الشيخ أحمد محمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وبعد:
في البداية أذكر سماحة الرئيس بما تحدث به في خطبته الأولى يوم الافتتاح بأن على المجمع وعلماء المسلمين أن ينزلوا إلى سوق المعاصرة. والمجامع الفقهية أو المجمع الفقهي هذا بالذات مفروض فيه أن ينظر أو يبحث أو يقرر في مشكلات العصر على أساس اجتهادي أما الأمور الثوابت والقضايا الثابتة لا ينظر فيها وأخشى أن تكون قضية سندات المقارضة مثل قضية زراعة الأعضاء الناس أفتوا فيها والمجامع أفتت فيها وأفتى العلماء فيها في العالم الإسلامي ثم نؤجلها ونختلف عليها. يا إخوننا الأعزاء هذه مما لا شك مشكلة وظاهرة مشكلة سندات المقارضة في حاجة إلى بحث وفي حاجة إلى إقرار كما قال الدكتور سامي: إن العالم الإسلامي يعاني من مثل هذه القضايا فلا بد من البت فيها. أما أن نقول:إن العالم الفلاني هو الفقيه أو المذهب يرى خلاف ذلك. إذن هي مسألة خلافية ومجمعكم إنما قام لينظر في المسائل الخلافية ما قام ليتبع مذهب مالك أو أبي حنيفة أو مذهب الشافعي أو ابن حنبل أو فلان من الفقهاء أنشئ المجمع لينظر في المسائل الاجتهادية الخلافية ويبت فيها ويعالج القضايا التي يعاني منها المسلمون ويضطرون مع الأسف الشديد إلى ارتكاب المخالفة فيجب أيها الأخوة الأعزاء أن يطالبكم سماحة الرئيس بأن تنزلوا إلى ساحة المعاصرة إلى مشكلات الشباب مشكلات الشيوخ مشكلات الدول لا يقول فلان هذا يخالف مسألة القرض مسألة العارية مضمونة أو غير مضمونة ما دام وهناك اختلاف بين الفقهاء القدامى فإنما نشأتم وقمتم لتحلوا هذه الخلافات وتأخذوا بالرأي الذي يكون فيه مصلحة عامة.
أحببت أن أذكركم بذلك لأني عانيت في قضية زراعة الأعضاء أنكم اختلفتم فيها وأجلتموها وكان من حقكم ألا تؤجلها لأن الناس ماضون فيها بحق وبباطل فكان ينبغي على المجمع أن يأخذ فيها قرارا صحيحا سليما لا يؤجلها.(4/1596)
الدكتور محمد أيمن صافي:
أريد أن أطمئن الدكتور أن اللجنة لن تؤجل هذا الموضوع وسيعرض موضوع زرع الأعضاء.
الرئيس:
على كل اللجنة سيعرض قرارها إن شاء الله تعالى وإن كانت اللجنة هل هي مفوضة على أن تعمل شيئا على خلاف ما أصدر في الجلسة هذا شيء آخر هو المهم سيعرض النتيجة وإذا كانت إن شاء الله تعالى ملاقية فلا يكون إلا فيه الخير إن شاء.
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
شكرا سيدي الرئيس.. أحب أن أقول: إن ما ذكرته في هذا الخصوص هو أمر متفق عليه بين فقهاء المسلمين في النقطتين اللتين ذكرتهما وإننا لن ننحاز في هذا المجال إلى مذهب أو إلى رأي معين وإنما نأخذ بالأيسر إلا أن المسألتين اللتين ذكرتهما من عدم جواز اشتراط ضمان المال على العامل بدون تعد أو تفريط أمر متفق عليه ومن أن اشتراط أو جواز أن نضع شرطا بأن من حق العامل أن يشتري أسهم رب المال هذا أيضا أمر متفق عليه. وشكرا.
الدكتور سامي حسن حمود:
الواقع أن ما يشير إليه الأخ الدكتور إبراهيم من حيث عدم جواز الاشتراط على العامل الضمان هذا واضح بنص التوصيات في الفقرة الرابعة: لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو نسبة معينة من الربح فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا كان العقد قرضا لا قراضا. فهذا أمر واضح أخي الدكتور في النقطة الأولى.
النقطة الثانية: الواقع تناقشت بها شخصيا مع فضيلة الدكتور وهو جاري في الغرفة حتى في الفندق بأنه قال: إنه لا يجوز ألا يشترط أو يتضمن العقد بأن العامل يكون قادرا على شراء رأس المال باعتبار أن العامل هو المتلقي الشروط من رب المال لأن رب المال الذي يتحكم في الشرط وقلت له لو عكسنا الآية لو كان أن رب المال قال:(4/1597)
إن تعمل لي في هذا المال وأن يكون لك نصيب من الربح ولنقل: إنه الثلث وضربت له مثال السيارة عندي مال اشتريت به سيارة أعطيتها لمن يعمل عليها وقلت له هذه هي شروطي ثلث الإيراد الناتج من عملك على السيارة يكون لي كرب مال وثلثه يكون لك كعامل في هذا المال والثلث الآخر فإنه لك بمعنى أنه يجوز شرعا أن أقول لك الثلثان ولي الثلث ولكني حددت وقلت الثلث آخذه وأقبضه والثلث الآخر تأخذه وتصرفه والثلث المتبقي تبقيه في حساب خاص لينفق منه على صيانة السيارة وإذا تجمع في هذا الثلث الذي هو حق العامل ما يستطيع أن يشتري به هذه السيارة بعد مدة من الزمان كحافز له على أن يكون أمينا معي في المعاملة وأعده من الآن أن أملكه سيارة فهل هذا جائز؟ فاتفق معي أخي الدكتور أنه إذا كان العرض من رب المال فهذا جائز. فقلت: له إن الأمور في حياتنا الإيجاب والقبول هي تمام العقد وقد يكون في البيع إيجاب من البائع وقد يكون عرض من المشتري ويعتبر العرض من المشتري إيجابيا أتبيعني هذه السلعة بكذا قال أبيعك، وقولي كذلك أبيعك هذه السلعة بكذا، وقوله اشتريت فقد انعقد العقد. فليس المهم هو من يلعب الدور وإنما المهم هي نتيجة الحكم التعاقدي الذي يترتب على العملية فإذا كان الأمر كذلك فإن الشرط المقبول باتفاق أراه من الشروط التي تتنافى مع مقتضى العقد لأن مقتضى العقد في المضاربة أن يسترد رب المال رأس ماله سواء استرده من مال خارجي أو من تنضيض المال الذي كان فيه العمل. فإذا كان المال مال تجارة بأن كان بضاعة من الطبيعي حكم التنضيض فيها أن تباع لتعود رأس المال والأرباح نقودا فأسترد كرب مال رأس مالي وحصتي من الربح وأعطي العامل حصته من الربح. فإذا كان المال الذي استثمر في سيارة أو في عقار فبدلا من أن نبيعه لأطراف آخرين نبيعه بيعا داخليا وحكم شراء رب المال من مال المضاربة والعامل في المال من مال المضاربة من الأمور المبحوثة في كتب الفقهاء. هذه أمور معروفة فإذا اتفقنا عليها محددا لا نكون خالفنا لأن النتيجة الأخيرة أن رب المال سيسترد رأس ماله مع ربحه وأن العامل سيستقل بهذا الربح، ولكن العامل لغاية تنظيمية طلب منه أن لا يبذر في هذا الربح وينفقه يمينا وشمالا وإنما يدخر ما يمكنه من أن يصبح مالكا لأداة الإنتاج وهذه هي الفلسفة الرائعة في الإسلام التي تنقل العاملين من فئة بائع الجهد المجرد إلى أن يصبح مالكا لأداة الإنتاج ووسيلته، هذا هو تكريم الإنسان في مجتمع الإسلام ولا أرى فيه أي خلاف وشكرا لكم.(4/1598)
الدكتور على أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
إشارة سريعة إلى موضوع سندات المقارضة عندما عرض في الأردن وكتبت بحثا سريعا آنذاك وبينت أنه عقد قرض وليس قراضا لأمرين. وأحب هنا أن أشكر الأستاذ الدكتور عبد السلام العبادي لأنه اقتنع بأمر من الأمرين وسعى جادا للتغيير وفعلا وجدنا الصورة تغيرت مع ما ألحقه هو لبحثه. فبالنسبة للضمان أصبح الضمان من طرف ثالث وليس من عامل المضاربة بعد التعديل الذي تم فأكرر شكري له. يبق بعد هذا البيع لرأس المال وليس للحصة الشائعة بالقيمة السوقية. على كل نحن هنا في المجمع أن لا نبحث مشروعا بعينه وإنما التوصيات التي وضعناها في حلقة العمل السابقة بعد المؤتمر الثالث توصيات عامة بحيث يمكن أن تعمم في أي بلد إسلامي. لأننا فعلا في حاجة إلى أوراق مالية إسلامية بحيث تكون بورصة أوراق مالية إسلامية في المستقبل القريب إن شاء الله. وبَعْدُ ظهر أكثر من ناحية مثلا بنك التنمية والمشروع الأردني وهناك أيضا في البحرين ظهرت أوراق مالية إسلامية جديدة. فنحن إذن هنا في المجمع نضع الشروط العامة التي ينظر إليها في التطبيق أما مسألة مشروع معين فإن هذا ليس من الأمور التي نبحثها هنا لأن هذا مشروع وهذا مشروع آخر ومشروعات كثيرة، فالذي أرجوه هنا إذا وافقنا على التوصيات الموجودة أقترح تكوين لجنة للصيغ الأخيرة لأننا في حاجة فعلا إلى استحداث صيغ متعددة فقد نجد أن هذه الصيغة تناسب بلد كذا والصيغة الأخرى تناسب مشروعا آخر وهكذا. فأنا أقترح تشكيل لجنة لدراسة الصيغ الأخيرة التي قلنا عنها. هذه الصيغ المطروحة هي محاولات اجتهادية تحتاج إلى مزيد من البحث والنظر. فأريد تشكيل لجنة للبحث والنظر بحيث يضاف إلى التوصيات السابقة الصور المتعددة فتعرض على المجمع فإذا أقرت كان أمامنا المبادئ العامة التي يضعها المجمع ثم الصور المختلفة من الناحية التطبيقية.
ملحظ بسيط أحب أن أذكره. أنا ذكرته للأخ سامي وظننت أنه حذفه ولكن فوجئت أنه لم يحذفه لأن الدكتور سامي في بحثه اتهم مجمع اللغة العربية بالقصور وأنه في غفلة وكلمات كثيرة لما قال لأنه في معجمه الوجيز قال بأن السند في الاقتصاد يعني القرض بفائدة اتهمه باتهامات كثيرة وقال إن هناك القرض الحسن(4/1599)
وفي اللغة كذا وفي اللغة كذا. فأقول للأخ الدكتور سامي مجمع اللغة العربية ليس له معجم وجيز فلا أدري من أين جاء بهذا المعجم هذه ناحية. الناحية الأخرى أن المجمع له معجم وسيط ومنهج مجمع اللغة العربية أنه يذكر الكلمة من الناحية اللغوية ثم بعد هذا إذا كانت الكلمة لها اصطلاح أصبح لها اصطلاح عام من الناحية السياسية من ناحية العلم التجريبي من أي ناحية من النواحي فإنه يذكرها. لذلك أرجو أن يحذف هذا الجزء من بحثه وإن كان هو شيخ كبير إنما مجمع اللغة العربية أكبر. هذا ما أردته والحمد لله وشكرا لكم.
الرئيس:
في الواقع في موضوع سندات المقارضة قد ترون أن إجراء المداولات على الموضوع بصفة عامة قد ينقضي الوقت الكثير والكثير جدا دون أن نصل إلى نتيجة حاسمة للموضوع، على أي وجهة يصل إليها المجمع بتوفيق من الله تعالى. ولهذا فإن من المناسب أن تقرأ توصيات الندوة عنصرا إثر آخر ونقف عند قراءة كل عنصر من هذه العناصر فإذا كانت هناك مناقشات حولها، مناقشات علمية لا تزيد فيها حتى نستغل الوقت وقفنا، فما أمكن تعديله عدلناه وما أمكن إقراره أقررناه من هذه العناصر. فلعلكم ترون هذا مناسبا لأجل أن نبدأ.
أرجو من الأستاذ سامي حتى أنتبه إلى كلمات الإخوة لو تكرمتم بالقراءة.
الدكتور سامي حسن حمود:
مرة أخرى التوصيات:
1- سندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصا شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه، بنسبة ملكية كل منهم فيه. ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية (صكوك المقارضة) .(4/1600)
الرئيس:
هل من مناقشة حول هذه الفقرة؟ الفقرة الثانية.
الدكتور سامي حسن حمود:
الصور المقبولة شرعا لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:
العنصر الأول: أن يمثل الصك ملكية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته. ويترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها.
تريد كل العناصر وإلا عنصرا عنصرا؟
الرئيس:
عنصرا عنصرا. وتستمر هذه الملكية طوال المشروع من بدايته إلى نهايته. الشيخ إبراهيم.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
سؤال فقط: هل تستمر هذه الملكية طوال المشروع وفي نفس الوقت تترتب عليها كافة الحقوق بما فيها البيع إذا قد تستمر؟
الرئيس:
لا تترتب يعني مدة استمرارها باعتبار الأصل.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
السؤال: خلال فترة استمرارها هل لي أن أبيعها أم لا؟
الشيخ محمد تقي العثماني:
يعني يباع الصك.(4/1601)
الرئيس:
جهز العنصر التالي يا شيخ.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
إلى هذا العنصر في هذه في الواقع مال مضاربة.
الرئيس:
أين نضيف العبارة؟
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
العنصر الأول لا أحب أن أضيف عبارة مع ملاحظة أنها أصبحت جزءا من رأس مال المضاربة هذه صكوك مضاربة.
الرئيس:
بعد المقطع الأول؟
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
بعد من رهن وإرث وغيرها. مع ملاحظة أنها أصبحت جزءا من رأس مال المضاربة لأن هذا قد يترتب عليه ملاحظة بعض الأحكام التي تتعلق برأس مال المضاربة ولا نتركها مطلقة هكذا.
الرئيس:
مع ملاحظة أنها أصبحت جزءا من رأس مال المضاربة.
الشيخ محمد تقي العثماني:
إنها دون أصبحت.
الرئيس:
إذن لا صارت ولا أصبحت. إنها جزء.
الدكتور سامي حسن حمود:
مع ملاحظة أنها تمثل جزءا.(4/1602)
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
ليس جزءا؛ لأن السندات مجتمعة هي رأس مال المضاربة باعتبار كل صك على انفراد.
الرئيس:
هو المراد أن يمثل الصك ملكية خاصة شائعة. المراد الحصة. العنصر الثالث.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم. يعني هذه الإضافة مفهومة من البند رقم (1) فلماذا نعود إليها ثانية؟ البند رقم واحد عندما عرفنا سندات المقارضة قلنا: إنها أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض بإصدار صكوك مع ما في هذه العبارة من ركة لكن هذه إضافة لا أجد لها في الحقيقة فائدة؛ لأنها مبنية على الفقرات التي تقدمت على الفقرة رقم واحد فما فائدة هذه الإضافة؟
الرئيس:
هي توضيحية يا شيخ حتى يكون فيها نوع جلاء للقارئ.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
إذا سمحت وإن ترتب عليها، على ماذا؟ على الصكوك التي تمثل جزءا فتترتب عليها. على الصكوك بنحكي نحن. لذلك تكون العبارة: مع ملاحظة أنها تمثل جزءا. الصك يمثل الملكية وليس هو الملكية. ونحن نحكي عن الصك الذي يمثل الملكية وليس عن حصة الملكية.(4/1603)
الرئيس:
هل الصك له قيمة بدون حصة؟
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
هو البيع للصك باعتباره يمثل الملكية. لأنه يقول: يترتب عليها. على ماذا؟ على الصك.
الرئيس:
يعني تكون العبارة مع ملاحظة أن الصك يمثل جزءا من رأسمال المضاربة. لكن لو جعلناها مع الضمير. مع ملاحظة أنها تمثل جزءا من رأس مال المضاربة. لا نقول الصك ولا الحصة.
الشيخ عمر الزبير:
فقط في مجموعها تمثل كامل رأس المال للمضاربة. إذا قلنا تمثل جزءا كان هناك أجزاء أخرى بالإضافة إلى هذه السندات المقارضة، لأن مجموعها يمثل كامل رأس مال المضاربة والقراض، فهي جزء. كل حصة جزء. مجموع الحصص يساوي كامل رأس مال القراض.
الشيخ محمد تقي عثمان:(4/1604)
ولكن يمكن فعلا أن يكون هناك أموال غير أموال الصكوك.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
سيدي ... لاستقامة الصياغة أولا إذا قلنا تترتب عليها سواء قصدنا الحصص أو الصكوك نقول مع ملاحظة أنها جزء لا يجوز لا بد أن نذكر عبارة أخرى في حقيقتها إذا كان قصدنا بها الصكوك أو الحصص فهي تمثل كل رأس المال إنما كل منها يمثل جزءا. مع ملاحظة أن كلا منها مثلا.
الرئيس:
إذا رأيتم مثلا يا مشايخ أن تكون العبارة: وتترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغير ذلك وإنها تمثل جزءا من رأس مال المضاربة. لا مع ملاحظة أو كذا. وإنها تمثل جزءا من رأس مال المضاربة.
الشيخ إبراهيم بشير الغول:
ما هي التي تترتب عليها مجموع الصكوك؟
الشيخ محمد تقي العثماني:
مع ملاحظة أنها تمثل رأس مال المضاربة بدون ولو فيه جزء. مع ملاحظة أنها تمثل رأس مال المضاربة. لا نقول جزء ولا كل.
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
الكلام كله منصب على الحصة بدليل وتترتب عليها أي الحصة وعندئد بقية الكلام وإنها أي الحصة.
الرئيس:
ولهذا أقول إنه يقال: وإنها أمثل جزء من رأس مال المضاربة وإنها – أي الحصة حتى تصح أن تعود إلى الصك لأن الصك هو الذي يحمل الحصة – فما فيه شيء.
العنصر الثالث يا شيخ.(4/1605)
الشيخ محمد علي التسخيري:
العقد ليس دقيقا وإنه إذا قلنا مع ملاحظة أنها أو تحذف هذه العبارة لأنه مدلول عليها في رقم واحد.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
اتركها مع ملاحظة.
الرئيس:
إذا رأيتم أنها تبقى ملاحظة أنها تمثل جزءا من رأس مال المضاربة.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
ممكن نقول ملاحظة إن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة. ماشي أنه نصرح بها. أما أن نقول مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس المضاربة أو مع ملاحظة أن الحصة الشائعة تمثل جزءا من رأس مال المضاربة.
الرئيس:
مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.
الشيخ محمد علي التسخيري:
بعض رأس مال قد يكون ليس صكا. عندما نقول المعنى لو جعلنا ليس أفضل بل أن نقول هذا المعنى.
الرئيس:
لكن هل يمكن الدخول فيه في هذا بدون صك؟
الشيخ محمد علي التسخيري:
بدي أقول يعني يحتمل أن يكون بعضها ليس صكا.
الرئيس:
هذا تفريع على ما جاء في رقم واحد من تكييف سندات المقارضة. الثاني يا شيخ.
الدكتور سامي حسن حمود:(4/1606)
العنصر الثاني: يقوم العقد في صكوك المضاربة على أساس أن شروط التعاقد تحددها نشرة الإصدار وأن الإيجاب يعبر عنه الاكتتاب في هذه الصكوك وأن القبول تعبر عنه موافقة الجهة.
ولا بد أن تشتمل نشرة الإصدار على جميع البيانات المطلوبة شرعا في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار على أن تتفق هذه الشروط مع الأحكام الفقهية المعتبرة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
موافقة الجهة المصدرة. لا بد من لفظ المصدرة بعدها.
الدكتور سامي حسن حمود:
القبول الشراء المشترية. القبول تعبر عنه الجهة المشترية هو يقبل الاكتتاب.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يعبر عنه الإيجاب الاكتتاب لهذه الصكوك وأن القبول تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة؛ لأنه ممكن يكون الاكتتاب أكثر من حجم الإصدار. العقد لا يتم إلا بموافقة الجهة المصدرة.
الشيخ وهبة مصطفي الزحيلي:
إن القبول يعبر عنه فيه توافق بيِّن وأن الإيجاب يعبر وأن القبول يعبر عنه. الموافقة يجب أن يكون تناسب مع ما سبقه من كلمة الإصدار. الإيجاب يعبر عنه والقبول يعبر عنه.(4/1607)
الرئيس:
ماشي يا شيخ تعبر ما فيه شيء أو الموافقة. بقي شيء؟
الشيخ عبد الله إبراهيم:
شكرا فضيلة الشيخ. في قوله إن شروط التعاقد تحددها نشرة الإصدار. على أننا قد اتفقنا على أن العقد عقد مضاربة فلما نطق هنا تحددها نشرة الإصدار فيمكن أن تكون هنا شروط خارجة عن شروط المضاربة.
الرئيس:
يعني تقيد: على أن تتفق هذه الشروط مع الأحكام الفقهية المعتبرة. والشيخ عبد الستار يقول: على أن تتفق جميع الشروط لأنه لم تتقدم الشروط هنا.
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
من حيث العلم برأس المال.
الرئيس:
من حيث بيان العلم برأس المال بدل المعلومية. بدل معلومية العلم.(4/1608)
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
سيدي الرئيس هل الياء التي يعبر عنها النحاة بياء المصدر التي تجعل الاسم الجامد أو الوصف مصدرا، الياء ليست مع هاء التأنيث تجعل الجامد أو الوصف مصدرا؟
معلومية رأس المال معناه كون رأس المال معلوما، فلا تعني العلم برأس المال كون رأس المال معلومة متعاقدين أو حصة الربح معلومة. معلومية معناه كونه معلوما. لكن المعلومية تقتضي أن معلوما تحول الوصف إلى المصدر.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
من حيث بيان رأس المال لأن هذا هو المطلوب أو من حيث لا معلومية ولا علم لنحل هذا الإشكال هو أن يبين رأس المال وتوزيع الربح كيف يكون.
الشيخ محمد علي التسخيري:
معذرة كلمة الأحكام الفقهية المعتبرة. من متي الأحكام الفقهية غير معتبرة؟ الأحكام الشرعية.
الرئيس:
الأحكام الفقهية الشرعية. قد يكون فقهية قانونية. العنصر الثالث.
الدكتور سامي حسن حمود:
العنصر الثالث: أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك تصرفا من المالك في ملكه مع مراعاة الضوابط التالية:
أ- إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودا فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف.
ب- إذا أصبح مال القراض ديونا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول الديون. عدلناها أحكام الديون بالديون.(4/1609)
الرئيس:
يكون بدل التداول أحكام التعامل.
الدكتور سامي حسن حمود:
أحكام تعامل النقود بالنقود:
ج- إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقا للسعر المتراضى عليه وطبقا للأحكام الشرعية، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع.
الشيخ محمد تقي العثماني:
عندي ملاحظة في نقطة ألف من هذا العنصر وهو إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودا فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف. أنا أرى أن تحذف هذه الكلمة الأخيرة (تطبق عليه أحكام الصرف) لأن أحكام الصرف إنما تختص بالعينين الذهب والفضة. وصكوك المقارضة هي أموال ولكنها ليست ذهبا ولا فضة. ولو طبقنا عليها أحكام الصرف فإنه يجب أن يكون التقابض في مجلس العقد. ولا يجوز فيه النسيئة أبدا. فلو حذفنا: وتطبق عليه أحكام الصرف واقتصرنا على قولنا: يعتبر مبادلة نقد بنقد فيجري عليه أحكام الصرف عندما نجري أحكام الصرف على النقود ولا تجري عليه أحكام الصرف عندما لا يجري عليه ذلك. فهذا ما أراه.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أنا أثني على هذا الرأي وأرجو حذف هذه العبارة؛ لأن هناك اختلافا كبيرا في كون هذه النقود هي تحمل صفات الذهب والفضة وكونه ذلك فأرجو حذف هذه العبارة.
الرئيس:
أنا أرجو أن لا تنقضوا ما أبرتم، المهم تبقى بقوة ما صدر من المجمع أعد يا شيخ.
الدكتور سامي حسن حمود:(4/1610)
ب- إذا أصبح مال القراض ديونا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام التعامل بالديون.
الشيخ خليل محي الدين الميس:
لا يمكن. يظهر ماشي هذا. (ج) يا شيخ.
الدكتور سامي حسن حمود:
ج- إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون والأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقا للسعر المتراضى عليه وطبقا للأحكام الشرعية على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع.
لو سمح لي السيد الرئيس لي تعليق على الفكرة (ج) . الواقع كانت هذه النقطة محل اختلاف ولم تكن محل اتفاق في لجنة الصياغة الخاصة بالنسبة للقيد الأخير الذي يبدأ من: على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع. فهنا جاءت الفكرة أن الإخوان يريدون تغليب الصفة الغالبة في موجودات القراض حتى لا يشتبه أن تكون نقودا أو ديونا. ولكن الواقع لو نظرنا إلى ميزانية البنوك الإسلامية نج أن العنصر الغالب في ميزانية أي بنك إسلامي وأي شركة من شركات الخدمات تغلب عليها النقود والديون. وأمامي على سبيل المثال ميزانية البنك الإسلامي الأردني المعلنة لعام 86: رأس مال البنك 6 ملايين دينار واحتياطه القانوني 3 ملايين لكن موجوداته تتألف من: النقد في الصندوق ولدى البنك 45 ملايين دينار، تمويل استثماري بالمضاربة والمشاركة والمرابحة واستثمارات أخرى وغالب التمويل هنا هو مرابحات 90 % من الديون مرابحات والمرابحة عبارة عن بيوع بضائع بالأجل فهي ديون فبلغ مجموعه 95 مليون دينار، ثم مشاريع وتمويل الاستثمار المخصص 13 مليون دينار، الموجودات الثابتة التي هي الأعيان 4 ملايين دينار. فلو طبقنا هذا القيد على الذي نقول به بتداول موجودات المقارضة وهي عينها موجودات البنك الإسلامي نجد أنه لا يحق لنا أن نبيع ونشتري أسهم البنك الإسلامي الذي تتداول أسهمه يوميا. لو كان هذا العقد صحيحا ولم يكن قيدا تحكيميا كنا نرضى بذلك ولكن ليس لهذه النسبة التي وضعت بأن تكون الغالبية وما معنى الغالبية خاصة وأنه هناك شخصية اعتبارية تنفصل كما ذكرنا بالأمس ملكية التصرف في موجوداتها عن شخص المالك.
لذلك الذي أراه أن ينظر الإخوان ويشاركونا الرأي بالنسبة لهذا القيد الذي سيحرم موجودات المقارضة من ميزة التداول لأن الغالب في أعمال البنوك وشركات الخدمات أن تكون موجوداتها من النقود والديون، ولا تشكل الأعيان والأشياء المملوكة. في مكتب الخدمات يتعامل بمائة مليون أكثر من المكتتب وجهاز التليكس والآلة الكاتبة والباقي حقوق وديون متداولة. فأرجو أن ينظر لهذه النقطة وأرشدونا هداكم الله.(4/1611)
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم.. اللهم صل على عبدك ونبيك محمد وعلى آله وصحبه والتابعين وعلينا معهم يا أرحم الراحمين.
أنا أختلف مع زميلي وجاري في هذه النقطة. ليست كل البنوك موجوداتها ديون أكثر موجوداتها ديون ونقود هذه واحدة.
الأمر الثاني: نحن لا نريد أن نطوع الشريعة لبنكونا إنما نريد أن نطوع البنوك للشريعة الإسلامية. وأنا في الحقيقة أوافق على هذه الصيغة كما جاءت والأغلبية معناها أن تكون أكثر من 50 % من الموجودات أعيانا لأنه بالتالي نخشى أن يتخذ هذا ذريعة للربا بالأجل ونبيع الديون ونبيع النقود بالأجل ونأخذ عليها فوائد ونقع تحت طائلة الربا. فأنا في الحقيقة أصر إصرارا شديدا على هذه. جاء فيها ما جاء.
الرئيس:
على بقاء النص؟
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
نعم.
الشيخ عمر سليمان الأشقر:
الذي أريد أن أنبه عليه أن العنصر الثالث جعل بعض الصور في التداول غير صحيحة وبعضها صحيح. فكيف نضمن في مثل هذه المجتمعات الذي يختلط فيه الخير بالشر كثيرا والناس لا يستوثقون لدينهم أن يتداول الناس في المحظور كيف نضمن هذا؟ ينبغي إذن حتى نضمن هذا الشيء ينبغي أن نضع نصا أن التداول لا يكون إلا بموافقة المؤسسة الجهة المصدرة، وإلا فإن الناس عندما نصدر لهم هذا التشريع بعد ذلك سيتداولون بعيدا عنا بدون هذه الضوابط. شكرا.(4/1612)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أنا أعتقد في هذه النقطة القضية ترتبط بعملية بيع السند أو الصك باعتباره يمثل جزءا من رأس مال المضاربة واحتياطا من القضية في هذا الموضوع والتي هي قضية النزول بسعر هذا الصك أكثر من القيمة الاسمية أو أقل بدون ملاحظة ما يمثل حقيقة. فإذا كان فيه قدرة لأنه ما زلنا في مرحلة الإعداد للمشروع والأموال لم تتحول بعد إلى أعيان ومنافع فهو من أحكام الصرف. إذا كان الموضوع في جميع أموال المشروع ما زالت ديونا على الناس ولم تحصل كاكتتابات يعني في مرحلة ما قبل دفع الاكتتاب أيضا لا يجوز البيع لأن القضية قضية ديون.
يبقي الآن مسألة فيما إذا تحول جزء من هذه الأموال إلى أعيان ومنافع يعني دارت عجلة المشروع. هل نسمح بتفاضل السعر أو لا نسمح؟ الواقع الرأي الذي كنا تبنيناه أنه نسمح ما دام هذا المقدار الذي ربطت فيه عملية التحول بصرف النظر عن حجمه الإرادة التعاقدية له الحق في أن تبيعه وفق ما تراه مناسبا ومحققا للمصلحة. لكن الخشية التي أبداها بعض الإخوان أنه فيه احتمال أنه يصير فيه عملية تحايل واستغلال فاشترطوا ذلك رغم أنه كما هو معلوم حتى في قضية الاسم التجاري نفس التحوط زائد حتى في القضية واحد واثنين لأنه واحد واثنين أنا لما يكون عندي مشروع وعملت مخططات ودراسات وجهات حددت الكلفة لهذا المشروع وأصبح له اسم وأصبحت كل هذه الإجراءات لها قيمة فاشتراطوا أيضا القيمة الاسمية تحوطا ومسايرة مشيناه رغم أنه كان ممكن أيضا نسمح بالمفاضلة. لما جئنا لحكاية الأعيان والمنافع ما دام صار جزء من المشروع تحول إلى أعيان ومنافع ما المانع الذي أبيع أنا بأكثر أو بأقل من القيمة الاسمية فكان اشتراط الأغلبية اشتراط به مزيد من الاحتياط. أما المثال الذي ذكره الدكتور سامي بالنسبة للبنك الإسلامي الأردني فهو خارج عما نحن فيه لأنه بالنسبة للودائع الموجودة في البنوك هي ليست جزءا من عقد المضاربة الذي يتم بين المساهم كبنك وبين جهة البنك لأنه في الواقع العملية مختلفة يعني ليس بيع المضاربة الذي دخل منه البنك كقابل للودائع من المكتتبين. باقي القضية هل ننص على الغالب أم لا ننص على الغالب هنالك من يرى ما فيه حاجة للنص ما دام دون تحوط جزء بسيط وهناك من يقول بالتحوط كما رجحت اللجنة حرصها على الاتفاق في هذه القضية.(4/1613)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحقيقة فكرة اشتراط الغلبة هنا جاءت تطبيقا لقاعدة شرعية معروفة لدى الفقهاء وهي التابع يأخذ حكم المتبوع. ومن المعلوم أن التعامل في بيع النقد بالنقد يجب أن يأخذ حكم المصارفة ولكن الفقهاء استثنوا حالة التبعية، واستدلوا بالحديث المعروف في بيع العبد إذا كان له مال. فالحديث يقول: ((من باع عبدا وله مال فماله للمبتاع إلا أن يشترطه البائع)) فقالوا بأن هنا يجرى بيع للمال وقد يكون البيع مؤجلا بثمن مؤجل فقالوا إذن يغتفر لأن هناك فيه تبعية والتبعية لا تتصور إلا أن الأمر مغلوبا فإذا كان غالبا لا يكون تابعا وإنما يكون متبوعا. من هنا جاء اشتراط الغلبة لكي يظل هذا النقد أو هذه الديون تابعة للأعيان والمنافع التي يطلق فيها التابع بالحلول والأجل والتماثل والتفاضل فهذا هو الشرط أنه وفاء التبعية موجود مراعاة الإنسان حينما يبيع عبدا يكون المال أقل من قيمة العبد وإلا أنه لا يبيع هذا العبد وله مال أكثر من قيمته فمن هنا راعى الفقهاء القاعدة في أنه يجب أن يكون المال تابعا للمبيع فهنا إذا كان الغالب أعيانه ومنافع فما هناك من ديون ونقود تعتبر تابعة والتابع يأخذ حكم المتبوع ويغتفر فيه ما لا يغتفر في الأصول. شكرا.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
الرئيس يقول: إن قولهم وطبقا للأحكام الشرعية.
الرئيس:
لا ما يصلح لكن هذا الشرط هل فيه محظور؟
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
ما أدري هو إذا كان هناك أغلبية من الديون وأردنا أن نتبايعها على شرط بيع الدين المعروف فما المانع؟(4/1614)
الرئيس:
يوضحه الفقرة (ب) يدخل في مشمول الفقرة (ب) أما هذا على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا أو منافع فهو شرط توضيحي لا شك أن قضيته طبقا للأحكام الشرعية لكن هذا أبرز الشروط التي ينبغي مراعاتها في هذه الحالة.
الدكتور عمر زهير حافظ:
بسم الله الرحمن الرحيم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الواقع أن الحكم واضح كل الوضوح في حالة البَتِّ فأحكام المصارفة تجري على هذه المعاملة وفي أحكام الديون تجري أحكام التعامل بالدين. بقيت الحالة الثالثة ألا وهي حالة مركبة من الحالتين. في الواقع لا يمكن أن نخرج أي حكم جديد إلا إذا وضعنا مثل هذا القيد وبدون هذا القيد يصبح إما أن يجري الحكم الأول إذا كانت الغالبية هي نقدا فالحكم يصبح حكم المعاملة بالنقود وإذا كان الغالب ديونا يجري عليه حكم الغالب بالديون. أما إذا كان الغالب في الموضوع هو أن تحولت هذه النقود وهذه الديون إلى ممتلكات حقيقية تجرى عليها هذا الحكم الجديد وهو حكم الأموال المختلطة.
بقيت نقطة وهي: ما هو الحد؟ حد الغالب بدون المستند الشرعي للغالبية لا يمكن أن نسمِّي هذا المال مختلطا يصبح غالبيته إما نقدا أو غالبية دين إنما الاختلاط لا يأتي والتحول من الحالتين الأولين إلى الحالة الجديدة إلا بهذا التحول أن يكون الغالبية وليست غالبية نسبة 50 % في اعتقادي أن هذا الحد يجب ألا يكون الحد الفاصل لأن ما هو الحد الحقيقي للغالب. الحد الحقيقي للغالب الذي يحول المال من النقد إلى ممتلكات حقيقية.(4/1615)
الدكتور رفيق يونس المصري:
شكري سيدي الرئيس. بسم الله الرحمن الرحيم
أولا أنا أوافق أخانا الدكتور عبد الستار أبو غدة على هذا التوضيح الذي أبداه كما أني أوافق على إصرار الأستاذ بازيع الياسين أيضا بضرورة بقاء هذه العبارة. هذه نقطة.
النقطة الثانية: الأمر الذي أبداه أخونا زهير لا بد هنا من بيان واضح بحد الغالب فأنا أقترح أن تكون العبارة على الصورة التالية: على أن تكون الأعيان والمنافع هي الغالبة على تلك الموجودات وأقترح أن تتحدد هذه الغلبة بمقدار الثلثين. والله أعلم. لا بد من أن يكون هناك حد لبيان الغالبية هذه نقطة ثانية.
النقطة الأخرى: أقترح إذا سمحتم أن تستبدل بكلمة الأعيان الواردة مرتين في العبارة (ج) كلمة العروض لأن العين أطلق على النقود خشية دفعا للالتباس. كما أقترح عليكم أيضا إذا سمحتم في الفقرة (أ) التي تقدمت أن يقال في آخر العبارة: إن تداول صكوك المقارضة تنطبق عليه أحكام التعامل بالنقود وهذا اقتراح أعم من هذا أنا أرى أن هذه التوصيات قد كتبت في السابق على مستوي ندوة وأنا أعتقد أن هذا المجمع أرفع مستوى من الندوة السابقة وإن كنت أنا أحد المشتركين فيها، ولعل من المناسب إذا رأيتم أن الأمل يطول في استعراض أن توكل إلى لجنة ثلاثية مثل إعادة صياغة التوصيات ومن ثم المرور عليها بسرعة دون إجراء تغييرات جذرية فيها ولكم الشكر.
الرئيس:
قضية تأليف لجنة ما أظن الحمد لله لأن وجهات النظر ليست متقاربة فحسب وإنما متفقة ولله الحمد فما مضى في العنصر الأول وفي العنصر الثاني وفي العنصر الثالث ما عدا رتوش بسيطة هي لا تؤثر على ذات الحكم سوى ما جاء في الفقرة (ج) وفي الفقرة (ب) وفي الواقع أن قضية الضابط على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيان ومنافع هو ما وضع هنا إلا بعد تَرَوٍّ كثير والاتجاه الغالب الآن على إقراره وربما ترون أننا إذا استغرقنا من تتابع الكلمات في هذا فعندنا ما لا يحصى. الشيخ رمضان.(4/1616)
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
يا سيدي نحن متفقون على أن بيع النقد يخضع لأحكام الصرف والتعامل بالديون يخضع لأحكام الديون بيع الدين بالدين ونحو ذلك وعندما يكون الشيء الذي نريد أن نتعامل به مركبا من نقود وديون وسلع فالمسألة تخضع للصفقة الواحدة التي تتكون من أشياء مختلفة وهي تخضع لما يسميه الفقهاء ببيع موت عجوة ودرهم، ومعنى ذلك أن هذه الصفقة بهذا الشكل لا يجوز التعامل بها وكلمة الغالب ما أظن أنها تحل مشكلة أما موضوع التبعية التي أشار إليها الدكتور عبد الستار، فالتبعية واضحة جدا في المثال الذي ذكره، لأن العبد إذا وضع تحت يده مال فبيع ينجرُّ البيع بالتبعية للمال الذي وضع يده عليه ولكن هاهنا فصال كلي بين نقود وديون وسلع إما أن يكون حجم هذا كبيرا وحجم هذا صغيرا فلا يشكل ذلك تبعية. ولذا أرى أن كلمة الغالب لا تحل مشكلة لمن يريد أن يتورع وأن يدقق في هذه القضية إطلاقا. فإذا كنا حريصين على وضعها فينبغي أن نقول بشرط أن تكون هذه الأموال سلعا ومنافع فقط. أما إذا دخل فيها النقد ودخل فيها الدين فقد خضع ذلك لمسألة فقهية معروفة وهي الصفقة التي تتكون من نوعية جائز وغير جائز (موت عجوة ودرهم) هذا هو نفسه. وشكرا لكم.
الشيخ محمد تقي العثماني:
شكرا سيدي الرئيس. فيما أذكر أن في الندوة السابقة جاءت هذه الفقرة كمزيد من الاحتياط وأرى أن تقرر كما هي على سبيل الاحتياط، ولكننا يجب علينا أن نعرف الوضع الفقهي في هذه المسألة وكما أشار إليه فضيلة الدكتور سعيد رمضان هي المسألة تتعلق بالمسألة المعروفة باسم مسألة موت عجوة، ولكني في تلك المسألة هناك رأيان الرأي القائل أنه لا يجوز البيع في ذلك الحال بوجه من الوجوه. والرأي الآخر: هو رأي الحنفية أنه يجوز إذا كان النقد المدفوع أكثر من المخلوط والمركب واستنبط في ذلك بحديث خلالة خيبر المعروف في الصحيحين فما تفضل به الأستاذ سعيد رمضان أنه نظرًا إلى تلك المسألة لا يجوز البيع أبدا. فإني أرى أنه يجوز البيع وإن حُذِفت هذه الفقرة وحذفت الأغلبية أيضا عند الفقهاء الحنفية لأنهم مثلا إذا باع أحد صاع تمر ودرهم بدرهمين أو بصاعين من التمر يجوز عند الحنفية ولا يجوز عند غيرهم من الفقهاء. فلو أخذنا رأي الفقهاء الذين يجوزون مثل هذا البيع يجوز لنا فقها أن نحذف هذه الفقرة. نعم إذا كنا نريد مزيد من الاحتياط نقرها كما هي. والسلام عليكم.(4/1617)
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
في الحقيقة سبقني الأستاذ القاضي الشيخ تقي إلى ما كنت أريد أن أقوله. كلام الأستاذ الدكتور سعيد هو مذهب الشافعية وأما مذهب الحنفية فهو يجيز ذلك، ولكن أخالف فضيلة القاضي بأن نعمل بمذهب الحنفية ونبقي العبارة على ما هي عليه؛ لأنه لا يمكن يكون عندما بَحَثَ الحنفية هذا الموضوع نظروا إلى الغالب فكيف نجيز هذا بغض النظر عن هذه الإضافة. فإذن نقدر أن نبقي الموضوع على ما هو عليه وهو بعد سار على مذهب الحنفية دون الشافعية.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
سيدي أنا عندي سؤال علمي. الآن صدرت سندات المقارضة كيف نضمن المستويات الثلاثة أثناء التعامل؟ هل ستصدر سندات تبلغ الناس أنها ما زالت في المرحلة الأولى ثم تصدر سندات في مرحلة ثانية ثم تصدر سندات في مرحلة ثالثة. أنا أسال هذه الحالات الثلاثة. هل افترضنا مَنِ المسلم الذي يتعامل بهذه السندات أن يلتزمها كيف يعرف؟ هل لا بد أن يعود للاتصال بمن أصدرها؟ السؤال أن هناك ثلاث حالات. أنا في أي حالة من الحالات الثلاثة؟ كيف أعرف ذلك؟ نحن نشترط هنا شروط غير قابلة للتطبيق العملي بمجرد أن تصدر سندات المقارضة سيتعامل بها الناس. هذا أنا أقوله ليس اعتراضا على مثل هذه المشاريع، ولكنني أقول: إن هذا الذي يوضح أن هذه الأساليب العصرية لا بد لها من نظرة خاصة بها. فإن أردنا أن نبحث لها عن قيود سابقة هذه القيود لا تمشي في واقع الحياة. ثم إن هذه السندات فقدت أهم مزاياها إن قيدت بهذا القيد الثالث والقيد الأول والثاني. فلا أدري أنا لماذا لا نحاول أن نستفيد بشيء وهي سندات المقارضة والآن بهذه الصورة لن يستفيدوا منها إلا اعتمادا على أن نحن سنستلمها ثم نتصرف فيها دون مراعاة لأحكام الصرف، ولا أحكام الديون ولا غيرها. سنتصرف فيها باعتبارها سندات مقارضة كأي سندات مقارضة أخرى.
الرئيس:
شكرا، في الواقع لعلكم ترون أنه حصل فيها مناقشات بما فيه البركة والاتجاه العام إلى إقرارها.(4/1618)
الشيخ الصديق الضرير:
أولا الضوابط الثالثة مقبولة عندي إذا صح الأصل كلمة صغيرة عن هذا الضابط الثالث الذي طال فيه الحديث وأنا في رأي أن ما ذكره الدكتور عبد الستار كلام وجيه والقاعدة يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع وأيضا ما تعرض إليه الدكتور زهير أن كلمة الغالب قد تفسر في 51 أو 50 في المائة هذا لا ينبغي ويجب أن تكون النقود والديون قليلة جدا بحيث يصدق عليها اسم التابع. وأذكر لكم مثالا آخر من الفقه في: يغتفر في التابع ما لا يغتفر في المتبوع من بيع الجنين في بطن البهيمة لا يجوز لوحده إذا قلت له: بعتك ما في بطن هذه البهيمة لكن لو قلت له: بعتك هذه البهيمة وما في بطنها وستقدر له ثمنها جائز. فالغلبة يجب أن تكون بهذه المثابة، ولذلك نتوقف فقط في عبارة أن يكون الغالب قد يصعب تحديده بنسبة، وفي رأي أنه لو قلب الوقت فقيل على أن تكون النقود والديون قليلة جدا يمكن أن نقبل هذا ويكون هذا تابعا. أعود إلى الأصل وهو أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء فترة المضاربة باعتبار ذلك تصرفا من المالك في ملكه0 هذه الأموال صكوك قلنا: إنها أموال مضاربة وهذا هو السبب الذي حرصت من أجله على إضافة هذه العبارة هذا مال مضاربة دفعه رب المال إلى المضارب فتعلق به حق المضارب وهو التصرف فيه فلا يستطيع رب المال أن يتصرف فيه فعبارة: باعتبار ذلك تصرفا من المالك في ملكه. لا. هذا ملك مقيد تعلق به حق الغير. ولقد فكرت في هذه المسألة كثيرا وكنت رفضت هذا التداول، لكن بدا لي أنه من الممكن أن نضع عبارة تُجَوِّزُ هذا التداول وذلك بحذف عبارة: باعتبار ذلك تصرفا من المالك في ملكه ووضع مكانه: بموافقة المضارب التي هي الجهة المصدرة وهذا يحل لنا الإشكال الذي أثاره بعض الإخوة في كيف نطبق هذه القيود الثالثة، لأن المضارب المفروض أن يكون على علم بهذه القيود فلا يسمح بالمداولة في حالة النقود إلا إذا توافرت الشروط ولا بالمداولة في حالة الديون إلا إذا توافرت الديون وهكذا في الحالة الثالثة.(4/1619)
الرئيس:
شكرا يا شيخ صديق. فيما لو أريد أن تعدل العبارة أن تكون المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مراعى عند نشوء المستندات.
الشيخ صديق محمد الأمين الضرير:
لا أنا عايز هذا التصرف بالبيع، بما أن هذا المال تعلق به حق المضارب فرب المال ليس له الحق في التصرف وهو أعطى حق التصرف إلى المضارب وهذا هو شأن المضاربة فلا يمكن أن يتصرف هو استقلالا ويقول أنا أتصرف في ملكي. لنفرض أن بيني وبين شخص مضاربة أعطيته مالا ليضارب به لا أستطيع أنا رب المال أن أبيع أي شيء في هذا المال الذي أعطيته إياه. لا يمكن حق التصرف للمضارب وليس لرب المال وإن كان هو مالكا للرقبة.
الرئيس:
صيغة التعديل.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
هذا ما بدا لي لكي يجوز هذا التداول لأنه رأيت أن الإخوة مصرين عليه، واعتبروا هذا أمرا أساسيا في سندات المقارضة أقول: بموافقة المضارب
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
هذه الموافقة يمكن الحصول عليها بالإذن. لو قلنا مثلا: باعتبار ذلك مأذونا فيه من المضارب عند نشوء السندات يعني حق الغير روعي.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
لكن هذه تفقدنا حق الرقابة على التطبيق. أنا عايز أقول: في كل حالة يريد فيها رب المال أن يتصرف بالبيع أن يأخذ إذنا من المضارب لكي يتمكن المضارب أن يلاحظ تطبيق الشروط الأخرى لكن إذا أعطينا إذنا عاما باعتبار أن هذا إذنا موجودا عند الإطلاق هذا يفقد المضارب حق الرقابة على تنفيذ هذه الشروط.(4/1620)
الشيخ عبد الستار أبو غدة
يعني تنازل عن حقه.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
والله تنازل عن حقه فيه ضرر الأولى أن يكون الإذن في كل حالة بيع.
الدكتور سامي حسن حمود:
لو سمحت لي سيدي الرئيس فيه نقطة وهي عمليا لها حل، لأن سندات المقارضة هي سندات اسمية وليست للحامل ومعنى كونها سندات اسمية أنه في كل حالة بيع متداول يجب تسجيل هذا السند في سجلات الجهة التي أصدرت، لذلك عندما ندخل النقطة اللطيفة التي أثارها الأخ الدكتور بارك الله فيه أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بموافقة المضارب بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب فهذا يضمن لنا المسألة أن تكون منضبطة. وهو ليس فيه تعقيد إداري لأنه حكم يجب التسجيل في سجلات المضاربة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
قد تسبب إشكالات في التداول. التداول خارج الجهة المصدرة ستجد نفسها محرجة أما أنا ندخل في البيع الصوري.
الدكتور سامي حسن حمود:
أبدا يمتنع ذلك أصلا. لا يعتبر مالكا تجاه المصدر إلا من اسمه مسجلا في سجلاته هذا في الشركات المساهمة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
التبايع سيتم قبل التسجيل.(4/1621)
الدكتور سامي حسن حمود:
هناك تبايع يسري ولا يأخذ مفعوله إلا بالتسجيل مثل بيوع الأراضي. قد يتم التبايع بين الشخصين الاتفاق ولكن لا يعتبر ساريا، بالنسبة للدولة إلا متى تم تسجيله في سجلات الأراضي أو الشهر العقاري. وهذا نفس الشيء.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
هذه ناحية قانونية في الفقه البيع سار من لحظة الإيجاب والقبول. بيع العقار البيع سار من وجود الإيجاب والقبول والتوافق بينهما إنما بقى عملية التوثيق فقط.
الدكتور سامي حسن حمود:
لكن ولي الأمر إذا أمر أن البيع لا يتم إلا بتسجيله في السجلات فلا يعتبر البيع قائما وتبقى حقوق بين الناس.
الدكتور عبد السلام العبادي:
بالنسبة للقضية التداول تطبقها نشرة الإصدار، نشرة الإصدار تحدد كل ما يتعلق بالتداول وحتى في قضية التداول عندنا بالنسبة لسندات المقارضة نص بالقانون – للإخوة الذين تسألوا عن الضمانات – نص القانون على أنه لا يجوز التداول في مرحلة قبل بدء الشروع لضمان عنصر تحول جزء من النقود إلى أعيان ومنافع. فنشرة الوصلة تعالج هذه القضية التي هي قضية الموافقة. والثاني النقطة التي حكاها الدكتور يعني لن تقبل جهة الإصدار بتسجيل أي سند باسم شخص جديد ما دام أن الوقت لم يحن للتداول، ثم إن معظم عمليات تداول السندات كما هو معلوم لها جهات لها أسواق مالية تجري فيها عمليات التداول ضمن ضوابط وشروط معينة. فالقضية هذه عليها أكثر من ضابط وأكثر من مجال. فالمهم الموضوع وليس الشكل.(4/1622)
الدكتور منذر محمد قحف:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد.
شكرا للسيد الرئيس، الحقيقة أنا لي نقطتان: النقطة الأولى: رغم أن هذه السندات هي مسجلة بأسماء إلا أن الجهة المضاربة ليست لها رقابة على الأسعار التي يتم فيها هذا التداول. يعني أن رقابتها مقتصرة على إجراء التسجيل وليس على السعر الذي يتم به التداول. فإذا تم التداول بأي سعر في المرحلة الأولى عندما تكون ما تزال غالبيتها نقودا إذا تم التداول بأي سعر آخر فهذا ليس من شأن الجهة المصدرة وبالتالي الاعتراض الذي قدم على إمكانية الرقابة على هذا ما زال قائما. هذه النقطة الأولى.
النقطة الثانية: بالنسبة للعنصر الأول الحقيقة ما يصح أن يجد الذي يبدو دون موضوع الإذن بالتصرف لأن التصرف هو تصرف المضارب في هذا المال وليس تصرف رب المال. فكيف يكون تصرف المالك في ملكه من بيع وهبة ورهن؟ فلا بد من شيء من تعديل في هذا بحيث نفصل بين الحقوق والتي فيها مثلا الإرث وما بين التصرفات، تترتب عليها جميع الحقوق – حقوق المالك – أما التصرفات وهي تصرفات رب المال في المضاربة وليس غير ذلك.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم، هناك مسألتان مسألة تنظيمية، الحقيقة أثارها الأستاذ الطويل ومسألة أيضا فقهية أريد أن أذكر بها وأستنجد برأي أساتذتنا من فقهاء المالكية. المسألة التنظيمية. صحيح ما قاله الأستاذ منذر قحف بأن الشركة تطلب مسألة التسجيل ولا تستطيع أن تتحكم في الأسعار. وإضافة إلى هذا أنا أقول: إنه يمكن حل المسألة بطريقة عملية ويحسن أن يشار إلى هذا في الصياغة لكي ندلل على أن كلامنا قابل للتطبيق عمليا. لكن هناك تعترضني مشكلة وهي الفقرة (ب) ، أنا (أ) استطعت أن أتصورها وهي فقرة تأسيس الشركة و (ج) أيضا هي فكرة الاختلاط، فترة عمل الشركة أما الفقرة (ب) فلم أستطع أن أتخيلها بذهني وهي تشكل علي في الاقتراح الذي سأقدمه.
بالنسبة للفقرة – أ – عند بداية الشركة يمكن أن تكون الصكوك من نوع خاص. يعني ليست صكوكا نهائية بحيث عندما يتم تبادلها يعرف المتبادلان المسلمان أن هذه الصكوك لا تزال في المرحلة التي تنطبق عليها أحكام التعامل بالنقود. فإذا ما انطلقت الشركة استطاعت أن تصدر الصكوك النهائية عند الفقرة – ج – وهنا يكون لا مشكلة والله أعلم.(4/1623)
المسألة الثانية الفقهية غير التي ذكرها أستاذنا سعيد رمضان حول مسألة تبادل التمر والدراهم وعلق عليه الأستاذ ابن المنيع. أنا أتذكر هنا ما أذكر من الذاكرة لست متأكدا من ذلك أنه عند المالكية في مبادلة الأشياء المحلاة بالذهب والفضة تبادل الربويات عندما يكون هناك اختلاط ويصعب أو يتعسر الفصل الحسي للربوي عن غيره أنا أذكر أن المالكية قالوا بالثلثين. ولهذا ذكرت أنا يعني أحبذ بالاستناد لرأي المالكية في هذا أن نحدد من الغالب لا أن نقول جدا ولا أن نقول غيرها لأن الأمور تبقى مائعة والله أعلم.
الرئيس:
في الواقع قبل إعطاء الكلمة أحب أن أسأل الشيخ الصديق. ما يتعلق في هذا العنصر الثالث هل للشركة حق التحكم فيه أم أنه بين صاحب الصك وبين ربه؟
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
رأيي أن الشركة المضاربة هي التي تكون مسؤولة عن تنفيذ هذه الضوابط. فبالنسبة لـ (ج) يجب ألا تسمح بالبيع إلا إذا تأكدت من أن الديون والنقود وهي قليلة جدا بحيث يطلق عليها تابعا.
الرئيس:
لكن مقصدي أنه لم يوضع ضمانة لتحكم الشركة في هذه التصرفات لأنه قد يجرون العقود فتنشأ مشكلة أخرى جديدة.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
المشكلة في الواقع قائمة. كيف نضمن تطبيقه؟.(4/1624)
الرئيس:
ولهذا ما أشار إليه الشيخ عمر الواقع وارد. إذن إذا كانت بين العبد وربه فشأنكم وإياكم وقد يكون بقاؤها ماشي. أما إذا كان للشركة تحكم في هذا فلا بد - الحقيقة - من جعل ضمانات تحقق أنه لا يجري بيعا لهذه الصكوك إلا بيعا شرعيا على وفق هذه الفقرات حتى لا نقع في خلفية إجراء عقود ثم يأتون إلى الشركة فتقف في وجوههم.
الشيخ محمد تقي العثماني:
كيف تتحكم الشركة عليه؟
الرئيس:
هذا هو السؤال.
الدكتور سامي حسن حمود:
سيدي الرئيس في الواقع في العقود: الشريعة تبني على الظاهر، وبدون هذه الصكوك نعرف أن البيوع العقارية مثلا قد يسجل الثمن أمام الشهر العقاري بسعر ويكون هناك اتفاق خارجي بسعر آخر فهذا أمر بين الإنسان وربه بالنسبة للشركة هنا أو المؤسسة المصدرة تطبق هذه القواعد، فإذا كان التداول في مرحلة ما قبل استعمال المال فهي ترفض تسجيل سند النقل أو عقد البيع الذي تم فيه النقل إلا إذا كان منصوصا أن الثمن مثلا باعتبار أن هذا بيع للنقود وكذلك في الديون، فإذن فلسنا خارج نطاق العقود والديون وأصبحنا نتعامل بموجودات مختلطة فإن البيع لا يتفق عليه المتبايع إلا أن يكون هناك شطط. هذه النقطة التي أراها توضح هذه المسألة واستأذن في التعليق التالي:
بالنسبة للنقاط: الميزانية طبعا عندما نتكلم عن البنك الإسلامي الأردني ليس دعاية للأردن ولكن مثال، وأن الهوى بإذن الله هو هواي في هذه الشريعة كما هو هواكم جميعا طائع ومطوع لخدمة الشريعة ولن يكون التفكير بأن يكون العكس احتراما لرأي أخي الكبير الأستاذ أحمد البازيع وما هو في الكويت هي شريعة محترمة ونريدها نفس الشريعة المحترمة في عمان.(4/1625)
الميزانية في البنك الإسلامي الأردني حتى لو أخرجنا كما تفضل أخي الدكتور عبد السلام باعتبار الودائع حقوقا مخرجة من الميزانية أجد كمحاسب سابق من تحليل هذه الميزانية أن مجموع حقوق المساهمين عشرة ملايين دينار من بينها أربعة ملايين الموجودات الثابتة وستة ملايين هي نقود وديون مستثمرة فلو طبقنا القاعدة على إطلاقها فيمتنع تداول أسهم هذا البنك لذلك الذي أراه ليس تطويعا لكي تباع أسهم هذا البنك بأن نغير ولكن التصور التالي هو أنني أستفتي الإخوة العلماء الأجلاء في موضوع المخارجة في التركة، التركة التي يتركها المتوفى فيها نقود وفيها ديون وفيها منافع وفيها أعيان وممتلكات. أجازوا أن تتم المخارجة والمخارجة بيع هل هناك أن تفيدونا أفادكم الله شروطا تحدد هذا البيع أن تكون النسبة الغالبة في هذه الشركة ديونا أو نقودا أو أعيانا حتى تجوز أو لا تجوز إن كان هذا فهذا قياس موجود وإن لم يكن هناك شرطا فلماذا لا نطبق؟ يضاف إلى ذلك أن الذي أراه وأطمئن إليه شخصيا اثنين. الصورة الأولى: أن نتعامل مع موجودات لها شخصية اعتبارية منفصلة عن شخصية المالكين وليست قلادة ذهبية مملوكة لشخص مؤلف من ذهب وفضة وخرز عندما يخرج المال من ملك إلى الشخصية الاعتبارية تصبح له قيمة متميزة مجرد الترخيص حصول على ترخيص حق التنقيب عن المعادن يعطي السهم في الشركة قيمة أعلى من القيمة المحاسبية التي أدفعها. مجرد الاسم التجاري والاحتياطات المبنية خلال السنوات يعطي ولو قدرت أسهم هذا البنك الذي أتحدث عنه يباع بدينار وثلاثمائة فلس لو جئت أقيم حسابيات لا أجد له هذه القيمة في الدفاتر هو دينار ونصف فقط لما يدفع المبلغ الزائد باعتبار السمعة وأنه ليس من حق أي إنسان أن يحصل على ترخيص لإنشاء بنك إسلامي في المملكة الأردنية الهاشمية هذا له ثمن واعتبار فإذا كنا نتحدث عن موجودات مفرزة في شخصية اعتبارية مستقلة فهي تخرج عن صفات الإيمان التفصيلية باعتبارها قلادة من ذهب وفضة وخرز.
الناحية الثانية: الصندوق إذا كان الصندوق مثل الحال في البنك الإسلامي للتنمية صندوقا متميزا تثبت له الحقوق وتتبعه الواجبات فإنه يأخذ حكم الشخصية الاعتبارية هذه حتى المنطلقات التي أحب أن نتفاهم فيها المسألة وأن نتعلم لكي نضع هذه الشريعة على الرأس والعين قبل كل شيء.(4/1626)
الشيخ على صالح:
بسم الله الرحمن الرحيم. لماذا لا نجعل مبدأ التأسيس وسيلة لحل القضايا القائمة والتابعة له؟ بعد ذلك وهو أن يشترط الشخص صاحب المال على الجهة القائمة بالتأسيس أو بالقراض أي شرط من الشروط الشرعية حلت لهذا الغالب في هذه الحالة من الأعيان والمنافع لماذا لا نجعل مسألة الحرية للشخص الذي يتبع ماله لهذه الشركة أو للبنك حرية في أن يشترط البيع بالإطلاق أو بالإذن أو بغير ذلك في هذه الأنواع الثلاثة مرة واحدة ليس لنوع الأعيان والمنافع أو للديون تكون المسألة تابعة للبيع ساعة التأسيس عند التأسيس بحيث تكون النتيجة مضمونة ساعة البيع لا أقل ولا أكثر.
الرئيس:
شكرا. يوجد عند الشيخ عبد الستار خلال هذه الأبحاث صيغة. تفضل بقراءتها من أول العنصر الثالث.
الشيخ عبد الستار:
أولا الدكتور سامي قال بأن الستة ملايين عبارة عن نقود، هي الحقيقة ليست نقود وإنما حصص في المشاركة كل الأموال التي تقدمها البنوك الإسلامية هي حصص في المشاركة وتمثلها. ولو كانت تظهر مضاربات فأنت لما تلحظ في البنك ألف دينار أو عشرة آلاف ريال هذا رأس مال في المضاربة وتحول فورا إلى ملكية للموجودات في البنك فلا نستطيع أن نسميه نقودا ولو ظهر أنه التزامات للغير مبلغه كذا على أساس أنها قيود لكن هذه كلها حصص في المشاركة للمضاربة. أيضا لو أغلقنا باب التداول ماذا نصنع في البنوك الإسلامية التي تتيح لمن يتقدم بمبلغ ليستثمره في البنك عن طريق المضاربة أن يخرج في أي وقت مجرد يسدد في دفتر التوفير بألف بدينار وبعد يومين ثلاثة يجيء يسحب الألف دينار تقول له مع السلامة. إذن هذا إذن من المضاربة المشتركة وكل ما يتم في البنوك الإسلامية أنها تولية لأنه يخرج بمثل ما دخل هنا بيع مساومة يتم في الخارج فيكفي فيه الإذن يعني المضارب يقول لهذا رب المال: في أي وقت أنت أحل محلك غيرك بنفس الشروط التي تفاهمنا أنا وإياك فيها وهذا يتم في المشاركات يعني الشركاء أحيانا يقول شريك داخل شريك آخر عندنا مانع في أي وقت فلذلك الصايحة تقوم على هذه التوطئة نقول العنصر الثالث:
أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذونا فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية (أ) ما فيها شيء و (ب) كما هي بعد تبديل كلمة التعامل بالديون.(4/1627)
الرئيس:
باعتبار ذلك مأذونا فيه.
الشيخ عبد الستار:
مأذونا فيه من المضارب عند نشوء السندات ونحذف تصرفا من المالك في ملكه مع مراعاة الضوابط التالية:
أ- مأذونا فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
أ- كما هي (ب) بعد تعديل التعامل بالديون (ج) إذا صار مال القراض من موجودات مختلفة من النقود والديون والأعيان والمنافع هنا يصير تعديل فإن كان الغالب عليها الأعيان أو المنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقا للسعر المتراضى عليه وطبقا للأحكام الشرعية ثم نشطب الباقي ونقول: وإذا كان الغالب نقودا أو ديونا يطبق ما في الفقرتين السابقتين هي أ، ب. في جواب عن الدكتور رفيق الذي قال في أي حالة فقرة (ب) نحتاج إلى تطبيقها هي موضوعة للاحتياط ولكن ممكن تطبق إذا جمعنا أموال للمقارضة واشترينا بها أعيانا وبعنا كل هذه الأعيان وأصبحت ذمما عند الغير قبل أن يعود شيء من هذه الذمم ويحول مرة ثانية إلى أعيان ففي هذه الحالة تكون مال القراض كله يكون ديون. قد يكون السندات اشتريت بها أعيان وبيعت لاستثمارها قبل أن تدخل في المشاريع، وأصبحت مما يعني هي موجودة لتنظيم هذه الحالة المحتملة.
الرئيس:
بالنسبة للتعديل الأول نبدؤها واحدة واحدة.(4/1628)
الشيخ الصديق الضرير:
التعديل الأول موافق مع ما فيه أنا أبديت رأيي فيهم وكنت أرى أنا الموافقة في كل حالة فيها شيء من الرقابة على أي حال لكن لا مانع.
الرئيس:
لكن لو جمعنا بينهما أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بموافقة المضارب ثم نستمر.
الشيخ الضرير:
نعم هذا الاقتراح مأذون فيه من المضارب عند نشوء السندات كأن هذا إذن عام هذا الذي يفهم من هذه الصياغة أن المضارب أعطى أصحاب المال إذنا عاما أن يتداولوا هذه الصكوك وأنا كان رأيي أن يكون الإذن خاصًّا بكل حالة من الحالات حتى يكون للمضارب الإشراف على تطبيق هذه الضوابط فيما يتعلق بالضابط الأخير إذا كان الغالب نقودا. الدكتور عبد الستار يقول: تطبق (أ) أي تطبق أحكام الصرف فكيف يطبق أحكام الصرف على نقود وأعيان وهو الشيء الذي أفهمه أن الفقرة الثالثة هي القصد منها التسهيل الموجودات تتضمن نقودا وديونا وأعيانا كان الواجب أن نقول النقود تطبق عليها أحكام النقود والديون تطبق عليها أحكام الديون والأعيان تطبق عليها أحكام الأعيان، وفي هذا عسر ومشقة فلجأت الصياغة إلى تغليب ومفهوم هذا أنه إذا كان الغالب الديون أو الغالب النقود والديون فلا تباع بتاتا لا يصدر هناك تداول لأن أحكام الديون فأنا رأيي الصياغة الأولى أقرب إلى القبول.
الرئيس:
هو في الواقع أن الفروع الفقهية لا تتناهى ومتعددة، والذي يظهر في وقت الإعداد أيام كنا مجتمعين في الندوة أنه لوحظ الحالات الدعم الأغلب، وإلا لو أخذنا في قضية التفاريع والدخول بينها فإنها لا تنتهي وقد تكون الحاجة إليها قليلة ما هو الأهم الأغلب والذي يجري في أسواق التداول؟ فإذا رأيتم أن الفقرة (ج) تبقى كما كانت عليه فيكون هذا هو أولى. ترون تبقى بعد هذا الإضافة التي سمعتموها من المقرر العام أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذونا فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية.(4/1629)
الشيخ عمر سليمان الأشقر:
في ذهني ما حدث في الكويت بما يعرف بأزمة المناخ وكثير من الإخوة علموا بذلك أن تنشأ الشركة وهي اسم ما تزال حبرا على ورق يكون السهم بمائة فلس بعد أسبوع يصبح بدينار يصبح بدينارين بعشرة دنانير قد يكون المال قد جمع والسهم يرتفع ارتفاعا خياليا جدا فهذه الطريقة عندما أضعها للناس في هذا العصر ستنشأ عندنا نفس المشكلة.
الرئيس:
لكن يا شيخ عمر في الفقرة الأولى لعل فيها ما يكفي في هذا وأنه قال بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال.
الشيخ عمر الأشقر:
لكن بعد أن ينزل هذا التشريع للناس فيه فتضمن إذا لم يكن هناك رقابة. كيف تضمن هذا لا بد بعد الإذن بعد الموافقة نحن نوافق على هذا عند ذلك تضبط هذه القضية وإلا كيف الناس يعرفون سيتداول الناس بعيدا عنه؟ شكرا.
الرئيس:
فقرة (ج) كلها هذه انتهينا منها، هذه ليس فيها بحث فقرة (ج) ليس فيها بحث انتهينا منها.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
أي نعم بس هي الفقرة التعديل الذي قاله الأستاذ الدكتور عبد الستار في الحقيقة يعطي الدكتور الصديق الضرير ما يريده من الإذن الشريك المضارب عندما يأذن مسبقا إذ تحل المسألة الفقهية لكن الحقيقة المسألة العلمية أنا أريد أضيف لها أن قبول المضارب تسجيل ذلك في سجلات لا بد من أن الشريك المضارب تقبل التداول هذا ويسجل في سجلاته لأنه قد تنشأ مثل ما نبه عنه الأستاذ عمر الأشقر نريد طال عمرك أن كل صفقة من الصفقات تسجل في سجل المضارب وهذا العمل سوف يكون بهذا الأسلوب بدون أن يقبل الشريك المضارب تسجيل السند لا يمكن أن تتم الصفقة وهذا تكون مأذونا بإذن مسبق ومسموح فيه أيضا بإذن لاحق.(4/1630)
الرئيس:
أين تكون الصياغة؟
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
في الأول لو يضاف: ويجب أن يسجل في سجلات الشريك المضارب.
الرئيس:
يا مشايخ لو رأيتم أن هذه الفقرة تزال بأن يلاحظ أنه في جميع هذه الأحوال الثلاث يتعين تسجيل التداول في سجلات الجهة المخطرة وبهذا ينتهي. أترون هذا مناسبا وبه ترفع الجلسة ونعود إليها إن شاء الله في الخامسة مساء؟ وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. ونستمر في مواصلة البحث والمناقشة في توصيات الندوة حيال سندات المقارضة وقد انتهيتم من العنصرين الأول والثاني والثالث إلا أن العنصر الثالث يرى بعض أصحاب الفضيلة الأعضاء أن تقف الفقرة ج على قوله وفقا للسعر المتراضى عليه وطبقا للأحكام الشرعية وعند هذا تقف الفقرة ويضاف إليه وأن هذا العنصر بفروعه الفقهية بحاجة إلى صدور لائحة تفسيرية تصور فيه الفروع الفقهية التي يمكن ورودها وتطبق عليها الأحكام الشرعية ويجري في ذلك بحوث وتعرض على المجمع في دورته القادمة إن شاء الله تعالى. فهل ترون هذا مناسبا؟ الشيخ علي.
الشيخ محمد على التسخيري:
التروي مطلوب يا سيادة الرئيس وعلى الاقتراح خصوصا إذا أدى إلى لائحة تفصيلية تلاحظ كل جوانب الأمر أمرا جيدا وأثني عليه.(4/1631)
الشيخ على السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا الشرط فيه حاليا أوراق مالية ظهرت في بعض البلاد الإسلامية وعندما صدرت هذه الفتوى كان لها أثرها فأعتقد أن حذف: على أن يكون الغالب كذا حذف هذا قد يؤثر فلو أبقيناه وأضفنا ما تريدون بحيث لا يظهر كأن المجمع عدل عن هذا والأوراق المالية الآن تطرح فعلا وعندما ناقشنا المسؤولية هذه الأوراق المالية قرأنا لهم هذا وكنا نريد التعديل في ضوء هذا فلو أبقيناه وأضفنا ما تريدون ولكن أرجو ألا يحذف هذا حتى لا يؤثر بالنسبة للأوراق المالية التي بدئ طرحها في بعض البلاد الإسلامية.
الشيخ عبد السلام العبادي:
سيدي الرئيس، أشكرك على هذا الاقتراح لأنه في الواقع يغطي فروعا أخرى لو اكتفينا بثلاثة عناصر بدون هذا التعقيب لأوقعنا الأمر في إشكال وأذكر من الإشكالات الواضحة في هذا المجال فيما إذا ما تحول جزء من المبالغ المكتتب بها إلى أعيان ومنافع فالنص على كونه غالب يعني أن نلزم صاحب هذه الأعيان والمنافع بالإضافة إلى المبادلة المتماثلة مع النقود والديون أن نلزم بيعها بالقيمة الاسمية وفي هذا قد يوقع ظلم محض قد يكون هذا هو المدخل بإشكالية الربا فاقتراحكم يعطينا فرصة لأن نستقصي كل الفروع المحتملة في هذا المجال وأن يعطينا مجال تأصيل فقهي لتفصيلات هذه القضية وبالتالي يكون قرارنا في المستقبل قرارا يغطي جميع التفصيلات ونظرا لخطورة الأمر وخشية من أن نوقع الموضوع في لبث في التطبيق لا بد في الواقع من أن يؤجل البت في هذه التفصيلات لأهميتها. شكرا.(4/1632)
الشيخ أحمد البازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحقيقة إذا كان إيراد التأجيل من فلا مانع ولكن لا نحذف أي فقرة من ج ما دام الموضوع يريد يؤجل فلماذا الحذف نبقي الفقرة بكاملها وتدرس الأمور الفقهية الأخرى ويعمل اللائحة التفسيرية وتعرض على مجمعكم.
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
الحقيقة كنت أريد أن أتكلم بنفس ما تكلم فيه الأستاذ أحمد وأؤكد هذا وأن يبقى الوضع على حاله إذا تصدر المذكرة. فحذف هذه الفقرة الأخيرة فيه ضرر نحن نريد وضع الضوابط لهذه الفقرة فإذا وضع الضوابط يكون في المذكرة أما الحذف فسيخل بالهدف الأصلي الذي قامت عليه الأحكام الشرعية.
الأستاذ سامي حمود:
في الواقع الذي أراه أن الاقتراح الذي تفضلتم به في محله ويحل إشكالا يمنعنا من الاستعجال في الحكم على المسألة بإدخال قيد قد لا يكون تطبيقه موافقا للحكم الشرعي لأن الموجودات لو فصلناها تفصيلا حسابيا وافترضنا أن لدينا موجودات بمائة دينار نصفها خمسين دينارا من النقود وثلاثين دينارا من الديون وعشرين دينارا من الأعيان وجئنا نطبق عليها البيع بالتساوي فالخمسين والثلاثين التي هي نقود وديون قطعا المساوي لها هو الثمانون لا غير ولكن العشرين الأعيان قد تساوي خمسة وعشرين وقد تساوي خمسة عشر فهما عندما أدفع المائة إما أكون أخذت حقا ليس لي أو حقا ناقصا أو حقا زائدا فالزيادة في السعر هي في مقابلة الزيادة أو النقصان في الأعيان وليس في النقود، يضاف إلى ذلك موضوع المخارجة من التركات والتي هي صلح أو بيع على مدى وسواء سميت صلحا أو بيعا طالما أنها كانت بعوض فإنها تأخذ حكم البيع وجد من سؤال العديد من أهل العلم والمعرفة بالأحكام الشرعية. إن هذه المسألة تحتاج إلى بحث هل هناك قيود في التركة أن تكون مكوناتها يغلب(4/1633)
عليها الأعيان أو أن الفقهاء لم يقيدوا ولم يحددوا؟ وكذلك أمر آخر تساءلت به مع بعض الفقهاء وهي في المضاربة لما يلحق بهما من ضرر فرب المال قد يخسر في رأس المال في الوقت غير المناسب إذا أضيفت هذه المضاربة والعامل قد يخسر جهده فتجنبا بهذا الضرر يتفقان مع شخص آخر ثالث يأتي ليشتري حصة رب المال في رأس مال المضاربة ووجدنا أن هذه المسألة لا يجوز الاستعجال فيها بل لا بد فيها من الرجوع إلى مصادر الكتب الفقهية لتتبع ما قال به الفقهاء والاستئناس والاسترشاد بآرائهم من أجل ذلك وجدت أن الاقتراح الذي طرح هنا بأن نقف بأن هذا يكون هذا البيع وفقا للسعر المتراضى عليه وطبقا للأحكام الشرعية، ومعنى طبقا للأحكام الشرعية أنها تطبق النصوص التي تمنع الجور وتمنع التحايل وتمنع أي خروج عن هذه الأحكام ثم لفت النظر إلى أن هذه المسألة تحتاج إلى مذكرة تفسيرية تتعلق ببحث هذه المسائل التفصيلية التي تتعلق بها وحتى لا يترك أمر التفسير لكل شركة أو مؤسسة تفسر على خاطرها وعلى عاتقها بأن تعود هذه المذكرة التفسيرية إلى مجمعكم الموقر لينظر فيها. إنها تتفق مع القواعد الشرعية ولها أسس نستفيد بها جميعا ولذلك الاقتراح في أن نتجاوز هذا النص الذي يحتاج إلى دراسة ومناقشة وأن نرجع إلى الأصل والنبع الذي نستقي منه في هذا المجال يحقق المقصود وإني أقترح أن نتفق على هذا الرأي والله الموفق لما فيه الخير.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
لما قاله الدكتور والاقتراح الذي تقدمتم به الشيخ محمد تقي العثماني. والحقيقة ما قاله الدكتور سامي يحل الإشكال وما دمنا نقول: إن التبادل يقوم طبقا لأصل الأحكام الشرعية فهذا الإجمال يكفي إلى أن ننتهي أمرا نبت فيه.
الرئيس:
في الواقع لا شك أن سبيل التحوط هو على بقاء هذا الشرط لكن سبيل التحوط الأوسع طالما أننا قلنا على طبقا للأحكام الشرعية فلا أظن أن جهة تستطيع أن تأخذ هذه الفقرة، وتعمل بها ذمة هذا المجمع ما لم تصدر المذكرة التفصيلية التي تشمل عنصري التصور وتطبيق الحكم الشرعي، فإذا رأيتم الآن أنتم بين خيار واحد من خيارين، إما أن نبقي على هذا الشرط كما قررتم في الجلسة الصباحية، أو تأخذوا بوجهة النظر الأخيرة فالأمر متروك لكم. الشيخ أحمد.(4/1634)
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
أتحفظ على حذف الفقرة ما دامت المسألة محولة إلى الشريعة الإسلامية لا خير من بقائه والخوف من بقائه. الجماعة الذين يريدون حذف هذه العبارة لماذا يتخوفون من بقائها إنما هي في الحقيقة هي الأصل في سند ولو أزيلت هي لأصبح أملنا كله ربوي.
الرئيس:
إذن ما رأيكم فيما لو جمعنا بين الأمرين في أن تبقى وأن نضيف بأن يصدر مذكرة تفسيرية تجمع القصور وبيان الوجه الشرعي في الجلسة القادمة. ترون هذا مناسبا.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أولا: فيما يتعلق بهذه القضية نحن لدينا صورة رابعة بيَّنَّا فيها دون بحث وهي صورة إذا كانت الأعيان والمنافع مغلوبة فهذه لم نتعرض لها. عندما تنظر وتدقق فيما هو أمامنا قلنا في حالة كون مال القراض المتجمع كله نقودا أحكام الصرف كله ديون أحكام الديون. الأعيان والمنافع غالبة بالسعر المتراضى عليه فإذا كانت مغلوبة ما الحكم؟ الواقع لم يعارض المجمع هذه النقطة. فالأبد في الواقع قضية دخول الأعيان في الموضوع سواء أكانت غالبة أو مغلوبة من أن نترك لبيان شاف يغطي كل تفصيلاتها أما كونه البت كونها غالبة كونها مغلوبة تلحقها بالصرف وإلا تلحقها بالديون وإلا كيف فإذن بتبحث. فإذن لماذا نستعجل الأمور هنا ونبت في قضية وقرينتها الملاصقة لها لم نبت فيها. ثم نحن نخاطب مسلمين وإذا قلنا لهم طبقا للأحكام الشرعية لا بد أن يعودوا ويلتزموا بالأحكام الشرعية. فإذا كان الأمر مقطوعا به في الشريعة فلماذا تحذرون وتخافون من الإحالة على الأحكام الشرعية إذا كان الأمر مقطوعا به أما إذا كان غير مقطوع به إذن فنكون في سعة من أمرنا. ثم قضية نقطة النظام الأخرى هو أن يطرح الأمر للتصويت على مجلس المجمع فيما يتعلق بهذه النقطة وغيرها وشكرا.
الشيخ عبد الله بن منيع:
في الواقع إنني أؤيد وكان الهدف من تأييدي لهذا الاتجاه هو أن الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدراسة ويحتاج إلى مزيد اطلاع على أقوال أهل العلم في مختلف المذاهب فيما يتعلق بحكم بيع رب المال مال للمضارب أو لغيره.(4/1635)
الرئيس:
شكرا. في الواقع أنا بَدَتْ لي نقطة بسيطة إذا اقتصرنا هنا قلنا طبقا للأحكام الشرعية وفي فقرة (ب) قلنا طبقا لأحكام التعامل بالديون وفي فكرة (أ) قلنا طبقا لأحكام الصرف فنحن في فقرة (أ) حددنا الحكم وفي فقرة (ب) كذلك أما في فقرة (ج) ما بينا الحكم وإنما جعلناه عاما. معنى هذا أن فقرة (ج) لم يبت فيها إذا حذفنا هذا الشرط لأن المفروض أن نقول من (أ، ب، ج) طبقا للأحكام الشرعية أو طبقا للوجه الشرعي لكن طالما أننا بينا في الفقرتين الأولى والثانية. الأولى طبقا لأحكام الصرف، والثانية طبقا للتعامل بالديون فاعتبارهما منتهيتين، أما الفقرة الثالثة فلو أننا قلنا: طبقا للأحكام الشرعية على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع فيكون البت فيها إذا حذفنا هذا الشرط وقلنا: طبقا للأحكام الشرعية فليس فيها بت يستفاد منه.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
يكون البت بعد صدور اللائحة.
الرئيس:
بعد صدور اللائحة لكن الفقرة التي أشار إليها الأستاذ سامي هي كغيرها من الفروع والتصورات التي يمكن أن تُجرى حولها دراسة وترد في المذكرة التفسيرية فعلى كل إنكم الآن بين خيارين إما أن تبقى الفقرة على ما هي عليه أو أن تحذف ونضيف العبارة التي تتضمن دور المذكرة التفسيرية في الدورة القادمة.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
سيدي هي كما يقول: وطبقا للأحكام الشرعية التي سترد من لائحة تصدر أو كذا ما المانع بعض هي اللائحة ستطبق توضح الأحكام الشرعية التي ترد.(4/1636)
الشيخ عبد الودود:
سيدي الرئيس الواقع تتكلمون على أحكام الصرف مستقلة وعلى أحكام البيع مستقلة وعن بيع الديون مستقلة وعلى أحكام اجتماع البيع والصرف حقيقة واحدة ويفرقون بين ما إذا كان صفة الصفقة بيعا أو صرفا ماذا يضرنا لو قلنا: طبقا لأحكام البيع والصرف قلنا في الأولى طبقا لأحكام الصرف وفي الثانية طبقا لأحكام تعامل الديون وفي الثالثة نقول طبقا لأحكام البيع والصرف على ما تحدد اللائحة التفسيرية التي ستحلق؟
الرئيس:
اقتراح الشيخ إبراهيم لا يحل الموضوع لأننا لو قلنا طبقا للأحكام الشرعية التي ستصدر بها المذكرة التفسيرية مع غيرها من الفروع المتصورة ويصدر بها قرار في نظري ما فيها شيء. ما بتتنا في شيء.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
عندي ملاحظة.
الرئيس:
تفضل يا شيخ.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحقيقة الذي يجعلني أصر على هذا هو قولنا إذا صار مال القراض موجودات مختلطة، ثم قلنا نقود وديون وأعيان ومنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقا للسعر المتراضى عليه وطبقا للأحكام الشرعية. هذه في الحقيقة تجعل الإنسان يبدأ بالعمل واحد يروح إلى شيخ ويقول له: ما رأيك في العملية ما دامت المسألة فيها نقود وديون وأعيان ومنافع ونريد الاستزادة؟ إذن نقول فقرة (ج) برمتها كلها يعني أن لا نضع فقرة (ب) فيما يتعلق بمسألة مال القراض المختلط من نقود وديون وأعيان ومنافع تعطل لمزيد من البحث.(4/1637)
الرئيس:
طالما أنه لم يبت فيها فيجعل العبارة صياغة تشمل على أنه سيصدر مذكرة تفسيرية لما لم يذكر من الفروع بعد دراسة متأنية في الموضوع تجمع بين التصور وتطبيق الوجه الشرعي.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يا سيدي الواقع قضية التداول قضية أساسية في موضوع الصكوك ولكنها لاحقة من حيث التطبيق يمكن لأي جهة تريد أن تصدر اليوم ما يتعلق بسندات المقارضة تصدر سندات المقارضة وتبدأ بإجراءاتها وتنفيذاتها وترتيباتها وقد يمر عامان أو يزيد حتى ندخل لقضية تحويل المشروع أو البدء في تحويل المشروع إلى أعيان ومنافع فما الضير في أن ننص على مبدأ التداول ثم بعد ذلك تفصيلات هذا الأمر وما يتعلق به كما اقترح الدكتور إبراهيم وكما اقترحتم أنتم في أول الأمر ما الضير في ذلك؟ نحن نرجو أن يعالج هذا الموضوع في إطار أسلم للمجمع أن يأخذ قرارا في قضية دون دراسة وروية ليس سليما.
الشيخ عبد الستار:
بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة هنا أمامنا صورتان صورة مغطاة بالحكم الشرعي، وهو إذا كان الغالب في أموال القراض المختلطة أعيانا ومنافع فهذه يجوز فيها التداول وهذا هو الحكم الشرعي، فكلمة طبقا للأحكام الشرعية هنا تأكيد فقط، لكن تأخذ الآن إضافة تقول: إذا كان الغالب في هذه الحالة نقودا أو ديونا فيجوز التداول طبقا للأحكام الشرعية التي ستبين في لائحة، في صورة متاحة للعمل وصورة مؤجلة.
الرئيس:
الحقيقة أن هذا فيه جمع بين ما أقر في الجلسة الصباحية والفروع التي لم تدرس بعد هل هذا مناسبا؟ ننتقل إلى ما بعدها. الأستاذ سامي.(4/1638)
الأستاذ سامي حمود:
(العنصر الرابع)
أن من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب أي عامل المضاربة ولا يملك من المشروع إلا بقدر ما يسهم به بشراء بعض الصكوك فهو رب مال بما أسهم به بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس.
وأن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة لا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.
الرئيس:
ننتقل لما بعدها.
الشيخ إبراهيم الدبو:
فضيلة سيدي رئيس المجمع إذا أردنا أن نعطى حق جواز شراء بعض الأسهم للمضارب وهو العامل خرج عن كونه مضاربا وأصبح أيضا شريكا، أصبح شريكا لأن المعروف أن المضاربة هو أن العامل يقدم جهده وليس له سهم في رأس المال إلا اللهم إذا أردنا أن نجمع بين شركتي العنان والمضاربة من البداية شريكا ومضاربا هذا ما أردت توضيحه وشكرا.
الشيخ عبد الودود:
شكرا سيدي الرئيس إن الجمع بين الشركة والقراض مسألة مختلف فيها خصوصا على مستوى المذهب المالكي فأبو القاسم يمنعها وأشهب يجيزها وإنما يمنع أبو القاسم اشتراط أحد العقدين من الآخر بأن تجمعهما صفقة واحدة أما إذا لاحقت إحدى الصفقتين بعد إبرام الأخرى فلا ضير من ذلك، ومن الخلاف يقول أبو بكر بن عاصم من خيرة الحكام: ومنع بيع مع شركة ومع صرف وقرض ونكاح يمتنع ومع مساقاة ومع قراضة أشرف الجواز عنهما. فهذه العقود لا يجوز عند أبي القاسم جمعها وهو المفتى به ويجوز عندئذ جمعها أما أن يلحق بعضها الآخر من غير أن يكون هناك اشتراط أو ترابط فأي ضير في هذا؟ أي ضير من أن يكون حامل القراض أول من بدأ كعامل ثم بعد ذلك اشتراك وصار شريكا وهو بالنسبة لحصته شريك وبالنسبة لحصص الآخرين عامل قراض.(4/1639)
الأستاذ سامي حمود:
سيدي هذه النقطة التي يثيرها الأخ الدكتور إبراهيم، نقطة منصوص عليها في كتاب المغني لابن قدامة وهي اجتماع الشركة والمضاربة مع العامل في مال المضاربة وضرب بها مثلا بقوله: (فلو قال رب المال للعامل: خذ هذه الألف مني وضمها للألف من عندك واعمل بالألفين مضاربة على نصف الربح من حصة رب المال فإن هذا جائز وتكون شركة مضاربة والشركة بمفردها جائزة والمضاربة بمفردها جائزة والجمع بين الجائزين جائز فاجتماع دور العامل في أن يكون هو عامل في المال وشريك في حصة من رأس المال أمر يجيزه الفقه الإسلامي ويأخذ نصيبين: النصيب الأول حصته كعامل في مال المضاربة وهذا حقه والثاني حصته بنسبة ما يملكه من رأس مال المضاربة وهذا أيضا حقه وهذه من الأمور المقررة والمعروفة شكرا) .
الشيخ الطنطاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم، هي ملاحظة شكلية في الحقيقة وهي أننا الآن نقرأ هذه التوصيات ولا شك أننا استطعنا أن نضيف إليها جديدا نافعا إن شاء الله فأنا أرى بأن هذه التوصيات تبقى كما هي ثم بعد ذلك هذه الإضافات ننقلها من الحاشية أو بحيث أن العنصر الأول مثلا نكتب في الأحسن وفي الجلسة الفلانية التي اجتمعت أضيف كذا وكذا وبهذا عندما في المستقبل نعود إلى هذا الأصل وإلى الاقتراحات التي جدت عليه تكون الصورة إن شاء الله أكمل وضوحا ويكون الحكم في المستقبل أقرب إلى الصواب. أنا أريد ما سجلناه هنا وكتبناه أيضا يكون مسجلا في كل التوصيات التي بين أيدينا إن شاء الله.(4/1640)
الرئيس:
شكرا يا شيخ، التوصيات هذه هي ما تعبر ما توصلت إليه الندوة والذي يراد الآن هو أن يعبر ما وصل إليه المجمع.
الشيخ محمد سيد طنطاوي:
أنا أريد أن أقول: يا دكتور العنصر الأول موجود في التوصية بهذه الصيغة وأضيف إليه كذا وكذا وكذا عندما نقرأها في المستقبل ونناقشها في المستقبل نستطيع أن نرجح، وأن نبين أكثر وأكثر وأكثر.
الرئيس:
هو الذي تفضلون به التقرير العام لعله يستوعب بعض الأشياء. الشيخ عبد الله طلبتم الكلمة يا شيخ. الشيخ عبد الله.
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
السيد رئيس المجمع أنا لم أقل بمنع الجواز كما فهم الأستاذ سامي بين شركتي العنان والمضاربة لا مانع من ذلك ولكن أقول: لو أن المضارب دخل على أساس أنه مضارب ثم حصل له ربح وأراد أن يكون شريكا في رأس المال من الأساس كيف توزع الأرباح؟ فيما بعد هذا سؤال آخر كيف نوفق بين أن يكون شريكا يضمن ما يصيب المال من خسارة بالنسبة لما أسهم به من مال وبين كونه مضاربا لا يضمن ويصيب المال من خسارة وإنما يخسر جهده فقط؟ هذا سؤالي الذي أوجه. وشكرا.
الشيخ وهبة الزحيلي:
الشريك على كلا الحالين سواء كان شريك عنان أم كان عامل مضاربة يده يد أمانة يد ضمان وما دام أغلب الفقهاء يجيزون هذا العمل ولا إشكال فيه فما المانع من كثرة النقاش في هذا الموضوع نحن دائما نيسر ما يسره الفقهاء وإذا كان هناك خلاف ببعض المذاهب لا يفيدنا هذا الخلاف فلا داعي للإكثار في كثرة التعليقات على كل ذي وإلا يمكن يستغرق إكمال هذا الموضوع إلى نهاية هذا المؤتمر ما دمنا بهذه الطريقة. العمل جائز وما دام جائزا نسكت ونمشي.
الشيخ صديق محمد الأمين الضرير:(4/1641)
هذا الموضوع يجوز أن يفهم على غير هذا الفهم وهو الجمع بين الشركة والقراض وإن كانت هذه المسألة لوردت نص في الحديث الناهي عن صفقتين في صفقة ولكن فيما أعلمه من رجال الحديث أنه لم يأخذ أحد من الفقهاء بعموم هذا النص تكلموا عن بعض الجمع بين بعض الصفات وقد أشار أحد الإخوة إلى مذهب المالكية وذكرت بالتفصيل العقود التي لا يجوز الجمع بينهما وللمالكية قاعدة في هذا هي أن كل عقدين بينهما تناف لا يجوز الجمع بينهما لكن هذه المسألة في رأيي أنها تدخل في خلط مال المضارب خلط ماله بمال المضاربة وهذه مسألة واضحة في فقه المضاربة. والأصل عند الفقهاء أن المضارب ليس له أن يخلط مال المضاربة بماله إلا بإذن من رب المال إما إذن صريح أو تفويض وهذه المسألة معمول بها في كل البنوك الآن ودائع الاستثمار التي تدفع إلى البنوك الإسلامية لتستثمرها هذه البنوك تخلطها بمالها تخلطها بالحسابات الجارية وتخلطها برأس مال البنك نفسه وتستثمرها ثم توزع الأرباح بنسبة كل ماله وهذا مبني في الاستثمارات ودائع الاستثمار من نص صريح بأن رب المال يفوض بأن يستثمر ماله بما يحقق المصلحة وهذا التفويض يعطي المضارب الحق في أن يخلطها ماله وأن يخلط الأموال مع بعضها وأن يعطيها لشخص آخر مضاربة فهذه الفقرة أنا أفهمها من هذا القبيل.
الرئيس:
شكرا. هل ترون نمضي إلى ما بعدها؟
الأستاذ سامي حمود:
ثالثا: مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول:
يتم تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت وذلك وفقا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يتم التداول بقيام الجهة المصدرة أو غيرها في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك بسعر معين. ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع.(4/1642)
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
هذه الفقرة ما هي إلا إجراءات لا تتعلق بشيء من الأحكام الشرعية فلا نجد فيها أي مخالفة فنسير على ما قررته. هي إجراءات.
الشيخ إبراهيم الغويل:
ولتناسق الإجراءات سبق أن أشرنا إلى الإذن أليس كذلك؟ أشرنا أن التداول يتم بالقيد في السجلات.
الرئيس:
نعم أشير في آخر العنصر الثالث.
الشيخ إبراهيم الغويل:
هنا ليس العملية تشير إلى ذلك تتوجه إلى أن التداول يتم بعيدا عن هذا وفي أسواق الأوراق المالية. فهل التناسق الإجرائي سليم؟
الشيخ وهبة الزحيلي:
مع مراعاة الضوابط أول الفقرة مع مراعاة الضوابط. فما المانع؟
الشيخ إبراهيم الغويل:
مع مراعاة المواد السابقة.
الشيخ وهبة الزحيلي:
الضوابط. قال: الضوابط ما فيه مشكلة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم. في الحقيقة هذا البند صحيح أنه إجرائي ولكنه يحقق ميزة في سندات المقارضة وهي ميزة الاسترداد والتي كان يعبر عنها في الأبحاث بالإطفاء وهذا هو الذي يعطي سندات المقارضة الثلاثة في التطبيق وتشجيع الجمهور على الإقدام في شراء هذا السند؛ لأنه حينما يحس بأزمة وحاجة إلى السيولة يستطيع أن يرجع إلى الجهة المصدرة ويبيع ما اشتراه ويسترجع قيمة اسمية ليس القيمة الفعلية السوقية.(4/1643)
فهذا هو عملية الاسترداد للسندات وهذا الاسترداد الأصل فيه أن يتم بإيجاب وقبول عند الاتفاق ولكن أستعين هنا بمبدأ وجد في المذهب المالكي وهو أنه يمكن أن يستمر الإيجاب قائما إلى أن يلتقي به القبول في المذاهب الأخرى الإيجاب يتقيد بمجلس العقد فإذا قال له: بعت، ولم يقل في المجلس: قبلت وخرج انتهى الإيجاب وسقط ولكن رأينا في المذهب المالكي كما جاء في الحطاب وهو أبو بكر بن العربي وغيره أنه يمكن أن يرتبط الإيجاب بمدة ويبقى الموجب ملتزم طيلة هذه المدة، ويكون الخيار خيار القبول للطرف الآخر فالجهة المصدرة هنا حتى تسهل تداول هذه السندات ليس تداولا بين الناس خارج الجهة بل بينها وبين الذين حصلوا على هذه السندات فإنها تقول لهم طيلة مدة سنة: أنا مستعدة لشراء السندات التي بأيدي الجمهور وهذا نداء موجه للجميع على طريقة الجعالة ليس الإيجاب موجه لشخص محدد، وإنما لكل من يسمع هذا الإيجاب سواء سمعه مباشرة من الجاعل أو بلغه بلوغا، فالذين يريدون أن يستفيدوا ويستعيدوا مقدرتهم في السيولة يأتون إلى الجهة المصدرة ويقولون: نحن قبلنا هذا الإيجاب ومستعدون لبيع هذا السند إليكم بالقيمة السوقية بالسعر الذي تدخل فيه الخبرة حتى لا تكون العملية عملية قرض كما كان في بعض الأبحاث يسترجع القيمة الاسمية وإنما يسترجع القيمة السوقية بالغة ما بلغته بالتراضي قد يكون أزيد وقد يكون أكثر، وهذا هو الجانب الشرعي في هذه العملية هذه المادة مهمة جدا وهي التي تتميز بها سندات المقارضة.
الرئيس:
على كل الذي يظهر هو قضية الالتزام بالإيجاب مع التراضي، خلال مدة معينة. إذا قلنا الالتزام بالإيجاب مع التراضي لمدة معينة هل تناقض مع أصل من أصول الشريعة أو نصا صريحا من دلالته؟
الشيخ محمد علي التسخيري:(4/1644)
أولا أود أن أوضح أن هناك اتجاها قويا لدى الإمامية بإمكان بقاء الإيجاب والقبول. الشيء الثاني أؤيد حذف هذه المادة لأنها إجرائية مهما كان وما دامت إجرائية لا يمكن أن تصدر كفتوى من مجمع فقهي. كفتوى فتوى المواد الأخرى يجوز لا يجوز أما هنا واقعة إجرائية هذه المادة، وطبعا الإجراء هنا أسلوب والأسلوب يحتاج إلى حكم شرعي ولكن لا يدخل في صميم الفتوى هنا فأقترح حذف المادة لكي تنسجم مع وضعها كفقهاء.
الشيخ تقي العثماني:
الحقيقة فيما أظن أن هذه المادة ليست إجرائية لأنها تعني بمسألة مهمة في صلب الموضوع وهو أن إطفاء السندات هل يكون بقيمة اسمية أو قيمة سوقية فتنص هذه المادة أن السعر إنما يتفق عليه بتراض الطرفين فهذا ليس إجرائيا محضا وإنما هو مسألة فقهية قد عرضت على المجمع.. إن الإطفاء يكون على قيمة اسمية أو قيمة سوقية فأرى إبقائها أولى. ولكن لي ملاحظة أخرى في هذه المادة وهي أن القيمة التي يحصل عليها الجهات المصدرة من جانب السهم تكون فيها بعض الأرباح وهذه الأرباح أيضا ينبغي أن توزع على رب المال وعلى المضارب جميعا فينبغي أن التنصيص في هذه المادة بأن القيم الأسماء الحاصلة تكون جزءا من الأرباح وتكون موزعة على كلا الفريقين.
الشيخ عبد الحليم الجندي:
النص في ويحسن أن نستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة لما تركنا للمجهول أن يستعان بأهل الخبرة تركنا له بهذا إنما ممكن أن نستبدل بيستعان في تحديد السعر بأهل الخبرة لا يترك الأمر إلى غير المخاطبين بهذا الأمر واحد، اثنان مع مراعاة الضوابط السابقة في التداوي. ممكن الاستغناء عن هذا القيد لأنه مؤكد انتهى حكم هذا القيد ومؤكد يسري عليه الاستباحة. بهذا إحنا ماشيين نحو ضوابط تفسيرية بأن ليست النصوص قانونا أو لائحة لذلك حبذا لو كل ما قابلنا نص نصوغه صياغة نص قانوني.
مجمل كلامي أن مع مراعاة السطر هذا يحذف ويحسن أن نستعين. ويقال ويستعان في تحديد السعر بأهل الخبرة. يبقى قررنا هذا ولم نجعل خيارا للآخرين.(4/1645)
الرئيس:
هو جميل لكن هو لها مدلول العبارة هنا لأن لو قلنا ويستعان فيه إلزام.
الشيخ عبد الحليم الجندي:
وإذا قلنا: ويحسن لا يحسن لأهل هذه تريد استحسان.
الرئيس:
نفس العبارة الموجودة في السطر الثاني كما يتم التداول لو قيل كما يجوز التداول حتى تخرج من كونها إدارية إلى كونها شرعية وإشارة إلى أن هناك خلافا.
الشيخ عبد الحليم الجندي:
النص يبقى يجري التداول يتخذ عبارة يجري التداول.
الرئيس:
كما يجوز التداول وبقية من جهة مصدرة وهو لو يستعان.
الشيخ عبد الحليم الجندي:
الحقيقة أن التداول بمعرفة الجهة المصدرة هو الجديد في هذا النص. النص ليس إجرائيا النص ده فعلا يجيز للجهة المصدرة أنها تطرح أوراقها. ويستعان في تحديد السعر.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
الحقيقة ملاحظة فضيلة الشيخ تقي العثماني اسمحوا لي أن أقول إنها في غاية الوجاهة لأنها نبهت إلى أمر من أحكام المضاربة بأن هذا التداول الذي تم وقامت به الجهة المصدرة بصفتها مضاربا فإنها في حال حملة الصكوك وهذا العمل هو عمل تجاري استثماري يدخل في نشاط المضاربة فإذا نتج ربح فليس في جميع الأحوال ينتج ربح قد تبيع بسعر القيمة الاسمية نفسها إذا كان هو المناسب وقد تبيع بأنقص ولذلك أريد من فضيلة الرئيس صيغة هذه العبارة إذا أحببتم أن تسمعوها يضاف في آخر الفقرة هذه وإذا نتج ربح من هذا التداول يوزع.(4/1646)
الدكتور سامي حسن حمود:
أين؟
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
في آخر الفقرة 3 بعد كلمة وللمركز المالي للمشروع. وإذا نتج ربح من التداول بين الجهة.
الشيخ محمد تقي العثماني:
قل إذا كان هناك فرق بين القيمة الاسمية والقيمة المتفق عليها فالربح الحاصل من هذا الفرق يوزع لماما.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
صح. هذا وإذا نتج ربح.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
هذا على فكرة من الناحية الشرعية. الواقع المقصود بالشراء هنا أن يصبح المضارب شريكا بقدر ما اشترى كما قلنا في بداية العنصر الرابع النقطة التي أثارها الدكتور الدبو أنه ليست قضية مضاربة قضية أنا كجهة مصدرة لي جزء من السندات هذه أملكها بصفتي شريكا فإذا أحببت أن أزيد حصتي في هذه الشركة لا بصفتي مضاربا، بصفتي شريكا من يرغب في المكتتبين ببيع سندات لي أنا أشتريها الحالي فما العلاقة بقضية الربح هنا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
إذا اشتريتها بأقل من قيمتها حققت ربحا.(4/1647)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
ولذلك قلنا ويستعان. لذلك أنا مع الرأي ويستعان.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
عفوا الشريك ليس له الحق في العمل. العمل هو من حق المضارب فإذا تم شراء فهذا الشراء جرى من المضارب بصفته مضاربا أما الشريك فهو مالك للمال ويده مكفوفة عن العمل حتى لو كان المضارب له مال فهو بالنسبة لماله ليس له أي إدارة.
الشيخ عبد السلام العبادي:
في الواقع الصكوك تتداول في السوق. فأنا جئت إلى السوق واشتريت لا بصفتي مضاربا إنما بصفتي شريكا أو بصفتي أرغب أن أزيد من حصتي في الشركة هذا لا علاقة له بالمضاربة عند توزيع الأرباح آخذ حصتي كشريك بنسبة ما أملك من السهم أو سندات. يعني القضية أتصور صار فيها شوية خلطة إنما هي الواقع يجب أن نفرق بين كونه مضاربا وكونه يشتري سندات باعتباره شريكا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
لكن النشاط الذي قامت به الجهة قامت به من خلال قنوات العمل والإيجاب موجه للجمهور. بأي صفة توجه هذا الإيجاب للجمهور وتضمنه في النشرة وتستقبل هؤلاء لنشرة؟ هذا كله عمل المضاربة. الشريك يتداول من خارج السوق يعني يطلع لكن جهة الإصدار جهة معنوية. صحيح هي تملك بعض الأموال لكن هي الآن تقوم بدورالمضارب وتستثمر عن طريق استرداد بعض السندات.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أعيد إلى ذاكرتك يا دكتور عبد الستار ما أصل هذا النص؟ أصل هذا النص أنه جاء إليه البنك الإسلامي للتنمية لأنه يعاني من مشكلة التداول، لأنه ما فيه أسواق مالية يمكن أن يتداول فيها سندات المقارضة التي ينوي أن يصدرها. فكيف نحقق سيولة وتداول بهذه الصكوك يعلن بعد دراسة للمركز المالي للمشروع ووفقا لظروف السوق يعلن أنه يمكن أن يشتري هذه الصكوك عند ذلك يصبح بالقدر الذي اشتراه شريكا في المشروع وليس مضاربا.(4/1648)
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
إن هذا الفصل الثالث أعتقد أنه يجب إبقاؤه على ما هو عليه نظرا لما يلي:
أولا: أن هذا يعطي حكما لقضية مختلف فيها. هل يجوز للمضارب أن يشتري أسهما في نهاية المضاربة. فهذه الفقرة أعتقد حكما شرعيا.
الأمر الثاني: هل أنه بشرائه هذا هو مضارِب أم شريك؟ كما نعلم أن القضية هي مرتبطة أيضا بالنشاط الذي أراد أن تقوم به وزارة الأوقاف هي تعطي هذه الأراضي التي عندها أو تدخلها لتقيم عليها مباني بأسهم وهي تقصد في النهاية أن تعود كل هذه المباني إلى وزارة الأوقاف. فعندما تشتري وزارة الأوقاف أسهمها من المساهمين فهي قد اشترت ذلك بصفتها شريكا لا بصفتها مضاربا بمعنى أنها قد حلت محل هذا صاحب السهم ولم يزد لا ربح ولا خسارة على الشركة. فالشركة المضاربة بقيت برأس مالها كما هو وليس في القضية هي قضية بيع وشراء للأسهم حتى نقول: إن هذا نشاط قام به المضارب لا بد أن يعود على الجميع. ولكن هي المضارب الذي هو شريك في آن واحد من البداية أراد أن يزيد حصصه، فلا أعتقد أنه يوجد أنه أي وجه لحساب الزائد أو الفائض أو الناقص في مجموع أموال الشركة، أموال شركة المضاربة كما أن كلمة: يحسن أن تستعين لا بد أن يقول يحسن لأن هذه قضية وراءه أكثر منها أو زيادة تحفظ أكثر منها قدر إيجابية؛ لأن للشركة أو للجهة المصدرة أن تقول أنا أشتري هذا السهم بدينار دون أن تعود إلى شيء ما الذي يمنعه من ذلك، لأنها لم تلزم أحد أن يبيع لها بذلك الثمن، فهو إيجاب لكن حرصا على العدالة التامة قلنا: إنه يحسن أن يقع الاستعانة بتحديد السعر لأهل الخبرة. فهذا ما يبدو لي في هذا الفصل الثالث وأعتقد أنه من الخير أن يبقى كما هو سوى أن يبدل كلمة (يتم) بـ (يجوز) وكما (يتم) كما (يجوز) حتى يكون الحكم الشرعي واضحا.(4/1649)
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، هو نفس الكلام الذي قاله فضيلة أستاذنا أن العبارة تبقى كما هي لأن هنا. كما يتم التداول بقيام الجهة المصدرة، أو غيرها، يعني يمكن غير الجهة المصدرة أن تعلن هذا. ولذلك لا نستطيع أن نلزم أي جهة بأن تستعين بأهل الخبرة وإنما يحسن، فالعبارة في رأيي فعلا أن تبقى كما هي وأي تغيير في العبارة يخل بالمعنى فيما أرى والله أعلم.
الدكتور منذر قحف:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحقيقة العبارة كما هي تعطي إمكان أن يتم هذا الشراء قيام الجهة المصدرة به أو غيرها تعطي ثلاث حالات: حالة أن الجهة المصدرة بصفتها مضاربة تشتري فإذا اشترت فالشراء نفسه لا ينشأ ربح إنما ينشأ الربح البيع بعده فلا مجال أيضا لنشوء ربح في هذه اللحظة بسبب الشراء. فلا مساغ في الحقيقة في النص في عملية الشراء هذه ولو اشترت بصفتها مضارب فلا مسار أن ينشأ ربح وبالتالي يقال: فما ينشأ عن ربح من ذلك لأنه لو اشترط ستسجل هذا بدفاترها بالقيمة الشرائية التي اشترت بها وتكون هذه الأسهم جزءا من موجودات المضاربة. عند التصفية النهائية يحتسب الربح أو عند إعادة بيعها ويمكن إعادة بيعها. الحالة الثانية: أن يشتري المضارب بصفته الشخصية وليس بصفته عامل مضاربة لأنه شريك يريد أن يطفئ وهذا هو مفهوم الإطفاء أن يستدل ملك الغير في هذه المضاربة بملك له وعند ذلك أيضا لا مساغ للكلام عن الربح لأنه هذا مفهوم الإطفاء الذي هو القصد الأساسي فيها. والحالة الثانية التي ذكرها الدكتور السالوس أن يكون طرف آخر الذي يشتري. فجميع الأحوال حقيقة أرى النص يجب أن لا يغير.(4/1650)
الرئيس:
ترفع الجلسة لأداء الصلاة ثم نستأنف إن شاء الله تعالى.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، هذا الاختلاف الذي أثاره اقتراح الدكتور عبد الستار يمكن حسمه إذا عرفنا أن هذه الجهة المصدرة عندما أرادت أن تشتري الصك المعروض للبيع هل ستشتريه من مال المضاربة أم من مالها الخاص؟ إذا كانت ستشتريه من مال المضاربة فهو للمضاربة ويعتقد أي مال اشترته هذه الجهة للمضاربة ولا إشكال في هذا. ولكن الظاهر لي أن هذا ليس هو المراد وهذا هو الذي أوقع الدكتور عبد الستار في الإشكال. إذا كانت هذه الجهة المصدرة تشتريه من مالها الخاص، ويؤيد هذا كلمة (أو غيرها) الجهة المصدرة أو غيرها، هي تشتريه من مالها الخاص. هنا تأتي مسألة شراء المضارب شيئا من مال المضاربة لأنه السهم أو الصك المعروض للبيع هو مال مضاربة. فأراد المضارب أن يشتري بمال المضاربة لنفسه وهذه تحدث عنها الفقهاء، كذلك أن رب المال إذا أراد أن يشتري شيئا من مال المضاربة لنفسه. وفيما أذكره أجازه وهي مسألة خلافية ولكن فيما أذكر جائز عند بعض الفقهاء، فعلى هذا الاعتبار لا محل للقول بمسألة توزيع الربح أو الاشتراك في الربح، هو المضارب اشتراه لنفسه وسيضاف إلى نصيبه إذا أراد أن يضيفه إلى أموال المضاربة. وهذه وجهة النظر التي قالها الدكتور العبادي وأعتقد أن هذا هو المقصود هنا. فإذا كان فيه لبس ينبغي أن يوضح لئلا يلتبس بأن المضارب يشتري بمال المضاربة. هذه نقطة.
