وما نقلنا عنه في المسألة الثانية من قوله:
"وإن سأل المجني عليه الوالي أن يقطعه من الجاني ثانية، لم يقطعه الوالي للقود،
لأنه قد أتى بالقود مرة، إلا أن يقطعه، لأنه ألصق به ميتة" (1)
فهو في هذا السياق. فكأن الإمام الشافعي رحمه الله، حسب ما يبدو من كتاب الأم، لا يرى في إعادة الجاني عضوه مانعاً من حيث مخالفته لمقتضى القصاص، ولكنه لا يراه جائزاً من حيث أن العضو المبان نجس، فلا يجوز إلحاقه بالجسم، ولو ألحقه أمره السلطان بالقلع، لكونه مانعاً من صحة الصلاة.
26 - ولكننا إذ نراجع كتب الشافعية المعتبرة، نجد أن معظمهم اختاروا طهارة جزء الآدمي، وإن بان منه حال حياته، فيقول النووي رحمه الله:
(الأصل أن ما انفصل من حي فهو نجس، ويستثنى الشعر المجزور من مأكول اللحم في الحياة ... ويستثنى أيضاً شعر الآدمي، والعضو المبان منه ... فهذه كلها طاهرة في المذهب، (2)
وقال الشربيني الخطيب رحمه الله:
"والجزء المنفصل من الحيوان الحي ومشيمته كميتته، أي ذلك الحي، إن طاهراً فطاهر، وإن نجساً فنجس ... فالمنفصل من الآدمي أو السمك أو الجراد طاهر، ومن غيرها نجس) (3)
ويقول الرملي، رحمه الله:
والجزء المنفصل بنفسه أو بفعل فاعل من الحيوان الحي كميتته طهارة وضدها ...
فاليد من الآدمي طاهرة، ولو مقطوعة في سرقة " (4)
ويذكر الشبراملسي تحته:
"انظر لو اتصل الجزء المذكور بأصله وحلته الحياة، هل يطهر ويؤكل بعد التذكية أولا؟ ونظيره ما لو أحيا الله الميتة ثم ذكيت، ولا يظهر في هذه إلا الحل، فكذا الأولى (5)
__________
(1) كتاب الأم: 6/ 52.
(2) روضة الطالبين: 1/ 15.
(3) مغني المحتاج: 1/80.
(4) نهاية المحتاج: 1/218.
(5) حاشية نهاية المحتاج: 1/228.(6/1499)
وهذا يدل على أن العضو المبان من الآدمي الحي طاهر مطلقاً. وأما العضو المنفصل من غيره، فإنما يحكم بنجاسته إذا لم يتصل بعد الإبانة بمحله الأصلي، فلو اتصل وحلته الحياة، عاد طاهراً.
27 - وإن هذه النصوص بظاهرها معارضة لما نقلنا عن كتاب الأم. فلعل ما في كتاب الأم رجع عنه الشافعي بعد ذلك، أو اختار الفقهاء الشافعية قولاً يخالف رأيه، وعلى كل، فالمذهب عند الشافعية الآن طهارة العضو المبان من الآدمي. وعليه فلا يؤمر بقلعه إذا أعاده إلى محله، ولا يحكم بنجاسته وفساد صلاته.
28 - أما الحنفية، فالأصل عندهم أن الأعضاء التي لا تحفها الحياة، كالظفر، والسن، والشعر، لا تنجس بإبانتها من الآدمي الحي. ولكن الأعضاء التي تحفها الحياة، مثل الأذن، والأنف وغيرهما، فإنا تنجس بعد إبانتها من الحي. ولكن قرر المتأخرون منهم أنها ليست نجسة في حق صاحبها، فلو أعادها صاحبها إلى أصلها، لا يحكم بنجاستها، وإنما هي نجسة في حق غيره. فلو زرعها غير المقطوع منه في جسمه كانت نجسة. وهذا أيضاً إذا لم تحفها الحياة. أما إذا حفتها الحياة بعد الزرع، فلا نجاسة في حق الغير أيضاً.
29 - أما الأصل المذكور فقد بينه ابن نجيم بقوله:
"إن أجزاء الميتة لا تخلو: إما أن يكون فيها دم أو لا، فالأولى كاللحم نجسة، والثانية ففي غير الخنزير والآدمي ليست بنجسة إن كانت صلبة، كالشعر والعظم بلا خلاف ... وأما الآدمي ففيه روايتان: في رواية نجسة ... وفي رواية طاهرة لعدم الدم، وعدم جواز البيع للكرامة " (1)
ولكن جاء في الفتاوى الخانية:
"قلع سن إنسان، أو قطع أذنه، ثم أعادهما إلى مكانه وصلى، أو صلى وفي كفه سنه أو أذنه، تجوز صلاته في ظاهر الرواية" (2)
30 - والمسألة مذكورة في التجنيس، والخلاصة، والسراج الوهاج أيضاً، كما في البحر ورد المحتار. واستشكلها بعض العلماء بالأصل المذكور، فإن الأذن تحفها الحياة، فينبغي أن تصير نجسة بالإبانة على ما ذكرنا من أصل الحنفية. وأجاب عنه المقدسي، كما نقل عنه ابن عابدين بقوله:
"والجواب عن الإشكال أن إعادة الأذن وثباتها إنما يكون غالباً بعود الحياة إليها، فلا يصدق أنها مما أبين من الحي، لأنها بعود الحياة إليها صارت كأنها لم تبن، ولو فرضنا شخصاً مات، ثم أعيدت حياته معجزة، أو كرامة، لعاد طاهراً" (3)
__________
(1) البحر الرائق: 1/ 106.
(2) فتاوى قاضي خان: 1 /17- فصل في النجاسة تصيب الثوب.
(3) وهذا عين الدليل الذي استدل به الشبراملسي من الشافعية في حاثية نهاية المحتاج، وقد مر قريباً.(6/1500)
وعلق عليه ابن عابدين بقوله:
"أقول: إن عادت إليها الحياة فمسلم، لكن يبقى الإشكال لو صلى وهي في كمه مثلاً، والأحسن ما أشار إليه الشارح (أي صاحب الدر المختار) من الجواب بقوله وفي الأشباه ... إلخ، وبه صرح في السراج (أي حيث قال: والأذن المقطوعة والسن المقطوعة طاهرتان في حق صاحبهما، وإن كانتا أكثر من قدر الدرهم) فما في الخانية من جواز صلاته ولو الأذن في كمه، لطهارتها في حقة، لأنها أذنه " (1)
وعبارة الأشباه التي أشار إليها ابن عابدين نصها ما يلي:
"الجزء المنفصل من الحي كميته، كالأذن المقطوعة والسن الساقطة إلا في حق صاحبه فطاهر وإن كثر " (2)
31 - وتبين بهذه النصوص الفقهية أن العضو المبان من الآدمي ليس نجساً في حق صاحبه عند الحنفية، وكذلك إذا حفته الحياة بعد الإعادة، فإنه ليس نجساً في حق أحد. وإنما النجس عند الحنفية في حق الغير ما أبين من الآدمي فلم تحفه الحياة بالإعادة. فثبت أن الحكم عند الحنفية في مسألتنا مثل المختار من مذهب الشافعية، أن إعادة عضو المبان إلى محله ليس نجساً، فلا يمنع منه، ولا تفسد به الصلاة.
32 - فأما المالكية، فإن المعتمد عندهم أن ما أبين من الآدمي ليس نجساً.
قال الدردير في الشرح الكبير:
"فالمنفصل من الآدمي مطلقاً طاهر على المعتمد". وقال الدسوقي تحته:
"أي بناء على المعتمد من طهارة ميته، وأما على الضعيف فما أبين منه نجس مطلقاً ... على المعتمد من طهارة ما أبين من الآدمي مطلقاً، يجوز رد سن قلعت لمحلها لا على مقابله " (3)
__________
(1) رد المحتار: 1/207، ومنحة الخالق: 1/107.
(2) الأشباه والنظائر مع الحموي، الفن الثاني - كتاب الطهارة: 1/203.
(3) الدسوقي على شرح خليل: 1/54.(6/1501)
"ئم ذكر الحطاب أن القول بالنجاسة، على كونه مرجوحاً، إنما يؤثر في ابتداء الإعادة فيمنع منه الرجل ابتداء، ولكن إذا رد الإنسان السن إلى موضعه، فثبت والتحم جازت صلاته على هذا القول أيضاً.
"وفي البرزلي: إذا قلع الضرس وربط لا تجوز الصلاة به، فإن رده والتحم، جازت الصلاة للضرورة " (1)
وذكر الزرقاني عن المدونة أن القول بالنجاسة، (وإن كان ضعيفاً كما أسلفنا) يستثنى منه مواضع الضرورة. قال رحمه الله:
"وعلى عدم طهارة ميته لا ترد سن سقطت، وعلى طهارته ترد. وظاهره وإن لم يضطر لردها على هذا، بخلافه على الأول، فيجوز للضرورة كما في شرح المدونة، وروى عن السلف عبد الملك وغيره أنهم كانوا يردونها ويربطونها بالذهب" (2)
33 - فظهر أن الراجح في مذهب المالكية طهارة العضو المبان، فيجوز إعادته إلى محله، ولو عاد وثبت والتحم، حكم بطهارته وجواز الصلاة فيه على القولين جميعاً.
34 - والحنابلة عندهم في ذلك روايتان. قال ابن مفلح:
"وإن أعاد سنه بجرارتها، فعادت فطاهرة، وعنه نجسة" (3)
ولكن رجح المرداوي الطهارة، وذكر أن عليه الأكثرين، قال رحمه الله:
"فإن سقطت سنه فأعادها بجرارتها، فثبتت، فهي طاهرة. هذا المذهب وعليه الجمهور، وقطع به أكثرهم، وعنه أنها نجسة ... وكذا الحكم لو قطع أذنه فأعادها في الحال. قاله في القواعد" (4)
__________
(1) مواهب الجليل للحطاب: 1/121.
(2) الزرقاني على مختصر خليل: 1/29.
(3) الفروع لابن مفلح: 1/ 370.
(4) الإنصاف للمرداوي: 1/ 489.(6/1502)
وبهذا القول جزم البهوتي أيضاً (1) وهو مؤيد بما رواه أبو يعلى عن الإمام أحمد رحمه الله برواية الأثرم في مسألة القصاص نفسها. قال:
"ونقل الأثرم عنه في الرجل يقتص منه من أذن أو أنف، فيأخذ المقتص منه فيعيد، بجرارته، فيثبت، هل تكون ميتة؟ فقال: أرجو أن لا يكون به بأس، فقيل له: يعيد سنه؟ قال: أما سن نفسه فلا بأس، وهذا يدل على الطهارة، لأنه بعض من الجملة، فلما كانت الجملة طاهرة كان أبعاضها طاهرة" (2)
35 - فثبت بما أسلفنا - والحمد لله - أن الراجح في المذاهب الأربعة جميعاً: أن الرجل إذا أعاد عضوه المبان إلى محله، فإنه يبقى طاهراً، ولا يحكم بنجاسته، ولا بفساد صلاته، ولا يؤمر بقلعه من هذه الجهة.
36 - فلما ثبت أن إعادة العضو لا يخالف مقتضى القصاص، ولا يستلزم النجاسة، ظهر أنه مباح لا بأس به. والله سبحانه وتعالى أعلم.
المسألة الرابعة
إعادة العضو المبان في حد
37 - والمسألة الرابعة: إذا أبين عضو رجل في حد شرعي، كالسرقة والحرابة، هل يجوز للمحدود أن يعيده إلى محله بعد استيفاء الحد؟ وهل يعتبر ذلك افتياتاً على الحد الشرعي؟
__________
(1) شرح منتهى الإرادات: 1/ 155.
(2) كتاب الروايتين والوجهين: 1/ 202.(6/1503)
38 – وإن هذه المسألة لم أجدها في كلام الفقهاء، ولعل وجه ذلك أن إبانة العضو في الحد إنما يتصور في اليد أو الرجل، لأن الحد الذي يبان فيه عضو من الأعضاء ينحصر في سرقة أو حرابة. والعضو المبان في كل واحد منهما يد أو رجل. ولعل الفقهاء لم يتصوروا إعادتهما إلى محلهما بعد الإبانة. والوضع لا يزال حتى الآن، كما كان في عهد الفقهاء، فإن تجارب الطب الجديد، وإن فتحت آفاقاً جديدة في مجال الجراحة وزرع الأعضاء، ولكنها لم تنجح إلى اليوم في إعادة هذه الجوارح إلى محلها نجاحاً كاملاً. وإن الأيدي والأرجل المزروعة، على ما تكلف من النفقات الباهظة، وتتطلب الجهد الشاق، لا تعمل عملها السابق، حتى أن الأعضاء المصنوعة من الخشب أو الحديد تفيد المريض أكثر بالنسبة إلى الأعضاء الأصلية المزروعة. وجاء في دائرة المعارف البريطانية:
“If the delicate sheaths constining the nerves are cut, however, as must happen if a nerve is partially or completely severd, regeneration may not be possible. Even if regeneration occures, it is unlikely to be complete ... Defective regeneration is the main reason why limb grafts usually are unsafisfactory. A mechanical artificial limb is likely to be of more value to the patient” (1) .
"إن قطع الخلاف النحيف الذي يحوي الأعصاب، كما يقع لزاماً حينما يبان عصب من الأعصاب كلاً أو جزءاً، فإن نشأتها الثانية غير ممكنة. ولو نشأت من جديد، فإن كون النشأة كاملة متعذرة ... وان هذا النقص في نشأتها الثانية هو السبب الأكبر في كون زراعة الجوارح غير ناجحة. والظاهر أن عضواً مكانيكياً مصنوعاً أكثر إفادة للمريض".
وذكر في محل آخر:
“Replacement of servered hands and arms has been tried in a few patients, and some of the results appear to have been worth-while: replacement of lower limbs seem much less justifiable, because the patient is likely to be better off with an artifical leg” (2)
"إن إعادة اليدين والعضدين المقطوعتين قد حولت في بعض المرضى، وان بعض النتائج تبدو معتدة بها. ولكن يبدو أن المبرر لإعادة الجوارح السفلية (كالأرجل) أقل بكثير، لأن المريض يكون أحسن حالة باستعمال رجل مصنوعة".
__________
(1) Encyclopaedia Britannica V. 28 P. 747 ed 1988.
(2) Micropaedia, Britannica V. 11 P. 899 ed 1988.(6/1504)
39 - وقد راجعت بعض الأطباء الموثوق بهم فأيدوا هذا المعنى، وأكدوا أن إعادة اليد أو الرجل لا تكون ناجحة، ولما كانت إعادة اليد أو الرجل أمراً لا يقع، حتى في زماننا، فالبحث عن حكمه الشرعي بحث نظري بحت لا علاقة له بالواقع
العملي، بخلاف مسألة القصاص، فإنه يمكن أن يبان فيه أي عضو من أعضاء البدن بما فيها الأعضاء الممكن زرعها وإعادتها، فلا يخلو البحث فيها عن فائدة عملية، ولذلك ذكرتها بشيء من البسط والتفصيل.
40 - أما البحث عن مسألة العضو المقطوع في السرقة أو الحرابة، فلا يتعلق بالواقع العملي، فالمناسب أن لا نخوض فيها قبل وقوعها، وكان السلف يكرهون الخوض في مسائل لم تقع بعد، ويقولون:
" لا تعجلوا بالبلاء قبل نزوله ".
41 - ولذلك، فلا أرى البحث في هذه المسألة حتى نشاهدها تقع عياناً، ولكني أريد أن أذكر الأصل الذي تبتنى عليه المسألة لو فرضنا أنها وقعت، ليكون مساعداً في استخراج الحكم حينئذ.
وذلك أن المسألة لها منزعان:
42 - المنزع الأول: أن نقيس الحد على القصاص، فنقول: قد ثبت بما أسلفنا في مبحث القصاص أن المختار عند جمهور الفقهاء أن القصاص ينتهي حكمه بإبانة العضو، وليس من جملة القصاص أن يبقى العضو فائتاً إلى الأبد، فكذلك الحد، إذا أقيم مرة بإبانة اليد أو الرجل، انتهت وظيفة الحد، وليس المقصود تفويت اليد أو منفعتها على سبيل الدوام، ولذلك يجوز للسارق والمحارب أن يستعمل يداً أو رجلاً مصنوعة. فلا مانع من أن يزرع يده المقطوعة.(6/1505)
43 - والمنزع الثاني: أن بين الحد والقصاص فرقاً، وهو أن المقصود من القصاص أن يصيب الجاني ضرر مماثل لضرر المجني عليه، وذلك يحصل بإبانة عضوه، فإن الجناية الصادرة من الجاني لم تتجاوز أن تقطع عضواً، ولم تكن مانعة من إعادته إلى محله إذا اختار المجني عليه ذلك. فكذلك استيفاء القصاص يحصل بمجرد الإبانة، ولا يمنع ذلك أن يعيد الجاني عضوه إلى محله. بخلاف إبانة العضو في الحد، فإنه ليس مقابلا لضرر مماثل، وإنما هو مقدر من الله تعالى عقوبة ابتدائية، وحيث قد فرض الله سبحانه وتعالى قطع اليد أو الرجل فليس المقصود منه فعل الإبانة، وإنما المقصود إبانته لتفويت منفعته على الجاني، ولو أجزنا للجاني أن يعيده مرة أخرى، فإن ذلك تفويت لمقصود الحد.
44 - فالنظر في المسألة موقوف على أن المقصود من الحد هل هو إيلام الجاني بفعل الإبانة فقط، أو المقصود تفويت عضوه بالكلية؟ وعلى الأول تجوز الإعادة، وعلى الثاني لا تجوز. ولكل من الاحتمالين دلائل. ولا يجب علينا القطع بأحدهما الآن، لكون المسألة غير متصورة الوقوع حتى اليوم. ولئن وقعت فسيشرح الله تعالى صدر الفقهاء حينذاك بما فيه رضاه إن شاء الله تعالى.
د. محمد تقي العثماني(6/1506)
زراعة عضو استؤصل في حد
إعداد
فضلية الشيخ
محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ
عضو مجمع الفقه الإسلامي الدولي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للأولين والآخرين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
من البدهي شرعاً وعقلاً أن الحدود الشرعية والقصاص إنما شرعت زجراً وتنكيلاً لذوي النفوس الشريرة والأخلاق السيئة عن ممارسة الجرائم وارتكاب الفواحش حتى يعيش المجتمع الإنساني في سلامة وأمن واستقرار في الأرواح والممتلكات والأعراض، وحتى يكون الجزاء عادلاً في موجبات الحدود والتشفي كافياً في موجبات القصاص فتنقطع العداوة وتنحسم الضغائن والأحقاد التي تسبب الإقدام على قتل الأبرياء جزافاً كما كانت عليه الجاهلية قبل الإسلام. قال فضيلة الشيخ عبد الرحمن الجزيري: إن من الناس من لا يردعهم عقل ولا يمنعهم الحياء ولا تزجرهم الديانة ولا تردهم المروءة والأمانة فلولا الزواجر الشرعية من القطع والصلب ونحوهما لبادروا إلى أخذ الأموال مكابرة من أصحابها على وجه المجاهرة أو خفية على وجه الاستسرار وفيه من الفساد ما لا يخفى فناسب شرع هذه الزواجر في حق المستسر والمجاهر في سرقتي الصغرى والكبرى حسما لمادة الفساد وإصلاحاً لأحوال العباد (1)
__________
(1) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة: 4/157.(6/1507)
وعلى هذه الحكمة العادلة في تشريع الحدود والقصاص دلت الآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي وردت في القصاص والحدود مثل قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [سورة المائدة: الآية 33] وقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة المائدة: الآية 38] . ومثل قوله تعالى في القصاص: {يَا أَيُّهَا الَذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ القِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالأُنثَى بِالأُنثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاء إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون} [سورة البقرة: الآية 178: 179]
ومن الأحاديث:
ما روى البخاري: عن عروة عن عائشة ((أن النبي صلى الله عليه وسلم قطع يد امرأة. قالت عائشة وكانت تأتي بعد ذلك , فارفع حاجتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتابت وحسنت توبتها.))
وروى الترمذي: عن عبد الرحمن بن محيريز قال: ((سألت فضالة بن عبيد عن تعليق اليد في عنق السارق أمن السنة هو؟ قال أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بسارق فقطعت يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه)) . رواه الخمسة إلا أحمد وفي إسناده الحجاج بن أرطأة وهو ضعيف لكن الترمذي حسنه وأخرج أن علياً رضي الله عنه قطع يد سارق فمروا به ويده معلقة في عنقه.
قال الشوكاني في "نيل الأوطار" معلقاً على الحديث الآنف الذكر: فيه دليل على مشروعية تعليق يد السارق في عنقه لأن في ذلك من الزجر ما لا مزيد عليه، فإن السارق ينظر إليها مقطوعة معلقة فيتذكر السبب لذلك وما جره إليه ذلك الأمر من الخسارة بمفارقة ذلك وكذلك الغير يحصل له بمشاهدة اليد على تلك الصورة من الانزجار ما تنقطع به وساوسه الرديئة. وختاماً للبحث أنقل للقارىء الكريم تعليقات بعض المفسرين على قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [سورة المائدة: الآية 38] ، أؤيد بها رأيي في عدم جواز زراعة العضو المقطوع بحد أو قصاص، قال الإمام محمد رشيد رضا في تعليقه على الآية: هذا تعليل للحد أي اقطعوا أيدهما جزاء لهما بعملهما وكسبهما السيىء ونكالا وعبرة لغيرهما فالنكال مأخوذ من النكل وهو بالكسر قيد الدابة ونكل عن الشيء عجز عنه أو امتنع صرفه عنه فالنكال ما ينكل الناس عنهم عن أن يسرقوا، ولعمر الحق أن قطع اليد الذي يفضح صاحبه طول حياته ويسمه بميسم الذل والعار وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة وتأمين الناس على أموالهم وكذا على أرواحهم لأن الأرواح كثيراً ما تتبع الأموال إذا قاوم أهلها السراق عند العلم بهم: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، فهو غالب على أمره حكيم في صنعه وفي شرعه فهو يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة (1)
وقال ابن كثير في التعليق على قوله تعالى: {جزاء بما كسبا نكالا من الله} أي مجازي على صنيعهما السيىء في أخذهما أموال الناس بأيديهم فناسب أن يقطع ما استعانا به في ذلك نكالا من الله أي تنكيلاً من الله بهما على ارتكاب ذلك (2)
__________
(1) تفسير المنار: 6/ 380.
(2) تفسير ابن كثير: 2/569.(6/1508)
وقال الطبري في التعليق على قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} الآية، لا ترثوا لهم أن تقيموا فيهم الحدود فإنه والله ما أمر بأمر قط إلا وهو صلاح وما نهى عن أمر قط إلا وهو فساد (1)
وقال محمد بن علي الصابوني في التعليق على قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} الآية، وهذه العقوبات تعتبر بحق رادعة زاجرة تقتلع الشر من جذوره وتقضى على الجريمة في مهدها وتجعل الناس في أمن وطمأنينة (2) واستقرار. قال فضيلة الشيخ محمد حسنين مخلوف في التعليق على قوله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} [سورة البقرة: الآية 66] .
يقال نكل به تنكيلاً إذا صنع به صنيعاً يحذر غيره والاسم النكال وهو ما نكلت به غيرك وأصله من النكل وهو القيد الشديد واللجام لكونهما مانعين وجمعهما أنكالا وسميت العقوبة أنكالا لأنها تحذر غير من نزلت به ارتكاب ما أوجبها (3)
وقال الدكتور محمد محمود حجازي: حد الله هذا الحد جزاء للسارق ونكالا للغير ومنعاً له حتى لا يقع في مثل ما وقع فيه، فإن قطع اليد ميسم الذل والعار الذي لا يمحى أبداً والله عزيز لا يغالب في كل ما سنه لنا من قوانين (4)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في كتابه " السياسة الشرعية ": وأما السارق فيجب قطع يده اليمنى بالكتاب والسنة والإجماع قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} الآية، ولا يجوز بعد ثبوت الحد عليه بالبينة أو الإقرار تأخيره لا بحبس ولا مال يفتدى ولا غيره، بل تقطع يده في الأوقات المعظمة وغيرها فإن إقامة الحدود من العبادات كالجهاد في سبيل الله، وينبغي أن يعرف أن إقامة الحد رحمة من الله بعباده فيكون الوالي شديداً في إقامة الحد لا تأخذه رأفة في دين الله فيعطله ويكون قصده رحمة الخلق بكف الناس عن المنكرات لا إشفاء غيظه وإرادة العلو على الخلق بل بمنزلة الوالد إذا أدب ولده فإنه لو كف عن تأديب ولده كما تستر به الأم رقة ورأفة لفسد الولد وإنما يؤدبه رحمة وإصلاحاً بحاله مع أنه يود ويؤثر أن لا يحوجه إلى تأديب وبمنزلة الطبيب الذي يسقي المريض الدواء الكريه وبمنزلة قطع العضو المتآكل والحجام وقطع العروق بالفصاد ونحو ذلك، بل بمنزلة شرب الإنسان الدواء الكريه وما يدخله على نفسه من المشقة لينال به الراحة فكذلك شرعت الحدود وهكذا ينبغي أن تكون نية الوالي في إقامتها، فإن من كان قصده صلاح الرعية والنهى عن المنكرات بجلب المنفعة لهم ورفع المضرة عنهم وابتغاؤه بذلك وجه الله تعالى وطاعة أمره لأن الله له القلوب وتيسرت له أسباب الخير وكفاه العقوبة اليسيرة وقد يرضى المحدود إذا أقام عليه الحد، وأما إذا كان غرضه العلو عليهم وإقامة بأسه ليعطوه أو ليبذلوا له ما يريد من الأموال انعكس عليه مقصوده. اهـ. بهذه التعليقات أعود فأؤكد رأيي أنه لا تجوز الرأفة بالجاني والعطف عليه بإعادة عضوه الذي قطع حداً أو قصاصاً. وبالله التوفيق.
الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ
__________
(1) الطبري: 6/229.
(2) روائع البيان تفسير آيات الأحكام: 1/557.
(3) صفوة البيان: ص 19.
(4) التفسير الواضح.(6/1509)
زراعة عضو استؤصل في حد
إعداد
فضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة دمشق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أفضل الأنبياء والمرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.. وبعد:
فهذا بحث اجتهادي محض يحتمل الصواب والخطأ حول "زراعة عضو استؤصل في حد، مثل إعادة اليد بعد قطعها في حد السرقة أو إعادة أي عضو قطع في قصاص". وهو موضوع جديد معروض على بساط البحث والاجتهاد تثيره بعض الجهات العلمية التي تأثرت بما آل إليه التقدم الطبي في زراعة الأعضاء والغدد التناسلية وخلايا الجهاز العصبي وبخاصة المخ.
فهل يجوز شرعاً إعادة يد قطعت في حد سرقة أو حرابة أو أي عضو آخر كالسن والعين والأذن واليد والرجل قطع في قصاص؟.
وبما أن هذه مسألة مستجدة لا نجد لها نظيراً في المسائل الفقهية القديمة لدى علمائنا، فإن الكلام فيها مجرد اجتهاد محض يحتمل الإقرار والقبول أو الرفض والنقد والاستنكار من العلماء المعاصرين.
ووجود أي من الاحتمالين لا يمنعنا من أن نقول كلمتنا في المسألة المعروضة في الواقع القائم، وليس مجرد مسألة افتراضية، وكل ما يجد يحتاج إلى حكم شرعي، فما من مسألة إلا وللإسلام حكم فيها إما بالتحليل أو التحريم كما قرر الإمام الشافعي رحمه الله وغيره.
ويتبين الحكم الاجتهادي لدي من خلال النصوص الشرعية الواردة في الحدود والقصاص، وفي ضوء الحكمة التشريعية للعقوبة، وعلى هدي ما قرره علماء الأصول في دلالة الأمر على المرة الو احدة، وبالاعتماد على القواعد الشرعية وأصول الاستدلال من الاستحسان والمصالح المرسلة الضرورية أو الحاجية مع مراعاة مقتضيات مبادىء السياسة الشرعية وطرق إثبات موجب الحد وهو الجريمة من سرقة أو اعتداء وغيرهما.(6/1510)
أما النصوص الشرعية الواردة في إيجاب الحدود وفرضية القصاص فهي معروفة، أذكر منها على سبيل المثال النص الوارد في القرآن الكريم بتشريع حد السرقة، قال الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (38) فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة المائدة: الآيتان 37، 38] .
كما أذكر النص الوارد في القصاص، قال الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (178) وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [سورة البقرة: الآيتان 178، 179] .
وكان القصاص أيضاً مقرراً مشروعاً في شرائع من قبلنا كشريعة اليهود في التوراة، كما قال الله تعالى: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [سورة المائدة: الآية 45] .
وأما الحكمة من تشريع الحدود والقصاص فهي زجر الناس وردعهم عن اقتراف الجريمة، وصيانة المجتمع عن الفساد والانحراف، والتطهر من آثار الذنب والمعصية أو الفاحشة. ويؤكد الفقهاء جميعاً هذه الحكمة، ويقولون في كتبهم: شرع الحد زاجراً لا متلفاً ويتحقق الانزجار في السرقة بتفويت اليد (1) وسميت الحدود حدوداً لمنعها من ارتكاب الفواحش (2) قال ابن تيمية: "من رحمة الله سبحانه وتعالى أن شرع العقوبات في الجنايات الواقعة بين الناس بعضهم على بعض في النفوس والأبدان والأعراض والأموال والقتل والجراح والقذف والسرقة.
__________
(1) المبسوط للسرخسي: 9/167، 168.
(2) كفاية الأخيار لأبي بكر الحصني الشافعي: 2/335، طبع قطر.(6/1511)
فأحكم وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجنايات غاية الإحكام، وشرعها على أكمل الوجوه المتضمنة لمصلحة الردع والزجر، مع عدم المجاوزة لما يستحقه الجاني من الردع، فلم يشرع في الكذب قطع اللسان ولا القتل، ولا في الزنى الخصاء، ولا في السرقة إعدام النفس، وإنما شرع لهم في ذلك ما هو موجب أسمائه وصفاته من حكمته ورحمته، ولطفه وإحسانه وعدله، لتزول النوائب، وتنقطع الأطماع عن التظالم والعدوان ويقتنع كل إنسان بما آتاه مالكه وخالقه، فلا يطمع في استلاب غيره حقه" (1)
وقال الماوردي: الجرائم محظورات شرعية، زجر الله تعالى عنها بحد أو تعزير (2)
وأما آراء الأصوليين في دلالة الأمر، فإنهم قرروا أن تنفيذ الأمر يتحقق بامتثال مضمونه مرة واحدة، سواء عند الحنفية والحنابلة القائلين بأن الأمر المطلق لا يقتضي التكرار، وإنما يدل على مجرد طلب ماهية الفعل المأمور به وإيجاده من غير إشعار بمرة أو تكرار، فيبراً بالمرة، ويحتمل التكرار (3) أو عند أكثر المالكية وأكثر الشافعية القائلين بأن الأمر يدل على المرة الواحدة لفظاً ويحتمل التكرار، لأن امتثال المأمور به يحصل بالمرة، فيكون لها (4)
فإذا نفذ الحد أو القصاص، فقطعت يد السارق مثلاً، واقتص من الجاني بمثل جنايته، فقد تحقق الأمر القرآني، وبرىء الحاكم مما يجب عليه بالإجماع من تطبيق الحد على الجناة، ولا يطالب بمتابعة الجاني أو ملاحقته بعدئذ لينظر ماذا يفعل في يده أو بأي عضو من أعضائه فمثل تلك المتابعة أو المراقبة غير مطلوبة شرعاً، ولم يشر إليها أحد من الفقهاء.
__________
(1) السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 98.
(2) الأحكام السلطانية: ص 211.
(3) مسلم الثبوت: 1/ 310، المدخل إلى مذهب أحمد: ص 102، أصول السرخسي: 1/ 20 – 22
(4) شرح تنقيح الفصول للقرافي: ص 130، المستصفى: 2/2 وما بعدها.(6/1512)
ثم إن القواعد والضوابط والشرائط الشرعية لا تعنى بغير ضرورة التثبت من توافر شروط إقامة الحد والقصاص، ومراعاة مبدأ التكافؤ والمماثلة دون زيادة أو جور، ومنع من تعاقب واستمرار الأضرار التي قد تؤدي إلى الهلاك أو الموت نتيجة تطبيق الحد؟ لأن الحد شرع للزجر لا للإتلاف، كما بينا، لذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم بحسم محل القطع وأوجب حسم ما قطع، والحسم: الكي بالنار، فقال فيما أخرجه الحاكم والبزار من حديث أبي هريرة رضي الله عنه: ((اذهبوا به فاقطعوه، ثم احسموه)) (1) والحسم دواء وإصلاح يتحرز به عن الإتلاف (2) فيكوى بالنار محل القطع لينقطع الدم، لأن منافذ الدم تنسد، وإذا ترك فربما استرسل الدم، فيؤدي إلى التلف.
وينوب شرعاً العلاج الحديث الذي يمنع نزيف الدم مناب الكي بالنار، لأن المراد تحقيق غاية معينة، وهي قطع الدم ومنع النزيف، فبأي وسيلة تحقق الغرض، جاز ذلك شرعاً، لأن الله تعالى أمر بالإحسان في كل شيء.
وإذا كانت الغاية من الحسم هي الدواء والعلاج لقطع النزيف الدموي، فلا يكون المراد منه استئصال اليد أو العضو بحيث لا يمكن إعادة اليد مثلاً إلى موضعها إذا توافرت شروط معينة.
والاستحسان والمصلحة الضرورية أو الحاجية وغيرها من أصول الاستدلال لا تمنع من القول من إعادة اليد، بحجة مصادمتها للنصوص الشرعية، لأن إعمال النص قد تحقق بقطع اليد أو بالقصاص، وما وراء ذلك يكون على أصل الإباحة، والأصل في الأشياء النافعة الإباحة، وفي الأشياء الضارة المنع أو الحظر، ولا شك بأن إعادة اليد أمر نافع نفعاً محضاً لصاحبها، بعد أن ذاق وبال أمره، ونكل به، وتم التشهير بجريمته أمام ملأً من الناس.
ومبادىء السياسة الشرعية التي هي التدابير الممنوحة للحاكم لفعل ما يراه محققاً لمصلحة عامة، أو معالجة أمر مؤقت، لا تمانع من إعادة اليد إذا كان ذلك علاجاً لحالات معدودة، وليست ظاهرة عامة تؤدي إلى تجرؤ اللصوص والمحاربين (قطاع الطرق) والجناة على ارتكاب الجرائم، وهم في مأمن من آثار العقاب، إذ سيجدون الوسيلة أو الذريعة إلى إعادة ما قطع أو بتر أو هشم أو جدع أو قلع أو كسر لأنه إذا استمرأ الجاني فعله، وهان عليه اللجوء إلى الجريمة واستسهل العقاب، ورأى أمامه الحيلة الطبية في ترميم ما فقد منه، وجب حينئذ سد الذرائع وإقفال الباب أمامه، وأصبح غير مستحق للمعاملة الإنسانية الكريمة على الدوام.
__________
(1) سبل السلام: 4/1303، طبع دار الجيل في بيروت.
(2) المبسوط للسرخسي: 9/141.(6/1513)
والحكم الاجتهادي لإعادة اليد ونحوها يختلف بحسب نوع طريق إثبات الجريمة، فإذا ثبت الحد بالإقرار، جاز القول بلا شك بإعادة اليد ونحوها، وإذا ثبت بالشهادة وكان الحد من حقوق العباد أو الآدميين، لم يجز القول بإعادة اليد، أما إن كان الحد من حقوق الله تعالى المحضة، فربما كان القول بجواز إعادة اليد أمراً مقبولاً اجتهاداً؛ لأن حقوق الله مبنية على المسامحة والإسقاط والرحمة والإشفاق.
الرأي الاجتهادي في الموضوع:
لا بد في تقديرنا من التفرقة بين حقوق العباد وحقوق الله تعالى.
(أ) ففي حالة استيفاء القصاص من طرف أو عضو كالعين واليد، لا أرى القول بجواز إعادة العضو إلى مكانه بعملية جراحية إلا إذا أذن المجني عليه ورضي بذلك، وعفا عن الجاني، لأن الغالب في القصاص كونه من حقوق العباد (الأشخاص) . والقصاص هو المماثلة، ويشترط فيه المماثلة بين الجناية والعقوبة في أمور ثلاثة: التماثل في الفعل، والتماثل في المحل (الموضع والاسم) والتماثل في المنفعة (أو الصحة والكمال) (1)
فالمساواة في المحل أثناء العقوبة مطلوبة في قصاص النفس والأطراف والأعضاء، ولا ينظر إلى التفاوت بين العضوين في الصغر والكبر.
وعدم مراعاة المماثلة أو المساواة يفتح باب الغيظ والحقد والثأر والانتقام، أو الاعتراض والنقد الجارح، لمجافاة العدالة والمساواة بين الجاني والمجني عليه. وإذا كان الحال هكذا فلا يعقل أن يظل المجني عليه بعين واحدة أو يد واحدة مثلاً، لتعذر إعادتها بسبب ظروف الجناية وقسوتها وتمزق أوصال العضو وتبدده يميناً وشمالاً، ثم يتمكن الجاني بعد القصاص من إعادة عضوه إلى مكانه الطبيعي، والمجني عليه ينظر ويحملق إليه بعين ملؤها الغضب والغيظ، وتحدثه نفسه بالتشفي والانتقام.
__________
(1) البدائع: 7/297 وما بعدها، المبسوط: 26/ 135 – 140، المغنى: 7/703، كشاف القناع: 5/ 639 - 1 65، المهذب: 2/228، 229 وما بعدها 234.(6/1514)
أما إن عفا المجني عليه مجاناً أو بعوض بعد القصاص، جاز للجاني المبادرة إلى إجراء عملية جراحية تعيد له ما قطع أو اقتص منه، لأن المجني عليه يملك شرعاً إسقاط القصاص من الأصل، فيملك بطريق الأولى العفو عن الجاني بعد القصاص، لقوله تعالى: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [سورة البقرة: الآية 237] ، {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ ذَلِكَ تَخْفِيفٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَرَحْمَةٌ} [سورة البقرة: الآية 178] ، {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [سورة المائدة: الآية 45] .
(ب) وأما في حال تطبيق حدي السرقة أو المحاربة (قطع الطريق) اللذين هما من حقوق الله تعالى بقطع اليد من الرسغ، والرجل من المفصل، ومراعاة الضوابط والشرائط الشرعية لاستيفاء الحدود، فلا يختلف الرأي لدي بحسب طريق إثبات الحد، ما دام الحد من حقوق الله تعالى المبنية على التسامح والإسقاط.
فإذا ثبت موجب الحد أي جريمة السرقة مثلاً بالإقرار، وقطعت يد السارق الذي أقر، ثم رجع عن اقراره، جاز له بلا شك أن يعيد يده إلى موضعها بعمل جراحي، لأنه يجوز شرعا الرجوع عن الإقرار قبل البدء بالحد وفي أثنائه وبعد تنفيذه ليتلافى الآثار المعنوية الناجمة عن تطبيق الحد، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم حينما هرب ماعز عند رجمه من أرض قليلة الحجارة إلى أرض أخرى قال لصحابته.: ((هلا تركتموه، لعله أن يتوب، فيتوب الله عليها)) (1)
__________
(1) رواه أبو داود عن يزيد بن هزال عن أبيه، ورواه أيضاً أحمد والترمذي وابن ماجه، وقال الترمذي: "حسن ". وانظر: مصادر التشريع الإسلامي للدكتور حسنين عمود حسنين: ص 156 وما بعدها.(6/1515)
بل يستحب شرعاً للحاكم تلقين الرجوع عن الإقرار كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع ماعز حينما أقر أمامه في المسجد قائلاً له: ((لعلك مسستها أو لعلك قبلتها)) (1)
وفي السرقة روى يزيد بن خصيف رضي الله عنه قال: ((أتي النبي صلى الله عليه وسلم بسارق، فقال: أسرقت ما أخاله سرق)) ؟ فقال: نعم، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((اذهبوا به فاقطعوه ثم احسموه ثم ائتوني به، ففعلوا به ذلك، فقال: تب إلى الله، فقال: تبت إلى الله تعالى، فقال: اللهم تب عليه)) (2)
قال السرخسي في المبسوط: وفيه دليل على أن الإمام مندوب إلى الاحتيال لدرء الحد، وتلقين المقر الرجوع، ويدل عليه: ما رواه عن أبي الدرداء أنه أتي بسارق أو بسارقة فقال: أسرقت؟ قولي: لا. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه أتي بسوداء يقال لها سلامة، فقال: أسرقت؟ قولي: لا، قالوا: أتلقنها؟ قال: جئتموني بأعجمية لا تدري ما يراد بها حين تفسر، فأقطعها؟!.
وفيه دليل أيضاً على أن المقر بـ السرقة إذا رجع درىء عنه الحد، وأن الرجل والمرأة في ذلك سواء.
وفيه دليل على أن القطع للزجر، لا للإتلاف، لأنه أمر بالحسم بعد القطع، وهو دواء وإصلاح يتحرز به عن الإتلاف.
وفيه دليل على أن التطهير من الجريمة لا يحصل بالحد إذا كان مصراً على ذلك، ولأنه خزي ونكال، وانما التطهير والتكفير به في حق التائب، فإنه دعاء إلى التوبة بقوله صلى الله عليه وسلم: ((تب إلى الله)) (3)
__________
(1) رواه الحاكم في المستدرك عن ابن عباس، ورواه أيضاً أحمد والبخاري بلفظ آخر.
(2) تقدم تخريج الحديث عن أبي هريرة.
(3) المبسوط: 9/141، 142، 185.(6/1516)
والخلاصة:
أن إعادة اليد تعد رجوعاً عن الإقرار.
وأما إذا ثبت موجب الحد (الجريمة) بالشهادة فيجوز في رأيي - والله أعلم – إعادة اليد أيضاً إذا تاب السارق أو المحارب، وكان الحد من حقوق الله تعالى كحد السرقة (1) والحرابة والزنا والردة، وكانت حالات الإعادة قليلة أو نادرة، حتى لا يتجرأ الجناة على الجرائم والفواحش فإذا كثرت الجرائم بحيث صارت الجريمة ظاهرة فاشية فلا نجيز إعادة اليد أو العضو سداً للذرائع، وعملاً بمبدأ السياسة الشرعية التي تعالج فوضى مؤقتة، أو أمراً زمنياً طارئاً. ويجب عند الجمهور غير الحنفية إعادة المال المسروق إلى صاحبه. فهذه شروط أربعة لإعادة اليد إذا ثبتت الجريمة بشهادة الشهود.
وأدلة الجواز في هذه الحالة هي ما يأتي:
ا - لقد تم إعمال النص الشرعي الآمر بالحد بمجرد القطع أو البتر فيبقى ما عدا ذلك على أصل الإباحة الشرعية، فيمكن الاستفادة في عصرنا من معطيات التقدم الطبي العلمي، أما في الماضي فكان يظل موضع أثر القطع قائما على ما هو عليه، وهو مجرد أمر واقع لا يحتج به، كما لا يحتج بالوقائع التي لم تتعلق بها نصوص شرعية. قال السرخسي مبيناً مذهب الحنفية في أنه لا يجمع بين الحد وضمان المال المسروق، وقوله يفيدنا في بيان مدى إعمال النص:
قوله تبارك وتعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} فقد نص على أن القطع جميع موجب فعله؛ لأن في لفظ الجزاء إشارة إلى الكمال، فلو أوجبنا الضمان معه، لم يكن القطع – قطع يد السارق – جميع موجب الفعل، فكان نسخاً لما هو ثابت بالنص. أقول: وهذا عملاً بالقاعدة المقررة عندهم "عدم جواز الزيادة على النص إلا بقرآن أو بمكافىء للقرآن من الحديث المتواتر والمشهور".
__________
(1) قال السرخسي: القطع في السرقة خالص حق الله تعالى، فوجوبه يعتمد الجناية على حق الله تعالى دون المساواة في الفعل والمحل المطلوبة في القصاص (المبسوط: 26/132) .(6/1517)
وأضاف السرخسي قائلاً: وعن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا غرم على السارق بعد ما قطعت يده وفي رواية: لا غرم على السارق فيما قطعت يمينه فيه)) (1)
لكن إذا اجتمع في يد الجاني قطع في السرقة والقصاص بدىء بالقصاص وضمن السرقة؟ لأنه إذا اجتمع في اليد حقان: أحدهما لله تعالى، والآخر للعبد، فيقدم حق العبد، لحاجته إلى ذلك، وإذا استوفى القصاص، تعذر استيفاء القطع، فيضمن المسروق (2)
2 - لا سلطان للحاكم على المحدود بعد تنفيذ الحد، فإذا بادر السارق أو المحارب إلى إعادة يده أو رجله المقطوعة بعمل جراحي، فلا يحق للحاكم التدخل في شأنه، كما لا يحق له في الوقت الحاضر منعه من تركيب يد أو رجل صناعية، وتكون إعادة العضو الطبيعي أجدى وأنفع وأولى.
هذا مع العلم بأنه إذا قطعت اليد فالسنة أن تعلق في عنق صاحبها ساعة، أي مدة زمنية، فله الاحتفاظ بها.
3 - لقد تحققت أهداف الحد المادية والمعنوية بتنفيذه، ففي القطع إيلام وتعذيب، وزجر ونكال، وتشهير وإساءة سمعة، ووخز للاعتبارات الأدبية والإنسانية، وكل ذلك تحقق بإقامة الحد شرعاً.
4 - إن زراعة العضو من إنسان آخر كالقلب والكلية والرئة والعين أمر جائز للضرورة لإنقاذ حياة الإنسان، كما قرر مجمع الفقه الإسلامي في جدة في دورته الرابعة، فيجوز بالأولى لأي إنسان إعادة ما قطع من أعضائه أثناء إقامة الحد عليه.
5 - التوبة تسقط جميع الحدود التي هي حق لله تعالى في مذهب الحنابلة، فليس في شرع الله وقدره عقوبة تائب البتة، كما قالوا (3) لقوله عليه الصلاة والسلام: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) (4)
__________
(1) المبسوط: 9/157.
(2) المبسوط: 9/185.
(3) المغني: 8/295 وما بعدها، السياسة الشرعية لابن تيمية: ص 67، أعلام الموقعين: 2/78، 3/ 19، 4/398.
(4) رواه ابن ماجه والطبراني في الكبير والبيهقي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه وهو صحيح.(6/1518)
6 - لو نبتت سن جديدة أو إصبع جديدة بعد القصاص أو الحد لا تستأصل مرة أخرى في الراجح لدى الفقهاء، لأن النابت نعمة جديدة من الله تعالى، أو هبة مجددة، ليس للمجني عليه قلعه، وليس هو في حكم المقلوع أو المقطوع (1)
7 - لا شك بأن إعادة اليد أو غيرها مصلحة ضرورية لصاحبها، ولا تتصادم هذه المصلحة مع النصوص الشرعية الآمرة بتطبيق الحد أو القصاص، إذ أن النص قد أعمل وفرغ منه، وهو ساكت عما وراء تنفيذ مقتضاه الواضح.
8 - إن حقوق الله تعالى مبنية على الدرء والإسقاط، والمسامحة، خلافاً لحقوق الآدميين.
9 - ليس في إعادة اليد أو أي عضو قطع حداً عبث أو تحايل على أحكام الشريعة؟ لأن العبث والتحايل في الوضع القائم الذي يفر من تطبيق الحدود الشرعية ويعطل النصوص الآمرة بها. ويمكن تطهير اليد المقطوعة بالماء قبل تركيبها.
10 - ليس المراد من حسم موضع القطع إلا التداوي وقطع النزيف الدموي كما أوضحنا سابقاً، ولا يقصد به الاستئصال الأبدي إلا من ناحية الواقع فقط، لا من ناحية الإمكان العلمي، فذلك أمر مسكوت عنه في النصوص، والأصل في الأشياء الإباحة.
11 - ان الاعتبارات الإنسانية وسماحة الإسلام ورحمة الله بعباده تؤكد لنا القول بجواز إعادة اليد، والله أعلم.
الخاتمة:
تبين لدينا أن إعادة أي عضو قطع في قصاص لا يجوز شرعاً ما لم يأذن المجني عليه ويسقط حقه، منعاً من إثارة الأحقاد والضغائن.
أما إعادة العضو المستأصل في حد كإعادة اليد أو الرجل بعد قطعها في السرقة والحرابة، فذلك أمر جائز في رأيي، بالشروط والضوابط المتقدمة، ما لم يؤد الأمر إلى فساد عام وشر شامل، فيؤخذ حينئذ بما يحسم الفساد بالحكم الأشد، والله ولي الأمر والتوفيق.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
__________
(1) المهذب: 2/ 231.(6/1519)
حكم إعادة اليد
بعد قطعها في حد شرعي
إعداد
فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع
القاضي بمحكمة التمييز بالمنطقة الغربية
وعضو هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه.. وبعد
فإجابة للرغبة الكريمة من معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في إعداد بحث يتعلق "بحكم إعادة اليد بعد قطعها في حد شرعي،.. وحيث سبق أن عرض هذا الموضوع على مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية في دورته السادسة والعشرين فأجل النظر في ذلك حتى يتم إعداد بحث يتضمن كلام أهل العلم في الموضوع نفسه تمهيداً لدراسة ذلك في دورته السابعة والعشرين ثم أعد البحث من قبل الأمانة العامة لمجلس هيئة كبار العلماء في المملكة.. وبعد الاطلاع عليه صدر بخصوصه قرار من المجلس بعدد (136) في 17/6/1406هـ، وفيما يلي نص من البحث المعد من الأمانة العامة لهيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية:
بسم الله الرحمن الرحيم:
الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده محمد وعلى آله وصحبه.
وبعد:
فمن المعلوم أن الشرائع السماوية يقصد بها عدة أمور من أهمها أربعة:
الأول: معرفة الله وتوحيده وتمجيده ووصفه بصفات الكمال وتنزيهه عما لا يليق بجلاله وعظمته.
الثاني: معرفة كيفية أداء عبادته المحتوية على تعظيمه وشكر نعمه التي لا تعد ولا تحصى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} .(6/1520)
الثالث: الحث على الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، والتحلي بالأخلاق الفاضلة والصفات الحميدة، والمزايا التي تسمو بالمرء إلى مراتب الشرف والرفعة.
الرابع: إيقاف المتعدي عند حده بوضع الأحكام المقررة في المعاملات والحدود والعقوبات والزواجر والتعزيرات الرادعة لمن يخالف ما قرره الشرع في ذلك (1)
الحكمة من إقامة الحدود:
إن الله سبحانه وتعالى وإن كان قد جعل لمن يرتكب الذنوب والآثام ويعمل المعاصي عقاباً يوم القيامة.
إلا أن ذلك لا يمنع أهل الشر وأصحاب النفوس الضعيفة عن ارتكاب ما يضر بالمصلحة العامة أو الخاصة في الحياة الدنيا.
والظلم من شيم النفوس فإن تجد
ذا عفة فلعلة لا يظلم
وأيضاً فإن من الناس من له قوة وسلطان لا يقدر المظلوم الضعيف على أخذ حقه منه وبذلك تضيع الحقوق ويعم الفساد.
وهدف الشريعة الإسلامية من فرض العقوبة هو إصلاح النفوس وتهذيبها والعمل على سعادة الجماعة البشرية، ذلك لأن للإسلام في العقاب رأياً ينفرد به.
__________
(1) من كتاب "حكمة التشريع وفلسفته " للشيخ علي الجرجاوي، أحد علماء الأزهر - الطبعة الرابعة، الجزء الأول: ص 7 و 8، ببعض التصرف البسيط.(6/1521)
من أجل ذلك وضع الله الحدود وضعاً شرعياً كافلاً لراحة البشر في كل زمان ومكان حتى يكون الناس في مأمن وتمتنع الجرائم التي ترتكب، فكل فعل سيىء يحدث في الأرض قد لا يمكن إصلاحه إلا بالعقوبة.
فالعقوبة إذا مصلحة للمجتمع، وليس في الشريعة ما يمنع من أن تكون أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها أو تباح لا لكونها مفاسد بل لكونها مؤدية إلى المصالح بل إن دفع الضرر مقدم على جلب المنافع.
جاء في قواعد الأحكام ... ربما كانت أسباب المصالح مفاسد فيؤمر بها أو تباح، لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح، وذلك كقطع الأيدي المتآكلة حفظاً للأرواح، وكالمخاطرة بالأرواح في الجهاد، وكذلك العقوبات الشرعية كلها ليست مطلوبة لكونها مفاسد بل لكون المصلحة هي المقصودة من شرعها كقطع يد السارق وقاطع الطريق، وقد سميت مصالح من قبيل المجاز بتسمية السبب باسم المسبب (1)
وجاء في موضع آخر منها: الأطباء يدفعون أعظم المرضين بالتزام بقاء أدناهما ويجلبون أعلى السلامتين والصحتين ولا يبالون بفوات أدناهما وإن الطب كالشرع وضع لجلب مصلحة السلامة والعافية ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام ولدرء ما أمكن درؤه من ذلك ولجلب ما أمكن (2) فالعقوبات شرعت لمصلحة تعود إلى كافة الناس.
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى: إن الله أوجب الحدود على مرتكبي الجرائم التي تتقاضاها الطباع، وليس عليها وازع طبعي، والحدود عقوبات لأرباب الجرائم في الدنيا كما جعلت عقوبتهم في الآخرة بالنار إذا لم يتوبوا، ثم إنه تعالى جعل التائب من الذنب كمن لا ذنب له، فمن لقيه تائباً توبة نصوحاً لم يعذبه مما تاب منه" (3)
ويقول ابن تيمية رحمه الله تعالى: (شرعت العقوبات رحمة من الله تعالى بعباده فهي صادرة عن رحمة الخلق وإرادة الإحسان اليهم، ولهذا ينبغي لمن يعاقب الناس على ذنوبهم أن يقصد بذلك الإحسان إليهم والرحمة بهم كما يقصد الوالد تأديب ولده، وكما يقصد الطبيب معالجة المريض) (4)
__________
(1) قواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام: 1/12.
(2) قواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام: 1/ 4.
(3) أعلام الموقعين: 3/ 156.
(4) اختيارات ابن تيمية: ص 593.(6/1522)
ويقول الدهلوي رحمه الله تعالى في كتابه حجة الله البالغة: (اعلم أن من المعاصي ما شرع الله فيه الحد وذلك كل معصية جمعت وجوهاً من المفسدة بأن كانت فساداً في الأرض واقتضاباً على طمأنينة المسلمين وكانت لها داعية في نفوس بني آدم لا تزال تهيج فيها، ولها ضراوة لا يستطيعون الإقلاع منها بعد أن أشربت قلوبهم بها وكان فيه ضرر لا يستطيع المظلوم دفعه عن نفسه في كثير من الأحيان، وكان كثير الوقوع فيما بين الناس فمثل هذه المعاصي قد لا يكفي فيها الترهيب بعذاب الآخرة بل لا بد من إقامة ملامة شديدة عليها وإيلام ليكون بين أعينهم ذلك فيردعهم عما يريدونه. ثم مثل ببعض المعاصي إلى أن قال: وكالسرقة فإن الإنسان كثيراً ما لا يجد كسباً صالحا فينحدر إلى السرقة ولها ضراوة في نفوسهم ولا تكون إلا اختفاء بحيث لا يراه الناس) (1)
حرمة التعدي على المال وأثر قطع يد السارق:
اهتم الإسلام بالأموال اهتماماً عظيما وحماها حتى جعل المال شقيق الروح ومقارناً لها في الحرمة فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) ، وقال أيضاً في خطبته المشهورة: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في بلدكم هذا في شهركم هذ)) .
فحمى المال من أن تمتد إليه أيدي العابثين وتطلعات الطامعين فهددهم بالويل والثبور وعظائم الأمور حبساً أو قطعاً أو قتلاً أو صلباً أو تشريداً ذلك جزاؤهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار.
__________
(1) حجة الله البالغة للشيخ أحمد المعروف بشاه ولي الله المحدث الدهلوي - الطبعة الأولى بالمطبعة الخيرية لصاحبها السيد عمر حسين الخشاب سنة 322اهـ، الجزء الثاني، ص 118.(6/1523)
كما نهى سبحانه وتعالى عن كل ما يجر إلى أكل أموال الناس بالباطل فحرم التعامل بالربا وجعله من أكبر الكبائر لما يجلبه من الأحقاد والضغائن. وحرم المقامرة والرشوة ونحوهما وحرم أكل أموال اليتامى والضعفاء وأكل صداق المرأة إلا ما طابت به نفسها. وجملة القول: أن الاعتداء على أموال الناس بأي وجه من الوجوه حرام سواء أكان عن طريق الكذب أو التحايل أو المماطلة والنصب أو جحد العارية والغش في المعاملة وأكل الأجور ومنعها أصحابها إلى غير ذلك مما يستحله أصحاب النفوس الضعيفة.
وفي مقدمة هذه الكبائر جريمة السرقة التي نهى عنها الإسلام وحذر منها. وتحريمها ثابت في كتاب الله تعالى وسنة رسوله، وإجماع السلف الصالح، وليس هذا محل تفصيله.
وقد رتب الله سبحانه وتعالى عليها حد قطع اليد مما يدل على أن فاعلها قد ارتكب كبيرة من الكبائر وفعل جرماً عظيما فقال تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} .
فقد نصت هذه الآية الكريمة على أن عقوبة السارق قطع يده ولا خلاف بين الفقهاء ممن يعتد بقولهم في أن المراد بالقطع في الآية الكريمة: {فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا} هو إبانة اليد وإزالتها لأن لفظ القطع موضوع لها حقيقة لتبادرها منه، والتبادر أمارة الحقيقة كما هو مقرر عند علماء اللغة.
قال ابن منظور في كتابه لسان العرب (1) القطع إبانة بعض أجزاء الجسم من بعض فصلاً، والقطع مصدر قطعت الحبل قطعاً والأقطع المقطوع اليد، ويد قطعاء أي مقطوعة.
والأحاديث الشريفة والآثار الصحيحة تؤيد هذا المعنى وتدل عليه. وليس هذا مكان ذكرها وتفصيلها.
__________
(1) انظر لسان العرب: 10/149.(6/1524)
ولا شك أن قطع اليد في السرقة عقوبة لها أثرها في القضاء على هذه الجريمة.
والشريعة الإسلامية المحكمة تهدف من وراء ذلك إلى حماية الجماعة وحفظها حتى تقضي قضاء تاماً على خطر يهدد الناس في أموالهم، وما يتبع ذلك من ترويع وإذلال. فلقد أحكم الشارع الحكيم وجوه الزجر الرادعة عن هذه الجناية وشرعها على أكمل الوجوه مع عدم مجاوزة ما يستحقه الجاني من عقاب حتى يكون العقاب مكافئاً للجريمة، ولم يترك تحديد العقاب على السرقة إلى اجتهاد أو نظر أو رأي جماعة لما في ذلك من التناقض الذي لا تؤمن عاقبته ولا يضمن فيه تحقيق العدالة التي يجد الناس فيها أماناً من الظلم والقهر بل إن من رحمته سبحانه وتعالى بعباده ورأفته بهم أن تكفل بتقدير العقوبات عل الخطير من الجرائم حتى تحفظ الضروريات الخمس - التي هي حفظ النفس، وحفظ الدين، وحفظ النسل، وحفظ العرض، وحفظ المال. وجعل لكل جريمة عقوبة تناسبها قد يخفى علينا تعقلها ومعرفة الحكمة منها.
قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في هذا المعنى ما نصه (1)
فلما تفاوتت مراتب الجنايات لم يكن بد من تفاوت مراتب العقوبات، وكان من المعلوم أن الناس لو وكلوا إلى عقولهم في معرفة ذلك، وترتيب كل عقوبة عل ما يناسبها من الجناية جنساً ووصفاً وقدراً لذهبت بهم الآراء كل مذهب، وتشعبت بهم الطرق كل مشعب ولعظم الاختلاف واشتد الخطب، فكفاهم أرحم الراحمين، وأحكم الحاكمين مؤونة ذلك، وأزال عنهم كلفته، وتولى بحكمته وعدله ورحمته، تقديره نوعاً وقدراً ورتب على كل جناية ما يناسبها من العقوبة وما يليق بها من النكال. اهـ. فالإسلام في أهدافه السامية معني بتوفير الحياة الكريمة والعيش المطمئن ولا يكون ذلك إلا بحماية الفضيلة، والقضاء على الفساد والرذيلة، وكل ما شأنه أن يدنس واجهة الإسلام التي أرادها نقية ناصعة، ولما كانت الغاية السامية تبرر الوسيلة الحازمة، وأن القسوة والشدة ليست شراً دائما كان من العدل الضرب بشدة على يد من لا يراعي مصلحة الجماعة، ومن لا يرحم الناس لا يرحمه الله، فالعدل كل العدل أن يعاقب من يستحق العقاب، وليس أجدر بذلك النوع من العقاب الأ المجرمون الذين تقتضي طبيعة جرائمهم أن تتم في الخفاء الذي يترك الرهبة والرعب الشديد في نفوس الناس.
__________
(1) انظر أعلام الموقعين لابن قيم الجوزية: 2/96.(6/1525)
وقد قال الله تعالى بعد تقرير عقوبة السرقة: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} .
فإن هذا النص يدل على أن العقوبة مكافئة ومساوية للجريمة بكل آثارها الناتجة عنها مما تحدثه السرقة من ترويع وإفساد، وكل ما يمكن السارق من تحقيق مآربه ولو أدى ذلك إلى القتل فإن طبيعة السارق موسومة بالشراهة والنهم، فلا يهمه إلا ما يحصل عليه من أموال الناس، من أجل ذلك شدد الشارع في تلك العقوبة حتى يردع الآثم ويطمئن الآمن.
ولما كانت العقوبة مرتبة على ما تشيعه السرقة من خوف واضطراب بدليل أن الشارع قطع يد السارق في ربع دينار، كما قطع سارق الأكثر. ولو كان القطع على ذات الفعل لتفاوتت العقوبة في كل منهما (1)
يقول العز بن عبد السلام في قواعده (2) إن السرقتين استويتا في المفسدتين، وما ذلك إلا بأثرهما على الجماعة وإلا فإنه لا وجه لتساويهما كما هو ظاهر. وقد جعل الله تلك العقوبة نكالا تمنع الغير من ارتكاب السرقة اعتباراً بما وقع للسارق المقطوعة يده من شدة وحزم. وإن مادة النكال من نكل بفلان إذا صنع به صنعاً يحذر منه غيره إذا رآه ومنه قول الله تعالى: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} ، أي عبرة.
ولا عبرة أعظم من قطع يد السارق في السرقة يفتضح بها صاحبها طول حياته، ويوسم بميسم الخزي والعار يلاحقه حتى مماته. ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى (3)
__________
(1) مكافحة جريمة السرقة في الإسلام: ص 204.
(2) 1/40.
(3) أعلام الموقعين: 2 /103.(6/1526)
ومن المعلوم أن عقوبة الجناة والمفسدين لا تتم إلا بمؤلم يردعهم ويجعل الجاني نكالاً وعظة لمن يريد أن يفعل مثل فعله وعند هذا فلا بد من إفساد شيء منه بحسب جريمته في الكبر والصغر والقلة والكثرة. ويقول العز بن عبد السلام في قواعده الفقهية (1) من أمثلة الأفعال المشتملة على المصالح والمفاسد مع رجحان مصالحها على مفاسدها قطع يد السارق، فإنه إفساد لها ولكنه زاجر حافظ لجميع الأموال فقدمت مصلحة حفظ الأموال على مفسدة قطع يد السارق. اهـ. ومن الحكمة في قطع اليد ما قاله الشيخ محمد رشيد رضا في تفسيره حيث قال {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} : هذا تعليل للحد، أي اقطعوا أيديهما جزاء لهما بعملهما وكسبهما السيىء ونكالا وعبرة لغيرهما، فالنكال مأخوذ من النكل وهو (بالكسر) قيد الدابة ونكل عن الشيء عجز أو امتنع لمانع صرفه عنه.
فالنكال هنا ما ينكل الناس ويمنعهم أن يسرقوا، ولعمر الحق أن قطع اليد الذي يفضح صاحبه طول حياته، ويسمه بميسم الذل والعار وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة، وتأمين الناس على أموالهم، وكذا على أرواحهم، لأن الأرواح كثيراً ما تتبع الأموال، إذا قاوم أهلها السراق عند العلم بهم، إلى أن قال: فهو سبحانه يضع الحدود والعقوبات بحسب الحكمة التي توافق المصلحة (2)
__________
(1) 1/166
(2) تفسير المنار: 6/ 380.(6/1527)
وقال الدهلوي في معرض كلامه على السرقة وما يتعلق بها ما نصه:
وقال صلى الله عليه وسلم في سارق "اقطعوه ثم احسموه " أقول إنما أمر بالحسم لئلا يسري فيهلك، فإن الحسم سبب عدم السراية. وأمر عليه السلام باليد فعلقت في عنق السارق أقول إنما فعل هذا للتشهير وليعلم الناس أنه سارق. (1) أما الفقهاء رحمهم الله تعالى فلم يتعرضوا في كتبهم في الغالب لعلة الحكم الشرعي أو حكمة تشريعه بل جل اهتمامهم بذكر الأحكام فقط اللهم إلا بالنزر القليل الذي يأتي في معرض الكلام كقول السرخسي من جملة كلامه على قوله عليه الصلاة والسلام في حق السارق ((اذهبوا به فاقطعوه)) فيه دليل على أن القطع للزجر لا للإتلاف لأنه أمر بالحسم بعد القطع وهو دواء وإصلاح يتحرز به عن الإتلاف، وفيه دليل على أن التطهير لا يحصل بالحد إذا كان مصراً على ذلك، ولأنه خزي ونكال، وإنما التطهير والتكفير به في حق التائب (2)
يقول ابن القيم رحمه الله تعالى تحت عنوان (لماذا قطعت يد السارق ولم يقطع فرج الزاني) فصل: وأما معاقبة السارق بقطع يده وترك معاقبة الزاني بقطع فرجه ففي غاية الحكمة والمصلحة، وليس في حكمة الله تعالى ومصلحة خلقه وعنايته ورحمته بهم أن يتلف على كل جان كل عضو عصاه به فيشرع قلع عين من نظر إلى المحرم وقطع أذن من استمع إليه، ولسان من تكلم به، ويد من لطم غيره عدواناً.
ولا خفاء بما في هذا من الإسراف والتجاوز في العقوبة، وقلب مراتبها، وأسماء الرب الحسنى وصفاته العليا وأفعاله الحميدة تأبى ذلك.
وليس مقصود الشرع مجرد الأمن من المعاودة ليس إلا، ولو أريد هذا لكان قتل صاحب الجريمة فقط، وإنما المقصود الزجر والنكال والعقوبة على الجريمة، وأن يكون إلى كف عدوانه أقرب، وأن يعتبر به غيره، وأن يحدث له ما يذوقه من الألم توبة نصوحاً، وأن يذكره ذلك بعقوبة الأخرة إلى غير ذلك من الحكم والمصالح.
__________
(1) حجة الله البالغة: 2/123
(2) المبسوط لشمس الدين السرخسي. الطبعة الثالثة، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت – لبنان: 9/ 141 – 142(6/1528)
ثم إن في حد السرقة معنى آخر وهو أن السرقة إنما تقع من فاعلها سراً كما يقتضيه اسمها ولهذا يقولون: فلان ينظر إلى فلان مسارقة إذا كان ينظر إليه نظراً خفياً لا يريد أن يفطن له، والعازم على السرقة مختف كآثم خائف أن يشعر بمكانه فيؤخذ به، ثم هو مستعد للهرب والخلاص بنفسه إذا أخذ الشيء.
واليدان للإنسان كالجناحين للطائر في إعانته على الطيران، ولذلك يقال وصلت جناح فلان إذا رأيته يسير منفرداً فانضممت إليه لتصحبه، فعوقب السارق بقطع اليد قصا لجناحه، وتسهيلاً لأخذه إن عاود السرقة فإذا فعل به هذا في أول مرة بقي مقصوص أحد الجناحين ضعيفاً في العدو ثم يقطع في المرة الثانية رجله فيزداد ضعفاً في عدوه، فلا يكاد يفوت الطالب، ثم تقطع يده الأخرى في الثالثة ورجله الأخرى في الرابعة، فيبقى لحما على وضم، فيستريح ويريح. اهـ. (1)
ويقول في موضع آخر - وأما القطع فجعله عقوبة مثله عدلاً وعقوبة السارق فكانت عقوبة به أبلغ وأردع من عقوبته بالجلد ولم تبلغ جناية حد العقوبة بالقتل فكان أليق العقوبات به إبانة العضو الذي جعله وسيلة إلى أذى الناس، وأخذ أموالهم، ولما كان ضرر المحارب أشد من ضرر السارق وعدوانه أعظم ضم إلى قطع يده قطع رجله ليكف عدوانه وشر يده التي بطش بها، ورجله التي سعى بها، وشرع أن يكون ذلك من خلاف لئلا يفوت عليه منفعة الشق بكماله، فكف ضرره وعدوانه، ورحمه بأن أبقى له يداً من شق ورجلاً من شق (2)
__________
(1) أعلام الموقعين للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تحقيق وضبط عبد الرحمن الوكيل طباعة دار الكتب الحديثة شارع الجمهورية بعابدين: 2/ 95، 96.
(2) أعلام الموقعين للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تحقيق وضبط عبد الرحمن الوكيل طباعة دار الكتب الحديثة شارع الجمهورية بعابدين: ص 84.(6/1529)
ويقول رحمه الله تعالى في موضع آخر: فصل: وأما قطع يد السارق في ثلاثة دراهم وترك قطع المختلس والمنتهب والغاصب فمن تمام حكمة الشارع أيضاً، فإن السارق لا يمكن الاحتزاز منه فإنه ينقب الدور، ويهتك الحرز ويكسر القفل، ولا يمكن صاحب المتاع الاحتزاز أكثر من ذلك، فلو لم يشرع قطعه لسرق الناس بعضهم بعضاً وعظم الضرر، واشتدت المحنة بالسراق، بخلاف المنتهب والمختلس، فإن المنتهب هو الذي يأخذ المال جهرة بمرأى من الناس فيمكنهم أن يأخذوا على يديه، ويخلصوا حق المظلوم، أو يشهدوا له عند الحاكم (1)
وقال عبد الرحمن الجزيري: حد السرقة من الحدود الثابتة بالكتاب والسنة وإجماع الأمة فذكر الله تعالى حده في الآية الكريمة. وأمر بقطع يد السارق ذكراً كان أو أنثى، عبداً، أو حراً، مسلما أو غير مسلم صيانة للأموال وحفظاً لها، ولقد كان قطع يد السارق معمولاً به في الجاهلية قبل الإسلام فلما جاء الإسلام أقره وزاد عليه شروطاً معروفة (2) إلى أن قال: ولهذا علل الله تعالى قطع اليد في السرقة بقوله عز وجل: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، أي تقطع مجازاة على صنيعهما السيىء في أخذهما أموال الناس بأيديهما فناسب أن يقطع العضو الذي استعانا به على ذلك: {نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، أي تنكيلاً من الله بهما على ارتكاب ذلك الفعل، وعبرة لغيرهما، فإن قطع اليد يفضح صاحبه طول حياته ويجلب له الخزي والعار ويسقطه في نظر المجتمع، وهو أجدر العقوبات بمنع السرقة، وتأمين الناس على أموالهم وأرواحهم، وأعراضهم.
__________
(1) أعلام الموقعين للإمام ابن القيم رحمه الله تعالى تحقيق وضبط عبد الرحمن الوكيل طباعة دار الكتب الحديثة شارع الجمهورية بعابدين ص 44.
(2) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، تأليف عبد الرحمن الجزيري - المجلد الخامس: ص 153.(6/1530)
وها هنا سؤال معروف وهو أن قطع اليد فيه إتلاف لعضو من أعضاء الإنسان وذلك لا يتناسب مع الجريمة إذا كانت يسيرة، فإن أقل ما تقطع فيه اليد عشرة دراهم فالعقوبة شديدة. وهذا الكلام منشؤه الغفلة عن معنى الجريمة، وعن الآثار الضارة المترتبة عليها، فإنك قد عرفت أن هذه الجريمة من أشد الجرائم خطورة، فإذا فشت السرقة بين الناس فقد هددوا في أموالهم، وأعراضهم وأنفسهم كما ذكرنا وأصبحت حياتهم مريرة لا فائدة منها، فإن السارق كالحيوان المفترس الذي يفتك بكل ما يلاقيه، فجريمته يجب أن تقابل بالقسوة المتناهية كي ينقطع دابرها من بين الناس بتاتاً فإذا تخيل شخص أن العقوبة شديدة فإنه يجب أن يعلم أن فظاعة الجريمة وآثارها في المجتمع أشد وأنكى، ثم إن العقوبات لم توضع إلا لزجر فاسدي الأخلاق وهؤلاء لا ينزجرون بالرفق واللين بدون نزاع، فإذا لم تتمثل أمامهم شدة العقوبة فإنهم لا ينزجرون أبداً (1)
وقال الشيخ علي أحمد الجرجاوي أحد علماء الأزهر (2) ما نصه: (حكمة عقاب السارق) إن الذين لم يفقهوا هذا الدين الحنيف الذي جاء شاملاً لكل منفعة بني الإنسان ولم يقفوا على حقيقة العلل الشرعية التي لأجلها جعلت العقوبات متنوعة في الشدة. هؤلاء يقولون إن عقاب السارق بهذا الشكل مضر ببني الإنسان وليس فيه مصلحة للأمة.
__________
(1) كتاب الفقه على المذاهب الأربعة، تأليف عبد الرحمن الجزيري - المجلد الخامس: ص 191.
(2) انظر كتاب حكمة التشريع وفلسفته للشيخ علي الجرجاوي أحد علماء الأزهر - الطبعة الرابعة، الجزء الثاني: ص 295 - 299.(6/1531)
وهذا القول منقوض مردود وهووهم وليس من الحكمة في شيء ولأجل أن نوقف هؤلاء الناقدين والطاعنين على الإسلام في وجوب العقاب هكذا نبين لهم بقدر الإمكان ضرر السرقة، ثم نكل إلى ذوي العقول منهم الحكم بعد ذلك.
أولاً: إن المرء يكد ويكدح في هذه الحياة طلباً للرزق وما يقوم به أود حياته إما بفلح الأرض واستثمارها فيصهر جلده لعاب الشمس في الصيف ويهري أطرافه الزمهرير في الشتاء، وهكذا من المشاق التي يعانيها الفلاح المسكين كما هو مشاهد لنا برأي العين، وإما بالسفر مشياً على القدمين أو ركوباً على الدابة معرضاً نفسه للوحوش الضارية والسباع الكاسرة في فسيح الفلوات وبين الجبال والوهاد، يترقب الخطر كل لحظة وأخرى والطامة الكبرى إذا فقد الزاد فإنه يقع بين خطرين عظيمين وهما فقد الأمن والزاد. وفي هذه الحالة يكون الموت والهلاك منه قاب قوسين أو أدنى، هذا مع بعد المسافات واحتمال الحر والبرد. وإما بركوب السفن فيكون دائما معرضاً للخطر إذا هبت الرياح الهوج وهاج البحر واضطرب وجرت السفينة في موج كالجبال خصوصاً إذا كان البر بعيدا والقاع عميقاً في المحيطات الكبرى الفسيحة اللجج والغمرات. وقد يكون الريح ساكنا فتتعطل السفينة إذا لم تكن بخارية وتطول الشقة ويفنى الزاد، وهكذا من وعثاء السفر وإما بالاتجار في البضائع وهو في بلده فيوماً يربح ويوماً يخسر. وآونة يفقد رأس المال وهو في كلتا الحالتين يبقى دائما في همين. هم وقوع الخسارة إذا لم يربح أو فقد رأس المال فهو دائما في كد وكدح وهم ونصب. وإما بمباشرة الصناعة التي تهد الجبال وتفني الجسد. وإما بالخدمة في الحكومة أو غيرها فهو دائما في تعب وذل لسطوة الرؤساء وغطرستهم وعقابهم إياه أهمل أو لم يهمل، بل لمجرد الصولة والسطوة، وربما كان عقابه قطع راتبه شهراً أو أقل أو أكثر أو الرفت في بعض الأوقات، فيكون الضرر أعظم كما لا يخفى. وهلم جراً من الأعمال التي يعانيها الإنسان في سبيل الكسب والتي يعرض لأجلها روحه على الموت، والتي تدعو أرباب الأعمال في كثير من الأحايين إلى الإضراب عن العمل وتوقف الحركة فيختل النظام ويجرد الحسام كما هو واقع في الشرق والغرب.(6/1532)
ثانياً: إن هذه الأموال التي يكتسبها الإنسان بالكد والكدح تصرف إما للقوت وهو قوام الحياة، وإما على الملبس وعليه وقاية الجسد. وإما لإعانة الفقراء والمساكين وأبناء السبيل، واليتامى، والمرضى، وذوي البيوتات التي لا يحصى عددها الذين أخنى عليهم الدهر. وقل ما شئت في وجوه الصرف التي لا يحصى عددها. والتي عليها قوام الحياة، ونظام هذا الكون، فيجتهد الإنسان هذا الاجتهاد في الكسب لهذه الأغراض الشريفة. ثم يأتي اللص فيسلبه ثمرة أتعابه سلباً هو في الحقيقة تقويض لدعائم العمران والأمن العام للأسباب التي سلفت.
ثالثاً: إن اللص قد يسرق سلباً ونهباً بالإغارة على الناس وهم آمنون في ديارهم فيزعجهم ويقلق راحتهم. وربما أدت الحالة إلى إراقة الدماء فتذهب الأرواح وتيتم الأطفال وترمل النساء كما هو الحال في بلاد الأرياف وبعض المدن.
رابعاً: إن السارق إذا تعود السرقة مالت نفسه إلى الكسل والبطالة، فتتعطل حركة الأعمال ويحل بالعالم النكال والوبال ويأكل الناس بعضهم بعضاً لجلب ما يحتاجون إليه من ضروريات الحياة.
إذا عرفت هذا، عرفت أن اللص عضو فاسد في جسم الأمة يجب تلافي شره.
ومن حكمة الشارع أنه جعل العقوبة على الجارحة التي استعان بها على السرقة وهي اليد التي تناول بها المسروق، والرجل التي سعى بها ليسرق، فإذا ما شاهد الناس سارقاً أو سارقة في الطريق بهذا الشكل ارتعدت فرائصهم من لفظ سرق - يسرق - سارق - مسروق - فضلاً عن مباشرة السرقة فعلاً. ولنام الناس في بيوتهم وهي مفتحة الأبواب.(6/1533)
وكذا خزائن الأموال. ولا حارس لهم إلا عدل هذا الشارع الحكيم، ولخلت السجون من اللصوص، ولما احتاجت الحكومات إلى إتعاب الفكر في إيجاد أنجع الطرق والوسائل التي تقطع دابر اللصوص، ولما احتاجت للجند والشرطة اللهم إلا لعدو في الحرب أو طارق لا للص وسارق.
والحكمة في قطع الرجل عند العودة، والحبس إذا تكررت السرقة من السارق هو أن الإبقاء على اليد والرجل يمكنه الارتزاق بقدر الإمكان فلا يكون عولاً على الناس، إذا لمراد من القطع هو لأجل الاتعاظ والعقوبة. أما العقوبة فقد حصلت. وأما الاتعاظ فهو يحصل بالقطع إذا رآه الناس (1)
وعن أهمية قطع يد السارق وتنفيذ هذه العقوبة حسبما أمر به الشرع يقول
عبد القادر عودة ما نصه: ثانياً - القطع - أساس القطع: الأصل في القطع قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} .
وعقوبة القطع لا يجوز العفو عنها لا من المجني عليه ولا من رئيس الدولة، ولا يجوز أن تستبدل بها عقوبة أخرى أخف منها. والأصل في ذلك ما روي عن رسول الله عليه السلام (تجافوا العقوبة فيما بينكم، فإذا انتهي بها إلى الإمام فلا عفا الله عنه إن عفا) كذلك لا يجوز تأخير تنفيذ العقوبة أو تعطيلها وهذه المبادىء متفق عليها (2)
__________
(1) من كتاب حكمة التشريع وفلسفته - الجزء الثاني من صفحة 295 - 299.
(2) التشريع الجنائي - عبد القادر عودة 2/621 الطبعة الثانية مكتبة دار العروبة - شارع الجمهورية بالقاهرة.(6/1534)
وقال في موضع أخر: وعلة فرض عقوبة القطع للسرقة أن السارق حينما يفكر ني السرقة إنما يفكر في أن يزيد كسبه بكسب غيره، فهو يستصغر ما يكسبه عن طريق الحلال ويريد أن ينميه من طريق الحرام، وهو لا يكتفي بثمرة عمله فيطمع في ثمرة عمل غيره، وهو يفعل ذلك ليزيد من قدرته على الإنفاق أو الظهور أو ليرتاح من عناء الكد والعمل أو ليأمن على مستقبله، فالدافع الذي يدفع إلى السرقة ويرجع إلى هذه الاعتبارات وهو زيادة الكسب أو زيادة الثراء وقد حاربت الشريعة الإسلامية هذا الدافع في نفس الإنسان بتقرير عقوبة القطع لأن قطع اليد أو الرجل يؤدي إلى نقص الكسب إذ اليد والرجل كلاهما أداة العمل أياً كان، ونقص الكسب يؤدي إلى نقص الثراء، وهذا يؤدي إلى نقص القدرة على الإنفاق وعلى الظهور ويدعو إلى شدة الكدح وكثرة العمل والتخوف الشديد على المستقبل.
فالشريعة الإسلامية بتقريرها عقوبة القطع دفعت العوامل النفسية التي تدعو لارتكاب الجريمة بعوامل نفسية مضادة تصرف عن جريمة السرقة، فإذا تغلبت العوامل النفسية الداعية وارتكب الإنسان الجريمة مرة كان في العقوبة والمرارة التي تصيبه منها ما يغلب العوامل النفسية الصارفة فلا يعود للجريمة مرة ثانية.
ذلك هو الأساس الذي قامت عليه عقوبة السرقة في الشريعة الإسلامية، وإنه لعمري خير أساس قامت عليه عقوبة السرقة من يوم نشأة عالمنا حتى الآن. وإنه السر في نجاح عقوبة السرقة في الشريعة الإسلامية قديماً. وهو السر الذي جعلها تنجح نجاحاً باهرا في الحجاز في عصرنا هذا فتحوله من بلد كله فساد واضطراب ونهب وسرقات إلى بلد كله نظام وسلام وأمن وأمان.(6/1535)
لقد كان الحجاز قبل أن تطبق فيه الشريعة الإسلامية أخيراً أسوأ بلاد العالم أمناً فكان المسافر إليه أو المقيم فيه لا يأمن على نفسه وماله وعياله ساعة من ليل، بل ساعة من نهار بالرغم مما له من قوة وما معه من عدة، وكان معظم السكان لصوصاً وقطاعاً للطرق، فلما طبقت الشريعة أصبح الحجاز خير بلاد العالم كله أمناً يأمن فيه المسافر والمقيم، وتترك فيه الأموال على الطرقات دون حراسة فلا تجد من يسرقها أو يزيلها من مكانها على الطريق حتى تأتي الشرطة فيحملونها إلى حيث يقيم صاحبها (1) ويقول السيد سابق في معرض كلامه عن حد السرقة وحكمة التشديد في العقوبة فيها: وشدد في السرقة فقضى بقطع يد السارق التي من شأنها أن تباشر السرقة وفي ذلك حكمة بينة إذ أن اليد الخائنة بمثابة عضو مريض يجب بتره ليسلم الجسم، والتضحية بالبعض من أجل الكل مما اتفقت عليه الشرائع والعقول. كما أن في قطع يد السارق عبرة لمن تحدثه نفسه بالسطو على أموال الناس، فلا يجرؤ أن يمد يده إليها، وبهذا تحفظ الأموال وتصان. يقول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، إلى أن قال: والحكمة في تشديد العقوبة في السرقة دون غيرها من جرائم الاعتداء على الأموال هي ما جاء في شرح مسلم للنووي: قال القاضي عياض رضي الله عنه: صان الله الأموال بإيجاب القطع على السارق، ولم يجعل ذلك في غير السرقة كالاختلاس والانتهاب والغصب، لأن ذلك قليل بالنسبة إلى السرقة، ولأنه يمكن استرجاع هذا النوع بالاستدعاء إلى ولاة الأمور، وتسهل إقامة البينة عليه بخلاف السرقة فإنها تندر إقامة البينة عليها فعظم أمرها واشتدت عقوبتها ليكون أبلغ في الزجر عنها: (2) .
__________
(1) التشريع الجنائي الإسلامي: 1/ 652 و 653.
(2) فقه السنة لسيد سابق، الجزء الثاني، نشر دار الكتاب العربي، بيروت - لبنان: ص 485.(6/1536)
ويقول أحمد الحصري - وقد أجمع المسلمون على وجوب قطع يد السارق دون نكير ممن يعتد بآرائهم وأفكارهم.
المعقول: قال الشافعية المال من أهم دعائم الحياة فيجب الحفاظ عليه من أن تعبث به يد اللصوص ويجب أن يأمن الناس على أموالهم حتى تستقر أمورهم وتنتظم حياتهم، ولقد وردت السنة تفيد وتؤكد وجوب الدفاع عن المال واعتبار من يموت دفاعا عن ماله أنه مات في سبيل الله.
ولهذا كان لا بد للشارع الحكيم من أن يشرع من العقوبات ما يحفظ بها المال من الضياع ويؤمن أصحاب الأموال على أموالهم حتى تسير أمور المسلمين على خير حال.
فكانت عقوبة السرقة عقوبة رادعة زاجرة مؤكدة تصميم الشارع على عدم ترك العابثين يعبثون دون ردع وزجر فكانت العقوبة هي قطع اليد الآثمة السارقة.
وقد حاول الزنادقة والمغرضون من أعداء الإسلام التشكيك على الشريعة في الفرق بين دية اليد، إذا اعتدي عليها من إنسان وبين وجوب قطعها عقوبة على سرقة دراهم معدودة.
فقال أبو العلاء المعري:
يد بخمس مئين عسجد وديت
ما بالها قطعت في ربع دينار
وأجابه القاضي عبد الوهاب المالكي بقوله:
وقاية النفس أغلاها وأرخصها
ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
وهذا الرد هو جواب بديع مع الاختصار ومعناه أن اليد لو كانت تودى بما قطع فيه لكثرت الجنايات على الأطراف لسهولة الغرم في مقابلتها لكن الشارع الحكيم وقاية للنفوس غلظ الغرم على الأطراف حفظاً لها.(6/1537)
قال ابن الجوزي: وقد سئل عن شدة العقوبة في السرقة في مقابل مال زهيد بينما اليد التي تقطع عقوبة لهذه الجريمة قيمتها لو اعتدي عليها يزيد أضعافاً مضاعفة على قيمة المسروق الذي تقطع فيه قال: لما كانت اليد أمينة كانت ثمينة فلما خانت هانت. اهـ (1)
ويقول الدكتور محمد فاروق النبهان: أود أن أشير إلى أن حد القطع هو حد من حدود الله أريد به حماية المجتمع من أخطار من يهددون أمنه واستقراره، فالسرقة جريمة من الجرائم الأساسية التي يعاني منها مجتمعنا المعاصر، وكم سقطت ضحايا نتيجة هذه الجريمة الشرسة التي لم تستطع القوانين الجزائية المعاصرة أن تضع حداً لها، بل إن الإحصائيات تشير إلى أن هذه الجرائم تزداد مع الزمن ولا تختص بالمجتمعات المتخلفة والفقيرة، وإنما هي ظاهرة نجدها بصورة أكثر شراسة ووحشية في المجتمعات المتقدمة والغنية، حيث نجد العصابات الإرهابية تأخذ طابعاً مميزاً في جرائمها الوحشية التي تأنف منها إنسانية الإنسان.
وإن الذين يتباكون على اليد المقطوعة التي روعت المجتمع بجرائمها أولى بهم أن يتباكوا أيضاً على الضحايا الذين يسقطون بالمئات نتيجة أعمال النهب والسلب في كل مجتمع من المجتمعات المعاصرة، ويد واحدة تقطع على ملأ من الناس كفيلة بردع كل مجرم، وزجر كل من تسول له نفسه أن يتخذ من السرقة باباً من أبواب الرزق.
__________
(1) الحدود والأشربة في الفقه الإسلامي، تأليف أحمد الحصري، أستاذ الفقه المقارن بالجامعة الأردنية - الناشر مكتبة الأقصى عمان: ص 374، 375.(6/1538)
وإذا كان علماء القانون الجزائي يضعون النظريات المثالية التي يستدرون بها الدموع ويستجدون بها العواطف على المجرمين، فأولى بهؤلاء أن ينظروا ولو مرة واحدة إلى الجرائم المروعة الدامية التي تحل بالآمنين المطمئنين من السكان الذين استسلموا أو ألقوا سلاحهم اعتماداً على الأمن والاستقرار والحماية التي توفرها أجهزة الأمن لهم من خلال التشريعات الجزائية الواقية.
وقطع يد السارق هي عقوبة السماء فأولى بالبشر أن يتمسكوا بهذه العقوبة الرادعة الزاجرة التي ما أريد بها إلا حماية المجتمع وحماية أمنه واستقراره.
ولتكف الأعين الدامعة أسى وحزناً على المجرمين، وإذا كان المجرم يستحق نظرة رحمة وشفقة فإن البريء بدون شك هو أحوج لهذه النظرة البريئة (1)
أقول: وخلاصة ذلك أن الله لما خلق الإنسان وفضله وكرمه على كثير من خلقه فقال: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ} ، وقال سبحانه وتعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} ، فقد أنزل سبحانه وتعالى من الأحكام على يد رسله الذين اصطفاهم واختارهم وكان الهدف من هذه الأحكام التي أنزلها على رسله هو المحافظة على الإنسان الذي كرمه على سائر خلقه، فكانت هذه الأحكام تهدف إلى المحافظة على الأرواح والأموال والأعراض والعقول وغيرها من مقاصد تنظيم المجتمع تنظيما دقيقاً ناجحا، ومن هذه الأغراض والمقاصد الأساسية التي تهدف إليها الشريعة الغراء - المحافظة على مال الإنسان ونفسه.
ولذلك فقد شرع الله حد السرقة وهو قطع يد السارق: لأن السرقة تؤدي إلى إتلاف المال وضياعه، والمال مخلوق لوقاية النفس والمحافظة عليها. فكانت الحكمة من شرعية حد السرقة هي المحافظة على المال وعلى النفس وعلى العرض.
__________
(1) مباحث في التشريع الجنائي الإسلامي، للدكتور محمد فارون النبهان، الناشر - وكالة المطبوعات بالكويت، ودار القلم ببيروت، لبنان: ص 366، 367.(6/1539)
كما أن السرقة إذا انتشرت في قوم سادهم الخوف والقلق وعدم الاستقرار، وإذا سادت هذه الأشياء مجتمعاً من المجتمعات فلن يصلح حاله. ولن يتقدم مهما كانت أسباب التقدم فيه ولقد خلق الله المال حماية للإنسان يقول تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} .. ويقول الشاعر:
أصون عرضي بمالي لا أدنسه
لا بارك الله بعد العرض في المال
ولا يمكن المحافظة على النفس، أو العقل، أو النسل إلا به. لذا كانت ضرورته للحياة ملحة وكان مقصداً شرعياً لتضامن الأدلة على حفظه ورعايته قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ} .
والسارق لما أخذ مال غيره خفية وظلما، وبغياً وعدواناً، وكان أكبر مساعد له على فعله اليد التي امتدت لأخذه وانبسطت لسلبه، كانت أحق بالعقوبة دون سائر الجوارح لذلك أوجب الله قطعها، لأن بها البطش والسطو - زجراً واعتباراً كيلا تمتد يد لسرقه، ولا تحدث نفس صاحبها بها أصلاً - لأنه إذا علم أنه إن سرق بترت يمينه، وشوهت بنيته، ونقصت خلقته وصار مثلاً يضرب، وعاراً يذكره الناس به إذا مشى خصوصاً إذا علقت يده في عنقه. (على رأي من قال بذلك من العلماء أو حسبما يراه ولي الأمر نكاية وزجراً لغيره، امتنع عن مجر التفكير فيها، فلأجل هذا أوجب الدين الإسلامي قطع يد السارق ليكون ذلك ردعاً ومنعاً من هذه الفعلة الشنيعة وقطعاً لدابر من تسول لهم أنفسهم بإخافة المجتمع وتعكير صفوه.
فإن يد الإنسان عزيزة إذا كانت أمينة، فإذا خانت الأمانة هانت واستحقت القطع. وقال الشاعر في معنى ذلك:
عز الأمانة أغلاها وأرخصها
ذل الخيانة فافهم حكمة الباري
وباستقراء ما سبق وتأمله نكاد نستخلص من حد قطع اليد الأهداف التي منها ما يلي:
ا - الشريعة الإسلامية تهدف من العقوبات والحدود أن ينال الجاني جزاءه مقابل ما اقترفه من جريمة. وخصوصاً حدود الجرائم التي قررها الشارع الحكيم.(6/1540)
2 - أنه لا يجوز العفو عنها متى علم بها الحاكم الشرعي إذا كانت حقاً لله وحده ولا يجوز تأخير تنفيذها إلا بمسوغ شرعي، يدل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لم يقبل الشفاعة في المخزومية التي سرقت وقال مقالته المشهورة: لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) .
3 - هذه العقوبة وهذا الجزاء فيه الردع والمنع لنفس الجاني ولغيره من الجناة الذين يفكرون في فعل مماثل لفعله، فحينما يرى السارق يده قد قطعت ويرى الآخرون ذلك ماثلاً أمام أعينهم يكون ذلك مانعاً قوياً من الجريمة مهما كانت.
4 - بما أن الله سبحانه وتعالى عبر عن ذلك بأقوى الألفاظ وأوضح المعاني الدالة على إبانة العضو بقطعه حيث قال جل وعلا: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} ، فإذن الجزاء لا يتم إلا بالقطع والنكال لا يتم إلا برؤية اليد المقطوعة. والذي شرع هذا هو أرحم الراحمين وهو أعلم بما يصلح عباده.
5 - إن الشارع الحكيم لو قصد أن ينال السارق غير عقوبة القطع لشرعها ابتداء فكأن الإعادة بعد القطع بمثابة الجرح المعالج أو الكسر الذي عولج بالتجبير فانتفت الحكمة أو الهدف من القطع ويكون في ذلك تغيير لأمر الله الذي أمر بالقطع.
6 - من أهم أهداف القطع (والله أعلم) هو إظهار هذا السارق بين الملأ وتنقيصه بمظهر ينبىء عن خسته ودناءته وينفر المجتمع منه وليعرف من يراه أنه مجرم ومن ثم يحذر منه ومن أن يفعل مثل فعله، ويكون عبرة أمام غيره ممن تسول لهم نفوسهم ارتكاب هذا الذنب العظيم. وليس الغرض منه مجرد الألم بالقطع فهناك عقوبات آلم من القطع.
7 - في إقامة الحد معنى الزجر أي ردع الغير عن الإقدام على السرقة أو أن يعيث في الأرض فساداً، وفيها معنى الإجبار أي الإجبار مرتكب السرقة على عدم العودة إليها.
8 - في إعادة يد السارق إسدال للستار على هذه الجريمة ونفي للحكمة التشريعية من إقامة حدها.(6/1541)
9 - في الأمر بتعليق يد السارق على عنقه حسبما يقول به بعض العلماء زيادة في التشهير به وبيان لبعض حكمة مشروعية القطع إذ بالتعليق يشتهر أكثر ويظهر أمره.
10 - كما أن في الأمر بالحسم لموضع القطع دليل على عدم جواز الإعادة إذ يعتبر بمثابة العلاج الذي يبقيها على حالتها بعد قطعها - والله أعلم.
11 - أما في القصاص أيضاً فإن الحدود تعتبر موانع وزواجر، فإن الجاني بالقتل أو الجرح أو القطع إذا عرف أنه يؤخذ منه ما أخذ ويفعل به كما فعل كف عن فعلته التي أرادها.
12 - إقامة الحدود تعتبر أيضاً روادع وموانع قبل الفعل فالعلم بشرعيتها يمنع الإقدام على الفعل زواجر بعده أي أن إيقاعها بعده يمنع العود إليه.
13 - يعتبرها بعض العلماء جوابر بمعنى إن اقترف جريمة من جرائمها ثم أقيم عليه الحد، فإن إقامة الحد عليه تعتبر كفارة لجريمته إذا تاب منها وردعه أيضاً عن الإقدام على أن يفعل مثل ما فعل من جرم.
وجملة القول في ذلك:
ا - إن الشريعة الإسلامية جاءت لحفظ مصالح الخلق، ومقاصدها لا تعدو أن تكون ضرورية أو حاجية أو تحسينية.
(أ) فالضرورية هي التي لا بد منها في قيام مصالح الدين والدنيا إذا تحققت أحكامها جرت أحوال العباد في دنياهم على استقامة، وفازوا في الآخرة بجنات النعيم، وإذا فقدت فاتتهم الحياة السعيدة، وعاشوا في تهارج وفساد، وباؤوا في الأخرة بالخسران المبين وتنحصر تلك الضروريات في حفظ الدين والنفس والعقل والنسل والمال، وهي مراعاة في جميع الشرائع الإلية.
(ب) والحاجية هي التي يراعى فيها التوسعة ورفع الضيق إلى المشقة والحرج لكنها دون ما شرعت له الضروريات، كالرخص في العبادات، وكالقراض والمساقاة وإلغاء التوابع في العقد على المتبوعات في المعاملات، وضرب الدية على العاقلة في الجنايات.
(ج) والتحسينيات هي التي شرعت لحفظ مكارم الأخلاق كالطهارات والتقرب بالنوافل المشروعة وآداب الأكل والشرب والمنع من بيع فضل الماء والكلأ وأمثال ذلك في العبادات والمعاملات والعادات.(6/1542)
2 - أنه تعالى شرع الحدود والتعزيرات حماية لمقاصد الشريعة، وحفظاً لمصالح العباد ضرورية وحاجية وتحسينية، فأوجب حد القتل في الردة مثلاً، والتعزير في وسائلها، حفظاً للدين وأوجب القصاص حفظاً للنفس والأطراف، والتعزير فيما قد يفضي إلى ذلك من سباب وتشاجر ونميمة وظن سوء وشهر سلاح في المجامع العامة الآمنة، وأوجب الجلد والرجم في الزنا، حفظاً للنسل والأنساب والأعراض، وشرع التعزير في وسائله من خلوة بأجنبية، وسفر امرأة بلا محرم أو زوج ونحو ذلك، وأوجب الحد في شرب الخمر حفظاً للعقل، وحرم وسائلها، وشرع فيها التعزير، وأوجب قطع اليد في السرقة حفظاً للمال.
وكل ما ذكر من حدود وتعزيرات فيه ردع للناس، وزجر لهم عن ارتكاب الجرائم الموجبة لها والمؤدية إليها، وحفظ للأمن العام، وبعث للطمأنينة في النفوس، واستقرار لأوضاع الحياة، ومنع للهرج والاضطراب في المجتمع، إلى غير هذا مما تصير به العيشة هنيئة، والحياة سعيدة، حضراً وسفراً، ولذلك شرع إعلان هذه العقوبات، ليتحقق أثرها في الجاني وغيره ممن شاهد أو بلغه إقامة الحد (1)
3 - إن استبشاع بعض الناس قطع يد السارق، واعتبارهم إياه في زعمهم - وحشية، وتشويهاً لخلق الإنسان وتقليلاً للأيدي العاملة - ومدعاة للتسول إنما نشأ ذلك من جهلهم بالعواقب، ورعاية لمصالح المجتمع، والمنهاج السوي الذي رسمه العليم الخبير الرؤوف الرحيم لقيادة الأمم وسياستهم بما فيه صلاح الجميع، وإن فات في سبيل ذلك بعض المصالح الجزئية الخاصة، فإن رعاية المصلحة العامة الكلية أحق وأولى من رعاية المصلحة الجزئية الخاصة.
__________
(1) المسألة الأولى من النوع الأول في مقاصد الشريعة من الجزء الثاني من كتاب الموافقات للشاطبي.(6/1543)
ثم ان دعواهم أن قطع يد السارق يترتب عليه تقليل اليد العاملة، وأنه مدعاة للتسول دعوى باطلة، فإن إقامة الحد عليه من شأنها في السنة الكونية وما دلت عليه التجارب العملية منع تكرار الجريمة أو تقليلها حتى لا تقع إلا نادراً، وبذلك لا تتعطل الأيدي العاملة، ولا يتأثر العمل في الحياة بما قطع منها نادراً، ولا يكون ذلك أيضاً مدعاة للتسول، فإن طرق الكسب الحلال كثيرة يسهل على من قطعت يده أن يجد سبيلاً من بينها يتناسب مع حاله، وإن كان أقل كسباً ممن لم تقطع يده، لكنه خير له من اللصوصية، والاعتداء على أموال الناس وسلبهم إياها بغير حق، وإزعاج الأمة، والذهاب بأمنها على مالها أو نفسها ودمها، بل التسول أخف شراً من آثار السرقة وما ينشأعنها من الخطر والبلاء العام، فليعطف هؤلاء على الأمة وليرثوا لمصابها بدلاً من أن يحنوا حنواً كاذباً على المجرم الأثيم وليرحموا المجتمع في أمنه الذي حرمه، وطمأنينته التي سلبها، وليردوا إليه سلبه بالقضاء على هذا، ففي ذلك العدل والإنصاف واستقامة الأمور، وراحة الرعية والحكام (1)
4 - والمقصود الأهم أن ليس المراد بحد القطع مجرد إيلام السارق والتنكيل به وقتياً، وردعه وردع الناس عن هذه الجريمة ووسائلها بمشاهدة القطع وإعلانه حال التنفيذ، بل القصد أيضاً أن يرى الجاني يده مقطوعة كلما حدثته نفسه بالعودة إلى مثل فعلته الخبيثة، فيكف خشية أن يصاب بمثل ما أصيب به من قبل ويزداد بلاؤه، ويتجدد خزيه وعاره، وليراه الناس كلما واجهوه واختلط بهم، وشاهدوا أثر الحد، فيحذروه وينتبهوا لمكانه منهم، ويتقوا غائلته ذلك بأن أثر هذا الحد شعار ينادي في الناس عند كل مناسبة أن انتبهوا إلى ذات أيديكم وخذوا حذركم حتى لا تسلب أموالكم (2)
بهذا يأمن الناس على ما ملكت أيمانهم وعلى أنفسهم، وتطمئن بهم مضاجعهم وينامون ملء أعينهم إذ لا خوف ولا إزعاج، بل الأمن والسلام، وما أعظمهما نعمة على العالمين.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله سليمان بن منيع
__________
(1) يرجع لكلام شيخ الإسلام ابن تيمية، وكلام ابن القيم، وكلام الدكتور الشافعي وغيرها من البحث.
(2) يرجع لكلام العز ابن عبد السلام، وكلام الشيخ رشيد رضا، وكلام الشيخ عبد الرحمن الجزيري، وكلام الدكتور فاروق النبهان من البحث.(6/1544)
وفيما يلي نص قرار مجلس هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية.
قرار رقم (36 1) وتاريخ 17/6/1406
الحمد لله والصلاة والسلام على خير خلق الله نبينا محمد وآله وصحبه ومن اتبع هداه.. وبعد:
فإن مجلس هيئة كبار العلماء في دورته السابعة والعشرين العادية المنعقدة بمدينة الرياض ابتداء من 6/6/1406 قد ناقش الموضوع المتعلق بحكم إعادة اليد المقطوعة في حد إلى صاحبها بعملية جراحية وكان قد سبق للمجلس أن بحث هذا الموضوع في دورته السادسة والعشرين ورأى إعداد بحث فيه يتضمن كلام أهل العلم في الموضوع ثم يعاد عرضه في الدورة السابعة والعشرين وقد تم إعداد البحث المطلوب واستمع المجلس إلى خلاصته، ولما كان تشريع الله سبحانه وتعالى للحدود والتعزيرات تحقيقا لمقاصد الشريعة وحفظاً لمصالح العباد وإن في الحدود والتعزيرات ردعاً للناس وزجراً لهم عن ارتكاب الجرائم الموجبة لها والمؤدية إليها وحفظاً للأمن العام وبعثاً للطمأنينة في النفوس واستقراراً لأوضاع الحياة ومنعاً للهرج والاضطراب في المجتمع إلى غير ذلك مما تصير به العيشة هنيئة والحياة سعيدة حضراً وسفراً ولذلك شرع إعلان هذه العقوبات ليتحقق أثرها في الجاني وغيره ممن شاهد الحد أو بلغته إقامته، لهذا كله ولما ظهر للمجلس بعد البحث والمناقشة وتداول الرأي في هذا الموضوع الهام قرر المجلس بالإجماع أنه لا يجوز إعادة اليد المقطوعة في حد إلى صاحبها، لأن المقصود من القطع الزجر والردع لا الإيلام فقط.
وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
هيئة كبار العلماء رئيس الدورة
عبد الله خياط عبد الرازق عفيفي عبد العزيز بن صالح
إبراهيم بن محمد آل الشيخ محمد بن جبير عبد العزيز بن عبد الله بن باز
صالح بن غصون عبد المجيد حسن سليمان بن عبيد
بعد الله بن منيع صالح اللحيدان راشد بن خنين
عبد الله بن غديان(6/1545)
هل يجوز إعادة يد السارق
إذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟
إعداد
فضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي
رئيس رابطة علماء المغرب والسنغال
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع:
هل يجوز إعادة يد السارق إذا قطعت بصفة شرعية أم لا؟
الجواب بحمد الله وتوفيقه:
بنعمة الله على علماء العصر الحديث أصبح من الممكن والمطبق في كثير من معاهد العلم في ميدان الطب والجراحة توصل العلماء إلى هذا العمل الإنساني سواء في ذلك إرجاع عضو قطع من إنسان إلى جسمه، أو زرعه في جسم إنسان آخر أصبح في حاجة إليه، وهو عمل إنساني هام ومفيد جداً لأنه أنقذ كثيرين ممن كانوا على شفا موت عاجل محقق، وذلك بفضل الله على الإنسانية، حيث هدى علماء الطب والجراحة في عصرنا إلى بلوغ هذه المكرمة التي هي من الله العلي القدير سبحانه فهو الذي ألهم هؤلاء العلماء إلى معرفة الطبائع البشرية التي أبدعها سبحانه، وكونها من عناصر يختلف بعضها عن بعض كما تختلف مقادير كل عنصر في جسم الإنسان عن آخر من جنسه، وقد يكون من فصيلته، ومع ذلك توجد فوارق هي التي يبحثها العلم ويحدد مقاديرها في كل جسم وبذلك يتغلب على الصعاب فتنجح عملية غرس الإعضاء السليمة في الجسم المريض المحتاج إليها سواء في ذلك ما يعاد إلى جسم صاحبه أو ما يزرع في جسم آخر يساويه في التركيب والمزاج وصدق الله العظيم: {بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} (1) وليس الخلق الجديد المذكور في الآية هو إعادة الخلق يوم النشور يوم العرض على الله فحسب، ولكنه أيضاً الخلق المتجدد باستمرار ما دام الإنسان حياً يتغذى، فخلايا من جسده تموت وتعوضها خلايا عن طريق التغذية بقدرة السميع العليم كما شاء سبحانه أن تكون الخلية في جسم الإنسان مختلفة بعضها عن بعض وإن كان الإنسان من فصيلة واحدة وعنصر واحد فقد كشف العلم ذلك عن طريق الآية القرآنية، قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ} (2)
__________
(1) سورة ق: الآية 15.
(2) سورة الروم: الآية 22.(6/1546)
وليس المراد الألوان من أبيض وأسود وأحمر فقط، ولكن اختلاف الخلايا التي يتكون منها الجسم كتقاطيع بصمات اليد التي تختلف عن بعضها حتى بين الأب وابنه وسبحان الخالق المبدع.
من هو السارق الذي تقطع يده؟
يقول الله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)
ولبيان الحكم الشرعي المستفاد من الآية الكريمة هناك أمور لابد من بيانها وشرحها لمعرفة من يصدق عليه مدلول الآية فيستحق قطع يده تطبيقاً لحدود الله.
أما السارق: وهناك الشيء المسروق، ثم المكان المسروق منه، والحرز وحقيقته.
أما السارق: فهو الشخص البالغ العاقل الذي لا يملك المال المسروق، ولا يملك المسروق منه وليس له ولاية على المال المسروق، ولا على من يملكه، فلا قطع على غير البالغ ولا على غير العاقل، كما لا قطع على من سرق مإلا له عليه ولاية وكذا من سرق مالا له ولاية على مالكه.. كمن سرق مال عبده، ولا قطع على من سرق مال ولده لقول الرسول عليه السلام: "أنت ومالك لأبيك "، كما أن العبد وماله ملك لسيده وكذلك العبد إن سرق مال سيده لقول سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه في قضية غلام لعبد الله بن عمرو الحضرمي لما سرق مرآة لزوجة عبد الله ثمنها ستون درهماً "غلامكم سرق متاعكم " ولم يقطع يده في تلك السرقة، كما لاً قطع على الولد إذا سرق من مال أبيه أو جده.
وأما المسروق: فلا بد أن يكون ثمنه نصاباً وهو ربع دينار ذهباً أو ثلاثة دراهم فضة على الأقل على خلاف في ذلك بين الأئمة بناة على قيمة المسروق الذي قطع فيه الرسول عليه السلام يد السارق وهو المجن، كما يجب أن يكون مما يتمول ويمتلك ويحل بيعه، فلا قطع فيما لا يمتلك وما لا يجوز بيعه من المحرمات كالخمر والخنزير، ويستثنى من ذلك الحر الصغير فمن سرق طفلاً حراً صغيراً قطع فيه لأنه أعز وأهم من المال الذي يملك ويجوز بيعه وشراؤه.
__________
(1) سورة المائدة: الآية 38.(6/1547)
ويجب أن لا يكون فيه ملك ولا شبهة ملك كمن سرق مما رهنه لغيره، وأن يكون مما تصح سرقته كالعبد الصغير والمملوك الطاعن في السن إذا كان لا يفهم ولا يعرف ما يصنع به.
وأما المكان المسروق منه: فيجب أن يكون حرزاً للمسروق ولكل نوع من الأشياء حرزها، فالمتاجر حرز لما يباع فيها والمصانع حرز لما يصنع فيها، ولما يوجد فيها من المصنوعات والآلات التي تستعمل في الصناعة، والدور والمنازل حرز لما يوجد فيها حضر أهلها أو غابوا، وبيت مال المسلمين حرز لما يوجد فيها، ولا يقال إن للمسلم السارق نصيب فيها لأن ذلك لا يستحقه إلا بالعطية التي تتم من لدن الإمام، وظهور الدواب حرز لما عليها ومرابضها حرز لها، وكذلك أماكن عرضها للبيع. والمساجد حرز لما فيها رغم أنها مباحة لجميع المؤمنين فمن سرق من المسجد شيئاً.. مصحفاً أو كتاباً أو فراشاً أو غيره مما يتم في ثمنه النصاب يقطع فيه، وكذلك ما في السيارة والسفينة سفراً أو حضراً في حالة سلم أو حرب، وكذلك حقائب اليد وجيوب الثياب، من سرق منها ما يوجب القطع قطع لأنها حرز لما فيها من مال ومتاع، وتلك حدود الله.
أما القطع: فيكون من الرسغ في اليد وأسفل الكعب من الرجل، ويجب حسمها بعد القطع أي علاجها حتى لا يؤدي نزيف الدم منها إلى الموت.
وتعلق اليد أو الرجل في عنق السارق لما رواه أبو داود والنسائي عن ان رسول الله صلى الله عليه وسلم جيء إليه بسارق فأمر بقطع يده ثم أمر بها فعلقت في عنقه، مما يدل على أنه ليس الغرض من تطبيق النص الشرعي على السارق هو التنكيل به جزاء ما كسبه من إجرام بل ما بعد ذلك من أخذ الموعظة والاعتبار لغيره من أفراد المجتمع الذين يعيش بينهم حتى لا يتجرأ الآخرون على اقتراف الجرم، وبذلك يصبح المجتمع في أمن وطمأنينة.
فإذا سرق المقطوع ثانية قطعت رجله اليسرى، فإذا سرق ثالثة قطعت يده اليسرى، فإذا سرق مرة أخرى قطعت رجله اليمنى فقد أتى لرسول الله صلى الله عليه وسلم بلص فأمر بقتله فقيل له يا رسول الله إنما سرق فقال: اقطعوا يده فقطعت ثم سرق فقطعت رجله ثم سرق على عهد أبي بكر رضي الله عنه فقطعت يده، ثم سرق فقطعت رجله، ثم سرق للمرة الخامسة فقال أبو بكر رضي الله عنه: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أعلم بهذا حين قال اقتلوه ثم دفعه أبو بكر لفتية من قريش فيهم عبد الله بن الزبير فقتلوه وألقوه في قليب وقذفوا عليه الحجارة حتى دفنوه فيها. والحديث أخرجه أبو داود والنسائي عن جابر والحارث بن حاطب رضي الله عنهما.(6/1548)
واختلف العلماء فيمن سرق ثم قتل شخصاً قبل أن يقام عليه حد السرقة فقال بعضهم يقطع ثم بعد ذلك يقتل، أي أنه ينفذ عليه حد السرقة أولاً ثم القصاص. وقال آخرون يكتفى بالقتل لأن حد السرقة يدخل في القتل والأول أرجح لأنهما حقان لله مستحقان فيجب استيفاؤهما معاً والله تعالى أعلم وأحكم.
واختلف العلماء هل يجمع بين القطع والغرم، والأصح هو أنه إذا وجد الشيء المسروق أخذه صاحبه فإن لم يوجد فإذا كان السارق موسر اغرم ما سرق وإن كان معدماً اكتفي بقطعه والله أعلم.
وإذا تطوع المسروق منه وعفا عن السارق فلا غرم عليه.
أما القطع فإذا رفعه إلى الإمام أو نائبه فلا بد من تنفيذ القطع لأن إقامة الحد حق لله لأنه من أجل صيانة المجتمع من الوقوع في المفاسد كالسرقة وغيرها.
والدليل على ذلك حديث صفوان بن عبد الله بن صفوان بن أمية أنه قيل له من لم يهاجر هلك، فقدم صفوان بن أمية إلى المدينة مهاجراً فنام في المسجد وتوسد رداءه فجاء سارق فأخذ رداءه فأخذ صفوان السارق فجاء به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تقطع يده، فقال صفوان لم أرد هذا يا رسول الله - هو عليه صدقة - فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((فهلا قبل أن تأتيني به)) .
والحديث يفيد أن الأمر يقتضي حالتين: العفو يصدر من المسروق منه عفواً وقبل الرفع إلى السلطان وبه يتجنب القطع.
والعفو: يأتي بعد تبليغ الأمر للسلطان، وهذا يتناول الشيء المسروق، ولا يوقف تطبيق الحد الذي هو حق لله، فقد قطعت يد سارق الرداء رغم عفو صاحبه صفوان بن أمية.
فأما ثبوت السرقة: فبإقرار الجاني أو بشهادة عدلين وقال جماعة من العلماء إن إقرار العبد بالسرقة لا يوجب القطع لأنه مملوك لسيده وإقراره يؤدي إلى خسارة مالكه بقطعه والله أعلم.(6/1549)
فأما إرجاع العضو المقطوع في حد السرقة عن طريق الطب وما وصل إليه العلم الحديث من غراسة الأعضاء التي هي نعمة من الله العليم الخبير، فلا أرى جواز ذلك أخذاً من عمل رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما قطع يد السارق وأمر بأن تعلق في عنقه ليعتبر به غيره ويكون سبباً في تصفية المجتمع من الانحرافات، وكذلك من حديث صفوان بن أمية السابق فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقبل عفو المسروق منه وأمر بقطع السارق ليكون عبرة لغيره، وكذلك سائر الحدود المفروضة من الحق تعالى، فليس جلد الزاني وتغريبه مجرد تعذيب وانتقام، وإنما هو تربية لغيره من الناس ممن تحدثهم أنفسهم بارتكاب نفس الجريمة، وكذلك رجم الزاني المحصن، والقصاص من قاتل النفس، وغير ذلك من أنواع الجرائم التي فرض الله فيها القصاص فهي لردع الظالمين والمفسدين قبل أن تكون نكإلا من الله للمجرم.
ولا شك أن حدود الله هاته يجب تطبيقها وتنفيذها كما أمر الله وفي جميع أقطار الدنيا المسلمة لتتجلى حكمة الله في شريعته، والذي يمعن النظر في مختلف الأقطار الإسلامية اليوم يدرك بوضوح الفرق البين بين قطر يطبق شريعة الله في الحدود والتعازير، وقطر يسير في تيار الأيديلوجيات اللادينية المجلوبة من الغرب الصليبي والشرق الملحد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فبمقدار ما تطبق حدود الله بقدر ما تختفي المنكرات أو تقل، ويسود النظام والاطمئنان في المجتمع الذي يحافظ على تعاليم دينه، وفي مقدمتها حدود الله وصدق الله العظيم: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (1)
والسلام عليكم ورحمة الله ومعذرة عن التأخير.
__________
(1) سورة المائدة: الآية 38.(6/1550)
زراعة الأعضاء البشرية
الأعضاء المنزوعة من الأجنة المجهضة.
الغدد والأعضاء التناسلية.
زراعة عضو استؤصل في حد كإعادة اليد التي قطعت في حد السرقة.
زراعة خلايا الجهاز العصبي.
إعداد
سعادة الأستاذ أحمد محمد جمال
أستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة أم القرى
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه المسألة: زراعة الأعضاء البشرية المنقولة من حي أو ميت إلى جسم مريض محتاج إلى عضو منها كالكلية أو القلب أو الكبد ... إلخ - سبق أن بحث فيها العلماء الأجلاء - في العالم الإسلامي - وأصدرت المجامع الفقهية فتاويها في جوازها وإباحتها بصفة عامة مع بعض القيود والشروط.
فأولاً: أصدرت هيئة كبار العلماء - بالرياض - قراراً برقم (99) في 6/11/1402 - بجواز نقل عضو أو جزء منه من إنسان حي أو ميت مسلم أو ذمي إلى نفسه أو غيره إذا اضطر إلى ذلك، وأمنت الفتنة في نزعه لمن أخذ منه، وغلب على الظن نجاح زرعه ممن سيزرع فيه - كما يجوز كذلك تبرع الإنسان الحي بنقل عضو منه أو جزئه إلى مسلم مضطر إلى ذلك.
وثائياً: أجاز المجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي - بمكة المكرمة - نقل الأعضاء البشرية وزراعتها، في دورته الثامنة المنعقدة بين 28/ 4/ 1405 و 7/5/1405 هـ على النحو السابق في قرار هيئة كبار العلماء.
وثالثاً: أجاز المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته المنعقدة في جدة سنة 1408 - نقل الأعضاء البشرية وزراعتها على النحو السابق في قراري هيئة كبار العلماء ومجمع الفقه الإسلامي برابطة العالم الإسلامي.(6/1551)
رابعاً: أفتى فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي مفتي مصر بإباحة الاستفادة بجميع أعضاء جسد المتوفي في حادث أو بطريقة عادية إذا كانت هناك ضرورة ومنفعة للمريض المنقول إليه العضو من المتوفي شريطة أن يحكم بذلك طبيب ثقة متخصص، ودون الرجوع إلى الورثة أو النيابة العامة لأن الضرورات تبيح المحظورات - وأضاف فضيلته: أن بيع الأعضاء البشرية كالكلى والعين حرام شرعا، لأن جسم الإنسان ليس ملكاً له، بل هو ملك لله عز وجل، أما التبرع بها فجائز شرعاً، دون مقابل مادي (1)
إذن فيكاد يكون هناك اتفاق بين أكثرية علماء المسلمين (2) في العصر الحاضر على جواز زراعة الأعضاء البشرية بعد نقلها من أجسام حية أو ميتة لمصلحة المنقولة إليهم من المرضى.
خلاف العلماء بين البيع والتبرع:
ولكن هناك خلاف أو اختلاف بين التبرع بالعضو المنقول أو المزروع، وبين بيعه، فبعضهم يحرم البيع ويبيح التبرع، وبعضهم كالشيخ محمد متولي الشعراوي يمنع التبرع والبيع معاً بحجة أن الإنسان لا يملك جسده، وأن ملكه لله وحده، وما لا يجوز بيعه لا يجوز التبرع به.
وقد تكرر الحوار والجدل بين العلماء والأطباء حول مسألة البيع والتبرع بالأعضاء البشرية لزرعها في الأجسام المريضة المحتاجة إليها.
* فالدكتور علي عبد الفتاح - عميد كلية طب عين شمس بالقاهرة – يعرض الظاهرة الجديدة في حياة المسلمين اليوم، وهي اضطرار بعض المرضى لاستبدال أعضاء من أجساد أخرى بأعضائهم التالفة - كالكلى مثلاً - وفي البداية كان أقارب المرضى يتبرعون لهم بكلاهم، ثم أصبحت المسألة تجارة ومساومة ومطالبة بأثمان عالية من أصحاب الأعضاء الصحيحة يرهقون بها المرضى وأهاليهم.
__________
(1) جريدة "الأهرام، المصرية في 17/11/1407 – 13/7/1987م
(2) يلاحظ أن مجمعي الفقه الإسلامي الرابطي والدولي يضمان أعضاء من كافة دول العالم الإسلامي.(6/1552)
ووصل الجشع ببعض الأزواج إلى حد الضغط على زوجاتهم لبيع إحدى كلاهن بثمن عال من اجل رفع مستوى معيشة الأسرة.. حتى أقارب المرضى بدأوا يطمعون في مقابل تبرعهم لمريضهم بإحدى كلاهم أن يتنازل عن قطعة أرض أو مصنع أو عقار ...
ويضيف الدكتور عبد الفتاح: أن الأطباء أصبحوا في حيرة من أمرهم.. هل ما يفعلونه حرام أم حلال، ويريدون من العلماء أن يقولوا رأيهم في المسألة؟
وكانت هناك إجابتان على هذه المسألة - الأولى من فضيلة الشيخ محمد متولي الشعراوي.. فقد أفتى فضيلته بأنه لا يجوز إطلاقاً أن يتصرف الإنسان في جسده لا عن طريق التبرع ولا عن طريق البيع.. لأن التبرع بالشيء فرع للملكية فيه، فأنت تتبرع بما تملك أو بجزء منه، ولا تستطيع أن تتبرع بشيء لا تملكه والإنسان لا يملك ذاته " (1)
وحجة الشيخ الشعراوي هي قوله عز وجل: {أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ} (2) من سورة يونس، وأن الإسلام حرم الانتحار على المسلم لأنه لا يملك نفسه.
والإجابة الثانية من فضيلة مفتي مصر الدكتور سيد الطنطاوي.. فقد قال فضيلته: اتفق الفقهاء على بطلان البيع والشراء بالنسبة لبدن الإنسان أو لأي عضو من أعضائه، لأن المالك الحقيقي هو الله خالقه عز وجل، والإنسان إنما هو أمين على هذا الجسد، ومأمور بأن يحافظ على هذه الأمانة بما يصلحها لا بما يفسدها.
ثم يضيف الدكتور الطنطاوي - مفتي مصر - "بأن هناك فريقاً من العلماء يرى جواز التبرع من الإنسان بعضو من أعضائه لإنسان آخر - بشروط، أهمها أن يصرح الطبيب الثقة بأن نقل هذا العضو من شخص لآخر لا يترتب عليه ضرر بليغ بالشخص المتبرع، وإنما تترتب عليه حياة الشخص المتبرع له، أو إنقاذه من مرض عضال - وأنا أميل إلى هذا الرأي الأخير القاتل بجواز التبرع ما دامت هناك ضرورة ملحة تدعو إليه وما دام الطبيب يحكم بأن نقل هذا العضو من الإنسان إلى المريض لن يضر المنقول منه ضرراً بليغاً، ولكنه يفيد المنقول إليه افادة كبيرة " (3)
__________
(1) مجلة "اللواء الإسلامي" في 6/2/1977.
(2) سورة يونس: الآية 31.
(3) جريدة "عكاظ " في 27/1/1408 هـ(6/1553)
وقد قرأت آراء أخرى لبعض العلماء ترى جواز التبرع بالأعضاء البشرية، وتمنع بيعها متفقة مع وجهة نظر الدكتور الطنطاوي مفتى مصر.
وجهة نظري:
* ووجهة نظري في المسألة: أن منهج الشيخ الشعراوي في فتواه. سليم.. لأنه يرى أن المتبرع بعضو من أعضاء جسده هو في الحقيقة مالك له، لأن غير المالك لا يتبرع بشيء لا يملكه واذن فالبيع والتبرع سواء في هذه المسألة - وإذا كان البيع لا يجوز فكذلك التبرع لا يجوز أيضا.
فأنا أتفق معه في المنهج دون المبدأ.. وهو التحريم المطلق للبيع والتبرع، واختلف مع الدكتور الطنطاوي في المنهج لتفريقه بين البيع والتبرع، وفي مبدأ تحريم البيع أيضاً..
كما أني أرى أن الإنسان يملك جسده، ويملك التصرف فيه بما لا يفسد حياته أو صحته.. لأن الإنسان مطالب دينياً أن يحافظ على حياته والمحافظة على الحياة تقتضي المحافظة على سلامة النفس جسداً وعقلاً.
ولو كان الإنسان لا يملك جسده أو نفسه لما شرع الله له حق القصاص والدية في القتل والجروح، كما أجاز له ولورثته العفو أيضاً.
فمبدأ حق القصاص والدية في الشريعة الإسلامية يؤكد ملكية الإنسان لنفسه ولذلك وجبت حمايتها منه ومن غيره.(6/1554)
وتبرع الإنسان بدمه أو إحدى كليتيه أو إحدى عينيه أو أي جزء من جسده لا يضره انفصاله عنه - لا يعد جريمة أو وإثماً في حق نفسه - والبيع مثله، وبخاصة إذا كان فقيراً أو محتاجاً إلى المال احتياجاً قاهراً.
والقول بملكية الله عز وجل للإنسان أمر مفروغ منه من حيث العموم.. عموم ملكية الله تبارك وتعالى لأنفسنا وأموالنا وأولادنا وللكون كله. ولكن هذه الملكية الإلهية لا تتعارض مع تصرفنا في أنفسنا وأموالنا وأولادنا وكل شؤوننا بما يحقق حفظ المصالح الخمس المقررة شرعاً: (وهي النفس، والعقل، والنسل، والمال، والعرض) .
ويجب أن يلاحظ العلماء المانعون للبيع: أن الناس قد قست قلوبهم.. حتى الأقرباء - كما قرر ذلك الأطباء أنفسهم - فهم يتاجرون بأعضائهم ويساومون عليها.. وحاجة المرضى من أقربائهم شديدة وماسة إلى شراء هذه الأعضاء للحفاظ على حياتهم، فلا داعي للتشدد في الفتوى بمنع البيع وجواز التبرع الذي قد لا يتحقق كما أسلفنا.. ما دامت الملكية واحدة والتصرف واحداً، والتفريق بين البيع والتبرع غير وارد في معقول ولا منقول.(6/1555)
زراعة الأعضاء من الأجنة:
وما قيل في نقل الأعضاء البشرية وزراعتها من جواز وإباحة - يقال كذلك في نقل هذه الأعضاء من الأجنة المجهضة أو الفائضة عن الحاجة شريطة أن لا يكون الإجهاض متعمداً من أجل المتاجرة بهذه الأجنة واستغلال أعضائها في حاجة المرضى، ويجب أن يستفاد من أعضاء الأجنة التي تجهض تلقائياً بسبب ضعف الأمهات أو الخلل الحادث في أرحامهن.
زراعة الغدد والأعضاء التناسلية:
أما زراعة الغدد والأعضاء التناسلية فقد دار حوار بين العلماء والأطباء - في جريدة المسلمون - ومن عجب أن يمنعه الأطباء ويبيحه العلماء، والحق مع الأطباء لأنهم ذوو خبرة بحقيقة الأعضاء التناسلية وتكوينها، وما تحتفظ به من اختصاص ذاتي في تكوين النطفة بخلاف الأعضاء الأخرى - كالكلية مثلاً - فإنها لا تحمل شخصية المنقول عنه بخصائصه الخلقية، ولو فرضنا - جدلاً - أنها تحمل شخصية المنقول منه، فإنها ليست ذات تأثير كالخصية في اختلاط الأنساب بما تنقل من موروثات عن الشخصية الأولى إلى الشخصية الثانية.
وعلى ذلك - أي ما بينه الأطباء من أن الخصية تحتفظ بشخصية المنقول منه - فإن نقل الخصى وزراعتها لا يجوز مطلقاً، مع ملاحظة أنه يجب على رجال القضاء والإفتاء - كما هو معلوم من اعتبار الخبرة في أهلها - أن يأخذوا بعين الاعتبار شهادات الخبراء والعلماء من ذوي الاختصاص الطبي والتشريحي في مثل هذه الأمور، ولا يكتفون بظواهر الأدلة والحجج الشرعية.(6/1556)
وقد ذكرت في تعقيبي على العلماء الذين أباحوا نقل الخصى وزراعتها: أن القضاء الإسلامي احترم شهادة المرأة الواحدة في ما يخص النساء لأنها ذات خبرة بأحوالهم التي لا يطلع عليها سواهن - كالرضاعة والولادة والبكارة - بل قدم القضاء الإسلامي شهادتها على شهادة الرجل في مثل هذه الأحوال.
زراعة الأعضاء المستأصلة في الحدود:
هذه مسألة أثيرت من قبل، وجرى حولها كلام كثير، وأيد كثيرون إعادة اليد المقطوعة في حد السرقة إلى صاحبها رحمة به - بزعمهم -.
والدعوة إلى إباحة زراعة اليد المقطوعة في حد إلى صاحبها دعوة عاطفية لا تستند إلى عقل ولا نقل، وهي وليدة المزاعم القديمة التي يرددها العلمانيون في اتهامهم للحدود الإسلامية بالقسوة والوحشية.
وإذا تأملنا أن قطع يد السارق - أو يد المحارب ورجله من خلاف - إنما أوجبه الله تبارك وتعالى للاعتبار والاتعاظ، وامتناع الآخرين عن تكرار حوادث السرقة، وقطع الطريق، وإرهاب الآمنين.. من أجل تحقيق الطمأنينة والأمان في المجتمع المسلم على الأموال والأنفس والأعراض - إذا تأملنا حقيقة الحكمة من تشريع هذه العقوبات أدركنا أن المطالبة أو الدعوة إلى إعادة يد السارق أو رجل المحارب إليهما بعد قطعهما لا يحقق ما أراده الشارع من زجر للعصاة الخارجين على نظام المجتمع، المثيرين في أرجائه الخوف والرهبة، ومن عظة تمنع الآخرين من مقارفة العدوان نفسه، وما أعظم وأحكم ما وجه إليه القرآن الكريم في مثل قوله: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} ، وقد كانت العرب - في جاهليتها تعرف ذلك حتى إنها أرسلت مثلاً مشهوراً قالت فيه: (القتل أنفى للقتل) ولا داعي لأن نورد الحكمة الإنجليزية القائلة: (لا يفل الحديد إلا الحديد) .(6/1557)
ان إعادة يد السارق ورجل المحارب إلى جسد كل منهما بطريقة الزراعة الطبية الحديثة: يلغي حكمة الشارع من قطعهما كما أسلفنا، ويبطل أثره كأن لم يكن - أي القطع وهو العقوبة الشرعية الإلهية - أي نكون بهذه الإعادة - أو الزراعة حسب التعبير الحديث - كأن لم نقم بتطبيق الحد الشرعي على السارق أو المحارب، وإنما قمنا بدور تمثيلي بحت.
ويسري ذلك على الأعضاء الأخرى كالأنف والعين والأذن والإصبع والسن التي جاء حكم القصاص فيها في قوله عز وجل: {وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَالْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ} [سورة المائدة: الآية 45] .
وفي ختام البحث لا بد من التعقيب على ما نشر أخيراً عن دعوة منظمة الصحة العالمية التابعة لهيئة الأمم المتحدة إلى حظر بيع الأعضاء البشرية نظراً لما شاع من استغلال شنيع للمتاجرة بها، وتصديرها من دولة إلى دولة واتخاذها وسيلة للكسب، وبخاصة الدول الفقيرة التي يجد فيها هؤلاء التجار اللأخلاقيون سوقاً رخيصة لبيع الأعضاء ثم تصديرها إلى المستشفيات العالمية.
أريد أن أقول في هذا التعقيب: إن هذه المتاجرة بالأعضاء البشرية مسألة أخلاقية تنطبق على كل عمل فيه مصلحة إنسانية، فلا ينبغي أن نحرم هذه المصلحة من أجل انحراف طائفة من الناس نحو استغلالها استغلإلا سيئاً ينحرف بها عن طريقها السليم.
هذا ما يسر الله من بحث ودراسة لهذه المسألة زراعة الأعضاء البشرية على اختلاف مجالاتها واختصاصاتها المشار إليها آنفاً. والله الموفق والمستعان.
أحمد محمد جمال(6/1558)
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
زراعة عضو استؤصل في حد
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
موضوع هذه الجلسة هو: "زراعة عضو أو إعادة عضو استؤصل في حد أو قصاص "، والعارض هو فضيلة الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي والمقرر هو الشيخ علي التسخيري.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا رسول الله، وبعد:
قدم في هذا الموضوع ستة بحوث ووجدت بحثاً سابعاً هو بحث الأستاذ أحمد محمد جمال في ثنايا كلامه عن زراعة الأعضاء البشرية، وجدت صفحة يتكلم فيها عن هذا الموضوع وهو زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص، فأضحت البحوث سبعة، وهذه البحوث توزعت في أقوال ثلاثة: قول يمنع هذا الأمر مطلقاً، وقول يجيزه مطلقاً، وقول ثالث يفصل بين حقوق الله فيجيزها لأنها مبنية على التسامح، أما في حقوق العباد فلا يجيزونها نظراً لوجود المشاحة ووجود عوامل الغيرة والحقد والمنازعات والخصومات فيما إذا رأى المجني عليه أن الجاني قد أعاد يده أو عضوه إلى الحالة السابقة التي كان عليها، مما يدفعه إلى حب الانتقام والثأر وإثارة المنازعات، فلذلك، سداً للباب في أمور حقوق العباد لم يجز هذا الرأي الثالث إعادة العضو المستأصل بحد أو قصاص. وأبدأ بتلخيص هذه البحوث السبعة.
أولها بحث فضيلة الدكتور بكر أبو زيد، فإنه حرم في بحثه إعادة العضو الذي قطع في حد أو قصاص لأدلة ستة لأن ذلك فيه استدراك على حكم الشارع وصيرورة العضو المقطوع حقاً لله تعالى لا لصاحبه، ولأن إعادة العضو إفتيات على الشرع في حكمه ولا يوجد بعد القطع في السنة إلا الحسم وتعليق اليد في العنق، ولأن كون الإعادة في القصاص مناف لمبدأ المثلية على الدوام. ثم نبه الباحث إلى عدم ضرورة بحث هذا الموضوع وعدم الإفتاء به لعدم تطبيق الحدود الشرعية في غير البلاد السعودية(6/1559)
والبحث الثاني هو بحث فضيلة الشيخ القاضي محمد تقي العثماني، فإنه نقل عن المالكية أن إعادة المجني عليه في القصاص عضوه إلى محله لا يسقط به القصاص عن الجاني، أما الأرش ففيه ثلاث روايات: يسقط، ولا يسقط، ويسقط في الأذن لا في السن، لأن المنفعة في السن لا تعود إلى هيئتها أبداً، أما في الأذن فتعود، ونقل عن محمد بن الحسن، من الحنفية، أن إعادة العضو في الجناية الخطأ لا يسقط الأرش عن الجاني. ومذهب الشافعية في تقديره، كالمالكية، أن إعادة العضو لا يسقط القصاص ولا الأرش. وعند الحنابلة وجهان اختار القاضي أنه لا يسقط القصاص. فالقول الراجح، كما ذكر الأستاذ تقي، عند الجمهور، أن زرع المجني عليه لا يسقط القصاص ولا الأرش عن الجاني، وبناء عليه لو قطع العضو المزروع مرة ثانية فلا قصاص فيه عند الأكثرين من الفقهاء. ثم أوضح أن الشافعي جزم بأن إعادة العضو إلى محله لا يلغي استيفاء القصاص السابق، فلا يقتص منه مرة ثانية، ولا يخالف ذلك أمر القصاص، وللحنابلة وجهان الراجح عند القاضي أبي يعلى أن لا يقتص منه مرة ثانية، ورأى أشهب وابن المواز من المالكية أن إعادة الجاني عضوه لا يؤثر في القصاص إذا كان المجني عليه أعاد عضوه أيضاً فإن لم يعده يغرم الجاني الأرش، والحنفية يرون أنه ليس من حق المجني عليه أن يبقي العضو فائتاً على الدوام، فهم كالشافعية.
والخلاصة أن الجمهور يرون ألا يحكم بإعادة القصاص وينتهي القصاص بإعادة العضو.
ثم تكلم القاضي الشيخ تقي عن كون العضو المزروع نجساً أم لا؟ وذكر أن الراجح عند الشافعية أنه طاهر، وكذلك عند متأخري الحنفية بسبب حلول الحياة في العضو بعد الزرع، وكذلك الشأن عند المالكية ليس ما أبين من الآدمي نجساً بل هو طاهر. وعند الحنابلة روايتان والراجح الطهارة عند الأكثرين.
والخلاصة أن الراجح في المذاهب الأربعة طهارة هذا العضو الذي أعيد إلى محله مرة ثانية.(6/1560)
أما إبانة العضو في حد فلم يجد الشيخ العثماني نصاً في المسألة عند الفقهاء، وقال لعل الفقهاء لم يتصوروا إعادة اليد إلى محلها بعد الإبانة، والوضع في الطب الحديث لا يزال مشكوكاً في نجاح هذه العملية، لذلك لا يرى الأستاذ العثماني البت في المسألة حتى تقع عيانا ويحتمل قياس الحد على القصاص، ويحتمل وجود فرق بينهما.
البحث الثالث هو بحث فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع، بعد أن ذكر الحكمة من تشريع الحدود وهي الزجر وحماية حقوق الجماعة ومصالحها، وقمع الجرائم، والنكال والعقوبة عل الجريمة لا مجرد الأمن من المعاودة، ناقلاً ذلك - أي الحكمة من تشريع الحدود - عن مختلف الكتب القديمة والحديثة. وبعد أن أوضح أنه لا يجوز العفو عن الحد من أحد مطلقاً، وأن أحكام الشريعة يراد بها الحفاظ على المقاصد الخمس الكلية الضرورية المعروفة وهي: الدين والنفس أي الروح والعقل والعرض والمال وغيرها، بعد أن ذكر الحكمة وبعد أن ذكر هذه المقاصد، استخلص من ذلك أسباب قطع اليد في الحدود والقصاص وهي ثلاثة عشر سبباً، ثم ذكر مراتب حفظ المصالح وهي الضروريات والحاجيات والتحسينيات، وانتهى إلى أن الغرض من الحدود دوام أثرها ليرتدع الناس والجاني برؤية يد الجاني مقطوعة، ومعنى هذا عدم جواز إعادة العضو المقطوع بالحد أو القصاص، وانتهى إلى ما انتهى إليه قرار هيئة كبار العلماء في السعودية بعدم جواز إعادة هذا العضو المقطوع في حد أو قصاص.
البحث الرابع: بحث فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري، حرر المسألة وأبان ضرورة بحثها وأوضح أنها قديمة غير مستحدثة، ثم ذكر أقوالا ثلاثة في شأنها: المنع مطلقاً، والجواز مطلقا، والتفصيل بين حقوق الآدميين، فلا يجوز في حقوق الآدميين، ويجوز ذلك في حقوق الله، وذكر أدلة كل قول على حدة جاعلاً للمنع تسعة أدلة، وللجواز دليلاً واحداً وهو (الأصل في الأشياء الإباحة) ، وذكر للقول بالتفصيل في حال الجواز دليل الاستحسان والمصلحة الضرورية، وذكر هذا التفصيل مأخوذاً من بحثي الذي قدم في الندوة الطبية التي انعقدت في الكويت.(6/1561)
ثم بين أن مجال المنع في حقوق الآدميين، وهذا موافق لما أخذه من بحثي، وناقش أدلة كل قول من المانعين والمجيزين، وضعف رواية عند الإخوة الشيعة لم يجد لها دليلاً قويا في هذا الموضوع، ثم رجح ما رجحته في بحثي وهو القول بالتفصيل، وقال عنه بالحرف الواحد: إنه الرأي المتعين ولا مجال للرأي الأول الذي يمنع من الإعادة مطلقاً.
البحث الخامس، بحث الشيخ محمد بن عبد الرحمن أل الشيخ، يشبه هذا البحث بحث الشيخ عبد الله بن منيع، قرر فيه أن الحكمة من الحدود الزجر والردع ومنع الفساد والإجرام، ثم رتب على ذلك أنه لا يجوز شرعاً إباحة زرع العضو الذي استؤصل في حد أو قطع في قصاص لمنافاة ذلك لحكمة منع المجرم عن المعاودة إلى عدوانه وردع غيره عن ارتكاب مثل جريمته، ولأن ذلك يتصادم مع حكمة القصاص وهي كونه وسيلة للمحافظة على حياة كل من القاتل والمقتول، واستشهد بقول ابن تيمية وغيره من العلماء بأنه يجب إقامة الحد في السرقة وغيرها، ومعنى ذلك المفهوم من كلامه أن إقامة الحد يتطلب بقاء أثر هذه الإقامة وأن ذلك يعني أنه لا يجوز إعادة العضو الذي قطع في حد أو قصاص.
البحث السادس، ما وجدته في بحث ثنايا الأستاذ أحمد محمد جمال عن زراعة الأعضاء البشرية. ذكر مسألة زراعة الأعضاء المستأصلة في الحدود، وانتهى إلى ما انتهى إليه العلماء السعوديون من أن العبرة من الحدود هي الاتعاظ ومنع تكرار حوادث السرقة وقطع الطريق وإرهاب الآمنين، ورتب على ذلك أن المطالبة بإعادة يد السارق أو رجله بعد القطع لا يحقق إرادة الشارع من زجر العصاة الخارجين عن نظام المجتمع.
هذه هي البحوث الستة لخصتها.(6/1562)
أما بحثي فقد قدمت له بأن هذا الموضوع في تقديري جديد، والكلام فيه محض اجتهاد يحتمل الصواب والخطأ، ثم أوضحت الحكمة من تشريع الحدود، كما ذكر غيري، وهي الزجر والردع عن اقتراف الجريمة وصيانة. المجتمع عن الفساد والانحراف والتطهر من آثار الذنب والمعصية. وأبنت أن تنفيذ الأمر الإلهي بالقطع يتحقق بامتثال الحكم مرة واحدة دون تكرار لأن الأمر عند الأصوليين يدل على مجرد طلب الماهية في رأي جماعة، ويدل، في رأي جماعة أخرى، على المرة الواحدة عند أصوليين آخرين، فإذا نفذ الحكم أو القصاص، فقد تحقق الأمر القرآني وبرىء الحاكم مما يجب عليه من تطبيق الحدود. ثم وضحت بأن المراد بالحسم المذكور في السنة مجرد قطع النزيف الدموي حتى لا يؤدي ذلك إلى تلف النفس وهلاك الإنسان بسبب قطع يده أو رجله، فهذا هو المقصود من الحسم وليس المراد منه أنه لا يمكن إعادة هذا العضو، والسبب في هذا أن الله أمر بالإحسان في كل شيء، ثم إن مقتضى الاستحسان والمصلحة الضرورية أو الحاجية لا يمنعان من القول من إعادة اليد لأن إعمال النص بالحدود قد تحقق بقطع اليد أو القصاص وما وراء ذلك على الإباحة، كذلك مبادىء السياسة الشرعية لا تمانع من إعادة اليد إذا كان ذلك علاجاً لحالات معدودة نادرة وليس ذلك ظاهرة عامة تؤدي إلى تجرؤ اللصوص والمحاربين وقطاع الطرق على ارتكاب الجرائم، فإذا كان الأمر لا يعدو مجرد حالات نادرة محدودة دون أن يصبح ذلك ظاهرة عامة تجرىء اللصوص والمجرمين فلا مانع - في تقديري - من إعادة اليد، ثم فصلت في الأمر فذكرت التفرقة بين حقوق العباد وحقوق الله تعالى، فلم أجز إعادة العضو المقطوع في القصاص كاليد وغيرها، إلا إذا أذن المجني عليه ورضي بذلك، وعفا عن الجاني، لأن الغالب في القصاص كونه من حقوق العباد، وهو يقوم على مبدأ المماثلة في الفعل والمحال والمنفعة، ثم إن في إعادة اليد إثارة لغيظ المجني عليه مما يدفعه إلى حب الانتقام والثأر، فسداً للذرائع ودفعاً للخصومات والمنازعات لم أجز إعادة العضو المقطوع في مجال القصاص أي في حقوق العباد، أما في حقوق الله - تعالى - المبنية على التسامح في حد السرقة والحرابة فيجوز إعادة اليد إن ثبت موجب الحد بالإقرار لأن الرجوع عن الإقرار جائز في السنة قبل الحد وفي أثنائه وبعد إقامته، وتعد إعادة اليد من هذا الشخص الذي ثبت عليه الحد بإقراره تعد إعادة اليد رجوعاً منه عن الإقرار، ولا مانع من هذا الرجوع، أما إذا ثبت موجب الحد، أي الجريمة بالشهادة فيجوز، في رأيي، إعادة اليد إذا تاب السارق أو المحارب، بأربعة شروط:
بأن يتوب السارق أو المحارب، وأن يكون الحد من حقوق الله تعالى المبنية على التسامح، وأن تكون الإعادة حالة قليلة أو نادرة، وأن يقوم السارق بإعادة المال المسروق إلى صاحبه.(6/1563)
فإذا توافرت هذه الشروط الأربعة فلم أجد مانعاً - في اجتهادي وهو محل للصواب والتخطئة - لإعادة اليد، وذكرت لإثبات الجواز بهذه الشروط الأربعة، ذكرت أحد عشر دليلاً، وأذكر هذه الأدلة بالرغم من وجودها في البحث بإيجاز لإلقائي على مسامع السادة الحضور.
الدليل الأول للجواز في هذه الحالة: أنه قد تم إعمال النص التشريعي الآمر بالحد بمجرد القطع أو البتر، فيبقى ما عدا ذلك على أصل الإباحة الشرعية، فيمكن أن نستفيد في عصرنا من معطيات تقدم الطب العلمي، وأما في الماضي فكان يظل موضع أثر القطع قائما على ما هو عليه بسبب العجز عن مثل هذا التصور، وهو مجرد أمر واقع لا يحتج به كما لا يحتج بالوقائع التي لم تتعلق بها نصوص شرعية، وذكرت قول السرخسي في هذا الموضوع مبيناً مذهب الحنفية في أنه لا يجمع بين الحد وضمان المال المسروق، وقوله يفيدنا في بيان مدى إعمال النص، وذكر قوله تعالى: {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا} وأن القطع هو جميع موجب الفعل لأن لفظ (الجزاء) إشارة إلى الكمال، فلو أوجبنا الضمان معه لم يكن القطع - أي قطع يد السارق - جميع موجب الفعل، فكان نسخاً لما هو ثابت بالنص، ثم ذكر السرخسي حديثاً عن عبد الرحمن بن عوف أنه لا غرم على السارق بعد ما قطعت يده، لكن إذا اجتمع في يد الجاني قطع في السرقة والقصاص بدىء بالقصاص وضمن السرقة، هذا مضمون الدليل الأول من كلام السرخسي، فإذا اجتمع في اليد حقان أحدهما حق لله تعالى والآخر للعبد فيقدم حق العبد لحاجته إلى ذلك. الدليل الثاني: أنه لا سلطان للحاكم على المحدود بعد تنفيذ الحد، فإذا بادر السارق أو المحارب إلى إعادة يده أو رجله التي دفنت أو رميت أو ما شاكل ذلك، بعمل جراحي، هل يحق لهذا الحاكم أن يتابعه ويتدخل في شأنه؟ كما لا يحق له أن يتابعه إذا أراد إقامة أو تركيب يد صناعية أو رجل صناعية، فتكون إعادة العضو الطبيعي أجدى وأنفع وأولى.(6/1564)
الدليل الثالث: لقد تحققت أهداف الحد المادية والمعنوية بمجرد تنفيذه، ففي القطع إيلام وتعذيب وزجر ونكال وتشهير وإساءة سمعة ووخز للاعتبارات الأدبية والإنسانية، وكل ذلك تحقق بمجرد إقامة الحد دون النظر إلى ما يعقب ذلك من أعمال يقوم بها الجاني بأفعال من عند نفسه.
الدليل الرابع: إن زراعة العضو من إنسان آخر كالقلب والكلية والرئة والعين أمر جائز للضرورة لإنقاذ حياة الإنسان، كما قرر مجمع الفقه (مجمعنا) فيجوز بالأولى لأي إنسان إعادة ما قطع من أعضائه أثناء إقامة الحد عليه، فهو أولى بيده من أن تنقل إليه يد أخرى أو عضو آخر، فلم نجيز الحالة الأولى ولا نجيز الحالة الثانية؟.
الدليل الخامس: أن التوبة تسقط جميع الحدود التي هي حق لله تعالى في مذهب الحنابلة، كما يقولون: يقول ابن تيمية وابن القيم، رحمهما الله: ليس في شرع الله وقدره عقوبة تائب البتة، لقوله عليه الصلاة والسلام: ((التائب من الذنب كمن لا ذنب له)) فهذا الذي أقر ثم أقيم الحد عليه ثم تاب، كيف لا نوافقه على تمكينه من إعادة يده؟ الدليل السادس: أنه لو نبتت سن جديدة أو أصبحت جديدة بعد القصاص أو الحد لا تستأصل مرة أخرى، في الراجح لدى الفقهاء لأن النابت نعمة جديدة من الله تعالى أو هبة مجددة ليس للمجني عليه قلعه وليس هو في حكم المقلوع أو المقطوع.
الدليل السابع: لا شك أن إعادة اليد أو غيرها مصلحة ضرورية لصاحبها، ولا تتصادم هذه المصلحة مع النصوص الشرعية الآمرة بتطبيق الحدود والقصاص، إذ أن النص قد أعمل وفرغ منه، وهو ساكت عن ما وراء تنفيذ مقتضاه الواضح.(6/1565)
الدليل الثامن: إن حقوق الله تعالى مبنية على الدرء والإسقاط والمسامحة خلافاً لحقوق الآدميين.
الدليل التاسع: ليس في إعادة اليد أو أي عضو، قطع حداً، ليس في ذلك عبث أو تحايل على أحكام الشريعة، لأن العبث والتحايل في الوضع القائم الذي يفر من تطبيق الحدود الشرعية ويعطل النصوص الآمرة بها، ويمكن تطهير اليد المقطوعة بالماء قبل تركيبها، علما بأنني ذكرت عن الشيخ التقي أن المذاهب الأربعة تعتبر هذه اليد المعادة، ما دام زرع العضو مرة أخرى، المذاهب الأربعة تقرر أن هذا العضو يكون طاهراً وليس نجسا.
الدليل العاشر: ليس المراد من حسم موضع القطع إلا التداوي وقطع النزيف الدموي، كما أوضحت سابقاً، ولا يقصد به الاستئصال الأبدي إلا من ناحية الواقع فقط، لا من ناحية الإمكان العلمي، فذلك أمر مسكوت عنه في النصوص، والأصل في الأشياء الإباحة.
الدليل الأخير: أن الاعتبارات الإنسانية وسماحة الإسلام ورحمة الله بعباده تؤكد لنا القول بجواز إعادة اليد، والله أعلم.
الخاتمة: تبين لدينا أن إعادة أي عضو قطع في قصاص لا يجوز شرعاً ما لم يأذن المجني عليه ويسقط حقه، منعاً من إثارة الأحقاد والضغائن، أما إعادة العضو المستأصل في حد كإعادة اليد أو الرجل بعد قطعها في السرقة أو الحرابة، فذلك أمر جائز في رأيي بالشروط والضوابط المتقدمة، ما لم يؤد الأمر إلى فساد عام وشر شامل وظاهرة شائعة فيؤخذ حينئذ بما يحسم الفساد بالحكم الأشد. والله ولي الأمر والتوفيق. وشكراً.(6/1566)
الدكتور عبد الله محمد عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.
نشكر الشيخ الزحيلي على هذا التفصيل وعلى عرضه القيم لجميع البحوث ولكن في بحثه ذكر فيما يتعلق بحقوق العباد في القصاص أنه لا يجوز إعادة اليد إلا بعد الاستئذان من المجني عليه، هناك صورة لم يذكرها وأنا أذكرها على سبيل الاستفسار فقط وهي: لو كان المجني عليه قد مات فما الحكم في هذه الحالة؟ أما فيما يتعلق بحقوق الله كالسرقة والحرابة، الخوف من أن تشكل عصابات يهونون على السراق المسألة ويقولون: إذا ما أقيم عليك الحد عملنا لك عملية وأنفقنا عليك حتى تعود كما كنت، فيكون هناك نوع من الجرأة وخصوصاً أننا نعلم بأن طرق الجرائم التي يكون خلفها أناس أو هيئات أو جماعات مهمتها الإفساد والاعتداءات وما إلى ذلك. وشكراً.
الشيخ عبد الله الركبان:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على رسول الله.
الموضوع الذي كتب عنه الكاتبون في هذا اليوم موضوع له أهميته ويكثر التساؤل عنه في هذه الأيام، والأدلة التي طرحها الباحثون ما يتعلق بأدلة المجيزين أو بأدلة المانعين هي أدلة كما لا يخفى قابلة للمناقشة، والذي يظهر أنها غير كافية في أن يعتمد عليها في الحل أو عدمه، ولكن إذا رجعنا للآية الكريمة بالنسبة للسرقة {جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ظهر لنا أن قطع اليد وإعادتها بعد القطع مباشرة لا يحقق هذا الغرض، فليس فيه نكال وان كان فيه جزاء، فالأمر لا يظهر إلا إذا تركت يده مقطوعة وعلم الناس بذلك فاشتهر أمره ليرتدع غيره، ولكن لا أجد ما يمنع من أن يمكن الشخص من أن يعيد يداً أخرى لأن اليد التي هي وسيلة للسرقة والتي استخدمت عوقب بقطعها وحرمانه منها، ليس هناك ما يمنع أن يعيد يداً أخرى، هذا بالنسبة إلى الحد.(6/1567)
أما بالنسبة للقصاص، فينبغي أن يفرق بين ما إذا كان الجاني منع المجني عليه من إعادة يده أو لم يمنعه، فإذا كان قد منعه من إعادة يده، بأسلوب أو بأخر، فلا يمكن الجاني من إعادة يده، معاملة بالمثل، أما إذا لم يمنعه بأن قال له: هذه يدك، فإن شئت فأعدها. وكان في وضع يتمكن من إعادتها، لكن المجني عليه أبى، فلا أرى وجهاً لمنع الجاني، إذا قطعت يده، من إعادتها مرة أخرى، هذا فضلاً عن أن لكل من المجني عليه والجاني أن يضع يداً أخرى لأن الغرض من القصاص قد تحقق بالنسبة للمجني عليه والجاني على حد سواء.
نقطة أخيرة أود أن أستفسر من الدكتور الزحيلي فرق بين الإعادة في الحالات الفردية وبين الإعادة العامة، وفي ظني أن التعليلات التي علل بها وثنى عليها أحد المتحدثين لا تكفي للمنع، ومن المعلوم أن من يحترف الجريمة سيستطيع إذا قطعت يده أن يذهب إلى مكان آخر وأن يعيد يده إذا وجد الوسيلة إلى إعادة يده. وهذه أمور قليلة. فالغرض من الحدود هو الردع، والردع يتحقق بالقطع، ثم إن الإعادة ليست من الأمور السهلة، كما أن الدكتور الزحيلي ذكر أن إعادة السارق ليده يعتبر بمثابة الرجوع عن الإقرار، ولا أظن ذلك كذلك. وشكراً.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
في الواقع إن أستاذنا الصديق الشيخ وهبة قد عرض علينا خلاصة البحوث ومن جملتها بحثي أيضاً، ولكني أريد أن أركز على نقطة واحدة تقدم بها هو في بحثه وهي التفريق بين حقوق العباد وبين حقوق الله، فذكر أن القصاص بما أنه من حقوق العباد فلا سبيل للمسامحة فيه، فإن إعادة العضو المبان في القصاص اعتداء على حق المجني عليه ولكن النقطة الأساسية هنا هل حق المجني عليه هو استيفاء القصاص مرة واحدة؟ أومن حقه أن يظل عضو الجاني منفصلاً عن جسده على سبيل الدوام بصفة دائمة؟ فإن ذهبنا إلى الأول، يعني أن وفاء حقه يتحقق باستيفاء القصاص مرة واحدة، فإن هذا الحق قد استوفي وقد انتهى أمره، فلا يمنع ذلك من أن يعيد الجاني عضوه إلى جسده بعملية طبية، وأما إذا قلنا بالثاني، يعني أن من حق المجني عليه أن يظل عضو الجاني منفصلاً عن جسده طول حياته، فهذا يصادم مبدأ المساواة في القصاص، فإن المجني عليه يجوز له إعادة عضوه ولا خلاف في ذلك، ولا يقول أحد: إن المجني عليه لا يجوز له إعادة عضوه، فإن قلنا إن الجاني لا يجوز له الإعادة والمجني عليه يجوز له، فإن هذا مناف لمبدأ المساواة بينهما.(6/1568)
وأن هذا الحكم قد صرح به الفقهاء، وقد ذكرت نصوص الفقهاء القدامى وكنت أعتقد حينما شرعت في هذا البحث أني لا أجد نصاً صريحاً في هذه المسألة إذ هي مسألة مستجدة ولكني وجدت نصوصاً صريحة في جميع المذاهب، من الإمام مالك ومن الإمام الشافعي ومن محمد بن الحسن الشيباني رحمهم الله، كلهم ذكروا هذه المسألة. فمثلاً يقول الإمام الشافعي في كتابه الأم: "وإن لم يثبته المجني عليه أو أراد اثباته فلم يثبت واقتص من الجاني عليه فأثبته فثبت لم يكن على الجاني أكثر من أن يبان منه مرة. وإن سأل المجني عليه الوالي أن يقطعه بالجاني ثانية لم يقطعه الوالي للقود لأنه قد أتى بالقوة مرة، إلا أن يقطعه لأنه ألصق به ميتة"، يعني أتى بعلة أخرى. لكنه صرح بأن حق المجني عليه قد استوفي باستيفاء القصاص مرة. وكذلك القاضي أبو يعلى يقول: إذا قال المجني عليه: ألصقوا أذنه، بعد أن أثبتها، أزيلوها عنه، قلنا بقولك لا نزيلها لأن القصاص وجب بالإبانة فقد وجد ذلك، فالفقهاء أيضاً قد صرحوا بهذا.
ففي نظري أننا لو أجزنا للجاني أن يعيد عضوه، فإن هذا لا ينافي مبدأ المساواة ولا مبدأ التحفظ بحقوق العباد.
وأما مسألة إعادة العضو المقطوع في حد فإني متوقف في هذه المسألة لأن إعادة اليد أو الرجل كما ذكرت في بحثي، قد ذكر الأطباء أنه لم ينجح حتى الآن أحد في هذه العملية، والأطباء موجودون ربما يفيدونا في هذا السبيل، فإذا كانت هذه العملية غير ناجحة فلا أرى أنه من المناسب أن نبحثها ونصرف أوقاتنا فيها. وشكراً.(6/1569)
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أود قبل كل شيء أن أشكر الأستاذ الدكتور الزحيلي على تلخيصه الجيد، ولكني أذكر ببعض النقاط.
النقطة الأولى: هو جعلني في صف من قالوا بالتفصيل في حين أن ممن يقولون بالجواز المطلق، ولكني في نهاية بحثي قلت: "فلو لم نقبل الجواز المطلق فإن القول بالتفصيل هو المتعين "، معنى ذلك أنني أقول بالتفصيل وفق رأيي المتواضع ولكن على سبيل الترتب يعني بعد عدم القول بالجواز المطلق أنتقل إلى التفصيل.
خلاصة الرأي المتواضع هو أن الأدلة المذكورة للمانع أكثرها استحسانية، وبالتالي لا يمكن الاستناد إليها في حكم شرعي، من قبيل القول بأن العضو المقطوع، مثلاً، تمت الجريمة به فيجب أن تبقى عقوبته مؤبدة، هذا استحسان لا نستطيع أن نجعله دليلاً شرعياً على حكم شرعي، وباقي الأدلة المذكورة رأيت أنها استحسانية في غالب الأحيان، إلا أن هناك رواية رويت في كتب الإمامية عن الإمام الباقر: "أن رجلاً قطع من بعض أذن رجل شيئاً فرفع إلى علي عليه السلام فأقاده، فأخذ الآخر ما قطع من أذنه فرده على أذنه بدمه فالتحمت وبرئت فعاد الآخر إلى علي فاستقاده فأمر بها فقطعت ثانية وأمر بها فدفنت وقال: "إنما يكون القصاص من أجل الشين". الرواية من حيث الدلالة تامة إلا أن سندها غير قوي ولا يمكن الاعتماد عليها. هناك ادعاء للإجماع وهو ادعاء غير تام ذكرته وناقشته، التفصيل أيضاً لم أقبله لأني وجدت أن دليل المنع في مجال حقوق الناس أيضاً دليل استحساني، وهو يقول به الأستاذ الدكتور الزحيلي خوفاً من الضغائن، ومن الطبيعي أن هذا أمر عارض، أمر ثانوي يجب أن يمنعه القانون أن يقوم القانون بحمايته. ثم الصورة التي طرحها الأستاذ الشيخ محمد، من حالة الموت بالنسبة للطرف الآخر فلا نستطيع أن نتصور حالة طبيعية ونمنع بشكل كامل نقول لا يجوز له ذلك.(6/1570)
خلاصة الرأي: أنه لم يقم دليل على المنع من إعادة اليد، وحينئذ فلا يجوز قطعها لو أعيدت، ومحور الكلام أن الأمر بالقطع يتعلق بالطبيعة، وواضح أن الأمر المتعلق بالطبيعة ينفذ عندما نأتي بأول فرد من الطبيعة، كما يقول الأصوليون، يعنى الأمر بالطبيعة يسقط عند الإتيان بأول فرد والنهي عن الطبيعة يبقى قائما مع كل فرد، وقد تحقق الفرد الأول وسقطت الطبيعة المأمور بها وحينئذ لا نجد دليلاً على المنع من الإعادة أو القطع.
هذه خلاصة لما أردت بيانه.. وشكراً.
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم. ان القصد من الحد أو القصاص فصل العضو وإبانته، فلو أعيد لم يعد فصلاً ولا إبانة، هذا من وجه، ومن وجه آخر، الحد كما هو معلوم هو عقوبة مقدرة وجبت حقاً لله تعالى، والقصاص هو عقوبة مقدرة شرعاً وجبت حقاً للعبد، يا ترى هذه اليد بعد قطعها أو العضو الذي قطع حداً أو قصاصاً هل يبقى من حق الفرد أو تمحض حقاً لله تعالى، ومن حقه إذ ذاك أن يدفن أو يتصرف فيه على الوجه المأذون به شرعاً، ثم التعليل بالتوبة بعد القطع، كل الناس كل المسيئين بعد العقوبة يتوبون، وهذا لم يقل به أحد. قياسهم الوصل على الزرع، ذاك زرع لعضو ذهب، قياس مع الفارق، لأن زرع عضو غير الجاني أو المجني عليه، الذي تكلمنا عنه، لم يذهب عقوبة، لم يذهب هذا العضو عقوبة، وحبذا لو نبهنا فضيلة الدكتور، إلى مسألة عند زرع الأعضاء أن نقول هذه الأعضاء التي بترت أو ذهبت، ألا تكون ذهبت بحد أو قصاص، إذن لنبهنا بهذه المسألة إلى أمر هام، إذن القول بالإعادة وأنها من حق الإنسان أن يعيدها هي، والله أعلم، أن هذا العضو بعد ابانته تمحض حقاً لله تعالى ولا ينبغي إعادته، سواء في حد أو في قصاص، لأنه حتى في آية العقوبة {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} من المعروف هنا أن هذه الرأفة أن الناحية الإنسانية هنا في العلاج ينبغي أن تكون مستبعدة، وكما ذكر الأخوة الذين سبقوني التشهير مقصود، كما أن القطع مقصود، إذن المقصود أمران: القطع والتشهير والله أعلم.(6/1571)
الدكتور سعود مسعد الثبيتي:
الحمد الله، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فلا يتجاوز كلامي أن يكون تكملة لكلام الشيخ خليل الميس، فمن المعلوم أن حد السرقة مقصود منه الجزاء والنكال، جزاء للسارق على ما اقترفت يده من أخذ أموال الناس وترويعهم فيها، ونكإلا وعبرة وعظة لغيره، والله سبحانه وتعالى يقول: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، فالجزاء مقصود في حد السرقة للسارق وقد حصل، والنكال مقصود لغيره، لغير السارق، وكما عرف من النكال أنه يصنع بالسارق أو بغيره صنعاً يمنع غيره من الاقتراف الذي اقترفه، والله سبحانه وتعالى يقول: {فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا} .
فلا شك أن قطع يد السارق وتركها بدون إعادة من الأمور التي يتعظ بها غيره ممن تسول له نفسه أن يعمل مثل عمله، وإلا إذا قطعت وأعيدت فلا يكون نكالا لغيره بل قد ينسى هذا العمل في فترة وجيزة، وقد يكون من الدواعي لهذا السارق أن يسرق مرات ومرات أخرى، وكل ماسرق مليوناً أو مليونين من الريالات، أعاد يده بخمسين ألف ريال أجرة عملية جراحية، وهذا يعود على الغرض الذي شرع لأجله والهدف الذي شرع لأجله حد القطع في السرقة.
فلذلك لا أرى أنه تعاد يد السارق بعد قطعها تنفيذاً لأمر الله سبحانه وتعالى:
{جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا} ، والنكال لا يكون إلا إذا امتنع غيره ورأى غيره ما آلت يده إليه فامتنع عن مثل عمله. وشكراً.(6/1572)
الشيخ أحمد محمد جمال:
الحمد الله، والصلاة والسلام على رسول الله.
أريد أن أقول في البداية إن القول بإباحة إعادة اليد المقطوعة أو الرجل المقطوعة في المحاربة سخرية بأحكام الله عز وجل، كأنا نستهزىء بالله وبما قرره وبما حكم به، هذه واحدة.
والثانية الشيخ التسخيري - أصلح الله بالي وباله - قال إن القائلين بالمنع قالوا به استحساناً، وأنا أقول له إنهم قالوا بالمنع تطبيقاً لنص آيات القرآن الكريم، الله عز وجل يقول في السرقة: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، فالله تبارك وتعالى يعلل هنا الحكم بالنكال، وقطع اليد لإعادتها سخرية وهزء وضحك على الله عز وجل وعلى الناس. فهذا تطبيق لعلة الحكم "نكال" ينبغي للسارق والمحارب أن تبقى يده أو رجله مقطوعة ليستمر النكال، وأيضاً جاء في آية المحاربة: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا} ، هذا تعليل إلهي رباني لا يمكن أن يجادل فيه أحد وإنما هو تطبيق للنص. فلا بد من ملاحظة ذلك بالنسبة للقائلين بالمنع، هذه حجتنا نحن القائلين بالمنع. ثالثاً، هناك بعض الآراء تقول: إن إعادة الأيدي المقطوعة والأرجل قليلة الاحتمال أو قليلة الوقوع وينبغي أن يهمل إصدار قرار فيها، هذا غير صحيح، المسألة مطروحة في الصحف والمجلات الإسلامية حول إعادة اليد المقطوعة والرجل المقطوعة في الحدود والقصاص، فينبغي أن يصدر المجلس حكما ولو كان سابقاً لما يحدث، ليجد الناس حكما صريحاً واضحاً للاستناد إليه. وشكراً.(6/1573)
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
إن هذا الموضوع قد جعلت الأمانة العامة بينه وبين موضوع بعد ظهر أمس فاصلاً بجلسة اليوم، وكان من حقه أن يلحق به باعتبار أنها تمثيلية جديدة، ذلك أن أخذ العضو - قطع يد السارق - لا يقصد أبداً تعذيبه، ولذلك كل ما كان أمراً للتعذيب لا يعذب به، واليوم - ولله الحمد - وقد تقدم الطب تقدماً كبيراً فيؤخذ السارق إلى مستشفى من المستشفيات الممتازة، وقد يكون خيراً من بيته وتجري عليه ما يمنعه من الإحساس، ثم تعاد اليد طبياً ويخرج بعد أسبوع وإقامة في مستشفى بعناية تامة وأطباء من جميع الجهات ويقال إنه قد أقيم عليه الحد. في الحقيقة أن وضعاً كهذا أعتقد أنه أبعد ما يكون عن قوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} ، هذا الأمر الأول.
الأمر الثاني، أعتقد أن إقامة الحد بقطع اليد موضوع بحث فيه، ولكن هو موضوع لا يهم العالم الإسلامي اليوم بكل أسف، العالم الإسلامي اليوم في معظم بلدانه فيما أعلم ما عدا المملكة العربية السعودية، هناك عقوبات أخرى تقع عوضاً عن قطع يد السارق والعضو الذي استؤصل في حد، فليس هناك عضو ولا هناك قطع وإنما هو السجن، والبلاد التي تقيم الحدود ثلاثة، أعتقد أنها لما قصدت من ذلك إنما قصدت منع داء الجريمة، وإنه لو عادت هذه الأيدي بهذه السهولة إلى الناس لكان الحد الإسلامي أخف الحدود ولا يؤثر في الجاني شيئاً إذا لم يتأثر قلبه بالرجوع وبالتوبة إلى الله، فضمان الأموال الذي من أجله وقع الحد لا يتحقق إلا إذا كان القطع تاماً.(6/1574)
الأمر الأخر هو أن قطع اليد هذا حكم حكم به الله فإرجاع اليد هو حكم جديد يخالف استمرارية الحكم الأول، والمخالفة لا بد لها من دليل يساوي النص الأصلي، وهو نص القطع، أي نص قرآني أو نص يقيني، ولذلك أعتقد أصولياً لا يمكن أن نقول: إنه يجوز أن تعاد اليد إلى ما كانت عليه، لأن استمرار الحكم هو من أصل ثابت أخذاً من قوله نعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} . فإذا أردنا إرجاع هذه اليد فلا بد أن يكون نص في مستوى الأصل الذي أوجب الفصل وإلا ما كان هناك فصل، هذا ما ظهر لي والله أعلم. وشكراً.
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
لا شك أننا نسلم جميعاً بأن الإسلام جاء للتطبيق لكل زمان وكل مكان، وأنه وقت نزول الحكم، ما كان أحد يستطيع أن يعيد اليد إلى مكانها، فما عرفنا في وقت التشريع أنه أمكن أن تعاد يد، وفي علم الله عز وجل أن هذا النص القرآني سيبقى لمرحلة يصل فيها البشر إلى إمكان إعادة اليد، فلو أن الحكم أريد منه الإيلام والتعذيب لكان أمراً غير قطع اليد، وكان يمكن أن يكون شيئاً آخر وإلا معنى هذا أن الحكم وقت نزول النص القرآني تقطع اليد والآن تعاد اليد، اذن هنا لا توجد مساواة في تنفيذ الحكم الشرعي، وقت نزول النص، وفي عصر وصلت فيه البشرية إلى هذا المستوى من العلم وعلم الله بها من قبل أن يخلقها، يكون هناك فرق كبير بين من يعاقب في وقت نزول النص ومن يعاقب في عمر تقدم الطب، فإذا كان الأمر هو مجرد الإيلام والتعذيب، فهذا يكون شيئاً آخر، ما أكثر أنواع الإيلام والتعذيب، وكان يمكن أن يكون شيئاً آخر غير قطع اليد.
ولذلك أظن - والله تعالى أعلم - أن إعادة اليد إهدار للحكم الشرعي والله عز وجل هو الأعلم بالصواب. وشكرا.(6/1575)
الدكتور عبد الكريم اللاحم:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
قيل بالتفصيل في الإعادة بين ما إذا كان القطع حقاً لله أو قصاصاً، فأجيز إذا كان القطع حقاً لله، لأن حقوق الله مبناها على التسامح، ومنع إذا كان القطع قصاصاً للمشاحة في حقوق الآدميين، وأرى العكس وهو المنع مطلقاً إذا كان القطع حداً لما سمعنا من الأدلة والتعليل، وأنه ليس المقصود بالقطع مجرد الإيلام بل المقصود النكال والعقوبة المستمرة، وهذا لا يتحقق إذا أعيد العضو المقطوع بعد قطعه إنما يتحقق الإيلام فقط، وأما الجزاء والنكال فإنه لا يتحقق مع هذا، وأخشى مع تطور العلم والعمل أن يتخذ وسيلة إلى عدم القطع - قد يقع وإن كان الاحتمال ليس قريباً - وذلك أن يتخذ إجراء القطع في المستشفيات ثم يجلس الجاني في المستشفى مدة بحجة أنها قطعت يده وهو في دور النقاهة وهي لم تقطع ولم يجر عليها أي مشرط، ثم يخرج بعد فتره وجيزة سليم العضو لم ينفذ عليه حكم الله سبحانه وتعالى. وشكراً.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أود فقط أن أقول أن المحور يدور حول كلمة (نكالأ) ، وأن النكال لاً يتحقق إلا إذا بقيت هذه اليد مقطوعة بشكل مؤبد، أرجو أن نلاحظ بدقة أننا مأمورون بقطع اليد لغرض النكال، قطع اليد قد حصل بلا ريب، طبيعة أمر بها طبيعة قطع اليد، وقد نفذ هذا الأمر، وكل علماء الأصول يقولون: إن الأمر إذا تعلق بطبيعة عامة وتحقق فرد منها فقد سقط الأمر، يعني لا أمر في البين، فالغرض هو النكال، والنكال هنا، كما يصرح لسان العرب: العقوبة التي تكون عبرة للغير، قطع اليد أو قطع اليد والرجل عبرة للغير، يشعر المجتمع بأن الرجل الفلاني قطعت يده ورجله، وأنا لا أدري كيف يتصور الأستاذ عبد الكريم أنه يجلس في المستشفى ويتحايل على القانون، هذا ما يمكن أن يستدل به لإصدار حكم شرعي، تحايل على القانون، وما أكثر الذين لا يقطعون أصلاً، يقولون: لقد صار القطع حكما رجعياً يعبر عن ذلك هؤلاء المجددون المنحرفون عن الإسلام. لا، هذا أمر يجب أن نلغيه من الحساب، النكالى قد حصل، يد قطعت، قطعت يده ورجله أمام الناس أمام الملأ، قطعت يده ورجله حصل النكال، حصلت العبرة. الكلام: أننا هل علينا، كما يقول الأستاذ الشيخ السلامي، يقول: يخالف استمرارية. الكلام كله في الاستمرارية. نحن نبحث عن استمرارية هذا الحكم، تقولون: يخالف استمرارية الحكم، فيحتاج إلى حكم مخالف، الكلام في الاستمرارية، لو كنا نؤمن بالاستمرارية لما كنا احتجنا إلى هذا البحث. الكلام أنه هل أن الله تعالى أراد لهذه اليد المقطوعة أن تبقى إلى الأبد مقطوعة؟ هذا أول الكلام، ولذلك لسنا في حاجة إلى دليل، نبقى على أصل الإباحة في العودة.(6/1576)
هذه هي النقطة التي أرجو التركيز عليها، يعني النكال هو العبرة، والعبرة قد حدثت، حصلت قطعت يد ورجل أمام الناس. وشكراً.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
وجدت أن أكثر المتحدثين يتجهون إلى القول بالمنع وليس ذلك هزيمة للقائلين بالجواز، وقول المانعين، يتفق - كما صرحت سلفاً - مع قرار هيئة كبار علماء السعودية، والذي أحس به أن الاتجاه هو ضرورة التنسيق بين قرار مجمعنا وبين مثل هذه القرارات المجمعية أو الصادرة من هيئات كبار العلماء، وهذا لا أعارضه وإنما هي وجهة نظر أبديناها واجتهدنا فيها.
أما القول بحصر تطبيق الحد في السعودية - إن شاء الله – نرجو أن يعم هذا كل البلاد الإسلامية، وقد أخبرني الدكتور محمد ميكو في مجلس وزراء العدل العرب أن القانون الجزائي الذي وضعته الجامعة العربية هو قريباً سائر نحو التنفيذ وقال لي: هذا القانون يشتمل على أبواب ثلاثة: الباب الأول في الأحكام العامة في الجرائم، الباب الثاني الحدود، والباب الثالث التعزيرات. فلمإذا نتشاءم من أن تطبيق الحدود لن يعود إلى الساحة مرة أخرى؟ والدول العربية متجهة في قرارها إلى أن تعود إلى حظيرة الشريعة وتطبيق القانون الجزائي وأصبح القانون جاهزاً إلى أن يصدر فيه قرار للتنفيذ والتطبيق، كما هو الشأن في قانون الأحوال الشخصية.
فلذلك، القول بأن السلبية وعدم إصدار قرار بهذا الشأن هو في الحقيقة ليس من صالحنا، نريد أن يكون لنا رأي، أنا لست من المتعصبين لرأي معين، لا ضد المانعين ولا ضد المجيزين، المهم أن يكون لنا رأي في الموضوع فهذا شييء أساسي وهو مطلوب ولا نتهرب من مواجهة الواقع كما أشار الشيخ الأستاذ أحمد جمال.(6/1577)
أما التساؤلات التي وجهها الأخوة إلى بحثي فالدكتور عبد الله حفظه الله إذا مات المجني عليه أنا قلت: ان عدم السماح للجاني بإعادة يده هو منع المشاحنات وإثارة الأحقاد وإطفاء الغيظ إذا مات المجني عليه فالقضية تنتهي، أما ما ذكره من أن المحذور من إعادة اليد هو إغراء الجاني وتطمينه بأن يده ستعود، أنا قلت: إذا اتخذ ذلك سبيلاً ليكون ظاهرة عامة وشاع بين الناس أن كل يد ستعود عندئذ نحن مع القائلين بسد الذرائع ومنع المؤدي إلى كل فساد.
أما الاستفسار الذي قدمه الدكتور عبد الله علي، وهو التفرقة بين الإعادة الفردية ومنع الحالة الجماعية، فكل ما أدى إلى الشر فهو شر لمبدأ سد الذرائع، وهذه التفرقة مبنية على قضية مبدأ سد الذرائع، كل ما أدى إلى المباح فهو مباح وكل ما أدى إلى الفساد فهو فاسد وممنوع، فهذا سندي في التفرقة بين الأمرين.
