيا عند كل شحنة أن الذبح جرى وتم على الطريقة الإسلامية، وذلك لقاء نسبة ا % من قيمة الشحن تدفعها الشركة للمذكور لقاء شهادته هذه، (وتجدون طيه صورة لإحدى الشهادات التي يوقعها المذكور باللغتين العربية والبرتغالية) .(10/89)
في 14 رجب 1398 هـ توجهت من لوندرينا لهذه الشركة مارا بمدينة كورتيبا، لأصطحب معي في الزيارة حسين العميري رئيس الجمعية، وفعلا وصلت إلى مقر الشركة بصحبته في مدينة بونتا كروسا، فبعد أن رحب بنا المسؤولون طلبت مشاهدة عملية الذبح، وفعلا فقد رأيت بنفسي ما يلي:
تعلق الطيور- في هذه الشركة- من أرجلها حية منكوسة الرأس على آلة متحركة تسوقها إلى مكان فيه رجل قائم بسكينة يقطع بها وريد كل دجاجة قادمة ويبالغ في السرعة ليتمكن من قطع وريد الطير الذي يليه وهكذا ... ونفس الآلة تسوق الطير المعلق بعد عملية الذبح إلى مكان فيه ماء ساخن لتغمسه فيه، كي يتم نتفه وتنظيفه وتعبئته بالأكياس النايلون الآنفة الذكر, والمحظور في عملية الذبح المذكورة أنه لا يتحقق في الغالب قطع الوريدين؛ لعامل السرعة المفروضة على الذابح، كما أن الدجاج المذبوح يغمس في الماء المغلي بعد مدة وجيزة من الذبح- قد لا يكون الطير خلالها قد فارق الحياة- فيحصل أنه يموت خنقا، كما يجب التأكد من عقيدة الذابح هل هو كتابي أم وثني؟
بعد خروجنا من المسلخ عقدت اجتماعا مع مدير وأعضاء الشركة المذكورة، وبينت لهم المحاذير الشرعية التي لاحظتها في طريقة الذبح، وشرحت لهم كيفية الذبح الإسلامي، وطلبت منهم تطبيقه، وخاصة بالنسبة للكميات التي تصدر إلى البلاد الإسلامية.(10/90)
فقال لي مدير الشركة ما يلي:
إن شركتنا على استعداد تام لتعديل عملية الذبح كي تصبح على الشريعة الإسلامية تماما، كما يمكننا إجراء تعديل آلات الذبح نفسها، وتوظيف رجل مسلم يقوم بعملية الذبح بنفسه، ولكن لا يتحقق هذا الأمر إلا بناء على طلب مسبق يبين الكمية اللازمة للتصدير، وعلى ضوئه يمكننا تعديل الأمر حسب الشريعة الإسلامية.
وبعد أن غادرنا مكتب الشركة بينت بحكمة ووضوح لرئيس الجمعية خطأه في التوقيع على أن عملية الذبح تمت على الشريعة الإسلامية، وطلبت منه الإقلاع عن ذلك الأمر بالكلية ريثما يشرف بنفسه، أو يوظف من يشرف على عملية الذبح لتكون على الطريقة الإسلامية، فوعدني خيرا، والله أعلم.
شركة ساديا أويسته للدواجن:
من أكبر الشركات العالمية للحوم البقر والدواجن، ولها ما ينوف عن عشرين فرعا في الولايات البرازيلية، وتصدر إلى المملكة العربية السعودية ودول الخليج، ولها مذابح حديثة في كل من سان باولو وكويابا، وبورت اليكري وكامبوكراندي، والريودي جنيرو، ويبلغ تصدير هذه الشركات من الطيور فقط نحو 300 طن في الشهر، وتحصل على شهادات خطية أن الذبح على الشريعة الإسلامية من بعض الجمعيات الإسلامية في سان باولو، وأشهرها: جمعية السانتومارو الإسلامية والجمعية الخيرية الإسلامية، لقاء مساعدة مالية تدفعها الشركة للجمعيتين الموقعتين.
وتختلف طريقة ذبح الدواجن في هذه الشركة الآنفة الذكر- أعني شركة برنسيسيا- أن الأولى: تذبح الطير المعلق من قدمه في الآلة المتحركة بطريقة أكثر تؤدة، مما يجعل قطع الوريدين قد يتحقق في الغالب، ولكن المحظور يبقى قائما؛ وهو أن الآلة تغمس الذبيحة في الماء الساخن المغلي قبل أن تفارق الروح، كما ليس من المؤكد في هذه الشركة أن يكون الذابح كتابيا، هذا فيما يتعلق بذبح الدواجن في هذه الشركة.(10/91)
أما فيما يتعلق بذبح الأبقار وتصديره إلى المملكة بواسطة هذه الشركة (ساديا) فأرفع لمعاليكم ما يلي:
في يوم الأحد 0 2 رجب (25 حزيران) 1398 هـ، سافرت إلى مدينة كويابا مارا ومدينتي بروذينتي وكومبوكراندي، وفي يوم الخميس 24 رجب (29 حزيران) 1398 هـ ذهبت بصحبة رئيس الجمعية الإسلامية في مدينة كويابا- الأستاذ خالد القرعاوي مع سكرتير الجمعية الأخ فيصل فارس- لزيارة هذه الشركة.
وبعد أن عقدنا اجتماعا مع مدير الشركة المدعو أديسون جواو فرانسيكون ولفيف من المسؤولين، وبينت لهم في الاجتماع محاسن الذبح على الطريقة الإسلامية، فأخبرني مدير الشركة بأن الشركة كانت تصعق بالكهرباء الذبائح، وتقوم بسلخها بعد ذلك دون أن يخرج الدم، إلا أن الشركة اكتشفت بأن اللحوم التي تذبح بطريقة الصعق الكهربائي سريعا ما تفسد- ولو كانت في الثلاجات- وسريعا ما يتغير لونها إلى رمادي قاتم، حتى أوصى الأطباء البيطريون العاملون في الشركة بوجوب قتل الذبيحة بطريقة يخرج فيها كل الدم، فقاطعته قائلا: والدم لا يخرج من الذبيحة كلية إلا إذا مر من الوريدين بقطعهما وليس من مكان آخر، فقال: وهكذا نفعل هنا، إذ نذبح يوميا (1500) ألف وخمسمائة رأس بقر للتصدير، فطلبت منه أن أرى بنفسي طريقة الذبح,(10/92)
فألبسونا ألبسة خاصة وأدخلونا إلى المسلخ- وهو مكان فسيح جدا- إلى أقسام، وعند المدخل يساق الثور إلى مكان ضيق، ثم يغلق عليه بطريقة لا يستطيع الخلاص، ثم يقوم أحدهم بمطرقة في يده بضرب رأس الثور ضربة غير مميتة بقصد أن يغيب الثور عن وعيه ليمكن السيطرة عليه أثناء الذبح، وفعلا يسقط الثور على الأرض وفي نفس الثانية واللحظة تتناول قدمه رافعة ترفعها أوتوماتيكيا إلى الأعلى، ورأسه منكس في الأسفل، فيأتي رجل بسكين فيشق حلق الرقبة ليصل إلى الوريد، ثم يبدل السكين بمدية أكبر ويقطع الوريد فينزل الدم بغزارة وكأنه ينزل من صنبور إلى أن يفارق الحياة، والمهم في هذه الطريقة أن تثار مسألة هذه الضربة غير المميتة قبل الذبح، أتقاس في الجواز على صيد الحيوان الشارد الآبق الذي لا يمكن السيطرة عليه؟ وهل يجوز شق جلد الرقبة قبل الذبح- أعني قبل قطع الوريدين- ثم إن الذي يباشر عملية الذبح كتابي أو وثني؟.
ولما طلبنا من مدير الشركة أن يطلعنا على كيفية حصولهم على الشهادة الخطية التي تشهد بأن الذبح تم على الطريقة الإسلامية قال: نحصل عليها من بعض الجمعيات الإسلامية في سان باولو، فقلت له: وكيف ذلك وبينكم وبين سان باولو 1800 كيلو متر؟(10/93)
الشركة الأرجنتينية للأغنام:
أثناء وجودي في مدينة بوينس أيرس عاصمة الأرجنتين مع فضيلة الشيخ صالح المزروع والدكتور أحمد باحفظ أثناء جولتنا على دول أمريكا اللاتينية؛ قمنا بزيارة الشركة الأرجنتينية للأغنام التي تصدر لحم الغنم معلبا، ومهروسا، ومقطعا؛ إلى المملكة العربية السعودية.
وفي صباح الخميس 15 ذي القعدة 1398 هـ توجهنا بصحبة وفد من المركز الإسلامي الأرجنتيني إلى مقر الشركة، وأطلعنا على كيفية ذبح الأغنام، فوجدنا أن آلة تعلق الأغنام إلى أعلى ويقوم رجل بسكين حادة ليذبح رأس الذبيحة تماما على الشريعة الإسلامية؛ لأنه يقطع الوريدين والمريء معا، إلا أن الأمر لنعته: (ذبحا شرعيا) متوقف على الذابح الكتابي هو أم لا؟ ويقوم المركز الإسلامي الأرجنتيني بتقديم شهادة خطية على أن الذبح جرى على الطريقة الإسلامية عند كل شحنة مصدرة- وطيه تجدون نموذجا من الشهادات التي يصدرها المركز المذكور، أدرجها طيه للتكرم بالإحاطة.
الشركة الدانماركية للحوم:
وهذه الشركة الدانماركية بأوروبا وليست في البرازيل، ولكن إتماما للفائدة أدرج طيه قصاصة من مجلة (الوطن العربي) التي تصدر عن الجالية العربية في فرنسا (باريس) باللغة العربية، وتجدون في القصاصة مقابلة أجرتها الصحيفة مع أحد العمال العرب في الدانمارك المدعو محمد الأبيض المغربي الذي يعمل في مصنع لتعليب اللحوم، فيقول عن اللحوم والدواجن المصدرة إلى البلاد العربية: إنهم يكتبون عليها ذبحت على الطريقة الإسلامية، وهذا غير صحيح لأن القتل يتم كهربائيا في كل الحالات.(10/94)
سماحة الرئيس العام:
بعد أن عرضت على معاليكم صورة من عملية الذبح في البرازيل يشرفني أن أرفع أن المركز الإسلامي في برازيليا الذي تم تأسيسه بعضوية السفراء العرب والمسلمين، والذي ليس له حتى الآن منفذ معتمد أو مدير دائم، هذا المركز الإسلامي الذي بنى مدرسة للمسلمين في برازيليا، وسرعان ما أغلقها ثم سلمها دون قيد أو شرط لبعض البرازيليين، ليفتحوها مدرسة برازيلية- نعم برازيلية المنهج والإدارة- وذلك لفشله في اتخاذ ولو قرار واحد فيما يتعلق بالمسلمين بالمنطقة، هذا المركز الإسلامي قد اتخذ قرارا ليشرف بنفسه على عملية الذبح، وهذه خطوة لو تحققت فإنها جيدة، ولكن كيف يشرف وبينه وبين أماكن الذبح مئات الأميال، وليس عنده موظفون ليستخدمهم في هذا؟.
لذا فأقترح أن يصلكم عن طريق وزارة التجارة السعودية أسماء الشركات الموردة للحوم وعناوينها وأسماء المستوردين، وذلك لتعميد مبعوثكم للدعوة في تلك البلاد بزيارة الشركات الموردة، لدراسة إمكانية ترشيح مسلم مقيم في تلك المدينة مستعد، ليذبح بنفسه أو تحت إشرافه لقاء جعل يكفيه للتفرغ لهذا، على أن تدفع هذا الجعل الشركة نفسها أو المورد، وفي هذه الحالة يشهد مبعوثكم وتحت مسؤوليته أن الذبح قد تم بمعرفته وإشراف (فلان) الذي اعتمد للتفرغ والإقامة في مكان الذبح، وبذلك تتوحد الجهود المبذولة، وتصبح الرئاسة هي المعتمدة إن شاء الله للإشراف على جميع أعمال الذبح، علما بأن العدو الإسرائيلي يرسل دوريا مبعوثين من قبله- يهودا- إلى البلاد الموردة للحوم؛ ليذبحوا بأنفسهم ويقيموا بصورة دائمة في أماكن الذبح بأجر يتقاضونه من الشركة الموردة، وقد وصلت مجموعات منهم إلى سان باولو والريودي جنيرو وكورتيبا وبعض المدن البرازيلية الأخرى لهذا الغرض، كما يوجد في الأرجنتين عناصر يهودية مقيمة لهذا الغرض تتقاضى رواتبها من الشركات الموردة. والله أعلم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
والله ولي التوفيق.
تلميذكم الداعية
أحمد صالح محايري(10/95)
يتلخص التقرير فيما يلي:
طريقة شركة برنسيسا في ذبح الدجاج:
ا- يعلق الدجاج من أرجله بآلة تسير به إلى رجل بيده سكين يقطع به رقابها بسرعة بالغة، وتمشي بها الآلة إلى ماء ساخن تغمس فيه، لينتف ريشها، وتنظف ثم تعد للتصدير.
2- قد يقطع أحد الوريدين دون الآخر، وقد يغمس الدجاج في الماء الساخن قبل انتهاء موته لزيادة سرعة الذابح وسرعة سير الآلة.
3- أشك في الذابح هل هو مسلم أو كتابي أو وثني أو ملحد.
4- يكتب على الغلاف "ذبح على الطريقة الإسلامية"، ويصدق على
ذلك من لم يشاهد الذبح بنفسه ولا بنائب عنه، ويأخذ على ذلك أجرة، وذلك بناء على طلب وزارة التجارة من المستوردين كتابة ما يثبت أن الذبح إسلامي.
5- طلبت من مدير الشركة تعديل طريقة الذبح حتى يكون إسلاميا، فوافق على شرط أن نبين له الكمية اللازمة أولا.
طريقة الذبح في شركة ساديا أويسته:
ا- طريقتها في ذبح الدجاج كطريقة الشركة السابقة؛ في تعليقها من أرجلها وغمسها بسرعة بماء ساخن يغلي قبل انتهاء حياتها، وكتابة "ذبح على الطريقة الإسلامية" , والتصديق عليها من جمعيتين إسلاميتين بأجرة، إلا أن الذبح بتؤدة بشق الجلد أولا ثم قطع الوريدين غالبا، وهل الذابح كتابي أو وثني؟.
2- أما الأبقار فكانت أولا تصعق بكهرباء، ثم تسلخ دون أن يخرج منها دم، ولما بين لهم الأطباء ما في بقاء الدم من الخطر؛ صاروا يضربونها ضربة غير مميتة بمطرقة في رأسها، فإذا سقطت علقت من أرجلها بآلة رافعة، ثم يشق جلد الرقبة، ثم يقطع الوريد بسكين آخر، وينزل الدم بغزارة إلى أن يفارق الحياة، أما حال الذابح والشاهد , فكما مضى في ذبح الدجاج.(10/96)
طريقة الشركة الأرجنتينية في ذبح الأغنام:
ا- هناك آلة ترفع الأغنام إلى أعلى، ويقطع رجل الوريدين والمريء بسكين على الطريقة الإسلامية.
2- يكتب الشهادة المركز الإسلامي الأرجنتيني.
3- لم يعرف حال الذابح.
طريقة الشركة الدانماركية للحوم:
يقول محمد الأبيض- الذي يعيش في الدانمارك، ويعمل في مصنع لتعليب اللحوم-: إنهم يصعقون الأغنام بالكهرباء على كل حال ويكتبون على صناديقها: مذبوحة على الطريقة الشرعية.
أقترح إرسال من يذبح ذبحا شرعيا، أو يشرف على الذبح، فإن اليهود يفعلون ذلك محافظة على موافقة الذبح لما يرونه، ونحن أولى بذلك.
تقرير من الشيخ عبد الله بن علي الغضية مرشد الرئاسة بالقصيم عن اللحوم المستوردة من لندن وفرنسا، نصه:
"أما عن موضوع الدجاج المستورد وذبحه، فقد حاولت في لندن التعرف على طريقة الذبح؛ فاتصلت بمدير شركة مكائن الذبح متظاهرا أني أريد إقامة مصنع ذبح في المملكة، فأعطاني كتلوجا مصورا عن المصنع الذي تنتجه شركته، فلما قام يشرح لي كيفية العملية قلت له: إن الدجاجة ظهرت لجهاز التغليف دون قطع رأسها، فسألني مستفهما: ولماذا قطع الرأس، فقلت: إننا في الشرق الأوسط لا نأكل رؤوس الطيور. وأرفق لسماحتكم صورة فوتوغرافية للمصنع وفيه أولا: تقف السيارة عند باب المصنع كما يتضح لكم في الرسم المترجم، ثم ينزل الدجاج منها فيعلق بأرجله، ثم يمر بآلة مستديرة تنفتح من النصف، فيدخل به رأس الدجاجة مكتوب عليه الذبح بطريقة التدويخ، لأنه يضرب رأس الدجاجة هواء شديد الانفجار، فتصبح الدجاجة بعد لا تسمع ولا ترى، وتنتظر الموت بعد لحظات، ثم تمر بجهاز آخر يقطر فيه إن ظهر منها سائل دم أو غيره، بعده تمر على جهاز يعمل بالبخار أو الماء الحار جدا وفيه تموت إن كان بها حياة، وتخرج منه لأجهزة النتف والتنظيف إلى أن تخرج لأكياس النايلون، ثم للكرتون الذي كتب عليه باللغة العربية: ذبح على الطريقة الإسلامية.(10/97)
وهذا المصنع صغير وينتج في الساعة ألفي دجاجة، ويقول من سألت: إن في فرنسا نفس الطريقة، إلا أنهم يزيدون أن الدجاج إذا اكتمل نموه فإنهم يضعونه في مستودعات شديدة البرودة، ويسحب منها حسب طلب الأسواق، وبالطبع تخرج الدجاجة من هذه المستودعات ميتة، ثم توضع في برك حارة استعدادا للنتف والتصدير، وهذا لم أره إنما ذكره بعض من سافر لفرنسا وأمريكا، وأتمنى لو انتدب أحد لغرض الاطلاع ونقل الحقيقة. وباطلاع سماحتكم على صور المصنع يتضح لكم منه ما ذكرت. أسأل الله أن يكفينا بحلاله عن حرامه، وأن يصلح أحوال المسلمين، وأن يصلحهم حكاما ومحكومين، والله يحفظكم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم ".
ثم نشرت له مجلة الدعوة السعودية مقالا في عددها 676 بتاريخ 27من ذي الحجة 1398 هـ تحت عنوان: "معلومات عن الدجاج المستورد" جاء فيه نصه:
"إن من يلقي نظرة على أسواقنا وبقَّالاتنا يجد بها أعدادا كبيرة جدا من الدجاج المستورد والمذبوح خارج بلادنا، والذي لا يصل إلينا إلا بعد مدة طويلة من ذبحه، ويكتب على ظروفه: ذبح على الطريقة الإسلامية، فهل يا ترى إذا كتبت هذه العبارة يحل أن نأكل بموجبها دون تحر وتقص؟ أو أن المسلم مأمور بالابتعاد عن المتشابهات، لقول رسول الله عليه الصلاة والسلام: "دع ما يريبك إلى ما لا يريبك" وقوله: " الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور متشابهات، فمن ترك الشبهات فقد استبرأ لدينه ".الحديث.
وأنا إذ أكتب هذا المقال اطلعت على ما نشر في مجلة المجتمع بعددها 414في 1/ 11/ 1398 هـ ص 20بعنوان حول شرعية ذبح الدجاج في الدانمارك، والذي وجهته جمعية الشباب المسلم، وخلاصته أن الدجاج هناك لا يذبح على الطريقة الإسلامية المشروعة، ولا يحل لمسلم أن يأكله، ولو كتب على الكرتون: "ذبح على الطريقة الإسلامية" ومن المعلوم أن الدجاج، يذبح هناك بالآلاف، فأنا أقدم صورة مصنع لذبح الدجاج وهو من أصغر المصانع الأوروبية، وينتج في الساعة الواحدة ألفي دجاجة.(10/98)
قصة وصول صورة المصنع إليّ:
كنت في لندن في أول هذا العام، وحرصت على أن أرى مصنعا من مصانع ذبح الدجاج، فاتفقت مع شركة إنجليزية لتطلعني على ما أردت، ودفعت رسم زيارة المصنع مبلغ مائة وخمسين جنيها، واصطحبت المترجم وتركنا لندن إلى إحدى ضواحيها التي تبعد مسافة قطعتها السيارة بساعة، فلما وصلنا هناك فوجئت بأنني خدعت؛ إذ لم أر ما أريد، لأنني متظاهر أنني تاجر سعودي لدي مؤسسة في السعودية، وأرغب إقامة مشروع دواجن، وأريد مصنعا أوتوماتيكيا لذبح وتعليب الدجاج. ومما يظهر أنهم لا يرغبون أن يطلع على ذبحهم أحد، كما حصل للشبيبة المسلمة في الدانمارك، فقد حاولوا عدة مرات الاطلاع على طريقة الذبح، فلم يسمح لهم بذلك، ولو كان موافقا للطريقة الإسلامية- كما يقولون- لاطلعوا عليها، المهم أننا دخلنا محلا صغيرا به حوالي عشرة عمال من المسلمين الباكستانيين يذبحون بأيديهم بالطريقة المعروفة لدينا هنا، يضعون الدجاج في ماء حار، وبعد ذلك ينتف بواسطة النتافة المعروفة والتي هي عبارة عن دائرة تدار بالكهرباء ولها أصابع من الكاوتشوك لينة تضرب الدجاج بقوة فتنزع الريش منه، وهي معروفة وموجودة عندنا في المملكة، فبعد ذلك عرفت أن هؤلاء يتبعون لتاجر باكستاني مسلم غيور على إسلامه، التقيت به في محله وفي المركز الإسلامي بلندن، وهو يذبح الدجاج والأغنام للمسلمين في لندن ويبيعها عليهم، وكنا نشتري منه.(10/99)
فقلت للمترجم: هذا موجود عندنا الذبح باليد والنتف بالآلة، فرد الإنجليزي الخبيث: أنا عرفت أنه مسلم من السعودية، ولا يصلح أن يقيم في بلده مصنعا يذبح الدجاج فيه كالذي عندنا في أوروبا، فقوانين بلاده لا تسمح بمثل هذا.. فقلت: أنا رغبتي بمشاهدة المصنع الأوتوماتيكي ولا دخل له فيما أريد. فقال: حسنا، إذن ترتب له زيارة ثانية لأحد مصانع الدجاج الأوتوماتيكية- وكان هذا الكلام قبل سفري راجعا إلى المملكة بيومين- فقلت: إني مسافر وقد انتهى وقتي، حيث أمضيت شهرا، ولكني أرغب (بكتالوج) المصنع الأوتوماتيكي لأطلع عليه وأدرسه، فسلمني كتلوجا من حقيبة كانت معه، وقال: هذا المصنع صغير يكفيه من الكهرباء كذا، ومن الأرض كذا، والعمال والماء كذا، وهو ينتج بالساعة ألفي دجاجة مذبوحة مغلفة، فأخذته- وأرفق صورة منه للاطلاع، وقد طبعت منه خمسة عشر ألف نسخة.
نبذة عن المصنع:
أ- تحضر السيارة الدجاج من الحظائر التي ربما مات بعضه فيها قبل أن ينزل أو نتيجة للبرد أو التحميل أو التنزيل، ومعروف سرعة موت الدجاج.
2- كما يتضح من الصورة تعلق الدجاجة برجليها، ثم يحيط بها حزام متحرك فوق الرأس، فتذهب بطريقة آلية، حيث تمر بجهاز كتب تحته بطريقة التدويخ.
3- هناك حوض يستقبل السوائل من الدجاج إن خرج منها شيء.
4- وهو بيت القصيد, مغطس ضخم كتب عليه: جهاز محرق جدا، يعمل بالبخار أو بالماء الحار، فتغطس فيه الدجاجة المسكينة لتفقد فيه آخر رمق من الحياة، ثم بعد ذلك تخرج منه جثة هامدة بعد أن تعرضت للخنق والوقذ والتردي، والله تعالى قد قال: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ}(10/100)
وهذا الدجاج قد تعرض لشيء مما ذكر، ثم بعد نتفه وتنظيفه من الرأس يغلف بكراتين كتب عليها (ذبح على الطريقة الإسلامية) وتلاحظ قارئي العزيز أن الدجاجة دخلت المذبح وخرجت منه ميتة، منتوفة الريش منظفة الأحشاء مقطعة الأرجل، إلا أن رأسها قد صحبها منذ خلقها الله، ولا يقطع منه إلا إذا كانت سوف تصدر للشرق الأوسط، وقد سألت الإنجليزي لما خرجت من المذبح ورأسها موجودة فيها، فقال لي: أما رأيت أن الطيور عندنا والذبائح رؤوسها موجودة لا تقطع، وفعلا رأيت الطيور والذبائح رؤوسها معلقة فيها، وهي معروضة للبيع دون أن ترى في رقابها أثرا للذبح، وهذا يشاهده كل من زار لندن أو غيرها من البلاد الأوروبية، إذ أنهم يعتبرون الذكاة الشرعية الإسلامية طريقة وحشية لا يقرها القانون، كما أنهم لا يتركون الحيوان ينزف دمه مدعين أنه يفقد وزنه، وهذا يلاحظ في الدجاج المستورد منتفخة، أما ما تذبحه أنت فتراه ينقص ويقل وزنه، وهم لا يريدون ذلك بل يريدون الوزن الكثير للحصول على الربح الوفير.
وبعد, فماذا يرى علماؤنا الأجلاء؟ أصحاب الفضيلة العلماء، قد كتبت للمعنيين منكم تقريرا مفصلا إثر عودتي من لندن عن كل ما رأيت، وأهم ذلك الدجاج، وقلت: إنه لا ينبغي للعالم أن يسكت عن مثل هذه المواضيع الهامة؛ كالمطعم والمشرب الذي يرد معظمه من بلاد كافرة، وطلبت أن ينتدب أناس للوقوف على الحقيقة، وأن لا يكتفى بقول التجار ولا الشركات الموردة بأنه ذبح على الطريقة الإسلامية، ثم بعد ذلك يبين للناس هل يأكلون أم لا..؟(10/101)
وأن لا يكتفى بقول الله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ، فالشريعة بينت معنى ذلك، فالميتة والدم والمنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة إذا لم تدرك فيها الحياة وتذكى ويذكر اسم الله عليها؛ فهي حرام ولو كانت عند المسلم وفي بلد إسلامي، فكيف بالذبائح والدجاج يتعرض لبعض هذه الأمور في بلاد كافرة، وعند أناس كفار قد فارقوا دينهم وارتدوا عن البقية الباقية منه، فبعضهم دهري والآخر علماني، ومعظم شبابهم قد اعتنق الشيوعية، فمع هذه المصائب كلها لا يذبحون على الطريقة الإسلامية، ولا يذكرون اسم الله، ومعلوم أن المسلم لو ذبح على غير الطريقة الإسلامية بأن خنق أو وقذ ذبيحته فهي لا تحل وإن ذكر اسم الله، فذكر اسم الله لابد أن يقترن مع التذكية الشرعية، وقد نشرت مجلة (المجتمع) عن ذلك أكثر من مرة، آخر ذلك ما جاء في عددها 414 في 1 ذي القعدة سنة 1398 هـ، حيث نشرت نداء جمعية الشباب المسلم بالدانمارك خلاصته أن الدجاج الدانماركي يذبح على غير الشريعة الإسلامية، وأنه لا يحل أكله والحالة هذه.(10/102)
تقرير من مبعوث الرئاسة في اليونان للدعوة الأستاذ جمال بن حافظ إدريس اليوناني، نصه:
" بسم الله الرحمن الرحيم
من جمال بن حافظ إدريس المبعوث في اليونان
إلى سماحة صاحب الفضيلة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز، وفقه الله في الدارين.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
وصلتني رسالتكم الكريمة تطلبون بيان الطريقة التي تذبح بها الحيوانات، قد زرت بعض الأماكن المشهورة في اليونان فرأيت ما يلي: الأول: فيها مكان تذبح الحيوانات فيه كما نذبح نحن المسلمين، تذبح بعد خروج دمائها ثم تسلخ وتقطع.
والثاني: الحيوان إذا كان كبيرا يضرب من رأسه بآلة كمسدس، فيسقط ويذبح قبل مماته، وهذا القبيل أو الأصول مشكوك أن روح المذبوح بهذه الطريقة تخرج قبل خروج دمه، أما الطيور: فيتم نتف ريشها قبل ذبحها، فتذبح بالآلات الأوتوماتيكية.
أخبرني أحد الأطباء أننا إذا أردنا أن نعرف ما إذا كان الذبح على الطريقة الشرعية فننظر إلى عظام ذلك الحيوان في أثناء التناول، فإذا كان يميل لون العظام إلى البياض، فهذا أكبر دليل على أن دم هذا الحيوان قد خرج بالكامل، أي ذبح بالطريقة الشرعية، وإذا كان يميل اللون إلى السواد، فهذا دليل على أن الحيوان لم يذبح بالطريقة الشرعية.
والأماكن التي زرتها هي في اليونان فقط بناء على عدم توضيح في رسالتكم المباركة الأماكن خارج اليونان، ولم أفهم هل أردتم أماكن اليونان فقط أم خارج اليونان أيضا، فنرجو التوضيح من سيادتكم، إنني مستعد أن أزور أماكن كثيرة إذا أردتم ذلك، أطال الله عمركم ويوفقنا إلى ما فيه الخير للإسلام والمسلمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
ابنكم المخلص جمال بن إدريس اليوناني"(10/103)
خلاصته
إن للذبح حالتين:
الأولى: على الطريقة الإسلامية.
الثانية: أن يضرب الحيوان الكبير في رأسه بمسدس فيسقط ويذبح، وفي هذه الطريقة شك في كون التذكية حصلت والحيوان حي أو بعد موته.
ورد تقرير من الشيخ صهيب حسن عبد الغفار مبعوث الرئاسة في لندن، نصه:
" بسم الله الرحمن الرحيم
استفتاء
أرجو من مجلس أعضاء لجنة الفتوى الموقر التابعة لرئاسة البحوث العلمية والافتاء والدعوة والإرشاد إصدار الفتوى الشرعية في اللحوم المستوردة من الخارج، وذلك بعد النظر في طريقة ذبح الحيوانات في المجازر الغربية حسبما جاء في مشاهداتي الشخصية، وما ذكر في التقرير المرفق الذي نشرته مجلة (المجتمع) الكويتية في عددها رقم 414 بتاريخ أول ذي القعدة 1398 هـ، وما يترتب على هذه الطريقة من آثار سيئة حسب تحقيق بعض الأطباء المسلمين في بريطانيا.(10/104)
(أ) طريقة الذبح في مذابح بريطانيا خاصة:
أولا: الخرفان والأبقار:
يؤتى بالخروف والبقر إلى مكان مخصوص، حيث يقوم رجل بإيصاله صدمة كهربائية بواسطة آلة أشبه بالمقص توضع على مقدم رأسه، مما يجعل الحيوان يفقد حواسه ويسقط على الأرض، وهناك طريقة أخرى لاتزال تتبع في كثير من الأمكنة، وهي ضرب الحيوان بمطرقة حديدية على الرأس، يسقط الحيوان مغشيا عليه، ثم يعلق رأسا على عقب برافعة، ويدفع إلى الجزار، فإذا كان الجزار مسلما- وذلك في مجازر معينة تستأجر للجزارين المسلمين لذبح كمية محدودة للاستهلاك المحلي للسكان المسلمين فقط- قام بذبح الحيوان المعلق بسكين حاد على الطريقة المألوفة لدى المسلمين، فيخرج منه الدم، وينتقل بعد ذلك إلى المرحلة التالية من السلخ والقطع، وأما إذا كان الجزار غير مسلم؛ قام بغرز السكين داخل الحلق من الطرف، ثم أخرجه بقوة إلى الخارج، مما يقطع بعض أوداجه ليسيل منه الدم.(10/105)
ثانيا: الدجاج:
أما الدجاج فإنما يتم تخديره بصدمة كهربائية أيضا، ولكن على قاعدة الغسيل بالماء الذي يمر به التيار الكهربائي، ثم يجرح رقبته بسكين حاد أتوماتيكيا ليخرج منه الدم، إلى أن تتم المراحل الباقية من النتف والتصفية ليكون جاهزا للتصدير.
(ب) الآثار التي تترتب على هذه الطريقة:
إن المجازر الغربية اتخذت الطرق المذكورة للذبح رحمة بالحيوانات حسب ادعاء جمعيات الرفق بالحيوانات، ولكن من البديهي أن الغربيين اختاروا هذه الطرق للحصول على أكبر كمية من اللحم في مدة قصيرة، أو بعبارة أخرى لأجل تحقيق مكاسب تجارية على مستوى واسع، وقد قام عدد من الأطباء المسلمين بإجراء تحقيق كامل في مثل هذه اللحوم، ووصلوا إلى النتائج التالية- كما ورد في كتاب الدكتور غلام مصطفى خان رئيس جمعية أطباء المسلمين في بريطانيا وتقرير الدكتور محمد نسيم رئيس وقف المسجد الجامع في مدينة برمنجهام-:
أولا: تخدير الحيوان قبل الذبح يسبب فتورا لدى الحيوان وانكماشا في قلبه، فلا يخرج منه الدم عند الذبح بالكمية التي تخرج عادة، ومن المشاهد أن طعم اللحم الذي خرج منه الدم كاملا غير طعم الحيوان الذي بقيت فيه كمية من الدم، وأخبرني أحد المشرفين على مجزرة إسلامية كبرى في برمنجهام أن من الإنجليز من يفضل الحيوان المذبوح بالطريقة الإسلامية للأكل، وذلك لأجل طعمه المتميز عن بقية اللحوم.
ثانيا: أن الصدمة الكهربائية لا تؤدي مقصودها في جميع الأحوال، فإذا كانت الصدمة مثلا خفيفة بالنسبة لضخامة الحيوان؛ بقي مفلوجا بدون أن يفقد الحواس ويشعر بالألم مرتين، الأولى: بالصدمة الكهربائية أو بضربة المسدس، والثانية: عند الذبح، أما إذا كانت الصدمة الكهربائية شديدة لا يتحملها الحيوان أدت إلى موته بتوقف القلب، فيصير ميتة لا يجوز أكله بحال من الأحوال.(10/106)
ثالثا: أن الطريقة المتبعة لدى المسلمين أرحم بالحيوانات، وذلك لأن الذبح يتم بسكين حاد وبسرعة فائقة، ومن الثابت أن الشعور بالألم ناتج عن تأثير الأعصاب الخاصة بالألم تحت الجلد، وكلما كان الذبح بالطريقة المذكورة خف الشعور بالألم أيضا، ومن المعروف أن قلب الحيوان الذي لم يفقد حسه أكثر مساعدة على إخراج الدم- كما مر آنفاً-.
خُلاصة:
1- صعق الأبقار بكهرباء أو بضرب رأسها بمطرقة.
2- استئجار مسلم لذبح كمية منها ذبحا شرعيا لاستهلاك المسلمين المحلي.
3- أما الجزار غير المسلم فيغرز طرف السكين في الحلق لإخراج الدم بقطع الأوداج.
4- أما الدجاج فيخدر بتيار كهربائي، ثم تجرح رقبته بسكين حاد أوتوماتيكيا ليخرج الدم.
الآثار السيئة المترتبة على ذلك:
ا- تخدير الحيوان قبل الذبح يحدث ضعفا وانكماشا في قلبه، ولذا لا تخرج كمية كثيرة من دمه، وينشأ عن ذلك ضعف تغذيته والتلذذ بطعمه.
2- الصدمة الكهربائية إن كانت خفيفة تألم منها الحيوان وتألم من الذبح، وإن كانت قوية مات منها الحيوان قبل ذبحه لوقوف قلبه.
3- دعوى أن التخدير أو الصعق فيه راحة للحيوان ليست صحيحة، وإنما القصد ذبح الكثير في زمن قليل رغبة في زيادة الكسب.(10/107)
تقرير من الشيخ عبد القادر الأرناؤوط المبعوث
من الرئاسة إلى يوغسلافيا للدعوة، نصه:
" بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد القادر الأرناؤوط إلى سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز حفظه الله من كل سوء، ووقاه من كل مكروه، ووفقه لما فيه خير الدنيا والآخرة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، تحية من عند الله مباركة طيبة، وبعد,
فإني أرجو الله عز وجل أن تكونوا بخير وعافية يا سماحة الشيخ، وإني أرسل لكم هذه الرسالة من يوغسلافيا جوابا على رسالتكم الكريمة التي أرسلت إلي من قِبَلكم بتاريخ 21/ 6/ 1398 هـ. وإني قد درست موضوع اللحوم في يوغسلافيا، وإني أكتب لكم خلاصة ما توصلت إليه في هذا:
أما في القرى فإنهم يذبحون الحيوانات من الغنم والبقر والماعز ذبحا شرعيا بأيديهم وفي أمكنة خاصة، والذين يذبحون من المسلمين، وأما في المدن؛ ففي مدينة (سيراجيفو) Sarajevo التي هي عاصمة البوسنة والهرسك، وتسمى عندهم جمهورية إسلامية، فكذلك يذبح بها المسلمون لكن بطرق حديثة: يأتون بالبقر ويضربون البقرة بين عينيها بآلة كهربائية ضرباً خفيفاً كي تقع على الأرض، ثم يدخلونها وهي على قيد الحياة تحت المقصلة- وهي آلة حادة- فيقطعون رأسها ويسيل منها الدم، ثم يدخلونها ضمن آلات تخرج معبأة ضمن علب الكونسردة، فهذه أيضا لا شبهة فيها، ويكتب عليها: (صنع سيراجيفو) ، وفي غيرها من المدن ربما يكون الذابح غير مسلم، ولكن قد يكون كتابيا، وقد يكون شيوعيا، ولكن حسبما ظهر لي أن أكثر الذين يدعون أنهم شيوعيون إنما هم بالاسم لمصلحة خاصة أو منفعة مادية، والشيوعي الحزبي لا يقوم بمثل هذه الأعمال، وهم كأنهم توافقوا بأن الحيوان إذا ضرب على رأسه مثلا وقتل بهذه الضربة وبقي دمه في جسمه ولم يسفح؛ إن اللحم يفسد ويكون ضررا على آكله، إلا أنهم قد يذبحون بنفس الآلات الخنازير ثها يذبحون بعدها مثلا البقرة، وهذا هو المحظور في هذه المسألة، وهذه لم أستطع أن أتحقق منها، وقد قال لي بعضهم: يذبحون الخنازير بمحلات خاصة، والبقر في محلات خاصة، وعند ذلك يزول الإشكال.(10/108)
وعلى كل فالأحسن أن يؤخذ من علب الكونسردة التي تصنع في (سيراجيفو) المسلمة، أما الحيوانات التي ترسل إلى البلاد الخارجية من الغنم مثلا والبقر فإنها تذبح- كما ذكرت لكم- في القرى ذبحا شرعيا، وبأيدي المسلمين، وكذلك في مدينة سيراجيفو المسلمة بأيدي المسلمين ذبحا شرعيا، وفي غيرها من المدن: الذين يذبحون إما من المسلمين وإما من النصارى الكاثوليك , وقليل ما هم من الشيوعيين أرباب المصالح الخاصة والأشياء المادية، فشيوعيتهم ليست دينا، وإنما هي مصلحة ووظيفة، وكما ذكرت لكم: الشيوعي المادي الملحد الحزبي على الغالب لا يقوم بمثل هذه الأعمال الخسيسة في نظرهم، وعلى كل تذبح وتقطع رؤوسها ويخرج منها الدم المسفوح، وترسل إلى البلاد العربية، وكثيرا ما يراعون الذبح إذا كان للسفر إلى خارج بلادهم.
وأرجو دعواتكم الصالحة، وإني أسأل الله تعالى أن يتولانا وإياكم وأن ينصر الحق وأهله، وأن يعيننا على أداء مهمتنا على أحسن وجه، إنه على ما يشاء قدير وبالإجابة جدير، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
أخوكم
عبد القادر الأرناؤوط- يوغسلافيا- استوغ "(10/109)
خلاصته:
1- يذبح أهل القرى الأغنام ذبحا شرعيا بأيديهم في أماكن خاصة، والذابح مسلم.
2- في مدينة (سيراجيفو) عاصمة البوسنة والهرسك يذبح فيها المسلمون الأنعام كذلك بالطريقة الشرعية، غير أنهم يضربونها بآلة كهربائية ضربا خفيفا لتقع على الأرض، ثم يدخلونها وهي حية تحت المقصلة، ويقطع رأسها ويسيل منها الدم، ثم تعلب ويكتب على الشحنة سيراجيفو.
3- في غير هذه المدينة من المدن قد يكون الذابح غير مسلم؛ كتابيا أو شيوعيا بالاسم لا بالحقيقة من أجل الوظيفة أو المصلحة.
4- أما الحيوانات التي ترسل إلى البلاد الخارجية، فإنها تذبح كما ذكرت لكم في القرى ذبحا شرعيا بأيدي المسلمين.
5- قد يكون ذبح الأنعام بالآلة التي تذبح بها الخنازير.
6- النصح بالاقتصار على شراء علب اللحوم التي ذبحت في سيراجيفو لما تقدم.(10/110)
ونشرت مجلة (الدعوة) بالرياض مقالا للدكتور محمود الطباع بأبها في عددها 673 بتاريخ 21 من ذي القعدة 1398 هـ تحت عنوان "لئلا نأكل حراما "جاء فيه ما نصه:
"السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
قرأت في مجلة (الدعوة) العدد 667 تاريخ 9 شوال 1398 هـ المقال الذي كتبه عبد الرحمن المحمد الإسماعيل- جزاه الله خيرا- بعنوان "لئلا نأكل حراما"، وأرغب أن أوضح ما يلي:
أنا الدكتور محمود الطباع طبيب بيطري، درست في ألمانيا الغربية،وفي بدء دراستي تعرضت مع إخوتي المسلمين لمشكلة اللحوم المذبوحة، وهل يجوز الأكل منها؟ ولنتأكد من طريقة الذبح ذهبت مع عدد من الإخوان لزيارة المسلخ في مدينة هانوفر، فشاهدنا الجزارين يحضرون قطيعا من الأبقار يطلقون على رأسها من مسدس خاص، وبعد أن وقعت جميعها على الأرض بدون حراك أخذ العمال استراحة يأكلون فيها ما يقارب الثلث ساعة, ثم قاموا وعلقوا الأرجل الخلفية في الرافعات المتحركة وقطعوا الرأس، ثم نزعوا الجلد وشقوا البقرة إلى نصفين وغسلوها بالماء بعد إخراج الأعضاء والأمعاء، فكانت مياه الغسيل بلون الدم، وقبل أن ينتهي العمال من فترة الاستراحة يبدؤون بقطع رأس الأبقار، تأكدنا أن جميع الأبقار كانت ميتة ولا يحل أكلها في ديننا الحنيف، وقد نبهنا على الطلبة المسلمين وشرحنا لهم ما شاهدنا- ولكن مع الأسف الشديد- فقد كان أغلبهم لا يتوانون عن أكل لحم الخنزير، فكيف بلحم الميتة....
الدكتور محمود الطباع
أبها- المديرية العامة للشؤون البلدية والقروية بالجنوب- صحة البيئة"
خلاصته:
أنه شاهد الجزارين في ألمانيا الغربية يطلقون المسدس على رأس الأبقار، ثم يستريحون، ثم يقطعون رؤوسها بعد ألا يكون بها حراك، وأكد أنها ما ذبحت إلا بعد أن صارت ميتة.(10/111)
ونشرت مجلة (المجتمع) الكويتية (1) مقالا عن جمعية الشباب المسلم بالدانمارك، تحت عنوان "حول شرعية ذبح الدجاج في الدانمارك " جاء فيه ما نصه:
"نظرا للاستفسارات العديدة التي وردت إلى جمعيتنا من المسلمين المقيمين في الدول الغربية للتأكد من كيفية ذبح اللحوم والدجاج المصدر من الدانمارك، لذلك فقد انتهينا بعد بحث هذا الأمر والتحقق منه في دائرة الدانمارك إلى عدة نتائج، نوردها فيما يلي:
لقد علمنا من مصادر رسمية أن الفئة القاديانية بالدانمارك قامت منذ تأسيسها عام 1967 م بتمثيل المسلمين والإسلام في هذه البلاد، فكانت تصادق على شهادات تصدير اللحوم والدجاج إلى الدول الإسلامية، وهي تتقاضى مقابل ذلك من الشركات المصدرة رسوما مقابل هذا التصديق، وعلمنا كذلك أن السفارات الإسلامية هنا كغيرها من السفارات في العالم؛ لا تمثل الإسلام من قريب أو بعيد، بل تمثل الحكام الذين يرفعون ويخفضون، فضلا عن حرص هذه السفارات البالغ على اتباع السنن الدبلوماسية في حفلاتها وسهراتها، هذا إذا استثنينا- خشية التعميم- بعض الأفراد القلائل العاملين في هذه السفارات، والذين هداهم الله إلى التمسك بالدين بعيدا عن المؤثرات المهنية.. وهم قلة.
__________
(1) الصادرة يوم الثلاثاء الموافق 1من ذي القعدة سنة 1398 هـ، عدد 414 من السنة التاسعة(10/112)
وعلمنا كذلك من خلال الأعوام الماضية أن بعض هذه الشركات يتحايل لكي يبيع الدجاج الدانماركي للدول الإسلامية, ومن صور هذا التحايل تشغيل تسجيل عليه أشرطة القرآن الكريم داخل المجازر ظنا منهم أن مثل هذه الطقوس تحل لنا أكل اللحوم.. كما يقوم بعضهم- ذرا للرماد في العيون- بتعيين عامل مسلم أو أكثر في المصنع يقوم بمهام عادية ليس له علاقة بالذبح، وحتى لو قام بالذبح فلا يعقل أن يتمكن من ذبح الآلاف من الدجاج المنتج كل يوم، بل قل كل ساعة.. وقد كانت ليبيا من أول الدول التي اكتشفت هذه المهزلة في الدانمارك وخارج الدانمارك، فقررت منع استيراد اللحوم والدجاج من أوروبا بالمرة.. والله أعلم إن كان هذا المنع مازال ساري المفعول أم لا..
أما من جانب المستهلك- المسلم- فخلال الأعوام العشرة الماضية كانت مشكلة الدجاج المستورد من أوروبا لا تكاد تشغل بال السواد الأعظم من المسلمين لصغر حجمها بالقياس إلى المصائب والمؤامرات التي كانت ومازالت تحاك ضد الإسلام والمسلمين، ولكن كان من بينهم من يحاول ترويج هذه الذبائح بحجة أنها من طعام أهل الكتاب، ونحن لا نقر هذا الرأي لأنه يكفي أن ننظر من حولنا لنجد الزنا والعري والخمر والميسر والشذوذ الجنسي وقطع الأرحام وعقوق الوالدين والربا ... وغيرها من الموبقات والكبائر مباحة بنص القانون في التشريعات المحلية الوضعية، فلا مجال هنا لتسميتهم بأهل الكتاب بحال من الأحوال، بل هم أقرب إلى الشيوعيين والوثنيين منهم إلى النصارى.
واليوم.. كنتيجة طبيعية للغموض المكثف لهذه الأمور، ولشعورنا بمسؤولية التحقق من هذا الأمر؛ قامت جمعيتنا بتوجيه خطاب إلى جميع المجازر الدانماركية التي تقوم بتصدير الدجاج إلى الخارج.. وعددها 35 مجزرة للدجاج والطيور.(10/113)
وفيما يلي ترجمة للخطاب:
"وصلتنا في الشهور الماضية بصفتنا منظمة إسلامية ثقافية بالدانمارك عدة استفسارات من مسلمين مقيمين في داخل الدانمارك وخارجها على الطرق المتبعة لذبح الدجاج والطيور المعدة للتصدير إلى الدول العربية، إن الإجابة على هذه الاستفسارات تعتبر ذات أهمية كبيرة لنا نحن المسلمين؛ إذ أن طريقة الذبح يجب أن تكون تبعا لما ورد في القرآن الكريم من أحكام، لهذا نرجو منكم السماح لمجموعة من جمعيتنا (حوالي 3- 4 أشخاص) بزيارة مجزرتكم للاطلاع على طريقة الذبح ... الخ.
كما نود مستقبلا نشر هذا التحقيق في مجلتنا الشهرية (الصراط) حتى يطلع المسلمون عليها، مع مراعاة عدم التعرض لاسم شركتكم بسوء، راجين أن يصلنا ردكم في أقرب فرصة".
وعند استلامنا الردود أتضح أن بعض هذه المجازر لا يصدر إلى الدول الإسلامية بالمرة، وهذا النوع من المجازر لم يمانع من زيارتنا لأماكن الذبح، لكن الشركات التي تصدر إلى الدول الإسلامية لم توافق على الزيارة بالمرة، وبعضها أبدى صراحة عدم ترحيبه بقدومنا, وأحال البعض الآخر نظر هذه القضية إلى لجنة مهنية خاصة بتصدير الدجاج والطيور بحجة أنها الجهة الممثلة لهم والمتكفلة ببحث مشكلة الذبح الإسلامي، وباتصالنا بهذه اللجنة رفضت بعد محاولات استمرت فترة طويلة السماح بأي نوع من المعاينة, بحجة أنها لا تجد أن منظمتنا تمثل الإسلام والمسلمين في الدانمارك، وأن هذه اللجنة على اتصال مع جهة إسلامية بالدانمارك..تمثل الإسلام في نظرهم لاتصالها بعدد من السفارات العربية، وأن هذه الجهة الإسلامية توافق على طريقة الذبح وتصادق على شهادات التصدير، مع علمها التام بأن الدجاج المصدر لا يفترق عن غيره من الدجاج المنتج باستثناء المغلف المطبوع عليه عبارة: " ذبح على الطريقة الإسلامية".(10/114)
وبقيامنا بمزيد من التحريات وجدنا أن الجهة الإسلامية القائمة على التصديق ليست هي الفئة القاديانية كما جرت العادة خلال العشر سنوات الماضية، لكنها جهة إسلامية انتزعت من القاديانية مهمة التصديق على شهادات التصدير، وما يتبعها من مهام أخرى، كالدفاع عن مصالح شركات الدجاج ومصالح المستوردين العرب ومصالح السفارات العربية الواقعة وراءها.
وبحديث هاتفي مع مدير لجنة التصدير الدانماركية المذكورة، اتضح لنا الآتي:
أولا: ليس لدى المذابح الدانماركية أي فكرة عن متطلبات الذبح الإسلامي، والمعلومات التي لديها لا تعدو أن تكون شائعات وردت إليها بطريق الحديث العفوي مع فئات من المسلمين، بعض هذه المعلومات متضاربة، مما جعل الأمر في النهاية- في نظر المجازر الدانماركية- ليس له ضابط ديني محكم.
ثانيا: أن المستورد العربي هو الذي يطلب وضع عبارة "ذبح إسلامي " ويجهزها له، والمصدر الدانماركي يوافق طالما أن البيع في ازدياد، والجهات الرسمية تصادق على شهادات التصدير.
ثالثا: أن الذبح يجري بطريقة قص الرأس بعد التخدير الذي يشترطه قانون الطب البيطري، وأن الذبح بغير هذه الطريقة يتطلب الحصول على تصريح خاص.(10/115)
رابعا: أن الذي يهم الشركات الدانماركية في الوقت الحاضر هو موقف السفارات التي تتبع الدول المستوردة، لأنها هي التي تصدق على توقيع الجهة الإسلامية التي تعاين الذبح، وطالما أن هذه الجهات متفقة، فليس لأحد- في نظرهم- مصلحة في التدخل، وطلبنا من مدير اللجنة الرد كتابة على هذه النقاط، فوعد بذلك، ثم تأخر في الرد مدة طويلة، وفي النهاية وصلنا منه رد دبلوماسي بعيد عن النقاط التي تحدثنا عنها هاتفيا.
مما سبق يتبين أن المسؤول الأول عن هذه المهزلة ليس هو المصدر الدانماركي، بل هو بالدرجة الأولى المستورد العربي ومن ورائه السفارات التي تصدق على جريمته.
وعليه فنحن جمعية الشباب المسلم بالدانمارك، نعلن من هنا إلى كافة المسلمين أينما وجدوا: أن الذبائح التي تصدر إليهم من الدانمارك ليست مذبوحة بطريقة خاصة، ولا تختلف عن الذبائح التي تصدر إلى الدول الأخرى، وأن الذبح يتم بطريقة قص الرأس بعد التخدير، والفارق الوحيد هو في الأغلفة التي تحمل عبارات عربية لخداع المستهلك المسلم.(10/116)
الحل: لم يكن الهدف الأساسي من التحريات التي قمنا بها إيجاد حل إسلامي لقضية الذبائح المستوردة، بل كانت الغاية المرجوة هو التأكد من طريقة الذبح وإعلانها إلى المسلمين حتى يجتهدوا بأنفسهم للتوصل إلى الحل المُرضي إسلامياً. إلا أن هناك بعض الفوائد التي يمكن الاستفادة منها قبل البحث عن حلول القضية، فمن خلال مباحثات تمت منذ سنوات مع أحد المجازر الدانماركية، رغب بعض الإخوة في الاتفاق مع الشركة على ذبائح خاصة للتصدير إلى الدول الإسلامية، فوافقت هذه الشركة على ذلك بشرط أن يقوم الإخوة أنفسهم باستجلاب العمال المسلمين بمعرفتهم، مع ضمان استمرارهم في العمل، وحين البحث عمن يقوم بهذا العمل تبين أن هذه المجزرة تقع في قرية صغيرة بعيدة عن المدن الكبرى، وهذا الأمر لا يشجع أحدا على قبول هذا العمل لتعارضه مع ميول العمال الأجانب عادة في السكنى في العاصمة، أو على الأقل في المدن الكبيرة لأسباب تتعلق بأوضاعهم الاجتماعية في الغربة، وحرصهم على المجتمع لسهولة التفاهم وتبادل الأخبار والزيارات، وهذا الأمر لا يتحقق بالسكنى في القرى النائية، فالأمر إذن يتطلب إخلاصا وتفانياً من بعض المسلمين لإنجازه على الوجه المطلوب، كما يتطلب إيفاد من له دراية شرعية بالقضية، وتخصيص ميزانية مناسبة لإنشاء مجزرة إسلامية للتصدير للدول الإسلامية، تتوفر فيها الشروط الشرعية والعصرية في آن واحد، والجمعية من جانبها على استعداد للمساعدة في الاتصالات التمهيدية مع الشركات التي تصنع آلات الذبح، والاتفاق مع إحدى شركات الاستشارة والتخطيط لعمل دراسة مستوفية لتكاليف المشروع واحتياجاته.(10/117)
بقيت كلمة أخيرة لا تتعلق بالدجاج ذاته، ولكن تتعلق بمن يأكل منه من المسلمين، فالمعروف أن القلة من الناس هي التي تتحرى الحلال، والأغلبية لا تفكر في ذلك، بل تظن التحري في بعض الأحيان عسرا ومشقة، وهي للأسف سمة العصر الذي نعيش فيه؛ الاهتمام بإشباع الغرائز والميول أولًا، ثم بعد ذلك يساء استخدام عبارة {أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} كما يريد أغلبنا دخول الجنة ولقاء الله تعالى دون علم أو عمل أو تضحية ولو بسيطة، فقد يلجأ الكثير من المسلمين إلى قطع مسافات طويلة- قد تصل إلى السفر- في سبيل الحصول على سلعة أو طعام معين بمواصفات معينة، والتكبد في سبيل ذلك المشاق الكثيرة، ليس إرضاء لله وللرسول، ولكن إرضاء للهوى فحسب، فإذا تعلق الأمر بحكم شرعي تحايلوا وتهربوا بحجة أن "الدين يسر" ولم يقولوا مرة: {إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا} ، وإن دخول الجنة لن يتم إلا بتكبد الصعاب، وأضرب على ذلك مثالا يتعلق بفئة (النباتيين) الذين يمنعون أنفسهم من أكل اللحوم ومشتقاتها، فهؤلاء معروفون في العالم كله، وحرصهم شديد على تحري ما يأكلون، حتى إن منهم من يبلغ به حد الورع مبلغا، فلا يأكل الكعك والمربى المطروحة في الأسواق خشية أن تكون مصنوعة من دهون الحيوانات، ويسألون قبل الشراء عن مكونات الطعام، ولهم حوانيت خاصة بهم في كل مكان ...
فهؤلاء وضعوا قوانينهم بأنفسهم ويحترمونها، ولا يعتبرون التحري والدقة ضرباً من التعصب أو تضييع الوقت والجهد، فما بال المسلمين ينزل عليهم كتاب من الله وتصلهم سنة نبيه فلا يهتمون ولا يتحرون.
عسى أن ينفعنا الله بما قلنا. وأن يكون ما بلغنا إبراء لذمتنا يوم القيامة، وأن يتقبل عملنا خالصا لوجهه تعالى.
جمعية الشباب المسلم بالدانمارك"(10/118)
خلاصته:
ا- الذين يصدقون على شهادات تصدير اللحوم والدجاج إلى الدول الإسلامية بأنها ذبحت على الطريقة الشرعية قاديانيون، ويتقاضون على الشهادات أجرا، ثم إن جهة أخرى إسلامية انتزعت التصديق على الشهادات من القاديانيين، وقامت بذلك مع مهام أخرى، كالدفاع عن مصالح شركات الدجاج ومصالح المستوردين العرب، ومصالح السفارات العربية الواقفة وراءها.
2- الذين يعملون في السفارات الإسلامية- إلا القليل- لا يمثلون الإسلام، وإنما يحرصون على السنن الدبلوماسية.
3- نصارى الدانمارك ومن في حكمهم خرجوا على مبادئ أهل الكتاب، فلا مجال لتسميتهم أهل كتاب، بل هم أقرب إلى الشيوعيين والوثنيين منهم إلى النصارى.
4- امتناع من يقوم على المجازر المصدرة للحوم والدجاج من الدانمارك إلى الدول الإسلامية من تمكين جماعة من الشباب المسلم من مشاهدة طريقة الذبح في تلك المجازر، بزعم أنهم لا يمثلون المسلمين، وإنما تمثلهم السفارات الإسلامية التي تصدق على الشهادة عند التصدير، أما الذين لا يصدرون اللحوم إلى الدول الإسلامية، فقد مكنوهم من مشاهدة طريقة الذبح في مجازرهم.
5- ليس عند المذابح الدانماركية معلومات عن الذبح الإسلامي مستقاة من مصدر إسلامي معتبر، وإنما إشاعات عما يجب أن يكون عليه الذبح الإسلامي متضاربة، لذا لم تهتم بها المجاز لعدم وجود ضابط ديني محكم.
6- المستورد العربي هو الذي يطلب وضع عبارة "ذبح إسلامي" ويجهزها، وما على المصدر الدانماركي إلا الموافقة مادام ذلك في مصلحته.
7- الذبح يجري بقص الرقبة بعد التخدير، دون فرق بين ما يصدر إلى الدول الإسلامية وغيرها، ولا يختلف إلا في كتابة العبارة على الغلاف.
8- الذي يهم الشركات الدانماركية المصدرة للحوم إلى الدول الإسلامية موافقة سفارات الدول الإسلامية المستوردة وتصديقها.
9- الحل هو إيجاد مجازر إسلامية لتصدير لحوم إلى الدول الإسلامية، والتعاون في إتمام ذلك بالعلم والعمل والمادة.(10/119)
قال الأستاذ عبد الله علي حسين (1) في كتابه (اللحوم- أبحاث مختلفة في الذبائح والصيد واللحوم المحفوظة) :
" وأما اللحوم المحفوظة في العلب مثل (بولي بيف) ، ومرقة الثور وهي المسماة (كيف اكسو) ، وشوربة الفراخ بالشعرية ... وهكذا من اللحوم المحفوظة في علب صفيح وما يشتق منها، أيًّا كان نوعها الذي يصدر إلى مصر من أوروبا وأستراليا وأمريكا، وحكمها أن يحرم استعمالها قطعا، لأنها لحم حيوان موقوذ مضروب حتى مات، فإن طريقة الذبح في جميع هذه البلاد تكاد تكون واحدة؛ وهي ضرب الحيوان في مخه فيخر صريعا بلا حركة لأنها تصيب المخ، ومتى وقع حمل إلى التقطيع بعد السلخ، فيعمل من هذا الحيوان كافة أنواع اللحوم المحفوظة وما يخرج عنها، وقد أردت أن أعرف طريقة ذبحهم بطريقة رسمية لا تقبل الجدل أو الشك في تطبيق الأحكام الشرعية، فكتبت كتابا دوريا أرسلته لقناصل 14 دولة: ا- إنجلترا، 2- فرنسا، 3- أسبانيا، 4- هولندا، 5- إيطاليا، 6- تركيا، 7- جنوب إفريقيا، 8- الولايات المتحدة، 9- البرازيل، 10- أستراليا، 11- روسيا، 12- الدانمارك، 13- سويسرا، 14- رومانيا. ويتضمن هذا الكتاب ثلاثة أسئلة:
__________
(1) من علماء الأزهر، ولديه ليسانس في الحقوق(10/120)
أولا: ما هي طريقة الذبح في بلادكم -أو قتل الحيوان عندكم-؟
ثانيا: ما هو المكان الأول الذي يضرب فيه الحيوان من جسمه، لقتله في بلادكم؟
ثالثا: ما هي الصناعات المختلفة من اللحوم المحفوظة التي تصنع وتصدر من بلادكم؟
ثم ذكر أن التي أجابت من تلك الدول هي تركيا واليونان وهولندا وإسبانيا والدانمارك، والذي يبدو واضحا في المخالفة للطريقة الشرعية ما جاء في إجابة هولندا والدانمارك، فلذلك نسوقها فيما يلي:
ا- طريقة هولندا كما في إجابتها:
"تقتل البهائم بعد تدويخها بأسرع ما يمكن بإسالة دمها، وتحصل عملية التدويخ بواسطة آلات تغيب في المخ، فتفقد البهيمة وعيها في الحال -وقطع الرأس أو الرقبة ممنوع وكذلك الذبح بسكين بموجب مرسوم ملكي- إذن تقتل البهائم بواسطة خوذة بها مثقاب، وهذه الآلة معمرة بالبارود الذي يشعل فيدفع مثقابًا مجوفا إلى داخل المخ، وهذا المثقاب المجوف يعود إلى مكانه قبل أن تسقط الرأس ".
2- طريقة الدانمارك كما جاء في نص إجابتها:
الخيول والثيران والعجول الكبيرة تذبح بطريقة صعقها بإطلاق الرصاصة على رأسها في موضع المخ بالمسدس، برصاص خاص لهذه العملية، أو بمسدس يقذف مسماراً نافذا، والعجول الصغيرة والأغنام تذبح بطريقة الصعق؟ إما بالرصاص أو بالضرب الشديد على جبهتها الأمامية بمطرقة، أما الدواجن فيشترط لذبحها أن يكون ذلك بطريقة الصعق السريع بالضرب الشديد بالمطرقة على رأسها، أو بقتلها قتلا سريعا بفصل رأسها، وعند ذبح الخيول والثيران والعجول الكبيرة بالطريقة المذكورة تصفى دماؤها بإدخال سكين في أسفل رقبتها في الشريان الكبير الواقع في مدخل الصدر من أعلى، وتستعمل لهذا الغرض السكين العادية، أما العجول الصغيرة والأغنام؟ فتصفى دماؤها بتشريطها من الجانب الأسفل من رقبتها في الشريان الكبير الواقع خلف الرأس حول الرقبة، فتفصل شرايينها. "اهـ.(10/121)
ثم علق المؤلف بقوله: " وكل هذه أدلة رسمية قاطعة في صدق ما ندعيه من أن ذبائحهم موقوذة مقتولة (فطيس) نجسة محرمة لا يصح لمسلم أن يتعاطاها أو يحملها أو يبيعها، وقد كنت أكتفي بما أعلمه شخصيا وأنا طالب بأوروبا خمس سنوات من أن طريقة ذبح الحيوانات عندهم في المجازر هي القتل بضربها على رأسها على المخ من مقدم الرأس بين القرنين في الجبهة، وهي ضربة واحدة بآله خصصت لذلك، فيخر الحيوان صريعاً لوقته، ولكن خشية ادعاء ما لا أعرف أقمت الدليل الكتابي من حكوماتهم أنفسهم، وها هو ننشره ليعلمه الناس وكفى..".
ثم قال: "وقد أرسلت لحضرة الدكتور العلامة الأستاذ عبد الحميد مصطفى فرغلي المتخصص في وظائف أعضاء الحيوان بأمريكا - الولايات المتحدة - جامعة جونس هوبكنز بمدينة بلتمور، أسأله عن كيفية قتل حيوانات الأكل عندهم في أمريكا، فورد منه جواب في 15/ 7/ 1947م يقول: سألت عن طريقة الذبح؛ الطريقة: أن يضربوا الحيوان بمطرقة مدببة في مخه فيموت، وبعد ذلك يقطعون رقبته، ولكنهم لا يذبحون كما يفعل المسلمون أو اليهود، وهذا الإجراء يشمل جميع الحيوانات ".(10/122)
قرار هيئة كبار العلماء بشأن اللحوم المستوردة:
"رابعا: تطبيق القواعد الشرعية على الذبائح المستوردة على ضوء ما عرف عنها من المشاهدات ونحوها:
إن مجرد البيان لطريقة الذبح الشرعية دون الحكم بها على واقع اللحوم المستوردة إلى المملكة العربية السعودية من دول أوروبا وأمريكا وغيرها؛ لا يفيد من يتحرى الحلال فيما يأكل، ويجتهد في اجتناب ما حرم الله عليه من ذلك، إلا إذا عرف أحوال التذكية وأحوال المذكين في تلك الشركات الغربية وغيرها التي تستورد منها اللحوم إلى المملكة، وأنى له ذلك، فإن السفر إلى تلك البلاد فيه كلفة، لبعد الشقة، فلا يتيسر إلا للنزر اليسير، وأكثر من يسافر إليها يكون سفره لضرورة من علاج ونحوه، أو لإشباع رغبة وحب استطلاع ولا يعنى بهذا الأمر، ولا يكلف نفسه البحث عنه والوقوف على حقيقته,
ولذا كتبت الرئاسة العامة لإدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد إلى المسؤولين عن استيراد اللحوم وغيرها من المأكولات تستفسر منها عن الواقع، وتوصيها بالعناية بما تستورده من ذلك من الجهة الشرعية، محافظة على الدين، وعلى سلامة الرعية من تناول ما حرم الله عليهم من الأطعمة، وتوفير ما تحتاج إليه الأمة مما أحل الله.(10/123)
وجاء منهم إجابة مجملة لا تكفي لإزالة الشك وطمأنينة النفس، فكتبت إلى دعاتها في أوروبا وأمريكا ليطلعوا على كيفية الذبح وديانة الذابحين هناك، فأجاب منهم جماعة إجابة في بعضها إجمال، وكتب جماعة من أهل الغيرة في المجلات عن صفة الذبح والذابحين، جزى الله الجميع خيرا، ولكن كل ذلك لم يستوعب الشركات التي يستورد منها المسؤولون عن ذلك في المملكة، مع ما في بعضها من الإجمال، ومع ذلك فاللجنة تعرض خلاصة ما جاءها من التقارب، وما اطلعت عليه في المجلات على ما تقدم؛ من طريقة الذبح الشرعية، وما صدر في الموضوع من فتاوى كلية، ليتبين الحكم على اللحوم المستوردة من تلك البلاد، وعلى هذا يمكن أن يقال:
أولا: بناء على ما جاء في كتاب معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي إلى سماحة الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء من أنه قد وردت إلى معاليه تقارير تفيد أن بعض الشركات الأسترالية التي تصدر اللحوم للأقطار الإسلامية وخاصة شركة: (الحلال الصادق) ، والتي يملكها القادياني "حلال الصادق " لا تتبع الطريقة الإسلامية في ذبح الأبقار والأغنام والطيور، ويحرم الأكل من ذبائح هذه الشركات، وتجب مراعاة ما قررته الرابطة وأوصت به في كتابها (1)
__________
(1) ص 44 من الأعداد(10/124)
ثانيا: بناء على ما جاء في تقرير الأستاذ أحمد بن صالح محايري في طريقة الذبح في شركة (برنسيسا) من أن الذابح لا يدرى عنه هل هو مسلم أو كتابي أو وثني أو ملحد، ومن الشك في قطع الوريدين أو أحدهما، ومن أن شهادة المصدق على الشحنة لم تُبنَ على معاينته بنفسه أو بنائبه للذبح ولا على معرفته بالذابح؛ لا يجوز الأكل من هذه الذبائح، ويؤكد كون التذكية غير شرعية موافقة مدير الشركة على تعديل طريقة الذبح لتكون شرعية بشرط بيان الكمية اللازمة للجهة المستوردة أولا (1)
ثالثا: وبناء على ما جاء عنه أيضا في طريقة ذبح الدجاج والبقر في شركة (ساديا أويسته) من أن الذابح مشكوك في ديانته هل هو كتابي أو وثني، ومن أن الأبقار تصعق بكهرباء، فإذا سقطت رفعت من أرجلها بآلة ثم شق جلد رقبتها بسكين، ثم قطع الوريد بسكين آخر، فينزل الدم بغزارة، لا يجوز الأكل من هذه الذبائح (2)
رابعا: بناء على ما جاء في تقرير الشيخ عبد الله الغضية عن الذبح في لندن من أن الذابحين من الشباب المنحرف الوثني أو الدهري، ومن أن الدجاجة تخرج من الجهاز ميتة منتوفة، ورأسها لم يقطع بل لم يظهر في رقبتها أثر الذبح، وإقرار إنجليزيٍّ من أهل المذبح بذلك، ومن خداع القائمين على المذبح لمن أراد الاطلاع على طريقة الذبح في المذبح الأوتوماتيكي الذي يذبح فيه للتصدير، واطلاعهم على مذبح يذبح فيه قلة من المسلمين للمسلمين بالداخل، وذلك مما يبعث في النفس ريبة في كيفية الذبح وديانة الذابح، لذلك لا يجوز الأكل من هذه الذبائح (3)
__________
(1) ص 45 من الأعداد
(2) ص 50 من الأعداد
(3) ص 51-56 من الأعداد(10/125)
خامسا: بناء على ما جاء في تقرير الأستاذ حافظ عن طريقة الذبح في بعض الأمكنة المشهورة في اليونان من أن ذبح الحيوان الكبير يكون بعد سقوطه من ضرب رأسه بمسدس، ومن الشك في كون الذبح حصل بعد موته من المسدس أو قبل موته؛ لا يجوز الأكل منه، وهناك طريقة أخرى قال فيها صاحب التقرير: إن الذبح فيها على الطريقة الإسلامية، ولم يبين كيفية الذبح ولا ديانة الذابح, كما أنه لم يبين أماكن الذبح ولا شركاته في اليونان (1)
سادسا: بناء على ما جاء في تقرير الشيخ عبد القادر الأرناؤوط عن طريقة الذبح في يوغوسلافيا من أن الذبح في القرى وفي (سيراجيفو) على الطريقة الشرعية، والذابح مسلم؛ يجوز الأكل مما ذبح فيها، وبناء على ما جاء فيه عن الذبح في غيرها من مدن يوغوسلافيا من أن الذابح قد يكون غير مسلم، كتابيا أو شيوعيا ظاهرا، لا في حقيقة الأمر، لا يجوز الأكل من ذبائح هذه المدن للشك في أهلية الذابح.
سابعا: بناء على ما جاء في تقرير الدكتور الطباع عن طريقة الذبح في ألمانيا الغربية من أن الأبقار تضرب بمسدس في رؤوسها أولا، ثم لا تذبح إلا بعد أن تصير ميتة، لا تؤكل هذه الذبائح (2)
__________
(1) ص 54 من الأعداد
(2) ص 63- 67 من الأعداد(10/126)
ثامنا: بناء على ما جاء في المقال الذي نشرته مجلة (المجتمع) (1) عن طريقة الذبح بالدانمارك من أن الذابح إلى الشيوعيين والوثنيين أقرب منه إلى النصارى، ومن أن الشركة هناك ليست عندها معلومات عن طريقة الذبح الإسلامي - إلا من جهة الإشاعات- حتى يتأتى لها أن تراعي في ذبحها الطريقة الإسلامية وأن تكتب على الطرود (ذبح على الطريقة الإسلامية) ، وإنما تكتب هذه الصيغة الجهة المستوردة ليصدق عليها هناك من لا يؤمن، مع امتناعهم من تمكين من يريد معرفة كيفية الذبح في الشركة المصدرة من الإطلاع على ذلك (2)
وبناء على ما جاء أيضا عن الأستاذ أحمد صالح محايري عن محمد الأبيض المغربي الذي يعمل في تعليب اللحوم بالدانمارك من أنهم يكتبون عليه: (ذبحت على الطريقة الإسلامية) وهذا غير صحيح، لأن قتل الحيوان يتم كهربائيا على كل حال، وبناء على هذا وذاك لا يجوز الأكل من تلك الذبائح.
تاسعا: ما ذكر عن ابن العربي من إباحة الأكل مما ذكاه أهل الكتاب من الأنعام والطيور ونحوها مطلقا، وإن لم توافق تذكيتهم التذكية عندنا، وأن كل ما يرونه حلالا في دينهم فإنه حلال لنا، إلا ما كذبهم الله فيه؛ مردود بما تقدم في بيان طريقة الذبح وفي الفتاوى.
عاشرا: مما تقدم في بيان كيفية الذبح وديانة الذابحين يتبين أن ما ذكر في كتب (3) وزارة التجارة والصناعة إلى الرئاسة، لا يقوى على بعث الاطمئنان في النفس إلى أن الذبائح المستوردة يحل الأكل منها، بل يبقى الشك على الأقل يساور النفوس في موافقة ذبحها للطريقة الإسلامية، والأصل المنع، وعلى هذا لابد من البحث عن طريق لحل المشكلة.
__________
(1) عدد 414
(2) ص 50 من الأعداد
(3) ص42- 43 من الأعداد(10/127)
خامسا: حل مشكلة اللحوم المستوردة":
يتلخص ذلك فيما يأتي:
ا- الإكثار من تربية الحيوانات، والعناية بتنميتها، واستيراد ما يحتاج إليه منها إلى المملكة حيا، وتيسير أنواع العلف لها، وتهيئة المكان المناسب لتربيتها وتذكيتها بالمملكة، وبذل المعونة لمن يعنى بذلك من الأهالي شركات أو أفرادا تشجيعا له، وتسهيل طرق توزيعها في المملكة.
وكذا الحال بالنسبة لإنشاء مصانع الجبن وتعليب اللحوم والزيوت والسمن وسائر الأدهان.
2- إنشاء مجازر خاصة بالمسلمين في البلاد التي يراد استيراد اللحوم منها إلى البلاد الإسلامية أو المملكة العربية السعودية، ويراعى في تذكية الحيوانات بها الطريقة الشرعية.
3- اختيار عمال مسلمين أمناء عارفين بطريقة التذكية الشرعية ليقوموا بتذكية الحيوانات تذكية شرعية في تلك الشركات بقدر ما تحتاج المملكة إلى استيراده منها.
4- اختيار من يحصل به الكفاية من المسلمين الأمناء الخبيرين بأحكام التذكية الشرعية وأنواع الأطعمة، ليشرف على تذكية الحيوانات وعلى مصانع الجبن وتعليب اللحوم ونحوها في الشركات التي تصدر ذلك إلى المملكة العربية السعودية.
وإذا كان اليهود حريصين على أن يكون الذبح متفقا مع عقيدتهم ومبادئهم، فخصصوا لذلك مجازر لهم وعمالا يذبحون لهم كما يريدون، فالمسلمون أحق بذلك منهم وأولى أن يستجاب لهم، لكثرة ما يستهلكون من اللحوم ومنتجات المصانع الغربية، وشدة حاجة أولئك إلى تصريف ما لديهم من لحوم ومنتجات أخرى. والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء العضو: عبد الله بن قعود العضو: عبد الله بن غديان
النائب لرئيس اللجنة: عبد الرزاق عفيفي الرئيس: عبد العزيز بن عبد الله بن باز
وإن ما نقلناه من تقارير المندوبين لهيئة كبار العلماء وتوصيات اللجنة الدائمة للبحوث والإفتاء يكفي لإثبات أن معظم الشهادات المكتوبة على علب اللحوم المستوردة من كونها مذكاة بالطريقة الشرعية لا يوثق بها إطلاقاً, وعلى هذا فلا يجوز أكلها ما لم يثبت بطريق موثوق أنه مذبوح بالطريقة الشرعية.
وإليكم الآن خلاصة ما توصلنا إليه في هذا البحث.(10/128)
خلاصة البحث
1- إن قضية الذبح ليست من القضايا العادية التي لا تتقيد بأحكام، مثل طرق الطبخ، وإنما هو من الأمور التعبدية التي تخضع لأحكام مشروعة في الكتاب والسنة، بل هو من شعائر الدين وعلاماته التي تميز المسلم من غيره، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله)) .
2- لا يحل حيوان، ولو كان مأكول اللحم، إلا بالتذكية الشرعية التي يشترط لها الأمور الآتية:
(أ) أن يقع إزهاق الروح في الحيوانات المقدور عليها عن طريق قطع العروق في الحلق، على اختلاف الفقهاء في تعيين القدر الأقل منها.
(ب) أن يكون الذابح، على كونه عاقلا مميزا من المسلمين أو من اليهود والنصارى.
(ج) أن يذكر اسم الله تعالى عند الذبح, فلو تركت التسمية عمدا فالذبيحة في حكم الميتة على قول جماهير الفقهاء، وهو القول المنصور بالنظر إلى النصوص القطعية ثبوتا والواضحة دلالة, وأما من ترك التسمية ناسيا، فإنه معذور تحل ذبيحته, وإن الإمام الشافعي الذي ينسب إليه القول بجواز متروك التسمية عامدا لا يوجد له نص صريح في ذلك، بل تدل عباراته في كتاب "الأم " على أنه إنما يقول بالجواز في حالة النسيان, وقد صرح بالحرمة عند ترك التسمية استخفافا.(10/129)
3- ذبائح أهل الكتاب إنما أجيزت لأنهم كانوا يتقيدون بالقيود الشرعية عند ذبحهم، فكانوا يحرمون الميتة والمخنوقة والموقوذة والفريسة، كما هو مذكور في كتبهم المقدسة التي سردت نصوصها في متن البحث, وكانوا لا يذكرون عند الذبح إلا اسم الله تعالى، ومن هذه الجهة اعتبرت ذبائحهم بمثابة ذبائح أهل الإسلام، وأحلت لهم.
4- وكذلك أحلت للمسلمين نساء أهل الكتاب من جهة أنهم كانوا يلتزمون في أمر المناكحات أحكاما تشابه الأحكام المشروعة في الإسلام، ولذلك يجب لجواز هذا النكاح شرعا أن يقع النكاح حسب الأحكام الشرعية في الإسلام.
فكما أن قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ} مقيد إجماعا بأن يلتزم الزوجان بالأحكام الشرعية, فكذلك قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} مقيد بأن يقع الذبح بالتزام الأحكام الشرعية، فإن كلا الحكمين مقرون في نسق واحد.