النقطة الثانية التي أشار إليها الشيخ المختار: أنه ما دامت هذه المسألة وأيضا ذكرها الدكتور عبد الستار ووافقه عليها التي هي مسألة مذهب المالكية في هذا يجب أن ينص على الحكم وهو الجواز. يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة أو غيرها في فترات دورية معينة بإعلان إلى آخر وإذا كان وجدنا مكان وضعنا فيهم ما يزال اللبس من أن هذه الجهة المصدرة تشتري من مال المضاربة قد يكون أفضل.(4/1651)
بقي بعد ذلك ما جاء في أول هذه العبارة وهي مسألة أسواق الأوراق المالية. فهل نحن مطمئنون إلى أن التداول في هذه الأسواق المالية يجري بحسب الأحكام الشرعية؟ أعتقد أن أقل شيء نفعله هو أن نقيده إذا أردنا أن نبقيها مع أن في نفسي منها شيئا.
الشيخ محمد تقي العثماني:
الواقع أن المسألة التي أشرت إليها وهي توزيع الربح بين الجهات المصدرة وصاحب السهم، إنما هي مبنية على مسألة أخرى وهي هل يجوز شراء رب المال من المضارب وشراء المضارب من رب المال أو لا؟ فقد ذكره الفقهاء في كتبهم. والذين أجازوه على أن في هذا البيع والشراء يعتبر رب المال والمضارب كل واحد منهما أجنبيا عن الآخر. فلو فرضنا أن القيمة الاسمية للسند هي مائة ريال مثلا وصارت قيمته السوقية عند الإطفاء مائة وعشرين ووقع الاتفاق على الشراء بهذه الكمية فحينئذ العشرون ريالا هذه هي ربح مال المضاربة لأن المشتري أجنبي في هذا البيع والشراء عن المضاربة فهو نفع لمال المضاربة وينبغي أن يوزع على هذا الأساس بين رب المال وبين المضارب فهو نفع لمال المضاربة وينبغي أن يوزع على هذا الأساس بين رب المال وبين المضارب وقد صرح الفقهاء بذلك(4/1652)
وعندي نص من بدائع الصنائع يقول الكاساني رحمه الله تعالى: (إذا اشترى المضارب بمال المضاربة متاعا وفيه فضل أو لا فضل فيه، فأراد رب المال بيع ذلك فأبى المضارب وأراد إمساكه حتى يجد ربحا فإن المضارب يجبر على بيعه إلا أن يشاء أن يدفعه إلى رب المال لأن منع المالك عند تنفيذ إرادته في ملكه لحق يحتمل الثبوت ولعدم هو ربح لا سبيل إليه ولكن يقال له – هذا هو المهم – ولكن يقال له إن أردت الإمساك فرد عليه ماله وإن كان فيه ربح يقال به ادفع إليه رأس المال وحصته من الربح ويسلم المتاع إليه. فهذا هو الذي جعلني أقول إن الربح الحاصل نتيجة هذا البيع والشراء ينبغي أن يوزع على كليهما. والله سبحانه أعلم.
الدكتور حسن عبد الله الأمين:
شكرا، السيد الرئيس، أضم صوتي بقوة إلى ما ذكره الأخ الشيخ تقي وأشير في هذا الشأن إلى الفقرة سبعة من هذه التوصيات. تقول هذه الفقرة: (يستحق الربح بالظهور وبملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة، وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادا أو غلة فإنه يجوز أن توزع عليه ولا يوزع على طرفي العقد قبل (التنضيض) أهو ما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب. معنى ذلك أن كل عائد من المشروع المشترك بهذه الحصص – أسهم المضاربة كل حصة تكون قيمتها الأساسية هي الأصل وأي قيمة زائدة أو أي جزء زائد على قيمة البيع السوقية تعتبر الزيادة ربحا ولا يملك في النهاية إلا بالتصفية وما يدفع يعتبر شيئا مقدما خاضعا للمحاسبة في النهاية عند التنضيض. فمعنى ذلك أن العمل مستمر وأن أي زيادة في القيمة الاسمية على القيمة الأصلية هي ربح ويشرك فيه المضارب كما يستحقه رب المال. هذا أمر واضح بينما نقرأ هذه الفقرة. لذلك أعتبر أن القيمة الاسمية الجديدة ما زاد عن القيمة الأولى هو ربح ويشترك بين رب المال وبين المضارب سواء إن كان المشتري لهذه الحصة هو المضارب هذا أو شخص آخر فهي ربح مشترك بينهما ولا بد أن يؤخذ فيه حصته بالنسبة المحددة. وشكرا.
الشيخ عبد الحليم محمد الجندي:
العبارة تعطي معاني ليست مقصود التي كتبها. نحن نقول يتم تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت، وذلك وفقا لظروف العرض والطلب ويخضع لإيراد العاقدين.(4/1653)
كما يتم التداول بقيام الجهة المصدرة أو غيرها. كما يتم التداول هنا ممكن جدا أن تكون كما يتم نفس التداول لأن العبارة غير واضحة. ممكن تكون كالآتي: (وللجهة المصدرة كذلك أو غيرها في فترات دورية معينة القيام بإعلان أو إيجاب، نشيل إعلان ونقول إيجاب ونشيل إيجاب ونقول إعلان كلاهما إيجاب ثم تلتزم بمقتضاها خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك بسعر معين ويستعان في تحديد السعر بأهل الخبرة. لتكون أمرا تكليفيا بالاستعانة بأهل الخبرة ولا يكون خيارا متروكا للذي سيدلي بهذا. ففي تعديلات مطلوبة. أمامي كذلك أو غيرها. عندكم فيها غيرها تجري هذا الإيجاب. إذا كان أي شخص ممكن يتقدم بطلب لا يبقى، لا يتم، أي شخص آخر أجنبي غيرها لا يبقى مثل الجهة المختصة يعني هنا للجهة المصدرة. لازم تكون واضحة والنص على هذا حقيقة لا يعطي المعاني المطلوبة.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
سيدي الرئيس، أريد فقط أن أستوضح إذا كانت الجهة المصدرة هي التي ستشتري السندات أو الحصص أو الأسهم باسم شركة المضاربة فإنها ستكون بائعة ومشترية في نفس الوقت؛ لأن هذه الحصص مملوكة لشركة المضاربة وإذا كانت هي مشترية بصفتها شركة مضاربة فإنها ستشتري من نفسها إلى نفسها وهذا غير معقول لأن البائع والمشتري لا بد أن يكونا اثنين. أما إذا كان لإنسان عامل المضاربة فيشتري بنفسه ولحسابه الخاص ليسهم في أصل الشركة أو ليزيد إسهامه في أصل الشركة فهذا شيء آخر.
الشيخ عبد السلام داود:
إذا سمح السادة العلماء أريد فقط أن أنبه لقضية أن المكتب الذي هو مالك صك المضاربة هذه حصته فيما يمثل هذا الصك في المشروع فإذا قبل عملية الأبحاث التي أعلنت وجاء فباع صكه فهو يبيع حصته في هذا المشروع فإذا كانت هذه الحصة كلفته مائة دينار مثلا وباعها بمائة وخمسين الربح له والذي شرى هذا الصك سواء كانت الجهة المصدرة أو شخصا آخر هو يحل محله في ملكية هذا الصك كما تفضل أستاذنا السلامي وأشار.(4/1654)
النقطة الآن التي تفضل بالإشارة إليها أستاذنا الصديق إذا كان هذا الذي اشتراه بمال المضاربة واضح أن العملية أصبحت جزءا من عملية المضاربة لا يتحقق فيها ربح، لا بد أن تسجل في الدفاتر فإذا تحقق فيها ربح قطعا لا بد أن تدخل في مال المضاربة كربح. فلذلك النص فقط إذا أريد الإيضاح مزيد من الإيضاح نقول: إنه من ماله أو من مال غير المضارب فيحل الإشكال رغم أن العبارة أصلها ما دام أضيف إليها أو غيرها فمفهومها أنها ليست من مال المضاربة. وإنما شخص يريد أن يحل محل مالك في ملكية صك من هذه الصكوك. وممكن أن يكون هذا المالك شخصا غير الجهة المصدرة شريكة في المشروع. فما فيه لبس لو تدبرنا في العبارة ليس فيها لبس إنما يمكن لزيادة التحوط أن يضاف ما اقترحه الشيخ الضرير.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر الدكتور العبادي لأنه وضح ما أردت وكنت حسبت أن كلامي غير واضح مما أوقع الأخ الدكتور التقي في الاعتراض عليه بعبارة واضحة مذهب الحنفية هو بدأ إذا اشترى المضارب بمال المضاربة فالنص الذي قرأه الدكتور تقي في أن المضارب اشتري بمال المضاربة، اشتري مالا ثم اختلف هو ورب المال فقال له رب المال: بع. وقال هو: ولا أرى وجها للبيع؛ لأن الأسعار ستغلو وهذه مسألة تحدث عنها الفقهاء وما قرره الدكتور تقي هو رأي الحنفية. وأوافقه عليه إلى آخره لكن المسألة خلافية المالكية يقولون حتى فيه رأي، وأظنه رأي الحنابلة يقولون القول للمضارب لأنه هو الذي له حق التصرف. وتوسط المالكية فقالوا القول ليس لأحدهم وإنما نلجأ فنسألهم فإن قالوا: الأفضل أن نبيع الآن بعنا وإلا لم نبع. فهذه المسألة تختلف عن المسألة التي نحن بصددها. أما إذا اشترى من ماله الخاص هذه هي التي تدخل في شراء المضارب شيئا من مال المضاربة. فيه اعتراض أثاره بعض الإخوة أنه كيف يشتري من نفسه لنفسه أو كيف يشتري بمال المضاربة؟ الجواب عن هذا الشخص الذي أراد أن يبيع نصيبه قد يرى المضارب أن من المصلحة أن يشتريه للمضاربة ولا يترك شخصا أجنبيا يشتريه وفي هذا مصلحة للمضاربة لا نمنعه من هذا يشتريه من مال المضاربة ويبقى في أموال المضاربة فكأنه خرج هذا الشخص وتوزع نصيبه على الباقين لأنه اشترى بأموالهم. ليس في هذا عيب فيما أرى.(4/1655)
الرئيس:
إذا أردتم أن النص من خلال المداولات يقرأ. الشيخ عبد الستار.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
التعبير يقول: وللجهة المصدرة أو على أي يكون التعبير كما يتم التداول بقيام الجهة المصدرة. هل هناك تعبيرات مختلفة بين الجهة المصدرة وبين من يتلقى حصيلة الاكتتاب أم هما واحد؟ لأن في العنصر الرابع نقول: (إن من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك هو المضارب) . فهل من يتلقى حصيلة الاكتتاب هو هو أم من يتلقى حصيلة الاكتتاب شخص آخر والمصدر شخص آخر؟ ثم إذا كانت هذه الجهة تعلن إيجابا لكي تشتري فهل تشتري بصفتها تمثل جهة قائمة بذاتها أم أنها تشتري لمجموع المضاربين؟ هذه كلها صور تتفرع عن هذا النص ولا بد أن تحدد) .
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم، التعديل الذي يدخل بعد العنصر الرابع أو ثلاثة بعد التعديل: يجوز تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت وذلك وفقا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة، ونشطب كلمة أو غيرها الآن.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أعتقد أن وجودها ضروري.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
نشطبها الآن فقط حتى العبارة ندخل عليها تعديل: كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك يضاف هنا: (من مال المضارب) بهذا أخرجنا كلمة (أو غيرها) الآن.(4/1656)
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
المسألة الحقيقية يظهر لي أن القضية غير واضحة للسادة الأفاضل فأنا أدعو الأخ سامي أن يوضح العملية بمثل؛ لأنه في الحقيقة نريد توضيحها ويظهر أن المسألة غير واضحة. لو أذن السيد الرئيس بأن يطلب من الأخ سامي توضيحها بمثل؛ لأن الأصل أولا: الغير يجب أن تبقى أنا أميل لأن تبقى كما هي. المسألة الغير ضرورة لأننا نبيع على الغير. أما بالنسبة لأستاذنا الشيخ الضرير يقول: أسواق الأوراق المالية صحيح يجب أن تكون في أسواق الأوراق المالية ولكن عندما تتداول في تلك الأسواق وتتداول حسب الشريعة الإسلامية وليس حسب نظام البورصة. فلو أذن للأخ سامي أن يشرح لنا الموضوع.
الرئيس:
على كل كمل يا شيخ عبد الستار.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من مال المضاربة بسعر معين ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوز هذه إضافة الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة على النحو المشار إليه. وممكن أيضا نضيف عند كلمة الأسواق المالية: بالضوابط الشرعية المعتبرة. حتى نخرج عن نظام البورصة. كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة على النحو المشار إليه. يعني إعلان موجه للجمهور خلال مدة إلى آخره. وكلمة من مال المضاربة حتى يكون الربح داخلا في التوزيع. إذا كان من غير مال المضاربة صارت هي جهة غير الجهة المصدرة دخلت في الغير.(4/1657)
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
ليس هناك أموال للمضاربة باقية.
الشيخ عبد الستار:
يعني إذا كانت هي جهة مصدرة إذن هي هي مضروب فمن مال المضاربة وإذا كانت هي تشتري من غير مال المضاربة هي صارت غير الجهة المصدرة لها صفة أخرى.
الشيخ محمد المختار السلامي:
يا سيدي إذا كان من مال المضاربة هذا نشاط قام به المضارب فلا ندخل فيه ولا نتحدث فيه وإذا كان من غير مال المضاربة هذا الذي نود أن نتحدث فيه. لا نتحدث بناء على كل ما يقوم به المضارب في الأعمال من أعمال إذا رأى أنه من الخير أن يقوم به لفائدة المضاربة قام به.
الرئيس:
صاحب الاقتراح موجود الشيخ الصديق.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
الدكتور العبادي هو الذي قصرها على حالة واحدة. الأمران جائزان يعني يجوز للجهة المصدرة أن تشتري من مال المضاربة وفي هذه الحالة يكون هذا الجزء الذي اشترى تبع مال المضاربة. ويجوز لها أن تشتري من مالها الخاص ويكون هذا السهم ملكا لها. فكلاهما جائزان إن أردتم أن تذكروا الأمرين.(4/1658)
الدكتور سامي حسن حمود:
السيد الرئيس، الواقع أن عمل المضارب في مال المضاربة هو عمل محدد في المشروع الذي أعلن من أجله التداول والإعلان بالالتزام بسعر معين ليشتري معناه يقوم به بالنيابة عن مال المضاربة، فلا يملكه أصلا. إنما وجد عرضا وأنه اشترى بمال المضاربة ليزيد فهو جائز. فالأصل أن يكون الإعلان من الجهة المصدرة أنها تشتري لنفسها من مالها ليتم تصفية المشروع لصاحبها. وهذا هو البناء الذي بنيت عليه العملية؛ لأنه جهة تدعو المواطنين ليكتتبوا في مال تقوم بإقامة مشروع في هذا المال، هؤلاء المكتتبون إما أن يتبايعوها فيما بينهم – وهذا السندات – عن طريق سوق الأوراق المالية إن وجدت فتكون هذه العملية خارج نطاق المضاربة إطلاقا أو أن القائم بأمر المضاربة الذي أعلن وطرح هذه السندات للبيع ليتوفر لديه مال يستطيع أن يشتري من هذه السندات ما يمكنه سويا لتنزيل القيمة تدريجيا إلى أن ينتهي بتملك المشروع بكامله. وهذا هو المقصود الأصلي في العملية. أما أن تقول بأنه يأخذ من مال المضاربة شيئا ليشتري فليس هذا الاختصاص لذلك الصيغة بحالتها التي كانت عليها مع تبديل كلمة (بـ) يجوز (وتبقى) غيرها: في محلها لأن من الممكن جدا في حالة عملية: جهة الاختصاص التي هي وزارة الأوقاف لا تستطيع أن تشتري فيأتي بنك إسلامي أو جهة مالية إسلامية تريد أن تتعهد بالشراء لتساعد في نقاش هذا المشروع فما المانع أن يبقى؟ وهذا هو مقصودنا من تداول أدوات استثمارية مالية إسلامية في العملية.
أستأذن في نقطة الربح لتوضيح النقطة التي أشار إليها الأخ الدكتور تقي في موضوع الربح هناك في الربح نوعان: الربح رأس المالي والربح الجاري. الربح الرأسمالي ليس لعملية المضاربة علاقة بها، ومثالنا ذلك على التبسيط في أسهم الشركات المساهمة فقد يكون السهم بمائة ريال ويباع بين الناس بمائتين لا تؤثر هذه المائة الزائدة على موجودات الشركة لا بالزيادة ولا بالنقصان؛ لأن الشركة تسجل في سجلاتها هذه المائة الأصلية. أما ما تحقق من الربح فهو للبائع وللمشتري بالزيادة والنقصان. هذا بالنسبة للربح الرأسمالي الذي ينتج عن التصرف في رأس المال.(4/1659)
أما الربح الجاري فله اعتبار شرعي. الربح قبل إعلانه وقبل قسمته يكون مجهولا، ولكنه قد يكون بالحسابات معلوما. ففي المضاربة مثلا لو اشتريت قمحا بهذا المال الذي أعطي لي مضاربة وكان رأس مال القمح مائة ومعلوم في السوق أنه بمائة وعشرين. فهناك حد ظني أن عشرين ربح، ولكن لا يعرف هذا الربح ولا يعترف به شرعا إلا إذا جرى بيع هذا القمح. وهذه عبارة التنضيض التي ينص عليها الفقهاء كما تعلمون. فعند التنضيض يتحقق الربح لأنه قد يحدث أنه عند البيع الفعلي ألا تأتي المائة وعشرون وتأتي مائة وعشرة. هذا الربح إذا كان قبل النض وقبل الإعلان فإن حصتي كمضارب في رأس المال يعتبر منها ضمنيا الزيادة أو النقصان في قيمة هذه الحصة، فهي داخلة ضمنه ويبدأ حقي في الربح من يوم تملكي لهذه الحصة فمتى أعلن فأصبح صاحب الحق في الربح، تماما كحالة المساهم الذي يشتري السهم في شهر نوفمبر وتعلن الأرباح في شهر ديسمبر طالما جاءت الميزانية وهو مسجل في سجلات الشركة أنه مالك السهم فإنه صاحب الحق في الربح ويأخذه. ويطبق نفس النظام تماما على الذين يتداولون هذه السندات في أن مالك السند الذي يسجل اسمه ويكون اسمه مسجلا في سجلات الشركة أو المشروع المعين هو صاحب الحق في الربح يوم إعلان الربح بذلك التاريخ الذي كان فيه مالكا. فإذا باع ذلك فقد تنازل، وإذا باع بعد ذلك فقد ملك هذا الربح وضمه وقيد قيمة السند بالقيمة الأساسية التي كان عليها.
الشيخ عمر سليمان الأشقر:
الحمد لله.. والصلاة والسلام على رسول الله.
أحب أن ألفت نظر الإخوة الكرام إلى أن مثل هذه التوصيات عندما تصبح قانونا صادرا عن هذا المجمع سيقوم على أساسها كثيرا من المشاريع. فلا يجوز أن يكون مشروعا واحدا له خلفته في أذهاننا يحكم مثل هذا العمل. إذا كانت الجهة المصدرة تعلن عن سعر معين تشتري به إذا لم تكن تقية قد تنظر لمصلحتها عندما تريد أن تبيع وعندما تريد أن تشتري لتحقق كسبا وتحقق ربحا. وهذه اللعبات التي تجري الآن في أسواق المال نعرفها. فإذا نحن وضعنا في أيدي الناس مشروعا فيه ضعاف النفوس أن يدخلوا منه يمكن بعد ذلك أن يضار أصحاب الصكوك إذا ما سمعوا أن الجهة المصدرة كانت القيمة عندهما نازلة قد تراكضون للبيع فتشتري بسعر أقل أو عندما لا تفصل القوانين على مشروع واحد وهذا يمكن أن يقوم على أساسه مئات وألوف من المشاريع. أن نجعل فيه ثغرة بهذه الطريقة ستكون مشكلة كبيرة في المستقبل وشكرا.(4/1660)
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
سيادة الرئيس أنا أريد فقط أن أوضح بهذا الخصوص أن عقد المضاربة يقوم على الوكالة، مبني على الوكالة ولهذا بموجب هذه الوكالة يتصرف المضارب في مال صاحب المال. فالذي أقوله: هل يجوز للوكيل أن يبيع من نفسه؟ فأنا الذي أفهم من خلال المناقشة، والذي طرحه الدكتور سامي على أن الجهة المصدرة هي المضارب وهو العامل أليس كذلك؟ هذا هو ما يدور في ذهني فهل يجوز للجهة المصدرة إذا كان عاملا أن يبيع من نفسه؟ هذا سؤال أوجهه بهذا الخصوص. لهذا أقول ما المانع أن يكون المضارب مساهما ولو بشيء بسيط من البداية ويدخل على هذا الأساس كشريك عنان ومضارب؟ وقلنا من البداية: لا مانع أن تجتمع شركتا العنان والمضاربة في عقد واحد ونحل هذا الإشكال. وشكرا سيدي الرئيس.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة هناك مطلوبان، أحدهما: أن يتم التداول بقصد إطفاء السندات. والآخر: أن يتم التداول بقصد تمكين صاحب السهم أو الصك من السيولة، وهذا إطفاء مؤقت نأخذ منه ثم نعيد ضخ هذه الأسهم مرة ثانية. فنحن نريد أن نغطي الحالتين ونغطي حالة ثالثة وهي أن توجد جهة مغايرة للجهة المصدرة كبنك إسلامي أو بنك التنمية أو غيره أيضا يضم نفسه إلى الجهة المصدرة لإمكانية التسيل في أي وقت، فيكون فيه قوة أن هذا السهم في أي وقت ممكن أن يسيل ويكون هناك أيضا أسعار قد يكون للجهة المغيرة سعر والجهة المصدرة سعر. وهذا يزيد من قابلية التداول. أيضا هناك أمر معروف بالنسبة للشركات أنه لا يجوز أن تشتري الشركة بشخصيتها المعنوية أسهم من الشركاء. هذا معروف. نحن نريد أن نخرق هذه القاعدة المعروفة ونقول: لا الجهة المصدرة يمكن أن يشتري كأنما هي تنقص الأسهم المصدرة فلذلك ننص على أن هذا التداول يكون بقيام الجهة المصدرة بشراء هذه الأسهم. ثم لها أن تضخها مرة ثانية ولها أن تطفئها كذلك جهة مغايرة. لذلك هنا فيه صياغة تحقق هذا كله إذا كان سمح لي الرئيس. من الأول وأي تغيير سأقف عنده حتى ينتبه إليه:(4/1661)
مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول. يجوز تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية – هذه إضافة لكي يتفادى نظام البورصة غير المشروع – وذلك وفقا لظروف العرض والطلب، ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور، تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من مال المضاربة. هذه إضافة الغرض منها تسييل التداول فقط وليس هناك غرض للإطفاء وإنما تسييل الأسهم. وهذه تغطي حالة. بقيت الحالة الأخرى إذا اشتريت من غير المضاربة ستأتي بعد قليل، إذن نقول: من مال المضاربة بسعر معين ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. هذا تنظيم لعملية الشراء يعتمد عليه في كل الحالات القادمة. الآن إضافة، كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة أو من المال الخاص للجهة المصدرة على النحو المشار إليه. يعني بنفس المواصفات الواردة في الشراء فنكون بهذا قد غطينا ثلاث حالات، حالتين تتم من الجهة المصدرة. مرة عملية استثمارية وتسييل تداول لإيجاد السيولة إذا لم يجد سوق الأوراق المالية ليتخلص حامل الصك من صكه ويحصل على نقد، والحالة الثانية إذا كان الشراء من الجهة المصدرة أو من المال الخاص للجهة المصدرة على النحو المشار إليه من حيث كيفية الشراء أو من الجهة المصدرة من مالها الخاص ممكن.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
أنا أتحفظ على هذه الزيادة في التقسيم الثالث الذي أوتي به ذلك أن هذا نوع من أنواع النشاط التي فيها صلاح للمضاربة فلا وجه لأن ينص على هذا دون بقية أنواع الأنشطة. فأعتقد أن بقاء الفقرة كما هي مع التبديل فقط في كلمة (الجواز) وبضرورة الشعيرة التي تفضلت بها هي أمر جيد. أما نبيع للمضارب أن يشتري أسهمًا ما معنى ذلك هو له أن يقوم بكل نشاط يعود بالخير على المضاربة هذا وغيره.(4/1662)
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، سيدي الرئيس.. أعتقد بالنسبة للضوابط الشرعية يجب ألا ينص عليها لوجود خلاف في هذه المسألة مبني على القاعدة المشهورة وهي (هل تكون اليد قابضة دافعة؟) والأصل في مذهب المالكية لا تكون اليد قابضة دافعة إلا في حالات معينة فإذا قلنا هنا: طبقا للضوابط الشرعية أي ضوابط، والمسألة مختلف فيها بين الفقهاء، فلسد هذه الذريعة الأفضل والأجدى أن نعتبر أن اليد لا تكون قابضة دافعة وإذا اشترى هذا الشخص بصفة شخصية فهو ليس جهة مصدرة وإنما هو غير. فهو هنا ليس جهة مصدرة، هو يتصرف بصفة أخرى لا بصفة الجهة المصدرة وشكرا.
سيدي الرئيس.
الدكتور سامي حسن حمود:
سيدي الرئيس.. الذي أراه أن إدخال العبارة: لأن الشراء يكون من مال المضاربة، يفسر عملية المضاربة نفسها من الناحية الشرعية لأن عقد المضاربة كما هو معلوم يشترط فيه أن يكون هناك طرفان رب المال باعتباره صاحب المال، والعامل في هذا المال. فإذا قلنا: إن مال المضاربة تشترك، معنى ذلك أننا نخرج رب المال من الميدان فيبقى المال مملوكا لِمَنْ؟ هذه القاعدة التي نبهت القانونيين بأن يتحرزوا في الشركات المساهمة أن تشتري أسهمها بنفسها لأن المساهمين مَنْ يبقى صاحب المال؟ والقاعدة التي نريد أن نخرقها يجب أن نستفيد من وضعها أولا ثم أن نأخذ في الصيغة التكليف، لأن هناك علاقة تعاقدية بين رب المال والعامل، وأن هذا العامل هو في الحقيقة مدير ووكيل وأجير وشريك، له عدة صفات وليست صفة واحدة وهذا هو من مزايا الفقه الإسلامي في تعدد صفات العاقد، وتعدد صفات العقد نفسه. فهذا المدير الأجير الشريك إذا استعمل مال المضاربة لكي يخرج هؤلاء الشركاء أرباب المال واحدا بعد واحد، فنصل إلى نتيجة إلى أنه لا يوجد رب مال فأين المضاربة إذن؟ إذن فَقْدُ هذا الطرف الثالث والذي أقترحه لذلك هذه أن تلغى أساسا من الاعتبار. والمقصود في الإيجاب هنا الإيجاب الذي يكون مفتوحا من الجهة المصدرة لكي تحتفظ كما هو شرط الإعلان الأساسي بهذا المشروع بتملكه إياه تدريجيا عن طريق الخروج التدريجي لهؤلاء الناس ليس من مال المضاربة ولكن من مالها الخاص الذي تصبح معه تدريجيا شريكة تبدأ بنسبة 1 % إلى أن تنتهي بـ 100 %.(4/1663)
الشيخ محمد عمر الزبير:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أشرت بجواز تداول الصكوك بدون تقييد وعندنا ثلاثة أنواع من هذه الصكوك: صكوك في حالة الإنشاء حينما يكون الوضع نقدي، وصكوك في حالة ما إذا كانت ديونا، والحالة الأخيرة هي الحالة المختلطة التي شرطنا فيها أن تكون الغالبية قد تحولت هذه العقود إلى موجودات حقيقية فعلية. فلا بد من ملاحظة ذلك حين القول بجواز تداول هذه الصكوك؛ لأن الوضعين الأولين لا يسريان على حالة التداول، ففي الحالة الأولى عندما يكون المال نقدًا في اعتقادي حتى أحكام الصرف ما هو المبرر والمستند الشرعي لاعتبار هذه الصكوك أموالا نقدية تعادل النقد؟ لأن أحكام الصرف مبادلة نقد بنقد. ففي هذه الحالة هذه الصكوك عبارة عن سند بدين في ذمة الشريك الاعتبارية أو المؤسسة الاعتبارية لأن الأموال في هذه الفترة هي مودعة بإيداع وليست أموالا لأشخاص بأعينهم. ففي حالة هذه الحالة هذه الصكوك تعتبر وثائق في ذمة المؤسسة الاعتبارية. فلا بد من تقييد الوضع بأن الصنف الأخير هو الذي يجوز تداوله في الأسواق المالية. شكرا.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحقيقة أخذ منا هذا العنصر وقتا طويلا لكن لا بأس. أنا أميل إلى أن الفقرة تبقى كما هي مع تعديل (يجوز) وإن وجدت بالضوابط الشرعية في فقرة (ج) من العنصر الثالث. تضاف لها بالضوابط الشرعية في فقرة (ج) من العنصر الثالث، وبدل (ويحسن أن نستعين) على أن تستعين. وهنا في الحقيقة مضبطة من جميع وجوهها. أما الشراء من أموال المضاربة ليس هناك أموال مضاربة موجودة سائلة لدى المصدر حين يصدر السندات كلها تكون بيد الناس فلم يبق عنده سيولة لأموال المضاربة حتى يشتري منه. أموال المضاربة توزعت على المساهمين ولم يبق لديه سيولة من أموال المضاربة ليشتري شيئا. انتهت أموال المضاربة بإصدار السندات. يستطيع أن يشتري لحسابه الخاص من ماله الخاص أو الآخرون يشترون. هذه وددت بيانها وشكرا.(4/1664)
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، أولا أبدأ بتعقيب على ما قاله الأخ الشيخ أحمد، إذا لم يكن في مال المضاربة مال سائل فلا يستطيع أن يشتري هذا موضوع منها. لكن الذي أردت أن أتحدث عنه هو ما حكم به الأخ سامي بأن الشراء المضارب من مال المضاربة صكا من هذه الصكوك يفسدها. هذا غير صحيح في نظري وهذا طبعا مبني على أن في مال المضاربة أموالا سائلة يستطيع المضارب أن يشتري بها بداهة هذا.
وأضرب مثلا للأخ سامي أفرض أني أنا مضارب وجاءني عشرة أشخاص دفع كل منهم مبلغا لأضارب به وبدأت أضارب وربحت هذه الأموال وكان عندي من أرباحها حتى لنترك رأس المال عندي فائض من هذه الأرباح، أراد أحدهم أن يبيع نصيبه ما المانع من أن أشتريه أنا المضارب بهذه الأرباح التي عندي ويكون هذا الجزء مملوكا للتسعة الباقين؟ لا أرى أي وجهة لفساد المضاربة في هذا. ولا أريد أن يقاس هذا على ما ذهب إليه القانونيون من أنه لا يجوز للشركة أن تشتري نفسها هذا حكم وضع للشركات. لكن نحن نتحدث عن مضاربة شرعية. لا شيء في هذا بتاتا. لا يمكن الدكتور يرى أنه لو استمر هذا لا يكون هناك رب مال. لا حتى لو استمرينا نشتري كل واحد من التسعة الباقين خرج فيؤول الباقي إلى الواحد الذي فضل هذا، ولا يمكن أن ينعدم صاحب رأس المال. هذا الواحد الأخير الذي اشترى كل الأسهم سيكون هو رب المال المضارب وباقي كما هو ليس عليه إلا أن يتولى عملية البيع.(4/1665)
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
ما تفضل به الشيخ عبد الله بن بيه من أن الجهة واحدة وأنه بائع ومشتر وإنما يجوز هذا في قضايا محددة نعتقد أنه غير وارد. ذلك أن البائع هنا هو مالك السهم، هو شخص مساهم في هذه الشركة المضاربة والذي سيشتري هو المضارب إما بوصفه مضاربا فيكون ذلك للمضاربة، وإما أن يكون بوصفه صاحب رأس مال وصاحب أسهم فيشتري للأسهم ويزيل أسهمه لإطفائها. فالقضية قضية لا يوجد فيها شخص وإنما هما شخصان وهناك بائع ومشتر وشخصيتان متميزتان.
الرئيس:
على كل يا أصحاب الفضيلة هذه الفقرة لا شك أنها حقيقة جديرة بالمداولة والمناقشة وحصل ما فيه الكفاية والبركة والآراء أمامنا هو حذف هذه الفقرة. وحذفها كما تعلمون هي رئيسية في هذا الموضوع لأن عملية الإطفاء تترتب بشكل كبير على هذه المادة.
الأمر الثاني: الاقتصاد على تغيير في ثلاثة مواضع (يتم) (يغير) و (يجوز) ويضاف في قضية الأسواق المالية (إلى أن تكون على وفق الأصول الشرعية) .
الموضوع الثالث أو الاقتراح الثالث: هو الإضافة التي قرأها عليكم الشيخ عبد الستار والذي يظهر لي أن الإضافة التي قرأها الشيخ عبد الستار أنها محل أغلبية. أنا أقول الظاهر. الظاهر أنها محل أغلبية. فأنا أقول: هل ترون الشيخ عبد الستار يقرأ علينا هذه المادة الآن أم بعد التعديلات المطلوبة؟ فإذا اتجه إليه الأغلبية ننهي الموضوع بشأنها.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أعرض الثانية والثالثة.. الأولى لاغية.. إما أن يبقى على المادة كما هي بالتعديل حتى تكون صيغة شرعية بالجواز وإصدارها بالحكم الشرعي أو بهذه الإضافة التي جعلت لونا من ألوان النشاط فقط ينص عليه في اللائحة.(4/1666)
الشيخ عبد الله بن بيه:
أولا: أود أن أقول لأخينا الشيخ المختار السلامي: إن الجهة يمثلها شخص طبيعي أو طبعي هذا الشخص الذي يمثل هذه الجهة هو المالك هنا، والوكيل يكون مالكا ففي كلتا الحالتين هو يبيع لنفسه وهو وكيل عن هؤلاء ويبيع لنفسه يبيع سهما وهو الذي طبعه ووضعه. إذا كان هذا التصور صحيحا فيده هي قابضة دافعة. الشرح الذي أريد أن أضيفه أعتقد أنه يحل الإشكال وهو: الذي أضفتموه في الفقرة التي قبل هذه هو طبقا للائحة شرعية أن يضيف هذا وينتهي الأمر. وتكلف لجنة بوضع اللائحة الشرعية لهذا الموضوع. لدي تحفظ قوي على أن تكون اليد قابضة دافعة لأن هذا من شأنه كما قال أحد الإخوان أن يغري ضعاف النفوس أن يطبعوا أوراقا ويبيعوها اليوم في السوق.
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
سيادة الرئيس أنا أضم صوتي إلى صوت الأخ الكريم وأنا أختلف مع أستاذنا الفاضل الشيخ السلامي، بأن اليد هنا قلت بحضور الموكل فنسأل الإخوان في البنوك الإسلامية هل هذا من الناحية العملية حاصل بحضور الموكلين كلهم لأجل يروا هذه المسألة إذا حصل بيع أو شراء حتى تكون هناك يدان يد قابضة ويد دافعة أم أنهم قد خولوا المضارب بذلك؟ فإذا خولوه إذن هو لا يجوز له أن يبيع لنفسه. هذا ما أردت توضيحه وشكر.
الشيخ عبد السلام العبادي:
في الواقع مع احترامي للكلام الذي يقال الآن هو نقد لأصل التصور. أصل التصور أن هنالك مالكا للصك معروف شخص محدد له وصف وله أهلية يأتي إلى الجهة المصدرة. فنحن أمام شخصين قطعا بائع ومشتر. ما فيه أي تصور بأنه شخص واحد. لا أدري من أين جاء اللبس أن تكون اليد قابضة ودافعة في نفس الوقت. فيه شخص س أو ص أو محمد أو علي أو حمدان معه صك يأتي إلى الجهة المصدرة ويبيعه ويتفق على الثمن.(4/1667)
ثم في قضية الاقتراح فيه نص بيكون في نشرة الإصدار الذي قلنا: إنه هو يمثل شروط العقد نشرة الإصدار بتحديد لماذا نأخذ هذه الفلوس ونقيم مشروعا؟ يعني لا يجوز أن يؤخذ من مال المضاربة لشراء صكوك لأن شروط العقد محددة ماذا سيعمل المضارب؟. فلا يجوز أن ينقلب محل الشركاء بصفته مضاربا. هو يمكن أن يحل محلهم بصفته شريكا ليطفئ السندات شيئا فشيئا. هذه قضية لكن أنا أقول لا ضير من النص عليها لأنه في الأخير ستؤخذ صورة من الصور في التطبيق. يعني لا ضير أن تؤخذ الصيغة التي اقترحها الدكتور عبد الستار.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم، يجوز تداول صكوك المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب، يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من مال المضاربة بسعر معين ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع، كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة أو من الجهة المصدرة من مالها الخاص على النحو المشار إليه.
الرئيس:
ماشي النص هذا؟ المهم الذي يرى أنه ماشي يشير بيده. أربعة يا شيخ.. اتفضل يا شيخ سامي.
الدكتور سامي حسن محمود:
4- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو نسبة معينة من الربح فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا كان العقد قرضا لا قراضا، وتطبق عليه أحكام القرض فلا يجوز دفع زيادة عليه ولو لم تكن محددة للمقدار.(4/1668)
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
سيادة الرئيس، النص ماشي.. الفقرة ماشية أنه لا يتحمل المضارب بأي خسارة.. النص ماشي وهو أنه لا يجوز أن يتحمل المضارب جزءا من الخسارة وإنما يكتفي بخسارة جهده.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
شكرا سيدي الرئيس. هذه الحالة من الحالات التي ... واعذروني إذا تكلمت بلغة المدرسة المالكية وإن كنت أيضا متمذهبا وإنما متمدرس بهذه المدرسة.
الإنسان ما إن يبلغ درجة نظر لنفسه. فلا يكون هناك مجال للمذهب. أقول: لا يبلغ فيكون عاميا والعامي لا مذهب له.
المهم أن اشتراط ضمان عامل القراض تفسد القراض ولا يحوله إلى قرض ولكن هناك حكم للقراض الفاسد في هذه الحالة وهو أنه يكون له أجر مليون إقراض ومن الذي يعطي بتفصيل ذلك، أما أن نقول: إنه قرض فتجري عليه أحكام القرض مباشرة فهذه إن كانت جئ بها من مذهب غير المذهب المالكي فعلى الرأس والعين أما إذا كان على ما عهدنا ولا يوجد ما يخالف المذاهب الأخرى فهذا غير مقبول.
الدكتور معروف الدواليبي:
سيدي الرئيس.. أنا الذي فهمه من هذه العبارة أن ركز الضمان بنسبة معنية القصد منه هو تشجيع المشتري إذا كان هناك مصلحة للبائع. فكما جرى عندنا في المملكة بسلامة التشجيع على شراء أسهم الكهرباء فجاءت الدولة فقالت: من يشتري فأنا أضمن له ربحا لا يقل عن 15 % ما أحد قال: إن هذا الشرط مفسد وكذلك عندنا في سوريا سابقا اشترينا وأنا كنت مسؤولا في مشروع فيما يتعلق بالميناء نحن في حاجة إلى عشرات الملايين وكانت الدولة لا تملك ولا قرشا منه فأصدرنا المرسوم بتأليف هذه المؤسسة وبناء مرفأ يكلفنا كذا مبلغ وقلنا: إن الدولة ستغطيه ولكن من يشتري منه سهم فنحن نضمن له أرباحا لا تقل في المائة 10، وإذا بالناس جاءت بأموالها واشترت كل الأسهم ولم نحتج أن نستقرض من أحد.(4/1669)
فهذا القدر من الإعلان من جانب واحد مستقل أنه يضمن له نسبة معينة من الأرباح إذا اشترى فهو فيه تشجيع وطالما أجازته المملكة في قضية شراء أسهم الكهرباء، وكذلك نحن في شراء أسهم المرفأ ومصر هي أيضا فيما أعتقد تجري في بعض المشروعات. فأنا لا أفهم أن هذا يبطل العقد وينقلب إلى عائق.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أعتقد أن ما قاله الشيخ عبد الودود أمرا يقبل التأمل، ومن هنا فنحن لسنا بحاجة لأن نتحدث عن مصير العقد إن اشترط. نستطيع أن نكتفي بكلمة إلى الربح – لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة عن نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو نسبة معينة من الربح. فإن النص هذا أمرا يعالج بعد ذلك. هذه حالة تؤول لهواه. الاعتراض الذي ذكره الشيخ في محله هنا من يعطيه حكم القراض الفاسد وشكرا.
الشيخ محمد مختار السلامي:
هذه الفقرة في جزئها الأول هي فقرة مقبولة. وأما في جزئها الثاني في تحول القراض إلى قرض، إذا لم يكن للجناس فهو غير مقبول. وذلك لأن يد المقترض هي يد أمينة ولا يجوز أن يشترط عليه شرط الضمان. فهذا الشرط لما دخل في العقد أفسد العقد ولكن بعد الوقوع والنزول. فالبداية هي بداية سيئة ونقول: هذا عقد فاسد من أوله، فإذا وقع ونزل ما نسمع. الذي يحسن المالكية كما تفضل معالي الشيخ عبد الودود وأجرى مثل أو قراض مثل لعالم عند فساد الأصل. وهذا الترديد لما شرحه الشراح فصلوا فقالوا: إنه في مثل هذا إذا شرط عليه القراض فهو يعود إلى أجل مثل أي قرض مثل ما جعل انقلابه إلى قرض ما أدري ما هو الوجه الذي يخرج عليه وشكرا.(4/1670)
الشيخ سالم عبد الودود:
إيضاح فقط. هذا النوع من القراض فاسد يرد إلى قراض لا إلى أجل المثل وهو إلا قرضه التسعة المعروفة ويرد إلى قراض مثله وقد يكون قراض المثل نفس ما اتفقوا عليه سابقا وقد يكون أكثر.
الشيخ عبد الله بن بيه:
هذا ليس من باب الجناس ولكن ربما من باب المجانسة. أنت تتكلم المجموعة المالكية اتفقت معي. كما قال الأخ محمد سالم هو يرد إلى قراض المثل لأن هذا الشرط لا يهدم أصل العقد فليس شرطا مناقضا وإنما هو شرط مخالف للحكم وقد فرق المالكية بين هذين النوعين من الشروط. شرط يناقض أصل العقد وشرط ينافي حكما ولا ينافي أصل العقد وقد نص الزقاق على ذلك بقوله (الشرط ما لا يقتضي الفساد إن خالف الحكم يقتضي فائدة أو لا يقتضي فائدة إن خالف الحكم) وذكر منها مسألة الضمان، ثم فصل فقال (إن ابن زرب وابن بشر وابن عتاب إذا كان هذا الشرط لاحقا للعقد فإن العقد صحيح عندهم إذا كان الشرط في صلب العقد فليس صحيحا إلا أنه يكون قراض المثل لأن الشرط لا يهدم الماهية، وإنما يهدم حكما لأن أصول هذه العقود أَلَا يكون فيها ضرر؟ وشكرا. وكنت أريد أن أسأل هل هذا النص له مفهوم مخالفة؟ لا يوجد له مفهوم مخالفة بمعنى أنه إذا لم يشترط في صلب العقد لنفترض المسألة التي تجب. وشكرا) .
الشيخ محمد تقي العثماني:
عندي ملاحظتان وجيزتان.. الأولى: أن ما تفضل به الشيخ محمد سالم عبد الودود هو وجيه جدا، وما تقدم به من اقتراح الشيخ محمد على التسخيري حفظه الله من أن تشطب الفقرة الأخيرة من هذه العبارة، أظن أن هذا هو الحل لهذه المشكلة لا نذكر المصير عن العقد ولا نقول: إن يكون العقد قرضا أو قراضا إنما نقول: كان العقد فاسدا.
ثم الملاحظة الثانية: أن هذه المادة تقول إن تضمين عامل المضاربة برأس المال لا يجوز بحال من الأحوال. ولكن كما تعرفون إذا قصر عامل المضاربة في المضاربة أو خالف شروط المضاربة فإنه يضمن برأس المال، فأعتقد أنه من المناسب الإشارة إلى أن تضمين العامل يجوز عندما قصر في شروط المضاربة وخالفها. وشكرا والسلام عليكم.(4/1671)
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، كأن فقهاء المالكية يسيطرون على الموقف. والحقيقة أن فقهاء المذاهب الأربعة كلهم مجمعون على أن اشتراط الضمان على الأمين باطل وهذا أمر ليس مقصورا على مذهب دون مذهب. فالقضية إذن شقها الأول سليم جدا ولم أتصور إطلاقا وإن لم أكن في هذه اللجنة التي صاغت هذا الموضوع، لم يدر في خلد الذين قاموا بهذه الصياغة أن العقد يتحول من مضاربة فاسدة إلى قرض وإنما قالوا أو يريدون أنه وجد مثل هذا في صورة أخرى غير هذه الصورة فإن العقد قرض وتطبق عليه أحكام القرض فلا حكمهم فلا يريدون تحول عقد فاسد إلى قرض وهذا ليس مرادا إطلاقا وإنما إذا وجدت مثل هذه الصورة فإن العقد قرض تطبق عليه أحكام القرض هذا شيء. الشيء الثاني: ما تفضل به الدكتور الدواليبي لا ينطبق على هذا الموضوع تدخل المملكة أو أي دولة أخرى في أنها تبرعت بضمان هذا الأمر هذا ليس مما نتحدث عنه الآن فهذا جائز لا غبار فيه وإنما الذي لا يجوز والعبارة سليمة ولا يصح أن نحذفها لأنها باتفاق المذاهب أن يشترط رب المال على المضارب أنك ضامن لي رأس مالي، هذا هو الموضوع الذي نتكلم عنه وأما التبرع أو تدخل دولة أو طرف ثالث بالتبرع بالضمان هذا لا إشكال فيه. ويمكن أن ينص عليه في جهة أخرى.
الرئيس:
لأن الكلمات كثيرة هل ترون الاقتصار على صدر المادة وننتهي.
الدكتور سامي حسن محمود:
مع إضافة شرط الضمان على أن التعدي والمخالفة – نحن نقرر قواعد شرعية الآن.(4/1672)
الرئيس:
لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو نسبة معينة من الربح.
الدكتور سامي حسن حمود:
ونضيف عليها لو سمحت: ولا يضمن العامل في المقارضة إلا إذا ثبت عليه التعدي والتقصير أو المخالفة. هذا متفق عليه عند الفقهاء.
الرئيس:
المهم هل ترون الاقتصار على صدر المادة إلى الربح؟
الشيخ عبد السلام العبادي:
أولا الواقع ما أظن الإخوان الذين صاغوا هذه الصياغة في هذه الدرجة من عدم ملاحظة الأحكام في قضية العقود. الذي أراه وهو مهم ويجب أن ينص عليه أنه في اللحظة الذي يفكر في إصدار سندات قراض مضمونة على العامل ومضمونة بربح كما تفكر بعض الدول هذا يقبلها إلى سندات قرض لا قراض. هذا المراد ليس المراد أن ندخل في فاسد أو غير فاسد ما هي الأحكام التفصيلية؟. فحتى يحظى هؤلاء الذين يفكرون بمن يتخذها مطية لإصدار سندات ربوية يجب أن ينص على هذه بوضوح واختاروا الصيغة الفقهية التي تناسبكم، أما لا بد أن ينبه بهذا لخطورته. وهذا الذي أرادته اللجنة.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
بسم الله الرحمن الرحيم، أحب أن أوضح مسألة وأستفسر عن أخرى. المسألة الأولى التي أحب أن أساهم في إيضاحها هي أن معالي الدكتور الدواليبي أظن أنه قصد ضمان طرف المصدر للربح وتبرعه بهذا الاشتراط على نفسه.(4/1673)
الشيخ معروف الداوليبي:
هذا الذي قصدته.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
ولم يقصد أن يتم ذلك بين طرفين، أما إذا تم ذلك بين طرفين فقد آل الأمر إلى ربا ولا ريب فيه. الشيء الثاني الذي أريد أن أستوضحه. العبارة تقول: هذا الاشتراط يحول عقد المضاربة إلى قرض. طبعا المقصود من هذا أنه شرط يفسد العقد بل يلغيه كما قال الدكتور وهبة لأن الفساد الذي هو دون البطلان أمر خاص من مذهب السادة الأحناف. فإذا ألغي عقد المضاربة وآل إلى قرض ما هو مصير الربح الذي تنامى من جراء هذا القرض؟ هل هو قرض رضائي؟ لو كان قرضا رضائيا لكان الربح كله للمقترض ولكنه ليس قرضا رضائيا في هذه الحالة ذلك لأن عقدا فاسدا لذلك العقد ينبغي أن يستتبع إعادة كل شيء إلى وضعه السابق. ينبغي أن يسترجع صاحب المال ما له إذا لم يعد المال إلى صاحبه، وسكت الطرف المضارب على زجل هذا العقد واستعمل هذا المال، فأعتقد أن المال في هذه الحالة ينبغي أن ينطبق عليه حكم ما لو أخذ الإنسان مالا من شخص آخر واستعمله بدون إذن منه. عند الأحناف العقود كلها موقوفة. فإن أمضى صاحب المال العقود تم ذلك وله أن يشترط أخذ الفوائد والمرابح. وعند الشافعية فيما أعلم وغيرهم فما أذكر أن هذا العقد باطل. هذا ما أستوضحه. يعني القرض يكون بشكل رضائي بين طرفين وهنا لا يوجد تراض إنما الأمر آل إلى القرض تلقائيا أو آليا بسبب الفساد الذي تسلل إلى عقد المضاربة. وشكرا.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، في الواقع أما في رأيي أن الرأيين من وجهة النظر الفقهية مقبولان، إذا قبلنا أن هذا الشرط يجعل العقد عقد قراض فاسد. يفسد عقد القراض ويأخذ في هذه الحالة حكم القراض الفاسد. ويجوز أيضا أن نقول إن هذا الشرط يحول العقد ولو جاء القراض يحوله من قراض إلى قرض حقيقة لا مجانسة. وهذا معروف في الفقه وهو خلاف بين المذاهب.(4/1674)
أذكر منها مثلا لو قال شخص لآخر: بعتك هذه النظارة من غير ثمن بما نحكم على هذا العقد؟ قال بعضهم أنه عقد بيع فاسد، وقال بعضهم هو هبة إعمالا للمعنى وهناك إعمال للنفس. فهنا إذا أعملنا المعنى نقول: إن هذا قرض فلأنه عندما اشترط الضمان فقد انقلب وأصبح يده يد ضمان ليضمن رأس المال وله ربحه ويأخذ أحكام القراض. وإذا أعملنا النص نقول: إنه مضاربة أو قراض فاسد. وفي رأيي أن الذين رفعوا هذه الصياغة مقصودهم كما قال الدكتور العبادي أن يقولوا إن هذا العقد تحول إلى قراض إذا شرط فيه هذا الشرط، وسنطبق عليك أحكام القرض وهذا له مدلول جيد. ولذلك أنا أرى أن يبقى النص كما هو.
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
شكرا سيادة الرئيس.. لي تعقيب بسيط على ما ذكره الأساتذة من المالكية. نحن كما ذكر الأستاذ وهبة لا نريد أن يسيطر علينا مذهب واحد. في هذه المسألة اتجاهان وهما كنصوص فقهية صريحة بهذا الخصوص. المذهب المالكي يقول نعم القراض إجازة في مثل هذه الحالة إما يكون إجازة المثل أو يكون إجازة فاسدة. ولكن نصوص المذاهب الأخرى تقول ليس له في مثل هذه الحالة إلا أن يسترد رأس ماله، ليس لرب المال أن يسترد سوى رأس ماله فيما لو وضع مثل هذا الشرط. وشكرا سيادة الرئيس.
الرئيس:
ألا ترون فيما لو أضيف عبارة.. لأن نحن الآن بين أمرين إما الحذف أو أن تبقى العبارة كما هي ويقال: فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا ضمن العقد الذي وقع عليه نص الضمان، كان العقد الذي وقع عليه نص الضمان قرضا لا قراضا. هذا يكون كأن العقد الذي وقع عليه نص الضمان.
الشيخ محمد علي التسخيري:
سيدي الرئيس من الواضح أن ما يراد الصيرورة إليه غير مقصود للمتعاقدين، وهذه حقيقة ينبغي أن تلحظ هنا. أنا أرجح ما اقترحه سابقا من حذف هذه العبارة وأن أوافق دون تعد إليها لكي نطابق القاعدة وإن كان ذلك غير لازم. أرجو أن يحذف.(4/1675)
الدكتور سامي حسن حمود:
صياغة سترضي الشيخ علي وسترضيكم جميعا.. في رأيي تكون بهذا الشكل: دون الإخلال بحالات التضمين لتعد أو تقصير.
الرئيس:
أين مكانها يا شيخ؟
الدكتور سامي حسن حمود:
من البداية: دون الإخلال بحالات التضمين لتعد أو تقصير، لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو بنسبة معينة من الربح قاطعة وفي حالة اشتمال نشرة الإصدار أو الصكوك على نص الضمان تكون نشرة الإصدار أو الصكوك نشرة إصدار أو صكوك لقرض لأنه الجماعة يريدون أن يضعفه من الأمل. إن في هذه الحالة تعتبر نشرة قرض وليست نشرة قراض.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، سيدي الرئيس جزاكم الله خيرا.. أعتقد أننا نعمل إلى حد ما في فراغ، هذه نصوص قدمت محذوفة الشواهد مطروحة الزوائد، ليس لها سند، تحتاج إلى سندات هي أيضا تحتاج إلى مستندات فرعية. ولذا كل واحد يتكلم بما تيسر له. نحن نعتقد أن مذهب المالكية لا يريدون أن يسيطروا على القاعة وإنما يريدون إبداء وجهة نظرهم حتى يبرأوا أمام الله سبحانه وتعالى. فتحول هذا من قراض إلى قرض يحتاج إلى سند فقهي. نحن نحتاج إلى هذا السند. وإني أقترح صياغة قد تحل المشكلة بما أعتقد، لا يفهم عامل القراض بحال من الأحوال ضامنا وهذا يشمل صورة أخرى وهي إذا ما تطوع بالضمان بعد العقد. وهنا أيضا هذه الصورة ليست جائزة على مذهب الأكثر تطوع لاحق، ليشمل صورتين نقول: لا يقوم عامل قراض بحال من الأحوال ضامنا وإذا اشترط ذلك فإن أحكام الشريعة التي ينص عليها في لائحة لاحقة تكون منطقية حتى نحرك أحكام الشرط وإن فنحن نتكلم في كلام مهم. نحول قراض إلى قرض بدون نصوص وبدون مستندات.(4/1676)
كل واحد يتكلم بما تيسر له وبما حصل في صدره دون أن يرجع إلى نص صريح أو إلى أساس. نحن نعرف أن المسألة هي مسائل الشروط، قد نعتمد على النصوص التي تقول إن الشرط باطل والعقد باطل. وقد نعتمد على من يقول الشرط باطل والعقد صحيح. كل ذلك بصفة عامة ممكن، ولكن في هذه القضية أقترح أن نرجع دائما أن ننص على لوائح وهذه اللوائح تحرر بعد أن تراجع النصوص. وشكرا.
الدكتور علي أحمد السالوس:
الواقع أن الإخوة الذين وضعوا هذا النص كان معروضا عليهم مشروعا لسندات مقارضة، وفيها نص على التضمين بأن العامل المضارب ضامن، وهذا النص هنا عندما قيل لا يجوز التضمين وأن هذا يأخذ حكم القرض كان لهذا أثره في تغيير المشروع الذي كان معروضا على اللجنة آنذاك. وعلى كل حال ما دمنا نضع قاعدة عامة ولا نقصد مشروعا معينا يمكن أن نكتفي بالجزء الأول ولا شيء في هذا.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، أعتقد أن مع النص على القضايا الخاصة لا قياس. فقد نص الفقهاء وفقهاء المالكية على أنه إذا اشترط في القراض الضمان فهو قراض فاسد. فجعل أنه إذا اشترط في القراض يخرج به عن القراض ويحول به إلى قرض هذا لا يصح أن يفتي به مالكي، على حسب المذهب المالكي. ومن كان له شيء مما عليه إلا أن يأتي بالنص في القضية لا بالقياسات عموما. هذه قضية ولا بد أن نسير فيها في هذا المجمع على أنه كل شيء يقال إنما هو ينبغي أن يبنى على نصوص لا على اجتهاد نص، هكذا بناء على أن قولا آخر قيل نقيس عليه ونخرج عليه مع وجود النص في القضية الموجودة وشكرا.
الشيخ عبد السلام العبادي:
يا سيدي الشيخ الضرير جاء بالنص.(4/1677)
الشيخ محمد مختار السلامي:
الشيخ الضرير لم يجئ بالنص، الشيخ الضرير قاس.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
بسم الله الرحمن الرحيم، يا سيدي أعود لأؤكد الاستفسار الذي بدأته وعندي بعد ذلك تحوير بسيط في هذه المادة. أنا أعلم أننا إذا قضينا بأن عقد المضاربة آل إلى بطلان أو فساد في معنى البطلان فإن المال الذي تحت يد المضارب يصبح أمانة وعليه أن يعيده إلى صاحبه فإن تصرف به فهو ضامن هذا ما أعرفه وأحفظه من كلام الفقهاء. وهذا يسد علينا طريق اعتباره قرضا معتادا دون أن نحمل المضارب شيئا من الأرباح التي استفادها. لكن إذا أردنا أن نصلح هذا الموضوع فلنسلك الطريق التي يسير عليها الأحناف في قواعدهم المتعلقة بعلاقة الشرط بالعقد. عندهم العقد دائما أقوى من الشرط فإذا قيد العقد بشرط فاسد فإننا نغلب سلامة العقد على فساد الشرط وعندئذ نلغي الشرط ونبقي العقد على وضعه الصحيح. وفي هذه الحالة نقول لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو نسبة معينة من الربح فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا ثبت العقد مضاربة وبطل الشرط. نعم وعندئذ نحدد الربح بطريقة نلجأ فيها إلى خبراء أو إلى لجنة وهو بديل عما يسمى بأجر المثل وشكرا.
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
في الحقيقة وضع مناقشة جيدة وممتازة في هذا الأمر لكن أنا أدركت أن هنا اتفاقا ضمنيا بين المخالفين والمؤيدين لهذا النص وعندئذ منعا لهذا الخلاف والقضية قضية صياغة فأرجو تغيير في الجزء الثاني من الفقرة ويسهل عندئذ قبولها من الجميع.
الرئيس:
طيب نغير الصياغة إذا قلنا فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا.(4/1678)
الشيخ مصطفى الزحيلي:
هذا من بدهيات الأحكام عندما نقول لا يجوز، بدأنا ما فيه داعي نقول تحول إلى مضاربة فاسدة. نريد أن نبحث الجزئية الثانية. من بدهيات الفقه أنه لما قلنا لا يجوز معناه فاسد. فالخلاف في الجزئية الثانية نغير صياغتها منعا من إشكال تحول المضاربة الفاسدة إلى قرض. الخلاف في الجزئية الثانية.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم، صدر المادة بقي كما هو إلى عند كلمة (معينة من الربح) بعدئذ، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا ثبت العقد مضاربة وبكل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل. لأننا عندنا أمران مختلفان: أولا الضمان والنسبة المعينة من الربح، نسبة من رأس المال. هي كلمة نسبة معينة من الربح يعني من رأس المال عفوا، إذا كان نسبة معينة من الربح هذا هو رأس المضاربة لكن المقصود من هذا يحفظ رأس المال ويحفظ معه نسبة معينة من رأس المال. هذا المقصود. ولذلك تلغى الضمان ونلغي هذه النسبة المعينة المنسوبة إلى رأس المال ونقول هناك مضاربة المثل، لا بد من الأمرين لأن كلمة نسبة معينة من الربح يعني نسبة معينة منسوبة إلى رأس المال كربح زيادة أصل المال. هذا هو المقصود. عندنا أمران يجب تغييرهما. لكن هنا الأمران الممنوعان هنا نص بضمان عامل المضاربة رأس المال. هذا ممنوع قطعا. الثاني: الذي جاء على أنه محظور وهو اشتراط نسبة معينة من الربح بعد ضمان رأس المال. يعني يكون رأس مالك يرجع ولك أيضا 5 % من رأس المال كربح أيضا هذا يجب أن نبطله لأن نسبة الربح إلى رأس المال مفسدة وصار ربا. فلذلك شرط الضمان يهدر ويصبح المال أمانة وأيضا نلغي هذه النسبة المعينة المنسوبة إلى رأس المال ونقول لك مضاربة المثل وربح مضارب المثل.
الرئيس:
أقول هذا المشروع الذي هو صكوك المقارضة أنتم تريدون إخراج مشروع يتفق والأصول الشرعية. فطالما أنه يراد إخراج مشروع يتفق والأصول الشرعية فنحن نقتصر على الجزء الأول الذي يقول: لا يجوز إلى آخر المقطع الأول من هذه الفقرة. أما إذا كنا نريد أن نخرج مشروعا طبق الأصول الشرعية لصكوك المقارضة ونزيد على مشروع آخر أو شيئا من هذا القبيل فشأنكم والجزء الأخير من هذه الفقرة.(4/1679)
الشيخ محمد تقي العثماني:
لا حاجة إلى الفقرة الثانية. تحذف الفقرة الثانية.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
لو أبقيناها أيضا كأننا نمنع تعيين نسبة الربح.
الرئيس:
لا نمنع ولا غير.. نحن الآن في مقام على حد العبارة، وإن كان غير صحيح في مقام تشريع المادة لهذا المشروع، أو تثبيت مادة في صكوك المقارضة. جرت العادة في تكوين المواد لمشروع من المشاريع أنه يقال فيه يجوز كذا وكذا ولا يجوز كذا. أما الافتراضات فإن عملوا. أنت الآن تكون له أصول. طالما أن نحن نكون له أصل فنحن بينا أنه لا يجوز، وطالما أنه سيأخذ هذا المشروع فإذا خالفه فإنه وقع فيما لا يجوز.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
لكن عفوا.. كلمة نسبة معينة من الربح لو قرأناها معنى الكلام لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار على نسبة معينة من الربح وهذا لا يقول به أحد لأنه يجب أن تشتمل على نسبة معينة من الربح.
الرئيس:
على نص ضمان عامل المضاربة رأس مال أو نسبة معينة. هل أنتم متفقون على الحذف؟
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
لكن إلى أين الحذف؟
الرئيس:
على كلمة الربح.(4/1680)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
لا عند كلمة (على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال) نسبة من رأس المال ربحا بنسبة منسوبة إلى رأس المال.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
متجيش من رأس المال؛ لأن في المضاربة المضارب يجب أن تكون على أساس نسبة معينة من الربح هذا هو أساس المضاربة. يكون فيها نسبة معينة من الربح لكن الممنوع هو نسبة معينة من رأس المال وليس من الربح.
الدكتور سامي حسن حمود:
هي العبارة منصرفة للضمان. أو نسبة معينة في الربح إن ربح.
الشيخ محمد المختار السلامي:
لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال، بضمان نسبة معينة من الربح. هو التعلق بكلمة الضمان. الفقرة كلها بالضمان. فالضمان لا يجوز لا أن يكون لرأس المال ولا يجوز أن يكون ضامنا للربح ولا بد. هنا أمران لا بد منهما.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
ولا يجوز أن يضمن له مبلغا محددا من المال ولو لم يكن.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
الأولى أن نقول: أو مبلغا مقطوعا من الربح. مقطوع سلف يصرف النظر منسوب لرأس المال أو غير منسوب.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
لا يجوز.(4/1681)
الرئيس:
ما هو الفرق يا شيخ بين مبلغ مقطوع من الربح أو نسبة معينة من الربح.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
النسبة جائزة لكن المبلغ المقطوع لا يجوز.
الرئيس:
هو في مآله مقطوع.
الشيخ محمد المختار السلامي:
يا سيدي القضية لأن نسبة في مال تتعلق فإذا كان يعملها أو ضمان نسبة معينة من الربح انتهى الكلام.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ماشي أو ضمان نسبة معينة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
من الربح.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
لا ما ينفع.(4/1682)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
حسن نسبة مبلغ مقطوع من الربح.
الشيخ محمد المختار السلامي:
الضمان هو الذي غير موجود. يعني يقول أضمن لك نسبة 10 % في الأرباح هذا ضمان غير صحيح. قضية ضمان. إذا أعطينا كلمة ضمان انتهت القضية.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
أنا أضمن لك نسبة معينة، ضمن له مبلغا مقطوعا أو نسبة فائدة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
الواقع إذا قلت ضمان نسبة معينة من الربح هذا جائز.
الشيخ محمد المختار السلامي:
غير جائز.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
كيف يوضح غير جائز. لأن الربح غير محقق قد يأتي وقد لا يأتي. المقصود أن يقطع له بمبلغ معين سواء كان منسوبا إلى رأس المال أو غير منسوب لرأس المال. هذا المقصود يا إخوان.
الشيخ محمد المختار السلامي:
المعين من الربح، أو ضمان مقدار معين من الربح.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
بالضبط هذا الذي نريد.(4/1683)
الشيخ محمد المختار السلامي:
لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان مقدار معين من الربح.
الرئيس:
قد ترون الصياغة: على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال.
الشيخ سامي حسن حمود:
الفقرة الخامسة:
لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المضاربة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقا أو مضافا للمستقبل. وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدا ملزما بالبيع. وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء فإن ترتب على الإخلال بالوعد ضرر بالموعود لزم الواعد تعويضه وفقا لأحكام الضمان الشرعية.
الرئيس:
أليست النتيجة واحدة أن يكون يتضمن نصا ملزما بالبيع أو يتضمن وعدا ملزما بالبيع.
الدكتور علي أحمد السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
الإلزام بالوعد هذه مسألة نحتاج إليها أيضا في بيع المرابحة فلعلنا نناقشها من الآن. الإلزام على أي أساس يكون الإلزام وهذه مسائل من قال بالإلزام بالوعد مثل المالكية قالوا في عقود التبرع وما قالوا أبدا في عقود المعاوضات إن الوعد ملزم، فهذه القضية أرجو أن نناقشها وأن ننتهي منها حيث هذا في الموضوع القادم وهو بيع المرابحة. وشكرا.(4/1684)
الدكتور سامي حسن حمود:
لو سمحت لي قد يطول النقاش في قضية الوعد وكونه ملزما أو غير ملزم واختصارا للوقت وتجنبا لما قد يجر من ملاحظات جانبية لا أرى مانعا إذا سمحتم أن يكون وعدا بالبيع دون النص على أنه ملزم.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وسلم تسليما.
أثني على ما قاله الدكتور سامي فإن هذه القضية قد بحثت وبحثها قد يجر بنا إلى نقاش قد لا تكفيه كل هذه الندوة. والربط بين حق الصحبة في اتخاذ بعض الإجراءات التي لا تتنافى مع الأصول وإلزام الناس بها. فالوعد ملزما يكاد يكون في جميع القوانين في العالم الإسلامي. ولصاحب السلطة الحق في أن يأخذ مثل هذا الإجراء نظرا للمصلحة التي تترتب عليه، وهو لا يناقض أصلا ولا يهدم أصلا من الأصول. ولذا فإني أقترح إما أن نقبل الفقرة الخامسة كما هي، وإما أن يحذف كلمة ملزم وننتهي من النقاش. وشكرا.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
هذه الفقرة منعت أن يتضمن نص يلزم بالبيع يعني منعت البيع ولو كان معلقا أو مضافا للمستقبل. مع أن تعليق عقد البيع وإضافته، وإن كان هذا هو رأي الجمهور أنه لا يجوز التعليق وبالإضافة بالنسبة للبيع لكن هذا فيه خلاف مشهور ذكره ابن تيمية وابن القيم وجوز ابن تيمية وابن القيم الإضافة والتعليق، ومع ذلك هذه الفقرة منعت هذا ثم جاءت فأجازت الوعد الملزم. وأنا لا فرق عندي بين الوعد الملزم الذي يترتب على الإخلال به ضرر وبين ما قال له من الآن: بعتك، وقال له: قبلت.(4/1685)
لا فرق بين الأمرين ما دامت النتيجة واحدة، إننا سنلزمه عندما يأتي وقت البيع سنلزمه بما صدر في الوعد تماما وإذا أخل به يجب عليه التعويض كما لو أخل بعقد البيع، فهذا مرفوض عندي وهذا الوعد في رأيي لا يكفي أن نحذف كلمة ملزم. ولا بد من التصريح بأن المشتري أو البائع أو هما معا لهما الخيار عندما يريدان تنفيذ هذا الوعد وبغير هذه الصورة إذا وضعنا ملزم، هذا لا يجوز عندي. إذا لم نضعها ستوقعنا في إشكال فإذا جاء الوقت ورفض أحد المتعاقدين ماذا يكون الحكم؟ هل سنبقي آخر الفقرة إذا ترتب على الإخلال بالوعد ضررا بالموعود لزم الواعد تعويضه.
الرئيس:
لا إذا حذفت ملزمة طبعا.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
سنمشي معها. إذا هذا العقد سيؤدي إلى النزاع إذا حصل جاء وقت التنفيذ وقال أحد العاقدين: لا رغبة لي في الشراء. ماذا نفعل؟ ولذلك أرى أن ينص على إعطاء أحد المتعاقدين الخيار. وهذه هي الصورة التي اتفق الفقهاء المتقدمون على جوازها في حالة الوعد. ولا أعلم أحدا قال بالإلزام.
الدكتور أنس مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم، أود إبداء ملاحظة حول صياغة هذه الفقرة الخامسة حيث تذكر احتمال وقوع ضرر بالموعود. فهنا مسألة الضرر تقتضي تحديد ما المقصود به. فينبغي الانتباه في الصياغة إلى أنه إذا فسر الضرر كما يتبادر غالبا إلى الذهن بأنه الاختلاف بين القيمة الاسمية للسهم وبين قيمته في السوق لو فسر الضرر بهذا سواء إن كان الثمن المقدر له من قبل خبراء أو كان الثمن الذي يحصل في السوق ونكل الواعد عن تنفيذ وعده فقال الذي وقع عليه الضرر: إن ضرري يتمثل بأن ما كنت المبلغ الذي دفعته كقيمة اسمية يختلف الآن عن المبلغ الذي أستطيع تحصيله عند بيعي هذا السهم، إذا فسر الضرر بأنه الفرق بين القيمة الاسمية والقيمة السوقية يحصل إشكال كبير؛ لأنه معنى ذلك نحن إذا قلنا الضرر هو الفرق بين القيمة الاسمية والقيمة في السوق معناه ضمنا لذلك الموعود القيمة الاسمية فمعنى ذلك أن ضمنا له رأس ماله.(4/1686)
ومعنى ذلك أننا وقعنا في مخالفة لما سبق تقريره من أن رأس المال لا يضمن. فينبغي في الصياغة أن تراعى. ما أدري ما هي الصياغة الأولى؟ إنما القصد أو ما أرمي إليه أنه تعدل الصياغة بطريقة تستبعد هذا الاحتمال، تستبعد حصوله ضمان عملي القيمة الاسمية التي اشتري بها السهم. وشكرا.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم، أحب أن أنبه لقضية إن هذه القاعدة وضعت لتحقيق ما يسمى بالاصطلاح في مجال إطفاء السندات فإذا كان هنالك تفكير بالعدول عن مضمون هذه القاعدة سيكون ذلك حجر عثرة في قضية تطبيق العلماء. أنا أستغرب ما دام أستاذنا الجليل الشيخ الضرير يشير، وهذا الذي قلناه في الندوة في حينه، قلنا: ما دام مجموعة من الفقهاء المحترمين ولهم وزنهم العلمي وأشار ما تفضل رأي ابن تيمية في هذا الموضوع يجيزون تعليق البيع وإضافته للمستقبل. فما الحرج في ذلك إذا كان سينبني على هذا أن تقدم هذه الفكرة في الواقع وتستقر وتحقق نتائج في ظلال الالتزام بقواعد الشريعة وأحكام الفقه؟ كما لا بد أن نأخذ الجانب الذي سيقتل هذه الفكرة في التطبيق من آراء فقهائنا. لِمَ الحرص على ذلك؟ لا أدري. هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى إذا لم يكن الأمر عبارة عن وعد أخلاقي، لا نتكلم عن القضايا الخلقية هنا والاعتبار الدياني. نحن نتكلم عن موضوع الجانب الحقوقي. إذا نص على هذا يجب أن يترتب عليه آثاره من حيث اعتبار الحقوق وليس من حيث اعتبار الديانة.(4/1687)
ولذلك أرجو إما أن نأخذ بخيار النص على جواز تعليق البيع هنا وإضافته للمستقبل بحيث إن موافقة المكتتب على الشروط الواردة في نشرة الإصدار تعني بيعا مضافا للمستقبل في المواعيد المقررة في نشرة الإصدار من حيث مواعيد البيع، وإما أن نأخذ بقضية الوعد. ونرتب الضرر. يعني نحن لجأنا في الندوة من أجل أن هذه الفكرة بما فيها من خير للمسلمين كما أشير أكثر من مرة، أن تمر ولو بالحد الأدنى. فيبدو الآن أننا نتفاوض على الحد الأدنى. فإذا كان فيه في الواقع عدم تصور للفكرة من حيث هي وآثارها الاقتصادية فليتركها المجمع. لأني ألاحظ أن بعض الإخوان عندما يناقشون هذه القضية يغفلون أو لا يلاحظون أساسيات فيها. إذا أغفلت في التطبيق تموت الفكرة كأنها ولدت ميتة. وشكرا.
الرئيس:
شكرا. في الواقع إن قضية الوعد الملزم هي مهمة جدا وهي كما تفضل الشيخ علي السالوس هي عنصر مهم في بيع المرابحة للآمر بالشراء، وإن دخلنا في تفاصيلها وأبحاثها فقد لا تنتهي إلى نتيجة في وقت مبكر، وإن كان كلام الجمهور من أهل العلم على أن الوعد غير لازم قضاء وإنما لازم ديانة ومنهم من يقول: إنه يلزم إذا تحمل ورطة. فهل ترون أن يكون تعديل العبارة: وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدا غير ملزم للبيع؟
الدكتور سامي حسن حمود:
لو اكتفينا بالقول (وعدًا بالبيع) لأن هناك اختلافات حتى في تصور الوعد الملزم مثلا القانون المدني الأردني المستمد من الشريعة الإسلامية والمبني على الفقه الإسلامي أخذ بنظرية الوعد الملزم، وطالما ننظر إلى هذا التطبيق أن يكون عاما في بلاد إسلامية متعددة فندع النص أنه وعد بالبيع، فالبلاد التي تأخذ قوانينها بالاتجاه الذي يرى أن الوعد يكون لها التصرف ولها أن تختار، والبلاد التي لا ترى الإلزام في الوعد يكون كذلك. أما لو كان النص أن الوعد شرط أن يكون غير ملزم فهنا ندخل في التناقض والحرج في التطبيق. الذي أقترحه وأراه أن يكون النص وعدا بالبيع، ومن يرى الإلزام يأخذ به ومن لا يرى الإلزام لا يأخذ به.(4/1688)
الرئيس:
والله يا شيخ أقول كون يصدر نص محتمل لا بد من الوضوح لأن هذا بيان حكم شرعي فلا بد من الوضوح. أما أن نتركه وعدا فهو قابل لأنه يرجع على أصل المادة هذه بالنقد بينما إذا كان الوعد ملزما فلا حاجة لأن نقول: لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليه على نص يلزم بالبيع. لأن طالما أن الوعد ملزم فالنتيجة واحدة.
الدكتور سامي حسن حمود:
وما هو حكم البلاد التي صدرت بها قوانين مقررة من مجالسها التشريعية؟
الرئيس:
نحن لا يهمنا إلا شيء واحد فيما نعتقد وندين الله به، أنه هل الوعد الملزم أو غير ملزم.
فطالما أن الأمر كذلك وأن جماهير أهل العلم والمسألة ليس فيها دليل في أنه ملزم يعني دلالة قطعية أو أنه غير ملزم ولكن جماهير أهل العلم الجمهور على أنه غير ملزم قضاء بل إن منهم من قال في الوعد: إنه في غير عقود المعاوضات إلزامية ديانة. فنحن ما نستطيع أن نخرج عن سمات أهل العلم وبحثهم وكلامهم في هذه القضية. فنحن ما نستطيع أن نصدر مواد ذات نهاية رجراجة كأن نقول طبقا للأحكام الشرعية وكل يطبق هذه المادة على ما يراه من الأحكام الشرعية أو نقول: وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدا بالبيع وهؤلاء لا يطبقون ملزم وهؤلاء غير ملزم. ينبغي أن يقول المجمع كلمته. هذا الذي يظهر لي.(4/1689)
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
أنا في رأيي أننا نصرف موضوع الوعد الملزم والغير ملزم عندما نأتي للكلام عن بيع المرابحة للأمر بالشراء لأن ذلك في موضعه. وهنا اقتراحي هو بدلا أن نقول وعدا غير ملزم نتركه وعدا بالبيع ونضيف في آخر العبارة بعد حذف فإن ترتب يجب أن تحذف ويرضي الطرفين. يعني يكون النص هكذا: يتضمن سندات المقارضة وعدا بالبيع وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء ويرضى الطرفين.
الرئيس:
هذا طيب ويحذف ما بعد هذا. سادسا.
الدكتور سامي حسن حمود:
سادسا: لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلا.
ويترتب على ذلك:
أ - عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها.
ب - أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح، إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد على رأس المال فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقا لشروط العقد.
ج - أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنا وتحت تصرف حملة الصكوك.
الرئيس:
نقرأ السابعة ثم نعود إلى المادة من أولها. تفضل.(4/1690)
الدكتور سامي حسن حمود:
7- يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة، وبالنسبة المشروع الذي يدر إيرادا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته، وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
الشيخ عبد الله إبراهيم:
شكرا سيادة الرئيس، أرجع إلى المادة الخامسة في الفقرة جـ: أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنا وتحت تصرف حملة الصكوك. هنا أريد أن أستفسر فقط هل يحتاج إلى اعتماد من قبل الجمعية العامة مثل ما حد للشركات الإسلامية؟ هل يحتاج إلى اعتماد هذه الحسابات بواسطة الجمعية العمومية؟
الدكتور سامي حسن حمود:
الواقع إذا كان المشروع أخذ شكل الشركة المساهمة فسيطبق عليه ما يطبق على الشركات المساهمة من اعتماد الجمعية العمومية. أما إذا كان المشروع متخذا شكل الإدارة المفردة فإن هذه الإدارة تكون ملزمة بتعيين مدقق الحسابات قانوني يراجع هذه الحسابات وهناك ميزانية سنوية يجب أن تكون معلنة ومنشورة فيدفع في كل حال الشكل الذي اختير فيه أن يكون المشروع مدارا به.
الرئيس:
أمامكم الفقرة السادسة، أظن صدر المادة لا غبار عليه يبقى ويترتب على ذلك هذه الفقرات الثلاث، هل لديكم فيها شيء؟
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
بسم الله الرحمن الرحيم، سيادة الرئيس فقط إني أسأل عن العبارة الواردة في فقرة (ب) أسأل الأستاذ سامي عن قوله: (وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة) أريد أن أسأل عن هذه المسألة: ما المقصود من الإيراد أو الغلة؟ وشكرا.(4/1691)
الدكتور سامي حسن حمود:
واضح هو الربح بمعناه الفقهي ما زاد عن رأس المال، ومعنى ذلك كيف تعرف الزيادة بالمفهوم الحسابي؟ أن يعود رأس المال إلى حالته التي كان عليها. فإذا بدأنا بمائة دينار ونضضنا البضاعة بمعنى قلبناها إلى نقود مائة وعشرين فتكون العشرة هي الربح. هنا قصد الإخوة في الندوة التي عقدت لهذه الغاية بأن يميزوا الربح في مضمونه الفقهي عن الإيراد أو الغلة بمفهومه المعتاد بحيث إنه لم يكن استثمار رأس المال في التجارة وبنيت به أو اشتريت به حافلة أو سيارة. فالعائد الذي يتأتى بمفهومه الفقهي وبين الإيراد أو العائد الذي يأتي نتيجة تأجير البيت، تأجير المكتب، تأجير العمارة أو تأجير السيارة. هذا هو المقصود في التفريق في هذه الفقرة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم، يعني يفهم من شرح الدكتور سامي – يفهم من شرحك – أن الخلاف في التسمية والاصطلاح فقط، مع إن هناك فرقا جوهريا آخر غير ما ذكرت أو يضاف إلى ما ذكرت هذا الفرق الجوهري أننا لو قلنا: إن الإيراد هو ربح معناه هذا المستغل إذا كان عقارا مثلا تحقق منه أجرة أو ربح، هذا كله ربح. الواقع أننا لا نعد كل هذا ربحا إذا نقصت قيمة العقار في السوق عن القيمة التي اشترى بها التي هي رأس المال. فيجب أن نميز إذا كان هذا الإيراد قد جاء وقيمة المستغل لم تتغير فكل هذا الإيراد هو ربح. وأما إذا نقصت قيمة المستغل فنأخذ من هذا الإيراد ما يعوض ويرد القيمة إلى ما كانت عليه عند بدء المقارضة فيعتبر هذا كله رأس مال العقار المستغل نفسه وجزءا من الإيراد يعيد قيمته إلى واقعها السابق وما زاد فهو ربح. يعني ليست كل الغلة ربحا، ليس كل الإيراد ربحا. هذا هو الفرق الجوهري الذي قصد في هذه الفقرة.(4/1692)
الرئيس:
يا أستاذ سامي.. فيه عبارة إذا رأيتم يستغني عن قولنا: وليس الإيراد أو الغلة، لو قيل وهو الزائد عن رأس المال وقت القسمة. ونترك وليس الإيراد أو الغلة. وهو الزائد عن رأس المال وقت القسمة. لأنه إذا قلنا: وقت القسمة سواء أكان في أصل رأس المال الذي ضاربت فيه الشركة وحصل عليه ربح أو أنها قُلبت فيما بعد وحصلت نتيجة التقليب الأخيرة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
الواقع هنا القسمة ما المقصود بها؟ إذا كان المقصود نسبة الربح الواقع ليس مرادها.
الرئيس:
صدر المادة نفسه يا شيخ.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
لا يا سيد لا محل القسمة قسمة الربح المقصود بها. لكن تحديد الربح لا علاقة له بالقسمة. تحديد الربح أساسه هو تقويم هذا الشيء وخصمه ونسبته إلى رأس المال هل فيه ربح أم لا يوجد فيه ربح؟ له علاقة بالقسمة؟ وقد يوجد ربح ولا نقسمه لعدم وجود الأشخاص الذين سيطلبون هذا الربح. فإذن المقصود هو لمعالجة قضية القيمة الاسمية في السنوات الإطفاء عليها أو القيمة الفعلية. فهنا هذا يرتبط بهذا المقصود القيمة الفعلية. يعني نقوم بتقويم هذا البناء نبينه بمليون الآن ثمنه مليونان، نريد أن نطلع المكتتبين فيحسب على أساس المليونين البناء وليس ننتبه إلى إيراد أنه يحصل على مائة ألف في السنة أو مائتي ألف. يعني العبارة التي تبقى لأنها دقيقة وصيغت بعد جهد طويل.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
الزائد عن التنضيض يا سيدي الرئيس. الزائد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم وهذا مشروع في باقي الفقرة.(4/1693)
الدكتور حسن عبد الله الأمين:
شكرا يا سيدي الرئيس.. الربح غير واضح خالص في هذه الشروح التي يبديها الإخوة وهنا غير موضح في الفقرة. إذا قلنا: إن الربح والعوائد هذه ليست ربحا إلا إذا تأكدنا من أن القيمة الأصلية للحصة موجودة وليست ناقصة. فهل معنى ذلك أن القيمة الاسمية للحصة إذا زادت بهذا البيع تضاف إلى الريع وتعتبر كذلك جزءا من الربح، كلاهما يمثلان ربحا؟ وفي هذه الحالة نرجع إلى ما قاله الأستاذ الشيخ تقي من أن هذا الجزء المتحقق من زيادة القيمة في أصل السهم أو الحصة يعتبر جزءا من الربح ويأخذ به حقه أم لا؟ لا أفهم غير هذا من هذه الشروح التي جاء بها الإخوة جميعا. وشكرا.
الدكتور رفيق يونس المصري:
شكرا يا سيدي الرئيس.. أنا أحب أن أوضح نقطة بصورة علمية. الفرق الذي يبدو لي بين الغلة والربح هو المؤن. النفقات فإذا نزلت النفقات أو خصمت هذه النفقات من الغلة كان هو الربح. والمقصود هنا بالربح هو الربح الصافي بالعبارة المحاسبية التي يعرفها المحاسبون.
النقطة الثانية التي أود أن أشير إليها: أن اقتراح سيدي الرئيس بإضافة وقت القسمة لا أرى أي مانع منه لأن المقصود وقت قسمة الأرباح سواء إن كانت هذه القسمة مبنية على التنضيض أي التصفية النهائية أم كانت مبنية على التقويم. وشكرا.
الشيخ محمد علي التسخيري:
معذرة سيدي الرئيس. بالنسبة للربح هناك مراحل، هناك مرحلة الظهور، كما أشرنا في المادة السابعة، الظهور مرحلة التنضيض ثم مرحلة القسمة. الربح لا يتكون مفهومه بعد القسمة حينئذ الصحيح أن نقول مع حذف عبارة (وليس الإيراد أو الغلة) باعتبار أن الواضح أن الإيراد إذا كان بحيث يغطي ما تنقص عنه قيمة العمارة لا يعد ربحا ولذلك المرجع أن يقال وهو الزائد خالصا عن رأس المال. خالصا هذا قيد خالص لحذف المؤنة وعدم تقييده بالقسمة أو التنضيض. الربح ربحا حتى عند الظهور.(4/1694)
الشيخ محمد تقي العثماني:
في الواقع إن ما جعل الذين صاغوا هذه التوصيات يذكرون الإيراد والغلة هو أنه يقول بعض الناس: إن الربح إنما هو الذي يدر في الغلة فقط وقيمة الأصول الثابتة لا تدخل في الربح. فلذلك أضافوا هذه الكلمة، ولذلك أرى أنه لا ينبغي أن تحذف هذه الكلمة ولكن لو أضفنا إليها ونقول: وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة فقط. أظن هذا يحل الإشكال وليس الإيراد أو الغلة فقط. ما زاد عن رأس المال فهو ربح ولا يعني أن الإيراد والغلة هو الربح فقط.
الرئيس:
لكن ما رأيكم فيما لو أخذنا باقتراح الشيخ الصديق في السطر الثالث من فقرة (ب) بأن نقول: إن ما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة وفقا لشروط العقد.
الشيخ محمد علي التسخيري:
إنه ربما حتى قبل التنضيض يا سيادة الرئيس. الربح ربح حتى قبل التنضيض، ربح واضح ولكنه لا يمكن ادعاؤه ولا يلزم إلا بعد القسمة. ربما هو حتى قبل التنضيض.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليما.
إن هذه الفقرة الثانية (ب) التي وقع النقاش فيها هي فقرة متكاملة وعدم النظر إلى بعض أجزائها هو الذي أوجب مثل هذا. فإن الذي نتحدث عنه ليس هو تعريفا للربح وإنما نتحدث عن محل القسمة ماذا يقسم؟ قلنا: إن الذي يقسم هو الربح بمعناه الشرعي. والربح بمعناه الشرعي لا بد من بيانه هذا الذي يقسم. فإذا كانت سندات المقارضة افترضنا أنها بمليون ريال هذا المليون ريال أعطانا غلات للمباني بمئتين مليون ريال الذي أردنا أن نقوم ما عندنا أصبح قيمة المبالغ التي بنيناها هي تسعمائة فقط فيكون عندنا تسعمائة وعندنا مائتين التي وردت من الدخل، فالقيمة بالزيادة في الربح هي مائة فقط وليس مائتين. فهي بهذا متكامل ولا بد منه.(4/1695)
فأعتقد لما قالوا هو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة هو لتوضيح ما يقسم بناء على الأول في الفقرة وهو الذي يعطينا مفهوم ما يقع القسمة، ما يستفيد منه المساهم في سندات المقارضة. ثم بعد هذا أعطت الفقرة بماذا نعرف مقدر الربح؟ كيف الطريقة؟ قال: إما بالتنضيض أو بالتقويم. وهذا أمر مقصود أيضا لأن المعروف عن معظم الفقهاء هو التنضيض. فالزيادة والتقويم هو أيضا أمر لا بد منه. فأعتقد أن الفقرة متكاملة وأنه لا يوجد فيها ما يخالف الشرع ولا ما هو مما يعد خطأ في اللغة ولا في التعبير. فأعتقد بقاء الفقرة على ما هو عليه هو الأصلح. وشكرا.
الشيخ عجيل جاسم النشمي:
بسم الله الرحمن الرحيم،
أنا لدي تعليق على الفقرة (أ) التي مررنا عليها هو الاستفسار من الإخوة واضعي النص يقول: عدم جواز اشتراط مبلغ محدد فيفهم منه جواز اشتراط مبلغ غير محدد هذا مقصود؟ لأنه لا يجوز كما أعرف سواء إن كان محددا أو غير محدد. شكرا.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
من المعلوم أن الربح طبعا معروف الربح الشرعي وهو ما زاد عن رأس المال حتى ولو وقع خسران. ولو وقع خسران فإنه يجد بالربح، وما زاد عن الخسران هو الربح وأما الإيراد والغلة فإن من الواضح من النص إن ما يقسم منه بين حملة السندات وعامل القراض يكون تحت الحساب. تحت الحساب بمعنى أنه يحاسب به عند الاقتصاد وهذا يغني عن المناقشة في الموضوع.
الشيخ عبد الله إبراهيم:
يظهر لي في المادة الثامنة أن الاقتطاع سيكون من نصيب فرد واحد إذا نص عليه، لا من طرفين من أن العادة أن يكون اقتطاع الاحتياطي هذا يكون من نصيب طرفين معا، حملة الصكوك والمضارب، لأنه ينص السماح بأن ينص في نشرة الصكوك على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة إما من حصة حملة الصكوك أو من حصصهم في الإيراد أو الغلة. فهذا كله لا يؤدي إلى الإطفاء من طرف واحد فأنا أرى أن يكون الاقتطاع الاحتياطي هذا من نصيب الطرفين معا. لهذا أقترح: اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة من الربح الناتج قبل القسمة بين الطرفين: حملة الصكوك والمضارب.(4/1696)
الشيخ محمد تقي العثماني:
ما وصلنا إليه بعد.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
ما تفضل به الدكتور عجيل من فقرة (أ) من عدم جواز اشتراط محدد لحملة الصكوك. هو وهم قد يفهم فيقال: عدم جواز اشتراط مبلغ محدد من الربح لحملة الصكوك. هذا مبلغ محدد بين الربح لحملة الصكوك هو معروف وشيء مقيد. هل ينصرف على القيد والمقيد معا؟ الواضح أنه على القيد والمقيد معا. لكن جعله على المقيد دون القيد، وإن كان يحتمله لغة لكن ليس هو السابق إلى الذهن. فإذا أردنا التورع في التعبير نزيد هذا، نزيد ما ينبغي رفع الأحجمة. وشكرا.
الرئيس:
شكرا، على كل حال هو مثل ما تفضلتم هو تحدده نفس المادة ولهذا زيادة العبارة من الربح تكييف.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا في الحقيقة لا أرى أن العبارة تحتمل أي إضافة لأن المقصود هنا اشتراط مبلغ محدد سواء أكان ذلك من الأرباح أو من سواها. وردا على سؤال الأستاذ النشمي، أنا في الحقيقة أود أن أسأله هل يمكنه أن يعطينا مثلا على اشتراط مبلغ محدد؟ وفي ضوء الجواب نستطيع أن نتصرف بالعبارة بشكل مناسب. وشكرا.(4/1697)
الدكتور عجيل جاسم النشمي:
أنا الذي كان في ذهني هو القيد الذي ذكره الشيخ السلامي ليرفع التوهم فقط. يعني أرى إضافته من الربح حتى يكون الكلام واضحا.
الرئيس:
على كل يا شيخ عجيل هو إذا أضيف فهو لا يضر لكن لا ينفع بسبب أن نفس المادة هي أولها إلى آخرها هي في قضية الربح. لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح. فإن وقع، إذا ممكن أن نضيفه هناك ونقول: فإن وقع شرط قطع الشركة في الربح كان العقد باطلا. فعلى كل إن حصل زيادتها فلا ضرر فيها وإن حصل تركها فليست موهمة. هذا الذي يظهر وإن رأيتم زيادتها فلا مانع. عدم جواز اشتراط مبلغ من الربح.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
اشتراط مبلغ محدد من الربح قد يكون جائزا في بعض الأحيان، والمقصود هو عدم اشتراط مبلغ مقطوع وليس مبلغ محدد من الربح. يقول المضارب لرب المال: أعطيك عشرة جنيهات والربح بيننا مناصفة هذا الشرط فيه احتمال قطع الشركة في الربح؛ لأنه قد لا يربح شيئا وهو ملزم بأن يعطيه العشرة جنيهات وقد يربح خمسة جنيهات وهو ملزم بأن يعطيه العشرة جنيهات. هذا هو المقصود. أما اشتراط مبلغ محدد فقد يجوز ونص الفقهاء على اشتراطه في بعض الأحيان إذا لم يترتب عليه عدم الاشتراط في الربح, كما إذا قال له: سأعطيك عشرة جنيهات إذا زاد الربح عن خمسين جنيها من الربح. هذا لا شيء فيه والخمسين توزع مناصفة، وهذا الشرط صدرت فيه فتوى من هيئة الرقابة الشرعية والمقصود به تشجيع. هذا يصرف في الغالب للمضارب تشجيعا له على أن يجتهد في زيادة الربح. إذا زاد الربح عن كذا أعطيك مبلغ كذا. وهذا منصوص عليه في بعض كتب الفقه بالجواز. والعلة في الجواز هي أنه لا يتعارض مع الشرط الرئيسي وهو عدم قطع الاشتراط في الربح. فالنص يجب أن يبقى كما هو وحتى لو أضيف إليه مقطوع يبقى أوضح. اشتراط مبلغ مقطوع.(4/1698)
الرئيس:
إذا رأيتم أن نتجاوز الفقرة إلى الفقرة (ج) لا في الواقع يظهر أن الفقرة (أ) و (ب) ليس فيهما محاذير شرعية، فطالما أنه ليس فيهما محاذير شرعية ولا سيما الفقرة (ب) فيها عبارة جديدة وهو أنه قال: في الربح وهو الزائد عن رأس المال. هذا هو المتعارف عليه شرعا.
الدكتور سامي حسن حمود:
- يستحق الربح بالظهور، فيملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة. وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته، وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
الشيخ محمد المختار السلامي:
اعتماد رأي الحنفية ونقله بتمامه وكماله من النصوص الأصلية.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
كويس هذا مقبول.
الدكتور سامي حسن حمود:
8- ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة حملة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.(4/1699)
الشيخ عبد الله إبراهيم:
سبق وأن قلت بالنسبة لهذه المادة: إنها تسمح بالاقتطاع من نصيب طرف واحد لا من الطرفين مع أن العدل أن يكون الاقتطاع الاحتياطي هذا من نصيب الطرفين معا. ولهذا أنا اقترح أن يكون النص على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة من الربح الناتج قبل القسمة من الطرفين: حملة الصكوك والمضارب.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا أرى من المناسب في نهاية هذه الفقرة تضاف جملة تتعلق بمصير هذا الاحتياطي عند تصفية المشروع. ولا أرى أن يختص بهذا الرصيد المساهمون في ذلك التاريخ، وإنما أن يُصرف رصيده الباقي في أعمال خيرية ومصالح عامة. وشكرا.
الدكتور حسن عبد الله الأمين:
التخصيص لاستقطاع من أصحاب الأسهم الغرض منه إبعاد نصيب المضارب من أن يتحمل شيئا يعتبر ضمانا منه لعمل المضاربة. هذا التخصيص مقصود أساسا لأصل الشركة فلا يصح أن يكون هذا الاستقطاع شاملا لنصيب المضارب حتى لا يكون ضامنا في هذه الحال بجزء من استحقاقه. وشكرا.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، واللهم صل على رسولك وعبدك محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه.
الحقيقة بالنسبة للاحتياطي إذا كانت الأسهم يتغير حملتها فأميل إلى رأي الأخ الذي قام بتوزيعها على اثنين، ولكن إذا كان حملتها غير متغيرين فالاحتياطي يبقى لهم لأن الأسهم غير متداولة. ثم إن الاحتياطي الحقيقي فيه جبر لنزول القيمة. وشكرا.(4/1700)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
في موضوع هذا الاحتياطي بني على أساس فكرة أنه عمل تعاوني لأغراض جبر أي ضرر يقع على هؤلاء المتعاونين فيتبرعون بمبلغ يوضع في صندوق بحيث يدفع من هذا الصندوق لجبر أي خسارة يتعرضون لها. هذه هي أساس الفكرة الشرعية. فهي لمصلحتهم، والنقطة لماذا لم يدخل العالم لأنا نخشى من الوقوع في فكرة ضمان رأس المال ولذلك أنا مع الدكتور رفيق في أنه يجب أن ينص على مصير هذا المال، هذا المال ليس للمضارب وهذا المال تبرع به المكتتبون وقد تتغير أشخاصهم ويتنوعون ويتبدلون فلذلك هو أصبح مالا من الصعب إعادته للجهات التي تبرعت به خاصة أنها قد تبرعت. فلذلك فلينص على مصرفه جهة عامة أو فقراء.
الرئيس:
لكن فيما لو كان أصحاب الاكتتاب لم يتغيروا. سؤال لو لم يتغير أصحاب الاكتتاب؟
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يوزع عليهم.
هم تبرعوا حماية لرأس المال.
الشيخ محمد المختار السلامي:
هم تبرعوا فإذا تبرعوا وخرج عنهم فلا يعود إليهم.
الرئيس:
لا يا شيخ ما فيه طيب كلهم تبرعوا لغرض معين، لحماية رأس المال من المخاطر. لكن لو فرض أن أصحاب المال أو المكتتبين لم يتغيروا أو أن نسبة كبيرة 80 % أو 90 % لم يتغيروا فكيف إنني أستل المال وأجعله في مشاريع خيرية.(4/1701)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
بموافقته.
الشيخ محمد المختار السلامي:
هو من الأول تبرع بمعنى خرج من ذاته وأعطاه إلى صندوق بعيد عنه وقال تبرعت بهذا الصندوق حتى يحقق الأغراض التالية. لقد خرج فالعود فيه لا يكون بشيء.
الرئيس:
يا شيخ هو لا يحقق إلا غرضا واحدا. وهو لمواجهة خسارة رأس المال أما الأغراض التالية فلا. لكن لو فرض أن رأس المال لم يأتِ عليه مخاطر وأن المكتتبين لا يزالون موجودين وانتهى المشروع. أجعله في مشاريع خيرية وصاحب الحق موجود!!
الشيخ محمد المختار السلامي:
قطعا وهذا هو المصرف وهذه هي الطريقة التي ذهبت عليها التعاونيات كلها، والتعاونيات كلها فيها تبرع أولا تخرج عن ملك الشخص وتصبح تعود إلى غيره.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
رأيان معمول بهما، والمرجع في ذلك إلى صيغة التبرع فإذا كان المتبرع قد تبرع بما يحتاج إليه من تبرعه لصالح رأس المال هنا الزائد يعود إليه لأنه تبرع بالمقدار الذي يحتاج إليه. أما إذا تبرع بكل المبلغ من أول الأمر وهذا أيضا موجود في بعض نظم الصناديق التعاونية فإن هذا ويوجد نص صريح يوزع في سبل الخير عند التصفية. وهذا لا يتم إلا عند تصفية العملية طبعا.
الرئيس:
أما أنا فأرى بقاء المادة كما هي ولا يضاف إليها طالما أن الغاية حددت وهي لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال.
الشيخ محمد المختار السلامي:
إذا باع أحد أصحاب الأسهم سهمه وكان هناك احتياطي تبرع به فهو قد باع السهم فقط أو باع السهم وباع التبرع.(4/1702)
الرئيس:
ليس لدينا تبرع هنا يا شيخ.
الشيخ محمد المختار السلامي:
إذن لا بد من النظر في أصل الصياغة. أصل الصياغة لما دفعه في هذا الصندوق بأي وجه.
الرئيس:
بوجه واحد ليس ما حددتموه في آخر الفقرة لحماية مخاطر خسارة رأس المال فإذا كان هناك صياغة ستحدد الغايات التي من أجلها هذا الاقتطاع ربما يكون فيه شيئا من الوجاهة. أما إذا كانت إضافة ما ذكره الأستاذ رفيق. أما إذا كان ستقتصر لمواجهة خسارة رأس المال فقط فإنه ما هو التكييف الشرعي في أن يقتطع مبلغا لخسارة رأس المال ثم لا يخسر رأس المال وعند النهاية يؤخذ المبلغ ويجعل منه مشاريع خيرية وأصحابه قائمون؟
الشيخ محمد المختار السلامي:
التكييف الشرعي أرجوكم، التكييف الشرعي لتكوين هذا الصندوق قبل كل شيء.
الرئيس:
لغرض واحد مخاطر رأس المال.
الشيخ محمد المختار السلامي:
وهل لنا أن نتعاون بهذه الطريقة؟ أرجوكم البحث في هذه القضية.(4/1703)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
الواقع هنالك قضية يجب أن نسأل عنها. تم تداول هذه السندات على نطاق واسع ولم يعد من السهل معرفة من هم الملاك، هذا المال الذي تجمع عن تصفية المشروع وقد يبلغ ملايين إذا كان المشروع كبيرا، هذا كيف ينصرف بها؟ هل يأخذها المضارب؟ إذا استحالة إعادتها إلى أصحاب السندات لأنهم قد يكونون بمئات الألوف وقد تقلبوا واحد إثر واحد، ما الحل؟ هذا المال تبرع به. تخريج إدخال قضية الفقراء أو الجهة العامة سهل بأن يكون الأمر معروف من بدايته، أنا أتبرع لهذا الصندوق فإذا صار خسران دفع لجبر الخسران إذا لم يحدث خسران أنا من البداية أعرف أن هذا المال سيذهب للفقراء فأنا متبرع والصورة واضحة في ذهني وليس في ذلك إلزاما لي بأي شيء آخر.
الدكتور رفيق المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم، التمييز الذي أبداه الأستاذ الياسين بادئ ذي بدء تمييز حسن وجيد ولكن أريد أن أسأله سؤالا. لنفرض أن بعض حملة الصكوك قد خرجوا والبعض الآخر قد بقوا موجودين في الشركة فماذا نفعل؟ هل نقسم رصيد هذا الاحتياطي ونوزعه جزءا على من بقى والجزء الآخر نتبرع به؟ أرجو أن يوضح ذلك وشكرا.
الشيخ محمد سيد الطنطاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الذي أفهمه من النص الذي أمامي أن هذا المبلغ المقتطع إنما هو لشيء محدد وهو مواجهة مخاطر خسارة رأس المال، فالمبلغ المتقطع إنما هو لهذه الخصوصية بذاتها فالتبرع هنا ليس واضحا فإما أن نترك النص على ما هو عليه وإما أن نضيف إليه (ويعود هذا المال المتبرع به إلى صاحبه إذا رغب في ذلك عند التصفية) لأني أنا لم أتبرع في الحقيقة الشركة ألزمتني بأن أضع جزءا من تلك الأرباح لمواجهة الخسارة فبهذه الحالة تبرعي غير واضح ما دام الأمر كذلك فيجب أن يعود إلى مالي عند تصفية هذه الشركة.(4/1704)
الرئيس:
وهذه الحقيقة طالما أن الغاية محددة، وهي لمخاطر رأس المال ولم يتحقق عليه خسارة. إذن يعود إلى صاحبه.
الشيخ محمد سيد طنطاوي:
لا بد أن يعود إليه.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحقيقة جوابي للأستاذ وهو يفهم في هذه الأمور أن الاحتياطي يؤخذ حينما يشعر المضارب أو الشخص القائم على العمل أن هناك مخاطر وإذا شعر بأنه ليس هناك مخاطر لا يؤخذ احتياطي الاحتياطي المنصوص عليه هنا في مادة (8) هو لمواجهة خسارة رأس المال. إذن عندما يكون لزوم لذلك يأخذ الاحتياطي لهذا الموضوع. ولكن عندما يكون ليس هناك ما يدعو لأخذ الاحتياطي فليس هنا داع لذلك. والحقيقة إذا أخذ وبقي شيء من الاحتياطي تقديرا، كان يقدرون أن هنالك خسارة وأخذ لذلك وتراكمت هذه فيما بعد يقدر القيم على العمل من البداية يقول زيد عن الاحتياطي. إذا زاد موضوع ما أخذناه من البداية يأخذ منهم إذن بالتبرع بداية إذا زاد الاحتياطي عن مخاطر رأس المال فنفوض المضارب بأن يتبرع بالزائد إلى الخير، هذا تفويض مسبق وشكرا.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحقيقة إنني فكرت كثيرا في هذه الفقرة فلم أجد فيها ما يسوغ مآل هذا القدر المقتطع إلى أن يتبرع به. شيء أخذ واقتطع لمصلحة المضاربين فيما إذا وقع خسران أي هذه شريحة بجبر الخسران المتوقع. كيف نحلل بعد ذلك هذا الموقف إلى أن المال يتبرع به ونكون وكلاء عن المضاربين في قصودهم غير الواضحة والتي لا تعبير عنها إطلاقا. أما الجواب على سؤال بعض الإخوة الذين قالوا الأسهم يتبادل عليها أشخاص كثيرون، اختلف الأشخاص، ما مآل هذا المال؟ الحقيقة الجواب واضح لأن هذه الشريحة المقتطعة الموضوعة لمجابهة حالات الخسران هي عبارة تتحول إلى أجزاء تتدخل في قيمة كل سهم فعندما ينتقل السهم من فلان إلى فلان ينتقل معه حكما أيضا جزءا من الاحتياطي. ولذلك فملكية هذا القدر الاحتياطي تنقسم وتنتقل حسب انتقال هذه الأسهم وأنا لا أتصور أبدا إننا نملك أي حجة شرعية في أن نحكم على المضاربين بأن يتبرعوا بها.(4/1705)
الرئيس:
والله هذا الذي يظهر. الكلمات كثيرة عندي الآن أكثر من حوالي خمسة عشر اسما. فهل ترون أن نبقي على المادة ونمشي ونترك قضية إنها تصرف؟ إذن يبقى على النص. تسعة.
الدكتور سامي حسن حمود:
9- ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث بمبلغ بالتبرع مخصص لجبر الخسران في مشروع معين.
على أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء لالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.
الرئيس:
يعني هذه المادة التاسعة أَلَا تعود على الرابعة بالنقض؟
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
بسم الله الرحمن الرحيم، أرى كما تفضل السيد رئيس المجمع أن هذه المادة تتعارض مع المادة الرابعة، لأنه لنا من الأدلة الكثيرة التي سطرها فقهاؤنا المسلمون ومستندة إلى أحاديث وردت بهذا الخصوص، بأنه ليس على المضارب ضمان فلو أننا أردنا أن نلزم المضارب أو أن نلزم جهة أخرى تتبرع بضمان هذا المال، فأقول: إن هذا المال ليس بمضمون في الواقع فكيف نتصور أن شخصا يضمن شيئا لا يجب ضمانه؟ وفي الأحاديث الشريفة نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن. والقاعدة الفقهية تقول (الغنم بالغرم) فإذن في نظري أن مثل وجود هذا الشرط إنما هو تحايل على الشريعة الإسلامية ولأجل تغرير المساهمين برأس المال في سبيل جرهم إلى هذه المسألة لذا فإني أتحفظ في وجوب هذه الفقرة وشكرا.(4/1706)
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
شكرا سيدي الرئيس. الحقيقة أن الضمان هنا أولا تحتمل معنى التبرع، والتبرع هنا المعروف والضمان كله أصلا من المعروف واسمحوا لي أن أقول ما قاله الفقهاء المالكيون في خصوص ضمان شخص ثالث للقراض ونحوه، ما ليس بدين ذمة المضمون عنه، الأصل أن يكون الضمان بدين وفي عبد الباقي صحته، إذا لوحظ ما يلزم من العوض كتفريط المصالح وهو من المصالح وعممه في القراض ونحوه وعليه فلا مانع من أن يتبرع متبرع ثالث بضمان القراض على أساس أنه إذا حدث خسر تولى ضمانه حدث تفريط من العامل لا عن الخسارة في رأس المال إذا حدث تفريط من العامل تستوي إلى ضمان.