وأما قوله: "إعادة اليد إقرار لفعل السارق " فهو، طبعاً، رأيه لا يوافق على هذه الإعادة، هو إذن ينضم مع طائفة القائلين بالمنع، والأخ الشيخ تقي العثماني، حفظه الله، أوضح بجلاء أن القضية مبحوثة عند الفقهاء ونقل لكم رأي الشافعي في الموضوع والقاضي أبي يعلى، والشيخ التسخيري أيضاً ذكر ذلك صراحة وأن المسألة قديمة، فإذن نحن لا نعالج أمراً جديدا من كل جوانبه وإنما كلام الفقهاء - رحمهم الله - لم يتركوا مجالا لنا في أن نقول إلا القليل، قول الشيخ التسخيري أنه يقول بالجواز المطلق لا لمجرد التفصيل إلا على سبيل الترتب، أيضاً، توضيح لا بأس به، ودليله بالأخذ بالاستحسان حجة قوية ولا يمكن مقاومتها من أحد، ولكننا نريد المقارنة بين المصالح والمفاسد، فالقضية إعادة اليد مصلحة واستحسان، كل أدلة الاستحسان وكل مبنى الاستحسان يؤيد هذا الاتجاه، وهو القول بالجواز فلا يستطيع أن يوجه أحد نقداً إلى أن إعادة اليد ليست استحساناً، وأنها ليست مصلحة ضرورية أو حاجية لهذا الجاني، فإذن نقض الاستحسان، في الحقيقة، لا يمكن لأحد أن يهدمه، لأن كل ما ذكر فيه ينطبق علينا وإنما القضية مقارنة بين مصلحة ومفسدة، هل إعادة اليد فيها مصلحة وإلا يغلب عليها المفسدة فهذه مقارنة بين المصالح والمفاسد.(6/1578)
الشيخ خليل يتجه أيضاً إلى أن الإعادة تنافي الفصل والإبانة وأن العضو أصبح حقاً الله تعالى. أهي روح؟ العضو يرمى في التراب ويرمى مع كل الأعضاء والأجزاء التي تفصل عن الإنسان، يسن دفنها حتى الشعر والظفر وجميع هذه الأجزاء، فالقضية أن هذه اليد أصبحت حقاً لله تعالى في حال الحياة وفي حال الممات، كلنا مملوكون لله عز وجل. وأيضاً إن قوله بأن القياس على الزرع غير سديد، الحقيقة في نظري لا تفرقة في رأيي بين إعادة اليد والزرع بل القول بالإعادة أولى من القول بالزرع، فإذا أجيز البديل وهو أضعف فلأن يجوز الأقوى من باب أولى.
أيضاً الشيخ سعود يتجه إلى القول بالمنع وأن الإعادة تنافي مبدأ الجزاء والزجر والنكال وأنه إذا أعيدت فلا يكون هناك نكال وإذا أعيدت فنعود على أصل الحد بالمنع، وكأننا لم نطبق الحد، وانتهى إلى أنه لا تجوز الإعادة، هذا منطق القائلين بالمنع، ونحن نعارضهم في هذا، هذه وجهة نظر - نحن لا نعدم - كل واحد يستطيع أن يؤيد رأيه بوجهات نظر متفاوتة، فحتى الشر فيه جانب من الخير أحياناً، فليس في الأشياء خير محض ولا شر محض.
أيضاً الشيخ أحمد جمال بإطلاقاته الأدبية المثيرة وهو أن القول بإباحة إعادة اليد سخرية بأحكام الله - معاذ الله أن يقول بهذا مسلم - نحن لا نسخر من أحكام الله عز وجل فهي على الرأس والعينين، وهي محل احترام وتقدير وإذعان، وكلنا نضرع إلى الله عز وجل في أن يثيبنا على تطبيق حكم من أحكام شريعة الله "لحد يقام في الأرض خير من عبادة سبعين سنة،، فلا يمكن أن يقول إنسان أو نوجه النقد لإنسان وأن نقول: القائل بالإعادة هذه سخرية من أحكام الله، هذا لا يقول به مسلم.(6/1579)
الشيخ المختار أيضاً يتجه إلى الإعادة وأيضاً تأثر بالمتحدث السابق الشيخ أحمد جمال ولم يصرح، ولكن كلامه واضح إعادة العضو هو يريد أن يلحقها بفن التمثيل، تمثيلية جديدة، وهي أيضاً إطلاقة من اطلاقاته الأدبية الطريفة، ولكن لا نقره على مثل هذا الإطلاق، فنحن إذ نجيز وهذا اجتهاد وليس مجرد تمثيل، نحترم رأيه فينبغي عليه أن يحترم رأينا، فدائماً المعارضة في الأقوال لا تقتضي تسفيه الرأي أو إلقاء صاحب الرأي الآخر في نار جهنم، لمجرد حكم ظاهري على هذا الأمر. تقدم الطب، نحن كلنا نحس به، وأنه يهيىء إلى إعادة اليد بسهولة، يكفينا هذا القطع أمام ملأ من الناس، {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، وليشهد في كل الحدود، فهو وإن ذكر ذلك في الزنا فهو عند كل الفقهاء يسن أن يكون إقامة الحد على ملأ عام، هذا معروف، ومعروف عند فضيلتك أنه إن نص عليه في الزنا فهو عند الفقهاء في كل الحدود، فإذن إقامة الحد قد طبق، الحكم الشرعي قد نفذ، والنكال قد تحقق، والزجر قد توفر، وشهود الطائفة والتناقل والتشهير والسمعة كل ذلك تناقله الناس، ونحن، حتى العالم الآن عندما يقام حد في السعودية أول ما تبادر بالإعلام به هي إذاعة لندن بأنه أقيم حد في السعودية، فالعالم كله لما يقام حد في بلد إسلامي تصبح الشهرة - طبعاً هم يذكرونه على سبيل النقد - ولكن لم يعد خافياً أن إقامة الحد أمر خطير، والفقهاء قالوا إنه ليس هناك حرص على إقامة تطبيق الحد. ولذلك من النادر تطبيق الحد، ومن هنا، في السعودية في الخمسة والعشرين سنة أو الثلاثين سنة، حيث أقيمت الحدود، لم تقطع إلا ثلاث عشرة يداً، يعني ليس كما يظن، إننا نحن عندنا أنوف تقطع وأعين تفقأ وآذان تسلم وشفاه تبتر وأنوف تجدع وأيد تقطع وتعلق في الآفاق، هذه المناظر التي يتصورها الأعداء والمستشرقون، فالحمد لله ما شاهدنا ذلك في العالم الإسلامي ولا في بلاد الإسلام، فتطبيق الحد حالة نادرة جداً، مما يجعلنا ننظر للأمور برفق ولا يأخذنا التشديد الذي قد يوقعنا في الحرج.(6/1580)
أخونا الدكتور السالوس، أيضاً، قال: لو أريد بالحكم مجرد الإيلام والتعذيب، وأن الحكم، عندئذ يختلف ما بين وقت نزول النص التشريعي وقت نزول الوحي، وفي الأعصر الأخرى، القضية أن الحكم واحد، لم يقل أحد على الإطلاق أن الحكم قد تغير، الحكم هو إقامة الحد ووجوب تطبيق الحد، فكأنه يذكر إننا لا نطبق الحد، وهذا، أيضاً، فيه رد على الشيخ عبد الكريم، والذي ذكره الشيخ التسخيري، القضية ما فيه تحايل، الحد يقام ويحترم، الخلاف في الإعادة وليس في إقامة الحد، فالحكم لا يتغير لا عند نزول الوحي ولا إلى آخر يوم من أيام هذه الدنيا.
أيضاً الشيخ التسخيري وضح نقطة في غاية الذكاء والحكمة وأن القضية هي تحقيق مناط الحكم وهي قضية كلمة النكال، وأن النكال هل سيتحقق من مجرد إقامة الحد وإلا دوام إقامة الحد ودوام قطع اليد؟ السادة الأفاضل العلماء إذا أرادوا أن يوجهوا نقاشهم ليبدأوا من هذه النقطة. وكل الكلام الذي سمعناه هو تأييد لاتجاه المنع. وشكراً.
الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، اللهم صل على رسول الله عبدك ورسولك.
السيد الرئيس، في الحقيقة أذكر بعض روايات الحديث وأظنها رواية قضية أنه ورد أن النبي صلى الله عليه وسلم بعد تنفيذ حد السرقة، وهو قطع اليد، علق يد السارق في رقبته، فأنا أرى أن هذه لعلها تلقي كثيراً من الضوء، أنا لست من الباحثين في هذه المسألة ولا أستطيع أن أرى كل البحوث، فلا أدري هل أحدهم أورد هذه المسألة واستدل بها واستدل بدلالتها؟(6/1581)
على كل باختصار شديد، أحب أن أقول أنه لعل في تعليقها، كما نعلم اليوم حتى في الطب الحديث أنه لا بد من المسارعة جداً في الحاق اليد ببقية البدن، فإن أخذها وتعليقها معناه حرمانه ومنعه من أخذها لإلصاقها، ثم إن ذلك التعليق فترة من الزمن، فمعنى ذلك إنه واضح إذا اتبعنا هذه السنة من الرسول صلى الله عليه وسلم لا يمكن بأي حال من الأحوال إعادة العضو المقطوع أبداً، وأنا كمسلم، عندما قرأت هذا الموضوع، ولكل إنسان حق التساؤل، قد اقشعر بدني وشعرت أن هذه المسألة غريب أن تتصور أو أن تحصل في الدول الإسلامية بأن يسمح لأحد بعد القطع أن يعيد اليد مرة ثانية، وهذا كما ذكر الأخ جزاه الله خيراً لعله إهدار لأحكام الله تعالى وحدوده، وشكراً.
الدكتور عبد الكريم اللاحم:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
الذي أريد أن أتحدث به الآن ثلاث نقاط:
النقطة الأولى: أن الله سبحانه وتعالى أرحم بعباده منهم بأنفسهم وقد قال الله تعالى في حق الزانين: {وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ} ، وهذا ينطبق على غيرهما من المجرمين، فلا ينبغي أن نتعاطف مع هؤلاء الشرذمة، ونبرر لهم ما يسهل لهم الإجرام. هذه النقطة الأولى.
والنقطة الثانية: التي علق عليها، أنا لم أقل إن خوف التحايل على عدم تنفيذ الحدود هو كل ما يبنى عليه المنع من الإعادة، بل ما ذكر من أدلة المنع يكفي في ذلك، ولكن ما ذكرته وارد، واحتمال وروده ولو على سبيل الندرة يكفي في الخوف منه. والنقطة الثالثة: التفصيل الذي أشرت إليه في كلمتي السابقة في حق العباد، أنه إذا أجاز المجني عليه للجاني إعادة العضو، جاز، لأنه يجوز له أن يعفو عن قطعه وإذا جاز له العفو عن الأصل جاز له العفو عن التبع وإن منع ذلك لم تجز الإعادة تحقيقاً للعدالة وخوفاً من إثارة غريزة حب الانتقام، وشكراً.(6/1582)
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير، ولا تجعل في قلوينا غلاً للذين آمنوا، ربنا إنك رؤوف رحيم.
بعد أن استمعت من فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي الذي أقدر علمه وفضله ودينه، والذي أعتبره من الأفذاذ في العالم الإسلامي، ولا أقول إلا حقاً أنه عندما ترد علي البحوث، البحوث الأولى التي أتخيرها هي ما يكتبه الشيخ وهبة الزحيلي، فاحترام الرأي، أعتقد أنه يقوم عليه أمران في نفسي، أولاً احترام الذات للشيخ وهبة، وثانيا الاحترام الو اجب للإنسان، وأول ما يحترم في الإنسان رأيه، وإذا بينت وجهة نظري بطريقة من الطرق دون أن أتعرض لا لاسم ولا لرأي آخر بالتفنيد الاعتباطي، ولكن بتبيين الحقيقة كما تقع، فليس ذلك تعدياً على رأي، فإذا قلت إنها عملية تمثيلية، فأنا أقصد ما أقول، لم أقل فيه متأثراً بما سبقني الأستاذ أحمد جمال، مع أني كثيراً ما تأثرت به لفصاحته وقوة بيانه وجمال عرضه، ولكني لما رفعت يدي من أول الأمر قبل أن يتكلم الشيخ أحمد جمال بكبير وقت كنت أعي ما سأقوله، ولذلك فأنا لا أرفع يدي إلا عندما أهيىء في نفسي الكلام الذي يجب أن أتكلم فيه، صادف أني وقعت في الحديث بعد الشيخ الأستاذ أحمد جمال، ولكن لم أكن متأثرا بالشيخ أحمد جمال، وليس منهجنا في هذه القضية منهجاً واحداً في العرض.(6/1583)
أما عندما تحدثت عن السعودية فهو من قبيل الإيماء، وأنا أومىء إلى شيء، ذلك أن ما كتبه شكيب أرسلان عن وضع الجزيرة العربية قبل إقامة الحدود، وما سمعته من جدي - رحمة الله عليه - لما ذهب إلى الحج، فحدثني أنه في طريقه من جدة إلى مكة ومن مكة إلى المدينة، كان لا يستطيع أحدهم أن يقضي حاجته البشرية إلا إذا وقف بجانبه ثلاثة مسلحين، هذه الفوضى التي كانت في هذه الأرض المباركة بإقامة الحدود التي شرعها الله رجع الأمن، أنا لا أقول إلا شيئاً واحداً، أرجو أن يعود كل واحد إلى نفسه فيستفتي نفسه لو كانت الحدود التي طبقت ثم تعاد اليد بمجرد ما تقطع، أكانت هذه الحدود رادعة للبشر؟ الذي وقع هو أن الذين يأخذون أموال الناس عندما يرون أن أيديهم تقطع ينصرفون عن هذه الجريمة والاعتداء على أموال الناس.
والأمر الثاني هو أني قلت: إنها عملية تمثيلية، وأعني ما أقول، لأنه إذا مات العضو يستحيل رده، فلا بد من أن يكون في الوقت، ولهذا بنينا في زراعة الأعضاء على أنه كيف يمكن زراعة الأعضاء؟ كيف نبقي للشخص المانح لعضوه حياة صناعية نستطيع بها نقل العضو؟ وأنه بدون هذه الحياة الصناعية يموت العضو وإذا ماتت الكلية ولو لدقيقة واحدة فإنه لا يمكن نقلها، فاليد لا بد أن تبقى فيها الحياة بمعنى أن تكون العملية في غاية السرعة حتى يمكن نقلها وإلا فإنه لا يمكن، وهذا لا يمكن إلا إذا كان قد وضع ذلك في مستشفى بكامل التجهيزات، وكانت اليد لا تأتيها أي جرثومة من الجراثيم. فالقضية هذه ولا تقع إلا على هذا النحو.(6/1584)
ثالثاً: لو تقدم الطب تقدماً بحيث يصبح ما كان بالأمس عجيباً وغريباً ممكناً بعد التقدم الطبي وما يساعد العقول البشرية على التغلب على المشاكل الطبية، فلو قطعت الرقبة حداً وفي الوقت أرجعت، فهل يقال قد نفذ الحد؟
أم أمر الإشهاد: الإشهاد في الزنا هو أمر واجب لقول الله تعالى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} ، والحكمة كبيرة في الإشهاد في الزنا، لأن الزاني لا يكون إلا متخفياً، ومتخفياً تخفياً كبيراً وفيه اعتداء فظيع على الأعراض، على فرد من عائلة الرجل أومن عائلة المرأة، فيه خفاء شديد، فالتشهير بهما هو مناقض لمقصدهما الأول، هذا لم تعطه الشريعة لغير ذلك، ولم ينص نصاً واضحاً جريئاً والأولى أن يعرف ذلك في الناس فقط ولم يأت النص الصريح إلا في الزنا.
لهذا ولكل ما ذكرت أعتقد - وهذا ما أؤمن به مع احترامي لجميع الآراء – أن القول بأن يد السارق تعاد، أو رجل قاطع الطريق تعاد، هو جعل الحد الشرعي لا أثر له في نفس الجاني تأثيراً يمنعه من العودة. وشكراً.
القاضي محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الواقع أن المناقشة التي دارت هذا المساء في هذا الموضوع رأيت أن كلها أو معظمها تنصب على موضوع واحد فقط، وهو موضوع العضو المقطوع في الحد مع أن أمامنا جزئيتين: الأولى، هي العضو المقطوع في الحد، والثانية، هي العضو المقطوع في القصاص، وربما تكون هذه المسألة الثانية أكثر أهمية بالنسبة للموضوع الأول لأمرين:
أما الأول: فلأن احتمال وقوعه أكثر من العضو المقطوع في الحد، وثانياً، لأن الفقهاء قد تكلموا عن هذا. فالذي أرجوه من السادة المناقشين الأعضاء أن يبدوا آراءهم في هذه المسألة أيضاً حينما يتكلمون عن الحد، فيبدون آراءهم في مسألة القصاص أيضاً. وشكراً.(6/1585)
الشيخ الطيب سلامة:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
إن الذي كنت أريد أن أقوله قد ألمح إليه بعض الإخوان ويجب علي أن أؤكد وأزيد التوضيح.
الواقع أن قضية إرجاع العضو المقطوع في الحد أو في القصاص أمر من الأمور المستجدة ما كان يتحدث الناس في هذا الأمر لولا ما بدت من بوادر إمكانية تقدم الطب، وقد حصل فعلاً، وقبل أن أحضر إلى المؤتمر فقد جرت في تونس عملية إرجاع اليد في حادث شغل وكانت سريعة ويبدو أنها كللت إلى حد الأن بالنجاح، ولكن هذا تطلب - كما قال الأطباء - ظروفاً معينة، هذا في مثل هذا الأمر، طبعا نحن نستبشر للطب ولتقدم الطب، لأن الإنسان في هذه الحالة التي قطعت فيها يده في الشغل هو مالك ليده، يبقى السؤال هل في الحد أو القصاص، بعد أن تفصل يده، هل تبقى اليد من حقه أو هي من حق الحاكم يأمر بدفنها ولا يمكنه منها؟ هذا هو السؤال الأول في هذه القضية.
ثانياً: إذا اخذنا منهج التسامح واعتبرنا أن الحد يكتفى فيه بقطع اليد آنذاك ولا يستلزم الأمر الدوام والإبقاء على المحدود بدون يد، معنى ذلك أننا اعترفنا له بأن له الحق في أن يعيد يده، وإذا اعترفنا له في أن له الحق في إعادة اليد فلا بد أن نوفر له الأسباب التي تعينه على إعادة اليد، وإلا كنا اعترفنا له بالحق من جهة وسلبناه، اعترفنا بالحق قولاً وسلبناه عملاً، ومما يعينه أو مما يمكنه من إرجاع يده النظر في آلة القطع، لأن آلة القطع لا ينبغي أن تكون ملوثة لأنه لا يستطيع الطبيب أن يقول ما يخالف العلم، فلا بد أن تكون آلة القطع معقمة بدون تلوث، ولا بد أن تكون للقطع كيفية معينة حتى يستطيع بها المحدود أن يرجع اليد بأيسر الوجوه، ولا بد أن نتخير وقت القطع، الوقت الذي يوجد فيه الأطباء على ذمة الذي قطعت يده حتى لا يفوت عليه الفرصة، ثم أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك ولعلنا إذا مكنا الشخص في المجتمع الإسلامي القادر على أن ينفق على إرجاع يده فما هو ذنب الفقير الذي لا يقدر أن ينفق على إرجاع يده؟(6/1586)
وهل يدخل في بيت مال المسلمين أو هل يدخل في كفالة الجماعة المسلمة أو في ميزانية الدولة أنها تنفق على إرجاع هذه اليد بالنسبة للذي قطعت منه؟ ما أريد أن أقوله أن ذلك يعني قضايا متتابعة لا بد من النظر فيها إذا ما اخترنا القول بأننا نمكن المحدود أو من قطعت يده من الحق في إرجاعها. وشكراً.
الدكتور محمد شريف أحمد:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحقيقة أنني أيضاً أنضم إلى الفريق المانع لا إلى الفريق المجوز، مع أني تأثرت بالعرض اللطيف والفقهي الممتاز لأستاذنا الدكتور وهبة الزحيلي، ولا أريد أن أكرر ما قاله وتفضل به الأساتذة الأكارم، ولكني وقفت قليلاً عند الأدلة التي تفضل بالاستدلال بها الأستاذ وهبة الزحيلي ووجدت أن هذه الأدلة - بمفردها وبمجملها - لا تنهض لإثبات الجواز، وأنا أقدر فيه علمه وروحه، بلغة العصر، الروح الرياضية. الدليل الأول: تفضل الدكتور فقال: لقد تم إعمال النص الشرعي الآمر بالحد بمجرد القطع أو البتر أي أن النص الشرعي ينتهي بالتطبيق الشكلي، إن مجرد القطع يكفي لإعمال النص الشرعي، ونحن نعلم - وهو يعلم أيضاً وربما أفضل مني - كما يقول المتكلمون بأن الله حكيم والحكيم لا يعمل إلا لحكمة، وفقهاء الأصول يقولون إن أحكام الشرع معللة بحكم ومصالح فليس التطبيق الشكلي في نظري كافياً لإعمال النص.(6/1587)
الدليل الثاني: يتفضل فيقول لا سلطان للحاكم على المحدود بعد تنفيذ الحد، فلا يحق للحاكم أن يتدخل في شأنه، كما لا يحق له منعه من تركيب يد أو رجل صناعية. هذه أيضاً دعوى ربما لا يكون لها دليل.
عندما يتفضل في النقطة الثالثة يقول: تحققت أهداف الحد بالتنفيذ لأن في القطع إيلاماً وتعذيباً، وكما تفضل الأستاذ الشيخ المختار السلامي الآن في مستشفياتنا هناك وسائل التخدير التي بإمكانها أن تحول دون أي ألم يصيب الشخص الذي تجرى له مثل هذه العمليات.
ثم يتكلم عن التوبة تسقط جميع الحدود، هذا الكلام صحيح ولكننا نفذنا فيه الحد، هذا قبل إقامة الحد يمكن أن نتكلم عن التوبة.
وفي النقطة السادسة يقيسها على فيما إذا نبتت سن جديدة أو أصبع جديد، وهذا قياس لطيف ولكنني لم أر جامعاً بين الأمرين، فأخشى أن يكون هناك قياس مع شيء من الفارق.
ثم يقول في النقطة السابعة: لا شك بأن إعادة اليد مصلحة ضرورية، ونحن نعلم أن هذه المصلحة تعتبر إذا كانت معتبرة ولكن أساساً مقطوع اليد كان في مصلحته أن تبقى اليد، ولكنها قطعت بأمر الشارع، أي أن الشارع هنا ألغى هذه المصلحة، فلا يجوز لنا أن نعود ونعتبر هذه المصلحة التي ألغاها الشارع.
ثم يتفضل فيقول: إن حقوق الله مبنية على الدرء والإسقاط، إن هذا الأمر صحيح أيضاً قبل تنفيذ الحد، إن الحدود تدرأ بالشبهات، ولكن عندما نفذ الحد لم تبق أي فرصة للدرء والمسامحة.
ثم يتفضل فيقول: ليس في إعادة اليد أو أي عضو قطع حداً عبث أو تحايل، ربما أنا أخالفه في هذه النقطة أيضاً.(6/1588)
ثم الاعتبارات الإنسانية وسماحة الإسلام ورحمة الله بعباده تؤكد لنا القول بجواز إعادة اليد. على أي حال مع تقديري لاجتهاد الأستاذ وعلمه وفقهه وملكته الفقهية التي تؤهله حسب نظري في أن يكون مجتهداً في هذه المسائل المستجدة، لم أجد في هذه الأدلة ما يكفي للنهوض بإثبات الدعوى. وشكراً.
الدكتور معروف الدواليبي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
فضيلة الرئيس، أنا عودت نفسي ألا أتكلم عندما أجد أن هناك من عبر عن وجهة نظري، والحمد لله هناك آراء مختلفة ووجدت قضايا بالنسبة لي كلها اجتهادية، وفي القضايا الاجتهادية الأدب عند السادة أئمة الإسلام المجتهدين الكبار معروف، فالإمام مالك سيد فقهاء المدينة ووارث الفقه التقليدي الثابت، لما أراد المنصور أن يعلق كتابه الموطأ ليلزم الناس به فأبى، وقال: يا أمير المؤمنين - فيما يخطر لي - إن صحابة رسول الله قد تفرقوا ولبعضهم آراء وبعضهم حفظ ما لم نحفظ، فامتنع مما ساد عند الأئمة فيما يجتهدون فيه فيقول: أرى في ذلك الصواب ولكنه يحتمل الخطأ، وكل الأئمة ذهبوا إلى هذا المذهب، لذلك أنا كنت وزعت ملاحظة، رجاء بأن نبحث في هذا الموضوع على أساس ان لم يكن هنالك في الدلالة قطعية على المعنى المراد فهي من مواطن الاجتهاد.
وما اجتمع هذا المجمع إلا أمام التحديات التي نحن في حاجة إلى إيجاد حلول لها وبرفقة كبار رجال العلم الذي جمعهم هذا المجمع وفيهم الخير والحمد لله. وأنا شخصياً تصفحت بقدر ما أستطيع، برغم ضيق الوقت لأنه لم توزع علينا الوثائق إلا بعد ما جئنا، فأنا لا أعرف كيف أثني وأشكر الذين أجهدوا أنفسهم في وضع البحوث وتطلبت منهم أياماً وليالي وهيئوها فسهلوا علينا الاطلاع، فلهم الشكر، ولكن هنالك الآراء مختلفة، وما دامت المواطن هي مواطن اجتهادية، فالله سبحانه وتعالى قال مخاطباً الرسول صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} .(6/1589)
والتتمة البديعة: {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} . بأن الرسول صلى الله عليه وسلم عاش في سنوات التشريع التي لم تتجاوز عشر سنوات وفي جزيرة العرب، والمسلمون مقدر لهم أن يمتدوا إلى مشارق الأرض ومغاربها فلا بد أن تحدث إليهم قضايا لم يأت فيها نص من كتاب ولا سنة كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: كيف تقضي؟ قال بما في كتاب الله، قال: فإن لم تجد، قال بسنة رسول الله، قال: فإن لم تجد، قال أجتهد رأيي، فضرب على صدره امتناناً وقال: الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله، فإذن من جاء بعدهم من الأئمة العظام من مختلف المذاهب وملأوا لنا هذا التراث والخزانة الإسلامية الكبيرة، في مقابل - كما قال العلماء - لا تتجاوز آيات التشريع من أصل ستة آلاف وخمسمائة آية تقريباً، لا تتجاوز آيات التشريع خمسمائة، بينما نجد هذا التراث العظيم البديع المعجز نتيجة ما أباحه لنا الإسلام من الاجتهاد أمام الأحداث والتحديات التي تأتي من وقت إلى آخر، ونحن في هذا الوقت أمامنا كثير من الأشياء، لأنه وقف الفقه منذ عصور، لا نقول وقف الاجتهاد ولكن وقف الفقه منذ عصور نعلمها ولكن نريد أن نتحدث بها ولكن الآن وقد عادت والحمد لله الدراسات الإسلامية والصحوة الإسلامية فلا بد أن نجيب المستشكل والمستفتي فيما لا نص فيه، من أن يرجع فيه إلى أمثال السادة العلماء الذين تم اختيارهم وهم مجتمعون ليجدوا حلاً، ولا يجوز في القضايا الاجتهادية كما تعلمون جميعاً أن يقول هذا رأيي الحق ورأي الآخر الباطل، مشيراً إلى قوله سبحانه وتعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} ، فهذا لا يجوز فيما بين المؤمنين في القضايا الاجتهادية، لذلك تمنيت في مذكرة، تكرمت فيها رئاسة المجلس ووزعتها، أننا لو رجعنا إلى هذه الأمور فلنحدد أولاً النص في دلالته إن كانت قطعية فعندئذ كلنا متفقون، وأما إذا لم يكن قطعياً فالباب مفتوح بنص القرآن الكريم، والرسول هو يبين ونرجع إليه ولكن ما لم يبينه مما سيأتي فيما بعد للأجيال الأخرى، حتى في عهد الرسول قال إذا لم يكن كتاب ولا سنة فقال: أجتهد رأيي.(6/1590)
فإذن أنتم أيها السادة الكرام مطلوب منكم أن توجهوا الناس ولكن قد نختلف كلنا في العلل في الحقيقة، لا في النص، والعلل كما تعلمون قد تكون سبباً للاختلاف في الأحكام كما في القضايا الربوية. فهنالك من اعتبر المكيلات هي الأساس وهناك من اعتبر الكيل والوزن، وهناك من اعتبر عللاً أخرى، فباختلاف العلل، لأن العلل كما قال ابن تيمية وابن القيم الجوزية فيما أذكر، أنها هي أدلة غير قطعية إذا لم تكن العلة منصوصاً عليها، فكل إمام بقدر ما وهبه الله استطاع أن يتكلم في العلة، ولكن عندما تختلف في الربويات العلة عند الحنفية مثلاً الكيلي والوزني، بينما العلة عند الآخرين الوزن والطعم، وعند آخرين، فنجد بحسب العلة ما هو مباح عنده، قد يكون محرماً عند الأخر، ولكنه ما دام في اجتهادهم فما أحد من الأئمة رضي الله عنهم، جعلوا ذلك سبباً بالتخيير الذي ابتدأنا نشعر به في هذه الأوقات مع بعض الإخوان الذين في مختلف الأقطار الإسلامية، ما نشك في إيمانهم وإسلامهم، ولكن التوتر في الأعصاب على أن ما فهموه هو الحق، والآخر الباطل، وابتدأوا بالتكفير، وهذه ستكون هزيمة للإسلام في الوقت هذا. وإننا في عصر تفتحت فيه العقول وهي تريد القضاء على الأساطير والأخذ بالعلم وليس هناك من جيل يدعو للاعتماد في دعوته ورسالته وفي أحكامه باسم الإسلام. فالاعتماد أولاً وأخيراً على العقل في أعظم شيء يجب أن نعتقد فيه وهو الله وكذلك على العلم وهو أول آية نزلت في الوحي: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ} ، نبه العقل أن يعرف أصله: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}
أنا آسف أني تكلمت بين سادة من سادات العلم ولست هنا معلما وإنما متعلم، ولذلك ألح وأرجو أن نتخذ في خلافاتنا هنا مكاناً لنأخذ ما يمكن أن نأخذه من الآراء حسب الأكثرية، ولكن يقال هنالك رأي آخر وله أيضاً وجهة ولم أجد بمثله في كتب أصول الفقه، لأننى عرفت كل البضاعة في الفروع بالاعتماد على الأصول، فالحنبلية هم الوحيدون الذين وجدت في كتبهم من يقول: على المفتي إذا كان مجتهداً في الفرع وفي الحكم بالنسبة للمستفتي لأنه يجب أن تكون الفتوى مصلحة لحال المستفتى، فإذا كان مفتياً عن اجتهاد فيقول: هذا رأيي ولكن هناك رأي آخر، فالمستفتي عندئذ يقع بين أن يجد أمامه فسحة لأن يأخذ بأحد الرأيين ما يصلح به نفسه ولنحذر من أن نعتقد أن الرأي الذي بني على الاجتهاد مما يخالف مثلاً اجتهادنا أن نعتقد بأنه باطل وأن نتهمه كما نتهم أصحاب الكفر {ذَلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْبَاطِلَ وَأَنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ} ، هذا يا أخي في قضايا النصوص.(6/1591)
ولذلك فأرى وألفت النظر مرة ثانية خاصة ونصوص القرآن كما نعرفها، النصوص في الأدلة الشرعية سواء من كتاب أو سنة اختلفت في درجات الوضوح، ففي الوضوح: تبتدىء بالظاهر وأعلاها النص ثم المفسر ثم المحكم الذي لا مجال للاختلاف فيه، وكذلك دون الوضوح تبتدىء بالخفي ثم بالمجمل في الخفاء ثم المشترك وثم أخيراً المتشابه، وهنا مجال عندئذ للرأي ولكل قدرته على التفكير، فإذا اختلفنا في قضايا الاجتهاد فلنسجلها، وليكن بإذن من سيدي الرئيس وإخوانه وإخواننا وزملائنا هنا، فليكن صدرنا واسعاً على أن نسجل فيما كان من قبيل الاجتهاد بكل تقدير لمن يقول برأي يخالف الرأي وهو قطعاً يعتمد على علة، والإيمان والحمد لله قوي في جميع الحاضرين وعلمهم واسع. فنحن نحسن الظن فيهم ولكن ما أخذ برأي أخذ بعلة والعلة لا تكون قطعية ما لم يكن منصوصاً عليها، كما قال الأئمة: الأحكام المبنية على العلة لا تكون العلة فيها قطعية، ولذلك يختلف فيها.
أقول قولي هذا وأستغفر الله وأعتذر إليهم لأنني أصغرهم وأقلهم بضاعة في هذا الموضوع، وأشكر الرئيس بأن سمح لي بأن أتكلم لأني كنت أريد أن لا أتكلم، خاصة وقد سمعت ما هو من وجهة نظري وما هو من غير وجهة نظري، ولذلك كنت مكتفياً ولا أريد أن أشغل السادة المستمعين بكلماتي أيضاً وأشكركم وأعتذر إليكم والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فالقضية المطروحة الآن على بساط البحث وهي قضية " إعادة العضو الذي استؤصل في حد" لا ريب أنها قضية اجتهادية، لعدم وجود النصوص التي تدل عليها، وفي الاجتهاد تراعى مقاصد الشرع كما تراعى قواعده، فاستنباط الحكم إنما يكون بالنظر إلى هذين الجانبين، ولا ريب أن الإسلام الحنيف عندما شرع الحدود على اختلافها، شرعها من أجل التطهير، تطهير الجناة، وتطهير المجتمعات، فهي تحد من الرذيلة، وتمنع من انتشارها، وهذا إنما يتم إذا كان هذا الحد يبقى أثره، فاليد عندما تقطع وتعاد إلى المقطوع منه الذي أقيم عليه الحد، نفس هذا الذي ردت له يده لا يحس بأثر نفسي كما يحس لو بقيت يده مفصولة عنه، لأنه يشعر بأنه رد إليه اعتباره بإعادة اليد اليه، والمجتمع أيضاً لا يستفيد من ذلك، ذلك أن الجناة الذين يسلكون سبيله ويعملون عمله لا يرون هذا الأثر باقياً فيه فلا ينعكس أثر هذا الحد على نفوسهم، بخلاف ما لو بقيت هذه اليد مفصولة فإن بقاءها كذلك يدع أثراً نفسياً في نفس هذا الجاني ويدع أيضاً أثراً نفسياً في نفوس الجناة المختلفين، فعلى الأقل يترددون عندما يريدون أن يقدموا على ارتكاب مثل جريمته.(6/1592)
وسمعت بعض الحديث التي لم يتعرض له في المداولات والمناقشات بالبحث، سمعت في أثناء عرض البحوث أن بعض أصحاب الفضيلة الباحثين تعرضوا لقضية نجاسة العضو المفصول أو طهارته، فنحن إذا رجعنا إلى القرآن الكريم نرى أن الله سبحانه وتعالى يبين أن للإنسان بعد نفخ الروح فيه حكما يختلف عن حكمه قبل ذلك، فبعد أن تكلم الحق سبحانه وتعالى عن الأطوار التي يمر بها الجنين وهو في رحم أمه، قال: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ} إنشاؤه خلقاً آخر، إنما هو بنفخ الروح فيه، فإذا سرت الحياة في هذا الجسم لا أرى مشكلة في ذلك من حيث النجاسة والطهارة، لأن حكم الحياة الطهارة، فلا يكون هذا العضو المفصول بعد عودته وسريان الحياة فيه مرة أخرى في حكم النجاسة. هذا الذي يتبين لي، ولكن بجانب ذلك ألح أن يبقى هذا الأثر ظاهراً بارزاً ليرتدع هذا الجاني نفسه عن العودة وليرتدع غيره عن الاقتداء به. وشكراً لكم والسلام عليكم.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم.
استجابة لطلب الأخ القاضي العثماني أقول انه يجب التفرقة بين يد قطعت قصاصاً وبين يد قطعت حداً بالنسبة لإعادتها.
ففي الحالة الأولى: يجوز أن تعاد هذه اليد، ولو على الفور، إذا أذن بذلك المجني عليه، لأن هذا، كما قال بعض الأخوة وتحدث عن هذه الجزئية، هذا حق له، وهو كان يستطيع أن يعفو حتى عن القطع، فمن باب أولى له أن يأذن بإعادتها، أو أن يكون المجني عليه قد أعاد يده التي قطعت، في هذه الحالة وهذه أضيفها إلى ما قاله الأخ، يجوز للجاني أن يعيد يده وهذه هي المماثلة في القصاص، هو قطع يد شخص فقطعت يده، المقطوعة يده أعادها، للجاني أن يعيد يده. هذا ما أراه بالنسبة للقصاص.(6/1593)
أما بالنسبة للحد فلا يجوز أبداً عندي أن تعاد اليد، بخاصة إذا علمنا أن هذه الإعادة لا يمكن أن تتم إلا على الفور، وقد تأكدت من هذا من أحد الأخوة الأطباء معنا هنا، ولهذا لا أستبعد بأن يقول بعض المتكلمين بأن هذه تمثيلية أو هذه سخرية أو استهزاء بأحكام الله، إن الآية التي أمرت بقطع اليد ذكرت أمرين: الجزاء والنكال، والنكال لا يتم إلا مع استمرار اليد مقطوعة، كما بين ذلك الشيخ المختار، ثم ما ورد في الحديث وأشار إليه الدكتور محمد عطا السيد، من تعليق اليد على الرقبة هذا من النكال، وهو يعني أن إعادة اليد أصبحت مستحيلة، ثم إن المقصود من العقوبة من حيث هي زجر الجاني وردع الغير من ارتكاب هذه العقوبة، فكيف يتحقق الردع إذا كنا سنقطع اليد ونعيدها في لحظتها، هذا يتنافى مع قصد الشارع من قطع يد السارق، ثم أود أن أسأل الذين يقولون بجواز إعادة اليد: ما الحكم لو سرق هذا السارق مرة أخرى؟ هل تقطع يده اليمنى التي قطعت وأعيدت أم تقطع الأخرى؟ وماذا تفعل لو تكرر هذا مرات؟ كلما قطعت يده جوزت له أن يعيدها هذا في رأيي لا يمكن أن يتفق مع مقاصد الشارع من هذه العقوية، وشكراً.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.
في الواقع بقي عدد غير قليل من الكلمات، والوقت أشرف على النهاية، والآراء ولله الحمد اتضحت وجهات النظر فيها، فإن رأيتم إن نعلن الخلاصة ونؤلف اللجنة، موافقون؟
الأعضاء:
موافقون.(6/1594)
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في الواقع أن الآراء التي تحصلت من خلال هذه المناقشات هي ثلاثة على سبيل الإجمال، وجائز أن تكون أربعة على سبيل التفصيل.
أما القول الأول فهو المنع مطلقاً سواء قطعت في حد أو قصاص.
وأما القول الثاني فهو الجواز في حد أو قصاص كذلك.
أما القول الثالث فهو الجواز بالتفصيل بالتفريق بين الحد والقصاص.
والقول الرابع إشارة إلى أنه إذا أعيدت يد غير اليد التي قطعت.
والذي ظهر لي أنا من خلال تسجيل الآراء، أن الذين اتجهوا إلى المنع هم عدد، فلننظر لأن هذا قرار ولا بد أن يتخذ قرار برأي محدد، ولا يصح أن يكون برأيين أو بثلاثة، إنما برأي محدد، لأنه قرار حكم شرعي فقهي اجتهادي، فإن رأيتم فأرجو من أصحاب الفضيلة الذين يرون المنع أن يتفضلوا برفع أيديهم.
الشيخ محمد المختار السلامي:
القضية نحن تحدثنا فقط على الحد ولم نتحدث عن الموضوع الثاني وهو موضوع القصاص، لكن الحديث انصب على الحد وقد كان في مخيلتي هو فقط الحد، ووجدت أنه في النص هو الحد والقصاص، ولكن ما تنبهت إلى القصاص ولذلك ما تحدثنا عن القصاص.(6/1595)
الرئيس:
هو أصلاً الذين قالوا بالتفصيل منعوه في القصاص، يعنى إضافة.
القاضي محمد تقي العثماني:
لا لا يعني الذين قالوا بالتفصيل هم فريقان: الدكتور وهبة يقول إنه يجوز في الحد ولا يجوز في القصاص وأنا عكس ذلك.
الرئيس:
يعني الآراء في الواقع خمسة، الجواز مطلقاً، والجواز إذا كانت يداً غير اليد المقطوعة، والجوازفي الحد والقصاص والعكس، هذا من حيث الجواز، أما من حيث المنع فهما لا تفصيل هناك في الأمرين.
القاضي محمد تقي العثماني:
لو يقع تصويب في مسألتين مستقلاً يعني مثلاً الحد ...
الرئيس:
لا مانع، لا مانع، الذين يرون المنع في إعادة ما قطع في حد.
ما يتعلق بالقصاص، إعادة ما قطع بقصاص الذين يرون المنع؟
الشيخ محمد المختار السلامي:
حسب الضوابط إذا سمحت.
الرئيس:
إذا كان هناك ضوابط ستذكر بدون شك بضوابطه الشرعية، الذين يرون المنع؟ يرفعون أيديهم.
إذن هي الأكثرية.
الذين يرون المنع لإعادة ما قطع بالقصاص؟ ... أكثرية.
بهذا تؤلف اللجنة من أصحاب الفضيلة.(6/1596)
الشيخ محمد المختار السلامي:
كم صاروا؟ إعرض الرأي الثاني من فضلك. هذه الأكثرية، ما نستفيد من الباقية؟
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
الذين يرون المنع في كل الأحوال؟
الرئيس:
يا شيخ الصديق نحن جرت العادة عندنا بشيء من نظام المجمع على أنه يؤخذ رأي الأكثرية وأن أصحاب الفضيلة الذين لا يرون هذا الرأي في الأكثرية يكتبون وجهة نظرهم ويرفعونها إلى الأمانة وهذا في جميع المسائل.
القاضي محمد تقي العثماني:
هل حصلت الأكثرية؟ هل حصلت أم لا؟
الرئيس:
الأكثرية حصلت حسب الإشارات الموجودة.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
نصوت على الإعادة بالتفصيل، الإعادة بشروط.
الرئيس:
ليس هناك مانع.. يا شيخ عبد الستار: الذين يقولون بالمنع في الحد؟
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
الذين يقولون بالمنع في الحد (22) اثنان وعشرون.
والذين يقولون بالمنع في القصاص سواء بضوابط أو بدون ضوابط (15) خمسة عشر.(6/1597)
الرئيس:
الذين يقولون بالجواز المطلق في الأمرين: في الحد والقصاص: الشيخ علي.. الشيخ إبراهيم.. الشيخ صالح.
الذين يقولون بالجواز في الحد، أظن لا داعي لإعادته، لأن الذين يقولون بالمنع طالما أنهم أكثرية فالذين يقولون بالجواز فهم أقلية، انتهينا من هذا.
الذين يقولون بالجواز في القصاص مع ضوابطه.. (8) ثمانية.
ولجنة الصياغة هي من أصحاب الفضيلة المشايخ: وهبة، التسخيري، محمد علي عبد الله، المختار، جمال، عطا السيد، سعود الثبيتي.
وبهذا ترفع الجلسة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(6/1598)
القرار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (60 / 9/ 6)
بشأن
"زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص"
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق14 - 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص "،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
وبمراعاة مقاصد الشريعة من تطبيق الحد في الزجر والردع والنكال، وإبقاء للمراد من العقوبة بدوام أثرها للعبرة والعظة وقطع دابر الجريمة، ونظراً إلى أن إعادة العضو المقطوع تتطلب الفورية في عرف الطب الحديث، فلا يكون ذلك إلا بتواطؤ وإعداد طبي خاص ينبىء عن التهاون في جدية إقامة الحد وفاعليته،
قرر:
ا - لا يجوز شرعاً إعادة العضو المقطوع تنفيذاً للحد لأن في بقاء أثر الحد تحقيقاً كاملاً للعقوبة المقررة شرعاً، ومنعاً للتهاون في استيفائها، وتفادياً لمصادمة حكم الشرع في الظاهر.
2 - بما أن القصاص قد شرع لإقامة العدل وإنصاف المجني عليه، وصون حق الحياة للمجتمع، وتوفير الأمن والاستقرار، فإنه لا يجوز إعادة عضو استؤصل تنفيذاً للقصاص، إلا في الحالات التالية:
(أ) أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع.
(ب) أن يكون المجني عليه قد تمكن من إعادة العضو المقطوع منه.
3 - يجوز إعادة العضو الذي استؤصل في حد أو قصاص بسبب خطأ في الحكم أو في التنفيذ.(6/1599)
إمكانية نقل الأعضاء التناسلية في المرأة
إعداد
سعادة الدكتور طلعت أحمد القصبي
رئيس قسم أمراض النساء والولادة
بمستشفى الجهراء – الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
تتكون الأعضاء التناسلية الداخلية في المرأة من رحم وأنبوبتي فالوب ومبيضين. والرحم هو الوعاء الذي ينمو فيه الجنين، أما الأنبوبة فهي جزء دقيق طوله حوالي 10 سم وبه قناة دقيقة وظيفتها أن تتلقى البويضة من المبيض بواسطة فوهة الأنبوبة وتلتقي بها الحيوانات المنوية داخل هذه القناة ويتم الإخصاب في الجزء الوحشي للأنبوبة بتوصيل البويضة الملقحة إلى فجوة الرحم لتندغم في جدار الرحم حيث ينمو الجنين.
تعريف عدم الخصوبة والإنجاب:
هو عدم القدرة على الحمل لمدة سنة على الأقل مع الاتصال المنتظم بين الرجل وزوجته. وسبب عدم الإنجاب يشترك فيه الرجل والمرأة حيث إن الرجل يتسبب في حوالي 30 % من حالات عدم الإنجاب، والمرأة تتسبب في حوالي 40 % وكلاهما في حوالي 30 %.
ومن الأسباب الرئيسية لعدم الإنجاب في المرأة هو انسداد البوقين ويحدث ذلك في حدود 40 % من حالات عدم الإنجاب في المرأة وفي هذه الحالات تكون الأنبوبة غير صالحة تماماً وبسبب الالتهابات التي تسبب انسدادها بصفة دائمة وكذلك تليف عضلاتها، وكانت المحاولات مستمرة في إيجاد حل لهذه المشكلة.
ومن هذه المحاولات نقل المبيض إلى فجوة الرحم مباشرة حتى يتم التغلب على انسداد الأنبوبتين، ومن المحاولات أيضاً نقل الزائدة الدودية بدلاً من الأنبوبة وكذلك الجزء الدقيق من الأمعاء، وقد تمت تجارب لنقل الأوعية الدموية بدلاً من الأنبوبة وكذلك تمت تجارب لوضع أنبوبة بلاستيكية مكان الأنبوبة المسدودة وكل هذه التجارب فشلت وذلك لأن وظيفة هذا العضو الصغير جداً وتركيب غشائه المبطن والعضلات في منتهى الدقة ووظيفته الفسيولوجية صعبة للغاية وتتلخص في توصيل الحيوانات المنوية داخل الأنبوبة وتقويتها ومساعدتها على الحركة للوصول إلى البويضة والتقاط البويضة وتأمين الوسط المناسب للقاء البويضة مع الحيوانات المنوية وتوصيل البويضة الملقحة وأول أدوار تكوين الجنين إلى الرحم للاندغام في جدار الرحم.(6/1600)
ومنذ سنوات بدأت المحاولات في التغلب على مشكلة انسداد البوقين في المرأة بطريقتين في نفس الزمن:
أولاً: عملية طفل الأنابيب: وهي استخراج البويضات من المبيض ثم تلقيح هذه البويضات بالحيوانات المنوية خارج جسم المرأة حتى يتكون جنين دقيق جداً بعدها ينقل إلى فجوة الرحم حيث ينمو الجنين بعد ذلك بطريقة طبيعية.
ثائياً: أن تستبدل الأنبوبة المسدودة بأخرى سليمة وطبيعية ومفتوحة من امرأة أخرى تتبرع بها وفي عملية النقل التي تستغرق ساعات طويلة يتم تغذية الأنبوبة بالمحاليل بواسطة الأوعية الدموية التي تتصل بها وتغذيها.
تاريخ نقل الأعضاء التناسلية الداخلية للمرأة:
قد بدأت هذه التجارب منذ زمن قريب باستعمال الحيوانات كالشاة حيث تم نقل الرحم وأنبوبتين ومبيضين مع الأوعية الدموية وقد تم الحمل ونجحت التجربة لأن النقل تم في نفس الحيوانات. وقد تمت نفس التجارب في الكلاب وتم الحمل.
وقام ونستون وبراون عام 1974 في إجراء نقل الأنبوبة والمبيض من جهة إلى أخرى في أرنبة وتم توصيل الأوعية الدموية تحت الميكروسكوب الجراحي وتم الحمل. أما بلانكو (1974) فقد نجح في نقل مبيض من امرأة إلى أخرى والمشكلة في المرأة دائما تكون في نقل الأعضاء التناسلية الداخلية هي رفض العضو المنقول وأنه يجب أن ينقل بأوعيته الدموية التي يجب أن تجري تحت الميكروسكوب الجراحي وهي عملية دقيقة جداً، وقد أجرى بابانكولي عام 1972 نقل رحم وملحقاته من أم إلى ابنتها ولم يحدث حمل وظل الرحم سليما ولم ترفضه أنسجة الابنة.
تاريخ نقل أنبوبة فالوب:
بدأت هذه التجارب عام 1946 في المرأة وزرعت في الرحم في 5 حالات ولكن لم تؤد إلى الحمل وظلت الأنبوبة مفتوحة، وظلت المشكلة في أنه من المحتم زرع الأنبوبة مع أوعيتها الدموية وهذه الأوعية دقيقة جداً وتحتاج إلى ميكروسكوب جراحي وخبير في الجراحة الميكروسكوبية وتستغرق ساعات طويلة ثم تحتاج بعد ذلك إلى أدوية ضد رفض العضو.(6/1601)
وتتم عملية زرع الأنبوبة بعملية دقيقة جداً يفتح فيها البطن وتحتاج إلى طبيب أمراض نساء متخصص في الجراحة الميكروسكويية لاستئصال الأنبوبة بدقة متناهية مع أوعيتها الدموية ثم تزرع في المرأة التي لا تنجب بواسطة عملية فتح بطن ويتم توصيل الأنسجة بدقة متناهية بواسطة المجهر الجراحي الميكروسكوبي واستعمال خيوط دقيقة جداً وكذلك يتم توصيل الأوعية الدموية بنفس الطريقة وتستغرق العملية ساعات طويلة، والنتائج النهائية تفيد بأن الأنبوبة تتقلص وتنكمش بعد ذلك ولا تؤدي وظيفتها الفسيولوجية وذلك لفقد الأهداب الداخلية ولكنها تظل مفتوحة.
وتتلخض أسباب عدم الاستمرار في التجارب لنقل أنابيب فالوب بالآتي:
ا - النجاح الساحق الذي حدث في السنوات العشر الأخيرة في إنجاب آلاف الأطفال في جميع أنحاء العالم بواسطة عملية (طفل الأنابيب) ، التي نجحت في عام 1978 في انجلترا وانتشرت للعالم أجمع، وفي هذه العملية تستخرج البويضات الناضجة من المبيض بواسطة إبرة دقيقة توجه بواسطة مساعدة جهاز السونار ثم تستخرج خارج الجسم وتوضع في محلول خاص مع الحيوانات المنوية الذكرية للزوج بعد تقويتها بطرق خاصة وبعد أن يتم الإخصاب والتحام الحيوان المنوي والبويضة، تبدأ الخلايا في الانقسام وتكوين جنين دقيق جداً في أول مراحل نموه ثم يؤخذ هذا الجنين الدقيق ويدفع داخل الرحم بواسطة أنبوبة دقيقة حيث يستقر ويندغم في جدار الرحم لينمو نمواً طبيعيا داخل الرحم وهذه العملية أصبحت بسيطة نوعاً ما وممكن تكرارها في دورات شهرية لنفس المرأة ولا تحتاج لخبراء ولا تؤدي إلى مشاكل نفسية ولا تتكلف مادياً إلا اليسير. والنتائج الحالية تشير إلى نجاح هذه العملية في 30 - 33 % حمل في أغلب المراكز المتخصصة في العالم.
2 - أسباب عدم الاستمرار في تجارب نقل الأنابيب من امرأة إلى أخرى:
(1) أنها عملية كبرى وفتح البطن بالنسبة للمرأتين مع المضاعفات التي قد تنتج وتتعرض لها المرأتان من نزيف والتهابات ومشاكل زرع العضو ومشاكل التخدير.(6/1602)
(ب) الأدوية التي تعطى للمرأة بعد زراعة العضو لمنع رفض الزراعة قد تؤدي إلى نتائج غير حميدة في جسم المرأة.
(ج) لو نجحت عملية الزرع، فإنها تؤدي إلى حمل واحد فقط وذلك لضرورة الامتناع عن إعطاء أدوية الرفض حينما يثبت الحمل وذلك لأنها قد تؤدي إلى تشوهات خلقية في الجنين وقد تضر بالمرأة عند استعمالها لمدة طويلة.
(د) تحتاج إلى خبراء في الجراحة الميكروسكوبية الدقيقة وهم قلة في العالم.
(هـ) قد يؤدي عدم النجاح في الإنجاب إلى مشاكل نفسية صعبة.
(و) أنسب نقل للأنبوبة من أم لابنتها أومن امرأة توأم إلى أختها وهذه مسألة نادرة جداً.
ومن المعلوم أن نقل أنبوبة فالوب من امرأة إلى أخرى لا تنقل معها أي صفات وراثية ولكنها قناة عضلية فقط، ولو فرضنا مستقبلاً نجاح مثل هذه العمليات لنقل الأنبوب من امرأة إلى أخرى، فإن المشكلة هي رفض عضو دقيق يتسبب في إتلاف معظم الأهداب الداخلية التي تؤدي وظيفتها الحيوية الفسيولوجية، فضلاً عن أن المرأة التي تؤخذ منها الأنبوبة تفقد القدرة على الحمل بصفة دائمة ولا رجعة فيها ويتم ذلك بعملية فتح بطن مع كل المضاعفات التي قد تضر بها ضرراً كبيراً ويتم ذلك في مراكز متخصصة على مستوى عال من الدقة والتقنية الحديثة.
نقل المبيض من امرأة إلى أخرى:
المبيض هو عضو التأنيث في المرأة والذي يقابل الخصية في الرجل ويقوم المبيض بوظيفتين أولاهما كغدة تفرز الهرمونات الأنثوية الضرورية لأنوثة المرأة وثانيتهما إنتاج البويضات في سن البلوغ إلى سن اليأس اللازمة لحدوث الحمل في وجود الحيوانات المنوية الذكرية. وهذه البويضات تحمل الصفات الوراثية وتختلف من امرأة لأخرى وإذا فرض ونجحت هذه العملية مستقبلاً ونقل مبيض امرأة إلى أخرى فإنه يحمل الصفات الوراثية من امرأة إلى امرأة غريبة عنها تماماً وبالتالي فذلك يعتبر خلطاً في الأنساب.(6/1603)
نقل الرحم وملحقاته من أنبوبتي فالوب من امرأة إلى أخرى:
ذلك لا يحمل صفات وراثية وإذا نجح مستقبلاً فإن ذلك يعتبر كنقل عضو كالكلية مثلاً ولا علاقة به بالصفات الوراثية وخلط الأنساب.
ملخص ونتائج زراعة الأعضاء التناسلية في المرأة:
إن نقل الأنبوبة مع الأوعية الدموية من أنثى حيوان إلى أخرى قد تم نجاحه بالتجارب. أما في المرأة، فإن نقل الأنبوبة مع أوعيتها الدموية من الممكن أجراؤه من الناحية الفنية ولكن مشكلة رفض العضو المزروع هي التي تشكل العائق الكبير في عدم استمرار وظيفة الأنبوبة وقد تم التغلب على ذلك بإعطاء الأدوية المضادة لرفض العضو المزروع.
ولكن التطور الحديث في مجال البحث قد أثبت أن عملية طفل الأنابيب هي السائدة في كل مراكز علاج العقم في العالم ومتوسط نجاح هذه العملية قد تصل إلى 30 % حمل، ولها ميزات عدة منها أنها لا تحتاج إلى إجراء عملية جراحية ولا تحتاج لامرأة أخرى للتبرع بعضو كالبويضات أو المبيض أو الأنبوبة ولا تحتاج لخبراء دائما لإجرائها فلقد أصبحت سهلة نوعاً ما، ومن الناحية الدينية فإنها مسموح بها طالما كانت البويضة تخص المرأة ويتم التلقيح بالحيوانات المنوية للزوج ثم يتم نقلها إلى رحم المرأة نفسها. ولهذا فإن تجارب نقل الأعضاء التناسلية من امرأة إلى أخرى قد توقفت مؤقتاً لنجاح عملية طفل الأنابيب ونجاحها في كل مراكز علاج العقم في العالم.
ولو فرض ونجحت مستقبلاً فإنه يسمح بنقل الرحم وملحقاته من أنبوبتى فالوب ولا يسمح بنقل المبيض لاحتوائه على البويضات التي تحمل الصفات الوراثية.
الدكتور طلعت أحمد القصبي(6/1604)
أحكام نقل الخصيتين والمبيضين وأحكام
نقل أعضاء الجنين الناقص الخلقة
في الشريعة الإسلامية
إعداد
فضيلة الدكتور خالد رشيد الجميلي
أستاذ الفقه المقارن
بكلية الشريعة – جامعة بغداد
بسم الله الرحمن الرحيم
لقد اطلعت على بحوث الأساتذة الأجلاء التي أرسلت إلينا فوجدتها بحوثاً طبية شرعية تدل والحمد لله على استقامة كاتبيها وهذا بفضل الله تعالى تم بفضل الوعي الإسلامي المقدس الذي اهتدى بهداه الأطباء المكرمون في دولة الكويت الغراء وكذلك المشاركون معهم فجزاهم الله تعالى أزكى الجزاء عن خدمة الشريعة الإسلامية السمحاء. وقد رأيت الضرورة تلجئني إلى الحديث عن حكم عموم نقل الأعضاء من شخص إلى شخص في الشريعة الإسلامية ثم الإتيان بحكم نقل الأنثيين والمبيضين وحكم نقل أعضاء الجنين الناقص دماغاً وحكم نقل الخلايا الدماغية لأن هذا فرع وحكم عموم نقل الأعضاء أصل وقد قسمنا مبحثنا إلى الفقرات الآتية:
ا - حكم نقل العضو الاصطناعي:
إذا اضطر المريض إلى إدخال العضو الاصطناعي داخل الجسم سواء أكان قلباً اصطناعياً أو صماماً أو أمعاء أو أي غدة ينوب منابها شيء مصنع ويقوم بعملها كعوض مادة البنكرياس أو الأذن الداخلية أو أي شيء آخر، فإن ذلك يتم بالجواز الشرعي اذا كان العضو طاهراً إن شاء الله تعالى لأن هذا من التطبب والمداواة وحكم التطبب جائز شرعاً، بل ربما يكون فرضاً وبمقتضى قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [سورة النساء: الآية 29] ، وبمقتضى قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة: الآية 195] ، وترك التداوي إذا كان يفضي إلى الموت كان حكم التارك كالمتسبب في قتل نفسه.
قد ثبت في الحديث الشريف عن أسامة بن شريك: أنهم قالوا يا رسول الله هل علينا جناح أن لا نتداوى؟ قال: "تداووا عباد الله، فإن الله سبحانه لم يضع داء إلا وضع معه شفاء إلا الهرم " (1) وحكم زرع العضو الاصطناعي متسم بالوجوب بناء على تقرير الأطباء المختصين المتسمين بالاستقامة في الحياة لأن الطبيب المختص إذا كان غير مستقيم فضل عليه الطبيب المختص المستقيم إذ الاستقامة دليل الأمانة.
__________
(1) أخرجه الإمام أحمد وأبو داود والنسائي والترمذي، وانظر الطب النبوي لابن قيم الجوزية: ص 8.(6/1605)
2 - العضو غير الطاهر:
إذا أدخل عضو ليس بطاهر في الجسم فلا يمكن الإفتاء بالجواز إلا إذا تخطى حكمين:
الأول: حكم إباحة وجود النجاسة في الجسم وإباحة الصلاة معها.
الثاني: حكم إباحة بيع النجاسات شرعاً.
فإذا صدرت الفتوى بجواز الصلاة مع وجود العضو النجس في الجسم وإذا صدرت فتوى بيع وشراء ذلك الشيء النجس كان حكم استعمال الشيئ غير الطاهر جائزاً وإلا فلا.
أما جواز الصلاة مع وجود ذلك الشيء النجس في الجسم فهذا لا يجوز إلا عند الضرورة والحاجة لأن الضرورات تبيح المحظورات والحاجة تنزل منزلة الضرورة في الشريعة الإسلامية، وقد دلت الآيات القرآنية التي استنبط منها الفقهاء أحكام الضرورة على أن الضرورات الخمسة يجب حفظها وكل حكم لو لم يأخذ المسلم به لهلكت تلك الضرورة كان الأخذ به واجباً أو جائزاً حسب ظرف المضطر فالجائعون في الصحراء، قد يجب على أحدهم أن يأكل من لحم الخنزير أو يشرب الخمر وقد يكون ذلك مباحاً بالنسبة لصاحبه لأن الضرورة حكم استثنائي ليس خاضعاً إلى الفقيه في إصدار الفتوى، بل هو خاضع إلى ظرف المضطر الذي يقدر ضرورته قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [سورة البقرة: الآية 173] .
{فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة المائدة: الآية 3] ، وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة النمل: الآية 180] . وقوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة الأنعام: الآية 145] .(6/1606)
وبناء على هذا فإن الضرورة إذا اقتضت استعمال عضو غير طاهر كان ذلك جائزاً شرعاً والحكم فيه حكم التداوي بالمحرمات ولا يجوز التداوي بالمحرمات إلا إذا اقتضت الضرورة القصوى ذلك وانتفى وجود غير الدواء المحرم شرعاً وهذا الحكم يمكن أن يتغير زماناً أو مكاناً لأنه يدور مع العلة وجوداً وعدماً إذ إن الإفتاء بجواز التداوي بدواء معين وهو محرم شرعاً أو الإفتاء بجواز استعمال العضو غير الطاهر بالجسم لا يجوز إذا اكتشف بعد حين دواء ينوب مناب ذلك الدواء المحرم شرعاً والجائز استعماله بمقتضى الضرورة يكون استعماله حراماً شرعاً إذا زالت الضرورة وهكذا دواليك في حرمة استعمال العضو غير الطاهر إذا ناب منابه عضو طاهر، ولهذا قلنا إن هذا الحكم متعلق وجوده وعدمه في العلة وقد اقتضت الضرورة جواز الصلاة مع وجود النجاسة على الجسم في بعض المسائل منها جواز الصلاة في الثوب الملطخ بطين الشارع مع احتمال كونه نجساً وقتها وجواز الصلاة مع النجاسة الغليظة على العورة عند من لم يبح كشفها ضرورة والنجاسة المخففة غير مبطلة للصلاة ما لم تبلغ أكثر من ربع الثوب أو ربع البدن والمبيح لذلك هو الضرورة ولهذا جاز قياس حكم زرع العضو غير الطاهر في الجسم على حكم النجاسة المعفو عنها بمقتضى الضرورة والحاجة، ولا فرق بين العضو الاصطناعي إذا غاب في الجسم أو إذا أظهر بعضه لأن الأول يقاس على النجاسة المستمرة في المعدة والثاني يقاس على النجاسة الظاهرة المباحة بسبب الضرورة وقد نقل الفقيه الكاساني جواز الصلاة مع وجود النجاسة الغليظة إذا كانت بقدر الدرهم (1) وحيث ان ما يحل الانتفاع به جاز بيعه عند أبي حنيفة وان كان نجساً إلا الخنزير، فقد جاز بيع وشراء العضو النجس إذا اقتضت الضرورة استعماله ولعل مقتضى الضرورة لا يعد هذا الحكم مخالفاً لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله اذا حرم على قوم كل شيء حرم عليهم ثمنه)) (2) وقد أبيح بيع كلب الصيد المتخذ للحراسة وبيع السرجين بسبب الانتفاع به وحجتهم في ذلك ما روي عن جابر: ((نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن ثمن الكلب إلا كلب الصيد)) (3)
__________
(1) انظر بدائع الصنائع، للكاساني: 1 /258- 259.
(2) رواه أحمد وأبو داود، وانظر نيل الأوطار: 5/ 160 - 161.
(3) رواه النسائي، وانظر نيل الأوطار: 5/163.(6/1607)
قال الكاساني: ولا نعقد بيع جلد الخنزير كيف ما كان لأنه نجس العين بجميع أجزائه وقيل ان جلده لا يحتمل الدباغ، وأما عظم الميتة وعصبها وشعرها وصوفها ووبرها وريشها وخفها وظلفها وحافرها يجوز بيعها والانتفاع بها عندنا (1)
3 - حكم نقل أعضاء من الحيوان إلى الإنسان:
ثبت عن الإمام مالك طهارة الحيوان ما دام حياً وإلى هذا ذهب أبو حنيفة باستثناء الخنزير وأضاف الإمام الشافعي وأحمد بن حنبل الكلب إذ هو باق على نجاسته والحيوان البري الذي يباح أكله يعد حياً إذا مات حتف أنفه دون تذكية، وقال أبو حنيفة بطهارة العظم والقرن والسن وإن مات الحيوان بلا تذكية وإذا ذكي الحيوان الذي لا يؤكل تثبت طهارته عند أبي حنيفة وهو على نجاسته عند الجمهور ويعني بالطهارة طهارة العظم والقرن والسن لأن باقي الأجزاء لا تؤكل فلا تطهر بالتذكية عند كافة الفقهاء وإذا فصل العضو عن الحيوان قبل ذكاته كان نجساً وإن كان الحيوان مأكولاً بمقتضى قوله صلى الله عليه وسلم: ((ما قطع من البهيمة وهي حية فهوميتة)) (2)
وبناءً على هذا يجوز استعمال عضو الحيوان المأكول بعد تذكية لأن هذا طاهر بحكم التداوي بالدواء الطاهر، فإن فصل عنه بدون تذكية فلا يجوز ذلك وحيث إن أبا حنيفة قال بطهارة الحيوان غير المأكول بعد التذكية فيجوز استعمال أعضائه بعد تذكية وبناء على هذا فلا يجوز استعمال عضو الحيوان غير الطاهر عند الفقهاء الأخرين إلا إذا اقتضت الضرورة اذ الحكم يكون بعد ذلك "كحكم التداوي بالمحرمات إذ لا يجوز إلا إذا اقتضت الضرورة والحاجة، قال الفقيه النووي رحمه الله: (إذا انكسر عظمه فينبغي أن يجبره بعظم طاهر) (3)
__________
(1) انظر بدائع الصنائع للكاساني: 6/ 3004.
(2) رواه أبو داود: ص 24، والترمذي: ص 112، وابن ماجه: ص 8.
(3) انظر المجموع للنووي: 3/ 145.(6/1608)
قال أصحابنا: ولا يجوز أن يجبره بنجس مع قدرته على طاهر يقوم مقامه، فإن جبر بنجس ينظر، فإن كان محتاجاً إلى الجبر ولم يجد طاهراً يقوم مقامه فهو معذور وان لم يحتج إليه أو وجد طاهراً يقوم مقامه أثم ووجب تركه إن لم يخف تلف نفسه ولا تلف عضو ولا سبباً من الأعذار المذكورة في التيمم، فإن لم يفعل أجبره السلطان ولا تصح صلاته معه ولا يعذر بالألم الذي يحدثه إن لم يخف منه وسواء اكتسى العظم لحما أم لا وهذا هو المذهب وبه قطع الجمهور، لأنها نجاسة أجنبية حصلت من غير معدته ومنه وجه ضعيف شاذ أنه إذا اكتسى اللحم لا ينتزع وإن لم يخف الهلاك حكاها الرافعي ومال إليه إمام الحرمين والغزالي وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، فإن خاف في النزع هلاك النفس أو هلاك العضو أو فوات منفعة لم يجب النزع على الصحيح في الوجهين.
وقد قاس الفقيه الشيرازي حكم جواز استعمال العضو النجس بسبب الخوف من التلف على حكم جواز أكل المضطر من لحم الميتة والخنزير لاتحاد العلة. ومن الحنابلة قال الفقيه ابن قدامة رحمه الله: إذا أجبر عظمه بعظم نجس فجبر لم يلزمه قلعه إذا خاف الضرر وأجزأته صلاته لأنها نجاسة باطنة يتعزر بإزالتها فأشبهت دماء العروق وقيل: يلزمه قلعه ما لم يخف التلف) (1) واستعمال هذه الأعضاء مقرون بالضرورة إذ لو وجد البديل الطاهر لكان أولى ولكن استئصاله ليس بواجب على الأرجح إذا كان الاستئصال غير ممكن إلا بعملية جراحية فيها احتمال الفشل، قال الإمام النووي في استئصال الوشبم: (الموضع الذي وشم يصير نجساً، فإذا أمكن إزالته بالعلاج وجبت ازالته وإن لم يمكن إلا بالجرح، فإن خاف منه التلف أو فوات عضو أو منفعة عضو أو شيئاً فاحشا في عضو ظاهر لم تجب إزالته، فإذا تاب لم يبق عليه إثم وإن لم يخف شيئاً من ذلك ونحوه لزمته إزالته) (2) وبناء على هذا يجوز استعمال أجزاء الحيوان في عملية ترقيع الجلد أو استئصال أمعائه أو استئصال أجزائه في تخيط العمليات الجراحية صرح النووي بأن ذلك كحكم التجبير بعظم الحيوان غير الطاهر والفيصل في ذلك الحاجة والضرورة التي يقدرها الأطباء المشهورون بالاستقامة.
__________
(1) انظر المغني لابن قدامة: 1/ 729.
(2) انظر صحيح مسلم لشرح النووي: 14/106، الطبعة الثانية، دار الفكر، بيروت، لبنان.(6/1609)
4 - استعمال أعضاء الإنسان:
إذا نقل عضو الإنسان أو جزء من جسمه منه وإليه كنقل بعض أوردة الرجلين إلى القلب أو كنقل بعض لحم الجسم إلى الوجه أو الأنف أو غير ذلك مما يقدره الأطباء المستقيمون فهذا جائز شرعاً بناء على قاعدة درء الضرر الأشد بالضرر الأخف وفي هذا يقول النووي رحمه الله: (لو أراد المضطرأن يقطع قطعة من نفسه من فخذه أو غيرها ليأكلها، فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم القطع بلا خلاف وإلا ففيه وجهان أصحهما جوازه والثاني لا والصحيح الأول وإذا جوزناه فشرطه أن لا يجد شيئاً غيره، فإن وجد حرم القطع بلا خلاف) (1) والى هذا ذهب الحلي من الشيعة إذ قال: (وإذا لم يجد المضطر إلا ادميا ميتاً حل له إمساك الرمق من لحمه ولو كان حياً محقون الدم لم يحل ولو كان مباح الدم، حل له منه ما يحل من الميتة ولو لم يجد المضطر ما يمسك رمقه سوى نفسه قيل: يأكل من المواضع اللحمة كالفخذ وليس شيئاً إذ فيه دفع الضرر بالضرر ولا كذلك جواز قطع الأكلة لأن الجواز هناك إنما هو لقطع السراية الحاصلة وهنا أحداث) (2) وإذا كان الإنسان يجوز له أن يأكل شيئاً من لحمه بمقتضى الضرورة فإن استعمال جزء منه في جزء آخر أولى بالجواز.
5 - حكم نقل الأعضاء من إنسان إلى إنسان آخر:
وهو على صورتين، الصورة الأولى: نقل عضو واحد لا ثاني له في البدن أو ليس له بديل، وهذا كير جائز سواء أفضى إلى الموت كنقل القلب أولم يفض إلى ذلك ذلك كنقل اللسان أو الذكر ولا ضرورة تبيح للإنسان أن ينقذ نفسه على حساب هلاك نفس أخرى إذ لو أوشك أمرؤ أن يموت جوعاً فلا يجوز له أن يقتل غيره ليأكل من لحمه لأن الضرورة لا تبيح له ذلك البتة وكذلك لا يجوز له أن يأخذ من غيره عضوا لا بديل له كشراء لسانه أو إحدى يديه أو إحدى رجليه هذا ما ذهب إليه زميلنا الأستاذ الدكتور هاشم جميل ونحن نميل إلى هذا الرأي بتحفظ إذ لو شاءت الأقدار أن تقطع يد امرىء فإن هذه الإصابة مفضية إلى الموت البطىء، فإذا تبرع والده أو أخوه أو غير ما له بإحدى يديه فإن كلاً من المتبرع والمتبرع له لا يصاب بالمعاناة المميتة إذ الإنسان قادر على الحياة بيد واحدة أما اللسان والذكر فلا يجوز نقلهما أبداً من الحي إذ لا بديل لهما ولا يجوز لرجل أن يسعد نفسه على حساب هلاك غيره وإن كان ذلك النقل بإرادة المنقول منه قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [سورة النساء: الآية 29] ، وقال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [سورة البقرة: الآية 195] .
__________
(1) انظر المجموع للنووي: 9/23.
(2) انظر شرائع الإسلام للمال: 3/ 231.(6/1610)
6 - إذا نقل عضو له بديل يقوم مقامه:
كالكلية والعين جاز ذلك إذا اقتضت الضرورة القصوى اعتماداً على الأدلة الآتية:
(أ) قوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} [سورة المائدة: الآية 2] . وهل يوجد بر أجل وأزكى وأعظم ممن يريد انقاذ نفس مؤمنة أوشكت أن تهلك لولا ذلك التبرع.
(ب) قوله تعالى: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [سورة المائدة: الآية 32] . فالكلية قد تكون سبباً بالإحياء إذا نقلت إلى جسم العليل.
(ج) قوله صلى الله عليه وسلم: ((من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة)) (1) وهل ثم كربة أشد من كربة الموت لولا نقل تلك الكلية.
(د) قوله صلى الله عليه وسلم (("على كل مسلم صدقة " قالوا: فإن لم يجد، قال: "فيعمل بيده فينفع نفسه ويتصدق " قالوا: فإن لم يستطع أو لم يفعل، قال: "يعين ذا الحاجة الملهوف ")) (2)
(هـ) ما ذهب إليه لا يتعارض مع حرمة إضرار الإنسان بجسده اذ الجهاد فرض وقد يحدث ما يحدث من إضرار بالنفس أو بالجسد والضرر في الله نفع لأن الأجر أعظم منه عند الله وقد يتضرر المتبرع ضرراً جزئياً أو معنوياً ومع ذلك فإن هذا الضرر أهون أمام ضرر السقيم الذي يفارق الحياة أو يفارق البصر جملة وتفصيلاً لولا نقل عضو المتبرع إليه.
(و) ما ذهبنا إليه لا يتعارض مع قول الشافعية الأجلاء: (لا يجوز للمضطر أن يقطع لنفسه جزءاً من إنسان غير معصوم الدم بلا خلاف وليس للغير أن يقطع من أعضائه شيئاً ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف) (3)
__________
(1) أخرج المحدثون هذا الحديث بألفاظ متقاربة: البخاري (مظالم 3) ، مسلم (بر 59) ، أبو داود (أدب 38) ، الترمذي (حدود 3) ، ابن ماجه (مقدمة 17) .
(2) البخاري (زكاة 0 3) (أدب 33) ، مسلم (زكاة 5 5) ، النسائي (زكاة 6 5) ، الدارمي (رفاق 34) ، أحمد بن حنبل: 4 /395- 1 1 4.
(3) انظر المجموع للنووي: 9/43.(6/1611)
ونحن نسلم للشافعية بحرمة ذلك لأن الجائع المشرف على الهلاك يجد في جسده مثلما يجد في أجسام الآخرين، فإذا أشرف على الهلاك حرم عليه الأكل من أجسام الآخرين لأنه تعد لا مبرر له بسبب قدرته على الأكل من جسده. أما من فقد عينه أو كليته فلا يجد في جسده البديل لهذا جاز له نقل ما يحتاجه من أجساد الآخرين.
(ز) ما ذهبنا إليه لا يتعارض مع نجاسة العضو إذا فصل من الحي لأن هذه المسألة حكمها كحكم التداوي بالمحرمات إذ يجوز ذلك بمقتضى الضرورة وقد نقلنا عن النووي ما يدل على جواز التجبير بالعظم الطاهر وجواز إبقاء العظم النجس إذا كان إخراجه يفضي إلى ضرر بالغ.
(ح) ما ذهبنا إليه لا يتعارض مع حرمة بيع أجزاء الإنسان لأن المقتضى المبيح لذلك هي الضرورة والضرورات تبيح المحظورات، قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [سورة الأنعام: الآية 119] .
ونحن نعلم أن بيع المصحف حرام شرعاً إلا أن الضرورة القصوى اقتضت إباحة بيعه كما جاء في الشرح الكبير (1) وليست أعضاء الإنسان بأحل من المصحف الكريم ولهذا جاز أن يدفع المضطر لصاحب العضو المنقول منه ثمناً إما على سبيل الشراء أو على سبيل المكافأة إذ الجعل مشروع في مثل هذه الأعمال المباركة العظيمة التي تكون سبباً في إحياء نفس تعدل إحياء الناس جميعاً عند الله تعالى وقد ذكر ابن عابدين (2) أن لو سأل رجلاً عن مكان فإن أشار إليه لم يستحق الأجر وإن مشى معه استحق الأجر فالأجر بالمشي بسبب الكلفة حل، وهل ثم كلفة أقصى من أن يتحمل الإنسان عملية جراحية يستأصل بموجبها عضو من أعضائه لعليل لولاه لفارق الحياة والنور؟
7 – الدم يجوز نقله وإن كان نجساً:
لأن المضطر إذا أكل النجاسة لا يجب بعد ذلك أن يستخرجها بعد استقرارها في معدته والمضطر إلى الدم يجوز له أن يعتمد على دم غيره ولا يجب عليه استخراجه بعد نقله لأنه استقر في أوردته ويجوز بمقتضى التبرع أو دفع الجعل لمن يتبرع أو بالشراء إذا أغلقت نوافذ الإباحة بناء على قاعدة الضرورات تبيح المحظورات وقد جوز بيع المصحف بناء على هذه القاعدة كما ذكرنا آنفاً.
__________
(1) انظر الشرح الكبير: 4/12.
(2) انظر رد المحتار: 4/ 281.(6/1612)
8 - هذا ما يتعلق بأعضاء الحي أما أعضاء الميت:
فإذا نظرنا إلى الحكم بلا ضرورة وجدنا الحرمة متجلية حفظاً على كرامة المؤمن، جاء في الفتاوى الهندية: الانتفاع بأجزاء الحي لم يجز، قيل للنجاسة وقيل للكرامة وهو الصحيح وفي موضع آخر نقلت الكراهة وهذا نص العبارة: قال محمد رحمه الله لا بأس بالتداوي بالعظم إذا كان عظم شاة أو بقرة أو فرس أو غيره من الدواب إلا عظم الخنزير والآدمي فإنه يكره التداوي بهما (1)
تحليل ذلك أن عظم الخنزير نجس لا يتطهر ولا يستعمل وهو باق على نجاسته وان ذكي، أما عظم الإنسان فهو طاهر إلا أن امتهانه حرام شرعأ، بهذا يجب مواراته حتى قلامة أظفاره يجب أن توارى لشرفها هذا ما ذهب إليه الفقهاء الآخرون.
جاء في الحديث الشريف: "كسر عظم الميت ككسره حياً" (2) وهذا المنهج سديد لأنه مؤيد بالحديث الشريف ولكنه لا علاقة له بالضرورة لأن الضرورة حكم استثنائي يكون الحرام الذي ثبتت حرمته بالدليل القاطع مباحاً بحدود الضرورة المنجية من التلف ولو وجد إنسان أوشك أن يموت جوعاً إنساناً ميتاً أما يجوز له أن يأكل من أجزائه بحدود ما ينقذ نفسه من التلف؟.
روي عن الإمام مالك وعن الإمام المبجل أحمد بن حنبل وأكثر أصحابهما والظاهرية وأكثر الحنفية، وبعض فقهاء الشافعية لا يجوز أن يأكل ولو مات.
وذهب الفقهاء الآخرون إلى جواز أكل المضطر من لحم الميت هذا رأي الشافعية الراجح عندهم، وإلى هذا ذهب الإمامية وبعض فقهاء الحنفية ورجحه ابن العربي من فقهاء المالكية وإلى هذا ذهب ابن قدامة وأبو الخطاب من فقهاء الحنابلة ولعلى هذا هو الراجح عند الزيدية كما قال المرتضى، وقد احتج المانعون بالحديث المذكور آنفاً إلا أن أبا الخطاب قال: المراد بالحديث التشبيه في أصل الحرمة لا في مقدارها، بدليل اختلافهما في الضمان، والقصاص، ووجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت.
__________
(1) انظر الفتاوى الهندية: 5/ 354.
(2) أخرجه المحدثون بألفاظ متقاربة انظر الموطاً جنائزه 4) ، أبو داود (جنائز 60) ، ابن ماجه (جنائز 63) ، أحمد بن حنبل 6/58، 0 0 1، 05 1، 169، 0 20، 264.(6/1613)
أما ابن حزم فإن حجته مجملها أن مواراة الميت وجب بالنص ومن أكله فقد خالف النص ومخالفة النص عصيان، والذي نراه أن الضرورة قد تكون سبباً في مخالفة حكم المواراة فلو مات رجل في سفينة لجاز تغسيله وتكفينه والصلاة عليه ثم رميه في البحر ليستقر في بطن الحوت بلا مواراة ثم العضو الذي ينقل من الميت إلى الحي ستدب فيه الحياة، وبهذا لا تجب مواراته، وللمالكية حجة أخرى خلاصتها أن الميت يجب أن يصان وأخذ أعضائه هتك لصيانته إلا أن الفقيه النووي قال: هذا ليس بشيء، وعلل قوله هذا: بأن حرمة الحي آكد من حرمة الميت وصفوة القول أن صيانة الميت واجبة إلا أن صيانة الحي بأخذ عضو من أعضاء الميت جائزة بناءاً على مقتضى الضرورة: قال الألوسي رحمه الله في تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [سورة البقرة: الآية 173] .
استدل بعموم الآية على جواز أكل المضطر ميتة الخنزير والآدمي خلافاً لمن منع ذلك (1) وإذا كان الأكل جائز من الإنسان الميت بمقتضى الضرورة فإن نقل أعضائه إلى الإنسان الحي أولى بالجواز لأن الأكل فيه شيء من الامتهان بينما نقل عضو الميت إلى جسم الحي فيه عزة له إذ الحياة ستدب فيه ووجوده في جسم الحي أولى من وجوده في التراب وللشريعة الإسلامية تيسير ورفع حرج في جواز جرح الميت إذا اقتضت الضرورة. من ذلك قول الشيرازي في المهذب: "وإن ماتت امرأة وفي جوفها جنين حي شق جوفها، لأنه استبقاء حي بإتلاف جزء من الميت فأشبه ما إذا اضطر إلى أكل جزء من الميت" (2)
__________
(1) انظر الخلاف في هذه المسألة في تفسير القرطبي: 1/608، طبعة الشعب.
(2) أحكام القرآن لابن العربي: 1/58، روح المعاني: 2/ 42، فغ القدير: 1/473، المحلى: 7 /399- 426، حاشية الدسوقي مع شرح الدردير: 1/429، 2 /161، القوانين الفقهية: ص 1 5 1، المجموع 9/ 1 4، 2 5، المغني: 4 1 1/ 79، شرائع الإسلام: 3/ 231، البحر الزخار: 5/ 333.(6/1614)
وقال الكمال بن الهمام وفي التجنيس من علاقة النوازل: امرأة حامل ماتت واضطرب في بطنها شيء وكان رأيهم أنه ولد حي شق بطنها - فرق بين هذا وبين ما إذا ابتلع الرجل درة فمات ولم يدع مالاً عليه القيمة ولا يشق بطنه لأن في المسألة الأولى إبطال حرمة الميت لصيانة حرمة الحي فيجوز أما في المسألة الثانية إبطال حرمة الأعلى وهي الآدمي لصيانة حرمة الأدنى وهو المال ولا كذلك في المسألة الأولى وتوضيحه الاتفاق على أن حرمة المسلم ميتاً كحرمته حياً ولا يشق بطنه حياً لو ابتلعها إذا لم يخرج مع الفضلات فكيف ميتاً؟ بخلاف شق بطنها لإخراج الولد إذ علمت حياته وفي "الاختيار": جعل عدم شق بطنه عن محمد، ثم قال وروى البرجاني عن أصحابنا أنه يشق لأن حق الآدمي مقدم على حق الله تعالى ومقدم على حق الظالم المتعدي (1)
9 - وصفوة القول:
أن انتزاع أحد أعضاء الميت لا يجوز إلا إذا تيقن الأطباء المختصون المستقيمون من موته، أما طريقة اليقين من الموت النهائي فهي متروكة للأطباء المختصين في ذلك إذ قد يعرف الموت النهائي عن طريق توقف دورة الدم أو توقف القلب عن النبض أو توقف الدماغ أو جذع الدماغ والطريقة المثلى في معرفة الموت النهائي تعود إلى لجنة طبية مختصة. قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [سورة النمل: الآية 43] .
وإذا أخطأت اللجنة وكان الطبيب الذي استأصل العضو عالماً ببقاء أثر الحياة كان قاتلاً يجب الاقتصاص منه لأن الكبير يقتص منه وإن قتل صبياً بلغ من العمر دقيقة أو دون ذلك وكذلك يقتص منه إذا قتل من رد إلى أرذل العمر إذ الصغر والمرض والهرم ظواهر لا تؤثر البتة على حرمة الإنسان المعصوم الدم.
__________
(1) انظر فتح القدير: 1/473.(6/1615)
10 - ولا يستأصل عضو المتوفى إلا إذا تبرع بذلك قبل وفاته أو وافق ورثته:
لأن حقوقه تنتقل إلى ورثته وهم مسؤولون عن ما يجب أن يفعل به شرعاً بعد وفاته وأما ما نسمعه عن استئصال قرنية المحكوم عليه بالإعدام بعد الموت، فهذا لا نقرهم عليه ما لم يتبرع أو يوافق الورثة لأن النصوص الشرعية والقانونية أوجبت القصاص في النفس ولم تنص على استئصال الأعضاء ويجب إبدال نصوص القانون الوضعي إذ تضاف إلى عقوبة الإعدام استئصال القرنية أو بعض الأعضاء وقد يكون ذلك يسيراً عند رجال القانون الوضعي، أما عند الفقهاء فهو أمر عسير اذ لا عقوبة إلا بنص ونحن نخشى أن يتجراً الأطباء بحجة الإنسانية والرأفة بالأحياء فيستأصلوا أعضاء المتوفى جملة وتفصيلاً هذا غير جائز شرعاً.
11 - إذا أبيح نقل العضو من إنسان إلى إنسان أخر:
فهذا جائز بشرط عدم تأثير المنقول منه إلى المنقول إليه، وبناء على ذلك لا يجوز البتة الإفتاء بنقل الخصيتين أو المبيضين، لأن الخصيتين والمبيضين فيها سر الوراثة وفيها سر الإمناء فالوليد الذي يأتي من المنقول إليه يعد آتياً من المنقول منه وهذا يؤثر على الإنسان تأثيراً مباشراً، ولا فرق بينه وبين الزنى والبغاء إذ العلة ذاتها بين الزاني وبين المنقول إليه وكذلك الحال الإفتاء بحرمة نقل المبيض لأن المبيض فيه سر الخلق والوراثة إذ الجنين لا يتكون إلا من اجتماع الحيمن والبيضة التي تكون أمشاجاً بعد اختلاطها بالحيامن المنوية فكأن البيضة التي خرجت من المنقول إليها قد خرجت من المنقول منها وهي أجنبية لا زوجة، ولهذا يتحقق الزنا والبغاء بسبب اختلاط الأنساب ومن هنا قلنا بتحريم نقل الخصيتين والمبيضين تحريماً قطعياً.(6/1616)
وقد سرني بحث الأستاذة الفاضلة الدكتورة صديقة العوضي وبحث الأستاذ الفاضل الدكتور كمال محمد نجيب إذ أثبتا بأسلوب علمي أثر الخصيتين والمبيضين على اختلاط الأنساب إذا نقلت هذه الأعضاء من شخص لآخر وجعلت بحثيهما من الأدلة العلمية التي اعتمدتها في إثبات حرمة نقل الأعضاء التناسلية، إذ ليس كل عضو يمكن أن نفتي بنقله لأن الأحكام الشرعية تتعلق بعللها إذ حيثما تحققت العلة تحقق المعلول والزنا حرام ومن أسباب حرمته خلط الأنساب ولما كانت هذه العلة متحققة في نقل الخصيتين أو المبيضين، فقد ثبتت الحرمة بدليل قطعي الدلالة وأشكر الله تعالى إذ يسر الأستاذة الفاضلة صديقة العوضي والأستاذ الفاضل الدكتور كمال محمد نجيب إذ أظهرا هذه الحقيقة ولم يجاملا أحداً، ونشكر الأستاذ الفاضل الدكتور محمد علي البار إذ أكد خلط الأنساب بعد نقل الخصية بقوله: (إذ زرع الخصية من شخص لآخر يعني انتقال الحيوانات المنوية من المتبرع إلى المتلقي) .
12 - أما نقل جزء من الأعضاء التناسلية:
فإذا لم تتحقق فيه علة خلط الأنساب كان جائزاً كنقل قناة فالوب، وإن كان هذا لم يثبت علمياً لدقة خلق هذه الأعضاء العجيبة: {فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} [سورة المؤمنون: الآية 14] .
أما نقل الرحم فإن كان من الناحية العلمية يؤثر على خلط الأنساب فهذا ليس بجائز البتة، وإن كان مجرد وعاء ينمو الجنين فيه فهذا جائز شرعاً إلا أن الرحم إذا كان يؤثر على جسم الجنين كأثر لبن المرضعة ربما جعلت المتبرعة حكما كحكم المرضعة والأمر محتاج إلى رأي العلم المختص في ذلك.(6/1617)
13 - ما يتعلق بزراعة خلايا الدماغ:
لا يهمنا إن ثبتت إمكانية ذلك على الصعيد العلمي أو أن ذلك ضرب في الخيال وإنما الذي يهمنا الحكم الفقهي، وقد افترض فقهاؤنا الأقدمون رحمهم الله مسائل شتى لم تقع في عصرهم بل وقعت في عصرنا، لهذا فإننا نميل إلى بحث هذه الأمور التي لم تثبت علميا حقيقتها، فإن ثبتت فإن حكمها ثابت قبلها، والفتوى التي نتحمل مسؤوليتها أمام الله تعالى متعلقة بعلة ومعلول لأن الدماغ له تأثير مباشر على مدركات الإنسان كما نعلم إلا أن علمنا ليس كعلم الأطباء المختصين، فإن قال الأطباء المختصون المستقيمون بأن نقل الدماغ أو نقل أجزاء من خلاياه يؤثر على مدركات المنقول إليه فهذا ليس بجائز والفتوى المعتمد عليها هي الحرمة في نقل الدماغ أو نقل أجزاء منه كما أفتينا في نقل الخصيتين أو المبيضين لأن المسلم قد يصير كافرا إذا نقل دماغ كافر إليه أو جزء منه. العذراء الطاهرة قد تصير عاهرة إذا نقل إليها جزء من خلايا دماغ امرأة فاجرة، وهكذا دواليك كلما كان لنقل العضو أثر مباشر على تفكير الإنسان كان ذلك النقل حراماً، وإذا كان نقل الدماغ أو نقل أجزاء من خلاياه كنقل الأذن أو العين أو اليد بلا أثر على المدركات فهذا يعد جائزاً شرعاً والفيصل الأطباء المستقيمون، {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} ، ولا يجوز البتة الإفتاء بنقل الدماغ من الحي لأن هذا ضرر محض بالمتبرع أو البائع والإضرار المقصود بالنفس أو بالجسد لا يجوز البتة أبداً، وإن كان بموافقة المتضرر شرعا ولهذا كان المنتحر أشد اثما من قاتل غيره وإتلاف المال حرام واتلاف الجسد أشد حرمة لأنه أعز منه. وقد اطلعنا على بحث الأستاذ الدكتور مختار المهدي ومع توجيه شكرنا له نتمنى لو أبدى آثار نقل الدماغ على مدركات الإنسان كما فعلت الأستاذة الفاضلة الدكتورة صديقة العوضي إذ بينت آثار نقل الخصيتين والمبيضين على اختلاط الأنساب.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور خالد رشيد الجميلي(6/1618)
نقل وزراعة الأعضاء التناسلية
إعداد
فضيلة الدكتور محمد سليمان الأشقر
باحث بالموسوعة الفقهية الكويتية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد عبده ورسوله الأمين وعلى اله وأصحابه الطاهرين.
يحتاج هذا النوع من زراعة الأعضاء لأمور، ثم يقصد من يطلب الزراعة كل هذه الأمور أو بعضاً منها:
الغرض الأول - تحصيل النسل:
فقد تكون المرأة غير منجبة بسبب عضوي كتلف المبيضين أو تعطلهما لمرض لا يمكن علاجه، أو انسداد القناتين الناقلتين للبويضات، أو تلف في الرحم يحوج إلى إبداله أو كونه قد أزيل بالجراحة.
وقد يكون الرجل كذلك غير منجب لسبب عضوي كتلف الخصيتين أو عجز ما أو كونهما مقطوعتين، أو عنة الذكر أو انقطاعه، أو انسداد القناة الحاملة للمني من البربخ إلى الخارج.(6/1619)
الغرض الثاني - الاستمتاع:
والحاجة إليه تقوم في حالات التلف المتقدم بيانها كلها: كتلف المبيضين، فإنه ينقص أو يعدم الاستمتاع بالبطء لدى المرأة، وكذا إن كان الرحم تالفاً لأن له دوراً في الاستمتاع، كما أشار إليه بعض الأطباء.
ولم نر أحداً من الأطباء تعرض لزرع البظر، وفقدانه ينقص الاستمتاع.
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرجل، فإنه إن كانت الخصيتان تالفتين أو غير موجودتين، ينقص الاستمتاع وان أمكن الوطء، وان كان الذكر عنيناً أو مقطوعاً انعدم الاستمتاع بالوطء.
الغرض الثالث - الجمال أو التجميل:
وأريد بالجمال أن المبيضين يفرزان بالإضافة إلى البويضات هورمون الأنوثة الذي يضفي على المرأة صفات الجمال الأنثوي، من نعومة الجلد وصفائه ونعومة الصوت ورقة الشعر، وتوزيع الشحوم على الجسم.
وكذا الخصيتان يفرزان - بالإضافة إلى المني هورمون الذكورة الذي يضفي على الرجل صفات الذكورة من غلظ الصوت، ونبات شعر الوجه، وخشونة الشعر، والقوة البدنية، وغير ذلك.
وفي كلتا الحالتين - حالتي المرأة والرجل - بالإضافة إلى فقدان كل منهما للصفات المناسبة له، وفقدان الجمال تبعاً لذلك. ينشاً في الغالب حالات نفسية صعبة، تدخل في حيز المرض، وربما أثر ذلك على الوضع الاجتماعي للشخص.
ومن ناحية أخرى فإن نقص الجمال ينقص الاستمتاع من كل من الطرفين بالنسبة للآخر، فيعود ذلك بتأكيد الغرض الأول.
وكل ذلك يؤمل القضاء عليه بالعلاج لسبب المشكلة.(6/1620)
وأما التجميل: فالمراد به العودة بالصورة الظاهرة للبدن إلى حالتها الطبيعية، ويحتاج إليه هنا في حالة كون الذكر من الرجل مقطوعاً أو ضامراً ضموراً شيناً. وتتصور الحاجة إليه أيضاً في زراعة ركب المرأة وهو العضو الظاهر.
الأعضاء التي يحتاج إلى زرعها وتصنيفها:
الأعضاء الجنسية التي يحتاج إلى زرعها نوعان:
* النوع الأول: ما له دخل في نقل الخصائص الوراثية للإنسان، وهو شيئان:
أولهما: الخصيتان، فإنهما المسؤولتان عن صناعة المني، وهو البذرة التي منها تنتقل خصائص الرجل وخصائص أصوله إلى ذريته.
وثانيهما: المبيضان. وهما المسؤولان عن صناعة البويضة، وهي بذرة المرأة التي منها تنتقل خصائصها وخصائص أصولها إلى ذريتها.
* النوع الثاني: ما ليس له دخل ني نقل الخصائص الوراثية، وذلك كالذكر بالنسبة للرجل فإنه مجرد أداة لنقل المني، وكقناتي فالوب فإنهما مجرد طريق لنقل البويضات بعد تلقيحها، وكذلك الرحم فإنه مجرد محضن.(6/1621)
ما وصل الطب في عصرنا الحاضر إلى النجاح في نقله وزراعته من الأعضاء الجنسية والغدد الجنسية
مما اطلعت عليه من الأبحاث المقدمة من الأخوة الأطباء (الدكتور محمد علي البار، الدكتور طلعت أحمد القصبي) .
ومن بعض الأبحاث التي اطلعت عليها في الصحافة:
تلخص لدينا ما يلي:
ا - زرع الخصية: نجح بعض الأطباء في إعادة زرع الخصية من الرجل نفسه. أو من رجل إلى أخيه التوأم المماثل.
ولم نطلع على قول لأحد الأطباء يقرر أنه أمكن نجاح عملية زرع للخصية في سوى هاتين الصورتين.
وأكد الدكتور سعيد عبد العظيم بجامعة عين شمس ذلك، ونفى أنه قد حصل أي نجاح لزرع الخصية في غير هاتين الحالتين.
2 - زرع الذكر: أفاد الدكتور محمد علي البار أن هذا لا يزال مجرد خيال علمي ولم يتحقق على أرض الواقع.
زرع المبيضين والرحم والقناتين:
أفاد الدكتور القصبي أنه أمكن - في بعض الحيوانات - زرع المبيضين وقناتي فالوب والرحم. وأنه أمكن نقل (رحم وملحقاته) من امرأة إلى ابنتها بنجاح لكن لم يحدث حمل. وأنه من الناحية الفنية يمكن التغلب على المشكلات التي قد تحول دون ذلك.
زرع الفرج (الركب والمهبل) ؟
لم نجد أحداً تعرض لهذا الأمر ولا يبعد أن يكون ممكناً في حالات الجراحات التجميلية الخارجية على الأقل.
المحاذير الشرعية التي يمكن تصورها في عمليات زرع الأعضاء الجنسية:
المحاذير التي يمكن أن تصور أنها تحول شرعاً دون زرع الأعضاء التناسلية نرى أنها تنحصر فيما يلي:
* المحذور الأول: ان عملية زراعة الأعضاء من حيث العموم، بنقل عضو من إنسان إلى إنسان آخر فيها إهانة للمأخوذ منه، وتتضمن محاذير شرعية من الإضرار بالمأخوذ منه إن كان حياً.(6/1622)
ولو أذن فليست أعضاؤه ملكاً له حتى يكون إذنه مبيحاً لأخذ شيء من أعضائه، فإنه لو أذن في قتل نفسه لم يكن ذلك مبيحاً للقتل. وإن كان ميتاً وأذن وليه فالإذن باطل لأنه إذن فيما فيه ضرر على الميت لا فيما هو من مصلحته.
ولأن فتح هذا الباب قد يؤدي إلى التجارة بالأعضاء الإنسانية وهي تجارة محرمة شرعاً.
وقد يؤدي ذلك إلى أن يتمكن الأغنياء بثرواتهم من التمتع بأعضاء الفقراء بعد حرمانهم منها، فلا بد من إغلاق هذا الباب.
* المحذور الثاني: أن زراعة الأعضاء الجنسية المقصود بها إما تحصيل النسل أو تكميل الاستمتاع أو التجميل، وكلها مقاصد تكميلية أو حاجية وليست من قبيل الضرورات، ولذا لا يستباح بها ما يستباح لأجل الضرورة من كشف العورات وانتهاك حرمة الموتى أو الأحياء.
* المحذور الثالث: في حال زراعة ما به تنتقل الخصائص الوراثية، وهو الخصية أو المبيض، فإن البذرة الناتجة عن ذلك تكون منسوبة للمصدر، وهو الشخص المنقول منه.
وهذا يقتضي أن يكون الطفل المولود ابناً للرجل المنقولة خصيته أو للمرأة المنقول منها المبيض، وليس للمتلقي إذ لا يزيد المتلقي عن أن يكون حاضناً، أو حاملاً، للجهاز الصانع للبذرة بدليل أن الخصائص الوراثية للوليد، تنتقل إليه عن المصدر، ولا ينتقل إليه عن المتلقي شيء. فالماء ماء المصدر.
وحينئذ يكون ذلك من قبيل نكاح الاستبضاع الذي جاء الشرع الإسلامي بتحريمه. وتؤدي إجازته إلى اختلاط الأنساب.
وحتى لو قلنا بأن العضو المزروع منسوب لحامله وهو المتلقي، فإن الصلة بالمصدر لن تكون منقطعة، بل ستبقى منبعاً للقلق، ويكون لها تأثير نفسي شديد على المصدر، وعلى المتلقي نفسه، وعلى الوليد عند كبره.
وسينشأ عن ذلك إزعاج ومشكلات من نواحي مختلفة نفسية واجتماعية لهؤلاء الأطراف الثلاثة ولغيرهم ممن له بهم علاقة.(6/1623)
وسوف يكون ذلك كله منبعاً لمشكلات عدة من جهة النسب والنفقة والميراث والعلاقات الأسرية بين الوليد وأسرتي المصدر والمتلقي. وسيكون ذلك مصدراً لنزاعات لا تنتهي بين هؤلاء الأطراف مما يزعزع كيان المجتمع، وسوف تنزعج السلطات القضائية بتلك المنازعات بدرجة كبيرة.
وهناك ناحية أشار إليها بعض الأطباء، هي أبلغ في هذا المعنى، وهي أنه عند نقل الخصية، قد تكون حاوية لنطفة تكونت قبل نزع الخصية من مصدرها، فإذا انتقلت هذه النطفة إلى رحم المرأة، كان ذلك - بالإضافة إلى كونه محرماً شرعاً - سبباً للعلوق بنطفة غير زوج المرأة وحينئذ ينبغي أن ينسب الولد إلى صاحب النطفة.
وكذا عند نقل المبيض، قد يكون محتوياً على بيضات جاهزة سبق تكونها في جسد المرأة المصدر، فينبغي أن ينسب إليها الولد وكل هذا محرم.
وقد اتخذت ندوة الإنجاب قرارها بأن تلقيح بيضة المرأة بماء رجل غير زوجها محرم شرعاً واستقر الأمر على ذلك، فهذه المسألة داخلة قطعاً فيما تقرر في الندوة المذكورة أنه محرم.
* المحذور الرابع: في حال نقل الذكر أو الفرج يكون الوطء اللاحق لذلك من قبيل الوطء المحرم، شبيهاً بالزنا المحرم فإنه في حالة زرع الفرج يكون الرجل قد وطىء فرجاً لا يملكه لكونه فرج غير امرأته، وفي حالة زرع الذكر تكون المرأة قد وطئت بذكر غير زوجها.
وحتى لو قلنا بأن العضو المزروع منسوب شرعاً للمتلقي دون المصدر، فإن مجرد الإحساس بنسبته إلى مصدر مغاير قد يولد نفوراً، أو إحساساً بالذنب، وقد يتولد عن ذلك أمراض نفسية أو شقاق بين الزوجين.(6/1624)
* المحذور الخامس: في حال نقل الرحم من امرأة إلى أخرى يكون ذلك شبيهاً بالرحم المؤجر، الذي أنكره الفقهاء وصدرت قرارات ندوة الإنجاب، وقرارات مؤتمر المجمع الفقهي بمنعه.
بل إن نقل الرحم ينبغي أن يكون أبلغ في المنع من إجارة الرحم لأن جميع محاذير إجارة الرحم موجودة في نقل الرحم، وفيه زيادة استمتاع الرجل برحم غير امرأته، والقذف فيه كما تقدم.
الحكم الشرعي التكليفي لنقل الأعضاء الجنسية:
إن الأهداف المبتغاة من نقل الأعضاء الجنسية، والتي حصرناها في ثلاثة أنواع، هي مصالح معتبرة شرعاً، فتحصيل النسل مطلوب شرعاً والرغبة فيه رغبة طبيعية محترمة شرعاً، وقد قال الله تعالى: {فَالْآَنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ} (1) قال المفسرون: ما كتب الله لكم "هو الولد "، وقال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} (2) فأمن الله تعالى على عباده بذلك. والغرض الثاني - وهو الاستمتاع - غرض صحيح محترم شرعاً ما دام في الحدود المشروعة، وقد قال الله تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ} (3)
وقال النبي صلى الله عليه وسلم ((في بضع أحدكم صدقة)) ، وقال: ((الدنيا متاع، وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة)) .
والغرض الثالث وهو تحصيل الجمال وإزالة الهيئات القبيحة في البدن غرض صحيح كذلك، وقد أذن في تحصيله بالأدوية المباحة، وهو من جملة ما يدخل في قوله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ آَمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ} (4) قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((إن الله جميل يحب الجمال)) وقوله: ((تداووا عباد الله فإن الله تعالى جعل لكل داء دواء)) وكان هو صلى الله عليه وسلم يتداوى مما يصيبه من الأمراض.
__________
(1) سورة البقرة: الآية 187.
(2) سورة النحل: الآية 72.
(3) سورة الروم: الآية 21.
(4) سورة الأعراف: الآية 32.(6/1625)
فهذه المصالح المشروعة: الرغبة فيها والسعي إليها فطري في طبيعة البشر، وهي أساسية في بناء الأسرة واستقامة حياتها، وفقدانها يؤدي إلى تنغيص حياة أعضاء الأسرة، وقد يؤدي إلى الشقاق أو إلى الفراق وتصدع كيان الأسرة.
وأما المحاذير التي ذكرت فهي غير كافية لمنع هذه العمليات.
وبيان ذلك كما يلي:
(أ) أما المحذور الأول: وهو ما يتعلق بزرع الأعضاء على وجه العموم: فقد تكفلت الندوات التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وبعض ندوات مجمع الفقه الإسلامي، ومجمع البحوث الإسلامية بمعالجة هذا الأمر ووصلت فيه إلى أن الحكم الشرعي الجواز من حيث الجملة. ثم وضعت قاعدة تبين الحكم الشرعي الاجتهادي في ذلك وتضمنت القاعدة شروطاً وضوابط للسيطرة على المحاذير التي يخشى من وقوعها في بعض الحالات.
فما ذكر من شأن هذا المحذور الأول أمر قد تجاوزه نظر الفقهاء المعاصرين، وفرغوا منه، ورأوا أنه لا يجوز أن يحول دون نقل وزراعة الأعضاء والاستفادة مما وصل إليه التقدم الجراحي في هذا المجال.
(ب) أما المحذور الثاني: وهو أن المصالح المبتغاة من زراعة الأعضاء الجنسية لا تدخل في باب الضرورات، فهذا غير مسلم، وقد ذكرنا آنفاً وجه دخوله فيها في بعض الصور، وأما باقي الصور فإن زراعة هذه الأعضاء تكون من قبيل الحاجيات، والحاجات تنزل منزلة الضرورة، حتى لو كان الغرض مجرد التجميل فليس التجميل في هذا الباب من قبيل التكميليات بل هو من قبيل الحاجيات، لأن الحاجي هو ما يكون الإنسان بفقده في ضيق وحرج، وأي ضيق وأي حرج أشد من أن يكون الإنسان فاقداً لعضو من أعضائه، أو فاقدا للغدة التي تنشر الجمال والتناسب على سائر أعضائه، وبفقدانها تنقلب صورته إلى أن يقترب من الجنس الآخر ويفقد خصائص جنسه فإن هذا يجعله في حرج دائم وضيق مستمر ملازم ينغص عليه كل دقائق حياته.(6/1626)
(ج) وأما المحذور الثالث والمحذور الرابع والخامس: فإن الجواب عنها ينبنى على الجواب عن سؤال أهم من ذلك وهو:
- ما الحكم الشرعي في الأعضاء المزروعة كالعين والأذن والقلب والكلية وغيرها ... هل هي أعضاء خاصة بالملتقي ولا شأن للمصدر فيها لانقطاع تعلقه بها، أم هي أعضاء خاصة بالمصدر المأخوذة منه؟..
فواضح أننا إن قلنا إنها تابعة للمصدر ومختصة به ورد على عملية الزرع المحاذير الثلاثة المذكورة. وكان كل منها سبباً كافياً لتحريم النقل.
وإن قلنا إنها تابعة للمتلقي ومختصة به، لم ترد المحاذير المذكورة، اذ تكون نسبة الولد إلى المتلقي نسبة صحيحة تامة، والعضو المنقول عضو المتلقي، وقد انقطعت عنه النسبة إلى المصدر، فلا ضير ولا حرمة في استعماله، كالعضو الأصيل.
ونحن نرى أن الوجه الثاني هو الصحيح، وأن العضو المزروع يكون عضواً للمتلقي مختصاً به، وقد انقطعت علاقته بالمصدر انقطاعاً كلياً، بحيث لا ينبني على كونه مصدراً له حكم شرعي.
وإنما صححنا هذا الوجه لأمور:
* الأول: أن العضو المزروع متصل بالمتلقي اتصالاً عضوياً، فهو يأتمر بالأوامر الواصلة إليه من دماغه، ويتألم الشخص بألم ذلك العضو، ويلتذ بلذته، ويصح بصحته، ويمرض بمرضه ويحس بما يطرأ عليه من العوارض، وهو الذي يتضرر بقطعه لو قطع، أو جرحه لو جرح.
أما المصدر فبخلاف ذلك، فلا يأتمر العضو المزروع بأوامر دماغه، ولا يتألم هو بألم ذلك العضو، ولا يلتذ بلذته، ولا يحس بما يطرأ عليه من العوارض، ولا يتضرر بقطعه لو قطع، ولا يمرض بمرضه، ولا يصح بصحته.(6/1627)
* الثاني: أن المفروض أن عملية النقل كانت برضا المنقول منه إن كان حياً أو برضا أوليائه إن كان ميتأ، وعلى كل حال فإن ذلك يعتبر تنازلاً عن جميع ماله من الحق في ذلك العضو، سواء قلنا إن الأعضاء ملك لصاحبها أوهي ملك لله مختصة بصاحبها، ففي كلتا الحالتين قد زال اختصاصه بتنازله، لأنه إما هبة مقبوضة تم قبضها بالنقل والالتحام. أو مجرد اختصاص تنازل عنه صاحبه، فما كان من الحق للمصدر انتقل للمتلقي انتقالاً كاملأ، بحيث لو اعتدى المصدر على ذلك العضو عمداً كان المتلقي مستحقاً عليه القصاص لو أمكن. أو الدية، وكذا لو قطع ذلك العضو طرف ثالث، فإن الذي يستحق القصاص أو الدية هو المتلقي دون المصدر، والعضو المؤثر هو عضو المتلقي، أما عضو المصدر فلا أثر له (1)
* الثالث: أن المصدر قد يكون ميتاً، والميت إن كان رجلاً لا يقال إنه يقع منه جماع أو إحبال أو استمتاع، وكذا إن كان امرأة لا ينسب إليها مثل ذلك.
* الرابع: أن الأحكام الشرعية المتعلقة بالعضو المنقول لا تلزم المصدر بل تلزم المتلقي:
فمن ذلك أن المتلقي لليد مثلاً هو الذي يغسلها في وضوئه، ولو توضأ المصدر فليس عليه غسل لليد التي تبرع بها.
ومن ذلك أنه لو طلقت المرأة المتلقية للرحم مثلاً، فإنها هي التي تعتد ولا عدة على المرأة مصدر الرحم.
وأيضاً لو حصل بالجماع الحاصل بعد نقل العضو حمل، فلا تعتد المرأة المنقول منها العضو لو طلقت عدة حامل، فكذا لا ينسب الولد إليها، ولا ترثه ولا يرثها بحال من الأحوال، ولا ينفق عليها ولا تنفق عليه، بل كل تلك الأحكام مرتبطة بالمتلقية.
(لكن لا يعني ذلك جواز أن يتزوجها ذلك الوليد إن كان الرحم في الأصل رحمها أو كان المبيض مبيضها، لأن حرمة الزواج تثبت بأدنى سبب، كما ثبتت بالرضاع، وقد رأى بعض الأئمة أن المصة الواحدة من الرضاع تحرم، فهذا أولى، فحرمة الزواج لها شأن خاص، فليست كغيرها من الأحكام، وذلك أنها من باب المنع بالشبهة، بخلاف العدة والنسب والميراث والنفقة والولاية فإنه لا بد فيها من صحة السبب المثبت) .
__________
(1) على أن بعض الفقهاء رأوا أن العضو المتلقي، لا يستحق القصاص بقطعه، ولا يستحق به دية مثل ذلك العضو لو كان بأصل الخلقة، بل يكون فيه حكومة (أي أرش يقدره أهل الخبرة) وهذه عبارة شرح المنتهى (3/296) : "من جعل مكان سن قلعت بجناية عظما أو سناً أخرى ولو من آدمي فثبتت لم تسقط دية السن المقلوعة كما لو لم يجعل مكانها شيء، وعلى مبين ما ثبت من ذلك الحكومة لأنه ينقص بإبانتهما".(6/1628)
وإذ اثبت أن العضو المزروع مهما كان نوعه يكون جزءاً من جسد المتلقي حقيقة وأن صلته تنقطع انقطاعاً تاماً بمصدره، فإن الغدة بعد غرسها في جسد المتلقي تكون جزءاً من أجزائه وما يتولد فيها من الحيوانات المنوية، أو البيضات، فهو ناشىء من ذات جسد المتلقي حقيقة شرعية وينسب المولود إليه نسبة صحيحة شرعية.
وبناء على ذلك لا يصح ما قد يقال من أن ماينشأ من الحمل عن ذلك هو من قبيل الحمل الناشىء من نكاح الاستبضاع، (أو استخدام بذرة شخص ثالث غير الزوجين) ولا ما قد يقال من أن المتلقي يطأ زوجته بذكر غيره، أو يطأ الرجل من زوجته المتلقية فرج امرأة أخرى، أو أن الرحم المنقول هو من قبيل الرحم المؤجر (بل هو رحم المتلقية نفسها) فلا مجال للقول بشيء من ذلك كله، إذ لابد لنا ما دمنا قد أجزنا نقل الأعضاء وزراعتها بين الآدميين بالضوابط المعلومة من القول بأن العضو المنقول هو عضو المتلقي حقيقة، وأنه لا صلة له بمصدره من الناحية الشرعية بوجه من الوجوه.
وأما كون الخصائص الوراثية تتبع مصدر الخصية، أو مصدر المبيض، فإن ذلك لا يقدم ولا يؤخر في الحكم الشرعي في ذلك، فإن النسب ونحوه لا يتبع هذه الخصائص الوراثية، بل كما في الحديث "الولد للفراش"، فالأب شرعاً هو زوج تلك المرأة التي حملت وولدت، والنسب لاحق به، وهو الذي يتمتع بجميع الحقوق وتلزمه جميع التكاليف الناشئة عن ذلك.
استدراك:
غير أن الأمر الذي نبه إليه بعض الأطباء، وهو احتمال أن تكون الخصية المنقولة محتوية على مني تكون أثناء وجودها في جسم المصدر، وأنه ينبغي التحقق من زوال ذلك، وكذا في البيضات، فهو تنبيه صحيح، يجب أخذه بعين الاعتبار.
والأمر هنا يختلف عن الحيوانات المنوية والبييضات المتولدة في الغدتين بعد زرعهما في جسم المتلقي أو المتلقية، لأن ما تولد فيهما بعد ذلك إنما حصل بعد صيرورتهما جزءاً من الجسم المتلقي.(6/1629)
ولذا يجب بعد زرع الخصية أو المبيض (غسل) كل من الغدتين قبل التمكين من الجماع، أو مضي فترة كافية لزوال الحيوانات المنوية والبيضات من الغدتين. ويقدر هذه المدة أهل الخبرة من الأطباء، وربما كانت فترة البرء من الجراحة نفسها كافية لذلك إذا قرر ذلك أهل الاختصاص.
وأما العوارض النفسية التي ستصحب هذا النوع من زراعة الأعضاء وتنشأ عنها، فإنه إذا صدرت الفتوى الصريحة بشأن ذلك، وعلمت وتضمنت الحكم في ذلك القوانين المصرحة بالحكم، وجرى العمل عليها، وتعارفها الناس، فإن تلك العوارض النفسية ينقطع سبب نشوئها، لأنها إنما تنشاً من الأعراف الجارية.
وكذلك ما يخشى منه من حصول النزاعات وتضرر المجتمع من ذلك، فإنه لا يكون له وجود بعد العلم بالفتوى وجريان العمل عليها، وصدور القوانين الحاسمة في ذلك.
تنبيه:
بقي أنه لا بد من الإشارة إلى أن المحاذير التي ذكرت - وإن لم تكن كافية لصدور الفتوى بالتحريم - غير أن لها وزناً معتبراً.
والمسألة مسألة اجتهاد يترجح فيه القول بالجواز، فهو جواز محفوف بالشبهة، فيكون من باب الكراهة.
ولذا لا ينبغي أن يصار إلى نقل الأعضاء الجنسية إلا في الحالات التي يبقى فيها المحتاج إلى تلقي العضو في مشقة من أمره إن لم يتم زراعة العضو، أما لو لم يكن في مشقة من أمره، أو كان في مشقة وأمكن درؤها بوسيلة أخرى مما لا شبهة فيه، فلا ينبغي له المصير إلى طلب الزراعة.
وهذا حيث يكون الأمر مشتبهاً، كما في نقل المبيض أو الخصية أو الذكر أو الفرج أو الرحم، أما غير ذلك، كالقنوات الناقلة، فالأمر فيه يسير ولا تنبني على نقلها شبهة. والله أعلم..(6/1630)
تنبيه أخر:
إن الأحكام الشرعية للأعضاء المزروعة - هي من حيث العموم - مثار خلاف لتردد النظر فيها.
- فهل إذا تمت زراعة يد بشرية بدل اليد المقطوعة يسقط حق القصاص أو الدية في اليد المقطوعة أم لا؟
والعضو المزروع إذا تم التحامه ثم جنى عليه جان فقطعه..
- هل يستحق به قصاص أو دية، أو لا يستحق إلا الأرش؟
وكذلك القصاص والدية والأرش في العضو الذي يعاد في موضعه بعد قطعه فيلتحم، أو ينقل من جهة إلى جهة أخرى من بدن الشخص نفسه.
- ما حكم الجناية الأولى - هل يسقط القصاص فيها أم لا وكذلك الدية؟
- وما الحكم إن جني عليه مرة أخرى ثم رد فالتحم أو لم يلتحم؟
وإذا كان حكم الجناية على العضو المزروع والذي سبق أن قطع فالتحم يختلف عن حكم الجناية على العضو الذي لم يسبق له شيء من ذلك بل هو باق على أصل الخلقة. فما الحكم في الدعاوى التي قد تنشأ بناء على ذلك؟ بأن يدعي الجاني بأن ما قطعه ليس عضواً أصلياً بل هو مزروع مثلاً إلى غير ذلك من الأحكام.
ولذا أقترح على المجمع الموقر طرح هذه المسائل للبحث في دوراته القادمة، وهي مسائل من خصوصيات الفقه الإسلامي، لأن القوانين الوضعية لا تعترف بالقصاص أو الدية، بل فيها التعزير والأرش لا غير، وهو أمر لا يحوج إلى كثير نظر.. والله أعلم ...
الدكتور محمد سليمان الأشقر(6/1631)
زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسلية
إعداد
سعادة الدكتور محمد علي البار
مستشار الطب الإسلامي بمركز الملك فهد
للبحوث الطبية – جامعة الملك عبد العزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
إن موضوع غرس الأعضاء ليس جديداً على البشرية. فقد أوضحت الحفريات القديمة أن قدماء المصريين قد عرفوا زرع الأسنان، ثم أخذها عنهم اليونان والرومان ثم اشتهر بها الأطباء المسلمون في القرن الرابع الهجري (العاشر الميلادي) ، وعرف الهنود القدماء عمليات زرع الجلد وإصلاح الأنف المتآكلة والأذن المقطوعة وذلك منذ 2700 عام على الأقل كما يدل على ذلك كتاب (سرسوتا سانهيتا) الذي وصف هذه العمليات بدقة وتفصيل والذي كتب قبل 2700 عام.
وقد أعاد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم عين قتادة بعد أن ندرت حدقته يوم بدر، وقيل يوم أحد إثر سهم أصابها فكانت أحسن عينيه وأحدهما بصراً وهذه أول إعادة زرع للأعضاء.
وقد ذكر الفقهاء الأجلاء في السابق موضوع زرع العظام، قال الإمام النووي في منهاج الطالبين: "ولو وصل عظمه بنجس لفقد طاهر فمعذور "، وفصل في ذلك الإمام الشربيني في مغني المحتاج. وتحدث الفقهاء الأجلاء منذ أزمنة متطاولة عن زرع العظام من إنسان لإنسان ومن حيوان لإنسان وقد ذكر القزويني في عجائب المخلوقات أن من خواص عظم الخنزير أنه يوصل بعظم الإنسان ويلتئم سريعاً ويستقيم من غير اعوجاج!! ...
نخلص من ذلك كله إلى أن زرع الأعضاء أمر ليس جديداً على البشرية، وأن فقهاء الإسلام قد تحدثوا في بعض أنواعه منذ تسعة قرون تقريباً.(6/1632)
ولا شك أن القرن العشرين شهد زخماً علمياً لم تشهده البشرية من قبل، وأدى ذلك إلى زرع أعضاء لم يكن في استطاعة أحد أن يفكر في زرعها، وذلك مثل زرع الكلى والقلب والرئتين والكبد والبنكرياس وأخيراً الدماغ والأعضاء التناسلية.
ومنذ أن انتشر استخدام نقل الدم أصدر الفقهاء الأجلاء فتاواهم بإباحة ذلك، كما أباحوا تشريح الجثث ثم ظهرت الفتاوى العديدة من دار الإفتاء المصرية التي تبيح زرع الجلد وزرع القرنية وزرع الأعضاء وفي 5 صفر 1400هـ، أصدرت لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف قرارها رقم 32/ 79 بإباحة زرع الأعضاء من المتبرع الحي أو الميت. وفي 6/ 402/11 اهـ صدر قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية بإباحة زرع الأعضاء وأصدر المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي في دورته السابعة 407اهـ قراره بإباحة زرع الأعضاء.
ولم يتعرض الفقهاء حتى عام 405اهـ لموضوع موت الدماغ. وكانت الفتاوى السابقة الصادرة بإباحة أخذ الأعضاء من الموتى مبنية على أن الشخص المتبرع قد مات وتوقف قلبه عن العمل تماماً.
ومنذ ذلك العام بداً المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي ببحث تلك المسألة، ثم بحثها مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي. وقد بحثها في دورته الثانية عام 1406 هـ، ثم في دورته الثالثة عام 407اهـ، وأصدر قراره التاريخي رقم (5) باعتبار موت الدماغ مساوياً لموت القلب.
وقام مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة 408اهـ ببحث موضوع زرع الأعضاء وأصدر قراره رقم (1) د 4/08/88، بإباحة زرع الأعضاء وذلك بإباحة الزرع الذاتي، كما أباح الزرع من شخص آخر حي بشرط تبرعه بذلك وأن لا يلحقه ضرر وأن يكون المتبرع كامل الأهلية، كما أباح المجمع الزرع من الموتى بشرط أن يكون قد أذنوا قبل ذلك أثناء حياتهم أو أذن ورثتهم بذلك أو أذن ولي أمر المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أولا ورثة له وذلك كله بشرط عدم بيع الأعضاء.(6/1633)
وقد أجل الفقهاء الأجلاء النظر في المواضيع التي طرحتها في بحثي المقدم إلى الدورة الرابعة إلى دورة قادمة.
وكنت قد تقدمت في نهاية بحثي ذلك بعدة أسئلة إلى الفقهاء الأجلاء بعد مداولات مع لفيف من الزملاء الأطباء.. كان من ضمن تلك الأسئلة المواضيع المطروحة للدورة السادسة:
زراعة الأعضاء من الأجنة المجهضة أو الفائضة عن الحاجة.
زراعة الغدد التناسلية والأعضاء التناسلية.
زراعة خلايا الجهاز العصبي وخاصة الدماغ.
زراعة عضو استؤصل في حد مثل إعادة اليد بعد قطعها في حد السرقة.
كما كنت قد تقدمت في الدورة الثانية والثالثة لمجمع الفقه الإسلامي ببحث عن التلقيح الاصطناعي الداخلي والخارجي وفيه وضعت سؤالا لم يبحث في تلك الدورات عن موضوع إجراء التجارب على الأجنة المجهضة والأجنة المستنبتة الفائضة عن الحاجة. وفيما يلي بحث عن زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسلية حسب ما تيسر لي من مراجع قليلة:(6/1634)
زرع الغدد التناسلية والأعضاء التناسلية
إن للغدة التناسلية وظيفتين:
الأولى: افراز النطفة (البيضة بالنسبة للمرأة أو الحيوان المنوي بالنسبة للرجل) .
الثانية: وظيفة إفراز الهرمونات وهي في الأنثى أشد تعقيداً من الذكر وهي السبب في التغييرات التي تحدث في بطانة الرحم مؤدية إلى حدوث الطمث، كما تؤثر على جميع أجهزة الجسم أما بالنسبة للذكر فهي مسؤولة عن الصفات الثانوية للذكورة مثل نمو شعر العانة بصورة خاصة مختلفة عن الأنثى ونمو الشعر على الوجه (العارضين والذقن والشنب ... الخ) ، وتغير الصوت من نعومة صوت الطفل إلى خشونة صوت الرجل وبناء العظام وتوزيع الدهن في الجسم وإيجاد الرغبة الجنسية.(6/1635)
وقد استخدم الأطباء في الماضي خصى الحيوانات لأغراض شتى وفي العصر الحديث استخرج الأطباء من هذه الخصى هرمونات الذكورة واستخدموها لمعالجة ضعف الباءة، كما استخدمت لمعالجة بعض الأمراض الأخرى وخاصة في الشيخوخة ... وقد تم تصنيع هرمونات مماثلة مع اختلاف في بعض الوظائف وتستخدم هذه الهرمونات لأغراض شتى بما في ذلك معالجة بعض أنواع سرطان الثدي.
أما هرمونات المبيض فهي الآن كذلك تصنع ولها مشتقات كثيرة وتستخدم لأغراض كثيرة في الطب لمعالجة اضطرابات الدورة الشهرية وحبوب منع الحمل وأخرى لمداواة بعض أنواع الإجهاض، كما أن نوعاً منها يستخدم لمعالجة سرطان الموثة (البروستاته) عند الرجال.
زرع الخصية:
أثارت الصحف وخاصة مجلة المسلمون موضوع زرع الخصية وزعم طبيب من إحدى المستشفيات الخاصة أنه مستعد لإجراء هذه العملية فورا لسهولتها ويسرها، ولكنه ينتظر فتوى الفقهاء وسرعان ما اتصلت المسلمون ببعض الفقهاء الذين أصدروا فتاواهم على الهاتف بإباحة زرع الخصية وثارت ضجة في الصحافة استفادت منها المسلمون في الترويج والبيع.
والمشكلة أن زرع الخصية لا يزال في حقل التجارب وقد بحثت في المجلات الطبية والكتب التي صدرت عن زرع الأعضاء وذهبت إلى لندن في الصيف الماضي (مايو 988ام) ، واشتريت مجموعة من الكتب الحديثة الصادرة عن زرع الأعضاء وللأسف لم أجد أي بحث عن هذا الموضوع وفي هذه السنة بحثت في مكتبة كلية الطب ومكتبة جامعة الملك عبد العزيز عن أبحاث أو مقالات طبية علمية عن هذا الموضوع فلم أجد وأرسلت بواسطة مكتبة جامعة الملك عبد العزيز إلى المراكز الأوسع في الرياض ووعدت بإرسال أربعة أبحاث لم أستلمها بعد، ثم بحثت عن طريق زميل مهتم بهذا الموضوع بحث فيه عن طريق شبكة عالمية فوجدنا 14 مقالاً نشرت في المجلات العلمية من عام 0 97ام حتى بداية عام 988ام حول موضوع زرع الخصية. وكانت هذه المقالات جميعاً ما عدا واحدة تتحدث عن إعادة زرع خصية في طفل بقيت خصيته في البطن في مكان عال.(6/1636)
ومن المعلوم أن الخصية (الغدة التناسلية) تتكون في الحدبة التناسلية وتبدأ في الظهور في الأسبوع الخامس والسادس في الجنين ... ثم تتمايز في نهاية الأسبوع السادس وبداية السابع إلى خصية أو مبيض لأنها تكون قبل ذلك غير متمايزة ويكون موقعها موقع الكلى في الإنسان بعد ولادته بينما تتكون الكلى في منطقة الحوض ... ويرتفع موقع الكلى لتقع في الخاصرة بين الصلب والترائب بينما تنزل الغدة التناسلية من موقعها في الخاصرة بين الصلب والترائب حتى تصل إلى الحوض.
وفي الأنثى تتوقف هناك بينما في الذكر تواصل نزولها في الشهر السابع، لتدخل القناة الأربية (Inginal canal) ، ثم تصل إلى كيس الصفن قبل الولادة. وفي بعض الأحيان يتأخر نزول الخصية وتبقى في القناة الأربية ويمكن إنزالها جراحياً ولكن في بعض الحالات تكون موجودة في الحوض أو في البطن، وفي هذه الحالات لا بد من إعادة زرع لتلك الخصية..
وقد نجحت بعض هذه العمليات كما فشلت نسبة كبيرة منها لأن إعادة زرع الخصية أيضاً عمل غير يسير.
ووجدت بحثاً منشوراً في مجلة Fertility-Sterility 1978 (Aug) 30 (2) : 181-7، نشره د. سيلبر (Silber S.J.) عن زرع خصية من شخص لأخيه التوأم وكان هذا التوأم من نوع التوائم المتماثلة (Identical twins) أي أنهما نتجا عن تلقيح بويضة واحدة بحيوان منوي واحد (Monozygotic twins) وهما من الناحية المناعية كأنهما شخص واحد، وقد نجحت هذه العملية واستطاعت الخصية المزروعة أن تفرز حيوانات منوية سليمة كما استطاعت أن تفرز هرمونات الذكورة (Testesterone) .
وهذا هو البحث الوحيد الذي وجدته والذي تعرض فيه الباحث لزرع الخصية من شخص إلى آخر وإن كان الشخص المزروع فيه يعتبر من الناحية المناعية مماثلاً للشخص المتبرع، ولهذا لا يحدث رفض للغريسه (Implant graft) .
وقد ذكر بعض الزملاء من الأطباء المختصين أن الصين الشعبية تجري أبحاثاً في زرع الخصية.(6/1637)
التعليق؟
إن إعادة الزرع أمر لا إشكال فيه إذ أنه يحدث من نفس الشخص فلا يوجد ما يمنعه من الناحية الدينية والمسألة كلها تندرج في باب المهارة التقنية المطلوبة ... وللأسف لم تصل بعد في هذا المجال لتحقيق نجاح كبير.
أما الزرع من أخ مماثل توأم فعلى الرغم من أن الشخصين يعتبران من الناحية المناعية وكأنهما شخص واحد إلا أنهما من الناحية القانونية والشرعية شخصان منفصلان تماماً ولكل واحد منهما أهليته القانونية والشرعية ولهذا فإن زرع الخصية من شخص لآخر يعني انتقال الحيوانات المنوية من المتبرع (Donner) إلى المتلقي (Recepient) ، ومن المعلوم أن الصفات الوراثية الموجودة في الحيوانات المنوية الناتجة من الخصية المزروعة إنما تتبع الشخص المتبرع (Donner) لا الشخص المتلقي (Recepient) ، وبالتالي يشبه ذلك دخول طرف ثالث في موضوع الإنجاب وإذا أبيح ذلك فينبغي أن يباح أيضاً استخدام مني من متبرع لتلقيح امرأة متزوجة من رجل عقيم.. وهذه الطرق تشبه ما كان موجودا في الجاهلية قبل الإسلام مما عرف باسم نكاح الاستبضاع، حيث كان الرجل يعتزل زوجته حتى إذا طهرت ذهبت إلى رجل قوي شجاع كريم ... إلخ، فيتصل بها فإذا حملت المرأة وتبين ذلك الحمل أتاها زوجها إن شاء ... يفعل ذلك رغبة في إنجابة الولد كما قالت السيدة عائشة في حديثها الذي أخرجه البخاري في كتاب النكاح من صحيحه.
ولا تتغير الصفات الوراثية الموجودة في الخصية بعد زرعها بحيث إنها تعود إلى الشخص المتلقي، بل تبقى تلك الصفات الوراثية تعود إلى الشخص المتبرع. ذلك لأن المورثات (الجينات) تكون مبرمجة منذ البداية ... ورغم أنها انتقلت في بيئة جديدة وتتغذى من مصادر مختلفة عما كانت عليه إلا أن برنامج المورثات يبقى على ما كان عليه. وبالتالي تعود الصفات الوراثية إلى المتبرع (Donner) وليس للمتلقي في ذلك من الأمر شيء.(6/1638)
أما إفراز الهرمونات فأمر ثانوي وإن كان مهما. ولا يشكل ذلك خطرا على المورثات ويمكن بسهولة تعاطي هذه الهرمونات إما على شكل أقراص أو على شكل حقن (زرق) في العضل وهي متوفرة في الصيدليات ويكتبها الأطباء عند الحاجة لها.
زرع المبيض:
قام الدكتور شيرمان سيلبر (S.Silber) في عام 985ام بنقل مبيض مع قناة فالوب التابعة له من امرأة إلى أختها التوأم التي تعاني من العقم نتيجة إصابة مبايضها (1)
وقد قام الدكتور شيرمان سيلبر نفسه بزرع خصية من شخص لأخيه التوأم وهي العملية التي سبق أن ذكرناها.
وبما أن هذه التوائم متماثلة وأصلها لقيحة واحدة (من حيوان منوي واحد وبيضة واحدة) ، فإن هذه التوائم لا تشكل أي عقبة من ناحية المناعة ورفض الأعضاء المزروعة.
وقد صرح الجراح الأمريكي الذي يعمل في مستشفى سانت لوك في مدينة سانت لوي بالولايات المتحدة بأن هذه العملية دقيقة جداً ونسبة نجاحها محدودة وستبقى منحصرة في الوقت الحاضر في التوائم المتماثلة ... وأنها لا يمكن أن تعتبر ذات قيمة في حل مشكلة العقم، على الأقل في الوقت الراهن لأنها عملية معقدة ومحدودة النجاح ولا تجرى حتى الآن إلا في بعض مراكز الأبحاث المتقدمة ولا تزال مقصورة على التوائم المتماثلة فقط.
وتمثل نفس المشاكل الموجودة في زرع الخصية إذ أن البيضة تعود إلى المتبرعة (Donner) وليست للمتلقية (Recepient) التي زرع فيها المبيض، وبالتالي فإن حدوث حمل سيؤدي إلى وجود مشاكل كبيرة فمن تكون الأم أهي التي حملت وولدت أم صاحبة البيضة؟
وقد ثار هذا الجدل بين الفقهاء عند تعرضهم للرحم الظئر (الرحم المستأجر) (Surrogate mother) .
__________
(1) نشرت الخبر صحيفة المدينة، العدد 6696 في 23/ 1 1/ 1405 هـ الموافق 9/8/1985م.(6/1639)
وانقسموا إلى فريقين: أحدهما يرى أن الأم هي التي حملت وولدت والآخر يرى أن الأم الحقيقية هي صاحبة البيضة، وقد ذكر كتاب ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام، إصدار المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ما دار من نقاش حافل حول هذه النقطة وقد نقلت أيضاً ما دار من نقاش في المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي حول هذه النقطة في كتابي "طفل الأنبوب والتلقيح الاصطناعي" وكتابي "أخلاقيات التلقيح الاصطناعي ".
الخلاصة في موضوع زرع الغدة التناسلية (الخصية أو المبيض) :
إن هذا الموضوع لا يزال في دور التجارب في المراكز المتقدمة في الولايات المتحدة وأوروبا وبعض المراكز في الصين الشعبية ... وحتى الآن فإن نسبة النجاح مرتبطة بإجراء هذه العمليات لنفس الشخص، كما في الخصية الموجودة في البطن وإنزالها إلى كيس الصفن أو إجرائها بين توأمين متماثلين تماماً.
وهذا ببساطة يعني أنها ليست أحد الحلول المطروحة لمعالجة مشكلة العقم.
كما أنها تنطوي على مشاكل خطيرة من ناحية النسب وارتباط الصفات الوراثية بالشخص المتبرع لا بالشخص المتلقي.(6/1640)
وهو أمر قد فنده الفقهاء الأجلاء عند بحثهم لموضوع التلقيح الاصطناعي وأكدوا حرمة دخول طرف ثالث بين الزوجين في عملية الإنجاب والمقصود بالطرف الثالث:
نطفة ذكرية (حيوان منوي) من متبرع أو مانح،
نطفة أنثوية (بيضة) من متبرعة أو مانحة،
لقيحة جاهزة (جنين مجمد) من متبرعين،
رحم ظئر من متبرعة.
وبالتالي فإن زرع الغدة التناسلية أمر ليس له ما يبرره إذا كان بين شخصين مختلفين.
أما إذا كان من نفس الشخص فلا غبار عليه من الناحية الدينية ويبقى العائق الوحيد فيه مقدرة الجراح ومهارته.
زرع الأعضاء التناسلية:
لم أجد فيما لدي من المصادر العلمية في ذكراً لزرع الأعضاء التناسلية وقد قرأت عن فيلم سينمائي أنتجته هوليود موضوع قصته زرع القضيب من شاب قوي طويل فارع الطول إلى عجوز قد أصابه الوهن فانقلب كيانه وأصبح يقع في مشاكل كثيرة بسبب العراقة التي حصل عليها من العضو المزروع.
الموضوع لا يزال قيد الخيال العلمي والقصص والأفلام أما من الناحية العملية فهناك وسائل كثيرة أخرى تجرى لمساعدة المجبوب أو الضعيف الانتصاب حيث تزرع وسائل ميكانيكية يمكن أن تقوم بالمهمة ... وقد وجدت بعض الدراسات والمقالات في المجالات العلمية التي تتحدث عن زرع آلة لمساعدة الصبي في التبول واقفاً لأن هذا هو الأمر المعتاد لدى الذكور في الغرب ولا يتبول جالساً عندهم إلا الإناث. ومن العار على الصبي أو الفتى أن يتبول جالساً إذ لا بد له من التبول واقفا ولذا اخترعوا جهازاً يساعد الأطفال الذين يعانون من صغر القضيب أو يجرون عمليات جراحية لإصلاح فتحة مجرى البول التي قد تكون في جذر القضيب بدلاً من طرفه النهائي (Hypospadis) ، وهناك وسائل متعددة جراحية لإيجاد فرج ومهبل صناعي لمن يطلبه من المخنثين الذين تجب ذكرانهم ويصنع لهم فروج ويركبون كما تركب النساء وهو أمر شائع في الغرب وقد حدث في مصر في قصة سالي: طالب طب الأزهر الذي أثارت قضيته المجتمع العربي.(6/1641)
وفي تونس والمغرب بعض الأطباء من الفرنسيين الذين يجرون هذه العملية (المسخ) لمن أراد من المخنثين الذين يفدون إلى تونس والمغرب في صورة سياح.
أما نقل وزرع الأعضاء التناسلية الباطنة مثل الرحم فلم يحدث بعد، حسب ما لدي من المصادر.
ولا أظن أن زرع الرحم إذا تم سيكون مشكلة من الناحية الفقهية لأنه لا يتعلق به نسب الجنين على عكس موضوع زرع المبيض أو الخصية.
وكذلك، فإن زرع القضيب لا يؤثر على النسب، ولكني أستبعد أن يرضى رجل بأن يجامع زوجته بقضيب شخص آخر (ميت بطبيعة الحال) وأظن أنه سيفضل المساعدات الميكانيكية الأخرى على أن يأتي أهله بعضو رجل آخر.
ثم من الناحية الفقهية ألا يشكل ذلك مشكلة؟
الخلاصة:
إن موضوع زرع الأعضاء التناسلية لم يدخل بعد مجال الممارسة الطبية اليومية وهو لا يزال في مجال التجارب أو الخيال العلمي وهو لا يحل مشكلة عقم ولا مشكلة عنة، وإنما يسبب المشاكل لمجتمعات تنوء بالمشاكل.
والناس في العالم الإسلامي لم يحصلوا بعد على الرعاية الصحية الأولية ويقعون فريسة الأمراض الناتجة عن عدم وجود ماء نظيف للشرب وعدم وجود نظام للمجاري وعدم تمنيع (تطعيم) الأطفال وعدم إرضاعهم من أمهاتهم ووجود مشكلة التدخين ... الخ.
وهذه المشاكل الصحية حلولها ميسورة والأجدى أن تهتم الدول الفقيرة بمشاكل الملايين الذين يعانون من سوء التغذية والإسهال والملاريا والبلهارسيا والسل ... إلخ، بدلاً من الاهتمام بمشاكل أفراد محدودين يبحثون عن وسيلة غريبة شاذة لقضاء وطر أو للحصول على ذرية بطرق يأبى أكثرها الشرع الحنيف كما تأباها الفطر السليمة.
الدكتور محمد علي البار(6/1642)
زراعة الغدد التناسلية أو زراعة
رحم امرأة في رحم امرأة أخرى
إعداد
الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين
مكلف بمهمة بالديوان الملكي – بالرباط
بسم الله الرحمن الرحيم
في إطار تعامل الإنسان مع مستجدات الحياة، نبهه الباري جل وعلا، بأنه سيفاجأً من حين لآخر بمظهر من مظاهر انفراد رب الكون، وخالقه، بإبراز الدليل على عظمته من خلال ما يبديه للعقل البشري من كنوز معرفته، ويسمح له بأن يصل إليه في فترة ما، من فترات تعاقب الأجيال على درب مرور الإنسانية بساحة هذه الحياة الفانية.
لقد أتى هذا التنبيه واضحاً في آيات قرآنية، منها: قول الله عز وجل:
{وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} (1) وقوله: {وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (2) إنما يملأ الكون من تطور ظل يثبت أن الله يخلق في كل فترة ما لا يعلم أسلاف من على قيد الحياة، وهذه نعم من الله على عباده، وهي تجعلهم تحت محك الاختبار الدائم لمعرفة مدى تحكم الإيمان في نفوسهم، ومدى استعدادهم لتفهم كتاب الله، وتدبرهم لآياته وتعاملهم مع آيات عظمة الله وانعكاس ذلك على مدى تحكم الإيمان في نفوسهم.
ولله در عمنا الشيخ محمد الإمام، من علماء المغرب، حين قال:
أما أخو الإيمان إن ير آية
تزد لديه قوة الإيمان
أما الذي في قلبه مرض فقد
يزداد خسراناً على خسران
من هذه المبادىء العامة نتخلص إلى محاولة الدخول في صلب موضوع هذا البحث الأقرب إلى تساؤلات عن أوجه الحكم في إمكانية: زرع الغدد التناسلية، والأعضاء التناسلية من رحم امرأة إلى أخرى.
__________
(1) {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الآية 85 من سورة الإسراء] .
(2) {وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} [الآية 8 من سور النحل] . لقد بدأت هذه السورة بتحديات علم الإنسان، سواء فيما يرجع للظواهر والكائنات التي شاهد أو يشاهد، أو تلك التي لازالت قائمة.(6/1643)
والحقيقة أنه، وكما أشار الكثيرون قبلي، فإن أحكام هذه المواضيع ستبقى اجتهادية في مجملها، نتيجة تقدم العلم اليوم ودهشة العلماء أنفسهم أمام النتائج التي توصلهم إليها تجاربهم من حين لآخر.. وهي نتائج لا بد من الإشادة بها، فهي مشرفة للتقدم الفكري للإنسانية بصفة عامة، إلا أنها مهما كانت سامية، فينبغي أن لا تكون حافزاً على محاولة إرغام المبادىء الإسلامية على تقبل كل آثارها، لأن العلماء أنفسهم أثناء تجاربهم لا تهمهم إلا الظاهرة العلمية البحتة، حتى إذا ما توصلوا إلى النتيجة تدخلت القواعد الأخلاقية والزجرية لمحاولة إمكانية الملاءمة بين الإخترإع وضوابط هذه القواعد التي أصبحت مع الأسف الشديد في كثير من المجتمعات اسما بدون مسمى، نظراً لاستخفاف إنسان اليوم بقيم أمس الدينية، والاجتماعية، وحتى الإنسانية.
وبناء على ذلك، فإن التقدم العلمي، إذا كان الإسلام حث عليه، وابتكر كثيراً من قواعده، وأمر بتدبر القرآن لاستخراج أحكام شريعة الله من هديه حسب استطاعة كل جيل، وذلك بقوله: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [الآية 24 من سورة محمد] ، وقوله جل وعلا: {وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا} [الآية 85 من سورة الإسراء] ، وقوله جل جلاله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الآية 109 من سورة الكهف] .
فالأولى حثت على طلب الفهم، واستخدام العقل لاستخراج ما يصلح به الإنسان دينه ودنياه من هذا الكتاب الذي جمع علم الأولين والآخرين بكل تطوراته، واختراعاته، ولكن ليس بمستطاع البشر مهما بلغ أن يحيط بكل معانيه.
والثانية توضح الواقع الذي ظلت الحياة تثبته، فكل أمة أو شعوب تواجدوا على البسيطة في فترة من فترات الحياة اكتشفوا سراً من أسرار الكون يبرز مظهراً من مظاهر عظمة الخالق، ما اهتدى إليه أسلافهم، ومن ثم أصبح المتداول من العلوم قليلاً إذا ما قيس بالخفي والمجهول منها.(6/1644)
والثالثة أوضحت بأن أسرار كلمات الله أعظم من أن يحيط بها المخلوق الضعيف العاجز عن تحصين نفسه مما خلقت مهددة به من مرض، وموت وعقم.
ومن هنا يكون من حسنات المؤسسات الإسلامية العلمية اليوم ملاحقة المستجدات العصرية، التي تبرز للإنسان باستمرار اختراعات علمية تجنبه كثيراً من الأمراض والعاهات والأضرار.
إلا أنه من واجب علماء الإسلام في كل مكان الوقوف بشجاعة وحزم أمام ما لا يتقيد بأوامر الله منها، ومن هنا وجب علينا الشكر الجزيل للمجمع الفقهي بجدة وللمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، على تنظيم هذه الندوة للنظر في حالات أصبحت شائعة، من حيث التجارب العلمية، دون أن يعرف الكثيرون حكم الله في بعضها. ولا بد من القول بأن أحكام الكثير منها لا بد أن تبقى اجتهادية بسبب جدة الواقعة نفسها، وهذا أيضاً يسوق إلى القول بضرورة فتح باب الاجتهاد من جديد، لأن أسباب فتحه في الماضي توفرت اليوم، فأيام دولة الإسلام المشرقة خلفت للإنسانية تراثاً علمياً رائعاً أتى نتيجة غناء تعاليم الإسلام وعمق نظرياته وصلاحيتها لكل زمان ومكان وأيضاً بعد اختلاط الأجناس، وامتزاج الحضارات مع بعضها البعض في تلك الفترة عقب انتشار الإسلام، واختلاطه، بالحضارات الأجنبية عليه، وما تبع ذلك من مواجهة مشكلات لم تحفظ نصوص في شأنها، مما حمل العلماء على الاجتهاد، واستخدام شتى وسائل المعرفة والعقل، والحكمة والتبصر حتى استخرجوا لها أحكاماً من فحوى خطاب الشرع، هذه حقائق نعتز بها نحن المسلمين، لأنها مكنتنا من التعمق في فهم كتاب الله العزيز، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه، ولا من خلفه.. وبذلك أدرك المسلمون المعاني البعيدة على عقول البشر، لحظة نزول قول الله عز وجل: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الآية 38 من سورة الأنعام] ، وقوله جل جلاله: {قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا} [الآية 109 من سورة الكهف] .(6/1645)
من هذه المقدمة العامة نتخلص إلى البحث في شأن نقل بعض الأنسجة، أو خلايا الرحم، أو هو كله، من إنسان إلى إنسان؟ لنقول بأنه حرام، في نظرنا، ولا ينسجم مع روح قداسة الإنسان في الشريعة الإسلامية. وما دامت الآراء فيه ما زالت شخصية بحسب استنباطات كل مهتم على حدة، فإن ذلك يتطلب التأني، والبحث الدقيق، حتى لا تهدر أحكام الشريعة من جهة، ومن جهة ثانية لما في التريث من فرصة تمكن من استفسار المراجع، والتعمق في الفهم حسب تجدد الوقائع، ليدرك البشر بناء عليها ما كان بعيداً عليهم من المعاني السامية لكتاب الله، فبناء على هذا كله تستطيع الجهات العلمية في الأمة الإسلامية أن تفتي بالموقف الشرعي الصحيح.
ومن هنا، فإن هذا الذي أكتبه، أضعه بين يدي أساتذتنا العلماء، لتصحيح ما فيه من خطأ لا يخدم الشريعة الإسلامية، لأكون أنا أول من يبرأ منه، وليؤخذ ما هو ملائم لروح النصوص الإسلامية، ليسهم ولو إسهاماً ضعيفاً في القرار الذي يتخذه العلماء - جزاهم الله خيراً - في شأن هاته المستجدات، التي ستصبح في يوم ما بفضل التقدم العلمي المطرد، من السهولة بمكان ومن الكثرة والانتشار ما لم يخطر على بال أحد اليوم.
إن نقل بعض أنسجة الرحم من امرأة إلى امرأة، أو بعبارة أصح الجهاز التناسلي من إنسان إلى إنسان، ما زال البحث فيه مبكرأ، والآراء فيه فردية، والنصوص لم تستخدم كما ينبغي لإخراج الحكم الصحيح منها، لذا فما يكتب فيها يبقى مجرد رأي حتى يبت المجمع الفقهي فيه برأي إسلامي موحد.
وما أقدمه في هذا الموضوع، قد أعتمد فيه على آية من كتاب الله وحديث مجمع على صحته، إضافة إلى إشارت يعثر عليها الباحث في حنايا كثير من المراجع الإسلامية لمختلف المذاهب، وعليه فسيكون هذا البحث يتمحور حول المواضيع التالية:
أولاً: تغيير خلق الله.
ثانياً: الإخصاء.
ثالثاً: خاتمة نستخلص منها التبريرات التي اعتمدناها لما رأيناه حكما شرعياً في الموضوع.(6/1646)
المبحث الأول
تغيير خلق الله والحكم بحرمته
قال الله جل جلاله؟ {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} [الآية 119 من سورة النساء] . قال الطبري عند تفسيره لقول الله عز وجل: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، قال بعضهم: ولآمرنهم فليغيرن خلق الله بالإخصاء.
قال: حدثنا وكيع، قال: حدثنا أبي، عن أبي جعفر، عن الربيع بن أنس، عن أنس بن مالك، قال هو: الإخصاء (1)
لقد ورد في هذا الأثر الإخصاء بصفة عامة.
إذن فعملية استئصال الغدد التناسلية لا يمكن أن تخرج عن نوع من الإخصاء، وتغيير خلق الله.
قال الإمام الطبري في تفسيره لهذه الآية ما ملخصه أنها إخبار عن محاولة الشيطان لصد جماعة من عباد الله عن اتباع أحكام الله، واتباع الهوى والأماني فيحرمون ما أحل الله ويحلون ما حرم اتباعاً للشيطان، فيشرعون غير الذي شرع الله باتباعهم الشيطان ومخالفتهم الله جل جلاله.
ثم أوضح حالات تغيير الخلق في البهائم، ومنها: البتك، وهو القطع ومثل له بالبحيرة (التي تقطع أذنها) ، وإذا حرم الشارع هذا في البهائم ففي الإنسان من باب أحرى.
ولا بد من الإشارة إلى أن البتك في الآية ورد على صيغة العموم، وأن التفسير هو الذي مثل بالبحيرة.
كما أورد قضية ابن مسعود مع المرأة التي أتته متسائلة عن اللعنة التي دعا بها على المغيرات لخلق الله بتقشير الوجه، فقال لها: كيف لا ألعن من لعن الله؟ فقالت: إني مررت على ما بين اللوحين فلم أجد ما قلت، قال لها: إن كنت قرأت ما بين اللوحين فقد مررت على ما قلت في قول الله عز وجل: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ، والرسول صلى الله عليه وسلم قال: ((لعن الله الواشمة والمستوشمة، والنامصة والمتنمصة، والواشرة والمستوشرة)) ، وفي رواية بالجمع المغيرات لخلق الله كما سيأتي قريباً بحول الله. وبعد تحليل طويل لجميع التأويلات المفسرة لخلق الله قال بالحرف:
وأولى الأقوال بالصواب في تأويل ذلك: قول من قال: معناه ولأمرنهم فليغيرن خلق الله، قال: دين الله، وذلك لدلالة الآية الأخرى. على أن ذلك معناه، وهي قوله: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} . وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك فعل كل ما نهى الله عنه، من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهي عن وشمه ووشره، وغير ذلك من المعاصي، ودخل فيه ترك كل ما أمر الله بتركه لأن الشيطان لا شك أنه يدعو إلى جميع معاصي الله، وينهى عن جميع طاعته، فذلك معنى أمره نصيبه المفروض من عباد الله، بتغيير ما خلق الله من دينه (2)
__________
(1) في معاجم اللغة الخصا الثلاثية، وفي كتب المحدثين والرواة الإخصاء ثلاثياً ورباعياً (من تفسير الطبري: 5/282) .
(2) الطبري: 5/286، في تفسيره للآية المذكورة.(6/1647)
ومن مختلف الأقاويل التي أوردها يعلم أن كل تغيير يحذف شيئاً من الجسم، ويضيف إليه شيئاً آخر هو تغيير لخلق الله، وإذا حصل التغيير في الشعر والأظافر والأسنان، فما بالك بجهاز حساس، من مواضع المقاتل، ومن خلايا تكوين الإنسان. وبصرف النظر عن الخطر والتهلكة التي يسببها والمحرمة بحكم قول الله عر وجل: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} .
فإنه حرام من جهتين:
أولاهما: تبديل خلق الله في المرأة التي استؤصل رحمها، وتسببها في العقم بصفة عمدية، وجعل حد لإمكانية الإنجاب بصفة أبدية.. وهذا حرام، وسبق للمجمع الفقهي أن أصدر قراراً يحرم التسبب في العقم الأبدي والذي ليس هو تنظيم النسل. فصاحبة الرحم الصالح للإنجاب وتلفي المني، ارتكبت محرمات، منها:
ا - تبديل خلقة جسمها نقصاً بنقل أحد الأجهزة المهمة منه.
2 - عرضت نفسها للعقم الأبدي باختيار وعمد وتصميم فهي مغيرة خلق الله، وتابعة للشيطان بحكم قول الله عز وجل: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} [الآية 119 من سورة النساء] .
وقد قال الإمام الطبري كما مر أنه يحرم تغيير الأجسام بأية طريقة وقع التغيير، ولأي سبب من غير الحدود. وقد ارتكبت محرماً ثالثاً بتعريض نفسها للهلاك بصفة محتملة جداً، إذ الطب ما زال يحكم بصعوبة هذا النوع من العمليات، التي تعيش مراحلها الأولى، مما يصعب التحكم في نتائجها، على الباذلة، وعلى المتلقية وأقل درجات مضارها، بأن تعد نوعاً من الإخصاء، وذلك أمر مجمع على تحريمه بالنسبة للإنسان، خصوصاً وأن جميع أصحاب التفاسير رجحوا بأن من بين تغيير خلق الله الخصاء، والحديث صريح في قوله المغيرات خلق الله، والتغيير يأتي من قبيل الزياده والنقص على حد سواء.
وهذا العمل محاولة استدراك الإنسان على فعل الله في عباده، وهو أمر مستحيل، إضافة إلى ما يمكن أن ينتج عن الاستئصال من واحدة والزرع في الأخرى من مشاكل اجتماعية كثيرة، ومن بينها اختلاط الأنساب في بعض الحالات، وما يصاحبه من الأزمات النفسية التي تصاحب صاحبة الرحم المزال هي وأهلها وزوجها، علما بأن المتلقية لن تكون أكثر ارتياحاً.(6/1648)
وأيضاً فلا يمكن أن يحسب هذا العمل إلا من باب الاستخفاف بحرمة أوامر الله الذي كرم الإنسان وحرم النيل من عرضه أو جسمه، وأيضاً إلا يحق لنا أن نتساءل عن إمكانية إيجاد الملاءمة بين عملية استئصال الرحم أو بعض الغدد التناسلية منه، وبين إجراء عملية للعقم المتعمد؟
إن هذا النوع من العمليات لا ينسجم وتقسيم الله العادل في الأرحام، وإذا كان بدون شك مظهراً من مظاهر التقدم العلمي، فإنه سيجر إلى مشاكل بشرية من المصلحة التخلي عنها سداً للذرائع، وما يمكن أن تجر إليه من انتهاك تغيير خلق الله في البشرية. لقد اعتبر الطبري كل التغييرات التي تجري على جسم الإنسان حراماً ولا تجوز، إلا في الحدود المحدودة شرعاً، ورأى أن كل عمل يمس الأجسام من غير ذلك يعتبر كبيرة، واستند في ذلك على الأحاديث الكثيرة، التي وردت بصيغة لعنة المغيرات خلق الله، وإذا جرى خلاف في علة تلك اللعنة، هل هي لعلة التدليس، أم الغش أم الزور، فإن الإجماع حاصل بلعنة من فعلت ذلك.
ونص الحديث بالعموم الذي ورد عليه لا يترك مجإلا للشك في أن كل عمل حقير أو جليل استهدف تغيير خلق الله في الآدمي استوجب فاعله لعنة الله بحكم دعاء سيد الوجود محمد صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري ومسلم: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة، والواشرة والمستوشرة)) ، واللفظ لمسلم. ووصل المرأة شعرها هو أن ينضاف إليه شيء آخر يكثر به، والواصلة هي التي تفعل ذلك، والمستوصلة هي التي تستدعي من يفعل ذلك بها.
والمزروع فيها الرحم لا شك أنها داخلة في لعنة الواصلة، فقد غيرت خلق الله بنزع خلية في جسمها، واستبدالها بأخرى من غيره، ثم هي واصلة لأنها ضمت جسما غريبا عن جسمها إليه، والوصل في اللغة ضم شيء إلى شيء، وتغيير الخلق لا يعني ما ظهر من الجسم فقط، بل إنما يعني ما قاله الطبري بأنه كل عمل نتج عنه تغيير خلق الله أصبح فاعله تابعاً للشيطان ضالا بحكم الآية الكريمة.(6/1649)
ولمزيد من الإيضاح نعرف بالوصل في اللغة والتغيير ليسهل تتبع الأصول، والقواعد في شأنهما.
قال الفيروزابادي في القاموس: (وصل) الشيء بالشيء وصلاً وصلة - بالكسر والضم - ووصله لامة، ووصلك الله - بالكسر - لغة والشيء وإليه وصولاً ووصلة وصلة بلغه وانتهى إليه وأوصله واتصل لم ينقطع والواصلة المرأة تصل شعرها بشعر غيرها والمستوصلة الطالبة بذلك ووصلة وصلاً وصلة وواصلة مواصلة ووصإلا كلاهما يكون في عفاف الحب ودعارته، والوصلة بالضم الاتصال وكل ما اتصل بشيء فما بينهما وصلة) .
وفي البخاري: عن إبراهيم، عن علقمة بن قيس، عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: "لعن الله النساء الواصلات والموصلات، والواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات المغيرات خلق الله تعالى "، فأتته أم حبيب، وكانت تقرأ القرآن فقالت: ما هذا الذي بلغني عنك؟ فقال: ما لي لا ألعن من لعن الله في كتابه، فقالت: لقد مررت على ما بين اللوحين فلم أجد ما قلت، فقال: إن كنت مررت عليه فقد وجدته، أما قرأت قول الله عز وجل: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} الآية، فاقتنعت (1)
__________
(1) لقد سقت ملخص القصة ولم أتقيد بالعبارات.(6/1650)
وقال البخاري بالحرف: "عن عائشة أن جارية تزوجت فمرضت وتساقط شعرها، فأرادوا أن يصلوا شعرها بشعر آخر، فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فقال: ((لعن الله الواصلةوالمستوصلة)) .
قال القسطلاني في إرشاد الساري، وتابع المحاملي هذه الرواية، فقال في أماليه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، وساق نفس الرواية وأوردها بسند آخر عن فضيل بن سليمان، حدثنا منصور بن عبد الرحمن، حدثتني أمي صفية عن أسماء بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما أن ((امرأة جاءت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إني أنكحت ابنتي ثم أصابها شكوى فتمزق شعرها وزوجها يستحثني بها أفأصل رأسها؟ فسب رسول صلى الله عليه وسلم الواصلة والمستوصلة)) وفيه أن معاوية سماه الزور، ثم قال: وسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم وصل الشعر زوراً لأنه كذب وتغيير لخلق الله تعالى، والأحاديث صريحة في الوصل مطلقاً وهو الظاهر المختار.
قال القسطلاني أيضاً وقد فصله أصحابنا فقالوا: إن وصلت بشعر الآدمي فهو حرام بلا خلاف، لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته (1)
ولما وصل لتغيير خلق الله قال: " المغيرات خلق الله " وحكى قصة ابن مسعود المتقدمة، ثم قال: "وسبب لعن المذكورات أن فعلهن تغيير لخلق الله وتزوير وتدليس وخداع، ولو رخص فيه لاتخذه الناس وسيلة إلى أنواع الفساد، ولعله قد يدخل في معناه صنعة الكيمياء، فإن من تعاطاها يروم أن يلحق الصنعة بالأجسام والخلقة فهو خطر عظيم يجر كثيراً من المفاسد (2)
وقال النووي على شرح مسلم ما ملخصه بحرمة تغيير الخلق، وساق قصة الأنصارية التي أرادت أن توصل شعر ابنتها، مع استحسان الزوج لذلك، فأجابها النبي عليه صلاة الله وسلامه بلعنة من تفعل ذلك، ومضى في شرح الوصل المتقدم إلى أن قال: " لأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه لكرامته، بل يدفن شعره وظفره وسائر أجزاء جسمه" (3)
وفي الأبي على شرح صحيح مسلم أيضاً بعد أن ساق لفظ حديث الوصل المتفق عليه في جميع كتب الحديث، قال: لا يجوز للمرأة أن تغير شيئاً من خلقها، بزيادة فيه أو نقص منه قصد التزوج أو غيره " (4)
وعندما ساق الترمذي الحديث في صحيحه تحت باب ما جاء في مواصلة الشعر، قال الأحوذي ما نصه: ((عن عمر، لعن الله الواصلة والمستوصلة، والواشمة والمستوشمة ... )) : الحديث.
قال ابن العربي: "هذا الحديث صحيح ثابت من طرق في كل كتاب شرط الصحيح أو لم يشترطه، وذلك حرام بإجماع الأمة " (5) يعني الوصل، وساق رواية ابن مسعود عن المرأة التي قالت له: سمعت عنك رواية ... وقد تقدم تفصيل ذلك. ومضى في هذا السياق إلى أن قال: " إن الله سبحانه وتعالى خلق الصور فأحسنها في ترتيب الهيأة الأصلية ثم فاوت في الجمال بينها، فجعلها مراتب، فمن أراد أن يغير خلق الله فيها، ويبطل حكمته بها فهو ملعون، لأنه أتى ممنوعاً ".
وقد أورد الإمام أحمد في مسنده هذا الحديث بروايتين عن عائشة وبأخرى عن أسماء بنت أبي بكر، ولكنه لم يذكر: المغيرات خلق الله (6)
__________
(1) إرشاد الساري: 8/ 323.
(2) إرشاد الساري: 8/ ص 480، ونفس القول قاله أبو الوليد الباجي في شرحه للموطأ.
(3) النووي شرح مسلم بهامش إرشاد الساري: 8/433.
(4) الأبي شرح صحيح مسلم: 5/407.
(5) حاشية الأحوذي على صحيح الترمذي: 7/263.
(6) مسند الإمام أحمد: 6/ 111.(6/1651)
المبحث الثاني
الإخصاء
أورد الطبري في تفسيره، والقرطبي، وابن العربي؟ وكذلك شراح الحديث كشرح ابن حجر للبخاري المسمى فتح الباري، وشرح القسطلاني المسمى إرشاد الساري، وحاشية الأحوذي على صحيح الإمام الترمذي، كلهم قالوا بأن من بين معاني الآية الكريمة: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} الآية المتقدمة، هو: الخصاء، وعزاه ابن العربي لابن عباس.
وبعد أن استعرض الإمام الطبري كثيراً من التفاسير بالمأثور للآية الكريمة المتقدم ذكرها آية تغيير الخلق، قال: "وإذا كان ذلك معناه دخل في ذلك كل ما نهى الله عنه من خصاء ما لا يجوز خصاؤه، ووشم ما نهى عن وشمه، ووشره وغير ذلك من المعاصي " (1)
إلى أن قال: (وبعضهم وجد معنى هذا إلى الخصاء والوشم دون غيرهما، وإنما فعل ذلك أن معناه عنده كل ما يتعلق بتغيير الأجسام) .
قال القرطبي في تفسيره الجامع لأحكام القرآن بنفس الأقوال التي ساقها الطبري في تأويله لمعنى الآية الكريمة، وبين أن التغيير كل عمل يجعل هيأة الجسم على غير الحالة التي خلقه الله عليها، وحكم بأن من يفعل ذلك، قد عرض نفسه للعنة الله.
وعند تفسيره لقول الله عز وجل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} [الآية 30 من سورة الروم] .
قال القرطبي: "يعني أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلقة سليما من الآفات، فلو ترك على أصل تلك الخلقة لبقي كاملاً بريئاً من العيوب، لكن يتصرف فيه فيجدع أذنه ويوسم وجهه فتطراً عليه الآفات والنقائص فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان وهو
تشبيه واقع ووجه صحيح وواضح " (2)
__________
(1) الإمام الطبري في الصفحات المتقدم ذكرها.
(2) القرطبي: 14/ 29، تفسير الآية 30 من سورة الروم.(6/1652)
وقد أورد في تفسيره لهذه الآية نفس الكلام الذي قاله في تفسيره للآية 119 من سورة النساء، وخصوصاً ما أورده تحت النقطة الخامسة، حيث قال:
" الخامسة: وأما الخصاء في الآدمي فمصيبة، فإنه إذا خصي بطل قلبه وقوته عكس المحيوان، وانقطع نسله، وخالف قول النبي عليه الصلاة والسلام: ((تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم يوم القيامة)) ، وفي رواية: ((فإني مكاثر بكم الأمم)) . ثم إن فيه أمراضاً كثيرة، وألماً وخطراً ربما يفضي بصاحبه إلى الهلاك، فيكون فيه تضييع مال وإذهاب نفس وكل ذلك منهي عنه، ثم هذه مثلة وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن المثلة وهو صحيح، وقد كره جماعة من فقهاء الحجازيين والكوفيين شراء الخصي من الصقالبة وغيرهم، وقالوا: لو لم يشتروا منهم لم يخصوا، ولم يختلفوا أن إخصاء ابن آدم لا يحل ولا يجوز لأنه مثلة وتغيير لخلق الله تعالى وكذلك قطع سائر أعضائه في غير حد ولا قود. قاله أبو عمر ".
وأقل درجات استئصال خلية جهاز الولادة من امرأة وزرعها لأخرى أن يكون إخصاء للمزال منها، وتغييراً ووصلاً عند المزروع فيها، إضافة إلى اختلاط الأنساب التي يؤدي إليها في بعض الحالات حسب الدراسات التي أتحفنا بها الأساتذة الأطباء، جزاهم الله عن الإسلام والعلم خيراً.(6/1653)
الخاتمة
قال الباجي في المنتقى على الموطأ: "عن مالك، عن نافع، عن عبد الله بن عمر أنه كان يكره الإخصاء ويقول فيه المس بتمام الخلقة، ولعله قال أبو الوليد كان يعنى من البهائم ما لم تكن فيه منفعة وحرم مالك إخصاء الآدمي بأية طريقة لما فيه من انقطاع النسل، وكره شراء الخصي من الصقالبة، وقال: إذا لم يشر من عندهم فلن ينزلوا به تلك العملية، وروى الباجي أيضاً أن عبد الله بن عباس فسر قول الله: {فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، فقال: هو الإخصاء. وقال أنس بن مالك وعبد الله بن مسعود: هو الوشم. وقال مجاهد والنخعي: فليغيرن خلق الله دين الله " (1)
وفي المنتقى أيضاً حديث المغيرات خلق الله.
وفي الأبي أن المرأة التي كانت ستوصل شعر ابنتها كان ذلك بعلم زوجها، وقد منعت منه، مما يحرم زرع الرحم حتى ولو رضي الزوج، لأن اللعنة واضحة والحرمة صريحة، فلم توقف على شرط ولم يرد فيها استثناء، خصوصاً وأن الأمر تعلق بتبيين الحكم من رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا مجال بعد قوله المغيرات خلق الله، لأي تبرير يبيح إجراء تعديلات على جسم المرأة.
وهنا كلاهما غيرت خلق الله، فصاحبة الرحم المزال غيرت خلق الله بنقص جسمها وإزالة أهم أجهزة أنوثتها منه.
والمتلقية واصلة، وصلت جزءاً من جسمها بجهاز غريب عليه، ستظل مؤثراته النفسية والصحية تصاحبها حتى الموت.
وفي المنتقى أيضاً أن من تعاطى الكيمياء يريد تغيير الخلقة، فقد ارتكب مفسدة عظيمة (2) إن تعبيره بتغيير الخلقة كان متقدماً على زمانه.
والحال أن تقدم الطب اليوم أصبح قادراً على تغيير الكثير وإجراء تعديلات جوهرية على جسم الإنسان، حتى أصبحنا نسمع من حين لآخر بأن الرجل يحاول التخلي عن ذكوريته، ليصبح أنثى، وهي تفعل مثل ذلك أيضاً.
__________
(1) المنتقى للإمام الباجي: 7/268.
(2) المنتقى للإمام الباجي: ص 480.(6/1654)
وإذا فتح المسلمون الباب لمثل هذا النوع من العمليات الحساسة في تغيير الخلقة، وأعني نقل الغدد التناسلية، فما عليهم إلا أن يستعدوا لتفشي كثير من هذه العمليات التي تغير خلق الله.
فعندما قال الله: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ} ، منح البشر إمكانية مباشرة ذلك، فلم ينف إمكانية وصول العلم إلى تغيير الخلق، ولكنه جعل فعله مما يقود إليه الشيطان، ويستوجب صاحبه لعنة الله.
وإذا كنا لا نجاري أبا الوليد في موقفه من التجارب الكيميائية، فإننا نقول برأيه فيما يرجع للإقدام على التجارب العلمية لمحاولة تغيير خلق الله في الإنسان.
وبالتالي فلا نستطيع أن نقيس زرع الغدد التناسلية أو الجهاز التناسلي على غيره من عمليات زرع الأطراف الجسمية الأخرى، أو غيرها من سائر الأعضاء المكونة لجسم الإنسان.
لأن لعنة الرسول صلى الله عليه وسلم أتى اللفظ فيها عاماً حين قال: الواصلة، والمستوصلة.. إلى قوله: المغيرات خلق الله، في كثير من الروايات.
فأية امرأة أقدمت على ذلك حتى ولو كان بإذن الزوج تعتبر واصلة، ومغيرة لخلقة الله تعالى، فالشعر الذي كان سيوصل به إذا كنا نجهل عنه كل شيء حسب اطلاعي المتواضع فإنه لا يعدو أن يكون جزءاً من إنسان أريد تركيبه لإنسان آخر، ومن ثم يسهل القول بأن الوصل على هذا الشكل يمكن أن يقاس على وصل الشعر لتشابه العلة من حيث إيصال جزء غريب على الإنسان بجسمه، ومن حيث ما فيه من صور تغير الخلق.
هذا من جهة، ومن جهة ثانية فإننا لا نعارض الفتاوى الصادرة من دور الإفتاء، سواء بمصر أو السعودية أو المجمع الفقهي، في المواقف التي صدرت منهم في شأن زرع بعض الأعضاء مثل القلب والكلية، ولسنا ضد عمليات الطب في هذا المضمار، لأنه حقيقة تقدم علمي مشرف للإنسانية، وإنقاذ روح بشرية من الموت، والله قال: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} .(6/1655)
إلا أن التبريرات التي يمكن أن تعطى لذلك لا بد أن "تلف في نظرنا من حالة إلى أخرى، ومن عضو إلى عضو.. فالمتبرع بكليته مثلاً، أو يده، أو عينه، أو أذنه، أو أحد الأعضاء المزدوجة في الجسم البشري؟ إنما يعتبر قدم به عملاً إنسانياً وحسنة خالدة، وجهداً مشكوراً، لأنه أعطى ما ينفع غيره، وينقذه، ولا يعرض حياته للخطر، أو صحته لعاهة مستديمة؟ إذ يستطيع الحياة والعمل بالطرف الذي بقي عنده، ويصبح المتلقي متمتعاً بجزء مهم من حياته، وإمكانية الاستفادة الدائمة من العضو المزروع، وهذا خير وعمل صالح وإنقاذ نفس.
لقد كان المجمع الفقهي حذراً في فتواه الصادرة في عام 1408 هـ عندما أجاز زرع الأعضاء لذات الشخص التي انفصلت عنه، وأجاز نفس الزرع إن تبرع شخص بعضو منه، إذا كان هذا الشخص كامل الأهلية، ولا يضره العضو المبتور ليزرع في الشخص المتلقي، إلى بقية الشروط المتعلقة بزرع الأعضاء من ميت إذا كان قد تبرع بها في حياته، أو أذن أهله، أو ولي الأمر بالنسبة لمجهولي الهوية.
وقولي بأن المجمع كان حذراً، قصدت به نص القرار على عدم مضرة صاحب العضو المزال إذ اشترط عدم المضرة.
إن الله تبارك وتعالى شجع على إنقاذ الإنسان من أي خطر يهدد حياته وأمنه، فقال الله عز وجل: {وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} .
وإن إدخال البهجة والسرور على العقيم من الجنسين بصفة مشروعة خدمة لا يمكن أن تقدر بثمن، أجر لا يعدله أجر.
إلا أن أي عمل يفضي إلى ذلك يجب أن ينسجم مع الأوامر الصريحة للكتاب والسنة، وعدم تناقضه مع غاية المشرع الإسلامي في بعض الحالات، التي تعرضت إليها النصوص بصفة مجملة لغاية استخدام العقل البشري مدعما بزاد العلم والفهم، ليستخلص منها أحكام الشارع، حسب كل زمان ومكان، لتبقى شريعة الله هي النظام ولتدوم نظم الإسلام تلبي حاجات الإنسان مهما بلغ من التطور إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، فلم يفرط الله في كتابه من شيء: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .(6/1656)
إن نقل الجهاز التناسلي من امرأة إلى أخرى لم تحصل لحد الآن في شأنه نتائج تقنية مشجعة لأولئك الذين لا تهمهم الناحية الشرعية، ولذا فيجب في نظري إصدار فتوى إسلامية بتحريمه على كل مسلم يؤمن بالله وبرسوله للأسباب المبينة وللمضار التي تنجم عنه ففي الحالات التي يتم نقل الأنسجة التي لا تؤدي إلى أية صفات وراثية، فإنها تؤدي إلى التهلكة سواء فيما يرجع لمضاعفات الأدوية في المرأة والجنين أو فيما يرجع لصعوبة العملية، وقلة من يستطيع القيام بها، وهذه حالات تستوجب التروي في الحكم.
إضافة إلى أنها لا تحل مشكلة الأسرة التي حاولت الإنجاب عن طريقها، إذ العقم سينتقل، إما إلى الأم، أو إلى الأخت. وإذا كانت النتائج الطبية التي أتحفنا بها الأساتذة الباحثون علماء الطب أفادت بأن نقل الأنبوبة لا يؤدي إلى نقل الصفات الوراثية، وبالتالي لا يؤدي إلى اختلاط الأنساب، فإن النتائج الصحية، وما يسببه من عقم للمرأة المزال منها، كل ذلك ناتج عن عملية تشبه الإخصاء بالنسبة للرجل فيحرم تعاطيه، في نظرنا المتواضع، على كل مسلم بسبب هذه المبررات.
والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين(6/1657)
زراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسلية
للمرأة والرجل
إعداد
سعادة الدكتورة صديقة علي العوضي
وسعادة الدكتور كمال محمد نجيب
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
يعتبر علم زراعة الأعضاء ثمرة من ثمار التقدم العلمي الحديث، والذي يهدف إلى مساعدة البشرية في التغلب على آلام الإنسان وتعويضه عما يصيب بعض أعضائه من أمراض قد تؤدي إلى إعاقتها وعدم القيام بوظائفها على خير وجه كما أراد لها الله سبحانه وتعالى.
والمتتبع للتقدم الهائل الذي أحرز في مجال زراعة الأعضاء، يجد أن القائمين عليه قد تطرقوا إلى الأعضاء الحيوية الهامة لحياة الإنسان، مثل القلب والكلى والكبد ... والتي إذا ما أصابها تلف شديد يمنعها من القيام بوظائفها، فإن ذلك يعرض حياة الإنسان إلى خطر قد يؤدي إلى وفاته.
ولما كان الإنسان ذا تطلعات كبيرة لذا نجد أنه كلما نجح في نقل عضو يبدأ في دراسة إمكانية نجاح زراعة عضو جديد، إرضاءً لغروره. لذا بدأ العلماء في محاولات لزراعة الأعضاء التناسلية والغدد التناسلية في الرجل والمرأة. وإصابة إحدى هذه الأعضاء بالمرض أو التلف لا يهدد حياة الإنسان بخطر الموت ولكن مرضها قد يؤدي إلى حرمان هذا الإنسان من نعمة من نعم الله سبحانه وتعالى التي لا تعد ولا تحصى.
والجدير بالذكر أن إصابة الأعضاء أو الغدد التناسلية بالتلف يؤدي إلى عقم للرجل أو المرأة فإذا كان التلف قد شمل الأعضاء التناسلية فقط، فإن ذلك قد يؤدي إلى عقم ثانوي، أما إذا أصاب التلف الغدد التناسلية (المبيضين أو الخصيتين) فإن ذلك يؤدي إلى عقم أولي للرجل أو المرأة.
ولقد حاول الطب علاج العقم الثانوي للرجل والمرأة بطرق عدة منها الطرق الجراحية، ونجح في كثير من الحالات ولكنه فشل في حالات كثيرة أيضاً، أما العقم الأولي فإن الطب حتى الآن لم يجد أي بديل له حتى الآن، رغم التقدم الهائل في مجالات الطب المختلفة، بما فيها الهندسة الوراثية. لذا تخيل بعض المهتمين بزراعة الأعضاء أن حل هذه المشكلة هو تغيير الأعضاء التالفة واستبدالها بأعضاء صالحة للعمل مثل تغيير قطع الغيار في السيارات والأجهزة والآلات التي نستعملها في حياتنا اليومية.(6/1658)
ورغم أن موقف الشرع كان واضحاً ومحدداً منذ البداية في إباحة زراعة ونقل الأعضاء الحيوية من شخص إلى آخر شريطة أن تكون حياة الشخص المنقولة له في خطر ولا يصاب الشخص المنقول منه بأي ضرر من جراء ذلك، إلا أن بعض العلماء قد تناسوا هذه الحقيقة وأصبحوا ينشدون النجاح والمجد في المجالات التي لم تطرق بعد وفكروا في أشياء يمكن للإنسان أن يعيش محروماً منها لحكمة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، فهو موزع الأرزاق والنعم، وخير مثال لذلك هو محاولة زراعة الأعضاء التناسلية ونقل الأعضاء التناسلية، الذي قد يثير المناقشات والجدال متأرجحاً بين مؤيد ومعارض مما يؤدي في النهاية إلى رفضه أو إباحته من الناحية الشرعية.