5- إن قول ابن العربي في حل ما خنقه أحد من أهل الكتاب قول يتعارض مع ما ذكره هو بنفسه من أن أهل الكتاب إنما تحل ذبائحهم إذا التزموا بالأحكام الشرعية, فيؤخذ من قوليه المتعارضين ما هو موافق للنصوص الصريحة ولإجماع أهل العلم. ثم إن القول بالحل مبني على كون المخنوقة حلالا في دين النصارى، والثابت من كتبهم خلافه، فلا يعتد بهذا القول الشاذ.
6- الراجح أن التسمية شرط في حل ذبائح أهل الكتاب، كما هو شرط في ذبائح المسلمين، فإن قول الله سبحانه وتعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ، يعم المسلمين وأهل الكتاب، وخاصة بالنظر إلى صيغة المجهول في قول الله تعالى: {لَمْ يُذْكَرِ} .(10/130)
7- المراد بأهل الكتاب اليهود والنصارى الذين يؤمنون بعقائدهم الأساسية، وإن كانوا يؤمنون بالعقائد الباطلة من التثليث والكفارة وغيرهما, أما من لا يؤمن بالله ولا برسول ولا بالكتب السماوية فهو من الماديين، وليس له حكم أهل الكتاب، وإن كان اسمه مسجلا كنصراني أو يهودي.
8- اللحم الذي جهل ذابحه في بلاد المسلمين، يحمل على كونه ذكي بالطريقة الشرعية، ويحل أكله، إلا إذا ثبت أن ذابحه لم يذبحه بالطريقة الشرعية, والدليل على ذلك حديث عائشة - رضي الله عنها- في ذبائح الأعراب.
9- وما يوجد في أسواق أهل الكتاب يعتبر من ذبائح أهل الكتاب، إلا إذا ثبت كون الذابح من غيرهم.
10- إن النصارى اليوم خلعوا ربقة التكليف في قضية الذبح، وتركوا أحكام دينهم، فلا يلتزمون بالطرق المشروعة، فلا تحل ذبائحهم اليوم إلا إذا ثبت في لحم بعينه أنه ذكاه نصراني بالطريق المشروع, فلا يحل اللحم الذي يباع في أسواقهم ولا يعرف ذابحه.
11- إن الطرق الآلية للذبح في الدجاج عليها عدة مأخذ من الناحية الشرعية:
(أ) غمس الدجاج قبل ذبحه في الماء البارد الذي فيه تيار من الكهرباء، فإنه لا يؤمن منه أن يموت الدجاج بالكهرباء.
(ب) تعذر التسمية على ما يذبح عن طريق السكين الدوار.
(ج) الشبهة في قطع العروق في بعض الحالات.(10/131)
12- يمكن أن نختار الطريق الآلي للذبح الشرعي بالطرق الآتية:
(أ) أن يستغنى عن طريق استعمال التيار الكهربائي للتخدير، أو يقع التأكد من خفة قوته بحيث لا يسبب موته قبل الذبح.
(ب) أن يستعاض السكين الدوار بأشخاص يقومون ويذبحون بالتسمية عند الذبح.
(جـ) أن يكون الماء الذي تمر منه الدجاج بعد الذبح لا يبلغ إلى حد الغليان.
13- الطريق الآلي لذبح البقر والغنم عليه مؤاخذتان: الأولى: أن الطرق التي تستخدم للتخدير من إطلاق المسدس، واستخدام الغاز من ثاني أكسيد الكربون، والصدمة الكهربائية لا يؤمن معها من موت الحيوان قبل الذبح، فيجب تعديل هذه الطرق إلى ما يقع التأكد من أنها ليست مؤلمة للحيوان، ومن أنها لا تسبب موته. والمؤاخذة الثانية أن الذبح قد لا يقع عن طريق قطع العروق.
فإذا وجدت الطمأنينة بإبعاد هذين الاحتمالين جاز استخدام الطريق الآلي للذبح.
14- أن ما يستورد من اللحوم من البلاد غير المسلمة لا يجوز أكلها، وإن كان يوجد عليها التصريح بأنها مذبوحة على الطريقة الإسلامية، فإنه قد ثبت أن هذه الشهادات لا يوثق بها، والأصل في أمر اللحوم المنع.(10/132)
توصيات:
ا- أن تعنى البلاد الإسلامية بالإكثار من إنتاج الثروة الحيوانية، بحيث لا تحتاج إلى استيراد اللحوم من البلاد غير المسلمة.
2- ولئن احتاجت دولة إلى استيراد اللحوم فلتحاول أن يقتصر الاستيراد من البلاد المسلمة.
3- وإلى أن تصل البلاد الإسلامية في إنتاجها إلى هذا المستوى، فلتفرض الحكومة على شركات الاستيراد أن تبعث وفودا من علماء الشريعة والخبراء إلى الشركات المصدرة، لتطلب منها التعديل في طريق الذبح بما يوافق أحكام الشريعة الإسلامية، وتعين في بلدها رجالا من ذوي الغيرة من المسلمين يراقبون طريق ذبحهم بصفة دائمة بطريق يوثق به، ولا يصدرون شهادتهم على التذكية الشرعية إلا بعد الطمأنينة الكاملة على حصولها، ولا يصدرون شهادتهم بصفة إجمالية من أن هذا اللحم حلال، أو أنه مذبوح بالطريقة الإسلامية، بل تكون شهادتهم على التصريح بجميع العناصر اللازمة للتذكية الشرعية؛ من أن الحيوان ذبح بيد مسلم أو كتابي سمى عند الذبح، وقطع العروق اللازمة لحلة الحيوان.
4- أن تمنع الحكومات الإسلامية الشركات المستوردة من استيراد اللحوم من بلاد غير إسلامية، ومن استخدام العبارات المجملة من كون اللحم حلالا، إلا بعد إنجاز ما سبق في الفقرة السابقة من الشروط.
5- أن يعقد مجمع الفقه الإسلامي ندوة يدعى إليها المسؤولون من الشركات المستوردة للحوم وممثليهم من شتى مناطق الوطن الإسلامي بقدر الإمكان، لتشرح لهم أهمية القضية، وطريق التعامل المشروع، والتقييد بتوصيات المجمع في هذا الصدد.
القاضي محمد تقي العثماني(10/133)
الذبائح
والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة
إعداد
سماحة الشيخ أحمد بن أحمد الخليلي
المفتي العام لسلطنة عمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أحل لعباده الطيبات وحرم عليهم الخبائث ووضع عن هذه الأمة الآصار والأغلال التي كانت على من قبلهم منة منه وتكريما، فأحل لهم بهيمة الأنعام وكل ما كان نافعاً غير ضار من جنس الحيوان، وكرم الإنسان فلم يجعله كالسباع الكاسرة يعدو على البهيمة افتراسا ويقضم لحمها التهاما، بل شرع له الذكاة تطييبا للحم وإتماما للنعمة. والصلاة والسلام على رسوله الذي بعثه للعالمين رحمة وللثقلين هداية، وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد؛ فإن الله سبحانه اختص الجنس البشري بالتكريم والتفضيل منة منه سبحانه وابتلاء لهذا المخلوق أيشكر أم يكفر؟ ومن مظاهر هذا التكريم البالغ ما نشهده من تسخير ما في الأرض من أجل منفعته، بل تسخير ما في الوجود بأسره ليتحقق به استخلافه في الأرض، وليصل به إلى القيام بما نيط به من تكاليف وواجبات، وشرائع وأحكام تجعله فريدا بين أجناس الموجودات في الأرض في أهليته للاضطلاع بهذه الأمانة الملقاة على عاتقه والواجب الذي شهد على حيزومه، والقرآن الكريم يعلن ذلك كله في قول الحق سبحانه: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} [الإسراء: 70] ، وقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُم مَّا فِي الأَرْضِ جَمِيعاً} [البقرة: 29] ، وقوله سبحانه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الجاثية: 13] .
وقوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آَتَاكُمْ} [الأنعام: 165](10/134)
ومن تسخيره تعالى ما في الأرض لمصلحة الإنسان تمكينه له من الحيوانات المختلفة التي تشاركه الوجود على ظهر هذا الكوكب المظلم، سواء ما كان منها على أديم اليابسة أو ما كان في أعماق البحار والمحيطات، أو ما كان يسبح في الفضاء طيراناً، وسواء ما كان منها صغير الحجم أو ضعيف القوة، وما كان عظيم الجسم قوي البنية مهيب السطوة، فإن سيطرة الإنسان عليها جميعا سيطرة غالبة وذلك بما منحه الله عز وجل من ملكات العقل ووسائل التدبير.
وقد جعل الله تعالى منافعها متفاوتة بحسب حاجة الإنسان إليها، وكيفية استغلاله لها، ومن بينها منفعة الغذاء الذي جعله الله قواما للأبدان، وهنا تتجلى وسطية الإسلام بين الإفراط والتفريط اللذين لا ينفك عنهما غيره من الأديان والأفكار والنظم، فهو يباين الديانة البرهمية التي تحرم على أتباعها أكل ذوات الأرواح جميعا، كما يباين المذهب الإباحي الذي لا يتقيد في ذلك بقيد ولا يقف عند حد، إذ الإسلام إنما يبيح الطيب دون الخبيث والنافع دون الضار، فلذلك أحل منها ما أحل وحرم منها ما حرم بحسب ما تقتضيه الحكمة الربانية من تحقيق منفعة العباد وتجنيبهم كل ما هو ضار.
على أن ما أباحه الإسلام من أجناس الحيوانات لم يكل إلى الإنسان إزهاق روحه بأي كيفية كانت، وإنما شرع لذلك أحكاما وحد حدودا تتلاءم مع الفطرة وتتواءم مع دواعي الرحمة التي تتدفق بها مشاعر الإنسان السليم، وبهذا ارتفع الإنسان عن دركات السبع الفتاك الذي يعدو على البهيمة فيفري أديمها ويمزع أشلاءها ويلتهم لحمها ولو لم تفارق الحياة جسمها، ويظهر ذلك جليا فيما أتى به الإسلام من أحكام الذكاة الشرعية التي فيها الرفق بالحيوان والسمو بالإنسان، كما تتحقق بها المصلحة وتندرئ بها المفسدة, وبما أن كثيرا من الأحكام المتعلقة بالذكاة اختلفت فيها أفهام أهل العلم فصارت موضع أخذ وردٍّ بين فقهاء الأمة رأى مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن المؤتمر الإسلامي ممثلا في شخص أمينة العام صاحب الفضيلة معالي الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة- حفظه الله- بحث بعض الموضوعات المتعلقة بذلك، وقد تكرم فضيلته فوجه إلي دعوة للمشاركة ببحث في ذلك بعنوان: (الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة) . وهو ينقسم حسب توجيه فضيلته إلى ثلاثة محاور:
المحور الأول: التذكية الشرعية شروطها وأحكام مخالفتها مما وقع إزهاق الروح فيه بالطرق الحديثة.
المحور الثاني: حكم ما جهل إسلام ذابحه مما حل أكل لحمه.
المحور الثالث: حكم اللحوم المستوردة.(10/135)
المحور الأول
وهو ينقسم إلى مقدمة وأربعة مباحث.
المقدمة (في تعريف الذكاة لغة واصطلاحا) :
أصل الذكاة لغة بمعنى التمام، كما نص عليه ابن منظور (1) في اللسان، إذ قال: وأصل الذكاة في اللغة كلها إتمام الشيء، فمن ذلك الذكاء في السن والفهم، وهو تمام السن، قال: وقال الخليل: الذكاء في السن أن يأتي على قروحه سنة، وذلك تمام استتمام القوة. قال زهير:
يفضله إذا اجتهدوا عليه
تمام السن منه والذكاء
وبمثله قال من المفسرين الفخر الرازي (2) وابن العربي (3) والقرطبي (4) والسيد محمد رشيد رضا (5) , وعليه حمل القرطبي قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، أي أدركتم ذكاته على التمام. وهو يتفق مع ما نقله تقي الدين الحصني في كفاية الأخيار عن الإمام النووي، وقال: " معنى ذكاة الشاة ذبحها التام المبيح"، ومنه: فلان ذكي أي تام الفهم (6)
غير أن القرطبي ذكر وجهاً آخر، وهو أن أصل التذكية التطييب، من قولهم رائحة ذكية، والحيوان إذا أسيل دمه فقد طيب، لأنه يتسارع إليه التجفيف، وهذا الذي صدر به تقي الدين الحصني في كفاية الأخيار, وتابعه عليه كل من الدكتور عبد الله عبد الله العبادي في كتابه الذبائح في الشريعة الإسلامية (7) والدكتور محمد عبد القادر أبو فارس في كتابه أحكام الذبائح في الإسلام (8) وقد يتبادر أن ذلك صحيح، نظرا إلى شيوعه في استعمال الناس، ولكن عندما نعود إلى معاجم اللغة من أجل فهم المراد من ذكاء الرائحة نجد أنه بمعنى الشدة، سواء كانت من طيب أو نتن، كما نص عليه ابن منظور في اللسان، والزبيدي في تاج العروس (9)
__________
(1) لسان العرب- مادة ذكا-: 14/ 288
(2) التفسير الكبير:11 /135
(3) أحكام القرآن:2 /541
(4) الجامع لأحكام القرآن: 6 /51
(5) المنار: 6/ 143
(6) تقي الدين الحصني، كفاية الأخيار: 2/ 422
(7) الذبائح في الشريعة الإسلامية، ص 20
(8) أحكام الذبائح في الإسلام، ص 34
(9) انظر المرجعين- مادة ذكا(10/136)
أما الذكاة الشرعية فقد عرفها ابن العربي (1) والقرطبي (2) بأنها عبارة عن أنهار الدم وفري الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور والعقر في غير المقدور عليه؛ مقرونا ذلك بنية القصد إليه، وذكر الله تعالى عليه. وعرف ضياء الدين الثميني (3) الذكاة بأنها قطع الحلقوم والمريء والودجين (4) ويتبادر إلى أنه خاص بنوع من التذكية، وهو الذبح دون النحر والصيد.
المبحث الأولى: في كيفية الذكاة الشرعية:
لا يخلو الحيوان المراد تذكيته إما أن يكون مقدورا عليه أو غير مقدور عليه، فالمقدور عليه وهو الإنسي وما وقع في قبضة اليد من الوحشي فتذكيته لا تكون إلا بنحر أو ذبح، وفيما يأتي بيان ذلك:
ا- النحر: وهو طعن بآلة ذات نصل حاد في اللبة تحت العنق وفوق الترقوة، مع استحسان أن يكون الحيوان المنحور قائما على ثلاث، وقد عقلت إحدى يديه لقوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [الحج: 36]
__________
(1) أحكام القرآن: 2/ 541
(2) الجامع لأحكام القران: 6/ 53
(3) ضياء الدين الثميني- وهو العلامة المحقق الإمام عبد العزيز بن إبراهيم بن عبد العزيز الثميني، ولد في بني يسجن بواد ميزاب بالجزائر سنة هـ 1130هـ، نبغ في العلم الشريف حتى آلت إليه الإمامة العلمية بوادي ميزان سنة 1201هـ، له تأليف عظيمة منها كتاب (النيل وشفاء العليل) و (التاج في حقوق الأزواج) (ومعالم الدين في أصول الدين) ، توفي رحمه الله سنة 1223 هـ، انظر شرح النيل وشفاء العليل، ط مكتبة الإرشاد، جدة، السعودية.
(4) انظر النيل وشرحه: 4/ 432، 433(10/137)
قال أبو غانم (1) في مدونته: قلت لأبي المؤرج (2) أخبرني قول الله تبارك وتعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] ، قال: حدثني أبو عبيدة (3) عن جابر بن زيد (4)
عن ابن عباس أنه سئل عن ذلك فقال: إن قول الله: {صَوَافَّ} يعني بذلك قيام المعقولات (5) وقد أخرج ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما ابن جرير الطبري من طريق أبي ظبيان ومجاهد وغيرهما (6) وأمر الله نبيه صلى الله عليه وسلم به في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] ، ولا خلاف بين أهل العلم في مشروعيته في الإبل، وألحق بها كل ما كان مثلها في طول العنق كالزرافة، ووردت به السنة في الخيل كما في حديث أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما: ((نحرنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرساً فأكلناه)) (7) ووردت به السنة أيضا في البقر كما سيأتي بيانه إن شاء الله.
__________
(1) هو العلامة بشر بن غانم الخراساني من أهل خراسان، انتقل إلى البصرة لطلب العلم على يد مشائخ أهل الحق والاستقامة، له المدونة الكبرى والمدونة الصغرى، جمعها من تلامذة أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة، وهو من علماء القرن الثاني الهجري، انظر المدونة الصغرى، ط وزارة التراث القومي والثقافة بسلطنة عمان
(2) أبو المؤرج عمر بن محمد من تلامذة الإمام أبي عبيدة مسلم بن أبي كريمة وقرناء الربيع بن حبيب رحمه الله، خالف أهل الحق والاستقامة في مسائل معدودة إلا أن روايته مقبولة عندهم، قال عنه الإمام أفلح رضي الله عنه:"لا يدفع إسناده وهو بمنزلة من سواه من المسلمين "، وقيل رجع عن خلافه لما جاء إلى عمان، وتوفي في طريقه إلى فدم، انظر شرح الجامع الصحيح، والمدونة الصغرى
(3) هو أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة التميمي بالولاء، توفي في ولاية أبي جعفر المنصور (95- 158 هـ) ، وهو تابعي أدرك بعضا من الصحابة، أخذ العلم عمن لقيه من الصحابة، وعن جابر بن عبد الله الصحاري المعروف، وعن جابر بن زيد، وعن صحار العبدي وجعفر السماك، وحمل عنه العلم خلق كثير أشهرهم: الإمام الربيع بن حبيب صاحب المسند، حبس نفسه للتدريس والدعوة إلى الله وتوضيح معالم الإسلام.
(4) هو الإمام العظيم أصل المذهب الإباضي جابر بن زيد الأزدي، ولد في فرق بولاية نزدى، وانتقل بين البصرة وغيرها من حواضر الإسلام، تتلمذ على أكثر من سبعين صحابيا أخصهم ابن عباس رضي الله عنهما، ثم السيدة عائشة رضي الله عنها، نبغ في العلم وشهر بالتقوى، حتى أخذت عنه العلم الأمة كلها، وأخص تلامذته أبو عبيدة مسلم بن أبي كريمة، توفي رحمه الله سنة 93 هـ. انظر شرح الجامع الصحيح.
(5) أبو غانم، المدونة الكبرى 1/ 350
(6) ابن جرير الطبري، جامع البيان: 17/ 118
(7) رواه البخاري في كتب الذبائح والصيد في باب (24) لحوم الخيل؛ ورواه النسائي في كتاب الضحايا في باب (33) نحر ما يذبح، من طريقتين في أحدهما- وهي من رواية محمد بن آدم- زيادة (ونحن بالمدينة) .(10/138)
2- الذبح: وهو حز الرقبة من مقدمتها بسكين أو نحوها مما يفري وينهر الدم، ولا خلاف بين أهل العلم أن تمامه بقطع الحلقوم والمريء والودجين- كما سبق نقله عن صاحب النيل في تعريف الذكاة- وهي الكيفية المجمع على إجزائها في تذكية ما يذبح، واختلف فيما دونها على أقوال: الأول: أنه يكتفي بقطع الحلقوم والمريء، وعليه الشافعية والحنابلة، قال الإمام النووي نقلا عن الرافعي: "الذبح الذي يباح به الحيوان المقدور عليه إنسيا كان أو وحشيا، أضحية كان أو غيرها هو التدقيق بقطع جميع الحلقوم والمريء من حيوان فيه حياة مستقرة بآلة ليست عظما ولا ظفرا" (1)
وقال ابن قدامة في المغني: "وأما الفعل فيعتبر قطع الحلقوم والمريء" (2) وهو قول لبعض علمائنا الإباضية (3) كالإمام أبي العباس أحمد بن محمد بن بكر (4)
__________
(1) النووي، المجموع: 9/ 86, وانظر كذلك كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، لتقي الدين الحصني: 2/ 423
(2) ابن قدامة، المغني: 11/ 44؛ وانظر أيضاً المقنع مع الشرح الكبير بذيل المغني: 11/ 51؛ وبداية المجتهد: 1/ 445
(3) اطفيش، شرح النيل: 4/ 435
(4) هو العلامة المحقق المجتهد أبو العباس أحمد بن محمد بن بكر من الطبقة العاشرة لعلماء المذهب الإباضي بالمغرب، صنف خمسة وعشرين مؤلفا منها: كتاب أصول الأراضين والسيرة في الدماء والجراحات، وجامع أبي مسألة، وغيرها، توفي رحمه الله تعالى سنة 504 هـ؛ انظر تطبيقات المشائخ بالمغرب(10/139)
الثاني: أنه يجزي قطع ثلاثة منها بدون تعيين وهو قول الإمام أبي حنيفة، ففي (الاختيار لتعليل المختار) : "فإن قطعها حل الأكل " لوجود الذكاة "وكذلك إذا قطع ثلاثة منها" أي ثلاثة كانت (1) وذكر العلامة ابن نجيم أنه قول أبي يوسف أولا (2)
الثالث: أنه لا يجزي إلا أن يقطع من كل واحد منها أكثره، وهو قول محمد بن حسن (3)
الرابع: أنه لا يجزي إلا قطع الحلقوم والودجين وهو قول مالك بن أنس، ففي المدونة: "قلت: أرأيت إن ذبح فقطع الحلقوم، ولم يقطع الأوداج أو فرى الأوداج ولم يقطع الحلقوم أيأكله؟ قال: قال مالك: لا يأكله إلا باجتماع منهما جميعاً، لا يأكل إن قطع الحلقوم ولم يفر الأوداج، وإن فرى الأوداج ولم يقطع الحلقوم فلا يأكله أيضا، ولا يأكله حتى يقطع جميع ذلك؛ الحلقوم والأوداج، قلت: أرأيت المريء هل يعرفه مالك؟ قال: لم أسمع مالكاً يذكر المريء " (4)
الخامس: أنه لا يجزئ إلا قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين، وهو قول أبي يوسف (5) وهو يتفق مع ما في المصنف من كتب أصحابنا (6)
__________
(1) ابن مودود الموصلي، الاختيار لتعليل المختار: 5/ 11؛ وانظر كذلك المبسوط للسرخسي: 2 1/ 2؛ وبدائع الصنائع للكاساني: 6/ 2767
(2) البحر الرائق: 8/ 193؛ وانظر أيضا بداية المجتهد: 1/ 445؛ والمغني: 11/ 44؛ والشرح الكبير بذيل المغني: 11/ 51
(3) بدائع الصنائع: 6/ 2767؛ والبحر الرائق: 8/ 193
(4) الإمام مالك، المدونة الكبرى 1/ 427؛ وانظر كذلك الذخيرة: 4/ 133؛ وبداية المجتهد:4/ 45
(5) بدائع الصنائع: 6/ 2767, والبحر الرائق: 8/ 193
(6) الكندي، المصنف: 9/ 186(10/140)
السادس: أنه يجزئ قطع الحلقوم أو المريء وحده، لأن الحياة لا تبقى بعده، ذكره النووي وجها لأبي سعيد الاصطخري من الشافعية، وتعقبه بقوله: "قال الأصحاب: هذا خلاف نص الشافعي وخلاف مقصود الذكاة، وهو الإزهاق بما يوحي ولا يعذب " (1)
السابع: أنه لابد من قطع الأربعة جميعا، وهو قول أكثر أصحابنا الإباضية كما سبق نقله عن صاحب النيل، وذكره في المغني رواية عن أحمد وعزاه (2) إلى مالك وأبي يوسف، وعزاه إلى مالك أيضا ابن رشد (3) وذكر القرطبي أنه حكاه عنه البغداديون، ونسبه أيضا إلى أبي ثور (4) وفي شرح النيل: "والمشهور أنه لابد من قطع الأوداج والحلق والحلقوم " (5) ومراده بالحلق المريء.
الثامن: أنه يجزئ قطع الودجين وحدهما، ذكره ابن رشد قولا لمالك (6) والأصل في هذا ما أخرجه أبو داود عن أبي هريرة وابن عباس رضي الله عنهم ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شريطة الشيطان)) (7) وفسرت بأنها الذبيحة يقطع منها الجلد ولا تفرى الأوداج وتترك حتى تموت، ويؤيده ما أخرجه الطبراني في الأوسط من حديث حذيفة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((اذبحوا بكل شيء فرى الأوداج ما خلا السن والظفر)) (8)
__________
(1) المجموع: 9/ 86
(2) المغني: 44/11، 45
(3) بداية المجتهد: 1/ 445
(4) الجامع لأحكام القران: 6/ 54
(5) اطفيش، شرح النيل: 4/ 436
(6) بداية المجتهد: 1/ 454
(7) رواه أبو داود من طريق أبي هريرة وابن عباس في كتاب الأضاحي في باب في المبالغة في الذبح، رقم الحديث: 2827
(8) انظر حكم اللحوم المستوردة وذبائح أهل الكتاب وغيرهم، عبد الله بن محمد حميد، ص 9(10/141)
ولفظة الأوداج تطلق تغليبا على الودجين والحلقوم والمريء، قال الإمام النووي: "أما الحلقوم فهو مجرى النفس خروجا ودخولا، والمريء مجرى الطعام والشراب وهو تحت الحلقوم، ووراءهما عرقان في صفحتي العنق يحيطان بالحلقوم، وقيل يحيطان المريء يقال لهما الودجان، ويقال للحلقوم والمريء معهما الأوداج " (1) وفي كنز الدقائق وشرحه البحر الرائق: "والمذبح المريء والحلقوم والودجان، لما روي عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال: "أفر الأوداج بما شئت ". وهي عروق الحلق في المذبح، والمريء مجرى الطعام والشراب، والحلقوم مجرى النفس، والمراد بالأوداج كلها، وأطلق عليه تغليبا، وإنما قلنا ذلك لأن المقصود يحصل بقطعهن، وهو إزهاق الروح وإخراج الدم، لأنه بقطع المريء والحلقوم يحصل الإزهاق، وبقطع الودجين يحصل إنهار الدم، ولو قطع الأوداج وهي العروق من غير قطع المريء والحلقوم لا يموت فضلا عن التوجه، فلابد من قطعهما ليحصل التوجه، ولا بد من قطع الودجين أو أحدهما ليحصل إنهار الدم" (2)
وبما أن مشروعية التذكية من أجل تطييب اللحم مع مراعاة راحة الحيوان المذكى؛ يتبين رجحان القول السابع الذي يشترط في الذبح قطع الحلقوم والمريء والودجين جميعا، فإن ذلك- لا ريب- أبلغ في إراحة المذبوح من شدة معاناة آلام الموت، وأكثر تطييبا للحم بإنهار دمه من كلا ودجيه، وهى الكيفية التي انعقد الإجماع على إجزائها في الذبح، وذلك أحوط في العمل بما دلت عليه السنة من فري الأوداج؛ لصدق مفهوم الأوداج على هذه الأربعة كلها.
__________
(1) المجموع: 9/ 86
(2) ابن نجيم، البحر الرائق: 8/ 193؛ وانظر أيضا السرخسي، المبسوط: 12/ 2، 3(10/142)
وهذا لا ينافي كون هذه الأقوال كلها لها وجه من النظر، ونجد في شرح النيل توجيها منصفا لغالب هذه الأقوال عندما قال الشارح: "فإن قلت كيف القول بإجزاء قطع أحدهما- أي الودجين- مع الحلق والحلقوم؟ قلت: لعله ساغ لهم الخلاف مع أن ذلك مأمور به في الحديث من حيث حمل الحديث على الإرشاد إلى المصلحة، والرفق بالدابة فإنه يسهل موتها بجميع ذلك ويسرع، ولم يحملوه كله على الوجوب، فمن أوجب قطع الحلق والحلقوم فقط اعتبر قطع النفس والأكل والشرب، وهن مادة الحياة فلا تصح الحياة مع عدمهن، ومن أوجب قطع الودجين فقط اعتبر أن تلك المجاري الثلاثة تنسد بقطعهما، ومن أوجب قطع الحلق والحلقوم وأحد الودجين جمع بين ذلك، ومن أوجب الكل راعى ظاهر الحديث، وهو الراجح, وقد يوجه أيضا القول باغتفار بقاء ودج واحد مع قطع الحلق والحلقوم والودج الآخر باعتبارها الأكثر وإلغاء الأقل واعتبار أنه لا حكم للأقل ". (1)
هذا وقد شرع الذبح فيما لا ينحر كالغنم والطيور والأرانب، وما كان مقدورا عليه من أشباهها في الحيوانات الوحشية، واختلف فيما هو الأفضل في البقر، فرجحت طائفة الذبح لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67] ، وهو وإن كان خطابا موجها إلى من قبلنا إلا أنه محكي لنا على أن مشروعية التذكية في كل أمة من الأمم المخاطبة بشرع تتفق مع طبيعة المذكى، فلا ينبغي أن يكون في ذلك فرق بين أمة وأخرى. ورجحت طائفة أخرى النحر؛ لحديث جابر رضي الله عنه أنه قال: ((نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة))
__________
(1) شرح النيل: 435/4(10/143)
(1) وهو يدل على أن كلا من الإبل والبقر ينحر، ورد بأن ذلك جرى مجرى المألوف في كلام العرب عندما يعطفون خبرا على خبر مع تفاوت المعطوف والمعطوف عليه، بحيث يتعذر أو يبعد أن يكونا على وتيرة واحدة، وذلك أنهم يقدرون قبل المعطوف ما يتلاءم معه كما في قول الشاعر:
ولقيت زوجك في الوغى متقلدا سيفاً ورمحاً
فإنهم قدروا ومعتقلا رمحا، لأن الرمح لا يتقلد، وقول الآخر:
علفتها تبنا وماء باردًا.
فإنهم قدروا وسقيتها ماء، لأن الماء لا يعلف وإنما يسقى، فكذلك يقدر في حديث جابر: وذبحنا البقر. ونسب ذلك الكاساني إلى عامة العلماء (2) إلا أن قفي رواية للدارمي فعن أبي الزبير عن جابر جاءت بلفظ: "نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البقرة عن سبعة". وهي لا يتأتى معها ذلك التأويل (3)
والذبح أنسب بطبيعة البقر لقصر أعناقها بخلاف الإبل، وقد أوضح حكمة هذا التفاوت العلامة القرافي فقال: "وأصل ذلك أن المقصود بالذكاة الفصل بين الحرام الذي هو الفضلات المستقذرة وبين اللحم الحلال بأسهل الطرق على الحيوان، فما طالت عنقه كالإبل فنحره أسهل لزهوق روحه لقربه من الجسد وبُعد الذبح منه، والذبح في الغنم أسهل عليها لقربه من الجسد والرأس معا، ولما توسطت البقر بين النوعين جاز الأمران، وأشكل على هذه القاعدة النعامة، ففي الجواهر أنها تذبح -ولم يحك خلافًا - مع طول عنقها، ولعل الفرق بينها وبين الإبل أن نحرها ممكن من جوفها، فنحرها شق لجوفها (4)
والظاهر أن عدم الخلاف في ذلك إنما هو في المذهب المالكي، وإلا فقد صرح الحنفية بنحر ما كان طويل الرقبة من الطيور كالوز والنعام (5)
__________
(1) رواه الدارمي في سننه في كتاب الأضاحي، باب البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة، من طريق جابر رضي الله عنه، بلفظ نحرنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم البقرة عن سبعة.
(2) بدائع الصنائع: 6/ 2766؛ وانظر كذلك شرح النيل: 4/ 430، 431
(3) رواه الدارمي في سننه في كتاب الأضاحي في باب (5) البدنة عن سبعة والبقرة عن سبعة
(4) القرافي، الذخيرة: 4/ 132
(5) د. عبد الله عبد الرحيم العبادي، الذبائح في الشريعة الإسلامية، ص 44، نقلا عن حاشية ابن عابدين: 6/ 303(10/144)
3- هل يجزئ الذبح فيما ينحر والنحر فيما يذبح؟
هذا مما اختلف فيه أهل العلم، فأكثرهم جوزوه وعزاه ابن قدامة في المغني إلى عطاء والزهري وقتادة ومالك والليث والثوري وأبي حنيفة والشافعي وإسحاق وأبي ثور. وإنما حكي عن داود الظاهري أن الإبل لا تباح إلا بالنحر، ولا يباح غيرها إلا بالذبح (1) وهو كما ترى يعزو إلى مالك رأي الجمهور القائلين بالجواز، مع أن المشهور من مذهبه خلاف ذلك كما نص عليه في المدونة، إذ جاء فيها: "قلت: هل ينحر ما يذبح، أو يذبح ما ينحر في قول مالك؟ قال مالك: لا ينحر ما يذبح، ولا يذبح ما ينحر، قلت: قال ابن القاسم: فالبقر إن نحرت أترى أن تؤكل؟ قال: نعم هي خلاف الإبل إذا ذبحت، قال: قال مالك: قال: والذبح فيها أحب إلي، لأن الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} ، قال: فالذبح أحب إلي، فإن نحرت أكلت، قال: والبعير إذا ذبح لا يؤكل إذا كان من غير ضرورة، لأن سنته النحر، قلت: وكذلك الغنم إن نحرت لم تؤكل في قول مالك؟ قال: نعم إذا كان ذلك من غير ضرورة، قلت: وكذلك الطير ما نحر منه لم يؤكل في قوله؟ قال: لم أسأله عن الطير، وكذلك هو عندي لا يؤكل ". (2)
وما في المدونة هو الذي نصت عليه كتب المالكية كالذخيرة وبداية المجتهد (3) وهو يتنافى مع هذا الذي نقله عنه ابن قدامة، إلا أنه قال من بعد: "وحكي عن مالك أنه لا يجزئ في الإبل إلا النحر، لأن أعناقها طويلة فإذا ذبح تعذب بخروج روحه، قال ابن المنذور: إنما كرهه ولم يحرمه " (4) وحمل المنع على الكراهة دودن التحريم بعيد؛ لما ذكرناه من كلامه في المدونة، وإنما هو قول حكاه ابن رشد عن أشهب من أصحابه (5) وحكي عن ابن بكير أنه فرق بين الغنم والإبل، فقال: يؤكل البعير بالذبح، ولا تؤكل الشاة بالنحر (6)
__________
(1) المغنى: 11/ 47
(2) المدونة الكبرى: 1/ 427، 428
(3) انظر الذخيرة: 4/ 132؛ وبداية المجتهد: 1/ 444
(4) المغني: 47/11
(5) بداية المجتهد: 1/ 444
(6) بداية المجتهد: 1/ 444(10/145)
هذا وأما ما حكاه ابن قدامة عن داود أنه لا يبيح نحر ما يذبح ولا العكس؛ فإن ابن حزم ذكر عن بعض أصحابه موافقة رأي الجمهور في الجواز، ولم يشر إلى داود إلا أنه أطال في رد قول مالك منتصرا لرأي المجيزين حتى ادعى أنه لا سلف لمالك في المنع (1) والخلاف في هذه المسألة جاء في كتب مذهبنا الإباضي، ففي النيل: "وهل يؤكل إن نحر ما يذبح كعكسه - وهو المختار- أو لا؟ قولان، قال شارحه: ثالثهما الإبل تنحر فإن ذبحت لم تؤكل، والبقر والغنم تذبح، فإن نحرت لم تؤكل، ورابعها جواز أكل الإبل إن ذبحت دون غيرها إن نحر، وكره بعضهم نحر الشاة قائمة بلا تحريمها" (2)
ومع النظر يتبين أن القول الثالث هو عين القول الثاني، ويشكل ذكره فيه البقر مع الغنم أنها لا تؤكل إن نحرت، مع الاتفاق على جواز النحر في البقر، وإن رجح الأكثر فيها الذبح.
ثم قال مصنف النيل: "وجاز الكل للضرورة إجماعا، قال الشارح: وفي هذا دليل على جواز ذلك أيضا، في غير الضرورة، وأنه لا تحرم به الدابة، ولو كان لا يجوز في غير الضرورة وأنه في غير الضرورة لا تحل به الدابة لم يجز في الضرورة إلا إن اضطر إلى ميتة، ولما حلت بذلك بدون أن يضطر إلى ميتة علم أن ذكر النحر في الإبل إنما هو على سبيل الترجيح، لأنه أسرع في موتها لا على سبيل الوجوب، ولما كانت البقر بين الإبل والغنم ورد فيها الذبح والنحر على حد سواء، ولما سهل أمر الشاة ورد ذبحها ولم يمتنع نحرها" (3)
__________
(1) المحلى:445/7-446
(2) شرح النيل: 4/ 432
(3) شرح النيل: 4/ 432(10/146)
ورد ابن رشد (1) هذا الاختلاف إلى معارضة الفعل للعموم، فأما العموم فقوله عليه الصلاة والسلام: "ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا". وأما الفعل فإنه ثبت ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحر الإبل والبقر وذبح الغنم)) ، وإنما اتفقوا على جواز ذبح البقر لقوله تعالى: {إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} وعلى ذبح الغنم لقوله تعالى في الكبش {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ} [الصافات: 107]
ولا ريب أن العموم مجمل هنا فهو بحاجة إلى البيان، وخير ما بينه فعل الرسول صلى الله عليه وسلم فلا ينبغي العدول عنه.
4- حصر التذكية في اللبة والحلق وحكمة ذلك:
استقر العمل في الإسلام على تذكية المقدور عليه من الحيوان في الحلق واللبة، وثبت ذلك بالسنة والإجماع، فقد أخرج الدارقطني عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: بعث رسول الله ((بديل بن ورقاء الخزاعي على جمل أورق يصيح في فجاج منى: ألا إن الذكاة في الحلق واللبة، ولا تعجلوا الأنفس قبل أن تزهق، وأيام منى أيام أكل وشرب وبعال)) . (2) وروى سعيد والأثرم بإسنادهما عن الفرافصة قال: كنا عند عمر فنادى: إن النحر في اللبة والحلق لمن قدر (3) . قال العلامة ابن قدامة في المغني: "وأما المحل فالحلق واللبة وهي الوحدة التي بين أصل العنق والصدر، ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالإجماع - إلى أن قال: وإنما نرى أن الذكاة اختصت بهذا المحل لأنه مجمع العروق، فتنسفح بالذبح فيه الدماء السيالة ويسرع زهوق النفس، فيكون أطيب للحم وأخف على الحيوان ". (4)
__________
(1) ابن رشد- بداية المجتهد: 1/ 444
(2) رواه الدارقطني في سننه، في كتاب الأشربة وغيرها، باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك، رقم الحديث في هذا الباب (45)
(3) المغني، ابن قدامة: 11/ 44
(4) المغني: 11/ 44، وانظر كذلك البحر الرائق: 8/ 193(10/147)
وهذا يعني أن العدول عن هذه التذكية الشرعية إلى أي طريقة أخرى في إزهاق روح الحيوان تجعله ميتة غير حلال الأكل، وأما ما رواه أحمد وأصحاب السنن عن أبي العشراء عن أبيه أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؟ فقال: ((لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك)) . فهي رواية متروكة لا عمل بها عند الأمة، وناهيكم أن الإجماع انعقد على خلافها، كما نص على ذلك كلام ابن قدامة السالف وغيره من الفقهاء، وأبو العشراء هذا مجهول يروي عن جهول، قال أحمد: أبو العشراء هذا ليس بمعروف (1) ،وقال الخطابي: " وضعفوا هذا الحديث لأنه رواية مجهول " (2) وقال الحافظ في التلخيص: "قد تفرد حماد بن سلمة بالرواية عنه على الصحيح ولا يعرف حاله " (3)
ولا يشك عاقل أن الخير في الاتباع لا في الابتداع، وأن خير العباد فيما أمرهم به الله ورسوله صلى الله عليه وسلم {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] ولا مساغ للاجتهاد مع النص أو الإجماع، وقد تبين لنا باستقراء الأدلة الشرعية أن التذكية من أمور العبادات التي لا يسوغ فيها العدول عما شرع فيها، ولا تجاوز حدودها التي رسمت.
غير أنا رأينا العلامة السيد محمد رشيد رضا يجنح في تفسيره المنار إلى أن الذكاة ليست من العبادات، ويومئ إلى أنه يسوغ للناس أن يعدلوا فيها إلى الوسائل المستجدة في إزهاق الروح، لأنها أسهل مما هو معهود من قبل، وهذا نص كلامه:
__________
(1) المغني: 44/11
(2) الخطابي، معالم السنن: 4/ 117
(3) التلخيص:134/ 4(10/148)
"ولما كانت التذكية المعتادة في الغالب لصغار الحيوانات المقدور عليها هي الذبح، كثر التعبير به فجعله الفقهاء هو الأصل وظنوا أنه مقصود بالذات لمعنى فيه، فعلل بعضهم مشروعية الذبح بأنه يخرج الدم من البدن الذي يضر بقاؤه فيه لما فيه من الرطوبات والفضلات، ولهذا اشترطوا فيه قطع الحلقوم والودجين والمريء على اختلاف بينهم في تلك الشروط، وإن هذا لتحكم في الطب والشرع بغير بينة، ولو كان الأمر كما قالوا لما أحل الصيد الذي يأتي به الجارح ميتا وصيد السهم والمعراض إذا خزق؛ لأن هذا الخزق لا يخرج الدم الكثير كما يخرجه الذبح، والصواب أن الذبح كان ولا يزال أسهل أنواع التذكية على أكثر الناس، فلذلك اختاروه وأقرهم الشرع عليه أنه ليس فيه من تعذيب الحيوان ما في غيره من أنواع القتل، كما أقرهم على صيد الجوارح والسهم والمعراض ونحو ذلك، وإني لأعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لو اطلع على طريقة للتذكية أسهل على الحيوان ولا ضرر فيها كالتذكية الكهربائية - إن صح هذا الوصف فيها- لفضلها على الذبح، لأن قاعدة شريعته أنه لا يحرم على الناس إلا ما فيه ضرر لأنفسهم أو لغيرهم من الأحياء، ومنه تعذيب الحيوان بالوقذ ونحوه، وأمور العادات في الأكل واللباس ليست مما يتعبد الله الناس تعبدا بإقرارهم عليه، وإنما تكون أحكام العبادة بنصوص من الشارع تدل عليها، ولا يعرف مراد الشارع وحكمته في مسألة من المسائل إلا بفهم كل ما ورد فيها بجملته، ولو كان إقرار الناس على شيء من العادات أو استئناف الشارع لها حجة على التعبد بها لوجب على المسلمين اتباع النبي صلى الله عليه وسلم في كيفية أكله وشربه ونومه، بل هنالك ما هو أجدر بالوجود كالتزام صفة مسجده وحينئذ يحرم فرشه ووضع السرج والمصابيح فيه.(10/149)
وقد تأملنا مجموع ما ورد في التذكية ففقهنا أن غرض الشارع منها اتقاء تعذيب الحيوان بقدر الاستطاعة، فأجاز ما أنهر الدم وما مَرَّاه أو أمرَّاه أو أمرَّه، وهو دون معنى (أنهره) في معنى إخراجه أو إسالته، وأمر بأن تحد الشفار وأن لايقطع شيء من بدن الحيوان قبل أن تزهق روحه، وأجاز النحر والذبح حتى بالضرار أي بالحجارة المحددة، وبالمرو أي الحجر الأبيض، وقيل الذي تقدح منه النار، وبشق العصا وهذا دون السكين غير المحدد بالشحذ، ولكل وقت وحال ما يناسبهما، فإذا تيسر الذبح بسكين حاد لا يعدل إلى ما دونه، وإذا تيسر في الذبح إنهار الدم يكون أسهل للحيوان وأقل إيلاماً له فلا يعدل عنه إلى مثل طعن المتردية في ظهرها أو فخذها أوخزق المعراض وخدشه لأي عضو من البدن، والرمي بالسهم للحيوان الكبير ذي الدم الغزير" (1)
وقد نحا هذا النحو من أهل زماننا العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، إذ قال في رسالته (فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب) : "ليس عندنا ما يدل على قصر التذكية وحصرها في قطع الحلقوم والمريء حسبما شرطه الفقهاء، إلا أنها جرت العادة بذلك في الإسلام وزمن الجاهلية، ولأن هذه الكيفية أسرع وأسهل لإزهاق روح الحيوان، لكون الحلقوم والمريء هما مجرى النفس والطعام والشراب، ولأن هذه الكيفية هي أبقى وأسلم للجلد الذي له قيمة في زمانهم، حتى كانوا يسلخون جلود الميتة وينتفعون بها". (2)
__________
(1) المنار: 6/ 144- 145
(2) آل محمود، فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب، ص 7(10/150)
وأرى أن العالمين الجليلين قد اشتطا كثيرا وأبعدا النجعة في هذه المسألة، وكفى بانعقاد الإجماع قبلهما على خلاف ما ذهبا إليه حجة ودليلا على شططهما، وقد علمنا من خلال استقرائنا لأدلة الشرع من نصوص الكتاب والسنة أن التذكية من الأمور التعبدية، وليست من الأمور العادية التي توكل إلى تجارب الناس وأذواقهم، فلا مقارنة بينها وبين اللباس وسائر الأمور الشكلية الموكولة إلى العادات، وكفى دليلا على ذلك أن الله تعالى قرن بين النحر والصلاة في قوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] ، وكذلك قوله: {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام: 162] فإن النسك: الذبيحة في قولي أكثر المفسرين، وأمر بأكل ما ذكر اسم الله عليه في قوله: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 18] ، ونهى عن أكل ما لما يذكر اسمه عليه إذ قال: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، وأمر بذكره عند نحر البدن إذ قال: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] ، وحذر من أكل ما أهل به لغيره، كما في قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: 3]
فإن قيل؛ ليس مطلق التذكية عبادة وإنما ينحصر ذلك فيما كان قربانا إلى الله كالهدي والأضاحي والنذور ونحوها.(10/151)
قلنا: هذا الحصر لا دليل عليه، بل الأدلة قائمة على خلافه، إذ لو أريد بالذبح مجرد زهوق الروح لما كان معنى لحصر الإباحة في ذبائح المسلمين وأهل الكتاب وحدهم دون المشركين، على أن المشرك قد يحسن الذبح كما يحسنه المسلم، ولم يحجر الدين على المسلم الانتفاع بما يعمله المشركون من الصناعات، فله أن يلبس مما ينسجون وأن يستعمل كل آلة مما يصنعون، كركوب السيارات والقطارات والطائرات، ولو كان ذلك في أسفار العبادات كالحج والعمرة والجهاد, ولا يمنع من الصلاة بالثوب الذي نسجه المشرك والإحرام فيه، ومع هذا كله يمنع منعا باتا من أكل ما يذبحونه، ولو استوفى ذبحهم جميع الشروط الشرعية الواجب توافرها في ذبيحة المسلم، ولو كان ذلك تحت إشراف المسلم نفسه.
وقد جاء النص القطعي بتحريم الموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما أدركت ذكاته، مع أن كل ذلك حيوانات زهقت أرواحها لأسباب وقعت عليها، ولم تمت حتف أنفها، غير أنها شرعًا الحقت بما مات حتف أنفه في التحريم، فما الداعي لتحريمها لولا أنها لم يكن زهوق روحها بطريقة تعبدية خاطب الله بها العباد وألزمهم إياها في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم؛ وليت شعري أي فارق بين أكيلة السبع التي حرمت بالنص وبين ما صادته الجوارح فمات في أثناء الصيد لولا اعتبارالجانب العبادي في الصيد وهو النية والتسمية؛ ومثلها النطيحة في ذلك.(10/152)
ولئن قيل بأن الموقوذة إنما حرمت من أجل ما حل بها من التعذيب المنافي لما يأمر به الإسلام من الرفق بالحيوان. فالجواب: أن هذه الحرمة كانت جديرة بأن تكون خاصة بالواقذ دون غيره، على أن الوقذ قد يكون من متعد غير مالك للحيوان، فيَحرُم به على مالكه إن لم يدرك تذكيته، ولو كانت الحرمة من أجل التعذيب وحده لما كان معنى لإباحة الموقوذة إن ادركت ذكاتها، كما دل عليه الاستثناء في قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، على أن هذه الحرمة لم تنحصر فيما وقع عليه الأثر بفعل فاعل مكلف، إذ حرمت كذلك المنخنقة والمتردية، وقد يكون الانخناق بفعل الدابة نفسها، بحيث تلتوي بحبلها على عنقها إلى أن تختنق أنفاسها، وقد تتردى نفسها من شاهق من غير أن يدفعها أحد، على أنها لو تردت فوقعت على آلة حادة أصابت مذبحها أو منحرها، فقطعت منها ما يقطعه الذابح أو الناحر لما حلت بذلك، ولما خرجت عن حكم الميتة، فما هو الفارق بين هذه الصورة وبين التذكية إلا فقدان عنصر العبادة فيها؟(10/153)
وقد تظافرت الروايات الدالة على هذا المعنى، منها حديث: "ألا إن الذكاة في الحلق واللبة" وقد تقدم، ومنها أحاديث اشتراط ذكر اسم الله على الذبح والنحر وإرسال السهم والجارحة، وسوف نذكر- إن شاء الله- ما تيسر ذكره منها في موضعه، كما يدل على ذلك أيضاً ما أخرجه الترمذي وغيره عن أبي الدرداء وغيره رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن أكل المجثمة)) . (1) وأخرج النسائي والدارمي أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحل المجثمة)) (2) والمراد بها التي تصبر للنبل، ولم تحصر حرمتها على صابرها أو راميها فحسب.
ويدل على ذلك أيضا حديث عدي بن حاتم عند الشيخين أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد المعراض، فقال له صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصبت بحده فكل، وإذا أصبت بعرضه فلا تأكل فإنه وقيذ)) . (3)
ومثله ما أخرجه الشيخان عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أرسلت كلبك المعلم فاذكر اسم الله عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حيًّا فاذبحه، وإن أدركته قد قتل ولم يأكل منه فكله، وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله عليه، فإن غاب يوما ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكله)) . (4)
__________
(1) انظر حكم اللحوم المستوردة، ص 11
(2) رواه النسائي في سننه في كتاب الصيد والذبائح، باب تحريم أكل السباع من طريق أبي ثعلبة؛ ورواه الدارمي في سننه في كتاب الأضاحي، باب ما لا يؤكل من السباع، من طريق أبي ثعلبة الخشني أيضا
(3) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب تفسير المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة، وكذلك في باب صيد المعراض؛ ورواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة، بعدة طرق.
(4) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة؛ ورواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.(10/154)
قال الإمام النووي في شرحه: "فيه بيان قاعدة مهمة وهي أنه إذا حصل الشك في الذكاة المبيحة للحيوان لم يحل؛ لأن الأصل تحريمه، وهذا لا خلاف فيه " (1)
ومن أصرح الأدلة على كون التذكية عبادة ما ثبت عن علي كرم الله وجهه أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((لعن الله من ذبح لغير الله)) . (2)
هذا وقد ثبت طبياً أن الذكاة الشرعية هي أسلم طريقة وأبعدها عن التأثر بالمضار، فما قاله الفقهاء في تعليل التذكية ومشروعيتها في موضعها لم يكن تحكما في الطب، وسنبين ذلك- إن شاء الله- في موضعه.
وأما ما ذكره العلامة ابن محمود أن قصر التذكية وحصرها في قطع الحلقوم والمريء أمر جرت به العادة في الإسلام وزمن الجاهلية، وأن من جملة أسبابه أن هذه الكيفية هي أبقى وأسلم للجلد الذي له قيمة في زمانهم، فقد تقدم فيما ذكرناه أنفا ما يدل على خلافه، ورد هذا التعليل الذي ذكره الشيخ العلامة عبد الله بن محمد بن حميد بأنه منتقض بذبحهم لما لا ينتفع بجلده كالدجاج والطيور ونحوها، فإنهم يذبحونها في حلوقها وليس لها جلد ينتفع به (3)
هذا وهناك مسائل تتعلق بكيفية الذبح وقع الخلاف فيها بين أهل العلم نرى ضرورة إيرادها هنا:
__________
(1) صحيح مسلم بشرح النووي: 13/ 78
(2) رواه مسلم في كتاب الأضاحي، باب تحريم الذبح لغير الله تعالى ولعن فاعله؛ ورواه النسائي في كتاب الضحايا، باب من ذبح لغير الله عز وجل.
(3) ابن حميد، حكم اللحوم المستوردة وذبائح أهل الكتاب وغيرهم، ص 24(10/155)
ا- عدم قطع الغلصمة: إن لم تقطع الغلصمة في منتصفها وخرجت إلى جهة البدن، فقد حكى ابن رشد عن مالك وابن القاسم أنها لا تؤكل، وعن أشهب وابن عبد الحكم وابن وهب جواز أكلها (1) وقال الإمام الثميني في النيل: "وكرهت إن ذبحت ورجعت حنجرتها لما يلي المنحر لا بفساد، لجواز قطع الحلق والحلقوم من أصلهما أو وسطهما"، وأقره شارحه ونقل عنه- أي مصنف النيل- أنه قال في التاج: "كل الرقبة مذبح من الرأس إلى استفراغها من الأسفل "، ثم قال الشارح بعد كلام: "وظاهر كلام التاج أنه إن فصل الحلق كله إلى الرأس أو إلى الجسد ولم يقطع بعضه لم تحرم على قول، والصحيح الفساد" (2) وفي (بيان الشرع) نقلا عن كتاب الرقاع أنه لا حرمة بشيء من ذلك (3) ونقل الدكتور العبادي جواز الأكل في هذه الحالة عن الشافعي وأبي حنيفة وأحمد لحصول المقصود بذلك (4) ورد ابن رشد هذا الخلاف إلى اختلافهم في اشتراط قطع الحلقوم، فمن اشترطه منع أكلها، ومن لم يشترطه أجازه (5) وذكر القرافي أن المنع مبني على مراعاة دلالة الحديث على قطعها التزاما والإباحة مبنية على أن انقطاع النفس حاصل بذلك، وهو كاف في زهوق الروح (6)
__________
(1) بداية المجتهد:1/ 445، 446؛ وانظر الذخيرة: 4/ 137؛ وتفسير القرطبي: 6/ 54
(2) شرح النيل: 4 / 436، 437
(3) بيان الشرع: 27/ 16
(4) الذبائح في الشريعة الإسلامية، ص 22
(5) بداية المجتهد: 1/ 446
(6) الذخيرة: 4/ 137(10/156)
2- قطع جميع الرأس والنخاع: وقد اختلف فيه، ففي مدونة الإمام مالك: "قلت: أرأيت إن سبقت يده في ذبيحته فقطع رأسها، أيأكلها أم لا في قول مالك؟ قال: قال مالك: يأكلها إذا لم يتعمد ذلك " (1) ومفهومه أنه إن تعمده لم يأكلها، وإن قال ابن القاسم: بأنه لم يحفظ في ذلك شيئا عنه، ونقل القرافي من المالكية عن ابن القاسم جواز أكلها وإن تعمده، وهو المنصوص عنه في المدونة، وعن اللخمي أنها لا تؤكل مع العمد (2) وهو الذي نسبه النووي إلى مالك، وقال: "وهي رواية عن عطاء " (3)
ولا خلاف في المذهب عندنا أنه يعذر المخطئ في ذلك، وإنما الاختلاف في العامد، وقد جاء في (بيان الشرع) ما نصه: "ومن تعمد لقطع رأس الذبيحة فقطعت فقيل إنها لا تؤكل، وإن لم يتعمد ذلك فسبقته الشفرة فلا بأس بأكلها". (4) ونصت كتب الحنفية على كراهة ذلك من غير تحريم (5) وعللت الكراهة في البحر الرائق وفي بدائع الصنائع بأن في ذلك زيادة تعذيب للحيوان، ونص النووي على أن مذهب الشافعي جواز أكل ما فعل به ذلك عمدًا، ونقل عن ابن المنذر أنه حكاه عن علي بن أبي طالب وابن عمر وعمران بن الحصين، وعطاء والحسن البصري والشعبي والنخعي والزهري، وأبي حنيفة وإسحاق وأبي ثور ومحمد، وحكى كراهتها عن ابن سيرين ونافع (6)
__________
(1) المدونة الكبرى: 1/ 428
(2) القرافي، الذخيرة: 4/ 138
(3) المجموع:9/ 91
(4) بيان الشرع: 27/ 17؛ وانظر كذلك النيل وشرحه: 4/ 439، 440
(5) انظر المبسوط للسرخسي: 12/ 2؛ وبدائع الصنائع للكاساني: 6/ 2768؛ والبحر الرائق لابن نجيم: 8/ 194
(6) المجموع: / 91(10/157)
وأرى أن المتشددين في هذه المسألة نظروا إلى أن قطع جميع الرأس يفضي قطعا إلى قطع النخاع، وهو يؤدي إلى الإسراع في الموت فيكون موت الدابة بعامل آخر غير تذكيتها، والخلاف واقع بين أهل العلم في نفس قطع النخاع هل يؤدي إلى حرمة المذبوح أو لا إن تعمده؛ فمالك كره ذلك إذا تمادى في القطع ولم ينو قطع النخاع من أول الأمر، قال ابن رشد: "لأنه نوى ذلك فكأنه نوى التذكية على غير الصفة الجائزة ". (1) ومفهومه أنه إن نواه تجاوز حكم الكراهة إلى ما هو أشد منها، وقال مطرف وابن ماجشون: "لا تؤكل إن قطعها متعمدا دون جهل، وتؤكل إن قطعها ساهيا أو جاهلًا ". (2) وفي الكنز وشرحه البحر من كتب الحنفية كراهة ذلك (3) وهكذا في المجموع، ونقل عن ابن المنذر أنه حكي عن ابن عمر عدم جواز أكلها، وبه قال نافع، وكرهه إسحاق، قال: وكرهت طائفة الفعل وأباحت الأكل، وبه قال النخعي والزهري والشافعي وأبو حنيفة وأحمد وأبو ثور، قال ابن المنذر: بقول هؤلاء أقول، قال: ولا حجة لمن منع أكله بعد الذكاة. (4) وأرى أن حجتهم ما ذكرته في قطع جميع الرأس، ثم وجدته منصوصا عليه في شرح النيل (5) على أنه جاء في المسند الصحيح للإمام الربيع بن حبيب عن أبي عبيدة عن جابر بن زيد قال: "سمعت ناسا من الصحابة يروون عن النبي ((أنه نهى في الذبائح عن أربعة أوجه: الخزل والوغز والنخع والترداد)) ، وفسر الربيع النخع بكسر الرقبة، وذكر شارحه الإمام السالمي (6) أن غير الربيع فسره أنه المجاوزة بالسكين منتهى الذبح إلى النخاع، وهو خيط أبيض داخل عظم الرقبة يمتد إلى الصلب يكون في جوف الفقار (7) ومن المعلوم أن الأصوليين مختلفون في النهي هل هو يدل على فساد المنهي عنه أو لا؟ فلا يستبعد أن يكون ذلك منشأ الخلاف المذكور.
__________
(1) بداية المجتهد: 1/ 446
(2) بداية المجتهد: 1/ 446
(3) البحر الرائق: 8/ 194
(4) المجموع:9/ 91
(5) شرح النيل: 4/ 44
(6) الإمام السالمي: هو المحقق نور الدين عبد الله بن حميد بن سلوم السالمي، ولد ببلدة الحوقين بولاية الرستاق عام 1288 هـ، كان ذكيا فهما حافظا، اتسمت تآليفه بالتحقيق والتأصيل العلمي، ترك أثرا عظيما في التاريخ العُمَاني بما قام به من جهود إصلاحية باهرة، من أشهر مؤلفاته: مشارق أنوار العقول، وشرح الجامع الصحيح، وتحفة الأعيان، وجوهر النظام، ومؤلفاته نافت على العشرين مؤلفًا، توفي رحمه الله تعالى عام 1332 هـ.
(7) السالمي، شرح الجامع الصحيح لمسند الإمام الربيع بن حبيب: 3/ 341(10/158)
3- الذبح من القفا: اختلف فيه إن وصل الذابح إلى ما يجب قطعه في الذبح، فعن أحمد أنها لا تؤكل، وهو مفهوم كلام الخرقي، وحكي هذا عن علي وسعيد بن المسيب ومالك وإسحاق، قال إبراهيم النخعي: تسمى هذه الذبيحة (القفينة) ، وقال القاضي: إن بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء حلت وإلا فلا، ويعتبر ذلك بالحركة القوية، وهذا مذهب الشافعي (1) وصحح هذا الرأي صاحب المغني معللًا إياه أن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة أحله كأكيلة السبع والمتردية والنطيحة، وأنه لو ضرب عنقها بالسيف فأطار رأسها حلت بذلك حسبما نص عليه أحمد، إذ قال: لو أن رجلا ضرب رأس بطة أو شاة بالسيف يريد بذلك الذبيحة كان له أن يأكله، وقد روي عن الإمام علي كرم الله وجهه أنه قال: تلك ذكاة وَحْيَة.
وأفتى بأكلها عمران بن الحصين، وبه قال الشعبي وأبو حنيفة والثوري، ونقل أبو بكر عن الإمام أحمد قولين فيها، وصحح أنها مباحة لأنه اجتمع قطع ما تبقى الحياة معه مع الذبح فأبيح، وعضد ذلك بما روي عمن ذكر من الصحابة من غير مخالف، وفرع عنه صاحب المغني ما لو ذبحها من قفاها فلم يعلم هل كانت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء أولا؟ أنه ينظر فإن كان الغالب بقاء ذلك لحدة الآلة وسرعة القتل فالأولى إباحته، لأنه بمنزلة ما قطعت عنقه بضربة السيف، وإن كانت الآلة كالة وأبطأ قطعه وطال تعذيبه لم يبح، لأنه مشكوك في وجود ما يحله، كما لو أرسل كلبه على الصيد فوجد معه كلباً آخر لا يعرفه (2)
__________
(1) المغني: 11/ 50
(2) المغني: 11/ 50، 51(10/159)
وعند الحنفية أنه ما ذبح من قفاه مكروه إن بقيت فيه الحياة حتى وصل الذبح إلى ما تتوقف التذكية على قطعه، وإلا حرم، وعللوا الكراهة بما في ذلك من زيادة الألم (1) وذكر ابن رشد من المالكية أنه لا خلاف في المذهب المالكي أن ذلك لا يجوز، وعزاه إلى ابن شهاب وسعيد بن المسيب (2) ، وقالت الشافعية بحلها مع مراعاة الشرط المذكور. (3) ، ومذهبنا في ذلك كمذهب مالك في كونها لا تحل، سواء وقع ذلك عن طريق العمد أو الخطأ إلا إن كان بسبب انقلاب الآلة للقفا لتحرك المذبوح مع نية الذبح في المكان الشرعي (4) وهو مبني على ما ذكرناه من قبل من أن التذكية أمر تعبدي، والأمور التعبدية توقيفية، فإن جاء على خلاف ما أمر به الشرع ردت لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)) . (5) ، وفي رواية: "من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد". (6) ، ورد ابن رشد الخلاف في ذلك إلى أنه: هل تعمل الذكاة في المنفوذة المَقَاتِل أو لا؟ وذلك لأن القاطع لأعضاء الذكاة من القفا لا يصل إليها بعد قطع النخاع وهو مقتل من المقاتل فتأتي الذكاة على حيوان أصيب مقتله (7)
__________
(1) البحر الرائق: 8/ 194؛المبسوط: 12/ 3؛ بدائع الصنائع: 6/ 2768
(2) بداية المجتهد: 1/ 446
(3) المجموع:91/9
(4) شرح النيل: 4/ 434، 438؛ الإيضاح: 2/ 431؛ بيان الشرع: 27/ 76، 77؛ جامع أبي الحسن: 3/ 221
(5) رواه الإمام الربيع بن حبيب في مسنده الجامع الصحيح باب (7) في الولاية والإمارة، رقم الحديث (49) ؛ ورواه مسلم في كتاب الأقضية باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور.
(6) رواه البخاري في كتاب الصلح، باب إذا اصطلحوا على صلح جور فالصلح مردود؛ ورواه مسلم في كتاب (الأقضية؛باب نقض الأحكام الباطلة ورد محدثات الأمور)
(7) بداية المجتهد: 1/ 446(10/160)
4- الذبح من تحت الأوداج: هذا وقد كره أصحابنا إدخال آلة الذبح من تحت الأوداج بينها وبين النخاع وجرها إلى الأمام حتى تقطع الأوداج لما فيه من مخالفة المعهود من الذكاة والوقوع فيما ورد من الوخز وزيادة إيلام الحيوان (1)
5- التراخي في الذبح: لا أعلم خلافا بين أهل العلم في عدم جواز التراخي في الذبح من أجل الاستراحة، وذلك بأن يشرع الذابح في ذبح الحيوان ثم يتركه فترة من الزمن ثم يعود إليه، لما في ذلك من إطالة تعذيبه، وإنما اختلفوا فيما إذا رفع يده عن الذبيحة ثم عاد إليها سريعا، فالأكثرون على أنها تؤكل، وقال سحنون من أصحاب مالك: لا تؤكل، وقيل: إن رفعها اختيارا هل تمّت ذكاتها أو لا؟ وأعادها على الفور بمجرد ما تبين أنه لم تتم أكلت، وهو أحد ما تؤول على سحنون، وقد تؤول قوله على الكراهة، وحكى ابن رشد عن أبي الحسن اللخمي أنه لو قيل عكس هذا لكان أجود، يعني أنه إذا رفع يده وهو يظن أنه قد أتم الذكاة فتبين له غير ذلك فأعادها أنها تؤكل؛ لأن الأول وقع عن شك، وهذا عن اعتقاد ظنه يقينا، وبنى ابن رشد ذلك على أن من شرط الذكاة قطع كل أعضاء الذكاة، فإذا رفع يده قبل أن تستتم كانت منفوذة المَقَاتِل غير مذكاة، فلا تؤثر فيها العودة لأنها بمنزلة ذكاة طرأت على المنفوذة المقاتل (2) .
__________
(1) شرح النيل: 4/ 438
(2) بداية المجتهد: 1/ 446، 447(10/161)
تذكية غير المقدور عليه:
وهو نوعان:
ا- ما كان أصله وحشيا: كالظباء والوعول والبقر الوحشي والحمار الوحشي والطيور الوحشية، وحكم هذا النوع إن لم يقدر عليه بإمساكه وتذكيته كما تذكى الحيوانات الإنسية أن يصنع به مادل عليه حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قال: ((إذا أرسلت كلبك المعلَّم فاذكر اسم الله عليه، فإن أمسك عليك فأدركته حيا فاذبحه، وإن أدركت وقد قتل ولم يأكل منه فكله، وإن وجدت مع كلبك كلبا غيره وقد قتل فلا تأكل فإنك لا تدري أيهما قتله، وإن رميت سهمك فاذكر اسم الله عليه، فإن غاب يوما ولم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل إن شئت، وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكله)) . (1)
وحاصل ذلك أن الله تعالى بفضله لم يكلف عباده في مثل هذا النوع من الحيوان أن يذكوه ذكاة الأهلي المقدور عليه، لما في ذلك من المشقة والعسر، مع أنه تعالى خلق للإنسان ما في الأرض جميعا، وأباح له الانتفاع به في حدود المصلحة التي حددتها الشريعة، فلذلك جعل له سبيلا إلى الانتفاع بهذا النوع بالوسائل المشروعة التي جاء بها القرآن في قوله عز وجل: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] ، وقوله: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُواْ} [المائدة: 2] ؛ وجاءت بها السنة النبوية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام في هذا الحديث وأمثاله، وقد جعل الله تعالى في ذلك تذكية شرعية مبيحة لأكل لحمه إن لم تدرك حياته فيذكى كما يذكى الأهلي.
وقد تعورف على تسمية هذه التذكية صيدا، وعني الفقهاء ببحث أحكامها في دواوين الفقه بما يشفي الغليل ويكشف الغمة ويحدد المنهج السليم، وليس ذلك مما يتعلق ببحثنا هذا لأنه خارج عن موضوعه، وإنما ذكرناه لبيان ما يقابل المقدور عليه، وللتمهيد لما يأتي عما قريب- إن شاء الله- من بيان بعض ما يتعلق بموضوع بحثنا.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب الصيد إذا غاب عنه يومين أو ثلاثة؛ ورواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة.(10/162)
2- ما كان أصله أهليا فَنَدَّ وتعذرت السيطرة عليه بأي حيلة فإنه يعامل معاملة الوحشي في قول جمهور أهل العلم، وعزي إلى علي بن أبي طالب وعائشة وابن مسعود وابن عمر وابن عباس من الصحابة رضوان الله عليهم، وبه قال طاووس وعطاء والشعبي والحسن البصري ومسروق والأسود بن يزيد والحكم وحماد والنخعي والثوري وأبو حنيفة وأحمد وإسحاق وأبو ثور والمزني وداود، وهو قول الشافعي وأصحابه (1) وهو الذي قال به بعض أصحابنا، منهم صاحب النيل وشارحه (2)
وذهب مالك إلى أنه لا ينتقل عنه حكم الأهلي ولا يكون الاصطياد تذكية له، بل يجب أن يذكى بالذبح أو النحر (3) ، وبه قال ربيعة والليث بن سعد، وعليه أصحاب مالك إلا ابن حبيب، فإنه فرق بين البقر وبين الإبل والغنم، فأخذ برأي الجمهور في البقر دونهما، وعلل ذلك بأنها شبيهة بالصيد (4) ، ويفهم من كلام النيل وشرحه أن قول مالك هو مذهب لبعض أصحابنا.
__________
(1) انظر المجموع: 9/ 126؛ والمغني: 11/ 34؛ وكفاية الأخيار: 2/ 421؛ والبحر الرائق: 8/ 194؛ وبدائع الصنائع: 6/ 2772؛ والمحلى: 7/ 459
(2) شرح النيل: 4 / 513، 515
(3) انظر الذخيرة للقرافي: 4/ 177؛ وبداية المجتهد: 1/ 454؛ وتفسير القرطبي: 6 / 55, 56
(4) انظر المراجع السابقة(10/163)
وحجة الجمهور حديث رافع بن خديج قال: كنا مع النبي في غزاة وقد أصاب القوم غنما وإبلا، فند منها بعير فرمي بسهم فحبسه الله به، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ((إن هذه البهائم لها أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا)) . (1) ، وذلك أن تسليط النبي صلى الله عليه وسلم على هذا الفعل دليل على أنه ذكاة، واستدلوا من جهة القياس أيضا أن الوحشي إذا تأنس يعامل معاملة الأهلي، فهكذا الإنسي إذا توحش (2) ، واحتج المالكية ومن وافقهم بأنه مقدور عليه في غالب الأحوال، فلا يراعى النادر منه وإنما يكون ذلك في الصيد، وأجابوا عن حديث رافع بن خديج بأن قالوا: تسليط النبي صلى الله عليه وسلم إنما على حبسه لا على ذكاته، وهو مقتضى الحديث وظاهره لقوله:"فحبسه " ولم يقل: إن السهم قتله. (3)
ويستأنس لرأي الجمهور بتشبيه النبي صلى الله عليه وسلم لأوابد البهائم الأهلية بأوابد الوحش، إذ في ذلك إشارة لطيفة إلى أنها يصنع بها كما يصنع بالوحشي، وألحق عند الجمهور بالنادّ من بهيمة الأنعام ما وقع في بئر أو نحوها، فتعذر التوصل إلى تذكيته بالذبح أو النحر (4)
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب ما ند من البهائم فهو بمنزلة الوحش، ورواه كذلك في كتاب الجهاد والآلة؛ ورواه أيضاً غيره من أهل السنن كالنسائي والدارمي وغيرهم.
(2) انظر المجموع: 9/ 122، 123
(3) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 6/ 56
(4) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 6/ 56(10/164)
المبحث الثاني: في أهلية المذكي:
لا خلاف بين الأمة في كون المسلم الدائن بوحدانية الله عز وجل، المؤمن برسالة الحق التي بعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أولى من يقوم بالتذكية من أجل سلامة باطنه من الانحراف الفكري، وظاهره من الانحراف السلوكي، وهو أولى بأن يحافظ على الأمانة ويوفي التذكية حقها الشرعي، ولا خلاف بينها في أن المشركين من عبدة الأوثان والملاحدة الذين لا دين لهم لا تحل ذبائحهم، لأنها في حكم الميتة، ولا خلاف في أن لأهل الكتاب حكما خاصا مخالفا لأحكام المشركين في ذلك لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] ، وإنما وقع الخلاف في أمور منها ما يعم المسلم والكتابي، ومنها ما هو خاص بالكتابي وحده، ومن حيث أن مساحة هذا البحث محدودة وموضوعه مقيد نقتصر على ذكر بعض ما وقع فيه الخلاف:(10/165)
ا- هل يشترط أن يكون المذكي عاقلا؟ اختلف في ذلك، وبناء على هذا الاختلاف اختلفوا في ذكاة المجنون والسكران والصبي، فأجازها الشافعية (1) وأجاز الحنفية تذكية السكران والصبي إن ميزا، ومثلهما المعتوه حال تمييزه، دون ذكاة المجنون ومن لا يميز من السكارى والصبيان والمعتوهين (2) ،ومنع الحنابلة والمالكية ذكاتهم لكنهم قيدوا ذلك بعدم العقل (3) ، وهو قريب مما قاله الحنفية، ومنعت الظاهرية ذكاتهم مطلقا (4) ، وهو الذي ذهب إليه بعض أصحابنا (5) ، وأجاز بعضهم ذكاة الصبي بشرط التمييز والاختتان، وأكثرهم على منع أكل ذبيحة السكران والمجنون وإباحة أكل ذبيحة الصبيان بشرط التمييز وحده (6)
ومنشأ الخلاف هل النية شرط في صحة الذكاة؟ وذلك مبني على اختلافهم فيها هل هي من العبادات أو لا؟ وقد سبق ما يدل على أنها من العبادات، فالنية لا بد منها فيها، ومن أجل ذلك اتفق علماؤنا على منع ذبيحة السكران والمجنون، واختلفوا في إباحة ذبيحة الصبيان، وأكثرهم على إباحتها، لأنهم وإن لم يكلفوا بالعبادات إلا أنها تصح منهم، ولذلك جاء في السنة ما يدل على صحة إمامتهم في الصلاة كما في قصة عمرو بن سلمة الذي أم قومه وهو صبي، لكونه أكثرهم قرآنا، وكان ذلك في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم (7)
ولئن جازت إمامته في الصلاة وهي أهم ركن عملي من أركان الإسلام فكيف لا تجوز ذبيحته؟ واستدل ابن حزم في منع ذبيحته وذبيحة السكران والمجنون بأنهم لا يشملهم خطاب الله تعالى بقوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ، وبأن الصبي لا يجوز إنكاحه لوليته ولا نكاحه ولا بيعه ولا ابياعه ولا توكيله، وأنه لا تلزمه صلاة ولا صوم ولا حج (8) وفي هذا الاستدلال نظر لا يتسع له المقام.
__________
(1) المجموع:9/9
(2) البحر الرائق: 8/ 194؛ بدائع الصنائع: 6/ 2775، 2776
(3) المغني: 11/ 56؛ والذخيرة: 4/ 122
(4) ابن حزم، المحلى: 7/ 457
(5) بيان الشرع: 27/ 23، 24
(6) شرح النيل: 4/ 488
(7) رواه أبو داود السجستاني في سننه في كتاب الصلاة، باب من أحق بالإمامة، بعدة طرق، الأحاديث برقم (585) و (586) و (587) .
(8) المحلى:7/ 457(10/166)
2- المرتد: منع أصحابنا والجمهور أكل ذبيحته، لأنه لا يُقَر على ردته ولو كانت إلى اليهودية أو النصرانية، وأجازها إسحاق وكرهها الثوري (1) .
3- الأعجم: اختلفوا في ذبيحته، فأجازها الجمهور إن فهمت إشارته، وعليه علماء المذهب عندنا بشرط أن يكون عارفا لربه، وذهبت طائفة من علمائنا إلى عدم الجواز لعدم تمكنه من ذكر اسم الله على ذبيحته (2) ، وفي شرح النيل قول ثالث وهو كراهة أكل ذبيحته، والصحيح أنها مباحة لأنه مطالب بأن يذكر الله بقلبه كما يفعل في صلاته، وليست التذكية بأبلغ من الصلاة.
4- المحارب من أهل الكتاب: ذهب الجمهور إلى صحة تذكيته وهو قول بعض أصحابنا، وذهب أكثرهم إلى المنع من أكل ما ذكاه، كما لا تنكح نساؤهم المحاربات (3) ، ويؤيد قول الجمهور ما رواه الشيخان عن عبد الله بن مغفل قال: ((دلي جراب من شحم من قصر خيبر، فدنوت لآخذه فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم إلي)) . فإن ابتسامته صلى الله عليه وسلم دليل إقراره على ذلك مع أن القوم كانوا محاربين.
5- من تنصر أو تهود من العرب: كبني تغلب وبهراء وتنوخ، اختلف في ذبائحهم فأباحها الجمهور، ومنعها عمر وعلي رضي الله عنهما، وهو رأي للإمام الشافعي، واقتصر عليه وأيده النووي في المجموع (4) والقولان في المذهب عندنا (5) ، وقيد الإمام اطفيش شارح النيل جوازها بشرط أن يقرأوا الإنجيل، ليكونوا على علم بأحكام الحلال والحرام، ويتقيدوا في ذكاتهم بما هو مشروع عندهم، إلا أنه نص على أنه لا يشترط أن يقرأه كله وإنما يكفي لذلك بعضه (6) ، وجاء نحو هذا في بيان الشرع (7)
__________
(1) بداية المجتهد: 1/ 450
(2) بيان الشرع: 27/ 27، 28
(3) شرح النيل: 495/4
(4) المجموع: 9/ 94
(5) شرح النيل: 496/4
(6) شرح النيل: 496/4
(7) بيان الشرع: 27/ 26(10/167)
ورد ابن رشد الخلاف في ذلك إلى الاختلاف في تناول اسم الذين أوتوا الكتاب للعرب المتنصرين والمتهودين كما يتناول ذلك الأمم المختصة بالكتاب وهم بنو إسرائيل والروم (1) ، والتحقيق أنه: يصدق عليهم جميعا لأن الروم أيضا لم يكونوا من الذين أوتوا الكتاب عندما أنزل الإنجيل على عيسى عليه السلام، بل كانوا من الذين يحاربون الكتاب وأهله إلى أن تنصر قسطنطين ملكهم وتابعه على ذلك الشعب الرومي، وقد خاطبهم النبي صلى الله عليه وسلم خطاب أهل الكتاب عندما بعث إلى ملكهم هرقل كتابا منه ضمَّنه قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إلى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران: 64] (2)
6- أن يعتدي على ما لا يملك: كالسارق والغاصب، اختلفوا في حلية ما ذكاه، فالجمهور على أنه حلال، وعزاه النووي إلى الزهري ويحيى ابن سعيد الأنصاري وربيعة ومالك وأبي حنيفة، وهو مذهب الشافعي (3) ، وذهبت الظاهرية إلى حرمته، ونسبه ابن حزم إلى طاووس وعكرمة وإسحاق ابن راهويه (4) ، ونسب إليهم النووي القول بالكراهة، ولعلها كراهة تحريم كما هو معهود في عبارات السلف، ونسب ابن رشد التحريم إلى داود وإسحاق، وفي المذهب عندنا في ذلك ثلاثة أقوال: المنع وعليه الأكثر، والإباحة مطلقا، والإباحة بشرط أن يكون الغاصب أو السارق سمع منه ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة أو أخبر به ثقة (5) .