الشيخ محمد علي التسخيري:
الحقيقة سيدي الرئيس لا أرى مانعا من أن تتقدم جهة ثالثة بهذا الضمان تبرعا لتشجيع مسائل المضاربة وأمثال ذلك، ولا أرى أي نص يمنع من هذا العمل، وإنما المشكل هنا أن هذه الجهة الثالثة تقدم وعدا ابتدائيا أوليا وعلى الوعد يبقى داخلا تحتها الوعد غير الملزم ويمكن الاستفادة من هذا الوعد لتقوية قلوب هؤلاء الذين سيدخلون عملية المضاربة فقط وإلا يبقى غير ملزم.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا.
أريد بادئ ذي بدئ أن أتحدث عن موضوعين. موضوع لا بد أن نحترمه جميعا واسمحوا لي أن أقر هذا الغرض لأنه وليد أو لا بد من التعامل بين جماعة يبحثون عن الحقيقة فلا يمكن أن يتهم أي منا شخصا آخر أنه صاغ الفقرة وفيها تحايل وتبرير التحايل في هذا لا يقبل ويجب أن يرفض ويطلب أيضا هذه الكلمات من سجل المجمع.
الأمر الثاني: عندما نعود إلى الضمان نجد أن الضمان إما أن يكون داخلا في العقد بمعنى أنه ينبني العقد على اشتراط الضمان وهذا لا يجوز، وتارة يرد الضمان بعد العقد وورود الضمان بعد العقد إما أن يكون من طرف ثالث وإما أن يكون من العامل. فإذا كان من طرف ثالث يجئ الشخص بعد تمام العقد وهو يقول أنا أضمن لكم أنا أتبرع بأنه أنتم أي المساهمون إذا لم تربح هذه الصفقة فأنا أضمن لكم رأس مالكم. فهذا عمل خير لا يستطيع أحد أن يقول: إنه ممنوع إلا الإخوان المالكية والمالكية لهم رأيان في ذلك. رأي يرى أنه لا يجوز هذا ورأي يرى بجوازه وقد نص على ذلك الحطاب فيما نقله. وشكرا.(4/1707)
الدكتور سامي حسن حمود:
سيدي الكريم النقطة الأولى أنه يبدو في الطباعة هنالك تقديم وتأخير في السطر الثاني في كلمة (بالتبرع بمبلغ) فتصحيحها أنه ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث بالتبرع بمبلغ وليس بالتبرع.
النقطة الثانية: ليس في هذه المادة التاسعة ما يناقض المادة الرابعة؛ لأن المادة الرابعة تمنع ضمان عام المضاربة وهذه تشير إلى التبرع من طرف ثالث غير العامل وغير رب المال. مسألة ضمان الطرف الثالث، المقرر في القواعد الفقهية أن عامل القراض أو عامل المضاربة يمتنع عليه الضمان أما إذا جاء شخص ثالث ليس طرفا في العقد لا من هنا ولا من هناك فإن التبرع بأصل المال جائز شرعا، فما دام هو فماذا يمنع التبرع بضمان احتمالي قد يقع وقد لا يقع؟ الغاية من ذلك هي أن المشروع قد يكون فيه تشكك أو العملية التي يرغب فيها ولي الأمر ليضمن للناس عليها في إقامة مشروعات صناعية زراعية أو إعمار أراضي وقفية، فيأتي ولي الأمر ليضمن للناس إذا حصل لهم خسارة نتيجة قيامه بدراسة الجدوى الاقتصادية للمشروع. كون هذا التبرع وعدا، والوعد هل هو ملزم أو غير ملزم ما؟ وجدناه في البحوث الفقهية أن الوعد الملزم عند المالكية قالوا: إنه في ميدان التبرعات وليس في ميدان المعاوضات وهنا هذا هو ميدانه وعندما يكون فيه الإلزام مبنيا على إدخال الموعود في كلفة فإن ذلك الوعد يصبح ملزما قضاء وديانة. وهنا عندما يدخل المساهم في هذا المشروع معنى ذلك أنه ألزم نفسه بكلفة وجنب جزءا من رأس ماله للاستثمار في هذا المشروع بناءا على الدارسة الجارية وبناء على تبرع ولي الأمر أو الجهة التي رأت أن تتبرع بالضمان. بضمان ما يعود عليه من خسارة من رأس المال فإن هذا المتبرع الذي يأتي.(4/1708)
الرئيس:
باقي شيء يا شيخ لأن البحث بين أيدينا. الأستاذ عبد الرحيم.
الدكتور منذر قحف:
أود أن أسأل من هو المتبرع؟ فإذا كان القطاع الخاص أو قطاع أعمال فلا أظن أنه سيقوم بهذا التبرع دون أن يكون هناك مقابل. أما إذا كانت الدولة فهنا يكون السؤال: من أين سوف تقوم بتعويض المكتتبين؟ فإذا كانت من بيت المال فبالتالي السؤال: هل يجوز من بيت المال يصرف المستثمرين في الوقت أنه المفروض يخصص لأوعية أخرى كالمحتاجين؟ أو عن طريق فرض ضرائب وهذا المتعارف عليه في الدول الحديثة التي صارت معاصرة أنه أهم مصادر الدولة الضرائبي إلى جانب الرسوم. فهنا السؤال عن التكلفة. ومن يتحمل تكلفة الضمان؟
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا مع القائلين بجواز التبرع من شخص ثالث أو حتى من أحد الطرفين المتعاقدين. فالفقهاء إنما قرروا أن اشتراط الضمان على الابن باطل معناه اشتراط وأما إذا حدث تبرعا فهذا جائز هذا شيء.
والشيء الثاني: أن كل أوجه التبرع مسموح بها شرعا بنص القرآن الكريم وبحسب القواعد والعقود التي قررها الفقهاء. فمن القرآن الكريم يقول الله جل جلاله {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] . فإذا تبرع فمعنى أنه محسن وهو ألزم نفسه. فنحن لا نلزمه إنما ألزم نفسه فهذا سائغ من الآية. ثم إن الفقهاء قرروا في الجعالة عندما يلزم الإنسان نفسه بمكافأة لمن يكتشف علاجا لمرض معين أو اختراع معين أو يتفوق في قضية علمية، معروف الجعالة أيضا التزام. أيضا ضمان مخاطر الطريق. نص ابن قدامة في كتابه المغني على أن من قال لإنسان: اذهب من هذا الطريق وإني أتحمل كل ما يقع أو يصيبك من أضرار نتيجة المسيرة فيه فأنا ضامن.(4/1709)
فإذن ضمان مخاطر الطريق يقر مبدأ التبرع. أيضا مبدأ السبق، السبق من طرف ثالث للمتسابقين كما هو معروف في الخف والحافر ونصل إذا ألزم نفسه إلى أن يعطي مكافأة لأحد الطرفين المتسابقين أيضا هذا مبدأ جائز ومعمول به شرعا. فاستغرب أن يكون هناك اتجاه يمنع مثل هذه التبرعات والإسلام كله يقوم على الإحسان والبر والتعاون على البر والتقوى.
بقى قضية الدولة. والدولة في الحقيقة لو فرضنا أن الناس وقعوا في عَيْلَةٍ أو فقر أو مغرق فالدولة بحكم الأنظمة الإسلامية النبي صلى الله عليه وسلم تكفل بإعانة من يقع في مغرم. فالدولة عندما تتكفل ويكون هذا لا من الزكاة وإنما يكون من المصارف العامة التي يكون من مواردها الخراج والضرائب وغير ذلك من الأمور. فالدولة بحكم ولايتها العامة على الأفراد تستطيع أن تتحمل غرم بعض الأحداث وبعض التصرفات وبعض المشكلات. وكل هذه المؤيدات والمسوغات تجيز النص على مثل هذه الأمور والحقيقة أصاب بعض الواضعين في الفقرة 8، 9 أنه ليس هناك ما يمنع شرعا من وجود هذا الشيء.
الرئيس:
شكرا. على كل في عدد كبير من الكلمات فأحب أن أرى أولا الاتجاه فإذا كان الاتجاه العام إلى إقرارها فلا داعي لمناقشتها الذين يرون أن الاتجاه العام إلى إقرارها يتفضلون برفع أياديهم. إقرار المادة التاسعة.
الشيخ محمد تقي العثماني:
اقتراح بسيط: إن قضية الوعد الملزم تثار في كثير من المسائل الاقتصادية الآن فأرى أن تكون هذه المسألة مسألة بحث مستقل للمجمع وتبحث في الدورات القادمة.
الرئيس:
هذه الفقرة؟(4/1710)
الشيخ محمد تقي الدين:
لا. قضية الوعد الملزم كمبدأ. هل يجوز أن يكون الوعد ملزما أو لا يجوز؟
الرئيس:
يعني أن يكون من بين الموضوعات التي تبحث في الدورة القادمة. موضوع الوعد.
الشيخ محمد تقي الدين:
لأن هناك تناقضا بين الآراء وهناك مذهب المالكية في هذا غالب عند القيام بظروف كثيرة ونرى أن نبت في هذا الموضوع في أي حال من الأحوال هل يجوز أن يكون الوعد ملزما وفي أي حال يجوز؟
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
الواقع أن هذا الموضوع ليس من قبيل الوعد الملزم لماذا؟ كل ما في الأمر أننا قلنا: ليس هنالك ما يمنع شرعا من النص على أن جهة أخرى تتبرع ونبهنا على أنه لا يجب أن يكون هذا مرتبطا من قريب أو بعيد في موضوع العقد بحيث تترتب الالتزامات على هذا الوعد هذه قضية أخرى الوعد الملزم. يعني ما قلنا نحن يجب أن تتضمن نشرة الإصدار نصا على تبرع ملزم هذا جانب. الجانب الآخر في قضية الدولة القضية كما حدث هنا في مشروع شركة الكهرباء والدولة لها مصالح في أن تقوم مشاريع معينة فتريد أن تحث المواطنين على ذلك، نحن حتى أخذنا بالحد الأدنى لم نقل بضمان ربح. قلنا: يجبر خسران لها أن تقول من أجل تشجيع المواطنين على عمل لمصلحتهم العامة؛ لأن التنمية الاقتصادية وإقامة المشاريع الكبرى هي مشكلة المسلمين في هذه الأيام، هم يستوردون كل شيء ولا يصنعون شيئا. فكون جاءت الدول وتقول مثلا لإعمار أراضي الأوقاف وهو مصلحة عامة أيضا، أيها الناس من يساهم في هذا المشروع نحن واثقون أنه سيربح بعون الله لأن هناك دراسات الجدوى الاقتصادية، ولا يطرح مشروع للاكتتاب العام إلا بعد ذلك لكن لحفز المكتتبين على ذلك تقول لهم الدولة: إن هذا مضمون فيه تبرع مني ألا ينزل ما تنالوه من هذا المشروع رؤوس أموالكم، ما الضير في ذلك؟ وخاصة أننا خططنا وقلنا. وهذا بناء على إصرار الإخوة المتحفظين في قضية الوعد الملزم أضفنا عليه هذه العبارة والتي هي في نهاية الكلام وليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء به إلى آخر مما يؤكد أن هنالك فصلا، وأن القضية ليست قضية وعد ملزم أصلا، هي تبرع من جهة ثالثة، العلاقة بين الجهة الثالثة والمكتتبين ولا علاقة للعقد والتزاماته بذلك.(4/1711)
الشيخ محمد المختار السلامي:
بعد أن تفضلت الرئاسة بعرض الموضوع على التصويت فلا يجوز لأحد أن يأخذ الكلمة كيفما كان وهذا شأن الجلسات.
الرئيس:
إذن إذا كانت المسألة بالتصويت فنحن نقول: إن المسألة بالتصويت والذين ليسوا أعضاء ليس لهم حق التصويت وهذا شيء. والشيء الثاني: أنا رأيت الأكثرية لم يرفعوا أيديهم. المهم المسألة هي رغبة في الوصول إلى الحق فلا يضيرنا أن نزيد عشر دقائق أو ربع ساعة الأمر بسيط يا شيخ المسألة مسألة ضمير وذمة وأنت من أحرص الإخوان والحمد لله في هذا الشيء أو أحرص مني والإخوان. الجميع ذمته تحمل فلا مانع من عشر دقائق أو ربع ساعة وتنتهي الأمور.
الدكتور علي أحمد السالوس:
رأيي بينه الدكتور وهبة الزحيلي فلا أريد أن أضيف شيئا.
الشيخ عمر سليمان الأشقر:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسول الله.
في بعض الأحيان الجهة قد نتصور أنها منفكة، الآن الأوقاف تدخل في بطن الدول الإسلامية فكذا لو كانت الدولة هي التي تريد أن تنشئ هذه المشاريع ولكن تجعل الوزارة منفصلة عن الدولة فتقوم الوزارة بطرح المشروع ثم الدولة هي التي تضمن، ماذا لو كان الابن هو الذي يريد أن يقوم بالمشروع ثم يضمن الأب أو العم أو الخال، وهناك مصلحة مشتركة. ما أتصور أن إنسانا يدفع ملايين وملايين الملايين ليضمن مشروعا وليس فيه مصلحة. التبرعات حدودها معروفة وقدرها معروف. هنا أنا لا أقول: إن الذين وضعوا النص يتحايلون لكن كما أكرر بعض الناس الذين لا يريدون الاستقامة على الحق يجدون ثغرة في النص فيدخلون منه إلى ما يحقق أهواءهم ورغباتهم وشكرا.(4/1712)
الشيخ محمد سيد طنطاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
في تصوري أن هذا الطرف الثالث لا يلجأ إلى هذا التبرع بالضمان إلا لمنفعة عامة أو خاصة، وهذا التبرع يترتب عليه تشجيع لأصحاب المال على تداول أموالهم ويترتب عليه أيضا تشجيع لمن لا يملكون المال على أن يعملوا وأرى فضلا عن كل ذلك أرى أن يكون هذا الوعد ملزما لصاحبه ما دام المضاربان قد سلكا الطريق الصحيح في عقدهما، يعني ما دام صاحب المال وصاحب العمل سلكا الطريق الصحيح وأنهما قد بذلا كل الجهود في نجاح المشروع ففي هذه الحالة يجب أن يكون العقد ويجب أن يكون هذا الوعد ملزما بالنسبة لهذا المتبرع وهو الطرف الثالث.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم، أنا أريد أن أقول كلمة أولا في موضوع الحيل، الحيل لا نستطيع في الواقع أن نستبعدها لا في الفقه ولا في القانون، وباختصار أقول: لولا أن الأمر مهم لما ألف علماؤنا الأفاضل كتابات مطولة في الحيل وعلى رأسهم الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم. هذه نقطة.
النقطة الثانية: العامل المضارب يعني أنا أرى هذه خلافا لأستاذنا الزحيلي العامل المضارب إذا كان هو المقصود هنا بالفقرة التاسعة إذا كان هناك احتمالا بأن يكون هو المتبرع ولو كان هذا التبرع بوعد غير ملزم فإن فيه تهمة. فإذا كان العامل المضارب هو الدولة والدولة تتبرع ولو كان هذا التبرع كما قلت بوعد غير ملزم فهذا فيه إشكال عندي. والله أعلم.(4/1713)
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
بسم الله الرحمن الرحيم
أريد أن أقول: إنه لا اعتراض لي إطلاقا على شكلية الحكم فيما يتعلق بأمر التبرع، فالتبرع أمر لا إشكال فيه ولا يعود على عقد سائغ بأي ضرر، وربما قلت أكثر من هذا سواء إن كان هذا التبرع من طرف ثالث أو من أحد المتعاقدين في عقد المضاربة، لكن الشيء الذي أريد أن أقوله: أخشى أن تكون هذه الفقرة منطوية على حيلة لا من نوع ما يشير إليه الدكتور رفيق بل حيلة تنسف الحكم الشرعي والأمر الإلهي يعني أحب فقط وأنا لا أملك أن أقول أن نغير ونبدل، أحب أن أتسائل: هذا المتبرع ما مصلحته في أن يتبرع يعطي شيئا ثم لا يأخذ بالمقابل شيئا آخر؟ قد غدا نفاجأ أنه شركة تأمين تتبرع، لكن شركة التأمين عندما تتبرع تدفع باليمين وتأخذ بالشمال وهو إن ظهر بمظهر المتبرع إلا أنه في الحقيقة ليس تبرعا. أنا لا أتهم والنصوص الفقهية تقف عند حدود الظاهر كما قال الفقهاء، ولكن نحن أمام عمل نتحمل فيه مغبة ونتائج ما نوقع عليه، ينبغي أن تكون مخافة الله ماثلة أمام أعيننا. فأخشى أن تكون فكرة التبرع هذه جسرا إلى تحويرها في حكم شرعي سائغ بالشكل الذي شرعه الله بحيث يقع فيه شيء من التلاعب. كل ما أريد أن أقوله هو هذا. وشكرا.
الرئيس:
شكرا لكن يا شيخ ترى عدم هذه الفقرة كلها بأجمعها أو ترى من هنا التقييد أو..
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
أرى الاحتياط أن نتجاوز هذه الفقرة، نحن لا نخالف وأعتقد أن تطبيق الحكم يفرض نفسه إذا ظهر طرف ثالث وتبرع يا مرحبا ولا ضير، ولكن أن نضع هذا في صلب الورقة أخشى أن تكون متكأ يا سيدي وأن نتحمل الوزر.(4/1714)
الرئيس:
والله أقول: الاحتياط في الأحكام وما سينشر على الناس ويعم عليهم ويؤسسوا عليه أعمالهم، لا شك أنه متعين فهل نستمر في المداولات، أو أنه كما تفضل الشيخ تقي بما أننا أجلنا فقرة في الصنف الثالث نؤجل هذه بناء على مسألة الوعد؟ ولا مانع من تأجيلها لأنها ليست ضرورية في إقامة سندات المقارضة. فطالما أنها ليست من عصب ولا من الأسس الضرورية لإقامة سندات المقارضة أو صكوك المقارضة فكونها تؤجل حتى ترتبط بقضية الوعد وتبحث هي من زواية هذا الطرف الثالث المتبرع وما أورد الشيخ عمر فيما إذا كانت الحكومة نفسها هي صاحبة المشروع وتبرعت نفسها. يعني تبين الآن عدة جوانب للموضوع فهل ترون التأجيل كما اقترح الشيخ تقي أو بعض الإخوان وتلم بعض هذه الجوانب أو أن يبت في هذه الفقرة أو أنها تحذف؟ الشيخ البازيع.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
أرى بقاءها لكن أرى أن أنبه إلى أن يكون فعلا المتبرع شخصا ثالثا يعني ألا يكون شخصا صوريا فمثلا نبهنا الشيخ الأشقر، وقال: ربما الوزارة وثم تجيء تضمنها وزارة أخرى أو حكومة فهذا يعتبر شخصا واحدا ثم ربما شخص مضارب باسمه ويكون عنده شركة مستقلة لها شخصية اعتبارية لكنه يملكها ملكا تاما وربما يعتبر بأنه شخص ثالث. في الحقيقة هذه أمور يجب أن ينبه لها وأن توضح بصورة واضحة. إنما حذفها في الحقيقة تعطيل لمصالح قد تأتي بنفع كبير للناس. إنما يجب أن تعد هذه الأمور.
الرئيس:
بحكم يا شيخ أحمد ممارستك لمسائل البنوك وبيوت المال هل أتى في يوم من الأيام واحد متبرع بعشرات الملايين يكون طرفا ثالثا؟
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
لا لم يأت شخص إلا له مصلحة، ولكن الذي يأتي ويضمن هنا له مصلحة إما مصلحة عامة وهي الدولة فلها مصلحة عامة تريد أن تنشئ مشروعا أو تريد أن تبني طريقا أو تريد أن تستأجر أو تريد أن تعمل مصلحة عامة ومن مصلحة الدولة نفع الناس فتضمن هذه الدولة للمضارب البعيد عنها والمستقل عنها استقلالا تاما والمشتركين بالمال البعيدين عن الدولة بعدا تاما إنما تشجيعا لهما يأتي بضمان عدم الخسارة لرأس المال وهي بعيدة عن ذلك. وهذه حدثت في بعض البلدان. إنما شخص تاجر أو مؤسسة تجارية استثمارية تأتي للتبرع ما فيه.(4/1715)
الشيخ محمد عطا السيد:
الحمد لله رب العالمين، اللهم صل على محمد عبدك ورسولك.
أنا أساسا سيدي الرئيس كنت أود أن أعلق على موضوع ترتيب لهذه الفقرة ولكن بعد أن سمعت كلام فضيلة الشيخ البوطي أحب أن أؤكد أن هذه المادة مهمة جدا وخاصة في الضمان الذي يأتي من جانب الحكومة خاصة في مثل هذه المشاريع التي قد تكون هامة جدا. وأرى أن الذي ينفي الشبهة التي أثارها فضيلة المتحدث هي أنه قد جاء في المادة على وعد طرف ثالث بمبلغ التبرع. ولذلك فكرة أن تكون شركة تأمين شركات التأمين لا تتبرع بالمبلغ تبرعا كما نعرف التبرع ولذلك أرى أن هذه المادة أوفق على محتوى هذه الفقرة، وأرى أنها يجب أن تبقى وأريد يا سيدي الرئيس لكي نتفادى هذا الذي دار بين عدد من الأعضاء من التعارض بين هذه الفقرة الرابعة، أنا لا أرى تعارضا ولكن أقترح ألا ترى يا سيدي الرئيس أننا إذا ضممنا هذه الفقرة إلى الفقرة الرابعة يمكن أن ينفي ذلك التعارض بل ويؤكد من جانبنا عدم التعارض بين الفقرتين. أو ما ضممنا بينها نأتي بالفقرة التاسعة مباشرة بعد الفقرة الرابعة. فأرى أن هذا يساعد كثيرا في نفي هذه الشبهة بالتعارض الذي قد يكون أشد في أذهان كثير ممن يكون خارج هذا المجمع.
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم إن هذا المتبرع قد أطمع المتعاقدين ولذلك تعلق لهم حق في هذا التبرع ولم يعد تبرعا فإن العنوان في أوله يقول سندات مقارضة فهو شريك ومن جهة يقول له: لا تخسر فإما أن يخسر وإما لا يخسر وإذا أطمعه بأنه لا يخسر فعليه أن يفي بوعده. وأقترح هنا أن تقف الجملة عند قوله في مشروع معين، وكفى، وإلا فإن هذا المتبرع دخل من باب وخرج من باب آخر.(4/1716)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
فقط أحب أن أقول للشيخ عمر سليمان الأشقر: إنه بالنسبة لموضوع وزارات الأوقاف، وزارات الأوقاف منفصلة في ذمتها المالية والإدارية عن الحكومة بنصوص قوانينها في جميع بلاد المسلمين وأنه لا يجوز من الناحية الشرعية إدخالها في موازنة الدولة في ذمتها. ولذلك ضمان الحكومة لتنمية أموال الأوقاف وللمشاريع المقامة عليها هي ضمان طرف ثالث. ما دام نحن ذكرنا أن هذا الوعد وعد طرف ثالث فنحن خرجنا من المحظور الشرعي. لكن لزيادة الإيضاح كما اقترح البازيع ممكن أن نؤكد هذا المعنى وأن نقول طرف ثالث منفصل في ذمته وأمواله عن طرفي العقد؛ لأنه لا بد أن يكون طرفا بعيدا عن عملية التعاقد حتى نضمن ألا تكون عملية اختلاط وتداخل في الضمان من الطرف الثالث على عامل المضاربة. وهذا في القانون الأردني ينص عليه بكل وضوح؛ يعني اشترط أن لا يقوم بهذه المشاريع إلا جهات لها استقلال مالي وإداري عن الدولة، لأنه نص في القانون على أن الدولة لا تتبرع بكفالة أصل قيمة السند – أصل المال – وما دام الأمر في هذا الإطار ممكن أن ينص على هذا التحوط لمزيد من التنبيه والتركيز عليه. وشكرا.
الرئيس:
تسمعون صياغة من الشيخ عبد الستار.(4/1717)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم، تصبح المادة تسعة: ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث – يزاد هنا – منفصل في ذمته وأمواله عن طرفي العقد بالتبرع، يزاد – بدون مقابل – وإن كان كلمة التبرع مفيدة، لكن حتى لا يأخذ أي مقابل بمبلغ مخصص إلى آخره.
الرئيس:
ولو زيادة في التأكيد حتى تنفي شركات التأمين مثل ما تفضل الشيخ.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
نقرأها مرة ثانية: على وعد طرف ثالث منفصل في ذمته وأمواله عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص إلى آخره.
الرئيس:
يظهر إن شاء الله تعالى أن في هذا أتت إليه الضمانات التي قد تحمي. إذن موافقون على هذه. إذن عشرة.
الدكتور سامي حسن حمود:
نظرا لما لعقارات الأوقاف من طبيعة خاصة وأحكام متميزة ورغبة في الحفاظ على هذه الأوقاف.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
هل وافقنا على هذا يا سيدي الرئيس؟ قبل قليل كان المؤيدون عشرة أو عددا قليلا حصلت الموافقة على كل هذه الفقرة.
الرئيس:
سمعتم التعديل، سمعتم وكتبتموه.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
سمعته ولا أوافق عليه وأنا طلبت الكلمة من بدري.(4/1718)
الرئيس:
تفضل.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
أنا في رأيي أن هذه المادة التاسعة ولو كانت مقبولة شرعا وهي غير مقبولة عندي فإنها لا حاجة إليها، المادة الثامنة فيها الكفاية، المادة الثامنة أنشأت صندوقا احتياطيا لمواجهة مخاطر خسارة رأس المال وهذا سيدفعه أصحاب رأس المال وهذا مقبول وهو كاف في نظري لضمان رأس المال.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يا سيدي كيف أنها مقبولة شرعا وغير مقبولة عندك.. إذا سمحت.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
هذا من الناحية العملية وهذا هو المعمول في كل حالات الضمان بالنسبة لمثل هذه الأشياء فما الداعي لإدخال هذه الجهة، وأقول لكم حقيقة إن هذا المعنى كان موجودا في المشروع الأول وكان كفالة صريحة للمضارب الذي هو وزارة الأوقاف، كانت وزارة الأوقاف ضامنة لرأس المال والحكومة ضامنة لوزارة الأوقاف.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
لا ليس هكذا.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
هذا هو المشروع الأول والنصوص عندي. فجاءت هذه المادة بعدها وما أدري ما الداعي إليها ثم نقرأ في هذه الفقرة هل الاقتراح أننا سنقف عند هذا الحد وإلا سنأخذ كل المادة على أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة – لا أفهم كيف ترون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة وهو يضمن لصاحب رأس المال ماله. يستحيل أن يحصل هذا.(4/1719)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
الكيفية مشروحة.
الرئيس:
بمعنى. بمعنى يا شيخ.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
هل ستحذف: على أن يكون التزاما مستقلا. الأسطر الأربع الأخيرة. تبقى. لا يمكن أن يفهم هذا. كيف يضمن الطرف الثالث رأس المال في مضاربة ويكون ضمانه هذا أو تبرعه هذا مستقلا عن عقد المضاربة؟
الرئيس:
أما من الناحية العملية فالذي يظهر لي - والله أعلم - تعذره إلا من جهة حكومية؛ لأنه أولا من واقع الحال لا يعرف أن أحدا أتى وتبرع بمئات الملايين مثل هذا الضمان. الأمر الثاني أن هذا لا يقصد به إلا الحكومات لكن هنا شيء واحد طالما أنه متبرع وقيد بأنه بغير مقابل وقيد بأنه أجنبي عن العقد لا صفة له فيه لا من قريب ولا من بعيد لو فرض أن إنسانا عنده من الأموال - الله به عليم - وضمن لشركة خيرية وهو لا صلة له بها لا من قريب ولا من بعيد هل فيه ما يصادم هذا شرعا بدليل ينفس هذا الضمان.(4/1720)
الشيخ محمد المختار السلامي:
تسمح يا أستاذ كلمة واحدة بسيطة.. عندنا كل الشروط إذا كانت وقعت على الطوع فهي مقبولة والأحسن فقط أن تكتب بعقد مستقل. يقول ابن عاصم:
وحيث ما شرط على الطوع جعل فالأحسن الكتب بعقد مستقل
الرئيس:
يعني نكتب البيت هذا. تفضل يا شيخ سامي.
الدكتور سامي حسن حمود:
10- نظرا لما لعقارات الأوقاف من طبيعة خاصة وأحكام متميزة، ورغبة في الحفاظ على هذه الأوقاف ودفع التعدي عنها ومساعدة لجهة الوقف على تحقيق الأهداف المقصودة من نظام الوقف الإسلامي واستنباط الصيغ الإسلامية لتعميره واستثمار أصوله، وتحقيق عائد مُجْدٍ للصرف على جهاته فقد درست اللجنة بعناية فائقة التجربة التي قامت بها وزارة الأوقاف الأردنية والتي ظهرت في (قانون سندات المقارضة المؤقت رقم 10 لسنة 1981م) وهي بصدد استحداث أدوات استثمارية قائمة على قواعد الشريعة الإسلامية واستعرضت ما بنيت عليه تلك التجربة من اجتهادات واطلعت على ما يجري عليها من تعديلات وما أبدي عليها من ملاحظات في الأبحاث المقدمة إلى الندوة.
لذا عرض في الندوة بصدد ما يستفاد منه في إطار تعمير الوقف واستثماره الصيغ الآتية بالإضافة إلى الصيغة المقبولة لصكوك المقارضة وفق ما سبق بيانه:(4/1721)
الرئيس:
في الواقع يا مشايخ الذي أمامنا هو أربعة مشاريع على الأصح وليست وجهات نظر فإذا رأيتم أن يطلب من الأمانة بإعطاء استكتاب بمن يعطي تصورا لهذه الوجهات الأربعة ودراسة شرعية حولها ويؤجل النظر فيها إلى الدورة الآتية. مناسب.
وبهذا ترفع الجلسة للاستراحة خمسة عشر دقيقة وصلى الله وسلم على سيدنا محمد.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
كلمة مقارضة أنا لا أعرف هذه الكلمة في الاصطلاح الفقهي إما مضاربة أو قراض فلتكن سندات القراض.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
عفوا مصدر قياسي قارض يقارض مقارضة وقراضا.
الرئيس:
لا ولهذا كل من ذكرتها له يحصل عنده لبس ما هي المقارضة، ما هي صكوك المقارضة فلو جعلت صكوك المضاربة يكون فيه وضوح وجلاء.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
مضاربة. عقد المضاربة وأخشى أن تكون مقارضة مآلها إلى القرض، المشاركة في القرض.(4/1722)
مناقشة مشروع القرار
الرئيس:
في الواقع يا مشايخ سندات المقارضة وسندات الاستثمار أمامكم الآن أربعة صفحات من صفحة تسعة حتى الثانية عشر وتعرفون - ولله الحمد - أن هذا القرار أعطي حظه بقدر ما نملك من النقاش والوقت ونوقش فقرة فقرة والأستاذ الشيخ عبد الستار كان يسجل ما يزاد وما يحذف فقراته وقد تستغرق الوقت الطويل، فهذا أمامكم هل تريدون أن نعطيكم خمس دقائق أو أنه لا يحتاج؟ إذن ما بعده.(4/1723)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
قرار رقم (5) د 4/ 08/ 88
بشأن
سندات المقارضة وسندات الاستثمار
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 – 23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6 –11 فبراير 1988م.
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة في موضوع (سندات المقارضة وسندات الاستثمار) والتي كانت حصيلة الندوة التي أقامها المجمع بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 6 – 9 محرم 1408هـ/ 30 / 8 - 2/ 9/ 1987م تنفيذا لقرار رقم (10) المتخذ في الدورة الثالثة للمجمع وشارك فيها عدد من أعضاء المجمع وخبرائه وباحثي المعهد وغيره من المراكز العلمية والاقتصادية وذلك للأهمية البالغة لهذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه، للدور الفعال لهذه الصيغة في زيادة القدرات على تنمية الموارد العامة عن طريق اجتماع المال والعمل.
وبعد استعراض التوصيات العشر التي انتهت إليها الندوة ومناقشتها في ضوء الأبحاث المقدمة في الندوة وغيرها، قرر ما يلي:(4/1724)
أولا: من حيث الصيغة المقبولة شرعا لصكوك المقارضة:
1- سندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصا شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه، بنسبة ملكية كل منهم فيه.
ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية (صكوك المقارضة) .
2- الصورة المقبولة شرعا لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:
العنصر الأول:
أن يمثل الصك ملكية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته.
وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها، مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.
العنصر الثاني:
يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الإصدار) وأن (الإيجاب) يعبر عنه (الاكتتاب) في هذه الصكوك، وأن (القبول) تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة.
ولا بد أن تشتمل نشرة الإصدار على جمع البيانات المطلوبة شرعا في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.(4/1725)
العنصر الثالث:
أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذونا فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
أ - إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودا فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف.
ب - إذا أصبح مال القراض ديونا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.
ج - إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون الأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقا للسعر المتراضي عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع. أما إذا كان الغالب نقودا أو ديونا فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة.
وفي جميع الأحوال يتعين تسجيل التداول أصوليا في سجلات الجهة المصدرة.
العنصر الرابع:
أن من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب، أي عامل المضاربة ولا يملك من المشروع إلا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك فهو رب مال بما أسهم به بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس.
وأن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة لا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.
3- مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول:
يجوز تداول المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه.
4- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.(4/1726)
5- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقا أو مضافا للمستقبل. وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدا بالبيع. وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء ويرضي الطرفين.
6- لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلا.
ويترتب على ذلك:
أ - عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها.
ب - أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح، إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقا لشروط العقد.
ج- أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنا وتحت تصرف حملة الصكوك.
7- يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة. وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته. وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
8- ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر رأس المال.
9- ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.(4/1727)
ثانيا:
استعرض مجلس المجمع أربع صيغ أخرى اشتملت عليها توصيات الندوة التي أقامها المجمع، وهي مقترحة للاستفادة منها في إطار تعمير الوقف واستثماره دون الإخلال بالشروط التي يحافظ فيها على تأييد الوقف وهي:
أ - إقامة شركة بين جهة الوقف بقيمة أعيانه وبين أرباب المال بما يوظفونه لتعمير الوقف.
ب - تقديم أعيان الوقف (كأصل ثابت) إلى من يعمل فيها بتعميرها من ماله بنسبة من الريع.
ج- تعمير الوقف بعقد الاستصناع مع المصارف الإسلامية لقاء بدل من الريع.
د - إيجار الوقف بأجرة عينية هي البناء عليها وحده، أو مع أجرة يسيرة.
وقد اتفق رأي مجلس المجمع مع توصية الندوة بشأن هذه الصيغ من حيث حاجتها إلى مزيد من البحث والنظر وعهد إلى الأمانة العامة الاستكتاب فيها، مع البحث عن صيغ شرعية أخرى للاستثمار، وعقد ندوة لهذه الصيغ لعرض نتائجها على المجمع في دورته القادمة.(4/1728)
بدل الخلو
إعداد
الأستاذ الدكتور وهبة الزحيلي
رئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة الإمارات
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
فإن موضوع (بدل الخلو) أو (مقابل الخلو) من الموضوعات المهمة جدا في الحياة المعاصرة، والذي يتطلب إبداء الحكم الشرعي فيه، بسبب إباحته في أعراف الناس، ومنعه في القوانين الوضعية، فإنها لا تجيز أخذ بدل الخلو كالذي يدفعه المستأجر للمالك في بداية عقد الإيجار إضافة إلى الأجرة ويحكم القاضي عادة بوجوب رده لدافعه إذا ادعى على المالك أنه قبض منه بدل خلو.
لذا تكرر السؤال عن حكمه الشرعي، وتحرج أهل الورع من أخذه لاعتقادهم عدم إباحته وأنه محظور، فهو لا يعدو في تصورهم أن يكون مالا سحتا أو أكلا لأموال الناس بالباطل، علما بأنه قد يزيد بدل الخلو في أغلب الأحيان عن مجمع ما دفعه المستأجر من أجرة للمالك طول مدة الإجارة.
وتتعقد المشكلة إزاء أزمة المساكن الحالية، وغلاء أو ارتفاع بدلات الخلو أوما يسمى بالفروغ أو مقابل الخلو، وخصوصا في بعض الشوارع التي أصبحت ذات مقصد كبير للتجار، حيث أصبح المحل ذا موقع مهم جدا (استراتيجي) للتجارة أو لأغراض أخرى تطمح إليها المكاتب المؤجرة لأعمال أو مهن حرة متعددة الأنشطة في الحياة الحديثة.
وهذا يقتضينا ضرورة البت في هذا الموضوع، ببيان مدى حله أو حرمته، وشروط الحل وحالات الحرمة، وتعيين آخذ البدل.
تعريف بدل الخلو: هو مبلغ من المال يدفعه الشخص نظير تنازل المنتفع بعقار (أرض أو دار أو محل أو حانوت) عن حقه في الانتفاع به.
وحكمه الشرعي فيما يبدو لي – والله أعلم – ما يأتي:(4/1729)
أولا: للمالك المؤجر أن يأخذ من المستأجر مقدارا مقطوعا من المال، بالإضافة إلى الأجرة السنوية أو الشهرية، إذا تراضيا على ذلك، وقام المؤجر بعدها بتسليم العقار إلى المستأجر، مؤثرا إياه على غيره من المستأجرين. ويعد المأخوذ جزءا معجلا من الأجرة المشروطة في العقد، وتكون الأجور التي تدفع في المستقبل سنويا أو شهريا جزءا آخر من الأجرة مؤجل الوفاء مضافا إلى ما تم تعجيله، مثل اتفاق الزوجين في العصر الحاضر على قسمة المهر إلى معجل ومؤجل، عملا بالعرف العام السائد في البلاد الإسلامية.
ثانيا: أن ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من المالك المؤجر لفسخ عقد الإيجار، ضمن مدة العقد، وتسليمه المأجور لصاحبه يعد كسبا حراما غير مباح شرعا في رأي الجمهور غير المالكية وأبي يوسف؛ لأن إقالة عقود المعاوضات المالية أو فسخها، كالبيع والإيجار، لا تجوز إلا بنفس العوض الذي تم التعاقد عليه في رأي الإمام أبي حنيفة الذي جعل الإقالة فسخا في حق العاقدين، بيعا جديدا في حق شخص ثالث غيرهما.
ومقتضى هذا الرأي أن الإقالة للبيع ومثله الإيجار، تصح بالثمن الأول، ويبطل ما شرطه المتعاقدان من الزيادة أو النقص أو الأجل، أو الجنس الآخر من الأعواض، سواء أكانت الإقالة قبل القبض أم بعده؛ لأن الإقالة فسخ في حق العاقدين، والفسخ رفع العقد والعقد وقع بالعوض الأول، فيكون فسخه بالعوض الأول، ويبطل الشرط الفاسد، فإذا تقايل العاقدان على أكثر من العوض الأول أو أقل على جنس آخر، يلزم العوض الأول لا غير.
وهذا هو الحكم أيضا على قول زفر الذي يجعل الإقالة في رأيه فسخا في حق الناس كافة وهو أيضا قول محمد الذي يجعل الإقالة فسخا إلا إذا تعذر ذلك للضرورة، فتجعل بيعا.
وكذلك قال الشافعية والحنابلة، الذين قرروا بطلان الإقالة في هذه الحالات بسبب الشرط الفاسد في البيع ونحوه، فلا تجوز عندهم الزيادة ولا النقصان.
أما الإمام مالك فيرى أن الإقالة بيع جديد، فيجوز فيها الزيادة أو النقصان وهو أيضا قول أبي يوسف الذي يجعل الإقالة بيعا جديدا في حق العاقدين وغيرهما، إلا أن يتعذر جعلها بيعا، فتجعل فسخا (1) .
__________
(1) البدائع: 5/ 306، فتح القدير: 5/ 247، بداية المجتهد: 2/140، الأشباه والنظائر للسيوطي: ص152، المغني لابن قدامة: 4/ 121 وما بعدها(4/1730)
وبناء على هذا الرأي يصح للمالك المؤجر دفع زيادة عن الأجرة المقبوضة إلى المستأجر الذي دفعها، نظير فسخ الإجارة وتسليم المأجور.
وأما إذا وهب المؤجر باختياره ورضاه بعد انتهاء الإجارة من المال للمستأجر، يسميه الناس الآن (مقابل الخلو) لأجل إخراج المستأجر من المأجور، فهو أمر جائز باتفاق العلماء؛ لأن الهبة تبرع، وقد تم الدفع بالتراضي.
ثالثا: الحالة الغالبة المثيرة للنزاع: وهي ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من شخص آخر غير المالك المؤجر، مقابل تنازله عن اختصاصه بمنفعة العقار، ليحل محله ذلك الشخص في الانتفاع بالعقار.
هذه الحالة جائزة أيضا بشرط أن يكون التنازل ضمن مدة عقد الإجارة. فإذا كانت المدة سنة، أمضى المستأجر في العقار مدة ستة أشهر منها مثلا، جاز له التنازل لشخص آخر للانتفاع بالمأجور بقية المدة المتفق عليها بين المالك والمستأجر.
وإذا كانت مدة الإجارة سنويا (مسانهة أو معاومة) دون تحديد مدة قصوى، وهو ما يحدث الآن في عقود الإيجارات، فذلك جائز في رأي جمهور الفقهاء غير الشافعية، ولكنه لا يلزم إلا بالدخول في المدة الجديدة أو التلبس فيها، ويصير ذلك كعقد المعاطاة إذا جرى من المساومة ما يدل على التراضي بها.
وحينئذ يجوز للمستأجر التنازل عن المأجور في مدة أخرى نص عقد الإيجار على تجديدها ضمنا أو صراحة، وذلك مقابل مبلغ من المال يسمى اليوم (بدل الخلو) : لأن المستأجر مالك لمنفعة المأجور أثناء المدة، وله استيفاء المنفعة بنفسه أو بغيره باتفاق العلماء، وهذا يعني شرعا جواز ما يسمى اليوم (التأجير من الباطن) خلافا للقانون، لأن حق المستأجر في فقهنا حق عيني، وفي القانون حق شخصي.(4/1731)
وقد أفتى الحنفية بجواز النزول عن الوظائف بمال كالإمامة والخطابة والأذان ونحوها، استنادا إلى الضرورة وتعارف الناس، وبالقياس على ترك المرأة قسمها لصاحبتها (الضرة) لأن كلا منهما مجرد إسقاط للحق، وقياسا على أنه يجوز لمتولي الأوقاف عزل نفسه عند القاضي، ومن العزل: الفراغ عن وظيفة النظر أو غيره، وقد جرى العرف بالفراغ بعوض (1) .
واستدل بعض العلماء على جواز مسألة (النزول عن الوظائف بمال) بما صنعه سيدنا الحسن رضي الله عنه – سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم – من تنازله عن الخلافة وقبوله الراتب. وربما نوقش هذا بأن ما كان يأخذه السيد الإمام رضي الله عنه، لم يكن عوضا عن التنازل عن أمر الخلافة فحسب، لأن الخلفاء قد تعودوا منح الوظائف والرواتب غيره كثيرا من الصحابة والتابعين، فلم يكن راتب سيدنا الحسن عوضا عن تنازله على الخلافة.
وصرح الشافعية أثناء كلامهم عن صيغة عقد البيع بقولهم: (لا يبعد اشتراط الصيغة في نقل اليد في الاختصاص – أي عند التنازل عن حيازة النجاسات لتسميد الأرض كأن يقول: رفعت يدي عن هذا الاختصاص، ولا يبعد جواز أخذ العوض عن نقل اليد، كما في النزول عن الوظائف) (2) .
فالنزول عن الوظائف جائز بعوض وبغير عوض، كما قالوا.
إلا أن ذلك كله مقيد شرعا- حال تنازل المستأجر عن منفعة المأجور – بمدة الإيجار المتفق عليها. فإن تنازل المستأجر لغيره بعوض بعد انتهاء مدة الإيجار، فلا يجوز ذلك شرعا إلا برضى المالك وإبرام عقد إجارة جديد.
__________
(1) الدر المختار ورد المحتار لابن عابدين: 4: 15، إتحاف الأبصار والبصائر: ص237
(2) حاشية البجيرمي على شرح الخطيب: 3/3، نهاية المحتاج للرملي: 5/ 336(4/1732)
وأما المالكية فهم أيضا كالشافعية، جاء في رسالة للمتأخرين من علماء المالكية بعنوان (جملة تقارير وفتاوى في الخلوات والإنزالات (1) . عند التونسيين) لمفتي المالكية إبراهيم الرياحي بتونس (المتوفى سنة 1266هـ) والشيخ محمد بيرم التونسي، والشيخ ابن صالح باش مفتي المالكية بتونس، والشيخ محمد السنوسي قاضي تونس، جاء في هذه الرسالة ما يدل على تجويز المعاوضة عن الخلوات عملا بالعرف والعادة، ولأن المستأجر يملك المنفعة، فله أن يتنازل عنها بعوض كالإجارة وبغير عوض كالإعارة (2) ، فقد نقل البناني عن البرزلي في النزول عن الوظيفة ما يقتضي جوازه، ونقل فتوى الفاسيين بجواز بيع الخلو، وقال الشيخ محمد بيرم: وما أشبه الخلو بالمغارسة، غير أن الخلو لا تحمل به ملكيات الرقبة، لتعلقه بالمنفعة.
وأما الحنابلة: فلم يجيزوا أخذ العوض على الاختصاصات؛ لأن محل حق الاختصاص الانتفاع فقط، ولا يملك أحد من مزاحمة مستحقة، لكن الاختصاص يجري فيما هو محرم كعصير العنب المتخمر عنه المسلم، ويجري في بعض المباحات كتحجير الأرض الموات، أما المملوكات الجارية في الأعيان والمنافع، فيجوز التنازل عنها بعوض (3) .
والخلاصة: أن بدل الخلو جائز شرعا إذا كان ضمن مدة الإيجار مع المالك المؤجر، وأما بعد انتهاء المدة فلا يجوز التنازل عن المنفعة، ولا أخذ البدل عنها إلا برضا مالك العقار، وإبرام عقد آخر مع المستأجر الجديد، وإلا كان أخذ البدل سحتا حراما، والمتنازل غاصبا، وآكلا أموال الناس بالباطل، وكذلك يكون المتنازل معتديا على حقوق الآخرين.
__________
(1) الخلو والإنزال والجلسة بمعنى واحد: وهو المنفعة التي يملكها دافع الدارهم لمالك الأصل مع بقاء ملكه للرقبة، فإن كانت الرقبة التي هي الأصل أرضا عبر عن تلك المنفعة بالإنزال في اصطلاح بعض الناس، وإن كانت حوانيت أو دورا، عبر عنها بالخلو في غير اصطلاح أهل فاس، وفي اصطلاحهم يعبر عنها في الحوانيت بالجلسة
(2) الفروق للقرافي: 1/ 187
(3) القواعد لابن رجب: ص192، المغني: 5/ 42(4/1733)
بدل الخلو
إعداد
الدكتور محمد سليمان الأشقر
عضو بالموسوعة الفقهية – الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
درجت العادة بين العوام في كثير من البلاد الإسلامية على إطلاق لفظ (الخُلُوِّ) هكذا مفردا على مبلغ نقدي سوى الأجرة، قد يأخذه مالك العقار من مستأجره، لتمكينه من استئجار العقار، وقد يأخذه المستأجر من المالك إذا رغب المالك لسبب ما في إخلاء العقار من المستأجر، وقد يأخذه المستأجر من مستأجر آخر حيل محله في شغل العقار. فهي حالات ثلاث (1) .
أما الذي جرى عليه الفقهاء والقانونيين فهو إطلاق لفظ (الخلو) على المنفعة نفسها التي يملكها دافع النقود إلى المالك أو إلى المستأجر قبله ليحصل على حق القرار في العقار وإطلاق لفظ (بدل الخلو) على المقابل النقدي لهذه المنفعة.
الحالة الأولى: أخذ المالك بدل الخلو من المستأجر:
الأصل أن بدل الإيجار كاف لتمكين المستأجر من العقار. ولكن تنشأ في بعض الأحوال الحاجة إلى بذل المستأجر بدل الخلو، والغالب أن يكون مبلغه أضعاف الأجرة الشهرية أو السنوية، ولا يمكن المالك المستأجر من وضع يده على العقار إلا بعد الحصول على البدل المذكور. وهذا العرف جارٍ الآن في كثير من البلاد في إجارة الحوانيت ونحوها من الأماكن الصالحة لممارسة التجارة أو الصناعة غير جار في إجارة العقارات المعدة للسكن الخاص، وفي بعض البلاد جرى العرف أيضا على بذل بدل الخلو عند استئجار المساكن، كما يحصل في مصر.
__________
(1) العامة يقولون (الخلو) ولا يقولون (بدل الخلو) ، وسوف يتبين من البحث إن شاء الله وجه التسمية بكل منهما(4/1734)
وتنشأ الحاجة إلى بذل بدل الخلو في هذه الحالة الأولى لأسباب:
الأول: أن يكون المالك محتاجا إلى مال يبني به أرضه، أو مال يستعجل الحصول عليه. فيأخذ من الراغبين في استئجار الحوانيت مبالغ بدل الخلوات مقدما ليتمكن من البناء على أن يكون للمستأجر الذي بذل بدل الخلو حانوت معين منها، ويتفق الطرفان على أجرة شهرية أو سنوية، فوق بدل الخلو، تكون في الغالب أقل من أجر المثل بنسبة النصف أو أكثر أو أقل، وقد يتفق الطرفان على أن يكون للمستأجر حق القرار في الحانوت مدة معينة تكون غالبا مدة طويلة كخمسين أو ستين عاما، وقد يجري العرف باستحقاق المستأجر حق القرار أبدا ولو لم ينص في العقد على المدة.
وهذا النوع ذكره متأخرو المالكية، وأخذوا به، وكان أول من أفتى به منهم الشيخ ناصر الدين اللقاني وفتواه مشهورة، ونصها على ما نقله الشيخ عليش في فتاويه (2/ 249، 250) والزرقاني وغيرهما، (سئل العلامة الناصر اللقاني بما نصه: ما تقول السادة العلماء أئمة الدين - رضي الله عنهم أجمعين - في خلوات الحوانيت التي صارت عرفا بين الناس في هذه البلدة وغيرها، وبذلت الناس في ذلك مالا كثيرا حتى وصل الحانوت في بعض الأسواق أربعمائة دينار ذهبا، فهل إذا مات شخص له وارث شرعي يستحق خلو حانوته، عملا بما عليه الناس أم لا؟ وهل إذا مات من لا وارث له يستحق ذلك ببيت المال أم لا؟ وهل إذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه يوفي ذلك من خلو حانوته؟ أفتونا مأجورين. فأجاب بما نصه: الحمد لله رب العالمين. نعم إذا مات شخص وله وارث شرعي يستحق خلو حانوته عملا بما عليه الناس، وإذا مات من لا وارث له يستحق ذلك بيت المال. وإذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه فإنه يوفى من خلو حانوته. والله سبحانه وتعالى أعلم) .(4/1735)
• وقال الشيخ عليش والشيخ الزرقاني: إن التعويل في هذه المسألة على هذه الفتيا. وقال الحموي في شرح الأشباه (1/ 137) في شرح قاعدة (العادة محكمة) : (ليس في المسألة نص عن مالك وأصحابه، والتعويل على فتوى اللقاني والقبول الذي حظيت به، وجرى عليه العمل) . وقال الغرقاوي كما في فتاوي عليش: (إنها فتوى مخرجة على النصوص، وقد أجمع على العمل بها، واشتهرت في المشارق والمغارب. وانحط عليها العمل) .
ونقل بعض متأخري الحنفية هذه الفتوى وأجازوا العمل بها، وإن كان الأصل عندهم أن المنفعة لا تباع منفردة لأنها حق مجرد، وقالوا كما في الدر المختار وحاشية ابن عابدين (4/ 14 – 16) : (أفتى الكثيرون باعتبار العرف الخاص، وبناء عليه يفتى بلزوم خلو الحوانيت، فيصير الخلو في الحانوت حقا له، فليس لرب الحانوت إخراجه منها ولا إجارته لغيره، قال: وقد وقع في حوانيت الجملون في الغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها التجار بالخلو، وجعل لكل حانوت قدرا أخذ منهم، وكتب ذلك بمكتوب الوقف) .
وقال ابن عابدين في حاشيته (4/ 17) : (ممن أفت بلزوم الخلو بمقابلة دراهم يدفعها إلى المالك العلامة عبد الرحمن العمادي وقال: فلا ملك صاحب الحانوت إخراجه منها: ولا إجارتها لغيره، فيفتي بجواز ذلك) .
وانظر مثل ذلك الفتاوى المهدية (5/ 26، 43، 44، 49، 61) .
وأجازه أيضا بعض الحنابلة كما في مطالب أولي النهى (4/ 370) ففيه أن الشيخ البهوتي يصرح بأنه أن الخلوات إذا اشتريت بالمال من المالك تكون مملوكة لمشتريها مشاعا، لأنه يكون قد اشترى نصف المنفعة مثلا. قالوا: (ولا تصح إجارة الخلو، ولكن يصح بيعه وهبته ووفاء الدين منه) .
التكييف الفقهي لهذا النوع من الخلو:
رأي المالكية ومن أجاز إنشاء الخلو من الحنفية والحنابلة أن إنشاء الخلو بمال يدفعه المستأجر للمالك هو في الحقيقة بيع جزء من المنفعة مجردا، وصوَّر ذلك العدوي من المالكية في شرحه على الخرشي (7/ 79) في شأن الوقف كما يلي: أن تكون الأجرة في الأصل ثلاثين دينارا في كل سنة، فإذا أخذ الناظر الخلو يجعل الأجرة خمسة عشر فقط في كل سنة، وتكون منفعة الحانوت شركة بين ذلك المكتري وبين جهة الوقف ما كان منها لذلك المكتري هو (الخلو) والشركة (أي نسبة حق كل من الطرفين) بحسب ما يتفق عليه صاحب الخلو وناظر الوقف على وجه المصلحة.
ثم قاله العدوي: إن الخلو المذكور هو من ملك المنفعة لا من ملك الانتفاع، إذ مالك الانتفاع ينتفع بنفسه، ولا يؤجر ولا يهب ولا يُعِيرُ، ومالك المنفعة له تلك الثلاثة مع انتفاعه بنفسه، فالخلو من ملك المنفعة، فلذلك يورث اهـ. وصرح البهوتي الحنبلي كما في مطالب أولي النهى (4/ 370) بأن الخلو المشترى بالمال يكون من باب ملك المنفعة.(4/1736)
ولما كان إنشاء الخلو من هذا النوع بيعا لجزء من المنفعة، فقد ضيق القائلون بجوازه، في إجرائه في الوقف، بحيث يقتصر فيه على أحوال الضرورة، في صور حدودها، بشروط معلومة، يمكن الرجوع إليها في فتاوى الشيخ عليش (2/ 250) والحموي على الأشباه (1/ 138) وهذا بخلاف الطلق، فإنه لما كان للمالك أن يتصرف في ملكه كما يشاء فله أن ينشئ الخلو على عقاره كما يشاء عند كل من أجاز بيع المنفعة مجردة، سواء كان ذلك لضرورة أو غيرها. قال الشيخ عليش (2/ 252) : (إن الخلو إذا صح في الوقف ففي الملك أولى لأن المالك يفعل في ملكه ما يشاء) ويفهم مثله من كلام صاحب مطالب أولى النهى من الحنابلة.
الحكم الشرعي لهذا النوع من الخلوات:
يرجع الحكم فيه إلى حكم بيع المنفعة المجردة، والراجح فيما نرى جوازه ولذلك نرى جواز إنشاء حق الخلو في الصورتين المذكورتين، بالشروط الآتية:
1- أن تعرف نسبة كل من الطرفين من المنفعة، كأن يكون للمالك النصف، وللمستأجر النصف. وينبغي النص على ذلك صراحة في العقد الذي يبرم بين الطرفين.
2- أن تكون المدة التي يستحق فيها المستأجر منفعة الخلو محددة، طويلة كانت أم قصيرة، ولا تكون مؤيدة. ولا ينبغي أيضا إطلاق العقد عن تحديد المدة لئلا تتأبد. وتؤول منفعة العقار بعد انتهاء المدة إلى المالك. ولا ينبغي أن تزيد المدة المتفق عليها عن خمسين عاما أو ستين، لئلا ينسى الأصل.
3- أن يجري تسجيل الخلو لدى إدارة التسجيل العقاري في صفحة العقار نفسها.
4- ينتقل الخلو إلى الوارث، ويجوز بيعه والإيصاء به وجميع أنواع التصرفات الجائزة ويشترط في البيع ونحوه إذن المالك، لأن مشتري الخلو سيكون مستأجرا لباقي المنفعة، ولا يرغم المالك على أن يؤجر لمن لا يرضاه.
5- المالك أولى بالشفعة في الخلو توحيدا للملك قدر المستطاع، ولتقليل النزاعات بين المالكين والمستأجرين (انظر ابن عابدين 4/ 18 و5/ 142 وتنقيح الفتاوى الحامدية 2/ 199) .(4/1737)
6- أجرة التي يدفعها المستأجر للمالك عن الجزء الذي يخص المالك من منفعة العقار وتسمى الحكر (انظر فتاوى الشيخ عليش) يجب أن تكون مساوية لأجر المثل، ولذلك يجب تعديلها بمضي السنين بمعرفة أهل الخبرة، وخاصة في ظل النظام النقدي الحاضر الذي تتدهور فيه قيمة النقود الورقية باستمرار.
السبب الثاني من أسباب نشوء الخلوات:
أن تكون هناك قوانين وضعية أو أنظمة معينة تحد من حق المالك في إيجار عقاره بأجر المثل، بل تلزمه بتسعيرة جبرية، أو تحد من حقه في إخلاء الساكن عند نهاية المدة التي جرى عليها التعاقد في عقد الإيجار ليتعاقد مع ساكن جديد، أو مع الساكن الأول نفسه بكامل حرية كل من الطرفين، أي على أساس المساومة الحرة، وهي الأصل في عقود المعاوضات.
فإذا وجدت مثل هذه الأنظمة أو القوانين، فربما تغير سعر أجرة المثل للعقار، ويكون غالبا بارتفاع السعر بسبب ارتفاع نسبة التضخم النقدي للعملات الورقية.
فبدأ أصحاب الأملاك يحسبون هذا الحساب عند ابتداء الإجارة، وطلبوا بدل الخلوات من المستأجرين ليحصلوا على قسم ذي أهمية، من النفقات التي تكبدوها عند إنشاء العقارات.
وفي حالة التسعيرات الجبرية لأجور العقار، إن كان التسعير بأقل من أجرة المثل، يحتال أصحاب العقارات بأخذ بدل الخلو لتغطية قسم من التكلفة، وقد يكون ذلك خفية عن أنظار السلطات، ويدعو إلى ذلك ضآلة السعر الجبري بالنسبة إلى التكلفة الفعلية في أغلب الأحوال.
رأينا في هذا النوع من الخلوات:
في رأيي أنه بالنسبة للتسعيرة الجبرية لا يجوز التسعير بأقل من أجرة المثل، تحقيقا للعدالة بين الطرفين، فإن زادت أجرة المثل ينبغي زيادة أجرة العقار تبعا لذلك. وفي جميع الأحوال لا ينبغي الحد من حرية المالك في إخلاء العقار من المستأجر عند نهاية المدة التعاقدية.(4/1738)
وحيث اقتضت الظروف في بعض الأحوال مَدِّ الإجارة بقوة القانون لا ينبغي أن يكون الامتداد بأقل من أجرة المثل، ويجب تعديل الأجرة باستمرار لتلحق بمقدار أجرة المثل في وقتها، لأن في ترك ذلك ظلما للمالك من جهتين. الأولى: نقص الأجرة المستحقة، والثانية: أن قيمة العقار تتأثر بمقدار الأجرة فلو كانت أجرة المثل مائة دينار مثلا لعقار قيمته عشرة آلاف، فإنه إن ألزم المالك بأجرة مقدارها خمسون دينارا فقط، فإن المالك لو أراد البيع لا يستطيع بيع عقاره بأكثر من خمسة آلاف أو ستة، وفي ذلك ظلم له وأي ظلم.
فلو التزم بتعديل الأجرة دائما في الأحوال الإلزامية لتصل إلى أجرة المثل تنعدم الحاجة إلى هذا النوع من بدل الخلو أو تكاد.
ومع ذلك ففي ظل الأوضاع الحالية في بعض البلاد الإسلامية التي تحد من حرية المالك على الوجه المشروح فما حكم أخذ المالك بدل الخلو لتمكين المستأجر من السكنى؟ وما حكم بذل المستأجر لذلك البدل؟ وماذا يستتبع ذلك من التصرفات؟
أما المالك: فيظهر أنه لا حرج عليه شرعا في الأخذ؛ لأن العقار خالص ماله، وله أن يتصرف فيه كما يشاء، ومن ذلك أن لا يأذن لأحد بدخوله إلا بعوض، والعوض هنا يجوز أن لا يحتسب من الأجرة، بل يكون جعلا لا غير.
وقد قال البعض: إنه لا يحل إلا إذا احتسب من الأجرة، فتكون أجرة السنة الأولى مثلا خمسة آلاف دينار, وأجرة كل سنة من السنوات اللاحقة ألف دينار لا غير، وتكون الأربعة الآلاف الزائدة في أجرة السنة الأولى هي بدل الخلو (1) .
ونحن لا نرى ذلك لازما، بل لو اعتبر جعلا لمجرد التمكين من الاستئجار، لجاز أيضا.
وكذلك دافع بدل الخلو إلى المالك يحل له الدافع ولا حرج عليه.
وأما ما يستتبعه ذلك البذل والأخذ فأمران:
1- فمن الملحوظ أن المستأجر لا يبذل ذلك الجعل، وقد يكون كبيرا، إلا ليكون له (حق القرار) بنفسه طبقا للقانون المعمول به في البلاد، فيكون ذلك ملزما شرعا، كالعرف، بل هو الأقوى.
__________
(1) صدرت عن لجنة الفتوى الشرعية بالكويت، بتاريخ 25/ 10/ 1982م فتيا نصها) اتفقت اللجنة على أن الاستعاضة عن الخلو برفع القيمة الإيجارية أمر جائز ويجري على البدل كل أحكام الأجرة بحيث لو فسخ العقد يسترد المبلغ المقدم الذي يخص الفترة والله أعلم(4/1739)
2- للمستأجر في هذه الصورة الفراغ عن خلوه إلى مستأجر لاحق. ولكن ذلك لا يلزم المالك إن كان بعد انقضاء المدة التعاقدية كما يأتي في الحالة الثالثة، فلا يتم هذا الفراغ إلا بإذن المالك، وللمالك أن لا يأذن إلا مقابل عوض معلوم، أو مقابل نسبة معينة من بدل الفراغ.
الحالة الثانية: أن يأخذ المستأجر بدل الخلو من المالك:
وتنشأ الحاجة إلى ذلك لأسباب:
السبب الأول: أن يكون الخلو قد استحقه المستأجر بطريقة شرعية مما ذكر في الصورة الأولى. وذلك مثل أن يكون قد أنشأه باتفاق مع هذا المالك أو مالك قبله، بمال دفعه له طبقا لعقد مبرم بينهما حائز على الاشتراطات الشرعية المعروفة، ومثل أن يكون المستأجر قد اشترى الخلو من مستأجر قبله نشأ خلوه بطريقة مشروعة.
فإن كان الأمر كذلك، فرغب المالك في استعادة الخلو، وإخراج المستأجر، ودفع مقابل ذلك لصاحب الخلو بدلا ماليا، فرضي صاحب الخلو، جاز للمالك الدفع وجاز لصاحب الخلو الأخذ، لأنه بيع صحيح، وسواء أكان ذلك بمثل الخلو الذي كان المستأجر الأول قد ملك به الخلو إن كان أقل أو أكثر، ما دام قد بقي من المدة المتفق عليها لدوام الخلو جزء له قيمة. ولا إشكال في ذلك.
السبب الثاني: أن يكون المستأجر لا يزال في مدة التعاقد الأصلية، (أي قبل الامتداد القانوني الذي تلزم به بعض القوانين) فللمستأجر أن يتمسك بالعقد ويرفض إخلاء المكان إلا ببدل يرضاه، يأخذه من المالك، لأن ذلك البدل هو في الحقيقة ثمن بيع باقي المدة المتفق عليها، ولا حرج عليهما في ذلك، كما لو اشترى رجل من آخر خمسة رؤوس من الغنم فاستهلك منها أربعة، وأراد البائع أن يستعيد الرأس الخامس بالشراء فلصاحبه أن لا يبيعه إلا بأضعاف ثمنه الذي كان قد اشترى به (1) .
__________
(1) انظر المغني ط ثالثة ج5 ص438(4/1740)
السبب الثالث: أن يكون المستأجر قد استفاد حق القرار في العقار بوضع قانوني صرف، لم تأت به الشريعة، بأن يكون استمرار بقائه في العقار رغما عن المالك وبغير رضاه، مع انتهاء المدة الأصلية للتعاقد، وهو ما يسمى (الامتداد القانوني) ولم يكن المالك قد أخذ منه بدل خلو عند إنشاء عقد الإيجار ويرغب المالك في استعادة العقار، ويتراضى هو والمستأجر على مبلغ مالي، قد يسميه بعض العامة (خلوا) .
وقد ينضم إلى هذا السبب: التسعير الإجباري من الجهة المسؤولة، ويكون السعر أقل من أجر المثل. فهذا النوع من الخلوات فيه احتمالان:
الأول: أن يقال: إنه غبر مشروع فيه أخذ البدل لأن القانون الذي يلزم بالامتداد بغير اختيار المالك، أو بالتسعير الإجباري، قانون غير مقبول شرعا في حالات السعة، وأما في حال الاضطرار فيجوز بأجر المثل ولا يجوز بأقل منه.
ووجه عدم مشروعية بدل الخلو في هذه الصورة بالنسبة لآخذه أنه لو كان للمالك، بعد انتهاء المدة التعاقدية، أن يخلي المكان من المستأجر، ويؤجره لغيره بكامل حريته وهو الوضع الذي كفله له الشرع، ما كان على المالك أن يدفع شيئا أصلا.
وقد ذكر الحنفية هذه المسألة، وصرحوا بحكمها فمنعوها مطلقا في الأملاك الخاصة، وأجازوها في الوقف بأجرة المثل. (1) وقد بين صاحب الفتاوى الحامدية (2/ 200) وابن عابدين (4/ 16) أن الفرق هو أن (المالك أحق بملكه إذا انتهى عقد إيجاره، ثم هو قد يرغب في تجديد إيجاره للمستأجر الأول بمثل الأجر الأول، أو أقل أو أكثر، وقد لا يرغب في ذلك، وقد يريد أن يسكنه بنفسه، أو يبيعه، أو يعطله، بخلاف الموقوف المعد للإيجار فإنه ليس للناظر إلا أن يؤجره فإيجاره من ذي اليد بأجرة المثل أولى من إيجاره لأجنبي، لما فيه من النظر للوقف ولذي اليد، ولأنه يلزم من عدم إخراج صاحب الحانوت للمستأجر عند نهاية المدة حجر الحر المكلف عن ماله، وإتلاف ماله، وذلك لا يجوز) وهي مسألة إجماعية كما نقله صاحب الفتاوى الخيرية (1/ 173) وكما هو معلوم من أحكام الإجارة في الشريعة (انظر الموسوعة الفقهية – الإجارة ف 90، 91) .
__________
(1) أي في حالة وضع المستأجر (جدكه) في العقار بإذن الناظر كما سيأتي آخر هذا البحث(4/1741)
ثم إن كان للمستأجر عند انتهاء الإجارة في الحانوت بناء أو غيره فللمالك أن يكلفه رفعه على خلاف وتفصيل يرجع إليه في أحكام الإجارة.
والاحتمال الثاني: أن يقال: إنه كان مبنيا على قانون صادر بأمر السلطان، وكان للسلطان أن يقيد بعض التصرفات في ضمن اجتهاده في تحصيل المصلحة، ولو أخطأ كان ما ينبني عليه جائزا، ويحل للآخذ ما أخذه.
والاحتمال الأول عندي أرجح، والعمل عليه أوثق، وأما الاحتمال الثاني فإنه مبني على اجتهاد فاسد الاعتبار، لأمور:
الأول: مخالفته للنصوص الشرعية الصحيحة، من مثل: قول الله تعالى:
{وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] . وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه)) ومخالفته للقواعد الشرعية المتفق عليها، من مثل ((أن المالك أحق بالتصرف في ملكه)) .
الثاني: أن المصلحة العامة، على المدى الطويل، ليست في الحقيقة في ظلم المالكين لمصلحة المستأجرين، فإن ذلك يحد من الحركة العمرانية، إذ يتقاعس أصحاب الاقتدار عن إنشاء العمران الجديد، فتقل المساكن، ويعود الأمر بالضرر على المالكين وعلى المحتاجين إلى الاستئجار أيضا، كما هو مشاهد قديما وحديثا.
والثالث: أن هذا الاجتهاد في الحقيقة ليس اجتهادا، وإنما هو تقليد صرف، فهو تقليد لبعض الدول الغربية إذ اتخذت إجراءات وقتية لمواجهة بعض الأزمات اللاحقة للحروب، بتقييد حرية المالكين في التصرف، ولم يكن ذلك كنظام عام، بل كانت قوانين استثنائية، ثم بدأت كثير من تلك الدول الغربية في التخلي عن ذلك والعودة إلى نظام الإجارة الحرة التي تكفل العدالة وانتظام العمران، وبعضهم عاد إلى إجراءات معينة لعزل أثر التضخم النقدي، بتعديل الأجرة سنويا، لتبقى القوة الشرائية للأجرة ثابتة، فلا يضار المالك في الأجرة ولا في قيمة عقاره، واستمر على التمسك بنظام تثبيت الأجور، على علاته ومساوئه، أكثر الدول العربية والإسلامية فيما لا يزيد عن أن يكون تقليدا أعمى لا يبصر وجوه المصالح، ولا مداخل الفساد.(4/1742)
وبعض الفقهاء: (مثلا: الزميل السابق الدكتور محمد سلام مدكور رحمه الله في مجلة المجتمع الكويتية العدد 430 الصادر في 2 ربيع الأول سنة 1399هـ ص30 وما بعدها) ذهب إلى أن للسلطان أن يقيد حرية المالكين، حماية للضعيف ومنعا للاستغلال والاحتكار والإضرار بالجماعة، وأن إعطاء القانون للمستأجرين حق القرار الدائم وتحديد الأجور هو من ذلك، ولكن مع ذلك لم ير من حق المستأجر أن يأخذ الخلو، وهو عنده نوع من الاستغلال.
ونحن نرفض القول بأن للسلطان هذا التقييد لحرية المالكين، لأن هذا تغيير للشرع. والذي للسلطان أن يفعله أن يَرعى المضطرين بمال الدولة لا بأموال الأفراد.
وعليه أن يهيئ لهم من ذلك المال ما لا بد لهم منه من السكن ويضع الخطط لتيسير ذلك لهم باستصلاح الأراضي وبناء المساكن وتيسير التمليك والتأجير.
ثم ليس في إعطاء الحرية للمالك في التصرف في ملكه تقوية للاحتكار ولا تأييد له، لأن الاحتكار الممنوع أن يشتري المحتكر ما في السوق من البضاعة التي لا بد للناس منها، ثم يحتجزه عنده ليغليه على الناس، فالذي بنى عمارة ليستغلها بالتأجير بأجر المثل، أو بالأجر الحر ليس محتكرا أصلا.(4/1743)
وأيضا فليس كل المستأجرين في البلاد التي تلزم بالامتداد القانوني لإجارة الأماكن أو بالتسعيرة الجبرية، ليسوا جميعا مضطرين، بل المضطر قسم منهم قليل، وغالبهم قادر على أن يشتري سكنا أو يستأجر إجارة حرة، لكنه في ظل التسعيرة الجبرية يفضل أن ينعم بالسكن في عقار غيره رغما عنه، بالأجرة التافهة، على أن يقوم بالبناء أو الشراء لسكن خاص. فيفقد القطاع السكني جزءا كبيرا من القدرات المالية التي كان من الممكن أن تشترك في الإنشاءات لو كان الإيجار والاستئجار خاضعا لنظام التعاقد الحر.
وأيضا فإن المالكين مواطنون، يقومون بخدمة جليلة، بتهيئة العقار وتوفيره، وليسوا دائما جبابرة ولا طواغيت، وربما كانوا فقراء ومحتاجين، وكثير منهم كما قال تعالى: {ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاءُ} [البقرة: 266] بحاجة إلى ما يقوتهم ويقوم بأودهم من ثمرة عقار خلفه لهم الموروث.
وكثيرا ما يكون بعض المستأجرين لديهم خيرا منهم حالا وأوفر مالا. ومن الظلم الحيلولة بينهم وبين عقارهم يستثمرونه على الوجه الموافق للشرع.
الحالة الثالثة:
أن يأخذ المستأجر بدل الخلو من مستأجر لاحق:
وتنشأ هذه الحالة لأسباب:
السبب الأول:
أن يكون المستأجر الأول قد ملك منفعة الخلو بطريقة شرعية، بأن يكون قد تعاقد عليه مع المالك تعاقدا صحيحا، أو اشتراه من المالك شراء صحيحا على ما تقدم في أول الحالة الثالثة، فله أن يبيعه لغيره بما شاء من المال، قل أو كثر، ما دام شيء من مدة الخلو باقيا. ويحل لآخذ البدل ما أخذ، لأنه ملك منفعة الخلو بالتعاقد الحر الشرعي، فله أن يبيعه لمن شاء، وتجوز له فيها سائر التصرفات الشرعية (انظر الشرح الكبير وحاشية الدسوقي 3/ 467، 433 والزرقاني على خليل 7/ 57، والخرشي 7/ 79، ومطالب أولى النهى 4/ 370) .(4/1744)
السبب الثاني:
أن لا يكون للمستأجر في المكان خلو صحيح، ولكن لا يزال له في عقد الإجارة بينه وبين المالك جزء من مدة التعاقد الأصلية التي أجراها المالك بكامل حريته دون تسعيرة إجبارية، ولا ضمن امتداد قانوني.
فإن أخذ من المستأجر اللاحق مالا مقابل إخلائه المحل له ليحل مكانه، فهذا البدل المالي الذي قد يسمى لدى العامة (خلوا) هو مشروع للآخذ والمعطي على السواء، لأنه في حقيقته بيع للمدة الباقية من المنفعة المستحقة بعقد الإجارة.
وقد ذكر الشيخ عليش المالكي هذه المسألة والتي بعدها في فتاواه (2/ 250) فقال: (الذي يدور عليه الجواب في ذلك أن الساكن الذي أخذ الخلو إن كان يملك منفعة الحانوت مدة فأسكنها غيره، وأخذ على ذلك مالا، فإن كان الآخذ بيده إجارة صحيحة من الناظر أو الوكيل بشروطها بأجرة المثل [أي الوقف، وأما في الملك فلا يشترط] فهو سائغ له الأخذ على تلك المنفعة التي يملكها. وأما إن لم يكن مالكا للمنفعة بإجارة صحيحة فلا عبرة بخلوه ويؤجره الناظر لمن يشاء بأجر المثل، ويرجع دافع الدارهم على من دفعها له) .
السبب الثالث:
أن يكون المستأجر الأول ليس له في المحل خلو صحيح، على ما تبين في المسألة السابقة، وقد انتهت مدته التعاقدية، ولكن كان هو تلقى المحل ببذل مال لمستأجر قبله حتى مكنه من استئجار المحل. فهذا إن أراد أن يتخلى لغيره عن المحل فقد يأخذ منه مالا متعللا بأنه قد كان دفع للمستأجر السابق شيئا كثيرا. فهذا المال قد يسميه بعض العامة (خلوا) وليس هو من الخلو المصطلح عليه في شيء. ولا يلزم المالك أن يؤجر المحل له سواء بأجر المثل أو أقل أو أكثر، لأن المالك بعد انتهاء عقد الإيجار، حر يصنع في ملكه ما يشاء. ثم إن لم يتمكن الآخذ من إقناع المالك بتوقيع عقد مع المستأجر الجديد، فله أن يرجع على الآخذ بما دفعه له، لأنه إنما دفعه له على تحقيق مصلحة، فلم تتحقق.
أما إذا اتصل بذلك وضع قانوني معين يمنع المستأجر من أخذ الخلو من المستأجر اللاحق كان هذا القانون واجب الرعاية، لأنه يؤكد حقا شرعيا، ولأنه يمنع المستأجر من الاستغلال غير المشروع، وذلك لأن القوانين التي تعطيه حق البقاء في المكان المستأجر بعد انتهاء المدة التعاقدية قصدت – بزعم واضعيها – إلى رفع الضرر عنه، لا إلى تحكمه في حق المالك، وأكله ثمرة جهده بغير حق.(4/1745)
حق القرار للمستأجر بسبب ماله في المكان من الأمتعة والأثاث:
إذا ثبت للمستأجر القرار في المكان المستأجر استتبع ذلك من حيث طبيعة الأمور في التعامل غالبا إمكانية حصول المستأجر على بدل الخلو. أما إن لم يثبت له حق القرار فتكون فرصته في الحصول على البدل ضئيلة جدا، لأن المالك إذا استعاد المكان، وأمكنه أن يؤجره لآخر بتعاقد حر، فإنه من حيث طبيعة الأشياء سيطلب أجر المثل أو أعلى منه، وتكون ثمرة ملكه له، وبذا يستقيم أمر العمران.
حق القرار يثبت للمستأجر في صور منها:
الصورة الأولى: يثبت للمستأجر حق القرار طيلة المدة التعاقدية بمقتضى عقد الإجارة، بشرط أن تكون الإجارة صحيحة، والمدة معلومة ولو كانت طويلة، على أن لا تزيد على خمسين أو ستين عاما كما تقدم.
الصورة الثانية: أن يكون اشترى منفعة الخلو من المالك بتعاقد عليها صريح – كما تقدم في أول الحالة الأولى – فيثبت له حق القرار إذا جرى العرف بذلك (فتاوى عليش، والعدوي على الخرشي 7/ 79) ، وحكم بيع المستأجر للخلو هنا الجواز، لكن لا بد من تعديل الحكر الذي يحصل عليه المالك عن باقي منفعة المكان ليصل إلى أجر المثل.
الصورة الثالثة: أن يكون المستأجر قد وضع في المكان أمتعته وأثاثه، فإن كان أثاثا منفصلا عن المبنى، فإذا انتهت مدة الإجارة فللمالك إن لم يشأ تجديد الإجارة له أن يأمره برفع أثاثه وتسليم المكان.
أما إن كانت الأشياء التي وضعها في المكان متصلة بالمبنى، وتفقد قيمتها – أو جزءا كبيرا من قيمتها – برفعها، فهي التي تسمى الجدك (أو: الكدك) وهو ما يحتاج إليه كثيرا أصحاب المصانع والمتاجر، فقد قيل: إنه يثبت للمستأجر بذلك حق القرار، ولم يرد هذا القول عن أحد من الفقهاء القدامى فيما نعلم في الأملاك الخاصة، بل الذين اطلعنا على كلامهم صرحوا بنفيه فيها، فلا يثبت للمستأجر بوضعها حق القرار بل يلزم المستأجر برفعها عند نهاية المدة ولو تلفت برفعها، وعليه تسوية المكان بعد قلعها وإعادته إلى ما كان عليه.
لكن استثنى من ذلك بعض الفقهاء إجارة الوقف خاصة، إن كان المستأجر قد وضع جدكه بإذن الواقف أو الناظر، ورضي المستأجر بتعديل أجرته حتى تصل إلى مقدار أجرة المثل، قالوا: لأن الوقف لا بد أن يؤجر، فإجارته لذي اليد أولى. فإن أبى يؤمر برفع جدكه وإخلاء المكان، قالوا: (إن كان للمستأجر بناء ونحوه مما يسمى الجدك أو الكردار فإذا لم يدفع أجرة المثل يؤمر برفعه وإن كان موضوعا بإذن الواقف أو أحد النظار) (1) .
__________
(1) حاشية ابن عابدين، الطبعة الثانية 4/ 16(4/1746)
وهذا الذي قاله بعض أصحاب المذاهب وأخذت به بعض القوانين في شأن الأوقاف، كان سببا للاستيلاء على الأوقاف مع طول المدة، أو احتكار منافعها وحرمانها من أخذ الأموال الهائلة بدل خلوتها التي آلت إلى واضعي الأيدي عليها، وحصل الإضرار بها، وأقل ذلك ما تحمله الأوقاف من تكاليف المنازعات القضائية التي تذهب بالقليل الذي قد يتبقى من غلائها، وباء بإثمه من أفتى بذلك إن كان فعله للهوى. ولو أنهم التزموا بالقاعدة الشرعية في الإجارة الحرة من انقضاء حق المستأجر بانقضاء المدة التعاقدية لكان للأوقاف في العالم الإسلامي اليوم شأن آخر. والله المستعان. فما يأخذه المستأجرون من بدل الخلوات في الأوقاف بدعوى حق القرار المدعى في هذه الصورة الثالثة وفي رأيي من السحت الذي أكلت به حقوق الأوقاف، وأدت إلى بطلانها وانقضاء منافعها واستيلاء أهل الفساد عليها والله أعلم.
ففي رأينا أن إذن الواقف أو الناظر لا يعطي للمستأجر حق القرار ما لم ينص عليه وكان الوقف مضطرا إلى ذلك لأجل لإعماره.
أما إن لم يكن وضع الكدك بإذن صريح من الواقف أو الناظر على الوجه المتقدم (1) فقد قيل أيضا يثبت بذلك حق القرار للمستأجر. وذلك واضح البطلان.
ويمكن أن تحل مسألة الحاجة إلى استقرار المستأجر المدة التي يراها كافية لصناعته أو تجارته بطريق الإجارة الطويلة. والله أعلم.
__________
(1) أي عند اضطرار الوقف إليه لأجل إعماره، بأن لم يوجد للوقف مال يعمر به، ولم يوجد من يستأجره على حاله من التخرب، ولم يوجد من يتبرع بإقراضه، ولم يمكن استبداله بوقف ذي ريع، ولم يرض أحد باستئجاره إجارة طويلة بأجرة مقدمة يمكن إعماره بها. فإن كان الأمر كذلك جاز الإذن من الناظر بوضع الجدك من المستأجر بشرط القرار، وإثبات الخلو. وإن لم يكن كذلك لم يجز وحرم اتفاقا ولو رضي المستأجر بشرط القرار، وإثبات الخلو. وإن لم يكن كذلك لم يجز وحرم اتفاقا ولو رضي المستأجر بأجر المثل، قال ابن عابدين (3/ 399) (من أفتى بأنه (أي المستأجر) إن قبل الزيادة العارضة يكون أولى بالاستئجار من غيره فذلك مخالف لما أطبقت عليه كتب المذهب من متون وشروح وحواش وفيه الفساد وضياع الأوقاف حيث إن بقاء أرض الوقف بيد مستأجر واحد المدة الطويلة يؤدي إلى دعوى تملكها مع أنهم منعوا من تطويل الإجارة في الوقف خوفا من ذلك) .(4/1747)
الخلاصة
1- للمالك أن يأخذ بدل الخلو إن أنشأ الخلو (أي بيع جزء من منفعة العقار) صريحا، وذلك فيما جرى العرف بإنشاء الخلو فيه، وقد جرى العرف بذلك في الحوانيت دون المساكن. وينبغي في إنشاء الخلوات مراعاة شروط خاصة يرجع إليها في البحث.
2- إذا اشترى المستأجر الخلو من المالك صريحا ملكه، ويكون له حق القرار في العقار، ويدفع أجرة الجزء الآخر من المنفعة، ويجب تعديل تلك الأجرة بعد انتهاء مدة التعاقد الأصلية، لتلحق بأجرة المثل باستمرار. وللمستأجر بيع خلوة للمالك أو غيره، ويورث عنه.
3- إذا أخذ مالك الحانوت من المستأجر مالا سوى الأجرة لتمكينه من الحانوت دون تصريح بإنشاء حق الخلو، فهذا النوع مشتبه والظاهر أن يكون خلوا يثبت به حق القرار وللمستأجر حينئذ بيع الخلو، وأخذ بدله، ويورث عنه، ما لم يمنع من ذلك عرف أو قانون.
4- في غير الصورتين المتقدمتين يجوز للمستأجر أخذ بدل خلو من المالك أو غيره إن كان ذلك أثناء المدة التعاقدية الأصلية، وأما بعد انتهائها فليس له أخذه، والحق للمالك في تجديد الإجارة أو استرجاع عقاره. فإن وجد قانون يمنعه من ذلك فالظاهر أن القانون لا يكون مشروعا إلا في حالات الضرورة وليس للمستأجر استغلال ذلك الوضع للحصول على بدل الخلو.
5- الجدك (أو الأعيان الثابتة التي يضعها المستأجر متصلة بالعقار) لا تعطيه حق القرار في الوقف أو غيره، وبالتالي لا يحق له أخذ بدل الخلو بسبب جدكه، وله أن يبيعها للمالك أو المستأجر اللاحق بثمن المثل لا أكثر، لئلا يكون حيلة على أكل مال المالك بالباطل. والله أعلم.(4/1748)
حكم الشريعة في بدل الخلو (السرقفلية)
إعداد
فضيلة الأستاذ إبراهيم فاضل الدبو
الأستاذ المساعد بكلية الشريعة – جامعة بغداد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله محمد الأمين وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
وبعد: ليست كلمة – السرقفلية – عربية بل هي كلمة فارسية، ترمز إلى ما تعارف في أيامنا الأخيرة بأن يتنازل المستأجر عما تحت تصرفه من إيجار المحل الذي يشغله إلى الآخر، ويتقاضى إزاء هذه العملية مقدارا من المال يتفق عليه الطرفان، وربما سمي ذلك في اللغة الدارجة – الخلو – وهو مأخوذ من تخلية ما تحت اليد إلى الغير، وهي على نوعين:
الأول: أن يتم الاتفاق بين المستأجر القديم والجديد فيتنازل الأول عما تحت تصرفه إلى الثاني لقاء مبلغ من المال كما ذكرنا آنفا، والمالك في هذه الصورة في مجنب عن المعاملة والاستفادة منها.
ولا بدَّ لنا – والحالة هذه – من معرفة الوجه الشرعي في أخذ المال والتصرف به من قبل من كان المحل تحت تصرفه أولا، وكيفية إعطاء المال من قبل المستأجر الجديد.
كما أنه لا بد من تحديد موقف المالك من هذا التنازل من شخص قد استأجر ما هو ملك له وقبول المستأجر الجديد، وهل بإمكانه الوقوف في طريق هذه المعاملة أو لا؟
النوع الثاني: ومن أقسام هذه المعاملة أيضا، ما شاع أخيرا في أيامنا الحاضرة من أن المالك هو الذي يستلم بدل الخلو هذا من المستأجر بعد أن تنبه كثير من الملاك إلى أن موضوع بدل الخلو أصبح أمرا عرفيا شائعا في الأسواق، فبدلا من أن يتمتع بهذا المال غيره، فهو أحق به، فمثلا يأخذ المالك مائتي دينار كبدل خلو وخمسين دينارا كإيجار سنوي, والفرق بين هذا النوع والنوع الأول واضح، ذلك لأن المالك في النوع الأول بعيد عن المعاملة الجديدة بين المستأجر الجديد والقديم، أما في هذا النوع فهو قد قبض مبلغا من المال حين إيجاره للمحل من أول الأمر، فما هو الحكم في هذا المبلغ المأخوذ من المستأجر الأول؟(4/1749)
أقول وبالله التوفيق: إن بيان رأي الشريعة في هذه المعاملة يتطلب منا قبل ذلك معرفة الحقوق وأنواعها عند الفقهاء المسلمين رحمهم الله، لمعرفة ما إذا كان للمستأجر الحق في مثل هذا التصرف أم لا؛ لأنه من المعلوم كما سيظهر لنا ذلك من خلال البحث أن المستأجر في الحالة الأولى لا يملك سوى منفعة العين بدون الرقبة، فمن أجل بيان موقع حق ملكية المنفعة بين تلك الحقوق، ينبغي الرجوع إلى آراء الفقهاء رحمهم الله تعالى.
الحق في اللغة والاصطلاح:
الحق لغة: مصدر حق الشيء يحق إذا ثبت ووجب، وقد ذكر صاحب القاموس المحيط أن الحق يطلق في اللغة على المال والملك والموجود الثابت. ومعنى حق الأمر: وجب ووقع بلا شك (1) .
والحق في استعمالاته المختلفة لغة يفيد الوجوب والثبوت مما يدل على أن أصل معناه هو هذا.
أما في الفقه: فقد استعمله الفقهاء في عدة استعمالات، فهم يستعملونه بمعنى عام يشمل كل ما يثبت للإنسان من ميزات أو مكنات، سواء أكان الثابت ماليا أو غير مالي.
ويستعملونه في مقابلة الأعيان والمنافع المملوكة ويقصدون بذلك المصالح التي ثبتت بأمر من الشارع، وذلك كحق الشفعة وحق الطلاق والحضانة.
وقد يلاحظ الفقهاء عند استعمالهم للحق المعنى اللغوي فقط، من هذا قولهم: حق الدار، ويقصدون بذلك مرافقها، كحق التعلي والشرب والمرور وغيرها، لأنها ثابتة للدار ولازمة لها.
وقد يطلق الحق مجازا على غير الواجب، للحض عليه والترغيب في فعله، إلى غير ذلك من الإطلاقات والاستعمالات (2) .
__________
(1) انظر القاموس المحيط 321/ 1
(2) الملكية في الشريعة الإسلامية للدكتور عبد السلام العبادي 94/ 1(4/1750)
وبخصوص تعريف الحق لدى فقهاء الشريعة، فإنهم لم يعنوا بإيراد تعريف له مع كثرة استعمالهم للحق وإسهابهم في الكلام عن آحاده، وقيل في ذلك كأنهم رأوه واضحا فاستغنوا عن تعريفه (1) .
ومن الأصوليين: من أراد أن يعرف الحق تعريفا جامعا، فعرفه محمد عبد الحليم اللكنوي بأنه: حكم يثبت (2) إلا أن تعريفه جاء مجملا في بيان ما يتميز به الحق، وواضح أن مراده بالحكم أثر الخطاب لا ذات الخطاب (3) .
وقد وضع الفقهاء المعاصرون عدة تعاريف للحق، منها تعريف الشيخ علي الخفيف، بأنه (مصلحة مستحقة شرعا) (4) .
وتعريف الأستاذ مصطفى الزرقاء بأنه: (اختصاص يقرر به الشرع سلطة أو تكليفا) (5) وذكر أستاذنا أحمد فهمي أبو سنة أن الحق في عرف الفقهاء: (هو ما ثبت في الشرع للإنسان أو لله تعالى على الغير) (6) .
والذي يتضح من هذه التعاريف أن أصحابها اتجهوا ثلاثة اتجاهات في مفهوم الحق:
الاتجاه الأول: ويرى أصحابه بأن الحق مصلحة، ويعنون بالمصلحة، المنفعة ذاتها والواقع كما يذكر الأستاذ العبادي، أن المصلحة هي هدف الحق وغايته، فهي شيء آخر غير الحق، وكأن أصحاب هذا الرأي قد نظروا إلى ما يبتغي بالحق من مصلحة فعرفوه بها (7) .
الاتجاه الثاني: ويرى أصحابه بأن الحق اختصاص. ويذكر الأستاذ الزرقاء عند شرحه لتعريفه للحق قائلا: إن الاختصاص، هو علاقة تشمل الحق الذي موضوعه مالي كاستحقاق الدين في الذمة بأي سبب كان، والذي موضوعه ممارسة سلطة شخصية كممارسة الولي ولايته والوكيل وكالته.
__________
(1) انظر التعسف في استعمال حق الملكية للدكتور سعيد الزهاوي ص 16
(2) انظر حاشيته المسماة: قمر الأقمار على نور الأنوار شرح المنار 216/ 2
(3) انظر التعسف في استعمال حق الملكية للدكتور سعيد الزهاوي ص 16
(4) انظر الحق والذمة وتأثير الموت فيهما ص37
(5) انظر الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ص10
(6) انظر النظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية ص 50
(7) انظر مؤلفه الملكية في الشريعة الإسلامية 98/ 1(4/1751)
وهذه العلاقة لكي تكون حقا، يجب أن تختص بشخص معين أو بفئة، إذ لا معنى للحق إلا إذا تصورنا بأن هناك ميزة مقصورة على صاحبه دون غيره. وبذلك تخرج العلاقة التي لا اختصاص فيها، وإنما هي تعتبر من قبيل الإباحات العامة كالاصطياد والاحتطاب في الصحراء.
واشترط الأستاذ الزرقاء في تعريفه كذلك إقرار الشرع لهذا الاختصاص وما ينشأ عنه من سلطة أو تكليف؛ لأن نظرة الشرع هي أساس اعتبار الحقوق.
وبين بأنه ذكر (سلطة أو تكليفا) لأن الحق تارة يتضمن سلطة وتارة تكليفا. والسلطة نوعان: سلطة على شخص كحق الولاية على النفس، وسلطة على شيء معين كحق الملكية.
والتكليف دائما عهدة على إنسان، وهو إما عهدة شخصية كقيام الأجير بعمله، وإما عهدة مالية كوفاء الدين. ثم بيَّن أن الحق بهذا المعنى لا يشمل الأعيان المملوكة، لأنها أشياء مادية وليست اختصاصا فيه سلطة أو تكليف، وقد عرض رأيه بما حكاه عن الفقهاء من أنهم يذكرون الحقوق في مقابلة الأعيان، بينما يذكره الأحناف في مقابلة الأموال. ويقولون: بأن الحق ليس بمال.
وقد انتقد تعريف الحق بأنه مصلحة، وبيَّن أنه ليس إلا اختصاص الشخص بهذه المصلحة وعلاقته بها، فليست المصلحة في الحقيقة سوى متعلق للحق، أي محل له، فالحق صلة أو علاقة اختصاصية بين الشخص والمصلحة (1) .
الاتجاه الثالث: وقد عرَّف أصحاب هذا الرأي الحق انطلاقا من معناه اللغوي.
فقد ذكر أستاذنا أبو سنة في شرح تعريفه للحق، بأن المقصود (بما) أي شيء. وهو شامل لملك العين ولملك المنفعة وللدين، وللحقوق الفكرية كحق التأليف والصناعة والاختراع، ويشمل كذلك الامتناع عن الفعل الضار، وللحقوق الفطرية أيضا، كالحياة والحرية، لا فرق بين أن يكون الثابت على وجه الاختصاص وهو المعروف بالملك أو على وجه الاشتراك كما في الإباحة العامة (2) .
__________
(1) انظر مؤلفه الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ص14
(2) انظر النظريات العامة في المعاملات ص52(4/1752)
والمراد بالثبوت هنا (التمكن والتسلط) بحيث لا يملك أحد رده عما ثبت له ولا الحيلولة دون ممارسته ولو كان فعلا مباحا أو مندوبا.
والمراد بقوله: في الشرع، أن يكون الحق الثابت قد شرعه الله عز وجل ولم تمنع الشريعة منه، لأنها هي مصدر الحقوق كلها (1) .
وقصد الشيخ بقوله: (للإنسان أو لله تعالى) تعميم الحق، ليشمل حق الإنسان كملكه لماله والتصرف فيه، وحق الله تعالى في أن يعبده الناس ويقيموا دينه.
وعنى بقوله: (على الغير) أن كل ما ثبت للإنسان أو لله تعالى هو واجب على الغير سواء كان هذا الغير معينا كحق الإنسان في ثمن ما باع وفي أجرة عمله، فإنه واجب على المشتري ورب العمل، أم كان واجبا على الناس جميعا كملك الإنسان لأرضه وولايته على طفله (2) .
وقد انتقد الشيخ أبو سنة تعريف بعض الفقهاء، للحق بأنه اختصاص يقره الشرع، بمعنى أن يكون الشيء ثابتا لصاحب الحق وحده وممنوعا عن غيره، كالكتاب الذي هو ملك لصاحبه ولا يجوز للغير التصرف فيه، أما ما يشترك فيه الجميع من المباحات العامة كالسير في طريق عام أو الشرب من النهر مثلا، فإن البعض لا يسميه حقا بل يسميه إباحة.
ويمضي في قوله: (بأن هذا التحديد ليس بسديد، لأن الفقه كما يطلق الحق على ما فيه اختصاص، يطلقه كذلك على ما فيه الاشتراك كالأمثلة السابقة) (3) .
ولا أرى مبررا لما ذكره أستاذنا أبو سنة، لأننا إذا عرفنا بأن الاختصاص يقوم على عدم جواز التعرض للمختص في حدود ما وقع عليه الاختصاص فإنه يتصور عندئذ تحققه في الإباحات العامة، لأن الشخص عندما يستعمل حقه في أي مباح من المباحات العامة، فلا يجوز لأحد التعرض له فيه ولا منعه عنه بالقدر الذي وضع المختص يده عليه، وهذا ما أكد عليه الأستاذ الزرقاء عند شرحه لتعريف الحق (4) .
__________
(1) انظر النظريات العامة في المعاملات ص52
(2) انظر النظريات العامة في المعاملات ص52
(3) انظر النظريات العامة في المعاملات ص52
(4) انظر الملكية في الشريعة الإسلامية للدكتور العبادي 103/ 1 وكذا الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ص14(4/1753)
أقسام الحق:
ينقسم الحق باعتبارات مختلفة، فهو ينقسم باعتبار صاحب الحق إلى: حق الله تعالى، وحق الإنسان، وما اجتمع فيه الحقان. وقد تكفلت كتب الفقه وأصوله ببيان تلك الحقوق مما لا مجال للكلام عنها هنا، حيث إننا سنقتصر في الكلام عن الحقوق المالية فقط، لأنها هي المقصودة في موضوع بحثنا هذا.
وقد قسم ابن رجب الحنبلي حقوق العباد التي تتعلق بالأموال إلى خمسة أنواع وهي: (1)
1- حق الملك: ومثَّل له بحق السيد في مال عبده.
2- حق التملك: وذلك كحق الأب في مال ولده وحق العاقد للعقد إذا وجب له، وحق الشفيع في الشفعة (2) .
3- حق الانتفاع: وقد بين أنه يدخل فيه صور منها:
(أ) وضع الجار خشبة على جدار جاره إذا لم يضر به للنص الوارد فيه.
(ب) إجراء الماء في أرض غيره إذا اضطر إلى ذلك في رواية عن الإمام أحمد.
(جـ) لو باع أرضا فيها زرع يحصد مرة واحدة ولم يبد صلاحه أو شجرا عليه ثمر لم يبد صلاحه، كان ذلك مبقى في الشجر والأرض إلى وقت الحصاد والحذاذ بغير أجرة ولو أراد تفريغ الأرض من الزرع لينتفع بها إلى وقت الحذاذ أو يؤجرها، لم يكن له ذلك.
__________
(1) انظر القاعدة الخامسة الثمانين ص 200 –208 من القواعد
(2) وذكر بعد ذلك صورا قد اختلف فيها: هل يثبت فيها المِلك أو حق التملك؟ منها الموصى له بعد موت الموصي وبيَّن أن فيها وجهين أحدهما: أنه يثبت له الملك والثاني: أنه يثبت له حق التملك بالقبول، ومنها من بنت في أرضه كلأ أو نحوه من المباحات أو توحل فيها صيد أو سمك ونحوه، فهل يملك بذلك؟ في المسألة روايتان معروفتان وأكثر النصوص عن أحمد تدل على الملك، وعلى الرواية الأخرى إنما يثبت حق التملك وهو مقدم على غيره بذلك إذ لا يلزمه أن يبذل من الماء والكلأ إلا الفاضل عن حوائجه ومنها متحجر الموات، المشهور أنه لا يملكه بذلك، ونقل صالح عن أبيه ما يدل على أنه يملكه وعلى الأول فهو أحق بتملكه بالإحياء(4/1754)
4- حق الاختصاص: (وهو عبارة عما يختص مستحقه بالانتفاع به ولا يملك أحد مزاحمته فيه وهو غير قابل للشمول والمعاوضات) . وقد ذكر جملة من صور حق الاختصاص منها:
(أ) الكلب المباح اقتناؤه كالمعلم لمن يصطاد به، فإن كان لا يصطاد به أو كان جروا يحتاج إلى التعليم فوجهان:
(ب) مرافق الأملاك كالطرق والأفنية ومسيل المياه، ونحوها، فهل هي مملوكة أو ثبت فيها حق الاختصاص، رأيان في المسألة: أحدهما ثبوت حق الاختصاص فيها من غير ملك، وبه حزم القاضي وابن عقيل.
والرأي الآخر أنه يفيد الملك، وصرح به الأصحاب في الطرق.
(جـ) مرافق الأسواق المتسعة التي أعدت للبيع والشراء، كالدكاكين المباحة ونحوها فالسابق إليها أحق بها، وهل ينتهي حقه بانتهاء النهار أو يمتد إلى أن ينقل قماشه عنها؟ على وجهين.
(د) الجلوس في المساجد ونحوها لعبادة أو مباح، فيكون الجالس أحق بمجلسه إلى أن يقوم عنه باختياره قاطعا للجلوس، أما لو قام لحاجة عارضة ونيته العودة فهو أحق بمجلسه.
5- حق التعلق لاستيفاء الحق، وقد مثل له بعدة صور منها:
(أ) تعلق حق المرتهن بالرهن، ومعناه أن جميع أجزاء الرهن محبوس بكل جزء من الدين حتى يستوفى جميعه.
(ب) تعلق حق الجناية بالجاني، ومعناه أن حقه انحصر في ماليته وله المطالبة بالاستيفاء منه، ويتعلق الحق بمجموع الرقبة لا بقدر الأرش على ظاهر كلام الأصحاب.
(جـ) تعلق حق الغرماء بالتركة هل يمنع انتقالها بالإرث؟
على روايتين، وهل هو كتعليق الجناية أو الرهن؟ اختلف كلام الأصحاب في ذلك، وصرح الأكثرون بأنه كمتعلق الرهن.
ويفسر بثلاثة أشياء:
أحدها: أن تعلق الدين بالتركة وبكل جزء من أجزائها، فلا ينفك منها شيء حتى يوفى الدين كله.
الثاني: أن الدين في الذمة ويتعلق بالتركة، وهل هو ذمة الميت أو الورثة؟ على وجهين.
الثالث: أنه يمنع صحة التصرف، وفي ذلك وجهان أيضا.(4/1755)
(د) تعلق حق الموصى له بالمال، هل يتبع الانتقال إلى الورثة؟ جعل طائفة من الأصحاب حكمه حكم الدين، وجزم القاضي بعدم انتقاله إلى الورثة، مفرقا بين الدين والوصية بأن حق الموصى له في عين التركة ولا يملك الورثة إبدال حقه، بخلاف الدين، فإن حق صاحبه في التركة والذمة، وللورثة التوفية من غيره.
أقسام الحق عند فقهاء القانون:
قسم رجال القانون الحقوق المالية إلى ثلاثة أنواع هي:
الحقوق العينية والحقوق الشخصية والحقوق الذهنية أو المعنوية.
فعرفوا الحق العيني بأنه: سلطة معينة يعطيها القانون لشخص معين على شيء معين فصاحبه يستطيع أن يباشره دون وساطة أحد.
وعرفوا الحق الشخصي: بأنه مطلب يقره الشرع لشخص على آخر وهذا الحق يكون متعلقه تارة قياما بفعل ذي قيمة لمصلحة صاحب الحق وتارة امتناعا عن فعل مناف لمصلحته، وذلك كحق كل من المتبايعين على الآخر (1) .
وقسموا الحقوق العينية إلى حقوق أصلية وحقوق تبعية، وعرفوا الحقوق العينية الأصلية بأنها: الحقوق التي تقوم بذاتها مستقلة لا تتبع حقا آخر، وبموجب هذا الحق تصبح لصاحبه سلطة تخوله إحدى أو جميع المكنات الثلاث التالية:
__________
(1) انظر الأستاذ الزرقاء في مؤلفه الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ص17، وكذا محاضرات في النظرية العامة للحق للدكتور إسماعيل الغانم ص31 وما بعدها(4/1756)
1- استعمال العين محل الحق.
2- واستغلالها.
3- والتصرف بها.
وهذه المكنات الثلاث إذا اجتمعت شرعا في حق عيني، كونت فيه أوسع سلطة يمكن أن يكسبها صاحب حق عيني، ولكنها لا تجتمع كلها إلا في حق عيني واحد، هو ملكية الشيء ولذلك توصف الملكية بأنها أوسع الحقوق العينية مدى، وتوجد إلى جانب حق الملكية حقوق متفرعة عنه لا تخول صاحبها إلا بعض هذه المكنات كحق الاستعمال وحق الانتفاع وحق السكنى وحقوق الارتفاق القانونية (1) .
وعرفوا الحقوق العينية التبعية بأنها: الحقوق التي لا توجد مستقلة، إنما تتبع حقا شخصيا لضمان الوفاء به كما في الرهن. وسلطة هذا الحق لا تخول صاحبه شيئا من هذه المكنات أو المزايا، لأن غايته توثيق حق شخصي لصاحبه كما قلنا، فسلطته تنحصر في ضمان استيفاء ذلك الحق الشخصي من المال المقرر عليه هذا الحق العيني التبعي بطريق الأولوية على غيره من الدائنين الآخرين (2) .
أما الحق المعنوي فهو: (سلطة مقررة لشخص على شيء معنوي أي على شيء لا يدرك بالحواس. وذلك كالأفكار والمخترعات، فهو سلطة على شيء غير مادي، هو ثمرة فكر صاحب الحق أو نشاطه (3) .
وقد نحا قريب من هذا أستاذنا أبو سنة عندما قسم الحق باعتبار علاقته البارزة إلى حق متعلق بالعين وحق ثابت في الذمة، فعرف الحق المتعلق بالعين) بأن يكون للإنسان حق في ذات شيء من الأشياء (وذلك كحق الملك في الدار، وحق سقي الزرع من جدول معين ومنه كل ما هو أمانة في يد حائزه كالوديعة والعارية والعين المستأجرة في يد المستأجر والموصى له بالمنفعة في المنافع الموصى بها.
__________
(1) انظر الأستاذ الزرقاء في مؤلفه الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ص17، وكذا محاضرات في النظرية العامة للحق للدكتور إسماعيل الغانم ص20 وما بعدها
(2) انظر الأستاذ الزرقاء في مؤلفه الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد ص17، وكذا محاضرات في النظرية العامة للحق للدكتور إسماعيل الغانم ص21
(3) انظر الدكتور العبادي في مؤلفه الملكية في الشريعة الإسلامية 112/ 1(4/1757)
كما اعتبر الحقوق الفكرية من جملة الحقوق المعنوية، فهي أموال ذات مميزات خاصة اختص بها صاحبها دون غيره.
فالعلاقة البارزة ثابتة بين المالك وهذا المال المعنوي. أما الحق الثابت في الذمة، فهو إما أن يكون دينا ماليا أو غير مالي، وإما عمل كبناء دار وخياطة ثوب أو منفعة كما في إجارة الدار وإجارة الأجير الخاص، وقد يكون امتناعا عن عمل كتكليف الزوجة ألا تدخل أحدا من الأجانب بيت الزوج إلا بإذنه. (1)
وبعد أن عرض الشيخ أبو سنة أقسام الحقوق في الشريعة الإسلامية أراد منها بتقسيم الحقوق عند فقهاء القانون، ثم أضاف قائلا:) والشريعة لا تعارض في هذا الاصطلاح لأنه مجرد تنظيم ما دام يفصل في كل حق بحكم الله غير أن الأقسام التي ذكرها علماء الشريعة مبنية على اختلاف الخصائص والأحكام الشرعية لكل قسم وهي وافية بالأغراض القضائية والديانية (2) .
وقال الشيخ الخفيف بعد عرضه لأنواع الحق لدى فقهاء القانون: (وإذا كان الفقه الإسلامي لم يشر إلى هذه الأنواع، ولم يعرض لهذه القسمة، فإنه مع القسمة. ذلك أنه قد عرف هذه الأنواع بأسماء أخرى، ولم يغفل بيان أحكامها غير مجموعة تحت عنوان واحد في مواضع متفرقة، حيث عرض لبيان أسبابها. وكان له في الحق قسمة أخرى نظر فيها إلى ما للحق من ارتباط بما يعني به، من حيث إنه شريعة وضعت لتنظيم الصلات بين العبد وربه وبين العبد وأمثاله من الناس، فقسم إلى حق لله وحق للعبد وحق مشترك بينهما وغير ذلك من القسمات الخاصة به الكاشفة عن جوانب أخرى من جوانب الحق لم يعن الفقه الوضعي بها لعدم حاجته إليها) (3) .
حق الملكية:
بعد أن تبين لنا أن حق الملكية يعد أكمل وأوسع الحقوق العينية الأصلية، وذلك من حيث السلطات التي يمنحها الفقه الإسلامي والقانون الوضعي للمالك على الشيء الذي يملكه، نقف الآن على ما ذكره الفقهاء المسلمون بخصوص أنواع الملكية، وما يجوز للمالك من التصرف في كل نوع منها.
__________
(1) انظر النظريات العامة للمعاملات ص 70
(2) انظر النظريات العامة للمعاملات ص 77
(3) انظر الملكية في الشريعة الإسلامية 13 – 14/ 1(4/1758)
وقبل البدء بتقسيم الملكية أود أن أشير باختصار إلى بعض تعاريف الفقهاء لها فإنهم يعبرون في كتبهم عن حق الملكية بالملك، ولأهمية هذا الحق وشموله عنوا بتبيينه ولهم في ذلك تعريفات تختلف إيجازا وإسهابا، كما تتفاوت في إبراز الخواص المميزة لهذا الحق والجهات الملحوظة فيه.
فقد عرفه الكمال بن الهمام بقوله: (قدرة يثبتها الشارع ابتداء على التصرف إلا لمانع) (1) . وذكر السيد الشريف الجرجاني أن الملك في اصطلاح الفقهاء هو: (اتصال شرعي بين الإنسان وبين شيء يكون مطلقا لتصرفه وحاجزا عن تصرف غيره فيه) (2) .
وعرفه القرافي بقوله: (حكم شرعي مقدر في العين أو المنفعة تمكن من يضاف إليه من انتفاعه بالمملوك والعوض عنه من حيث هو كذلك) (3) .
وعرَّف ابن الشاط الملكية بقوله: (تمكن الإنسان شرعا بنفسه أو نيابة من الانتفاع بالعين أو المنفعة ومن أخذ العوض أو تمكنه من الانتفاع خاصة) (4) .
ويلاحظ في معظم التعريفات المتقدمة الحرص على إدراج الشرعية في تعريف الحق، أو التصريح بإثبات الشارع كما فعل الكمال، وكل ذلك إفصاح عن مصدر الحق كما يقول الأستاذ الزهاوي (5) .