ولكن أن يتطرق موضوع زراعة الأعضاء إلى نقل الغدد التناسلية التالفة والتي تؤدي إلى عقم أولي عند الرجال والنساء، فهذا يحتم علينا أن نقف له بحزم وأن نقوم بشرح العواقب التي سوف تنتج من إباحته.
فالغدد التناسلية ليست مثل باقي الأعضاء يمكن نزع التالف منها واستبداله بآخر سليم، بل إنها بما تحمله من الخلايا الأولية للبويضات والحيوانات المنوية فإنها تقوم بنقل الصفات الوراثية من الأباء إلى الأبناء وأن أي محاولة لنقل هذه الأعضاء بين الرجال والنساء سوف يؤدي حتما إلى خلط الأنساب هذا الخطر الذي يحاربه الإسلام ويمنع حدوثه منذ بعث الرسالة المحمدية وإلى وقتنا هذا.
والقارىء للقرآن الكريم والمتمعن للمعاني السامية التي نستشفها من هذا الدستور الكريم، يجد أنه قد صدر القرار الإلهي من المشيئة العليا لله سبحانه وتعالى على بعض الرجال والنساء بالإصابة بالعقم، وهذا القرار قد صدر قبل تخليق الجنين الأنثى والجنين الذكر لحكمة لا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى، كما جاء في الآيات الكريمة من [سورة الشورى: الآيتان 49، 50] : {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} ، (صدق اللة العظيم) .
بل إن القرآن الكريم يخبرنا أن إصلاح هذا التلف في حالات العقم الأولي يحتاج إلى معجزة إلهية من الله سبحانه وتعالى، الذي إذا قال لشيء كن فيكون، ولا بديل لغير المعجزة الإلهية لعلاج ذلك، ومثال ذلك ما أخبرنا به القرآن الكريم في سورة الأنبياء: [الآيتان 89، 90] : {وزَكَرِيَّا إذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وأَنتَ خَيْرُ الوَارِثِينَ (89) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ ووَهَبْنَا لَهُ يَحْيَى وأَصْلَحْنَا لَهُ زَوْجَهُ إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونُ فِي الخَيْرَاتِ ويَدْعُونَنَا رَغَباً ورَهَباً وكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ} ، (صدق الله العظيم) .
ومهما كانت الإمكانيات والتجهيزات التي يقدمها الطب الحديث لهؤلاء الرجال والنساء، فلن يتاح لهم الإنجاب من صلبهم. بل يمكن القول بأن نجاح نقل الغدد التناسلية ما هو إلا صورة من صور الإخصاب لبويضة من حيوان منوي ليس من الزوج أو إخصاب حيوان منوي من الزوج لبويضة ليست لزوجته لإيهام هؤلاء المرضى المساكين نفسياً بإحساس كاذب بأن الذرية الناتجة منهم هي من صلبهم، ولا دور لطرف ثالث في ذلك، ولكن هذا كذب وافتراء.(6/1659)
نبذة وراثية
تنتقل الصفات الوراثية من الآباء إلى الأبناء أو الأحفاد عن طريق الصبغيات وما تحمله من المورثات والموجودة في نواة كل خلية في جسم الإنسان.
وتقدر عدد الصبغيات الموجودة في نواة الخلية (46) صبغاً، نصفها (23) من الأب وتحمل صفاته الوراثية، والنصف الآخر من الأم وتحمل صفاتها الوراثية، ليكون الجنين الناتج منهما عبارة عن مزيج من الصفات الوراثية التي اكتسبها الطفل من أبيه وأمه.
عند تكوين الحيوانات المنوية والبويضات من الخلايا الأولية منهما، نجد أن النواة تحتوي على (46 صبغاً) في البداية، ثم يختزل هذا العدد إلى النصف فقط (23 صبغاً) في كل من الحيوان المنوي الناضج والبويضة الناضجة، حتى إذا ما لقح هذا الحيوان المنوي تلك البويضة يصبح عدد الصبغيات مرة أخرى (46 صبغاً) كما هو موجود في خلايا الأب والأم.
ويوجد على كل صبغ عدد من المورثات يختلف باختلاف الصبغ ... هذه المورثات تتحكم في الصفات الوراثية، طبعية كانت أم مرضية، والتي سوف تنتقل من الآباء إلى الأبناء.
يبدأ الحمل في الإنسان بتلقيح بويضة بحيوان منوي فإذا كان الحيوان المنوي يحمل الصبغ السيني فإن الجنين الناتج من هذا التلقيح يكون أنثى، أما إذا كان يحمل الصبغ الصادي فإن الجنين يكون ذكرا.
من هذا يتضح أن تخليق الإنسان يبدأ بخلية واحدة وهي البويضة المخصبة والتي قد التحمت فيها نواة الحيوان المنوي مع نواة البويضة ونتجت منها نواة تحمل الشفرة الإلهية التي قدرها الله سبحانه وتعالى لهذا الجنين، والتي تستمد صفاتها الوراثية من الأب عن طريق الحيوان المنوي ومن الأم عن طريق البويضة.(6/1660)
أولاً: زراعة الغدد التناسلية عند المرأة
نظرة تشريحية:
يتكون الجهاز التناسلي للمرأة من قسمين:
ا - الجهاز التناسلي الداخلي.
2 - الجهاز التناسلي الخارجي.
يتكون الجهاز التناسلي الداخلي من مبيضين: أحدهما على اليمين، والآخر على اليسار من قناة فالوب (القناة الرحمية) والرحم والمهبل.
المبيضان:
هما مبيضان متصلان بالرحم بواسطة وتر سميك على ناحية اليمين واليسار، وهما عبارة عن أكياس تحتوي على عدد محدد من البويضات عند الولادة أي عدد البويضات داخل المبيض تكون قد تم تكوينها قبل ولادة الأنثى من بطن أمها. ويصل عدد البويضات في المبايض إلى حوالي (2 مليون) بويضة عند الولالة، وتبدأ في التناقص لتصل إلى (400 ألف بويضة) عند البلوغ، ثم يتناقص إلى (400 بويضة) قابلة للإخصاب. ويرجع السبب في هذا النقصان إلى مراحل النضج المتعددة التي تمر بها البويضة ابتداء من الخلية الأولية للبويضة حتى مرحلة البويضة الناضجة قبل خروجها من المبيض، وذلك تحت تأثير هرمونات التناسل بشكل زيادة ونقصان لهذه الهرمونات. وبالنظر إلى تكوين الجنين معتمداً على المعلومات والحقائق التي يمدنا بها علم الأجنة، نجد أن المبيض يبدأ تكوينه في الأنثى عند الأسبوع (8 - 12) للجنين الأنثى وهي في بطن أمها، ويتكون من الحمل الناتج من إخصاب حيوان منوي يحتوي على الصبغ السيني مع البويضة تحتوي أيضاً على الصبغ السيني، ثم تبدأ بعد ذلك عملية تخليق باقي الجهاز التناسلي للمرأة.(6/1661)
بعد ولادة الطفلة الأنثى تبدأ البويضة داخل المبيض مراحل النضج لتكوين البويضة الناضجة الصالحة للإخصاب في الفترة ما بين الولادة وبلوغ الأنثى سن البلوغ. ثم تبدأ هذه البويضات الناضجة بالنزول شهرياً من المبيض، فإذا ما لقحت يحدث الإخصاب والحمل ... أما إذا لم تلقح يحدث ما نسميه بالطمث الشهري نتيجة للتغيرات الهرمونية.
ومن هنا يتضح أن عدد البويضات التي قدرها الله في أن تكون داخل مبيض كل أنثى يكون قد تم تحديده قبل ولادة الأنثى من بطن أمها. فإذا ما قمنا بفحص هذه البويضات نجد أنها تحتوي على نواة. هذه النواة إذا ما قمنا بدراستها دراسة سيتولوجية نجد أنها تحتوي على عدد (23 صبغاً) وهي نصف عدد الصبغيات الموجودة في أي خلية من خلايا الأم والأب الجسدية.
هذه الصبغيات تحمل العوامل الوراثية (المورثات) التي ورثتها الطفلة من الأم أو الأب، سواء كانت هذه الصفات طبيعية أم مرضية.
من هنا يتضح لنا أن المبيض يحتوي على بويضات تحمل الشفرة الإلهية التي حددها واختارها الله لهذه الطفلة، والذي تم تحديده قبل ولادة الطفلة من بطن أمها، والمستمدة من الصفات الوراثية للأم والأب. فإذا ما قمنا ونقلنا هذا العضو (المبيض) من أنثى إلى أنثى أخرى فإننا بهذا قد نقلنا المبيض بما يحتويه من بويضات تحمل الصفات الوراثية التي ورثتها الأنثى المنقول منها المبيض من والديها إلى أنثى أخرى، والتي تم نقل المبيض لها. وبالتالي، فإن الأنثى المنقول لها المبيض تقوم بتوريث أي صفة من صفاتها الوراثية إلى الجنين الناتج منها بعد ذلك، وكأننا بهذا قد قمنا وبطريقة غير مباشرة بنقل بويضة من امرأة إلى أخرى، أي استعمال بويضة من غير الزوجة وإخصابها من الزوج، هذا النقل سوف يؤدي حتما إلى خلط الأنساب في المستقبل.
فمثلاً، إذا ما نقلنا المبيض من أنثى إلى شقيقتها ونحن نعلم أن فرصة نجاح زراعة الأعضاء من الأقرباء تكون كبيرة، إذ ما نقلنا هذا المبيض من الأخت إلى شقيقتها فإن الأبناء الناتجين من هذه الشقيقة سوف يكونون من الناحية الوراثية أولاداً لأخت المنقول منها المبيض، لأنهم يحملون الشفرة الوراثية لهذه الأخت ولا يحملون أي صفة وراثية للأم المنقول لها المبيض. بل إنه لا يبالغ في ذلك أنه قد يحدث أن ينقل مبيض من الأم إلى ابنتها، وبالتالي تكون الذرية الناتجة من الأنثى المنقول لها المبيض هم في الحقيقة إخواتها وأخواتها غير الأشقاء من الناحية الوراثية.
ومن هنا يتضح لنا أن نقل المبيض من امرأة إلى أخرى سوف يساعد بطريق مباشر في خلط الأنساب.(6/1662)
ثانياً: التركيب التشريحي للجهاز التناسلي للذكر
يتكون الجهاز التناسلي للذكر من: خصيتين - البربخ - القناة الأسهرية - الحويصلة المنوية - البروستاتا والقضيب. ويهمنا هنا في هذا المقام الخصية.
قبل ولادة الطفل الذكر تكون الخصية داخل التجويف البطني وتنزل إلى خارج البطن (داخل الكيس) عند الولادة. وعند تخليق الجنين الذكر من إخصاب حيوان منوي يحتوي على الصبغ الصادي لبويضة تحتوي على الصبغ السيني يتحدد جنس الجنين ذكراً. ثم يبدأ نتيجة لوجود الصبغ الصادي في هذا الجنين تكون الخصية في الأسبوع السادس من الحمل، ثم تقوم هاتان الخصيتان بإفراز الهرمونات اللازمة لتكوين باقي الأعضاء الخاصة بالجهاز التناسلي للذكر.
ويبدأ عمل الخصية عند البلوغ وحتى وفاة الرجل، بخلاف الأنثى التي يحتوي المبيض الخاص بها على عدد محدد من البويضات يتناقص حتى سن اليأس، وعندما ينضب هذا يتوقف الإنتاج كاملاً.
وتتكون الخصية من قسمين رئيسين:
ا - القسم الأول - يتكون من خلايا تسمى ليدج: ووظيفة هذا الجزء هو إفراز هرمون الرجولة.
2 - القسم الثاني - يتكون من قنوات تولد المني: وهذا القسم يقوم بإفراز الحيوانات المنوية.
وهذان القسمان هما أقسام وظيفية لا نستطيع أن نراها إلا تحت المجهر، ويعتبر حجم الخصية له أهمية كبيرة فهو دلالة على بداية البلوغ.
البربخ:
يتكون البربخ من قناة واحدة كثيرة التعرج حتى تتجمع في مكان صغير، ويقسم البربخ إلى خمسة أقسام، وهي:
ا - الرأس، وهو الجزء المتصل بالخصية ثم الجسم فالذيل: وترجع أهمية هذا الجزء إلى اكتساب الحيوانات المنوية غذاءها وطاقتها التي سوف تحتاج لها في رحلتها نحو إخصاب البويضة في رحم المرأة. ويعتبر مخزناً مهما وأساساً للحيوانات المنوية، وخاصة في منطقة الذيل.
2 - القناة الأسهرية: وهي عبارة عن قناة واحدة ممتدة طويلاً ويبلغ طولها (35 سم) ، وتمتد في ذيل البربخ حتى الحويصلات المنوية خلف البروستاتة.(6/1663)
3 - الحويصلات المنوية: وهي عبارة عن مجموعة حويصلات موجودة على جانبي البروستاتا وخلف عنق المثانة، وتفرز الأغشية الداخلية لها مواد سائلة تحوي السكر وهرمون البروستاتا جلاندين.
4 - البروستاتا: وهي عبارة عن مجموعة حويصلات مكونة من عضلات ملساء وألياف متماسكة موجودة خلف عنق المثانة، ويبلغ مجموع عدد هذه الحويصلات من (50 - 60) حويصلة، وتفرز هذه الحويصلات 20 % من السائل الذي يخرج من المني.
5 - القضيب: ويتكون من نسيج انتعاضي يتجمع في ثلاثة أعمدة طولانية متصل بعضها ببعض اتصالا وثيقاً، وهي الجسمان الكهضبان اللذان يكونان القسم الظهري والقسمان الجانبيان للقضيب والجسم الإسفنجي.
تبدأ عملية تكوين الحيوانات المنوية في الخصية عند بلوغ الذكر، وتشمل عدة مراحل تمر بها الخلية الأولية التي ينشاً منها الحيوان المنوي والتي تحتوي نواتها على عدد (46 صبغاً) حتى تصل إلى تكوين الحيوان المنوي القادر على الإخصاب والذي يحتوي على (23 صبغاً) فقط.
تستغرق هذه المرحلة حوالي (74) يوماً، ويحتوي الحيوان المنوي على نواة بها عدد من الصبغيات يماثل نصف العدد الذي تحتويه أي خلية طبيعية في جسم الإنسان (عدا البويضات الناضجة والحيوان المنوي) .
هذا العدد، وهو (23 صبغاً) يحمل الصفات الوراثية التي انتقلت من والدي هذا الذكر، سواء كانت صفات طبيعية أم مرضية، والتي سوف تنتقل إلى أولاده، ثم أحفاده بعد ذلك عن طريق المورثات المحمولة على هذه الصبغيات. وحكمة اختزال عدد الصبغيات إلى النصف سواء أكان في الحيوان المنوي (23 صبغاً) أو البويضة (23 صبغاً) ، يرجع إلى أنه عند الإخصاب تصبح البويضة المخصبة لها نواة وتحتوي على (46 صبغاً) ، وهي مجموع الصبغيات الموجودة في كل من نواة الحيوان المنوي والبويضة ... نصفها من الأب والنصف الآخر من الأم، وهذا العدد يماثل العدد الطبيعي في أي خلية جسمية في الإنسان.(6/1664)
من هذا يتضح أن الخصية تقوم بدور المصنع الذي ينتج الحيوانات المنوية بواسطة تأثير الهرمونات على المواد الأولية (الخلية الأولية التي تنتج الحيوان المنوي الناضج) والموجود في الخصية، أي أن الخصية تحتوي على المواد الأولية التي ينتج منها الحيوان المنوي.
فإذا ما نقلنا الخصيتين من شخص إلى آخر فكأننا قد نقلنا المصنع بآلاته ومعداته والمواد الأولية التي يحتويها إلى الشخص الآخر، ويكون دور الشخص المنقول له الخصية لن يتعدى سوى تشغيل هذا المصنع فقط، أي أنه لن يكون له دور في نقل المورثات التي يحملها إلى أولاده، بل سوف يساعد على نقل الصبغيات الوراثية التي ورثها الشخص المنقول منه هذه الخصية إلى ذرية الشخص المنقول له الخصية، إذ نقل الخصية من شخص إلى آخر ما هو إلا شكل من أشكال إخصاب البويضة بحيوان منوي آخر غير الحيوان المنوي من الزوج (إخصاب من شخص غريب) .
ويمكن تلخيص بعض الحقائق السابقة فيما يلي:
ا - تبدأ الخصية في التخلق في الأسبوع السادس من الجنين الذكر.
2 - تبدأ الخصية في إفراز الهرمونات الذكرية منذ المراحل الأولى من الحمل، وذلك لتخلق باقي أعضاء الجهاز التناسلي للذكر.
3 - تبدأ الخصية في تكرين الحيوانات المنوية عند بلوغ الرجل سن البلوغ من الخلايا الأولية الموجودة في الخصية والتي تحمل الصفات الوراثية التي ورثتها تلك الخلايا الأولية من والدي حامل هذه الخصية.
4 - إذا ما تم نقل هذه الخصية إلى شخص آخر فإننا بذلك ننقل المصنع بآلاته ومواده الأولية وعماله إلى مكان آخر يكون دور الرجل الثاني الذي انتقلت له الخصية هو إمداد هذا المصنع بالطاقة اللازمة لتشغيله فقط.
5 - لن يكون للشخص المنقول له الخصية دور في نقل الصفات الوراثية المحمولة على الصبغيات الموجودة في النواة إلى ذريته، ولكن سوف يحل محلها الصفات الوراثية الخاصة بالرجل الذي تم نقل الخصية منه.
6 - تعتبر هذه العملية وكأننا قمنا بإخصاب بويضة زوجة الرجل المنقول له الخصية بحيوان منوي لرجل آخر (المنقولة منه الخصية) .
7 - إذا ما تم زرع الخصية بين الرجال، فإننا نساعد على خلط الأنساب.
ثالثاً: زراعة الأعضاء التناسلية
أما زراعة الأعضاء التناسلية، سواء كانت هذه الأعضاء ذكرية مثل القضيب أو أنثوية مثل الرحم والأنبوبة والمهبل، فإنه ينطبق عليها ما ينطبق على باقي أعضاء الجسم مثل القلب، والكلية، والكبد ... إلخ.
ولا فرق في ذلك من الناحية الوراثية، ويبقى موقف الشرع من ذلك. ويرجع ذلك إلى أن هذه الأعضاء لن تشارك خلاياها في تخليق الجنين، بل هي بديل لعضو مريض أو تالف يساعد نقله أو استبداله بعضو سليم على قيام العضو المستبدل بوظائفه الطبعية. أي أنه لن يشارك في نقل الصفات الوراثية، وبالتالي فإن خلط الأنساب في هذه الحالة لن يكون له وجود.
والله أعلم.
الدكتورة صديقة علي العوضي
الدكتور كمال محمد نجيب(6/1665)
وثائق
الندوة الفقهية الطبية الخامسة
المنعقدة في الكويت
في 23 – 26 ربيع الأول 1410هـ
الموافق 23 – 26 أكتوبر 1989م
البيان الختامي والتوصيات
للندوة الفقهية الطبية الخامسة
المنعقدة بالتعاون بين
مجمع الفقه الإسلامي
والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية
في 23 – 26 أكتوبر 1989 م
بالكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
بتوفيق الله وعنايته عقدت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت بالاشتراك مع مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، الندوة الفقهية الطبية الخامسة من سلسلة ندواتها حول: "الإسلام والمشكلات الطبية المعاصرة، في الفترة ما بين 23 - 26 ربيع الأول سنة 1410هـ والتى توافقها الفترة من 23 – 26 أكتوبر 1989 م، وكان عنوان الندوة: (زراعة الأعضاء) .
وخصصت هذه الندوة لمواضيع: زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي، ومدى الاستفاده من المولود اللادماغي والأجنة المجهضة، ونقل بعض الأجهزة التناسلية. وتتميز هذه الندوة بأنها تأتي ثمرة يانعة للتعاون بين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ومجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي وفقاً لميثاق التعاون الموقع منهما.
ودعي إلى الندوة حشد كريم من الفقهاء، والعلماء، والأطباء، وقدمت أبحاث طبية وفقهية في موضوعات الندوة.
وقد أقيم حفل الافتتاح بمركز الطب الإسلامي وبدىء بآيات من القرآن الكريم، ثم تحدث فيه كل من سعادة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية ووزير التخطيط ووزير الصحة العامة بالنيابة في دولة الكويت، وسماحة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، والدكتور على يوسف السيف الآمين العام للمنظمة.
وقد شكلت لجنة الصياغة من الفقهاء والأطباء (المرتبة أسماؤهم ألفبائيأ) ، وهم:
- الدكتور أحمد رجائي الجندي. مقرراً.
- الدكتور أحمد القاضي.
- الدكتور حسان حتحوت.
- الدكتور خالد المذكور. رئيساً.
- الدكتور عبد الستار أبو غدة.
- الدكتور عجيل جاسم النشمي.
- الدكتور علي يوسف السيف.
- الدكتور محمد جبر الألفي.
- الدكتور محمد سليمان الأشقر.
- الدكتور مختار المهدي.
- السيد يحيى أبو الفتوح.
وقد حظي ممثلو الندوة بمقابلة حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله.
واستمعت إلى توجيهات سموه، والتي تركزت حول ضرورة توسعة أنشطة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، وزيادة التعاون مع الجهات والمؤسسات العلمية داخل البلاد وخارجها في شتى مجالات العلوم والمعارف المختلفة حتى تأتي مطابقة للتعاليم الشاملة لديننا الإسلامي الحنيف.
كما حظيت الندوة بمقابلة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء واستمعت إلى آرائه وتوجيهاته السديدة، وقد طلب سموه أن تستمر المنظمة في نشاطاتها الإسلامية والعلمية، بما يعود بالنفع على المسلمين.(6/1666)
التوصيات
توصلت الندوة إلى التوصيات الآتية:
زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي:
عرضت الندوة لموضوع زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي (ولا يقصد من ذلك نقل مخ إنسان لإنسان آخر، والغرض من هذه الزراعة إما لعلاج قصور خلايا معينة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السوي فيستكمل هذا النقص بأن تودع في موطنها من المخ خلايا مثيلة عن مصدر آخر.. أو لعبور فجوة في الجهاز العصبي نتيجة بعض الإصابات، كما يستبدل قطعة من سلك تالف بقطعة صالحة.
- والمصدر الأول للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه.
وترى الندوة أنه ليس في ذلك من بأس شرعاً، وفيه ميزة القبول المناعي لأن الخلايا من الجسم نفسه.
- والمصدر الثاني هو الحصول على الأنسجة من خلايا حية من مخ جنين باكر (في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر) .
وهناك طرق للحصول على هذه الخلايا:
* الطريقة الأولى: أخذها من جنين حيواني، وقد نجحت هذه الطريقة بين فصائل مختلفة من الحيوان ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي، وترى الندوة أنه لا مانع شرعاً من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها.
* الطريقة الثانية: أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه، بفتح الرحم جراحياً وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه، وترى الندوة حرمة ذلك شرعاً إلا إذا كان بعد إجهاض تلقائي أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم، وبالشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة.(6/1667)
* الطريقة الثالثة: وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع أجيالاً بعد أجيال للإفادة منها، وترى الندوة أنه لا بأس في ذلك شرعاً إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعاً.
المولود اللادماغي:
طالما بقى حياً بحياة جذع مخه، لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع. فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الإذن المعتبر وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة، وغيرها مما تضمنه القرار رقم (1) من قرارات مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة، والذي جاء فيه:
* أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسياً أو عضوياً.
* ثائياً: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائياً، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
* ثالثاً: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
* رابعاً: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة، كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.(6/1668)
* خامساً: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءاً من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظركما يأتي في الفقرة الثامنة.
* سادساً: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أولا ورثة له.
* سابعاً: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو. إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريماً، فمحل اجتهاد ونظر.
* ثامناً: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.
ولا ترى الندوة ما يمنع من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ، (والذي يمكن تشخيصه) للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المذكورة أعلاه.
البويضات الملقحة الزائدة عن الحاجة:
عرضت الندوة للتوصيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة المتخذتين في الندوة الثالثة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت في الفترة 20 -23 شعبان 1470 هـ الموافق 18 – 21/4/1987م، ونصها: "مصير البيضات الملقحة".(6/1669)
- إن الوضع الأمثل في موضوع (مصير البيضات الملقحة) هو أن لا يكون هناك فائض منها، وذلك بأن يستمر العلماء في أبحاثهم قصد الاحتفاظ بالبيضات غير ملقحة مع إيجاد الأسلوب الذي يحفظ لها القدرة على التلقيح السوي فيما بعد.
وتوصي الندوة إلا يعرض العلماء للتلقيح إلا العدد الذي لا يسبب فائضاً، فإذا روعي ذلك لم يحتج إلى البحث في مصير البيضات الملقحة الزائدة.
أما إذا حصل فائض فترى الأكثرية أن البيضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع، ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم، وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة.
ويرى البعض أن هذه البيضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي كرمه الله تعالى، وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي. يبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة إذ ليس فيه عدوان إيجابي على الحياة.
- واتفق الرأي على تأكيد التوصية الخامسة في (ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام) (1) من تحريم استخدام البيضة الملقحة في امرأة أخرى، وأنه لا بد من اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البيضة الملقحة في حمل غير مشروع، وكذلك تأكيد التوصية الرابعة من ندوة الإنجاب أيضاً بشأن التحذير من التجارب التي يراد بها تغيير فطرة الله أو استغلال العلم للشر والفساد والتخريب. وتوصي الندوة بوضع الضوابط الشرعية لذلك.
__________
(1) هي الندوة الأولى التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت في الفترة 11 - 14 شعبان 1403 هـ الموافق 24 – 27/5/1983م.(6/1670)
وقد أقرت الندوة هاتين التوصيتين وأضافت إليهما ما يلي:
(أ) بالإشارة إلى ما جاء في صدر التوصية الثالثة عشرة من أن الوضع الأمثل تفادي وجود بيضات ملقحة زائدة بالاعتماد على حفظ البيضات غير ملقحة للسحب منها، أحاطت الندوة علما بأن ذلك أصبح ممكناً تقنياً وأخذت به بعض البلاد الأوروبية (ألمانيا الغربية) .
(ب) على رأي الأكثرية (الذي خالفه البعض) من جواز إعدام البيضات الملقحة قبل انغراسها في الرحم بأي وسيلة، لا مانع من إجراء التجارب العلمية المشروعة عليها، واعترض البعض على ذلك تماماً.
وتوصي الندوة بتكوين لجنة لتحديد ضوابط المشروعية.
استخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء والتجارب عليها:
ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الأجنة مصدراً للأعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر إلا بضوابط لا بد من توافرها حسب الحالات التالية:
- لا يجوز إحداث اجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر، بل يقتصر على الإجهاض التلقائي أو الإجهاض للعذر الشرعي.
- إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة فينبغي أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة عليها، لا إلى استثماره لزراعة الأعضاء.
- لا يجوز أن تخضع عمليات زرع الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق.
- لا بد أن يسند الإشراف على هذه الأمور إلى هيئة معتبرة موثوقة.
- وفي كافة الأحوال يجب احترام جسم الإنسان وتكريمه.(6/1671)
زرع الأعضاء التناسلية:
* أولاً: الغدد التناسلية: انتهت الندوة إلى أن الخصية والمبيض بحكم أنهما يستمران في حمل وإفراز الشفرة الوراثية للمنقول منه حتى بعد زرعها في متلق جديد، فإن زرعهما محرم مطلقاً نظراً لأنه يفضي إلى اختلاط الأنساب وتكون ثمرة الإنجاب غير متولدة من الزوجين الشرعيين المرتبطين بعقد الزواج.
* ثانباً: الأعضاء التناسلية غير الناقلة للصفات الوراثية: رأت الندوة بالأكثرية أن زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي - ما عدا العورات المغلظة - التي لا تنقل الصفات الوراثية جائز استجابة لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية التي جاءت في القرار رقم (1) من قرارات الدورة الرابعة لمجمع الفقه الإسلامي المشار إليه سابقاً.
* ثالثاً: تدعو الندوة جميع الحكومات الإسلامية إلى أن. تسعى لوضع التشريعات اللازمة لضمان تنفيذ هذه التوصيات.
والندوة تنتهز هذه الفرصة لتقدم أسمى آيات الشكر والامتنان إلى حضرة صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الصباح حفظه الله لرعايته الأعمال الإسلامية بصفة عامة، ودعمه المستمر للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية خاصة مما انعكس عل إنجازاتها ونشاطاتها وتعاهده بأن تستمر على نفس النهج وأن تضع توجيهات سموه موضع التنفيذ. كما تتقدم بالشكر الجزيل إلى سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله الصباح، والى حكومة الكويت وشعبها لما تقدمه للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية من مساندة وعون.
ويرى المشاركون توجيه برقيتي شكر إلى حضرة صاحب السمو أمير البلاد وسمو ولي العهد ورئيس مجلس الوزراء والحكومة الرشيدة وتكليف كل من الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي رئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية والشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي بجدة برفع البرقيتين.(6/1672)
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
زراعة الأعضاء هي موضوع هذه الجلسة الصباحية، بإذن الله تعالى، وقد سبق لها دراسة بين المجمع ومنظمة الطب الإسلامي في الكويت وعقدت لها ندوة وأعد فيها بحوث طبية وفقهية، والعارض هو سعادة الأستاذ أحمد رجائي الجندي، هو كان أحد المشاركين في ندوة الكويت، والمقرر هو الأستاذ عمر سليمان الأشقر، ولما كان متغيباً فنرجو من الأستاذ أحمد رجائي أن يتولى العرض والتقرير. وأرجو من الأستاذ أحمد في أول العرض أن يبين رؤوس المسائل التي بحثت والتي سيكون عنها العرض واحدة تلو الأخرى حتى يعلم أن الموضوع له صفة الخصوص لا صفة العموم في كل مسألة بعينها وشكراً. تفضل:
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
بسم الله الرحمن الرحيم، السيد الرئيس السيد الأمين العام أولاً قبل أن أبداً في تقديم هذا الموضوع أحب أن أتقدم بخالص الشكر وجزيل الامتنان لتفضلكم بدعوة المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية للمشاركة في هذه الندوة، كما يسعدني أن أبلغ حضراتكم جميعاً تحيات وتمنيات سعادة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي رئيس المنظمة ووزير الصحة ووزير التخطيط بدولة الكويت، والذي كان يحاول الحضور شخصياً نظراً لأهمية هذه الدورة والتي تعقد مباشرة بعد انتهاء الندوة التي عقدت بين المجمع والمنظمة وناقشت هذه المواضيع بالتفصيل على مدى أربعة أيام، شارك في أعمال هذه الندوة السابقة مجموعة من الأطباء والفقهاء من بين الذين شاركوا ويشاركون اليوم فضيلة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة الشيخ محمد المختار السلامي الدكتور سيد طنطاوي الدكتور عجيل جاسم النشمي الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين الدكتور عبد الستار أبوغدة الدكتور يوسف القرضاوي الدكتور عبد السلام داود العبادي من الفقهاء، ومن الأطباء عدد آخر من المتخصصين في كل موضوع ويشاركني في هذه الجلسة أيضاً أخي وزميلي الدكتور محمد علي البار. رغم أن الموضوع يقع تحت موضوع زراعة الأعضاء إلا أنه له خصوصية هامة، وكل موضوع من هذه المواضيع يحتاج إلى دراسة متأنية. فالمواضيع المطروحة هي:
أولاً زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي قدم البحث الطبي الدكتور مختار المهدي وشارك في بعض الأبحاث الدكتور محمد علي البار(6/1673)
أما عن الأبحاث الفقهية، فقد تقدم كل من فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي والدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور والشيخ الشريف محمد عبد القادر. هذا الموضوع وهو موضوع زراعة خلايا المخ هو موضوع حساس لأن زراعة الأعضاء تقدمت تقدماً كبيراً في الأونة الأخيرة وشمل جميع أعضاء الجسم وأصبحت نتائجه على قدر كبير من التقدم ونسبة نجاحها عالية.
والمخ كعضو أيضاً من الأعضاء داخل الجسم يصاب ببعض الأمراض، فبدأت تراود العلماء محاولات كثيرة للتغلب على مثل هذه الأمراض، فمنها مرض عته الشيخوخة، ومنها مرض الشلل الرعاش، وهذه نتيجة عدم مقدرة الخلايا المخية لإفراز بعض الهرمونات، إما لتلف فيها أو لإصابتها بالشيخوخة.
الجزء الثاني من هذا الموضوع هو إصلاح خلل نتيجة وجود انفصال في بعض أجزاء الخلايا العصبية وعدم مقدرتها على الاتصال مع بعضها البعض فبدأت تراود العلماء محاولات كثيرة لإصلاح هذا الخلل. بدأت العملية في المرحلة الأولى على حيوانات التجارب لإصلاح موضوع الهرمونات ونقصها، بدأت وأعطت نتائج جيدة جداً. بدأت هذه التجارب في المرحلة الأولى باستئصال جزء من الغدة الجركلوية أو الكظرية وزرعها في خلايا المخ، أعطت نتائج ليست مشجعة. ثم بدؤوا في محاولات أخرى بنقل خلايا مخ جنين إلى خلايا مخ مصابة بهذا التلف، فأعطت نتائج جيدة ومشجعة جداً في هذا الموضوع. بدأت المحاولات تنتقل إلى الإنسان وبدأوا في نفس هذا الأسلوب. بدأت المحاولات في نقل جزء من الخلايا الكظرية من الإنسان نفسه بمعنى فتح للكلى واستخراج هذا الجزء، وفتح للمريض أيضاً في دماغه ومحاولة وضع هذا الجزء مكان الخلايا المدمرة أو التي لا تقوم بعملها بصورة جيدة، النتائج لم تكن جيدة أيضاً ومتمثلة في نتائج مرحلية استطاعت أن تعطي نتائج أولية، ولكن ما لبث أن عاد المريض إلى حالته الأولى. بدأ استخدام خلايا مخ جنين، هنا الجنين يجب أن يكون أولاً: حياً ثانياً: عمره يجب أن يكون من ثمانية إلى اثني عشر أسبوعاً أو الوقت الأمثل هو عشرة أسابيع. يتم استخراج الجنين وتؤخذ منه الخلايا في الأماكن المعينة، وتوضع أيضاً في خلايا المريض المصاب بهذا المرض. النتائج مشجعة جداً وأعطت نتائج - حتى الآن - تبشر بالخير، إذن هناك محاولة ثالثة يحاولون فيها أو رابعة هي استزراع بعض خلايا أجنة من بعض الخلايا للأجنة أيضاً، التي هي فيها هذا المرض. ومحاولة وجودها على مدى طويل واستخدامها كبنك من البنوك، حتى الآن هذه الطريقة لم تخرج إلى حيز الوجود وهي من الناحية النظرية موجودة. الجنين يجب أن يكون حياً، عمره من ثمانية إلى أحد عشر أسبوعاً يعني يجب أن يكون هناك سقط أو إجهاض.(6/1674)
أنواع الإجهاض: إما إجهاض تلقائي، وهذا الإجهاض التلقائي يكون بسبب تشوه في الجينات أو الكروموسومات، وبالتالي تحدث في فترة الثلاثة أشهر الأولى، وهي غير متوقعة وغير معروف ميعادها وغير معروف متى سيتم السقط، وبالتالي استبعدت هذه الطريقة أو هذا المصدر. يأتي بعد ذلك السقط المتعمد، والسقط المتعمد نوعان: سقط متعمد نتيجة أن الأم لا ترغب في هذا الحمل وفي البلاد التي تبيح هذا الإجهاض، وحسب الإحصائيات الموجودة يوجد حوالي خمسة وعشرين مليون حالة إسقاط أو إجهاض في العالم.
النوع الثاني من الإجهاض، وهو الإجهاض التعمدي نحن قلنا إجهاض تعمدي نتيجة عدم الرغبة. الإجهاض الثاني هو نتيجة وجود خطر، هو متعمد ولكن الحمل باستمراره سوف يكون سبباً في وجود خطورة على الأم، وبالتالي يقرر الأطباء ضرورة إنزال هذا الحمل. الأمر المطروح هو هل يمكن استخدام الجنين حياً؟ هل يمكن فتح البطن؟ لأن إخراج الجنين وطريقة الإسقاط تنقسم إلى ثلاثة أقسام: إما باستخدام دواء أو بعملية الشفط أو بفتح البطن. العملية الأولى وهي الدواء هي عملية مستبعدة لأن الجنين سوف يخرج ميتا. العملية الثانية سيحدث تهتك كامل للجنين وبالتالي لا يمكن الاستفادة منه. إذن العملية الثالثة وهي فتح البطن أو شق البطن لاستخراج الجنين حياً هي المطلوبة. إذن لا بد أن يكون الجنين حياً ولا بدأن يكون الإجهاض متعمداً ونتيجة وجود أمر طبي موجود. هذه القضية المعروضة طبياً في هذا المجال. أحب أن أوضح أيضاً أنه لا يوجد شيء اسمه نقل مخ، لأن المخ هو مجال الإدراك ومحور الشخصية ومجال التكليف للإنسان، والأعضاء الداخلية والخارجية قد تصاب بالتلف إلا أن ذلك لا يؤثر على الشخصية ولا على القدرة ولا على التحكم في أي شيء، ولكن المخ وهو مناط التكليف وبالتالي لا يمكن أبداً أن يكون هناك نقل مخ من شخص إلى آخر.(6/1675)
النقطة الثانية وهي متعلقة بتعريف الموت، تعريف الموت: تم الاتفاق على أنه هو خمود منطقة جذع المخ، وبالتالي عملية خمود منطقة جذع المخ معنى ذلك أن المريض سوف يقتل إذا نقلنا مخه إلى شخص آخر، لأن المخ لا يزال حياً، وبالتالي التعبير الصحيح هو نقل جسد إلى مخ، وهو لم يتم حتى الآن ولم يراود العلماء أي شيء لأنه هو من الناحية التكنيكية في منتهى الصعوبة ومنتهى الخطورة. هذا هو الجانب الطبي الذي عرض في الجلسة، وتعرض له من الجانب الفقهي ثلاثة فقهاء الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور وقد تعرض في الواقع إلى موضوع التبرع أو الهبة من إنسان بمخه إلى آخر، وطبعاً هذا خطاً فني في هذه العملية لأنه كما سبق وقلنا: إنه هو طبعاً حرمه إلا أنه حتى من الناحية الفنية ومن الناحية الطبية غير مقبول، أيضاً هو يرد حتى على فراش الموت أن يجيز هذا الموضوع، وفي النهاية قال: إن هذه الفتيا بقسميها ليست إلا مخرجاً من الحرج في حالة الضرورة أو الحاجة المشروطة بشروطها. ولم يضع إجابة على الاستفسارات التي تم وضعها بشأن الأجنة التي يمكن الاستفادة منها. تحدث أيضاً فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي، وفي بداية حديثة حرم تحريماً كاملاً نقل المخ كاملاً أو أجزاء منه لأنه عضو مفرد وتتوقف عليه حياة الإنسان. ثانياً حرم عملية البيع بجميع صورها في موضوع زراعة الأعضاء، هذا في حالة ما إذا كان صاحب العضو مالك الأهلية. ثانياً إذا كان صاحب العضو، والكلام لفضيلة الشيخ محمد المختار السلامي، غير مالك لنفسه وهو إما أن يكون مختلاً عقلياً، وهذا أمره إلى ولي أمره، أو دون سن الرشد وليس للمولى حق التصرف في جزء من أجزاء المولى عليه، إذ الولاية هي حفظ الصحة التي لم تتوفر له القدرة على الحفاظ عليها، ثالثاً أن يكون المنقول منه لم تكتمل شخصيته الإنسانية، ويعني هذا الجنين، وللجنين أدوار سوف يتحدث فيما بعد عن استخدام الأجنة، ولن أتحدث إلا عن الجزء الذي تحدث هو عنه في جزء السقط. عرف السقط وقسمه إلى قسمين: بعد أربعة شهور وذكر الحقوق الشرعية له، وقبل أربعة شهور وذكر أنه لا يبلغ مبلغ الحرمة الإنسانية الكاملة بإجماع، ولكنه ينتسب إلى العائلة الإنسانية.(6/1676)
وحدد بالتفصيل طريقة الاستفادة من هذا الجنين في هذه المرحلة بفتح بطن أمه والاستفادة من خلايا مخه قبل وفاته، ولم يجد مانعاً في إتمام هذه العملية على هذا الوجه إذا كان برضا الوالدين الأبوين وإذا كان الإجهاض تم في الحدود المأذون فيها شرعاً. أما الإجهاض غير المأذون فيه شرعاً أي الحرام فالمبني على الفاسد فاسد. ثم حدد بعد ذلك هل يمكن أخذ الأعضاء من المحكوم عليهم بالإعدام؟ وقاس ذلك بالمضطر. ثم تعرض لنقل نسيج من إنسان إلى ذاته وأجاز ذلك لحفظ حياته. الزميل الآخر الذي تحدث من الناحية الفقهية هو الشريف عبد القادر، واستعرض آراء الفقهاء حول زرع الأعضاء عموماً من خلال كرامة الإنسان وحرمة أعضائه وملكية جسد الإنسان وهل يملك الإنسان جسده أم لا؟ ونظرة الشريعة الإسلامية حول موضوع بتر الأعضاء وزرعها، وطهارة العضو المبتور وحكم زرعه. وذهب إلى أنه لا يجوز التبرع بالجسد الإنساني أو أي جزء من أجزائه. وأيضاً ذكر أن العضو المبتور يعتبر نجساً وما يترتب على ذلك. وفي النهاية قاس زراعة الأعضاء بالتداوي بالمحرم، والضرورات تبيح المحظورات، والنجاسة تزول بالزراعة. وغير ذلك من الأمور، ولكنه لم يتعرض لموضوع البحث وهو استخدام الأجنة. بناء على هذه المناقشات جاءت التوصية في هذا الموضوع وأعرضها على حضراتكم:
توصلت الندوة إلى التوصيات الآتية:
أولاً - زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي:
عرضت الندوة لموضوع زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي، ولا يقصد من ذلك نقل مخ إنسان إلى إنسان آخر. والغرض من هذه الزراعة إما لعلاج قصور خلايا معينة في المخ من إفراز مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السوي، فيستكمل هذا النقص بأن توضع في موطنها من المخ خلايا مثيلة من مصدر آخر أو لعبور فجوة في الجهاز العصبي نتيجة بعض الإصابات، كما يستبدل قطعة من سلك تالف بقطعة صالحة. والمصدر الأول للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه.(6/1677)
وترى الندوة أنه ليس في ذلك من بأس شرعاً، وفيه ميزة القبول المناعي لأن الخلايا من الجسم نفسه، المصدر الثاني هو الحصول على الأنسجة من خلايا حية من مخ جنين باكر في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر، وهناك طرق للحصول على هذه الخلايا:
الطريقة الأولى: أخذها من جنين حيواني، وقد نجحت هذه الطريقة بين فصائل مختلفة من الحيوان، ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي. وترى الندوة أنه لا مانع شرعاً من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها. الطريقة الثانية: أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه بفتح الرحم جراحياً. وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه. وترى الندوة حرمة ذلك شرعا، إلا إذا كان بعد إجهاض تلقائي أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم، وبالشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة.
الطريقة الثالثة: وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع، أجيالا بعد أجيال للإفادة منها، وترى الندوة أنه لا بأس في ذلك شرعاً، إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعاً. وشكراً.
الرئيس:
الطريقة الثالثة هذه ما تصورناها.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
الطريقة الثالثة: يؤخذ الجنين، تؤخذ بعض خلايا من هذه المناطق ويتم استزراعها.
الرئيس:
أهم شيء عندنا في الموضوع هذا هو المأخوذ منه سواء في الطريقة الثانية أو الطريقة الأولى والثانية أو أي طريقة أخرى هذا أهم شيء.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
الطريقة الثالثة هي إسقاط، ممكن أن يؤخذ منه خلايا من مخه من مناطق مختلفة ويتم استزراعها وتصبح متوفرة لدى العلماء في الأماكن المختلفة. وتم التعرف بأن هذه الخلايا هي للجزء الخاص بالذاكرة، والجزء الخاص بكذا ويتم بعد ذلك أخذها وزرعها في المريض نفسه.(6/1678)
الرئيس:
المهم أن استزراع خلايا المخ هي من الطريقة الثانية، يعني من جنين شق بطن أمه لحياتها. فهي متولدة عن الثانية.
في الواقع يا مشايخ هذا هو الموضوع الأول. فهل ترون أنه كل ما انتهى العرض عن موضوع نناقشه ونبت فيه حتى ينتهي ونعين له مدة محددة من الزمن أو أنه يستعرض الموضوعات جميعاً ثم نعود إليها.
مناقش:
هذه المسائل متصلة، وقد بدأت ببحث المخ، والمخ له سيطرة على الجسم وهذا يظهر في كثير من الأبحاث التالية، خصوصاً في البحث في المسائل التناسلية. ولذلك أرجو أن تنظم هذه المسألة أيضاً من جديد مع المسائل التناسلية، أو أن يبت فيها جميعاً لا في واحدة واحدة.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. يبدو لي أنه لا فائدة في إطالة الجدال في هذه القضية بالذات، لأن النصوص نصوص التوصيات والبحوث قد وزعت على حضراتكم بالأمس وهي بين أيديكم وقد وقع الاطلاع عليها وقراءتها. فهي تكون وحدة موضوعية، حتى لا نضيع الوقت ولا يضيق علينا في استعراض بقية النقاط إذا ما استمر النقاش حول كل نقطة نستمع إلى العرض كاملاً ثم نشرع في المناقشة. وتنقسم المناقشة عند ذلك إلى محاور، المحور الأول ثم يناقش والمحور الثاني ثم الآخر. وشكراً.(6/1679)
عبد السلام العبادي:
في إحالة في نفس التوصيات على توصيات قادمة وبالشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة.
الرئيس:
هو كل مسألة لاحقة سوف تعلم من المسألة السابقة فطالما سوف تعلم من المسألة السابقة، ولأنه كان عندي وجهة أن كل مسألة تمر يكون العرض عليها من الأستاذ أحمد، إذا كانت هناك مناقشة تخالف هذه الوجهة فبحق أي عضو أن يبدي ما لديه، أما للتأييد فلا حاجة لأنه أمر مفروغ منه، لكن إذا كان لدى أي أحد من أصحاب الفضيلة مناقشة تخالف ما قرر في التوصية فتبدي وبهذا ننتهي منها واحدة واحدة. وأخشى أن تكون المداولة في هذه الطريقة تستهلك الوقت.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
الموضوع الثاني: هو موضع المولود عديم الدماغ مصدراً لزراعة الأعضاء الحيوية.
شارك بالأبحاث الطبية الدكتور حسان حتحوت والدكتور محمد علي البار وفي الأبحاث الفقهية الدكتور بكر أبو زيد فقط. موضوع استخدام المولود عديم الدماغ ظهر إلى حيز الوجود حديثاً، وسبب ظهوره هو أن هناك عدداً كبيراً من الأطفال أيضاً في حاجة شديدة لزراعة الأعضاء، لديهم فشل كلوي ومحتاجون إلى كلى أخرى فهناك صعوبة في تلقي متبرعين أطفال للحصول على هذه الكلى أو الأعضاء، خاصة أنهم في مقتبل العمر. فبدأ العلماء يبحثون عن مصادر مختلفة في هذا المجال، فوجدوا أن هناك طفلاً يسقط أو ينزل، هذا الطفل يولد بدون فصي مخ، يعيش ويتنفس وقلبه ينبض، طالما أنه في داخل بطن أمه. إذا خرج إلى حيز الوجود يتوفاه الله، وفترة الحياة أقصى فترة تم تسجيلها هي حوالي واحد وعشرين يوماً. تتراوح فترة الحياة من ساعات قليلة إلى أيام إلى واحد وعشرين يوماً. بدأ يراود العلماء أن يكون ذلك مصدراً لزراعة الأعضاء لإنقاذ حياة أطفال آخرين يمكن أن يكونوا داخل مجتمع ولهم حياة ولهم منفعة أخرى. خاصة أن هذا الجنين لا محالة متوفى وبالتالي بدأ أول تجربة كانت، خاصة إذا علمنا أن نسبة هذا الموضوع تراوحت بين البحثين، الدكتور محمد علي البار قال إنها واحد في الألف. والدكتور حسان حتحوت قال: إنها واحد في الأربعة آلاف.(6/1680)
وكل منهما أصدر توصياته بأنه: الدكتور محمد علي البار قال إن هذا الموضوع جيد ويجب الاستفادة منه، والدكتور حسان حتحوت بناء على إحصائياته المعنية التي أفاد بأن العدد سوف يكون في النهاية قليلاً، لأن سقوط الجنين أو خروجه إلى حيز الوجود هو نتيجة خلل كروموزومي موجود، ومعنى ذلك أن هناك أعضاء كثيرة داخل الجسم لا تصلح للاستفادة منها، وفند هذا الموضوع بإحصائيات موجودة. أيضاً كانت هناك تجربة جيدة، هي تجربة أمريكا في اللومالندي، وأيضاً تجربة المملكة العربية السعودية في هذا المجال. تجربة أمريكا هنا تجربة لمحاولة تخطي عقبة مهمة جداً. هذا الطفل ليس له فصا مخ، ولكن له جذع مخ الذي تم اتخاذه وسيلة لتعريف الحياة والموت، وبالتالي لا يمكن اعتباره ميتاً، ظهرت بعض التحايلات في محاولة أن اعتبار عدم وجود فصي المخ يساوي عدم وجود جذع المخ، هذا الموضوع قوبل بالرفض تماماً لخطورته، ولمحاولة أنه يبدأ في عمليات الاستثناء. نقطة أخرى هي صعوبة تشخيص موت جذع المخ في هذا الطفل بالذات. الصعوبة تأتي من أن الجهاز الكهربائي لا يستطيع رصد الحركة، وخاصة أن هناك بعض الخلايا من المخ أيضاً تكون موجودة في هذه العملية، والشيء الوحيد الذي يستدل به على الحياة هو عملية التنفس والنبض. جامعة لومالندي في الولايات المتحدة، أولاً تشخيص هذا الجنين سهل باستخدام السونار أو الموجات فوق الصوتية. عند اصطيادهم هذه الحالة يتم الاتفاق مع الأم ويتم إخبارها بأن الجنين أو الوليد القادم هو بدون مخ، وأنه لا محالة ميت، وبالتالي يتم إقناعها بأن تتبرع به لاستخدامه في الزراعة كمصدر للأعضاء البشرية. إذا وافقت الأم يتم إدخالها ويتم رصد ميعاد الولادة. ثم يؤخذ هذا الجنين المولود، ويوضع فوراً في جهاز العناية المركزة لإبقائه على الحياة، ويتم الكشف على الأعضاء المختلفة في هذا المجال للتعرف على أي عضو صالح في هذا المجال لأخذه وللتبرع به لطفل آخر. ونجحت أول تجربة في هذا المجال إلا أنه ما حدث هناك نشر لهذا الموضوع في المجلات العلمية.(6/1681)
التجربة في المملكة العربية السعودية حسب ما ذكر الدكتور محمد علي البار هي أن يتم إذا كان المطلوب هو الكلى، يتم تبريد الكلى بطريقة خاصة تحت درجة معينة تبقيها على الحياة. وعند موت هذا المولود يتم أخذ الكلى ويتم وضعها في الطفل المطلوب، وتم في الواقع إجراء أربعة أبحاث في هذا المجال ونشرت في المجلات العلمية وهناك احتمال بزيادة هذا الموضوع. جامعة لومالندي أوصت بوقف هذا الموضوع لخوفها من أن الأطباء ربما لن يستفيدوا من موضوع موت جذع المخ، ومحاولة لتخطي هذه النقطة وير نقطة أخلاقية، ومن الناحية الاقتصادية وجدوا أنها ليس لها مردود اقتصادي. إذن المعروض على اللجنة أو الندوة في هذا الوقت هو هل يمكن الاستفادة من هذا الجنين وهو حي خاصة أن الأعضاء المطلوبة تموت بسرعة بعد وفاة المريض أم يتم معاملته معاملة إنسان سوي ويترك ليموت ثم تجري عليه بعض أحكام الموت مثل عمليات أخذ الأعضاء بمشاريعها وبمواصفاتها وبضوابطها؟ هذا هو المعروض الطبي على حضراتكم. أما فضيلة الشيخ بكر أبو زيد، من الناحية الفقهية، ذكر بأن المولود يولد فيستهل صارخاً فيكون حينئذ آدمياً، دون النظر إلى أنه بدون مخ أو مشوه أو غيرذلك، وبالتالي يجب أن تطبق عليه كل القوانين وكل الأحكام التي تطبق على الطفل السوي، هو إنسان كامل فتثبت له أحكام المواليد، مستوي الخلقة، هذه هي القاعدة العامة التي ارتكز عليها بحثه، وعليه فلا يجوز الإفتاء بقتل مولود ناقص الخلقة، ولا يجوز لأحد والدي المولود ناقص الخلقة الإذن لأي طبيب بانتزاع عضو منه لزرعه في طفل آخر، فلا تستبقى نفس بقتل أخرى، ولا يجوز لوليه الإذن لطبيب بإجراء عملية تشريح لهذا المولود لصالح تعلم الطب أو اكتشاف نوع المرض. كل هذه وما جرى مجراها إذن بالجناية ومباشرة لها تستوجب العقوبة المقدرة شرعاً وتستوجب الإثم بغير حق. أيضاً نفى شبهة قياس غياب فص المخ بموت جذع المخ، لاعتبار الإنسان ميتاً. وإضافة إلى ذلك فإنه لم يعترف بموت جذع المخ كعلامة من العلامات الطبية على موت الإنسان، إضافة إلى احتمال الخطأ في التشخيص. وبناء على ذلك تم وضع التوصية في هذا المجال التي تنص على الآتي:
المولود اللادماغي طالما بقي حياً بحياة جذع مخه لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع الدماغ، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع.(6/1682)
فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه نراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى من الإذن المعتبر وعدم وجود البديل وتحقق الضرورة وغيرها مما تضمنه القرار رقم 1 من قرارات مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة، والذي جاء فيه هذه البنود الثمانية، كل ما عدا الحالات والصور المذكورة مما يدخل في أصل الموضوع فهو محل بحث ونظر ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية. ولا ترى الندوة ما يمنع من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ والذي يمكن تشخيصه للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل توطئة للاستفادة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المذكورة أعلاه.
الشيخ محمد علي التسخيري:
هل تبريد الكلى الذي طرح، هل يؤثر على الإسراع في موت هذا الجنين اللادماغي؟
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
على حسب معلوماتي لا علاقة بهذا، ولكن هو محاولة أنه لو مات الجنين تخرب الكلى، فهو يحاول أن تستمر الكلى بوظائفها بالتبريد فقط.
الموضوع الثالث: استخدام الأجنة في البحث والعلاج والبويضات الملقحة:
شارك في الأبحاث الطبية الدكتور عبد الله باسلامة، الدكتور مأمون الحاج إبراهيم، الدكتور حسان حتحوت، الدكتور محمد علي البار. وفي الأبحاث الفقهية شارك الدكتور عبد السلام داود العبادي، الدكتور محمد نعيم ياسين الدكتور عمر سليمان الأشقر.
الحقيقة، في هذا الموضوع نظرة الأطباء كانت متفاوتة تماماً، وهذا التفاوت ليس بجديد على المجتمع الطبي في هذا المجال فهذا المجال الآن هو محل مناقشة ساخنة في جميع أنحاء العالم، في أمريكا، في إنجلترا، في ألمانيا، في أستراليا، في فرنسا، في كل أنحاء العالم، والموضوع أصبح يمثل خطورة كبيرة جداً، وهناك وجهتا نظر: وجهة نظر تدعو إلى ضرورة استخدام الأجنة المجهضة، واستخدام البويضات الفائضة عن الحاجة في الأبحاث لتقديم العلاج، لأن العلاج والتقدم الذي حدث الآن لم يأت من فراغ، ولكنه أتى نتيجة وجود أبحاث علمية على مدى سنين طويلة، هذه الأبحاث تمت بناءً على موضوع طفل الأنابيب كيف ظهر إلى الوجود؟ بدأت بتجارب علمية في هذا المجال، حتى موضوع طفل الأنابيب الآن نسبة نجاحه من 15 إلى 20 % فقط في أحسن المراكز تقدماً. فهم يحاولون الآن زيادة هذه النسبة إلى أكثر من ذلك إلى وصولها إلى ثمانين إلى مائة في المائة وإلى غير ذلك، ولا يتم ذلك إلا عن طريق تلك الأبحاث. مثلاً عملية العقم في الرجال: هناك رجل ينتج حيوانات منوية خصبة وجيدة مائة في المائة، ولكنها لا تستطيع التفاعل والدخول إلى البويضة، هناك أبحاث، وليس معروفاً ما هي الأسباب في هذا الموضوع. فهناك أبحاث أيضاً تحاول التغلب على هذا الموضوع.(6/1683)
هناك مواضيع كثيرة في الأبحاث الواقع في مواضيع زراعة الكلى في مواضيع زراعة الأعضاء، لا بد من إجراء هذه الأبحاث سواء على البويضات الزائدة عن الحاجة أو على الأجنة. البويضات الزائدة عن الحاجة هنا، هي عبارة عن أن الطبيب يحاول أن يستثير المرأة لإنتاج عدد كبير من البويضات ويأخذ هذا العدد ويتم تلقيح أكبر عدد ممكن من البويضات، ويأخذ جزءاً من هذه البويضات ويتم محاولة إدخالهم لتثبيتهم في الرحم وفي جدار الرحم. إذا نجح فخير وتتم العملية، وآخر شيء كان في مصر، أن طبيباً زرع ستة والستة نجحت، فطبعاً تسبب إجهاضاً كاملاً وسيموت الأجنة الستة، وبالتالي تم استفتاء بعض الفقهاء هل يمكن إجهاض ثلاثة منهم أو أربعة لإنقاذ بقية الأجنة؟ ونحن تعرضنا في هذا الموضوع أيضاً في ندوة بأسئلة من غير فقهاء المسلمين إلى فقهاء المسلمين في هذا الموضوع. المهم في الموضوع أن هذا العدد الباقي يتم حفظه في الثلاجات. تظهر بعض الأسئلة هل يتم إعدامه؟ وهنا بعض السادة الفقهاء اعتبروا أن هذا قتل. هل يتم تركه لمصيره دون إعطاء طعام أو شيء وبالتالي يموت؟ يتم إدماجه ما هو الحل الأمثل في هذا الموضوع؟ الحل الأمثل تم تصوره في أكثر من ندوة للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بأن يتم حصر العدد المطلوب أو أقل عدد مطلوب من تلقيح البويضات واستخدامها، ويتم حفظ المنويات منفصلة عن البويضات أيضاً منفصلة، ولا يتم تلقيحها مع بعضها. الزملاء الذين يعضدون موضوع الأبحاث حجتهم في ذلك أن الأبحاث على حيوانات التجارب لا تعطي النتائج المثالية، وتختلف تماماً عن الإنسان، لأن هناك أشياء كثيرة يختلف فيها الإنسان عن هذا، وهذه هي أدوار الجنين الباكر التي يمكن الاستفادة منها بمحاولة التعرف على أسباب التشوه، لماذا لا يتم الاندماج؟ يتم التلقيح مائة في المائة، ويتم الحصول على البويضة مائة في المائة، ويتم الحصول على الحيوان المنوي مائة في المائة، ولكن لا يتم الاندماج إلا بنسبة خمسة عشر في الماثة، ما هو السبب؟ رغم أن البويضة والحيوان المنوي من الرجل والزوجة نفسيهما؟ كل هذه الأسئلة لن يكون لها إجابة إلا بعد إجراء هذه الأبحاث على هذه المواضيع، هم لا يرون في ذلك حرمة ويعتبرون أن هذا هدر كامل لهذه المواضيع، سواء قبلنا أم لم نقبل. وبالعكس في هذا نوع من التقدم في محاولة التغلب على أمراض كثيرة جدا خاصة الأمراض الوراثية التي نحن الآن بصددها.(6/1684)
الوجهة الأخرى ترى عكس ذلك، ترى أن هذه هي بداية أدوار الحياة الإنسانية، وهذه هي البذرة، ويجب احترام هذه البذرة احتراماً كاملاً، ويجب عدم التعرض لها ومعاملتها كمعاملة الجنين أو معاملة الإنسان الكامل، لأن الاعتداء عليها يعتبر اعتداء على الإنسان أيضاً، لأننا نحاول أن نحافظ عليها لإدماجها للحصول على جنين. إذن محاولة الاعتداء عليها هي محاولة الاعتداء في بداية الحياة الأولى. هذه هي وجهة النظر الأخرى. ووجهة النظر - أيضاً - التي ليست في صالح إجراء الأبحاث هي أنه نحن الآن في محاولة إجراء التجارب على هذه البويضات أو هذه الأجنة، هل يمكن وضع تصور لعمل أبحاث على كبار السن في هذا المجال؟ الخوف من تدرج هذه المواضيع من نقطة إلى نقطة ثم يصبح الاعتداء على الإنسان وهو خليفة الله في الأرض، هو الأساس في هذا الموضوع. حجتهم أيضاً أن الإنسان ينجح في وضع عندما تم اختراع القنبلة الذرية، كان الهدف الرئيسي منها هو إسعاد الإنسان، أصبحت الآن مشكلة خطيرة جداً، لأنها خرجت من أيدي العلماء. أيضاً موضوع الهندسة الوراثية أصبحت اليوم سلاحاً خطيراً على رقاب العباد بدلاً من أن تسخر في هذا المجال، نظراً لدخول السياسة في العلم، واحتكامهم في هذا الموضوع. طبعاً هناك تقسيم لموضوع الأجنة: أجنة غير قابلة للحياة وهي التي تنزل قبل الأسبوع العشرين وهذه تنزل ميتة نتيجة السقط. أجنة قابلة للحياة ولها شرطان: أن يكون بعد الأسبوع العشرين والأسبوع الرابع والعشرين، ويكون الوزن في حدود أربعمائة إلى خمسمائة جرام. أجنة تسقط حية، ولكنها غير قابلة للحياة المستقلة خارج الرحم وهي ما بين العشرين أسبوعاً و24 أسبوعاً. الإخوان الذين تعرضوا لموضوع عدم الموافقة عللوا بأن هناك أشياء خطيرة جداً ظهرت وقد ظهرت صدفة، إذ تم العثور على بعض الأجنة موجودة في صناديق محنطة قادمة من شرق آسيا وهناك تجارة كبيرة جداً في هذا المجال للقيام بهذه الأبحاث، بل ان هذه التجارة أصبحت تجارة رائجة، بل ان بعض السيدات في الدول الغربية تحمل بهدف الاستفادة من الجنين للسقط. تشكلت لجان كثيرة جداً في الغرب لحماية هذا الموضوع، ولوضع أسس علمية لعدم استخدام هذا الموضوع في الأبحاث الطبية نهائياً. ألمانيا الغربية أوقفت هذا الموضوع وكانت أكثر الدول حساسية في هذا، لأن ألمانيا كما نعلم في أثناء الحرب العالمية كانوا يجرون هم أنفسهم الأبحاث عل المعتقلين والمسجونين السياسيين أثناء الحرب. أيضاً أستراليا أوقفت هذا الموضوع، أمريكا لم تتخذ قراراً في هذا وهناك ضجة كبيرة في الكونجرس حول هذا الموضوع، انجلترا متوقفة وهناك الآراء المختلفة كما ذكرت أنا في هذا الموضوع.(6/1685)
اللجان في الدول الغربية حاولت أن تضع أسساً هي أولاً: تحريم الإجهاض إذا كان لهذا الغرض، الذي هو الاستفادة من الأعضاء. وطبعاً هذا الشرط لا قيمة له لأن هذا يتم في الدول التي تبيح الإجهاض. ثانياً: تحريم البيع أو الاستفادة المادية للأم صاحبة الجنين أو الطبيب، وطبعاً هذا لا يمكن التحكم فيه. ثالثاً: التحريم على الطبيب المجهض أن يسلم الجنين لشخص آخر أو لطبيب آخر، وعدم وجود اسميهما على أبحاث مشتركة. رابعاً: إلا يشترك الطبيب المجهض مع طبيب آخر في بحث مشترك يتم استخدام الأجنة فيه. خامساً: لا يقبل من امرأة تطلب الإجهاض استعمال جنينها لشخص معين. وتم اقتراح تشكيل هيئة مستقلة تتلقى المجاهيض المشروعة في الدول الإسلامية من أطباء الإجهاض، وتتولى توزيعها بمعرفتها لمن يحتاجونها للبحث أو العلاج.
تعرض السادة الفقهاء الدكتور عبد السلام داود العبادي والدكتور محمد نعيم ياسين والدكتور عمر سليمان الأشقر لهذا الموضوع، الدكتور عبد السلام داود العبادي في الواقع قسم الأجنة إلى ثلاثة، المرحلة السابقة لتخلق الجنين، مرحلة تخلق الجنين، مرحلة اكتمال نمو الجنين قبل الولادة، وبناء على ذلك فإن الحكم يختلف باختلاف نوع الجنين، وباختلاف المرحلة. فإذا كان الإجهاض متعمداً وبقصد الاستفادة من الجنين فإن الإجهاض نفسه حرام، والاستفادة من الجنين محرمة سداً للذرائع وتفويتاً لقصد الجاني، وحماية لحياة الجنين. أما إذا كان الإجهاض تلقائياً أو خطأ أو عمداً بقصد الاعتداء على الجنين أو على أمه دون قصد الاستفادة فلا بد من النظر إلى المرحلة التي وصل إليها نمو الجنين، فإذا كان مكتمل النمو وخرج حياً فلا يجوز الاعتداء عليه وتهديد حياته بأي صورة من الصور. أما إذا كان مكتمل النمو، ولم يخرج حياً أو كان غير مكتمل النمو وهناك قطع طبي باستحالة حياته، فيجوز الاستفادة منه لأغراض العلاج الطبي، وضمن الشروط المقررة لجواز الاستفادة من زرع الأعضاء، هذا بالنسبة للأجنة.(6/1686)
بالنسبة للبويضات الزائدة ذهب في هذا إلى ضرورة عدم تعريض عدد كبير من هذه البويضات للتلقيح، ولكن يجب أن تكون في أقل الحدود الممكنة، ويجب أن يكون الحيوان المنوي بمعزل عن البويضة، وبالتالي نتجنب عملية التلقيح.
الدكتور عمر سليمان الأشقر الحقيقة بحثه اهتم بحرمة الحياة الإنسانية، حياً أو ميتاً ووضح اهتمام الإسلام بالإنسان منذ بداية عملية النطفة نفسها في رحم الأم، وكيف حماها ووضع لها الضمانات الكافية، ورتب عليها حقوقاً، والاعتداء عليها يصبح اعتداء على الإنسانية جمعاء، ودعا إلى الالتزام بالتوصية الصادرة عن الندوة الفقهية الطبية الثالثة، والتي أقرتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية: وهي إلا يتم تعريض عدد كبير من البويضات الملقحة، وأنه يمكن الاستفادة منها بقصد التجارب عليها على إلا يكون فيها تغيير لخلق الله، والابتعاد عن استغلال العلم للشر والفساد، بالنسبة للأجنة المسقطة طالب بالالتزام بما جاء في ندوة الإنجاب في دور الإسلام، وهي تحريم الإجهاض بعد نفخ الروح أي بعد مائة وعشرين يوماً، وما قبلها فهي حياة محترمة تختلف حرمتها حسب تاريخ تقادمه.
الدكتور محمد نعيم ياسين بحثه مطول جداً في حوالي 67 سبعة وستين صفحة، ولكنه كان يسير في هذا الاتجاه أيضاً، من تحريم عملية تعريض أكثر عدد ممكن من البويضات، وأيضاً في عملية نفخ الروح حاول أن يكون متحفظاً فيها بل حرمها أيضاً، ولكنه استطاع أن يقول إنه قبل المائة وعشرين يوماً يمكن النظر في هذا الموضوع. وبالتالي صدرت التوصية في هذا المجال كالأتي:
البويضات الملقحة الزائدة عن الحاجة: عرضت الندوة للتوصيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة المتخذتين في الندوة الثالثة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت في الفترة من 0 2 إلى 23 شعبان 1407 هـ الموافق 18 إلى 1 2 أبريل 1987م، ونصها: مصير البويضات الملقحة: إن الوضع الأمثل في موضوع مصير البويضات الملقحة هو إلا يكون هناك فائض منها، وذلك بأن يستمر العلماء في أبحاثهم، قصد الاحتفاظ بالبويضات غير الملقحة، مع إيجاد الأسلوب الذي يحفظ لها القدرة على التلقيح السوي فيما بعد.(6/1687)
وتوصي الندوة إلا يعرض العلماء إلى التلقيح إلا العدد الذي لا يسبب فائضاً، فإذا روعي ذلك لم يحتج إلى البحث في مصير البويضات الملقحة الزائدة. أما إذا حصل فائض فترى الأكثرية أن البويضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم، وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة. ويرى البعض أن هذه البويضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي كرمه الله تعالى، وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي، ويبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة إذ ليس فيه عدوان إيجابي على الحياة. واتفق الرأي على تأكيد التوصية الخامسة في ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام، من تحريم استخدام البويضة الملقحة في امرأة أخرى، وأنه لا بد من اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة درن استعمال البويضة الملقحة في حمل غير مشروع، وكذلك تأكيد التوصية الرابعة من ندوة الإنجاب أيضاً بشأن التحذير من التجارب التي يراد بها تغيير فطرة الله، أو استغلال العلم للشر والفساد والتخريب، وتوصي الندوة بوضع الضوابط الشرعية لذلك، وقد أقرت الندوة هاتين التوصيتين، وأضافت إليهما ما يلي: بالإشارة إلى ما جاء في صدر التوصية الثالثة عشرة من أن الوضع الأمثل تفادي وجود بويضات ملقحة زائدة بالاعتماد على حفظ البويضات غير ملقحة للسحب منها، أحاطت الندوة علما بأن ذلك أصبح ممكناً تقنياً وأخذت به بعض البلاد الأوروبية (ألمانيا الغربية) . وعلى رأي الأكثرية الذي خالفه البعض من جواز إعدام البويضات الملقحة قبل انغراسها في الرحم بأي وسيلة، لا مانع من إجراء التجارب العلمية المشروعة عليها، واعترض البعض على ذلك تماماً. وتوصي الندوة بتكوين لجنة لتحديد الضوابط المشروعة.
استخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء والتجارب عليها: ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الأجنة مصدراً للأعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر إلا بضوابط لا بد من توافرها حسب الحالات الآتية: لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر بل يقتصر على الإجهاض التلقائي أو الإجهاض لعذر شرعي. ثانياً: إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة فينبغي أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والحفاظ عليها لا إلى استثماره في زراعة الأعضاء. ثالثا: لا يجوز أن تخضع عمليات زرع الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق. رابعاً: لا بد أن يسند الإشراف على هذه الأمور إلى هيئة معتبرة موثوقة وفي كافة الأحوال يجب احترام جسم الإنسان وتكريمه.(6/1688)
الرئيس:
لماذا حصل الربط يا أستاذ أحمد بين البويضات الملقحة الزائدة عن الحاجة واستخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء والتجارب عليها؟ أليس بينهما فارق كبير؟ ولكن لماذا في العرض مزج بينهما؟
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
لأنه يعتبر البويضة الملقحة بداية الحياة.
الرئيس:
نعم بداية، ولكن الأحكام المترتبة عليها مستقلة قبل أن تكون جنيناً.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
ولكن كان الغرض من العملية هو إجراء التجارب على الاثنين هل يتم أو لا يتم؟
الرئيس:
المهم أنه يعتبر موضوعاً مستقلاً.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
الموضوع الأخير هو موضوع الأعضاء التناسلية، وشارك فيه من الناحية الطبية الدكتور طلعت القصبي والدكتور محمد علي البار والدكتورة صديقة العوضي والدكتور كمال محمد نجيب. وشارك في الأبحاث الفقهية الدكتور خالد رشيد الجميلي والدكتور محمد سليمان الأشقر والدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين.
الموضوع المطروح يختلف، الأعضاء التناسلية تنقسم إلى قسمين: الغدد التناسلية، والأعضاء التناسلية. الغدد التناسلية لها وظيفتان: الأولى: هي إمداد الجسم بالهرمونات سواء كانت الذكرية أو الأنثوية، التي يتشكل بناء على هذه الهرمونات الشكل من الناحية الذكرية أو الناحية الأنثوية. الوظيفة الثانية: هي إفراز الحيوان المنوي، أي البويضة في حالة الأنثى أو الحيوان المنوي في الذكر. هذه الغدد التناسلية، والحيوان المنوي والبويضة يحمل كل منهما الشفرة الوراثية التي تمتد من جيل إلى آخر.(6/1689)
الأعضاء التناسلية الأخرى هي الأعضاء الداخلية والأعضاء الخارجية، وليس لها علاقة عل الإطلاق بموضوع حمل الصفات الوراثية، وتعرضت الندوة إليها في الأحكام الخاصة بهذا الموضوع، لكن ما كان مهما في هذا الموضوع هو موضوع الغدد التناسلية لأن الغدد التناسلية هي التي تحمل الصفات الوراثية. الهدف من هذه العملية هو التغلب على عملية العقم، العقم عند الرجال أو العقم عند النساء. بعض الأشخاص يولدون وليس عندهم مقدرة على إفراز الهرمون وهذا يعتبر مرض ثانوي ويمكن تفاديه بأخذ هرمونات خارجية. البعض الآخر لا تستطيع خلاياه منذ البداية نتيجة خلل موجود إفراز هذه الحيوانات المنوية أو أن هذه الحيوانات المنوية تكون ميتة، وبالتالي فيكون هذا عقم أولي أو رئيسي ولا يمكن التغلب عليه. إذن ليس أمامنا من إصلاح لهذا الموضوع إلا أن يتم نقل خصية للرجل أو نقل مبيض للأنثى. إذا نقل هذا من شخص إلى آخر، حتى من أقرب الأقربين إليه، فهذا يعني نقل كل الصفات الوراثية من هذا الشخص إلى الشخص المتلقي لهذا الموضوع، وبالتالي هنا يحدث خلط للأنساب والأرحام، لأن الصفات الوراثية الموجودة هي لا تخضع للمتلقي ولكن تستمر في إعطاء حيواناتها وشفراتها الوراثية للمتبرع. وبالتالي تم عرض الموضوع بهذه الوسيلة، وطبعاً هناك أبحاث لموضوع النقل، وحتى الآن لم يتم نقل الخصية غير مرة واحدة تم الإعلان عنها من أخ إلى أخيه، أو أظن، من أب إلى ابنه في الصين فقط، ولم يتم إنجاب في هذا الموضوع. أيضاً تم نقل كل جهاز تناسلي من أم إلى ابنتها ولم يتم أيضاً الحمل حتى الآن. الحيوان المنوي يحمل ثلاثة وعشرين كروموزوماً، البويضة تحمل ثلاثة وعشرين كروموزوماً، ولذلك عند الاجتماع والتلقيح يتم جمع ستة وأربعين كروموزوماً التي هي الكروموزومات الخاصة للإنسان البشري.(6/1690)
هذه الجوانب الطبية في هذا الموضوع هناك طبعاً الكثير من التفاصيل على موضوع نقل الأعضاء التناسلية نفسها، ولكنها ليست بالأهمية الكبيرة.
تعرض للموضوع من الناحية الفقهية الدكتور خالد رشيد الجميلي، وتعرض بصفة عامة لهذا الموضوع، موضوع زرع الأعضاء، ولا مجال للحديث عنه لأنه سبق أن بحثه المجمع والمنظمات المختلفة، وصدرت فيه قرارات وتوصيات. وكل ما قاله متفق تماماً مع ما جاء في هذا الموضوع. وعندما أتى إلى موضوع نقل الخصية فقد حرمها تحريماً كاملاً، نظراً لأنها سوف تقوم بنقل الصفات الوراثية في هذا الموضوع.
تحدث أيضاً الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين في هذا المجال وحرم هذا الموضوع، ولكن التحريم كان بناءً على أن هناك تدليساً في هذا المجال واستشهد بالحديث لعن الله النامصة والمتنمصة " ورغم أنه كان هناك اعتراض في الجلسة على أن هذا لا ينطبق على هذا الموضوع إلا أن هناك تحريماً في نقل الخصية ونقل الأعضاء التناسلية.
نأتي إلى الموضوع الهام وهو موضوع الدكتور محمد سليمان الأشقر، وفي بداية بحثه كتب المحاذير كاملة في هذا المجال: أن هناك سوف يكون خلط للأنساب والأرحام، ولكنه تصور خطأ بأنه يمكن الأعضاء التناسلية التي هي الخصية، سوف تخضع إلى المتلقي وليس إلى صاحب الخصية نفسها، وبناء عليه كان أباحها في هذا الموضوع، ولكن كان أثناء حضور الندوة عمل استدراكاً واستدرك هذا الموضوع، والاستدراك موجود أيضاً في داخل هذه الأبحاث التي وزعت على حضراتكم، ووجد أن هذا خلط للأنساب ولا يمكن قبوله من الناحية الفقهية. وشكراً على حسن استماعكم وأرجو أن أكون قد وفقت.
الرئيس:
شكرأ على حسن عرضكم وجزاكم الله خيراً.(6/1691)
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
التوصية
زرع الأعضاء التناسلية: انتهت الندوة إلى أن الخصية والمبيض بحكم أنهما يستمران في حمل وإفراز الشفرة الوراثية المنقولة للمنقول منه، حتى بعد زرعها في متلق جديد فإن زرعهما محرم مطلقاً، نظراً لأنه يفضي إلى اختلاط الأنساب وتكون ثمرة الإنجاب غير متولدة من الزوجين الشرعيين المرتبطين بعقد الزواج.
ثانياً: الأعضاء التناسلية غير الناقلة للصفات الوراثية: رأت الندوة بالأكثرية أن زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي، ماعدا العورات المغلظة، التي لا تنقل الصفات الوراثية، جائز استجابة للضرورة المشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية التي جاءت في القرار رقم امن قرارات الدورة الرابعة لمجمع الفقه الإسلامي المشار إليه سابقاً.
ثالثاً: تدعو الندوة جميع الحكومات الإسلامية إلى أن تسعى لوضع التشريعات اللازمة لضمان تنفيذ هذه التوصيات وشكراً.
الرئيس:
إذا رأيتم أن نتخذ الخطوات الآتية: أولاً: أن يقراً الشيخ عبد الستار أبو غدة التوصيات واحدة واحدة. نقراً الأولى من توصيات الندوة، ثم أرجو أن يكون طلب الكلمة للذين لهم اعتراض على أي من نقاط التوصية. أما المؤيد أو الذي سيثني على الأبحاث أو الندوة هذا لا حاجة لنا في مثل هذه الأشياء، أما الذي له وجهة نظر حول أي شيء من نقاط التوصيات يتفضل بإبداء ما لديه حتى ننتهي من كل واحدة - تفضل يا شيخ عبد الستار.(6/1692)
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
التوصيات
بسم الله الرحمن الرحيم:
زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي: عرضت الندوة لموضوع زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي، ولا يقصد من ذلك نقل مخ إنسان إلى إنسان آخر. والغرض من هذه الزراعة إما لعلاج قصور خلايا معينة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السوي، فيستكمل هذا النقص بأن توع في موطنها من المخ خلايا مثيلة من مصدر آخر. أو لعبور فجوة في الجهاز العصبي نتيجة لبعض الإصابات، كما تستبدل قطعة من سلك تالف بقطعة صالحة. والمصدر الأول للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه، وترى الندوة أنه ليس في ذلك من بأس شرعاً وفيه ميزة القبول المناعي، لأن الخلايا من الجسم نفسه.
الرئيس:
أظن الفقرة هذه تتعلق بالنقل من الإنسان ذاته وإليه. وأظن أن هذه الفقرة لا شيء فيها.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
والمصدر الثاني: هو الحصول على أنسجة من خلايا حية من مخ جنين باكر في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر. وهناك طرق للحصول على هذه الخلايا: الطريقة الأولى: أخذها من جنين حيواني.
الرئيس:
ما معنى باكر يا دكتور أحمد، هذا جنين باكر؟ يعني في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر؟ أهذا هو تفسيره؟
الشيخ خليل الميس:
عفواً أهو مولود أم جنين؟
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
هو جنين.(6/1693)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
الطريقة الأولى أخذها من جنين حيواني، وقد نجحت هذه الطريقة بين فصائل مختلفة من الحيوان، ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي، وترى الندوة أنه لا مانع شرعاً من هذه الطريقة ان أمكن نجاحها.
الرئيس:
هل هناك مناقشة في هذا: النقل من حيوان إلى إنسان.
القاضي محمد تقي العثماني:
حتى ولو كان الحيوان محرماً كالخنزير؟
الرئيس:
حتى لو فرض أنه لا يصلح له إلا ذلك الحيوان المحرم فإنه مضطر.
الشيخ سالم بن عبد الودود:
أستفسر الإخوة الأطباء عن تأثير هذا النوع من النقل على طبيعة الإنسان نفسه هل يتأثر بطبيعة الحيوان؟
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
لم تظهر نتائج في هذا الموضوع، لأن هذا الموضوع كله تحت التجربة كاملاً.
الرئيس:
في الواقع إذا رأيتم أن هذه الطريقة هي من باب الفقه التقديري المعاصر يعنى ما لها واقع في الحياة الآن، فطالما إنها فقه تقديري لماذا نسابق الأحداث؟ هل ترون رفعها؟(6/1694)
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي:
الإبقاء عليها لا مانع منه.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
لتشجيع التجارب.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أنا عندي نقطتان: هذا السؤال الذي وجهتموه فلا داعي للحذف ما دمنا لا نرى فيه مانعاً شرعياً، وما دام محتملاً علمياً بشكل واضح جداً. هذه نقطة، والنقطة الثانية أريد أن أقول: إن أخذ الأنسجة من الغدة الكظرية لا يشترط فيها أن يكون من المريض قسه. يعني طبقاً لفتوانا السابقة يمكن أخذها من أي مريض آخر.
الرئيس:
لكن نحن عندنا في الغدد التناسلية حرموا هذا الشيء أو منعوه، لأنه ينتقل بالوراثة.
الشيخ محمد علي التسخيري:
الغدة الكظرية أين هي موجودة؟
الرئيس:
في الغدد التناسلية.
الشيخ محمد علي التسخيري:
هذه موجودة بالكلى.(6/1695)
الرئيس:
أقول في المبيض، في الخصيتين.
الشيخ محمد علي التسخيري:
نحن ما وصلنا الآن.
الرئيس:
أنا أقول: منعت الندوة بالإجماع، بالاتفاق من النقل نظراً لأن الصفات التي في المنقول تنقل إلى المنقول إليه، فسؤال الشيخ محمد سالم هذا يعني: آدمي لو فرض أنه نقل إليه من خنزير أو قرد أو كلب هو سؤال وارد، هل تؤثر عليه أو لا؟ الأطباء إلى الآن ما نجحوا في هذه العملية حتى يعطوا رأيهم في التأثير من عدمه، إلا إذا كان لدى الإخوان شيء.
الدكتور وهبة الزحيلي:
هل نتوقف حتى يعطوا رأيهم.
الرئيس:
أصل ما وقع حتى نفتي، وعلى كل هذا رأيكم.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
أنا أعتقد أن هذا تشجيع إلى الاتجاه في هذا، لأنه بدلاً من إجراء التجارب على الأجنة الإنسانية لماذا لا يحدث اتجاه في هذا الموضوع؟ وهناك اتجاه الآن حادث موجود، قد يكون هناك رفض مناعي قد يكون أي شيء، أنا أتكلم على نقل خلايا المخ من أجنة حيوانات إلى الإنسان نفسه فأنا رأيي الحقيقة أن لا تحذف هذه، وتبقى موجودة وليس فيها أي ضرر وفيها إجماع.(6/1696)
الرئيس:
هذا رأي ولكن تفادياً لهذا لو يضاف: بأنه لا مانع شرعاً من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها. يضاف عبارة: ولم يحصل لها مضاعفات تؤثر على مقتضاها شرعاً. نعم يضاف مثل هذه العبارة. ولم تترتب عليها محاذير شرعية، أترون هذا مناسباً؟
الشيخ رجب بيوض التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أرى أن الطريقة الأولى يجب حذفها ومنعها. ذلك أنه لا يجوز أن ينقل من حيوان إلى إنسان أي شيء، في الدماغ أو غيره، لأن هذا يؤدي إلى اختلال الإنسان، لأن الله سبحانه وتعالى خص الإنسان بخصائص خاصة لا توجد في الحيوان، وخص الحيوان بغرائز خاصة. فلا يجوز لنا شرعاً أن نخلط بين الإنسان والحيوان في خصائصه وغرائزه، وهذا ممنوع شرعاً، لأن الله سبحانه وتعالى كرم الإنسان وخلقه، وجعل له سرائر وخصائص لا توجد في الحيوان. فلا نريد أن نخلط بين الإنسان والحيوان في نقل شيء من الحيوان إلى الإنسان ولذلك أنا أرى منع هذه الطريقة والتجربة سواء كانت ستنجح أو لا تنجح.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أنا أؤيد ما قاله الشيخ رجب من منع النقل مطلقاً من حيوان إلى إنسان إلا إذا تأكدنا أن المنقول من الحيوان هو مثل ما يحتاج إليه الإنسان تماماً ولا يختلفان في شيء، ولا أظن أن الأطباء يستطيعون أن يقولوا لنا إن نقل خلية المخ هذه أو أي أنسجة منه هي تماثل تماماً ما يحتاجه الإنسان.(6/1697)
الرئيس:
ولكن إذ أضفنا العبارة (ولم يترتب عليها محاذير شرعية) فهل توافق على ذلك؟
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
أرى أن يوضع شرط صحيح (بأن يتأكد الأطباء من المماثلة الكاملة) إذا لم نتأكد من هذا لا أرى أنه ممكن هذا النقل من حيوان إلى إنسان.
الرئيس:
إنه ليس نقلاً مطلقاً يا شيخ، هو زراعة خلايا فقط.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
وهذه الخلايا هي الأصل.
الرئيس:
هذه أمور باطنة ليست نقل يد أو رجل أو عين.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
ولكنها أهم من الرجل والعين فيما أرى.
الرئيس:
لكن خفية.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
إلا إذا توقفت عليه الحياة.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
هي فائدة البحث العلمي هي محاولة إيجاد بدائل أخرى ومحاولة الحصول على أحسن وسيلة، فإذا وجد أن وسيلة الحيوان سوف تضر الإنسان فلن يقدم عليه، وإذا وجد أنها سوف تكون نافعة سوف يستمر عليه. فهذا الشيء جزء رئيسي من البحث العلمي للتعرف على مدى إمكانية هذا الموضوع، إذا وجد أنها متطابقة وإذا وجد أنها سوف تقوم بالوظيفة الكاملة، لا داعي للذهاب إلى الأجنة البشرية فيما بعد، وأنا أعتقد أنه إذا أضفنا جملة (ولا يترتب على ذلك موانع شرعية) أعتقد أنها ستكون كافية.(6/1698)
الرئيس:
المهم هل ترون أنها تبقى بهذا القيد أم أنها تستبعد.
الشيخ محمد تقي العثماني:
تبقى بهذا القيد، لا بأس.
الشيخ محمد علي تسخيري:
عبارة (لا مانع شرعاً من هذه الطريقة إن أمكن إجراؤها ولم تتوفر موانع شرعية) هي عبارة بشرط الموضوع عبارة (لا مانع شرعاً إذا لم يكن فيه مانع شرعاً) فالأولى أن نقول: لا مانع شرعاً من هذه الطريقة إن لم تترتب عليها أضرار بشخصية الإنسان أو على شخصية الإنسان.
الشيخ المختار السلامي:
أو محذور شرعي.
الأمين العام:
هي ستغير، هذا سيرجع للصياغة.
الرئيس:
على كل حال هذا أمر صياغي، لكن أنا في نظري أنه إذا قيل: ولا يترتب عليها محاذير شرعية فإنها تقضي على كل محذور شرعي سواء كان وراثياً أو كان عينياً.
الشيخ محمد علي التسخيري:
ونشير للضرر: إن لم يكن فيها أضرار على شخصية الإنسان المعنوية و......
الرئيس:
أليس هذا محذوراً شرعيأ؟ ونحن نستطيع أن نمد هذه العبارة: ولم يترتب عليها محاذير شرعية كالتأثير على شخصية الإنسان.(6/1699)
الشيخ تقي عثماني:
لو سمحتم يعني هنا لها صلة بالموضوعات الأخرى يعني لا تقتصر على مثال واحد ونقول (كالتأثير على الشخصية) ، بل نقتصر على قولنا: (ذا لم يترتب عليه محذور شرعي) .
الرئيس:
على كل كلمة (ولم يترتب عليه محاذير شرعية) هذا محل اتفاق - الباقي يعود إلى الصياغة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
الطريقة الثانية: أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه بفتح الرحم جراحياً. وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه. وترى الندوة حرمة ذلك شرعا، إلا إذا كان بعد إجهاض تلقائي أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم، وبالشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
السيد الرئيس هل استقر رأيكم على أنه يجوز إجهاض جنين حي لاستنقاذ حياة أمه؟
الرئيس:
أنت من الذين استقر رأيهم في مجمع الفقه بمكة في الدورة القريبة الثانية عشر الأخيرة، هذه التي مضى عليها شهر تقريباً.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
أنا لم أحضر هذه الدورة.(6/1700)
الرئيس:
المهم أن في الدورة الحادية عشر أو الثانية عشر هذه، عرض القرار، وأن حياة الأم مقدمة على حياة الجنين، وهذه ما فيها إشكال.
الشيخ رجب بيوض التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أيضاً فإن الطريقة الثانية محرمة شرعاً، لأنه لو فرض أنه أجهض لأجل المحافظة على حياة الأم لا يجوز الانتفاع بالجنين بعد إخراجه من الأم حياً، لا يجوز شرعاً، أنا أمنع ذلك أنا رأيي أن ذلك أمر لا يجوز شرعاً حفظاً لأن هذا الجنين إنسان سيكون إنساناً له حياة مكرمة وقد كرم الله الإنسان.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
أيضاً في نفس هذا الموضوع، الإجهاض لإنقاذ حياة الأم، الدكتور أحمد ذكر ثلاث طرق: الدواء، والشفط. وفتح البطن وقال: إن الأولى والثانية مستبعدة، لا تصلح يعني لو أخرج الجنين لو أسقط بدواء فهذا لم يصلح لهم في تجاربهم، وكذلك أظن في الحالة الثانية، والذي يصلح هو فتح البطن. أقول: إن الغرض من هذه العملية هو حفظ حياة الأم فأي الطرق أسلم في حفظ حياة الأم؟ إسقاط الجنين عن طريق الدواء أم عن طريق فتح البطن؟ أليس في فتح البطن خطورة أكثر مما لو أعطي الدواء والنتيجة واحدة؟ هل الجنين سيسقط في هذه الحالة.
الرئيس:
هذه منعت يا شيخ، الطريقة الثانية، منع شق البطن لهذا الغرض.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
أقول: إذا تعين الفتح للإجهاض. نحن غرضنا الحفاظ على حياة الأم، وقرر الأطباء أن هذا الجنين إذا لم يجهض، فالأم ستموت، طرق الإجهاض متعددة ومختلفة منها ما هو مأمون، هذا هو ما أريد أن أتثبت منه، هل الإسقاط أو الإجهاض عن طريق شرب الدواء وعن طريق فتح البطن سواء بالنسبة للخطورة؟ في رأيي أن الطريق المأمون هو، إذا كان شرب الدواء يؤدي إلى الإجهاض فلا يجوز أن نصير إلى فتح البطن لأن فيما أعتقد وأرجو أن يصحح الأطباء أن الخطورة في فتح البطن أكثر خطورة من شرب الدواء.(6/1701)
الرئيس:
لكن هذا يا شيخ إسقاط الجنين لاستبقاء حياة أمه، أما إذ اتبع ذلك أن يخرج الجنين بطريقة عملية جراحية بغرض الاستفادة من الجنين فهذا لا شك في تحريمه، ولهذا نفس الطريقة في هذا نصت على هذا الموضوع - اسمع الطريقة الثانية يا شيخ.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه بفتح الرحم جراحياً، وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه، وترى الندوة حرمة ذلك شرعاً، إلا إذا كان بعد إجهاض تلقائي أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم، وبالشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة.
الدكتور أحمد محمد جمال:
أنا أرى أن إجهاض الأم لإنقاذ حياتها مسألة مفروغ منها، أجازها الفقهاء أن نجهض الأم لإنقاذ حياتها، لكن الاستفادة من الجنين المجهض إذا خرج حياً، هل يذبح ويشرح ويؤخذ منه ما يريد أن يأخذه الأطباء؟ المادة الأولى حرمت أن يستفاد من الجنين داخل بطن أمه، وكذلك عندما يخرج حياً منها، والأخرى لإنقاذها إذن فالمسألة سواء.
الرئيس:
لا، لا هنا وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين.
الشيخ أحمد محمد جمال:
إماتة الجنين؟ عندما يجهض ميتاً لا يستفاد منه.(6/1702)
الرئيس:
يعني أنه يعمل على ما من شأنه إماتته فهذا ممنوع.
الشيخ أحمد محمد جمال:
هذا داخل البطن.
الرئيس:
لا خارج البطن.
الشيخ أحمد محمد جمال:
داخل البطن أولاً، لأن فيه عملية يميتونه داخل البطن. عندك مادة كذا وردت: يمات داخل البطن بطريقة.
الرئيس:
يا أستاذ أحمد هل الخلايا تؤخذ قبل الإجهاض؟
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
بعد استخراجه حياً.
الشيخ أحمد محمد جمال:
بعد استخراجه حياً. هذا الذي فهمناه من بعض. لا يستفاد منه، يا سيادة الرئيس، لا يستفاد من الجنين بعد موته هذا ما فهمناه من بعض، سواء كان داخل أو خارج البطن، إذن تستوي الحالتان إذا أجهض داخلياً أو أجهض خارجياً، فحرام لا يمكن أن يذبح الجنين بعد أن يخرج ويستفاد منه مثل الخروف لا يجوز.
الرئيس:
هذا ما فيه إشكال.
الشيخ أحمد محمد جمال:
كيف؟ أنتم أجزتم هذا.(6/1703)
الرئيس:
لا، لا.
الشيخ أحمد محمد جمال:
قلتم داخلياً يحرم.
الرئيس:
هذه نقطة مهمة ونص العبارة هنا فيها شيء من اللبس. وهي قوله: وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه وهذه ممنوعة داخلياً.
الشيخ أحمد محمد جمال:
وهل إذا خرج حياً ذبح؟
الدكتور بهاء:
بسم الله الرحمن الرحيم. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الحقيقة هذه النقطة في منتهى الدقة والأهمية، ولا بد من توضيحها، إذا خرج الجنين حياً وهو قابل للحياة فلا شك أن الاعتداء على هذا الجنين اعتداء على حياة محرمة، لا شك في ذلك، وليس هذا هو المقصود، ولكن المقصود إذا ولد الجنين حياً، لا تزال به نوع من الحياة، وهو آئل للموت قطعاً، وهو لا يصلح للحياة قطعاً، لا يستطيع أن يعيش، عمره عشرة أسابيع، إذا خرج لا يعيش هذا الجنين، اذا خرج وعمره عشرة أسابيع أو ثمانية أسابيع، في هذه الفترة لا يستطيع البقاء إلا أنه قبل أربعة وعشرين أسبوعاً أو ستة أشهر لا يعيش مثل هذا الجنين. فمثل هذا الجنين عند نزوله، ما بين فترة نزوله ووفاته تبقى بعض الخلايا حية، موت الإنسان، قد يموت الإنسان وتبقى بعض خلاياه، هذا الذي يحدث بالنسبة للكل أو غيرها من الأعضاء، تبقى بعض الخلايا وبعض الأعضاء لا تزال حية ولو كانت لدقائق، بعضها دقائق بعضها ساعات، حسب اختلاف هذه الأعضاء. فالمقصود من ذلك أنه ينزل وما يزال به رمق من الحياة، ثم تؤخذ هذه الخلايا في الفترة التي تكون لا تزال هذه الخلايا حية، أما هذا الجنين فهو ميت، يعني لابد أن يفهم أن هذا الجنين ليس جنيناً حياً.(6/1704)
الرئيس:
هو جنين ميت تقديراً يا شيخ، وإلا هو حي بالفعل.
الدكتور علي البار:
لا لا، هو إذا نزل حياً، يعني لا يستطيع البقاء، يبقى دقائق معدودة.
الرئيس:
ما رأيكم لو أضيف العبارة هذه: (وترى الندوة حرمة ذلك شرعاً إلا إذا كان بعد إجهاض تلقائي أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم وليس في الجنين حياة) .
الدكتور أحمد محمد بال:
يا سيادة الرئيس، الفقهاء أوجبوا للأم دية الجنين إذا أسقط بعد أربعة شهور، لأن الروح نفخت فيه، فكيف بعد عشرة أسابيع، فكيف تعتبرونه ميتاً والفقهاء أوجبوا دية الجنين؟، إذا اعتدى رجل على الأم فوضعت فأجهضت تلقائياً، كما تقولون، أليس للجنين دية هنا؟ إذا اعتبره الإسلام حياً.
الرئيس:
هي ديته غرة، هذا واضح ما فيه إشكال، لكن هي ألقته جنين فيه حياة ثم مات، إذا كان الأطباء بإمكانهم الاستخراج منه بإذن والده ليس فيه مانع، مثل قضية المخ كما أفتى به المجمع بالأكثرية.(6/1705)
مناقش:
وليس فيه حياة مستقرة؟
مناقش:
سيادة الرئيس، واضح في الحديث الصحيح أنه لا ينفخ الروح في الجنين قبل أربعة شهور، والعشرة أسابيع دون الأربعة أشهر، لأن الأربعة أشهر ستة عشر أسبوعاً. فإذن هذا لا يعتبر إنساناً، حتى إن بعض الفقهاء أجازوا إسقاط الجنين دون أربعة أشهر.
الدكتور علي السالوس:
وبالشروط التي سترد في موضوع الاستفادة من الأجنة هذه الشروط تقراً الآن في صفحة ستة، نعم لأنها هي تزيل كثيرا من الإشكالات التي أثيرت. لأنه مكتوب هناك: لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام جنين لزرع أعضائه في إنسان آخر بل يقتصر على إجهاض تلقائي أو إجهاض لعذر شرعي، إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار حياته فينبغي أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقائه، في الصفحة السادسة، الكلام الذي قيل: إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار حياته فينبغي أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة عليها لا إلى استثماره لزراعة الأعضاء، لا يجوز أن تخضع عملية زراعة الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق، لا بد أن يسند الإشراف على هذه الأمور إلى هيئة معتبرة موثوقة وفي كافة الأحوال يجب احترام جسم الإنسان وتكريمه.
الرئيس:
على كل فيه نقطة مهمة في الشروط هذه، إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة من الذي يقدر قابلية استمرار الحياة؟ معذرة للدكتور أحمد والدكتور علي البار يوجد عدد من الأطباء دائما في كثير من هذه الأشياء يقررون في الأحياء الكبار على أنهم انتهت حياتهم، وهناك عدد كبير غير قليل من هذه القضايا قرروا وأفتوا أنه ميت وأنه متفسخ وأنه وأنه ومن الذي قرروا فيهم هذا من هم أحياء يرزقون، منهم في وظيفتهم ومنهم من يبيع ويشتري. يعني قضية الإحالة على مجهول إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة من الذي يقدر قابليته لاستمرار الحياة؟ يعني الطبيب نفسه.
الرد من الجميع:
طبيعي الطبيب.(6/1706)
الدكتور علي البار:
فإذا كان الجنين قبل أربعة وعشرين أسبوعاً يعني قبل ستة أشهر فهذا الجنين متفق عليه طباً وشرعاً بأنه غير قابل للحياة المستقرة، قد حكم الإمام علي، كما تعلمون، في قضية معروفة، قضية أمامكم، ستة أشهر أن الجنين لا يعيش مستقلاً إذا ولد، إذا ولد الجنين قبل ستة أشهر فإنه لا يعيش، وعليه أحكام الرجم وغيرها، كما تعرفونها، ما في ذلك شك، غير قضية نفخ الروح، هذه قضية أخرى. فالقضية قبل ستة أشهر لا يعيش مستقلاً، ولكن مع هذا الأطباء يميزون ما بين أربعة أشهر التي تحدث عنها بعد نفخ الروح مائة وعشرين يوماً، والحساب الحقيقة لدى أطباء أمراض النساء والولادة يختلف قليلا عن الحساب منذ لحظة التلقيح لأنهم يحسبون من آخر حيضة حاضتها المرأة وهي تزيد، تعطى أسبوعين آخرين، فإذا قلنا أن المائة وعشرين يوماً تساوي تسعة عشر أسبوعاً ويوماً بالنسبة لحساب أمراض النساء والولادة، وهي في الواقع تساوي سبعة عشر أسبوعاً من لحظة التلقيح. فإذا ولد الجنين في عشرين أسبوعاً فإنه ينزل حياً، ولكنه غير قابل إلى الآن، بالنسبة ما لدينا من معلومات، أنه غير قابل للحياة المستقلة، حتى إذ ابلغ أربعة وعشرين أسبوعاً كان قابلاً لذلك، وربما مع التقدم الطبي تقل هذه المدة إلى عشرين أسبوعاً أو أقل من ذلك، لا ندري، أما المعتبر شرعا فهو ستة أشهر، يعني ستة أشهر من لحظة الحمل.
الرئيس:
لكن في الشروط التي في الصفحة السادسة، لماذا لا يذكر استئذان أبويه، أو ترخيصهما بذلك؟
الدكتور عبد السلام العبادي:
بالنسبة لسؤالكم هذا هو فيه إحالة بالنسبة لموضوع زرع الأعضاء على الشروط التي أقرها المجمع في دورته السابقة التي منها ما تفضلتم وأشرتم إليه، يعني هنالك مجموعة من الشروط كان المجمع حدد فيها الحالات التي يتم فيها زرع الأعضاء.(6/1707)
الأمين العام:
في الصفحة الرابعة: أولاً وثانياً وثالثاً إلى آخره.
القاضي محمد تقي العثماني:
الواقع أن هناك فرقاً كبيراً بين خروج الجنين حياً وبين عدم الأمل في حياته، فالمعهود في الشريعة الإسلامية أن الإنسان إذا كان حياً ونسبة الحياة واحد في المائة ولكن تجري عليه جميع أحكام الحي، وإن لم يكن فيه أمل على أن تستمر حياته، فإذا خرج الجنين حياً، ولو كان الأطباء مطبقين على أنه لا يبقى حياً، ينبغي أن تجري عليه أحكام الحياة ولا يستخرج منه شيء.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
الحقيقة لا يزال الموضوع غير واضح، وغامض، النص هنا يقول: أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم. كلام الدكتور البار مقبول من ناحية الطب إذا كان قبل ستة أشهر، لكن النص هنا لم يقيد، إجهاض الجنين لإنقاذ حياة الأم قد يكون بعد ستة أشهر، فيخرج الجنين وفي الحالة هذه، هل نسمع كلام الأطباء أن حياته ميؤوس منها؟! هذا لا يجوز قطعاً، أما إذا قيد أن هذا قبل ستة أشهر، هنا قد يكون هناك مجال للنظر، ومع ذلك النقطة الأولى التي قلتها ولم يؤخذ بها لا تزال قائمة، هم يقولون: إن الإجهاض عن طريق شرب الدواء، هذا سيخرج الجنين ميتاً ولن ينفع، لا ينفع معهم، ولذلك يريدون أن يلجؤوا إلى فتح البطن، والذي أريد أن أقوله: إن في الإجهاض عن طريق شرب الدواء هذا أدعى إلى حفظ حياة الأم، فلا نصير إلى فتح البطن إلا إذا تعين، وهذا أيضاً سيكون عقبة أمام الأطباء في إجراء هذه العملية. هناك محظوران في رأيي، في هذه العملية، الأول: أنه لا بد من التقييد، هذه مهمة، قبل الستة أشهر، وهنا أيضاً يأتي، لو أجهض بعد عشرة أسابيع، التي يقولون إنها تكون مقبولة. هذه الجزئية، هم يقولون: إنه حي، صحيح إن لم تنفخ فيه الروح حسب النص، لكنه حي، وجمهور الفقهاء، فيما أعلم، يمنعون هذا الإجهاض، إلا إذا تعين لإنقاذ حياة الأم، فلا بد من أن نلحظ هذين الأمرين بالنسبة لستة أشهر، ولا بد أن فتح البطن يتعين طريقاً لإنقاذ حياة الأم، أما إذا كان إنقاذه بشرب الدواء ممكناً فلا نصير إلى فتح بطن الأم.(6/1708)
الرئيس:
أظن قضية فتح الرحم موضحة هنا "أخذها مباشرة من الجنين الإنساني في بطن أمه بفتح الرحم جراحياً، وتستتبع هذه الطريقة إماتة الجنين بمجرد أخذ الخلايا من مخه وترى الندوة حرمة ذلك شرعا".
الدكتور محمد الأمين الضرير:
هي لم تنفع معهم.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
معذرة، هناك طريقة الأطباء هم اقزحوها، لكي نتخلص من مسألة قتل إنسان حي رغم أننا متأكدون أنه سيموت بعد دقائق، ولكي حتى نتخلص من إشكال الشيخ الصديق الضرير، الطريقة التي يقترحونها هي مسألة تبريد الجسم. مسألة تبريد الجسم، صحيح أنهم متأكدون أنه سيموت، الجنين الذي استخرج إما عن طريق الدواء أو طريق فتح الرحم يمكنهم أن يبردوا جسده حتى يتوفى، وحينئذ يدخل في أحكام مسألة نقل الأعضاء من المتوفى، يعني هناك طريقة تبريد هم اقترحوها وهي طريقة ناجحة في هذا المعنى، حتى لو أمكن تبريد جسده، ربما إذا صح ما أقول، ولست طبيباً، في رحم أمه أيضاً، حينئذ يمكن الاستفادة منه.(6/1709)
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
أعتقد أن الأطباء لهم دورهم، وأن الفقهاء لهم دورهم، وأن تدخل أحد القسمين في القسم الآخر يضر بتصور القضية وبالحكم الذي يعطى لها. أن يقال: إنه يقع بالدواء لا بالجراحة، كأن قضية الدواء هي كلمة سهلة، إلا يعلم أن كل دواء له تأثيرات، نجهلها تمام الجهل، على بقية أجهزة الجسم، فإن الطبيب هو الذي إذا ما وجد أنه لا فائدة في الجراحة يستحيل أن يقدم بمبضعه على الجراحة، هذا صحيح، لأن كل عملية جراحية، يشهد كل الأطباء بأن فيها مخاطر الموت وان كانت قليلة لا أقل من 5 % في كل عملية جراحية، ونعلم أن الملك محمد الخامس - رحمة الله عليه - قد توفى إثر عملية جراحية بسيطة على الأنف ولكن مع ذلك القضاء انتهى الأجل.
فقضية متى تقع المداواة بالدواء أو تقع المداواة بالجراحة، لا يقوله الفقيه ولا يهمه هذا، لأن الطبيب هو الذي يحكم وهو الذي يعرف متى يعطى الدواء، وتأثيرات الدواء على بقية أجهزة الجسم، وقبول الأم للدواء وعدم قبولها، وتأثر الجنين بهذا وعدم التأثر، كل هذه الأشياء ما لنا دخل فيها.
الرئيس:
ليس هذا محل البحث يا شيخ مختار لا، لا، ما هذا كلام الشيخ الضرير، كلام الضرير: إلا يكون إخراج الجنين من بطن أمه بعملية جراحية لصالح الاستفادة من الجنين، وإلا لا يا شيخ، أليس هذا هو المراد؟ لا، لا، هذا المراد ليس فيه إشكال. إذا تعين الفتح لإنقاذ أمه فهذا لا مانع منه، أما إذا كان الفتح للاستفادة من الجنين، فلا.(6/1710)
الشيخ محمد المختار السلامي:
لقد قال الشيخ الضرير: أنه لا يقع الفتح لإنقاذ أمه إلا بالدواء أولاً ثم بكذا، هكذا سمعته.
الرئيس:
لا، لا، نحن لم نسمع هذا أبداً.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
ولا زالوا يريدون أن يفتحوا البطن لأنه لا يمكن الاستفادة من الجنين إلا إذا فتحت البطن، لو أعطى الأم دواء، كما سمعت من الدكتور أحمد، لا يستطيعون أن يستفيدوا.
الشيخ محمد المختار السلامي:
وإذا تعين الفتح، هل هناك أمر ضار حتى نمنعه؟
الرئيس:
عندنا أمران، إذا تعين الفتح لإنقاذ حياة أمه أو إذا تعين الفتح للاستفادة طبياً من الجنين.
الشيخ محمد المختار السلامي:
هذا تمنعونه؟ لماذا؟
الرئيس:
نمنعه على حسابهم.
الدكتور محمد سيد طنطاوي:
إن كل ما أريد أن أقوله أني أضم صوتي إلى صوت فضيلة الرئيس، من ناحية أنه إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم واستحالة حياة الجنين، وهذا قيد، ويمنع كل إشكال في تصوري، استحالة حياة الجنين، نضيفها إلى ما هو أمامنا.(6/1711)
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
بما أن الفترة المحددة للاستفادة من هذه الخلايا هي في الأسبوع العاشر أو الحادي عشر، هذا من الشروط الطبية في الصفحة الثالثة، ولذلك لو أضيفت عبارة، بعد ذكر الإجهاض (إلا إذا كان بعد إجهاض تلقائي أو إجهاض مشروع لإنقاذ حياة الأم إذا حصل قبل إتمام أربعة أشهر، يعني ستة عشر أسبوعاً وهم محتاجون في الأسبوع الحادي عشر، فهناك خمسة أسابيع قبل نفخ الروح، وهذا طبعاً تطمئن أكثر، ويكون هناك بعد عن عملية إمكانية الحياة.
الرئيس:
ولكن العملية الجراحية لا بد من تقييدها: ألا يكون العملية الجراحية ...
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
هذه جاءت في القيود في الصفحة السادسة: "لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين ".
الأمين العام:
إن الذي في الصفحة السادسة ينقل هنا، ثم نضيف إليه قضية الأربعة أشهر.
الرئيس:
لا، هنا لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين، ولكن نحن سمعنا من الأستاذ أحمد رجائي على أنه إذا أسقط بالدواء أو بالشفط فلا يمكن الاستفادة منه. أليس هكذا يا دكتور؟ لكن إنه يكون قد أسقط بعملية جراحية، وهذه العملية الجراحية ليست سبيلاً لإنقاذ أمه، وإنما هي سبيل للاستفادة من الجنين، وهذه لا إشكال فيها، هذه مسلمة. لكن إذا كان يمكن إخراجه بدون عملية، فهل يسوغ أن تعمل العملية حتى يستخرج ويستفاد منه؟ هذا السؤال فقط.(6/1712)
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
الشرط الأول: لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر، فهذا الشرط الرئيسي الذي يوضع "لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه".
الرئيس:
لكن يضاف: كإجراء عملية جراحية.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
ولو أن بعض الفقهاء، في أثناء مناقشة التوصيات، اعتبروا فتح البطن جزءاً من عمليات الاسقاط.
الدكتور عبد السلام العبادي:
الواقع هناك موضوعان نفصل بينهما. النقطة التي طرحها الشيخ الصديق الضرير، لدينا حالة وهي أن هنالك اضطراراً إلى إجهاض من أجل إنقاذ حياة أم، لكن صور هذا الإسقاط: إما أن يكون بالشفط أو بالدواء أو بعملية فتح البطن، إذا كنا محتاجين لهذا الجنين، الذي تقرر إسقاطه لإنقاذ حياة أمه، لإجراء تجارب لاستنقاذ حياة إنسان آخر، فهل للأطباء أن يختاروا عملية فتح البطن لهذا الاعتبار؟ الشيخ الصديق الضرير يريد أن يمنع هذا. يعني الحالة هنا حالة إجهاض لغرض إنقاذ حياة الأم، لكن فيه مرحلة لاحقة بعد ذلك، هل تتحكم المرحلة اللاحقة في تفضيل إحدى العمليات الثلاث على الأخرى، وهي عملية فتح البطن؟ هو يريد أن يضيف قيداً على هذا، نقول: إن هذه قضية طبية أصلاً، ممنوع على الأطباء أنفسهم أن يختاروا طريقة أصعب، ما دام فيه طريقة أسهل، إذا أردتم أن تضيفوا قيداً يوضح هذا الأمر، لأنه قد تختلف فيه وجهات النظر. هذه النقطة الأولى.(6/1713)
النقطة الثانية في الندوة حدث خلاف في حينه، في قضية مرحلة نفخ الروح وما قبلها وما بعدها، فهناك بعض الفقهاء رأوا أن إضافة مرحلة نفخ الروح ضرورية حتى لا ندخل في إشكالية القطع باستحالة الحياة أو عدم القطع باستحالة الحياة بالنسبة لتعدد المراحل، لأنه من المعروف أنه ما دام عندنا، في الظروف العادية، حياة، حتى لو كانت غير مستقرة لا يجوز الاعتداء عليها، فلذلك كان توجه عدد من الفقهاء أن النص على مرحلة ما قبل نفخ الروح ضروري حتى لا ندخل في هذا الأمر ومادام هذا يحقق الغرض الطبي، لأن عنوان البحث الأسبوع العاشر أو الحادي عشر، ومرحلة نفخ الروح تصل إلى الأسبوع التاسع عشر، كما أوضح الدكتور البار، إذن لا حرج أيضاً من إضافة هذا الاحتياط إلى جوار قولنا: هنالك قطع طبي باستحالة الحياة قبل ذلك.
الرئيس:
على كل إما أن يتضح البت أو أن يكون الشيخ الضرير مع الأستاذ أحمد يصوغان هذه الفقرة ويعرض في قرار. ترون هذا مناسبأ؟ لأننا عندنا الموضوع طويل جداً، هما سوف يراعيان وجهات النظر التي حصل التداول فيها والمستقبل أمامنا إن شاء الله، القرار أمامنا نقر ما تتفقون عليه.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
الطريقة الثالثة وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ في مزارع، أجيإلا بعد أجيال، للإفادة منها، وترى الندوة أنه لا بأس في ذلك شرعاً، إذا كان المصدر للخلايا المستزرعة مشروعاً.(6/1714)
الرئيس:
فيه نقطة هنا بالنسبة إلي غير واضحة، يا أستاذ أحمد، وهي طريقة قد يحملها المستقبل القريب في طياته باستزراع خلايا المخ، من أين المصدر؟ يهمنا هنا المصدر.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
المصدر سيكون جنيناً ويؤخذ منه خلايا المخ ويتم استزراعها. الجنين في الحالة العادية يستخدم لعلاج مريض واحد فقط، ولكن في الحالة التي نرجوها يتم استزراعها وتنميتها لاستخدامها لأكثر من شخص، يعني تعتبر بنك من البنوك لهذا الموضوع، مرة واحدة فقط هل وضحت النقطة؟
الدكتور محمد عبد الغفار الشريف:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أنا عندي استفسار في القضية هذه، هم قالوا: إذا كان المصدر للخلايا المزرعة مشروعاً. نقول: هذا إذا كان في البلاد الإسلامية، لو نجحت التجربة هذه في البلاد الغربية غير الإسلامية، طبعاً نحن لا نبحث عن مصدر هذه الخلايا عندهم، فهم لا يقطعون، فهل هناك ممنوع شرعاً لو استحضرنا هذه الخلايا من هذه البلاد دون السؤال عن مصدرها هل هو مشروع أو غير مشروع؟ وبهذا أيضاً نتفادى أن نجري التجارب على أبناء المسلمين إذا نجحت الطريقة.
الرئيس:
الذي يظهر أن المراد هنا، كمزاولة العملية أو الاستزراع عندنا، أما إذا كان جلب شيء منته من هناك فهذا ننحرف عنه ونستغفر الله.
الدكتور محمد عبد الغفار الشريف:
يعني نحضر الخلايا أصل الخلايا ونستكمل استزراعها عندنا؟(6/1715)
الرئيس:
أقول: إذا كانت الخلايا من غير بلاد المسلمين هي من جنس اللحم الوارد منهم، طيب هل ترون القيد الذي ذكره الشيخ عبد السلام أنه إذا أضيف قد ينهي المسألة؟
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
يعني نقول: استزراع خلايا المخ التي حصل عليها بالطريقة الثانية، وهي الطريقة المشروعة.
الشيخ رجب بيوض التميمي:
أيضاً الطريقة الثالثة لا تليق بعمل إنساني، ذلك لأن المخ جزء من الإنسان وزراعته، زراعة المخ، أمر لا يليق بكرامة الإنسان، لذلك فإني، أيضاً، أبدي منعي لهذه الطريقة حتى لا نخضع الإنسان لتجارب نحن في غنى عنها، فالحياة بيد الله، والأمر بيد الله، ولا دخل للإنسان لأن يزرع لينتج، هذا أمر ليس من خصائص الإنسان شرعاً، لذلك فإني أمنع هذا ولا بأي قيد كان، وشكراً.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
المولود اللادماغي طالما بقي حياً بحياة جذع مخه، لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته بموت جذع دماغه، ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع، فإذا مات فإن الأخذ من أعضائه تراعى فيه الأحكام والشروط المعتبرة في نقل أعضاء الموتى، من الإذن المعتبر، وعدم وجود البديل، وتحقق الضرورة، وغيرها مما تضمنه القرار رقم (1) من قرارات مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة.(6/1716)
الرئيس:
أنا في الحقيقة، إن رأيتم، في السطر الأول في العبارة (طالما بقي حياً بحياة مخه) ، أنا أقول: لو يعبر (طالما ولد حياً فلا يجوز التعرض له) لأنه إذا قلنا "طالما بقي حيا بحياة جذع مخه، هي الحياة التقديرية حسبما يقرره الطبيب، أن جذع المخ حي أو ميت أو في تفسخ، وإلى آخره، لكن إذا قلنا: طالما ولد حياً فلا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته.. إلى آخره.
القاضي محمد تقي العثماني:
لو سمحتم عندي سؤال واحد موجه للسادة الأطباء، وهو: هل هناك فرق بين هذا المولود اللادماغي وبين الجنين الذي ذكر في الفقرة السابقة، من حيث الأمل في حياته، يعني هل حياة كل منهما ميؤوس منها، فهل هناك فرق بين المولود اللادماغي وبين الجنين الذي أجهض؟
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
حياة الاثنين غير مستقرة.
القاضي محمد تقي العثماني:
إذن فالحكم فيهما ينبغي أن يكون سواء.
الرئيس:
على كل، الجنين الذي أسقط لحياة أمه قد يكون هناك عدة أسباب، يعني أسباب كثيرة لإسقاطه، ليس من الضرورة أن يكون منها لا دماغي أوشيء من هذا القبيل ليس منها.
القاضي محمد تقي العثماني:
لا، الذي أقصد هل هناك فرق بين هذين في استقرار حياتهما؟ إذا لم يكن هناك أمل في استقرار حياتهما فينبغي أن يكون حكم الجنين المجهض نفس الحكم الذي ذكر في المولود اللادماغي.(6/1717)
الرئيس:
الذي يظهر عدم الفرق لأن كلاً منهما حياته محترمة.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي:
تريدون التعديل من كلمة "بقي" إلى كلمة "ولدا". الحقيقة "بقي" أقوى من ولدا لأن "بقي" تعبر عن الولادة حياً واستمرارها.
الرئيس:
نجمع بين الاثنين نقول: "طالما ولد واستقر حياً".
الدكتور محمد عبد الغفار الشريف:
بالنسبة لسؤال فضيلة الشيخ تقي، بالنسبة للطفل هذا اللادماغي يولد سوياً إنساناً بعد اكتمال نموه، بينما للإجهاض، ذكروا أنه يجهضونه في الأسبوع العاشر ولا يعتبر إنساناً نفخ فيه الروح.
الرئيس:
المهم دعونا في العبارة، هل ترون تعديلها بهذه العبارة: "طالما ولد واستقر حياً".
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
"طالما ولد واستقر حياً" وهي تشمل الولادة "طالما بقي حياً بحياة جذع مخه"، فهذا هو التعبير العلمي الصحيح، عبارة "بقي حياً "، هي تشمل وتجب كلمة "ولدا" لأنه لا يمكن أن يبقى حياً ويولد ميتاً.
الرئيس:
ولكن نحن نخشى من عبارة "البقاء" أن يفهم منها البقاء المستمر، أما البقاء المؤقت بأسبوع أو أسبوعين أو بواحد وعشرين يوماً فإنه لا مانع، وذلك حسب تقدير الأطباء. هذا الذي نخشى منه، لكن إذا قلنا: "طالما ولد حياً" حتى ولو قرر الأطباء بأنه سيموت في مدة أقصاها واحد وعشرين يوماً، لا يجوز التعرض له.(6/1718)
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
"طالما بقي حيا بحياة جذع مخه لا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه"، يعني العبارة مستكملة، "إلى أن يتحقق موته بموت جذع مخه ولا فرق بينه وبين غيره من الأسوياء في هذا الموضوع".
الدكتور محمد عبد الغفار الشريف:
أظن العبارة التي تفضلتم بها، وهي: "ولد حياً " أقوى في الاحتياط من "بقي حيا" مجرد ولادته حياً يمنع من الاعتداء عليه، وشكراً.
الدكتور عبد الكريم اللاحم:
المحظور في تقييد العبارة بحياته بجذع المخ، فإذا رفع القيد جاء المطلوب، إذا بقي حياً بدون قيد، ولا يقال بحياة جذع مخه، لأن هذا يأتي منه المحظور.
الرئيس:
إذا رأيتم، مثل ما ذكر الشيخ عبد الغفار "طالما ولد حياً فلا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه ".. إلى آخره.
الدكتور علي أحمد السالوس:
بقية التوصية فيها إشارة لجذع المخ، ولذلك إذا حذفت من هنا فإن الإشارة الأخرى تتصل بها لأنه هنا "بقي حيا بحياة جذع مخه، شطبناها".
الرئيس:
لا هي شطبت لأن الذي في قرار المجمع رقم (1) ، ذاك فيما يتعلق بالإنسان السوي الذي له دماغ ثم طرأ عليه موت جذع الدماغ.
الدكتور علي أحمد السالوس:
في نهاية التوصية مكتوب: "ولا ترى الندوة ما يمنع من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ،، وفيه إشارة أخرى لجذع المخ في نهاية التوصية.(6/1719)
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
قرار المجمع ينتهي عند ثامناً، والذي بعده من كلام الندوة، في الصفحة الخامسة: "ولا ترى الندوة ما يمنع من إبقاء هذا المولود اللادماغي على أجهزة الإنعاش إلى ما بعد موت جذع المخ "، والذي يمكن تشخيصه للمحافظة على حيوية الأعضاء الصالحة للنقل توطئة للاستقالة منها بنقلها إلى غيره بالشروط المذكورة أعلاه.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
العبارة ستكون مختلة تماماً وفيه نقطة مهمة جداً. الجزء الوحيد الذي يدل على وجود حياته هو جذع المخ، ولأنه ممكن أن يوضع على أجهزة الإنعاش يموت ويوضع فوراً على أجهزة الإنعاش، وتستمر عملية التنفس والنبض، إنما هو ميت طبياً لا إكلينيكيا والمفروض شرعياً، فإذا حذفنا هذا الموضوع سندخل في مشكلة أخرى، كأننا نسفنا كل ما كتبناه وما قدمناه. المفروض أن نتخذ جذع المخ كوسيلة لعملية تشخيص الموت، إذا اعتبرناها هي الوسيلة فبعد ذلك يحق لهم بعد هذا التشخيص والتأكد من الموت باستخدام جذع المخ، بعد ذلك يمكن لهم الحق في وضعه على أجهزة الإنعاش للاستفادة من أعضائه حسب الشروط التي وردت في الندوة، وشكراً.
الرئيس:
الموت تقديري بالنسبة له، أما الحياة فهو لا يزال مستمراً على الحياة.
الدكتور عبد السلام العبادي:
للمجمع قرار سابق في هذا المجال وواضح في ذلك، إشارة لذلك القرار حالة المولود اللادماغي أولى من الأسوياء الكاملين، فلذلك لا مانع أن تصبح العبارة "طالما ولد حياً ولا يجوز التعرض له بأخذ شيء من أعضائه إلى أن يتحقق موته " فالشرط الثاني يبقى.(6/1720)
الرئيس:
لعل لجنة الصياغة تتوصل إلى شيء ويعرض إن شاء الله.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
الصفحة الخامسة: البيضات الملقحة الزائدة عن الحاجة: عرضت الندوة للتوصيتين، الثالثة عشر والرابعة عشر، المتخذتين في الندوة الثالثة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت في الفترة من 0 2 إلى 23 من شعبان 1407هـ الموافق 18 إلى 21/4/1987م، ونصها: مصير البويضات الملقحة: إن الوضع الأمثل في موضوع مصير البيضات الملقحة هو إلا يكون هناك فائض منها، وذلك بأن يستمر العلماء في أبحاثهم قصد الاحتفاظ ببويضات غير ملقحة مع إيجاد الأسلوب الذي يحفظ لها القدرة على التلقيح السوي فيما بعد، وتوصي الندوة إلا يعرض العلماء للتلقيح إلا العدد الذي لا يسبب فائضاً، فإذا روعي ذلك لم يحتج إلى البحث في مصير البيضات الملقحة الزائدة، أما إذا حصل فائض فترى الأكثرية أن البيضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع، ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم، وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة. ويرى البعض أن هذه البيضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى، وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي، يبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة، إذ ليس فيه عدوان إيجابي على الحياة. واتفق الرأي على تأكيد التوصية الخامسة في ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام من تحريم استخدام البيضة الملحقة في امرأة أخرى، وأنه لا بد من اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البيضة الملقحة في حمل غير مشروع، وكذلك تأكيد التوصية الرابعة من ندوة الإنجاب أيضاً بشأن التحذير من التجارب التي يراد بها تغيير فطرة الله أو استغلال العلم للفساد والشر والتخريب. وتوصي الندوة بوضع الضوابط الشرعية لذلك، وقد أقرت الندوة هاتين التوصيتين وأضافت إليهما ما يلي:
(أ) بالإشارة إلى ما جاء في صدر التوصية الثالثة عشرة من أن الوضع الأمثل تفادي وجود بيضات ملقحة زائدة على حفظ البيضات غير ملقحة للسحب منها، أحاطت الندوة علما بأن ذلك أصبح ممكناً تقنياً، وأخذت به بعض البلاد الأوروبية، وهي ألمانيا الغربية.(6/1721)
(ب) على رأي الأكثرية الذي خالفه البعض من جواز إعدام البيضات الملقحة قبل انغراسها في جدار الرحم بأي وسيلة لا مانع من إجراء التجارب العلمية المشروعة عليها، واعترض البعض على ذلك تماماً، وتوصي الندوة بتكوين لجنة لتحديد ضوابط المشروعية.
الرئيس:
وهذه التوصيات من الندوة هي ليست قليلة في الواقع فيما يتعلق بالبيضات الملقحة الزائدة عن الحاجة، ثم هي معلقة على وضع ضوابط شرعية، ثم هي كذلك مرتبطة ارتباطاً في قضية الفتيا بالتلقيح الصناعي.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
البيضات الملقحة الزائدة عن الحاجة: عرضت الندوة للتوصيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة المتخذتين في الندوة الثالثة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت ونصها: مصير البيضات الملقحة: ان الوضع الأمثل في موضوع مصير البيضات الملقحة هو إلا يكون هناك فائض منها، وذلك بأن يستمر العلماء في أبحاثهم قصد الاحتفاظ بالبيضات غير الملقحة مع إيجاد الأسلوب الذي يحفظ لها القدرة على التلقيح السوي فيما بعد. وتوصي الندوة إلا يعرض العلماء للتلقيح إلا العدد الذي لا يسبب فائضاً، فإذا روعي ذلك لم يحتج إلى البحث في مصير البيضات الملقحة الزائدة، أما إذا حصل فائض فترى الأكثرية أن البيضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية من أي نوع ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم.
الرئيس:
يعني ليس لها حرمة شرعية من أي نوع من أنواع الحرمة الشرعية ولا من أنواع البيضات.
القاضي محمد تقي العثماني:
لو غيرناها في قرارنا بأن نقول: "ليس لها كرامة الإنسان" يعني ليس لها حرمة مثل حرمة الإنسان الحي، إذن حينما نقول ليس لها حرمة شرعية من أي نوع، فهذا العموم ربما يكون فيه نظر.(6/1722)
الدكتور عبد السلام العبادي:
الواقع فيما يتعلق بهذا الموضوع بالذات، واضح أن هناك إحالة على ندوات سبقت هذه الندوة، وقطعاً لجنة الصياغة سوف تختار أسلوب غير هذا. سوف تعرض إلى قرارات المجمع بشكل مباشر. فيما يتعلق بهذه النقطة لعله يدور حولها حوار للانتهاء منها، هنا الوضع الأمثل في موضوع مصير البيضات الملقحة هو أن لا يكون هناك فائض منها، وطلب في التوصية سنة 1987م أن يستمر العلماء في أبحاثهم، في ندوة الكويت أشير في الصفحة السادسة بالإشارة إلى ما جاء في صدر هذه التوصية أنه أصبح هذا الأمر سهلاً علمياً، وأصبح ممكن الاكتفاء بعملية فصل البيضات من الحيوانات المنوية، فإذا تمت العملية ووصلنا إلى مرحلة عملية الزرع، أجرينا التلقيح دون تحضير لقائح مسبقة، هذا الأمر في الواقع نتصوره أهم نقطة في هذه التوصيات، يعني هل سيتوجه المجمع إلى تبني رأي الأكثرية أم تبني رأي الأقلية فيما جرى من خلاف؟ وشكراً.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
أما إذا حصل فائض فترى الأكثرية أن البيضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم، وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة. ويرى البعض أن البيضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي، يبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة لأنه ليس فيه عدوان إيجابي على الحياة. هذا رأي البعض.
الرئيس:
نحن عندنا رأيان الآن يا شيخ، فلا بد من البت في أحدهما.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
في الواقع ما أردت أن أقوله هو رأي الندوة، فإذا تركت كما هي، يفهم منها أن رأي الأكثرية هو هذا، فقد ينعكس الآن فيكون رأي الأكثرية هو المنع فيكون رأي الأقلية هناك هو رأي الأكثرية هنا. تقييد هنا، أظن، لا بد منه، في "أن الوضع الأمثل في موضوع مصير البيضات الملقحة" لا تترك هكذا مطلقة هذه كانت بحثت، في الحالة الجائزة، في الحالة التي يجوز فيها التلقيح، لو وضع هذا القيد.(6/1723)
الشيخ محمد المختار السلامي:
أعتقد أن الأمر على مستوين: المستوى الأول هو مستوى التورع، وهذا هو الذي ذهبت إليه، كما يتذكر الدكتور أحمد، في مؤتمر القاهرة، وناديت به: إلا يقع التلقيح إلا بعدد البيضات التي ستغرس أو التي ستزرع في رحم المرأة. لكن من ناحية الفقه الحقيقي فإن المرأة عندما تفرز بيضاتها، كل شهر بيضة أو أكثر، ويقع التلقيح الطبيعي داخل الرحم، بعضها ينغرس، وقد لا ينغرس أي شيء. فالتلقيح في البيضة الملقحة حسب خلق الله وسنن الله في الخلق، هي تلقح البيضة بالحيوان المنوي ولكن لا تنغرس، فمتى يبدأ فعلاً تطور البيضة الملقحة من بيضة ملقحة فيها الوحدات التامة إلى بداية حياة إلا عندما تنغرس في الرحم، وقبل أن تنغرس في الرحم هي تخرج مع المسلك وتخرج مع بقية ما يخرج فأصل التلقيح لا يترتب عليه الحياة ولكن الحياة عندما تعلق، هذا ما قرره وما أفهمنا إياه الأطباء. ولذلك قلت: إنه تورعاً نقتصر على عدد البيضات الملقحة، ولكن الإنسان إذا أراد أن يبين الحد الفقهي يبين الحلال والحرام نجد أنه إذا لم تنغرس، إذا وقع التلقيح فقط، فإنها ليست لها أصول الحياة التامة، الحياة التي ستتطور داخل الرحم، لأن العملية نحن نقول تلقيح صناعي، وهو ليس تلقيحاً صناعياً، هو تلقيح خارج الرحم. فالتعبير الصحيح عن عملية (IInvitro) هو (تلقيح خارج الرحم) فالتلقيح هو يقع داخل الرحم بخلق الله ولا تدخل لأي بشر في ذلك، بمعنى تنجذب الحيوانات المنوية إلى البيضة فيقع التلقيح، بعد هذا قد يقدر الله لهذه البيضة أن تحيا فتنغرس، وقد يقدر الله سبحانه وتعالى أن لا تحيا فيسلك مسلك المسالك وتطرح، يقذفها الرحم. كذلك خارج الرحم، عندما يقع التلقيح، هي لا تبدأ إلا عندما تنغرس في الرحم، فلذلك قلت فقهاً فإذا أردنا الفقه فإننا نقول إن البيضات الزائدة لا حرمة في ذلك ولكن تورعاً وباعتبار أن أصل الإنسان هو هذا، قلت إنه يقتصر على واحدة، على العدد اللازم للتلقيح، ولا يضاف إليه شيء آخر.(6/1724)
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
الحقيقة دليل احترام الإنسان، أي دليل أو أي نص يأتي في هذا المعنى، لا يشمل هذه البيضات الملقحة بشكل واضح جداً، يعنى لا نستطيع أن نقول: ذلك الدليل يشمل هذه الأمور. هذا أولاً، ولكن إذا شئنا الاحتياط فنستطيع أن نقول: ما لم يمكن الاقتصار على العدد المطلوب في التلقيح أولاً، ولم يمكن المنع من التلقيح يعني اتباع هذه الطريقة التي اكتشفت أخيراً وهي إبقاء الحيوانين، يعني البيضة والحيوان المنوي مستقلين عن بعضهما وفيهما قدرة التلقيح، ما لم تمكن هاتان الطريقتان حينئذ لا مانع من أن نستفيد من هذه البيضات الملقحة.
الرئيس:
أما الشرط الثاني فهو غير ممكن.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
لماذا؟ قال العلماء يجوز.
الرئيس:
لا يمكن أن يتوفر في نظري والدكتور أحمد رجائي الجندي موجود.
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
هم يقولون هنا أصبح ممكناً تقنياً.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
في الحالات العادية لا يمكن إبقاء الحيوان المنوي بعيداً عن البيضة إلا أن بعض الدول مثل ألمانيا الغربية استطاعت أن تصل إلى هذه التقنية بوسائل معينة، ومعنى ذلك أنها على الطريق وسوف تنتشر في هذا المجال.(6/1725)
حجة الإسلام محمد علي التسخيري:
إذن للاحتياط فنحن نقول: "ما لم يمكن هذان الأمران لا مانع من الاستفادة " يعني احتياطاً فقط، وإلا فأدلة الحرمة لا تشمل هذا الموضوع بلا ريب.
الشيخ محمد المختار السلامي:
لو تسمح، لي عدة أمور جعلتني أتورع من وجود هذه البيضات الملقحة، لأن في كثرتها مشاكل كبيرة، لأنه أصبح يمكن تجميدها، وأصبح التجميد يمكن أن يصل إلى خمسين سنة، ثم إذا جمدت فإن إمكان الاختلاط، مهما يقوم به الإنسان أو مهما تقوم به الهيئات من أخذ الاحتياطات فإنه قد يقع، قد يقع اختلاط، فالمحاذير من تلقيحها وإبقائها كثير،، هذا فيما يتعلق بإبقاء التجميد لمدة طويلة، لكن عندنا، أيضاً، قضية تجميدها لمدة قصيرة بمجرد ما يقع الحمل تعدم هي أيضاً، حل آخر.
الرئيس:
إذا كان نفس التلقيح في أصله، الذي صدر قرار المجمع فيه بالأكثرية، يترتب عليه عدة محاذير، المجمع كان لما أصدر قراره أصدر قراره بشروطه وضوابطه التي رآها مع إيمانه بأن هناك محاذير، يعني رأى توفير هذه الشروط لعلها تستبعد هذه المحاذير التي تكون في ذات التلقيح نفسه، فضلاً عن الزائد. أما قضية الزوائد هذه فترتب المحاذير عليها ما أظنها محل بحث هي، مثل ما تفضلتم، واردة تماماً. في الواقع بالنسبة لي ولعدد من الإخوان الذين توقفوا في طفل الأنابيب أو في التلقيح الصناعي أو تحت أي لقب كان، ليس لنا في هذا الموضوع دخل إلا مجرد الإدارة فقط، لأن المسألة ذمة والمسألة دين، فكل إنسان وما يعتقده.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
الذي يفهم أن الحديث الآن حول جواز إتلاف البيضات الملقحة الفائضة عن الحاجة وليس حول جواز الاستفادة منها وتخزينها في بنك، وليس حول استغلالها والانتفاع بها، هل لها حرمة تمنع من إتلافها أو ليس لها حرمة؟ وحتى المتحفظ من طفل الأنابيب والمتحفز لطفل الأنابيب كلاهما يمكن أن يبت في الموضوع. هل لهذه البيضات الملقحة حرمة أم ليس لها حرمة؟.(6/1726)
الرئيس:
أنا أقول: المتحفظ على طفل الأنابيب هو لا يؤمن بالأصل حتى يبحث في القضية.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
لكن هذا مما يمكنه من أن يصدر فتواه بأنها تتلف.
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الواقع في هذا الموضوع عندما بحث موضوع أطفال الأنابيب أنا أذكر وأشير إليه في الصفحة الخامسة من البحث أني كنت نبهت إلى ضرورة إضافة قيد مبني على الاحتياط في مثل هذه الأمور، وهو أن تكون اللقائح المرشحة بالقدر الذي يفي بعملية أطفال الأنابيب، حتى لا تتولد عنها لقائح فيها الحياة ثم بعد ذلك نقتلها، أو نتيح للأطباء أن يفكروا في الاستفادة منها في زراعة الأعضاء. كما فهمنا من السادة الأطباء في حينه، وخاصة في ندوة الكويت، أن هنالك أبحاثاً تجرى على هذه اللقائح الملقحة، وهذا فيه تحفظ على الكلام الذي أشار إليه الأستاذ السلامي، نعم، الزرع في الرحم أساس في استمرار الحياة وفي بقائها، لكن بظروف مخبرية معينة يجري عملية استبقاء لهذه اللقائح وحفظاً لعملية نموها والاستمرار لها. وجرى بحث طبي، أشير إليه في ذلك اللقاء هو إلى أي مدى يمكن أن تجرى عملية استنمائها وتكبيرها، وقبل دخولها في مرحلة التجميد، وأظن حددت فترة معينة وهي أن لا يصل إلى فترة بدء تكون عمليات الإحساس في هذه الأجنة، مما يعني أن العملية اذا تركت خارج الرحم لا تنفصل عنه الحياة، ويمكن في الواقع وفق إجراءات مخبرية معينة وأبحاث طبية معينة، أن تتم لها عملية استكبار لها خارج الرحم، وتظل فيها الحياة، مما يؤكد أن عملية الحياة تتولد بعملية التلقيح، وأما عملية الزرع في الرحم فهي عملية لاستمرار الحياة والتغذية وغير ذلك، فلذلك في ظني أن رأي الأكثرية في حينه كان بناء على أن الأمر ليس ممكناً من الناحية العلمية، أن تتم عملية حفظ البيضات الملقحة بدون عملية تلقيح، حتى تتم عملية التلقيح قبل بدء عملية الزرع في الرحم، ولكن مادام الآن التقنية العلمية أصبحت ممكنة، الذي يجري الآن في الواقع في كثير من بلاد المسلمين هنالك مطالبة بإحداث بنوك لهذه اللقائح لتحفظ وتستفاد منها، نعم، في إطار الزوجين في البداية، ولكن ما يدرينا بعد ذلك. فالتورع في مثل هذه الأمور يجب أن ينقلب إلى قيود شرعية محددة حتى لا يفتح الباب لإجراءات في هذا المجال.(6/1727)
وأنا التقيت مع عدد من الأطباء المختصين بأمراض النساء في عمان، وبحثنا في هذه القضية، فوجدت عند عدد كبير منهم الآن، بعد هذا الإنجاز العلمي، التوجه إلى إضافة هذا القيد على موضوع أطفال الأنابيب، لأنه في الواقع العملية ليست فقط في زرع الرحم، حتى البيضات هذه التي في أنبوب الاختبار قبل زرعها والذي يجمد ما لا يزرع منها، ما الذي يدرينا أن هذا هو الذي سيعلق بالرحم أو ذاك؟ يعني هذه عملية لاحقة لا يناط بها الحكم الشرعي. لذلك كان توجهي في البحث أن يضاف هذا القيد وأن يمنع إجراء عملية تلقيح أكثر من العدد الذي سيزرع في الرحم خارج الرحم، في المختبرات وغير ذلك، للمحاذير التي أثرت إليها، ويمكن لمن أراد الاستفاضة أن يلحظ ذلك في البحث. وشكراً.
الرئيس:
لعل لجنة الصياغة تلاحظ ما دار حول هذا الموضوع.
الدكتور علي أحمد السالوس:
العبارة هنا الأكثرية أو الأقلية، الآن الرأي مع الأكثرية أو مع الأقلية؟ لأن مسألة أن الوضع الأمثل عدم وجود بيضات أكثر تكون عبارة: استعمالها في البحث العلمي، هذا أعتقد أنه يجب أن نشير إلى منعه، لأن هذا يساعد على انتشار هذا، حتى من باب سد الذرائع، فاستعمالها في البحث العلمي، هذا، نشير إلى منعه، أنا أرى أن الأقلية لعلها تكون هنا الأكثرية.
الرئيس:
يعني: "ويرى البعض أن البيضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان " يعني الشيخ علي السالوس والشيخ الضرير يريان هنا انقلاب الأقلية هنا إلى الأكثرية.
الدكتور علي أحمد السالوس:
ثم زيادة الأقلية أيضاً أن مسألة: (أو استعمالها في البحث العلمي) ، في هذه العبارة أيضاً يجب أن نشير إلى المنع، لأن هذا يؤدي إلى إيجاد بيضات ملقحة للبحث العلمي.(6/1728)
الرئيس:
هل ترون رأي الأقلية في الندوة يعني ما أشار إليه الشيخ علي السالوس؟ الذي مع الأكثرية يتفضل يرفع يده.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
إذا حصل فائض، فإن البيضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة.
الشيخ خليل الميس:
هي ينبغي أن تعدم ماذا سيفعل بها؟
الدكتور عبد السلام العبادي:
الموضوع ليس هذا، الموضوع تبع، الموضوع الأصلي: هل يجوز استلقاح أكثر من لقيحة وتجهيزها في المختبر؟ لأنهم عادة يستلقحون من 6 إلى 9 لقائح لكنهم لا يزرعون في الرحم إلا ثلاثة، فهذه نقطة الخلاف، فإذا أجزنا استلقاح أكثر، فأصبحت القضية الأن لا بد من فائض وعند ذلك رأي الأقلية غير وارد، يعني رأي الأقلية هو منصب على أساس فكرة الاستلقاح.
الشيخ رجب بيوض التميمي:
الأقلية التي منعت هذا لا توافق على أن يكون هناك لا قليلاً ولا كثيراً بالمرة، ولذلك الأقلية لم توافق على أطفال الأنابيب عند رأيها بمنع ذلك، أما الأكثرية فتتحمل مغبة ذلك وتتحمل مسؤولية ذلك أمام الله.
الرئيس:
لكن كلام الشيخ عبد السلام، بالنسبة للأستاذ أحمد، يعني إذا نظرنا إلى الأصل
وهو تلقيح أكثر من واحدة، يعني إذا كانت نسبة النجاح في الموضوع ككل، هي نسبة من 15 إلى 20 %، لكن موضوع التلقيح أكثر من واحدة إلا يقتضيها طبيعة قوة النجاح لمعرفة البيضة الناجحة من تلك؟ حتى لا تفشل العملية.(6/1729)
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
الهدف من عملية تلقيح أكبر عدد هو محاولة إيجاد بدائل للأم فهو يلقح في البداية في المرحلة الأولى عدداً كبيرا موجوداً عنده، يأخذ منه جزءاً ويبدأ في عملية وضعه وغرسه في الرحم، إذا نجحت هذه العملية يبقى عنده فائض.
الرئيس:
المهم أن هذا في دور المحاولات.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
نعم، محاولات إنجاح العملية.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
إني رأيت رأياً آخر هو، أن التوصية كانت: أن الوضع الأمثل هو ألا يعرض إلا ... ثم جاء بعد ذلك في صفحة 6: بالإشارة إلى ما جاء في صدر التوصية الثالثة من أن على الوضع الأمثل، وأحاطت الندوة علما بأن ذلك أصبح ممكناً تقنياً وأخذت به البلاد الأوروبية. إذن فلنقصر الفتوى على المنع أنه لا يلقح إلا القدر المطلوب، ونسكت عن الباقي، يدخل في الممنوع منعاً باتاً، ما دام ذلك أصبح ممكناً.
الرئيس:
إذا ثبت الحكم في الأصل سقط هذان الرأيان، يعني أصبحا غير واردين، لكن لا أدري لماذا لم تتعرض لها الندوة، البحث في الأصل الذي ذكره الشيخ وأنه في بعض الدول الأوروبية أصبح ممكناً، لماذا لم تتعرض لها الندوة وتجعله كأصل في البحث هنا؟
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
الندوة تعرضت له، إنما هذه تقنية حديثة ولم تنتشر، والمشكلة في الموضوع أن الزوج والزوجة يبقيان حوالي ستة أشهر أو ثمانية شهور لحين التأكد من هذا الموضوع، في المرحلة الأولى يدخلان ويوضعان تحت التجارب، ويحاولون استثارة المبيض لأخذ البيضات، وهكذا. إنما الوضع الأمثل هو فعلاً هكذا، ولكن إذا حدث فائض ما هو مصير هذا الفائض؟ هذا هو السؤال.(6/1730)
الرئيس:
الآن البحث هو هل يلقح أكثر من الاحتياج من بيضة؟ هذا واحد. ولكن عندنا نقطة ثانية مهمة وهي التي لفت إليها النظر الشيخ الضرير وهو أنه وجد في بعض البلاد الأوروبية الاكتفاء بالحاجة، ولذا أصبح قضية جعل عدد من البيضات لمعرفة مدى النجاح، أصبح غير وارد. فيبقى عندنا أمران: طالما أنها استحدثت الوسيلة الحديثة هذه بالاكتفاء بحيث تنتفي تلك المحاذير، فهل ترون من ضرورة للفتيا في هذا الموضوع؟ يعني: هل ترون من ضرورة طالما أن الوضع أصبح ربما ينحل طبياً.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أنا عندي الأصل. وصلنا أو لم نصل، لأن قضية الوصول طبياً وإن كان وصلوا، هل تحدث تشوهات أو لم تحدث، هذه كلها، لكن الأصل، عندي أنه لا يجوز أن نلقح أكثر من البيضات المحتاج إليها في كل عملية.
الرئيس:
لماذا ترى الأغلبية أن البيضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية؟
الدكتور عبد السلام العبادي:
في الواقع الندوة لم تدخل في الأصل، في الواقع إن قضية ألمانيا الغربية، كما فهمنا من الدكتور حسان حتحوت في اللقاء، ليس فقط، أشارت أن التقنية أصبحت جاهزة، إنما وضعت عقوبات على الأطباء الذين يلقحون أكثر من العدد اللازم، فإذا كان في العالم الغربي هذا هو التوجه، فكيف نحن لا نتوجه هذا التوجه؟ يعني يجب أن نقول إنه لا يجوز في أطفال الأنابيب تلقيح أكثر من العدد الذي سوف يزرع في الرحم حتى لا ندخل في الإشكالات.(6/1731)
الدكتور عبد الكريم اللاحم:
البحث الآن يدور حول نقطتين: النقطة الأولى هو تلقيح أكثر من الحاجة، وهذا على وفاق بأنه لا يجوز تلقيح أكثر من الحاجة. لكن السؤال الذي يرد: إذا وقعت الواقعة فلقح أكثر من الحاجة فما مصير الفائض؟ وهذا الذي يجب أن يتخذ فيه رأي، وهو الذي اتجهتم للتصويت عليه.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
الأطباء لا يحاولون أن يعملوا تلقيحاً أكثر إلا لعدم وجود تقنية، فإذا وصلت هذه التقنية فستحل هذه المشكلة، ولكن هناك نقطة هامة جداً في الموضوع المطروح الآن: أولاً هل يمكن تلقيح عدد أكبر من هذه البيضات ليس لفكرة الانغراس ولكن لإجراء أبحاث عليها؟ هذه واحدة. وإذا حدث هذا إذا حدث أنه في المرحلة الأولى أخذ عشر بيضات ونجح في واحدة، الباقي ما هو مصيره هل يعدم أم يأخذ مجال الأبحاث؟ وشكراً.
الشيخ الطيب سلامة:
المادة التي يخلق منها الإنسان قبل أن تبث فيه الروح هذه من المواطن التي بحثتها جميع الأديان وأخشى ما أخشاه أن الأطباء في العالم الغربي يمشون بمحاذاة تعاليم الكنيسة التي ترى أن المادة أي الخلية الأولى التي يولد منها الإنسان تحترم مثل ما يحترم الإنسان. في الشرع الإسلامي نحن نخالف هذا نحن نفرق بين الأمرين ونعتبر أن المادة محترمة ولكن ليست مقدسة، فلا تصبح لها حرمة الإنسان إلا بعد أن تنفخ فيها الروح، فأخشى أن تخوفاتنا تمشي إلى أبعد مما ينبغي، إلى أكثر من الاحتياط ومن الحذر ومن الاحترام، إلى القداسة فنقع في الاتجاه الكنسي المسيحي، وشكراً.(6/1732)
الرئيس:
المهم هل ترون أن يرجأ الموضوع أو أن يبحث فيه بفرعيه يعني الذي جرى مداولة فيهما؟
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
أنا رأيي أن يبت في الموضوع على هذا النحو: أولاً (أن الوضع الأمثل) تحذف لأنها توحي بأن هذا الأمثل معناه الأفضل، ويوضع عبارة (وجوب عدم الزيادة عن الحاجة لأن هذا أصبح ممكناً) فهذا هو نص الحكم الأول. ثم بعد ذلك لا مانع من إبقاء الرأيين، أما إذا حصل خطأ أو لأي سبب من الأسباب، فائض، ونصوت على هذين النقطتين، وأظن هذا يحل الإشكال.
الدكتور عبد السلام العبادي:
أنا مع الشيخ الصديق في الشق الأول من الاقتراح، أما في الشق الثاني فيقال: (فتترك للموت الطبيعي) كما مالوا إلى ترجيح..
الرئيس:
بالإشارة إلى ما جاء في التوصية الثالثة عشرة من أن تفادي وجود بيضات ملقحة زائدة بالاعتماد على حفظ بيضات غير ملقحة للسحب منها، أحاطت الندوة علما بأن ذلك أصبح ممكناً تقنياً وأخذت به بعض البلاد الأوروبية الغربية. يعني تمد العبارة شيئاً ما بحيث لا يلقح أكثر من واحدة ثم يأتي النظر فيما لو لقح أكثر من واحدة.
الدكتور عبد السلام العبادي:
نختار الاختيار الأخير تبعاً للأقلية الذي فيه إعدام أو استعمال في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي. فنقول: فتترك للموت الطبيعي.
الرئيس:
على كل الشق الأول انتهيتم منه، يبقى الشق الثاني فيما لو وقع فائض.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
أما إذا حصل فائض فترى الأكثرية أن البيضات الملقحة ليس لها حرمة شرعية ولا احترام لها قبل أن تنغرس في جدار الرحم، وأنه لذلك لا يمتنع إعدامها بأي وسيلة. ويرى البعض أن البيضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي كرمه الله سبحانه وتعالى وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي، يبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة إذ ليس فيها عدوان إيجابي على الحياة.(6/1733)
الرئيسى:
العبارة الأخيرة مفهومة؟
الشيخ خليل الميس:
مطلع العبارة لا داعي له، لماذا نقول (ولا احترام لها) ؟! أظن لا داعي لها.
مناقش:
رأي الأقلية فيه رأيان، وعليه إذا كان رأي الأقلية نأخذ منهما واحداً، وإذا أخذنا بالثاني رجعت للنهاية، لأن الرأي الأول يقول: تعدم، والرأي الثاني الذي هو رأي الأقلية، والأقلية عندهم رأيان بل ثلاثة، أصبحت ثلاثة آراء.
الرئيس:
لكن يبدو أن الاختيار الأخير، وما هو الاختيار الأخير هذا؟
مناقش:
الاختيار الأخير هو تركها وشأنها للموت الطبيعي.
الدكتور محمد عطا السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد الله رب العالمين، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك.
أنا أوافق على ما جاء في الاقتراح في صورته النهائية، ولكن يبدو أنه خرج عن موضوع البحث، وأنا أرى أنه من الصالح طبعاً إلا نحرم باحثين من موضوع الاستفادة منها في الأبحاث، فأرجو أن تضم بطريقة معينة، أنه إذا بقيت مثل هذه البيضات أن يستفاد منها إلى البحث بتحوطات شديدة جداً، ثم بعد ذلك يترك الباقي للموت الطبيعي.
الرئيس:
يعني ترون أن تكون العبارة: ويرى المجمع أن البيضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي كرمه الله تعالى وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها للموت الطبيعي، فإن تركها لشأنها ...(6/1734)
الأمين العام:
يجب أن تصاغ هذه الفقرة من جديد.
الرئيس:
كلمة: (يبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة إذ ليس فيه عدوان إيجابي على الحياة) .
الشيخ عبد الغفار الشريف:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أنا أسأل الأساتذة الذين قالوا: (نتركها وشأنها لتموت) كيف نتركها؟ في أنابيب الاختبار؟ إذن، مثلاً نعطل مصالح الأطباء من الاستفادة من هذه الأشياء ولو ألقيت، مثلاً أكرمكم الله، في الزبالة. فهذا إتلاف لها، هذا طبيعي. الإسلام إذا أردنا أن نقول مثل هذا الكلام، إذن أصل الإنسان أصل سلالة الإنسان نطفة وهي حية، فإذاً هل هذه الحياة المحترمة؟ الإسلام احترم أنواعاً من الحياة فالاحترام الذي يكون للنفخة الروحانية التي من الله عز وجل، أما مثلاً، حياة الحيوان لمصلحة الإنسان فهي مهدرة، حياة النبات لمصلحة الإنسان فهي مهدرة. فأنا أؤيد رأي الأخ الشيخ عطا في الاستفادة من هذه، وكثير من العلماء أجازوا الاستفادة من الإنسان الميت، مثلا التشريح الجراحي حتى يكون هذا للاستفادة طبياً، فلماذا لا نستفيد في الأغراض الطبية من أمور مثل هذه.
الرئيس:
نعم ولكن هو يأتي في بحث آخر، قضية إرجائها للاستفادة، إلا يؤدي إلى استغلالها؟
الدكتور محمد عطا السيد:
يا سيدي الرئيس أنا ذكرتها في الاقتراح الذي قلته "مع تحوطات شديدة" وما واجبنا إلا أن نذكر الحاصل ثم بعد ذلك مسؤولية المتصرفين في هذا الشأن.(6/1735)
الرئيس:
الناس يهمهم المبدأ، إذا وجد المبدأ نسفوا التحوطات والشروط، فالقضية تتعلق بالنوع الإنساني، بكرامة بني آدم، ولا تتعلق بإنسان في ثاني حال، فربما الإنسان يضع الشروط والمواصفات، لكن هذا الشيء يتعلق بأصل الخلقة الآدمية.
الدكتور محمد عطا السيد:
أنا أخشى، من زمان، من أن الباحثين الإسلاميين المختصين لهم حق، أيضاً، للاستفادة منها في البحوث.
الرئيس:
إذا استغلت تلك البييضات الملقحة قد يحدث كثيراً، والأن أكثر ما تشكو مراكز التوليد من هذه أو مراكز الإنجاب، أكثر القضايا التي تقع فيها من الناحية هذه وهي كثيرة. المهم ماذا أتممتم عليه وانتهيتم عليه؟ القضية الأولى انتهينا منها وهي الأصل ولكن الآن بقي فيما لو وقع التلقيح بأكثر.
الشيخ محمد المختار السلامي:
تترك لشأنها لتموت، لأنه إذا جعلنا أن عندها غاية إنسانية رفيعة فلا بد أن نبيحها من الأول.
مناقش:
تعدم.
الرئيس:
الذي يرى أنها تعدم يرفع يده. إذن الأكثرية على أنها تعدم.
الدكتور عبد السلام العبادي:
إذا اعتبرنا أنها بداية الحياة فالقول بأنها تعدم، يفهم منه اعتداء على الحياة، أما تركها وشأنها للموت الطبيعي فهذا أفضل، وهذه قضية لا تطول.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
هل هي حية أم ميتة؟ إذا كان الإعدام حصل عليها وهي ميتة، فلا مانع، ولكن إذا كانت حية فلمإذا تعدم؟ نريد أن نسمع كلام الأطباء.(6/1736)
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم:
إخواني، الفقرتان متمايزتان، الأولى تشير إلى رأي الأكثرية وقد قرأناها مراراً وانتهينا منها، والثانية تشير إلى رأي الأقلية وهي بهذه الصيغة: (ويرى البعض أن البيضة الملقحة هي أول أدوار الإنسان الذي كرمه الله تعالى، وفيما بين إعدامها أو استعمالها في البحث العلمي أو تركها لشأنها لتموت يبدو أن الاختيار الأخير أخفها حرمة) ، يظهر لي أن الصياغة ليست جيدة، ينبغي أن نعود إلى صياغتها، وذلك مع الإبقاء على عنصرين: قضية الإعدام أو تركها لشأنها، هذا شيء واحد في النهاية لأنها ستذهب، سيقع إتلافها، لكن الذي ينبغي أن نلتفت إليه هو العنصر الثاني وهو استعمالها في البحث العلمي، ونحن ما بحثنا هذه القضايا إلا من أجل هذا الغرض، فعندئذ ينبغي أن نشير، في اعتقادي وهذا اقتراح، أن الفائض من البيضات الملقحة، الذي منعناه شرعاً من تكرره أو تزايده، وأنه ينبغي أن يكتفى بما سيلقح، هذا الذي سيلقح إذا حصل فإنه يترك ليموت وهو الموت الطبيعي، أو يستخدم في الأبحاث العلمية، أما أن نلغي قضية الأبحاث العلمية، فهذا ما لا دليل عليه ولا فائدة منه، فإذن لا نبحث هذا الموضوع أصلاً.
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
إذا غلب على الظن أو خطر في البال أن ماء الرجل ستستدخله امرأة أخرى لتستفيد منه إلا ينبغي عليه أن يتلفه؟ يتعين عليه أن يتلفه.
الرئيس:
الحقيقة أنا أخشى أن يطول الوقت دون نتيجة، لكن أنا عندي وجهة نظر وهي أن كل إنسان من أصحاب الفضيلة الفقهاء يكتب وجهة نظره في القضية ويعطيها لجنة الصياغة للشيخ عبد الستار.(6/1737)
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
لكن هناك نقطة نرغب أن نستفسر عنها الأطباء، هذه البيضات هل هي حية أم ميتة؟
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
حية طبعاً، وإلا فإن الحيوان المنوي لا يمكن أن يلقح إذ لا يتم له ذلك إلا إذا كان حياً، فالبيضة كذلك ولكنها نوع من الحياة.
الرئيس؟
كم مضى عليها؟ يا شيخ
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
الحيوان المنوي عند إسقاطه ويتحد معه البييضة، ولا يمكن أن يتحدا إلا إذا كان حياً.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
إذا كانت حية، السقط إذا سقط حياً لا نرميه في الزبالة، لأن ذلك معناه أنك قتلت هذا الحي، فكيف نستعمل هذه الكلمة؟ كيف نقول بإعدامه؟
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
إن الحياة التي تكتسبها البيضة بالتلقيح لا تزيد على حياة الحيوان المنوي أو حياة البيضة قبل التلقيح. فهي ليست الحياة الشرعية المعتبرة، فهل إذا احتلم الإنسان لا يجوز له أن يغسل المني؟!
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
سؤال آخر للأطباء، في أي أسبوع؟ هل هو دخل في الأسبوع العاشر مثلاً؟ في أي أسبوع؟ الفترة التي نريد نعدمها فيها، وهل هي صحيح كالمني مثلا؟
الرئيس:
هذه البيضات الملقحة كم مضى عليها؟(6/1738)
الدكتور علي البار:
هذه البيضات الملقحة، والسؤال كان بين الأطباء، هل تستنبت؟ فأقصى ما سمح به بعض الأطباء في بريطانيا وغيرها مدة أسبوعين فقط، لأنه بعد أسبوعين تبدأ بداية تكوين الجهاز العصبي أو الذي سيكون الجهاز العصبي مستقبلاً. فبنوا على ذلك أن أقصى مدة يمكن فيها إبقاء هذه البيضات الملقحة هو أسبوعان فقط، وفي هذه الفترة يمكن إجراء التجارب عليها، حتى عند بداً الأسبوعين، فقط، أما ما بعد الأسبوعين فلا يجوز عندهم.
الرئيس:
الوصف بالحياة كم مضى عليها من أسبوع؟
الدكتور علي البار:
أسبوعان فقط، يا سيدي، طبعاً كلمة حياة مختلف فيها.
الرئيس:
هي حياة نسبية، هي ليست الحياة، مثل ما ذكر الشيخ محمد سالم، هو الآن تطابق مع رأي الأطباء، الآن هي حياة نسبية لهذه البيضة وأنها في حدود أسبوعين، وهذا حتى نتفاهم مع الشيخ الصديق حول المدة.
الدكتور علي البار:
الذين يقولون بإعدام البيضة لا يسمحون ولو بيوم واحد بعد ذلك. فهناك رأيان في هذا الباب. الرأي الذي يسمح بها إلى مدى أسبوعين فقط، والرأي الآخر الذي يقول بإعدامها أو إتلافها لا ينميها مطلقاً ويجعلها تموت مباشرة، لا يرى إبقاءها لمدة يوم واحد. وهذا هو الرأي المذكور ها هنا في إعدامها أو تركها لتموت حتى لا تنمو، إذا لم توضع في محضن خاص فإنها سوف تموت خلال ساعات معدودة.
الرئيس:
لكن المهم في الواقع من خلال الكلام الدائر أن هناك أمراً هو من الأهمية بمكان، وهوأن قضية الإبقاء لهذه البيضات يخشى أن يترتب عليه، بل قد ترتب عليه استغلالها واستنجابها إلى جهات أخرى، فهذا هو الخطر الدائم الكبير في هذا الموضوع، وطالما أن الحياة هي حياة نسبية فإذا رأيتم أن رأي الأكثرية الذي هو أنه لذلك لا يمتنع إعدامها) يصير (وإنه لذلك يتعين اعدامها) .(6/1739)
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
إذا كان بهذه الصفة يبقى المعنى واحداً، إذا تركت لتموت في ظرف ساعات، أو أعدمت، يبقى لا فرق بين الأمرين. وقد قلت في الأول لها حياة.
الدكتور عبد السلام العبادي:
هو الواقع، كما أوضح الأطباء، أن اللقيحة يمكن أن تستنبت خارج الرحم ولفترة مازالت خاضعة للبحث العلمي، ولذلك إذا لم تجر عملية المحافظة عليها بغرض الاستنبات فهي ستموت لوحدها في وقت محدود، فلذلك القول بتركها لشأنها لتموت الموت الطبيعي فهذا قد لا يتجاوز ساعة أو ساعتين، وأرجو أن يوضح ذلك الأطباء. فالقول بأننا لا ننتظر ساعة أو ساعتين، بل فوراً نعدمها.
الرئيس:
ولكن هذه الحياة، يا شيخ عبد السلام، يترتب عليها حكم شرعي فيما لو أعدمت؟ وهي مرحلة خارج جدار الرحم. الآن في الخارج.
مناقش:
لو سمحت سيدي الرئيس تقراً المادة الأولى: وترى الأكثرية أن البيضات الملقحة ليست لها حرمة شرعية.
الرئيس:
لو رأيتم كما قلت سابقاً: كل يدون رأيه ويحرره ويقدمه إلى لجنة الصياغة وعلى ضوئه يبت في الأمر.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
واتفق الرأي على تأكيد التوصية الخامسة في ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام، من تحريم استخدام البيضة الملقحة في امرأة أخرى، وأنه لا بد من اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البيضة الملقحة في حمل غير مشروع، وكذلك تأكيد التوصية الرابعة من ندوة الإنجاب أيضاً بشأن التحذير من التجارب التي يراد بها تغيير فطرة الله أو استغلال العلم للشر والفساد والتخريب. وتوصي الندوة بوضع الضوابط الشرعية لذلك.(6/1740)
الرئيس:
الحقيقة إذا أخذ بالرأي الأول وهو إعدامها انتهت هذه كلية.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
هناك رأي آخر وهو أيضاً رأي الشيخ الحبيب، الاستفادة منها في الأبحاث.
الرئيس:
لكن إذا كانت هذه المخاطر الآن موجودة أنها تستغل في رحم امرأة أخرى؟
الأمين العام:
هذه مطروحة وغير واردة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
قضية المخاطر أو سد الذرائع. عندنا الذرائع القليلة والبعيدة لا تسد، ومنها التجاور في البيوت، فالتجاور في البيوت هو قطعاً يترتب عليه سهولة الزنا، لكن هذا أمر ألغاه الشرع، فالقضية القليلة جداً هي لا تعتبر أصلاً، فلا بد من توافر شروط وأنه لا أمانة في الطبيب ولا أمانة في المستفيد وأنه لا دين لهم جميعاً، هذا أمر ليل.
الأمين العام:
النظر إلى الضوابط الشرعية، نضبط ولو بصورة مجملة، هذه الضوابط الشرعية التي ينبغي أن يعتمدها المجمع لتكون أساساً للتعامل أو لمثل هذه التصرفات، نكون لجنة تضع إلى جانب الصياغة الضوابط الشرعية كما تراها، ونعرضها على الإخوة الحضور.(6/1741)
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
صفحة (6) وقد أقرت الندوة هاتين التوصيتين وأضافت إليهما مما يلي: بالإشارة إلى ما جاء في صدر التوصية الثالثة عشر بأن الوضع الأمثل على رأي الأكثرية من جواز إعدام البيضات الملقحة قبل انغراسها في الرحم بأي وسيلة لا مانع من إجراء التجارب العلمية المشروعة عليها، واعترض البعض على ذلك، وتوصي الندوة بتكوين لجنة لتحديد ضوابط المشروعية.
الرئيس:
لتكن هي لجنة الصياغة إذ فيها الأطباء وفيها الفقهاء، ثم هذا يترتب على ما يرد إليكم من كتابات المشايخ حول آرائهم في الإعدام أو في البقاء، فإذا تجهت الأكثرية إلى الإعدام انتهى، ومن يرى البقاء يحدد له الضوابط الشرعية التي يراها.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
استخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء والتجارب عليها: ترى الندوة أنه لا يجوز استخدام الأجنة مصدراً للأعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر ألا بضوابط لا بد من توافرها حسب الحالات التالية:
- لا يجوز إحداث إجهاض أو إجراء عملية جراحية للأم من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر بل يقتصر على الإجهاض التلقائي أو الإجهاض للعذر الشرعي.
- إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة فيجب أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة عليها لا إلى استثماره لزراعة الأعضاء.
- لا يجوز أن تخضع عمليات زرع الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق.
- لا بد أن يسند الإشراف على هذه الأمور إلى هيئة معتبرة موثوقة.
- وفي كافة الأحوال يجب احترام جسم الإنسان وتكريمه.
- زرع الأعضاء التناسلية: أولاً - الغدد التناسلية.(6/1742)
الدكتور عبد السلام العبادي:
إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة فينبغي أن يتجه للعلاج الطبي لاستبقاء حياته والمحافظة عليها نحن في الحديث عن زرع الدماغ أضفنا "قبل مرحلة الأربعة أشهر " فلا بد أن يلاحظ هنا، لأنه إذا كان بعد الأربعة أشهر، وقال الأطباء: إنه سيموت، فهل يجوز الاعتداء عليه وما زال فيه حياة؟ انتهينا إلى أنه لا يجوز، إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة في أي مرحلة؟
الشيخ محمد المختار السلامي:
في جميع المراحل.
الدكتور عبد السلام العبادي:
هذا فيه خلاف
الشيخ محمد المختار السلامي:
إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة في أي مرحلة، فلا يقع التعدي عليه، أهذا فيه خلاف؟
الدكتور عبد السلام العبادي:
إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة وكان عمره ستة أو سبعة شهور في رحم أمه، وجرت عملية إجهاض ويرى الأطباء أنه ما زال حياً، كل مظاهر الحياة كاملة فيه، ولكن لديهم قطع طبي، لخلل طبي معين، أنه سيموت، فهل يجوز أن نأخذ من أعضائه قبل أن يموت؟
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
يجب أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة عليها.
الدكتور عبد السلام العبادي:
لا بد من التنبيه إلى الشق الآخر منه لأنه قد يفهم هنا بمفهوم المخالفة: إذا كان غير قابل لاستمرار الحياة، معناه يجوز زراعة الأعضاء، نحن نتكلم على زراعة الأعضاء متى يجوز أن نأخذ من الجنين ومتى لا يجوز؟ قلنا إذا كان قابلاً للاستمرار في الحياة نكمل واذا كان غير قابل لاستمرار الحياة هل نأخذ بإطلاق وإلا هناك تفصيل؟ هناك تفصيل في الواقع، وهو ما أشرنا إليه عند قضية الاستفادة من دماغه، فلا بد أن توضع فقرة أخرى، إذا لم يدخل عليه تعديل، لا بد أن توضع فقرة أخرى: "وأما إذا كان غير قابل لاستمرار الحياة فلا يجوز الأخذ منه إلا إذا كان عمره كذا" التي انتهينا إليها في النقطة السابقة.(6/1743)
مناقش:
ذاك خاص بزرع الدماغ.
الدكتور عبد السلام العبادي:
ليس خاصاً فقط بزرع الدماغ، فيه أشياء أخرى غير زرع الدماغ مثل الكلى والأشياء الأخرى.
القاضي محمد تقي العثماني:
في الواقع ما أشار إليه الشيخ عبد السلام هو مهم جداً، إذن نستبقي هذه الفقرة كما هي ونضيف فقرة أخرى بما تفضل به الشيخ عبد السلام.
الأمين العام:
خصوصاً وقد وقع التداول في الأمر من قبل.
زراعة الأعضاء التناسلية
أولاً: الغدد التناسلية
الدكتور أبو غدة:
بعد زرعهما في متلق جديد فإن زرعهما محرم مطلقاً نظراً لأنه يقضي إلى اختلاط الأنساب وتكون ثمرة الإنجاب غير متولدة من الزوجين الشرعيين المرتبطين بعقد الزواج.
الدكتور عبد الحليم الجندي:
هذه الصياغة تتنافى مع صياغة قرار - نمرة (1) قرار المجمع في 6/11/1988م. جاء في صدد هذه الأعضاء بالذات ما يلي: أما ما تتوقف عليه الحياة فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والمورثات والشخصية العامة، كالخصية والمبيض ... وخلايا الجهاز العصبي. بينما الذي جاء في ندوة الكويت، انتهت الندوة إلى أن الخصية والمبيض بحكم أنهما إلى آخره ... يستمران في حمل وإفراز الشفرة الوراثية إلى آخره، النص القرآني يقول - وهذه مسألة أرجو أن تضعوا لها احتياطاً كبيراً جداً -: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} وقالوا في كتب التفسير كلها أن الصلب هو صلب الرجل وأن التريبة هي ترائب المرأة وعظام الصدر.(6/1744)
وفي بعض كتب التفسير، أو بالأحرى في كتاب البيضاوي، يشير إلى أن العقل له دخل في ذلك، وإلى أن الدماغ هو ممثل العقل، ويفهم منه أن العقل يرسل إشارة إلى الجسم ليفرز هذه الإفرازات جميعاً، إذن ليست الغدد التناسلية هي فقط الخصية والمبيض، وإنما هي، الذي أمامي ولا بد أن أحترمه جداً، لأننا نرى أننا عثرنا على إعجاز قرآني، وهو الآن موجود في كل مكان، ويدرس في الجامعات الطريقة التي خلق بها الإنسان في القرآن، ومنها لا شك: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} إذا اعتمدت أنا هذه الصيغة وقصرتها على الخصية والمبيض فأين الصلب والترائب؟ الصلب هو صلب الرجل وهو الذي يوجه هذا الإفراز كله، إذا اعتمدت هذه الصيغة سوف تتضاءل آيات القرآن في قوتها عندما يقرأ ذلك وسيشكك في تفصيلنا. أنا أعتبر أنه ممكن أن أجمع وأريح ندوة الكويت، إذا كتبتها حسب ما يأتي:
(انتهت الندوة إلى أن الأعضاء التي تستمر في حمل وإفراز الشفرة الوراثية للمنقول منه حتى بعد زرعها في متلق جديد ومنها الخصية والمبيض والمخ إلى آخره) .
الرئيس:
لكن يا شيخ أنا كنت أقول إن العنوان يحدد البحث وهو: زرع الأعضاء التناسلية: أولاً الغدد التناسلية. فهذا طالما حددنا الغدد التناسلية ونحن في محيط الغدد التناسلية والبحث فيها.
الدكتور عبد الحليم الجندي:
ولكن الغدد التناسلية ليست وحدها هي التي تعطي التناسل وإنما الإشارة، الشفرة، التي تقوم على هذه الشفرة الآتية من المخ هكذا يقول البيضاوي على الأقل، هكذا فهمه الشيوخ القدماء ... الآن في أي تفسير يستبعد الصلب والترائب، هذا خطر، أرجو أن يحسب حساب لهذا الذي ورد في القرآن: {خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} إلى آخره، فتركها الآن والقصر على الخصية والمبيض أرى أنه ينسي القارىء.(6/1745)
الشيخ علي التسخيري:
أريد أن أوضح فكرة في الأمر، وأن يعذرني السادة إذا كانت هذه الفكرة قد تصدم السوابق أحيانا. اختلاط الأنساب لها منشأ واقعي من مسائل الغدد التناسلية، لكنه مبدأ يراد به تنظيم العلاقات الاجتماعية، هذه حقيقة كاملة، والمنظور فيه تحديد الأنساب بشكل طبيعي بين أفراد الإنسان. أما ونحن أمام هذه الحالة حالة انتقال عضو، خصية، أو ما إلى ذلك، من إنسان إلى إنسان آخر، ويتحول هذا العضو إلى عضو كامل من الإنسان المنتقل إليه في نظر العرف حتى لو قال العلم أن المتلقي سوف لن يترك أثره على هذا المعنى، وأشك كثيراً في ذلك، لأن هذا المتلقي هو حتى لو قال، لا أريد أن أشكك فيه، لكنني أشك، حتى لو لم يؤثر فهو الواقع وفي نظر الناس عرفاً هو جزء من هذا النسب، ودخل كعضو من هذا الإنسان الآخر بشكل كامل، لم يختلط هنا نسب بنسب ولم تلتحم هنا سلالة نسبية بسلالة أخرى. أعتقد أن هذا المعنى مطروح وينبغي دراسته بقوة بدل أن نحرمه تماماً بعد أن تحول إلى عضو كامل حتى لو قال العلم إنه سوف لن يؤثر المتلقي عليه هو يصبح عضواً في نظر العرف أصبحت خصية هذا الإنسان الآخر، وأصبح مبيض هذا الإنسان الآخر، لا يمكن أن نقول لا، ليست خصيته، صارت والتحمت وتفاعلت مع كل البدن عرفاً.
الرئيس:
هي نقلت تفاعلات هي ما تفاعلت معناه إذا صار أصحاب الاختصاص يقولون بالانتقال فما قيمة الشك أمام كلام أصحاب الاختصاص؟
الشيخ علي التسخيري:
يقولون: لا تأثير للمتلقي، لكن في نظر الناس وفي نظر العرف، هذا جزء من الإنسان الآخر أم لا؟ ما دام حياً يتفاعل مع هوائه.(6/1746)
الدكتور عبد الله محمد عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما تفضل به الشيخ علي التسخيري، والمتحدث قبله في الواقع له شيء من الحق أو مسحة من الحق، أو هو الحق كله. في الواقع عندنا نصان من نصوص الشارع، وأنا أقف عندهما كثيراً، النص الأول: حديث الرسول عليه الصلاة والسلام ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)) والنص الآخر قوله تعالى: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} الشيء كما يقول الأطباء صحيح، ولكن لم يعتد الشارع به لاختلاط الأنساب، النسب: (الولد للفراش) بمعنى أن المرأة المتزوجة إذا أتت بولد من الزنا، الولد ينسب للفراش ألا أن ينفيه بلعان أو نحوه. ما يقوله الأطباء سليم مسلم، المسألة الأخرى: ما تفضل به الشيخ علي التسخيري: إذا نقل عضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر وتفاعل معه وأخذ يتحرك بحركته ويعيش بحياته هذا، فأصبح جزءاً منه، والمثل القريب من هذا فقهاء الشافعية نصوا في كتبهم على أنه إذا نقل عظم من امرأة إلى يد إنسان والتحم معه وتفاعل معه واكتسى اللحم أصبح جزءاً منه وذكروا هذا في مسألة نقص الوضوء. لمس المرأة ينقض الوضوء، لمسها أو جزء منها. ولكن إذا التحم هذا العظم بجسد المنقول إليه أصبح جزءاً منه. وانتفى منه ذلك الحكم. وشكراً.
الشيخ أحمد محمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أنا تعرضت إلى هذه المسألة في بحثي عن نقل الخصية لا يجوز، وقلت في ذلك إن الرأي رأي الأطباء لأنهم ذوو الاختصاص، وليس رأي الفقهاء. وذكرت وأشرت إلى أن الشريعة الإسلامية تقدم شهادة أولي الخبرة في الأمور الشرعية مثلاً لو امرأة شهدت بشيء فيما يتعلق بالنساء، بالحمل والوضع إلى آخره، وعيوب النساء، تقدم شهادة المرأة على شهادة الرجل لأنها ذات خبرة في أمور النساء، ذكرت ذلك في بحثي. أما ما يقال: إن هذا لا يؤثر، هذا شيء عجيب في الحقيقة، إذا كان أصحاب الخبرة يقولون: إن خصية الرجل تنتقل بكل آثارها، بكل إنتاجها، بكل حيواناتها فكيف نأتي نحن وتقول: إنها لاتؤثر. وشكراً.(6/1747)
الشيخ محمد المختار السلامي:
الحقيقة أن العلم قد تقدم تقدماً كثيراً وأخبرنا الأطباء أن نقل مبيض المرأة لامرأة أخرى، بمعنى أنه قد نقلت كل البيضات إلى امرأة أخرى، فإن البيضات تخلق في البنت من أول حياتها، فإذا نقلنا مبيضاً من امرأة إلى امرأة أخرى فمعنى ذلك أننا نقلنا كل البيضات التي في المرأة إلى امرأة أخرى. نحن منعنا أن ننقل خلية واحدة ملقحة، لقيحة واحدة، بيضة واحدة تغرس في رحم امرأة، قلنا: هذا حرام، فكيف نجيز نقل مائة بيضة؟ نقل للمصنع وإنتاجه، هذه واحدة.