__________
(1) بداية المجتهد: 1/ 450
(2) رواه البخاري كتاب الإيمان، في باب بدء الوحي، الحديث السادس
(3) المجموع: 9/ 78
(4) المحلى:7 / 415
(5) شرح النيل: 4/ 491؛ وبيان الشرع: 27/ 47- 60؛ وجامع أبي الحسن: 3/ 210؛والإيضاح: 2/ 454؟ وجامع ابن بركة: 1/ 118، 119(10/168)
واستدل ابن حزم لمنع ذلك بثلاثة أدلة:
أولها: أن الله تعالى حرم أكل لحم الحيوان إلا بعد تذكيته، إذ قال عز وجل بعد تعداد المحرمات: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} وحرم الاعتداء في الأموال بقوله: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن دماءكم وأموالكم عليكم حرام)) (1) ، ولا يشك مسلم أن المسروق والمغصوب إن ذبح أو نحر لا يكون ذبحه ونحره حقا، وإنما هو باطل، والباطل لا يتوصل به إلى حل ما حرم، على أن الذكاة المشروعة حق مأمور به طاعة لله، والاعتداء على مال الغير معصية لأمره تعالى والمعصية لا تنوب عن الطاعة، ولئن كانت الفروج المحرمة لا تحل إلا بالعقد المأمور به لا بالعقد المحرم، فكيف يباح الحيوان المحرم بالفعل المحرم؟ وما الفرق بين تصيد المُحْرِم للصيد المُحَرَّم، وبين ذبح المتعدي لما حرم عليه ذبحه؟ ثانيها: ما أخرجه مسلم في صحيحه من طريق رافع بن خديج رضي الله عنه قال: ((كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بذي الحليفة من تهامة فأصبنا غنما وإبلا فعجل القوم فأغلوا بها القدور فأمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأُكفئن ثم عدل عشرا من الغنم بجزور)) (2) ، ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن ليأمر بإكفاء ما في القدور لوكان حلال الأكل لأنه نهى عن إضاعة المال، وإنما يدل ذلك يقيناً أنه حرام محض، وأن ذبحه ونحره تعد يوجب الضمان ولا يبيح الأكل لأنها غنائم لم تقسم.
ثالثها: ما أخرجه أبو داود من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر فأصاب الناس حاجة شديدة وجهد، فأصابوا غنما فانتهبوها فإن قدورنا لتغلي إذ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يمشي على قوسه فأكفأ قدورنا بقوسه، ثم جعل يرمل اللحم بالتراب ثم قال ((إن النهبة ليست بأحل من الميتة، أو إن الميتة ليست بأحل من النهبة)) ، شك أبو الأحوص - رواية عن عاصم- في أيتهما قال عليه السلام، ووجه الاستدلال أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكتف بمنع أولئك من أكل اللحم وإنما أفسده إذ خلطه بالتراب حتى لا ينتفع به آكل، ولو من ملاك الغنم أنفسهم (3)
__________
(1) رواه أحمد بن حنبل في مسنده؛ راجع الفتح الرباني ترتيب مسند الإمام أحمد بن حنبل، كتاب السيرة النبوية، باب ما جاء في بعض خطبه صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، رقم الحديث (469) ؛ الفتح: 21 / 218
(2) رواه مسلم في كتاب الأضاحي، باب جواز الذبح بكل ما انهر الدم
(3) المحلى: 4/ 415، 416- بتصرف-؛ وانظر في هذا جامع ابن بركة: 1/ 118، 119(10/169)
وهذه الأدلة في غاية القوة والوضوح ويتبين لنا منها رجحان القول بعدم حل ذبيحة المعتدي على غيره، على أن القائلين بخلافه لم نجد منهم دفعا لهذه الأدلة ولا استدلالا بحجة، ما عدا أن الأصل في ذبيحة المسلم الحل، غير أن ابن حزم ذكر أن بعضهم موه بخبر روي أيضا عن طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن رجل من الأنصار قال: كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنازة فاستقبله داعي امرأة فجاء وجيء بالطعام فوضع يده ثم وضع القوم أيديهم فأكلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم يلوك لقمة في فيه ثم قال: ((أجد لحم شاة أخذت بغير إذن أهلها)) فأرسلت المرأة: يا رسول الله إني أرسلت إلى البقيع يشترى لي شاة فلم أجد، فأرسلت إلى جار لي قد اشترى شاة أن أرسل إلي بها بثمنها، فلم يوجد، فأرسلت إلى امرأته فأرسلت إلي بها. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((أطعميه الأسارى)) . (1)
وأجاب ابن حزم عنه بالعديد من الأجوبة لا يخلو بعضها من نظر (2) ،وإنما أقواها أن تلك الشاة لم تؤخذ تعديا وإنما أخذت بوجه تعارف الناس على مثله عادة لا سيما الجيران، وقد كانت مضمونة على المرأة بثمنها كما دلت على ذلك الرواية من قول المرأة: "ابعث إلي بثمنها".
__________
(1) رواه أبو داود السجستاني في سننه في كتاب البيوع، باب اجتناب الشبهات، رقم الحديث (3332)
(2) المحلى: 415/4، 416(10/170)
7- الأقلف من الرجال: ذهب جمهور علماء الأمة إلى حل ذبيحته، وذهب ابن عباس رضي الله عنهما إلى منع أكلها، وهو إحدى الروايتين عن الحسن البصري (1) ، وهو قول أصحابنا الإباضية باتفاق (2) ، إلا أنهم استثنوا من امتنع من الختان لعذر شرعي، كما استثنوا من هذا الشرط أهل الكتاب فلم يروا بأسًا بذبيحتهم وإن لم يختنوا، وقيد بعضهم الاستثناء بالنصارى وحدهم، لأن الختان مشروع عند اليهود كالمسلمين (3)
8- ما حرمه الله تعالى على أهل الكتاب أو حرموه على أنفسهم وقد ذكوه:
هل يحل للمسلم أكله أو لا؟ قيل بالمنع منه مطلقا، وهو معزو إلى ابن القاسم من المالكية، وقيل بالإباحة، وهو ظاهر كلام أحمد والخرقي واختاره من أصحابه أبو حامد وأبو الخطاب، وهو مذهب ابن وهب وابن عبد الحكم من أصحاب مالك، وقيل بمنع ما حرمه الله عليهم لا ما حرموه على أنفسهم، رواه أحمد عن مالك، ووصفه بأنه مذهب دقيق، وبه قال أشهب، وقيل: بالكراهة دون التحريم، وهو معزو إلى بعض المالكية (4) .
ولعلماء مذهبنا في ذلك ثلاثة أقوال: المنع، والإباحة، والتفريق بين ما حرم عليهم أو حرموه بأنفسهم (5) ؛ ورجح الإمام اطفيش (6) في (هيميان الزاد) الإباحة (7) ، وهو القول الصحيح سواء فيما حرم عليهم أو فيما حرموه على أنفسهم، أما ما حرم عليهم فإن ذلك كان شرعا موقوتا عقوبة لهم على سوء صنيعهم، وقد نسخ ذلك بشريعتنا، والكل متعبد بها، وأما ما حرموه على أنفسهم فذلك أبعد من أن يؤخذ به، لأنه مجرد افتراء ما أنزل الله به من سلطان.
__________
(1) المجموع: 9/ 78؛ وانظر فتح الباري: 9/ 637
(2) الإيضاح: 2/ 454؛ وشرح النيل: 4/ 489، 490؛ بيان الشرع: 27/ 27
(3) بيان الشرع: 27/ 40، 41
(4) بداية المجتهد: 1/ 451، 452؛ المغني: 11/ 58؛ تفسير القرطبي: 7/ 126، 127
(5) بيان الشرع: 27/ 39-42؛ شرح النيل: 4/ 495
(6) هو قطب الأئمة العلامة محمد بن يوسف بن عيسى اطفيش، ولد في بني يسجن بوادي ميزاب بالجزائر سنة 1236 هـ، كان حافظا ذكيا بزغ في كل العلوم الإسلامية، وألف في جلها، بلغت مؤلفاته أكثر من ثلاثمائة مؤلف، وكان من رجال الإصلاح الإسلامي الحديث، توفي رحمه الله سنة 1332 هـ؛ أنظر شرح النيل، ط مكتبة الإرشاد- جدة، السعودية
(7) هيميان الزاد: 5/ 325(10/171)
وحجة المانعين أن الله أباح طعامهم وذلك ليس من طعامهم، وتدخل في الإباحة على القول الراجح الشحوم ولو كانت حراما عليهم بدليل حديث عبد الله بن مغفل عندما دنا من أخذ جراب الشحم من قصر خيبر، فابتسم له رسول الله صلى الله عليه وسلم إقرارا له، وهو قول جمهور العلماء، بل قيل إنه لم يخالف في الشحوم إلا مالك وأصحابه، وهم فيها مختلفون، منهم قال بكراهتها ومنهم من قال بتحريمها ومنهم من قال بإباحتها، ورد ابن رشد الخلاف في ذلك إلى الخلاف في تبعُّض التذكية؛ بحيث يسري حكمها على بعض الحيوان (1) دون بعض، وهو مأخذ بعيد جدا، وهو خاص بالشحوم، أما ما عداها وهو كل ذي ظفر فالخلاف فيه مبني على الاختلاف في اشتراط اعتقاد المذكي تحليل الحيوان بتذكيته، فمن اشترطه لم يبحه لأنهم يعتقدون أن التذكية تحللها، ومن لم يشترطه تمسك بعموم الآية المحللة (2)
__________
(1) بداية المجتهد: 1/ 451، 452
(2) بداية المجتهد: 1/ 451، 452(10/172)
المبحث الثالث: فيما يذكى به:
ينبغي للإنسان أن يحرص على الرفق بالحيوان حسب وسعه في تذكيته، فيختار له الآلة الأنسب التي تؤدي إلى الغرض مع تخفيف الألم عن المذكى بقدر المستطاع، ويدل عليه قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته)) (1) ، وعلى هذا الأساس يكون اختيار آلة التذكية، وقد وسع الله تعالى لعباده المجال في ذلك ليختاروا بأنفسهم ما يرونه أنسب، كما يدل عليه حديث رافع بن خديج رضي الله عنه عندما قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى، فنذبح بالقصب؟ فقال صلى الله عليه وسلم: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكل، ليس السن والظفر وسأحدثكم عنه، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) (2) ، فالحديث أطلق جواز التذكية بكل ما أنهر الدم، إلا أنه استثنى شيئين دل تعليله استثناء أحدهما على استثناء ثالث لهما عندما قال: أما السن فعظم، وهو دليل على عدم جواز الذكاة بالعظام كالأسنان والأظفار، ومع هذا النص الشريف لا أجد داعيا إلى مناقشة ما اختلف فيه الفقهاء من التذكية ببعض الآلات، وبحث اختلافهم في التذكية ببعض ما استثني، وفيما إذا انفصل الظفر والسن، فإن ذلك كله لا يعدو أن يكون اشتغالًا بالإطالة فيما لا جدوى من ورائه، فإن الحديث واضح صريح، إذ أطلق الإباحة في استعمال كل ما يؤدي إلى هذه الغاية ما عدا تلك المستثنيات، ولم يقيد استثناءها بكونها غير منفصلة، وإنما يرجع إلى أهل الخبرة في معرفة الآلات التي يمكن بها قضاء هذا الوطر مع مراعاة الرفق بالحيوان، وإذ جاء نهر الله بطل نهر معقل.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب الأمر بإحسان الذبح وتحديد الشفرة؛ ورواه أيضا غيره من أهل السنن.
(2) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب ما أنهر الدم من القصب والمروة والحديد.(10/173)
المبحث الرابع: في النية والتسمية:
اتضح مما سبق أن التذكية من القربات إلى الله عز وجل، والقربات لا بد لها من نية؛ للحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الأعمال بالنيات)) (1) فلذلك كانت النية شرطا في صحة الذكاة، كما نص عليه العلامة الشماخي (2) في الإيضاح (3) ، والإمام الثميني في النيل وشارحه العلامة اطفيش في شرحه (4) ، والإمام ابن العربي في أحكام القرآن (5) ، ويفهم من كلامه أنها مشروطة عند الشافعية؛ إذ ألزم إمام الحرمين باشتراطه لها كون الذكاة قربة.
ونسب ذلك ابن رشد إلى المذهب- أي مذهب المالكية- وقال:
"ولا أذكر فيها خارج المذهب في هذا الوقت خلافا" (6) , وهو الذي يقتضيه كلام العلامة الكاساني الحنفي، حيث قال في شرائط التسمية المبيحة للذبيحة: "ومنها أن يريد بها التسمية على الذبيحة، فإن من أراد بها التسمية لافتتاح العمل لا يحل، لأن الله سبحانه وتعالى أمر بذكر اسم الله تعالى عليه في الآيات الكريمة، ولا يكون ذكر اسم الله عليه إلا ويكون يراد بها التسمية على الذبيحة- إلى أن قال: "وكذا لو سبح أو هلل أو كبر ولم يرد به التسمية على الذبيحة، وإنما أراد به وصفه بالوحدانية والتنزه عن الحدوث لا غير لا يحل لما قلنا" (7) ، فإن اشتراط القصد في هذا الكلام صريح، وهو عين النية المطلوبة، ويقرب منه ما قاله العلامة السرخسي: "وإنما يتميز الذكر على الذبح وغيره بقصد منه التسمية فإذا لم يقصد التسمية لا يحل ". (8)
__________
(1) رواه الإمام الربيع بن حبيب في مسنده الجامع الصحيح في باب (1) ، في النية، تحت حديث رقم (1) ؛ ورواه غيره الكثُر في الحديث
(2) هو العلامة الإمام أبو ساكن عامر بن علي بن عامر الشماخي، من علماء القرن السابع الهجري، ولد في جبل نفوسة بليبيا، بلغ من العلم شأوًا كبيرا، حتى أصبحت كتبه كالإيضاح مقدما على غيره عند الإباضية، عرف بإنشاء المدارس العلمية، تخرج على يديه فحول العلماء منهم: أبو القاسم- صاحب (الجواهر المنتقاة) - انظر كتاب الإيضاح
(3) الإيضاح: 2/ 442
(4) انظر شرح النيل: 4/ 469، 477، 478
(5) أحكام القرآن: 2/ 750
(6) بداية المجتهد: 1/ 449
(7) بدائع الصنائع: 6/ 2783
(8) المبسوط: 12/ 4(10/174)
وأما ذكر اسم الله عند التذكية فلا خلاف في مشروعيته بين الأمة، وحكى الإجماع على ذلك النووي في شرحه على صحيح مسلم (1) ، والحافظ ابن حجر في فتح الباري (2) ، إلا أنهم اختلفوا في كونه شرطا لصحة التذكية وما يترتب عليها من حل لحم الحيوان على أقوال:
أولها: أن ذكر الله شرط لصحة التذكية، فمن تركه عمدا أو نسيانا في ذبح أو نحر أو صيد لم يكن فعله ذكاة شرعية، وحرم بذلك لحم المذبوح أو المنحور أو الصيد، وعزا القرطبي هذا القول إلى عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس، وابن ربيعة ونافع وعبد الله بن زيد الخطمي وابن سيرين وأبي ثور وداود بن علي وأحمد في رواية (3) ، وعزاه أبو محمد الحسن البسيوي (4) إلى ابن عباس، رضي الله عنهما، وذكر أبو حيان (5) أنه رواية عنه، واقتصر عليه ابن حزم وانتصر له وعزاه إلى جماعة منهم عبد الله بن يزيد، ووصفه بأنه صحيح الصحبة، وإلى الشعبي (6) ، وقال ابن قدامة في المغني (7) : أنه تحقيق المذهب- أي مذهب الحنابلة-، وعزاه في بيان الشرع (8) إلى الإمام الربيع بن حبيب (9) ، وعزاه الكاساني (10) والفخر الرازي (11) إلى الإمام مالك، وذكر الشوكاني (12) أنه مروي عنه، وحكاه قولًا له ابن كثير (13) وذكر أنه اختاره من متأخري الشافعية أبو الفتوح محمد بن محمد بن علي الطائي، وعليه العمل عند أكثر علمائنا (14) .
__________
(1) شرح النووي على صحيح مسلم: 13/ 73
(2) فتح الباري: 9/ 601
(3) تفسير القرطبي: 7/ 75
(4) جامع أبي الحسن البسيوي: 3/ 208، الإمام أبو الحسن البسيوي: هو العلامة المحقق الشيخ أبو الحسن علي بن محمد بن علي البسياني، ولد في بسيا بولاية بهلا بالمنطقة الداخلة بسلطنة عمان، وهو من علماء القرن الرابع، تلقى العلم في بداية حياته عن أبيه، ثم تتلمذ على العالم الفقيه المحقق ابن بركة، ومن أشهر مؤلفاته جامع أبي الحسن، وهو مؤلف عظيم وشامل لعلم الشريعة، ومن أحسن المؤلفات جمعا وتحقيقًا، واختصره في كتاب (مختصر البسيوي) ،انظر كتاب (جامع أبي الحسن البسيوي) وكتاب (مختصر البسيوي) .
(5) البحر المحيط: 4/ 212
(6) المحلى:7 / 412- 414
(7) المغني: 11 / 3
(8) بيان الشرع: 27/ 11
(9) هو الإمام المحدث الحافظ أبو عمرو الربيع بن حبيب الفراهيدي، من غطفان بأرض الباطنة من سلطنة عمان، أخص تلامذة الإمام أبي عبيدة، وتحمل من بعده إمامة المذهب الإباضي، أدرك الإمام جابر بن زيد وهو شاب، صنف مسندا في الحديث الشريف، انظر شرح الجامع الصحيح
(10) بدائع الصنائع: 6/ 2778
(11) التفسير الكبير: 13/ 164
(12) نيل الأوطار: 9/ 10- 11
(13) تفسير القرآن العظيم: 2/ 169
(14) انظر بيان الشرع: 27/ 6- 9؛وجامع أبي الحسن: 3/ 208(10/175)
ثانيها: أن ذكر الله شرط لصحة التذكية، ولكن يسقط اشتراطه في حال النسيان، فيحل أكل المذكى دونه، أما في حالة العمد فلا تصح دونه التذكية، ولا يحل مع تركه المذبوح، وبه قال إسحاق وروي عن أحمد بن حنبل، وقاله في الكتاب مالك وابن القاسم، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه والثوري والحسن بن حي وعيسى وأصبغ، واختاره النحاس (1) ، وبه قال الناصر والقاسمية (2) ، وعزاه في بيان الشرع (3) إلى الإمام أفلح (4) بن عبد الوهاب، وحكى أنه نسبه إلى الإمام أبي الشعثاء جابر بن زيد، واعتمده الإمام اطفيش في الهيميان (5) ، ويجنح إليه كلامه في التيسير (6) ، ونسبه ابن كثير (7) إلى جماعة منهم الإمام علي وابن عباس، رضي الله عنهم من الصحابة، وسعيد بن المسيب وعطاء وطاووس والحسن البصري وأبو مالك وعبد الرحمن بن أبي ليلى، وجعفر بن محمد وربيعة بن أبي عبد الرحمن، وذكر ابن قدامة أن حنبل نسبه إلى أبيه الإمام أحمد إلا أنه نسب إلى الخلال أنه قال: سها حنبل في نقله، فإن في أول مسألته: إذا نسي فقتل لم يأكل (8)
__________
(1) تفسير القرطبي: 7/ 75, وانظر البحر المحيط لأبي حيان: 4/ 212, وأحكام القران لابن العربي: 2/ 749, وبداية المجتهد: 1/ 448, والمنتقى للباجي: 3/ 104؛ والاختيار: 5/ 159, والبحر الرائق: 1/ 191, وبدائع الصنائع: 6/ 2778
(2) نيل الأوطار: 9/ 10
(3) بيان الشرع: 27/ 11
(4) هو الإمام أفلح بن عبد الوهاب بن عبد الرحمن الرستمي، ثالث أئمة الدولة الرستمية بتيهرت، كان شجاعا مقداما، وكانت أيام إمامته أيام عدل وإنصاف واستقرار، دامت إمامته رحمه الله ستين عاما، انظر طبقات المشايخ بالمغرب
(5) هيميان الزاد: 6/ 240
(6) تيسير التفسير: 3/ 437، 438
(7) تفسير القرآن العظيم: 2/ 170
(8) المغني: 3/11(10/176)
ثالثها: إن التسمية ليست بشرط رأسا، فيحل أكل ما لم يذكر اسم الله عليه عمدا كان الترك أو نسيانا، وهو مذهب الشافعي وأصحابه (1) ، ونسبه القرطبي إلى الحسن، وذكر أنه مروي عن ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وسعيد بن المسيب وجابر بن زيد وعكرمة وأبي عياض وأبي رافع وطاووس وإبراهيم النخعي وعبد الرحمن بن أبي ليلى وقتادة، ثم قال: "وحكى الزهراوي عن مالك بن أنس أنه قال: تؤكل الذبيحة التي تركت التسمية عليها عمدا أو نسيانا". (2) ، وأضاف أبو حيان (3) إلى هؤلاء ربيعة والأصم، وما ذكره الإمام اطفيش في تفسيره يوحي بأنه يجنح إليه، وذلك أنه قال: "أما موحد ذكى بلا ذكر لاسم الله ساهيا أو عامدا فلا بأس بذكاته ". (4) ، إلا أنه قال بعد ذكره لبعض الروايات التي عول عليها أصحاب هذا القول: "وذلك محمول عندنا على من لم يذكر اسم الله نسيانا" (5) ، ويفهم من كلام الإيضاح والنيل وشرحه أن الأقوال الثلاثة في المذهب (6) ، وذكر الحافظ ابن حجر أن للشافعية في العمد ثلاثة أوجه؛ وهي أنه يكره، وخلاف الأولى، ويأثم بالترك ولا يحرم الأكل (7) .
__________
(1) المجموع: 9/ 102؛ وشرح صحيح مسلم للنووي: 13/ 73.
(2) الجامع لأحكام القرآن: 7/ 75
(3) البحر المحيط: 4/ 212
(4) تيسير التفسير: 437/3
(5) تيسير التفسير: 437/3
(6) انظر الإيضاح للشماخي: 2/ 443؛ والنيل وشرحه: 4/ 170، 171
(7) فتح الباري: 9/ 651(10/177)
رابعها: إن ترك التسمية عمدا كره أكلها، قاله القاضي أبو الحسن والشيخ أبو بكر من علماء المالكية (1) .
خامسها: تؤكل ذبيحة من تركها ولو عمدا إن لم يكن مستخفا بها، قاله أشهب والطبري (2) ، ولست أرى فارقاً بين هذا القول والقول الثالث إلا أن يكون لفظيا، فإنه ليس من شأن المسلم ولو فاسقا أن يستخف باسم الله تعالى، ومن فعل ذلك فقد خلع ربقة الإسلام من عنقه وصار في عداد المرتدين.
سادسها: ما ذهب إليه ابن العربي وتابعه عليه القرطبي وهو أن تارك التسمية لا يخلو من ثلاثة أحوال: "أحدها أن يترك التسمية إذا أضجع الذبيحة لأنه يقول: قلبي مملوء من أسماء الله وتوحيده فلا أفتقر إلى ذكر ذلك بلساني، فلذلك يجزيه لأنه قد ذكر الله وعظمه، وإن قال: ليس هذا موضع التسمية صريحا فإنها ليست بقربة فهذا يجزيه لكونه على مذهب يصح اعتقاده اجتهادا للمجتهد فيه وتقليدا لمن قلده، وإن قال: لا أسمي وأي قدر للتسمية؛ فهذا متهاون كافر فاسق لا تؤكل ذبيحته " (3) ، ثم قال ابن العربي: "إنما يتصور الخلاف في المسألة على الصورتين الأوليين، فأما على الصورة الثالثة فلا تشخيص لها". (4)
__________
(1) ابن العربي، أحكام القران: 2/ 749
(2) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 7/ 75
(3) ابن العربي، أحكام القران: 2/ 751؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 7/ 76
(4) ابن العربي، أحكام القران: 2/ 751؛ القرطبي، الجامع لأحكام القرآن: 7/ 76.(10/178)
بحث أدلة هذه الأقوال وتمحيصها:
استدل أصحاب القول الأول بكثير من الأدلة من الكتاب والسنة، أما الكتاب فقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] ، فإنه دال بمنطوقه على إباحة أكل ما ذكر عليه اسم الله، ودال بمفهومه على المنع مما لم يذكر اسمه، وقوله سبحانه: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، وهو دال بمنطوقه على المنع من أكل ما لم يذكر اسم الله عليه، وبمفهومه على إباحة أكل ما ذكر اسمه عليه، فمنطوق كل واحدة من الآيتين يعضد مفهوم الأخرى، وقوله: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} [الأنعام: 119] ، وهو زجر عن الامتناع عن أكل ما ذكر اسمه تعالى عليه.
وتعتضد دلالة هذه الآيات بدلالة الآيات الأخرى التي تدل على الأمر بذكر اسم الله حال التذكية، وعلى أن ذكر اسمه تعالى مطلب يرتبط بما أنعم به على عباده من بهيمة الأنعام، وهي قوله تعالى: {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] ، وقوله: {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] ، وقوله عزوجل: {لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَّعْلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ} [الحج: 28] ، وقوله: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا لِيَذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِّن بَهِيمَةِ الْأَنْعَامِ فَإِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَلَهُ أَسْلِمُوا وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ} [الحج: 34] .(10/179)
قال الإمام المودودي: " فهذا الاستعمال المتعاقب المتسلسل لاصطلاح التسمية في هذه الآيات دليل واضح على أن الذبح والتسمية كلمتان لا تدلان إلا على معنى بعينه في نظر القرآن، فلا نكاد نتصور ذبيحة مشروعة بدون أن يذكر عليها اسم الله ". (1)
وأما السنة فمنها حديث عدي بن حاتم، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((أمرَّ الدم بما شئت، واذكر اسم الله عليه)) (2) ، ومن روايته أيضا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل)) (3) ، وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((ما علمت من كلب أو باز ثم أرسلته وذكرت اسم الله عليه فكل)) (4) ومنها حديث أبي ثعلبة الخشني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((ما صدت بقوسك فذكرت اسم الله عليه فكل، وما صدت بكلبك فذكرت اسم الله عليه فكل)) (5) ، ومنها حديث رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)) (6) ، إلى غير ذلك من الروايات.
__________
(1) أبو الأعلى المودودي، ذبائح أهل الكتاب، ص 16
(2) رواه أبو داود في سننه في كتاب الأضاحي، باب في الذبيحة بالمروة، رقم الحديث (2884) , ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب الذبائح، باب (5) ما يذكى به، رقم الحديث (3177)
(3) رواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة؛ ورواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب ما جاء في الصيد، بلفظ: " إذا أرسلت كلابك المعلمة ... "
(4) رواه أبو داود في سننه في الصيد، باب في الصيد، رقم الحديث (2851)
(5) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب صيد القوس؛ ورواه مسلم في كتاب الصيد والذبائح، باب الصيد بالكلاب المعلمة
(6) سبق تخريجه(10/180)
ووجه الاستدلال بهذه الروايات أنها جميعا تنوط إباحة الأكل بذكر اسم الله عند الذبح أو الصيد، وهذا يعني أن الإباحة معلقة على حصول هذا الشرط، وبانعدام الشرط ينعدم المشروط فلا إباحة بدونه، قال الحافظ ابن حجر: "المعلق بالوصف ينتفي عند انتفائه عند من يقول بالمفهوم، والشرط أقوى من الوصف، ويتأكد القول بالوجوب بأن الأصل تحريم الميتة، وما أذن فيه منها تراعى صفته، فالمسمى عليها وافق الوصف وغير المسمى باق على أصل التحريم " (1) .
وأجيب عن الاستدلال بالآيات بأن أقواها دلالة على الغرض هو قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} ، وهو محمول على المنع من أكل ما أهل به لغير الله أو الميتة، أمّا حمله على أن المراد به ما أهل به لغير الله فدليله قوله تعالى إثره: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} ، وجاء بيان الفسق في قوله: {أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، واعترض بأن قوله تعالى {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، سيق مساق التأكيد لهذا الحكم والتغليظ على من خالفه، والضمير راجع فيه إلى الأكل المفهوم من قوله: {وَلَا تَأْكُلُوا} ، مثله في ذلك مثل قوله عز وجل: {اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [المائدة: 8] ، فإن ضمير الفصل فيه عائد إلى العدل المفهوم من قوله: {اعْدِلُواْ} ولا اعتراض على هذا بما قاله بعضهم من أن الضمير عائد إلى عدم الذكر المفهوم من قوله: {لَمْ يُذْكَرِ} لأن الكلام سيق من أجل النهي عن الأكل، ومخالفة النهي الإلهي فسق.
__________
(1) فتح الباري: 9/ 651.(10/181)
ورد عليه بأن ذلك لا يتم إلا مع جعل الواو عاطفة مع أن حملها على العطف هنا غير جائز، لعدم اتحاد الجملتين المعطوفة والمعطوف عليها، فالمعطوفة خبرية والمعطوف عليها إنشائية، ولا يجوز عطف الخبر على الإنشاء ولا العكس، وإذا تعذر العطف فلا محمل للواو إلا على الحال، ومن شأن الحال أن تفيد تقييد الحكم الذي تليه، وهذا يعني أن النهي مقيد بحال كون المنهي عن أكله فسقا، وهو ما أهل به لغير الله كما تقدم، ورد بأن حمل الواو هنا على أنها واو الحال يقتضي أن ما يعطف على الجملة التي دخلت عليها له أيضا حكم الحال، فإن العطف يقتضي اشتراك الجمل المتعاطفة في أحكامها، وقد وليت هذه الجملة جملتان في قوله عزوجل: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] ، وأي مكان للحال في هاتين الجملتين؟ على أن الجملة الحالية لا تكون إلا عارية من التأكيد لاستغنائها عنه، وماذا بعد التأكيد بـ إن واللام في قوله {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ولو أريد بها الحال لكانت: وهو فسق (1)
__________
(1) انظر في مجموع ما قيل هنا: الفخر الرازي، التفسير الكبير: 13/ 168، 169؛ وتفسير ابن كثير: 2/ 196؛والألوسي، روح المعاني: 8/ 15، 16(10/182)
وأما حمله على أنه في الميتة فمعوله على ما أخرجه أبو داود والطبري والبزار عن طريق ابن عباس رضي الله عنهما أن اليهود جاءت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت: نأكل مما قتلنا، ولا نأكل مما قتل الله؟ فنزلت {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، وهذا يعني أن الآية إنما نزلت في تحريم الميتة، فلا يحمل على حكمها غيرها.
وأما الأحاديث التي ناطت الأكل من الصيد وغيره بذكر اسم الله عليه فهي محمولة على الندب (1) ، وأما القول الثاني- وهو قول من فرق بين حالتي العمد والنسيان- فإن أصحابه استندوا في تشددهم حالة العمد إلى ما استند إليه أصحاب القول الأول، واستدلوا على عذر الناس بقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} ، مع ما علم من أنه لا يفسق غير العامد، كما استدلوا بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) (2) ، وبما أخرجه البيهقي من طريق ابن عباس، رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المسلم يكفيه اسمه إن نسي أن يسمي حين يذبح فليذكر اسم الله وليأكل)) (3) ، وبما رواه ابن عدي من طريق أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أرأيت الرجل منا يذبح وينسى أن يسمي؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اسم الله على كل مسلم)) (4) .
__________
(1) النووي، شرح مسلم: 12/ 74
(2) رواه ابن ماجه في سننه في كتاب الطلاق، باب طلاق المكره والناسي، رقم الحديث (2045)
(3) رواه البيهقي في السنن الكبرى، كتاب الصيد والذبائح، باب من ترك التسمية وهو ممن تحل ذبيحته، بطرق مختلفة، وفي ألفاظها بعض الاختلاف.
(4) انظر ابن كثير، تفسير القرآن العظيم: 2/ 170؛ وابن العربي، أحكام القرآن: 2/ 750؛ والالوسي، روح المعاني: 8/ 15؛ واطفيش، تيسير التفسير: 3/ 438؛ وشرح النيل: 4/ 475؛والباجي، المنتقى: 3/ 105؛ الكاساني، بدائع الصنائع: 6/ 2780؛ ابن مودود الموصلي، الاختيار لتعليل المختار: 5/ 15؛ابن رشد، بداية المجتهد: 1/ 448، 449؛أبو فارس، أحكام الذبائح في الإسلام، ص 47، العبادي، الذبائح في الشريعة الإسلامية، ص 30.(10/183)
وأما القول الثالث- وهو قول من أباح ما لم يذكر اسم الله عليه عمدا كان ذلك أو نسيانا- فقد استدل أصحابه بالقرآن والسنة؛ أما القرآن فقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] ، قال الدكتور أبو فارس: "وجه الاستدلال في هذه الآية أن الله عز وجل ذكر المحرمات ولم يذكر فيها متروك التسمية" (1) ، وقوله سبحانه: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145] ، ووجه استدلالهم به هو نفس ما ذكر من قبل (2) , وقوله عز من قائل: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، قال الدكتور أبو فارس: "وجه الاستدلال أن الله عز وجل أباح ذبائح أهل الكتاب، ولم يشترط التسمية منهم على ذبائحهم حتى تؤكل " (3) .
__________
(1) أبو فارس، أحكام الذبائح في الإسلام، ص 49
(2) الكاساني، بدائع الصنائع: 6/ 2778؛ والعبادي، الذبائح في الشريعة الإسلامية، ص 31، 32
(3) أحكام الذبائح في الإسلام، ص 49.(10/184)
وأما السنة فقد استدلوا منها بما أخرجه البخاري والدارقطني عن عائشة رضي الله عنها قالت: إن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: ((سموا أنتم عليه وكلوه)) (1) ، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر. ووجه استدلالهم ما قاله المهلب: هذا الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب، إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال، وقد أجمعوا على أن التسمية على الأكل ليست فرضا، فلما نابت عن التسمية على الذبح دل أنها سنة، لأن السنة لا تنوب عن الفرض (2) .
وبما رواه أبو داود عن الصلت السدوسي مولى سويد بن ميمون
- وهو أحد التابعين- قال: قال رسول الله صلى الله عيه وسلم: ((ذبيحة المسلم حلال، ذكر اسم الله أو لم يذكر، إنه إن ذكر لم يذكر إلا اسم الله)) (3) ، قال ابن كثير: هذا مرسل يعضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال: "إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فليأكل فإن المسلم فيه اسم من أسماء الله " (4) .
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الذبائح والصيد، باب ذبيحة الأعراب ونحوهم؛ ورواه الدارقطني في كتاب الأشربة وغيرها، باب الصيد والذبائح والأطعمة وغير ذلك، ورقم الحديث في هذا الباب (99)
(2) فتح الباري: 9/ 635
(3) تفسير ابن كثير: 2/ 169
(4) تفسير ابن كثير: 2/ 169(10/185)
وهذه الأدلة كلها لا تقاوم أدلة من خالفهم ولا تدانيها، فأما ما استدلوا به من آيتي المائدة والأنعام فهو استدلال أوهن من أن يرقى إلى مراتب الأدلة الشرعية وأضعف من أن يحتاج إلى رد، فإن ذكر حكم من الأحكام في أعيان يتعلق بها لا يكون بحال دليلا على عدم تعلقه بغيرها حتى يرد به الدليل الدال على ذلك وإن كان نصا فيه.
ولو كان الأمر كما قالوا لما كان وجه لتحريم الجمع بين المرأة وعمتها وبين المرأة وخالتها لعدم ذكره في الآيات التي تحدثت عن المحرمات من النساء في سورتهن، وخصوصاً مع ما وليها من قوله عز وجل: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ} [النساء: 24] ، وهذا يعني إبطال مدلول حديث "لا تنكح المرأة على عمتها ولا على خالتها" (1) ، مع أن الإجماع منعقد على الأخذ به، وكذلك يترتب عليه أن لا يحرم بالرضاع إلا الأمهات والأخوات فقط، لأنهن وحدهن المنصوص عليهن بالتحريم في سورة النساء، وهو أيضاً يقتضي إسقاط الاستدلال بالأحاديث الدالة على أن كل ما يحرم بالنسب يحرم بالرضاع؛ مع انعقاد الإجماع على الأخذ بها، ويستلزم أيضا رد كل ما جاءت به الأحاديث من تحريم الحمر الأهلية، وتحريم ذوات الناب من السباع والمخالب من الطير لعدم ذكرها في آيتي المائدة والأنعام ونظائرهما.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب النكاح، باب تحريم الجمع بين المرأة وعمتها أو خالتها، من طريق أبي هريرة، بطرق عدة وألفاظ مختلفة؛ ورواه الإمام الربيع بن حبيب في مسنده الجامع الصحيح، في كتاب النكاح، باب (25) ما يجوز من النكاح وما لا يجوز، رقم الحديث (517) ، بلفظ: "ألا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها"؛ ورواه كذلك البخاري بهذا اللفظ في كتاب النكاح، باب لا تنكح المرأة على عمتها.(10/186)
بل يترتب عليه أيضا عدم الأخذ بما في آية المائدة من الزيادة التي لم تذكر في آية الأنعام، وهي تحريم المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، ويؤدي إلى الاسترسال في نقض كثير من الأدلة، وإنكار الكثير من الأحكام، كالرجم لعدم ذكره في سورة النور، وحرمة قذف المحصنين كقذف المحصنات ووجوب الحد عليهم، لأن ما في تلك السورة اقتصر على ذكر المحصنات وحدهن.
هذا مع أن الأدلة التي عول عليها القائلون بحرمة ما لم يذكر اسم الله عليه لا تحوم حولها ريبة ولا يدانيها لبس، فهي آيات محكمات واضحات وأحاديث صحيحة صريحة، وقد أجاد الإمام المودودي عندما قال بعد ذكر طائفة منها: " إنه لا يبقى أي مجال للشك بعد هذه الأحكام الواضحة الصريحة لله ورسوله في أن التسمية شرط لا بد من تحققه لحل الذبيحة، وإن كل حيوان يموت أو يقتل بدون أن يذكر اسم الله عليه هو حرام لا يحل أكله، ويا ليت شعري أي نوع من النصوص يجب أن يتوفر لثبوت حكم من الشريعة إذا كان هو لا يثبت بمثل هذه الآيات الواضحة والأحاديث الصريحة". (1)
وأما قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} ، فهو لم يتعرض للتسمية سلباً ولا إيجاباً، فكيف ترد به النصوص الصريحة الدالة على اشتراطها؟ ودعوى أن أهل الكتاب لا يذكرون اسم الله على الذبح فارغة من كل دليل، لأنهم وإن شابوا اعتقادهم بوجود الله بما تراكم عليه من الضلالات التي حجبت نوره عن بصائرهم إلا أنهم لا ينكرون أنه خالق الوجود وباعث الرسل ومنزل الكتاب، فذكره معهود في أديانهم وشرائعهم، وما أبيحت ذبائحهم دون ذبائح المشركين إلا من أجل ما بقي عندهم من تعاليم الكتب التي بين أيديهم.
__________
(1) أبو الأعلى المودودي، ذبائح أهل الكتاب، ص 17.(10/187)
قال الحافظ ابن كثير: "لا يلزم من إباحة طعام أهل الكتاب إباحة أكل ما لم يذكر اسم الله عليه، لأنهم يذكرون اسم الله على ذبائحهم وقرابينهم وهم متعبدون بذلك، ولهذا لم يبح ذبائح من عداهم من أهل الشرك ومن شابههم، لأنهم لا يذكرون اسم الله على ذبائحهم " (1)
وأما حديث عائشة، رضي الله تعالى عنها، فقد أجيب عن استدلالهم بأن دلالته على منع ما لم يذكر اسم الله عليه أقوى وأوضح، فإن الذين سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذا اللحم لم يكن الباعث على سؤالهم إلا ما استقر في أذهانهم وتعورف فيما بينهم من أن التذكية تتوقف على ذكر اسم الله، وبدونه لا يكون مُذَكّى حلالا، وإنما كانت المبادرة إلى سؤالهم هذا بسبب ما اختلج في نفوسهم من الشك في حصول هذا الشرط من الأعراب الذين أسلموا من جديد، وقد أجابهم النبى صلى الله عليه وسلم بما يقطع دابر الشك ويجتث جذور الوسوسة، ومفاد جوابه أن أعمال المسلمين -ولو دخلوا في هذا الدين من عهد قريب -محمولة على أنها وفق شريعته، فلا داعي إلى الارتياب فيها والتوقف عن الاعتداد بها، وهو معنى أمره صلى الله عليه وسلم لهم أن يسموا ويأكلوا (2) ، قال الحافظ ابن حجر: "ويستفاد منه أنه ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة، وكذا ما ذبحه أعراب المسلمين لأن الغالب أنهم عرفوا التسمية" (3) , وقال الإمام المودودي: "ومن الظاهر كذلك أن اللحم الذي يوجد في أسواق المسلمين في القرى والمدن أنى لكل واحد منا أن يمعن في التحقيق ويتبين عنه بكل دقة واستبصار أنه ذبح من الحيوان الحلال، وأنه قد روعي في ذبحه كل ما لتذكيته من الشروط، وأنه قد ذبحه رجل قديم العهد بالإسلام، وأن هذا الذابح كان عارفاً بقواعد الشريعة للذبح؟ ومتى كلفتنا الشريعة بمثل هذا التحقيق؟ " (4)
__________
(1) تفسير القرآن العظيم: 2/ 19، 20
(2) انظر ابن عبد البر، الاستذكار: 15/ 213؛ ابن حجر، فتح الباري: 9/ 635؛ أبو الأعلى المودودي، ذبائح أهل الكتاب، ص 19
(3) فتح الباري: 9/ 635
(4) ذبائح أهل الكتاب، ص 20(10/188)
وأما حديث الصلت السدوسي فلا حجة فيه لأنه مرسل، ولا يمكن أن يعتضد بما رواه الدارقطني عن ابن عباس - وإن قال به ابن كثير - لأنه أيضا ليس بحجة فإنه موقوف عليه، والحجة إنما هي في المرفوع.
وأما القول الرابع- وهو أن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه مكروه -
فيبدو أن من قاله حمل النهي في القرآن والسنة على الكراهة دون التحريم وهو بعيد، فإن الأصل في النهي أن يكون للتحريم، ولا يحمل على غيره إلا بدليل، ولا دليل على ذلك بل الدليل على خلافه، كيف وقد اقترن في النص القرآني بوصف المنهي عنه أنه فسق؟
وقد سبق أن القول الخامس لا يعدو أن يكون الخلاف بينه وبين القول الثالث لفظيا، ويتبعه في الاستدلال والإيراد.
وأما القول السادس الذي ذهب إليه ابن العربي وتابعه عليه القرطبي - وهو الذي يفصل أحكام المسألة بحسب اختلاف صورها، فيذهب إلى الإباحة فيما إذا كان الترك من أجل اكتفاء الذابح باسم الله الذي يملأ جوانح قلبه وإن لم يقض ذكره على لسانه، أو من أجل أنه يرى التسمية لا تتناسب مع فعله لأنه ليس بقربة وهي أولى بها القرب، ويذهب إلى المنع إن كان الترك بباعث الاستخفاف باسم الله تعالى- فإنا نرى أن نعرض هذا القول على كلام ابن العربي نفسه، فالصورة الأولى- وهي ما إذا كان ترك التسمية من أجل ما في القلب من أسماء الله- قد تعرض لها ابن العربي نفسه عندما قال: "فإن قيل: المراد بذكر اسم الله بالقلب لأن الذكر يضاد النسيان، ومحل النسيان القلب فمحل الذكر القلب، وقد روى البراء بن عازب وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم ((اسم الله على قلب كل مسلم سمي أو لم يسم)) ، ولهذا تجزئه الذبيحة إن نسي التسمية تعويلا على ما في قلبه من اسم الله سبحانه".(10/189)
"قلنا الذكر يكون باللسان ويكون بالقلب والذي كانت العرب تفعله تسمية الأصنام والنصب باللسان، فنسخ الله ذلك بذكر الله في الألسنة واستمر ذلك في الشريعة، حتى قيل لمالك: هل يسمي الله إذا توضأ؟ فقال: أيريد أن يذبح؟ إشارة إلى أن موضع التسمية وموضوعها إنما هو في الذبائح لا في الطهارة، وأما الحديث الذي تعلقوا به في قوله: "اسم الله على قلب كل مؤمن " فحديث ضعيف لا تلتفتوا إليه" (1) .
هذا نص كلامه وهو صريح في أن الذكر المطلوب الذي يتوقف عليه حل الأكل لابد من أن يكون باللسان، ولا يكتفى بما في القلب وحده، وهذا هو الذي يتفق مع نسق التشريع وتقتضيه سنن التعبد، فإن الله تعالى يصف القرآن بقوله: {بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ} [العنكبوت: 49] ، وقد فرض على عباده أن يقرؤوه بألسنتهم في صلواتهم، ولا يكتفى من أحد إن قال: إن القرآن الكريم كله في قرار نفسي وملء ذاكرتي، فلا داعي إلى أن أقرأ شيئا منه في صلاتي. ولا تكون صلاته بذلك صحيحة بالإجماع.
__________
(1) أحكام القرآن: 2/ 750(10/190)
وأما الصورة الثانية التي أسقط فيها اشتراط الذكر لحل المذبوح وهي أن يقول الذابح: إن الذبح ليس قربة فلا داعي إلى ذكر اسم الله عليه، فنعرضها أيضا على كلامه بنفسه، فقد قال بعد ذكره لأدلة وجوب التسمية: "وهذه أدلة ظاهرة غالبة عالية وذلك من أظهر الأدلة وأعجب لرأس المحققين إمام الحرمين يقول في معارضته هذا: وذكر الله إنما شرع في القرب، والذبح ليس بقربة، قلنا: هذا فاسد من ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه يعارض القرآن والسنة كما قلنا.
الثاني: أن ذكر الله مشروع في كل حركة وسكنة حتى في خطبة النكاح، وإنما تختلف درجاته بالوجوب والاستحباب.
الثالث: أن الذبيحة قربة بدليل افتقارها إلى النية عندنا وعندك، وقد قال الله تعالى: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} ". [الحج: 37] (1)
ولئن كان مأخذ الذابح التارك لاسم الله هنا نظرة يعارضها القرآن والسنة- وهما أصلا التشريع- كما يفيده كلام ابن العربي بل ويعارضها الأصل الثالث وهو الإجماع، كما سبق نقله عن الإمامين النووي والحافظ ابن حجر، فما هو الأولى؟ هل هو ترك ما دلت عليه أصول الشريعة، والأخذ بما أفرزته أوهام البشر، وإقرار أخطائهم المعارضة لما دلت عليه الدلائل القطعية؟ أو أن الأولى أن يقتفى نهج الشريعة المتمثل في الكتاب والسنة والإجماع، وترد إليها أخطاء الناس فتحكم فيها؟ مع أن الله تعالى يقول: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} [النساء: 59]
__________
(1) أحكام القرآن، لابن العربي: 2/ 749- 750(10/191)
الرأي المختار:
إن الذي استقر في ذهني- بعد استعراض هذه الأقوال وأدلتها وما يتوجه إلى كل منها من إيراد ودفع- أن من تجرد في هذه المسألة من جميع العوامل النفسية، وأسلس القيادة للدليل وحده لا يرتاب في أن القول الأول هو أصح هذه الأقوال وأعدلها وأبينها حجة وأوضحها محجة، ولو لم يكن عليه من دليل إلا قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] لكن، كيف والأدلة تكتنفه من كل جانب.
أما ما تشبث به معارضوه من أن الآية مقيدة بجملة حالية وهي قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، فيجري حكمها في قيدها، ويحمل على ما أهل به لغير الله، لأنه المنصوص عليه أنه فسق في العديد من الآيات؛ فهو تشبث بما لا طائل تحته، لأنه مبني على أن جملة " وإنه لفسق " حال؛ وهو متعذر لأمرين: تأكيدها بأن واللام، والعطف عليها بما يتعذر حمله على الحال في قوله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121] ، فإن كل ذي ذوق ليدرك أنه لا معنى لتقييد النهي بحال وحي الشياطين إلى أوليائهم بمجادلة المؤمنين في هذا الحكم، والعطف بين الجمل يفيد اشتراكها في حكمها، فإن كانت الجملة المعطوف عليها حالا فلابد أن تكون المعطوفة مثلها وتفيد ما تفيده من التقييد، على أن ما ذكروه أمر لا يلتفت إليه الذهن بنفسه عند تلاوة هذه الآية- كما يقول الإمام المودودي-: "إلا إن وطد الإنسان نفسه مقدما على استحلال ذبيحة لم يذكر عليها اسم الله، فإنه عندئذ يتكلف خلع هذا المعنى على الآية". (1)
__________
(1) ذبائح أهل الكتاب، ص 22(10/192)
ولم يكن منشأ هذا التأويل البعيد إلا ما فهموه من منع العطف بين جملتين لم تتفقا في الخبرية والإنشائية، وهو أساس متداع فإنه- وإن قال جماعة من النحويين بالمنع من هذا العطف- منقوض بالشواهد الكثيرة التي تفيد الجواز، وإن تأول المانعون بعضها فإن غالبها يستعصي على التأويل، منها قوله تعالى: {وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِّلنَّاسِ وَأَمْناً وَاتَّخِذُواْ مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إلى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ} [البقرة: 125] ، فإنَّ "اتخذوا" إنشاء معطوف على "جعلنا"، وهو خبر وعطف عليه خبر آخر وهو "عهدنا"، ومنه قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلاَ تُنكِحُواْ الْمُشِرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُواْ وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} [البقرة: 221] ، وهو كما يظهر للجميع تضمن إنشائين وخبرين، فقد عطفت جملة {وَلأَمَةٌ مُّؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ} [البقرة: 125] وهي خبر ,على جملة {وَلاَ تَنكِحُواْ الْمُشْرِكَاتِ} وهي إنشاء، ثم عطف عليها جملة {وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ} [البقرة: 125] وهي إنشاء، ثم جملة {وَلَعَبْدٌ مُّؤْمِنٌ خَيْرٌ مِّن مُّشْرِكٍ} [البقرة: 125] وهي خبر؛ ومثله قوله تعالى: {وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور: 4] ، فإن اختلاف الجملتين في ذلك واضح، وبهذا الذي قلناه قال جماعة من محققي النحويين، فقد ذكر الحافظ ابن حجر بأن سيبويه ومن تبعه من المحققين يجيزون ذلك ولهم شواهد كثيرة (1) ، ونسب الإمام محمد الطاهر بن عاشور القول بالجواز إلى المحققين (2) ، وممن قال به الإمام المفسر النحوي أبو حيان (3)
وحمل عليه عطف قوله تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ} [البقرة: 25] على قوله: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} [البقرة: 24] ، واستشهد له بقول امرئ القيس:
وإن شفائي عبرة إن سفحتها وهل عند رسم دارس من معول
وقول الشاعر:
تناغي غزالا عند باب ابن عمر وكحل مآقيك الحسان بإثمد
__________
(1) فتح الباري: 9/ 624
(2) التحرير والتنوير: 8/ 41
(3) البحر المحيط: 1/ 111(10/193)
وعزا ابن هشام في المغني (1) والسيوطي في الهمع (2) إجازته إلى الصفار تلميذ ابن عصفور وجماعة، وإن الصفار استدل له بقول الشاعر:
وقائلة خولان فانكح فتاتهم وأكرومة الحيين خلو كما هيا
وأما دعوى أن الآية في الميتة تعويلا على حديث ابن عباس فهي مبنية على الأخذ بخصوص السبب وإلغاء ما يدل عليه عموم اللفظ من شمول الحكم لما هو خارج سببه، وهي مخالفة صريحة لما استقر عليه جمهور الأصوليين والفقهاء من أنه لا عبرة بخصوص السبب مع عموم اللفظ، وفي هذا ما يكفي لدحض هذه الدعوى فضلا عن كون الرواية نفسها غير صحيحة، وذلك من وجوه:
أحدها: أن اليهود لا تستحل الميتة حتى تجادل فيها.
الثاني: أن الآية في سورة الأنعام وهي مكية، والمجادلة بين المسلمين واليهود إنما كانت بالمدينة بعد الهجرة.
الثالث: أن روايات أخرى دلت على أن الذين جادلوا من غير اليهود، فقد أخرج الطبراني من طريق عكرمة عن ابن عباس، رضي الله عنهما، قال: لما نزلت {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ، أرسلت فارس إلى قريش إن خاصموا محمدا وقولوا له: فما تذبح أنت بيدك فهو حلال وما ذبح الله عز وجل بشمشير من ذهب فهو حرام؟ فنزلت الآية {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام:121] وهذه الرواية تدل على أن ما نزل بسبب المجادلة هو آخر الآية، وأن أولها المفيد للمنع نزل قبلها، على أن هذه القصة نفسها بعيدة أيضا، فإن القرآن الكريم إبان نزوله بمكة المكرمة لم يكن صيته يصل إلى بلاد فارس حتى يزعجهم فيكتبوا إلى قريش بهذه المجادلة. وروى الترمذي بلفظ "أتى أناس " ولم يذكر أنهم من اليهود، وكذلك رواه ابن جرير من طرق عن ابن عباس من غير ذكر لليهود، وما من شك أن مع مثل هذا الاضطراب تكون الرواية واهية الحجة.
__________
(1) ابن هشام، مغني اللبيب: 2/ 488
(2) السيوطي، همع الهوامع شرح جمع الجوامع: 2/ 140(10/194)
وأما ما عول عليه أصحاب القول الثاني- وهم الذين فرقوا بين حالتي العمد والنسيان- في إسقاط حكم المنع عما إذا كان ترك الذكر نسيانا من الاستدلال بحديث "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان " وبأن الناسي لا يفسق حتى يقال {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فمدفوع بأن الآية ما جاءت بصيغة النهي عن الذبح بدون ذكر اسم الله، بل جاءت بصيغة النهي عن الأكل مما لم يذكر عليه اسم الله، فإن استيقن أحد أن لحما ما ذبح ولم يذكر عليه اسم الله عمدا أو نسياناً فأقدم على أكله فإنما يقدم على مخالفة نهي عن عمد فيصدق عليه أنه مرتكب لمنهي عنه؛ نعم لو وجد هذا اللحم بيَدِ من تجوز ذبيحته شرعا ولم يكن يعلم أن ذابحه لم يذكر اسم الله عليه فلن يكون عليه حرج إن أكله استصحابًا لأصل الحل فيه، ولا يصدق عليه في هذه الحالة أنه مرتكب لمنهي عنه.
ومن أمعن نظره في هذه الآيات وغيرها وفي الأحاديث الصحيحة التي ذكرنا جانبًا منها لم يخف عليه أن ذكر اسم الله شرط لصحة الذكاة التي يترتب عليها حل اللحم، والشرط لا يسقطه النسيان لأنه يلزم من عدمه العدم، فهو من خطاب الوضع الذي لا يلتفت فيه إلى عمد أو خطأ أو ذكر أو نسيان، أرأيتم الصلاة وشروطها كالطهارة؟ فإنه لو نسي أحد شيئا منها وصلى لم تكن صلاته صحيحة، اللهم إلا إن استمر على نسيانه فإن الناسي معذور، لكنه لو قام إلى صلاته وهو متلبس بحدث أصغر أو أكبر فتذكر قبل دخوله فيها لم يكن له أن يدخل وهو بتلك الحالة، أو بعد الدخول لم يكن له أن يستمر على صلاته، فإن خالف كان مؤاخذا بعمده لأنه مضيع لفرضه.(10/195)
وليس اشتراط التسمية عند التذكية إلا لحكمة بالغة يجب أن لا تعزب عن المسلم، فإن الحيوان المذكى كائن ذو روح يحب الحياة والراحة ويكره الموت والألم بطبعه، والإقدام على ذبحه إزهاق لروحه وتنغيص لراحته وتفويت لحياته وماله فيها من متع، فلو لم يأذن به الله خالقه ومالكه لكان عدوانا وأي عدوان، إلا أن الله سبحانه الذي له الخلق والأمر، والذي جعل الإنسان خليفة في الأرض وسخر له ما سخر من منافعها ومنافع ما فيها أباح له هذا التصرف فأصبح أمرا مشروعا عندنا يأتيه من بابه ويقدم عليه بإذن من ربه، وليس هذا الذكر المشروع إلا إعلانا منه بأنه ما كان صنيعه هذا اتباعا لهواه وعدوانا على ما خلق الله سبحانه وإنما هو استجابة لداعي الله تعالى الذي يحثه على الانتفاع بالطيبات ويمنعه من تحريمه على نفسه، فالذكر إذن هو الذي يضفي على عمله هذا صفة الشرعية ويصبغه بصبغة التعبد وينأى به عن تبعات الظلم والتعدي ويرفعه إلى درجات القربات، وحسبكم أن الذبح قرنه النبي صلى الله عليه وسلم بالصلاة والقبلة عندما قال: ((من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فهو مسلم)) (1) فلا غرو مع ذلك كله أن أغلظ القرآن حكم ترك التسمية على هذا الأمر التعبدي، فزجر عن أكل ما لم يذكر اسم الله عليه إلى حد إعلان أنه فسق، لأنه بلا ريب خروج عن طاعة من له الطاعة، والفسق أصلا هو الخروج.
__________
(1) رواه البخاري في كتاب الصلاة، باب فضل استقبال القبلة.(10/196)
أما استدلال الذين فرقوا بين حكم العمد والنسيان بحديث ابن عباس رضي الله عنهما "المسلم يكفيه اسمه إن نسي أن يسمي الله حين يذبح، فليذكر اسم الله وليأكله " فجوابه ما قاله الحافظ ابن كثير من أن رفع هذا الحديث خطأ أخطأ فيه مغفل بن عبيد الله الجزري، فقد أخرجه سعيد بن منصور من رواية عمرو بن دينار عن أبي الشعثاء عن عكرمة عن ابن عباس من قوله (1) ولئن ثبت أنه من قول ابن عباس فهو موقوف، والحجة إنما هي في المرفوع دونه، وأما حمل النهي في الآية الكريمة على الكراهة فهو كحمل أحاديث اشتراط التسمية لجواز الأكل على الاستحباب والندب، كل منهما مخالف للأصل بلا دليل، فإن الأصل في النهي التحريم، وفي الأمر الوجوب، إلا مع قيام دلالة مقبولة شرعا على صرفهما عن أصلهما، والأدلة هنا كلها شاهدة على بقاء الأصل كما هو فلا مفر من الأخذ به.
هذا وقد ذكر الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي أنه ذهب بعض العلماء إلى أن ذكر اسم الله لابد منه ولكنه ليس من اللازم أن يكون ذلك عند الذبح بل يجزئ عنه أن يذكره عند الأكل، فإنه إذا سمي عند الأكل على ما يأكله لم يكن آكلًا ما لم يذكر اسم الله عليه (2) ، وذكر استدلال أصحاب هذا القول بحديث عائشة، رضي الله عنها، ((أن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللحم الذي يأتيهم ولا يدرون أذكر اسم الله عليه أم لا فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يسموا الله هم ويأكلوا.)) وقد سبق بيان المحمل الصحيح لهذا الحديث فلا داعي إلى إعادة القول فيه، ولم يبين الشيخ القرضاوي أحدا من هؤلاء العلماء الذين ذهبوا هذا المذهب.
__________
(1) ابن كثير، تفسير القران العظيم: 2/ 73
(2) الحلال والحرام في الإسلام، ص 53(10/197)
وقد كان استقر في نفسي منذ عقود من السنين أن هذا هو رأي الإمام ابن عبد البر، وذلك بسبب قراءتي لما نقله عنه الإمام القرطبي في تفسيره، إلا أني بعد إطلاعي على نص ما قاله ابن عبد البر في الاستذكار والمقارنة بينه وبين ما نقله عنه القرطبي اتضح لي أن القرطبي لم ينقل عبارته كاملة وإنما اقتضبها، فلذلك يتوهم من اطلع على النقل أن ابن عبد البر يرى حمل مشروعية التسمية في الآية على حالة الأكل دون الذبح مع أن عبارة ابن عبد البر صريحة بخلاف ذلك، ومما جاء في كلامه: "إنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ليعلمهم أن المسلم لا يظن به ترك التسمية على ذبيحته، ولا يظن به إلا الخير، وأمره محمول على ذلك ما خفي أمره حتى يستبين فيه غيره " (1) ، وهذا هو الذي نقله أيضا الحافظ ابن حجر عنه في الفتح (2) ، وقد اتضح من هذا التأويل الصحيح للحديث أن التسمية المطلوبة فيه عند الأكل غير التسمية المطلوبة عند التذكية بقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] ونحوه، وهو مما يتبادر للذهن من أول لحظة، فإنه من المعلوم أن قوله: {لاَ تَأْكُلُواْ} [الأنعام: 121] نهي، والنهي حكمه مستقبلي إذ" لا" الناهية تخلص المضارع للاستقبال، وقوله: {لَمْ يُذْكَرِ} [الأنعام: 121] نفي للذكر فيما مضى فإن المضارع تنصرف دلالته إلى الماضي عندما تدخل عليه "لم " الجازمة، ومثله قوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] فإنه أمر بالأكل ودلالة الأمر مستقبلية، وقوله: {ذُكِرَ اسْمُ اللهِ} [الأنعام: 118] دال على أن الذكر واقع بالمأمور بأكله قبل حالة الأكل، ولا حالة أنسب بذلك من حالة التذكية، وقد نص عليها القرآن في قوله عز وجل: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] ، ونصت عليها الأحاديث التي ناطت إباحة الأكل بوقوع التسمية عند الذبح والصيد.
***
__________
(1) الاستذكار: 15/ 214
(2) فتح الباري: 9/ 636(10/198)
خاتمة في الفرق بين التذكية الشرعية والطرق الحديثة في إزهاق الروح
إن المقارنة بين هذه التذكية المشروعة وبين ما يجرى في بلاد الغرب أو الشرق من إزهاق روح الحيوان بالطرق القديمة أو الحديثة متعذرة لبعد ما بينهما، فإن الحق والباطل لا يلزان في قرن، وشتان بين ما كان تعبدا ربانيا وما كان عادة بشرية مستمدة من إيحاءات نفوس شيطانية وأفكار مأفونة وفطر منحرفة عن سواء السبيل، على أن تلك الطرق التي يتبعونها في ذلك لا تزال امتدادا للتقاليد الوثنية التي كانت متبعة في عهود الرومان قبل اعتناق الإمبراطور قسطنطين للنصرانية (1)
ولئن كانت تطورت شكلياً بتطور وسائلها الحديثة فإن آثارها واحدة، فقد كانوا يستخدمون البلطة والمطرقة والمرزبة لتهشيم رأس الحيوان قبل ذبحه، وكثيرا ما يؤدي بها ذلك إلى الموت من غير ذبح، كما كانوا يستخدمون المنفاخ الآلي بعد خرق حائط صدر الحيوان بين الضلعين الرابع والخامس إلى أن يختنق الحيوان بضغط الهواء على الرئتين؛ ولم يتركوا هذه الطرق إلا إلى مثيلاتها كاستعمال مسدس الطلقة المسترجعة وذلك بتوجيه طلقة إلى جمجمة الحيوان ونسيج مخه من أجل تدويخه، وهو مما قد يؤدي إلى موت الحيوان قبل الذبح، وقد لا يصلون بذلك إلى غرضهم من إفقاد الحيوان إحساسه فيستعينون بإدخال سلك فولاذي عدة مرات في الثقب الذي أحدثه المسدس في الجمجمة؛ أو استخدام التدويخ الكهربائي الذي شاع في دول متعددة ونص عليه القانون البريطاني في عام 1958 م، أو التخدير بثاني أكسيد الكربون، وهي طريقة تعود أولى تجاربها إلى عام 1904 م؛ إلا أن إدخالها في عالم صناعة اللحوم تمت في عام1950م، في أحد مصانع اللحوم المحلية بأمريكا، ثم انتقلت إلى الدانمارك، ثم شملت معظم الدول الأوروبية.
__________
(1) العبادي، الذبائح في الشريعة الإسلامية، ص 64؛ محمد بن عبد الغفار الشريف، الأطعمة المستوردة، ص 64(10/199)
وهذه الطرق كلها بعيدة عن الذكاة الشرعية وما فيها من خصائص الرحمة والرفق والشعور بالمسؤولية أمام الله ولا حاجة بنا في هذه العجالة إلى بحث ما في استخدام الطرق القديمة من مضار وإنما يكفينا أن نلم إلمامة خاطفة بالطرق المستحدثة.
فأولاها: وهي طريقة استخدام مسدس الطلقة المسترجعة، فتنتج عنها حالة باللحم تسمى بالتبقع الدموي، وهي نقط نزيفية أو بقع أو خطوط في أجزاء مختلفة من أعضاء الذبيحة.
أما الطريقة الثانية: وهي التدويخ الكهربائي، فإن عدم الدقة والإتقان في استخدامها يؤدي إلى نتيجة سلبية حتما، فعندما ينخفض التيار يشل الحيوان شللا تاما مع بقاء وعيه، وتسمى هذه بالصدمة الضائعة، وعندما يزداد- التيار- يصاب الحيوان بالسكتة القلبية القاتلة، وقد عدل عن استخدام هذه الطريقة في الطيور والدواجن منذ عام1970 بإمرارها في حمام مائي مكهرب ليجتمع لها الغرق والصعق؛ على أن التدويخ الكهربائي في جميع أحواله يؤدي إلى إسراع التعفن في اللحم.
قال الدكتور عبد الله عبد الرحيم العبادي: إن دارسي علم وظائف الأعضاء "الفسيولوجي " يقدرون أن الذبح يحدث صدمة نزيفية بها يجتذب كل الدم السائل إلى دورة الدم ويهرب من خلال العروق المقطوعة، بينما يحدث العكس عندما تدوخ الحيوانات أولا، فالتدويخ بالإضافة إلى كونه مؤلما فهو طريقة أقل كفاية من النزيف (الإدماء) ، ففي التدويخ لا يمكن إدماء الحيوان إذا لم يوضع تحت التحكم، وفي ذلك الحين يمكن أن يكون الحيوان ميتا (توقف قلبه بسبب الصدمة) ولا يكون جدوى من نزيف حينئذ؛ والتدويخ قد يكون أكثر رفقا من طرق القتل الجماعي التي وجدت في الماضي في الغرب، لكنه ليس أكثر رفقا من الذبح، ففي الذبح ينتج نزيف شديد مع أول قطع، وفائدته أن الحيوان ينزف منذ أول قطع حتى يتوقف قلبه، وبالتدويخ يطول وقت النزيف وأحيانا عدم وجود وقت للنزيف، فإن التدويخ قبل النزيف له عيب هو أن يحدث صدمة عصبية، وهي حالة يغادر فيها الدم الدورة (1)
__________
(1) الذبائح في الشريعة الإسلامية، ص 66(10/200)
وقال أيضًا: والحقيقة التي لا يمكن إنكارها والتي نخرج بها من تاريخ المدوخات الآلية هي أنه بعد أكثر من نصف قرن من التجارب لا يوجد مدوخ واحد استخدامه مأمون (1)
وأما الطريقة الثالثة: وهي التخدير بثاني أكسيد الكربون، فمن أشهر عيوبها أنها تؤدي إلى سرعة فساد اللحم، كما قد تؤدي إلى اختناق الحيوان وموته لعدم التحكم في كمية الغاز.
هذا ومن المعلوم أن الذبح بالآلات الكهربائية يفتقد فيه عنصر التعبد اللازم في الذكاة الشرعية؛ لأنه يؤدي إلى حصد ما لا يحصر من الحيوانات بطريقة آلية من غير أن يكون لأحد توجه بالقصد إلى تذكية شيء منها بعينه، وقد عرفنا مما تقدم أن الذكاة الشرعية تتوقف على النية.
هذا ويتميز الذبح في الإسلام بالعديد من المزايا:
ا- أنه طريقة لإدماء الحيوان، فهو أقل ألماً وأشبه بإدماء المتبرع بالدم، بعكس غيره فإن الحيوان يدمى حتى الموت.
2- أنه يؤدي إلى سرعة موت الحيوان ويعجل بإخراج روحه نتيجة النزيف الشديد الناتج عن فري الأوداج.
3- أنه أشبه بالتخدير، أي حالة إفقاد الشعور بالألم، بخلاف التدويخ- إفقاد الوعي بضربة أو صدمة- وهو الشكل البدائي الذي تخلى عنه الإنسان منذ سنين.
4- أنه طريقة صحية إنسانية تمدنا بلحم خال من الدم، فهو صحي ولذيذ (2) .
__________
(1) الذبائح في الشريعة الإسلامية، ص 66
(2) يراجع في هذا بتوسع ما كتبه د. العبادي في كتابه (الذبائح في الشريعة الإسلامية) ، ص 64- 70؛ وما كتبه موثقًا بالصور الأستاذ محمد بن عبد الغفار الشريف في رسالته (الأطعمة المستوردة: طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها) ، ص 64- 76(10/201)
المحور الثاني
حكم ما جهل إسلام ذابحه مما حل أكل لحمه
لا يخلو المجتمع الذي تجهل فيه هوية ذابح اللحم، إما أن يكون مجتمعاً إسلاميا أو كتابيا أو يكون مجتمعا آخر كالمجتمعات الإلحادية والوثنية، فإن كان من النوع الأخير فالتحريم فيه ظاهر؛ لأنه مجتمع ليس له دين تستباح به ذبيحته، وإن وجد في أوساطه مسلم أو كتابي فهو كالشاذ الذي لا يعتد به ما لم يتيقن أنه هو الذي تولى التذكية.
وإن كان مجتمعا إسلامياً فإن الأصل فيما يوجد بينه الحل ما لم يشتبه في حرمته، والأصل في ذلك ما أخرجه البخاري من حديث عائشة رضي الله تعالى عنها: أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: ((سموا وكلوا)) ، وقد سبق نقل ما قاله الحافظ ابن حجر أنه يستفاد منه أن كل ما يوجد في أسواق المسلمين محمول على الصحة (1) وإليه يومئ كلام الحافظ ابن عبد البر، وقد تقدم ونص عليه كثيرون ومنهم الإمام المودودي الذي سبق نقل كلامه.
__________
(1) فتح الباري: 9/ 635(10/202)
ومثله حكم المجتمع الكتابي الذي لم ينغمس في الإباحية والإلحاد، كما يدل عليه حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه عند الشيخين قال: ((دلي جراب من شحم من قصر خيبر فدنوت لآخذه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم إلي)) فإنه بالقطع لم يكن معلوماً عين من ذبحه، ولكن بما أنه بين اليهود الكتابيين عد في حكم ما ذبحه أهل الكتاب، وفي هذا تيسير للناس إذ الحكم إنما هو للأكثر الغالب؛ ولكن الإمام النووى نص على خلافه، حيث قال: "لو وجدنا شاة مذبوحة ولم ندر من ذبحها، فإن كان في بلد فيه من لا تحل ذكاته كالمجوس، لم تحل سواء تمحضوا أو كانوا مختلطين بالمسلمين؛ للشك في الذكاة المبيحة والأصل التحريم، وإن لم يكن فيه أحد منهم حلت " (1) .
ويستفاد منه أن وجود واحد من هذا الصنف في مجتمع أغلبه مسلمون أوكتابيون كاف في تحريم ما لم يعرف ذابحه، ولا يخفى ما فيه من التشديد، وهو يؤدي إلى حرج عظيم، وإن كان مبنيا على الأصل وهو حرمة اللحوم ما لم تثبت تذكيتها ,إلا أن هذا الأصل مدفوع بأصل آخر، وهو أن ما وجد في بلاد الإسلام محمول على موافقة الشريعة الإسلامية.
على أن الأخذ بما ذهب إليه النووي يؤدي إلى تحريم أن يتزوج أحد في بلد له فيها محارم مجهولة بالنسب أو الصهر أو الرضاع، ما لم يتيقن أن التي تزوجها ليست من محارمه، فإن الأبضاع الأصل فيها الحرمة ما لم يثبت حلها؛ إلا أننا نجد من العلماء من نص على أن جهل النسب لا يؤدي إلى حرمة الزواج ما لم يتبين موجبها, (2) وهو الأيسر والأرفق بالناس.
__________
(1) المجموع: 9/ 80؛ وما يقرب منه ما في حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل: 3/ 9، 10، ط دار الفكر، إلا أنه حمل ذلك على الورع
(2) السالمي، مشارق الأنوار، ص 120- 121(10/203)
المحور الثالث:
حكم اللحوم المستوردة
لا يخلو اللحم المستورد إما أن يستورد من بلاد الإسلام أو غيرها، فإن كان استيراده من بلاد الإسلام، فلا شبهة في حله لأن الأصل فيما كان عند المسلم الحل، وأعمالهم محمولة على موافقة الشريعة إلا إن ثبت خلافها، وهذا هو عين ما دل عليه حديث عائشة رضي الله عنها السالف الذكر في ذبائح الأعراب، وإن كان استيراده من غير بلاد الإسلام فإن كان من بلاد غير كتابية كبلدان الهندوس والملاحدة وسائر الوثنيين؛ فلا خلاف في أن حكمه الحرمة، لأنه معدود في ذبائحهم المحرمة فهو ميتة قطعا، وإن كان من بلاد كتابية وعرف أن الذبح من قبل أهل الكتاب أنفسهم مع محافظتهم على طرق الذكاة الشرعية، وكان من لحوم البهائم المحللة فهو أيضا حلال، لأنه داخل في طعام أهل الكتاب الذي أحله الله لنا.
أما إن كان القطر الذي استورد منه اللحم يرفع شعار الانتساب إلى أهل الكتاب من أجل مصلحة سياسية، أو أغراض دنيوية مع انغماسه في الإباحية والإلحاد بسبب تلاشي العقيدة الدينية في نفوس أبنائه، كما هو الشأن في بلاد الغرب اليوم؛ فالواجب تمحيص مسألة اللحوم المستوردة منه والوقوف عندها طويلا من أجل استظهار الحق، ويزيد ذلك تأكيدا ما عرف عنهم من أنهم يتبعون في الذبائح طرقا غير مشروعة في الدين، بل هي أقرب إلى أن تكون قتلًا للحيوان.(10/204)
وإذا جئنا إلى ما قاله العلماء المعاصرون نجدهم في ذلك مختلفين إلى ثلاثة اتجاهات:
الاتجاه الأول: اتجاه من أباح أكل هذه اللحوم على علاتها نظرا إلى ما يوجد في تلك الأقطار التي تستورد منها من الكنائس التي هي رمز التدين عندهم وما فيها من الرهبان والقسيسين وسائر طبقات رجال الدين الذين ترجع إليهم قضايا الدين في تلك الشعوب مع الاستناد إلى عموم قول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، وممن نحا هذا المنحى الإمام محمد عبده في الفتوى الترنسفاليه التي أحدثت ضجة كبرى في مصر وغيرها، وتابعه على ذلك تلميذه العلامة السيد محمد رشيد رضا في تفسير المنار وفي فتاواه، ووافقهما جماعة من أهل العلم منهم: العلامة الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، والشيخ الإمام إبراهيم بن عمر بيوض في بعض فتاواه، والشيخ العلامة عبد الرحمن بن عمر بكلي (1) ، وبه كان يفتي شيخنا إبراهيم بن سعيد العبري، وبه أخذ الدكتور يوسف القرضاوي (2) , واستأنس جماعة من هؤلاء بقول ابن العربي: "ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها هل يؤكل معه أو تؤخذ طعامًا منه؟ فقلت: تؤكل؟ لأنها طعامه وطعام أحباره، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا إلا ما كذبهم الله سبحانه فيه، ولقد قال علماؤنا أنهم يعطوننا أولادهم ونساءهم ملكًا في الصلح، فيحل لنا وطؤهن، فكيف لا تحل ذبائحهن، والأكل دون الوطء في الحل والحرمة" (3)
__________
(1) انظر تفسير المنار: 6/ 199- 219؛ وفتاوى الإمام الشيخ بيوض، ص 567- 569؛ وفتاوى البكري: 1/ 78- 89، 108، 109؛ وفصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، ص 8، 9، وما بعد ذلك إلى صفحة 29؛ ورسالة الأطعمة المستوردة طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها، للأستاذ محمد بن عبد الغفار الشريف، ص 98
(2) الحلال والحرام في الإسلام، ص 54-58
(3) أحكام القرآن: 2/ 556؛ وانظر تفسير المنار: 6/ 203، 204؛ وفصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب، ص 90 والحلال والحرام في الإسلام، ص 56(10/205)
الاتجاه الثاني: اتجاه من أباحها مع مراعاة الضوابط الشرعية التي تحل بها الذبيحة، منها أن يكون الذابح يهوديا أو نصرانياً وأن يكون ذبحه إياها في رقبتها أو نحرا في لبتها حال كونها حية، وأن يذكر اسم الله عليها على رأي من يشترط في صحة الذكاة، وأن لا يذكر عليها غير اسمه تعالى، وأن لا تكون موقوذة بإطلاق مسدس عليها أو تسليط تيار كهربائي إلى أن تموت، وهو الذي نصت عليه الفتوى رقم (1216) الصادرة عن اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء في الرياض بالمملكة العربية السعودية بتاريخ 20/ 3/ 1396 هـ، ومثله جاء في الفتوى رقم 56/ 82 الصادرة عن لجنة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية بتاريخ 17 جمادى الآخرة 1402 هـ، وهو قول جماعة من العلماء (1)
الاتجاه الثالث: اتجاه من تشدد في هذه اللحوم وعدها في حكم الميتة المحرمة بالنص، وأفتى بحرمة الاتجار فيها كحرمة أكلها، وهو قول طائفة كبيرة من أهل العلم منهم الإمام المودودي (2) , والعلامة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد (3) ، وعزي إلى كل من الشيخ محمد الخضر حسين الذي كان شيخًا للأزهر، والشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد، والدكتور عبد الله عزام، والشيخ صالح علي العود، والشيخ عبد الله علي الغضية، والشيخ عبد اللطيف مشتهري، والدكتور محمد حميد الله، والدكتور عمر الأشقر، والدكتور محمد بن عبد الكريم، وهو الذي اعتمده المجلس الأعلى العالمي للمساجد في مكة المكرمة في دورته الرابعة (4) ، وهو الذي جزم به شيخنا العلامة أبو إسحاق اطفيش في تعليقه على جوهر النظام (5) ؛ وقد استند هؤلاء إلى أمور:
__________
(1) انظر في ذلك الأطعمة المستوردة- طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها، للأستاذ محمد بن عبد الغفار الشريف، ص 79، 80
(2) تراجع في ذلك رسالته القيمة (ذبائح أهل الكتاب)
(3) حكم اللحوم المستوردة وذبائح أهل الكتاب وغيرهم، ص 53
(4) تراجع في ذلك رسالة الأطعمة المستوردة- طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها، للأستاذ محمد بن عبد الغفار الشريف، ص 83
(5) جوهر النظام: 2/ 174، 175(10/206)
أ- أن معظم شعوب هذه الدول قد تخلت في العصر الحديث عن الدين، ولم يبق له عندهم أي سلطان على حياة الناس العقدية والعملية، وإنما بقيت المحافظة على الكنائس في تلك الدول مظهرا لا أثر له في الفكر ولا في السلوك، ولم تعد الكنائس قادرة على مواجهة التيار الإلحادي الهادر، الذي يأتي على كل أثر من آثار التدين، وقد يكون استبقاء هذه الكنائس لأغراض سياسية، فإنها من وسائل نفوذهم في الشعوب التي يسعون إلى غزوها بأفكارهم وتخديرها بمكرهم.