وذكر الشيخ الخفيف في تعريف الملكية (بأنها وصف شرعي يثبت لصاحبه نتيجة حيازته للمملوك حيازة ناشئة عن سبب من أسباب الملك) (6) . والمقصود بالوصف الشرعي بأنه المكنة أو الإباحة التي أعطاها الشارع للحائز من أجل أن ينتفع بالمال أو يتصرف فيه أو يستحق عوضه.
__________
(1) انظر فتح القدير 456/ 5
(2) انظر تعريفات سيد شريف ص155
(3) انظر الفروق 209/ 3 وفي مكان عرف الملك بقوله: (إباحة شرعية في عين أو منفعة تقتضي تمكن صاحبها من الانتفاع بتلك العين أو المنفعة أو أخذ العوض عنهما من حيث هي كذلك) . انظر 216/ 3 من نفس المرجع
(4) انظر حاشيته على الفروق 209/ 3
(5) انظر مؤلفه التعسف في استعمال حق الملكية ص 64
(6) انظر مؤلفه الحق والذمة ص 61(4/1759)
أنواع الملك:
يقسم الملك إلى عدة تقسيمات باعتبارات مختلفة، فبالنظر إلى خصائصه، قسم إلى ملك خاص، وهو ما يثبت لصاحبه على سبيل الاستئثار، وملك عام، وهو ما كان لمجموع أفراد الأمة أو لجماعة من الجماعات، وذلك كالأنهار والطرق وأفنية المدن (1) .
وبالنظر إلى صورته يقسم الملك إلى مفرز، وهو ما اختص به مالك واحد دون اختلاط بملك الآخرين.
وملك شائع، وهو ما كان محله يختص به أكثر من مالك من غير تعيين الأجزاء التي تعود لكل منهم، وإنما لكل منهم نسبة معنية في كل جزء (2) ، وهذه القسمة خاصة بملكية الأعيان.
وأما بالنظر إلى محلها حسب ورودها على العين أو المنفعة فقد قسم ابن رجب الحنبلي الملك إلى أربعة أنواع وهي:
أولا: ملك عين ومنفعة، ويشمل عامة الأملاك الواردة على الأعيان المملوكة بالأسباب المقتضية لها من بيع وهبة وإرث وغير ذلك.
ثانيا: ملك العين بدون منفعة، وقد مثل له بالوصية بالمنافع لجهة وبالرقبة لجهة أخرى، أو تركها للورثة.
ثالثا: ملك المنفعة بدون عين، وهو ثابت بالاتفاق، وهو على ضربين، أحدهما: ملك مؤبد كالوصية بالمنافع، وكالأرض الخراجية المقرة في يد من هي في يده بالخراج يملك منافعها على التأبيد.
والآخر: ملك غير مؤبد، ومنه الإجارة ومنافع المبيع المستثناة في العقد مدة معلومة.
__________
(1) انظر الملكية للشيخ الخفيف 73/ 1
(2) انظر الملكية للشيخ الخفيف أيضا 81/ 1(4/1760)
رابعا: ملك الانتفاع المجرد، وله صور متعددة، منها:
(أ) ملك المستعير فإنه يملك الانتفاع لا المنفعة على رواية.
(ب) المنتفع بملك جاره من وضع خشب وممر في دار ونحوه، وإن كان بعقد صلح فهو إجارة.
(ج) إقطاع الإرفاق كمقاعد الأسواق ونحوها (1) .
وقد وردت هذه الأنواع في كتب القواعد لمذاهب أخرى مع إفراد النوع الرابع وتمييزه عن سائرها. فبعد أن ذكر السيوطي من الشافعية الأنواع الثلاثة الأولى قال: وقد يملك الانتفاع دون المنفعة، وعقب على قوله هذا، بأن ذلك إباحة لا تمليك (2) .
وكذلك ذكر العلامة ابن نجيم الحنفي الأنواع الثلاثة، وأفاد أن المراد بالنوع الرابع عند غيرهم ما يقابل إباحة الانتفاع عندهم (3) .
حكم الملك:
المقصود بحكم الملك هنا، هو الأثر الذي يترتب عليه، وقد سبق لنا عند كلامنا عن أقسام الحق عند فقهاء القانون أن قلنا: إن لصاحب الحق العيني الأصلي سلطة تخوله إحدى أو جميع المكنات الثلاث، التي هي: استعمال العين محل الحق، واستغلالها والتصرف بها.
وفي الواقع هذه هي عناصر حق الملكية كما سماها رجال القانون، فللمالك أن يفعل في ملكه ما يشاء ما لم يرد قيد هذا التصرف.
وهذه القدرات والمكنات المذكورة، هي التي عناها فقهاء المسلمين بقولهم: حق الملك، ومرادهم به كما ذكرنا، الأثر الذي يترتب عليه.
والنصوص الفقهية التي توضح ما يثبت للمالك من سلطات أو قدرات أو مكنات على الشيء المملوك كثيرة، وهي مبثوثة في الأبواب الفقهية هنا وهناك.
من هذه النصوص: ما جاء في حاشية ابن عابدين: (الانتفاع بالمال يعتمد في كل شيء بما يصلح له) (4) . وفي قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام (يثبت التصرف بحصول الملك ويزول بزواله) (5) .
ومن هنا يمكن القول بأن فقهاء الشريعة وإن لم يتعرضوا لتفصيل مكنات الحق على النحو الذي ذكره فقهاء القانون، إلا أنها مسلم بها عندهم كمظهر للملكية التامة (6) .
__________
(1) انظر القاعدة السادسة والثمانين ص208
(2) انظر الأشباه والنظائر ص381
(3) انظر الأشباه والنظائر ص351
(4) انظر حاشية ابن عابدين 502/ 4
(5) انظر قواعد الأحكام 6/ 2
(6) انظر الأستاذ الزهاوي في مؤلفه: التعسف في استعمال حق الملكية ص69(4/1761)
أسباب الملك:
قلما يفرد الفقهاء فصولا خاصة تجمع أسباب الملك، وإنما يتكلمون عنها ضمن أبواب الفقه، وغالبا ما يذكرها فقهاء الأحناف عند بيانهم لأسباب شركة الملك، فيذكرون منها الشراء والهبة والوصية والإرث والاستيلاء والخلط والاختلاط (1) .
إلا أن العلامة ابن نجيم عند بيانه القول في الملك أفرد المسألة الأولى لبحث أسباب التملك وعنون لها بذلك, وذكر من تلك الأسباب ما تقدم وأضاف أسبابا كثيرة أخرى على سبيل يشبه الاستيعاب (2) .
وكذلك قليلا ما يتعرض فقهاؤنا رحمهم الله لرد أسباب الملك إلى أنواع تجمعها، وقد أشار الحافظ ابن رجب إلى ذلك إشارة عارضة بقوله: (إن الملك يقع تارة بعقد وتارة بغير عقد) (3) .
أما العلامة ابن نجيم فقد فصل القول في ذلك حيث رد أسباب الملك جميعها إلى ثلاثة أنواع: ما هو مثبت للملك من أصله (أي ابتداء) وناقل للملك، وخلافه.
وحصر الأول بالاستيلاء على المباح، فشرطه خلو المحل عن الملك، ومثل للثاني بالبيع والهبة، وللثالث بملك الوارث (4) .
__________
(1) انظر ابن نجيم في الأشباه والنظائر ص346 وما بعدها
(2) انظر ابن نجيم في الأشباه والنظائر ص346 وما بعدها
(3) انظر القاعدة الحادية والخمسين ص74
(4) انظر الأشباه والنظائر ص346 وما بعدها(4/1762)
ومن الفقهاء من تعرض لقسمة الأسباب إلى قولية وفعلية، وإذا لوحظ أن المراد بالأسباب الفعلية ما يعود إلى فعل الإنسان وما لا يعود إلى فعله، وأنها أسباب لما يترتب عليها بجعل الشارع، أي أنها أسباب شرعية، وأن مراد الفقهاء بالأسباب القولية التصرفات الشرعية، اتضح لنا كما يقول الأستاذ الزهاوي التقاء الفقه الإسلامي مع القانون في رد أسباب الملك وأسباب الحقوق بصورة عامة إلى الوقائع الشرعية والتصرفات الشرعية التي تقابل الوقائع القانونية والتصرفات القانونية (1) .
وأما أسباب الملك الناقص ففي ملك الرقبة الوصية والميراث، والوصية تدخل في الأسباب الناقلة والميراث خلافة، وإن كانت الوصية أيضا تفيد خلافة عند فريق من الفقهاء وإلى هذين الأصلين ترجع أيضا أسباب ملك المنفعة وهي: الإجارة والإعارة عند المالكية وأكثر الحنفية. والوصية والوقف والوراثة سبب لملك المنفعة في حقوق الارتفاق التي تعد من قبيل ملك المنفعة عند فقهاء الشريعة وتورث اتفاقا، وكذلك في الإجارة عند من لا يقول بانفساخها بموت المستأجر، وفي الوصية بالمنافع عند من لا يقول بانقضائها بموت الموصي له قبل انتهاء المدة (2) .
__________
(1) انظر الأستاذ الزهاوي في بحثه التعسف في احتمال حق الملكية ص71
(2) انظر الأستاذ الزهاوي في بحثه التعسف في احتمال حق الملكية ص72، الشيخ علي الخفيف أحكام المعاملات المالية ص51، 52 – 63 – 66 وكذا الملكية 142/ 1(4/1763)
مدى انتفاع المستأجر بالعين المستأجرة:
لقد تبين لنا من خلال البحث أن الإجارة سبب من أسباب الملك الناقص، وأن المستأجر مالك لمنفعة العين المؤجرة خلال مدة الإجارة، وأن هذا الحق قد ثبت للمستأجر بطريق المعاوضة المالية، وهو ما دفعه من مال لصاحب العين، ونريد هنا أن نتعرف ماهية الحقوق التي أجازها له الشارع مدة انتفاعه بالعين المستأجرة:
لقد اتفق الفقهاء على أن ما يملكه المستأجر بالعقد، هي المنفعة، لأن الإجارة كما عرفوها بقولهم: عبارة عن تمليك المنافع بعوض، فالعين ليست مملوكة بالإجارة كالمبيع (1) .
ويلزم المؤجر تمكين المستأجر من الانتفاع بالعين المؤجرة، فإن كانت دارا وجب على المالك تسليمها وعمارة ما يحتاج فيها إلى تعمير (2) .
والمقصود بانتفاع المستأجر، استغلال منفعة العين في الحدود المتعارف عليها ويجب عليه العناية بالعين المنتفع بها وردها إلى المالك عند نهاية الانتفاع (3) .
__________
(1) انظر روضة الطالبين وعمدة المفتين للإمام النووي 211/ 5
(2) جاء في مرشد الحيران مادة 637 ما يلي: (لا يجوز للمؤجر أن يتعرض للمستأجر في استيفائه المنفعة مدة الإجارة ولا أن يحدث في العين المؤجرة تغييرا يمنع من الانتفاع بها أو يخل بالمنفعة المعقودة عليها)
(3) ذكر صاحب المرشد الحيران في المادة 654 مايلي (يجب على المستأجر أن يعتني بالعين المؤجرة كاعتنائه بملكه ولا يجوز له أن يحدث بها تغييرات بدون إذن مالكها) وفي المادة 658 ذكر بأنه يجب على المستأجر تفريغ الدار أو الحانوت المؤجرة ويسلمها لصاحبها، ولا حاجة للتنبيه عليه بالتخلية.(4/1764)
هل يجوز للمستأجر تمليك المنفعة لغيره؟
لو كانت العين المؤجرة عقارا، كأن تكون دارا أو دكانا أو ما أشبه ذلك، فإذا أراد المستأجر تأجير العقار المذكور لشخص آخر من دون الرجوع إلى رأي صاحب العقار فهل يجوز له ذلك شرعا أم لا؟
الجواب على هذا: يجوز لمالك المنفعة أن يستوفيها بنفسه أو بغيره كمستأجر أو مستعير، فإن كانت العين دارا، فله أن يسكن فيها بنفسه ومع غيره، وله أن يسكن فيها غيره بالإجارة والإعارة، وله أن يضع فيها متاعا وغيره، غير أنه لا يجعل فيها حدادا ولا قصارا ولا طحانا ولا ما يضر البناء ويوهنه، لأن ذلك قد يعرض العين للتلف وذلك لا يجوز لأن مطلق العقد ينصرف إلى المعتاد، والحانوت الذي يكون في صف البزازين لا يؤجر لعمل الحداد والقصار والطحان فلا ينصرف مطلق العقد إليه، إذ المطلق محمول على العادة فلا يدخل غيره في العقد إلا بالتسمية أو الرضا، وإنما جاز للمستأجر أن يؤجر من غيره ويعير، لأنه ملك المنفعة، فكان له أن يؤجر من غيره بعوض أو بغير عوض (1) .
وبخصوص تأجير المستأجر للعقار بأكثر مما استأجره، للفقهاء في المسألة قولان:
أحدهما: ويقضي بجواز ذلك مطلقا سواء أضاف المستأجر إلى العين المؤجرة شيئا من ماله أم لا، دليل هذا الرأي هو:
أن المنافع لها حكم الأعيان، فتصير مملوكة للمستأجر بالعقد مسلمة إليه بتسليم الدار، فكان بمنزلة من اشترى شيئا وقبضه ثم باعه وربح فيه، فالربح يطيب له لأنه ربح على ملك حلال له. هذا ما ذهب إليه الشافعية (2) . وهو الصحيح من مذهب الحنابلة أيضا (3) .
والرأي الثاني: وقد ذهب فيه أصحابه إلى القول: أنه لا يجوز للمستأجر أن يؤجر العين بأكثر مما استأجرها به، وإذا فعل ذلك، تصدق بالفضل إلا أن يكون أصلح منها بناء أو زاد فيها شيئا، فحينئذ يطيب له الفضل، دليل هذا القول: أن المنافع لم تدخل في ضمان المستأجر وإن قبض العين المؤجرة، بدليل أن العين المذكورة لو انهدمت لم يلزمه الأجر، فهذا ربح حصل لا على ضمانه، ((ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن)) ، هذه وجهة نظر الحنفية (4) ورواية للحنابلة أيضا (5) .
__________
(1) انظر القاعدة السابعة والثمانين من القواعد لابن رجب الحنبلي ص210 وانظر المبسوط للسرخسي 130/ 15. مصادر الحق للدكتور عبد الرزاق السنهوري 72/ 6
(2) انظر الخطيب الشربيني في مغني المحتاج 350/ 2
(3) انظر ابن رجب في القاعدة السابعة والثمانين ص210 فقد ذكر فيها ما يقبل النقل والمعارضة من الحقوق المالية والأملاك وقد فرع منها إجارة المستأجر فذكر بأنها جائزة على المذهب الصحيح بمثل الأجرة وأكثر وأقل.
(4) انظر السرخسي في المبسوط 130/ 15
(5) انظر القواعد ص210(4/1765)
وما ذهب إليه أصحاب الرأي الأول هو المختار لما ذكروه من تدليل.
حكم ما إذا أحدث المستأجر في العين عمارة أو شيئا آخر:
إذا كانت العين المؤجرة دارا أو دكانا مثلا، فأضاف إليها المستأجر بناء أو أجرى عليها تحسينا، فما هو حكم الشيء المضاف في هذه الحالة؟
الجواب على ذلك: أن المسألة تحتمل الوجوه التالية:
1- إذا كانت الإضافة مما لا يمكن قلعها من البناء الأول، وقد فعل المستأجر ذلك بموافقة مالك العقار، فله الرجوع على المالك بما بذله من مال، إلا أن ذلك لا يمنع من إخراجه من الدار عند انتهاء العقد، بعد أن يستوفي المستأجر ما أنفقه على العقار من مال، إلا في حالة واحدة وهي: ما إذا اتفق المتعاقدان على أن تكون نفقة الإضافة من الأجرة، فعندئذ تكون بمثابة نقد بمقدارها، لا يحق للمؤجر طلب تخلية العقار قبل مضي المدة المقابلة لذلك. ولو أراد المستأجر أن يسكن معه آخر مقابل مبلغ من المال في نظير الكلفة التي أنفقها على العقار لا يجوز له ذلك (لأن المكان وما فيه ملك لصاحبه – أعني الدار والعمارة) والذي يستحقه المستأجر هو ما أنفقه من مال على الدار في ذمة صاحبها فقط.(4/1766)
2- إذا كانت الإضافة مما تنقل أو تحول كأن تكون خشبا أو نحاسا أو ما أشبه ذلك وقد وضعت بإذن من المالك، فإن الشيء المضاف يبقى في هذه الحالة على ملك المستأجر، فإذا انقضت مدة الإجارة، فله أخذ ما أضافه من مواد أو مطالبة المالك بدفع قيمة الشيء المضاف، ولو أراد المستأجر أن يسكن معه غيره مقابل مبلغ يدفعه الساكن له، جاز له أخذ ذلك، لأنه في المعنى باعه ما يستحق، ويصح حكم المستأجر الثاني مع مالك العقار كحكم المستأجر الأول.
3- إذا كانت الإضافة المذكورة قد قام بها المستأجر بلا إذن من المالك، فلا رجوع له عليه بشيء، ويخير صاحب العقار بين أن يلزم الساكن بأخذ عين شيئه أو دفع قيمته له مقلوعا (1) .
جواب السؤال مدار البحث:
بعد أن وقفنا على رأي فقهائنا رحمهم الله فيما يملكه المستأجر من حقوق في العين المؤجرة، تبين لنا ما يأتي:
أولا: يجوز للمستأجر بحكم تملكه لمنفعة العين المؤجرة أن يؤجرها للغير مدة إيجاره لتلك العين المعقود عليها مع المالك الأصلي، على أن تلاحظ الشروط التي ذكرها الفقهاء بخصوص عدم إلحاق الضرر بالعين المؤجرة من قبل المستأجر الجديد.
وللمالك طلب تخلية الدار من المستأجر الجديد بعد انتهاء مدة عقد الإجارة مع المستأجر الأول.
ثانيا: فيما عدا ذلك لا يجوز للمستأجر أن يتصرف بالعقار بأية حال من الأحول، فما يأخذه من مال لقاء تخليته العقار لشخص آخر، لا يجوز له شرعا، لأن حقه ينتهي بانتهاء عقد الإجارة مع المالك، وما يطلبه من مال في مقابل عين ولا منفعة.
وما يفعله البعض من ترك بضاعة أو شيء من الأثاث على أساس أن ما يؤخذ هو في مقابل هذه العين، أن ذلك يعتبر من قبيل التحايل على أكل أموال الناس بالباطل، إذ لا من مسوغ له شرعا التصرف بالعين المؤجرة بعد انتهاء العقد.
__________
(1) انظر فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك لأبي عبد الله محمد أحمد عليش، 230/ 2(4/1767)
ثالثا: أما موقف الشريعة من النوع الثاني من بدل الخلو، فالجواب عنه كما يلي:
أ - إن أخذ المالك للمبلغ الإضافي من المستأجر على أساس أنه بدل الخلو، لا يجوز له شرعا لأنه لا مبرر لأخذه، فإن قيل: لِمَ لا يعتبر المبلغ المذكور من قبيل الهبة؟
فالجواب على هذا: أن وجود مثل هذا الشرط أمر مخل بعقد الإجارة، لأنه شرط يتنافى مع مقتضى العقد.
ب - يجوز لمالك العقار من دار أو دكان أو ما أشبه ذلك، تأجير عقاره ببدل إيجار لمدة سنة بمبلغ من المال ولسنة أخرى ببدل إيجار أقل أو أكثر سواء كان لذات المستأجر الأول أو لغيره، لأنه تصرف في خالص حقه.
والله تعالى أعلم، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.(4/1768)
مصادر البحث
بعد القرآن الكريم.
1- الأشباه والنظائر على مذهب أبي حنيفة تأليف زين العابدين بن إبراهيم بن نجيم مؤسسة الحلبي 1387هـ - 1968م.
2- القواعد في الفقه الإسلامي للحافظ أبي الفرج عبد الرحمن بن رجب الحنبلي – الطبعة الأولى – مكتبة الكليات الأزهرية.
3- الأشباه والنظائر في قواعد وفروع فقه الشافعية – تأليف جلال الدين عبد الرحمن السيوطي – عيسى البابي الحلبي.
4- روضة الطالبين وعمدة المفتين – للإمام النووي، المكتب الإسلامي – الطبعة الثانية 1405هـ - 1985م. بيروت.
5- الملكية في الشريعة الإسلامية – للدكتور عبد السلام داود العبادي/ القسم الأول مكتبة الأقصى/ عمان. الطبعة الأولى 1394- 1974م.
6- مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج لشيخ محمد الشربيني الخطيب مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1377- 1958م.
7- فتح العلي المالك في الفتوى على مذهب الإمام مالك لأبي عبد الله محمد أحمد عليش وبهامشه تبصرة الحكام في أصول الأقضية ومناهج الأحكام لابن فرحون المالكي/ الطبعة الأخيرة – مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1378هـ - 1958م.
8- محاضرات في النظرية العامة للحق- الطبعة الثالثة – القاهرة – تأليف الدكتور إسماعيل غانم – الناشر – مكتبة عبد الله وهبة. تاريخ الطبع 1966م.
9- الحق والذمة وتأثير الموت فيهما – للشيخ علي الخفيف – الناشر مكتبة عبد الله وهبة في 1364هـ - 1945م.
10- مصادر الحق في الفقه الإسلامي – للدكتور عبد الرزاق السنهوري – الطبعة الثالثة 1968 معهد البحوث والدارسات العربية.
11- الفقه الإسلامي في ثوبه الجديد – للأستاذ مصطفى الزرقاء/ مطبعة طربين في دمشق 1384هـ - 1965م.
12- النظريات العامة للمعاملات في الشريعة الإسلامية للأستاذ أحمد فهمي أبو سنة. مطبعة دار التأليف بالقاهرة 1387- 1967م.
13- التعسف في استعمال حق الملكية – تأليف الدكتور سعيد أمجد الزهاوي. الطبعة الأولى دار الاتحاد العربي بالقاهرة.
14- كشف الأسرار ونور الأنوار. حاشية الشيخ عبد الحليم اللكنوي المسماة قمر الأقمار على نور الأنوار شرح المنار/ دار الطباعة بالأستانة 1306هـ.(4/1769)
15- الفروق – للإمام القرافي وبهامشه تهذيب الفروق والقواعد السنية في الأسرار الفقهية. دار المعرفة للطباعة والنشر – بيروت لبنان.
16- حاشية ابن عابدين على الدر المختار – رد المحتار على الدر المختار شرح تنوير الأبصار- للعلامة محمد أمين بن عمر بن عبد العزيز الشهير بابن عابدين. مطبعة مصطفى البابي الحلبي 1327.
17- المبسوط لشمس الأئمة لأبي بكر محمد بن أبي سهل السرخسي وهو شرح لما تتضمنه كتب ظاهر الرواية – الطبعة الأولى – مطبعة السعادة مصر.
18- فتح القدير – حاشية على الهداية شرح البداية وفتح القدير للإمام الكمال بن الهمام – الطبعة الأولى – المطبعة الخيرية 1326هـ.
19- مرشد الحيران إلى معرفة أحوال الإنسان لمحمد قدري باشا وقد صاغه في مواد على غرار المجلة. الطبعة الثانية – مطبعة المعارف بغداد 1375هـ - 1955م.
20- قواعد الأحكام – العز بن عبد السلام – دار الكتب العلمية – بيروت لبنان.
21- الملكية في الشريعة الإسلامية مع مقارنتها بالقوانين العربية للشيخ علي الخفيف/ مطبعة الجبلاوي بالقاهرة 1969م.(4/1770)
بدل الخُلُوِّ
في الفقه الإسلامي
إعداد
فضيلة الشيخ محيي الدين قادي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الفتاح العليم، والصلاة والسلام على النور المبين سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
وبعد فقد شرفتني الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي بجدة حين طلبت مني بحث قضية (بدل الخلو في الفقه الإسلامي) ولا يخفى أن هذه القضية استشكلها جهابذة الفقهاء، وكثر منهم استشكالها، وهي في الحقيقة مشكلة ويأتي في مقدمة ذلك نور الملة والدين العلامة على الأجهوري الفقيه المالكي [1066هـ] (1) شيخ المالكية في الدنيا بوقته على حد وصف العياشي له في رحلته فإنه يذكر أن معاصريه من الفقهاء كثر منهم استشكال مسألة الخلو، ثم يقفي على ذلك بقوله: (وهي في الحقيقة مشكلة) (2) وناهيك أن المحقق البناني التبس عليه الأمر فعد الجلسة خلو الحوانيت في الفتح الرباني (3) وتردد التماق فيما قاله المحقق البناني في رسالته التي أراد أن يزيل فيها الالتباس الحاصل فيما عند الفقهاء والموسومة بـ (إزالة الدلة عن وجه الجلسة) (4) ، ووجدنا هذا الالتباس في فتوى العلامة سيدي إبراهيم الرياحي حيث يقول: الجزاء والإنزال والخلو والجلسة ألفاظ متحدة الذات مختلفة الاعتبار في الاصطلاح فذاتها ومعناها المنفعة التي يملكها دافع الدراهم لمالك الأصل مع بقاء ملكه للرقبة (5) وسيأتي لي في هذا البحث التفريق بين هذه الأنواع وأنها تخلتف اسما ومسمى.
وأمام استشكال من ذكرت ومن لم أذكر من الفقهاء الأثبات بقيت في حيرة من أمري لم تلبث أن تبددت وشرح الله صدري لإنفاذ هذا الأمر فدرست هذه القضية فيما تيسر لي من المصادر والمراجع، وبعد أن تبلورت المعلومات عن هذه القضية في ذهني صممته على النسق التالي:
أ - تمهيد.
ب - مباحث.
__________
(1) محمد الحجوي: الفكر السامي 2/ 279
(2) أحمد الفيومي: رسالته في تحقيق مسألة الخلو عند المالكية /8
(3) 6/ 128
(4) محمد المهدي الوزاني الشريف: نوازله 4/ 17
(5) فتوى منشورة ضمن مجموع مطبوع / 3(4/1771)
أما التمهيد فيحتوي على نقاط:
1- نشأة قضية الخلوات:
لم تُعرف هذه القضية في طبقات فقهاء الإسلام المتقدمين، ولا في أوائل المتأخرين منهم ولكنها عرضت للفتوى في القرون الأخيرة، وسأحاول جهدي ضبط تاريخ نشأة قضية الخلوات لأن الخائضين فيها أكثرهم لم يُولِ هذا الأمر عناية، وبعضهم أشار إلى ذلك إشارة عابرة، ولكن أقوال من أشاروا قد التبست هي الأخرى فسماحة الأستاذ الإمام سيدي محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله تعالى – يرى أن الكراء المؤبد جرت به فتوى علماء الأندلس: ابن سراج وابن منظور في أواخر القرن التاسع في أرض الوقف، ثم تبعهما في ذلك أهل مصر في القرن العاشر بفتوى ناصر الدين اللقاني في أحكام الأوقاف (1) لكن يذكر المحقق البناني أن المتأخرين من شيوخ فاس كالشيخ القصار وابن عاشر وأبي زيد الفاسي وسيدي عبد القادر الفاسي وأضرابهم أفتوا في الجلسة وجرى بها العمل الفاسي لما رأوه من المصلحة فيها فهي عندهم كراء على التبقية وقد أشار لها خليل في التوضيح في باب الشفعة (2) ، ومحل الاستشهاد بقول البناني هذا هو ما ذكره من إشارة خليل إلى الجلسة في توضيحه في باب الشفعة وخليل توفي على ما صححه السوداني سنة ست وسبعين وسبعمائة (3) ونص خليل على ما أورده محمد المهدي الوزاني الشريف في نوازله المعروفة بالمعيار الجديد هو: (وينبغي أن يتفق في الأحكار التي عندنا بمصر أن تجب الشفعة في البناء القائم بها؛ لأن العادة عندنا أن رب الأرض لا يخرج صاحب البناء أصلا فكان ذلك بمنزلة مالك الأرض) قاله شيخنا رحمه الله تعالى (4) فتكون قضية الخلوات قد تعرض لها الفقهاء منذ القرن الثامن، ويكون ابن سراج وابن منظور مسبوقين بتعرض خليل وشيخه للقضية في نمط من أنماطها وهو الحكر المؤبد، وكذلك لم تقع الإشارة إلى ما قاله خليل في فتوى ناصر الدين اللقاني ولا في فتوى سالم السنهوري المذكورتين في شرح العلامة سيدي عبد الباقي الزرقاني (5) ولا من طرف البدر القرافي في رسالته (الدرة المنيفة في الفراغ عن الوظيفة) .
__________
(1) مقاصد الشريعة الإسلامية 133- 134
(2) 6/ 128
(3) محمد الحجوي: الفكر السامي 2/ 245
(4) 4/ 19
(5) 6/ 128(4/1772)
ولكن الأغرب في صنيع هذا الأخير وهو المتوفى سنة ثمان وألف أنه يقول ما نصه: (فائدة انجر الكلام إليها لتعلقها بهذا المقام [بيان حكم الفراغ عن الوظيفة بمقابل] وهي كثيرة الورود وحديثة العهود، ولم يقع في كلام فقهائنا فيما أعلم التعرض إليها ولا التوجه لهم بها وقد قال عمر بن عبد العزيز - رضي الله عنه – تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
فالمسألة الواقعة هي أن حوانيت الأوقاف بمصر جرت عادة سكانها أنه إذا أراد أحدهم الخروج من الحانوت أخذ من آخر مالا على أن ينتفع بالسكنى في ذلك الحانوت ويسمون ذلك القدر المأخوذ من المال خلوا ويتداولون ذلك بينهم واحدا بعد واحد) (1) ثم استدرك في غير وضوح رؤية بما بلغه عمن يوثق من إفتاء ناصر الدين اللقاني باعتماد الخلو وأنه حق يورث ثم قفَّى على ذلك بقوله: (ولم أقف في فروع المذهب على ما يقتضيه) (2) . ثم أورد نص فتوى اللقاني بعد السؤال المرتبة عليه، فظهر لي من كل ما سبق أن المجتمع الإسلامي منذ القرن الثامن الهجري أخذ يتعرض لتغيرات اجتماعية أفرزت فيما أفرزت أنماطا من الأكرية المؤبدة اتفقت في أحكام الكراء، واختلفت في الدواعي والأسباب، وأن أول نمط منها هو الأحكار المؤبدة التي أشار إليها خليل في توضيحه في القرن الثامن الهجري، والأحكار المؤبدة هي المسماة عندنا في تونس بالإنزال، وعند المغاربة بالجزاء وهذا ما غفل عنه بسكال أحد أعضاء البرلمان الفرنسي في رسالته التي كتبها مدة جولاته بتونس وأرسلها إلى رئيس جمعية البحث عن أحوال المستعمرات في 21 مايو سنة 1886م وجعل عنوانها: (طريق الاستعمار في المملكة التونسية) حيث ظن أن أول من قال بجواز الإنزال هو العلامة باش مفتي المالكية بتونس سيدي إبراهيم الرياحي – رحمه الله – حيث يقول ما تعريبه: (لا يوجد نص صريح في جواز الإنزال ولا تكلمت عليه الفتاوى، وقد وجد في العصر الأخير أحد الفقهاء الثقات وهو الشيخ إبراهيم الرياحي قال: إن إخراج العقار من الحبسية جائز إذا وجدت منفعة معتبرة في تغيير كيفية الانتفاع) (3) .
__________
(1) 154
(2) 154
(3) محمد السنوسي الحفيد: مطلع الداراري: 134(4/1773)
وليس من مقتضيات المقام مناقشة بسكال في أن الإنزال ليس إخراجا للوقف عن الوقفية، وفي أن فتوى الشيخ إبراهيم الرياحي المشار إليها أشارت إلى وجود جدل فقهي في قضية الإنزال كما سيأتي في معظم نص الفتوى المنقول بحرفه في محله من هذا البحث، ولكن الذي يهمنا محاولة إثبات خطأ بسكال في نشأة الإنزال وبيان أن هذا النوع من أنواع الخلوات نشأ منذ القرن الثامن، وأن توضيح خليل أشار إليه، ثم ظهرت بعده فتاوى ابن سراج وابن منظور في أواخر القرن التاسع بالأندلس في جواز الكراء المؤبد في الأراضي الزراعية الوقفية فيكون الأندلسيون فيما يظهر تابعين لما جاء في التوضيح الذي هو من أشهر شروح جامع الأمهات لابن الحاجب الذي نسخ ما تقدمه من كتب المالكية، وكيف لا وهذا الشرح الخليلي قد احتوى الشروح السابقة وزاد عليها ونقل عن شرح ابن عبد السلام وهو أحسن الشروح (1) ثم جاء القرن العاشر وظهرت في مصر ملابسات جديدة وازدهر الاقتصاد ووصل الأمر أن بعض أسواق القاهرة وزن الناس ثمنا لخلو الحانوت فيها أربعمائة دينار ذهبا جديدا كما ورد بالسؤال الذي ترتبت عليه فتوى ناصر الدين اللقاني (2) الآتية في محلها من هذا البحث – إن شاء الله – مع السؤال المرتبة عليه.
5- العرف: دعاني إلى إثارة قضية العرف في هذا التمهيد لانبناء مسألة الخلوات عليها: فالعرف أساس لها، وسيكون بحثي لهذه المسألة بإيجاز وبتركيز على ما يخدم المبحث المخصص لحكم الخلوات، وأسارع فأقول: إن بحثي لمسألة العرف ينحصر في النقاط التالية:
__________
(1) محمد الحجوي: الفكر السامي 2/ 231
(2) أحمد العرفاوي الفيومي: رسالة في تحقيق مسألة الخلو عند المالكية: 4(4/1774)
العرف لغة واصطلاحا:
العرف في اللغة: المعروف، وهو الخير والرفق والإحسان (1) .
وأما في الاصطلاح فعرفه الجرجاني بقوله: ما استقرت النفوس عليه بشهادة العقول، وتلقته الطبائع بالقبول ... وكذا العادة وهي (ما استمر الناس عليه على حكم المعقول وعادوا إليه مرة بعد أخرى) (2) .
وجمع الإمام الأكبر محمد الخضر حسين بين العرف والعادة في تعريف واحد فقال: والعرف والعادة ما يغلب على الناس من قول وفعل وترك (3) .
ومثال العرف القولي قول الفقهاء في وقف يقول واقفه (داري حبس على ولدي) بدخول البنات، إذا كان عرف بلد الواقف كذلك أو لم يكن هناك عرف، وأما إذا جرت عادة أهل ذلك البلد بإطلاق لفظ الولد على الذكر دون الأنثى فلا يدخل الإناث في الوقف رعيا لعرف الاستعمال، وإن كانت كلمة ولد تعم في العرف اللغوي الذكر والأنثى لأن العرف القولي مقدم على العرف الشرعي فلو حلف لا يأكل لحما لم يحنث بالسمك وإن سماه الله لحما، أو لا يجلس في ضوء سراج لا يحنث إذا جلس في ضوء الشمس وإن سماها الله سراجا.
ويعتد بالعرف القولي إذا عم بلدا أو قوما من أهل البلد وتحمل عليه ألفاظ المتكلمين بإطلاق في العقود والالتزامات والأيمان والنذور أما إذا خص متكلما دون قومه أو بلده حمل لفظه عند المالكية على عرفه الخاص في الأيمان والنذور والطلاق وألغى سائر العقود والالتزامات ووقع الرجوع إلى العرف العام.
ومثال العرف الفعلي: مسألة الحيازة عند المالكية فمن حاز عقارا عشر سنين ثم ادعاه آخر طولب المدعى بالبينة على سكته تلك المدة كغيبته عن البلد أو عدم علمه بحيازة المدعى عليه للعقار، ولا تنفعه البينة الشاهدة بأصل الملك؛ لأن العرف والعادة عدم سكوت الإنسان عن تصرف آخر في ملكه هذه المدة الطويلة.
وشروط الاعتداد به أن يعم بلدا أو قوما من أهل البلد.
__________
(1) الفيومي: المصباح المنير 2/ 33
(2) الجرجاني: التعريفات 80
(3) مجلة نور الإسلام مج1 ع: 7/ 534 سنة 1349هـ(4/1775)
أما العرف الفعلي الخاص بفرد فقد ذكر شهاب الدين القرافي أن الإجماع منعقد على عدم تأثيره في اللفظ اللغوي تخصيصا وتقييدا وإبطالا. واعتراض ابن عرفة وغيره حكاية الإجماع، وقال الشيخ ابن ناجي في شرح المدونة: الإيمان تُحمل على المقصد العرفي وظاهر مسائل الفقهاء أنه لا فرق بين أن يكون العرف قوليا أو فعليا ولبعض أهل الأصول أنه لا يعتبر إلا العرف القولي (1) . قال الشيخ محمد جعيط – رحمه الله – [ت 1337هـ] ويدخل تحت لفظ البعض المصنف (2) قال الإمام الأكبر محمد الخضر حسين: وأوردوا مسائل في المذهب تدل على التخصيص بالعوائد الفعلية وإن كانت خاصة ومثل بعضهم لذلك الرجل يوكل آخر على شراء ثوب فيشتري له مالا يناسب عادته فقد أفتوا بلزوم المشتري للموكل لا لمن وكَّله (3) .
ومثال العرف الجاري بالترك تسامح الناس في أخذ الثمار الساقطة خارج حدود البساتين دون توقف على إذن ملاكها لجريان العرف بالتسامح في ذلك.
أقسام العرف:
قسم الفقهاء العرف باعتبار الشارع له وعدم اعتباره إلى أقسام ثلاثة:
1- ما قام البرهان الخاص على اعتبار الشارع له كمراعاة الكفاءة في الزواج.
2- ما قام البرهان الشرعي الخاص على إلغائه كطواف أهل الجاهلية من العرب بالبيت عراة.
3- ما لم يقم دليل شرعي خاص على اعتباره أو إلغائه وذلك مراد رحب للمجتهدين، ذهب إلى اعتباره قضاء وفتيا جمهور الفقهاء واعتبروه أصلا من أصول التشريع الإسلامي وأكثر ما نجد ذلك عند الأحناف والمالكية والحنابلة.
__________
(1) محمد جعيط: منهج التحقيق التوضيح لحل غوامض التنقيح 2/ 53 –54
(2) محمد جعيط: منهج التحقيق التوضيح لحل غوامض التنقيح 2/ 54
(3) نور الإسلام مج1: ع 7/ 535- 1349هـ.(4/1776)
هذا والعلاقة بين الشريعة وبين العرف تبدو كالتالي:
إقرار الكثير من أعراف الجاهلية في شبه الجزيرة بعد إضفاء الصبغة الإسلامية على تلك الأعراف كالقسامة والدية على العاقلة والقراض والرهن والإجارة والسلم.
ما ألغته لأنه شر وفساد كالخمر والأنصاب والأزلام والميسر ووأد البنات.
وقد وقف الموقف نفسه فقهاء الفاتحين في عهد الفتوحات الإسلامية.
الأحكام المأخوذة بطريق الأعراف تدور معها وجودا وعدما كالنقود في المعاملات والعيوب في الأعراض في البياعات ونحو ذلك فلو تغيرت العادة في النقد والسكة إلى سكة أخرى لحمل الثمن في البيع عند الإطلاق على السكة التي تجددت العادة بها دون ما قبلها، وكذلك إذا كان الشيء عيبا في الثياب عادة رددنا به المبيع فإذا تغيرت العادة وصار ذلك المكروه محبوبا موجبا لزيادة الثمن لم ترد به، وبهذا القانون تعتبر جميع الأحكام المترتبة على العوائد، وهو تحقيق مجمع عليه بين العلماء لا خلاف فيه بل قد يقع الخلاف في تحقيقه هل وجد أم لا؟ هذا ما قرر معناه شهاب الدين القرافي (1) ولذلك أوصى المفتين قائلا: (إذا جاء رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تُجْرِهِ على عرف بلدك، واسأله عن عرف بلده وأجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك، فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين، وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضيين) . (2) .
لكن هنالك أعراف فاسدة في معاملات الناس فهل تقع مراعاتها أو لا تقع؟
يقول محمد الخضر حسين نقلا عن ابن الفرس (وإذا تنازعا في بيع أو إجارة وادعى أحدهما الصحة والآخر الفساد وكان الفساد الذي ادعاه جاريا بين الناس فالمشهور أن القول قول مدعي الصحة) .
__________
(1) الفروق 1/ 223
(2) الفروق 1/ 224(4/1777)
ومن أصحاب مالك من يقول: (القول لمدعي الفساد، وتفسخ المعاملة لأنهم يرون أي الفريق الأول في العرف الفاسد غلبة معنى على الناس يستلزم غلبة الظن بصدق من اقترن هذا المعنى بدعواه) (1) .
وبرغم مراعاة الشريعة للعرف في إطار ما سبق يجب أن يعلم أنه لا يجوز في مجالي القضاء والفتيا اعتماد أعراف تخالف أصلا من أصول الشريعة الإسلامية، قال العلامة أبو عبد الله بن شعيب من علماء أفريقية في القرن الثامن الهجري: (وغلبة الفساد إنما هي من إهمال حملة الشريعة ولو أنهم نقضوا عقود الفساد لم يستمر الناس على الفساد) . وقال عماد الفتوى في عصره الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي – رحمه الله – (والعرف المعتبر هو ما يخصص العام ويقيد المطلق، وأما عرف يبطل الواجب ويبيح الحرام فلا يقول به أحد من أهل الإسلام) (2) فإذا اعتمد فقيه في قضاء أو فتوى عرفا مخالفا لأصول شريعة الإسلام فقد جاء أمرا إدًّا إلا أن تدعو لذلك ضرورة.
وقد خرج سماحة الأستاذ الإمام محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله – الفتوى بجواز الخلوات على أنها ضرورة عامة مؤقتة (3) وسيأتي تفصيل ذلك في محله من هذا البحث.
1- الخلوات ذات البدل هي المدروسة في هذا البحث سواء أدفع البدل المالي إلى المالك أو ناظر الوقف أو مستحقه أو قام المستأجر بالعمارة مقابل امتلاكه للخلو، أو تخلى المستأجر لمستأجر آخر عن الخلو ببدل كما سيأتي بيان ذلك عندما أعرض لفتوى ناصر الدين اللقاني وأحمد السنهوري، أو لما جاء في رسالة البدر القرافي (الدرة المنيفة) من المالكية أو لفتوى العلامة ابن نجيم من الحنفية وغيرهم.
هذا ما يتعلق بالتمهيد.
__________
(1) نور الإسلام مج1 ع 7/ 537- 1349هـ
(2) نور الإسلام مج1 ع: 7/ 539- 1349هـ
(3) مقاصد الشريعة الإسلامية 133- 234(4/1778)
وأما المباحث:
1- تعريفه لغة واصطلاحا:
أما لغة فالخلو بالمعنى المبحوث هنا كلمة مولدة، ولعلها تكون مأخوذة من قول العرب أخليت المكان جعلته خاليا، ووجدته كذلك. ويجمع على: خلوات بفتحات، وما ذكرته لم أجده في الصحاح والأساس والقاموس واللسان والمصباح وغيرها من المعاجم المشهورة ولا في شفاء الغليل للخفاجي الذي يعني بالكلمات المولدة والدخيلة فحسب، كما لم أجد ضبطا دقيقا للمفرد، وإنما استخلصت هذا المعنى الذي ذكرت من كون صاحب الخلو عندما يدفع النقود لمستحق الرقبة من الملاك، أو مستحق المنفعة من الموقوف عليهم أو من يتولى شؤون الوقف من النظار يفعل ذلك مقابل أن تخلى الرقبة له ليتمكن من امتلاك منفعتها.
وأما في الاصطلاح فقد عرفه أبو الإرشاد على الأجهوري – رحمه الله – بقوله: (اسم لما يملكه دافع الدراهم من المنفعة التي دفع الدراهم في مقابلتها) .
2- المبحث الثاني: أصل ملك الخلو:
يرجع ملك الخلو إلى أصلين:
أ - ملك الهواء.
ب - إجارة الأرض.(4/1779)
أما ملك الهواء فجائز قال الشهاب القرافي – رحمه الله –: قد نص أصحابنا على بيع الهواء لمن ينتفع به ... لأن الناس شأنهم الاستشراف والنظر إلى المواضع البعيدة من الأنهار ومواضع الفرح والتنزه والاحتجاب عن غيرهم بعلو بنائهم وغير ذلك من المقاصد ...
وحكم الأهوية تابع لحكم الأبنية، فهواء الملك ملك وهواء الوقف وقف، وهواء المسجد مسجد (1) .
وإلى جواز بيع الأهوية أشار ابن عاصم في تحفة الحكام بقوله:
وجائز أن يشتري الهواء لأن يقام معه البناء (2) .
قال شارحها العلامة التسولي: أي يجوز شراء عشرة أذرع مثلا من هواء فوق سقف بيت موجود لأجل أن يقيم المشتري في ذلك الهواء بناء موصوفا.. وكذا يجوز شراء هواء فوق هواء كشراء عشرة أذرع مثلا فوق عشرة أذرع يبنيها البائع إذا وصف البناء الأسفل والأعلى في هذه لرغبة صاحب الأعلى في وثاقة بناء الأسفل ورغبة صاحب الأسفل في خفة بناء الأعلى، ويملك صاحب الأعلى ما فوقه من الهواء في الصورتين، ولكن لا يبني فيه إلا برضا صاحب الأسفل وهذا يفيد أن من ملك أرضا يملك هواءها إلى ما لا نهاية له، ولهذا جاز بيعه، وكذا يملك باطنها على المعتمد (3) .
__________
(1) الفروق 4/ 19 – 20
(2) 64
(3) البهجة على شرح التحفة 2/ 14(4/1780)
ويبدو أن مدار جواز بيع الهواء قائم على انتفاء الغرر والجهالة.
هذا وقد أشار الشهاب القرافي – رحمة الله عليه – إلى جريان الخلاف في هذه المسألة، ولكنه دعم القول بعدم ملكية صاحب الأرض لما في تخومها قائلا: (وسر الفرق بين القاعدتين أن الناس شأنهم توفر دواعيهم على العلو في الأبنية للاستشراف والنظر إلى المواضع البعيدة من الأنهار ومواضع الفرح والتنزه والاحتجاب عن غيرهم يعلو بنائهم وغير ذلك من المقاصد، ولا تتوفر دواعيهم في بطن الأرض على أكثر مما يستمسك به البناء من الأساسات، ولو كان البناء على جبل أو أرض صلبة استغنوا عنه، والشرع له قاعدة وهو أنه إنما يملك لأجل الحاجة وما لا حاجة فيه لا يشرع فيه الملك فلذلك لم يملك ما تحت الأبنية من تخوم الأرض بخلاف الهواء إلى عنان السماء فهذا هو الفرق والمساجد والكعبة لما كانت بيوتا كانت المقاصد فيها لمن يدخلها متعلقة بهوائها دون ما تحت بنائها كالمملوكات) (1) .
لكن ابن الشاط لم يسلم ما قاله القرافي قائلا: (ما قاله من أنه لا تتوفر الدواعي في بطن الأرض على أكثر مما يتمسك به البناء من الأساسات ليس بصحيح، كيف وقد توفرت عليه دواعي كثير من الناس كحفر الأرض للحبوب والمصانع والآبار العميقة، هذه غفلة منه شديدة والذي يقتضيه النظر الصحيح أن حكم ما تحت الأبنية كحكم الأهوية، ومما يدل على ذلك أن من أراد أن يحفر مطمورة تحت ملك غيره يتوصل إليها من ملك نفسه يمنع من ذلك بلا ريب ولا خلاف، فلو كان ما تحت الأبنية ليس له حكم الأبنية، بل هو باق على حكم قبوله للأحياء لما منع من ذلك، والله أعلم.) .
__________
(1) الفروق 4/ 20(4/1781)
وأما ما قاله: (والشرع له قاعدة وهو أنه إنما يملك لأجل الحاجة وما لا حاجة فيه لا يشرع فيه الملك فلذلك لم يملك ما تحت الأبنية من تخوم الأرض بخلاف الهواء إلى عنان السماء) فقد أجاب عنه بقوله: (إذا كانت القاعدة الشرعية أن لا يملك إلا ما فيه الحاجة وأي حاجة في البلوغ إلى عنان السماء. وإذا كانت القاعدة أنه يملك ما فيه الحاجة فما المانع من ملك ما تحت البناء لحفر بئر يعمقها حافرها ما شاء، فما ذكر من سر الفرق لم يظهر وبقى سرا كما كان، فالصحيح أنه لا فرق بين الأمرين ومن الدليل على ذلك ما هو معلوم لا شك فيه من أن من ملك موضعا له أن يبني فيه ويرفع فيه البناء ما شاء ما لم يضر بغيره وأن له أن يحفر فيه ما شاء ويعمق ما شاء ما لم يضر بغيره) (1) .
وبما قاله الشهاب القرافي وتعقبه محشيه ابن الشاط نستخلص أن صاحب الأرض يملك عمقها وهواءها بلا حدود ما لم يضر بالغير.
وأما إجارة الأرض فلا إشكال في كونها أصلا لملكية الخلوات، وإنما الإشكال قائم على أن الخلوات كراء على التبقية كما جرى بذلك عرف أهل القرون الأخيرة وانعقدت عليه ضمائرهم، والأصل في الكراء أن يكون لمدة محدودة بعوض معين ينتهي الكراء بانتهائها.
__________
(1) إدرار الشروق على أنواء الفروق 4/ 20(4/1782)
والخلوات هذه لا يخلو حال ملكيتها من أن تكون ناشئة عن وقف أو عن ملك. فإذا كانت ناشئة عن وقف فلا يخلو حال الوقف من أن يكون أرضا أو دورا وما شاكلها.
فإذا كان الوقف أرضا فلا يخلو الحال من أن يكون وقفا على معينين كهذه الأرض حبس على أبناء صالح، أو على غير معينين كهذه الأرض حبس على الفقراء والمساكين أو على مرضى المستشفى كذا.
والأرض الموقوفة على معينين للناظر كراؤها لغير من مرجعها له السنة والسنتين لا أكثر في رواية ابن القاسم (1) . قال خليل: (وأكرى ناظره إن كان على معين كالسنتين) (2) .والكاف في كالسنتين ينبغي إسقاطها، أو اعتبارها استقصائية، وظاهر قول خليل كالسنتين سواء كان الكراء بالنقد، أو بغيره مما لا تخرجه الأرض، لكن إذا كان الكراء بغير النقد كأقمشة أو مواعين فباتفاق، وإذا كان الكراء بالنقد فعلى أحد القولين.
ولو كان الكراء لأكثر من سنتين لا يجوز كراؤه بنقد ولا بغيره لكن به اتفاق وبغيره على أحد القولين؛ لأن ما زاد على السنتين بعيد وشملت قوله خليل الأقسام الأربعة التي ذكرها العلامة ابن رشد.
وأما إذا كانت الأرض أي الزراعية الموقوفة على غير معينين كأرض حبس على الفقراء أو على مستشفى كذا أو على قنطرة، أو مسجد فإنه يجوز كراؤها لمدة طويلة، واستحسن قضاة قرطبة على ما حكى المواق كونه لأربعة أعوام، خوف اندراسه بطول مكثه بيد مكترية ونقل ابن مزين (أن عمل قضاة قرطبة جرى على كرائها خمس سنين، قال العدوي: (ومن المعلوم أن ما يقوله المواق مقدم على غيره) .
وكلام خليل السالف الذكر يتسنى حمله على الدور الموقوفة أيضا وهو ما يبدو من كلام المواق والخرشي في صغيره (3) . وحمله غيرهما كالدردير على الأرض التي للزراعة وأما الدور فلا يجوز كراؤها أكثر من سنة ونصه: (والعام لا أكثر إن كان دارا) (4) على معينين أو على غير معينين.
__________
(1) انظر حاشية العدوي على صغير الخرشي 7/ 99
(2) المختصر: 249
(3) انظر حاشية العدوي على صغير الخرشي 7/ 100
(4) الشرح الكبير 4/ 96(4/1783)
وهذا كله – كما أسلفت – إذا كان المكري له ليس مرجعا سواء كان المرجع بتحبيس عليه أو ملك على ما استظهره الزرقاني وسلمه البناني (1) وأما إذا كان مرجعا فيجوز له أن يكري الأرض الزراعية أو الدور من باب لا فرق، عشر سنين. وقال ابن رشد: قال عبد الملك: وقد أكرى مالك منزله عشر سنين وهو صدقة على هذا الحال، وكان المرجع فيها له (2) . وإلى هذه المسألة أشار خليل بقوله: (ولمن مرجعها له كالعشر) (3) . وقيد بعض شيوخ المالكية قول خليل هذا بقيد أن يكون مرجعا بلا واسطة ومثال ذلك حبس على زيد دارا ثم على عمرو فإنه يجوز لعمرو أن يكتري الدار عشرة أعوام، أما إذا كان لا ينتقل إليه إلا بواسطة له فعلَّة المنع موجودة.
ولا بد هنا من بيان أن المراد بالناظر الناظر الموقوف عليه، وهو الذي عناه خليل بقوله: (وأكرى ناظره) إلخ ... وأما غير الموقوف عليه من النظار فيجوز له أن يكون لأزيد من ذلك؛ لأن الناظر الموقوف عليه بموته تنفسخ الإجارة وفي ذلك الغرر والجهالة، والناظر غير الموقوف عليه لا تنفسخ الإجارة بموته وبذلك يخف أمر الجهالة والغرر ...
هذا وما سلف من تفصيل في كراء الوقف مشروط بشرطين:
1- أن لا يشترط الواقف مدة معينة وإلا عمل بها للقاعدة: إن شرط الواقف كلفظ الشارع إن جاز وأمكن وإليها أشار خليل بقوله: (واتبع شرطه إن جاز) وأشار إليها ابن عاصم بقوله:
وكل ما يشترط المحبس من سائغ شرعا عليه الحبس
__________
(1) شرحه على مختصر خليل مع حاشية البناني: 7 عليه 7/ 92
(2) حاشية العدوي على صغير الخرشي 7/ 100
(3) المختصر 249(4/1784)
2- أن لا تدعو الضرورة لأكثر من المدد المذكورة لأجل مصلحة الوقف، وأما إذا دعت الضرورة لذلك تجووزت المدد المذكورة كما وقع في زمن القاضي ابن باديس بالقيروان أن دارا حبسا على الفقراء خربت ولم يوجد ما تصلح به فأفتى بأنها تكرى السنين الكثيرة كيف تيسر بشرط إصلاحها من كرائها، وأبى أن يسمح ببيعها وهو المعول عليه (1) ، وجرى ببطليوس اكتراء أرض محبسة خمسين عاما وقام المحبس عليهم بعد سبع سنين على الغارس لفسخ الكراء فامتنع المكتري وهو أبو شاكر أحد فقهاء البلد، وحكي عن المنصور بن أبي عامر أنه اكترى موضعا حبسا إلى سبعين عاما. قال البرزلي: الواقع عندنا اليوم بتونس. مما جرت به العادة في أحباس قرطاجنة بقاء المدة أربعين سنة، ورأيت كذا في قاعة دار خمسين سنة وهذا نحو ما وقع لأبي شاكر ومنصور بن أبي عامر ولعلهم لم يجدوا من يقبلها إلا على هذه الهيئة فاغتفروا ذلك للضرورة كالتزام الجزاء على أرض الجزاء أبدا لضرورة حاجة بيت مال المسلمين وإن كان عن ثمن الأرض لكونه تابعا لأصل جائز للضرورة والله أعلم (2) .
وفي هذه الحالة أي حالة الاضطرار إلى كراء الوقف مدة طويلة يقول الحطاب الابن: (إن الواقف إذا شرط أن لا يؤجر الوقف أكثر من سنة مثلا وخرب الوقف ولم يوجد ما يصلح به وأراد الناظر أو المستحق للوقف إجارته السنين بمقدار ما يعمره به هل يمنع من ذلك ويتبع شرط الواقف ولا يؤجر أكثر مما شرطه أو لا يتبع شرطه ويؤجر من السنين بما يعمر به لأن شرطه يؤدي إلى إبطال أصل الوقف؟ ويكون حكم هذه المسألة حكم ما إذا شرط الواقف أن يبدأ من غلته بمنافع أهله ويترك إصلاح ما ينهدم منه لأنه لا يتبع شرطه كما نصوا على ذلك وعللوا ذلك بأنه يؤدي إلى بطلان أصل الوقف وما كان كذلك من الشروط لا يوفي به. قال ابن الحاجب: ويبدأ بإصلاحه ونفقته ولو شرط خلافه لم يقبل، وقال الشيخ في توضيحه أي ويبدأ الناظر بإصلاحه إن كان عقارا وبنفقته إن كان حيوانا لأن الغرض من الوقف دوام المنفعة) (3) .
هذا كله إذا كان الخلو ناشئا عن وقف.
__________
(1) الخرشي: صغيره على مختصر خليل 7/ 100
(2) راجع فتح العلي المالك للشيخ عليش 2/ 240
(3) الحطاب: رسالته في بيع الوقف إذا خرب 27 – 28(4/1785)
وأما إذا كان ناشئا عن ملك فلقد نقل المواق عند قول خليل: (والنقد فيه إن لم يتغير غالبا) ، عن ابن شاس (له أن يكري الدار إلى حد لا تتغير فيه غالبا وينقد فأما ما لا يؤمن تغيرها فيه لطول المدة أو لضعف البناء وشبه ذلك فيجوز العقد دون النقد ما لم يغلب على الظن أنها لا تبقى إلى المدة المعينة فلا يجوز كراؤها إليها) (1) وقال مالك (لا بأس أن يستأجر مسيلا يجري الماء فيه إلى داره السنة والسنين الكثيرة أو للأبد) ، قال ناصر الدين اللقاني: وهو نص على جواز الإجارة أبدا فيما يؤمن فيه التغير وهو الأرض، وقال أبو الإرشاد على الأجهوري: وهذا يقتضي أن هذا يجري في الأرض المحبسة والمملوكة (2) .
بعد هذا العرض لاجتهادات فقهاء المالكية في ركني ملكية الخلوات: ملكية الهواء وإجارة الأرض أو بعبارة أدق مدة إجارة الأرض نلاحظ ما يلي:
1- ليس هناك نصوص من كتاب الله تعالى أو سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم تحسم في جواز ملكية الهواء أو في تحديد مدة الإجارة وإنما هي اجتهادات للفقهاء تخضع للأعراف إذا أمن التغير وانتفت الجهالة وكانت في ذلك مصلحة.
2- أن الخلوات امتداد للقول بجواز الإجارة الأبدية. وهو ما أفاده قول مالك السالف لا بأس أن يستأجر مسيلا يجري الماء فيه إلى داره السنة والسنتين الكثيرة أو للأبد، وهو كما قال ناصر الدين اللقاني نص على جواز الإجارة أبدا فيما يؤمن فيه التغير وهو الأرض، سواء في الأرض المحبسة أو المملوكة كما أفاد ذلك نور الملة والدين على الأجهوري (3) .
__________
(1) التاج والإكليل: 5/ 408- 4
(2) السنوسي الحفيد: مطلع الدراري 129- 130
(3) السنوسي الحفيد: مطلع الدراري 130(4/1786)
3- نلاحظ أثر العادة والعرف جليا في اجتهادات الفقهاء في مدة إجارة الأرض والدار. وقديما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: (تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور) . وقعد الفقهاء قاعدة وهي: العادة مُحَكَّمَةٌ كما سيظهر ذلك جليا في محله من هذا البحث.
3- المبحث الثالث: أنواع الخلوات:
تعددت الخلوات وتنوعت في المجتمع الإسلامي حصيلة لظروف متقاربة غالبا واختلفت أسماؤها والمسمى واحد غالبا وأهمها على حسب ما في فقه المتأخرين من المالكية ما يلي:
1- خلو الحوانيت: هو على ما يبدو لي من أوائل الخلوات خلا الأحكار المؤبدة وهو عبارة على أن يتسلم الإنسان من مالك، أو ناظر وقف، أو مستحقه دارا أو حانوتا، أو مستودعا أو ما شاكل ذلك ويضع فيه لوازم صناعته أو تجارته، ولا مفهوم للحوانيت لأن المسألة مبنية على العرف وهو جار في الحوانيت والأرحبة وبيوت الفنادق ونحو ذلك على أن يدفع له عوضا معجلا ويلتزم له بقدر من الكراء سنوي أو شهري وبتصرف بعد ذلك في منفعته بشتى وجوه التصرف من كراء وهبة وإعارة ونحو ذلك فلا يبقى لصاحب الحانوت أو الدار من منفعتهما إلا بمقدار ذلك الكراء السنوي أو الشهري وما زاد على ذلك فهو ملك لدافع العوض أبدا.(4/1787)
فهذه المنفعة التي تقابلها الزيادة عن الأجرة الأصلية هي المسماة بخلو الحوانيت في مصر أو بالمفتاح في تونس لأن مالك المنفعة استقل بملكية مفتاح التصرف المفتاح عند فقهاء المالكية يعتبر كاعتبار العين، وقد قرر الفقهاء في بابي الوقف والبيع أن تسلم المرء للمفتاح يعتبر تسلما لعين العقار الذي يفتح به وحوزا له ويسمى في المغرب الأقصى بشراء المفتاح قال حافظ المذهب المالكي في زمنه الشيخ سيدي محمد المهدي الوزاني الشريف ناقلا عن الفقيه محمد بن أحمد التماق في تأليفه الذي سماه (إزالة الدلسة عن وجه الجلسة) ما نصه: (سمعنا عن بعض الأسواق المغبوطة في هذه الأزمنة كالقيسارية والعطارين أن من تكون بيده الحانوت يبتغي أن يعطيه الداخل له برضاه ما يتفقان عليه فيما بينهما ليرفع له يده عنها ويسمون ذلك شراء المفتاح من الساكن ولا مدخل في ذلك لذي الأصل الذي عقده أولا للساكن أو ذي المنفعة) (1) .
ومن خلو المفتاح ما عرف عندنا في تونس بخلو الحزقة في الدور التي يعمرها اليهود من أهل الذمة.
وسبب ذلك على ما يذكر الشيخ أحمد بن أبي الضياف في الإتحاف (2) أن أبا محمد حمودة باشا الحسيني – رحمه الله – أوائل دولته (تاريخ ولايته 1196هـ) منع اليهود من شراء الريع والعقار لسياسة ظهرت له وقتئذ حتى غلت أكرية دورهم وتضايقوا بسبب ذلك في السكنى كما حدد لهم حارات خاصة بسكناهم على وجه الكراء فتضايقوا شديد الضيق وتنافسوا في الكراء بما يتجاوز كراء مثل تلك الدور بأضعاف الأضعاف وشكوا الأمر لأحبارهم فخرجوا بقرار جماعي مفاده أن الدار إذا اكتراها أحدهم وأسرج فيها قنديله فقد حزق عليها واختص بسكناها بقدر كرائه ولا يتسنى لأي يهودي آخر أن يزيد عليه ولصاحب الحزقة من اليهود أن يتنازل عن حزقته إلى يهودي آخر مقابل دراهم يدفعها له على حسب قرار أحبارهم وإنما مملك هاته المنفعة التي أطلق عليها اسم الحزقة مقابل التزامه بدفع قدر من الدراهم للمالك بمجرد دخول الدار وإنارة القنديل فيها، وأصبح هذا الأمر شائعا في تونس وتقليدا راسخا (3) وهو لا يختلف عما يعرف بخلو الحوانيت في مصر أو المفتاح في تونس، أو شراء المفتاح في المغرب الأقصى.
__________
(1) النوازل أو المعيار الجديد 4/ 17
(2) 5/ 260
(3) محمد السنوسي الحفيد مطلب الدراري 161 – 162(4/1788)
وهناك نوع آخر من خلو الحزقة هو من باب ما عرف عندنا في تونس بخلو النصبة سأعرض إليه عند بحث هذا النوع من الخلوات وكلا الضربين كراء على التبقية وامتلاك للمنفعة والحزقة بضربيها قد زالت من المعاملات التونسية على عهد محمد باشا بأي تونس ومنعت منعا باتا ولم يبق العمل جاريا بها إلا فيما يخص الأملاك القديمة وذلك عند صدور أمر الباي المذكور في 5 صفر 1275هـ الموافق لـ 14سبتمبر 1858م والقاضي تسريح اليهود لشراء ما يملك من الريع والعقار وغير ذلك لأن هذا الباي هو صاحب عهد الأمان الذي تنص مادته الثالثة على التسوية بين المسلم وغيره من سكان المملكة التونسية في استحقاق الإنصاف لأن استحقاقه لذلك بوصف الإنسانية لا بغيره من الأوصاف (1) .
2-خلو الجلسة: وهو على حد قول العلامة أبي الفداء إسماعيل التميمي رحمه الله عليه – أصله ومبدأه أن يكري المرء حانوتا أو رحى أو ما أشبه ذلك من رباع الغلة مشاهرة أو مساناة أو وجيبة لمدة معينة وينصب فيها مواعين صناعته وما تحتاج إليه حرفته وتجارته ويستمر على ذلك لعدم من يزيد عليه في الكراء أو لعدم احتياج أرباب الحوانيت إليها فلا يخرجونه لكونها معدة للكراء فتعرف تلك الحانوت بإضافتها إلى معمرها وتصير له يد فيها، يقدم بها على غيره فإذا بدا له الخروج منها تخلى عنها لغيره وأخذ منه بدلا على ذلك وقام هذا الغير مقامه وفشا ذلك وأصبح عرفا شائعا فمن أكرى ربعا مقصودا به الغلة كان كراؤه على التبقية فهذه المنفعة التي يستحقها هذا المكتري بالسبق والتقدم هي المسماة عند المغاربة بالجلسة وتسمى أيضا خلوا.
وخلو الجلسة هو المتعارف عند المغاربة وعليه تكلم فقهاؤهم ووردت فيه فتاويهم وهو كراء أبدي وإن حد بمدة فإن ذلك غير مقصود لانعقاد الضمائر على خلافه (2) .
__________
(1) أحمد بن أبي الضياف: الإتحاف 4/ 289
(2) إسماعيل التميمي: رسالة في الخلو ووجوهه عند المصريين والمغاربة والتونسيين: 3(4/1789)
3-خلو النصبة: وينشأ عن وضع المكتري الآته وموازينه مما تقع به عمارة المحل المكتري وتبقى به يد المكترى بالكراء الدائم وقد عرف هذا النمط من الخلوات بتونس.
وتسمى هذه العمارة في مثل حوانيت العطارين بتونس نصبة وفي مثل حوانيت السوقة: باعة الزيت والخبز وديار الصابون (راغلة) وفي مثل الطواحين (عدة) وتعددت الأسماء والمسمى واحد (1) .
وسبب نشوء خلو النصبة يعرض إليه العلامة محمد السنوسي الحفيد من فقهاء جامع الزيتونة الأعظم في كتابه (مطلع الدراراي) فيقول: والأصل فيه أن غرباء الوافدين على البلاد من الترك كانوا إذا اكترى أحدهم حانوتا بغير عمارة وأنفق عليه ما يحتاجه من الخزائن وآلة الصناعة والموازين وأراد المالك أو ناظر الأوقاف إخراجه بعد انقضاء أمد الكراء تشكى من خسارة ما استكمل به عمارة المحل وحيث إن المالكين وناظري الأوقاف لم يجعلوا لحوانيتهم ما يلزم للصناعة المعد لها الحانوت مع كونهم أكروه لتلك الصنائع وتحمل المكترون مصاريف ذلك وقع الحكم بأن المكتري إذا كان على تلك الصفة ووضع ما يلزم من العمارة بإذن المالك فلا يصح إخراجه إلا أن يقبل المالك تلك الموضوعات بدون خسارة وإلا فيبقى المكتري بكرائه متمتعا بخلوه ولما يجحف بالمالكين من تعويض مصاريف الموضوعات اضطروا لإبقائهم فتصرف المكترون بأنفسهم وأكروا لغيرهم وباعوا مكانهم عل أن لا يأخذ المالك إلا مقدار الكراء وما زاد عليه يبقى لصاحب العمارة وبتطاول الأعصار وارتفاع الأسعار جرى عمل البلاد على ذلك وتقررت به أملاك لها بال في سائر أنحاء المملكة التونسية حيث تعتبر فيه التبقية.
__________
(1) إسماعيل التميمي: رسالة في الخلو ووجوهه عند المصريين والمغاربة والتونسيين: 3(4/1790)
وقد أبطلت الدولة التونسية خلو النصبة منذ 1295 تقريبا مستقبلا وألزمت المتعاقدين بما يتراضيان عليه عند العقد وبقيت النصبات القديمة على ما هي عليه يتصرف أصحابها في خلوها بسائر وجوه التصرف. مقتصرين على دفع الكراء على أصله ومن هنا يتضح ما قلته في مبحث أصل ملك الخلوات فالمكتري بدفعه الكراء يعترف للمالك الأصلي بملكه وإطلاق عنان التصرف يشهد لصاحب النصبة بتملك الهواء الذي هو الخلو أتم التملك.
ومن خلو النصبة كما أسلفت نمط من نمطي حزقة اليهود بتونس وهو النمط الذي لا يتسلم فيه المالك أو ناظر الوقف أو مستحقه بدلا معجلا في الحزقة وإنما يملك اليهودي الحزقة بسبب أن المالك التونسي المسلم أو ناظر الوقف أو مستحقه لا يجوز له أن يسكن بالحارات المختصة باليهود لتحجير ذلك بمقتضى أمر على من الأمير في ذلك التاريخ الذي أسلفت الكلام عليه، واليهودي الذي اكترى دارا وأسرج فيها مصباحه وشهد له بذلك أحبار اليهود امتلك حزقة الدار وبامتلاكه للحزقة يشهد على تفويتها مهرا لزوجته فلانة أو حبسا على قنديل في البيعة وحين انتهاء أمد الكراء يساوم المالك أو ناظر الوقف أو مستحقه على أن يبقى بذلك الكراء الدائمي أو يترك المحل فيضعهم أمام معضلة لا حل لها لأنهم لا يستطيعون السكنى بالدار الموجودة بحارة اليهود لاختصاص اليهود بها ولا كراءها ليهودي آخر لتحريمها على سائر اليهود بالإجماع من طرف مجلس الأحبار، ولم يبق أمامهم إلا شراء الحزقة من الزوجة أو من أحبار البيعة بما يقع عليه التراضي فيفتكون بذلك قوة صاحب الحزقة فترجع لمالك الرقبة ويتسنى له كراء الدار بأجر المثل ليهودي آخر بعد افتكاك الحزقة وبما أن مالك الرقبة أو ناظر الوقف أو مستحقه يجحف بهم أن يشتروا خلوهم مرة ثانية جنح أكثرهم إلى إبقاء الحزقة دون أخذ عوض فكانت بمنزلة خلو النصبة ولم يبق لهم من وجوه الانتفاع بالملك إلا قدر الكراء.
هذا والحزقة بنمطيها قد زالت بزاول سببها كما ذكرت آنفا (1) .
4-الإنزال: وهو كما يقول العلامة أبو الفداء الشيخ إسماعيل التميمي: كراء الأرض على التأبيد لمن يبني بها دارا أو غيرها أو يغرس بها أشجارا بكراء شهري أو سنوي كما يذكر أن ما يسمى بالإنزال عندنا يسمى بالجزاء عند المغاربة ويقال له برطانة الأندلس (سينسو) وعند المصريين حكرا.
__________
(1) راجع مطلع الدراراي 159 وما بعدها.(4/1791)
وما أقيم من بناء من شجر يدعى إنقاخا (1) .
وما ذهب إليه أبو الفداء من أن الإنزال هو الحكر عند المصريين مقيد بما إذا لم يوجد ما يدل على أن ما حددت به مدة الحكر غير مراد فيتحرى الأمور حينئذ على عرف مصر من الاستمرار في الأحكار إلى الأبد. فمن احتكر بمصر أرضا مدة وانقضت تلك المدة فليس لناظر الوقف أو مستحقه إخراجه لانعقاد الضمائر على التبقية في صورة انعدام مخصص للعرف ويكون ذلك من ملك الخلو.
هذا ما نقله السنوسي الحفيد في مطلع الدراري عن كتاب الزهرات الوردية في الفتاوى الأجهورية من مسائل الإجارة لأبي الإرشاد على الأجهوري رحمه الله (2) وإلا فقد جاء في فتاوى علماء المالكية المصريين ما يفيد تحديد المدة في الأحكار ومن ذلك ما أجاب به الشيخ محمد أحمد عليش حين سئل عن أرض محبسة على الجامع الكبير بمدينة إسنا بأقصى صعيد مصر طرح الناس أتربة وأقذارا فيها حتى صارت تلا لا ينتفع في الحال فأجرها نائب القاضي تسعا وتسعون سنة لمن ينقل ما فيها من الأتربة والأقذار ويبنيها خانا كل سنة بأربعة أرطال زيت لا غير وأزال المكتري ما فيها وأصلحها فحصلت الرغبة فيها بزائد عن تلك الأجرة فهل تفسخ تلك الإجارة، ويصير الأنفع للوقف، أفيدوا الجواب.
فأجاب رحمه الله بجواب مطول يستفاد منه أن الحكر ليس دائما على التأبيد وقد أتى على كثير من النقول مما عرضت له عند كلامي على الأصل الثاني من أصلي ملك الخلوات وهو إجارة الأرض (3) .
وليس الإنزال ولا الحكر المؤبد بالأمفتيوز الروماني والذي يعني في لغة الإغريق الغرس والتلقيح، كما يطلق فيها على إقامة الرجل مكان غيره وعلى التمتع بملك الغير مع إمكان الغرس مقابل كراء لمدة أقلها عشرون سنة وأكثرها تسع وتسعون سنة..إلخ ما يتعلق به من الأحكام (4) .
__________
(1) رسالته في الخلو ووجوهه عند المصريين والمغاربة والتونسيين 7
(2) مطلع الدراري 153.
(3) راجع فتح العلي المالك له 2/239 وما بعدها
(4) محمد السنوسي الحفيد: مطلع الدراري 152- 153(4/1792)
ولكن العالم الفرنسي بسكال يقول عن الإنزال أنه بمثابة أمفتيوز مؤبد (1) والعلامة عبد الرزاق السنهوري يقول عن أحكار مصر أنها عقود تأثرت بأحكام عقد الأمفتيوز الروماني (2) .
ولا يتسنى بحال قبول قول بسكال الذي قاله في الإنزال لقيامه على استمرارية الكراء ودوامها، وأما ما قاله عبد الرزاق السنهوري فإنه يصدق بالأحكار غير المؤبدة وهي التي أقرها القانون المدني المصري فبينها وبين الأمفتيوز شبه قوي.
هذا والأصل في الإنزال جريانه في أرض الوقف بعد شهادة العرفاء المشهود لهم بذلك عرفا أن ذلك أصلح لأرض الوقف التي خربت وانعدم نفعها وأن إنزالها بكراء ثابت انفع لجانب الوقف وأن العمارة الدائمة خير من الزراعة في أرض البور ويقدرون قيمة الكراء لكل مرجع أو هكتار ويشهدون على انتفاء الغبن بعد ضبط حدودها وما يرجع إليها فإذا وقع استيفاء ذلك فالقاضي أو نائبه يبرم عقد الإنزال ويمضيه هذا ما جرى به عمل أهل تونس في الإنزالات وإلى ذلك يشير محمد السنوسي الجد في نظمه لقط الدرر بقوله:
وأن ترد إنزال أرض الوقف فسق إليها عرفاء العرف
ليشهدوا بأن ذاك أحظى وفيه رغبة لوقف ترضى
وإن ثابت الكراء أولى إذ لا يبور أشهرا أو حولا
وإن فيما دام في العمارة خيرا من الزراعة البوارة
وشهدوا بأن قيمة الكرا لكل مرجع كذا مقدرا
والغبن منتف بها والحد وكيلها يضبطها والعد
حتى إذا استكملها فالقاضي يعقد أو من ناب وهو ماضي
ويبدو من كلام صاحب لقط الدرر أن صحة الإنزال تتوقف على إذن القاضي لكن عماد الفتوى في عصره الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي – رحمه الله – ينفي ذلك وهذا ما قاله صاحب لقط الدرر.
عقد بيع الخلو والإنزال بإذن قاض ماله إهمال
(3) .
والذي لا يجوز إهماله بحال هو الواجب أو الشرط.
__________
(1) محمد السنوسي الحفيد: مطلع الدراري 153
(2) الوسيط في شرح القانون المدني 6/1438
(3) مختارات من لفظ الدرر ضمن مجموع: 5(4/1793)
وجاء في فتوى للشيخ سيدي إبراهيم الرياحي ما يلي: وأما اشتراط إذن القاضي فلم أر من ذكره على أنه شرط في صحة الإنزال لا في الحبس ولا في غيره وإنما ذكروه في رفع الغبن عن الإنزال في الأحباس خاصة لا في أصل عقده (1) .
ومجال جريان الإنزال في الأراضي الفارغة من الأشجار أي البيضاء وأما الأراضي المشتملة على أشجار فلا يتسنى تنزيلها إلا إذا توفرت الشروط الآتية:
1-أن يكون الكراء وجيبة.
2-أن يكون الشجر طيب الثمرة أثناء مدة الكراء.
3-أن تكون قيمة الثمر الثلث فأقل.
4-أن يكون اشتراط دخولها لأجل دفع الضرر,
وهذه الشروط هي التي تشترط في دخول الأشجار في الأرض المكتراة بصورة عامة قال خليل: (واغتفر ما في الأرض ما لم يزد على الثلث بالتقويم) قال الزرقاني في شرحه عليه (واغتفر اشتراط ما في الأرض المكتراة وجيبة من شجر فيه ثمر وكذا دار ما لم يزد على الثلث ويعتبر الثلث بالتقويم بأن يقال: ما قيمة كراء الأرض أو الدار بلا ثمر مثمر؟ فيقال: عشرة مثلا وما قيمة الثمرة منفردة بلا أرض بعد إسقاط الكلفة؟ فيقال: خمسة أو أقل. فإنما ينظر لذلك بالتقويم أي لا بما استؤجرت العين به لأنه قد يزيد على القيمة ولا بد أن يكون طيب الثمرة في مدة الكراء وأن يكون اشتراطها لدفع ضرر فإن زاد على الثلث بعد إسقاط الكلفة لم يغتفر اشتراطه ولو شرط منه قدر الثلث أو أقل على المشهور، وقدرنا اشتراطه لأنه لا يدخل الثلث فما دونه إلا به كما في المدونة) (2) .
__________
(1) مختارات من لفظ الدرر ضمن مجموع: 3
(2) 7/23(4/1794)
واعتبر الثلث قليلا لما ذكره ابن رشد في المقدمات من كتاب الحوائج فقال: مذهب مالك أن كل ما يجب به اعتبار القليل من الكثير فالثلث في حد اليسير إلا ثلاثة، الجوائح، ومعاقلة المرأة الرجل، وما تحمله العاقلة من الدية. قال ابن غازي في التكميل ويجمع الثلاثة للحفظ أن تقول:
الثلث نزر في سوى المعاقلة ثم الجوائح وحمل العاقلة
(1) .
هذا وبعد عرضي لأهم أنواع الخلوات التي عرض لها فقهاء مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس – رضي الله عنه – رأيت من المفيد ذكر الفروق بينها لما يحصل من معرفة الفروق بين الفروع من الفقه لها أتم من الفقه فأقول. ومن الله استمد بلوغ المأمول:
__________
(1) البناني: حاشيته على شرح الزرقاني 7/23(4/1795)
إن أهم ما وقع التعرض له في المبحث السابق من أنواع الخلوات أربعة على اختلاف الاصطلاح:
1-خلو الحوانيت كما هي التسمية المصرية، والمفتاح أو أحد نمطي الحزقة في الدور التي يعمرها اليهود كما هي التسمية التونسية، أو شراء المفتاح كما تعارف ذلك في المغرب الأقصى.
2-خلو النصبة كما هي التسمية في تونس ومنه أيضا أحد نمطي الحزقة في تونس ولعله المقصود بكلمة زينة الحوانيت في المغرب الأقصى.
3- خلو الجلسة المعروف بفاس.
4-الإنزال كما هو الاصطلاح التونسي أو الجزاء كما هو الاصطلاح المغربي، أو أحد أنواع الحكر المؤبد كما هي التسمية المصرية.
وبعد ضبط تسميات أنواع الخلوات نشرع في ذكر الفروق بينها وهي:
1-الفرق بين خلو الحوانيت وبين خلو الجلسة: إن صاحب خلو الحوانيت شريك، وصاحب خلو الجلسة كار على التبقية فهما مختلفان شكلا ونتائج، فصاحب خلو الحوانيت يلزمه إصلاح الريع عل نسبة ما يساويه خلوه، فلو كانت الرقبة قبل العمارة تكرى مساومة بدينار مثلا، وصارت بعد العمارة تكرى بثلاثة دنانير لكان مالك خلو الحوانيت شريكا بالثلثين إذا احتاجت تلك الأماكن إلى العمارة مرة ثانية، وصاحب الرقبة بالثلث ومالك خلو الجلسة يكون مجرد كار فإصلاح الريع على مالكه أو ناظر وقفه أو مستحقه وله كراء المثل فإذا بذل مالك خلو الجلسة الكراء فليس للآخر إخراجه.
ويتفق خلو الحوانيت وخلو الجلسة في استمرارية الكراء ودوامه وعدم إمكانية الزيادة على الكراء المدخول عليه ولو ارتفعت الأسعار وتبدلت الأزمان.
وبهذا البيان يظهر الفرق بين خلو الحوانيت وبين خلو الجلسة ويندفع ما يساور بعض الأذهان من اتحاد مورد فتاوى الفريقين وينزاح ما عسى أن يرد على توهم ذلك من الإشكال ويتيقن اختلاف المورد بين فتاوى المصريين وبين فتاوى المغاربة، وأن الأولى واردة على ما يزامل مورد الثانية.(4/1796)
وهذا وجه أول من وجوه الفرق بينهما وهناك وجه ثان وهو أن خلو الجلسة المتعارف لدى المغاربة وخلو الحوانيت كما هي التسمية المصرية كلاهما الكراء فيه على التأبيد لكن التأبيد في خلو الجلسة مستفاد من العرف المنزل منزلة الشرط، وفي خلو الحوانيت مستفاد من دفع الدراهم في مقابلته ومن هنا نعلم أنه لا مانع من إلزام أجر المثل في خلو الجلسة عند تغير الأعصار وتبدل الأسعار بعد العقد وأن خلو الحوانيت لا يجوز فيه ذلك ويمنع منه إعطاء الدراهم فإنها معدودة من الكراء (1) .
ولفت نظري تردد التماق في رسالته الموسومة بـ (إزالة الدلسة عن أحكام الجلسة) إن خلو الجلسة بفاس هو خلو الحوانيت بمصر (2) وجزم المحقق البناني في حاشيته على شرح الزرقاني بذلك حيث يقول ما نصه: (وقول الزرقاني: وقد أفتى الشيخ شمس الدين إلخ بمثل ما ذكره من الفتاوى: وقعت الفتوى من شيوخ فاس المتأخرين كالشيخ القصار وابن عاشر وأبي زيد الفاسي وسيدي عبد القادر الفاسي وأضرابهم ويعبرون عن الخلو المذكور بالجلسة جرى بها العرف) الخ (3) والفرق كما ذكرت واضح وقد رد أيضا ما تردد فيه التماق وجزم به المحقق البناني العلامة محمد المهدي الوزاني – رحمه الله – حيث قال: وفيما تردد فيه التماق وجزم به بناني من أن الخلو عند أهل مصر هو الجلسة بفاس نظر، لأن الجلسة بفاس هي الكراء على التبقية، والخلو بمصر هو ما يقبضه مالك منفعة الحانوت مثلا على رفع يده عنها ولا يبقى له تصرف فيها بل يمكن مفتاحها لدافع الخلو ويصير له التصرف دونه فالخلو بمصر هو شراء المفتاح بفاس (4) .
2-الفرق بين الجلسة بفاس وبين النصبة بتونس: أن المغاربة في خلو الجلسة داخلون على التأبيد وإن لم يشترطوه للعرف الجاري بذلك المنزل منزلة الشرط، وأن التونسيين في خلو النصبة غير داخلين على ذلك وأن الريع يكون بيد مكتريه إلى أن يزيد عليه غيره ويدل على ذلك إنهم إذا أرادوا التأبيد جعلوه خلوا (أي خلو مفتاح) وسكوتهم لمانع أو عذر، هذا ما استظهره العلامة أبو الفداء إسماعيل التميمي الذي ادعى الاجتهاد ولم ينكره عليه معاصروه بل جزم بعدم صحة خلافه (5) .
__________
(1) إسماعيل التميمي: رسالته في الخلو ووجوهه عند المصريين والمغاربة والتونسيين ص3- 4 –5-6
(2) محمد المهدي الزواني: نوازله 4/18
(3) 6/128
(4) محمد المهدي الوزاني: نوازله 4/18
(5) رسالته في الخلو ووجوهه عند المصريين والمغاربة والتونسيين: 6(4/1797)
وقد حاول محمد بأي تونس سالفا إبطال النصبات بعاصمة تونس استنادا لكلام قاضيه أبي الفداء فلم يتيسر ذلك له لما يطرأ على ذلك من ضرر كبير على مالكي النصبات وهم جم غفير وقد قال أحمد الغرقاوي الفيومي في رسالته: تحقيق مسألة الخلو عند المالكية (باعتماد صحة القول بعدم جواز تحبيس الخلو المتأتي عن الوقف لأنه وقف ووقف الوقف لا يجوز، ولكنه مال عما اعتمده إلى القول بجواز تحبيسه لجريان العمل به كثيرا في سائر الممالك سيما في الديار المصرية فينبغي اعتماد صحته ارتكابا لأخف الضررين لما يلزم على بطلانه من ضياع أموال الناس وتفاقم الأمر بينهم وكثرة الخصام المؤدي إلى التقاطع والتدابر المنافيين لأخوة الإسلام فهذا مما عمت به البلوى فيبغي أن لا فتى به أي فيه بالبطلان) (1) .
وذلك هو سر التراجع من طرف محمد بأي فيما أبداه قاضية المذكور.
3-الفرق بين الإنزال وخلو الحوانيت من وجوه:
أ -أن مالك خلو الحوانيت اشترى الخلو بما دفعه من الدراهم الخاصة، وبقي يدفع كراء ما زاد عليه للأرض أو البناء.
ب -أن مالك الخلو صار شريكا لمالك الأرض أو الرقبة ويصلحان معا البناء بموجب الاشتراك.
جـ- أن مالك الخلو ممنوع من تغيير هيئة الرقبة.
أما الإنزال فهو عند متأخري المالكية كراء بحت ليس فيه شراء أصلا، ومع ذلك يطلق به عنان التصرف للمستنزل وليس فيه شركة بين مالك الأرض أو الرقبة وبين المستنزل (2) .
__________
(1) 12
(2) محمد السنوسي الحفيد: مطلع الدراري ص158 –159 بتصرف(4/1798)
4-المبحث الرابع: حكم الخلوات ودليله:
من المعلوم أن مسألة الخلوات اشتهرت نسبتها إلى مذهب إمام دار الهجرة مالك بن أنس رضي الله عنه والحال أنه ليس فيها نص عنه ولا عن أحد من تلامذته ولم يتعرض لها الأوائل من المالكية وإنما خاض فيها المتأخرون وصدرت عنهم فتاوى في أنواع الخلوات أصلها ومبناها العرف الذي هو أصل من أصول التشريع الإسلامي توسع المالكية في الاستدلال به كما عرضت لذلك في النقطة الثانية من نقاط التمهيد.
وأشهر هذه الفتاوى ما يلي:
1-فتوى ناصر الدين اللقاني (ت935هـ) حين سئل: (ما تقول السادة العلماء أئمة الدين رضي الله عنهم أجمعين في خلوات الحوانيت التي صارت عرفا بين الناس في هاته البلدة (القاهرة) وغيرها ووزن الناس في ذلك مالا كثيرا حتى وصل الحانوت في بعض الأسواق أربعمائة دينار ذهبا جديدا فهل إذا مات شخص وله وارث شرعي يستحق خلو حانوت مورثه عملا بعرف ما عليه الناس أم لا؟ وهل إذا مات من لا وارث له يستحق ذلك بيت المال أم لا؟ وهل إذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه يوفى ذلك من خلو حانوته؟ أفتونا مأجورين) .
فأجاب رحمه الله تعالى – بما نصه: (الحمد لله رب العالمين نعم إذا مات شخص وله وارث شرعي يستحق خلو حانوت مورثه عملا بعرف ما عليه الناس وإذا مات من لا وارث له يستحق ذلك بيت المال وإذا مات شخص وعليه دين ولم يخلف ما يفي بدينه فإنه يوفي من خلو حانوته. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب. كتبه الفقير ناصر الدين اللقاني المالكي حامدا ومصليا) (1) .
وقد وجه أحمد الغرقاوي الفيومي المالكي فتوى العلامة مجتهد التخريج ناصر الدين اللقاني فقال: وفتواه مخرجة على النصوص وقد أجمع على العمل بها واشتهرت في المشارق والمغارب وانحط الأمر على المصير إليها وتلقيها بالقبول وهو وإن لم يستند فيها إلى نص صريح لكن العمل عليها ... ولا يضر عندنا عدم استناد المفتي للنص فيما أفتى به لأنه يجوز للمفتي إذا لم يجد نصا في النازلة تخريجها على المنصوص في إطار ما اشترطه الشهاب القرافي.
__________
(1) أحمد الغرقاوي الفيومي: رسالة في تحقيق مسألة الخلو عند المالكية: 4(4/1799)
وقد سئل أبو الإرشاد على الأجهوري – رحمه الله – عن جواب المفتي إذا لم يكن له مستند ولا مرجع فيما أفتى به كفتوى الناصر اللقاني في مسألة صحة الخلوات وجوازها هل يكون من أحد الأدلة الشرعية حتى أنه يجوز للمفتي المالكي أن يفتي بقوله ويتخذه حجة ودليلا على جواز الخلوات وصحتها مع عدم وقوفه على نقل في ذلك من أئمة المذهب المتقدمين أم لا؟.
فأجاب رحمه الله – بما لفظه: قال الشيخ شهاب الدين القرافي: يجوز إذا لم يجد نصا في النازلة أن يخرجها على النصوص إذا كان شديد الاستحضار لقواعد مذهبه وقواعد الإجماع ونص أيضا على أنه يجوز لمن حفظ روايات المذهب وعلم مطلقها ومقيدها وعامها وخاصها وعلم أصول الفقه وكتاب القياس وأحكامه وترجيحاته وموانعه وشرائطه أن يفتي بما يخرجه على ما هو محفوظ له منها، والشيخ الإمام شيخ شيوخ عصره الشيخ ناصر الدين اللقاني ممن اتصف بالصفة التي يسوغ لمن تلبس بها الإفتاء فيما لم يكن فيه نص بالمخرج على النصوص على ما بلغنا من ثقات الشيوخ واشتهر ذلك اشتهارا لاخفاء فيه وقد أطبق من وجد بعده من العلماء فيما أعلم على متابعته فيما يفتي به مما لا يوجد فيه نص في المذهب وإن لم يظهر لهم المدرك بل ربما كان مشكلا عندهم كمسألة الخلو هذه التي بناها على العرف فإنه كثر منهم استشكالها وهي في الحقيقة مشكلة، ومع ذلك يتبعونه فيها للثقة به واعتقاد اطلاعه على ما لم يطلعوا عليه وإنه لا يقدم على ذلك من غير شيء يعتمد عليه لاسيما وقد وافقه على ذلك من هو مقدم عليه في الفقه وهو أخوه الشيخ محمد اللقاني وكان لسان حالهم يقول:
وإذا لم تر الهلال فسلم لأناس رأوه بالأبصار
وقد وقع لعلماء مذهبنا المعتمدين المعول عليهم في المذهب كالإمام ابن عرفة والبرزلي وابن ناجي وغيرهم العمل بما جرى عليه شيوخهم مما ليس بمنصوص وإن لم يتعين له مدرك كما تقدم فهذا ونحوه يفيد أنه يجوز للمفتي أن يفتي بما خرجه غيره على نصوص المذهب ممن فيه أهلية التخريج كالشيخ ناصر الدين، هذا إن لم يعرف المدرك حيث لا يخالف النص ومما يستأنس به في هذا المقام قوله عليه الصلاة والسلام ((ما رآه المسلمون حسنا فهو عند الله حسن)) (1) .
__________
(1) قال العلائي: لم أجده مرفوعا في شيء من كتب الحديث أصلا ولا بسند ضعيف بعد طول البحث وكثرة الكشف والسؤال، وإنما هو من قول عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه موقوفا عليه أخرجه الإمام أحمد في مسنده. ابن نجيم: الأشباه والنظائر: القاعدة السادسة: العادة محكمة 101(4/1800)
وقد قال شيخ شيوخنا القرافي: (إن لشيوخ المذهب المتأخرين كأبي عبد الله بن عتاب وأبي الوليد بن رشد وأبي الأصبغ بن سهل والقاضي أبي بكر بن زرب والقاضي أبي بكر ابن العربي ونظرائهم اختيارات وتصحيحات لبعض الروايات والأقوال عدلوا فيها عن المشهور وجرى باختيارهم عمل الحكام والفتيا فيما اقتضته المصلحة وجرى به العرف والأحكام تجري مع العرف كما قاله القرافي في قواعده وابن رشيد في رحلته وغيرهما من الشيوخ) (1) .
وقد اعتمد فتوى الشيخ ناصر الدين أبو الإرشاد علي الأجهوري ومدرسته المصرية في الفقه المالكي ومن أبرز أولئك العلامة عبد الباقي الزرقاني في شرحه على المختصر الخليلي ووالده على ما ذكر هو في شرحه المذكور والشيخ سالم السنهوري في شرحه على المختصر أيضا ومحمد الأمير في شرحه وحاشيته على مجموعه والشيخ سيدي محمد أحمد عليش في فتاويه وغيرهم كما اعتمدها جهابذة من فقهاء جامع الزيتونة بتونس كالعالم مجتهد المذهب أبي الفداء سيدي إسماعيل التميمي في رسالته في وجوه الخلوات عند المصريين والتونسيين والمغاربة وصاحب نظم لقط الدرر محمد السنوسي الجد الذي أقام على خطة القضاء ما يناهز الثلاثين سنة حيث يقول مشيرا إلى عدم وجود نص في المذهب في مسألة الخلو وإنما العمدة في ذلك فتوى ناصر الدين:
__________
(1) رسالته في تحقيق مسألة الخلو عند المالكية 7- 8 – 9(4/1801)
وليس في المذهب فيها نص مصرح بحكمها يختص
وإنما خرجها اللقاني الناصر المحقق الرباني
وأصدر الفتوى بها للناس وأجريت في الملك والأحباس
وأعملتها العلماء بفاس فما على تابعهم من بأس
كما اعتمدها عماد الفتوى بتونس في عصره الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي – رحمه الله – وغيرهم ممن لم أذكر واعتمدها من فقهاء المالكية المتأخرين بالمغرب الأقصى حافظ المذهب المالكي في وقته الشيخ محمد المهدي الوزاني الشريف في فتوى له فيما يسميه المغاربة شراء المفتاح ويسميه المصريون خلو الحوانيت، ونقل فتوى ناصر الدين عن شرح الزرقاني على المختصر الخليلي كما نقل غيرها ثم قال: (فظهر بهذه النقول أن صاحب المفتاح اليوم له التصرف التام فيه بالبيع وغيره لثبوت ملكه الكون العرف ذلك اليوم شائعا بفاس وغيرها) (1) .
هذا ولعلماء تونس فتاوى في أنواع أخرى غير خلو الحوانيت كالنصبة والحزقة التي هي من نمط النصبة والإنزال وقد عرض لجميعها العالم المجتهد أبو الفداء إسماعيل التميمي – رحمه الله – في رسالته في الخلو ووجوهه عند المصريين والتونسيين والمغاربة وهي مصدر هام من مصادر هذا البحث بالرغم عن كونها مؤلفها لم يتمها، كما أفتى في أنواع من الخلوات الإنزال وخلو الحوانيت والجلسة عماد الفتوى في عصره الشيخ سيدي إبراهيم الرياحي – رحمه الله – وهذا نص فتواه إجابة عن سؤال أحد أبنائه: الجزاء والإنزال والخلو والجلسة ألفاظ متعددة الذات مختلفة بالاعتبار في الاصطلاح فذاتها ومعناها المنفعة التي يملكها دافع الدراهم لمالك الأصل مع بقاء ملكه للرقبة فإن كانت الرقبة التي هي الأصل أرضا عبر عن تلك المنفعة بالإنزال وإن كانت في حوانيت أودور عبر عنها بالخلو في غير اصطلاح أهل فاس وفي اصطلاحهم يعبر عنها في الحوانيت بالجلسة وإن كانت في دور يسكنها اليهود عبر عنها بالحزقة في تونس.
فإذا تقرر معناها فقد اضطربت الفتاوى في حكمها جوازا ومنعا، وأكثر كلامهم المنع كما قاله بعض الأئمة نظما.
الجلسة التي جرت بفاس لدى الحوانيت بلا التباس
ليس لها في الشرع أصل بعلم ولا قياس قاله من يفهم
__________
(1) نوازله 4/ 17(4/1802)
ولكن الذي جرى به عمل المصريين كشمس الدين اللقاني وناصر الدين اللقاني وغيرهما جواز ذلك وصحته، ووافقهم على ذلك شيوخ فاس المتأخرون كالشيخ القصار وابن عاشر وأبي زيد الفاسي وسيدي عبد القادر الفامي وأضرابهم. وقد ختم فتواه بقوله: (هذا ما ظهر لمزجي البضاعة) (1) وبمثل فتوى سيدي إبراهيم الرياحي أفتى تلميذه الشيخ الشاذلي بن صالح باش مفتي المالكية بتونس في فتوى له اعتمد فيها على فتوى شيخه وأضاف إليها قوله: (ولا يقال: إن هذا العمل لا مستند له في الفقه كما صرح بذلك بعضهم لأنا نقول: ما جرى به العمل من مثل الأئمة المذكورين المقتدى بهم في أمور الدين لا بد له في الواقع من مستند غير أننا لم نطلع عليه كما قال الشيخ العقباني: إن عدم الاطلاع على المستند لا يبيح لنا الخروج عن العمل وقرر صاحب الموافقات أن اختلاف قول المجتهد بالنسبة للمقلد كاختلاف الأدلة على المجتهد) (2) هذا وإلى جانب الفتاوى تكلم في صحة الخلو وجوازه ثلة من الفقهاء المالكية المتأخرين كنور الملة والدين سيدي علي الأجهوري في شرحه لعواري المختصر الخليلي وأحمد الغرقاوي الفيومي في رسالته: (تحقيق مسألة الخلو عند المالكية) وهو مصدر هام من مصادر هذا البحث وسيدي عبد الباقي الزرقاني في باب العارية والأمير في حواشيه وشرحه على مجموعه في باب الوقف وعلى الصعيدي في حاشيته على صغير الخرشي وغيرهم كما تكلم من متأخري المغاربة على صحة الجلسة جمع منهم العلامة الدسولي في شرحه على تحفة ابن عاصم قال: يجوز شراء الملاحة وإن كان ما يخرج منها مجهول القدر والصفة لأن ذلك في مقابلة رفع اليد عنها وكذا يجوز أخذ شيء من الدراهم ونحوها في مقابلة إباحة صيد من بركة ماء أو واد أو نحوهما قاله الزرقاني عند قول المتن في السلم. لا فيما يمكن وصفه كتراب المعدن الخ.
قلت: وفي المواق عند قول المصنف: وجائز سؤال البعض ليكف عن الزيادة: أنه يجوز للإنسان أن يقول لآخر: كف عني ولك دينار ويلزمه الدينار اشترى أم لا.
ومن هذا المعنى بيع الجلسة والجزاء الذي جرى به عمل المتأخرين المشار له بقول ناظم العمل. [أبو زيد عبد الرحمن الفاسي] :
وهكذا الجلسة والجزاء..إلخ. انظر شرحه.
ويلاحظ أن العلامة الدسولي جعل خلو الجلسة مخرجا على فروع المذهب كشراء الملاحة في مقابلة رفع اليد عنها وأخذ شيء من الدراهم في مقابلة إباحة صيد من بركة ماء ...
__________
(1) نشرت بمجموع طبع بتونس: 3
(2) نشرت بمجموع طبع بتونس: 6(4/1803)
وممن أفتى بجواز أخذ مقابل الخلو من الحنفية ابن نجيم حيث قال: (والحاصل أن المذهب عدم اعتبار العرف الخاص، ولكن أفتى كثير من المشائخ باعتباره فأقول على اعتباره: ينبغي أن يفتي بأن ما يقع ببعض أسواق القاهرة من خلو الحوانيت لازم، ويصير الخلو في الحانوت حقا له فلا يملك صاحب الحانوت إخراجه منها ولا إجارتها لغيره ولو كانت وقفا، وقد وقعت في حوانيت الجملون بالغورية أن السلطان الغوري لما بناها أسكنها للتجار بالخلو وجعل لكل حانوت قدرا أخذه منهم وكتب ذلك بمكتوب الوقف) (1) وقد استنبط الفقيه الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي من قول البجيرمي: (لا يبعد اشتراط الصيغة في نقل اليد في الاختصاص أي عند التنازل عن حيازة النجاسات لتسميد الأرض – كأن يقول: رفعت يدي عن هذا الاختصاص ولا يبعد جواز أخذ العوض عن نقل اليد كما في النزول عن الوظائف) مشترطا أن يكون ذلك ضمن مدة الإجارة المتفق عليها، وبذلك يكون مقابل الخلو يجوز أخذه على مذهب الشافعي) (2) . ومدار الفتاوى السابقة العرف والعادة والعادة محكمة كما هي القاعدة الفقهية، والتخريج على فروع فقهية لما رُوعي من المصلحة في ذلك. والمصلحة على ما يظهر أن داعيا هاما من دواعي وجود الخلوات نظام الوقف في مجتمعنا الإسلامي والأعيان الموقوفة لا تخضع للتداول العادي، إذ الوقف مصدرا: (إعطاء منفعة شيء مدة وجوده لازما بقاؤه في ملك معطية ولو تقديرا واسما: ما أعطيت منفعة) (3) إلخ التعريف السالف. وإذا كان الأمر كما ذكر فيؤول أمر الوقف إلى قلة نفع أو خراب وتنعدم مهمة ما وقف عليه والغرض من الوقف كما قال خليل في توضيحه: (دوام المنفعة) إذ الدور بطول المدة تنهدم، والأراضي الزراعية تصبح بورا ولا تكفي المدة المحددة لإيجار الوقف بالتفصيل المذكور في النقطة الثانية من مبحث أصل ملك الخلوات أن يؤجره مستأجر وينفق نفقات كبيرة ويستطيع في المدة المحددة أن يستفيد منها، ويندر أن يكون للوقف مال يصلح به، وحتى على القول بجواز بيع الوقف العقار إذا قل نفعه أو خرب من باب أولى وهو ما ذهب إليه طائفة من متأخري المالكية أو معاوضته وقد ذهب إليها جمع من فقهاء المذهب المالكي من المتأخرين أيضا إذا توفرت شروطها وإليها الإشارة في العمليات الفاسية بقوله:
__________
(1) الأشباه والنظائر 113- 114
(2) الفقه الإسلامي في أسلوبه الجديد: 1/ 566
(3) محمد الرصاع: كتاب الهداية الكافية الشافية لبيان حقائق الإمام ابن عرفة: الوافية: 411(4/1804)
كذا معاوضة ربع الحبس على شروط أسست للمؤتسي
وفي العمليات العامة بقوله:
وبالمعاوضة فيها اعملوا على شروط عرفت لا تهمل
والشروط وجود الخراب أو قلة المنفعة في الوقف وكون الربع المعاوض به الحبس أكثر قيمة من ربع الحبس قلت: وحتى على القول بجواز بيع الوقف إذا قل نفعه أو خرب أو معاوضته فلا يوجد له مشتر إلا بأقل الأثمان، أو معاوض إلا بما هو قليل النفع وخرب عادة، ومن أجل ذلك شعر الفقهاء منذ زمن بعيد بأن مدة كراء الوقف القصيرة والتي فصلت القول فيها في النقطة الثانية من مبحث أصل ملك الخلوات غير كافية فأفتوا بجواز كراء الوقف السنين الكثيرة كيف تيسر بشرط إصلاحه من كرائه لأن بيعه غير مسموح به على المشهور وهو المروي عن مالك – رضي الله عنه – في المدونة. وقد جرت فتاوى تلك العصور على هذا الاعتبار فجرى ببطليوس كراء أرض محبسة خمسين عاما كما حكي عن اكتراء المنصور بن أبي عامر موضعا حبسا سبعين عاما وذكر البرزلي أن العادة في أحباس قرطاجنة كراؤها لمدة أربعين سنة كما ذكر أن قاعة دار حبس على عهده اكتريت لخمسين عاما وعلل إطالة مدة كراء هذه الأحباس بقوله:
لعلهم لم يجدوا من يتقبلها إلا على هذه الهيئة فاغتفروا ذلك للضرورة كالتزام الجزاء على أرض الجزاء أبدا لضرورة حاجة بيت مال المسلمين وإن كان عن ثمن الأرض لكونه تابعا لأصل جائز للضرورة والله أعلم. كما تنبه الفقهاء إلى القول بتجاوز شرط الواقف الذي هو كلفظ الشارع إذا أدى إلى بطلان أصل الوقف فقال ابن الحاجب: (ويبدأ بإصلاحه ونفقته، ولو شرط خلافه لم يقبل) . وعلل شارحه خليل ذلك بقوله: (لأن الغرض من الوقف دوام المنفعة) .(4/1805)
وبمجموع ذلك وجدت الخلوات التي تقوم على التبقية في الكراء. وأما في الأملاك فيذكر العلامة الأمير جواز الخلوات من باب أحرى (1) لحرية تصرف المالك في ملكه من غير تعسف في استعمال هذا الحق ولما يبدو في ذلك من المصلحة أيضا، إذ كثير من الملاك للرباع والعقارات يقومون بمهمات أخرى في حياتهم تملأ عليهم أوقاتهم ولا يستطيعون القيام بمتطلبات دورهم أو أراضيهم الزراعية أو نحو ذلك فتتعرض هذه الأملاك إلى قلة النفع أو الخراب، وملاك آخرون تركيبهم النفسي أو الجسدي لا ينسجم مع متطلبات أملاكهم ((وكل ميسر لما خلق له)) كما في السنة الشريفة وملاك آخرون يمنعهم تشتت الملكية وصغرها عند القسمة من القيام بشؤونها وكلهم يريد الإبقاء على هذه الأملاك شعورا منهم بأنها استمرار لخلود الأسرة وتبقية لاسمها فلاذوا بالكراء الدائم حتى يخرجوا من ترك واجب شرعي وهو إهمال أملاكهم يقول أحمد غنيم النفراوي: (لم يتكلم [ابن أبي زيد القيرواني] على ما إذا كان له كرم أو زرع يحتاج إلى سقي بحيث يتلف بتركه والحكم فيه أنه يجب عليه القيام به إما بنفسه أو بدفعه لمن يعمل فيه ولو بجميع الثمرة فإن لم يفعل أثم لما في تركه من إضاعة المال ولم يثبت نص ببيعه) ولعل مما يدعم صحة كراء الأملاك إذا أمن التغير على التبقية ما روي عن مالك – رضي الله عنه – أنه قال: (ولا بأس أن يستأجر مسيلا يجري الماء فيه إلى داره السنة والسنين الكثيرة أو للأبد قال ناصر الدين اللقاني في شرحه على المختصر الخليلي (وهو نص على جواز الإجارة أبدا فيما يؤمن فيه التغير وهو الأرض) . قال الأجهوري في شرحه عليه أيضا: (وهذا يقتضي أن هذا يجري في الأرض المحبسة والمملوكة) (2) . هذا بالنسبة إلى المؤجرين مستحقي منفعة وقف أو نظاره أو ملاك.
__________
(1) الفواكه الدواني 2/ 238
(2) محمد السنوسي الحفيد: مطلع الدراري 129(4/1806)
وأما المستأجرون فَقَلَّ أن يوجد مستأجر يقبل أن يغامر بصرف أموال طائلة في تجديد بناء وقف قَلَّ نفعه أو خرب أو في إحداث بناء في أرض حبس أو غراستها لمدة قصيرة إذ طبيعة أهل عصرنا هي ما عبر عنه الحديث الشريف: ((ولو كان لابن آدم واديان من مال لابتغى إليهما ثالثا، ولا يملأ جوف ابن آدم إلا التراب ويتوب الله على من تاب)) (1) . ولم يبق المجتمع الإسلامي مجتمع مواساة أو تكافل، وقديما قال الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، وهي من الكلمات المباركة التي فاضت على لسان هذا الإمام الفقيه فأصبحت قاعدة فقهية قطعية تلهم الفقيه التساؤل عن الأحكام المرتبة على العوائد والأعراف الحاصلة في فقه الأئمة إذا تغيرت تلك العوائد والأعراف وصارت تدل على ضد ما كانت تدل عليه هل تبطل هذه الفتاوى المسطورة في الكتب ويفتي بما تقتضيه العوائد المتجددة؟ أو يقال: نحن مقلدون وما لنا إحداث شرع لعدم أهليتنا للاجتهاد فيفتى بما في الكتب المنقولة عن المجتهدين؟
أجاب القرافي رحمه الله عليه في كتابه (الأحكام في تمييز الفتاوى عن الأحكام) في السؤال التاسع والثلاثين عن هذا السؤال فقال: إن جري هذه الأحكام التي مدركها العوائد مع تغيير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة وليس ذلك تجديدا للاجتهاد من المقلدين حتى يشترط فيه أهلية الاجتهاد، بل هي قاعدة اجتهد فيها العلماء وأجمعوا عليها فنحن نتبعهم فيها من غير استئناف اجتهاد. وبناء على كل ما تقدم أصبح العوذ بالخلوات من باب الضرورة العامة المؤقتة وهي على ما عرفها الأستاذ الإمام سيدي محمد الطاهر بن عاشور – رحمه الله تعالى – أن يعرض الاضطرار للأمة أو طائفة عظيمة منها تستدعي الإقدام على الفعل الممنوع لتحقيق مقصد شرعي من سلامة الأمة وإبقاء قوتها أو نحو ذلك.