الشيخ محمد علي التسخيري:
تلك ملقحة وهذه غير ملقحة، فرق بينهما.
الشيخ محمد المختار السلامي:
حتى ولو غير ملقحة يحرم. قلنا أن نأخذ بيضة من امرأة ونزرعها في امرأة أخرى ولو غير ملقحة. الأمر الثاني: هو أن الخصية، دعنا من قبل الخصية، ما معنى اختلاط الأنساب؟ اختلاط الأنساب ما جاء به الإسلام من أربعة عشر قرناً ليفسر تفسيراً يتنامى مع التقدم العلمي. أصبح اليوم مفهوم اختلاط الأنساب هو أن كل سلالة بشرية تنحدر من شخص تحمل صفات وراثية من ذلك الشخص، وكما تحمل الصفات الوراثية يرثه في صفاته، ويرثه في ماله. والصفات الوراثية هي قبل المال، فإذا نقلنا خصية من شخص إلى شخص آخر، فمعنى ذلك أننا نقلنا الصفات الوراثية وأعطيناها لشخص وأعطينا المال لشخص آخر. اختلال كامل في النظرة الإسلامية ليست هي قضية ملكية العضو، هو انتقل في فأنا أملكه، الملكية شيء ولكن ما يترتب عليه أمر آخر. وأمر خطير جداً. فلذلك أنا أقول: لا يصح بأي حال من الأحوال أن نبحث قضية هل يجوز نقل خصية أو نقل مبيض، من هذه التي تؤثر في الجنين وتحمل الصفات الوراثية.(6/1748)
الرئيس:
في حالة النقل يكون زيد يولد لعمرو.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
أود لو عدلت فقط، وهذا من عمل لجنة الصياغة، يقال: إنه يفضي إلى ما يفضي إليه اختلاط الأنساب لا نقول: يفضي إلى اختلاط الأنساب ولكن نقول: يفضي إلى ما يفضي إليه اختلاط الأنساب. وأيضاً أطمئن من ذكرنا بالاحتفاظ على معنى: {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} أن الخصية - وأضم خاءها - ينحدر إليها من الصلب ما هو من خصائص ذكورة رجل، وأن المبيض ينحدر إليه من التريبة مساهمة المرأة في تلك النطفة الأمشاج، فذكر الخصية وذكر المبيض لا يقطعنا عن ذكر الصلب والترائب.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
ثانياً الأعضاء التناسلية غير الناقلة للصفات الور اثية: رأت الندوة بالأكثرية أن زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي، ما عدا العورات المغلظة، التي لا تنقل الصفات الوراثية، جائز، استجابة لضرورة مشروعة، ووفق الضوابط والمعايير الشرعية التي جاءت في القرار رقم (1) من قرارات الدورة الرابعة لمجمع الفقه الإسلامي المشار إليه سابقاً.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
إن هذا الاستثناء تأخر عن السبب. وقال: إن زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية ما عدا العورات المغلظة جائز ...
الرئيس:
إذا قيل: الدورة الرابعة لهذا المجمع، اختصرت العبارة - والتزام هذا طيب دائما.(6/1749)
الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينين:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أنا كنت في الندوة السابقة في الكويت كتبت في بحثي أنه حسب ما وصل إليه فهمي المتواضع، عدم جواز نقل الجهاز التناسلي من شخص إلى آخر لأسباب اعتمدت فيها على آية قرآنية وعلى حديث. وعلى أي حال فالله قال في كتابه العزيز: {وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} ، ثم أخذت الحديث الذي قال ابن العربي إنه اتفقت عليه جميع كتب الحديث، من اشترط الصحة أو لم يشترطها، وهو "لعن الواصلة" وبينت الوصلة في اللغة وبينت على أن هذه الآية كتب التفسير اعتمدت فيها على هذا الحديث. فنقل الجهاز التناسلي من شخص إلى شخص هو بالنسبة للشخص الذي نقل منه إخصاء فلا ترجى له الولادة أبداً، وهذا حرام. ثم هو بالنسبة للمرأة أو الرجل الذي تلقاه واصل، والوصل لعنته الشريعة ولعنه الحديث. ثم إن العمليات التي قال بها الأطباء والتقارير التي أوردوها على أن إمكانية الإنجاب هي مرة واحدة، ويبنى عليها من الغرر بالنسبة للمرأة الشيء الكثير. فإذاً حتى لو تغاضينا عن الحكم الشرعي فإن نتائجه الطبية لا زالت قليلة. وشكراً.
الشيخ أحمد محمد بال:
ما هي الأعضاء التي يمكن نقلها والتي لا يمكن نقلها؟ يعني أعتقد أن الخصية هي الوحيدة التي لا يمكن نقلها، لأنها تؤثر. ولكن ما هي بقية الأعضاء التناسلية التي يمكن نقلها؟ وهل وقع فعلاً النقل؟.
الدكتور محمد علي البار:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هو نقل الغدد التناسلية جرت فيها تجارب ونجحت تجارب محدودة بين توأمين متماثلين تماماً. ما عدا ذلك التجارب في هذا المجال بالنسبة للغدد التناسلية لا تزال فاشلة بصورة عامة. بالنسبة للأعضاء التناسلية، أيضاً، تم نقل رحم من امرأة إلى أخرى، ونجحت حالات محدودة جداً في هذا المجال، ولكن مجال التقدم في هذا الميدان، ولكن ما هو غير ممكن قي هذا العام قد يكون ممكناً بعد عدة أعوام، بسيطة بعد خمسة أعوام أو عشرة أعوام. مثلاً، فالمجال في نقل الرحم أو نقل الجهاز التناسلي بالنسبة للرجل، القضيب أمر ممكن.(6/1750)
الرئيس:
يعني الأجهزة التي لا توجب توارثاً مثل الرحم.
الدكتور محمد علي البار:
الرحم، الجهاز التناسلي الذكري الخارجي هذا ممكن.
الشيخ محمد المختار السلامي:
هذا عورة.
الدكتور محمد علي البار:
نعم، هذا عورة مغلظة ولذا أستثني أنا ما دخلت في الاستثناء.
الرئيس:
هو في التعداد فقط.
الدكتور محمد علي البار:
السؤال هو عن ما يمكن. وقناة فالوب التي توصل قناتين موجودة، ينقل الرحم بالقناتين أيضاً، ممكن، يتم نقله بما حوله من الأغشية هذه الصورة التي هي موجودة نعم.
الرئيس:
إذن كان الاثنان؟
الدكتور محمد علي البار:
بالنسبة للمرأة.
الرئيس:
هذا بالنسبة للمرأة ولكن بالنسبة للرجل ليس هناك شيء.
الدكتور محمد علي البار:
إلا في القضيب وأنتم قلتم العورة المغلظة.(6/1751)
الرئيس:
لكن فيما أجيز؟
مناقش:
القناة الموصلة؟
الدكتور محمد علي البار:
القناة الموصلة ممكن تنقل.
الرئيس:
يعني جائز استجابة لضرورة مشروعة. فالذي يشمله الجواز هل فيه ما يتعلق بالرجل أو لا؟
الدكتور محمد علي البار:
فيه ما يتعلق بالرجل، القنوات الموجودة ممكن تنقل أيضاً.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أنا فقط أسأل: ما هو الدليل على تحريم نقل العورات المغلظة؟ والمفروض أننا قبلنا أنها لا تترك أي أثر في مجال الأنساب.
الشيخ المختار السلامي:
لا يجوز النظر إليها ولا مسها ولا الاستمتاع بها.
الشيخ محمد علي التسخيري:
ما هذا الاستدلال؟
الرئيس:
لا، لا، هذا لا يصح يا شيخ مختار هذا ليس بصحيح، لأن نفس إجراء شيء على ما ليس بمغلط سوف يؤدي إلى لمسها والنظر إليها وما فوق ذلك.
الشيخ محمد علي التسخيري:
وما رأيكم لو أن الطبيب كان زوجاً لاثنين وهو يعمل على نقل الجانب الخارجي لهذه المرأة إلى الجانب الخارجي للمرأة الأخرى وهو يجوز له مسهما وفعل ما يشاء؟ إذاً، لا تطرحوا رجاء، فروضاً جانبية أخرى. تلك أمور أخرى، وأريد أن أقول: ما هو الدليل، بالعنوان الأول، على حرمة نقل العورة المغلظة ما دمنا قد فرغنا من عدم أثرها في مجال اختلاط الإنساب؟(6/1752)
الرئيس:
السؤال وارد قطعاً.
الشيخ محمد المختار السلامي:
العورة المغلظة لا يجوز النظر إليها والاستمتاع بها، لا في حال الحياة ولا في حال الموت، ثانياً: إن نقل عورة امرأة إلى امرأة، نحن لا نتحدث عن الزوج وإنما نتحدث عن المرأة المنقول إليها، أيجوز أن تمس شفرة المرأة شفرتين من امرأة أخرى؟
مناقش:
بعد أن صار عضواً لها.
الشيخ محمد المختار السلامي:
قبل كل شيء متى يصير عضواً لها؟ يصير إذا أبحنا أن ننقل. هو من الأصل لا يصح، فعند الموت يحرم على الزوجة الاستمتاع بزوجها. هذا معروف، فقضية الأعضاء التناسلية أو العورة المغلظة، هي عورة مغلظة في أصلها، والحرمة معروفة.
الدكتور محمد عبد الغفار الشريف:
أن ما تفضل به مولانا الشيخ المفتي يقال: كذلك لا يجوز للرجل بأن يستمتع بيد امرأة أخرى نقلت إلى زوجته أو كذا، أو بأي عضو آخر محرم.
الرئيس:
على كل، قضية الاستثناء، ما عدا العورات المغلظة، فإذا كان تعليل الاستثناء هو لأجل اللمس أو النظر، يظهر أن الأمر فيه ضعف ظاهر، ما فيه إشكال، لأن نفس اجراء عملية الأعضاء التناسلية غير الناقلة للصفات الوراثية هي لا بد فيها من هذه الأشياء كلها. من اللمس ولا بد من النظر.
الشيخ محمد المختار السلامي:
هي قضية استمتاع، قضية استمتاع بعضو، ذكر غير ذكره، وتستفيد المرأة بذكر غير ذكر زوجها، هو فيه متعة، فكيف هذا؟
الشيخ الصديق الضرير:
من البداهة هذا لا يحتاج إلى بحث هذا واضح لا يمكن قبوله، بصرف النظر.(6/1753)
الرئيس:
على كل مهما يكن، لو يكتفى بقيد عدم نقل الصفات أما ما عدا ذلك ...
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
يظهر أن ما أكثرما يتحدث عنه من النقل إنما هو للأعضاء الداخلية التي لم تكن، أصلاً، محلاً لوقوع عين أو يد، أو غير ذلك، من الغدد ومن الحبال هذه، وغيرها. أما هذه الأعضاء الخارجية، فالحقيقة، أن يكون الإنسان يعاشر امرأة بعضو غيره، أو يعاشر عضو غير زوجته، فهذا تجافيه الأخلاق الإسلامية والأدلة العامة للشريعة الإسلامية.
الرئيس:
كل العملية من أصلها، وفي الواقع إذا رأيتم أنا من ناحية الأعضاء التناسلية غير الناقلة للصفات الوراثية أنا من وجهة نظري، وسنستطلع آراء الأخوان، أما أنا فإلى المنع أقرب. فأرجو من أصحاب الفضيلة السادة المشايخ أن يبدوا آراءهم في هذا الموضوع باختصار.
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير:
رأيي أنه في جميع الأعضاء التناسلية التي لها دخل في الإنجاب أو في الاستمتاع لا يجوز نقلها من رجل أو امرأة إلى رجل أو امرأة أخرى.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أعتقد أن التعميم أمر سهل ولكنه غير دقيق، فعندما نقول: إن التي يستمتع بها أو العورة المغلظة التي جعلها الله سبحانه وتعالى مغلظة، هذه هي التي يحرم نقلها، أما أن عندما آخذ قناة من القنوات الداخلية، كقناة فالوب التي لا بد منها لتستطيع اللقيحة أن تمر إلى داخل الرحم، فلا بد أن تمر من هناك، وإذا فشل هذا فلا يمكن حتى وضع المستحضرات الكيماوية أو المستحضرات الطبية، كما قال الأطباء، وسألت عن هذا فقالوا: لا يمكن. فهذه القناة لا يستمتع بها الرجل، وهي ضرورية لعملية الإنجاب، وجدنا من يتبرع بها بحسب القواعد والضوابط الشرعية، فما الذي يمنع فعندما أقول: المنع التام، المنع ليس أمراً سهلاً، فهو كأمر الإيجاب {وَلاَ تَقُولُواْ لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ} فهما عندي سواء التحليل أو التحريم، فلا يظن الإنسان أنه إذا حرم أكثر ورعا. وهذا رأيي ولا يمكن أن نفرق بين الحلال والحرام.(6/1754)
الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور:
كما يعلم زملائي علماء المجمع أن الأصل في الفروج الاحتياط والتحوط والتورع والمنع، ما لم يقم هناك دليل على خلاف ذلك، أو ضرورة ملحة جداً. فإذا أخذنا بالأساس، وهو المنع، وفتحنا من هذا الأساس استثناء من القاعدة بعض ما يكون من الأعضاء التناسلية الداخلية ملحقاً بالأحشاء، وليس بالعورات، فلا مانع من ذلك. شأن قناة فالوب شأنها شأن الكلية أو المثانة، أما ما عدا ذلك فالأصل فيه المنع والتحريم.
الشيخ رجب بيوض التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم:
أرى أن مبدأ انتقال أي عضو من الإنسان إلى إنسان آخر، مهما كان هذا العضو، هو تشوية ومثلة نهى عنها الإسلام. ولذلك أرى أن يمنع منعاً تاماً نقل عضو من إنسان إلى إنسان آخر، لأن الله سبحانه وتعالى خلق الإنسان بأعضائه، وأعضاؤه ليست ملكاً له أو لأحد، دل إن الله جل وعلا جعل هذه الأعضاء لها حرمة لا يجوز أن يتصرف فيها، أو يتصرف فيها أحد إلا إذا أحل الله، والله لم يحل لنا أن ننقل عضواً محترماً مهما كان هذا العضو لإنسان آخر. أرى منع ذلك كله حفظاً لكرامة الإنسان وحتى لا نمثل فيه وهو حي ونشوه جسمه من أجل جسم آخر.
الشيخ عبد السلام العبادي:
في ظني لا بد من الإبقاء على هذه التوصية كما هي إلا إذا أردنا فقط زيادة توضيح لماذا استثنيت العورات المغلظة؟ حتى تطرد القرارات مع بعضها البعض وتأخذ نفس الروح، لأنه في الواقع إذا عممنا المنع هنا، كما اقترح بعض الإخوان، فإننا سنتناقض في داخل القرارات، لأن قناة فالوب، وهي جهاز داخلي في الجسم، نبيح في الكلية ولا نبيح في قناة فالوب على أي أساس؟ فحتى يكون هناك نفس المنطق ونفس الروح الفقهية لا بد في الواقع أن تظل العملية. نحن استثنينا التي تنقل الصفات الوراثية، هذا منطق واضح، استثنينا العورات المغلظة لأحكامها الخاصة، لكن أن نقول: ما دام سميت أعضاء تناسلية أو داخلة في الجهاز التناسلي يمنع، ولو كانت في الأحشاء الداخلية، في الواقع نتناقض مع أنفسنا في القرار ولا يكون سليما أبداً.(6/1755)
الشيخ محمد عبد الففار الشريف:
أولاً: أنا أحببت أن أوضح أن الأصل في الفروج الحرمة أي في الأنكحة، القضية الأخرى أن الرجل يستمتع بزوجته ليس، فقط، بالفرج، قد يستمتع بالثديين وقد يستمتع بالشفتين، وقد أباح الفقهاء الاستمتاع بأي عضو. فلو كانت هذه العلة إذا يجب أن نقول، مثل ما قال الشيخ رجب، بحرمة نقل أي عضو من الأعضاء. يجب أن يكون التحليل واضحاً، أنا لا أؤيد الرأي الذي يقول بجواز نقل هذه الأعضاء، لكن يجب أن يكون التعليل واضحاً وأن يكون مقبولاً.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أنا أردت أن أقول ما قاله المتحدث قبلي وأبقى أسأل عن علة الحرمة؟ فإذا لم تثبت الحرمة فيبقى الأمر على إباحته.
الشيخ عبد الله محمد عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.
في الواقع أنا عندي ملاحظة على الاسم نفسه (زراعة الأعضاء) هو في الواقع (العلاج بنقل الأعضاء) كان يمكن أن يكون أدق، وهذا ينقلنا إلى مسألة أخرى؟ هل العلاج هذا ترفيهي أو ضروري أو حاجي؟ وبعد ذلك نستطيع أن نصنف نقل الأعضاء حسب الأهمية والضرورة. لكن أن نعمم ثم نتساءل: ما الدليل على نقل هذا؟ وما الدليل على نقل هذا؟ فليس هذا عملاً منضبطاً وشكراً.
الدكتور عبد السلام العبادي:
هي بشرط، ففي قرارات المجمع السابقة، فالقضية ليست مطلقة أن ننقل شفتين أو ننقل كذا من كذا: (يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك) ، فالقضية لها شرط وليست مطلقة.(6/1756)
الرئيس:
المهم الإفصاح عن رأيكم في نقل الأعضاء التناسلية غير الناقلة للصفات الوراثية فقط، هل ترون ما توصلت إليه الندوة أولا؟ هذا هو السؤال. الذي يقول قطعاً على ما توصلت إليه الندوة يرفع يده.
الأمين العام:
يعنى من يقترح بقاء النص كما هو عليه نصاً وحكما.
الرئيس:
الجملة سبعة. والذين لم يرفعوا أيديهم ماذا يرون؟ يرون التوقف؟ أو يرون استبعاد الموضوع؟
الشيخ عبد السلام العبادي:
لو سمحت، إذا كان سيجري تصويت فإنه تحرر الآراء المطروحة للتصويت بشكل واضح ثم يجري التصويت، لأن الذين امتنعوا عن التصويت بعضهم كالأستاذ التسخيري يرى حذف استثناء العورات المغلظة يعني هو أكثر إباحة.(6/1757)
الرئيس:
إذن استجابة لما ذكر الشيخ عبد السلام العبادي عندنا اتجاهات: الاتجاه الأول:
الإبقاء على هذه الفقرة إعداداً وصياغة وحكما. الأمر الثاني: هو رفع هذا الموضوع وعدم بحثه. الأمر الثالث: المنع، الأمر الرابع: وهو لا يعتبر رأياً، التوقف. هذه هي الآراء التي تحصلت من خلال المداولة. والرأي الخامس: الجواز حتى في العورات المغلظة. نبدأ بالرأي الأول وهو البقاء على هذه الفقرة كما هي بصياغتها وحكمها. الذي يرى يرفع يده من الأعضاء؟ الذي يرى رفعها وعدم البحث فيها؟ الذين يرون بقاء المادة هذه؟ عددهم (13) . والذين يرون استبعاد هذه الفقرة تركها رفعها؟ عددهم (7) . الذين يرون المنع في كل الأعضاء التناسلية جملتهم (4) . الجواز مطلقاً واحد فقط.
إذا رأيتم أن لجنة الصياغة تؤلف من المشايخ والأساتذة:
الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير.
الدكتور عبد السلام العبادي.
الشيخ محمد عبد الغفار الشريف.
الشيخ محمد المختار السلامي.
القاضي محمد تقي العثماني.
الدكتور أحمد رجائي الجندي.
الدكتور محمد علي البار.
وبهذا ترفع الجلسة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(6/1758)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (57/ 6/ 6)
بشأن
"البيضات الملقحة الزائدة عن الحاجة "
ان مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 إلى 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23 – 26/ 0 1/ 1990 م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية،
. بعد الاطلاع على التوصيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة المتخذتين في الندوة الثالثة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت 20 - 23 شعبان 1407 هـ الموافق 18 – 21/4/1987م بشأن مصير البيضات الملقحة والتوصية الخامسة للندوة الأولى للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المنعقدة في الكويت 11 – 14 شعبان 1403 هـ الموافق 24 – 27/5/1982 م في الموضوع نفسه،
قرر:
ا - في ضوء ما تحقق علمياً من إمكان حفظ البيضات غير ملقحة للسحب منها، يجب عند تلقيح البيضات الاقتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة، تفادياً لوجود فائض من البيضات الملقحة.
2 - إذا حصل فائض من البيضات الملقحة بأي وجه من الوجوه تترك دون عناية طبية إلى أن تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي.
3 - يحرم استخدام البيضة الملقحة في امرأة أخرى، ويجب اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البيضة الملقحة في حمل غير مشروع.(6/1759)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام عل سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (59 /8/ 6)
بشأن
"زراعة الأعضاء التناسلية "
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 4 1 – 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 إلى 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23 – 26/ 0 1/ 1990 م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية،
قرر:
ا - زرع الغدد التناسلية: بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلق جديد، فإن زرعهما محرم شرعاً.
2 - زرع أعضاء الجهاز التناسلي: زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية - ما عدا العورات المغلظة - جائز لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم (1) للدورة الرابعة لهذا المجمع.(6/1760)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (52/1/6)
بشأن
التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها
إن هذا مجلس الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها)
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
1-إن المسكن من الحاجات الأساسية للإنسان، وينبغي أن يوفر بالطرق المشروعة بمال حلال، وإن الطريقة التي تسلكها البنوك العقارية والإسكانية ونحوها، من الإقراض بفائدة قلت أو كثرت، هي طريقة محرمة شرعًا لما فيها من التعامل بالربا.
2- هناك طرق مشروعة يستغنى بها عن الطريق المحرمة، لتوفير المسكن بالتملك (فضلًا عن إمكانية توفيره بالإيجار) ، منها:
أن تقدم الدولة للراغبين في تملك مساكن قروضًا مخصصة لإنشاء المساكن، تستوفيها بأقساط ملائمة بدون فائدة سواء أكانت الفائدة صريحة أم تحت ستار اعتبارها (رسم خدمة) على أنه إذا دعت الحاجة إلى تحصيل نفقات لتقديم عمليات القروض ومتابعتها وجب أن يقتصر فيها على التكاليف الفعلية لعملية القرض على النحو المبين في الفقرة (أ) من القرار رقم (1) للدورة الثالثة لهذا المجمع
أن تتولى الدول القادرة على إنشاء المساكن وتبيعها للراغبين في تملك مساكن بالأجل والأقساط بالضوابط الشرعية المبينة في القرار (53/2/6) لهذه الدورة.
أن يتولى المستثمرون من الأفراد أو الشركات بناء مساكن تباع بالأجل.
أن تملك المساكن عن طريق عقد الاستصناع – على أساس اعتباره لازمًا – وبذلك يتم شراء المسكن قبل بنائه، بحسب الوصف الدقيق المزيل للجهالة المؤدية للنزاع، دون وجوب تعجيل جميع الثمن، بل يجوز تأجيله بأقساط يتفق عليها، مع مراعاة الشروط والأحوال المقررة لعقد الاستصناع لدى الفقهاء الذين ميزوه عن عقد السلم.
ويوصي:
بمواصلة النظر لإيجاد طرق أخرى مشروعة توفر تملك المساكن للراغبين في ذلك.(6/1761)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (53 /2/6)
بشأن
البيع بالتقسيط
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990 م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: " البيع بالتقسيط " واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
قرر:
1- تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحالّ كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدًا وثمنه بالأقساط لمدد معلومة ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعًا.
2- لا يجوز شرعًا في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحالّ بحيث ترتبط بالأجل سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة.
3- إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط، لأن ذلك ربا محرم.
4- يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الآداء.
5- يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد.
6- لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.
ويوصي:
بدراسة بعض المسائل المتصلة ببيع التقسيط للبتّ فيها إلى ما بعد إعداد دراسات وأبحاث كافية فيها، ومنها:
(أ) خصم البائع كمبيالات الأقساط المؤجلة لدى البنوك.
(ب) تعجيل الدين مقابل إسقاط بعضه وهي مسألة " ضع وتعجل ".
(ج) أثر الموت في حلول الأقساط المؤجلة.(6/1762)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (54/3/6)
بشأن
حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: (إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة) ،
ونظرًا إلى التطور الكبير الذي حصل في وسائل الاتصال وجريان العمل بها في إبرام العقود لسرعة إنجاز المعاملات المالية والتصرفات،
وباستحضار ما تعرض له الفقهاء بشأن إبرام العقود بالخطاب وبالكتابة وبالإشارة وبالرسول، وما تقرر من أن التعاقد بين الحاضرين يشترط له اتحاد المجلس (عدا الوصية والإيصاء والوكالة) وتطابق الإيجاب والقبول، وعدم صدور ما يدل على إعراض أحد العاقدين عن التعاقد، والمولاة بين الإيجاب والقبول بحسب العرف.
قرر:
1- إذا تم التعاقد بين غائبين لا يجمعهما مكان واحد، ولا يرى أحدهما الآخر معاينة، ولا يسمع كلامه، وكانت وسيلة الاتصال بينهما الكتابة أو الرسالة أو السفارة (الرسول) ، وينطبق ذلك على البرق والتلكس والفاكس وشاشات الحاسب الآلي (الكمبيوتر) ففي هذه الحالة ينعقد العقد عند وصول الإيجاب إلى الموجه إليه وقبوله.
2- إذا تم التعاقد بين طرفين في وقت واحد وهما في مكانين متباعدين، وينطبق هذا على الهاتف واللاسلكي، فإن التعاقد بينهما يعتبر تعاقدًا بين حاضرين وتطبق على هذه الحالة الأحكام الأصلية المقررة لدى الفقهاء المشار إليها في الديباجة.
3- إذا أصدر العارض بهذه الوسائل إيجابًا محدد المدة يكون ملزمًا بالبقاء على إيجابه خلال تلك المدة، وليس له الرجوع عنه.
4- إن القواعد السابقة لا تشمل النكاح لاشتراط الإشهاد فيه، ولا الصرف لاشتراط التقابض، ولا السلم لاشتراط تعجيل رأس المال.
5- ما يتعلق باحتمال التزييف أو التزوير أو الغلط يرجع فيه إلى القواعد العامة للإثبات.(6/1763)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (55/4/6)
بشأن
القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها
إن مجلس مجمع الفقه الإِسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها".
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله.
قرر:
أولاً: قبض الأموال كما يكون حسيًا في حالة الأخذ باليد، أو الكيل أو الوزن في الطعام، أو النقل والتحويل إلى حوزة القابض، يتحقق اعتبارًا وحكمًا بالتخلية مع التمكين من التصرف ولو لم يوجد القبض حسًا. وتختلف كيفية قبض الأشياء بحسب حالها واختلاف الأعراف فيما يكون قبضًا لها.
ثانيًا: إن من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعرفًا.
1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية:
(أ) إذا أودع في حساب العميل مبلغ من المال مباشرة أو بحوالة مصرفية.
(ب) إذا عقد العميل عقد صرف ناجز بينه وبين المصرف في حالة شراء عملة بعملة أخرى لحساب العميل.
(ج) إذا اقتطع المصرف – بأمر العميل – مبلغًا من حساب له إلى الحساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر، وعلى المصارف مراعاة قواعد عقد الصرف في الشريعة الإِسلامية.
ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل. على أنه لا يجوز للمستفيد أن يتصرف في العملة خلال المدة المغتفرة إلاَّ بعد أن يحصل أثر القيد المصرفي بإمكان التسلم الفعلي.
2- تسلم الشيك إذا كان له رصيد قابل للسحب بالعملة المكتوب بها عند استيفائه وحجزه المصرف.(6/1764)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (56/ 5/ 6)
بشأن
"زراعة خلايا المخ والجهاز العصبي"
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس) بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 إلى 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23 – 26/10/1990م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية،
وفي ضوء ما انتهت إليه الندوة المشار إليها من أنه لا يقصد من ذلك نقل مخ إنسان إلى إنسان آخر، وإنما الغرض من هذه الزراعة علاج قصور خلايا معينة في المخ عن إفراز مادتها الكيميائية أو الهرمونية بالقدر السوي فتودع في موطنها خلايا مثيلة من مصدر آخر، أو علاج فجوة في الجهاز العصبي نتيجة بعض الإصابات،
قرر:
ا - إذا كان المصدر للحصول على الأنسجة هو الغدة الكظرية للمريض نفسه وفيه ميزة القبول المناعي لأن الخلايا من الجسم نفسه، فلا بأس من ذلك شرعاً.
2 - إذا كان المصدر هو أخذها من جنين حيواني، فلا مانع من هذه الطريقة إن أمكن نجاحها ولم يترتب على ذلك محاذير شرعية. وقد ذكر الأطباء أن هذه الطريقة نجحت بين فصائل مختلفة من الحيوان ومن المأمول نجاحها باتخاذ الاحتياطات الطبية اللازمة لتفادي الرفض المناعي.(6/1765)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (57/ 6/ 6)
بشأن
"البيضات الملقحة الزائدة عن الحاجة "
ان مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 إلى 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23 – 26/ 0 1/ 1990 م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية،
. بعد الاطلاع على التوصيتين الثالثة عشرة والرابعة عشرة المتخذتين في الندوة الثالثة التي عقدتها المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية في الكويت 20 - 23 شعبان 1407 هـ الموافق 18 – 21/4/1987م بشأن مصير البيضات الملقحة والتوصية الخامسة للندوة الأولى للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية المنعقدة في الكويت 11 – 14 شعبان 1403 هـ الموافق 24 – 27/5/1982 م في الموضوع نفسه،
قرر:
ا - في ضوء ما تحقق علمياً من إمكان حفظ البيضات غير ملقحة للسحب منها، يجب عند تلقيح البيضات الاقتصار على العدد المطلوب للزرع في كل مرة، تفادياً لوجود فائض من البيضات الملقحة.
2 - إذا حصل فائض من البيضات الملقحة بأي وجه من الوجوه تترك دون عناية طبية إلى أن تنتهي حياة ذلك الفائض على الوجه الطبيعي.
3 - يحرم استخدام البيضة الملقحة في امرأة أخرى، ويجب اتخاذ الاحتياطات الكفيلة بالحيلولة دون استعمال البيضة الملقحة في حمل غير مشروع.(6/1766)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (58/ 7/ 6)
بشأن
"استخدام الأجنة مصدراً لزراعة الأعضاء "
ان مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 إلى 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23 – 26/ 0 1/ 1990 م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية،
قرر:
ا - لا يجوز استخدام الأجنة مصدراً للأعضاء المطلوب زرعها في إنسان آخر إلا في حالات بضوابط لا بد من توافرها:
(أ) لا يجوز إحداث إجهاض من أجل استخدام الجنين لزرع أعضائه في إنسان آخر، بل يقتصر الإجهاض عل الإجهاض الطبيعي غير المتعمد والإجهاض للعذر الشرير ولا يلجاً لإجراء العملية الجراحية لاستخراج الجنين إلا إذا تعينت لإنقاذ حياة الأم.
(ب) إذا كان الجنين قابلاً لاستمرار الحياة فيجب أن يتجه العلاج الطبي إلى استبقاء حياته والمحافظة عليها، لا إلى استثماره لزراعة الأعضاء، وإذا كان غير قابل لاستمرار الحياة فلا يجوز الاستفادة منه إلا بعد موته بالشروط الواردة في القرار رقم (1) للدورة الرابعة لهذا المجمع.
2 - لا يجوز أن تخضع عمليات زرع الأعضاء للأغراض التجارية على الإطلاق.
3 - لا بد أن يسند الإشراف على عمليات زراعة الأعضاء إلى هيئة متخصصة موثوقة.(6/1767)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام عل سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (59 /8/ 6)
بشأن
"زراعة الأعضاء التناسلية "
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 4 1 – 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات المتعلقة بهذا الموضوع الذي كان أحد موضوعات الندوة الفقهية الطبية السادسة المنعقدة في الكويت من 23 إلى 26 ربيع الأول 1410 هـ الموافق 23 – 26/ 0 1/ 1990 م، بالتعاون بين هذا المجمع وبين المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية،
قرر:
ا - زرع الغدد التناسلية: بما أن الخصية والمبيض يستمران في حمل وإفراز الصفات الوراثية (الشفرة الوراثية) للمنقول منه حتى بعد زرعهما في متلق جديد، فإن زرعهما محرم شرعاً.
2 - زرع أعضاء الجهاز التناسلي: زرع بعض أعضاء الجهاز التناسلي التي لا تنقل الصفات الوراثية - ما عدا العورات المغلظة - جائز لضرورة مشروعة ووفق الضوابط والمعايير الشرعية المبينة في القرار رقم (1) للدورة الرابعة لهذا المجمع.(6/1768)
القرار
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (60 / 9/ 6)
بشأن
"زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص"
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق14 - 0 2 آذار (مارس) بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع: "زراعة عضو استؤصل في حد أو قصاص "،
واستماعه للمناقشات التي دارت حوله،
وبمراعاة مقاصد الشريعة من تطبيق الحد في الزجر والردع والنكال، وإبقاء للمراد من العقوبة بدوام أثرها للعبرة والعظة وقطع دابر الجريمة، ونظراً إلى أن إعادة العضو المقطوع تتطلب الفورية في عرف الطب الحديث، فلا يكون ذلك إلا بتواطؤ وإعداد طبي خاص ينبىء عن التهاون في جدية إقامة الحد وفاعليته،
قرر:
ا - لا يجوز شرعاً إعادة العضو المقطوع تنفيذاً للحد لأن في بقاء أثر الحد تحقيقاً كاملاً للعقوبة المقررة شرعاً، ومنعاً للتهاون في استيفائها، وتفادياً لمصادمة حكم الشرع في الظاهر.
2 - بما أن القصاص قد شرع لإقامة العدل وإنصاف المجني عليه، وصون حق الحياة للمجتمع، وتوفير الأمن والاستقرار، فإنه لا يجوز إعادة عضو استؤصل تنفيذاً للقصاص، إلا في الحالات التالية:
(أ) أن يأذن المجني عليه بعد تنفيذ القصاص بإعادة العضو المقطوع.
(ب) أن يكون المجني عليه قد تمكن من إعادة العضو المقطوع منه.
3 - يجوز إعادة العضو الذي استؤصل في حد أو قصاص بسبب خطأ في الحكم أو في التنفيذ.(6/1769)
القرارات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (61 / 10 / 6)
بشأن
(الأسواق المالية)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة (الأسواق المالية) المنعقدة في الرباط 20 – 24 ربيع الثاني 1410هـ / 20 – 24 / 10 / 1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وباستضافته وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية.
وفي ضوء ما هو مقرر في الشريعة الإسلامية من الحث على الكسب الحلال واستثمار المال وتنمية المدخرات على أسس الاستثمار الإسلامي القائم على المشاركة في الأعباء وتحمل المخاطر، ومنها مخاطر المديونية.
ولما للأسواق المالية من دور في تداول الأموال وتنشيط استثمارها، ولكون الاهتمام بها والبحث عن أحكامها يلبي حاجة ماسة لتعريف الناس بفقه دينهم في المستجدات العصرية ويتلاقى مع الجهود الأصلية للفقهاء في بيان أحكام المعاملات المالية وبخاصة أحكام السوق ونظام الحسبة على الأسواق، وتشمل الأهمية الأسواق الثانوية التي تتيح للمستثمرين أن يعاودوا دخول السوق الأولية وتشكل فرصة للحصول على السيولة وتشجع على توظيف المال ثقة بإمكان الخروج من السوق عند الحاجة.
وبعد الإطلاع على ما تناولته البحوث المقدمة بشأن نظم وقوانين الأسواق المالية القائمة وآلياتها وأدواتها.
قرر:
1- إن الاهتمام بالأسواق المادية هو من تمام إقامة الواجب في حفظ المال وتنميته باعتبار ما يستتبعه هذا من التعاون لسد الحاجات العامة وأداء ما في المال من حقوق دينية أو دنيوية.
2- إن هذه الأسواق المالية - مع الحاجة على اصل فكرتها- هي في حالتها الراهنة ليست النموذج المحقق لأهداف تنمية المال واستثماره من الوجهة الإسلامية. وهذا الوضع يتطلب بذل جهود علمية مشتركة من الفقهاء والاقتصاديين لمراجعة ما تقوم عليه من أنظمة، وما تعتمده من آليات وأدوات، وتعديل ما ينبغي تعديله في ضوء مقررات الشريعة الإسلامية.(6/1770)
القرارات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (62/11 /6)
بشأن
(السندات)
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق 14-20 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة (الأسواق المالية) المنعقدة في الرباط 20-24 ربيع الثاني 1410هـ/20-24/10/1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وباستضافة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية بالمملكة المغربية.
وبعد الاطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغا مقطوعا أم خصما.(6/1771)
قرر:
1- إن السندات التي تمثل التزاما بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعا من حيث الإصدار أو الشراء أو التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكا استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحا أو ريعا أو عمولة أو عائدا.
تحرم أيضا السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضا يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصما لهذه السندات.
كما تحرم أيضا السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضا اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلا عن شبهة القمار.
من البدائل للسندات المحرمة –إصدارا أو شراء أو تداولا- السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلا إذا تحقق فعلا. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم (5) للدورة الرابعة لهذا المجتمع بشأن سندات المقارضة.
***(6/1772)
القرارات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (63/ 13/ 6)
بشأن
"الموضوعات والندوات المقترحة من شعبة التخطيط "
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ الموافق14 - 0 2 آذار (مارس) 1990م.
بعد اطلاعه على تقرير شعبة التخطيط المقدم للأمانة العامة للمجمع والموزع على أعضاء مجلس المجمع، والمشتمل على الموضوعات المقترح درسها من المجلس، والمجدولة بحسب الأولوية، والتي ضمت موضوعات متنوعة اندرجت في الزمر التالية: - الحقوق الدولية في الفقه الإسلامي المعاصر.
- الأنكحة والمواريث في الفقه الإسلامي المعاصر.
- الفكر الإسلامي المعاصر.
- العبادات في الفقه الإسلامي المعاصر.
- المعاملات والاقتصاد في الفقه الإسلامي المعاصر.
- أصول الفقه على ضوء العصر الحديث.
- الطب والعلوم.
- النوازل والواقعات فيما عدا ما ذكر.
كما اشتمل التقرير على اقتراح عقد الندوات في الموضوعات التالية:
- حقوق المرأة في الإسلام وواجباتها.
- الحقوق الدولية في الإسلام.
- حقوق الإنسان والتنسيق مع جهود منظمة المؤتمر الإسلامي.
- حقوق الطفل في الإسلام مع ملاحظة الاتفاقية الدولية لحقوق الطفل.
- غير المسلمين في ظل الإسلام: حقوقهم وواجباتهم.
- المسلمون بين الأصالة والتبعية في هذا العصر.
- دراسة نماذج للدستور الإسلامي.(6/1773)
- موقف الإسلام من الفنون الحديثة (الرسم، الغناء، الموسيقى، التمثيل) .
- نظام الحكم الإسلامي: أسسه وقواعده وقضاياه الكبرى في العصر الراهن.
- الإعلام ووسائله المعاصرة من الوجهة الإسلامية.
- أحكام تغير العملة متذبذبة القيمة في الفقه الإسلامي.
- التكافل الاجتماعي في الإسلام في ضوء التطبيقات المعاصرة.
- سندات الخزانة وسندات الاستثمار.
- الاختيارات والمستقبليات المستخدمة في الأسواق المالية.
يوصي:
ا - بمراعاة هذه المقترحات، مع تفويض الأمانة العامة للاختيار منها بحسب ما تقدره من مقتضيات المصلحة، وبخاصة ما اقترح درسه في الدورة السابقة.
2 - قيام الأمانة العامة بالإعداد لعقد الندوات المقترحة مع إعطاء الأولوية للموضوعات التي طرحت في الدورات حسب الظروف والإمكانات المتاحة.(6/1774)
(2)
الجلسة التنظيمية
بسم الله الرحمن الرحيم
الرئيس:
صلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد:
فبدء سعيد وعود حميد ونسأل الله لنا ولكم التوفيق والمزيد من الهداية والرأي السديد، وهذه هي جلسة العمل الأولى وموضوعاتها كما هي أمامكم في جدول الأعمال ويتعلق بها ترتيبات إدارية أرجو من فضيلة الأمين العام الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة أن يتفضل بيانها على مسامعكم الكريمة. . وشكرا.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أصحاب الفضيلة: أرحب بكم مرة ثانية في أول اجتماع نعقده لدراسة القضايا المعروضة عليكم والتي وقع إعداد البحث فيها أو النظر فيها، بناء على ما وقع عليه الاتفاق من قِبَل شعبة التخطيط، من القضايا ذات الأولوية التي تحتاج للدرس، وبرنامجنا في هذا المساء أي بعد ظهر اليوم كان يقتضي اجتماع شعبتي التخطيط والإفتاء ومكتب مجلس المجمع، وحيث إنه لا يمكن أن نعقد جلسة المكتب اليوم لأن بعض أعضائه لم يصل بعد وأشعرنا بأنه سيصل بعد غد، لذلك أخرنا اجتماع مكتب المجلس إلى ما بعد يومين من الآن، وأما شعبة التخطيط وشعبة الإفتاء فإن حضوركم الآن كفيل بأن نبدأ – بإذن الله - استعراض القضايا المطروحة عليهما لاتخاذ التدابير اللازمة والآراء الشرعية الصائبة فيما سنستعرضه من مسائل.
وأبدأ بشعبة التخطيط: كنا في العام الأول من اجتماع حضراتكم في رحاب المجمع قد قسمنا الأعضاء أفواجا، ففوج لشعبة التخطيط والثاني لشعبة الدراسات والثالث لشعبة الإفتاء. وكان كل فريق في الشعبة التي ينتمي إليها يتطلع إلى المشاركة في عمل الشعب الأخرى بحيث يكون الإنسان مثبتا اسمه في شعبة التخطيط وهو يريد أن يكون أيضا في شعبة الإفتاء، أو هو مثبت في قائمة أعضاء شعبة البحوث والدراسات، فقلنا: إذن لا مانع من أن يجتمع الإخوان كلهم باعتبار أن المشاركة جماعية في الشعب الثلاث في شعبة التخطيط وفي شعبة الإفتاء وفي شعبة البحوث، ولكن المنهج الذي نسير عليه هو التقسيم للموضوعات بحسب ما سنتناوله من أغراض في هذه الجلسة.(6/1775)
* الموضوع الأول هو شعبة التخطيط: في شعبة التخطيط في السنة الأولى من اجتماع حضراتكم بالمجمع عيّنا الموضوعات العامة والموضوعات الخاصة التي نرغب أو يرغب المجمع في بحثها، وكان ذلك بعد استطلاع واسع للآراء، وصلتنا بشأنه قائمات من الموضوعات عرضت على شعبة التخطيط ورتبتها ترتيبا بحسب الأولوية، وقد أخذنا الآن بأكثرها، أى تم بحث أكثرها خلال السنوات الخمس، فكانت نحو خمسين موضوعا، والآن نريد أن نعد قائمة أخرى بموضوعات جديدة، وقد شرعنا في الاجتماع الماضي الذى انعقد بالكويت باستطلاع آراء حضراتكم وآراء الإخوة الذين كانوا معنا في اجتماع الكويت وكانوا بصفة ملاحظين أو مراقبين أو بصفة خبراء وفنيين، ووصلتنا اقتراحات عديدة جمعناها كلها في قائمة والقائمة بين أيديكم يمكن أن تضيفوا إليها المقترحات الجديدة إن كانت هناك مقترحات أخرى، فإذا فعلتم عقدنا بعد ذلك لجنة تتولى النظر في كل هذه القوائم فتحذف ما تكرر من الموضوعات، كما تحذف ما وقع بحثه في السابق وتكتفي بما تراه الأولى والأصلح، ثم ترتب الباقي ترتيبا بحسب الأولوية ليكون الانتقاء للبحوث والموضوعات التي تدرس في دوراتنا القادمة – بإذن الله – على أساس معتمد منكم وبرغبة صادرة عنكم، هذا واحد.
* العمل الثاني شعبة الفتوى: ولها موضوعات معروضة عليها، الموضوع الأول هو: تغير قيمة العملة، وهذا الموضوع صدر فيه قرار للمجمع، لكن بعض الإخوات كتبوا إلينا مستفسرين عن جوانب قد لا يشملها القرار، وأنتم بالبحث ستنتهون – بإذن الله - إلى الإبقاء على القرار الأول كما هو من غير تغيير، أو إضافة بعض البيانات لنكمل هذا القرار الأول ويكون متناولا للجوانب التي قد يكون أغفلها المجمع في دورته الماضية.
* أما الموضوع الثالث: فهو أسئلة وردت إلينا من البنك الإسلامي للتنمية نريد أن نبحثها متعاونين من البنك الإسلامي للتنمية الذي هو مؤسسة عتيدة كما تعلمون لها دورها الكبير في خدمة المجتمع الإسلامي والدول الإسلامية، ثم إن هذه المؤسسة المالية ربيبة لمنظمة المؤتمر الإسلامي وتلتقي مع مجمع الفقه الإسلامي بكونهما منبعثين عنها، وقد كتب إلي الدكتور أحمد محمد علي – جزاه الله خيرا - راغبا مني أن أعرض عليكم الموضوعات المطروحة، وهي استفسار عن المشاركة في رءوس أموال شركات المساهمة، والورقة بين أيديكم، فإذا أمكن نقوم بدرسها مع الموضوع الأول.
وقد وردت بعد ذلك رسائل من جهات أخرى تتعلق بالعاقلة أو مفهوم العاقلة والدية في هذا العصر كما يراها الإسلام، وما ينبغي أن يكون لنا من آراء واضحة وجلية في هذه القضية التي تعرض للناس في المجتمع الإسلامي، ولا يجري فيها الأمر على أساس من الفقه الإسلامي فما العمل؟ .
هذه هي الموضوعات المطروحة الآن، وإني لأشكر لك حسن استماعكم وحضوركم في هذه الجلسة العامة للشعبتين شعبة التخطيط وشعبة الفتوى، ونبدأ - بإذن الله – في عملنا على الأساس الذي بيّنا، لكن رأيت بعض الإخوان يتساءل عن قوائم الموضوعات التي صدرت عن شعبة التخطيط وعن الدورة الماضية، فهي موجودة هنا مع الموضوعات التي المقترح بحثها في الدورات القادمة، وهذه هي القائمة التي سنقوم بدراستها إما بالتأمل فيها أو بتكوين لجنة للنظر في محتوياتها مع إضافة ما تقترحون من موضوعات أخرى.
وأما القضية الثانية فهي قضية شعبة الفتوى فقد أشرت إلى محتوى الملف وهو موجود بين أيدي حضراتكم وشكرا لكم.(6/1776)
الرئيس:
شكرا والآن يحسن أن نأخذ بالموضوعات المقترحة دراستها على مدى دورات مقبلة إن شاء الله تعالى، كما أشار فضيلة الأمين العام هناك قائمة لديكم فيها عدد غير قليل من الموضوعات وأشار إلى إضافة بعض الموضوعات في الدورة الخامسة في الكويت، ونظرا لعدم ملاءمة المكان لتقسم أو انفراد شعبة التخطيط فقد ترون ما يلي:
أولا: إن شعبة التخطيط – كما وقع الاتفاق سابقا - هي برئاسة عضو المجمع الشيخ محمد عبد اللطيف صالح الفرفور، وأرى أن تؤلف لجنة لتنظر في الموضوعات المطروحة، وأي واحد من أصحاب الفضيلة الحضور الأعضاء أو الخبراء أو الباحثين لديه موضوعات يرى طرحها واقتراحها فعليه أن يتفضل مشكورا بكتابة رءوس الموضوعات التي يراها إلى أمانة المجمع لكي تسلمها إلى الشعبة المصغرة لشعبة التخطيط برئاسة الشيخ محمد عبد اللطيف صالح الفرفور، وإذا رأيتم أن تتألف اللجنة من أصحاب الفضيلة:الشيخ محمد عبد السلام العبادي، الشيخ تقي الدين العثماني، الشيخ خليل الميس، الشيخ محمد عطا السيد، الشيخ وهبه الزحيلي، الشيخ إبراهيم الغويل، فإذا رأيتم هذا مناسبا يقع الاتفاق عليه وننتقل إلى ما بعده. . تفضل يا شيخ علي:(6/1777)
الشيخ علي التسخيري:
بسم الله الرحمن الرحيم.
أود أن أؤيد هذا الاقتراح مضيفا إليه أن تلاحظ هذه اللجنة عندما تريد أن تختار الموضوعات مدى الابتلاء الفعلي بهذه الموضوعات، يعني ألا تنظر فقط إلى أهمية الموضوعات بل لابد من ملاحظة ابتلاء الأمة والأقطار الإسلامية بمثل هذا الموضوع، فأرجو أن يلاحظ هذا الجانب أولا، والنقطة الثانية أرجو أن تعرض هذه الموضوعات على هذه الاجتماعات حتى يتم إقرارها ولا يتم الانفراد بإقرار هذه الموضوعات، وبما تكون هناك آراء صائبة من خلال الشورى. . وشكرا.
الرئيس:
شكرا بالنسبة للنقطة الأخيرة التي أثرتموها، هذا شيء طبيعي فلا إشكال فيه فسيعرض إن شاء الله في آخر الدورة، إذن تم الاتفاق على هذا الموضوع وننتقل إلى الموضوع بعده، نبدأ باستفسارات البنك الإسلامي للتنمية، أو في موضوع تغير قيمة العملة، فهل ترون البدء باستفسارات البنك أو بموضوع تغير قيمة العملة؟(6/1778)
الشيخ محمد تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم
سيدي الرئيس، الذي أرى أن هذه الموضوعات التي طرحت أمام شعبة الفتوى كلها تحتاج إلى دراسة معمقة فلا يمكن لنا أن نفتي في هذه الموضوعات في جلسة واحدة دون أن تقدم إلينا أبحاث ودراسات وافية، فهذه الأسئلة التي طرحت أرى أنه لا تفيد مناقشتها في هذه الجلسة إلا إذا استكتب فيها بعض الأعضاء والخبراء وقدم إلينا أبحاث فحينئذ نناقشها وسنصل إلى قرار، وإلا فمجرد المناقشة بدون هذه الدراسات ربما لا يجدي.
الرئيس:
هذا فيما يتعلق باستفسارات البنك.
الشيخ محمد تقي العثماني:
باستفسارات البنك " نعم "، أما موضوع تغير قيمة العملة فقد فرغ من هذا الموضوع وقد طرح مرتين في هذا المجمع ومرة في الندوة، يعني قتل بحثا، فإذا كان هناك شيء جديد فلنأت به ونناقشه.
الرئيس:
في الواقع إن موضوع تغير قيمة العملة هو كما تفضل الشيخ تقي دراسته في دورتين متتابعتين، وانتهى المجمع فيه إلى قرار الكويت في الدورة الخامسة، إلا أن هناك بعض المشايخ الذين تحفظوا كالشأن في غيره من القرارات على أي مستوى كان، ثم إنه ورد بعض الرسائل التي فيها مناقشة حول هذا القرار، فالحق هو رائد الجميع، فإن رأيتم أن أصحاب وجهات النظر وبعضهم حضور في هذا المجمع في الوقت الحاضر – يجتمعون مع بعض من أصحاب الفضيلة الذين شاركوا في التصويت على القرار، ويبحثون معهم وجهة النظر هذه فإن توصلوا إلى شيء يؤثر على قوة القرار أمكن النظر فيه من المجمع بكليته وإن لم يتوصلوا إلى شيء يؤثر على قوة القرار يعتبر الموضوع شبه منته أو منتهيا والمجمع عند قراره فإذا رأيتم هذا فهو معروض لآرائكم، ولما ترونه مناسبا؟ تفضل الشيخ الصديق.(6/1779)
الشيخ الصديق الضرير:
في الخطاب الموجه من الدكتور محمد عبد اللطيف العبارة التالية: يطلب إعادة النظر في هذا القرار الذي لم يحظ – هذه عبارته فيما أظن – بالأكثرية، فأريد أن أستفسر عن هذا، هل هذا صحيح أنه لم يحظ بالأكثرية؟
الرئيس:
أما أنه لم يحظ بالإجماع فهذا صحيح، وأما أنه لم يحظ بالأكثرية فمع احترامنا وتقديرنا البالغ للشيخ عبد اللطيف فليس بصحيح، لأن الأسماء مقيدة لدينا فيمن خالفوا وكتبت وجهات نظرهم. . تفضل الشيخ خليل محيي الدين.(6/1780)
الشيخ خليل محيي الدين لميس:
بسم الله الرحمن الرحيم
أشكر السيد الرئيس على إتاحة الفرصة لنا، في الواقع إن موضوع تذبذب النقود كان فيه نقاش كبير ونحن نعتقد بأن الأكثرية رأت هذا الرأي، ولكن الرأي السابق كان رأيا عاما، فما طلبه الشيخ محمد عبد اللطيف صالح الفرفور يريد التقييد، فأقترح أن يبقى القرار السابق كقاعدة أساسية تبقى على أساسها بأن الأصل في العملات المثلية، لكن إذا طرأ تغير فاحش كما اقترحنا في بحثنا – وهو محدود تقريبا – فيكون هناك استثناء، فنحن الآن لا نطالب بإلغاء القرار السابق حتى لا ينقض هذا الاجتهاد، وهذا مخالف لرأي الجمهور، وإنما نطالب – وأضم صوتي إلى صوت الإخوة الفضلاء – بوضع تخصيص وضوابط لبعض هذه المسائل – يعني إذا حدث التغير الفاحش كما هو الحال بالنسبة لليرة اللبنانية وغيرها فإنه يكون هناك ملاحظة للقيمة، فهذا أكثر ما نطالب به في اعتقادي. . وشكرا.
الرئيس:
هل ترون أن نقترح الأسماء؟ . . إذا رأيتم أن تتألف اللجنة من المشايخ: الأستاذ نزيه حماد بصفته السابقة واللاحقة حول الدراسة الأخيرة، والشيخ عجيل النشمي، والشيخ خليل محيي الدين، والشيخ الصديق، والشيخ المختار السلامي، والشيخ عبد الله الركبان.
موافقون؟ ورئاسة هذه اللجنة لفضيلة رئيس شعبة الفتوى الشيخ عبد العزيز عيسى، إذن تمت الموافقة على هذا.(6/1781)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
" التوصيات "
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14 – 20 آذار (مارس) يوصي بما يلي:
ا - دعوة المسلمين في كل مكان إلى التضامن واتحاد الكلمة والالتزام بالحلول الإسلامية لمشكلاتهم، وقيامهم بواجبهم في تقديم الإسلام للعالم كحل جذري لمعضلاته بدلاً من اللجوء إلى المبادىء المادية المنحرفة التي ظهر إفلاسها، كما يدعو المسلمين جميعاً للعناية بقضية إخوانهم في الدول الشرقية ومساندة حقوقهم
المشروعة في الاحتفاظ بشخصيتهم الدينية والتمتع بحقوقهم الإنسانية.
2 - يندد المجمع بهجرة اليهود السوفييت إلى الأرض المباركة أرض الإسراء والمعراج ويرى فيها خطراً بالغاً يهدد الأمة الإسلامية في جميع أقطارها، ويناشد الدول العربية والإسلامية لتوحيد كلمتها والوقوف في وجه هذا الخطر الداهم واتخاذ كل وسيلة ممكنة لاستنقاذ الأراضي المحتلة وتحرير المقدسات وتخليص مسرى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أيدي مغتصبيه، ودعم الانتفاضة التي تواجه العدو الصهيوني المغتصب بما يحقق أهدافها ويحمي مسيرتها.(6/1782)
3 - الاهتمام بكل وسائل الإعلام في الدول الإسلامية والعمل على ترشيدها وتوجيهها بحيث تؤدي إلى الإصلاح والرشاد وخدمة الإسلام ومواجهة التحديات العصرية الهدامة، وأن تعقد الأمانة العامة ندوة خاصة بوسائل الأعلام.
4 - عقد ندوة للفنون الشائعة في العصر الحاضر من التمثيل والغناء والموسيقى والرقص وغيرها مما لا تخلو منه وسيلة إعلامية.
5 - تقديم دراسات وبحوث وافية في موضوع (تعدد كفارة القتل) للبت في اتخاذ قرار بشأنه.
6 - تأجيل موضوع الأسهم لإعداد مزيد من البحوث والدراسات فيه.
7 - عقد ندوة لموضوع الاختيارات والمستقبليات.
8 - تكوين لجنة بمعرفة الأمانة العامة من الفقهاء والاقتصاديين للإجابة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية بشأن المشاركة في الشركات المساهمة.(6/1783)
البرقيات المرفوعة لمقام خادم الحرمين الشريفين
وسمو ولي عهده الأمين يتلوها المقرر العام لهذا المؤتمر
الدكتور عبد الستار أبو غدة
بسم الله الرحمن الرحيم
خادم الحرمين الشريفين
الملك فهد بن عبد العزيز ال سعود
ملك المملكة العربية السعودية، حفظه الله ورعاه.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
يتشرف أعضاء مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بأن يرفعوا إلى مقامكم الكريم أسمى آيات الشكر والإكبار والتقدير بمناسبة إنجاز أعمال الدورة السادسة لمؤتمر مجلس المجمع التي عقدت بمدينة جدة في الفترة من 17 - 23 شعبان 0 1 14 هـ، الموافق 4 1 - 20 مارس 1990 م.
وإنهم لينتهزون هذه المناسبة الكريمة ليشيدوا بمواقفكم المبدئية الثابتة من قضايا الأمة الإسلامية، وتحقيق التضامن الإسلامي، ولينوهوا بما تبذلونه من جهد ومال شاهدوا آثارهما في هذه التوسعة التاريخية الرائعة الجارية في بيت الله الحرام ومسجد الرسول عليه السلام للتيسير على ضيوف الرحمن من جموع المسلمين القادمين للحج والعمرة الذين ينعمون بالأمن والأمان في أثناء إقامتهم في هذه الديار المقدسة.
وإن أعضاء مجلس المجمع لا يفوتهم التنويه والإشادة بما لاقوه في رحاب المملكة العربية السعودية - ملكاً وحكومة وشعباً - من كرم الضيافة مقدرين لخادم الحرمين الشريفين مكرمته السامية باستضافة هذه الدورة وتغطية تكاليفها المالية، متمنين لمقامه السامي ولحكومته الرشيدة وللشعب السعودي الكريم اطراد التقدم والرفعة.
والله يحفظكم ويرعاكم ويجزيكم عن أمتكم الإسلامية خير الجزاء.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
رئيس مجلس المجمع الأمين العام للمجمع(6/1784)
بسم الله الرحمن الرحيم
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز
ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ورئيس الحرس الوطني
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
يتشرف أعضاء مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بأن يرفعوا إلى مقامكم الكريم أصدق آيات الشكر والإكبار والتقدير بمناسبة انجاز أعمال الدورة السادسة لمؤتمر مجلس المجمع التي عقدت بمدينة جدة في الفترة من 17 إلى 23 شعبان 1410هـ، الموافق 14 إلى 20 مارس 0 199 م.
وإنهم لينتهزون هذه الفرصة الكريمة ليعربوا لسموكم عن اعتزازهم بجهودكم المخلصة في خدمة الإسلام والمسلمين وقيام المملكة العربية السعودية بقيادة خادم الحرمين الشريفين بهذه التوسعة التاريخية الرائعة الجارية في بيت الله الحرام ومسجد الرسول عليه السلام لتحقيق الراحة لضيوف الرحمن من جموع المسلمين القادمين للحج والعمرة الذين ينعمون بالأمن والأمان في هذه الديار المقدسة.
وإن أعضاء مجلس المجمع ليشيدون بما لاقوه في رحاب المملكة العربية السعودية من كريم الضيافة مقدرين هذه المكرمة السامية باستضافة هذه الدورة وتغطية تكاليفها المالية، متمنين لسموكم العز والسؤدد، وللشعب السعودي الكريم اطراد التقدم والرفعة، والله يحفظكم ويرعاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
رئيس مجلس المجمع الأمين العام للمجمع(6/1785)
قائمة المشاركين
في الدورة السادسة
أولاً - الأعضاء المتتدبون: البلد الوظيفة
ا - فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد المملكة العربية السعودية الرئيس
2 - فضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي المملكة الأردنية الهاشمية نائب الرئيس
3 - فضيلة الحاج عبد الرحمن باه
جمهورية غينيا
نائب الرئيس
4 - فضيلة الدكتور عبد الله الحاج إبراهيم ماليزيا
نائب الرئيس
5 - فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف صالح الفرفور
الجمهورية العربية السورية رئيس شعبة التخطيط
6 - فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى جمهورية مصر العربية
رئيس شعبة الإفتاء
7 - فضيلة الدكتور ابراهيم بشير الغويل التخطيط الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى مقرر شعبة
8 - فضيلة الدكتور محمد شريف أحمد الجمهورية العراقية
مقرر شعبة الدراسات والبحوث
9 - سعادة سيدي محمد يوسف جيري جمهورية مالي عضو مكتب المجلس
10 - فضيلة القاضي محمد تقي العثماني جمهورية الباكستان
عضو مكتب المجلس
11 - فضيلة الدكتور روحان امباي
جمهورية السنغال عضو مكتب المجلس
12 - فضيلة الدكتور عجيل جاسم النشمي دولة الكويت
عضو مكتب المجلس
13 - سعادة البروفسور صالح طوغ الجمهورية التركية
عضو مكتب المجلس
14 - فضيلة الشيخ محمد هشام البرهاني الإمارات العربية المتحدة نيابة عن ممثل بلده
15 - سعادة الأستاذ أحمد أزهر بشير
جمهورية أندونيسيا
عضو
16 - حجة الإسلام محمد علي التسخيري جمهورية إيران الإسلامية عضو
17 - فضيلة الشيخ محمد بن عبد اللطيف ال سعد دولة البحرين
عضو
18 - مولانا الشريف محمد عبد القادر جمهورية بنغلاديش الشعبية
عضو
19 - سعادة الأستاذ شيت محمد الثاني
جمهورية بنين الشعبية
عضو
20 - سعادة الدكتور دوكوري بو بكر
بوركينا فاسو
عضو
21 - سعادة الأستاذ تيجاني صابون محمد جمهورية تشاد
عضو
22 - فضيلة الشيخ محمد المختارالسلامي الجمهورية التونسية
عضو
23 - سعادة الدكتورعمر جاه
جمهورية جامبيا عضو
24 - فضيلة الشيخ علي سعدي المغربي جمهورية الجزائر الشعبية عضو
25 - فضيلة الشيخ هارون خليف جيلى جمهورية جيبوتي عضو
26 - فضيلة الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد
جمهورية السودان
عضو
27 - فضيلة الشيخ أدم شيخ عبد الله علي جمهورية الصومال الديمقراطية عضو
28 - فضيلة الشيخ أحمد بن محمد الخليل سلطنة عمان عضو عضو
29 - فضيلة الشيخ رجب بيوض التميمي دولة فلسطين عضو عضو
30 - فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز ال محمود دولة قطر
عضو
31 - فضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن ال الشيخ جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية
عضو
32 - فضيلة الشيخ خليل محيي الدين الميس الجمهورية اللبنانية
عضو
33 - سعادة الأستاذ موسى فتحي جاسم جمهورية المالديف عضو عضو
34 - سعادة الأستاذ محمد ميكو
المملكة المغربية عضو
35 - معالي الأستاذ محمد سالم بن عبد الودود الجمهورية الإسلامية الموريتانية عضو
36 - فضيلة الشيخ محمد علي عبد الله
جمهورية النيجر
عضو
37 - فضيلة القاضي إسماعيل بن علي الأكوع الجمهورية العربية اليمنية نايبة عن ممثل بلده
38 - سعادة الأستاذ على ناصر الصانبي جمهورية اليمن الديمقراطية عضو
39 - سعادة الأستاذ أنس عبد النور كليسة جمهورية أوغندا
عضو
ثانياً - الأعضاء المعينون: البلد الوظيفة
ا - فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة
مقرر الموسوعة الفقهية الكويتية الكويت -
2 - فضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير
الأستاذ بكلية القانون جامعة الخرطوم السودان -
3 - فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية مصر -
4 - فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام
رابطة العالم الإسلامي السعودية -
5 - فضيلة الدكتورعبد العزيز الخياط
مؤسسة آل البيت الأردن -(6/1786)
ثالثاً - الخبراء:
ا - فضبلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي رئيس قسم الشريعة بجامعة دمشق
2 - فضيلة الشيخ محمد الحاج الناصر باحث اجتماعي متفرع
3 - فضيلة الشيخ سيف بن سليمان الحليلي مدير مكتب مفتي سلطنة عمان
4 - فضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي عضو المجلس الإسلام الأعلى
5 - فضيلة الدكتور حمداتي شبيهنا ماء العينبن مكلف بمهمة بالديوان الأميري بالمغرب
6 - فضيلة الشيخ مصطفى بن أحمد العلوي رئيس المجلس العلمي بمكناس بالمغرب
7 - فضيلة الدكتور محيي الدبن قادي الأستاذ بالجامعة الزيتونية
8 - فضيلة الدكتور حسن علي الشاذلي أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن بالمعهد العالي للقضاء بالرياض
9 - فضيلة الدكتور محمود شام رئيس شرفي في محكمة التعقيب بتونس
10 - فضيلة الدكتور ابراهيم فاضل الدبو الأستاذ بكلية الشريعة - جامعة بغداد
11 - فضيلة الدكتور محمد رضا عبد الجبار العاني الأستاذ بكلية الشريعة - جامعة بغداد
12 - فضيلة الدكتور نظام الدين عبد الحميد الأستاذ بكلية الشريعة - جامعة بغداد
13 - فضيلة الدكتور محمد عبد الغفار الشريف أستاذ التربية الإسلامية
14 سعادة السيد علي فارع العصيمي بكلية التربية الإسلامية بالكويت
15- فضيلة الدكتور علي محيي الدين القر داغي وزير مفوض بالقنصلية اليمنية بجدة
16- فضيلة الدكتور علي أحمد السالوس الأستاذ بكلية الشريعة - جامعة قطر
17- فضيلة الدكتور محمد نببل غانم الأستاذ بكلية الشريعة - جامعة قطر
18- فضيلة الدكتور أحمد بن عبد اللبن حميد الأستاذ بكلية الشريعة - جامعة قطر
19- فضيلة الدكتور سعود بن مسعد الثبيتي وكيل كلية الشريعة بجامعة أم القرى
20- فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة أم القرى
21- فضيلة الشيخ عبد الكريم بن محمد اللاحم الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة أم القرى
22- فضيلة الدكتور عبد الله بن العلي الركبان مدير المعهد العالي للقضاء بالرياض
23- فضيلة الشيخ عبد الله محمد عبد الله الأستاذ بكلية الشريعة بجامعة الملك سعود
24 – فضيلة الدكتور نزيه كمال حماد رئيس شرفي في محكمة التعقيب بتونس(6/1787)
الدكتور إبراهيم كافي دونمز أستاذ الفقه الإسلامي بجامعة مرامارا استنبول
الشيخ الطيب سلامة عضو المجلس الإسلامي الأعلى بتونس
الشيخ كمال الدين جعيط عضو المجلس الإسلامي الأعلى بتونس
الشيخ جمال الدين سيروان مستشار المركز التربوي الإسلامي بجدة
الشيخ أحمد بن سعود السيابي المدير العام للشؤون الإسلامية بوزارة العدل بسلطنة عمان
الشيخ بزيع الياسين رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي
الشيخ محمد سيد طنطاوي مفتى مصر
الدكتور بشار عواد معروف رئيس جامعة صدام للعلوم الإسلامية
الدكتور معروف الدواليبي المستشار بالديوان الملكي السعودي
الشيخ مهدي بن أبي الحسن الروحاني مدرس العلوم الإسلامية بإيران
الشيخ سيد عباس عراقجي خبير في وزارة الخارجية الإيرانية
الشيخ محمد المؤمن من أعضاء جامعة المدرسين بقم بإيران الشيخ عبد الله محفوظ بن بيه الأستاذ بجامعة الملك عبد العزيز بجدة
الدكتور درويش صديق جستنيه أستاذ الاقتصاد بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
الدكتورعبد اللطيف جناحي مدير عام بنك البحرين الإسلامي
الأستاذ حسين بن سالم الدهماني باحث إسلامي متفرغ
الدكتور إبراهيم زيد الكيلاني رئيس جامعة الأردن
الدكتور محمد علي القري بن عيد الأستاذ بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
الدكتور أحمد محمد جمال أستاذ مشارك بجامعة أم القرى
الشيخ عبد الله سليمان بن منيع القاضي بمحكمة التمييز بالمنطقة الغربية
الدكتور أنس الزرقاء الأستاذ بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
الدكتور رفيق يونس المصري الأستاذ بمركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
الدكتور حسن عبد الله الأمين بالبنك الإسلامي للتنمية
الدكتور رضا سعد الله مركز البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية
الدكتور منذر قحف مركز البحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية
الدكتور محمد علي البار مستشار الطب الإسلامي بمركز الملك فهد للبحوث الطبية(6/1788)
كلمة
معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله كما خلقتنا ورزقتنا وهديتنا لك، الحمد بالإسلام ولك الحمد بالإيمان ولك الحمد بالإحسان وأشهد أن لا الله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
فقد ثبت من حديث أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرىء ما نوى)) ، وان من علائم صحة النية وسلامتها ترتب النتائج السليمة المرضية التي تتمثل فيها الوسطية الشرعية وإنها بشرى أزفها إليكم أيها الجمع الكريم، وإلى كل مسلم يسمع كلمتى من مقامي هذا، أن المجمع هي دورته السادسة سيراً في ركاب الدورات السابقة توصل ولله الحمد إلى نتائج مرضية في المواضيع الفقهية في المستجدات التي تناولها بالدراسة والبحث فهذه نعمة من نعم الله لأن الوصول إلى حلول شرعية تقوم على أساس الدليل الشرعي من الكتاب والسنة وتسير على مدارج النبوة ومنهاجها ولاتتخطى ذلك قيد أنملة هذه من أعظم النعم وهذه نعمة من الله من الله بها علينا في هذا المجمع، فالله الحمد على ما أنعم وتفضل وأجزل وتكرم. إن الوسطية كما يقول بعض أهل العلم هي أم الكتاب وإذا كان المسلم يسير بين الخوف والرجاء وبين الإفراط والتفريط وسطاً عدلا خياراً فهما له أو هي له كالجناحين للطائر فإن الوسطية تمثل زر التحكم بين هذين الجناحين حتى يسير المسلم وبخاصة أهل العلم ليوجهوا الأمة ويصدروا الفتاوى والأحكام على ضوء الكتاب والسنة فالله الحمد على ما أنعم وتفضل بذلك وبدءاً بحديث أمير المؤمنين عمر رضي الله تعالى عنه، فيطيب لي أن أذكر كلمته المأثورة المبرورة (هيا بنا نؤمن ساعة، فأقول لكم أصحاب المعالي أصحاب الفضيلة أيها الجمع الكريم أيها العلماء الأجلاء هيا بنا نؤمن ساعة ليحصل التواصي والتذاكر والمذاكرة في أعظم مهمات العالم وطلب العلم، إن من أهم مهام أهل العلم والإيمان نفي الدخولات على شريعة الله وصد غارات الجياع على تراث السلف سواء كان تحت غطاء التحقيق أو تحت غطاء الاختصار والتصفية، فإن التحقيق لتراث السلف دين على علماء هذه الأمة ليخرجوه للمسلمين سليما على ما أراده مؤلفه وان تقريب كتب السلف هو دين على علماء هذه الأمة، أما ما يدخل في ذلك من عبث نشاهد بداواته وبعضاً من آثاره في عدد من الأقطار فإن واجبكم أيها العلماء أن تصدوا غارات هؤلاء الجياع، وأمر آخر من أعظم المهمات لكم وهو السعي في وحدة المسلمين وإزالة الخلافات بينهم وردهم إلى الله رداً جميلاً والدعوة بعودتهم إلى الكتاب والسنة ومناصحة ولاة أمر المسلمين بالتي هي أحسن وتحبيب الخير إلى نفوسهم وترك طرق النفرة والتنفير مع أي من طبقات الأمة حتى نصل إلى الغاية المحمودة ليكون العالم الإسلامي متقارباً مجتمعاً يمثل أسرة واحدة يكسرون بذلك الحواجز الوهمية التي شكلت صراعاً داخلياً في المنطقة الإسلامية، والجواد الرابح في ذلك هم أعداء الإسلام الخارجون عليه، وإن أبواب الأمل منفتحة ولله الحمد ومشرقة بما نراه في الساحة من جهود مكثفة على اختلاف المستويات وبخاصة من إعداد من علماء أمة محمدصلى الله عليه وسلم فهيا بنا رحمكم الله تعالى أن نكون كذلك.(6/1789)
أيها العلماء، أيها الجمع الكريم، في ختام هذه الكلمة الموجزة، ولا أحب أن أطيل عليكم فإنني بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن أصحاب الفضيلة أعضاء وخبراء وباحثي هذا المجمع أبدي خالص الشكر والتقدير لمقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه - ملك المملكة العربية السعودية على استضافة هذه الدورة وتمويلها ورعايتها ومتابعة جلساتها حتى انتهت ولله الحمد إلى هذا المستوى الذي توصلنا إليه في هذه الجلسة المباركة فجزى الله مقامه الكريم كل خير، ولا شك أن هذه تمثل نقطة بسيطة في مساعيه الحميدة التي تمثل صروحاً عالية شاهقة بالغة النفع للعالم الإسلامي، وأخص منها بالذكر أربعة أمور تلكم العمارة العملاقة للمسجد الحرام وعمارة المسجد النبوي الشريف ومجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف والدأب المتواصل على جمع كلمة المسلمين وكف الصراعات بينهم، نسأل الله أن يزيدنا وإياه من فضله وأن يجعله مباركاً أينما كان وأن ينفع به الإسلام والمسلمين.
وأثني بالشكر لمعالي أمين هذا المجمع الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة على ما يبذله على مدار العام وفي الدورة بخصوصها لا سيما وأنتم تشاهدون ولله الحمد وتسمعون أن هذه الدورات الست التي انقضت تأتي في ميعادها المحدد فهذا يدل على دقة الإجراء والمتابعة فجزاه الله كل خير.
وأشكر لأصحاب الفضيلة أعضاء هذا المجمع وخبرائه وباحثيه جهودهم ودأبهم وإخلاصهم وصدق نيتهم أثابهم الله على ذلك، كما لا أنسى أن أشكر إدارة هذا المجمع ممثلة في سكرتاريتها وموظفيها وأشكر أجهزة الإعلام السعودية التي قامت بتغطية هذه الدورة.
وختاماً أدعو الله لنا ولكم بالتوفيق والسداد وأن يجمع قلوبنا على الخير والطاعة وصل الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.(6/1790)
كلمة
معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهدى الله فهو المهتدي ومن يضلل فلا هادي له وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد:
أصحاب السماحة والفضيلة، أصحاب المعالي والسعادة:
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة قد تولى على مدى أسبوع في الفترة الممتدة من 17 شعبان إلى 23 منه 1410 هـ عقد دورته السادسة بمدينة جدة (المملكة العربية السعودية) . وحظيت هذه الدورة برعاية سامية من مقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود، ملك المملكة العربية السعودية الذي تفضل - حفظه الله - فأناب عنه صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة فشرف بحضوره جلسة الافتتاح.
وقد شارك في هذه الجلسة أصحاب المعالي:
- الدكتور حامد الغابد، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي،
- الأستاذ خالد الجسار، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت،
- فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، رئيس مجلس المجمع،
- وفضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام للمجمع.
كما شارك في هذه الجلسة ممثلو (39) دولة عضو وعدد من الأعضاء المعينين.
وحضر الجلسة الافتتاحية عدد من أعضاء السلك الدبلوماسي الإسلامي بالمملكة، وثلة من الشخصيات العلمية المرموقة في العالم الإسلامي ونخبة من ذوي الاختصاص في الميادين الاقتصادية والطبية والاجتماعية.
كما حضر هذه الجلسة عدد من رجال الأعمال الذين كانوا متجاوبين تمام التجاوب مع نشاطات المجمع ومشاريعه واستهلت الجلسة الافتتاحية بتلاوة آي من القرآن الكريم، وألقى كلمة خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله - حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة فرحب بالحضور مشيراً إلى أن أعضاء مجلس المجمع يواجهون " شؤون الحياة المتغيرة المتطورة بالكلمة الطيبة الحكيمة ودراسة القضايا المطروحة بالبحث والتقصي علمياً ودينياً لتحقيق مستقبل أفضل للمجتمعات الإسلامية". كما أضاف سموه أنه بتطبيق الدول لقرارات المجمع وتوصياته (تستطيع المجتمعات الإسلامية أن تكيف نفسها وعلاقاتها حسب تغير الزمن وتغيرأوضاع الحياة دون أن تفقد الأمة الإسلامية خصائصها ومقوماتها الذاتية) . وأشار سموه إلى "انهيار الفكر المضاد لشريعة الله في الأرض بسرعة عجيبة فقد ثبت زيف الأفكار والمعتقدات التي لا تنبع من واقع الإيمان لعدم انسجامها مع طبيعة الإنسان ومع فطرة الله التي فطر الناس عليها ".(6/1791)
وأعرب صاحب السمو الملكي - جزاه الله خيراً - عن تأييد المملكة لأعمال المجمع قائلاً: (نؤيد ما يصدر من مجمعكم الفقهي ونسأل الله عز وجل أن يوفق المسلمين في كل مكان لتطبيق كتاب الله وشرعه في كل أمر من أمورهم) .
وإثر ذلك تناول الكلمة أصحاب المعالي فكان تدخل معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور حامد الغابد الذي نوه برعاية خادم الحرمين الشريفين ودعمه المادي والمعنوي لمنظمة المؤتمر الإسلامي ولجميع المؤسسات المنبثقة عنها كما تقدم بالشكر والتقدير لصاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود، لما قدمته جميع المصالح المختصة في منطقة مكة المكرمة لإنجاح الاحتفال بالذكرى العشرين لإنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي، وأشاد بالانتفاضة الفلسطينية الباسلة ووقوفها في وجه مخططات الاستيطان والتهويد الصهيوينة، ثم أكد معاليه أن العمل الإسلامي من خلال منظمة المؤتمر الإسلامي ومختلف أجهزتها ومن خلال مجمع الفقه الإسلامي لقادر على تحقيق إنجازات ضخمة لفائدة الشعوب الإسلامية.
ثم ألقى معالي الأستاذ خالد أحمد الجسار، وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت كلمة رائعة جاء فيها: "إن مجمع الفقه الإسلامي كما يحقق صورة جلية من صور التعاون والتكامل في عالمنا الإسلامي فإنه عودة مدروسة للاجتهاد بصورة جماعية، وهو لون من ألوان الإجماع على الوجه المتاح عصرياً لوقوعه، ولا يخفى ما في ذلك من قطع دابر الخلاف الفكري، وتضييق شقة الاختلاف العملي، لمواجهة متطلبات العصر بما تستحق من طاقات علمية وثقافية، ومعالجة القضايا المستجدة بما يواكب آفاقها التشريعية والإجرائية للأجيال المتلاحقة ".(6/1792)
وأشار أيضاً إلى أن في استضافة دولة الكويت للدورة الخامسة للمجمع تعبيراً عن اهتمامها بدعم المشاريع العلمية الإسلامية على أوسع نطاق وتحقيقاً لأهداف مؤسساتها التي تعنى بخدمة الإسلام ونفع المسلمين ونوه بالموسوعة الفقهية والكتاب الآلي الشامل الكشاف الشامل للمصادر الفقهية بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية والموسوعة الإسلامية التي تشتمل على دراسة مستفيضة لأحوال وأوضاع العالم الإسلامي.
كما أشاد بالدور الكبير للمملكة العربية السعودية بقيادة رائدها وقائد مسيرتها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود – حفظه الله – في توفير ما يتطلبه هذا المجمع من مقومات ودعم مستمر.
وبعد ذلك ألقى معالي رئيس مجمع الفقه الإسلامي رئيسنا فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد كلمته الرائعة الجميلة التي قال فيها: " ما أسعدها من لحظات قضيتها مع صاحب السمو الأمير ماجد بن عبد العلزيز آل سعود – حفظه الله – بين يدي هذه الدورة منذ لحظات وكان أن سمعت مع بعض أصحاب الفضيلة المشايخ لفتة كريمة واهتماماً كريماً بشؤون العالم الإسلامي وبخاصة فيما يتعلق بأحوال المسلمين في البلاد غير الإسلامية وما ينبغي من اليسر والسهولة وإبلاغهم دين الله وشرعه على أتم وجه "، وأضاف قائلاً: " إن هناك طلائع أنوار الكتاب والسنة التي تنتشر على أيدي رجال ما ساروا مسيراً إلا كانوا مع السنن حيث كانت مضاربها، ومع الشريعة حيث كانت مساكنها، يدلون على الله بهديهم وصالح أعمالهم قبل أن يدلوا عليه بأقوالهم، فأحيوا صورة السلف الصالحين من الصحابة والتابعين ".
وإثر ذلك ألقى معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة كلمة نوه فيها بالخطاب المنهجي لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز نصره الله، الذي خص به هذه الدورة على لسان صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة، وأوضح معالي الأمين العام أن الفضل في تأسيس مجمع الفقه الإسلامي يرجع إلى خادم الحرمين الشريفين الذي ما انفك يولي عنايته الفائقة ورعايته الكريمة لهذه المؤسسة حتى تقوم برسالتها العظيمة وتعقد مؤتمرها في الموعد المحدد على أديم هذه الأرض المباركة الطيبة، المملكة العربية السعودية، وعبر عن شكره للمقام السامي وحكومته ولأبناء الشعب السعودي الأكارم لما يلقاه المجمع من مساندة ودعم. ثم قدم معاليه تقريراً ضافياً عن نشاط المجمع خلال الفترة الفاصلة بين المؤتمرين الخامس والسادس.(6/1793)
وفي هذا الصدد أشار إلى الانتهاء من تحقيق كتاب (عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة) لابن شاس، كما أشار إلى قيام المجمع بجمع القرارات والتوصيات التي صدرت عنه منذ تأسيسه إلى اليوم وإعادة ترجمتها إلى اللغتين الفرنسية والإنجليزية وطبعها في كتيب، وإعداد العدد الخامس من مجلة مجمع الفقه الإسلامي وإصدار كتيب للتعريف بالمجمع.
كما أفاد فضيلة الأمين العام أن المجمع عقد - في هذه الفترة - ندوتين علميتين:
الأولى في الكويت، بالتعاون مع المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، وكان موضوعها "زراعة الأعضاء" من وجهة النظر الشرعية. والثانية في الرباط بالتعاون مع معهد البحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، ووزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية، وكان موضوعها (الأسواق المالية) من منظور إسلامي.
واستعرض معالي الأمين العام جدول أعمال هذه الدورة السادسة والموضوعات المعروضة للبحث فيها.
ثم عرض المشاريع التي يقوم بها المجمع ومنها:
- مشروع الموسوعة الفقهية الاقتصادية.
- مشروع معجم المصطلحات الفقهية.
- مشروع تيسير الفقه.
وبين فضيلة الأمين العام مدى التقدم الذي قطعه المجمع في هذه المشروعات وحث فضيلته أعضاء المجمع وخبراءه على نشر الهدي الديني وتطبيق أحكام شريعة الله، وذلك بالسعي إلى القضاء على أنواع التحلل والتفسخ وبتثبيت الإيمان وتركيز الخلق الإسلامي في النفوس.
كما دعا أعضاء المجمع والعلماء والمنتسبين إليه أن يفكروا ويخططوا لتذليل المعوقات واجتياز العقبات والسير قدماً لتحقيق التغيير الشامل في الأمة الإسلامية بتركيز الثوابت ودراسة وتوجيه المتغيرات والتحديات والانتصار عليها بإيجاد البدائل والتمكين لها.(6/1794)
وفي نهاية الجلسة الافتتاحية تولى الدكتور عبد الله إبراهيم ممثل ماليزيا نيابة عن الأعضاء إلقاء كلمة أعرب فيها عن تمنياته أن يكون افتتاح هذه الدورة برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ال سعود افتتاحاً مباركاً يؤتي ثماره بتزويد العالم الإسلامي خاصة والعالم الإنساني أجمع بالحلول الفقهية لمختلف المشكلات التي تواجهها الإنسانية والمجتمعات الإسلامية في كل مكان، وعبر عن شكره لصاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود لتفضله نيابة عن خادم الحرمين الشريفين في افتتاح هذا المؤتمر لمجمع الفقه الإسلامي بجدة، مشيداً بما يلقاه هذا المجمع من المساندة الكاملة من لدن خادم الحرمين الشريفين ومن حكومته الموقرة.
وقد صادق مكتب المجلس على جدول أعمال الدورة الذي تضمن الموضوعات التالية:
ا - " التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها".
عدد البحوث المقدمة فيه (4) .
2 – " بيع التقسيط".
عدد البحوث المقدمة فيه (7) .
3 - (حكم إجراء العقود بآلات الاتصال الحديثة) .
عدد البحوث المقدمة فيه (9) .
4 - "القبض: صوره وبخاصة المستجدة منها وأحكامها".
عدد البحوث المقدمة فيه (8) .
5 - "حكم تعدد كفارة القتل مع تعدد المقتول ".
عدد البحوث المقدمة فيه (10) .
6 – " فن التمثيل".
عدد البحوث المقدمة فيه (5) .
7 - (أ) (زراعة الأعضاء) .
عدد البحوث المقدمة فيه (19) .
(ب) (زراعة عضو استؤصل في حد مثل إعادة اليد بعد قطعها في حد السرقة أو إعادة أي عضو قطع في قصاص) .
عدد البحوث المقدمة (8)
8- " الأسواق المالية ".
عدد الأبحاث المقدمة فيه (13)
وقامت إثر ذلك شعبة التخطيط باقتراح الموضوعات التي يتأكد درسها ورتبتها حسب الأولوية تاركة للأمانة العامة ضبط ما يناسب كل دورة مع اقتراح عدد من الندوات تعقدها بحسب الإمكان.
وتم النظر في استكمال قرار تغير قيمة العملة لمعالجة الحالات الاستثنائية وكذلك النظر في استفسارات البنك الإسلامي للتنمية عن المشاركة في الشركات المساهمة.
وقد شكلت لجان فرعية لصياغة مشاريع قرارات لكل موضوع لوضعها تحت نظر لجنة الصياغة المؤلفة من مقرري الموضوعات وبعض أعضاء المجمع وخبرائه برئاسة المقررالعام الدكتور عبد الستار أبو غدة وقد انتهت لجنة الصياغة إلى القرارات التي وزعت عليكم وعددها ثلاثة عشر قرارا مشفوعة بتسع توصيات.
وإن مجلس المجمع في مدى هذا الأسبوع الذي ابتدأ بيوم الأربعاء 17 شعبان 1410هـ الموافق 14 مارس 1990م وينتهي بيوم الثلاثاء 23 شعبان 1410هـ الموافق 20 مارس 1990م قد بذل جهدا كبيرا في دراسة البحوث المعروضة والتداول بشأنها للوصول إلى النتائج الدقيقة التي حصل عليها وكان ذلك في جو من التعاون والود والتزام الصدق والتحري في دين الله. وإن المجلس ليغتنم فرصة اجتماعه في هذه الدورة السادسة ليعلن دعمه للجهود الإسلامية التي يقوم بها إخواننا الأفغان من أجل إعلاء كلمة الله ونصرة الحق كما يعلن تضامنه وتأييده للانتفاضة الباسلة المباركة في فلسطين المحتلة ويشجب الهجرة اليهودية السوفييتية المنظمة من طرف سلطات العدو تمكينا لسياسة الاستيطان واعتداء على حقوق العرب في ديارهم المحتلة وهو يدعو الله أن يكشف هذه الغمة وأن ينصر هذه الأمة.
وفي الختام أزجي الشكر مجددا لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز – حفظه الله – ولحكومته الرشيدة على ما نجده من رعاية ودعم لنشاطاتنا التي يعم نفعها بإذن الله المسلمين عامة في مشارق الأرض ومغاربها ولحضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة الذي أسعدنا بإشرافه على افتتاح هذه الدورة ولا أنسى أن أثني على الرعاية الكريمة والمشاركة الفعالة لمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي د. حامد الغابد الذي حضر مجالسنا في البداية عند افتتاح الدورة ولم يبخل علينا بتوجيهاته وإفاداته في اجتماع مكتب المجلس.
كما أجدد الشكر لمعالي الدكتور بكر أبو زيد رئيس مجلس المجمع على جهوده الموفقة وحرصه على أداء الأمانة على أكمل وجه ولا يفوتني أن أتقدم أيضا بالشكر للمقرر العام ولإخوانه أعضاء لجنة الصياغة وللجان الفرعية ولمكتب المجلس ولكل الأعضاء من منتدبين ومعينين ولسائر الخبراء الحذاق الذين انتفعنا بجهودهم وتمحيصهم للحقائق والقضايا المطروحة حتى بلغنا ما نرجوا أن يكون حقا من قرارات وتوصيات مع التنويه بما قام به أعضاء الأمانة العامة للمجمع من موظفين ومستكتبين وأعوان وما بذله رجال الصحافة والإذاعة والتلفزة والإعلام من مواكبة دائمة لأنشطة هذه الدورة.
والله يكلأ جمعكم بسلام ويمدنا ويمدكم بتوفيقه وتسديده وهو ولي التوفيق وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.(6/1795)
العدد السابع(7/1)
كلمة معَالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الدكتور حامد الغابد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
إنه لمن دواعي البهجة والسعادة أن أقدم هذا العدد السابع من مجلة مجمع الفقه الإسلامي إلى قادة دولنا الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وإلى جميع القراء والباحثين أينما وجدوا.
ولقد أدركت بمجرد الوقوف على موضوعات هذا العدد أنه زاخرٌ، كالأعداد التي سبقته، ببحث قضايا ذات أهمية قصوى، لها صلة مباشرة بحياة المسلم اليومية.
وقد اكتسبت بذلك مجلة المجمع هذه شهرة عالمية بسبب تنوع موضوعاتها العميقة النظر والدرس، وأصبحت مرجعًا أساسيًّا لكل باحث وكاتب في جميع أنحاء المعمورة. ولا شك أن ذلك مصدر فخر وإكبار للمسلمين كافة.
ورددت وسائل الإعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة في كل أنحاء العالم الإسلامي صدى نجاح هذه المؤسسة المجمعية، بما يطرق فقهاؤها وخبراؤها من موضوعات جد مهمة، تعكس بصورة جلية قدرة شريعتنا الغراء على تقديم الحلول المناسبة والمعالجات الجديدة للمشكلات المعاصرة بما يحقق خير المجتمع الإسلامي ومصلحته.(7/2)
وإني لأرى لزامًا عليّ من منطلق المسؤولية، وأنا على رأس الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أن أقدر إنجازات مجمع الفقه الإسلامي حق قدره، وأن أنوه بالدراسات الكثيرة والعميقة التي قام بها، سواء في ندواته أو مؤتمراته، في شتى مجالات المعرفة من أصول ومعاملات واقتصاد واجتماع وطب، مما يزيد الاعتزاز بهذه المؤسسة، وما نشرته من ذلك في مجلتها العلمية التي بلغت بهذا العدد عشرين مجلدًا هي حصيلة المؤتمرات الدورية التي عقدتها حتى الآن.
ولم يكن المجمع ليصل إلى أهدافه النبيلة لولا الدعم المتواصل الذي يلقاه من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وخصوصًا من دولة المقر (المملكة العربية السعودية) التي لا تألوا جهدًا في تقديم العون المادي والمعنوي لمنظمة المؤتمر الإسلامي، أمانة عامة، وأجهزة ومؤسسات.
فلحكومات هذه الدول وعلى رأسها حكومة خادم الحرمين الشريفين آيات الشكر والعرفان.
ولا يفوتني أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى أمين عام المجمع فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة وإلى رئيس مجلس المجمع فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، اللذين يعود الفضل إليهما – بعد الله – في الارتفاع بمستوى المجمع إلى آفاق الرقي والعالمية. فلهما كل تقديري وتشجيعي حاثًا إيّاهما على الاستمرار في الدرب نفسه، كما أتوجه بالشكر والامتنان إلى جميع أسرة المجمع، أصحاب الفضيلة العلماء والفقهاء والخبراء، لما بذلوا ويبذلون من جهود في سبيل خدمة دينهم وأمتهم وللإداريين بالمؤسسة الذين بفضلهم يتم لنا اقتطاف هذه النتائج الرائعة. فجزى الله هؤلاء وأولئك خير الجزاء.
وختامًا أوجه نداء ومناشدة حارين إلى جميع قادة الحكومات الإسلامية والمسؤولين فيها، طالبًا منهم أن يلتزموا بدفع مساهماتهم المالية نحو المجمع، وأن يبذلوا له المزيد من العطاء والإحسان، وذلك لتتمكن هذه المؤسسة الفريدة من نوعها من أداء رسالتها على أكمل الوجوه، ومن القيام بمشاريعها المتنوعة والكثيرة، خدمة للأمة الإسلامية، ومواكبةً منها لما تنهض به المجامع والمؤسسات في العالم الإسلامي من أعمال خالدة تثبت أصول الحضارة وترعاها، كما تدعم التطورات الفائقة والنافعة لتحقيق مزيد من النظر والبحث في مختلف مجالات الدراسة والعلم.
وإني لأتضرع إلى المولى عز وجل أن يوفق جهود القائمين على هذا المجمع، ويسدد خطاهم لما في ذلك من صلاح الإسلام والمسلمين، إنه تعالى جواد كريم، وصلّى الله على سيدنا ومولانا محمد وسلَّم تسليمًا كثيرًا.
الدكتور حامد الغابد(7/3)
- كلمة معالى رئيس مجلس المجمع
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
- وكلمة معَالي أمين عام المجمع
الدكتور محمّد الحبيب بن الخوجَة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجًا.
والصلاة والسلام على نبينا محمد الذي بعثه الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد دأب مجمع الفقه الإسلامي من أول يوم على دراسة قضايا الأمة المعاصرة بحثًا ومناقشة وتحليلًا، وكان يخرج في النهاية في كل قضية بحلول نابعة من الشريعة الغراء والحنيفية السمحة، وذلك بما هيأه الله تعالى له من نخبة كريمة من علماء الأمة وخبرائها في مجالات الفقه والاقتصاد والطب والاجتماع وغيرها.
وبعون الله تعالى وتوفيقه واصل مجلس المجمع مسيرته المباركة، فعقد مؤتمراته، واحدًا تلو الآخر حتى بلغ هذه المرة دورته السابعة ووصل ما نشر من بحوث ودراسات في مجلته العلمية عشرين مجلدًا.
وقد ظفرت هذه الدورة السابعة، ومثلها أربع دورات أخرى سابقة، باستضافة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود عاهل المملكة العربية السعودية أطال الله عمره وأجزل مثوبته وخلد أعماله.(7/4)
ولقد تكرم – أعزه الله- بإنابة حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة، فأشرف سموه الكريم على افتتاح الدورة ونوه في الخطاب الذي ألقاه بالنيابة عن خادم الحرمين الشريفين بدور المجمع الرائد وبرسالته النبيلة، داعيًا الأمة إلى قبول كل ما يصدر عنه من قرارات وتوصيات، ينطق بذلك قوله: " وإن هذا المجمع الفقهي، وما يضمه من صفوة علماء وحكماء الأمة الإسلامية لهو دليل تضامنها، وتوحيد كلمتها، وندعو إخواننا المسلمين، حكامًا وشعوبًا، أن يطرحوا ما لديهم من تساؤلات أو اختلافات على هذا المجمع الفقهي، وعلينا أن نتقبل بالرضى والتأييد ما يصدر عنه، فإنه إجماع علماء الأمة الإسلامية".
ودعا سموه أيضًا إلى توحيد كلمة الأمة ونبذ الخلافات فيما بينها قائلًا:
"وإننا ندعو على بصيرة إلى ما فيه توحيد الأمة الإسلامية، لا تفريق كلمتها وتشتيت رأيها، وصدع صفها، ندع الكلام فيما اختُلف فيه، ما دام ليس من جوهر العقيدة، ونركّز على مواطن الاتفاق أخذًا بقاعدة أولويات الدعوة، نحترم آراء الأئمة الكبار المشهود لهم منذ القرون الأولى للإسلام، غير مغلقين باب الاجتهاد متى استوفيت شروط مؤهلاته ... ".
وإن المجمع من حين تأسيسه وباطراد لا يزال يجد من لدن صاحب المقام السامي التأييد المادي والمعنوي الذي هو جدير به وفي حاجه إليه.
فجزى الله خادم الحرمين الشريفين وولي عهده الأمين وحكومته الرشيدة وشعب المملكة العربية السعودية عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء.(7/5)
وإن هذه الدورة السابعة المتميزة التي انعقدت بمدينة جدة في الفترة ما بين 17 إلى 12 من ذي القعدة 1412هـ (9-14 مايو 1992م) برحاب جامعة الملك عبد العزيز وشارك فيها عدد كبير من أصحاب الفضيلة العلماء وجمع غفير من الباحثين المقتدرين والخبراء المتخصصين بجانب أعضاء المجمع المنتدبين، قد بلغت جلسات العرض والمناقشة منها (12) اثنتي عشرة جلسة، ومجموعة الأبحاث التي تناولها العرض (55) خمسة وخمسين بحثًا، ما عدا الوثائق الست التي ضمت إليها.
وتناولت الدورة بحث القضايا التالية:
1- الأسواق المالية
2- البيع بالتقسيط
3- عقد الاستصناع
4- بيع الوفاء
5- العلاج الطبي
6- الحقوق الدولية في الإسلام
7- الغزو الفكري
وعلى ضوء العروض المقدمة وما تبعها من مداولات ومناقشات اتخذ مجلس المجمع قرارًا شرعيًّا في كل موضوع طرح، كما دعا إلى عقد جملة من الندوات اقترحتها شعبة التخطيط.
ويسعدنا أن نعلن، باسم أسرة المجمع، من فقهاء وخبراء واقتصاديين وأطباء أننا نعاهد الله تعالى ونعاهد قادتنا وشعوبنا على الاستمرار في العمل المجمعي الفقهي بكل ما وسعنا من قوة للنهوض بمسؤوليتنا كاملة غير منقوصة، وتخطي الصعاب إلى أن ندرك الهدف المنشود، وإيجاد الحلول الشرعية لكل مشكلات العصر وتحدياته وبيان حكم الله فيما يعن من أمور وشؤون، فنثبت للعالم أجمع أن شريعتنا الخالدة صالحة لكل زمان ومكان فيها هدى من الله ورحمة.
والله نسأل أن يمدنا بتوفيقه وتسديده ويعصم جمهرة علمائنا الخطأ والزلل ويسلك بنا وبهم سبل المتقين الصادقين إنه سميع مجيب.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
رئيس مجلس المجمع الأمين العام للمجمع
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة(7/6)
كلمة
صَاحب السموّ المَلكي
الأمير مَاجد بن عبد العزَيز
أمير منطقة مكّة المكرّمَة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد الله الذي شَرع لنا من الدين ما تستقيمُ عليه حياتُنا.. والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد القائل: ((مَنْ يُرِدِ الله به خيرًا يفقّههُ في الدين)) صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
أيها الأخوة الأعزاء:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
يشرفني أن أفتتح الدورةَ السابعةَ للمَجْمَعِ الفقهيّ نيابةً عن خادمِ الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.
وأرحب بكم في المملكة العربية السعودية، وندعو لكم بالتوفيق والسداد، فإن الأمةَ الإسلامية حكامًا وشعوبًا تتطلعُ إلى اجتماعاتِكم الدورية، لأن قراراتِكم وأبحاثَكم مما يمسُّ تصرفات المسلم في دينه ودنياه.
وإن من فضل الله على هذه الأمة الإسلامية أن كان عِلْمُ الفقه أوفرَ العلوم الإسلامية حظًّا على مرِّ العصور، لأن المسلم يَزنُ به عَمَلَه أحلالٌ أم حرام؟ ؟ أصحيحٌ أم فاسد؟ ؟ فالمسلمون بحمد الله حريصون على معرفِة الحلالِ والحرام والصحيح والفاسد من تصرفاتِهمْ، سواءً ما يتصل بعلاقتِهم بالله أو بِعبادِه قريبًا كان أو بعيدًا، عدوًّا كان أو صديقًا، حاكمًا كان أو محكومًا، مسلمًا كان أو غيَر مسلم.(7/7)
فليس أَرْوَحُ للمسلم، ولا أَقرَّ لعيِشه، ولا أهدأَ لِباله، من أن يعيشَ في ظلِّ مجتمع صالح، تسودُ فيه مبادئُ الشريعِة الإسلامية الخالدة الداعيِة برحمةٍ ورِفْقٍ إلى إنقاذِ البشريِة من ظلامِ الكفِر والتخبط إلى نوِر الإيمانِ وهُدى الإسلام.
أيها العلماء الأجلاء:
إن الإسلام يُغْزى اليوم في كل ميدان سياسيًّا واقتصاديًّا وفكريًّا، وعداوةُ أعدائه لَه عدواة شرسةٌ دائمةٌ لن تنقضي إلى يوم الدين.. مصْداقًا لقوله تبارك وتعالى: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا} [البقرة: 217] .
فلا بد من حشدِ جميع القوى والطاقات لمواجهةِ أعداءِ المسلمين الحقيقيين لا إزْهاقَهَا في خلافاتٍ جانبية أو فَتْح جَبَهاتٍ في الصفِّ الإسلامي تُذْهِلُهُ عن معركَتِهِ الكبرى وتُعْشِي بَصَره عن عدوِّه الحقيقي الذي لا تغفُو عيناهُ لحظةً واحدةً.
ونخشى أن تشتَدَّ ضراوةُ المسلمين بعضُهم على بعض، وأن يقسو بأسُهم فيما بينهم إذا اختلفوا في رأي أو فُتْيا، بل في أمرٍ ثانوي ليس من أُسس العقيدةِ أو أركانِها، ونَسمعُ عندئذٍ صيحاتِ التكفيِر والتفسِيقِ، والتجهيلِ والتضليلِ، والقذفِ والتبديع.(7/8)
وإننا ندعو على بصيرة إلى ما فيه توحيدُ الأمِة الإسلامية، لا تفريق كلمتِها.. وتشتيت رأيها وصَدْع صفِّها، نَدَعُ الكلامَ فيما اختُلِفَ فيه ما دام ليس من جوهر العقيدة، ونركّزُ على مَواطِنِ الاتفاق أخذًا بقاعدةِ أولويّاتِ الدعوة، نحترمُ آراء الأئمِة الكِبار المشهود لهم منذُ القرونِ الأولى للإسلام، غيرَ مُغْلِقينَ بابَ الاجتهاد متى استوِفيتْ شروطهُ ومؤهلاتهُ.
وإن هذا المجمع الفقهي، وما يضمه من صفوة علماء وحكماء الأمة الإسلامية لهو دليل تضامنها، وتوحيد كلمتها، وندعو إخواننا المسلمين حكامًا وشعوبًا. أن يطرحوا ما لديهم من تساؤلاتٍ أو اختلافاتٍ على هذا المجمع الفقهي، وعلينا أن نتقبل بالرضى والتأييد ما يصدر عنه، فإنه يمثل إجماع علماء الأمة الإسلامية.
نسأل الله أن يوحد صفنا، وأن يجمع كلمتنا، وأن يوجه جهودنا إلى مجالدة أعداء المسلمين.. والدعوة إلى الله تعالى لنستعيد دورنا القيادي، وإننا خير أمة أخرجت للناس.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الأمير ماجد بن عبد العزيز
أمِير منطقة مَكّة المكرّمَة(7/9)
كلمة
معَالي الدكتور حَامد الغَابد
الأمين العَام لمنظمَة المؤتمَر الإسلاَمي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله القائل في كتابه العزيز: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: 122] .
وصلَّى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد القائل: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)) .
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز،
أمير منطقة مكة المكرمة وممثل خادم الحرمين الشريفين،
الملك فهد بن عبد العزيز، حفظه الله
فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد،
رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي.
فضيلة الشيخ محمد الحبيب بن الخوجة،
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.
أصحاب المعالي والسعادة،
أيها الأخوة،
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
يسعدني أن أشارك في هذا اليوم المبارك في جلسة افتتاح هذه الدورة السابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي التي يرعى أعمالها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، أطال الله بقاءه.(7/10)
إني لأشعر بفرح واعتزاز، لأن انعقاد هذه الدورة السابعة يتم بعد حدث هام، ألا وهو تحرير أفغانستان من يد البغي والظلم بعد كفاح مرير دام نحو أربع عشرة سنة بين المجاهدين الأفغان الأقوياء، بما أوتوا من إيمان بالعزيز القدير، وبين قوى العدوان، وأنتهز هذه المناسبة لأتقدم بأحر التهاني إلى إخواننا المجاهدين في أفغانستان الحرة ولكافة شعب أفغانستان.
إن الأحداث المؤسفة التي أعقبت تحرير هذا البلد المسلم، والتي تميزت بقيام صراع بين الإخوة من مختلف فصائل المقاومة، تحول دون تمتع الشعب الأفغاني المثخن بجراح حرب، طالما فرضت عليه، بثمار هذا النصر المبين.
وعليه، فإنه لا يسعني في هذا المقام إلَّا أن أجدد النداء إلى كافة القادة الأفغان، كي يتجاوزوا خلافاتهم ويندفعوا بعزم وإصرار في درب المصالحة الوطنية، التي ستمكنهم من النهوض بتلكم المسؤولية الجسيمة، ألا وهي إعادة بناء بلدهم. لقد تألم الشعب الأفغاني بما فيه الكفاية من الانتهاكات التي فرضها عليه الجيش السوفيتي المحتل والنظام الذي نصّبه هذا الجيش، إن الأمة الإسلامية لا تستطيع أن تستسيغ اليوم مهما كانت المبررات إطالة الألم على الشعب الأفغاني المسالم من قبل المجاهدين أنفسهم.(7/11)
وفي نفس هذا السياق، لا يفوتنا أن نندد وبشدة بالمجازر الوحشية التي يتعرض لها المسلمون في البوسنة والهرسك على أيدي الجيش الاتحادي اليوغسلافي والميليشيات الصربية، وكذلك انتهاك حقوق الإنسان في كشمير وبورما والفلبين، وبصفة خاصة تلكم الممارسات اللاإنسانية التي تقترف في القدس الشريف، أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين حيث فاقت الجرائم الإسرائيلية الإحصاء.
إن الانطباع ينمو بأن النظام العالمي الجديد الذي حظي بوافر المديح، جاء ليواصل الصراع الذي قاده الغرب ضد الشيوعية والأنظمة الاستبدادية التي فرضتها، ولكن وبعد زوال هذه الأنظمة أصبح الإسلام والمسلمون هم المستهدفين لهذا الصراع، وإلاَّ فكيف نفسر التدخل المحتشم إن لم يكن التعتيم الذي يفرض على الصراعات التي يكون المسلمون طرفًا فيها.
وفي هذا المقام يسرني أن أتوجه بأسمى عبارات الإكبار والامتنان إلى خادم الحرمين الشريفين للاهتمام الذي ما انفك، حفظه الله، يوليه لكافة القضايا والمسائل المتعلقة بمصالح المسلمين وازدهارهم.
كما يطيب لي أن أرفع لمقام خادم الحرمين الشريفين وحكومته الرشيدة أسمى آيات الشكر والعرفان وأن أنوه مرة أخرى بما تحظى به منظمة المؤتمر الإسلامي وكافة أجهزتها من رعايته الكريمة ودعمه السخي.(7/12)
صاحب السمو الملكي،
أصحاب الفضيلة،
أصحاب المعالي والسعادة،
لقد اضطلع المجمع منذ إنشائه بدور جد إيجابي حيث عمل على تبصير المسلمين بأمور دينهم سواء أكان هؤلاء المسلمون في الدول الأعضاء أم في الدول غير الأعضاء، فعرفهم بالإسلام، حقيقته، وقيمه، ومزاياه، كما أوجد لهم حلولًا ناجعة لكثير من المشكلات المعاصرة، ووقف المجمع كذلك بكل إمكاناته في وجه التيارات المناهضة للإسلام.
وإنجازات المجمع ضخمة إذا قورنت بعمره القصير، فبالإضافة إلى نشر العديد من أبحاث الخبراء والباحثين في مجلدات بلغت حتى الآن ستة عشرة مجلدًا فإن المجمع قد شرع منذ سنوات في إنجاز مشاريعه العلمية التي هي: تيسير الفقه، معجم المصطلحات الفقهية، الموسوعة الفقهية الاقتصادية، وإحياء التراث.
وينهض المجمع أيضًا بعقد ندوات متخصصة بالاشتراك مع الهيئات والمؤسسات الإسلامية في الدول الأعضاء.
ويطيب لي أن أنوه في هذا الصدد بالجهود الكبيرة التي يبذلها فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجه الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، تلكم الجهود التي أعطت ثمارها وحققت نتائج جيدة، ويرجع الفضل في تحقيق هذه النتائج – بعد الله- إلى شخصية الأمين العام لما تتحلى به من سعة الأفق وخبرة طويلة، ولا يسعني في هذا المقام، إلَّا أن أعبر لفضيلته عن إعجابي بما يقوم به من جليل الأعمال، وتشجيعي له على المواصلة على نفس هذا الدرب النبيل.(7/13)
كما يطيب لي أن أشيد بالجهود العظيمة التي يبذلها فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع وأصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء وأصحاب السعادة الخبراء والباحثون الذين لم يدخروا أي جهد في سبيل تقديم مساهماتهم الثمينة في البحث عن حلول للمسائل المعقدة المتعلقة بحياة المسلمين اليومية.
ولعل في تنوع الموضوعات التي ستعرض على مجلسكم الموقر في هذه الدورة دليلًا على ما يهتم به المجمع من واقع الحياة المعاصر، وذلك ببحثه للقضايا الاقتصادية والاجتماعية والفكرية والسياسية والطبية ونحوها.
صاحب السمو الملكي،
أصحاب الفضيلة،
أصحاب المعالي والسعادة،
على الرغم مما تحقق من نتائج إيجابية فإن الشعوب الإسلامية لا تزال تنتظر الكثير من مجمعكم الموقر، فهناك من الموضوعات والمسائل ما يحتاج إلى حلول، خصوصًا ونحن نعيش في زمن تتسابق فيه الأحداث وتتوالى فيه الاختراعات العلمية والتكنولوجية، فلا يكاد يمر عام إلَّا ويجد فيه جديد مما يتطلب أن يكون المسلمون في يقظة دائمة وأن يواكبوا الأحداث والمستجدات.
يتبين من هذا أن ما ينتظر المجمع من جهد لا يقل عما قطعه إن لم يجاوزه، ولذلك أدعو أعضاء المجمع من علماء وخبراء وباحثين إلى تكثيف الجهود ومضاعفتها لتحقيق آمال الآمة الإسلامية في توضيح حكم الشرع في كل ما يستجد في حياتنا اليومية حتى لا يتخلف عالمنا الإسلامي عن ركب الحضارة العالمية.
وأخيرًا، أحث الدول الأعضاء ممثلة في مندوبيها أن تفي بالتزاماتها المالية نحو المجمع وأن تقدم له مزيدًا من الدعم حتى يتمكن من تحقيق أهدافه ومن القيام برسالته خير قيام.
وإنني على يقين بأن مناشدتي ستلقى آذانًا صاغية وأن الدول الإسلامية ستبادر إلى أداء واجبها كاملًا غير منقوص.
وآخر دعوانا أن الحمد الله رب العالمين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
معَالي الدكتور حَامد الغابد
الأمِين العَام لمنظمة المؤتمر الإسلاَمي(7/14)
كلمة
فَضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
رَئيس مجلس المجمَع
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بسم الله الرحمن الرحيم نبدأ وبه نستعين، وعليه نتوكل بعد حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائه ورسله، أما بعد:
فالحمد لله على توفيقه بعقد هذا المؤتمر السابع لمجمع الفقه الإسلامي، محفوفًا بشرف الزمان، وشرف المكان، وكرامة الجوار والقدوة في الاجتماع ونبل الغاية والقصد.
فنحن في شهر من أشهر الله الحرم، من شهور الحج ذي القعدة، وعلى أرض الحرمين الشريفين من جزيرة العرب قلب العالم الإسلامي، محراب الإسلام وقبلة المسلمين، وفي ضيافة حكومة خادم الحرمين الشريفين، الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية، مُفتتحًا – أيده الله ونصره- هذا المؤتمر، بنيابة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود أمير منطقة مكة المكرمة – حرسها الله تعالى- والذي يعقد اليوم في رحاب معقل من معاقل العلم- جامعة الملك عبد العزيز بجدة - في جمع كبير وثلة متميزة من علماء الأقطار الإسلامية، من مفتين ووزراء وقضاة وأساتذة الجامعات وباحثين ومتخصصين، وجمع كريم من وجهاء البلاد وأعيان العباد، مشمولًا بنبل الغاية والقصد بما يهدف إليه هذا المجمع من شد الأمة إلى عقيدتها، عقيدة التوحيد الخالص من شوائب الوثنية وأوضار الشرك والبدع والضلالة، والعمل على وحدة الأمة بعد فرقتها، والنظر في نوازل الأحكام وأقضياتها، والعمل على كف الدخولات عليها.(7/15)
وفي مثل هذا المقام المبارك تزدحم الواردات، فبأيها يأخذ الإنسان وبأيها يقول اللسان، ولكن: {وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [آل عمران: 101] .
إن العمل على كف الدخولات هدف كبير من أهداف هذا المجمع، وقد تمثل تحقيقه في مجموعات من القرارات التي أصدرها في دورات مضت، بإعلان النكير والتحذير من مجموعة من المذاهب والنحل والمبادئ الوافدة على ديار المسلمين، فهذا المجمع بحق هو مئذنة لإعلان كلمة الحق وإعلائها.
وامتدادًا لهذا الحبل الموصول بإذن الله تعالى أبدى الندارة من واقعة ومكيدة خفية تسللّت إلى الصف، وغشيت الكتاب الإسلامي، ظاهرها حق محض، وباطنها باطل ومرّ، تعتلي طورًا جديدًا مفزعًا ممن غلبوا على رشدهم لداعي الهوى، والهوى لا ضابط له.
إنها قارعة التحريف، قارعة الشطط الأسود المنبوذ، بالتحريف والتغيير والتبديل والزيادة والنقص، والإدخال والإخراج، إلى غير ذلك مما يمليه على المحرف أدبُه وخلقُه وتدينه المهيض، فالكتاب من هذه الفَعَلات مكلوم، والعلم منها مهضوم، والكتاب يناديكم أيها العلماء إني مغلوب فانتَصِر.
وإن الحديث عن هذه الفعلة الخفية مما يثقل على المستمع استماعه، والقائل في غصة وتجمجم، لكن كيف به وقد وقع في جملة غير قليلة في كتب معاصرة؟! في التفسير والحديث والفقه والسير، في مصطلح الحديث؟! فأمسكوا – رحمكم الله تعالى – على مفتاح القضية، على مقتضى الأمانة العلمية، والبحث الراشد الرشيد، بالمطابقة والمقابلة بين النص المنقول والمنقول منه، والكتاب المخطوط والمطبوع عنه، لتَروا في ذلك عجبًا من نصوص تحرف عن مواضعها، وتخرج للناس في غير براقعها.(7/16)
هذه الفعلات تؤول بالشرع إلى دين محرف، وشرع مُبدّل، وأنتم أيها العلماء الأجلاء، وقد اجتمعتم من أقطار العالم الإسلامي كافة، ما لنا إلَّا أن نعلنها صريحة على مسامعكم الكريمة، لترَوْا رأيكم، وتنظروا في الكتاب الذي يطبع من بعض الأشخاص بما داخله من تحريف في تفسير كتاب الله في نص آية – أكرر- في نص آية أو حديث أو أثر أو كلام عالم.
فكُتُب السلف وديعة السلف إلينا، وهي في ذمتنا، وعهدُ الإسلام إلينا، فيجب علينا أن نرعى حرمتها، وأن يقول لسان الحال منا: جهادًا بالقلم واللسان أمام هذا التحريف، إذا كان في كل ناد أثر من ثعلبة، فإن وراء كل داجية فجرًا صادقًا، وما من فجر كاذب إلَّا ويتبعه فجر صادق، والعلم محاط بعناية الله بحفظه، وتهيئة أهله لحفظه، فما استطاع هؤلاء المحرفون أن يظهروا، وما استطاعوا له نقبًا، فهبوا إلى حمايته – رحمكم الله – خفافًا وثقالًا، ألا إنها الاستقامة، مستقيمين على دين الله وشرعه، ألا إنها الاستقامة هي رأس مال المسلم في هذه الحياة الدنيا، ولا إخالكم إلَّا كذلك.
سبحان من قسم الحظوظ فلا عتاب ولا ملامة
أعمى وأعشى ثم ذو بصر وزرقاء اليمامة
ومُسَدَّدٌ أو جائر أو حائر يشكو ظلامه
لولا استقامة من هداه لما تبينت العلامة
وأعلى من ذلك وأجلّ قول الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ (30) نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآَخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (31) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (32) وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصِّلت: 30 – 33] .
هذا: وأبدي بذلك بشارة، وهو أن بعض ذوي القدرة واليسار، لما رأى ما رأى من تحريف جملة من النصوص عن مواضعها وإخراجها للناس محرفة، أبدى التزامًا أدبيًّا بإعادة طبع ما كان سبيله كذلك بعد التنسيق مع مجمع الفقه الإسلامي وعرضه عليكم في دورة – أو في هذه الدورة – بعد اتخاذ الترتيبات الرسمية اللازمة.(7/17)
هذا وإن مسك الختام، ومن رد أعجاز الكلم على صدورها، أن أبدي خالص الشكر والتقدير ومحمود الثناء لخادم الحرمين الشريفين على موافقته الكريمة بعقد هذا المؤتمر على أرض المملكة العربية السعودية، وهذه واحدة من مكارمه في خدمة القضية الإسلامية، وإجلال العلم والعلماء، فجزاه الله خيرًا وثبته على الإسلام، وأعلى كلمته في العالمين بالحق آمين.
ونشكر صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز على كلمته التي ألقاها نيابة عن خادم الحرمين الشريفين، والتي جاء فيها كلمة مهمة وهي " رعاية حرمة العلماء السابقين وأقوالهم " وأقول هنا: إنها مناسبة كريمة، إنه ليس من رعاية حرمات العلماء السابقين تحريف النصوص، فينبغي أن تكون كلمة سموه أمامنا موضع التنفيذ، بأن نرعى حرمة العلماء وأن نقول ما لهم، وأن نذكرهم بخير، وأن نذكر أقوالهم، وأن ندعمها بالأدلة بأمانة وصدق.
ونشكر صاحب المعالي مدير جامعة الملك عبد العزيز، على ترحيبه بعقد هذا المؤتمر في رحاب الجامعة، فجزاه الله خيرًا، وكثّرَ في المسؤولين من أمثاله، والله يوفقنا وإياكم وشكر الله لكم حضوركم واجتماعكم، ودمتم موفقين، والله يحفظنا وإياكم بالإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
رئيس المجمع(7/18)
كلمة
معَالي الدكتور محمّد الحبيب بن الخوجَة
الأمين العَام لمجمَع الفِقه الإسلاَمي
بسم الله الرحم الرحيم
الحمد لله الحق المبين الذي خلق السموات والأرض وما بينهما بالحق وهو العزيز الحكيم، نحمده جلت قدرته، وعز سلطانه، تجلّى بألوهيته ووحدانيته على ما أبدعه من أكوان، وخلقه من عوالم، وأوجده من سنن، وأقامه من نظم، فنواميسه ثابتة لا تختل، مطردة لا تتخلف، تسيطر على الوجود بما فيه ومن فيه، سيطرة تضمن انتصار الحق والعدل، وانهزام الباطل والبغي. {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} [لقمان: 30] .
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأنزل الكتاب بالحق والميزان، وشرع للناس مناهج الحق وهدى إليها سبيلًا، وألزم عباده المؤمنين الأخذ بها، وعدم الحَيْدة عنها بقوله مخاطبًا رسوله: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (18) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ} [الجاثية: 18-19] .
وأشهد أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، وأقام في أمته يتلو عليهم آيات ربه، ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة، وينهاهم عن التلبيس والتخليط وكتمان الحق وكل ما يورث الفتنة بين الناس، أو يحدث فيهم البلبلة والاضطراب مذكرًا إياهم بقوله عز وجل: {وَلَا تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُوا الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 42] .
ومركزًا في قلوب المؤمنين حقيقة هذا الدين وقيامه على منهاج الحق محذرًا من الالتواء ومجاراة الأهواء، تاليًا عليهم قوله جل وعلا: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُمْ بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَنْ ذِكْرِهِمْ مُعْرِضُونَ} [المؤمنون: 71] .(7/19)
ومبينًا لهم أن الله أعطى كل ذي حق حقه، وحمى تلك الحقوق بما فرضه من واجبات، وصدرت به أوامره، ونواهيه من أحكام، فصلوات الله وسلامه على رسولنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه إلى يوم الدين.
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز، رعاه الله،
أمير منطقة مكة المكرمة.
دولة الدكتور التجيني الهدام،
عضو المجلس الأعلى للدولة بالجزائر.
حضرة صاحب المعالي الدكتور حامد الغابد،
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
حضرة صاحب المعالي الدكتور محمد سعيد رضا عبيد،
مدير جامعة الملك عبد العزيز.
أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة والسعادة علماء الأمة وقادة فكرها الموقرين.
ضيوف دورتنا السابعة الأكارم، رعاكم الله جميعًا ووفقكم وسدد على العمل الصالح خطانا وخطاكم.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
إن أطول فترة فصلت بين مؤتمرين من مؤتمرات مجمعكم الموقر لهي هذه التي امتدت عامين وشهرين بين الدورتين السادسة والسابعة اللتين انعقدت وتنعقد بفضل الله وكرمه بهذا البلد الأمين، الذي جعل الله بيته قبلة للناس ومثابة وأمنًا للمسلمين. تهوي إليه أفئدتهم ويجدون في ظله وبرحابه الخير والبر والهدى والتقوى.(7/20)
ولئن طالت هذه المدة بما لم يكن في التقدير والحسبان فإن أحداثًا جسامًا، وتطورات عظيمة، وترتيبات، ومبادرات، وأعمالًا صالحة خالصة لوجه الله، عمرتها وتتابعت فيها، لجميعها انعكاس على حياة الأفراد والمجتمعات في العالم العربي والإسلامي، كما لها أثر أي أثر في إيقاظ الهمم وبعث روح التضامن والتعاون في المشارق والمغارب بين المسلمين كافة، وإنها لتحمل القادة وأولى الأمر وأهل الحل والعقد على الاضطلاع بالأمانة والشعور بثقل المسؤولية والعمل الصالح الدؤوب وبذل الجهد، عسى أن يحيطنا الله بألطافه، ويشملنا برحمته، ونكون من الذين آمنوا به، ووجهوا وجوههم إليه، واستجابوا لرسوله وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه وكانوا من عباد الله الصالحين.
وقد برز ذلك في الفتنة العمياء التي هزت الخليج، ودمرت الكويت، ونشرت فيها وفي ما حولها من الدول المحيطة بها أسباب الذعر والخوف ومظاهر العدوان والبغي. فلولا الانتصار للحق والمواقف الجهادية البطولية لخادم الحرمين الشريفين وحكومته وشعبه، واستبسال الكويتيين جميعهم في الداخل والخارج، وتماسك دول الخليج وما أظهرته من تلاحم في العمل ووحدة في القصد، ومواقف من انضم إلى هؤلاء وأولئك مؤيدًا ومؤازرًا لأتت الحرب على كل شيء، وقضت على منطقة كاملة متطورة متقدمة وجعلتها أثرًا بعد عين، ولكن الله الحليم الكريم سلم، فحسر عنها غوائل الغادرين وكيد الكائدين، وبارك جهود المكافحين الذائدين عن الحوزة والحمى، وثبت أقدامهم: {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ} [آل عمران: 126] .
وإنا لنرجو أن يرفع الله الأصر على الأسرى والمحتجزين كي يعودوا إلى بلدهم ويقوموا بشرف الإسهام في إعادة بناء وطنهم آمنين.(7/21)
وأما التطورات العظيمة التي شهدتها هذه الفترة على الساحة الدولية فأبرزها: انهيار الشيوعية وتفكك نظام الإلحاد والمادية القائم على الطغيان والقهر. وبالرغم مما يتعرض له مسلمو البوسنة وغيرهم من إبادة جماعية وفتنة وتشريد في شرقي أوروبا، فإن القلوب المؤمنة في البلقان والجمهوريات الإسلامية لم تفقد ثقتها في الله، وهي تواصل جهادها معلنة عقيدتها، رافعة أصواتها، مكافحة فزعة ومعتزة، مرددة على سمع الدنيا: إنا قوم مسلمون. وقد بدأ التواصل والتقارب والتعاون مع إخواننا في الله في هذه الظروف العصيبة التي يمرون بها متحدّين العنصرية والقومية والمذاهب المنكرة، وناشرين في تلك الآفاق الهداية الإسلامية وما جاءت به من نور وسلام وأمن.
وإنه لمن واجب الدول الإسلامية والعربية عامة، والمنظمات والمؤسسات كالمراكز الثقافية والمعاهد والمجامع الفقهية في العالم الإسلامي خاصة أن تعزز جهودهم وتمدهم بما يحتاجون إليه من توعية دينية وتعريف بالفكر والحضارة الإسلامية، تنمية للعقول، وهداية للألباب، وإبرازًا للهوية، وحماية للعقيدة والملة، وشدًّا لأواصر الأخوة والمودة والتواصل والتراحم بين المسلمين.(7/22)
وإنا لنحمد الله على أن أتم نصره للمجاهدين الأفغان، وندعوه سبحانه أن يقيهم فتنة الانقسام وشر الافتراق، ويلهمهم السداد والرشد لإعلاء كلمته، وإقامة دولة الإسلام على أرضهم، وتعزيز المجتمع الإسلامي في ربوعهم.
وأما الترتيبات التي تشدّ الماضي بالحاضر، وتملأ نفوس الصادقين أملًا في المستقبل، فهي تلك التي صدر بها الأمر السامي في الأشهر الأخيرة من أنظمة الحكم والشورى والمناطق بالمملكة العربية السعودية. وهي كما تجسد الروح الإسلامية العالية التي تلتزم بها الدولة في سياستها العامة في داخل البلاد وخارجها، وفي علاقاتها بالبلاد العربية والإسلامية وغيرها، وفي ما تبرمه من مواثيق وعهود إقامة للحق وصونًا له، تمثل بجوهرها جزءًا هامًا من التطور العام والنهضة المستمرة للمملكة في كافة المجالات وخطوة حكيمة في طريق التقدم والنماء.
وأما المبادرات التي ألمعنا إليها قبل فهي الوقوف في وجه التحديات، والدخول في مفاوضات السلام العسيرة، والثبات أمام كيد إسرائيل وتحرشاتها، والعمل في حزم وإصرار ووحدة صف واجتماع كلمة لاسترجاع القدس وتحرير فلسطين والخروج بالشرق الأوسط من محنته الطويلة، وإعادة الاستقرار والأمن إلى المنطقة رغم المؤامرات والمواقف العدوانية التي تواجهها وتحيط بها من كل مكان. فمبدأ الأرض مقابل السلام حق يرفع، والمناداة به والحرص على فرضه مطلب جهادي لا يدفع، وإقراره غاية لابد من الجد والعمل لبلوغها وإدراكها.(7/23)
وأما الأعمال الخالصة التي أريد بها وجه الله وإعلاء كلمته ونشر دينه وتيسير القيام بشعائره على عامة المسلمين الوافدين على المملكة من أقاصي الدنيا، فهي رعاية بيت الله العتيق، ومسجد نبيه الشريف، والتقرب إلى الله سبحانه بإعمارهما. فمشروع خادم الحرمين الشريفين لتوسعتهما الذي بدئ تنفيذه بالمدينة المنورة في التاسع من محرم الحرام 1406هـ، وفي مكة المكرمة بوضع حجر الأساس 1409هـ قد عرفا في هذه الآونة نشاطًا متميزًا وتقدمًا رائعًا. فهيئت المسالك والجسور العلوية والسفلية إليهما، وأقيمت جميع المرافق التابعة لهما، وامتدت مساحتهما لتغطي التوسعة في الحرم المكي المعظم نحوًا من تسعة الآف متر مربع، تستوعب خمسين ألفًا من المصلين، وانتشرت أطراف المسجد النبوي الشريف الذي كان محصورًا في ستة عشر ألف متر مربع لا تأوي أكثر من ثمانية وعشرين ألف مصلي إلى نحو خمسة وستين ومائة ألف متر مربع، تستوعب قرابة الربع مليون نسمة. وأقيم بناء الإضافات في المسجدين المعظمين، مع المحافظة على الصفات المميزة لهما، وكمال التنسيق بين الأصل والتوسعة فيهما، وارتفعت المآذن العديدة الجديدة وضوعف عدد المداخل والأبواب أضعافًا، وازدادت هيبة الحرمين الشريفين وازدواج جلال وبهاء المسجدين وخالط ذلك نفوس الطائفين والراكعين الساجدين ممن يؤم هذين الحرمين الأقدسين، أو يتوجه بقلبه ومشاعره إليهما معتزًا أو منتسبًا. وها هي اليد البارة السخية تستجيب لنداء بيت المقدس الذي أسري برسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، فترسل ثلة من الفنيين والخبراء لتعاين المسجد وقبة الصخرة وتحدد ما يلزم من أشغال وتقدر تكاليف الترميم والتثبيت، فلا تتم أعمال التوسعة في الحرمين الشريفين حتى تكون قد قامت الأشغال بالمسجد الأقصى، فتشمل العناية الإلهية المساجد المباركة الثلاثة. وإن ذلك جميعه ليشهد بالمنقبة العظمى التي ادخرها الله سبحانه وتعالى في هذا العصر لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود أجزل الله مثوبته وجازاه عن الإسلام والمسلمين خير الجزاء إنه سميع مجيب.
تلك هي الصراعات القائمة، والوقفات، والمواقف الصادقة الثابتة والعزمات:
بذلوا نفوسهم لنصرة دينهم
فلهم عليه حرمة وذمام
راموا النعيم السرمدي فأبعدوا
في نيله مرمى وعز مرام
جنحوا إلى العلياء فاهتجروا المنى
فعلى جفونهم المنام حرام
إخوان صدق: منهم من قد قضى
نحبًا ومنهم من له يستام
باعوا النفوس فحبذا من مشتر
رب لديه البر والإنعام(7/24)
واليوم بعد أن رسمت يد القدر الجهود العظيمة وتلكم الأعمال الجليلة، نعود إلى عقد دورتنا السنوية باستضافة متكررة ودعم متجدد، فنرفع على كاهل الإجلال والتقدير إلى حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز شكرنا الخالص وثناءنا العطر على تشريفه هذا المجلس، وافتتاحه دورة مجمعنا، وإلقائه كلمته القيمة نيابة عن خادم الحرمين الشريفين أعزه الله وسدد خطاه.
ويهمنا في هذه الجلسة أن نعرف بنشاط المجمع خلال سنتين كاملتين لم يوضع فيها قلم، ولا فترت فيها همة، بل استمرت الأعمال متتابعة والجهود متواصلة لإنجاز ما تم إنجازه وإعداد ما يتأكد إعداده مما نعرض على حضراتكم نتائجه.
فقد بُدىء في التو إثر انعقاد الدورة السادسة أواخر شعبان 1410هـ بمراجعة الجزءين الأولين من العدد الخامس من المجلة، وتكرر النظر والإصلاح لما احتويا عليه من مواد، مرة بعد مرة إلى أن منَّ الله تعالى بصدورهما على نفقة أخينا الكريم معالي الشيخ أحمد جمجموم جزاه الله عنا خيرًا وبارك جهوده وأعماله، وتعقبت مصالح المجمع الجزءين الأخيرين من نفس العدد والأجزاء الثلاثة الأخرى من العدد السادس مراجعة المواد المقدمة فيهما، مصلحةً ما بها من أخطاء مطبعية، مستدركةً بعض الأنقاص، وموثقةً في أحيان كثيرة للنصوص والنقول. وبعد الفراغ من كل ذلك على ما يتطلبه الأمر من أناة وجهد قدمت الأعمال إلى المطبعة، وتم بعد ذلك إصلاحها والإذن في سحبها، وقد تولت جمعية الدعوة الإسلامية العالمية الإنفاق على ذلك، فنحن نحييها ونحيي أمينها العام معالي الدكتور محمد أحمد الشريف على حسن تعاونه وكريم دعمه لأعمالنا المجمعية.
وهكذا تم طبع ونشر سبعة أجزاء هي جملة ما يتكون منه العددان السادس والسابع من مجلتكم، كما سلمنا العددين الأول والثاني للمطبعة قصد إصدار طبعة ثانية لهما بعد أن نفدت نسخ الطبعة الأولى نهائيًّا.(7/25)
ومما قام به المجمع بين الدورتين جملة ندوات منها التي دعا إليها، وأخرى شارك فيها. فمن الندوات التي قام بها بالمشاركة مع البنك الإسلامي للتنمية، استجابة لدعوة مجلسكم الموقر:
1- ندوة لبحث الاستفتاء المتعلق بإسهام البنك الإسلامي للتنمية في صندوق الحصص الاستثمارية الذي أنشأه بوصفه بنكًا لا مضاربًا، والاستفتاء عن مساهمة البنك في رؤوس أموال المشروعات الإنتاجية في الدول الأعضاء المتعاملة بالفائدة، وعن الإسهام في الشركات الموجودة في أسواق المال المتعاملة بالفائدة أيضًا. وقد عقدت هذه الندوة فيما بين 16-17 من جمادى الأولى 1411هـ. وأصدرت في ذلك توصياتها التي ستعرض على مجلسكم الموقر.
2- ندوة استخدام الحاسب الآلي في العلوم الشرعية التي عقدت بالاشتراك بين البنك الإسلامي للتنمية ومجمع الفقه الإسلامي فيما بين 24-26 ربيع الثاني 1411هـ، وقد تكفل البنك بإصدار كتاب جامع لما عرض فيها من بحوث ودار بها من مداولات ومناقشات وختمت به من توصيات.
3- الندوة الثانية للأسواق المالية التي انعقدت بالبحرين باستضافة كريمة من معالي الشيخ عبد الرحمن بن محمد بن راشد آل خليفة رئيس مجلس إدارة بنك البحرين الإسلامي، وسعادة الأستاذ عبد اللطيف جناحي المدير العام والعضو المنتدب بالبنك، وذلك فيما بين 19-21 جمادى الأولى 1412هـ. وقد بحثت فيها جملة من القضايا المهمة كالأسهم والاختيارات والسلع وبطاقات الائتمان ونحو ذلك. وصدرت بشأنها جميعًا توصيات مهمة.
4- الحلقة الدراسية التي ضمت مجموعة من فقهاء الشريعة ورجال الاقتصاد الإسلامي، وأقيمت بالتعاون مع فضيلة الدكتور عبد الحميد الغزالي مدير المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وقد أسهم في أعمالها العلمية ثلة من رجال المعهد وأساتذة من جامعة أم القرى بمكة المكرمة ومن جامعة الملك عبد العزيز بجدة، فتتبعوا توصيات الندوة البحرينية السابقة، وصاغوها بعد دراستها صياغة فقهية جديدة، ميسرين بذلك إعادة درس موضوعاتها والإجابة عن الاستفسارات المطروحة حولها.
5- المشاركة في الندوة العلمية التي نظمتها الإيسسكو بكوالالمبور بماليزيا، حول الإمام الشافعي ومنهجه الأصولي والفقهي، وذلك فيما بين 22-25 محرم 1411هـ.
6- المشاركة في ندوة الأزهر ورابطة الجامعات الإسلامية المنعقدة بالقاهرة بين 6-9 ذي القعدة 1411هـ حول الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والتربوية لأزمة الخليج.
7- والمشاركة في الندوة العلمية التي قام بها المعهد الأعلى لأصول الدين بالجزائر في ربيع العام الماضي حول النظريات الشرعية وفلسفة التشريع التي تناولها الإمام الشاطبي في الموافقات والأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور في كتابه مقاصد الشريعة.(7/26)
وستوزع على حضراتكم بعض نتائج هذه الأعمال إكمالًا للفائدة وتعريفًا بما انتهت إليه تلك الجهود العلمية المباركة من آثار.
وإنه ليسعدني هنا، وقد وقع الفراغ من تحقيق كتاب عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لابن شاس، أن أحيط حضراتكم علمًا بأننا بعد وقوفنا على هذا العمل الجليل، واطلاع فضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبي زيد عليه وتتبعه الدقيق لما ورد فيه، أوكلنا مراجعة التحقيق في النهاية للجنة علمية برئاسة فضيلة الشيخ مصطفى الغزالي: أصلحت ما في الأجزاء الثلاثة من أخطاء، واستدركت ما بها من أنقاص، وقومت ما حصل فيها من أوهام، وضبطت أكثر نصوص الكتاب، وخرجت أحاديثه وآثاره باعتماد أمهات كتب الفقه المالكي، وما تضمنته مصادر كتب السنة ومعاجمها. وهكذا أصبح هذا الكتاب الجليل الذي ينفق على طبعه خادم الحرمين الشريفين، دعمًا منه – أحسن الله جزاءه – لعمل المجمع وجهوده في خدمة الإسلام وشريعته الطاهرة، جاهزًا للنشر، معدًا أكمل الإعداد للانتفاع به والإفادة منه.
أما بقية مشاريع المجمع من تيسير الفقه، ومعجم مصطلحات الفقه المالكي، والموسوعة الفقهية الاقتصادية، ومعلمة قواعد الفقه الإسلامي، ومدونة الأدلة، وتقنين الشريعة الإسلامية فقد خطا المجمع بحمد الله خطوات جيدة للقيام بأكثرها. وستبحث هذه المشاريع بحثًا تحليليًّا جديدًا ودقيقًا في هذه الدورة عن طريق اللجان المتخصصة ويتخذ مجلسكم الموقر بعد ذلك بشأنها قراراته المناسبة.(7/27)
والأمل في الله عظيم أن تجد موضوعات هذه الدورة من إسهامكم واهتمامكم ما هي جديرة به كما عودتمونا ذلك في الدورات السابقة. وموضوعات الدورة السابعة هذه كما هو في شريف علمكم منها موضوعات فقهية في المعاملات والعلاقات الدولية، مثل بيع الوفاء، وعقود الاستصناع، والبيع بالتقسيط، والحقوق الدولية في نظر الإسلام، وموضوعات أخرى اقتصادية كالأسواق المالية، وطبية كأحوال العلاج وملابساته، واجتماعية كالغزو الفكري آثاره وأبعاده.
وإني في ختام هذه الكلمة لأتوجه بخالص الشكر وعظيم الامتنان لمعالي الدكتور حامد الغابد الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي على كريم رعايته للمجمع وسديد توجيهاته له وتعزيزه المتجدد لنشاطاته وأعماله، كما أرحب بالسادة العلماء والمشائخ الفقهاء متمنيًّا لهم طيب الإقامة بيننا، وأشكر حضراتهم على ما قدموا ويقدمون من عمل جاد ونظر دقيق في قضايا الفقه المعاصر، وإني أيضًا لأنوه باجتهادهم الجماعي القائم على أصول الشريعة ونصوصها الثابتة، وعلى الأصول المساعدة على ذلك، وعلى القواعد والنظريات الفقهية المعتمدة، وعلى دراسة الواقع دراسة لا تغفل المصالح الشرعية المعتبرة ولا تميع ولا تنقض الأحكام الفقهية المجمع عليها مما تسنده الأدلة ويشهد له روح الدين ويقضي به الانتساب لهذه الملة. ولا يفوتني وأنا أذكر بكامل التقدير والعرفان جهود العلماء الأجلاء أعضاء هذا المجمع وخبراءه أن أخص بالتنويه جهود رئيس مجمعنا العلامة الشيخ بكر بن عبد الله أبي زيد وذلك كفاء ما يقوم به من جلائل الأعمال ولقاء تعاونه الصادق ورعايته الدائمة لنشاطنا وحرصه الأكيد على تحقيق مشاريع المجمع والمضي في إنجازها على أكمل وجه، بارك الله رعايته وجزاه عنا أحسن الجزء.(7/28)
وإنا لا نوفي حق معالي الدكتور رضا محمد سعيد عبيد من الشكر على استضافته الكريمة لأعمال دورتنا في رحاب جامعة الملك عبد العزيز، فقد أضفى حفظه الله ورعاه كامل عنايته، وقدم لنا كل أسباب نجاح هذا اللقاء العلمي الشريف. فالله يكلؤه برعايته ويمده بتوفيقه ويحفظه لإخوانه.
ولا أنسى أبدًا شكر ضيوفنا الكرام أصحاب الفضيلة والمعالي والسعادة على استجابتهم لدعوتنا، وحضورهم افتتاح دورتنا، تشجيعًا منهم لمجمعنا وثقة منهم بنتائج أعمالنا، وحرصًا أكيدًا على استمرار مسيرتنا لخدمة الدين والملة والإسلام والمسلمين.
والله ولي التوفيق وهو من وراء القصد. وصلى الله على سيدنا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
معالي الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة
الأمِين العام لمَجمَع الفِقه الإسلاَمي بجَدة(7/29)
كلمَة
سَمَاحة الشيخ محمَّد المختار السّلامي
مُفتي الجمهُورية التّونسية
يلقيها نيابة عن الوفود المشاركة في الدّورة
السابعة لمجلس مجمَع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
إلى الله العلي الأعلى نرفع من خالص المحامد أزكاها. ومن آيات الشكر لجلال قدسيته أشرقها تألقًا وأسناها. أن تداركنا بفضله فجعلنا ورثة حملة شريعته للعالمين. ومن يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين. وشد العزائم ثقة بتأييده، ولنعم الولي المعين. فتوكل على الله إنك على الحق المبين، فسبحانه جل في نعمائه أقامه صراطًا مستقيمًا. فاتبعوه ولا تفرقوا. هو فطرتُه التي ألهمها عباده الصالحين فَشَدّوا عليها وبها وثقوا.
ثم الصلاة والسلام الأتمان الأكملان. على من عمت بعثته للعالمين في جميع الأعصر. وميز أمته بأنها خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهي عن المنكر. وكتب لشريعته الهيمنة على السابقين واللاحقين. والفضل أولًا وآخرًا لله رب العالمين.
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود
أمير منطقة مكة المكرمة الموقر
حضرة صاحب المعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدكتور حامد الغابد المبجل
أصحاب المعالي والسعادة،
إخواني أسرة المجمع برئيسها المحترم، وبأمينها العام الأفضل، وبأعضائها الأكرمين، بلسانكم أخاطب تعبيرًا عن المشاعر التي نطق بها البشر البادي. والابتهاج المشرق والرضا الأسعد. بيومنا هذا الذي طال شوقنا إليه لينضم إلى كواكب لامعة سبقته من أيام دورات هذا المجمع، وليمتد معدًّا ومحتضنًا للقاءات وافدة. يتواصل بها المسير. ويتولاها الرب الكريم بلطائف التقدير.(7/30)
إن مجمعنا هذا لهو تجسيم لإرادة نبعت من ضمير الأمة الإسلامية، ومظهر شعور حاد بالحاجة إلى بحوثه ومناقشاته، المولدة للقرارات التي ينتهي إليها مطمئنًا. ويصوغها ضابطًا محكمًا. ذلك أن الله كلف هذه الأمة بتبليغ أمانة شريعته. ترددت بذلك أصداء صوت النبي الكريم عليه أفضل الصلاة وأزكى التسليم في فضاء مني، يوم النحر، ليبلغ الغائب من شهد وحضر، ورحمة من رب العالمين، وإكرامًا آخر لأمة سيد المرسلين، تكفل سبحانه بحفظ وحيه. إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون. فكان بذلك لعلماء الأمة من نصوص الوحي الثوابت، التي تضمن الوحدة بين عصر النبوة وما يليه من الأعصار. وكان لهم بما كلفوا به من إعمال النظر والإجتهاد في نصوصه، العهد الذي وفوا به وما نكثوا. وطبقوا عمليًّا القاعدة الضامنة لمواكبة التشريع للحياة وتحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا. وإذا كانت الحضارة في مختلف أوجه النشاط البشري في عهود سيادة الأمة الإسلامية، كانت نتاجًا للصياغة التي صاغ عليها الإسلام مجتمعه. فكانت التطورات الحاصلة مصطبغة عند تولدها بصبغة الذين أحدثوها وأبرزوها للوجود، وعملوا على إعطائها مقوماتها الخاصة، باعتبار أنها في شكلها وفي بيئتها إسلامية المنشأ، إسلامية التصور تلتصق بها مع ولادتها الأحكام المستمدة من الوحي، تطبيقًا لنصه أو استنباطًا معمّمًا باللفظ أو بالمعنى. فكان الفقه والتطور الحضاري متلازمين قرينين لا ينفك أحدهما عن الآخر.
ولله الأمر من قبل ومن بعد. انقلب حال الأمة الإسلامية من فحولة العطاء، إلى فسولة الأخذ والتلقي. فانهالت عليها منتجات الحضارة التي لم ترتبط بالله. منشأ ولا غاية. وتراكمت مستجداتها في كل ميدان من ميادين الحياة. وكان التحدي الذي ما عرفته الأمة في تاريخها. وإنه وإن كان إقبالها على ما أنجزته في المرافق المادية سهلًا. وتعامُلُها معها بالتقليد أو الاستعمال ميسورًا.(7/31)
فإن المناهج التي قامت عليها، والنمط الفكري والاجتماعي، والحقوق والواجبات، فيما تضطرب به الحياة باعتبار صدوره عن فكر يختلف جوهرًا وغاية، أحدث في العالم الإسلامي اضطرابًا. إذ معطيات الحضارة كان لها أثرها في العبادة، وفي الذات البشرية وفي العلاقات الاجتماعية. ففي العبادات مثلًا جدت قضايا كالصلاة في الطائرة. أو خارج كوكب الأرض والرؤية للهلال بعد استقلال الفلك عن التنجيم، وبلوغه درجة اليقين في مسائله وقواعده ونتائجه، وهل الإحرام يتم عند عبور الميقات جوًا، أو بجدة إلى آخره، وفي الميادين المتصلة بالذات البشرية تتلاحق المكتشفات، ففي الطب فرضت قضايا نفسها كنقل الأعضاء، ونقل الدم، وتحديد الموت، وأجهزة الإنعاش، وسوف يكون للجينات تأثيرات أوسع، ومدى أبلغ. وفي الميدان الاقتصادي تَعقَّد التعامل وتركبت العقود ولم يعد يسير العالم عقود بسيطة، بل ينحل العقد الواحد إلى عقود تتلاحم فيما بينها، فلا تجد لها في تاريخ التعامل شبيهًا ولا نظيرًا فقام لهذا الأمر الملك الصالح الملهم خادم الحرمين الشريفين، أجزل الله مثوبته وأدام عزته، وحفظ دولته، فوصل الرأي السديد بالدعوة إليه والعون، والتأييد، إلى أن ولد مجمعنا هذا، خدمة للدين الإسلامي. وتحقيقًا للقاعدة الأساس، إنه الدين الخاتم الصالح لكل زمان ومكان، الذي يحقق المعنى الرفيع من العبودية لله، والارتباط بجلاله، والخضوع الراغب لأمره ونهيه. فأرجوكم صاحب السمو أن تبلغوا جلالته ما يقربه عينًا من وضع المجمع، وهو يدرج ناميًا في عقده الثاني، متطورًا في نهج الحق يحفه عون سام ومدد ذكي رباني. وهل يتصور لقاء متجدد أنصع مظهرًا، وأنبل وأتقى مخبرًا، من مجمعنا هذا في دوراته. يشهد الله أنه عقد بين أعضائه الذين يمثلون أصدق تمثيل العالم الإسلامي، في قلبه وجنباته، عقد بينهم صلة مودة في الله، وتعاونًا يبلغ بهم الاطمئنان، حتى غدا كل واحد يرى في أخيه مكملًا لذاته، لا يتم له ما يريد من الحق، إلَّا بالرأي والدليل الذي يسهم به صنوه، والبحث المعمق الذي يقدمه زميله. فأصبحنا بنعمة ربنا إخوانًا. وصدرت قرارات المجمع مستندة أولًا إلى البحوث التي أعدت في سعة من الوقت ليس فيها أحد معجلًا ولا عجولًا، ثم إلى مناقشات علمية رفيعة المستوى، تنشطها الرغبة في رضوان الله. ثم تدقيق في صياغتها، وحساب ناقد لكل لفظة وتركيب. فكانت قرارات مجمعية قوية الأساس واضحة الصيغة، مطهرة من الأهواء. وقرارات المجمع تفرض أولًا على كل عالم ومفت أن يحترمها والحق فوق كل أحد. فقد يتوقف عالم في الاقناع بما أصدره المجمع وله ذلك. ولكن الأمانة تقتضي منه أن لا يعلن رأيًا مخالفًا للبارقة التي قد تكون خليًّا، ولا يأخذ أحدنا العزة بالرأي بل يقدم لأمانة المجمع ما انتهى إليه بمستنداته. ليراجع أعضاؤه على ضوء ما يبسطه قرارهم. فإن الحق قديم لا يبطله شيء ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل كما قال عمر الفاروق رضي الله عنه. وما كان لتلكم القرارات التي ألتمس المعذرة إن قصر لفظي عن تجلية قيمتها العلمية. ما كان لها أن يكتب لها الظهور، لولا سندها في سماحة رئيسها الجامع بين العلم وبعد النظر، والصبر والنباهة، وحضور الذهن. فندعو الله له بالعون وحسن الجزاء.(7/32)
ولولا الأمانة العامة بهياكلها وعلى رأسها سماحة الأمين العام الذي أحب المجمع حبًّا، فامتزج بكيانه وأصبح جزءًا من عقله وروحه. تتجاوز نظرته وبرامجه دومًا إمكانات المجمع المادية. ويشهد التاريخ ونحن نشهد أنه لولا مدد إلهي، ثم شخصيته الفذة، ودأبه الذي يشتد مراسه كلما واجهته المصاعب والعقبات، ما كان لمجمعنا هذا أن يبلغ مبلغه. ولا أن ينجز ما أنجزه، من محكم إعداد وتنظيم لدوراته، ومن موثق المجمع الأمين المجلة المثبتة بلسان المحتوى والحال ما يغني عن التنويه بالمقال لها منها عليها شواهد. ومن المشاريع السائرة في طريق الإنجاز من نشر الكتب الأمهات إلى معلمة القواعد.
فالله ندعو أن يتولاه بعونه، ويرزقه قوة على المضي، ويجزل ثوابه الثواب الأوفى الرضي.
وختامًا لكم خالص التقدير وجميل الثناء.
سمو الأمير وأصحاب المعالي والسماحة والسعادة السادة الأمجاد. بما شرفتم به حفل افتتاح هذه الدورة، فتألقت ببهجة الأعياد.
ونسألك اللهم أن تهدينا سبيلك سبيل الذين جاهدوا فيك حق الجهاد. ويسّر لنا ظهيرًا من صدق المعارف، وأيدًا متلاحقًا من فيض العوارف.
وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
سَماحَة الشيخ محمَّد المختار السّلامي
مُفتي الجُمهُورية التونسيّة(7/33)
بحث
الأسوَاق المالِيَّة
في
مِيزان الفقه الإسلاَمي
إعدَاد
الدكتور علي محيي الدّين القره داغي
جامعة قطر - كلية الشريعة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات والصلاة والسلام على المبعوث رحمة للمخلوقات، وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه، وسار على الهدى والبينات.
وبعد:
فقد أولى الإسلام عناية منقطعة النظير بالحضارة والتقدم، والرقي، والتمدن، وترك البداوة (1) . وحثّ على النشاط المالي وتوفير الرفاهية والرخص للجميع، ولذلك منّ الله تعالى على قريش بأن سهل لهم الوصول إلى أهم الأسواق في عصرهم، ووفر لهم نعمة أمن الطريق، حيث يقول: {لِإِيلَافِ قُرَيْشٍ (1) إِيلَافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتَاءِ وَالصَّيْفِ (2) فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} [قريش: 1-4] .
فقد من الله عليهم بنعمة توفير الرحلات التجارية التي يترتب عليها الغنى، كما منّ عليهم بنعمة الأمن الذي هو الأساس لكل ازدهار اقتصادي، وبنعمة الأمن الغذائي الذي هو العنصر الأساسي في الاستقرار النفسي.
__________
(1) وردت أحاديث كثيرة تدل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يشجع القبائل العربية على التحضر، ويمنع المهاجر إلى المدينة من العودة إلى الحالة البدوية إلَّا لأسباب خاصة، فقد روى أحمد في مسنده: 1/357؛ وأبو داود في سننه - مع عون المعبود - كتاب الصيد: 8/61؛ والترمذي - مع تحفة الأحوذي كتاب الفتن: 6/532، بسندهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من سكن البادية جفا ... أي قسا قلبه، وغلظ. ويراجع بحث الأستاذ الدكتور عثمان سيد أحمد عن الأمصار الإسلامية، المنشور في حولية مركز الدراسات الإنسانية بجامعة قطر(7/34)
بل إن الإسلام بذل مجهودًا كبيرًا لإزالة الأوهام المستقرة في نفوس العرب حول الاسواق والأعمال التجارية، حيث كانوا يظنون أنها لا تتناسب مع هيبة القادة والأنبياء والرؤساء، فنزلت الآيات القرآنية لتدفع هذا الوهم، ولتبين بكل وضوح أن جميع الرسل كانوا يدخلون في الأسواق فقال تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ نَذِيرًا} [الفرقان: 7] .
فرد الله عليهم بقوله: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} [الفرقان: 20] .
فصحح النظرة إلى السوق بأنها لا تتنافى مع الهيبة، ولا تتعارض مع الرسالة والنبوة، والشرف والرفعة والعزة والمكانة.
كما أن استعمال القرآن لـ: " السوق " بمعناها المعروف، وبمعنى ساق الشيء، وما يقوم عليه الشيء لمشعر بأهمية السوق للمجتمع، فكما أن الحيوان يقوم على ساقه، كذلك الاقتصاد يقوم على سوقه حيث يقول: {فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} [ص: 33] .
وقال: {فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ} [الفتح: 29] .
فالأسواق المالية المنظمة المتطورة عنوان الحضارة والتقدم، وبقدر تطورها يكون تطور الحياة التجارية، والصناعية، والاقتصادية التي لا تستغني عنها المجتمعات المتقدمة، ولذلك أولى الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم عنايته بالسوق لكنه أراد أن يصوغها صياغة إسلامية قائمة على الأمانة والثقة والعفة والتقوى، وأن تكون عنوان ((بيع المسلم من المسلم)) (1) . أي لاغش فيه ولا خداع ...
__________
(1) الحديث رواه البخاري تعليقًا انظر: صحيحه – مع الفتح -: 4/309؛ ورواه الترمذي في سننه – بشرح تحفه الأحوذي – كتاب البيوع: 4/407؛ وابن ماجه، كتاب التجارات: 2/756(7/35)
كما أولى الخلفاء الراشدون عنايتهم ببناء الأمصار، وازدهار أسواقها، وبرعايتها وتعيين المحتسبين عليها، حتى أصبحت مراكز حضارية ووسائل للتنمية المالية في العالم الإسلامي.
لذلك فإن العناية بأمر هذه الأسواق هي من تمام إقامة الواجب في حفظ المال، وتنميته باعتبار ذلك أحد مقاصد الشريعة، وباعتبار ما يستتبعه هذا من التعاون لسد الحاجات العامة، وأداء ما في المال من حقوق دينية أو دنيوية (1) .
وفي عصرنا الحاضر تطورت الأسواق المالية، وازدهرت آلياتها ازدهارًا رائعًا، وأدخلت فيها أنظمة متقدمة جدًّا من حيث الربط والاتصال، وربطت بالعالم أجمع من خلال (الكومبيوترات) فأصبحت حلقات الوصل في التجارة الدولية والتصدير والاستيراد، فلم تعد تقتصر على (سوق الإصدارات) بل تشمل الأسواق الثانوية، وتوفير السيولة، وتوظيف المال وغير ذلك من الأعمال والتجارة الدولية.
ولكن الأسواق المالية – بوضعها الحالي – ليست الأنموذج الذي تنشده الشريعة الإسلامية من تحقيق الكسب الحلال، واستثمار المال، وتنمية المدخرات بشكل يحقق الحلال الطيب، لذلك يتطلب الأمر من أولي العلم الثقات أن يعنوا بدراستها دراسة جادة جيدة للوصول إلى صورة متكاملة لسوق مالية إسلامية تتوفر فيها الشروط والضوابط الشرعية، وتقوم على الأسس والقواعد الشرعية.
فعالمنا الإسلامي بأمس الحاجة إلى أسواق مالية إسلامية نظرًا لسعة أطرافها، وما حباها الله تعالى بمواد خام، وثروات معدنية، وكثرة أفرادها حتى تكون منافعهم لهم، إضافة إلى حاجة المصارف الإسلامية إليها حاجة ماسة.
__________
(1) التوصية الأولى من توصيات ندوة الأسواق المالية من الوجهة الإسلامية التي عقدت في الرباط بين 20- 24 /4/1410هـ بالمغرب(7/36)
فالأمل كبير بالله تعالى في أن يوفق مجمع الفقه الإسلامي لإيجاد حلول بناءة لهذه القضية، ويصل إلى فكرة متكاملة لسوق تبنى على شرع الله تعالى، وتجمع بين ثوابت الشرع ووسائل التقدم والتطور الذي يشهده عصرنا الحاضر.
ويشرفنا أن نشارك في إثراء هذا الموضوع المهم بجهد وإن كان متواضعًا، وأحاول أن يكون منهجي قائمًا على التأصيل الفقهي، والتقعيد، بحيث يكون رجوعي أولًا إلى الكتاب والسنة، ثم إلى أقوال الفقهاء لأجد للأمور المستحدثة دليلًا شرعيًّا، أو قياسًا فقهيًّا، أو اجتهادًا لأحد سلفنا الصالح، فإن وجدت ذلك فبها ونعمت حيث يكون دوري الترجيح فقط، وإلاَّ فأبحث عن مدى موافقة هذا العقد الجديد للقواعد العامة، وعدم مخالفته للنصوص الشرعية.
وقد بدأت في بحثي بالتعريف بالأسواق المالية، ونبذة تاريخية لها، والتكييف الشرعي للأسواق المالية، ثم أسهبت في أهم الأدوات المستخدمة في الأسواق المالية، وهي الأسهم والسندات، والخيارات والمستقبليات حيث فصلت فيها تفصيلًا في أنواع كل واحدة منها، وحكمها الشرعي، وقد بذلت جهدي قدر طاقتي لإيجاد البدائل الإسلامية المشروعة، وذكرها.
والله أسأل أن يعصمني من الخطأ والزلل في القول والعمل، وأن يجعل أعمالنا كلها خالصة لوجهه الكريم، إنه مولاي فنعم المولى ونعم النصير.(7/37)
التّعريفُ بالأسوَاق الماليّة لغَة واصطلاَحاً
تطلق كلمة " السوق " في اللغة ويراد بها: موضع البياعات قال ابن سيده: السوق التي يتعامل فيها، تذكر وتؤنث. ولها معان أخرى (1) وجاء بهذا المعنى قوله تعالى: {وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ} (2) .
وقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ إِلَّا إِنَّهُمْ لَيَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَيَمْشُونَ فِي الْأَسْوَاقِ} (3) .
والأسواق جمع السوق وهي موضع البياعات والتعامل.
وورد لفظ " السوق " و " الأسواق " في السنة المشرفة كثيرًا حتى خصص بعض أصحاب الصحاح والسنن بابًا خاصًَّا بالسوق، بل ذكر البخاري أربعة أبواب لها، ترجم الأول: باب ما ذكر في الأسواق، وأورد فيه عدة آثار وأحاديث فذكر: قال عبد الرحمن بن عوف: لما قدمنا المدينة، قلت: هل من سوق فيه تجارة؟ فقال: سوق قينقاع ... وقال عمر: ألهاني الصفق بالأسواق، ثم روى بسنده عن أنس بن مالك قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم في السوق فقال رجل: (يا أبا القاسم ... ) وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((صلاة أحدكم في جماعة تزيد على صلاته في سوقه وبيته بضعًا وعشرين درجة ... )) ، وترجم الثاني: باب كراهية السخب في الأسواق – أي رفع الصوت بالخصام، وترجم بابًا ثالثًا: باب الأسواق التي كانت في الجاهلية، فتبايع بها الناس في الإسلام، ثم روى عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: " كانت عكاظ، ومجنة، وذو المجاز أسواقًا في الجاهلية، فلما كان الإسلام تأثموا من التجارة فيها فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ} " [2: 198] .
__________
(1) لسان العرب؛ والقاموس المحيط؛ ومختار الصحاح، مادة (سوق)
(2) سورة الفرقان: الآية 7، ويراجع تفسير الماوردي، طبعة وزارة الأوقاف الكويتية: 3/149
(3) سورة الفرقان: الآية 20(7/38)
قال ابن بطال: " فقه هذه الترجمة أن مواضع المعاصي وأفعال الجاهلية لا تمنع من فعل الطاعة فيها. . " (1) .، وأورد بابًا رابعًا ترجم له: باب التجارة أيام الموسم، والبيع في أسواق الجاهلية، وأورد فيه حديث ابن عباس السابق بلفظ: ((كان ذو المجاز، وعكاظ متجر الناس في الجاهلية ... )) (2) .
والمال لغة هي كما يقول ابن الأثير: المال في الأصل: ما يملك من الذهب والفضة، ثم أطلق على كل ما يقتني ويملك من الأعيان، وذكر الفيروز أبادي أن المال يطلق على كل ما ملكته من كل شيء وأصله من مال الرجل يمول، ويمال مولًا إذا صار ذا مال (3) .
وقد ثار خلاف بين الفقهاء في تعريف المال، فعرفه الحنفية بأنه عين يجري التنافس والابتذال، حيث خصصوا المال بالأعيان دون المنافع، كما أنهم عمموه للمال المباح، والمحرم، وأما عند الجمهور فهو عام للأعيان والمنافع لكنه لا يشمل المحرمات لعينها كالخمر والخنزير (4) .
فالأسواق المالية أو (البورصات) هي الأماكن الخاصة التي تخصص للنشاطات التجارية الخاصة بالصرف، والنقد، والأسهم والسندات، والأوراق التجارية وشهادات الودائع، ونحوها، بالإضافة إلى عقود السلع بين المنتجين والتجار (5) .
__________
(1) صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب البيوع: 4/321، 338، 342
(2) صحيح البخاري – مع الفتح – كتاب البيوع: 4/321، 338، 342، كتاب الحج: 3/593
(3) لسان العرب؛ والقاموس المحيط؛ ومختار الصحاح، مادة (مول)
(4) يراجع: مجمع الأنهر: 2/3؛ وحاشية ابن عابدين: 4/3؛ والبحر الرائق: 5/256 – 257؛ والأشباه والنظائر، للسيوطي: ص354؛ وشرح المحلى على المنهاج مع حاشيتي القليوبي وعميرة: 3/28. ويراجع: الملكية ونظرية العقد، للأستاذ أحمد فراج، طبعة الطباعة الفنية المتحدة بالقاهرة: ص6
(5) موريس سلامة: الأسواق المالية في العالم، ترجمة يوسف الشدياق، طبعة عويدات ببيروت وباريس 1983م: ص5. ود. معبد الجارحي: المصارف الإسلامية، والأسواق العالمية، بحث مقدم للمؤتمر الثالث للمصارف الإسلامية في دبي أكتوبر 1985م: ص2 ...(7/39)
نبذة تاريخية:
وبما أن المال في اللغة والفقه عام للنقود والعروض (الموجودات المالية) فإن اسواقه، أو الأسواق المالية في عصرنا الحاضر لا يختلف مفهومها عن مفهومها في السابق، لكنها تطورت من أسواق عادية للبضائع إلى أسواق متطورة يغلب فيها العناية بالنقود والأسهم والودائع والسندات.
كانت الأسواق موجودة منذ التاريخ السحيق، منذ أن تكونت المجتمعات المدنية واحتاجت إلى التداول والمقايضة، والمبادلة حيث كان الناس من خلالها يحصلون على حاجياتهم ويتبادلون فيها الأموال، لكنها تطورت في القرون الأخيرة حيث ظهرت منذ القرن السادس عشر الميلادي كظاهرة حديثة يتم فيها بصورة عامة تبادل سندات التحويل، والسندات لأمر، والسندات التجارية وغير ذلك.
وقد ازداد عدد الأسواق المالية في العالم وازداد نشاطها، ويصل عددها في أمريكا أربع عشرة بورصة، أهمها بورصة نيويورك التي تقدر قيمة الأسهم فيها بحوالي 1500 مليار دولار، وفي بريطانيا اندمجت كل الأسواق المالية منذ عام 1973م في جهاز واحد وهو بورصة لندن التي تقدر قيمة الأسهم فيها بمليار دولار، وفي اليابان تعمل ثماني بورصات، وأهمها بورصة طوكيو حيث تستأثر بـ75 % من مجموع المضاربات في اليابان، والتي تقدر قيمة أسهمها بأكثر من مليارين من الدولارات، وفي ألمانيا توجد ثماني بورصات تقع بورصة فرانكفورت في مقدمتها حيث تحقق 44 % من مجمل الأعمال، وفي فرنسا توجد سبع بورصات أهمها بورصة باريس، وفي سويسرا أيضًا سبع بورصات أهمها بورصات جنيف، وبال، وزيوريخ (1) . وهكذا..
__________
(1) المراجع السابقة(7/40)
التكييف الشرعي للأسواق المالية:
إن فكرة الأسواق المالية – من حيث المبدأ – تدخل تحت قاعدة المصالح المرسلة، والتنظيمات التي تعتبر من صلاحيات أولي أمر المسلمين، وهي بلا شك تساعد على تطوير الأعمال التجارية والاقتصادية التي هي شريان الحياة لكل المجتمعات المتقدمة، ولذلك عبر الله عن المال بأنه قيام للمجتمع لا ينهض ولا يقوم إلَّا به: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا} [النساء: 5] .
وقد اشتهرت أمور المال والإشراف عليه منذ الصدر الأول بالحسبة، جاء في السيرة الحلبية: " أن هذه الولاية تعرف بالحسبة، وموليها بالمحتسب " (1) . وفي التيسير لابن سعيد: " اعلم أن الحسبة من أعظم الخطط الدينية، فلعموم مصلحتها، وعظيم منفعتها تولى أمرها الخلفاء الراشدون، ولم يكلوا أمرها إلى غيرهم مع ما كانوا فيه من شغل الجهاد، وتجهيز الجيوش ... " (2) .
وقد اعتبر حاجي خليفة هذه الولاية علمًا خاصًّا فقال: " علم الاحتساب علم باحث عن الأمور الجارية بين أهل البلد من معاملاتهم اللاتي لا يتم التمدن بدونها من حيث إجراؤها على القانون المعدل حيث يتم التراضي بين المتعاملين، وعن سياسة العباد بنهي المنكر، وأمر بالمعروف بحيث لا يؤدي إلى مشاجرات وتفاخر بين العباد، بحيث ما رآه الخليفة من الزجر والمنع ثم قال: " ومبادؤه بعضها فقهي، وبعضها أمورٌ استحسانية ناشئة من رأي الخليفة، والغرض منه تحصيل الملكة في تلك الأمور، وفائدته إجراء أمور المدن في المجاري على الوجه الأتم، وهذا أدق العلوم، ولا يدركه إلَّا من له فهم ثاقب وحدس صائب، إذ الأشخاص، والأزمان، والأحوال ليست على وتيرة واحدة، بل لابد لكل واحد من الأزمان والأحوال سياسة خاصة، وذلك من أصعب الأمور، فلذلك لا يليق بمنصبها إلَّا من له قوة قدسية مجردة عن الهوى كعمر بن الخطاب ... " (3) .
__________
(1) السيرة الحلبية 3/354
(2) التراتيب الإدارية: 2/286
(3) كشف الظنون(7/41)
وعلى ضوء ذلك فالأسواق المالية – من حيث المبدأ – من الأمور التي يسعى لتحقيقها الإسلام لكنه يضع لها الشروط والضوابط حتى لا تتنافى مع مبادئه وقواعده العامة، فهي بلا شك من المصالح النافعة، والتنظيمات المفيدة التي أخذ بأمثالها الخلفاء الراشدون (رضي الله عنهم) .
وإذا كانت الأسواق المالية اليوم لا تحقق المقاصد التي يتوخاها الإسلام فإن هذا لا يعني إغفالها، وتركها وشأنها، أو الحكم على ما فيها حكمًا مطلقًا بالتحريم، وإنما الأمانة تقتضي أن نبحث عن كل تفصيلاتها وجزئياتها، ونحكم من خلال تصور دقيق لكل جزئياتها، ونبذل كل ما في وسعنا، ونستفرغ كل جهدنا للوصول إلى بديل إسلامي يجمع بين الأصالة والتجديد والتطوير.
فالأسواق المالية تشمل عدة أمور، فلها أنظمتها الإدارية والإجرائية المتطورة، وهذا الجانب يدخل ضمن المصالح المرسلة، والسياسة الشرعية التي تعطي الحق لولي الأمر إلزام الناس بنوع من التنظيمات ما دامت لا تتعارض مع النصوص الشرعية الثابتة الخالية من معارض.
وبالإضافة إلى هذا الجانب، فإن هناك مهامًّا وأعمالًا تجري في الأسواق المالية لأداء دور الوساطة، أو السمسرة، أو الخدمات الإعلامية، والكتابية، أو الوكالة، أو القرض، أو الصرف فهذه التصرفات تطبق عليها الأحكام الشرعية الخاصة بكل تصرف أو عقد (1) .
لكن أهم الأدوات المستخدمة في الأسواق المالية هي الأسهم والسندات، والخيارات، والمستقبليات، إضافة إلى عمليات الصرف والسلع، والصيغ الجارية للعقود.
وسنخصص هذا البحث لدراسة هذه الأمور حسب الخطة التي وضعها المجمع الفقهي الموقر، دون الخوض في أمور أخرى لنصل إلى نتائج محددة بإذن الله تعالى.
__________
(1) البيان الختامي والتوصيات لندوة الأسواق المالية التي عقدت بالرباط في 20-25/4/1410هـ. ص5(7/42)
سوق الأسهم: أنواعها، وحكم كل نوع منها:
الأسهم هي جمع سهم، وهو لغة له عدة معانٍ منها: النصيب، وجمعه: " السهمان " بضم السين، ومنها العود الذي يكون في طرفه نصل يرمى به عن القوس، وجمعه: السهام، ومنها: بمعنى القدح الذي يقارع به، أو يلعب به في الميسر، ويقال: أسهم بينهم أي أقرع، وساهمه أي باراه ولاعبه فغلبه، وساهمه أي قاسمه وأخذ سهمًا، أي نصيبًا جاء في المعجم الوسيط: "ومنه شركة المساهمة " (1) وفي القرآن الكريم: {فَسَاهَمَ فَكَانَ مِنَ الْمُدْحَضِينَ} [الصافات: 141] .
أي قارع بالسهام فكان من المغلوبين (2) . والاقتصاديون يطلقون السهم مرة على الصك، ومرة على النصيب، والمؤدى واحد، فباعتبار الأول قالوا: السهم هو صك يمثل جزءًا من رأس مال الشركة، يزيد وينقص تبع رواجها.
وبالاعتبار الثاني: قالوا: السهم هو نصيب المساهم في شركة من شركات الأموال، أو الجزء الذي ينقسم على قيمته مجموع رأس مال الشركة المثبت في صك له قيمة اسمية، حيث تمثل الأسهم في مجموعها رأس مال الشركة، وتكون متساوية القيمة (3) .
وتتميز الأسهم بكونها متساوية القيمة، وأن السهم الواحد لا يتجزأ وأن كل نوع منها – عاديًّا أو ممتازًا – يقوم – من حيث المبدأ – على المساواة في الحقوق والالتزامات وأنه قابل للتداول، ولكن بعض القوانين – مثل النظام السعودي – استثنى الأسهم المملوكة للمؤسسين حيث لا يجوز تداولها قبل نشر الميزانية إلَّا بعد سنتين ماليتين كاملتين – كقاعدة عامة – وكذلك لا يجوز تداول أسهم الضمان التي يقدمها عضو مجلس الإدارة لضمان إدارته طوال مدة العضوية وحتى تنقضي المدة المحددة لسماع دعوى المسؤولية (4) .
__________
(1) القاموس المحيط؛ ولسان العرب؛ والمعجم الوسيط، مادة (سهم)
(2) النكت والعيون، للماوردي، طبعه أوقاف الكويت: 3/426، ويراجع: أحكام القرآن لابن العربي، طبعة دار المعرفة، بيروت: 4/1622
(3) يراجع: د. على حسن يونس: الشركات التجارية، طبعة الاعتماد، بالقاهرة: ص539، ود. شكري حبيب شكري، وميشيل ميكالا: شركات الأشخاص، وشركات الأموال علمًا وعملًا، طبعة الإسكندرية: ص184، ود. صالح بن زابن المرزوقي البقمي، طبعة جامعة أم القرى، 1406هـ: ص332، ود. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي، القاهرة 1989م: ص526
(4) د. صالح البقمي: طبعة جامعة أم القرى، 1406هـ: ص337 – 338(7/43)
حكم تقسيم رأس مال الشركة:
ومن الجدير بالتنبيه عليه أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص وأجزاء، واشتراط الشروط السابقة لا يتنافى مع المبادئ العامة للشريعة الإسلامية، والقواعد العامة للشركة في الفقة الإسلامي، إذ ليس فيها ما يتنافى مع مقتضى عقد الشركة، بل فيها تنظيم وتيسير ورفع للحرج الذي هو من سمة هذه الشريعة، وداخل ضمن الوفاء العام بالعقود: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} [المائدة: 1] .
وتحت قول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((المسلمون عند شروطهم)) (1) . وفي رواية: (( ... والمسلمون على شروطهم إلَّا شرطًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا)) (2) . قال الترمذي: " هذا حديث حسن صحيح " (3) .
فهذه النصوص وغيرها تدل على أن كل مصالحة وكل شرط جائزان إلَّا ما دل الدليل على حرمته، وعلى أن الأصل فيهما هو الإباحة، والحظر يثبت بدليل خاص، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " وهذا المعنى هو الذي يشهد عليه الكتاب والسنة ... " (4) . ويقول أيضًا: " إن الأصل في الشروط الصحة واللزوم إلَّا ما دل الدليل على خلافه ... فإن الكتاب والسنة قد دلا على الوفاء بالعقود والعهود، وذم الغدر والنكث ... والمقصود هنا: أن مقتضى الأصول والنصوص: أن الشرط يلزم إلَّا إذا خالف كتاب الله ... ".
ولا يخفى أن هذه القواعد السابقة تجعل الفقه الإسلامي يقبل بكل عقد، أو تصرف، أو تنظيم مالي أو إداري ما دام لا يتعارض مع نصوص الكتاب والسنة، وقواعدها العامة، وأن الشريعة الغراء تجعل كل حكمة نافعة ضالة المؤمن دون النظر إلى مصدرها أو اسمها، وإنما الأساس معناها ومحتواها، ووسائلها وغاياتها، وما تحققه من مصالح ومنافع، أو مضار ومفاسد.
__________
(1) رواه البخاري في صحيحه – تعليقًا بصيغة الجزم – كتاب الإجارة: 4/451
(2) سنن الترمذي – مع شرح تحفة الأحوذي – كتاب الأحكام: 4/584، ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (مجموع الفتاوى: 29/147) : (وهذه الأسانيد، وإن كان الواحد منها ضعيفًا فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضًا) .
(3) مجموع الفتاوى، طبعة الرياض: 29/150، ويراجع لإثبات أن الأصل في العقود والشروط هو الإباحة: مبدأ الرضا في العقود، طبعة دار البشائر الإسلامية: 2/1148.
(4) مجموع الفتاوى 29/346،351(7/44)
خصائص السهم وحقوقه:
للأسهم عدة خصائص من أهمها: تساوي قيمتها حسبما يحددها القانون، وتساوي حقوقها، وكون مسؤولية كل مساهم بقدر قيمة أسهمه، وقابليتها للتداول، وعدم قابلية السهم للتجزئه وأما حقوق السهم فهي حق بقاء صاحبه في الشركة، وحق التصويت في الجمعية العمومية، وحق الرقابة، وحق رفع دعوى المسؤولية على الإداريين، والحق في نصيب الأرباح، والاحتياطات والتنازل عن السهم والتصرف فيه، والأولوية في الاكتتاب، وحق اقتسام موجودات الشركة عند تصفيتها (1)
حكم الأسهم باعتبار نشاطها ومحلها:
ذكرنا أن تقسيم رأس مال الشركة إلى حصص متساوية تسمى بالأسهم جائز ليس فيه أية مخالفة لمبادئ الإسلام وقواعده.
وهنا نذكر بصورة عامة حكم تداول هذه الأسهم والتصرف فيها بالبيع والشراء وغيرهما بصورة عامة، ثم نذكر عند بيان كل نوع من الأسهم حكمه الخاص بإذن الله تعالى.
ومن الجدير بالتنبيه عليه أن بعض الباحثين (2) . أطلقوا اختلاف العلماء المعاصرين حول الأسهم مطلقًا دون تفصيل من غير أن يجد منهم تصريحًا بذلك بل اعتمادًا على ما فهم من آرائهم في الشركات بصورة عامة (3) .
وهذا الإطلاق لا ينبغي الركون إليه، إذ أن لازم المذهب ليس بمذهب – كما هو مقرر في الأصول – كما أن جل نقاش هؤلاء العلماء في الشركات التي أنشئت في بلاد الإسلام وليس في الشركات التي حدد نشاطها في المحرمات كالخنزير والخمور ونحوها.. (4) .
__________
(1) يراجع: المراجع الفقهية السابقة، ويراجع: د. محمد عبد الغفار الشريف، بحثه المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة: ص10 – 11، ود. محمد الحبيب الجراية، بحثه عن الأدوات المالية التقليدية، المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة، ود. الخياط: الشركات، طبعة الرسالة: 2/94 ... ، ود. صالح بن زابن: شركة المساهمة: ص334
(2) د. صالح بن زابن البقمي: شركة المساهمة ص340، حيث قال: ومن هنا يمكن أن نقسم أقوالهم إلى ثلاثة: قسم حرم التعامل بها – أي بالأسهم – مطلقًا، وقسم أباح الأسهم مطلقًا، واشترط بعضهم خلوها مما يستوجب الحرمة، وقسم أباح أنواعًا من الأسهم، وحرم أنواعًا أخرى
(3) د. صالح بن زابن البقمي: شركة المساهمة ص 340
(4) يراجع في تفصيل ذلك: الشركات في الفقه الإسلامي للشيخ علي الخفيف، طبعة دار النشر للجامعات المصرية: ص96، والشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي للدكتور عبد العزيز الخياط، طبعة المطابع التعاونية 1971م: 2/153 – 212، وشركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح بن زابن، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص 340، ومن الذين حرموا التعامل بالأسهم حرامًا مطلقًا الشيخ تقي الدين النبهاني في كتابه النظام الاقتصادي في الإسلام، طبعة القدس 1953م: ص141 – 142، ومن الذين قالوا بإباحتها دون تفصيل فيها، الدكتور محمد يوسف موسى، والشيخ شلتوت، لكنهم بلا شك يقولون بضرورة خلوها من المحرمات. انظر الفتاوي للشيخ شلتوت، طبعة الشروق: ص355. والمصادر السابقة(7/45)
ولذلك نقسم الأسهم إلى نوعين: نوع محرم تحريمًا بينًّا، ونوع فيه النقاش والتفصيل والخلاف.