وهذا هو الذي سجله الكتاب الأوروبيون بأقلامهم؛ ودونكم شهادة شاهد من أنفسهم، يقول الأستاذ (جود) - الذي كان رئيس قسم الفلسفة وعلم النفس في جامعة لندن -: "سألت عشرين طالبا وتلميذة كلهم في أوائل العقد الثاني من أعمارهم: كم منهم مسيحي بأي معنى من معاني الكلمة؟ فلم يجب بنعم إلا ثلاثة فقط، وقال سبعة منهم: إنهم لم يفكروا في هذه المسألة أبدا، أما العشرة الباقية فقد صرحوا أنهم معادون للمسيحية. ويضيف إلى ذلك الأستاذ جود قوله: أنا أرى أن هذه النسبة بين من يؤمن بالمسيحية ويدين بها، وبين من لا يؤمن في هذه البلاد ليست شاذة ولا غريبة، نعم إذا وجه هذا السؤال إلى مثل هذه الجماعة قبل خمسين سنة أو عشرين كانت الأجوبة مختلفة". (1) ، هذه شهادة من أحد أبناء جلدتهم، وهو غير خارج عن ملتهم ولا مفارق لهم في بيئتهم، وقد قرر في كلامه أن هذه الأجوبة من أولئك التلاميذ إنما كانت ناشئة من حال مجتمعهم، ولم تكن مجرد تصرف صبياني، كيف وهو يقول بأن هذه النسبة في تلك البلاد ليس شاذة ولا غريبة.
__________
(1) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، للأستاذ أبي الحسن الندوي، ص 200- 201، نقلا عن الأستاذ جود في كتابه Guide to modern wickedness (p 114-115)(10/207)
وهاكم شهادة عادلة من رجل نشأ في هذه البيئة المتعفنة ثم هداه الله للإسلام، وهو الأستاذ (محمد أسد) الألماني الذي يقول: "لا شك أنه لا يزال في الغرب أفراد يعيشون ويفكرون على أسلوب ديني، ويبذلون جهدهم في تطبيق عقائدهم بروح حضارتهم، ولكنهم شواذ؛ إن الرجل العادي في أوروبا ديمقراطيا كان أو فاشيا، رأسماليا كان أو اشتراكيا، عاملا باليد أو رجلا فكريا؛ إنما يعرف ديناً واحدا، وهو عبادة الرقي المادي والاعتقاد بأنه لا غاية في الحياة غير أن يجعلها الإنسان أسهل، وبالتعبير الدارج: حرة مطلقة من قيود الطبيعة؛ أما كنائس هذا الدين فهي: المصانع الضخمة، ودور السينما، والمختبرات الكيماوية، ودور الرقص، ومراكز توليد الكهرباء؛ وأما كهنتها فهم: رؤساء الصيارف، والمهندسون، والممثلات، وكواكب السينما، وأقطاب التجارة والصناعة، والطيارون والمبرزون الذين يضربون رقماً قياسياً". (1) .
وفي هذا يقول المفكر الإسلامي الكبير الشيخ أبو الحسن الندوي: "وعلى كل حال فقد وقع المحذور وانصرف اتجاه الغرب إلى المادية بكل معانيها وبكل ما تتضمنه هذه الكلمة من عقيدة ووجهة نظر ونفسية وعقلية وأخلاق واجتماع وعلم وأدب وسياسة وحكم، وكان ذلك تدريجيا وكان أولا ببطء وعلى مهل، ولكن بقوة وعزيمة، فقام علماء الفلسفة والعلوم الطبيعية ينظرون في الكون نظرًا مؤسسًا على أنه لا خالق ولا مدبر ولا آمر، وليس هناك قوة وراء الطبيعة والمادة تتصرف في هذا العالم وتحكم عليه وتدبر شؤونه، وصاروا يفسرون هذا العالم الطبيعي ويعللون ظواهره وآثاره بطريق ميكانيكي بحت، وسموا هذا نظرا علميًا مجردا، وسموا كل بحث وفكر يعتقد بوجود آلة ويؤمن به طريقا تقليديًا لا يقوم عندهم على أساس العلم والحكمة، واستهزؤوا به واتخذوه سِخريا، ثم انتهى بهم طريقهم الذي اختاروه وبحثهم ونظرهم إلى أنهم جحدوا كل شيء وراء الحركة والمادة، وأبوا الإيمان بكل ما يأتي تحت الحس والاختبار ولا يدخل تحت الوزن والعد والمساحة، فأصبح بحكم الطبيعة وبطريق اللزوم الإيمان بالله وبما وراء الطبيعة من قبيل المفروضات التي لا يؤيدها العقل ولا يشهد بها العلم ".
__________
(1) المرجع السابق نقلا عن Islam At Cross Roades , P 50 fifth Edition(10/208)
ثم يقول: "إنهم لم يجحدوا بالله إلى زمن طويل، ولم يجحدوا به كلهم، ولكن منهج التفكير الذي اختاروه والموقف الذي اتخذوه في البحث والنظر لم يكن ليتفق والدين الذي يقوم على الإيمان بالغيب وأساسه الوحي والنبوة ودعوته ولهجه بالحياة الآخروية، ولا شيء من ذلك يدخل تحت الحس والاختبار ويصدقه الوزن والعد والمساحة، فلم يزالوا يزدادون كل يوم شكًّا في العقائد الدينية، ولكن رجال النهضة الأوروبية ظلوا قرونا يجمعون بين النظر المادي الجاحد والحياة المادية والطقوس الدينية المسيحية بالتقليد أو بتأثير المحيط الذي لايزال في العالم النصراني أو بمصالح خلقية واجتماعية كانت تقتضي البقاء ولو بالاسم على نظام ديني يؤلف بين أفراد الأمة ويحفظها من الفوضى، حتى افتضحوا في الأخير وصعب الجمع بينهما بسرعة سير الحضارة المادية وتخلف الدين والتقاليد وعجزها عن مسايرتها وما في الجمع بينهما من متاعب وضياع للوقت، وتكلفهم لما هم في غنى عنه، فطرحوا الحشمة ورموا برقع النفاق، ونهض الكتاب والمؤلفون والأدباء والمعلمون والاجتماعيون والسياسيون في كل ناحية من نواحي أوروبا ينفخون صور المادية وينفثون بأقلامهم سمومها في عقل الجمهور وقلبه، ويفسرون الأخلاق تفسيرا ماديًا، تارة ينشرون الفلسفة النفعية، وطورًا فلسفة اللذة الأبيقورية (1)
__________
(1) ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص196، 197؛ ويراجع بتوسع المرجع نفسه، ص 194-212(10/209)
ومع هذا الطغيان المادي لا يمكن أن تبقى القيم الدينية عند جمهور الشعوب، ولئن كان هناك من يتردد بينهم على الكنائس، فإن ذلك لم يكن بباعث من عقيدة، وإنما هو لأغراض نفعية، على أن هؤلاء يتناقصون باستمرار، فقد كان عدد المحافظين على صلاتهم الأسبوعية في فرنسا عام 1967 م يبلغ 21 % من مجموع الشعب الفرنسي، وبلغت هذه النسبة بعد عشر سنوات 19 %، وقد حمل هذا الوضع بعضهم على وصف البلاد الغربية بأنها مرحلة ما بعد النصرانية (1) .
ب- أن ذبائح الغربيين اليوم لا تخرج عن كونها موقوذة أو منخنقة، وقد نص على تحريمها في القرآن، وذلك أنه تواتر اليوم أن هذه الدول تقتل إما بواسطة الصعق الكهربائي أو بالمسدس أو بالبلطة أو بالغازات، وهذا ما نقله الثقات الذين زاروا مسالخ هذه الدول، ورأوا بأم أعينهم ما تقشعر منه الجلود من ارتكاب المخالفات التي لا يقرها الدين في إزهاق روح الحيوان (2) .
__________
(1) محمد بن عبد الغفار الشريف- الأطعمة المستوردة (طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها) ، نقلا عن مجلة المعرفة التونسية، العدد 3، سنة 1979 م
(2) انظر رقم 3 في التعليقات على رسالة الأطعمة المستوردة (طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها) ، ص 81(10/210)
ج- أنه ثبت بالعيان تزوير الشهادات التي تلصق بغلف هذه اللحوم من أجل خداع الناس بأنها مذكاة على الطريقة الإسلامية، فقد جاء في رسالة موجهة من رئيس بلدية دولة الكويت الشقيقة إلى وزير الأوقاف الكويتي بتاريخ 24 محرم 1399 هـ ما نصه: "نود إفادتكم أن مسؤولين من المسلخ المركزي قاموا بزيارة إلى كل من بلغاريا ورومانيا، وزاروا المسالخ في هذين البلدين للتحري عن مدى التزامها بطريقة الذبح، خاصة وأن المستوردين يقدمون شهادات من مفتي المسلمين تفيد بأن الذبح تم بحسب الشريعة الإسلامية، وعاد الوفد المذكور باقتناع تام، وهو أن الذبح يتم بطريقة لا تتمشى مع الشريعة الإسلامية، وأن الشهادات ما هي إلا شكلية". (1)
وكثير من الناس اشتروا دجاجًا كتب على غلافه مذبوح على الطريقة الإسلامية، وإذا به لا أثر به للذبح قط، وإنما هو مخنوق ولم يقطع جلده، فضلا عما يجب قطعه في الذبح، وقد جاء أحد هؤلاء إلي، وأراني الدجاجة وغلافها والشهادة المطبوعة عليه.
__________
(1) انظر رقم 3 في التعليقات على رسالة الأطعمة المستوردة (طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها) ، ص82(10/211)
د- أن الأغنام والأبقار تذبح في بلاد الغرب مع الخنازير، فتختلط لحومها، والخلطة في مثل هذه الحالة تؤدي إلى الحرمة، لتعذر التمييز معها بين الحلال والحرام.
هـ- أنه ثبت في تعاملهم الغش، فقد نقل عدد من الناس أنهم رأوا أسماكًا معلبة مكتوبا عليها (ذبح على الطريقة الإسلامية) (1) على أن هذا الغش قد يكون حتى من المستوردين في بلاد الإسلام، فقد قال الدكتور عبد الله عزام: في عمان اكتشفت أمانة العاصمة قبل سنوات عند شركة ملصقات كثيرة مكتوب عليها (مذبوح على الطريقة الإسلامية) حتى تلصقها على علب اللحوم فور وصولها، ولقد جاء إلى وزارة الأوقاف الأردنية- وأنا فيها- علبة لحم مكتوب عليها (مذبوح على الطريقة الإسلامية لحم بقر صاف 100 %) ، وفي الجهة المقابلة باللغة الألمانية أنها تحتوي على نسبة من شحم الخنزير. (2)
__________
(1) انظر رقم 3 في التعليقات على رسالة الأطعمة المستوردة (طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها) ، نقلا عن الاعتصام، محرم 1401 هـ؛ والمجتمع، العدد 542
(2) انظر رقم 3 في التعليقات على رسالة الأطعمة المستوردة (طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها) ، ص 82 نقلاً عن مجلة المجتمع العدد 542(10/212)
وبعد هذه الجولة بين منحنيات هذه الحقائق لا يبقى ريب لمرتاب أن القول الثالث هو أقوم قيلًا وأصح دليلا، على أن القول الثاني يعود إليه- كما ذكر الأستاذ الشريف في رسالته- لانعدام تلك الضوابط التي وضعها أصحاب هذا القول في اللحوم المستوردة من بلاد الغرب، وعليه فالخلاف بين القولين لا يعدو أن يكون لفظيا، وإنما الخلاف بينهما وبين القول الأول الذي يبيح هذه اللحوم من غير مراعاة شيء من تلك الضوابط، ويستند إلى عموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وهو استدلال في منتهى البعد، وذلك يتضح بالنظر إلى هذه الأمور:
أولها: أنه لا يكفي في إعطاء أحد حكم أهل الكتاب إلا إن كان على عقيدة تقوم على الإيمان بكتابه، وأنى ذلك في أمة فقد سوادها الأعظم هذا الإيمان، واستولى عليها الإلحاد وتفشت فيها الإباحية- كما تقدم- ولا يغني عنهم انتسابهم إلى أصول تؤمن بالكتاب شيئا، فإن الرجل الذي كان نفسه على الإسلام وولد من أبوين مسلمين مؤمنين قانتين إن ارتد عن إسلامه - والعياذ بالله- لم يغن عنه كل ذلك شيئا، ولم يعط أحكام المسلمين في إباحة أكل ذبيحته ولا غيرها، وما الفارق في ذلك بين المسلم والكتابي؟
ثانيها: أن قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] جاء إثر تحريم طائفة من الحيوان منها المنخنقة والموقوذة، فكيف يمكن أن يكون دليلا على إباحة المخنوق والموقوذ إن كانا على يد كتابي، مع أنهما حرام بالقطع إن كان الواقذ أو الخانق مسلما؟ وهو مما يترتب عليه كون الكتابي أكرم على الله من المسلم، لأنه أباح على يديه ما لم يبحه على يدي المسلم، ويأبى الله ذلك، فإن الإسلام يعلو ولا يعلى عليه.
ثالثها: أن يلزم هؤلاء أن يحلوا بهذا لحم الخنزير إن كان على مائدة كتابي لأنه من طعامهم الذي استحلوه بهوى أنفسهم كما استحلوا المنخنقة والموقوذة وغيرهما، ولا فرق بين الصورتين، فإن تحريم المنخنقة والموقوذة جاء في نسق واحد مع تحريم الخنزير ومع تحريم الميتة والدم.
رابعها: أن الآية الكريمة مصدرة بإباحة الطيبات، ولا يقول عاقل أتاه الله رشدا: إن المنخنقة والموقوذة وغيرهما مما حرمه الله عليه تعد من جنس الطيبات، وهل يطيبها أن يكون الواقذ أو الخانق من جنس الكفار الذين رفضوا الاستجابة لدعوة كتابهم إلى الإيمان بخاتم الرسل عليه أفضل الصلاة والسلام، الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل؛ وهذه مغالطة للحقيقة ليس أبعد منها مغالطة، فكيف يكون الشيء الواحد خبيثا إن كان على يد المسلم وطيبا إن كان على يد غيره؟(10/213)
وقد استدل بعض أصحاب هذا القول لما ذهبوا إليه بحديث عائشة رضي الله عنها في ذبائح الأعراب، وهو استدلال منتقض من أساسه، فإن أولئك الأعراب ما كانوا على ملة غير الإسلام، ولا ثبت أنهم يرتكبون مخالفات للشريعة في ذبحهم، وإنما وقع في نفوس بعض الناس شكٌّ في تسميتهم على الذبح لحداثة عهدهم بالكفر، فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يفيدهم أن أعمال المسلم- وإن كان جديد عهد بالإسلام- محمولة على موافقة الحق ما لم يثبت خلافه له.
وأما ما استأنسوا به من كلام ابن العربي الذي يبيح أكل الدجاجة التي يفتل عنقها النصراني؛ فهو مدفوع بما نص عليه ابن العربي نفسه قبله بسطور معدودة، وهو قوله: "فإن قيل فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس؛ فالجواب أن هذه ميتة وهي حرام بالنص وإن أكلوها فلا نأكلها نحن، كالخنزير فإنه حلال لهم ومن طعامهم، وهو حرام علينا". (1)
فيا ترى هل نترك من كلامه ما وافق الدليل القرآني إلى ما خالفه؟ على أن أي أحد وإن بلغ ذرى المراتب في العلم والفضل لا يحتكم إلى كلامه مع قيام الدليل الشرعي، بل يحكم الشرع في كلامه لقوله تعالى: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} [النساء: 59]
__________
(1) أحكام القران: 2/ 555(10/214)
أما محاولة الجمع بين الكلامين بحمل المنع على غير ما يعتقدونه ذكاة عندهم، والإباحة على ما اعتقدوه تذكية، فهي محاولة فاشلة؛ لأن الصورة واحدة، وهم هم أنفسهم، مع أنه يفيد كلامه أن ذلك يحرم علينا وإن كانوا هم في اعتقادهم له مستحلين، بدليل تمثيله بالخنزير، وقوله بأنه حلال لهم ومن طعامهم وهو حرام علينا.
على أنا لا نسلم أن الخنزير حلال لهم، فإنهم لم يأكلوه استنادا إلى نص كتاب على حله، ولكن بفتوى من أفتاهم بذلك من رهبانهم، ومثله الميتة- ومنها المنخنقة والموقوذة- إذ النصارى لم يبح لهم إلا ما أباحته التوراة إلا ما كان تحريمه في التوراة وقتيا عقوبة لليهود على سوء صنيعهم وشططهم في العناد ومكابرة الحق.
على أنه لو ادعى أحبارهم ورهبانهم حل ذلك لهم لم يصدقوا فيه، كما قال الإمام الرهوني: "كيف يقبل قولهم بعد إخبار الله تعالى عنهم بأنهم حرفوا وبدلوا حسبما أفصحت بذلك الآيات القرآنية والأحاديث النبوية المتواترة- إلى أن قال- على تسليم تصديقهم تسليما جدليا فلا وجه في تصديقهم أن المنخنقة والمسلولة العنق والموقوذة المضروبة في الرأس بشاطور مثلا حلال عندهم، وعدم تصديقهم في أن الميتة والخنزير حلال عندهم، وما فرق به- يعني أبا عبد الله الحفار المنتصر لرأي ابن العربي - من أن الله قد كذبهم في الميتة والخنزير دون المضروبة بشاطور مثلا، وما ذكر معه لا يصح؛ لأنه إن عنى أن الله كذبهم في إخبارهم بحليتها فليس في القرآن ولا الأحاديث شيء من ذلك، وإن عنى أن الله كذبهم بقوله: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} [المائدة: 3] فهذه مصادرة لأن الله قد كذبهم فيما زعم أنهم يصدقون فيه؛ لأنها إما منخنقة أو موقوذة، وقد ذكر الله حرمة كل واحدة منهما في الآية نفسها بقوله عز من قائل: {وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ} [المائدة: 3] ، وقد قال ابن العربي نفسه في الأحكام ما نصه: "وأما قوله والمنخنقة فهي التي تختنق بحبل بقصد أو بغير قصد أو بغير حبل " (1)
__________
(1) حاشية الرهوني على شرح الزرقاني لمختصر خليل: 3/ 12- 13؛ وانظر كلام ابن العربي في المنخنقة في أحكام القران: 2/ 538(10/215)
هذا وأما استدلال ابن العربي لحلية طعام الكتابي مطلقاً بأنهم يعطوننا أولادهم ونساءهم ملكا في الصلح فيحل لنا وطؤهن، فكيف لا تحل ذبائحهم، والأكل دون الوطء في الحل والحرمة، فهو غير مسلم إن كان ذبحهم خنقا أو وقذا؛ لمجيء النص القطعي بحرمة الموقوذة، والمنخنقة فهو قياس في مقابلة النص، على أنه يترتب على قوله أن تباح بسبب ذلك ذبائح المشركين، فإن ماذكروه من حكم الأولاد والنساء لا ينحصر في أهل الكتاب دونهم. وللعلامة الرهوني في رد احتجاج ابن العربي هذا بحث موسع اكتفينا عنه بما ذكرناه، فليرجع إليه من شاء الإطلاع والاستفادة (1) . هذا وللأمانة العلمية لابد من ذكر أن من مشايخنا الذين يجنحون إلى القول بإباحة اللحوم المستوردة من بلاد الغرب من كان يتشدد أحيانا في ذلك في بعض فتاواه، وهو الإمام إبراهيم بن عمر بيوض، فقد جاء في بعض ما أفتى به تقييد هذه الإباحة بكون الذابح من اليهود أصحاب التوراة أو النصارى أصحاب الإنجيل، ويكون الذبح على الطريقة المشروعة عندهم بحسب شريعتهم، وقال في الذبح بواسطة الكهرباء: "إن كانت هي تسليط التيار الكهربائي على الحيوان المراد ذبحه حتى يموت بتأثير التيار، فإن هذا قتل لا ذبح ولا نحر ولا ذكاة، فلا يحل به الحيوان المقتول ". وقال في التخدير: "إن كان قاتلا مميتا فإنه حرام قطعا تحرم به الذبيحة؛ إذ لا يجوز استعمال أي شيء لإزهاق روح الذبيحة أو للتعجيل به غير الذبح الأصلي المشروع أو النحر الأصلي المشروع، كذلك فيما ينحر نحرا كالإبل، ثم تترك الذبيحة على حالها حتى تبرد وتسكن حركتها فيشرع في سلخها (2) .
__________
(1) حاشية الرهوني المذكورة أنفا: 3/ 14- 15
(2) انظر فتاوى الإمام الشيخ بيوض، ص 569- 571(10/216)
وما من ريب أننا نتفق مع القائلين بالإباحة عندما نوقن أن القائم بالذبح من الذين يستمسكون بما عندهم من علم الكتاب ولا يتجاوزون فيه الحدود التي رسمها لهم كتابهم في التذكية، وكان الحيوان المذبوح من جنس ما يباح في الإسلام، مع علمنا اليقيني أن أحكام التذكية لا تختلف فيما بيننا وبينهم، بدليل أن اليهود لا تختلف طرق التذكية عندهم عما هو عندنا، والنصارى متعبدون بإتباع شريعة التوراة كاليهود، إلا في جزئيات قليلة نسخت فيما أنزله الله على عيسى عليه السلام، وهي التي يشير إليها ما يحكيه الله سبحانه وتعالى عنه من قوله: {وَلِأُحِلَّ لَكُم بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران: 50] ، ويعني بذلك ما كان تحريمه موقوتا عقوبة لليهود على ركوبهم متن العناد في مواجهة دعوات أنبيائهم وإصرارهم على الظلم الذي نهوا عنه، ولا تدخل في ذلك المنخنقة ولا الموقوذة.
ومن أجل التزام اليهود بالطريقة الصحيحة في التذكية إلى وقتنا هذا؛ رأينا بعض مشايخنا يوصون التلاميذ الوافدين إلى بلاد الغرب إن لم يجدوا جزارين مسلمين أن لا يشتروا اللحم إلا من الجزارين اليهود، ومن الذين كانوا يحرصون على ذلك شيخنا الإمام أبو إسحاق إبراهيم اطفيش، وقد عمل بذلك نفسه عندما دفعته الظروف إلى السفر إلى نيويورك في عام 1380 هـ، وكتب بذلك رسالة إلى أحد أصدقائه جاء فيها: "منذ حللت بنيويورك كنت آكل السمك وخليطا من الخضر وزيت الزيتون لغاية أربعين يوما، حتى عرفت في المآدب الرسمية بأنني لا آكل إلا السمك، فكانت تلك الأوانس يبادرن إلي بالسمك والسلاطة الخضراء، أنا وسيف الإسلام اليمني دون غيرنا، حتى وجدت مطعما باكستانيا لمسلم اسمه الحاج علي بهجت، وحيث إن القاديانيين يوجدون كثيرا في تلك النواحي خشيت أن يكون منهم، فاستوثقت أنه حنفي المذهب، وأنه يطبخ بلحم الكشير، وأنت تعلم أن ذبيحة الكتابي متى كانت ذكاة شرعية ذكر اسم الله عليها حل لنا أكلها، وهذه حال اليهود المتدينين، ومع الأسف أقول: إنهم لا يزالون على عهدهم هذا أكثر من المسلمين بهذه الربوع- إلى أن قال- ولقد امتاز الإسرائيليون بأمريكا دون سواهم بالانفراد بالذبيحة، وأما النصارى فبالآلة كما عندكم في الحراش، وذلك ميتة قطعا- وهكذا إلى أن قال- على أنني لما استوثقت من الباكستاني أنه يطبخ اللحم الكشير، وهو عندهم الشرعي صرت آكل أحيانا عنده، ولم أضطر والحمد لله إلى زعم أن الضرورات تبيح المحظورات، ولا الأخذ بعموم الآية لأن دعوى العموم باطلة، والحمد لله ". (1)
__________
(1) الشيخ إبراهيم اطفيش في جهاده الإسلامي للدكتور محمد ناصر، ص 193- 194(10/217)
خاتمة في نتائج البحث
بعد هذه الجولة والتنزه في واحات العلم وتفيئ ظلالها الوارفة واقتطاف ثمارها اليانعة والرشف من أنهارها المطردة نقدم بإيجاز أهم نتائجها:
ا- إن كان الحيوان المذكى مقدورا عليه فذكاته إما أن تكون نحرا في اللبة أو ذبحًا في الحلق، والأول في طويل الرقبة كالإبل، والثاني في قصيرها كالغنم، ويجوز في البقر الأمران باتفاق.
2- الذبح المجمع على أجزائه هو قطع الحلقوم والمريء والودجين من قبل مقدمة العنق، وفيما عداه خلاف.
3- يجزئ الذبح عن النحر والعكس في قول الجمهور، وقيل بعدم الأجزاء، لتعين كل واحد منهما بموضعه.
4- التذكية أمر تعبدي، فلا يجزئ عنها غير ما أذن به الشارع، وإن ذهب إلى خلاف ذلك بعض المعاصرين.
5- اختلف في بعض التجاوزات في الذبح هل تؤثر شيئا على حكم الذبيحة أو لا؟ منها خروج الغلصمة إلى جهة البدن، وذلك بعدم وقوع الذبح عليها في منتصفها، ومنها قطع جميع الرأس والنخاع، والذبح من القفا، والتراخي اليسير في الذبح ... كما هو مفصل في البحث.
6- تذكية غير المقدور عليه سواء ما كان أصله وحشيا أو ما كان أهليا فَنَدَّ أن يرمى بما ينهر الدم كالسهم، أو يصطاد بالجوارح كالكلاب، مع النية والقسمية على قول الأكثر، فإن أدرك حيا ذكي ذكاة المقدور عليه، وألا كان ذلك تذكية له، ولا خلاف في ذلك فيما كان أصله وحشيا، وإنما الخلاف فيما كان أهليا فند، وألحق الجمهور بالنَّادِّ ما وقع في بئر أو نحوها فتعذر التوصل إلى تذكيته بالذبح أو النحر.(10/218)
7- يشترط في المذكي أن يكون مسلما أو كتابيا، ولا تجوز ذكاة سواهما من المشركين والملاحدة، واختلف في بعض الشروط كالعقل والبلوغ وعدم محاربة الإسلام.
8- المرتد لا تحل ذبيحته عند الجمهور وإن ارتد إلى النصرانية أو اليهودية.
9- من تهود أو تنصر من العرب حكمه كسائر أهل الكتاب عند الجمهور، ورأى بعض أهل العلم خلاف ذلك.
10- تباح ذبيحة الأعجم عند أكثر العلماء إن فهمت إشارته، وذهب آخرون إلى خلاف ذلك.
11- ذهب جمهور أهل العلم إلى أن ذبيحة المعتدي كالسارق والغاصب لا تحرم، وذهب آخرون إلى حرمتها، وهو الراجح بالأدلة.
12- اختلف فيما حرم على أهل الكتاب أو حرموه على أنفسهم، هل يباح للمسلم إن هم قاموا بالتذكية؟ والصحيح الإباحة.
13- تجوز التذكية بكل ما أنهر الدم ما عدا السن والظفر والعظم.
14- اختلف فيما لم يذكر اسم الله عليه عمدا أو نسيانا هل يحل أكله أو لا؟ والصحيح المنع.
15- الذبح بالطرق الحديثة أو القديمة المخالفة لطريقة الذكاة الشرعية تعد قتلا للحيوان، فلا يحل بها أكله، مع الفارق البين بين الذكاة الشرعية وبينها من حيث إراحة الحيوان وطيب لحمه.
16- ما جهل ذابحه في المجتمعات الإسلامية أو الكتابية المحافظة حلال أكله، وأما في سائر المجتمعات فلا يحل.
17- اللحوم المستوردة من بلاد الإسلام حلال أكلها ما لم يتبين ما يوجب حرمتها، وكذلك ما استورد من أهل الكتاب الملتزمين بالذكاة الشرعية، مع ضمان كونها من جنس ما يجوز أكل لحمه، وما استورد من بلاد المشركين والملاحدة فلا يحل، واختلف العلماء المعاصرون في جواز أكل ما يستورد الآن من بلاد الغرب، والصحيح المنع إلا إن ثبت بما لا يدع مجالا للريب أنه مذكى ذكاة شرعية ممن تجوز ذكاته شرعا، وأنه من جنس الحلال الطيب، ولا عبرة بما يلصق به من شهادات أنه ذبح على الطريقة الإسلامية.
هذا والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أحمد بن حمد الخليلي(10/219)
المراجع
ا- أحكام الذبائح في الإسلام، د. محمد عبد القادر أبو فارس، مكتبة المنار- الزرقاء، الأردن.
2- أحكام القرآن، أبو بكر محمد بن عبد الله ابن العربي، مكتبة دار المعرفة- بيروت، لبنان.
3- الاختيار لتعليل المختار، على الله بن محمود بن الودود الموصلي الحنفي، دار الدعوة.
4- الأطعمة المستوردة، طبيعتها- حكمها- حل مشكلاتها، محمد بن عبد الغفار الشريف، ط 1403 هـ، دار الدعوة- الكويت.
5- الإيضاح، عامر بن علي الشماخي، ط 1394 هـ/ 1974 م، دار الفكر.
6- البحر الرائق، زين الدين بن نجيم الحنفي، دار المعرفة- بيروت، لبنان.
7- البحر المحيط، ابن حيان.
8- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، أبو بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، الناشر: زكريا علي يوسف- مصر.
9- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي.(10/220)
10- بيان الشرع، محمد بن إبراهيم الكندي، ط 1408 هـ/ 1988 م. وزارة التراث القومي والثقافة- مسقط، عمان.
11- تاج العروس، للزبيدي.
12- التحرير والتنوير، ابن عاشور.
13- تفسير القران الحكيم (المنار) ، محمد رشيد رضا، دار المعرفة- بيروت، لبنان.
14- تفسير القران العظيم، ابن كثير.
15- التفسير الكبير.
16- التلخيص، ابن حجر.
17- تيسير التفسير، محمد بن يوسف اطفيش، وزارة التراث القومي
والثقافة- مسقط، عمان.
18- جامع ابن بركة، أبو محمد عبد الله بن محمد بن بركة البهلوي، وزارة التراث القومي والثقافة- مسقط، عمان.
19- جامع أبي الحسن.
20- جامع البيان في تفسير القران، أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، دار المعرفة- بيروت، لبنان.
21- الجامع الصحيح مسند الإمام الربيع بن حبيب بن عمر الفراهيدي، مكتبة الاستقامة- روي، عمان.
22- الجامع للأحكام، للقرطبي.
23- جوهر النظام في علمي الأديان والأحكام، أبو محمد عبد الله بن حميد السالمي، ط 1410 هـ/ 1989 م، دار الفاروق- بيروت، لبنان.(10/221)
الذبائح
والطرق الشرعية للذكاة
إعداد
أ. د إبراهيم فاضل الدبو
الأستاذ بكلية الآداب- قسم الشريعة
جامعة العلوم التطبيقية- الأردن
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين، وبعد:
إن بحثنا المتواضع هذا الذي أقدمه للدورة العاشرة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي، يتناول الذبائح وطرق تذكيتها من وجهة نظر الشريعة الإسلامية، وقد اقتصرت في البحث على المقدور عليه من الأنعام، أما غير المقدور عليه كالصيد الذي يتم صيده بواسطة الكلاب المعلمة أو الطيور الجارحة أو المعراض أو الطلقات النارية، فلا يدخل في بحثنا هذا.
وقد ختمت البحث بحكم الشريعة الإسلامية في اللحوم المستوردة من بلاد غير المسلمين.
سائلا الله عز وجل أن يجعل عملنا هذا خالصا لوجهه الكريم، وأن ينفع ببحثنا هذا أمتنا المسلمة.
إنه سميع مجيب.(10/222)
الذبائح التي تحل بالذكاة:
قبل البدء في الكلام عن الذكاة الشرعية وشروطها عند الفقهاء، أود أن نبين أن الحيوان الذي نعنيه بالبحث هنا، هو الحيوان مأكول اللحم، أي غير محرم- نص الشارع على تحريمه- قال الله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} الآية [المائدة: 3]
وما عدا هذا فما استطابته العرب فهو حلال لقول الله تعالى: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ} [الأعراف: 157] ، يعني ما يستطيبونه دون الحلال، بدليل قوله في الآية الأخرى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة: 4] ولو أراد الحلال لم يكن ذلك جوابا لهم (1) , وما استخبثته العرب فهو محرم لقوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157] والعرب الذين تعتبر استطابتهم للحيوان واستخباثهم هم أهل الحجاز من أهل الأمصار، لأنهم المخاطبون بالكتاب وبالسنة النبوية، فيعتبر عرفهم في تفسير المطلق من ألفاظهما دون غيرهم. ولا عبرة بعرف أهل البادية، لأنهم يأكلون ما يجدونه في حالة المجاعة والاضطرار.
وما وجد في ديار المسلمين مما لا عهد لأهل الحجاز به، رد إلى أقرب ما يشبهه في الحجاز، فإن لم يشبه شيئا منها فهو مباح لقول الله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145] الآية، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((وما سكت الله عنه فهو مما عفا عنه)) (2) .
__________
(1) المغني، لابن قدامة المقدسي: 8/ 585، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية
(2) المغني، لابن قدامة المقدسي: 8/ 585، الناشر مكتبة الكليات الأزهرية(10/223)
الذكاة لغة واصطلاحا:
قال الخرشي: الذكاة في اللغة هي التمام، يقال: ذكيت الذبيحة، ذلك إذا أتممت ذبحها، ويقال: ذكيت النار إذا أتممت إيقادها، ورجل ذكي تام الفهم والحدة. (1) وجاء في كفاية الأخيار: الذكاة في اللغة التطيب، من قولهم رائحة ذكية أي طيبة، ومن هنا سمي الذبح بالذكاة لتطييب أكله بالإباحة (2) .
وفي الشرع كما قال ابن وضاح: "هي السبب الذي يتوصل به إلى إباحة الحيوان البري ". (3) وعرفها الماوردي بقوله: " قطع مخصوص " (4) . وهي عند الكمال بن الهمام: "ذبح الحيوان مأكول اللحم أو نحره بإزهاق روحه في الحال بغية الانتفاع بلحمه بعد ذلك " (5) .
حكمها:
الحيوان المأكول لا يحل أكل شيء منه إلا بتذكيته، قال الله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] أي ذبحتم.
قال ابن قدامة: "لا خلاف بين أهل العلم أن المقدور عليه من الصيد والأنعام لا يباح إلا بالذكاة" (6) .
وإذا ظهر لنا أن المباح من الحيوان لا يحل لنا إلا بعد تذكيته، تبين لنا أن التذكية شرط لصحة أكله، وعند فقدان الشرط يحرم علينا أكله.
حكمة مشروعيتها:
للذكاة الشرعية أكثر من حكمة، فبها نعرف حلال اللحم من حرامه، لأن فقدان الحيوان حياته بغير ذكاة، يعني صيرورته ميتة محرمة، وهذا جانب من جوانب العبادة, وهناك جانب صحي، وهو أن الذكاة تطهير للحيوان، لأن الحيوان إذا أسيل دمه فقد طهر وطاب أكله، لأنه يسارع إلى التجفيف. فالذكاة تطييب للذبيحة بإخراج دمها، وهذا تطييب حسي، وفيه فائدة صحية.
__________
(1) انظر الخرشي على مختصر سيدي خليل: 2/ 3
(2) كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، للعلامة تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصني: 516/1
(3) انظر الخرشي: 2/ 3
(4) انظر كفاية الأخيار: 1/ 516
(5) انظر فتح القدير: 8/ 52
(6) المغني: 8/ 573(10/224)
شروط صحة الذكاة الشرعية:
بعد أن بينا الذبائح التي أباح الإسلام أكلها، نقف الآن على ما اشترطه الفقهاء من شروط لصحة الذكاة. والذكاة الشرعية على نوعين:
ا- ذكاة اضطرارية.
2- ذكاة اختيارية.
الذكاة الاضطرارية:
وتقع هذه الذكاة في الحيوان غير المقدور عليه، كحيوان الصيد في الغابة, أو المستأنس إذا توحش كالبعير الناد الذي لم يستطع أحد السيطرة ,وللفقهاء رأيان في طريقة تذكيته:
الرأي الأول:
وهو مذهب أكثر الفقهاء، ويقضي هذا الرأي بأن تذكية مثل هذا الحيوان تتم بجرحه في أي موضع يقدر عليه، فيسيل من جراء الجرح دمه فيقتله، وحينئذ يحل أكله. ومثل ذلك ما لو تردى حيوان في بئر مما يعجز أحد عن تذكيته، فلو جرح في أي موضع يقدر عليه، فقتله، جاز أكله، إلا إذا كانت رأسه متدلية في الماء لا يؤكل، لأن الماء يعين على قتله، فيعتبر من قبيل الخنق، وحكمه حكم الميتة.
هذا ما ذهب إليه أكثر فقهاء الصحابة، منهم: علي وابن مسعود وابن عمر وابن عباس وعائشة رضي الله عنهم، وبه قال من فقهاء التابعين: مسروق والأسود والحسن وعطاء وطاوس وإسحاق (1) وإلى هذا ذهب الحنفية (2) والشافعية (3) والحنابلة (4) .
__________
(1) المغني، لابن قدامة: 8/ 566
(2) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للكاساني: 5/ 49
(3) انظر كفاية الأخيار: ا/ 515
(4) انظر المغني: 8/ 566(10/225)
دليل هؤلاء العلماء فيما ذهبوا إليه:
أ- ما رواه رافع بن خديج قال: كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فندَّ بعير وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه الله، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا)) , وفي لفظ "فما ند عليكم فاصنعوا به هكذا" (1) .
ب- كما استدلوا ببعض الآثار التي حكت فعل كثير من الصحابة، التي تؤيد هذا الرأي، منها أن ثورًا حَرِبَ في بعض دور الأنصار، فضربه رجل بالسيف وذكر اسم الله عليه، فسئل علي ابن أبي طالب، فقال: ذكاة وَحْيَة، فأمرهم بأكله (2)
ج- ومن المعقول قولهم: إن الاعتبار في الذكاة بحال الحيوان وقت ذبحه لا بأصله، بدليل أن الوحشي إذا قدر عليه، وجبت تذكيته بقطع الحلق واللبة، وكذلك الحال في الحيوان الأهلي إذا توحش، فالاعتبار يقع بحاله (3)
__________
(1) متفق عليه
(2) استدل بالأثر ابن قدامة في المرجع السابق.
(3) انظر المغني: 8/ 567(10/226)
الرأي الثاني:
وهو لفقهاء المالكية، ويقضي رأيهم بعدم جواز أكل الحيوان الإنسي الشارد أو المتردي في حفرة إلا بعد ذكاته، قال الخرشي معقبا على ما جاء في مختصر سيدي خليل: (لا نَعْم شرد أو تردى بكوة) : أن النعم إذا نفر شيء منها ولحق بالوحشي، فإنه لا يؤكل بالعقر، أما الإبل فبلا خلاف، وأما البقر فعلى المشهور". (1)
وحكى ابن قدامة مثل هذا الرأي عن ربيعة والليث من فقهاء السلف.
واحتج لهذا الرأي، بأن الحيوان الإنسي لو توحش، فلا يثبت له حكم الوحشي، بدليل لو أن محرما قتله فلا يلزمه الجزاء، ولو كان وحشيا للزمه ذلك، كما أن الحمار الأهلي لا يصبح مباح الأكل فيما لو توحش, وعلى هذا لا يثبت للحيوان الإنسي إذا ند أو تردى من علو حكم المتوحش.
والراجح من القولين هو قول الجمهور؛ لصحة الآثار التي استدلوا بها، لا سيما حديث رافع بن خديج، ولعل الإمام مالكا - كما قال الإمام أحمد - لم يبلغه حديث رافع, والله أعلم.
__________
(1) انظر شرحه على مختصر سيدي خليل: 3/ 9(10/227)
الذكاة الاختيارية:
وقفنا قبل قليل على رأي الفقهاء في الذكاة الاضطرارية، ونقف الآن على الشروط التي ذكروها لصحة الذكاة الشرعية في حالة السعة والاختيار.
والشروط منها ما يتعلق بالذابح، ومنها ما يتعلق بآلة الذبح، أو محل الذبح من الحيوان، أو فعل الذابح وما يلزمه من ذكر عند الذبح.
شروط الذابح:
اشترط الفقهاء فيمن يتولى الذبح أن تتوفر فيه أهلية الذكاة الشرعية، والأهلية تتحقق بالعقل والدين.
أولا-العقل: وشرط العقل محل اتفاق عند جمهور الفقهاء، لأن الذكاة عبادة تفتقر إلى النية، ومن لا عقل له لا يصح منه القصد.
هذا ما صرح به الحنفية في كتبهم، قال الكاساني: "لا تؤكل ذبيحة المجنون والصبي الذي لا يعقل والسكران الذي لا يعقل، أما لو عقل الصبي الذبح وقدر عليه وكذلك السكران، فإن الحكم يختلف عندئذ، إذ تحل ذبيحتهما في هذه الحالة" (1) .
وهذه وجهة نظر المالكية (2) ,وبه قال الحنابلة أيضا (3) . ولفقهاء الشافعية قولان في المسألة: أحدهما يتفق مع وجهة نظر الجمهور هذه، مدللين على ذلك بما استدل به الجمهور من عدم توفر القصد من هؤلاء الذي هو شرط لصحة الذبح، فأشبه فعلهم النائم الذي سقطت من يده السكين على حلقوم شاة فقطعته، فإنها لا تحل، كذلك الأمر في فعل هؤلاء. (4)
والقول الآخر وهو الأظهر عندهم، يقضي بحل ذبيحة هؤلاء الذين في تذكيتهم خلاف بحجة أن للمذكورين قصدا وإرادة في الجملة، بخلاف النائم فإنه معدوم القصد والإرادة، وقد شبهوا فعل المذكورين بالذي قطع حلق شاة ظانا أنه خشبة، فالشاة تحل في هذه الحالة، كذلك الحال بالنسبة لمن لا يعقل (5) .
ومحل الخلاف بين الرأيين كما ذكر العلامة البغوي، هو إذا لم يكن للمجنون والسكران تمييز أصلا، أما إذا كان لهما أدنى تمييز، فإن ذبيحتهما تحل قطعاً.
والقول الأول هو الصحيح عند الإمام الغزالي وجماعة من فقهاء المذهب، في حين نسب القول الثاني لأبي حامد وأبي إسحاق الشيرازي , وقد حكى صاحب كفاية الأخيار عن بعض كتب المذهب القول بالحل. (6)
__________
(1) انظر بدائع الصنائع: 5/ 45
(2) انظر الخرشي على مختصر سيدي خليل: 3/3، حيث قال معقبا على كلام سيدي خليل: (مميز بناكح) لا تؤكل ذبيحة المجنون والسكران حال إطباقهما ومثلهما الصبي غير المميز لعدم النية".
(3) المغني، لابن قدامة: 8/ 581
(4) مغني المحتاج، للخطيب الشربيني: 4/ 267
(5) مغني المحتاج، للخطيب الشربيني: 4/ 267
(6) كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار: 1/ 520(10/228)
الرأي المختار:
إن القول بحل ذبيحة المجنون والسكران ونحوهما سواء كان لهم أدنى إدراك أو لم يكن قول فيه نظر، لأنه كما قال الجمهور: إن الذكاة عبادة تفتقر إلى نية، وهؤلاء لا تعتبر نيتهم، مثلهم مثل الصبي غير المميز في هذه الحالة.
وقياس بعض فقهاء الشافعية حل ذبيحة هؤلاء على النائم، أن هذا القول غير مسلم من جميع فقهاء المذهب، فقد حكى الدارمي وجهين لهم في ذبح النائم. وقال الخطيب الشربيني عن ذبيحته: "والذي ينبغي القطع به عدم حله ". (1)
لذا يكون قول الجمهور هو المختار في هذه المسألة، والله أعلم.
ذكاة المرأة:
أجاز الفقهاء ذكاة المرأة وإن كانت حائضا، واحتج لحل ذبحها بما ورد: ((أن جارية لآل كعب كانت ترعى غنما لهم فمرضت شاة منها، فكسرت مروة وذبحتها، فسأل مولاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجاز لهم أكلها)) . (2) وقد حكى ابن المنذر إجماع العلماء على حل ذبيحتها (3)
ثانيا-الدين:
لا خلاف بين العلماء أن المسلم أهل للذبح سواء كان عدلا أم لا، إذا أطاق الذبح (4) .
__________
(1) مغني المحتاج: 4 / 267
(2) أخرج الحديث البخاري: 2/ 62؛ وأحمد: 6/ 386؛ والبيهقي: 9/ 281
(3) المغني، لابن قدامة: 8/ 581
(4) المغني، لابن قدامة: 8/ 581(10/229)
وغير المسلم من أهل الكتاب وغيرهم فيه تفصيل أوضحه فيما يلي:
ذبائح أهل الكتاب:
ذبيحة أهل الكتاب- وهم اليهود والنصارى- حلال بالنص القراني، قال الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] يعني ذبائحهم، قال البخاري: قال ابن عباس رضي الله عنهما: " طعامهم: ذبائحهم "، وكذلك قال مجاهد وقتادة، وروي معناه عن ابن مسعود. وحكى ابن قدامة إجماع أهل العلم على ما ذكرنا للنص القرآني المذكور (1) .
ولو قيل: إن المراد بطعامهم الفواكه والحبوب، فتحل منهم دون سواها، فيجاب عن ذلك بما يلي:
ا- إن الفواكه والحبوب مباحة من المشركين والمجوس، فليس في تخصيصها بأهل الكتاب فائدة.
2- إن إضافة الطعام إليهم يقتضي أنه صار طعاما بفعلهم، والذبائح صارت لحما بفعلهم وهو الذبح.
3- ولأن مطلق اسم الطعام يقع على الذبائح كما يقع على غيرها، بدليل أنه اسم لما يتطعم، والذبائح مما يتطعم بها فيدخل تحت إطلاق اسم الطعام فيحل لنا أكلها. (2)
__________
(1) انظر المغني: 8/ 567
(2) البدائع، للكاساني: 5/ 45(10/230)
الكتابي الذي تحل ذبيحته:
المراد بالكتابي الذي تحل ذبيحته هو من يدين بدين أهل الكتاب وهذا لا نزاع فيه سواء كان ذميا أو حربيا، وقد حكى ابن المنذر إجماع الفقهاء على ذلك (1)
والخلاف الذي وقع بين الفقهاء في هذه المسألة، هو من ينطبق عليه وصف أهل الكتاب. وها أنا أتناول بالبحث هنا آراءهم فيمن ينطبق عليه هذا الوصف.
الكتابي من أصل غير كتابي أو كتابي من أصل واحد:
لا خلاف بينهم، رحمهم الله تعالى، أن الكتابي تؤكل ذبيحته إذا كان أبواه كتابيين، أما إذا كان أبواه غير كتابيين، أو كان أحدهما كتابيا والآخر غير كتابي، فقد اختلفت وجهات نظرهم فيه، وذلك على النحو التالي:
ا- ذهب الحنفية إلى حل ذبيحة الكتابي مطلقا سواء كان من أصل كتابي أو غير كتابي، وكذا لو كان غلاما مولودا بين كتابي وغير كتابي، سواء كان مولود الأب أو الأم, معللين ذلك بقولهم: "إن جعل الولد تبعا للكتابي منهما أولى، لأنه خيرهما دينا فينسب إليه ". (2)
وهذه وجهة نظر المالكية أيضاً، فقد ذكر أئمتهم أن المجوسي الذي تنصر أو تهود، فإنه يقر على الدين المنتقل إليه ويصير له حكم أهل الكتاب من أكل ذبيحته وغيره من الأحكام (3) معنى هذا: أنهم لم يشترطوا تنصر أو تهود أبوي المجوسي الذي أصبح كتابيا من أجل حل ذبيحته.
وبخصوص الغلام من أصل كتابي وغير كتابي، فإنهم أباحوا ذبيحته إذا كان من أب كتابي، حكى ذلك الشيخ العدوي عن الشيخ سالم من فقهاء المذهب حيث قال: "وتؤكل ذبيحة الغلام أبوه نصراني وأمه مجوسية، لأنه تبع لدين أبيه ". (4) وذهب الشافعي في أحد قولين له إلى إباحة ذبيحة الكتابي الذي أبوه كتابي أيضا.
2- قال الحنابلة: إن كان أحد أبوي الكتابي ممن لا تحل ذبيحته والآخر ممن تحل ذبيحته، فلا تحل ذبيحة الذابح في هذه الحالة (5) وبه قال الشافعي إذا كان الأب غير كتابي، وفي قول له وإن كان كتابيا، حكى ذلك ابن قدامة عنه (6) .
__________
(1) المغني، لابن قدامة: 8/ 568
(2) البدائع، للكاساني: 3/ 46
(3) انظر الخرشي على سيدي خليل: 3/ 5
(4) الشيخ العدوي على شرح الخرشي في المصدر السابق أيضا
(5) انظر المغني: 8/ 568
(6) انظر المغني: 8/ 568(10/231)
والمتأمل في رأي الحنفية ومن حذا حذوهم يرجح رأيهم على رأي الآخرين، لأنه كما قالوا: إن العبرة بدين الذابح لا بدين أبويه، بدليل أن الاعتبار في قبول الجزية هو دينه بغض النظر عن دين من انحدر من أصولهم, وكذا أخذا بعموم النص والقياس.
ذبائح نصارى بني تغلب:
مما أثاره فقهاء المسلمين في ذبائح أهل الكتاب، ذبائح طائفة منهم، وهم نصارى العرب من بني تغلب وغيرهم,
وقد اختلفت وجهات نظرهم في هذه المسألة على قولين:
ا- ذهب الشافعية إلى عدم حل ذبح نصارى العرب، وهم نجران وتنوخ وتغلب، مدللين على ذلك بالأدلة التالية:
أ- أن الرسول- عليه الصلاة والسلام- نهى عن ذبح نصارى العرب.
ب- قول عمر بن الخطاب - رضي الله عنه-: "ليس نصارى العرب بأهل كتاب ولا تحل لنا ذبائحهم، ولا تحل لنا ذبائح بني تغلب؛ لأنهم لم يأخذوا من دين أهل الكتاب إلا شرب الخمر وأكل الخنزير" (1)
وإلى هذا ذهب الحنابلة في رواية عن الإمام أحمد (2) ، وحكى ابن قدامة والكاساني ذلك عن الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه (3) وكره ذبائحهم أيضا عطاء وسعيد بن جبير ومحمد بن علي والنخعي من فقهاء التابعين. (4)
2- ذهب الحنفية إلى حل ذبائح نصارى بني تغلب وغيرهم (5) وذلك لدخولهم في عموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]
وحكى الكاساني ذلك عن ابن عباس، رضي الله عنهما (6) ، حيث استدل بقوله عز شأنه: {وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ} [المائدة: 51]
وإلى هذا ذهب الحنابلة في الرواية الصحيحة عن الإمام أحمد،رواها عنه الجماعة وكانت آخر الروايتين عنه (7) .
__________
(1) انظر كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار: 2/ 520
(2) انظر المغني: 8/ 517
(3) المغني: 8 / 517؛ البدائع: 5 / 545 فقد حكي عنه- رضي الله عنه- أنه قال: "لا تؤكل ذبائح نصارى العرب، لأنهم ليسوا بأهل كتاب ". وقرأ قوله عز وجل: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ} [البقرة: 78] .
(4) ابن قدامة في المصدر السابق أيضا.
(5) البدائع، للكاساني: 5/ 45
(6) البدائع، للكاساني: 5/ 45
(7) المغني: 8/517(10/232)
وحكى ابن قدامة ذلك عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه- وعن الحسن والنخعي والشعبي والزهري وغيرهم من فقهاء السلف، مستدلين بعموم الآية الكريمة التي أباحت طعام أهل الكتاب (1) .
وهذا -على ما يبدو لي رأي المالكية- أيضا، إذ لم يفرقوا بين كتابي وآخر. (2)
وقد أجاب الأحناف عن الآية التي استدل بها الإمام علي رضي الله عنه بأنها تفيد أنهم من أهل الكتاب، لأن قوله عز وجل: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لاَ يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ} [البقرة: 78] أي من أهل الكتاب، لأن "من " تفيد التبعيض، إلا أنهم يخالفون غيرهم من النصارى في بعض شرائعهم، وهذا يخرجهم عن كونهم نصارى كسائر النصارى، أما إنهم من أهل الكتاب فهذا مما لا شك فيه (3) .
وبهذا يترجح لدى المتأمل في أقوال الفقهاء حول المسألة المتنازع فيها رأي القائلين بحل ذبائح هذه الطائفة من النصارى, والله أعلم.
__________
(1) المغني: 8/517
(2) انظر الخرشي على سيدي خليل: 3/ 5
(3) البدائع: 5/ 45(10/233)
حكم ذبيحة الكتابي المحرم عليه ذبحها:
يعتقد اليهود تحريم كل ما ليس بمشقوق الأصابع كالإبل والنعام والبط، وكذلك يعتقدون تحريم الشحوم من كل دابة بها شحم، إلا أن غير الشحم حلال في غير ما ليس بمشقوق الأصابع، قال الله تعالى: {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أو الْحَوَايَا أو مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146]
وهذه الأشياء حلال، لأن الله حرمها عليهم بسبب بغيهم وظلمهم.
ولكن إذا ذبحوها- وهي محرمة عليهم لا علينا- فهل يحل لنا أكلها؟
اختلف الفقهاء في ذلك على رأيين:
ا- ذهب الشافعية إلى حل ذبائح أهل الكتاب، سواء اعتقدوا إباحته كالبقر والغنم أم تحريمه كالإبل (1) , والظاهر أن هذا هو رأي الحنفية أيضا، بناء على ما قالوه بحل ذبائح أهل الكتاب ممن تحل لنا مطلقا, وظاهر كلام أحمد إباحة ذلك أيضا، فقد ذكر الخرقي أن أحمد حكى مذهب مالك في اليهودي الذي يذبح الشاة، أنه لا يؤكل من شحمها لاعتقاد اليهودي حرمة ذلك، فقال أحمد عن قول مالك: "هذا مذهب دقيق " , وعقب ابن قدامة على هذا بقوله: "وظاهر هذا أنه- أحمد- لم يره صحيحا". وهذا هو اختيار ابن حامد وأبي الخطاب من فقهاء الحنابلة.
وكذا نص الحنابلة على حل ذبيحة ما زعم الذمي أنها محرمة عليه، ولم يثبت تحريمها في شريعته، فقوله غير مقبول في هذه الحالة (2)
__________
(1) انظر مغني المحتاج: 4/ 266
(2) انظر المغني: 8/ 582(10/234)
وقد دلل الحنابلة على إباحة ذلك كله بالأدلة التالية:
أ) ما روي عن عبد الله بن مغفل أنه قال: ((دلي جراب من شحم من قصر خيبر فنزوت لآخذه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم إلي)) .متفق عليه.
ب) إن ذكاة الذمي قد أباحت اللحم والجلد، فكذلك أباحت الشحم، كما هو الأمر بالنسبة لذكاة المسلم.
2- الرأي عند المالكية هو: عدم حل ذبيحة الكتابي إذا ذبح لنفسه ما يراه غير حلال له، وثبت تحريمه عليه بشرعنا كذي الظفر من الإبل وحمر الوحش والنعام والأوز، وكل ما ليس بمشقوق الظفر ولا منفرج القوائم، فإن لم يثبت تحريمه بشرعنا، بل أخبر هو بحرمته في شريعته كالطريفة، كره أكله من غير تحريم (1)
والملاحظ على رأي المالكية هنا أنهم قيدوا عدم حل ذبيحة الكتابي في المسألة مدار البحث إذا ذبح لنفسه، أما إذا ذبح لغيره من المسلمين، فظاهر قولهم يقضي بحل ذبيحته في هذه الحالة.
وبمثل قول المالكية قال أبو الحسن التميمي والقاضي الحنبلي أبو يعلى، وحكي هذا أيضا عن الضحاك ومجاهد وسوار من فقهاء السلف (2) ، وقد دلل أصحاب هذا الرأي بما يلي:
أ- قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] وليس المذكور من طعامهم لتحريمه عليهم.
ب- بخصوص الشحم؛ فإنه جزء من حيوان لم يبح أكله لذابحه، فلم يبح لغيره كالدم (3)
__________
(1) انظر الخرشي: 3/ 6، والطريفة هي الذبيحة فاسدة الرئة، أي ملتصقة بظهر الحيوان
(2) المغني، لابن قدامة: 8/ 582
(3) المغني، لابن قدامة: 8/ 582(10/235)
جواب ابن قدامة عن أدلة أصحاب الرأي الثاني:
أجاب ابن قدامة عن أدلة القائلين بتحريم ذبيحة الكتابي المحرم عليه ذبحها بقوله:
أ- بخصوص الآية الكريمة فإنها حجة للقائلين بالحل، لأن معنى طعامهم: ذبائحهم، كذلك فسره العلماء، والحيوانات محل الكلام من ذبائحهم، فيحل أكلها للمسلم وإن كانت محرمة من وجهة نظر الذابح.
ب- أما قياسهم تحريم الشحم باعتباره جزءا من حيوان غير مباح الأكل لذابحه، فلم يبح لغيره كالدم فإنه محرم على المسلم فلا يباح لغيره، فالقياس ينتقض بذبيحة الغاصب، فإنها تحرم عليه، في حين أنها تحل لغيره، وكذلك الحال بالنسبة للشحم فإن تحريمه من وجهة نظر الذابح، لا يعني بالضرورة تحريمه على المسلم (1) .
والراجح من الرأيين هو الرأي الأول، لأن الله عندما حرم على اليهود هذه الأشياء إنما كان بسبب بغيهم، وهي حلال في شرعنا، وقد أباح الله لنا طعامهم فيما هو حلال لنا، وقد جاءت الإباحة مطلقة غير مقيدة بقيد سوى ما ذكرنا من الحل في شرعتنا.
__________
(1) المغني، لابن قدامة: 8/ 582(10/236)
حكم ما ذبحه الكتابي لغير الله:
ذكرنا فيما تقدم وجهة نظر الفقهاء في ذبيحة الكتابي التي لم يقصد بها القربة، أما لو نوى بها التقرب لكنيسة أو لعيد من أعياده، فللفقهاء رأي آخر في هذه المسألة أوجزه كما يلي:
ا- إن ما قدمه الكتابي من دم بقصد القربة لغير الله، لا يخلو من أن يذبحه مسلم أو يتولى ذبحه بنفسه، فهنا حالتان يختلف حكم كل واحدة منهما عن الأخرى:
الحالة الأولى: إذا تولى الذبح مسلم بأمر من الكتابي، فقد نص الإمام أحمد على إباحة ذبيحته، حكى ذلك ابن قدامة عنه حيث قال: "قال أحمد وسفيان الثوري في المجوسي يذبح لإلهه، ويدفع الشاة إلى المسلم يذبحها فيسمي يجوز الأكل منها" (1) . ونقل عن أحد فقهاء المذهب أنه سأل أحمد عما يقربه المجوس لآلهتهم ويتولى ذبحه مسلم، أنه أجاب بقوله: لا بأس به, فإذا حلت ذبيحة المجوسي في هذه الحالة وهو ليس من أهل الكتاب، فلأن تحل ذبيحة الذمي هنا من باب أولى.
وهذه وجهة نظر المالكية أيضا بناء على قولهم: بحل ذبيحة الكتابي الذي يذبح لله ويقصد به انتفاع الصليب أو عيسى- عليه السلام- بثوابه، وكذا قياسا على ما حكي عن الإمام مالك أنه أجاز أكل ما ذكر عليه اسم المسيح عليه السلام مع الكراهة (2) فإذا أجاز ذلك كله عندهم مع أن الذي يتولى الذبح غير مسلم، فلأن يجيزوه مع تولي المسلم الذبح من باب أولى.
__________
(1) انظر المغني: 8/ 568
(2) انظر الخرشي على سيدي خليل: 3/ 6(10/237)
وهذا على ما يبدو لي هو رأي الحنفية أيضا، لأن الشرط عندهم في حل الذبيحة هو التسمية كما سيأتي، وهي متوقعة من المسلم عند الذبح بخلاف غيره.
في حين يرى الشافعية حرمة الذبيحة في هذه الحالة، حيث قال الخطيب الشربيني: "لاتحل ذبيحة مسلم ولا غيره لغير الله، لأنه مما أهل به لغير الله ". (1) وقد نص الشافعي على أن الذبح للنبي صلى الله عليه وسلم أو تقربا له، لا تحل الذبيحة في هذه الحالة (2) .
والذبيحة التي يتقرب بها الذمي لكنيسته أو لعيد من أعياده، إنما أهلت لغير الله، فلا تحل، وإن تولى ذبحها مسلم.
الحالة الثانية: أن يتولى الذمي ذبح ذبيحته المقصود بها قربته لغير الله، وعندئذ إن سمى الله وحده عند ذبحها، فإن أكلها حلال، لأن شرط الحل -وهو ذكر الله وحده- قد حصل (3) , وإن ذكر اسم غير الله عليها كالمسيح، فللفقهاء آراء في المسألة أوضحها فيما يلي:
ا- حكي عن الإمام أحمد في أكثر الروايات عنه، عدم حل ذبيحة الذمي في هذه الحالة، قال ابن حنبل: "سمعت أبا عبد الله قال: لا يؤكل- يعني ما ذبح لأعيادهم وكنائسهم- لأنه أهل لغير الله به " (4) . فعدم حل ذبيحة الذمي على رأي أحمد هنا مقيد بأحد أمرين؛ أحدهما ذكر غير اسم الله على الذبيحة، والآخر ترك التسمية عمدا. وبالحرمة قال الشافعية أيضا، بناء على ما حكيناه عنهم في الحالة الأولى، إذ قولهم بحرمة ما ذبح لغير الله من المسلم، ينطبق على تولي غير المسلم الذبح أيضا إذا تقرب بها لغير الله. وهذا هو رأي الأحناف أيضا، فقد ذكر الكاساني، أنه إذا سمع من الكتابي قد سمى المسيح وحده عند الذبح أو سمى الله وأشرك معه المسيح، فلا تؤكل ذبيحته، لأنه مما أهل به لغير الله (5) .
__________
(1) انظر مغني المحتاج: 4/ 273
(2) انظر مغني المحتاج: 4/ 273
(3) المغني، لابن قدامة: 8/ 569، وقد جاء فيه ما نصه: "وقال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عما يقرب لآلهتهم يذبحه رجل مسلم، قال: لا بأس به، وإن ذبحها الكتابي وسمي الله وحده، حلت أيضا، لأن شرط الحل وجد".
(4) المغني، لابن قدامة: 8/ 569، وقد جاء فيه ما نصه: "وقال إسماعيل بن سعيد: سألت أحمد عما يقرب لآلهتهم يذبحه رجل مسلم، قال: لا بأس به، وإن ذبحها الكتابي وسمي الله وحده، حلت أيضا، لأن شرط الحل وجد".
(5) انظر البدائع: 5/ 46(10/238)
2- فرق المالكية بين قصد الذابح التقرب لغير الله كالصليب أو عيسى عليه السلام أو انتفاع من ذكر بالمذبوح، فإن قصد بذبحه التقرب للصليب أو عيسى عليه السلام فلا يحل أكل ذبيحته، وإن قصد انتفاع من تقرب إليه بالمذبوح، جاز أكله (1)
3- حكى ابن قدامة الإباحة عن كثير من فقهاء السلف، رحمهم الله تعالى، منهم العرباض بن سارية وأبو أمامة الباهلي، وأبو الدرداء ومكحول وغيرهم، دليلهم في ذلك عموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُم} [المائدة: 5] . وما ذبحه الكتابي سواء كان قصده التقرب به لغير الله أم لا، يعتبر من طعامه، فيحل أكله (2)
وبهذا قال أحمد في رواية عنه, وروي عنه الكراهة مطلقا فيما ذبح لكنائسهم وأعيادهم، وهو قول ميمون بن مهران، لأنه ذبح لغير الله (3) .
__________
(1) حاشية الشيخ العدوي على شرح الخرشي على سيدي خليل: 3/ 6، وقد جاء فيه ما نصه: "والحاصل أنه مع قصد التقرب لا فرق بين الصنم والصليب وعيسى في عدم الأكل، ومع قصد الانتفاع لا فرق بين الثلاثة في الأكل وإن لم يذكر اسم الله عليه". وجاء في موضع آخر من المصدر نفسه: "ذبائح أهل الكتاب عند جمهور العلماء في حكم ما ذكر اسم الله عليه من حيث لهم دين وشرعا".
(2) انظر المغني: 8/ 569
(3) انظر المغني: 8/ 569(10/239)
الرأي المختار:
والذي أراه أن ما يقدمه الكتابي من ذبائح لكنيسته أو لعيد من أعياده، إن قام بالذبح مسلم، فلا بأس في أكله كما قال المالكية والحنابلة وكثير من فقهاء السلف، لأن ذكر الله من المسلم عند الذبح أمر متحقق الوقوع تغليبا لجانب حسن الظن فيه, وفي هذه الحالة ينتفي القول بأن ذبيحة المسلم وغيره لا تؤكل إذا أهلت لغير الله، فإن المقصود بغير الله هو التقرب إلى هذا المعبود من حجر أو بشر، وهذا غير متصور من المسلم.
أما إذا قام الذمي بذبحه تقربا لكنيسته أو لسيدنا عيسى- عليه السلام-أو غيره، وتأكد لنا عدم ذكر الله عند الذبح، فإني أؤيد وجهة نظر القائلين بحرمة أكل ذبيحته في هذه الحالة، من غير فرق بين أن يكون قد قصد بذبحه التقرب إلى الجهة التي ذبح لها أو انتفاع تلك الجهة بالمذبوح، وذلك لما يلي:
إن الكثير من أهل الذمة يخلط في عقيدته بين التوحيد والشرك، لا سيما في العصر الحاضر، فإذا تأكد لنا أن ذبيحته هذه قد نحرها للكنيسة أو لسيدنا عيسى- عليه السلام- ترجح لدينا جانب الإهلال بالمذبوح لغير الله، وهذا حرام , وهذا لا يدخل في عموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُم} [المائدة: 5] ؛ لأنه- والله أعلم- المراد بطعامهم ما يذبحونه في الأحوال الاعتيادية، لا ما ينحرونه بقصد التقرب لقربة من القرب، فهذا يدخل في عموم قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] ، والله أعلم.(10/240)
ذبائح المشركين:
بعد أن وقفنا على رأي الفقهاء، رحمهم الله تعالى، في حكم ذبيحة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، نقف على رأيهم هنا في ذبائح المشركين، ونعني بهم الكفار الذين لا يدينون بدين سماوي، وهؤلاء غالباً ما يذكرون عند ذبائحهم اسم ما يعبدونه من غير الله.
ولنبدأ الكلام ببيان حكم ذبيحة الكفار من المجوس وغيرهم بشيء من التفصيل.
ذبيحة المجوسي:
المجوس: هم الذين يعبدون النار والكواكب, وقد أجمع العلماء على تحريم صيد وذبائح المجوس إلا ما لا ذكاة فيه كالسمك والجراد, وقد حرم مالك والليث صيد المجوسي من الجراد، ورخصا في السمك.
وممن حكى إجماع العلماء على هذا ابن قدامة، حيث قال: "أجمع أهل العلم على تحريم صيد المجوسي وذبيحته إلا ما لا ذكاة له كالسمك والجراد ". (1)
وقد استند إجماع العلماء على الأدلة التالية:
أ- قوله تعالى {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ؛ فإن مفهوم الخطاب يدل على تحريم طعام غير أهل الكتاب من الكفار، ولأنهم لا كتاب لهم، فلم تحل ذبائحهم كعبدة الأوثان والأصنام.
2- قوله عليه الصلاة والسلام: "سنوا بالمجوس سنة أهل الكتاب غير ناكحي نسائهم ولا آكلي ذبائحهم ". وغيرها من الروايات التي تحرم ذبائح المجوس.
__________
(1) انظر المغني: 8/ 570(10/241)
وقد خالف أبو ثور إجماع العلماء عندما قال بإباحة صيد المجوسي وذبيحته، قياسا على ذبيحة أهل الكتاب، بجامع إقرارهم على الجزية، فيباح صيدهم وذبائحهم كاليهود والنصارى.
وقد قال ابن قدامة، عن هذا القول، بأنه " قول يخالف الإجماع فلا عبرة به ". (1)
حكم ذبيحة السامرة:
السامرة: طائفة من اليهود من بني يعقوب، عليه السلام، لا تؤمن إلا بنبوة سيدنا موسى وهارون ويوشع بن نون من أنبياء بني إسرائيل، وتنكر المعاد الجسماني، ولا يرون لبيت المقدس حرمة، ويحرمون الخروج من جبال نابلس، ويزعمون أن بأيديهم توراة بدلها أحبار اليهود.
وقد صرح المالكية بحل ذبائحهم، وإن خالفوا بعض معتقدات اليهود إلا أن أخذهم ببعض التعاليم اليهودية، اعتبر حكمهم كحكم اليهود في هذه المسألة (2)
__________
(1) انظر المغني: 8/ 570
(2) انظر الخرشي: 3/ 4(10/242)
حكم ذبيحة الصابئة:
اختلف الفقهاء في ذبيحة الصابئة نظرا لاختلاف وجهة نظرهم في معتقداتهم، فقد أباح أبو حنيفة حل ذبائحم، وهذا يعني أنه- رحمه الله- اعتبرهم من أصحاب الكتاب، أي أنهم موحدون.
وقال أبو يوسف ومحمد: بحرمة ذبائحهم لأنهم عبدة كواكب (1)
وهذه وجهة نظر المالكية أيضا, حيث صرحوا بحرمة ذبائح الصابئة وإن أخذوا ببعض تعاليم النصرانية (2)
والرأي القائل بحرمة ذبائح الصابئة هو المختار؛ وذلك لعدم وضوح معتقداتهم، والقول بالحرمة هو الأحوط.
ذبيحة الوثني والزنديق وغيرهم من الكفار:
الوثني: هو من يعبد الوثن من شجر أو حجر وغيره، وذبيحته حرام؛لعدم ذكره الله عند الذبح، فيصبح من باب ما أهل لغير الله به، فحكم ذبيحته ذبيحة الميتة.
الزنديق: هو الذي لا يدين بدين إلهي كما ذهب إلى ذلك فريق من العلماء، فلا تحل ذبيحته، لأنه لا دين له، ومثل الزنديق والوثني في الحكم الوجودي الذي ينكر المغيبات والسمعيات، ولا يعتمد إلا على المشاهدات والمحسوسات، فهو كافر لنكرانه الخالق سبحانه وتعالى، ولا يؤمن بما لا يثبت بالحس والمشاهدة، وعلى هذا فذبيحته حرام. ومن قبيل من ذكرنا من الزنادقة والوجوديين في الحكم: الشيوعي، وهو من ينكر صانع الوجود سبحانه وتعالى، وفي نظره أن الأديان مخدرة للشعوب، والحياة مادة، وهؤلاء أتباع ماركس ولينين ممن حاربوا الأديان السماوية، وقالوا بشيوعية المال والجنس، وأنكروا كل ما يمت إلى الأديان بصلة، فذبيحة الشيوعي حرام سواء ذبحها في بلده لأهله، أو ذبحها لغير أهله بقصد التصدير, ومثل من ذكرنا في الحكم ذبيحة الكفار من الهنود والبوذيين ومن على شاكلتهم ممن لا يدينون بدين سماوي.
__________
(1) انظر البدائع: 5/ 45
(2) انظر الخرشي: 3/ 4(10/243)
قال ابن قدامة: "وحكم سائر الكفار من عبدة الأوثان والزنادقة وغيرهم حكم المجوسي في تحريم ذبائحهم وصيدهم إلا الحيتان والجراد وسائر ما تباح ميتته " (1) . وحكى الكاساني مثل ذلك عن الأحناف (2) . وهذه وجهة نظر المالكية (3) والشافعية أيضاً (4) .
والحكمة في تحريم ذبائح المشركين والكفار من مجوس ووثنيين وغيرهم ممن ذكرنا، أن ذبحهم يكسب المذبوح خبثا يوجب حرمته، لذكر معبودهم من كواكب وأوثان عند الذبح، وذكر الله وحده يكسبها طيبا، وإذا ذكر اسم غير الله صارت الذبيحة كالميتة, فإن قيل: هذا المعنى متحقق في أهل الكتاب أيضا، إذ الغالب منهم لا يسمي الله عند الذبح، أو يذكرون اسم غير الله.
فالجواب على هذا: أن أهل الكتاب عندهم من التوحيد وتعاليم الرسل والأنبياء ما لم يكن عليه عبدة الأوثان وغيرهم, كما أن أهل الكتاب يؤمنون بالجزاء والنبوات في الجملة، بخلاف أولئك الذين هم حرب على الرسل من عهد نوح إلى نبينا محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين.
__________
(1) انظر المغني: 8/ 571
(2) انظر البدائع: 5/ 45
(3) انظر الخرشي: 3/ 3
(4) انظر كفاية الأخيار: 2/ 520؛ مغني المحتاج: 4/ 266.(10/244)
ذبيحة المرتد:
المرتد: هو الذي يكفر بعد إسلامه بارتكاب ما يتناقض مع قواعد الإسلام، كاعتناقه مبدأ من المبادئ الهدامة مثل الشيوعية والقاديانية والبهائية، أو أنكر أمرا معلوما من الدين بالضرورة كجحوده وجوب الصلاة أو الزكاة، أو اعتقد تحليل شيء محرم بالإجماع كاعتقاده حل شرب الخمر أو أكل لحم الخنزير، أو تنصر أو تهود.
وقد ذهب جمهور الفقهاء إلى تحريم ذبيحة المرتد وإن تدين بدين أهل الكتاب، لأنه كما قال الكاساني: "لا يقر على الدين الذي انتقل إليه، فحكمه حكم الوثني الذي لا يقر على دينه " (1) .
ولم يفرق أكثر أهل العلم بين من ارتد لدين سماوي أو غيره، قال الخرشي: "لا تؤكل ذبيحة المرتد ولو لدين أهل الكتاب " (2) ، وبهذا صرح الكثير من الفقهاء في كتبهم (3)
وقد خالف الأوزاعي وإسحاق وجهة نظر الفقهاء هذه، حيث ذهبا إلى إباحة ذبيحة المرتد إلى النصرانية أو اليهودية، بحجة أن من تولى قوما فهو منهم.
وقد رد ابن قدامة على وجهة نظر الأوزاعي وإسحاق هذه بقوله: "إن المرتد كافر فلا يقر على كفره، فلا تباح ذبيحته كعابد الوثن ". (4)
كما أن أبا يوسف من الحنفية ذهب إلى حل ذبيحة المرتد المراهق، لأن ردة المراهق من وجهة نظره- رحمه الله- غير صحيحة، وقد خالفه أبو حنيفة ومحمد، حيث اعتبرا ردته صحيحة, وهذا هو الرأي المفتى به في المذهب (5)
__________
(1) انظر البدائع: 5/ 45
(2) انظر شرح الخرشي على سيدي خليل: 3/ 3
(3) البدائع، للكاساني: 5/ 45؛ المغني، لابن قدامة: 8/ 565
(4) انظر المغني: 8/ 565
(5) انظر البدائع: 5/ 45(10/245)
التسمية:
التسمية على الذبيحة معتبرة حال الذبح أو قريبا منه، والحكمة من مشروعيتها، أن ذكر اسم الله على الذبيحة يطيبها، ويطرد الشيطان عن الذابح والذبيحة.
وقد اختلف الفقهاء في وجوبها على ثلاثة مذاهب:
المذهب الأول:
أنها شرط مع الذكر، وتسقط بالسهو، هذا ما نص عليه الحنفية في كتبهم، قال الكاساني في معرض ذكره لشروط الذبح: "ومنها التسمية حالة الذكر عندنا". (1) وهذه وجهة نظر المالكية أيضا، قال سيدي خليل: "وتسمية إن ذكر" , وقد عقب الخرشي على ذلك بقوله: "إن التسمية أيضا واجبة مع الذكر في الذكاة من حيث هي، فيقول: باسم الله والله أكبر، عند الذبح وعند النحر، وعند الإرسال في العقر". (2) وهذا هو المشهور من مذهب أحمد، وهو مذهب كثير من علماء السلف- رحمهم الله تعالى- منهم ابن عباس والثوري وإسحاق وعطاء وطاوس وسعيد بن المسيب والحسن وغيرهم.
دليل هؤلاء العلماء رحمهم الله تعالى:
ا- قوله عز وجل {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121]
وجه الاستدلال بالآية من وجهين:
أحدهما: أن مطلق النهي يفيد التحريم في حق العمل.
والوجه الآخر: أن الله عز وجل اعتبر أكل ما لم يذكر اسم الله عليه فسقاً، حيث قال: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ولا فسق إلا بارتكاب المحرم.
وأجابوا عما لو قيل: إن النهي ينصرف إلى الميتة وذبائح أهل الشرك كما جاء في سبب نزول الآية؛ بما يلي:
أ) إن العام لا يخص بالسبب عندنا، بل العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب.
ب) إن حرمة الميتة وذبيحة المشرك قد ثبتت حرمتها بنصوص أخرى، منها قوله عز وجل {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] وقوله جل وعلا: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: 5] وغيرها من النصوص الأخرى، فحمل النص الذي استدللنا به على حرمة متروك التسمية عمدا يكون أولى، وفيه فائدة جديدة أيضا.
__________
(1) البدائع: 5/ 46.
(2) انظر الخرشي: 3/ 15(10/246)
2- واستدلوا أيضا بقوله عز وجل: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] حيث ورد الأمر بذكر اسم الله عند الذبح، ومطلق الأمر الوجوب في حق العمل، ولو لم يكن شرطا لَمَا وجب.
3- واستدلوا كذلك بالسنة النبوية الشريفة، منها ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن أكل صيد الكلب إذا شاركه في الصيد كلب آخر، وقد علل صلى الله عليه وسلم عدم الأكل بترك التسمية، فدل على أنها شرط (1)
__________
(1) والحديث كما رواه الشعبي عن عدي بن حاتم- رضي الله عنهما- قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد الكلب، فقال: (ما أمسك عليك ولم يأكل منه فكله، فإن أخذه ذكاته، فإن وجدت عند كلبك غيره فحسبت أن يكون أخذه معه وقد قتله فلا تأكل، لأنك إنما ذكرت اسم الله تعالى على كلبك ولم تذكره على كلب غيرك) . وقد استدل بالأثر الكاساني؛ أنظر البدائع: 5/ 46(10/247)
المذهب الثاني:
وهو للشافعية، ويقتضي مذهبهم بعدم اشتراط التسمية عند الذبح، فلو تركها المذكي عمدا أو سهوا حلت ذبيحته، واعتبروها سنة، مستدلين بالأدلة التالية:
أ- قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ} [المائدة: 3] إلى قولى عز وجل: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] . وجه الاستدلال من الآية أنها أباحت المذكى دون ذكر التسمية، ولو كانت شرطا لنص عليها.