__________
(1) الحافظ السخاوي: المقاصد الحسنة 349. وقد قفَّى على نص الحديث بقوله: الشيخان والترمذي وأبو عوانة وغيرهم بألفاظ متقاربة من حديث ابن شهاب، ومسلم وأبو عوانة من حديث قتادة كلاهما عن أنس مرفوعا واتفق عليه أيضا من حديث عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس وانفرد به البخاري عن ابن الزبير ومسلم عن أبي موسى. وفي حديث بعضهم أنه كان يقرأ في القرآن. المقاصد الحسنة 349 – 350(4/1807)
وهذا التوقيت وهذا العموم مقول على كليهما بالتفاوت ولا شك أن اعتبار هذه الضرورة عند حلولها أولى وأجدر من اعتبار الضرورة الخاصة، وأنها تقتضي تغييرا للأحكام الشرعية المقررة للأحوال التي طرأت عليها تلك الضرورة. وليست أمثلة هذا النوع من الرخصة بكثيرة. فمنها الكراء المؤبد الذي جرت به فتوى علماء الأندلس ابن سراج وابن منظور في أواخر القرن التاسع في أرض الوقف حين زهد الناس في كرائها لزرع الأرض من وفرة الخدمة ووفرة المصاريف لطول تبويرها، وزهدوا في كرائها للغرس والبناء لقصر المدة التي تكتري أرض الوقف لها ولا بنية الباني أو الغارس أن يبني أو يغرس ثم يقلع ما أحدثه في الأرض فأفتى ابن سراج وابن منظور بكرائها على التأبيد، ورأيا أن التأبيد لا غرر فيه لأنها باقية غير زائلة ثم تبعهما على ذلك أهل مصر في القرن العاشر بفتوى ناصر الدين اللقاني في أحكار الأوقاف وجرى العمل بذلك في المغرب في فاس وتونس في العقد المسماة عندنا في تونس بالنصبة والخلو [المفتاح] وفي فاس بالجلسة والجزاء (1) .
وأصبح ذلك تقليدا فاشيا وعرفا شائعا وعم الأملاك أيضا – لما ذكرته سالفا – علاوة على الأوقاف.
__________
(1) مقاصد الشريعة الإسلامية 133 – 134(4/1808)
المبحث الخامس: التصرف في الخلوات:
قد سبق في المبحث الأول من هذا البحث أن أبا الإرشاد عليها الأجهوري عرف الخلو بقوله: (اسم لما يملكه دافع الدراهم من المنفعة التي دفع الدراهم في مقابلتها) .
ومن خلال التعريف يتضح أن الخلو من باب ملك المنفعة، لا من باب ملك الانتفاع، وذلك ما أيده علم من أعلام المدرسة الأجهورية في الفقه المالكي سيدي عبد الباقي الزرقاني في شرحه على المختصر الخليلي في باب العارية (1) .
وقد فرق العلامة شهاب الدين القرافي – رحمه الله – بين قاعدة تمليك الانتفاع وبين قاعدة تمليك المنفعة في كتابه الفروق في الفرق الثلاثين فقال ما نصه: تمليك الانتفاع نريد به أن يباشر هو نفسه فقط، وتمليك المنفعة هو أعم وأشمل فيباشر بنفسه ويمكن غيره من الانتفاع بعوض كالإجارة وبغير عوض كالعارية.
مثال الأول: سكنى المدارس والرباط والمجالس في الجوامع والمساجد والأسواق ومواضع النسك كالمطاف والمسعى ونحو ذلك، فله أن ينتفع بنفسه فقط، ولو حاول أن يؤاجر بيت المدرسة أو يسكن غيره، أو يعارض عليه بطريق من طريق المعاوضات امتنع ذلك وكذلك بقية النظائر المذكورة معه.
وأما مالك المنفعة فكمَنْ استأجر دارا أو استعارها فله أن يؤاجرها من غيره، أو يسكنه بغير عوض، ويتصرف في هذه المنفعة تصرف الملاك في أملاكهم على جري العادة على الوجه الذي ملكه، فهو تمليك مطلق في زمن خاص حسبما تناوله عقد الإجارة أو شهدت به العادة في العارية، فمن شهدت له العادة في العارية بمدة كانت له تلك المدة ملكا على الإطلاق يتصرف كما يشاء بجميع الأنواع السالفة في التصرف في المنفعة في تلك المدة ويكون تمليك هذه المنفعة كتمليك الرقاب (2) .
__________
(1) 6/ 127
(2) 1/ 232(4/1809)
هذا وقد فرع الفقهاء عن كون الخلو ملك منفعة أنه يورث من طرف الورثة، وعند انعدام الوارث يستحقه بيت المال وتوفى منه الديون كما جاء بفتوى ناصر الدين اللقاني السالفة الذكر، ويرهن ويوهب ويؤجر ويعار: وقد سئل عن هذا كله الشيخ أحمد السنهوري – رحمه الله – فأجاب بما نصه: (الخلوات الشرعية يصح وقفها ويكون لازما منبرما مع شرط اللزوم كالحوز وانتفاء المانع كالدين كوقف صحيح الأملاك ويجب العمل بذلك ورهنه وإجارته وعاريته والمعاوضة عليه، كل ذلك صحيح ولواقفه أن يجعله مؤبدا، أو مؤقتا بوقت على معين فقط أو عليه وعلى ذريته أو على جهة من جهات الخير كوقود مصباح وتفرقة خبز وتسبيل ماء ونحو ذلك مما ينص عليه الواقف ويراه ويشترطه فيه مما يجوز له اشتراطه من الأمور الجائزة كل ذلك عملا بما أفتى خاتمة المحققين أعلم علماء الإسلام الشيخ ناصر الدين اللقاني في جواب سئل عنه) (1) .
وإلى كل وجوه التصرف أشار السنوسي الجد في نظمه لقط الدرر بقوله:
وملكه عنه أمورا فرعوا وفي الطروس ما أفادوا استودعوا
والشيخ أحمد الرضا السنهوري صرح في فتواه بالأمور
قال:
كمثل إرثه في الهلك ورهنه ووقفه كالملك
وهبة عطية إجارة وغيرها مما اقتفى آثاره
وما ذكرته سابقا من جواز وقف الخلو كنمط من أنماط التصرف في ملكيته لا خلاف فيه بالنسبة إلى الخلوات الناشئة عن ملك، وأما الخلوات الناشئة عن وقف فظاهر فتوى ناصر الدين اللقاني أنها توقف، وفتوى الشيخ أحمد السنهوري نص في ذلك كما سلف، وقد خالف في ذلك أبو الإرشاد علي الأجهوري وحاصل ما قاله في ذلك: أن منفعة الوقف وقف، فلو صح وقف الخلو لزم وقف الوقف واللازم باطل، وأيضا فشرط الشيء المحبس أن لا يتعلق به حق للغير ولا يلزم من ملك منفعة الخلو وقفها، فإن المالك قد يمنع من فعل بعض التصرفات لمانع كمنع وقف من ملك عبدا على مرضى لقصد الضرر، ومنع مالك آلة الحرب من بيعها لحربي وقاطع طريق، ومنع مالك عبد مسلم من بيعه لكافر، ولا شك أن تعلق الوقف بمنفعته يمنع وقفها لما بيناه من تعلق الحق به.
__________
(1) أحمد الفيومي الغرقاوي: رسالته: تحقيق مسألة الخلو عند المالكية 11- 12(4/1810)
وجوابه: أن الوقف والحق في المنفعة الأصلية، والوقف الثاني للخلو الذي حصل بالتعمير مثلا فقد اختلف المحل لكن يظهر كلام الإرشاد على الأجهوري في وقف منفعة كانت موجودة العين حين وقفية أصلها كحانوت موقوف على مسجد لإنارته وتحصيره، وبحوالة الأسواق أصبح كراؤه لا يفي بذلك فاضطر ناظره إلى بيع منفعته مقابل نقود صرفها على المسجد وجعل كراه بخمسة عشر دينارا بعد أن كان بثلاثين فصارت منفعة الحانوت الوقف بعينها مشتركة بين صاحب الخلو والناظر فكيف يوقفها ثانية؟ (1) .
وقد جمع أحمد الغرقاوي الفيومي بين القولين فقال: (فتوى السنهوري محمولة على وقف منفعته تجددت بعد وقف العين، وكلام شيخنا الأجهوري محمول على وقف منفعة كانت موجودة حين وقفية أصلها لدخولها تحت الوقف الأول) . (2) وبذلك يكون الحلاق لفظيا.
هذا ويمتاز خلو الحوانيت - كما هي التسمية المصرية - بأن صاحبه يصير شريكا لصاحب الرقبة في المنفعة ونسبة الشركة بينهما لا يخلو حالها من أمرين:
أ- أن تكون الرقبة وقفا.
ب- أن تكون الرقبة ملكا.
فإذا كانت الرقبة وقفا توقفت معرفة نسبة الاشتراك بينهما على معرفة الداعي إلى بيع الخلو الوقف، والداعي لذلك على ما ذكره العلامة أبو الفداء إسماعيل التميمي - رحمه الله تعالى - أحد أمرين:
1 - خراب محل الخلو نفسه.
2 - خراب المحل الموقوف محل الخلو عليه.
ومثال الأول: أن يكون الوقف قد خرب، أو آل إلى الخراب يعطيه الناظر لمن يعمره ويكون ما صرفه خلوا له.
ونسبة الشركة في هذه الصورة بقدر ما تزيده عمارة صاحب الخلو في كراء الوقف كما لو كان الوقف يكرى قبل العمارة بدينار مياومة، وبعدها بثلاثة دنانير فيكون صاحب الخلو شريكا بالثلثين، وتظهر الشركة في صورة احتياج الوقف إلى عمارة ثانية فعلى الوقف الثلث وعلى صاحب الخلو الثلثان.
__________
(1) الأمير: حواشيه على شرح مجموعه 2/ 181 – 182
(2) رسالته: تحقيق الخلو عند المالكية 13(4/1811)
ومثال الثاني إذا كان هناك وقف على مصرف وتعطل بقلة نفع الوقف كحانوت وقف على حاجيات مسجد من إنارة وتحصير وتنظيف وأجرة إمام ونحو ذلك ولا تقوم غلته بذلك فيباع خلوه ليعان بثمنه أو ليشترى به ربع آخر يصرف ريعه في ذلك.
ونسبة الشركة في هذه الصورة بنسبة ما ينقص بيع خلوه من أجرة مثله غير مبيع خلوه كما إذا كانت أجرة ذلك الحانوت في كل شهر ثلاثين دينارا غير مبيع خلوه وعلى أنه مبيع خلوه بخمسة وعشرين فيكون لصاحب الخلو سدس المنفعة إذ هو القدر الذي نقص بسبب دفعه ثمن الخلو وذلك لأن لدفع عوض الخلو تأثيرا في النقص إذ لا يرغب فيه ولا يقدم على شرائه إلا بنقص من أجره الذي يبذله من لا يدفع فيه شيئا وذلك واضح.
وعلى هذا فما به الاشتراك هو ما تزيده عمارة صاحب الخلو في أجرة الوقف وما ينقص من أجر مثله بسبب دفع ثمن الخلو (1) .
وزاد الأمير داعيا ثالثا لبيع الخلو وهي: أن تكون أرض محبسة يستأجرها من الناظر ويبني فيها دارا مثلا على أن عليه كل شهر لجهة الوقف مائة دينار ولكن الدار تكرى بمائتين فالمنفعة التي تقابل المائة الأخرى يقال لها خلو. والذي يبدو أن هذه الصورة ملحقة بالداعي الأول الذي ذكره أبو الفداء في نسبة الشركة فهي بقدر ما تزيده عمارة صاحب الخلو في أجرة الوقف، لكن في صورة عمارة ثانية يكون الإصلاح على صاحب الخلو وحده.
كما ذكر الأمير أيضا أن الخلو يتسنى أن يكون مشتركا بين عدة أفراد فإذا باع أحدهم حصته فلبقية الشركاء الأخذ بحق الشفعة (2) .
فاتضح من كل ما سلف أن مالك الخلو يتصرف في خلوه تصرف الملاك في أملاكهم بيد أنه لا يجوز له أن يغير حالة العقار وهيأته فضلا عن أن يدخله في عقار آخر إلا برضى متولي الوقف أو المالك ذلك ما قاله صاحب مطلع الدراري. (3) (4)
هذا كله إذا كانت الرقبة وقفا.
وأما إذا كانت الرقبة ملكا: فيجري فيه ما جرى في الوقف من باب أحرى إذ المالك يتصرف في ملكه كما يشاء وكما يريد في الإطار الذي حددته شريعة الإسلام، وبغير تعسف في استعمال حق الملكية.
__________
(1) رسالته في الخلو ووجوهه عند المصريين والمغاربة والتونسيين 7 – 8
(2) حواشيه على شرح مجموعه 2/ 281
(3) 161
(4) فيه نظر فليتأمل(4/1812)
وبيان ذلك أن المالك إذا أذن في العمارة على أن تكون خلوا شاركه بقدر ما تزيده العمارة، وإذا قبض منه شيئا على أن يكون له خلو في ريعه شاركه بقدر ما ينقص ذلك من أجره. هذا ما قرره العلامة أبو الفداء إسماعيل التميمي - رحمة الله عليه – ولكنه أورد بعده أن الشيخ عبد الباقي الزرقاني سمع من شيخه الأجهوري يقول: معظم شيوخنا أفتوا بأن منفعة ما فيه الخلو شركة بين صاحب الخلو والوقف بحسب ما يتفق عليه صاحب الخلو والناظر على وجه المصلحة كما يؤخذ مما أفتى به الناصر وعقب عليه بقوله: وهو صريح في أن ما به الاشتراك هو ما وقع عليه اتفاق المتعاقدين وهذا هو الحق، إذ الخلو بمعنى المنفعة مبيع فلا بد من تعيين قدره عند انعقاد البيع فيه ليدخلا على معلوم فتعيينه موكول لاختيارهما فإذا عينه البائع ورضي المشتري باشتراء ذلك المقدار من المنفعة، فذلك، وإلا فلا بيع. وقد أشكل على كلام أبي الفداء من وجوه:
1- أن ما قرره سابقا نسبة للشركة في منفعة الوقف بين الوقف وبين صاحب الخلو يبدو منه الإلزام، وذلك ما يظهر جليا فيما نقله عن بعض فضلاء المالكية
(1) مما أورده السيد الحموي في غمز عيون البصائر في شرط صحة الخلو حيث يقول: إن الخلو إذا كان لخراب المحل فلا بد أن يكون بقدر ما يصلح ذلك الخراب، فما يفعل الآن [في عصر بعض الفضلاء من المالكية] من أخذ دراهم لا يصح في ذلك القدر الزائد، وإنما تعتبر الشركة في المنفعة بقدر ما تزيده العمارة فيها لا غيره. وما قرره هنا فيما نقله عن العلامة الزرقاني عن شيخه علي الأجهوري أنه قال: إن معظم شيوخنا أفتى إلخ ما سبق يفيد أن نسبة الشركة بين الوقف وبين صاحب الخلو في منفعة الوقف تكون على حسب ما يقع عليه الاتفاق بين صاحب الخلو والناظر مثلا (2) . وبين الأمرين فرق كبير.
__________
(1) بعض الفضلاء المالكية الغرقاوي والنص مأخوذ من رسالة في تحقق مسألة الخلو 11 بتوسع وتصرف
(2) رسالته: تحقيق الخلو عند المالكية 7(4/1813)
2- قد تضمن ما أفتى به معظم شيوخ الأجهوري أن منفعة ما فيه الخلو شركة بين صاحب الخلو وبين الوقف بحسب ما يتفق عليه صاحب الخلو، والناظر على وجه المصلحة اعتماد فتوى ناصر الدين اللقاني.
ونص فتوى ناصر الدين لم يتعرض للشركة بين صاحب الخلو وبين الوقف في منفعة الوقف لا نصا ولا مفهوما، ولو سلمنا بأخذ نسبة الشركة بينهما من فتوى الناصر اللقاني فقد حذر فقهاء المالكية من أخذ الفقه بالمفهوم من غير كلام المعصوم..
3 - أن المنقول عن شيوخ الأجهوري متعلق بالشركة في الوقف بين الوقف وصاحب الخلو، وللوقف قيوده وقد دعم به الشيخ نسبة الشركة في الملك بين المالك وصاحب الخلو في منفعة الملك، وبين الأمرين بون شاسع إذ المالك يتصرف في ملكه كما يشاء ويريد في حدود الشرع.
وبعد هذه النظرة في وجوه التصرف في الخلو يتضح لنا أن القول بجوازه حل وسط يبطل الادعاء بأن الوقف خرم لنظام الاقتصاد العام ويثبت أن الوقف لا يحول دون استثمار الموقوف حتى في أطوار الركود للمجتمعات الإسلامية وقد عد الأستاذ الإمام محمد الطاهر بن عاشور -رحمه الله - الفتوى بجواز الخلوات وصحة التصرف فيها وسيلة وافية لنظام الوقف من أن يكون معول هدم للنظام الاقتصادي العام في فتوى له نشرت في كتيب بعنوان: الوقف وآثاره في الإسلام فقال: ومنها أي [الوسائل التي تجعل مستحق الوقف فاقد القدرة على القيام به ينتفع به] عقود الاستنزال في الأوقاف لا سيما الرباع على حسب فتوى ناصر الدين اللقاني والغرقاوي ومن جاء بعدهم، وهو أن تكرى كراء مؤبدا بقدر معين لا يتغير فيصير المستنزل متصرفا فيها تصرف المالك في ملكه. (1)
وقبل إنهاء الكلام في هذا المبحث لا بد من بيان أن جواز الخلو وصحة التصرف فيه بوجوه التصرفات السابقة مشروط بشروط سيأتي تفصيلها في المبحث الموالي المبحث السادس: شروط صحة التصرف في الخلوات:
حري بنا قبل بيان الشروط المشترطة لصحة التصرف في الخلوات أن نوطئ بتوطئة نبين فيها النقاط الآتية:
1- أن صاحب خلو الحوانيت، كما هي التسمية المصرية، أو المفتاح كما هو الاصطلاح التونسي، أو أحد نمطي الحزقة كما تعورف إطلاق ذلك في تونس على خلو الدور التي يسكنها اليهود شريك وأن غيره من أصحاب الخلوات الأخرى ليسوا بشركاء وقد سبق بيان ذلك.
__________
(1) 27(4/1814)
2- أن ما سنعرض إليه في هذا المبحث من الشروط منه ما يختص بخلو الحوانيت الناشئ عن وقف والمبيع من طرف مستحق الوقف أو ناظره، أو مالك أو ناظر ملك يتيم، ومنها ما يشترط فيه وفي غيره من أنواع الخلوات الأخرى التي هي أكرية على التبقية والمبيعة من طرف الساكن الذي أخذ الخلو بملك منفعة الحانوت حسب البيان الآتي قريبا -إن شاء الله.
3- لا خصوصية للبيع فيما سأعرض إليه من الشروط، بل هي مشروطة في جميع التصرفات السالفة في المبحث السابق ولكن لفظ البيع هو الذي غلب على من تكلم في هذا الموضوع.
وبعد هذه الإضاءات الموطئة فما هي الشروط المشترطة في صحة بيع الخلو المعروف مصريا بخلو الحوانيت الوقف الواقع بيعه من طرف مستحق الوقف أو ناظره؟ وما هي شروط صحة بيع خلو الحوانيت من طرق المالك أو ناظر ملك اليتيم؟ وما هي شروط صحة بيع الخلوات جميعا من طرف الساكن الذي أخذ الخلو بملك منفعة الوقف؟
وإجابة عن السؤال الأول أقول: تنوعت شروط بيع خلو الحوانيت الوقف من طرف مستحق الوقف أو ناظره إلى نوعين:
1- شروط عامة.
2- شروط خاصة.
أما الشروط العامة بعد الاستقراء فسبعة:
1- أن يكون الداعي المحوج إلى بيع الخلو الوقف المشار إليه سالفا أحد أمرين: خرابة، أو تقوية النفع باشتراء ربع يصرف ريعه بجانب الوقف، فإذا انعدم هذا الداعي لا يصح بيع الخلو في الوقف لأن ناظره معزول عما لا مصلحة فيه (1) .
2 - أن يكون ثمن الخلو المبيع عائدا بالمنفعة على الوقف بأن ينتفع به في جهة الوقف، فإذا أخذ الناظر الثمن وصرفه في مصالحه، وجعل لدافع الثمن خلوا في الوقف فبيع هذا الخلو غير صحيح، ويرجع دافع الثمن على الناظر بالثمن الذي دفع (2) .
__________
(1) إسماعيل التميمي: رسالته في الخلو ووجوهه عند المصريين. والمغاربة والتونسيين 8
(2) أحمد الغرقاوي الفيومي: رسالة في تحقيق مسألة الخلو عند المالكية: 11(4/1815)
ويجب أن يعلم أن الخلو إذا كان داعية خراب المحل فلا بد أن يكون ثمن الخلو بقدر العمارة، فإن أخذ الناظر قدرا زائدا على العمارة فلا يصح الخلو في ذلك المقدار الزائد عن العمارة لأن الشركة في المنفعة بين مالك الخلو والوقف إنما تعتبر بقدر ما تزيده العمارة فيها فقط، ويرجع عن الناظر بالزائد عن العمارة من ثمن الخلو، ولا يصح أن يشارك بقدر ما تنقصه بأن يكون في هذه الصورة الفرضية مشاركا بما زادته العمارة وما نقضته الدراهم الزائدة عليها لعدم توفر الشرط وهو عود المنفعة على الوقف بالنسبة للزائد (1) .
3 - أن لا يكون للوقف ريع يعمر منه، فإن كان ويفي بعمارته وحاجياته كأوقاف الملوك الكثيرة الريع، صرف من ذلك الريع على ما يحتاج إليه الوقف ولا يصح بيع خلوه، فإن وقع كان باطلا، ورجع دافع الدراهم على قابضها.
4 - إذا كان السبب المحوج لبيع خلو الوقف عمارته اشترط في ثبوتها أن يكون بالبينة لا بالتصادق إذا كان للوقف شاهد وذلك بأن يثبت صرف ما دفع ثمنا للخلو على منافع الوقف بالوجه الشرعي، فلو صدق الناظر على الوقف صاحب الخلو فيما ادعى صرفه من غير ثبوت عمارة ولا ظهورها فلا عبرة بهذا التصديق لأن الناظر غير مصدق في مصرف الوقف عند وجود شاهد للوقف (2) .
فإذا ثبت أنه بنى وأنفق في العمارة عدا أن البينة لم تقف على القدر المنفق على العمارة وإنما شهدت بأن هذا الأساس وضعه مشتري الخلو وهذا الجدار بناه، وهذا السقف أوجده وما شاكل ذلك فالذي استظهره أبو الفداء إسماعيل التميمي تصديقه في القدر المنفق على العمارة بعد يمينه إذا كان البناء يشبه ما ادعاه من الإنفاق عادة وعرفا، فمجموع شهادة العرف والاستظهار باليمين في المقدار المنفق يتنزل منزلة الشهادة بتعيين القدر وحصول العمارة.
أما إذا ثبت القدر المنفق من أجل العمارة ولم تثبت العمارة كما إذا دفع أثمان الحديد والأسمنت والحجارة إلخ مقومات البناء وأجرة المقاول بشهادة الشهود، ولكن هؤلاء الشهود لم يقفوا على البناء ولا عاينوه، فقد أجاب عنها الشيخ الإمام أبو القاسم الغبريني في سؤال رفع إليه في ناظر حبس سور مشترط عليه أن لا يتولى دخلا أو خرجا إلا بالعدالة وفي السؤال فصول أخر فكان جوابه عن هذا الفصل أن قال: فإن حكم الحبس عندي في ذلك كحكم ربع الأيتام وإصلاح الوصي له، فانظر ذلك في الوصايا من كتاب الوثائق وأعمالها للمتيطي فإن قدر المقدم على إثبات أن ما أصلحه محتاج للإصلاح فيقوم له ما ظهر جديدا ويحاسب به والله سبحانه وتعالى أعلم.
__________
(1) إسماعيل التميمي: رسالته في الخلو ووجوهه عند المصريين والمغاربة والتونسيين /9
(2) أحمد الغرقاوي الفيومي: رسالة في تحقيق مسألة الخلو عند المالكية /11(4/1816)
وأما إذا لم يكن للوقف شاهد أصلا فإن قول ناظر الوقف مقبول كقبول قول: ولي اليتيم، وقد نقل ابن فرحون عن شرح الجلاب للقرافي وعن غيره أن الوصي وكذا ولي السفيه مصدق فيما ذكر من نفقة اليتيم على نفسه وعلى عمارة ربعه إذا أتى بما يثبته لأن النفقة لا بد منها، وإقامة البينة تشق على الأولياء وقد يتعذر ذلك فيؤدي إلى عدم النفقة وخراب الربع. اهـ.
والمشهور أنه لا يقبل قوله في النفقة إلا إذا كانوا في حضانته ولم يأت بسرف ولا بد من حلفه على ذلك.
فإن أراد أن يحسب أقل ما يمكن فقال أبو عمر: أن لا يمين. وقال عياض: لا بد منها إذ قد يمكن أقل منه، وظاهر كلام المتأخرين ترجيحه، وأما عمارة الربع فهي جارية على ذلك فلا بد من أشباه قوله واليمين على القدر الذي دعاه، فإذا ادعى نفقة عظيمة مثلها يكون لها أثر في الربع ولم يوجد أثر فلا تسمع دعواه لأن العادة تكذبها، وكذا إذا وجد أثر لا يحتمل ما ادعاه.
أما إذا ادعى نفقة في الدار مثلها لا تكون للإقامة كحل خندقها وإصلاح بئرها وماجلها وما أشبه ذلك وجرت العادة بأن تلك الدار لا تخلو عما ذكره فههنا يقبل قوله بيمينه.
وعلى هذا يجري الحكم في صرف الناظر ثمن الخلو إن لم يكن للوقف شاهد، والاحتياط أن لا يطلق القاضي يده على ذلك فيشترط عليه أن لا يفعل شيئا إلا بإشهاد لتسارع الناس في هذا الزمن للأوقاف وتهالكهم على أموالها وتحيلهم على ذلك بأنواع الحيل حسبما رأيناهم (1) .
5 - أن يكون القدر المملوك من المنفعة معلوما لدى المتعاقدين ساعة العقد فإن ذلك القدر مثمون فلا بد من تعيينه ومعرفة المتعاقدين بقدره.
وهذا الشرط يشترط في الملك أيضا (2) .
6 -أن يكون بائع الخلو مالكا له بملكية صحيحة احترازا من ملكية حكام السوء لأوقاف المسلمين بطريق العسف، فإنها ليست بملكية. ولعل ذلك ما يشير إليه قول أبي البركات أحمد الدردير - رحمه الله - فيما بناه الملوك والأمراء بقرافة مصر ونبشوا مقابر المسلمين وضيقوا عليهم: وهذه يجب هدمها قطعا، ونقضها محله بيت مال المسلمين تباع لمصالح المسلمين أو يبنى بها مساجد في محل جائز أو قنطرة لنفع العامة ولا تكون لوارثه إن علم إذ هم لا يملكون منها شيئا، وأين لهم ملكها وهم السماعون للكذب الأكالون للسحت يكون الواحد منهم عبدا مملوكا لا يقدر على شيء وهو كَلٌّ على مولاه فإذا استولى بظلمه على المسلمين سلبهم أموالهم وصرفها فيما يغضب الله ورسوله ويحسبون أنهم مهتدون؟ (3) .
__________
(1) إسماعيل التميمي: رسالته في الخلو ووجوهه عند المصريين والمغاربة والتونسيين9- 10
(2) إسماعيل التميمي: رسالته في الخلو ووجوهه عند المصريين والمغاربة والتونسيين 11 –12
(3) الشرح الكبير5/ 91(4/1817)
7 - أن يتوجه عرفاء عدول لتحقيق السبب المحوج إلى بيعه من الأسباب السالفة الذكر، وبعد عمل تلك الشهادة يقع البيع بتقويم العرفاء العدول أيضا حتى يسلم من الغبن وإلى هذا الشرط أشار السنوسي الجد في لقط الدرر بقوله:
وبيع خلو الوقف بالتقويم بالعرفا في المنهج القويم
حتى يزول الغبن في الأوقاف ولا يرى لنفيه منافي (1)
هذه هي الشروط العامة، وهي شروط على الجمع متى اختل منها شرط لم يصح بيع الخلو.
وأما الشروط الخاصة فتتمثل في شرط واحد هو: إذا كان لذمي خلو في وقف لمسجد فإنه يمنع من وقفه على كنيسة مثلا قطعا بالعقل والنقل.
أما العقل فلأن الوقف الأصلي حامل لمنفعة الخلو، لا يصح أن يحمل المسجد للكنيسة.
وأما النفل فالنصوص الدالة على أن من مقاصد شريعة الإسلام إذلال الكفر وأهله وهذا ينافيه (2) .
ولعل خلو الحزقة الذي عرضت له سابقا هو أحوج ما يكون إلى هذا الشرط.
هذا ما يتعلق ببيع الخلو إذا كان ناشئا عن وقف وما اشترط فيه من الشروط العامة والخاصة.
وأما إذا كان ناشئا عن كراء أَبَدِيٍّ فقد اشترط البدر القرافي لذلك الشروط الآتية:
1- أن يكون إكراء محل الخلو من مستحق للوقف أو ناظره أي من مالك ملكية صحيحة لمنفعة الوقف أو من ينوب عنه.
2- أن يكون الساكن الذي أخذ الخلو يملك منفعة الحانوت مده (3) . ويبدو لي أن البدر القرافي أراد بهذا الشرط أن تحصل للساكن المذكور شهرة في ذلك المحل ويضيف إلى المنفعة زيادة وهو ما يسمى اليوم بـ (الاسم التجاري) فإذا أراد بيعه اشترى من عنده يكون الدافع لثمن شرائه مقابل انتفاعه بتلك الشهرة وبتلك المنفعة المضافة في تلك المدة من طرف الساكن قبله في ذلك المحل المالك لخلوه.
__________
(1) مختارات من لقط الدرر ضمن المجموع السابق /3
(2) حاشية الأمير على شرح مجموعه 2/ 281
(3) رسالة الدرة المنيفة. تقديم وتحقيق أحمد الشتيوي. مجلة الحياة الثقافية س 6- 1981 ع 14 – 15/ 154(4/1818)
3- أن يكون بيد الساكن الذي يريد بيع الخلو عقد إجارة بمقتضاه يملك الخلو وأما إن لم يكن مالكا للمنفعة بإجارة وهو الكثير الوقوع فلا عبرة بذلك الخلو، ويؤجره الناظر لمن شاء بأجرة المثل وبذلك أفتى بعض مشائخي وبناء على قول ابن رشد ولا يجوز بيع أصل العطاء لأنه يبطل بموته (1) .
4 - وأن تكون الإجارة بأجرة المثل.
ويبدو لي أن المثلية في فروع الفقه يقررها العرف وتخضع للتغير ولذلك تكون مشروطة فيما يظهر حين العقد.
ورد الغرقاوي في رسالته تحقيق مسألة الخلو عند المالكية اشتراط البدر القرافي أن يكون بيد الساكن في محل يريد بيع خلوه عقد إجارة وقال: قضيته بل صريحه أن لا بد في صحة الخلو من الإجارة وليس كذلك إذ ليست ركنا ولا شرطا له لوجود حقيقته وصحته بدونها إذ هي كما تقدم عن شيخنا الأجهوري: اسم لما يملكه دافع الدراهم من المنفعة الخ. نعم ليس للناظر إجارته إذا أراد ذلك لغير رب الخلو (2) .
والذي يبدو أن جملة البدر القرافي وما تضمنته من شروط تعم جميع أنواع الخلوات ولا تختص بما يسمى مصريا خلو الحوانيت.
هذا ما تيسر لي الوصول إليه من شروط بيع الخلو الناشئ عن كراء أبدي. وأما بيع الخلو الناشيء عن ملك فلا يخلو حال المالك من أن يكون مالكا رشيدا، أو مالكا يتيما، فإن كان رشيدا فله حرية التصرف في ملكه في الحدود المشروعة ولا يشترط فيه على ما يبدو خلا شرطا واحدا وهو أن يكون القدر المملوك من منفعة الرقبة الملك خلوا معلوما لدى المتعاقدين ساعة العقد فإن ذلك القدر مثمون فلا بد من تعيينه ومعرفة المتعاقدين بقدره.
وهذا الشرط كما أسلفت يعم الوقف والملك.
وأما إن كان يتيما فيشترط لبيع خلو ملكه أن يكون السبب المحوج لبيعه ثبوت خراب المحل وليس لليتيم مال يعمر به أو قلة نفعه وليشتري بثمن خلوه ربع آخر يدر على اليتيم مالا وربحا. واستظهر العلامة إسماعيل التميمي أنه يلحق بذلك احتياج دار اليتيم إلى العمارة أو احتياج اليتيم إلى النفقة أو إلى أمر ضروري لا تفي به الغلة ويكون بيع الخلو في كل ذلك من صلح من بيع الرقبة.
__________
(1) رسالة الدرة المنيفة. تقديم وتحقيق أحمد الشتيوي. مجلة الحياة الثقافية س 6- 1981 ع 14 – 15/ 154
(2)(4/1819)
وعند انعدام هذا السبب المحوج مما ذكر لا يصح البيع وإن وقع من ناظر اليتيم فسخ لأنه معزول عن كل تصرف لا يعود بالنفع عن اليتيم.
المبحث الثامن: وجهة نظر المانعين لصحة:
من الأمانة العلمية أن نقرر أن الغرقاوي وهو من أشهر القائلين بصحة الخلو وجوازه - يعرض إلى أن بعض فقهاء المالكية اعترض ذلك متعمدا ما يلي:
1- أن صاحب الخلو كأنه أسلف الواقف ما دفعه إليه من الدراهم وجعل له الواقف السكنى في مقابلة ذلك وهو سلف جر نفعا. والقاعدة: أن كل سلف جر نفعا فهو ربا.
2- ما دام الخلو عائدا إلى التصرفات الربوية فلا يعول على العرف كما قال اللقاني لأنه مبني على فاسد والمبني على الفاسد فاسد.
3- أن القول بجواز الخلو يؤدي إلى تصرف فيه غرر وجهالة لأن تلك المنفعة التي يملكها دافع الدراهم -والخلو اسم لها - غير محدودة بل هي له لموته فتبطل ويدفع الناظر له دراهمه التي قبضها منه الواقف ويتصرف هو في حانوت الوقف بالإجارة له أو لغيره ولكن هذا لا يصح أن يفتى به الآن لأن فيه ضياع أموال الناس وتجرى الحكام على ذلك فيصير من العلم الذي يجب كتمه. وهذا كله إذا وقع من الواقف. وأما إن وقع من الناظر فلبعض الفقهاء اعتراضان على ذلك:
1- أن الناظر لا يجوز له بيع الوقف لقول خليل في مختصره: (لا عقار وإن خرب) .
2- إن وقع الخلو منه يكون فيه الإجارة بدون أجرة المثل وهو وكيل والوكيل لا يجوز له أن يبيع إلا بالقيمة بل بأكثر منها.
وبعد أن عرض الغرقاوي لاعتراضات بعض فقهاء المالكية على صحة الخلو وجوازه نقضها واحدا واحدا وقال:
1- نمنع مدعاكم بأنه سلف جر نفعا ونقرر أنه بيع من الواقف لتلك الحصة لا المنفعة وإن كانت هي المقصودة من العين فهو عقد معاوضة وليس سلفا حتى يوصف بأنه جر نفعا.
2- بتقرير الإجابة الأولى فالعرف ليس مبنيا على فاسد إذ ليس الخلو سلفا جر نفعا، والعرف أصل من أصول التشريع الإسلامي يجب العمل به وقد جعلوه كالشرط قاله القرافي في قواعده وابن رشيد في رحلته وغيرهما ومن أفتى بما في الكتب حيث تغيرت العادة فقد خالف الإجماع.
وبهذا يتبين بطلان هذا الاعتراض(4/1820)
3 - وأما قول هذا المعترض: إن بيع الخلو فيه غرر وجهالة فمردود بأن الدراهم التي دفعها صاحب الخلو واشترى بها تلك الحصة التي أصبح بشرائها شريكا، وهي وإن لم تكن حاضرة حالة العقد فالعقد صحيح إذا وصفت إذ بيع الغائب الموصوف صحيح عند المالكية وله الخيار إذا رآه، لا في مقابلة منفعة حتى يبني عليها كونها غير محدودة، وإذا كانت في مقابلة عين وكان الواقف قد باعهم تلك العين كما هو فرض المسألة عنده فلا يبطل استحقاقه لها لموته بل تنتقل لوارثه. وقول يبطل: فيه نظر.
وقوله: ويدفع الناظر له دراهمه مبني على البطلان الذي ذكره المبني على فرض المسألة في المنفعة لا العين وقد علم ما فيه.
4 - وقوله: وأما إن وقع من الناظر فلا يصح، مردود لأنه -كما ذكر وكيل عن الواقف فله أن يفعل في الوقف كل ما جاز أن يفعله ويرضاه إن لو كان حيا ورآه لأنه قد يراعي قصد المحبس في بعض الأمور دون لفظه كما يؤخذ ذلك من كلام القابسي في جواب سؤال رفع له ونقله الحطاب عن البرزلي وبنى عليه حكما أشار إليه بقوله: وكزيادة رواتب الطلبة لما أن كثروا وتفضل شيء من خراجها بحيث لو كان المحبس حاضرا لارتضاه، وكان ذلك كله برضى الناظر في الحبس للنظر التام. انتهى نص الحطاب فانظره، وقوله: لأن الناظر لا يجوز له بيع الوقف: نقول بهذا الموجب: بل ولا للواقف نفسه حيث لم يشترطه لنفسه فضلا عن الناظر، وكأنه حمل فعل الناظر للخلو على البيع كما فرضها في الوقف والأمر بخلاف ذلك إذ ما يقع من الناظر من الخلو ليس بيعا للوقف وإنما هو يصير ما عاد على الوقف مستحقا لمريد الخلو.
5 - وقوله: إن وقع يكون فيه الإجارة بدون أجر المثل. غير مسلم لأنه إن كانت المنفعة العائدة على الوقف عمارة فهي خلو له ويستأجر الأرض بأجرة مثلها قبل العمارة فليس فيها الإجارة بدون أجرة المثل وكذا لو كانت المنفعة غير عمارة بل دراهم دفعت للناظر وعادت لجهة الوقف فتكون الإجارة على حسبها مثلا: أو كان المحل قبل عود الدراهم عليه يكري بعشرة وبعدها بخمسة عشر فالإجارة تكون بعشرة تدفع لجهة الوقف والخمسة خلو له فليس فيه أيضا بدون أجرة المثل.(4/1821)
وقوله: والوكيل لا يجوز له أن يبيع إلا بالقيمة: تأمل كيف جعله من قبيل الإجارة ثم جعله من قبيل البيع وإن كانت الإجارة بيع المنافع لكن ليس مراد المعترض وإنما مراده البيع الاصطلاحي بدليل مقابلته بالإجارة وهل هذا إلا تناقض! ثم إن كون الوكيل لا يبيع إلا بالقيمة مسلم في حد ذاته ولكن ليس ثم ما يباع إذا الكلام في الوقف وهو لا يباع والله أعلم (1) .
هذا ما أورده الغرقاوي في رسالته المذكورة سابقا أوردته على طوله حتى أبين أن مشكلة الخلو ليس متفقا على حكم فيها وخاصة في الوقف لكثرة قيوده في الظروف العاديه وحيث لم تكن هنالك ضرورة عامة مؤقتة، أما إذا وجدت هذه الضرورة العامة المؤقتة جاز وصح وهو ما وجه به الأستاذ الإمام محمد الطاهر بن عاشور - رحمه الله - فتوى ابن سراج وفتوى ابن منظور الأندلسيين وغيرهما، وقد عرضت لذلك سالفا، وما جاء صريحا في فتوى المحقق عبد الرحمن أفندي العمادي مفتي دمشق من الحنفية جوابا لسؤال عن الخلو المتعارف بما حاصله: أنه يجوز ذلك قياسا على بيع الوفا الذي تعارفه المتأخرون احتيالا عن الربا حتى قال في مجموع النوازل: اتفق مشائخنا في هذا الزمان على صحته بيعا لاضطرار الناس إلى ذلك ومن القواعد الكلية: إذا ضاق الأمر اتسع حكمه فيندرج تحتها أمثال ذلك مما دعت إليه الضرورة، وبهذا نأتي إلى تمام هذا البحث والله ولي التوفيق.
محي الدين قادي
__________
(1) بتصرف 5/ 6/ 7(4/1822)
بدل الخلو وتصحيحه
إعداد
فضيلة الشيخ حجة الإسلام محمد علي تسخيري
بسم الله الرحمن الرحيم
ما هو بدل الخلو؟
يطلق هذا الاصطلاح على المبلغ المدفوع لقاء فسح المجال لقيام الدافع باستئجار محل ما.
ورغم أنه متعارف في المحال التجارية إلا أنه لا يختص بها فقد يتصور وقوعه في غيرها.
والدواعي المتصورة هنا متعددة منها:
أ - التمتع باستئجار المحل لقاء مبلغ الإجارة القليل.
ب - التمتع بالموقع الممتاز للمحل.
أنواعه:
والمعروف منها نوعان:
النوع الأول: أن يقوم المستأجر بتخلية المحل لمستأجر ثان لقاء أخذ بدل الخلو.
النوع الثاني: أن يقوم المؤجر نفسه بأخذ مبلغ تحت هذا العنوان لكي يؤجر المحل للمستأجر.
الإشكال المطروح هنا والداعي لهذا البحث يتلخص في الأمور التالية:
أ - في مالية ما يدفع بدل الخلو لقاءه لئلا تأتي قاعدة (حرمة أكل المال بالباطل) والباطل هنا هو ما لا مالية عرفية له.
ب - مدى استحقاق الأخذ (سواء كان المستأجر والمؤجر) .
جـ- ما هو موقف الأطراف من هذا العمل؟ مثلا ما هو موقف المالك إذا أخذ المستأجر الأول هذا البدل أو ما هو موقف المستأجر الأول إذا أخذه المالك وأجَّر المحل على مستأجر آخر؟
فهل يمكن تصحيح هذه المعاملة؟(4/1823)
أما بالنسبة للنوع الأول فهناك فروض:
الفرض الأول: أن يقوم المستأجر الطبيعي وغير المشترط مسبقا لشيء ما بشرط صريح بعد انتهاء مدة إجارته بهذا العمل أي يسلم المحل لمستأجر آخر لقاء (بدل الخلو) .
وهذا العمل في الوهلة الأولى واضح البطلان لأنه مع افتراض انتهاء مدة الإجارة لم يبق له أي حق في أي شيء فهو إذن يستلم المبلغ لقاء ماذا؟ هذا أولا ثم هو يتصرف في مال غيره دونما إذن منه وهو محرم.
إلا أن هذا العمل يقع بين أهل الحرف والتجارات فما هو الوجه لتصحيحه – إن كان هناك وجه؟
ربما يقال هنا: إن هذا المقدار من التنازل حق من حقوق المستأجر الأول – وهو حق عرفي يعترف به المالك أيضا - ولذا فهو يقدمه على غيره عند انتهاء مدة الإجارة ومن هنا فهو يأخذ هذا البدل لقاء هذا التنازل عن الحق.
ولكن هذا المعنى يجب أن نحلله إلى فرضين:
فتارة نفترض أن المالك راضٍ بهذا العمل وأنه عازم على تقديم المستأجر الأول لو طلب التمديد فإنه حينئذ يمكننا أن نصحح أخذ البدل لقاء عدم قيامه بمزاحمة المستأجر الثاني وفسح المجال له كي يتم العقد مع المالك ويكون ذلك بنحو (الهبة المعوضة) أو بنحو الجعالة (بناء على أنه يكفي في الجعالة أن لا يعمل شيئا إذا كان عدم العمل أمرا له مالية عند العقلاء) .
كما يمكننا أن نفترض حقا عرفيا هنا له مالية يتنازل عنه المستأجر الأول لقاء بدل الخلو هذا دونما حاجة لإجراء الهبة المعوضة أو الجعالة.
وربما استدل له برواية عن الإمام الصادق جاء فيها:
(عن الرجل يرشو الرشوة على أن يتحول عن منزله فيسكنه غيره قال: لا بأس) (1) .
ولكنه قيل في جوابه بأن الرواية واردة في المنازل التي هي مشتركة كالمدارس الوقفية (حيث الوقف لمن سبق) .
وعلى أي حال فهو عمل لا غبار عليه.
وأخرى: نحاول أن نجبر المالك على القبول بهذه المعاملة والرضوخ للإجارة الثانية وهذا ما لا نجد فيه ابتداء أي ملزم ويأتي فيه إشكال التصرف في مال الغير.
__________
(1) وسائل الشيعة / الباب 82 من أبواب ما يكتسب به(4/1824)
إلا أنه حاول البعض تصحيحه من خلال افتراض كون هذا العرف الجاري مشكلا لشرط ضمني ارتكازي من قبل المستأجر على المالك كي يسمح له في نهاية المدة بالقيام بهذا العمل ذلك أن بناء العرف وخصوصا في هذه الأزمنة قائم على أساس أن المالك لا يخرج المستأجر إلا برضاه ولا يتخلف عن تجديد العقد معه عند انتهاء مدة الإجارة.
والشرط الضمني المرتكز كالشرط المصرح به تماما كما لو باع شخص كتابا بثمن فإنه لا يحق للمشتري أخذ الكتاب واحتساب المبلغ دينا بذمته لأن نقدية الثمن شرط ضمني لجريان العرف على التسليم.
وقد رفض بعض العلماء هذا النوع من الاستدلال بحجة أن العرف هنا غير ملزم للمالك وإنما هو محبذ لتجديد العقد لا غير وأضاف: (ومن البعيد جدا أن يكون المؤجر حين عقد الإيجار يقصد إنشاء هذا الحق للمستأجر) (1) .
بل وحتى لو كان العرف يراه حقا إلزاميا فهو حق تبعي لحصول الإجارة لا يأتي إلا بعد حصولها فلا يمكن أن يكون شرطا ضمنيا فيها، لو قبلنا بهذا لزم أن نحول كل الظروف المماثلة إلى شروط ضمنية فمن المتعارف أن تخدم الزوجة في بيت الزوج ولكن ذلك لا يحول الأمر إلى شرط ضمني في ذلك بحيث تجب عليها الخدمة.
ولكننا نستطيع أن نصحح هذا العمل لو افترضنا وضوح العادة العرفية وعموميتها بحيث يتصور المتعاقدان هذا المعنى تماما عند القيام بالعقد ويحسب كل منهما لهذا الحق حسابه.
ولا يقاس هذا على موارد كخدمة الزوجة لأن الزواج يتم بكل وضوح على كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ووفق الظروف الشرعية التي وضحت الحقوق والواجبات ولا يتجاوز الفهم العرفي مسألة العادة العائلية المنبية على الخدمة الطوعية للزوجة لا غير أما إشكال التبعية في هذا الحق فهو واضح البطلان فصحيح أنه يأتي دوره بعد العقد ولكنه متصور حين العقد بنحو يجعله شرطا.
الفرض الثاني: أن تأتي هذه المعاملة في ظل قانون حكومي يفرض على المؤجر أن يجدد العقد تباعا متى ما شاء المستأجر والاشتراط هنا أوضح والتصحيح أسهل.
__________
(1) بحوث فقهية للمرحوم الشيخ حسين الحلي، ص149(4/1825)
الفرض الثالث: أن يستأجر المحل لعشرين سنة مثلا ويشترط لنفسه الحق في إيجاره من غيره، ولا مانع في هذه الصورة من القيام بأخذ بدل الخلو وتأجير المحل إلى تمام المدة المذكورة وفقا للتخريجات الماضية.
الفرض الرابع: أن يستأجر المحل ويشترط في عقد الإجارة أن يوكله في التأجير الثاني، وهذه الوكالة ملزمة لأنها شرط في عقد لازم ولا مانع حينئذ من القيام بهذا العقد الثاني.
الفرض الخامس: أن يستأجر المحل بلا دفع (بدل الخلو) لأحد إلا أنه يشترط في عقد الإيجار أنه ليس للمالك إجباره على التخلية وللمستأجر حق البقاء في المحل وتجديد عقد الإجارة سنويا لنفسه فقط وفق مبلغ معين.
فإن للمستأجر أن يتنازل عن المحل ويخليه للمستأجر الثاني لقاء (بدل الخلو) على أن يتفق هذا الثاني مع المالك على الإيجار الجديد فهذا البدل إنما يتم لقاء الخلو لا بإزاء انتقال حق التصرف منه إلى المستأجر الثاني.
وهكذا وجدنا في هذه الفروض أن المصحح لأخذ بدل الخلو من قبل المستأجر هي حالة ما إذا كان للمستأجر حق البقاء بنحو من الأنحاء (حتى ولو كان ذلك بالأولوية العرفية) فإن له التنازل عن هذا الحق لقاء بدل الخلو.
النوع الثاني من أنواع التعامل ببدل الخلو وهو أن يقوم المالك بأخذ هذا البدل ابتداء.
فما هو المصحح لأخذ هذا البدل؟
وهل للمالك أن يمنع المستأجر الأول من إيجاره لآخر مع أخذ بدل الخلو منه؟
أما عن المصحح لأخذ هذا البدل، فقد قيل بأن حق الإيجار هو أمر إضافي على نفس منافع المحل ولذلك فيمكنه أن يأخذ في قباله مبلغا معينا يسمى هنا ببدل الخلو ولا نرى مانعا من ذلك.
إلا أن البعض لما لم يستطع تصور كون هذا الحق مما يقبل التعويض راح يتصور وجوهًا أخرى.
منها: أن المالك يشترط هنا شرطين في عملية الإقراض:
الأول: أن يدفع المستأجر مبلغا معينا.
الثاني: أنه يشترط على نفسه أن يسلطه على إيجار المحل لمن شاء عند انتهاء مدة الإجارة أو قبلها.
ومنها: أن يتصالح الطرفان على أن يدفع المستأجر مبلغا من المال بإزاء عدم مزاحمة المالك للمستأجر في إيجار المحل لمن شاء عند انتهاء المدة أو قبلها.(4/1826)
ومنها: أن يجعل بدل الخلو جزءا من مبلغ الإجارة ويقبل بأن تكون مشروطة بأن تتجدد عند انتهائها بمقدار الجزء الآخر أو أنه يمكن أن يقوم المستأجر بتسليمها إلى مستأجر آخر بنفس المقدار من الإجارة وحينئذ يكون له أخذ بدل خلو يتفق عليه مع المستأجر الثاني.
ومنها: أن يؤجره المحل بألف مثلا ويشترط في ضمن الإجارة أن يكون المستأجر وكيلا في إيجار المحل لنفسه أو لغيره بذلك المبلغ ووكيلا في توكيل الثالث ويكون بدل الخلو في قبال هذه الوكالة التي تعود لازمة لاشتراطها ضمن عقد لازم.
إلا أننا نرى أن نفس إقدام المالك على عقد الإيجار حق له ماليته العرفية التي يمكن أن تقابل بمبلغ ما.
يبقى أن المستأجر في قبال ذلك يشترط شروطا تضمن له الاستفادة من هذه الفرصة فهذا أمر آخر (كأن يشترط وفق الصور الماضية) بل وحتى لو لم يشترط شيئا يؤهله لأخذ بدل الخلو بعد ذلك ولم يقبل المالك أي شرط من هذا القبيل ولكن المستأجر يرى أن نفس تأجيره المحل بهذا المبلغ الزهيد رغم موقعه الممتاز وتعهد المالك بإدامة المبلغ وتجديد العقد له بالخصوص على هذا النمط هو مكسب له فإنه يستطيع الإقدام على هذا التعامل.
نعم لو لم يكن في العقد أي شرط لصالح المستأجر – حتى بشكل ضمني – فإن العرف يفهم من ذلك أن مبلغ الإجارة يساوي بدل الخلو زائدا المبلغ المسمى للإيجار.
أما التساؤل حول ما إذا كان بإمكان المالك أن يمنع المستأجر الأول من إيجاره لآخر مع أخذ بدل الخلو منه فذلك يتبع وجود الاشتراط الصريح أو الضمني وعدمه ولا علاقة له بالمبلغ المدفوع في بدء المعاملة إذا لم يتم الاشتراط.
محمد علي التسخيري(4/1827)
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. أما بعد، لدينا في هذه الجلسة بدل الخلو، وبيع الاسم التجاري والترخيص، وكان من المقرر أن يكون فيه عارضان، أحدهما الشيخ محمد الأشقر لكنه تخلف عن الحضور، والشيخ وهبة الزحيلي نرجو أن يتفضل بعرض عن هذا الموضوع. عن بدل الخلو فقط.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وبعد، هذا الموضوع، موضوع بدل الخلو أصبح من الموضوعات المهمة في حياتنا المعاصرة ويتطلب إبداء حكم شرعي فيه بسبب تنازع الناس واختلافهم الشديد حول هذه القضية والناس وإن طغت القوانين الوضعية على أفكارهم لكن ما يزال فيهم أصالة من خير ولله الحمد فكثير منهم يتعففون وينأون عن أخذ بدل الخلو سواء في المحلات التجارية، أو في الدور والعمارات أو في غير ذلك من الأماكن. لهذا لا يجد الناس سبيلا لأن يطمئنوا على حكم هذا الموضوع من الناحية الشرعية إلا اللجوء إلى الإفتاءات الفردية، ولذا أصاب المجمع وأحسن حينما جعل هذا الموضوع أحد الموضوعات التي تدرس في هذه الدورة لما له من أهمية لينضم إلى الفتاوى الفردية الفتوى الجماعية ويرتفع الحرج عن كثير من الناس في هذا الموضوع سواء ممن يقول بالمنع أو يقول بالحل والإباحة أو يتوسط، ويأخذ الأمور بحسب ما تقرره القواعد الشرعية والمبادئ الفقهية.
أما تعريف بدل الخلو، فهو مبلغ من المال يدفعه الشخص نظير تنازل المنتفع بعقار عن حقه في الانتفاع به. وهذا الموضوع يتطلب بيان حكمه الشرعي بحث أمور أو حالات ثلاثة.(4/1828)
الحالة الأولى:
هي أن للمالك المؤجر أن يأخذ من المستأجر مقدارا مقطوعا من المال. بالإضافة إلى الأجرة السنوية أو الشهرية إذا تراضيا على ذلك وهو ما يدفع عادة في بداية عقد الإيجار، يدفع بدل مقدم كبير نسبيا ثم تدفع أجور شهرية أو سنوية دورية. فالحقيقة هذا أمر لا مانع منه ويعتبر هذا المبلغ الذي يدفع أولا مقسطا على سنوات أو شهور أو أيام الإيجار. فأجد أن هذا لا مانع منه شرعا وتكون الأجرة شاملة لما دفع كمبلغ معجل مقطوع أولا. ثم ما يضم إليه من أجور تدفع سنويا أو شهريا أو ما شاكل ذلك. هذه هي الحالة الأولى.
أما الحالة الثانية:
وهي ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من المالك المؤجر من أجل فسخ عقد الإيجار.
الرئيس:
ممكن تلخيص الأولى يا شيخ.
الشيخ وهبة الزحيلي:
تلخيص الأولى: يأتي شخص يريد استئجار محل تجاري وهو ذو موقع استراتيجي مهم فيطلب منه مالك هذا المحل التجاري، يتفق معه على إيجار سنوي مثلا عشرين ألف ريال في السنة ثم يقول له أو يتفق معه، لكن على أن تدفع فروغ أو بدل خلو مثلا مائة ألف ريال الآن، فهنا يصبح ما يأخذه المالك من مستأجر هذا المحل التجاري أجرة سنوية دورية كل عام والمبلغ المقطوع الذي يدفعه المستأجر قبل أن يتسلم هذا المحل التجاري، فرأيت أن هذا المبلغ المدفوع رضي به المستأجر مع المالك ويعتبر أجزاء هذا المبلغ المدفوع مقسطة على مدة الإيجار طوال السنوات المتفق عليها ولا مانع من أن تدفع الأجرة كلها معجلة أو مقسطة أو مؤجلة بحسب الاتفاق والتراضي الذي يحدث بينهم. هذه هي الحالة الأولى. أما الحالة الثانية وهي كثيرا ما تحدث، يريد مالك منزل أن يخرج المستأجر من هذا المنزل أو المحل التجاري فيطلب منه تسليمه المكان فيأبى المستأجر من تفريغ هذا المكان إلا إذا دفع له مالك هذا العقار المأجور مبلغا من المال. تكييف هذا الموضوع.(4/1829)
هو أن يأخذه المستأجر بحسب القواعد الفقهية يكون في نظير فسخ عقد الإيجار. وحينئذ أردت أن أبين هذا الموضوع في ضوء ما يقرره فقهاؤنا من أنه هل يجوز أن يأخذ الإنسان عوضا آخر مخالفا للعوض الأصلي الذي تم الاتفاق عليه بسبب إقالة العقد وفسخه أو أنه لا تصح الإقالة إلا بنفس العوض السابق ولا يجوز أن يأخذ عنه زيادة مما دفع. الحقيقة الفقهاء في هذا الموضوع اتجهوا اتجاهين: الاتجاه الأول رأي الجمهور غير المالكية والإمام أبي يوسف أن هذا الذي يأخذه المستأجر يعتبر كسبا حراما غير مباح شرعا لأن إقالة عقود المعاوضات المالية أو فسخها كالبيع والإيجار لا يجوز إلا بنفس العوض الذي تم التعاقد عليه في رأي الإمام أبي حنيفة الذي يجعل الإقالة فسخا في حق العاقدين وبيعا جديدا في حق شخص ثالث غيرهما. فبناء على هذا الرأي لا يصح أن يأخذ المستأجر من المال شيئا لأن الإقالة يجب أن تتم بنفس العوض السابق وهذا رأي أبي حنيفة يوافقه عليه أيضا زفر الذي يجعل الإقالة فسخا في حق الناس كافة وليس في حق العاقدين فقط كما ارتأى أبو حنيفة فلذلك أيضا لا يجوز أخذ هذا العوض. وكذلك أيضا الشافعية والحنابلة الذين قرروا بطلان الإقالة في هذه الحالات إذا طلب عوض زائد عن الثمن الأصلي وبسبب هذا الشرط الفاسد وهو أنه قال له بعتك الشيء مثلا ثم أقاله على أن يدفع له أزيد - يدفع أي المشتري إلى البائع - أزيد من الثمن الذي دفعه أولا فهذا أيضا عند الشافعية والحنابلة والحنفية كما بينا ما عدا أبا يوسف كل ذلك لا يجوز أخذ زيادة عليه مقابل الفسخ عملا بالحديث النبوي الإقالة نوعا من التعاون ((من أقال نادما أقال الله عثرته يوم القيامة)) فلذلك لا يعتبر نوعا من الإرفاق والتعاون ورفع هذا الندم الذي حل بالمشتري. فلذلك يجب أن يكون عملا من أعمال المعروف ولا يأخذ زيادة عما دفعه المشتري سابقا.
أما الإمام مالك فيرى أن الإقالة بيع جديد، وإذا كانت بيعا جديدا فيجوز فيها الزيادة أو النقصان. وهو أيضا قول أبي يوسف الذي يجعل الإقالة بيعا جديدا في حق العاقدين وغيرهما، إلا أن يتعذر جعلها بيعا، فتجعل فسخا. بناء على هذا الرأي الثاني يصح للمالك المؤجر دفع زيادة عن الأجرة المقبوضة إلى المستأجر الذي دفعها، نظير فسخ الإجارة وتسليم المأجور من المستأجر إلى مالكه.(4/1830)
أما إذا وهب المؤجر باختياره ورضاه بعد انتهاء الإجارة من المال للمستأجر يسميه الناس الآن (مقابل الخلو) لأجل إخراج المستأجر من المأجور، فهو أمر جائز باتفاق العلماء، لأن الهبة تبرع، وقد تم الدفع بالتراضي. يعني لا ندخل هذا تحت المشارطات وتحت المفاوضات وإنما أراد أن يكرم هذا المالك ذلك المستأجر عندما سلمه هذا العقار المأجور وربما كان في بعض البلاد لا تسمح أكثر البلاد الآن إلا ما عدا الحمد لله البلاد المحظية بتطبيق الشريعة الإسلامية إلى حد كبير في ديارها هناك قوانين تحمي المستأجرين وهي تكاد تُمَلِّك المستأجر هذا العقار فييأس الملاك من استرداد عقاراتهم والناس يصرون على أن يأخذوا بدل الخلو، وكان هذا المستأجر متعففا متدينا وَرِعًا ثم أراد المالك أن يكرمه فقدم له شيئا من المال هبة وتطوعا ودون مفاوضات ولا مشارطات ففي الحقيقة هذا داخل في التبرع، والتبرع لا نزاع في جوازه. هذه الحالة الثانية.
أما الحالة الثالثة وهي الحالة الغالبة والتي تثير النزاع:
ويقع الخلاف فيها بين الناس في الوقت الحاضر وهي ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من شخص آخر غير المالك المؤجر، ليتنازل عن اختصاصه بمنفعة العقار، ليحل محله ذلك الشخص الجديد في الانتفاع في العقار. هذه الحالة جائزة أيضا بشرط أن يكون التنازل من المستأجر إلى مستأجر آخر ضمن مدة عقد الإجارة. فإذا كانت المدة سنة، أمضى المستأجر في العقار ستة أشهر منها مثلا، جاز له التنازل لشخص آخر للانتفاع بالمأجور بقية المدة المتفق عليها بين المالك والمستأجر. وإذا كانت مثلا الإيجارة سنوية دون تحديد مدة قصوى، وهذا ما أجازه الفقهاء غير الشافعية - مسانأة أو معاومة أو مشاهرة - يعني العقد يتجدد تلقائيا كل سنة أو شهر. وهذا ما يحدث الآن في كثير من البلاد من عقود الإيجارات. فهذا أيضا العقد جائز وحينئذ تكون المدة غير محددة لا يحدد أقصاها. فحينئذ يستطيع المستأجر أن يتنازل عن العقار الذي يشغله إلى شخص آخر، وهذا ما يعرف في القوانين بالتأجير من الباطن. وفقهاؤنا قالوا إن المستأجر يتملك المنفعة وحقه خلاف ما يقرره القانونيون أن حق المستأجر حق شخصي وفقهاؤنا قرروا أن حق المستأجر حق عيني وبالتالي يستطيع أن يستوفي المنفعة بنفسه أو بغيره ويجوز له أن يتنازل عن هذه المنفعة إلى الغير إما بعوض أو بغير عوض. فكل ذلك جائز ما دام ضمن مدة الإيجار.(4/1831)
ويؤيد هذا أن فقهاء الحنفية أفتوا صراحة بجواز النزول عن الوظائف بمال كالإمامة والخطابة والأذان ونحوها، استنادا إلى الضرورة وتعارف الناس، وبالقياس على ترك المرأة قسمها لضرتها لصاحبتها للزوجة الأخرى لأن كلا منهما مجرد إسقاط للحق، وقياسا على أنه يجوز لمتولي الأوقاف عزل نفسه عند القاضي ومن العزل الفراغ عن وظيفة النظر أو غيره وقد جرى العرف بالفراغ بعوض. فهذا دليل على الجواز أيضا: التنازل عن الاختصاصات مقابل عوض جائز كما صرح الحنفية. كذلك استدل بعض العلماء على جواز مسألة (النزول عن الوظائف بمال) بما صنعه سيدنا الحسن رضي الله عنه - سبط رسول الله صلى الله عليه وسلم - من تنازله عن الخلافة وقبوله الراتب. ولكن ربما نوقش هذا الكلام بأن ما كان يأخذه السيد الإمام رضي الله عنه، لم يكن عوضا عن التنازل عن أمر الخلافة فحسب، لأن الخلفاء قد تعودوا منح الوظائف والرواتب غيره كثيرا من الصحابة والتابعين، فلم يكن راتب سيدنا الحسن عوضا عن تنازله عن الخلافة. يعني الحقيقة الاستدلال بهذه الواقعة التي استدل بها بعض الفقهاء غير سديد. ولكن أردت أن أذكر ذلك وإن كنت مقتنعا بالرد الذي رد به عليهم من أجل الإحاطة بالموضوع. أيضا الشافعية صرحوا أثناء كلامهم في كتاب (واضح بجرم الخطيب) في الصفحة الثانية في عقد البيع على أنه يجوز التنازل عن الاختصاص بعوض أو بغير عوض. والاختصاصات كل المنافع التي تكون تحت تصرف الإنسان كما قال الحنفية من إمامة وخطابة وغير ذلك أجازوا التنازل عنها بعوض.
إلا أن ذلك كما قلت مقيد شرعا - حال تنازل المستأجر عن منفعة المأجور- بمدة الإيجار المتفق عليها. فإن تنازل المستأجر لغيره بعوض بعد انتهاء مدة الإيجار، فلا يجوز ذلك شرعا إلا برضا المالك، وإبرام عقد إجارة جديد. لأن العقد يجب أن يحترم وإنما البيع عن تراض وكل العقود يجب أن يتم فيها التراضي خلافا لما نجد من عقود قهرية وبالإكراه وبالقسر. عقود إجارات كثيرة في كثير من البلدان التراضي فيها غير متوفر إلا بحماية القوانين الجائرة.(4/1832)
وكذلك المالكية أيضا كالشافعية، وجدت في رسالة أطلعني عليها المرحوم زين العابدين خضر حسين شقيق شيخ الأزهر السابق الذي كان مقيما في دمشق بالميدان، أطلعني على رسالة لمتأخرين من علماء المالكية بعنوان (جملة تقارير وفتاوى في الخلوات والإنزالات عند التونسيين) طبعا إخوتنا التونسيون يعرفون هذه الرسالة معرفة تامة لمفتي المالكية إبراهيم الرياحي بتونس والشيخ محمد بيرم التونسي إلى آخره كلهم جاء في هذه الرسالة ما يدل على تجويز المعاوضة عن الخلوات عملا بالعرف والعادة ولأن المستأجر يملك المنفعة فله أن يتنازل عنها بعوض كالإجارة وتعتبر عوض كالإعارة. وأيضا نقل البناني عن البرزلي في النزول عن الوظيفة ما يقتضي جوازه، ونقل فتوى الفاسيين بجواز بيع الخلو وقال الشيخ محمد بيرم: وما أشبه الخلو بالمغارسة غير أن الخلو لا تحمل به ملكية الرقبة لتعلقه بالمنفعة.
أما الحنابلة: فلم يجيزوا أخذ العوض على الاختصاصات، لأن محل حق الاختصاص الانتفاع فقط، ولا يملك أحد مزاحمة مستحقه، لكن الاختصاص يجري فيما هو محرم شرعا كعصير العنب المتخمر عند المسلم، ويجري في بعض المباحات كتحجير الأرض الموات، أما المملوكات الجارية في الأعيان والمنافع فيجوز التنازل عنها بعوض.
والخلاصة: أن بدل الخلو جائز شرعا إذا كان ضمن مدة الإيجار مع المالك المؤجر وأما بعد انتهاء المدة فلا يجوز التنازل عن المنفعة، ولا أخذ البدل عنها إلا برضا مالك العقار، بإبرام عقد آخر مع المستأجر الجديد، وإلا كان أخذ البدل سحتا حراما، والمتنازل غاصبا، وآكلا أموال الناس بالباطل، وكذلك يكون المتنازل معتديا على حقوق الآخرين. والسلام عليكم ورحمة الله.
الشيخ محمد أحمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا سيدنا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد: في البداية لا بد من توضيح أن ظاهرة الخلو بحثها الفقهاء الأقدمون على سبب أو على ظاهرة غير الظاهرة التي تعاني منها بعض البلاد العربية ولذلك أجازها بعض الفقهاء القدامى أجاز أخذ الخلو، ومنعه البعض. واستندوا إلى قياس الصداق المؤجل والصداق المعجل.(4/1833)
ولكن ظاهرة الخلو أو بدل الخلو في عهدنا الحاضر ظاهرة غير الظاهرة التي كانت أو التي اعتمد عليها أو أسس عليها الفقهاء القدامى لذلك أباحوا أن يؤخذ الخلو باعتباره مؤجلا أو على أساس البيع بالتقسيط. اعتبروا الخلو جزءا من الإيجار ثم يدفع المستأجر الأجر الشهري أو السنوي أقل من أجرته الحقيقية: على هذين الأساسين فيما علمت أو فيما درست بنى الفقهاء القدامى جواز أخذ الخلو. لكن نحن هنا نعاني في عصرنا الحاضر في بعض البلاد العربية من الخلو معاناة غير المعاناة التي كانوا يعانون منها. السبب في ذلك أن بعض البلاد العربية أخذت ببعض القوانين الغربية فجمدت الإيجارات أو أجور العقار. البلاد الغربية نفذت هذا المبدأ أو هذا القانون تنفيذا مؤقتا ثم عادت عنه لكن بعض البلاد العربية تمسكت بهذا القانون وهو تجميد الأجور، سبب تجميد أجور العقار في هذه البلاد العربية ظلما للملاك. استمرت الأجور مثلا خمسين عاما في بلد عربي معروف كما هي بينما ارتفعت أسعار الأغذية والأكسية والأطعمة، الملاك تظلموا من هذا التجميد ومن هذا الظلم القانوني في بلادهم حتى أحدث ظاهرة أخرى الآن في هذه البلاد العربية وهي أن الملاك الجدد أصبحوا يملكون عماراتهم للتمليك لا للتأجير فأحدث أزمة سكن في هذه البلاد العربية نتيجة لظلم القانون، ظلم قانون الدولة التي فرضت تجميد أجور العقار.
إذا اضطر الملاك أن يفرضوا نتيجة لما يقاسونه من ظلم وعنت خلوا لأنهم يعلمون يقينا أن هذا المستأجر لن يخرج من أملاكهم ولن يزيد في أجورها سنويا أو بعد عدة سنوات. فالسبب هنا غير السبب الذي أسس عليه الفقهاء القدامى جواز أخذ الخلو باعتباره كبيع التقسيط أو كالمهر المؤجل والمعجل. هناك كان فيه شبه تعاون أو تخفيف بين المالك والمستأجر في أن يدفع خلوا مبلغا ما، ثم يقسط الأجرة شهريا أو سنويا بأقل من الأجرة المعتبرة أو كمقدمة صداق ومؤخرة صداق. فهنا ينبغي للمجمع الموقر أن ينظر إلى أسباب الخلو الآن، وما يعانيه الملاك بسبب تجميد أجور عقارهم وما أحدث ذلك من في عقار ولجوء الملاك إلى تمليك العقار لا إلى تأجيره، فيكون وضع الإباحة أو الجواز أو المنع على هذا الأساس على أساس ما جاء في الأبحاث المقدمة من استنادات شرعية سابقة لا تتفق مع ظروف الخلو في الوقت الحاضر.
الرئيس:
شكرا. في الواقع إن ما ذكره الشيخ أحمد مهم جدا حتى يحدد ويحسم البحث الذي نريده وهو أن السبب في إحالة بدل الخلو إلى المجمع ليس هو قضايا التحكير والصبرة وما جرى مجراها، وإنما هو قضية القانون أو مواد القانون التي فرضت على المالك ألا يخرج المستأجر من ملكه، وأن يكون بنفس الأجرة التي تم عليها العقد حتى ولو فرض أن العقار زاد أضعافا مضاعفة إلى ما شاء الله من الأضعاف.(4/1834)
ولهذا فقد ترون مناسبا أن تكون المداولات والنقاش في ضوء ما نتج عن هذا السبب سواء أريد في حالاته الثلاثة التي تفضل بها الشيخ وهبة من المالك إلى المستأجر، أو من المستأجر للمالك أو بين المستأجر الأصلي مستأجر آخر. وبهذا يكون الموضوع متوحدا في هذه القناة وبه يحسن أن يبحث الأصل وهو قضية صدور هذه المادة. هل هي شرعية أو لا؟ فإذا كانت غير شرعية فهل أخذ المستأجر المالك ضمانة أمام هذا القانون الذي لا حيلة له في التصرف فيه أن يأخذ بدل خلو من المستأجر في مدى شرعية هذا؟ ثم المستأجر مع المالك إذا امتنع من الإخلاء إلا ببدل. ثم المستأجر الأصلي مع مستأجر آخر إذا أخذ يضارب أو يؤجر غير ما هو يملك وفيما هو خارج عن مدة الإجارة. وأرجو أن تروا مناسبا أن تكون المداولة في هذه الحدود حتى يمكن لنا أن تكون مجدية وأن ننطلق من الواقع الأعم الأغلب وإن كانت قضايا التحكير والصبرة لا تزال قائمة لكن ليس لها من الشمول والعموم وقوة القانون مثل ما لمسألة عدم تمكين المالك من إخراج مستأجر أو زيادة الأجرة.
الدكتور رفيق يونس المصري:
بسم الله الرحمن الرحيم، في الحقيقة هذه الكلمات التي تفضلتم بها جميعا كلمات مفيدة وتساعدنا في الوصول إلى الغاية. أنا كنت أود من خلال اطلاع سريع على الأوراق التي قدمت ومن خلال ما سمعت الآن يجري أن الحديث في بدل الخلو حول حكمته، مقصده، نشأته أسبابه تكييفه الشرعي الفقهي، التمييز الذي ذكره الأستاذ أحمد جمال بين أسباب نشأته في الماضي وأسباب نشأته في الحاضر ما معنى الخلو عند القدامى؟ ولكن أريد أن أختصر الآن لأصل إلى نقطة. إذا كان بدل الخلو في ضوء القوانين الحديثة – القوانين الوضعية - هو يعتبر بمثابة تعجيل الأجرة إلا أن الدكتور الزحيلي لم يتكلم عن نقاط أخرى طبعا قد لا تتسع لها الورقة. ختم عرضه بجملة فهمت منها أن عقد الإجارة إذا انتهى فلا يستطيع المستأجر أن يطالب المالك يعني إذا آل المأجور إلى المالك لا يستطيع أن يطالبه ببدل الخلو وقد استشكلت هذا للسبب التالي. لنفرض مثلا أنني دفعت عند عقد الإيجار بدل خلو قدرت أن هذا يعدل أجرة خمس سنوات مقدما ثم لسبب طارئ انتهت الإجارة بعد سنتين فكيف لا يجوز لي أن أطالب المالك بحصة من هذا المبلغ المدفوع مقدما والذي اعتبرناه إجارة؟ وشكرا.(4/1835)
الدكتور أنس مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم. . يبدو لي من بين الدراسات المقدمة دراسة من قبل الدكتور محمد الأشقر وجدت أنني كاقتصادي أوافق تقريبا على كل ما أتى فيها من تقسيمات وما انتهى إليه فيها من نتائج وأرى أن البند الرابع من الخلاصة في بحث الدكتور الأشقر وهي في الصفحة عشرين تلخص الموضوع بطريقة يمكن إصدار قرار بها. فلا أقرأها الآن فهي موجودة بين أيديكم. إنما أولا أؤكد تماما ما ذكره الأستاذ أحمد جمال من ملاحظات مهمة جدا وذات علاقة بالموضوع وألاحظ أن بحث الدكتور الأشقر والذي أؤيد النتيجة التي انتهى إليها في البند 4 من خلاصته لم تتعرض لحالة كثيرة الوقوع في ظل القوانين المعاصرة التي تقيد الإجارة على خلاف الأصل الشرعي وهي الحالة التالية: (في ظل قانون مخالف للأصل الشرعي ويقيد الإجارة إما سعرا أو يقيدها من حيث المدة فيلزم المالك لا يستطيع إخراج المستأجر مهما طال العقد ولا يغير الأجرة. في ظل مثل هذا الوضع لو أتى إنسان ودفع بدل خلو للمالك نفترض عمارة جديدة واستأجرها ملحوظ في بدل الخلو في ظل نظام من هذا النوع هو نظام جائر ولكن في ظل هذا النظام الجائر دفع بدل الخلو والمالك يعلم أن هذا يعني أن المستأجر أن يبقى في هذا البيت إلى ما شاء الله. فالآن في مثل هذه الحالة لو بعد حين من الزمن أراد هذا المستأجر أن ينتقل إلى مكان آخر، أليس من حقه أن يأخذ بدل الخلو، بدل الخلو الذي يرضى به سواء كان من المالك، أو من مستأجر لاحق، ما دام دفع الخلو الأصلي جرى في ظل قانون جائر ولاحظ فيه الطرفان أن دخول المستأجر إلى هذا المنزل يعني حقه قانونا في البقاء فيه إلى المدى الذي يشاء) .
ففي ظل هذه الحالة الخاصة التي لم أر أن بحث الدكتور الأشقر تعرض إليها كما أني ما سمعته من كلام فضيلة الدكتور الزحيلي أيضا لم يتعرض إليها. ألا يحق لنا هنا أن نقول في هذه الحالة الخاصة إن للمستأجر حق أخذ الخلو في هذه الحالة؟ والسلام عليكم.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. يبدو أننا لا بد أن نلجأ بين الحين والآخر إلى مسألة تحديد محل بحث أو تحرير محل نزاع. فهذا سيبلور الأمر وسيزيد الموضوع جلاء. أولا: ما سمعته في التلخيص الجيد لبحث زميلنا وأخينا الأستاذ الدكتور وهبة. النقطة الأولى أظن أنها خارجة عن محل البحث. عندما نتكلم عن إقالة العقد أو فسخ العقد مقابل مال فعلا هذا شيء مبحوث في كتب الفقه ومحل خلاف ولكن ليست هذه هي المشكلة المطروحة.
الرئيس:
هذه هي الحالة الثانية يا شيخ.(4/1836)
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
نعم الثانية. المشكلة المطروحة أن عقد الإيجار ينتهي، عقد الإيجار إما مشاهرة أو عقد سنوي. في نهاية العام انتهى العقد آليا ومع ذلك فإن المالك يدفع الخلو في سبيل إخراج المستأجر. إذن هذه الصورة لا تنطبق على ما قاله الفقهاء من المراوضة أو المحاورة في سبيل إقالة عقد أو في سبيل فسخ عقد. هذا لا علاقة لنا به إطلاقا.
الموضوع الآخر، تنازل المستأجر عن المنفعة التي يملكها أثناء امتلاكه لها، أي أثناء جريان العقد. أيضا هذا ذكره كثير من الفقهاء ومنهم كثير من متأخري الحنفية. هذا الإنسان يملك حقا وثم فهل يملك أن يتنازل عن هذا الحق مقابل بدل أم لا؟ شيء مبحوث، إلا أن بحثا ليس جاريا في هذا الموضوع قط. مدة الإيجار تنتهي وتطوى المنفعة وتفرغ يده من الانتفاع بها ومع ذلك فهو يطالب المالك أو يطالب المستأجر الآخر ببدل. إذن هذا أيضا لا علاقة له بما ذكره الفقهاء.
إذن نحن أمام الحالة التالية: عقد الإيجار انتهى ولم يعد للمستأجر حق في المنفعة أو الانتفاع ومع ذلك فهو يطالب المالك أو يطالب المستأجر الآخر ببدل. هذا البدل ما هو غطاؤه الشرعي؟ هذا هو المبحوث عنه. الغطاء الوحيد هو ما أشار إليه الأستاذ أحمد. إننا أمام وضع جائر، أمام قانون ألجأ المستأجر في بعض الأحيان والمالك في بعض الأحيان إلى أن يقتص لنفسه من بريء وأن يطالب لحق من إنسان ليس هو المُفْتَئِت عليه في هذه الحالة. إذا تصورنا الأمر بهذا الشكل فأعتقد أنني سأقول: إن هذا البدل بدل غير سائغ ولا وجه له. أما ما ذكره الأستاذ الدكتور أنس من أن هذا الخلو بما أنه جاء نتيجة قانون جائر فإن من حق من أصبح ضحية لهذا القانون أن ينتصف لنفسه إما من مستأجر قادم أو من المالك الذي أجر. هذا الكلام لا مسوغ له لأن ما جر إليه الباطل فهو باطل، ولأن هذا الكلام يفتح ثغرة كبرى وهو يتنافى مع مبدأ سد الذرائع. خير من معالجة هذا الوضع الذي جاء ثمرة لقانون غير سوي، خيرا من هذا أن نعود إلى القانون أصله فنعالجه ونعيده إلى وضعه الطبيعي والسوي. إذن فممكن لموضوع إقالة العقد، أو فسخ العقد أن نسير مع الرأي القائل ندفع المال في سبيل إقالة العقد. هنالك من قال ذلك ولا حرج. ممكن أيضا أثناء جريان عقد الإيجار أن آخذ مالا مقابل المنفعة التي أعطيتها لشخص آخر ليستفيد منها، لا ضير، ولكن عندما ينتهي عقد الإيجار وقبل أن يبتدئ العام الآخر، نعم لا أستطيع أن أكيف هذا الأمر بشكل شرعي. ولكم الشكر.(4/1837)
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما. إن قضية بدل الخلو ليست وليدة قانون جاء، ولكنها قضية نشأت منذ قرون في العالم الإسلامي وقد نص فقهاء مصر على أن كثيرا من الدكاكين كان خلوها حبسا وكان ملكها لشخص آخر. الخلو حق الانتفاع بمقابل في الدكان أو في الحانوت هو للمصالح العامة على مسجد والمالك الذي يأخذ الإيجار هو شخص أو عائلة أو ولد. وهذا نشا من عهود قديمة ثم في عهد السلطان الغوري كما نعلم لما بنى الدكاكين التي بناها اشترط على كل من يكتري منه دكانا أن يدفع له قيمة جملية تعطيه حق البقاء في ذلك المحل ووقع في كثير من بلدان العالم الإسلامي أنه جرى العرف والعادة أن من يكتري محلا لا يخرج منه، وعلى هذا خرج كثير من الفقهاء قضية الخلو هذا باعتبار أن ما كان موجودا بالعرف وقت العقد، فمعنى ذلك أن المتعاقدين قد دخلا عليه. حينئذ لا بد أن نفرق بين الإجارة حسب ما قررها الفقهاء في العهود الأولى. فالإجارة إما أن تكون لمدة معينة تنتهي بانتهائها أو تكون وجيبة تتكرر كلما تكررت المدة إلى أن يفسخ أحد الطرفين في نهاية المدة أو ينبه على الآخر بفسخ العقد هذا أمر جرى عليه المسلمون قرونا. ثم حدث وهذا أمر جديد، حدث على الأنحاء التالية:
أولا: أن يطلب المالك من المستأجر - ممن يستأجر المحل - أن يدفع له مقابلا من الأول صبرة زيادة على قيمة الإيجار. هذه واحدة.
الأمر الثاني: هو أن لا يدفع إليه شيئا ولكن العرف الجاري هو الذي مكن المستأجر من البقاء في المحل وعلى هذا وقع. فإذا ما أراد أن يتنازل عن هذا الحق. أله حق في أن يأخذ مقابلا؟ ها هنا جاءت فتاوى العلماء قديما ليس بعد هذا قانون على جواز ذلك. فالقضية يجب ألا ننظر إليها على أنها وضع جديد ولكن على أنها وضع قديم وقد وجد هذا في الأبحاث التي بين أيدينا مطولا ومتتابعا وتكلم من أول ما تكلم به ينسب فيه إلى المالكية ولكن تكلم فيه المالكية وتكلم فيه الحنفية وتكلم فيه غيرهم. والقضية هي قضية العرف ومقدار تأثير العرف.(4/1838)
الشيخ محمد على التسخيري:
شكرا سيدي الرئيس: أنا أعتقد أن النقطة الأساسية هنا أن بدل الخلو يعطى في قبال التنازل عن حق، وهذا الحق إما أن يأتي من بقاء مدة مقررة في العقد ويتنازل المستأجر عن ذلك مثلا، أو من شرط اشترط في العقد وهو يستفيد من هذا الشرط، أو حتى من مجرد الإقدام على الإيجار من قبل المالك فله الحق ألا يقدم أو حتى من عدم الاستفادة من حق الأولوية إذا منح هذا الحق المالك للمستأجر وأراد المستأجر أن يستفيد من حق الأولوية هذه في الاستمرار في الإيجار. والشرط الذي أشرت إليه قد يكون صريحا، وقد يكون ضمنيا. الشرط الضمني قد يكون في إطار قوانين حكومية تمنع من إخراج المستأجر هذه القوانين تضيف شرطا يتراضى عليه المتعاقدان عند الاستئجار ويخول المستأجر مثلا أن يأخذ بدل الخلو عند انتهاء مدة الإجارة. وقد يكون هذا الشرط شرطا متعارفا تعارفا عرفيا يشكل ارتكازا، هذا الارتكاز يجعل الشرط كأنه شرط صريح في العقد وحينئذ يستطيع المستأجر أن يستفيد من هذا الحق المشترط عرفه. أشير هنا إلى بعض الملاحظات بشكل سريع، هناك مسألة حق الولاية التي أشار إليها الأستاذ وهبة. ما نعتقده أن حق الولاية، ولاية الأمر لا يمكن التنازل عنها مطلقا ولا يقبل الإسقاط.
الملاحظة الثانية: ملاحظة الأستاذ أحمد في مسألة تجميد الأجور أعتقد أن مسألة قوانين تجميد الأجور أو الإيجارات، هذه القوانين بالعنوان الأول وبطبيعة الحال غير جائزة ولكن إن رأى ولي الأمر الشرعي أن هناك أزمة اجتماعية ضخمة سوف تحدث إن لم يظل مثل هذا القانون فإنه يستطيع أن يستفيد من حق تدخل ولي الأمر في المنطقة المباحة والإلزام ببعض الأمور وبعض الشروط ويصدر مثل هذا القانون للحفاظ على أصل النظام وهو الأهم. طبعا إذا كان القانون جائرا أو صادرا من ولي غير شرعي، ففي هذه الحالة إن استطاع هذا القانون أن يؤثر شرطا في العقود فله أثره وإلا لا قيمة له. وشكرا.
الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن ولاه.
في الحقيقة يجب علينا أن نلاحظ أمورا منها أن الأصل في مال الغير عدم جواز أخذه إلا بوجه شرعي. {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} [البقرة: 188] {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء: 29] . فالتراضي على كل حال أمر مشترط والتراضي يعني ألا يكون هناك إكراه من قانون جائر أو حاجة ملحة بحيث يجب التعاون مع المحتاج إزاءها ويمكن بسبب هذا التعاون أن يتوصل هذا المحتاج إلى ما يحتاج إليه.(4/1839)
فبدل الخلو إنما يبحث الآن في ضوء الأوضاع الحاضرة والأوضاع الحاضرة كما تعلمون في كثير من بلاد الإسلام تسلطت عليها قوانين غير شرعية، غير جائزة في الفقه الإسلامي فمن هذه الناحية وحسب ما سمعنا من الأستاذ أحمد جمال وحسب ما سمعنا من الشيخ وهبة في تقسيمه حق الخلو إلى ثلاثة أقسام. ينبغي أن ننظر في هذه الأقسام الثلاثة كما تفضل معالي رئيس الجلسة. وحسب رأي الخلو الذي يأخذه صاحب العقار إن كان صاحب العقار اتفق من أول الأمر مع أحد على إيجار معين لمدة معينة بعض هذا الإيجار مقدم وبعض هذا الإيجار مقسط فالإيجار المقدم حكمه كحكم الإيجار المقسط من حيث استحقاقه له، لكن مع مراعاة مضي المدة، أي مع مراعاة إبقاء ذلك العقار في يد مستأجره إلى أن تمضي المدة فإذا أراد المستأجر أن يتخلى عن ذلك الإيجار مع أن هذا الإيجار مقدم كان إيجارا له قسط كبير فينبغي أن يرد إليه بالمحاصَّة مقدار ما تبقى من المدة التي اتفق عليها الجانبان. أما إذا كان هذا الإيجار يأخذه هذا المستأجر من شخص آخر يريد أن يستأجر منه هذا العقار في المدة المتفق عليها من أول الأمر بين الجانبين في المدة الشرعية التي يقرها الشرع بين الجانب المؤجر والجانب المستأجر ويأتي مستأجر آخر. هنا لا أجد مانعا منه، أما في ضوء القوانين غير الشرعية، في الأوضاع الحاضرة بحيث لا يمكن لصاحب الملك أن يتوصل إلى الانتفاع بملكه ما دام هنالك عقد بينه وبين غيره، هذا العقد ولو كان لملك غير محدد لمدة معينة يبقى ساريا إلى ما نهاية له. فهنا أخذ المستأجر لهذا الخلو في مثل هذه الحالة يجب أن ينظر فيه لأن الوعيد في الأموال وعيد شديد. هذا الذي أردت أن أقوله لكم وتفضلوا بالنظر.
الشيخ إبراهيم فاضل الدبو:
بسم الله الرحمن الرحيم، سيادة الرئيس الذي وددت أن أقوله هو ما ذكرته في بحثي المقدم أمام حضراتكم باختصار هو أن المبلغ الذي يأخذه المؤجر سلفا والذي أجازه فضيلة أستاذنا وهبة الزحيلي هل هو جزء من الأجرة أو هو خارج عن الأجرة؟ فإذا كان جزءا من الأجرة يدفعه المستأجر للمؤجر على شكل أقساط أو ما أشبه ذلك فلا باس في هذه الحالة على ما أرى. ولكن إن كان ما يأخذه بدلا عن الخلو فأقول: إن المؤجر هو المالك وهو صاحب الحق فإن كان مقابل تنازله عن حقه فقد تنازل عنه بالأجرة التي هي بدل الإيجار.(4/1840)
لهذا لا أرى مسوغا للمؤجر أن يأخذ شيئا إلا إذا اعتبره جزءا من الأجرة. هذا بالنسبة للحالة الأولى.
الحالة الثانية: حق استئجار المنفعة من قبل المستأجر خلال المدة أمر جائز ولا أرى بأسا في ذلك كما قرره معظم فقهاء المسلمين رحمهم الله تعالى.
أما الحالة الثالثة التي ذكرها الأستاذ الفاضل الزحيلي بعد انتهاء العقد. فالذي أقوله هنا إذا انتهى العقد بأي حق يجوز للمستأجر أن يتمتع بهذا العقار؟ انتهت مدة عقد الإجارة بأي حق يجوز للمستأجر أن يتمتع بهذا العقار؟ فلا أرى له مسوغا شرعيا أن يطالب ببدل خلو من المؤجر أو لا أرى له من مسوغ شرعي أن يتنازل عن حقه بعد انتهاء فترة العقد إلى رجل أجنبي ثالث لقاء مبلغ من المال. هذا ما وددت بيانه وشكرا لكم.
الرئيس:
شكرا. نكتفي بهذا القدر من المناقشات وترفع الجلسة وتكون العودة إن شاء الله تعالى في الساعة الخامسة مساء وبالله التوفيق..
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد الله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، نستأنف الجلسة بإعطاء المناقشة للشيخ خليل
الشيخ خليل محيي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم. الكلام في موضوع بدل الخلو في الحقيقة لا بد له من مقدمة وسؤال. لماذا جميع الأنظمة تراعي زيادة الراتب مع هبوط العملة ولم يراع أحد زيادة الأجرة مع هبوط العملة؟ هذا أمر. إذن الذي جعل كل دولة أو كل رب عمل يزيد في الأجر مع اتفاقه سلفا على أجرة معينة وإذا به يزيد في الأجر شعورا منه بإنصاف هذا المستأجر وهل هناك فرق بين العين المستأجر وما بين الإجارة التي ترد على منفعة الأشياء؟
أمر آخر، إن الأنظمة غالبا ما نراها تتوسل إلى العامة على حساب الخاصة. مثلا إن الأنظمة تتوسل إلى العمال، أو ما يسمى بالشعب فتضغط على أرباب الأعمال لصالح الشعب. ولماذا هذه القيود على الملكية؟ قيدت الملكية لأن أغلب قوانين الدول معاصرة أنها تورد قيودا على المالك بينما لا تورد قيودا على المستأجر، لنضرب لذلك مثلا. إن الإجارة في بلادنا - ولا أدري في المملكة كيف شأنها - الإجارة صارت عقدا ملزما تنتهي المدة وتبقي الإجارة بنفس الأجر السابق وهذا أمر لا شك أنه مخالف للشريعة الإسلامية.(4/1841)
فإذا كنا نراعي حال المستأجر فلماذا لا نراعي حال المالك؟ وهذه الخلوات وإن كان فيها الظلم، لكن الظلم الأشد في تلك التشديدات التي يراعى بها وضع القيود على الملكية. وللأسف نلاحظ كل القوانين الحديثة المستقاة من الدول الأوروبية مثلا تتقرب من العمال على حساب رب العمل، تتقرب من المستأجرين على حساب المالكِين. هذا التوجه الذي لا يخفى خلفيته، وإن الملجأ الوحيد لهذا الأمر لا شك إلى عقد الإجارة كما صوره فقهاء المسلمين، والإجارة كما هو معلوم عقد على منفعة تتجدد ساعة فساعة. وقد ضربوا له الشهر أو الأسبوع وما إلى ذلك وإذا بالشهر يصير سنة وإذا بالسنة تصير جيلا وجيلين كما هو معروف في كثير من الدول يموت المؤجر والمستأجر ويرث أبناء المستأجر العين المستأجرة بنفس تلك القيمة التي أجرت فيها والقوانين لا تواكب في تطوراتها بالإجارة كما تواكب القوانين الإنصاف للعمال. فبينما نلاحظ في الحقيقة أن كثيرا من القوانين المستقاة من الدول الغربية كأن فيها جورا على الملكية لصالح الشعب وبينما الإسلام كما هو معروف {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} إذن في النتيجة لماذا لا نصدر تعميما أو فتوى تناسب بأن عقد الإجارة عندما يكون سنويا أو مسانهة كما قيل في نهايته إما أن يعدل في الأجرة وإلا فإن المستأجر يأكل مالا حراما. والله أعلم.
الشيخ محمد سيد طنطاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. لعل من الخير عندما نتكلم عن هذا الموضوع الهام أن نتذكر بعض النصوص وبعض القواعد الأصولية التي وضعها العلماء وعلى رأس هذه النصوص قوله صلى الله عليه وسلم: ((المؤمنون عند شروطهم إلا شرطا حرم حلالا أو أحل حراما)) وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم أنه ((لا ضرر ولا ضرار)) ومن القواعد الشرعية التي تعلمناها وحفظناها أن بعض الأحكام قد تتغير بتغير الأزمان وبتغير الأحوال ولا بأس بذلك ما دام هذا التغير لا يناقض نصا أو لا يعارض نصا من كتاب الله أو من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
والصور الثلاثة التي ذكرها الأخ الفاضل الدكتور وهبة والصورة الأولى منها أن للمالك المؤجر أن يأخذ من المستأجر مقدارا مقطوعا من المال بالإضافة إلى الأجرة السنوية أو الشهرية، وجميل منه أن يقول إذا تراضيا على ذلك. أرى أن هذه المسألة جائزة ولا شيء فيها ما دام قد حدث التراضي لأن هذا التراضي لا يتم إلا عن مصلحة يراها كل طرف من المؤجر والمستأجر.(4/1842)
وما دام هناك تراض حقيقي وهناك أيضا إيجاب وقبول ففي هذه الحالة أرى بأنه لا بأس من أن يأخذ المالك المؤجر من المستأجر مقدارا معينا ولكن النقطة التي وقفت أمامها أن فضيلته جعل ما يأخذه المالك وقام المؤجر بعدها بتسليم العقار إلى المستأجر مؤثرا إياه على غيره من المستأجرين الذي وقفت أمامه ويعد المأخوذ جزءا معجلا من الأجرة المشروطة في العقد في تصوري أن الأجرة المشروطة في العقد هي تلك الأجرة السنوية أو الشهرية وما أخذه المالك زيادة على ذلك إنما أخذه بناء على مصلحة يراها وارتضاها المستأجر أيضا هذه المصلحة كما هو حادث في بعض البلاد أن صاحب العقار مثلا عندما يبني عمارة ويريد أن يعرض شققها للإيجار لا يحكمه في هذه الحالة قانون العرض والطلب وإنما الذي يحكمه أنه بعد أن يؤجر الشقة بمائة جنيه مثلا تأتي بعد ذلك لجنة معينة فتخفضها إلى خمسين جنيها مثلا، وهذا حاصل وموجود وفي هذه الحالة المالك عندما أخذ الزيادة إنما أخذها احتياطا لغبن قد يقع عليه عند تقدير هذه اللجنة لأن هذا الإيجار هو لا يملكه في الحقيقة وإنما الذي تملكه بعد ذلك هي جهة معينة هذه الجهة تقدر أن إيجار هذه الشقة هو كذا وفي هذه الحالة تطالب المالك إذا كان قد حرر العقد بزيادة عن هذا التقدير الذي قدرته اللجنة عليه أن يرد للمستأجر ذلك. فالمالك في هذه الحالة مسكين يرى أن هذا الإيجار فيه غبن شديد وفي هذه الحالة هو يلجأ إلى أن يأخذ حقه بهذا الطريق وما دام في رأي أن المستأجر قد رضي بذلك فلا بأس في هذه الحالة. النقطة التي وقفت أمامها قول الأخ الفاضل الدكتور وهبة - ويعد المأخوذ جزءا معجلا من الأجرة المشروطة في العقد - في الحقيقة أنا الذي أفهمه أن الأجرة المشروطة في العقد هي ما أشار إليه فضيلته من أنها الأجرة السنوية أو الشهرية المحددة.
بالنسبة للنقطة الثانية، يرى فضيلته أن جمهور الفقهاء يرون أن ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من المالك المؤجر لفسخ عقد الإيجار ضمن مدة العقد وتسليمه الشيء المؤجر لصاحبه يعد كسبا حراما، وهذا كما هو أمامنا رأي الجمهور.(4/1843)
في الحقيقة الإنسان أيضا يعود إلى تلك القاعدة التي حفظناها وهي أن بعض الأحكام قد تتغير بتغير الزمان وبتغير الأحوال فأنا في الأحوال التي أراها الآن سائدة في كثير من الدول، عندما يأخذ المستأجر من المالك شيئا ربما بعض الملاك يقبل يديه، يقبل يد المستأجر لأن المستأجر في هذه الحالة يريد أن يأخذ من المالك شيئا لكي يذهب إلى مسكن آخر يلائمه أو يلائم مركزه الاجتماعي وهو هذا المسكن بأجر ضئيل وقد مضى عليه عشرات السنين فيذهب إلى مكان آخر فربما دفع المستأجر ضعف ما أخذه من المالك لأنه يريد أن يتحول إلى مكان آخر وفي الوقت نفسه المالك استفاد استفادة عظمى لأنه بعودة هذا الملك إليه يستطيع أن يربح من ورائه أضعاف أضعاف ما كان يربحه من وراء هذا المستأجر الأصلي.
فما دامت الأمور مبنية على التراضي، المستأجر قد انتفع لأنه ذهب إلى مسكن آخر ودفع فيه هذا المبلغ الذي أخذه من المالك أو دفع أكثر أو دفع أقل، والمالك قد انتفع بمسكنه لأنه يستطيع أن يؤجره بعد إدخال تعديلات معينة عليه، يستطيع أن يؤجره بإيجار أضخم وأضخم وتراضيا على ذلك عن طواعية وعن اختيار وبدون استغلال. فأرى أن هذا ليس فيه شيء من الحرام، ولذلك أنا أميل إلى رأي المالكية ورأي الإمام أبي يوسف في هذه المسألة.
فيما يتعلق بالمسألة الثالثة، وهي الحالة الغالبة المثيرة للنزاع وهو ما يأخذه المستأجر من بدل الخلو من شخص آخر غير المالك المؤجر مقابل تنازله إلى آخره. أنا أرى أن المسألة أيضا لا ضير فيها بشرط أن يكون قد نص في العقد على أن من حق هذا المستأجر أن يؤجر العين لغيره في المدة المحددة للإيجار أو لا بد أن يكون هناك شرط لأن الملكية الخاصة محترمة في شريعة الإسلام. فالمالك ما دام مالكا لهذه العين فلا يصح للمستأجر بحال من الأحوال أن يتصرف في هذه العين إلا بإذن المالك وإذا تصرف فإنما يكون تصرفه في حدود ما يملكه من أخشاب، من أدوات هو يملكها. أما التصرف في العين بأي صورة من صور التصرف فلا بد أن يكون بإذن من المالك، فلا يصح لهذا المستأجر أن يؤجرها من الباطن لغيره، ولعل هذا هو الذي تأخذ به البلاد فيما يتعلق بالتأجير من الباطن وهو أنه لا بد أن يكون بإذن من المالك لأن الملكية الخاصة محترمة ما دامت قد أتت عن طريق الحلال وما دام صاحبها يؤدي حق الله ويؤدي حق المجتمع فيجب أن لا تمس ويجب أن يحافظ عليها محافظة تامة وبالله التوفيق.(4/1844)
الشيخ محمود شمام:
بسم الله الرحمن الرحيم، لي ملاحظة شكلية قبل الدخول في الأصل. الموضوع له علاقة متينة بموضوع الاسم التجاري فأنا أرجو، لأن الموضوع يشكل فرعين الاسم التجاري وبدل الخلو، فأنا أرجو قبل إصدار قرار فيما يتعلق ببدل الخلو مناقشة الاسم التجاري ولي كلمة حول الاسم التجاري تشمل بدل الخلو أرجئها لما بعد. وشكرا.
الشيخ أحمد محمد جمال:
الحمد الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. أحب في البداية أولا أن أعقب على كلمة فضيلة الشيخ خليل الميس عما لاحظه من ظاهرة الظلم النازل بالملاك وعدم تغيير الأجرة لسنوات طويلة وأقول له وأعطيه مثلا حكيما في ذلك وهو أن المملكة العربية السعودية هنا منذ عهد الملك عبد العزيز رحمه الله كان يصدر أمره حسب ظروف ارتفاع تكاليف المعيشة وارتخائها، يصدر أمره أحيانا بتخفيض الأجرة 25 % ثم بعد سنتين أو ثلاث عندما يرى تغير الأحوال الاقتصادية يرفعها إلى25 % هكذا كان جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله يراعي الظروف الطارئة في المجتمع السعودي ولا يترك الملاك يستبدون تارة ولا يترك أيضا المستأجرين يستبدون تارة أخرى، إنما يلاحظ هذا الاختلاف في الظروف المعيشية بين انخفاض وارتفاع.
الأمر الثاني الذي أشار إليه فضيلة الأستاذ الميس هو أن ذلك مقتبس، النظام الواقع في المجتمعات العربية والإسلامية من الدول الغربية والحقيقة أنا أرى أنها مقتبسة من الدول الشرقية لأن زعماء الدول العربية هؤلاء الذين يضغطون على الملاك إنما يستندون إلى المذاهب أو المبادئ الشيوعية لأنهم ينظرون إلى الملاك نظرة إقطاعيين، الملاك في نظر هذه الدول الاشتراكية وزعمائها الملاك جماعة من الإقطاعيين وهم يريدون أن يتملقوا طبقة العمال الطبقة الوسطي من الموظفين، لذلك يضغطون على العمال في سبيل إرضاء الطبقة العاملة أو الطبقة المتوسطة.
بعد ذلك انتقل للموضوع الأساسي وأرجو أن يسمح لي أصحاب الفضيلة العلماء أن أنبه إلى أنه ينبغي لنا ألا نكرر ما سبق في المناقشة الماضية من اهتمام بالجزئيات في المبادئ والأحكام، الاهتمام بالجزئيات والاهتمام بالثانويات والاهتمام بالفرعيات، فهذه تترك للتفصيلات أو المذكرات التفسيرية أو اللوائح كما يقال ذلك في عداد الأنظمة. لماذا؟ لأنا نحن كمشرعين أو كواضعين أحكاما جديدة تعالج قضايا حديثة لا يمكن أن نحتاط لكل هذه الفرعيات. وأعتقد أن معظمها من باب الديانة.(4/1845)
ومبدأ الديانة أو ملحظ الديانة في التشريع الإسلامي معتبر. الرسول عليه الصلاة والسلام - وهو الملهم المعصوم الذي يتلقى الوحي دائما - لاحظ هذا الملحظ فتركه للمسلم، ما احتاط في كل حكم بملاحظة وفرع وشرط، وهكذا لأن ذلك يطول ولا يمكن أن نحصي ملاحظ الشرط في المعاملات. الرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما تذكرون: ((إنما أنا بشر وإنكم تختصمون إلي ولعل بعضكم ألحن بحجته من بعض فأقضي له بنحو مما أسمع فمن قضيت له من حق أخيه فإنما أقضي له بقطعة من النار إن شاء أخذها وإن شاء تركها)) أو كما قال عليه الصلاة والسلام. إذن لا يمكننا أن نحيط بكل دقيقة في كل مبدأ من المبادئ التي نضعها الآن. فنترك الفرعيات والثانويات لتحل عند النظر أو عند النزاع. أقول ذلك لأنا نستطيع أن نستمر في الحوار الدائم وفي النقاش الدائم والكلام الكثير لا نخرج بحكم أو بأحكام حكيمة أو صحيحة أو سريعة كما ينبغي. فأحب أن ألفت النظر إلى ذلك. استتماما لهذا الموضوع أو لهذه القضية أحب أن أقدم اقتراحا طبعا قابل للتصحيح والتعديل مشروع للقضية في مادتين أو في ثلاثة مواد قابلة للتعديل. خذوها كفكرة تقرب المسافة بيننا. المادة الأولى: لا يجوز أن يفرض المالك بدل خلو على المستأجر إلا إذا كان هذا البدل جزءا معجلا يترتب عليه انخفاض الأجرة السنوية أو الشهرية، وأن يذكر ذلك في العقد صراحة أي يكون بالتراضي وأن يكون جزءا من الأجرة..
المادة الثانية: يجوز للمستأجر إذا طالبه المالك بالإخلاء خلال فترة العقد أن يطالب بتعويض يقدر بمثل ما بقي من أجرة للفترة الباقية من العقد.
ثالثا: لا يجوز أن يؤجر المستأجر العين على آخر دون إذن المالك احتراما لحقه في الملكية الأصلية.
هذه كرؤوس كعناصر إنما تمهد لنا السبيل لنقر شيئا ولا نطيل في الجدل في الفرعيات والثانويات وشكرا.
الشيخ درويش جستنية:
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على الرسول النبي الأمين. أقول وبالله التوفيق.. أولا بالنسبة لتعريف خلو الرجل. ألاحظ أن هناك اختلافا في تعريف خلو الرجل فأنا أعرفه مثلا بأنه مبلغ يدفعه مستأجر يحل عن مستأجر آخر وليس علاقة كرائية بين مالك ومستأجر. ثانيا: ليس من الضروري أن تكون فكرة خلو الرجل مبنية أو مبررة بسبب وجود قانون ظالم يقيد حرية المالك في التصرف في ملكه. فكما سمعنا من أصحاب الفضيلة أن خلو الرجل قائم وقديم بصرف النظر عن دوافعه.(4/1846)
لكن الذي أشير إليه هنا هو أن لخلو الرجل مبررات اقتصادية تقوم على أساس أنه يحقق مصالح لكل من المالك والمستأجر والمؤجر له، أي أنه عقد فيه ثلاثة أطراف وليس عقدين لطرفين. فصورة واقعية من صور المصلحة الاقتصادية هو أن يكون هناك مثلا تاجر يستأجر متجرا في السوق بإيجار سنوي معين ويأتي تاجر آخر يرغب في أن يستأجر نفس المتجر لكنه لا يمكنه ذلك لأن شاغل المتجر سوف يجدد العقد كبقية المستأجرين في نهاية العام، كذلك فإنه من غير المقبول شرعا ولا عرفا أن يذهب للمالك فيغريه بإيجار أعلى حتى يطرد المستأجر الأول ولا يجدد له العقد. لذلك فهو يتفق مع التاجر الأول على مبلغ معين مقابل بعض الأثاث الموجود بالمحل وكإرضاء له على التنازل عن مصلحته في تجديد العقد دون قهر وفي نفس الوقت يقوم التاجر بالاتصال بالمالك ليتفق معه على زيادة أجر العين أو إعطائه مبلغا مقابل الموافقة على تجديد العقد باسم التاجر الثاني. وبذلك تتحقق مصلحة لكل الأطراف وتحقق أيضا مصلحة التوازن بين الإيجارات والمستوى العام للأسعار كما أشار إليه بعض السادة المتحدثين. وهذا معمول به هنا في المملكة. وهناك صور أخرى كثيرة لا مجال لذكرها الآن وهي صور لعقد إرفاق كما أظن. فهل في هذه الصورة ما يتعارض مع نص شرعي يجعلها غير جائزة؟ وباختصار فإنني أعتقد بأهمية تحديد الصور التي تبنى عليها الفتوى. وأن يحقق الخلو مصلحة لكل من المالك والمستأجر الأول والثاني. والسلام عليكم.
الشيخ عبد الله محمد عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.. في الواقع إن الإخوة الذين تحدثوا ربطوا بين الخلو وبين قوانين الأجرة وامتداد عقد الإيجار بقوة القانون. أما فيما يتعلق بالنسبة لتحديد الأجرة فإني أعتقد أنه لا ارتباط بين الخلو وبين تحديد الأجرة. إذ في البلاد التي لا تقيد الأجرة ولا تحددها أيضا يجرى فيها مسألة الخلو. كالكويت مثلا القاعدة أنها تخضع لقاعدة العرض والطلب.(4/1847)
كلما كثر الطلب على الأماكن وقلت الأماكن هنا يتدخل الملاك ويضعون مبالغ للتفاضل بين المتقدمين من يدفع لهم يأخذ ولهم تحايل لاستحلال أو لأخذ هذه المبالغ. منهم من يجعلها جزءا من الأجرة تدفع جملة على أن تكون الأجرة الشهرية مراعى فيها ما دفع سابقا. والدليل على ذلك عندما كثرت المحلات التجارية وقل الطالبون أخذ أصحاب المحلات التجارية هم أو أصحاب العقارات يعرضون ويكتبون الإعلانات في الصحف وعلى المحلات طالبين الأجرة ولا يطلبون الخلو؛ لأن هذه المسألة خاضعة للعرض والطلب ليس إلا. فينبغي البحث في مسالة الحكم الشرعي على ضوء ما بحث الباحثون وقدموه في بحوثهم. وشكرا.