فالنوع الأول هو الأسهم التي محلها الخنزير، والخمور والمخدرات، والقمار ونحوها من المحرمات، وكذلك الشركات التي يكون نشاطها محصورًا في الربا كالبنوك الربوية.
فهذه الأسهم جميعها لا يجوز إنشاؤها ولا المساهمة في إنشائها، ولا التصرف فيها بالبيع والشراء ونحوهما، يقول ابن القيم بعد أن ذكر الأحاديث الخاصة بحرمة بيع بعض الأشياء -: " فاشتملت هذه الكلمات الجوامع على تحريم ثلاثة أجناس: مشارب تفسد العقول – كالخمر – ومطاعم تفسد الطباع وتغذي غذاء خبيثًا – مثل الميتة، والخنزير – وأعيان – كالأصنام تفسد الأديان وتدعو إلى الفتنة والشرك، فصان بتحريم النوع الأول العقول عما يزيلها، ويفسدها، وبالثاني القلوب عما يفسدها من وصول أثر الغذاء الخبيث إليها ... ، وبالثالث الأديان عما وضع لإفسادها " (1) .
هذا هو المبدأ الذي لا يجوز تجاوزه، ولا ينبغي التوقف فيه، وما سوى هذا النوع من الأسهم الحرام قسمان:
__________
(1) زاد المعاد في هدي خير العباد، طبعة مؤسسة الرسالة: 5/746(7/46)
القسم الأول
أسهُم لشركات قَائمة عَلى شَرع الله تعَالى
حيث رأس مالها حلال، وتتعامل في الحلال، وينص نظامها وعقدها التأسيسي على أنها تتعامل في حدود الحلال، ولا تتعامل بالربا إقراضًا واقتراضًا، ولا تتضمن امتيازًا خاصًَّا أو ضمانًا ماليًّا لبعض دون آخر.
فهذا النوع من أسهم الشركات – مهما كانت تجارية أو صناعية أو زراعية – من المفروض أن يفرغ الفقهاء من القول بحلها وحل جميع التصرفات الشرعية فيها، وذلك لأن الأصل في التصرفات والعقود المالية الإباحة، ولا تتضمن هذه الأسهم أي محرم، وكل ما فيها أنها نظمت أموال الشركة حسبما تقتضيه قواعد الاقتصاد الحديث دون التصادم بأي مبدأ إسلامي.
ومع ذلك فقد أثير حول هذا النوع أمران:
الأمر الأول: ما أثاره أحد الكتاب من أن هذه الأسهم جزء من النظام الرأسمالي الذي لا يتفق جملة وتفصيلًا مع الإسلام، بل إن الشركات الحديثة ولا سيما شركات الأموال حرام لا تجوز شرعًا، لأنها تمثل وجهة نظر رأسمالية فلا يصح الأخذ بها، ولا إخضاعها لقواعد الشركات في الفقه الإسلامي (1) .
وهذا الحكم العام لا يؤبه به، ولا يجنح إليه، فالإسلام لا يرفض شيئًا لأنه جاء من النظام الفلاني، أو وجد فيه، وإنما الحكم في الإسلام موضوعي قائم على مدى موافقته لقواعد الشرع، أو مخالفته، " فالحكمة ضالة المؤمن فهو أحق بها أنّى وجدها " وبما أن الأسهم القائمة على الحلال لا تتضمن مانعًا شرعيًّا فلا يجوز القول بتحريمها، - كما سبق.
__________
(1) الشيخ تقي الدين النبهاني: النظام الاقتصادي في الإسلام، طبعة القدس الثالثة 1372هـ: ص133(7/47)
واستدل كذلك بأن الأسهم بمثابة سندات بقيمة موجودات الشركة، وهي تمثل ثمن الشركة وقت تقديرها وليست أجزاء لا تتجزأ من الشركة، ولا تمثل رأس مالها عند إنشائها (1) .
غير أن هذا الحكم والتصور للأسهم مجاف للحقيقة، والواقع الذي عليه الشركات المعاصرة، لأن الأسهم ليست سندات، وإنما هي حصص الشركة، وأن كل سهم بمثابة جزء لا يتجزأ من كيان الشركة، وأن مجموع الأسهم هي رأس مال الشركة (2) .
كما قاس الأسهم على أوراق النقد حيث يهبط سعرها، ويرتفع، وتتفاوت قيمتها وتتغير، ومن هنا ينسلخ السهم بعد بدء الشركة عن كونه رأس مال، وصار ورقة مالية لها قيمة معينة.
والواقع أن هذا التكييف الفقهي للأسهم غير دقيق، وقياسها على الأوراق النقدية قياس مع الفارق، لأن الأسهم في حقيقتها هي حصص الشركة، وأجزاء تقابل أصولها، وموجوداتها، وهي وإن كانت صكوكًا مكتوبة لكنها يعني بها ما يقابلها.
ومسألة الهبوط والارتفاع يختلف سببها في الأسهم عن سببها في النقود، فتغير قيمة الأسهم يعود إلى نشاط الشركة نفسها، حيث ترتفع عندما تزداد أرباحها، أو تزداد معها موجوداتها، وثقة الناس بها، وتنخفض عند الخسارة، ومثل ذلك كمثل شخص أو شركاء لهم سلع معينة فباعوها بأرباح جيدة فزادت نسبة مال كل واحد منهم بقدر الربح، وكذلك تنقص نسبة مال كل واحد منهم لو فقد منها بعضها، أو هلك، أو بيعت السلعة بخسارة، فهذا هو الأنموذج المصغر للأسهم في الشركات.
__________
(1) النبهاني: النظام الاقتصادي في الإسلام، طبعة القدس الثالثة 1372هـ: ص141 - 142.
(2) د. صالح بن زابن: وشركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح بن زابن، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص344(7/48)
أما الورقة النقدية فيعود انخفاضها إلى التضخم، وإلى الأنظمة الدولية بهذا الخصوص وسياسة الدولة في إصدار المزيد من الأوراق النقدية التي قد لا يوجد لها مقابل حقيقي، وغير ذلك من العوامل الاقتصادية، بينما السهم يمثل ذلك المبلغ الذي تحول إلى جزء من الشركة ممثل في أصولها وموجوداتها.
الأمر الثاني: الذي أثير حول هذا النوع من الأسهم هو ما أثير حول شرائها، أو بيعها من ملحوظات ثلاث نذكرها مع الإجابة عنها (1) .
الملحوظة الأولى: الجهالة، حيث لا يعلم المشتري علمًا تفصيليًّا بحقيقة محتوى السهم.
للجواب عن ذلك نقول: إن الجهالة إنما تكون مانعة من صحة العقد إذا كانت مؤدية إلى النزاع، أو كما يعبر عنه الفقهاء بالجهالة الفاحشة (2) يقول الإمام القرافي: " الغرر والجهالة ثلاثة أقسام: كثير ممتنع إجماعًا كالطير في الهواء، وقليل جائز إجماعًا كأساس الدار ... ، ومتوسط اختلف فيه " (3) . ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيع المغيبات كالجزر، واللفت والقلقاس: " والأول – أي القول بصحة بيعها وهو مذهب مالك وقول لأحمد – أصح ... ، فإن أهل الخبرة إذا رأوا ما ظهر منها من الورق وغيره دلهم ذلك على سائرها، وأيضًا فإن الناس محتاجون إلى هذه البيوع، والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك، كما أباح بيع الثمار قبل بدو صلاحها مبقاة إلى الجذاذ وإن كان بعض المبيع لم يخلق ... وأباح بيع العرايا بخرصها فأقام التقدير بالخرص مقام التقدير بالكيل عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا الذي هو أعظم من بيع الغرر، وهذه قاعدة الشريعة، وهو تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، ودفع أعظم الفسادين بالتزام أدناهما " (4) ، ويقول الأستاذ الصديق الضرير: " الغرر الذي يؤثر في صحة العقد هو ما كان في المعقود عليه أصالة، أما الغرر في التابع.. فإنه لا يؤثر في العقد " (5) .
__________
(1) يراجع: الشيخ عبد الله بن سليمان: بحث في حكم تداول أسهم الشركات المساهمة: ص0003، وفتوى الشيخ محمد بن إبراهيم مفتى الديار السعودية، بجواز تداول أسهم الشركات الوطنية ضمن كتاب فتاوى ورسائل: 7/42 –43.
(2) يراجع: الموسوعة الفقهية (الكويتية) مصطلح جهالة 16/167.
(3) الفروق، طبعة دار المعرفة 3/265 – 266.
(4) مجموع الفتاوى، طبعة الرياض 29/227
(5) الغرر وأثره: ص594(7/49)
فالواقع أن المشترى يعلم علمًا إجماليًّا كافيًا بقيمة السهم، وما يقابله من الموجودات من خلال نشر الميزانية ونشاط الشركة ونحو ذلك، وهذا العلم يكفى لصحة البيع بالإضافة إلى أن العلم في كل شيء بحسبه.
ثم إن بيع الحصص المشاعة جائز بالاتفاق، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " يجوز بيع المشاع باتفاق المسلمين، كما مضت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ... " (1) . ويقول ابن قدامة: " وإن اشترى أحد الشريكين حصة شريكه جاز، لأنه يشتري ملك غيره وكذلك الأمر لو باعه لأجنبي وكذلك الأمر عند غيره من العلماء (2) .
الملحوظة الثانية: إن بيع السهم يعني بيع جزء من الأصول، وجزء من النقود، وهذا يقتضي ملاحظة قواعد الصرف من التماثل والتقابض في المجلس بين الجنس الواحد، والتقابض فيه عند اختلاف الجنس، وذلك لأن السهم في الغالب يكون مساويًا لموجودات الشركة بما فيها النقود. للجواب عن ذلك أن وجود النقود في الأسهم يأتي تبعًا غير مقصود لأن الأصل والأساس فيها هي الموجودات العينية، ولذلك نقول: إن بيع السهم قبل بدء عمل الشركة وقبل شراء المباني ونحوها لا يجوز إلَّا مع مراعاة قواعد الصرف.
فالسهم يراد به هذا الجزء الشائع من الشركة دون النظر إلى تفصيلاته فما دام للسهم مقابل من موجودات الشركة لا يعامل معاملة النقد بسبب أن جزءًا من الموجودات نقد، والقاعدة الفقهية تقضي أنه يغتفر في التابع ما لا يغتفر في غيره، وأنه يغتفر في الشيء ضمنًا ما لا يغتفر فيه قصدًا، قال السيوطي: " ومن فروعها ... أنه لا يصح بيع الزرع الأخضر إلَّا بشرط القطع، فإن باعه مع الأرض جاز تبعًا ... " (3) .
__________
(1) مجموع الفتاوى: 29/233
(2) يراجع: المغنى: 5/45، والمجموع: 9/292، ويراجع: د. صالح بن زابن: شركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح بن زابن، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص348، والمصادر السابقة الأخرى
(3) الأشباه والنظائر للسيوطي، طبعة عيسى الحلبي بالقاهرة: ص133، ويراجع في نفس المعنى: الأشباه والنظائر، لابن نجيم، طبعة مؤسسة الحلبي بالقاهرة: ص121 – 122.(7/50)
بل إن مسألتنا هذه لها أصل مقرر في السنة المشرفة حيث إن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز شراء عبد وله مال – وحتى وإن كان نقدًا – فيكون ماله تبعًا للمشترى إذا اشترط ذلك دون النظر إلى قواعد الصرف، فقد روى البخاري ومسلم، وغيرهما ... بسندهم عن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (( ... ومن ابتاع عبدًا وله مال فماله للذي باعه إلَّا أن يشترط المبتاع)) (1) . قال الحافظ ابن حجر: " ويؤخذ من مفهومه أن من باع عبدًا ومعه مال وشرطه المبتاع أن البيع يصح ". ثم ذكر اختلاف العلماء فيما لو كان المال ربويًّا، حيث ذهب مالك إلى صحة ذلك ولو كان المال الذي معه ربويًّا لإطلاق الحديث، ولأن العقد إنما وقع على العبد خاصة والمال الذي معه لا مدخل له في العقد" (2) . قال مالك: " الأمر المجتمع عليه عندنا أن المبتاع إن اشترط مال العبد فهو له نقدًا كان أو دينًا أو عرضًا يعلم أو لا يعلم ... " (3) .
الملحوظة الثالثة: أن جزءًا من السهم يمثل دينًا للشركة وحينئذٍ لايجوز بيعه بثمن مؤجل، لأنه يكون بيع الدين بالدين وهو منهي عنه حيث روي ((أن الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الكالئ بالكالئ)) – أي الدين بالدين - (4) .
__________
(1) صحيح البخاري – مع الفتح، طبعة السلفية – المساقاة: 5/49، ومسلم، طبعة عيسى الحلبي، البيوع: 3/1173؛ وأحمد: 2/150؛ والموطأ: ص378.
(2) فتح الباري 5/51.
(3) الموطأ: ص378.
(4) قال الهيثمي في مجمع الزوائد: 4/80، رواه البزار، وفيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف(7/51)
والجواب عن ذلك من وجوه:
الوجه الأول: الحديث ضعيف، لأن في سنده موسى بن عبيدة، وهو ضعيف (1) فلا ينهض حجة، كما أن الحديث فسره بعدة تفسيرات لا يدخل موضوعنا في أكثرها.
الوجه الثاني: لا ينطبق عليه بيع الدين بالدين، إذ أن هذا الجزء من ديون الشركة داخل في السهم تبعًا، وحينئذ يكون الجواب السابق في الملحوظة الثانية جوابًا لهذا الإشكال بكل تفاصيله.
الوجه الثالث: ليس الحكم السابق – في كون الدين جزءًا من السهم – عامًا، إذ قد لا توجد الديون للشركة، وإنما تتعامل بالنقد، وعلى فرض وجودها فهي تمثل نسبة قليلة من موجودات الشركة، والقاعدة الفقهية تقضي بأن العبرة بالأكثر (2) .
والخلاصة أن الأسهم التي تقوم على الحلال، وتتبع الشركات التي تمتنع عن مزاولة أي نشاط محرم، وتتوفر فيه قواعد الشركة من المشاركة في الأعباء، وتحمل المخاطر، ولا تكون لهذه الأسهم ميزة مالية على غيرها ... فهي حلال لما ذكرناه ويجوز إنشاؤها، والتصرف فيها، وذلك لأن ذلك كله داخل حدود التصرفات المباحة التي أجازها الشارع للمالك في ملكه، امتثالًا لقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275] .
والأدلة الأخرى التي ذكرنا بعضها.
__________
(1) تقريب التهذيب: 2/286، ومجمع الزوائد: 4/80.
(2) المراجع السابقة جميعها(7/52)
القسم الثاني
أسهُم لَم تَتَوفّر فيَها الشُروط السَّابقَة
وهي الأسهم التي ليست شركات تزاول المحرمات – كالنوع الأول – ولا لشركات قائمة على الحلال – كالقسم الأول – وإنما هي أسهم لشركات قد تدع في بعض الأحيان بعض فلوسها في البنوك بفائدة، أو تقترض منها بفائدة، أو قد تكون نسبة قليلة من معاملاتها تتم من خلال عقود فاسدة كمعظم الشركات في الدول الإسلامية، والشركات في الدول غير الإسلامية مما يكون محلها أمورًا مباحة كالزراعة، والصناعة والتجارة (أي فيما عدا المحرمات السابقة في النوع الأول) .
وقبل أن أذكر حكم هذه الأسهم أود أن أبين جملة من المبادئ الشرعية في هذا الصدد منها:
أولًا: أن المسلمين مطالبون بتوفير المال الحلال الطيب الذي لا شبهة فيه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الْأَرْضِ حَلَالًا طَيِّبًا} [البقرة: 168] .
{فَكُلُوا مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ حَلَالًا طَيِّبًا وَاشْكُرُوا} [النحل: 114] .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ... )) (1) .
قال الحافظ بن حجر: " واختلف في حكم الشبهات، فقيل: التحريم. وهو مردود، وقيل: الكراهة، وقيل: الوقف ". ثم قال: " ... رابعها: أن المراد بها المباح، ولا يمكن قائل هذا أن يحمله على متساوى الطرفين من كل وجه، بل يمكن حمله على ما يكون من قسم الخلاف الأولى ... " ونقل ابن المنير في مناقب شيخه القباري عنه أنه كان يقول: " المكروه عقبة بين العبد والحرام فمن استكثر من المكروه تطرق إلى الحرام ... ، وهو منزع حسن " (2) .
__________
(1) صحيح البخاري – مع الفتح – الإيمان: 1/126، ومسلم، المساقاة: 3/1220؛ وأحمد: 4/267.
(2) فتح الباري: 1/127(7/53)
ثانيًا: أن الشريعة الإسلامية الغراء مبناها على رفع الحرج ودفع المشقة، وتحقيق اليسر والمصالح للأمة، فقد قال الله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] .
وقال تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .
وهذا المبدأ من الوضوح ما لا يحتاج إلى دليل، بل هو مقصد من مقاصد الشريعة.
وبناء على هذا الأصل العظيم أبيحت المحظورات للضرورة، {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [البقرة: 173] .
وكما أن الضرورة مرفوعة كذلك نزلت الحاجة منزلة الضرورة، يقول السيوطي، وابن نجيم وغيرهما: " الحاجة تنزل منزلة الضرورة عامة كانت، أو خاصة ". ولهذا جوزت الإجارة والجعالة، ونحوها (1) .
يقول الشيخ أحمد الزرقاء: " والمراد بالحاجة هي الحالة التي تستدعي تيسيرًا، أو تسهيلًا لأجل الحصول على المقصود فهي دون الضرورة من هذه الجهة وإن كان الحكم الثابت لأجلها مستمرًا، والثابت للضرورة مؤقتًا ... " (2) .
ومن الأمثلة الفقهية لهذه القاعدة ما أجازه فقهاء الحنفية من بيع الوفاء مع أن مقتضاه عدم الجواز، لأنه إما من قبيل الربا، لأنه انتفاع بالعين بمقابلة الدين، أو صفقة مشروطة في صفقة كأنه قال: بعته منك بشرط أن تبيعه مني إذا جئتك بالثمن، وكلاهما غير جائز، ولكن لما مست الحاجة إليه في بخارى بسبب كثرة الديون على أهلها جوز على وجه أنه رهن أبيح الانتفاع بثمراته ومنافعه كلبن الشاة، والرهن على هذه الكيفية جائز (3) .
__________
(1) الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص97 – 98؛ والأشباه والنظائر، لابن نجيم، ص91 – 92.
(2) شرح القواعد الفقهية، تأليف الشيخ أحمد الزرقاء، رحمه الله، طبعة دار الغرب الإسلامي: ص155
(3) شرح القواعد الفقهية، تأليف الشيخ أحمد الزرقاء، رحمه الله، طبعة دار الغرب الإسلامي: ص155(7/54)
ومن هذه الاجتهادات ما ذكره ابن عابدين أن مشايخ بلخ، والنسفي أجازوا حمل الطعام ببعض المحمول، ونسج الثوب ببعض المنسوج لتعامل أهل بلادهم بذلك، وللحاجة مع أن ذلك خلاف القياس، وأن متقدمي الحنفية صرحوا بعدم جوازه (1) .
وذكر أيضًا أن بعض قدماء الحنفية لما سئلوا عن النسبة المئوية التي يأخذها السمسار مثل 10 % قالوا: ذاك حرام عليهم، وإنما يجب لهم أجر المثل. بينما أجازه بعضهم مثل محمد بن سلمة حيث سئل عن أجرة السمسار فقال: أرجو أنه لا بأس به – وإن كان في الأصل فاسدًا -، لكثرة التعامل، وكثير من هذا غير جائز فجوزوه لحاجة الناس إليه ... (2) .
ولهذه القاعدة أدلة عملية من السنَّة المشَرَّفة، منها أن الرسول صلى الله عليه وسلم أباح بيع العرايا (3) . مع أن أصلها يدخل في باب الربا، حيث لم يجوز صلى الله عليه وسلم بيع التمر بالرطب (4) لوجود النقصان، وعدم تحقيق التماثل الحقيقي، ومع ذلك أباح العرايا لحاجة الناس إليها، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية " وأباح بيع العرايا ... عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا ... " (5) " ويقول أيضًا: "الشريعة جميعها مبنية على أن المفسدة المقتضية للتحريم إذا عارضتها حاجة راجحة أبيح المحرم " (6) ويقول: "والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه في البيع لأجل نوع من الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك " (7) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين، طبعة دار إحياء التراث العربي، بيروت: 5/36 – 37.
(2) حاشية ابن عابدين: 5/39.
(3) انظر الحديث ترخيص بيع العرايا، لحاجة الناس إليها. صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/390؛ ومسلم: 3/1168؛ وأحمد: 5/181؛ والعرية هي بيع الرطب فوق النخل بالتمر بالتخمين والتقدير.
(4) فقد سئل (عليه السلام) عن بيع الرطب بالتمر؟ فقال: أينقص الرطب إذا جفَّ؟ فقيل: نعم، فقال: (فلا إذا) انظر: مسند الشافعي: ص51؛ وأحمد: 3/312؛ والترمذي: 1/231؛ والنسائي: 7/269؛ وابن ماجه: 2/761؛ وسنن أبي داود: 3/251؛ والسنن الكبرى: 5/294؛ ويراجع تلخيص الحبير: 3/9 – 10.
(5) مجموع الفتاوى: 29/227، 249.
(6) مجموع الفتاوى: 29/227، 249.
(7) مجموع الفتاوى: 29/227، 249.(7/55)
ثالثًا: لا ينكر دور العرف وأثره في الفقه الإسلامي ما دام لا يتعارض مع نصوص الشريعة، يقول ابن نجيم: " واعلم أن اعتبار العادة والعرف يرجع إليه في الفقه في مسائل كثيرة حتى جعلوا ذلك أصلًا ... "، ثم قال: " والحاصل أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، ولكن أفتى كثير من المشايخ باعتباره، فأقول على اعتباره أن يفتى بأن ما يقع في بعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم، ويصير الخلو في الحانوت حقًا له، فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها، ولا إجارتها لغيره ولو كانت وقفًا، وقد وقع في حوانيت الجملوث بالغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو، وجعل لكل حانوت قدرًا أخذه منهم، وكتب ذلك بمكتوب الوقف، وكذا أقول على اعتبار العرف الخاص".
ويقول ابن نجيم مضيفًا إلى ما سبق من مسائل: " وقد اعتبروا عرف القاهرة في مسائل، منها ما في فتح القدير من دخول السُّلم في البيت المبيع في القاهرة دون غيرها، لأن بيوتهم طبقات لا ينتفع بها إلَّا به " (1) .
بل إن المحققين من العلماء لا يبيحون لعالم يفتي إلَّا بعد معرفته بأحوال الناس، وأعرافهم، وأن يلاحظ عرف كل بلد، وفي هذا يقول ابن القيم: " ... فمهما تجدد في العرف فاعتبره، ومهما سقط فألغِهِ، ولا تجمد على المنقول في الكتب طول عمرك، بل إذا جاءك رجل من غير إقليمك يستفتيك فلا تجره على عرف بلدك، وسله على عرف بلده فأجره عليه ... " (2) .
__________
(1) الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص93 – 103 – 104، ويراجع: نشر العرف في بناء بعض الأحكام على العرف، ضمن رسائل ابن عابدين، طبعة أستانة: 2/115 – 118.
(2) أعلام الموقعين، طبعة شقرون بالقاهرة: 3/78.(7/56)
رابعًا: إننا – نحن المسلمين اليوم – لا نعيش عصرًا يطبق فيه المنهج الإسلامي بكامله، فيسوده نظام الإسلام السياسي، والاقتصادي والاجتماعي والتربوي، وإنما نعيش في عصر يسوده النظام الرأسمالي، والاشتراكي، وحينئذٍ لا يمكن أن نحقق ما نصبو إليه فجأة من أن تسير المعاملات بين المسلمين على العزائم دون الرخص، وعلى المجمع عليه دون المختلف فيه، وعلى الحلال الطيب الخالص دون وجود الشبهة، فعصرنا يقتضي البحث عن الحلول النافعة حتى ولو قامت على رأي فقيه واحد معتبر ما دام رأيه يحقق المصلحة للمسلمين، بل لا ينبغي اشتراط أن نجد رأيًا سابقًا، وإنما علينا أن نبحث في إطار المبادئ والأصول العامة التي تحقق الخير للأمة، ولا يتعارض مع نصّ شرعي ثابت.
علينا أن نبحث عن تحقيق نظام اقتصادي، علينا أن نبحث بجد عن حماية أموال المسلمين، وإبقاء اقتصادهم بأيديهم، دون سيطرة غيرهم عليه، فلننظر إلى هذا الأفق الواسع لشيخ الإسلام العز بن عبد السلام حيث يقول: " لو عمَّ الحرام الأرض بحيث لا يوجد فيها حلال جاز أن يستحل من ذلك ما تدعو إليه الحاجة، ولا يقف تحليل ذلك على الضرورات لأنه لو وقف عليها لأدَّى إلى ضعف العباد، واستيلاء أهل الكفر والعناد على بلاد الإسلام، ولا نقطع الناس عن الحرف والصنائع والأسباب التي تقوم بمصالح الأنام (1) .
__________
(1) قواعد الأحكام: 2/159.(7/57)
حكم هذا القسم من الأسهم:
بعد ذكر تلك المبادئ نعود إلى حكم هذا القسم من الأسهم، واختلاف المعاصرين، وأدلتهم مع الترجيح.
لقد اختلف المعاصرون على رأيين:
الرأي الأول: هو حرمة التصرف في هذه الأسهم ما دامت لا تقوم على الحلال المحض، وبعضهم اشترط وجود هيئة رقابة شرعية لها (1) .
الرأي الثاني: إباحة الأسهم (السابقة) والتصرف فيها.
هذا وقد قال الكثيرون بإباحة الأسهم في الدول الإسلامية مطلقًا دون التطرق إلى التفصيل الذي ذكرته، منهم الشيوخ: على الخفيف، وأبو زهرة، وعبد الوهاب خلاف، وعبد الرحمن حسن، وعبد العزيز الخياط، ووهبة الزحيلي، والقاضي عبد الله سليمان بن منيع، وغيرهم على تفصيل وتفريع لدى بعضهم يجب أن يراجع (2) .
وقد بنى أصحاب الرأي الأول رأيهم على أن هذه الأسهم ما دام فيها حرام، أو تزاول شركاتها بعض أعمال الحرام كإيداع بعضها بعض أموالها في البنوك الربوية فتصبح هذه الأسهم محرمًا شراؤها، بناءً على النصوص الدالة على وجوب الابتعاد عن الحرام، والشبهات، وعلى قاعدة: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام.
أما المبيحون فهم يعتمدون على أن الأسهم في واقعها ليست مخالفة للشريعة، وما شابها من بعض الشوائب والشبهات والمحرمات قليل بالنسبة للحلال، فما دام أكثرية رأس المال حلالًا، وأكثر التصرفات حلالًا فيأخذ القليل النادر حكم الكثير الشائع، ولا سيما يمكن إزالة هذه النسبة من المحرمات عن طريق معرفتها من خلال الميزانية المفصلة، أو السؤال عن الشركة، ثم التخلص منها (3) .
__________
(1) الأسواق المالية، للأستاذ الدكتور على السالوس، بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة: ص7.
(2) الشركات، للشيخ على الخفيف: ص96 – 97؛ وبحث الشيخ أبي زهرة المنشور في منشورات المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية: 2/184؛ ود. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/187 - ... ؛ وبحث د. وهبة الزحيلي المقدم لمجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة: ص5؛ ود. صالح بن زابن، شركة المساهمة في النظام السعودي، للدكتور صالح بن زابن، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص 342؛ وبحث القاضي عبد الله بن سليمان المشار إليه سابقًا.
(3) المراجع السابقة، ولا سيما بحث فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان حيث أفاض فيه إفاضةً جيدة.(7/58)
ويمكن تأصيل ذلك من خلال القواعد الفقهية، ونصوص الفقهاء المبنية على عموم الشريعة ومبادئها في اليسر، ورفع الحرج على ضوء ما يأتي:
أولًا: اختلاط جزء محرم لا يجعل مجموع المال محرمًا عند الكثيرين، حيث أجازوا في المال الحلال المختلط بقليل من الحرام التصرفات الشرعية من التملك والأكل والبيع والشراء ونحوها، غير أن الفقهاء فرقوا بين ما هو محرم لذاته وما هو محرم لغيره، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " إن الحرام نوعان ".
حرام لوصفه كالميتة والدم ولحم الخنزير، فهذا إذا اختلط بالماء والمائع وغيره من الأطعمة، وغير طعمه، أو لونه، أو ريحه حرمه، وإن لم يغيره ففيه نزاع ...
والثاني: الحرام لكسبه: كالمأخوذ غصبًا، أو بعقد فاسد فهذا إذا اختلط بالحلال لم يحرمه، فلو غصب الرجل دراهم، أو دنانير أو دقيقًا، أو حنطة أو خبزًا، وخلط ذلك بماله لم يحرم الجميع لا على هذا، ولا على هذا، بل إن كانا متماثلين أمكن أن يقسموه ويأخذ هذا قدر حقه، وهذا قدر حقه. فهذا أصل نافع، فإن كثيرًا من الناس يتوهم أن الدراهم المحرمة إذا اختلطت بالدرهم الحلال حرم الجميع، فهذا خطأ، وإنما تورع الناس فيما إذا كانت – أي الدراهم الحلال – قليلة، أما مع الكثرة فما أعلم فيه نزاعًا ... " (1) .
__________
(1) مجموع الفتاوى، طبعة الرياض: 29/320، 321.(7/59)
وعلى ضوء ذلك فمسألتنا هذه من النوع الثاني حيث كلامنا في أسهم شابتها بعض تصرفات محرمة كإيداع بعض نقودها في البنوك الربوية، وحتى تتضح الصورة أكثر نذكر نصوص الفقهاء في هذه المسألة:
يقول ابن نجيم الحنفي: " إذا كان غالب مال المهدي حلالًا فلا بأس بقبول هديته، وأكل ماله ما لم يتبين أنه حرام، وإن كان غالب ماله الحرام لا يقبلها، ولا يأكل إلَّا إذا قال: إنه حلال ورثه، أو استقرضه "، ثم ذكر أنه إذا أصبح أكثر بياعات أهل السوق لا تخلو عن الفساد والحرام يتنزه المسلم عن شرائه، ولكن مع هذا لو اشتراه يطيب له. وقال أيضًا: " إذا اختلط الحلال والحرام في البلد فإنه يجوز الشراء، والأخذ إلَّا أن تقوم دلالة على أنه من الحرام، كذا في الأصل (1) .
ثم ذكر صورًا أخرى فقال: " ومنها البيع، فإذا جمع بين حلال وحرام في صفقة واحدة، فإن كان الحرام ليس بمال كالجمع بين الذكية والميتة، فإنه يسري البطلان إلى الحلال لقوة بطلان الحرام، وإن كان الحرام ضعيفًا كأن يكون مالًا في الجملة كما إذا جمع بين المدبر والقن ... فإنه لا يسري الفساد إلى القن لضعفه ... " (2) .
وقال الكاساني: " كل شيء أفسده الحرام، والغالب على الحلال فلا بأس ببيعه " (3) .
وقد أفاض الفقيه ابن رشد في هذه المسألة، نذكر منها ما يلي: حيث قال: " فأما الحال الأولى: وهي أن يكون الغالب على ماله الحلال فالواجب عليه في خاصة نفسه أن يستغفر الله تعالى، ويتوب إليه بردِّ ما عليه من الحرام ... أو التصدق به عنهم إن لم يعرفهم ... وإن كان الربا لزمه أن يتصدق بما أخذ زائد على ما أعطي ... ".
ثم قال: " وإن علم بائعه في ذلك كله ردّ عليه ما أربى فيه معه فإذا فعل هذا كله سقطت حرمته، وصحت عدالته، وبرئ من الإثم، وطاب له ما بقي من ماله، وجازت مبايعته فيه وقبول هديته وأكل طعامه بإجماع من العلماء.
واختلف إذا لم يفعل ذلك في جواز معاملته، وقبول هديته، وأكل طعامه فأجاز ابن القاسم معاملته، وأبى ذلك ابن وهب وحرَّمه أصبغ ...
__________
(1) الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص112، 113، 114، ويراجع حاشية ابن عابدين: 4/130.
(2) الأشباه والنظائر، لابن نجيم: ص112، 113، 114، ويراجع حاشية ابن عابدين: 4/130.
(3) بدائع الصنائع: 6/144.(7/60)
ثم قال ابن رشد: " وقول ابن القاسم هو القياس، لأن الحرام قد ترتَّب على ذمته فليس متعينًا في جميع ما في يده من المال بعينه شائعًا ... وأما قول أصبغ فإنه تشديد على غير قياس".
وأما الحال الثانية: وهي أن يكون الغالب على ماله الحرام فالحكم فيما يجب على صاحبه في خاصة نفسه على ما تقدم سواء.
وأما معاملته وقبول هديته فمنع من ذلك أصحابنا، قيل على وجه الكراهة – وعزى هذا القول إلى ابن القاسم – وقيل على وجه التحريم إلَّا أن يبتاع سلعة حلالًا فلا بأس أن تشترى منه وأن تقبل منه هبةً ... (1) .
وقال العز بن عبد السلام: " وإن غلب الحلال بأن اختلط درهم حرام بألف درهم حلال جازت المعاملة ... " (2) ، ومثله قال الزركشي (3) .
بل إن السيوطي ذكر أن الأصح عند فقهاء الشافعية – ما عدا الغزالي – أنهم لم يحرموا معاملة من أكثر ماله حرام إذا لم يعرف عينه، ولكن يكره، وكذا الأخذ من عطايا السلطان إذا غلب الحرام على يده كما قال في المهذب: إن المشهور فيه الكراهة، لا التحريم خلافًا للغزالي ... قال في الإحياء " لو اختلط في البلد الحرام لا ينحصر لم يحرم الشراء منه بل يجوز الأخذ منه إلَّا أن يقترن به علامة على أنه من الحرام "، وقال: ويدخل في هذه القاعدة تفريق الصفقة، وهي أن يجمع في عقدين حرام وحلال، ويجري في أبواب وفيها غالبًا قولان، أو وجهان أصحهما الصحة في الحلال، والثاني البطلان في الكل ... ومن أمثلة ذلك في البيع أن يبيع خلًّا وخمرًا ... (4) ، وقال ابن المنذر: اختلفوا في مبايعة من يخالط ماله حرام، وقبول هديته وجائزته، فرخص فيه الحسن، ومكحول والزهري والشافعي، قال الشافعي: " لا أحب ذلك، وكره ذلك طائفة ... " (5) .
__________
(1) فتاوى ابن رشد، تحقيق: المختار بن الطاهر التليلي، طبعة دار الغرب الإسلامي: 1/631 – 649؛ ومواهب الجليل: 5/277.
(2) قواعد الأحكام: 1/72، 73.
(3) المنثور في القواعد، طبعة أوقاف الكويت: 2/253.
(4) الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص120، 121؛ وحاشيتي القليوبي مع عميرة على المنهاج: 2/186.
(5) المجموع، للنووي: 9/353، طبعة المنيرية.(7/61)
وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية هذه المسألة تفصيلًا حينما سئل سؤالًا لا نزال نسمعه حتى في عصرنا الحاضر، وهو: أن رجلًا نقل عن بعض السلف من الفقهاء: أنه قال: أكل الحلال متعذِّر لا يمكن وجوده في هذا الزمان، فقيل له: لم ذلك؟ فذكر: أن وقعة المنصورة لم تقسم الغنائم فيها، واختلطت الأموال بالمعاملات بها، فقيل له: إن الرجل يؤجر نفسه لعمل من الأعمال المباحة، ويأخذ أجرته حلال، فذكر أن الدرهم في نفسه حرام.
فأجاب – رحمه الله – هذا القائل.. غالط مخطئ ... فإن مثل هذه المقالة كان يقولها بعض أهل البدع، وبعض أهل الفقه الفاسد، وبعض أهل الشك الفاسد، فأنكر الأئمة ذلك حتى الإمام أحمد في ورعه المشهور كان ينكر مثل هذه المقالة ... وقال: انظر إلى هذا الخبيث يحرم أموال المسلمين.
ثم ذكر خطورة آثار هذا التصور الفاسد، منها أن بعض الناس ظنوا ما دام الحرام قد أطبق الأرض، إذن لماذا البحث عن الحلال؟ فاعتبروا الحلال ما حل بأيديهم والحرام ما حرموا منه، وبعضهم اخترعوا الحكايات الكذبة بحجة الورع.
ثم ردَّ على هذه المقالة، وبين بأن الغالب على أموال المسلمين الحلال، ثم ذكر عدة أصول:
"أحدها: أنه ليس كل ما اعتقد فقيه معين أنه حرام كان حرامًا، وإنما الحرام ما ثبت تحريمه بالكتاب أو السنة، أو الإجماع، أو قياس مرجح لذلك، وما تنازع فيه العلماء رد إلى هذه الأصول "، ثم بين بأن حمل المسلمين على مذهب معين غلط.(7/62)
ثم ذكر أصلًا آخر وهو أن خلط الحرام بالحلال لا يحرم جميع المال، - كما سبق -.
كما ذكر أصلًا آخر وهو أن المجهول في الشريعة كالمعدوم والمعجوز عنه، ولذلك إذا لم يعلم صاحب اللقطة حل لملتقطها بعد التعريف بها، ومن هنا، فإذا لم يعلم حال ذلك المال الذي بيده بنى الأمر على الأصل، وهو الإباحة (1) .
وذكر في جواب سؤال حول التعامل مع من كان غالب أموالهم حرامًا مثل المكاسين وأكلة الربا؟
فأجاب: إذا كان الحلال هو الأغلب لم يحكم بتحريم المعاملة وإن كان الحرام هو الأغلب، قيل بحل المعاملة، وقيل: بل هي محرمة، فأما المعاملة بالربا فالغالب على ماله الحلال إلَّا أن يعرف الكره من وجه آخر، وذلك أنه إذا باع ألفًا بألف ومائتين فالزيادة هي المحرمة فقط وإذا كان في ماله حلال وحرام واختلط لم يحرم الحلال، بل له أن يأخذ قدر الحلال، كما لو كان المال لشريكين فاختلط مال أحدهما بمال الآخر، فإنه يقسم بين الشريكين، وكذلك من اختلط بماله الحلال والحرام أخرج قدر الحرام، والباقي حلال له (2) .
وسئل عن الرجل يختلط ماله الحلال بالحرام؟ فأجاب: يخرج قدر الحرام بالميزان، فيدفعه إلى صاحبه، وقدر الحلال له، وإن لم يعرفه وتعذرت معرفته تصدق به عنه (3) .
__________
(1) مجموع الفتاوى: 29/311 – 323.
(2) مجموع الفتاوي: 29/272، 273
(3) مجموع الفتاوي: 29/308.(7/63)
وقريبًا من ذلك يقرره ابن القيم موضحًا أن " التحريم لم يتعلق بذات الدرهم – أي الدرهم الحرام الذي اختلط بماله – وجوهره، وإنما تعلق بجهة الكسب فيه، فإذا خرج نظيره من كل وجه لم يبقَ لتحريم ما عداه معنى ... وهذا هو الصحيح في هذا النوع، ولا تقوم مصالح الخلق إلَّا به " (1) .
وعلى ضوء هذا المبدأ نرى كثيرًا من أهل العلم أجازوا التعامل مع من كان في ماله حرام، ولكن غالبه حلال، ومن هنا يمكن القول بإباحة التعامل في هذا النوع من الأسهم، ولكن يخرج صاحبها بقدر نسبة الحرام فيها إلى الجهات الخيرية العامة، مع مراعاة الضوابط التي نذكرها في الأخير (2) .
ثانيًا: قاعدة: يجوز تبعًا ما لا يجوز استقلالًا، وقد ذكرنا هذه القاعدة مع دليلها من السنة الصحيحة المتفق عليها (3) .
وعلى ضوء ذلك فهذا النوع من الأسهم وإن كان فيه نسبة بسيطة من الحرام لكنها جاءت تبعًا، وليست أصلًا مقصودًا بالتملك والتصرف، فما دامت أغراض الشركة مباحة، وهي أنشئت لأجل مزاولة نشاطات مباحة، غير أنها قد تدفعها السيولة أو نحوها إلى إيداع بعض أموالها في البنوك الربوية، أو الاقتراض منها.
فهذا العمل بلا شك عمل محرم يؤثم فاعله (مجلس الإدارة) لكنه لا يجعل بقية الأموال والتصرفات المباحة الأخرى محرمة، وهو أيضًا عمل تبعي وليس هو الأصل الغالب الذي لأجله أنشئت الشركة.
__________
(1) بدائع الفوائد
(2) المراجع السابقة؛ وبحث الشيخ عبد الله بن سليمان: ص16.
(3) المراجع السابقة؛ والشيخ عبد الله بن سليمان بحثه السابق(7/64)
ثالثًا: قاعدة للأكثر حكم الكل، وقد ذكرنا فيما سبق نصوص الفقهاء في حكم المال المختلط بالحرام، حيث أن الجمهور على أن العبرة بالأغلب – كما سبق - (1) وقد ذكرنا الفقهاء لهذه القاعدة تطبيقات كثيرة في أبواب الطهارة، والعبادات والمعاملات، واللباس – كالحرير – والصيد، والطعام، والأيمان، وغيرها (2) .
إضافة إلى قاعدة: " الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة " – كما سبق ذكرها – وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية أن الشراء ممن في ماله شبهة لا كراهة فيه إذا وجدت الحاجة إليه (3) .
وتنزيل هذه القاعدة على موضوعنا من حيث إن حاجة الناس إلى أسهم الشركات في عالمنا الإسلامي ملحة، فالأفراد كلهم لا يستغنون عن استثمار مدخراتهم، والدول كذلك بحاجة إلى توجيه ثروات شعوبها إلى استثمارات طويلة الأجل بما يعود بالخير على الجميع، ولو امتنع المسلمون من شراء أسهم تلك الشركات لأدى ذلك إلى أحد أمرين:
أحدهما: توقف هذه المشروعات التي هي حيوية في العالم الإسلامي.
ثانيهما: غلبة غير المسلمين على هذه الشركات، وعلى إدارتها، أو على الأقل غلبة الفسقة والفجرة عليها.
لكن لو أقدم على شرائها المسلمون المخلصون لأصبحوا قادرين في المستقبل على منع تعاملها مع البنوك الربوية ولغيروا اتجاه الشركة لصالح الإسلام.
وهذا لا يعني أن المسؤولين القادرين في الشركة وفي غيرها على التغيير معفوون عن الإثم، بل هم آثمون، لكن عامة الناس لهم الحق في شراء هذه الأسهم حسب الضوابط التي نذكرها، ولذلك لو كان المساهم قادرًا على منع الشركة من إيداع بعض أموالها في الشركة لوجب عليه ذلك.
__________
(1) المرجع السابق
(2) يراجع: جمل الأحكام للناطقي، رسالة ماجستير بالأزهر، تحقيق حمد الله سيد، ص370 – 381.
(3) مجموع الفتاوى: 29/241؛ كما ذكر قاعدة الاعتبار بالأغلب فيمن في ماله حرام(7/65)
مناقشة الرأي الأول المانع من تداول هذا النوع من الأسهم:
أولًا: إن وجود نسبة ضئيلة من الحرام في المال الحلال لا يجعله حرامًا، وإنما يجب نبذ المحرم فقط – كما سبق تفصيله -.
ثانيًا: إن اشتراط البعض في حل الأسهم أو التعامل مع الشركات وجود رقابة شرعية لشركتها لا نجد له دليلًا من كتاب، أو سنَّة، أو إجماع، أو قياس صحيح، فالمسلمون مؤتمنون على دينهم وعلى الحل والحرمة، وهم مستورون، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: " والمسلم إذا عامل معاملات يعتقد جوازها كالحيل.. "، التي يفتي بها من يفتي ... جاز لغيره من المسلمين أن يعامله في ذلك المال، ثم قال: " وأما المسلم المستور فلا شبهة في معاملته أصلًا، ومن ترك معاملته ورعًا كان قد ابتدع في الدين بدعة ما أنزل الله بها من سلطان " (1) .
بل إن التعامل مع الكفرة جائز فيما ليس محرمًا بالاتفاق، يقول ابن تيمية: " ... وحينئذ فجميع الأموال التي بأيدي المسلمين واليهود والنصارى لا يعلم بدلالة ولا إمارة أنها مغصوبة، أو مقبوضة لا يجوز معه معاملة القابض، فإنه يجوز معاملتهم فيها بلا ريب ولا تنازع في ذلك بين الأئمة أعلمه " (2) .
نعم لا شك أن معرفة الحلال والحرام ضروري لكل من يدخل في السوق حتى يحافظ على دينه، ويعلم الحلال والحرام إما بنفسه، أو عن طريق السؤال من أهل الذكر.
لكن لا ينبغي الحكم بعدم جواز التعامل مع شركات المسلمين ... إلَّا مع وجود رقابة شرعية، فهذا الشرط تعسف وتضييق لما وسعته الشريعة.
وصحيح أن وجود الرقابة الشرعية للشركة يعطي الأمان للمتعاملين معها لكن اشتراط حل التعامل بوجودها أمر يستدعي إعادة النظر.
__________
(1) مجموع الفتاوى: 29/391 – 324.
(2) مجموع الفتاوى: 9/327.(7/66)
الرأي الراجح مع ضوابطه:
الذي نرى رجحانه – والله أعلم – هو أن هذا النوع من الأسهم بالنسبة للشركات التي يمتلكها المسلمون هو ما يأتي:
أولًا: إن مجلس الإدارة، والمدير المسؤول لا يجوز لهم قطعًا مزاولة أي نشاط محرم، فلا يجوز لهم الإقراض أو الاقتراض بفائدة، ولو فعلوا ذلك لدخلوا في الحرب التي أعلنها الله تعالى عليهم: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} [البقرة: 279] .
ولا سيما بعدما يسَّر الله للمسلمين وجود بنوك إسلامية في أغلب الأماكن، أو قيامها باستثمار جميع أموالها في خيارات إسلامية كثيرة.
ثانيًا: أما مشاركة المسلمين في هذه الشركات السابقة وشراء أسهمها، والتصرف فيها ... فجائزة ما دام غالب أموالها وتصرفاتها حلالًا، وإن كان الأحوط الابتعاد عنها.
ولكن ينبغي على من يشترك مراعاة ما يلي:
1- أن يقصد بشراء أسهم هذه الشركات تغييرها نحو الحلال المحض من خلال صوته في الجمعية العمومية، أو مجلس الإدارة.
2- أن يبذل جهده وماله لتوفير المال الحلال الطيب المحض ما أمكنه إلى ذلك سبيلًا، ولا يتجه نحو ما فيه شبهة إلَّا عند الحاجة الملحة ومصلحة المسلمين، واقتصادهم من المشاركة في التنمية والاستثمار والنهوض باقتصادهم من خلال الشركات الكبرى.
3- إن صاحب هذه الأسهم عليه أن يراعى نسبة الفائدة التي أخذتها الشركة على الأموال المودعة لدى البنوك، ويظهر ذلك من خلال ميزانية الشركة، أو السؤال عن مسؤولي الحسابات فيها، وإذا لم يمكنه ذلك اجتهد في تقديرها، ثم يصرف هذا القدر في الجهات العامة الخيرية.
4- لا يجوز للمسلم أن يؤسِّس شركة تنصّ في نظامها الأساسي على أنها تتعامل بالربا إقراضًا واقتراضًا، ولا يجوز كذلك التعاون في تأسيسها ما دامت كذلك، لأنه تعاون على الإثم والعداون، إلَّا لمن يقدر على تغييرها إلى الحلال.(7/67)
ثالثًا: إن الحكم بإباحة تداول هذه الأسهم – مع هذه الضوابط – خاص بما إذا كانت الأسهم عادية، أو ممتازة لكن ليس امتيازها على أساس المال.
وأما غيرهما فسيأتي حكم كل نوع على حدة.
أما أسهم الشركات التي يمتلكها غير المسلمين ولا ينصّ نظامها على التعامل في الحرام فقد شدد فيها البعض أكثر (1) ، ولكن لا أرى مانعًا من التعامل فيها حسب الضوابط السابقة، وقد انتهت ندوة الأسواق المالية من الوجهة الإسلامية التي عقدت في الرباط 20- 25 ربيع الآخر 1410هـ إلى أن أسهم الشركات التي غرضها الأساسي حلال لكنها تتعامل أحيانًا بالربا ... فإن تملكها، أو تداولها جائز نظرًا لمشروعية غرضها، مع حرمة الإقراض، أو الاقتراض الربوي، ووجوب تغيير ذلك، والإنكار والاعتراض على القائم به، ويجب على المساهم عند أخذ ريع السهم التخلص بما يظن أنه يعادل ما نشأ من التعامل بالفائدة بصرفه في وجوه الخير.
وكذلك ندوة البركة للاقتصاد الإسلامي حيث أجازت باتفاق المشاركين شراء أسهم الشركات العاملة في البلاد الإسلامية لقصد العمل على أسلمة معاملاتها، بل اعتبروا ذلك أمر مطلوبًا، لما فيه من زيادة مجالات التزام المسلمين بأحكام الشريعة الإسلامية.
وأجازوا بالأغلبية شراء أسهم الشركات العاملة في البلاد غير الإسلامية، إذا لم يجدوا بديلًا خالصًا من الشوائب (2) .
__________
(1) الشيخ عبد الله بن سليمان، بحثه السابق: حيث مع إباحته شراء الأسهم لشركات يمتلكها المسلمون حتى وإن كانت تتعامل بالربا لكن غالب معاملتها وأموالها حلال، لكنه لم يجز تملك أسهم شركات يملكها غير مسلم إلَّا إذا كان قادرًا فعلًا على تغيير مسارها، ومنعها من مزاولة الحرام مطلقًا، وذكر أن الشيخ صالح كامل ذكر له أنه استطاع أن يحول خمسين شركة مساهمة إلى الالتزام بالأحكام الشرعية من خلال مساهمته فيها، واشتراطه ذلك بعدها.
(2) الفتاوى الشرعية في الاقتصاد، طبعة مجموعة بركة سنة 1411هـ: ص17.(7/68)
والقول بالجواز إن كان نظام الشركة لا ينص على التعامل في الحرام، ومع الضوابط السابقة هو الذي يتناسب مع روح هذه الشريعة القائمة على التيسير، ورفع الحرج، ومراعاة حاجات الناس في الاستثمار، وذلك لأنه إذا وجد فيه حرام فهو نسبة ضئيلة لا تؤثر في باقي المال وكذلك يمكن التخلص منها عن طريق إعطائها للجهات الخيرية العامة، بالإضافة إلى أن محل البيع المعقود عليه في جملته أمور مباحة، وأن المشاركة في ذلك جائزة، ولم يمنع أحد من الرعيل الأول التعامل مع أهل الكتاب في الجملة، بل كان الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة الكرام يتعاملون معهم، مع أن معاملات أهل الكتاب وأموالهم لم يكن جميعها على الشروط المطلوبة في الإسلام، فقد ترجم البخاري: باب المزارعة مع اليهود، فقال الحافظ ابن حجر: " وأراد بهذا: الإشارة إلى أنه لا فرق في جواز هذه المعاملة بين المسلمين وأهل الذمة " (1) كما صح ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل ورهنه درعه)) (2) وكذلك الأمر عند الصحابة (رضي الله عنهم) حيث كان التعامل معهم سائدًا في الجملة.
حكم أسهم شركات تبيع السلاح للعدو، أو شركات قررت مكاتب مقاطعة إسرائيل عدم التعامل معهم.
فالحكم الخاص في التعامل مع هذه الشركات يدخل في باب السياسة الشرعية، وطاعة ولي الأمر، وفي باب سد الذرائع، وباب العقود وأثرها على التصرفات، وقد نص كثير من الفقهاء على حرمة العنب لمن يتخذه خمرًا، والسلاح أيام الفتنة، أو لمن يقتل به مسلمًا (3) .
ولا يخفى أن مسألتنا هذه أخطر، ناهيك عن وجوب طاعة ولي الأمر المسلم العادل فيما ليس معصية.
__________
(1) صحيح البخاري، مع فتح الباري، طبعة السلفية: 5/15.
(2) صحيح البخاري، مع فتح الباري، طبعة السلفية: 5/142.
(3) المغني، لابن قدامة: 4/245 – 247.(7/69)
قاعدة لا بدَّ منها هنا:
وهي قاعدة الفرق بين الدين والعين، أي النقود والسلع حيث تتعلق الحقوق في النقود – سواء كانت ورقية أم غيرها – بالذمة، ولا تتعلق بذات النقد، بينما الحقوق في السلع تتعلق بالسلعة نفسها (1) .
فعلى ضوء هذه القاعدة فالأعيان إذا كانت حرامًا كأن كانت غصبًا، أو حصل عليها عن طريق الحرام فلا يجوز لغير صاحبها التعامل فيها، لا بيعها ولا شراؤها، ولا هبتها، ولا غير ذلك إلَّا من كان جاهلًا فيعذر إذا لم يكن عنده تقصير، فمن سرق شيئًا معينًا لا يجوز شراؤه منه بأي حال من الأحوال، أما من سرق نقودًا فلا يحرم التعامل معه إلَّا إذا غلب على أمواله الحرام – كما سبق -.
أنواع الأسهم:
للأسهم أنواع كثيرة وأسماء مختلفة متنوعة، لذلك لا يكون الحكم دقيقًا حتى نعرف بكل نوع منها، ثم نبين حكمه مع التوجيه، لأن الحكم على الشيء فرع من تصوره.
وهذه الأنواع باعتبارات مختلفة، قد يتداخل بعضها في بعض، وقد يكون نوع واحد يعتريه عدة أحكام باعتبار حالاته المختلفة التي تحددها الشركة في نظامها الأساسي، لذلك نحاول أن نذكر كل ذلك بشيء من الإيجاز (2) .
__________
(1) الأشباه والنظائر لابن نجيم: ص315؛ ومجموع الفتاوى، لابن تيمية: 29/320 – 331
(2) يراجع المراجع السابقة نفسها(7/70)
(أ) أنواع الأسهم من حيث الحقوق: العادية والممتازة:
لا يخفى أن جميع الأسهم قيمتها متساوية، وهذا يقتضي تساويها في الحقوق والواجبات، وتكون مسؤولية المساهمين بحسب قيمة السهم، ولذلك فالأصل أن تكون الأسهم عادية لا ميزة لأحدهما على الآخر، ولكن بعض القوانين تبيح إصدار أسهم ممتازة وهذه الميزة قد تكون بمنح أصحابها الأولوية في الأرباح، أو في أموال الشركة عند التصفية، أو بغير ذلك.
فحكم الأسهم العادية الجواز من حيث المبدأ إلَّا إذا كان محلها حرامًا وحينئذٍ لا يجوز، كما سبق تفصيلها.
وأما أسهم الامتياز فحكمها يختلف باختلاف نوعية الامتياز فيها:
1- فإذا كان امتيازها بضمان نسبة مثل 5 % من قيمة السهم، ثم يوزع باقي الأرباح على جميع الأسهم بالتساوي، أو استيفاء فائدة سنوية سواء ربحت الشركة أم لا.
فإن هذا النوع لا يجوز البتة في الشريعة الإسلامية، لأنه يتضمن الربا المحرم شرعًا، ولأن هذا الشرط مخالف لمقتضى عقد الشركة في الشريعة الغراء، فمبنى الشركة على المخاطرة، والمشاركة الحقيقية في الغرم والغنم على قدر الحصص، وعلى ذلك إجماع الفقهاء (1) .
2- وإذا كان امتياز السهم بإعطاء الأولوية في الأرباح، أي يعطي لصاحبه الربح، ثم إن بقي يعطي لأصحاب الأسهم العادية ... فهذا الامتياز أيضًا مخالف لمقتضى عقد الشركة، فلا يجوز.
3- وإذا كان هذا الامتياز بأن يعطي لصاحب السهم حق استعادة قيمة الأسهم بكاملها عند تصفية الشركة، ثم تعطي البقية الباقية لأصحاب الأسهم العادية، حيث قد يخسرون، وهو لا يخسر، فهذا أيضًا كسابقة لا يجوز للسبب نفسه.
4- وأما إذا كان امتياز السهم يعود إلى إعطاء ضمان مالي لصاحبه دون غيره.
فإنَّ هذا الضمان مخالف لمقتضى عقد الشركة – كما سبق -.
__________
(1) يراجع: المراجع السابقة نفسها.(7/71)
5- وأما إذا كان الامتياز في حدود الأصوات بأن يتنازل صاحبه عن صوته، بأن لا يكون له حق التصويت في الجمعية العمومية في مقابل أن يعطى له حق دفع قيمة أسهمه بالأقساط. فلا أرى مانعًا من ذلك، لأنه يعود إلى القضايا الإدارية التي يتحكم فيها الاتفاق، وليس فيه أي مخالفة لنصوص الشرع، ولا لمقتضى عقد الشركة ولا يعود هذا الامتياز إلى الجوانب المالية، وإنما أعطي له نوع من التيسير في مقابل تنازله عن صوته، وكل ذلك قد تمَّ برضا الطرفين، ولا يتعارض هذا الرضا مع نصوص الشرع ولا مقتضى العقد، حيث يعود الأمر في ذلك إلى تنازل أحد الشركاء لأن يدير الشركة بعضهم دون الآخرين، وقد أجاز جماعة من الفقهاء استبداد أحد الشريكين بالعمل (1) .
وكذلك الأمر لو تم الاتفاق على أن يعطى لبعض الأسهم صوتان لكل سهم، فلا أرى أنه محرم شرعًا – وإن كان فيه خوف من الاستغلال – وذلك لأن هذا الامتياز ليس في نطاق الحقوق المالية، وإنما يعود إلى الجوانب الإدارية والإشراف على العمل – كما سبق -.
ولكن يشترط أن يكون هذا الامتياز منصوصًا عليه في قانون الاكتتاب، وبعيدًا عن الاستغلال.
وكذلك يجوز أن يكون الامتياز بإعطاء حق الأولوية في الاكتتاب بأسهم جديدة لأصحاب الأسهم القدامى بناء على أن الشركة قد انعقدت بالإيجاب والقبول، فإذا أرادوا توسيع أعمال الشركة فلهم أن يقرروا ذلك، إضافة إلى حق الشفعة (2) .
__________
(1) يراجع: فتح العزيز بهامش المجموع: 10/425 – 437.
(2) د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/224(7/72)
(ب) أنواع الأسهم من حيث ما يدفع (نقدًا أم عيناً) :
وبهذا الاعتبار تقسم إلى قسمين:
1- أسهم نقدية، وهي: الأسهم التي تدفع قيمتها نقدًا.
2- وأسهم عينية، وهي التي تدفع قيمتها من الأموال العينية.
وقد اتفق الفقهاء على جواز المشاركة بالنقود، يقول ابن رشد: " فاتفق المسلمون على أن الشركة تجوز في الصنف الواحد من العين، أعني الدنانير والدراهم، وإن كانت في الحقيقة بيعًا لا تقع فيه مناجزة ومن شرط البيع في الذهب وفي الدراهم المناجزة، لكن الإجماع خصص هذا المعنى في الشركة " (1) .
وأما المشاركة بالأعيان – أو كما يعبر عنه الفقه الإسلامي بالعروض أي غير النقود – فمحل خلاف بين الفقهاء على ثلاثة آراء.
الرأي الأول: جواز الشركة بالعروض مطلقًا – أي اتفقت جنسًا أو اختلفت – حيث تنعقد الشركة بقيمتها يوم عقد الشركة، وهذا مذهب مالك (2) . وإحدى الروايتين عن أحمد، اختارها أبو بكر الخلال، وأبو الخطاب، وابن تيمية، وبه قال ابن أبي ليلى، وبه قال في المضاربة طاوس والأوزاعي، وحماد بن أبي سليمان (3)
وقد استدلوا بقياس العروض على النقود، حيث أنها عند تقويمها أصبحت بمثابة النقود يقول ابن قدامة: " لأن مقصود الشركة جواز تصرفهما في المالين، جمعيًا، وكون ربح المالين بينهما وهذا يحصل في العروض كحصوله في الأثمان ". " ويرجع كل واحد منهما عند المفاصلة بقيمة ماله عند العقد، كما أننا جعلنا نصاب زكاتها قيمتها " (4) .
__________
(1) بداية المجتهد، طبعة مصطفى الحلبي: 2/252؛ وفتح العزيز، بهامش المجموع: 10/407؛ والمغني، لابن قدامة: 5/16
(2) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/349
(3) المغني، لابن قدامة: 5/17؛ ومجموع الفتاوي، لابن تيمية: 30/91.
(4) المغني 5/17.(7/73)
الرأي الثاني: صحة الشركة بالمثليات كالحبوب، والأدهان، ونحوها، وهذا الرأي الراجح عند الشافعية (1) وبه قال محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة (2) ، وذلك لأن المثلي إذا اختلط بجنسه ارتفع معه التمييز فأشبه النقدين، ولذلك اشترطوا الخلط.
وقالوا في الرد على من أجاز في العروض: " وليس المثلى كالمتقوم لأنه لا يمكن الخلط في المتقومات، وربما يتلف مال أحدهما ويبقى مال الآخر، فلا يمكن الاعتداد بتلفه عنهما، وفي المثليات يكون التالف بعد الخلط تالفًا عنهما جميعًا، ولأن قيمتهما ترتفع، وتنخفض، وربما تنقص قيمة مال أحدهما دون الآخر، وتزيد، فيؤدي إلى ذهاب الربح في رأس المال، أو دخول بعض رأس المال في الربح (3) .
الرأي الثالث: عدم صحة الشركة بالعروض مطلقًا، سواء كانت من الطرفين، أو من طرف بحيث يعطي الآخر النقد، وهذا رأي أبي حنيفة وأبي يوسف (4) . وظاهر مذهب أحمد، وكره ذلك ابن سيرين، ويحيى بن كثير، والثوري (5) غير أن الحنفية وصلوا إلى ما وصل إليه الرأي الأول عن طريق حيلة، وهي أن يبيع كل واحد من الشريكين – مثلًا – نصف عرضه بنصف عرض الآخر، ثم عقداها مفاوضة أو عنانًا، قال الحصكفي: " وهذه حيلة لصحتها بالعروض وهذا إن تساويا قيمة، وإن تفاوتا باع صاحب الأقل بقدر ما تثبت به الشركة " (6) .
__________
(1) فتح العزيز بهامش المجموع: 10/407 – 408.
(2) فتح القدير: 5/16، 17؛ وحاشية ابن عابدين: 3/340.
(3) فتح العزيز: 10/407.
(4) حاشية ابن عابدين: 3/340.
(5) المغني، لابن قدامة: 5/17
(6) در المختار مع حاشية ابن عابدين: 3/340.(7/74)
وقد استدل أصحاب هذا الرأي بما يأتي:
أولًا: إن العروض يمتنع وقوع الشركة على أعيانها، أو قيمتها، أو أثمانها، أما امتناع وقوعها على أعيانها فلأن الشركة تقتضي الرجوع عند المفاصلة برأس المال أو بمثله، وهذه العروض لا مثيل لها حتى يرجع إليه، وقد تزيد قيمة جنس أحدها دون الآخر فيستوعب بذلك جميع الربح، أو جميع المال، وقد تنقص قيمته فيؤدي إلى أن يشاركه الآخر في ثمن ملكه الذي ليس بربح.
وأما امتناع وقوعها على قيمتها فلأن القيمة غير متحققة القدر فيفضي إلى التنازع، وقد يقوّم الشيء بأكثر من قيمته، ولأن القيمة قد تزيد في أحدهما قبل بيعه فشاركه الآخر في العين المملوكة له.
وأما امتناع وقوع الشركة على أثمان العروض فلأنها معدومة حال العقد، ولا يملكانها، ولأنه إن أراد ثمنها الذي اشتراها به فقد خرج عن مكانه وصار للبائع، وإن أراد ثمنها الذي يبيعها به فإنها تصير شركة معلقة على شرط وهو بيع الأعيان، وهذا لا يجوز (1) .
ثانيًا: إن وقوع الشركة على العروض يؤدي إلى أن يشترك أحد الشريكين في حصة الآخر المالك للعرض إذا ظهر ربحه قبل التصرف فيه، بمقتضى عقد الشركة، مع أن الشريك غير المالك كيف يستحق هذا الربح الذي هو زيادة فيما لا ملك له فيها ولا ضمان ولا تصرف (2) .
__________
(1) المغني لابن قدامة: 5/17.
(2) المبسوط161/11(7/75)
المناقشة والترجيح:
يمكن أن نناقش أدلة الرأي الثاني والثالث بأنها جميعًا تنطلق من منطلق أصحابهما في النظرة إلى الشركة في العروض باعتبار ذاتها، ومن منطلق عدم تحقق الضمان إلَّا بعد التصرف فيها، وكلتا النظرتين تدخل في منطق المصادرة وإلزام الغير بمقتضيات ومسلمات لا تعتبر مسلمة عنده.
وذلك لأن القائلين بصحة الشركة في العروض مطلقًا يقولون بأن الشركة فيها لا تتم إلَّا بعد تقويمها، والاتفاق على القيمة، ثم تصبح القيمة هي محل الشركة، وإذا لم يتم الاتفاق على القيمة لم تنعقد، وعلى ضوء ذلك يتحقق الضمان بعد هذا التقويم، وما يحدث للعروض من زيادة أو نقصان يكون من نصيب الشركاء، وحينئذٍ تطبق عليهما قاعدتا: الغرم بالغنم، والخراج بالضمان (1) .
وبذلك يتضح رجحان القول الأول، وقوة مسلكه ومناطه، ولا سيما أن المخالفين لم يجدوا لأنفسهم دليلًا من الكتاب والسنة الثابتة دعم اجتهادهم، وحينئذٍ تبقى المسألة في دائرة المصالح المرسلة وهي تتحقق بالقول الأول الذي يفتح باب الشركة على جميع الموجودات بضوابطها الشرعية – والله أعلم -.
__________
(1) القاعدة الأخيرة حديث صحيح رواه الشافعي وأحمد وأصحاب السنن، وقال الترمذي: حسن صحيح. انظر: مسند أحمد: 6/49، 208، 237، وسنن أبي داود مع عون المعبود: 9/415، 417، 418؛ والترمذي مع التحفة: 4/517؛ والنسائي: 7/223؛ وابن ماجه: 2/754؛ وتلخيص الحبير: 3/23.(7/76)
(ج) أنواع الأسهم من حيث الاسم وعدمه:
تقسم الأسهم بهذا الاعتبار إلى ثلاثة أقسام:
1- أسهم اسمية، وهي التي يكتب عليها اسم صاحبها، وهذا هو المطلوب حفاظًا على الحقوق، وضمانًا لعدم خلط حق شخص بحق آخر، وهذا النوع تنتقل ملكيته بنقل قيده في سجل المساهمين الذي تحتفظ به الشركة (1) .
2- أسهم لحاملها، أي يصدر السهم دون ذكر الاسم، فيكون حامله هو صاحبه.
وهذا النوع لا يجوز في الفقه الإسلامي بدون خلاف – نعلمه – بين الفقهاء المعاصرين (2) والسبب أن عدم كتابة اسم صاحب السهم يؤدي إلى عدم معرفة الشريك، وبالتالي إلى النزاع والخصومة، كما أنه يؤدي إلى إضاعة الحقوق، لأن أي شخص وقعت يده عليه، سواء كان عن طريق السرقة، أو الغصب، أو غير ذلك فإنه يعتبر صاحبه، وأحد الشركاء في الشركة بحكم القانون، ولا شك أن كل ما أفضى إلى النزاع والضرر ممنوع شرعًا، إضافة إلى أنه قد يصبح فاقد الأهلية حامل السهم، مع أنه لا يصح اشتراكه بنفسه (3) وحتى من الناحية القانونية فإن القانون المصري، والسوري، والكويتي، يمنع هذا النوع (4) .
3- أسهم للآمر، وهي الأسهم التي يكتب عليها اسم صاحبها، ولكن تضاف عبارة " لأمر أو لإذن " وحينئذٍ يكون تداولها عن طريق التظهير أي يكتب على ظهر الصك تحويله إلى آخر مع التوقيع وحينئذٍ يصبح الثاني مباشرة صاحبه، دون الرجوع إلى الشركة.
وهذا النوع نادر الوقوع، وكذلك نادر في التشريعات حيث لم تتناوله أكثرها (5) .
__________
(1) د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص533.
(2) جميع المراجع السابقة
(3) د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/221؛ والمراجع السابقة.
(4) د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص534.
(5) اد. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي، ود. أكثم الخولي: دروس في القانون التجاري: 2/160.(7/77)
ومن الناحية الفقهية فإن بعض الباحثين (1) . لا يرى فيه أي مانع شرعي، وذلك لأن الشريك الأول معروف للشركة وقد أجازت له حق نقل سهمه عن طريق التظهير من خلال النظام والعقد التأسيسي للشركة (والمؤمنون عند شروطهم) ثم إن الشريك الأول يتخلى عن حقه بنقل مالية السهم إلى الثاني، وهذا النوع من انتقال الحصة إلى شريك آخر، وهو جائز شرعًا، سواء أكان بعوض كالبيع ونحوه، أم بدونه كالهبة.
الأسهم قبل تكوين أصول الشركة:
الأسهم إذا كانت نقدية (أي دفعت قيمتها نقدًا أو مقطعة) فلا يجوز تداولها بالبيع والشراء إلَّا بتطبيق قاعدة الصرف، (أي التقابض في المجلس مع التماثل عند اتحاد الجنس، والتقابض فقط عند اختلافه) .
أما إذا تكونت الشركة كلها، أو غالبها من العينيات فيجوز حينئذٍ التصرف في أسهمها مباشرة بعد تكوينها على ضوء قواعد البيع.
وبعد تكوين الشركة فإذا كانت نقودها تحولت كلها، أو غالبها إلى أصول، أو يتاجر بها في العروض والسلع فإن أسهمها يجوز تداولها وتملكها على ضوء الضوابط العامة للتصرفات في الفقه الإسلامي بناء على أن العبرة بالغالب، والأصل، وليس بالقليل، والتابع،- كما سبق-.
وأما إذا كانت الشركة أساسًا تتعامل في النقود والصيرفة فقط أو كان غالب أعمالها فإنه لابد حينئذٍ من ملاحظة ضوابط الصرف في الفقه الإسلامي عند تداول أسهمها، وتملكها.
وهذا التقسيم والحكم للشركات التي تتعامل في نطاق المباحات، ولا تزاول الأعمال المحرمة كالخمر، والربا ونحوهما.
وكذلك لا مانع شرعًا من بيع السهم قبل الوفاء بقيمته كاملة على ضوء القواعد السابقة من العلم بعدد الأسهم، ومقدار رأس مال الشركة، وقيمة السهم، ونحو ذلك (2) .
__________
(1) د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/221.
(2) المراجع السابقة.(7/78)
(د) أنواع الأسهم من حيث إرجاع قيمتها:
تنقسم بهذا الاعتبار إلى نوعين:
1- أسهم رأس المال، وهي التي تبقى قيمتها إلى حين التصفية النهائية فهذه الأسهم حكمها من حيث المبدأ الجواز مع ملاحظة ما ذكرناه، وما سنذكره من حكم كل نوع، وهي الأصل والقاعدة في الشركات.
2- أسهم تمتع: وهي الأسهم التي ترد قيمتها تدريجيًّا، أو مرة واحدة قبل انقضاء الشركة، أو بعبارة الاقتصاديين: تستهلك قيمتها في حياة الشركة دون انتظار لانتهاء أجلها وتصفية موجوداتها، ويعتبر استهلاك السهم عملية استثنائية.
وهذا النوع في الغالب يكون في الشركات التي تكون محددة بفترة زمنية محددة ثم تفنى أصولها كشركات السفن، أو التي لا يتوقع أن تبقى عند انقضائها أصول توزع على المساهمين، مثل شركات الامتياز للبترول أو المعادن التي يعطي لها حق الامتياز لفترة محددة، والتزمت بأيلولة ما تملك إلى الحكومة – مثلًا -، وحينئذٍ تعمل على تعويض المساهمين بإعادة القيمة الاسمية إليهم قبل انقضاء الشركة إضافة إلى الأرباح إن وجدت.
وهذه الأسهم لا تسمح بإنشائها كثير من القوانين الوضعية إلَّا إذا كان غرض الشركة يتعلق باستغلال موارد الثروة الطبيعية أو مرفق عام ممنوح لمدة محددة، أو كانت أصولها مما يستهلك بالاستعمال، أو يزول بعد مدة معينة (1) وهذا النوع لصاحبه حق التصويت في الجمعية العمومية، والحصول على نصيب من الأرباح، بل وموجودات الشركة إن بقيت.
وقد اختلف القانونيون في تكييف هذا الاستهلاك فبعضهم يرى أنه عبارة عن توزيع الأرباح، وبعضهم يقول: إنه رد لرأس المال الذي قدمه المساهمون، وثالث يقول: إنه يعتبر " وفاء معجلًا " لنصيب المساهم في رأس مال الشركة (2) إلى غير ذلك مما لا يسع المجال لطرح أدلة كل فريق ومناقشته.
__________
(1) د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص538؛ ود. أكثم الخولي: دروس في القانون التجاري: 2/160؛ ود. الخياط: 2/224؛ ود. محمد القري: ص15.
(2) المراجع السابقة أنفسها.(7/79)
وهناك تفاصيل كثيرة لأسهم التمتع في قوانين الشركات، لذلك لا نخوض فيها، وإنما نبين الصور الشرعية – حسب نظرنا – لأسهم التمتع على ضوء التفصيل الآتي وهو:
1- إن أسهم الشركة إذا جعلت جلها على هذا الشكل (أي ما يسمى بأسهم التمتع) ونص النظام الأساسي لها هذا التفصيل، ثم مع انقضاء كل سنة يوزع ما حصلته الشركة من النقود على جميع المساهمين بالتساوي حسب الحصص، فهذا جائز لا غبار عليه، وأن ذلك يكيف شرعًا على أن ما يعطى يمثل جزءًا من الأصول، والأرباح، أو بعبارة أخرى، أن ذلك كان بمثابة تصفية جزئية مستمرة في كل سنة إلى أن تنتهي، وتنتهي معها موجودات الشركة.
لكنه إذا بقى من أصول الشركة يوزع على هؤلاء المساهمين حسب حصصهم، إن كان نظامها ينص على ذلك، كما في شركات السفن ونحوها مما يبلى، أو تفنى، وأما إن كانت الشركة شركة امتياز يعود ملكية ما يتبقى من المكائن للحكومة التي منحتها الامتياز فلا مانع منها أيضًا ما دام الشركاء قد أخذوا حقوقهم، ووافقوا في النظام الأساسي على إعطاء ما تبقى للحكومة بناء على أن ذلك كان وعدًا بالتنازل ثم يتحقق التنازل الفعلي في الأخير، أو من باب الهبة للدولة.
والخلاصة إن المساواة بين حقوق جميع المساهمين مطلوبة لا يجوز لصاحب حقه أن يأخذ أكثر من الآخر، وأن الفقه الإسلامي لا ينظر إلى الأسهم، وإنما إلى المسمى والمقصد، ولذلك يعتبر ما سبق جائزًا شرعًا، سواء كان سُمِّي بأسهم التمتع أم لا.
2- أما إذا كانت أسهم الشركة نوعين: أسهمًا عادية، يبقى أصحابها ملتزمين بالتزامات الشركة، وأسهم تمتع يستهلكها أصحابها، ويتخلصون من خسارتها، فهذا لا يجوز، لأنه مخالف لمقتضى عقد الشركة من المساواة بين الجميع، واحتمال المخاطرة للجميع، فلا يجوز أن ينجو مساهمون من تحمل الخسارة حين يأخذون قيمة أسهمهم، ويتحمل الباقون الخسارة كلها، فهذا ظلم وإجحاف وضرر لا يجوز شرعًا (1) .
ويمكن أن يعوض عن هذه الفكرة بالمضاربة، وصكوك المضاربة لأجل محدد، أو أن تنشئ الشركة فرعًا خاصًّا لهذا النوع من الشركات تكون جميع أسهمها أسهم تمتع.
__________
(1) د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/226.(7/80)
أنواع القيم وحكمها:
هناك أربع قيم للأسهم:
1- القيمة الاسمية، وهي القيمة التي تحدد للسهم عند إنشاء الشركة بمعنى أن مجموع القيم الاسمية تساوى برأس مال الشركة عند إنشائها.
فهذه في الواقع حصة الشريك في رأس مال الشركة، فالصك الذي سجلت عليه هذه القيمة بمثابة وثيقة لإثبات المشاركة بهذا القدر، فيجب أن يكون مطابقًا للمبلغ الذي ساهم به الشريك حقيقة في رأس المال (1) .
وهذه المساواة مطلوبة شرعًا حتى تتحقق العدالة في توزيع الأرباح والخسائر.
2- القيمة الحقيقية، هي نصيب السهم من صافي أصول الشركة بعد إعادة تقديرها وفقًا للأسعار الجارية، وبعد إعادة تقدير الخصوم، لإظهار الالتزامات الحقيقية للشركة (2) .
فالقيمة الحقيقية للسهم هي المقدار الذي يساويه من موجودات الشركة بعد ملاحظة الأرباح والخصوم، فهي بمثابة المؤشر الحقيقي لأرباح الشركة أو خسارتها، وهذا هو المطلوب فقهًا لمعرفة أرباح الشركة أو خسارتها.
3- القيمة السوقية، وهي القيمة التي يباع بها السهم، وهي ترتبط بنجاح الشركة، أو فشلها، وبحسب رأس مالها الاحتياطي، والظروف، والأزمات المالية والسياسية، وبحسب الرغبة، والدعاية ونحوها (3) .
ومراعاة هذه القيمة، وتداول الأسهم على ضوئها لا تتعارض مع الشريعة الغراء، إذ للإنسان الحق في بيع ماله (المفرز والمشاع) حسب أسعار السوق، بل هو المطلوب.
__________
(1) المراجع السابقة، ود. الخياط، الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/212؛ ود. محمد الحبيب الجراية: بحثه المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة: ود. صالح بن زابن: شركة المساهمة في النظام السعودي، طبعة جامعة أم القرى 1406هـ: ص357.
(2) المراجع السابقة.
(3) المراجع السابقة.(7/81)
4- قيمة إصدار: بالنظر إلى هذا المصطلح نجد أنه يطلق على معنيين:
أحدهما: إطلاقه على نسبة محدودة محددة مثل 5 % مما يدفع للأسهم تتطلبها الشركة عند تأسيسها لمصاريف الإصدار الإدارية والحكومية والدعائية ونحوها حتى تبقى قيمة الأسهم صافية لرأس مال الشركة فهذه لا بأس بها ما دامت هذه النسبة مقدرة تقديرًا مناسبًا ثم يودع ما يتبقى منها في إحتياطي الشركة.
الثاني: إطلاقه على أسهم الإصدار، ولذلك أرى أن يسمى هذا: قيمة أسهم الإصدار.
فهذه الأسهم تصدر الشركة لزيادة رأس مالها عندما تتوسع في المشاريع، فتحتاج إلى مصادر مالية طويلة الأجل لدعم توسعاتها، وحينئذٍ تصدر أسهمًا جديدة للاكتتاب فيها، قد تكون مساوية لقيمة الأسهم الاسمية، وقد تكون أعلى، أو أقل من ذلك.
والحكم الشرعي في هذه المسالة هي أن هذه القيمة لتلك الأسهم الجديدة إن كانت مساوية لقيمة الأسهم الحقيقية أو السوقية، فهذا لا مانع منها شرعًا سواء أكانت مساوية لقيمة الأسهم الاسمية، أو أعلى منها، أو أقل، لأن العبرة بالواقع، وبسعر السوق، لأن الشركة قد تخسر، وقد تربح – كما لا يخفى.
أما إذا كانت هذه القيمة أقل من القيمة الحقيقية لأسهم الشركة، فهذا لا يجوز، لأن ذلك يضر بحقوق المساهمين حيث يؤدي إلى إنقاص قيمة أسهمهم، أو حرمانهم من حقهم في هذا المال، وكل ما يؤدي إلى ضرر بين، وحرمان من حقوق فعلية لا يجوز شرعًا تطبيقًا للقاعدة الشرعية " لا ضرر ولا ضرار " إلَّا إذا عوضوا عن حقوقهم تعويضًا عادلًا من خلال منح أسهم جديدة بقدر حقوقهم، أو دفع الفروق لهم نقدًا أو مقسطةً أو نحو ذلك.
أما إذا كانت أعلى من القيمة الحقيقية فحينئذٍ إذا كانت تعبر عن سعرها السوقي فهذا جائز ما دامت الشركة لم تستعمل أية وسيلة محرمة من الخداع والتغرير ونحوهما مما حرمه الإسلام.(7/82)
أنواع الأسهم من حيث المنح وعدمه:
تقسم إلى قسمين:
1- أسهم يدفع صاحبها قيمتها.
2- وأسهم منح: وهي الأسهم التي تمنحها الشركة للمساهمين مجانًا في حالة زيادة رأس مال الشركة على شكل ترحيل جزء من الأرباح المحتجزة، أو الاحتياطي إلى رأس المال الأصلي، ويتم توزيعها حسب قدر الأسهم.
وهذا لا غبار عليه شرعًا ما دام المنح يتم بالتساوي حسب الأسهم، لأن ذلك مال المساهمين، فلهم الحق في الحصول عليه بأي طريق مشروع.
حصص التأسيس:
وهي عبارة عن نصيب مقدار من أرباح الشركة على شكل صكوك قابلة للتداول تصدرها شركات المساهمة بغير قيمة اسمية، لأولئك الذين قدموا خدمات جليلة أثناء تأسيس الشركة، مثل براءة اختراع، أو تحصيل التزامات من شخص اعتباري عام.
فهذه الصكوك يعطي لأصحابها نصيب من أرباح الشركة، وتقبل التداول، وبذلك تتفق مع الأسهم، لكنها تختلف جوهريًّا من حيث أنها تصدر بدون قيمة اسمية على عكس الأسهم، ولا تمثل أي حصة من رأس المال، ولا تخول لأصحابها أي حق لإدارة الشركة، فضلًا عن أنه يمكن إلغاؤها (1) .
يقول د. أبو زيد: لقد ظهرت حصص التأسيس لأول مرة سنة 1858م بمناسبة تأسيس شركة " قناة السويس البحرية " كوسيلة لشراء ذمم رجال السياسة ... ونتيجة لطبيعة الأهداف التي تسعى إليها حصص التأسيس، وما أدت إليه من نتائج بالغة السوء وقفت الكثير من التشريعات منها موقف العداء، فحرمها المشروع الفرنسي في قانون الشركات الصادر سنة 1966 ... كذلك فعل المشروع السوري ... وتجاهلها القانون العراقي والكويتي " (2) . وأقرها قانون الشركات بمصر الصادر لسنة 1981، في مادته 34، وكذلك نظام الشركات في السعودية في مواده 112، 113، 114، 115.
__________
(1) د. رضوان أبو زيد: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص559؛ والمراجع السابقة.
(2) المرجع السابق: ص559، 560.(7/83)
وقد ثار جدل قانوني حول تكييف حصص التأسيس فيرى البعض أن صاحبها بمثابة الدائن، لا المساهم (1) ، ويرى آخرون إلى أنه في مركز خاص حيث لا يعتبر دائنًا، ولا شريكًا (2) .
وحكم هذا النوع على ضوء قواعد الفقه الإسلامي غير جائز، لأن صاحب حصة التأسيس ليس شريكًا حتى باتفاق القانونيين لأنه لم يقدم حصة نقدية ولا عينية، ولا عملًا مستمرًا مع أن العمل لا يجوز الاشتراك به في شركات المساهمة، والشركات ذات المسؤولية المحددة، حتى عند القانونيين (3) .
وحصة التأسيس تكيف فقهًا على أن صاحبها قدم للشركة خدمة غير محددة ولا مبينة، ثم تمنحه الشركة عدة صكوك في مقابلها، وهي صكوك غريبة لا هي مثل الأسهم حيث ليس لصاحبها الحق في موجودات الشركة، وإنما في أرباحها، ولا هي مثل السندات، كما أن الشركة لها الحق في إلغائها وإن كان بتعويض.
ولذلك فلا يمكن تكييفها على البيع أي أن الشركة تبيع عدة صكوك في مقابل خدمات صاحبها لجهالة الثمن والمثمن معًا، إذ الخدمة التي قدمها ليست محددة حتى يرد عليها عقد البيع، كما أن الصك أيضًا غير محدد من حيث ما يأخذه صاحبه، لأنه مقيد بنسبة الربح الذي هو معدوم عند العقد، أو مجهول يظهر في المستقبل.
كذلك لا يمكن تكييفها على عقد الإجارة لأن مقدار الأجرة المتمثلة في الصك مجهول لا يعلم قدره، ولا على عقد الجعالة لنفس السبب السابق، ولا هبة، لأن طبيعتها أنها في مقابل عمل، والهبة بعوض يشترط فيها ما يشترط في البيع كمبدأ عام (4) .
إضافة إلى أن فتح هذا الباب سيؤدي إلى فتح أبواب المجاملات والمحاباة على مصراعيها، وحتى معظم القانونيين قد هاجموا عليها هجومًا عنيفًا، وكشفوا عن عوارها، وعيوبها، وأخطائها، وبينوا نتائجها السلبية جدًا، فطالبوا بإلغائها (5) .
ويمكن أن تستبدل هذه الفكرة بفكرة المكافأة النقدية أو العينية لهؤلاء الذين قدموا خدمات فعلية، أو براءة اختراع، كما يمكن تحويل قيمة هذا المكافأة بعد تحديدها بأسهم عادية تتساوى معها في جميع الحقوق والالتزامات (6) .
__________
(1) د. كامل ملش: الشركات: ص268.
(2) د. على حسن يونس: الشركات: ص546.
(3) المراجع السابقة أنفسها
(4) د. صالح بن زابن، المرجع السابق: ص381؛ ود. الخياط: 2/230.
(5) المصادر القانونية السابقة.
(6) المراجع الفقهية السابقة.(7/84)
السَنَدات وأنَواعهَا
التعريف بالسند، وخصائصه:
السند لغة بمعنى الاعتماد، والركون إليه، والاتكاء عليه، وما ارتفع من الأرض في قبل الوادي، أو الجبل، والجمع أسناد، وغير ذلك (1) .
ولكن السند في عرف الاقتصاد الحديث عبارة عن وثيقة بقيمة محددة يتعهد مصدرها بدفع فائدة دورية في تاريخ محدد لحاملها.
وكما تصدر الحكومة السندات كذلك تصدرها بعض المؤسسات والشركات الخاصة في كثير من الدول.
والتكييف المتفق عليه عند الاقتصاديين للسندات هو أنها وثيقة بدين، ولذلك يعامل مالكها كمقرض، وليس كمالك، وتسري عليه القوانين المنظمة للعلاقة بين الدائن والمدين.
والسندات تشترك مع الأسهم في تساوي القيمة الاسمية لكل فئة، وقابليتها للتداول حسب كونها اسمية، وللآمر، أو لحاملها، وفي عدم قابليتها للتجزؤ، غير أن السندات تتميز عن غيرها بالخصائص الآتية:
1- أن السند يعتبر شهادة دين على الشركة، وليس جزءًا من رأس المال كما هو الحال في الأسهم.
2- حصول صاحبه على الفائدة الدورية المقررة له دون النظر إلى أن الشركة ربحت، أم خسرت، أو كانت الأرباح كثيرة؟!
3- عدم مشاركة صاحبه في إدارة الشركة.
4- تحديده بوقت محدد على عكس الأسهم، وبالتالي يحصل صاحبه على قيمة سنده وفوائده في التاريخ الذي حدد له، دون النظر إلى تصفية الشركة، ومدده مختلفة أقصرها تسعون يومًا، وبعضها يمتد إلى مائة عام، على أن بعض السندات تستمر لحين قيام المصدر باستدعائها، أو شرائها من السوق.
5- يحصل حامله على ضمان خاص على بعض موجودات الشركة وقد يكون الضمان عامًّا على أموالها، ولذلك يحصل على حقه في حالات التصفية قبل أن يحصل حامل السهم على أي شيء (2) .
__________
(1) لسان العرب، والقاموس المحيط، والمعجم الوسيط مادة " سند".
(2) المراجع القانونية السابقة، ويراجع: د. محمد القري بحثه السابق.(7/85)
أنواع السندات:
للسندات أنواع كثيرة (1) ، ولا تزال الأفكار الاقتصادية تبتكر الكثير، ونحن نذكر أهمها مع حكمها:
(أ) أنواعها من حيث مصدرها وهي:
1- سندات الدولة، حيث تصدرها لتمويل الإنفاق العام.
2- سندات الهيئات الدولية – كالبنك الدولي للإنشاء والتعمير – حيث تصدرها لتمويل مشاريعها.
3- سندات المؤسسات الحكومية المحلية التي تصدرها لتمويل إنفاقها ومشاريعها.
4- سندات الشركات التجارية والصناعية، والخدمية، التي تصدرها بضمان بعض أموالها، أو جميعها لتمويل مشاريعها.
ولا يخفى أن جميع هذه الأنواع تصدر بفائدة دورية على رأس المال، ولذلك فهي محرم إصدارها وتداولها، ولصاحبها إن عاد إلى رشده رأس ماله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} [البقرة: 279] .
__________
(1) د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص565، 566؛ ود. صالح بن زابن المرجع السابق: ص391؛ وبقية المراجع السابقة.(7/86)
(ب) أنواع السندات باعتبار فوائدها حيث هي إما:
1- سندات مستحقة الوفاء بعلاوة إصدار حيث تصدر الشركة سند الإصدار بمبلغ تسعين ريالًا – مثلًا – ولكنها تحسبه بمائة ريال، إضافة إلى فوائد منخفضة نسبيًّا عن غيرها.
2- سندات النصيب: وهي السندات التي تخول لصاحبها الحصول على فوائد سنوية ثابتة، إضافة إلى اليانصيب المخصص لها والذي يمكن أن يكون من نصيب السندات التي يحالفها الحظ حسب القرعة.
3- سندات عادية ذات الاستحقاق الثابت التي ليس لها سوى قيمة واحدة، وتعطى عليها فوائد ثابتة فضلًا عن قيمة السند عند نهاية مدة القرض.
4- سندات مضمونة، وهي مثل النوع السابق لكنها مضمونة بضمان شخصي، أو عيني، والسندات وإن كان جميع أنواعها مضمونة بأصل الشركة، لكن هذا النوع يتميز بضمان شخصي، أو عيني أيضًا.
5- السندات القابلة للتحول إلى الأسهم، التي تعطى للمساهمين بقرار من الجمعية العامة غير العادية، وتعطي هذه السندات لحاملها الحق في طلب تحويلها إلى أسهم حسب القواعد المقررة لزيادة رأس المال.
وهذا النوع قد أقره القانون المصري للشركات (م/51/1 لسنة 1981م) والقانون الفرنسي والألماني، بينما لم يقره كثير من التشريعات (1) .
6- سندات الدخل حيث يكون لها فوائد ثابتة، إضافة إلى نسبة محددة من أرباح الشركة، بينما غيرها تكون فائدتها دورية دون مشاركتها في أرباح الشركة.
(ج) أنواع السندات من حيث التملك حيث توجد سندات اسمية، وسندات لحاملها.
(د) ومن حيث الرّد لها ثلاثة أنواع:
1- سداد نقدي في موعد الاستحقاق، وحينئذٍ قد تكون القيمة التي تسترد هي نفس ما دفع، وقد تكون أعلى فترد بعلاوة الإصدار.
2- ردها عن طريق تحويلها إلى أسهم – كما سبق -.
3- ردها عن طريق الإحلال، حيث تقوم الشركة عند تاريخ استحقاقها بإحلالها بسندات أخرى جديدة، وبمزايا حسب نظام الشركة (2) .
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) د. محمد الحبيب الجراية: بحثه السابق.(7/87)
أنواع أخرى جديدة في كل يوم:
لا تزال المؤسسات الاقتصادية ودور المال تفكر في المزيد من أنواع السندات وغيرها، وتتفنن في كيفية جلب أصحاب الأموال، وشدهم وجذبهم إلى إيداع مدخراتهم في تلك المؤسسات بأية وسيلة مجدية في نظرها.
وتكاد أبصارنا تقع كل يوم على نوع جديد، وابتكار جديد في الأوراق المالية، وأدوات السوق، وآلياتها، وفي العلميات البنكية، ونحن هنا نذكر بعض أنواع السندات التي هي جديدة نوعًا ما وهي:
1- سندات بفائدة ثابتة، وشروط متغيرة، حيث تعطي لصاحبها حرية أكثر من ناحية انتقال الملكية، والاستفادة منها.
2- سندات مسترجعة، حيث يعطى لحاملها الحق في استرجاع قيمتها الاسمية بعد فترة محددة مثل ست سنوات، ثم تقوم الشركة المصدرة بإعطاء شروط أحسن من السابق في حالة إبقاء قيمتها فترة أخرى.
3- سندات ذات أصوات، تعطي صاحبها حق التصويت في الجمعية العمومية للشركة.
4- سندات بفائدة عائمة تتغير كل سنة، أو ستة أشهر، على أساس سعر الفائدة الدولية – مثلًا – أو أي أساس آخر، إضافة إلى حق صاحبها من تحويلها إلى سندات ذات فائدة ثابتة حسب رغبته.
5- سندات مربوطة بالقوة الشرائية للنقود، أي يحدد النقد الذي دفع بسعره يوم الدفع حتى يتفادى صاحبها التضخم الذي قد يكون أكثر من نسبة الفائدة.
6- سندات بشهادة حق، حيث تعطي صاحبها الحق في شراء أوراق مالية طيلة فترة محددة، وبسعر محدد مسبقًا (1) .
__________
(1) المراجع السابقة، ود. محمد القري بحثه.(7/88)
الحكم الشرعي لهذه السندات:
إذا كان هناك خلاف طفيف سابق حيث أباحها البعض، فإن هذه الإباحة في نظري تعود إلى عدم فهم طبيعة هذه السندات في وقتها، واعتبارها مضاربة، أو تكييفها على الضرورة (1) ، ولذلك لا داعي لمناقشة هؤلاء، لأنه الآن قد ظهر بما لا يوجد أدنى شك أن السندات حتى في نظر القانونيين (2) تكيف على أنها قروض بفوائد كما رأينا في جميع أنواعها، وأن صاحبها دائن للحكومة، أو الشركة يستحقها في وقتها إضافة إلى فوائدها دون النظر إلى خسارة الشركة وأرباحها، وبذلك يظهر جليًّا بعدُها – بعد المشرقين– عن المضاربة، والمشاركة في الشريعة الإسلامية الغراء.
وهذه الفوائد هي عين ربا النسيئة الذي لا خلاف في حرمته، كما أنه لا توجد ضرورة في شراء هذه السندات أو تداولها، بل إن بعض أنواعها عبارة عن الربا والقمار كما في سندات اليانصيب (3) .
هذا هو ما عليه واقع السندات اليوم بجميع أنواعها لكنها لو غير واقعها وأطلقت على عقد مشروع مثل " سندات المضاربة " فالعبرة بالمضمون والمدلول، وإن كان الأفضل تسميتها بغير السند لأنه اشتهر في الأعراف الاقتصادية إطلاق السند على القروض بالفوائد التي هي محرمة، ولذلك فالأولى إطلاق لفظ الصكوك أو نحوها على أوراق مالية لو وجدت دفعًا للالتباس والغموض والاشتباه.
__________
(1) يراجع: د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/150، حيث ذكر آراء هذا البعض وتوجيهاته.
(2) د. أبو زيد رضوان: الشركات التجارية في القانون المصري المقارن، طبعة دار الفكر العربي: ص565؛ والمراجع القانونية السابقة.
(3) د. الخياط: الشركات في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي، طبعة الرسالة: 2/228؛ ويراجع في خطورة الربا: كتب التفاسير كالقرطبي، والرازي وابن كثير في تفسير آيات سورة البقرة 275 وما بعدها، وكذلك كتب الصحاح والسنن في باب الربا.(7/89)
وقد صدر قرار من المجمع الفقهي حول السندات، وهذا نصّه:
قرار رقم (62/11/6) بشأن السندات
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية من 17 – 23 شعبان 1410هـ، الموافق 14–20 آذار / مارس 1990م.
بعد إطلاعه على الأبحاث والتوصيات والنتائج المقدمة في ندوة (الأسواق المالية) المنعقدة في الرباط 20-24 ربيع الثاني 1410هـ/ 20-24/10/1989م بالتعاون بين هذا المجمع والمعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية، وبإستضافة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمملكة المغربية.
وبعد الإطلاع على أن السند شهادة يلتزم المصدر بموجبها أن يدفع لحاملها القيمة الاسمية عند الاستحقاق، مع دفع فائدة متفق عليها منسوبة إلى القيمة الاسمية للسند، أو ترتيب نفع مشروط سواء أكان جوائز توزع بالقرعة أم مبلغًا مقطوعًا أم خصمًا.
قرَّر:
إن السندات التي تمثل التزامًا بدفع مبلغها مع فائدة منسوبة إليه أو نفع مشروط محرمة شرعًا من حيث الإصدار أو الشراء أم التداول، لأنها قروض ربوية سواء أكانت الجهة المصدرة لها خاصة أو عامة ترتبط بالدولة ولا أثر لتسميتها شهادات أو صكوكًا استثمارية أو ادخارية أو تسمية الفائدة الربوية الملتزم بها ربحًا أو ريعًا أو عمولة أو عائدًا.
2- تحرم أيضًا السندات ذات الكوبون الصفري باعتبارها قروضًا يجري بيعها بأقل من قيمتها الاسمية، ويستفيد أصحابها من الفروق باعتبارها خصمًا لهذه السندات.
3- كما تحرم أيضًا السندات ذات الجوائز باعتبارها قروضًا اشترط فيها نفع أو زيادة بالنسبة لمجموع المقرضين، أو لبعضهم لا على التعيين، فضلًا عن شبهة القمار.
4- من البدائل للسندات المحرمة – إصدارًا أو شراء أو تداولًا – السندات أو الصكوك القائمة على أساس المضاربة لمشروع أو نشاط استثماري معين، بحيث لا يكون لمالكيها فائدة أو نفع مقطوع، وإنما تكون لهم نسبة من ربح هذا المشروع بقدر ما يملكون من هذه السندات أو الصكوك ولا ينالون هذا الربح إلَّا إذا تحقق فعلًا. ويمكن الاستفادة في هذا من الصيغة التي تم اعتمادها بالقرار رقم (5) للدورة الرابعة لهذا المجمع بشأن سندات المقارضة.
البدائل الإسلامية:(7/90)
بخصوص " الأسهم " فهي كما رأينا حلال، وجائز تملكها وتداولها ما دامت تصدرها شركات لا تزاول نشاطًا محرماً, ولا تتعامل في المحرمات، وليس لبعض أسهمها ميزة مالية لا تمنح لجميعها – كما سبق -.
ومن هنا فباب الأسهم مفتوح على مصراعيه بهذه الضوابط السابقة.
وأما السندات فهي كما رأينا صكوك تتضمن القرض وفوائده ولذلك فهي محرمة لأنها تدخل في ربا النسيئة الذي حرمه الكتاب والسنة، وأجمع على حرمته العلماء – كما سبق -.
والبديل عنها يكمن في إصدار صكوك المضاربة سواء كانت لفترة طويلة الأجل، أو لمشروع معين، أو صكوك المشاركة لمشروع معين، وسواء كانت هذه الصكوك ترد قيمتها في الأخير مرة واحدة، أم بالتدريج.
وفي نظري أن الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين تقع عليهم مسؤولية كبيرة في إبداع مجموعة من البدائل الإسلامية المتطورة تتناسب مع حجم التطور الهائل لدى الاقتصاديين الغربيين، حيث توصلوا إلى استنباط أساليب عمل وطرق وآليات لتسهيل انسياب الأموال من أربابها واستحدث الفكر المالي فنيات عديدة ومتطورة لتوظيف الأموال، وتغطية الإصدارت الجديدة، كما أن على الحكومات، وأصحاب الأموال توفير السوق الثانوية لتسهيل مهمة تبادل الأوراق المالية، فالمسؤولية مشتركة بين الجميع، ولن تتحقق المهمة إلَّا إذا قام الجميع بمسؤوليته أمام الله، ثم أمام الأمة (1) .
ولذلك، فإن الاقتصار على الأسهم – مهما كان السبب – غير مجد ولا سيما في عالم يأتي فيه الفكر المالي كل يوم بجديد في نطاق السوق الأولية، أو في الآليات والأساليب المالية، ولهذا السبب نحاول أن نذكر أنواعًا من أوراق مالية مقبولة شرعًا، وهي ما يأتي:
(أ) سندات المقارضة، أو صكوك المقارضة (2) ، وقد وضع المجمع الفقهي الموقر في دورته الرابعة ضوابط هذا النوع وشروطه وهذا هو نصّ قراره:
__________
(1) المراجع السابقة، ود. مصطفى النابلي بحثه عن الأسواق المالية والتجربة التونسية: ص5.
(2) الأولى استعمال " صكوك المضاربة " دون " سندات… " لأن الأخيرة ارتبط مفهومها في الأذهان بالقروض ذات الفوائد – كما سبق – لكن العبرة بالمسمى والواقع.(7/91)
القرار رقم (5) د 4/08/88 بشأن
سندات المقارضة وسندات الاستثمار
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 – 23 جمادى الآخرة 1408هـ الموافق 6 – 11 فبراير 1988م.
بعد إطلاعه على الأبحاث المقدمة في موضوع " سندات المقارضة وسندات الاستثمار " والتي كانت حصيلة الندوة التي أقامها المجمع بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 6 – 9 محرم 1408هـ/30/8 – 2/9/1987م تنفيذًا لقرار رقم (10) المتخذ في الدورة الثالثة للمجمع وشارك فيها عدد من أعضاء المجمع وخبرائه وباحثي المعهد وغيره من المراكز العلمية والاقتصادية وذلك للأهمية البالغة لهذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه. للدور الفعال لهذه الصيغة في زيادة القدرات على تنمية الموارد العامة عن طريق اجتماع المال والعمل.
وبعد استعراض التوصيات العشر التي انتهت إليها الندوة ومناقشتها في ضوء الأبحاث المقدمة في الندوة وغيرها. قرر مايلي:
أولًا – من حيث الصيغة المقبولة شرعًا لصكوك المقارضة:
1- سندات المقارضة، هي أداة استثمارية تقوم على تجزئه رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يمكلون حصصًا شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه، بنسبة ملكية كل منهم فيه.
ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية (صكوك المقارضة) .(7/92)
2- الصورة المقبولة شرعًا لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:
العنصر الأول: أن يمثل الصك ملكية شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته.
وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعًا للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها، مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.
العنصر الثاني: يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الإصدار) وأن (الإيجاب) يعبر عنه (الاكتتاب) في هذه الصكوك، وأن (القبول) تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة.
ولا بد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعًا في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.
العنصر الثالث: أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذونًا فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
(أ) إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودًا فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف.
(ب) إذا أصبح مال القراض ديونًا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.
(ج) إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقًا للسعر المتراضى عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانًا ومنافع. أما إذا كان الغالب نقودًا أو ديونًا فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة.(7/93)
العنصر الرابع: إن من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب، أي عامل المضاربة ولا يملك من المشروع إلَّا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك فهو رب مال بما أسهم به بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس.
وإن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة لا يضمن إلَّا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.
3- مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول: يجوز تداول المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقًا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقًا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه.
4- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنًا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.(7/94)
5- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقًا أو مضافًا للمستقبل. وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدًا بالبيع. وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلَّا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء وبرضا الطرفين.
6- لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصًا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلًا.
ويترتب على ذلك:
(أ) عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها.
(ب) أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح، إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقًا لشروط العقد.
(ج) أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنًا وتحت تصرف حملة الصكوك.
7- يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلَّا بالقسمة. وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادًا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته. وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
8- ليس هناك ما يمنع شرعًا من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة حَمَلة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.
9- ليس هناك ما يمنع شرعًا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزامًا مستقلًا عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطًا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.
[انتهى قرار المجمع](7/95)
هذا وقد كانت وزارة الأوقاف الأردنية قد بدأت بإجراء دراسات اقتصادية وشرعية لإصدار سندات المقارضة، وتوفقت في إصدار قانون سندات المقارضة من قبل الحكومة الأردنية عام 1981م. ثم إن صكوك المضاربة يمكن أن تتفرع منها عدة أنواع:
1- صكوك مضاربة طويلة الأجل (عشر سنوات، عشرين مثلًا) غير مخصصة لمشروع معين، وإنما تخول مستثمرها (المضارب) حق الاستثمار المطلق (المضاربة المطلقة) ويبين في كل سنة (مثلًا) الأرباح التي تحققت، أو الخسارة التي لحقت، فينال كل صك حصته من الأرباح أو الخسائر، وفي حالة الأرباح يمكن صرفها، أو إضافتها إلى عملية المرابحة، فيعطى في مقابلها صك أو صكوك حسب قدرها، وحسب الضوابط السابقة التي بينها المجمع الفقهي.
وحينئذٍ قد يكون مصدرها الحكومة، أو شركة معينة، أو بنكًا إسلاميًّا، فيكون المضارب وصاحب الصك هو " رب المال " ويأخذ كل واحد منهما نسبته من الربح المتفق عليها.
2- صكوك المضاربة لمشروع معين (سواء كان صناعيًّا، أم زراعيًّا، أم تجاريًّا ... ) وتكون محددة بمدة معينة حسب عمر المشروع.
وذلك بأن يقسم ما يحتاج إليه المشروع على صكوك متساوية محددة القيمة، فيصدرها البنك – مثلًا – ثم تطرح في الأسواق، فيقوم البنك (المضارب) باستثمار قيمة هذه الصكوك في المشروع نفسه، ويمكن أن توزع الأرباح كل سنة حسب الميزانية، ولا مانع من ترحيل جزء منها للاحتياطي الذي سوف يوزع على أصحاب الصكوك والبنك حسب النسب المتفق عليها، وعلى ضوء الضوابط التي بينها المجمع الموقر، حيث أجاز أن يقوم طرف ثالث بالوعد بالتبرع – دون مقابل – بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين إلى آخر فقرة 9 من القرار السابق.(7/96)
وهذه الصكوك تمتاز بعدة مميزات:
منها: وجود نوع من الاطمئنان للمكتب من خلال وعد الطرف الثالث بجبر الخسران لو حدث، وعدم وجود ذلك أكبر عقبة في سبيل التشجيع على المضاربة.
ومنها: قابلية هذه الصكوك للتداول – كما أقر ذلك المجمع الموقر -.
ولا مانع شرعًا من أن تكون هذه الصكوك (أو شهادات الاستثمار) محددة بمدة طويلة أو قصيرة حسب قدرة البنك (أو الشركة) فيمكنها أن تصدر صكوك المضاربة أو شهادات الاستثمار لمدة ثلاثة أشهر، وحينئذٍ يمكن استثمارها في المرابحات والمعاملات قصيرة الأجل، ويمكن أن يكون لمدد مختلفة.
ومن هنا يتنوع من هذا النوع أنواع مختلفة مما يعطي المصرف مرونة وسيولة جيدة، وقدرة على النمو والازدهار.
3- صكوك المضاربة (أو شهادات الاستثمار) المستردة بالتدرج.
وذلك بأن ترد قيمة الصكوك مع أرباحها (إن وجدت) في مدة زمنية محددة، فمثلًا أن ترد نسبة معينة مثل (العشر، أو الربع) بعد سنتين مثلًا، وهكذا.
4- صكوك المضاربة المستردة في آخر المشروع.
وذلك بأن يكون رد المبلغ مع ملاحظة الخسائر والأرباح إن وجدت في آخر المشروع.
ويمكن أن توزع الأرباح، ويبقى أصل المال لآخر المشروع.
5- صكوك المضاربة (الاستثمار) المنتهية بتمليك المشروع.
ويمكن أن يكون رد قيمة صكوك المضاربة من خلال التعويض عنها بجزء من المشروع.
وذلك بأن تطرح فكرة مشروع معين كبناء عمارة، ويصدر له مجموعة من الصكوك (أو شهادات الاستثمار) بحصص متساوية ويكون رد قيمتها في الآخر من خلال تمليك المشروع لأصحاب هذه الصكوك حسب حصصهم وشهاداتهم.
ولا شك أن البنك المصدر يأخذ نسبته من الأرباح السنوية. وهكذا.(7/97)
(ب) شهادات الاستثمار للبنك الإسلامي للتنمية:
حيث قام البنك بإصدار شهادات تمثل ملكية المستثمرين، وجاء وصف شهادات الاستثمار في محفظة البنوك الإسلامية التي يديرها البنك الإسلامي للتنمية بأنها: " المستندات التي تمثل نصيبًا في ملكية المحفظة، ويصدرها البنك الإسلامي للتنمية، وتسجل في سجل الشهادات بأسماء مالكيها ".
وتخصص هذه المحفظة لتمويل تجارة الدول الإسلامية، وتكون موجوداتها تحت يد البنك بصفته مضاربًا (1) .
ويوجد لهذه الشهادات نوعان:
النوع الأول: شهادات الإصدار الأساسي.
وهي مجموع الشهادات التي تصدر عند تأسيس المحفظة وتقتصر ملكيتها على البنك الإسلامي للتنمية، والبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية الأخرى.
النوع الثاني: شهادات الإصدارات اللاحقة.
وهي مجموع الشهادات التي تصدر بعد تأسيس المحفظة وتطرح للاكتتاب العام.
وهذه الشهادات تتمتع بإمكانية التسييل بإحدى الوسيلتين:
1- البيع إلى مؤسسة مصرفية إسلامية بالسعر الذي يتفق عليه، (وذلك بعد فترة الاكتتاب، والتشغيل الفعلي) .
2- شراء البنك الإسلامي للتنمية حيث تعهد بشراء ما قد تعرض البنوك الإسلامية بيعه مما تملكه من شهادات، وذلك بحد أقصى 50 % مما يملكه البنك الواحد من الإصدار الأساسي (2) .
__________
(1) د. محمد فيصل الأخوة: بحثه عن الأدوات المالية والإسلامية، والبورصات الخليجية قدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة.
(2) د. محمد فيصل الأخوة: بحثه عن الأدوات المالية والإسلامية، والبورصات الخليجية قدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة.(7/98)
(ج) أسهم المشاركة دون التصويت:
القاعدة العامة في الأسهم هي الحل، إلَّا إذا كان مجال نشاطها المحرمات – كما سبق تفصيله – وإلاَّ أسهم الامتياز لكون الامتياز فيها عائدًا إلى ميزة مالية – كما سبق -.
ونظرًا لحاجة المؤسسات الإسلامية إلى هذا النوع، وبعد نظرها في عدم هيمنة من لا يرغب فيه على مقدرات الشركة، فإن هذه المؤسسات بالتعاون مع الفقهاء والاقتصاديين الإسلاميين قد وفقوا إلى أسهم امتياز يكون لصاحبها جميع الحقوق الممنوحة للأسهم العادية ما عدا حق التصويت في الجمعية العمومية، وقد يسّر الله تعالى عملية نقل الأفكار من الإطار النظري إلى الواقع العملي من خلال تأسيس شركة التوفيق للصناديق الاستثمارية في 15/1/1987م وشركة الأمين للأوراق المالية في 28/6/1987م في دولة البحرين وهما تهدفان إلى طرح أدوات مالية جديدة لجمهور المكتتبين، كما تتخذ الصناديق الاستثمارية أشكالًا متنوعة من حيث الربحية والمخاطرة والمدة، حيث يمكنها أن تكون صناديق مرابحات، أو تأجير، أو سلم، أو مشروعات، وقد صدر بذلك قرار وزاري رقم 17 في البحرين لسنة 1986م يسمح بتأسيس شركات مساهمة إسلامية (1) .
وكذلك قام بنك التقوى (الذي أسس في بهاما عام 1988) بتطبيق هذا النوع حيث يصدر نوعين من الأسهم: يخصص النوع الأول للأسهم العادية، والنوع الثاني لأسهم الامتياز التي ليس لصاحبها حق حضور الجمعية العامة، أو التصويت فيها، ويمكن دفع قيمتها على ثلاثة أقساط متساوية بين كل قسط وآخر ستة أشهر، ويدفع أولها مع الاكتتاب.
وقد كان لهيئة الرقابة الشرعية للبنك دور كبير في الوصول إلى هذه الصيغة كما نصّ على ذلك النظام الأساسي (2) .
وإعطاء هذه الميزة (أي التقسيط) لهذا النوع من الأسهم لا يخالف الشريعة الغراء لأنه لا يحسب له الربح إلا بقدر قسطه المدفوع وإنما هو نوع من التيسير أعطَوْهُ برضا المساهمين، ثم إن التكييف الشرعي لهذه المسألة يكمن في أن صاحب الأسهم الممتازة حينما دفع القسط الأول لها أصبح مشتركًا بهذا القدر، ثم وعد بأن يكمل البقية، فمثلا لو دفع شخص الأقساط الأولية لثلاثين سهمًا فهو قد شارك فعلًا بعشرة أسهم، وبالقسط الثاني قد شارك في العشرة الأخرى، وبالقسط الثالث قد أكمل الثالثين، أي أنه اشترى أولا عشرة ووعد أن يشتري البقية المتفق عليها وهذا لا مانع منه شرعًا.
أما قضية التصويت في الجمعية العمومية فهي عملية إدارية يجوز لأي واحد من الشركاء أن يتنازل عن حقه في هذه المشاركة الإدارية – كما سبق -.
__________
(1) د. محمد فيصل: د. محمد فيصل الأخوة: بحثه عن الأدوات المالية والإسلامية، والبورصات الخليجية؛ والمراجع السابقة.
(2) حيث كتب: " ملاحظة: عدلت الإدارة عما سبق إعلانه من مميزاته كلا النوعين من الأسهم لما ارتأته هيئة الرقابة الشرعية تجنبًا لأي تعارض مع المباح شرعا".(7/99)
(د) شهادات التأجير / أو الإيجار المتناقصة:
وهي شهادات اهتدى إليها بيت التمويل التونسي السعودي بفضل استشارات وتوصيات رقابته الشرعية، اشتراها من " الشركة التونسية للتأجير " وذلك كالآتي:
تقتني " الشركة التونسية للتأجير " معدات، وتؤجرها إلى زبائنها بسعر كراء معين، وتنقل ملكية المعدات إلى الزبون عند انتهاء العقد، ودفع كل أقساط الكراء، وطوال مدة الإيجار تصدر " الشركة التونسية للإيجار " شهادات لصالح مشترين بقيمة معينة تمثل قسطًا من ثمن شراء المعدات، ويتقاضى المشترون للشهادات نصيبًا من دخل الكراء، ويبدو أن هذا النوع من النمو.
يقول الدكتور المنصف: " ويبدو أن هذا النوع من التمويل يحترم السلامة الاقتصادية، فلا يوزع ثروة (صورية) كما يراعي قواعد الشريعة الإسلامية، ويساهم في تنشيط سوق الأوراق المالية، ويفتح المجال أمام تداولها في أسواق الإصدار، أو الأسواق الثانوية (1) .
وهذه الشهادات تشبه شهادات الاستثمار المخصص، لكنها تختلف عنها في أنها تمثل نوعًا من المساهمة المتناقصة، حيث تشمل أقساط الإيجار أرباح المؤجر، إضافة إلى استهلاك رأس المال، وعلى هذا فإن شهادات الإيجار هذه سوف تصفى تدريجيًّا حتى تنتهي تمامًا مع آخر الأقساط (2) .
وبالإضافة إلى هذا النوع الذي رأى النور فليس هناك ما يمنع من إصدار شهادات إيجار غير متناقصة القيمة، تقدم كاملها معدل ربح أعلى من الشهادات المتناقصة نتيجة لإمكان إعادة استثمار الأقساط المدفوعة، وذلك لأن المصرف (مثلًا) يستثمر حصيلة الأقساط المدفوعة في عقود إيجارات جديدة.
وهذا النوع يمكن تسميته بشهادات الإيجار الثابتة (3) .
__________
(1) د. المنصف شيخ روحه: بحثه في: أسواق الأوراق المالية، المقدم إلى المجمع الفقهي في دورته السادسة.
(2) د. معبد الجارحي: بحثه عن المصارف الإسلامية، والأسواق المالية.
(3) د. معبد الجارحي: بحثه عن المصارف الإسلامية، والأسواق المالية.(7/100)
(هـ) صكوك المشاركة:
إذا نظرنا إلى فلسفة الاقتصاد الإسلامي، فإنها تقوم على أساليب المشاركة بمختلف صورها، من المشاركة بالأموال ثم المشاركة الحقيقية في أرباحها، وخسائرها، أو المشاركة بالمال من جانب، والعمل والخبرة من جانب آخر، ثم مشاركة الطرفين في الربح، وفي الخسارة حيث خسر صاحب المال ماله، أو جزءًا منه، وخسر صاحب العمل عمله، وضاع عليه الوقت دون أن يربح، وهكذا، فالمشاركة في الربح والخسارة، وفي الغرم والغنم، وفي المخاطرة هي أساس الاقتصاد الإسلامي.
وهذا الأساس (أي المشاركة) هو الذي يمكن الاقتصاد من ربط الدورة الاقتصادية (أي إنتاج السلع والخدمات) بالدورة المالية (أي النقود) وحينئذ يتقلص خطر الانزلاق بين هاتين الدورتين، ذلك الانزلاق الخطير الذي سبب كوارث مختلفة للبنوك، والمؤسسات الاقتصادية، والأسواق المالية (1) .
وإذا كانت المشاركة ضمانًا لتقليص خطر الانزلاق، فإن هذا المبدأ يكمله مبدأ آخر إسلامي، وهو التكافل والتعاون، من خلال تخصيص جزء معين من أرباح الشركة للمخاطر، وذلك بأن يتنازل المساهمون عن نصيب ضئيل من أرباحهم يكمل به الخسارة التي تلحق بعض الصفقات، أو في بعض السنوات.
وهذا بلا شك لا مانع منه شرعًا بالنسبة للمساهمين، لأن الشركة أولًا وأخيرًا لهم، وهذا القدر يرحل إلى احتياطي الشركة وهو بدوره جزء منها.
__________
(1) د. المنصف: بحثه السابق.(7/101)
ولكن المشكلة من الناحية الشرعية تظهر بالنسبة للمودعين المستثمرين حيث أن هؤلاء لا يتحملون الخسارة إلَّا بقدر الخسارة التي تحققت لأموالهم، وحسب سنوات المشاركة ولذلك فالعلاج يمكن أن يتم في إحدى الصور الآتية:
1- أن يعد طرف ثالث بالتبرع لمثل هذه الخسارة إن تحققت كما في البند 9 من قرار المجمع بخصوص صكوك المضاربة – كما سبق -.
2- أن يتم تحديد مشروع معين يشترك فيه المضاربون، ويلتزمون بالمدة المحددة له، وحينئذ يتفقون على تخصيص جزء من الأرباح لمثل هذه المخاطر، ثم يتم توزيع الأرباح جميعًا – بما فيها الاحتياطي – على الجميع حسب النسب المتفق عليها.
وهذا العمل يكيف فقهًا بأن المضاربة لم تنته إلَّا بإتمام المشروع أو بعبارة أخرى أن البضاعة لم تنض إلَّا بانتهاء المشروع، ومن هنا فجميع الأرباح والخسارة محسوبة حسب المشروع كله، وما عمل من الميزانيات السنوية فهي من باب التنضيض الجزئي، والحكمي.
وصكوك المشاركة – غير المضاربة – لها صور:
1- الأسهم بجميع أنواعها المباحة – كما سبق -.
2- شهادات المشاركة في مشروع معين، والإدارة لمصدرها. وذلك بأن يطرح المصرف الإسلامي (أو الشركة) مجموعة من الشهادات بحصص متساوية تخصص لمشروع معين، يشترك المصرف نفسه بنسبة محددة (كالنصف والربع مثلًا) فيكون الجميع شركاء بما فيهم المصرف مصدر الشهادات.
ثم يقوم المصرف بإدارة هذا المشروع لقاء نسبة من الأرباح.
وهذه الشهادات بهذه الصورة تختلف عن الأسهم في عدة صور من أهمها أن أصحابها لا يشتركون في إدارة المشروع، ومنها أنها محددة بمدة معينة، ولا تنطبق عليها مواصفات شركة المساهمة.
3- شهادات المشاركة في مشروع معين تكون الإدارة لجهة أخرى.
وهذا النوع هو مثل النوع الأول لكن إدارة المشروع المشترك بين المصرف (مصدر الشهادات) وأصحاب الشهادات تكون لجهة أخرى بنسبة من الأرباح.(7/102)
(و) سندات الخزينة المخصصة للاستثمار الإسلامي:
وقدم الدكتور سامي حمود هذه الفكرة وأسس فكرة إصدارها على القواعد التالية:
1- إصدار سندات الخزينة للمشاركة في المشاريع المنتجة للدخل، وذلك على أساس بيع المشروع المعين، وجملة من المشروعات مقابل إعطاء سندات تمثل حصص امتلاك، وانتفاع بريع المشروع أو المشروعات المعينة.
2- إصدار الخزينة الإيجارية لمشاريع مملوكة لمؤسسات وشركات مساهمة ذات نفع عام، وذلك باعتبار أن هذه السندات تمثل حصص امتلاك قابلة للتأجير.
3- إصدار سندات الخزينة البترولية بطريق السلم، وذلك على أساس بيع الإنتاج المستقبل مع تنظيم بيوع السلم الأول، والبيوع الموازية من أجل الموازنة بين الكميات المسلم فيها بالبيع، والمطلوبة بالشراء.
ويقول الدكتور سامي: " وتعتبر هذه الإدارة واحدة من أنجح الوسائل الملائمة للدول البترولية حيث يساعد الإنتاج البترولي الضخم على اجتذاب آلاف الملايين من الدراهم والدنانير والريالات التي لا تجد طريقها للمشاركة في التنمية الوطنية (1) .
غير أن هذه السندات (أو الصكوك أو الشهادات) لا بد من ملاحظة القواعد الشرعية فيها من حيث المشاركة وعدم ضمان المصدر لرأس المال (أي وجود المخاطرة) وعدم تحديد أية نسبة من الفوائد، وإنما ربطها بالأرباح الحقيقية، إضافة إلى شروط عقد السلم من حيث المواصفات، ومن حيث تسليم الثمن في مجلس العقد عند الجمهور، أو في خلال ثلاثة أيام عند مالك (2) .
__________
(1) بحثه بعنوان: الأدوات المالية الإسلامية، المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته السادسة.
(2) يراجع في ذلك: شرح الخرشي: 5/203؛ وبلغة السالك: 2/538؛ وحاشية ابن عابدين: 4/208؛ والغاية القصوى: 1/497؛ والمغني، لابن قدامه: 4/328.(7/103)
(ز) صكوك المرابحة:
وقد طرح هذه الفكرة الدكتور سامي حمود في ندوة البركة الثانية التي عقدت بتونس بين 4 – 7 نوفمبر 1984م وقال: " وقد كان بيع المرابحة من أبرز الأمثلة المختارة لبيع الحصص الاستثمارية باعتبار أن بيع المرابحة بعد أن يتم يمكن فيه تمامًا معرفة الربح وموعد تحققه، ونسبة ما يستحق من الزمن، وما يتبقى لما هو باق من الأيام، وإذا كانت الديون بحد ذاتها لا تباع إلَّا مثلًا بمثل فإن هذه الديون إذا كانت جزءًا من موجودات مختلطة مع النقود والأعيان فإنها تصبح قابلة للبيع، ولذا جاز في المخارجة " (1) .
وقد كانت هذه الفكرة متمثلة في إنشاء شركة تابعة لبنك البركة الإسلامي في البحرين تكون متخصصة في تمويل المرابحة، وتكون أسهمها قابلة للبيع والشراء وفق أسعار معلنة مقدمًا على أساس محسوب تبعًا للعمليات المنفذة، والأرباح المستحقة في بيوع المرابحة القائمة، وذلك باعتبار أن السهم في الشركة التابعة يمثل جزءًا شائعًا في موجودات الشركة بكاملها، وقد صدر قرار وزاري بالبحرين لإنشاء شركة إسلامية مساهمة تمارس الإصدارات المختلفة في صناديق المرابحة، والإيجار والسلم، والمشروعات، وإيجاد أدوات مالية إسلامية تتمتع بالسيولة، والربحية، والقابلية للتسويق المنظم على أساس السعر المعلن والمكشوف (2) .
(ح) صكوك السلم، وبيع الآجل:
كذلك يمكن إصدار صكوك بعقد السلم تنظم فيه مسائله حيث إنه يعالج العقود التي ترد على السلع المستقبلية، كما أن بيع الآجل يعالج الأثمان الآجلة.
(ط) صكوك الاستصناع:
وهذا النوع في نظري أهم الأنواع في علاج كثير من الموضوعات المعاصرة، ومع ذلك لم يول عناية مناسبة، لذلك سيكون بحثنا الخاص بالاستصناع منصبًّا على هذا الجانب بشكل تأصلي إن شاء الله.
__________
(1) د. سامي حسن حمود: تطبيقات بيوع المرابحة للآمر بالشراء من الاستثمار البسيط إلى بناء سوق رأس المال الإسلامي مع اختيار تجربة بنك البركة في البحرين كنموذج عملي، المقدم إلى ندوة عن خطة استراتيجية الاستثمار في البنوك الإسلامية في عمان بتاريخ 22 شوال – 25 شوال 1407هـ.
(2) المرجع السابق.(7/104)
التعامل بالأسهم والسندات عن طريق الأسواق المالية (البورصة) :
لا يجوز التعامل بالسندات المالية (التي هي قروض بفوائد) لا عن طريق الأسواق المالية (البورصة) ولا عن طريق غيرها، كما سبق.
وأما الأسهم التي لا تزاول شركاتها نشاطًا محرمًا، وليس لها امتياز مالي – على التفصيل السابق – فحكم التعامل بها وتداولها عن طريق البورصة على التفصيل الآتي حيث نذكر أولًا أنواع العمليات، ثم نذكر كيفية البيع والشراء من حيث الدفع.
أولًا: أنواع العمليات في البورصة:
1- العمليات العاجلة التي تتم في سوق العاجل، وذلك بأن يلتزم كل من العاقدين بتنفيذ عقودهما، ويسلم البائع الأوراق المالية، والمشتري ثمنها حالًا، أو في مدة لا تتجاوز 48 ساعة، وحينئذ يحتفظ المشتري بها، ويستفيد من أرباحها، ويتحمل خسارتها كذلك وتقوم السوق (البورصة) بإتمام الصفقة بصفة الوكيل عن الطرفين ويرسل الأوراق للطرفين للتوقيع عليها.
فالتعامل بِالأسهم بهذه الطريقة حلال – ما دامت بقية الشروط والضوابط التي يفرضها الشرع متوفرة (1) ولكن المشتري الجديد لا يبيع أسهمه إلَّا بعد استقرار ملكه عليها من خلال القبض حتى ولو كان حكيمًا ما دامت الأسهم تمثل السلع – أي غير النقود والطعام (2) .
والخلاصة إذا كان البيع حالا وباتا، ولم يكن قائمًا على الاختيارات – كما ستأتي – ولم يكن فيه محظور شرعي آخر فإن هذه المعاملة عن طريق البورصة أيضًا جائزة، وكذلك التعامل في هذه الأسهم جائز بعد استقرار الملك فيها، ولكن دون أن يكون العقد الثاني على أساس ما تسميه البورصة بالمضاربة وهي تعني بها: عملية بيع وشراء صوريين، حيث تباع العقود، وتنتقل من يد إلى يد، وغاية العاقدين الاستفادة من فروق الأسعار (3) ، بينما المضاربة في الفقه الإسلامي معروفة تعني العمل من جانب، والمال من جانب آخر.
__________
(1) د. وهبة الزحيلي: بحثه عن أحكام السوق المالية، المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة، ود. محمد عبد الغفار: بحثه، والمصادر السابقة.
(2) يراجع في تفصيل القبض: القبض وصورة المعاصرة، للدكتور على القره داغي، المقدم إلى مجمع الفقه في دورته السادسة.
(3) دائرة المعارف: 2/394؛ والمعجم الوسيط: 1/537، والمراجع السابقة.(7/105)
2- العمليات الآجلة، التي يلتزم بمقتضاها العاقدان على تصفيتها في تاريخ آجل معين يتم فيه التسليم والتسلم، وقد يتفقان على تأجيل خاص وشروطه وكيفية التعويض.
وتجري التصفية في كل شهر مرة فتسوى الصفقات نهائيًّا، ويتم دفع الثمن وتسلم الأوراق المالية خلال عدة أيام من تاريخ التصفية (1) .
ثم إن هذه العمليات الآجلة تتم على إحدى الصور الآتية:
(أ) العمليات الباتة القطعية: وهي التي يحدد تنفيذها بموعد ثابت لاحق ويسمى موعد التصفية، الذي يدفع فيه الثمن، وتسلم فيه الأوراق المالية موضع الصفقة، وتسمى: الباتة لأن العاقدين ليس لهم حق الرجوع في تنفيذ العملية، ولكن لهم الحق في تأجيل موعد التصفية النهائية إلى موعد آخر.
وتنفيذ هذا النوع يؤدي بلا شك إلى خسارة أحد الطرفين إلَّا إذا كان سعر الأسهم (أو غيرها) معادلًا لسعر البيع نفسه، ففي الغالب يخسر أحد الطرفين، والآخر يربح حسب زيادة سعرها، أو نقصه عند التصفية فلا كسب لأحدهما إلَّا على حساب الآخر.
وقد يشترط المشتري وحده خيار التنازل لنفسه عن حق الآجل فيلجأ إليه عندما يلاحظ هبوط سعر تلك الأسهم، وحينئذ يطلب من البائع تسليم الأوراق المالية المتفق عليها، وحينئذ يضطر البائع لشرائها من السوق بسعر العاجل، وحينئذ يحق للمشتري أن يبيعها قبل موعد التصفية عن طريق وسيط، ويسجل رصيد العملية إذا اقترنت بربح في رصيد دائن (2) .
وهذا النوع من العمليات كما رأينا لم يتم فيه تسليم المعقود عليه، لا الثمن ولا المثمن، بل اشترط تأجيلهما، فعلى ضوء ذلك لا يجوز، لأنه من الضروري لصحة العقود أن يتم فيها تسليم أحد العوضين – كما هو معروف أو لا يشترط تأجيل الاثنين.
__________
(1) د. محمد عبد الغفار: بحثه السابق؛ وعمل شركات الاستثمار الإسلامية، لأحمد محيي الدين، طبعة بنك البركة الإسلامي – البحرين: ص129، ود. علي السالوس: المرجع السابق: ص209.
(2) المراجع السابقة.(7/106)
وذهب أحد الباحثين (1) إلى صحة هذا النوع ما دامت الأوراق المالية جائزة التعامل فيها، ويملك المشتري المبيع، والبائع الثمن، حيث يكون ملك المشتري للمبيع بمجرد عقد البيع الصحيح، ولا يتوقف على التقابض، وإن كان للتقابض أثره في الضمان.
وقد استند في قوله هذا على ما جاء في الموسوعة الفقهية، حيث تقول: " ولا يمنع من انتقال الملك في المبيع، أو الثمن كونهما ديونًا ثابتة في الذمة إذا لم يكونا من الأعيان… " (2) .
غير أن كلام الموسوعة في " الدين " الذي هو مقابل للعين، وهو مصطلح فقهي لا يعني التأجيل، وإنما يعني به: ما لا يتعين بالتعيين ولذلك أوردت الموسوعة مثالًا بعد هذا الكلام مباشرة، فقالت: " كما لو اشترى مقدارًا معلومًا من كمية معينة من الأرز، فإن حصته من تلك الكمية لا تتعين إلَّا بعد التسليم، وكذلك الثمن إذا كان دينًا في الذمة " فليس في الموسوعة أية إشارة إلى جواز عقد يشترط فيه تأجيل الثمن والمثمن إلى وقت التصفية.
ثم استند الباحث على ما أجازه المالكية والحنابلة من جواز اشتراط تأجيل الحق إلى مدة، اعتمادًا على حديث جابر (3) .
ولكن هؤلاء الفقهاء لم يقولوا – حسب علمنا – بجواز اشتراط الثمن والمثمن معًا، وهذا هو محل النزاع، بل إن المالكية أنفسهم صرحوا بأنه لا يجوز بيع الدين إلَّا إذا كان الثمن نقدًا، وأجازوا للحاجة تأخير رأس مال السلم ثلاثة أيام فقط (4) أما الحنابلة فقد اشترطوا قبض الثمن في المجلس.
ثم إننا لا نسلم اعتبار الباحث الأسهم من الديون التي لا تتعين بالتعيين، وإنما التحقيق أنها معتبرة بما تمثله من أصول الشركة فهي حصص مشاعة من موجودات الشركة ومعتبرة بها دينًا وعينًا.
__________
(1) د. محمد عبد الغفار: بحثه السابق.
(2) الموسوعة الفقهية التي تصدرها وزارة الأوقاف الكويتية: 9/37.
(3) د. محمد عبد الغفار: بحثه السابق؛ وحديث جابر في صحيح البخاري – مع الفتح -: 5/314؛ ومسلم: 3/1221.
(4) حاشية الدسوقي: 3/63.(7/107)
لذلك فالذي نرى رجحانه هو عدم جواز شراء الأسهم وغيرها عن طريق العمليات الباتة القطعية، وذلك لاشتراط تأجيل التسلم والتسليم إلى وقت مستقبلي، إضافة إلى أن هذا الوقت وإن كان قد حدد لكن إعطاء الحق للعاقدين في صلب العقد تأجيل موعد التصفية إلى موعد آخر جعل المدة مجهولة غير محددة ولا معلومة.
ولذلك دخلت فيه الجهالة من أوسع أبوابها، فيدخل في باب الغرر المنهي عنه في الحديث الصحيح (1) .
ثم إن هذا النوع فيه إضرار بأحد الطرفين – في الغالب كما سبق – حيث لا يكسب أحدهما الربح إلَّا على حساب الآخر، مما فيه رائحة القمار وشبهته بوضوح، إضافة إلى خيار التنازل وما يترتب عليه، حيث يعطي للمشتري حق المطالبة بالتعجيل.
هذا إذا كانت الأسهم (أو البضاعة) موجودة فعلًا، فيرد على كيفية التعاقد عن طريق هذا النوع ما سبق، أما إذا كانت غير موجودة فعلًا، وإنما سوف يمتلكها البائع في المستقبل فهذا يدخل في بيع المعدوم الذي لا يحل شرعًا بالإجماع، كما نقل ذلك ابن المنذر والنووي وغيرهما (2) اعتمادًا على الحديث الثابت: ((لا تبع ما ليس عندك)) (3) . وهذا النوع هو الغالب في مثل هذه الصفقات الآجلة.
__________
(1) حديث (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر) رواه مسل في صحيحه: 3/1153؛ وأبو داود في سننه: 2/228؛ وابن ماجه: 2/739؛ والترمذي: 3/532؛ والدارمي: 2/167؛ ومسند أحمد: 1/302؛ والموطأ: ص164؛ ويراجع تلخيص الحبير: 3/6
(2) المجموع: 9/258.
(3) الحديث رواه أحمد في مسنده 3/401؛ وأبو داود في سننه – مع شرح عون المعبود 9/401؛ والترمذي – مع شرحه تحفة الأحوذي -: 4/430؛ وقال الشيخ الألباني في إرواء الغليل: 5/132: " صحيح".(7/108)
البدائل الشرعية:
لهذه العملية بدائل شرعية تحقق الغرض المقصود والمعقول العادل وهي:
البديل الأول: السلم، وهو بيع الموصوف بالذمة فيكون ثمن حالًا، وأجازه المالكية، أن يؤدّى خلال ثلاثة أيام، وأما المسلم فيه فيكون مؤجلًا لأجل معلوم، وبمواصفات محددة (1) .
البديل الثاني: تأجيل الثمن مقسطًا أم بدون تقسيط (أي البيع الآجل) ودليل مشروعيته الحديث الصحيح الدال على أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعامًا إلى أجل، ورهنه درعه (2) وقد أجمعت الأمة على جواز ذلك (3) .
البديل الثالث: الاستصناع، وهو أن يطلب شخص من الصانع أن يصنع له شيئًا بثمن معلوم (4) وقال ابن عابدين: " هو بيع عين موصوفة في الذمة لا بيع عمل " (5) .
وهو عقد مستقل عند الحنفية، أما غيرهم – من المالكية والشافعية والحنابلة (6) ، فلم يعترفوا به كعقد مستقل، بل أدخلوا بعض مسائله في السلم، ورفضوا بعضها الآخر. (ليس هذا مجال تفصيله) .
فهذه البدائل تحل معظم الحالات التي فيها تأجيل للثمن والمثمن، ولكليهما، فالسلم يحل مشاكل السلع والأشياء غير الموجودة والتي ستسلم فيما بعد لكن الثمن فيه حال، أو إلى ثلاثة أيام.
وبيع الأجل يحل مشكلة ما إذا كان الثمن غير متوفر ولكن البضاعة متوفرة.
__________
(1) يراجع: حاشية ابن عابدين: 4/208؛ وشرح الخرشي: 5/203؛ وبلغة السالك: 2/538؛ والغاية القصوى: 1/497؛ والمغني، لابن قدامة: 4/328.
(2) صحيح البخاري – مع الفتح -: 5/15.
(3) الإجماع، لابن المنذر، طبعة رئاسة المحاكم الشرعية، قطر: ص93.
(4) رمز الحقائق شرح كنز الدقائق: 2/56 – 57.
(5) حاشية ابن عابدين: 5/225.
(6) المدونة: 9/18؛ والأم 2/116؛ والإنصاف: 4/300. ويراجع في تفصيل هذا العقد: كاسب عبد الكريم البدران: عقد الاستصناع، طبعة دار الدعوة بالإسكندرية: ص54 وما بعدها.(7/109)
وأما عقد الاستصناع فيحل لنا المشكلة بشكل أكبر حيث لا يشترط فيه تعجيل الثمن ولا المثمن، حيث يكيف بأنه عقد خاص فيه بعض مواصفات البيع، وبعض مواصفات الإجارة (1) .
ويمكن أن تصدر بهذه العقود شهادات وصكوك تؤصل فيها الشروط والضوابط.
(ب) العمليات الآجلة بشرط التعويض:
وهي أن يلتزم البائع والمشتري بتصفية العمليات التي تمت بينهما آجلًا، في تاريخ معين، لكن يشترط أحدهما لنفسه الخيار في عدم تنفيذ العملية، وذلك مقابل تخليه عن مبلغ من المال يتم عليه الاتفاق مسبقًا ليكون بمثابة تعويض عن عدم تنفيذ العملية.
ويسمى اليوم السابق لتاريخ التصفية بيوم جواب الشرط فإما أن ينفذ من له الخيار الصفقة، فيرفع عنه التعويض، أولا فينفذ التعويض، وتتضمن هذه العمليات ثلاثة عناصر مهمة هي السعر، ومقدار التعويض، وأجل التصفية وهي نوعان:
1- العمليات الشرطية للمشتري، حيث يكون مخيرًا بين استلام الصكوك، وبين التخلي عن التعويض.
2- العمليات الشرطية للبائع، حيث يحق له في يوم جواب الشرط تنفيذ الصفقة، أو التنازل عن تنفيذها مقابل دفع تعويض متفق عليه مسبقًا (2) .
وحكم هذا النوع مثل النوع السابق في أن العقد لم يتم من الناحية الشرعية، لأنه لم يتم فيه التسلم لا للثمن، ولا للمثمن، بل اشترط فيه تأخير الاثنين معًا، فلذلك لا يجوز. وسبب ذلك لا يعود إلى خيار الشرط لأن ذلك جائز، وإنما إلى عدم تحقق أركان العقد، إضافة إلى اشتراط التنازل عن جزء من المال دون أن يربط بضرر فعلي محقق، فهذا أيضًا لا يجوز.
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) المراجع السابقة نفسها.(7/110)
وذهب بعض الباحثين (1) . إلى جواز هذه العملية إذا كان الخيار فيها للمشتري، وشبهها ببيع العربون (2) الذي أجازه الحنابلة معتمدين على قضاء عمر (3) .
وبيع العربون مختلف فيه ولم يقل بصحته جمهور الفقهاء (4) بناء على أنه من أكل أموال الناس بالباطل المنهي عنه بنصوص الآيات القرآنية: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] .
واعتمادًا على نصّ خاص صريح بهذا الصدد وهو ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان)) (5) إضافة إلى ما فيه من غرر، لأنه بمنزلة الخيار المجهول (6) .
ومع قطع النظر عن هذا الخلاف الجاري في بيع العربان، فإن مسألتنا هذه تختلف عنه كثيرًا حيث قد يتم في بيع العربون تسليم المبيع، وجزء من الثمن بينما لا يتم في هذا النوع أي تسلم للمعقود عليه لا الثمن ولا المثمن إلَّا في فترة يتفق عليها المتعاقدان، ومن هنا فلا يدخل في بيع العربون، بل أعتقد أن قياسه عليه قياس مع الفارق، ناهيك عن هذا النوع من البيوع الآجلة قد يتم على معقود عليه لم يتحقق بعد، أما أن السوق (البورصة) لا تشترط وجود المعقود عليه أثناء العقد، وإنما المطلوب تحققه عند حلول المدة، أو دفع التعويض.
أما إذا كان الخيار للبائع فإنه لا يجوز لما سبق، حتى عند الباحث السابق لكنه ذكر أن السبب يعود إلى أنه حينئذ يدخل في صفقتين في صفقة واحدة (7) .
__________
(1) د. محمد عبد الغفار بحثه السابق.
(2) بيع العربون، أو العربان هو أن يشتري الرجل شيئًا بمبلغ معين فيعطيه جزءًا منه (مثل دينار) عربونًا، ويقول: إن أخذته، وإلاَّ فالدينار – مثلًا – لك. انظر: سنن ابن ماجه: 2/739؛ والمغني: 4/256.
(3) المغني، لابن قدامة: 4/256.
(4) يراجع: الفتاوى الهندية: 3/133 وما بعده؛ وشرح الخرشي: 5/78؛ وحاشية الجمل على المنهج: 3/72؛ والمغني، لابن قدامة: 4/256 – 257.
(5) الحديث رواه أبو داود في سننه، كتاب البيوع: 9/398 –400؛ وابن ماجه في سننه: 2/738؛ ومالك في الموطأ: ص377.
(6) يراجع لتفصيل أدلة الفريقين: المغني، لابن قدامة: 4/256 – 257؛ والمصادر الفقهية السابقة.
(7) المرجع السابق: ص33.(7/111)
(ج) البيع مع خيار الزيادة للمشتري أو البائع:
حيث يكون لمن له الخيار الاستزادة عند حلول الأجل المتفق عليه، فإذا كان الخيار للمشتري يحق له طلب تسلم ضعف الأوراق المشتراة أو أكثر، لكن الشراء يعتبر باتا في الكمية المتفق عليها مسبقًا، واختياريًّا في الزائد، وتكون أسعارها الفعلية أكثر من أسعارها في السوق الباتة، وكذلك الأمر بالنسبة لو كان الخيار للبائع، حيث يسلمه المشتري كمية من المتفق عليه، وبسعر أكثر من سعرها في السوق الباتة، وكذلك فالكل يوازن بين الأسعار الباتة، والأسعار الآجلة بشرط الزيادة، وأسعار السوق في موعد التصفية محاولًا الحصول على أكبر قدر ممكن من الربح، والتفادي من الوقوع في خسارة (1) .
فحكم هذا النوع إضافة إلى عدم توفر أركان العقد فإنه يتضمن نوعًا من المغامرة التي تسمى في أعراف البورصة بالمضاربة، وذلك لأن من له حق الخيار على الزيادة، كما يرى، بالإضافة إلى أنه يتضمن في ظاهره بيعًا متضمنًا بوعد، بل يتضمن بيعًا آخر فيكون داخلًا في النهي عن صفقتين في صفقة واحدة (2) .
(د) العمليات الآجلة بشرط الانتقاء:
وذلك بأن يكون للبائع والمشتري حق الاختيار بين سعرين، حيث يكون لهما الحق في إبرام الصفقة في موعد التصفية بأي من السعرين، وذلك لأن المتعاملين في سوق الأوراق المالية يفتقدون حدوث تغير كبير من أسعارها صعودًا أم هبوطًا بينما يعتقد بائعو هذه الأوراق عدم طروء أي تغيير يذكر (3) .
فهذه العملية بهذه الصورة لا تعتبر بيعًا في نظر الشريعة الغراء وذلك لأن من الشروط الأساسية له تحديد الثمن، إضافة إلى عدم تحقق أركان العقد، بل واشتراط تأجيل الثمن المخير والمثمن، ولا أرى لها وجهًا شرعيًّا لجوازها وصحتها.
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) رواه أحمد في مسنده: 1/398.
(3) عمل شركات الاستثمار: ص129؛ والمراجع السابقة الأخرى.(7/112)
(هـ) المرابحة والوضعية:
هما في الفقه الإسلامي معروفان، إذ المرابحة بيع السلعة بعد تملكها إلى شخص آخر مع إضافة نسبة من الربح، والوضعية تعني بيعها مع خصم نسبة معلومة من ثمنها الذي اشتريت به (1) بينما المرابحة في (البورصة) تعنى طلب تأجيل موعد تسوية الصفقة حتى موعد التصفية اللاحق، وذلك يحدث عندما يشعر المتعاملون في السوق بأنهم لن يستطيعوا تنفيذ الصفقة التي عقدوها نظرًا لتطور الأسعار خلافًا لتقديراتهم فيلجأون إلى المرابحة، والوضعية.
فلنضرب لذلك مثالًا لتوضيح هذه العملية وهو أن زيدًا – مثلًا – اشترى في 1/1/1990 مائة سهم من شركة (جنرال موتور) بسعر مائة دولار للسهم الواحد مضاربًا على ارتفاع الأسعار حتى موعد التصفية القادم في 1/1/1991، وعندما يحين هذا الموعد يكون أمامه أحد احتمالين:
الاحتمال الأول: ارتفاع الاسعار حسب تقديرات المشتري، كأن يبلغ سعر الورقة المالية (السهم) 120 دولار، وحنيئذ يعمد المشتري إلى تنفيذ الصفقة، لأن ربحه فيها ألفا دولار.
الاحتمال الثاني: انخفاض الأسعار خلافًا لتقديرات المشتري، كأن ينخفض سعر السهم وقت التصفية (في المثال السابق) بنسبة 25 % - مثلًا – أي أنه يخسر 2500 دولار، وحينئذ يقرر المشتري تأجيل موعد التصفية إلى موعد آخر على أمل تحسن سعر الورقة المالية المعنية، لكنه يبحث عن ممول يخرجه من ورطته مقابل زيادة، فيسمى هذا العمل بالمرابحة، حيث يقبل الممول شراء الأسهم شراء باتًّا في موعد التصفية ويبيعها له ثانية بيعًا مؤجّلًا حى موعد التصفية المقبل، وذلك لقاء فائدة يدفعها المشتري للممول تسمى فائدة التأجيل، أو المرابحة، وتتم هذه العملية بناء على سعر للأوراق المالية تقدره لجنة السوق (2) .
__________
(1) يراجع في تفصيل ذلك كتاب الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي في المرابحة، طبعة دار القلم الكويت.
(2) عمل شركات الاستثمار: ص137؛ ود. محمد عبد الغفار؛ والمراجع السابقة.(7/113)
فعدم شرعية هذه العمليات واضحة، فلم يتوفر فيها أركان البيع، ولا البت فيها، إضافة إلى أنها عملية قريبة من بيع " العينة " فهذه الزيادة في الواقع بمثابة قرض ربوي مقابل التأجيل (1) .
وأما الوضعية في البورصة فتعني أن البائع حينما يعرف بأنه سيخسر خسارة كبيرة حيث الأسعار قد ارتفعت، يطلب تأجيل تنفيذ الصفقة بالوضيعة، وحينئذ ينبغي عليه أن يجد متعاملًا يتملك النوع المطلوب من الأوراق المالية، فيشتريها منه، ثم يبيعها له مرة أخرى على أساس موعد التصفية التالي.
فهذه العملية أيضًا مثل سابقتها في عدم الصحة والجواز، وهي بمثابة إعارة الأوراق لقاء فائدة ربوية، أو قرض ربوي (2) .
(ز) العمليات المركبة:
وهي العمليات التي تتركب من أكثر من نوع كالآتي:
1- شراء عاجل مقابل بيع بشرط التعويض (الخيار للمشتري) .
2- شراء بات مقابل بيع بشرط التعويض.
3- شراء بشرط التعويض مقابل بيع بات.
4- شراء بشرط التعويض مقابل بيع بشرط التعويض (3) .
فحكم هذا العمليات المركبة عدم الصحة والجواز لما ذكرنا، إضافة إلى اشتمالها على صفقتين في صفقة واحدة، وهذا منهي عنه كما سبق.
__________
(1) د. علي السالوس: المرجع السابق: ص214.
(2) المراجع السابقة جميعها.
(3) المراجع السابقة أنفسها.(7/114)
ثانيًا – كيفية البيع والشراء من حيث الدفع في البورصة:
1- الشراء بكامل الثمن: حيث يدفع المستثمر كامل قيمة الأوراق المالية التي يشتريها من البائع.
وهذا النوع ليس كثيرا في الأسواق المالية؛ إذ الغالب عليها التأجيل، فالذي يجري في أكثر تلك الأسواق هو أن يفتح المستثمر حسابًا مع السمسار شبيه بالحساب المصرفي (أي مثل الحساب الجاري في البنك) يودع فيه المستثمر القدر الذي يرغب في أن يستخدمه السمسار للشراء لصالحه، ويودع فيه السمسار ما يتحقق للمستثمر من أرباح أسهم أو فوائد سندات، أو أثمان بيع.. ويستطيع صاحبه أن يسحب منه النقود متى شاء، كما للسمسار هذا الحق لشراء الأوراق المالية باسم العميل، كما يفتح له حسابًا آخر يمكن للمستثمر أن يحصل منه على قرض أتوماتيكي شبيه بالسحب على المكشوف في البنوك (1) . وحكم هذا النوع إذا كان الشراء بكامل الثمن، وكان محل العقد حلالا – أي حسب الضوابط الشرعية السابقة – فإن العقد صحيح، لكنه إذا كان المثمن موجودًا فإنه بيع صحيح، وإذا كان موضوعًا في الذمة بالمواصفات المطلوبة في عقد السلم، فإن سلم صحيح، وإذا كان محل العقد النقود فإنه يجب التسلم والتسليم في مجلس العقد، حسب قواعد الصرف – وما يعد اليوم قبضًا أم لا - (2) .
وأما إذا كان الثمن غير كامل فإن كان المبيع حلالًا ولم يكن من الصرف والطعام، ولم يكن فيه شرط تأجيله فإن العقد صحيح، أما الأموال الربوية فلا بد فيها من القبض، والسلم لا بد فيه من تسليم الثمن بالكامل خلال المجلس، أو ثلاثة أيام عند المالكية – كما سبق -.
__________
(1) د. محمد القري بن عيد: بحثه في الأسواق المالية.
(2) يراجع: د. علي القرة داغي: بحثه عن القبض وصوره المعاصرة، المقدم إلى مجمع الفقه الموقر في دورته السادسة.(7/115)
2- الشراء بجزء من الثمن، أو الشراء بالهامش، حيث يدفع المشتري جزءًا من الثمن، ويستدين الباقي من السمسار الذي يكون دوره مقترضًا من المصارف، وتخضع نسبة القرض من مجمل القيمة لقوانين صارمة، ويتغير تبعًا للظروف الاقتصادية، حيث تشترط السلطات المالية أحيانًا هامشًا كبيرًا عند ما ترغب في تقليل المضاربات المحمومة في السوق، قد يزيد في الولايات المتحدة الأمريكية عن 60 % أي تبقى نسبة القرض 40 % تقريبًا، ولكن عندما ترغب السلطات المالية في زيادة نسبة التعامل فإنها تسمح بهامش أقل (أي النقد) ، لأنها تعطي بذلك الفرصة لمن لا تتوفر لديهم موارد مالية كبيرة بالدخول في السوق عن طريق الاقتراض، وأكثر ما تستخدم هذه الطريقة في شراء الأسهم (1) .
وهذه الطريقة لها مخاطرها الكبيرة، حيث يعتقد الكثيرون أن أحد أهم أسباب انهيار سوق البورصة عام 1929م هو التوسع في الشراء بجزء من الثمن، ولذلك شددت القوانين الأمريكية على الهامش الابتدائي (2) الذي يستخدم لأغراض المضاربات السريعة.
فمثلًا اشترى شخص مائة سهم (لإحدى الشركات) بخمسين دولارًا ودفع للسمسار ثلاثة آلاف فقط، واقترض منه الباقي 2000 دولار بفائدة وحينئذ يحتفظ السمسار بالأسهم رهنًا مقابل القرض، فالهامش الابتدائي هو 60 % ثم انخفضت أسعارها فأصبحت 40 دولارًا للسهم الواحد أي صارت القيمة 4000، ونسبة السمسار ارتفعت إلى 50 % والهامش 50 % فإذا استمرت في الانخفاض سارع السمسار لبيعها ضمانًا لقرضه.
فهذه الصورة بهذا الواقع الربوي لا تقبلها الشريعة الغراء إذ مخالفتها لها واضحة جدًّا، ولكن لها بديل من خلال بيع الآجل ونحوه.
__________
(1) د. محمد القري، بحثه السابق.
(2) الهامش الابتدائي يتعلق بالقرض لشراء الأسهم في اليوم الأول فقط، والهامش الاستمراري يتعلق بالقرض لما بعد اليوم الأول. المرجع السابق نفسه.(7/116)
3- البيع القصير، والبيع الطويل: يستعمل في أسواق البورصة استخدام لفظ " طويل " و " قصير " كثيرًا وليس المراد به الطول، أو القصر من حيث الزمن وإنما له علاقة بالهدف من الاستثمار (1) .
فالمراد بالطول: شراء الأسهم والاحتفاظ بها للحصول على الربح، أو بيعها للحصول على الزيادة في أسعارها.
وأما القصير فيتعلق بالمغامرة على انخفاض أسعارها، وذلك بأن يتوقع شخص أن أسعار إحدى الشركات سوف تنخفض، فيعمد إلى عملية بيع قصير عن طريق اقتراض عدد من أسهمها من سمسار يحتفظ بهذه الأسم لضمان السداد، ثم يبيعها المقترض بالسعر السائد، ثم يعيد شراءها عند انخفاض الأسعار، ثم يقوم بتسديد القرض أي يرجع الأسهم إلى صاحبها، ويحتفظ لنفسه بالفرق الذي تحقق له من خلال هذه العمليات التي تتم من خلال سماسرة متخصصين (2) .
فالمستثمر يستفيد من الفرق بين السعرين، والسمسار حقق عائدًا من استخدام النقود وحصل على أرباح الأسهم التي توزعها الشركة المصدرة للأسهم في هذه الفترة كما في القوانين الأمريكية، إضافة إلى حصوله على مقابل خدماته الإدارية.
وهذا القرض (أي اقتراض الأسهم) قرض حال، وغير محدد بمدة زمنية، حيث يستطيع المستثمر إعادة الأسهم في أي وقت يشاء، كذلك يستطيع السمسار استرجاعها في أي وقت يريد، ولذلك قد يضطر المستثمر إلى اقتراضها من جهة أخرى إذا كان الوقت لم يحن بعد لإيقاف العملية.
والغرض الأساسي من عمليات البيع القصير هو استغلال توقعات المضارب بأن الأسعار سوف تنخفض، ولذلك إذا خابت توقعاته، وارتفعت الأسعار فإنه يخسر كثيرًا، ولذلك نجد أن بعض البورصات (كبورصة نيويورك) تمنع عمليات البيع القصير إذا كان اتجاه سهم الشركة الذي يجري تداوله نحو الانخفاض، لأن انتشار هذا النوع قد يؤدي إلى انهيار السوق (3) .
وحكم البيع الطويل إذا كان محله أسهمًا حلالًا الجواز، لكن حكم البيع القصير هو عدم الصحة والجواز، حيث أن فيه عدة مخالفات شرعية منها الفوائد، ومنها أن هذا العقد قائم على المغامرة، إضافة إلى عملية التسلم والتسليم – كما سبق -.
__________
(1) د. محمد القري: بحثه السابق
(2) المرجع السابق، ويراجع: د. معبد الجارحي: بحثه السابق: ص18 وما بعدها.
(3) المرجع السابق.(7/117)
التعامل بغير الأسهم والسندات في البورصة:
وذلك يشمل النقود المختلفة، والذهب والفضة، والطعام وغيرها من السلع.
(أ) فبخصوص النقود توجد عدة أسواق وأنواع لكيفية التعامل فيها نوجزها فيما يأتي:
أولًا: سوق الصرف العاجل: حيث يتم التعامل فيها عن طريق الشراء النقدي لمختلف العملات، وعن طريق التحويلات البرقية والبريدية والسفاتج (الحوالات) العاجلة (1) .
ومعظم التعامل في سوق الصرف يتم من خارجها، وبالتالي يتطلب دفع ثمن العملة الأجنبية، بالإضافة إلى تكلفة الإرسال (برقيًّا أو لاسلكيًّا) ويلاحظ أن العملة الأجنبية لا تصل إلى الطرف الآخر في الحال، بل يحتاج إلى بعض الوقت يطول أو يقصر حسب نوعية وسيلة الاتصال والإرسال، ومن هنا قد يستفيد من هذا المبلغ المصرف المرسل (2) .
وحكم هذا النوع أنه إذا كان شراء نقدًا فلا غبار عليه، لأن شرط التقابض " يدًا بيد " قد تحقق، وأما إذا كان عن طريق الحوالة الشيكية، فإن استلام الشيك بمثابة القبض، بل هو ائتمان في نظر الاقتصاديين (3) وتأصليه الفقهي معروف من خلال ما يسمى بالسفتجة التي كانت سائدة في عصر الصحابة والتابعين حتى أن عبد الله بن الزبير في مكة حينما يأتي إليه شخص ويعطيه نقودًا هو يسافر إلى العراق كان يعطيه سفتجه (ورقة بالحوالة) فيأخذ بها الدائن بقدر نقوده من أخي عبد الله: مصعب بالعراق (4) بالإضافة إلى حديث ابن عمر حيث قال: " كنت أبيع الإبل بالبقيع.. فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في بيت حفصة، فقلت يا رسول الله: رويدك أسألك: إني أبيع الإبل بالبقيع – بالباء: المقبرة المعروفة، وبالنون واد جنبها – فأبيع بالدنانير وآخذ الدراهم، وأبيع بالدراهم وآخذ الدنانير، آخذ هذه من هذه، وأعطي هذه من هذه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تفترقا وبينكما شيء)) (5) .
__________
(1) د. معبد الجارحي: بحثه السابق: ص12؛ والمراجع السابقة.
(2) المراجع السابقة.
(3) د. عبد المنعم محمد مبارك: النقود والصيرفة، طبعة الدار الجامعية: ص3؛ ود. علي السالوس استبدال النقود والعملات، طبعة فلاح: ص165 – 168؛ ود. علي القره داغي: القبض وصوره المعاصرة، السابق الإشارة إليه.
(4) يراجع في تفصيل موضوع السفتجة: السنن الكبرى، للبيهقي: 5/352؛ والمغني؛ لابن قدامة: 4/354؛ وتهذيب الأسماء، للنووي: 2/49، حيث قال فيه: " السفتجة هي كتاب يكتبه المستقرض للمقرض إلى نائبه ببلد آخر ليعطيه ما اقترضه".
(5) رواه أحمد في مسنده: 2/82، 154؛ وأبو داود في سننه – مع العون – كتاب البيع: 9/203؛ وابن ماجه في سننه بدون " سعر يومها " كتاب التجارات: 2/760 والنسائي، كتاب البيوع: 6/282.(7/118)
وكذلك يعتبر أخذ الورق (الفاتورة) – الذي سجل فيه العقد ومقابله من العملة الأخرى، حيث يسجل فيه عادة السعر، ويثبت فيه المقابل – بمثابة القبض.
فهذه التحويلات سواء أكانت عن طريق الخطاب العادي، أو البرق أو التلكس، أو الفاكس تكيف على أساس " السفتجة " التي قال بها جماعة من الفقهاء (1) .
ويمكن تخريجها كذلك على أساس الصرف والوكالة، حيث أن البنك يقوم بعملية صرف العملة إلى العملة التي يريد العميل تحويلها إلى الجهة المطلوبة، ثم يصبح المصرف وكيلًا لتحويلها إليها وإعطاء الأمر بتسليم المبلغ إلى الشخص الآخر، أو الجهة المطلوبة (2) .
ومن هنا يحق للبنك أن يأخذ أجرة (عمولة) على التحويل، إذ الوكيل له الحق أن يأخذ الأجر – كما هو معروف في الفقه - (3) .
وأما الشيكات سواء كانت مصرفية، أم سياحية فإنها عند الاقتصاديين نقود كما سبق، أو بمثابة النقود، ومن هنا يتم العقد.
__________
(1) يراجع: حاشية ابن عابدين: 5/340؛ وحاشية الدسوقي على الشرح الكبير: 3/325؛ والأم: 3/30؛ والمغني، لابن قدامة: 4/354.
(2) د. عبد الله عبد الرحيم العبادي: موقف الشريعة من المصارف الإسلامية، طبعة المكتبة العصرية: ص334.
(3) قال ابن قدامة في المغني: " ويجوز التوكيل بجعل وغير جعل "، ثم ذكر الأدلة على ذلك: (4/94 - ... ) ، ويراجع: عقد الوكالة، لمحمد رضا العاني، طبعة مطبعة العاني ببغداد: ص242.(7/119)
ثانيًا: سوق الصرف الآجل: تعتمد سوق الصرف الآجل على نوعين هما:
1- تبادل سفاتج الصرف الآجلة، أي الحوالات الآجلة التي تتضمن أمرًا من طرف أول (ساحب) إلى طرف ثان (مسحوب عليه) ليدفع مبلغًا من العملة الأجنبية إلى طرف ثالث في تاريخ معين.
وتستعمل هذه السفاتج كوسيلة لتمويل التجارة الخارجية، إذ يمكن للمصدر أن يسحب سفتجة على المستورد بقيمة البضاعة، وبعملة بلد المستورد قابلة للدفع في تاريخ معين، ويقدمها للمستورد الذي يوقعها بالقبول محددًا المصرف الذي تصرف الحوالة لديه وحينئذ يحتفظ المصدر بالحوالة إلى أن يحين أجلها، أو يودعها لدى مصرفه لتحصيلها في وقتها (1) .
وهذه السفاتج تتميز بأن تظهيرها من جانب الطرف الثالث يجعلها تلقائيًّا قابلة للبيع، وتقبل الدفع بعد مرور 30 يومًا أو 120 يومًا، ويختلف سعر الصرف عليها بما يساوي معدل الفائدة السائد في بلد الطرف الأول (2) .
وحكم هذا النوع واضح حيث لا يجوز التعامل فيه لوجود ربا النسيئة وربا الفضل، وهو ما يؤخذ من الفوائد على التأخير، وعدم تحقق القبض الشرعي حيث يشترط بالنصّ والإجماع تحقق المماثلة واليد باليد (أي القبض الشرعي في المحلين) عند اتحاد الجنس، ووجوب القبض يدًا بيد عند اختلافه (3) .
2- العقود المؤجلة وهي شراء أو بيع عقد ينص على تسليم كمية محددة من العملة بسعر صرف متفق عليه سلفًا، حيث يتم دفع كل من الثمن وتسليم العملة في تاريخ مؤجل محدد.
وتستخدم سوق العقود كثيرًا من قبل المصارف لإجراء الصفقات الوقائية خوفًا من تقلب الأسعار، ولتغطية أرصدتها المستقبلية من العملات المطلوبة في حينها، حيث تستخدم جزءًا من القروض في شراء تلك العملة التي يجب عليها تسليمها في الوقت اللاحق شراءً منجزًا ثم يقرضونها بالخارج إلى موعد تسليمها بفائدة، أو بالعكس (4) .
والخلاصة أن النقود لا يجوز بيعها وشراؤها إلَّا يدًا بيد، ومن هنا فهذه العملية غير جائزة شرعًا إطلاقًا لما تشتمل من ربا الفضل والنسيئة.
ثالثاً- سوق النقد الآجل للأجل القصير:
__________
(1) د. معبد الجارحي: بحثه السابق: ص14؛ والمراجع السابقة.
(2) المرجع السابق.
(3) نص الحديث في ذلك هو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ولا تبيعوا الذهب بالذهب إلَّا سواء بسواء والفضة بالفضة إلَّا سواء بسواء، وفي رواية صحيحة أخرى بلفظ: الذهب بالذهب ربًا إلَّا هاء وهاء ... ، انظر لروايات الحديث في صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/278 – 283؛ ومسلم: 3/1208 – 1212؛ وأحمد: 3/4، 5/49؛ وسنن ابن داود – مع العون -: 9/198 – 199؛ وابن ماجه: 2/757 – 758؛ والترمذي: 1/233؛ والنسائي: 7/240 – 245؛ والسنن الكبرى: 5/276 – 279؛ ونيل الأوطار: 6/340.
(4) د. معبد الجارحي، بحثه: ص 14؛ والمراجع الاقتصادية السابقة.(7/120)
وهي نوعان:
1- سوق النقد للأجل القصير، حيث يتعامل فيها بالسندات الحكومية قصيرة الأجل، وقروض سماسرة الأوراق، والقبول المصرفي والأوراق التجارية، والأموال فيما بين المصارف وشهادات الوديعة الآجلة القابلة للتداول.
2- سوق رأس المال، أو سوق الأوراق المالية (1) ، والقاعدة الفقهية في هذه المسألة هي أن التعامل في النقود وما في حكمها بالبيع والشراء (الصرف) لا يجوز إلَّا إذا تم القبض الشرعي (يدًا بيد) والتماثل في النقود المتحدة جنسًا، والقبض الشرعي فقط فيما لو اختلفت، مع مراعاة ما ذكرنا من أحكام الشيكات ونحوها.
(أ) وأما الحوالة في النقود، والقرض فيها فجائزان على ضوء القاعدة العامة للشريعة القاضية بعدم وجود الربا فيها.
(ب) أما الذهب والفضة والطعام فحكم التعامل فيه هو وجوب التماثل والقبض في المجلس (يدًا بيد) في جنس واحد، مثل الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والحنطة بالحنطة (2) .
(ج) وأما إذا اختلفت الأجناس فيشترط التقابض في المجلس، غير أنه يجوز بيع الطعام بالذهب أو الفضة أو النقود إلى أجل للحديث الصحيح الدال على ((أن النبي صلى الله عليه وسلم اشترى طعامًا من يهودي إلى أجل فرهنه درعه)) (3) .
(د) التعامل في غير الأنواع الثلاثة السابقة من السلع. فهذه يجوز التعامل فيها إذا توفرت الأركان والشروط الشرعية لكل عقد، ومن أهمها كون المعقود عليه حلالًا، وعدم اشتراط عدم تسليم الثمن والمثمن معًا.
وقد توسعت الشريعة فذكرت وأقرَّت أنواعًا كثيرة من العقود والمعاملات منها البيع، والسلم، والبيع بالأجل، والاستصناع ونحوها، كما أن ذكر هذه الأنواع الموجودة في الفقه الإسلامي ليس للحصر، فالأصل في العقود والتصرفات والشروط هو الإباحة (4) .
(هـ) وأما التعامل بالسلع في الأسواق المالية (البورصة) فيتم التعامل فيها على ضوء ما يأتي:
__________
(1) المراجع السابقة.
(2) والأحاديث في ذلك صحيحة وصريحة، انظر: المراجع الحديثية السابقة ويراجع، فتح الباري: 4/377 – 379؛ ويراجع في تفصيل القبض، بحثنا في القبض وصوره المعاصرة.
(3) الحديث في صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/399.
(4) وقد ذكرنا الدليل على رجحان هذا الأصل عند الجمهور في رسالتنا: مبدأ الرضا في العقود، طبعة دار البشائر ببيروت: 2/1148 وما بعدها.(7/121)
أولاً- سوق السلع الحاضرة: حيث يتم التعامل فيها بكميات محددة، وبمواعيد وشروط تسليم معينة، وليس للسوق أنماط معينة لا يجوز تجاوزها، وإنما يعود الأمر في العقود الجارية فيها إلى الشروط المتفق عليها بين المشتري، أو البائع، والسوق وحسبما يحقق مصلحة العاقد (1) .
ومن أساليب التعامل الشائعة: الشراء على العقد، وهو أن يتعاقد المشتري على شراء حاجياته خلال فترة معينة وفقًا لجدول تسليم معين طبقًا للأسعار السائدة في أوقات التسليم.
وقد وضعت السوق بعض الضوابط العرفية وتفصيلات لكل نوع من أنواع التسليم، مثل التسليم بالمخازن، والتسليم مع التأمين والشحن، والتسليم على ظهر السفينة، والتسليم إلى جانب السفينة، فيختار المشتري من هذه الأنواع بشروطها مع ما يتناسب مع إمكانياته ومصلحته في نظره (2) .
ثانيًا – سوق العقود السلعية: التي يتم فيها تبادل السلع عن طريق عقود نمطية خاصة، تذكر فيها الشروط والمواصفات، ولا يختلف بعضها عن بعض إلَّا من حيث بيان الأسعار ومواعد التسليم المتفق عليهما، لذلك تتصف السلع التي يتم تداولها عن طريق هذه العقود بتجانس وحداتها، وقابليتها للتداول بكميات كبيرة، وللفرز، إضافة إلى عدم قابليتها للتقلبات السريعة، وللتلف نسبياً (3) .
وهذه العقود قد تكون ناجزة، وقد تكون مؤجلة، وفي حالة التأجيل ينص العقد على المكان والزمان اللذين يحددهما البائع، كما يودع كل من العاقدين نسبة معينة من قيمة المبيع كضمان لتنفيذ العقد، كما تحدد قواعد السوق فروق الجودة المستخدمة عند التسليم من خلال أسلوب الفروق الثابتة المحددة سلفًا من قبل السوق، أو أسلوب الفروق المتغيرة التي تحتسب على أساس الفروق بين متوسط الأسعار اليومية بمختلف درجات الجودة في السوق الحاضرة.
__________
(1) د. معبد: المرجع السابق: ص22.
(2) المرجع السابق.
(3) د. معبد الجارحي: بحثه: ص23.(7/122)
وإذا حلَّ زمن الاستلام فإن العقد ينتهي من خلال الطرق الثلاث:
1- طريقة التبادل الفعلي بين البائع والمشتري.
2- المقاصة التي تقوم بها بيوت المقاصة حيث تتداخل عند الحاجة في إنهاء عقود المتعاقدين مقابل عقود أخرى مثل أن يكون أحمد قد باع لمحمد قمحًا يكون تسليمه في شهر كذا، واشترى محمود قمحًا من حمد، فإن قيام حمد بتسليم القمح إلى محمد (بعد قبض الثمن من أحمد) قد أنهى العقدين معًا، وقد تقوم بيوت المقاصة من خلال حلولها محل المشترين والبائعين في التزاماتهم لتصفية العقود بعضها مقابل بعض.
3- المصالحة عن طريق إدارة السوق في حالات خاصة، فتلجأ فيها إلى التحكيم لتحديد السعر العادل الذي يتصالح عليه (1) .
وحكم هذا النوع إن كان تسليم السلعة والثمن يتمّان دون اشتراط تأجيلهما معًا فإن هذا النوع صحيح إذا خلا من بقية المحرمات الشرعية، أما إذا كان فيه تأخير لأحدهما (السلعة، أو الثمن) فهذا أيضًا جائز بمواصفات وشروط السلم في حالة تأجيل السلعة، وشروط بيع الأجل في حالة تأجيل الثمن.
أما إذا كان فيه اشتراط تأجيل الثمن والمثمن فإن كان ذلك العقد قد صيغ على مواصفات عقد الاستصناع فهذا جائز، وإلاَّ فلا يجوز – كما سبق تفصيل هذه البدائل -.
__________
(1) المرجع السابق نفسه، والمراجع السابقة.(7/123)
سوق الاختيارات أو الخيارات:
الخيارات: جمع خيار، وهو في عرف الفقه الإسلامي عبارة عن حق العاقد في فسخ العقد أو إمضائه لظهور مسوغ شرعي، أو بمقتضى اتفاق عقدي، وهو يصل إلى ثلاثة وثلاثين نوعًا (1) . والاختيارات جمع اختيار، وهو يعني طلب خير الأمرين، والإصفاء والإيثار والانتقاء والتفضل هذا في اللغة، أما معناه في الاصطلاح الشرعي فقد عرفه الحنفية بأنه " القصد إلى أمر متردد بين الوجود والعدم داخل قدرة الفاعل بترجيح أحد الأمرين على الآخر " (2) ، ولخص هذا التعريف ابن عابدين بقوله: " الاختيار هو: القصد إلى الشيء وإرادته" (3) ، وعرفه الجمهور بأنه " القصد إلى الفعل وتفضيله على غيره بمحض إرادته " (4) .
أما الاختيار – أو الخيار – في عرف الاقتصاد المعاصر، وفي الأسواق المالية فيراد به: حق شراء، أو بيع سلعة ما في تاريخ محدد بسعر متفق عليه سلفًا، ولا يترتب على مشتري الخيار التزام بيع، أو شراء وإنما مجرد حق يستطيع أن يمارسه، أو يتركه، ويصبح المضارب (المجازف) مالكًا للخيار بمجرد دفع قيمته، فالاختيار اتفاق بين طرفين يتعهد بموجبه الطرف الأول (البائع) أن يعطي الطرف الثاني (المشتري) الحق – وليس الإجبار – لشراء، أو لبيع أوراق مالية، أو سلع حسب شروط منصوص عليها في العقد (5) .
وقد تطورت أسواق الاختيارات تطورًا كبيرًا وأصبحت تشمل معظم السلع والأوراق المالية، ولا سيما بعد إنشاء سوق شيكاغو لتداول اختيارات الشراء على الأسهم سنة 1973م، كما تمَّ تأسيس أسواق مماثلة في أمريكا منذ سنة 1976م غير أنه منذ بداية الثمانينات تمَّ إدراج أنواع جديدة من الاختيارات تشمل الأسهم، وسندات الخزينة الأمريكية والأجنبية والسلع والبضائع، ومؤشرات قياس الأداء في أسواق الأسهم (6) .
لا تختلف الخيارات في أوروبا عما في أمريكا إلَّا في نقطة واحدة، وهي أن المشتري له الحق في أمريكا أن يمارس حقه خلال مدة الخيار قبل الساعة الثامنة مساء من آخر يوم فيه، بينما لا يجوز له أن يمارس حق خياره في الأسواق المالية الأوروبية إلَّا في آخر المدة المحددَّة أي في الساعات الأخيرة من تلك الفترة (7) .
__________
(1) يراجع في تفصيل ذلك كتاب: الخيار وأثره في العقود، لأخينا الدكتور عبد الستار أبو غدة، ط. مطبعة مقهوي بالكويت 1985م، حيث فصَّل وأجاد.
(2) كشف الأسرار: 4/383؛ وشرح التوضيح: 2/196.
(3) حاشية ابن عابدين على الدر المختار: 4/507.
(4) مواهب الجليل: 4/245؛ وشرح الخرشي: 5/9؛ وفتاوى السيوطي، مخطوطة الأزهر رقم 131، فقه شافعي ورقة 143؛ وتحفة المحتاج: 4/229؛ وشرح الكوكب المنير: 1/509؛ والمحلى، لابن حزم: 9/258.
(5) د. محمد القري بن عيد: بحثه السابق؛ ود. محمد الحبيب الجراية: بحثه السابق.
(6) المراجع السابقة.
(7) د. محمد القري: بحثه السابق.(7/124)
أنواع الاختيارات:
للاختيارات في الأسواق المالية أنواع كثيرة نذكر أهمها:
(أ) أنواع الاختيارات من حيث المصدر هي:
1- الخيار الذي تمنحه الشركات لبعض العاملين لديها من كبار المدراء، حيث تمنحهم حق شراء عدد من أسهمها بسعر محدد سلفًا (أدنى من السعر السائد غالبًا) والهدف هو تشجيعهم على العمل المخلص الجاد لأن الأرباح تعود إليهم.
غير أن الشخص الذي منح له هذا الحق يقوم ببيع الاختيار فقط دون الأسهم (1) .
فحكم هذا النوع هو أن منح الشركات حق شراء ذلك وعد لا حرج فيه شرعًا، لكن المانع الشرعي يكمن في بيع الخيار وحده منفصلًا عن الأسهم، وهذا لا يجوز شرعًا لأن المعقود عليه حق محض دون أن يكون له وجود، إضافةً إلى أن نية المتعاقدين في هذه المسألة هي الاستفادة من فروق الأسعار وليس امتلاك الأسهم، ثم إن هذه الأسهم التي وعدت بها الشركة ستكون أسهمًا جديدة وليست قديمة، ولذلك لا يتوفر في نظر الشرع المعقود عليه، فيصبح بيع الخيار باطلًا لا يجوز.
2- الاختيار الذي تبيعه الشركة لمستثمرين جدد، حيث يكون لهم حق شراء مجموعة من أسهمها بسعر محدد (أقل من السعر السائد) خلال مدة محددة، ثم يقوم هؤلاء، أو بعضهم ببيع هذا الحق الذي هو قابل للتداول، والشركة تصدر هذا النوع من الاختيارات لأغراض متعددة (2) .
وحكمه مثل السابق، يضاف إليه حرمة السندات التي غالبًا تصاحب هذه الخيارات (3) .
__________
(1) مثال ذلك أن شركة دلتا أصدرت خيارات على أسهمها بسعر قدره عشرون ريالًا خلال مدة قدرها عشر سنوات، ثم تم بيع كل خيارات بسعر خمسة ريالات، فلو فرضنا أن السعر في نهاية هذه المدة يصل إلى 50 ريالًا فإن المشتري قد حقق أكثر من 100 % علمًا بأن أسعار تلك التعهدات ترتفع بنسبة أكبر من ارتفاع سعر السهم نفسه عندما يتجه إلى الارتفاع، وتنخفض أكثر عندما يتجه سعر السهم إلى الانخفاض فتكون خسارتها أكبر من خسارة الأسهم.
(2) يراجع: د. محمد القري: المرجع السابق.
(3) حيث تصدر الشركات كثيرًا من هذه الخيارات مصاحبة للسندات، فيقبل عليها المستثمرون لأجل هذه السندات ذات الفائدة، المرجع السابق.(7/125)
3- الاختيار الذي تصدره سلطة السوق المالية يعطي حامله الحق في شراء أو بيع عدد من الأسهم خلال فترة محددة، ثم يقوم ببيع هذا الحق، وكذلك الخيارات التي يصدرها السماسرة والمتعاملون في السوق التي تشكل أهم نشاطات أسواق البورصة في البيوع الآجلة في العصر الحاضر، وإذا جرى تداول هذا الخيارات في أسواق البورصة الرئيسية فإن عقودها نمطية متشابهة من جميع النواحي ما عدا السعر، حيث تحدد سلطة السوق مدة العقد ووقت انتهاء صلاحيته، وعدد الأسهم إذا كان الخيار لها.