ب- إن الله تعالى أباح طعام أهل الكتاب، وهم في الغالب لا يسمون عند الذبح، مما يدل على أنها غير واجبة.
ج- ومن أدلتهم بالسنة النبوية، ما رواه البخاري عن عائشة - رضي الله عنها- أنها قالت ((إن قوما قالوا: يا رسول الله، إن قومنا حديثو عهد بالجاهلية يأتونا بلحم لا ندري أذكروا اسم الله عليها أم لم يذكروا، أنأكل منها؟ فقال: "اذكروا اسم الله وكلوا".))
واستدلوا أيضا بروايات أخرى يستفاد منها عدم إلزام المذكي بالتسمية.(10/248)
جواب الشافعية على أدلة المخالفين لهم في الرأي:
ا- أجابوا عن قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ليس المقصود من الآية أن عدم ذكر الله على الذبيحة يوصف بالفسق، إذ جملة (وإنه لفسق) غير معطوفة على ما قبلها، وذلك للتباين التام بين المعطوف والمعطوف عليه، فالأولى فعلية إنشائية والثانية اسمية خبرية، ولا يجوز أن تكون جوابا لمكان الواو، فتعين أن تكون حالية، فتقيد النهي بحال كون الذبح فسقا، والفسق في الذبيحة مفسر في القرآن الكريم بما أهل لغير الله به، ونحن نقول بحرمته في هذه الحالة.
وعززوا توجيههم هذا لهذه الآية بما روي عن ابن مسعود وابن عباس - رضي الله عنهما- وآخرين "أن المراد بما لم يذكر اسم الله عليه الميتة، وذلك أن مجوس الفرس قالوا لقريش: "تأكلون مما قتلتم ولا تأكلون مما قتل الله؟ " فأنزل الله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} (1)
2- وأجابوا عن الآثار التي تلزم الصائد بالقوس أو الكلب المعلم بالتسمية، حيث ورد في بعضها:"وما صدت بكلبك المعلم فاذكر اسم الله ثم كل ". فقالوا: "إن الأمر يحمل على الندب لا الوجوب " (2)
__________
(1) مغني المحتاج، للخطيب الشربيني: 4/ 272
(2) مغني المحتاج، للخطيب الشربيني: 4/ 272(10/249)
جواب الحنفية عن أدلة الشافعية:
أجاب الكاساني عن بعض ما استدل به الشافعية بما يلي:
ا- أجاب عن قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [الأنعام: 145] الآية أن المخاطب بالآية الكريمة هو الرسول- عليه الصلاة والسلام- كان يجد وقت نزول الآية محرما سوى المذكور فيها، فاحتمل أنه كان كذلك وقت نزول الآية، ثم وجد تحريم متروك التسمية بعد ذلك لما تلونا من قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] كما كان لا يجد تحريم كل ذي ناب من السباع وكل ذي مخلب من الطير، وتحريم الحمار والبغل عند نزول الآية، ثم وجد بعد ذلك بوحي متلو أو غير متلو على ما ذكرنا.
2- أنكر الحنفية على القائلين: أن متروك التسمية عمدا ليس بميتة، بل هو ميتة، مع أنه لا يجد فيما أوحي إليه محرما سوى المذكور في الآية، وأضافوا قائلين: نحن لا نطلق اسم المحرم على متروك التسمية عمدا، إذ المحرم المطلق ما ثبتت حرمته بدليل مقطوع به، ولم يوجد ذلك في محل الاجتهاد (1)
__________
(1) انظر البدائع: 5/ 47(10/250)
الرأي الراجح:
من خلال ما ذكرناه من أقوال الفريقين المختلفين بشأن التسمية عند الذبح وبيان أدلة كل فريق منهما، يترجح لنا رأي القائلين: بوجوب التسمية لوجاهة أدلتهم.
ما المراد بالتسمية؟
ا- يرى الفقهاء القائلون بوجوب التسمية عند الذبح، أن ذكر أي اسم من أسماء الله عز وجل يفي بالغرض، بناء على ما يأتي من الأدلة:
ا- قوله تعالى {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] ، من غير فصل بين اسم واسم. وقوله عز شأنه: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ} [الأنعام:121] فإذا ذكر اسم الله عليه، لم يكن المأكول داخلا في المنهي عنه.
ب- وكذا ما جاء في حديث عدي بن حاتم، رضي الله عنه: "إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل ... ". فالحديث النبوي الشريف لم يفصل بين اسم وآخر.
2- أن يقصد الذابح بها التسمية على الذبيحة، ولو قصد بها افتتاح العمل لا تحل ذبيحته؛ لأن الله سبحانه وتعالى أمرنا بذكر اسم الله عند الذبح، فيجب أن تتجه نية الذابح في التسمية لهذا.
3- أن يقصد بذكر اسم الله تعظيمه على الخلوص، دون أن يشوبه معنى الدعاء، حتى لو قال عند الذبح: "اللهم اغفر لي " فلا تعتبر تسمية.
4- ومن شروط التسمية أيضا عند القائلين بوجوبها عند الذبح، تجريد اسم الله عن اسم غيره، حتى لو كان اسم النبي صلى الله عليه وسلم، حتى لو قال: "باسم الله واسم الرسول " لا تحل ذبيحته، لأنه قد أهل لغير الله به.(10/251)
وقت التسمية:
إن وقت التسمية في الذكاة الاختيارية هو وقت الذبح، فلا تتقدم عليه إلا بزمان قليل لا يمكن التحرز عنه، لأن النهي قد جاء عن أكل كل ما لم يذكر اسم الله عليه، ومراد النهي الامتناع عن أكل المذبوح الذي لم يذكر اسم الله عليه عند الذبح، أي ساعة الذبح.
أما وقت التسمية في الذكاة الاضطرارية فهو وقت الرمي والإرسال لا وقت الإصابة، لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم، رضي الله عنه، حين سأله عن صيد المعراض والكلب: ((إذا رميت بالمعراض وذكرت اسم الله عليه فكل، وإذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل)) . وقوله: (عليه) أي على المعراض والكلب، ولا تقع التسمية على السهم والكلب إلا عند الرمي والإرسال، فكان وقت التسمية فيها هو وقت الرمي والإرسال (1)
__________
(1) انظر البدائع: 5/ 48، 49(10/252)
آلة الذبح:
من شروط صحة الذكاة استعمال آلة في الذبح ينحر بها المذبوح، لما روي عن رافع بن خديج قال: قلت يا رسول الله: إنا نلقى العدو غدا وليس معنا مدى (1) ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر، وسأخبركم عدا ذلك أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) رواه الجماعة. والحكمة في اشتراط إنهار الدم تمييز حلال اللحم والشحم من حرامها، وتنبيه إلى أن تحريم الميتة كان بسبب بقاء دمها الخبيث فيها.
وقد اشترط جمهور الفقهاء في آلة الذبح شرطين:
الأول: أن تكون محددة تقطع أو تخرق بحدها لا بثقلها.
الثاني: أن لا تكون سنا ولا ظفرا.
فإذا اجتمع هذان الشرطان في شيء، حل الذبح سواء كان حديدا أو حجرا أو بلطة أو خشبا.
هذه هي وجهة نظر الحنابلة (2) والشافعية (3) وقول للإمام مالك (4) وهو رأي أبي ثور وإسحاق وعمرو بن دينار من فقهاء السلف، رحمهم الله (5) .
وقد اعتمد هؤلاء الفقهاء- رحمهم الله- في رأيهم على الآثار الواردة بذلك، ومنها حديث رافع بن خديج السابق.
__________
(1) مدى: جمع مدية وهي السكين، وسميت مدية لأنها تقطع مدى حياة الحيوان أي عمره، فسميت الآلة بها تجوزا، وسميت السكين سكيناً لأنها تسكن حركة الحيوان.
(2) انظر المغني: 8/ 574
(3) مغني المحتاج، للخطيب الشربيني: 4/ 273
(4) انظر الخرشي على سيدي خليل: 3/ 17، وقد حكى خلاف فقهاء المذهب في جواز الذبح بالعظم والسن على ثلاثة أقوال: (أحدها: لا تجوز الذكاة بهما مطلقا، وهو قول مالك في كتاب ابن المواز، قال ابن القصار: هذا هو حقيقة مذهب مالك، وقال الباجي عن هذا القول: هو الصحيح ".
(5) المغني: 8 / 574(10/253)
في حين يرى الحنفية جواز الذبح بالسن والظفر إذا كانا منزوعين، مع الكراهة (1)
وقد عللوا الجواز بقولهم: "إن قطع الأوداج من الحيوان هو المقصود، وقد تحقق، فصار الذبح بالظفر والسن كالذبح بالمروة وليطة القصب، فكما يصح الذبح بهما كذلك يصح فيما ذكرنا".
وقد أجابوا عن حديث رافع بن خديج، أن النهي منصب على السن القائم والظفر القائم، لأن الحبشة إنما كانت تفعل ذلك لإظهار الجلادة، وذلك بالسن القائم لا بالمنزوع.
وقد عززوا قولهم هذا بما جاء في بعض الآثار: "إلا ما كان قرضا بسن أو حَزًّا بظفر". والقرض إنما يكون بالسن القائم (2)
وحكي مثل هذا الرأي عن مالك في قول له رواه عنه ابن حبيب - أحد فقهاء المذهب (3)
وللإمام مالك قول ثالث، أجاز فيه الذبح بالسن والظفر مطلقا، سواء كانا متصلين أو منفصلين، وقد اختار ابن القصار- أحد فقهاء المذهب- هذا الرأي. وقد اختلفت كتب المذهب في تفسير قول مالك الأخير هذا؛ هل هو محمول على الضرورة أم لا؟
وقد ذكر الخرشي ما يفيد أنها تصح ولو بدون ضرورة، ولكنها مع الإساءة، كما قال أبو محمد من فقهاء المذهب (4)
والرأي المختار هو الرأي القائل: بجواز الذبح بالسن والظفر إذا كانا مخلوعين كما هو حال الذابح بالمحدد من حديد أو قصب، لأن النحر بهما يكون بحدهما لا بقوة الإنسان، وهذه هي وجهة نظر الحنفية، وإليه ذهب مالك في قول له.
__________
(1) انظر البدائع: 5/ 42
(2) انظر البدائع: 5 / 42
(3) انظر الخرشي على سيدي خليل: 3/ 17
(4) انظر الخرشي على سيدي خليل: 3/ 17(10/254)
حكم الذكاة بالعظم:
مما أثاره فقهاء المسلمين في آلة الذبح: الذبح بالعظم من غير السن والظفر، وقد ذهب جمهورهم إلى جواز النحر بالعظم على خلاف ما ذكروه في السن والظفر.
فقد أجاز الحنفية الذبح بالعظم (1) ، وبه قال المالكية (2) والحنابلة (3) دليلهم في هذا: أن العظام يتناولها سائر الأحاديث العامة المبيحة للنحر بها، وذلك لحصول المقصود بها، فأشبهت سائر الآلات (4)
وقال الشافعية: بعدم صحة النحر بالعظم، لأن علة تحريم الذبح
بالسن لأنه عظم، فحرمة الذبح بالعظم من باب أولى، كما حكوا سببا آخر في تحريم الذبح به، وهو أنه من باب التعبد، لأنه ينجس بالدم، وقد نهينا عن الاستنجاء بالعظم، خوفا من تنجسها، لكونها طعام إخواننا الجن. (5) ورأي الجمهور هو المختار، لأن نهر الدم يحصل به كما هو الحال في المحدد، وهو المقصود من التذكية.
__________
(1) انظر البدائع: 5/ 42
(2) انظر الخرشي: 3/17، وقد جاء فيه ما نصه: "وروي عن مالك جواز الذكاة بالعظم مطلقا".
(3) انظر المغني: 8/ 574
(4) المغني، لابن قدامة في: 8/ 575
(5) انظر مغني المحتاج: 4/ 273(10/255)
محل الذبح من الحيوان:
اتفق الفقهاء على أن محل الذبح هو الحلق واللبة، ولا يجزئ الذبح في غير هذا المحل، وقد اختص الذبح بهذا المحل، لأنه مجمع العروق، فيحصل بالذبح فيه إنهار الدم، ويسرع زهوق الروح؛ فيكون أطيب للحم وأخف على الحيوان.
وقد روى سعيد بن جبير عن ابن عباس، رضي الله عنهما: "الذكاة في الحلق واللبة" (1)
والذكاة في الحلق- وهو أعلى العنق- تسمى ذبحا، ويكون ذلك فيما عدا الإبل؛ والذكاة في اللبة تسمى نحرا، وذلك بالنسبة للإبل خاصة. واللبة: هي الوهدة التي بين أصل العنق والصدر، أي الثغرة التي في أسفل العنق، أو موضع القلادة من الصدر (2) .
__________
(1) روي هذا الحديث النسائي وكذا عن عمر وجابر مرفوعا من وجه واه؛ انظر فتح الباري: 9/ 641
(2) انظر أحكام الأطعمة والذبائح في الفقه الإسلامي، للدكتور أبو سريع محمد عبد الهادي، دار الجيل- بيروت، ص 159(10/256)
ما يجب قطعه من الحيوان:
اختلف الفقهاء فيما يكتفى به من القطع من الحيوان من الأعضاء الأربعة؛ الحلقوم، المريء، الودجين (1) وذلك على النحو التالي:
ا- الرأي عند أبي حنيفة، أن المعتبر في الذبح قطع أكثر الأوداج، وهو ثلاثة منها، أيَّ ثلاثة كانت، وترك واحد منها يحل. وقال أبو يوسف: "لا يحل حتى يقطع الحلقوم والمريء وأحد العرقين ". وقال محمد: "لا يحل حتى يقطع من كل واحد من الأربعة أكثره ".
وجه قول محمد: أنه إذا قطع الأكثر من كل واحد من الأربعة فقد حصل المقصود بالذبح وهو خروج الدم، لأنه يخرج ما يخرج بقطع الكل. وجه قول أبي يوسف: أن كل عرق من العروق الأربعة يقصد بقطعه غير ما يقصد به الآخر، لأن الحلقوم مجرى النفس والمريء مجرى الطعام والودجين مجرى الدم، فإذا قطع أحد الودجين حصل بقطعه المقصود منهما، وإذا ترك الحلقوم لم يحصل بقطع ما سواه المقصود منه، ولذلك اختلفا.
ولأبي حنيفة أن قطع الأكثر من العروق الأربعة، وللأكثر حكم الكل فيما بني على التوسعة في أصول الشرع، والذكاة بنيت على التوسعة حيث يكتفى فيها بالبعض بلا خلاف بين الفقهاء، وإنما اختلفوا في الكيفية، فيقام الأكثر منها مقام الجميع (2)
__________
(1) الحلقوم: هو مجرى النفس، المريء: هو مجرى الطعام، الودجان: هما عرقان في صفحتي العنق يحيطان بالحلقوم، وقيل يحيطان بالمريء
(2) انظر البدائع، للكاساني: 5/ 41، 42(10/257)
2- المالكية: قالوا: إن شرط صحة الذكاة قطع الحلقوم، وهي القصبة التي هي مجرى النفس، وكذا الودجين، وهما عرقان في صفحتي العنق يتصل بهما أكثر عروق البدن ويتصلان بالدماغ، وأضافوا: أن شرط صحة التذكية أن يكون من مقدم العنق لا من المؤخر (1)
3- الشافعية: ويقضي مذهبهم بالاكتفاء بقطع كل الحلقوم وكل المريء، وقالوا باستحباب قطع الودجين، لأنه أسهل لخروج الروح، فهو من الإحسان في الذبح، وعللوا عدم القول بوجوب قطع الودجين، بأنهما قد يسلان من الحيوان فيبقى على قيد الحياة، وما هذا شأنه لا يشترط قطعه كسائر العروق (2)
وبهذا قال الحنابلة في رواية عنهم، وعن الإمام أحمد رواية أخرى، تتفق مع مذهب المالكية، حيث اشترط فيها قطع الحلقوم والمريء والودجين (3) ، مستدلا على ذلك بما رواه أبو هريرة رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان، وهي التي تذبح فتقطع الجلد ولا تفري الأوداج ثم تترك حتى تموت)) رواه أبو داود.
ورأي الشافعية هو المختار، لأن المقصود هو إزالة الحياة بطريق شرعي، وبقطع الحلقوم والمريء يفقد الحيوان حياته، وبذلك تتحقق الذكاة الشرعية, والله أعلم.
__________
(1) انظر الخرشي: 3/ 4
(2) انظر مغني المحتاج: 4/ 271
(3) المغني، لابن قدامة: 8/ 575(10/258)
حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين:
في ختام بحثنا للذبائح والطرق الشرعية للذكاة. أود أن أبين في ختام بحثنا هذا حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين على ضوء ما ذكرناه من آراء فقهية في هذا البحث.
فأقول وبالله التوفيق: لقد صدرت عن بعض العلماء المعاصرين فتاوى في حكم ذبائح أهل الكتاب من اليهود والنصارى في عصرنا هذا، منها ما يحظر ذبائح أهل الكتاب اليوم مطلقا، ومنها ما يحل ذبائحهم مطلقا، ومنها ما يحل ذبائحهم ضمن قيود وشروط، ومن هذه الفتاوى:
ا- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا:
قال الشيخ محمد رشيد رضا في كتابه الفتاوى إجابة على سؤال من سنغافورة: "إن المسألة ليست من المسائل التعبدية، وأنه لا شيء من فروعها وجزئياتها يتعلق بروح الدين وجوهره إلا تحريم الإهلال بالذبيحة لغير الله تعالى، لأن هذا من عادات الوثنيين وشعائر المشركين، فحرم علينا أن نشايعهم عليه أو نشاركهم فيه.
ولما كان أهل الكتاب قد ابتدعوا وسرت إليهم عادات كثيرة من الوثنيين الذين دخلوا في دينهم لا سيما النصرانية، وأراد الله تعالى أن نجاملهم ولا نعاملهم معاملة المشركين، استثنى طعامهم فأباحه لنا بلا شرط ولا قيد.
كما أباح لنا التزوج منهم مع علمه بما هم عليه من نزعات الشرك التي صرح فيها بقوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [يونس: 18] على أنه حرم علينا التزوج بالمشركات بالنص الصريح، ولم يحرم علينا طعام المشركين بالنص الصريح ... " (1)
ثم يقول: "ولأجل كون حل طعام أهل الكتاب ورد مورد الاستثناء من المحرمات المذكورة بالتفصيل في سورة المائدة صرح بعض أئمة السلف بأن النصراني إذا ذبح لكنيسته فإن ذبيحته تؤكل، مع أن الإجماع على أن المسلم إذا ذبح وذكر اسم النبي أو الكعبة، فإن ذبيحته لا تؤكل " (2)
ويختم فتواه بقوله: "إن الحكمة من إباحة طعام أهل الكتاب مجاملتهم ومحاسنتهم دون النظر إلى طريقة ذبحهم أو طبخهم ".
وقد سبق للأستاذ محمد رشيد رضا أن ذكر في تفسيره المنار أن قال:"إن المقصود بالتذكية إزهاق روح الحيوان دون تعذيبه، وتجوز بأية وسيلة تؤدي إلى ذلك، ولو كانت بالقتل الكهربائي دون الذبح وإنهار الدم ". (3)
__________
(1) فتاوى محمد رشيد رضا: 1/ 352، جمعها وحققها الدكتور صلاح الدين المنجد ويوسف خوري، نقلا عن كتاب حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس، دار العدوي للطباعة والنشر- عمان، الأردن، ص 64
(2) فتاوى محمد رشيد رضا: 1/ 353.
(3) انظر تفسير المنار: 6/ 120(10/259)
2- لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:
لقد صدرت عن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف فتويان:
الأولى: وتقضي بأن الأطعمة المستوردة من بلاد أهل الكتاب حلال ما لم يعلم أنهم سموا عليها غير الله، أو ذبحت بغير الذكاة الشرعية كالخنق والوقذ، ومن باب أولى ما علم أنها من الخنزير أو الميتة أو الدم.
وقد صدرت هذه الفتوى في عهد الشيخ عبد المجيد سليم رحمه الله.
وقد أفتى الشيخ محمود شلتوت- رحمه الله- بمثل ذلك (1)
والفتوى الثانية: تقضي بأن الأطعمة المستوردة من بلاد أهل الكتاب حلال ما لم تتحقق أنها من المحرم لذاته، وهو الميتة والخنزير والدم، وكل ما وراء ذلك فهو حلال وإن تحققنا أنه أهل به لغير الله أو لم يذك بالذكاة الشرعية الإسلامية (2)
وقد صدرت هذه الفتوى في عهد الشيخ مصطفى المراغي- رحمه الله- وقد سبق لجنة الفتوى بالأزهر إلى هذه الفتوى الشيخ محمد عبده رحمه الله , وأيده في ذلك محمد رشيد رضا رحمه الله، كما ذكرنا ذلك قبل قليل.
كما صدرت فتاوى أخرى من بعض المشايخ المعاصرين منهم المتشدد ومنهم المتساهل.
جل اعتماد الفتاوى المتشددة مستند إلى أن هذه اللحوم التي تستورد من بلاد كتابية أو غير كتابية لا تذبح على الطريقة الشرعية في نظر أصحاب تلك الفتاوى، إذ غالبا ما يجري الذبح في تلك البلاد بالوسائل التالية:
1- تزهق روح الحيوان في بعض البلاد بضربه على جبهته بمحتوى مسدس، ثم يهوي إلى الأرض، ثم يسلخ.
2- تضرب جبهة الحيوان في بلاد أخرى بحديدة فيموت دون ذبح، ثم يسلخ.
3- الدجاج يصعق بالتيار الكهربائي بمسدس في أعلى لسانه، فتزهق أرواحه، ثم يمر على آلة تقوم بنزع ريشه.
__________
(1) انظر تفسير القرآن للشيخ محمود شلتوت، ص 292، 293
(2) انظر تفسير المنار: 6/ 162؛تفسير القران للشيخ محمود شلتوت، ص 293(10/260)
وقد نقل بعض المسلمين الذين زاروا البلاد الأوروبية والأمريكية الطرق المذكورة التي يستخدمها سكان هذه البلاد في تذكية حيواناتهم.
أما مستند القائلين بتحليل اللحوم المستوردة من البلاد التي أهلها أهل كتاب، فيستندون إلى عموم الآيات القرآنية والآثار النبوية التي تبيح طعامهم، ويحرمون ما جاءنا من بلاد لا يدين أهلها بكتاب سماوي؛ كالبلدان الشيوعية والبوذية ونحوها.
الرأي المختار في اللحوم المستوردة من بلاد غير إسلامية:
بعد هذا العرض لآراء الفقهاء- رحمهم الله تعالى- في الذكاة الشرعية وما يشترط فيها، وبعد ذكرنا لآراء بعض فقهائنا المعاصرين في اللحوم المستوردة، أرجح من تلك الآراء الرأي القائل:
ا- اللحوم التي تأتي من بلاد لا تؤمن بدين سماوي كالشيوعية وغيرها حرام، إلا إذا علمنا علم اليقين أن الذي قام بالذبح مسلم أو كتابي، أما ما يأتي منها من مطعومات أخرى غير الذبائح فهو حلال كالحبوب والخضروات والفواكه والأسماك.
2- اللحوم التي تأتينا من أهل الكتاب، يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:(10/261)
القسم الأول: ما علم أنه ذبح على الطريقة الشرعية، كما لو أخبرنا بذلك من يوثق بكلامه، فهذا حلال.
القسم الثاني: ما علم أنه ذبح على غير الطريقة الشرعية بيقين، أو أهل به لغير الله، فهذا حرام.
القسم الثالث: ما جهل حاله، فلا ندري على أي صفة تمت تذكيته، وكان مصدره إحدى الدول التي تدين بدين سماوي- أي من أهل الكتاب- فالذي أميل إليه، والله أعلم، حل هذه الذبائح للأدلة التالية:
أ- إن اليقين لا يزول بالشك، فاليقين هو حل طعام أهل الكتاب بالنص، لايزول بالشك في شرعية الذبح أو عدمها، لأن حل الطعام لا يزول بالشك، ولا يحرم إلا بالتأكيد بأنها وردت من بلاد لا دينية، أو ذبحت على خلاف الطريقة الشرعية.
ب- إن الرسول صلى الله عليه وسلم أكل من الشاة المهداة إليه من المرأة اليهودية بدون أن يسأل عن كيفية ذبحها، وكثير من الصحابة فعلوا ذلك، ولسنا مأمورين بالبحث في طريقة ذبح كل ذبيحة، إلا أن الواجب علينا أن نتحرى عن الذابح، ما إذا كان مسلما أو كتابيا، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم عرف أن الشاة من امرأة كتابية.
أ- روي عن عائشة - رضي الله عنها- أن قوما كانوا حديثي عهد بالإسلام يأتوننا باللحم، ولا ندرى أذكر اسم الله عليه أو لا، فقال صلى الله عليه وسلم: ((سموا أنتم وكلوا)) ، فإذا كان مجهول الحال بالنسبة إلى التسمية عند القائلين بوجوبها يؤكل بعد تسمية الآكل عليه، فكذلك مجهول الحال في طريقة الذبح؛ يسمي الآكل عليه ويأكله.
هذا والله أعلم.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
أ. د إبراهيم فاضل الدين(10/262)
مصادر البحث
* (بعد القرآن الكريم)
1- صحيح البخاري.
2- سنن أبي داود.
3- بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع، للإمام أبي بكر بن مسعود الكاساني الحنفي، الطبعة الثانية، 1406هـ/ 1986م، دار الكتب العلمية- بيروت.
4- الخرشي على مختصر سيدي خليل وبهامشه حاشية العدوي ,دار الكتاب الإسلامي لإحياء ونشر التراث الإسلامي- القاهرة.
5- المغني، لابن قدامة المقدسي، على مختصر أبي القاسم عمر بن حسين الخرقي. الناشر: مكتبة الجمهورية العربية، مكتبة الكليات الأزهرية- القاهرة.
6- رد المحتار على الدر المختار، شرح تنوير الأبصار (حاشية ابن عابدين) للعلامة محمد أمين بن عابدين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي.
7- نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، للشيخ شمس الدين محمد بن شهاب الدين الرملي.
8- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للشيخ محمد الشربيني الخطيب، على متن المنهاج لأبي زكريا يحيى بن شرف النووي،شركة مصطفى البابي الحلبي بمصر، 1377هـ/ 1958م.
9- بداية المجتهد ونهاية المقتصد، لابن رشد. محمد بن أحمد القرطبي، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية.
10- الفتاوى الكبرى لابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم أبو العباس تقي الدين ابن تيمية الإمام، دار الكتب الحديثة 14 شارع الجمهورية، مطبعة دار الجهاد بالقاهرة، 1385 هـ/ 1965 م.
11- كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار، للإمام تقي الدين أبي بكر بن محمد الحسيني الحصني الدمشقي الشافعي، تحقيق علي عبد الحميد بلطه جي ومحمد وهبي سليمان، الطبعة الأولى 1412هـ/ 1991 م، دار الخير- بيروت.
12- الاختيار لتعليل المختار، تأليف عبد الله بن محمود بن مولود الموصلي الحنفي، الطبعة الثانية، مطبعة مصطفى البابي الحلبي بمصر، 1370 هـ/ 1951م.
13- أحكام الأطعمة والذبائح في الفقه الإسلامي، للدكتور أبو سريع محمد عبد الهادي، دار الجيل- بيروت.
14- حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس، دار العدوي- عمان، الأردن.(10/263)
الذبائح
والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة
إعداد
الدكتور محمد سليمان الأشقر
أستاذ الشريعة الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد
الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي المتقين، وأشهد أن محمدا رسول الله إلى الناس أجمعين، ختم الله به الرسالات، وجعله رحمة للعالمين، وصلى الله عليه وعلى آله الطيبين، وصحبه الهداة المهديين، وسلم تسليماً كثيرا.
إن الكلام في الذبائح وطرق الذبح مما يهم كل مسلم التعرف عليه وعلى الطرق الشرعية فيه، حيث إنه من الوسائل التي يتحقق بها للمسلم طيب المطعم وحله، والله تعالى أرسل رسوله يحل لنا الطيبات ويحرم علينا الخبائث، فما حرمه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم فلا شك عند المسلم أنه خبيث، وإن لم ير فيه ضررا ظاهرا، وما أحله فهو الطيب.
والله تعالى أمرنا أن نستحل ما أحله لنا، وأن نحرم ما حرمه علينا، قال الله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ، وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ وَإِنَّ كَثِيرًا لَّيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِم بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} [الأنعام: 118-119] ، وهذا تنبيه على قبح فعل من يسارع إلى تحريم ما أحله الله بناء على هوى أو جهل، وقال تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121](10/264)
وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا، فهو المسلم)) ، فقرن صلى الله عليه وسلم التزام الإنسان بأحكام الشريعة في الذبائح بالصلاة واستقبال القبلة في تحديد هوية المسلم، لأن هذه الأمور الثلاثة تجمع المسلمين على أمور ظاهرة، فالذبح الشرعي شعيرة من شعائر الدين، يجب أن تقام ويعتنى بها كل الاعتناء (1)
وليس معنى قولنا: "إن الذبح شعيرة" أنه عبادة يتعبد الله تعالى بها في كل حال، كما قاله ابن القيم ومن تابعه (2) ، لأنه إنما يكون عبادة إن ذبح لوجه الله تعالى ابتغاء مرضاته، كالأضحية، والعقيقة، والقربان، والهدي، ونحو ذلك، أما إن ذبح لمجرد اللحم، سواء للأكل أو الإطعام أو البيع، فليس عبادة على الإطلاق.
ولكن مرادنا بالقول إنه من شعائر الدين أن إجراء عملية الذبح طبقا للقواعد والضوابط التي حددها الكتاب والسنة أمر مطلوب من المسلم مراعاته، واعتقاد أنه من الأمور التي يكون الالتزام بها ورعايتها من شأن المؤمن القوي الإيمان، ونحن ناظرون في هذا إلى قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((من صلى صلاتنا، واستقبل قبلتنا، وأكل ذبيحتنا فهو المسلم)) .
ومن هنا ينبغي أن يشكر اهتمام مجمع الفقه بهذه القضايا وحشده لها، فإن كل ذلك من تعظيم شعائر الله وتكريم شرائعه.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
__________
(1) وانظر المودودي: ذبائح أهل الكتاب، ص 6؛ وكتاب بحوث مقارنة للدكتور فتحي الدريني: 2/ 360
(2) إعلام الموقعين: 2/ 173، 174؛ حكم اللحوم المستوردة للدكتور محمد عبد القادر أبو فارس، ص 11(10/265)
تعريف التذكية:
التذكية ذبح الحيوان أو نحره أو عقره بكيفية أو أوضاع معينة بينتها الشريعة، بحيث يكون لحمه حلالا للمسلم. وهي تكون بطريقتين:
الأولى: الذبح أو النحر، وذلك في الحيوان الذي يتمكن منه، كالإبل والبقر والغنم.
الثانية: ضربه بمحدد من سهم أو رمح في أي موضع من بدنه، بحيث يخرج منه الدم، وذلك في الصيد ونحوه، لأنه لا يتمكن منه إلا بذلك، فإن صاده فأدركه حيا وتمكن من تذكيته بالذبح لم يبح إلا بأن يذبحه.
حكمة مشروعية التذكية:
إنه باستقراء دلالة النصوص الشرعية في الكتاب والسنة يمكن أن يفهم أن التذكية شرعت لأمرين:
الأول: إخراج ما في بدن الحيوان من الدم، وذلك لأن الدم في المفهوم الشرعي مادة خبيثة، وقد جعل الله تعالى الدم أحد المحرمات القطعية الأربع التي كرر ذكرها مقترنة في آيات كثيرة وهي الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به، فلا يجوز تناول الدم أصلا، ويجب إخراجه من الحيوان بالذبح، ليطيب اللحم ويخلص من هذه المادة الخبيثة (1) ، ولكن لما كان تتبع ما يبقى من اللحم في العروق عسيرا اقتصر التحريم على الدم المسفوح، أما الدم الذي يجمد في العروق فلم يحرم، بل تشمله رخصة الله تعالى تيسيرا على المؤمنين.
__________
(1) انظر فتح القدير: 9/ 486؛ والذخيرة للقرافي: 4/ 133(10/266)
وقد يدعي البعض أن خبث الدم مجرد دعوى لا حجة لها.
ولكن نعرف أن الدم يجري في البدن يغذيه، ثم تصب فيه الخلايا التالفة والسموم والجراثيم، فيحملها في جريانه، ويمر بها على الكليتين لتصفيته هناك منها، وإخراجها بشكل السائل المعروف بالبول، الذي هو من أخبث الخبائث، واجتمعت على إثبات خبثه بدهيات العادات، ومقررات الشرائع، وكرهته واستخبثته الفطر السليمة، لما جعل الله تعالى فيه من الروائح المنفرة لكي يتجنبه من يعلم ضرره ومن لا يعلمه.
فالدم الذي يحتوي مما على هذا البول حرمته الشريعة، لكمالها، ولم تنص على تحريم البول، لأن البول يتجنب بالفطرة، أما الدم فلا تستدعي الفطرة تجنبه، ولذلك جعلت الشريعة إخراجه من الحيوانات بالتذكية شرطا لحل لحمها، تقليلا للأضرار، وإصلاحا للأبدان، وحملا للمؤمنين على أكمل مناهج الحياة.
الثاني: أن الذبح هو أيسر الوسائل المتاحة للإنسان عادة لإخراج الدم الخبيث من الحيوان الذي يعد لحمه للأكل، فهو أيسر ما يمكن للحيوان وأقل لتألمه، لسرعة خروج الدم من الودجين، وإنهاره بقوة شديدة، وهذا يؤدى إلى إزهاق نفسه، وتخليص لحمه من دمائه، في مدة قليلة جدا بسرعة لا تحصل بجرحه في أي مكان آخر من بدنه.(10/267)
ويمكن أن نقارن ذلك بما فطر الله عليه بعض السباع من الأسود والنمور وغيرها إذا تمكنت من الفريسة، فإن الله تعالى قد ألهمها أن تقصد إلى مقدم عنق الفريسة، فتنهشه في نفس الموضع الذي شرع لنا الذبح فيه، والذي يبدو من حكمة كونه أخف على الحيوان المصيد، وإن كان الحيوان الصائد إنما يقصد إلى شرب الدم، فالشرع إذن موافق للحكمة في الخلق، وتبارك الله جل جلاله، الذي له الخلق والأمر، وهو الحكيم العليم الرؤوف الرحيم.
وقد يقال: إن هذه الحكمة منتقضة بالصيد، فإن الصيد لا يشترط فيه قطع الودجين ولا النحر، ومع ذلك فهو حلال مذكى شرعا، مع أنه لا يخرج من دمه إلا الشيء اليسير، ويبقى الجزء الأكبر من دمائه محتقنا في عروقه، وهو مع ذلك حلال لا شبهة فيه.
والجواب أن أكل الصيد رخصة أتت على خلاف ما تقتضيه العزيمة، وقد رخص فيه لعامة المسلمين، والأصل فيه أهل البوادي ونحوهم الذين تعز عندهم أحيانا اللحوم، فاكتفي منهم بما يسفكه السهم أو الكلب من دم الحيوان المصيد، ولا يحل لو قتله بثقله، ثم إن أدركه الصياد حيا وتمكن منه وجب عليه أن يذكيه بالذبح وإلا لم يحل.(10/268)
ما لا يحتاج إلى تذكية:
ليس كل حيوان بحاجة إلى التذكية ليحل، بل الذي لا يحل إلا بالتذكية هو الحيوانات الثديية البرية، وأما الحيوانات الآتي ذكرها فتحل بدون تذكية:
ا-الحيوانات المائية: التي لا تعيش إلا في ماء البحار أو الأنهار أو نحوها، فليست بحاجة إلى تذكية، لقول الله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} [المائدة: 96] وقال النبي صلى الله عليه وسلم في البحر ((هو الطهور ماؤه الحل ميتته)) , وقال أيضا: ((أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالطحال والكبد)) .
2-الحيوانات البرمائية: وهي التي تعيش في البحر وتعيش في البر أيضا، كالسلحفاة البحرية، فقد قيل فيها إنها أيضا من الحيوانات البحرية، ولذا لا تحتاج إلى تذكية.
وفي قول آخر للفقهاء أن جانب كونها تعيش في البر يرجح على معيشتها في البحر، كالقاعدة في الأطعمة والانكحة إذا اجتمع فيها ما يقتضي الحل وما يقتضي التحريم، وعلى هذا فما كان من الحيوانات البرمائية ذا دم سائل لابد من ذبحه، وما لم يكن له دم سائل كالسرطان، يحل بدون ذبح.(10/269)
وفي رأينا أن الحكم للأغلب، فما كانت عامة معيشته في البحر، ولكن يخرج إلى البر قليلا، كالسلحفاة البحرية التي لا تخرج إلى البر إلا لتبيض وتدفن بيضها في رمل الشاطئ، ثم تعود إلى البحر فورا، فهذه حكمها حكم حيوان البح تحل بدون ذكاة، وما كان عامة حياته في البر، ولكن لو وجد حواليه ماء فإنه يدخل فيه ويمكنه العيش فيه مدة، كالحيات والسلاحف البرية، فهذا لا يحل إلا بذبحه، وهذا عند من أجاز أكل الحيات (1) ، ثم وجدت في فتح الباري أن عطاء رجح ما رجحناه حيث قال: حيثما كان أكثر فهو صيد (2) .
ونقل القرافي في الذخيرة عن المدونة: لا يحتاج فرس البحر إلى ذكاة، وإن كان له رعي في البر، ولابد من ذكاة طير الماء (3)
3- الحيوانات التي ليس لها نفس سائلة (أي دم سائل) لا تحتاج إلى تذكية، سواء عاشت في البحر كالسرطان، أو في البر كالجراد.
هذا وسوف نجعل الكلام في شؤون الذكاة في أربعة فصول:
الأول: في شرط الذكاة، والأوضاع الشرعية المعتبرة فيها.
الثاني: في النظر في الطرق التي تتبع في المسالخ العصرية لإزهاق أرواح الحيوانات.
الثالث: في العمل في حالة الجهل بتحقيق شروط الذكاة في اللحم المقدم للطعام.
الرابع: في مشكلات اللحوم المستوردة.
__________
(1) المغني:606/8
(2) فتح الباري: 9/ 616
(3) الذخيرة للقرافي: 4/ 126(10/270)
الفصل الأولى
شروط التذكية الشرعية
تمثل شروط التذكية الشرعية الأوضاع التي أوجب الشرع مراعاتها ليكون أكل المذبوح حلالا.
ويلاحظ كثرة هذه الشروط، لكن بعضها إجماعي وبعضها خلافي، ومن أداه اجتهاده إلى مشروعيته فلابد له ولمن قلده من مراعاته، ومن لا فلا، غير أن الشارع الحكيم استثنى حالة الاضطرار، قال الله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] ، وقال بعد أن ذكر المحرمات من الأطعمة: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المائدة: 3] ، ومن هنا أخذت القاعدة المعروفة (الضرورات تبيح المحظورات) بقيودها المعروفة، فلا نطيل بها.
ويمكن ترتيب هذه الشروط كما يلي:
أولا: شروط في الإنسان الذابح.
ثانيا: شروط في الحيوان المذبوح.
ثالثا: شروط في الآلة التي يجري بها الذبح.
رابعا: شرط النية والقصد.
خامسا: شرط تسمية الله على الذبيحة.
سادسا: شرط عدم تسمية غير الله تعالى.
سابعا: شرط ألا يكون مما ذبح على النصب.
ثامنا: شروط في موضع ما يقطع من الحيوان بالذبح.(10/271)
أولا: الشروط في الذابح:
ا- يشترط في الذابح أن يكون عاقلا بالغا، رجلا كان أو امرأة أو طفلا مميزا، ليصح القصد والنية، وهذا عند الجمهور، ولم يشترط الشافعي أن يكون الذابح مميزا أو عاقلا، فتحل عنده ذبيحة السكران والمجنون وغير المميز، من حيث إنه لا يعتبر القصد والنية كما يأتي النقل عنه (1)
2- ويشترط أن يكون الذابح مسلما أو كتابيا، والمراد بالكتابيين:
اليهود أهل التوراة، والنصارى أهل الإنجيل، وإباحة ذبائح أهل الكتاب مسألة إجماعية، وإن اختلف العلماء في بعض التفصيلات كما يأتي، ودليل إباحة ذبائحهم قول الله تبارك وتعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5] ، ووجه الدلالة أن طعامهم الذي أحله الله يشتمل في الغالب على لحم ما ذبحوه ودهنه، وأيضا فإن ما استنبتوه من الفواكه والثمار والحبوب، أو اشتروه وطبخوه، أو صنعوه، لا إشكال فيه حتى ينص على إباحته. وإنما الذي يشك فيه الذبائح خاصة. ومن هنا فسر ابن عباس طعامهم في الآية بما ذبحوه، فقد ورد عنه أنه قال "طعامهم ذبائحهم " (2) ، وفي حديث قصة خيبر، ورد حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، قال: ((دلي بجراب شحم يوم خيبر، فنزلت لآخذه، فالتفت فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يضحك)) (3) .
وإنما جازت ذبيحة الكتابي وإن كان كافرًا لأنه كالمسلم من حيث إن أصل دينه التوحيد (4)
__________
(1) الأم: 2/ 264
(2) المغني: 8/ 567
(3) الحديث أخرجه الشيخان
(4) شرح فتح القدير: 9/ 571(10/272)
ذبائح سائر الكفار:
مفهوم هذا الشرط المتقدم أن المجوس والمشركين وسائر الكفرة وعباد الأصنام من البوذيين والهندوس وغيرهم لا تحل للمسلم ذبائحهم، وكذلك الملحدون والدهريون الذين لا يؤمنون بالله تعالى، ويعتقدون أن الكون وجد صدفة، وأن الحياة مجرد مادة تتفاعل، وتتوالد الأشياء بحسب الطبيعة المجردة، دون أن يكون لها فاعل مختار مدبر، كما هو مذهب الشيوعيين.
وتحريم ذبائح غير المسلمين وأهل الكتاب أمر مجمع عليه، قال الإمام أحمد: "لا أعلم أحدا قال بخلافه "، إلا أنه روي عن أبي ثور أنه أباح ذبائح المجوس؛ من أجل أنه ورد الحديث النبوي: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب ". وهذا خطأ من أبي ثور رحمه الله في الاستدلال، فإن هذا وارد في أخذ الجزية من المجوس، وإقرارهم أهل ذمة في البلاد الإسلامية، لا في أكل ذبائحهم أو التزوج بنسائهم، فإن الحديث وارد في هذا الشيء خاصة، كما هو معلوم في قصة ورود الحديث.
لو كان الحديث المذكور واردا مورد العموم- حسبما ادعاه أبو ثور - لكان التزوج بنساء المجوس حلالا للمسلم، وهو أمر ظاهر البطلان.
ووجه الاختصاص، والله أعلم، أن كون المجوس لهم شبهة كتاب شبهة تقتضي حقن دمائهم، وتقتضي في نفس الوقت تحريم نسائهم وذبائحهم (1) .
ولذا فالقاعدة أن من حل لنا التزوج من نسائهم حل لنا أكل ذبائحهم، ومن هنا قرنت الآية المتقدمة بين هذين النوعين من أفعال المكلفين، أعني قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ} [المائدة: 5]
وقد جادل في تحريم ذبائح الكفار من سوى أهل الكتاب بعض المعاصرين، بدعوى أن القول بذلك لا دليل له من كتاب أو من سنة.
ولا نشتغل بالرد عليهم، لظهور فساد قولهم ومخالفته للإجماع (2)
__________
(1) المغني: 8/ 571؛ وشرح فتح القدير: 9/488؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 2/ 99؛ والكافي لابن عبد البر: 1/ 429
(2) انظر موسوعة الإجماع: 2/ 912 و 948. ووجدنا عند الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود في مجموع رسائله: 3/ 408 نقلاً عن فتاوى ابن تيمية: 21/ 576، قال الناقل: إنه يحقق صحة ما قاله من إباحة ذبائح الكفار والمشركين أن ابن تيمية قال ما يلي: "النبي صلى الله عليه وسلم لم ينقل عنه أنه كان يجتنب إلا ما ذبح للأصنام، أما ما ذبحه قومه في دوره (كذا) لم يكن يجتنبه ". ويغلب على ظني أن في هذا النقل تحريفا، وليس أصل فتاوى ابن تيمية الآن عندي لأتحقق من ذلك. وفي مجموعة الرسائل المذكورة في: 3/ 416 نسبة القول بذلك إلى ابن العربي، ومحمد رشيد رضا، ومحمد بخيت المطيعي، والقرضاوي.(10/273)
ذبائح أهل الكتاب لكنائسهم وأعيادهم:
ما ذبح لكنائس النصارى واليهود ومعابدهم، وما يذبح في مناسباتهم الدينية، إن ذبحه مسلم وسمى الله على الذبيحة فهو حلال، وكذا ما ذبحه يهودي أو نصراني وسمى الله، بدليل الآية المتقدمة {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] فهذا النوع هو من طعامهم، وروي أن بعض الصحابة أكلوه، منهم العرباض بن سارية، وأبو أمامة الباهلي، وأبو مسلم الخولاني، وأبو الدرداء، رضي الله عنهم، وصرح بإباحته الإمام أحمد حين سئل: "ما يقرب لآلهتهم ويذبحه رجل مسلم؛ قال: لا بأس به " أي لأنه يذكر اسم الله وحده، وقال القاضي أبو يعلى من الحنابلة: ما ذبحه الكتابي لعيده أو نجم أو صنم أو نبي فسماه على ذبيحته حرم، لقول الله تعالى: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ} وإن سمي الله تعالى وحده حل، لقول الله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118]
وفي قوله هذا نظر، فإنه إن قصد الذبح للأصنام أو لشيء يعبد من دون لله فلا يشك في تحريمه، أما الذبح لأعيادهم فينبغي القول بأنه مع الحل يكره، من أجل القصد القلبي عند الذابح أنه يريد أن يذبح في تلك المناسبة التي لا يعترف بها الشرع الإسلامي.
وهذا الحكم ينطبق على ما ذبحه مسلم أو يهودي أو نصراني بالنيابة عن مجوسي أو كافر، إذا ذبحه لمعابدهم وأعيادهم الدينية: إن سمي الله وحده حل مع الكراهة، وإن سمي غيره تعالى حرم (1) ، وإن ذبحه لما يعبد من دون الله فهو حرام.
واختار ابن تيمية أن ما ذبحه الكتابي لعيده حرام علينا (2) .
__________
(1) المغني: 8/ 569؛ واقتضاء الصراط المستقيم، ص 261
(2) الاختيارات، ص 324(10/274)
ما ذبحه أهل الكتاب مما هو عندهم حرام وعندنا حلال:
اليهودي يحرم عليه في دينه ما ذكره الله تعالى {وَعَلَى الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنَ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أو الْحَوَايَا أو مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُم بِبَغْيِهِمْ وِإِنَّا لَصَادِقُونَ} [الأنعام: 146] وحرمت عليهم الإبل أيضا، ويذكر في كتابهم تحريم كل ما لم يكن مشقوق الأصابع كالنعام والبط، وكل ذلك حلال لنا. فلو ذبحوا إبلا أو بطا أو نعاما فهل يكون لنا حلالا؟
اختلف في أكل ذلك للمسلم، على قولين:
ا- أنه حرام، وهو قول الإمام مالك وبعض الحنابلة، لقول الله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] قالوا: وليس هذا من طعامهم لأنه عليهم حرام.
2- أنه حلال، لأنه من لحم حيوان لم يحرم علينا، واستكمل شروط الذبح فيكون حلالا، وهو قول الشافعي، وإليه يذهب الحنابلة، واستدلوا أيضا بما أخرجه البخاري ومسلم من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه، أنه قال: ((دلي جراب من شحم يوم خيبر، فنزوت لآخذه، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يبتسم إلي)) قالوا: والمراد بطعامهم في الآية ذبائحهم (1) ، لأن من الشحوم ما هو محرم عليهم كما نص على ذلك القرآن، قالوا: فلما لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن مغفل بترك تناول الشحم المذكور، دل على عدم تحريمه؛ إذ لا يقر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه على محرم.
وهذا القول الثاني عندي أصح، لأن العبرة بما في شريعتنا، لا بما في شريعتهم.
وأيضا يذكر عنهم أن لهم في الذبح طرائق معينة، ما ذبح ولم يستكمل تلك الشروط لا يأكلونه، وهم يسمونها طريفا، على أنهم- كما سمعنا- يربون البط ونحوه، ويبيعون لحومها وأكبادها لمن حولهم من مسلمين ونصارى ويصدرونه إلى الخارج.
وهذا النوع- وهو ما لم يذكر في شرعنا تحريمه عليهم، لكن هم يقولون إنه محرم عليهم- يصرح المالكية بأنه مكروه وليس محرماً (2) .
__________
(1) المغني: 8/ 582؛والشرح الكبير بحاشية الدسوقي: 2/ 101؛ والأم للشافعي: 2/ 264
(2) الشرح الكبير: 2/ 101(10/275)
ثانيا: الشروط في المذبوح:
إن الذكاة لا تعمل في جميع الحيوانات الثديية والطيور، بل الحيوانات بالنسبة إلى هذا الأمر على ثلاثة أنواع:
ا- ما لا تعمل فيه الذكاة اتفاقا، وهو الخنزير، فلا يحل أكله ولا يطهر بالتذكية، بل يبقى نجسا، والكلب مثل الخنزير عند الجمهور.
2- ما تعمل فيه الذكاة مطلقا وهو الإبل والبقر والغنم وسائر الحيوانات البرية والطيور التي ليس فيها سبب من أسباب التحريم.
3- ما تعمل الذكاة فيه بتطهير لحمه وجلده وسائر أجزائه، لكن يبقى محرما أكله، كالحمير والبغال وسائر الحيوانات الثديية المحرمة والطيور المحرمة ما عدا الخنزير (1) ، وقيل: والكلب.
هذا ويشترط أن يدرك الذابح المذبوح وفيه حياة مستقرة: فلا تحصل التذكية بذبح ما هو ميت فعلا.
وكذا لا تحصل بذبح ما فيه حياة غير مستقرة، كالشاة المريضة التي أشرفت على الموت ولم يعلم أن موتها كان بسبب الذبح أو بسبب المرض، وكذا لو كانت الشاة قد جرحت أو سقطت من علو أو نطحتها شاة أخرى، أو افترسها سبع، فأخذت منه فذبحت، ولم يعلم أنه كان فيها قبل الذبح حياة مستقرة.
__________
(1) انظر مثلا: الذخيرة للقرافي: 4/ 123، 125 حيث ذكر نحر الفيل من أجل الانتفاع بعظمه وجلده(10/276)
ودليل هذا كله قول الله تبارك وتعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فقوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] راجع إلى المنخنقة وما بعدها ومعناه: أن ما أمكنت تذكيته قبل أن يموت فهو حلال، فإن كانت فيها قبل الذبح حياة مستقرة حلت بالذبح.
ويمكن أن يستدل على أنه هل كان فيها قبل الذبح حياة مستقرة أم لا:
بما يصدر عنها عند الذبح؛ فإن حركت يدا أو رجلا أو ذنبا ونهر الدم منها عند الذبح، فهي حلال، وإن لم يصدر عنها شيء مما يصدر عن الحي فهي ميتة، لأنها تكون قد ماتت بالمرض أو الخنق أو نحوه لا بالذبح.
وقال المالكية: إن الفعل الذي وقع بها من التردي أو النطح أو أكل السبع إن كان قد أنفذ مقاتلها، كما لو كان السبع قد أخرج أمعاءها وفصلها عنها، أو كانت قد ضربت فانقطع نخاع ظهرها، أو كانت قد طعنت في قلبها، أو قطع السبع موضع الذكاة منها، فلا تحل بالذبح ولو تحركت ونهر الدم، وعبارتهم: (لا تعمل فيها الذكاة) ، وفي غير هذه الحالة وافقوا غيرهم على ما تقدم.
والقول الأول أصح، لأنه ظاهر قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] قال ابن عباس في تفسيرها: "فما أدركته من هذا يتحرك له ذنب أو تطرف له عين فاذبح واذكر اسم الله عليه فهو حلال " أخرجه البيهقي (1)
__________
(1) فتح الباري: 9/ 599(10/277)
ثالثا: الشروط في آلة الذبح:
لا يشترط في آلة الذبح أن تكون من حديد أو أي مادة معينة، بل يجوز الذبح بأي محدد، ولو كان من نحاس أو ألمنيوم أو خشب أو قصب، والحديد أفضلها، ويستثنى الأسنان والأظفار؛ ودليل ذلك حديث رافع بن خديج في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له: ((يا رسول الله ,إنا لاقو العدو غدا وليس معنا مدى، أفنذبح بالقصب؟ فقال: ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا، ليس السن والظفر، وسأنبئكم عن ذلك، أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) .
فكأن النبي صلى الله عليه وسلم، نهى عن مشابهة الحبشة في طريقة ذبحهم بأظفارهم وأسنانهم،- أي في ذلك العصر- لما في ذلك من مشابهة فعل الوحوش الضارية (1) .
ولذا ذهب أبو حنيفة - وهو قول للمالكية اقتصر عليه ابن عبد البر -إلى أن الذي يحرم من ذلك أن يذبح الإنسان الحيوان بنهش عنقه بأسنانه أو بأظفاره وهي قائمة، أما لو ذبحه بسن أو ظفر منزوع من حيوان فلا يحرم، لعدم الفارق بينه وبين سائر المحددات، ولكن يكره فيه من الشدة على الحيوان المذبوح بهما.
__________
(1) لم ينتبه الأكثرون لهذا المعنى، بل عللوا بما ليس علة، فقال القرافي: الظفر يخنق ولا يذبح، أو يكون ذكر الحبشة تنبيها.(10/278)
وذهب الشافعية والحنابلة إلى أن الذبح بالسن أو الظفر لا يجوز، ولو كانا منزوعين (1)
وواضح أن قول أبي حنيفة ومالك أولى بالصحة، لأنه لو كان التحريم لمجرد كون آلة الذبح من مدى الحبشة لوجب تجنب كل نوع من أنواع المدى استعملوه ولو كان من حديد، وهو ما لم يذهب إليه عالم.
وأما سائر العظام فإن كانت محددة جاز الذبح بها عند جمهور العلماء، ولعل السر ما ذكره ابن حجر في الفتح أن جملة " أما السن فعظم ... إلخ " زيادة من الراوي مدرجة وليست من أصل الحديث (2) وقال ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم) : "العلة في النهي عن الذبح بالعظم تنزيهه عن التنجس بالدم، لأنه زاد الجن، كما نهي عن الاستنجاء به، فعلى هذا واضح عدم حرمة المذبوح به"
__________
(1) المغني: 8/ 574؛ واقتضاء الصراط المستقيم، ص 113؛ وشرح فتح القدير: 9/ 496؛والدسوقي على الشرح الكبير: 2/ 107؛ والذخيرة للقرافي: 4/ 131؛ والكافي: 1/ 429
(2) فتح الباري: 9/ 672(10/279)
رابعا: شرط النية والقصد:
قال المالكية: المراد بالنية أن يكون قصده عند الذبح أو النحر التذكية، أو ينوي ذبحها أو نحرها لتحل، أما إن كان قصده بما فعله مجرد إزهاق روح الحيوان، أو مجرد جرحه فمات، فإنه لا يحل بذلك، كما لو صال عليه حيوان فضربه أو قطع عنقه لمجرد اتقاء شره، دون أن يقصد التذكية، فلا يحل بذلك، لأن الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى (1)
وينكر الإمام الشافعي ذلك، ويقول ما نصه: "لو أن رجلا أخطأ بشاة له فذبحها لا يريد ذكاتها، أو أخذها بالليل فحز حلقها حتى أتى على ذكاتها، وهو يراها خشبة لينة أو غيرها، ما بلغ علمي أن يكون هذا محرما عليه "، ثم أطال القول في صور (متفاحشة) تلزم من اشترط النية، ثم قال: "النية أولى أن لا تكون في الذبائح والصيد تعمل شيئا، والله أعلم ".
على أن الشافعية لا يخالفون في أنه لابد للتذكية من فعل فاعل، فلو وقعت الشاة على سيف أو سكين فقطع مذبحها لم تحل (2)
والراجح أن قصد التذكية معتبر ولابد منه.
__________
(1) الشرح الكبير للدردير؛ وحاشية الدسوقي: 2/ 106، 107
(2) الأم: 2/ 260؛ والقليوبي وشرح المنهاج للمحلي الشافعي: 4/ 240، 245(10/280)
خامسا: شرط التسمية على الذبيحة:
التسمية على الذبيحة أن يذكر الذابح اسم الله تعالى، بأن يقول: (باسم الله) ، أو يقول: (باسم الله والله أكبر) وهو الأفضل، وقد ورد ((أن النبي صلى الله عليه وسلم"ذبح في العيد كبشين، فسمى وكبر)) (1) وقد أمر الله تعالى بذلك في نحر البدن في الحج فقال. {وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] وأمر بذلك فيما يؤكل من اللحوم فقال: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ} [الأنعام: 118] ومن أوضح ما يستدل به على أن ذلك شرط في الحل قول الله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ وَإِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ} [الأنعام: 121]
ومن هنا ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الذابح إذا ترك ذكر اسم الله تعالى على الذبيحة متعمدا لم يحل للمسلم أكل لحمها، وإن ترك التسمية وهو ساه أو ناس وهو ممن شأنه أن يسمي الله تعالى، لكنه نسي، فإنها يجوز أكلها، وهذا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) وحملوا الآية المتقدمة {وَلاَ تَأْكُلُواْ} على التارك المتعمد. وإلى هذا ذهب الإمامان أبو حنيفة ومالك، وهو المشهور عن الإمام أحمد.
__________
(1) ونقله صاحب (الكافي) عن بعض أهل المدينة.(10/281)
وذهب الشافعية، وروي مثله عن الإمام أحمد، ونقله الدسوقي عن ابن رشد، وقاله الخطابي أيضا في (معالم السنن) في شرحه لحديث: "سموا الله عليه أنتم وكلوه "، قالوا: إن من ترك التسمية متعمدا فذبيحته حلال أيضا، وإنما التسمية مستحبة فقط، قالوا: "لأن اسم الله على كل مسلم "، وذكروا ما رواه الإمام الدارقطني عن ابن عباس قال: "إذا ذبح المسلم ولم يذكر اسم الله فيأكل، فإن المسلم فيه من اسم الله " قال: وأما قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} فهذه نزلت في أكل أعراب الجاهلية للميتة. روى أبو داود وغيره بسنده عن ابن عباس في قول الله تعالى: {وَإِنَّ الشَّيَاطِينَ لَيُوحُونَ إلى أَوْلِيَآئِهِمْ لِيُجَادِلُوكُمْ} قال ابن عباس: يقولون: "ما ذبحه الله- أي الميتة-فلا تأكلونه، وما ذبحتموه أنتم فتأكلونه!! "، وروي من طرق أخرى عن ابن عباس.
قال ابن رشد: "معنى التسمية هنا قصد التذكية: أي لا تأكلوا الميتة التي لم تقصد ذكاتها، قال: ومثله رمي الجمار: قال الله فيه {وَاذْكُرُواْ اللهَ فِي أَيَّامٍ مَّعْدُودَاتٍ} [البقرة: 203] كنى بالذكر عن رمي الجمار، للمصاحبة بينهما" ا. هـ. وذكر ابن كثير أن هناك قولا ثالثا منسوبا إلى الإمام مالك، وهو رواية عن أحمد، أن متروك التسمية لا يحل، سواء تركت عمدا أو نسيانا، لظاهر الآية، وذهب إلى هذا القول أيضا داود الظاهري وأبو ثور، وذهب إليه أيضا الشيخ أبو الأعلى المودودي، وقال: إنه مروي عن ابن عمر ونافع مولاه ومحمد بن سيرين وإبراهيم النخعي وعامر الشعبي.(10/282)
ويتأيد هذا القول بحديث الصحيحين عن رافع بن خديج أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)) ، وحديث الصحيحين أيضا عن عدي بن حاتم، وقريب منه عن أبي ثعلبة الخشني، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الصيد: ((إذا أرسلت كلبك المعلم، وذكرت اسم الله تعالى عليه فكل ما أمسك عليك)) . فشرَطَ التسمية (1)
وأرجح الأقوال أن ما تركت التسمية عليه عمدا لا يؤكل، وأن ما تركت التسمية عليه سهوا ونسيانا يؤكل، عملا بظاهر الآية والأحاديث الدالة عليه، وضعف الأدلة التي اعتمد عليها الشافعية.
وقد عني ابن كثير شيخ التفسير بالأحاديث الواردة في هذه المسألة، فجمعها في رسالة ذكر فيها مذاهب الأئمة، ومآخذهم، وأدلتهم، ووجوه الدلالات، والمناقضات والمعارضات.
ملاحظة: في الكتب المذهبية الشافعية وكثير من كتب الفقه المقارن: ينسب إلى الإمام الشافعي أن قوله في هذه المسألة إباحة ذبيحة تارك التسمية متعمدا، كما نقلناه عنهم آنفًا، لكن الذي وجدته في كتاب (الأم) له يدل صراحة على أن قوله غير ذلك، وأن المتذكر عنده لابد له من التسمية، وذلك حيث يقول في أول كتاب الصيد والذبائح من الأم ما نصه: "إذا أرسل المسلم كلبه المعلم أحببت له أن يسمي، وإن لم يسم ناسيا فقتل أكل، لأنه إذا كان قتله كالذكاة، فهو لو نسي في الذبيحة أكل، لأن المسلم يذبح على اسم الله عز وجل وإن نسي ".
وعلى هذا فإن تحقيق مذهب الشافعية في هذه المسألة بحاجة إلى بحث.
__________
(1) المغني، لابن قدامة: 8/ 565 تفسير أبي كثير عند الآية من سورة الأنعام؛ الأم للشافعي: 248/2؛ والقليوبي وعميرة: 4/ 263؛ وشرح فتح القدير: 9/ 489؛ والاختيار لتعليل المختار: 5/ 9؛ والدسوقي على الشرح الكبير: 2/ 156، والكافي لابن عبد البر: 1/ 428؛ وفتح الباري: 9/ 624؛ وذبائح أهل الكتاب للمودودي، ص 18-24(10/283)
سادسا: شرط أن لا يذكر عند التسمية غير الله تعالى، وأن لا يقصد الذبح لغير الله:
لا تحل الذبيحة إن ذكر اسم غير الله تعالى استقلالا، كأن قال: باسم الشمس، أو القمر، أو النبي، أو الولي الفلاني، أو ملك أو جني أو غير ذلك، فإن فعل لم تحل، وكذا لو ذكر اسم الله واسم غيره معًا، كأن قال باسم الله واسم محمد رسول الله، وذلك لقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: 3] والإهلال رفع الصوت بذكر اسم المذبوح له، ولقول الله تعالى: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِص} [الزمر: 3] ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله من ذبح لغير الله)) (1) وقال ابن مسعود رضي الله عنه: "جردوا التسمية".
ولا يمنع ذلك من أن يقول بعد التسمية: "اللهم تقبل مني، أو من فلان "، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال بعد ذبح كبش: ((اللهم هذا عن محمد وأهل بيته)) ، وقال بعد ذبح الآخر: ((اللهم هذا عن أمة محمد ممن شهد لك بالوحدانية ولي بالبلاغ)) (2) .
وقال مالك: لا يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية على الذبيحة، والشافعي قال: يصلى على النبي صلى الله عليه وسلم مع التسمية على الذبيحة (3) .
إما إن لم يذكر اسم غير الله، ولكن قصد الذبح له، فقد نقل ابن تيمية عن الإمام أحمد فيها روايتين أشهرهما التحريم، وبه أخذ ابن تيمية، وقال: هما سواء، وأطال في الاستدلال لذلك، ولعله المدلول الصريح لحديث: ((لعن الله من ذبح لغير الله)) ؛ لأن اللام التعليل الدالة على النية والقصد.
__________
(1) حديث (لعن الله من ذبح لغير الله) أخرجه مسلم وأحمد والنسائي، من رواية علي رضي الله عنه.
(2) شرح فتح القدير: 9/ 492؛والاختيار: 5 / 10
(3) الأم: 2/ 263(10/284)
وفرق المالكية بين أمرين، فقالوا: إنْ قصد جعل الذبيحة قربانا لعيسى أو الصنم أو الصليب لم تؤكل، وإن ذبحها للحم لكن ذكر عيسى لينتفع عيسى عليه السلام بثوابها جاز أكلها مع الكراهة، كما لو ذبح مسلم لولي من الأولياء قاصدا إهداء الثواب إليه، وفي كلام المالكية هنا اختلاف واضطراب (1)
على أنه لا ينبغي إقرار ما يفعله بعض المسلمين من الذبح (لولي) من الأولياء، لأن كثيرا من العامة لا يفرقون بين الذبح تقربا إلى الولي لينتفع بقدرات الولي على النفع أو الضرر وإعطاء المال والولد، أو ليقربه الولي إلى الله زلفى، وهو من الشرك الذي نص عليه القرآن العظيم، وبين الذبح له بنية إهداء الثواب إليه، بل هو يذبح للولي لينفعه الولي، على طريقة أهل الجاهلية في الذبح لأصنامهم.
أهل الكتاب هل يشترط في ذبائحهم ما يشترط في ذبائح المسلمين؟
الأصل في ذبائح أهل الكتاب أن يعتبر فيها من الشروط ما يعتبر في ذبائح المسلمين، لكن وقع الخلاف بين الفقهاء في مسائل تتعلق بذلك، منها:
- التسمية: فإن سموا الله تعالى ولم يسموا غيره فالذبح صحيح.
وإن لم يسموا الله تعالى؛ فإن كانوا ممن يسمي الله، ولكن الذابح نسي جاز، كما تقدم في حق المسلمين، وإن سموا غير الله على الذبيح، ففي المسألة ثلاثة أقوال:
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 2/ 101، 102؛والذخيرة: 4/ 135؛ واقتضاء الصراط المستقيم، ص 251-258(10/285)
الأول: أنها محرمة كما لو تعمد المسلم ترك التسمية، أو ذكر عليها اسم غير الله، وهذا قول الحنفية والشافعية والحنابلة، أخذا بدلالة الآية: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] وقوله: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: 3]
الثاني: أنها حلال، وهو قول عطاء ومجاهد ومكحول، استدلالا بقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، قالوا: أباح الله تعالى لنا طعامهم وهو يعلم ما يقولون. (1)
الثالث: وهو للمالكية، أن التسمية لا تشترط من الكتابي، لكن إن سمي غير الله حرمت (2)
وواضح أن منشأ الخلاف تعارض العمومين: عموم آية {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ} وعموم آية {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5]
وقد رجح شيخ الإسلام ابن تيمية قول التحريم، لأن عموم آية {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [المائدة: 3] محفوظ لم يخص منه شيء (3) بخلاف الآية الأخرى، وهو الصحيح، لأن ما ذكر عليه اسم غير الله تعالى داخل في الآية قطعاً، ولا فرق بين من ذبح باسم هبل أو اسم الزهرة، وبين من ذبح باسم المسيح.
__________
(1) المغني
(2) الشرح الكبير، للدردير، بهامش حاشية الدسوقي: 2/ 102
(3) اقتضاء الصراط المستقيم.(10/286)
حكم ذبيحة النصراني أو اليهودي إن جهل أنه سمي أو لم يسم:
ما جهل من ذبائح اليهود والنصارى أنه سمي عليه أم لم يسم، ذهب بعض العلماء، ومنهم الزهري، إلى أنه حلال، قال الزهري: "إن سمعته يهل لغير الله فلا تأكل، وإن لم تسمعه فقد أحله الله وهم على كفرهم ". (1) ومن قال إنه لا تعتبر التسمية من الكتابي أصلا ولو علم ذلك، وهم المالكية، فالمجهول أنهم سموا عليه أم لم يسموا أولى بالإباحة، وكذلك من قال إن التسمية ليست شرطا في حق المسلم كالشافعية، فكذلك الكتابي عندهم.
وهذا هو المرجح عندي، كما يأتي في حق المسلمين أن الله تعالى لم يكلفنا الاطلاع والتحقق من وجود التسمية فعلا، ولو كلفنا ذلك لكان تكليفًا فيه كل الحرج والعنت، ولما حل لإنسان أن يأكل لحمًا لم يسمع ذابحه وهو يقول: (باسم الله والله أكبر) . وإنما يكتفي في ذلك بالأمر الظاهر.
على أن هذه المسألة في هذا العصر لا تأثير لها بالنسبة إلى المستورد من اللحوم من بلاد أهل الكتاب، فإن النصارى الآن لا يذكرون الله ولا المسيح ولا غيره على الذبائح، بل يذبحون للحم فقط، فالتسمية أمر بعيد عن أذهانهم كل البعد.
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم.(10/287)
سابعا: شرط أن لا يكون مما ذبح على النصب:
حرم الله تعالى لحم {وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3] ، والنصب: مفرد جمعه أنصاب، وقيل: النصب جمع نصيبة، وفسرها صاحب القاموس بأنها حجارة كانت تنصب حول الكعبة يذبح عليها، وقال صاحب اللسان: هو كل ما نصب فعبد من دون الله تعالى. وهذا صحيح، فقد كان بعض العرب إذا لم يجد صنما يعبده نصب حجرا فعبده، والحمد لله الذي أنقذ العرب من هذا ببعثه محمدًا صلى الله عليه وسلم وعلى آله وأصحابه جميعا.
فلو تصور أن يقع هذا في العصر الحاضر من بعض القبائل الضاربة في التوحش والجهالة، أو التي تزعم التمدن والرقي والعراقة، كان حراما ولم يحل لمسلم أن يأكل منه.
على أن الملاحظ أن فقهاء الشريعة لم يعرضوا في كتبهم الفقهية الشاملة لهذا النوع من الذبائح، ولعلهم رأوه داخلا فيما ذكره الله تعالى في أول الآية نفسها، وهو ما أهل به لغير الله. وقد نقل القرطبي عن جابر بن زيد أبي الشعثاء تلميذ ابن عباس أنه قال: "ما ذبح على النصب وما أهل به لغير الله شيء واحد"، وقال ابن عطية المفسر: "ما ذبح على النصب جزء مما أهل به لغير الله " (1)
إلا أننا نرى أن إفراد الله تعالى لهذا النوع عنوانا خاصا يقتضينا أن نفرده أيضا من أجل لفت أنظار المؤمنين إليه.
وعلى هذا لا يحل للمسلم أن يقصد حجراً معينا، أو كومة أحجار، أو قبرا، أو شيئا مبنيا، أو علم دولة، أو صورة ملك أو شيخ، فيذبح عليه من أجل أن فيه نفعًا، أو أنه يرى فيه نفعا، أو يخشى منه ضررا، أو يذبح عنده تعظيما لصاحبه أو تقربًا إليه.
والذبح عند القبور جعله ابن تيمية شبيها بما كان يفعله أهل الجاهلية، كانوا إذا مر أحدهم بقبر من يعظمه عقر ناقته عنده، وقد أخرج أحمد وأبو داود حديث أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا عقر في الإسلام)) ، قال عبد الرزاق: "كانوا يعقرون عند القبر بقرة أو شاة، فنهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك. وقال: كره أحمد أكل لحمه ". (2)
__________
(1) تفسير القرطبي: 6/ 57
(2) اقتضاء الصراط المستقيم، ص 381(10/288)
هل يشترط أن لا يذبح الحيوان في مكان يعبد فيه غير الله تعالى:
هذا نوع ورد التنبيه إليه في بعض الأحاديث النبوية، وله شبه بما تقدم. ومرادنا حديث أخرجه أبو داود عن ثابت بن الضحاك: أن رجلا قال: يا رسول الله إني نذرت أن أنحر إبلا ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يعبد؟)) قالوا: لا، قال: ((فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟)) قالوا: لا، ((قال فأوف بنذرك)) ، وأخرجه أبو داود من رواية ميمونة بنت كردم، وفيه أن أباها كردما هو السائل صاحب الواقعة، وأنه نذر أن يذبح غنما، وأخرج قريبا منه ابن أبي شيبة ومسدد.
قال ابن تيمية: هذا يدل على أن الذبح بمكان عيدهم وأوثانهم معصية، لما في بعض روايات الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا وفاء لنذر في معصية الله)) (1) .
إلا أننا نقول: إن في رواية الحديث عند مسدد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للسائل: الصنم؟ الوثن؟ ، قال السائل: لا، قال: فأوف بنذرك، فدلت هذه الرواية على أن المسؤول عنه الذبح لصنم أو وثن، لا الذبح في مكان فيه، أو كان فيه صنم أو وثن، وإنما قلنا هذا ليستقيم فهم الحديث مع القواعد المعلومة من سائر الأحاديث.
ومما يؤكد صحة هذا أن بوانة مذكورة في كتب الأصنام، وأنه كان فيها في الجاهلية صنم يقال له (صنم بوانة) وورد ذكره عند ابن كثير في تاريخه (2) من رواية ابن سعد بسنده، ولذلك نرى أن هذه الرواية أرجح، وأن المنع كان لمن أراد أن يذبح للوثن، لا لمن يذبح بمكان كان فيه صنم.
على أننا مع ذلك نرى أن الذبح في مثل ذلك المكان ينبغي أن يكون مكروها فقط، أو محرما من باب سد الذرائع فقط، وذلك حيث يخشى إعادة شرائع الكفر والوثنية وشعائرهما، والله أعلم.
__________
(1) اقتضاء الصراط المستقيم، ص 187-189
(2) البداية والنهاية: 2/ 240(10/289)
ثامنا: الشروط في موضع ما يقطع من الحيوان بالذبح:
التذكية تكون بقطع مقدم عنق الحيوان بمحدد، فإن كان في أعلى العنق فهو الذبح، وإن كان بطعنه في الوهدة التي في أسفل العنق فهو النحر. والنحر يكون للإبل، فهو فيها أفضل، والذبح لغيرها من بقر أو غنم أو أرنب أو طير أو غير ذلك.
ويجوز الذبح أيضا في وسط الحلق: نص عليه الحنفية، كما في شرح فتح القدير، لابن الهمام، حيث قال: لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((الذكاة بين اللبة واللحيين)) .
وقد أوجب المالكية في الإبل ونحوها النحر، وفي الغنم الذبح، إلا
في حال الذكاة الاضطرارية، وأجازوا الأمرين في البقر.
ولا تصلح التذكية في غير مقدم العنق، فلو طعن في الصدر أو الفخذ
أو أي جزء من الحيوان فمات من ذلك لم يؤكل ويكون ميتة.
قال ابن قدامة: "الذبح أو النحر في الحلق أو اللبة، ولا يجوز الذبح في غير هذا المحل بالإجماع ". واستدل بقول الإمام عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: "النحر في الحلق واللبة لمن قدر"، قال ابن قدامة: "نرى أن الذكاة قد اختصت بهذا المحل لأنه مجمع العروق، فتنفسح بالذبح فيه الدماء السيالة، ويسرع زهوق النفس، فيكون أخف على الحيوان المذبوح وأطيب للحم ".
على أنه روي ما يخالف ذلك، وهو ما أخرجه الخمسة عن أبي العشراء عن أبيه عن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أنه سئل: ((أما تكون الذكاة إلا في الحلق واللبة؛ فقال: لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك)) ، إلا أن سند هذا الحديث غير صحيح؟ لأن أبا العشراء أعرابي مجهول، قاله ابن حجر في تقريب التهذيب، وقاله قبله الإمام أحمد، كما في المغني، ومن قواه حمله على الذكاة الاضطرارية كما ذكره أبو داود في (السنن) .(10/290)
والحد الأعلى لما يجوز الذبح فيه من العنق هو ما تحت الجوزة المسماة (الغلصمة) وهي العقدة التي يجتمع فيها الحلقوم والبلعوم، فإن القطع يكون تحتها بحيث تبقى مع الرأس، فلو ذبح من فوقها لم تؤكل الذبيحة وقيل تؤكل (1) .
ويستثنى من قضية اشتراط قطع مقدم العنق في التذكية أمران:
الأول: الصيد بالجوارح، من طير أو كلاب، أو غيرها، أو بالآلات الحادة كالسهام والحراب، لقوله تعالى {فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ} [المائدة: 4] لأن من الجوارح ما تتعمد قطع مقدم عنق الصيد، ومنها ما تقتل بغير ذلك، والسهام ونحوها لا تصيب ذلك الموضع، ومع ذلك أحل الله ما صيد بهذه الطرق.
الثاني: ما يسمى التذكية الاضطرارية، وهي تكون في حال الاضطرار فقط، أي فيما ندَّ من الحيوان فلم يقدر عليه إلا برميه، ولا بد من ذكر الله عند الرمي، وكذا لو وقع بعير أو ثور في بئر وخيف موته، ولم يتمكن من ذبحه أو نحره، فيكفي طعنه في أي مكان من جسده مع ذكر اسم الله عند الطعن.
وهي رخصة شرعية أبيحت للاضطرار، لئلا يفقد المالك مالا محترما أن يضيع فلا ينتفع به.
ومن هذا الباب ذكر الحنفية أنه لو صال عليه ثور أو نحوه، ولم يمكنه دفعه، فطعنه بعد أن سمي ونوى، فهي تذكية شرعية.
__________
(1) المغني: 8/ 575؛والشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 2/ 99، 107(10/291)
والقول بجواز التذكية الاضطرارية على الوجه المبين هو قول الحنفية والشافعية والحنابلة، ويخالف فيه المالكية، ويرون أن ما كان كذلك فذكاته بالذبح فقط إن كان مما يذبح، وبالنحر فقط إن كان مما ينحر، وعليه لو طعنه في فخذه أو ظهره فمات من ذلك فهو ميتة.
ولا يخفى أن مذهب الجمهور أصح وأولى بالاتباع، ثم قد قال صاحب المغني من الحنابلة: "إن كان رأس الحيوان المتردي في الماء، فلا تبيحه التذكية الاضطرارية، لأن الماء يعين على قتله " (1)
ما يجب قطعه من الحيوان بالذبح أو النحر:
أكمل ما يكون الذبح بقطع أربعة أشياء: الودجين والمريء والحلق.
__________
(1) فتح القدير: 9/ 486، 497، 498؛ والمغني: 8/ 567؛ والكافي في فقه المالكية:1/ 428؛ والذخيرة، للقرافي: 4/ 134 والأم، للشافعي: 2/ 257، 260؛ والقليوبي على شرح المنهاج: 2/ 242(10/292)
وقد اختلف العلماء في أقل ما يجزئ قطعه من ذلك، على أقوال:
ا- أنه يجزئ قطع الحلقوم والمريء، ولو لم يقطع الودجين، وهو قول الشافعي ورواية عن أحمد، لأن الحياة لا تبقى مع هذا القطع، قال الشافعي - كما في الفتح-: "ولا يشترط قطع الودجين لأنهما قد يسلان من الإنسان وغيره ويعيش، والمريء والحلقوم إذا قطعا لم يعش طرفة عين (1)
2- أنه يجب قطع الأربعة، وهو قول أبي يوسف.
3- أنه يجب قطع الحلقوم- وهو مجرى النفس- والودجين، هكذا في كتب المالكية، والنقل عنهم في كتب غير المالكية مضطرب.