الشيخ محيي الدين قادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وآله وصحبه. أنا شخصيا أريد أن أرجع بقضية الخلو إلى أصلها الذي نشأت فيه، في المجتمعات الإسلامية المتأخرة نسبيا. أول ما ظهرت، ظهرت في أراضي الأوقاف. (أراضي الأحباس) ففي القرن الثامن ظهرت في مصر ما يعرف بالأحكار المؤبدة وهي التي أشار إليها العلامة خليل في توضيحه في باب الشفعة ونصه: (وينبغي أن يتفق في الأحكار التي عندنا بمصر أن تجب الشفعة في البناء القائم بها لأن العادة عندنا أن رب الأرض لا يخرج صاحب البناء أصلا فكان ذلك بمنزلة مالك الأرض) ، قاله شيخنا ومصطلح خليل إذا قال شيخنا فهو يعني المنوفي. هذا بالنسبة إلى الأراضي الزراعية التي هي من امتلاك الأوقاف وجاء بعد خليل عالمان من علماء المالكية وعللا ذلك هما ابن منظور وابن سراج في فتاويهما المنشورة بمعيار الونشريسي. التعليل في ذلك أنها من قبيل الضرورة. وزاد هذا الموضوع توضيحا سماحة الأستاذ محمد الطاهر بن عاشور رحمة الله عليه فقال: هي ضرورة عامة مؤقتة. كيف هي ضرورة؟ لأن لو تركت أراضي الأحباس ما يدخلها من التشتت أو من الإهمال ومن التجزئة لأهملت ولأصبحت أرضا بورا ولأدخلت شللا على الاقتصاد. فمن هذا المنطلق أفتى هؤلاء الأعلام فيما يخص الأراضي الزراعية وهي المشكلة التي عرضت بالنسبة إلى عصرهم. وبعد ذلك ازدهرت الحالة الاقتصادية في مصر وبالخصوص التجارة وغلت أكرية الحوانيت حتى وصل الحانوت في سوق الغورية بمصر إلى أربعمائة دينار ذهب جديد. ورفعت النازلة إلى عالم من علماء المالكية هو من طائفة مجتهدي التخريج ألا وهو ناصر الدين اللقاني فأفتى بجواز ذلك وبدون قيد ولا شرط وبقي المالكية يتحدثون عن هذه الفتوى بين قابل لها، وهم الأكثر وبين رافض لها وهم الأقل.(4/1848)
وقد بسطت كل هذا في البحث الذي قدمته. لكن هذه المشكلة ماذا يصنع ناصر الدين اللقاني في حوانيت هي من قبيل الأحباس وقد ازدهرت الحالة الاقتصادية وأصبحت غير كافية، الحوانيت لما يتطلب من التجارة وغلت، فكيف يقول للناس قال بذلك. ولكن عندما قال هؤلاء وهو ما يسمى في مصر خلو الحوانيت ويسمى في تونس بخلو المفتاح، هذا النوع من الخلو فيه مصلحة. المصلحة فيه ماذا؟ أنه الذي يعطي هذا المقدار الدراهم يصبح شريكا في المنفعة. يصبح الكاري المستأجر مالكا للمنفعة مع صاحب الوقف. وحتى في إصلاح الحانوت يكون بينهما شركة وفي كل شيء هو بينهما شركة ولو تعدد الشركاء وباع أحدهم نصيبه في المنفعة شفع فيها الآخر. كما ذكر ذلك الأمير في مجموعه وفي حواشيه على المجموع. هذا بالنسبة إلى ما أفتى فيه الفقهاء، الفقهاء كانوا يفتون ويرجحون المصلحة أو تقهرهم أعراف فيرجعون إلى القاعدة التي قررها الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز: تحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور.
هذا بالنسبة للخلو الذي عرفناه ربما مؤخرا وهو قديم أيضا أن يعمد مستأجرا ويكري من مستأجر آخر المنفعة فهذا قد ألف البدر القرافي فيه رسالة عرض فيها لمسألتين منها هذه المسألة وجوز ذلك بشروط وقد أتيت على هذه الشروط في البحث الذي كتبته. جوز ذلك بشروط لأنه يملك المنفعة وأضاف الجديد وقت أن بقي في الحانوت مدة زمنية طويلة أو في الحمام أو في المقهى أو في غير ذلك. فقد أضاف إليها شيئا. هذا هو الذي راعاه البدر القرافي في رسالته: الدرة المنيفة في التنازل عن الوظيفة راعاه وقال بالجواز مع حف هذه المسألة بشروط. وكما سبق لسماحة مفتي جمهورية مصر العربية الناس على شروطهم والمؤمنون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا. هذا بالنسبة لما أفتى به الفقهاء ولكني رأيت أن الاتجاه لا يتجه إلى فتاوى الفقهاء وإنما يتجه إلى ما أقرته القوانين الوضعية البشرية. هنا المجمع مطالب بأن يعرف ما أفتى فيه الفقهاء وما هو فقه وينزله ويلزم به إن استطاع إلى ذلك سبيلا الدول الإسلامية على أن تعدل القوانين الموجودة في البلاد الإسلامية على ضوء الفتاوى الصادرة عن المجمع. هذه وجهة نظر.(4/1849)
أما العلماء، الإشكال في الخلوات والذي استشكله الفقهاء هو هذه الإيجارة على التبقية ولم أسمع في عرض الصباح وهو الشرط الذي اشترطه الفقهاء كلهم قضية التبقية. لم أسمع في عرض الصباح أو لعلي لم أنتبه إلى قضية التبقية التي هي روح المسألة. هو يدفع المقدار لأنه يبقى بصورة أبدية ولا تخضع المسألة لتغير الأسواق وحوالة الأسواق وقد نص على ذلك فقهاء المالكية وحققه أبو الثناء إسماعيل التميمي في رسالة له وهو ممن ادعى اجتهاد التخريج ولم ينكره عليه معاصروه. هذا بالنسبة إلى القضية من أساسها. وأصل الإشكال فيها أنه كيف يكون الكراء على التبقية. ومالك رضي الله عنه يروى عنه هذا النص: (ولا أرى مانعا من أن يكري إنسان مسيلا يوصل الماء إلى داره السنين الطويلة أو إلى الأبد. لأن مالك رأى أن الحاجة إلى الماء فأقر نظرا لهذه الحاجة أن يكري الإنسان مسيلا من الماء إلى داره أو إلى أرضه على سنين طويلة أو إلى الأبد. ومنه جوز فقهاء المالكية الكراء على التبقية أو الكراء الأبدي) . هذا وقد ذكر البرزلي عينات كثيرة وأتيت على البعض منها في البحث، عينات كثيرة وقعت في تونس - فالفقهاء أفتوا نتيجة ظروف وأنا لن أذكر شيئا حتمت في الظرف، مثلا في تونس في وقت من الأوقات في عهد حمودة باشا الحسيني أصدر هذا الباي أمرا بأن اليهود يمنع عليهم امتلاك الأراضي الزراعية والعقارات وحصرهم في حارات معينة نظرا لما لليهود من الخبث عندما حصرهم في حارات معينة ضاق بهم الأمر وغلا الكراء وارتفع وحجر على المسلمين السكن في حاراتهم ماذا يصنع المالك المسلم في الدار الموجودة في حارة من حارات اليهود؟ فتحتم الأخذ بنوع من الخلو ويبقى اليهودي في الدار على الأبد على التبقية. إلى غير ذلك من المسائل. فالمطلوب معناه أين هو الإشكال؟ هو في كون الكراء على التبقية وفي كونه إجارة على التبقية. هذا ما عرضت ضرورة عامة مؤقتة أوجبته فإذا زالت من المجتمعات الإسلامية فالرجوع إلى ما كان عليه السلف الصالح في أكريتهم. وتحدث للناس أقضية بمقدار ما أحدثوا من الفجور. نكتفي بهذه الكلمة.(4/1850)
الرئيس:
شكرا. على كل ملاحظة بسيطة يا شيخ محي الدين وهي قضية لما ذكرتم تريدون تنزيل فتاوى العلماء على الواقع الموجود في العصر ما أظن أن هذا يتلاقى لأن فتاوى العلماء الذين ذكرتم هي بموجب الأسباب التي توفرت موجبة هذه الفتوى والأسباب التي كانت موجبة لهذه الفتاوى هي خلاف الأسباب التي كانت موجبة للنازلة الموجودة في عصرنا. لهذا فإن قضية التزيل ليست لازمة. الفتاوى لا شك يستنار بها ويستضاء بها أما أن يقال: تنزل فتاوى العلماء السابقين على الأشياء الموجودة فهذا ما أظنه يحصل.
الشيخ إبراهيم الغويل.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. الحقيقة أنا لدي اقتراح عملي لأني أثناء المناقشات ما وددت أن أتدخل لأن كما اتضح الآن أن قضية بدل الخلو ليست قضية جديدة رغم اختلاف أو ما يراه البعض من اختلاف الأسباب. ولكن أثناء المناقشة اتضح أننا في حاجة إلى أن نناقش جذور الأمور كقضية الملكية وحدودها ووظيفتها في شريعة الله. وبعض القضايا الأخرى التي قد يكون من المناسب أن تبحث كقضية إيجار الدور، ومتى كانت؟ وما مستندها وأساسها؟ حتى ينظر في هذه الأمور نظرة تؤصل ما تواجهه المجتمعات الإسلامية وتشكو منه. وقد يكون من المناسب أن أذكر نفسي وإخوتي العلماء الأجلاء الأفاضل أن الناس في الشارع قد يشكون خلاف ذلك قد يرون أن هناك إرهاقا وظلما للمستأجرين. لقد سمعت هنا الحديث عن إرهاق وظلم المالكين ولكن جموع المسلمين وجماعة المسلمين قد تشكو في كثير من الأحيان ما يلحق المستأجرين من ظلم وحيف وجور وإلقاء أثاث دورهم في الشوارع وإغلاء الأجرة عليهم وما إلى ذلك، فكل هذه الأمور يجب أن تكون في اعتبار السادة الأجلاء العلماء الأفاضل. إذن هذا البحث عن بدل الخلو في حقيقة الأمر كان من الممكن أن يكتمل ضمن بحث كامل لقضية الملكية وقضية الإيجار والأجرة وقضية بدل الخلو تكون فرعا صغيرا ضمن هذه النظرة الكلية. الحقيقة وإن كان صحح البعض ولكنني سمعت من زميلي الشيخ خليل الميس أمرا عجبا كأن يقال إن النظام الذي يسمح للمالكين أو يظلم المالكين إنما هو من أثر النظام الغربي.(4/1851)
فلا شك أنه إذا كان النظام الغربي هو الذي يقوم على رأس المال وحماية المالكين وإطلاق يدهم وأن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون أمر نريد نحن أن نتجاوز حدوده أيضا ونعتبره قليلا وفيه ظلم للمالكين وذلك أمر عجب. أنا أتصور أن هذا النظام الذي أطلق يد المالكين في الغرب حتى إنهم يفعلون في أموالهم ما يشاؤون لا يمكن أن يعتبر أن فيه ظلم للمالكين بل أنه دائما عرف بأنه النظام الذي ينسب إلى رأس المال وإلى الملاك والمالكين. لكن هذا الأمر قد لوحظ عليه وسبقني إليه آخرون. ولكنني أقترح اقتراحا محددا: أن هذه الأمور تتعلق بجذور نظرة كلية، المسلمون في حاجة أن يقدموها للبشرية. ما هي النظرة للملكية في الإسلام؟ وما هي النظرة لوظيفية الملكية؟ وما هي حدود المالكين في تصرفاتهم وما يترتب على ذلك من نظر في قضية الأجرة؟ وما إليه فلعل بحث الأمور من جذورها سيساعدنا في الموضوع الذي بين يدينا ولعله تفريع عن مشكلة أساسية تحتاج لتقديم نظرة الشريعة فيها وشكرا.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
ما كان لي أن أتدخل في قضية بدل الخلو لأنني جئت إليها متعلما ومشاركا ولست متخصصا ولا باحثا وبقيت أستمع وأتعلم وأفيد من كلمات إخواني وزملائي وتعقيبات الأمانة الكريمة والرئاسة الرشيدة حتى بدرت كلمة، حاولت أن أرفعها والتمس لها المعاذير فلم أستطع ولم يسعفني ذهني ولا عقلي الكليل. وهي من أخ لي صديق حبيب أُكِنُّ له كل احترام وتقدير هو أكبر مني سنا وفي نفسي أنه أكبر قدرا وبيني وبينه روابط وشيجة من الصداقة في ذات الله. غير أن هذه الكلمة لو أني سكت عليها نفاقا اجتماعيا لعددت نفسي آثما وليس لي فيها من تعليل إلا أنها زلة لسان وجل الذي لا يسهو هذه الكلمة التي تفضل بها وكانت مشاركته جيدة ومثمرة فضيلة العالم الفاضل الجليل الأستاذ الشيخ أحمد محمد جمال - حفظه الله - وأفدت من كلامه الكثير غير أن هذه الكلمة ما كان ينبغي أن تخرج من أمثاله من أهل الفضل فزلة العَالِم زلة العَالَم فقال: إننا كمشرعين. يا سيدي الذي أعرفه وتعلمته من إخواني ومن مشايخي ومن أساتذتي أننا لسنا مشرعين، ولا يحق لنا بحال من الأحوال أن نطلق على أنفسنا هذا الكلام أو هذا اللقب لأنه قد أجمعت الأمة كلها على أن المشرع هو الله، هو الحاكم وأنه لو أننا أطلقنا هذا اللفظ الكريم على النبي صلى الله عليه وسلم لكان مجازا لا على سبيل الحقيقة. فأقصى ما نطمح إليه أن يقال فينا إننا علماء.(4/1852)
ولا نقول هذا في أنفسنا بل يقال فينا. وإنني أعتقد وأدين الله تعالى أن جميع زملائي في هذا المجمع الموقر علماء وأني أنا في نفسي طالب علم. فنحن يا سادة طلاب علم، لسنا مشرعين ولا متشرعين وأخشى إن نحن سكتنا على هذا أن يزداد الأمر وأن يستمع الناس إلى كلامنا في التسجيل أو غدا حينما يخرج في المجلة - فيستكبرونها منا لا سيما من عالم جليل وباحث كبير له فضله ووزنه. وأقول وأكرر أني أعتقد وأدين الله أنها زلة لسان ولكن هذه الزلة ينبغي أن تستدرك.
الرئيس:
يا شيخ عبد اللطيف لاشك كلامكم حق لكن أحب أن أضيف كلمة واحدة. نفس الشيخ أحمد لما تعلمها أردفها بكلمة يقول أي عاملين لهذا الموضوع أضاف هذه وأردفها رأسا فهي الذي يظهر أنها درجت على اللسان بحكم الشيوع. ولا يقصدها، ولكن هو فسرها بقوله أي العاملين لهذا الشيء.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
نعم. لكن أخشى أن لا يأخذ هذا الكلام على محمل التناصح.
الرئيس:
هذا ما فيه إشكال وجزاكم الله خير وأحيطكم بشيء آخر أن أمانة المجمع عندما تعد المجلة وتنشر المداولات وكذا يجري تصفية وتنقيح.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
طيب يا سيدي هذه واحدة وأستميحه عذرا لأن فضيلته يعلم صفاء نفسي ومحبتي له وإجلالي، وهذا الشيء معترف به. المسألة الثانية: هي أني لا أزال أرقع لزملائي لكن هذه المسألة لم أستطع أن أرقعها. فيه مسألة ثانية رقعتها هي قضية أخي الشيخ خليل الميس وهو أنه ذكر أن الغرب وَرَّدَ لنا هذا الذي يقال في قضية ظلم المالك. من إلى أن الموضوع نظرة سطحية خطأ الشيخ خليل وإنني أصوبه لأن الغرب مع كونه رأسماليا إلا أن النزعة الجماعية الاقتصادية نبتت فيه ولم تنبت في الشرق ولكنها بعد ذلك ظهرت في الشرق فهذه مسألة هو فيها على صواب في حقيقة الأمر وإن ظن أنه خطأ. فإن جميع ما قاله نزعة جماعية إنما هو في مجتمع رأسمالي ونشاؤا وماتوا فيه هذه الناحية الثانية. وأما الناحية الثالثة فهي أنني أكرر اعتذاري للأمانة وللرئاسة ولأخي الأستاذ الشيخ أحمد محمد جمال ولأخي الأستاذ خليل فنحن كلنا المؤمنون بعضهم لبعض نصحة والمنافقون بعضهم لبعض غششة، وأقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم لي ولكم.(4/1853)
الشيخ أحمد بازيع ياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، وبعد، عندما أتكلم عن الخلو أحب أن أتكلم كإنسان عندي ممارسة فيه. الحقيقة المتاجرة في الخلو فيها ضرر كبير وأنا شاهدت دكانا صغيرا لو أقول لكم المبلغ الذي بيع به تستغربون بيع ب 14 مليون دينار خلو لأنه سمع واحدا من مشايخنا قال لا بأس ببيع الدكاكين 14 مليون دينار بيع الخلو بهذا السعر هذه واحدة. الأمر الثاني: المتاجرة في الخلو تحبس المنفعة من العين بحيث كثير من الدكاكين الجديدة تحبس ولا تستغل ولا ينتفع منها الناس. يحبسها المتاجرون وهذا موجود بنايات كثيرة عندنا محبوسة للمتاجرة في الخلو. فهذه صورة من الصور التي عاينتها وشاهدتها. موضوع الخلو الذي عرفته هو للحانوت المؤجر الذي يستثمره صاحبه سنين طويلة ويدخل عليه تحسينات، في البناء في الرفوف في الديكور فيه أثاث فيه كهرباء فيه تلفونات، ويكون الخلو مقابل هذه، فيصير الخلو مقابل حاجة للإنسان الذي يترك محله. ثم إن الذي يبيع المستأجر ليس له أن يتصرف أيضا ويؤجر على من يشاء بدون إذن المالك. عندما يريد أن يؤجر دكانه هذا يقتضي عليه أن يستأذن المالك ويقول: أنا أحب أن أؤجر لفلان الفلاني وأترك العمل إذا تأذن لي. فإذا كان بهذه الصورة الخلو فأظن أنه لا بأس به ولكن في حدود المبلغ الذي له مقابل في داخل الحانوت. أما الدكان الخالي أو الحبس عن المنفعة وثم التداول فيها فأنا أخشى أنها تدخل تحت طائلة أكل أموال الناس بالباطل. وشكرا.
الشيخ مصطفى كمال التارزي:
أشكر السيد الرئيس على إجابته للرغبة التي برزت من هذا المجمع في إعادة النظر في قضية بيع الخلو، حول واقعنا الذي نعيشه في هذه الأيام التي برزت فيها الأحكام الوضعية وتعامل الناس بها. وأصبحت عرفا يعمل بها في الأسواق والميدان التجاري. والذي نريده أن نستضيء بأحكام الفقهاء في قضية بيع الخلو بطريقة تجعلنا لا نحيد عن الأحكام الشرعية وتقربنا من جهة أخرى إلى الواقع وتهدينا إلى السبيل السوي في حل هذه المشكلة بطريقة لا يتضرر فيها المالك ولا يتضرر المستأجر. سيدي الرئيس.(4/1854)
يبدو لي أن الفقهاء في الماضي والحاضر لم يجدوا حرجا في تبرير عمل المالك في اشتراطه كمية من المال على المستأجر يأخذها مسبقا زيادة عن الأجرة السنوية والشهرية التي لا تقل عادة عن أجر المثل واعتبروا أن ما يأخذه المالك مسبقا من المستأجر هو جزء من الإيجار. وربما كان لتخريجهم هذا مبررا في العصور الماضية حيث كانت الأعمال تحمل على الصلاح غالبا. أما اليوم فالحقيقة التي يعلمها العام والخاص هو أن المالك يأخذ هذا المال المسبق بعنوان بيع خلو محله خوفا من أن يتمسك به المستأجر عند انتهاء مدة الكراء. فهل يصح أن نبرر عمله هذا. كما أن المستأجر الذي اشتهر في هذا الزمان بأنه يتمسك بالمحل ولا يلتزم بالخروج عند انتهاء مدة العقد لا ينبغي أن نحكم عليه دائما مسبقا بالاحتيال والتعدي والظلم لأن الإجراءات التجارية الجديدة أصبحت في كثير من بلدان العالم الإسلامي معقدة تخضع لتراتيب كثيرة وتجبر المستأجر لأن يخضع لتنظيمات بلدية ويستجيب لشروط يفرضها ديوان التجارة أو وزارة الاقتصاد الوطني زيادة عما تفرضه عليه المنافسة التجارية من تزيين نفقات باهظة ومدة طويلة، فالحكم بإخراجه عند انتهاء مدة الكراء بدون نظر إلى ظروفه قد يوقعه في ضرر كبير. ربما يوقعه في الإفلاس. وفي الشريعة الإسلامية متسع لمد يد المساعدة إلى هذا المستأجر حتى ننقذه مما هو فيه إذا ثبت ضرره. وفي اعتقادي أنه لا بد لمجمعنا هذا من إيجاد حلول وسطي تضمن التوازن وعدم الإجحاف بالملكية العقارية التي هي حق المالك والملكية التجارية التي هي حق المستأجر حتى يتحقق التعايش والتكافل بين كل قطاعات المجتمع الإسلامي. ولا مانع من أن تقوم الدولة بإصدار قوانين جديدة تحد من جشع المالك الذي رأيناه في ميادين كثيرة وتحايل المستأجر. فالمستأجر قد يتضرر من العقد لأن التجارة تفرض عليه أشياء ما كان يتوقعها ويحتاج إلى رخص من الدولة ومن الدواوين وإجازات، ربما تنتهي مدة الإيجارة وهو لا يستطيع تحقيقها. فلا بد من إعادة النظر في مسالة بيع الخلو أو ما يسمى في العرف الحاضر بالأصل التجاري أو المحل التجاري.(4/1855)
وقد ذكرت في البحث الذي قدمته للمجمع أنه من الحلول المقترحة في منع التبقية وقضية التبقية هي المعروفة عندنا في الفقه ببقاء المستأجر في المحل، في منع التبقية في المحل بإيجاد عقود طويلة الأمد يمكن بموجبها أن نقطع حجة المستأجر الذي يدعي دائما أنه لا يتمكن من الربح في المدة القصيرة وأنه يحتاج إلى مدة أطول حتى يتمكن من توفير الربح اللازم لحياته والسلام عليكم.
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. إن هذا الموضوع في اعتقادي قد أخذ من البيان والشرح لمختلف الآراء والاتجاهات ما فيه كفاية وأقترح أن تتكون لجنة للصياغة تتداول النظر في محور هذا الموضوع والأجزاء المتفرعة عنه فتبين لنا أو تضع قرارا يبين ما هي الصور التي يقبل فيها بدل الخلو ومتى يكون جائزا والصور التي يكون فيها إجحاف لأحد الطرفين أو ظلم يقع التنبيه عليها حتى لا نقع في هذا الضرر، وأرجو أن نبادر بتكوين هذه اللجنة حتى تتمكن هي من المضي في عملها لإعداد القرار المناسب الذي يعرض على حضراتكم بعد هذا.
الرئيس:
شكرا. لعلكم ترون هذا مناسبا، ولهذا فإنه قد ترون اللجنة هي كل من أصحاب الفضيلة المشايخ الشيخ وهبة الزحيلي، الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي، الشيخ عبد الله بن منيع، الشيخ الدكتور درويش جستنية، وبهذا ترفع الجلسة لأداء صلاة المغرب ثم نعود إن شاء الله تعالى.(4/1856)
مناقشة مشروع القرار رقم (6)
بشأن بدل الخُلُوِّ
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بعد اطلاع المجمع على الأبحاث الفقهيه الواردة إلى المجمع بخصوص كذا.. قرر ما يلي:
أولا: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي:
1 - أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
2 - أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
3 - أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
4 - أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة أو بعد انتهائها.
ثانيا: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية (وهو يسمى في بعض البلاد خُلُوًّا) فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءا من أجرة المدة المتفق عليها. وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.
الرئيس:
هل من اعتراض؟ الشيخ علي.
الشيخ علي المغربي:
تضاف عبارة تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة الأصلية القديمة قبل الاتفاق على زيادة الإيجار. نقول الأصلية.
الرئيس:
إذا قيل أحكام الإجارة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثالثا: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقية المدة. فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
الرئيس:
لأن المدة لا تزال في حوزة المستأجر.(4/1857)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية. على أنه في الإجارات طويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك. أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
على أنه في الإجارات الطويلة المدة بدل طويلة المدة.
الشيخ محمد علي التسخيري:
في هذا المقطع الأخير: أما إذا تم الاتفاق في آخر.
الرئيس:
بين المستأجر الأول والمستأجر الجديد.(4/1858)
الشيخ محمد علي التسخيري:
بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو. هناك حالة وهي طبيعية متعارفة أن صاحب العقار أو صاحب المحل يعطي الأولوية للمستأجر الأول فالمستأجر الأول يملك أولوية في مسألة التمديد ويتنازل عن هذا الحق لقاء بدل الخلو، نحن لم نلتفت لهذه النقطة وحرمنا الأمر بشكل مطلق وحرمنا عملا جاريا متداولا.
الرئيس:
هل ترون إضافة حرف هنا: أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد لما بعد انقضاء المدة، كونه يتعاقد مع طرف آخر.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
نضيف كلمة لما بعد انقضاء المدة.
الشيخ محمد علي التسخيري:
لم نحل هذه الإشكال يا سيدي الرئيس.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
استشكال الشيخ التسخيري يحل لو أضفنا كلمة واحدة على أن يحل له أن يبذل له عوضا مقابل تخليه عن حق الأولوية. لأنه ممكن للإنسان أن يقول لبعض المرتشين لبيع المزايدة: انسحب من المزايدة على أن أعطيك بدلا، كل من يترشح لأمر يجوز لإنسان آخر يريد أن يحل محله.
الشيخ علي المغربي:
في الفقرة الثانية تقيدنا: أما إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوا، فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءا من أجر المدة المتفق عليها. هذا هنا لم يدفع له شيئا لأنه دفع له قيمة الأجرة وعليه لم يدفع له شيء مع أن المتعارف أن هناك خلوا يدفع لأن المحل تنقص قيمته بطول المدة التي يبقى فيها المستأجر. فالمستأجر يدخل المكان جديدا فربما يقع فيه الفساد وبطول المدة تنقص قيمة ذلك المحل. فإذا قلنا له: أرجع ما أعطيت أو ما أخذت فهنا نكون قد ظلمنا صاحب المحل وعليه فلا داعي لهذا الشرط وهو قولنا: أن يعد جزءا من أجرة المدة المتفق عليها. هذا ربما يكون فيه ظلم لصاحب المحل.(4/1859)
الرئيس:
هل ترون أن يصدر القرار وأن يربط في ضوء القوانين والأنظمة من تجميد الأجور وعدم إعطاء الفرصة للمالك في تجديد المستأجر؟
الشيخ طه جابر العلواني:
البلد الذي تقريبا تتضح فيه هذه القضية بشكل كبير قوانينه تنص على أنه لا يجوز إبرام عقد إيجار لمدة تزيد عن تسع سنوات بينما الخلو الذي يأخذ مالك العقار يبلغ قيمة نصف ثمن العقار المؤجر ويقسط النصف الآخر على أساس أنه إيجار وتكون العقود دائما سنوية ولا ينص في العقد على أنه إيجار لأكثر من سنة ولكن بحكم القانون لا يستطيع المالك أن يُخرج هذا الإنسان. ففعلا من الحكمة ربط الموضوع بالقوانين المتبعة في هذه البلاد التي ابتليت بهذا الأمر لكي لا يقع تناقض بين الفتوى الشرعية وبين واقع الناس الذين يتعاملون به ويظهر أن الفقهاء لم يلاحظوا هذه المسائل.
الشيخ علي المغربي:
ولكن البلاد تختلف. فهناك بلاد لا تعتبر هذا تسع سنوات كل بلاد لها قوانينها في الأكرية ولهذا فقوانين الأكرية ليست متحدة في كل البلاد.
الشيخ محمد عبده عمر:
لو نضيف كلمة إلا بإذن المالك الأصلي.. بحيث تكون الصياغة هكذا: أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل العوض لانقضاع حق المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل العوض لانقطاع حق المستأجر الأول في منفعة العين إلا بإذن المالك الأصلي.
الرئيس:
لكن هو استعمل في كثير من البلدان طواعية أو في ظل القانون؟ أنا أسال سؤالا.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أقول هناك بلدان ليست فيها قوانين تأبيد ولكن بشكل طبيعي وطواعية يملك حق الأولوية المستأجر الأول.(4/1860)
الرئيس:
إذن أنا أقول لو يصدر هذا القرار أنه في ظل القوانين الموجودة في عدد من الدول الإسلامية أو في ظل القوانين الموجودة في عدم تجميد الأجور وعدم إعطاء المالك الحرية في طلب الإخلاء.
الشيخ محمد علي التسخيري:
يعني نقول يتنازل عن حق الأولوية.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
سيدي القضية تثار في حالة الإلزام باستمرارية الأجرة.
الرئيس:
الإلزام الحكومي.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
نعم. وهذه عالجتها الفقرة التي قبلها بالضبط، الفقرة السابقة لها. على أنه في الإيجارات طويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر.
الرئيس:
خلاص. هذا كاف. خامسا ما قرأته يا شيخ
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
خامسا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأصلي والمالك قبل انقضاء المدة على أن يحل محله مستأجر جديد مقابل مبلغ يدفعه المستأجر الجديد للمستأجر الأول وحده أو له وللمالك فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، لأن هذا التنازل تعويض للمستأجر الأول والمالك عن حقهما الثابت بموجب العقد والملك.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
يا معالي الرئيس، ابن عابدين يذكر في حاشية بدل الخلو ويقول في نهاية الكلام: ويتسامحان. فأرجو إضافة هذه الكلمة التي نص عليها ابن عابدين بأنه في نهاية الأمر تحوط لدين الله عز وجل. ويتسامحان في حاشية ابن عابدين، رد المحتار.
الرئيس:
أين تضاف.. أين مكان إضافتها؟ اقتراحك.(4/1861)
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
نضيفها في أي مكان من القرار، نضيفها في آخر القرار تحوطا لدين الله. فيه مانع من إضافتها.
الرئيس: نحن ما عرفنا مكان الإضافة.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
بآخر القرار. بآخر كلمة.
الرئيس:
كيف يتسامحان؟
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
يقول له: سامحني.
الرئيس: لا يسامحه ليس لنا شغل في هذا؛ لأن المسامحة ما هي حكم شرعي بات قضائي، هذا حكم أخلاقي.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
يا سيدي هذا الموضوع الذي نحن نَبُتُّ فيه هذا هو حكم الله في هذه الحادثة.. هذا ما توصلنا إليه.
الرئيس:
ما نستطيع أن نقول: إنه حكم الله يا شيخ، هذا نقول اجتهاد أو مجاز. يمكن أن يكون مخطئا.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
يجوز فلذلك يقول: ويتسامحان.
الشيخ محمد تقي العثماني:
لم يظهر لي كيف يجوز للمالك أن يأخذ هذا البدل، يتحتم أن له وللمالك....
الرئيس:
خلينا نشوف يا شيخ: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأصلي والمالك قبل انقضاء المدة على أن يحل محله مستأجر جديد مقابل مبلغ يدفعه المستأجر الجديد إلى المستأجر الأول وحده.(4/1862)
الشيخ محمد تقي العثماني:
إلى هنا ماشي. بأي طريق يخرج تعويض هذا المالك؛ لأننا قلنا في أولا.
الشيخ علي المغربي:
الخامسة والثانية تتناقضان. ثانيا معناه من أخذ الأجرة وقلنا تحسب من الكراء، وفي الأخير قلنا يأخذ ثمن المدة الباقية.
الرئيس:
على كل أقر المادة الثانية.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثانيا: إذا اتفق المالك والمستأجر- هذا لأول مرة يستأجر- على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية.
الرئيس:
هذا لا علاقة له به.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يا سيدي لا مانع من إضافة قيد صغير أن يقال: إنه وبالنسبة للمالك يتم ذلك في إطار ما ورد في ثانيا.
الرئيس:
لماذا لا يقال: خامسا مع مراعاة ما جاء في الفقرة الثانية
؟
الشيخ محمد علي التسخيري:
يأتي الإشكال هنا، هل المراد للمدة المتبقية أو للمدة التي ما بعد؟
الرئيس:
لا للمتبقية.
الشيخ محمد علي التسخيري:
المدة المتبقية المالك لاحق له والمدة التي ما بعد تدخل في ثانيا.
الرئيس:
إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأصلي والمالك قبل انقضاء المدة على أن يحل محله مستأجر جديد مقابل مبلغ يدفعه المستأجر الجديد إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأصلي والمالك. فيه سؤال يا شيخ هل: يشترط أن المالك أن يحل محل المستأجر أجير آخر في نفس المدة؟(4/1863)
الشيخ محمد علي التسخيري:
إلا أن يتنازل عن حق المباشرة، إلا أن يكون قد اشترط الإجارة المباشرة وتنازل عن هذا الحق المالك.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
يحق للمستأجر أن يكري من غير إذن المالك لمن لا يزيد عليه ضررا بالمالك، لمن مثله في المعاملة والسلوك والأخلاق. أما هذه الزيادة التي استشكلها بعض الإخوة ومنهم الأخ الشيخ علي المغربي.. هذه الزيادة في العبارة قد لا تفهم على ما قصد منها، هي تكون بمعنى تحسب الأجرة كأن الأجرة التي وقع الاتفاق عليها نوعان أجرة مقطوعة وأجرة مقسطة الجميع أجرة، أما فيما يتعلق بما إذا اتفق المستأجر الأصلي والجديد والمالك قبل انقضاء المدة فإن هذا يعتبر من المستأجر إيجارا للجديد في باقي المدة ومن المالك وعد بالإيجار بعد انقضاء المدة.
الرئيس:
المهم ماذا ترى في خامسا يا شيخ؟ خامسا تعدل أو تبقى أو تحذف.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
لا أرى مانعا من بقائها كما هي.
الشيخ عجيل جاسم النشمي:
أنا أقول: إن كان القصد هو عن المدة الباقية فأقترح أن تحذف خامسا اكتفاء بثانيا. إذا كان القصد عن المدة الباقية في خامسا، أرى أن تشطب خامسا كلها ويكتفي بثانيا.
الرئيس:
يعني تحذف خامسا ويكتفى بثانيا أرى أنها تحذف.
الشيخ علي المغربى:
يا أستاذ خامسا متفق عليها لا نزاع فيها إنما لما جئنا ثانيا قلنا إن هذا المقدار الذي يأخذه ينزع من الكراء وهذا غير ممكن؛ لأن خامسا أبحنا له أن يأخذ شيئا مطلقا وثانيا أن ما يأخذه يقتصَّ من الكراء فهنا تناقض وليس هنا توافق هذه كلمة يقتص من الكراء هذه نحذفها. هذا التزام أنه يحسب له من الكراء نحذفها فإذا أجزناها تكون الثانية والخامسة متساويين إذن أزلنا كلمة يقتص من الكراء في ثانيا. (على أن يعد جزءا من أجزاء المدة المتفق عليها) إذا أزلنا هذه يكون هناك توافق بين ثانيا وخامسا.(4/1864)
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أرى أن تبقى هذه الفقرة خامسا وتقيد برابعا وثانيا لأنها جمعت بين هاتين الفقرتين فرابعا تتحدث عن اتفاق بين المستأجر الأول والمستأجر الجديد وثانيا تتحدث عن الاتفاق بين المالك والمستأجر وهذه المادة خامسا جمعت بينهما. فهذا جائز بشرط بالقيود التي وردت في ثانيا وفي رابعا أي أن المالك يأخذ على أن يكون جزءا من الأجرة والمستأجر الأول يأخذ مع تقييده بما قيدناه به في رابعا وفي رأي أن هذا يزيل الإشكال.
الشيخ محمد علي التسخيري:
سيدي الرئيس هناك توضيح يحل المشكلة.. هذه الصورة الخامسة إنما تصدق في حالة واحدة وهي ما لو اشترط المؤجر على المستأجر المباشرة في الإجارة يعني منعه من تأجيره من الأول، في هذه الحالة يستطيع المستأجر أن يأخذ في قبال المدة الباقية ويستطيع المؤجر والمالك أن يأخذ في قبال تنازله عن الشرط وإلا فتحذف المادة الخامسة لأنها مغطاة بالرابعة والثانية.
الشيخ عبد السلام العبادي:
نقول في خامسا: أما تتعلق بالمالك والمستأجر والحالتان عرضنا لهما في ثانيا ورابعا فلا ضرورة لها.
الرئيس:
إذن ألا ترون تحذف خامسا؟ تحذف يا شيخ عبد الستار.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
توضيح قبل الحذف خامسا جاءت لتنظيم حالة غير الحالات السابقة وهي أنه يأتي مستأجر جديد قبل انقضاء مدة الإجارة بشهر فيوقع مع المالك عقدا لإجارة هذا الشهر مضافا إليه خمس سنوات أو عشر سنوات، فهنا ينشأ حقان، حق للمستأجر الأول يعوض، وحق للمالك كالحالة الثانية، هي مطبقة كما قيل هنا في المملكة ليعطي للمستأجر وللمالك.(4/1865)
الرئيس:
على كل طالما أنها تحدث لبسا.. أنا أرى أنها طالما تحدث لبسا واضطرابا أو توهما ونحن نريد أن نخرج نصوصا لا تقبل الاضطراب فالاكتفاء بما حصل في ثانيا وثالثا وتحذف خامسا من المشروع.
الشيخ طه جابر العلواني:
سيادة الرئيس.. إذا سمحتم لا بد من رفع هذا القرار بالواقع المعاش ولا بد من الإشارة إلى أن هذه التصرفات إنما أحدثتها قوانين لم تلاحظ التغيرات الحادثة في هذا المجال.
الرئيس:
في الواقع إذا رأيتم أن الشيخ عبد الستار في الديباجة يجعل عبارة مهذبة توحي بهذا الشيء.
الشيخ طه جابر العلواني:
ممكن أن نقول ما يلي: إذا أحببتم بناء على ما حدث.
الرئيس:
أعطني مكانها فين مكانها.
الشيخ طه جابر العلواني:
في الديباجة فقط.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
أعطني الورقة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
نظرا لحساسية هذا الموضوع ودقته أرجو أن يعرض علينا.
الرئيس:
تحدد العبارة. الآن تحدد.(4/1866)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
الإضافة المقترحة من الدكتور طه - نقول - بعد الاطلاع على الأبحاث وبناء على ما حدث نتيجة تطبيق بعض القوانين من تصرفات حادثة في قضايا الإجارة وقيام أنواع حادثة من العلاقات بين المالكين والمستأجرين، فإن مجلس المجمع محاولة منه لمعالجة هذه الأحوال والتصرفات الحادثة وتخفيفا لأسباب التنازع بين المسلمين قرر ما يلي:
الرئيس:
والله لا بد من عبارة لا تتجاوز نصف سطر أو شيئا من هذا القبيل ولكن تعطي إيحاء لأجل قضايا التحكير، هذا القصد؛ لأنه لو جعلنا هذا التثبيت في أول القرار يخرج قضايا التحكير حتى لا يكون أدخلنا أحكاما على أحكام أخرى.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
مبدأ الخلو موجود في بلاد بدون هذه القوانين لا داعي لها.(4/1867)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (6) دع /08/ 88
بشأن بدل الخلو
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18- 22 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6- 12 فبراير 1988م.
بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية الواردة إلى المجمع بخصوص (بدل الخلو) وبناء عليه.
قرر ما يلي:
أولا: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي:
1- أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
2- أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
3- أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
4- أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة، أو بعد انتهائها.
ثانيا: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوا) ، فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءا من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.(4/1868)
ثالثا: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقيمة المدة، فإن بدل خلو هذا جائز شرعا، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو، لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.
على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك.
أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.(4/1869)
كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية
إعداد
فضيلة الشيخ/ رجب بيوض التميمي
عضو مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية
تحيا الأمم وتنهض وترتقي وتزدهر وتنزع بكيانها إلى الرفعة والحياة الكريمة وإلى القوة والمجد والعزة والفضل والكمال بجميل أخلاقها وحسن سيرها.
وقد مدح الله تعالى نبيه ومصطفاه (صلى الله عليه وسلم) بأجمل وصف قائلا له: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1) . وقد بين (صلى الله عليه وسلم) ما للخلق الحسن من أساس كريم في حياة الأمم بقوله: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) . وقوله (صلى الله عليه وسلم) ((أقربكم مني مجلسا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقا)) . وترتكز صفات العلو في الأخلاق وأحاسنها على الإيمان بالله تعالى والعقيدة الصالحة، فالإيمان بالله تعالى والعقيدة هما الأساس الذي تنبثق منه الأخلاق الحسنة والخصال الحميدة، ذلك أن الإيمان بالله تعالى يطهر القلب من الشوائب الضارة والأمراض النفسية والمفاسد ويجعله صالحا نقيا طاهرا سليما فيصلح الإنسان وتصلح أعماله ويطمئن بذلك قلبه قال الله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (2) وقال (صلى الله عليه وسلم) ((ألا أن في الجسد مضغة إن صلحت صلح الجسد وإن فسدت فسد الجسد ألا وهي القلب)) فالعمل الصالح أساسه الإيمان بالله تعالى فالمؤمن يلتزم امتثال أوامر الله سبحانه وتعالى ويجتنب نواهيه قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} (3) وما هذه المفاسد والشرور والآثام المنتشرة في المجتمعات الناتجة عن الأخلاق السيئة والأفكار الهدامة إلا بسبب البعد عن أوامر الله وشريعته جل وعلا وبسبب فساد القلوب ستعلق النفوس الأمارة بالسوء بالمادة المهلكة الطاغية التي تؤدي بالإنسان إلى ترك الفضائل والسير في طريق المصالح الذاتية والأنانية والبغيضة والفساد والانحدار الخلقي المهلك.
فلا بد من مكافحة المفسدات والمنكرات لأننا أن تهاونا في ذلك انتشرت وعمت فهي أشبه في سرعة التنقل والشيوع بجراثيم الأمراض التي لا تلبث إن وجدت في مكان ما أن تنتقل وتنتشر وتعم عملها في المجتمع كله.
__________
(1) القلم: الآية (4)
(2) الرعد: الآية (28)
(3) العصر: الآيات (1-3)(4/1870)
وقد عني الإسلام عناية كاملة بمكافحة المنكرات والمفسدات وأرشد إلى الطريق الواضح البين في ذلك وجعلنا بسببه خير أمة أخرجت للناس، وهو التمسك بالقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر المرتكز كما بينت على الإيمان بالله تعالى والعقيدة الصالحة المتينة. قال الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1) ، فإذا قامت الأمة الإسلامية بواجبها وامتثلت لأوامر ربها جل وعلا استحقت هذه المكانة الكريمة التي أكرمها الله تعالى بها فيعود العالم والإنسانية عامة إلى الخير والفضيلة والعدل والرحمة.
وقد رسم الله تعالى لنا دائرة الخير والفلاح وجعلها منوطة بالآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر والداعين إلى الخير. قال الله جل شأنه {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (2) وفي هذه الآية الكريمة بيان أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرض كفاية إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وقد وصف الله تعالى المؤمنين بقيامهم بهذا الواجب وحرصهم عليه بقوله تعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (3) فالتارك للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خارج عن وصف هؤلاء المؤمنين الموصوفين في هذه الآية الكريمة. وقد استحق التاركون للنهي عن المنكر من بني إسرائيل لعنة الله تعالى جل شأنه {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (78) كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (4)
__________
(1) آل عمران: الآية (110)
(2) آل عمران: الآية (104)
(3) التوبة: الآية (71)
(4) المائدة: الآيات (78-79) .(4/1871)
وقد عني الإسلام بسلامة المجتمع وطهارته فوجه المؤمنين لكفاح المفاسد والمنكرات وبين أن أثر المفسدات غير خاص بمرتكبيها وكان الساكتون عليها عاملين على نشرها وإذاعتها، وبذلك يكونون أهلا لحلول العقاب بهم وإصابتهم بما يصاب به المباشرون لها قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (1) وقد روي عن أبي بكر رضي الله عنه أنه قال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول: ((ما من قوم عملوا بالمعاصي وفيهم من يقدر أن ينكر عليهم فلم يفعل إلا يوشك أن يعمهم الله بعذاب من عنده)) وفي الآية الكريمة والحديث الشريف بيان أن الذنب يصدر عن شخص وهو الفعل نفسه وذنب يصدر عمن يعلم هذا الذنب ويقدر على مكافحته ثم طمعا في المال أو مكانة يبعد نفسه عن مكافحة هذا الذنب وبذلك يكون شريكا في العمل على نشره وإساءة المجتمع بذلك يستحق العقاب كالفاعل نفسه.
وبذلك أوجب الإسلام على المسلم أن يقوم بإنكار المفسدات والمنكرات تجاه المجتمع في كل وقت وفي كل مكان وقد قال (صلى الله عليه وسلم) لأصحابه ((إياكم والجلوس على الطرقات قالوا: ما لنا بد، إنما هي مجالسنا نتحدث فيها قال: فإذا أبيتم فأعطوا الطريق حقه، قالوا: وما حق الطريق؟ قال: غض البصر وكف الأذى ورد السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) ولذلك حرص المسلمون حرصا شديدا على القيام بهذه الواجبات ليكون المجتمع فاضلا كريما. كما أوجب الإسلام على جماعة المسلمين أن يسارعوا إلى المحافظة على سلامة المجتمع من الدمار والهلاك والضرب على أيد المفسدين كما أرشدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استووا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا لم نؤذ من فوقنا فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)) رواه البخاري.
__________
(1) الأنفال: الآية (25)(4/1872)
هذا ويشترط أن يكون القائم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مكلفا شرعا قادرا على ذلك فالصبي والكافر والعاجز مثلا ليس أهلا لذلك ويجب أن يكون مؤمنا لأن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر نصرة لدين الله ودعوة إلى الله فلا يجوز من الجاحد لأصله وعدو الله. ويجب أن يكون من أهل الأمانة والعدالة والاستقامة ويكون أهلا للقدوة الحسنة والعمل الصالح حتى يؤثر في النفوس فيهتدي بقوله من يدعوه إلى الخير فلا خير في الفساق وأهل المعصية لأنهم معول هدم وفساد. قال الله تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} . (1) . وقوله جل شأنه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} . (2) .
كيفية مكافحة المنكرات والمفاسد:
وقد رسم لنا الإسلام الطريق البين الواضح في مكافحة المنكرات وإزالتها وتغييرها وقد أرشدنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) لذلك بقوله: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم. وفي هذا الحديث الشريف قيست درجات الإيمان بمراتب على مكافحة المفسدات والمنكرات وتغييرها.
المرتبة الأولى: التغيير باليد.. وهي أولى مراتب التغيير حتى يتم القضاء على المنكر وإزالتها وهو يكون من ولي الأمر وصاحب السلطان والقوة؛ لأن الله وضع في يده سلطان التأديب ووسائل الردع والزجر بما شرع من عقوبات وبما فرض من تعزيرات. فهم وحدهم القادرون على التغيير العملي العام. ويكون التغيير باليد أيضا من رب الأسرة، فيمن يلي من الأبناء والأهل في الحدود التي بينها الله فيما شرعه لنا، وكذلك الرؤساء والمربون في الحدود التي رسمها الله لنا في شريعته. فالإمام راع وهو مسؤول عن رعيته، والوالد مسؤول عن ولده، والزوج مسؤول عن زوجته، والمربي مسؤول عمن وكلت إليه تربيتهم، والرئيس مسؤول عن مرؤوسيه. وسيحمل الجميع أمام الله ذنوب من يسألون عنهم، وقد روى ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم) : ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته والأمير راع والرجل راع على أهل بيته، والمرأة راعية على بيت زوجها وولدها فكلكم مسؤول عن رعيته)) متفق عليه.
__________
(1) البقرة: الآية (44)
(2) الصف: الآية (2-3)(4/1873)
المرتبة الثانية: التغيير بالقول.. ويكون بالوعظ الحسن المؤثر في القلوب والنفوس ببيان آثار المنكر في حياة الشخص وفي صحته وكرامته وفي رضا الله والمجتمع عنه. وببيان أن المفسدات تفقد الإنسان إنسانيته ومكانته في المجتمع فيكون محتقرا لا شأن له. ويجب أن يقوم بهذه المهمة أهل العلم والتربية بجميع الوسائل المتاحة. وهم مسؤولون أمام الله والجميع من موقفهم من المنكرات وهم قادرون على التغيير بالقول.
وعليهم أن يتحلوا بالحكمة التي يكون لها التأثير في طهارة المجتمع وإزالة المفسدات المهلكة التي تبعده عن معاني الحياة الفاضلة.
المرتبة الثالثة: التغيير بالقلب.. يجب أن يكون للتغيير بالقلب أثره الإيجابي لأن الإنكار السلبي لا يصدق عليه تغيير، والتغيير في واقعه من مقتضي أهل الإيمان وأن من لم ينكر المعصية بقلبه لا يكون مؤمنا بأنها معصية. والتغيير بالقلب يكون بقطع الصلات التي تربط المؤمن بمرتكب الفساد والمنكر. فلا يجالسه ولا يعامله ولا يؤاكله ولا يعينه ولا يقضي له حوائجه، وأن يقاطعه مقاطعة تامة حتى يشعر مرتكب المنكر والفساد بعزلته وبتحقير المجتمع له ونبذه وهذا التغيير بالقلب له أثره في تغيير المفاسد وإزالتها وهو أدني مراتب التغيير ومن أضعف الإيمان.
وهذه المراتب الثلاثة للتغيير جعلها الرسول (صلى الله عليه وسلم) وسيلة لتطهير المجتمع من المنكرات والمفاسد. وهي مسؤولية أمام الله يجب على جميع المسؤولين أن يقوموا بها إيمان وإخلاص لتطهير المجتمع من عوامل الشر والفناء والهلاك ولنسير بمجتمعنا إلى طريق الخير والفضيلة والكمال ليكون مجتمعنا قويا يقود العالم إلى الرحمة والعدل والرشاد قال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (1) .
__________
(1) الأنبياء: (107) .(4/1874)
منهج مكافحة المنكرات والمفاسد:
إذا نظرنا نظرة دقيقة في أحوال مجتمعنا الحاضر لوجدنا أن هناك عوامل كثيرة عملت على إفساده في جميع شؤونه السياسية والاجتماعية والاقتصادية ومن أهم العوامل قيام المستعمر الكافر منذ بداية هذا القرن بتنظيم مخططات مدروسة لإضعاف المسلمين وإبعادهم عن دينهم مصدر قوتهم فوجه سهامه الفكرية الهدامة وثقافته الفاسدة لغزو المجتمع الإسلامي وإفساده بكل وسائله فعمل على إفساد الأسرة وتفكيكها حتى تركت المرأة بيتها للعمل وأهملت تدبير شؤون بيتها وتربية أولادها، وضعفت صلات المودة والحنان والعطف التي تربط الأسرة برباط متين (والأسرة هي اللبنة الأولى الأساسية في بناء المجتمع) وعمل الاستعمار الكافر على نشر الخلاعة والفجور بإنشاء دور الملاهي والسينما الخليعة التي تفتك بأخلاق الشباب والفتيات حتى خرجت المرأة من خدرها واختلطت بالرجال وتبرجت تبرج الجاهلية الأولى وعمل على إفساد وسائل الإعلام ببرامج التوجيه الفاسدة وأفسد مناهج التعليم التي أنشأت جيلا من أبناء المسلمين يجعلون تعاليم دينهم وفكرهم وثقافتهم الإسلامية وعمل على إدخال نظامه الكافر في اختلاط التعليم بين الشباب والفتيات في المدارس والجامعات ونشر المفاسد الأخرى في مجتمعاتنا وولي أمر توجيه التعليم ووضع المناهج الفاسدة لمن رباهم بأفكاره الفاسدة وثقافته الكافرة البعيدة عن الإيمان وعقيدة الأمة ليعملوا على هدم المجتمع الإسلامي بمخطط مدروس في جميع شؤون الحياة في الأسرة والمدرسة والنوادي والإعلام والأنظمة والقوانين، وعمل المستعمر الكافر على إنشاء البنوك والمصارف الربوية حتى شاع الربا في المجتمع وأصبح من أسس النظام الاقتصادي ولولا وجود المعاهد والجامعات الشرعية في البلاد الإسلامية التي حافظت على شريعة الله وتراث الأمة، ولولا بقية من أهل العلم والفكر الإسلامي وأهل الفضل والخير وهم بحمد الله كثير، لعم البلاء وخيم الظلام وضلت الطريق. لذلك يجب أن يتدبر المصلحون المخلصون من أهل العلم والفضل أمرهم فيعملوا على وضع المخططات المدروسة التي تقاوم هذا الغزو الفكري والثقافي الكافر لإنقاذ المجتمعات الإسلامية والأمة من أعدائها المتربصين بها حتى تأخذ الأمة الإسلامية مكانتها الكريمة التي أرادها الله وعلا لها لتقود العالم نحو الخير والكمال.(4/1875)
ويمكن اتباع المنهج التالي في مكافحة المفسدات والمنكرات:
أولا: إصلاح الأسرة:
يجب العمل والاهتداء بأوامر الله جل وعلا في تربية الأولاد تربية إسلامية في البيت بتنشئتهم على الآداب والأخلاق الإسلامية بغرس الروح الإيمانية في نفوسهم وتعليمهم شؤون دينهم وإرشادهم إلى أداء الواجبات الدينية المفروضة على صلاة الصلوات المفروضة في أوقاتها وصيام شهر رمضان وليكون كل من الأب والأم قدوة صالحة لهم بقيامهم بالشعائر الدينية والتمسك بالدين الحنيف وليتمثل رب الأسرة بحديث رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ((مروا أولادكم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر)) فالصلاة عماد الدين تطهر القلب وتهذب النفس، وبذلك تكون الأسرة لبنة خير وصلاح المجتمع الإسلامي الكريم.
ثانيا: المسجد والمدرسة:
إن المسجد هو مركز الإشعاع ونور الهداية في المجتمع الإسلامي وقد كان المسجد مركز القيادة في جميع الشؤون من سياسة وعسكرية واجتماعية واقتصادية وكانت المساجد معاهد للدرس والمعرفة ثم أنشئت دور التعليم بجانب المساجد وكانت مرتبطة بها وهما مصدر هداية وإرشاد للمجتمع في جميع شؤون الحياة. لذلك يجب العناية عناية تامة بالتوجيه في المساجد والمدارس للتمسك بالشرع الشريف وامتثال أوامر الله جل وعلا ومقاومة التيارات الفكرية الهدامة والثقافة الفاسدة والعمل على مكافحة المنكرات والمفاسد.
ثالثا: الثقافة والإعلام:
يجب أن يحرص القائمون على توجيه المجتمع بالثقافة الإسلامية، أن يرشدوا الناس بأخبار السلف الصالح من علماء ومفكرين ومصلحين وبسِيَر صحابة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وبالتاريخ الإسلامي المجيد وبالآداب الكريمة وأن يقوم الموجهون في الإعلام في الصحافة والإذاعة والتلفاز بتعليم الناس بالتعاليم الإسلامية والتربية المهذبة للنفوس.
وأن تتجنب الصحافة والإذاعة والتلفاز كل الأفكار والمشاهد الفاسدة التي تضر بالمجتمع. ويجب أن يكون الموجهون من المؤمنين المخلصين لدينهم وأمتهم وأن يعملوا لمقاومة التيارات الفاسدة.(4/1876)
رابعا: القوانين والتشريعات:
يجب أن يعود المجتمع الإسلامي إلى سابق عهده بسيادة التشريع الإسلامي في المجتمع وتطبيقه أن يعمل العلماء والمصلحون على نبذ الأنظمة والقوانين الوضعية المخالفة لشريعة الله تعالى ويجب أن يعمل الحاكم على رعاية تنظيم وتطبيق الشريعة الإسلامية ليعيش الجميع في ظل الإسلام في طريق الخير والهداية والرشاد ويسير نحو الرقي والخير والكمال.
خامسا: النوادي والنقابات:
يجب العناية بالنوادي والنقابات وتوجيه الشباب فيها توجيها إسلاميا بالحكمة والموعظة الحسنة ليتسلح الجميع بالأفكار والثقافة الإسلامية ليقاوموا التيارات الفاسدة والأفكار الهدامة وليرتبط الجميع بالمسجد والمدرسة للسير بالمجتمع نحو التقدم والفضيلة.
سادسا: الندوات والاجتماعات:
يجب أن يقوم العلماء والمفكرون والدعاة بتنظيم الندوات والاجتماعات لتوجيه الشباب وتثقيفهم بآداب الدين الحنيف والأخلاق الحسنة والأفكار الإسلامية بإلقاء المحاضرات في التفسير والحديث الشريف والتاريخ الإسلامي وأخبار العلماء والمصلحين. ولهذه الندوات والاجتماعات تأثير مفيد وفيها تكون المناقشة والحوار لاكتشاف المعلومات وإبداء المقترحات فيعمل الجميع على إصلاح المجتمع وصيانته من الأفكار الكافرة الهدامة والثقافة الدخيلة.
أرجو أن يكون هذا المنهج من المناهج التي يمكن بها مقاومة المناهج والمخططات التي ينظمها أعداء الأمة لإفساد مجتمعنا وإبعاده عن دين الله القويم مصدر قوته وعزه ومجده. فعلى العلماء والمفكرين والمخلصين من رجال الأمة الإسلامية أن يصدقوا ما عاهدوا الله عليه لخدمة الإسلام وأهله ويقوموا بإعداد المخططات والدراسات وتنفيذها ليردوا كيد الكائدين من أعداء الله. والله لا يضيع أجر من أحسن عملا {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} (1)
والله ولي التوفيق.
رجب بيوض التميمي
__________
(1) التوبة: الآية (105) .(4/1877)
كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية
إعداد
الشيخ هارون خليف جيلي
عضو مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
الحمد لله الذي خلق فهدى، وأرسل إلينا رسولا كريما، رؤوفا رحيما، بكتاب كريم. فيه تبيان لكل شيء، وهدى ورحمة للمؤمنين. ومدح فيه نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) بالخُلُق العظيم. بقوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1) .
والصلاة والسلام على هذا النبي الكريم، والسيد المطاع، سيدنا محمد صاحب الخلق العظيم، القائل: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) . وعلى آله الكرام وصاحبته الأخيار ومن اهتدى بهديه، وتخلق بخلقه.
وبعد، فلما رأيت في جدول البحوث الفقهية المزمع عرضها في الدورة الرابعة لـ (مجمع الفقه الإسلامي بجدة) هذا العنوان (كيفية مكافحة المفاسد الخلقية) جذبني إليه لأهميته وخطورته في مجتمعنا المعاصر. فاخترته للبحث فيه من بين زملائه قدر ما تسنح لي الفرصة، ويوفقني الله الكريم فيه أنه جواد كريم.
وإن البحث في مثل هذا الموضوع بحثا علميا وفقهيا يحوجنا أولا إلى تعريف الخُلُق، ومنشئه ومقاصده ومكانته وأنواعه وأثره في سلوك الفرد والجماعة. ثم إلى تعريف مفاسد الأخلاق وأسبابها ومظاهرها وأضرارها ثم الإشارة إلى الطرق التي عالجها الإسلام قديما، ثم المحاولة إلى الاهتداء للكيفية الناجحة لمكافحة تلك المفاسد الخُلُقية بإذن الله.
وسيكون بحثي في أكثر نقاطه موجزا وعابرا غير عميق، وربما يكون بعضها أطول من بعض لأهميته أو لنكتة أخرى. كما ستراه – أن شاء الله - في نقطة (الملاهي المحرمة- الأغاني- الاختلاط- التبرج) .
وسأقسم كلامي المتواضع حول هذا الموضوع الحساس الهام المتراطم الأطراف إلى خمسة فصول في كل فصل منها عدة مباحث. كالآتي:
الفصل الأول: (مفاهيم الأخلاق، ومنشؤها ومصدرها) .
الفصل الثاني: (قيمة الأخلاق في الإسلام) .
الفصل الثالث: (الأخلاق وأنواعها) .
الفصل الرابع: (أهم أسباب الانحراف والانحلال) .
الفصل الخامس: (طرق مكافحة المفاسد الخلقية) .
والله أسأل التوفيق والسداد. وهو حسبي ونعم الوكيل.
__________
(1) القلم: الآية (4)(4/1878)
الفصل الأول
المبحث الأول
في مفاهيم الأخلاق ومنشئها ومصدرها
في الأخلاق لغة واصطلاحا
الأخلاق لغة: جمع خُلُق. والخلق بضم الخاء واللام هو: الدين والطبع والسجية، وحقيقته صورة الإنسان الباطنة، وهي نفسه وأوصافها ومعانيها المختصة بها، وهي بمنزلة الخلق لصورته الظاهرة وأوصافها ومعانيها. فحقيقة الإنسان وقيمته بصورته الباطنة وما فيها من أخلاق حسنة أو رذيلة. (انظر: ابن الأثير في غريب الحديث. ومختار الصحاح) ص: (206و 309) .
أما في الاصطلاح: فإن الخُلُق: يطلق على الصفة التي تقوم بالنفس على سبيل الرسوخ، فيستحق الموصوف بها المدح أو الذم.
ويطلق على التمسك بأحكام الشريعة الإسلامية السمحة فعلا وتركا.
وقيل: هو قواعد من السلوك التي يلتزمها الإنسان الذي يعيش في جماعة.
فمن الأول: قول النبي (صلى الله عليه وسلم) لأشج عبد القيس ((أن فيك لخلقين يحبهما الله: الحلم، والأناة)) قال: يا رسول الله أخلقين تخلقت بهما أم جبلت عليهما؟ قال: ((بل جبلت عليهما)) . قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله. رواه أبو داود والترمذي والبخاري ومسلم.
ومن الثاني قوله (صلى الله عليه وسلم) ((البر حسن الخلق)) . رواه: مسلم والترمذي. وقول عائشة (رضي الله عنها) وهي تصف رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : (كان خلقه القرآن) . رواه مسلم.
ومن الثالث: ما نسب لبعض العلماء الاجتماعيين، من إنهم يقولون: إن الأمم المتوغلة في البدائية لم تعش من غير سلوك في جماعتها، فالجماعة هي التي وضعت نفسها قواعد لسلوك خاص لتسير عليه وتضمن لنفسها البقاء إذا حرصت على التزام تلك القواعد.(4/1879)
المبحث الثاني: في مفهوم الأخلاق:
أن الأخلاق عند أرسطو وأفلاطون ومن وافقهما لا تخرج عن دائرة السعادة –راحة النفس وسرور الفرد.
وإنها عند الماديين لا تخرج مبادئها من أنها ظواهر اجتماعية تفرض على الأفراد دون أن يكون للفرد دخل في بنائها أو في الإيمان بها. وتقول نظريتهم هذه: (إن الأخلاق تختلف عن الدين، وإنها من استجابة النفس إلى الوسط الذي تعيش فيه، فإذا تغير الوسط تغيرت الأخلاق، وإن الأمم لا تحتاج إلى الدين، ولكنها تحتاج إلى الأخلاق، فالأخلاق هي التي ترفع الأمم إلى مستوي الرقي والتقدم لا الدين، وأن (أوربا) لم تنهض من الحضيض إلى العلياء إلا بالأخلاق، فيمكن الاستغناء عن الأديان اكتفاء بالضمير الإنساني الدافع إلى عمل الخير) إلى آخر ما روي عن أقطابهم.
فمجمل نظريتهم هذه: أن الأخلاق نتاج للبيئة، تختلف من شعب لآخر ومن حقبة لأخرى، فهي مادية الأصل.
ولا ريب أن المفكر المسلم لا يرى لتلك النظرية آية قيمة أساسية، بل يرى فيها خلطا بين الأخلاق والتقاليد، وبين الأصول التي جاءت بها الأديان السماوية والأعراف التي أقامها الناس.
وأما في الإسلام وشريعته المباركة: فإن الأخلاق تقوم على أساس التقوى من الله خالق هذا الكون والذي جعل الناس خلفاء في الأرض. وعلى أساس الجمع بين الدنيا والآخرة. قال تعالى: {وَابْتَغِ فِيمَا آَتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآَخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} (1)
فالأخلاق الإسلامية أخلاق تقوِّي الإنسان وتقومه، بما تحمله من معان سلبية وإيجابية، كالتجنب عن الحرام، والإقبال على الحلال. وكالتجرد عن الرذائل والتحلي على الفضائل ...
فالإسلام يعتبر الأخلاق أنها منهاج عملي، غايته التعاون في الحياة، واحترام القيم الإنسانية، وحسن المعاملة. وأن مبدئها الأساسي يقوم على الإرادة والمسئولية والجزاء.
__________
(1) القصص: الآية (77)(4/1880)
والإسلام ربط بين الدين والأخلاق، فلا انفصام بينهما ولا انفصال، فمن لا خُلُق له لا دِينَ له، ومن لا دين له لا خلق له. فجعل الإيمان بالله وعاء الأخلاق. وفرق بين الأخلاق والتقاليد. فالأخلاق ثابتة ومتصلة بالقيم العليا، لأنها من صنع الله.. وأما التقاليد: فهي وسائل عارضة، وتختلف وتتغير مع تغير الزمان لكونها من صنع البشر ...
ولا شك أن فكرة الالتزام الخلقي هي العنصر الأساسي الذي تدور عليه القيم الأخلاقية، فإذا زالت فكرة الالتزام يضيع جوهر الحكمة العقلية والعملية التي تهدف الأخلاق إلى تحقيقها، وإذا انعدم الالتزام انعدمت المسؤولية حتما، وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كل أمل في وضع الحق في نصابه وإقامة العدالة ... وهذه النتيجة واضحة في واقع المجموعة البشرية الآن إلا ما ندر، فالأخلاق قد فقدت الالتزام من المجتمع إلا ممن قل وندر فانعدمت المسؤولية والأمانة والإحسان والعفة.. فضاع الأمل في إصلاح سلوك الناس عند كثير من المفكرين.
المبحث الثالث: مصدر الأخلاق ومنشؤها:
قيل إن الأخلاق تكونت من تجمع جماعة ما من الجماعات البدائية، حيث تكونت لدى هؤلاء البدائيين مبادئ أربعة هي أصول الأخلاق وأمهاتها. وهي:
1- منع القتل في القبيلة الواحدة: فقالوا: إن من قتل فردا من أفرادها هدد بالانتقام من شبيه القتيل. وهذا الشبيه هو (العفريت، أو الهامة) ، العقاب اللازم. وتنتقم الروح لصاحبها شر انتقام، فتصب على القبيلة الجوائح حتى تثأر لها.
2- منع السفاح: فقالوا: إن علاقة الرجل بالمرأة لا بد لها من حفل كبير، تجتمع فيه الأسرتان –أسرة الزوج والزوجة- عند شيخ من شيوخ القبيلة. ويترتب على تلك العلاقة تبادل شيء من ممتلكاتهما.. وأن كل علاقة تتم بغير هذه الطريقة تعتبر سفاحا. وهي جريمة لها عقوبة شديدة حيث تهدد القبيلة كلها في كيانها.. فتصب بها الصواعق والرعود والرياح اللافحة، فتصيب الزرع والضرع، وتستمر تلك المصيبة حتى يتم القبض على المجرم.
3- منع السرقة: فلا يتعدى أحد على ما في يد غيره من مال، خوفا من العقوبة المنتظرة التي ستهدد القبيلة كلها. وكانوا يضعون علامة على المنزل الذي فيه مال أو الحديقة، ليعلم كل من سولت له نفسه أن يسرقه أن المكان مقدس ومحروس. فمن مس هذا المال أو أخذ منه شيئا ليسرق، فإنه يتعرض للهلاك وتتعرض قبيلته للتهلكة.(4/1881)
4- حرمة الحاكم مصونة: كانوا يعتقدون أن حكامهم مقدسون لا يخطئون، وأنهم يشعرون بتقديس قبائلهم، وأنهم أصدقاء الكهنة والسحرة، فكان المساس على شرف الحكام جريمة موجبة للجائحة والتهلكة. انظر: (الخلق والدين) د. إبراهيم سلامة.
فعند أصحاب هذا القول (فريزير) ومن على شاكلته من علماء الاجتماع – أن الحضارة الأخلاقية أخذت من المبادئ الأربعة قبل ظهور الأديان السماوية الصحيحة.
ولا شك أن هذه المبادئ الأربعة قررتها الأديان الصحيحة نسبيا.
فالإسلام يحرم كلا من السفاح، والسرقة، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق ويعطي الحاكم الذي يحكم بما أنزل الله حقه من الطاعة والقبول.. فالإسلام دين الفطرة. جاء ليحدد لتلك الفطرة سبيلها إلى بارئها تحديدا يرتفع بها إلى ربها راضية مرضية ومطمئنة.
وإن الجوائح أو العقاب الجماعي الذي يهدد القبيلة التي فعل فيها الذنب عقاب أقره الإسلام. قال تعالى: {وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً} (1)
وحديث أصحاب السفينة الذين اقترعوا على متنها مشهور بدلالته على ذلك دلالة واضحة. ولكن المسؤولية الجنائية تعود على الفرد. قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2) . وإذا أمعنا النظر حول هذه القضية في آيات القرآن نجد أن العقوبة الجماعية ومسؤوليتها مع المسؤولية الفردية ملموسة في قوله تعالى: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} (3) .
فالأمة إذا تركت المذنب فيها بلا عقاب زاجر، فلا شك أنها تكون أمة آثمة وفاسقة، فتستحق التدمير، والعقاب الصارم، والعذاب الأليم..
قال تعالى: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} (4) .
__________
(1) الأنفال: الآية (25)
(2) الأنعام: الآية (164)
(3) المائدة: الآية (79)
(4) الإسراء: الآية (16)(4/1882)
فالمسؤولية الفردية مسئولية مقررة. والمسؤولية الجماعية تعود إلى الفردية إذا لم تنهه ولم تعاقبه، فيكون كل فرد من الجماعة سائلا ومسؤولا عن نفسه، وعن غيره. وتصير الأمة كلها أمة قد استوجبت العقاب والعذاب الشامل.
وقيل: إن أمهات الأخلاق وأصولها ومصادر بقينها أربعة: وهي (الحكمة، الشجاعة، والعفة، والعدل) .
فالحكمة: حالة للنفس، فبها يدرك الإنسان الصواب من الخطأ في جميع الأفعال الاختيارية.
والعدل: حالة للنفس وقوة فيها تَسُوس الغضب والشهوة فتحملها على الحكمة، وتضبطها في الاسترسال والانقباض على حسب مقتضاها.
وأما الشجاعة: فهي كون قوة منقادة للعقل، في إقامتها وإحجامها..
,إما العفة: فهي قوة تؤدب قوة الشهوة بتأديب العقل والشرع.
فمن اعتدال هذه الأصول الأربعة تصدر الأخلاق كلها جميلة.. ومن عدم اعتدالها تصدر الأخلاق كلها سيئة وقبيحة.. اهـ. قال الإمام الغزالي في (إحياء علوم الدين) (جـ3/ 53) :
والقول الحق الذي لا نقول غيره هو: إن الدين مصدر الأخلاق ومقيدها، لا الإنسان العادي، ولا الجماعة التي يعيش فيها، ولا الحكام البشرية.
وأن كلا من الحكمة والشجاعة والعفة والعدل كلها من الأخلاق الكريمة المؤثرة في سلوك الإنسان.
وأن الأمم البدائية ما عرفت أصول المحرمات والممنوعات إلا على لسان نبي أو رسول من عند الله، ولو لم نعرفه، لأن القرآن الكريم يدلنا على ذلك. فالله لم يترك أمة إلا وقد أرسل إليها رسولا كريما.. قد عرف لنا رسالتهم جملة من غير تفصيل. قال تعالى: {مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} (1) .
__________
(1) غافر: الآية (78)(4/1883)
الفصل الثاني
قيمة الأخلاق في الإسلام
المبحث في مكانة الأخلاق الفاضلة بالنسبة للحياة ونظمها:
إن مكانة الأخلاق في نظر الإسلام مكانة مرموقة لأنها عنصر أساسي في أي عمل من أعماله، فعلا وتركا. فلا يخلو عنها عمل إسلامي مهما كان نوعه ... فللإسلام شعب تكليفية كثيرة ومتنوعة، لا يستغني واحد منها من حسن الخلق منها: شعبة العقيدة –الإيمان بالله، وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.. وهذه الشعبة هي الأساس الأول ليكون الإنسان مسلما عند الله. فلا بد لصحة هذه العقيدة من صدق وأمانة.. وفي الحديث: ((لا إيمان لمن لا أمانة له)) رواه الطبراني وأحمد. ومنها: شعبة العبادات والتقرب إلى الله تعالى. وهذه الشعبة هي الأثر الظاهر الوحيد للصدق في الشعبة الأولى. وغذاؤها الذي يقويها وينميها، كما لا يخفى..
ومنها: شعبة نظم الحياة والمعاملات وفق ميزان العدل والحكمة.
ومنها: شعبة علاقة الإنسان بالحياة والمعيشة.
ومنها: شعبة الكون الفسيح أمام الإنسان وخلافة الأرض.
فقد أباح الإسلام للإنسان في علاقته بالحياة والمعيشة أن يتمتع بكل نعمة من نعمها على شكل لا يخرجه عن القصد والاعتدال.. قال تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ} (1) . وأشعر (شعبة الكون أمام الإنسان) بعبارات واضحة من حيث تسخيره له ليعمل فيه ويكدح، ويؤدي الخلافة، فالله [هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا] فسخر له الشمس والقمر، والليل والنهار والأرض الجبال، والبحار والأنهار وكل ما في الكون.. ووجه إلى البحث والنظر فيه لاستخراج أسراره وكنوزه ... ولا شك أن قوام الانتفاع بهاتين الشعبتين، وقوام الصدق في الشعب السابقة: العقيدة، والعبادة، والمعاملات إنما هو يتوقف بشعبة أخرى هي شعبة الأخلاق. لما دلت الرسالات الإلهية في جميع مراحلها المختلفة من امتناع تحقيق أي شعبة منها على وجهها الصحيح إلا بالخلق الحسن:
1- أن السعادة التي جعلت هذه الشعب سبيلا إليها لا بد إلى وصول تلك السعادة من حسن الخلق.
2- وأن الإيمان الذي يرجع إلى مجرد العلم بوحدانية الله.. لابد لبقائه من حسن الخلق.
3- وأن العبادة التي ترجع إلى الصور والأشكال الظاهرة لا تستغني عن حسن الخلق.
__________
(1) الأعراف: الآية (32)(4/1884)
4- وأن النظم الاجتماعية والقانونية والفقهية المحفوظة في صدور الناس لا بد لها من الخلق الحسن.
5- وأن المتعة بالحياة التي ترجع إلى إصابة لذائذها وتحصيلها لا بد لها من الخلق الحسن.
6- وأن نظرة الإنسان إلى الكون الفسيح التي ترجع إلى مظاهره العامة لا بد لها من خلق سليم.
وهذا كله معلول: بأن انقطاع هذه الشعب في جوهرها عن شعبة الأخلاق أو انقطاع شعبة الأخلاق عنها لَمَمًا يهدم في النفوس وفي الحياة أثر الحكمة الإلهية في الإنسان على التكليف بهذه الشعب.
ومن هنا نعلم أن الخلق المطلوب لصون هذه الشعب ليس مجرد معرفة (الصدق) مثلا بأنه فضيلة فقط، و (الكذب) بأنه رذيلة. و (الإخلاص) بأنه سمو، و (الخيانة) بأنها انحطاط. ولا هو مجرد الحديث فيما بين الناس من ذلك ... وإنما الخلق الفاضل هو انفعال النفس وتأثيرها بما ينبغي أن يفعل فيفعل، وبما لا ينبغي أن يحصل فيترك.
فالخلق بهذا المعني [هو صمام تلك الشعوب، والمعتصم الذي يعتصم به كل من أراد أن يكون مسلما] فالعقيدة بلا خلق كشجرة بلا ظل ولا ثمر.. والخلق بدون عقيدة كظل لشبح غير مستقر.
ومن هنا كانت عناية الإسلام بالخلق عناية تفوق كل عناية حتى وصلت عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أنها من متعلقات الرسالة حيث يقول (صلى الله عليه وسلم) : ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) رواه الإمام مالك في الموطأ وأحمد والبيهقي. وقد كثرت توصياته بها حتى قال: ((أثقل ما يوضع في الميزان حسن الخلق)) أبو داود والترمذي وصححه. حتى وصف الخلق بأنه هو الدين، ففي الحديث: ((أن رجلا جاء إليه ذات يوم، وقف أمامه (صلى الله عليه وسلم) فسأله: ما الدين يا رسول الله؟ فقال (صلى الله عليه وسلم) : (حسن الخلق) ثم جاءه من قبل يمينه فسأله نفس السؤال الأول، فأجاب: بأنه حسن الخلق. ثم من الشمال ومن الخلف والسؤال واحد والجواب واحد)) . رواه: محمد بن نصر المروزي.
وقيل له (صلى الله عليه وسلم) : إن فلانة تصوم النهار وتقوم الليل وهي سيئة الخلق، تؤذي جيرانها بلسانها، فقال: ((لا خير فيها أنها في النار)) رواه: ابن حبان والحاكم وصححه.
وقال تعالى: {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (1) .
وقال (صلى الله عليه وسلم) : ((أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا)) رواه: أبو داود والترمذي والنسائي والحاكم (الإحياء) .
__________
(1) الأعراف: الآية (33)(4/1885)
فالأخلاق الفاضلة هي ميزة الإنسان الكامل في أمته وهي من صفات سيدنا محمد –عليه الصلاة والسلام- فقد قال الله تعالى: في حسن سلوكه وسجيته: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1) . وكان ذلك برحمة من الله ورعاية منه وحده، قال تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ} (2) .
وقال: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (3) .
فحقا كان (صلى الله عليه وسلم) كما وصفه الله صاحب الخلق العظيم. متخلقا بكل خلق كريم ومبتعدا عن كل وصف ذميم، فكان أمين الأمة، وأرحم الناس للناس وأنصحهم، وأفصحهم لسانا، وأقواهم بيانا، قبل النبوة وبعدها. بشهادة زوجته أم المؤمنين خديجة –رضي الله عنها- حين قالت له: (كلا والله لا يخزيك الله إنك لتصل الرحم، وتحمل الكَلَّ، وتكسب المعدوم، وتُقْرِي الضيف، وتُعين على نوائب الحق) .
ولا شك أن الأخلاق الفاضلة هي الدعامة الأولى لحفظ كيان الأمم وتقدمها في ميادين الحياة.. فهي عنصر ضروري للفرد. لصالح نفسه، وللمجتمع في جملته.. فكما يضر الفرد ويفسد أعماله أن يكون كذابا مرائيا حسودا شريرا ماكرا إلخ.. فكذلك تفسد الجماعة شيوعها في آحادها..
فالإنسان لا يحفظ إنسانيته عن الانحطاط إلا بالأخلاق الفاضلة، والأمة لا تحفظ كيانها عن التحلل والاضمحلال إلا بها.
ولهذا اتجهت عناية بعض الفلاسفة والمشرعين العاملين على إنهاض الجماعات الأوربية –في أول الأمر- إلى الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة، لأنها هي الدعامة الأولى في بناء كل مجتمع سليم.. قال الفيلسوف (شاتوبريان) : (الأخلاق أساس كل مجتمع) (4) . ولكنهم ما طبقوا على ذلك بل عكسوا الأمر كله، فقتلوا كل فضيلة وأقبروها، وفسحوا كل رذيلة ونشروها، مع اعترافهم بأن الأخلاق الفاضلة فيها كمال الإنسان وسعادة المجتمع. كما أن الأخلاق السيئة فيها انهيار الإنسان وخراب الأمة. فماتت الفضيلة لدى تلك الأمم في مهدها لأنهم ما أخذوها من مصدرها الأصيل، فما عرفوها حق معرفتها. وما راعوها حق رعايتها. وما قدروها حق قدرها.. فغيروها وبدلوها كبدلهم (الإحسان) بالضريبة..
__________
(1) القلم: الآية (4)
(2) آل عمران: الآية (159)
(3) التوبة: الآية (128)
(4) انظر روح الدين الإسلامي، العفيفي الدين طبارة (ص 204)(4/1886)
وإن الأخلاق الفاضلة في نظر الإسلام إنما هي تفجير للطاقة في طريقها الصحيح. سواء كانت الطاقة علمية أو عقلية، أو روحية، أو نفسية، أو جسدية. فلا تعطيل لطاقة منها: فالعلم فريضة، ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)) البخاري وابن ماجه. والتفكير فرض {قُلْ إِنَّمَا أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنَى وَفُرَادَى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا} (1) . والصفاء الروحي فريضة، قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} (2) .والتخلق بالخلق الفطرية فريضة. قال تعالى: {فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} (3) وتدريب الجسم فريضة مقدسة قال: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ} (4)
والزواج أفضل من التفرغ للعبادة. ففي الحديث ((لا رهبانية في الإسلام)) . ((ومن استطاع منكم الباءة فليتزوج)) رواه الجماعة.
وإن كثير من أخلاق النفس تموت لعدم تنميتها.. فترتقي الأخلاق الفاضلة عند الإسلام، من الحنان إلى الكرم.. إلى الحلم.. إلى الرحمة.. إلى اللطف.. فهكذا كل خلق في النفس ينمي تنمية صحيحة. وإن الأمراض الخلقية النفسية –كالحسد والغل والكبر تجتث اجتثاثا عند الإسلام.
وإن الإنسان يحقق بخلقه الإسلامية حكمة وجوده، فيكون سيد الكون وعبدا لخالقه. فالأخلاق تجعل الإنسان إنسانا يؤدي كل ذي حق حقه، فيكون في وضعه السليم..
ومن أجل هذا صاغ الله تعالى جوانب الحياة الإنسانية صياغة أخلاقية. كالجانب النظري، والعقلي، والعقائدي، والعبادي، والاقتصادي، والاجتماعي، والثقافي.. فصيغ كلها بشكل متكامل ومتناسق..
فالأخلاق إذا هي الميزان الذي يوزن به صفة الإنسانية عند البشر فمن أخذ حظا وافرا منها كان الإنسان الكامل، ومن قل حظه منها كان إنسان قليل الفائدة كثير الضرر.
__________
(1) سبأ: الآية (46)
(2) الشمس: الآيات (9-10)
(3) الروم: الآية (30)
(4) الأنفال: الآية (60)(4/1887)
ومن لم يأخذ منها شيئا كان كالحيوان المفترس.. لأن الإنسان إذا لم يتخلق بالأخلاق الفاضلة فلابد أن يكون شريرا أو بهيميا. فإن كان يغلب عليه الجانب البهيمي فيجري وراء الشهوات والملذات.. وإن كان يغلب عليه مزاجه الجانب الشيطاني دبر المكائد وفرق بين الأحبة.. وإن كان عصبيا جعل همه العلو في الأرض والفساد. وعلى كل حال فمكانة الأخلاق الفاضلة مكانة عظيمة، حيث لا يستغني عنها من أعمال الإنسان، مهما كانت نوعيته. سواء كان عملا فرديا كالعبادات، أو جماعيا كالمعاملات.. دنيويا كان أو أخرويا.. قوليا كان أو فعليا.. فلا إيمان لمن لا خلق له، ولا دين لمن لا أمانة له.. ولا عز ولا شرف ولا كرامة ولا وجود لأمة لا خُلق لأفرادها.
قال الشاعر الحكيم:
وإنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا
وإن الحكم في حسنها وسيئها من الله. وتبيينها من الرسل الكرام، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (1) وقال (صلى الله عليه وسلم) : ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) رواه الإمام مالك وأحمد والبيهقي وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة.
وفي الحديث أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: ((حسنوا أخلاقكم)) . رواه بكر بن لال في (مكارم الأخلاق) انظر الإحياء جـ3 ص48.
وقد علمنا بفعله وقوله (صلى الله عليه وسلم) أن كلا من الصدق والأمانة، والوفاء والإخلاص وأدب الحديث، وسلامة الصدر من الأحقاد، وقوة العزيمة، والحلم والأناة والقصد والعفة والطهارة والحياء، والعدل والسخاوة، والإخاء ... علمنا كلها أنها حسنة وإنها من مكارم الأخلاق. فأرشدنا إلى التخلق بها.
وكذلك علمنا (صلى الله عليه وسلم) أن كلا من الكذب والخيانة، والخلف والنفاق والبذاءة والحقد والميوعة والإسراف والشره والفحش والخلاعة، والظلم والبخل، والبغضاء.. وغيرها من الخصال الخبيثة. علمنا كلها أنها من سيئات الأخلاق فحذرنا منها بما سنذكره في الفصل الثالث من هذا البحث –إن شاء الله-.
__________
(1) القلم: الآية (4)(4/1888)
المبحث الثاني
في مقاصد الأخلاق الفاضلة
إن للأخلاق الفاضلة مقاصد هامة. منها: (حفظ اللسان، والدين، والعقل، والعرض، والمال، وأداء المسؤولية..)
1- فلا يحفظ الإنسان نفسه ولا نفوس إخوته من الناس إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه، ويكره له ما يكره لنفسه، وأصلح نفسه ونفوس الآخرين ممن في كنفه من أهل وأولاد وأصحاب، ونصح قومه: لله ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم، فإذا لم يحب الإنسان لمن يعيش معه ما يحب لنفسه، ولم يكره له ما يكره لنفسه، فلا تسلم نفسه من غائلة.. وإذا لم يصلح نفسه وأهله لا بد أن يصبح فريسة لكل فساد.. وإذا لم ينصح مجتمعه ولم يأخذ يد العابث فلا بد أن يهلك مع الهالكين..
2- ولا يحفظ الإنسان دينه من الضياع إلا إذا تحلت نفسه بمحافظة أعضائه وأعصابه على أداء ما أوجبه الله عليه باستقامة وإخلاص.. وإلا إذا تخلي عن جميع المخالفات من الأذى والخلف والخيانة والكذب والزنا والفحشاء والمنكر وسوء المعاملة فليحفظ الإنسان دينه –إسلامه- وإيمانه حرم الأذى. والخيانة والزنا لقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) . متفق عليه.
ولقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن)) رواه: البخاري ومسلم والنسائي.(4/1889)
ولحفظ الدين والعقيدة أوجب الله على الإنسان العاقل محافظة أركانه العملية، بإخلاص ومراقبة.. وحرم النفاق والكفر والفسوق والعصيان.. فالإيمان لا يبقي بغير عمل متطلباته العملية من عبادات صحيحة وأعمال صالحة.. والعمل الصالح لا يستقيم بغير إخلاص واستقامة.
3- ولا يحفظ الإنسان عقله إلا إذا احتفظ نفسه عن تعاطي الخمور والمخدرات والملاهي.. فالعلم المجرد عن العقيدة والخلق لا يقدر أن يحفظ عقول الناس كما هو الواقع اليوم. حيث تري وتسمع التقدم العلمي الهائل في ميادين الحياة ولكنك تجد العلم في جانب، والواقع في جانب آخر، فالعلم يقول: إن الخمر مضرة والواقع يقول: إنها مباحة.. والعلم يقول: إن الزنا مفسد وليس لصالح الجنس البشري
، والواقع يقول: إنه مباح.. وتري وتسمع الأكاذيب تنشر في المجلات والصحف والإذاعات بدون حساب فيساء إلى العقل في الحالتين: حين يفرض عليه أن يكتب أو يقرأ أو يسمع هذا فعليا وحين يفرض عليه أن يصدق هذا واقعيا.. فقد ظهرت نتيجة تضليل العقول وتغطية بصائرها بتراكم تلك الترهات على أفكارها قلة الذكاء، والإرهاق العصبي والعقلي، فالإحصائيات اليوم تثبت أن نسبة الذكاء في العالم قد تناقصت تناقصا هائلا، وأن الأمراض العقلية قد ارتفعت ارتفاعا مذهلا. يقول خبير أخصائي معاصر: (من الحقائق أن نصف عدد الأسرة في مستشفياتنا اليوم يشغلها أناس يثقلهم الإرهاق العصبي والعقلي) .
وقال غيره (1) : (إن شخصا من كل (22) شخصا من سكان (نيويورك) يجب إدخاله إحدى مستشفيات الأمراض العقلية بين آن وآخر) .
__________
(1) والقائل (ديل كارتجي) انظر (الأصول الثلاثة، الفصل الثاني، ج2 ص8 لسعيد حوى.(4/1890)
4- ولا يحفظ الإنسان (عرضه) وشرفه إلا إذا حفظ أعراض غيره وتدرع هو وأهله بدروع العفة والصيانة من تربية صحيحة، ورعاية، ومراقبة، ومعاشرة سليمة، وستر وإكرام ...
ففي الحديث قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم)) .
وقال (صلى الله عليه وسلم) : ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن..)) رواه: البخاري ومسلم والنسائي.
ولصيانة العرض شرع الله النكاح بتراض بين الطرفين مع حسن اختيار رفيق الحياة من كليهما قبل إبرام العقد. فالمعاشرة بمعروف حين قسم الحقوق بينهما حتى تثمر المحبة والمودة والسكن بينهما..
فإن جاء خلل فيما بينهما فلا بد من التريث والتؤدة والتشاور، فإذا انفصم الحبل بينهما وخيف من أضرار تصيب العرض والشرف ففي شرعه الحكيم: الطلاق، ثم الطلاق، ثم الطلاق بإحسان.
ولصيانة العرض أوجب الله التستر والعفة والعفاف والرعاية، وحرم السفاح ومقدماته ومهيجاته فأوجب الحد والتعزير..(4/1891)
5- ولا يقدر أحد أن يحفظ ثروته المالية عن الخسارة والضياع إلا إذا حفظها في حرزها عن تلاعب أيدي السفهاء، قال تعالى: {وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا} (1) . وإلا إذا أدى الحقوق التي فيها إلى أهلها من فقير وغريم، وعامل ومجاهد، وإلا إذا حفظها عن التطفيف والسرف والتبذير، والقمار، والميسر..
وقال تعالى: {كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (2)
وقال تعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ} (3)
فوفاء الكيل والميزان عند التبادل واجب شرعي والتطفيف والبخس والغرر الفاحش والغصب والسرقة والتلاعب به حرام والصيانة والحفظ في الحرز من واجبات المالك؛ لأن المال شقيق الروح.
ولحفظه حرم الله السرقة والغصب.. فأوجب قطع يد السارق قال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ} (4)
6- ولا يقدر أحد أداء مسؤوليته –الخاصة والعامة، الدينية والدنيوية، الفردية والجماعية، النفسية والعقلية والمالية، الشخصية والأسرية والشعبية، في منزله وفي مكتبه، وفي الشارع والنادي ... لا يقدر أحد من أداء تلك المسؤولية المتنوعة إلا إذا عرفها، وعرف قدرها، ومارسها بجد وإخلاص مع احترامه وتقديره ما للآخرين من حقوق.
ومن هذا تعلم: أن مقاصد الأخلاق الفاضلة مقاصد أساسية للكيان البشري وضرورياته وحاجياته، من (نفس وعقل، ودين، ومال، وعرض وشرف وكرامة في فرده، وأسرته، ومجتمعه، وأمته) .
لأن النفس البشرية لا تحيا إلا إذا كان لها: (حياة وعقل ودين ومال وشرف) : حياة تظهر وجودها وعقل تعقل به الخير والشر؛ ودين يحدد لها الأصلح والأسلم وغيره ويوضح لها الطريقين: طريق الخير وطريق الشر؛ ومال تحفظ به وجودها من غائلة الجوع والعطش، والحر والبرد، وتستعين به لبلوغ كل مقصد مطلوب، وتدافع به عنها كل ضرر.. وعرض يتشرف به ويؤهله من أن يستحق المسؤولية والخلافة ويستمد من الشعور به والاعتزاز به القوة والمنعة والشجاعة في الخوض في معترك الحياة.
لأن من لم يكن له عرض مصون وشرف يفتخر به فهو كالحيوان العجم لا يكون له حافز لحفظ شيء، فهو كالأنعام بل هو أضل سبيلا..
__________
(1) النساء: الآية (5)
(2) الأنعام: الآية (141)
(3) الأنعام: الآية (152)
(4) المائدة: الآية (38)(4/1892)
الفصل الثالث
في الأخلاق وأنواعها
تمهيد: في الأخلاق والنفوس البشرية وقابليتها:
إذا أردنا أن نبحث أخلاق الإنسان من حيث أنواعها وأقسامها وتأثيرها في سلوك الفرد والجماعة، ومن حيث مكانتها وغايتها.. فلا بد أن نلاحظ أولا: إلى ما أودع الله في الإنسان من غرائز وميول، وما أسنده إليه من تكاليف.. ليتبين لنا مدى أهمية الأخلاق في السلوك.
فلكل مخلوق في الأرض طابعه وعاداته، فللحيوان الأعجم عاداته وطبائعه، وللإنسان العاقل عاداته وأخلاقه.. فعادات الحيوان قليلة ومحدودة لضآلة مبلغ علمه، وقدرته وإرادته، بخلاف الإنسان، فقد أوتي من العلم والإرادة والقدرة والبيان والكمال الجسدي ما لم يؤتَ غيره، ولذا كانت دائرة عادته وأخلاقه كثيرة جدا..
وإذا لاحظنا تلك الأخلاق نجد بعضها يشترك فيه كثير من الناس، وبعضها يختص به أناس، وبعض منها قريب القبول من الناس وبعضها بعيد القبول.. وبعض منها يقبله العقل السليم والذوق المستقيم. وبعض منها يرفضه ويأباه.. وبعضها يتفق مع سنن الكون، وبعضها يختلف معه تماما.. وبعضها حسن يجتمع الناس على حسنه، وبعضها سيء يتفقون على فحشه وقبحه، وبعضها يتنازعون فيه، وبعضها ثابت، وبعضها متغير.. فبعض من الناس مفكرون وبعضهم مقلدون وبعضهم شهوانيون، وبعضهم أنانيون. إلخ..
ومنهم من عنده استعداد لنوع من السلوك، ومن عنده استعداد لنوع آخر، ومنهم من توصل بتجربته إلى نوع معين من الأخلاق.. وقد قيل: إن أهل البلاد الحارة أكثر كسلا.. وإن أهل البلاد الباردة أكثر هدوءا.. وإن أخلاق النباتيين تختلف عن أخلاق أكلة اللحوم (الإسلام لسعيد حوى ص: 97، 98) .
وهذه الأخلاق منها الحسن والسيئ والطيب والكريم والخبيث واللئيم. فالكذب خلق سيء، وكذلك الغش والخيانة.. والصدق خلق كريم، وكذلك الإخلاص والعفة..
فمن الذي يصدر الحكم على كل خلق بأنه حسن أو قبيح؛ هل يستقل العقل البشري بالحكم؟ أو التجربة الطويلة..؟ أو الله الذي هو أحكم الحاكمين..؟
لا ريب أن العقل السليم لو فكر تفكيرا سليما أنه يصل إلى أحكام صحيحة في الحكم على بعض الأخلاق.. كالتسويف بإنجاز الواجبات.. ولكن العقل والتجربة لا يصلحان للحكم على جميع الأخلاق ألبتة.. لأن أحكامها ليست أحكاما قطعية للأسباب التالية:(4/1893)
1-لأن العقل البشري ليس محيطا على كل عمل ونتائجه فيصدر أحكاما على كل شيء.
2-وأن بعض الأخلاق يصعب عليه ترجيح أحد جانبي الخير والشر في الحكم عليها.
3-وأن نتائج التجربة قد لا تظهر إلا بعد مدة طويلة في كثير من الأخلاق.
4-وأن شهوات الإنسان وأهواءه يؤثران على الحكم أحيانا.
5-وأن عقول البشر تتفاوت، وتجاربهم تتغاير، فلا يتفقون على تحسين سيء أو تقبيحه.
6-ولأن كثيرا من الأخلاق تبدو كأنها سيئة.. فما فيه مصلحة لواحد قد تكون فيه مفسدة للآخرين، وبالعكس.
ومن ثم جعل الله سبحانه أمر إصدار الحكم بتحسين الحسن وتقبيح القبيح إليه وحده، قال تعالى: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} (1) . وقال: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} (2) لأن الله وحده هو الذي يحيط كل شيء علما. وهو الحكيم الخبير المنزه عن الخطأ، وهو الغني عن خلقه، وهو خالق الإنسان وفعله، فليس لغيره حق الحكم على الإنسان وأخلاقه. قال تعالى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (3) .
فالله وحده هو الذي يحكم سلوك الإنسان بأنه حسن أو قبيح، وهو الذي يزكيه كما بين في كتابه العزيز، حيث حكم خلق نبيه بالعظمة، قال تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (4) ، ولذا قال (صلى الله عليه وسلم) : ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) [الإمام مالك وأحمد والبيهقي] .
ومن التتبع في أشكال الأخلاق وآثارها المختلفة نعلم أن نقسمها قسمين:
فالأخلاق من حيث الخير والشر قسمان: فضائل ورذائل، أو محاسن ومفاسد. فالأخلاق الفاضلة هي الأصل في سلوك العاقل المتوازن النزعات والميول، المؤمن المتفكر، الواعي من أين أتي، وإلى أين ينتهي وماذا عليه من حقوق ...
وأما الرذائل: فهي حوادث تأتي من عدم التوازن، أو من عدم الإيمان، أو من عدم التفكير السليم.. والتقليد الأعمى.. أو من هواة النفس.
__________
(1) الأنعام: الآية (57)
(2) الأعراف: الآية (54)
(3) الملك: الآية (14)
(4) القلم: الآية (4)(4/1894)
المبحث الأول
في أهم الأخلاق الفاضلة
هناك أخلاق أساسية هي بمثابة الأصول، وأخرى تعتبر فروعا من الأصول فقد قيل:
أن أصول الأخلاق وأمهاتها أربعة: هي الإيمان، والعمل الصالح، والتواصي بالحق والتواصي بالصبر.. فمن لم يتصف بهذه الأربعة ولم يتخلق بها فهو في خسارة في كل عمل يمارسه.. قال تعالى: {وَالْعَصْرِ (1) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (2) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (3) } (1)
1-فالإيمان: يشتمل على جوانب العقيدة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر.. إلخ فهذا الإيمان هو الحافز الأساسي لطلب كل سلاح نفسي ومالي، ولممارسة كل عمل صالح، كما هو الوازع الأساسي عن فعل كل عمل فاسد، في نفسه، أو مجتمعه في الحال. أو المآل.. فلذا قال (صلى الله عليه وسلم) ((لا إيمان لمن لا أمانة له)) رواه الطبري وأحمد.
2-والعمل الصالح: يشتمل كل عمل مثمر في هذه الدنيا –كزرع المأكولات الأساسية والصناعات المفيدة –ومثمر في الدار الآخرة- كأداء الصلوات- ومثمر فيهما –كإصلاح ذات البين- مع مراعاة آداب كل. قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ} (2)
3- والتواصي بالحق: يتضمن كلا من النصيحة، والأمر والنهي، والدعوة إلى كل خير، والمنع من كل شر.. فردي، وعائلي وشعبي.. دنيوي وأخروي..
4- والتواصي بالصبر: يشمل الأمر على أداء المسؤولية الحقة وأدائها، والصبر على مشقة كل عمل صالح وعن كل ما تشتاق إليه نفسه من كل ما يعود عليها أو على المجتمع بالضرر ولو بعد حين.
وفي الحديث قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم..)) [رواه مسلم] .
5- ومن الأخلاق الكريمة الرئيسية: الإخلاص في كل عمل، قولي أو فعلي، فردي أو جماعي، فهو خلق كريم وشامل، يشجع الإنسان إلى إتقان العمل. ويقيه من الرياء والسمعة.. فيعيش في هذه الدنيا حياة طيبة ومطمئنة.. قال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} (3)
__________
(1) العصر: الآيات (1-3) .
(2) فاطر: الآية (10)
(3) النحل: الآية (97)(4/1895)
6- والاستقامة بإصلاح النفس: خلق شامل في كل عمل يعمله الإنسان سواء كان العمل دنيويا أو أخرويا وصاحب هذا الخلق فائز، وآمن مطمئن في بحبوحة عيش.
قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (1)
وقال تعالى: {وَأَنْ لَوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} (2) . وقال: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى} (3) .
7- والصدق: خلق كريم يدخل في كل باب من أبواب العمل، فهو الصدق في كل قول يقوله الإنسان: منشئا أو مخبرا أو ناقلا. عن نفسه، أو عن غيره ... قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (4) وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (5)
8- والأمانة: تشمل حفظ جميع الأمانات من نفس، ومال، وعرض، ودين، وشهادة حق، وقوة وعقل وعلم وعضو.. وجميع المواهب.. وهي فضيلة خلقية يستحق الإنسان بها الثواب الجزيل، قال تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (6) . ومن لا أمانة له لا إيمان له. فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (ما خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) إلا قال: ((لا إيمان لمن لا أمانة له)) ) [رواه الطبراني وأحمد] .
9- والعفة: هي خلق كريم يشمل العفة عما في أيدي الناس مما لا حق له، وعن الزنا ومقدماته وعن القذف ودواعيه وعن الفسوق ومظانه وعن السرقة وسبلها، وهي منقبة عظيمة تدعو وتؤهل صاحبها للرفعة والسؤدد، والطمأنينة النفسية ويستحق المجتمع الذي سادت في أفراده الأمن والاحترام والشرف والمحافظة والرعاية كما تنعدم فيه –أو تقل- الجرائم والمشاكل الجنسية والعائلية.
قال تعالى: {وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ} (7) . وقال في الحديث: ((عفوا عن نساء الناس تعف نساؤكم)) .
__________
(1) الاحقاف: الآية (13)
(2) الجن: الآية (16)
(3) الأعلى: الآية (14)
(4) التوبة: الآية (119)
(5) الأحزاب: الآية (70-71)
(6) الأنعام: الآية (82)
(7) النور: الآية (33)(4/1896)
10- ومنها: الوفاء وهو خلق رفيع يشمل وفاء العهود والعقود، كما يشمل مراعاة الحقوق، وإعطاء كل ذي حق حقه.. بين الأفراد، والأسر، والأمة وبين العمال وأرباب العمل، وبين الموظفين وأصحاب الوظائف..
قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} (1) وقال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَإِيَّايَ فَارْهَبُونِ} (2) . وقال: {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا} (3) .
11- ومنها الإحسان: فهو الإحسان في العمل –إتقانه- والإنفاق بالمال في المحتاجين وفي المشاريع الخيرية.. وهو باب واسع وعريق في خلق المسلم. وقد ذكر في القرآن كثيرا.. قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (4) . وقال: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ} (5) .
قال تعالى: {وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ} (6) . وقال: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى} (7) .
12- ومنها: التعاون: وهو يشتمل على التعاون بأداء الأعمال الواجبة والخيرية والتعاون بسد المشاكل وإزالتها وجلب المصالح.. قال تعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى} (8) .
13- ومنها: النصيحة: فالنصيحة هي خلق كريم ورفيع. وفي الحديث الشريف: ((الدين النصيحة قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم)) . [رواة مسلم] .
14- ومنها: الجد وهو ضد الهزل، واللهو واللعب وضد الكسل والتكاسل.. وهو الحافز الثاني بعد الإيمان لعمل كل ما يصلح ودفع كل ما يضر.. وفي الحديث قال (صلى الله عليه وسلم) : ((اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)) [رواه الحاكم والبيهقي] .
وفي حديث آخر: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((بادروا بالأعمال سبعا. هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غني مطغيا، أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر، أو الساعة فالساعة أدهى وأمر)) . [رواه الترمذي وابن حبان] .
__________
(1) المائدة: الآية (1)
(2) (البقرة: الآية (40)
(3) النحل: الآية (91)
(4) (النحل: الآية (90)
(5) الإسراء: الآية (7)
(6) القصص: الآية (77)
(7) (لقمان: الآية (22)
(8) (المائدة: الآية (2)(4/1897)
15- ومنها البر وهو خلق شامل يشمل الإيمان بجميع أركانه، والأعمال الصالحة من صلاة وزكاة وصدقة وصلة، ووفاء عهد وصبر ومجاهدة، وصدق. وكل خلق كريم. قال تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (1) .
وفي الحديث: ((البر حسن الخلق)) [رواه مسلم والترمذي] .
16- ومنها العدل وهو خلق عميم فليس مقصورا بالحكم بين المتخاصمين في المحاكم كما هو المتبادر، بل هو أعم من هذا فيدخل فيه العدل بين الأولاد والأخوة، وبين الزوجات والخدم وبين أرباب العمل والعمال وبين القريب والبعيد، وبين الغني والفقير.
قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} (2) وفي الحديث قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم، اعدلوا بين أبنائكم..)) [رواه أصحاب السنن وأحمد وابن حبان] .
17- ومنها الأمن والسلامة منه. فالسلامة خلق أصيل فمنه اسم الإسلام ... وفي الحديث: ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر ما نهى الله عنه)) . [متفق عليه] . وزاد الترمذي: ((والمؤمن من أمنه الناس على دمائهم وأموالهم)) . وزاد البيهقي: ((والمجاهد من جاهد نفسه في طاعة الله)) .
18-ومنها: الحياء – وهو من صميم ديننا الإسلامي ففي الحديث: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((أن لكل خلقا وخلق الإسلام الحياء)) [رواه الإمام مالك في الموطأ وابن ماجه في سننه] .
والحياء والإيمان قرينان لا ينفك أحدهما عن الآخر. ففي الحديث. ((الحياء والإيمان قرناء جميعا. فإذا رفع أحدهما رفع الآخر)) [رواه الحاكم] وما ذلك إلا أنه شعبة من الإيمان كما في الحديث الذي رواه البخاري ((والحياء شعبة من الإيمان)) . وفي الحديث الآخر: ((الحياء من الإيمان والإيمان في الجنة والبذاء من الجفاء والجفاء في النار)) [رواه أحمد] وهو لا يأتي إلا بخير. كما رواه البخاري ومسلم. فهو خلق ضروري لحفظ إيمان المرء ومروءته..
__________
(1) البقرة: الآية (177)
(2) النساء: الآية (58)(4/1898)
المبحث الثاني
في أهم الأخلاق الفاسدة الأساسية
أن من أهم مفاسد الأخلاق الفتاكة المنتشرة في المجتمعات الإسلامية المعاصرة ما يلي:
1-النفاق: هو ضد الإخلاص. وهو فعل قلبي يفسد جميع الأخلاق الفاضلة والأعمال الصالحة، لأن صاحب النفاق شخص انطفأ نور قلبه. فلا يري في الأخلاق الفاضلة فضلا ولا في الأعمال الصالحة صلاحا. فالمنافق هو شخص يظهر خلاف ما يبطنه، وهو فاشل في كل عمل، وهو فاسد النية ومفسد.. وفاقد الإيمان وعديم الثقة.
يظهر نفاقه في قوله وفعله، في حديثه ووعده ومخاصمته.. ففي الحديث الصحيح ((آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف، وإذا خاصم فجر)) متفق عليه.
فالنفاق إيمانه وعمله، فلا بركة في عمله في هذه الدنيا والدار الآخرة.
قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (142) مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لَا إِلَى هَؤُلَاءِ وَلَا إِلَى هَؤُلَاءِ} . (1)
وفي الحديث عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((أربع من كن فيه كان منافقا خالصا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب وإذا وعد أخلف وإذا خاصم فجر، وإذا عاهد غدر)) . متفق عليه.
فالمنافق إنسان غير موثوق به عند غيره، وغير واثق بنفسه ولا بعمله، لأنه مذبذب بين أهل الحق وبين أهل الباطل، فهو دائما في خيانة وخديعة، وقوله كذب وافتراء ومخاصمته فجور وثرثرة، وهو مخلف الوعد، وغادر للمعاهدة، فلذا استحق أشد الوعيد من الله. قال تعالى: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (145) إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ} . (2) وإن هذا الخلق الفاسد خلق قديم فتاك اليم، فليحذر المسلمون من التخلق به. قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} . (3)
__________
(1) النساء: الآية (142-143)
(2) النساء: الآية (145-146)
(3) النور: الآية (63)(4/1899)
2- ومنها الكذب: فالكذب مفسدة خلقية خطيرة انتشرت في مجتمعنا الحاضر في جميع طبقاته في كافة الميادين. فانعدمت الثقة بين المتعاملين إلا ما قل وندر، فالكذب ضد الصدق.. وصاحب الكذب شخص ساقط في نظر الشريعة القيمة ومجرم يستحق التأنيب والتأديب. لأنه مسيء لنفسه ولدينه ولمجتمعه فالكذب يأتي من عدم العقيدة الراسخة ومن عدم الإيمان بعلام الغيوب وبالحساب والجزاء. ومن عدم الضمير الحي الذي يقدر نتائج الأقوال والأفعال في المحال والمآل. ومن عدم الاحترام لنفسه وأهله ومجتمعه والشريعة، والقانون والأخلاق كلية والكذب مفسدة أخلاقية تفسد في وقت قصير ما لا تفسده الأمراض الخطيرة في النفوس..
وفي الحديث ((المتبايعان إذا صدقا ونصحا بورك لها في بيعهما وإذا كتما وكذب نزعت بركة بيعهما)) . متفق عليه.
ولا يكون المؤمن كذابا، ففي الحديث: ((يطبع المؤمن على الخلال كلها إلا الخيانة والكذب)) رواه الإمام أحمد. وقد سئل النبي (صلى الله عليه وسلم) فقيل له: ((أيكون المؤمن جبانا قال: نعم. قيل أيكون المؤمن بخيلا؟ قال: نعم. قيل: أيكون المؤمن كذابا؟ قال صلى الله عليه وسلم: لا.)) رواه الإمام.
فالكذب والإيمان لا يجتمعان في شخص لأن الكذب يهدي إلى الفجور والشقاق وعدم الإيمان.. كما في الحديث الصحيح.
فلابد للمؤمن أن يتقي عن الكذب حتى إذا مزح..
3- منها الخيانة: وهي مفسدة خلقية خبيثة، تفسد الأمانة بين المتآمنين.. وهي تشمل كل فعل يخالف ما تعاهد الإنسان مع غيره، أو أخذ ما ائتمن عليه من مال أو منفعة أو عرض، أو تضييع شيء من ذلك، فهي مفسدة قديمة..
وقد فشت هذه المفسدة في مجتمعنا الحاضر، في كل درب من دروب الحياة بين رب البيت وأسرته، والراعي ورعيته، إلا النزر القليل فأفسدت كل شيء، وكل أمانة وكل علاقة، وكل سلوك وكل خلق.