والسوق تكون ضامنة لوفاء الأطراف بتعهداتهم، أو هي تحدد جهة متخصصة، ولذلك فلا حاجة إلى وجود علاقة مباشرة بين العاقدين، أما إذا جرى تداول هذه الخيارات خارج (البورصات) فإن شروط الخيارات التي تصدرها السوق تكون خاضعة للتفاوض (1) .
4- الخيار الذي تمنحه الشركة لحاملي أسهمها لمدة شهر أو شهرين، وذلك من خلال إعطائهم حق الحصول على أسهم في إصدار جديد بسعر أقل عن السعر السائد، والهدف منه تشجيعهم على المزيد من التماسك، وخلق صعوبات أمام من يريد شراء حصة من الأسهم المتداولة.
__________
(1) د. محمد القري: المرجع السابق نفسه.(7/126)
(ب) أنواع الاختيارات باعتبار محلها:
... أو اختيارات الأسهم، أو اختيارات السندات، أو اختيارات العملة الأجنبية، أو الاختيارات على المؤشر.
هذه الأنواع كلها واضحة ما عدا الأخيرين يحتاجان إلى شرح موجز وهما:
1- الاختيارات على العملة الأجنبية، وهي تعني شهادة تصدرها الشركة تعطي صاحبها الحق في الحصول على مبلغ معين من عملة أجنبية بسعر محدد من العملة المحلية.
وهذه الفكرة بدأت في أوروبا منذ سنة 1986م، ثم انتشرت في أسواق المال بسبب تقلبات أسعار العملات الأجنبية، ومحاولة تغطيتها.
وهي نوعان: نوع بفئات كبيرة، ومدتها طويلة (كخمس سنوات وما فوق) ، وهذا النوع تصدره المؤسسات المالية المتخصصة.
والنوع الآخر تصدره الشركات غير المالية التي يؤدِّي تعاملها في الأسواق الأجنبية إلى دخولها في أسواق الصرف الدولية، فتقوم بإصدار هذه الخيارات وبيعها على العملاء، وغالب الذين يشترونها هم صغار العملاء الذين لا يستطيعون شراء النوع الأول (1) . مثل شركة التليفون والتلغراف الأمريكية التي أصدرت خيارات عملة أجنبية بقيمة ثلاثة ملايين دولار تعطي حاملها الحق في الحصول على 50 دولار بسعر
25, 158 ين ياباني للدولار، فإذا ارتفع سعر الصرف بين الين والدولار فإنه سيحقق أرباحًا بقدره (2) .
وحكم هذا النوع واضح في عدم جوازه، لأنه إن كان عقدًا فلا يجوز التعامل في النقود إلَّا يدًا بيد، وإن كان وعدًا فهو غير ملزم في نظر الشرع، وإذا ألزم به فلا يجوز في الصرف أبدًا.
__________
(1) المرجع السابق.
(2) المرجع السابق نفسه.(7/127)
2- الاختيارات على المؤشر، وهي عبارة عن نوع من الحظ والمجازفة (بل والمغامرة) فإذا كانت الاختيارات السابقة أدَّت إلى أنه لا داعي ابتداءً على امتلاك الأسهم أو السندات بل يكفي شراء وبيع الخيارات، فإن هذا النوع يعني أن المتعاملين في البورصة يعمدون إلى تصفية الخيار نقديًّا، فيدفع مصدر الخيار إلى المشتري الفرق بين السعر الجاري والسعر المتضمن في الخيار بدون الحاجة إلى بيع وشراء الأسهم ذاتها، أو السندات، فهذا النوع لا يتضمن ورقة مالية بعينها (أي سهم، أو سند شركة محددة) ولكنها تتضمن مؤشرًا، فمثلًا يعرف أنَّ مؤشرًا (ضمن المؤشرات الكثيرة المستخدمة في البورصة) يقيس التغير في سعر مائة شركة تتداول أسهمها في بورصة نيويورك (مثلًا) فعندما يصدر الخيار على المؤشر المذكور فإنه يتضمن تلك الأسهم للمائة (بدلًا من أسهم شركة واحدة) فهنا لا حاجة إلى قبض أو تسليم أي شيء، بل يكفي تصفية العقد نقديًّا عند انتهاء مدته معتمدين على اتجاه المؤشر، فإذا ارتفع، ربح من قامر على ارتفاعه، وخسر من قامر على الانخفاض.
يقول الدكتور محمد القري: " هذا العقد صورة من صور القمار الذي ينتشر في أسواق البورصة في زمننا الحاضر حتى صارت بعض الصحف المتخصصة تسمي المجتمع الأمريكي مثلًا " مجتمع صالة القمار " كناية عن هذه الظاهر، إن ما يدفعه المشتري يحصل مقابله على فرصة ربح تعتمد على الحظ والمخاطرة، ثم إن ما يتحصل عليه من عائد ليس له مصدر حقيقي… لكنه شبيه بالميسر يكسب الطرف الأول خسارة الطرف الثاني اعتمادًا على ما قامرا عليه " (1) .
ومن هنا فحكم هذا النوع واضح من حيث الحرمة، فقد حرم الله تعالى بنصوص قطعية الميسر، وأكل أموال الناس بالباطل.
__________
(1) د. محمد القري: بحثه السابق.(7/128)
(ج) أنواع الاختيارات باعتبار طبيعتها حيث هي ما يأتي:
1- اختيارات غير مغطاة وهي عندما نتخذ الأوضاع الآتية، وهي شراء اختيار شراء، أو بيع، وبيع اختيار شراء، أو بيع.
2- اختيارات مغطاة من خلال:
(أ) تكوين محفظة أوراق مالية متكونة من اختيارات من نفس النوع ولكن ذات تاريخ استحقاق مختلف، أو سعر ممارسة مختلف، ويسمى التغطية المنجزة من اختلاف الأسعار.
(ب) أو من خلال التحوط، وهو: تكوين محفظة أوراق مالية متكونة من اختيارات تخص نوعية معينة من الأسهم، ومن أسهم من نفس النوعية وذلك للتحوط من تذبذب الأسعار.
(ج) أو التغطية المركبة من اختيارات بيع واختيارات شراء تخص نفس الأسهم (1) .
ومن جانب آخر يمكن تقسيمها إلى ما يأتي:
1- عقد اختيار الطلب ويسمى اختيار الاستدعاء، وهو خيار يصدره المتعاملون في السوق يخول مشتريه حق شراء، (وليس الالتزام بالشراء) عدد محدد من أسهم شركة، أو أي أوراق مالية معينة بسعر معين خلال فترة محددة تكون غالبًا 90 يومًا، يلتزم المصدر (أي البائع) بتقديم تلك الأوراق إلى المشتري عند طلبه خلال تلك المدة.
وعادة لا يشتري خيار الطلب إلَّا من يتوقع ارتفاع الأسعار، ولا يمارس حقه إلَّا في هذه الحالة ولا يشترط البائع أن يكون مالكًا – كما سبق – لكنه إذا كان مالكًا يسمى خيارًا مغطى وإلَّا يسمى خيارًا مكشوفًا (2) .
2- اختيار الدفع ويسمى اختيار البيع أيضًا، وهو الذي يعطي حامله الحق في بيع (وليس الالتزام ببيع) عدد معين من الأسهم أو الأوراق المالية بسعر محدد خلال فترة محددة، للشخص الآخر الذي يجب عليه قبولها إذا مارس الأول هذا الحق، فمثلًا اشترى أحمد وثيقة خيار دفع يكون من حقه أن يبيع عدد الأسهم المتضمنة فيها عند سعر محدد خلال المدة التي يسري فيها الخيار، وعادة يمارس أحمد حقه هذا عند انخفاض أسعار أسهمه، حيث يريد حماية نفسه من الخسارة المتوقعة (3) .
3- الاختيار المركب الذي يتضمن حقًا في الشراء، وحقًا بالبيع في الوقت نفسه، ثم قد يكون ممتدًا إذا كان متضمنًا سعرًا للشراء يزيد على سعر البيع، وحامل هذا الاختيار قد احتاط لنفسه في نظره من الجانبين فإذا وجد الأجدى له البيع مارسه، أو الشراء نفذه، وهكذا (4) .
__________
(1) د. محمد الجراية: المرجع السابق.
(2) د. محمد القري: المرجع السابق؛ ويراجع د. محمد الجراية المرجع السابق.
(3) د. محمد القري: المرجع السابق؛ ويراجع د. محمد الجراية المرجع السابق.
(4) المراجع السابقة.(7/129)
الخُلاَصَة وَالحكم الفِقهي للاختيارات
ما ذكرناه هو ملخص في غاية من الإيجاز عن التعريف بالاختيارات وأنواعها، ولكنه يعطينا صورة واضحة من أن الفكرة الرئيسية التي تدور حولها أسواق المال (البورصة) هي كيفية تحقيق الأرباح سواءً كانت على حساب الغير، أم عن طريق الحظ والمجازفة والمقامرة أم لا.
فلم تنشأ هذه الأسواق نشأة إسلامية ولا أخلاقية، وإنما هي من نتاج الأفكار المالية الحرة التي لا تفكر إلَّا في كيفية تحصيل المال من أي طريق كان، وهذا لا يعني أننا نرفض كل هذه الأفكار، لأن الحكمة النافعة في شتى المجالات الحالية ضالة المؤمن فهو أحق بها أنّى وجدت، ولكن الذي نعنيه هو ضرورة البحث والتنقيب، والفحص الدقيق لهذه الأفكار حتى لا يبهرنا بريقها فننسحب وراءها بحجة (رفع الحرج) أو (الأصل في الأشياء الإباحية) لأن هذه القواعد كلها مقيدة بأن لا تصطدم بنصّ ثابت.
وبناءً على ما سبق فإن الاختيارات بصورتها الحالية لا ينطبق عليها ما هو مطلوب شرعًا من وجود المعقود عليه وجودًا حقيقيًّا أو موصوفًا في الذمة، ثم إن محل العقد في الاختيارات هو حق محض منفصل عن الأسهم أو الأوراق المالية التي يعطى على أساسها حق الاختيار، ولذلك أجازت السوق بيع الخيار وحده، بل هذا التداول هو الأكثر في الاختيارات ومثل هذا لا يجوز أن يكون معقودًا عليه في الفقه الإسلامي، كما أن هذه الاختيارات تقوم من حيث الغالب على المخاطرة والحظ والمقامرة، والربح على حساب الآخر، بحيث يكون ربح أحدهما على حساب خسارة الآخر، فمثل هذا يدخل في الميسر المحرم، وفي أكل أموال الناس بالباطل.(7/130)
ونحن هنا نذكر ما يتعلق بهذه المسألة بشيء من التفصيل على ضوء ما يأتي:
أولًا – الفرق بين الخيار الشرعي واختيارات السوق أو خياراتها:
إذا وازنا بين الخيار في الفقه الإسلامي والاختيار في الأسواق المالية نجد أن بينهما فروقًا جوهرية من أهمها:
1- أن الاختيار الذي يتعامل به الناس في أسواق المال هو عقد مستقل عن عقد البيع، حيث تتضمن الصيغة انفصال البيع عن الخيار فيكون للخيار ثمن وللسلعة أو السهم ثمن، فهو عقد منفصل مستقل يشتري فيه المستثمر حقًا يخوله البيع، أو الشراء (1) .
بينما الخيار في الفقه الإسلامي هو مجرد حق الفسخ بسبب مقتضٍ إرادي مشروط، أو بسبب آخر أثبته الشرع، فهو إذن ملحق وتبع للبيع نفسه، وليس حقًا مستقلًّا، كما أنه ليس له ثمن ولا يجوز بيعه إطلاقًا عند الفقهاء (2) .
2- أن محل العقد في الخيار الشرعي موجود متحقق بينما المحل في الاختيار السوقي مجرد حق وليس الأسهم، أو السلعة، لأن للأسهم، أو السلعة عقدًا آخر هو عقد بيع وليس حقًّا، إضافةً إلى ما فيه من أمور مستقبلية.
3- الأغلب أن يبيع الاختيار السوقي من لا يملك السلعة أو الأسهم التي تكون ملكًا لآخر، بينما الخيار الشرعي لا يباع أولًا كما أنه تبع للعقد الذي تم، ومتعلق به.
4- الاختيارات يمكن أن تصل إلى سنوات بينما في خيار الشرط الشرعي محدد بفترة محددة (3) .
ولذلك لا ينبغي الخلط بين الخيار الشرعي، والاختيار السوقي فالأمران مختلفان من حيث الشكل والمضمون.
__________
(1) د. محمد القري: المرجع السابق.
(2) يراجع د. عبد الستار أبو غدة: المرجع السابق.
(3) حيث حددها الجمهور بثلاثة أيام.(7/131)
ثانيًا – ما يمكن أن يكون أصلًا لهذه الاختيارات:
ظهر مما سبق أن عقود الاختيارات تتضمن أمرين:
الأمر الأول: محل هذه الاختبارات، وهو تلك الأسهم، أو الأوراق المالية أو العملة الأجنبية، أو نحو ذلك.
الأمر الثاني: هو حق بيع الاختيار نفسه بثمن محدد في وقت لاحق. أما الأمر الأول فيتم من خلال عقد ببيع،، أو شراء أسهم، أو أوراق مالية، أو نحوها مما سبق في وقت محدد لاحق، وبسعر معين، ولكنه لا يتم فيه دفع الثمن ولا تسليم المثمن، حيث يتم الدفع في الوقت الذي يتفق عليه العاقدان في العقد، ويكون من له الخيار بالخيار.
فهل هذا العقد مثل السلم، أو البيع بأنواعه وبيع العربون، أم هو عقد جديد؟
1- لا شك أن هذا العقد لا تنطبق عليه مواصفات السلم الذي هو بيع شيء موصوف في الذمة، ويشترط فيه تسليم الثمن في المجلس عند الجمهور، وفي حدود ثلاثة أيام عند المالكية – كما سبق – وذلك لأن هذا العقد الذي نتحدث عنه لا يتم فيه الدفع والتسليم إلَّا في مدة لاحقة مشروطة في العقد، كما أن المسلم فيه لا يجوز أن يكون نقودًا، وأثمانًا ومثله السندات.
2- كذلك لا تنطبق عليه مواصفات البيع – بصورة عامة – وذلك لأنه لا يجوز بيع الأعيان إلى أجل، قال ابن رشد: " أجمعوا على أنه لا يجوز بيع الأعيان إلى أجل، ومن شرطها تسليم المبيع إلى المبتاع بإثر عقد الصفقة " (1) فلا يجوز في البيع قطعًا اشتراط تأخير الثمن، والمثمن معًا، وإن كان اشتراط تأخير أحدهما جائزًا كما في السلم، حيث يؤخر فيه تسليم المسلم فيه، وكما في بيع الأجل حيث يؤخر فيه تأجيل الثمن (2) .
__________
(1) بداية المجتهد: 2/170.
(2) ويراجع: حاشية ابن عابدين: 4/562؛ والشرح الصغير: 2/71؛ والغاية القصوى: 1/491؛ ومغنى المحتاج: 2/73؛ والمغني: 4/126؛ ويراجع: مصطلح البيع في الموسوعة الفقهية الكويتية.(7/132)
3- كذلك لا تطبق عليه مواصفات بيع العربون – بفتح العين والراء، أو بضم العين، وسكون الراء، والعُربان بالضم. فهو أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع جزءًا من الثمن على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها، فهو البائع (1) .
وقد اختلف الفقهاء في صحة هذا البيع حيث ذهب الجمهور – الحنفية، والمالكية، والشافعية، وأبو الخطاب من الحنابلة – إلى عدم صحته، بينما ذهب أحمد إلى صحته (2) .
ونحن هنا لسنا بصدد الأدلة والمناقشة والترجيح، وإنما الذي نذكره هنا هو أن الاختيارات لا تنطبق عليها مواصفات بيع العربون المختلف فيه، وذلك لأن العربون في بيع العربون جزء من الثمن، وأما في الخيارات فهو ثمن منفصل عن سعر الأسهم، فهو سعر للخيار نفسه، هذا إذا كان الخيار خيار الطلب حيث يوجد نوع من التشابه من حيث إنه يعطي مشتريه الحق في شراء عدد من الأسهم خلال فترة محددة شبيهة ببيع العربون من هذا الوجه فقط، وأما خيار الدفع الذي يكون لمشتريه حق بيع الأسهم فلا شبه بينه وبين بيع العربون إطلاقًا (3) إضافة إلى أن المعقود عليه موجود مسلم في العربون على عكس الاختيار.
4- هل هو عقد جديد؟
نعم إنه نوع جديد لكنه ليس صحيحًا في نظرنا وإن كان الراجح هو أن الأصل في العقود والشروط الإباحة، وذلك لأن هذا العقد واقع على شيء مجرد ليس له حقيقة، لأن المعقود عليه هو حق الشراء، أو حق البيع من طرف والالتزام بالشراء أو البيع من الطرف الآخر، فعلى ضوء هذا فالمعقود عليه معدوم ليس له وجود حسي، فيكون أحد أركان العقد غير موجود فيكون العقد باطلًا، وذلك لأن العقد نفسه وارد في الاختيارات على هذا الحق وحده، وأما ما يتم تبادله فيما بعد من أسهم أو سندات، أو سلع ... فإنه يأتي لاحقًا وليس له علاقة عضوية بعقد الاختيار نفسه، لأن كل واحد منهما مستقل بذاته، وله ثمنه الخاص (4) ومن جانب آخر أن هذا العقد مركب من صفقتين هما: حق البيع والشراء (أي الاختيار) ، والأسهم ونحوها، يمكن اعتباره واردًا على مال وعلى حق محض لا يمكن اعتباره مالًا في نظر الفقهاء (5) .
__________
(1) المغني مع الشرح الكبير: 4/58.
(2) يراجع: شرح الخرشي على مختصر خليل: 5/7؛ وتحفة المحتاج على المنهاج: 4/322؛ والمغني مع الشرح الكبير: 4/58؛ ونيل الأوطار: 5/154.
(3) د. محمد القري: المرجع السابق.
(4) المرجع السابق.
(5) انظر: الأشباه والنظائر للسيوطي.(7/133)
الأمر الثاني: حق بيع الاختيار أو شراؤه، فكما رأينا أن هذا الحق يباع ويشتري في البورصة مستقلًّا عن الأسهم والسندات ونحوها، فهل ذلك جائز شرعًا؟
إن مسألة التصرف في الحقوق تحتاج إلى تفصيل، يمكن تلخيصه في أن الحقوق المحضة التي لا يمكن الانتفاع بها وحدها لا يجوز بيعها (1) فلا يجوز بيع مثلًا بالاتفاق، وحتى في باب الإرث، يقول الزركشي: " اعلم أن الحقوق لا تورث مجرد ابتداء، وإنما تورث تبعًا للأموال كما في الخيار ونحوه " (2) .
فالاختيارات هي حقوق محضة لا يمكن الانتفاع بها وحدها، ومحلها – أي الأسهم ونحوها – منفصل عنها حيث لكل واحد منهما سعره وثمنه، فلا يجوز إجراء العقد على هذا الحق المحض، ثم إن ما يدفع فيه باعتبار ما يتحقق من الأرباح المستقبلية لمحلها من الأسهم ونحوها، وهو أشبه ما يكون بالاعتماد على الحظوظ، والميسر، ولولا طبيعة البورصة القائمة على بعض المعاملات القريبة من المقامرة لما كان لحق اختيار الأسهم أو نحوه أي قيمة تذكر.
وقد دلت نصوص الفقهاء على أن الحقوق المجردة لا يجوز الاعتياض عنها يقول الحصكفى: " لا يجوز الاعتياض عن الحقوق المجردة كحق الشفعة ... ، ولا الصلح بمال مع المخيرة لتختاره، وكذا لو صالح أحد زوجته لتترك لم يلزم ولا شيء لها (3) .
__________
(1) منشور في القواعد للزركشي، طبعة الكويت: 2/55.
(2) المنشور في القواعد للزركشي، طبعة الكويت: 2/55، ويراجع د. عبد الستار أبو غدة: المرجع السابق: 1/317.
(3) حاشية ابن عابدين: 4/14، طبعة دار إحياء التراث العربي بيروت.(7/134)
والملاحظ أن الحقوق التي يجوز الاعتياض عنها هي الحقوق التي نتجت عن فعل سابق مثل حق القصاص الذي يجوز الاعتياض عنه بالدية، أو التي نتجت عن عقد سابق كعقد النكاح الذي يستمر، فيجوز أخذ العوض عنه عن طريق الخلع، أما الحقوق المجردة كحق الشفعة، وحق الحضانة، والولاية، والوكالة وحق المدعي في تحليف خصمه اليمين، وحق المرأة في قسم زوجها لها كما يقسم لضرتها فلا يجوز الاعتياض عنها، لأنها حقوق أثبتها الشرع لأصحابها لدفع الضرر عنهم ... " وفي بعض تفصيل وخلاف (1) ومن هنا فحق الاختيار لا يدخل في هذا النوع الذي يجوز التعويض عنه، لأنه مختلف عنه تمام الاختلاف (2) ، هل هو مثل بدل الخلو؟
قد يتبادر إلى الذهن أن حق الاختيار وبيعه له شبه بما يؤخذ في بدل الخلو في الإيجارات، حيث أجاز بعض الفقهاء ذلك بضوابط شرعية (3) ووافق مجمع الفقه الإسلامي الموقر التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الرابعة بعض صوره، منها: " إذا تم الاتفاق بين المستأجر وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا ... ".
__________
(1) د. وهبة الزحيلي: بحثه عن: بيع الاسم التجاري والترخيص، المقدم إلى مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة، وكذلك بحوث الأساتذة حول هذا الموضوع التي قدموها إلى الدورة السابقة، وهي بحوث: د. عبد السلام العبادي، وأ. د. يوسف محمود قاسم، ود. حسن عبد الله الأمين، والشيخ محمد تقي العثماني، ود. عجيل النشمي، وغيرهم.
(2) د. محمد القري: المرجع السابق.
(3) يراجع: حاشية ابن عابدين: 4/15، وتراجع بحوث الأساتذة: د. وهبة الزحيلي، ود. محمد سليمان الأشقر، وإبراهيم الدبو، ود. محيي الدين قادي، ومحمد علي تسخيري، حول بدل الخلو، المقدمة إلى مجمع الفقه في دورته الرابعة.(7/135)
وجه التشابه بينهما هو أن الاختيارات بمثابة نوع من الامتياز لهذه الأسهم التي يكون لصاحب الخيار بيعها، أو شراؤها بأقل من سعر السوق، فكأنه حق ثابت لصاحب الاختيار مثل حق الإجارة للمؤجر مع أن العين المستأجر شيء آخر كما أن الأسهم ونحوها شيء آخر مستقل.
غير أن التشابه لا يؤثر لوجود خلل في أصل العقد على عكس عقد الإجارة فهو صحيح، أما عقد المحل للاختيار نفسه فغير صحيح، - لما ذكرنا – إضافة إلى أن المستأجر إنما يتحقق له هذا الحق مقابل جهده الذي بذله في المحل التجاري أو نحوه، حتى صار محله معروفًا يرتاده الناس، وتحمل في سبيل ذلك زمنًا حيث كان المحل في بدايته مجهولًا يحتمل الخسارة، أما الآن وبعد زمن فأصبح معروفًا، أو أن المستأجر أساسًا دفع الخلو للمالك أو المستأجر سابق بينما حق الاختيار حق محض لا يعدو كونه حق الشراء – كما سبق – فلا يمكن قياسه على حق بدل الخلو. والله أعلم.
حكم اختيار العملة الأجنبية، والسندات:
سبق أن ذكرنا أن الاختيارات قد تكون للعملة الأجنبية، أو السندات.
فإذا كانت للعملة الأجنبية فإن من المتفق عليه أنه لا يجوز بيع العملات إلَّا مع تحقق شرطين عند اتحاد الجنس هما: التماثل، والقبض في المجلس، وتحقق شرط واحد عند اختلاف الجنس، وهو القبض في المجلس (1) .
وأما السندات التي تباع في البوصة (أو البنوك الربوية) فهي قروض بفوائد فلا يجوز التعامل بها وتداولها بأي تصرف أصلًا.
ومن جانب آخر قد تكون الأسهم لبنوك ربوية، أو لشركات تتعامل في المحرمات كالخمر والخنزير وحينئذٍ فلا يجوز تداولها لا بأصلها، ولا باختيارها.
وإذا سلمت الأسهم والسلع عن المحرمات فسيرد على اختياراتهما ما ذكرناه سابقًا.
__________
(1) وهذا مدلول عليه بالحديث المتفق عليه، انظر: صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/379 – 383؛ ومسلم 3/1208.(7/136)
والخلاصة: أن الاختيارات بصورها الحالية في البورصات لا نجد لها مبررًا شرعيًّا، ولا تأصيلًا فقهيًّا، بل تصطدم بكثير من قواعد الشرع من حيث وجود المعقود عليه وجودًا حقيقيًّا، أو في الذمة ومن حيث تسليم واحد من الثمن أو المثمن – كما سبق – فهي في الحقيقة وسيلة من الوسائل التي تجذب بها السوق عملاءها من خلال الاعتماد على الحظ والمخاطرة والقمار، وذلك لأن المستثمر قد تكون نيته انتهاز فرصة سانحة له في نظره وتوقعه لحال السوق في المستقبل فيشتري حق الحصول على الأسهم، أو العملة، أو نحوهما، فقد يتحقق ما كان يصبو إليه فيربح ربحًا كثيرًا، وقد لا يتحقق فيخسر خسارة كبيرة، وقد تكون نية المستثمر حماية نفسه من خسارة متوقعة عن طريق إلقاء المخاطرة على طرف آخر وإلزامه بالشراء عند حصول الضرر بثمن يحميه من الخسارة التي نتجت عن انخفاض الأسعار، لذلك فالاختيارات لا تعتبر من العقود الصحيحة، بل هي باطلة في نظرنا لعدم وجود مال مخصوص يكون معقودًا عليه، جاء في البيان الختامي لندوة الأسواق المالية: " وواضح أن محل العقد هو التزام، أو تعهد مجرد ... وسواء سمى التزامًا شخصيًّا يترتب عليه حق شخصي، أو قلنا: إنه حق مال كالدين فإنه لا يجوز العوض عنه، فمحل العقد أو الالتزام تعهد أو التزام من طرف يبيع، أو يشتري، وثمن من الطرف الآخر ... وليس محل العقد (الشيء المبيع) هو الأوراق المالية التي تعهد أحد العاقدين بشرائها، أو بيعها وليس هناك عقد (إيجاب أو قبول) في وقت العقد على البيع أو الشراء وعلى فرض أن هناك عقدًا على هذا المحل فهو بيع (عقد تمليك) معلق على شرط ... مضاف إلى زمن مستقبل " (1) .
__________
(1) المراجعة السابقة، ويراجع: البيان الختامي والتوصيات لندوة الأسواق المالية من الوجهة الإسلامية؛ والمنعقدة بالرباط في 20 – 25 ربيع الآخر 1410هـ.(7/137)
البدائل عن الاختيارات:
لا نجد بديلًا مطابقًا لصورها التي تتعامل بها (البورصة) ولكن يمكن الوصول إلى الأهداف والنتائج المشروعة للاختيارات من خلال ما يأتي:
1- إجراء العقود بخيار الشرط (مع تحقق الشروط المطلوبة من وجود المعقود عليه ونحوه) ولا مانع من تمديد مدة خيارالشرط حسب العرف.
2- عقد الاستصناع حيث يحل لنا مشكلة وجود المعقود عليه، وجهالة العمل، فيمكن أن ترتب عقود، وصكوك وشهادات خاصة بالاستصناع في المستقبل.
3- عقد الجعالة أيضًا يمكن أن يعالج لنا كثيرًا من القضايا المستقبلية.
4- عقد السلم، وبيع الأجل (بالتقسيط أو بدونه) يحلان مشكلة عدم وجود المسلم فيه في الأول، وتأجيله المشروط وعدم وجود (الثمن) وتأجيله في الثاني.
المستقبليات:
يراد بها عقود آجلة يؤجل فيها قبض المحل (سلع، أو أسهم أو سندات أو مؤشر) ويؤجل فيه أيضًا دفع الثمن ما عدا نسبة مئوية صغيرة (مثل10 %) لا تسلم إلى البائع، وإنما تحتفظ بها غرفة المقاصة في السوق ضمانًا للوفاء بالعقد.
وهذه العقود المستقبلية نمطية تصدر كأداة تتضمن كمية معينة من القمح.
مثلًا ذا صفة محددة تقبض في تاريخ محدد، أو عددًا من أسهم شركة بعينها، أو سندات محددة تسلم في تاريخ محدد، وتتم هذه العقود عن طريق وسيط، والتسليم قد يقع على السلعة المشتراة أولًا وقد يقع على غيرها مما هي من جنسها وأوصافها مما تجتمع لدى مركز الوساطة (غرفة المقاصة) أو السمسار، ويكون التفاوض بين العاقدين على سعرها، وتتغير النسبة التي تم قبضها من قبل الغرفة اعتمادًا على السعر، لأنه روى في تحديده أنه ضمان للوفاء بذلك السعر، ويتم تصفية جميع العمليات يوميًّا فيتضح الرابح والخاسر، وإذا سلم العاقد المعقود عليه في نفس التاريخ ينقضي التزامه (1) .
__________
(1) البيان الختامي والتوصيات لندوة الأسواق المالية بالرباط، السابق؛ ود. محمد القري: بحثه السابق.(7/138)
فهذه العقود المستقبلية نمطية وقابلة للتداول، فلا يحتاج العاقدان أن يتصل أحدهما بالآخر، وإنما يشتري كل منهما عقدًا نمطيًّا من سلطة السوق يتضمن تسليم كمية من السلعة في موعد لاحق محدد.
والباعث وراء هذه العقود هو الخوف من تذبذب الأسعار، وعدم القدرة على توقع أسعار المستقبل بشكل دقيق، إضافة إلى البحث عن إيجاد عملاء لصاحب السلعة، وضمان تصريف الكمية التي ينتجها، ولذلك فأكثر هذه العقود في السلع الزراعية.
الفرق بين المستقبليات والاختيارات:
تختلف المستقبليات عن الاختيارات في أن الثاني يدفع فيه المشتري سعرًا يعطيه الحق في شراء السلعة، أو الورقة المالية آجلًا، ثم يشتري الأسهم بالثمن الذي حدد سابقًا، وسعر الخيار هو الذي يتحدد في العرض والطلب وليس سعر السلعة ذاتها، بينما المستقبليات تتضمن بيعًا آجلًا، والسعر الذي يجري التفاوض عليه هو سعر السلعة ذاتها (1) .
أنواع المستقبليات:
هناك أنواع كثيرة من عقود المستقبليات وهي:
النوع الأول: عقود على السلع والأوراق المالية المختلفة، حيث لا يتطلب الأمر أكثر من أن يكون البائع قادرًا على الوفاء بالتزاماته، ولا يحتاج إلى إثبات ملكية الأصل، إذ المطلوب منه بموجب العقد أن يسلم المعقود عليه في التاريخ المحدد دون الحاجة إلى إثبات ملكيته للأصل، حيث لا يشترط أن يكون مالكًا له عند العقد (2) .
__________
(1) د. محمد القري: بحثه السابق، والمراجع السابقة
(2) المراجع السابقة.(7/139)
حكم هذا النوع: تبين لنا من خلال العرض السابق أن هذا العقد يشترط فيه تأجيل الثمن والمثمن، وحتى النسبة 10 % التي تسلم هي في الواقع ضمان لتغطية الخسارة المحتملة في حال تخلف أي منهما عن الوفاء.
ولذلك فإن هذه العقود وإن كان لها شبه بالسلم من حيث إنها تصف محل البيع وصفًا دقيقًا، وتحدد لتسليمه موعدًا محددًا لاحقًا، لكن السلم بإجماع الفقهاء لا يجوز تأخير ثمنه عن ثلاثة أيام، بل الجمهور اشترطوا تسليمه في المجلس، والمالكية وحدهم أجازوا تأخيره إلى ثلاثة أيام – كما سبق – فالشريعة الإسلامية لا تجيز التبادل إلَّا إذا تضمنت الصفقة قبض أحد العوضين على الأقل، ولذلك حكم البيان الختامي لندوة الأسواق المالية (بالمغرب) بأن هذه العقود باطلة، كما أنه لا يجوز إجراء أي تصرف آخر عليها.
البدائل:
أعتقد أن البديل عن هذه المعاملة هو السلم بشروطه الشرعية وكذلك الاستصناع في السلع المصنعة، بل إن الأخير فيه مرونة أكثر من حيث تسليم العوضين، وذلك بأن توضع عقود نمطية خاصة بالسلع المصنعة، فيتفق التاجر مع المصنع عن طريق الوسيط لصنع الكمية المطلوبة، ويذكر في العقد المواصفات المطلوبة، والزمن والثمن، وحينئذٍ لا تحتاج إلى تسليم الثمن والمثمن عند العقد.
وكذلك يمكن أن نستفيد من عقد الجعالة، بأن يجعل فيه الشروط والمواصفات، ويصاغ العقد على شكل " الجعالة " بأن ينص فيه: " من أتى بكمية كذا من السلع الصناعية (كذا) في زمن (كذا) فإنه يعطى له مقابل كل طن (مثلًا) مبلغ كذا ".(7/140)
النوع الثاني – مستقبليات المؤشر:
وهذا النوع بدأ التعامل به منذ فبراير 1982 في بورصة مدينة كنساس سيتي الأميريكية، حيث بدأت بإبرام عقود البيع الآجل على الأسهم المتضمنة في مؤشر (Value line) والذي يتضمن أسهم 1700 شركة.
فهذه العقود لا تتضمن القبض والتسليم لأي شيء سوى دفع المؤشر إلى الآخر، وذلك لأن المؤشر أمر مجرد مثل درجة الحرارة، وإنما المقصود به هو التسوية النقدية بين الحالين عند أول العقد، وعند نهايته (1) .
وحكم هذا النوع واضح، وهو عدم الصحة والجواز، إذ لا يوجد المال المعقود عليه، وإنما كما يقول الدكتور محمد القري: " إن هدف المقامرة هو المحرك الأساسي لمثل هذه المعاملات، لذلك نجد أن توسعًا كبيرًا قد حصل في مستقبليات المؤشر حتى أنها أصبحت تشمل المتاجرة على مؤشر تكاليف المعيشة ... " (2) .
النوع الثالث – مستقبليات العملات الأجنبية: حيث يتم من خلال التعاقد على تسليم قدر معين من عملة أجنبية ما في تاريخ لاحق محدد ثم يصبح بعد ذلك قابلًا للتداول، ومحققًا لعائد أو خسارة على حامله، وحكم هذا النوع أيضًا عدم الجواز، وذلك لأن التعامل في النقود (الصرف) يشترط فيه التماثل والتقابض في المجلس عند اتحاد الجنس، والتقابض في المجلس عند اختلافه، وفي هذا النوع اشترط فيه التأخير فلا يجوز – كما سبق -.
النوع الرابع – الخيارات على المستقبليات (3) .: حيث يجمع فيها الأمران، فيكون الحكم بعدم الصحة والجواز أوضح، وذلك أن هذه الاختيارات تتجه نحو الخيار على عقد البيع الآجل، وليس على السلعة، فهذا النوع يجري فيه تركيب العقود على العقود، حتى لا يظهر منه إلَّا جانب القمار، ولذلك فالحكم بعدم جوازه واضح. والله أعلم.
__________
(1) د. محمد القري: بحثه السابق.
(2) بحثه السابق.
(3) يراجع المراجع السابقة في هذا الموضوع.(7/141)
بيع الديون وتداولها في أسواق المال:
انتشرت في أسواق المال 1968 فكرة تداول الديون، ولا سيما الديون الطويلة الأجل وقليلة السيولة، وذلك من خلال بيعها إلى مالك جديد يقوم بعد شرائها بقبض أقساط التسديد والفوائد المترتبة عليها، وقد أمكن عن طريق تداولها تحويل هذه الديون إلى أصول سائلة.
وفي جميع الحالات تجعل هذه الديون على شكل عقود نمطية حيث يصدرها الدائن مع فوائدها على شكل أدوات قابلة للتداول، وموزعة على مجموعات متشابهة في مقدار المخاطرة، وتواريخ استحقاقها، ومعدلات الفوائد (1) .
الحكم الشرعي لهذا النوع والبديل:
إن الحكم الشرعي لهذا النوع بصورته المالية المتضمنة للفوائد هو الحرمة، لوجود الربا فيه، وليس لأنه من باب بيع الدين بالدين، لأن هذا العقد يتضمن بيع الدين بالنقد وليس بالدين – كما سبق -.
البديل عنه:
إذا جردنا هذا النوع من الفوائد والمحظورات الشرعية، فيمكن أن يحل بعض صيغة الحوالة التي تعني نقل الدين من مدين إلى مدين آخر، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أحيل أحدكم على مليئ فليحتل)) (2) . ولكن الحوالة – كما لا يخفى – تقتضي نقل الدين من مدين إلى آخر (3) . وهذا العقد عبارة عن بيع من الدائن لآخر غير مدين، كما أنه يعاد بيعه في أكثر الأحوال ويتعامل معه كسلعة في السوق، ولذلك لا يمكن قياسه على الحوالة، وهل هو عقد جديد؟
__________
(1) د. محمد القري: بحثه السابق.
(2) الحديث متفق عليه، وله روايات وطرق كثيرة، انظر: صحيح البخاري – مع الفتح -: 4/464؛ ومسلم: 3/1197؛ وسنن أبي داود – مع العون: 9/195؛ والترمذي – مع التحفة: 4/535؛ وابن ماجه: 2/803؛ والسنن الكبرى: 6/70؛ والنسائي: 7/278؛ ومسند أحمد: 2/463؛ والأم: 3/203؛ و " فليحتل " أي فليتبع.
(3) قال ابن قدامة في المغني: 4/579؛ " الحوالة إنما تكون بدين على دين".(7/142)
نعم، وحينئذ هل يحكم بصحته حتى لو جرد من الفوائد؟ الذي يظهر لنا هو أنه يتضمن بيع نقود (لم تقبض وليست في حيازة الدائن) بنقل معجل حال، فيتضمن حينئذٍ عدم التقابض بين النقدين، وهذا لا يجوز بالاتفاق لاشتراط التقابض بالاتفاق (1) ، غير أنه يجوز التنازل في الديون بأن يحل شخص آخر محل الدائن برضا الاثنين، فيعطيه دينه بالكامل، وكذلك أجاز بعض الفقهاء الضمان بدون إذن المدين أيضًا، فيعطي الضامن حينئذٍ المبلغ المطلوب إلى الدائن، ويصبح هو دائنًا له (2) .
وفي كل هذه الأحوال لا يجوز فيها النقص مقابل الأجل، وهذا ما عليه جماهير العلماء غير أن بعض الفقهاء – منهم النخعي وأبو ثور وهو مروي عن ابن عباس – أجازوا ذلك وهي مسألة مشهورة بين الفقهاء باسم " ضع وتعجل " حيث كيفوا المسألة على أساس التنازل " فالدائن أخذ بعض حقه وترك بعضه برضا فجاز كما لو كان الدين حالًا " (3) غير أن الراجح هو قول الجمهور – وليس مجال تفصيله هنا.
ويوجد حل آخر وهو إجراء المصارفة في الذمة، حيث أجاز جماعة من الفقهاء – منهم أبو حنيفة ووجه الحنابلة – أن يعطي شخص آخر نقدًا آخر غير النقد الذي هو دين قال ابن قدامة: " فإن كان المقضي الذي في الذمة مؤجلًا فقد توقف أحمد فيه، وقال القاضي: (يحتمل وجهين) الوجه الثاني: الجوار وهو قول أبي حنيفة، لأنه ثابت في الذمة بمنزلة المقبوض، فكأنه رضي بتعجيل المؤجل، والصحيح الجواز إذا قضاه بسعر يومها (4) .
__________
(1) المغني: 4/59، حيث نقل الإجماع عن ابن المنذر.
(2) المغني: 4/591 – 607، وقال: " فمتى أدى رجع عليه، سواء قال: اضمن عني، أو لم يقل " وهذا رأي مالك، وإسحاق ورواية عن أحمد: ويراجع القوانين الفقهية: ص320.
(3) يراجع: المغني، لابن قدامة: 4/56.
(4) المغني، لابن قدامة: 4/55 – 56؛ وحاشية ابن عابدين: 4/173 – 176، وما بعدها.(7/143)
والخلاصة: أن التفكير المحرك لأسواق المال المعاصرة هو في كيفية الحصول على المال بأي طريق كان، وجذب أصحاب الأموال بأية صورة كانت، فلم يراع فيها حقوق الله تعالى، ولا القيم الأخلاقية الإسلامية ... لذلك فالحاجة ماسة إلى إقامة أسواق مالية إسلامية تراعى فيها الضوابط الشرعية، وتعني بالتطورات العصرية، ولا شك أن إيماننا لا يتزعزع بأن هذه الشريعة الخالدة الكاملة كفيلة بإسعاد البشرية وتحقيق الرحمة والخير للبشرية جمعاء، وفيها من القواعد والمبادئ الكلية ما تضمن الحفاظ على الثوابت مع مراعاة التطور والتقدم، وقد رأينا أن فقهنا العظيم يتضمن من العقود والأفكار الاقتصادية ما يمكن بناء صرح اقتصادي ولا سيما إذا انضم إليها جهود المعاصرين (من الفقهاء والاقتصاديين) ووجد العزم واتجهت النية والإرادة إلى بناء وتحقيق جميع مؤسساتنا الاقتصادية على الإسلام وشريته الغراء.
وكما رأت فكرة البنوك الإسلامية النور، ونجحت – على الرغم من كل العقبات – فإن فكرة الأسواق المالية الإسلامية سترى النور قريبًا إن شاء الله تعالى، وما ذلك على الله بعزيز، ولكل منا شرف كبير إذا ساهمنا في هذا المجال، بل هو واجب إسلامي ملقى على عاتقنا والله نسأل أن يوفقنا جميعًا لعمل الخير، وخير العمل، وبناء صرح إسلامي كامل للاقتصاد الإسلامي، وهو مولانا فنعم المولى ونعم النصير.
والحمد لله أولًا وأخيرًا، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبع هداه إلى يوم الدين.
الدكتور علي محيي الدين القره داغي.(7/144)
الأسهم، الاختِيارات – المستَقبَليّات
أنواعهَا وَالمعامَلات التي تجري فيهَا
إعدَاد
الدكتور محمَّد علي القري بن عيد
مركز أبحاث الإقتصاد الإسلامي – جدّة
بسم الله الرحمن الرحيم
الأسهم الاعتيادية:
السهم هو الوثيقة التي تصدرها الشركة المساهمة والتي تمثل حق المساهم فيها وملكيته لحصة مشاعة في موجوداتها. ويسمى " اعتيادي " لتفريقه عن نوع آخر من الأسهم يسمى " الممتاز " له شروط مختلفة.
ويتمتع حامل السهم الاعتيادي بحق الحصول على عائد سنوي يقتطع من أرباح الشركة التي تحققت نتيجة استثمار رأسماله، ويختلف العائد من سنة إلى أخرى لاعتماده على نتائج نشاط الشركة. ويضمن حامل السهم ديون الشركة – التي تتمتع بشخصية اعتبارية – بمقدار حصته فلا تتعدى لأمواله الخاصة.
ومن خصائص السهم تساوي قيمته، فكل سهم يعد مثليًّا لأسهم الشركة المصدرة له (وعلى هذا استثناءات) ، وتسهل هذه الميزة عملية حساب الأصوات في الجمعية العمومية، وتوزيع الأرباح على المساهمين. والغالب أن يترتب على تساوي القيمة المساواة في الحقوق التي يمنحها السهم لصاحبه وهو الحق في الأرباح والتصويت وناتج التصفية عند الإفلاس وكذلك الالتزامات الناشئة عن ملكية السهم.
كما يتميز بقابليته للتداول بالطرق التجارية ويُهدى ويُرهن ... إلخ، وعدم قابليته للتجزئة في مواجهة الشركة فإن ملكه أكثر من شخص واحد، فتكون ملكيته للسهم على المشاع.(7/145)
الأهمية الاقتصادية للأسهم:
يعد إصدار الأسهم واحدًا من طرق التمويل في البلدان المتقدمة. ولقد ساهم اختراع صيغة الشركة المساهمة، وهي شركة تتصف بمحدودية المسؤولية، وبتقسيم رأسمالها إلى حصص صغيرة متساوية قابلة للتداول، كان له – بلا ريب – إسهام رئيسي في النمو الاقتصادي في تلك البلدان.
ولعل أهم ما تمتاز به هذه الصيغة أنه يمكن من خلالها جمل رساميل كبيرة من مساهمات صغار المدخرين الذي لا يمكن لهم الاستثمار مباشرة، والغالب أن حجم رأس المال الذي يمن تكوينه من خلال صيغة الشركة المساهمة لا يمكن أن يتكون بأي وسيلة أخرى إلَّا عند مستويات أدنى.
ومن جهة ثانية تمثل المسؤولية المحدودة حافزًا لدى الأفراد حيث يعلمون أن ديون الشركة وخسائرها لا يمكن أن تمتد إلى أموالهم الخاصة، فالمخاطرة في هذا النوع من الاستثمار – بالنسبة للفرد – محدودة ومسيطرة عليها.
ومن جهة ثالثة تؤدي ميزة التداول إلى جعل الاستثمار – بالنسبة للأفراد – جيد السيولة (أي يمكن تنضيضه في أي وقت دون تحمل خسائر كبير) مما يجعل الشركة المساهمة متفوقة على صيغ الاستثمار الأخرى.
وأخيرًا تؤدي الإدارة بالتوكيل في الشركة المساهمة إلى زيادة كفاءة عملها وتحقق الاستمرارية فيها ووضوح الهدف.
من ذلك كله وجدت المجتمعات أن صيغة الشركة المساهمة يمكن أن يكون لها دور بالغ الأهمية في التنمية الاقتصادية حيث يتم تعبئة المدخرات من الأفراد وتوجيهها نحو الاستثمار في المشاريع الصناعية والزراعية والخدمية ... إلخ، التي يصعب تمويلها بأي طريقة أخرى. على أن جميع النشاطات الاقتصادية – بصرف النظر عن حجمها – قابلة إلى أن تمول بصيغة الشركة المساهمة.(7/146)
موجودات الشركة:
يمكن أن تكون موجودات الشركة على أنواع تعتمد على طبيعة نشاط الشركة ولكنها لا تخرج عن أن تكون ما يلي:
(أ) أعيان: مثل مبنى الشركة وأثاثاتها والأجهزة المكتبية وأدوات الإنتاج المملوكة لها والسيارات والمخزون من البضائع والمواد وما إلى ذلك.
(ب) نقود: النقد في صناديق الشركة والحسابات الجارية في المصارف.
(ج) ديون تكون ناتجة عن بيع السلع والخدمات بالأجل أو سندات دين حكومية أو خاصة أو غير ذلك من الديون المستحقة للغير.
(د) موجودات أخرى: مادية مثل أسهم الشركات الأخرى إذ قد تمتلك الشركات أسهمًا لشركات أخرى على سبيل استثمار أموالها الفائضة، أو معنوية مثل الاسم التجاري وحقوق الاختراع، والطبع والتأليف والنشر ... إلخ.
تقويم موجودات الشركة:
يمثل السهم كما أسلفنا حصة مشاعة في موجودات الشركة. ولهذه الموجودات قيمتان؛ الأولى: ما يسمى بالقيمة الدفترية وهي تمكن شراء تلك الاصول، والثانية: هي القيمة الحقيقية وهي تمكنها في السوق. فإذا كانت الشركة تمتلك عمارة وكانت قد اشترتها بمليون من الريالات فإنها تسجل في دفاترها بهذه القيمة. وهي ربما بعد عدة سنوات ترتفع في الثمن السوقي لتصل أضعاف تلك القيمة. وتسمح بعض القوانين المحاسبية بأن تأخذ الشركة في اعتبارها هذه الحقيقة ولكنها غالبًا ما تحدد نسبة معينة فقط يمكن أن تضاف إلى القيمة الدفترية لتقويم أصول الشركة.
من ذلك يتضح أن ما يمثله السهم في دفاتر الشركة ربما يكون مختلفًا عن قيمة الحصة المشاعة عن أصولها في السوق. ويترتب على ذلك أمور كثيرة أهمها ما يتعلق بالزكاة.(7/147)
نشاط الشركة المساهمة:
صيغة الشركة المساهمة هي طريقة تمويل يمكن أن ينشأ بناء عليها أي نوع من النشاط الاقتصادي المدر للربح. ولكن الغالب أن تكون نشاطاتها متنوعة، يغلب عليها صنف واحد ولكنها تتضمن أنواعًا كثيرة. فالشركة، التي تنتج الورق من مصانعها، ربما تنخرط في نشاطات أخرى كأن تمتلك أسهمًا في شركات تنتج الخمور أو تعمل بالربا وربما تمتلك سندات دين حكومية أو خاصة، وربما تقترض هي من البنوك أو تخصم الأوراق التجارية الناتجة عن بيعها السلع بالأجل أو تقوم بالتأمين على ممتلكاتها ... إلخ، وقلما تخلو شركة مساهمة من هذه الأنواع أو بعضها.
هل يمكن للمستثمر التعرف على نوع موجودات الشركة ونشاطاتها؟
حامل السهم هو شريك في أموال الشركة، وتعطيه القوانين في جميع الدول كامل حقوق المالك، فله الاطلاع على دفاتر الشركة وحساباتها وإدارة الشركة ملزمة بالإجابة عن كافة أسئلته، ومنها ما يتعلق بموجوداتها ونشاطاتها وهذا الأمر وإن كان ممكنًا من الناحية القانونية لكنه ليس متيسرًا من الناحية العملية:
(أ) لصعوبة ذلك على المستثمر الصغير، والغالب أن أكثر المساهمين لا يمتلكون إلَّا نسبة ضئيلة من الأسهم فالحصول على المعلومات يتضمن تكاليف متعددة مثل تكاليف الانتقال والاتصال ... إلخ، إضافة إلى الوقت.
(ب) لأن أوضاع الشركات وموجوداتها ونشاطاتها ليست جامدة، بل تتغير بصورة مستمرة بحيث يقتضي التحقق من المعلومات دوام الاطلاع على وثائق الشركة وهو أمر بين الصعوبة.
وتلزم قوانين الدول الشركات المساهمة بنشر ميزانياتها السنوية وحساب الأرباح والخسائر وتقديم تقرير سنوي عن نشاطها إلى جمعيتها العمومية والأرجح أن تتضمن هذه الوثائق معلومات إضافية عن موجودات الشركة ونشاطها.(7/148)
تكوين الشركة المساهمة:
يتم – في أكثر قوانين الدول – تكوين الشركة المساهمة عن طريق اختمار الفكرة لدى عدد من المستثمرين يسمون " المؤسسين " يكتبون بينهم مسودة النظام الأساسي الذي يحدد نشاط الشركة ونطاقها ورأسمالها ومدتها. ثم يسعون إلى الحصول على الترخيص من الجهات المعنية بإنشائها وطرح أسهمها للاكتتاب، أي عرضها للبيع على الجمهور، فإذا تم الاكتتاب بالحد الأدنى المطلوب قانونيًّا – أي بيع من أسهمها ما يكفي لقيامها – أو أكثر منه تم التسجيل النهائي لها كشركة مساهمة.
إصدار الأسهم:
لكل سهم قيمة اسمية تكتب عليه وهي تعادل حصة من رأس المال، ويكون مجموع القيم الاسمية هو رأس المال المصرح به. ثم تطرح الأسهم للاكتتاب العام بطرق مختلفة:(7/149)
(أ) تعرض على العموم ويباع السهم بقيمته الاسمية، فإذا كانت قيمته الاسمية 100 ريال دفع المستثمر هذا المبلغ عن كل سهم يشتريه، ويستمر الاكتتاب حتى يتم بيع جميع الأسهم أو حتى تنتهي فترة الاكتتاب التي تحدد بعدد من الأيام أو الأسابيع. والاكتتاب بعشرة أسهم مثلًا لا يضمن حصول المستثمر عليها لأن الشركة قد " تخصص " أسهمها على المكتتبين – إذا زاد عدد الأسهم المكتتبة بها عن تلك التي ستصدرها الشركة – وتقدم الأسهم للمكتتبين مع بيان يتضمن شروط الإصدار وأهداف الشركة ومدتها ونشاطاتها والمؤسسين لها، وتنشر شروط الإصدار في الصحف (كما يقتضي القانون في أكثر البلدان) . والأرجح أن يشير هذا البيان إلى الحد الأدنى من عدد الأسهم التي يجب أن يكتتب بها (أي نسبة ما يباع من مجموع الأسهم) والتي بدونها يعد العرض ملغي وترد النقود إلى أصحابها.
(ب) وقد لا يطلب من المستثمر عند الاكتتاب إلَّا دفع جزء من القيمة الاسمية وفي هذه الحالة يكون مجموع ما دفع المستثمرون هو " رأس المال المدفوع " وتكون حقوق المستثمر وملكيته تامة. ولكنه مسؤول عن ديون الشركة ليس فقط بمقدار ما دفع ولكن بمقدار القيمة الاسمية للسهم. وتحدد شروط الإصدار طريقة دفع ما تبقى من قيمة السهم وتكون هذه الطريقة إما:
بمواعيد ثابتة محددة، أو عند طلب مجلس الإدارة.
(ج) وربما تطرح الأسهم بطريقة شبيهة بالمزاد وتقوم على طلب العروض، فتعرض الشركة أسهمها ذات القيمة الاسمية المحددة على المستثمرين قبل الطرح النهائي لغرض المزايدة ثم تختار لها السعر الذي يرجح عنده أن تبيع كل الإصدار، وغالبًا ما تتبع هذه الطريقة الشركات التي تزيد رأسمالها بإصدار جديد. وميزة هذه الطريقة التأكد من أنها سوف تجد مشترين لجميع الأسهم المطروحة. وقد يكون السعر الذي يختار للسهم أعلى أو أقل من القيمة الاسمية.
(د) وفي حالة إصدار الشركة القائمة لأسهم جديدة، تنص أكثر أنظمة الشركات على أن يكون للمالك القديم (أي حامل السهم من الإصدار القديم) حق الشفعة، فتعرض عليه الأسهم أولًا لشرائها بثمن محدد ولا تعرض في السوق إلَّا إذا رغب عن الشراء. ويستحق كل مساهم أسهمًا بنسبة ما يملك من رأس مال الشركة.
ونظرًا إلى أن الإصدار الجديد سيؤدي إلى زيادة المعروض من أسهم الشركة ومن ثم احتمال انخفاض سعرها في التداول، يُعدُّ حق الشفعة وسيلة لتعويض المالك القديم عن الانخفاض الذي ربما يحصل في سعر أسهمه وتسمح بعض الشركات لحملة الأسهم القديمة ببيع حق الشفعة، ومن ثم الإفادة من هذا الحق دون الحاجة إلى شراء أسهم من الإصدار الجديد.
وبالنسبة للإصدار الإضافي للأسهم فإن الشركة لا تلتزم بالضرورة ببيع الأسهم بنفس قيمتها الاسمية فقد تصدر بعلاوة إصدار، أي أن المشتري سيدفع ثمنًا لها أعلى من قيمتها الاسمية أو بخصم إصدار أي أنه يمكن له الحصول عليه بسعر يقل عن القيمة الاسمية ويعتمد ذلك على السعر السائد للسهم القديم في السوق.
(و) ويمكن أن تصدر الأسهم بإحدى ثلاث طرق:(7/150)
1- أن تكون مسجلة بالاسم فلا تنتقل ملكيتها عندئذ إلَّا بتسجيل اسم المالك الجديد في سجلات الشركة وعلى السهم نفسه.
2- أسهم لحاملها ولا تحتاج لانتقال ملكيتها إلَّا إلى حيازة الوثيقة أي السهم ذاته.
3- أسهم لأمر: ويمكن أن تنتقل ملكيتها بالتظهير وذلك بكتابة اسم المالك الجديد وتوقيع المالك السابق دون الحاجة إلى الرجوع إلى سجلات الشركة. ولا تسمح أكثر الدول إلَّا بالأسهم المسجلة فقط.
(ز) والغالب أن تتفق الشركة التي ستصدر أسهمًا، أو الهيئة التأسيسية لشركة جديدة مع بنك للاستثمار أو مؤسسة متخصصة تعمل في أسواق الأوراق المالية لإدارة ذلك الإصدار. وفي بعض الأحيان، ضمان بيع جميع الأسهم المصدرة. وهناك أنواع متعددة من الخدمات التي تقدمها مثل تلك المؤسسات منها:
1- أن تقوم تلك المؤسسة المالية بتسويق تلك الأسهم وتبذل في ذلك كل جهد ممكن وتحصل مقابل خدماتها على نسبة مئوية من قيمة مبيعاتها وفي أحيان على أسهم من الإصدار ذاته.
2- أن تضمن تلك المؤسسة أو بنك الاستثمار بيع جميع الأسهم التي يتضمنها الإصدار. والمعتاد أن بنك الاستثمار لا يقوم بهذا الدور وحده إلَّا بعد أن ينهي ترتيبات موسعة منها الاتفاق مع مجموعة من السماسرة ومن المستثمرين الكبار (كصناديق التقاعد أو شركات التأمين في الدول الغربية) لتوزيع الأسهم عليهم. وقد يتضمن ذلك دخول بعضهم كمشتر للأسهم في السوق وذلك لضمان عدم تدهور سعرها قبل نفاذ جميع الأسهم. ويشترك الجميع في تحمل المخاطرة والتكاليف في مقابل حصولهم على نسبة تمثل الفارق بين سعر البيع والسعر المضمون للشركة المصدر. وفي أحيان يقل سعر بيع السهم عن السعر المضمون للمصدر وبذلك يحقق الضامن خسارة لعمله المذكور ويضمن هذا البنك الثمن المتفق عليه للأسهم بكاملها للمصدر، بل إنه يعد مشتر لها تجاه تلك الشركة.(7/151)
ولذلك تكون الشركة المصدرة للأسهم في هذه الحالة قد تأكدت من بيع جميع أسهمها بمجرد اتفاقها مع مؤسسة ضمان الإصدار، وفي أحيان تقبض الثمن حالًا. وتستفيد الشركة من هذا الترتيب من وجهتين:
(أ) تجنب التكاليف المتضمنة في عملية بيع وتسويق الأسهم.
(ب) ضمان بيع جميع الإصدار بسعر موحد.
3- أن يقتصر التزامها على شراء أو ضمان تسويق تلك النسبة من الإصدار التي لم تستطع الشركة تسويقها بطريقتها الخاصة إلى بيعها إلى مالكيها (حملة الأسهم فيها) أو إلى المستثمرين في السوق.
المعاملات التي تجري على الأسهم:
1- تداول الأسهم: السهم ورقة ذات قيمة وتصبح قابلة للتداول بمجرد طرحها. ومع أن بعض الشركات تشترط أحيانًا أن عملية نقل الملكية لا تسجل إلَّا بعد الطرح بفترة معينة، إلَّا أن هذا لا يمنع الأفراد غالبًا عن تداول تلك الأسهم بيعًا وشراء. ولذلك لا يرتبط تداول الأسهم بطبيعة أصول الشركة وغلبة الديون فيها على الأعيان ... إلخ.
وفي حالات خاصة تتدخل الحكومة لوقف تداول أسهم شركة من الشركات لحماية المساهمين فيها، مثل أن تسري شائعات حول وضعها المالي تؤدي إلى اتجاه أسعارها إلى الانهيار في البورصة فتتدخل سلطة السوق بوقف التعامل فيها حتى تعطي إدارة الشركة فرصة لتوضيح الموقف. وقد يستغرق ذلك عدة أيام أو أسابيع.
2- البيع: تشترط أكثر القوانين في الدول أن يتم تداول الأسهم المسجلة بالاسم بيعًا وشراءً في السوق المخصصة لذلك. ولا يتم التداول للأسهم في أكثر الدول إلَّا عن طريق سماسرة (لا يمارسون عملهم إلَّا بعد الحصول على ترخيص) يقومون بإتمام عمليات البيع. أما الأسهم الأخرى حيث يسمح بها فيمكن أن تباع في السوق المنظمة أو خارجها.(7/152)
كيف تتحدد أسعار الأسهم في السوق؟
بمجرد انتهاء عملية الاكتتاب لا يعود للقيمة الاسمية للسهم أية أهمية فهي لا تعني أن المستثمر يملك رأسمال مساوٍ لها، ولا أن المبلغ يستحق له في يوم من الأيام، ولا أن أي جهة تضمن شراء السهم بتلك القيمة.
إن سعر السهم يتحدد في السوق، وهو ربما يصل إلى أضعاف تلك القيمة الاسمية وربما يصل إلى جزء بسيط منها فقط. أما العوامل المؤثرة على السعر فهي غالبًا:
(أ) قوى العرض والطلب، فإذا زاد المعروض من أسهم شركة عن الكمية المطلوبة أدى ذلك إلى اتجاه أسعارها إلى الانخفاض والعكس صحيح.
(ب) المركز المالي للشركة، فالتوقعات تؤثر على اتجاه الأسعار فإذا توقع المستثمرون أن شركة ما ستحقق أرباحًا أعلى في المستقبل أو أن أسهمها ستصبح ذات سعر أعلى يدفعهم ذلك إلى زيادة الطلب وغالبًا ما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار.
(ج) ومن الأوضاع التي تؤثر على سعر الأسهم كثرة ديون الشركة إذ كلما زادت تلك الديون توقع المستثمرون تدنيًا في قدرتها على تحقيق الأرباح مستقبلًا ومن ثم إلى انخفاض أسعار أسهمها.
(د) الحالة الاقتصادية للقطاع الذي تعمل فيه الشركة وللبلاد بصفة عامة.
(هـ) العائد المتوقع من فرص الاستثمار الأخرى، بما في ذلك سعر الفائدة.(7/153)
من أنواع البيوع التي تتم في الأسهم:
1- بيع فوري يدفع فيه الثمن كاملًا وتقبض الأسهم.
2- بيع يقبض البائع فيه كامل الثمن فورًا ولا يدفع المشتري إلَّا جزءًا من الثمن والفرق بينهما قرض يقدمه السمسار بفائدة. ولا يقبض المشتري الأسهم بل تبقى عند السمسار كضمان مقابل القرض.
3- بيع أسهم بيعًا عاجلًا لا تكون مملوكة للبائع بل يقترضها من السمسار فيبيعها ويحتفظ السمسار بالثمن كضمان مقابل تلك الأسهم وتنتهي المعاملة بشراء ذلك البائع للأسهم من السوق، في وقت لاحق تكون فيه أسعارها قد انخفضت فيسدد القرض إلى السمسار ويقبض الثمن السابق (ويفترض أن الثمن الذي اشترى به أقل من ثمن البيع الأول والفرق بينهما ربحه) .
الرهن:
وتعد الأسهم أصولًا يمكن أن ترهن مقابل الديون، فإذا كانت أسهمًا لحاملها باعها الدائن عند عجز المدين عن الدفع، وإذا كانت أسهمًا مسجلة بالاسم سجلت كرهن لدى الجهات المختصة.
القرض:
وتعد الأسهم أموالًا مثلية يجري فيها القرض، فيقترضها من يتوقع انخفاض سعرها حتى يردها عندما يحصل ما توقع فيشتري عند سداد القرض أسهمًا بثمن أقل من سعر بيعها عند الاقتراض.(7/154)
بيع الحقوق المترتبة على ملكية الأسهم:
وقد يبيع المستثمر المالك لأسهم شركة معينة بعض الحقوق المترتبة على ملكيته كحق الشفعة في إصدار جديد أو الشهادات التي تخول له الحصول على أسهم في المستقبل بسعر محدد مسبقًا بينما يحتفظ بملكية تلك الأسهم.
ربح الشركة:
الهدف الأول للشركة المساهمة هو تحقيق الربح وتوزيعه على المساهمين والربح بالنسبة لهذا النوع من الشركات هو مفهوم محاسبي حركي لا يعتمد على فرق سعر الشراء عن سعر البيع ولكنه يعتمد غالبًا على قرار مجلس إدارة الشركة الذي يأخذ باعتباره أمورًا متعددة منها:
1- الأحوال الاقتصادية والمركز المالي للشركة.
2- توقعات مالكي الشركة (أي حملة الأسهم) ، فإذا كانوا يتوقعون الحصول على أرباح فالأرجح استجابة الإدارة إلى ذلك.
3- السياسة العامة للشركة، فقد تتبنى بعض الشركات سياسة دفع أرباح سنوية بصرف النظر عما إذا كانت قد حققت أرباحًا بالفعل أم لا (شركة سيتي كورب. في الولايات المتحدة لم تتخلف عامًا واحدًا عن دفع الأرباح منذ سنة 1813هـ لأنها تتبع هذه السياسة) .
4- وبشكل عام فإن الربح يعتمد على التدفقات النقدية التي تتمتع بها الشركة أكثر من اعتماده على الربح بمفهومه الدقيق. ولذلك يحدث كثيرًا أن توزع الشركة أرباحًا وهي مدينة.(7/155)
طريقة توزيع الأرباح:
هناك طرق متعددة تتبعها الشركات تهدف إلى انتفاع المساهم بما حققته من أرباح، فهي يمكن أن:
(أ) تدفع مبلغًا نقديًّا محددًا يمثل نسبة مئوية من القيمة الاسمية للسهم، وربما تدفعه مرة في السنة أو تدفعه منجمًا في مرتين أو أربع مرات سنويًّا. وهذه هي الطريقة الغالبة.
(ب) أن يحصل المساهم على أسهم جديدة بدلًا من النقود. فمثلًا إذا قررت أن توزع ربحًا لكل مساهم قدره 20 % من القيمة الاسمية للأسهم، حصل من لديه عشرة أسهم على سهمين ... إلخ.
(ج) أن يحصل المساهم على السندات. فإذا حققت الشركة ربحًا مقداره (مليون) من الريالات مثلًا وكانت في مرحلة نمو أو توسع اقترضته من مجموع المساهمين فأعطت لكل واحد منهم سندات تمثل نصيبه من ذلك الربح، وتحتفظ هي بالربح المذكور لتمويل مشاريعها الجديدة. ثم تدفع فوائد على تلك السندات حتى يحين وقت سدادها.
(د) وإذا حققت الشركة أرباحًا كبيرة، فإنها تعمد إلى ما يسمى بكسر الأسهم، فمن كان لديه 1000 سهم بقيمة اسمية 100 ريال للسهم الواحد، يستبدلها بـ2000 سهم بقيمة اسمية قدرها 50 ريالًا للسهم الواحد، وهكذا مع ملاحظة أن سعر السوق للسهم مختلف تمامًا عن القيمة الاسمية.(7/156)
الأسهم الممتازة:
السهم الممتاز (وهي التسمية المتعارف عليها) أو المفضل (وهي ترجمة أكثر دقة للتسمية الأجنبية) هو مرحلة متوسطة بين السهم العادي وبين السند الذي سيأتي الحديث عنه، وقد سميت مفضلة لأنها مفضلة على الأسهم العادية في استحقاق الربح وفي ضمان القيمة الاسمية والسبق إلى متاع الشركة في حال تصفيتها. وهو أنواع متعددة يكون أحيانًا أقرب إلى السهم العادي منه إلى السند وأحيانًا العكس من ذلك. فإذا كان من فئة الأسهم فهو وثيقة ملكية لكنه يمتاز على الأسهم العادية بأولويته في الحصول على الربح وفي التعويض عند تصفية الشركة. وإذا كان أقرب إلى السند كان مضمون العائد كنسبة معينة تصرف عند تحقق الربح وتتراكم سنة بعد سنة عندما لا يتحقق الربح فتدفع جميعًا في أول فرصة (وقد يصل إلى حد اضطرار الشركة إلى الاقتراض لدفع العائد الموعود) . وتدفع الأرباح المستحقة على الأسهم الممتازة قبل أن يستحق حملة الأسهم العادية أي ربح لأن الربح على الأولى دين على الشركة مستحق الوفاء. وربما تكون لها مدة محددة تقوم الشركة في نهايتها بدفع القيمة الاسمية لذلك السهم أو تحويله إلى نوع آخر من الأوراق المالية كالأسهم العادية أو السندات. وفي أحيان تلتزم بشرائها بثمن يزيد على قيمتها الاسمية. والغالب أن السهم الممتاز قريب من السند ولذلك يسري عليها جل ما سنذكره عن السندات أدناه ولكنه يختلف عنه في أن الشركة المصدرة لا تدفع (كقاعدة عامة) فوائد تأخير عندما لا تدفع الربح إلى حامل السهم الممتاز وإنما تكتفي بتراكم تلك الأرباح.(7/157)
الأسهم الممتازة ذات العائد المتغير:
لم يظهر هذا النوع من الأسهم إلَّا قبل سنوات قليلة، وفيه يكون العائد مربوطًا بنسبة مئوية مضافة أو مطروحة إلى عائد ورقة مالية أخرى متداولة في السوق. فمثلًا قد يصدر السهم الممتاز ويحدد عائده السنوي بأنه نسبة العائد على سندات الخزانة الأمريكية ذات التسعين يومًا يضاف إليها (أو يطرح منها) نسبة 1,25 % مثلًا أو أقل من ذلك أو أكثر. أو قد تربط بسعر الفائدة الذي يسوده على القروض بين البنوك في سوق لندن المالية، المسمى ليبور.
أسهم التمتع:
يقدم المساهم حصة فيحصل على أسهم رأس المال التي تستمر استمرار الشركة ولا تعود إليه إلَّا عند انقضائها. أما أسهم التمتع فإن قيمتها الاسمية ترد إلى المساهم أثناء حياة الشركة، وتسمى هذه العملية استهلاكًا للأسهم. فإذا استردها أصبح مساهمًا متمتعًا. وترد إليه تدريجيًّا أو مرة واحدة إلى أن يسترد جميع ما دفعه للشركة مع بقاء استحقاقه للربح. والشركات التي تعمد إلى مثل هذه الطريقة هي تلك التي تكون محددة بفترة معنية أو تلك التي لا يؤمل أن يكون بيدها عند الانقضاء أموال توزع على حاملي الأسهم. مثال ذلك الشركة التي تستغل منجمًا بامتياز من الحكومة له سنوات محددة، فربما ينتهي ما بالمنجم من معدن فلا يعود بيد الشركة ما يستحق أن يوزع على المساهمين. أو ربما التزمت بأيلولة ما تملك عند انتهاء العقد إلى الحكومة فتعمل على تعويض المساهمين بإعادة القيمة الاسمية لهم. ولا تجيز كثير من القوانين عملية الاستهلاك المذكورة إلَّا أن يكون مصدرها الربح أو الاحتياطات وليس رأس المال. وقد يتم الاستهلاك بالقرعة لعدد محدود من المساهمين. وقد تنشئ الشركة أسهمًا تشترط لحملتها الاستهلاك، فتكون أسهم تمتع ابتداء. وفي أغلب الأحوال يستمر لحملة أسهم التمتع حق حضور الجمعية العمومية للشركة والتصويت فيها.(7/158)
الاختِيَارات
الاختيار عقد يمثل حقًّا يتمتع به المشتري والتزامًا يقدمه البائع فيدفع الأول ثمنًا مقابل تمتعه بذلك الحق ويقبض الآخر هذا الثمن مقابل تعهده والتزامه. وينتج عنه إرادة قابلة للبيع وللتداول. وثمن الاختيار ليس جزءًا من ثمن الأسهم أو السلع التي يقع عليها الاختيار فهو لا يمثل دفعة مقدمة على ثمن الأسهم أو السلع.
ويهدف المستثمرون من التعامل بالاختيارات لأمور متعددة أهمها حماية أنفسهم من خطر الانخفاض في العائد من الاستثمار، أو الاستفادة من توقعاتهم لزيادة تلك العوائد. والاختيارات تمارس فقط في أسواق المستقبليات بالأسهم والسلع والعملات والمؤشرات وسنقتصر على ذكر كلمة الأسهم وحدها فيما يلي للسهولة.
والاختيارات نوعان: اختيار طلب واختيار دفع، فاختيار الطلب، ويسمى أيضًا اختيار الشراء أو اختيار الاستدعاء، يعطي مشتريه حق شراء أسهم بسعر محدد يسمى سعر الممارسة خلال فترة محددة، ويلتزم بائعه ببيع تلك الأسهم عند طلب المشتري خلال الفترة المتفق عليها وبالسعر المتفق عليه أيضًا.
واختيار الدفع ويسمى أيضًا اختيار البيع، يعطي مشتريه حق بيع أسهم بسعر محدد خلال فترة محددة، ويلتزم بائعه بشراء تلك الأسهم بالسعر المتفق عليه خلال تلك الفترة.(7/159)
وتضمن جهة ثالثة وفاء الطرفين بالتزماتهم. وهذه الجهة هي غرفة المقاصة أو السمسار. وتصدر تلك الأدوات (أي الاختيارات) على أشكال نمطية تتشابه في كل شيء من حيث عدد الأسهم ونوعها ومدة الاختيار وسعر الممارسة فيما عدا سعر الاختيار الذي يتحدد بواسطة قوى العرض والطلب. ومحل العقد في الاختيارات هو الحق بالشراء أو البيع وليس الأسهم نفسها.
وقد يكون المتعهد بالبيع في اختيار الشراء مالكًا للأسهم عند انعقاد عقد الاختيار، ولكن الغالب أن لا يكون. وقد يكون صاحب حق البيع في اختيار البيع مالكًا للأسهم عند عقد الاختيار، والغالب أن لا يكون. وكثيرًا ما يشتري المستثمر اختيارات متعارضة يلغي بعضها بعضًا عند نهاية مدتها أو يقلل بعضها من المخاطرة المتضمنة في البعض الآخر.
مثال: إذا كان اختيار طلب (أو استدعاء) لأسهم شركة معينة لسعر ممارسة قدره 80 دينارًا ولمدة 3 أشهر يباع في السوق بخمسة دنانير، وتوقع مستثمر أن سعر هذه الأسهم سيكون خلال فترة الاختيار أكثر من 85 دينارًا (وهي مجموع ما يدفعه ثمنًا للاختيار وما يترتب عليه دفعه ثمنًا للسهم لو مارس الاختيار بالشراء) ، فإنه سيقبل على شراء اختيار الطلب هذا. فإذا صار سعر السهم فعلًا أكثر من 85 دينارًا، فإن المستثمر سيمارس الاختيار ويشتري الأسهم بسعر 80 دينارًا وليكن سعرها عندئذ في السوق 91 دينارًا مثلًا. وهو بذلك يحقق ربحًا قدره 6 دنانير في السهم. أما لو لم يصل بسعر السهم في السوق إلى 80 دينارًا، فإنه لا يمارس حقه ويكون قد خسر ثمن الاختيار وهو 5 دنانير. وأما إذا صار السعر الفعلي للسهم ما بين 80 و 85 دينارًا. فإن المستثمر سيمارس حقه بالاختيار لأن ذلك يخفف من خسارته. وبذلك يمكن أن يكون ربح هذا المستثمر غير محدود مع ارتفاع السعر أما خسارته فلا تزيد عن خمسة دنانير مهما انخفض السعر.
أما إذا توقع المستثمر أن سعر هذا السهم سيكون خلال فترة الاختيار أقل من 85 دينارًا، فإنه سيدخل السوق بائعًا لاختيار الاستدعاء المذكور ويتحصل على خمسة دنانير ثمنًا له. فإذا تحقق توقعه وصار سعر السهم أقل من 80 دينارًا (أي سعر الممارسة) فإن مشتري الاختيار سوف لن يمارس حقه ويكون ربح البائع بذلك هو الخمسة دنانير التي قبضها ثمنًا للاختيار. أما إذا صار السعر ما بين 80 و 85، فإن المشتري سيمارس حقه ويكون ربح البائع أقل من خمسة دنانير بمقدار الفرق بين الثمانين والسعر الفعلي. أما إذا صار السعر أعلى من 85 دينارًا (91مثلًا) فتكون خسارة البائع بمقدار 6 دنانير. وبذلك يمكن لهذا المستثمر أن يضمن ربحًا أقصاه خمسة دنانير أما خسارته فيمكن أن تكون غير محدودة لو ارتفع السعر.(7/160)
السّلع وَالعملَات وَالمؤشّرات
أسواق السلع والعملات والمؤشرات:
هي أسواق منظمة تشرف عليها هيئات حكومية متخصصة وتكون فيها العقود نمطية في كل شيء عدا السعر الذي يخضع لعوامل العرض والطلب. ويسمح فقط للوسطاء المتخصصين المسجلين لدى إدارة السوق بالتعامل في هذه الاسواق. وقد تتخصص بعض هذه الأسواق بسلعة واحدة أو بعدد قليل من السلع أو العملات كالنحاس أو القطن أو السكر في حين قد تشمل أسواق أخرى عددًا أكبر من ذلك. ويتم تداول العملات الرئيسية في هذه الأسواق أيضًا كما أن معظمها يتداول بيع وشراء المؤشرات كما سيرد بيانه ويتم تداول السلع في هذه الأسواق على أساس عقود آنية يتم تصفيتها خلال شهر التعامل نفسه أو على أساس عقود مستقبلية تسمى عادة " المستقبليات".
ولا بد لمن يبيع ويشتري في السوق من أن يكون له حساب جار نقدي لدى الوسيط يُقتطع منه مبلغ يسمى الهامش عند إجراء كل عقد. كما تضم فيه الأرباح أو تخصم الخسائر يوميًّا حسب تغير الأسعار، ويقتطع هذا الهامش من كل من المشتري والبائع معًا وتبلغ نسبته عادة 10 – 20 % من قيمة العقد وتوضع هذه المبالغ المقتطعة بحسابات خاصة (هي من نوع حسابات الأمانات) ضمانًا لتصفية العقد. وعند التصفية تعاد هذه الأمانات لأصحابها.(7/161)
فإذا اشترى شخص مثلًا عشرة عقود قمح (كل منها خمسة آلاف كيلو مثلًا) بسعر الكيلو دولار واحد. فإنه قد اشترى ما قيمته 50000 دولار ويؤخذ منه هامش 10 % مثلًا بمقدار 5000 دولار هو في الواقع رأس ماله في هذا الاستثمار. (وفي الطرف المقابل يؤخذ من البائع مثله) . فإذا ارتفع السعر في اليوم التالي بواحد بالمائة أي أن قيمة مجموع ما اشتراه أصبحت 50500 دولار. فإن إدارة السوق تعطيه في حسابه الجاري 500 دولار هي ربحه (ومن جهة أخرى تخصم على البائع 500 دولار هي خسارته) . فكلما ارتفع السعر بنسبة 1 % كسب المشتري 10 % من رأس ماله الذي هو الهامش المحتجز (علمًا بأن تغير 1 % يوميًّا هو تغير طفيف بالنسبة للسوق الذي قد يزيد السعر فيه أو ينقص بنسبة قد تصل إلى عدة نقاط في اليوم الواحد) . وتفرض إدارة السوق سقفًا على التغير الذي يمكن أن يحصل في يوم واحد، فإذا وصل التغير لذلك السقف توقفت العقود لذلك اليوم وتستأنف في اليوم التالي.
وتكون طريقة التعامل بأن يعطي الراغبون في الشراء طلباتهم للوسطاء الذين يتعاملون معهم. وكذلك يفعل الراغبون في البيع. وفي كل مرة يوجد فيه طلب شراء يماثل طلب بيع من حيث نوع السلعة وكميتها وشهر استحقاقها وسعرها يكون قد حصل تلاقي إرادتين: بائعة ومشترية. وتقوم عندئذ إدارة السوق بإصدار وثيقة بيع (يسمونها عقد بيع) للبائع ووثيقة شراء (يسمونها عقد شراء) للمشتري، ولا يذكر في أي منهما اسم الطرف الآخر. ويبقى عقد الشراء مستقلًّا تمامًا عن عقد البيع. أي أن المشتري في السوق لا يرتبط بعقده ببائع معين طيلة مدة العقد أي منذ التعاقد وحتى التصفية وكذا البائع لا يرتبط بعقده بمشتر معين طيلة مدة العقد. وبما أن جميع العقود نمطية ولا تتم إلَّا بتلاقي إرادتين بائعة ومشتريه فإنه يوجد مقابل كل عقد شراء عقد بيع في كل وقت من الأوقات.(7/162)
العقود الآنية:
هي عقود تنتهي مدتها عند نهاية الشهر الشمسي الذي تعقد فيه. ويدفع المتعاقد الهامش المحدد أمانة لدى إدارة السوق. وتعطى له الأرباح أو تقتطع الخسائر منه يوميًّا حسب تغير السعر كما بينا سابقًا وذلك حتى تاريخ التصفية. ولكل مالك عقد (سواء كان عقد بيع أو عقد شراء) الحق بطلب التسليم الفعلي في أي وقت شاء خلال الشهر. وخلال ثلاثة أيام من طلبه تصدر له إدارة السوق إذن تسليم صالح للتنفيذ فورًا في مكان التسليم المحدد بالعقد. وكذلك فإن كل عاقد يلتزم بتنفيذ ما يتوجب عليه من تسليم السلعة أو دفع الثمن إذا أمرته بذلك إدارة السوق. كما أنه يتوجب تصفية جميع ما يتبقى من عقود الشهر الشمسي في الأيام الثلاثة الأخيرة منه.
العقود المستقبلة (المستقبليات) :
هي عقود يؤجل فيها قبض المحل (سلع أو عملات أو أسهم أو سندات ... ) ودفع الثمن لشهر معلوم بعد الشهر الحالي. وعندما يبدأ أي شهر شمسي تصبح جميع عقود ذلك الشهر المستقبلية عقودًا آنية. وفي العقود المستقبلية أيضًا تضم الأرباح أو تخصم الخسائر يوميًّا حسب تغير سعر السلعة المستقبلي لشهر الاستحقاق.
التصفية:
تتم تصفية العقد في أسواق السلع والعملات بإحدى طريقتين:
أولاهما: أن يطلب مالك العقد التسليم الفعلي وذلك خلال شهر الاستحقاق ويصدر له من قبل إدارة السوق أمر تسليم أو أمر استلام حسبما يكون بائعًا أو مشتريًا. وبما أن العقود نمطية فإن مكان التسليم معروف بالنسبة لكل سلعة من السلع كأن يكون البترول في الناقلة في ميناء معين، وعصير البرتقال في مستودع معين في بلد معين مثلًا، والدولار في بنك معين بمدينة معينة.
وفي هذه الحالة يستكمل المشتري ثمن العقد بعد احتساب ما كان اقتطع منه من هامش كجزء من الثمن. ويدفع كامل الثمن للبائع كما يرد له الهامش الذي كان احتجز منه.
وتنتهي عادة نسبة ضئيلة من العقود التي تجري في السوق قد لا تزيد عن 3 % بالتسليم الفعلي.(7/163)
ثانيهما: أن لا يرغب مالك العقد بالتسليم أو الاستلام فيعمد عند ذلك إلى إجراء عقد جديد معاكس لعقده ومماثل له من حيث نوع السلعة وكميتها وشهر الاستحقاق فيتقابل العقدان ويتساقطان معًا. فإن كان الشخص مشتريًا في عقد جديد استحقاق شهر أيار (مايو) مثلًا، فإنه يبيع عقدًا جديدًا لنفس الشهر ولا يتم تحويل نفس عقد الشراء إلى مشترٍ جديد ولا عقد البيع إلى بائع جديد.
وعند تساقط عقدين يرد الهامش الذي احتجز عن أولهما. ويكون الفرق بين ثمني العقدين هو الربح أو الخسارة الذي تحقق للمتعامل في السوق. وكما ذكر سابقًا فإن هذا الربح (أو الخسارة) يتم إعطاؤه للمشتري أو خصمه على البائع يوميًّا.
المؤشر:
هو رقم حسابي يستعمل للدلالة على تطوير أسعار التعامل في سوق معينة. فمؤشر داوجونز لأسعار الأسهم هو مثلًا الوسط الحسابي لأسعار مجموعة مختارة من ثلاثين سهمًا من أسهم أفضل الشركات الأمريكية. ويتغير المؤشر آنيًا في كل لحظة مع تغير أسعار الأسهم في السوق صعودًا وهبوطًا وتوجد في الأسواق العالمية مؤشرات عديدة ففي اليابان هناك مؤشر (NIKKEI) ومؤشر (TSE) وفي بريطانيا هناك مؤشر (FTA) وغيره وفي ألمانيا مؤشر (DAX) وغيره كما أنه توجد مؤشرات للسلع والعملات ...
ويتم التعاقد على عقود معينة من المؤشر بيعًا وشراء (كل عقد يساوي مثلًا 1000 وحدة من المؤشر) وكأنه سلعة من السلع فلو ارتفع المؤشر يحقق المشتري ربحًا ولو انخفض يحقق خسارة. وعكس ذلك بالنسبة لمن يبيع المؤشر. ولا يعني شراء المؤشر أو بيعه شراء أو بيع الأسهم المعتبرة في حسابه.
وكما توجد اختيارات على الأسهم والسلع توجد كذلك اختيارات على المؤشرات.(7/164)
مُلحَق
مُصطَلحَات تستَعمل في الأسوَاق المنَظّمَة
مصدر الاختيار:
ويسمى كاتب الاختيارات، ويقصد به الجهة المصدرة للاختيار. وهو الشخص الذي يلتزم بالتعهد بالبيع (في اختيار الطلب) أو بالشراء (في اختيار البيع) .
الاختيار ذو الجدوى:
تعبير يدل على أن الاختيار محقق لعائد، أي أن زيادة السعر السائد عن سعر الممارسة بالنسبة لاختيار الطلب (أو النقص بالنسبة لاختيار الدفع) أكبر من سعر الاختيار ولذلك فإنه يستحق الممارسة. انظر: الاختيار عديم الجدوى.
اختيار عديم الجدوى:
تعبير يدل على أن سعر السهم (أو الورقة المالية) الجاري أقل من سعر الممارسة في اختيار الطلب، (أو أعلى في عقد اختيار الدفع ولذلك لا يتضمن الاختيار ربحًا يمكن أن يحققه صاحبه، ومن ثم لا يستحق الممارسة) .
حد التساوي:
تعبير يدل على أن الاختيار لا يحقق خسارة (بعدم ممارسة) ولا ربحًا بممارسته.
سعر الممارسة:
السعر المتفق عليه للسهم في عقد الاختيار.(7/165)
مصدر مغطى:
عندما يصدر الاختيار ممن يمتلك الأوراق المالية (أو السلع) التي يقع عليها الاختيار.
مصدر غير مغطى:
عندما يصدر الاختيار جهة لا تمتلك الأوراق المالية في وقت إصدار الخيار.
البيع القصير:
يقال للمستثمر أنه يبيع قصيرًا، عندما يبيع أسهمًا لا يملكها ولكنه يقترضها من مالكها، وهو يفعل ذلك عندما يتوقع انخفاض سعرها لأنه عندئذ (أي عندما ينخفض السعر) يشتريها من السوق ويعيدها إلى المالك فيحقق ربحًا قدره الفرق بين السعرين. أما المقرض فهو يستفيد من النقود التي يحتفظ بها (وهي قيمة بيع الأسهم المقترضة) لحين إعادتها.
شهادات سوق البورصة:
هي شهادات تعطي المستثمر فيها الحق لشراء سهم شركة بعينها بسعر محدد خلال فترة محددة. فإذا ارتفع سعر السهم، ارتفع تبعًا له سعر ذلك الحق.
شهادة الإيداع:
هي وديعة ذات مبلغ محدد وشروط ثابتة يدفع عليها سعر فائدة محدد لمدة محددة. والغالب أن يكون حجمها كبيرًا. وأول من عمل بها بنك سيتي في نيويورك سنة 1961م. والميزة الأساسية لها أنها نمطية، ورغم أنها غير قابلة للتداول إلَّا أنه يمكن بيعها بين البنوك.
بنك الأفشور:
بنك يعمل في قطر ضمن نظام لا يسمح له فيه باستخدام العملة المحلية في عملياته بل يشتغل بعملات دول أخرى.(7/166)
ليبور:
هو سعر الفائدة السائدة في سوق لندن للقروض قصيرة الأجل جدًّا بين البنوك ويستخدم كمؤشر لاتجاهات أسعار الفائدة وكأساس لاحتساب الفائدة على القروض ذات الفوائد المتغيرة.
برايم ريت:
هو سعر الفائدة الذي تفرضه البنوك في الولايات المتحدة لأفضل المقترضين منها. ويستخدم كمؤشر لاتجاهات أسعار الفائدة وكأسس لاحتساب سعر الفائدة على القروض ذات السعر المتغير وهو يشبه ليبور في بريطانيا.
قاعدة أبتك:
هي قاعدة متبعة في أسواق بورصات الولايات المتحدة، الهدف منها عدم إعطاء الفرصة للذين يبيعون بيعًا قصيرًا أن يدفعوا بأسعار الأسهم إلى الانهيار، فلا يسمح بالبيع القصير إلَّا عندما يكون السعر متجهًا إلى الارتفاع فقط.
يورو دولار:
الودائع الدولارية في البنوك الأوروبية.
سوق الدولار الأوروبي:
لفظ يشير غالبًا إلى سوق الإقراض بالدولار في أوروبا إذ تستخدم البنوك الأوروبية الودائع الدولارية في خلق الائتمان.
شعور الدب:
اتجاه المستثمرين إلى البيع لتوقعهم انخفاض الأسعار، وفي أسواق الخيارات ليتجهوا إلى شراء الدفع.
شعور الثور:
لفظ يستخدم في الولايات المتحدة يشير إلى اتجاه أكثر المستثمرين إلى الشراء لتوقعهم ارتفاع الأسعار وفي سوق الخيارات اتجاههم إلى شراء خيار الطلب.
المستثمر المؤسسي:
لفظ يطلق على المستثمرين في الأسواق المالية الذين يستثمرون لصالح صناديق التقاعد أو شركات التأمين أو ما شابه ذلك. ولهم في أسواق المال الرئيسية تأثير بالغ على اتجاهات السوق خصوصًا في الولايات المتحدة.(7/167)
أذونات الخزانة Treasury Notes
بعد الأرباح Ed- dividend
البيع القصير Selling Short
برايم ريت Prime Rate
التصويت التراكمي Cumulative Voting
حد التساوي At the Money
حق الشفعة للمالك القديم Preemptive Right (Privileged Subscription)
حق الشفعة طراز نيويورك New York Right
الخيار ذو جدوى In the Money
خيار عدم الجدوى Out of the Money
سعر الممارسة (Strike Price (Exercise Price
سندات الخردة Junk Bonds
سندات الخزانة Treasury Bonds
سندات الخزانة (Treasury Bills (T. bi’s
سندات الدخل Income Bonds
سندات دين من نوع ديبنشر Debentures
السند القابل للاستدعاء Callable Bonds
السندات المتسلسلة Serial Bonds(7/168)
السهم الاعتيادي Common Stock
سهم التمتع Treasury Stock
السهم الممتاز (أو المتميز) Preferred Stock
السهم الممتاز المتراكم Preferred Stock, Cumulative
السهم الممتاز القابل للتحويل Preferred Stock, Convertible
السهم الممتاز المشارك Preferred Stock, Participating
سوق الدولار الأوربي Eurodollar Market
شرط التعجيل Acceleration Clause
شعور الثور Bullish
شعور الدب Bearish
شهادة إيداع (Certificate of Deposit (CD
شهادات سوق المال Warrants Stock Market Warrants
طريقة التصويت الاعتيادية Ordinary Voting
قاعدة أبتك Uptick Rule
القيمة الدفترية Book Value
ليبور Libor London Interbank Office Rate
المستثمر المؤسسي Institutional Investor
مصدر الخيار Option Writer
بنوك الأوفشور Off- Short Bank
مصدر مغطى Covered Writer
مصدر غير مغطى Uncovered Writer
ميزة الاستدعاء Call Feature
يورو دولار Eurodollar(7/169)
الاختِيارات
إعداد
فضيلة الشيخ محمّد المختار السّلامي
مفتي الجمُهوريّة التونسيّة
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلِّ وسلِّم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
الاختيارات جمع اختيار ترجمة لكلمة (OPTIONS) ، والاختيار عبارة عن وثيقة مقابل ثمن يدفعه مشتريها تخوِّله: إمَّا أن يختار شراء ما تضمنته تلك الوثيقة التي تحدد تحديدًا دقيقًا نوع المُشْتَرَى وثمنه، والأجل الذي يستعمل فيه هذا الحق، ومكان التسلم، وهذا في اختيار الشراء.
وإما أن يختار بيع ما تضمنته تلك الوثيقة، حسبما حدَّدته من نوع المبيع وثمنه، والأجل الذي يستعمل فيه هذا الحق، ومكان التسليم، فالمشتري لخيار الشراء يكون له الحق في أي وقت شاء – في أميركا – في الأجل، أو عند نهاية الأجل أن يطلب ممن نقده ثمن الخيار أن يطلب منه الوفاء بما تضمنته الوثيقة، وله الحق طبعًا أن لا يطلب ذلك، وذلك تبعًا للقيمة التي يباع بها المحتوى في السوق.
وكذلك المشتري لخيار البيع يكون له الحق في أي وقت شاء – في أميركا – في حدود أجل الخيار أو عند انتهاء أمد الخيار – في أوروبا – أن يمارس حقه فيبيع إلى الطرف الثاني ما تضمنه عقد الخيار وله الحق طبعًا أن لا يطلب ذلك.
ويتصور ذلك للتقريب بأن يشتري (بولس) وثيقة خيار لشراء خمسين وحدة من القمح الموصوف وصفًا دقيقًا بثمن قدره 1000 دولار للوحدة لأجَلِ ثلاثة أشهر يتسلمها بشيكاغو وثمن الاختيار 500 دولار (فُبولس) هذا إذا كان اختياره في أميركا فإنه من يوم شرائه للوثيَقة إلى نهاية الشهر الثالث له أن يطلب من الطرف المقابل أن يمكنه مما اشتراه، فهو إذا وَجَدَ أن سعر الوحدة من القمح قد بلغ انتهاء الأجل 1100 دولار فإنه يستعمل حق الخيار ويكون قد ربح في الصفقة 4500 دولار إذ هو يشتري القمح حسب وثيقة الخيار بخمسين ألف دولار 50000، ويضيف إلى ذلك ما دفعه ثمنًا لوثيقة الخيار 500 + 50.000 = 50.500 ويربح إذن (1100 × 50) – 50.500 = 4.500 وإذا وجد أن الثمن لم يتعدَّ 1010 دولار للوحدة فإنه لا يستعمل حق الخيار إذا لا يستفيد منه وخسارته لا تتجاوز ثمن شراء خيار الشراء، والقضية بالعكس، فهو إذا اشترى خيار بيع فإن وجد أن الأثمان نزلت عن مجموع الثمن المتفق عليه مضافًا إليه ثمن الخيار قام بحقه في البيع، وإن وجد الأثمان لم تنخفض أو زادت ألغي حقه في الخيار وتكون خسارته محدودة بالثمن الذي دفعه في وثيقة الخيار.
موضوع وثيقة الخيار:(7/170)
يجرى التعامل في اختيار البيع أو الشراء:
1- في الصرف خيار شراء يخول صاحبه شراء الدولار بثمن أربعة ريالات لمدة محدودة، فإذا ارتفع ثمن الدولار فتجاوز الأربعة ريالات مضافًا إليها ثمن الخيار استعمل المُشتري حقه فاشترى الدولار الذي يساوي خمسة ريالات مثلًا بأربعة ريالات وثمن الخيار فيكون الفارق ربحًا حققه. والأمر بالعكس لو كان قد اشترى خيار بيع.
2- في الفائدة كأن يشتري خيارًا في مقدار مالي على أن سعر الفائدة 7 % فإذا تجاوزت الفائدة 7 % استحق الزائد على 7 % أو نسبه منه حسب الاتفاق.
3- في المعادن الرفيعة كالذهب والفضة.
4- في سندات الخزينة.
5- في المؤشرات.
6- في المواد من معادن وحبوب وغيرها.
الطريقة المتبعة في إنجاز خيار:
الخيارات أصلها أن تكون في سوق من الأسواق التي تقوم بنشاطها في هذا النوع من التقابل، وهذه الأسواق متميزة عن بعضها كل سوق لها خصائص في نشاطها ويجمع بينها أن التعامل فيها يتم في عقود نمطية أي أن المقدار هو واحد فمن يرغب في خيار شراء دولارات لا يعرض أنه يرغب في شراء عدد معين من الدولارات ولكن عليه أن يشتري وحدة والوحدة في سوق نيويورك تتراوح بين خمسة وعشرة ملايين دولار، بينما هي في سوق لندن بين مليونين وثلاثة ملايين دولار.
وهذه الخيارات يقوم بها الوسطاء في السوق الذين يربطون بين رغبتين فالذي اشترى خيار بيع أو شراء لا يدري ممن اشتراه، ولكن الوسيط هو الذي يقوم بالعملية وهو الذي يتولى تسجيلها.(7/171)
هل تتم هذه العقود فعلًا:
إن عقود الخيارات في الأسواق لا تبلغ غايتها بالتسليم الفعلي، وإنما هي تنتهي إلى المقاصة غالبًا. فمن خسر يدفع الفارق عند مطالبة الطرف الآخر في حدود أجل الخيار في أسواق أميركا، أو عند نهاية الأجل في أسواق أوروبا والرِّبح يفوز به من كان أكثر حساسية وأقدر على استشراف وضع السوق مستقبلًا. هكذا يبدو في الظاهر ولكن في الحقيقة الأمر أعقد من هذا. إن المفاجآت التي تتسبب عن معطيات من أمر الغيب هي التي تؤثر في القيم كالحرب والسلم، والوضع الاقتصادي والعوامل السياسية التي تفرض نفسها على الواقع فتؤثر فيه، فالحقيقة أن الغنم أو الغرم في هذه الأسواق هو من المخاطرة، ولذا فإن من تقنيات هذه الصفقات الخياريّة أن تعقد بطريقة مقابلة المخاطر بعقود أخرى تغطي تلك المخاطر، بحيث يكون هامش الربح أو هامش الخسارة موزعًا بين أكثر من مؤسسة مالية.
دور الوسيط:
إنه وإن كانت عقود الخيار يمكن أن تتم داخل السوق وخارجه، إلَّا أنه بعد توفر الأسواق يكاد لا يبقى أثر للتعامل خارجها، والوسيط زيادة عن دوره في جمع إرادتين متكاملتين إرادة شراء وإرادة بيع، هو ضامن لبلوغ العقد أمده وتمكين الرابح من ربحه.(7/172)
التصَوّر الفعلي وَالتصَوّر الفِقهي
هذه العقود التي يكون موضوعها الخيار، هي عقود حادثة تمامًا ولا عهد للعالم ولا للفقهاء بها على النمط الذي بيناه أعلاه، ولما كانت عقودًا حادثة فإن الواجب يقتضي إجراءها على قواعد التعامل لتقوم على أساسها حتى يتبين حكمها في الإسلام للفرق الواضح في مبادئ الأحكام، بين حكم التعامل في الدول اللائكية، وبين حكم التعامل في النظام الإسلامي.
ففي الأنظمة اللائكية التي تفصل بين الدين والدولة تعتبر العقود عقودًا نافذة ومقبولة ما دام كل واحد من الطرفين أمضى العقد باختياره، وبدون إكراه أو خداع، أمَّا في التعامل الإسلامي فالإرادة الحرة وعدم التغرير لا يكفيان لسلامة العقود، بل لا بد ليكون العقد مقبولًا شرعًا أن يرد ما يدل على الإذن فيه، أو أن يكون غير منهي عنه وقواعد التعامل لا تنافيه.
هذا وقد يلتبس عقد الخيار بعقود مأذون فيها شرعًا، ومن ذلك بيع العربون.
بيع العربون:
ورد النهي عنه فيما رواه مالك في الموطأ عن الثقة عنده عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع العربان.
وهذا الحديث لم يسم مالك عمن رواه، فقال ابن عبد البر الأشبه القول بأنه الزهري عن ابن لهيعة، وسماه ابن ماجه ورواه عن الفضل بن يعقوب الرخامي ثنا حبيب بن أبي حبيب أبو محمد كاتب مالك بن أنس ثنا عبد الله بن عامر الأسلمي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده (1) وفي هذا الإسناد حبيب كاتب مالك وعبد الله الأسلمي وكلاهما ضعيف، وروى الدارقطني والخطيب عن مالك عن عمرو بن الحرث عن عمرو بن شعيب وفي إسنادهما الهيثم بن يمان وهو مختلف فيه ورواه البيهقي من طريق عاصم بن عبد العزيز ثنا الحرث بن عبد الرحمن بن أبي ذياب عن عمرو بن شعيب – وعلق عليه البيهقي بأن عاصم بن عبد العزيز الأشجعي فيه نظر (2) .
__________
(1) 2/2193.
(2) السنن: 5/343.(7/173)
كما ورد الإذن فيه (فقد أخرج عبد الرزاق في مصنّفه عن زيد بن أسلم ((أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سُئِل عن العربان في البيع فأحله)) ، يقول الشوكاني وهو حديث مرسل ثم في إسناده إبراهيم بن أبي يحيى، وهو ضعيف ثم يوازن بين حديث النهي وحديث التحليل، ويرجع حديث النهي لأنه ورد من طرق يقوي بَعْضُها بعضًا (1) .
وإذا اختلف النقل فقد عمد العلماء إلى الترجيح. فذهب أبو حنيفة ومالك والشافعي إلى المنع، وذهب أحمد إلى الجواز، مع اتفاقهم على حقيقة هذا البيع فقد ذكر مالك في الموطأ " ذلك فيما نرى – والله أعلم – أن يشتري الرجل العبد أو الوليدة أو يتكارى الدابة ثم يقول للذي اشترى منه أو تكارى منه أعطيك دينارًا أو درهمًا أو أكثر من ذلك أو أقل على أني إن أخذت السلعة أو ركبت ما تكاريت منه فالذي أعطيتك هو من ثمن السلعة أو من كراء الدابة، وإن تركت ابتياع السلعة أو كراء الدابة فما أعطيت لك باطل بغير شيء " (2) .
وذكر في المجموع: وبيع العربون أن يشتري شيئًا ويعطي البائع درهمًا أو دراهم ويقول: إن تم البيع بيننا فهو من الثمن وإلاَّ فهو هبة لك (3) .
ويقول ابن قدامة: العربون في البيع: هو أن يشتري السلعة فيدفع إلى البائع درهمًا أو غيره على أنه إن أخذ السلعة احتسب به من الثمن، وإن لم يأخذها فذلك للبائع، قال أحمد: لا بأس به (4) .
__________
(1) نيل الأوطار: 5/250 – 251.
(2) الزرقاني على الموطأ: 3/97.
(3) المجموع: 2/335.
(4) المغني: 4/257.(7/174)
فتعريف بيع العربون لا يكاد يختلف في تصويره، وإنما الخلاف في حكمه، فمن ذهب إلى المنع رجح المنع بأن حديث المنع أقوى سندًا، كما رجح المنع من ناحية المعنى، يقول الزرقاني: هو باطل عند الفقهاء لما فيه من الشرط والغرر، وأكل أموال الناس بالباطل، فإن وقع فسخ فإن فات مضى لأنه مختلف فيه.
ومن ذهب إلى الجواز، رجح ذلك بما روي أن نافع بن عبد الحارث اشترى بمكة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه دار السجن من صفوان بن أمية بأربعة آلاف درهم على أنه إن رضي عمر كان البيع نافذًا وإن لم يرض فلصفوان أربعمائة درهم، قال الأكرم: قلت لأحمد تذهب إليه؟ قال: أي شيء أقول؟ هذا عمر رضي الله عنه، وروي القول بالجواز عن ابن عمر رضي الله عنهما، كما استند أحمد إلى قياس بيع العربون عما روي عن سعيد بن المسيب وابن سيرين أنهما يجيزان للمشتري إذا كره السلعة أن يردها؟ ويرد معها شيئا = قال أحمد: هذا في معناه.
والمعتمد في مذهب أحمد عدم الجواز، إذ ذهب إلى ذلك أبو الخطاب ووجَّه ابن قدامة بأن العربون في حالة العدول عن الشراء يأخذه البائع بغير عوض – وإن دافعه له الرجوع فيه – ونفى ما يتوهم من أنه في مقابل انتظار البائع لتقدم المشتري لإتمام الصفقة، لأنه لو كان من أجل الانتظار للزم من ذلك أمران. أحدهما: أنه لا يطرحه من الثمن عند الشراء مع أن المشتري يطرحه عند إتمام الصفقة، وثانيهما: أنه لو كان في مقابلة الانتظار لوجب أن تكون مدة الانتظار معلومة كالإجارة فلا بد أن يكون المقابل المالي هو لمدة معلومة.(7/175)
ولكن بعض الكتاب المعاصرين رجحوا جواز هذا العقد، فقد ذكر الشيخ مصطفى الزرقاء في كتابه المدخل الفقهي العام. " ومن المعلوم أن طريقه العربون هي وثيقة الارتباط العامة في التعامل التجاري في العصور الحديثة، وتعتمدها قوانين التجارة وعرفها، وهي أساس لطريقة التعهد بتعويض ضرر الغير عن التعطل والانتظار " (1) ، وأيد هذا الاتجاه الدكتور وهبة الزحيلي فقال: وفي تقديري أنه يصح بيع العربون وأخذه عملًا بالعرف لأن الأحاديث الواردة في شأنه عند الفريقين لم تصح (2) .
يبدو أن الملحظ الذي رجح به العالمان مصطفى الزرقاء ثم الدكتور وهبة الزحيلي هو اعتبار العرف ولما كان العرف لا يصادم النص حل الدكتور وهبة الإشكال بأن الأحاديث لم تصح، والذي حقَّقه الشوكاني أن نصوص المنع وردت بطرق مختلفة يقوى بعَضُها بعضًا ويشهد لها القياس على أن العرف الحاصل في التعامل مبناه القوانين المقتبسة من القوانين الغربية التي شرعت للناس الأخذ بها والتعامل على أساسها.
والذي يقوم في نفسي هو أن كل مال يأخذه الإنسان في غير التبرعات والميراث لا بدَّ أن يكون له مقابل، وإلاَّ كان من قبيل أكل أموال الناس بالباطل، والعربون ليس له مقابل إلَّا المخاطرة التي دخل فيها المتعاملان، وكانت الضمانات أقوى في جانب البائع إذ هي إن تم البيع قبض الثمن، وإن لم يتم البيع استأثر بالعربون، أما المشتري فإنه قد يفوز بالمشترى وقد يعجز عن جمع الثمن أو تحل به مصيبة تمنعه من إتمام البيع فيخسر ماله بدون مقابل وتجتمع عليه أكثر من مصيبة، وما عرف في التعامل الإسلامي أن التشريع يكون في جانب القوي فيقوى جانبه، بل هو دومًا في جانب العدل فيلطف من تسلط القوي على الأضعف.
__________
(1) المدخل الفقهي العام: 1/495.
(2) الفقه الإسلامي وأدلته: 4/450.(7/176)
المقارنة بين بيع العربون والاختيارات:
إن بيع العربون يختلف عن الاختيارات اختلافًا جوهريًّا:
أولًا: إن بيع العربون عند إنجازه يعتبر العربون المقدم جزءًا من الثمن فيطرح من المقدار الواجب دفعه للبائع، بينما حق الاختيار هو تملك لحق الشراء أو البيع ولا يحسم من الثمن عند الإنجاز.
ثانيًا: إن ثمن الاختيار قد يدفعه المشتري وقد يدفعه البائع.
ثالثًا: إن ثمن الاختيار عقد منفصل عن عقد التنفيذ إذ أن مشتري خيار الشراء أو خيار البيع يمكنه التصرف فيه بالبيع أو الهبة.
رابعًا: إن الدافع للتعامل بالخيارات ليس الغرض منه تحصيل العقد وفوز كل طرف بالثمن أوالمثمن، وإنما القصد منه تحصيل الربح، فالذي يجري في الأسواق أنه ينتهي بالمقاصة بحساب ما تحقق من ربح لأحدهما.
خامسًا: إن ما ينبني عليه ثمن الخيار هو توقعات مستندة إلى سعر الفائدة ومرتبطة بالأمد الذي إليه الخيار، وبتوقعات تذبذب الأسعار.
سادسًا: إن موضوع الخيارات ليس السلع، وإنما هي تجري حتى المؤشرات التي لا تعدو أن تكون ضربًا من القمار.
النتيجة:
هي أنه ولو أبحنا بيع العربون فإن ذلك لا يؤثر في الحكم على التصرف في الاختيارات ولا يقاس أحدهما على الآخر للفوارق الجوهرية التي ذكرناها.(7/177)
البيع على الصفة:
إذا كان الشبه بين الاختيارات وبيع العربون قد يُخَيِّلُ قياس أحدهما على الآخر، فإن البون شاسع بين البيع على الصفة والاختيارات، لأن موضوع العقد في بيع الصفة سلعة غير حاضرة في مجلس العقد، أو في نشرها ضرر، فتوصف وصفًا كاشفًا، ويتم التعاقد على الوصف، ويكون الخيار للمشتري لو لم يطابق الوصف الواقع، أما موضوع الاختيارات فهو الاختيار ذاته – وإمضاء العقد أو فسخه في البيع على الصفة مرتبط بالتوافق بين الوصف والواقع، أما إمضاء تبادل الثمن والمثمن في الخيار فهو ليس مرتبطًا بسلامة الوصف، بل بالربح الذي يحققه صاحب الاختيار.
السَّلَم:
السلم عقد تعمر به ذمة البائع وينقد المشتري فيه كامل الثمن، أما الخيارات فإن المشتري لا ينقد أي جزء من الثمن، والمشتري في الخيارات غير ملزم ببلوغ العقد يداه، ودفع الثمن والتحصيل على المشتَرَى، بل هو مختار في ذلك، بينما في عقد السلم كل طرف ملزم بتنفيذ العقد حسبما اتفقا عليه – وإن المال المدفوع والمقبوض ليس في مقابل السلعة، وإنما هو فقط في مقابل القيام بحق الاختيار فلا شبه بين الخيارات والسلم.
الهبة:
الهبة عقد تبرع والخيارات عقد معاوضة فهما من بابين مختلفين.(7/178)
التكييف الفِقهي للعَوض في حَقّ الاختِيار
إن الذي دفع ثمن الخيار هو قد أخذ في مقابله التزامًا من المدفوع إليه بإنجاز صفقة في أجل محدد – فهو في الحقيقة شراء التزام في الذمة، والالتزام حق والحق لا يقبل المعاوضة، يقول ابن عابدين: وبيع الحقوق بانفراده لا يجوز (1)
وقال في البدائع: الحقوق المفردة لا تحتمل التمليك ولا يجوز الصلح عنها، أقول: ولا تضمن بالإتلاف، قال في شرح الزيادات للسرخسي: وإتلاف مجرد الحق لا يوجب الضمان، لأن الاعتياض عن مجرد الحق باطل، إلَّا إذا فوت حقًّا مؤكدًا فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن (2) ، ولأن الفقهاء يكادون يجمعون على أن المعقود عليه لا بدَّ أن يكون مالًا متقومًا وحق البيع أو حق الشراء ليس مالًا متقومًا.
وأقرب تصوير للتعامل في الخيارات هو أنه توسع في صور القمار واستنباط طرق جديدة تمكن من الحصول على الكسب، أو تحمل الخسارة تبعًا للحظ المساعد أو الكاسد، وتبدو المقامرة أوضح في بعض صور التعامل في الخيارات فهي مقامرة مكشوفة في خيارات المؤشرات، وهي ربا في الأوراق النقدية، لأن المشتري للعملة بسعر محدد بواسطة شراء خيار هو قد أمضى عقدًا موضوعه نقود من هذا ونقود من ذاك بقيمة محددة لمدة معينة، صرف إلى أجل، والصرف إلى أجل حرام، وفيه ثانيًا تعمير ذمتين في صورة اختيار المشتري لتنفيذ العقد فإن البائع ملتزم ببيع الدولار مثلًا بثلاث ريالات والمشتري يقوم بحقه هذا الذي هو أيضًا متعلق بذمته.
__________
(1) رد المحتار 4/118
(2) رد المحتار: 4/14.(7/179)
التكييف الشرعي للهيئة الضامنة:
إن التعامل في الاختيارات خارج السوق أو البنوك المتخصصة تكاد تنحصر في عدد ضئيل لا يكاد يذكر لأن السوق هي الساحة التي تتحقق فيها المعاملات بيسر، وكذلك البنوك التي أفسحت المجال في تعاملها للخيارات، والسوق تقوم عليها السماسرة وهم ضامنون لإنجاز الصفقة، ولكن ضمانهم في الحقيقة لا يصل في معظم الأحوال إلى تسلم السلع ثم تسليمها، أو تسلم العملة ثم تسليم ما يقابلها من العملة الأخرى، بل يقتصر عملهم على المقاصة، على معنى أن مشتري الخيار أو بائعه يحسب له السمسار ربحه أو خسارته فيسلمه ربحه أو يحسم خسارته من الرصيد الذي تحت يده، فضمان السمسار في الحقيقة هو ضمان شكلي، وليس ضمانًا حسب المفهوم الفقهي الذي هو تبرع. فهذه الأسواق أو البنوك ليست مؤسسات خيرية حتى تتبرع، بل إن جشعها للمال واستنباطها لمختلف الطرق لتحصيله هو قوامها الذي به تحيا.
بيع خيار الاستدعاء:
إن شراء خيار الاستدعاء قد تبين أنه عقد فاسد غير صحيح والتصرف في العقد الفاسد يكون بفسخه لا ببيعه إذ إقرار البيع هو تبع لإقرار التملك السابق.
تصحيح عقود الخيارات:
وقع طرح فرضين في الورقة المقدمة.
1- هل يمكن في صور اختيار الشراء أن يعتبر العقد مشروعًا يجعل العوض جزءًا من الثمن؟ وهذا الفرض ظاهره أنه يقلب العقد إلى بيع العربون، إذ البيع الذي يقدم فيه جزء من الثمن على أن المشتري إذا أتم البيع احتسب ما قدمه من الثمن وأكمل الباقي وإن لم يتم ذهب ما دفعه ولا رجعة له على البائع، ولكن عقود الاختيارات ليست هذه ولا التعامل يجري فيها على هذا النحو، وإذا تغير العقد فالبحث يعود إلى قبول بيع العربون أو عدم قبوله.(7/180)
وكل الفروض التي تفرض لا بدَّ في نظري أن تقدر حسب إمكان تحققها أو عدم إمكان ذلك والأسواق العالمية تقدم عقودًا جاهزة لا تقبل فيها التصرف والتغيير، فمن قَبِلَها سرت عليه جميع أحكامها ولا يستطيع أن يعطل أي بند من بنودها، إذ المشتري والبائع لا يعرف أحدهما الآخر، وإنما الإرادتان المفوض فيهما للوكيل (السمسار) بهما يقع التعاقد.
والآلية التي أصبحت تتم بها المعاملات تقلص كل يوم من الشروط الخاصة وتفرغ هذه العقود في صورة نمطية، فهذا الفرض هو فرض غير عملي.
2- هل يمكن تعديل هذا العقد تعديلًا يصبح به مقبولًا حسب المعيار الإسلامي؟
الغاية من هذه العقود: الاخيارات = إيجاد وسائل تستوعب السيولة المالية ويدخل بها صاحبها في باب المخاطرة التي يأمل منها التعامل بها تحقيق أرباح تفوق العائد الربوي ذلك أن إيداع الأموال في البنوك لما يصحبه من رتابة، ولتدخل الحكومات في تحديد نسبة الفائض جعلت المضاربين أصحاب رؤوس الأموال يستنبطون طرقًا أخرى للربح السريع والأوفر، ولذا كانت المجالات التي تتم فيها عقود الاختيارات بعضها حقيقي وبعضها اعتباري، ولم أجد لها فائدة ملموسة مؤثرة حركية، أو خيرًا في الاقتصاد فالبحث عن طريقة لتصحيحها لم تتبين لي، إذ أن الغاية كما بدت لي ليست غاية فيها مصلحة عامة ولا مصلحة خاصة محققة، وهي في نظري قريبة جدًا من القمار الذي اتخذ أشكالًا عدَّة ولا يوجد عقد منها ينقلب مشروعًا – والله أعلم.(7/181)
مُلَخّص بَحث الاختِيَارات
الاختيار عبارة عن وثيقة مقابل ثمن يدفعه مشتريها تخوله: إما أن يختار شراء ما تضمنته محدَّدةً تحديدًا دقيقًا نوع المشتَرى وثمنه والأجل الذي يستعمل فيه هذا الحق، ومكانَ التسلم، وهذا في اختيار الشراء، وإما أن يختار بيع ما تضمنته حسب التحديد والضبط السابق.
وهذا التعريف معبِّر عن واقع، فالخيار خيار شراء وخيار بيع.
وحامل الوثيقة مخير في حدود الأجل في تنفيذ ما جاء في الوثيقة. أو عدم المطالبة بالتنفيذ حسب الوضع الذي عليه السوق.
موضوع وثيقة الخيار:
1- الصرف، في شراء عملة في حدود الأجل بقيمة محددة.
2- الفائدة: ليضمن حدًّا للفائدة يستفيد من ارتفاع أو انخفاض قيمة الفائدة حسب طبيعة العقد.
3- في المعادن الرفيعة كالذهب والفضة.
4- في سندات الخزينة.
5- في المؤشرات.
6- في المواد من المعادن وحبوب وغيرها.
طريقة إنجاز عقد الخيار:
معظم المعاملات في الاختيارات تتم في الأسواق التي يتكفل فيها الوسيط بالجمع بين إرادة بيع وإرادة شراء، ويتم ذلك في عقود نمطية.
وهذه العقود لا تنتهي عادة بالتسليم، وإنما بالمقاصة، فيستفيد الرابح ويفوز بالربح كما تتم هذه العقود لدى بعض البنوك، وكما تتم بندرة خارج السوق وخارج المصارف بين شخصين.(7/182)
التصورالفقهي والتصور العملي:
هذه العقود هي عقود حادثة، ولذلك لا أرى وجهًا لمقارنتها بالعقود المعروفة في الفقه الإسلامي، نظمت في أواسط الثمانينات.
وقد يخيل أن هذه العقود شبه ببعض العقود المعروفة ولذلك يكون من المحتَّم التمييز بينها فمن ذلك:
* بيع العربون: بيع العربون على أن المشتري يقدم للبائع مقدارًا ماليًّا إن أخذ السلعة حسم ذلك من أصل الثمن، وإن عدل عن شراء فاز البائع بالعربون.
والفرق واضح بين بيع العربون والاختيارات:
(أ) إن المال المقدم في بيع العربون هو جزء من الثمن عند إتمام الصفقة، بينما هو في بيع الخيار لا صلة له بثمن الصفقة ولا يطرح منها عند إتمام العقد.
(ب) إن العربون مقدم من المشتري للبائع، والخيارات قد يكون الدافع لثمنها البائع وقد يكون المشتري.
(ج) إن بيع العربون لا ينتقل فيه العربون بالبيع والشراء بينما في بيع الخيار لمشتري الخيار أو بائعه أن يتصرف فيه بأنواع التصرف.
(د) إن الدافع للتعامل بالخيارات تحصيل الربح لا السلعة، بينما المقصود في بيع العربون تحصيل السلعة.
(هـ) إن مستند ثمن الخيارات توقعات مستندة إلى سعر الفائدة ومرتبطة بالأمد وبتذبذب الأسعار ولا شيء من هذا في بيع العربون.
(و) إن موضوع العقد في الخيارات كما بينا يشمل السلع – والفائدة والمؤشرات فهي في كثير من صورها أقرب إلى القمار.(7/183)
البيع على الصفة:
بين بيع الخيار والبيع على الصفة بون شاسع، ذلك أنه وإن كان في بيع الخيار توصف السلعة وصفًا دقيقًا، ولا تكون حاضرة كما هو في البيع على الصفة، فإن بيع الخيارات لا يرتبط إمضاء العقد أو فسخه حسب الموافقة بين الوصف والواقع كما هو الحال في البيع على الصفة، بل هو مرتبط بالربح الذي يحصل عليه مستعمل حق الخيارات، فإن وجد ربحًا أتَمَّ العقد وإلاَّ ألغى الاختيار وخسر قيمته.
السَّلم:
مشتري الاختيارات هو مختار في الأجل بين إتمام الصفقة أو التخلي عنها، وأما في بيع السلم فكل طرف مُلْزَمُّ بإتمام الصفقة – وفي بيع السلم لا بدَّ من تقديم كامل الثمن، أمّا في الاختيارات فلا يقدم شيء من ثمن المبيع.
الهبة:
لا صلة بين الهبة والاختيارات لأن أحدهما مبني على التبرع والآخر على الرغبة في الربح.
التكييف الفقهي:
أقرب شيء للخيارات هو القمار، فكل مشتر لخيار بيع أو شراء يربط حظه بتقلبات الأسواق إما لفائدته أو ضده، وفي بعض أحواله إضافة إلى القمار – صرف مؤجل وتعمير ذمتين.
الهيئة الضامنة:
الضمان في عقود الاختيارات هو شكلي، لأن السمسار لا يقوم بالجمع بين الإرادتين إلَّا بعد أن يحقق لنفسه من ضمانات الدرك ما يبلغ به العقد مرحلته النهائية، فالضمان صوري لأن الضمان في الأسواق والبنوك ليس عملًا خيريًّا.
تصحيح عقود الاختيارات:
إن الاختيارات في منطلقها وغاياتها غير قابلة للتصحيح الشرعي، إذ محاولة تخريج تعامل على الوجه الصحيح لا فائدة له إلَّا إذا كان ممكن التطبيق وهذه عقود لا تقبل أي تغيير في أسواقها ولا حاجة للعالم الإسلامي بها في اقتصاده. والله أعلم.(7/184)
شهَادة حَقّ التمَلّك
جاء في المقدمة أن صورة حق التملك صورة من صور الاختيارات
وعرفت بأنها شهادة تصدرها شركة مساهمة لبعض الأشخاص، تعطيهم الحق في شراء عدد معين من أسهم الشركة بسعر محدد وخلال فترة زمنية محددة.
الملاحظ أولًا أن شهادة حق التملك لا صلة بينها وبين الاختيارات لا في منطلقها ولا في طريقة التنفيذ.
أما المنطلق فإن شهادة حق التملك تمكن بها الشركة من قام بخدمات استفادت منها، فمنطلقها الوفاء لمن كان له فضل على الشركة، أما منطلق الاختيارات فالمخاطرة على تحقيق الربح.
وأما في طريقة التنفيذ فإن شهادة حق التملك ليست عقد معاوضة صرف، وإنما هي مكارمة من الشركة لمن قام بخدمات استفادت منها الشركة، تتمثل هذه المكارمة في عرض مرغوب فيه قطعًا. ولا يكون هذا العرض بهذه الصفة إلَّا إذا كان ثمن الأسهم المعروضة دون الثمن السوقي.
وأما الاختيارات فهي عقد معاوضة الثمن المال المدفوع من مشتري حق البيع أو حق الشراء، والمثمن هو حق الخيار، والمتعاقدان بائع الخيار ومشتريه كانا ذاتين أو شخصين معنويتين أو مركبًا منهما.
التكييف الشرعي لهذه الشهادة:
في شهادة حق التملك إيجاب من الشركة يستمر مدة معينة، لشخص يكون له الحق في إعلان قبوله للصفقة خلال الأجل والثمن معلوم، والأسهم معلومة.(7/185)
فالسؤال الذي يستحق البحث عن حكمه هو: هل يصح أن يصدر العاقد إيجابًا يلتزم به في المجلس وفي مدة معلومة تليه؟
هذا هو بيع الخيار الذي عرفه ابن عرفة بقوله: بيع وقف بته أولًا على إمضاء يتوقع، يقول الرصاع: إن في المذهب خلافًا – ثم قال: لعل الشيخ صحح القول بأنه منحل حتى ينعقد، قال الشيخ ابن عبد السلام: - وأكثر مسائلهم تدل على ذلك (1) .
وذكر الحطاب في التنبيه الحادي عشر على قول خليل: (أو تسوق بها فقال: بكم؟ قال: بمائة فقال: أخذتها) يقول ابن عرفة: كَتَبَ موثقٌ بيع مسافر. عبَّر عنه: بعت موضع كذا من زوجتي فلانة بكذا إن قبلت وبينه وبينها مسافة شهرين، فقال ابن عبد السلام مدة قضائه: لا أجيز هذا البيع على هذه الصفة، فبدلت الوثيقة بحذف إن قبلت، فقبلها. فلعله رأى الأول خيارًا، والثاني وقفًا. اهـ كلام ابن عرفة، ثم علق الحطاب: وانظر ما معنى قوله وقفًا؟
ويمكن أن يقال: إنما لم يجز الأول لأنه بيع خيار إلى أمد بعيد، بخلاف الثاني فإنه إقرار بيع، والذي يبدو لي أنه تحريف من الناسخ، وأن الأصل والثاني بتًّا لأن البت هو مقابل الخيار كما يدل عليه تعريف ابن عرفة من قوله: " وقف بته".
فالذي يستخلص من النصوص المتقدمة أن إيجاب البائع المستمر في الزمان المستقبل جائز إذا كانت المدة محددة، والفقهاء في تحديد المدة مختلفون، اقتصر بعضهم على ثلاثة أيام للحديث الوارد في ذلك:
(فقل لا خلابة، ولك الخيار ثلاثًا) ورأى بعضهم أن الخيار هو للمشتري وهو يختلف باختلاف المبيع.
يقول ابن عاصم:
بيع الشروط جائز الوقوع
لأجل يليق بالمبيع
كالشهر في الأصل وبالأيام
في غيره كالعرض والطعام
__________
(1) شرح الحدود، للرصاع: ص267.(7/186)
فيكون في نظري هذا العقد جائزًا، والأجل حسب العرف الجاري المعمول به والذي يتراضى بمثله المتعاقدون في بيع الأسهم، لأن الأجَلَ إنما اختلف فيه الفقهاء لأن فيه غررًا، ولذا قَصَره بعضهم على ما ورد به النص، وقدره مالك بالحاجة فيكون مستثنى من النهي عن الغرر للحاجة إليه، والحاجة تقدر بقدرها.
المعنى الثاني: هل يجوز لمن مكن من شهادة حق التملك أن يبيع تلك الأسهم لغيره؟
إن المشتري لصفقة الخيار يعتبر العقد باتًّا بمجرد ما يختار تنفيذ الصفقة قبل انتهاء الأجل، ذلك أن الإيجاب من البائع قائم طيلة مدة الخيار، فإذا التقى هذا بقبول المشتري انبرم العقد وتم، والأكمل أن يعلم الشركة بقبوله العَرْض، وله أن يتفق مع شخص ثالثٍ ليبيعه الأقساط المملوكة له بأرفع من الثمن الذي اشتراها به.
وقد يعترض على هذا بأن البيع لا يكون تامًّا إلَّا بعد أن يسجل الوثائق المثبتة لنقل الملكية من الشركة إلى المشتري لصفقة الخيار، ولكن هذا الاعتراض لا يؤثر لأنه من قبيل الإجراءات التنظيمية للشركات اللاحقة بالعقد لا المؤسِّسَة له، لأنه بمجرد ما يقول المشتري قبلت العرض يتم العقد شرعًا، وبعد قبوله العرض يجوز له أن يتصرف فيه بالبيع وغيره.
وتسلم المبيع غير ضروري عند مالك إذ خص ذلك بالطعام لمعنى خاص به أن تعمل فيه الأيدي وينتقل أمام أعين الناس. وفي ذلك طمأنة لتوفر الأقوات.
والله أعلم.(7/187)
حَقّ الأولويَّة
في شراء الإصَدَارات الجَديدَة مِنَ الأسهُم
هناك أسباب متعددة تدفع الشركات لإصدار أسهم جديدة فقد تكون الشركة في حاجة إلى سيولة مالية، فترى أن إصدار أسهم جديدة خير لها من الاقتراض ومشاكله. وقد تتراكم الأرباح فتصدر الشركة أسهمًا جديدة توزعها على المساهمين على نسبة الإسهام وزيادة رأس المال – وعلى كلٍّ فهي من الطرق الفنية التي تختار الشركة القيام بها في صالح المساهمين.
ولما كانت مصلحة المساهمين هي الموجه لاختيار حل الإصدارات الجديدة فإن تنفيذ هذا الاختيار لا بدَّ أن يكون محققًا لمصلحتهم، ولا يضر بحقوقهم، فإذا رأى القائمون على الشركة إصدار أسهم جديدة بثمن أقل من سعر الأسهم القديمة، ولا يفعلون هذا إلَّا إذا حتَّمت الدراسة ذلك، وإنه يترتب على عرض أسهم بقيمة أقل في السوق أن تنزل قيمة الأسهم القديمة، تبعًا لذلك، فلحماية مصالح المساهمين تعرض هذه الأسهم على المشتركين، وحتى لا يكون حيف تكون الأسهم الجديدة موزعة على المساهمين توزيعًا عادلًا متناسبًا مع ما يملكه كل واحد من أسهم قديمة، والأسئلة ثلاثة:
1- هل يجوز للشركة أن تقوم بهذا الحل فتصدر أسهمًا جديدة بثمن أقل وتعطي لكل مشترك حصته على أنه إن رضي بها فهو مقدم على غيره، وإن لم يرض بها كانت الشركة حُرَّة في عرضها على غيره؟(7/188)
ولما كان هذا الحل نتيجة دراسة أفادت أنه من مصلحة الشركة أن تصدر أسهمًا جديدة، فإنه لا يوجد ما يمنع الشركة من ذلك، بل لعله يكون من المحتَّم القيام به إذ إدارة الشركة من مهامها المسؤولة عنها وجلب المصالح ودفع المفاسد.
ولما كان الوضع المالي للشركة هو في الحقيقة وضع مجموع الشركاء بمقدار إسهاماتهم ولذلك فإن كل ما يؤثر سلبًا أو إيجابًا على حقوق الشريك، فإنه يجب أن يراعى فيه مصلحة أفرادهم كرعاية مصلحة الشركة عامة.
فالنتيجة أن إصدار أسهم جديدة لمصلحة الشركة أمر مشروع، وكذلك عرض هذه الأسهم على الشركاء أمر مشروع أيضًا.
2- السؤال الثاني: هل يجوز نقل هذا الحق بعوض؟
إنه في تطبيق الاقتصاد الحديث في ميدان الشركات، يكون الوضع المالي والنشاط الواقع والمتوقع معلومًا، وعلى ذلكم الأساس تنخفض قيمة الأسهم أو تستقر أو ترتفع، فإذا انخفضت قيمة الأسهم فمعنى ذلك أن كل مساهم لحقته خسارة في رأس ماله، مقارنًا بما قبل فترة الانخفاض، وكل ارتفاع في قيمة الأسهم هو ربح حققه، فإذا أصدرت الشركة أسهمًا بقيمة ألف دينار للسهم مع أن سعره السوقي ألف وخمسمائة دينار فإن الفارق الذي هو خمسمائة دينار هو في الحقيقة ملك لصاحب السهم القديم، فإذا باع حقه في الأسهم الجديدة فهو لم يبع إلَّا حصته التي يمتلكها في الشركة، وكما لا يمنع من بيع أسهمه القديمة لا أرى مانعًا يمنعه من بيع ما يرجع إليه من الأسهم الجديدة، وله أن يتنازل عن هذا الحق ويعلن عن عدم رغبته في الشراء ولا في البحث عن مشترٍ.
النتيجة أنه يجوز نقل هذا الحق إلى غير من أُصْدِرَ له بعوض.
3- هل ينطبق على هذه الصورة حكم الشفعة شرعًا؟
الشفعة كما عرفها ابن عرفة: استحقاق شريك أخذ مبيع شريكه بثمنه فالشفعة ليست عقدًا أولًا، وإنَّما هي تسلط الشريك على المشتري الجديد تسلطًا ينزع منه ما اشتراه بالثمن الذي تم به البيع الأول، فالشفعة لا تطلق فقهًا إلَّا إذا كان انتقال الملك من المشتري إلى الشريك دون نظر إلى رضاه، وفي صورة الحال لم يقع بيع الأجنبي رغب الشريك في طرده من الشركة.
والله أعلم.
الشيخ محمّد المختار السّلامي(7/189)
عقُود الاختيارات
إعدَاد
فضيلة الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي
الأستاذ بكلية الشريعة – جامعة دمشق
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد:
فهذا بحث موجز ومحاولة حول بيان الحكم الشرعي لما يسمى حديثًا في الأسواق العالمية بالاختيارات.
والاختيار: عقد بعوض على حق مجرد، يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه بسعر معين طيلة (طوال) مدة معينة (معلومة) أو في تاريخ محدد، إما مباشرة أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
وتوضيح التعريف: أن الاختيار عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد لشراء أو بيع كمية محددة في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة، بثمن محدد، وهذا الحق غير متعلق بعقار أو نحوه من الأشياء المادية، بل هو إرادة ومشيئة، وبين عوض محدد، دون اعتبار العوض من ثمن السلعة، بل هو ثمن للاختيار. ولا ينظر إلى وجودها بصورة معينة، فيكفي أن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ.
والاختيار للشراء يسمى اختيار الطلب أو اختيار الاستدعاء، واختيار البيع يسمى الدفع، وكل منهما قد يكون ممتد الصلاحية منذ التعاقد إلى نهاية فترة معينة، أي يحق استخدامه في أي وقت خلالها، وقد يكون مؤجلًا لا يحق استخدامه إلَّا في تاريخ محدد.
والغالب في التعامل بالاختيارات أن يتم من أحد طريقين:
1- طريق هيئات مخصوصة هي (الأسواق المالية) بواسطة سماسرة محصورين يجمعون رغبات الشراء والبيع بين أطراف غير معروف بعضها لبعض، ويجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات.(7/190)
2- أو بواسطة متعاملين بها خارج الأسواق المالية التي تؤدي خدمة الضمان لحقوق الأطراف الملتزمة بالتنفيذ في حينه.
والجواب عن طائفة من الأسئلة حول هذه الاختيارات وحكمها فيما يلي:
س1: هل ينضوي عقد الاختيار تحت المراد من أحد العقود المسماة المعروفة أو هو نوع جديد؟ وإذا كان نوعًا جديدًا فما حكمه وما تكييفه الشرعي في الجملة؟
يشتمل الفقه الإسلامي على (21) عقدًا من العقود المسماة، يمكن تصنيفها في فئات خمس، وهي ما يلي، ذكرها القانونان المدنيان في الإمارات والأردن:
1- عقود التمليك: وتشمل البيع والمقايضة والهبة والشركة والقرض والدخل الدائم والصلح.
2- عقود المنفعة: وتشمل الإجارة وأنواعها كالمزارعة والمساقاة والمغارسة وإيجار الوقف وعقد الإعارة.
3- عقود العمل: وتشمل عقد المقاولة وعقد العمل والوكالة والوديعة والحراسة.
4- عقود الغرر: وتشمل الرهان والمقامرة، والراتب مدى الحياة والتأمين.
5- عقود التأمينات الشخصية: وهي الكفالة والحوالة. أما الرهن فجاء تنظيمه مع الحقوق العينية التبعية، سواء أكان رهنًا رسميًّا (تأمينيًّا) أم رهنًا حيازيًّا على العقار والمنقول والديون.(7/191)
وبالتأمل في طبيعة " الاختيار " لا نجده منضمًا تحت لواء تنظيم أي عقد من العقود المسماة المعروفة، فهو في تصور القائمين به بيع أو مبادلة، ولا يعد بيعًا بحسب قواعد البيع الشرعية، وإنما هو تصرف من نوع خاص يمكن وصفه بأنه مجرد (مواعدة) لتبادل حقوق مجردة، منقطعة الصلة بالأعيان أو الأشياء المادية، وتقتصر على تبادل الرغبات أو الإرادة والمشيئة، لأن محل عقد البيع أو المبيع: هو الشيء المعين الذي يقع عليه البيع، وتعيينه إما بالرؤية أو بالوصف، كبيع سلعة أو بضاعة مشاهدة، أو موصوفة بأوصاف معينة. ويشترط في المبيع أن يكون موجودًا غير معدوم، إلَّا ما استثني وهو عقد السّلم والاستصناع وبيع الثمر على الشجر بعد بدو صلاح بعضه، والعقد الوارد على منفعة تستوفى تدريجيًّا مع مرور الزمن كالإجارة، فلا يصح بيع المعدوم أو ما له خطر العدم كبيع الحمل في البطن واللبن في الضرع والثمار قبل بدو صلاحها. ويشترط أيضًا أن يكون المبيع معلومًا غير مجهول جهالة فاحشة، وتغتفر الجهالة اليسيرة، وأن يكون مقدور التسليم ليس فيه غرر (أي احتمال) كبيع شيء ضائع أو هارب أو مفقود أو بيع السمك في الماء والطير في الهواء.
ويشترط في المبيع أيضًا أن يكون مالًا متقومًا (أي يباح الانتفاع به شرعًا) وأن يكون طاهرًا غير نجس وأن يكون مملوكًا في نفسه، فلا يصح بيع ما ليس بمال كالميتة والدم، ولا غير المتقوم كالخمر والخنزير، ولا النجس أو المتجنس كالروث أو المائع الذي وقعت فيه نجاسة، ولا يصح بيع ما ليس بمملوك لأحد من الناس، مثل بيع الكلأ (العشب) ولو في أرض مملوكة، والماء غير المحرز، والحطب والحشيش وصيد البرية وتراب الصحراء ومعادنها وأشعة الشمس، والهواء، ولقطات البحر، وحيوانات البر في البراري.
وتشترط هذه الشروط على السواء عند فقهاء الحنفية والشافعية في عقود المعاوضات وعقود التبرعات. ولا يشترط عند المالكية أن يكون محل العقد موجودًا حين التعاقد في عقود التبرعات، ولكن لا يتم عقد الهبة إلَّا بالقبض، كهبة ما ينتجه البستان من الثمار في المستقبل. وأجاز متأخرو الحنابلة كابن تيمية وابن القيم بيع الشيء المعدوم، ما دام خاليًا من الغرر، إذا تعين المحل بالوصف.(7/192)
وأجاز المالكية عقود التبرعات المشتملة على الجهالة، لأن مبناها على التبرع لا المساومة التي تقوم عليها عقود المبادلات المالية كالبيع والشراء.
يفهم من هذا أن المعقود عليه في عقد البيع لا بد أن يكون شيئًا ماديًّا محسوسًا معلومًا، وهذا غير متحقق في عقود الاختيارات، فلا تعد بيعًا صحيحًا.
وأما ماأجازه الفقهاء كالحنفية والشافعية من التنازل بعوض عن الاختصاصات كالوظائف الشرعية من إمامة وخطابة وأذان، فحمله عمل معين لاينطبق عليه حال عقود الاختيارات.
وكذلك التنازل عن حقوق الابتكار أو حقوق الملكية الأدبية والفنية والذهنية كحق التأليف وحق الرسام والفنان والمخترع وحق العلامات التجارية الفارقة، محله متعلق بشيء مادي عيني، متمثل بكتاب أو مرسوم أو مادة مخترعة، أو شعار فني ذي مواصفات معينة، وهذا لاينطبق عليه أيضًا عقد الاختيار.
ولايجوز بيع الحقوق المجردة كحق الشفعة، وحق الارتفاق مثل حق المرور والمجرى والمسيل والطريق، فحق الارتفاق عند الحنفية ليس مالًا، وإنما هو حق مالي يسوغ لمالكه الانتفاع به، فلا يجوز بيعه مستقلًّا عن الأرض، وإنما يباع تبعًا لها، ولا يجوز هبته أو التصدق به، لأن ذلك تمليك، والحقوق المجردة لا تحتمل التمليك. وأجاز غير الحنفية بيع بعض حقوق الارتفاق كحق العلو (بيع السطح مثلًا) . ومحل حقوق الارتفاق متمثل بأشياء مادية، يمارس صاحب الحق فيه الارتفاق أو الانتفاع على شيء مادي معين، وهذا يختلف عن طبيعة عقد الاختيار.
أما الثمن في البيع أو الأجر في الإجارة، فيشترط فيه أن يكون معلومًا للعاقدين منعًا من الوقوع في الجهالة، سواء كان نقدًا أو أعيانًا قيمية كالحيوان أو الثوب مثلًا في عقود المقايضات، أو أموالًا مثلية كالحبوب. ويشترط في الثمن أو الأجرة أيضًا أن يكون مالًا متقومًا (يباح الانتفاع به شرعًا) وإلَّا فسد العقد. ومن الطبيعي أن الثمن شرعًا يكون عوضًا في مقابل معقود عليه يجوز تبادله، وهذا لا ينطبق على (ثمن الاختيار) في عقود الاختيارات، فإنه يتحدد على أسس غير شرعية أحيانًا، يراعى فيه سعر السلعة المذكور في العقد، وطول الفترة الزمنية المحددة للعقد، وتوقعات تقلبات أسعار السلعة المبيعة أو المشتراة، والسعر المتوقع للسلعة المبيعة أو المشتراة، وسعر الفائدة. وهذه العوامل أو الأسس في تحديد (ثمن الاختيار) لا يصح مراعاتها أو النظر إليها شرعًا، لأنها إما ربًا أو احتمالية ذات غرر.
وأما ما أجازه الحنابلة من البيع بما ينقطع عليه السعر في السوق، فهو مرتبط بظرف معين محدد أي بتاريخ معين وإن لم يعرف في وقت العقد، وبتعارف الناس والتعامل به في كل زمان ومكان، كبيع القطن بما يستقر عليه سعر السوق في بورصة الأقطان في الساعة السادسة من يوم كذا، وقد أخذ به القانون المدني السوري والمصري. والمراد به سعر السوق في وقت معين، لا أي سعر في المستقبل.(7/193)
وإذا كنا قد اعتبرنا عقود الاختيارات من قبيل المواعدة، فيلزم الوفاء بها ديانة باتفاق الفقهاء، وكذا قضاء في مذهب المالكية إذا ترتب على الوعد دخول الموعود في التزام مالي بناء على ذلك الوعد، كما لو وعد شخص غيره بمبلغ من المال إذا اشترى بضاعة، وتم الشراء، فيجبر الواعد قضاء على تنفيذ وعده (1) . ومن قواعد الحنفية في المجلة (م83) : " المواعيد بصورة التعاليق تكون لازمة "، فلو وعد شخص غيره ببيع أو بقرض أو بهبة إن فعل شيئًا مشروعًا كزواج أو شراء، يصير الواعد ملزمًا بالوفاء للموعود (2) اجتنابًا لتغرير الموعود، بعدما خرج الوعد مخرج التعهد. وقال ابن نجيم: لا يلزم الوعد إلَّا إذا كان معلقًا " (3) .
وقضى ابن أشوع بالوعد كما ذكر البخاري، وهو قول طائفة من أهل الظاهر وغيرهم (4) .
ويكون عقد الاختيار من قبيل الوعد بالبيع، لوجود التزام أحد العاقدين أمام الغير بتنفيذ الصفقة حينما يتم الشراء منه أو البيع له.
س2: هل هناك علاقة بين عقد الاختيار وبين البيوعات أو العقود الأخرى، مثل بيع العربون، أو البيع على الصفة أو السّلم أو الهبة؟
الواقع أنه لا صلة بين عقد الاختيار وبين أي واحد من هذه العقود، لأنها ترد على أشياء معينة مادية معلومة، وعقد الاختيار يرد على حق مجرد الشراء أو بالبيع، فبيع العربون مثلًا: عقد وارد على عقار أو سلعة، ويدفع المشتري مبلغًا من المال يعد جزءًا من الثمن إن تم البيع، وتعويضًا عن تفويت الفرصة إن عدل المشتري عن الشراء. والبيع على الصفة أو غير المرئي، أو العين الغائبة: بيع يرد على سلعة معينة بأوصاف محددة، لكن المشتري لم يرها، وبيع السلم: بيع آجل بعاجل أو بيع شيء موصوف في الذمة بثمن معجل، يكون المسلم فيه (المبيع) غير موجود عند التعاقد، وإنما يوجد في المستقبل، وهو شيء مادي محسوس، لا مجرد حق. وعقد الهبة: عقد تبرع من غير عوض، فإن كانت الهبة بعوض، فهي في معنى البيع، وهي ترد على نقود أو أشياء أو عقارات أو منقولات، وليست على حقوق، إلَّا إذا كان الحق متمثلًا بشيء عيني كحق التأليف مثلًا لكتاب أو بحث أو مقال.
***
س3: ما التكييف الشرعي للعوض مقابل إعطاء الحق في الاختيار؟
نظرًا لأن عقد الاختيار ليس عقدًا بالمعنى الصحيح، وإنما هو وعد بإبرام عقد، فإن العوض المعطي مقابل حق الاختيار مجرد تبرع مبتدأ، مقابل عمل من أعمال البر والمعروف.
__________
(1) الفروق للقرافي: 4/24 وما بعدها.
(2) شرح المجلة، للأستاذ على حيدر.
(3) الأشباه والنظائر: 2/110؛ والمدخل الفقهي، للأستاذ مصطفى الزرقاء: ف646.
(4) جامع العلوم والحكم، لابن رجب: 2/482 – 486؛ طبع مؤسسة الرسالة بدمشق.(7/194)
س4: هل يصلح الحق المجرد محلًّا للعقد؟
إن الحق المجرد المتمحض كونه حقًّا كحق الشفعة مثلًا، لا يصلح محلًا للعقد، وأما إذا كان للحق تعلق بعين من الأعيان كحق الابتكار وحق الارتفاق، فيجوز جعله محلًّا لعقد البيع في رأي الجمهور غير الحنفية. ومثل ذلك التنازل عن حق الاختصاص أو حق الخلو (حق الفروغ) عن العقارات المشغولة أو غير المشغولة، يجوز التنازل عنها بعوض لتعلقها بعمل في حق الاختصاص، أو تعلقها بعقار في التنازل عن حق الخلو.
أما الحق في عقود الاختيارات فهو مجرد إرادة أو مشيئة أو منحة أو أسبقية لشيء أو تخصيص بشخص، وهذا لا يصلح محلًّا للعقد بحسب قواعد العقود العامة.
***
س5: إذا جرى عقد الاختيار من خلال هيئة ضامنة، فما التكييف الشرعي لدور هذه الهيئة، وما حكم هذا الضمان؟
إذا كان إبرام العقد من الهيئة الضامنة مجرد عمل مبتدأ دون توكيل، فهو بمثابة عقد الفضولي يتوقف على إجازة صاحب الشأن، فإن أجازة نفذ، وإن لم يجزه بطل.
وأما إذا كان إبرام العقد من الهيئة الضامنة بتوكيل مسبق، فينطبق عليه أحكام عقد الوكالة والكفالة.
وأما الضمان إذا لم يكن متفقًا عليه مع المشتري أو البائع، فهو مجرد التزام بتبرع مبتدأ، ومن شرط شيئًا على نفسه طائعًا غير مكره، فهو عليه، كما يقول القاضي شريح (1) ، وهذا هو مستند ما يسمى بالشرط الجزائي الملتزم به سلفًا في عقود المقاولات ونحوها.
__________
(1) المدخل الفقهي العام، للأستاذ الجليل مصطفى الزرقاء: ف234.(7/195)
س6: هل يصح بيع اختيار الاستدعاء (اختيار الطلب) الذي هو اختيار الشراء، أو هو كبيع شيء موصوف، لا يملكه البائع بالرغم من توفره في السوق؟
لا يرد البيع إلَّا على مبيع مادي معلوم أو حق متعلق بالأعيان ولا ينطبق على المبيع في عقود الاختيار كونه بيع شيء موصوف في الذمة، لأن العقد يرد على حق في الشراء، وليس على بيع شيء موصوف، كما أن البائع يبيع ما لا يملكه بنفسه حين التعاقد، وهذان السببان يجعلان بيع اختيار الاستدعاء بيعًا باطلًا، لوروده على محل لا يصلح أن يكون معقودًا عليه، وإذا لم تتوافر شروط المعقود عليه المقررة سابقًا، أو أحد هذه الشروط، كان العقد باطلًا بسبب وجود خلل في المعقود عليه، والذي تعد شروطه المذكورة شروط انعقاد.
***
س7: هل يمكن في صورة اختيار الشراء أن يعتبر العقد مشروعًا بجعل العوض جزءًا من ثمن السلعة؟
لا يمكن ذلك، لأن هذا يكون في معنى بيع العربون، وبيع العربون الجائز عند الحنابلة بيع قائم على سلعة محددة، والعربون جزء من الثمن إذا تم البيع، أما اختيار الشراء فهو مجرد ثبوت أولوية أو حق مجرد، لا يصلح أن يكون محلًّا للعقد، كما تقدَّم، فيكون البيع من أصله باطلًا، ولا يعد المدفوع جزءًا من ثمن السلعة، في عقد باطل، لأن بيع العربون بيع صحيح مستكمل لكافة أركانه وشرائطه، كما يرى الحنابلة.
***
س8: إذا لم يكن هذا العقد مقبولًا شرعًا كليًّا أو جزئيًّا، فكيف يمكن تعديله ليكون مقبولًا شرعًا؟
إن عقد الاختيار ليس مقبولًا شرعًا، وطريق تصحيحه أو تعديله: أن يبيع الشخص شيئًا تملَّكه، وحازه أو لم يحزه، وإنما باعه بالوصف على الخيار (أي خيار الرؤية) ، فإذا تملك الشخص شيئًا، جاز له بيعه لشخص آخر، ولم يكن عمله مجرد القيام بإصدار وعود، حتى ولو كانت ملزمة.(7/196)
حكم بعض الصور الخاصة من الاختيارات:
(أ) شهادة حق التملك:
هي شهادة تصدرها شركة مساهمة لبعض الأشخاص، لاعتبارات معينة، كإقراض الشركة أو تقديم خدمات لها بدون مقابل مادي، تعطيهم الحق في شراء عدد معين من أسهم الشركة بسعر محدد خلال فترة زمنية.
وحكمها: أنه لا مانع من هذه الشهادة إذا كانت الأسهم التي يشتريها بعض الأشخاص بسعر المثل أو بالسعر المعتاد، لأنه لا يعدو أن يكون هذا من المباحات وإعطاء المالك حق الأولوية لبعض الأشخاص في شراء ممتلكاته، واشتراط السعر المعتاد، دون محاباة حتى لا يكون ذلك في مقابل القرض الذي يقدمه المشتري للشركة، فيكون ذلك قرضًا جر نفعًا، وهو حرام.
(ب) حق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم:
يعطي هذا الحق من الشركات المساهمة للمساهمين بنسبة مساهماتهم السابقة، يخولهم الحق بشراء عدد معين من الإصدار الجديد لأسهم الشركة، بسعر معين خلال مدة محددة، والغرض منه حماية حقوق المساهمين القدامى في حالة إصدار أسهم جديدة بقيمة أقل من القيمة المتداولة في السوق، وقد يستعاض عنه أحيانًا بإصدار أسهم مجانية للمساهمين القدامى.
هذا الحق بصورتيه جائز لأنه تبرع أو هبة من الشركة للمساهمين القدامى، مكافأة لهم على مساهماتهم السابقة، وذلك يميزهم عن غيرهم من غير المساهمين، لكن هذا التبرع أو الهبة لا يلزم الشركة المساهمة إلَّا بالتنفيذ الفعلي للتبرع، لأن الهبة لا تلزم إلَّا بالقبض عند الحنفية والشافعية، ولاتصح الهبة إلَّا بالقبض عند بعض الفقهاء وهم الحنابلة في الراجح عن الإمام أحمد، واكتفى المالكية بجعل القبض مجرد شرط لتمام الهبة أي كمال فائدتها، فيملك الموهوب بمجرد العقد أي القول، على المشهور عندهم، والقبض أو الحيازة لتتم الهبة، لأن الهبة عندهم كالبيع وسائر التمليكات، فيملك الموهوب عند الجمهور بالقبض لا بالعقد، وعند المالكية: يملك بالعقد (1) .
__________
(1) الفقه الإسلامي وأدلته، لصاحب هذا البحث: 5/19 – 21.(7/197)
أسئلة حول شهادة حق التملك وحق الأولوية في شراء إصدارات جديدة من الأسهم:
س1: هل إصدار هذين الاختيارين جائز شرعًا؟
إن إصدار هذين الاختيارين جائز شرعًا فيما أعلم، إذ لا يترتَّب عليه ضرر أو تصادم مع حكم شرعي أو قاعدة شرعية.
س2: هل يجوز نقل هذين الاختيارين (الحقين) إلى غير من أُصدرا له بعوض؟
لا يجوز نقل هذين الحقين إلى غير من أُصدرا له بعوض، لأن الحق المجرد بالشراء لا يقبل المعاوضة كما بحثنا في عقود الاختيارات، وإنما يجوز التنازل عنه مجانًا بالتبرع إلى آخرين.
س3: هل ينطبق على صورة الأولوية في شراء الإصدارات حكم الشفعة شرعًا؟
لا ينطبق على هذه الصورة حكم الشفعة: لأن الشفعة حق تملك العقار جبرًا عن صاحبه لدفع ضرر أذى الشريك أو الجار الجديد، فهو حق ثابت في العقارات، لا في المنقولات ولا في الحقوق المحضة.
والله أعلم.
الدكتور وهبة مصطفى الزحيلي(7/198)
الاختِيارات
إعدَاد
فضيلة الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير
أستاذ الشريعة الإسلاميّة
كليّة القانون – جامعة الخرطوم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين.
وبعد فسأجيب أولًا عن الأسئلة حول الاختيارات المطلوب الإجابة عنها، ثم أبيِّن رأيي في حكم الاختيارات من حيث الجواز والمنع، والله الموفِّق.
أولًا – الجواب عن الأسئلة:
س1: هل ينضوي عقد الاختيار تحت أحد العقود المسماة المعروفة أو هو نوع جديد؟ وإذا كان نوعًا جديدًا فما حكمه وما تكييفه الشرعي في الجملة؟
هو نوع جديد، وحكمه أنه عقد غير صحيح، وتكييفه أنه عقد معاوضة يشترط فيه ما يشترط في عقود المعاوضات، وواضح من التعريف أن المحل في عقد الاختيار هو الحق في شراء شيء معين أو بيعه بسعر معين، في زمن مستقبل محدد، أو في أثناء مدة محددة، وهذا الحق ليس مالًا متقومًا، ولا حقًّا ماليًّا، وإنما هو حق في الشراء، أو البيع بسعر محدد، يعطيه أحد الطرفين للآخر نظير مال، فهو شبيه بخيار الشرط في الفقه الإسلامي الذي يعطيه أحد الطرفين للآخر ويجعل له الحق في إمضاء البيع أو فسخه في هذه الجزئية فقط، ولكنه يختلف عنه اختلافًا أساسيًّا في أن خيار الشرط يكون ضمن عقد قائم، والاختيار عقد مستقل بذاته، ولا أعلم فقيهًا جوَّز أخذ العوض نظير خيار الشرط، فيكون أخذ العوض نظير عقد الاختيار أولى بالمنع.(7/199)
س2: هل هناك علاقة بين عقد الاختيار وبين البيوعات أو العقود الأخرى، مثل: بيع العربون، أو البيع على الصفة أو السلم، أوالهبة؟
لا علاقة لعقد الاختيار بهذه العقود، لأن المحل في هذه العقود سلعة، ويجب أن تكون مالًا متقومًا، أما المحل في عقد الاختيار فهو الحق في الشراء أو البيع، وهو ليس بمال.
قد يظن أن لعقد الاختيار علاقة ببيع العربون تقتضي قياسه عليه، لأن في العقدين خيارًا بمقابل، فإن بيع العربون فيه خيار بعوض هو العربون في حال عدم إمضاء البيع عند من يجوزه، وهذا شبه ظاهري غير مؤثر؛ لأن الفروق بين العقدين كثيرة، ففي بيع العربون البيع وقع على سلعة لا على الخيار، وإذا اختار المشتري إمضاء العقد لا يكون للخيار مقابل لأن العربون يحتسب من ثمن السلعة، أما في عقد الاختيار فإن البيع يقع على الخيار نفسه، ويدفع المشتري العوض سواءً اشترى أو لم يشترِ، فالخيار هنا له مقابل في الحالين، ثم إن بيع العربون يكون بالنسبة للمشتري، وليس في الفقه الإسلامي بيع عربون فيه خيار للبائع، ولهذا فإني لا أرى وجهًا لقياس عقد الاختيار على بيع العربون.
***
س3: ما التكييف الشرعي للعوض مقابل إعطاء الحق في الاختيار؟
هو من أكل المال بالباطل، لأنه ليس له مقابل صحيح، وليس هبة.
***
س4: هل يصلح الحق المجرد محلًّا للعقد؟
تكلم ابن عابدين في حاشيته: 4/18، عن الاعتياض عن الحقوق المجردة، وقرَّر أنها لا يجوز الاعتياض عنها ولا تحتمل التمليك، ولا يجوز الصلح عنها، ولا تضمن بالإتلاف، لأن الاعتياض عن مجرد الحق باطل، إلَّا إذا فؤَّت حقًّا مؤكدًا، فإنه يلحق بتفويت حقيقة الملك في حق الضمان كحق المرتهن.(7/200)
ومثل ابن عابدين للحقوق المجردة بحق الشفعة، وحق القسم للزوجة، وحق الخيار في النكاح للمخيرة، وحق صاحب الوظيفة في الأوقاف من إمامةٍ وخطابةٍ وأذانٍ ... إلخ، وذكر اتفاق الحنفية على عدم جواز الاعتياض عن حق الشفعة، واختلافهم في جواز الاعتياض عن الوظائف.
والذي يظهر لي أن اعتبار حق الاختيار من قبيل الحقوق المجردة التي يتحدث عنها الفقهاء غير سليم، لأن الحق المجرد الذي يتحدَّث عنه الفقهاء هو حق ثبت لصاحبه بوجه شرعي صحيح، كما هو واضح من الأمثلة، ويريد صاحبه أن يعتاض عنه، وحق الاختيار ليس من هذا القبيل، لأنه ليس حقًّا ثابتًا لأحد، وإنما يريد أحد العاقدين أن ينشئه للآخر، ويبدو لي أن العوض في عقد الاختيار ليس مقابل حق الاختيار، وإنما هو مقابل التزام أحد الطرفين للآخر، ويقابل هذا الالتزام ثبوت حق للطرف الآخر، فحقيقة اختيار الشراء هو أن البائع يلتزم للمشتري ببيع شيء موصوف، في وقت محدد، بثمن محدد، يدفعه له عند الاتفاق مقابل هذا الالتزام، ويترتب على التزام البائع ثبوت حق للمشتري في الشراء.
إذا صح هذا التكييف فإن السؤال ينبغي أن يكون: هل يصلح مجرد الالتزام بالبيع محلًّا للعقد ويجوز الاعتياض عنه؟
والجواب: لا يصلح.
قد يقال إن المشتري عندما يبيع الاختيار الذي ثبت له بمقتضى التزام البائع يكون قد باع حقًّا ثابتًا له مثل حق الشفعة، وهذا القول يكون صحيحًا لو أن الاختيار ثبت للمشتري بطريق مشروع مثل ثبوت حق الشفعة، وهذا غير متحقق.
***
س5: إذا جرى عقد الاختيار من خلال هيئة ضامنة، فما التكييف الشرعي لدور هذه الهيئة؟ وما حكم هذا الضمان؟
لا معنى للبحث عن جواب هذا السؤال إلَّا إذا حكمنا بجواز عقد الاختيار، ولهذا سأجيب عنه على افتراض الجواز.(7/201)
دور هذه الهيئة هو دور الوكيل عن طرفي العقد، فالهيئة تتولى العقد نيابةً عن المشترى ونيابةً عن البائع، فهل يجوز أن يتولَّى شخص واحد طرفي العقد في عقود المعاوضات؟
هذه مسألة خلافية، فلا مانع من الأخذ فيها برأي المجوزين، لا سيما إذا لاحظنا أن الوكالة هنا مقيدة، وأن الهيئة تنفذ في الواقع إرادة كل واحد من الطرفين.
يأتي بعد ذلك حكم ضمان الوكيل لكل من المشتري والبائع، لأن الهيئة، وهي الوكيل، ستضمن المشتري وتضمن البائع، فهل يجوز هذا الضمان؟
إذا أخذنا برأي من يقول إن حقوق العقد ترجع إلى الوكيل، فإن الضمان لا يجوز؛ لأن المرء لا يضمن نفسه، أمَّا إذا أخذنا بالرأي الآخر، وهو أن حقوق العقد ترجع إلى الموكل، فإن الضمان يجوز، ولا أرى مانعًا من الأخذ بهذا الرأي.
يأتي بعد ذلك سؤال لم أجد له جوابًا في المذكرة هو: هل هذا الضمان بعوض أم بغير عوض؟ إذا كان بغير عوض فإنَّ ضمان الهيئة يكون جائزًا، أمَّا إذا كان بعوض، وهو ما أرجحه، فإن الضمان لا يجوز؛ لأن أخذ العوض على الضمان لا يجوز بالإجماع، وقد أصدر المجمع قرارًا بهذا في دورته الثانية.
***
س6: هل يصح بيع (اختيار الاستدعاء) ؟ أو هو كبيع شيء موصوف لا يملكه البائع بالرغم من توفره في السوق؟
لا يصح بيع اختيار الاستدعاء، لأن عقد الاختيار القائم عليه ثبوت حق اختيار الاستدعاء غير صحيح، ولو كان عقد الاختيار صحيحًا فإن بيع اختيار الاستدعاء يكون من قبيل بيع الحقوق المجردة وقد ذكرنا أن الاعتياض عن الحقوق المجردة لا يجوز.(7/202)
وأما ما جاء في السؤال من تشبيه بيع اختيار الاستدعاء ببيع شيء موصوف ... إلخ، فلا أرى له وجهًا، لأن الشيء الموصوف هو ما التزم البائع ببيعه لمن له الاختيار، وهو غير اختيار الاستدعاء، وواضح أن الشيء الذي التزم البائع ببيعه غير مملوك له، وبيع الإنسان ما لا يملك لا يجوز إلَّا في السلم بشروطه.
***
س7: هل يمكن في صورة (اختيار الشراء) أن يعتبر العقد مشروعًا يجعل العوض جزءًا من ثمن السلعة؟
لا يمكن إلَّا إذا تغيرت صيغة العقد، وصارت صورة من صور بيع العربون الجائز باتفاق الفقهاء، وهي أن يدفع المشتري للبائع مبلغًا من المال على أنه إن أمضى البيع احتسبه من الثمن، وإن لم يمضه أخذ ما دفعه.
هذا بيع صحيح والضرر الذي فيه مغتفر، فهو بيع بالخيار قدم فيه جزء من الثمن، قال الحطاب: قال مالك: وأما من اشترى شيئًا، وأعطى عربانًا على أنه إن رضيه أخذه، وإن سخطه رده وأخذ عربانه فلا بأس به. [الحطاب: 4/369] .
وينبغي التنبيه إلى أن هذه الصورة لا تصح إلَّا إذا كان المبيع سلعة مملوكة للبائع، أما إذا كان المبيع غير مملوك للبائع، فإن البيع يدخل في بيع الإنسان ما ليس عنده المنهي عنه إلَّا في السلم، وكذلك لا يصح البيع إذا كان المبيع نقودًا (بيع العملات) ؛ لأنه يكون عقد صرف يشترط لصحته قبض البدلين في المجلس ولا يدخله الخيار.(7/203)
أسئلة حول شهادة حق التملك، وحق الأولوية
في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم:
س1: هل إصدار هذين الاختيارين (الحقين) جائز شرعًا؟
حق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم جائز بل هو الأولى عندي، ما دامت القيمة واحدة بالنسبة لجميع المساهمين.
أما شهادة حق التملك فهي جائزة إذا كانت برضا المساهمين، ولم يكن الاعتبار الذي أعطيت الشهادة من أجله هو إقراض الشركة؛ لئلا يكون قرضًا جر نفعًا.
س2: هل يجوز نقل هذين الاختيارين (الحقين) إلى غير من أُصْدِرا له بعوض؟
لا يجوز، لأنهما ليسا بمال، وصاحب الحق لم يملك أسهمًا في الشركة حتى يبيعها، وإنما ملك مجرد الحق في شراء الأسهم، وهو ليس مالًا.
س3: هل ينطبق على الصورة الثانية (الأولوية في شراء الإصدارات) حكم الشفعة شرعًا؟
نعم هذه الصورة شبيهة بحق الشفعة، لأن الحكمة من تشريع الشفعة دفع ضرر الدخيل، وهذا متحقق بالنسبة للمساهمين القدامى، إذا أعطيت الإصدارات الجديدة بغير رضاهم لغيرهم، لا سيما في الشركات الخاصة التي يكون المساهمون فيها محصورين.
قد يقال إن من شرائط الشفعة أن يخرج المشفوع فيه من ملك صاحبه (الشريك) بعوض، وفي مسألتنا هذه: الأسهم الجديدة لم تكن مملوكة لأحد فكيف تثبت فيها الشفعة؟
والجواب هو أن الأجنبي مشتري هذه الأسهم الجديدة سيكون شريكًا للمساهمين القدامى في موجودات الشركة المملوكة لهم، ومعنى هذا أن المساهمين القدامى يبيع كل واحد منهم بعض أسهمه ببعض أسهم المشتركين الجدد، يوضح هذا أنه لو كانت قيمة موجودات شركة مائة، وطرحت أسهم جديدة بمائة اشتراها مشتركون جدد فإنهم يملكون 50 % من موجودات الشركة المملوكة للمساهمين القدامى نظير ملك المساهمين القدامى 50 % مما دفعه المشتركون الجدد، وهذا يعني أن كلًّا من الفريقين باع نصف ماله بنصف مال الآخر، وهذا يكفي لتحقق الشرط، وعلى هذا يجب على مجلس إدارة الشركة إذا أراد أن يصدر أسهمًا جديدة أن يعرضها أولًا على المساهمين القدامى.(7/204)
ثانيًا – حكم الاختيارات:
يتبين من إجاباتي عن الأسئلة أن عقد الاختيار عقد غير صحيح للأسباب التي وردت في الإجابة، وأريد هنا أن أذكر حكم صورتين من صور الاختيارات لتميزها بحكم خاص.
الصورة الأولى: اختيار شراء العملات وبيعها:
شراء العملات وبيعها هو المعروف في الفقه الإسلامي بعقد الصرف، وهو جائز إذا توافرت شرائطه، ومن شرائط صحته قبض البدلين في مجلس العقد بنص الحديث الصحيح، ولهذا قرَّر الفقهاء أن خيار الشرط لا يدخل عقد الصرف، لأنه يتنافى مع وجوب قبض البدلين في المجلس، ومن هنا يفهم أن شراء العملات وبيعها إذا دخله الخيار لا يجوز، ولو كانت العملة مملوكة للبائع، ولو كان الخيار بغير عوض، فكيف به إذا كانت العملة غير مملوكة للبائع وكان الخيار بعوض، كما هو الشأن في خيار شراء العملات وبيعها.
الصورة الثانية: اختيار شراء الأسهم وبيعها:
الاشتراك في شركات المساهمة جائز شريطة أن تكون الشركات ملتزمة بعدم مخالفة أحكام الشريعة الإسلامية، وبيع المساهم سهمه لآخر جائز شريطة الالتزام بالقيود الشرعية لبيع الأسهم، والمقصود الأصلي من الاشتراك في شركات المساهمة، ومن شراء الأسهم هو اقتناء تلك الأسهم للاستفادة من ريعها، وهو أمر مقبول شرعًا، أما المتاجرة في الأسهم بمعنى اتخاذ الأسهم نفسها سلعة تباع وتشتري ابتغاء الربح فقط من غير قصد اقتناء الأسهم، والمشاركة في الشركة، كما هو حادث في الأسواق المالية، فإن الحكم عليه محل خلاف بين الفقهاء المعاصرين، وأنا أميل فيه إلى المنع، ولو كان خاليًا من الاختيارات، لأن هذه تجارة يصعب الالتزام فيها بأحكام الشريعة الإسلامية، ولا مصلحة فيها للمجتمع بل قد تعود عليه بأضرار بالغة.(7/205)
ثم إن خيار شراء العملات وبيعها، وخيار شراء الأسهم وبيعها شبيه بالقمار، ولا فرق بينه وبين المضاربة على فروق الأسعار، يوضح ذلك المثالان التاليان:
المثال الأول: اشترى شخص عشرة آلاف من الدولارات من آخر بسعر الدولار تسعين جنيهًا سودانيًّا، واشترى الخيار لمدة ستة أشهر بعشرة آلاف من الجنيهات السودانية، وقبل أن تنتهي الستة أشهر ارتفع سعر الدولار إلى مائة جنية فمارس المشتري حقه في الخيار فإنه يكون حقق ربحًا – وهو ما يرمي إليه – ولكن ربحه هذا هو خسارة على البائع، على أن الدولار قد يبقى سعره كما هو إلى انتهاء مدة الخيار فيخسر المشتري عشرة آلاف ويربحها البائع، ففي هذه المعاملة يكون كل واحد من المتعاقدين إما غانمًا أو غارمًا، وهذا هو ضابط القمار المحرم، أما البيع الذي أحله الله فإن كل واحد من المتعاقدين يكون غانمًا بحصوله على العوض المعادل لما حصل عليه الآخر، وهكذا الحال في بيع العملات يدًا بيد.
المثال الثاني: إذا باع شخص خيار شراء أسهم لمدة ستة أشهر بسعر أربعين دولار للسهم، مقابل أربعة دولارات ثمن الخيار، فإنه يفعل ذلك لأنه قدر أن ثمن السهم لن يزيد في هذه المدة على الأربعين دولارًا بأكثر من ثمن الخيار، والمشتري يقدر أن ثمن السهم سيزيد في هذه المدة على الأربعين دولارًا والثمن الذي دفعه للخيار، وإلَّا ما أقدم على الشراء، فهو يضارب على ارتفاع السعر، والبائع يضارب على انخفاضه، ومن تحققت نبؤته كان هو الرابح، فما الفرق بين هذا والمضاربة على فروق الأسعار؟ بل أليس هذا أخا القمار؟
إن شراء الاختيارات وبيعها في جميع صورها ليس من بيوع المسلمين التي أحلها الله لهم فيجب عليهم الابتعاد عنها.
ولا حاجة للبحث لهذه المعاملة عن بديل شرعي؛ لأنها ليست وسيلة موصلة إلى مصلحة معتبرة حتى نبحث لها عن وسيلة أخرى شرعية توصل إلى تلك المصلحة.
والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل.
الدكتور الصديق محمّد الأمين الضرير(7/206)
الاختِيارات
دَراسَة فِقهيّة تحليليّة مُقَارنَة
إعدَاد
عَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد.
فإن التطور المادي، والفكري السريع الذي يعيشه عالمنا المعاصر لم يترك مرفقًا من مرافق الحياة إلَّا شمله، وليس غريبًا أن يكون عالم الاقتصاد والتجارة الأفسح مجالًا لهذا التطور، بل أصبحت لهما الهيمنة في المجتمعات على كافة المستويات المحلية، والدولية، وذات التأثير الأكبر على حاضر الأمم، ومستقبلها، اجتماعيًّا، وسياسيًّا، وثقافيًّا.
وأصبح من نتائج هذا التطور في هذا المجال أن ابتكرت أدوات، وصيغ، وأساليب في العقود والمعاملات في إفراز التطور الفكري، والتقدم التكنولوجي، فقدمت أنماطًا للمجتمعات لم يكن لها سابق عهد بها، وهجمت على الموروث من تلك الصيغ، والأساليب، والأدوات.
ولما لم يكن الكثير معهود الشكل، أو مألوف الأسلوب، والصيغة في الفقه الإسلامي، والمجتمعات المسلمة، المحكومة بمبادئها، وعقائدها، وفرضت وجودها عليها – بحكم الغلبة – استدعت الحاجة أن يتبين موقف الشرع الإسلامي منها إباحة، أو تحريمًا، صحة، أو بطلانًا، خصوصًا وأنها نتاج مجتمعات منطلقة، لا تحكمها المبادئ التي تحكم السوق الإسلامية، ولا تعترف بالقيود الشرعية.(7/207)
كما أنه لا بد للفرد المسلم، والمؤسسات التجارية والاقتصادية أن تمارس النشاط المالي بكل أنواعه بوعي متيقظ، وبينه من أمور الحلال والحرام في المعاملات، فهي مسؤولية كل فرد يخوض هذا المجال، ويسعى إلى الرزق الحلال.
وقد أخذت المجتمعات الإسلامية نفسها في الماضي بهذا المبدأ حرصًا على الحلال، وسلامة الكيان الاقتصادي فيها.
وقد كان مقررًا لدى عامتهم وخاصتهم أنه: (لا يجوز للإنسان أن يجلس في السوق حتى يعلم أحكام البيع، والشراء، فإنه يكون حينئذ فرضًا واجبًا عليه، وكذلك الذي يتصرف لنفسه، أو لغيره، يجب أن يعلم حكم ما يتصرف فيه ... ، وقد روي أن عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بعث من يقيم من الأسواق من ليس بفقيه) (1) ، وقال في المدخل: قد كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يضرب بالدرة من يقعد في السوق وهو لا يعرف الأحكام، ويقول: لا يقعد في سوقنا من لا يعرف الربا، أو كما كان يقول.
"وقد أمر مالك رحمه الله بقيام من لا يعرف الأحكام من السوق لئلا يطعم الناس الربا " (2) .
وتوارثت الأجيال والمجتمعات الإسلامية هذا التطبيق، وأخذت نفسها به حتى في العصور المتأخرة.
__________
(1) القباب، أبو العباس أحمد بن قاسم الجذامي: " شرح المسائل التي وضعها ابن جماعة في البيوع "، مخطوط مصور، مكة المكرمة، مكتبة مكة المكرمة رقم 31، حنفي: ص59.
(2) الرهوني، سيدي محمد بن أحمد: أوضح المسالك وأسهل المراقي إلى سيل ابريز الشيخ عبد الباقي، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/2، مصور عن الطبعة الأولى (مصر: المطبعة الأميرية، سنة 1306هـ) .(7/208)
يقول العلامة (الرهوني) : " سمعت سيدي أبا محمد رحمه الله تعالى يذكر أنه أدرك بالمغرب المحتسب يمشي على الأسواق، ويقف على كل دكان فيسأل صاحبه عن الأحكام التي تلزمه في سلعه، ومن أين يدخل عليه الربا فيها، وكيف يتحرز منها؟ فإن أجابه أبقاه في الدكان، وإن جهل شيئًا من ذلك أقامه من الدكان، ويقول: لا يمكنك أن تقعد في سوق المسلمين تطعم الناس الربا، وما لا يجوز " (1) .
ومن نعم الله عز وجل على الأمة الإسلامية في الوقت الحاضر أن توجد المؤسسات العلمية، والمجامع الفقهية الإسلامية التي تتحسس هذه الأمور، لتعرضها للدراسة والبحث، يشارك فيها الفقهاء والمتخصصون من مختلف الأقطار الإسلامية بطريقة جماعية، وأسلوب عصري واع.
وإن أمانة مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي إحدى هذه الصروح الشامخة، التي تولي هذه الموضوعات عناية فائقة، واهتمامًا كبيرًا بقدر ما لها من أهمية في مجتمعنا الإسلامي المعاصر.
وتأتي موضوعات عقود (الاختيارات) , و (المستقبليات) ، و (بطاقات الائتمان) في سلسلة مجموعة المعاملات والعقود، والمشاكل الاقتصادية الحديثة التي تنال حظًّا وافرًا من البحث والدراسة من قبل أمانة المجمع برئاسة أمينها سماحة العلامة الأستاذ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة حفظه الله.
وقد كونت أمانة المجمع برئاسة سماحته لجنة علمية من الفقهاء والاقتصاديين، في اجتماعات دورية عديدة للتعاون على تقديم أوراق عمل، تدون فيها اللجنة تصويرًا للواقع، والممارسة لهذه العقود، وتعريفات وإيضاحات لها، في صياغة علمية واضحة، تتبين من خلالها محاورها، ومرتكزاتها، وتتحرى في وضعها الخصائص، والجوانب المهمة، التي تعين على استيعاب تصورها، ورسم حقائقها، في لغة جزلة، وعبارات دقيقة، قصد التوصل إلى تيسير فهمها، وتقريبها للفقهاء الباحثين، حتى يمكنهم من إصدار أحكام شرعية صحيحة بصددها.
وقد تم لهذه اللجنة من الفقهاء، والاقتصاديين الوفاء بالمسؤولية التي أنيطت بهم، والمتمثلة في الأوراق المرفقة بالبحث، وفي ضوء التعريفات والإيضاحات التي تضمنتها يتم بحث القسم الأول (الاختيارات) في دراسة فقهية، تحليلية، مقارنة – إن شاء الله – متوجهًا إلى المولى الكريم أن يمن بالتوفيق إلى المنهج الصحيح، والرأي السديد، وبالله التوفيق.
__________
(1) الرهوني، سيدي محمد بن أحمد: أوضح المسالك وأسهل المراقي إلى سيل ابريز الشيخ عبد الباقي، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/2، مصور عن الطبعة الأولى (مصر: المطبعة الأميرية، سنة 1306هـ) .(7/209)
تَعرِيفُ الاختِيارات
الصيغة المقدمة لعقد الاختيارات من قبل مجمع الفقه الإسلامي
التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة
الاختياراتOPTIONS
التعريف:
الاختيار: عقد بعوض على حق مجرد، يخول صاحبه بيع شيء، محدد، أو شراءه بسعر معين، طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد، إما مباشرة، أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين.
إيضاح التعريف:
الاختيار: عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد، لشراء أو بيع كمية محددة، في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة، بثمن محدد، وهذا الحق غير متعلق بعقار، أو نحوه من الأشياء المادية بل هو إرادة ومشيئة، وبين عوض محدد، دون اعتبار العوض من ثمن السلعة بل هو ثمن للاختيار ولا ينظر إلى وجودها بصورة معينة، فيكتفي بأن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ.
وثمن الاختيار هذا يتحدد اعتمادًا على كثير من المتغيرات منها:
سعر السلعة المذكور في العقد.
طول الفترة الزمنية المحددة للعقد.
التوقعات بالنسبة لتقلبات أسعار السلعة التي سيقع عليها الشراء أو البيع.
السعر المتوقع للسلعة التي سيقع عليها الشراء أو البيع.
سعر الفائدة.(7/210)
والاختيار للشراء يسمى اختيار الطلب، أو الاستدعاء، واختيار البيع يسمى اختيار الدفع، وكل منهما قد يكون ممتد الصلاحية منذ التعاقد إلى نهاية فترة معينة، أي يحق استخدامه في أي وقت خلالها، وقد يكون مؤجلًا لا يحق استخدامه إلَّا في تاريخ محدد.
والغالب في التعامل بالاختيارات أن يكون عن طريق هيئات مخصوصة، هي (الأسواق المالية) المنظمة رسميًّا والمرخص فيها بذلك لسماسرة محصورين يجمعون رغبات الشراء والبيع بين أطراف غير معروف بعضها لبعض، ويجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات، على أنه قد تقع الاختيارات مباشرة بين المتعاملين بها خارج الأسواق المالية التي تؤدي خدمة الضمان لحقوق الأطراف الملتزمة بالتنفيذ في حينه.