4- أنه يجزئ قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين، وهو قول أبي حنيفة، واحتج له بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أفر الأوداج بما شئت)) (2) قالوا: و (الأوداج) جمع وأقله ثلاثة، لكن قال صاحب العناية: الأوداج لا تشمل الحلقوم أصلا، وهو الصواب.
5- أنه يجزئ قطع الودجين، وهما عرقا الدم المحيطان بالحلقوم، اللذان يجري فيهما الدم المغذي للرأس والدماغ، ولا يشترط قطع الحلق والمريء، وهو قول سفيان الثوري، وقال البخاري: قال عطاء: الذبح قطع الأوداج (3) وروى مالك في الموطأ بلاغا عن ابن عباس قال: ما أفرى الأوداج ذكي به، ورواه الشافعي في (الأم) (4) .
__________
(1) انظر نص الشافعي بكامله في الأم: 2/ 259؛ وفي فتح الباري
(2) حديث " أفر الأوداج بما شئت"أورده صاحب الهداية من الحنفية، ولم يذكر من أخرجه
(3) المغني: 8/ 567؛ والأم: 2/ 259؛ وشرح المنهاج بحاشية القليوبي: 4/ 242؛ والذخيرة للقرافي: 4/ 133، 134؛ وفتح الباري: 9/ 640- 642؛ وشرح فتح القدير: 9/ 493، 494
(4) الأم للشافعي: 2/ 255؛ وتنوير الحوالك(10/293)
وعندي أن الصواب هو هذا الوجه الخامس، لأنه الذي يخرج به الدم، ويمتنع وصوله إلى الدماغ، فيموت الدماغ ثم سائر البدن، أما القول بأن قطع الحلقوم والمريء يجزئ، أو أنه لابد منه، فهو بعيد عندي عن الصواب، لأن قطع الحلقوم وهو مدخل الهواء، وقطع المريء وهو مدخل الطعام؛ لا تنتهي به الحياة، بل يعيش الحيوان بعده مدة تطول أو تقصر، بل قد يعيش الإنسان سنين وحلقه مقطوع ومريئه مقطوع، وقد عرف ذلك في علم الطب قطعًا، والأطباء يعرفون ذلك، وهذا إن جرى مقاومة الإنتان، وجرت تغذية المريض من خلال فتحة المريء، أو من فتحة في جدار المعدة.
أما القول بأن حياة الإنسان والحيوان تستمر بعد سل الودجين- كما قال الإمام الشافعي، ونقلناه عنه فيما تقدم- فهو قول لا تسنده المعلومات الطبية بوجه من الوجوه، وكذلك ما قاله كثير من الفقهاء الذين اشترطوا قطع الحلقوم من أن الحياة لا تبقى بعده لحظة لانقطاع النفس فهو مجرد خيال.
وعلى هذا فينبغي انتهاء الخلاف الفقهي حول هذه المسألة، بل تكون العبرة في صحة الذبح بقطع الودجين فقط، ولا يجوز الاكتفاء بقطع المريء والحلق، وأيضا لا حاجة إلى قطعهما مع قطع الودجين.
غير أنه في التطبيق العملي عادة ينقطع الحلقوم بقطع الودجين، لشدة التقارب والالتصاق بينه وبين الودجين، وكونه واقعا بينهما متقدما عليهما إلى الأمام، فلا يمكن قطعهما في الأحوال العادية إلا بقطعه، وهذا وجه اشتراط المالكية قطعه، كما صرحوا به.(10/294)
رأي الشيخ محمد رشيد رضا:
ذهب الشيخ محمد رشيد رضا إلى رأي غريب عن العلم الإسلامي الشرعي كل الغرابة، فهو يرى أن كل وسيلة يمكن بها إزهاق روح الحيوان بيسر وسهولة تكفي في إحلال لحمه للمسلم، ونحن ننقل نصه ليتم تصور مراده بوضوح، قال عفا الله عنه: "لما كانت التذكية المعتادة في الغالب لصغار الحيوانات المقدور عليها هي الذبح كثر التعبير به، فجعله الفقهاء هو الأصل، وظنوا أنه مقصود بالذات لمعنى فيه، فعلل بعضهم مشروعية الذبح بأنه يخرج الدم من البدن الذي يضر بقاؤه فيه؛ لما فيه من الرطوبات والفضلات، ولهذا اشترطوا قطع الحلقوم والودجين والمريء على خلاف بينهم في تلك الشروط، وإن هذا لتحكم في الطب والشرع بغير بينة، ولو كان الأمر كما قالوا لما أحل الصيد الذي يأتي به الجارح ميتا.
والصواب أن الذبح كان ولا يزال أسهل أنواع التذكية على أكثر الناس، فلذلك اختاروه، وأقرهم الشارع عليه، لأنه ليس فيه من تعذيب الحيوان ما في غيره من أنواع القتل، كما أقرهم على صيد الجوارح والسهم والمعراض ونحو ذلك، وإني لأعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لو اطلع على طريقة للتذكية أسهل على الحيوان ولا ضرر فيها كالتذكية الكهربائية- إن صح هذا الوصف فيها- لفضلها على الذبح، لأن قاعدة شريعته أنه لا يحرم على الناس إلا ما فيه ضرر لأنفسهم أو غيرهم من الأحياء، ومنه تعذيب الحيوان بالوقذ وغيره ". (1)
وهذا الرأي من الشيخ محمد رشيد رضا لا نقول فيه إلا أنه (زلة من زلات العلماء) ولكل جواد كبوة، ولن نتوقف عنده لنرد عليه، إذ يمكن لكل طالب علم أن يرد عليه بالنصوص الواضحة من الكتاب والسنة وإجماع أهل العلم وكل ما يمت إلى الإسلام بصلة.
ونقول: غفر الله للشيخ رشيد ورحمه، فقد جاهد في سبيل نشر دعوة الإسلام، واستنفد عمره في ذلك بما يغطي هذه الزلة ويفيض عنها أضعافًا مضاعفة، ولا نعلم أحدا من معاصريه ولا من بعدهم قبلها منه، والحمد لله فإن الحق أبلج.
__________
(1) تفسير المنار: 6/ 120- نقلا عن كتاب (حكم اللحوم المستوردة) للدكتور محمد أبو فارس، ص (35، 36، 50)(10/295)
التوقف في الذبح عند حد العظم:
يحسن من الذابح أن لا يتجاوز في الذبح قطع الودجين، فإن تجاوز حتى شرع في العظم، أو دخل بالسكين حتى قطع (النخاع) وهو الحبل العصبي الذي في داخل الفقرات، والممتد من الدماغ حتى العصعص، وتتفرع منه أعصاب الحس إلى سائر البدن؛ كره له ذلك، ولم تحرم الذبيحة.
ووجه ما قلناه أمور:
ا- عدم الحاجة إليه، ففيه إيلام بلا فائدة، كما قاله الحنفية في الذبح من القفا، كما يأتي.
2- أنه مخالف للصفة الواردة في الذبح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
3- أنه ورد النهي عنه من بعض الصحابة، روى البخاري قال: "قال ابن جريج، عن عطاء: الذبح قطع الأوداج. قلت: فيخلف الأوداج حتى يقطع النخاع؟ قال: لا إخال. وأخبرني نافع أن ابن عمر نهى عن النخع، يقول: يقطع ما دون العظم، ثم يدع حتى يموت " (1)
4- من حيث المعنى: فإنه إذا ترك النخاع سليما فإن التواصل بين الدماغ والقلب يبقى مستمرا، وهذا في تقديري يعطي الفرصة لاستمرار حركة القلب بإشارة الدماغ عبر النخاع، فيستمر ضخه للدم، فيخرج منهرا شخبا من الودجين المقطوعين، وذلك يؤدي إلى تفريغ جميع عروق البدن من الدم بأسرع ما يمكن، وتنتهي حياة الذبيحة في دقيقة أو أقل، أما إن قطع النخاع فذلك يضعف تدفق الدم أو يوقفه، لأنه يوقف الدورة الدموية كما تذكره بعض الكتابات في هذا الموضوع، وبذلك لا يخرج من دم الذبيحة إلا نسبة ضئيلة، لكن إثبات هذا أو نفيه يتوقف على قول أهل الخبرة.
__________
(1) فتح الباري: 9/ 640(10/296)
سلخ الحيوان أو تقطيعه قبل أن تزهق روحه:
يجب على الذابح أن يتمهل على الذبيحة، ولا يعجل بسلخها أوكسر عظم فيها، أو قطع عضو منها، ما لم تسكن حركتها تماما، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى أن تفرس الذبيحة حتى تموت)) وورد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تعجلوا الأنفس أن تزهق)) (1)
شريطة الشيطان أو ذبيحة الشيطان:
مقتضى ما تقدم من اشتراط قطع الودجين في الذكاة أنه لو قطع الذابح الجلد من مقدم العنق ولم يقطع الودجين، كما يقع من بعض من لا يحسنون الذبح، أو ممن استعمل آلة كالة (غير حادة) فلم يتمكن من قطع الودجين، ثم ترك الذبيحة حتى تموت من ذلك، فإنها لا تحل، وفي حديث ابن عباس وأبي هريرة مرفوعا: نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن شريطة الشيطان "، وفي رواية:
"عن ذبيحة الشيطان " (2) وفي سنن أبي داود: هي التي تذبح فيقطع الجلد ولا تفرى الأوداج، ثم تترك حتى تموت.
قطع رأس الذبيحة هل يكون ذبحا شرعيا؟
قطع عنق شاة أو بطة بضربه بسيف أو سكين فأطار رأسها بنية التذكية، فقد أفتى الإمام أحمد أنها تذكية صحيحة، ونقل مثل ذلك عن أبي حنيفة والشعبي والثوري، واستدل لذلك بأن عليا - رضي الله عنه- سئل عن ذلك فقال: "تلك ذكاة وَحْيَة"، أي سريعة، وأجازه ابن عمر وعمران بن حصين وأنس، كما في المغني وفتح الباري (3) .
__________
(1) رواه الدارقطني
(2) أخرجه أبو داود: 3/ 18؛وأحمد: 1/ 292
(3) انظر فتح الباري: 9/ 641؛ والمغني: 8/ 578(10/297)
ذبح الحيوان من قفاه:
لو ذبح الحيوان من قفاه، فإن لم يصل إلى الودجين وماتت الذبيحة من ذلك لم تحل. وإن أسرع في القطع حتى وصل إلى الودجين، فقطعهما وبالحيوان حياة مستقرة، فهي مثل ما ذكرناه في قطع الرأس.. ويصرح الحنفية بكراهة الذبح من القفا، لأن فيه زيادة إيلام (1) ومذهب المالكية أن ما كان ذبحه كذلك لا يؤكل، ذكره في الكافي (2)
النحر في الإبل والذبح في الغنم والبقر:
الوضع الأمثل هو ذبح الحيوان من الغنم والبقر وغيرهما- ما عدا الإبل- من مقدم العنق من أعلاه، وهو الموافق لما كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله، والأفضل في الإبل النحر، وهو الطعن بحربة في الوهدة التي في أصل العنق (3) لقوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُواْ بَقَرَةً} [البقرة: 67] ، وقوله: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: 2] وقد ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع: نحر بدنه , وفي حديث الأضحية: ((ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين ذبحهما بيده)) والأحاديث في ذلك كثيرة.
ولو ذبح ما ينحر، أو نحر ما يذبح، فالجمهور على جوازه، وكرهه الإمام مالك، كما في المغني، وفي فتح الباري (4) : منعه ابن القاسم. وبهذا أخذ خليل في مختصره وشارحوه، حتى قال الدردير: "إن نحر الغنم أو الطير ولو سهوا لم يؤكل، لكن صرح ابن عبد البر في الكافي أنه لا يؤكل كراهة لا تحريما". (5)
وقد صرح الحنفية بأن كل ما بين اللبة واللحيين موضع للذبح المشروع، وصرح به الشافعي في (الأم) (6)
__________
(1) المغني: 8/ 578، 579
(2) الكافي، ص 428؛ والأم: 2/ 262؛ وشرح المنهاج، ص 243
(3) وليس صحيحا ما قاله القرافي في الذخيرة من أن اللبة وسط الصدر، وأن نحر الإبل يكون بطعنها في جوفها. فهو إما خطأ أو قصور في العبارة
(4) فتح الباري: 9/ 641؛ والمغني: 8/ 577
(5) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 2/ 157؛ والكافي: 1/ 427
(6) فتح القدير: 9/ 486؛والأم: 2/ 263(10/298)
المبادئ العامة التي قصدتها الشريعة الإسلامية في الذكاة:
نستطيع أن نلخص المبادئ الأساسية التي راعتها الشريعة الإسلامية في مجال إزهاق روح الحيوان من أجل اتخاذه طعاما للآدميين، وذلك باستعراض ما وردت النصوص الشرعية، في الكتاب والسنة فيما يتعلق بذلك، مما أوردناه في هذا البحث، ومن التوجهات الفقهية لدى علمائنا، وهي كما يلي:
المبدأ الأول: أن الحيوانات البرية لا يحل أن تكون طعاما إلا بتذكية صحيحة، إلا في حال الاضطرار، وهو الجوع الشديد الذي لا يجد معه الإنسان طعاما حلالا، فيجوز له إذا خاف الهلاك أن يأكل الميتة أو غيرها من المحرمات بالقدر الذي يندفع به الضرر.
المبدأ الثاني: إخراج دم الذبيحة هدف أساسي من أهداف الذكاة، من أجل تطييب اللحم وإخراج الدم الخبيث، وكلما كان ما أخرج من دم الذبيحة أكثر فهو أفضل.
المبدأ الثالث: إراحة الحيوان عند الذكاة هدف مقصود، وهو من الإحسان الذي يحبه الله تعالى، وهذا ما لم يتعارض مع المبدأين السابقين، فكل ما فيه زيادة إيلام للحيوان مما يمكن الاستغناء عنه في الذكاة فإنه يكون مكروها شرعا.
المبدأ الرابع: أن إجراءات التذكية نوع من الشعائر الدينية الإسلامية يجب مراعاتها.
المبدأ الخامس: تعظيم الله تعالى بالذبح مع وجوب الحذر من تحول الذبح إلى وسيلة لعبادة غير الله تعالى.
المبدأ السادس: أن لا تستعمل أي طريقة للاقتدار على الحيوان وتسكينه وشل مقاومته يمكن أن يكون بها الحيوان عند ذبحه قد فارق الحياة أو فقد الحياة المستقرة.(10/299)
الطريقة المثالية للذبح في الشريعة الإسلامية:
الطريقة المثالية للذبح هي المشتملة على سنن الذبح وآدابه، وتتلخص فيما يلي:
1- تقدم الذبيحة إلى الذبح برفق، ولا يجرها برجلها إلى المذبح، ولا يقل الذابح: إنها ستفارقها الروح بعد قليل فما جدوى الرفق؟.
2- أن يحضر السكين قبل أن يضجع الذبيحة، وينبغي أن تكون حادة، وأن تكون طويلة، ليكون إجهازها على الذبيحة أسرع، وإن احتاجت إلى شحذ فليشحذها قبل أن يضجع الذبيحة، ودليل هاتين السنتين ما رواه مسلم في كتاب الصيد من صحيحة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) . و ((رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يضجع شاة وهو يحد شفرته، فقال: أردت أن تميتها موتات، هلا حددتها قبل أن تضجعها)) .
3- لا يستعمل الصعق ونحوه، ويمكن استعمال التخدير، ويأتي الكلام في هذا بالتفصيل لاحقا.
4- أن يضجع ذبيحته إن كانت شاة أو بقرة أو نحوها، على جنبها الأيسر، ليتمكن من ذبحها بيمينه، أما الإبل فيندب تذكيتها وهي قائمة، لقول الله تعالى {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [لحج: 36] وجبت: أي وقعت، ويكون وجهها متجها إلى القبلة، ثم يضع قدمه اليمنى على صفحة عنقها ليتمكن منها، ويمسك رأسها بيده، ولا بأس أن يستعين بمن يساعده على تسكين حركتها، ثم يوضح موضع الذبح بإزاحة ما عليه من صوف أو شعر حتى تظهر البشرة.(10/300)
5- يقصد إلى مقدم العنق وأعلاه من جهة الرأس، فيضع السكين هناك، على أن ينزل قليلا، بحيث تبقى الغلصمة- وهي العقدة التي في أعلى الحلق- مع الرأس.
6- يسمي الله تعالى قائلا: باسم الله والله أكبر، ثم إن كانت الذبيحة أضحية أو قربانا دعا الله تعالى بما ورد أو نحوه.
7- يعتمد بالسكين على الموضع المحدد بقوة، ثم يحركها ذهابا وإيابا بسرعة وقوة.
8- ينبغي أن لا يرفع يده قبل تمام الذبح، وأوجبه المالكية على تفصيل عندهم في ذلك (1)
9- إذا أتم قطع الودجين ووصل القطع إلى عظم العنق يتوقف ولا يتجاوزه، فلا يفصل الرأس ولا يقطع العظم ولا النخاع، لأن النبي صلى الله عليه وسلم ((نهى أن تنخع الشاة إذا ذبحت)) .
10- لا يعجل بسلخ الجلد، أو بقطع أي جزء من الذبيحة، ولا بتغطيسها في ماء حار أو بارد إلا بعد أن تسكن حركتها تماما (2) .
__________
(1) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 2/ 99؛ والكافي: 1/ 429؛ والذخيرة: 4/ 137، 138
(2) انظر هذه السنن والآداب والمكروهات في شرح فتح القدير: 9/ 486؛ والدسوقي على الشرح الكبير: 2/ 157- 109؛ والذخيرة: 4/ 138؛ وشرح المنهاج للمحلي بحاشيتي القليوبي وعميرة: 4/ 243(10/301)
الفصل الثاني
الطرق التي تتبع في المسالخ العصرية لإزهاق أرواح الحيوانات
إن كثيرا من الدول تنشئ المسالخ في ضواحي المدن، ليجري ذبح الحيوانات المأكولة فيها، وتحظر على الناس أو تقيد حريتهم في أن يذبحوا حيوانات داخل بيوتهم وفي أماكنهم الخاصة، بهدف تقليل الآفات التي تنتشر بانتشار الأقذار والفضلات في الأمكنة الخاصة، وربما كانت المسالخ في بعض البلدان تتبع شركات متخصصة.
والمسالخ تطبق القواعد العلمية في جمع فضلات الذبائح والتخلص منها بحرقها أو تحويلها إلى مواد نافعة كالسماد، مع توقي مخاطرها التي قد تؤثر على حياة الناس وصحتهم، أو على البيئة.
والهيئات القائمة على المسالخ تكون أعرف وأقدر على ذلك من عامة الناس لو ترك للناس الخيار في الذبح في أي مكان حسب رغبتهم.
وتجمع من تلك الحيوانات والطيور في المسالخ أعداد كبيرة كل يوم، قد تصل الألوف وربما الملايين في كل مسلخ، ليجري تجهيزها، ثم شحنها إلى الأسواق.
وهذا الأمر يطرح مشكلات لم تكن معروفة، تحتاج إلى حلول شرعية تنفي الحرج، وتيسر أمر العمل في تلك المسالخ، مع المحافظة على التعليمات الشرعية في ميدان التذكية، لتنفذ أحكام الله تعالى وتكون كلمته هي العليا، فما حرمه يجب اجتنابه والتحول عنه إلى طريق الحلال.
والمشكلات التي تعرض العمل في الذبح في تلك المسالخ كثيرة؛ من أهمها أن ذبح الحيوانات الكبيرة كالإبل والبقر، وربما الغنم، يكون صعبا إن لم توجد طريقة ميسرة للسيطرة على الحيوان عند ذبحه، من أجل التمكن منه ومنع نفاره، وشل مقاومته، ولو لم تعمل بطريقة تيسر ذلك لكان من الصعب والشاق على العمال تنفيذ الذبح في الأعداد الكبيرة المطلوبة لحاجة المستهلكين، وربما عاد ذلك بتكلفة زائدة ترفع الأسعار إلى حد يرهق المستهلكين.
وكذلك في الطيور، كالدجاج الذي تذبح منه مئات الألوف بل الملايين في كل يوم، في كل بلد، فإذا لم يمكن السيطرة عليه بطريقة ما، فإنه عند الذبح يزعج العمال والمستخدمين برفرفته وصياحه، فلا يتمكنون من تنفيذ ما يطلب منهم، ويبطئ العمل، وذلك يرفع التكلفة كما قدمنا. ومن الأهداف التي تتوخاها المسالخ إراحة الحيوان، ليكون إزهاق روحه بدون أن يحس بالألم.(10/302)
ومن هنا فإن الطرق التي يبحثون عنها تهدف إلى تحقيق هذين الأمرين معا:
الأول: إزهاق روح الحيوان بدون ألم.
والثاني: تيسير العمل من أجل تسريعه، لخفض التكلفة، وبالتالي تجنب رفع الأسعار.
وأكثر الطرق تعتمد لتحقيق ذلك: إفقاد الحيوان وعيه بأسلوب ما، ثم إجراء العمل على الجثة في أثناء فقدان الحيوان الوعي.
ولم تزل المسالخ تبحث عن أدوات لذلك تيسر لها العمل، وتطور تلك الأدوات، وخاصة في البلاد الأجنبية، سعيا وراء السرعة وكثرة الإنتاج وخفض التكلفة، قدر المستطاع.
وقد عرف الآن من الطرق المستخدمة لذلك أنواع، بعضها لا يقره الشرع، وبعضها جائز، والطرق المعروفة المستخدمة هي:
ا- الصعق الكهربائي.
2- التدويخ بغاز ثاني أوكسيد الكربون.
3- ضغط الهواء داخل صدر الحيوان حتى يختنق.
4- التخدير.
5- استعمال الآلات (الماكينات) السريعة لقطع الرأس، وخاصة في الطيور الداجنة.
ونحن نستعرض تلك الطرق واحدة واحدة:(10/303)
أ- طريقة الصعق الكهربائي:
وتكون بتسليط التيار على الموضع الملائم من رأس الحيوان: وإذا حصل ذلك حصلت للمخ صدمة عصبية يفقد الحيوان على أثرها الوعي، وقد تكون قاتلة إن كان الضغط الكهربائي أعلى مما يطيقه الحيوان، فإن كانت ضعيفة فإنها لا تفقد الحيوان الوعي، ويتعذب الحيوان بها، حسبما نقدر. ولم نطلع على وصف علمي لهذه الطريقة، يبين أثرها على الحيوان من حيث مقدار إحساسه بالألم، ومن حيث المقارنة بين مقدار ما ينسفح من الدم إذا ذبح أثناء الصعق، وبين الدم الذي ينسفح إذا ذبح بدون صعق.
لكنا نقول: إن كانت الصعقة قاتلة فالحيوان موقوذ، وإن كانت مفقدة للوعي دون أن تقتل، فإن أدرك الحيوان بعدها فذبح على الطريقة الشرعية حل، وإن لم يذبح ولكن بدئ بسلخه وتقطيعه دون ذبح- وهو الذي نظن أن مسالخ بعض الدول الغربية تفعله- فإنه لا يكون حلالا، وإن كانت الصعقة ضعيفة لا تفقد الحيوان الوعي؛ ففي تقديري أن الآلام التي تصيب الحيوان بضربة التيار تكون مخيفة لا تحتمل، إلا أن يكون هناك طريقة فنية لتجنب الحيوان هذا الألم.
والقول بجواز استعمال هذه الطريقة في مسالخ البلاد الإسلامية ينبني عندي على تحقيق خمسة أمور:
ا- التحقق من أن هذه الطريقة ليست قاتلة، ولو لبعض الحيوانات، ويمكن معرفة ذلك بالتجربة، بأن تترك مجموعات من الحيوان بعد صعقها فلا تذبح، فإن عاشت ولم تمت حصل التحقق المذكور بعد إجراء عدد كاف من التجارب.
2- التحقق من أنها لا تصحبها آلام للحيوان.
3- التحقق من أن الصعق لا يحول دون تدفق الدم عند إجراء الذبح بعدها، ولا ينقصه عما يحصل إن ذبح الحيوان دون صعق.
4- التحقق من أن الذبح يحصل فورا بعد الصعق وبالحيوان حياة مستقرة.
5- أن يتحقق من عدم تأثير هذه الطريقة بحصول فساد في اللحم أو نقصان لطيبه.
فإذا حصل التحقق من هذه الأمور الخمسة بما يفيد الطمأنينة، وينقطع به الشك، جاز استعمال هذه الطريقة، إذ لا يوجد محذور شرعي، ولما فيها من الفوائد.(10/304)
والفوائد كما يلي:
ا- إنهاء مقاومة الحيوان، مما يريح الذابح ولا يحتاج إلى استعمال العنف أو الآلات القابضة ذات الأثر القاسي التي قد تستعمل لإمساك الحيوان وتسكين حركته ليتمكن من ذبحه.
2- كثرة الإنتاج مما يخفض التكلفة على المستهلكين.
على أننا نرى أن الأفضل عدم الأخذ بهذه الطريقة بالكلية، ولو بالذبح الشرعي اللاحق لها، لأن السيطرة على المسالخ لا يمكن أن تكون كافية في جميع الأحوال، بحيث تطبق الشروط بحذافيرها، ويفضي التساهل الذي لابد أن يحصل إلى إطعام المسلمين الميتات، فينبغي إغلاق الباب بالكلية سدا للذريعة.
ثم نقول: الاكتفاء بصعق الحيوان بهذه الطريقة وإعداده للاستهلاك البشري من دون أن يذبح، كما هو معمول به في بعض المسالخ في الدول الغربية، لا شك أنه محرم من جهة أنه ميتة، لأنه لم يذبح، وإماتته بهذه الطريقة شبيهة بخنقه، من جهة أن الدم يبقى محتقنا في العروق، وبذلك يسرع الفساد إلى اللحم.
وقد ذكر الأستاذ الدكتور محمد فتحي الدريني أن أهل الدانيمارك رفعوا إلى حكومتهم شكوى لإبطال العمل بهذه الطريقة، لأنها تفضي إلى تعفن اللحم وتغير طعمه، كأثر للصدمة الكهربائية (1)
__________
(1) بحوث مقارنة: 2/ 352(10/305)
2- طريقة المسدس أو الشاكوش، والبلطة، والمطرقة:
وهي تكون بأن يهوي الذابح بالبلطة على رأس الحيوان، فتتلف دماغه، أو يضربه في دماغه بالمسدس بحيث تدخل الطلقة في رأسه، فيفقد الوعي، وربما بقي قلبه ينبض دقائق قليلة بعد تلف الدماغ، وهي طلقة راجعة، والأكثر أنها تنطلق بقوة ضغط الهواء، أو يضربه على مؤخرة رأسه بين الأذنين بمطرقة أو مرزبة لا تهشم دماغه، ولكنها تفقده الوعي فورا.
رأينا في هذه الطريقة:
لاشك أنه إن اكتفي بذلك ولم يذبح الحيوان بعدها بالطريقة الشرعية، يكون من الميتة الموقوذة ولا تحل لمسلم، وكذا لو ذبح الحيوان بعد أن فارقته الروح.
وإن ذبح فورا بعد الضربة، ففي صحة الذبح شرعا شك من جهتين:
الأولى: أن هذا إنفاذ لمقاتل الحيوان، فالذبح بعدها لا يجزئ عند بعض الفقهاء، لأنه يكون قتل بسببين مبيح وحاظر، بل نسبة الزهوق إلى الضرب أولى من نسبتها إلى الذبح.
الثانية: أن هذه وحشية لا تقبل من مسلم يدين بشرع الإسلام الذي يقول نبيه صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء، فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليحد ذبيحته)) ، ولكونه قد ورد أنه صلى الله عليه وسلم نهى عن الذبح بالأسنان والأظفار، أي لئلا يشبه عمل الأمم المتوحشة، وهذا مثله بل أولى، فإذن يجب الامتناع عن استعمال هذه الطريقة بالكلية في المسالخ، لأنها يجب أن تراعي المناهج المقبولة شرعا في الذبح من عامة المسلمين، وأيضا يجب منعها من باب سد ذرائع الفساد. وإن الفورية في الذبح بعد الطلقة أو ضرب البلطة، قد تتساهل المسالخ في تطبيقها في بعض الحالات، فيتطور الأمر إلى ذبح الموقوذات وإطعامها للمسلمين، كما نبهنا إليه في الطريقة السابقة.(10/306)
3- الخنق والمواد الخانقة:
وهي طريقة تستريح إليها المسالخ عند من لا يخافون الله تعالى، ولا يرجون له وقارا، ولا يحذرون من يوم الحساب، وهم لا ينظرون إليها إلا على أساس أنها مربحة تجاريا بتقليلها التكلفة وحفظ الدم.
وهي تستعمل في الحيوانات الصغيرة الكثيرة العدد، بإطلاق الغاز المذكور عليها في غرف مقفلة.
وإن استعمال الخنق أو المواد الخانقة نحو ثاني أوكسيد الكربون لإزهاق أرواح الحيوانات يجب منعها والامتناع عن استعمالها في مسالخ البلاد الإسلامية، لأمور:
الأول: أن المنخنقة محرمة بنص القرآن.
الثاني: ما في الخنق من التعذيب للحيوان تعذيبا قد يطول أو يقصر، والإسلام دين الرحمة والرفق بالإنسان والحيوان.
الثالث: أن جميع دم الحيوان يبقى في جسده ولا يخرج منهرا ولا يذهب منه قطرة، والدم محرم على المسلمين لخبثه، كما سبق بيانه.
الرابع: أن اللحم المأخوذ من الحيوان المخنوق يسرع إليه الفساد والإنتان فيما نظنه، لأن الميكروبات التي في الدم المحتقن تسرع في التكاثر، بخلاف ما إذا أفرغ الجسد الحيواني منه، فإنه يطيب ويكون أشهى وألذ مذاقا.(10/307)
4- الطريقة الإنجليزية في قتل الحيوان للأكل:
ذكر الأستاذ الدكتور محمد فتحي الدريني أن هذه الطريقة يزعم بأنها طريقة بارعة في الذبح في نظر الأوروبيين كافة، وهي تكون بخرق جدار الصدر بين الضلعين الرابع والخامس، ومن خلال هذا الخرق ينفخ هذا الحيوان بمنفاخ، فيختنق الحيوان نتيجة لضغط الهواء على الرئتين أي لأنها لا تتمكن من التمدد لجذب الهواء النقي من خارج البدن (1)
ولا يخفى أن هذا النوع داخل في (المنخنقة) المحرمة بالنص القرآني، ولا ينهر الدم كله ولا شيء منه، فيبقى محتقنا في العروق، بالإضافة إلى ما في هذه الطريقة من التعذيب للحيوان بهذا (الخرق) و (النفخ) و (الضغط) .
__________
(1) بحوث مقارنة، للدكتور محمد فتحي الدريني: 2/ 352(10/308)
5- طريقة التخدير قبل الذبح:
وهي تكون بإعطاء الحيوان قبل ذبحه مادة مخدرة، كالبنج مثلا، بشكل طعام أو حقن، فتخدره حتى يفقد الوعي تماما، كما يعطى الإنسان حقنا تخدره وتفقده الوعي قبل إجراء عملية جراحية في بطنه أو قلبه أو رأسه أو أي جزء من جسده، فتجرى له العملية من دون أن يحس بأي نوع من الألم، ثم بعد تمام العملية يعود إلى الإفاقة والنشاط كأن شيئا لم يحصل، فكذلك يمكن بهذه الطريقة السيطرة على الحيوان بسهولة، وإجراء عملية الذبح دون أي نوع من شعور الحيوان بالألم، فتحصل جميع المتطلبات الشرعية، وكذلك الأغراض التجارية من جهة تقليل التكلفة.
وقد قيل: إن عملية التخدير هذه باهظة التكلفة (1) ، وهو ما نشك فيه، بالنسبة للاستعمال الحيواني، لأننا نعلم أن كثيرا من الناس يصطادون الطيور بهذه الطريقة، فيضعون لها حبوبا قد خلطت بمواد تخدرها وتفقدها الوعي إذا التقطتها، فيلتقطها الصيادون وهي في تلك الحال، ثم هي تعود إلى الوعي بعد ساعات لتجد أنفسها داخل الأقفاص.
ويحتاج- من أجل الاطمئنان إلى أفضلية هذه الطريقة- إلى معرفة أمرين:
الأول: أن قوة أنهار الدم لا تخف بسبب التخدير، لأن حركة القلب تكون- في تقديري- ضعيفة أثناء فترة التخدير.
الثاني: أن المادة المخدرة لا تضر اللحم، ولا تفقده شيئا من الخصائص الجيدة فيه.
__________
(1) بحوث مقارنة: 2/ 357- نقله عن (الطريقة الإسلامية في ذبح الحيوانات للطعام) للدكتور غلام مصطفى خان(10/309)
6- الذبح بالآلات السريعة:
وهو أمر نسمع به، ولم نشهده، ولم نطلع على كتابة علمية فيه يعتمد عليها، وقيل: إنها تستعمل في ذبح الدجاج بقطع رؤوسه بآلات فيها شفرات حادة تدور بسرعة، فيتمكن بذلك من ذبح مجموعات كبيرة من الطيور في وقت قليل، مما يقلل تكلفة الذبح إلى درجة دنيا.
والغالب أن يجتمع مع هذه الطريقة الصعق بالكهرباء، ويكون الصعق سابقا لوصول الدجاجة إلى الآلة الذابحة بوقت قصير، بغرض أن تكون مشلولة منعدمة الحركة كما تقدم.
وقد تقدم الكلام في هذا البحث، وذكرنا أن أكثر العلماء على أن المذبوح بطريقة قطع الرأس عند كثير من العلماء مباح، وأن عليا - رضي الله عنه- قال فيه: "تلك ذكاة وَحِيَّة". لكن من أجازها اشترط أن يقطع الودجين قبل أن يموت الحيوان بقطع النخاع.
ونحن نرى أنه لا ينبغي استعمال هذه الطريقة في المسالخ في البلاد الإسلامية لما يأتي:
ا- فيه المحاذير المذكورة في طريقة الصعق كلها.
2- أن الطيور تعلق من أرجلها في علاقات مثبتة في سيور محركة تمر بها على (الذباحة) والطيور ليست أجسامها على طول واحد، فقد تضرب الشفرة موضع الذبح من عنق الدجاج، فإن كان جسم الدجاجة أقصر ربما ضربت الرأس نفسه أو المنقار، فتقتله بما ليس ذبحا شرعيا، وإن كان جسم الدجاجة أطول فتضربها في صدرها.
3- هذا بالإضافة إلى أن تحمل الدجاج للصدمة الكهربائية ليس بدرجة واحدة، فإن كان جسم الدجاجة أصغر من المعدل مات بالصعقة، وإن كان أكبر من المعدل لم يفقد الوعي، فيكون صعقه تعذيبا له.(10/310)
التسمية بالنسبة للمجموعات الكبيرة:
إن التسمية في حال المجموعات الكبيرة، ولو ذبحت باليد على الطريقة الإسلامية، تكون مرهقة للذباحين، فإنه لو كلف مثلا أن يذبح (1200) دجاجة في الساعة بمعدل دجاجة كل ثلاث ثوان، لكان إلزامه بأن يقول "بسم الله والله أكبر" (1200) مرة في الساعة إرهاقا له وعنتا شديدا، والعنت والحرج مرفوع في الشريعة لقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .
ومن هنا أفتت هيئة الفتوى في الكويت، وكنت أحد أعضائها وقت إصدار هذه الفتيا، بأنه عند ذبح مجموعة كبيرة من الدواجن يكفي التسمية عليها مرة واحدة عند أولها إن جرى الذبح بصورة متتابعة دون توقف، فإن جرى توقف لسبب ما، فعلى الذابح أن يسمي على المجموعة الباقية من جديد.(10/311)
تغطيس الدجاج في الماء الذي يغلي:
إذا فعل بالحيوان بعد ذبحه وقبل خروج الروح ما يعين على موته، كأن تطأه سيارة، أو يغطس في ماء يغلي أو ماء بارد، فإن جمهور الفقهاء يرون أنه لا يحرم بذلك، لأنه لا يكون بذبحه في حكم الميت.
ويرى الإمام أحمد أنه يكون بذلك حراما، قياسا على ما ورد في حديث الصيد: "وإن وجدته غريقا في الماء فلا تأكل " أي لأن تغرقه في الماء يعين على قتله (1) .
وعندي أن قول الجمهور هو الصحيح، والقياس على الصيد لا يستقيم لأنه يحتمل أن إصابة الصيد لم تكن قاتلة، كما لو كسر جناحه فوقع في الماء، فإن موته يمكن أن يكون بسبب الغرق في الماء لا بسبب الإصابة، فيكون ميتة، بخلاف ما إذا ذبح الدجاج ذبحا صحيحا وأنفذت مقاتله بالذبح، فإن ما يرد عليه بعد ذلك لا ينسب إليه القتل.
وعلى هذا فجائز لمن يذبح الطيور أن يغطسها في الماء الذي يغلي من أجل نتف ريشها، لكن الأولى أن يتركها حتى تنتهي حركتها بخروج الروح، لقول عمر رضي الله عنه: "لا تعجلوا الأنفس أن تزهق " أورده ابن قدامة، ولأن فيه تعذيبا للحيوان المذبوح (2)
وكذلك لا ينبغي سلخه ولا قطع عضو من أعضائه قبل تمام سكون حركته.
__________
(1) المغني، لابن قدامة: 8/ 579
(2) المغني، لابن قدامة: 8/ 579 – 580(10/312)
الفصل الثالث
الجهل بتحقق شروط الذبح المشروع
من قدم إليه لحم في بلاد كل أهلها مسلمون أو غالبهم، ولم يعلم تحقق شروط الذبح الشرعي في ذلك اللحم، فإنه حلال له أن يأكله، ما لم تكن هناك قرائن قوية تدل على أن شيئا من شروط الذبح لم يتحقق، ويشمل ذلك ما يلي:
ا- جهالة عين الذابح.
2- جهالة حاله من كفر أو إسلام.
3- جهالة كون اللحم لحم حيوان حلال أو محرم.
4- جهالة أنه هل سمي عليه أم لم يسم.
5- جهالة طريقة التذكية.
وهذا مستند إلى منطوق الحديث "سموا الله عليه أنتم وكلوا" بالنسبة إلى جهالة التسمية، ومفهوم الموافقة بالنسبة إلى الصور الأربعة الأخرى.
وهذا النوع في الحقيقة هو أكثر ما يقع في بلاد الإسلام منذ عصر النبوة وحتى الآن، فيمكن الادعاء بأن حكمه مجمع عليه إجماعاً عملياً، فالمؤمن غالباً ما يأكل اللحم في بيته أو عند صديقه، ولم يذبح هو ولا صديقه، وإنما ذبحه لهم ذابح آخر لم يحضروا ذبحه، وذلك الذابح الآخر يحتمل أنه تعمد ترك التسمية أو ذبح بطريقة غير مشروعة، وكذلك ما يشترى في أسواق المسلمين، لم يطلع مشتريه على ذابحه، ولعله مرتد أو مجوسي، أو لم يذبح بقطع الودجين ... إلخ، ولعله ذبح حيوانا لا يؤكل لحمه.. ولم ينقل عن أحد من أهل العلم أو العوام أنه تحرج من أكل شيء من ذلك، لكن إن قامت قرينة تدل على أن الذبح كان على غير الطريقة الشرعية فإن الحكم يختلف، كما ذكر أن عالما قال لمن يذبح: "اذكر اسم الله " فقال قد ذكرت، فقال: اذكر اسم الله " فقال: قد ذكرت، فحلف ألا يأكل منه شيئا ويمكن الاستدلال على ذلك بالآية القرآنية: {وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أو بُيُوتِ آبَائِكُمْ أو بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ أو بُيُوتِ إِخْوَانِكُمْ أو بُيُوتِ أَخَوَاتِكُمْ أو بُيُوتِ أَعْمَامِكُمْ أو بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أو بُيُوتِ أَخْوَالِكُمْ أو بُيُوتِ خَالَاتِكُمْ أو مَا مَلَكْتُم مَّفَاتِحَهُ أو صَدِيقِكُمْ} [النور: 61] ولم تشترط الآية حصول العلم بالطهارة والتذكية.(10/313)
وهذا أمر لا يسع الناس غيره، ويستحيل أن تشتمل الشريعة الحنيفية السمحة على اشتراط العلم اليقيني.
فقد تظافر على إباحة هذا النوع السنة والإجماع العملي ودلالة النص ونفي الحرج.
أما إن وجدت قرائن تدل على خلاف الظاهر، وكانت دلالتها قوية، فينبغي أن يعمل بها، كأن ترى عند مضيفك علبا فارغة كتب عليها أنها (لحم خنزير) أو ترى رجلا خرج من بيت مضيفك عليه أثر دماء الذبيحة وأنت تعرف أن ذلك الرجل هندوسي أو شيوعي ونحو ذلك.
وكلما كانت القرينة أقوى كان العمل بها أوجب، ولا حاجة إلى النظر إلى القرائن الضعيفة، وهو ما انتهى إليه الحديث المتقدم: "أن قوما حديثا عهدهم بالإسلام ... إلخ " فإن كونهم حديثي عهد بالإسلام قرينة ضعيفة والله أعلم، ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم بسؤالهم ولا بالاستفسار عن حالهم.
قال القرافي: "من أمر غلامه بالتسمية، مرتين أو ثلاثا، وهو يقول: سميت، ولم يسمعه، يصدقه ويأكل، ولا يظن بالمسلم غير ذلك " (1) , وقال ابن عبد البر بعد أن أورد الحديث: "فيه أن ما ذبحه المسلم يؤكل، ويحمل على أنه سمى، لأن المسلم لا يظن به في كل شيء إلا الخير حتى يتبين خلاف ذلك " (2) وقال ابن مفلح الحنبلي: "يحل مذبوح منبوذ بموضع بحل ذبح أكثر أهله، ولو جهلت تسمية الذابح " (3) .
__________
(1) الذخيرة: 4/ 134، 135
(2) فتح الباري: 9/ 634، 9/ 636
(3) الفروع: 6/ 321(10/314)
الفصل الرابع
حكم اللحوم المستوردة
حجم المشكلة:
لم تكن مشكلة اللحوم المستوردة من غير بلاد المسلمين تشغل بال علماء المسلمين قديما، بسبب ما كان عليه المسلمون من الاكتفاء الغذائي الذاتي.
وأما في العصر الحاضر- ابتداء من منتصف القرن العشرين- فقد ضعف الإنتاج الحيواني بدرجة كبيرة لأسباب كثيرة اجتمعت جميعا، منها:
ا- انحياز جمهرة السكان إلى العواصم والمدن الكبرى، الأمر الذي كان نتيجة تقصير الحكومات الإسلامية في رعاية الأرياف والقرى، فالخدمات الصحية والتعليمية والثقافية والترفيهية والمواصلات كلها في المدن خاصة، والمؤسسات والجامعات فيها، وهذا الأمر أدى إلى ضعف الأرياف والقرى، وهي الأماكن التي تتمكن من تربية الحيوانات، وأما المدن فيصعب فيها ذلك، بل قد يمتنع بالقرارات الحكومية، ولم يصحب هذا التركيز في المدن والعواصم إنشاء مشاريع لتربية الأنعام والدواجن، كافية لتعويض ما نشأ عن الانحياز المذكور.
2- تضخم الثروات في بعض البلاد الإسلامية الغنية، واتجاه أهلها إلى الإنفاق الاستهلاكي دون الإنفاق الإنتاجي؛ مما مكن أهلها من كثرة استهلاك اللحوم، الأمر الذي أدى إلى فناء النسبة الكبرى من الثروة الحيوانية في البلاد العربية، حتى أوشكت على الانقراض.(10/315)
ولما طال الأمر على هذا الحال بدأت تنهال على البلاد الإسلامية الواردات من اللحوم ومشتقاتها من أوروبا والأمريكيتين وأستراليا وسائر بلاد العالم.
وكان من المفترض أن تحرص حكومات البلاد الإسلامية، وهي المفروض فيها أن تقوم على حراسة الدين وسياسة الدنيا، أن تقوم بالنيابة عن أفراد شعوبها بما يمليه عليها واجبها في هذا الباب بما يطمئن المسلمين إلى أنهم حين يأكلون اللحوم المستوردة والأطعمة المشتقة يأكلون ما هو حلال في دينهم، لكن كانت الحكومات ما بين نائمة عن الموضوع، أو متنبهة لكنها لا تدري كيف تصنع، أو تدري لكنها تنشط أحيانًا وتكسل أحيانا، وبين علمانية أو كالعلمانية لا تبالي بهذا الأمر لأنه لا يعنيها، حتى إن لحم الخنزير ومشتقاته تدخل إلى بعض البلاد الإسلامية بيسر أحيانا، وخفية أو مع التمويه أحيانا.
هذا في الوقت الذي يصر فيه اليهودي أينما ذهب على أن يحصل- إن شاء- على لحم وغذاء يرتضيه يوافق شريعته ولا يخالفها (1)
__________
(1) هذا أمر يعرفه المسلمون إذا سافروا بالطائرات الحديثة، حيث يمكن أن يقدم لليهودي مما إذا طلب وجبة (كوشير) أي موافقة للديانة اليهودية من جهة ما فيها من اللحم، ولا يتاح مثل ذلك للمسلم، لعدم وجود الاستعدادات لذلك، وقد نبه إلى ذلك الشيخ أبو الأعلى المودودي في رسالته، ص 6(10/316)
وعانى المسلمون الغير من هذا الأمر كل بقدره، وكان الأكثر معاناة هم المسافرين والطلبة والمغتربين المقيمين في ديار الغربة من بلاد النصارى.
ولعل أحد أسباب القصور في معالجة المسألة عدم وضوح الأحكام الشرعية المتعلقة بها، إذ لم تقم جهة إسلامية موثوقة بوضع نظام واضح مركز ومحدد يضبط الأمر، ووضع آلية سهلة التطبيق واضحة المعالم تحكم الأمر.
هذا ومما يزيد المسألة تعقيدا حرص تجار اللحوم ومنتجيها، في البلاد الأجنبية- من منطلق التنافس التجاري الصرف- على إدخال لحم الخنزير في اللحوم المعلبة، وإدخال شحومها في الأطعمة المصنعة كالبسكويت والشوكولاتة والبوظة ونحو ذلك، لأن شحم الخنزير في بعض بلاد النصارى أرخص ثمنا وأقل تكلفة من لحم البقر والغنم، لكثرة توالد الخنازير، وكونها ترضى بالعلف الرديء والقذر.
وأيضا في مجال لحوم البقر والغنم والدجاج، تفقد الذبائح نسبة من وزنها (7 %) تقديرا إذا ذبحت بالطريقة الإسلامية، وذلك بما تفقده من الدم المسفوح.
وأيضا فإن الذبح الإسلامي على الطريقة التي حددناها فيما مضى من هذا البحث، يحتاج إلى تكلفة إضافية، وهي أجرة الذباحين، فإن الذبح الآلي أسرع بكثير من الذبح اليدوي.(10/317)
ومن هنا- ولأجل المنافسة التجارية بفارق السعر- يحرص تجار اللحوم المصدرون لها إلينا على أن يتخلصوا من طلبات الالتزام بالذبح الإسلامي، وعلى المراوغة والتخفي والتمويه في الأطعمة المعلبة والمجمدة وغيرها.
وهذا نسوقه من أجل مزيد من اليقظة والانتباه والعمل المنظم المبني على الأصول الشرعية الصحيحة.
مع أننا أيضا نلفت النظر إلى ما سبق أن نادت به بعض الحكومات الإسلامية، وهو وضع الخطط والسياسات وإقامة المشاريع ووضع الأنظمة من أجل الوصول بالبلاد الإسلامية إلى مرحلة الاكتفاء الذاتي والأمن الغذائي، بل إلى مرحلة التصدير، حيث إن الإمكانيات المادية متوفرة، والإمكانيات البشرية في تقدم مستمر، ولا يبقى إلا العزم والإصرار والتقدم إلى الأمام، والله الهادي إلى الطريق الأقوم.(10/318)
ا- تعليق الحكم بالبلد إن جهلت ديانة الذابح بالنسبة للحوم المستوردة:
تقدم أن ذبائح غير المسلمين وأهل الكتاب ليست حلالا للمسلمين، أما ذبائح المسلمين والكتابيين فهي حلال إذا استوفت الشروط، وبناء على ذلك وجد في العصر الحاضر توجه عند العلماء وداخل المجتمع الإسلامي، إلى رفض استيراد وأكل اللحوم الواردة من البلاد الوثنية والشيوعية في آسيا الشرقية والجنوبية وفي أوروبا، وإن كان من المحتمل أن الذابح مسلم ملتزم أو كتابي، واقتصر الاستيراد على ما يرد من بلاد المسلمين أو النصارى, ونحن نقر هذا التوجه ونرى أنه توجه صحيح نابع من العقيدة والشريعة الإسلامية.
لكن هل كل ما يرد من بلاد النصارى يجوز أكله؟
إن ما تقدم في هذا البحث كان التركيز فيه على الذكاة بأيد إسلامية.
أما ما يذبحه أهل الكتاب، وخاصة في العصر الحاضر، فسنزيد التركيز عليه فيما بقي من هذا البحث.
على أن تعليق الحكم بالبلد بصفة عامة فيه ما فيه، لأمرين:
ا- أن البلد الواحد كفرنسا أو البرازيل مثلا ليس كل أهله كتابيين، بل منهم الغرباء القادمون من الشرق ممن يدين بالوثنية، كبعض الهنود والصينيين مثلا، وخاصة وأن أهالي البلاد الغربية يتركون في الغالب هذه المهن- التي يعتبرونها حقيرة، ويتعرض أصحابها للأقذار- لهؤلاء القادمين.(10/319)
2- أن أهل تلك البلاد في الغالب تركوا التمسك بالديانة المسيحية، وتحولوا لا دينيين أو شيوعيين لا يؤمنون بإله ولا كتاب ولا رسول، والسيادة والأمر والنهي فيها في الغالب لهؤلاء.
وهذان الأمران أيضا موجودان في حالة بعض البلاد المنتسبة شعوبها إلى الإسلام.
ومن هنا نستطيع أن نقول: إن عرف الذابح بعينه أنه مسلم أو كتابي فهو أولى بأن تكون ذبيحته حلالا.
وإن جهل ذلك يعلق المحكم بغالبية أهل البلد، فإن كان غالبية أهله مسلمين أو نصارى، يمكن- على ضعف- اعتباره كما لو كان الذابح معلوم الديانة مسلما أو كتابيا، وتكون الأغلبية مغلبة على الظن، وغلبة الظن تجري مجرى العلم في الشرعيات.
وقد قبل هذا المبدأ- وهو مبدأ تعليق الحكم بغالبية أهل البلد المستورد منها اللحم- عامة العلماء في العصر الحاضر الذي تميز بكثرة استيراد اللحوم، وصدرت على أساسه الفتاوى الكثيرة، وله جذور في بعض كتب الفقه.
لكننا نود التنبيه إلى أن روسيا والبلاد التي كانت خاضعة للشيوعية قبل أن يهوي صنمها كان غالب أهلها مسلمين أو نصارى، ولم يكن الأفراد المنتمون إلى الحزب الشيوعي يزيدون عن (10 %) من مجموع السكان - على ما أوردته بعض وسائل الإعلام في ذلك الوقت- ولكن كانت وسائل الإنتاج بأيدي الشيوعيين وتحت سيطرتهم ومنها المسالخ، فهل يرجح في مثل هذه الحال أغلبية السكان، أم السيادة السياسية، وأيهما أقرب للاعتبار من حيث الاستدلال به على كون الذابح مسلما أو كتابيا: القلة السائدة الكافرة، أم الكثرة التي لا تأثير لها؟(10/320)
2- طريقة الذبح عند أهل الكتاب في العصر الحاضر:
ذبائح اليهود فيما نعلمه، وخاصة ما ذبحوه لليهود، ويسمونه الآن (الكوشر) تذبح بالطريقة المعروفة عند المسلمين وهي قطع الودجين، أما النصارى فقد كان بعض علمائنا الذين اطلعوا على طرائقهم في الذبح يحذرون من أكل ذبائحهم، لأنهم يرون أنه لا بأس عليهم من أكل الميتات والموقوذات، قال القرافي: " لا يختلف اثنان ممن يسافر أن الإفرنج لا تتوقى الميتة، ولا تفرق بينها وبين التذكية، وأنهم يضربون الشاة حتى تموت وقيذة بالعصي وغيرها، ويسلُّون رؤوس الدجاج من غير ذبح، وهذه سيرتهم ". قال: "وقد صنف الطرطوشي رحمه الله رسالة في تحريم جبن الروم كتابا، وهو الذي عليه المحققون، فلا ينبغي لمسلم أن يشتري من حانوت فيها شيء منه، لأنه ينجس الميزان والبائع والآنية". (1) ا. هـ.
وكان هذا في عصرهم، أما في عصرنا فقد كثر المسافرون من المسلمين إلى هنالك والمقيمون، فعلم ذلك من قبلهم ومن مصادر أخرى سوف نشير إليها.
وقد كره علماؤنا أن يتخذ الكتابي جزارا يذبح لنا، فينبغي تجنب ذلك ما أمكن ولوكان يذبح بمشهد من المسلمين.
__________
(1) الذخيرة، للقرافي: 4/ 124.(10/321)
ما أزهق الكتابي روحه بغير الذبح أو النحر بالطريقة الشرعية:
وقد تقدم ذكر بعض طرقهم:
ا- فالأكثرون يضربون رأس الثور أو البقرة بالمسدس حتى يموت، ثم يذهب به إلى السلخ والتقطيع، وتقطع رقبة الثور بعد أن تكون روحه قد خرجت.
2- ومنهم من يضرب رأس الثور بمطرقة من حديد ضربا قويا يفقد الحياة بها فورا أو يفقده الوعي.
3- ومنهم من يدخل في فم الدجاجة مقسًا، فيقطع عظم الرقبة عند أسفل الرأس من دون أن يقطع الودجين.
4- ومنهم من يخنق الدجاج أو غيره بآلات خانقة أو بثاني أوكسيد الكربون، ليمكن إماتة أعداد هائلة منها بسرعة، بحبسها في أماكن مقفلة وإطلاق الغاز المذكور عليها.
5- ومنهم من يفقد الحيوان وعيه بالصعق الكهربائي, ثم بعد ذلك لا يجري- في كثير من الأحوال- ذبح الحيوانات، وإن جرى يكون ذلك بعد موتها.
وكل ذلك مع الحرص منهم على إماتة أعداد كبيرة من الحيوانات في أقصر وقت، مع عدم إهدار شيء من الوزن بإخراج الدم.
وإن جرى الذبح قبل الزهوق يكون خروج الدم بكميات قليلة جدا، لا ينطبق عليها ما دعا إليه نبي الإسلام صلى الله عليه وسلم حين قال: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوا)) .(10/322)
ويختلف النظر في حكم هذه الطرق شرعا، وقد تقدم بيان الحكم الشرعي فيما إن كان الذابح مسلما.
أما إن كان الذابح كتابيا، فإن جمهور الفقهاء لم يفرقوا بينه وبين ذبح المسلم، لأنه إن كان قتله بالضرب فهو موقوذة، أو بالخنق أو بثاني أوكسيد الكربون أو بالتغريق في الماء فهو من المنخنقة، فهو داخل فيما نص القران على تحريمه.
وذهب آخرون من الفقهاء إلى التخفيف في ذلك في حق أهل الكتاب، منهم الشيخ أبو بكر بن العربي المالكي، قال في كتابه (أحكام القرآن) ما نصه: "سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها هل تؤكل معه أو تؤخذ منه طعاما؟ فقلت: تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا، ولكن الله أباح لنا طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم حلالا، فإنه حلال لنا إلا ما كذبهم الله فيه " (1)
وتابعه على هذه الفتوى الشيخ محمد عبده، والشيخ محمد رشيد رضا (2)
__________
(1) أحكام القرآن: 2/ 554
(2) تفسير المنار: 6/ 200-217؛ ومجلة المنار: 6/ 771، 812، 927(10/323)
ونقل بعض الباحثين أن ابن العربي له في كتابه نفسه ما ينقض فتواه هذه حيث قال: "فإن قيل: فما أكلوه على غير وجه الذكاة كالخنق وحطم الرأس، فالجواب أن هذا ميتة وهي حرام بالنص، وإن أكلوها فلا نأكلها نحن كالخنزير، فهو من طعامهم وهو علينا حرام ". (1)
ولعل مقصوده أن ما اعتبره أهل دينهم ذكاة، كفتل عنق الدجاجة يؤكل، وإن لم يعتبره أهل دينهم ذكاة كالخنق فلا نأكله، والله أعلم. والواضح أن الراجح من ذلك مذهب الجمهور، وهو أن ما لم يكن ذبحا صحيحا من المسلم كالخنق ونحوه، فلا يكون ذبحا مبيحا إذا فعله أهل الكتاب، والاستناد إلى آية {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] كما لم يفد في إباحة الخنزير لنا، فكذلك لا يبيح المخنوق والموقوذ، ويبقى عموم آية: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ} [المائدة: 3] محفوظا.
__________
(1) أحكام القران: 2/ 553(10/324)
حكم ما جهلت كيفية ذبحه من اللحوم المستوردة من بلاد أهل الكتاب:
إن ما علمت طريقته من ذبحهم فحكمه واضح مما تقدم، وأما ما جهلت طريقته فهو مشكل، وقد صدرت في هذه المسألة فتويان متعارضتان, أحداهما لفضيلة شيخنا المبجل الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل باز حفظه الله وأبقاه بخير وعافية، مفتي عام المملكة العربية السعودية حاليا، ونصها:
"طعام أهل الكتاب مباح لنا إلا إذا علمنا أنهم ذبحوا الحيوان على غير الوجه الشرعي؛ كأن يذبحوه بالخنق أو الكهرباء أو ضرب الرأس، فإنه يكون منخنقا أو موقوذا فيحرم علينا للآية". (1)
والفتوى الثانية لفضيلة الشيخ عبد الله بن محمد بن حميد شيخ المسجد الحرام رحمة الله عليه المتوفى سنة 1452 هـ ونصها:
"ما يرد من اللحوم إن كان استيراده من بلاد إسلامية، أو من بلاد أهل الكتاب، أو معظمهم وأكثرهم أهل كتاب، وعادتهم يذبحون بالطريقة الشرعية، فلا شك في حله، وإن كانت عادتهم أو أكثرهم يذبحون بالخنق أو بضرب الرأس أو الصعق بالكهرباء ونحو ذلك فلا شك في تحريمها.
أما إذا جهل الأمر ولم يعلم عن حال أهل تلك البلد هل يذبحون بالطريقة الشرعية أم لا، فلا شك في تحريم ما يرد من تلك البلاد المجهول أمر عادتهم في الذبح، تغليبا لجانب الحظر، وهو أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر فيغلب جانبا لحظر كما في الصيد".
__________
(1) انظر نص الفتوى بكاملها في مجلة الجامعة الإسلامية بالمدينة، العدد الثالث من السنة الثانية، ذو الحجة 1395 هـ، ص 156؛الأطعمة للشيخ صالح الفوزان، ص 161(10/325)
وهذه الفتوى توافق تقريبا ما ذهب إليه المالكية من أن "اللحم الذي يباح لنا من ذبح النصراني هو ما ذبحه بمحض مسلم عالم بأحكام الذبح، أما ما غاب عليه- أي ذبحه من غير أن يراه مسلم- فإنه يكون حراما لأنهم يستحلون الميتة، وهذا بخلاف اليهود، فإنهم لا يستحلونها". (1)
فللحوم المستوردة من بلاد النصارى ولم نعلم ديانة ذابحها على التحديد ثلاثة أحوال اتفقت الفتويان على حاليين منها:
ا- أن نعلم أن عادة أهل البلد الذبح بطريقة شرعية، فيكون اللحم حلالا.
2- أن نعلم أن عادة أهل البلد الذبح بطريقة غير شرعية، فيكون اللحم حراما.
واختلفت الفتويان في الحالة الثالثة:
3- وهي أن نكون جاهلين طريقتهم في الذبح:
فالفتوى الأولى تقتضي إباحة هذه اللحوم، بناء على أنها من طعام أهل الكتاب.
والفتوى الثانية تقتضي تحريمها بناء على أن الأمر تردد بين الحظر والإباحة، فيقدم جانب الحظر، كما في مسائل النكاح.
__________
(1) الأطعمة للشيخ صالح الفوزان، ص 163(10/326)
ونحن نميل إلى جانب الفتوى الأولى، لأنه لو قدم جانب الحظر في الأطعمة لما وجد الإنسان طعاما من مصدر حيواني يأكله، فالجهل في الأطعمة نعمة تشكر، كما بينه شيخ الإسلام ابن تيمية فيما أذكر، ولست أستحضر الآن الموضع الذي قاله فيه، ونستأنس بما تقدم عن الزهري أنه قال: "إن سمعته يذكر اسم غير الله فلا تأكل، وإن لم تسمعه فقد أباح الله طعامهم لنا وهو يعلم ما يقولون ".
استدراك:
هذا الكلام المتقدم هو في المبدأ والنظرية، أما الواقع فأمره مختلف، فهل ما يرد من تلك البلاد معلومة طريقة ذبحه أم مجهولة:
إن طريقة ذبحهم في بلاد النصارى معلومة وليست مجهولة:
فمن جهة تواترت عنهم الأخبار أن كثيرا منهم لا يذبحون، وإنما يقتلون بالخنق أو الكهرباء أو بالمسدس الخاص.
ومن جهة أخرى هناك الكتب المؤلفة من أهل تلك البلاد وجهاتهم الرسمية، والموسوعات العلمية العامة والخاصة، التي تبين بجلاء كيف يجري الذبح عندهم في كل بلد من بلادهم، وكلها تقرر ما لا يقره الشرع من طرائق الذبح، بل جاءت الأخبار من بعض بلادهم بأنهم يعتبرون طريقة ذبحنا همجية ووحشية، وخالية من الرفق بالحيوان، ولذلك تمنعها قوانينهم، وتراقبها جمعيات الرفق بالحيوان، وتعترض على ما شم ذبحه بها، وخاصة في إحدى البلاد التي عرف أهلها بذبح الشعوب واستنزاف دمائها وخيراتها.
فادعاء أن طرقهم في الذبح مجهولة لنا، شبيهة بمن يغطي عينيه ثم يقول: لا أدري الشمس طالعة أم لا، وبمن يقول في رمضان: آكل الطعام لأن الصبح لم يتبين لي، وهو لو فتح النافذة أو نظر لساعته في معصمه لعلم.
كما أن من اليسر بمكان الإطلاع المباشر على طرائقهم في الذبح من جهة الباحثين وأهل العلم، أو من جهة المبتعثين لهذه الغاية، وهو أمر يقطع الشك باليقين.(10/327)
الشهادات التي تأتي مع اللحوم لإثبات ذبحها بالطريقة الإسلامية في بلاد أهل الكتاب:
إن الشهادات المذكورة إن جاءت من جهة إسلامية موثوقة تشهد بأنها ذبحت على الطريقة الإسلامية فإن ذلك يكفي لاعتبارها حلالا، ولا إشكال في ذلك، ما لم يتبين خلافه، وإن جاءت من جهات أهلية أو حكومية في تلك البلاد فإنها لا تعتبر ولا قيمة لها، لأن المشكلة تبقى قائمة، لأنهم يكتبون ذلك صوريا ولا يؤمنون بأي أهمية للموضوع، بل قد يسخرون ممن يبدي أية عناية واهتمام بذلك.
والقاعدة عند الفقهاء أن خبر الكافر لا يقبل في الأمور الدينية كالقبلة والطهارة ونحوها، ومسألة الذبح من هذا الجنس.
وأما الكتابات التي توجد على بعض المعلبات، أو اللحوم المستوردة وغيرها من الأطعمة، الآتية من بعض بلاد النصارى، من أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية، فقد أصبحت أمرا لا قيمة له، بعد أن كثرت الوقائع الشاهدة ببطلانه، من ذلك واقعتان شهدتهما وأشهد بهما:
ا- ورد إلى الكويت في أواخر السبعينات من هذا القرن كميات كبيرة من سمك الزبيدي جيد النوعية، معبأ في أكياس بلاستيكية كتب عليها بحروف كبيرة (ذبح على الطريقة الإسلامية) ، وقد بيعت تلك الكمية في سوق السمك في الكويت، واشتريت منها وأكلت منها أنا وأفراد عائلتي، واشتراه كثير ممن نعرف، وكان ذلك مثار تندر طويل لأهل الكويت.
2- وردت إلى الكويت أيضا لحوم معبأة في علب معدنية، كتب عليها بالعربية (لحم بقر مذبوح على الطريقة الإسلامية) وبالإنكليزية (Luncheon meat) أي لحم للطعام، وبالألمانية كلمة لا أذكرها الآن، لم نكن نعرف معناها، فكشفنا عنها في المعجم فإذا هي تعني (لحم خنزير) ، ولذلك ينبغي الاقتصار على الشهادات التي تأتي من جهات إسلامية موثوقة، أو أن يكون للشركات المستوردة موظفون موثوق بديانتهم يحضرون عمليات الذبح ويستخدمون الذباحين المسلمين.(10/328)
واجب الدول الإسلامية تجاه استيراد اللحوم:
إن الوضع الحاضر للحوم المستوردة إلى كافة البلاد الإسلامية من البلاد غير المسلمة وضع سقيم بلا شك، وهو بحاجة إلى إصلاح وتنظيم، ليكون ما يأكله المسلمون حلالا سائغا لا شبهة فيه ولا مخالفة لشريعة الله, ونرى أن ذلك يمكن أن يتم بما يلي:
أولا: أن توجد جهة إسلامية موحدة، تجمع بين المقدرة والأمانة، لتتولى إصلاح هذا الوضع وتنظيمه، وتضمن استمرارية التنفيذ,
وليس أولى من ذلك في نظري من (رابطة العالم الإسلامي) فإنها موضع ثقة المسلمين، ولديها إمكانيات علمية وإدارية كافية.
ثانيا: تشكل الجهة التي يوكل إليها هذا الأمر إدارة أو مؤسسة تتولى العمل المباشر، وتتفرغ له تفرغا كليا.
ثالثا: تضع تلك الإدارة، مع الاستعانة بآراء الخبراء الشرعيين والإداريين لائحتين: إحداهما شرعية تبين ما يجب مراعاته في شأن اللحوم المستوردة؛ والثانية إدارية تتضمن كيفية تسيير دفة العمل بما يحكم الرقابة ويقضي على الفوضى.(10/329)
رابعا: لا يجوز أن يكون من يتولى الذبح في المجازر التي يوافق على الاستيراد من ذبائحها جزارا غير مسلم، لأنه إن لم يكن مسلما ولا كتابيا فذبيحته محرمة، وإن كان نصرانيا فهو يستحل الميتة، ولا يبالي بأي طريقة كان الذبح، أما إن كان يهوديا فذبحه عموما جيد إن ذبح لليهود، لكنه يكره المسلمين ويكيد لهم، فلا يبالي كيف ذبح لهم، وقد نص المالكية على أنه يكره تمكين الكتابي من أن يكون جزارا في أسواق المسلمين أو بيوتهم، بخلاف ما لو ذبح لنفسه أو قومه فلا يكره أكله لأنه طعامهم، ومن هنا قال الإمام الشافعي: "أحب أن يكون المذكي بالغا مسلما فقيها". وقال القرافي في الذخيرة: "قد أمر عمر أن يقام الكتابيون من أسواقنا: الجزارون وغيرهم " (1) .
خامسا: توضع على اللحوم التي يوافق على استيرادها، وهي التي حازت شروط القبول الشرعي، علامة تجارية مميزة، تسجل لدى جميع الدول في سجل العلامات التجارية، ويطلب من الدول المصدرة الاعتراف بها كعلامة خاصة مملوكة للجهة الإسلامية القائمة بالأمر، وإدخالها ضمن العلامات التجارية المحمية بالقانون، بحيث يمكن مقاضاة أي جهة تستعملها استعمالا غير مرخص به من جهة المؤسسة المالكة لها.
سادسا: يمكن أن يوضع لاستعمال تلك العلامات رسوم مادية بحيث تكون موردا تمول منه العملية بكاملها. والله الموفق للصواب والهادي إلى سبيل الرشاد.
__________
(1) الشرح الكبير وحاشية الدسوقي: 2/ 101، 102؛ والأم للشافعي: 2/ 259؛ الذخيرة للقرافي: 4/ 122(10/330)
خلاصة البحث
ا- حيوان البحر، وما لا دم له سائلا من حيوان البر، كالجراد، يحل أكله دون تذكية.
2- التذكية بذبح الحيوان البري ذي الدم السائل، أو نحره، من أجل التغذية الإنسانية، أمر مطلوب شرعا على طريق الوجوب، ولا يحل الحيوان المقدور عليه إلا بذلك، وذلك لأن الشرع أمر باستخدام هذه الطريقة، ولأنها خير الطرق لاستنزاف دم الحيوان ليطيب لحمه.
3- التذكية الاضطرارية بطعن الحيوان بجارح، يجوز استخدامها بالنسبة إلى الصيد غير المقدور عليه، وبالنسبة للحيوان الأهلي إن ندّ أو تردى بطريقة لا يقدر فيها على ذبحه أو نحره.
4- من تولى الذبح وكان على ملة غير الإسلام ولا النصرانية ولا اليهودية، أو كان مرتدا أو شيوعيا أو ملحدا أو دهريا فذبيحته ميتة لا تحل للمسلم.
5- لا تحل الذكاة في الحيوان النجس العين كالخنزير والكلب، وتعمل فيما عداه في الحيوانات غير المحرمة، وتعمل في الحيوانات المحرم أكل لحمها بتطهير أجزائه من جلد وغيره، لاستعمالها في غير الأكل.
6- لا تعمل الذكاة في حيوان ميت، أو مشرف على الموت ما لم يكن فيه حياة مستقرة، بحيث يتحرك بسبب الذبح ويسيل الدم.(10/331)
7- لا يجوز أن يذبح الإنسان الذبيحة بنهش مذبحها بأسنانه وأظفاره، بل لا بد من استعمال آلة محددة كالسكين ونحوها، سواء كانت من حديد أو غيره.
8- على المسلم عند الذبح أن يذكر اسم الله تعالى، فإن تعمد أن يترك ذكر اسم الله تعالى لم تحل ذبيحته، وإن تركها نسيانا أو جهلا تؤكل.
9- إن سمي على الذبيحة اسم غير الله تعالى استقلالا، أو مع ذكر اسمه تعالى حرمت، سواء كان الذابح مسلما أو غير مسلم.
11- لا تكون التذكية الاختيارية إلا بذبح الحيوان بقطع الودجين في مقدم العنق، أو بنحره في اللبة، وهي الوهدة في أسفل العنق.
11- يفضل الاقتصار على قطع الودجين، ولا ينبغي التجاوز بقطع الرقبة كلها، أو القطع من القفا.
12- يحسن بالمسلم إذا أراد الذبح التقيد بآداب الذبح المبينة في مكان آخر من هذا البحث، امتثالا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء ... )) الحديث.
13- لا بأس في المسالخ من استعمال طرق للسيطرة على الحيوان المراد ذبحه، بشرط أن لا يكون في الطريقة المستعملة تعذيب للحيوان يمكن الاستغناء عنه بطرق أخرى، وأن يؤمن من موت الحيوانات أو بعضها قبل أن تذبح.
14- لا يجوز استعمال الوقذ والمسدس والخنق بثاني أكسيد الكربون أو ضغط الهواء في جوف الحيوان حتى يموت، وكل ذلك حرام.
15- لا مانع من استخدام التخدير قبل الذبح إن ثبت أنه لا يضعف تدفق الدم.
16- يجوز الذبح للطيور ونحوها بالآلات السريعة، إن كانت متقنة بحيث يؤمن من أن تقطع في غير محل القطع.(10/332)
17- يجزئ في المجموعات الكبيرة من الطيور إن كثرت كثرة يشق على الذابح التسمية عليها واحدا واحدا، أن يكتفي بالتسمية مرة واحدة على كل مجموعة يتوالى الذبح فيها بسرعة، فإن توقف لسبب ما، وأراد أن يعود، فعليه أن يسمي مرة أخرى.
18- اللحم الذي يذبح في ديار المسلمين، أو الديار التي أغلب أهلها مسلمون، ويوجد في أسواقهم، يحل للمسلم أكله، ولو لم يعلم كيف تم ذبحه، ما لم تقم القرائن القوية على أنه ذبح بطريقة غير مشروعة.
19- اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين من بلاد غالب أهلها وثنيون أو شيوعيون لا يحل للمسلم تناولها ما لم يؤت بشهادة من جهة إسلامية موثوقة أنه ذبح على الطريقة الإسلامية وبأيد إسلامية.
20- اللحوم المستوردة من بلاد نصرانية أو غالبية أهلها نصارى لما كانت تزهق أرواح الذبائح عندهم بطريقة غير مقبولة شرعا، كالصعق بالكهرباء، والضرب في الدماغ بالمسدس القاتل، والخنق بضغط الهواء في الصدرأو بثاني أوكسيد الكربون، وأصبح هذا عنهم معلوما علما ينفي الريب، فلا يحل المستورد من عندهم إلا إن علم عن جهة معينة عندهم أنها تذبح على طريقة مقبولة شرعا، أو تأتي الشهادة المعتبرة شرعا أن المجموعة المستوردة ذبحت بطريق مقبولة شرعا.
21- ينبغي للدولة الإسلامية- حرصا على دينها ومصلحة شعوبها ودينهم- التدخل في الأمر، لتحقيق الأحكام الشرعية فيما يستورد إليها من اللحوم من البلاد غير الإسلامية.
والله تعالى أعلم وأحكم، والحمد لله رب العالمين.
د. محمد سليمان الأشقر(10/333)
مراجع البحث
* ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام، تقي الدين، شيخ الإسلام، (661-728 هـ) - اقتضاء الصراط المستقيم في مخالفة أصحاب الجحيم، تحقيق الشيخ محمد حامد الفقي، القاهرة، مكتبة السنة المحمدية، 1369 هـ.
* ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، شهاب الدين (773- 852 هـ) - فتح الباري شرح صحيح البخاري، القاهرة، المكتبة السلفية، تمت طباعته سنة 1390 هـ.
* ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله بن محمد، النمري القرطبي (463 هـ) - الكافي في فقه أهل المدينة المالكي، بتحقيق محمد أحمد أحيد أحيد ولد ماديك الموريتاني، الرياض، مكتبة الرياض الحديثة، 1398 هـ.
*ابن قدامة، عبد الله بن أحمد بن محمد، موفق الدين المقدسي الحنبلي (541- 620هـ) - المغني شرح مختصر الخرقي، ط ثالثة، القاهرة، دار المنار، 1367 هـ.
* ابن كثير، إسماعيل بن عمر، أبو الفداء (751- 774 هـ) - تفسير القرآن العظيم، بيروت.
* ابن مفلح، محمد بن مفلح، أبو عبد الله (763 هـ) - الفروع في الفقه الحنبلي، راجعه عبد الستار فراج ط 4، بيروت، عالم الكتب 1405 هـ.
* ابن همام الدين، محمد بن عبد الواحد السيواسي الإسكندري الحنفي (790- 861 هـ) - شرح فتح القدير على الهداية للمرغيناني، بيروت، المكتبة العلمية.
* أبو سريع محمد عبد الهادي- الأطعمة والذبائح في الفقه الإسلامي، مصر، دار الاعتصام، (د، ت) .(10/334)
* الخطابي، حمد بن محمد، أبو سليمان البستي (388هـ) - معالم السنن: وهو شرح لسنن أبي داود، بيروت، المكتبة العلمية، مصور عن طبعة القاهرة 1352 هـ.
* الدسوقي، محمد بن عرفة، شمس الدين (1230 هـ) - حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير، القاهرة، عيسى الحلبي، د. ت.
* السيوطي، عبد الرحمن بن أبي بكر، جلال الدين (911هـ) - تنوير الحوالك شرح موطأ مالك، القاهرة، عبد الحميد الحنفي، 1353 هـ. الشافعي، محمد بن إدريس، المطلبي الإمام (153- 204 هـ) -الأم، بيروت، دار الفكر، د. ت.
*صالح بن فوزان الفوزان- الأطعمة وأحكام الصيد والذبائح (رسالة دكتوارة) ، الرياض، مكتبة المعارف، 1408 هـ.
* عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي الحنفي- الاختيار لتعليل المختار، علق عليه الشيخ محمود أبو دقيقة، بيروت، دار المعرفة، (د. ت) القرافي، أحمد بن إدريس الصنهاجي (- 684 هـ) - الذخيرة في الفقه المالكي، بتحقيق محمد أبو خبزة، بيروت دار الغرب الإسلامي ,1994م.
* القرطبي، محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الأنصاري (671هـ) -الجامع لأحكام القران، القاهرة دار الكاتب العربي، 1387 هـ، مصورة عن طبعة دار الكتب.
* مالك بن أنس، الإمام (95- 179) - الموطأ: انظر: السيوطي-تنوير الحوالك.
*المحلي، محمد بن أحمد، جلال الدين- شرح المنهاج، ومعه حاشيتا القليوبي وعميرة، القاهرة، عيسى الحلبي، 1356 هـ.
* محمد عبد القادر أبو فارس- أحكام الذبائح في الإسلام: الذبح، الصيد، العقيقة، الأضحية، ط 3، الزرقاء، مكتبة المنار للطباعة والنشر، 1414 هـ.
* محمد فتحي الدريني- بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي وأصوله، بيروت، مؤسسة الرسالة، 1414 هـ.
*المودودي، أبو الأعلى - ذبائح أهل الكتاب، رسالة موجزة، تونس، دار بوسلامة للنشر، (د. ت)(10/335)
الذبائح والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة
إعداد
الدكتور محمد الهواري
الأستاذ بجامعات ألمانيا
مخطط البحث
الفصل الأول: التذكية الشرعية
أولا) تعريف الذكاة:
1- الذكاة في اللغة
2- الذكاة الشرعية عند الفقهاء
ثانيا) شروط التذكية:
1- التسمية
2- أهلية المذكي
3- موضع الذكاة من الحيوان (مكان الذبح)
4- آلة التذكية
5- الحيوان المذكى
ثالثا) طرائق الذبح (كيفية الذبح) :
ا- التذكية الشرعية بدون تدويخ الحيوان
2- الذبح بعد التدويخ:
(1) تدويخ الحيوان بالصدمة الكهربائية
(2) التدويخ بالمسدس ذي الواقذة
(3) التدويخ باستعمال غاز ثاني أكسيد الكربون
(4) التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة
(5) الخنق بالطريقة الإنكليزية
(6) ذبح الطيور والدواجن
3- معاملة الحيوان قبل الذبح وبعد الذبح.
رابعا) آداب التذكية ومستحباتها.
خامسا) مكروهات التذكية.
سادسا) ذبائح أهل الكتاب.
الفصل الثاني: حكم ما جهل ذابحه مما حل أكله.
الفصل الثالث: حكم اللحوم المستوردة.
خلاصة البحث.
مراجع البحث.(10/336)
الفصل الأول
التذكية الشرعية
شروطها وأحكام مخالفتها مما وقع إزهاق الروح فيه بالطرق الحديثة
أولا- تعريف التذكية:
ا) التذكية في اللغة:
(1) التذكية: الذبح (1) والذكاء والذكاة: الذبح؛ عن ثعلب. وكل ذبح ذكاة.