وهي من علامات النفاق كما سبق.. وهي كثيرا ما تأتي من عدم الإيمان بالله الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور. ومن عدم الإيمان بالملائكة الكرام الكاتبين الشهود الذين يعلمون كل ما يفعله الإنسان أو يقوله. ومن عدم الإيمان بالكتاب وما تضمنه من وعد ووعيد لكل إنسان على فعله وقوله. ومن عدم الضمير الحي الذي يقدر نتائج الأعمال.. ومن عدم احترام نفسه ونفس من يخونه هو من فرد ومجتمع.(4/1900)
ومن عدم التقدير والمقارنة بين ما يستفيد من خيانته من متعة قليلة وبين ما ينتج منها من عار وعقاب أليم.. وفي الحديث عن أنس ابن مالك وعبادة بن الصامت أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((تقبلوا إلى بست أتقبل لكم بالجنة، قالوا: وما هن قال: إذا حدث أحدكم فلا يكذب، وإذا وعد لا يخلف، وإذا ائتمن فلا يخن، وغضوا أبصاركم، واحفظوا فروجكم وكفوا أيديكم)) . [رواه الحاكم بإسناد صحيح وبإسناد أخر فيه مقال]
قال تعالى ناهيا عن الخيانة وعاقبتها الوخيمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (1) وفي الحديث المرفوع الذي رواه عنه (صلى الله عليه وسلم) كل من أبي أمامة وسعد ابن أبي وقاص، وابن عمر رضي الله عنه أنه قال: ((كل خصلة يطبع أو ينطوي عليها المسلم إلا الخيانة والكذب)) . رواه ابن أبي شيبة في مصنفه. وابن عدي في كامله. والدارقطني في العلل كما في (الأحياء3/132)
4- ومنها النميمة: وهي ضد النصيحة والصلح والإصلاح وهي نقل كلام بعض لبعض على سبيل الإفساد. أو خلق معايب لبعض ونقلها إلى بعض أخر فهي مفسدة سلوكية خطيرة تفسد المحبة والمودة بين الناس، وتقطع العلاقات وتغري بالعداوة والبغضاء. ونقصد منها ما يشمل كل من النميمة والغيبة والبهتان والافتراء بجميع أنواعها وهي مفسدة خلقية خبيثة وقديمة.
وقد فشت هذه الظاهرة بصورة مذهلة في مجتمعات عصرنا بصفة عامة، وفي مجتمعنا الإسلامي بصفة خاصة حتى عمت وطمت. فأفسدت جميع العلاقات التي بين المرء وزوجة والوالد وولده، والإخوة والأخوات وبين العامل وأرباب العمل.. وبين الحاكم والمحكوم والدولة والدولة.. والشعب والشعب الآخر، والأبيض والأسود..
والنميمة قد تأتي من حقد دفين وحسد كمين في نفسية النمام سواء كان ذلك الحقد كان نتيجة ذنب سابق أم لا. وقد تأتي من توقع غرض ما من عمله هذا وقد تأتي من إغراء طرف أخر.. وقد تأتي من جهل ولآمة أو عصبية أو أنانية.
عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((ألا أخبركم بشراركم؟ قالوا: بلي. قال: المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبراء العيب)) . رواه الإمام أحمد وفي حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((أن من شرار الناس من اتقاه الناس لشره)) . متفق عليه.
__________
(1) الأنفال: الآية (27)(4/1901)
وفي حديث حذيفة رضي الله عنه قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((لا يدخل الجنة نمام)) متفق عليه.
5-ومنها: اتباع هوى النفس وشهواتها والجري وراء ملذاتها.
أن اتباع هوى النفس مفسدة خطيرة قد عمت وطمت، فأثرت في سلوك الأفراد.. والانقياد لهوى النفس يأتي من قبل الرغبات والشهوات فيؤثر السلوك والتفكير في شؤون الحياة. فيختار تابع الهوى المصلحة الخاصة الموهومة بتزيين من نفسه.. فيضر غيره بتشبيع رغباته وشهواته أن لم يضر نفسه في عاقبة أمره، فالهوى مفسده للنظام الطبيعي في حياة الإنسان. والانقياد للهوى مفسدة خطيرة لحياة الإنسان وعقله.. لأن الإنسان يعيش في حياته وسط تيارات شتى من النزاعات والشهوات التي تأتي من قبل نفسه.. وكثيرا ما يختار لنفسه ما يظن أن المصلحة فيه لها خاصة. ولو كان فيه ضرر بالغ لغيره أو لنفسه في عاقبة الأمر، فلا يهمه أن تكون أعماله سيئة ما دامت تشبع رغباته وأهواءه.
أن من أهم أهداف الإسلام مواجهة تلك الرغبات والأهواء، والحيلولة بينه وبين الانقياد لها، حفظا لتوازن الميول، وتحقيقا لإبقاء الحق في كفته. قال تعالى: {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} (1) .
فالهوى يشوش نظام ميول الإنسان المرتب المتناسق المتوازي فيختل التوازن واتباع الهوى يصرف الإنسان عن حقائق هذه الحياة وما خلق له إلى الأوهام التي تسد سبيل الحق. مثل أوهام الجنس والأنانية وحب التملك، والشره واللهو فلا يستجيب الحق فيهتدي به، بل يتمادى في ضلاله وطغيانه قال الله تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (2) .
وإن من أهم أسباب اتباع الهوى في هذه الحياة: ضعف أصيل في النفس. ونقص كبير في العقل المعرفة.
وكثرة المثيرات الجنسية والملاهي المعمية وحب المادة المطغية.. والتقليد الأعمى.
فالهوى يملك على العقل فيمنعه من الإدراك والتذكر والتفكر.. وتحوم نفسه حول نقطة واحدة.. فمنظر الهوى مخالف عن منطق العقل السليم فيضل الإنسان بغير علم، ولا هدى، ولا كتاب منير.. قال تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} . (3) وقال: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} . (4) .
وقال تعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنَ اتَّبَعَ هَوَاهُ بِغَيْرِ هُدًى مِنَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (5)
__________
(1) المؤمنون: الآية (71)
(2) القصص: الآية (50)
(3) الأنعام: الآية (119)
(4) الروم: الآية (29)
(5) القصص: الآية (50)(4/1902)
وإن أكثر أسباب اتباع الهوى في هذه الحياة –قديما وحديثا- هو ضعف في النفوس، ونقص في المعرفة.. وإغراء من المترفين.
ولذا ترى الهوى قد ملك عقل الإنسان –لاسيما عقل إنسان هذا العصر - فلا يدرك ولا يتذكر ولا يفكر.. بل تحوم نفسه حول نقطة واحدة. فمنطق الهوى مخالف عن منطق العقل.. فالهوى يضل الإنسان بغير علم كما هو دأب أكثر الناس في كل وقت –إلا ما شاء الله- قال الله تعالى: {وَإِنَّ كَثِيرًا لَيُضِلُّونَ بِأَهْوَائِهِمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أن رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُعْتَدِينَ} . (1)
وقال تعالى: {بَلِ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَهْوَاءَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ} . (2) .
وقال تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} . (3)
ومنها: السفور والجري وراء المادة تحت متطلبات الغرائز الجنسية، والأنانية، وحب التملك بغير تحديد.. والسفور هو الخروج عن الحشمة والحياء وهو التملص عن مراعاة المسؤولية عن السلوك، وهو عدو أو ضد للعفة والصيانة والشرف والمروءة..وفي هذا السلوك مفسدة عظيمة لا حد لها. لأنها تجرد الإنسان عن الأخلاق الفاضلة سواء كانت إنسانية محضة أو إسلامية.. وقد فشت تلك الظاهرة في عالمنا الإسلامي.
وهي ظاهرة خبيثة وقديمة قد استأصلها الإسلام بتوجيهاته وتحذيراته وحدوده وتعزيراته في أول عهده، فكان من سولت نفسه أن يفعل نوعا ما من السفور، كان شخصا لا قيمة له في مجتمعه، فكان يلقي من الحد أو التعزير أو الغرامة ما يزجره.
روي أن الخليفة العادل عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه كان يخشى من فتنة التبرج إذ كان يتعسس ذات ليلة فسمع امرأة تقول: هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم من سبيل إلى نصر بن حجاج. فقال: أما في عهد عمر فلا. واستدعي نصرا في الصباح فإذا هو من أجمل الناس وجها، فأمر بحلق شعره، ثم نفاه إلى بادية الشام. (انظر: فقه السنة) .
وروي عنه رضي الله عنه أنه رأي رجلا يمشي خيلاء فضربه، ثم رآه وهو مازال كما كان فضربه ثم رآه كذلك فضربه، فتاب الرجل عن سلوكه وشكر الخليفة.
فلكي يكون الإنسان كاملا متوازن الميول مستقيم الحال طاهر النفس، فليتخلق بالخلق الفاضل التي سبقت الإشارة إليه.. وليتنزه عن الرذائل كلها..
__________
(1) الأنعام: الآية (119)
(2) الروم: الآية (29)
(3) لقمان: الآية (6)(4/1903)
الخلاصة
في الإنسان الكامل الموازن المستقيم
أن الإنسان الكامل هو الذي له إيمان صادق كامل راسخ لا يزعزعه شيء، بل يدعو صاحبه إلى كل عمل صالح مثمر لنفسه ومجتمعه، وينفره عن ممارسة كل عمل باطل. ويدعوه إلى الحق. ومحبته والدفاع عنه، وصيانته.
هذا الإنسان المتصف بهذا الإيمان الصادق الكامل الراسخ.. لابد أن ينسجم معه فيعمل الصالحات دائما –قدر الاستطاعة- من كل ما افترضه الله الذي آمن به، وبكتابه، ورسله وملائكته ووعده ووعيده –عليه من العبادات والمعاملات الفردية والأسرية والجماعية، ويحرص على محافظتها ونشرها بين إخوته. ويدعو أهله ومجتمعه بقوله وفعله بحكمة مذكرا لهم ما في هذا العمل الصالح والإيمان الحق من فوائد فردية وجماعية. دنيوية وأخروية ويوصي نفسه وغيره محافظة هذا الحق ومداومته وإروائه ونشره، مشيرا له إلى ما يحيط به من عراقيل وعوائق نفسية وشيطانية وإنسية وجنية.. فيأمر بالصبر على ما في أداء ذلك الحق من مشقة نفسية وبدنية ومالية، كما يأمره بالصبر عن اللذات القليلة وشهوات النفس الأمارة بالسوء متذكرا فيما وعده الله لمن آمن بالحق وعمل به. وصبر عليه من ثواب عاجل وآجل.
هذا الإنسان المؤمن الصالح المحق الصابر الآمر الناهي هو الذي يعمل ذلك كله. بإخلاص قلبي، بلا رياء ونفاق. وبلا منفعة من غير ما ينتجه له عمله.
وهو الذي يستقيم على هذا الطريق دائما ليلا ونهارا في السراء والضراء. والشدة والرخاء، دون اعوجاج ولا ميل ولا ملل..
وهو يصدق في أقواله وأفعاله خبره وإنشائه فيطابق لسانه على الحق وفعله على قوله، فلا يخلطه بكذب ولا افتراء أو بهتان.
وهو الأمين الذي يأمن الناس بوائقه، ويأمنون من لسانه ويده، فلا يخون أحدا في ماله أو عرضه، بل يأتمنونه على ودائعهم وأماناتهم وعهودهم وعقودهم فيؤديها لهم في أوقاتها كاملة غير ناقصة، وفي مكانها المحدد.(4/1904)
وهو العفيف الذي يعف عن أعراض الناس، يعف عن الزنا ومقدماته، ويعف عما في أيدي الناس، يعف عن السرقة والغصب ومقدمات كل منهما. ويعف عن النفس البريئة، فيعف عن قتل الأنفس ومسبباته من سب وقذف وبغي وقطع طريق.. كما يعف عن تعاطي كل مخدر مفتر ومسكر، ومن كل ما يغير عقله أو صحته الروحية أو الجسدية.
وهو الوفي الذي يوفي كل ذي عهد عهده، وكل ذي عقد عقده، فيكمل الكيل إذا كال لأحد، ويتم الوزن إذا وزن له، فلا بخس لديه ولا غش..
وهو المحسن الذي يحسن العمل الذي يعمله، فيتقنه، ويحسن لأهله وإخوته، وأمته، فينفق ماله على المنكوبين والمحتاجين ويبذله في المشاريع الخيرية ويساعد أهل الخير بما لديه من علم ومال.. فلا يسيء معاملة أحد من مجتمعه.
وهو مع ذلك صاحب تعاون وتجاوب في الأعمال الخيرية، فهو رجل اجتماعي فيتعاون مع المتعاونين في المشاريع الخيرية ذات النفع الجماعي، مثل بناء المدارس والمساجد والملاجئ والمستشفيات فلا يتخاذل وليس بخائن ولا متكبر ولا أناني.. وهو البر الرحيم، يطيع والديه في غير المعاصي ويحترمهما ويدعو لهما، يوقر الكبير من قومه ويرحم الصغير.
وهو الأخ الكريم العدل الرؤوف، يعدل بين المتخاصمين أن أصبح حاكما، وبين أفراد الرعية أن كان راعيا، فلا ينجذب مع القرابة أن كان مستشهدا في قضية بين قرابته وبعدائه. ولا يميل إلى الغني لغناه.. بل دائما قوله الحق وحكمه الفصل، لا يأتي من طرفه ظلم ولا جور، وهو اليقظ، المجد، المجاهد، الذي تراه دائما في يقظة وجد واجتهاد قد قسم أعماله ونظمها في الأوقات، تراه مرة في عبادة ربه المحضة، ومرة في عمل وظيفته، ومرة في أعمال تنفع مجتمعه، وطورا تراه بين أولاده وأزواجه يدربهم للأعمال الجدية.
ولا تراه أبدا في خوض، ولا في مجون، ولا في تيه ولهو، ولا في قمار وميسر، ولا تراه أبدا يستمع إلى أغاني الغانيات وأناشيد المطربين العازفين، ولا تراه أبدا وهو يلهو ويشاهد رقصات الراقصات والأفلام الخليعة والمجلات الخرافية والمسرحيات الماجنة.(4/1905)
وربما تراه بقلة وهو يتجول مع أهله وأولاده في الحدائق لمشاهدة الطبيعة. أو تراه في سواحل البحار، يعلمهم السباحة وطبائع البحار، أو على قمم الجبال، ليطلعهم على طبائع هذا الكون.
وربما تراه طورا –في هذا العصر - وقد جلس مع أولاده أمام شاشة يرى ما عليها كأن جيشا مسلما يقاتل الأعداء ويدافع عن الإسلام والمسلمين والوطن ببسالة فيحببهم إليه. ولا تراه في هزل ولعب –إلا إذا كان طفلا- ولا في تكاسل وأسباب الغفلة وكيف تراه في ذلك اللهو واللعب.. إلا في حالة نسيان.. فيتوب منها ويستغفر فليس لذلك المؤمن وقت فاضل يقضيه في الملاهي..
فالمؤمن الكامل هو الذي يحفظ نفسه دائما عن الضلالة وهواها، ويحفظ دينه الحق عن أن يشوبه ضلال ويحفظ عرضه عن أن يمسه دنس أدنى مساس، فلا يسمح لأهله وأولاده ما يؤديهم إلى الانحراف أو التميع والانحلال ويحفظ عقله وماله عن كل ما يفسدهما في الحال والمآل.
وهو السخي الذي يبذل المال ويعطي، بلا تبذير ولا إسراف. في الطرق الخيرية والمباحة. فلا تراه يبخل بماله. كما لا تراه وهو يرابي به. وكما لا تراه مترفا مترفها.
فإذا: شخصية المسلم المؤمن المتصف بما سبق شخصية متميزة. متميزة في عقيدتها فلا تستقي هذه الشخصية المسلمة الصادقة عقيدتها من غير عقيدة الإسلام. ولا تأخذ مبادئها من غير مبادئ الإيمان. لأنها شخصية قد آمنت بقوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} . (1) .
وقوله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} . (2) .
وتأثرت بمثل قوله (صلى الله عليه وسلم) حينما أتاه عمر رضي الله عنه بكتاب من بعض أهل الكتاب فقرأه عليه. فغضب ((أتتهوكون –أي أتشككون ملتكم- فيها يا بن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لو أن موسي كان حيا ما وسعه إلا أن يتبعني)) رواه الإمام أحمد.وبمثل قوله (صلى الله عليه وسلم) حينما جاءه أناس من المسلمين بكتف كتبوا فيها ما سمعوا من اليهود: ((كفي بقوم حماقة أو ضلالة أن يرغبوا عما جاء به نبيهم إليهم إلى ما جاء به غيره إلى غيرهم)) أبو داود. فنزلت الآية: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} . (3) .
__________
(1) آل عمران: الآية (19)
(2) آل عمران: الآية (85)
(3) العنكبوت: الآية (51)(4/1906)
وهي –أيضا- شخصية متميزة في عبادتها في صلاتها وصيامها، وحجها وذبحها..
قال تعالى: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ} . (1)
وقال (صلى الله عليه وسلم) : ((صوموا يوم عاشوراء، وخالفوا فيه اليهود وصوموا يوما قبله أو يوما بعده)) . رواه أحمد.
وهي –أيضا- متميزة في أخلاقها، في حرصها على التكوين والتربية، على الصدق والأمانة على التحلي بالفضائل والتخلي عن الرذائل، لغيرها قدوة صالحة. تتحلي بالفضائل التي تدعوا إليها أولا، لأنها تستقذر العتاب والوعيد الذي في مثل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ (2) كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ} . (2) ومثل قوله: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ وَأَنْتُمْ تَتْلُونَ الْكِتَابَ أَفَلَا تَعْقِلُونَ} . (3) . واستنارت بموقف الخليفة الراشد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من التخلق والتطبيق بكل ما يقول. فقد روي أنه كان يجمع أهل بيته ليقول لهم: (إني سأدعو الناس إلى كذا وكذا، وأنهاهم عن كذا وكذا، وإني أقسم بالله العظيم لا أجد واحدا منكم أنه فعل ما نهيت الناس عنه، أو ترك ما أمرت الناس به إلا نكلت به نكالا شديدا..) ثم كان رضي الله عنه يخرج ويدعو الناس إلى الخير، فلم يتأخر أحد عن السمع والطاعة لإعطائهم القدوة بفعله قبل إعطائهم إياها بقوله..
__________
(1) البقرة: الآية (144)
(2) الصف: الآية (2-3)
(3) البقرة: الآية (44)(4/1907)
تنبيه
اعلم يا أخي القارئ أن ما سبق لنا في هذا البحث من عرض حول مفاهيم الأخلاق، ومنشئها ومصدرها وقيمها وأنواعها.. إلخ إنما كان قصدنا منه الإشادة بمكانة الأخلاق الفاضلة في سلوك الإنسان والتنبيه والتذكير إلى شمولها بجميع شعب الإسلام.
وإن الأخلاق الفاسدة التي ذكرناها في الفصل الثالث منه من (نفاق وكذب وخيانة ونميمة) وغيرها.. إنما عرضتها عرضا سريعا بغير إشارة إلى كيفية لمعالجتها مع كونها من أخبث المفاسد الخلقية الأساسية في المجتمع المعاصر. وذلك للأسباب الآتية:
أنها مفاسد قديمة، ومنشؤها من النفس الخبيثة وقد حذرنا الله تعالى من مغبتها في كتابه الكريم مرارا، كما وضحها لنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) في أحاديثه الشريفة فليس في قبحها وحرمتها غموض ولا شائبة.
وأن حرمتها والتحذير منها لما اتفق عليه جميع عقلاء الناس قديما وحديثا، فليس لها مشجع.
وإنها ليست مقصودة في موضوع البحث المطلوب دراسته المقدم من شعبة التخطيط –حسب نظريتي-.
وإنما ذكرتها في هذا البحث كتوطئة لما بعدها من المفاسد الخلقية الآتية التي انتشرت في مجتمعنا الحاضر بصفة ذريعة، والتي اختلق لها معاذير ومبررات ومشجعات.
وهي: الملاهي المحرمة من أغان ماجنة ومسكرات وما صاحبهما من مثيرات الغريزة الجنسية: من تبرج جاهلي واختلاط بين الجنسين وإلى آخر ما سيأتي –إن شاء الله-.(4/1908)
الفصل الرابع
الملاهي المحرمة
المبحث الأول
الأغاني والمعازف وأحكامها في الإسلام
أن من أهم الأسباب التي أفسدت الأخلاق وأتت بالانحراف والانحلال والميوعة لكثير من أبنائنا وبناتنا ورجالنا ونسائنا في هذا العصر كثرة الملاهي المحرمة شرعا. كما سنبين فيما بعد إن شاء الله.
وإن من أهم تلك الملاهي المشؤومة هذه الأغاني المائعة الماجنة مع ما يصاحبها من المعازف والموسيقي المطربة. التي تبثها الإذاعات والتلفزة المحلية والمستوردة بأساليب مختلفة منفردة، أو ضمن مسرحيات وقصص غرامية، وأفلام خليعة.. وقد اكتظت بتلك الظاهرة السيئة جميع الأندية ودور السينما في جميع أقطار عالمنا الإسلامي –إلا ما قل وندر- حتى دخلت تلك المفسدة الخطيرة الفنادق السياحية وكثيرا من البيوت العائلية المتحضرة عن طريق الفيديو.
وقد تسبب عن هذه الظاهرة الخبيثة انهيار خلقي رهيب، بسرعة مذهلة في جميع طبقات الأمة لا سيما الشباب والمراهقين الذين لم يتربوا تربية إيمانية صحيحة وخلقية صالحة فأفسدت عفتهم فلا ترى شابا عفيفا غيورا يصون شرفه وعرضه عن الضياع إلا من عصمه الله ولا شابة تحفظ شرفها وعفتها من أماكن الريبة إلا من عصمها الله. ولا ترى أكثر الآباء والأمهات في كثير من مجتمعاتنا إلا وقد أهمل تربية أولاده. في تلك الناحية، فماتت غيرته نحو صبيانه وعرضه شيئا فشيئا. بل أصبح كثير من شبابنا مضحكين وممثلين ومغنيين ومطربين وهكذا يظهرون في كل مكان في مشيتهم ولبستهم.. حتى ضاعت اللياقة والاتزان والتعقل والتمييز بين الحق والباطل. وبين الحسن وبين القبيح، وبين المفيد وغير المفيد فأصبحوا إمعة مع أن نبينا محمدا (صلى الله عليه وسلم) نهى عن ذلك ((لا يكن أحدكم إمعة ... )) كما سيأتي..
كم ترى منهم من لم يحفظ القرآن الكريم غير فاتحة الكتاب وقد حفظ عشرات من الأغاني الخمرية. وكم تلاقي من امتلأت خزانته من عجلات الأغاني المائعة والألحان المطربة وليس لديه كتاب واحد من الكتب الإسلامية الصحيحة أو العلمية النافعة؟
وكم تشاهد من لم يتعرف اسم راو من رواة الحديث المشهورين مع أنه يذكر لك عشرات من المغنين والمطربين عن ظهر قلب.؟
وقد أفسدت تلك الأغاني: العقل، والدين، والشرف، والمال، والأمل، , بعدما أماتت الأخلاق الفاضلة وأقبرتها فأصبح الإنسان الذي اعتاد بممارسة تلك الأغاني الماجنة، والقصص الخرافية الجنسية، والأفلام الفاجرة باستماعها ومشاهدتها، أصبح إنسانا فاقد العقل والوازع الديني والخلقي.(4/1909)
هذا هو الواقع المرير، وهو الوضع الذي نحاول تغييره بأسلوب حكيم غير مثير، فلا بد لنا من عرض هذا الموضوع، بشيء من التفصيل مع شيء من أدلة تحريمية من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين والأئمة والفقهاء المعتبرين في هذا الميدان فنقول: تعريف الغناء: -الغناء بالمد- هو رفع الصوت مطلقا. قال ابن الأثير في (نهاية الأرب: 3/390) . وابن منظور في (اللسان) . وقيل: أنه يطلق على الترنم وعلى الحداء وعلى الإنشاد ويطلق على (التمطيط والتلحين بالأشعار على النغمات الموسيقية. وإذا أفرد –عن الإضافة- فالمراد به هذا الأخير) وفاعله يسمى مغنيا، لأنه يحرك به الساكن ويبعث به الكامن، ويعرض بالفواحش) . انظر: (الفتح جـ2 ص: 442 وجـ: 3 ص: 393) .
ومنشؤه كان من دولة الفرس قبل الإسلام فكانت الملوك تحصر لسماعه ومشاهدته ثم انتقل إلى العرب عن طريق اختلاطهم بالعجم عند الفتح الإسلامي في العصر الأموي فالعباسي، واقترنت معه آلات الطرب (المزامير، والطنابير، والعيدان....) ثم انتقل هذا النوع من الغناء إلى (الأندلس) في أوائل العهد العباسي، وقد انخرط وانحرف فيه بعض من الخلفاء العباسيين. كـ (الرشيد.. والواثق بالله، والمنتصر، ... ) .
كما قاله كل من ابن الأثير في (النهاية) والأصفهاني في (الأغاني) . وابن خلدون في (المقدمة) .
وقد افتتن به بعض فقهاء ذلك العصر. (كإبراهيم بن سعد الزهري) و (عبيد الله العنبري) وبعدهما (محمد بن حزم الظاهري) . انظر: ما رواه الخطيب في (تاريخ بغداد: 6 /83) و (التقريب 1 /35 وذم الملاهي.) .
وقد امتد الغناء وازداد عشاقه حتى وصل في عصرنا هذا الغاية القصوى، فغمر الأندية والمحافل. وأصبح الشغل الشاغل عند كثير من الناس بصفة لا مثيل لها، كما سبقت الإشارة إليه.
موقف الإسلام منه بصفة عامة أن الغناء انفعال يشترك فيه جميع الأمم. فكل أمة لها غناء لأنه من خصائص البشر، فلكل حاسة من حواسه مستلذ. فالعين تستلذ المناظر الجميلة، والأذن تستلذ الأصوات العذبة.. انظر: مقدمة كتاب السماع لأبي الوفاء المراغي (ص12) .
لذا يري الإسلام أن الصوت الطيب من حيث هو طيب لا حرمة فيه، بل هو حلال فليست حرمة الأصوات الطيبة لكونها طيبة أو لكونها موزونة، وإنما حرمتها لأسباب أخرى. أهمها ثلاثة كما نقله الأستاذ (أحمد مصطفى) في (مفتاح السعادة: 3/385) .(4/1910)
وهي:
1-أن الأغاني من شعار أهل الفسق وعادتهم فيمتنع التشبه بهم، (الإحياء: 2/269 ومفتاح السعادة 3/385) .
2-وإنها تذكر مجالس الفجور، فتدعو إليه وكل ما يدعو إلى الفجور فهو حرام. (ذم الملاهي 83) .
3-وإنها تطرب الإنسان فتخرجه من حد الاعتدال والاتزان. انظر إغاثة اللهفان ص (267) .
فكان تحريم الغناء من قبيل تحريم الجار إلى الحرام. كتحريم الخلوة مع الأجنبية لكونها مقدمة إلى الزنا. وكتحريم النظر إلى الفخذ لأن التساهل فيه يؤدي النظر إلى السوأتين فلهذه العلل وغيرها حرمت الأصوات المطربة بالأوتار والمزامير والموسيقي.
وخلاصة القول فيه أن: الغناء المعروف –قديما وحديثا- ينقسم من حيث الحل والتحريم إلى قسمين:
قسم لا خلاف في جوازه بين أهل العلم، ومن هذا القسم الأغاني المعروفة في صدر الإسلام بالأشعار الحماسية وما شاكلها في كل زمان من الأشعار المشجعة في الجهاد والبناء والعمل، إذا سلمت من كل فحش وفسق وفجور، ومن هذا القسم أيضا ما يقال في مناسبة العيد والعرس، وقدوم الغائب.. إذا خلا –أيضا- من الفحش والفجور.. وعلى هذا القسم يحمل كل ما ورد من الأحاديث والآثار التي وردت في إباحته، سواء كان مع الدف أو بغيره.
وقسم منه اتفق الجمهور على تحريمه وهو (الغناء المعروف بالتلحين والتمطيط والترنم على النغمات الموسيقية) . فقد اتفقوا على تحريم هذا النوع من الغناء لأمور عديدة. منها: اقترانه بالمعازف والمزامير الشيطانية، التي وردت الأدلة الصحيحة على تحريمها. كما سيأتي.
ومنها: ورود الأحاديث في ذم الغناء المعروف بهذه الصفة، وما نلمسه من بعض الآيات القرآنية. وما يؤيد ذلك من الآثار الثابتة عن الصحابة والتابعين كما سيأتي.
وخالف الجمهور في حكم هذا النوع ابن حزم الظاهري ومن تبعه على شذوذه.
فذهبوا إلى إباحة الأغاني وآلات الطرب.
فلننظر إلى ما استدل به الجمهور على قولهم من الكتاب والسنة، وأقوال الصحابة والتابعين، وإلى ما تشبث به ابن حزم لتأييد ما قاله.(4/1911)
المبحث الثاني
أدلة تحريم الأغاني والمعازف
لقد استدل الجمهور على تحريم الغناء المذكور بكل من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين:
فمن الكتاب:
1- استدلوا من الكتاب قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (1) وقالوا: إن أصح ما فسرت به الصحابة (لهو الحديث) هو (الغناء) فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه: أنه قال: هو (الغناء وأشباهه) . كما رواه البخاري في الأدب المفرد ص 432 والبيهقي في السنن: 10/ 223. وابن جرير في تفسيره (21/ 60) . (وإغاثة اللهفان: 1/ 238) .
وروي عن ابن مسعود رضي الله عنه: أنه قال: (هو والله الغناء) كما رواه: الحاكم (2/ 411) . والبيهقي (10/ 223) وابن أبي شيبة بإسناد صحيح: انظر: (تلخيص الحبير 4/ 200) و (الإغاثة) جـ1 ص: 240) .
وروي عن جابر رضي الله عنه قوله: (إنه الغناء والاستماع له) كما أخرج الطبري في تفسيره: 21 / 61.
وروي عن مجاهد قوله: (إنه الغناء) . كما رواه البيهقي 10/ 223 وابن جرير في التفسير: 21/ 62.
__________
(1) لقمان: الآية (6)(4/1912)
وكذلك روي عن عكرمة قوله: (إنه الغناء) . رواه البيهقي في السنن الكبرى: 10/ 223.
وروي عن قتادة قوله: (إن لهو الحديث كل لهو ولعب) . أخرجه الطبري في التفسير: 21/ 21.
وروي عن الواحدي قوله: إن أكثر المفسرين ذهبوا على أن المراد بلهو الحديث (الغناء) .
فمن هذا نعلم أن الآية تدل على تحريم الغناء المعروف الآن بلا شك.
2- وقوله تعالى: {أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ (59) وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ (60) وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} (1) . فقد قالوا: أن لفظة (سامدون) معناها: المغنون واللاهون اللاعبون، والمستكبرون الأشرون البطرون، والغافلون المعرضون المشتغلون عن أمورهم بالهموم والأفراح. كما روي عن بعض الصحابة والتابعين والمفسرين..
فقد روي عن ابن عباس رضي الله عنه: (أن السمود هو الغناء باللغة الحميرية) .
(الإغاثة) 1/ 258) وفسره –أيضا- (باللهو) أخرجه الطبري في (التفسير: 17/ 82) .
وقال الضحاك (هو اللهو واللعب) كما أخرجه الطبري في (التفسير: 17/ 82) . وقال مجاهد: (هو البرطمة) والبرطمة هي (الانتفاخ غضبا) كما في القاموس –أخرجه الطبري 870.
__________
(1) النجم: الآية (59-61)(4/1913)
وقال المبرد: (السمود هو الاشتغال عن الشيء بهم وفرح يشاغل به) انظر (الإغاثة: 1/ 258) .
وقال الأنباري: (السامد: اللاهي والساهي والمتكبر.) .
وقال ابن عباس رضي الله عنه: ( {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} : أنتم مستكبرون) (الإغاثة: 1/ 258)
وقال الضحاك: ( {وَأَنْتُمْ سَامِدُونَ} : أشرون بطرون) انظر (إغاثة اللهفان: 1/ 258) .
وقال غيرهم: (أنتم سامدون: لاهون غافلون معرضون) (الإغاثة 1/ 258) .
والمعلوم أن الغناء يجمع تلك المعاني كلها فلا تناقض بين المعاني كما لا يخفي.
انظر: (الأغاني والمعازف وآلات الملاهي. للمحقق كتاب الآجري: ص380-381) .
3- وقوله تعالى في سورة الإسراء: {وَاسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ} (1) . قال الله تعالي هذا القول في خطابة إبليس عدوه وعدو بني آدم بصفة عامة، فما هو صوت إبليس –عليه اللعنة- في هذه الآية؟
فقد قال مجاهد عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: صوت الشيطان: هو (الغناء والمزامير واللهو) .
وقال الضحاك: (صوت الشيطان في الآية هو صوت المزمار) .
وقال مجاهد في تفسير هذه الآية: صوته –أي صوت إبليس- (الغناء والباطل) رواه عنه ابن أبي حاتم. وقال –أيضا-: (صوته هو المزامير) رواه ابن أبي حاتم.. ثم روى بإسناده عن الحسن البصري قال: (صوته هو الدف) انظر (الإغاثة: 1/ 356) .
ومن هذا كله نعلم علما أكيدا: أن الغناء المعروف المنتشر مع ما يصاحبه من آلات الطرب واللهو هو من صوت إبليس وندائه إلى طريقته. فلا بد من تحريم ذلك إذن بهذه الآيات الثلاثة وغيرها من الآيات القرآنية.
__________
(1) الإسراء: الآية (64)(4/1914)
ومن الحديث:
مما استدل لتحريم الأغاني والمزامير والموسيقي أحاديث كثيرة ومروية في كتب الحديث المعتمدة. فلنأخذ منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي:
1- عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) أخرجه البخاري في صحيحه محتجا به وعلقه تعليقا مجزوما به. ورواه أبو داود في سننه مختصرا وابن حبان في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى. والطبراني في المعجم. والذهبي في تذكرة الحفاظ، وابن القيم في إغاثة اللهفان.. فالحديث ثابت وصحيح، قد اتفق على صحته جمهور المحدثين وما خالف في ذلك إلا ابن حزم الظاهري ومن اقتدي به.
والحديث من معجزاته الخبرية لأن مضمونه قد تحقق، فقد استحل كثير من الأمة (الحر) –وهو الفرج والمراد الزنا، و (الحرير) . (والمعازف) وهي: آلات الملاهي كالعود والدف، والعازف هو اللاعب بها، قال الذهبي في التذكرة: (المعازف اسم لكل ما يعزف به، كالطنبور والزمر والشبابة وغير ذلك من آلات الملاهي) .
ووجه الدلالة منه: أن المعازف هي آلات اللهو كلها ولا خلاف بين أهل اللغة في ذلك. ولو كانت حلالا لما ذمهم على استحلالها. ولما قرن استحلالها باستحلال (الخمر والزنا) .
2- وعن عبد الرحمن بن غنم الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((ليشربن ناس من أمتي الخمر يسمونها بغير اسمها، يعزف على رؤوسهم بالمعازف والمغنيات، يخسف الله بهم الأرض، ويجعل منهم القردة والخنازير)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، والبخاري في التاريخ، وأبو داود في سننه، وابن ماجه في سننه –واللفظ له- والبيهقي في السنن، وابن حبان في صحيحه. والطبراني في الكبير، وقال البيهقي بعد أن أخرجه في السنن الكبرى 10/ 221: ولهذا شواهد من حديث علي وعمران بن حصين، وعبد الله بن بسر، وسهل بن سعد، وأنس بن مالك وعائشة، رضي الله عنها عن النبي (صلى الله عليه وسلم) . فدرجة الحديث: أنه حسن لغيره، وقد صححه ابن حبان.
ووجه الدلالة منه: أن فيه توعد مستحلي المعازف والمغنيات بالخسف والمسخ.(4/1915)
3- وعن أبي أمامة الباهلي رضي الله عنه عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((تبيت طائفة من أمتي على أكل وشرب ولهو ولعب، ثم يصبحون قردة وخنازير باستحلالهم الخمور وضربهم بالدفوف واتخاذهم القينات)) [رواه الإمام أحمد والطبراني، وأبو نعيم وابن أبي الدنيا] .
4- وعن على بن أبي طالب رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((إذا فعلت أمتي خمس عشرة خصلة حل عليها البلاء قيل: يا رسول الله وما هن؟ قال: إذا كان المغنم دولا. والأمانة مغنما. والزكاة مغرما، وأطاع الرجل زوجته، وعق أمه، وبر صديقه، وجفا أباه، وارتفعت الأصوات في المساجد، وكان زعيم القوم أرذلهم، وأكرم الرجل مخافة شره، وشربت الخمور، ولبس الحرير واتخذ القينات، ولعن آخر هذه الأمة أولها، فليترقبوا عند ذلك ريحا حمراء، أو خسفا أو مسخا)) . رواه الترمذي وابن أبي الدنيا. وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي مثله. وحسنه الترمذي.
من هذه الأحاديث وغيرها نعلم: أن الأغاني المطربة الحالية وما رافقها من المعازف والموسيقي محرمة كالخمر والزنا، لما في هذه الأحاديث المتعاضدة من وعيد شديد. بوقوع الخسف والمسخ في هذه الأمة، المقيد بأصحاب الأغاني والمعازف وشاربي الخمور.
وقد قيل عن بعض أهل العلم (إذا اتصف القلب بالمكر والخديعة والفسق، ثم انطبع بذلك انطباعا تاما صار صاحبه على خلق الحيوان الموصوف بذلك. من القردة والخنازير، وغيرهما ثم لا يزال يتزايد ذلك الوصف فيه شيئا فشيئا، حتى يبدو على صفحات وجهه بدوا خفيا.. ومن له فراسة تامة يرى على صورة الناس مسخا من صورة الحيوانات التي تخلقوا بأخلاقها في الباطن.. فقلَّ أن تري رجلا محتالا مكارا إلا وعلى وجهه مسخة قرد. وقَلَّ أن تري رجلا شَرِهًا نَهِمًا، نفسه نفسا كَلْبِيَّةَ إلا على وجهه مسخة كلب ... ) انظر (إغاثة اللهفان) (جـ1 ص267) .
4- من أقوال الصحابة والتابعين التي قد استدل على تحريم الأغاني الخليعة وآلاتها المطربة ممارسة واستماعا ما يلي:
1- عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أنه قال: (الغناء والعزف مزمار الشيطان) . كما نقل عن كتاب: مدارج السالكين. ولا شك في نكارة عمل نسب للشيطان كهذا.(4/1916)
2- وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه قال: (الغناء ينبت النفاق في القلب) رواه: أبو داود. والبيهقي وابن أبي الدنيا، وإسناده صحيح، وقد قال كل من ابن القيم في (الإغاثة: 1/ 266) .
والأذرعي كما في (كف الرعاع) : إن هذا حجة لأنه لم يخالفه أحد من الصحابة، وقد ثبت عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((رضيت لأمتي ما رضي به ابن أم معبد)) . كما رواه: البخاري في الصحيح والحاكم.
3- وعن عائشة رضي الله عنها أنها قالت لمغن: (أف. شيطان أخرجوه أخرجوه..) رواه البخاري في الأدب المفرد. والبيهقي في السنن الكبرى بسند رجاله ثقات. فما هذا التأفف الشديد والطلب الملح بالإخراج من أم المؤمنين إلا أنها تكره الغناء وتحرمه ...
4- وعن أنس رضي الله عنه أنه قال: (أخبث الكسب كسب الزمارة) رواه ابن أبي الدنيا في (ذم الملاهي) بسند حسن فلا شك أن هذا من الأدلة الدالة على تحريم الزمارة التي يتغنى بها الدعاة. وأن ما اكتسب منها خبيث وسحت وحرام.
5- وعن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال –وقد رأى صغيرة تغني- (إن الشيطان لو ترك أحدا لترك هذه..) رواه البخاري في الأدب. وابن أبي الدنيا في ذم الملاهي.
فلا شك أن في هذا الحديث دليلا على قبح الغناء وكراهته لأن الاشتغال به من عمل الشيطان وتسليطه.
6- وعن فضالة بن عبيد بن قيس الأنصاري رضي الله عنه (أنه كان بمجمع –أي حي من الأحياء- من المجامع. فبلغه أن قوما يلعبون بالكوبة –أي الطبل- وقيل: النرد، والشطرنج، والطبل الصغير – (فقام غضبانا ينهى عنها أشد النهي) . ثم قال: (ألا أن اللاعب بها ليأكل ثمرها كالآكل لحم الخنزير ومتوضئ بالدم) رواه البخاري في الأدب المفرد بسند رجاله ثقات. لا ريب أن هذا –أيضا- من أدلة التحريم إذ إنك تري أن الصحابي الجليل غضب من ذلك أشد الغضب. ونهى عنه أشد نهي، وشبه بكسبه بأخبث شيء.
7- وعن عثمان بن عفان رضي الله عنه أنه قال: (ما تغنيت ولا تمنيت ولا مسست ذكري بيميني منذ بايعت بها رسول الله (صلى الله عليه وسلم رواه ابن ماجه في سننه وفي سنده: الصلت بن دينار. قيل: هو صبي متروك الحديث.(4/1917)
8- وعن سعيد بن المسيب أنه قال: (إني لأبغض الغناء وأحب الرجز) رواه عبد الرازق الصنعاني في (المصنف) بسند صحيح (وهو من أقوي الأدلة في الرد على من زعم أن سعيد بن المسيب كان يبيح الغناء) . فنقول: إنما كان يسمع الرجز فقط، وشتان ما بين الرجز والغناء فالرجز نوع من الشعر العادي. وزنه (مستفعلن) ست مرات سمي بذلك لتقارب أجزائه. أما الغناء: فهو –كما سبق- نغمات تلحن وتمطط بتكسير وتقطيع. والله أعلم.
9- وعن قتادة أنه قيل له: فما صوته –أي ما صوت إبليس-؟ فقال: (المزمار، ومصائده النساء) . رواه ابن أبي الدنيا في (مكائد الشيطان) وابن القيم في (إغاثة اللهفان) والطبراني كما في مجمع الزوائد. وروي رفعه، ولكن الصحيح هو الموقوف إلا أنه مرسل ومعلوم أن لهذا الأثر شواهد كثيرة.
10- وعن الضحاك بن مزاحم الهلالي: أنه قال (الغناء مفسدة للقلب مسخطة للرب) . ذكره ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) ص: 235.
11-وعن يزيد بن الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين العادل المعروف بالناقص أنه قال: (يا بني أمية إياكم والغناء، فإنه ينقص الحياء، ويزيد في الشهوة ويهدم المروءة، وإنه لينوب عن الخمر، ويفعل ما يفعله السكر، فإن كنتم لا بد فاعلين فجنبوه النساء، فإن الغناء رقية الزنا) . رواه ابن أبي الدنيا في (ذم الملاهي) وابن كثير في (البداية والنهاية) وابن القيم في (إغاثة اللهفان) .
12- وعن الفضيل عن عياض أنه قال: (الغناء رقية الزنا) رواه ابن أبي الدنيا في (ذم الملاهي) وابن الجوزي في (تلبيس إبليس) .
13- وقال على بن الحسين (زين العابدين) : (ما قدست أمة فيها البربط) رواه: ابن أبي الدنيا في (ذم الملاهي) . وابن الأثير في (النهاية) وابن القيم في (الإغاثة) بإسناد رجاله ثقات.
14- وعن قاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق رضي الله عنه: أنه قال لمن سأله عن الغناء: (أنهاك عنه وأكرهه لك، قال: أحرام هو؟ قال: انظر يا أخي إذا ميز الله الحق من الباطل في أيهما يجعل الغناء؟) رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في السنن. وابن الجوزي في التلبيس وله شاهد من حديث عباس الذي ذكره ابن القيم في (الإغاثة) .(4/1918)
15- وعن عمر بن عبد العزيز –رحمه الله- أنه قال: (الغناء بدؤه من الشيطان وعاقبته سخط الرحمن) .
16- وعن محمد بن الفضل الأزدي أنه قال: (نزل الحطيئة برجل من العرب، ومعه ابنته (مليكة) فلما جنه الليل سمع غناء، فقال لصاحب المنزل: كف هذا عني، فقال: وما تكره من ذلك؟ فقال: إن الغناء رائد من رادة الفجور. ولا تسمعه هذه –يعني ابنته- فإن كففته وإلا خرجت عنك) ذكره ابن أبي الدنيا في (ذم الملاهي) . كما نقله ابن القيم في كتابه (إغاثة اللهفان عن مكائد الشيطان) (جـ1 ص246) .
17- وعن أبي عبيدة معمر بن المثني، أنه قال (جاور الحطيئة قوما من بني كلب –فتشاور القوم في شأنه- فأتوه في فناء خبائه. فقالوا: يا أبا مليكة، إنه قد عظم حقك علينا بتخطيك القبائل إلينا، وقد أتيناك لنسألك عما تحب فنأتيه وعما تكره فنزدجر عنه، فقال: جنبوا ندي مجلسكم، ولا تسمعوني أغاني شبيبتكم، فإن الغناء رقية الزنا) . رواه ابن أبي الدنيا بسند مقبول لكن فيه انقطاع. وفي هذا الأثر والذي قبله دلاله واضحة على قبح الغناء وشناعته، وأن خطره معروف حتى عند الشعراء الذين اشتهروا بالهجاء والسب والسفه..
وقد قال ابن القيم في (إغاثة اللهفان) : إذا كان هذا الشاعر المفتون الذي هابت العرب هجاءه خاف عاقبة الغناء، وأن تصل رقيته إلى حرمته، فما الظن بغيره؟ انظر (جـ1/ 246) .
ومن هذه الأقوال نعلم علما أكيدا: أن كثيرا من الأغاني الحالية التي يتغنى بها كثير من أبنائنا وبناتنا، ونسمعها عن قصد أو من غير قصد –هي من عمل الشيطان، يفسد بها القلوب والعقول ويغضب الله، فالغناء إذًا هو نفسه حرام، وكسبه حرام.(4/1919)
المبحث الثالث
من أقوال علماء المذاهب الأربعة في حكم
الأغاني والموسيقي ما يلي
لقد اتفق جمهورهم على تحريم الغناء المقترن بآلات الطرب. والمشتمل على ذكر أوصاف النساء، والخمور، والكذب، والافتراء ونحوها.
1- وهذا التحريم هو مذهب أبي حنيفة وسائر أهل الكوفة في ذلك الزمن كالثوري والشعبي، والنخعي فقد ذكر الحافظ ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) عن أبي الطيب أنه قال: (كان أبو حنيفة يكره الغناء، ويجعل سماعه من الذنوب، وكذلك سائر أهل الكوفة ... ) .
وذكر الألوسي في تفسيره (روح المعاني) تحريمه عن أبي حنيفة، وأنه حرام في جميع الأديان. وأن كلا من صاحب الهداية والذخيرة سمياه كبيرة.
وقال (صاحب الدر المختار شرح تنوير الأبصار) : لا تقبل شهادة من يغني للناس؛ لأنه يجمعهم على كبيرة، وكذلك لا تقبل شهادة من يستمع الغناء، أو يجلس بمجلس الغناء أو مجلسا آخر من مجالس الفجور.
وبهذا جزم الزيلعي في (تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق) (جـ4 ص120) . وكذلك جزم به صاحب الفتاوى الهندية في فتاويه.
فمذهب أبي حنيفة في ذلك أشد المذاهب. وقوله فيه أغلظ الأقوال قاله ابن القيم في (الإغاثة) . وقال فيه –أيضا- (وقد صرح أصحاب أبي حنيفة بتحريم سماع الملاهي كلها، كالمزمار، والدف، حتى ضرب القضيب، كما صرحوا بأنه معصية توجب الفسق فترد به الشهادة كما قالوا: إن سماعه فسق والتلذذ به كفر) .
وقال أبو يوسف في دار يسمع منها المعازف والملاهي: (ادخل عليهم بغير إذن للنهي، لأن النهي عن المنكر فرض، فلو لم يجز الدخول إذن لامتنع الناس من إقامة الفرض) انظر (إغاثة اللهفان) .
2-وهو مذهب الإمام مالك وسائر أهل المدينة في ذلك الوقت سوى إبراهيم بن سعد الزهري وعبيد الله بن الحسن العنبري. فقد قال الإمام مالك حينما سئل عن الغناء (إنما يفعله عندنا الفساق) يعني بذلك إبراهيم ومن شاركه.(4/1920)
وعن أبي الطيب الطبري: أن مالك بن أنس (نهى عن الغناء وعن استماعه) وقال: (إذا اشتري-إنسان- جارية فوجدها مغنيه كان له ردها بالعيب –يقصد بذلك العيب (كونها مغنية) . وقال: وهذا مذهب سائر أهل المدينة) .
وذكر ابن عبد البر في كتاب (الكافي في فقه أهل المدينة المالكي) : (إسقاط شهادة من يستمع الغناء أو يغشى المغنين) انظر (الكافي) (2/ 205) .
وذكر الحطاب في (شرح مختصر خليل) عن ابن عبد الحكم (أن سماع الغناء بغير آله إذا تكرر منه يكون قادحا في المروءة وأما الغناء بآلة: فإن كانت ذات أوتار كالعود، والطنبور، والمزمار فممنوع) انظر (6/ 153) .
والحاصل: أن مذهب الإمام مالك وسائر أهل المدينة المعتبرين متفقون على كراهة الغناء ومنعه إلقاءً واستماعا.
وإن ما يدعيه ابن حزم الظاهري في ذلك المضمار فهو باطل. كما سنذكره إن شاء الله.
3- والتحريم –أيضا- هو مذهب الشافعي كما هو معروف لدى العلماء فقد صرح في (كتاب الأم) : 6/ 214، (بأن الرجل الذي يغني فيتخذ الغناء صناعة لا تجوز شفاعته؛ لأنه من اللهو الذي يشبه الباطل، وأن من يتخذ الغلام والجارية المغنين ويجمع عليهما أي يجتمع هو والناس على استماعهما والنظر إليهما –فهذا سفيه ترد به شهادته) قال: (وفي الجارية أكثر –سفها وأشد نكارة- لأن فيه سفاهة ودياثة..) .
(وإنما جعل هذا الرجل سفيها فاسقا، لأنه دعا الناس إلى الباطل، ومن دعا إلى باطل كان سفيها وفاسقا) . قال ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) :
وعن أبي الطيب الطبري: (أن من أضاف إلى الشافعي إباحة الغناء والضرب بالقضيب فقد كذب عليه) حكاه عنه ابن الجوزي.
وحكي ابن الصلاح: (الإجماع على تحريم السماع الذي جمع الدف والشبابة والغناء فالخلاف المنقول عن بعض أصحاب الشافعي إنما نقل الشبابة منفردة والدف منفردا..) .(4/1921)
وقال ابن القيم في (الإغاثة) : (إن أصحاب الشافعي العارفين بمذهبه صرحوا بتحريم الغناء، وأنكروا على من نسب إليه حله كالقاضي أبي الطيب وابن الصباغ) .
انظر: ملحق كتاب (تحريم النرد والشطرنج والملاهي) ص317.
وحكي عن أبي إسحاق في التنبيه: (أنه لا تصح الإجارة على منفعة محرمة كالغناء والزمر ولم يذكر فيه خلافا) .
قد تضمن كلام الشيخ أمورا: أحدهما: أن منفعة الغناء بمجرده منفعة محرمة.
الثاني: أن الاستئجار عليها باطل.
الثالث: أنه لا يجوز للرجل بذل ماله للمغني ويحرم عليه ذلك، فإنه بذل ماله في مقابل محرم، وأن بذله في ذلك كبذله في مقابلة الدم والميتة.
فهذا قول علماء الشافعية وأهل التدين منهم، وإنما رخص في ذلك من قل حياؤه وغلبه هواه قاله ابن الجوزي.
وذكر الهيتمي في الزواجر: (أن الشافعية استدلوا على تحريم المزامير بأنها شعار شربة الخمور) . انظر (الزواجر) ص2/ 278.
فخلاصة القول: أن الأغاني المطربة بالمعازف وآلات الطرب محرمة عند المذهب الشافعي. وأن كل ما حكي عن الشافعية من إباحة المزامير والأوتار فهو غير صحيح.
4- أما مذهب الإمام أحمد بن حنبل في مسألة حكم الأغاني فهي لا تخالف كثيرا مما سبق.
فلننظر قليلا فيما نقل عن ذلك الإمام.
فقد قال ابنه عبد الله: سألت أبي عن الغناء فقال: (الغناء ينبت النفاق في القلب؛ فلا يعجبني) .
وروي عنه يعقوب الهاشمي (أن التغبير بدعة محدثة) وروى عنه أبو الحارث، أنه قال: (التغبير بدعة. فقيل له: إنه يرقق القلب فقال: هو بدعة) . وروي عن يعقوب بن غياث. أنه قال: (أكره التغبير وأنه نهى عن استماعه) .
وقد قيل: إن الغناء الذي كان موجودا في زمانه هو إنشاد القصائد الزهدية وكان الزهاد يلحنونها لذا اختلفت الروايات عنه.(4/1922)
والتغبير: قيل هو الطقطقة بالقضيب أي الضرب به على المخدة وهي نوع من الجلد يتخذ وسادة بعد نفخه بالهواء كالقربة.
ومعلوم أن هذه الروايات كلها تدل على كراهية الغناء عند أحمد.
وروي عن المروزي عن الإمام أحمد أنه قال: (كسب المخنث خبيث يكسبه بالغناء) .
وقد نص الإمام أحمد (في أيتام ورثوا جارية مغنية ورثوا جارية مغنية وأرادوا بيعها أن لا يبيعوها إلا على أنها ساذجة غير مغنية) ، لأنها بوصفها مغنية قد يزيد ثمنها، فيفهم من هذا أنه لو كان بيع المغنية حلالا والغناء مباحا عند أحمد لم يأمر بتضييع مال اليتامى، لأن تضييع مالهم من أشد الحرام.. فدل هذا على أن الإمام أحمد كان يحرم الغناء ولا يبيحه.
ونص –أيضا في كتب المذهب الحنبلي (أن تكسر آلات اللهو والطرب كالطنبور وغيره، إذا رئيت مكشوفة وأمكن كسرها) .. لأنها من المنكرات كما نص فيها –أيضا- (أنه لو علم هناك آله مستورة تحت ثوب لكشف عنها وكسرت) .
فالحاصل من ذلك أن الغناء المطرب وآلاته ممنوعان في مذهب الإمام أحمد. وأن ما حكي عنه في الكراهة وعدمها إنما هو في القصائد الزهدية.
نضيف إلى ذلك بعض ما قاله علماء هذا المذهب حول هذه المسألة: فقد قال ابن عبد البر: (من مكاسب المجمع على تحريمها أخذ الأجرة على النياحة والغناء واللعب، والباطل كله) نقله القرطبي في تفسيره. 7/ 3.
وحكي عن ابن المنذر أنه قال: (أجمع كل من حفظ عنه من أهل العلم على إبطال إجارة النائحة والمغنية) . وقال ابن قدامة (كل ما قصد به الحرام كبيع السلاح لأهل الحرب أو لقطاع الطريق، وكبيع الأمة للغناء أو إجارتها.. حرام، والعقد باطل (.
ففي الحديث قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((أن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه)) . رواه أحمد وأبو داود في سننه، والدارقطني.
ومن هذا كله نعلم أن الأئمة الأربعة متفقون على تحريم الأغاني المطربة، والمعازف الملهية والمزامير الشيطانية والله أعلم.
وقد ذكرنا الأدلة على ذلك من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين فلا نكررها هنا.(4/1923)
المبحث الرابع
في غير الجمهور وأقوالهم
وأما غير الجمهور –وهم إبراهيم بن سعد، وعبيد الله العنبري ومحمد بن حزم الظاهري، ومن تبعهم من أهل الظاهر وأصحاب الأهواء- فهؤلاء قد فارقوا الجماعة، فذهبوا إلى إباحة الأغاني وآلات الملاهي والطرب من غير قيد ولا استثناء حتى ادعى واحد منهم – محمد بن طاهر المقدسي القيسراني - إجماع أهل المدينة والصحابة والتابعين على إباحة الغناء بالعود، وهو قول باطل يخالفه النقل كما سبقت الإشارة إليه.
فإليك بعض ما استدلوا على إباحة ذلك من:
1-استدلوا على إباحة الأغاني مطلقا، بحديث عائشة رضي الله عنها، وهو أنها قالت (دخل عليَّ أبو بكر رضي الله عنه وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقولت الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أمزامير الشيطان في بيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ؟ وذلك يوم عيد فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((يا أبا بكر أن لكل قوم عيدا، وهذا عيدنا.)) ) . رواه البخاري. ومسلم وأحمد والنسائي وابن ماجه وفي لفظ رواية أحمد: (قال أبو بكر: عياذ الله أمزمور الشيطان؟ قالها ثلاث مرات) . وفي رواية مسلم والنسائي وابن ماجه: (وعندها جاريتان تضربان بدف) .
قال ابن حزم في استدلاله بهذا الحديث: لأن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أقره بحضرته وأنكر على الصديق إنكاره، وأن قولها: (وليستا بمغنيتين) –معناه- ليستا بمحسنتين فلا حجة في قولها ولا في إنكار الصديق.. وإنما الحجة في إنكاره (صلى الله عليه وسلم) على أبي بكر رضي الله عنه.. فصح أنه مباح مطلقا لا كراهية فيه، وأن من أنكره فقد أخطأ اهـ بتصرف انظر المحلي (9/ 75) .
2- واستدلوا على إباحة سماع الغناء بالعود وبيع المغنية بقصة غير صحيحة وهي ما روي بسند منقطع عن محمد بن سيرين (أن رجلا قدم المدينة بجوار فأتى إلى عبد الله بن جعفر فعرضهن عليه، فأمر جارية منهن فأحدث حتى ظن ابن عمر أنه قد نظر إلى ذلك، فقال ابن عمر: حسبك سائر اليوم من مزمار الشيطان، فساومه، ثم جاء الرجل إلى عمر، فقال: يا أبا عبد الرحمن إني غبنت بسبعمائة درهم فأتي ابن عمر إلى عبد الله بن جعفر فقال: أنه غبن بسبعمائة درهم، فإما أن تعطيها إياه، وإما أن ترد عليه بيعه، فقال: بل نعطيها إياه) .(4/1924)
قال ابن حزم بعد ما روى هذه القصة في (المحلى) (فهذا ابن عمر قد سمع الغناء وسعى في بيع المغنية..) انظر (المحلى 9/ 77) .
3- احتج ابن الطاهر القيسراني على إباحة الغناء بحديث مكذوب رواه في (صفوة التصوف) وهو قوله (–روي- عن أنس رضي الله عنه قال: كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: ((هل فيكم من ينشدنا؟)) فقال بدو: نعم يا رسول الله. فقال: ((هات)) فأنشأ:
قد لسعت حية الهوى كبدي فلا طبيب لها ولا راقي
إلا الحبيب الذي شغفت به فعنده بقيتي وترياقي
قال: فتواجد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) وتواجد معه أصحابه حتى سقط رداؤه عن منكبيه فتقاسمها فقراء الصفة، وجعلوها رقعا في ثيابهم، فقال معاوية: ما أحسن لهوكم؟ فقال: ((مهلا يا معاوية ليس بالكريم من لم يتواجد عند ذكر الحبيب)) . ذكره ابن تيمية في (الرسائل المنبرية) والسهروردي في (عوارف المعارف) .
4- واستدل ابن حزم على إباحة بيع المغنيات وشرائهن، وبيع آلات الملاهي كالمزامير، والمعازف، والطنابير.... بقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (1) .
وبقوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ} . (2) .
وبقوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} (3)
وقال: ولم يأت نص بتحريم شيء من ذلك.
وقال: ورأى أبو حنيفة الضمان على من كسر شيئا من ذلك (انظر المحلي: 9/ 66-76) .
__________
(1) البقرة: الآية (29)
(2) الأنعام: الآية (119)
(3) البقرة: الآية (275)(4/1925)
وهذا خلاصة ما وقفت عليه مما احتجوا على تأييد رأيهم.. فإليك أجوبة الجمهور عن تلك الحجج الواهية.
أولا: إن حديث عائشة رضي الله عنها المتفق عليه الذي استدلوا به إباحة الغناء ليس لهم فيه حجة، بل هو حجة عليهم، لأن النبي (صلى الله عليه وسلم) أقر الجاريتين بالغناء لأمور عدة:
منها: أنها يوم عيد، فقد علل النبي (صلى الله عليه وسلم) ذلك بقوله: ((دعهما فإنه يوم عيد)) فدل على أن أيام العيد ليست كذلك فلا يدل على جواز الغناء إلا في يوم العيد وما شاكله. وهذا الجواب نورده إذا قيل: إن الجاريتين كانتا تغنيان بالغناء المعروف عن أهل اللهو واللعب.
وإن كان غناؤهما مجرد إنشاد للأشعار – كما هو الأصح - فليس فيه دليل على إباحته لا في يوم عيد ولا غيره، لأن الجاريتين غنتا بأشعار الشجاعة والحروب التي قيلت يوم بعاث، فلم يقل أحد من الفقهاء بمنع مثله، انظر فصل الخطاب (ص3 (الأغاني والمعازف وآلات الملاهي) (لمحمد سعيد عمر إدريس) ص: 278) .
ومنها: أن غناءهما لم يبلغ إلى درجة الكراهة لأنهما، لم تكونا مغنيتين ففي شرح النووي على مسلم، وشرح الكرماني على البخاري: قال القاضي عياض في شرح هذا الحديث: (أي ليستا ممن يغني بعادة المغنيات من التشويق والهوى والتعريض بالفواحش، والتشبه بأهل الجمال وما يحرك النفوس.. وليستا ممن اشتهر بإحسان الغناء الذي فيه التمطيط والتكسير، وتحريك الساكن.. ولا من اتخذه صنعة وكسبا) .
وقال النووي في شرحه على مسلم: معناه (ليس الغناء عادة لهما، ولا معروفتان به) .
ومنها: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) لم ينكر على أبي بكر رضي الله عنه بتسمية الغناء مزامير الشيطان بل أقره على التسمية –أي لم يقل: (ليس من مزامير الشيطان ولا ما يماثله) بل أمره بترك التغليظ في الإنكار على الجارتين وعلل ذلك بأنها أيام عيد.. فقول ابن حزم في هذه النقطة بعيد كل البعد؛ لأن أبا بكر رضي الله عنه ليس الذي بدأ بهذه التسمية على الغناء. وإنما النبي (صلى الله عليه وسلم) هو الذي سماه باسم مزامير الشيطان، كما في حديث جابر رضي الله عنه: أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان)) . رواه: الترمذي، والحاكم، والبيهقي، وأبو داود الطيالسي في مسنده.
ومنها: أن في إنكار الصديق رضي الله عنه على عائشة رضي الله عنها والجاريتين وانتهارهن دليلا على المنع من الغناء ...(4/1926)
وخلاصة القول: أن حديث عائشةرضي الله عنها للجمهور لا لابن حزم وأتباعه كما نص عليه أبو الطيب الطبري حين قال: (أن هذا الحديث حجتنا ... ) .
وكما نص ابن القيم في (مدارج السالكين) بقوله: (إن هذا الحديث من أكبر الحجج عليهم فإن الصديق رضي الله عنه سمى ذلك مزمورا من مزامير الشيطان....) .
ثانيا: وأما الجواب عن قصة الجارية التي قال ابن حزم: إنها غنت بالعود أو الدف على مسمع ومرأى ابن عباس وابن جعفر رضي الله عنهما: فقد أجابوا عنها من وجوه عدة:
منها: أن القصة التي ساقها ابن حزم منقطعة السند في مرحلتين: بينه وبين حماد، وبين ابن سيرين وبين الرجل المجهول، وفيها رجل مبهم مجهول.
ومها: أنه ثبت عن ابن عمر رضي الله عنه ((أنه سد أذنيه ونأى عن الطريق حينما سمع زمارة راع. كما في حديث نافع.. فقد روى عنه (أنه رضي الله عنه كان مع ابن عمر رضي الله عنه في طريق، فسمع زمارة راع، فعدل عن الطريق. ثم قال لنافع: هل تسمع؟ فلم يزل يقول: يا نافع أتسمع؟ حتى قلت: لا فأخرج أصبعه من أذنه ثم رجع إلى الطريق، وقال: هكذا رأيت رسول الله (صلى الله عليه وسلم) صنع)) . رواه الإمام أحمد وأبو داود وابن ماجه. وابن حبان في صحيحه والبيهقي في السنن الكبرى والطبراني في المعجم الصغير. وهو حديث صحيح وثابت ومشهور فهو يناقض القصة..
ومنها: أن فيما رواه البخاري في الأدب المفرد من حديث عبد الله بن دينار ما ينقض القصة: وهو أنه قال: خرجت مع عبد الله بن عمر رضي الله عنه إلى السوق، فمر على جارية صغيرة تغني، فقال: (إن الشيطان لو ترك أحدا لترك هذه لجارية) ..
ثالثا: وأما الجواب عن الحديث الذي احتج به ابن طاهر على إباحة الغناء: فإنه يقال: إن هذا الحديث باطل ولم يصح عن النبي (صلى الله عليه وسلم) إطلاقا بل هو موضوع. فقد قال الذهبي في (الميزان) (عمار بن إسحاق الضبي كأنه واضع هذه الخرافة لأنه من الأحاديث المكذوبة. انظر) ص77.
وقال محمد المنيحي الحنبلي في كتاب (الرقص والسماع) (إن هذا –هو حديث مكذوب وموضوع باتفاق أهل العلم) . انظر (مجموعة الرسائل المنبرية) (3/169) .(4/1927)
وأما قولهم في بيع المزامير والمعازف وآلات الطرب (أنه حلال كله) فالجمهور يقولون (إن قولهم هذا باطل ومردود بالأحاديث الصحيحة وإجماع من يعتد بهم من فقهاء السلف والخلف) .
,أما الأحاديث فمنها ما رواه البخاري في صحيحه من حديث أبي مالك الأشعري المرفوع: ((ليكونن من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف)) كما سبق. وقد قيل: (إن الحر هو الفرج) ، والمراد به في هذا الحديث (الزنا) .. وأن المعازف: جمع معزف كمنبر ومنابر وهي آلات الملاهي كالعود والدف ونحوه.
والعازف: اللاعب بها. وقيل: (المعازف اسم لكل ما يعزف به كالطنبور والمزمار، والشبابة وغير ذلك من آلات الملاهي) كما في التذكرة للذهبي.
ومحل الشاهد في هذا الحديث قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((يستحلون)) لأنه دليل على أن هذه الأشياء المذكورة محرمة كلها ومن ضمنها المعازف ثم يأتي أقوام يحلونها..
ومنها قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين، صوت عند نغمة لهو ولعب ومزامير الشيطان)) رواه الترمذي وحسنه، والحاكم في المستدرك. والبيهقي في السنن والبزار، والطيالسي في مسنده وابن أبي شيبة وأبو يعلى الموصلي وإسحاق بن راهويه، وعبد بن حميد كما في (نصب الراية) (4/ 84) .
وأما الإجماع على خلاف ما ذهب إليه ابن حزم: فقد قال ابن عبد البر (من المكاسب المجمع على تحريمها أخذ الأجرة على النياحة والغناء والزمر واللعب والباطل) . كما في تفسير القرطبي.
وممن حكى الإجماع الحافظ في (فتح الباري) فقد قال: قد حكي قوم الإجماع على تحريم المعازف.
وحكى ابن قدامة المقدسي في (المغني) الإجماع على أن الطنبور والمزمار والشبابة من آلات المعصية.(4/1928)
وأما قول محمد بن حزم الظاهري في كتابه (المحلى) : ومن كسر شيئا من ذلك –أي المزامير والمعازف والطنابير –ضمنه- لأنها مال من مال مالكها. فهو قول غير صحيح؛ لأن الشارع الحكيم قد أمر وحث على إزالة المنكر ومحاربته، حيث قال (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه: ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) .
ولا شك ولا ريب أن من أشد المنكرات وأخطرها على المجتمع تلك الآلات آلات اللهو والطرب فتغبيرها واجب عظيم وإزالتها أمر لازم.
وإن تعليله بأنها (مال مالكها) فمردود لأنها ملعونة وقد وصفها (صلى الله عليه وسلم) بأنها صوت أحمق وفاجر. والفاجر الملعون لا يجوز اقتناؤه، كما لا يثبت الملك فيه لأحد فهي مثل الخمر في قبحها وعدم جواز اقتنائها. وفي عدم ثبوت ملكيتها لأحد. بل يجب إتلافها حيثما وجدت، وإراقتها كما أراقها النبي (صلى الله عليه وسلم) وأمر أصحابه.. وكذلك تلك الآلات، فيجب إتلافها ولا يجوز تركها مع القدرة على إتلافها لأنها منكر يجب إزالته.
وفي حديث أبي أمامة أنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((بعثت رحمة وهدى للعالمين وبمحق الأوثان والمعازف وأمر الجاهلية)) رواه أحمد والطيالسي وابن ماجه والبيهقي في شعب الإيمان والحميدي في مسنده.
وأما استدلاله على تحليل بيع آلات اللهو بقوله تعالى: {خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (1) . مع قوله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} (2) فغير مسلم به لأن عموم الآيتين مخصوص بما ثبت تحريمه في الكتاب والسنة. وآلات الملاهي قد ثبت تحريمها بهما كما سبق. فتكون مخصصة من عموم الآيتين كما لا يخفي.
__________
(1) البقرة: الآية (29)
(2) البقرة: الآية (275)(4/1929)
المبحث الخامس
إن من الأسباب التي أدت إلى انهيار الأخلاق الإسلامية في هذا العصر الحاضر خطط أعداء الإسلام والمسلمين التي تنفذ وتنتشر بصفة مباشرة وغير مباشرة في العالم الإسلامي.
فقد تبنت الماسونية واليهودية مذهب (فرويد) الذي فسر كل شيء في سلوك الإنسان بالإباحة والانطلاق في طريق الغريزة الجنسية والشهوة واللذة.
وآراء (كارل ماركس) الذي دعا إلى إلغاء الأديان السماوية وهاجم عقيدة الألوهية، ونادى إلى المسرح كبديل عنها، قائلا: اشغلوهم عن عقيدة الألوهية بالمسرح.
ولبوا بآراء (نيتشه) الذي ألغي الأخلاق وأباح لكل أحد أن يفعل ما تمليه إليه ميوله من كل ما يؤدي إلى استمتاعه فهؤلاء يجتهدون دائما لتنهار الأخلاق في كل مكان بجميع الطرق والوسائل وقد قالوا في (بروتوكولاتهم) يجب علينا أن نكسب المرأة المسلمة، فأي يوم مدت إلينا يدها نفوز بالحرام، وتتبدد جيوش المنتصرين للدين.
وتبنوا بآراء (داروين) الخبيثة الذي أعلن نظرية التطور المرفوضة وقالوا: إن فرويد منا –نحن اليهود- وسيظل دوما يعرض العلاقات الجنسية في ضوء الشمس، لكي لا يبقي في نظر الشباب شيء مقدس، ويصبح همه الأكبر وشغله الشاغل إرواء غرائزه الجنسية وعندئذ تنهار الأخلاق..
وقال (زويمر) أحد القساوس المبشرين في مؤتمر المبشرين في القدس ما يلي:
(إنكم أعددتم نشئا في ديار المسلمين لا يعرف الصلة بالله.. وبالتالي جاء النشء طبقا لما أراد له الاستعمار، فلا يهتم بالعظائم، ويحب الراحة والكسل، فلا يصرف همه في الدنيا إلا في الشهوات فإن تعلم فللشهوات، وإن جمع المال فللشهوات، وإذا تبوأ أسمى المراتب والمراكز ففي سبيل الشهوات.
(وقال أحد أقطاب المستعمرين) : كأس وغانية تعملان في تحطيم الأمة المحمدية أكثر مما يفعله ألف مدفع. فأغرقوها في حب المادة والشهوات ...(4/1930)
ونقل الأستاذ محمود العقاد في كتابه (الإسلام والشيوعية) عن وثيقة من الوثائق الشيوعية ما خلاصته: (نجحنا في المجتمعات الدينية في تعميم ما يهدم الدين، من القصص، والمسرحيات والمحاضرات، والصحف والمجلات، والمؤلفات التي تدعو وتروج الإلحاد وتهزأ بالدين ورجاله، وتدعو للعلم وحده، وتجعله الإله المسيطر) .
وهذا نزر قليل من مخططات أعداء الإسلام اتخذوها لهدم حصون الإسلام والمسلمين ويتسللوها إليهم ويغيروا كل ما لديهم من خلق ودين وعقيدة. وها قد نالوا مرادهم من كثير ممن ينتسبون إلى الإسلام.
وقد اتضح لنا من هذا الذي نقلناه منهم أن كلا من اليهودية والماسونية والشيوعية، والصليبية، والمستعمرين وقوى الشر كلها متعاونون ومتساندون على إفساد الأمة المحمدية عن طريق الخمر والمسرح والأغاني الماجنة، والتبرج الخليع، والاختلاط الفاحش، وترويج القصص الغرامية، والأفلام الوقحة، والصور العارية، على صورة ترويج بعض البضائع، أو على صورة التجميل والتزين والصحف والمجلات، وقد وصلوا بعض مراميهم من شبابنا بهذه الوسائل..
فعلى المسلمين أن يتنبهوا إلى ذلك. وأن ينتهوا عن هذا التقليد الأعمى لهؤلاء المضلين، من الناحية الخلقية والسلوكية..كالاختلاط بين الجنسين والتبرج الجاهلي والخمر والخَنَا.. وكممارسة الملاهي المحرمة من كل ما يصد عن ذكر الله، أو يغري بينهم البغضاء، أو يثير الغريزة الجنسية أو يميت الغيرة.. وأن يتميزوا عن غيرهم في العقيدة والعبادة والسلوك، وأن يغيروا ما بهم من الميوعة والخلاعة والانحلال، لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وأن يزيلوا هذا الجهل المطبق.
وفي الحديث الشريف قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((لا يكن أحدكم إمعة يقول: أنا مع الناس إن أحسن الناس أحسنت، وإن أساؤوا أسأت، ولكن وطنوا أنفسكم إن أحسن الناس أن تحسنوا وإن أساؤوا أن تجتنبوا إساءتهم ... )) رواه الترمذي.(4/1931)
المبحث السادس
في التبرج والاختلاط
إن التبرج والاختلاط وما صاحبهما من كشف وعري.. لظاهرة رذيلة ومفسدة خطيرة للأخلاق والأعراض والأموال والأبدان والأرواح وجميع مقومات الحياة الإنسانية.. وقد فشا ذلك كله في كثير من المجتمعات الإسلامية المعاصرة، فلم يسلم منه إلا من قل وندر. وذلك عن طريق التقليد الأعمى للأعداء، والجهل عن مخططاتهم، والتناسي عن الدين الحنيف وتوجيهاته القوية القويمة نحو هذا التبرج.. فلنبحث صفحات ما كتب حول هذا الموضوع قليلا:
1- التبرج: أصله الخروج من البرج –أي القصر- ومعناه التكلف بإظهار ما يجب ستره، وقد استعمل في خروج المرأة من الحشمة والحياء. وإبراز محاسنها.
وقد جاء لفظ التبرج في القرآن الكريم. قال الله تعالى في سورة الأحزاب {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} (1)
وفي سورة النور: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لَا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ} . (2)
فالتبرج المذكور في الآيتين هو عين التبرج الذي نرى في نسائنا اليوم، كما لا يخفي ولا شك أن هذا التبرج ينافى الخلق، والدين، والمدنية معا، لأن أهم ما يتميز به الإنسان عن الحيوان الأعجم هو اتخاذ الملابس وأخذ الزينة. وقد امتن الله سبحانه وتعالى على الإنسان أن خلق له ما يستر به عورته، وما يتزين به ويتجمل قال تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآَتِكُمْ وَرِيشًا وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ} . (3)
وقال تعالى: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} . (4)
والملابس والزينة من مظاهر الإنسانية الكاملة والمدنية الحقة. والتجرد عنها رجوع إلى الانحطاط والحيوانية، والحياة البشرية لا تسير إلى الوراء والتقهقر إلا إذا أصابتها نكسة تغير الأفكار والآراء كما هو واقع اليوم.
واتخاذ الملابس والزينة بالنسبة للمرأة قد قيل إنه من ألزم اللوازم، لأنه هو الحافظ الوحيد، الذي يحفظ دينها، وشرفها، وعفافها، وإن أعز ما تملكه المرأة هو الشرف والعفة والحياء. فليس من صالح المرأة والمجتمع أن تتخلي عن الصيانة والاحتشام لأن الغريزة الجنسية هي من أشد الغرائز وأعفها على الإطلاق. والتبرج مثير لتلك الغريزة الجموحة.
__________
(1) الأحزاب: الآية (33)
(2) النور: الآية (60)
(3) الأعراف: الآية (26)
(4) الأعراف: الآية (31)(4/1932)
ولذا أعطي الإسلام عناية فائقة نحو ملابس المرأة وصيانتها. وتناولها كل من القرآن والسنة. فنهى الله عن التبرج في الآيتين السابقتين.
وأمرهن بالاحتجاب وسدل الجلباب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} . (1)
وفي قوله: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ} . – الجسدية - {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . (2) –كالكفين والوجه- {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} . (3) إلى أن قال: {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ وَتُوبُوا} . (4) .
وفي الحديث أنه (صلى الله عليه وسلم) قال: ((يا أسماء، إن المرأة إذا بلغت المحيض لم يصلح لها أن يرى منها إلا هذا وهذا. وأشار إلى وجهه وكفيه)) أو كما قال. رواه البخاري.وفي حديث آخر قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((صنفان من أهل النار لم أرهما، رجال بأيديهم سياط كأذناب البقر، ونساء كاسيات عاريات، مائلات مميلات لا يدخلن الجنة..)) مسلم.
وقد قيل: إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان يخشى من فتنة التبرج العارمة في زمنه، فيقمعها قبل أن تقع، لأن الوقاية خير من العلاج فقد روى (أنه كان يتعسس ذات ليلة فسمع امرأة تقول: هل من سبيل إلى خمر فأشربها أم من سبيل إلى نصر بن حجاج. فقال رضي الله عنه: أما في عهد عمر فلا. فلما أصبح استدعي نصرا فوجده من أجمل الناس وجها، فأمر بحلق شعره فإزداد جمالا. فنفاه إلى بادية الشام) .
وأما في الوقت الحاضر: فقد أصبح من المعتاد أن يجد الرجل المسلم –ولو كان رئيس القوم- المرأة المسلمة متبرجة مبتذلة، عارضة مفاتنها، كاشفة عن صدرها ونحرها، وظهرها، وخاصرتها وفخذيها –وربما تظهر بطنها- متعطرة.. ومغنية ومترنمة بنغماتها.. فلا تجد أية غضاضة من صنيعها. لأنه أصبح من الضروري وضع المساحيق المتنوعة. والتطيب واختيار الملابس المغرية المثيرة.. والأغاني المطربة.. فترى المرأة المسلمة وقد اعتادت أماكن الفجور والفسق والملاهي، والملاعب والمسارح، والأندية والسينما، والفنادق. بالزي الذي ذكرناه بمرافقة أقرانها من الرجال الأجانب.. إلخ.. إلى آخر ما هو معروف من الرقص والتمثيليات كما يقولون.
ما ذلك إلا بسبب الجهل العميق عن أوامر الدين ونواهيه. وعن عاقبة هذا الانحراف والانحلال أو التجاهل والتناسي عنهما وإلا بسبب التقليد الأعمى للأعداء، وتنفيذ مخططاتهم الشنيعة {الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا} . (5) .
__________
(1) الأحزاب: الآية (59)
(2) النور: الآية (31)
(3) النور: الآية (31)
(4) النور: الآية (31)
(5) النور: الآية (19)(4/1933)
وأصبحت النتيجة من هذا الانحراف أن كثيرا من الفسوق بكافة أشكاله في الأمة وانتشر الزنا بصورة رهيبة. وفشت المخدرات في الجيل الجديد فانهدم كيان الأسر.
وأهملت الواجبات الدينية والدنيوية، فتركت العناية بأطفال كثيرة. وتأزم قانون الزواج في كثير من البلدان. فصعب التطبيق عليه فرارا من مسؤولياته. حتى أصبح الحرام أسهل وأيسر حصولا من الحلال.. وضاعت الأخلاق الفاضلة والآداب الإسلامية من صدق وأمانة، وإخلاص وعفة واستقامة.. إلخ.. فتأزمت الحياة والمعيشة من كل جانب.. وماتت الفضيلة في تلك البيئة الفاسدة العفنة المتأزمنة إلا من عصمه الله..
وإن هذا الوضع السيئ لما نتأسف منه كثيرا.. وإن تلك الظاهرة –ظاهرة التبرج- لظاهرة سيئة تحتاج منا إلى علاج حاسم يقطع شأفتها بحكمة شيئا فشيئا. فلكي نصل إلى نتيجة حاسمة من هذه الناحية فلننظر إليها من الجانب الآخر، وهو ما يعبر عنه (بظاهرة الاختلاط بين الجنسين) .
2- في ظاهرة الاختلاط وما قيل فيها من آراء وأحكام:
إن ظاهرة الاختلاط بين الجنسين –الرجال والنساء في جميع الميادين- في المدارس والمعاهد والجامعات والمكاتب والمصانع والنوادي في مظهر مريب، هي ظاهرة من مظاهر هذه الحضارة المادية. وهي ظاهرة خطيرة قد ركز عليها الأعداء المضلون في مخططاتهم الماكرة. كما سبقت الإشارة إليه.
ونعني بظاهرة الاختلاط ذلك الاختلاط المشبوه المثير للغريزة الجنسية الجامحة. الذي يروجه دعاة الإباحة.
فقد تري في كثير من مجتمعات هذا العصر من يدعو إلى الاختلاط والسفور بقوله أو بفعله، قائلا: (إن الاختلاط بين النساء والرجال فيه تهذيب للغريزة وتصريف وتنظيف لكوامن الشهوة) كما يقولون، فيجعل اجتماع النساء بالرجال والشباب بالشابات أمرا مألوفا وعاديا. ولا شك أن هذا القول كلام فارغ بل هو ادعاء كاذب ومرفوض لأن كلا من الفطرة والواقع والتجربة يكذبه ويرفضه.
أما الفطرة فالله سبحانه وتعالى لما خلق الرجل والمرأة ركب في كل منهما الميل إلى الآخر. قال تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} . (1)
وقال: {فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ} . (2)
لا سيما إذا كان كل منهما مائعا خلقيا وجائعا جنسيا، فتلك المودة وميل كل منهما إلى الآخر غريزة فطرية لا تبديل لها..
__________
(1) الروم: الآية (21)
(2) الروم: الآية (30)(4/1934)
وفي الحديث: أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((ما خلا رجل بامرأة إلا وكان الشيطان ثالثهما)) . رواه الترمذي.
وأما تكذيبه بالتجربة فحدث عنه ولا حرج، فقد قيل: إن نسبة الحبالى من جراء هذا الاختلاط قد زاد زيادة سريعة في المجتمعات المتقدمة –كما يقولون- يقولون: إن نسبة الحبالى من تلميذات المدارس الأمريكية قد بلغت 48 % ثمان وأربعون بالمائة.
ونقل عن جريدة (الأحد) اللبنانية من عددها 650: (أن الفضائح الجنسية في الجامعات والمعاهد الأمريكية بين الطلاب والطالبات تتجدد وتزداد عاما بعد عام، وأن الطلاب يقومون بمظاهرة في –بعض- جامعات أمريكا. ويهتفون فيها: نريد فتيات، نريد أن نرفه أنفسنا. وأن هجوما ليليا وقع من الطلاب على غرف نوم الطالبات وسرقن ثيابهن الداخلية) .
وقال عميد الجامعة معقبا على ذلك الحدث: (إن معظم الطلاب والطالبات يعانون جوعا جنسيا رهيبا. ولا شك أن الحياة العصرية الراهنة لها أكثر الأثر في تصرفات الطلاب الشاذة) . انظر: ما نقل من جريدة الأحد اللبنانية عدد650.
(ودلت الإحصائيات في العام الماضي على أن (120) ألف طفل أنجبتهم فتيات بصورة غير شرعية –لا تزيد أعمارهن على العشرين، وأن كثيرا منهن من طالبات الجامعات) .
(وأن الطالبة لا تفكر إلا بعواطفها، وبالوسائل المتجاوبة مع العاطفة) .
(وأن أكثر من (60 %) ستين بالمائة من الطالبات سقطن في الامتحانات وتعود أسباب فشلهن إلى أنهن يفكرن في الجنس أكثر من دروسهن ومستقبلهن ... وأن (10 %) عشرة بالمائة فقط ما زلن محافظات) انظر ما نقل من جريدة الأحد اللبنانية عدد650.
فأين تهذيب الاختلاط للغريزة الجنسية؟ وأين تصريفها عن الميل؟ وأين تنظيفه وتطهيره لكوامن الشهوة؟
وأما تكذيبه بالواقع –فإن الحوادث المذهلة منتشرة من جراء الاختلاط كما اعترف بها الأعداء المروجون في الربع الأخير من هذا القرن. (والحق ما شهدت به الأعداء) .(4/1935)
منها: ما كتبه (جورج بالوش) في كتابه (الثورة الجنسية) (صرح الرئيس (كيندي) في سنة 1962م بأن مستقبل أمريكا في خطر لأن شبابها مائع منحل غارق في الشهوات، فلا يقدر عبء المسؤولية الملقاة على عاتقه، وأن من كل سبعة شبان يتقدمون للجندية يوجد ستة منهم غير صالحين لها؛ لأن الشهوة التي أغرقوا فيها أفسدت..) وإن قيل: إن هذا الادعاء لم يتحقق فأمريكا ما زالت من إمامة العالم (نقول: ومنها: ما صرح به (خروشوف) سنة 1962 (بأن مستقبل (روسية) في خطر، لأن شبابها لا يؤمن على مستقبلهم، لأنه مائع منحل غارق في الشهوات) .
ومنها: ما كتبته (جريدة الأهرام) المصرية في عددها الصادر 7/ 5/ 1965م (أن الجمعية البريطانية أصدرت لمعالجة الشذوذ الجنسي تقريرا اليوم قالت فيه: إن مليون رجل في بريطانيا –وربما أكثر- مصابون بالشذوذ الجنسي.)
ومنها: ما ذكره (جورج بالوش) في نيسان سنة 1964م من أنه (أثيرت في (السويد) ضجة كبرى عندما وجه (140) من الأطباء المرموقين مذكرة إلى الملك والبرلمان، يطلبون فيها اتخاذ إجراءات حاسمة للحد من الفوضى الجنسية التي هددت الأمة –حيويتها وصحتها- وطالب الأطباء بقوانين زاجرة ضد الانحلال الجنسي)
ومنها: ما نشرته صحيفة (الشرق الأوسط) اللندنية في عددها الصادر 15/ 7/ 1979 من (أن: 75 % بالمائة من الأزواج يخونون زوجاتهم في أوربا وأن نسبة أقل من ذلك من المتزوجات يفعلن الشيء ذاته، وأن في كثير من الحالات يعلم الزوج بخيانة زوجته، وتعلم الزوجة بخيانة زوجها.. ومع هذا قد تستمر العلاقات الزوجية الشكلية دون أن يطرأ عليها انفصام) من باب المثل (أسكت عني أسكت عنك) .
ومنها: ما كتبته الكاتبة الأمريكية (هيلسبيان ستانسيري) في صحيفة (الجمهورية) يونيو 1962م تحت عنوان كاتبة أمريكية تقول: (امنعوا الاختلاط وقيدوا حرية المرأة) –كما نقله (السيد سابق) في (فقه السنة) - وخلاصته ما يلي: أن المجتمع العربي مجتمع كامل وسليم.(4/1936)
ومن الخليق به أن يتمسك بتقاليده التي تقيد الفتاة والشاب في حدود المعقول. وهذا المجتمع يختلف عن المجتمع الأوربي والأمريكي. فعندكم تقاليد تحتم تقييد المرأة، واحترام الأب والأم.. وتحتم عدم الإباحية الغربية، التي تهدد اليوم المجتمع والأسرة في (أوربا) و (أمريكا) .. وهذه القيود صالحة ونافعة.. لهذا أنصح بأن تتمسكوا بتقاليدكم وأخلاقكم.. وامنعوا الاختلاط، وقيدوا حرية الفتاة. بل ارجعوا إلى عصر الحجاب. فهو خير لكم من إباحية وانطلاق ومجون (أوربا) و (أمريكا) . امنعوا قبل العشرين. فقد عانينا منه في أمريكا الكثير. لقد أصبح المجتمع الأمريكي مجتمعا معقدا، مليئا بكل صور الخلاعة. وإن ضحايا الاختلاط والحرية قبل سن العشرين يملأن السجون والبارات السرية.
وقالت الكاتبة: (إن الاختلاط والإباحية والحرية –المطلقة- فينا هدد الأسر وزلزل القيم والأخلاق. فالفتاة الصغيرة فينا تخالط الرجال، وترقص وتشرب الخمر، والسجائر وتتعاطى المخدرات ومن هذا العرض السريع حول التبرج والاختلاط المشين، وما في ذلك من مأساة ونتائج وخيمة، وما أوردنا حوله من آيات ناهية وأحاديث فيها الوعيد الشديد اللهجة نعلم أن كلا من التبرج والاختلاط مظهر خطير لا يليق بالأمة المسلمة ولا يجوز لها) .
ومما أوردنا في العرض من أقوال الأعداء المخططين نتأكد من أن هذه المفسدة مدروسة ومرسلة إلينا من غزاة الفكر الإسلامي ليحطموا أخلاقنا وشرفنا. فأصابوا منا المقاتل كما اعترفوا به.
وإن ذلك التبرج والاختلاط الجاهليين وما صاحبهما من خلاعة وميوعة وانحلال هو مما اكتوى به غيرنا من الأمم المادية فذاقوا وباله قبلنا، كما نرى ونسمع مثل الحوادث التي نقلناها عن أصحابها.
وأن ذلك الوباء تسرب إلينا من تلك الأمم الغارقة بكيفية مخططة من قساوستهم وطواغيتهم. وقد فشا في مجتمعنا بسبب التقليد الأعمى.
وأن ما ادعوه من أن الاختلاط بين الجنسين فيه تهذيب للغريزة وتنظيف لها هو ادعاء باطل، يكذبه كل من الفطرة والواقع والتجربة.
وهذا مما لا يختلف فيه اثنان إلا من تجاهل عن الحقيقة أو تناسي عنها. أو من اغتر بما وصلت إليه تلك الأمم من تقدم مادي ولم يهتد إلى أن التقدم المادي له سبب مغاير عن تلك الخلاعة.
إذا عرفنا العلة وخطورتها وعرفنا السبب.
فلا بد لنا من أن نبحث عن علاج ودواء ناجع.
فأولاه: ترك أسباب الوباء وسد طرقه.
ولكن قبل الإشارة إلى طرق العلاج فلنكمل مبحثنا هذا بمبحث آخر وهو من نتائج التبرج ودواعيه وهو: الخمر والمخدرات وأضرارها وأسباب انتشارها وأحكامها.. فإليك ما يلي:(4/1937)
المبحث السابع
في الخمور ومظهرها وضررها في الأخلاق
وشيئ من أحكامها
الخمر: ما خامر العقل. رطبا كان أو يابسا. مأكولا أو مشروبا أو مشموما.. (فكل مسكر خمر، وكل مسكر حرام) . أخرجه مسلم، وابن حبان في صحيحه، وعبد الرزاق والدارقطني (نصب الراية للزيلعي) .
والخمر ظاهرة خبيثة قد عمت وطمت في كثير من مجتمعاتنا المنتسبة للإسلام، مع أن الجميع يعرفون ضررها على (العقل، والدين والمال والبدن) وتقتل الأخلاق قتلا فهي تغتال العقل، وتخرج منه تعظيم المحارم، وتذهب الغيرة منه، وتدعو شاربها إلى الزنا ولو من المحارم، وتهون له ارتكاب القبائح والآثام، كما يشهده الواقع. وهي رجس من عمل الشيطان العدو اللدود، وسلاحه الفتاك الذي يصد به عن ذكر الله، وإقام الصلاة ويوقع به العداوة والبغضاء بين الناس.. قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} . (1) كما هي تصدع الرأس وتسبب القتل، وتتلف الكبد والكلي. وتسبب الضعف العقلي والعصبي والجسمي. كما يشهده الأطباء وكما قاله كل من ابن القيم والذهبي.
وهي تنزف المال. وتورث الندامة والفضيحة، وتهتك الأستار وتفشي الأسرار وتلحقه بالمجانين، وتسلبه عن السمات الحسنى، فتكسوه أخبث الصفات..
__________
(1) المائدة: الآية (90-91)(4/1938)
كما أنها توجب على شاربها ثمانين جلدة. وتمنعه من الإيمان حين يشربها. وتمنع شاربها غير التائب دخول الجنة، وتجعل مدمنها كعابد الوثن وملعون من الله ورسوله إذا لم يتب لما في الأحاديث الشريفة..
منها: قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث ... )) أخرجه ابن أبي الدنيا. والبيهقي.
ومنها قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((مدمن الخمر كعابد الوثن)) . رواه ابن ماجه. وابن حبان في صحيحه – والبزار.
ومنها قوله صلى الله
عليه وسلم: ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن، ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) .
وفي رواية: " ... فإذا فعل ذلك خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه ". البخاري، مسلم في صحيهما.
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: ((من شرب الخمر خرج نور الإيمان من جوفه)) . رواه: مسلم والنسائي.
ومنها: قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((اجتنبوا الخمر فإنها أم الخبائث، وهي مفتاح كل شر)) الحاكم وقد انعقد الإجماع على تحريمها لما في الآية الكريمة والآحاديث الشريفة السابقة..
ولما في تناولها من أضرار بالغة كما سبق الإشارة إليه –أيضا-.(4/1939)
وقد قيل: (إن الحكمة من تحريم الخمر هي المحافظة على سلامة دين المسلم وعقله وبدنه، وماله) .
ولذا حذرنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن الخمر والاقتراب منها أو الاستفادة من إنتاجها فعن ابن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((لعن الله الخمر، وشاربها، وساقيها، وبائعها، ومبتاعها، وعاصرها، ومعتصرها، وحاملها والمحمولة إليه، وآكل ثمنها)) رواه أحمد والحاكم، وأبو داود، وابن ماجه، وصححه: السيوطي والألباني.
وفي لفظ آخر ((إن الله لعن الخمر، وعاصرها، ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وشاربها، وآكل ثمنها، وحاملها، والمحمولة إليه، وساقيها، ومستسقاها)) . رواه أحمد بسند صحيح.
ومن أهم أسباب انتشار الخمر والمخدرات التي غيرت أخلاق كثيرة من شبابنا وأفسدت صحة كثير منهم، وتسببت لكثير من الحوادث.. ما يلي:
1- إرسال شبابنا –وهو في عنفوان شبابهم- إلى بلدان (أوربا) و (أمريكا) وغيرها من البلدان اللادينية، ليتعلموا في جامعاتها قبل أن يتعلموا في بلداننا من الدين وعقيدته الراسخة وأخلاقه الفاضلة ما يكون لهم درعا متينا وحصنا حصينا من تسرب عوائد أهل تلك البلدان الإباحية. وغوائل أخلاقهم الشيطانية.. فعاشوا مع هؤلاء الإباحيين.. فتأثر أكثرهم بتلك الحياة الماجنة والشره العاتي. فتسربت العوائد والأخلاق الماجنة إلى قلوب أولادنا الغرباء، تحت تأثير مظاهر الحياة المادية المتقدمة هناك..
فعادوا إلينا وهو متعودون باستعمال هذا الشراب الخبيث فأصبحوا معلمين للآخرين من أجيالهم على ممارسة ما يمارسونه من هذا الإثم إلا من عصمه الله.
2- وقبل ذلك جاء المستعمرون إلى بلداننا ليستعمروها ويجعلوها أسواقا لمنتجاتهم فمهدوا لها من يستهلكها في بلداننا.(4/1940)
3- ومن أسباب انتشار الخمور والمخدرات في العالم الإسلامي، استيراد المستخدمين المتعودين على استعمال تلك المواد المسكرة من بلدان (أوربا) و (أمريكا) وغيرها من البلدان المتقدمة ماديا، المتحللة خلقيا.
4- ومن تلك الأسباب التقليد الأعمى على هؤلاء الأجانب الوافدين المضلين، والتشبه بهم من هذه الناحية التقليدية السلوكية، فتأثر المسلمون بهم كما يتأثر الضعيف بالقوي.
5-ومنها: الجهل المطبق أو التجاهل والتسامح المستمر في خطورة هذا الداء والوباء المتسرب من هؤلاء الماديين وانتشاره في المجتمع المغلوب عليه ماديا المهزوم فكريا..، وإرخاء العنان أو التسهيلات المادية والمعنوية لمريدي انتشار ذلك الشر المستطير.
6- ومنها: فتح الأندية والمرافق السياحية التي شكلت وأسست على إطار شبيه وملائم بأوضاع عوائد الأجانب الذين لا يحترمون أوامر الدين والأخلاق وتلك المرافق موجودة في كثير من مدن العالم الإسلامي في الآونة الأخيرة بصورة جذابة.
ولا أقصد بهذا القول الأندية الرياضية كميدان الكرة والسباحة والفروسية، وغيرها من ميادين الألعاب الرياضية، التي تقوي الجسد أو تشحذ الذهن.. لأن تلك الألعاب وأنديتها مباحة ومفيدة شرعا، إن سلمت من مفسدة غير مقصودة منها.
وإنما نقصد بتلك الأندية والمرافق المحذورة شرعا، تلك الأندية التي أسست للهو، والقمار، والميسر، والخمر، والتقاء الجنسين.. لأن المقصود منها مفسدة محرمة شرعا.. هذه هي أهم الأسباب لانتشار تلك المفسدة في العالم الإسلامي في العصر الحاضر.. فإذا عُرفت العلة وخطورتها، والأسباب ومصادرها، فلا شك أن علاجها سيعود وهو إيقاف سير الأسباب ومنعها وسد مصادرها بحكمة ومداواة الجروح بأدوية مضادة لجراثيمها، وتغيير الجو الموبوء بتهيئة جو مناسب ونقي وطاهر ونظيف.. وسأذكر أسهل كيفية لمكافحة هذه المفاسد الخلقية الخطيرة –حسب نظريتي- في الفصل القادم، إن شاء الله.(4/1941)
الفصل الخامس
وفيه خلاصة ما توصلت إليه
المبحث الأول
لقد تبين لنا مما سبق من عرض المفاسد الخلقية المنتشرة من الملاهي الخطيرة. كالأغاني وآلاتها المطربة، ومرافقها من تبرج جاهلي واختلاط فاحش وما أردفناه خلفها من خمور مسكرة ومخدرات مشينة.
إن هذه كلها أمراض فتاكة قد اجتاحت مجتمعنا بصورة خطيرة من كل باب حتى أصبحت شيئا مألوفا عند كثير من أبنائنا وبناتنا.
وأن مفسدة كل من الأغاني المائعة، والتبرج، والاختلاط، والخمور، والمخدرات هي مفسدة ظاهرة لكل ذي عقل نير.
وأن الغناء المعروف بالتلحين والتمطيط على النغمات الموسيقية والمعازف والمزامير حسب أكثر الاستعمالات العصرية –قد اتفق على تحريمها جمهور علماء المسلمين من السلف والخلف كما اتفق على تحريمها أئمة المذاهب الأربعة: الحنفية، والمالكية، والشافعية والحنبلية. وذلك كله بأدلة من الشريعة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والتابعين.
وأن من خالف الجمهور في ذلك من العلماء قلة قليلة قد أسقط دليلهم عن ميزان الأدلة وقيمها.
وأن كلا من التبرج الجاهلي والاختلاط والخمور محرم عند فقهاء المسلمين قديما وحديثا، بأدلة شرعية لا غموض فيها.
وأن انتشار هذه المفاسد في العالم الإسلامي بصورتها الحالية إنما هو من مخططات أعداء المسلمين والإسلام أولا، ومن وجودهم وممارستهم بها في المسلمين ثانيا. ومن الجهل المطبق وحاجتهم الماسة إلى ما عند هؤلاء من تقدم مادي ثالثا ومن التقليد الأعمى لهؤلاء والتشبه بمظاهرهم وعاداتهم ولهوهم تحت تأثير التفوق المادي في المتخلف المحتاج.. مع أن الشريعة تأمر أهلها بالتميز عن غيرهم بعقيدتهم، وعباداتهم وأخلاقهم، ومظاهرهم وغايات أعمالهم ... ومن الفراغ الرهيب.
فلا بد لنا من الإشارة إلى شيء من أساليب الشريعة لمعالجة هذا الوضع، ومسؤولية تغييره.
إن الشريعة الإسلامية إذا حرمت فعلا من الأفعال على المسلمين فعلى كل واحد من أفرادهم البالغين أن يتركه إثر علمهم بذلك التحريم.(4/1942)
وإذا حرمت شيئا من الأشياء فالواجب على كل من بلغه هذا التحريم وعنده ذلك الشيء أن يتخلى عنه فورا.
وإنها إذا حرمت عادة من العادات المألوفة فيهم فعلي كل واحد منهم الاقتلاع عن ممارسته تلك العادة.
لأن ترك الحرام والتخلي عن المحرم وتغيير المنكر المفسد يكون على الأمة من جميع طبقاتها من غير استثناء في جميع الأوقات والأحوال إلا للتعذر والضرورة. والضرورة تقدر بقدرها.
فمسؤولية تغيير تلك المفاسد مسؤولية شاملة على أفراد المجتمع الإسلامي بدليل من الكتاب والسنة.. فمسؤوليته قبل كل شيء على الأئمة والحكام، كما هو المعروف ففي الحديث قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((الإمام راع وهو مسئول عن رعيته)) إلى آخر الحديث، رواه الخمسة إلا النسائي.
وهي على عاتق المجتمع إذا قصرت الأئمة وطلبت معاونتهم ففي الحديث الآخر قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على متن سفينة فأصاب بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم وقالوا: لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقا لم نؤذ من فوقنا؟ فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعا وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعا)) رواه البخاري.
- وهي على عتق رب الأسرة والزوجة والخادم أو العامل بدليل قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((والمرأة في بيت زوجها راعية وهي مسئولة عن رعيتها والخادم في مال سيده راع ومسئول عن رعيته)) رواه الخمسة إلا النسائي.
-وهي على عتق كل أحد بقدر طاقته وخيلته إذا علم.. لما في الحديث المشهور قال (صلى الله عليه وسلم) : ((من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)) رواه مسلم.
وفي الحديث: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته..)) . رواه الخمسة إلا النسائي.
من هذا كله نعلم علما أكيدا أن المسؤولية على جميع الأمة، فالكل متعاونون ومتكاتفون ومتساندون على تغيير كل مفسدة ومنكر، وعلى تنظيف وتطهير المجتمع من تلك المفاسد والمفاتن وعلى دفع كل ضرر عن الأنفس والأموال والأخلاق والأعراض.(4/1943)
وقد حدد الله سبحانه وتعالى لكل مؤمن ومسلم في هذه الحياة وظيفته الاجتماعية.. ومسؤوليته في حراسة مجتمعه بقدر وسعه ومكانته ومؤهلاته.. كما سبق فبأداء تلك المسؤولية يستحقون الرحمة والرضوان.. كما قال تعالى في سورة التوبة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} . (1)
هذا وقد حدد الإسلام وفصل ورتب أمورا كثيرة لأداء الواجبات الأساسية وصيانة الأخلاق الأساسية، كما جعل لجماح كل غريزة من الغرائز الإنسانية ما يكبحها من القيود الشرعية، كما هذب كلا من غريزة حب التملك، والأنانية، وحب البقاء والبغض. في الحديث: ((لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)) . متفق عليه.
وكما جعل حدا لكبح الغريزة الجنسية الجموحة. وهي من أعتى الغرائز على الإطلاق وذلك مثل غض البصر عن المحرمات: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} . (2) ومنع الخلوة لقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم)) رواه الشيخان.
ومنع التبرج.. قال تعالى لنساء النبي (صلى الله عليه وسلم) : {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} . (3) .
ومنع إبداء الزينة للأجانب لقوله تعالى: {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . (4) وغير ذلك من المظاهر التي تثير الغريزة.
وكثيرا ما أشار الإسلام إلى كيفية المعالجة لكثير من المفاسد من غير بيان وتحديد فترك للناس اختيار الأسلوب كتحديد بعض الزواجر والتعازير المتنوعة مع أنه رسم قواعد أساسية عامة لا تخرج الحلول الشرعية عنها بحال من الأحوال.
__________
(1) التوبة: الآية (71)
(2) النور: الآية (30)
(3) الأحزاب: الآية (33)
(4) النور: الآية (31)(4/1944)
المبحث الثاني
في طريقة مكافحة المفاسد الخلقية
إن طريقة معالجة هذه المفاسد الخلقية الموبقة تكون في إطار القواعد الإسلامية التالية: (دفع الضرر مقدم على جلب المصالح) – و (المفاسد تدرأ وذرائعها تسد) و (الأرواح والعقول والأعراض والأموال محروسة) .
إن أقوم الطرق لمعالجة تلك المفاسد بصفة عامة وأسهلها وأوفقها لمبادئ الشريعة الإسلامية في هذه البيئة الموبؤة –حسب نظريتي- اتخاذ الخطط الآتية بصورة حازمة وبحكمة متناهية وهي:
1- نشر الوعي الإسلامي في جميع الشعوب الإسلامية وترسيخ العقيدة في شبابها بصورة مدروسة مبسطة ومقننة ومدللة بأدلة مقنعة.
وتبصير الناس بخطورة الاندفاع وراء هذا التيار المادي الجارف القاتم، الذي هدد الأخلاق الفاضلة فهدمها في كثير من أمم العصر، والذي أهدر العفة والطهارة والكرامة فأقبرها. وأسقط الشرف والمروءة الإنسانية فسوى الإنسان بالحيوان العجم، بحيث يعم نشر هذا الوعي جميع طبقات المجتمع الإسلامي، كتربية إسلامية شاملة، ضمن التعاليم المختلفة والتوجيهات المتنوعة، حتى يكون للشخص المسلم شخصية متميزة من غيره في عقيدته وعبادته وأخلاقه وسلوكه، قبل الأخذ بالإجراءات، حتى لا يكون هناك حرج أو إكراه محظور، ولكي يتبين الحق من الباطل لدى الجميع، فيتضح أمامهم معني قوله تعالى: {لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} . (1) .
__________
(1) البقرة: الآية (256)(4/1945)
2- سن قانون موحد وشامل، إسلامي وإنساني في أن واحد لحماية الأخلاق والآداب.. ومعاقبة كل من لم يحفظه ولم يقف عند حده من جماعة المسلمين بشدة وحزم بعد إعلامه وذلك إما بحد صارم.. وإما بتعزير زاجر..
يشرط أن يتضمن ذلك القانون الأمور التالية بصفة واضحة.
3- اختيار ملابس مناسبة لكل من الرجال والنساء أثناء وجودهم في غير منازلهم الخاصة.
وذلك كأن يختار للنساء لباسا يستر أجسامهن إلا الوجه والكفين –أو الذراعين- والقدمين. شريطة أن لا يكون مهلهلا ولا رقيقا في صنعه، ولا ضيقا ولا فضفاضا جدا في لبسه وتصنيفه. ولا مشوها للمنظر العام في صورته، ولا مانعا أو معوقا من ممارسة الأعمال من مشي وجري، وقيام وقعود، وأخذ ومد..
تمسكا بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} . (1)
وبقوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . (2)
وبقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((إن المرأة إذا بلغت الحلم لا ينبغي أن يري منها غير وجهها وكفيها)) . البخاري.
__________
(1) الأحزاب: الآية (59)
(2) النور: الآية (31)(4/1946)
وبقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((كل عين زانية، وإن المرأة إذا استعطرت فمرت بالمجلس فهي كذا وكذا)) يعني زانية، رواه أصحاب السنن.
ويترك تعيين ألوان تلك الملابس وأشكالها للشعوب وقادتها المحليين، تقديرا لرغباتها وتيسيرا لها ودفع الحرج عنها.
4- تكليف التزام اللباس الموصوف على كل من يعمل عملا رسميا بصفة عامة.
وذلك التكليف ليس فيه تضييق في حريات الناس، بل فيه تعزيز وتشريف وتجميل وليس هو محظورا شرعا.
5- والإشادة بالفضيلة والحشمة والعفة بجميع وسائل النشر والإعلام –كالإذاعة والتلفزة والصحف والمجلات، وكالأندية والمجاميع العلمية والعملية- وتنزيه جميع وسائل نشراتنا وإعلامنا بث الرذائل.
بشرط أن يلتزم ذلك الداعي والمذيع، والمخرج، وأصحاب الأندية والمنتزهات بالفضيلة والتزام الخلق الكريم لتكون دعوته إلى الأخلاق الفاضلة دعوة ناجحة، لمطابقة أقواله وأفعاله لما يدعو إليه.
قال تعالى: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنْسَوْنَ أَنْفُسَكُمْ} . (1) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} . (2) .
وقال الشاعر الحكيم:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله عار عليك إذا فعلت عظيم
6-منع الصحف والمجلات المحلية عن أن تنشر الصور العارية أو القصص الغرامية ووضع الرقابة الآمنة الشديدة على مصممي الأزياء ومخرجي البرامج الثقافية والرياضية، والسياحية، وأصحاب النوادي الحرة، والمتنزهات وعلى مستوردي الأفلام والصحف والمجلات الأدبية والرياضية من الخارج؛ لأن إبراز تلك الصور مع ما يفعله المغرضون والعابثون حول هذه الميادين، لا شك أنه من الغش المحرم شرعا وعقلا. ففي الحديث الشريف قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((من غشنا فليس منا)) رواه مسلم وأبو داود والترمذي.
__________
(1) البقرة: الآية (44)
(2) الصف: الآية (2)(4/1947)
7- منع الرقص الفاحش وما يتصل به من أغان وألحان وآلات مطربة وألعاب ساقطة، وملاهٍ محرمة ... لأن هذه كلها محرمة شرعا –كما سبق- وأن مفاسدها جسيمة كما أسلفنا. فهذه والتي قبلها تستوجب المنع والحظر من كل الشعوب الإسلامية المتحضرة سدا للذرائع.