بعض الأسئلة حول الاختيارات:
يتعلق بالتعريف جملة من القضايا المؤثرة في التكييف الشرعي للاختيارات وحكمها، يمكن الإشارة إليها في صورة أسئلة منها:
1- هل ينضوي عقد الاختيار تحت أحد العقود المسماة المعروفة أو هو نوع جديد؟ وإذا كان نوعًا جديدًا فما حكمه، وما تكييفه الشرعي في الجملة؟
2- هل هناك علاقة بين عقد الاختيار وبين البيوعات أو العقود الأخرى، مثل: بيع العربون، أو البيع على الصفة، أو السلم، أو الهبة؟
3- ما التكييف الشرعي لعرض مقابل إعطاء الحق في الاختيار؟
4- هل يصلح الحق المجرد محلًّا للعقد؟
5- إذا جرى عقد الاختيار من خلال هيئة ضامنة، فما التكييف الشرعي لدور هذه الهيئة؟ وما حكم هذا الضمان؟
6- هل يصح بيع (اختيار الاستدعاء) ، أو هو كبيع شيء موصوف لا يملكه البائع بالرغم من توفره في السوق؟
7- هل يمكن في صورة (اختيار الشراء) أن يعتبر العقد مشروعًا بجعل العوض جزءًا من ثمن السلعة.
8- إذا لم يكن هذا العقد مقبولًا شرعًا كليًّا، أو جزئيًّا، فكيف يمكن تعديله ليكون مقبولًا شرعًا؟(7/211)
التعريف بصورة خاصة من الاختيارات:
يدخل في جنس تعريف الاختيار، وإن لم تنطبق جميع قيوده، صورتان من الاختيارات لا يصدرهما الأفراد، وهما تعطيان مجانًا ولكن يتم فيما بعد بيعهما، وشراؤهما بمقابل:
(أ) شهادة حق التملك WARRANT:
وهي شهادة تصدرها شركة مساهمة لبعض الأشخاص، لاعتبارات معينة كإقراض الشركة، أو تقديم خدمات لها بدون مقابل مادي، تعطيهم الحق في شراء عدد معين من أسهم الشركة، بسعر محدد خلال فترة زمنية.
(ب) حق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم PRE-EMPTIVE RIGHT:
إن هذا الحق حق مؤثر، يعطى من الشركات المساهمة للمساهمين، بنسبة مساهماتهم السابقة، يخولهم الحق بشراء عدد معين من الإصدار الجديد لأسهم الشركة، بسعر معين، خلال مدة محددة، والغرض منه حماية حقوق المساهمين القدامى في حالة إصدار أسهم جديدة، بقيمة أقل من القيمة المتداولة في السوق. وقد يستعاض عنه أحيانًا بإصدار أسهم مجانية للمساهمين القدامى.(7/212)
أسئلة حول شهادة حق التملك، وحق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم:
1- هل إصدار هذين الاختيارين (الحقين) جائز شرعًا؟
2- هل يجوز نقل هذين الاختيارين (الحقين) إلى غير من أصدرا له بعوض؟
3- هل ينطبق على الصورة الثانية (الأولوية في شراء الإصدارات) حكم الشفعة شرعًا؟ (1) .
تحرير عقد الاختيارات:
لابد من وقفة متأنية قبل البدء في البحث، تمكن من تحرير الموضوع؛ ذلك أن التعريف يشتمل على جزأين رئيسين:
أولًا: الجملة الأولى في التعريف:
" عقد بعوض على حق مجرد ... ".
ثانيًا: الجملة الثانية:
" يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه ... ".
ومفهوم هذين الجزئين أن (العقد) الذي نص عليه في العبارة الأولى هو مدخل للعقود التي تبرم بين الأطراف داخل السوق المالية، وبدونه لا يسمح لأحد أن يتعامل فيه شراء، أو بيعًا، هذه هي الخطوة الأولى، فإذا ما تم هذا العقد الأوَّلي، عندئذ " يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه ... ".
__________
(1) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.(7/213)
ثالثًا: إن (الحق المجرد) في التعريف يحدده، ويعين المراد منه جملة:
((يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه ... )) .
ولهذا لا يكون لهذا العقد الأولي وموضوعه (الحق المجرد) وجود عندما تتم الاختيارات خارج السوق، وتتم مباشرة بين المتعاملين، يؤيد هذا ما يأتي:
1- ما جاء صراحة في إيضاح التعريف: (على أنه قد تقع الاختيارات مباشرة بين المتعاملين بها خارج الأسواق المالية، التي تؤدي خدمة الضمان لحقوق الأطراف الملتزمة بالتنفيذ في حينه) ، وحينئذ فليس لهذا العوض مجال، أو مكان، فيما يتم بين المتعاقدين.
فالعوض على (حق مجرد) عند الدخول في هذا النوع من العقود ليس له وجود إذا جرت (الاختيارات) خارج السوق المالية، ومعنى هذا أن ذلك العوض في مقابل هذا الحق ليس له علاقة بالعقود (الاختيارات) التي تبرم فيما بعد.
2- ما جاء تحت عنوان: (التعريف بصور خاصة من الاختيارات) : وهي اختيارات تصدرها مؤسسات، وتمنحها مجانًا، ومن ثم يخول أصحابها الممنوحة لهم التعامل بالبيع، وفق عقد (الاختيارات) ، وورد التمثيل لهذا بنوعين هما.(7/214)
(أ) شهادة حق التملك WARRANT:
وجاء توضيحها كالتالي: (وهي شهادة تصدرها شركة مساهمة، لبعض الأشخاص، لاعتبارات معينة: كإقراض الشركة، أو تقديم خدمات لها بدون مقابل مادي، تعطيهم الحق في شراء عدد معين من أسهم الشركة، السعر المحدد، خلال فترة زمنية) .
(ب) حق الأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم PRE-EMPTIVE RIGHT:
وجاءت العبارات التالية توضحيًا له: (إن هذا الحق حق موثق، يعطى من الشركات المساهمة للمساهمين، بنسبة مساهماتهم السابقة، يخولهم الحق بشراء عدد معين من الإصدار الجديد، لأسهم الشركة بسعر معين، خلال مدة محددة ... ) .
3- ما جاء في (إيضاح التعريف) : (الاختيار عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد، لشراء، أو بيع كمية محددة، في زمن محدد، من سلعة موصوفة ... ، وبين عوض محدد، دون اعتبار العوض من ثمن السلعة، بل هو ثمن للاختيار) .
فالجملة الأخيرة من هذا الإيضاح تلعن صراحة عدم علاقة هذا (العوض) بجوهر العقد، وحقيقته، وأنه (ثمن للاختيار) ، وبعبارة أخرى هو ثمن (الحق المجرد) المتمثل في إجازة الدخول في هذا النوع من العقود والمضاربات المالية.(7/215)
يتلخص مما تقدم الأمور التالية:
1- إن التعريف اشتمل على عقدين متباينين شكلًا وموضوعًا:
(أ) عقد ابتدائي أولي: وهو المذكور في صدر التعريف المعبر عنه بـ (عقد بعوض على حق مجرد) .
(ب) عقد ثانٍ تالٍ للأول: هو (بيع شيء محدد، أو شراؤه، بسعر معين، طيلة مدة محددة، أو تاريخ محدد..) .
(ج) العوض المدفوع في العقد الابتدائي الأولي هو رسم ممارسة النشاط التجاري داخل السوق المالية، لا غير.
(د) إن وصف (الحق) في التعريف بأنه (مجرد) يعني أنه حق مطلق بدون تعيين، في حين أن (الحق) في التعريف أصبح معينًا، ومعروفًا، فقد تمثل في الترخيص للمتعامل، والسماح له، بممارسة النشاط التجاري، في سوق معينة.
(هـ) إن التنظيم الإداري للسوق لا يسمح لأحد بممارسة النشاط التجاري فيه ما لم يحصل على ترخيص بذلك، ويكون هذا:
1- بعقد عوض.
2- بتبرع من هيئة.
(و) وإن عقد (الاختيارات) مدلولًا ومضمونًا هو (بيع شيء محدد، أو شراؤه بسعر معين، طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد، إما مباشرة، أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين) .
وبهذا يتم التصور، والتحرير لهذا النوع من العقود المالية.
تداخل عقدين في عقد الاختيارات:
سبق بيان أن التعريف المدون لهذا العقد يتضمن عقدين:
الأول: عقد ابتدائي، وهو المذكور في الجملة الأولى في صدر التعريف (عقد بعوض على حق مجرد) .
الثاني: (بيع شيء، أو شراؤه بسعر معين، طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد ... ) .
وهذا يمثل تداخلًا بين عقدين تحت عنوان واحد. ويستدعي البحثُ ابتداءً، توضيح نوعية العقد منفردًا في كليهما، حتى يصح تنزيل كل واحد منهما على نوعه، وتكييفه بأركانه، وشروطه، وكافة خصائصه.(7/216)
العَقد الأوَّلي
موضوعه المعقود عليه:
السماح والترخيص للمتعامل بالدخول في المضاربات في السوق المالية، للاستفادة منها في استثمار أمواله في معاملاتها، وما تقدمه من معلومات، وتسهيلات مادية. فهو عقد (منفعة معلومة) ، محددة، مؤقتة.
تكييفه فقهًا:
وإذا تقرر أن المنفعة المعقود عليها هنا هي موضوع هذا العقد، فهو (عقد إجارة) ، يصح بما تصح به الإجارة، يخضع لجميع أحكامها، وأركانها، وشروطها.
ويقدم البحث هنا بإيجاز تعريفًا للإجارة في معناها اللغوي، والشرعي في المذاهب الأربعة، وأركانها لتتضح المطابقة بين العقد الأولي في (الاختيارات) ، وعقد الإجارة في الفقه الإسلامي، لينظر فيه وفق أحكامها.
تعريف الإجارة لغة:
ذكر الفقهاء معنى الإجارة في اللغة بأنها: " مشتقة من الأجر، وهو العوض ومنه سمي الثوابُ أجرًا، لأن الله تعالى يعوض العبد به على طاعته، أو صبره عن معصيته " (1) .
__________
(1) البهوتي، منصور بن يونس: كشاف القناع عن متن الإقناع، راجعه وعلق عليه هلال مصيلحي، مصطفى هلال، (الرياض: مكتبة النصر الحديثة) : 3/456.(7/217)
تعريف الإجارة شرعًا:
اختلف تعريفات المذاهب للإجارة لفظًا، واتفقت معنى:
الحنفية: (عقد على المنافع بعوض) (1) .
المالكية: (عقد معاوضة على تمليك منفعة بعوض) أو بعبارة أخرى: (تمليك منافع شيء مباحة، مدة معلومة، بعوض) (2) .
الشافعية: (عقد على منفعة معلومة، مقصودة قابلة للبذل والإباحة بعوض معلوم وضعًا) (3) .
الحنابلة: (عقد على منفعة مباحة، معلومة، مدة معلومة، من عين معلومة، أو موصوفة في الذمة، أو عمل بعوض معلوم) (4) .
ومن القيود المذكورة في التعريفات السابقة تتبين شروط صحة عقد الإجارة وما في حكمه.
فهو عقد على تمليك (منفعة) ، وليس عقدًا على تمليك عين، وهذا هو المتحقق في (العقد الأولي في الاختيارات) .
(مباحة) معترف بإباحتها شرعًا، إباحة مطلقة بلا ضرورة.
(معلومة) كيوم، أو شهر، أو سنة.
(من عين ملعومة) مشاهدة بالعين، أو موصوفة في الذمة.
ويتعرض هنا بشيء من التفصيل لأركان هذا العقد حتى يتمكن من الحكم في ضوئها على هذا العقد الأولي في (الاختيارات) صحة، أو بطلانًا.
__________
(1) المرغيناني، أبو الحسن علي: الهداية على شرح بداية المبتدي، الطبعة الأخيرة، (مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي) : 3/221.
(2) الدردير، أحمد بن محمد: الشرح الصغير، تخريج وضبط مصطفى كمال وصفي، (مصر: دار المعارف، سنة 1374هـ) : 4/6؛ والشرح الكبير مع حاشية الدسوقي (بيروت: دار الفكر) : 4/2.
(3) قليوبي، شهاب الدين أحمد: حاشية على شرح المحلى على منهاج الطالبين، (بيروت: دار الفكر) : 3/67.
(4) البهوتي: شرح منتهى الإرادات، (المدينة المنورة: المكتبة السلفية) : 2/350.(7/218)
أركان الإجارة:
الأول – العاقد:
ويشمل طرفي العقد (المؤجر والمستأجر) ممن له حق الإيجاب والقبول فيه، تشترط أهلية العاقد، ومعنى الأهلية: (صلاحية الشخص للإلزام والالتزام، بمعنى أن يكون الشخص صالحًا لأن تلزمه حقوق لغيره، وتثبت له حقوق قبل غيره، وصالحًا لأن يلتزم بهذه الحقوق) .
وشرط العاقد) البائع، أو غيره (الرشد) ، وهو أن يبلغ مصلحًا لدينه، أو ماله) (1) .
والمقصود به: (أن يكون العاقد جائز التصرف أي حرًّا، مكلفًا، رشيدًا، فلا يصح من مجنون مطلقًا، ولا من صغير، وسفيه، لأنه قول يعتبر له الرضا، فاعتبر فيه الرشد كالإقرار) (2) .
واعتبر المالكية (التمييز) شرح صحة، قال العلامة خليل: (وشرط عاقده تمييز) وفسر المالكية التمييز: (بأن يكون إذا كلم بشيء من مقاصد العقلاء فهمه، وأحسن الجواب عنه، فلا ينعقد من غير مميز لصغر، أو إغماء، أو جنون، ولو من أحدهما..) (3) .
والواقع في سوق المال، أن من يمارس نشاطه فيه أصالة، أو وكالة هو كامل الأهلية، مستوف الشروط الشرعية، خال من موانع الأهلية، بل ذو ممارسة وكفاءة عالية، لا يدخلها إلَّا وهو على ثقة من جدوى تعامله فيها.
__________
(1) المحلى، جلال الدين: شرح منهاج الطالبين، الطبعة الرابعة، (بيروت: دار الفكر) : 2/155؛ وعميرة شهاب الدين أحمد البرلسي: حاشية على المحلى، بهامش شرح المحلى على المنهاج: 2/155.
(2) البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/141.
(3) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 3/5. وانظر: حاشية الإمام الرهوني على شرح الزرقاني: 5/20.(7/219)
الثاني – الصيغة، والمراد بها الإيجاب والقبول:
(وتنعقد بلفظ إجارة، وكراء، وبما في معناهما، وتصح بلفظ بيع إن لم يضف إلى العين، نحو بعتك نفع داري شهرًا بكذا، فيصح لأنه نوع من البيع، والمنافع بمنزلة الأعيان) (1) .
قال الشيخ تقي الدين: " والتحقيق أن المتعاقدين إن عرفا المقصود انعقدت، فأي لفظ من الألفاظ عرف به المتعاقدان مقصودهما انعقد به العقد، وهذا عام في جميع العقود، بما يدل عليها من الألفاظ الفارسية، والرومية، وغيرها من الألسن الأعجمية، فهي تنعقد بما يدل عليها من الألفاظ العربية، ولهذا وقع الطلاق والعتاق بكل لفظ يدل عليه، وكذا البيع وغيره " (2) .
ويذهب المالكية إلى (أن الإجارة قد يقضى بها شرعًا) وإن لم يحصل عقد، وذلك في الأعمال التي يعملها الشخص لغيره، ومثله يأخذ عليها أجرة، وهي كثيرة جدًّا، منها تلخيص دين، وذلك أن من قواعد الفقه (أن العرف كالشرط، وأن العادة محكمة) (3)
وقد جرت العادة في الأسواق المالية وغيرها من المؤسسات أن أجرة الدخول فيها معروفة، ومحددة، وليس على الراغب في الانتفاع بتسهيلاتها (المستأجر) ، إلَّا دفع تلك الرسوم (الأجرة) للموظف المختص؛ ليقوم هذا بدوره إعطائه بطاقة العضوية، وسند الاستلام، ومن ثم يكون لحاملها صلاحية الدخول في السوق المالية حسب الشروط المدونة، والمدة المقررة، وهو إجراء يقوم مقام الإيجاب والقبول الذي نص عليه الفقهاء، ويتفق مع جملة ما قرروه.
__________
(1) البهوتي: شرح منهى الإرادات: 2/351.
(2) ابن تيمية، أحمد عبد الحليم: مجموع الفتاوى، (الرباط، مكتبة المعارف) : 2/533.
(3) الدسوقي، محمد عرفة: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (مصر: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع) : 4/2.(7/220)
الثالث – المنفعة:
هي المقصود بعقد الإجارة بالأصالة سواء كانت منفعة آدمي، أو حيوان، أو عين من الأعيان، فهي المعقود عليها، والغاية من عقد الإجارة.
والمنفعة على اختلاف أنواعها ليست لها كينونة مستقلة عن الذوات والأعيان المستفادة منها، فمن ثم ارتبطت بها أحكام إباحة، وتحريمًا.
فـ (تجوز إجارة كل عين يمكن أن ينتفع بها منفعة مباحة، مع بقائها بحكم الأصل، كالأرض والدار، والعبد، والبهيمة والثياب ... ) (1) .
(وما حرم بيعه فإجاراته مثله، تحرم، لأنها نوع من البيع) (2) .
واستثنى الفقهاء من هذا الضابط الفقهي الحر، والحرة، والوقف، وأم الولد، فإن هذه الأعيان برغم تحريم بيعها فإنها تجوز إجارتها (3)
شروط العين المؤجرة:
لما لم تكن للمنفعة صفة الاستقلالية عن الأعيان؛ لكونها عرضًا من الأعراض لزم أن تتحقق في العين المعقود على منفعتها شروط، تحقيقًا لغرض عقد الإجارة وهي:
1- القدرة على تسليم العين المؤجرة، ليتمكن المستأجر منها، والقدرة على ذلك تشمل ملك الأصل، وملك المنفعة.
2- بقاء العين المؤجرة بعد استيفاء المنفعة المعقود عليها، دون أن يعود ذلك عليها بالهلاك لها، أو لأجزاء منها.
3- اشتمال العين المعقود عليها على المنفعة.
4- معرفة العين المؤجرة، وذلك بـ (أن تكون معلومة علمًا يمنع المنازعة) (4) .
وتنفرد المنفعة بشروط يلزم توافرها لصحة العقد، وهي:
1- أن يكون لها (قيمة مالية؛ ليحسن بذل المال في مقابلتها، وإلَّا بأن كانت محرمة، أو خسيسة كان بذل المال في مقابلتها سفهاً) (5) .
2- كون المنفعة مملوكة للمؤجر، أو مأذونًا له فيها) ، لأنها من بيع المنافع، فاشترط فيها ذلك كالبيع) (6)
والمنفعة هي المقصود الأساس في هذا العقد، تتمثل بصورة واضحة جلية في: التسهيلات والتنظيمات التي تهيئها إدارة السوق، والأجر (العوض) ، المدفوع في مقابل تلك المنافع أشبه بدفع رسوم عضوية النوادي الثقافية، والمالية والاجتماعية، والمرافق كالحدائق المتخصصة المملوكة للأفراد، أو للدولة، فإن دفع الأجر المحدد للالتحاق بها، أو الدخول فيها مدة محددة يعطي دافع الأجر، (الرسم) حق الاستفادة من كافة التسهيلات والمرافق التي تهيأ فيها، في الزمن المحدد المتفق عليه مسبقًا.
__________
(1) ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد: المغني، طبعة جديدة بالأوفست، بعناية جماعة من العلماء، (بيروت: دار الكتاب العربي، عام 1403هـ / 1983م) : 6/129.
(2) البهوتي: كشاف القناع، 3/561.
(3) الرملي: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 5/270.
(4) الكاساني، علاء الدين: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: 4/180.
(5) الرملي: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج. 5/269
(6) البهوتي: كشاف القناع عن متن الإقناع: 3/565.(7/221)
الرابع: الأجرة:
هي العوض الذي يعطى مقابل منفعة الأعيان، أو منفعة الآدمي (1) .
(وكل ما جاز ثمنًا في البيع جاز عوضًا في الإجازة، لأنه عقد معاوضة أشبه بالبيع، فعلى هذا يجوز أن يكون العوض عينًا، ومنفعة أخرى) (2) .
فالمنفعة تصلح أجرة، وتصبح منفعة مقابل منفعة، واشترط الحنفية لصحة هذه الحالة: أن يختلف جنسهما، وإن اتحدا فلا يجوز، وعللوا لعدم الصحة بأن المنافع معدومة وغير موجودة في كلا الجانبين المعقود عليه، والعوض (الأجرة) والإجارة نوع من البيع، فيكون بيعًا بالنسيئة، فلا يجوز ذلك في الجنس المتحد بيعًا، أو إجارة (3) .
وطبقًا لهذا المبدأ فقد وضعوا القاعدة التالية: (كل ما يصلح أن يكون ثمنًا في البياعات يصلح أن يكون ثمنًا في الإجارات. وما لا يصلح أن يكون ثمنًا في البياعات لا يصلح أن يكون أجرة في الإجارات، إلَّا المنفعة فإنها تصلح أن تكون أجرة إذا اختلف الجنس، ولا تصلح ثمناً) (4)
شروط صحة الأجرة:
يشترط لصحة الأجرة سواء كانت معجلة، أو مؤجلة أن تكون معلومة، وتتحقق معلوميتها، وتنتفي الجهالة عنها:
برؤية مقارنة، أو متقدمة بزمن لا تتغير فيه الرؤية، إما أن تكون لجميعها، أو بعضها الدال على بقيتها (5) ، هذا إذا كانت حالة معينة، ويشترط في المؤجلة في الذمة أن تكون معلومة جنسًا، وقدرًا، وصفة (6) .
(وما صح أن يكون ثمنًا بذمة صح أن يكون أجرة في الذمة) (7) .
وهكذا فإن هذا العقد يصح ما توافق وتطابق مع هذه الأركان والشروط الخاصة بعد الإجارة.
__________
(1) حيدر، علي: درر الحكام شرح مجلة الأحكام تعريب المحامي فهمي الحسيني، (بيروت: مكتبة النهضة) : 1/372.
(2) ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد: المغني، طبعة جديدة بالأوفست بعناية جماعة من العلماء، (بيروت: دار الكتاب العربي، سنة 1403هـ /1983م) : 6/12.
(3) انظر: الزيلعي، فخر الدين عثمان: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الطبعة الثانية، (بيروت: دار المعرفة) : 5/106.
(4) سعدي حلبي: حاشية نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار، بهامش نتائج الأفكار، الطبعة الأولى، (مصر مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي، عام 1398هـ/1970م) : 9/61.
(5) البهوتي: كشاف القناع عن متن الاقتناع: 3/173.
(6) الرملي: نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج: 5/266.
(7) البهوتي: شرح منتهى الإرادات: ص353.(7/222)
العَقد الثاني: الاختيارات
تكييف (الاختيارات) فقهًا:
تفصح العبارات الأولى في تعريف (الاختيارات) عن حقيقة انتمائه إلى قسم البيوع فهو:
(بيع شيء محدد، أو شراؤه بسعر معين، طيل مدة معلومة، أو في تاريخ محدد، إما مباشرة، أو من خلال هيئة ضامنة لحقوق الطرفين) (1) .
واضح من صريح العبارة أنه عقد بيع، يؤكد هذا المفهوم ما جاء في إيضاح التعريف بأن:
(الاختيار عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد لشراء أو بيع كمية محددة في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة، بثمن محدد ... ) (2) .
كل الجمل والعبارات الصريحة، وغير الصريحة تدل على أنه عقد بيع، كما أن المتعاملين به يهدفون للحصول على الربح من خلال تعاملهم به وتوقعاتهم لتقلبات أسعار السلع التي يقع عليها الشراء أو البيع (3)
وإذا تحقق انتماء عقد (الاختيارات) إلى زمرة عقود البيوع فإنه ينظر على وفق أركانه، وشروط صحته، وهذا ما يتم دراسته وبحثه ليحكم عليه بالصحة، أو الفساد.
__________
(1) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة.
(2) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة.
(3) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة الإسلامي بجدة.(7/223)
تعريف البيع وأركانه في المذاهب الأربعة:
بعد التأكد من انتماء (الاختيارات) إلى عقد البيع، وانتسابه فقهًا إلى زمرته يتطلب البحث عرض تعريف البيع اصطلاحًا في المذاهب الأربعة، وبيان أركانه، وشروط صحته، ليتم تنزيل أحكامه (البيع) عليها (الاختيارات) .
البيع عند الحنفية:
لعل أجمع تعريف للبيع عند الحنفية (مبادلة المال المتقوم بالمال بالمتقوم تمليكًا، وتملكاً) (1) .
وذكر تذييلًا لهذا التعريف: (فإن وجد تمليك المال بالمنافع فهو إجارة، أو نكاح، وإن وجد مجانًا فهو هبة) .
يقول العلامة أكمل الدين محمد البابرتي موضحا مكونات هذا العقد، وحقيقة تصوره الشرعي:
(وركنه: الإيجاب والقبول، أو ما دلّ على ذلك. وشرطه من جهة العاقدين: العقل، والتمييز.
ومن جهة المحل: كونه مالًا متقومًا، مقدور التسليم. وحكمه: إفادة الملك، وهو القدرة على التصرف في المحل شرعاً) (2)
__________
(1) الشلبي، شهاب الدين أحمد،: حاشية تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، الطبعة الثانية، مطبوع بهامش تبيين الحقائق، (بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر) : 4/2. تصوير عن الطبعة الأولى، المطبعة الأميرية ببولاق.
(2) شرح العناية على الهداية، بهامش شرح فتح القدير، لابن الهمام، الطبعة الأولى، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، سنة 1389هـ/1970م) : 6/247.(7/224)
البيع عند المالكية:
يعرف المالكية البيع تعريفًا أخص بأنه: " عقد معاوضة على غير منافع، ولا متعة لذة، ذو مكايسة، أحد عوضيه غير ذهب، ولا فضة، معين غير العين فيه" (1) .
ويذكرون في بيان هذا التعريف قولهم: " فلما كانت الأملاك تنتقل بعوض وبغيره سموا الأول بيعًا، فحقيقته نقل الملك بعوض، ولكن المعاوضة إن كانت على الرقاب خصوها بتسمية البيع، وإن كانت على المنافع خصوها بتسمية الإجارة، إلَّا أن تكون منافع فروج فخصوها بتسميتها نكاحاً" (2) .
وعقد معاوضة) أي عقد محتوٍ على عوض من الجانبين، (على غير منافع) أي على ذوات غير منافع وغير تمتع، أي انتفاع بلذة) (3) .
(ولا متعة لذة) فتخرج الإجارة، والكراء، والنكاح، وتدخل هبة الثواب، والصرف، والمراطلة، والسلم.
(ذو مكايسة) أي صاحب مغالبة ومشاححة، خرج هبة الثواب فإنه ليس فيها مشاححة.
(أحد عوضيه غير ذهب ولا فضة) خرج بهذا القيد الصرف والمراطلة.
ذكر الدسوقي رحمه الله في حاشيته بأن المقصود من كلمة (معين) في التعريف (ماليس في الذمة فيشمل الغائب، فبيع الغائب ليس سلمًا، لأن غير العين فيه معين) (4)
__________
(1) ابن عرفة، أبو عبد الله محمد: الحدود مع شرحه لأبي عبد الله محمد الأنصاري، المشهور بالرصاع، الطبعة الأولى، (تونس: المطبعة التونسية، سنة 1250هـ) : ص232.
(2) الحطاب، أبو عبد الله محمد بن محمد: مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل: 4/224.
(3) الدسوقي، محمد عرفة: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع) : 3/2.
(4) حاشية الدسوقي على شرح الكبير: 3/3، وانظر: الزرقاني، سيدي عبد الباقي: شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/3.(7/225)
و (المراد بـ (العين) رأس المال نقدًا كان، أو عوضاً) (1)
ثم بين المعنى الإجمالي لمدلول جملة (معين غير العين فيه) بقوله: (والحاصل: أن العين لا يجب أن تكون معينة في البيع والسلم، وأما غير العين فيجب أن يكون معينًا في البيع، وغير معين في السلم) (2)
(وأركانه التي تتوقف عليها حقيقته ثلاثة هي في الحقيقية خمسة:
(عاقد) عليه: من ثمن ومثمن ...
(وما دل على الرضا) : من قول، أو إشارة، أو كتابة من الجانبين، أو أحدهما بل وإن كان ما يدل عليه (معاطاة) من الجانبين، ولو في غير المحقرات كالثياب والرقيق ... ) (3) .
البيع عند الشافعية:
التعريف المختار للبيع عند الشافعية:
(عقد معاوضة مالية تفيد ملك عين، أو منفعة على التأبيد، لا على وجه القرض) (4)
__________
(1) حاشية الدسوقي على شرح الكبير: 3/3، وانظر: الزرقاني، سيدي عبد الباقي: شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/3.
(2) حاشية الدسوقي على شرح الكبير: 3/3، وانظر: الزرقاني، سيدي عبد الباقي: شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل، (بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م) : 5/3.
(3) الدردير: أبو البركات، أحمد بن محمد: الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك: 3/14.
(4) القليوبي، شهاب الدين أحمد بن أحمد: حاشية على شرح المحلى للمنهاج: 2/152؛ والمغربي الرشيدي: حاشية على نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج، (مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده) : 3/372.(7/226)
(والمراد بالمال ما يشمل المنفعة بل والاختصاص تغليباً) (1) .
وأركانه: (وهي ثلاثة:
الأول: الصيغة وهي الإيجاب والقبول، اعتبرا للدلالة على الرضا الباطن، ولا تكفي المعاطاة أصلًا، ولا الاستيجاب والإيجاب، وهو قوله: (بعني) بدل قوله اشتريت على أصح الوجهين ...
وينعقد البيع بالكناية مع النية على الأصح ...
الثاني: العاقد وشرطه التكليف ...
الثالث: المعقود عليه، وشرائطه خمسة أن يكون طاهرًا، منتفعًا به، مملوكًا للعاقد، مقدورًا على تسليمه، معلوماً) (2) .
البيع عند الحنابلة:
والبيع لدى الحنابلة:
(مبادلة عين مالية، أو مبادلة منفعة مباحة مطلقًا بأحدهما، أو بمال في الذمة، للتملك على التأبيد، غير ربا وقرض) (3)
ويصح العقد، وتترتب عليه آثاره الشرعية بسلامة أركانه، وصحة شروطه المتمثلة في الآتي:
__________
(1) القليوبي، شهاب الدين أحمد بن أحمد: حاشية على شرح المحلى: 2/214.
(2) الغزالي، أبو حامد: الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي، (مصر: مطبعة حوش قدم، سنة 1318هـ) : 1/80.
(3) البهوتي، منصور بن يونس: شرح منتهى الإرادات: 2/139.(7/227)
أركان البيع:
أولًا: عاقدان مالكان ملكًا تامًا لما يتصرفان فيه من العين والثمن، كل بحسبه من العقد، أو وكيلاهما وكالة تامة.
ويشترط فيهما: أن يكونا بالغين، غير محجور عليهما، أو على أحدهما سواء لحق نفسه، أو لحق غيره.
ثانيًا: معقود عليه ثمنًا كان، أو مثمنًا: وشرطه، كونه مالًا، مباح النفع مطلقًا أو مباح الاقتناء بلا حاجة (1) ، متقومًا مقدور التسليم (2) .
ثالثًا: معقود به: وهو الصيغة، وينعقد بإيجاب وقبول، وبمعاطاة، ونحوه مما يدل على بيع وشراء (3) .
ويكتفى عن توضيح هذه الأركان، وما يتعلق بها من شروط بما تم شرحه وتفصيله سابقًا، في أركان الإجارة.
__________
(1) انظر: ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، (مصر: مطبعة الاستقامة، سنة 1371هـ/1952م) : 2/142.
(2) انظر: البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/142.
(3) انظر: البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/142.(7/228)
تَنزيل (الاختيارات)
عَلَى الأحكام الفِقهيّة تفصيلًا
العاقد: (البائع والمشتري) .
المعقود به: (الإيجاب والقبول) .
المعقود عليه:
مالية المعقود عليه:
أولًا: الثمن.
ثانيًا: المثمن (السلعة) .
قبض المعقود عليه.
بيع خيار الاستدعاء.
فترة الاختيار.
هيئة السوق.
ضمان هيئة السوق.
سماسرة السوق.
إجراء الارتباط بين المتوافق من الاختيارات.
العاقد:
ويشمل البائع والمشتري: يمثلهما في (الاختيارات) :
1- البائع: هو الطرف الذي يقدم (اختيار الدفع) ، ومن ثم فقد يكون البائع صاحب (اختيار الدفع) هو المباشر للبيع مباشرة خارجًا عن السوق.
وقد تتولى هيئة السوق (اختيار الدفع) أصالة، أو وكالة، فهي التي تملك الإيجاب في كلتا الحالتين.(7/229)
2- المشتري: الطرف الذي يتقدم لـ (اختيار الطلب، أو الاستدعاء) .
فقد يكون المشتري مباشرة لا بواسطة هيئة السوق، وقد يكون هيئة السوق أصالة، أو وكالة، فهي في كلا الحالين التي تملك (القبول) .
ومعلوم أنه لا يمارس النشاط التجاري في هذه الأسواق إلَّا من توافرت فيه، شروط الأهلية، وخلا عن موانعها، وقد تقدم الكلام عن هذا بالتفصيل في الإجارة.
معقود به (الإيجاب والقبول) :
وهو في عقد (الاختيارات) يتم بإعلان المشتري قبول العرض المقدم من البائع مباشرة، أو من قبل هيئة السوق خلال الفترة المقررة.
وكيفما تم القبول، وبأي أسلوب، أو طريقة أو صيغة، أو هيئة فإنه لا يمس صحة العقد بحال، ما دام ذلك يدل على الرضا، فالشكل، أو الصيغة ليس مهمين في المذاهب الثلاثة: الحنفية، والمالكية، والحنابلة كما تقدم.
المعقود عليه:
المعقود عليه في (الاختيارات) :
جاء في التعريف " بيع شيء محدد، أو شراؤه " هذا هو المعقود عليه المعلن في هذا العقد، ولكن الحقيقة شيء آخر، إذ ورد بيانها في (إيضاح التعريف) كالتالي: (عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد لشراء أو بيع كمية محددة في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة، بثمن محدد) .
فالمبادلة في الواقع بين حق مجرد لشراء، أو بيع، والسلعة المذكورة إنما هي رمز، واسم فقط في أغلب الحالات، يؤكد هذا التصور الجمل، والعبارات التي تلتها: (وهذا الحق غير متعلق بعقار، أو نحوه من الأشياء المادية، بل هو إرادة ومشيئة ... ، ولا ينظر إلى وجودها (السلعة) بصورة معينة، فيكفى أن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ) (1) .
فالمعقود عليه هو (حق مجرد) ، (بل هو إرادة ومشيئة (2) ، وليست سلعة في الغالب) ، إذ لا ينظر إلى وجودها بصورة معينة، فيكفي أن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ) (3) .
__________
(1) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي.
(2) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي.
(3) الورقة المقدمة من مجمع الفقه الإسلامي.(7/230)
مالية المعقود عليه (الثمن) و (المثمن) :
أولًا – الثمن:
قد لا يكون دفع الثمن في عقد (الاختيارات) نقدًا، أو بالصورة التقليدية المعروفة، ولكن الغالب أن المشتري إذا اشترى (اختيار الطلب) ، أو في حالة البيع إذا اختار البائع (اختيار الدفع) ، وأوجبه يسجل عليه في كلا الحالين، دون أن يكون من قبله دفع. بل المعتاد أن ينتظر البائع والمشتري تحسن السوق فيما يعتقد أنه في صالحه بيعًا، أو شراء للحصول على الربح، فقد يتحقق له الربح، وقد لا يتحقق، ولكن لا بد من التصفية النهائية في الموعد المحدد، فيستحق الربح إذا حقق تعامله ربحًا، وإلَّا كان مكلفًا بدفع فارق السعر، إذا لم يتحقق له، وفي كلا الحالين لم يتم من قبله دفع الثمن. والجانب الفقهي بالنسبة للثمن، والموقف منه في عقد الاختيارات يعتمد أولًا وقبل كل شيء على معرفة الثمن، والمثمن، وبعبارة أخرى على نوع الثمن، ونوع السلعة المباعة.
فإن كان الثمن، والمثمن من النقدين الذهب أو الفضة، أو كانا كلاهما من الربويات فلا بد من القبض في الحال، ويشترط فيهما ما يشترط في باب الصرف والربا من التماثل والتقابض في الجنس الواحد، أو التقابض في الحال بين الأجناس الربوية المختلفة.
وإن لم يكن الثمن من جنس البضاعة فإن تأجيل الثمن لا يؤثر على صحة العقد، وسيأتي فيما بعد زيادة بيان لطبيعة الثمن، والمقارنة بينه وبين المثمن في النصوص الفقهية الآتية، علمًا بأنه يشترط فيه أن يكون مالًا معينًا، أو موصوفًا مملوكًا ملكًا تامًا للمشتري، أو من ينوب عنه، قادرًا على تسليمه (1) .
__________
(1) انظر: البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/142، 143، 145، 146.(7/231)
ثانيًا – المثمن (السلعة) :
يتبين من تحليل عقد (الاختيارات) أن المبادلة فيه كائنة بين حق مجرد لشراء، أو بيع. هذا (الحق) يمثل فيه (محل البيع) في حين أن (المال) هو المعتد به شرعًا لأن يكون محلًّا لعقد البيع، حسب التعريفات السابقة، وقد جاء هذا في عبارة صريحة في كافة المذاهب الفقهية.
مذهب الحنفية: " ومن جهة المحل: كونه مالًا متقومًا، مقدور التسليم" (1) بل يخصون هذا بالمبيع المعقود عليه لأنه المقصود من العقد.
والمراد بالمال: ما يميل إليه الطبع، ويمكن إدخاره لوقت الحاجة، والمالية تثبت بتحول الناس كافة، أو بعضهم. والتقويم يثبت بها، وبإباحة الانتفاع به شرعًا. فما يباح بلا تمول لا يكون مالًا كحبة حنطة. وما يتمول بلا إباحة انتفاع لا يكون متقومًا كالخمر.
والمتقوم ما يمكن إدخاره مع الإباحة، فالخمر مال، لا متقوم، فلذا فسد البيع بجعلها ثمنًا.
وإنما لم ينعقد أصلًا بجعلها مبيعًا، لأن الثمن غير مقصود، بل وسيلة إلى المقصود، إذ الانتفاع بالأعيان لا بالأثمان، ولهذا اشترط وجود المبيع دون الثمن ... قال في البحر: ثم اعلم أن البيع وإن كان مبناه على البدلين لكن الأصل فيه المبيع دون الثمن، ولذا تشترط القدرة على المبيع دون الثمن، وينفسخ بهلاك المبيع دون الثمن (2) .
__________
(1) البابرتي: شرح العناية على الهداية: 6/247.
(2) ابن عابدين، محمد أمين: رد المحتار على الدر المختار، (بيروت: دار الكتب العلمية) : 4/2.(7/232)
بل ذكر الحنفية تعريفًا للمال بأسلوب التقسيم ترسيخًا لمفهوم (المال) محل عقد البيع، وموضوعه (الأموال ثلاثة) :
الأول: (ثمن بكل حال وهو النقدان) صحبته الباء، أو لا، قوبل بجنسه، أو لا.
(و) الثاني: (مبيع بكل حال) كالثوب والدواب.
(و) الثالث: (ثمن من وجه، مبيع من وجه كالمثليات) فإن اتصل بها الباء فثمن، وإلَّا فمبيع، وأما الفلوس فإن رائجة فكثمن، وإلَّا فكسلع.
(و) الثمن: (من حكمه عدم اشتراط وجوده في ملك العاقد عند العقد، وعدم بطلانه) أي العقد (بهلاكه) أي الثمن، (ويصح الاستبدال به في غير الصرف والسلم، لا فيهما) .
(وحكم المبيع خلافه) أي الثمن (في الكل) فيشترط وجود المبيع في ملكه، وهكذا، ومن حكمهما وجوب التساوي في المقابلة بالجنس في المقدرات ... (1) .
و (إنما شرط كل من عوضيه مالًا ليثبت ركن البيع، وهو مبادلة المال بالمال ... ) (2) .
جميع النصوص السابقة، تعريفًا للمال، أو تقسيمًا له تظهر بوضوح أن الحنفية يذهبون إلى أن محل عقد البيع (المبيع) لا يكون إلَّا عينًا مالية لها خصائصها، وأحكامها التي تنفرد بها، وللمبيع المعقود عليه (محل العقد) أحكام ينفرد بها عن الثمن، وسائر شروط البيع.
__________
(1) الحصكفي محمد علاء الدين: شرح الدر المختار، (مصر: مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده) : 2/114، 115.
(2) القاري، ملا علي: النقابة شرح مختصر الوقاية، الطبعة الثانية، (قازان: خاريطوف مطبعة سي، 1324) : 2/35.(7/233)
مذهب المالكية:
ينص المالكية صراحة على أن محل عقد البيع هو (الذوات) ، وبرغم أن معنى هذه الكلمة ومدلولها مفهوم بداهة، فقد حددت تفسيراتها في عبارات وأساليب مختلفة تبين المقصود منها، وتميز معناها عن غيرها:
قال ابن بشير في أول كتاب الصرف من التنبيه: " البيع بالقول الكلي يطلق على نقل الملك بعوض، لكن المملوك لا يخلو أن يكون منافع، أو عينًا، ونعني بالعين كل ذات مشار إليها، والمنافع إن كانت أبضاع النساء سمي العقد عليها نكاحًا، وإن كانت غير ذلك سمي أيضًا على الإطلاق إجارة". (1) .
ويؤكد معنى (الذاتية المشار إليها المحسوسة) عندهم سردهم للشروط الواجب توافرها في (المعقود عليه) في قولهم:
وشروط صحة المعقود عليه طهارة) ، فلا يصح بيع نجس ولا متنجس لا يمكن تطهيره كدهن تنجس.
(انتفاع به شرعًا) ، فلا يصح بيع آلة لهو.
(وعدم نهي عن بيعه) ، لا كلب صيد.
(وقدرة على تسليمه) ، لا طير في الهواء، ولا وحش في الفلاة.
(وعدم جهل به) ، فلا يصح بيع مجهول الذات، ولا القدر، ولا الصفة.
فهذه خمسة شروط. وكلها تركز على محسوسية عين المبيع، وذاتها، إذ كل هذه الصفات لذاتية يفترض تعيينها، ووجودها، إن لم يكن بالفعل، فالبقوة كما في عقد السلم.
__________
(1) الحطاب مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل: 3/224.(7/234)
مذهب الشافعية:
يحدد الشافعية محل عقد المبيع تحديدًا صريحًا، لا يقبل التأويل، فهو الذي ينتهي (بتمليك عين، أو منفعة على التأبيد) ، وقد تقدم تفسيرهم المال بما يشمل المنفعة، والاختصاص تغليبًا.
بالإضافة إلى ما تقدم فإن الشروط التي تتصل بالمعقود عليه محل العقد صفات تتعلق بأعيان لها وجود خارجي.
والمنافع إنما عدُّوها من الأموال من قبيل التوسع والمجاز (بدليل أنها معدومة، لا قدرة عليها) . وقد نتج عن هذا اختلاف العلماء في صحة العقد عليها، وقد جرت مناقشة هذا الموضوع في معرض تحليل تعريف البيع ونقده.
(فقد منع جماعة صحة الإجارة، وأنه لو حلف شخص لا مال له، وله منافع يحنث على الصحيح كما قاله الرافعي، وأنه لو أقر بمال ثم فسره بمنفعة لم يقبل، كما دل عليه كلام الرافعي أيضًا، وقولهم في الوصية: إن المنفعة تحسب قيمتها من الثلث معناه: أنها كالمال المفوت، لا أنها في نفسها مال، لأنها لا وجود لها، وإنما يقدر وجودها لأجل تصحيح العقد عليها، وأيضًا المحدود إنما هو بيع الأعيان لا بيع المنافع، لأن بيع المنافع جنس برأسه ... ) (1) . ويجيب الخطيب الشربيني رحمه الله على الاعتراض على: نص الإمام الشافعي رحمه الله تعالى، أن الإجارة بيع منفعة الأمر الذي يفيد أنها ملحقة بالأموال قائلًا:
(إنه محمول على ضرب من التوسع كما مر، لأن المنافع يقدر وجودها لأجل صحة العقد، وما دخله التقدير لا يكون حقيقة، كما يقدر الميت حيًّا ليملك الدية، وتورث عنه) (2) .
فمن ثم قرر المتأخرون أن المال (يشمل المنفعة بل والاختصاص تغليباً) (3)
__________
(1) الشربيني، محمد الخطيب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج، (بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 1398هـ/1987م) : 2/2.
(2) الشربيني: مغني المحتاج: 2/2.
(3) القليوبي: حاشية على المحلى: 2/314.(7/235)
مذهب الحنابلة:
وتعريف الحنابلة للبيع واضح منه أن المعقود عليه فيه أحد أمرين: مال، أو منفعة مباحة.
فهما أمران متغايران.
وقد عرف الحنابلة المال والمنفعة تعريفات عديدة بعضها أوضح من البعض الآخر، من هذه التعريفات أن المال:
(ما فيه منفعة، أو لغير حاجة وضرورة) (1) . وبعبارة أوضح، وأصرح: (كل جسم أبيح نفعه، واقتناؤه مطلقًا فخرج نحو الخنزير، والخمر، والميتة النجسة، والحشرات، والكلب والصيد) (2) .
والمنفعة المباحة: (هي ما لا تختص إباحتها بحال دون آخر، كممر دار، أو بقعة تحفر بئرا) (3) .
وهذا هو معنى (الإطلاق) الوارد في المبادلة بالمنفعة في عقد البيع:
(أو) مبادلة (منفعة مباحة على الإطلاق) ... بأن لا تختص إباحتها بحال دون حال، نحو جلد ميتة مدبوغ فلا يباع، هو ولا نفعه، لأنه لا ينتفع به مطلقًا، ولا نفعه، بل في اليابسات) (4)
فإذا لم يكن المبيع عينًا مالية، أو منفعة مباحة فقد يكون حقًّا ماليًّا له تعلق بواحد منهما.
__________
(1) الحجاوي، شرف الدين موسى: الإقناع في فقه الإمام أحمد، تصحيح وتعليق عبد اللطيف محمد موسى السبكي، (مصر: المكتبة التجارية الكبرى) : 2/59.
(2) البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/140، وانظر كشاف القناع: 3/152.
(3) البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/140.
(4) البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/140.(7/236)
و (الحق) في اللغة من معانيه: الثابت الذي لا يسوغ إنكاره، ومنه حق الأمر: وجب (1) .
فالحق المالي هو ما وجب لشخص في ذمة شخص آخر بسبب دين أو عارية، أو نقص العين المباعة معيبة، أو تدليسها، فهذه حقوق مادية تتعلق بما يسمى مالًا، ولهذا قسم فقهاء الحنابلة (الحق) من حيث المالية إلى الأقسام التالية:
حق مالي: مثل الدين، والعارية.
حق ليس فيه معنى المال: مثل خيار الشرط.
حق فيه معنى المال: مثل خيار العيب والتدليس (2) .
القسم الأول – (الحق المالي) :
هنا شيء مقرر ثابت في الذمة، يمكن تقريره، وتقويمه في حالة انعدامه، فمن ثم تترتب عليه حقوق مالية، وآثار شرعية معينة تلقائيًّا عندما يتعرض أحد طرفي العقد لأمر طارئ كالموت، فإن أول ما يتعلق بالعقد انتقال الحقوق والواجبات إلى الوارث، أو تقديرها، ودفع عوض عنها عندما تتعرض العين للتلف.
القسم الثاني:
وبالنسبة للقسم الثاني ما ليس فيه معنى المال: كخيار الشرط فإنه لا ينتقل إلى الوارث تلقائيًّا إذا لم يشترطه المورث في صلب العقد.
__________
(1) انظر: التّهانوي، محمد علي الفاروق: كشاف اصطلاحات الفنون، تحقيق لطفي عبد البديع، ترجمة عبد النعيم محمد حسنين، (مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، سنة 1382هـ/1963م) : 2/82. ابن المبرد، جمال الدين: الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي، الطبعة الأولى، تحقيق رضوان مختار بن غربية، (جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، سنة 1411هـ/1991م) : 3/516.
(2) انظر البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/172، 252.(7/237)
والقسم الثالث:
أما بالنسبة لما فيه معنى المال مثل: خيار العيب والتدليس، فالوصف عارض لعين مالية، وقع عليها العقد تترتب عليه آثار مالية.
في ضوء هذا التحليل لمالية المعقود عليه فقهًا يمكن تلخيص النظر في عقد (الاختيارات) (الحق المجرد) وفي نظائره من البيوع الحديثة على النحو التالي:
أولًا: (الحق المجرد) في عقد (الاختيارات) ليس مالًا حسب التعريفات السابقة، والمصطلح الشرعي.
ثانيًا: إنه ليس مما فيه (معنى المال) ، إذ ليس له تعلق ذاتي، أو عيني بما يطلق عليه مال.
يثبت من هذا أنه من قبيل القسم الثاني وهو (الحق مما ليس فيه معنى المال) ، فالعقد عليه عقد على شيء ليس له وجود في الخارج، فهو من قبيل (المعدوم) الذي لا يقدر، أو يقوم بمال، وحينئذ لا يصلح – حسب المصطلح الشرعي للبيع – أن يكون محلًّا للعقد (معقودًا عليه) .
وقد نهى الشارع عن بيع المعدوم على العموم، ولم يخص منه إلَّا بيع السلم بشروطه (1) .
وقد اتضح من العرض والتحليل السابقين أن هذا النوع من (الحق لا ينتمي إلى أي قسم من أقسام (الحق المالي) ، فضلًا عن أن يكون (مالًا) يصلح أن يكون محل عقد البيع شرعًا، فهو عقد على معدوم فعلًا) .
وإتمام عقد الاختيارات على هذه الصفة يفقده صحته ومشروعيته، حيث يختل ركن من أركانه. والسبيل إلى تصحيح هذا العقد من هذه الجهة: أن يكون القصد المهم والأساس في إنشائه الرغبة في شراء السلعة الموصوفة، كما ورد في التعريف ( ... لشراء، أو بيع كمية محددة في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة ... يمكن الحصول عليها عند التنفيذ) (2) . فالعبرة في العقود بالمعاني لا بالألفاظ والمباني، والاعتبار في المعاملات بما في نفس الأمر (3) .
فإذا توافر هذا النوع من العقود (الاختيارات) على هذا الركن صحيحًا يكون قد سلم من البطلان والفساد الناتج عن اختلاله من قبله.
__________
(1) انظر: الشوكاني، محمد بن علي: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار، الطبعة الأولى، تحقيق محمود إبراهيم زايد، (بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1405هـ/1985م) : 3/13.
(2) الورقة المقدمة من المجمع، الاختيارات.
(3) انظر: البهوتي: شرح منتهى الإرادات: 2/143.(7/238)
قبض المعقود عليه (السلعة) :
برغم أن محل عقد (الاختيارات) هو (الحق المجرد) اختصت (السلعة) المعقود عليها (اسمًا) بجمل وبعبارات في التعريف وإيضاحه، وهي:
(بيع شيء محدد، أو شراؤه) .
(الاختيار عقد تتم فيه المبادلة بين حق مجرد لشراء، أو بيع كمية محددة، في زمن محدد، من سلعة موصوفة بدقة ... ولا ينظر إلى وجودها بصورة معينة، فيكفي أن يمكن الحصول عليها عند التنفيذ) (1) .
فالسلعة موصوفة بدقة، ويمكن الحصول عليها عند التنفيذ، وإذا كانت مقصودة من العقد فإن عدم قبضها إذا كانت من غير النقدين لا يمثل مشكلة مؤثرة على صحة العقد، بل يصح العقد شرعًا بقبض الثمن في المجلس مع غياب السلعة الموصوفة، والأكثر من هذا أنه يصح العقد، برغم انعدامها وقت إبرام العقد كما في السلم بشروطه منها:
"أن تكون السلعة الغائبة عن مجلس العقد منضبطة الصفات عدا، إذا كانت مما يعد، أو ذرعًا، إذا كانت من المذروعات، أو وزنًا، إذا كانت من الموزونات أو كيلًا، إذا كانت من المكيلات، وتعيين صفاتها المميزة التي يتفاوت الثمن بسببها، وذكر قدرها من العد، أو الوزن، أو الوكيل، وتعيين وقت تسليمها، ومكانة (2) ، ذلك أن القبض للثمن في عقد السلم شرط أساس كما يتضح هذا من تعريفه بأنه:
"عقد على موصوف في الذمة، مؤجل، بثمن مقبوض في مجلس العقد". (3) .
__________
(1) الورقة المقدمة من المجمع.
(2) انظر: البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/214، 215، 216، 217، 218، 219، 220، وانظر: كشاف القناع: 3/288 289.
(3) البهوتي، كشاف القناع عن متن الإقناع: 3/288، 289(7/239)
كما يصح العقد بقبض السلعة في مجلس العقد، وغياب الثمن بشرط وصفه وتحديده " و " يصح بيع (موصوف) بما يكفي في السلم (غير معين) ، ولو لم يوجد في ملكه مثل، (بشرط قبضه) أي الموصوف، أو قبض ثمنه في مجلس العقد ... " (1) .
وغياب الثمن والمثمن جميعًا وعدم قبض واحد منهما يحيل العقد إلى " بيع دين بدين، وقد نهي عنه" (2) .
وهذا هو الواقع فعلًا في عقد الاختيارات.
وإضافة إلى النصوص السابقة فيما يتعلق بالمعقود عليه مما اقتبس من كتب المذاهب الأربعة التي تركز على أهميته يقول العلامة محمد بن علي الشوكاني:
"والمبيع يتعين، فلا يصح معدومًا إلَّا في السلم، أو في ذمة مشتريه، ولا يتصرف فيه قبل القبض، ويبطل البيع بتلفه، واستحقاقه، ويفسخ معيبه، ولا يبدل، والثمن عكسه في ذلك غالبًا، والقيمى والمسلم فيه مبيع أبدًا، وكذلك المثلي غير النقدين إن عين وقوبل بالنقد، وإلَّا فثمن أبدًا كالنقدين" (3)
ولتفادي ما هو واقع بالفعل في (الاختيارات) من بيع الدين بالدين يتخذ أحد إجراءين:
أولًا: تعجيل الثمن والسلعة إن أمكن.
ثانيًا: تعجيل أحدهما، وتأجيل الآخر وفق الشروط الشرعية الخاصة بكل واحد منهما لدى الموافقة على تأجيله من الطرفين.
__________
(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/158.
(2) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/144.
(3) السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار: 3/12.(7/240)
بيع خيار الاستدعاء:
ورد توصيفه في الأوراق المقدمة:
"أو هو كبيع شيء موصوف، لا يملكه البائع، بالرغم من توافره في السوق؟ " (1) .
بيع خيار الاستدعاء بهذه الصورة المدونة يعني عدم ملكية (المعقود عليه) للبائع عند العقد، وهو بهذا يفتقد شرطًا من شروط انعقاد البيع عند الحنفية، إذ لا بد أن يكون مملوكًا، لأن البيع تمليك، فلا ينعقد بما ليس بمملوك، وأن يكون مملوكًا للبائع عند البيع فإن لم يكن، فالبيع لا ينعقد أساسًا، وتوافره في الأسواق ليس مبررًا لبيع ما ليس ملكًا للعاقد، وقد جرى النص على هذا صريحًا في المذهب في العبارة التالية:
"أن يكون موجودًا، فلا ينعقد بيع المعدوم، وما له خطر العدم، ... وأن يكون حالًا، لأن البيع مبادلة المال بالمال ... ، وأن يكون مملوكًا للبائع عند البيع، فإن لم يكن لا ينعقد، وإن ملكه بعد ذلك بوجه من الوجوه، إلَّا السلم خاصة، وهذا بيع ما ليس عنده، ((ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع ما ليس عند الإنسان، ورخص في السلم)) (2) .
أما الشافعية والحنابلة فينعقد باطلًا: فيذهب الشافعية إلى أن " من شروط المبيع (الملك) فيه (المعقود عليه) (لمن له العقد) الواقع، وهو العاقد، أو موكله، أو موليه، أي أن يكون مملوكًا لأحد الثلاثة ... " (3) .
وذكر الحنابلة من شروط صحة البيع: " (أن يكون) المبيع (مملوكًا له) أي البائع، (مأذونًا له فيه) أي البيع من مالكه، أو من الشارع، كالوكيل، وولي الصغير ونحوه، وناظر الوقف (وقت عقد) البيع، (ولو ظنا) أي المالك، أو المأذون له (عدمهما) أي الملك، أو الإذن في بيعه كأن باع ما ورثه غير عالم بانتقاله له إليه، أو وكل في بيعه، ولم يعلم فباعه، لأن الاعتبار في المعاملات بما في نفس الأمر، لا بما ظن المكلف، (فلا يصح تصرف فضولي، ولو أجيز بعد) " (4)
ومذهب المالكية أنه ينعقد صحيحًا، ولكنه ليس بلازم.
__________
(1) الكاساني، علاء الدين أبو بكر، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: 5/138، 140، 146.
(2) الكاساني، علاء الدين أبو بكر، بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع: 5/138، 140، 146.
(3) المحلى، جلال الدين، شرح منهاج الطالبين: 2/160.
(4) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/143.(7/241)
فقد ذكر العلامة أبو عبد الله محمد بن عرفة في شروط المعقود عليه: (يطلب أنه طاهر، منتفع به، مقدور على تسليمه، مملوك لبائعه، أو لمن ناب عنه، لا حق لغيره فيه، ولا غرر) (1) .
جاء شرح هذه العبارة بأن " هذا الضابط يشمل جميع الصور على كل قول؛ لأن الأقوال اتفقت على أنه تطلب هذه القيود ابتداء في المعقود عليه ... ".
وذكر شارحه ما يخرج ويحترز منه في النص السابق قائلًا: " ويخرج بيع الغاصب والمعتدي، ويدخل بيع الوكيل، والوصي، والمقدم، ويخرج بيع الفضولي" (2) .
وذكر العلامة الدردير صراحة الأهمية الشرعية لفقدان هذا الشرط ونتائجه على عقد البيع في معرض شروط لزوم البيع: التكليف، وعدم الحجر، وعدم الإكراه قائلًا:
"وبقي من شروط اللزوم: أن يكون العاقد مالكًا، أو وكيلًا عنه، وإلَّا فهو صحيح غير لازم" (3) .
وأضاف العلامة أحمد بن محمد الصاوي شرطًا آخر بقوله: " وبقي شرط آخر في المعقود عليه وهو: أنه لا يتعلق به حق للغير ... فتكون شروط اللزوم خمسة ذكر المصنف منها أربعة، وهذا واحد" (4) . واستدل لهذا بقول الإمام مالك " يجوز بيع ملك الغير، ويوقف على إجازه ربه ... وفي رسم المكاتب من سماع عيسى: من قال اشتر مني عبد فلان بستين دينارًا، فإني أعطيته فيه عطاءً أرجو أن يمضيه لي، فقال له صاحبه: قد اشتريته منك بالستين، ثم رجع البائع إلى سيد العبد فاشتراه منه بخمسين. فقال: أكره هذا، وإن وقع أمضيته" (5) .
وبهذا يتبين أن بيع (خيار الاستدعاء) يمكن تصحيحه في ضوء المذهب المالكي، بمعنى أن البيع ينعقد صحيحًا، وليس لازمًا حتى يتم التملك الشرعي للمعقود عليه من قبل البائع، ويصبح اللزوم للعقد متوقفًا على توفية هذا الشرط.
__________
(1) الرصاع، شرح جدود ابن عرفة: ص238.
(2) الرصاع، أبو عبد الله محمد الأنصاري، شرح حدود ابن عرفة: ص238.
(3) الشرح الصغير 3/19.
(4) حاشية الصاوي على الشرح الصغير، بهامش الشرح الصغير على أقرب المسالك: 3/19.
(5) المواق، أبو عبد الله سيدي محمد، التاج والإكليل لمختصر خليل، الطبعة الأولى بهامش مواهب الجليل للحطاب، (مصر: مطبعة السعادة، سنة 1329هـ) 4/244.(7/242)
فترة الاختيار:
ورد التصريح بها في نهاية التعريف بالعبارة الآتية:
"عقد بعوض على حق مجرد يخول صاحبه بيع شيء محدد، أو شراءه، بسعر معين طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد ... ".
كما جاء في إيضاح التعريف ما يتعلق بها، حيث ذكر أن من العوامل المؤثرة في السعر ارتفاعًا، أو انخفاضًا " طول الفترة الزمنية المحددة للعقد".
هذه الفترة المحددة للقبول سواء في اختيار الطلب (اختيار الاستدعاء) ، أو أختيار البيع (اختيار الدفع) ليست في الحقيقة من العقد بل هي سابقة عليه، وهي مهلة تتيح للعاقد قبل إبرام العقد التفكير لنفسه بالإقدام على ما يعده من مصلحته، دون أن يكون هناك التزام بعقد، وكل ما كان قبل العقد فلا يعد منه.
ولا يعد هذا من الخيار المعروف في الفقه الإسلامي، ذلك أن الخيار في الفقه الإسلامي هو نتيجة إبرام عقد مشروط فيه الخيار أثناء العقد، إذ يعرف فقهًا بأنه: " طلب خير الأمرين من إمضاء عقد، وفسخه " (1) . والفترة المنوه عنها في (الاختيارات) سابقة على إيجاب العقد وإبرامه، فمن ثم لا يكون لها تأثير على العقد صحة، أو فسادًا.
ولو تم (الاختيار) كما هو مذكور في التعريف وإيضاحه نتيجة عقد شرط فيه (الخيار) بين إمضاء العقد، أو فسخه خلال فترة معينة لكان العقد صحيحًا من قبيل (خيار الشرط) " بأن يشترطاه (في) صلب (العقد، أو) يشترطاه بعده، (زمن الخيارين) ، أي خيار المجلس، وخيار الشرط، لأنه بمنزلة حال العقد (إلى أمد معلوم. فيصح) ... " (2) .
__________
(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/166.
(2) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/168؛ وكشاف القناع: 3/202.(7/243)
هيئة السوق:
هي المسؤولة إداريًّا، وقانونيًّا عما يجري في السوق، وهي من الناحية الشرعية: شخصية اعتبارية، معنوية، ذات ذمة قابلة للإلزام، وكافة الجوانب، والمسؤوليات الشرعية، مثلها في الفقه الإسلامي، مثل الأوقاف، وبيت مال المسلمين، والمساجد، والأربطة، والحق العام، والدولة، والقنطرة وغير ذلك (1) .
وهي بهذه الصفة الشرعية لها حق البيع، والشراء، والضمان، والدعوى، والخصومة، وخلافه.
ضمان هيئة السوق:
ورد التصريح بضمان هيئة السوق لحقوق الطرفين في تعريف (الاختيارات) .
كما ورد التصريح في إيضاح التعريف بأن ضمان الحقوق، هي مسؤولية " الأسواق المالية التي تؤدي خدمة الضمان لحقوق الأطراف الملتزمة بالتنفيذ في حينه" (2) .
يعد هذا الضمان من قبيل (الكفالة بالمال) وهي:
" ضم ذمة إلى ذمة في المطالبة". (3) .
وأحكام الكفالة المالية مبنية على التوسع في الفقه الإسلامي فيجوز " (معلومًا كان المكفول به، أو مجهولًا، إذا كان دينًا صحيحًا، مثل أن يقول تكفلت عنه بألف، أو بما لك عليه، أو بما يدركك في هذا البيع) ، لأن مبنى الكفالة على التوسع، فيحتمل فيها الجهالة، وعلى الكفالة بالدرك إجماع وكفى به حجة" (4) .
__________
(1) انظر: الدردير، أبوالبركات أحمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك على مذهب مالك: 4/581؛ وانظر: طموم، محمد، الشخصية المعنوية الاعتبارية في الشريعة الإسلامية، والقانون الوضعي، الطبعة الثانية، (القاهرة: مطبعة حسان سنة 1407/1987) ، ص46.
(2) الورقة المقدمة من المجمع.
(3) سعدي جلبي، سعد الله بن عيسى، حاشية على شرح فتح القدير للكمال ابن الهمام، 7/163.
(4) ابن الهمام من شرح فتح القدير، 7/181.(7/244)
وهو مذهب المالكية: " قال ابن يونس في كتاب الحمالة (1) ... إن الحمالة بالمال المجهول جائزة، فكذلك الحمالة بالمال إلى أجل مجهول جائزة، ويضرب له من الأجل بقدر ما يرى" (2) .
وذهب الشافعية إلى أنه " لا يشترط رضا المضمون عنه قطعًا، ولا معرفته في الأصح، (ويشترط في المضمون) وهو الدين (كونه ثابتًا) ، فلا يصح الضمان قبل ثبوته ... ، لأنه وثيقة له فلا يسبقه كالشهادة، وهذا في الجديد، (وصحح القديم ضمان ما يجب) ببيع، أو قرض، لأن الحاجة قد تدعو إليه" (3) .
ولم يشذ الحنابلة عن المذاهب السابقة فالضمان عندهم: " التزام من يصح ... مالًا (وجب على آخر) كثمن، وقرض، وقيمة متلف (مع بقائه) ، أي ما وجب على مضمونه عنه، فلا يسقط عنه ... ، (أو) ما (يجب) على آخر كجعل على عمل ... ، (غير جزية فيهما) ، أي فيما وجب، وفيما يجب فلا يصح ضمانها ... " (4) .
كما يصح الضمان برغم جهالة الضامن للمضمون له، والمضمون عنه:
"ولا يعتبر لضامن (أن يعرفهما) أي المضمون له، والمضمون عنه (ضامن) لأنه لا يعتبر رضاهما، فكذا معرفتهما، (ولا) يعتبر (العلم) من الضامن (بالحق) لقوله: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} [يوسف: 72] .
وهو غير معلوم، لأنه يختلف، (ولا) يعتبر (وجوبه) أي الحق (إن آل إليهما) أي العلم به، وإلى الوجوب للآية ... " (5) .
__________
(1) يسمي المالكية الضمان بالحمالة، والكفالة، والزعامة، وكل ذلك بمعنى واحد. انظر الحطاب، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: 5/96 – 101.
(2) يسمي المالكية الضمان بالحمالة، والكفالة، والزعامة، وكل ذلك بمعنى واحد. انظر الحطاب، مواهب الجليل لشرح مختصر خليل: 5/96 – 101.
(3) المحلى، جلال الدين، شرح منهاج الطالبين: 2/325.
(4) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/245، 246.
(5) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/248.(7/245)
وحينئذ تكون هيئة السوق ضامنًا فيما صرحت بضمانه من حقوق، ومسؤوليات، وهذا من قبيل ما هو معروف فقهًا (ضمان السوق) ، وهو صورة من صور الضمان المنصوص عليه: " (ومنه) أي من الضمان مايؤول إلى الوجوب (ضمان السوق وهو) أي ضمان السوق (أن يضمن ما يلزم التاجر من دين، أو ما يقبضه) أي التاجر (من عين مضمونة) كمقبوض على وجه سوم ... " (1) .
سماسرة السوق:
جماعة مرخص لها بالعمل في الأسواق المالية، من وظائفهم: " أنهم يجمعون رغبات الشراء، والبيع بين أطراف غير معروف بعضها لبعض، ويجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات" (2) .
يتضح من هذه العبارة أن عمل السماسرة في عقد الاختيارات عمل تسويقي، وتنظيمي في نفس الوقت، " إذ يجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات "، ومتابعة حركة السوق، للتوصل إلى التصفية النهائية، وكما في الحقيقة مجرد وسيط بين الأطراف لتسهيل الصفقة، وهذا العمل ليس له تأثير على العقد صحة، أو بطلانًا، والسمسار بمثابة وكيل (3) .
إجراء الارتباط بين المتوافق من (الاختيارات) :
هذا العمل من جملة وظائف السماسرة في الأسواق المالية المنظمة " والمرخص فيها بذلك لسماسرة محصورين، يجمعون رغبات الشراء والبيع بين أطراف غير معروف بعضها لبعض، ويجرون الارتباط بين المتوافق من الاختيارات ... " (4) .
__________
(1) البهوتي شرح منتهى الإرادات: 2/248.
(2) الورقة المقدمة من المجمع.
(3) انظر: الدردير، أبو البركات أحمد، الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب مالك: 4/45؛ وابن عابدين، حاشية ابن عابدين: 5/39.
(4) الورقة المقدمة من المجمع.(7/246)
يمكن التعبير عن هذا العمل بأنه تصفية بين العقود المتفقة للتوصل إلى معرفة ما للمتعامل، وما عليه من خلال صفقات (الاختيارات) : اختيار الاستدعاء، واختيار الدفع.
هذه العملية لا تدخل تحت ما يسمى بـ (المقاصة) في الفقه الإسلامي، ذلك أنها تكون بين مدينين يسقط كل منهما ما له من دين على غريمه مقابل ما له في ذمة الآخر، بشروط معلومة في كتب الفقة حسب سبب الدين، ونوعه، اتفاقًا، أو اختلافًا وقدره، وصفته، وحلوله، وتأجيله، وقد جرى تعريف المقاصة فقهًا بأنها: " متاركة مطلوب، بمماثل صنف ما عليه، لما له على طالبه فيما ذكر عليهما" (1) . وبعبارة أخرى أوضح:
" (هي إسقاط ما لكَ من دين على غريمك في نظير ما له عليك) بشروطه". (2) .
والعلاقة التي ينشئها السماسرة بين المتعاملين في السوق المالية ليست علاقة (مديونية) ، التي هي أساس مبدأ المقاصة، وما يقوم به السماسرة هو فقط عملية تصفية، للوصول إلى النتائج الربحية، أو عدمها من التعامل في هذا النشاط التجاري فحسب، فهي عملية إجرائية لا أثر لها صحة، أو بطلانًا في الاختيارات.
__________
(1) ابن عرفة، أبو عبد الله محمد، الحدود مع شرح الرصاع: ص301.
(2) الدردير، أبوالبركات أحمد، الشرح الكبير على هامش حاشية الدسوقي: 3/227.(7/247)
خاتمَة بَحث الاختيارات
إن العرض الفقهي السابق، والتحليل لعقد (الاختيارات) كما هو ممارس في الأسواق المالية، وتكييفه فقهًا حسب القواعد الشرعية خلص إلى نتائج واضحة، تمثل مجموعة، ومنفردة الإجابة على الأسئلة التي ذيلت بها أوراق التعريف به، وتتلخص في الآتي:
أولًا: إن التعريف اشتمل على عقدين مختلفين.
(أ) عقد ابتدائي أوَّلي، وهو مدخل للعقود التي تبرم بين الأطراف داخل السوق، وهو عقد إجارة من الناحية الفقهية. و (العوض) المذكور في صدر التعريف هو في الحقيقة (أجرة) مقابل التسهيلات التي يحصل عليها المتعامل بالسوق، ومن جملة ما يحصل عليه من المنافع إعطاء حق (الاختيار) ، وهو منفصل عن الأخير شكلًا وموضوعًا.
(ب) عقد تال (الاختيار) : وهو ما جرى البحث فيه تفصيلًا.
ثانيًا: عقد (الاختيار) – حسب التعريف المقدم من قبل المجمع هو عقد بيع في جوهره، وموضوعه، تنزل أحكامه وفق أحكام البيع.
ثالثًا: (الحق المجرد) – بالصورة المدونة في هذا العقد نظريًّا وتطبيقًا – ليس مالًا، ولا منفعة ولا بما له تعلق بواحد منهما، فهو لا يصلح فقهًا أن يكون (معقودًا عليه) ، موضوعًا للعقد، ومحلًّا له.
رابعًا: (هيئة السوق) – شخصية معنوية، اعتبارية، ذات ذمة قابلة للإلزام والالتزام، وكافة المسؤوليات الشرعية، مثلها في الفقه الإسلامي مثل الأوقاف، وبيت المال، ودور التعليم، والمساجد، والأربطة وغير ذلك، فتكون بائعًا، ومشتريًا وضامنًا.(7/248)
خامسًا: الضمان الذي تقدمه الهيئة للطرفين هو تأكيد الشخصية المعنوية، ولا يتعارض مع النصوص الشرعية، خصوصًا وأن أحكامه مبنية على السنة والتسامح.
سادسًا: العوض في (اختيار الشراء) – لا دخل له في ثمن المعقود عليه في (الاختيارات) كما جرى تحليل هذا سابقًا.
وعلى فرض جعله من الثمن فإنه لا يؤثر على صحة العقد – لو كان صحيحًا في بقية الأركان والشروط – بل يعد من قبيل (بيع العربون) وهو (دفع بعض ثمن) في بيع عقداه، (أو ... أجرة) ، أو يقول مشتر، ومستأجر (إن أخذته) أي المبيع، أو المؤجر احتسبت بما دفعت من ثمن، أو أجرة، وإلَّا فهو لك، (أو) يقول: إن جئتك بالباقي من ثمن، أو أجرة، وإن لم يعينا وقتًا، (وإلَّا فهو) أي ما قبضته فهو لك ...
(وما دفع في عربون فلبائع) في بيع، (و) لـ (مؤجر) في إجارة (إن لم يتم) العقد ... (1) .
وهو صحيح وفق المذهب الحنبلي، ومقبول شرعًا أن يجعل العوض جزءًا من ثمن السلعة إذا اتفق على هذا المتعاقدان.
سابعًا: يمكن تعديل هذا النوع من البيوع مع الاحتفاظ بخصوصية (الاختيار) ، وهو (السعر المعين طيلة مدة معلومة، أو في تاريخ محدد) بإقامة أركان البيع التي تطرق الخلل للاختيارات من قبلها، خلوه عن موانع الصحة، وأسباب البطلان، والخلل في الأركان ظهر في العناصر التالية:
1- مالية المعقود عليه الثمن والمثمن على السواء: وهي لا تتمثل فيما يسمى بالحق المجرد بحال.
__________
(1) البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/165.(7/249)
وسلامة هذا الجانب وعلى الأصح هذا الركن في تحقق مالية الثمن، والمثمن بما جرى شرحه وتوضيحه سابقًا، وأن يكون المقصود الأساسي شراء سلعة لها صفة (المالية) .
2- عدم قبض الثمن، والمثمن بمعنى غيابهما جميعًا عند العقد، وهذا يحيل العقد إلى (بيع الكالئ بالكالئ) .
وليكون العقد سليمًا في هذا الجانب فلا بد من تعجيل أحدهما على الأقل، ووصف المؤجل وصفًا دقيقًا، ينقطع به النزاع.
3- عدم ملكية (المعقود عليه) للبائع في (خيار الاستدعاء) ، وهو بهذا يفتقد شرطًا من شروط انعقاد البيع عند الحنفية، وشرطًا من شروط الصحة عند الشافعية، وشرطًا من شروط اللزوم عند المالكية. وبالإمكان تصحيح هذا الخلل في ضوء المذهب المالكي بعد أن يظل العقد موقوفًا حتى يتم تملك البائع للسلعة تملكًا شرعيًّا صحيحًا، وحينها يصبح العقد صحيحًا ولازمًا.
ثامنًا: إعطاء شهادة حق التملك، وحق الأولوية في شراء الإصدارات من حيث هو – بالصورة الموضحة بالأوراق المقدمة من قبل المجمع – هو بمثابة مكافأة غير مشروطة، ممن يملك إصدارها ومنحها، وما دام أنها غير مشروطة في التعامل – وبخاصة إذا كانت معاملة قرض بين الأفراد والشركات المانحة لها – فإنها صحيحة بلا استثناء، أما لو كانت مشروطة في حالة القرض فعندئذٍ تدخل تحت القاعدة المشهورة (كل قرض جر نفعًا فهو حرام) .
وإعطاء إحدى الشهادتين أو كلتيهما مكافأة للعملاء، أو حماية لحقوقهم هو تمليك لهم ما يجوز لهم تملكه، وهذا يخولهم حق نقلها بمقابل وبدون مقابل إلى من عداهم، ما لم يكن هذا التمليك معينًا ومشروطًا لهم خاصة، ذلك أن (المسلمين عند شروطهم) .(7/250)
والأولوية في شراء الإصدارات الجديدة من الأسهم لا يطلق عليها (الشفعة) في الفقه الإسلامي، ولا تندرج تحت هذا المصطلح بحال، ذلك أن هذه التسمية (الشفعة) لا تطلق أصالة في الفقه الإسلامي إلَّا على " العقار " وهو الأرض وما اتصل بها من بناء وشجر، فلا شفعة في غيره إلَّا تبعًا " (1) . فشرط الشفعة " أن يكون محلها عقاراً" (2) .
والله أسأل التوفيق والسداد وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
الدكتور عَبد الوهاب ابراهيم أبو سليمان
__________
(1) الدردير، أبوالبركات أحمد، الشرح الصغير: 3/634.
(2) الحصكفي، شرح الدر المختار: 2/342؛ وانظر: في مذهب الشافعية: المحلى، جلال الدين، شرح منهاج الطالبين: 3/042؛ ومذهب الحنابلة: البهوتي، شرح منتهى الإرادات: 2/435.(7/251)
مصادر بحث الاختيارات
1- البابرتي، أكمل الدين محمد: شرح العناية على الهداية. بهامش شرح فتح القدير لابن الهمام. الطبعة الأولى. مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، سنة 1389هـ/1970م.
2- البهوتي، منصور بن يونس: شرح منتهى الإرادات. المدينة المنورة المكتبة السلفية.
كشاف القناع عن متن الإقناع. راجعه وعلق عليه هلال مصيلحي مصطفى هلال. الرياض: مكتبة النصر الحديثة.
3- التهانوي، محمد علي الفاروقي: كشاف اصطلاحات الفنون. تحقيق لطفي عبد البديع. ترجمة عبد النعيم محمد حسنين. مصر: وزارة الثقافة والإرشاد القومي، سنة 1382هـ/1963م.
4- ابن تيمية، أحمد بن عبد الحليم: مجموع فتاوي. الرباط: مكتبة المعارف.
5- الحجاوي، شرف الدين موسى: الإقناع في فقه الإمام أحمد. تصحيح وتعليق عبد اللطيف محمد موسى السبكي. مصر: المكتبة التجارية الكبرى.
6- الحصكفي، محمد علاء الدين: شرح الدر المختار. مصر: مكتبة ومطبعة محمد علي صبيح وأولاده.
7- الحطاب، أبو عبد الله محمد بن محمد: مواهب الجليل لشرح مختصر أبي الضياء سيدي خليل. الطبعة الأولى. مصر: مطبعة السعادة، سنة 1329م.
8- حيدر علي: درر الحكام شرح مجلة الأحكام. تعريب المحامي فهمي الحسيني. بيروت: مكتبة النهضة.
9- الدردير، أحمد بن محمد: الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي. بيروت: دار الفكر.
الشرح الصغير على أقرب المسالك إلى مذهب الإمام مالك. تخريج وضبط كمال وصفي. مصر: دار المعارف سنة 1374هـ.
10- الدسوقي، محمد عرفة: حاشية الدسوقي على الشرح الكبير. بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع.
11- الرشيدي، أحمد بن عبد الرزاق بن محمد المعروف بالمغربي: حاشية على نهاية المحتاج، بهامش نهاية المحتاج للرملي. مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده.
12- ابن رشد، أبو الوليد محمد بن أحمد: بداية المجتهد ونهاية المقتصد. مصر: مطبعة الاستقامة عام 1371هـ/ 1952م.(7/252)
13- الرصاع، أبو عبد الله محمد الأنصاري: شرح حدود ابن عرفة. الطبعة الأولى. تونس: المطبعة التونسية، سنة 1350هـ.
14- الرهوني، محمد بن أحمد: أوضح المسالك وأسهل المراقي إلى سبل إبريز الشيخ عبد الباقي. بيروت: دار الفكر، سنة 1398هـ/1978م.
15- الزرقاني، سيدي عبد الباقي: شرح الزرقاني على مختصر سيدي خليل. بيروت: دار الفكر سنة 1398هـ/1978م.
16- الزيلعي، فخر الدين عثمان بن علي: تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق. الطبعة الثانية، بيروت: دار الفكر.
17- سعدي جلبي، سعد الله بن عيسى: حاشية على فتح القدير، للكمال بن الهمام. الطبعة الأولى، مصر: شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده، سنة 1389هـ/ 1970م.
18- الشربيني، محمد الخطيب: مغني المحتاج إلى معرفة معاني المنهاج. بيروت: دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع، سنة 1398هـ/1978م.
19- الشلبي، شهاب الدين أحمد: حاشية تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق، بهامش تبيين الحقائق. الطبعة الثانية، بيروت: دار المعرفة للطباعة والنشر.
20- الشوكاني، محمد بن علي: السيل الجرار المتدفق على حدائق الأزهار. الطبعة الأولى، تحقيق محمود إبراهيم زايد. بيروت: دار الكتب العلمية، سنة 1405هـ/1985م.
21- الصاوي، أحمد محمد: حاشية الصاوي على الشرح الصغير، بهامش الشرح الصغير. تخريج وضبط كمال وصفي، مصر: دار المعارف، سنة 1374هـ.
22- طموم، محمد: الشخصية المعنوية الاعتبارية في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي. الطبعة الثانية. القاهرة: مطبعة حسان، سنة 1407هـ/ 1987م.
23- ابن عابدين، محمد أمين: رد المحتار على الدر المختار. بيروت: دار الكتب العلمية.
24- ابن عرفة، أبو عبد الله محمد: الحدود مع شرحه لأبي عبد الله محمد المشهور بالرصاع. الطبعة الأولى. تونس: المطبعة التونسية، سنة 1350هـ.
25- عميرة، شهاب الدين أحمد البرلسي: حاشية على شرح المحلى للمنهاج، بهامش شرح المحلى على المنهاج. بيروت: دار الفكر.(7/253)
26- الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد: الوجيز في فقه مذهب الإمام الشافعي. مصر: مطبعة حوش قدم، سنة 1381هـ.
27- القاري، ملا علي: النقابة شرح مختصر الوقاية. الطبعة الثانية. قازان خاريطوف، مطبعة سي، 1324هـ.
28- القباب، أبو العباس أحمد بن قاسم الجذامي: شرح المسائل التي وضعها ابن جماعة في البيوع. مخطوط. مكتبة مكة المكرمة. رقم 31 حنفي.
29- ابن قدامة، موفق الدين أبو محمد: المغني. طبعة جديدة بالأوفست بعناية جماعة من العلماء. بيروت: دار الكتاب العربي، سنة 1403هـ/ 1983م.
30- قليوبي، شهاب الدين أحمد: حاشية على شرح المحلى للمنهاج. بيروت: دار الفكر.
31- الكاساني، علاء الدين أبو بكر: بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع. الطبعة الثانية. بيروت: دار الكتاب العربي، عام 1394هـ/1974م.
32- ابن المبرد، جمال الدين: الدر النقي في شرح ألفاظ الخرقي. الطبعة الأولى. تحقيق رضوان مختار بن غربية. جدة: دار المجتمع للنشر والتوزيع، سنة 1411هـ/1991م.
33- المواق، أبو عبد الله سيدي محمد: التاج والإكليل لمختصر خليل، بهامش مواهب الجليل للحطاب. الطبعة الأولى. مصر: مطبعة السعادة سنة 1329هـ.
34- المرغيناني، أبو الحسن علي: الهداية على شرح بداية المبتدي. الطبعة الأخيرة. مصر: مكتبة ومطبعة مصطفى الباب الحلبي.
35- ابن الهمام، كمال الدين حمد بن عبد الواحد السيواسي: شرح فتح القدير. الطبعة الأولى. مصر شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده سنة 1389هـ/1970م.(7/254)
الاختيارَات في الأسوَاق الماليَّة
في ضَوء مُقرّرات الشريعَة الإسلاَميِّة
إعدَاد
الدكتور عبد الستار أبو غدّة
بسم الله الرحمن الرحيم
(تمهيد) في أهمية الموضوع وتوصيات المجامع والندوات بشأنه:
لقد اشتمل أسواق الأوراق المالية والبضائع (البورصات) – كما جاء في قرار المجمع الفقهي بمكة – على جوانب إيجابية مفيدة في نظر الاقتصاديين والمتعاملين معها من حيث إقامة سوق دائمة وتسهيل عملية تمويل المؤسسات وتسهيل بيع الأسهم ومعرفة ميزان أسعارها، كما اشتملت على جوانب سلبية ضارة من حيث إن العقود الآجلة فيها ليست بيعًا وشراء حقيقيين لعدم التقابض، ولبيع ما هو غير مملوك للباعة، وتكرار البيع قبل القبض واحتكار المتمولين للأسهم والسندات والبضائع، وتأثير هذه السوق في الأسواق بصفة عامة وإحداث تقلبات.
وفي ضوء هذا قرر المجمع أن غاية السوق المالية فيها مصلحة لكنها مقترنة بصفقات محظورة (ولذا لا يمكن إعطاء حكم شرعي عام بشأنها، بل يجب بيان حكم المعاملات التي تجري في كل واحد منها على حدة) وقرر مشروعية العقود العاجلة على سلع حاضرة مملوكة للبائع متحقق فيها القبض حيث يشترط، وكذلك مشروعية التعاقد على أسهم لا يحرم التعامل بها، ومنع سندات القروض بفائدة. وانتهى إلى تحريم العقود الآجلة بأنواعها على ما ليس في ملك البائع، وأنها ليست من بيع السلم الجائز، لأن الثمن لا يدفع في مجلس العقد خلافًا للواجب في السلم. وكذلك (تباع السلعة المتعاقد عليها وهي في ذمة البائع الأول وقبل أن يحوزها المشتري الأول عدة بيوعات، وليس الغرض من ذلك إلَّا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرة منهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء، بينما لا يجوز بيع البيع في عقد السلم قبل قبضه) .(7/255)
كما أوصى المجمع الفقهي المسؤولين بتقييد تعاملات أسواق البورصة وإيجاب مراعاة الطرق المشروعة في صفقاتها ومنع العقود غير الجائِزَة.
وجاء قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة رقم 61/10/6 بعد الإشارة إلى ندوة الأسواق المالية بالرباط، والتنويه بما للأسواق المالية من دور في تداول الأموال وتنشيط استثمارها، فنص على أن الاهتمام بالأسواق المالية هو من تمام إقامة الواجب في حفظ المال وتنميته، وأنها في حالتها الراهنة ليست النموذج المحقق للهدف من الوجهة الإسلامية، وتتطلب بذل جهود لمراجعة ما تقوم عليه من أنظمة، وما تعتمده من آليات وأدوات وتعديل ما ينبغي تعديله في ضوء مقررات الشريعة الإسلامية.
وفي الندوة السادسة لمجموعة البركة بعد أن تداول المشاركون الرأي حول بيوع الخيار وشراء حق الاختيار رأوا (أنه غير جائز لأنه من أنواع المجازفات التي لا يراد فيها حقيقة البيع. كما أن تداول حق الخيار في البيع والشراء غير جائز لأن هذا الحق ليس مما يصح فيه البيع) [فتوى/26] .
ولذا ظلت الحاجة قائمة إلى دراسة شرعية للاختيارات للبت في أمر بقائها في دائرة العقود التي يجب الوفاء بها كما هي، أو اشتراط تنقيتها من المحاذير والموانع الشرعية التي تلابسها، أو أنها في ماهيتها خارجة عن الاعتبار الشرعي ولا يمكن تعديلها بل يصار إلى بدائل مشروعة عنها.
ولا يخفى أنه لا أثر في الحكم عليها لكونها مستحدثة لم يعرض لها الفقهاء المجتهدون ومن سار على نهجهم، فإن العبرة بما تستحقه من حكم شرعي مستجد ينسجم مع التصور الصحيح لماهيتها والتكييف الشرعي لها بالفهم الفقهي. وذلك أنها بدأ العمل بها في أوساط غير إسلامية لا تهتم بمعيار الحلال والحرام ثم سرى التعامل بها إلى ديار المسلمين من خلال استخدام ما يطرح في تلك الأسواق للتداول من أوراق مالية وسلع وعملات غيرها.
والله ولي التوفيق.(7/256)
مَاهِيَّة الاختيارات
إن المعنيين بما يجري في الأسواق المالية من تعاملات قد عرفوا الاختيار بأنه (عقد يمثل حقًّا يتمتع به المشتري، والتزامًا يقدمه البائع، فيدفع الأول ثمنًا مقابل تمتعه بذلك الحق، ويقبض الآخر هذا الثمن مقابل تعهده والتزامه، وينتج عنه أداة قابلة للبيع وللتداول) .
كما ذكروا أن الاختيارات تمارس فقط في أسواق المستقبليات بالأسهم، والسلع، والعملات، والمؤشرات. وإنها تقترن دائمًا بكفالة جهة ثالثة تضمن وفاء الطرفين بالتزاماتهما، فهي كفالة مزدوجة الأثر مع وحدة الكفيل، إذ تكفل البائع لصالح المشتري فيما يترتب في ذمته من التزامات، وتكفل المشتري لصالح البائع فيما يترتب في ذمته من التزامات أيضًا، وهذه الجهة هي غرفة المقاصة أو السمسار.
وذكروا أن شكل إصدار الاختيارات نمطية، فهي متشابهة من حيث عدد الأسهم ونوعها ومدة الاختيار وسعر الممارسة (سعر السهم) وأن سعر الاختيار وهو غير سعر الممارسة لأنه (ثمن الاختيار) ليس موحدًا، بل يتغير تبعًا لقوى العرض والطلب.
أنواع الاختيارات:
إن الحكم على هذه الاختيارات لا بد أن يسبقه التعرف إلى ما تشتمل عليه من آثار والتزامات وتحديد التكييف الشرعي لماهيتها، ومن ثم النظر فيما يقارنها من ملابسات.(7/257)
والاختيارات نوعان: اختيار طلب، واختيار دفع:
1- اختيار الطلب: ويسمى أيضًا: اختيار الشراء، أو اختيار الاستدعاء، يعطي مشتريه حق شراء أسهم (مثلًا) بسعر محدد خلال فترة محددة ويلتزم بائعه ببيع تلك الأسهم عند طلب المشتري خلال الفترة المتفق عليها، وبالسعر المتفق عليه أيضًا.
2- اختيار الدفع: ويسمى أيضًا: اختيار البيع، يعطي مشتريه حق بيع أسهم بسعر محدد خلال فترة محددة، ويلتزم بائعه بشراء تلك الأسهم بالسعر المتفق عليه خلال تلك الفترة.
التكييف الشرعي للاختيارات:
إن مما يساعد على التصور بمنظور فقهي لماهية هذه الاختيارات النظر في أطرافها وأركانها والعنصر الأساسي في ذلك (محل العقد) أي المعقود عليه، من ثمن ومثمن، لأن ذلك ضروري لمعرفة ما إذا كان مما يصلح محلًّا للتعاقد من حيث كونه مالًا متقومًا أو لا يصلح.
ويتضح من البيانات الشارحة لماهية الاختيار (فنيًّا) وكيفية مزاولتها أن محل العقد فيها هو الحق في الشراء أو في البيع، وليس الأسهم نفسها. هذا من حيث المبيع أو المثمن. وأما من حيث الثمن فهو المبلغ المقدم عوضًا مقابل هذا الحق، ولا علاقة له بثمن الأسهم فقد أكد الفنيون (أن ثمن الاختيار ليس جزءًا من ثمن الأسهم أو السلع التي يقع عليها الاختيار، فهو لا يمثل دفعة مقدمة على حساب ثمن الأسهم أو السلع) .(7/258)
ولتحقيق المباينة بين محل الاختيار ومحل الصفقة الآجلة التي تأتي بعد الاختيار خلال الفترة المحددة فإن التأمل يدل على أن هناك تصرفين: أولهما قد اكتمل وجوده بالإيجاب والقبول، والمحل فيه هو حق الشراء أو حق البيع تبعًا لنوعي الاختيار، وبعدئذ قد يأتي التصرف الثاني بالشراء، أو البيع فعلًا، والمحل فيه هو الأسهم (مثلًا) . وقد لا يحصل الشراء أو البيع وإنما يصار إلى إهمال حق الاختيار والتخلي عن استعماله إذا كان استعماله يزيد خسارة صاحبه، كما قد يصار إلى نقل حق الاختيار من صاحبه إلى غيره بعوض.
والتصرف الأول مكتمل الصيغة، بصدور إيجاب من أحد الطرفين (بائعًا للاختيار، أو مشتريًا، لأن الإيجاب ما يصدر أولًا من الإرادتين) وقبول من الآخر، وبذلك يثبت حق الاختيار ويلزم ثمن الاختيار.
أما التصرف الثاني فقد حصل شطره فقط وهو الإيجاب من أحد الطرفين وثبت للطرف الآخر حق القبول (أو خيار القبول حسب التعبير الفقهي) ففي اختيار الطلب أو الشراء صدر إيجاب من مالك الأسهم (البائع) التزم به بالبيع، وصار للمشتري حق شراء الأسهم أو عدم شرائها. وفي اختيار الدفع أو البيع صدر إيجاب من الراغب في استملاك الأسهم (بحسب الظاهر، لأن التملك للأسهم ليس موجودًا حقيقة) وبه التزم بالشراء وصار لمالك الأسهم (البائع) حق القبول (خيار القبول) بأن يبيع أو لا يبيع.
وهذان الإيجابان في الاختيارين ثابتان اقتضاء تبعًا لثبوت الاختيار، وهما لم يحصلا مجانًا بل بالثمن المدفوع لقاء الاختيار.
كما أن هذا الإيجاب (الضمني) بالشراء أو بالبيع قابل للنقل إلى الغير مع نقل الاختيار تلقائيًّا. إذا لم يرغب من له الاختيار في ممارسة حقه. إذ يبيع ذلك الحق أي ينقله بعوض فينتقل معه حق القبول (خيار القبول) ويصير لطرف جديد بعد خروج ناقل الاختيار من العملية تمامًا.(7/259)
ومن هذا التصوير بالتعابير الفقهية تثور القضايا التالية:
1- هل حق الاختيار يصلح محلًّا للعقد. أو بعبارة أخرى أشمل: هل حق الاختيار للحصول على إيجاب من الغير يصلح محلًّا للعقد ويكون له مقابل هو ثمن الاختيار؟
2- هل حق الاختيار يصلح للنقل للغير بعوض؟
3- هل الأسهم غير المملوكة للبائع (حسب الصورة الغالبة في التعامل بالاختيارات) ، تصلح محلًّا للبيع؟
محل العقد في الاختيارات:
إن محل العقد لا بد أن يكون مالًا أو حقًّا ماليًّا أي متعلقًا بعين هي مال. وها هنا المحل عبارة عن إرادة ومشيئة، وهي ليست مالًا ولاحقًّا متعلقًا بمال. وقد عالج الفقهاء مسألة بيع الحقوق كما تعرضوا لحق الخيار وقابليته للاعتياض عنه بمال، أو قابليته للانتقال إلى الغير (بالإرث) وذلك بمناسبة خيار الشرط هل يورث أو لا يورث؟ والخلاف فيه على ثلاثة اتجاهات: يورث، لأن حق متعلق بالمال وهو المبيع، يورث بالطلب من المورث قبل موته، لا يورث لأنه صفة فهو ليس إلَّا مشيئة وإرادة، وهو وصف قائم بشخص من ثبت له، والوصف الشخصي لا يقبل النقل بحال. وبعبارة أخرى للحنفية (أصحاب هذا الاتجاه: منع الانتقال بالإرث) : " معني الخيار تخيره بين فسخ وإمضاء، وهو صفة ذاتية، كالاختيار، فلم يورث كعلم الشخص وقدرته، ولهذا لا تصح المصالحة على الخيار بمال) .
وإذا استرجعنا ما سبق من أن الاختيار يستتبع إيجابًا من أحد الطرفين بالشراء أو بالبيع ويترتب عليه خيار القبول للطرف الآخر، فإن خيار القبول لا يورث، للسبب نفسه، من أنه إرادة ومشيئة ووصف شخصي [ابن عابدين: 4/29؛ والفتاوي الهندية: 3/7] .
وعليه فإنه لا يقبل النقل بعوض أو بغير عوض لأنه إذا كان لا يقبل الانتقال الجبري بالميراث فإنه لا يقبل ذلك هنا بالأولى.(7/260)
علاقة الاختيار ببيع العربون:
قد يقال إن الاختيار يشبه أو يقاس على بيع العربون الذي قيل بجوازه، فالمشتري في بيع العربون يحصل على إيجاب ملزم للبائع ويكون له خيار القبول طيلة الفترة المحددة لقاء العربون الذي يدفعه. وهذا التشبيه هو في (اختيار الطلب) الذي يثبت به حق الشراء للأسهم أو عدمه.
وهذا غير صحيح، لأن المحل في بيع العربون هو الشيء المبيع وليس حق الاختيار. والعربون جزء من الثمن، أما ثمن الاختيار فليس جزءًا من ثمن الأسهم التي يتوقع شراؤها. [نيل الأوطار: 5/173؛ والشرح الكبير على المقنع: 4/58؛ والخرشي على الخليل: 5/78؛ والجمل على المنهج: 3/72] .
ورأى بعضهم أنه إذا كان الخيار للبائع، وهو يتصور هنا في (اختيار الدفع) حيث يثبت به حق البيع للأسهم أو عدمه فإن ثمن الاختيار المدفوع لقاء التزام الطرف الآخر بشراء الأسهم (مثلًا) هو بمثابة هبة مشترطة في عقد البيع، لأن المشتري لا حق له في مبلغ المال إلَّا إذا كان على وجه الهبة. واشتراط عقد في عقد آخر لا يصح للنهي عن صفقتين في صفقة. وهذا التخريج – رغم النتيجة السلبية الصحيحة – غير مسلم لأنه ليس هنا في (الاختيار) بيع لكي يقال أنه اشترطت فيه هبة، بل هناك إراداتان لوجود الاختيار، وإيجاب فقط للالتزام بالشراء أو البيع. [الموسوعة الفقهية – الكويت: 9/259 و 264؛ ونظرية الشروط للشيخ زكي الدين شعبان: ص157] .(7/261)
دراسة الصورة الغالبة في الاختيارات (بيع ما لا يملكه الباعة) :
إن إصدار الاختيارات إما أن يكون من جهة تملك الأسهم التي يقع عليها الاختيار في وقت إصدار الخيار، ويسمى هذا (مصدرًا مغطى) أو يكون من جهة لا تمتلك الأسهم في وقت إصدار الخيار ويسمى (مصدر غير مغطى) وقد ذكر الفنيون أن هذا هو الغالب، وأن مصدر الاختيار هو الجهة التي تلتزم بالتعهد بالبيع في (اختيار الطلب) أو تلتزم بالشراء في (اختيار الدفع) ويسمى هذا المصدر (كاتب الاختيار) وكثيرًا ما يشتري المستثمر اختيارات متعارضة يلغي بعضها بعضًا عند نهاية مدتها، أو يقلل بعضها من المخاطرة المتضمنة في البعض الآخر.
وبالرغم من أن سبب المنع في الاختيارات كامن في البداية وهي عملية الاتفاق على بيع أو شراء الخيار، والتي رأينا أنها تستتبع إيجابًا ملزمًا لأحد الطرفين لصالح الآخر وقد تم الحصول على هذا الإيجاب بالعرض المقدم من صاحب الاختيار (ثمن الاختيار) بالرغم من هذا، فإن هناك أسبابًا إضافية للمنع جاءت الإشارة إليها في قرار المجمع الفقهي الإسلامي بمكة، ونوهت بها في (التمهيد) وعلى رأسها أن المتعاقدين في الاختيارات غالبًا يتفقان على التعامل فيما ليس مملوكًا للبائع إذا عزم على البيع.
وبيع ما لا يملكه الإنسان ممنوع شرعًا، وقد جاءت عدة أحاديث في النهي عن بيع الإنسان ما لا يملك، من ذلك حديث حكيم بن حزام عند أبي داود والنسائي أنه قال: قلت يارسول الله يأتيني الرجل فيريد مني المبيع ليس عندي فأبتاع له من السوق، قال: ((لا تبع ماليس عندك)) . وحديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل سلف وبيع، ولا شرطان في بيع، ولا ربح ما لم يضمن، ولا بيع ما ليس عندك)) ، [رواه أبو داود والنسائي والترمذي وصححه وابن خزيمة والحاكم] .(7/262)
وهذه البيوع لما لا يملكه الباعة ليست مستوفية لشروط بيع السلم، التي منها تعجيل دفع الثمن كله في مجلس العقد، فإنه في الاختيارات لا يدفع منه شيء البتة، لأن ما يدفع لقاء الحصول على الاختيار هو ثمن الاختيار وليس جزءًا من ثمن ما سيباع أو يشتري فيما بعد.
كذلك – كما أشارت الفقرة (ب) من البند السادس لقرار المجمع الفقهي – تباع السلعة المتعاقد عليها وهي في ذمة البائع الأول وقبل أن يحوزها المشتري الأول عدة بيوعات. وليس الغرض من ذلك إلَّا قبض أو دفع فروق الأسعار بين البائعين والمشترين غير الفعليين، مخاطرة فهم على الكسب والربح، كالمقامرة سواء بسواء.
ومن المقرر شرعًا أن ما بيع موصوفًا في الذمة بشروط السلم لا يجوز بيعه إلَّا بعد قبضه حتى لو كان من غير الطعام. وهاهنا تخلف شرط السلم وهو تعجيل الثمن، كما تتابعت البيوعات قبل القبض والبديل الشرعي في حال مراعاة شروط السلم في شراء سلعة ثم الرغبة في بيعها أن يبيع أيضًا بالصنعة مع مراعاة شروط السلم دون ربط بين الصفقة التي سيتم تملكها، والصفقة التي يتعاقد على تمليكها للغير. وهذا ما يسمى (السلم الموازي) .
وهناك محظور البيع قبل القبض في الطعام عند من قصر أحاديث المنع على الطعام دون غيره لحديث ابن عباس عند البخاري ومسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من ابتاع طعامًا فلا يبعه حتى يستوفيه)) . وهذا الشرط لا يراعى في البيوعات التي يتعامل لأجلها بالاختيارات.
والغرض من هذا أنه لو لم تكن الاختيارات نفسها ممنوعة شرعًا لشملها المنع باستخدامها وسيلة إلى ما هو ممنوع من هذه البيوعات.(7/263)
استخلاص الحكم الشرعي للاختيارات:
مما سبق من بيانات حول ماهية الاختيارات وملابساتها وتكييفها الشرعي يمكن الوصول إلى الرأي الشرعي التالي:
(أ) إن الاتفاق الذي يؤدي إلى الحصول على (اختيار) لقاء (ثمن الاختيار) لا يعتبر عقدًا، لأنه يفتقد محل العقد المعتبر شرعًا، وهو أيضًا يقصد منه التعاقد اللاحق في المستقبل. فهو إذن من قبيل (المواعدة) لا العقد. والمواعدة لا يشترط لها محل معتبر شرعًا لأنها تتناول أحيانًا أمورًا خارجة عن الحقوق والالتزامات كمن يتواعد مع غيره على زيارته، أو الخروج معه في سفر إلخ.
(ب) الثمن المبذول لإحكام هذه المواعدة التي يراد بها الحصول على إيجاب ملزم باعتباره شطر العقد يعتبر أكلًا للمال بالباطل، لأنه لم يدفع لتحقيق أو توثيق الشراء بل هو ثمن للاختيار، ولذا لم يعتبر جزءًا من ثمن المبيع كالأسهم وغيرها. فلا يستحق هذا الثمن لأن الإيجاب عبارة عن إرادة ومشيئة ومع ذلك ليس من الحقوق المالية التي يعتاض عنها فكيف بالإرادة التي هي من قبيل المواعدة في الاتفاق على تملك اختيار.
(ج) هذا الحق (الاختيار) غير قابل للنقل، بعوض أو بدونه، كما أن الإيجاب نفسه غير قابل للنقل، فلا سبيل إلى تسلسل تملك الاختيار.
(د) فإذا أهملنا حق الاختيار ووجهنا النظر إلى ما رافقه وهو الإيجاب الملزم لصاحبه خلال وقت فإن ذلك يمثل شطرًا للعقد ويخول الآخر حق القبول خلال الفترة المحددة (خيار العقد) وذلك إذا كان البائع يملك المبيع. وهذا نادر في الاختيارات، فإن تحقق وتحقق القبض فيما يشترط له، ثم اقترن به القبول فيكون هناك عقد على صفقة معينة فإن كانت معجلة التسليم فيها وإلَّا اشترط تعجيل الثمن كله لتنطبق عليها شروط بيع السلم.
(هـ) لا سبيل إلى بيع هذه الصفقة بيعًا آخر إلَّا بعد التأكد من ضمان المشتري لها أي دخولها في ضمانه، لكي يكون البيع المراد الإقدام عليه بيعًا حقيقيًّا أو ليمتنع تداخل الضمانين، ومن وسائل ذلك قبضه المبيع قبل بيعه ثانية أو ما ينوب مناب القبض مما يمنع تداخل الضمانين.
(و) بالاستقصاء تبين أن سلامة هذه البيوعات من المحاذير الشرعية غير حاصلة، وعليه فإن هذا البيع بما سبقه من اختيار وما لحقه من انتقال وملابسات حكمه التحريم.(7/264)
البدائل المشروعة:
إن الغرض من الاختيارات إما أن يكون المجازفة والحصول على فروق الأسعار بما يشبه المقامرة، فهذا الغرض لا سبيل إلى إيجاد بديل شرعي له، لأنه مما يجب اجتنابه، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} .
وما فيه مقامرة هو الميسر.
وإما أن يكون الغرض التملك الفعلي للاسترباح مع تحمل الضمان فهذا يتحقق بالبيوع المعروفة من البيع الحال، وبيع الأجل، وبيع السلم، ويمكن لتوفير ما يحصل بالاختيار من فرص التروي والاحتياط للصفقات الأخرى الفعلية أن يستفاد من شرط العربون، وأن يتم التعاقد مقترنًا بأنواع الخيار المشترط في البيع الفعلي، سواء كان خيار الشرط لمجرد التروي والنظر هل تصلح له الصفقة أو لا تصلح، أو خيار النقد للتثبت من ملاءمة المشتري وقدرته على أداء الثمن وغير ذلك من صور الخيار المعروفة.
كما يمكن إيجاد البديل في الحصول على الإيجاب مباشرة دون توسط الاختيار ودفع مقابل لذلك، بأن يصدر أحد الطرفين إيجابًا مؤقتًا بوقت وبسعر محدد وبذلك يكون ملتزمًا بمقتضى ذلك الإيجاب عند بعض فقهاء المالكية [الحطاب: 4/240] .
ويكون للآخر حق – أو خيار – القبول خلال المدة.
كما يمكن أن يوجه ذلك الإيجاب للعموم مع ربطه بوقت وتقييده بشروط تخصص – إلى حد ما – من يستفيد منه، بمراعاة شروط أخرى تتوافر في القابل للإيجاب.
ويمثل هذه البيوع وما يقترن بها من شروط وصفات يتحقق البديل المشروع للاختيارات، كما أن محور (السلع) والمستقبليات المطروح في هذه الندوة هو مظنة الوفاء بتلك البدائل.
الدكتور عبد الستار أبُو غدّة(7/265)
عقُود المستَقبليات في السّلع
في ضَوء الشّريعَةِ الإسلاميَّة
إعداَد
القاضي محمَّد تقي العثماني
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فمن أهم ما يتعامل به في الأسواق المالية اليوم نوع من المتاجرة يقال له المستقبليات (Futures) ، تباع فيه سلع مخصوصة لتاريخ مستقبل معين.
وقد أصبح هذا النوع من التعامل من أبرز أنواع المعاملات الجارية في الأسواق المالية العالمية، ولا سيما في البلاد الغربية، وتكوَّنت له بورصات مستقلَّة يتعامل فيها بالملايين في كل يوم، ويقال: أن أول بورصة قامت لتنظيم هذا التعامل هي " بورصة التجارة في شيكاغو " (Chicago Board Of Trade) التي أنشئت في سنة 1848م، غير أن أهل اليابان يدعون أنهم ابتكروا هذا النوع من التجارة قبل نحو من قرن واحد من هذه السنة (1) .
أما حقيقة هذه المعاملة، فقد عرفتها دائرة المعارف البريطانية بمايلي:
(Commercial contracts calling for the purchase or sale of specified quantities of commodities at specified future dates) .
"هي عقود تجارية تقتضي الشراء أو البيع للكميات المعينة من السلع لتواريخ مستقبلة معينة" (2) .
__________
(1) Gerald Gold: Modern Commodity Futures Trading. Seventh ed. 1975p. 15.
(2) Britannica, Micropeadia, 1988, v. 5 p. 62.(7/266)
وحاصل هذا التعريف أن العقد يشتمل على بيع بعض السلع التي يؤجل تسليمها إلى تاريخ مستقبل، ولكن هذا التعريف يشمل " البيوع المقدمة " (Forward sales) أيضًا، فإن تسليم المبيع في " البيوع المقدمة " يقع في تاريخ لاحق، ولكن المستقبليات تختلف عن البيوع المقدمة البسيطة (Simple forward sales) في أن " البيوع المقدمة " إنما تعقد للحصول على السلع في تاريخ مستقبل، والبائع يقصد تسليم البيع، والمشتري يريد تسلمها في ذلك التاريخ، ويقع التسليم والتسلم فعلًا عند حلوله. أما المستقبليات، فإن السلع إنما تستخدم فيها كأساس للتعامل، ولكنه لا يقصد بها في معظم حالات التسليم والتسلم، بل يقصد بها إما المخاطرة في الأرباح، أو تأمين الربح في أحد " البيوع المقدمة " (Forward sales) المتوازية، فلا يقع فيها تسليم السلع وتسلمها إلَّا في حالات نادرة، كما سنوضحه قريبًا إن شاء الله تعالى، وإن هذا الفرق بين البيوع المقدمة والمستقبليات مذكور في دائرة المعارف البريطانية عقيب تعريف المستقبليات، ونصّه:
(And the term commodity is used to define the undenging asset, even though the contract is frequently divorced from the product. It therefore differs from a simple forward puronase in the cash market, which involves actuel delivery of the commodity at the agreed time in the future) .
" إن اصطلاح " السلع " (في المستقبليات) إنما يستعمل لبيان الأساس الذي يقوم عليه التعامل، وإن كانت المعاملة في أكثر الأحوال خالية من المنتجات، فالمستقبليات تختلف عن البيوع المقدمة المتعامل بها في السوق الحالية التي تتضمن التسليم الفعلي للسلع في الوقت المتفق عليه في المستقبل " (1) .
__________
(1) Britannica, Micropeadia, 1988, v. 5 p. 62.(7/267)
وأما كيفية التعامل بهذه العقود المستقبلية، فهي كما يلي:
إن المستقبليات إنما تعقد في سوق منظمة أنشئت لهذا الغرض، وتسمى " سوق تبادل السَّلع " (Commodity Exchange) التي تجري على أساس العضوية فيها، فمن يحب أن يتعامل في المستقبليات يجب له أن يكون عضوًا لهذه السوق، وإن العضوية تتكون من منتجي عدة سلع وتاجر بها، ومن مؤسسات السماسرة. ومن أراد أن يتعامل في هذه السوق دون أن يكون عضوًا فيها، فإنما يستطيع ذلك عن طريق السماسرة الأعضاء، ويجب للتعامل في المستقبليات أن يفتح المتعامل حسابًا عند إدارة السوق يتضمن مبلغًا معينًا يبقى عند إدارة السوق كضمان لتصفية التعامل حسب قواعد السوق، ولا يزيد هذا المبلغ عادةً على 10 % من قيمة العقد عند التوقيع، و 7 % في اليوم اللاحق، والمقصود بهذا المبلغ تغطية الخسارة المحتملة في حال تخلف أحد الفريقين عن الوفاء بما التزمه.
وبعد فتح الحساب يجوز للعضو أن يبيع أو يشتري كمية معينة من السلع لتاريخ مستقبل، وإن كميات السلع المتعامل بها مقسمة على وحدات تجارية (Trading units) كل وحدة منها تنبئ عن كمية معروفة من تلك السلعة المخصوصة، فالوحدة المعتبرة في القمح مثلًا، هي خمسة آلاف كيس، فلا يقع التعامل بكمية أدنى من هذه الكمية، وللمتعامل أن يتعامل في وحدة واحدة من القمح، أو في وحدتين، أو في ثلاث، وهكذا. وكذلك أنواع السلعة محددة بدقة من حيث جودتها ورداءتها، ويشار إلى هذه الأنواع بأرقام الدرجات، فهناك قمح الدرجة الأولى، وقمح الدرجة الثانية، وقمح الدرجة الثالثة، وهكذا. وإن مواصفات كل من هذه الدرجات معروفة لدى جميع المتعاملين.(7/268)
فمن أراد بيع وحدة من قمح الدرجة الأولى مثلًا في شهر يناير لتسليم شهر أكتوبر، فإنه يعرض على السوق ما ينبئ عن رغبته لبيع وحدة من قمح الدرجة الأولى، لشهر أكتوبر بثمن يتوقع أن يكون رابحًا عند التسليم، فمن رغب شراء هذه الوحدة بهذه الشروط قبل ذلك العرض، ولا يحتاج أي منهما إلى الالتقاء بالآخر في أسواق البورصة. ولكن إدارة السوق ضامنةٌ لوفاء التزامات الفريقين. فالبائع يقدم عرضه إلى السوق بواسطة الإدارة، والمشتري يقبل هذا العرض عن طريق الإدارة، والإدارة تتكفل له بتسليم السلعة من قبل البائع، وبتسليم السلع من قبل المشتري عند حلول تاريخ التسليم.
وليس الأمر حقيقة بهذه البساطة التي تبدو مما ذكرنا من طريق هذا التعامل، ولا يقع أبدًا أن ينتظر المشتري تاريخ التسليم ويتسلم السلعة المبيعة عندئذٍ، وإنما يظل هذا العقد فيما بين شهر يناير وشهر أكتوبر محل بيع وشراء في كل يوم، وربما يقع على العقد الواحد عشرات البياعات يوميًّا، إلى أن يأتي الأجل، فلو باع زيد مثلًا إلى عمرو وحدة من القمح لتسليم شهر أكتوبر، فإن عمرًا يبيعه بعد ذلك إلى خالد، وخالد إلى حامد، كل واحد منهم بثمن ربما يختلف عن الثمن الأول، والفارق بين سعري البيع والشراء هو الربح الذي يخاطر فيه المتعاملون في أثناء هذه المدة وكل من اشترى عقدًا بسعر أقل وباعه بسعر أكثر، فإنه يستحق أن يطالب بفرق السعرين كربح له، دون أن يدفع الثمن كمشترٍ، أو يسلم المبيع كبائع، ففي المثال المذكور لو اشترى عمرو من زيد وحدة من القمح لتسليم شهر أكتوبر بعشرة آلاف دولار مثلًا، وباعه من خالد بأحد عشر ألف دولار، فإنه لا يدفع الثمن إلى زيد، ولا يسلم المبيع إلى خالد، وإنما يستحق ألف دولار كالربح الحاصل على تعامله.(7/269)
ولإنجاز هذه العمليات تكون إدارة السوق غرفة تسمى " غرفة المقاصة " (Clearing house) وإن جميع هذه العمليات تسجل في غرفة المقاصَّة، وهي التي تتولى تصفية جميع الالتزامات في آخر النهار كل يوم. فإن عمرًا في المثال المذكور يأخذ ربحه، وهو ألف دولار، ويستلمه من غرفة للمقاصّة، ويخرج من العملية بتاتًا.
وهكذا يستمر التعامل في هذا العقد الواحد إلى أن يأتي شهر التسليم، وفي هذا الشهر يصدر من قبل إدارة السوق إخطار للمشتري الأخير بحلول تاريخ التسليم، وباستفساره: هل يرغب في استلام المبيع في التاريخ المتفق عليه؟ أو يريد بيع هذا العقد؟ فإن رغب في استلام المبيع، فإن البائع يسلم السلعة المبيعة إلى المستودعات المعينة، ويسلم وثيقة الإدخال إلى المستودع، ويحصل مقابلها على الثمن، وإن لم يرغب المشتري الأخير في استلام السلعة، ورغب في بيع العقد، فإنه يبيعه من البائع الأول مرة أخرى، حينئذٍ فإن المعاملة تصفى على أساس دفع فوارق السعر كما يقع في العمليات التي تمَّ إنجازها قبل حلول التاريخ، وحينئذٍ لا يقع التسليم والتسلم، حتى في المعاملة الأخيرة.
وإن ما يقع فعلًا في أسواق السلع في معظم المعاملات هو هذا الشق الثاني، ولا يقع التسليم والتسلم إلَّا في أحوال نادرة، لعلها لا تبلغ نسبتها إلَّا إلى الواحد في المائة.(7/270)
والذين يتعاملون في المستقبليات هم نوعان، لكل واحد منهما غرض مستقل عن غرض الآخر للدخول في سوق المستقبليات.
أما النوع الأول، فهم المخاطرون (Speculators) الذين لا يقصدون شراء السلع وبيعها للحصول على المبيع أو الثمن، وإنما يقصدون الحصول على الأرباح التي تتكون من فروق أسعار البيع والشراء، كما تقدم ذكر ذلك، وإنهم على ثقة من خبرتهم بتقلبات الأسعار، يشترون المستقبليات على أمل أنهم سوف يبيعونها بسعر أكثر، ويتخلص لهم ربح من وراء هذه العملية، بدون أن يخوضوا في استلام المبيع وتسليمه. فربما تنجح آمالهم في عقد، وتفشل في أخرى.
والنوع الثاني، هم الذين يقصدون تأمين ربحهم على بيوع حقيقية عقدوها في الأسواق الحالَّة، وإن هذه العملية تسمى في الاصطلاح (Hedging) ، ويمكن لنا أن نترجمه إلى العربية بتأمين الربح.
ومن المناسب أن نشرح هذه العملية بمثال: إن زيدًا اشترى من السوق الحالَّة عشرة آلاف كيس من القمح بسعر خمسة دولارات لكل كيس مثلًا، وإن البيع حقيقي يقع في التسليم، ولكن نظرًا إلى ظروف السوق، يريد زيد أن يبيع هذه الكمية بعد ثلاثة أشهر مثلًا، ولكنه يخاف أنه إن انخفض سعر القمح بعد ثلاثة أشهر، فإنه سوف يخسر خسارة كبيرة. هب أن السعر انخفض بعد ثلاثة أشهر بمقدار نصف دولار لكل كيس، فإنه يخسر خمسة آلاف دولار في هذه العملية الواحدة.
ولتجنب هذه الخسارة، يدخل زيد في سوق المستقبليات، ويبيع مثل هذه الكمية لتسليم ثلاثة أشهر بالسعر الموجود في السوق الحالة يوم العقد، فتكون له عملية شراء في السوق الحالة، وعملية بيع في سوق المستقبليات بكميتين متوازيتين من القمح. وإن الربح في إحداهما يجبر الخسران في الأخرى، فلو انخفض سعر القمح بعد ثلاثة أشهر بمقدار نصف دولار للكيس الواحد مثلًا، فإنه سوف يخسر في صفقته الحالَّة بمقدار خمسة آلاف دولار، ولكنه في الوقت نفسه يربح في سوق المستقبليات بما يقارب هذا المقدار، لأن سعر المستقبليات سوف ينخفض أيضًا بما يقارب نصف دولار لكيس واحد، فما باعه بسعر أعلى قبل ثلاثة أشهر في سوق المستقبليات يشتريه الآن بسعر أدنى، ويستحق الفرق بين السعرين، وهو خمسة آلاف دولار. وإن هذا الربح الذي حصل له في المستقبليات يجبر ما أصابه من الخسران في الصفقة الحالَّة، وإن النتيجة الصافية تظهر من الجدول الآتي:(7/271)
السوق الحالة سوق المستقبليات
سبتمبر: يشتري 10000 كيس يبيع 10000 كيس
من القمح بسعر 5 دولارات من القمح بسعر 5 دولارات
ديسمبر: يبيع 10000 كيس يشتري 10000 كيس
من القمح بسعر 4.50 دولارات من القمح بسعر 4.50 دولارات
خسارة: 0.5 دولار ربح + 0.5 دولار
وبالعكس من ذلك، لو ارتفع سعر القمح في شهر ديسمبر بمقدار نصف دولار لكل كيس، يقع العكس، يعني أنه يخسر في سوق المستقبليات، ويربح في السوق الحالة. وفي كل من الحالين تجبر خسارته في إحدى العمليتين بالربح في العملية الأخرى، وهذا هو المراد من " تأمين الربح " (Hedging) .
هذه خلاصة وجيزة لكيفية التعامل في المستقبليات، وإن هذه العقود قد أصبحت اليوم معقدة للغاية، وقد تجاوزت دائرتها من السلع إلى النقود وإلى الخيارات (Option) وغيرها، ولكننا لخصنا من العملية ما يمكن به فهم حقيقتها وتفاصيلها التي لابدَّ من معرفتها لبيان حكمها في الشريعة الإسلامية (1) .
__________
(1) إن هذه الخلاصة مأخوذة من كتاب: (Gerald Gold: Modern Commodity Futures Trading)(7/272)
وأما حكمها الشرعي، فكل من له إلمام بقواعد الشريعة ومصالحها، لا يشك بعد النظر في تفاصيل هذه العملية أنها عملية محرمة شرعًا، ومصادمةً لعدة أحكام الشريعة الغرّاء.
أمَّا أولًا، فلأنه بيع لما لا يملكه الإنسان، وقد روى حكيم بن حزام رضي الله تعالى عنه قال: قلت يا رسول الله: إنَّ الرجل ليأتيني فيريد مني البيع، وليس عندي ما يطلب، أفأبيع منه ثم أبتاعه من السوق؟ قال: ((لا تبع ما ليس عندك)) [أخرجه النسائي والترمذي وأبو داود] (1) .
أما البيوع اللاحقة التي تتم خلال مدة التسليم، فإنها بيوع تتم قبل قبض السلعة المبيعة، وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((من اشترى طعامًا، فلا يبعه حتى يستوفيه)) [أخرجه البخاري ومسلم] .
وقد حاول بعض الناس تخريج جواز هذه العملية على أساس بيع السلم، ولكن ذلك لا يصح إطلاقًا، لأسباب آتية:
1- يجب في السلم شرعًا أن يعجل الثمن بكامله، وهو الذي يسمى " رأس مال السلم " قال ابن قدامة رحمه الله في بيان شرائط صحة السلم:
"ويقبض الثمن كاملًا وقت السلم قبل التفرق، هذا الشرط السادس، وهو أن يقبض رأس مال السلم في مجلس العقد، فإن تفرقا قبل ذلك بطل العقد، وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي، وقال مالك يجوز أن يتأخر قبضه يومين وثلاثة وأكثر ما لم يكن ذلك شرطًا، لأنه معاوضة لا يخرج بتأخير قبضه من أن يكون سلمًا، فأشبه ما لو تأخر إلى آخر المجلس. ولنا أنه عقد معاوضة لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق، فلا يجوز التفرق فيه قبل القبض كالصرف" (2) .
__________
(1) جامع الأصول 1/457.
(2) المغني، لابن قدامة: 4/334.(7/273)
فتبين أن قبض رأس مال السلم في مجلس العقد شرط لصحة السلم عند الجمهور، وإنما أجاز مالك تأخير القبض إلى يوم أو يومين أو أكثر إن لم يكن التأخير شرطًا في صلب العقد، فتأخير قبض الثمن إن كان مشروطًا في العقد، فإنه لا يجوز عند أحد من الفقهاء.
أما في المستقبليات، فإنَّ تأخير قبض الثمن مشروط في العقد، فلا يصح سلمًا عند أحد من الأئمة الأربعة. وقد يقال: إن حصة من الثمن مدفوعة إلى البائع عند العقد، ولكن ذلك لا يجدي نفعًا في تصحيح هذا التعامل، أما أولًا، فلأن دفع بعض الثمن لا يكفي لصحة السلم، بل يجب دفع الثمن بكامله كما ذكرنا، وثانيًا: إن ما يوضع لدى إدارة السوق ليس جزءًا من الثمن، ولا يدفع إلى البائع، وإنما هو مبلغ مودع لدى طرف ثالث ليكون ضمانًا على الوفاء بالتزام المشتري.
2- وبما أن الثمن لا يدفع إلى البائع عند العقد، فالثمن دين على المشتري كما أن المبيع دين على البائع، فصار هذا بيع الكالئ بالكالئ، وهو ممنوع بنص الحديث فيما أخرجه الحاكم والبيهقي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال:
((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الكالئ بالكالئ)) (1) .
وقد يقال: إن إدارة السوق تضمن أداء الثمن، فبفضل هذا الضمان أصبح الثمن كأنه مدفوع إلى البائع. ولكن هذا التوجيه ليس بصحيح، لأن ما يشترط لصحة السلم هو أن يقع دفع الثمن فعلًا، لا أن يكون مضمونًا أو موثقًا من قبل إحدى الجهات، لأن ضمان الطرف الثالث لا يخرج الثمن من كونه دينًا، فلا يكون هذا البيع إلَّا بيع دين بدين، وهو لا يجوز.
__________
(1) السراج المنير، للعزيزي: 4/372.(7/274)
3- إن من الشرائط التي اتفق عليها جميع الفقهاء لصحة السلم أن تكون السلعة المسلم فيها موصوفة بصفات دقيقة، فلو كانت المواصفات مجهولة أو مترددة مفضية إلى النزاع، فإنه لا يصح السلم عند أحد من الفقهاء.
وإن عقود المستقبليات، وإن كانت مشتملة على المواصفات الدقيقة ببيان الدرجات، ولكن الذي يقع فعلًا، أن البائع ربما يبيّن درجات مختلفة في العقد الواحد، ويكون الخيار بيد البائع في تسليم ما شاء من هذه الدرجات. جاء في دائرة المعارف البريطانية:
(Futures Market, on the other, hand, generally permits trading in a number of grades of the commodity to protect hedger seellers from being (cornered) by speculators buyers who might otherwise insist on delivery of a particular grade whose stocks are smalle. since a number of alternative grades can be tendered, the futures market is not suitable for the acquisition of the physical commodity. For this reason physical delivery of the commodities in fulfillment of the futures contract generally does not take place, and the contract is usually settled between buyers and sellers by paying the difference between the buying and selling price) .
إن سوق المستقبليات في جانب آخر، تسمح بالتجارة في عدة درجات من السلع لوقاية البائع الذي يريد تأمين ربحه من أن يتغلب عليه المشترون المخاطرون في مطالبته بتسليم درجة مخصوصة من السلعة توجد ذخائرها بقلة. وبما أنه يجوز أن البائع في السوق عدة درجات متبادلة، فإن سوق المستقبليات لاتناسب للحصول على السلع الحقيقية. وبهذا السبب، فإن الوفاء بالتزام العقود المستقبلية لايقع بالتسليم الفعلي للسلع عمومًا، بل إن العقد يصفى فيما بين البائع والمشتري في النهاية على أساس دفع الفرق بين سعر البيع وسعر الشراء (1) .
فتبين بهذا أن البائع يكون له الخيار في تسليم إحدى الدرجات التي عرضها عند العقد على سبيل التبادل، وإن هذه جهالة للوصف يضطر بها المشتري في نهاية العقد إلى أن يقبل التسليم، وإن مثل هذه الجهالة تفسد كذلك عقد البيع، فضلًا عن السلم.
__________
(1) Britannica, Macropaedia, 1988, v. 23 p. 555(7/275)
4- إن المقرر في عقود المستقبليات أن تسليم السلعة إلى المشتري لا يقع عمومًا، بل يكون الخيار بيد المشتري الأخير إن شاء طالب بتسليم السلعة وإن شاء باعها على البائع مرة أخرى، ويقبل التصفية على أساس دفع الفرق بين سعري البيع والشراء، وإن هذا الأمر مشروط في العقد منذ أول الأمر، ولاشك أن مثل هذا الشرط مفسد لعقد السلم، بل بيع المسلم فيه إلى البائع لا يجوز، ولو لم يكن مشروطًا في عقد السلم، جاء في المغني لابن قدامة:
(وبيع المسلم فيه من بائعه أو من غيره قبل قبضه فاسد) (1) .
5- ولو فرضنا أن العقد الأول قد انعقد سلمًا بعد استيفاء شروط، فإنه لا يجوز لرب السلم، وهو المشتري، أن يبيع المسلم فيه إلى غيره قبل أن يقبضه، قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:
"أما بيع المسلم فيه قبل قبضه، فلا نعلم في تحريمه خلافًا، وقد ((نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الطعام قبل قبضه، وعن ربح ما لم يضمن)) ولأنه مبيع لم يدخل في ضمانه، فلم يجز بيعه كالطعام قبل قبضه" (2) .
وقد مرَّ في كيفية التعامل بهذه العقود المستقبلية، أن العقد الواحد تجري عليه البياعات الكثيرة قبل أن يجيئ وقت التسليم، فلا سبيل إلى القول بجوازه.
فهذه وجوه خمسة، كل واحد منها يمنع من تخريج جواز هذه العقود بجعلها سلمًا.
وإذا لم يكن جعل هذا العقد سلمًا، فإنه بيع مضاف إلى تاريخ مستقبل، وقد أجمع الفقهاء على أن البيع لا يقبل التعليق أو الإضافة إلى تاريخ مستقبل. فلا يصح البيع الأول، فكيف بالبيوع التي تتابعت على أساس هذا البيع الأول؟
__________
(1) المغني، لابن قدامة: 4/341.
(2) المغني، لابن قدامة: 4/341.(7/276)
وهنك احتمال آخر في التكييف الفقهي لهذا العقد، وهو أن هذا العقد ليس بيعًا، وإنما هو وعد لبيع سلعة مخصوصة في تاريخ معين بسعر معين، والموعود له قد استحق شراء تلك السلعة بسعر متفق عليه في الوعد، ثم إنه يبيع هذا الحق إلى رجل ثالث، وثالث إلى رابع إلى أن يأتي يوم التسليم، ولكن هذا التكييف لا يصلح أن يكون مبررًا شرعيًّا لهذه العملية فيما أرى، وذلك لوجوه:
أمَّا أولًا، فلأن الواقع لا يوافق هذا التكييف، فإن المتعاملين في سوق المستقبليات لا يدخلون في هذه العقود كوعد محض، وإنما يدخلون فيها لإبرام عقد البيع بنفسه، فلا يصح أن يسمى وعدًا.
وأمَّا ثانيًا، فلأن الوعد المحض ليس ملزمًا في القضاء عند جمهور الفقهاء، ومن جعله ملزمًا في القضاء في بعض العقود، فإنه فعل ذلك لضرورة ملحَّة، ولا ضرورة ههنا.
وأمَّا ثالثًا، فلأن هذا الحق الذي حصل للموعود له ليس ممَّا يجوز بيعه أو الاعتياض عنه، لأنه ليس واجبًا حقًّا في القضاء، لأنه حق مجرّد، وبيع الحق المجرَّد مما ذهب جمهور الفقهاء إلى عدم جوازه إلَّا بشروط، وهي منتفية في هذا العقد.
وقد يقال: إذا كانت العقود المستقبليات لا تجوز شرعًا، فهل هناك من بديل لهذه المعاملة يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية؟
وجوابي عن هذا السؤال، أن البديل إنما يبحث عنه فيما إذا كان الغرض المنشود صحيحًا، فيبحث عن البديل للحصول على ذلك الغرض بطريق مشروع.(7/277)
أما عقود المستقبليات، فلم يظهر لها غرض مشروع يحتاج إلى طريق شرعي لإنجازه، والواقع إن ما يقع في سوق المستقبليات لا يقصد به تجارة حقيقية، وإنما المقصود هو المخاطرة في الأرباح التي هي بالقمار أشبه منها بالبيع.
وقد ذكرنا أن المتعاملين في سوق المستقبليات نوعان: الأول هم المخاطرون (Speculators) الذين لا يقصدون شراء السلع أو بيعها، أو تسليمها وتسلُّمها، وإنما يقصدون الحصول على فرق سعري البيع والشراء فحسب، وظاهر أنه غرض غير مشروع، لأنه استرباح بدون التجارة الحقيقية، وربح لما لم يضمنه الإنسان، وهو حرام بالنص الصريح.
والنوع الثاني: هم الذين يريدون تأمين ربحهم (Hedging) على ما اشتروه في السوق الحقيقية، فيدخلون في سعر المستقبليات تجنبًا عن الخسائر المحتملة بتقلبات الأسعار، كما وصفنا من قبل. ولكن مثل هذا التأمين إنما يحتاج إليه فيما يريدون احتكاره لمدة طويلة. فإنهم لو باعوا سلعهم بعد ما اشتروها ببضعة أيام، فإنه لا حاجة إلى تأمين الربح (Hedging) حينئذٍ، ولكنهم إنما يلجأون إلى دخول المستقبليات حينما يريدون احتكار السلع إلى مدة ليزيد ربحهم، ولكنهم في الوقت نفسه يخافون من التقلب المعاكس للأسعار، فيريدون أن يعقدوا المستقبليات للوقاية عن الخسائر المحتملة بسبب هذا التقلب المعاكس.(7/278)
يقول جيرالد كولد: "إن اشترى تاجر عشرة آلاف كيس من الذرة من أحد الفلاحين، واستطاع أن يبيعها فورًا بسعر معين، مثل أن يشحن في مدة أسبوع مثلًا، فمثل هذا التاجر لا يحتاج إلى تأمين الربح (بدخول المستقبليات) ، لأنه قد نقل خطر انخفاض السعر إلى مشتريه فور ما باع السلعة منه.
ولكن التاجر ربما لا يستطيع أن يبيع الذرة فور ما استلمه بل يريد أن يمسكها معه إلى مدة يعتدّ بها ... وإن هذه الكمية التي أمسكها معه تحتمل خطر الخسران بسبب انخفاض السعر في وقت البيع، وتجنبًا عن هذا الاحتمال، يدخل هذا التاجر في عقد المستقبليات حفاظًا على الربح الذي يريد أن يحصل عليه" (1) .
فظهر بهذا أن عقود المستقبليات إنما يحتاج إليها التجار لإمساك المنتجات عندهم لمدة يعتدّ بها، وذلك إنما يكون في غالب الأحيان لغرض الاحتكار، وهذا غرض غير مشروع، فلما لم يكن للدخول في المستقبليات غرض مشروع يعتدّ به، فلا حاجة بنا إلى البحث عن البدائل المشروعة للمستقبليات، ولئن قامت هناك حاجة حقيقية للدخول في عقد يتأخر فيه تسليم المبيع، فالطريق المشرع له هو السلم، ويمكن أن يعقد بشروطه المعروفة في كتب الفقه.
والله سبحانه وتعالى أعلم.
القاضي محمَّد تقي العثماني
__________
(1) Gerald Gold: Modern Commodity Futures Trading. P. . 165,166(7/279)
بطَاقَة الائتمان وَتكييفها الشَّرعي
إعداد
الدكتور عبد السّتار أبُوغُدَّة
بسم الله الرحمن الرحيم
تمهيد:
إن لبطاقات الائتمان في المجتمعات الحديثة شأنًا عمليًّا كبيرًا ربما لم تبلغه في البلاد الإسلامية، لكنها فيما على مستوى الأفراد أصبحت من متطلبات السفر والترحال.
ذلك أنها تحقق للإنسان أمانًا على أمواله من حملها معه، فتتعرض للفقد أو السرقة، وكذلك يتمكن بها من شراء ما يبدو له شراؤه في ظروف مفاجئة لم يستعد لها بحمل ما يكفي لهذه المشتريات، فضلا عن أن البطاقة تيسر لحاملها السداد بأي عملة دون أن يحتاج لحمل العملات المختلفة التي توجد إجراءات لدخولها وخروجها في بعض البلاد التي بها قيود على تحويل العملة، ثم إنها تشكل وسيلة للمحاسبة وضبط المصاريف وتوثيق السداد للمطالبات.
لقد أصبح إصدار بطاقة الائتمان أحد الخدمات المصرفية المهمة، وهو أيضًا خدمة ذات طابع سياحي كالشيكات ولكنها تتفوق على الشيكات في عنصر الأمان والسهولة. ومن الضروري التعرض إلى تكييفها الشرعي وحكم إصدارها واستلامها وما يترتب عليه من التزامات مالية أصلية أو طارئة.
ولا يغرب عن البال أن في صيغ المعاملات المالية في الفقه الإسلامي ما يتسع لاستيعاب المستجدات العصرية سواء من خلال صيغة واحدة مسماة معروفة، أو من خلال صيغ مركبة تجمع أكثر من عقد، أو من خلال قواعد العقود العامة التي من خلالها يمكن إدراك طبيعة المعاملات المستحدثة وتحليل عناصرها (تكييفها) للوصول إلى حكمها الشرعي الصحيح.
والله الهادي إلى سواء السبيل.(7/280)
أوّلًا:
بطَاقَة الائتمان المتَعَامَل بهَا حَاليا،
وَمعاملاتها
إن بطاقة الائتمان تنشأ عن علاقات متعددة من أطراف مختلفة فهناك:
الشركة التي ترعى البطاقة وهي عادة شركة عالمية.
وكالات محلية، وبنوك محلية للوساطة.
أصحاب المتاجر والخدمات (عملاء بيع بالبطاقة) .
حملة البطاقة (عملاء شراء بالبطاقة) .
وتدور العلاقات هكذا:
تتفق شركة البطاقة مع الوكالات أو البنوك لتسويق البطاقة للطرفين المتعاملين بها مباشرة وهما أصحاب المتاجر والخدمات وحملة البطاقات.
يقدم حامل البطاقة بطاقته إلى صاحب المتجر أو الخدمة فيتسلم ما اشتراه لقاء الالتزام بالدفع عن طريق شركة بطاقته.
يقدم صاحب المتجر أو الخدمة الإشعار الموقع من حامل البطاقة ويتسلم من شركة البطاقة أو وكيلها أو البنك المتعامل معها ثمن البضاعة أو الخدمة مخصومًا من الثمن المدون في الإشعار.
ترسل شركة البطاقة للعميل صورة من الإشعار الموقع من حامل البطاقة مع طلب تسديد ثمن ما دفعه بعد تحويله إلى عملة البطاقة أو ترسل ذلك إلى البنك الذي أعطى تعليمات من العميل لحسم المبالغ المترتبة على البطاقة من حساب صاحب البطاقة لدى البنك.
إذا تأخر حامل البطاقة عن سداد التزماته بتجاوز الفترة المحددة المسموح بها، فإنه يحسم عليه بالإضافة للمبالغ المطالب بها فائدة للتأخير وهي فائدة مركبة.
إذا لم يسدد حامل البطاقة التزاماته وما ترتب عليه، فإن البطاقة توضع في قائمة منع الاستخدام إلى أن تتم المخالصة مما على البطاقة من التزامات.(7/281)
هذه هي الخطوات الأساسية التي يقوم عليها التعامل بالبطاقات الائتمانية والتي تنظمها عقود بين الأطراف المتعددة.
ولعل من المفيد دراسة اتفاقية عضوية بطاقة ما وهي الاتفاقية التي توقع بين عضو البطاقة وبين شركة البطاقة العالمية أو أحد وكلائها أو خلفائها، كما قد يكون هناك ملتزم عن حامل البطاقة في حالة كونها بطاقة تابعة وهي التي تصدر للزوجة أو أحد الأولاد وتربط بالبطاقة الرئيسية.
تتكون تلك الاتفاقيات عادة من بضع عشرة مادة بعضها تعاريف، أو إجراءات، وبعضها ينظم العلاقة بين الطرفين ويحدد الالتزامات المتبادلة.
وبتجاوز البنود التمهيدية والتعاريف والبنود الإجرائية، فإن في البنود الموضوعة ما يلي:
استعمال البطاقة:
تنص بعض بطاقات الائتمان على " التعهد بعدم بيع أو إرجاع أي من البضائع أو التذاكر أو الخدمات التي يحصل عليها حامل البطاقة باستعمالها، بقصد الحصول على قيمتها النقدية. ولا يمنع هذا من إعادة البضائع، من أجل قيد قيمتها في حساب حامل البطاقة، إذا ما قبلت مؤسسة الخدمة بذلك".
وهذا النص يحقق منع بيع العينة بالرغم من عدم أخذ ذلك باعتبار شرعي، فإن الغرض منه الحيلولة دون الاستفادة من الأجل الموجود في نظام البطاقة دون تحمل الفائدة المناسبة له، لكنه في الوقت نفسه يحول دون ممارسة بيع العينة.(7/282)
النفقات بالعملة الأجنبية:
أية نفقة بالعملة الأجنبية يجري تحويلها إلى عملة الحساب ويكون سعر الصرف المستعمل هو الأنسب لحامل البطاقة من بين كل من أسعار البنوك أو السعر السياحي أو السعر الرسمي السائد حيث يقتضي القانون، وذلك يوم قيد النفقة، وبعض البطاقات تضيف إلى ذلك السعر نسبة معينة.
وهذا البند فيه مسألة عقد الصرف، وهو أيضًا مقترن بعقد توكيل من العميل لشركة البطاقة لتولي عملية الصرف حسب الطريقة المذكورة في عقد كل بطاقة. كما أن بعض البطاقات تلتزم سعر تحويل العملة المطبق لدى البنك (الوكيل) أو غير ذلك من المعايير التي تحقق المعلومية.
المدفوعات:
رسوم العضوية، للبطاقة الأساسية والبطاقات التابعة لها.
رسوم البطاقة السنوية، ورسوم التجديد السنوي.
الرسوم الأخرى، مثل تكاليف تحصيل الشيكات المسدد بها أو التحويلات.
سداد الفواتير.
غرامات التأخير.
وبعض البطاقات تعفى من نوع أو آخر من المدفوعات المشار إليها كإدماج رسوم العضوية في رسم السنة الأولى، أو استبدال البطاقة دون أي مصاريف ... إلخ.
إن رسوم العضوية والتجديد السنوي والرسوم الأخرى المترتبة لقاء خدمات هي عبارة عن أجر على عمل أو منفعة تؤديه شركة البطاقة ووكلاؤها أو خلفاؤها لحامل البطاقة.
وكذلك فإن سداد الفواتير هو أداء لدين ترتب عليه.(7/283)
وأما غرامات التأخير فهي فوائد محرمة وسيأتي الكلام عنها عند الكلام عن التكييف الشرعي، علمًا بأنها في نظم بعض البطاقات تكون مركبة، وطبقًا لسعر الفائدة لمؤسسة مالية مدونة أو بنسبة زائدة عنها أحيانًا. وهذه الفوائد لا تحتسب إلَّا عند التأخر عن الدفع لمدة معلومة، وهذا يتيح لمن يستخدم البطاقة أن يكون بمنجاة من تطبيق هذا الشرط إذا اتخذ الاحتياطات اللازمة لعدم وقوعه تحت طائلته.
تسهيلات السحب النقدي:
من خدمات البطاقة إتاحة السحب النقدي لمبالغ بالعملات المختلفة حسب تواجد حامل البطاقة في البلاد وذلك من البنوك الوكيلة، أو من آلات الصرف المركبة في مناطق معلومة في كل بلد، وذلك بحدود معينة للسحب المسموح به.
وهذا السحب النقدي إما أن يشترط له توفير مبالغ وتأمين محدد، أو يكون من قبيل السحب على المكشوف. وتترتب على تلك المبالغ نسبة إضافية زيادة عن سعر صرف العملات المحلية إلى عملة حساب البطاقة. وسيأتي حكم ذلك.
- أما بقية بنود الاتفاقيات فإنها لا تعدو أن تكون تنظيمية أو إجرائية، ولتفادي اللبس في توصيفها أذكر هنا سردًا للجميع لكي يمكن تأكيد تلك الصفة التي لا يترتب عليها حكم شرعي في غير حالة وجود ملابسات ممنوعة:
(نموذج) : القبول – التعاريف – استعمال البطاقة – الفواتير – (النفقات بالعملة الأجنبية) – المدفوعات – الاستفسارات – آلات الصرف – البطاقات المفقودة – التجديد – إلغاء البطاقة – تغيير الاتفاقية – الخصوصية والقانون المطبق.
(نموذج آخر) : الحساب الجاري والتأمين النقدي – الحد المسموح به لاستخدام البطاقة – شخصية استعمالها – التوقيع على البطاقة – (البطاقة لا تمنح تسهيلات سحب على المشكوف) – تفويض الشركة لاستخدام الحساب – التعهد بدفع الرسوم وتسديد الالتزامات – الرسوم – (العملات الأجنبية) – كشوف الفواتير – صلاحيات وإلغاء البطاقة – فقدان البطاقة أو سرقتها – البطاقة الإضافية – تغيير العنوان – تعديل الشروط.(7/284)
ثَانيًا:
التكييف الشّرعي لبطَاقات الائتِمان
حَسَب الوَاقِع التطبيقي
أولًا – تكييف العمولة على قيمة الفواتير المحسومة على أصحاب البضائع والخدمات:
إن المسألة الأساسية التي تقوم عليها بطاقات الائتمان هي الحسم الذي تحصل شركة البطاقة عليه من أثمان البضائع والخدمات عند سداد ذلك إلى أصحابها، فإنها لا تدفع إليها نفس المبالغ التي يتم مطالبة حامل البطاقة بها إذ يرى البعض أن هذه النسبة هي فائدة يدفعها أصحاب البضائع والخدمات إلى شركة البطاقة، وأن لحامل البطاقة علاقة بذلك لأنه هو الذي تعامل بالبطاقة، ولولا تعامله لما وجد السبب لتحميل تلك الفوائد، فيكون بهذا معينًا على تعامل محرم بل ذهب بعضهم إلى أن البطاقة عبارة عن فتح اعتماد للعميل لشراء ما يحتاجه على أن يقوم بسداد القيمة في موعد محدد، وأن المبلغ قرض من مصدر البطاقة لعميله لقاء عمولة من المحلات.
وهناك تكييف آخر لهذه النسبة التي تحصل عليها شركة البطاقة من أصحاب المتاجر والخدمات، وهي أنها عمولة على تحصيل الثمن من العميل حامل البطاقة لدفعه إلى أصحاب المحلات والخدمات مع مراعاة أن العملية فيها تقديم وتأخير اقتضاهما سهولة أداء المهمة المزدوجة، وهي تحصيل الفواتير، وأداء المبالغ لمستحقيها. فقد بادرت شركة البطاقة بالدفع – من طرفها – لقيمة الفواتير إلى أصحاب المحلات والخدمات، ثم حصلتها من حاملي البطاقات، وذلك لضبط التزاماتها مع أصحاب البضائع والخدمات، إذ لا تستطيع شركة البطاقة ضبط مواعيد التحصيل من العملاء في حين أنها يمكنها التحكم فيما تدفعه من عندها ثم تقوم بتحصيله.(7/285)
ومن المقرر شرعًا جواز أخذ أجر معلوم متفق عليه على كل من تحصيل الدين، أو توصيل الدين، وما يجوز أخذه من الطرفين يجوز أخذه من أحدهما كما هو الحال في عمولة السمسرة إذ يجوز اشتراطها على كل من البائع والمشتري أو على واحد منهما فقط.
ويرى البعض أن من المألوف أن يحصل المشتري على حسم يتراوح بين 1 % و 5 % إذا تم الدفع خلال ثلاثين يومًا للباعة، فهذا يسهل على هؤلاء إعطاء شركة البطاقة بعض هذه النسبة لتحصيل ديونهم، ومن جهة أخرى فإن من يشتري حاجاته أو خدماته بالبطاقة لا يحصل على الحسم المعتاد أو على جميع نسبته لأن البائع يضع في اعتباره ما سينقص من المبالغ المستحقة له عند البيع بالبطاقة.
ولا بد من التنبيه على أن عملية تحصيل الدين بنسبة معلومة منه هي وكالة بأجر، وليس من التزامات الوكيل أن يؤدي للدائن من ماله، وإلَّا صارت كفالة، وهناك تضاد بين مقتضى الكفالة (لأنها عبارة عن ضمان) وبين مقتضى الوكالة (لأنها عبارة عن أمانة) ، والذي يجب على الوكيل أن يؤدي ما وُكِل بتحصيله بعد قيامه بالتحصيل فعلًا. ولكن في نظام البطاقة تحملت شركة البطاقة التزامًا لا يلزمها وهو أن تؤدي أولًا ثم تطالب المدينين، وذلك للسبب المشار إليه من إمكان التحكم في عملية الأداء دون عملية الاستيفاء. ومن الواجب شرعًا أن لا يكون القصد من عمولة التحصيل أو من زيادة نسبتها إيجاد مقابل لعملية تسديد الفواتير لمستحقيها قبل عملية تحصيلها، وإلَّا كان فيه إخفاء للمراباة ضمن الوكالة، وهذا ما لا يتوافر هنا للتفاوت الكبير في مدة الأجل الفعلي لكل من المديونية والتوفية للدين، وعدم الربط العقدي بينهما.
وجدير بالذكر أن في الواقع العملي ممارسة للصورة الممنوعة، فكثير من المتعاملين بالسمسرة أو العمولة على البيع للبضائع المملوكة لأصحابها يتقاضون عمولة وكالة كبيرة لأنها يراعى فيها التزامهم بالسداد الفوري لأثمان البضائع بمجرد بيعها ولو كان البيع بالأجل، وتخفى هذه الزيادة في عمولة الوكالة مقابلًا للإقراض الربوي المستتر.(7/286)
ثانيًا – تكييف عمولة الخدمات الأخرى:
أما بقية المدفوعات فهي إما مدفوعة من العميل أو من أصحاب البضائع والخدمات، وقد رأينا أن الرسوم والمصاريف المدفوعة من العميل عبارة عن أجر عن خدمات وهي وكالة بأجر، والخدمات هي التعريف بالعميل وتجهيز البطاقة وإرسال الإشعارات ... إلخ. وهناك رسوم وعمولات يدفعها أصحاب البضائع والخدمات لقاء اشتراكهم في الاستفادة من عملاء البطاقة وهي خدمة سمسرة، أو لقاء الأجهزة المقدمة للمحلات وهي أيضًا خدمة تستحق الأجرة.
ثالثًا – تكييف العمولة عن الدفعات النقدية:
هذه العمولة هي نسبة من المدفوعات النقدية التي يحصل عليها حملة البطاقات في أسفارهم بواسطة الأجهزة أو البنوك المتعاملة مع شركة البطاقة، وهي تقتسم بين شركة البطاقة وبين البنوك التي لها دور في العملية.
وهناك رأيان شرعيان فيها: أحدهما: منع تقاضي هذه العمولة، لأنها عملية قرض من شركة البطاقة أو من البنك الوكيل وهذه العمولة مقابل القرض فهي فائدة، وقد ذهبت إلى هذا الرأي الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار وأوجبت على الشركة حين وصول هذه العمولة إلهيا أو جزء منها (حيث تقتسم بين الجهات المشاركة في العملية) بأن تقوم شركة الراجحي بتسجيلها للعميل في حسابه، أي تردها إليه. وإذا كانت هذه العمولة تتعلق ببطاقة صادرة من غير شركة الراجحي، فعلى الشركة قيد هذه العمولة في حساب الأعمال الخيرية خروجًا من الشبهة (القرار رقم 50 بتاريخ 6/12/1410هـ) .(7/287)
وفيها عملية المصارفة أيضًا، حيث إن هذه المسحوبات هي لعملات البلاد المختلفة التي تستخدم فيها البطاقة خارج بلد حاملها.
والرأي الشرعي الآخر هو ما جرت عليه هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لبيت التمويل الكويتي من أن هذه العملية ليست قرضًا إلَّا في الحالات النادرة ولمدة قصيرة جدًّا، وإنما هي توصيل لأموال العميل من حسابه إلى المناطق التي يستخدم فيها البطاقة، وهذه العمولة هي أجر لتحويل العملات من بلد إلى بلد. وإن كانت العملية تتم معكوسة لتسهيل الأمر (كما سبق في موضوع سداد الفواتير) ، فإن البنوك الوكيلة لشركة البطاقة تدفع النقود ثم تسترد ما دفعته، لكي تحقق السرعة بل الفورية المطلوبة في هذه العملية. وهناك أجل متخلل بين الدفع والاستيفاء لكنه ليس مقصودًا في العملية ولا هو من صميمها والشأن في هذا الأجل أن يسبق دفع المبالغ النقدية لكنه لا يمكن ضبطه لذا عكس الأمر وتم الدفع ثم الاستيفاء. وهذا الرأي هو الراجح في نظري، فإن الأجل المتخلل بين القبض والتسديد ليس عنصرًا أساسيًّا في العملية ولو أتيح الاستيفاء الفوري (بوسائل الاتصال الحديثة) لما اختلفت العملية القائمة على أن الدفع هو من حساب العميل وليس تسليفًا له.
ولا يخفى أن في هذه العملية كفالة من البنك الذي يصدر البطاقة نيابة عن شركتها العالمية، فهو يكفل عميله وأداء ما عليه مع حق الرجوع وهذه الكفالة من قبيل التبرعات فلا يؤخذ عليها مقابل.(7/288)
ثَالثًا:
البَديل الإسلاَمي لبَطاقة الائتمان
وَأمثلة تَطبيقيّة عَلى ذلكَ
ليس من الضروري أن يكون البديل لما يستبعد من التطبيقات أمرًا مغايرًا بالذات وجميع الصفات، فإن ما أمكن تعديله لا يتحتم تبديله، على أن الصيغة المعدلة هي نفسها بديل للصورة المشتملة على محاذير شرعية.
ثم إن إيجاد بديل مختلف تمامًا عن نظام البطاقات ربما لا يؤدي الغرض النوعي منها وهو تداولها عالميًّا ووجود أطراف متعددة الجنسيات ترعاها وتكفل استخدامها.
ولذا فإن البديل لبطاقات الائتمان هو الصيغ المعدلة لها، والتي تم تعديلها بمعرفة هيئات شرعية وعسى أن يتمخض عن التداول الجماعي في شأن هذه البطاقات وتعديلها صيغة تحقق الهدف المادي والغرض المعنوي في تطبيق مقررات الشريعة الإسلامية على جميع التصرفات والممارسات.
فقد عرضت الاتفاقيات المتعلقة ببطاقة الائتمان التي عزم بيت التمويل الكويتي على إصدارها باسم (فيزا التمويل) وأجريت التعديلات الشرعية فيها وفي شروط البطاقة وخصوصًا شرط فوائد التأخير حيث حذف، وربطت البطاقات بحساب العملاء مع التزام اشتمالها على سداد ما يستخدمون بالبطاقة للشراء إما مسبقًا أو عند وصول الفواتير، وإذا لوحظ انكشاف الحساب أُشِعَر العميل لتوفير رصيد لتلك المديونية. ولكن بقي أمر لم تصل الهيئة الشرعية إلى حل له وهو حصول حامل البطاقة على ميزة التأمين على الحياة، لأنه لا زال محل بحث في المجامع الفقهية، وقد أُوصِيَ بتوفير مزايا أخرى معادلة لذلك إلى أن يوجد الحل الشرعي لذلك. واشتملت عمليات البطاقة على وكالة بأجر، وكفالة مجانًا، وقرض يسير أحيانًا.(7/289)
أما الهيئة الشرعية لشركة الراجحي المصرفية للاستثمار فقد عرض عليها موضوع إصدار بطاقة ائتمان بمعرفة الشركة (وهي بطاقة فيزا أيضًا) بعد أن حذف منها بند (فوائد التأخير) وأجرى تعديل أو تنبيه بشأن الدفعات النقدية بالبطاقة وكذلك سداد الفواتير وهو: " في حالة عدم وجود تسهيلات للسحب على المكشوف يفوض العميل لشركة أن تخصم من التأمين النقدي أي مبالغ لا يوجد لها مقابل بحسابه الجاري الدائن، على أن يلتزم بتوفير هذا المبلغ في الحال لتكملة مبلغ التأمين المقرر عليه ". ويجب أن يكون معلومًا للعميل بأن حصوله على بطاقة فيزا لا يمنحه حق التسهيلات على السلف أو السحب على المكشوف، وإن مثل هذه الامتيازات تعامل كخدمة منفصلة تمامًا عن خدمة بطاقة الفيزا وللحصول عليها يمكنه التقدم بطلب للفرع المعني حسب النظام المتبع لدى الشركة في هذا الخصوص.
ولما عرضت الشروط على الهيئة الشرعية أصدرت قرارها رقم 32 بتاريخ 26/10/1410هـ، ونصه: " لم يظهر للهيئة من الناحية الشرعية ما يوجب الاعتراض على قيام شركة الراجحي بإصدار بطاقة فيزا بشرط ألا يترتب على قيامها بذلك أخذ أو إعطاء أي فائدة محرمة بشكل ظاهر أو مستتر، سواء تم ذلك مع عملائها أو مع شركة فيزا العالمية أو شركة الخدمات المالية العربية التي ستقوم بالوساطة الفنية أو الحسابية بين شركة الراجحي المصرفية للاستثمار وشركة فيزا العالمية أو غيرهم من أطراف المعاملة.
كما أن الهيئة عدلت في الشروط طريقة تحويل العملات الأجنبية فجعلته (حسب السعر المعلن من قبل شركة الراجحي في ذلك اليوم للمتعاملين بالبطاقة) بعد أن كان للشركة الحق أن تختار السعر المناسب. كما أن الهيئة منعت في قراريها 47 و50 تقاضي عمولة على السحب النقدي، كما سبقت الإشارة وأجازت الرسوم المتعلقة بإصدار البطاقة والرسوم السنوية وسداد الفواتير مع حسم جزء من مبالغها على أصحاب البضائع والخدمات. وأوصت الهيئة في بند تعديل الشروط بتقييد ذلك (بما لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية) .(7/290)
هذا ما اعتبرته الهيئتان الشرعيتان المشار إليهما بديلًا إسلاميًّا وهو كذلك إلى أن تتوفر صيغة أخرى يحتاط فيها باختفاء عنصر الأجل الذي يتخلل استخدام البطاقة في شراء البضائع والخدمات أو السحب النقدي، وهو الأجل المأذون به عادة دون أن يكون من مستلزمات البطاقة.
بقي أمر أخير وهو ما الحكم الشرعي في استخدام بطاقات الائتمان غير المعدلة من قبل هيئات شرعية، وبخاصة تلك التي فيها شرط تقاضي فوائد التأخير إن حصل؟
والجواب: - وهو ما جاء في فتاوى بعض اللجان المختصة بالفتوى – أن حال البطاقة إذا اتخذ من الاحتياطات ما يكفل عدم تطبيق هذا الشرط المحرم عليه فلا بأس من الاستفادة من البطاقة وتوقيعه على اتفاقيتها بالرغم من هذا الشرط لأنه في معرض الإلغاء شرعًا وهو مستنكر ومعمول على استبعاد مفعوله، والدليل الشرعي لهذا قول النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها في أمر بريرة رضي الله تعالى عنها: ((اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء، فإنما الولاء لمن أعتق)) ، وفي رواية: ((اشتريها وأعتقيها واشترطي لهم الولاء)) ، قال شراح الحديث: معناه: لا تبالي لأن اشتراطهم مخالف للحق، فلا يكون ذلك للإباحة، بل المقصود الإهانة وعدم المبالاة بالاشتراط وأن وجوده كعدمه [سبل السلام شرح بلوغ المرام: 3/11] .
أما كون فوائد التأخير محرمة فهو محل اتفاق وهو من ربا الجاهلية، وهو ما يدعى قاعدة (زدني أنظرك) .
والله أعلم.
الدكتور عبد السّتار أبُو غدّة(7/291)
بطَاقات الائتمان
إعدَاد
الدكتور محمَّد علي القري بن عيد
مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبد العزيز – جدّة
بسم الله الرحم الرحيم
مقدمة:
انتشرت بطاقات الائتمان انتشارًا واسعًا في السنوات الأخيرة، وصارت من النشاطات المهمة للبنوك والمؤسسات المالية، ومن الحاجات الأساسية للأفراد في المجتمعات المتقدمة والنامية. وقد بلغ من انتشارها أن عدد البطاقات الائتمانية المصدرة في بريطانيا فقط قد زادت في سنة 1987م عن 31.5 مليون بطاقة، ووصلت إلى 85 مليون بطاقة في اليابان في سنة 1985، ويعتقد أن عدد البطاقات على مستوى العالم قد وصل إلى نحو 800 مليون بطاقة، أما في الولايات المتحدة فقد قارب عدد البطاقات المصدرة ضعف عدد السكان في نفس العام.
كما بلغ الائتمان الذي ولدته بطاقات الائتمان في الولايات المتحدة في سنة 1986 نحو 275 بليون دولار. وفي سنة واحدة (1989م) حققت شركة أمريكان إكسبريس من عمليات إصدار البطاقة الائتمانية وإدارتها أرباحًا صافية قدرت بمبلغ 500 مليون دولار، بينما حقق بنك سيتي (Citibank) أرباحًا صافية من إصداراته لتلك البطاقات وصلت في نفس العام إلى 600 مليون دولار.
وتصدر البطاقات الائتمانية مئات البنوك (وربما أكثر من ذلك) ، ويقبلها ملايين التجار والمحلات التجارية وشركات الطيران والفنادق ... إلخ في كل أنحاء العالم.(7/292)
نبذة تاريخية:
ظهرت بطاقات الائتمان في بداية القرن العشرين عندما بدأت بعض الفنادق في الولايات المتحدة بإصدار بطاقة لزبائنها المفضلين الذين يحتاجون إلى الإقامة في الفندق في مرات متكررة، وكان الغرض من تلك البطاقة تسهيل معاملاتهم واختصار وقتهم. ثم قامت بعض المحلات التجارية وبعض محطات الوقود في العقد الثاني من القرن بإصدار بطاقات مشابهة لنفس الغرض.
وكانت المنافع المتحققة من تلك البطاقات هي تسهيل الإجراءات وتوفير الراحة للزبائن الممتازين، ومن طرف العميل المباهاة بحمل البطاقة والحصول على الائتمان. وقد استمر التوسع في إصدارها في السنوات التي تلت الحقبة.
ثم توقف العمل تمامًا بتلك البطاقة خلال الحرب العالمية الثانية بسبب القيود الحكومية في أمريكا على الائتمان وعلى الإنفاق الاستهلاكي. ولما رفعت تلك القيود بعد الحرب عاد مصدرو تلك البطاقات إلى نشاطهم وتوسع العمل بها حيث شمل شركات الطيران والقطارات. وفي سنة 1949م ظهرت أول شركة متخصصة في إصدار البطاقات وهي شركة داينرز كلوب (Diners Club) ، وقد اقتصرت في البداية على إصدار بطاقة خاصة برواد المطاعم، ثم ظهرت أمريكان إكسبرس (American Express) وكارت بلانش (Carte Blanch) . وفي سنة 1951م انتقلت عملية إصدار البطاقات إلى البنوك حيث بدأ بنك فرانكلين في نيويورك (Franklin National Bank) بإصدار البطاقة، وفي نحو سنتين زاد عدد البنوك المصدرة للبطاقات في الولايات المتحدة عن 100 بنك، ونظرًا إلى عدم تطور سوق البطاقات لم تحقق أكثر تلك البنوك أرباحًا تذكر فترك أكثرها هذا النشاط ولم يزد عدد البنوك المصدرة للبطاقات من تلك المائة في سنة 1967م عن 27 بنكًا.(7/293)
ولقد اخترعت البنوك صيغة أخرى للائتمان الاستهلاكي أدت فيما بعد إلى تطور كبير في بطاقات الائتمان، هي ما سمي بالائتمان من الحساب الجاري (Ckeek-Credit plans) والذي بدأه بنك (First National Bank of Boston) في الولايات المتحدة في سنة 1955م. وتركز الغرض منه في إيجاد طريقة للاقتراض الأتوماتيكي للأفراد من البنوك التي تحتفظ بحساباتهم. ولقد صاحب ذلك أيضًا انتشار ما سمي بضمان الشيك (Cheque Guarantee Card) حيث يضمن البنك للمستفيد دفع مبلغ الشيك الذي يحرره حامل البطاقة المذكورة (والذي يكون غالبًا من العملاء الممتازين) حتى لو أدى ذلك إلى كشف حسابه. فلما اجتمعت الفكرتان ظهرت بطاقة الائتمان مرة أخرى بقوة في عقد السبعينات، ودخلت البنوك العالمية الكبرى في إصدارها لأنها تتضمن نشاطًا مشابهًا في طبيعته لغرض البنك وهو الإقراض. فكان أن بدأ بنك أمريكا (Bank of America) وبنك شيز (Chase) الذي كان يسمى عندئذٍ (Chase Manhatten) وهما أكبر بنكين في العالم في ذلك الوقت في إصدار البطاقات، فكان أن ظهرت بطاقة (Bank Americard) من الأول وانتشرت أيما انتشار، فاتفقت، كرد فعل لذلك النجاح، بعض البنوك على تأسيس جمعية تعاونية تصدر بطاقة منافسة، فظهرت ماستر كارد (Master Card) والتي كانت مملوكة في الأصل لبنك فيرست ناشيونال في لوزفيل بولاية كنتكي الأمريكية (First National Bank of Luisville) فصادفت نجاحًا منقطع النظير أدى إلى تحول الأولى إلى جمعية تعاونية تصدر بطاقة جديدة باسم فيزا (Visa) بدلًا عن (Bank Americard) وأضحت مع الثانية أكثر البطاقات انتشارًا في العالم ومثلتا في الولايات المتحدة نحو 75 % من سوق البطاقات الائتمانية في سنة 1986م. وقد اعتمدت البطاقتان المذكورتان على طريقة جديدة وهي أن تكونا جمعيات تعاونية يملكها الأعضاء وهم البنوك المصدرة ويحق لكل بنك أن يكون عضوًا بمجرد إصداره للبطاقة. ويتنازل للجمعية (التي تكون مهمتها رعاية مصالح الأعضاء) عن جزء من دخله المتولد من الإصدار.(7/294)
صيغة البطاقة الائتمانية:
هناك أنواع كثيرة ومتعددة من الصيغ الائتمانية المصدرة على شكل بطاقة، ومرد هذا التنوع هو اختلاف الشروط التي تشكل بمجملها العلاقة التعاقدية بين الأطراف المتعاملة بالبطاقة. ولكن يمكن بشكل عام إجمال أنواع البطاقات إلى ثلاث، تشترك في صفات وتختلف في صفات، وسنبدأ في شرح الصفة العامة لكل البطاقات الائتمانية ثم نوضح للفروق، علمًا بأن شكل البطاقة واسمها لا يكشف بالضرورة حقيقتها لأن ذلك يعتمد على شروط العقد. فلا يمكن القول مثلًا أن بطاقة فيزا (Visa) متشابهة عند كل مصدر، بل إن في شروطها اختلافًا رغم أن كل المصدرين أعضاء في جمعية فيزا.
تعريف:
البطاقة علاقة بين ثلاث أطراف (1) ، الأول مصدر البطاقة وهو في الغالب بنك والثاني حاملها والثالث هو التاجر الذي يقبلها بدلًا من النقود.
فعندما يرغب حامل البطاقة شراء سلعة (2) أو خدمة (3) أو الحصول على النقود (4) ، فما عليه إلَّا أن يبرز تلك البطاقة فيقوم الطرف الثالث (الذي يقدم له السلعة أو الخدمة أو النقود ويسمى التاجر) بتسجيل رقم بطاقته وتوقيعه على قسيمة تبين ثمن تلك السلعة أو الخدمة وتاريخ تقديمها بعد أن يتأكد من صحة المعلومات المتعلقة بهويته وتاريخ انتهاء صلاحية البطاقة. ثم يقوم التاجر بتقديم تلك القسيمة إلى الطرف الأول (مصدر البطاقة) فيحصل على المبلغ المدون عليها مطروحًا منه رسم يمثل نسبة تتراوح بين 1 % إلى 8 % (5) . والمصدر للبطاقة (الطرف الأول) ملتزم بدفع المبلغ بمجرد التأكد من دقة البيانات بصرف النظر عما إذا كان حامل البطاقة قد سدد للبنك (المصدر) أم لم يفعل، فهو ضامن للمبلغ تجاه التاجر (6) . ثم يقوم الطرف الأول بإرسال فاتورة إلى حامل البطاقة (مرة في كل شهر) تتضمن جميع مشترياته بالبطاقة وتطالبه بدفعها. ويبين العقد الذي يتم بناء عليه حصول الفرد على البطاقة شروط الإصدار، ومنها الحد الأعلى من الائتمان الذي يمكن أن توفره البطاقة له كثمن لمشترياته أو كنقود، ورسم الإصدار والعضوية ومدة صلاحية البطاقة. هذه هي الصيغة العامة للبطاقة، ويمكن أن يتفرع منها ثلاثة أنواع رئيسية:
__________
(1) في الغالب، ولكن يمكن أن تكون بين طرفين حيث يقتصر استخدامها على شراء السلع والخدمات التي يبيعها المصدر ذاته مثل البطاقات التي تصدرها شركات البترول لكي يستخدمها أصحاب السيارات لشراء الوقود من محطاتها فقط، أو التي تصدرها الفنادق الكبرى لكي يستخدمها العميل في فروعها في المدن المختلفة ... إلخ.
(2) كأجهزة التلفاز أو الملابس أو السلع الاستهلاكية الأخرى
(3) مثل استئجار السيارات أو الفنادق
(4) من المصدر أو من سواه.
(5) ويحدد العقد هذه النسبة فهي ليست غير محددة، ولكنها تتراوح في الشركات المختلفة بين هذين المستويين.
(6) وربما تشترط بعض الشركات الرجوع للتاجر في حال عدم تسديد حامل البطاقة المبلغ.(7/295)
1- بطاقة الخصوم، أو بطاقة المدينة (Debit Card) :
ويكون إصدار البطاقة في هذه الحالة مشروطًا بفتح العميل لحساب مصرفي لدى البنك المصدر (وفي أحيان أي بنك آخر يودع فيه مبلغًا مساويًّا للحد الأعلى للائتمان الذي توفره له البطاقة وهو ما يسمى بالخط الائتماني) . ولا يسمح بأن ينخفض رصيد حسابه المذكور عن ذلك المبلغ، فهو أشبه ما يكون بضمان نقدي. وكلما استخدم البطاقة يقوم المصدر (البنك) بالسحب مباشرة من حسابه لسداد قيمة الفاتورة الواردة من التاجر. وهذا النوع من البطاقات موجود في كثير من البلدان النامية (1) ، والواقع أن البطاقة لا تعد بطاقة ائتمان وليست المقصود عند الحديث عن بطاقات الائتمان. ويقوم عدد من البنوك الإسلامية بإصدار مثل تلك البطاقات اعتمادًا على إجازة هيئاتها الشرعية لصيغة العقد (2) .
2- بطاقة الائتمان العادية (Credit Card) :
والفرق الرئيسي بين هذه البطاقة وما ذكره أعلاه هو عدم ارتباط إصدارها بإيداع مبلغ في الحساب. فلا يلزم للحصول عليها وجود مثل ذلك الحساب.
__________
(1) والسبب أنه، بعكس بطاقات الائتمان القرضية، لا تعطي صيغته المذكورة المصدرين القدرة على توليد سيولة إضافية عن طريق البطاقة، وتميل الدول النامية إلى مثل ذلك الإجراء لغرض السيطرة على حجم النقود في الاقتصاد نظرًا لعدم وجود أسواق متطورة للنقود وللرساميل يمكن من خلالها تنفيذ سياسة نقدية قادرة على تحقيق ذلك الهدف، ومن جهة أخرى تحرص أكثر الدول النامية على تشجيع الادخار وهو هدف يتعارض مع التوسع في استخدام البطاقات الائتمانية.
(2) مثل شركة الراجحي المصرفية للاستثمار في السعودية، وبيت التمويل الكويتي في الكويت وغيرهما.(7/296)
ومن ثم فعندما يقوم الفرد باستخدامها فإنه يحصل بصورة أوتوماتيكية على قرض (ائتمان) مساوٍ لقيمة السلعة أو الخدمة، ولكل عميل حد أعلى للقرض يحدده العقد ويسمى خط الائتمان (Ligne de Credit) (1) . ويلتزم حامل البطاقة، طبقًا لشروط الإصدار بتسديد كامل مبلغ الفاتورة خلال فترة لا تزيد غالبًا عن 30 يومًا من تاريخ استلامه لها، وفي حالة المماطلة يقوم المصدر بإلغاء عضوية حامل البطاقة وسحبها منه، وملاحقته قضائيًّا لتسديد ما تعلق بذمته من المبلغ المذكور، وأشهر أنواع هذه البطاقة أمريكان إكسبرس (البطاقة الخضراء) . (American Express Credit Card (Green Card)) .
3- بطاقة الائتمان القرضية:
Credit Card With Revolving Credit (Charge Card)
وهذه أكثر أنواع البطاقات انتشارًا وخصوصًا في الدول المتقدمة. وتفترق صيغة هذه البطاقة عن النوع السابق في أن الائتمان الذي تخلقه هو دين متجدد. فلا يلزم حامل البطاقة عند تسلمه للفاتورة الشهرية أن يسدد مبلغها والغالب إلزامه بدفع نسب ضئيلة منه فقط بل يمكنه أن يدعه معلقًا بذمته ويقوم شهريًّا بدفع فوائد تأخير. وتحسب الفوائد بصفة يومية على المبالغ المعلقة (2) . وأشهر أنواع هذه البطاقات فيزا (Visa) وماستر كارد (Master Card) (3) وأمريكان إكسبرس
(American Express Golden Card ـ American Express- optima) والبطاقة الذهبية، وداينرز كلوب (Diners Club) ، وفي بريطانيا أكسيس (Access) ويوروكارد (Eurocard) .
__________
(1) فيما عدا قليل من البطاقات مثل بطاقة أمريكان إكسبريس الخضراء فلا يوجد لها حد أعلى، على الأقل من الناحية النظرية.
(2) ويحقق المصدرون للبطاقات دخلًا مجزيًا من هذه الفوائد لأن نسبتها تصل غالبًا إلى ضعف نسبة الفائدة على القروض المصرفية العادية.
(3) علمًا بأن هاتين البطاقتين وسواهما ربما تصدران بصيغة النوع الأول أو الثاني.(7/297)
المنَافعُ المتحقّقة لأطرافِ البطَاقة الائتمِانية
تحقق بطاقات الائتمان منافع لجميع الأطراف المشاركة فيها سنوضح جوانبًا منها أدناه:
المنافع المتحققة لمصدر البطاقة:
1- يحصل مصدر البطاقة على رسوم الإصدار التي تختلف من مصدر إلى آخر وهي في المملكة العربية السعودية تتراوح بين 500 إلى 1000 ريال سعودي. وحينما يكون مستوى المنافسة عاليًا بين المصدرين فقد تنخفض تلك الرسوم كثيرًا وربما يكون الإصدار مجانيًّا.
2- يقتطع المصدر لنفسه نسبة من مبلغ كل فاتورة يقدمها التجار إليه، وتختلف تلك النسبة من مصدر إلى آخر ومن بطاقة إلى أخرى. ويتراوح هذا السهم بين 1 % (كما في أكثر بطاقات الفيزا) وربما يصل إلى 8 % (كما في أمريكان إكسبريس في بعض الأسواق) ولكن الغالب أن تتراوح بين 2 % إلى 4 %، ويمثل هذا الاقتطاع المصدر الرئيسي للدخل بالنسبة للمصدر. ولذلك يحرص المصدرون على التوسع في الإصدار لتكبير حجم التعامل، ومن ثم ارتفاع الدخل المتحقق من ذلك الاقتطاع. ويلاحظ أن هذه العملية فيها شبه بما يسمى بخصم (حسم) الكمبيالات لأن البنوك المصدرة تعامل فواتير التاجر كما لو كانت كمبيالات مقدمة للخصم.(7/298)
3- فوائد التأخير، وذلك بالنسبة للبطاقات ذات القرض المتجدد، ويعد هذا أيضًا مصدرًا رئيسيًّا للدخل لا سيما أن سعر الفائدة على متأخرات البطاقة الائتمانية تصل غالبًا إلى ضعف سعر الفائدة المعتاد على القروض. ولعل مرد ذلك افتراض بأن مثل تلك القروض يتضمن قدرًا من المخاطرة يزيد على الائتمان المصرفي المعتاد وأن نسبة الديون المعدومة فيه عاليه (1) .
وقد وصلت نسبة الفائدة على ديون البطاقة في الولايات المتحدة إلى 23 % بينما أن مؤشر سعر الفائدة (prime Rate) لم يزد في نفس الفترة عن 10 % في الولايات المتحدة في سنة1987م.
4- توفر حوض من السيولة لدى البنك المصدر بسبب تدفقات السيولة يمكن أن يستخدم في أغراض تجارية مختلفة. ويتمثل في الفترة بين تلقي المدفوعات من حامل البطاقة وتسديد المبالغ إلى التجار. ويحقق ذلك في بعض الحالات وفي الفترات الموسمية دخولا مجزية لمصدر البطاقة.
5- تحقيق دخول أخرى من خدمات مساندة مثل بيع بعض السلع بالبريد لحاملي البطاقة، أو التأمين على حياة حملة البطاقة أو الخدمات المتعلقة بالسفر كقطع التذاكر وعمل الحجوزات في الفنادق ... إلخ، (كما تفعل شركة أمريكان إكسبريس) .
__________
(1) وهناك قوانين لتحديد هذه النسبة خصوصًا في الولايات المتحدة مثل قانون (Lending act Turth in) وقانون (Fair Credit billing) و (Consume credit protection) ، وقد سن جميعها في السبعينات.(7/299)
المنَافِعُ المتَحقّقة لِحَامِل البطَاقة
1- وسيلة دفع جاهزة لا يحتاج الفرد – مع وجودها – إلى حمل النقود وما يتضمنه ذلك من خطر السرقة والضياع.
2- المباهاة، لأن الحصول على البطاقة كثيرًا ما يرتبط بشروط لا تجعلها متاحة إلَّا لذوي الدخول المرتفعة فقط.
3- الحصول على الائتمان كلما برزت الحاجة إليه بالنسبة للنوعين الثاني والثالث من البطاقات. وذلك أن حامل البطاقة يستطيع أن يحصل على قرض بصفة أتوماتيكية بمجرد إبرازه للبطاقة. ومعلوم ما في ذلك من راحة وخدمة له خصوصًا في الحالات التي يحتاج فيها إلى المال وهو لا يمتلكه لا سيما في الأسفار وعند النوازل.
4- يستطيع حامل البطاقة أن يحصل على كثير من السلع التي يحتاج إليها بالتقسيط وبصورة مباشرة، فهو يشتري الأجهزة المنزلية والملابس والأدوات الكتابية والأجهزة الكهربائية متى احتاج إليها، ولأن شروط إصدار البطاقة من النوع الثالث لا تلزمه بدفع المبلغ دفعة واحدة، صارت هذه صيغة للتقسيط المريح.
5- الحصول على النقود على سبيل الاقتراض من المصدر أو من الآت الصرف الذاتي وذلك لشراء الحاجات التي لا يقبل بائعوها العمل بالبطاقة، ويتمتع حامل البطاقة بهذه الخدمة في أي مكان من العالم بمجرد تقديمها إلى البنوك أو مكاتب الخدمات التي تقبل ذلك.
6- وبالنسبة للمستهلكين في الغرب فإنها توفر ميزة أخرى حيث يمكن للفرد أن يستثمر مدخراته في أدوات مالية بشكل مستقر ويحمَل مصاريف البطاقة والتي يمكن بها اقتطاع مصاريفه الحالية من دخله المستقبلي، وبذلك يتم له توزيع ميزانيته بطريقة تحقق له عائدًا أكبر.