والعرب تقول: ذكاة الجنين ذكاة أمه، أي إذا ذبحت الأم ذبح الجنين.
وفي الحديث: "ذكاة الجنين ذكاة أمه ".
ابن الأثير: التذكية الذبح والنحر (2) ؛ يقال: ذكيت الشاة تذكية، والاسم الذكاة، والمذبوح ذكي.
ذكى الشاة وغيرها: ذبحها وفرى أوداجها (3)
وذكى الناقة: نحرها؛ والاسم الذكاة والذكاء؛ فالشاة ذَكِيٌّ (4)
ويقول ابن حزم: "والذكاة في اللغة الشق، وهو أمر متفق على جملته إلا أن الناس اختلفوا في تقسيمه " (5)
__________
(1) لسان العرب، لا بن منظور؛ والصحاح، للجوهري
(2) لسان العرب، والمعجم الوسيط
(3) معجم متن اللغة، للشيخ أحمد رضا.
(4) لسان العرب؛ وانظر تفسير النسفي: 1/ 269؛ وتفسير الكشاف للزمخشري: 1/ 653
(5) المحلى، لابن حزم: 7/ 438، بتحقيق أحمد محمد شاكر(10/337)
(2) وقوله تعالى: {وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] ؛ قال أبو إسحاق:"معناه إلا ما أدركتم ذكاته من هذه التي وصفنا". (1)
ومعنى التذكية: أن تدركها وفيها بقية تشخب معها الأوداج وتضطرب اضطراب المذبوح الذي أدركت ذكاته، وأهل العلم يقولون: إن أخرج السبع الحشوة أو قطع الجوف قطعًا تخرج معه الحشوة" فلا ذكاة لذلك، وتأويله أن يصير في حالة ما لا يؤثر في حياته الذبح (2) .
وقد روي عن علي، وابن عباس، والحسن، وقتادة أنهم قالوا: ما أدركت ذكاته بأن توجد له عين تطرف، أو ذَنَبٌ يتحرك، فأكله حلال.
(3) وأصل الذكاة في اللغة كلها إتمام الشيء (3)
قال الأزهري: أصل الذكاء في اللغة كلها تمام الشيء، فمنه الذكاء في السن والفهم وهو تمام السن.
(4) وجاء في تاج العروس: "قال الراغب: حقيقة التذكية إخراج الحرارة الغريزية، لكن خص في الشرع بإبطال الحياة على وجه دون وجه (4) أي وهو قطع الحلقوم والمريء بمنهر للدم: من سكين وسيف وزجاج وحجر وقصب له حد يقطع كما يقطع السلاح المحدد, ما لم يكن سنا أو ظفرا".
__________
(1) المعجم الوسيط؛ تاج العروس؛ وانظر أيضا: زاد المسير، لابن الجوزي: 2/ 280؛ وتفسير المنار: 6/ 143؛ وروح المعاني للآلوسي: 6/ 57
(2) تاج العروس
(3) المعجم الوسيط؛ وتاج العروس؛ وانظر أيضا: المسير، لابن الجوزي: 2/ 280؛ وتفسير المنار: 6/ 143؛ وروح المعاني للآلوسي: 6/ 57
(4) تاج العروس(10/338)
(5) وقال القرطبي: "ذكيت الذبيحة أذكيها مشتقة من التطيب؛ يقال: رائحة ذكية؛ فالحيوان إذا أسيل دمه فقد طيب، لأنه يتسارع إليه التجفيف ".
ثم قال: " فالذكاة في الذبيحة تطهير لها وإباحة لأكلها ". (1) ومسك ذكي وذاك وذكية: ساطع ريحه، وأصل الذكاء في الريح شدتها من طيب أو نتن (2) .
(6) وقال الطبري: " {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] يعني جل ثناؤه بقوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] إلا ما طهرتموه بالذبح الذي جعله الله طهورا ". (3)
(7) على أن لسان العرب قد انفرد بتفسير لمعنى (الذبح) لغة، إذ يقول: "هوقطع الحلقوم من باطن عند النصيل ". وهو ما لا يتفق مع المعنى الشرعي للذبح في أي من المذاهب الفقهية، بل لم يذهب إلى هذا المعنى أحد من الفقهاء.
(8) ويبدو أن أهل اللغة، لا يفرقون بين الذبح والتذكية: فقد جاء في القاموس المحيط: "والتذكية:الذبح " (4)
كما جاء في لسان العرب: "جدي ذكي، أي ذبيح ".
غير أن التذكية تحمل معان أخر، فكانت أعم.
__________
(1) الجامع لأحكام القرآن للقرطبي: 6/ 51
(2) تاج العروس
(3) جامع البيان في تفسير القرآن للطبري: 4/ 46
(4) القاموس المحيط: 4/ 33(10/339)
والإمام النووي يشير إلى معنى لغوي آخر "للذكاة" وهو "التتميم " أو"الإكمال "، وعلى هذا فإن "الذكاة" هي كمال الذبح وإتمامه (1)
فالتذكية هي إذن: الذبح والنحر والعقر في غير المقدور عليه، وإتمام الفعل والتطييب والتطهير بالذبح.
(2) الذكاة الشرعية في المذاهب الفقهية:
ا- عرف بعض المالكية (الذكاة الشرعية) بأنها: "عبارة عن أنهار الدم، وفري الأوداج في المذبوح، والنحر في المنحور، والعقر في غير المقدور عليه، مقرونا بالقصد لله، وذكره عليه ". (2) .
2- وعرفها البعض الآخر من المالكية: بأنها السبب الموصل إلى حل أكل الحيوان البري اختيارا، وأنواعها أربعة: ذبح، ونحر، وعقر، وفعل يزيل الحياة بأية وسيلة (3)
وهذا تعريف للذكاة الاختيارية بمعناها العام، ما عدا العقر في غير المقدور عليه، لأنها ذكاة اضطرارية، لمكان العجز عن الذبح أو النحر في المكان المخصوص.
3- على أن ابن رشد المالكي، في كتابه "بداية المجتهد" يحرر مذهب المالكية في "صفة الذكاة" ويخصصها بالذبح، حيث يقول: "فإن المشهور عن مالك في ذلك، هو قطع الودجين، والحلقوم (على التعيين) وأنه لا يجزئ أقل من ذلك ". (4)
__________
(1) بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي، الأستاذ الدكتور محمد فتحي الدريني: 2/ 295 فما بعد
(2) تفسير القرطبي: 6/ 53؛ وانظر: أحكام القرآن لابن العربي: 2/ 541، طبعة دار الفكر.
(3) الفقه على المذاهب الأربعة: 1/ 727، ط دار إحياء التراث العربي؛ وانظر أيضا: الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك، للشيخ الدردير.
(4) بداية المجتهد، لابن رشد: 2/ 465 بتحقيق محمد صبحي حسن الحلاق(10/340)
4- أما الحنفية فقد عرفوا الذكاة الشرعية بأنها: " إتلاف الحيوان بإزهاق روحه للانتفاع بلحمه بعد ذلك ". (1)
وعرفوا " الذبح " بأنه: " فري (قطع) الأوداج " حتى إذا استوفى قطعها، فذلك" كمال التذكية" وإن فرى بعضها دون بعض، فإن قطع ثلاثة منها دون تعيين، وترك واحداً حل الذبيح عند أبي حنيفة، إعطاء للأكثر حكم الكل.
أما أبو يوسف، فيرى أنه لابد من قطع الحلقوم والمرئ، وأحد الودجين، على التعيين، وذهب محمد إلى أن حلية الذهب، لا تتم إلا بقطع الأربعة، ويكتفى من قطع كل واحد منها بأكثره (2)
5- أما الشافعية فقالوا:" الحيوان المأكول، إنما يصير مذكي بأحد طرقين: أحدهما: الذبح في الحلق واللبة؛ وذلك في الحيوان المقدور عليه، والثاني: العقر المزهق في أي موضع كان (3)
وذهب الشافعية إلى وجوب قطع الحلقوم والمريء بشرط استيعاب قطعها، وأما قطع الودجين، فمستحب عندهم (4) .
__________
(1) فتح القدير، للكمال بن الهمام: 8/ 52
(2) البدائع، للكساني: 5 / 41؛ وراجع الخلاف في حاشية رد المحتار، لابن عابدين: (6 / 294) وما بعد؛ وراجع أيضًا تكملة فتح القدير، لابن الهمام على شرح الهداية: 8 / 58 وبهامشه شرح العناية على الهداية للبابرتي- المطبعة الكبرى الأميرية ببولاق: 1318 هـ.
(3) روضة الطالبين، للنووي: 3 / 237
(4) مغنى المحتاج، للشربيني الخطيب: 4 / 270، ط مصطفى البابي الحلبي؛ انظر: كفاية الأخيار في حل غاية الاختصار للحصني الدمشقي: 2 / 423؛ راجع أيضًا: روضة الطالبين للإمام النووي: 3 / 201 وما بعد، ط الكتب الإسلامي؛ وكذلك: منهاج الطالبين، للنووي، ص 140؛ كذلك كتاب الأم، للإمام الشافعي: 8 / 284، ط شركة الطباعة الفنية المتحدة.(10/341)
6- وذهب الحنابلة مذهب الشافعية: في وجوب قطع الحلقوم والمريء، هذا المذهب، وعليه جماهير الأصحاب (1) .
7- وجاء في فقه السنة للسيد سابق ما يلي: الذكاة في الأصل معناها التطيب، ومنه: رائحة ذكية، أي طيبة، وسمي بهذا الذبح لأن الإباحة الشرعية جعلته طيباً.
وقيل: الذكاة معناها: التتميم، ومنه فلان ذكى، أي: تام الفهم.
والمقصود بها هنا: ذبح الحيوان أن نحره بقطع حلقومه (مجرى التنفس) أو مريئه (مجرى الطعام والشراب ومن الحلق) ، فإن الحيوان الذي يحل أكله لا يجوز أكل شيء منه إلا بالتذكية ما عدا السمك والجراد (2) .
8- وقالت الظاهرية: والتذكية قسمان: قسم في مقدور عليه متمكن منه، وقسم في غير مقدور عليه أو غير متمكن منه؛ وهذا معلوم بالمشاهدة، فتذكية المقدور عليه المتمكن منه ينقسم قسمين لا ثالث لهما: إما شق في الحلق وقطع يكون الموت في أثره، وإما نحر في الصدر يكون الموت في أثره؛ وسواء في ذلك كله ما قدر عليه من الصيد الشارد أو من غير الصيد، وهذا حكم ورد به النص بقوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] والذكاة في اللغة الشق، وهو أمر متفق على جملته إلا أن الناس اختلفوا في تقسميه.
__________
(1) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، للماوردي الحنبلي: 10 / 392، تحقيق محمد حامد الفقي 1377 هـ / 1957م؛ وانظر المغنى، لابن قدامة: 13 / 303، ط هجر للطباعة والنشر والتوزيع والإعلان عام 1410 هـ / 1990 م، بتحقيق الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي والدكتور عبد الفتاح محمد الحلو.
(2) فقه السنة، لسيد سابق 3 / 297(10/342)
وإكمال الذبح هو أن يقطع الودجان والحلقوم والمرئ- وهذا ما لا خلاف فيه من أحد- فإن قطع البعض من هذه الآراب المذكورة فأسعر الموت كما يسرع من قطع جميعها فأكلها حلال، فإن لم يسرع الموت فليعد القطع ولا يضره ذلك شيئاً، وأكله حلال, وسواء ذبح من الحلق في أعلاه أو أسفله، رميت العقدة إلى فوق أو إلى أسفل، أو قطع كل ذلك من القفا، أبين الرأس أو لم يبن، كل ذلك حلال أكله، وهذا مكان اختلف الناس فيه. (1)
9- وجاء في فقه الإمامية:"الذبح هو قطع الأوداج الأربعة جميعاً، دون استثناء أي منها، حتى إذا لم يقطع أي منها أو كلها دون استيفاء، لم تحل الذبيحة". (2)
هذا ويقصد بالأوداج: الحلقوم، والمريء والودجان.
أما الحلقوم: فهو مجرى التنفس، والمريء: مجرى الطعام والشراب، والودجان، هما العرقان الغليظان المحيطان بالحلقوم والمريء.
وإنما عبروا بالقطع احترازاً عن (الشق) لأن هذا غير كاف في حلية المذبوح عندهم، ذهاباً منهم إلى أن" كمال التذكية " لا يتم إلا بقطع الأربعة جميعًا إنهارًا للدم، وإزهاقاً للروح، وإراحة للذبيحة من التعذيب, وليس مجرد إزهاق الروح دون أنهار الدم بمجزئ في حلية الذبح (3) .
محل النزاع: الاتفاق- كما يبدو- منعقد على أصل القطع للأربعة جميعًا في الذبح، ومحل النزاع" فيما يكتفي به من القطع"؛ أي الحد الأدنى منه.
__________
(1) المحلي، لابن حزم: 7 / 438 وما بعد، منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع- ببيروت، بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر.
(2) اللمعة الدمشقية بشرح الروضة الندية، للشهيد العاملي: 7 / 221، حيث جاء فيها:" فلو قطع بعض هذه، لم يحل، , وإن بقي شيء يسير- أي شيء قليل من الأوداج"؛ راجع أيضاً: تحرير الوسيلة: 2 / 129، للإمام الخميني.
(3) بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي، الأستاذ الدكتور محمد فتحي الدريني: 2 / 300(10/343)
ويبدو أن تعريف المالكية للذكاة الشرعية من أفضل التعاريف؛ لضبطه وإيجازه، فهي برأيهم: " السبب الموصل إلى حل أكل الحيوان البري"، وهذا يشمل كل وسيلة تفضي إلى الحل شرعًا إذا توافرت شروطها. معنى هذا أن السبب الموصل إلى الحل هو الوسيلة أو الطريق الذي يؤدي إلى رفع حياة الحيوان البري المذكى حالة السعة والاختيار، (لا حالة الاضطرار) ، وذلك إنما يكون في الحيوان المستأنس الأليف المقدور على تذكيته الذكاة الشرعية، في محلها، وبشروطها، وواضح أن هذا يختلف باختلاف الحيوان:
أ) من كونه ذا دم سائل: فتكون تذكيته بفصل الدم الخبيث النجس المحرم، عن اللحم الطاهر الطيب الحلال، وبالذبح أو النحر، تبعا لكون الحيوان مما يذبح أو ينحر.
من سنة الضأن والمعز والبقر والدواجن: الذبح، ومن سنة الإبل: النحر.
ب) أو كونه لا دم له سائلا: من مثل الجراد والسمك، فإن السبب الموصل إلى حله- في فقه المالكية- هو الفعل المميت الذي يرفع الحياة الثابتة بأي وسيلة، بمعنى أن "ذكاته إماتته " لا فصل دمه، لأن الفرض أن لا دم له سائل يفصل، وهذا عند المالكية، خلافا للجمهور الذي يرى: أن الجراد يحل أكله ميتا، "دون فعل يميته ".
وأما السمك فيعتبر مجرد إخراجه من الماء حيا ذكاة له.(10/344)
والعقر: هو طعن أو جرح الوحشي غير المقدور عليه، في أي موضع من جسمه بمحدد، بحيث يسيل دمه ويموت من ذلك الجرح، وهذه تذكية شرعية اقتضتها الضرورة بالنسبة إلى هذا الحيوان الوحشي الممتنع النفور غير المقدور على ذبحه، في موضع الذبح، أو الحيوان المستأنس الذي طرأ عليه التوحش عند الجمهور، بأن شرد أو ندّ واستعصى في مكان ضيق، أو تردى في بئر أو كان صائلا، بحيث يتعسر- إن لم يتعذر- ذبحه في المحل المخصص له شرعا. (خلافا للإمام مالك الذي لا يعتبر طروء التوحش مبيحا للعقر، بل اقتصر في اعتبار العقر ذكاة على الحيوان الوحشي طبعا، وبأصل خلقته) .
والذبح: هو قسم من الذكاة الشرعية، وهو الوسيلة المتعينة للحل دون سواها، وبالنسبة للحيوان البري المأكول اللحم، إذا كان مستأنسا أهليا مقدورا عليه، كالضأن، والماعز، والبقر، والطيور الدواجن، بخلاف الإبل، فوسيلة تذكيتها النحر.(10/345)
ثانيا- شروط الذبح أو التذكية:
تفتقر الذكاة إلى خمسة أشياء هي: (الذكر) و (الذابح) و (محل الذبح) و (آلة الذبح) و (الحيوان المذبوح) ، وأضاف بعضهم: (توجيه الذبيحة للقبلة) .
ا- الشرط الأول: التسمية (الذكر) :
ذهب الجمهور ومنهم الإمامية إلى أن التسمية هي شرط وجوب لحلية الذبيح بالنسبة للمسلم.
قال مالك: كل ما ذبح ولم يذكر عليه اسم الله فهو حرام، سواء ترك ذلك الذكر عمدا أو نسيانا. وهو قول ابن سيرين وطائفة من المتكلمين (1)
أما الشافعي وغيره, فقد رأوا: حل متروك التسمية عمدا، أو سهوا أو خطأ من باب أولى إذا كان الذابح أهلا للذبح (2)
__________
(1) فقه السنة، لسيد سابق 3/ 301- 302، ط دار الكتاب العربي، وانظر: بداية المجتهد: 2/ 472- الطبعة المحققة: محمد صبحي الحلاق؛ ونيل الأوطار للشوكاني: 8/ 139؛ والمغني والشرح الكبير: 11/ 33؛ والإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: 1/ 399؛ ومغني المحتاج، للشربيني الخطيب: 4/ 272- 273؛ والمسوى شرح الموطأ، للإمام الدهلوي: 2/ 330- 331؛ وتحرير الوسيلة: 2/ 131. جاء في تحرير الوسيلة ما نصه: "التسمية من الذابح، بأن يذكر اسم الله عليها حينما يتشاغل بالذبح ... فلو أخل بها عمدا حرمت، وإن كان نسيانا، (لم تحرم الإمامية) .
(2) مغني المحتاج، للشربيني الخطيب: 4/ 272-273؛ وانظر: بداية المجتهد: 2/ 472، بتحقيق محمد صبحي الحلاق؛ والمجموع شرح المهذب، للنووي: 9/ 80؛ وفقه السنة:3/ 302(10/346)
وانقسم الجمهور نفسه إلى فريقين:
أ) فريق ذهب إلى أن التسمية واجبة مطلقا عند الذبح حال الذكر (التذكر) أو النسيان، على السواء، فالحل متوقف على هذا الشرط، أخذا بظاهر قوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] ، وقوله عز وجل ,وقوله: {أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وبهذا أخذ الظاهرية (1) وهو مروي عن الحسن وابن سيرين، وللشعبي، وغيرهم.
وعلى هذا فإن التسمية، بحسب رأي هذا الفريق، شرط وجوب عند الذبح ليحل الذبيح، مسلما كان الذابح أو كتابيا، إجراء للنص على إطلاقه (2)
ب) ومذهب الحنفية والمالكية بأنها واجبة حال الذكر دون النسيان (3) .
بل ذهب المالكية إلى أن "التسمية" ليست بواجبة أصلا على الكتابي، وإن كانت واجبة في حق المسلم، فقد جاء في المسوى شرح الموطأ: "تحل ذبيحة أهل الكتاب، قال تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] هكذا بإطلاق دون قيد التسمية، ولا أبلغ في التعبير عن معنى الإباحة، من لفظ الحل " (4)
__________
(1) المحلى، لابن حزم: 7/ 412، بتحقيق أحمد شاكر.
(2) راجع تفسير القرطبي: 6/ 76 وما يليها.
(3) المحلى، لابن حزم: 7/ 412 مسألة رقم 1003، بتحقيق أحمد شاكر؛ وانظر: بداية المجتهد: 2/ 472، الطبعة المحققة: محمد صبحي الحلاق؛ وحاشية ابن عابدين: 5/ 192؛ وشرح المحلي على المنهاج: 4/ 259؛ وفقه السنة، لسيد سابق: 3/ 302
(4) المسوى شرح الموطأ: للإمام ولي الله الدهلوي: 2/ 331(10/347)
تنبيه: ينبغي أن يلاحظ أن الشافعية وإن قالوا بعدم وجوب التسمية، في حق المسلم ولا حق الكتابي، غير أنهم لا يجيزون ذكر اسم أحد الأصنام أو الأوثان ,أو اسم غير الله تعالى على الذبائح، بل يحرمون الذبيحة إن ذكر اسم غيره تعالى، يقول الإمام النووي: "ذبيحة أهل الكتاب حلال، سواء أذكروا اسم الله عليها أم لا، لظاهر القرآن: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، هذا مذهبنا ومذهب الجمهور، وحكاه ابن المنذر عن علي والنخعي، وحماد (أستاذ أبي حنيفة) وأبي حنيفة " (1) وقال الإمام النووي في الروضة: "ولا يجوز أن يقول الذابح أو الصائد: باسم محمد، ولا: باسم الله واسم محمد، بل من حق الله تعالى أن يجعل الذبح باسمه، واليمين باسمه، والسجود له، ولا يشاركه في ذلك مخلوق ". ثم أورد عن نص الشافعي، رحمه الله: " أنه لو كان لأهل الكتاب ذبيحة يذبحونها باسم غير الله تعالى - كالمسيح- لم تحل " (2)
إن تارك التسمية ناسيا مرتكبا لمحرم، والحديث يشهد بذلك:
"إن الله تجاوز لي عن أمتي الخطأ والنسيان". (3) واعتبر النسيان عذرا في أكثر من حكم في الشريعة, والحل هو قول عدد كبير من الصحابة والتابعين، بل هو بشيء من التسامح قول الجمهور, وهذا ما يتمشى ومصالح الناس في جلب المصلحة ودفع المفسدة، إذ لكثرة مشاكل الناس ومشاغلهم صار النسيان عندهم طبعا، فالقول بحرمة متروك التسمية نسيانا عسر ومشقة، والمشقة تجلب التيسير، وإذا ضاق الأمر اتسع (4)
__________
(1) المجموع شرح المهذب: 9/ 80
(2) روضة الطالبين للإمام النووي: 3/ 205
(3) أخرجه ابن ماجه، والبيهقي، وهو حديث حسن.
(4) (ما يحل ويحرم بالذكاة) : أبو اليقظان عطية الجبوري- مجلة كلية الدراسات الإسلامية- بغداد، العدد الخامس، ص 39(10/348)
التسمية ولغتها ووقتها:
إن المطلوب من الذكر أن يذكر الذابح أي اسم من أسماء الله تعالى، فيجزيه ذلك لقوله تعالى: {وَمَا لَكُمْ أَلاَّ تَأْكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 119] وليس هناك فصل بين اسم من أسماء الله تعالى وبين آخرلقوله عز وجل: {قُلِ ادْعُواْ اللهَ أو ادْعُواْ الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] .
فإن قال: بسم الله أو بسم الله الرحمن الرحيم، أو بسم الرحمن، أو الرحيم، أو الكريم، أو قال: بسم الله والله أكبر، أو قال: الله أكبر، أو الله أجل، أو الله أعظم، أو الله أعز، فيجزيه ذلك الذكر, ويجزئه هذا اللفظ بأي لغة كانت، سواء كانت العربية أم الإنجليزية أو الفرنسية أو الألمانية، أو أية لغة من لغات العالم، والسبب في ذلك هو أن الشرط الذكر، وهو يحصل بأية لغة. والذكر هنا غير تكبيرة الافتتاح في الصلاة (1)
, والواجب في التسمية أن ينوي بها التسمية على الذبيحة، أما إذا أراد غير ذلك كأن عطس فقال: الحمد لله تنزيهاً للباري عز وجل عما لا يليق به، فقالوا: لا تؤكل لأنها خلت عن الذكر (2) .
أما وقت الذكر في الذكاة الاختيارية فيجب أن يكون عند الذبح أو النحر، ولا يجوز قبل ذلك ولا بعده، ولا يجوز التراخي فيها، لأن الله تعالى اشترط الذكرعلى الذبيحة، وهو لا يتحقق إلا وقت الذبح.
أما الذكاة الاضطرارية فوقت التسمية فيها وقت الرمي أو الإرسال، لا وقت الإصابة (3)
__________
(1) (ما يحل ويحرم بالذكاة) : أبو اليقظان عطية الجبوري- مجلة كلية الدراسات الإسلامية- بغداد، العدد الخامس، ص 41.
(2) بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: 5/ 48
(3) ما يحل ويحرم بالذكاة: أبو اليقظان عطية الجبوري- مجلة كلية الدراسات الإسلامية- بغداد- العدد الخامس، ص 42(10/349)
2- الشرط الثاني: أهلية المذكي:
اشترطت الشريعة الإسلامية في حل الذبيحة أن يكون المذكي أهلا للذكاة، وهذه الأهلية المرتبطة، منها ما يعود إلى الخصائص العقائدية، ومنها ما يعود إلى الخصائص البدنية (1) .
(أ) ذهب الأحناف إلى اشتراط الإسلام في المذكي، ومن كان غير مسلم لا تصح تذكيته باستثناء الكتابي، كما في قوله تعالى: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ} [المائدة: 5]
ولا تحل مذكاة من لا كتاب له، ولا يؤمن بنبي مرسل، ودخل في ذلك أصحاب العقائد الباطنية مطلقاً- أي دون استثناء- وأهل الشرك والمجوس وعبدة الأوثان والمرتدون.
وعند التحقيق تحل ذكاة المعتزلي والجبري وغيرهما من المذاهب، الذين هم في نظر الفقهاء والمجتهدين غير كافرين، أو غير مرتدين، وإن كانوا عصاة فساقا، والعصاة والفساق من الأمة تحل ذبائحهم، ولا عبرة بغير الفقهاء، والمنقول عن المجتهدين عدم تكفيرهم (2)
ويشترط في المذكي أيضًا أن يكون ذا عقل مميز، ليكون هناك قصد ونية، وخرج بذلك المجنون، ومن لا قصد له ولا نية.
__________
(1) أحكام الأطعمة في الإسلام للدكتور كامل موسى، ص 80
(2) انظر الحاشية، لابن عابدين: 4/ 138(10/350)
(ب) وذهب المالكية إلى اشتراط الإسلام، وممن لا يدينون بالإسلام كأهل الكتاب فقط، وحرموا مذكاة المرتد والصابئين والمجوس والمشركين، وكل من خرج عن القيد المذكور آنفا (مسلم أو كتابي) .
وكذلك فقد اشترطوا التمييز كحد أدنى، وسواء في ذلك الذكر والأنثى، وكذلك عندهم مذكاة الصغير المميز والفاسق مجزئة مع الكراهية. واختلف في تذكية من لا يصلي، والسكران الذي يخطئ ويصيب، والمبتدع المختلف في كفره.
وعند الشك في ذكاة النصارى، من استحلالهم للميتة أو غير ذلك، من شروط تخل بحل المذكاة، لا يؤكل مما غاب عنا علمه، ولا ينبغي للإنسان أن يقصد الشراء من ذبائحهم (1) .
(جـ) وذهب الشافعية إلى اشتراط الإسلام في المذكي، وأنه من ليس مسلما لا تحل مذكاته، باستثناء الكتابي، نظرا للنصوص.
والكتابي هو اليهودي والنصراني من العجم، ومن العرب من دخل في دينهم قبل النسخ والتبديل، وأما من دخل بعد ذلك، فلا تحل ذبيحته.
ولا تحل ذكاة المرتد والوثني والمجوسي والزنديق، وكل من لا كتاب له من الكفار. ولا يشترط في حل ذكاة المرأة أن تكون طاهرة، وكذلك الرجل.
ومن الأفضل أن يكون المذكي بالغا عاقلًًا، وليس هذا بشرط، ويستحب أن يكون بصيرا. والمجنون الذي ليس له أدنى تمييز لا تحل ذكاته، وكذلك السكران.
أما الصابئون والسامرة، فمذهب الشافعي: إن وافقت الصابئة النصارى، والسامرة اليهود في أصول العقائد، حلت ذبائحهم ومناكحتهم وإلا فلا (2) .
__________
(1) القوانين، ص 156؛ وانظر أحكام الأطعمة في الإسلام، للدكتور كامل موسى، ص 84
(2) المجموع للنووي: 9/ 73.(10/351)
(د) وذهب الحنابلة إلى اشتراط كونه مسلما، وما استثني من غير المسلمين، وهو الكتابي، لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] . والأصل عدم قبول مذكاة سوى مذكاة المسلم، لولا ورود النص في إباحة مذكاة الكتابي, ولذا كانت مذكاته مباحة، بخلاف غيره من الصابئة والمجوس والوثنيين والمرتدين والزنادقة وأصحاب العقائد الباطنية (1) .
(هـ) وخالف الظاهرية في ذبائح المجوس، فقالوا: بإباحة تذكيتهم، وبإباحة الزواج من نسائهم معتبرنيهم ملحقين بأهل الكتاب (2)
(و) ومنع الإثنا عشرية ذبيحة غير المسلم، حتى ولو كان كتابيا (3)
__________
(1) الإقناع: 4/ 316
(2) المحلى، لا بن حزم: 7/ 457
(3) منهاج الصالحين: 2/ 456(10/352)
3-الشرط الثالث: موضع الذكاة من الحيوان:
يقصد بالموضع مكان الذبح من جسم الحيوان.
(أ) ذهب الأحناف إلى تنويع الذكاة، تبعا لنوع الحيوان المراد تذكيته، فالذكاة متعددة: منها الذبح، ومنها النحر، ومنها العقر:
أما الذبح فهو خاص بالبقر والغنم والطير ونحوها، ويكون في (حلق) البهيمة، أي أسفل اللحيين, وكذلك في كل حيوان ذي عنق قصير.
وأما النحر، فهو خاص بالإبل والنعام ونحوها، وموضعه (اللبة) ، وكذلك في كل حيوان ذي عنق طويل, والأصح في الذبح والنحر ما رواه أبو هريرة قال: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بديل بن ورقاء يصيح في حجاج منى: ((ألا إن الذكاة في الحلق واللبة)) (1)
وأما العقر، أي الجرح في (أي موضع) كان من الحيوان المذكى، فهو خاص بالحيوانات والطيور غير المقدور عليها- أي على بعضها وإمساكها- والأصل في العقر ما رواه رافع بن خديج قال:"كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم، فند بعير، وكان في القوم خيل يسيرة فطلبوه فأعياهم، فأهوى إليه رجل بسهم فحبسه لهم، قال النبي صلى الله عليه وسلم ((إن لهذه البهائم أوابد كأوابد الوحش، فما غلبكم منها فاصنعوا به هكذا.)) (2)
ويتبع ذلك في الحكم ما ند من الحيوانات الأليفة، وعلم صاحبه أنه لا يقدر على ضبطه، كند الثور أو البعير، فله أن يذكيه رميًا.
ولو تصرف عكسا، بأن ذبح ما ينبغي نحره، أو نحر ما ينبغي ذبحه جاز، لكنه مكروه تنزيها.
ولا يجوز العقر فيما كانت ذكاته ذبحا أو نحرا، ولو فعل ذلك فمات الحيوان حرم تناوله.
وحتى تصح الذكاة- ذبحا أو نحرا- فلابد من قطع المريء (مجرى الطعام والشراب) والحلقوم (مجرى التنفس) والودجين (مجرى الدم) .
__________
(1) رواه الدارقطني.
(2) متفق عليه.(10/353)
وفي الأجزاء اختلف أئمة المذهب:
فعند الإمام أبي حنيفة: يجزئ بقطع الثلاث منها, وهو أحد القولين لأبي يوسف، وفي قوله الآخر: لا بد من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين.
وعند الإمام محمد: لا بد في الإجزاء من قطع الأكثر من كل واحد من الأربعة، وهو رواية عن أبي حنيفة (1) .
(ب) وذهب المالكية إلى هذا التنويع، من صيد (عقر) وذبح ونحر.
أما الصيد فهو خاص بغير المقدور عليه.
وأما الذبح، فهو خاص بالطيور والحيوانات المضبوطة، كالغنم.
وأما النحر، فهو خاص بالإبل، وفي البقر التخيير بين الذبح والنحر.
وموضع الذبح في الحلق، وموضع النحر في اللبة.
وإن ذبح ما ينبغي نحره، أو نحر ما ينبغي ذبحه، فإن كان للضرورة أُكل، وإلا لم يخل من الاختلاف.
وما ينبغي قطعه عند الذبح أو النحر هو: الودجان والحلقوم والمريء, وإن قطع بعض الودجين والحلقوم، لا يجوز عند سحنون.
وقال ابن القاسم:"إن قطع النصف أو الثلثين جاز، وإن لم يقطع إلا اليسير لم يجز" (2)
(ج) وذهب الشافعية إلى ما ذهب إليه كل من الأحناف والمالكية من أن الذكاة كامنة في الذبح والنحر والعقر.
__________
(1) الاختيار لتعليل المختار: 5/ 192؛ وشرح منلا مسكين: 2/ 215
(2) القوانين الفقهية، ص 165؛ وانظر: أسهل المدارك: 2/ 52(10/354)
وأن السنة في الإبل ونحوها النحر، وفي البقر والغنم ونحوها الذبح، ولا يجزئ الذبح أو النحر إلا بقطع الحلقوم والمريء, ونص الشافعي على قطعهما ضرورة من حيوان فيه حياة مستقرة، وهو الصحيح في المذهب.
وأما قطع الودجين فهو مطلوب- لكن استحبابا لا إجزاء- لأن في قطع الودجين أَوْحَى في إزهاق الروح.
ولو ترك من الحلقوم والمريء شيء ومات الحيوان، فهو ميتة، وكذلك لو انتهى إلى حركة المذبوح فقطع بعد ذلك المتروك، فهو ميتة.
وحكى الماوردي وغيره وجها آخر، وهو أنه إذا بقي من الحلقوم أو المريء شيء يسير لا يضر، بل تحصل به الذكاة، واختاره الروياني في الحلية، والمذ هب الأول (1) .
ولو عمل العكس، بأن ذبح الإبل أو نحر البقر أجزأه، لكنه ترك للمستحب, ويستحب الاقتصار على قطع الأعضاء الثلاثة: الحلقوم والمريء والودجين، ويكره إبانة رأسها في الحال، أي قبل خروج الروح منها, كما أنه يكره كسر عظم أو عنق أو أي فصل زائد قبل خروج الروح منها (2)
__________
(1) المجموع للنووي: 9/ 89
(2) المجموع للنووي: 9/ 89(10/355)
(د) وذهب الحنابلة إلى ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة من منطلق التنويع في الذكاة تبعا لنوع الحيوان:
فأما الذبح والنحر فهما طريقتان خاصتان في المقدور عليه كالطير الممسوك والأنعام مما يعيش في البر، سوى الجراد للنص. وكذلك ما كان مأواه البحر ويعيش في البر كالسلحفاة المائية مثلا، فلا يحل تناولها إلا بالذكاة، نظرا للتمكن من إمساكها وضبطها, والحيوانات من حيث التركيب الخلقي نوعان: منها ما هو طويل العنق كالإبل، فذكاته بالنحر، وموضع النحر اللبة، واللبة موضع بين العنق والصدر في أسفل العنق من جهة الصدر، وتسمى"الوهدة". ومنها ما هو قصير العنق كالغنم، فذكاته بالذبح، وموضع الذبح الحلق، والحلق أعلى العنق من جهة الرأس، وهي السنة في الذكاة، فإن عكس- أي ذبح ما ينبغي نحره، أو نحر ما ينبغي ذبحه- أجزأه، لكنه مخالف للسنة. وينبغي قطع الحلقوم والمريء والودجين, وإن اقتصر على الحلقوم والمريء أجزأه، لكنه خالف الأفضل والأكمل.
وأما العقر فهو ذكاة الحيوان غير المقدور عليه من قِبَل الآدمي، ويكون بالجرح في أي موضع من الجسم من الحيوان المطارد سَبَبٌ في إماتته.
ولو كان الحيوان مما هو مقدور عليه ففر عند التذكية، فطارده صاحبه فلم يقدر عليه فضربه بالآلة المحددة فقتله كان مجزئاً في الحل؛ لأنه انتقل مما هو مقدور عليه إلى غير مقدور عليه (1) .
__________
(1) الإقناع: 4/ 318(10/356)
مسألة قطع رقبة الحيوان من القفا:
ذكر ابن رشد في مقدمته أن هذه المسألة مختلف فيها: فذهب المالكية إلى عدم جواز أكلها، لأن القطع لا يصل إلى الأوداج والحلقوم إلا بعد قطع النخاع، وهو مقتل من المقاتل، وهو مذهب سعيد بن المسيب وابن شهاب وغيرهم. وأجاز أكلها بقية الأئمة من الأحناف والشافعية، وإسحاق وأبي ثور، وروي ذلك عن ابن عمر وعلي وعمران بن الحصين (1) .
ذكر النووي في روضة الطالبين: " ولو قطع من القفا حتى وصل الحلقوم والمريء عصى لزيادة الإيلام, ثم ينظر: إن وصل إلى الحلقوم والمريء وقد انتهى إلى حركة المذبوح، لم يحل بقطع الحلقوم والمريء بعد ذلك، وإن وصلهما وفيه حياة مستقرة فقطعهما حل، كما لو قطع يده ثم ذكاه (2)
قال الإمام: "ولو كان فيه حياة مستقرة عند ابتداء قطع المريء، ولكن لما قطعه مع بعض الحلقوم انتهى إلى حركة المذبوح لما ناله بسبب قطع القفا فهو حلال، لأن أقصى ما وقع التعبد به أن يكون في حياة مستقرة عند ابتداء قطع المذبح, والقطع من صفحة العنق كالقطع من القفا ". (3)
__________
(1) بداية المجتهد: 2/ 464، بتحقيق محمد صبحي حسن الحلاق؛ وانظر: فقه السنة، لسيد سابق: 3/ 301
(2) انظر: السراج الوهاج- شرح الغمراوي على متن المنهاج، للنووي، ص 558
(3) روضة الطا لبين، للنووي: 3/ 202(10/357)
وجاء في الهداية: (تكملة فتح القدير) :"فإن ذبح الشاة من قفاها فبقيت حية حتى قطع العروق حل، لتحقق الموت بما هو ذكاة، ويكره لأن فيه زيادة الألم من غير حاجة، فصار كما إذا جرحها ثم قطع الأوداج, وإن ماتت قبل قطع الأوداج لم تؤكل لوجود الموت بما ليس بذكاة فيها ". (1)
وتعرض الحنابلة إلى الذبح في القفا من ثلاثة جوانب:
الجانب الأول: أن يذبحها من القفا اختيارًا، فقد ذكر ابن قدامة عن الإمام أحمد أنها لا تؤكل. وقيل: إنها إن بقيت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء حلت، وإلا فلا. قال ابن قدامة:"وهذا أصح، لأن الذبح إذا أتى على ما فيه حياة مستقرة أحله كأكيلة السبع والمتردية والنطيحة, ولو ضرب عنقها بالسيف فأطار رأسها حلت بذلك، نص عليه أحمد فقال: لو أن رجلا ضرب رأس بطة أو شاة بالسيف يريد بذلك الذبيحة كان له أن يأكله". (2) والإباحة هي المذهب على الوجه الصحيح (3)
الجانب الثاني: "أن يقع الذبح من القفا على سبيل الخطأ، فيأتي الذبح على موضعه وهي في الحياةأكلت هذه الذبيحة، كأن تلتوي عليه فتأتي السكين على القفا، فيسقط اعتبار المحل، نظراً للعجزعن الذبح في الموضع ". (4)
الجانب الثالث: إن ذبحها من قفاها، فلم يعلم هل كانت فيها حياة مستقرة قبل قطع الحلقوم والمريء أو لا؟ نظرت؛ فإن كان الغالب بقاء ذلك، لحدة الآلة، وسرعة القتل، فالأولى إباحته؛ لأنه بمنزلة ما قطعت عنقه بضربة السيف، وإن كانت الآلة كالة، وأبطأ قطعه، وطال تعذيبه، لم يبح؛ لأنه مشكوك في وجود ما يحله، فيحرم، كما لو أرسل كلبه على الصيد فوجد معه كلبا آخر لا يعرفه". (5)
__________
(1) الهداية: تكملة فتح القدير: 8/ 60
(2) المغني، لابن قدامة، بتحقيق التركي والحلو: 13/ 308
(3) المغني، لابن قدامة، بتحقيق التركي والحلو: 13/ 308
(4) المغني، لابن قدامة، بتحقيق التركي والحلو: 13/ 307
(5) المغني، لابن قدامة، بتحقيق التركي والحلو: 13/ 308(10/358)
ومذهب المالكية، أنه لا بد من استقرار الحياة مع عدم إنفاذ المقاتل عند الذبح، فما أدرك بذكاة وهو مستقر الحياة، وكان قبل إنفاذ مقتله أكل، وألا فلا يؤكل، ولو ثبتت له حياة مستقرة. والمقاتل هي قطع النخاع ونثر الدماغ وفري الأوداج وثقب المصران ونثر الحشوة. (1)
ووافق الظاهرية الجمهور في حل هذه المسألة، من أن القطع من القفا غير مخل بالحل. (2)
ولا يجيز الفقه الإسلامي الذبح من القفا مطلقا، حتى ولو أسرع في الذبح فقطع العروق قبل زهوق الروح، فهو مع المالكية سدا للذريعة، فالذبيحة إذا نخعت من القفا حرمت مطلقا، حتى ولو كان ذبحها بسبب الذبح، تأكيداً لاشتراط الذبح من الأمام، مراعاة للمعنى التعبدي في الذبح، ويؤكد هذا اشتراطهم قطع الأربعة جميعا، شرطا في الحل.
جاء في تحرير الوسيلة ما نصه:"يشترط أن يكون الذبح من القدام، فلو ذبح من القفا وأسرع إلى قطع ما يعتبر قطعه من الأوداج، قبل خروج الروح حرمت". (3)
__________
(1) أسهل المدارك: 2/ 54
(2) المحلى، لابن حزم 7/ 438
(3) تحرير الوسيلة: 2/ 130(10/359)
مسألة الفورية:
ذهب الجمهور إلى أن الفورية-أو الإسراع في الذبح، وإزهاق الروح- شرط في الحلية، فإن رفع يده قبل تمام الذبح ثم أعادها فورا تؤكل الذبيحة، فإن تباعد ذلك، لم تؤكل، واستندوا في اجتهادهم هذا إلى أن"الذكاة" طرأت على"منفوذة المقاتل" أي التي"نفذ فيها أثر القتل قبل كمال الذبح فصارت ميئوسة"، أو مقطوعاً بموتها الطارئ قبل تمام الذبح، فلا تحل. (1)
وقال الحنفية والشافعية: يستحب الإسراع - وسموه" التذفيف" - في قطع الأوداج للحديث:" وليرح ذبيحته"، والإسراع نوع من أسباب إراحة الذبيحة (2)
هذا وذهب الأمامية إلى أنه يجب الذبح في فور واحد، وبالتتابع، دون فصل يعتد به عرفاً، وذلك بقطع الأوداج الأربعة جميعا قبل زهوق الروح، مرة واحدة، فلو قطع بعضها وأرسل الذبيحة حتى انتهت إلى الموت، ثم قطع الباقي حرمت، لأنه ذبح في مرتين، ويعد في العرف عملين (3) .
ويقول ابن رشد في بداية المجتهد:"هل من شرط الذكاة أن تكون في فور واحد؟ فإن المذهب لا يختلف أن ذلك من شرط الذكاة، وأنه إذا رفع يده قبل تمام الذبح ثم أعادها، وقد تباعد ذلك أن تلك الذكاة لا تجوز. واختلفوا إذا أعاد يده بفور ذلك وبالقرب، فقال ابن حبيب: إن أعاد يده بالفور أكلت؛ وقال سحنون: لا تؤكل؛ وقيل: إن رفعها لمكان الاختبار هل تمت الذكاة أم لا فأعادها على الفور، إن تبين له أنها لم تتم أكلت". (4)
__________
(1) بحوث مقارنة في الفقه الإسلامي، للأستاذ الدكتور محمد فتحي الدريني: 2/ 334
(2) مغني المحتاج: 4/ 275 وما بعدها، رد المحتار: 5/ 207 وما يليها
(3) تحرير الوسيلة، للإمام الخميني: 2/ 130
(4) بداية المجتهد: 2/ 468 بتحقيق الحلاق؛ وانظر أيضاً: المقدمات الممهدات لمحمد بن أحمد بن رشد القرطبي: 1/ 429- 430، بتحقيق محمد حجي.(10/360)
4-الشرط الرابع: أداة التذكية:
أداة التذكية إما أن تكون آلة جارحة محددة (السلاح) ، وإما أن تكون جارحة حيوانية؛ فالسلاح: كل ما كان حادا يقطع ويفري بحده لا بثقله، كالسيف والسكين والشفرة وما شابه ذلك، إلا ما كان سنا أو ظفرا. وأما الجارحة الحيوانية فهي مثل الكلاب والصقور وكل ما قَبِل التعليمَ من سباع الطير والبهائم.
وفي السلاح يقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنهر الدم وذكر اسم الله عليه فكلوه، ليس السن والظفر، وسأحدثكم عن ذلك: أما السن فعظم، وأما الظفر فمدى الحبشة)) (1)
وروى الإمام أحمد، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا رميت فسميت فخزقت فكل، وإن لم تخزق فلا تأكل، ولا تأكل من المعراض إلا ما ذكيته، ولا تأكل من البندقة إلا ما ذكيت)) (2)
وفي الآلة الحيوانية، يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُمْ مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ وَاتَّقُواْ اللهَ إِنَّ اللهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [المائدة: 4] ويستدل من هذه النصوص أن الشرع قد افترض استعمال آلة تتحقق بها الذكاة.
__________
(1) متفق عليه
(2) أخرجه الإمام أحمد في المسند: 4/ 380(10/361)
وقد فصلت المذاهب في الشروط التي يجب أن تتوافر في آلة التذكية:
1- فاشتراط المالكية أن تكون الآلة حادة مثل السيف والسهم، وكذا كل ما من طبعه القطع وما شابهه، سوى السن والظفر والعظم، ولا تجوز التذكية بالحجر والمعراض، وما شابه ذلك، إلا أن يكون له حد ويتقن إصابته (1)
2- واشترط الأحناف أن يكون من طبع الآلة الجرح المؤثر في إراقة الدم، وأنه لا يحل ما قتل صدمًا أو جثمًا أو خنقًا، وذلك لفقدان الحرج. فالذبح جائز بكل ما من طبعه فري الأوداج وإنهار الدم، كالسكين والسيف، ما عدا السن القائمة والظفر، فإن كان منفصلاً جاز مع الكراهية (2)
3- واشترط الشافعية أن يكون في طبع الآلة القطع الحاد، سواء في ذلك المعادن كلها من حديد ونحاس أو ذهب أو فضة أو رصاص أو خشب أو قصب أو حجر أو زجاج، وسواء في ذلك الذكاة الاختيارية أو الاضطرارية، باستثناء السن والظفر والعظم، وأما إذا لم تكن الآلة حادة كالمُثَقَّلِ والمعراض والبندقة والسوط وما ماثلها، فما مات بها فهو ميتة، لا يحل أكلها (3) .
4- وذهب الحنابلة إلى ما ذهب إليه الأئمة الثلاثة في صفات الآلة الجارحة، واستثنوا كذلك السن والظفر، وأن ما قتلته البندقة ذات طبع الوقذ حرام، وليس من طبعها القطع والخرق (4)
5- وقد جوز ابن حزم الذبح بكل ما يقطع كقطع السكين أو ما ينفذ نفاذ الرمح، سواء كان من العود المحدد، أو الحجر المحدد، أو القصب الحاد، وكل شيء، ولم يستثن إلا آلة أخذت بغير حق، والسن والظفر أو ما عمل منهما، وأما العظام فقد استثنى عظم الإنسان والخنزير والحمار الأهلي والسبع من الحيوانات والجوارح من الطيور، فإذا ذبح بشيء من ذلك لا يكون حلالا بل اعتبره ميتة حرام الأكل، أما سائر العظام فقد جوز الذبح بها حتى ولو كانت عظاما لميتة غير ما ذكر (5)
__________
(1) القوانين، ص 153
(2) الاختيار لتعليل المختار: 5/ 5
(3) مغني المحتاج: 274/4
(4) المغني، لابن قدامة: 13/ 282-283 بتحقيق التركي والحلو.
(5) المحلى، لابن حزم: مسألة 1051: 7/ 450، منشورات المكتب التجاري للطباعة والنشر والتوزيع- بيروت، بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر.(10/362)
5- الشرط الخامس: الحيوان المذكى (الذبيح) :
ليس كل حيوان يذكى الذكاة المطلوبة يجوز أكله، بل من الحيوانات أصناف كثيرة لا تحللها الذكاة، وإن حللها وجوزها الاضطرار, وفيما يلي خلاصة عما يجوز أكله من الحيوانات، وما يحرم منها (1)
ا- الحيوانات التي يحرم أكلها:
أ- ما لا خلاف في تحريمه:
(1) الخنزير (2)
(2) الميتة (3) وهو الحيوان الذي مات حتف أنفه من غير ذكاة, ويعتبر في حكم الميتة ما قطع من البهيمة قبل ذبحها، أو بعد ذبحها قبل أن تستقر (4)
__________
(1) انظر أحكام الذبح والذبائح: مؤتمر رابطة العالم الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية واللجان المنبثقة عن المؤتمر، ص 11- 15، منشورات منظمة الصحة العالمية.
(2) بدليل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(3) بدليل قوله تعالى: {قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(4) بدليل قوله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] وقوله صلى الله عليه وسلم: (ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميتة) ، رواه أبو داود والترمذي.(10/363)
(3) الدم المسفوح (1) : وهو الدم المراق من الحيوان نتيجة ذبحه.
(4) ما أهل لغير الله به (2) : وهو الحيوان الذي ذبح وذكر عليه اسم غير اسم الله تبارك وتعالى، كأسماء الأصنام والطواغيت.
(5) المنخنقة (3) : وهي البهيمة التي تموت بالخنق بفعلها أو بفعل غيرها.
(6) الموقوذة (4) :وهي البهيمة التي تموت نتيجة الضرب أو بحديدة أو رصاص أو حجر أو غير ذلك مما يقتل بثقله (ما عدا الصيد الذي يضرب بسهم أو رصاصة أو نحوهما بنية الصيد) .
__________
(1) بدليل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(2) بدليل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(3) بدليل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(4) بدليل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3](10/364)
(7) المتردية (1) : وهو الحيوان الذي يسقط من مكان عال أو يقع في حفرة أو نحوهما فيموت.
(8) النطيحة (2) : وهي الحيوان الذي يموت بسبب النطح.
(9) ما أكل السبع (3) : وهي الحيوان الذي افترسه سبع أو طير جارح (غير الصيد) .
__________
(1) بدليل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(2) بدليل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(3) بدليل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3](10/365)
(10) ما ذبح على النصب (1) : أو تقرب به لغير الله عز وجل.
(11) ذبائح المشركين واللادينيين والعلمانيين والملحدين والمجوس والمرتدين وسائر الكفار من غير الكتابيين (2)
(12) ما تحقق فيه الضرر لآكله (3)
وتحريم أكل اللحم في كل ما تقدم يشمل أجزاء الحيوان ومشتقاته،
بما في ذلك الدهن والشحم والعظم.
__________
(1) بدليل قوله تعالى: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ} [الأنعام: 145] ، وقوله تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللهِ} [البقرة: 173] ، وقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالْدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ} [المائدة: 3]
(2) بدليل قوله عليه السلام:"إنكم إذا نزلتم بفارس من النبط، فإذا اشتريتم لحما فإن كان من يهودي أو نصراني فكلوه، وإن كان من ذبيح مجوس فلا تأكلوه ". رواه الإمام أحمد.
(3) بدليل قوله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ} [النساء: 29] وقوله عليه السلام: (لا ضرر ولا ضرار) رواه الإمام أحمد وابن ماجه.(10/366)
ب- ما ذهب الجمهور إلى تحريمه:
(1) البغال والحمر الأهلية (1)
(2) الحيوانات المفترسة، وهي كل ذي ناب من السباع (2) كالأسد والنمر والذئب والثعلب والفهد والدب والكلب والهر: محرمة عند الجمهور وأكلها مكروه عند الإمام مالك (3)
(3) الطيور الجارحة وهي كل ذي مخلب من الطير (4) كالصقر والبازي والنسر والعقاب والباشق والشاهين وأمثالها: محرمة عند الجمهور وأباحها الإمام مالك (5)
(4) الهوام كالفأر والخنافس (6) : محرمة عند الجمهور، وكرهها الإمام مالك والإمام الأوزاعي (7)
(5) الفيل: محرم عند الجمهور وأباحه بعض الفقهاء.
__________
(1) بدليل ما روي عن أن بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم، أمر مناديا فنادى: (إن الله ورسوله يَنْهَيَانِكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) . فأكفؤوا القدور، وإنها لتفور باللحم، رواه البخاري، وحديث جابر: (ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل) رواه مسلم.
(2) بدليل قوله عليه السلام: (كل ذي ناب من السباع حرام) ، رواه مسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام: (نهى عن أكل كل ذي ناب وكل ذي مخلب من الطير) . رواه مسلم.
(3) بدليل أنها لم تذكر في الآية الكريمة. {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 145]
(4) بدليل قوله عليه السلام: (كل ذي ناب من السباع حرام) رواه مسلم، وأنه عليه الصلاة والسلام: (نهى عن أكل كل ذي ناب وكل ذي مخلب من الطير) رواه مسلم.
(5) بدليل أنها لم تذكر في الآية الكريمة: {قُلْ لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 145]
(6) بدليل قوله تعالى: {وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ} [الأعراف: 157]
(7) بدليل أنها لم تذكر في الآية الكريمة: {قُل لاَّ أَجِدُ فِي مَا أُوْحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أو دَمًا مَّسْفُوحًا أو لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أو فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [الأنعام: 145](10/367)
2- الحيوانات التي يحل أكلها:
أ- ما لا خلاف في إباحته:
(1) الشاء (الغنم والماعز) والجمال والبقر والجاموس (1) ،وسائر الحيوانات البرية غير المفترسة، سواء كانت مدجنة كالغزلان والبقر الوحشي، أم غير مدجنة كالقنفذ والخلد، والدواجن من الطيور كالحمام والدجاج والديك الرومي والبط، وسائر الطيور غير الجارحة كالعصافير ... إذا ذكيت ذكاة شرعية بذبح أو نحر أو عقر ,أو صيدت.
(2) السمك والجراد (2)
(3) ما ذكي من المنخنقة والموقوذة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع، إذا أدرك وفيه حياة فذبح قبل موته (3)
(4) ما اضطر المسلم إلى أكله خشية الموت جوعا، فيأكل بقدر الضرورة (4)
(5) جميع ما في الذبيحة يحل أكله, ويجوز أكل الجنين إذا تبين أنه لحم (5) ، أما إذا خرج حيا فيجب أن يذكى.
(6) ذبائح الكتابيين أي اليهود والنصارى (6) ، ما لم تكن محرمة لعينها (كالخنزير) أو وصفها (كالميتة) أو لقصور في تذكيتها الشرعية (لأنها في حكم الميتة) .
__________
(1) بدليل قوله تعالى: {أُحِلَّتْ لَكُم بَهِيمَةُ الأَنْعَامِ إِلاَّ مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ} [المائدة: ا]
(2) بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: "أحلت لنا ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد، وأما الدمان فالكبد والطحال ". رواه أحمد وابن ماجه.
(3) بدليل قوله تعالى: {إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3]
(4) بدليل قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِّإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [المائدة: 3] ، وقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُم مَّا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام: 119] وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلاَ عَادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173]
(5) بدليل قوله عليه الصلاة والسلام: (ذكاة الجنين ذكاة أمه) رواه الحاكم.
(6) بدليل قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ} [المائدة: 3](10/368)
ب- ما ذهب الجمهور إلى إباحته:
(1) جميع حيوانات الماء (1) : أباحه الجمهور، وحرم الحنفية ما سوى السمك والسمك الطافي، وحرم الحنابلة كلب البحر وخنزير البحر.
(2) الضب (2) .
(3) الخيل: أباحها الجمهور، وكره ذلك الإمام أبو حنيفة وبعض المالكية (3) .
(4) الأرنب: أباحها الجمهور (4) ، وكرهها الحنفية.
(5) الضبع (5)
(6) الحيوانات البرمائية كالتمساح والضفدع والسلحفاة وكلب البحر والسرطان والقندس وأمثالها ,بعضهم حرمها وبعضهم أباحها.
والمسلم مخير في أتباعه أيا من العلماء، وخاصة إذا أخذ الحكم بدليله.
6- الشرط السادس: توجيه الذبيحة للقبلة:
يرى الإباضية وجوب توجيه الذبيحة للقبلة، ويراه الجمهور سنة مستحبة وليست واجبة، ولذلك لم تشترط، وإنما تستحب إذا أمكن ذلك، وكره الحنابلة توجيه الذبيحة إلى غير القبلة (6) .
__________
(1) بدليل قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ} [المائدة: 96] ، وقوله عليه الصلاة والسلام وقد سئل عن البحر: (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) . وقوله عليه السلام: (أحلت لكم ميتتان ودمان، فأما الميتتان فالسمك والجراد) .
(2) بدليل أكل خالد بن الوليد له أمام النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه الجماعة إلا الترمذي.
(3) بدليل حديث جابر: (ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحميرة فنهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البغال والحمير ولم ينهنا عن الخيل) رواه مسلم.
(4) بدليل حديث أنس بن مالك أنه صاد أرنبًا فأتى بها أبا طلحة فذبحها، وبعث إلى النبي صلى الله عليه وسلم بوركها وفخذيها؛ قال: فأتيت بها النبي صلى الله عليه وسلم فقبلها. رواه مسلم.
(5) بدليل حديث جابر حينما سئل عن أكل الضبع "قال: نعم، قال (الراوي) : أصيد هي؟ قال: نعم. قال: أسمعت ذلك من نبي الله صلى الله عليه وسلم قال: نعم ".
(6) المقنع: 3/ 542، وانظر: الإنصاف للمرداوي الحنبلي: 10/ 404(10/369)
3- طرائق الذبح (كيفية الذبح) :
1- التذكية الشرعية: موضوع الذبائح من الأمور التعبدية في الشريعة الإسلامية، وهي مما يتقرب به الإنسان المسلم إلى الله تعالى كما هو الحال بإراقة الدماء في الأضحية والهدي، ويُنال الثواب بإطعام الفقراء والجيران والأهل من ذبيحته.
والأصل في الذبح عند المسلمين أن يكون بدون تدويخ للحيوان؛
لأن المسلمين يرون أن طريقة الذبح الإسلامية هي الأمثل رحمة بالحيوان وإحسانا لذِبحته وتقليلا من معاناته. وقد أشرنا فيما سبق إلى رأي المذاهب الإسلامية في الأساليب والشروط التي يجب توافرها في تحقيق هذه التذكية (1)
2- ذبح الحيوان بعد التدويخ:
تقضي القوانين الغربية بأن إزهاق روح الحيوان يمكن أن يتم بأية طريقة إرادية، تؤدي إلى موت الحيوان الأهلي أو الزراعي بغية الاستهلاك الغذائي, وتشترط هذه القوانين أن لا يلجأ إلى ذبح أي من الحيوانات الفقارية إلا من قبل شخص مؤهل تتحقق فيه الخبرة الكافية بأصول الذبح حسب الطريقة المستعملة، والتي من شأنها أن تقلل ما أمكن من ألم الحيوان. وبصورة عامة لا تجيز القوانين الغربية ذبح الحيوانات إلا بعد تخديرها أو تدويخها بطريقة يقبلها القانون، ووفقا لظروف الذبح ونوع الحيوان, ويستثني كثير من التشريعات الغربية الحالات الاضطرارية القصوى التي تجيز الذبح بدون تدويخ، وخاصة بالنسبة لبعض الطوائف الدينية كاليهود بصورة عامة، والمسلمين في عدد محدود جدا من البلدان الغربية، أو حالات الذبح التي يتطلبها تصدير اللحوم إلى بعض الدول الإسلامية.
__________
(1) انظر: حكم الأطعمة والذبائح في الإسلام، للدكتور الخياط، ص 28(10/370)
وقد أجاز بعض الدول الغربية التي اعترفت بالإسلام أن يذبح المسلمون على طريقتهم الشرعية في المجازر المرخصة، وبدون تدويخ مسبق، وتحت إشراف الرقابة الصحية اللازمة.
لا تجيز القوانين الغربية تسويق لحوم الحيوانات الميتة، ولكنها لا تشترط بوضوح في طرق التدويخ أن لا تؤدي إلى موت الحيوان قبل الذبح. وسنستعرض فيما يلي أشهر الطرق الحديثة المتبعة في تثبيت الحيوانات المختلفة وتدويخها وذبحها أو (قتلها) :
أولا) تثببت الحيوان أثناء التدويخ والذبح:
يستعمل لحجز الماشية نموذجان مشهوران من الصناديق الخاصة هما:
(1) الصندوق الدوار من نموذج واينبرغ Weinberg:
وهو يتكون من جدار أمامي ينتصب إلى حوالي نصف ارتفاع الحيوان، ويشتمل على حاصرة تحجز رأس الحيوان وتشده نحو الأمام والأعلى، ومن باب خلفي يدفع الحيوان نحو الأمام، ومن جدارين جانبيين يقومان بحصر الحيوان من خاصرتيه. ويرتبط بالصندوق سكتان معدنيتان دائريتان تسمحان بدوران الصندوق (180) درجة وفقا لمحور أفقي لتسهيل عملية الذبح.
(2) الصندوق الثابت من نموذج سينسيناتي Cincinatti:
يتكون الصندوق من جدار أمامي يصل إلى نصف ارتفاع الحيوان, ومن حاصرة للرأس، ومن باب خلفي يدفع الحيوان نحو الأمام، ومن جدارين جانبيين أحدهما ثابت والثاني متحرك، ومن لوح بطني يسند الحيوان ويحميه من السقوط.
أما الحيوانات الصغيرة كالخراف والماعز فيتم تدويخها مباشرة دون حاجة إلى تثبيتها.(10/371)
ثانيا) التدويخ:
هناك (5) طرق رئيسية مستعملة:
(1) تخريب المادة البصلية النخاعية Bulbomedullaire وذلك بإحداث ثقب في جوف الجمجمة بواسطة مسدس واقذ مزود بساق مصادمة تنتهي برأس إبري أو برأس نصف كروي.
(2) التدويخ بالصدمة الكهربائية: Electronarcose.
(3) التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون co2.
(4) التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة.
(5) الخنق بالطريقة الإنكليزية.(10/372)
(1) التدويخ بالمسدس ذي الواقذة الإبرية:
يتألف المسدس من كتلة معدنية تسمح بوضع متفجر ناري يدفع ساقا تصادمية مرتدة تنتهي برأس إبرية، وتؤدي الطلقة إلى أن تقوم الساق بإحداث ثقب نافذ إلى دماغ الحيوان، يؤدي إلى فقدان الوعي بشكل فوري نتيجة لتخريب جزء من البنية الحية من الدماغ، كما يؤدي إلى زيادة عنيفة مفاجئة في الضغط. ويختلف مكان وضع المسدس باختلاف الحيوان وعمره:
أ) ففي الماشية يغرز الساق في وسط الجزء الجبهي، ويكون بوضع أخفض في العجول، لأن القسم العلوي من الدماغ فيها قليل النمو.
هذا وإن توجيه رأس المسدس في العجول نحو الرقبة (القذال) يؤدي إلى شلل فوري، إلا أن فقدان الوعي لا يحدث إلا بعد مرور (20) ثانية من تحرير الطلقة.
ب) وفي صغار المجترات يتم تصويب الطلقة في القسم العلوي من الرأس باتجاه زاوية الفك.
ج) وفي ذوات القرون من الخراف والماعز، يوضع المسدس مباشرة خلف الخط الواصل بين القرنين وتصوب الطلقة باتجاه الفم.
د) أما في الخيل فيتم إحداث الصدمة فوق نقطة تقاطع الخطوط الواصلة بين العين من طرف، والأذن في الطرف الآخر.(10/373)
(2) التدويخ بالمسدس ذي الواقذة الكروية: نموذج شيرمر (Schermer)
يشبه هذا المسدس الشكل السابق، ويختلف عنه بأن رأسه التصادمية تتكون من ساق منتهية بكتلة نصف كروية أو تشبه الفطر, لا يؤدي استخدام هذا المسدس إلى ثقب جمجمة الحيوان، بل يحدث انهداما في العظم الجبهي يفضي إلى فقدان الوعي.
(3) التدويخ بالصدمة الكهربائية:
تستخدم هذه الطريقة لتدويخ صغار العجول والشاء (الخراف والماعز) والأرانب والدواجن, ولهذه الغاية تستخدم آلة تشبه الملقط متصلة بمأخذ كهربائي, يثبت طرفا الملقط على صدغي الحيوان، ويمرر تيار كهربائي ذي شدة معينة وفولطاج محدد ولمدة ثابتة، وتختلف جميعها باختلاف الحيوان.
يحدث فقدان الوعي مباشرة نتيجة إلى اللاتقاطب الكبير في العصبونات Neuronsالدماغية, وهو يسبق عادة حدوث طور من التقلص العضلي المزمن chronique الذي يلاحظ قبل المرحلة النهائية من الارتخاء Relaxation.
أ) هذا والأمثل في الحيوانات الكبيرة أن تطبق المساري الكهربائية
على جانبي رأس الحيوانات بين الحجاج Orbite وقاعدة الأذن، وذلك باستخدام تجهيزات خاصة تسمح بتعديل شدة التيار الكهربائي وكمونه الذي قد يصل إلى (1000) فولط.
ب) وفي حالة الخرفان لا يكون التدويخ كافيا إذا كان جلد الحيوان مغطى بالصوف في موضع التماس مع المساري الكهربائية، ولتجنب ذلك تستخدم مساري كهربائية ذات نهاية إبرية تسمح باختراق الصوف نحو الجلد مباشرة.(10/374)
ج) ومنذ نهاية الثمانينيات تستخدم المجازر النيوزلندية الصدمة الكهربائية لتدويخ الماشية، وذلك باستعمال تيار كهربائي شدته (2.5) أمبير يؤدي إلى توقف القلب، وقد أدى هذا إلى مشاهدة مظاهر حبرية Petichial وكسور عظمية في جسم الذبيحة؛ مما يقلل من قيمة نوعية اللحم.
هذا وإذا لم يحدث توقف القلب، فيمكن للحيوانات أن تستعيد وعيها خلال بضعة عشر ثانية؛ وحينئذ لا تضمن هذه الطريقة الشروط المطلوبة لإراحة الحيوان عند الذبح.
د) ويتم تدويخ الدجاج آليا بالصدمة الكهربائية، بحيث يعلق الدجاج من رجليه على سلكين معدنيين ويغطس الرأس المدلى في مجرى مائي يتصل بمسرى كهربائي.
يمر التيار في جسم الحيوان من الرأس إلى القدمين، ونظرا لسماكة الجلد في القدمين المتقرنين، يلجأ إلى إنقاص المقاومة الكهربائية برش الكلاليب التي تعلق بها الأقدام بالماء. يطبق مرور التيار لمدة لا تقل عن (4) ثوان. وتؤدي شدة التيار المستعمل إلى توقف القلب في (90 %) من الحالات دون أن يؤثر ذلك بشكل ملحوظ على نزيف الدم بعد الذبح بقطع الرأس بسكين دوارة، بيد أنه لوحظ أن زمن النزف أطول من الوقت المعتاد بدون تدويخ.(10/375)
إن استعمال تيار كهربائي شدته (7.5) ميلي أمبير يعتبر كافيا لإحداث التدويخ، بيد أن هناك محذورا فعليا قد يؤدي إلى عودة الوعي إلى الحيوانات قبل أو أثناء الذبح. ويتردد الخبراء المهنيون كثيرا في استعمال تيار كهربائي عالي الشدة لما يلاحظونه من زيادة كبيرة في النزف العضلي والكسور العظمية المرافقة نتيجة لتقلص العضلات التشنجي بسبب التيار الكهربائي، وهذا ما يؤدي إلى تعارض المصلحة بين إراحة الحيوان ونوعية اللحم الناتج.
أما الدواجن كبيرة الحجم كالأوز والبط والديك الرومي وما شابه ذلك، فيتم ذبحها عادة يدويا وبدون تدويخ، نظرا لضآلة الإنتاج بالمقارنة مع الدجاج، ولثقل وزنها ولعدم تلاؤم وزنها وحجمها مع التقنية الآلية المتبعة في ذبح الدجاج.(10/376)
(4) التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة:
طريقة بدائية قديمة تتبع لتدويخ الحيوانات الكبيرة كالماشية والخيول، وذلك بضرب العظم الجبهي للحيوان بمطرقة ضخمة تحدث ألما شديدا للحيوان وتفقده الوعي وينهار الحيوان مباشرة، ثم يتم ذبحه باليد, وقد تخلت المجازر الحديثة عن هذه الطريقة البدائية، واستبدلت بها طريقة التدويخ بالمسدس الواقذ, في حين لا يزال يلجأ بعض الأفراد في القرى أو في المزارع إلى التدويخ بالمطرقة، وذلك لاستهلاك اللحم محليا.
(5) التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون:
أكثر ما تستخدم هذه الطريقة في تدويخ الخنازير، وقد يلجأ إليها أحيانا لتدويخ الشاء والماشية.
يحبس الحيوان في بيئة هوائية تحتوي على (70 %) من غاز ثاني أكسيد الكربون، ويبقى الحيوان محتفظا بوعيه خلال (20) ثانية ثم يحدث فقدان الوعي مباشرة، ويتبعه منعكسات حركية تستمر لمدة (10) ثوان. ولا يعتبر الخبراء ذلك نتيجة لمحاولة الحيوان في الفرار؛ نظرا لأن هذه الظاهرة تشاهد في المخطط الكهربائي الدماغي للحيوان بعد تخدير عميق.(10/377)
تعقب المنعكسات الحركية حالة ارتخاء عضلي حينما يصبح الحيوان في حالة تخدير عميق تستمر عادة من (2- 3) دقائق، ولا يؤدي هذا إلى توقف القلب إلا في حالات نادرة.
هذا وإن زيادة نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء تؤدي إلى تسريع عملية التدويخ، وهو ما يرغبه المهنيون.
ويظن بعض العلماء البيطريين استنادا إلى قياس تركيز (الكاتشولامين catecholamine) في البلاسما، ولسلوك الحيوان الظاهري، بأنه لا يشعر بالألم ولا بالضيق أثناء عملية التخدير بالغاز, بيد أن هذا لا يتفق مع رأي كثير من العلماء الآخرين الذين يعتقدون بأن الحيوان يتعرض لحالة ضيق تنفسي شديد أثناء التخدير, وقد تأيد ذلك من خلال تجارب أجريت على متطوعين من البشر كانوا قد شعروا بالضيق التنفسي عندما تجاوزت نسبة غاز ثاني أكسيد الكربون في الهواء (40 %) .
ويرى بعض الخبراء أن التخدير بالغاز يضمن إراحة الحيوان إذا كانت الطريقة سليمة الأداء، وإلا فالطريقة تؤدي إلى محاذير كبيرة إذا لم تتم حسب الأصول.
هناك دراسات حديثة تجري لمحاولة تطبيق هذه الطريقة على الدواجن، حيث يتم تدويخها في الأقفاص عند استقدامها إلى المجزرة، ويرون في هذه الطريقة أنها تجنب حالات التوتر التي تصيب الحيوانات عند إخراجها من الأقفاص وتعليقها في الكلاليب وطرح رأسها إلى الأسفل. ويبدو أن النتائج كانت مشجعة من حيث إراحة الحيوان ونوعية اللحم.(10/378)
6- الخنق بالطريقة الإنكليزية:
تعتمد على خرق جدار الصدر بين الضلعين الرابع والخامس، ومن خلال هذا الخرق ينفخ بمنفاخ (أو كير) فيختنق الحيوان نتيجة لضغط هواء المنفاخ على رئتي الحيوان، وهذا الاختناق يحول دون نزيف الدم وإنهاره.
ولا نرى حاجة لبيان الحكم الشرعي لهذه الطريقة التي تؤدي لموت الحيوان بالاختناق، والمنخنقة محرم أكلها بالنص القرآني.
ثالثا) الذبح:
يتم الذبح بأنهار الدم؛ حيث ينزف منه حوالي (50 %) , وفي حالات توقف القلب تنقص كمية الدم النازف كثيرا، خاصة في الخراف والماشية، وينحبس الدم المتبقي عادة في الأحشاء.
يجري الذبح عادة في المجازر الأوروبية بقطع الجانب البطني من العنق بجرح ينفذ حتى الفقرات.
وقد نشاهد أسلوبا آخر يتم بإحداث قطع في جانب العنق بحيث تفري السكين الأوعية الدموية والعمود الفقاري والرغامى والمريء.
وهناك أسلوب ثالث يجري بقطع الرقبة وخلع الموصل الفَقْهِي القذالي Jonction atlanto- Occipal. (القذال: مؤخر الرأس والفقهة: فقرة العنق الأولى) .(10/379)
معاملة الحيوانات قبل الذبح وبعد الذبح:
حرص الإسلام على الرحمة والرفق بالحيوان، ودعا إلى الإحسان في الذبح ومعاملة الحيوان معاملة إنسانية بعيدة عن القسوة والألم والتعذيب امتثالا لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته وليرح ذبيحته)) (1) وذلك بإتباع ما يلي (2) :
(1) إحسان الذبح في البهائم والترفق بها، ولذلك ينهى الإسلام عن إخافتها وذلك بعدم حدِّ الشفرة أمامها، أو ذبحها أمام بعضها البعض، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمن حد الشفرة أمام الشاة: ((أتريد أن تميتها ميتتين؟!! هلا أحددت شفرتك قبل أن تضجعها)) . وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: "لا تذبح الشاة عند الشاة، ولا الجزور عند الجزور وهو ينظر إليه ". (3)
(2) عدم القسوة في معاملتها؛ كجرها من موضع إلى آخر برفق، روى ابن سيرين عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه رأى رجلا يسوق شاة ليذبحها سوقا عنيفا، فضربه بالدرة ثم قال له: "سقها إلى الموت سوقا جميلا لا أم لك " (4)
(3) عدم القسوة في الضغط عليها وإيلامها، فقد روي عن عمررضي الله عنه أنه رأى رجلا أضجع شاة ووضع رجله على صفحة وجهها وهو يحد الشفرة، فضربه بالدرة فهرب الرجل، وشردت الشاة (5) .
(4) عدم قطع أي جزء منها قبل موتها، فالقطع تعذيب وحرام،ولا يجوز أكل ما يقطع منها قبل ذبحها، كما لا يجوزقطع أي شيء منها قبل أن تستقر- أي يتأكد من موتها- امتثالا لقول الله تعالى: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا} [الحج: 36] ، فلم يبح الله أكل شيء منها قبل وجوب الجنب، وهو الموت (6) . ويدخل في باب التعذيب جمع الأغنام معا وذبحها بالدَوْر وهي تشاهد الذبح.
(5) ومعاملة الحيوان بعد ذبحه ينبغي أن تكون برفق، فلا يكسر عنقه، ولا يقوم بسلخه أو قطع أي عضو منه حتى يبرد، فإذا فعل ذلك أساء وأكلت الذبيحة (7) . ويرى ابن حزم عدم حل أكل ما قطع من البهيمة قبل أن تموت وتبرد، لقول عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: "أقروا الأنفس حتى تزهق ". ويرى الإباضية عدم جواز أكل الذبيحة إذا سلخت قبل أن تبرد (8) .
__________
(1) أخرجه مسلم، في باب الأمر بإحسان الذبح؛ وأبو داود في باب النهي أن تصبر البهائم؛ والترمذي في باب ما جاء في النهي عن المثلة؛ والنسائي في باب الأمر بإحداد الشفرة؛ وابن ماجه في باب إذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة.
(2) حكم الأطعمة والذبائح في الإسلام، للأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط، ص 32
(3) الفروع من الكافي للكليني: 6/ 235
(4) بدائع الصنائع: 6/ 2811
(5) بدائع الصنائع: 6/ 2811
(6) المحلى، لابن حزم: 7/ 449
(7) كتاب المقنع: 3/ 542؛ والمحلى لابن حزم: 7/ 457
(8) كتاب النيل وشفاء العليل: 4/ 465(10/380)
دراسات عملية حول إراحة الحيوان (1) :
" يمكن أن ننظر إلى إراحة الحيوان بصورة موضوعية من خلال (3) علامات رئيسية هي: الألم Souffrance والكرب stress والوعي Conscience. ولا شك أن هذه العلامات متشابكة جدا ووثيقة الارتباط ببعضها البعض, فالألم يسبب الكرب ويتطلب الإحساس به، والكرب قد يحدث نتيجة لأسباب عديدة أحدها الإحساس بالألم، ومع فقدان الوعي يزول الكرب والإحساس بالألم.
(1) الألم: Souffrance
غياب الألم هو العنصر الرئيسي في إراحة الحيوان, ولذا كان من الضروري إنقاص الإحساس بالألم إلى حده الأدنى عند الذبح, ويعتبر هذا من الناحية العلمية من أصعب الأمور التي يمكن ملاحظتها عيانا. ولهذا ليس بالإمكان الاعتماد إلا على بعض المعايير الذاتية (الشخصية Subjectif) لمعرفة ما إذا كان الحيوان يتألم أم لا؟ وعلاوة على ذلك لا يمكن قياس درجة الإحساس بالألم بصورة كمية, وفي الواقع تختلف التفاعلات المشاهدة من فرد إلى آخر، كما أنها قد تختلف في الفرد نفسه بتأثير منبه معين من يوم إلى آخر, ومن الصعب أيضا التفريق بين مظاهر الألم ومظاهر الكرب؛ فالحيوان قد يصرخ وقد يتخبط بتأثير الخوف فقط, أجريت بعض الدراسات العملية لمراقبة إحساس الحيوان بالألم عند الذبح، ولهذا الغرض وضعت أبقار بهدوء في قفص (سينسيناتي) وتم إحكام الحاصرة بصورة تسمح للحيوان أن يسحب رأسه كيفما شاء, وجرى ذبح الحيوان بدون تدويخ مسبق، وبإمرار السكين بحركة واحدة مستمرة. ولم يلاحظ أن أحدا من الحيوانات المذبوحة قد حاول أن يسحب رأسه، وشوهدت فقط علامات ارتجاف خفيفة لدي تماس السكين مع جلد الحيوان. وإذا لمسنا أو صدمنا أطراف الجرح بالسكين، أو انغلق الجرح على السكين، يلاحظ أن الحيوان يبدأ بالتخبط.
وإذا كان رأس الحيوان مشدودا تماما، وتم الذبح بحركة واحدة وسريعة، فإن أغلب الحيوانات ينهار مباشرة، وبقية الحيوانات تنظر فيما حولها وكأن شيئا لم يحدث أبدا، وهذا يدعو إلى الظن بأنها لم تستوعب ما حدث.
__________
(1) دراسة مقتبسة من رسالة جامعية لنيل شهادة الدكتوراة من إعداد: (آن كاترين فيرمو) ، وهي بعنوان: الذبح الشرعي (الديني) : الحلال والشيخيتا (عام 1994/ 1995) : Les A b attages rituels: Halal et shechita (anne- catherine vermaut 1994- 1995)(10/381)
(2) الكرب: Stress
من الواضح أن الحيوانات تصاب بالكرب الشديد في المجازر، وقبل القيام بأي نوع من التدويخ أو الذبح, وقد يتولد هذا أثناء عمليات نقل الحيوانات التي تجد نفسها مع حيوانات غريبة عنها وفي بيئة لا تعرفها مسبقا.
وللتقليل من خوف الحيوان هناك بعضر المبادئ السلوكية التي يحسن مراعاتها, وتأخذ جدارة العاملين أهمية كبيرة في هذه المرحلة, وعلى العامل أن يبقى بعيدا عن منطقة حركة الحيوانات لتجنب حالات الهلع ومحاولة الهروب.
وتؤثر تسلية الحيوانات كثيرا على تهيجها وإثارتها؛ فالظل ووضع العاملين في مقدمة الحيوانات وعدم توجيه النور الساطع إلى العيون مباشرة، وتخفيف الضجيج، وإخماد أصوات المحركات وصفير الهواء وقرقعة الصفائح المعدنية والصراخ، والتهوية المناسبة التي لا تحمل معها رائحة الحيوانات المذبوحة، كل ذلك يؤثر إيجابيا على راحة الحيوان وعدم إصابته بالكرب.
وللدم أثر ملحوظ على الحيوانات, فإذا كان مصدر الدم من حيوان هادئ، فالملاحظ أنه لا يسبب أي خوف، بل قد يقوم بعض الحيوانات بلعق هذا النوع من الدم.
وبالعكس، إذا كانت هناك آثار من دم حيوان مكروب يتخبط، فالملاحظ أن الحيوانات الأخرى ترفض الدخول إلى صندوق التثبيت. ولقد تأكدت هذه الظاهرة أيضا بالنسبة لتأثير لعاب الحيوان الذبيح على الحيوانات الأخرى.
وتدخل الحيوانات بسهولة إذا ما تم غسل الصندوق بعناية، مما يشير إلى أن هناك مادة ذات رائحة خاصة تسبب هلع الحيوان.
ولقد أعيدت هذه التجارب على الجرذ، وتأكدت جميع المشاهدات السابقة.(10/382)
ويعتقد بعض الباحثين أن هذه المادة التي توجد في اللعاب والدم هي الكورتيزولCortisol أو مادة أخرى يتم إفرازها مع الكورتيزول, ولا شك أن عملية إفراز الكورتيزول في البدن تتطلب بعض الوقت، ولهذا إذا قمنا بتهييج الكرب في حيوان بتأثير بيل كهربائي شديد النور في غرفة محصورة، فالحيوان التالي مباشرة يدخل الغرفة بسهولة ويبقى هادئا، ولكن إذا بقي الحيوان الأول محصورا فترة من الزمن في الغرفة، فالحيوانات الأخرى ترفض الدخول إلى المكان خلال عدة ساعات.
وللكرب أهمية كبرى عندما يحصر الحيوان في الصندوق, فلقد أجرى الباحث C.S. Dunn دراسة قارن فيها كرب الماشية المذبوحة بالطريقة الإسلامية باستخدام صندوق سينسيناتي وصندوق واينبرغ الدوار، واعتمد في ملاحظاته على المظاهر السلوكية والفيزيولوجية للحيوان، وقام بمعايرة كل من الكورتيزول والهيماتوكريت Hematocrite في نماذج من الدم المأخوذ أثناء الذبح.
لاحظ Dunn أن الوقت الذي يقضيه الحيوان في صندوق واينبرغ وسطيا هو أطول بـ (10) مرات من الوقت الذي يقضيه في صندوق سينسيناتي قبل إمرار السكين على رقبة الحيوان. ولوحظ أن كثيرا من الحيوانات يتخبط طويلا، وتبدأ حركات التخبط مع بدء دوران الصندوق.
ومقدار الهيماتوكريت الذي يعكس حالة الجملة العصبية الودية يكون مرتفعا في الأبقار المحصورة في صندوق واينبرغ، كما لوحظ أنه أكثر ارتفاعا في الأبقار المدوخة بالمسدس الواقذ الإبري (الذي يثقب الجمجمة) ، منه في الأبقار المدوخة في صندوق سينسيناتي.(10/383)
وتأكد أن التدويخ بالمسدس الواقذ الإبري أو بالتيار الكهربائي يؤدي إلى إفراغ كمية هائلة من الأدرنالين Adrenaline، ومع ذلك فإن التدويخ بجميع هذه الأساليب يؤدي إلى فقدان الوعي مباشرة، وليس هناك وقت كاف يسمح للحيوان بأن يصاب بالكرب, ولقد لوحظ أيضا بأن عيار الكورتيزول في الحيوانات المحصورة في صندوق واينبرغ أعلى منه في الحيوانات المحصورة في صندوق سينسيناتي, كما شوهدت مظاهر لهاث شديدة في كل من الحيوانات المحصورة في صندوق واينبرغ أو سينسيناتي على حد سواء, وفي الحالتين يتم ضغط أحشاء الحيوان (من جراء الدوران في صندوق واينبرغ، ومن جراء ضغط اللوح البطني في صندوق سينسيناتي) ، مما يؤدي إلى زيادة الضغط في داخل الصدر Pression intrathoracique.
ويبدو من كل هذا بأن حالات الكرب باستعمال الصندوق الدوار هي أكثر شدة نظرًا للدوران الكلي غير الفيزيولوجي للحيوان ولطول فترة المكث التي يقضيها الحيوان في الصندوق.(10/384)
(3) الوعي: Conscience
إن فقدان الوعي هو العلامة المهمة جدا في إراحة الحيوان أثناء الذبح، لأنه يضمن عدم الإحساس بالألم وإزالة مظاهر الكرب، ولهذا يجب الوصول إلى هذه المرحلة في أسرع وأقصر وقت ممكن.
إن استخدام المسدس الواقذ الإبري (الثاقب) يؤدي إلى فقدان الوعي آنيًا وبصورة غير معكوسة Irreversible.
أما المسدس الواقذ الكروي والصدمة الكهربائية فهما يسببان فقدان الوعي بصورة وقتية محدودة ومعكوسة, ويستدعي هذا أن يتم ذبح الحيوان بسرعة بعد التدويخ حتى لا تتحول حالة اللاشعور الناتجة عن عوز الأوكسجين Anoxie إلى طريق استعادة الوعي والإحساس بالألم.
هذا ولقد اعتمد في الدراسات المختلفة في مراقبة الوعي على قياسات الاستجابات البصرية وعلى قياس مخططات قشرة الدماغ:
ا) قياس الاستجابات البصرية الإيحائية: Reponses visuelles evoquees
يقاس النشاط الكهربائي لسطوح الدماغ البصرية بغرز مساري كهربائية في القشرة, ويتم التحريض بواسطة ومضة ضوئية flash موجهة إلى عيني الحيوان.
إن غياب الاستجابة الإيحائية في الدماغ يعتبر دليلًا قاطعًا على انعدام الوعي في الحيوان، ومع ذلك لا يعتبر وجود الاستجابات الإيحائية شاهدا جيدا للإدراك الشعوري، لأننا قد نشاهدها أيضا في الحيوان المخدر.(10/385)
2) التخطيط الكهربائي لقشرة الدماغElectrocorticogramm.
عندما نغرس المساري الكهربائية في جمجمة الحيوان وفي مستوى قشرة الدماغ، نستطيع أن نقيس النشاط العفوي للدماغ.
يتميز المخطط الطبيعي للحيوان المستيقظ بظهور موجة ذات سعة ضعيفة وتوتر مرتفع, بينما تشاهد السعة المرتفعة والتوتر المنخفض في الحيوانات النائمة أو المخدرة, أما المخطط الكهرساوي (المتساوي التكهرب Isoelectrique) فيدل على موت الدماغ.
في الخراف المذبوحة بدون تدويخ مسبق (الطريقة الإسلامية) يلاحظ انعدام الاستجابات الإيحائية بعد (2- 7) ثوان من القطع، ويصبح المخطط كهرساويا بعد (10- 25) ثانية، ولا يتوقف القلب إلا بعد (15) دقائق من الذبح.
وإذا تم جرح الحيوان في جانب واحد من الرقبة (الطريقة اليهودية) فيتأخر انعدام الاستجابات الإيحائية إلى (29) ثانية.
وفي الماشية المذبوحة بدون تدويخ مسبق (الطريقة الإسلامية) تنعدم الاستجابات الإيحائية بعد (85) ثانية، ولا يصبح مخطط قشرة الدماغ كهرساويا إلا بعد مرور (132-336) ثانية من الذبح.
وقبل أن يحدث موت الدماغ هذا تلاحظ تدفقات دورية للاستجابات الإيحائية تستمر من (123- 323) ثانية. ومن الصعب جدا الحكم بأن هذه الاستجابات الملاحظة تدل على عودة الشعور.(10/386)
ويمكننا أن نفسر الفرق الملاحظ بين الخراف والماشية بالبنية التشريحية الخاصة لكل منهما, فالشريان الفقري في الماشية يصب مباشرة في مضلع ويليس Polygone de Willis ويقوم بتغذية الدماغ بالأوكسجين, أما في الخراف فيصب الشريان الفقري في الشريان الوداجي، ولا يستطيع أبدا أن يزود الدماغ بعد قطع الوداج، وهذا يفسر الاختلاف ما بين طريقة الذبح والنحر.
ومن الواضح أن قصر الزمن اللازم لحدوث فقدان الوعي في الضأنOvins هو دليل مؤيد لطريقة الذبح الإسلامية التي لا ترى مبررا للتدويخ قبل الذبح.
وإضافة إلى ذلك فإن النتائج السابقة لا تبرر استعمال التدويخ المسبق قبل الذبح إلا إذا أدت إلى حالة فقدان الوعي بصورة آنية؛ أي باستعمال المسدس الواقذ الإبري أو المسدس الواقذ الكروي؛ أو الصدمة الكهربائية, وفي الحالتين الأخيرتين يجب أن يشرع بالذبح في خلال الثواني القليلة التي تلي عملية التدويخ لتجنب الانعكاس في عودة الوعي إلى الحيوان.
هذا وتسمح طريقة قياس الاستجابات الإيحائية ومخطط قشرة الدماغ بتقدير الأوضاع النسبية للملاحظات السلوكية الحيوانية, فالحيوان الذي يبدي مخططا مسطحا قد تظهر عليه حركات غير مترابطة؛ وهو مع ذلك فاقد الوعي، ولا يمكن اعتبار هذه الحركات دليلا على الإحساس بالألم أو الخوف.(10/387)
وهكذا نستطيع أن نحدد العلامات الدالة على التدويخ الصحيح باستعمال آلة ميكانيكية:
- فالحيوان ينهار مباشرة ولا يحاول الوقوف.
- ويصبح جسم الحيوان وعضلاته متوترة مباشرة بعد انهمار الدم؛ وقد يترافق ذلك مع حركات غير مترابطة تستمر لعدة دقائق.
- يتوقف النظم التنفسي الطبيعي، وقد تلاحظ منعكسات لهاثية (ناتجة عن نقص الأوكسجين في الدماغ Hypoxie) .
- تبقى حدقة العين مركزة وثابتة ولا تضطرب، وينعدم المنعكس البصري، هذا ولقد سمح الذبح الصناعي الآلي بالاستجابة إلى متطلبات الاستهلاك الهائلة، إضافة إلى استبانة الأجزاء غير القابلة للأكل وتحسين إراحة الحيوان ومراقبة هذه الحالة بشكل مناسب, ولا شك أن المجازر أصبحت مجهزة بآلات مناسبة لا يمتلكها الأفراد غير المهيئين وغير المتلائمين مع طرائق الذبح الحديثة, ويلعب الطبيب البيطري دوراً مهما في المسلخ؛ فهو إلى جانب وظيفته الرئيسية في مراقبة جودة اللحم، يعتبر الشخص الوحيد القادر على توجيه العاملين ولفت نظرهم إلى حسن معاملة الحيوان والرفق به وتخفيف آلامه, ولديه كافة الحقوق التي تخوله رفض أي حيوان ارتكبت بحقه أية مخالفة ينص عليها قانون حماية الحيوان.
ومن الجدير بالذكر أن جمعيات الرفق بالحيوان في عصرنا هذا، استطاعت إثارة الرأي العام نحو كل ما يؤدي إلى تألم الحيوان، وتأثرت بذلك التشريعات القانونية، وبذلت جهود كبيرة لحماية الحيوان لدرجة نستطيع أن نقول معها بأن طرائق الذبح الحديثة تجري إلى حد كبير بصورة مطابقة للقواعد السلوكية السليمة.(10/388)
ومما لا شك فيه أن الأوروبيين يعتبرون أن طرائق الذبح الشرعي معضلة خاصة, إلا أننا نستطيع أن نقول بأن معظم الهيئات الإسلامية في الغرب- على خلاف الطوائف اليهودية- قبلت أو أذعنت إلى الأمر بتدويخ الحيوان بشرط أن لا يؤثر ذلك على حياته، وأن يتم ذبحه مباشرة بعد التدويخ, ويتحقق ذلك باستعمال المسدس الواقذ الكروي أو باستعمال الصدمة الكهربائية, ويضيف المدافعون عن هاتين الطريقتين بأن هذه الأساليب هي أكثر أمنا، وخاصة بعد ظهور مشكلة التهاب الدماغ اسفنجي الشكل في البقر (جنون البقر) Encephalite spongiformr Bovine.
أما الهيئات اليهودية فلا تزال ترفض بشدة أي تدويخ مسبق للحيوان, وحسب طريقتهم المتبعة في الذبح، يبقى الضأن في حالة وعي خلال (30) ثانية تقريبا، ويعتبر هذا الزمن قصيرا نسبيا, أما في الماشية، فقد لوحظ عودة الإحساس خلال (5) دقائق، إلا أن الحيوان لا تبدو عليه مظاهر الألم.(10/389)
رابعا- آداب التذكية ومستحباتها
لا تعتبر آداب التذكية شروطا تتوقف عليها صحة التذكية إنما هي أمور يطلب مراعاتها من باب كمالية الذكاة، لا من باب الإجزاء والصحة فيها وهي (1) :
ا- أن تكون التذكية بالنهار.
2- أن تكون الآلة حادة، كالسكين القاطعة.
3- أن يدقق في قطع الأوداج.
4- أن تكون الذكاة ذبحا في البقر والشاة أو نحوها، ونحرا في الإبل.
5- أن تقطع الأوداج كلها.
6- الاكتفاء بقطع الأوداج دون بلوغ النخاع.
7- عدم إبانة الرأس.
8- أن يكون الذابح مستقبلا القبلة.
9- أن توجه الذبيحة إلى القبلة.
ومن المستحب (2) :
10- أن يكون المذكي بالغا لأنه أقدر على الذبح، فإن ذبح صبي جاز.
11- أن يكون مبصرا وعاقلا، وليس بسكران.
12- أن يكون المذكي رجلا، لأنه أقوى على الذبح من المرأة، فإن كانت امرأة جاز.
__________
(1) أحكام الأطعمة في الإسلام للدكتور كامل موسى، ص 125
(2) روضة الطالبين، للإمام النووي: 3/ 204 وما بعد.(10/390)
خامسا- مكروهات التذكية
ا- يكره أن يقول عند الذبح: "اللهم تقبل من فلان " ولا مانع منه قبل أو بعده. (1)
2- يكره له بعد الذبح أن ينخعها أو أن يسلخها قبل أن تبرد.
3- يكره جرها إلى المذبح برجلها أو أن يسوقها سوقا عنيفا.
4- يكره أن يحد الشفرة أمامها.
5- يكره أن يكون الذبح بآلة كالة.
6- يكره أن يكسر عنق الحيوان أو أن يسلخه قبل زهوق روحه.
سادسا- ذبائح أهل الكتاب
الأصل في الكتابي أن يكون نصرانيا أو يهوديا، وهم الذين يعرفون الكتاب أي: أتباع الإنجيل والتوراة (2)
ويدخل فيهم كل من يعتقد بكتاب كالصابئة والسامرة؛ فالصابئة لكونهم يدينون بما ورد على عيسى، عليه السلام، والسامرة لكونهم يدينون بما ورد على إبراهيم، عليه السلام, وسواء كان الكتابي ذميا (هو الذي التزم الجزية ويعيش في ظل البلاد الإسلامية) أو حربيا (وهو الذي لا يعيش في ظل بلاد إسلامية، ويعيش في دار الحرب) .
__________
(1) أحكام الأطعمة في الإسلام، للدكتور كامل موسى، ص 125
(2) أحكام الأطعمة في الإسلام، للدكتور كامل موسى، ص 80(10/391)
وقد اختلف الفقهاء في تعريف الكتابي وهل يجب أن يكون من أبوين كتابيين، وهل يعتبر كتابيا من دخل في اليهودية أو النصرانية بعد الإسلام؟ (1) .
- قال الشيخ تقي الدين ابن تيمية: "بل الصواب المقطوع به أن كون الرجل كتابيا أو غير كتابي هو حكم مستقل بنفسه لا بِنَسَبه، وكل من تدين بدين أهل الكتاب فهو منهم، سواء كان أبوه أو جده دخل في دينهم أو لم يدخل، وسواء كان دخوله قبل النسخ والتبديل أو بعد ذلك، وهذا مذهب جمهور العلماء كأبي حنيفة ومالك، والمنصوص الصريح عن أحمد، وإن كان بين أصحابه في ذلك نزاع معروف. وهذا القول هو الثابت عن الصحابة، رضي الله عنهم، ولا أعلم بين الصحابة في ذلك نزاعا، وذكر الطحاوي أن هذا إجماع قديم، واحتج بذلك في هذه المسألة على من لا يقر الرجل في دينهم بعد النسخ والتبديل، كمن هو في زماننا إذا انتقل إلى دين أهل الكتاب، فإنه تؤكل ذبيحته، وتنكح نساؤه. وهذا يبين خطأ من يناقض منهم ". (2)
2- وجاء في التفسير الكبير: "ليس لأحد أن ينكر على أحد أكل من ذبيحة اليهود والنصارى في هذا الزمان، ولا يحرم ذبحهم للمسلمين، ومن أنكر ذلك فهو جاهل مخطئ مخالف لإجماع المسلمين, فإن أصل هذه المسألة فيها نزاع مشهور بين علماء المسلمين، ومسائل الاجتهاد لا يسوغ فيها الإنكار إلا ببيان الحجة، لا الإنكار المجرد المستند إلى محض التقليد، فإن هذا فعل أهل الجهل والأهواء, كيف والقول بتحريم ذلك في هذا الزمان وقبله قول ضعيف جدا، مخالف لما علم من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولما علم من حال الصحابة والتابعين لهم بإحسان ". (3)
__________
(1) راجع رأي الشافعية في الصفحة رقم 390 من البحث
(2) مجموع فتاوى ابن تيمية: 35/ 223- 224
(3) التفسير الكبير لتقي الدين ابن تيمية: 4/ 22- 23، طبعة دار الكتب العلمية، بتحقيق الدكتور عبد الرحمن عميرة؛ وانظر مجموع فتاوى ابن تيمية: 35/ 212-213(10/392)
3- بسط الشيخ محمد رشيد رضا هذه القضية في الجزء السادس من تفسير المنار، واستعرض آراء المذاهب المختلفة حول ذبائح أهل الكتاب، وننقل من رأيه ما يلي:
جاء في تفسير المنار: " وروى ابن جرير أيضا وابن المنذر وابن أبى حاتم والنحاس والبيهقي في سننه عن ابن عباس في قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] ، قال: ذبائحهم، وروى مثله عبد بن حميد عن مجاهد، وعبد الرزاق عن إبراهيم النخعي.
وقد أجمع الصحابة والتابعون على هذا، وأكل النبي صلى الله عليه وسلم من الشاة التي أهدتها إليه اليهودية، ووضعت له السم في ذراعها, وكان الصحابة يأكلون من طعام النصارى في الشام بغير نكير، ولم ينقل عن أحد منهم خلاف إلا في بني تغلب، وهم بطن من العرب انتسبوا إلى النصرانية ولم يعرفوا من دينهم شيئا، فنقل عن علي رضي الله عنه أنه لم يجز أكل ذبائحهم ولا نكاح نسائهم معللا ذلك بأنهم لم يأخذوا من النصرانية إلا شرب الخمر، يعني أنهم على شركهم لم يصيروا أهل كتاب، واكتفى جمهور الصحابة بانتمائهم إلى النصرانية. روى ابن جرير عن عكرمة قال: سئل ابن عباس عن ذبائح نصارى بني تغلب فقرأ هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُم} [المائدة: 51] . وفي رواية عنه أنه قال: كلوا من ذبائح بني تغلب وتزوجوا من نسائهم، فإن الله تعالى قال: وقرأ الآية، فلو لم يكونوا منهم إلا بالولاية لكانوا منهم، أي يكفي كونهم منهم: نصرهم لهم وتوليهم إياهم في الحرب ".(10/393)
واستنبط بعض الفقهاء في هذا المقام مسألة جعلوها محل النظر والاجتهاد، وهي: هل العبرة في حل طعام أهل الكتاب والتزوج منهم بمن كانوا يدينون بالكتاب (كالتوراة والإنجيل) كيفما كان كتابهم وكانت أحوالهم وأنسابهم، أو العبرة بإتباع الكتاب قبل التحريف والتبديل وبأهله الأصليين كالإسرائيليين من اليهود؟
يقول السيد رشيد رضا: "المتبادر من نص القران الكريم ومن السنة وعمل الصحابة أنه لا وجه لهذه المسألة ولا محل، فالله تعالى قد أحل أكل طعام أهل الكتاب ونكاح نسائهم على الحال التي كانوا عليها في زمن التنزيل، وكان هذا من آخر ما نزل من القرآن، وكان أهل الكتاب من شعوب شتى، وقد وصفهم بأنهم حرفوا كتبهم ونسوا حظا مما ذكروا به في هذه السورة نفسها، كما وصفهم بمثل ذلك فيما نزل قبلها، ولم يتغير يوم استنبط الفقهاء تلك المسألة شيء من ذلك. وقد تقدم في تفسير قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ} [البقرة: 256] أن سبب نزولها محاولة بعض الأنصار إكراه أولاد لهم كانوا تهودوا على الرجوع إلى الإسلام، فلما نزلت أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بتخييرهم، ولا شك أنه كان في يهود المدينة وغيرهم كثير من العرب الخلص، ولم يفرق النبي صلى الله عليه وسلم ولا الخلفاء الراشدون بينهم في حكم من الأحكام ". (1)
__________
(1) تفسير القرآن الحكيم الشهير بتفسير المنار: 6/ 179، طبعة دار الفكر(10/394)
4- وقدم الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس دراسة في كتابه: (حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين) استعرض فيها آراء وفتاوى عديد من العلماء السابقين والمعاصرين، وخلص من ذلك إلى النتيجة التالية:
الرأي المختار: ويمكننا بعد أن عرضنا وجهات النظر المتباينة أن نفتي الناس ونحن مطمئنون بما يلي:
"أن الأصل في ذبائح أهل الكتاب من يهود ونصارى- سواء كانوا من رعايا الدولة الإسلامية أم من أعدائها المحاربين لها- ولحومهم المثلجة والمجففة والمطبوخة حلال إلا أن يثبت للمسلم أنها ذبحت مخالفة للطريقة الشرعية".
ثم يقول: "هذا والمسلم ليس مكلفا بالبحث عما غاب عنه، فلا يجب عليه أن يسأل عن طريقة الذبح، وهل ذكر اسم الله عليها أو لم يذكر؟ وهل ذكر اسم غير الله تعالى؟ كل هذا ليس مطلوبا منه، ولا مأمورا به, فقد روى الإمام البخاري - رحمه الله- في صحيحه بإسناده عن عائشة رضي الله عنها: أن قوما قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم: ((إن قوما يأتوننا بلحم لا ندري أذكر اسم الله عليه أم لا؟ فقال: سموا عليه أنتم وكلوه، قالت: وكانوا حديثي عهد بالكفر)) (1) .ولكن المسلم لو علم علم اليقين أنه تحدث مخالفة شرعية في الذبح, كالخنق والإهلال لغير الله وجب عليه الامتناع من أكل هذه الذبائح " (2)
__________
(1) فتح الباري بشرح صحيح البخاري: 12/ 54- 55.
(2) الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس: حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، ص 64 وما بعد.(10/395)
وفي فتوى لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز يقول فيها: "وأجمعوا على ذبيحة أهل الكتاب من اليهود والنصارى، واختلفوا في ذبيحة المجوس عباد النار". ثم يقول فيما بعد: "إذا علم هذا فاللحوم التي تباع في أسواق الدول غير الإسلامية، إن علم أنها من ذبائح أهل الكتاب فهي حل للمسلمين إذا لم يعلم أنها ذبحت على غير الوجه الشرعي ". وانظر أيضا الفتوى بنفس المعنى للشيخ عبد العزيز الناصر الرشيد- رئيس هيئة التمييز- وفتوى الشيخ محمد بن صالح العثيمين (1) وانظر رأي الأستاذ الدكتور عبد العزيز الخياط في تقريره عن: (حكم الأطعمة والذبائح في الإسلام) (2)
__________
(1) مجلة البحوث الإسلامية، العدد 6: حكم اللحوم المستوردة، ص 133، 140، 145
(2) حكم الأطعمة والذبائح في الإسلام، ص 46(10/396)
الفصل الثاني
حكم ما جهل ذابحه مما حل أكله
ذهب كثير من الفقهاء إلى أن الأصل في اللحوم والأبضاع الحرمة، حتى تباح اللحوم بالذكاة الشرعية، والأبضاع بعقد الزواج, والذكاة الشرعية لابد من توافر شروط فيها، ومن بين هذه الشروط أن يكون الذابح مسلما أو كتابياً (1)
واتفق أئمة المذاهب الأربعة وأتباعهم وأهل الظاهر وفقهاء الرأي والحديث على أن ذبيحة غير المسلم وغير الكتابي محرمة على المسلم (2) . قال في العدة شرح العمدة: " أما غير الكتابي فلا تحل ذبيحته ولا طعامه " (3) . وقال في بدائع الصنائع: "ولا تؤكل ذبيحة أهل الشرك والمجوسي والوثني والمرتد" (4)
وقال في المجموع: "فإن ذبح مشرك نظرت , فإن كان مرتدا أو وثنيا أو مجوسيا لم يحل قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ} [المائدة: 5] وهؤلاء ليسوا أهل الكتاب ". (5)
ولقد أجمع الصحابة والتابعون، رضي الله عنهم، على تحريم ذبائح غير المسلمين وغير أهل الكتاب، ولم ينقل عن واحد منهم أنه قال بإباحة ذبائح المشركين (6) .
__________
(1) الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس: حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، ص 79
(2) الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس: حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، ص 74
(3) العدة شرح العمدة، ص 457
(4) بدائع الصنائع: 6/ 2776.
(5) المجموع شرح المهذب: 9/ 75
(6) المغني: 13/ 296-298، بتحقيق التركي والحلو.(10/397)
وقد ذهب بعض العلماء المحدثين إلى إباحة طعام الكفار- أي ذبائحهم - وقد قيد بعضهم ذلك بشروط عديدة، والبعض الآخر لم يقيد الإباحة بتلك الشروط:
ا- فتوى الشيخ محمد رشيد رضا: يرى الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله أن القرآن لم يحرم طعام الوثنيين، ولا طعام مشركي العرب مطلقا كما حرم نكاح نسائهم، بل حرم ما أهل به لغير الله من ذبائحهم، كما حرم ما كان يأكل بعضهم من الميتة والدم المسفوح، وحرم لحم الخنزير. (1)
2- فتوى الشيخ فيصل مولوي: "إن تحريم الذبائح لا يتعلق بشخص الذابح وأنه مسلم أو كتابي أو مشرك، وإنما يتعلق بالغاية من الذبح، عندما يكون تقربا إلى الأصنام والأوثان والآلهة المدعاة، أو يتعلق بكيفية الموت، وهل هو ذكاة شرعية أو لا وبناء على ذلك فإن ذبائح المشركين إذا قطعت أوداجها والحلقوم والمريء، ولم يُهَلَّ بها إلى غير الله فإنها حلال " (2) .
__________
(1) تفسير المنار: 6/ 153- 154
(2) بحث له نشر في مجلة الشهاب اللبنانية، العدد الأول، السنة الثامنة، ص 15- 16، تاريخ 25/ 5/ 1394 هـ- 15/ 7/ 1974م(10/398)
3- وجاء في رأي للشيخ عبد الله بن زيد آل محمود ما خلاصته:
(1) "وحصر المحرمات في القرآن، وخاصة في آية المائدة التي هي من آخر القرآن نزولا، وفيها تحريم الميتة، والدم المسفوح، ولحم الخنزير، وما أهل به لغير الله، وتحريم ما لم يذكر اسم الله عليه، وتحريم ما ذبح على النصب، ولم يذكر تحريم ما ذبحه الكافر والمشرك، وما كان ربك نسيا".
(2) "وحيث لم يثبت تحريم ذبائح الكفار لا في الكتاب، ولا في السنة، فإننا نقتصر على تحريم ذبائح المشركين والوثنيين تمشيا مع الصحابة، ولا نعديه إلى غيرهم من تحريم ذبائح سائر الكافرين، لعدم ما يدل على ذلك.
وما يقال في بلدان الصين من وقوع الاختلاط فيه بين سائر الأمم والأديان، فكذا يقال مثله في بلدان الروس والألمان واليابان وأمثالهم، فلم نجد لتحريم ذبائحهم نصا يجب المصير إليه، لا في القرآن، ولا في السنة" (1)
__________
(1) مجموعة رسائل الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود: المجلد الثالث، ص 383- 384.(10/399)
(3) ويقول في مقال آخر: " وكل ذبيحة من حيوان أو دجاج تجلب إلى الناس وهي مجهولة، لا يعلم من ذبحها، ولا كيف ذبحها، فإنها تندرج في عموم الحديث الذي رواه البخاري عن عائشة: أنهم قالوا: ((يا رسول الله، إن قوما حديثو عهد بجاهلية يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: "سموا أنتم وكلوا")) فكأنه صلى الله عليه وسلم بهذا يقرر أن التسمية على الذبح واجبة على المسلمين لا على غيرهم ". (1)
4- وقد ناقش الدكتور محمد عبد القادر أبو فارس هذه الآراء السابقة في كتابه: (حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين) فقال:
"إن القاعدة العامة في هذا الدين والأصل المعتبر في لحوم المشركين وذبائحهم أنها محرمة، لا يحل للمسلمين أكلها، وهذه الذبائح محرمة سواء كانت في بلادهم، أم صدروها إلى بلاد المسلمين، إلا أن يثبت للآكل أن الذبائح التي ذبحت، قد ذبحت وروعي في ذبحها الشروط الشرعية من حيث الذابح والذبح والحيوان المذبوح.
__________
(1) فصل الخطاب في إباحة ذبائح أهل الكتاب، مجلة الأمة، العدد 7، السنة الأولى، ص 50(10/400)
ويدخل ضمن هذا ذبائح الشيوعيين والملحدين عربا كانوا أو عجما.
ذلك لأنه قد أصبح من المألوف والمعروف أن الأصل الشرعي الثابت عموما هو نجاسة كل ميت، وهذا يقين كلي له حكم الأسبقية والشمول ... ثم إن الشارع الحكيم- استئناء من هذا الأصل- قد حكم بطهارة أنواع معينة من الحيوانات إذا أزهقت حياتها بطريقة معينة وقيود معروفة". (1)
5- وجاء في فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز ما نصه: "قال الله سبحانه: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حِلٌّ لَّكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلُّ لَّهُمْ} [المائدة: 5] هذه الآية أوضحت لنا أن طعام أهل الكتاب مباح لنا، وهم اليهود والنصارى، إلا إذا علمنا أنهم ذبحوا الحيوان المباح على غير الوجه الشرعي، كأن يذبحوه بالخنق أو الكهرباء أو ضرب الرأس ونحو ذلك، فإنه بذلك يكون منخنقا أو موقوذا , فيحرم علينا كما تحرم علينا المنخنقة والموقوذة التي ذبحها مسلم على هذا الوجه، أما إذا لم نعلم الواقع فذبيحتهم حل لنا عملًا بالآية الكريمة" (2) .
__________
(1) د. محمد عبد القادر أبو فارس: حكم اللحوم المستوردة إلى بلاد المسلمين، ص 90- 91
(2) مجلة الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة: العدد الثالث، السنة الثامنة (ذو الحجة 1395 هـ) ، ص 156(10/401)
6- ولما سئل ابن تيمية - رحمه الله- عن "الذبيحة" التي يتيقن أنه ما سمي عليها: هل يجوز أكلها؟ فأجاب: "الحمد لله, التسمية عليها واجبة بالكتاب والسنة، وهو قول جمهور العلماء، لكن إذا لم يعلم الإنسان هل سمي الذابح أم لم يسم أكل منها، وإن تيقن أنه لم يسم لم يأكل، وكذلك الأضحية". (1)
7- وجاء في فتوى للشيخ عبد الله بن محمد بن حميد (رئيس المجلس الأعلى للقضاء في المملكة العربية السعودية عن سؤال حول اللحوم المستوردة من الخارج: "أما إذا جهل الأمر في تلك اللحوم ولم يعلم عن حالة أهل البلد التي وردت منها تلك اللحوم؟ هل يذبحون بالطريقة الشرعية أم بغيرها، ولم يعلم حالة المذكين وجهل الأمر، فلا شك في تحريم ما يرد من تلك البلاد المجهول أمر عادتهم في الذبح تغليبا لجانب الحظر، وهو أنه إذا اجتمع مبيح وحاظر فيُغَلَّب جانب الحظر، سواء كان في الذبائح أو الصيد" (2)
8- وجاء في مقال للشيخ عبد العزيز الناصر- رئيس هيئة التمييز -حول اللحوم المستوردة يقول فيه بعد أن قسم اللحوم المستوردة إلى (3) أقسام: أولها ذبائح أهل الكتاب فهي حلال، وثانيها ذبائح غير أهل الكتاب فهي حرام، وثالثها أن لا يعلم هل هي من ذبائح أهل الكتاب أو غيرهم، فالقواعد الشرعية تقضي بالتحريم، فإن القاعدة الشرعية أنه إذا اشتبه مباح بمحرم، حرم أحدهما بالأصالة والآخر بالاشتباه.
والقاعدة الأخرى، إذا اجتمع مبيح وحاظر، قدم الحاظر، لأنه أحوط وأبعد عن الشبهة (3)
__________
(1) مجموع فتاوى ابن تيمية: 35/ 240
(2) مجلة أضواء الشريعة الإسلامية، العدد الحادي عشر، 13
(3) مجلة البحوث الإسلامية، العدد السادس، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ص 140-142(10/402)
9- ويقول الشيخ محمد بن صالح العثيمين في جواب عن سؤال ورده بشأن اللحوم المستوردة: "أن لا نعلم هل ذابحه من تحل ذبيحته أو لا
- وهذا هو الغالب على اللحم الوارد من الخارج- فالأصل هنا التحريم، فلا يحل الأكل منه، لأننا لا نعلم صدور هذا الذبح من أهله ". (1)
10- وبناء على ما سبق يمكننا أن نخلص بشأن ما جهل ذابحه مما حل أكل لحمه إلى ما يلي:
(1) إذا كان اللحم موجودا في بلاد المسلمين، أو في بلاد أغلبية سكانها من أهل الكتاب ... فالأصل إجراء ما ذبحه من تحل ذبيحته على أصل الحل.
قال في المنتهى وشرحه: "ويحل حيوان مذبوح منبوذ بمحل يحل ذبح أكثر أهله؛ بأن كان أكثرهم مسلمين أو كتابيين، ولو جهلت تسمية ذابح " (2)
(2) وإن كان اللحم موجودا في بلاد أغلبية سكانها من غير المسلمين أو من غير الكتابيين، فالأصل إجراء الحكم على التحريم لوقوع الذبح من غير أهله، وتغليبا لجانب الحظر.
وهذا استنادا لما قرره أهل العلم، منهم شيخ الإسلام ابن تيمية والعلامة ابن القيم والحافظ ابن رجب وغيرهم من الحنابلة، وكذلك الحافظ ابن حجر العسقلاني والإمام النووي وغيرهم كثير، مستدلين بما في الصحيحين وغيرهما من حديث عدي بن حاتم، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال له: ((إذا أرسلت كلبك المعلَّم وذكرت اسم الله عليه فكل, فإن وجدت معه كلبا آخر فلا تأكل)) فالحديث يدل على أنه إذا وجد مع كلبه المعلم كلباً آخر أنه لا يأكله تغليبا لجانب الحظر, فقد اجتمع في هذا الصيد مبيح وهو إرسال الكلب المعلم إليه، وغير مبيح وهو اشتراك الكلب الآخر، لذا منع الرسول صلى الله عليه وسلم من أكله. وقال أيضًا صلى الله عليه وسلم: ((إذا أصبته بسهمك فوقع في الماء فلا تأكل)) (3) ، وفي رواية عند الترمذي: ((إذا علمت أن سهمك قتله ولم تر فيه أثر سبع فكل)) وقال: حسن صحيح عن عدي بن حاتم.
قال ابن حجر في الصيد: "إن الأثر الذي يوجد فيه من غير سهم الرامي أعم من أن يكون أثر سهم رام آخر أو غير ذلك من الأسباب القاتلة فلا يحل أكله مع التردد". وقال أيضا عند قوله صلى الله عليه وسلم: "وإن وقع في الماء فلا تأكل " "لأنه حينئذ يقع التردد؛ وهل قتله السهم أو الغرق في الماء. فلو تحقق أن السهم أصابه فمات فلم يقع في الماء إلا بعد أن قتله السهم فهذا يحل أكله ". قال النووي في شرح مسلم: "إذا وجد الصيد في الماء غريقا حرم بالاتفاق " (4)
__________
(1) مجلة البحوث الإسلامية، العدد السادس، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ص 148
(2) مجلة البحوث الإسلامية، العدد 6: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، ص 149
(3) متفق عليه
(4) انظر مقال الأطعمة المستوردة من الكفار وحكمها في الشريعة الإسلامية، للدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، مجلة أضواء الشريعة الإسلامية، مجلد 11، ص 13- 14(10/403)
الفصل الثالث
حكم اللحوم المستوردة
لم يبحث فقهاؤنا القدامى هذا الموضوع أصلًا، لأنه لم يكن واقعا في عصرهم، فكان لا بد من الاجتهاد بالرأي على ضوء ما تقرر في هذا التشريع الإلهي من مبادئ وأحكام، وخاصة بعد تطور وسائل ذبح الحيوان وإماتته بغية تحصيل لحمه للطعام، وهي وسائل فنية متطورة ذات قدرة فائقة على الإنتاج الكبير للحم، وتصنيعه وتعليبه أو تجميده أو تجفيفه في المصانع الحديثة, ومما يؤسف له أن العالم الإسلامي في معظم أقطاره أصبح يعتمد في تأمين غذائه على ما يستورده من الخارج، وفي طليعة ذلك اللحوم والحبوب.
وقبل الوصول إلى الحكم في اللحوم المستوردة، لا بد لي من الإشارة إلى الحقائق التالية:
ا- إن الغاية من إنشاء المجازر الصناعية الحديثة التي تستورد منها اللحوم هي إزهاق روح الحيوان بغية تحصيل لحمه للطعام، وليس هناك غاية أخرى كالذبح للكنيسة أو للأنصاب أو لفلان من الناس، ولا محل في الواقع الحالي لهذا الأمر.
2- لا تسمح القوانين السائدة التي تحكم المجازر الحديثة بأكل لحم الميتة ولا بتسويقها.
3- تتمتع جمعيات الرفق بالحيوان بنفوذ كبير جدا، ولها تأثير على التشريعات الخاصة بالحيوان، وهي تدعو دائما إلى الرفق بالحيوان وعدم استعمال أي أسلوب يؤدي لتعذيبه وإيلامه عند الذبح، وتصل في ذلك إلى حد المبالغة.(10/404)
4- فهم بعض العلماء من الطرق التي تتبع قبل ذبح الحيوان أنها تستعمل لقتل الحيوان، ومن غير بينة ووضوح أفتوا بحرمة التدويخ أو الصعق الكهربائي والصرع بالمسدس، وأرادوا تحريم أية ذبيحة يستعمل فيها المسدس للصرع، أو الكهرباء للتدويخ, ونحن معهم في أن ما يموت بالصرع أو بالصعق من غير ذبح حرام، ولا يجوز أكله أبدا، ولكن الواقع يخالف ذلك، فإن طريقة الصرع أو التدويخ لا تقتل الحيوان، ولكنها تؤدي إلى فقدان وعيه ووقوعه، ثم يذبح بعد ذلك ذبحاً يتوافق مع متطلبات التذكية الشرعية.
وقد كنت عضوا في لجنة مكونة من أطباء بيطريين يمثلون بلدان السوق الأوروبية المشتركة، وأجرينا تجارب في مدينة جامبلوGembloux ببلجيكا على عجول جرى تدويخها بالمسدس الواقذ., وثبت لنا أن قلب الحيوان استمر في النبض لأكثر من (15) دقائق، ثم جرى ذبحه فانهمر الدم منه بشدة.(10/405)
5- وفي مناسبة أخرى، تمت دراسة تجريبية على خروفين، أحدهما بالغ بوزن (35) كغ، والآخر فطيم يزن (18) كغ، وأخضع الحيوانان الشروط متماثلة من التدويخ باستعمال تيار كهربائي يبلغ كمونه (300) فولط وشدته (1.25) أمبير لمدة (3) ثوان، وذلك بتطبيق المسارين على الصدغين.
وظهرت على الحيوانين المظاهر الوصفية التوترية والرمعية (الارتجافية) للصرع قبل أن يتماثلا للشفاء التام.
وقد دلت هذه التجربة على الطبيعة المعكوسة للتدويخ الكهربائي ضمن الشروط الموصوفة، أي عودة الحيوان بعد التدويخ إلى وضعه الطبيعي الذي كان عليه، كما لم تظهر أي آثار إضافية متعلقة بعمر أو حجم الحيوان الفتي (1) .
__________
(1) عن التقرير WHO- BM/FOS/10-A عن اجتماع لجنة رابطة العالم الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية لدراسة تدويخ الحيوانات بالصدمة الكهربائية، وقد ضمت اللجنة الأستاذ الدكتور محمد عبد السلام (رئيسا) ، والأستاذ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة، والأستاذ الدكتور محمد عبد المنعم أبو الفضل، كما ضمت الأستاذ الدكتور محمد الهواري (مقررا) والأستاذ الدكتور محمد عبد المؤمن. وعقدت اجتماعها في معهد الطب البيطري في برلين (23-26 شوال 1406هـ= 30/ 6-3/ 7/ 1986 م)(10/406)
6- طريقة التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون Co2 على الرغم من عدم انتشارها في تدويخ الماشية والشاء حتى الآن، إلا أنها لا تهيج الحيوان، وتنشط التنفس والدورة الدموية مما يسهل معه نزف دم الحيوان، ولا تعطي لحوما ذات نقط نزفية، ولا تحدث تغيرات في درجة حموضة اللحم PH
7- تقضي القاعدة العامة في الإنتاج الصناعي أن يذبح الحيوان فورا بعد التدويخ، لأن التماهل في ذلك يؤدي إلى خفض الإنتاج، وهذا يتعارض مع المبدأ الاقتصادي الصناعي.
8- يقتصر حديثنا على اللحوم المستوردة مما يحل أكله، ولا محل للحديث عن الحيوانات التي حرمت الشريعة أكل لحومها كالخنزير وما شابه ذلك.
9- اختلف الفقهاء المعاصرون في رأيهم حول اللحوم المستوردة، فمنهم من أباحها بإطلاق، ومنهم من أباحها بشرط أن تكون قد تمت تذكيتها الشرعية، ومنهم من حرمها لتغليب الظن بعدم تذكيتها التذكية الشرعية المطلوبة.(10/407)
وقد قسم الدكتور عبد الله الفوزان اللحوم المستوردة إلى (3) أقسام (1) :
القسم الأول: ما علم أنه ذكي على الطريقة الشرعية، فهذا حلال بالإجماع.
القسم الثاني: ما علم أنه ذكي على غير الطريقة الشرعية.
القسم الثالث: ما جهل حاله، فلا يدري على أي صفة حصلت تذكيته.
فالقسم الأول: حلال بالإجماع , كما سبق.
والقسم الثاني: قد أفتى بحله بعض العلماء محتجًا بعموم قوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} . قال القاضي ابن العربي في كتابه أحكام القرآن (2) في تفسير هذه الآية ما نصه: "هذا دليل قاطع على أن الصيد وطعام الذين أوتوا الكتاب من الطيبات التي أباحها الله، وهو الحلال المطلق ... وإنما كرره الله سبحانه ليرفع الشكوك ويزيل الاعتراضات، ويخرج إلى تطويل القول. ولقد سئلت عن النصراني يفتل عنق الدجاجة ثم يطبخها: هل يؤكل معه أو تؤخذ طعاما منه؟ ... فقلت: تؤكل لأنها طعامه وطعام أحباره ورهبانه، وإن لم تكن هذه ذكاة عندنا, ولكن الله تعالى أباح طعامهم مطلقا، وكل ما يرونه في دينهم فإنه حلال لنا في ديننا، إلا ما كذبهم الله سبحانه فيه ".
__________
(1) انظر: مقال الأطعمة المستوردة من الكفار وحكمها في الشريعة الإسلامية للدكتور صالح بن فوزان بن عبد الله الفوزان، مجلة أضواء الشريعة الإسلامية المجلد الحادي عشر، ص 9-10
(2) أحكام القرآن: 2 / 556، ط دار الفكر.(10/408)
وقد استند إلى هذه الفتوى الشيخ محمد عبده فأباح هذا النوع في فتواه الترانسفالية حيث قال ما نصه: "وأما الذبائح؟ فالذي أراه أن يأخذ المسلمون في تلك الأطراف بنص كتاب الله تعالى في قوله: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} وأن يعولوا على ما قال الإمام الجليل أبو بكر بن العربي المالكي من أن المدار على أن يكون ما يذبح مأكول أهل الكتاب قسيسيهم وعامتهم ويعد طعاما لهم كافة".
وقد أحدثت هذه الفتوى ضجة كبرى بين العلماء في ذلك الوقت ما بين مستنكر لها ومؤيد لها ... وممن أيدها وتحمس لها تلميذه محمد رشيد رضا وأطال الكلام في تأييدها والدفاع عنها (1) في مجلة المنار (2) وقد ذهب علماء آخرون إلى غير ما ذهب إليه القاضي ابن العربي والشيخ محمد عبده والشيخ محمد رشيد رضا، واشترطوا صحة الذكاة فيما يذبحه الكتابي.
وبالرجوع إلى كثير من الفتاوى التي صدرت بشأن اللحوم المستوردة يتبين لنا أن الأحكام علقت التحريم والتحليل تبعا لوصف الذبح الذي يتم به إزهاق روح الحيوان. وقد تصور البعض أن هذا الذبح يتم بالخنق أو بضرب الرأس أو بالصعق الكهربائي.
حتى إن بعض العلماء الأجلاء لم يتضح له المقصود من عبارات وردت في أسئلة بعض المستفتين كذبح الخرفان بالصرع الكهربائي وذبح الدجاج بقصف الرقبة، ولدي سؤاله لمن سماهم بأهل الخبرة أجابوا بأن الصرع هو إزهاق الروح بواسطة الكهرباء من غير ذبح شرعي، وأما القصف فهو قطع الرقبة مرة واحدة، فكانت الإجابة بناء على ذلك بأنه "إن كان هذا هو المراد من الصرع والقصف فالذبيحة بالصرع ميتة، لكونها لم تذبح الذبح الشرعي الذي يتضمن قطع الحلقوم والمريء وإسالة الدم ... " (3)
__________
(1) مجلة المنار: 6/ 771، 812، 927؛ وتفسير المنار: 6/ 200-217
(2) مجلة المنار: 6/ 771، 812، 927؛ وتفسير المنار: 6/ 250-217.
(3) انظر فتوى سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، مجلة البحوث الإسلامية: عدد 6، ص 135(10/409)
والواقع هو غير ما تم وصفه، فالصرع الكهربائي المذكور إنما هو عملية تهدف إلى تدويخ الحيوان وإزالة وعيه، وليس إلى قتله، ثم يجري فيما بعد ذبح الحيوان في المجازر الحديثة والحيوان لا يزال حيا وقلبه ينبض بشدة ... وهذه مشاهدات رأيناها في كثير من المجازر التي عايناها، وأيدتها تجارب الطب البيطري بدون أدنى شك, ولم نعد نجد في المجازر الحديثة أي صورة من الطرق القديمة الموصوفة في قتل الحيوان قبل أن يتم ذبحه.
والذي نطمئن إليه في هذا الصدد يتلخص فيما يلي:
(1) اللحوم المستوردة من البلدان التي غالبية سكانها من أهل الكتاب وتذبح حيواناتهم المأكولة في المجازر الحديثة: هي لحوم حلال، ولا حرج في أكلها لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} .
(2) اللحوم المستوردة من بلاد غالبية سكانها من غير أهل الكتاب هي: لحوم حرام، ولا يجوز تناولها لوقوع التذكية من غير أهلها.
(3) نظرا لانتشار المسلمين- بحمد الله- في كثير من البلاد المصدرة للحوم، فلا حرج في أكل لحوم الحيوانات المباحة إذا تمت تذكيتها تحت إشراف هيئة إسلامية معتمدة، وكان الذابح مسلما أو كتابيا.
(4) نوصي المجمع الفقهي بإعداد لائحة بأسماء الهيئات الإسلامية المنتشرة في كثير من بلاد العالم، والتي يمكن اعتمادها للإشراف على الذبح الشرعي، وأن تقبل شهادات المراقبة التي تصدر عنها بعد اعتمادها من سفارات الدول الإسلامية.
(5) نوصي مجمع الفقه الإسلامي بأن يضع لائحة بالشروط التي يجب توافرها في المراقبة على الذبح الشرعي، والتي يجب أن تراعيها الهيئات الإسلامية في المراقبة وإصدار شهاداتها المعتمدة.(10/410)
خلاصة البحث
ا- عرف أهل اللغة التذكية بأنها الذبح والشق والنحر وإتمام الفعل والتطييب والتطهير بالذبح.
بينما عرفها الفقهاء بأنها السبب الموصل إلى حل أكل الحيوان البري اختيارًا وأنواعها أربعة: ذبح ونحر وعقر , وفعل يزيل الحياة بأية وسيلة , مقرونا بالقصد لله.
واتفق الفقهاء على أصل القطع للودجين والحلقوم والمريء، واختلفوا فيما يكتفى به من القطع، أي الحد الأدنى.
ومعنى الذبح: قطع الحلقوم والمريء والودجين- والحلقوم: مجرى الهواء، والمريء: مجرى الطعام والشراب، والودجان:عرقان غليظان في جانبي ثغرة النحر- ويغلب استعماله في الغنم والبقر والطيور، ويجوز في غيرها.
أما النحر: فهو الطعن في الحلق واللبة (المنحر) إلى مبدأ الصدر. ويغلب استعماله في الإبل وأمثالها، ويجوز في البقر.
والعقر: هو جرح الحيوان غير المقدور عليه، سواء الوحشي المباح صيده، أم المتوحش من الحيوانات المستأنسة.
2- ومن شروط الذكاة أنها تفتقر إلى خمسة أشياء هي: الذِكْر والذابح، ومحل الذبح، وآلة الذبح، والحيوان المذبوح، وأضاف بعضهم توجيه الذبيحة إلى القبلة.(10/411)
3- ذهب الأئمة بالنسبة للتسمية (الذكر) مذهبين:
(1) أولهما يقول بوجوب التسمية وأن حل المذكاة متوقف عليها حال الذكر، وأنه معفو عنها عند النسيان، ويرى المالكية بأنها ليست واجبة في حق الكتابي.
(2) وثانيهما يقول بأنها ليست شرطا في صحة الذكاة، وإنما هي مستحبة.
وتجوز التسمية بأية صيغة فيها ذكر الله تعالى، أو بأي اسم من أسمائه الحسنى، ووقتها عند الذبح أو النحر أو عند الرمي أو الإرسال.
وفي جميع الأحوال لا تصح التذكية إذا ذبح الحيوان وذكر عليه اسم غير اسم الله تبارك وتعالى كأسماء الأصنام والطواغيت.
4- ومن المتفق عليه أن من أهلية المذكي أن يكون مسلما أو كتابيا. وأن يكون مميزا، ولا تحل مذكاة من لا كتاب له ولا يؤمن بنبي مرسل. واتفق على ذكاة المرأة سواء كانت طاهرة أم لا، واختلف في ذكاة الصبي الذي لم يعقل والمجنون والسكران.
وأباح الظاهرية ذبائح المجوس، ومنع الإثنا عشرية ذبيحة غير المسلم حتى ولو كان كتابيا.(10/412)
5- وفيما يتعلق بموضع الذكاة، فقد قسم الفقهاء الذكاة إلى اضطرارية واختيارية:
(1) فالأولى خاصة بالحيوان غير المقدور عليه، وذكاته بالعقر أو بالرمي في أي موضع سبب في إزهاق روحه.
(2) والثانية خاصة بالمقدور عليه، وذكاة الحيوان إما أن تكون بالذبح، كما في البقر والغنم والطير ونحوها، ويكون في حلق البهيمة، وإما أن تكون بالنحر كما في الإبل والنعام والأوز، وموضعه في اللبة. واختلف في قطع رقبة الحيوان من القفا؛ فإن ذبحت البهيمة من قفاها وبقيت حية حتى قطع العروق، حل وهو مذهب الأحناف والشافعية والحنابلة والظاهرية، وهو قول الجمهور.
ويرى المالكية أنه ما دام الذبح قد وقع على مقتل من المقاتل النافذة، الآيلة إلى الموت، فلا تكون الذبيحة حلالا.
والذبح بضربة واحدة في العنق، سواء من القفا أو من الأمام وقطع الرأس يجزئ الذبح، على أن تكون الآلة سريعة إذا كان الذبح من القفا.
ولا يجيز الإمامية الذبح من القفا حتى ولو كان سريعا.
وذهب الجمهور إلى أن الفورية (الإسراع في الذبح أو التذفيف) شرط في الحليّة، ويرى الشافعية والأحناف بأنها مستحبة.(10/413)
6- وأداة التذكية إما أن تكون سلاحا أو أن تكون جارحة حيوانية:
(1) فالسلاح كل ما كان حادا يقطع ويفري بحده لا بثقله، كالسيف والسكين والشفرة وما شابهه، إلا ما كان سنا أو ظفرا.
وفي حالة الذكاة الاضطرارية، فحلها متوقف على إصابتها بالآلة، ولا تصح الذكاة إذا أزهقت روح الحيوان بالثقل أو بالدق أو الصدم أو الجثم أو الوقذ ... إلخ.
(2) أما الجارحة الحيوانية فهي مثل الكلاب والصقور وكل ما قبل التعليم من سباع الطير والبهائم.
7- وليس كل حيوان يذكى الذكاة المطلوبة يجوز أكله، بل من الحيوانات أصناف كثيرة لا تحللها الذكاة، وإن حللها وجوزها الاضطرار. وفي البحث تفصيل عما لا خلاف في تحريمه، وما لا خلاف في إباحته، وما ذهب الجمهور إلى إباحته أو تحريمه.
8- وليس بين الفقهاء اتفاق على أن توجيه الذبيحة إلى القبلة شرط في صحة التذكية، بل يرى الجمهور على أنه سنة مستحبة، ويرى الإباضية على أنها واجبة، وكره الحنابلة توجيه الذبيحة إلى غير القبلة.
9- وأدخلت الوسائل الحديثة في إزهاق روح الحيوان أمورا مستحدثة أهمها وجوب تدويخ الحيوان قبل الذبح. ولقد تعددت طرق التدويخ وكان من أهمها:
(1) تخريب المادة البصلية النخاعية Bulbomedullaire وذلك بإحداث ثقب في جوف الجمجمة أو انهدام في العظم الجبهي، بواسطة مسدس واقذ، مزود بساق مصادمة تنتهي برأس إبري أو برأس نصف كروي.
(2) التدويخ بالصدمة الكهربائية: Electronarcose.
(3) التدويخ بغاز ثاني أكسيد الكربون Co2.
(4) التدويخ بضرب الحيوان على الرأس بالمطرقة أو بالبلطة.
(5) الخنق بالطريقة الإنكليزية.(10/414)
10- التدويخ بالمسدس الواقذ يؤدي إلى فقدان الوعي في الحيوان بشكل فوري، ويبقى القلب ينبض لمدة تزيد عن (10) دقائق، ولا يؤثر ذلك على نزيف الدم بعد الذبح.
11- لقد ثبت أن التدويخ بالصدمة الكهربائية يفقد وعي الحيوان بشكل معكوس، ولا يؤدي إلى موت الحيوان ضمن الشروط المطلوبة في التدويخ. وأكثر ما تصلح هذه الطريقة في تدويخ الشاء وصغار العجول، بينما لا تزال تطبيقاتها في تدويخ الحيوانات كبيرة الحجم والوزن محدودة حتى الآن.
12- وتدويخ الدجاج بالصدمة الكهربائية وفقا للطريقة المتبعة حاليا، يؤدي إلى توقف القلب في (90 %) من الحالات، وقد يؤدي إلى موت نسبة من الدجاج لا تقل عن (10 %) قبل الذبح, إضافة إلى ذلك فقد شوهدت حالات من النزف العضلي والكسور العظمية، مما يؤثر على نوعية اللحم.
13- وخلافا لما هو شائع فإن طريقة تدويخ الحيوان باستعمال ثاني أكسيد الكربون لا تؤدي إلى موت الحيوان، بل تنشط الدورة التنفسية مما يسهل معه نزف الدم، ولا تعطي لحوما ذات بقع نزفية، ولا تحدث تغيرات في درجة حموضة اللحم.
14- أما التدويخ بضرب الرأس بالمطرقة أو البلطة فطريقة بدائية مرفوضة، وقد تخلت عنها المجازر الحديثة.
15- والخنق بالطريقة الإنكليزية طريقة مرفوضة، لأنها تؤدي إلى موت الحيوان قبل الذبح.
16- إن طرق التدويخ التي لا تؤدي إلى موت الحيوان والتي تهدف إلى فقدان وعيه وتخفيف آلامه، لا تؤثر على صحة ذكاة الحيوان المأكول إذا كان الذابح مسلما أو كتابيا.(10/415)
17- وذبائح أهل الكتاب من يهود أو نصارى سواء كانوا من رعايا الدولة الإسلامية أم من أعدائها المحاربين؛ حلال، إلا أن يثبت للمسلم أنها ذبحت مخالفة للطريقة الشرعية.
18- وبالنسبة لما جهل ذابحه مما حل أكل لحمه نرى:
(1) أن اللحم إذا كان موجودا في بلاد المسلمين أو في بلاد أغلبية سكانها من أهل الكتاب ... فالأصل إجراء ما ذبحه مَنْ تَحِلُّ ذبيحته على أصلِ الحِلِّ.
(2) وإن كان اللحم موجودا في بلاد أغلبية سكانها من غير المسلمين أو من غير الكتابيين، فالأصل إجراء الحكم على التحريم، لوقوع الذبح من غير أهله وتغليبًا لجانب الحظر.
19- وبالنسبة للحوم المستوردة:
(1) إذا كانت مستوردة في بلاد غالبية سكانها من أهل الكتاب، وتذبح حيواناتهم في المجازر الحديثة، هي لحوم حلال ولا حرج في أكلها لقوله تعالى: {وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ} [المائدة: 5] .
(2) واللحوم المستوردة من بلاد غالبية سكانها من غير أهل الكتاب، حرام ولا يجوز تناولها لوقوع التذكية من غير أهلها.
(3) اللحوم المستوردة من البلاد المذكورة في الفقرة (2) والتي تمت تذكيتها تحت إشراف هيئة إسلامة معتمدة، وكان الذابح مسلماً أو كتابياً، هي حلال ولا حرج في أكلها.
20- نوصي المجمع الفقهي بإعداد لائحة بأسماء الهيئات الإسلامية التي يمكن اعتمادها للإشراف على التذكية الشرعية، وأن تقبل شهادات المراقبة الصادرة عنها بعد اعتمادها من سفارات الدول الإسلامية.
21- نوصي المجمع الفقهي بأن يضع لائحة بالشروط التي يجب توافرها في المراقبة على التذكية الشرعية، والتي يجب أن تراعيها الهيئات الإسلامية في المراقبة وإصدار الشهادات اللازمة.
د. محمد الهواري(10/416)
__________(10/417)
الذبائح
والطرق الشرعية في إنجاز الذكاة
إعداد
الشيخ خليل محيي الدين الميس
مفتي زحلة والبقاع، مدير أزهر لبنان
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.
فإن موضوع: (الذبائح والطرق الشرعية للذكاة) ... قد أتى الأخوة الباحثون فيه على جملة من الأبواب والفصول ... ولكن هنالك موضوع يبدو أنه لم يلق كثير عناية واهتمام ألا وهو: (الوجه التعبدي في الذبائح والصيد) ... ومما يلفت الانتباه أن صاحب (المنار) قد نفى سمة التعبد في هذه المسألة ... وكأنه قد استلها من مقتضى مذهب الإمام الشافعي القائل بحل الذبيحة متروكة التسمية سهوا أو عمدا، لذلك كان لا بد من تحرير القول وبيان الراجح من الأقوال.
ومن الملاحظ أن تذكية آلاف الذبائح من البقر والغنم وغيرهما، وذبح عشرات الآلاف من الدجاج في وقت واحد يقترب من الذكاة الاضطرارية ... لذلك كان لا بد من استقصاء القول في بيان الحكم في الذكاة الاضطرارية، وهل الصعق الكهربائي وضرب رؤوس ما يراد تذكيته قبل الذبح يأخذ حكم الموقوذة والنطيحة من حيث بقاء مشروعية الحياة فوق حياة المذبوح؟ مما تتجلى عظمة الإسلام في معاملة الحيوانات التي تقدم للذبح.
وأشرت إلى بيان حكمة مشروعية التسمية في الذبح والإرسال وصولًا إلى بيان الحكمة من تحريم الميتة ... سائلا المولى تعالى أن نكون قد وفقنا في إصابة الحق، إنه من يهدي السبيل.(10/418)
مسألة طعام أهل الكتاب
قال صاحب المنار:
إن المسألة ليست من المسائل التعبدية، وإنه لا شيء من فروعها وجزئياتها يتعلق بروح الدين وجوهره، إلا تحريم الإهلال في الذبيحة لغير الله تعالى، لأن هذا من عبادة الوثنيين وشعائر المشركين، فحرم أن نشايعهم أو نشاركهم فيه.
ولما كان أهل الكتاب قد ابتدعوا وسرت إليهم عادات كثيرة من الوثنيين الذين دخلوا في دينهم- لا سيما النصرانية- وأراد الله أن نجاملهم ولا نعاملهم معاملة المشركين- استثنى طعامهم فأباحه لنا بلا شرط ولا قيد كما أباح لنا التزوج منهم، مع علمه بما هم عليه من نزعات الشرك التي صرح فيها بقوله: {سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} .
على أنه حرم علينا التزوج بالمشركات بالنص الصريح، ولم يحرم علينا طعام المشركين بالنص الصريح، بل حرم ما أُهِلَّ به لغير الله.
فأمر الزواج أهم من أمر الطعام نفسه، والنص فيه عام قطعي في المشركين، وهو لم يمنع من التزوج بالكتابية، ولأجل كون حل طعام أهل الكتاب ورد مورد الاستثناء من المحرمات المذكورة بالتفصيل في سورة المائدة ... صرح بعض أئمة السلف: بأن النصراني إذا ذبح لكنيسته فإن ذبيحته تؤكل، مع الإجماع على أن المسلم إذا ذبح وذكر اسم النبي صلى الله عليه وسلم أو الكعبة فإن ذبيحته لا تؤكل ... " إلى أن قال:"فهذه هي الحكمة في حل طعامهم ... لا كونهم يذبحون على وجه الخصوص ". (1)
قلت: إن ما انتهى إليه صاحب المنار ربما استفاده من مقتضى مذهب الإمام الشافعي، قال الماوردي: " إن التسمية عند الذبح في الضحايا واللحم، وعند إرسال الجوارح على الصيد سنة وليست بواجبة، فإن تركها ذاكرًا أو ناسيًا حلت الذبائح وصيد الجوارح ". (2)
__________
(1) المنار: 7/ 241
(2) الماوردي- الحاوي الكبير: 15/ 95(10/419)
هل الذكاة عبادة؟
قال ابن عبد البر: (463 هـ) الفقيه المالكي:
"التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام " (1) .
ثم زاد هذه الفكرة وضوحا وتأصيلا بقوله: "التسمية على الذبيحة سنة مسنونة لا فريضة، ولو كانت فريضة ما سقطت بالنسيان، لأن النسيان لا يسقط ما وجب عمله من الفرائض, إلا أنها عندي من مؤكدات السنن، وهي أكد من التسمية على الوضوء وعلى الأكل " (2) .
وكأني بابن العربي قد تلقف هذا المبدأ وعمل على تأصيل هذه الحكمة، بمناسبة تفسيره قوله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] فقال: "لا سيما والذكاة عبادة كلفها الله عباده للحكمة التي يأتي بيانها في سورة الأنعام.
إن الذبيحة قربة بدليل افتقارها إلى النية، قال تعالى: { {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ} "} [الحج: 37] وقال: "إن ذكر الله مشروع في كل حركة وسكنة حتى في خطبة النكاح، وإنما تختلف درجاته بالوجوب والاستحباب " (3)
إن الضابط العام الذي يجمع أنواع التذكية هو أن يكون إزهاق روح الحيوان بقصد أكله، ويشترط في ذلك شرط ديني واحد وهو: أن لا يكون فسقًا أهل لغير الله به من مسلم أو وثني مشرك بالله، كالذي كانوا يذبحون على النصب- وهي حجارة تنصب ويذبح عليها للأصنام- ويمكن الاستدلال على سنية التسمية في الذبح بحديث هشام بن عروة عن أبيه أنه قال: ((سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقيل: يا رسول الله إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان، ولا ندري هل سموا الله عليها أم لا؟.
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سموا عليها ثم كلوها)) .
قال مالك: "وذلك في أول الإسلام, وفيه من الفقه: أن التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام ". (4)
قال الباجي: "يحتمل أن يريد به الأمر بالتسمية عند الأكل، لأن ذلك مما بقي عليهم من التكليف، وأما التسمية على الذبح تولاه غيرهم من غير علمهم، فلا تكليف عليهم فيه، وإنما يحمل على الصحة حتى يتبين خلافها". (5)
ويحتمل، أن يريد به: أن سموا الله أنتم الآن، فتستبيحون به أكل ما لم تعرفوا ذكر اسم الله عليه أم لا، إذا كان الذابح ممن تصح ذبيحته.
وقال الزرقاني: "ليس المراد أن تسميتهم على الأكل قائمة مقام التسمية على الذبح، بل طلب الإتيان بالتسمية على الأكل.
قال المهلب: هذا الحديث أصل في أن التسمية على الذبيحة لا تجب، إذ لو كانت واجبة لاشترطت على كل حال.
وقد أجمعوا على أن التسمية على الأكل ليست فرضا، فلما نابت التسمية عن الذبيحة دل على أنها سنة، لأن السنة لا تنوب عن الفرض ". (6)
__________
(1) ابن عبد البر- الاستذكار: 15/ 214
(2) ابن عبد البر- الاستذكار: 15/ 214
(3) ابن العربي- أحكام القرآن: 2/ 750
(4) الموطأ-488، ووصله البخاري عن عائشة في باب التوحيد (7398)
(5) الباجي- المنتقى: 3/ 105
(6) الكاندهلوي- أوجز المسالك: 9/ 120(10/420)
ما جاء في التسمية على الذبيحة (1)
مالك عن هشام بن عروة، عن أبيه أنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم،فقيل له: يا رسول الله، إن ناسا من أهل البادية يأتوننا بلحمان, ولا ندر هل سموا الله عليها أم لا؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((سموا الله عليها ثم كلوها)) (2)
__________
(1) ينظر في هذه المسألة: البدائع: 5/ 46؛ تكملة الفتح: 8/ 54، تبيين الحقائق: 5/ 288؛ الدر المختار: 5/ 210؛ الشرح الكبير: 2/ 106؛ بداية المجتهد: 1/ 434؛ القوانين الفقهية، ص 185؛ كشاف القناع: 6/ 206؛ المغني: 8/ 565 " مغني المحتاج: 4/ 278؛ المهذب: 1/ 252؛ الفقه الإسلامي وأدلته: 3/ 659
(2) الموطأ: 448، ووصله البخاري عن عائشة في التوحيد (7398) باب السؤال بأسماء الله تعالى والاستعاذة بها؛ فتح الباري: 13/ 379، عن يوسف بن موسى، عن أبي خالد الأحمر، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وتابعه محمد بن عبد الرحمن الطفاوي، عن هشام عن أبيه، عن عائشة؛ أخرجه البخاري في البيوع (2057) ، باب "من لم ير الوساوس ونحوها": 4/ 294، وتابعه الداروردي؛ أخرجه البخاري تعليقا في التوحيد عقيب حديث أبي خالد الأحمر (7398) ، وأسامة بن حفص؛ أخرجه البخاري في الذبائح (5507) ، باب "ذبيحة الأعراب ونحوهم "؛ الفتح: 9/ 634؛ وأخرجه أبو داود في الذبائح (2829) ، باب "ما جاء في أكل اللحم لا يدري: أذكر اسم الله عليه أم لا؟ ": 3/ 104، عن يوسف بن موسى، نحوه.(10/421)
قال جمهور الفقهاء غير الشافعية: تشترط التسمية عند التذكية وعند الإرسال في العقر، فلا تحل الذبيحة، سواءً كانت أضحية أو غيرها، في حال ترك التسمية عمدا، وكانت ميتة، فلو تركها سهوا أو كان الذابح المسلم أخرس أو مستكرها، تؤكل لقوله تعالى: {وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وأضاف الحنابلة: من ترك التسمية على الصيد عامدا أو ساهيا، لم يؤكل، وعلى هذا فتحقيق المذهب عندهم أن التسمية على الذبيحة تسقط بالسهو، وعلى الصيد لا تسقط.
وقال الشافعية: تسن التسمية ولا تجب وتركها مكروه، لقوله تعالى: {فَكُلُواْ مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 118] فلو ترك التسمية عمدا أو سهوا، حل الأكل، ولأن الله تعالى في قوله: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} [المائدة: 3] أباح المذكى ولم يذكر التسمية، وأباح الله تعالى ذبائح أهل الكتاب، وهم لا يسمون غالبا، فدل على أنها غير واجبة.
قال مالك: وذلك في أول الإسلام.
قال أبو عمر: لم يختلف عن مالك في إرسال هذا الحديث، وقد أسنده جماعة ثقات رووه عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة، وأخرجه البخاري وغيره مسندا,
ورواه مرسلا (1) - كما رواه مالك - ابن عيينة ويحيى القطان، وسعيد بن عبد الرحمن، وعمرو بن الحارث، عن هشام بن عروة، عن أبيه، لم يتجاوزوه.
وفيه من الفقه: أن التسمية على الذبيحة من سنن الإسلام.
وفيه دليل على أن هذا الحديث لم يكن إلا بعد نزول قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: 121] لقوله فيه: لا ندري هل سموا الله عليه أم لا؟
وهذا الحديث كان بالمدينة وأهل باديتها كانوا الذين يأتون إليهم باللحمان.
__________
(1) تحفة الأشراف: 13/ 294؛ الحديث (19029) .(10/422)
والأمر بالتسمية في سورة الأنعام، وهي مكية.
وأما قوله: ((سموا الله عليها، ثم كلوها)) فإن العلماء مجمعون على أن التسمية على الأكل مندوب إليها، لما في ذلك من البركة، وليس ذلك من شروط الذكاة، لأن الميتة والأطعمة لا تحتاج إلى التذكية، وإنما قال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك ليعلمهم أن المسلم لا يظن به ترك التسمية على ذبيحته، ولا يظن به إلا الخير، وأمره محمول على ذلك ما خفي أمره، حتى يستبين فيه غيره.
وفيما وصفنا دليل على أن التسمية على الذبيحة سنة مسنونة،لا فريضة، ولو كانت فرضا ما سقطت بالنسيان، لأن النسيان لا يسقط ما وجب عمله من الفرائض، إلا أنها عندي من مؤكدات السنن، وهي آكد من التسمية على الوضوء وعلى الأكل.
وقد أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر بن أبي سلمة، فقال: ((سم الله وكل))(10/423)
(1)
مالك عن يحيى بن سعيد، أن عبد الله بن عياش بن أبي ربيعة المخزومي (2) أمر غلاما له أن يذبح ذبيحة، فلما أراد أن يذبحها قال له: سم الله، فقال له الغلام: قد سميت.
فقال له: سم الله، ويحك، قال له: قد سميت الله، فقال له عبد الله بن عياش: والله لا أطعمها أبدا (3) قال أبو عمر: هذا حديث واضح في أن من ترك التسمية على الذبيحة عمدا، لم تؤكل ذبيحته تلك.
ألا ترى أن في خبره هذا: أراد أن يذبحها، فقال له: سم الله، فأمره بذلك من قبل أن يذبحها، وراجعه بما لم يصدقه، لأنه كان بموضع لا يخفى عنه ذلك، لقربه وعلم معاندته، لأنه كان يجيبه بقوله: قد سميت، ولا يسمي، ولو قال في موضع: قد سميت باسم الله؛ اكتفي بذلك منه، فاعتقد أنه عمدا ترك التسمية عليها، فلم يستحل أكلها.
__________
(1) قال عمر بن أبي سلمة، كنت في حجر رسول صلى الله عليه وسلم الله، وكانت يدي تطيش في الصفحة فقال لي: (يا غلام سم الله، وكل بيمينك، وكل مما يليك) رواه البخاري في الأطعمة (5376) باب"التسمية على الطعام " الفتح: 9/ 521و 5377، 5378، باب الأكل مما يليه؛ الفتح: 9/ 523 ومسلم في الأشربة: (5171) باب "آداب الطعام والشراب "؛ ورواه النسائي في مواضع من الوليمة (في الكبرى) وفي عمل اليوم والليلة على ما في تحفة الأشراف: 8/ 131؛ ورواه ابن ماجه في الأطعمة (3267) ، باب (الأكل باليمين) : 2/ 1087
(2) صحابي ولد بأرض الحبشة، يكنى: أبا الحارث، روى عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن عمر، وروى عنه: بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، ونافع مولى ابن عمر، ترجمته في الجرح والتعديل: 2/ 2/ 125؛ وأسد الغابة: 3/ 365
(3) الموطأ: 488(10/424)
وإلى هذا ذهب جماعة من أهل العلم فيمن ترك التسمية على الصيد، أو الذبيحة عامدًا.
ومما يدل على أن ترك التسمية عامدا يفسد الذكاة قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمْتُم مِّنَ الْجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللهُ فَكُلُواْ مِمَّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ} [المائدة: 4] ومعلوم أن ذلك أمر يقتضي الإيجاب، وأنه غير واجب على الأكل، فدل على أنه أراد به حال الاصطياد، والسائلون قد كانوا مسلمين فلم يبح لهم الأكل إلا لشريطة التسمية، ويدل عليه قوله تعالى: {فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ} [الحج: 36] يعني في حال النحر، لأنه تعالى قال: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} [الحج: 36] والفاء للتعقيب.
ويدل عليه من جهة السنة حديث عدي بن حاتم حين سأل النبي صلى الله عليه وسلم،عن صيد الكلب فقال: ((إذا أرسلت كلبك المعلم وذكرت اسم الله عليه فكل إذا أمسك عليك، وإن وجدت معه كلبا آخر وقد قتله فلا تأكله، فإنما ذكرت اسم الله على كلبك ولم تذكره على غيره)) وقد كان عدي بن حاتم مسلما فأمره بالتسمية على إرسال الكلب، ومنعه الأكل عند عدم التسمية بقوله: فلا تأكله فإنما ذكرت اسم الله على كلبك.
ويدل على تأكيد النهي عن ذلك قوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وهو راجع إلى الأمرين: من ترك التسمية ومن الأكل.
ويدل أيضا على أن المراد حال ترك التسمية عامدا إذا كان الناسي لا يجوز أن تلحقه سمة الفسق.
ومما يدل على أن ترك التسمية عامدا يفسد الذكاة ولا يحل الأكل:
ما روى عبد العزيز الدراوردي عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة ((أن الناس قالوا: يا رسول الله إن الأعراب يأتون باللحم، فبتنا عندهم وهم حديثو عهد بكفر، لا ندري ذكروا اسم الله عليه أم لا؟ فقال: "سموا عليه الله وكلوا ".))
وجه الاستدلال: لو لم تكن التسمية من شروط الذكاة لقال: وما عليكم من ترك التسمية؟ ولكنه قال: كلوا، لأن الأصل أن أمور المسلمين محمولة على الجواز والصحة، فلا تحمل على الفساد وما لا يجوز إلا بدلالة.(10/425)
اعتراض والرد عليه:
فإن قيل: لو كان المراد ترك المسلم التسمية لوجب أن يكون من استباح أكله فاسقا لقوله تعالى: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] فلما اتفق الجميع على أن المسلم التارك للتسمية عامدا غير مستحق بسمة الفسق دل على أن المراد الميتة أو ذبائح المشركين.
الجواب: قيل له: ظاهر قوله: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] عائد على الجميع من المسلمين وغيرهم، وقيام الدلالة على خصوص بعضهما غير مانع بقاء حكم الآية في إيجاب التسمية على المسلم في الذبيحة.
وأيضا فإنا نقول: من ترك التسمية عامدا مع اعتقاده لوجوبها هو فاسق، وكذلك من أكل ما هذا سبيله مع الاعتقاد، لأن ذلك من شرطها فقد لحقته سمة الفسق.
وأما من اعتقد أن ذلك في الميتة أو ذبائح أهل الشرك دون المسلمين فإنه لا يكون فاسقا لزواله عند حكم الآية بالتأويل.
اعتراض آخر: فإن قال قائل: لما كانت التسمية ذكرا ليس بواجب في استدامته ولا في انتهائه، وجب أن لا يكون واجبا في ابتدائه، ولو كان واجبا لاستوى فيه العامد والناسي.
الجواب: قيل له: أما القياس الذي ذكره فهو دعوى محض لم يَرُدَّه على أصل فلا يستحق الجواب، على أنه منتقض بالإيمان والشهادتين، وكذلك في التلبية والاستئذان وما شاكل هذا، لأن هذه وإن كانت ليست بواجبة في استدامتها وانتهائها ومع ذلك فهي واجبة في الابتداء.
وإنما قلنا: إن ترك التسمية ناسيًا لا يمنع صحة الذكاة من قبل أن قوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام 121] خطاب للعامد دون الناسي- ويدل عليه قوله تعالى في نسق التلاوة: {وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ} [الأنعام: 121] وليس ذلك صفة للناسي، ولأن الناسي في حال النسيان غير مكلف بالتسمية.(10/426)