7- وتقدم له البطاقة الحماية في حالة كون السلعة غير مستوفية للمواصفات، لأن بإمكانه الامتناع عن الدفع إلى مصدر البطاقة، ولم يكن القانون في الولايات المتحدة يعطي هذه الحماية للأفراد حتى صدر في سنة 1974 قانون العدالة في المطالبة بالديون (Fair Credit Billing act) حيث أصبحت المسؤولية تقع على مصدر البطاقة في مثل تلك الحالات، ويعطي القانون الأفراد في الولايات المتحدة 60 يومًا للاعتراض على محتوياتها.(7/300)
المنافِعُ المتحقِّقة للتَّاجر
الذي يَقبَل البَطاقة بَدلًا عن النقود (أو الشيك)
1- من الثابت أن البطاقات تؤدي إلى خلق حافز الإنفاق لدى حاملها لأنها تعطيه الشعور بالغنى آنيًا رغم أنه، ربما لا يكون مالكًا للمال، ويستفيد التجار من هذا النوع من الشعور في زيادة مبيعاتهم على المشتري لإتمام عملية الشراء فورًا (Impulse Byuing) بأكثر مما يحتاج إليه فعلًا.
2- يعمد أكثر التجار إلى إضافة النسبة التي يقتطعها مصدر البطاقة من فواتيرهم إلى سعر السلعة ومن ثم فإن استخدام البطاقة لا يؤدي إلى انخفاض معدل أرباحهم. وبما أن عملية تسديد قيمة الفواتير من قبل مصدر البطاقة لا تستغرق غالبًا إلَّا أيامًا قليلة، صارت بالنسبة إليهم عملية مفيدة ومجدية. وتمنع القوانين في الولايات المتحدة (وربما في بلدان أخرى) التجار من تحديد سعرين للبيع أحدهما لمن يدفع نقدًا، والآخر لمن يستخدم البطاقة يكون الفرق بينهما ما يقتطعه المصدر من فاتورة التاجر. والنتيجة أن الذي يدفع بالنقود يتحمل قيمة الائتمان دون أن يتمتع به.
3- وفي البلدان المتقدمة تتم جميع مشتريات السلع المعمرة تقريبًا بالدين، ولا سبيل للشراء بالنقد إلَّا فيما ندر. ولذلك نجد أن الأسرة في الولايات المتحدة تدفع نحو 50 % من دخلها فوائدًا للديون، ولذلك فإن التجار الذين لا يرتبون لأنفسهم طريقة للبيع بالنسيئة سوف لن يجدوا الكثير من الزبائن. ولا ريب أن التقسيط عن طريق البطاقة يتفوق على التقسيط من التاجر مباشرة، من حيث انخفاض التكاليف الإدارية ومن حيث ضمان المدفوعات من قبل الشركة.
4- الاستفادة من الحملات الدعائية التي ينظمها مصدرو البطاقة لا سيما بالنسبة للمؤسسات التي تقدم الخدمات مثل شركات تأجير السيارات والفنادق والتي تستفيد من إدراج اسمها في الدليل الذي يوزعه المصدر على حاملي البطاقة.(7/301)
أثر التعامُل بالبَطاقة عَلى المجتمَع وَالاقتِصَاد
من الجلي أن أطراف البطاقة الثلاثة يحققون جميعهم منافع أدت إلى توسع وانتشار العمل بها، وربما يكون الأمر مختلفًا نوعًا ما إذا نظرنا إلى الآثار العامة للبطاقة على المجتمع وعلى الاقتصاد الوطني. بعض هذه الآثار إيجابي وبعضها سلبي، ومنها:
1- لا ريب أن التعامل بالبطاقة يؤدي إلى توسع السوق وزيادة حجم الطلب على السلع والخدمات وذلك لأن المستهلكين سوف يشترون ليس اعتمادًا على دخولهم ولكن اعتمادًا على مستوى الدخل المتوقع في المستقبل. ولذلك نجد أن الأفراد في الدول التي تكون سبل الاقتراض فيها ميسرة يتوسعون كثيرًا في الشراء بالنسيئة ويحملون أنفسهم ديونًا تمتد فترة تسديدها العمر كله (كما في قروض بناء المساكن) . وقد دلت الدراسات على أن الأسرة في الولايات المتحدة تدفع نصف دخلها في المتوسط لتسديد الفوائد المتراكمة على الديون. حتى بلغت الديون الاستهلاكية في الولايات المتحدة في سنة 1986م نحو 2.2 ترليون (مليون مليون) من الدولارات. وفي اليابان لأكثر من 40 ترليون من الينات. ويعتقد كثير من الاقتصاديين أن ذلك يؤدي إلى زيادة معدل النمو الاقتصادي لأنه يمثل محركًا فعالًا للاستثمار نظرًا لزيادة معدل الطلب. ولكن مثل هذا الاتجاه له آثار سلبية أيضًا لأنه يقلل من معدل الادخار، ومن ثم يؤدي إلى انخفاض الموارد المخصصة لغير الأغراض الاستهلاكية في المجتمع. ويؤذن بعدم الاستقرار لأن تراكم الديون له آثار سلبية على الاقتصاد الوطني.
2- يؤدي انتشار البطاقة إلى تقليل التعامل بالنقود، ومن ثم يساعد على توفير قدر أكبر من الأمان للأفراد لعدم تعرضهم للسرقة وضياع أموالهم أو حاجتهم للاحتفاظ بالسيولة في منازلهم.(7/302)
وتتعرض البطاقة في بعض الأحيان للتزوير إذا فقدت من مالكها الأصلي، وربما يعمد بعض أصحاب المحلات التجارية إلى إساءة استخدام البطاقة بتحميل زبون مبالغ عن أشياء لم يشترها، أو قيام اللصوص بعمل مشابه وحصولهم على الأموال من الشركة المصدرة التي سوف تطالب بدورها حاملي البطاقة بدفع تلك المبالغ. وقد تطورت القوانين في البلدان المختلفة لتقديم الحماية لحامل البطاقة، فإذا فقدت منه لم يتحمل إلَّا مبلغًا بسيطًا بعد إبلاغه المصدر بفقدانها، ويجوز له الاعتراض على ما يرد في فاتورته من مشتريات، إلى غير ذلك. وهي أمور تؤدي إلى زيادة التكاليف على المصدر (تأمين) ، ومن ثم زيادة التكاليف على جميع حملة البطاقة لأنها تحملهم جميعًا المصاريف الإضافية.
3- يؤدي انتشار العمل بالبطاقة إلى تحول الائتمان الخاص ببيع السلع والخدمات من الشركات المنتجة إلى البنوك، ومن ثم دخول البنوك كدائن لجميع المستهلكين. مع ما في ذلك من توسع ونمو القطاع المالي في الاقتصاد واتجاه الأرباح نحو النشاطات المالية بدلًا عن التجارة والإنتاج.
4- يؤدي إلى زيادة حجم السيولة في الاقتصاد لأنه يزيد من قدرة المؤسسات المالية (المصدرة للبطاقة) والبنوك على خلق الائتمان (بدون حدود تقريبًا) ، وفي الحالات التي لا تكون أسواق المال وأسواق النقود فيها متطورة، تعجز السلطات النقدية (كالبنك المركزي) عن السيطرة على الحجم الكلي لوسائل الدفع في الاقتصاد. ومن الواضح أن عدم توفر أدوات فعالة للسيطرة على عرض النقود يؤدي في كثير من الأحيان إلى عدم الاستقرار لوجود ضواغط تدفع الاقتصاد إلى التضخم. ولذلك نجد كثيرًا من البلدان النامية لا تسمح إلَّا بالنوع الأول من البطاقات الذي لا يعطي البنوك القدرة على التوسع في توليد السيولة (خلق الائتمان) .(7/303)
العلاَقاتُ التعَاقديّة
بَين أطرَاف البطَاقة الائتمانيَّة
لمَّا كان الحكم على الشيء فرعا من تصوره، فإن من الضروري فهم العلاقات التعاقدية بين أطراف البطاقة الائتمانية والحكم عليها بالجواز أو عدمه اعتمادًا على صحة التعاقد وسلامة الشروط وخلوها من الربا والغرر وغيره من مفسدات العقود.
وسوف لن نعطي اهتمامًا كبيرًا هنا بالنوع الأول من البطاقات لأنه شبيه – من الناحية التعاقدية – بالشيك، فهو لا يعدو أن يكون حوالة ووكالة بالدفع. أضف إلى ذلك أنه لا يمثل في عالم بطاقات الائتمان أهمية كبيرة والاتجاه في العالم اليوم ضده، فقد قررت اليابان وكانت أكبر دولة تعمل بهذه الصيغة السماح للبنوك بإصدار بطاقات الائتمان من النوع الثاني والثالث، وكذلك سمح في المملكة العربية السعودية للبنوك أخيرًا بعدم الاقتصار على النوع الأول.
أما النوع الثالث فإن اختلافه الرئيسي عن النوع الثاني هو تضمنه لقرض متجدد يتضمن شرط دفع الفائدة الربوية ومن ثم فهذا الأمر فيه واضح، وما خفي منه سيظهر في التركيز على النوع الثاني من البطاقات.(7/304)
طبيعة العلاقات التعاقدية في البطاقة الائتمانية العادية:
1- العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها:
العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها فيها معنى الضمان لأن المصدر ضامن للديون المتعلقة بذمة حامل البطاقة تجاه التجار الذين يشترون منهم والضمان (الكفالة) التزام ما في ذمة الغير؟ ويبدو أن رسم الاشتراك إن وجد هو أجر على ذلك الضمان، ولا يرتبط ما يحصل عليه مصدر البطاقة بتكاليفه الحقيقة، ولذلك لا وجه للقول أنه مقابل قيمة البطاقة أو التكاليف الإدارية المتعلقة بترتيب تسديد الفواتير ... إلخ. ولا يتصور أن تكون وكالة لأن أموال حامل البطاقة ليست مودعة لدى المُصدر ومن ثم يوكِّله في دفع ما استحق عليه من ديون (وربما يكون هذا صحيحًا في النوع الأول من البطاقات) ، إلَّا أن يكون وكيلًا يقترض له من نفسه ثم يسدد نيابة عنه، وإذا كان الأمر كذلك كان فيما يقتطع شبه الزيادة على القرض.
وعندما يبرز هذا الفرد البطاقة إلى التاجر، فإن الأخير يكون متأكدًا أن مُصدر البطاقة ضامن للدين الذي سيتعلق بذمة حاملها، ثم يصالح مُصدر البطاقة التاجر على أقل من مبلغ الدين (عندما يقتطع نسبته منه) .
وقد يبدو أن فيها معنى القرض، وهذا ما تصوره الدراسات الاقتصادية الوضعية حيث ترى أن العميل يحصل عند استعماله للبطاقة على قرض أتوماتيكي من المصدر. لكن المشكلة هنا أنه إن كان قرضًا وجب لوجوده أن يقبض المقترض مبلغ القرض وهذا لا يوجد في الصيغة المذكورة، إلَّا أن يكون قبضًا حكميًّا قام به مصدر البطاقة نيابة عن حاملها فأقرضه من نفسه وسدد عنه دينه.(7/305)
2- العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر:
الأرجح أن العلاقة بين حامل البطاقة والتاجر (الذي يشتري منه بالبطاقة) هي حوالة، فهو عندما يشتري سلعة أو خدمة يتعلق بذمته قيمتها ويكون التاجر دائنًا له بذلك المبلغ فيحيل الدائن على ملئ، وهو المصدر للبطاقة ويمثل توقيعه على الفاتورة هذه الإحالة ويقبل التاجر تلك الإحالة فيرسل الفاتورة إلى المصدر الذي يدفع له المبلغ. ومن المعروف أنه لا يشترط لصحة الحوالة أن يكون للمحيل دين على المحال عليه. والرضا متوفر بين أطراف هذه العلاقة والدين معلوم وهو دين لازم على المدين في الحال.
وإذا أخذنا برأي من يشترط في الحوالة أن يكون للمحيل على الحال عليه دين فهو حماله لأن المحال عليه احتمل سداد الدين عن المحيل.
ويمكن أن نتصور أن العلاقة وكالة، فحامل البطاقة يجعل التاجر وكيلًا عنه يقترض باسمه من مصدرها ويسدد دينه لنفسه، ولكن الخصم الذي يحصل عليه التاجر في هذه الحالة يكون زيادة على القرض.
3- العلاقة بين مصدر البطاقة والتاجر:
إذا قلنا إن حامل البطاقة محيل ومُصدرها محال عليه، وأن التاجر دائن للأول يستوفي دينه من الثاني بدت العلاقة بين المُصدر والتاجر، وكأنها غير ذات أهمية تذكر. ولكن اقتطاع المُصدر لنسبة مئوية من قيمة الفاتورة لنفسه يدخل في العلاقة المذكورة قدرًا من التعقيد. فهي تصبح شبيهة إلى حد كبير بخصم (حسم) الاوراق التجارية، إذ يمكن تصور أن الفاتورة التي وقّع عليها المشتري هي كمبيالة مستحقة الدفع يقوم التاجر بحسمها لدى البنك (المصدر) مقابل نسبة 3 % (أو أقل أو أكثر) . ومما يرجح هذا الاحتمال اشتراط بعض الشركات على التجار الرجوع إليهم في حالة رفض العميل (أي حامل البطاقة) دفع المبلغ الذي دفع إلى التاجر.(7/306)
الموَاطن المحتملة للِرّبَا وَالغرر
في العِلاَقاِت التّعاقديّة في بِطاقاِت الاِئتمَان
1- الرسوم التي يدفعها المشترك في برنامج البطاقة لكي يتحصل عليها من قبل المصدر تُحوِّل العلاقة بينهما إلى عقد معاوضة، لكن ليس واضحًا على ماذا سيحصل حامل البطاقة مقابل ذلك الرسم. فإن كان مجرد العضوية ووجود اسمه ضمن قائمة حاملي البطاقة، وحصوله على القدرة على المباهاة والفخر بحملها فهذه حقوق والتزامات واضحة وهي حاصلة للفرد بمجرد العضوية لكن الواقع خلاف ذلك. وإن كان المبلغ المذكور مقابل عدد المرات التي تمتع فيها بالائتمان أو حصل فيها على التسهيلات المالية ففي العقد غرر أو جهالة (على افتراض عدم وجود الربا وهو موجود) لعدم معرفته عند التعاقد لعدد مرات احتياجه لها وتكرر استفادته منها ... إلخ.
2- وفي الصيغة الثالثة التي تتضمن قرضًا متجددًا لحامل البطاقة (Revolving Credit) ، فإن اشتراط الزيادة على القرض يجعله من الربا الصريح. والزيادة المذكورة ليست زيادة في بيع آجل (بالتقسيط) رغم أنها ظهرت بسبب شراء العميل لسلعة أو خدمة من التاجر، والسبب أن الزيادة فيها غير ثابتة ولم تحدد عند البيع كما أنها تزيد بزيادة المدة وهي مرتبطة بالمبلغ والمدة فحسب.
3- وفي الصيغة الثانية للبطاقة يلتزم حاملها بتسديد ما عليه من ديون خلال 30 يومًا وإذا لم يفعل ألغت الشركة المصدرة عضويته، وبدأت في ملاحقته في أجهزة القضاء والأمن لإرغامه على الدفع. وتنص أكثر عقود هذا النوع من البطاقات على أن العضو ملتزم بدفع الفوائد على المبالغ المتأخرة ابتداء من تاريخ إلغاء عضويته، فهو شرط جزائي فحسب، فإذا التزم العضو بالدفع خلال الفترة المسموح بها لا يكون عرضة لآثاره. ولكن هل يجوز له أن يدخل في عقد يتضمن شرطًا مثل ذلك؟ وهذا الشرط هل هو شرط مفسد للعقد؟ وهناك حالات تعرض لها بعض الفقهاء لا يؤدي الشرط الفاسد فيها إلى فساد العقد فهل نعد هذه واحدة منها؟ (1) . إذا التزم حامل البطاقة بالتسديد في الوقت المطلوب بحيث لا يعرض نفسه أبدًا لدفع الفائدة. (2) .
__________
(1) وهذا ما يتعرض له المسلمون بحملهم بطاقات الائتمان الشهيرة أمريكان إكسبرس، فهم يحرصون على دفع المبالغ في وقتها دون التعرض لآثار شرط الفائدة في العقد.
(2) قال في إعلاء السنن 13 – 14 /534: " ... وأما القرض المشروط بالفضل والمنفعة، قال الشافعي ومالك يبطلان عقد القرض، وقال الحنفية يبطل الشرط لكونه منافيًا للعقد ويبقى القرض صحيحًا ... ومرادهم يكون القرض صحيحًا والشرط باطلًا أن المستقرض إذا قبض الدراهم التي استقرضها بالشرط يصير دينًا عليه، وأما أن الإقراض والاستقراض بالشرط يكون جائزًا فكلا ... "، وقد ذكر في مرشد الحيران مادة 323 – 326: " كل ما كان مبادلة مال بمال كالبيع والشراء والإيجار والاستئجار والمزارعة والمساقاة والقسمة والصلح عن مال لايصح اقترانه بالشرط الفاسد ولا تعليق به ... ، أما ما كان مبادلة مال بغير مال كالنكاح والخلع على مال والتبرعات كالهبة والقرض ... وكذلك الإقالة والرهن والكفالة والحوالة والوكالة ... ففي هذه التصرفات كلها إذا اقترن العقد بالشرط الفاسد صح العقد ولغي الشرط".(7/307)
4- والحصول على النقد يعد من أهم استخدامات البطاقة، فيمكن لحامل البطاقة سحب مبلغ من النقود من المكائن المخصصة لذلك في المطارات والمحلات التجارية أو من البنوك مباشرة في داخل بلده أو عند سفره إلى الخارج. وفي كل الأحوال تعد تلك النقود قرضًا يدفع عليه فائدة (فيما عدا النوع الأول حيث لا يعدو ذلك أن يكون سحبًا من حسابه لدى البنك) . ويحصل مصدر البطاقة على تلك الفوائد وربما يقتسمها مع البنوك التي قدمت التمويل (إن كان مصدر النقود سواه) وهذا موطن واضح للربا في عمل البطاقة.
5- وتقوم بعض الشركات المصدرة للبطاقات في الدول المتقدمة بما يسمى بعملية تسييل الديون (Sicuritization) ، وذلك بتحويل الديون المتعلقة بذمم حملة البطاقات إلى أدوات مالية يمكن أن تعرض للبيع على البنوك الأخرى والمستثمرين. ولا يعلم حملة البطاقات شيئًا عن ذلك لأن البائع للديون (أي مصدر البطاقة) يستمر جهةً للتحصيل بالنسبة لتلك الديون. وهي عملية معقدة ولكنها أصبحت كثيرة الانتشار في الولايات المتحدة وربما دول أخرى. وقد أصبحت هذه العملية جزءًا مهمًّا من عمل شركات بطاقات الائتمان. وهي وإن كانت لا تقوم به بصفة دورية، إلَّا أنها عرضة للحاجة إليه على الدوام وهي صورة واضحة لبيع الدين لغير من هو عليه وهو باب من أبواب بيع الكالئ بالكالئ.
6- وقد دلت التجارب العملية على أن إدارة أي مشروع ائتماني (كإصدار بطاقة ائتمانية) لا يتحقق له النجاح ما لم تتوفر للمشروع السيولة النقدية الكافية للنهوض بحاجاته غير المنتظمة. فمن المعروف أن إيرادات المشروع المتمثلة في مدفوعات حاملي البطاقة، ومصروفاته المتمثلة في المدفوعات إلى التجار ليست متناغمة وإنما تفترق في الزمن. ولذلك نجد أن شركات إصدار البطاقات تقترض كثيرًا من البنوك، ويكون لها خط ائتماني دائم تحصل من خلاله على ما تحتاج من سيولة بصفة مستمرة ومستعجلة، فمثلًا تجد تلك الشركات في فترة أعياد الميلاد في البلاد الغربية يرتفع حجم تعاملها ارتفاعًا كبيرًا في معدل استخدام البطاقة. ونظرًا إلى التزامها أمام التجار بدفع ما يقدمون إليها من فواتير فإنها تحتاج بعد فترة الأعياد مباشرة إلى مبالغ كبيرة جدًّا لا تتوفر لها إلَّا بالاقتراض من البنوك نظرًا إلى أن مدفوعات حاملي البطاقة المقابلة لها لن تتم إلَّا بعد تلك الفترة بعدة أشهر. ولعل هذا هو سبب اختصاص البنوك بإصدار هذه البطاقات (1) .
هذا لا يعني بالضرورة أنه لا يمكن إدارة مشروع للبطاقات الائتمانية بدون اللجوء إلى الاقتراض، ولكن ما تدل عليه التجارب العملية لا يمكن تجاهله.
__________
(1) وبصفة عامة تحصل الشركات على قروض بفوائد متدنية لقوة مراكزها المالية.(7/308)
هَل مِن صيغة جَائِزة شرعيًّا للِبطَاقة الائتمانيّة؟
ذكرنا سابقًا أن بطاقة الخصوم (Debit Card) لا تعد بطاقة ائتمان وهي ليست ذات أهمية، ويتضاءل العمل بها يومًا بعد يوم. ومن جهة أخرى، فإنه نظرًا إلى تشابه صيغتها مع الشيك المصرفي فقد أفتت بعض الهيئات الشرعية في البنوك الإسلامية بجواز صيغ عقودها. ولكن الحاجة ماسة الآن إلى صيغة للبطاقة الائتمانية (Credit - Card) تكون مقبولة شرعيًّا وقادرة على أن تنهض بالوظائف المعتادة للبطاقة دون اللجوء إلى الربا أو الغرر. ويمكن للمؤسسات المالية في المجتمعات الإسلامية أن تتبناها، أي الصيغة المذكورة، لإصدار البطاقات الائتمانية. ولا ريب أن واجب العلماء والفقهاء أن يقدموا هذه الصيغة العملية لأن استخدام البطاقة هو ظاهرة حديثة في مجتمعات الإسلام وهي تنتشر وتتوسع ولذلك يحسن أن تكون هذه الصيغة جاهزة في الوقت المناسب. والذي أقدمه أدناه ليس صيغة جاهزة لذلك ولكنها بعض المقترحات التي أحسب أنها تساعد على الوصول إلى مثل تلك الصيغة.
1- من الأفضل أن يقتصر إصدار البطاقة الائتمانية على جهة عامة (حكومية) وأن لا يكون نشاطًا يقوم به القطاع الخاص وذلك للأسباب التالية:
(أ) من ناحية السياسة الاقتصادية، يمكن في هذه الحالة لمؤسسة البطاقة الائتمانية أن تتبنى الإجراءات والأنظمة التي تتفادى التأثير بشكل سلبي على الاقتصاد الوطني، مثل السيطرة على حجم الائتمان الذي تولده البطاقة، وتحديد السلع والخدمات التي يمكن شراؤها بها وتنظيم الآجال المتعلقة بتسديد الديون ودفع فواتير التجار بطريقة تتفادى تلك السلبيات. ومن جهة أخرى يمكن لمؤسسة عامة أن تحرص على تحقيق العدالة وتكافؤ الفرص في الحصول على الائتمان وعدم قصر ذلك على الأغنياء وذوي الدخول العالية كما هو المتبع في القطاع الخاص، ولا تتعرض لمشكلة نقص السيولة في دورات السنة والاضطرار إلى الاقتراض إذ يمكن ترتيب ذلك مع مصادر ذات دورات معاكسة (1) .
__________
(1) من جهة أخرى أن تستفيد الحكومة من تيار السيولة المذكور لتكتفي به عن الاقتراض الجسري (Bridge Finance) .(7/309)
(ب) لا ريب أن بين توليد الائتمان عن طريق البطاقة وبين إصدار النقود الذي هو من وظائف السلطان، شبهًا كبيرًا لأن كليهما يخلق وسائل دفع في الاقتصاد لا سيما في هذا الزمن الذي أضحت النقود جميعها ائتمانية لا سلعية. ولذلك فإن طبيعة البطاقة تجعل اختصاص الحكومة بإصدارها أمرًا ملائمًا لجنس وظائف الدولة.
2- يجب أن تصاغ العلاقة بين المصدر للبطاقة وبين التاجر بحيث تقتصر على الحوالة فقط، فيكون المُصدر محالًا عليه وحاملها محيلًا والتاجر دائنًا له. ولا أظن أن ذلك سيؤثر على فاعلية العلاقة وملاءمتها للنهوض بوظيفة البطاقة الائتمانية. وإذا أخذنا برأي المالكية باشتراط أن يكون للمحيل على المحال عليه دين لحصول الحوالة، فهي إذن حمالة، ويكون ما يقتطع المُصدر من قيمة الفاتورة أجرة تلك الحمالة التي تراضى الأطراف على أن يدفعها التاجر.
ويجب النص في عقد البطاقة على عدم براءة ذمة المُحيل بمجرد الإحالة (لا سيما وأن المحال عليه ليس مدينًا للعميل) وذلك لزيادة توضيح أوجه الحوالة في هذا العقد.
3- يجب أن لا يتضمن عمل البطاقة توفير القروض المتجددة، وإنما تقتصر على توفير الائتمان مجانيًّا لمدة ثلاثين يومًا، وفي حال مماطلة العميل في السداد تلغى عضويته ويطالب بما تعلق بذمته بالطرق المشروعة فلا يعاقب بغرامات مالية. ويمكن أن ينص على بعض الشروط الجزائية لمعاقبة المماطل مثل التهديد بوضع اسمه في قائمة سوداء لا يتمكن بعدها من الحصول على بطاقات أخرى أو تمويل مصرفي ... إلخ.(7/310)
4- ويجب أن تقدم البطاقات لمن تتوفر فيهم شروط العضوية من ملاءمة وثقة وأمانة بدون مقابل. وهذا أمر معهود في الولايات المتحدة (1) . ذلك لأن وجود الرسوم المذكورة يحول العلاقة إلى عقد معاوضة لا يصح إلَّا أن يخلو من الغرر والجهالة الفاحشة.
ومن جهة ثانية، فإن الرسوم التي يتحصل عليها المُصدر، وهو يقدم الائتمان الشبيه بالقرض إلى حاملها يجعل العلاقة مشوبة بشبهة الربا، ولذلك فإن إلغاء الرسوم يخلصها من ذلك. ولا بأس أن يقوم المصدر برفع نسبة ما يأخذه من التاجر لتعويض ذلك.
وبما أن العلاقة بين حامل البطاقة ومصدرها يمكن أن تكون ضمانًا، (ولا يجوز أخذ الأجر على الضمان) (2) ، صار إلغاء تلك الرسوم إبعادًا لها من شبهة الأجر على الضمان أيضًا.
5- كما يمكن صياغة العلاقة بين مصدر البطاقة وحاملها ضمن عقد الضمان أو عقد الوكالة. فإن كان الأول فلا يجوز الأجر على الضمان، وإن كان الثاني فربما تجوز مصالحة الوكيل للدائن بتنازل الأخير عن جزء من الدين (3) . فإن جاز ذلك أضحى للوكالة وجه في العلاقة التعاقدية ولها صفة عملية إذ يمكن لمصدر البطاقة أن يحقق لنفسه دخلًا يغطي تكاليف عملياته.
والأجر جائز على الوكالة. والمصدر وإن كان يقتطعها من فاتورة التاجر فالذي يتحملها في النهاية هو العميل بصفة غير مباشرة. ومن جهة أخرى فالتراضي متحقق بين الأطراف في دفعها بهذه الطريقة.
والله أعلم.
الدكتور محمد علي القري ابن عيد
__________
(1) وإن كان مقتصرًا على البطاقات من النوع الثالث أي ذات القروض المتجددة.
(2) وإن أجاز البعض أخذ تكاليف الضمان إذا أمكن حسابها بدقة.
(3) والمعروف جواز مصالحة المدين دائنه على أقل من مبلغ الدين، فإن كان وكيلًا كان له مثل ذلك نيابة عن المدين.(7/311)
المصَادِر وَالمراجع
1- مجلة (Business Week) عدد 30 مارس 1987، ص21.
2- مجلة (Business Week) عدد 15 يونيو 1987، ص28.
3- مجلة (Business Week) عدد 15 يونيو 1987، ص28.
4- مجلة (Business Week) عدد 20 أبريل، ص157.
5- مجلة (Business Week) عدد 28 مايو 1990، ص52.
6- مجلة (Business Week) عدد 20 أبريل 1987، ص157.
7- مجلة (Economist) عدد 6 يونيو 1987، ص17.
8- مجلة (Economist) ص97 - 99.
9- مجلة (Economist) عدد 6 يونيو 1987، ص17.
10- مجلة (Time) الأمريكية عدد 9/2/1987، ص44.
11- مجلة (Time) الأمريكية عدد 9/3/1987، ص43.
12- مجلة (Economist) عدد 6/6/1987، ص90.
13- مجلة (Business Week) عدد 15/6/87، ص29.
14- Gleeson,Adrienne, The Credit Book, Leden, Kogan, page1982.
15- Drury, Tony and Ferrier, Charles w. Credit Cards. London, Buther worths 1984.
16- مجلة عالم الإدارة فبراير 1986 ص 25 –27 مجلة.
17- مجلة (Nov. 1986 p. , Tokyo Business Today) .
18- مجلة (Dec. 1986 p. , Tokyo Business Today) .
19- مجلة التجارة (غرفة تجارة جدة) مارس 1984، ص6 – 11.
20- Hindle Time, Pocket Banker, London, Basil Blackwell 1987.
21- Makin, John H. Teory of Money, Hinsdale, IU, Dryden Press(7/312)
مُلحَق
بعض صيغ عقُود بطَاقات الائتمان(7/313)
__________(7/314)
بِطاقَة الائتِمان
درَاسة شرعِيَّة عَمليَّة مُوجَزة
إعدَاد
الدكتور رفيق يونس المصري
مَركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي
جامعة الملك عبد العزيز – جدّة
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد.
فهذه دراسة شرعية عملية موجزة لبطاقة الائتمان، أعددتها منذ أكثر من سنة، جزءًا من بحث لا يقتصر عليها. ولم تكن وقتئذٍ تحت أيدي أي دراسة شرعية أخرى لهذا الموضوع، ولا أي ورقة لمؤتمر، أو فتوى لمستفتٍ.
ولذلك لا يرى القارئ ذكرًا، في هذه الدراسة، لأي مصدر أو مرجع علمي، فأما من الناحية الشرعية فظاهر لما تقدم، وأما من الناحية الفنية فلاعتمادنا على المعرفة العملية بالبطاقة، بما يتناسب مع الإيجاز المقصود في هذه الدراسة.
استفدت قبل إعدادها من مناقشات علمية شفهية بين الباحثين في مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي، على عدد من الجلسات العلمية، واستفدت أيضًا من مشاورات مع الأخ الدكتور عبد الرحيم الساعاتي، نائب مدير المركز.
أرجو أن يكون في هذه الورقة المتواضعة ما يوطئ لاتخاذ قرار شرعي سليم في شأن هذه " المنظومة " المستحدثة، والله المستعان.(7/315)
تعريف:
المسافرون من رجال أعمال وغيرهم، إما أن يحملوا نقودًا أو شيكات أو شيكات سياحية أو بطاقات ائتمان، إذ يستطيع المسافر، بموجب بطاقة الائتمان، أن يشتري بعض السلع والخدمات (في محطات البنزين، والمطاعم، والفنادق، وشركات تأجير السيارات ... إلخ) ، وما عليه إلَّا أن يبرز بطاقته لدى المنشأة القابلة لها (1) ، ويوقع على بعض الفواتير التي تحصلها المنشأة من المصرف أو الشركة مُصْدرة البطاقة.
الأطراف:
ففي بطاقة الائتمان إذن ثلاثة أطراف:
1- الجهة المصدرة للبطاقة، أو وكيلها المحلي (مصرف مثلًا) .
2- المنشأة التجارية.
3-المستهلك حامل البطاقة.
المنافع:
ولهذه البطاقة منافع لكل من أطرافها الثلاثة:
1- للجهة المصدرة توفر بعض الإيرادات، مثل رسوم الاشتراك السنوي (120 دولارًا في السنة مثلًا لكل بطاقة) التي تتقاضاها الجهة المصدرة (أو وكيلها) من العميل. كما تتقاضى هذه الجهة أيضًا نسبة مئوية من قيمة الفواتير 4-6 %، تحصلها من المنشأة.
2- للمنشأة التجارية تروج مبيعاتها، مع شعورها بالاطمئنان إلى أنها ستحصل قيمة الفواتير من الجهة المصدرة أو وكيلها، وهي جهة مليئة: مصرف.
3- للمستهلك حامل البطاقة، توفر عليه حمل النقود ومخاطر ضياعها أو سرقتها. وربما توفر له الائتمان أي القرض، كما توفر له إمكان الحصول على حطيطة (=خصم) من المنشآت التجارية، بنسبة 5-30 %، حسب السلعة والمنشأة.
__________
(1) هي بطاقة مُمَغْنَطَة، عليها الاسم والرقم وتاريخ المنح وتاريخ الصلاحية، يتم إدخالها في جهاز حاسب (كمبيوتر) ، لكي يتأكد البائع من أن رصيد المشتري أو ائتمانه يسمح له بعقد هذه الصفقة بالبطاقة.(7/316)
التكاليف:
ولهذه البطاقة تكاليف:
1- فالمنشأة التجارية تدفع إلى الجهة المصدرة نسبة مئوية من قيمة الفواتير 4-6 %.
2- والعميل يدفع رسم الاشتراك السنوي.
تأمين على الحياة:
والبطاقة، إذا اشتُريت بها تذكرة سفر، تضمنت تأمينًا حُكْميًّا لصالح العميل، حال سفره (تأمين على حياته) .
الأنواع:
والبطاقة نوعان:
1- نوع قد ينطوي على قرض ربوي، بحيث إن العميل إما أن يسدد قيمة الفواتير بالكامل نقدًا، أو يمنح بقيمتها قرضًا يسدد على نجوم (= أقساط) ، تتضمن فوائد تعويضية لقاء الأجل الأول، وفوائد تأخيرية، إذا ما تأخر عن الدفع في الأجل الأول. ومن الواضح أن هذا النوع ربوي غير جائز في الإسلام.
2- نوع لا ينطوي على قرض، بحيث إن المصرف يسدد للمنشأة قيمة الفواتير من حساب العميل المفتوح لديه، فور تسلمها من المنشأة، ويمكن أن يتم ذلك كل يوم مرة أو أكثر.
الجوانب المالية:
وبناء على ما تقدم، يجب النظر في المعاوضات (التكاليف والإيرادات) التالية:
1- رسم الاشتراك الذي يدفعه العميل، سواء استفاد من البطاقة أو لا.
2- الحطيطة (=الخصم) التي يحصل عليها حامل البطاقة من المنشأة.
3- النسبة المئوية التي تسددها المنشأة، أو تتنازل عنها، للجهة المصدرة، من قيمة الفواتير.
4- التأمين الذي يحصل عليه حامل البطاقة عند سفره.
5- الكفالة التي تقدمها الجهة المصدرة للمنشأة لصالح العميل (الاستعداد للدفع) .(7/317)
المشروعية:
هل في هذه الأمور: غَرَر أو ربا أو حرام آخر؟ هل التأمين تأمين تجاري أم تعاوني أم تبرعي؟ للإجابة عن هذا نقول:
1- رسم الاشتراك ليمكن اعتباره ثمنًا للبطاقة وخدمتها، فهو بذلك جائز شرعًا.
2- الحطيطة يمكن اعتبارها تخفيضًا للثمن، فالثمن هو الصافي بعد الخصم، وهذا جائز، لأن البائع يمكنه البيع بالثمن الذي يتفق عليه مع المشتري ويتراضيان به، ولا فرق بين أن يعقد البيع بمائة، أو بمائة وعشرين مع حطيطة عشرين.
2- النسبة المئوية التي تسددها المنشأة للجهة المصدرة، من قيمة الفواتير، يمكن اعتبارها أجور سمسرة. فمن الجائز أن أرسل إليك زبائن، على أن أتقاضى منك أجرًا مقطوعًا عن كل زبون يصل إليك، أو عن كل زبون يشتري منك، حسب الشرط، ومن الجائز أيضًا أن يكون هذه الأجر في صورة جعالة، أي نسبة مئوية من قيمة مشتريات الزبون.
4- التأمين الذي يستفيد منه العميل حامل البطاقة، حال سفره، يعد تأمينًا تجاريًّا، لأنه مُقابَل بجزء من الاشتراك (= القسط) السنوي، وهذا جائز عند بعض الفقهاء المعاصرين الذين أجازوا التأمين التجاري، وإذا أمكن تعديله بحيث يصبح تأمينًا تعاونيًّا، بلا أرباح، جاز عند عدد أكبر من الفقهاء المعاصرين، يضم الفقهاء الذين أجازوا التأمين التعاوني بالإضافة إلى الذين أجازوا التأمين التجاري، وإذا لم يمكن تعديله، أمكن إلغاؤه في مقابِل تخفيف مبلغ الاشتراك السنوي في البطاقة، بمقدار الجزء المقابل للتأمين.(7/318)
5- الجهة المصدرة لا تعتبر كفيلًا للعميل حامل البطاقة حيال المنشأة التجارية، فلو اعتبرت كذلك لكانت كفالة بأجر، لأنها مُقابلة بالاشتراك السنوي، فهي إذن غير جائزة، لأن الكفالة في الإسلام هي كالقرض من أعمال الإرفاق (= الإحسان) .
إنما تعتبر هذه العملية حوالة، والحوالة في الإسلام جائزة، لا سيما إذا كانت على مليء. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أُتبع أحدكم على مليء فَلْيَحْتَلْ)) [رواه الجماعة، نيل الأوطار 5/266] .
وهذه الحوالة هي من نوع الحوالة على مدين، وهي جائزة، ولو كانت حوالة على شخص ليس مدينًا ولا وديعًا، لصارت حوالة على مقرض، وإذن لأصبحت غير جائزة، لأنه قرض مُقابَل باشتراك، تصير فيه شبهة الربا.
الخلاصة:
والخلاصة فإن بطاقة الائتمان التي لا تتضمن قرضًا ربويًّا للعميل من الجهة المصدرة، تعتبر جائزة، إذ أن قيمة الفواتير، فور تسلمها من المصرف، تسجل في الجانب المدين من حساب العميل لدى المصرف، فهي بطاقة ائتمان مدينة، أي تنتهي إلى الطرف المدين من حساب العميل.
ويبدو أن بيت التمويل الكويتي يقدم خدمة بطاقات الائتمان، لكنه لم ينشر حولها أي فتوى. وكذلك لا نعلم حتى الآن أي دراسة شرعية أو فتوى منشورة حولها.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
الدكتور رفيق يونس المصري(7/319)
المشاركة في شركات أصل نشَاطها حَلَال
إلاّ أنّهَا تتعَامل بالحَرام
إعدَاد
الشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية
أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الكريم الوهاب والصلاة والسلام على سيدنا محمد النبي الأواب وعلى آله وأزواجه والأصحاب. أسأله تعالى التوفيق وأستلهمه الصواب.
أما بعد: فإن من القضايا المعروضة على أنظار المجامع الفقهية في هذه الأيام مسألة مشاركة في شركات أصل نشاطها حلال إلَّا أنها تتعامل بالحرام فأجبت وبالله استعنت.
إن هذه الشركات لا تخلو من أن يكون نظامها ينص على تعاملها بالحرام صراحة، كأن ينص مثلًا على استثمار بعض عائداتها في البنوك الربوية للحصول على زيادة ناشئة عن القروض، أو في مصانع الخمور أو أنشطة القمار، أو أن لا ينص على ذلك صراحة، بل إنه معروف عرفًا، أو أن تكون مشغولة الحال مع أن أصل نشاطها حلال، إلَّا أنها يشرف عليها كفار أو فسقة لا يبالون بطيب الكسب.
قبل أن نرتب على هذه الفروض حكمًا ينبغي أولًا أن نوضح مفهوم الشركة دون النزول إلى تفاصيل أنواعها التي يختلف العلماء فيها حيث قسمها البعض من حيث الموضوع العام إلى ستة أقسام ... شركة في الأعيان والمنافع، وشركة في الأعيان دون المنافع، وشركة في المنافع دون الأعيان، وشركة في المباح بمنافع المباح، وشركة في حق الأبدان، وشركة في حقوق الأموال.(7/320)
وأما من حيث الصيغة الناشئة عن العقد في شركة خاصة فقد قسمها البعض إلى خمسة أقسام.
- شركة عنان.
- شركة مفاوضة.
- شركة أبدان.
- شركة وجوه.
- شركة مضاربة.
الذي يعنينا هنا هو تعريف الشركة بقدر ما يخدم الموضوع الذي نبحث فيه، فقد عرفها في التكملة الثانية للمجموع (بأنها ثبوت الحق لاثنين فأكثر على جهة الشيوع) (1) ، وعرفها المغني (بأنها الاجتماع في استحقاق أو تصرف) (2) .
وعرفها خليل المالكي بقوله: (الشركة إذْنٌ في التصرف لهما مع أنفسهما) ، قال شارحه: (إنه إذْنٌ من كلٍّ منهما في التصرف في ماله لهما مع بقاء تصرف أنفسهما) ، وعرفها ابن عرفة بتعريفين: (أحدهما عام والآخر خاص، قال: الأعمية تقرير متمول بين مالكين فأكثر ملكًا فقط، والأخصية ببلا مالك كل بعضه ببعض كل الآخر موجبًا صحة تصرفهما في الجميع) (3) .
وبعد: فإنه بدون أن ندخل في مناقشة التعريفات، جنسًا وفصلًا، والاختلاف الذي يمكن ملاحظته بينها، والناشئ عن اختلاف المذاهب في الشركة الصحيحة بين موسعٍ كالحنابلة، ومضيقٍ، كالشافعية، ومتوسط كالمالكية يمكن أن نقرر:
أن العنصر المشترك هو استواء شركاء في المسؤولية سواء عبرنا بثبوت الحق المشاع، أو الاجتماع في الاستحقاق، أو الإذن في التصرف لهما مع أنفسهما.
__________
(1) التكملة الثانية، للمجموع.
(2) المغني، لابن قدامة: 7/109، دار هجر.
(3) الزرقاني على خليل، مع حاشية البناني: 6/40، وكذلك الحدود، لابن عرفة شرح الرصاع: ص322.(7/321)
وانطلاقًا من الملاحظة الأولى يمكن القول: إن الاشتراك في شركة تنص قوانينها على أنها تتعامل بالربا لا يجوز، وكذلك تلك التي يعرف منها ذلك ولو كان أصل مال الشريكين حلالًا والدخول في هذا النوع من الشركات حرام وباطل.
وأما تلك التي أصل مالها حلال ولا يوجد شرط ولا عرف بالتعامل بالربا، إلَّا أنها يديرها من لا يتحرج من تعاطي الربا، فهذه يُفَصَّلُ فيها: فإن كان الشريك الذي يتحرج من الربا يشارك في ناشطها ويطلع عليه بحيث يمنع من تسرب الربا إليها فهذا جائز، وإن لم يكن كذلك بل تجري معاملاته في غيبته، فإن ذلك لا يجوز بداية، ويصح عقد الشركة في النهاية. فإذا تحقق وقوع بعض المعاملات الربوية فإنه يتصدق بالربح المتعلق بتلك المعاملة وجوبًا لتطهير ماله، وإذا لم يتحقق بل شك في ذلك فإنه يندب له التصدق.
هذا حصيلة ما يفهم من كلام العلماء في مختلف المذاهب وما تدل عليه الأصول العامة للشريعة، وإليك بعض نصوص العلماء المتعلقة بالموضوع تصريحًا أو تلويحا: قال ابن قدامة: " قال أحمد يشارك اليهودي والنصراني ولكن لا يخلو اليهودي والنصراني بالمال دونه ويكون هو الذي يليه لأنه يعمل بالربا "، وبهذا قال الحسن والثوري، وكره الشافعي مشاركتهم مطلقًا لأنه روي عن عبد الله بن عباس أنه قال: " أكره أن يشارك المسلم اليهوديّ، ولا يعرف له مخالف في الصحابة، ولأن مال اليهودي والنصراني ليس بطيب فإنهم يبيعون الخمر ويتعاملون بالربا فكرهت معاملتهم "، ولنا ما روى الخلال بإسناده عن عطاء، قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاركة اليهودي والنصراني إلَّا أن يكون الشراء والبيع بيد المسلم)) ، ولأن العلة في كراهة ما خَلَوْا به، معاملتهم بالربا وبيع الخمر والخنزير وهذا منتف فيما حضره المسلم أو وليه، وقول ابن عباس محمول على هذا فإنه علل بكونهم يربون، كذلك رواه الأثرم عن أبي حمزة عن ابن عباس أنه قال: لا تشاركن يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا مجوسيًّا لأنهم يربون، وأن الربا لا يحل، وهو قول واحد من الصحابة لم يثبت انتشاره بينهم وهم " الشافعية " لا يحتجون به، وقولهم: إن أموالهم غير طيبة لا يصح، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد عاملهم ورهن درعه عند يهودي على شعير أخذه لأهله وأرسل إلى آخر يطلب مه ثوبين إلى الميسرة، وأضافَةُ يهوديٌ بخبز وإهالة سنخة، ولا يأكل النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس بطيب، وما باعوه من الخمر والخنزير قبل مشاركة المسلم فثمنه حلال لاعتقادهم حلَّه، ولهذا قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: وَلُّوهم بيعها وخذوا أثمانها، فأما ما يشتريه أو يبيعه من الخمر بمال الشركة أو المضاربة فإنه يقع فاسدًا وعليه الضمان لأن عقد الوكيل يقع للموكل والمسلم لا يثبت ملكه على الخمر والخنزير فأشبه ما لو اشترى به ميتة أو عامل بالربا، وما خفي أمره فلم يعلم فالأصل إباحته وحِلَّه" (1) .
__________
(1) المغني، لابن قدامة: 7/109 – 110 -111.(7/322)
هذا نص المغني بكامله واضح منه أن معاملة المرابي منهم الذي يخلو بتصرفه لا تجوز، وأن العلة هي الربا، وأن تعامل اليهودي والنصراني بما لا يجوز بعد الدخول في الشركة مع المسلم يكون فاسدًا، لأن المسلم لا يثبت ملكه على المحرمات، ولا يصح تعامله بالربا، وعقد الوكيل كعقد الموكل، هذا معنى كلامه الذي يدل بنصه وبمفهومه على أن الدخول في شركة تتعامل بالربا لا يجوز ولا يصح.
أما الشافعية فقد قال صاحب المهذب: " ويكره أن يشارك المسلم الكافر لما روى أبو حمزة عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: لا تشاركن يهوديًّا ولا نصرانيًّا ولا مجوسيًّا قلت: لم؟ قال: لأنهم يربون والربا لا يحل" (1) .
فأنت ترى الشافعية كرهوا ذلك لمجرد التهمة، أما المالكية، فقد قال الزرقاني عند قول خليل في الشركة: " وإنما تصح من أهل التوكيل والتوكل وخرج به شركة مسلم بكافر يتجر بغير حضور المسلم، فإنها غير صحيحة على ما لبعضهم كظاهر المصنف ولكن ظاهر المدونة المنع ابتداء وصحتها بعد الوقوع فكان على المصنف الاقتصار على القيد الأول ولذلك لم يعبر ابن شاس وابن الحاجب بالصحة وإنما عبرا بالجواز، فقال: من جاز له تصرف لنفسه جاز توكيله وتكفله إلَّا لمانع. اهـ.
وقبله ابن عرفه قائلًا: مسائل المذهب واضحة به. اهـ.
وأما شركة مسلم لكافر يتجر بحضور مسلم فجائزة وصحيحة قطعًا كما في المدونة، ثم إذا نض المال في القسم الأول، أي عدم حضور المسلم أخذ المسلم ما يخصه من رأس المال والربح إن علم سلامة الكافر من عمل الربا وتجر الخمر، فإن شك في عمله في ربا ندب للمسلم صدقته بربحه فقط لقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ} (2) ، وإن شك في عمله به في خمر ندب له التصدق بربحه وبرأس المال جميعًا بوجوب إراقة الخمر ولو اشتراه بمال حلال، وإن تحقق عمله بالربا وجب التصدق بالربح فقط وإن تحقق تجره بخمر وجب على المسلم تصدقه برأس ماله وربحه معًا كذا يفيده اللخم" (3) .
قال الزرقاني: " كذلك عند قول خليل في باب الوكالة ومنع ذمي في بيع أو شراء أو تقاض، وفي تعقب أو تقاض لدين لعدم تحفظه أي من فعل الربا" (4) .
أما الحنفية، فقال في الدر المختار في باب الشركة تعليقًا على قول تنوير الأبصار: " وتساويا مالًا وتصرفًا ودينًا فلا تصح بين حر وعبد وصبي وبالغ ومسلم وكافر لا يخفى أن التساوي في التصرف يستلزم التساوي في الدين وأجازها أبو يوسف مع اختلاف الملة مع الكراهة "، قال ابن عابدين: " يستلزم التساوي في الدين لأن الكافر إذا اشترى خمرًا أو خنزيرًا لا يقدر المسلم أن يبيعه وكالة من جهته فيفوت شرط التساوي في التصرف ابن كمال، قوله: مع الكراهة لأن الكافر لا يهتدي إلى الجائز من العقود زيلعي" (5) .
__________
(1) المجموع، التكملة الثانية 14/61.
(2) سورة البقرة: الآية 279.
(3) الزرقاني: 6/41.
(4) نفس المرجع والجزء: ص82.
(5) حاشية ابن عابدين: 3/337.(7/323)
المراد من سرد هذه النصوص ليس التدليل على صحة الاشتراك مع الكافر أو عكسه وإنما التنبيه إلى العلة التي من أجلها كرهه من كرهه ومنعه من منعه ألا وهي تعاطي البيوع الممنوعة في شكل اشتراء أعيان لا تجوز أو تعامل بالربا، فمن احتاط منع خوفًا من تهمة الربا، ومن لم يحتط فصل قائلًا: إن الجواز مختص بالمعاملات التي يحضرها المسلم، وفي حالة عدم معرفة حال الشريك فإنه إذا شك تصدق ندبًا لتطهير ماله، وإذا تحقق وجب أن يتصدق على التفصيل الذي ذكره الزرقاني، ولم نجد نقلًا يجيز الدخول معه في شركة مع العلم بأنه يتعاطى الربا، ولا نعلم أحدًا أقرّه على الاشتراك معه إذا اكتشف ذلك التعامل، لأنه لا يجوز أن يبقى المسلم متلبسًا بمعاملة الربوية ليدفع قسطًا من أرباحه تخلصًا من الحرام، وإنما يجب أن يكون دفع هذا القسط علامة على التوبة على أن لا يعود، قال تعالى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} (1) .
ولتأكيد وتأصيل ما ذهبنا إليه نذكر ثلاثة قواعد في شكل مبادئ:
المبدأ الأول: إن الشريك يده هي نفس يد الآخر بحيث أن أي عمل يعمله الآخر بالشركة هو عمله هو لا فرق بينهما، أشار إلى ذلك ابن قدامة في الكلام الذي نقلناه عنه آنفًا وذكر أن المعاملات المحرمة التي يقوم بها الشريك الكافر بعد الشركة تكون فاسدة.
المبدأ الثاني: هو شيوع الحرام في مال الشركة مما يجعلها متلبسة بالحرام حتى ولو أعطى قسطًا من الربا حيث يظل ماله مخلوطًا ببقية مال الشركة الذي ينتشر فيه الحرام، فإن ذلك لا يطهره لأن المعاملات الربوية هي معاملات فاسدة، وبالتالي فإن المال مرهون بمعاملات فاسدة ينتشر فيها الحرام " قال ابن القاسم: قال مالك: قال ابن هرمز: عجبًا للمرء يرزقه الله المال الحلال ثم يحرمه من أجل الربح اليسير حتى يكون كله حراما "، " قال محمد بن رشد: قوله ثم يحرمه من أجل الربح اليسير، يريد من أجل الربح الحرام الذي هو ربا، مثل أن يكون له على رجل مائة فيؤخره بها على أن يأخذ منه مائة وعشرين، وقوله حتى يكون كله حرامًا، ليس على ظاهره بأنه يحرم عليه جميعه، ولا يحل له منه شيء، لأن الواجب عليه فيه بإجماع العلماء أن يرد الربح الذي أربا فيه إلى من أخذه منه، ويطيب له سائره لقول الله عز وجل: {وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاَ تَظْلِمُونَ وَلاَ تُظْلَمُونَ ... } الآية (2) .
__________
(1) سورة النحل: الآية92.
(2) سورة البقرة: الآية 279.(7/324)
وإنما معنى قوله حتى يكون كله حرامًا، أي حتى يكون كله بمنزلة الحرام في أنه لا يجوز له أن يأكل منه شيئًا حتى يرد ما فيه من الربا، لأنه إن أكل منه قبل أن يرد ما فيه من الربا فقد أكل بعض الربا لاختلاطه بجميع ماله وكونه شائعًا فيه" (1) .
وذكر ابن رشد خلافًا في التعامل ببيع وشراء مع المرابي بين مانع لذلك كله كابن وهب وأصبغ من أصحاب مالك، ومجيز كابن القاسم ومفرق بين الحرام اليسير والحرام الغالب باختصار يراجع فيه (2) .
وإذا كان الأمر كذلك فكيف بالشركة معه، والخلاف في اختلاط الحرام مع الحلال أيهما يغلب معروف وكذلك في تميز الجزء الشائع أو عدمه (3) .
المبدأ الثالث: إن الشركة كالوكالة، والوكالة لا تجوز على محرم، قال البناني بعد كلام: فجعل الإنسان غيره يقتل رجلًا عمدًا عداونًا هو أمر لا نيابة وجعله يقتله قصاصًا نيابة ووكالة (4) .
وهو أمر لا مرية فيه، فلا يجوز ولا يصح أن توكل شخصًا ليسرق أو ليبيع بالربا، فهي وكالة باطلة وآثارها كذلك، قال السيوطي: " قاعدة من صحت منه مباشرة الشيء صح توكيله فيه غيره وتوكله فيه عن غيره وإلَّا فلا " (5) .
__________
(1) البيان والتحصيل: 18/194 – 195.
(2) البيان والتحصيل: 8/514 – 515؛ 18/579 وما بعدها.
(3) القواعد، لابن رجب: ص29-30؛ والأشباه للسيوطي: ص80.
(4) حاشية البناني: 6/72.
(5) الأشباه والنظائر، للسيوطي: ص261.(7/325)
وقد سبق كلام المغني في جعله الشركة كالوكالة عندما قال: إن عقد الوكيل يقع للموكل، في كلامه عن الشركة.
وبعد، فإن حرمة هذا النوع من الشركات تبدو غاية في الوضوح لانطباق قواعد التحريم عليها، لأنها أحرى بالحرمة مما ذكرنا، ثم إن التحريم في هذه المسألة هو من باب تحريم المقاصد وتحريم الوسائل، وتحريم المقاصد لأنه ممارسة الربا في شكل بيوع فاسدة، وتعاطي البيع الفاسد في حد ذاته محرم مهما كانت نية المتعاطي في جبره، قال السيوطي " القاعدة الخامسة ": تعاطي البيوع الفاسدة حرام كما يؤخذ من كلام الأصحاب إلى أن قال عن الروياني في الفروق والتصرفات بالشراء الفاسد: كلها كتصرفات الغاصب، إلَّا في وجوب الحد عليه وانعقاد الولد حرًّا (1) .
وممنوعة منع الوسائل والمآلات لأنها تعاون على الإثم قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (2) .
ولأنها وسيلة إلى استمراء الربا والانغماس في حمأته وقد يؤول الأمر إلى ورثة لا يهتمون حتى بإخراج الأرباح الناشئة عن المعاملات الربوية.
والله ولي التوفيق.
الشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية
__________
(1) الأشباه والنظائر: ص178.
(2) سورة المائدة:: الآية 2.(7/326)
التعامُل مَع شركات تَقوُم بأعمال مَشروعَة
وَتتعامَل مَع البُنوُك بالفَوائد
إعداَد
فضيلة الشيخَ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بية
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة:
هذا البحث سنبسطه أولًا في شكل نصوص للفقهاء تمتزج فيها أقوال التحريم بالتحليل دون تبديل أو تعديل وبعد أن أرستها العراك. أتعرض في المرحلة الثانية من البحث لتحصيل الأقوال مما بسطه من الاستدلال ثم أوجه الأقوال في المرحلة الثالثة متوخيًّا تأصيل فروعها على أساس القواعد الفقهية ثم أنهي بخلاصة تبين الراجح والمنهج الواضح.
وهو سبحانه وتعالى ولي التوفيق.(7/327)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وهو ولي الصالحين والصلاة والسلام على سيد المرسلين السراج المبين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
التعامل مع شركات تقوم بأعمال مشروعة وتتعامل مع البنوك بالفوائد:
إن ظاهر العنوان يدل على أن الشركات المشار إليها تمتلك رأس مال تتاجر فيه غير ناشئ عن القروض الربوية (وبالتالي فإن أكثر مال الشركة المعنية من أصل حلال) .
فإذا كان الأمر كذلك فإن التعامل معها جائز كما يفيده كلام جمهور العلماء، وقد صرح بعضهم بتحريمه، وقال بعضهم بكراهته، وسنوجه مختلف الأقوال بعد استعراض النقول والله ولي التوفيق.
فقد قال ابن رشد المالكي في كتابه البيان والتحصيل (1) : قال ابن القاسم قال مالك قال ابن هرمز: عجبًا للمرء يرزقه الله المال الحلال ثم يحرمه من أجل الربح اليسير حتى يكون كله حرامًا.
قال محمد بن رشد: قوله ثم يحرمه من أجل الربح يريد من أجل الربح الحرام الذي هو ربا، مثل أن يكون له على رجل مائة فيؤخره بها على أن يأخذ منه مائة وعشرين، وقوله حتى يكون كله حرامًا ليس على ظاهره بأنه يحرم عليه جميعه ولا يحل له منه شيء، لأن الواجب عليه فيه بإجماع من العلماء أن يرد الربح الذي أربى فيه إلى من أخذه منه ويطيب له سائره، لقول الله عز وجل: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (2) .
__________
(1) البيان والتحصيل: 18/194 – 195.
(2) سورة البقرة الآية 279.(7/328)
وإنما معنى قوله حتى يكون كله حرامًا، أي حتى يكون كله بمنزلة الحرام في أنه لا يجوز له أن يأكل منه شيئًا حتى يرد ما فيه من الربا لأنه إن أكل منه قبل أن يرد ما فيه من الربا فقد أكل بعض الربا لاختلاطه بجميع ماله وكونه شائعًا فيه، وكذلك على قوله لا يجوز لأحد أن يعامله فيه ولا أن يقبل منه هبة، لأنه إذا عامله فيه فقد عامله في جزء من الحرام لكونه شائعًا فيه، وهذا هو مذهب ابن وهب من أصحاب مالك، وهو استحسان على غير قياس، لأن الربا قد ترتب في ذمته وليس متعينًا في عين المال على الإشاعة فيه، فعلى ما يوجبه القياس تجوز معاملته فيه وقبول هبته، وهو مذهب ابن القاسم، وحرم أصبغ معاملته فيه وقبول هبته وهديته، وقال: من فعل ذلك يجب أن يتصدق بجميع ما أخذ وهو شذوذ من القول على غير قياس وبالله التوفيق.
وفرق ابن وهب بين المسلم والنصراني في نقل ابن رشد عنه حيث قال: قال (1) . وسألته (يعني ابن وهب) عن المسلم إن كان معروفًا بأكل الربا والعمل به وببيع الخمر، هل ترى أن يتسلف منه أو يقبض الدين منه؟ فقال: شأن المسلم عندي أعظم من شأن النصراني إذا كان المسلم معروفًا بأكل الربا والعمل به ويبيع الخمر، لم أر لأحد أن يتسلف منه ولا يقتضي دينه منه ولا يخالطه ولايؤاكله، قال ابن وهب قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تخالطن إلَّا مؤمنًا)) .
__________
(1) البيان والتحصيل: 8/514 – 515.(7/329)
قال محمد بن رشد: قوله في المعروف بأكل الربا والعمل به وبيع الخمر إن شأن المسلم في ذلك أعظم من شأن النصراني، يريد أشد من شأن النصراني في معاملة كل واحد منهما، صحيح. وإنما كانت معاملة المسلم الذي يعمل بالربا ويبيع الخمر أشد من معاملة النصراني وهو يبيع الخمر ويعمل بالربا من أجل أنه غير مخاطب بالشرائع على الصحيح من الأقوال بدليل إجماعهم على أنه إذا أسلم يحل له ما أربى فيه في حال كفره، وثمن ما باع فيه من الخمر. وقد أمر الله أن تؤخذ الجزية (منهم) وكره مالك في كتاب الضحايا من المدونة أن يتسلف الرجل من النصراني دينارًا باع به خمرًا أو يبيع به منه شيئًا مراعاة للقول بأنهم مخاطبون بفروع الشرائع، ولم يحرمه، والقياس جوازه، لأنه لو أسلم لحل له ذلك الدينار، ولم ير في هذه الرواية ابن وهب لأحد أن يتسلف من المعروف بأكل الربا أو بيع الخمر شيئًا، ولا يقبض منه دينًا ولا يخالطه ولا يواكله، ومعناه إذا كان الغالب على ماله الحلال، وابن القاسم يجيز ذلك، وهو القياس، وأصبغ يحرمه، وهو تشديد على غير قياس، لأنه جعل ماله كله حرامًا لأجل ما خَالَطه من الحرام، فأوجب عليه الصدقة بجميعه وقال: إن من عامله فيه وجب عليه أن يتصدق بجميع ما أخذ منه، وأما إن كان قد غلب على ماله الربا وثمن ما باع من الخمر فلا يعامل ولا تقبل هديته ولا يؤكل طعامه، قيل على وجه الكراهة وقيل على وجه التحريم، ولو ورث سلعة أو وهبت له لجاز أن تشتري منه وأن تقبل منه هبة باتفاق، واختلف إن كان الربا وثمن الخمر قد أحاط بجميع ما بيده من المال في مبايعته ومعاملته على أربعة أقوال قد ذكرناها، ووجه كل قول منها في مسألة قد شخصناها في هذا المعنى حاوية لجميع وجوهها ومعانيها فتركت ذكرها هنا اختصارًا، ومعنى قوله في الحديث الذي احتج به: ((لا تخالطن إلَّا مؤمنًا)) ، أي لا تخالطن في الأخذ والإعطاء إلَّا مؤمنًا ممدوح الإيمان لتورعه عن اكتساب الحرام، وبالله التوفيق.(7/330)
ووجه ابن رشد أوجه الخلاف في مستغرق الذمة الذي أحاط الربا بماله، أو أحاطت التباعات به في مسألة من نوازل سحنون فقال ابن رشد: بعد حذف أول كلامه فيتحصل في المسألة ثلاثة أقوال (1) : أحدها: أن المستغرق الذمة بالحرام لا يجوز قبول عطيته ولا أكل طعامه ولا يسوغ لوارثه ميراثه. والثاني: أن المستغرق الذمة بالحرام يجوز قبول هديته وأكل طعامه ويسوغ لوارثه ميراثه، والثالث: أن المستغرق الذمة لا يجوز قبول هبته ولا أكل طعامه، ويسوغ لوارثه ميراثه.
وجه القول الأول أن ما عليه من الظلامات والتباعات لما كانت مستغرقة لما بيده من المال كان كمن أحاطت الديون بماله، لا تجوز هبته ولا عطيته ولا معروفه، ولا يسوغ لوارثه ميراثه، لكون ما عليه من التباعات أودى بماله، لأنها كالديون عليه، وقال الله عز وجل: {مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ} (2) .
ووجه القول الثاني أن ما عليه من الظلامات والتباعات وإن كانت مستغرقة لماله فليست متعينة فيه إذ قد ترتبت في ذمته، فساغت عطاياه لمن أعطاه إياها وساغ ماله لوارثه، وكان هو المسؤول المؤاخذ بما عليه من المظالم والتباعات إذا لم يؤدها أو لم يتصح منها في حياته.
ووجه القول الثالث أن ما عليه من المظالم والتباعات (أحق بماله لأنه مأمور بردها منه عاص لله عز وجل في ترك) ذلك وتأخيره، فلا يجوز له فيه عطية ولا معروف، ولا يسوغ ذلك للمعطي فإذا لم يفعل ذلك حتى مات بقيت عليه التباعات يطلب بها في الآخرة، وساغ ماله لوارثه، إذ ليست التباعات التي عليه ديونًا لمعينين يطلبونها فيجب إخراجها من ماله قبل الميراث، وقد أفردنا للتكلم على حكم مال من خالط الحرامُ ماله في حياته وبعد وفاته مسألة حاوية لجميع وجوهها، فمن أراد الشفاء منها في نفسه طالعها وبالله التوفيق.
__________
(1) البيان والتحصيل: 18/579 وما بعدها.
(2) سورة النساء: الآية 11.(7/331)
وقد قال ابن قدامة الحنبلي في المغني (1) : فصل وإذا اشترى ممن في ماله حرام وحلال السلطان الجائر والمرابي فإن علم أن المبيع من حلال ماله فهو حلال، وإن علم أنه حرام فهو حرام، ولا يقبل قول المشتري عليه في الحكم. لأن الظاهر أن ما في يد الإنسان ملكه، فإن لم يعلم من أيهما هو كرهناه لاحتمال التحريم فيه ولم يبطل البيع، لإمكان الحلال قل الحرام أو كثر، وهذا هو الشبهة، وبقدر قلة الحرام وكثرته تكون كثرة الشبهة وقلتها، قال أحمد: لا يعجبني أن يأكل منه لما روى النعمان بن بشير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمها كثير من الناس. فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي حول الحمى يوشك أن يرتع فيه. ألا وإن لكل ملك حمى، وحمى الله محارمه)) ، متفق عليه. وهذا لفظ رواية مسلم، وفي لفظ رواية البخاري: ((فمن ترك ما اشتبه عليه كان لما استبان أترك، ومن اجترأ على مايشك فيه من المأثم أوشك أن يواقع ما استبان)) . وروى الحسن بن علي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) ، وهذا مذهب الشافعي.
__________
(1) المغني: 4/295 وما بعدها.(7/332)
(فصل) والمشكوك فيه على ثلاثة أضراب:
الأول: ما أصله الحظر كالذبيحة في بلد فيها مجوس وعبدة أوثان يذبحون فلا يجوز شراؤها وإن أمكن أن يكون ذابحها مسلمًا لأن الأصل التحريم فلا يزول إلَّا بيقين أو ظاهر، وكذلك إن كان فيها أخلاط من المسلمين والمجوس لم يجز شراؤها لذلك. والأصل فيه: حديث عدي بن حاتم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إذا أرسلت كلبك فخالط كلبًا لم يسم عليها فلا تأكل، فإنك لا تدري أيها قتله)) ، متفق عليه، فإما إن كان ذلك في بلد الإسلام فالظاهر إباحتها، لأن المسلمين لا يقرون في بلدهم بيع ما لا يحل بيعه ظاهرًا.
والثاني: ما أصله الإباحة كالماء يجده متغيرًا لا يعلم أبنجاسة تغير أم بغيرها، فهو طاهر في الحكم، لأن الأصل الطهارة، فلا تزول عنها إلَّا بيقين أو ظاهر، ولم يوجد واحد منهما، والأصل في ذلك حديث عبد الله بن زيد قال: " شكا إلى النبي صلى الله عليه وسلم الرجل يخيل إليه في الصلاة أنه يجد الشيء، قال: ((لا ينصرف حتى يسمع صوتًا، أو يجد ريحًا)) ، متفق عليه.
والثالث: ما لا يُعرف له أصل كرجل في ماله حلال وحرام، فهذا هو الشبهة التي الأوْلَى تَرْكُها على ما ذكرنا، وعملًا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم، أنه وجد ثمرة ساقطة، فقال: ((لولا أني أخشى أنها من الصدقة لأكلتها)) . وهو من باب الورع.
فعلم من هذا أن المذهب الحنبلي على الكراهة في المجهول الذي اختلط حلاله بحرامه، وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج 8/158: " ولا تحرم معاملة في أكثر ماله حرام ولا الأكل منه".(7/333)
تفصيل الأقوال:
فتحصل من كلام العلماء جملة من الأقوال:
منها القول بجواز التعامل مع المتعامل بالربا إذا لم يغلب الربا على ماله.
ومنها المنع مطلقًا غلب أو لم يغلب.
ومنها الجواز مطلقًا غلب أو لم يغلب.
ومنها القول بالكراهة.
توجيه هذه الأقوال:
وجه القول الأول: إن الحرام وإن كان شائعًا في الأصل إلَّا أن التصرف يميز الحلال من الحرام فيحمل القدر المُتَصرَّفُ فيه على أنه من الجزء الحلال وهذا على شرط القاعدة التي تقول بتَميُّزِ الجزء الشائع.
وقد أشار إليها الزقاق بقوله:
وهل تعين لجزء شاعا
عليه حالف بعتق باعا
كمستحق وزكاة وغصب
كمهر أو مرتهن ومن وهب
جواب نفري عليه جاء
بلا نعم في قابض كشراء
وثمنًا لشطره وغيره
غصب هل ينزع فيه شطره
وخرج عليها مسائل منها دار مشاعة بين رجلين اعتدى غاصب على نصيب أحدهما فغصبه مشاعًا، هل يجوز للثاني أن يبيع نصيبه أو يكريه؟ وهل يشاركه المغصوب منه في الثمن والكراء؟ فأجاب ابن أبي زيد وهو النفزي بجوابين إلَّا أنه رجح أنه لا نصيب للمغصوب قائلًا إنه أشبه بالقياس.
ويوجه أيضًا بأن الدراهم والدنانير غير متعينة بمجرد استيلاء الشخص تصبح دينًا في ذمته، وتحل لمن يتعامل معه، وقد أشار ابن رشد إلى هذا التوجيه.(7/334)
ويوجه أيضًا بأن الحرام إذا كثر عليه الحلال استهلكه ويصير كالعين المستهلكة كقليل اللبن يغلب عليه الماء لا ينشر الحرمة عند ابن القاسم وأبي حنيفة خلافًا لأشهب والشافعي، قال في المنهج: وهل لعين ذي اختلاط؟ تنقل مغلوبة. إلخ (1) . وذكر هذه القاعدة ابن رجب في قواعده بعنوان: العين المنغمرة في غيرها إذا لم يظهر لها أثر فهل هي كالمعدومة حكمًا أو لا؟ فيه خلاف وذكر فروعًا كثيرة من الدراهم الحرام تختلط بالحلال وقد ذكروا قاعدة أخرى وهي أن الحرام لا يحرم حلالًا (2) قال السيوطي: وهو لفظ حديث أخرجه ابن ماجه والدارقطني عن ابن عمرو مرفوعاً (3) .
ووجه القول الثاني: بالمنع مطلقًا غلب الحرام أو لم يغلب: هو الشيوع، أي أن الحرام منشر غير متميز وهو الشطر الثاني في القاعدة التي ذكرناها، وهو أيضًا أن الأمر إذا دار بين الحلِّيَّة والحُرْمة غلبت الحرمة احتياطًا.
وقال السيوطي في الأشباه والنظائر:
القاعدة الثانية: إذا اجتمع الحلال والحرام غلب الحرام. وأورد جماعة حديثًا بلفظ: ((ما اجتمع عليه الحلال والحرام إلَّا غلب الحرام)) قال الحافظ أبو الفضل العراقي والأصل له، وقال السبكي في الأشباه والنظائر نقلًا عن البيهقي: هو حديث رواه جابر الجعفي رجل ضعيف عن الشعبي عن ابن مسعود وهو منقطع، قلت وأخرجه من هذا الطريق عبد الرزاق في مصنفه وهو موقوف على ابن مسعود لا مرفوع، ثم قال ابن السبكي: غير أن القاعدة في نفسها صحيحة، قال الجويني في السلسلة: " لم يخرج منها إلَّا ما ندر".
__________
(1) راجع المنهج بشرح الشنقيطي: ص27.
(2) القواعد، لابن رجب: ص29-30.
(3) الأشباه والنظائر: ص80.(7/335)
وبنى السيوطي جملة من الفروع على هذه القاعدة: منها اشتباه محرم بأجنبيات محصورات لا تحل واحدة منهن، ومنها قاعدة " مدعجوة " ودرهم، ومنها ما أحد أبويه مأكول والأخير غير مأكول غلبت الحرمة – واشتراك المسلم مع المجوس في الذبح – وعدم جواز وطء الجارية المشتركة، ومنها لو خلط المكاس دراهم شخص على دراهم المكس ورد إليه قدرها لا يجوز عن النووي، إلَّا أنه ذكر عن ابن الصلاح لو اختلط دراهم حلال بدراهم حرام ولم تتميز فطريقه أن يفرز قدر الحرام بنية القسمة.
وذكر اتفاق أصحاب الشافعي إذا غصب زيتًا أو حنطة وخلطه بمثله قالوا: يدفع إليه من المختلط قدر حقه ويحل الباقي للغاصب، قائلًا أما ما يقوله العوام إن اختلط ماله بغيره يحرمه فباطل لا أصل له، وذكر مسألة الصفقة التي تجمع بين الحلال والحرام وفيها قول بالصحة في الحلال، والثاني البطلان في الكل وادعى في المهمات أنه المذهب (1) (مع حذف وتصرف) (2) .
أما القول بالجواز مطلقًا فمرده إلى أن الأصل في العقود اللزوم ولاصحة لترتب الأحكام على أسبابها، وأن الحرام قد تعلق بذمة صاحبه، وقد ذكرنا طرفًا من توجيهه في كلام ابن رشد، وصح عن ابن مسعود، أنه سئل عمن له جار يأكل الربا علانية، ولا يتحرج من مآل حيث يأخذه قال أجيبوه فإنما الهناء لكم والوزر عليه، وفي رواية أنه قال: لا أعلم له شيئًا إلَّا خبيثًا أو حرامًا قال أجيبوه" (3) .
__________
(1) الأشباه والنظائر: ص74 – 75.
(2) شرح الزقاق، للشنقيطي: ص108.
(3) جامع العلوم والحكم: ص61 – 62.(7/336)
توجيه القول بالكراهة:
فلمحل الشبهة، والشبهة تنشأ من تعارض الأدلة، كما تنشأ من اختلاط الحرام بالحلال، كالتمرة الساقطة على الفراش التي أهوى عليها النبي صلى الله عليه وسلم، ثم رماها خشية أن تكون من تمر الصدقة (وهو في الصحيحين) (1) .
وقد اختلف العلماء هل المشتبه فيه حرام أو مكروه؟ فذهب بعضهم إلى الحرمة للزيادة التي في صحيح مسلم وفيها: ((فمن وقع في الشبهات وقع في الحرام)) وقد فسر أحمد الشبهة بأنها منزلة بين الحلال والحرام، وفسرها تارة باختلاط الحلال والحرام، فقال في معاملة من في ماله حرام وحلال مختلط: فإن كان أكثر ماله الحرام ينبغي أن يتجنب إلَّا أن يكون شيئًا يسيرًا أو شيئًا لا يعرف.
واختلف أصحابه هل هو مكروه أو محرم على وجهين، وإن كان أكثر ماله الحلال جازت معاملته والأكل من ماله (2) . [نقلًا عن ابن رجب بتصرف يسير] .
وسئل (ابن لبابة) عن متاجرة أهل الغصب والربا، ومن لا يتورع: هل تجوز متاجرتهم بالدنانير والدراهم، على علم أنها من أموالهم؟ فأجاب: إن ترك ذلك تارك فهو خير له، وإن لم يتورع عن ذلك فليس بحرام حتى يعرف شيئًا بعينه فيجتنبه (3) .
__________
(1) جامع العلوم والحكم: ص60.
(2) جامع العلوم والحكم: ص61.
(3) المعيار المعرب: 6/181.(7/337)
خلاصة القول:
التعامل مع الشركات ذات النشاط المشروع في الأصل إلَّا أنها تتعاطى أنشطة غير مشروعة، وذلك بحصولها على قروض ربوية مما يعني أن هذه الشركات لها رأسمال ناض ناشئ عن أنشطتها المشروعة، وليس ناشئًا عن هذه القروض الربوية في الأساس، ولكن القروض التي تحصل عليها تشكل جزءًا من ثروتها.
وطبقًا لهذا التصوير فإنه يجوز التعامل مع هذه الشركات وهذا هو القول الصحيح الذي عليه جمهور العلماء، بناء على تغليب جانب الصحة في عقود المسلمين طبقًا للقاعدة وهي: (إن عقود المسلمين محمولة على الصحة) وذهب بعض العلماء إلى التحريم نظرًا لشيوع الحرام وانتشاره وعدم القدرة على تمييزه عن الحلال بناء على أن الجزء الشائع لا يتميَّز.
وهناك قول بالكراهية، وهو وسط بين قولين لمكان الشبهة والاشتباه، ينشأ عن اختلاط حلال بالحرام، والأصل في المشتبه الكراهة عند مالك، وفي رواية عند أحمد، أما الورع فهو عدم التعامل للنهي عن مخالطة أهل الفسق والركون إليهم ومساعدتهم سدًّا للذريعة ولقوله تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1) .
ومعاملة الكفار المرابين أخف من معاملة غيرهم، أما إذا كانت التبعات قد استغرقت مال المسلم ففيه الخلاف السابق إلَّا أن القول بالحرمة يتقوَّى أكثر مما لو كان الحرام يشكل جزءًا من ماله، لا يعرف بعينه، فلو عرف بعينه كحيوان مغصوب أو دار مغصوبة أو سلعة مسروقة ما جاز اشتراؤه.
الشيخ عبد الله الشيخ محفوظ بن بية
__________
(1) سورة المائدة: الآية 2.(7/338)
الوَثائِق
الوَثيقَة رَقم (1)
بَحثٌ عَن بَطاقات الائتمان المصرفيّة
والتكييف الشرعي المعمُول به في
بَيت التمويل الكويتي
إعدَاد
مركز تطوير الخدمة المصرفيّة
بيت التمويل الكويتي
بسم الله الرحمن الرحيم
أبواب البحث:
1- تمهيد، (الائتمان في بيت التمويل الكويتي) .
2- نبذة تاريخية للبطاقات المصرفية.
3- أنواع البطاقات المصرفية.
4- أنواع المنظمات صاحبة التراخيص للبطاقات المصرفية.
5- بطاقات الائتمان المصرفية ومعاملاتها.
- حالات التعامل المختلفة.
- أطراف التعامل في بطاقة " فيزا التمويل".
6- بطاقة الفيزا في بيت التمويل الكويتي.
- الشروط الواجب توافرها في مقدم طلب بطاقة الفيزا.
- حالات التعامل المختلفة.
- أنواع البطاقات التي يصدرها بيت التمول الكويتي.
- أسلوب عمل بطاقة فيزا التمويل.
- الرسوم التي يتقاضاها بيت التمويل الكويتي.
- التكييف الشرعي لبعض الجوانب الإجرائية لبطاقة فيزا التمويل.
7- الأسئلة الموجهة لهيئة الفتوى والرقابة الشرعية في بيت التمويل الكويتي.
8- ملحق النماذج المستخدمة في خدمة فيزا التمويل.(7/339)
تَمهيد
عندما بدأت المصارف الإسلامية أعمالها، كان السوق المصرفي في العالم العربي والعالم الغربي قد خطا خطوات كبيرة ومتنوعة في الصناعة المصرفية.
وقد تنامت هذه السوق وأصبحت جزءًا مهمًا من ثقافة الفرد والمجتمع الذي جعل من الأهمية العمل على إنشاء البديل الإسلامي لها.
وبما أن البديل الإسلامي يرجع مصدره إلى الشريعة الإسلامية الغراء، فلم يكن من الصعوبة وضع الأسس والدعائم للبدائل الإسلامية، إلَّا أنه وبسبب عدم تصدي القائمين على الشأن الاقتصادي بعرض هذه الأنشطة على المنهج الإسلامي خلال فترة تجاوزت الخمسين عامًا في الدول العربية قاطبة، أوجدت أشكالًا كثيرة ومتشعبة من العلاقات الاقتصادية بين الأفراد والدول، كما أوجدت أنظمة وعادات استحكمت جذورها في المجتمع الذي أوجدت فيه، أو هكذا أريد لها أن تكون.
ومع تنامي الوعي الاقتصادي الإسلامي للأفراد والمؤسسات بدأ الاهتمام بإنشاء مؤسسات مصرفية تعمل وفق المنهج الشرعي الإسلامي ووفق الأدوات المبينة في كتب الفقه من بيوع وأنشطة استثمارية مختلفة.
ومن هذه الأشكال الاقتصادية المصرفية مسألة الائتمان والأشكال التي يقدم بها، فالائتمان كما يعبر عنه في بيت التمويل الكويتي من المنظور الإسلامي، يستبعد عنصر الفائدة والربا في نشاطاته وذلك من خلال التمويل الاستثماري في كافة المجالات التي لا تخالف الشريعة الإسلامية الغراء، وكذلك تطهير المعاملات من الربا والغرر وغيرها مما حرمته الشريعة الإسلامية والمساهمة في تحقيق البنية الاجتماعية والاقتصادية وتشغيل الأموال بقصد المساهمة في تحقيق الحياة الكريمة.(7/340)
وتمثل الأمور التالية الأطر الرئيسية التي تقع داخلها جميع نشاطات وأعمال الائتمان في بيت التمويل الكويتي، وهي كالآتي:
* موافقة المشاريع المقدمة مع المنهج الإسلامي وقبل النظر إلى ربحية هذه المشاريع.
* تفاعل رأس المال مع العمل، وخصوصًا في حالات الكساد الاقتصادي. وتنمية أنواع المشاركات والمضاربات.
* العمل على مبدأ اتساع قطاع العملاء الذين نتعامل معهم لتنمية الطاقات وتذليل الصعوبات وخصوصًا أمام القطاع الذي لا يملك القوة المادية المحركة له.
* الثقة المتبادلة مع العميل كونه شريكًا مضاربًا.
* التسامح مع العميل في حالة الإعسار وعدم مقدرته على الوفاء تجنب كافة وسائل الاحتكار.
بينما يتميز الائتمان في البنوك الربوية بأنه إعادة إقراض المال إلى الغير بسعر فائدة أعلى من سعر الفائدة على الودائع، مما يعني إرهاقًا لكاهل الطبقة المنتجة في المجتمع وليس دعمها وتصويبها.
وقد أظهرت دراسة معهد الدراسات المصرفية الكويتي، بأنه خلال حقبة السبعينات كان 80 % من الائتمان الإجمالي للبنوك والمقدم لعملائها يتألف من السحب على المكشوف والقروض الشخصية والتجارية، مما أشعر البنك المركزي بخطورة هذا الاتجاه ودعا إلى خفض هذه النسبة والتي أصبحت 55 % - 40 % منذ 1982، لأن هذا الاتجاه يستنفذ دعائم الاقتصاد الوطني والقطاعات المنتجة فيه مما ينعكس سلبًا على مستوى حياة الأفراد ومستقبل الدورة الاقتصادية والاجتماعية فيه.(7/341)
أما الأسس التفصيلية التي يمنح على أساسها العميل الائتمان في بيت التمويل الكويتي، فهي:
* طبيعة العمل التي يزاوله العميل.
* نوع البضاعة والتخصص والوكالات التي يستورد منها.
* سمعة الشركة الأخلاقية والمهنية.
* كفاءة الإدارة البشرية فيها.
* الشركاء.
* الميزانية / المبيعات / الأداء.
* مديونيات العميل لجهات أخرى.
ومن أهم الأشكال الائتمانية التي يقدمها بيت التمويل الكويتي ما يلي:
1- بيع المرابحة.
2- بيع الأجل.
3- الاستصناع.
وموضوعات البطاقات المصرفية المختلفة يدخل ضمن أنواع منها منح ائتمان للعميل حامل البطاقة ... وهذا ما سنتطرق له في الصفحات اللاحقة.(7/342)
نَبذة تاريخيَّة للبَطاقاتِ المصرفيَّة
إن التفكير ببطاقات الاعتماد والملاءة أو بطاقات الائتمان بدأ مع مطلع هذا القرن الميلادي تقريبًا، ورغم حداثتها إلَّا أنها أثرت تأثيرًا كبيرًا في حياة ملايين البشر وخاصة في الدول المتقدمة والصناعية في أمريكا وأوربا واليابان، حيث التقدم والتطور الهائل في حقول الاتصالات والصناعات الألكترونية والحاسبات الآلية، والذي نقل البنوك إلى مرحلة جديدة ومتطورة مما كانت عليه في صناعة الخدمات المصرفية وبسبب توافر الإمكانيات والحاسبات الألكترونية المتطورة فقد تطلع المجتمع المالي إلى إيجاد نظام متطور لأعمال تمديد المديونيات والمقاصة وإنجاز التبادلات التجارية والاقتصادية.
وقد كان أول من فكر بإصدار بطاقة تسديد المدفوعات (PAYMENT CARD) هي شركة وسترن يونين (WESTERN UNION) في الولايات المتحدة الأمريكية حيث قامت عام 1914 بإصدار بطاقة معدنية تعطى لبعض العملاء المميزين للشركة والتي تمنحهم معاملة خاصة، إضافة إلى منحهم تسهيلات زمنية في دفع الالتزامات المترتبة عليهم.
وفي سنة 1917 قامت بعض الفنادق الضخمة والمحلات التجارية الكبرى وشركات النفط وشركات سكك الحديد كل منهما بإصدار بطاقات خاصة بها وعلى نطاق كبير، مما دفع بشركة جنرال بتروليوم كوربوريشن (GENERAL PETROLUM CORP) في كاليفورنيا سنة1924 للعمل على إصدار أول بطاقة ائتمان حقيقية توزع على الجمهور لدفع قيمة البنزين المباع لهم على أن تسدد المبالغ المترتبة عليهم في تواريخ لاحقة.(7/343)
وفي عام 1950 تم إنشاء " نادي الداينرز (DINER'S CLUB) والذي اتبع أسلوبًا جديدًا لدفع قيمة الفواتير والخدمات التي تترتب على أعضائه عند الشراء من المطاعم والمحلات التجارية والفنادق وذلك عندما استحدث بطاقة بلاستيكية أطلق عليها اسم بطاقة " الداينرز " والتي يستطيع حاملها أن يستخدمها وبدون تحديد مبلغ معين وعلى ضمان " نادي الداينرز " نفسه.
ونظرًا لنجاح فكرة الدفع بالبطاقات الائتمانية البلاستكية قام عام 1959 أكبر بنك في أمريكا وهو (BANK OF AMERICA) بدخول ميدان إصدار بطاقات الائتمان وأصبحت بطاقته مقبولة في جميع أنحاء الولايات المتحدة الأمريكية..
وقد تطور استخدام بطاقته مما جعله ينشئ مؤسسة منفصلة ومستقلة عن البنك، أطلق عليها اسم: (NATIONAL BANK AMERICARD CORP) . وقد شاركه في إنشائها مجموعة من البنوك بهدف تطوير نظام بطاقة المدفوعات هذه نظرًا لانتشار استخدام البطاقة ونجاحها على نطاق واسع.
وقد بدأت بعض البنوك بالتطلع لإصدار بطاقات خاصة بها تحمل اسمها، حيث تم في عام 1977 الاتفاق بين بعض البنوك على إنشاء منظمة غير ربحية، ينضوي تحت لوائها البنوك التي ترغب بإصدار بطاقة مدفوعات خاصة بها، وتكون مهمة هذه المنظمة ما يلي:(7/344)
1- دراسة طلبات البنوك التي ترغب بإصدار بطاقة خاصة بها، وتقويم المراكز المالية لهذه البنوك وقبول أو رفض هذه الطلبات.
2- تزويد البنوك الأعضاء بالخبرة الفنية والإدارية في إدارة نشاط إصدار البطاقات.
3- تقديم الخدمات المختلفة والقيام بدور الوسيط بين الأعضاء في الحالات التالية:
** في الاتصالات والمراسلات الخاصة بالمنظمة.
** في عمليات المقاصة والتسديد.
** في عمليات التفويض.
4- إقامة بعض شبكات الصرف الآلي في دول متفرقة في العالم لخدمة العملاء.
5- تطوير خدمات البطاقات وملاحظة التطورات التقنية والفنية في هذا المضمار وتزويد الأعضاء بها فور توفرها.
6- مراقبة السوق المالية وما يحدث بها من متغيرات ومراقبة المنافسة للحفاظ على قوة هذه المنظمة والبطاقة التي ترعاها.
وقد أطلق على هذه المنظمة والبطاقة التي ترعاها اسم " الفيزا " (VISA) ومع زيادة الأعضاء المنتسبين لها قامت " الفيزا " بإنشاء شعبتين الأمريكية وتسمى (VISA U. S. A) ، وتتولى الأخرى شؤون " الفيزا " لبقية دول العالم وتسمى (VISA INTERNATIONAL) ، وكلاهما يتبع منظمة (الفيزا) الأم.
ومقابل خدماتها لأعضائها، تتقاضى " الفيزا " رسوم عضوية من البنوك الأعضاء ورسوم على دورها في عمليات المقاصة والتفويض والخدمات التي تقدمها لتغطية نفقات إدارة نشاطاتها.
وقد انتشر في العالم منذ فترة قريبة العديد من هذه البطاقات، بالإضافة إلى بطاقة " الداينرز كلوب " و " الفيزا "، مثل بطاقة " الأمريكان إكسبرس (AMERICAN EXPRESS) و " الماستر كارد (MASTER CARDA) واليورو كارد (EURO CARD) والعديد من البطاقات الأخرى.(7/345)
أنَواع البَطاقات المصرفِيّة
تجدر الإشارة في هذا المقام إلى أن أسلوب العمل والسياسة المتبعة في البطاقة المصدرة تعتمد على سياسة البنك المصدر رغم استخدام نفس النوع من البطاقات العالمية.
وهناك ثلاثة أنواع من البطاقات البلاستيكية المصرفية من حيث أسلوب العمل، هي:
1- بطاقة الخصم الفوري.
2- بطاقة الخصم الشهري / الاعتماد.
3- بطاقة الائتمان / التسديد بالأقساط.
1- بطاقة الخصم الفوري (DEBIT CARD) :
ومن أمثلة هذه البطاقات، بطاقة الصرف الآلي، والتي تمنح للعملاء الذين لهم حسابات لدى البنك المصدر لهذه البطاقة وذلك للخصم الفوري من حساب العميل عند استخدامها بواسطة أجهزة الصرف الآلية.
وينحصر استخدام هذا النوع من البطاقات، في الغالب، في أجهزة الصرف الآلي أو أنظمة الخصم الألكترونية الفورية والتي أكثر ما تشاهد في الجمعيات التعاونية الكبيرة، وخصوصًا في الولايات المتحدة الأمريكية والتي يطلق عليها اسم " أجهزة التحويل الألكتروني في نقاط البيع " (EFT/P. O. S.) .
وتتصف هذه البطاقة بالآتي:
* تصدر للعملاء الذين لديهم حساب دائن لدى البنك المصدر لهذه البطاقة.
* تمنح مجانًا (في الغالب) .
* تستخدم في إطار جغرافية الدولة غالبًا أو مناطق تواجد فروع البنك المربوطة بجهاز حاسب آلي متصل بقاعدة معلومات عن حساب ورصيد العميل.
* يتم الخصم من حساب العميل فور استخدامه للبطاقة. وعند تعطل أنظمة الحاسب الآلي، وأحيانًا يكون هناك سقف أعلى (بمبلغ صغير) يمكن للعميل استخدام هذه البطاقة ضمن حدود هذا السقف لحين إعادة الاتصالات بنظام الحاسب الآلي.
* تستخدم في الغالب للسحب النقدي من أجهزة الصرف الآلي أو للاستفسار عن بعض المعلومات الخاصة بالعميل أو للاستفسار أو الحصول على بعض الخدمات التي يقدمها البنك كأسعار العملات أو شراء الشيكات السياحية إضافة إلى التعرف على الرصيد أو طلب كشف حساب مختصر أو تفصيلي أو التحويل فيما بين حسابات العميل.(7/346)
2- بطاقة الخصم الشهري (الاعتماد) (CHARGE CARD) :
وهي بطاقة تمكن حاملها من استخدامها في المحلات التجارية للشراء أو تلقي الخدمات في مكاتب الطيران أو الفنادق أو المطاعم ... إلخ، وكذلك يمكن للبعض منها أن تستخدم في أجهزة الصرف الآلي أو أنظمة التحويل الألكتروني (P. O. S) . ويتم خصم قيمة استخدام العميل لهذه البطاقة في موعد محدد من كل شهر.
وفي الكويت تصدر أربعة منها حتى الآن، هي:
* بطاقة " الفيزا " (VISA CARD) .
* بطاقة " الماستر كارد " (MASTER CARD) .
* بطاقة " الأمريكان إكسبرس " (AMERICAN EXPRESS) .
* بطاقة " الداينرز كلوب " (DINER'S CLUB) .
* ويمكن إيجاز أهم ما تمتاز به بطاقات الخصم الشهري السابقة كالآتي:
* يدفع العميل رسوم اشتراك ورسوم تجديد لقاء إصدار البطاقة أو تجديدها.
* يجب أن يكون للعميل حساب دائن لدى البنك صاحب البطاقة يستوفي منه قيمة استخداماته للبطاقة. (فيما عدا بطاقة " أمريكان إكسبرس " و " الداينزز كلوب " حيث لا يشترط ذلك) .
* يمكن استخدام البطاقة محليًّا ودوليًّا.
* يزود العميل بكشف حساب البطاقة كل فترة زمنية متقاربة يتضمن فيه قيمة مشترياته بواسطة البطاقة، حيث يخصم مجموع مبلغ كشف الحساب مرة واحدة من حساب العميل.
("الدينرز كلوب " ترسل كشف الحساب للعميل مرة كل شهر وتطلب فيه السداد فورًا، وبعد فترة إمهال قصيرة تبدأ باحتساب فوائد على المبالغ المتأخرة في السداد) .
* الأصل في شروط منح هذه البطاقات أن يكون في حساب العميل رصيد يكفي لتسديد قيمة المشتريات التي يقوم بها العميل، وإذا لم يكن ذلك متوفرًا تخصم البنوك قيمة الفواتير من حساب العميل الجاري وتحتسب الفوائد على رصيده المدين لحين تغطية العميل لحسابه الجاري المكشوف.
(ترسل " الأمريكان إكسبرس " كشف الحساب للعميل مرة شهريًّا وتطلب منه السداد فورًا ثم يعطى العميل مهلة زمنية بسيطة ثم يرسل له إنذار كتابي بعدها تلغى بطاقة العميل إذا لم يسدد في الفترة المحددة ويحتسب على المبالغ المستحقة عليه فوائد ربوية بعد فترة الإنذار) .(7/347)
3- بطاقة الائتمان (التسديد بالأقساط) (CREDIT CARD) :
وهذه البطاقة تتميز عن بطاقة الخصم الشهري بأن التسديد فيها يكون على شكل دفعات، قد تكون منتظمة أو غير ذلك، بحيث يكون دائمًا لدى العميل قدرة على استخدام البطاقة في حدود ائتمانية متفق عليها ما دام هو منتظمًا بسداد الفوائد المستحقة شهريًّا، ولها نفس ميزات بطاقة الخصم الشهري من حيث الاستخدامات الأخرى.
وتعتمد الجهات المصدرة لهذه البطاقة في إيراداتها، بالإضافة إلى رسوم العضوية والتجديد، على الفوائد المحتسبة على الرصيد المدين. ويرسل كشف حساب لحامل البطاقة ويعطى مهلة محددة للتسديد، وفي بعض الحالات تحتسب الفائدة على العميل من يوم إصدار كشف الحساب له.
كما أن بعض البنوك ترتب عملية السداد مع العميل بحيث تكون على فترة زمنية منتظمة، فالعميل يستخدم البطاقة ضمن حدود الائتمان الممنوح له وهو يعلم أن البنك يخصم منه قسطًا ثابتًا شهريًّا ويحتسب الفوائد على هذا الأساس ومن أمثلة هذه البطاقات:
* " الفيزا " (VISA CARD) .
* " الماستر كارد " (MASTER CARD) .
* الداينرز كلوب " (DINER'S CLUB) .
* " الأمريكان إكسبرس " (AMERICAN EXPRESS) .
ونلاحظ هنا أن هذه البطاقات يمكن أن تكون بطاقات خصم شهري أو بطاقات ائتمان وذلك تبعًا لسياسة ورغبة البنك المصدر للبطاقة، ووفقًا لما يحقق مصالحه ويتوافق مع احتياجات عملائه.(7/348)
أنواع المَنظمّات (المؤسّسَات)
صَاحبة التّرخيص للبطاقات المصرفيَّة
لبيان الفروق فيما بين المنظمات أو المؤسسات صاحبة الترخيص أو الراعية للبطاقات المصرفية سنأخذ مثالين:
أولًا – بطاقة " الأمريكان إكسبرس " (AMERICAN EXPRESS CARD) :
من المعروف أن " الأمريكان إكسبرس " هو بنك ومؤسسة مالية كبيرة تزاول الأنشطة المصرفية فضلًا عن أنها المصدرة لبطاقات " أمريكان إكسبرس " (AMEX) .
وتشرف هذه المؤسسة المصرفية مباشرة على عملية إصدار البطاقات دون أن تمنح تراخيص إصدار البطاقات لأي بنك أو مؤسسة مصرفية أخرى، وهي التي ترتب موضوع استيفاء التجار والمؤسسات التي تقبل البطاقة لحقوقهم منها مباشرة نيابة عن حملة البطاقة، ولا تلزم حملة بطاقتها فتح حسابات مصرفية لديها أو في فروعها ويكفيها أن تتعرف على مقدار الملاءة المالية للعميل لكي تقوم وفق معايير ائتمانية تناسب سياستها بإصدار البطاقة لمن تقبلهم من المتقدمين للحصول عليها.
وأطراف التعامل في حالة بطاقات (AMERICAN EXPRESS) وهي:
1- حامل البطاقة.
2- التاجر الذي يقبل بيع العميل مقابل استخدام البطاقة.
3- الـ (AMERICAN EXPRESS) .
(فهنا تكون العلاقة مباشرة بين ثلاثة أطراف) .(7/349)
ولا تقبل " الأمريكان إكسبرس " وضع أسم أي بنك آخر على بطاقتها إلَّا في حالة نوع واحد من بطاقتها هو " الأمريكان إكسبرس الذهبي " وعلى شرط أن يكون لدى البنك المصدر لهذه البطاقة حساب العميل المطلوبة له البطاقة وأن يكون هذا البنك ضامنًا للعميل.
وتصدر الأمريكان إكسبرس ثلاثة أنواع من البطاقات، تناسب كل منها نوع العميل وحجم التسهيلات المقدمة له، وهذه الأنواع هي:
1- بطاقة الأمريكان إكسبرس الخضراء.
2- بطاقة الأمريكان إكسبرس الذهبية: وتمنح للعملاء الذين يتمتعون بكفاءة مالية عالية، وتتميز بكون تسهيلاتها الممنوحة للعميل غير محدودة بسقف ائتماني معين.
3- بطاقة الأمريكان الماسية.
ثانيًّا – بطاقة " الفيزا " (VISA CARD) :
منظمة " الفيزا " (VISA) ، كما أشرنا إليها سابقًا، هي صاحبة الترخيص (الامتياز) للبطاقات المصرفية التي تحمل اسم (VISA) ، وهي لا تقوم بإصدار هذه البطاقات وهي ليست مؤسسة مصرفية، بل هي مثل نادٍ يساعد البنوك الأعضاء على إدارة خدماتهم، وتتكون إدارتها من ممثلي البنوك الأعضاء.
وتخضع البطاقات الصادرة من أعضاء منظمة " الفيزا " للأنظمة التي يضعها البنك المصدر لها ووفقًا لما يتناسب مع متطلبات عملائه وأنظمته الداخلية، دون تدخل من منظمة " الفيزا ". ويمكن أن تكون البطاقة المصدرة بطاقة خصم فوري، أو بطاقة خصم شهري، أو بطاقة ائتمان، كل ذلك اعتمادًا على سياسة البنك المصدر.
ويتم تسديد قيمة ما يشتريه العميل باستخدام البطاقة إلى التجار عن طريق قيام التجار بتقديم مستندات البيع إلى بنك محدد في الدولة التي يكونون فيها والذي يعرف بـ بنك التاجر تحدده منظمة " الفيزا "، حيث يقوم بنك التاجر بمتابعة تسديد البنوك الأعضاء للديون المترتبة على استخدام بطاقاتها في الدولة التي هو فيها مقابل رسوم يأخذها من التاجر نفسه.(7/350)
وتكون أطراف التعامل في حالة بطاقة " الفيزا " (VISA) هي:
1- حامل البطاقة (العميل) .
2- البنك المصدر للبطاقة.
3- التاجر الذي يقبل بيع العميل باستخدام البطاقة.
4- بنك التاجر الذي يقوم بمتابعة تسديد فواتير البيع للتجار مع البنوك المصدرة للبطاقة المستخدمة في عملية البيع.
5- منظمة " الفيزا "
(العلاقة تكون بين خمسة أطراف) .
وتمنح منظمة الفيزا العالمية تراخيص إصدار ثلاثة أنواع من بطاقتها وهي:
1- بطاقة الفيزا الفضية: وهي ذات حدود ائتمانية منخفضة نسبيًّا وتمنح لأغلب العملاء، عند انطباق الحد الأدنى من المتطلبات عليهم وتوفر هذه البطاقة جميع أنواع الخدمات المتوفرة من قبل منظمة الفيزا كالسحب النقدي من البنوك أو أجهزة الصرف الآلي أو الشراء من التجار ... إلخ.
2- بطاقة الفيزا الذهبية: وهي ذات حدود ائتمانية عالية وتمنح للعملاء ذوي الكفاءة المالية العالية، وتمنح العملاء، إضافة إلى الخدمات المتوفرة للبطاقة السابقة، تأمينًا على الحياة وخدمات أخرى دولية فريدة كأولوية الحجز في مكاتب السفر والفنادق، والتأمين الصحي، والخدمات القانونية.
3- بطاقة فيزا الكترون: وتستخدم في أجهزة الصرف الآلي الدولية أو في الأجهزة القارئة للشريط المغناطيسي.(7/351)
أطراف التعاون مع بطاقة " فيزا التمويل " في حالة الشراء من التجار
____________________
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
منظمة " الفيزا " (لندن)
البنك المصدر بنك التاجر
حامل البطاقة التاجر
____________________
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1- يصدر بطاقة للعميل (حامل البطاقة) وفق حدود استخدام شهرية محددة.
2- حامل البطاقة يستخدم بطاقته في الشراء لدى التاجر يحصل على قسيمة بيع بمبلغ العملية الفعلي.
3- يقوم التاجر بإيداع قسيمة البيع في حساب لدى بنك التاجر، ويتم دفع المبلغ إليه مباشرة، مخصومًا منه عمولة بنك التاجر المتفق عليها فيما بينهما.
4- ترسل إلى " فيزا " من خلال النظام الألكتروني المتبع جميع الحركات المالية التي تم احتسابها لصالح التجار من خلال العمليات التبادلية (INTERCHANGE) ويتم التقاصص خلال نفس اليوم.
5- يتم تحصيل قيمة القسيمة من البنك المصدر لصالح بنك التاجر من خلال النظام (BASE II) حيث يخصم المبلغ من حساب البنك المصدر ويودع في حساب بنك التاجر، وعند استلام الحركات المالية للبنك المصدر بالتفصيل تُخصم المبالغ من حسابات العملاء مع احتساب عمولة على مبلغ مشترياتهم وذلك لصالح البنك نفسه لتسوية مدفوعاته.(7/352)
بِطاقَة الائتمان المصرفيّة ومُعَامَلاتها
تقدم بطاقات الائتمان لأطراف التعامل فيها خدمات مختلفة منها:
(أ) بالنسبة لحامل البطاقة:
1- استخدام البطاقة بدلًا عن النقود في المحلات التجارية وشركات الطيران والفنادق والمطاعم وغيرها لسداد المبالغ المستحقة على حامل البطاقة لقاء شراء سلعة أو تلقي خدمة ومما يقلل حاجة حامل البطاقة لحمل مبالغ نقدية كبيرة معه أثناء تنقله أو تسوقه وإمكانية تعرضه للسرقة أو لفقدان نقوده.
2- تزويد حامل البطاقة بتسهيلات نقدية ضمن حدود الاستخدام الممنوحة له عند طلبه. ذلك من أي عضو في المنظمة في أي دولة كان فيها.
3- استخدام أجهزة الصرف الآلي التابعة لأعضاء المنظمة، محليًّا أو خارجيًّا، للحصول على مبالغ نقدية ضمن حدود تسهيلاته.
4- تقدم تسهيلات لحامل البطاقة في إجراءات حجز الفنادق وتأجير السيارات والشراء البريدي بضمان البنك المصدر.
5- إمكانية استخدامها محليًّا ودوليًّا دون الحاجة إلى حمل النقد أو تحويل العملات.(7/353)
(ب) بالنسبة للتاجر:
1- استقطاب عملاء جدد وبنوعية جيدة.
2- توفير ميزة تنافسية للتاجر بين أقرانه ممن لا يقبلون هذه البطاقات.
3- تخفف على التاجر مخاطر الاحتفاظ بمبالغ نقدية كبيرة في متجره وتقلل أثر مخاطر السرقة أو السطو المسلح.
4- توفر ضمانًا للتاجر من البنك المصدر لتغطية المبالغ الناشئة عن استخدام حامل البطاقة لها مباشرة عند تقديم المستندات.
(ج) بالنسبة للبنك المصدر للبطاقة:
الحصول على دخل من خلال:
1- استيفاء رسوم إصدار وتجديد البطاقة.
2- الحصول على نسبة من قيمة مشتريات حامل البطاقة، يستوفيها من بنك التاجر.
3- الحصول على نسبة من قيمة مبيعات التاجر، بالنسبة لبنك التاجر إذا كان هو مصدر البطاقة أيضًا.
4- الحصول على عائد من فروق سعر العملة الأجنبية عند التسديد بالعملة المحلية.
5- استيفاء فائدة (ربوية) على الرصيد المدين لحامل البطاقة غير المسدد في موعده (في حالة البنوك الربوية) .
6- الانتشار العالمي لاسم وسمعة البنك في الخارج.(7/354)
الوصف العام لنظام الفيزا:
(أ) المعاملات التجارية:
* عند قيام حامل البطاقة باستعمالها لشراء سلعة أو تلقي خدمة، محليًّا أو دوليًّا، فإن التاجر الذي يقبل التعامل بالبطاقة يقوم بتسجيل عملية البيع على قسيمة أو فاتورة (قسيمة البيع) ويعطي نسخة منها إلى حامل البطاقة مع وضع دمغة البطاقة على جميع نسخ قسيمة البيع بواسطة آلة بسيطة، وتكون قيمة الفاتورة مطابقة للسعر المتفق عليه للسلعة أو الخدمة دون زيادة.
* يقوم التاجر بعد ذلك بإيداع أصل قسيمة البيع في حسابه لدى البنك الذي يتعامل معه لتحصيل قيمتها.
(تتراوح نسبة ما يتقاضاه بنك التاجر ما بين 2 إلى 7 % من قيمة الفاتورة حسب الاتفاق بينه وبين التاجر) .
يقوم بنك التاجر بإيداع قيمة الفاتورة مخصومًا منها النسبة التي يتقاضها من التاجر (حسب الاتفاق) مباشرة في حساب التاجر لديه خلال فترة لا تتجاوز ثلاثة أيام.
ترسل بيانات فاتورة البيع وتحول رأسًا للبنك المصدر للبطاقة عن طريق منظمة " الفيزا " لتسوية الحساب مع عميله، حيث يزود بنك التاجر البنك المصدر للبطاقة بمعلومات تفصيلية عن الفاتورة المطلوب تسديدها ووقتها وتاريخها ومكانها. ويطلق على هذه العملية (INTERCHANGE) ، أما الفاتورة نفسها فتبقى لدى البنك التاجر.(7/355)
(ب) التفويض العالمي لاستخدام بطاقة " الفيزا ":
لقد أقرت منظمة " الفيزا "، وتسهيلًا للعملاء في استخدام البطاقة، حدودًا مالية متوسطة الحجم أطلق عليها اسم (FLOOR LIMIT) ، يستطيع التاجر أن يقدم خدماته للعميل ضمن حدودها دون الحاجة للرجوع إلى البنك المصدر للبطاقة للحصول على تفويض بقبولها، شريطة التأكد من الآتي:
* أن لا يتكون البطاقة منتهية.
* ان يكون توقيع وشخصية العميل مطابقة لبيانات البطاقة.
* أن لا تكون البطاقة مذكورة في نشرة خاصة توزع على التجار تحتوي على البطاقات المسروقة أو المطلوب عدم التعامل معها، ويطلق عليها " نشرة البطاقات المطلوب حجزها ".
وإن أي مبلغ يزيد عن الحد المشار إليه أعلاه يستلزم من التاجر أن يقوم بالاتصال بمركز التفويض بالبنك العضو المصدر للبطاقة ويزوده بالمعلومات الضرورية عن البطاقة وعملية الشراء ذاتها.
هذا الاتصال لا يستغرق عادة وقتًا كبيرًا، ويعتمد ذلك على التسهيلات الموجودة بنظام الاتصالات المتبع، فإذا كانت البطاقة صادرة من بنك عضو خارج البلد التي تمت بها عملية الشراء، فإن طلب التفويض يتم من خلال شبكة ألكترونية يطلق عليها اسم (VISA BASE I) حيث يستغرق الأمر عدة دقائق حسب سرعة البنك المصدر في الرد على طلب التفويض.
(ج) المقاصة والتسويات الألكترونية:
عند قيام التاجر بقبول بطاقة فيزا وتنفيذ عملية بيع مع حامل البطاقة، يرسل قسائم المبيعات إلى بنك التاجر لتحصيلها والذي بدوره يبث بيانات هذه القسائم إلى البنك المصدر للبطاقة عن طريق شبكة ألكترونية يطلق عليها اسم (VISA BASE II) .
ومن خلال هذا النظام المتخصص في إجراءات عملية التسوية والتقاصص بين مختلف البنوك وبصورة عالية الدقة والكفاءة بحيث تتم إجراءات التقاصص بين البنوك من حيث الإيداع والخصم على حساباتهم المختلفة يوميًّا.
فلو افترضنا أن العملية المذكورة أعلاه قد تمت لوحدها فقط في ذلك اليوم، وتم إيداعها في حساب التاجر في بنك التاجر (س) . وأن حامل البطاقة قد حصل على بطاقته من البنك المصدر (ص) . فإن نظام (VISA BASE II) سيقوم في نهاية ذلك اليوم بالخصم من حساب (ص) والإيداع في حساب (س) . ولو علمنا أن أعداد البنوك المصدرة للبطاقة وفروعها تزيد عن (200) ألف فرع لأدركنا حجم ذلك النظام وكفاءته.
(د) أجهزة الصرف الآلي المشتركة:
حيث يستطيع أي عضو ربط أجهزته للصرف الآلي مع شبكة " الفيزا " ليستفيد منها عملاؤه وغيرهم من حملة بطاقة " الفيزا "، وتسهيل مهمة الحصول على دفعات نقدية عند الطلب، وتتمثل أهداف إنشاء شبكة أجهزة الصرف الآلي في العالم بالآتي:(7/356)
* تعطي هذه الخدمة قيمة أكبر لهذه البطاقات عند العملاء، وتمكن نظام " الفيزا " من المنافسة مع أنظمة بطاقات الائتمان الأخرى الموجودة في السوق، وتزيد من مردود وعائد الأجهزة نفسها من حيث استخدامها الاستخدام الأمثل خلال العمر الإنتاجي الافتراض لها.
* توفر هذه الخدمة التكاليف والوقت الذي يبذل في تحقيق نفس الخدمة يدويًّا، عن طريق فروع البنوك الأعضاء.
* توفير منافذ ائتمانية جديدة مبتكرة ومتعددة للعملاء مما يزيد من عائدات البنك المصدر كما أن البنك مالك الجهاز يحصل على نسبة مقابل استخدام جهازه.
(هـ) أنظمة التفويض الآلية POINT OF SALE (P.O.S) .:
جهاز التحويل الألكتروني في نقاط البيع هو جهاز طرفي قارئ للشريط المغناطيسي على البطاقة ومربوط بالحاسب الآلي، " ترمينال "، موجود في موقع التاجر، يقوم بمجرد تمديد البطاقة في هذا الجهاز ووضع الرقم السري الشخصي للعميل بالاتصال بمركز التفويض في بنك التاجر والذي يقوم بدوره بتحويل الاتصال آليًّا إلى منظمة " الفيزا " وذلك للحصول على التفويض بقبول العملية أو رفضها وِفق معايير يضعها البنك المصدر في أنظمة التفويض الخاصة بالفيزا، دون الرجوع إليه في حالة مطابقتها أما عند تجاوزها فيتم التعامل معها حسب المعايير المحددة سلفًا كالاستجابة بالرفض أو الإرشاد للاتصال بالبنك المصدر مباشرة للحصول على التفويض المطلوب.
ويعود الرد آليًّا أيضًا من نفس القنوات المشار إليها سابقًا إلى الجهاز الموجود لدى التاجر حيث تظهر النتيجة من حيث الإيجاب أو الرفض مع بيان السبب عادة.(7/357)
أطراف التعامل في بطاقة " فيزا التمويل"
في حالة السحب النقدي من الفروع ومن خلال أجهزة الـ (A. T. M)
______________________________
ـ
منظمة الفيزا العالمية
BASE I
BASE II
بيت التمويل الكويتي
حامل البطاقة أجهزة الصرف الآلي البنك العضو
______________________________
ـ
1- تصدر البطاقة للعميل بحدود استخدام محددة.
2- يستخدم بطاقته للسحب النقدي من جهاز الصرف الآلي التابع للبنك العضو في"الفيزا".
3- جهاز الصرف الآلي مرتبط مع مركز التفويض في " الفيزا " حيث يتأكد من مطابقة الرقم السري وحدود الاستخدام المسموح له، وعند المطابقة يتم الحصول على التفويض المطلوب.
4- ترسل الحركات المالية إلى بيت التمويل عبر نظام BASE II)) حيث يقوم بيت التمويل بخصم المبلغ من حساب العميل وتسوية الحسابات مع احتساب نسبة على هذه الاستخدام.(7/358)
بطاقة الفيزا
في بَيتِ التّمويل الكوَيتي
بطاقة " فيزا التمويل":
إن ارتباط بطاقة " فيزا " مع اسم بيت التمويل الكويتي يعطي العميل الثقة ويربطه بخدمة ممتازة ومميزة، وذلك للآتي:
1- الحصول على خدمة متوافقة مع الشريعة الإسلامية، في كل الخدمات التي يحصل عليها.
2- عدم احتساب فوائد على المبالغ التي يتأخر العميل عن سدادها.
3- يتمتع العميل بكافة الخدمات التي توفرها له أية بطاقة ائتمان أخرى في خدمات الشراء من التجار أو السحب النقدي من البنوك والمؤسسات المالية أو خدمة السحب النقدي من أجهزة الصرف الآلي وفي جميع أنحاء العالم.
4- تجنيب العميل حمل مبالغ نقدية وتحميه من مخاطر الاعتداء والسرقة والضياع.
5- منح العميل تسهيلات في التسديد لمدة شهر أو شهر ونصف.
6- إن اسم " الفيزا " يوفر للعميل الترحاب في أي موقع خدمات أو بيع في أي دولة في العالم، حيث تقبل بطاقة الائتمان " فيزا " في ما يزيد عن 160 دولة حول العالم لدى أكثر من 6 ملايين مؤسسة تجارية تشمل شركات الطيران، الفنادق، والمطاعم، والمحلات التجارية الكبيرة والصغيرة، والنوادي ووكالات تأجير السيارات.
ونذكر ابتداءًا الشروط الواجب توافرها في الشخص الذي يمنح بطاقة ائتمانية في بيت التمويل الكويتي:(7/359)
من الناحية الاجتماعية والائتمانية:
1- أن يكون العميل على درجة كافية من العلم والمعرفة تمكنه من حسن استخدام البطاقة ويدرك مدى أهميتها والمحافظة عليها.
2- أن يكون بالغًا عاقلًا تجاوز 21 سنة.
3- أن يكون له عنوان واضح ويتمتع باستقرار وظيفي.
4- أن لا يقل راتبه عن 1200 دولار في الشهر (400 دينار كويتي) .
5- أن يحتفظ بحساب جار أو توفير لدى بيت التمويل الكويتي ويلتزم تحويل راتبه للبيت إن أمكن.
6- أن لا يقل معدل رصيده الشهري ولمدة ستة أشهر عن 100 دينار كويتي.
7- أن تكون المعايير المتعلقة بـ:
مدة التعامل.
معدل الرصيد خلال عام.
حجم المصاريف الشهرية.
المكانة الاجتماعية.
المؤهل العلمي.
الملاءة والممتلكات.
على درجة جيدة من المعقولية والاتزان لتغطية الالتزامات الناشئة عن البطاقة.
8- التعهد باستخدام البطاقة في المجالات التي تبيحها الشريعة الإسلامية، ولهذا غالبًا ما تمنع عن غير المسلمين. ولبيت التمويل الحق في إلغاء البطاقة عندما يرى، (دون ذكر الأسباب) ، أن العميل قد أساء استخدام البطاقة وبوجه خاص في حالة استعمالها للوفاء بأثمان بضائع أو أعمال أو خدمات مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية.(7/360)
حَالات التعَامُل المختَلفة
1 - 1- حالات تعامل حامل بطاقة " فيزا التمويل " مع التاجر:
(أ) عند قيام العميل حامل البطاقة باستخدام بطاقته بأي عملية شراء أو للحصول على خدمة ما مثل: استئجار سيارة – حجز فندق، يتم إتمام وتثبيت هذه العملية لدى التاجر بموجب مستند يسمى قسيمة البيع.
(ب) فإذا حدث ورغب العميل في وقت آخر وبعد إتمام عملية الشراء أن يعيد جزءًا أو كل البضاعة المشتراه إلى التاجر، ووافق التاجر على ذلك، فإن الأخير في هذه الحالة لا يقوم بدفع وإرجاع قيمة البضاعة المرتجعة (مردودات المشتريات) نقدًا إلى العميل حامل البطاقة، بل يحرر له قسيمة دفع (CREDIT VOUCHER) بقيمة البضاعة المرتجعة، يحتفظ العميل بنسخة من هذه القسيمة للمتابعة، بينما يقوم التاجر بإيداع هذه القسيمة لدى بنك التاجر الذي يتعامل معه وذلك حتى يتم خصم القيمة من قسيمة البيع الأصلية وإيداع القيمة الصافية المستحقة له في حسابه، وكذلك يطالب العميل حامل البطاقة بتسديد القيمة الصافية فقط.
2- 2- حالات تعامل حامل البطاقة مع البنوك الأعضاء في منظمة " الفيزا":
وذلك من خلال الآتي:
(أ) بالسحب النقدي شخصيًّا من خلال أي من فروع البنك العضو في منظمة " الفيزا " للحصول على دفعة نقدية ضمن حدود تسهيلاته.
(ب) باستخدام أجهزة الصرف الآلي التابعة للبنك العضو في منظمة " الفيزا " للحصول على دفعة نقدية ضمن حدود تسهيلاته مستخدمًا رقمًا سريًّا خاصًا به.
3- - حالات تعامل البنك المصدر للبطاقة مع البنوك الأخرى الأعضاء في منظمة " الفيزا":
وذلك من خلال الآتي:
(أ) تبادل الحركات المالية الناتجة عن:
* استخدام البطاقة في الشراء أو تلقي خدمة من أحد التجار أو الفنادق ... إلخ.
* استخدام البطاقة للسحب النقدي من فرع البنك، أو بواسطة أجهزة الصرف الآلي.
* مردودات المشتريات وذلك لتسوية الحسابات.
(ب) طلب صور قسائم البيع ومردودات المشتريات وقسائم السحب النقدي، وذلك لإبرازها لصاحب البطاقة عند وجود ما يستدعي ذلك.(7/361)
أنَواع البِطَاقات التي يصدرهَا بيت التمويل الكويتي
يصدر بيت التمويل الكويتي بطاقة فيزا الفضية والتي يطلق عليها رسميًّا (CISSALC VISA) وبالشروط الاجتماعية والائتمانية المتقدم ذكرها، ورغم أن رسميًّا اسم (PREMIER VISA) إلَّا أنه لم يفلح في وضعها موضع التنفيذ لاشتراطها على تقديم خدمة التأمين على الحياة، مما لم يصل معه بيت التمويل الكويتي إلى صيغة توفيق مع منظمة فيزا العالمية متطابقة مع التصور الإسلامي.
أسلوب عمل بطاقة فيزا التمويل:
بطاقة فيزا التمويل هي بطاقة خصم شهري (CHARGE CARD) يتم خلالها تجميع كافة المبالغ المستحقة على حامل البطاقة وخصمها دفعة واحدة آخر الشهر من حساب العميل الدائن، وبذلك يمنح بيت التمويل الكويتي عملية فترة سماح لما يقرب من الشهر، وعند تخلف العميل عن السداد، يتم الاتصال بالعميل وإنذاره ثم تتخذ الإجراءات الرسمية لإلغاء البطاقة عند تكرار أو استمرار تخلفه عن السداد دون تحميله أية رسوم أو فوائد أو غرامات على المبالغ المستحقة.
الرّسوم التي يَتقَاضاها بيت التمويل الكَويتي
لقَاء خدمَة فيزا التمويل
(أ) رسم العضوية:
هو رسم لإصدار بطاقة " فيزا التمويل " والاشتراك للسنة الأولى، وما يتبع ذلك من فتح ملف للعميل لدى بيت التمويل الكويتي.
ويحصل هذا الرسم مرة واحدة فقط وذلك عند الموافقة على طلب العميل للحصول على البطاقة أول مرة.
(ب) رسم التحديد:
هو رسم يحصل من العميل سنويًّا عند تجديد صلاحية بطاقته أو إصدار أخرى بدلًا منها، حيث تصدر البطاقة بصلاحية لمدة سنة واحدة من تاريخ الإصدار، وتجدد سنويًّا بناء على رغبة العميل، وموافقة بيت التمويل الكويتي من خلال تجربته الفعلية معه.
(ج) رسم الاستبدال:
يحدث أحيانًا أن يفقد العميل بطاقته، أو تسرق منه، أو تتلف، وفي هذه الحالات يتقدم العميل لبيت التمويل الكويتي للإبلاغ عن ذلك ولإعادة إصدار بطاقة جديدة له.
ملاحظة: يتعين في حالتي ضياع البطاقة أو سرقتها، اتخاذ إجراءات عملية فورية تؤدي إلى إيقاف العمل بالبطاقة المفقودة أو المسروقة، وذلك بإخطار منظمة " الفيزا " والطلب منها تعميم رقم البطاقة على المناطق أو الدول المتوقع إساءة استخدام هذه البطاقة فيها.(7/362)
وتستقطع منظمة " الفيزا " الرسوم التالية في مثل هذه الحالة:
1- 100 دولار أمريكي:
أجور للتعميم عن البطاقة في كتاب " البطاقات المطلوب حجزها "، في الإقليم الواحد لمدة أسبوعين، علمًا بأن العالم مقسم إلى خمسة أقاليم، حسب التقسيمات العملياتية للـ"الفيزا".
2- 5 دولار أمريكي كحد أدنى، 150 دولار كحد أقصى:
مكافأة التقاط البطاقة المطلوب حجزها، وتدفع للتاجر أو للبنك الذي قام بحجزها.
3- 15 دولار أمريكي:
أجور مناولة أو تسليم، تدفع أيضًا للتاجر أو للبنك الذي قام بإرسال البطاقة للبنك المصدر.
(د) رسم التجديد المبكر:
رسم يدفعه العميل عندما يطلب تجديد بطاقته قبل موعد انتهاء صلاحيتها بسبب سفره أو تواجده بالخارج عند حلول تاريخ التجديد، أو لأي سبب آخر ويعتبر ذلك بمثابة رسم تجديد للبطاقة.
(هـ) رسوم أخرى:
1- (1 %) من قيمة المعاملة التي يقوم بها العميل عند شراء خدمة أو سلعة حسب سعر الصرف بالدينار الكويتي مقابل العملة الأجنبية في تاريخ استلام بيت التمويل لبيان هذه المبالغ من منظمة فيزا العالمية، ويعتبر هذا أجرًا على الوكالة (كما سيظهر بيانه في الصفحات القادمة) ، وهذه النسبة تحتسب على المعاملات التي تمت خارج الكويت فقط.
2- (1 %) من قيمة المعاملة التي يجريها العميل عند السحب النقدي شخصيًّا من البنوك أو من أجهزة الصرف الآلي للبنوك الأعضاء في فيزا العالمية خارج الكويت وتمثل أجرًا على الوكالة لقضاء دين.
3- (2.75 دولار أمريكي) مبلغًا مقطوعًا و (0.33 %) نسبة على المبلغ الذي يدفعه بيت التمويل الكويتي لأي عميل حامل بطاقة فيزا تابعة لبنك عضو آخر وذلك أجرًا على الخدمة المقدمة.(7/363)
التكييف الشرعي لبَعض الجوانب الإجرائية
لبطَاقة فِيزا التّمويل
1- عضوية بيت التمويل الكويتي بمنظمة فيزا العالمية:
يمكن القول إن منظمة " الفيزا " هي عبارة عن ناد يضم في عضويته جميع البنوك والمؤسسات المالية الأعضاء والتي تلتزم باللوائح والأنظمة المعمول بها في هذه المنظمة مع عدم التعارض مع النظام الداخلي للعضو المشترك في هذه المنظمة.
ومن المعروف أن هذه المنظمة لا تهدف إلى الربح وإنما تقدم خدماتها للمشتركين من الأعضاء (البنوك) بسعر التكلفة ... ومن هذه الخدمات.. المقاصة، والتسويات، وخدمة التفويض، إضافة إلى تطوير الخدمات القائمة بصورة عالية التقنية، واستحداث خدمات جديدة ... ومما يجدر ذكره أن الإجراءات الداخلية لكل بنك تخضع لاختيار كل بنك وحسب ما يشاء، ووفقًا لما يَتَمَشَّى مع الإجراءات الداخلية للبنك العضو، والاتفاقية المعقودة بين بيت التمويل الكويتي ومنظمة فيزا العالمية خالية من أي مبدأ يخالف النظام الأساسي لبيت التمويل الكويتي.
لذلك فإن ما تقدمه منظمة " الفيزا " عبارة عن خدمات مصرفية مقابل أجور محددة عن تلك الخدمات وبما أن الانضمام إلى عضويتها لا يلزم العضو بغير ما يلتزم به نظامه الأساسي فلا مانع شرعًا من هذه العضوية، ويوفر الانضمام إليها نوعًا جديدًا من الخدمات المطلوبة في السوق المالية الإسلامية بصورة تراعى فيها القواعد الشرعية.(7/364)
2- رسم العضوية (الاشتراك) لحامل البطاقة والتجديد السنوي لها:
المقصود برسم العضوية (الاشتراك) : المبلغ الذي يدفعه العميل عند منحه بطاقة فيزا التمويل ويدفع مرة واحدة فقط.
أما رسم التجديد فهو رسم سنوي يدفعه العميل كل سنة، وذلك حين تجديد بطاقته لأن البطاقة سارية المفعول لمدة سنة واحدة فقط.
وينطبق على هذين الرسمين حكم تقديم الخدمات المصرفية لقاء أجر معلوم من حيث الجواز شرعًا.. فرسم الاشتراك أو العضوية يخول المشترك الحصول على مزايا الخدمة المنوطة بهذه البطاقة وهي: (شراء السلع والخدمات وعملية السحب النقدي من فروع بعض البنوك الأعضاء أو من أجهزة الصرف الآلي التابعة لها) .
وبهذا يكون رسم الاشتراك بمثابة أجر مقطوع لأصل الخدمة المصرفية المربوطة بالبطاقة لقاء إجراءات قبول طلب العميل للحصول على البطاقة وإجراءات فتح الملف وتعريف الجهات الخارجية التي سيحتاج التعامل معها وبيان حدود الاستخدام وما إلى ذلك من أمور تتعلق بالخدمة.
وينطبق ذلك على رسم التجديد أيضًا، حيث إن الخدمة تنتهي بانتهاء المدة المتفق عليها ويحتاج إلى إجراءات أخرى لتمديد فترة تقديم الخدمة للعميل.(7/365)
3- عمولة بيت التمويل الكويتي البالغة 1 % حاليًا على المبالغ المستخدمة من قبل العميل حامل البطاقة في عملية شراء السلع والخدمات خارج دولة الكويت:
يقوم بيت التمويل الكويتي بأخذ عمولة قدرها 1 % على قيمة كل فاتورة معتمدة من العميل حامل بطاقة " فيزا التمويل " وذلك للعمليات التي تتم خارج دولة الكويت، لأن بيت التمويل الكويتي يقوم نيابة عن العميل بتسديد قيمة الفاتورة الناتجة عن شرائه للسلع أو تمتعه بالخدمات، وهذه العمولة هي عبارة عن أجر على الوكالة المتمثلة في قضاء المستحقات المترتبة على العميل، وهي جائزة شرعًا لأنها من قبيل الأجر على تحصيل الدين أو قضاء الدين.
علمًا بأن بيت التمويل الكويتي لا يقوم بتحصيل أية عمولة على عمليات شراء السلع وتلقي الخدمات التي تتم داخل دولة الكويت.
4- عمولة بيت التمويل الكويتي البالغة 1 % على المبالغ المسحوبة نقدًا خارج دولة الكويت:
يمكن للعميل حامل بطاقة " فيزا التمويل " سحب مبالغ نقدية من فروع بعض البنوك الخارجية مباشرة أو عن طريق أجهزة الصرف الآلي التابعة لها خارج الكويت، وفي هذه الحالة يقوم بيت التمويل الكويتي بتسديد المبلغ المسحوب من البنك الخارجي من حسابه الموجود لديها نيابة عن العميل على أن يحصلها من حساب العميل حامل البطاقة لاحقًا مضافًا إليه العمولة المذكورة.(7/366)
لذا فإن هذه العمولة المشار إليها هي أجر على الوكالة لقضاء الدين المترتب على العميل جرَّاء سحب المبالغ في الخارج بواسطة البطاقة وهي جائزة شرعًا.
5- عمولة بيت التمويل الكويتي التي يأخذها من حملة بطاقة " فيزا " صادرة عن بنوك أجنبية وذلك مقابل قيامهم بعملية السحب النقدي لمبالغ معينة من خلال فروعه:
يقوم بيت التمويل الكويتي في سبيل تقديم خدمة الدفعة النقدية لأي عميل يحمل بطاقة " فيزا " صادرة من أي عضو في المنظمة بمجموعة من الإجراءات والاتصالات الخارجية للحصول على التفويض اللازم وإرسال المعلومات المتعلقة بذلك إلى الجهات الخارجية وتحمل تكاليف الإبراق وغيرها ومتابعة عملية التحصيل.
ويستحق بيت التمويل الكويتي مبلغًا مقطوعًا قدره (2.75 دولار) وما نسبته (0.33 %) من المبلغ المدفوع لحامل البطاقة الصادرة من خارج الكويت، والذي هو عبارة أجر على الخدمة المصرفية التي يقدمها بيت التمويل والتي تشتمل على توليه عملية التفويض والمتابعة والتحصيل والتسويات وغيرها من الإجراءات اللازمة لتنفيذ هذه العملية.
وهذا الأجر جائز شرعًا سواء أكان الأجر مقطوعًا أو نسبة مئوية من مبلغ معلوم.
6- شراء الذهب والفضة:
يمكن لأي عميل يحمل بطاقة " فيزا التمويل " استخدامها بعملية شراء السلع والخدمات المختلفة وقد يكون من ضمن هذه السلع الذهب والفضة، ويعتبر مستند البيع (قسيمة الدفع) الذي يوقع عليه العميل حامل بطاقة " فيزا التمويل " وسيلة دفع مؤكدة ويصرف فورًا حال تقديمه إلى بنك التاجر شريطة أن تكون إجراءات البيع والبطاقة سليمة، كالتأكد من توقيع العميل وصلاحية البطاقة والحصول على التفويض اللازم وما إلى ذلك من أمور.
وبما أن قسيمة الدفع تخول التاجر الحصول على المبلغ فورًا عند تقديمها للبنك الذي يتعامل معه التاجر، فإن ذلك يحقق شرط التقابض في بيع الذهب والفضة ويعتبر كالدفع بالشيكات وهو جائز شرعًا.(7/367)
الأسئلَة الموجّهَة إلى هَيئة الفَتوى والرقابة الشّرعِية
في بَيت التمويل الكويتي
الأسئلة والأجوبة عليها كما وردت في محاضر اجتماعات هيئة الفتوى والرقابة الشرعية.
السؤال الأول:
ما حكم قيام بيت التمويل الكويتي بإصدار بطاقات (فيزا) الشاملة لخدمات بطاقات الاعتماد أو (الائتمان) أو خدمات تسليم النقود بالأجهزة المعدة لذلك في أي مكان في العالم؟
وما حكم الوساطة في إصدار بطاقات الائتمان التي ترتبط خدماتها بجهات ملتزمة بتلك البطاقات.
الجواب:
عملية إصدار بطاقات الاعتماد أو (الائتمان) تشتمل على خدمات مصرفية يعود نفعها على حامل البطاقة وعلى البائع الذي يقبلها وفي بعض حالاتها تشتمل على قرض حسن حين دفع المستحقات على حاملها وحسابه مكشوف ... كما تشتمل في كثير من الحالات على ضمان (كفالة مع حق الرجوع) . وهناك رسوم اشتراك على حامل البطاقة لقاء تلك الخدمة وهذا جائز لأنه عمولة على خدمة مصرفية، كما أن هناك عمولة على التاجر المتعامل بالبطاقة وهي أجر وكالة على وساطة بينه وبين حامل البطاقة من ترويج التعامل معه وتأمين زبائن وتحصيل دين. ولا أثر للضمان الذي يوجد في بعض الحالات؛ لأنه لا تزاد العمولة مقابلة ولا ينظر للمبلغ المضمون.
كما لا تختلف العمولة حسب الأجر الفعلي للدفع كما ينطبق ذلك على العلاقة بين بيت التمويل وبين الجهة التي ترعى البطاقة وهي عمولة على خدمة بين هذين الطرفين.
كما يجوز أن تستعمل البطاقة أيضًا للحصول على النقود من الأجهزة المعدة لذلك مع أجرة على عملية السحب للنقود ولأن هذه الأجرة رسم خدمة نقل المال من بلد إلى البلد الذي يوجد فيه حامل البطاقة وبصفة بيت التمويل الكويتي وكيلًا عن العميل لقضاء الدين بأجر وهو جائز شرعًا سواء كان الدفع من الرصيد الإيجابي في حسابه أو من حسابه المكشوف الذي سيظل له رصيد فيه حيث يكون المبلغ المدفوع عنه عندئذ على سبيل القرض الحسن.
ويجوز أن يكون أجر الوكالة مقطوعًا أو أن يكون بنسبة مئوية من المبلغ شريطة أن لا يربط بالأجل.
وهذا الجواب ينطبق على إصدار بطاقات (الفيزا) التي يستقل بيت التمويل بإصدارها ويقوم بخدماتها كما ينطبق على قيام بيت التمويل بترشيح عملاء للحصول على بطاقات مشابهة يكون دوره فيها وسيطًا لعملية الإصدار فقط ويستحق الأجر على تلك الوساطة.
***
وتفصيلًا لهذا الجواب الشامل. طرحت عدة أسئلة لبيان وتوضيح النقاط الأخرى. وكانت كما يلي:(7/368)
السؤال الثاني:
ما هو الرأي الشرعي في عضوية بيت التمويل الكويتي في هذه المنظمة؟
الجواب:
إن مما تقدمه منظمة فيزا العالمية عبارة عن خدمات مصرفية مقابل أجور معلومة عن تلك الخدمات. وبما أن الانضمام إلى عضويتها لا يلزم العضو بغير ما يلتزم به طبقًا لنظامه الأساسي، فلا مانع شرعًا من هذه العضوية، بل إن الانضمام إليها يقدم نوعًا جديدًا من الخدمات بصورة تراعى فيها القواعد الشرعية.
***
السؤال الثالث:
ما هو الرأي الشرعي في رسم الاشتراك ورسم التجديد؟
الجواب:
ينطبق على هذا الحكم تقديم الخدمات المصرفية لقاء أجر معلوم من حيث الجواز شرعًا.. ورسم الاشتراك هنا يخول المشترك الحصول على الخدمة المنوطة بهذه البطاقة، ولا يمنع من ذلك أن يكون هناك رسوم أو مقابل آخر لخدمات مرتبطة بالبطاقة.
وبهذه يكون رسم الاشتراك بمثابة أجر مقطوع لأصل الخدمة المصرفية المربوطة بالبطاقة لقاء فتح ملف للعميل وتعريف الجهات التي سيحتاج التعامل معها وبيان حدود الاستخدام وما يتعلق بذلك.. وينطبق ذلك على رسم التجديد حيث إن الخدمة انتهت بانتهاء المدة ويحتاج إلى إجراءات أخرى لتمديد فترة تقديم الخدمة للعميل.(7/369)
السؤال الرابع:
ما هو الراي الشرعي في العمولة التي يتقاضاها بيت التمويل من التاجر على المبالغ المستخدمة في الشراء خارج الكويت؟
الجواب:
إن العمولة التي تؤخذ من التاجر على كل عملية شراء سلعة أو خدمة يقوم بها العميل في الخارج هي عبارة عن أجر على وكالة وساطة بينه وبين حامل البطاقة من ترويج التعامل معه ودعاية له وتأمين زبائن وتسهيل تحصيل قيمة بضائعه.
***
السؤال الخامس:
ما هو الرأي الشرعي في العمولة التي يتقاضاها بيت التمويل من العميل حامل بطاقة فيزا التمويل على المبالغ المسحوبة نقدًا من خارج الكويت؟
الجواب:
إن العمولة المشار إليها هي رسم خدمة على نقل وحفظ المال من البلد الذي فيه حساب العميل إلى البلد الذي استخدم حامل البطاقة بطاقته فيها، وبصفته بيت التمويل الكويتي وكيلًا عن العميل لقضاء الدين بأجر.
***
السؤال السادس:
ما هو الرأي الشرعي في العمولة التي يتقاضاها بيت التمويل الكويتي من البنوك الخارجية لقاء دفع مبالغ نقدية لحملة بطاقة فيزا عملاء هذه البنوك؟
الجواب:
إن العمولة التي يأخذها بيت التمويل كمبلغ مقطوع إضافة إلى نسبة مئوية عن إجمالي المسحوب هي عبارة عن أجر على الخدمة المصرفية التي يقدمها بيت التمويل بما فيها من تكلفة نقل الأموال واستخدام وسائل الاتصالات التي تختلف تكلفتها من بلد إلى بلد لتمكين حامل بطاقة فيزا البنك الخارجي من سحب النقود.
وإن أخذ هذا الأجر جائز شرعًا سواء أكان مبلغًا مقطوعًا أو بنسبة مئوية أو كليهما لأن إعطاء المبلغ هو على سبيل القرض الحسن والمعاملة بالمثل بين بيت التمويل الكويتي والبنوك الأخرى المنضمة إلى منظمة الفيزا.
السؤال السابع:
ما هو الرأي الشرعي في شراء الذهب والفضة باستخدام بطاقة الفيزا؟
الجواب:
إن قسيمة الدفع التي يوقع عليها العميل حامل بطاقة فيزا تعتبر وسيلة دفع مؤكدة تصرف فورًا حال تقديمها إلى بنك التاجر، لهذا فهي تخول التاجر الحصول على المبلغ فورًا مما يحقق شرط التقابض في بيع الذهب والفضة ويعتبر كالدفع بالشيكات وهو جائز شرعًا.(7/370)
الفرق الرّئيسي بَين بَيت التمويل الكويتي
فيزا التمويل وَالبنوك الأخرى التّقليديَّة
عندما يأخذ بيت التمويل الكويتي رسومه، فإنما يأخذها كوكيل عن الأطراف الذين يوكلونه لأداء الخدمات بهذه البطاقة، سواء كانت هذه الرسوم رسوم اشتراك أو استلام ديون ... أما إذا التزم بيت التمويل الكويتي بتسديد أي مبلغ كدين على حامل البطاقة فلا يجري على هذا الدين أي فوائد ويكون ذلك قرضًا حسنًا.
أما البنوك الأخرى فإنه عندما يعجز حامل البطاقة عن التسديد المبكر تقوم باحتساب فوائد تأخير على المبالغ التي لم يدفعها وحسب المدة التي تراكمت خلالها هذه الديون.(7/371)
__________(7/372)
الوَثيقَة رقم (2)
دَراسَة مُقَدّمة إلى
النّدوة الثانِية للأوَراقِ المالِيّة
مِن بنك البحَرين الإسلاَمي
حَول
تَحرير محافظ الأوَراق الماليّة للبُنوك الإسلاميّة
مِن المَالِ المشتبَه في حِلِّه
وَالمعالجَة المالية المقترحَة لعَزل أثر التعَامُل بالفَائدة
عَلى عَائداتِ الأسهُم
بسم الله الرحم الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين.
أما بعد:
فقد مضى على إنشاء أول مصرف إسلامي ما يزيد على الخمسة عشر عامًا، وهي حقبة وإن كانت قصيرة في عمر الصناعة المصرفية إلَّا أن إرادة المهتمين بالمصارف الإسلامية حققت من الإنجازات ما يمكن تسجيله بفخر، إذ لم تقتصر تلك الإنجازات على نوع واحد من النشاط بل تعددت الأنشطة بحيث حققت منجزات في الميادين الاجتماعية والفقهية والاقتصادية وغيرها.
وما يعنينا هنا هو الاهتمامات الفقهية فقد كان الاهتمام مركزًا وما زال على هذه الناحية إيمانًا من المسؤولين عن هذه المصارف بأنه لن تتحقق الأهداف المرجوة من العمل المصرفي الإسلامي إلَّا إذا كان المسار الفقهي والضبط الشرعي قائمًا.(7/373)
لذا عقد العديد من الندوات وعولج الكثير من المسائل الاقتصادية والتطبيقية حيث أفتى فيها فقهاء الأمة. ونحن في هذه الورقة بصدد فتوى خاصة تتعلق بتعامل المصارف الإسلامية في سوق الأوراق المالية (البورصة) .
ولما كنا نؤمن بأنه يجب علينا أن نتعامل مع الأحداث والحضارات والمستجدات من الأمور بشكل إيجابي. وحيث إن المتفرج في مثل هذه القضايا لا يعمل له حساب إنما يجب الدخول في خضم التجربة والتأثير عليها وتحويلها إلى المسار الصحيح المتفق مع الشرع الحنيف.
لذا فقد وجدنا أن نجعل مهمة هذه الورقة هي الأخذ بفتوى أولئك العلماء الأفاضل الذين أباحوا التعامل في سوق الأوراق المالية بالضوابط التالية:
1- أن يكون غرض الشركة مشروعًا ومتفقًا مع تعاليم الدين.
2- إذا شاب العمل أي إنتاج محرم فيعزل الحرام عن الحلال ويصرف المال الحرام في صالح المسلمين دون أن يكون لصاحبه أجر إلَّا تطهير ماله إن شاء الله.
ولما كانت عملية الفصل عملية اجتهادية. لذا وجب أن تمر العملية بتمارين حتى نقف على الشكل المقبول منها. وتهدف هذه الورقة – ضمن ما تهدف إليه – إلى عرض لتلك التمارين من الواقع العملي.
وقبل الخوض في الموضوع نرى أن نستعرض معًا طبيعة السوق المالي وتركيباته.(7/374)
مفهوم السوق المالي:
يتكون السوق المالي من:
(أ) السوق النقدي (MONEY MARKET) :
وهو سوق الأموال القصيرة الأجل.
(ب) سوق رأس المال (CAPITAL MARKET) :
ويتخصص في الأموال المتوسطة والطويلة الأجل بجانب توفير سرعة التداول فيه مما يسهل التسييل ويمكن من توفير النقد عند اللزوم فهو سوق متصف بالمرونة مما يشجع على الاستثمار فيه. كما أنه وسيلة لتحقيق التوازن المالي تكون وظيفته التوسط بين عرض السيولة النقدية والطلب التجاري عليها. ومن هنا تتضح أهمية هذا السوق للمستثمرين ذوي السيولة.
الأسواق المالية المعاصرة في العالم:
انتشرت هذه الأسواق في معظم الدول الكبرى نظرًا لأهميتها واكتسب بعضها السمعة العالمية ومن أهم هذه الأسواق العالمية التي أصبحت تؤم من قبل المستثمرين.
* السوق الأمريكية.
* السوق الإنجليزية.
* السوق اليابانية
حيث يجري التداول فيها بأحجام كبيرة وأصبحت مؤشرًا لمعرفة حركة النشاط الاقتصادي العالمي وتوجهاته.(7/375)
وفيما يتعلق بعالمنا العربي فإلى جوار سوقي الأوراق المالية بمصر ولبنان بدأت بعض الدول حديثًا بالاهتمام بهذا الجانب فتم فتح أسواق بالبحرين وسلطنة عمان والكويت والأردن وتونس والمغرب وهي أسواق ما زالت في بداياتها الأولى وما زال هناك قيودٌ تعوق انطلاقتها.
إلاَّ أنه تجدر الإشارة إلى أن سوق البحرين للأوراق المالية أصبحت لها اهتماماتها المتميزة حيث تميل نحو الانفتاح التدريجي السريع مما يوحي بالتفاؤل إلى تحولها إلى سوق عالمية، خاصة وأنها تقع وسط مجموعة من الدول تتميز بوفرة السيولة والقدرة على تصدير رأس المال دون معوقات قانونية. كما أن دولة البحرين ذات مناخ اقتصادي جيد ومركز للعديد من المصارف والمؤسسات المالية العالمية.
***
وتتناول هذه الورقة الموضوع المطروح في ثلاثة مباحث:
* المبحث الأول: أسس تكوين محافظ الأوراق المالية بالبنوك الإسلامية.
* مفهوم سوق الأوراق المالية.
* نشاط البنوك في مجال الأوراق المالية.
* أسس وأهداف تكوين محافظ الأوراق المالية في البنوك.
* محافظ الأوراق المالية في البنوك الإسلامية.
* المبحث الثاني: المعالجة المحاسبية لتحرير عائدات الاستثمارات في الأسهم من المال المشبوه:
* الخطوات الإجرائية لتنفيذ المعالجة المحاسبية بسجلات البنك.
* تطبيقات عملية مبسطة للمعالجة المحاسبية المقترحة.
* المبحث الثالث: البدائل الإسلامية.(7/376)
المبحث الأول
أسس تكوين محافظ الأوراق المالية بالبنوك الإسلامية
مفهوم سوق الأوراق المالية (البورصة) :
هي سوق مستمرة ثابتة المكان تقام في مراكز التجارة والمال في مواعيد محددة عادة ما تكون يومية يجتمع فيها أصحاب رؤوس الأموال والسماسرة ومساعدوهم للتعامل في الأورق المالية وفقًا لنظم ثابتة ولوائح محددة.
ولهذه السوق دور هام في البلاد الرأسمالية حيث تقوم باجتذاب وتجميع المدخرات في صورة أوراق مالية توجه إلى تمويل النمو الاقتصادي طبقًا لاحتياجاته. كما أنها تمكن من إعادة تسييل تلك الأوراق وفقًا لمشيئة أصحابها ومن ثم فإن آليات هذه السوق تسهل إعادة ترتيب القطاعات الاقتصادية.
وتنقسم سوق الأوراق المالية إلى قسمين:
السوق الأولية: التي تطرح فيها الأوراق المالية المصدرة للاكتتاب فيها لأول مرة بغرض جذب المدخرات لاستثمارها في مشاريع ذات طابع اقتصادي.
السوق الثانوية: وفيها يجري تداول الأوراق المالية التي اكتتب فيها في السوق الأولية وذلك لأغراض الربحية أو التسييل.
وهناك نوعان من الأوراق المالية التي يجري التعامل فيها بسوق الأوراق المالية.(7/377)
الأسهم: وكل منها عبارة عن صك يمثل حصة في رأس مال الشركة المساهمة لصاحبه كافة الحقوق التي يتمتع بها كل شريك في رأس المال. وخاصة حقه في الأرباح وفي التصويت (الإدارة) وفي صافي موجودات الشركة عند تصفيتها، كما يلتزم مثله في ذلك مثل بقية الشركاء بالالتزامات التي ترتبها الأسهم بصفة عامة. على أن هناك أنواعًا من الأسهم لها خصائصها التي تميزها عن غيرها من الأسهم إما بتمتعها بمزايا إضافية أو بحجب بعض الحقوق عنها.
السندات: وكل منها يمثل صكًّا بدين على الجهة التي أصدرته. ويعد صاحب السند دائنًا لهذه الجهة، له حق قبلها مضمون بجميع ممتلكاتها، وعلى ذلك يتقدم صاحب السند على صاحب السهم في سداد دينه (استرداد قيمة السند) في موعد استحقاقه كما يحصل صاحب السند على فائدة دورية محددة مقدمًا سواء حققت الجهة المصدرة للسند أرباحًا أم منيت بخسارة.
وهناك نوع من السندات أصبح قابلًا للتداول في أسواق المال الغربية هو " السندات المشاركة في الدخل (SHARING INCOME BONDS) بموجبها لا تتحدد الفائدة المستحقة عنها مسبقًا وإنما يشارك حملتها أصحاب رأس المال في صافي الربح طوال آجال سريانها وإلى أن يتم سداد قيمتها في التاريخ المحدد لذلك سلفا ومن هذه السندات نوع قابل للتحويل إلى أسهم (CONVERTIBLE) بعد فترة معينة من إصدارها حسب إرادة حملتها وبالتالي تتحول إلى أسهم بكل خصائصها.(7/378)
نشاط البنوك في مجال الأوراق المالية:
للبنوك دور نشط في مجال التعامل في هذا المجال حيث تقدم إلى جمهور عملائها (أفرادًا وتنظيمات) خدمات متعددة منها.
* تنظيم وتَلَقّي الاكتتابات في الأوراق المالية التي تصدرها الشركات. ومن البنوك ما يذهب إلى تغطية كامل قيمة الأوراق المطروحة من الشركات الناجحة ليقوم بعد ذلك بإعادة طرحها تدريجيًّا على الجمهور.
* شراء وبيع الأوراق المالية لحساب العملاء سواء نقدًا أو بالتقسيط.
* حفظ الأوراق المالية بصفة أمانة وتحصيل عوائدها نيابة عن العملاء.
* قبول الأوراق المالية ذات الجودة كضمان لتسهيلات مصرفية أو ائتمانية تقدمها للمستثمرين.
وإلى جانب هذه الخدمات التي تقدمها البنوك لعملائها فإن لها أن توظف جانبًا من مواردها المتوسطة والطويلة الأجل في اقتناء الأوراق المالية الخاصة بها طبقًا لمعايير موضوعية وأهداف البنك ذاته.
وفي هذا الصدد ننوه إلى تعاظم نشاط البنوك في مجال التعامل في الأوراق المالية والمساهمة في خطط التنمية الاقتصادية في أعقاب الحرب العالمية الثانية حينما نشأت الحاجة لتمويل عمليات التعمير والتصنيع ووجدت الشركات الصناعية بصفة خاصة في البنوك عاملًا هامًا مساعدًا لها على النمو والتطوير.(7/379)
أسس وأهداف تكوين محفظة الأوراق المالية في البنوك:
يبني البنك سياسة تكوين محفظته المالية على مجموعة الأسس التالية:
* نوعية البنك ذاته، حال كونه بنكًا تجاريًّا أو بنكًا للاستثمار والأعمال.
* حجم البنك، من حيث كونه بنكًا صغيرًا أو بنكًا كبيرًا.
* تركيبة الودائع لديه وعائدات أصحابها.
* الأوضاع الاقتصادية والمالية والنقدية الحالة والمتوقعة
* الضوابط التي تحرص التشريعات المصرفية على التزام البنوك بها في هذا المجال تحقيقًا للتوازن بين موارد البنوك وتوظيفاتها من ناحية ولضمان عدم تحول البنوك إلى شركات قابضة تسيطر على النشاط الاقتصادي من ناحية أخرى.
ويرمى تكوين محفظة الأوراق المالية بالبنك – في إطار تلك الضوابط – إلى تحقيق أي من الهدفين الآتيين أو كليهما معًا:
1- توظيف جزء من الموارد المالية المتاحة في أوعية ذات معدل مناسب من السيولة المدرة للدخل حيث يعتبر التوظيف في الأوراق المالية من التوظيفات الجيدة التي هي إحدى صور التوافق بين عنصري الربحية والسيولة فيما لو أحسن اختيار مكوناتها على أساس:
* درجة سهولة إعادة التسييل (مدى سهولة التسويق) وتقاس بمقدار العمليات التي تتم على الورقة المالية في السوق الثانوية.
* مردود الاستثمار شاملًا عائد المخاطر المالية.
* طول فترة الاستحقاق الذي يتوقف عليه مدى تعرض الورقة المالية لمخاطر التغير في سعر الفائدة.
2- توظيف استراتيجي طويل الأجل للموارد المالية المتاحة للبنك من مصادره الذاتية ومن الجانب غير المتحرك من أرصدة الأوعية الادخارية لديه في اقتناء أسهم رأس مال شركات ناجحة قائمة و/ أو تأسيس و/ أو الاشتراك في تأسيس شركات تابعة له أو ذات مصلحة مشتركة معه لتمارس أنشطة في مختلف القطاعات الاقتصادية كأجنحة مساندة للبنك تساعده في مباشرة أعماله التي يسمح بها نظامه الأساسي والقيام بدوره في تمويل خطة التنمية ومن ثم تعود عليه بربحية ملائمة لها صفة الاستمرارية.(7/380)
محافظ الأوراق المالية في البنوك الإسلامية:
تتميز البنوك الإسلامية – بصفة عامة – بأنها تجمع في سماتها بين خصائص البنوك التجارية وخصائص بنوك الاستثمار والأعمال، ومن ثم فلا تختلف أسس وأهداف سياسة توظيف الأموال في البنوك الإسلامية عنها في البنوك التقليدية، اللهم إلَّا في التزامها المطلق في ممارسة أنشطتها بأحكام الشريعة الإسلامية التي في إطار محدداتها تقدم تمويلاتها إلى جمهور المتعاملين معها بأي من أساليب توظيف المال المجازة شرعًا، ساعية في ذلك إلى الانتشار بمنهجها خلال مجتمعات تسودها الأعراف المصرفية التقليدية القائمة على أساس من الفائدة المحددة سلفًا.
وفي هذا السبيل للبنوك الإسلامية أن تُكَوِّنَ محافظ أوراقها المالية طبقًا للضوابط الشرعية التي تحظر عليها التعامل – بأي من صوره – في السندات التي تمثل صكوكًا بمديونية يلتزم مصدرها بسداد الفوائد المستحقة عنها والمحددة سلفًا في مواعيدها، فضلًا عن التزامه بسداد قيمة السندات نفسها كاملة في مواعيد استحقاقها.
وبناء على ذلك تجدر دراسة إمكانية تعامل البنوك الإسلامية في السندات المشاركة في الدخل سالف الإشارة إليها والتي لا تحدد الفائدة المستحقة عنها مسبقًا وإنما يشارك حملتها رأس المال في صافي الربح ومن باب أولى في الخسارة طوال آجال سريانها بضوابط شرعية محددة.(7/381)
أما أسهم رأس المال الثابت وكل منها يمثل حصة شائعة في صافي أصول الشركة فهي صورة متفقة وأحكام الشريعة ومقبول تداولها على النحو الذي يجري التعامل به حاليًا. (وذلك حسب أقوال الفقهاء) إذا ما توافر فيها الشرطان الآتيان:
1- أن يكون غرض الشركة مشروعًا ومتفقًا مع تعاليم الدين الحنيف، وبالتالي يمتنع كلية على البنوك الإسلامية أن تضم في محافظها المالية أسهم رأس مال شركات تقضي طبيعة أغراضها أن تتعامل بالربا كالبنوك الربوية على سبيل المثال أو شركات ذات طبيعة عمل مُحَرَّم كشركات التأمين غير الإسلامية أو الملاهي أو الشركات التي تبيع السلاح لغير المسلمين.
2- أن يكون صافي الأصول الذي تمثله الأسهم خاليًا من المحظورات، ومن ذلك أن لا يتضمن أي من جانبي الأصول والخصوم حقوقًا أو ديونًا محملة بفوائد.
فإن شاب العمل أي إنتاج محرم يعزل الحرام عن الحلال ويصرف المال الحرام في صالح المسلمين دون أن يكون لصاحبه أجر إلَّا أجر تطهير ماله إن شاء الله.
ويبلغ التيقن من توافر هذين الشرطين أقصى درجاته في حالة قيام البنك الإسلامي بتأسيس و/أو الاشتراك في تأسيس شركات مساهمة لتعمل من البداية وبمقتضى نظمها الأساسية وفقًا للمنهج الإسلامي الصحيح.
على أنه في مجال اضطلاع البنوك الإسلامية بدورها الحيوي في تنمية مجتمعاتها والانتشار الإيجابي بمفاهيم معاملاتها خلال المجتمعات المعاصرة، فإنها قد تتجه (في حالة جواز ذلك) إلى الاشتراك بأموالها في أسهم شركات قائمة بالفعل، الأمر الذي قد تنخفض معه – كواقع حال – درجة التيقن من خلو صافي أصول مثل هذه الشركات من المحظورات، إذ قد يكون جانب من معاملاتها مشوبًا بالفائدة أخذًا و/أو عطاء فيما لو كانت الشركة تستثمر – بين الحين والآخر – ما يتاح لديها من فائض نقدي، في شكل ودائع ذات أجل لدى البنوك التقليديّة أو في شراء سندات محددة العائد سلفًا، أو قد تلجئها ضرورات النشاط الأصلي إلى الحصول على قروض – أيًّا كانت آجالها – من مؤسسات مالية تقليدية أو إلى إصدار سندات على نفسها تلتزم بموجبها بسداد فوائدها سابقة التحديد في مواعيد استحقاقها وضمنت رد قيمة السندات نفسها في مواعيدها.(7/382)
وبالنظر إلى أن تعامل الشركة بالفائدة أخذًا أو إعطاء ينعكس بطبيعة الحال على نتائج أعمالها ويؤثر على حقوق مساهميها – ومنهم البنك الإسلامي – فإن من الشركات ما تعني بالإفصاح في قوائمها المالية المعلنة عن مقدار الفائدة التي حصلت عليها أو تلك التي تحملت بها، وأيضًا فمنها ما يغفل عن هذا الإفصاح فيدرج مقدار الفائدة المقبوضة منها أو المدفوعة بقائمة الدخل ضمن بند عام شامل إيرادًا كان أم مصروفًا.
وفي الحالين يؤثر ذلك وبالضرورة على مقدار صافي ربح/خسارة الشركة الذي يؤول نصيب منه إلى البنك الإسلامي المساهم في رأس المال بقدر حصة مساهمته سواء تمثل ذلك في صورة نقدية أو في شكل زيادة أو نقص في حقوق الملكية.
وتبعًا لذلك ففي حالة إجازة اشتراك البنوك الإسلامية في أسهم رأس مال مثل تلك الشركات، فإنه يصبح وجوبًا عليها أن تبحث عن معالجة مناسبة تكفل استمرار قيامها بدورها التنموي والتوسع فيه دون خروج عن محدداتها الشرعية وفي نفس الوقت تطهر أموالها – قدر اجتهادها – من أثر معاملات تلك الشركات بالفائدة.
ذلك الأمر الذي تطرحه هذه الورقة بمبحثها التالي.(7/383)
المبَحث الثَّاني
المعَالجة المحاسبيّة المقتَرحَة
لتَحرير عائِدات الاستثمارات
في الأسهُم مِن المال المشبُوه
تنبنى هذه المعالجة على أساس: تعاون الشركة مع البنك الإسلامي المساهم في رأس مالها.
فمن الأهمية بمكان أن تكون إدارة الشركة على تفهم تام لمتطلبات المنهج الإسلامي للبنك ولذلك فمن الضروري التزامها – في جميع الحالات – بالإفصاح (ولو ببيان محدد الغرض) عن مقدار كل من الفائدة المقبوضة والفائدة المدفوعة التي تتضمنها قائمة حسابها الختامي.
وتجدر الإشارة في هذا الصدد إلى أن العرف المصرفي يجري على إيضاح بنود المصروفات والإيرادات ذات الأهمية النسبية مقارنة بباقي البنود الأخرى بشكل تفصيلي ضمن الإيضاحات المتممة للميزانية وتقرأ معها.
أما في حالة عدم الإيضاح بالشكل الموفي للغرض، فإن من حق البنك بصفته مساهمًا طلب الاستيضاح اللازم سواء من إدارة الشركة أو من خلال الجميعة العمومية لمساهميها.
هذا واعتمادًا على نشاط البنوك الإسلامية في الأسواق المالية يمكن أن يصبح مثل هذا الإيضاح مطلبًا مشروعًا للمساهمين لا يغفل عنه المدقق الخارجي، علمًا بأنه من التشريعات ما يُلزِمُ الشركات المساهمة بالإفصاح تفصيلًا بقوائمها المالية عن مقدار كل من الفوائد المقبوضة والمدفوعة.(7/384)
* كما أنه من منطلق مسؤولية البنك عن تطهير أمواله من أية شبهة حرام عليه أن يفتح حسابًا بسجلاته يخصص لعزل أثر هذه الفوائد على ما يؤول إليه من استثماراته المالية في هذه الشركات سواء كانت رابحة أو خاسرة وذلك طبقًا لما تفصح عنه كل منها، ومن خلال هذا الحساب المخصص يتحقق سنويًّا:
* استبعاد أثر تعامل الشركة / الشركات بالفوائد على أرباح حصة البنك في أسهم رأس مالها. ومن ثم تحقيق أكبر قدر من اليقين من تنقية أموال البنك أولًا بأول من أية شائبة.
* جبر الآثار السالبة لتعاملات مجموع الشركات بالفوائد من الآثار الموجبة لهذه التعاملات، وذلك في حدود القدر الإجمالي للأخيرة، وبالتبعية يصبح باقي تلك الآثار الموجبة معزولًا عن ذمة البنك المالية في نطاق الرصيد الدائن الذي قد يظهره الحساب المذكور ومن ثم يصرف هذا المال المشبوه في صالح المسلمين.
الخطوات الإجرائية لتنفيذ المعالجة المحاسبية المقترحة بسجلات البنك:
وتبدأ متزامنة فور ورود البيان الإيضاحي سالف التنويه عنه من كل شركة وذلك على النحو التالي:
1- يضاف النصيب المستحق لحصة البنك في رأس مال الشركة من التوزيع النقدي لصافي الأرباح (طبقًا لما تظهره قوائمها المالية) إلى حساب الدخل كأحد عناصر الإيرادات.(7/385)
2- من واقع البيان الإيضاحي المشار إليه يقارن مقدار الفوائد التي قبضتها الشركة بمقدار الفوائد التي دفعتها حيث ينتج عن المقارنة:
2/1 إما تساوي مقدار الفوائد المقبوضة بمقدار الفوائد المدفوعة أو أن الشركة لم تتعامل خلال العام بالفائدة أصلًا، وبالتالي فلا تأثير للتعامل بالفائدة على ناتج الأعمال.
2/2 أو فرق بالزيادة في الفوائد المقبوضة عن المدفوعة، أي يكون أثر التعامل بالفائدة موجبًا على صافي ناتج أعمال الشركة (وهو نفس الأثر فيما لو اقتصر تعامل الشركة على الفائدة المقبوضة فقط) .
2/3 أو فرق بالزيادة في الفوائد المدفوعة عن المقبوضة وفي هذه الحالة يكون أثر التعامل بفائدة سالبًا على صافي ناتج أعمال الشركة (وهو ذات الأثر فيما لو اقتصر تعامل الشركة على الفائدة المدفوعة فقط) .
3- تستنبط الأهمية النسبية للأثر الموجب أو السالب للتعامل بالفائدة مقارنًا برقم صافي ناتج الأعمال الذي تظهره قائمة دخل الشركة.
4- طبقًا للأهمية النسبية لأثر التعامل بالفائدة يتم حساب مقدار فرق الفائدة المؤثر (إيجابًا أو سلبًا) على ما آل للبنك من نصيب في صافي الربح ليعالج بحسابه الختامي خصمًا وإضافة من خلال حساب مخصص العزل المنوه عنه في حدود ما يسمح به رصيده الدائن فقط، فإن أسفرت المعالجة السنوية على هذا النحو لعوائد البنك من مجموع مساهماته في تلك الشركات عن وجود فائض بالحساب يوجه للصرف في صالح المسلمين.
5- ولما كانت ربحية الشركة / الشركات لا تقتصر فقط على الموزع نقدًا على المساهمين من صافي الربح السنوي وإنما يمتد أثرها ليشمل الزيادة في حقوق الملكية ترتيبًا على ما يحتجز من الأرباح كاحتياطيات وأرباح مستبقاة، وبالتالي فإن هذه الزيادة تكون محملة بنصيب من أثر تعامل الشركة بالفوائد.(7/386)
وبالنظر لأن هذه الزيادة في حقوق الملكية ليست بذات أثر مادي على البنك طالما كان محتفظًا بحصته في أسهم رأس مال الشركة، ولا تنشأ بشأنها ثمة مشكلة تستوجب المعالجة سوى لدى التصرف الكلِّي أو الجزئي في تلك الحصة أو لدى تصفية الشركة.
لذلك، فإن احتفاظ البنك بسجل إحصائي منتظم ومبوب عن الشركات التي يساهم فيها يوضح الأهمية النسبية للأثر السنوي لتعامل كل منها بالفوائد وانعكاسه التراكمي على حقوق الملكية فيها ومن ثم على قيمة السهم الدفترية في نهاية كل عام سيكون له فضل تحديد القيمة الحقيقية لمال البنك المستثمر في كل شركة مطهرًا من أية شبهة مال حرام تعالج وفقًا لليقين الظني من خلال حساب المخصص المذكور على النحو سالف البيان لدى التصرف أو التصفية.
وجدير في هذا المجال دراسة إمكانية إرجاء تطبيق هذه المعالجة لحين وقوع التصرف أو التصفية أو فيما لو تغير اتجاه مجموع حقوق الملكية إلى التناقص، وذلك طالما ظل مجموع صافي الأرباح المحتجزة بالشركة في صورة احتياطيات أو أرباح مستبقاة أكبر من الحصيلة المتراكمة لأثر التعامل بالفائدة.
ولا شك أن انتظام ودقة بيانات سجل المراقبة المذكور سيكون مؤشرًا ملائمًا في تحديد توقيت وحجم المعالجة اللازمة للأثر التراكمي للفوائد على حقوق ملكيته لأسهم الشركة.
تطبيقات مبسطة للمعالجة المحاسبية المقترحة:
كتمرين عملي للمعالجة المطروحة نفترض أن محفظة الأوراق المالية للبنك الإسلامي تشتمل على أسهم لعدة شركات كل منها على البيان التالي:
- رأس المال المصدر والمكتتب فيه 5 مليون دينار (مدفوع بالكامل) .
- عدد أسهم رأس المال 100 ألف سهم.
- القيمة الاسمية للسهم 50 دينارًا.
- حصة البنك في رأس المال 10 % (10 آلاف سهم= نصف مليون دينار) .
يقضى النظام الأساسي للشركة بتجنيب 10 % من صافي الأرباح السنوية القابلة للتوزيع كاحتياطي قانوني وتحويل فائض الأرباح إلى الاحتياطي العام أو يرحل كأرباح مستبقاة إلى الأعوام التالية.
وفي إحدى السنوات المالية حققت هذه الشركات نتائج كالفروض الآتية حيث أفصحت كل منها عن أنها تعاملت خلال العام بالفوائد أخذًا وعطاءً على النحو المبين فيما بعد. الأمر الذي حدا بالبنك إلى تطبيق المعالجة المحاسبية اللازمة لتطهير أمواله في هذه الشركات من آثار معاملاتها بالفائدة.(7/387)
الفرض الأول: التطبيق في حالة الشركات الرابحة:
ثلاث شركات (أ) ، (ب) ، (ج) حققت كل منها صافي ربح قابل للتوزيع قدره مليون دينار وقررت إجراء توزيعات نقدية على مساهميها بواقع 12 % من رأس المال المدفوع ومكافأة لمجلس الإدارة قدرها 50 ألف دينار.
وبفحص البيان الإيضاحي الوارد من كل شركة عن معاملاتها بالفائدة خلال العام تبين الآتي:
- الشركة (أ) تعادل مقدار الفوائد التي قبضتها مع مقدار الفوائد التي تحملت بها.
- الشركة (ب) زادت فيها الفوائد المقبوضة عن المدفوعة بمقدار 20 ألف دينار.
- الشركة (ج) نقصت فيها الفوائد المقبوضة عن المدفوعة بمقدار 50 ألف دينار.
* في الشركات الثلاث يصور حساب توزيع صافي الأرباح على النحو التالي:
- احتياطي قانوني 100 ألف دينار
- توزيع نقدي على المساهمين 600 ألف دينار (نصيب البنك =60ألف دينار)
- مكافأة مجلس الإدارة 50 ألف دينار
- أرباح مستبقاة / احتياطي عام 250 ألف دينار
ـــــــــــ
(1.000) ألف دينار(7/388)
* تأخذ المعالجة المحاسبة اتجاهين:
- عزل أثر التعامل بالفائدة على نصيب البنك من الأرباح الموزعة نقدًا.
- تحديد أثر هذا التعامل على الزيادة في حقوق الملكية.
الاتجاه الأول: عزل أثر التعامل بالفائدة على نصيب البنك من الأرباح الموزعة نقدًا:
1- تحديد أثر التعامل بالفائدة:
البيان الشركة (أ) الشركة (ب) الشركة (ج)
1/1 نصيب البنك من صافي الأرباح الموزعة 60.000 60.000 60.000
1/2 صافي الربح طبقًا لقائمة الأرباح والخسائر 1.000.000 1.000.000 1.000.000
1/3 مقدار واتجاه أثر التعامل بالفائدة على صافي الربح - +20.000 - 50.000
1/4 الأهمية النسبية لأثر التعامل بالفائدة بالنسبة لصافي الربح طبقا للقائمة - + 2 % - 5 %
1/5 أثر واتجاه التعامل بالفائدة على نصيب البنك - + 1.200 - 3.000
إذن نصيب البنك من التوزيع النقدي مطهر من أثر التعامل بالفائدة 60.000 58.800 63.000(7/389)
2 الإثبات الدفتري بسجلات البنك:
* الشركة (أ) : يضاف نصيب البنك من صافي الأرباح الموزعة بالكامل إلى الإيرادات دون حاجة إلى أية معالجة حيث لا تأثير للتعامل بالفائدة عليه.
* الشركة (ب) :
- تضاف قيمة التوزيع النقدي المستحق للبنك بالكامل (60 ألف دينار) إلى حساب الأرباح والخسائر.
- يخصم مقدار الأثر الموجب لتعامل الشركة بالفائدة على نصيب المصرف من الربح الموزع (1.200 دينار) على حساب الأرباح والخسائر ويضاف إلى حساب مخصص عزل الفوائد وبذلك يكون صافي ما تمت إضافته إلى أموال البنك في هذا الصدد قدره 58.800 دينار وهو مطابق لنصيبه من التوزيع النقدي مطهرًا من أثر التعامل بالفائدة.
* الشركة (ج) :
- تضاف قيمة التوزيع النقدي المستحق للبنك طبقًا لما تظهره سجلات الشركة وقدره 60 ألف دينار إلى حساب الأرباح والخسائر، وهي أقل مما يستحق للبنك مطهرًا من أثر تعامل الشركة بالفائدة بمقدار 3 آلاف دينار.
- وطالما يظهر حساب مخصص عزل الفوائد رصيدًا دائنًا فإن هذا الرصيد يستخدم في جبر الأثر السالب للتعامل بالفائدة في حدود قيمة هذا الأثر أو ما يسمح به الرصيد أيهما أقل، وتضاف قيمة ما يتم جبره وفقًا لهذه الحدود إلى حساب الأرباح والخسائر.
وهكذا تجري المعالجة السنوية لأرباح استثمارات البنك المالية في مثل هذه الشركات حتى تمامها فإن أسفر ذلك عن وجود رصيد بحساب المخصص المذكور يوجه للصرف في صالح المسلمين.(7/390)
الاتجاه الثاني: تحديد أثر التعامل بالفائدة على الزيادة في حقوق الملكية:
في كل من الشركات الثلاث السابقة بلغت الزيادة في حقوق الملكية 350 ألف دينار (الاحتياطي القانوني + الأرباح المستبقاة / الاحتياطي العام) ويبلغ نصيب السهم الواحد من أسهم رأس المال من هذه الزيادة 3.500 دينار وبالتالي ترتفع قيمته الدفترية من 50 دينار إلى 53.500 محملة بأثر تعامل الشركة بالفائدة (أو المحصلة التراكمية لهذا الأثر) .
مما يتعين حسابه وإثبات ذلك سنويًّا وبشكل تراكمي في السجل الإحصائي الذي يحتفظ به البنك لهذا الغرض، للرجوع إليه لدى اتخاذ القرار بالتصرف الكلي أو الجزئي في حصة البنك في أسهم رأس مال الشركة أو لدى تصفية الشركة ومن ثم تحديد قيمة السهم مطهرة من أثر التعامل بالفائدة.
البيان الشركة (أ) الشركة (ب) الشركة (ج)
الأهمية النسبية لأثر التعامل بالفائدة صفر
+2 % - 5 %
القيمة الدفترية للسهم طبقا لسجلات الشركة 53.500 53.500 53.500
± أثر التعامل بالفائدة على الزيادة في قيمة السهم صفر صفر (0.070) 0.175
إذن القيمة الدفترية للسهم بمعالجة أثر التعامل بالفائدة 53.500 53.430 53.675(7/391)
وبافتراض اتخاذ القرار بالتصرف في حصة البنك فإنه:
في حالة الشركة (أ) : يمكن أن تدخل حصيلة التصرف بالكامل في ذمة البنك المالية طبقًا لأي سعر شراء معروض ومناسب للبنك (حيث لا تأثير للتعامل بالفائدة على قيمة السهم) .
وفي حالة الشركة (ب) : فإنه يتعين استبعاد أثر التعامل بالفائدة من حصيلة التصرف المجاز دخولها ذمة البنك المالية، وذلك طبقًا لأي من الاحتمالات الآتية:
- يجوز قبول حصيلة البيع بالكامل إذا كان سعر البيع في حدود 53.430 ديناراً/السهم.
- فإذا زاد سعر البيع عن 53.430 دينارًا / السهم بما لا يجاوز 0.070 دينارًا توجه هذه الزيادة بكاملها إلى حساب مخصص عزل الفوائد وتضاف باقي الحصيلة إلى أموال البنك.
- أما إذا جاوز سعر البيع مبلغ 53.500 دينار / السهم فيوجه 0.070 دينار/ السهم إلى حساب المخصص وتدخل باقي حصيلة البيع ضمن أموال البنك.
وزيادة في الاحتراز يمكن أن تستبعد نسبة تأثير الفوائد المتراكمة على قيمة السهم بشكل تناسبي فيما يزيد عن قيمته الدفترية المطهرة.
أما في حالة الشركة (ج) : فإنه يمكن للبنك – دون حرج شرعي – قبول البيع أو ارتضاء التصفية بأي سعر للسهم، طالما أن تعامل الشركة بالفائدة أثر بالسالب على صافي أرباحها، الأمر الذي انعكس في انخفاض مجموع حقوق الملكية عن المقبول شرعًا، لا سيما وأنه في الواقع العملي نادرًا ما يزيد سعر الشراء المعروض عن القيمة الدفترية للسهم وفقًا لما تظهره قوائم الشركة المالية.
وفيما لو كان السعر المعروض لأسهم هذه الشركة أقل من 53.675 دينار/السهم وكان بحساب مخصص عزل الفوائد رصيد دائن، جاز للبنك تعويض الفرق بين السعرين – جزئيًّا أو كليًّا – من هذا الرصيد.
ومن هنا تبرز الأهمية القصوى لاحتفاظ البنك بسجل إحصائي منتظم ودقيق يتابع من خلال بياناته التغيرات التي تجدُّ على حقوق الملكية وأثر التعامل بالفائدة عليها لكل شركة على حدة لا سيما لو اتجه البنك إلى إرجاء تطبيق معالجة الأثر المذكور إلى حين وقوع التصرف أو التصفية.(7/392)
الغرض الثاني: التطبيق في حالة الشركات الخاسرة:
الشركتان د، هـ من الشركات التي يساهم البنك في رؤوس أموالها وقد حققت كلتاهما خسارة في إحدى السنوات مقدارها 500 ألف دينار.
وقد أوضحت الشركة (د) أن تعاملها مع البنوك التقليدية خلال العام أسفر عن زيادة في الفائدة المقبوضة عن المدفوعة مقدارها 20 ألف دينار، بينما أوضحت الشركة (هـ) أن تعاملها المماثل أنتج فرقًا عكسيًّا قدره 30 ألف دينار.
ولما كانت مثل هذه الخسارة يترتب عليها نقص في مجموع حقوق الملكية بكل من الشركتين، وقد ينجم عنها انخفاض القيمة الدفترية للسهم عن قيمته الاسمية، وطالما أن هذه الخسارة محملة بأثر للتعامل بالفائدة فإن الانخفاض الذي تظهره قوائم الشركة المالية في قيمة السهم يكون غير متفق مع حسابه مطهرًا من أثر التعامل بالفائدة عليه كالبيان التالي:
البيان الشركة (د) الشركة (هـ)
القيمة الاسمية للسهم 50.000 50.000
يخصم: نصيب السهم من الخسارة المحققة طبقًا لسجلات الشركة 5.000 5.000
إذن القيمة الدفترية للسهم 45.000 45.000
± أثر التعامل بالفائدة على القيمة الدفترية للسهم (0.200) 0.300
إذن قيمة السهم بعد استبعاد أثر التعامل بالفائدة 44.800 45.300
وحيث أن القواعد المحاسبية المرعية تقضي بتكوين " مخصص هبوط الاستثمارات المالية " لمقابلة مخاطر النقص في هذا النوع من الأصول فإن الدراسة التي يجريها البنك لأغراض تكوين هذا المخصص يجب أن تأخذ في اعتبارها الأثر السالب لتعامل الشركة (د) بالفائدة مع إهمال الأثر الموجب لهذا التعامل بالنسبة للشركة (هـ) .(7/393)
على أنه يجوز للبنك في حالة الشركة (د) استخدام الرصيد (الدائن) الذي قد يكون قائمًا بحساب مخصص عزل الفوائد في تكوين مخصص هبوط تلك الاستثمارات وذلك فقط في حدود أثر تعامل الشركة بالفائدة (أي في حدود 0.200 دينار / السهم فقط) .
وكقاعدة عامة يعزف المستثمرون في سوق الأوراق المالية عن شراء أسهم الشركات الخاسرة مما يترتب عليه اشتداد قوى العرض على قوى الطلب عليها وبالتبعية تتجه أسعارها إلى الهبوط بفعل ديناميكية السوق.
وعلى ذلك وباعتبار الاستثمار في الأسهم هو رأس مال مضارب فإن قرار التصرف في حصة البنك في أسهم رأس مال مثل هذه الشركات يبنى على أساس السعر الأقل خسارة، وهو غالبًا ما يكون أدنى من القيمة الدفترية للسهم، وطالما كان الأمر كذلك فإن حصيلة البيع /التصفية تدخل ضمن أموال البنك دون وجود حرج شرعي.
فإن زاد السعر المعروض – لسبب أو لآخر – عن القيمة الدفترية للسهم مطهرة من أثر التعامل بالفائدة فإن هذه الزيادة تكون مقبولة تمامًا – أيًّا كان مقدارها – بالنسبة لأسهم الشركة (هـ) .
وأيضًا بالنسبة لأسهم الشركة (د) عدا 0.200 دينار لكل سهم منها فيوجه إلى حساب مخصص عزل الفوائد، ومنه لجبر الآثار الموجبة لتعامل الشركات الأخرى بالفوائد أو للصرف في صالح المسلمين.(7/394)