فإن قيل في تلك الأغاني والألحان وآلات الطرب والموسيقي ... وتلك الصحف والمجلات المصورة (الصور الخليعة) كسب لأصحابها ورواج لتجارها وترفيه وتسلية وترويض لمشتريها ومستمعيها ومستهلكيها.. نقول: إن إثمها أكبر من نفعها، ومفاسدها أكثر من منافعها والقاعدة الشرعية الفقهية تقول: (درء المفاسد مقدم على جلب المصالح) وإن هذا الكسب لكسب خبيث جدا لما في الحديث المروي عن أنس بن مالك رضي الله عنه أنه قال: (أخبث الكسب كسب الزمارة) . رواه ابن ماجه وابن أبي الدنيا بإسناد حسن. ولما في الحديث المرفوع عنه (صلى الله عليه وسلم) وهو أن ((بعثت بكسر المزامير والمعازف)) ثم قال: ((كسب المغنية حرام، وكسب الزانية سحت. وحق على الله أن لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت)) . رواه ابن الجوزي.
ولما في حديث صفوان بن أمية، قال: (كنا عند رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فجاء عمرو بن مرة. فقال: يا رسول الله، إني قد كتب على الشقوة، فما أراني أرزق إلا من دفي بكفي، فأذن لي في الغناء، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((لا آذن لك ... كذبت أي عدو الله، لقد رزقك الله طيبا حلالا. فاخترت ما حرم الله عليك من رزقه عما أحل الله لك من حلاله. ولو كنت تقدمت إليك لفعلت بك وفعلت، فقم عني وتب إلى الله. أما إنك إن فعلت بعد التقدمة إليك ضربتك ضربا وجيعا، وحلقت رأسك مثلة ونفيتك من أهلك، وأحللت سلبك نهبة لفتيان أهل المدينة ... )) رواه ابن ماجه وابن الجوزي في (تلبيس إبليس) والذهبي في (الميزان) وضعفوه.(4/1948)
ونقول –ايضا-: إن الإسراف في إنفاق المال أو القوة والتفكير، أو الوقت والصحة والترفيه المطغي لمما يحرمه الشرع. قال تعالى: {وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا (26) إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا} ؟ (1) وقال: {يَا بَنِي آَدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} . (2)
فمن هذه الآيات وغيرها نعلم تحريم كل من التبذير بأنواعه، والإسراف بأنواعه. وكذلك الترف، لأنه منكر في الإسلام وشريعته، لما يخلفه من انهيار وانحراف وانحلال وترهل في بنية الفرد وسلوكه، ولما يبثه من فساد وتعفن في كيان الفرد والجماعة فالمترفون كانوا –وسيكونون دائما- أسباب انهيار المجتمعات، كما هو الواقع، وكما أخبرنا الله تعالى في كتابه: {وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا} . (3)
وفي الحديث قال (صلى الله عليه وسلم) : ((إن شرار أمتي الذين غذوا بالنعيم، ونبتت عليه أجسامهم)) البزار.
وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((إن القوم لما شبعت بطونهم سمنت أبدانهم فضعفت قلوبهم وجمحت شهواتهم)) رواه: البخاري.
وقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((إنما أخشي عليكم شهوات الغي في بطونكن، وفروجكم ومضلات الهوى)) رواه المنذري وأحمد.
ومن هذا كله نفهم أن الأمة قد أصيبت من هذا الجانب بتلك الأدواء المهلكة أمة مهزومة ومهددة الكيان خلقيا وعقليا بطوفان الوقاحة وجموح الشهوات من كل جانب وفي كل قطر من أقطار الأمة الإسلامية –إلا ما شاء الله-.
الهيجان الجنسي الخطير قد انبعث من تأثير الآداب المنحرفة، والصور المكشوفة والرقص والمسرحيات، فأضرمت نار الشهوة في العوام ثم الجرائد والمجلات المغرية أظهرت القصص الجنسية والصور العارية.. فنتج من ذلك الأمراض الفتاكة كمرض الزهري.
__________
(1) الإسراء: الآية (26-27)
(2) الأعراف: الآية (31)
(3) الإسراء: الآية (16)(4/1949)
وفساد النظام العائلي. والاجتماعي والمالي.. وخلاصة القول منع تلك المظاهر المفسدة منعا باتا من جميع أقطار الأمة الإسلامية. لحرمتها بالنصوص السابقة، وردا لمفاسدها الخطيرة والتعزير الرادع على كل من لم يمتنع عنها بعد تحذيره عنها بشرط. أن يكون التعزير زاجرا عن ممارسة تلك المفسدة.
تنبيه في تعزير المجرم
" إن تعزير المجرم أمر مشروع، وهو تأديب على ذنوب لم تشرع فيها الحدود، وقد يكون تأديبا زائدا على حد ذنب له حدود مقدرة.
وهي أنواع وأشكال مختلفة، ويترك للحاكم أن يختار من بينها النوع الملائم للجريمة وحال المجرم، وهي تبتدئ بالإنذار والتهديد. وتنتهي بأشد العقوبات وقد تصل إلى القتل كقعوبة مدمن الخمر في المرة الرابعة، فعن معاوية بن أبي سفيان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في شارب الخمر: ((إذا شرب فاجحلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب الرابعة فاضربوا عنقه)) . رواه أبو داود والترمذي، وابن ماجه برواة ثقات، وقد روي عن جماعة من الصحابة رضي الله عنه نحو هذا.
وعد من أنواعها تحريق البيت على من تخلف عن حضور الجماعة إذا لم يكن معه فيه من لم يستحقها من النساء والذرية. ففي الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده لهممت أن آمر بحطب فيحتطب، ثم آمر بالصلاة فيؤذن لها، ثم آمر رجلا فيؤم بالناس، ثم أخالف إلى رجال فأحرق عليهم بيوتهم)) . رواه البخاري ومسلم.
وفي رواية لأحمد: أنه صلى الله عليه وسلم قال: ((لولا ما في البيوت من النساء والذرية لأقمت صلاة العشاء، وأمرت فتياني يحرقون ما في البيوت بالنار)) . رواه: الإمام أحمد.
ومنها عقوبة الحبس والتغريب والإبعادو التوبيخ والتهديد والتشهير.
ومنها: الغرامة وتضعيف الغرم، والغرامة المالية.
ومنها: الهجر والتهديد ومنع الاقتران بالنساء.
ومنها: العزل عن الوظيفة، والحرمان من بعض الحقوق، كالحرمان من تولي الوظائف العامة،، ومن تولي أداء الشهادات وكإسقاط النفقة ونصيبه في التركة.(4/1950)
ومنها: المصادرة والإزالة كمصادرة أدوات الجريمة وما حرمت حيازته وكهدم ما بني في مكان محظور، وكإعدام أواني الخمر وأدوات اللهو المحرم.... ولكل نوع من أنواع تلك التعاذير أدلة من الكتاب والسنة وعمل الصحابة والسلف الصالح. كما أن لكثير منها أمثلة وأقيسة. فمن ذلك ما يلي:
1- أما تحريق البيت على المتخلف عن الجماعة: فقد سبق لنا حديث الصحيحين الدال على العزم الأكيد بالتحريق. وقد بينت الرواية الثانية على وجود المانع.... فمحمد صلى الله عليه وسلم لم ينفذ تلك العقوبة. ولكن الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه نفذ شبه هذه العقوبة. فقد روي: " أن عمر رضي الله عنه أحرق قصر سعد بالكوفة لما احتجب فيه عن الرعية ".
وفعل عمر رضي الله عنه مثل هذا الفعل ببيت وجد فيه الخمر تعزيرا لصاحب البيت فقد روي أن عمر رضي الله عنه حرق بيت رجل من ثيف وجد فيه شرابا مسكرا وكان يقال لهذا الرجل: " رُوَيْشِد " فقال له: " فُوَيْسِق ". انظر " كتاب الأموال " لأبي عبيد ص: 102 وما بعدها.
وقد قيل: إن لهذا الخليفة العادل رضي الله عنه في التعزير اجتهادا وافقته عليه الصحابة لكمال نصحه ويقظته لمصلحة أمته. ووفور عقله وحسن اختياره للأمة وحدوث أسباب اقتضت تعزيره لهم تعزيرا زاجرا. ولم يكن مثلها في عهد المصطفى صلى الله عليه وسلم. أو زاد الناس عليها فمن ذلك أنهم لما زادوا في شرب الخمر وتتابعوا فيه بعد أن كان قليلا في عهده صلى الله عليه وسلم جعل حد الشارب ثمانين جلدة ونفي فيه ". انظر " إغاثة اللهفان " (1 / 333) .
2- وأما عقوبة الحبس: فهي عقوبة تعزيرية ثانوية والحبس إما أن يكون محدود المدة وإما أن يكون غير محدودها: فالنوع الأول تعاقب به الشريعة على المجرمين غير المعتادين للإجرام. وأقل مدته " يوم وليلة " وحده الأعلى غير متفق عليه: فقيل: " بستة أشهر " وقيل " بسنة " وقيل: يترك تحديده لأولى الأمر: وهذا القول الأخير أقرب إلى الصواب، وإلى محاسن الشريعة ومرونتها ولكن يشترط فيه: أن يؤدي إلى إصلاح الجاني وتأديبه.
والنوع الثاني من الحبس يعاقب به المجرمون المعتادون على الإجرام. ومن لا تردعه العقوبات العادية فيكون المجرم محبوسا حتى يتوب. ويظهر صلاحه. وإلا يبقى محبوسا مكفوفا شره عن الناس.(4/1951)
وروري " أن النبي صلى الله عليه وسلم حبس رجلا في تهمة ". رواه: أبو داود والنسائي والترمذي وحسنه وزاد الأخيران: " ثم خلى عنه ".
3- وأما عقوبة التغريب فهي عقوبة تعزيرية يلتجأ إليها إذا تعددت أفعال المجرم وتعدت إلى اجتذاب غيره إليها أو إلى استضراره بها أيا كانت نوعية الجريمة وذهب أغلب الفقهاء إلى جواز زيادة التغريب عن سنة واستحسنوا ترك تحديدها لأولى الأمر. ويرى بعض منهم أن يوضع المغرب تحت المراقبة في المكان الذي غرب إليه.
وقد عاقب النبي (صلى الله عليه وسلم) بالتغريب على الرجال المتشبهين للنساء حيث أمر بإخراج المخنثين من المدينة. ففي الحديث عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((أتي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء. فقال (صلى الله عليه وسلم) : ما بال هذا؟ قالوا: يتشبه بالنساء. فأمر به فنفي إلى النقيع –بالنون-. فقيل: يا رسول الله ألا تقتله؟ فقال: إني نهيت أن أقتل المصلين)) رواه أبو داود. وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه قال: ((أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أخرج المخنث)) أخرجه الطبراني. وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء، وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) فلانة، وأخرج عمر رضي الله عنه فلانا)) . رواه: الإمام أحمد والبخاري.
وعاقب بالتغريب –أيضا- كل من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما كما في الحديث الآنف الذكر، وكما في الحديث (أن أبا بكر الصديق أخرج مخنثا) . رواه البيهقي.
وفي الحديث الآخر: (أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخرج واحدا من المخنثين) رواه البيهقي.
وفي الأثر: (أن عمر رضي الله عنه عاقب نصر بن الحجاج بالنفي من المدينة) كما سبق.
وعاقب به –أيضا- صبيغا، مع الجلد والهجر عن كلامه حتى تاب، وكتب عامل البلد الذي غرب إليه إلى عمر رضي الله عنه بتوبته فأذن للناس في كلامه.
4- وأما عقوبة الغرامة: ففي الحديث أن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((في كل إبل سائمة، في كل أربعين ابنة لبون لا تفرق إبلها عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا فله أجرها. ومن منعها فإنا آخذها وشطر إبله ... )) رواه أحمد وأبو داود والنسائي. وقال ابن معين: إسناده صحيح كما في (زاد المعاد) (3/ 229) . فدل هذا الحديث على تعزير مانع الزكاة بأخذ شطر ماله.
وفي الحديث الآخر قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((من خرج بشيء فعليه غرامة مثليه والعقوبة..)) رواه أبو داود والنسائي.(4/1952)
5- وأما العقوبة بالهجر والتهديد والمنع من اقتران النساء (فقد عزر النبي (صلى الله عليه وسلم) بها على الثلاثة الذين خلفوا عنه (صلى الله عليه وسلم) في غزوة تبوك. كعب، ومرارة، وهلال) كما رواه البخاري ومسلم. وكذلك (عاقب بها عمر رضي الله عنه صبيغا) كما سبق.
6-وأما عقوبة التهديد: فهي عقوبة تعزيزية شرعية، بشرط أن لا يكون التهديد تهديدا كاذبا، وأن يرى الحاكم صلاحه في تأديب الجاني، وذلك مثل: أن القاضي أن عاد المجرم إلى جريمة أنه سيعاقبه بالحبس، أو بأقصى العقوبة.. وقيل (إن من التهديد الشرعي حكمه بالعقوبة ثم توقيف تنفيذها إلى مدة معينة) .
7- وأما عقوبة التشهير: فهي عقوبة تعزيرية شرعية تعاقب بها على المجرم فتحرمه من ممارسة الأعمال المدنية والاجتماعية.. ويحصل التشهير بالإعلان عن جريمة المحكوم عليه –ككذبه، وخيانته. وغشه، وسلوكه الخبيث- بجميع وسائل الإعلام.
8-وأما عقوبة العزل عن الوظيفة والحرمان عن بعض الحقوق.. فهي صارمة يفقد المجرم بسببها كثيرا. فتفقد الزوجة الناشزة نفقتها واحترامها ويفقد الزوج الخؤون سكنه واحترامه.. ويعدم العامل المضيع أو الخائن.. عمله ووظيفته..
ويفقد التاجر الكذاب الغشوش ... ثروته ... ويفقد الصانع والمحترف والطبيب صنعته وحرفته ... وهكذا هذه العقوبة تنطبق على جميع الموظفين، سواء كان عاملا رسميا أو مؤقتا.. وعلى أصحاب الحقوق فقاتل المورث يحرم من نصيبه في تركة المقتول تعزيرا له.
والغانم المجاهد يحرم من نصيبه من الغنيمة لغشه أو لتواطئه مع غيره، كما في حديث عوف بن مالك الأشعري في قصته مع خالد بن الوليد والمددي في غزوة تبوك ... التي رواها مسلم في صحيحه وأبو داود في سننه. تركتها لطولها، وقلة جدواها لموضوعنا.
9- وأما عقوبة المصادرة والإزالة فهي عقوبة شرعية رادعة. وهي تحصل بالمصادرة بأدوات الجريمة، كالبندق والمسدس، والخنجر ... إلخ ...(4/1953)
وكمصادرة كل ما حرمت حيازته أو حظر لمصلحة المجتمع.
وتحصل بإزالة وهدم البناء الذي بني في مكان محظور أو بني لممارسة المحرمات فيه، كحوانيت الخمارين.. وبإعدام أواني الخمر وغيرها من آلات الملاهي والمخدرات والمواد المضرة المحظورة: انتهي التنبيه.
10- الفصل بين الرجال والنساء –من غير مفاضلة بين الجنسين- في المدارس والمكاتب، والمتنزهات والأندية.. إلا فيما دعته الضرورة لأن الضرورات تبيح المحظورات ولكنها تقدر بقدرها –لما أسلفناه من الأضرار الجسيمة الناجمة من الخلطة الفاحشة. لا سيما المراهقين والمراهقات. ومن فوق هذه المرحلة من تلاميذ المدارس والمعاهد العلمية؛ لأن الاختلاط في المدارس في تلك المرحلة قد أضر كلا من البنين والبنات، بل تضرر البنات به أكثر وأشد من تضرر البنين به، كما هو الواقع، وشهد به دعاة الاختلاط أنفسهم في البلدان المتقدمة..
فالفصل بين الجنسين ضرورة حتمية لكل مجتمع يريد صيانة أعراضه وشرفه ودينه الحق من الضياع، ولكل مجتمع يريد التقدم العلمي والعقلي والأخلاقي لا بد له من مراقبة شبابه وصيانتهم من كل ما يدعوهم إلى الميوعة والانحلال.
ومعلوم أن الاختلاط قد عاق كثيرا من شباب هذا العصر المادي، وأفقدهم التوازن العقلي، ففشلوا في التعلم والتكسب، والتنمية الجسمية والصحية بسبب هيجان الغريزة الجنسية التي يثيرها داما ذلك الاختلاط والاحتكاك مع ما يصاحبه من الهيجان، كما سبقت الإشارة إليه.
فالشاب الذي وجد الفرصة للتعليم العالي لا يقدر ممارسة دراسته إلى تلك المرحلة، إلا النزر القليل، وما ذلك إلا من شؤم الاختلاط والاحتكاك الجنسي. فتراه وقد سقط فريسة لهذا الطوفان وقل في الشابة كذلك ... فماذا ترجو ممن قلت فرصته من فرصة ذلك الذي كان من إمكانه أن لا ينشغل ولا ينجذب إلى لذة جنسية لولا هذا الاختلاط المثير ... لأنه قد قيل: إن لذة العلم في المرحلة العليا من مراحل التعليم بل وفي مرحلة التفتح العلمي يعمي ويغني عن النكاح والتفكر فيه ...
وتري كذلك كثيرا من الشباب اليوم لا يقدرون ممارسة التجارة الخاصة، أو تنمية الثروة التي ورثها من والده.. وما ذلك إلا بسبب الاختلاط والتبرج المثير ...(4/1954)
وقل كذلك في فقدان القوة العقلية والفكرية والجسمية عند كثير من شبابنا فلنجزم الفصل بين الجنسين في الميادين التي ذكرناها. ولنجاوز كل ما أثاره الإباحيون حول الفصل والستر والحجاب.. بصفة لا تنقص المرأة ولا تخلفها عن الركب.. وقد يحتاج حل هذه المشكلة إلى تدابير عديدة قبل تقريرها.
أحسنها أن تكون محاولة الفصل بينهما بالنسبة للمتعلمين والمتعلمات كالآتي:
1-تدريب معلمات متفوقات وتكوينهن تكوينا علميا وخلقيا لجميع مراحل التدريس لا سيما بما بعد الابتدائية, ولا بد للتغلب على الصعوبات أن لا يقل عدد هؤلاء المعلمات بالنسبة للمعلمين الذكور قدر ثلثهم. وذلك لكي يتغلب التعلل بقلة المعلمات.
2-تكثير المدارس والمعاهد والجامعات في البلدان الإسلامية حتى يفحم المتعللون بقلة المدارس فيها واقعيا.
3- ثم الفصل بين البنين والبنات على نحو الترتيب التالي: يكون الفصل بينهما:
أولا: في فصول التعليم.. ثانيا: في بناياتها. ثالثا: في ساحات الاستراحة والملاعب أو الساعات. رابعا: في تعيين المعلمات لفصول البنات والمعلمين لفصول البنين.. والأحسن أن يكون البدء بذلك: بالفصول الإعدادية –حتى يبلغ أعمار تلاميذها الرابع عسر أو الخامس عشر- ثم الثانوية ثم الكليات. وأخيرا في المدارس الابتدائية.. بشرط مساواة أكثر المواد المدروسة للبنين والبنات بصفة عامة ولكل نقطة من تلك النقط عللها، ومسوغاتها، وأسبابها وغاياتها ... تركتها مخافة طول الكلام فيها.
ملاحظة:
قد يقول بعض من العلماء الغيورين: إن تعليم البنات مقصور ببعض سور القرآن وببعض أحاديث كلها تتعلق بعبادتهم وإطاعتهن لأزواجهن. وأما المعاملات بالتجارة والصناعة والزراعة وغيرها من المعاملات فلا تحتاج إليها.. إلخ لقلة مسؤوليتهن.. وقد يقول آخر: إن النساء مثل الرجال في كل عمل، فلهن ما لهم، وعليهن ما عليهم، فلهن أن يمارسن كل عمل تمارسه الرجال كالجندية والسياسة والهندية.. وغيرها مما سهل وصعب.. فنقول: إن كلا القولين مرفوض لما فيهما من التشدد والتساهل فأنا لا أوافق هذا في جميع ما قاله، ولا ذاك.. بل أقول: خير الأمور أوسطها.(4/1955)
وإن أصل طلب العلم وتعلمه فرض أو مندوب أو مباح. أو محرم أو مكروه. كما هو معروف، ففي الحديث المشهور قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((طلب العلم فريضة على كل مسلم)) . وفي رواية ((ومسلمة)) رواه البخاري في الصحيح. وابن ماجه في السنن. فمن هذا نفهم أن طلب العلم فرض وواجب على الرجل والمرأة المسلمين.
وقد قال الفقهاء (إن تعلم العلم يكون (فرض عين) بقدر ما يحتاجه الإنسان لإصلاح دينه ويكون (فرض كفاية) بما زاد عليه لنفع غيره.. ويكون (مندوبا) كالتبحر في علم الفقه وعلم القلوب.. ويكون (حراما) كعلم الموسيقي والشعوذة، والسحر، والتنجيم.. ويكون (مكروها) كأشعار المولدين من الغزل والبطالة، إلا لحاجة بلاغية علمية. ويكون (مباحا) كأشعارهم التي لا سخف فيها ولا كذب إذا سلمت من إضاعة الوقت) .
فلنكتف من هذه الأنواع بالنوع الأول وهو (فرض العين) : فمنه:
(معرفة حق الخالق، وحق المخلوقين علي مقتضي الشريعة. فيدخل في هذا القسم معرفة الله ورسوله.. والإسلام بصفة عامة، ومعرفة الطريق لإصلاح القلب والنفس.
ويدخل فيه تعلم الفقه المحتاج إليه بأنواعه: كالعبادات والمعاملات والأخلاق.. ومعرفة النواحي الأساسية في التربية الإسلامية ومعرفة شيء من السيرة وحياة الصحابة.. ومعرفة تجويد القرآن الكريم.
ومعرفة نواقض الإسلام وعلم رد الضلالات المنتشرة في كل وقت وما يناسبه.. وتعلم القتال أحكامه وأدواته وأساليبه بصفة عامة، والتعرف على أحوال المسلمين بقدر المستطاع.. فكل هذا فرض عين على الرجال والنساء من غير فرق) انتهي.(4/1956)
ومن هذا نعلم أن علوم العقيدة وعلم النفس والقلوب والفقه بأنواعه –ما عدا الحدود والفرائض والقضاء- وعلوم التربية والتاريخ، وعلوم القرآن، والأخلاق والدعوة والدفاع كلها تدخل في هذا القسم الذي يستوي في أصل تعلمه الرجال والنساء.
وأما العمل في نظر الشريعة فإنه عماد الحياة وأساس السعادة في كل أمة في جميع الميادين لذا حض الإسلام عليه ورغب فيه، ونوه به فقال تعالى: {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} . (1) وقال: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} . (2) . وقال: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} . (3)
وقال: {وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ} . (4) .
وفي الحديث قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((ما من مسلم يغرس غرسا –أو يزرع زرعا- فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له به صدقة)) .
وفي حديث آخر قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((إن قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)) البزار بسند ثقات، وأحمد وإسناده صحيح.
وفي حديث آخر قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((إن الله يحب العبد المحترف)) .
وفي الحديث الآخر: ((اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا)) .
وقال عمر رضي الله عنه: (إني لأكره أن أرى الرجل، لا في أمر دنياه ولا في أمر آخرته) .
وقال فقهاء المسلمون: (لو احتاج المسلمون إلى صناعة إبرة ولم يوجد بينهم من يحسن صناعتها فكل المسلمون آثمون) .
فمن هذا نأخذ أن العمل واجب في جميع الميادين. فمن قصر فيه فعليه ذنب لا يغتفر إلا إذا عمله آخرون ... كما هو واضح.
وإن العمل مطلقا حق لكل مسلم: ذكر أو أنثى، غني وفقير، صغير وكبير، عالم وجاهل. فلا يمنع منه إلا إذا ثبت ضرره له أو للآخرين. فيمنع عنه دفعا للضرر؛ لأن دفع الضرر مصلحة يرعاها الإسلام. لقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((لا ضرر ولا ضرار)) . رواه الإمام مالك وأحمد وابن ماجه والبيهقي والدارقطني.
__________
(1) التوبة: الآية (105)
(2) البقرة: الآية (29)
(3) هود: الآية (61)
(4) النساء: الآية (124)(4/1957)
فالعمل إذًا واجب على القادر في حدود قدرته لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} . (1) ، ولقوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} . (2) .
وفي الحديث قوله (صلى الله عليه وسلم) : ((فإذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)) متفق عليه.
فالعمل إذًا هو حق لكل من الرجل والمرأة على حد سواء فللمرأة أن تبيع وتشتري كما كان ذلك للرجل تماما، إذا لم يكن في ذلك ضرر لأحد.
ولها أن تمتهن العمل الذي تريده ما لم تضر به أحدا –كما كان للرجل- فإذا أضرت به أحدا منعناها منه.. وذلك: كالعزف على أدوات اللهو.. الذي يسهر الناس ويمنعهم من النوم أو يحرك الشهوة أو الطرب.. وكصنع الخمر أو شربه..
ولكن هناك أعمال معينة قد تكون المرأة أصلح من الرجل.. مثل:
تربية النشء والحضانة.. لما فطرت عليه من العطف والحنان والصبر.
كما أن للرجل أعمال معينة تناسبه فيكون أصلح وأحسن من المرأة كالقيادة، والملاحة العملاقة، والجندية..
قال تعالى: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} . (3) .
وقال: {وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} . (4)
وقال: {وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ} . (5) .
فمجال العمل واسع ومفتوح أمام كل من الرجال والنساء. وكذلك العلوم بصفة عامة.. ((طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة)) رواه البخاري وابن ماجه.
ولكن قد تكون بعض المهن أنسب للرجال دون النسائي بسبب الفطرة والخلقة. كما قد يكون بعضها أليق وأسهل للنساء دون الرجال بمقتضي الفطرة والميول.
__________
(1) البقرة: الآية (286)
(2) آل عمران: الآية (97)
(3) النساء: الآية (34)
(4) النساء: الآية (19)
(5) البقرة: الآية (228)(4/1958)
فالجندية بحذافيرها هي أنسب للرجل بسبب مرونة أجسامهم وأعصابهم وعروقهم. وبسبب ميولهم الغريزية إليها. لذا ترى الأطفال يختارون اللعب بأدوات الفروسية كالبندق والرمح والحراب بخلاف الطفلات فلا تراهن إلا وقد اخترن الدمية واللعبة الجميلة المنظر والناعمة الملمس. فالبنات ألطف وأرحم وأحب للجمال والنظافة منذ طفولتهن من البنين. كما هن أصبر على مساعدة الضعفاء والمرضي وحضانة الأطفال والدواجن وتنظيف الأدوات إذا عقلن من الرجال.. والبنون أغلظ وأشد وأميل إلى مقابلة الشدائد من النساء وأصبر على ممارسة الأعمال البطولية والحربية.. فلذا نقول لم يبتعد عن الصواب بل هو في بحبوحة الحق والعدل من يقول: إن الله قسم ممارسة الأعمال بين الرجال والنساء نسبيا.
فالجندية ومهنة البنايات وممارسة المصانع الثقيلة وقيادة الناقلات العملاقة والخوض في قاع البحار المتلاطمة الأمواج. وغيرها من الأعمال التي يحتاج صاحبها إلى صلابة جأش وأعصاب قوية.. كل ذلك من خصوصيات الرجال بطبيعة الحال. ولو لم يمنع النساء من ممارسة تلك الأعمال، كما في حديث ربيع بنت معوذ رضي الله عنها ((لقد كنا نغزو مع النبي (صلى الله عليه وسلم) لنسقي القوم ونخدمهم ونرد القتلى والجرحى إلى المدينة)) رواه البخاري.
وتمريض النساء الحاملات منذ العلوق إلى الوضع وما يعقب ذلك مما يتعلق بمعالجة مشاكل النساء الداخلية.. التي هي أعمال وأعراض ضرورية دائمة الحصول.. كلها أعمال من خصوصيات النساء.
وكذلك حضانة الأولاد –ذكورا وإناثا- وترتيب الأدوات والأثاث المنزلية وصيانتها وكثير مما يخص المنزل بداخله وما يخص الأطفال.. كل ذلك –أيضا- من الأعمال الخاصة بالنساء. فينبغي لهن التخصص بهذه الأمور علميا وعمليا، لأن مهارتهن في هذا المجال أكثر بكثير من غيره.
وما عدا ذلك من الأعمال فهو مشترك بين الجنسين، فكل منهما يمكن أن يكون معلما، أو طبيبا، أو فقيها، أو مهندسا، أو تاجرا أو كاتبا ... إلخ.. ولو كان البعض منها أنسب للرجال من النساء والعكس صحيح.
ولو هيئ للرجال علميا ما يناسبهم من الأعمال والوظائف وللنساء ما يناسبهن من الوظائف منذ المرحلة الإعدادية أو الثانوية بصفة خاصة لكان أولى وأسلم. اهـ.
ونضيف إلى ما سبق من الأمور التي فرضناها لدرء تلك المفاسد الخلقية ما يلي:(4/1959)
9- منع تصنيع الخمر في بلد ما من البلدان الإسلامية تمسكا بالقاعدة الفقهية القائلة: (الضرر يزال) لأن في الخمر ضرر محض لكل من العقل والمال. والنفس والنسل والدين والشرف والخلق. وإنها هي الداء بعينه كما في الحديث الشريف، فقد قال نبينا محمد (صلى الله عليه وسلم) حينما سمع أن بعض الناس يقولون –بغير علم- أن فيها شيء من الدواء. ((ليس فيها دواء بل هي الداء)) أو كما قال.
ومن لم يقتنع بهذا وزعم أن فيها شيئا من المنفعة والفائدة المالية للبائع مع ما سبق أن أوردناه في مبحث الخمر السابق من الوعيد الشديد لكل من البائع والمشتري ... فلا بد أن يقتنع الأطباء، وبالتجربة التي تشهد لصدق قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) السالف الذكر، وإن القاعدة الشرعية العامة تقول: (دفع الضرر مقدم على جلب المصالح) .
10-إيقاف ومنع استيرادها من الخارج بصورة قاطعة، ولو كان في البلد الإسلامي أناس غير المسلمين ولو كان ذلك الغير هو المستورد وحده لأنه لا حق له في إنشائها في المجتمع الإسلامي ومن منع هذه المادة المضرة منهم من المسلمين –خصوصا الحكام- فهو محسن ومأجور من الله. وما في بعض كتب الفقه الإسلامي من أن الخمر مباح لغير المسلمين في بلد إسلامي غير صحيح لأن ضررها ليس للدين فحسب بل هو ضرر للعقل وغيره.. مع أن الوضع قد تغير.
وأن هذا الضرر ضرر أصيل يعترف به الجميع ولذا حاولت الحكومة الأمريكية منعها عن بلدها سابقا فلم تنجح، وكذلك بعض الدول الأوربية في أوائل هذا القرن. بخلاف الإسلام فإنه نجح بمنعه سابقا.. وسينجح به الآن إذا عزم أهله –إن شاء الله-.
11- ومعاقبة كل من يحاول إدخال الخمر ونحوه في بلد إسلامي عقابا شرعيا أقله التعزير بأنواعه المختلفة التي سبقت.
* فيؤخذ منه حاملته وجميع ما اكتسب من تجارة نلك المادة الخبيثة بعد إعلان الحظر..
* ويحرق حانوته إن كان خصيصا لهذه المادة، ولم يمكن الانتفاع لغيرها.
* ويحبس إذا لم ينته عن ذلك. فيبقي في الحبس حتى يتوب.
* ويطرد عن العمل والوظيفة الاجتماعية إن كان موظفا..
وذلك كله استنادا لما سبق من الأحاديث النبوية والآثار العمرية من تحريق الحانوت وتفسيق صاحبه. والقواعد الفقهية.(4/1960)
12- ومعاقبة كل من يتعاطاها من المسلمين، عقابا أقله:
* الطرد عن العمل الحكومي وغيره من الوظائف الرسمية، لأنه أصبح غير مأمون.
* ومنعه عن العمل الرسمي إن لم يكن عاملا إلى أن يتوب لأنه أصبح فاقد الأهلية للأعمال.
* ثم طرده عن المدن إلى القرى مع التعذيب الجسدي إلى أن يتوب من تعاطيها.
*ثم الحبس المحدد المدة: من (يوم كامل) ثم (أسبوع) ثم (شهر) (فشهرين) (فأربعة أشهر) (فسنة كاملة) .
* ثم الحبس غير المحدد فيبقي في السجن حتى يتوب أو يموت.
ذلك كله عملا بما سبق في التعازير من الأحاديث والآثار. على سبيل التدرج في العقوبات.
13- منع إرسال الشباب المسلمين إلى البلدان الإباحية إلا من يوثق به، ويؤمن عليه من التأثير بأخلاق الإباحيين وعاداتهن –مهما كان المقصود من إرساله- عملا بالقاعدة الفقهية الحكيمة التالية: (درء المفاسد أولى من جلب المصالح) .
14- منع استيراد المستخدمين من تلك البلدان اللاأخلاقية. إلا من لا يمارس تلك المادة المفسدة. أو يستغني عنها، بشرط أن يلتزم العفة أثناء وجوده عندنا.
15- معاقبة المخنثين من الرجال والمترجلات من النساء. بعد إعلان منع تلك الظاهرة. وهي ظاهرة يستند لمعرفتها إلى العرف. فمتي حصلت مشابهة الرجل بامرأة في لباسه وشعره بتفاعل منه، فإن هذا الرجل متخنث غشوش، فاستوجب العقاب لزجره عن ذلك التمويه. وكذلك المرأة المترجلة تستوجب العقاب. تعزيرا لكل منهما:
وعقاب كل من المتخنث والمترجلة التهديد والتنكير وإزالة الشبهة والنفي أو التغريب. لما سيق من الأحاديث الواردة في ذلك.
فعن أنس رضي الله عنه قال: ((لعن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) المخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء. وقال: أخرجوهم من بيوتكم، فأخرج النبي (صلى الله عليه وسلم) فلانة، وأخرج عمر فلانا.)) رواه أحمد والبخاري.
وعن واثلة بن الأسقع رضي الله عنه: ((أن النبي (صلى الله عليه وسلم) أخرج المخنث)) . أخرجه الطبراني.(4/1961)
وعن يعلي بن مرة رضي الله عنه ((أن النبي (صلى الله عليه وسلم) رأى رجلا متخلقا. فقال له: اذهب فاغسله، ثم لا تعد)) رواه الترمذي والنسائي.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه (أنه لعن الرجل يلبس لبسة المرأة والمرأة تلبس لبسة الرجل) . رواه الحاكم.
وعنه رضي الله عنه ((أتي رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال: ما بال هذا؟ قالوا: يتشبه بالنساء. فأمر به فنفي إلى النقيع ... )) رواه أبو داود.
وعن أنس رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أن يتزعفر الرجل)) . رواه الجماعة إلا مالكا.
وروي (أن أبا بكر أخرج مخنثا، وأخرج عمر واحدا من المخنثين) رواه البيهقي.
16-سد الفراغ المخيم على ساحة المجتمع المسلم المعاصر بصفة عامة وشبابه غير المتدين بصفة خاصة بتوجيهات حكيمة ومكثفة على الأعمال الجدية النافعة، وبفتح مجالات العمل في الأقطار الإسلامية جمعاء.. وبالرياضيات النزيهة التي من شأنها التقوية للأجساد. والتشحيذ للأذهان، والتعارف بين الشباب في الشعوب الإسلامية. كالمسابقات المباحة كالمسابقة بالأقدام وبالخيول، والمصارعة، وبالرمي ورفع الأثقال. وبالكرة وأنواعها المعروفة من غير هيجان المتفرجين.(4/1962)
وخلاصة القول ونهاية المطاف:
إننا إذا أردنا أن نطهر أخلاق أمتنا وسلوكها من المفاسد الخطرة، وندافعها من الفواحش والرذائل، وننقذ أبنائنا وبناتنا من الميوعة والخلاعة والانحلال، ونحصنهم بحصن حصين من كل ما يتسرب إليهم من الأعداء.. من كل ما يضعف القوة ويعدم العزة والمنعة ويمزق الجماعة ويبدد كلا من العقل والعِرض، والصحة والمال، والخلق والدين ... فلا بد لنا من تنفيذ تلك الأمور السابقة. وأمثالها في أسرع وقت ... حتى نصل الهدف المنشود من بحوثنا، ألا وهو إنقاذ أخلاقنا الإسلامية وتنظيف مجتمعنا من المفاتن والمثيرات الجنسية.. ولا يمكن هذا التنظيف إلا بتنظيف كل من البيت والشارع والسوق والمؤسسة والمدرسة، والجامعة والنادي، والشاطئ والمسرح والملعب والإذاعة والتلفزة.. من كل متبرجة، أو صورة عارية متحركة أو ساكنة، أو أغنية فاجرة، أو قصة ساقطة مهيج للشهوة والغضب، ومن كل مثير للغريزة الجنسية سواء كان هذا المهيج أو ذاك المثير امرأة ساقطة أو مسرحية آثمة أو تمثيلية مائعة، أو بيتا داعرا أو أفلاما خليعة أو آلات مطربة أو مزامير شيطانية.
كما أنه لا بد لذلك من إنشاء برامج نظيفة من كل تلك الرذائل ومتنوعة لسد الفراغ المخيم في أمتنا.
بشرط أن يكون بعضها رياضيا، وبعضها ثقافيا وبعضها علميا.
ومسؤولية ذلك التنظيف والتطهير لَمِنْ واجبات الحكام والشعوب والأفراد وكذلك إنشاء البدائل..
وإلى هنا آخر ما توصلت إليه من نتائج في بحث هذا الموضوع. وأسأل الله الكريم أن يجعل هذا البحث خالصا لوجهه، وأن ينفع به المسلمين..
وصلي الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
هارون خليفة جيلي(4/1963)
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية
الرئيس:
الحمد لله رب العالمين، وصلي الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
من الموضوعات المطروحة في جدول أعمال هذه الدورة موضوع كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية في العالم الإسلامي وقد أعدت في هذه الموضوع عدة أبحاث والعرض لسعادة الطبيب محمد على البار ليتفضل بإعطائنا عرضا عن هذا الموضوع.
الدكتور محمد على البار:
سماحة الرئيس، أصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. الحمد لله الذي نهى عن الفواحش ما ظهر منها وما بطن والقائل:
{وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} . (1) . والقائل سبحانه وتعالى: {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} . (2) وقال تعالى: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30) وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} . (3)
وقد أمر المولى سبحانه وتعالى نساء النبي ونساء المؤمنين بأن يقرن في بيوتهن قال تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} . (4) وأمرهن بالحجاب في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (5) . وقد مدح المولى سبحانه وتعالى الحافظين لفروجهم والحافظات وأخبر أن الزاني لا ينكح إلا زانية أو مشركة والزانية لا ينكحها إلا زان أو مشرك وهدد كل الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا بأفظع تهديد وأرعبه. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آَمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ} . (6) وفرض سبحانه عقوبة شديدة على الزناة قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} . (7) .
__________
(1) الأنعام: الآية (151)
(2) الاسراء: الآية (32)
(3) النور: الآية (30-31)
(4) الأحزاب: الآية (33)
(5) الأحزاب: الآية (59)
(6) النور: الآية (19)
(7) النور: الآية (2)(4/1964)
والصلاة والسلام على أفضل خلقه وأكرمهم عليه الذي حذر من الزنا وعواقبه الوخيمة وأول تلك العواقب وأخطرها بالنسبة للمسلم ذهاب الإيمان. قال (صلى الله عليه وسلم) : ((إذا زنى الرجل خرج منه الإيمان فكان كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه الإيمان)) وقال (صلى الله عليه وسلم) ((لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن)) . وفي رواية النسائي (فإذا فعل ذلك، خلع ربقة الإسلام من عنقه، فإن تاب تاب الله عليه) .
وثاني تلك العواقب الوخيمة: عذاب الله تعالى يوم القيامة، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((إن الزناة تشتعل وجوههم نارا وفي النار نهر يجري من فروج المومسات يؤذي أهل النار ريح فروجهم)) .
وثالث تلك العواقب الوخيمة: عذاب الله في الدنيا: ((إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)) .
((ولا تزال أمتي بخير ما لم يفشو فيهم ولد الزنا، فإذا فشا فيهم ولد الزنا فأوشك الله أن يعمهم الله بعذاب)) .
((وما نقض قوم العهد إلا كان القتل بينهم، ولا ظهرت الفاحشة في قوم إلا سلط الله عليهم الموت ولا منع قوم الزكاة إلا حبس عنهم القطر)) .
((ولم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم الذين مضوا)) .
وهذه الأحاديث من دلائل نبوته (صلى الله عليه وسلم) .. وها هو الموت ينتشر بانتشار الفاحشة وها هي الأوجاع والطواعين التي لم تكن معروفة من قبل تنتشر كلما انتشرت الفاحشة، والطاعون يطلق في اللغة مجازا على كل وباء. وإلا فهو وباء مخصوص وكلما انتشرت الفاحشة ظهرت معها مجموعة من الأمراض الجنسية التي لم تكن معهودة من قبل.
وأول ظهور لمرض الزهري المعروف باسم (السفيلس) أو داء الفرنجي، كان في عام 1494م، عندما انتشر الزنا في الجنود بصورة واسعة أثناء الحرب الإيطالية الفرنسية وسماه الإيطاليون الداء الفرنسي وسماه الفرنسيون الداء الإيطالي.. وسماه أهل الشام الداء الفرنجي. وقد قتل هذا المرض في خلال القرون الأربعة الماضية عشرات الملايين وأصاب مئات الملايين بأمراض فادحة.(4/1965)
وفي العصور الحديثة ظهرت أمراض جديدة لم تكن معهودة من قبل: أشهرها وأكثر تسببا للرعب مرض الإيدز أو مرض فقد المناعة المكتسبة الذي لم يعرف بهذا الاسم إلا عام 1981م وسرعان ما تضاعف عدد الحالات بسرعة رهيبة وعلى هيئة متواليات هندسية حتى بلغ العدد بنهاية 1987م أكثر من مائة ألف حالة مرضية لا يرجى لها شفاء وما بين خمسة و10 ملايين شخص يحملون الفيروس ويتوقع أن يظهر في 50 % منهم، هذا المرض اللعين خلال السنوات الخمس القادمة. وهناك مرض الهربس (العقبولة) التناسلي الذي انتشر انتشارا مرعبا منذ بداية الثمانينات ويبلغ عدد ضحاياه في الولايات المتحدة فقط أكثر من عشرين مليون شخص ولا علاج له حتى الآن.
ما هو مدى انتشار الأمراض الجنسية؟
يقول مرجع مرك الطبي (إن الأمراض الجنسية هي أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم اليوم، ويزداد في كل عام عدد المصابين بها، وتقدر منظمة الصحة العالمية الإصابات التالية سنويا:
250 مليون شخص مصابون بالسيلان ما يسمى (التعقيبة) أو الجدنوريا.
400 إلى 500 مليون شخص مصابون بمرض يسمى الكلاميديا وهو (التهاب مجرى البول الجنسي من غير سيلان) وناتج عن طريق الزنا أو اللواط.
وهناك 50 مليون حالة شخص الزهري الأولي أو الثانوي في كل عام.(4/1966)
كما أن هناك عشرات الملايين من المصابين بالهربس، والإصابة السنوية في الولايات المتحدة نصف مليون شخص.
وهناك عشرات الأمراض الأخرى المنتشرة بين الزناة والشاذين جنسيا مثل التهاب الكبد الفيروسي من نوع B وثاليل التناسل والاتهاب الجيبي المغبني والورم البلغمي الزهري والقرحة الرخوة، وجرب التناسل وقمل التناسل..
ويقول قرار منظمة الصحة في الاجتماع الثامن والعشرين وهو قرار قديم (1975) (إن الأمراض الجنسية هي من أكثر الأمراض المعدية انتشارا في العالم. وتشكل تهديدا خطيرا على الصحة العامة في العالم اليوم. وللأسف فإن كثيرا من الدول لم تدرك بعد أبعاد هذه المشكلة) .
ويشهد العالم أجمع زيادة كبيرة من الأمراض الجنسية، ورغم أن الإحصائيات المرعبة تركز على هذه الزيادة في الولايات المتحدة وأوربا إلا أن الدراسة المتأنية توضح أن الأمراض الجنسية ربما كانت أكثر انتشارا في أفريقيا الاستوائية وشرق آسيا ودول أمريكا اللاتينية ففي إحصائيات عام 1975 ظهر أن 470 شخصا من كل مائة ألف شخص مصابون بالسيلان في الولايات المتحدة بينما كانت النسبة 8.9 بالمائة من الذكور و18.3 بالمائة من الإناث في أوغندا. وينتشر في المناطق الاستوائية بالإضافة إلى الإيدز والسيلان والكلاميديا والزهري. أمراض أخري تعتبر نادرة الوقوع نسبيا خارج المناطق الاستوائية وهي الالتهاب الجيبي المغبني والورم البلغمي الزهري والقرحة الرخوة.(4/1967)
ما هي أسباب انتشار الأمراض الجنسية؟
من أهم أسباب انتشار هذه الأمراض:
- انتشار الشذوذ الجنسي: وخاصة في الغرب. ففي الولايات المتحدة قرابة 20 مليون شاذ جنسيا ويفاخرون بذلك. وقد خرج الشذوذ الجنسي من دائرة السرية إلى العلنية وهناك كنائس ومعابد تزوج الرجال على الرجال والنساء على النساء في الولايات المتحدة وغيرها. ولا يقتصر الشذوذ الجنسي على طبقة معينة في المجتمع وإنما يشمل كافة الطبقات.. بما في ذلك الرهبان والقساوس والربيون والأحبار من اليهود وقد ذكرت صحيفة (الديلي ميل) و (الديلي ميرر) أن 40 % من الرهبان مصابون بالشذوذ الجنسي وأن 80 % منهم زناة.
2-موجة الإباحية والثورة الجنسية: والتحلل من الأخلاق والقيم في الغرب وتصدير ذلك إلى كافة بقاع العالم.
3- السبب الأهم في رأينا هو (سيطرة اليهود على أجهزة الإعلام) ومراكز التوجيه بحيث أصبح الجنس أمرا عاديا لا يخجل منه وبحيث أصبحت العفة والطهارة تثير الخجل في كثير من المجتمعات. وقد عمل اليهود من خلال أجهزة الإعلام والجامعات ومراكز التوجيه على نشر الزنا واللواط على نطاق واسع ثم قاموا بعد ذلك بنشر نكاح المحارم والاعتداء على الأطفال جنسيا.
وكمثال لنشر اللواط قام ضابط يهودي في الجيش الأمريكي بتعليق لافته على مكتبه كتب عليها أنا شاذ جنسيا وعندما قام الجيش بطرده، قامت أجهزة الإعلام بحملة ضخمة ضد الجيش التي اضطرت صاغرة إلى إعادته. وطلب الرجل لإلقاء محاضرات في كثير من الجامعات الأمريكية.
وقامت مدرسة يهودية شابة بخلع جميع ملابسها وممارسة الجنس مع طلبتها في المرحلة الثانوية أثناء تدريس مادة الجنس وهي مادة تدرس في جميع المدارس ولما أوقفتها إدارة المدرسة عن هذا التدريس العملي نشرت الصحف البريطانية وبخاصة (الديلي ميل) و (الديلي ميرر) التي يملكها مردرخ اليهودي صورتها عارية مع الطالبة بإعادتها وقامت المظاهرات الضخمة واضطرت إدارة المدرسة صاغرة لإعادتها لتقوم بواجبها المقدس كما سمته المجلة في تعليم الطلبة الجنس واقعيا.
وقام فرويد العالم النفسي اليهودي بنشر تلفيقاته التي روجها اليهود بحيث أصبحت تدرس في معظم جامعات العالم.. ومنها أن الطفل عندما يلتقم الثدي إنما يقوم بعملية جنسية مكثفة وأن الطفل الذكر يحب أمه جنسيا ويكره أباه وسمي ذلك عقدة أوديب، وأن البنت تحب أباها جنسيا وتكره أمها، وسمي ذلك عقدة أليكترا.. وتحدث عن أن الشذوذ الجنسي مرحلة مهمة في حياة الإنسان ولا بد أن يمر بها وإلا أصابه الكبت.. والعقد النفسية.(4/1968)
وقد نشرت التايم في 14 أبريل 1980م تحقيقا واسعا عن ما يسمى نكاح المحارم وقال فيه أحد الباحثين الإنثربولوجي يسمى يهودية كوهين والاسم واضح أمامكم: (إن منع نكاح المحرمات ليس إلا من مخلفات الإنسان البدائي الذي احتاج لإجراء معاهدات خارج نطاق الأسرة فقام عند ذلك بمنع نكاح المحارم. وبما أن ذلك لم يعد له أهمية فإن هذا المنع أصبح أمرا قد عفى عليه الزمن.
ويقول الباحث جون موني من جامعة هوبكنز وهي من أشهر الجامعات الأمريكية وأحد الباحثين في الجنس في الأمة الأمريكية كما تقول التايم يقول: إن تجارب الطفل الجنسية مع أحد أقاربه الكبار أو غيرهم من البالغين لا يشكل بالضرورة ضررا على الطفل.. ويهاجم هو وعشيقته جيرترود وليامز المجتمع الأمريكي الذي لا يزال يعتبر من يمارس الجنس مع أمه أو أخته أو ابنته، وكأنه مارق على الدين في مجتمع من مجتمعات العصور الوسطي.
ويقول الباحث الجنسي وادل بومري: لقد آن الأوان لكي نعترف بأن نكاح المحرمات ليس شذوذا ولا دليلا على الاضطراب العقلي بل إن نكاح المحرمات وخاصة بين الأطفال وذويهم أمر مفيد لكليهما.
ويطالب سيمور باركر من جامعة يوتاه: بإزاحة الشعور بالذنب عندما يقوم شخص ما بنكاح ابنته أو أخته أو أمه ويسأل: ما هي الجدوى التي ستعود من ربط نكاح المحرمات بهذا الشعور من عدم الارتياح بدلا من المحبة والدفء الذي يشعه نكاح المحرمات؟
وتقول التايم: إن مجلس المعلومات والتثقيف الجنسي في الولايات المتحدة وهي مؤسسة ضخمة قد أصدر تقريرا طالب فيه بقوة نشر نكاح المحرمات على نطاق واسع في المجتمع الأمريكي.(4/1969)
ونتيجة لذلك فإن 10 % على الأقل من العائلات الأمريكية المحترمة تمارس نكاح المحارم كما تذكر صحيفة الهيرالد تربيون الأمريكية.. وتقول دائرة المعارف البريطانية الطبعة الخامسة عشر 1982م، إن الاتصال الجنسي بين الأخ وأخته واسع الانتشار جدا في الدول الغربية.. وفي الواقع لا يشكل ذلك أي ضرر ولا ينبغي الاهتمام به.
ويقول الباحثون الجنسيون وأغلبهم من اليهود كما تنقله عنهم التايم: إن جميع الاتصالات الجنسية مفيدة ولو كانت بين الأب وابنته أو بين الأم وابنها أو بين الأخ وأخته. نعم كلها مفيدة جدا. ولكن الضار فقط هو الشعور بالذنب والإحساس بالخوف.. وأخطر شيء هو الكبت. نعم هو الكبت.
وقد ذكرت وكالة الأنباء الفرنسية (نقلا عن الاتحاد الأسبوعي) في 12 يناير 1984م أن عدد الفتيات اللائي كانت لهن علاقة جنسية مع آبائهن في الولايات المتحدة تقدر بـ12 إلى 15 مليون فتاة.
وإننا نستطيع أن ندرك دور اليهود في نشر الفواحش جميعا إذا ما طالعنا التوراة المحرفة. والتوراة تسمى العهد القديم ويتعبد بها اليهود والنصارى وهي ضمن ما يسمى الكتاب المقدس الذي يشمل الأناجيل ويسمون الأناجيل العهد الجديد والتوراة العهد القديم.
وقد جاء في التوراة المحرفة أن لوطا عليه السلام –كذبًا وافتراءً- شرب الخمر وزنى بابنتيه وولدت له الكبرى ولدا سماه مراب وهو أبو المرابيين، وولدت له الصغرى ابن عمي وهو أبو بني عمون. (سفر التكوين الإصحاح 30-38) .
وزنى يهودا بن يعقوب عليه السلام بزوجة ابنه، كما أن راوبين الابن الأكبر ليعقوب زنى بزوجة أبيه. مرجع (سفر التكوين الإصحاح 35) .
وفي التوراة المحرفة أن إبراهيم عليه السلام اشتغل قوَّادا وعرض زوجته على فرعون مصر من أجل الذهب. وأن إسحاق ابنه فعل ذلك مع ملك الفلسطينيين أبي مالك مرجع (سفر التكوين الإصحاح 12) .
كما جاء في التوراة المحرفة أن الأنبياء ابتداء من نوح عليه السلام كانوا يشربون الخمر ويسكرون حتى يتعروا دون أن يشعروا. وقد ورد أن يعقوب سرق وقتل غيلة وكذب وحمل الأوثان. ذلك المرجع (سفر التكوين الإصحاح 28-30) .(4/1970)
كما ورد أن داود عليه السلام –كذبا وافتراء- زنى بخليلة جاره واحتال لقتله حتى يتخلص منه. أما سليمان فتكذب عليه التوراة المحرفة وتدعي أنه كان زانيا وعابدا للأوثان. وكذلك اتهمت التوراة المحرفة هارون عليه السلام بأنه هو الذي صنع العجل وأمر بني إسرائيل بعبادته.
وزني آمون بن داود بأخته حسب نصيحة الحكيم يوناداب. المرجع سفر صموئيل رقم (2) الإصحاح 13 وفي التلمود ما هو أفظع من ذلك بكثير وفيما ذكرناه غنية.
4- من الأسباب المهمة في رأينا إخراج المرأة متبرجة إلى ميادين العمل، وقد أدى ذلك إلى نشر الإباحية بصورة مضطردة وقد ذكرت الباحثة (لين فارلي) في كتابها: ابتزاز المرأة العاملة جنسيا قصصا مرعبة وهو بحث مقدم للجامعة نالت به درجة الدكتوراة قصصا مرعبة من ابتزاز المرأة العاملة جنسيا ابتداء من أماكن اللهو والفنادق والمصانع وانتهاء بإدارات البوليس والقضاء ورئاسة الجمهورية والكونجرس الأمريكي ومنظمات الأمم المتحدة.
5- أدي خروج المرأة للعمل إلى فقدان الأطفال لرعاية أمهاتهم.. وبالتالي إلى نشوء جيل بلا محاضن فاقد للحنان ودفء الحياة العائلية. وتذكر التقارير الطبية أن خروج المرأة إلى العمل أدى إلى الاعتداءات الرهيبة على الأطفال، ففي الولايات المتحدة يعتدى سنويا على ما يقرب 5 مليون طفل اعتداءات جسدية وجنسية من ذويهم وأقاربهم. ويعتبر أهم ثاني سبب لوفيات الأطفال من الولادة إلى سن الخامسة هناك الأمهات العذارى (بالملايين) في الولايات المتحدة.
نشر المعلومات الجنسية في أجهزة الإعلام والمدارس.
انتشار تجارة البغاء على نطاق عالمي. وخاصة في العالم الثالث.
السياحة من أهم أسباب انتشار الأمراض الجنسية وخاصة في مناطق البلاد العربية وفي منطقة الخليج.
السفر من أجل العمل. وهناك ملايين من الأشخاص يسافرون بدون زوجاتهم وتضطرهم فترة العزوبة الطويلة في بعض الأحيان مع فقدان العامل الديني والوعي الديني إلى ممارسة الزنا.
الهجرة من الريف إلى المدينة.(4/1971)
دور الخمور والمخدرات.
القوانين الوضعية التي تسمح بالزنا ما دام بين شخصين بالغين عاقلين بدون إكراه وخارج نطاق الزوجية وتسمح جميع القوانين الوضعية للأسف الشديد بما فيها بعض البلاد العربية والإسلامية الأخرى بممارسة الزنا ولا تعاقب عليه إذا كان خارج منزل الزوجية بالنسبة للرجل حتى ولو كان متزوجا وتسمح كذلك للمرأة بالزنا إذا لم تكن متزوجة أو عند انفصام عقد الزوجية إذا انفصم عقد الزوجية بموت أو طلاق لا تعاقب إذا مارست الزنا.
هناك أيضا مشاكل بالنسبة للخمور والمخدرات وبعض الإحصائيات التي أحب أن أوردها لكم. التقارير في الحقيقة كثيرة في هذا الباب للأسف الشديد.
تنتشر الخمور وتعتبر الخمور حسب تقرير منظمة الصحة العالمية رقم 650 لعام 1980م أن الخمور تعتبر أكثر المواد المسببة للإدمان انتشارا في العالم.
وقد تفاقمت مشكلة الخمور وبلغت الزيادة خلال العشرين عاما الماضية في بعض مناطق آسيا 500 بالمائة وفي بعض مناطق أفريقيا 400 ووصلت الخمور إلى أعماق الأرياف قبل أن تصل المياه النظيفة وخدمات المجاري. وتنتشر الخمور في كثير من مناطق العالم. وفي الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة والدول الأوربية. هناك نسب عالية من الإدمان تذكر منظمة الصحة العالمية أن الخمور مسؤولة عن:
86 % من جميع جرائم القتل تحت تأثير الخمور.
وأن 50 % من جميع حوادث الطرق تحت تأثير الخمور.
وأن 50 % من جميع حوادث الاغتصاب تحت تأثير الخمور.
وتذكر دائرة المعارف البريطانية أن معظم حوادث الاعتداء على المحرمات إنما يقع أساسا تحت تأثير الخمور.(4/1972)
عدد الذين يلاقون حتفهم بسبب الخمور في الولايات المتحدة فقط 70.000 شخص سنويا كالآتي:
30.000 (50 % من حوادث المرور) .
20.000 (الأمراض الناتجة عن الخمور) .
20.000 جرائم قتل وانتحار تمت تحت تأثير الخمور.
وتبلغ الخسائر الاقتصادية للخمور في الولايات المتحدة أكثر من 50 ألف مليون دولار، أما الاتحاد السوفيتي فإن الخسائر أفدح من ذلك بكثير مما أدي بالرئيس جورباتشوف إلى أن يقوم بأضخم حملة عرفها الاتحاد السوفيتي.
البلاد العربية: رغم أن الخمور ليست منتشرة في البلاد العربية والإسلامية بصورة واسعة لكن القوانين الوضعية تبيح استخدام هذه الخمور.
وذكر الدكتور الباقر في دراسة عن تعاطي الخمور بالسودان عام 75/ 76 أن 47 % من سكان الخرطوم الذكور البالغين تعاطوا الخمر وأن 13 % من هؤلاء كانوا يتعاطونها يوميا. وأن 52 % من حوادث المرور كانت بسبب الخمور.
وذكر الدكتور على التويجري مجلة رسالة الخليج العربي أن شاربي الخمور في عاصمة عربية لم يذكر اسمها يدفعون 3195 مليون جنيه. وأن دولة عربية محدودة السكان شربت عام 1981م تسعة ملايين لتر من الخمور.
المخدرات: تقرير منظمة الصحة العالمية:
ما تنفقه دول العالم على المخدرات أكثر من 300 ألف مليون دولار والولايات المتحدة 60 ألف مليون دولار.
أما البلاد العربية: فذكر د. على التويجري أن ما تنفقه البلاد العربية على الخمور والمخدرات يبلغ 64 ألف مليون دولار سنويا.
ذكرنا أن القوانين الوضعية في البلاد العربية وكثير من البلاد الإسلامية تبيح موضوع الزنا وللأسف أيضا تبيح هذه القوانين شرب الخمور طالما أنها كانت في أماكن محدودة في بعض البلاد ورغم أن الخمور هي أشد ضررا من المخدرات من الناحية الصحية ومن الناحية الاجتماعية ومن الناحية الشرعية إلا أن القوانين الوضعية تسمح:
أ- بصناعة الخمور وترويجها.(4/1973)
ب- بيع الخمور في محلات مرخصة.
ج- بتناول الخمور وتعاطيها بشرط عدم قيادة السيارات وعدم تسبب إزعاج للغير.
وللأسف الشديد تقوم بعض الدول ومنها دول مسلمة أو عربية بتصنيع هذه الخمور مثل مصانع البيرة وتمتلكها الدولة وتقوم الدولة بذاتها بالترويج لها. وتعتبرها أحد إنجازاتها الثورية.
وفي الجانب الآخر نجد كثيرا من الدول الإسلامية عربية وأعجمية بدأت تخطو خطوات سليمة في تحريم تعاطي الخمور. ولكنها مع ذلك لا تعتبرها مثل المخدرات فعقوبة تجارة المخدرات تصل في كثير من الأحيان إلى الإعدام.
وأما عقوبة التجارة في الخمور فتصل في بعض البلاد المتشددة كما يسمونها إلى السجن أو الغرامة المالية أو كلاهما معا.
وعقوبة حمل شجيرة القات أو بعض كمية من الحشيش قد تصل إلى الإعدام أو السجن بينما حمل كرتونة من الويسكي لا تزيد عن السجن بضعة أشهر.
ولست أدري ما هو المسوغ في التفريق بين الخمور والمخدرات.
إذ إن التحريم جاء نصا في الخمور وتدخل المخدرات ضمنا في ذلك.
وأضرار الخمور صحيا واجتماعيا أكثر بكثير من أضرار المخدرات وكما يقول تقرير منظمة الصحة العالمية فإن أضرار الخمور تفوق دون ريب أضرار المخدرات الأخرى مجتمعة.
تبقي مشكلة أخري بالنسبة للتدخين، التدخين لا يسبب سكرا ولا ضياعا للعقل ولكنه يقتل أكثر من مليون شخص نتيجة تعاطي التبغ بطرقه المختلفة وتدفع شركات التبغ أكثر من 2000 مليون دولار سنويا. فما هي المكاسب التي تكسبها؟ للأسف تذكر شركات التبغ في استراليا في تقرير حديث نشرته مجلة لانس الطبية في نوفمبر 1987م وهذا التقرير شجاع لمدة ربع قرن من الزمن تقول الشركات: (ونحن نحاول أن نخفي الحقيقة أو نخفف من وقعها. وقد عملنا بشتى الوسائل الخفية والعلنية للتقليل من الأضرار الصحية لتدخين التبغ. إننا نعترف الآن بأننا نقوم بقتل 23 ألف مواطن من سكان استراليا سنويا. ونحن نشعر بثقل المسؤولية ولا نستطيع أن نواصل الإعلان والترويج لمادة تسبب هلاك هذا العدد من البشر. ومنذ عام 1962 وحتى عام 1984م قمنا نحن أصحاب شركات التبغ بقتل 470.000 مواطن استرالي. ثم ذكرت بعد ذلك بالتفصيل كم قتلت كل شركة من الشركات.(4/1974)
لقد أثبتت الأبحاث الطبية أن أهم سبب للوفيات هو تدخين التبغ ومع هذا فإن شركات التبغ هذه تقوم بحملات دعائية ضخمة لتزيد من مبيعاتها وخاصة في العالم الثالث. وفي الوقت الذي انحسرت فيه مبيعاتها في الدول الغربية ازدادت هذه المبيعات في دول العالم الإسلامي، وكمثال فقط فقد زادت المبيعات في المملكة العربية السعودية من 4.000.000 كيلوجرام سنة 1972م إلى 36.000.000 كيلوجرام سنة 1981م بزيادة قدرها قرابة 900 بالمائة.
أكتفي بهذه المعلومات وأترك لأصحاب الفضيلة والسماحة كيفية مكافحة هذه الرذائل مجتمعة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته) .
الرئيس:
وعليكم السلام ورحمة الله.
كانت أمانة المجمع قد عهدت إلى بعض أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع بإعداد ورقة يمكن أن يستخلص منها التوصية التي ستصدر من هذا المجمع. وهي الآن مع فضيلة الشيخ عمر الأشقر فليتفضل بقراءتها.
الشيخ عمر الأشقر:
بسم الله الرحمن الرحيم.
تقويم الانحراف الخلقي – التفاعل بين العقل وبين نتائجه:
إن الظاهرة المميزة لاندفاع الحركة العقلية منذ عصر النهضة تبدو في الربط الوثيق بين الحركة الفكرية وأدوات الكون للكشف عن قوانين المادة، ولقد أثر هذا المسار في العقل ذاته وفي القيم والمعايير. وفي السلوك الفردي والجماعي.
التفاعل بين الإنجاز العلمي والأخلاق:
إن التحول المستمر للبشرية وهي تكسب كل يوم كشفا جديدا يمكن لها من الانتفاع بخيرات الكون الظاهرة والكامنة، تراكم منه على المعايير الخلقية المأثورة من نتائج الكشف العلمي ما غطَّى كل ما سبق، وأبرز للحياة صور جديدة، محورها الذي تدور حوله كل اهتمامات الفرد وهو الانتفاع بهذه المكاسب التي تجعل الحياة المادية أكثر متعة.(4/1975)
وبرزت في السطح الذرائعية والوجودية والشيوعية كفلسفة وكتطبيق خلقي.
المعايير الخلقية – المعايير الاقتصادية:
إن دخول الطاقة المادية في الإنتاج بجانب الطاقة البشرية والحيوانية تراكم منه فيض من المصنوعات التي تدعو إلى تكوين أسواق تستهلك ما يقدم لها حتى تستمر حركة النمو في اطراد ومن هنا نشأت المعايير الخلقية الاقتصادية وإذا أردنا أن نجملها نجد أنها تشتمل:
1-ضمان السوق مفتوحة لاستهلاك ما تنتجه المعامل وهذا يفرض:
أ- أن يكون المنتج منضبطا في مواعيده.
ب- أن يكون صادقا في وصفه.
ج- أمينا في تعامله.
وهذه صفات خلقية رفيعة جعلت كثيرا من الناظرين في شؤون المجتمعات يقولون: إن الغربيين كفرة في الباطن مسلمون في التعامل عكس المنتسبين إلى بلاد الإسلام مع أن الحقيقة هو أن الدافع لذلك ليس التسامي الخلقي ولكن بقاء السوق ملتهما لما تخرجه المصانع هو الذي طبعهم على هذا السلوك.
د- أن يكون ماهرا في الدعوة إلى منتجاته وهذا ما فتح سوق الدعاية المبنية على إبراز إيجابيات السلع وكتمان عيوبها وتولد منها أيضا أنانية تعرف حدا في سوق التنافس وتحطيم الخصم ما دام ذلك الطريق يحقق نتائج أفضل أو التكتل وفرض قرارات على السوق إن كان هذا المنزع أفضل. فكانت الشراهة والجشع صفات خلقية لازمة للحضارة الصناعية.
هـ- التسلط على الضعيف أفرادا أو شعوبا ضمانا للسوق فكان ما قاساه العمال وثوراتهم وتمزق المجتمعات في كثير من الدول. وكان ما قاساه العالم من استعمار توطيني وعسكري قم ما يقاسيه اليوم من تحكم اقتصادي وامتصاص لخيراته امتصاصا يبقي على التبعية ويجعل الأنظمة كلها هشة لا تصمد تحت القبضة الحديدة الماسكة.(4/1976)
العالم الإسلامي:
إن انهزام العالم الإسلامي أمام التطور والقوة للعالمين الأول والثاني جعله في واقعه يتبع أحد الخيارين:
1- التحلل من كل القيم الخلقية الاقتصادية إلا قيمة واحدة تحقيق الربح العاجل السريع فكانت مظاهر الكذب والخداع وخلف الوعد ظواهر مزرية ومخزية في العالم الإسلامي.
2- التقليد للتعامل الاقتصادي للعالم المتقدم في إيجابياته وسلبياته ولم يظهر لحد الآن نشاط اقتصادي إسلامي حقيقة يستطيع في آن واحد أن يفرض نفسه على السوق العالمية بمنجزاته وبقيمه الخلقية.
إن التجربة التي أخذت بها منظمات مالية في السنوات العشر الأخيرة من إحداث البنوك الإسلامية لهي تجربة يجب أن تلقي من التأييد والدعم والتجويد ما يجعلها صورة جديدة تقدم للعالم ممكنة من السيولة المالية نظيفة من الجشع المادي. كما أن الوحدة الإسلامية الاقتصادية تعتبر شرطا حيويا لتطور العالم الإسلامي.
إن الاتحاد كقيمة خلقية إسلامية وإن التنازع والأنانية كتنكر للمنهج الإسلامي في تكوين الجماعة، احترام ذلك هو المخلص الوحيد للعالم الإسلامي في فرض قيم حقيقية للمواد الأولية التي غنت بها أرض الإسلام كما أن الجباية السوقية للعالم الإسلامي في وحدة هو الذي يجعل الاقتصاد في العالم الإسلامي وهو يمثل خمس سكان المعمورة عدديا يجعل الاقتصاد الإسلامي قوة تفرض نفسها على حماية لذاتها من الذوبان والتبعية.
3- وبهذا تكون القيم الخلقية الاقتصادية نابعة من قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} . (1)
ومن قوله {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} . (2)
4- كما أنه لا بد من توجيه التربية في المدارس إلى غرس القيم الخلقية الاقتصادية في الناشئة بتدريبهم عليها عمليا بالانضباط والصدق والأمانة والشجاعة في سبيل الهدف النبيل ولو كان في ذلك تحديد للمغانم.
المعايير الاجتماعية:
إن المعايير الاجتماعية في عصرنا الحاضر تنقسم إلى قسمين:
1) المعيار المدني 2) المعيار الذاتي.
المعيار المدني:
إن الكثافة السكانية لأوربا وسبقا في التطور الاقتصادي والانفجار الصناعي الضخم عرض حلولا تلائم تلك المعطيات.
__________
(1) آل عمران: الآية (103)
(2) الأنفال: الآية (60)(4/1977)
1- التوسع خرج حدودها الإقليمية بما استعمرته من شعوب وأرض وخاصة في استبدال شعب القارة الأمريكية بأبنائها.
2- التوسع العمودي في بناء المدن مما حرم الأسرة والفرد من الاستقلال في سكنه. وهذه فرضت جملة من الأخلاق:
أ- النظافة واحترام الممتلكات العامة فكان الفرد يطوع حياته للحياة الاجتماعية، يحافظ على نظافة الشارع وعلى الممتلكات العامة وعلى حقوق الجوار في العمارة والانتظام التلقائي كلما اتحدت الرغبة في الشيء الواحد بتقديم السابق إلخ.
إنه لولا الالتزام بهذه الأخلاق لكانت الحياة ثقيلة وشاقة بل مستحيلة.
ب- إن الشعور بالتنازل الدائم عن حرية الفرد ليتلاءم مع غيره كانت إحدى الأسباب القوية التي ولدت عشقا للحرية الفردية في أشياء كثيرة وفرض على المجتمع قبول أنماط من السلوك والمظاهر ما كانت مقبولة من قبل ومن هنا برز المعيار الذاتي.
المعيار الذاتي:
لقد ضخمت الحضارة الغربية بصفة خاصة من تقديس الحرية الفردية وجعلت هذه القيمة هي عنوانها الذي يميزها وتعيش من أجله وتكافح بكل الوسائل وغيرها لتضمن الحرية لجميع الأفراد.
إن الحرية فرضت نفسها كمارد يعبث بكل القيم ويهدم كيانها حتى عاد على الحرية ذاتها بالتدمير.
أولا: الحرية الجنسية: كانت الحرية الجنسية أقسى الأوبئة فتكا بالبشرية من نواح عديدة:
1) قتل الحياء كقيمة من القيم وقبل المجتمع كل مظاهر التهييج الجنسي وإبراز مواطن الإثارة الجنسية –إباحة الملاعبة في الأماكن العامة الشارع وعربة النقل العام والحديقة وساحة المعهد والكلية.
2) تجريد الاتصال الجنسي من قداسته التي هي ضمان استمرار الجنس البشري واعتباره رغبة بيولوجية تشبع كما يشبع الإنسان نفسه من الطعام والشراب. وبهذا أصبح الاختلاط الجنسي لا يخضع إلا لأمر واحد هو رضا الطرفين. فكانت الفوضى الجنسية. لقد جرت هذه الفوضى ويلات على البشرية.(4/1978)
3) تضخم عدد الأطفال اللقطاء نتيجة الاتصالات غير الشرعية وجبن الأبوين عن تحمل تبعات فعلهما.
4) تضخم عدد النساء اللاتي يلتجئن إلى الطبيب للإجهاض أو قتل المولود بمجرد نزوله إلى الأرض.
5) انتشار الأمراض التناسلية وإن استطاع الطب أن يتغلب على آثارها بواسطة المضاعفات الحيوية بعد الحرب العالمية الثانية إلا أنها ما تزال تؤثر على التركيب النفسي والجسمي لكثير من المصابين.
6) ظهور مرض فقد المناعة وانتشاره انتشارا خطيرا؛ إذ هو يبلغ في البلدان المجموعة الأوربية 100 % كل تسعة أشهر.
7) التجاهر بالشذوذ الجنسي تجاهرا جعل المنحرفين يكونون نقابات للدفاع عن حقوقهم وما ترتب عنه من تضاعف المصابين بفقد المناعة.
8) تولد عن الإثارة زيادة حوادث الاغتصاب وما يقارنها من جرائم قتل أو مضاعفات نفسية تلازم المعتدى عليه طول حياته.
9) تزعزع البيت فأصبح الوفاء لعقد الزوجية وفاء ضعيفا مما اضطر المشرع الفرنسي مثلا إلى اعتبار ولد الخليلة ابنا شرعيا وارثا.
10) استخدمت وسامة المرأة استخداما ماديا حطم قيمتها الإنسانية فإذا نهدها وفخذها وعينيها وأنفها وفمها وأسنانها ورقبتها وقوامها وبطنها أجزاء وكل تستخدم لترويج السلع وزيادة الإقبال على المستهلك؟
ثانيا: تحرر الزوجين من واجبات التربية:
العلة الأولى التي أخذت في الانتشار هي مركبة بيولوجية ونفسية أعني انصراف الأم عن إرضاع ولدها حفاظا على وسامتها، وإما لأن العوامل النفسية سلبت الأم القدرة على الرضاعة وتنازلت الأم عن مركزها كمصدر للحنان والعطف والغذاء وتلبية الحاجات، تنازلت عنه إلى البقرة في لبنها المجفف والتقم الرضيع رأس المطاط والقارورة اليابسة الباردة بدل النهد المعطاء الدافئ.
أصبح كل واحد من الزوجين يجد في البيت ثقلا تحديدا لحريته وانقسم رد الفعل من جهة إلى قسمين تبعا لمركز العائلة في الثراء أو العادات.(4/1979)
1- العائلة المرفهة ماديا شغلت الأم عن البيت باللقاءات والاجتماعات وقسمت اهتماماتها بين حضور الحفلات وبين الإعداد لها والعناية بها. والمزايدة في إبراز قوة الثروة والقدرة على الإسراف والتبذير.
2- العائلة ذات الدخل المحدود الأمر الذي دفع الأم إلى الخروج إلى سوق العمل وبذل المجهود كامل اليوم خارج البيت.
النتائج: هو أنه في القسم الأول أوكل تربية الأطفال إلى الخدم الذين ينشؤونهم على ما ربوا عليه من تحلل خلقي أو نقمة على المجتمع وبغض للآخرين.
وفي القسم الثاني أوكل تربية الأطفال لدور الحضانة أولا ثم المبيتات أو إهمال الأطفال تحتضنهم مدرسة العراء –الشارع- وما يعج به من مشاكل وانحراف.
كما أن الأب انصرف عن البيت لأن مغناطيس البيت عديم الفاعلية مشغول بذاته عن استقطاب العائلة فانصرف إما إلى الحضن الذي يهتم به ويجد فيه الدفء أو إلى الاجتماعات التي تملأ عليه فراغ يصرف فيها وقته أو إلى المخدر الذي ينسيه همومه ويحوله من عالم الحقيقة المرة إلى عالم الخيال يستمتع فيه بالرؤى ويهدم بدنه وماله.
وشارك الشباب الصاعد الكهول في البحث عما يلهيهم عن مجابهة صرامة الحياة وعبوسها فالإحصائيات تدل دلالة قاطعة على أن الإقبال على المخدرات والكحول يتضاعف ويشتد خطره مع الزمن.
العالم الإسلامي:
لقد قلد العالم الإسلامي العالم الصناعي في معاييره الخلقية وهو يجري لاهثا ليلتحق به حتى يكون صورة طبق الأصل وبهذا نجد كل يوم اقترابا من تلكم الصورة وإن كانت المحاسن لا تبرز بروز السلبيات؛ لأن المحاسن تقتضي الجد وصرامة الإرادة والقوة الذاتية الدافعة للخير، وذلك مرتقى أصعب منالا من السوالب التي تدعو إلى الدعة وتساعد أنانية الفرد على الطغيان والتحكم.
إننا اليوم في أشد الحاجة إلى إحياء جملة من قيمنا العليا التي نخرها التقليد ووهنها الضياع. إنه من ضرورات البقاء أن نرفع من قيمة الحياء والعفاف والوفاء للرابطة العائلية والقيام في شجاعة وصبر على ما يتطلبه مواصلة حمل أمانة الاستمرار البشري فوق هذه الأرض.(4/1980)
إن دور التربية من رياض الأطفال إلى الجامعة هي التي لا بد من أن ننظر فيها نظرة جديدة تخرج بها من التعليم المعرفي إلى التربية المتكاملة.
إنه إذا كان المخبر ضرورة من ضرورات التعليم بجانب القاعة للنظريات فإن السلوك والعناية به هو المخبر الذي يزكي النظريات الخلقية.
أن الأخلاق التي لا تجد مددا من روح الإنسان وريًّا من منابع الدين هي أخلاق جافة مهتزة لا قرار لها.
أثر المعايير الثلاثة:
إن المعايير الثلاثة مجتمعة قد ولدت ظاهرة خطيرة هددت حياة الأفراد والجماعات أعني ظاهرة العنف.
إن التحدي الذي يزداد عنفا كل يوم بإشعار الفرد أنه محروم: محروم أولا من امتلاك ما تهيجه الداعية لامتلاكه عاجز عن مسايرة سوق العرض، ومحروم ثانيا من المفاتن التي تغريه فتمثل أمامه لاهبة عواطفه وغرائزه في كل لحظة، ومحروم ثالثا من توازنه النفسي إذ ضخمت الحضارة حسه المادي وقتلت قلبه وروحه.
هذه التحديات الثلاث ولدت العنف في شكله الجماعي والفردي فالحربان العالميتان وذيول الحرب العالمية الأخيرة والسطو لامتلاك المال والتمييز العنصري والاغتصاب وتحكم القوى الصناعية في اقتصاد العالم وجشع رأس المال في تكبيل العالم الساعي نحو الرفع من مستواه بالربا وخنق إنتاجه والمؤامرات المحبوكة لتوهين قيم المواد التي يعتمدها. كل ذلك خطوط كبرى ترينا شقاء العالم بهذه الحضارة وتدعو ذوي النفوس الصالحة الخيرة إلى إنقاذه مما تردى فيه اعتمادا على قوله (صلى الله عليه وسلم) فيما أخرجه الحكيم الترمذي: ((رأس الحكمة مخافة الله)) . وابن عدي: ((رأس الدين الورع)) . والطبراني: ((رأس العقل بعد الإيمان التودد إلى الناس)) .
ويجمع ذلك كله قوله تعالى: {وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . (1)
وصلي الله وسلم على عبده ورسوله.
__________
(1) الحجرات: الآية (13)(4/1981)
الرئيس:
الشيخ أحمد. مع ملاحظة أن هذا الموضوع تعلمون أنه ليس ولله الحمد محلا للبحث أو محلا للتردد فالكل متفقون عليه وهي منكرات ومفاسد بإجماع المسلمين وإنما تأخذ مناقشتين أو ثلاث من باب التطعيم وإلا فإن الموضوع في نظري إذا رأيتم ذلك مناسبا يؤلف له لجنة من الشيخ أحمد جمال، والشيخ عطا السيد والأستاذ الطيب محمد على البار ويعدوا القرار اللازم لهذا الموضوع وبه ينتهي لأجل أن يشخصوا المفاسد بكلياتها ويشخصوا طرق المكافحة الشرعية لها. عندئذ ألا ترون أن نكتفي بهذا الشيء؟ لأن إذا أراد أحد أن يتكلم فليس أمامنا إلا خمسة دقائق ثم صلاة المغرب.
الشيخ أحمد محمد جمال:
كلمتي هذه أخيرة ووجيزة، أخيرة ووجيزة لأنها تتعلق بنظام المجمع وإدارة الحوار فيه أرجو أن تغفروا لي هذه الصراحة. والملاحظ على نظام المجمع وإدارة الحوار فيه أمران:
الأول: أن أصحاب الفضيلة عندما يتحدثون عرضا أو تعليقا يطلبون الرد أو التعليق أو الحوار ويخرجون عن الموضوع المطروح أو القضية المطروحة بعيدا جدا. وهذا أضاع علينا وقتا كثيرا وأجل النظر في قضايا ومشكلات أهم. فهذا ينبغي أن ينظر في نظام الكلمات في المجلس، يعطي للعضو دقيقتين أو ثلاثة أو خمسا لا يستعرض كل البحث ويتحدث حديثا إنشائيا أو شعريا أو فكريا. نريد هذه القضية مطروحة ما رأيك فيها موافق أو معارض ما دليلك على المعارضة وما دليلك على الموافقة. في أسلوب علمي مختصر هذا رأيي أقوله.
الثاني: فيما يبدو لي أن المجمع يريد أن يحول اختصاصه الأساسي وهو النظر في المشكلات والقضايا العصرية التي لا تجد حلا شرعيا فيبدي رأيه فيها ويصدر حكمه فيها يريد المجمع الآن فيما يبدو لي في هذه الدورة أن يحول هذا الاختصاص الأساسي إلى أن يكون مجمعا سياسيا أو مجمعا أخلاقيا أو هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. لا يؤاخذني الإخوان أن قضية الأخلاق ومكافحة المفاسد الأخلاقية ليست من اختصاص المجمع فهي من اختصاص هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.(4/1982)
الوحدة الإسلامية ليست من اختصاص المجمع من اختصاص منظمة المؤتمر الإسلامي وجامعة الدول العربية ومجلس الخليج التعاوني. وإذا كانت هذه المؤسسات القوية الأساسية لم تستطع أن تحقق وحدة إسلامية ولا عربية اسمحوا لي ولا خليجيا. هل يستطيع المجمع أن يحقق وحدة إسلامية؟
إذن نحن نضيع وقتنا في أمور ليست أولا من اختصاصنا، وثانيا ليست في استطاعتنا أنتم علماء ينبغي أن نفهم اختصاصنا ما هو، وما هو المطلوب منا ونترك السياسة ومكافحة الجرائم لغيرنا؛ لأنهم اقدر منا عليهما ولأنهم أصحابها. هذه كلمة صريحة أرجوت عفوا عني فيها والسلام عليكم وأنا أعتذر عن أن أكون عضوا في أي لجنة من اللجان.
الرئيس:
شكرا. أما من حيث النقطة الأولى، فأظن أننا نادينا فيها عدة مرات. ونحن لا بد أن نغتفر كثيرا من الأمور وكل إنسان ينفق مما يملك، فهذه أمور لا يمكن أن يحكمها نظام، وإلا فنظام المجمع صريح وإدارة الجلسات في هذا صريحة، أن لا يخرج الإنسان عن الموضوع وأن تترك الأمور الإنشائية إلى آخره وأن يبين المدرك الفقهي للمسألة. وبين رأيه فيها وتكون بكلمات معدودات ليس فيها تشديد عضلات وإن أسأت التعبير، لكن نحن لا نستطيع أن يتحكم الإنسان وأنتم أكثر مني قد حضرنا عدة من المجامع وعدة من المؤتمرات يحصل فيها من أمثال هذه الرتوش الجانبية التي لا يمكن للإنسان أن يتحكم في عقول البشر وفي أفكارهم لكن تحجم بقدر الإمكان.
والحمد لله أن هذه لم تطغ على القيمة الجوهرية للمداولات وللقرارات التي سترونها إن شاء الله تعالى والتي توصلتم إليها وهي نرجو من الله سبحانه وتعالى أن تكون مبرئة للذمة وموصلة إلى ما هو الحق والصواب.
أما من ناحية الفقرة الثانية التي أشار إليها أحمد فإن هذا الموضوع هو من عام 1405هـ، وتحت وطأة الإلحاح من عدد كبير من الأعضاء وهو واجب إسلامي شرعي تربوي ووظيفة أهل العلم ووظيفة أهل الإسلام هي أمثال هذه الأمور, ونحن لن نتعرض لدولة بعينها حتى نكون سياسيين، ولن نتعرض لفئة بعينها أو لشخص بعينه وإنما نتعرض إلى هذه الأمور التي طرحت نفسها ليقول أهل العلم كلمتهم فيها على سبيل العموم. ولهذا فنحن في بحثنا هذا وفي بحث الوحدة الإسلامية وفي بحث إسلامية التعليم لن نتعرض على سبيل القطع لأية جهة من الجهات لا في بحثنا ولا في مناقشتنا ولا في مداولاتنا، وإنما نذكر الأمور العامة التي ينبغي لأهل الإسلام أن يلتزموها في جانب الوحدة الإسلامية في جانب مكافحة المفاسد الأخلاقية في الجوانب التعليمية، وهذا من الأمور المحمودة والشيخ أحمد قريب حديث عهد بما سمعه في المجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي يصدر منه قرارات على هذا المنوال وهكذا على سنة وظيفة أهل العلم في أمثال هذه الأمور. ثم نعطي الكلمة لفضيلة الأمين.(4/1983)
الأمين العام.
بسم الله الرحمن الرحيم.. صلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم حقيقة إن التدخل الذي قام به أخونا الأستاذ أحمد محمد جمال هو تدخل كنت أنتظره وهو جيد، جيد لأنه يذكرنا بالمنهج الذي ينبغي أن نسير عليه في المداولات وفي المناقشات إلى آخره. وما من أحد من المسؤولين في المجمع إلا يشارك الدكتور أحمد جمال في هذا المعني. وبالأمس وزعنا تذكيرا بالموضوع الذي وضعته شعبة التخطيط وفيه ما ينبغي على كل إنسان في إعداده للموضوع وفي مناقشته له وفي إجراء الحوار بحدود معروفة مرسومة لدى المجتمعين وفيها ورقة وزعت بالأمس. أما أن يطغى الحوار وأن نقطع على الناس كلامهم فإنهم إذا ما عرفوا أو علموا أن هناك قواعد فعليهم هم أن يلتزموا بها. ولا نستطيع كل مرة أن نقطع على الناس كلامهم، فهذا لا يليق.
ثانيا: أهداف المجمع في الباب الثاني المادة الرابعة تفرض علينا أن نعيش مشاكل عصرنا وأن نعيش القضايا الأخلاقية والاجتماعية والسياسية وما إليها.
أولا: يعمل المجمع على تحقيق الوحدة الإسلامية نظريا وعمليا عن طريق السلوك الإنساني ذاتيا واجتماعيا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
فنحن إذا ما بحثنا قضية الوحدة الإسلامية أو المسالك التي تستطيع أن تحقق هذه الوحدة فقد خدمنا الإسلام والمسلمين. والإسلام جزء مما يتعلق بالفقه فيه يرجع إلى السياسة الشرعية وما كتب الفقه والسياسة الشرعية إلا متناولة لهذا الغرض.
الأمر الثاني: أن شد الأمة الإسلامية لعقيدتها ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهاد أصيلا.. إلخ. هذه تتصل بالقضايا التي نعيشها. القانون الجنائي في الدول هو جزء من القانون. وقضية الحدود أو التعزير وما إلى ذلك يترتب على مثل هذه المساوئ الأخلاقية التي نعيشها لا بد أن يثار في مثل هذا الاجتماع.(4/1984)
ثم بجانب الفقه الجنائي إذا صح التعبير الذي ينبغي أن ننبه إليه وأن نأخذ به وقد تم والحمد لله الأخذ به في كثير من البلاد، هناك الجانب التربوي الذي ينقصنا في المجتمع الإسلامي لو أننا نركز على التربية الإسلامية في مدارسنا وفي بيوتنا وبين أطفالنا وفي أهلينا لخرجنا من كثير من هذه الأمراض التي تكاد تزحف على المجتمع الإسلامي، فإنكار مثل هذه الموضوعات ليس من حقنا أولا. ثم ثانيا هناك لجنة تخطيط هي التي تضع الموضوعات وما على الإنسان إذا وجد شيئا لا يرضاه ولا يقبله أن يصبر لحكم الله فيما ابتلي به من مثل هذه الأحاديث.
الرئيس:
شكرا، وبهذا ترفع الجلسة، وصلى الله وسلم نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(4/1985)
مجالات الوحدة الإسلامية
وسبل الاستفادة منها
إعداد
الأستاذ مصطفى الفيلالي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين
تمهيد:
قضت الحكمة الإلهية بأن تكون الدعوة المحمدية كونية الطابع، شمولية التوجه تأليفية المقاصد، موجهة إلى الناس كافة في مشارق الأرض ومغاربها، وأن تأتي في أعقاب الأديان السماوية الإقليمية، تحمل إلى البشرية كلها رسالة التوحيد في ركنيها توحي الإيمان بالله الأحد الصمد الذي لا إله إلا هو، ولا شريك له في الأرض ولا في السماء، وتوحيد الأمة في نبذها الشرك واعتصامها بحبل الإيمان الموحد، وفي سعيها المشترك إنشاء مجتمع رشيد.
{إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} . (1) .
فكان من المقاصد السامية للدين أن يعمل على توحيد البشر وتأليف قلوبهم بفضل توحيد الإيمان بالله، واشتراكهم في الإذعان لأوامره ونواهيه بفضل التفافهم حول المفاهيم السامية والقيم الأساسية الواردة في الكتب المنزلة على لسان الأنبياء والرسل، صلوات الله عليهم أجمعين.
ولكن الناس قد تفرقت بهم السبل، وزاغت بهم مقاصد الحياة الدنيا عن جادة الوحدة وتفاوتت بينهم مراتب الإيمان والتقوى، فعادوا غثاء وشتاتا، وشعوبا وقبائل (بغيا بينهم) .
{وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ} . (2) .
وفي هذا الاختلاف قضاء من المولى سبحانه وتعالى، وسنة من سنن الكون الباقية من أجلها أنزل الوحي وأرسل النبيون، وتفاوتت الشعوب، وتنافست الأمم، وتقاسمت بها السبل.
{وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (118) إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (3) .
__________
(1) الانبياء: الآية (92)
(2) يونس: الآية (19)
(3) هود: الآية (118-119)(4/1986)
الحلقات الدورية:
وكأن تطور بني الإنسان في أحقاب الزمان تحكي حركة المد والجزر، بين الإيمان والكفر، وبين الهداية والزيغ، وبين مراتب التوحيد والتجزئة، على حلقات زمانية متقاربة في الطول والمدة، وكان عبد الرحمن بن خلدون أحد المفكرين السابقين إلى ملاحظتها وإلى تدبر أمرها فيما ابتكره من سنن العمران البشري، فرأى أن للأمم أعمارا كما للأشخاص، وأن للدول أطوارا متعاقبة على أجيال ثلاثة تدوم مائة وعشرين عاما، ولم يزل فلاسفة التاريخ من بعده يمعنون النظر في الظاهرة الدورية لتطور العمران البشري، قصد تأسيسه على قوانين علمية ثابتة.
من هذا المنطلق العلمي أنشأ ابن خلدون علما يجمع بين التاريخ والسياسة والاجتماع، وبني له قواعده النظرية، وأعطى لظاهرة سقوط الدول وانحلال العمران البشري تحاليل لم يزل العلماء يشهدون بسدادها، يقول المؤرخ الأنقليزي (أرنولد تاينبي A.TOYNBEE) (استنبط ابن خلدون ودون فلسفة للتاريخ تمثل ولا شك أعظم ابتكار فكري وأجل خدمة علمية لا يضاهيها إنتاج أي مفكر آخر في أي حقبة زمانية ولا في أي مصر من أمصار العالم) .
وإذا نحن قصرنا النظر على ما نحن فيه من أزمة مالية كبرى منذ أعوام قليلة، وجدناها متجاوبة مع أزمة 1930، متماثلة معها في السمات الكبرى، وقد لاحظ رجال الاقتصاد علاقة مماثلة بين أزمة 1930 وبين أمة 1870 من قبلها، وبين هذه وسابقتها عام 1820. فاستخلص من ذلك المفكر الروسي (نيكولا دميتروفيتش كندرايتاف Nicolas DIMTROVICH. KOUDRATIEFF.) قانون الحلقات الاقتصادية الدورية على رأس كل خمسين عاما، وتضاربت نظريته مع المذهب الماركسي فيما يترتب عنها من إمكان رجوع السطوة للرأسمالية تارة أخري، فتكون لها دورة جديدة على حساب الاشتراكية العلمية.
من أجل ذلك ألقت السلطات السوفياتية القبض على (كندرايتاف) عام 1930 وقضت عليه بالنفي في سيبيريا حيث مات عام 1941.
ولكن نظرية التطور الدوري للاقتصاد العالمي امتد بقاؤها بعد صاحبها وأخذها عنه عام 1947 عدد من الكتاب الأمريكيين من بينهم (إدوارد دوي Edward DEWEY) مؤلف كتاب (علم الاستشراق) وذكر فيه أن الحلقة الثانية من حلقات (كندرايتاف) سيبدأ انحدارها عام 1997.
ثم جاء من بعده الأمريكي (روبرت بكمان) فوضع عام 1983 كتابا عنوانه (موجة الزجر أو كيف الخلاص من الأزمة الثانية الكبرى) حلل فيه الحلقات الدورية للتطور الاقتصادي بداية من أواخر القرن الثامن عشر واعتمد على نظريات (كندرايتاف) ، فذكر أن حلقة الانحدار الكبرى ستتأكد من عام 1980 وقد تستفحل في العقد التاسع من هذا القرن.(4/1987)
واهتم بظاهرة الحلقات الدورية الكاتب الفرنسي (فرنان برودل F.BRAUDEL.) فأخرج عام 1979 موسوعة اقتصادية كبرى بعنوان: (الحضارة المادية، الاقتصاد والرأسمالية) رجع فيه بالتحليل إلى القرون الوسطي واستنتج أن شؤون المجتمع الإنساني قد خضعت لتوجيهات (TRENDS) دورية على رأس كل مائة سنة، فلاحظ حلقات كبرى إحداها فيما بين 1250 و1350م. وأخرى فيما بين 1507 و1650، وثالثة فيما بين 1733 و1817، ورابعة فيما بين 1896 و1974.
وكان (أوزفالد سبلنجر Oswald splenger) قد وضع في 1948 تأليفا عن (أفول نجم الغرب) (Le Declindet L`occid Ent) ارتأى فيه أن لكل واحدة من حضارات الإنسان عمرا متوسطا لا يزيد عن الألف عام، وأن الحضارة الغربية التي بدأت مع الألفية الثانية من التاريخ الميلادي بالغة أوجها وآخذة في الانحدار مع خاتمة هذه الألفية الثانية.
إنما استطردنا في مثل هذه المقدمات العمومية تمهيدا للنظر في أوضاع العالم الإسلامي لهذا العصر في بدايات القرن الخامس عشر وخواتم القرن العشرين، فأين نحن اليوم من بناء المستقبل المشترك الذي يضمن للأمة الإسلامية النجاة من الغرق مع الحضارة المادية الغربية، أو يحفزها للانضمام إلى تيار النهضة الإنسانية التي يري المفكرون أن بعضها سيقوم على أيدي الأمم الشرقية الآسيوية، وستنشيء الحضارة الصفراء الجديدة بديلة من الحضارة الغربية البيضاء؟
وهل للأمم الإسلامية من مستقبل ضمن هذه النهضة عن طريق التوحد وتراص الصفوف؟
التضامنات الموضوعية:
أول ما يترتب عن هذه المقدمات السابقة هو الترابط المتين في الظروف القائمة وفي المفاهيم الحضارية السائدة بين الأمم الإسلامية وبين المجموعة الإنسانية قاطبة.
فليس للشعوب التي تدين بالإسلام في أفريقيا ولا في آسيا ولا في غيرها من أمصار المعمورة من انفراد وتميز في أنواع البنية السياسية باختياراتها ومؤسساتها، وليس لها من استقلال التصرف في مواردها الاقتصادية، استخراجا وتحويلا وتسويقا وتمويلا، ولا واحدة من الشعوب بمعزل اليوم وغدا عن أمواج الغزو الفكرى، ولا عن عوامل الاستيلاب الثقافي، أو مظاهر التبعية في شتى شؤون الحياة: الفكرية والعلمية والتكنولوجية، بالإضافة إلى التبعيات المادية في ميادين الكفاية الغذائية، وتمويل الاستثمارات، وترويج الإنتاج، وفي عامة أنماط التنمية.(4/1988)
الأمة الإسلامية راكبة على ظهر السفينة الكونية سفينة المعصرة بينها وبين سائر أمم الجنس البشري صنوف من التضامن الموضوعي، أكثرها تضامن قسري لا مندوحة من أخذه في الاعتبار، ولا من اليسير التحلل من روابطه المتينة.
هل أن هذا الترابط القسري الشامل بنسجيه لمختلف ميادين الشأن الحاضر، هو تضامن مستقبلي لا سبيل إلى الفكاك منه أو قد يقول بعضنا لا داعي لطلب هذا الفكاك، اليوم ولا غدا؟
هل أنه محكوم علينا أن يتواصل خضوعنا لنسيج التبعية القسرية، أم أن لنا من خلال هذا النسيج سبيلا فذة من سبل النجاة، وإمكانات عريضة لاختيار المصير الذي نرتضيه لنا ولأبنائنا على آفاق المستقبل القريب؟
هل لمشروع الوحدة الإسلامية من مستقبل ممكن أو من أمل في فجر قريب؟
هل يتأكد السعي في طلب هذا المستقبل وفقا لنمط طريف منفرد، أم يجوز الاكتفاء في ذلك على اتباع الأنماط السائدة المعروفة في أدبيات التنظيمات الجمهورية المعاصرة.
يحسن بنا في هذه المرحلة الأولى من تناول الموضوع أن نتساءل بشأن مفهوم الوحدة عن أمور ثلاثة قد علينا الإجابة عنها استطراد النظر في مرحلة لاحقة.
أولا: ما هي الشروط الواجبة لكي يكون مطلب الوحدة مطلبا ممكنا جائز التحقيق؟
ثانيا: في أي ميادين الحياة وفي أية حقول الممكن يجوز طلب هذه الوحدة؟
ثالثا: من بين الطرائق من حولنا في العالم أي طريقة نتوخى، ووفق أية مرحلية نسلك إلى بناء الوحدة، أم هل لنا من سبيل فذة ننفرد بسلوكها؟
1 - شروط الإمكان:
يتضح من تجاربنا السابقة في تاريخ الأمة الإسلامية، ومن تجارب الأمم المعاصرة أن بناء مشروع مشترك بين عدد من الشعوب لإقامة حاضرها ومستقبلها على أساس الوحدة هو مطلب صعب، ومقصد بعيد، لا بد من الاحتياط له بمنظومة قيمة من الأسباب المتينة. ونحو نعلم من تاريخنا المعاصر أن الأمة الإسلامية لم تزل تسعى إلى هذه الوحدة، وتتدبر شروطها، ولم يزل مفكرو المسلمين يصنفون في شأنها التصانيف القيمة، من عهد جمال الدين الأفغاني وعبد الرحمن الكواكبي في خاتمة القرن الماضي إلى أعمال عبد العزيز الثعالبي ومصطفى خير الدين وابن باديس في العقود الأولى من هذا القرن. محاولين تجاوز عقدة التناقضات بين الانتماءات الوطنية الجغرافية والقومية وبين الانتساب الملي الديني.(4/1989)
ونعلم جميعا المجهودات التنظيمية إلى جانب الاجتهاد الفكري، التي بذلتها الدول الإسلامية لإنشاء مؤسسات سياسية وعلمية واقتصادية مشتركة تيسيرا لبلوغ مقصد الوحدة الإسلامية وجعلت منها –مثل هذا المجمع المبارك للفقه- منابر للحوار والتشاور بغية تذليل المصاعب وتضافر الجهود في هذه السبيل.
يتأكد من ذلك كله أن الوحدة مطلب بالغ الشأن في تاريخ الأمة وفي حاضرها، حقيق بالتمحيص والاجتهاد، خليق بأن يحاط بالتدبر اليقظ المستمر، أملا في أن يوفق الله مسعى الأمة الإسلامية في هذه السبيل المستقبلية الضيقة.
أ- التواصل الجغرافي:
يرى بعض المفكرين أن التواصل الجغرافي هو من بين الشروط المادية عامل ميسر لتمتين العلاقة بين الشعوب ولمد قنوات التشاور والتناصر، ولإنشاء أسباب التعاون والائتلاف. وأن القربى في المستوي الأنفسي والاجتماعي مشتقة من القرب المكاني، ومبنية عليه.
ولكن هذا التواصل الجغرافي ليس غاية في ذاته، ولا شرطا كافيا بمفرده، بل أنه شرط تيسير وتمهيد لأنواع أخرى من التقارب ومن التعاون.
من أجل ذلك كانت مشاريع الترابط بالمواصلات البرية والبحرية في مقدمة ما تقدم على إنشائه الشعوب التي تعتزم إقامة أواصر التعاون والتوحيد بينها. وما من شك في أن المواصلات بأنواعها أيسر كلفة وأقرب تحقيقا بين الشعوب المتجاورة مما يكون بين الشعوب المتباعدة في الحيز الجغرافي، المنفصلة حدودها الترابية.
ثم أن هذا الجوار والتواصل الجغرافي أدعى إلى إنشاء مشاريع التعاون الزراعي مثلا، كما تشهد بذلك مشاريع الأنهار المشتركة مثل نهر النيل بين مصر والسودان، ونهر السينغال بين موريتانيا والسينغال ... أو هو أدعى إلى إقامة سوق مشتركة مثلما تم ذلك بين دول أوروبا الغربية، أو إلى إنشاء رابطة جهوية مثل التي توفقت إلى إنشائها دول الخليج العربي، أو تأسيس منظمة جهوية بين الدول العربية كالجامعة القائمة اليوم، أو كالتي أقامها الاتحاد السوفياتي بينه وبين تسعة من أجواره في الرابطة المعروفة باسم (COMECON) (كومكن) .
التواصل الجغرافي إذا هو عامل ميسر، وشرط مادي يحسن اعتماده ولكن التعويل عليه وحده لا يجدي إذا لم تنشأ عن هذا التقارب المكاني أنواع أخرى من الروابط تقوم على التشارك في عدد من المؤشرات الأساسية.(4/1990)
ب - التشارك في الثوابت الحضارية:
لا يكون التجاور بين المجتمعات البشرية خاليا من المقاصد الفكرية، بريئا من النتائج الحضارية، بل كثيرا ما يقوم إنشاء الحضارات البشرية وامتدادها مقترنا بالتشارك في الحيز الجغرافي وفي المضمون التاريخي، وإن الناظر للخارطة الكونية ليلحظ ظاهرة التركيز الجغرافي بين المجموعات الحضارية الكبرى المتطابقة في الجملة مع مجموعات جغرافية تمتد على رقعة مخصوصة من الأرض.
فهي مجموعات حضارية بالدرجة الأولى تقوم على التشارك بين عدد من الشعوب أو من الأجناس في المراجع الحضارية الأساسية كاللغة والدين، والتاريخ بل وحتى في الملامح والطباع، وعلى هذا التشارك الحضاري ومن منطلق هذه المراجع الثابتة تروم شعوب تلك المنطقة إقامة مشروع سياسي يرمي إلى الوحدة، أو مشروع اقتصادي يعمل على بناء اقتصاد متناسق، وحينئذ فإن طلب المصالح والمنافع على أساس التشارك في الأموال والقدرات ودفع المخاوف والمخاطر، والتناصر على مصاعب قائمة أو على عدد مشترك، كل ذلك يندرج في نطاق الثوابت الحضارية ويستمد منها ويترجم عنها، ويتركز في حيز التواصل الجغرافي والتلاقي في التاريخ.
2- ميادين الوحدة أو مضمونها:
في أي ميادين الحياة وفي أي من حقول الممكن يجوز طلب هذه الوحدة؟
يمكن التعبير عن هذا السؤال بصيغة أخرى: فنتساءل عن هذه الوحدة: ما هو مضمونها بعد أن تساءلنا عن دواعيها وحوافزها؟.
نلاحظ بداهة أن الإجابة عن المضمون تتجه بنا إلى وجهتين اثنتين:
فإما أن نروم بناء وحدة شاملة، لا تستثني واحدا من ميادين الممكن، وإما أن نقتصر في إقامتها على ميادين محدودة وعلى مضامين معينة، ومعني هذا أن الخيار واقع بين أمرين: بين وحدة سياسية اندماجية كاملة تقضي على الخصوصيات، وتدمج الوطنيات وتذيب السيادات القطرية في نظام سياسي فوقي واحد، يعمل في إطار مؤسسات جديدة بديلة عن المؤسسات القطرية، وتحت طائل سيادة كبرى، مبنية على أنقاض السيادات الفرعية الصغرى.(4/1991)
وإما أن نروم التوحيد في ميادين معينة: مثل إقامة حلف عسكري واحد، أو إنشاء سوق تجاري مشترك، أو الاستغلال الأمثل مياه نهر مشترك على ما يكتنفه من مساحات زراعية متاحة، أو مثل الاستغلال المشترك لحوض مناجم الفحم يقع مثل جهة (RHUR) على حدود أربع دول متجاورة، أو الاستفادة من موارد سمكية على امتداد السواحل المتلاصقة.. والأمثلة على ذلك في التجارب المعاصرة كثيرة ومتنوعة.
3 -جدلية الطرائق والآجال:
تدل التجارب المعاصرة بما شاهدناه من محاولات ناجحة وأخرى فاشلة أن الخيار في هذا الشأن هو بين طريقين: الطريقة الرأسية والطريقة التأليفية.
فأما الطريقة الأولى فهي نازلة من فوق، بقرار سياسي، وفقا لإرادة النخبة وطبقا لبرنامج مسبق، يعمل على إنشاء آليات التوحيد في ميادين معينة، كالميدان الإداري أو العسكري أو الاقتصادي، وكثيرا ما يقصد بهذه الطريقة إلى بناء الوحدة في الأجل القريب، يتعجل الأحداث ويقفز فوق المراحل، ويتعامل مع المصاعب الاجتماعية، ومع العراقيل الأنفسية بمنطق التقليل من شأنها والتنقيص من قدراتها الاعتراضية.
ولا حاجة لنا أن نعيد إلى الأذهان ذكر العديد من التجارب الوحدوية الفورية التي جرت المحاولة بإنجازها منذ الحرب العالمية الثانية في الشرق العربي، فكانت هذه المحاولات الارتجالية قصيرة العمر، تركت في بعض الحالات مشاعر قوية من الإحباط يحسن أخذها في الاعتبار حتى نتوخى مزيدا من الحذر في التعامل مع مشروعية الوحدة. على أن الحذر لا يعني الاستكانة لواقع التجزئة والشتات، ولا ينبغي أن يؤدي إلى التسويف والإرجاء في الإقدام على اقتحام المشروع.
وسواء كنا راضين عن أمر الوطنيات القطرية كظاهرة عصرية لتأسيس الدولة ولتركيز القوميات أم كنا منكرين لقيامها على حساب رابطة الأمة، فليس من السداد التغاضي عما أصبح لهذه الظاهرة من شأن في تنظيم المجتمعات المعاصرة، ولا أرى أن مجاوزتها وإنكارها لإنشاء التنظيمات الرأسية من فوق وبمجرد قرار سياسي، هو سبيل قويمة في طلب الوحدة.(4/1992)
ولعل الطريقة التأليفية أنسب ملاءمة مع الواقع السياسي المعاصر، وأضمن من العثرات وأدعى إلى الاطمئنان، وتقتضي هذه الطريقة طلب الوحدة من خلال الواقع القائم على أساس التعامل معه تعديلا وتصحيحا، لا على أساس الإدبار عن هذا الواقع والاستخفاف بشأنه الاجتماعي ولا بكفاءته المعرقلة.
وخلافا للطريقة الرأسية فإن الطريقة التأليفية لا تري في القضاء على الخصوصيات الوطنية شرطا واجبا لبناء الوحدة، ولا في محو السيادات القطرية أو توهين المؤسسات الدستورية المميزة. بل تعتمد جميع هذه الخصوصيات وتعمل على توظيفها لفائدة هدف الوحدة، وحدة تأليفية تركيبية، لا وحدة تسطيح وتقليم.
لو جاز أن نستعير من لغة رجال الحديث الشريف لقلنا إن الطريقة التأليفية تتوخى منطق التعديل ولا تتوخى منطق الجرح، وتقصد إلى إنشاء وحدة متعددة الجوانب، مؤلفة بين الخصوصيات، ولا تروم وحدة أحادية النظام والصيغة، على نمط واحد فريد لا بديل له.
ولو أمعنا النظر فيما أقامته طائفة من المجتمعات العصرية من تنظيمات جهوية وحدوية المقصد، لوجدناها قائمة على احترام الخصوصيات، رغبة أو رهبة، وعلى توظيف هذه الخصوصيات لفائدة المشروع المشترك.
ولنا تجارب الاتحاد السوفياتي في تعامله مع الأقليات الإسلامية خير شاهد على المشاريع الوحدوية القائمة على محو الخصائص، وتقليم مقومات الذاتية، وإنكار وجود الواقع العريق، وقد أذعنت سلطات الشيوعية الماركسية في موسكو للواقع الإسلامي في الجمهوريات الإسلامية، وأيقنت أن للإسلام في هذه الجمهوريات جذورا لا تقوى على اقتلاعها معاول الاشتراكية العلمية، وأن محاولة اقتلاع هذه الجذور، كما رام ذلك الطاغية ستالين هي محاولة فاشلة، لا طمع في بلوغها ولا رجاء في جدواها السياسية.
ومن البدهي أن تتوخي الطريقة التأليفية منطق المرحلية الزمانية، وتسعى في طلب الوحدة حسب جدول من الآمال العريضة، إيمانا بأن القرارات السياسية لا تغير من مسار الشعوب إلا إذا غير الناس ما بالأنفس وفقا للحكمة الربانية الخالدة المنصوص عليها في الآية الكريمة: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . (1)
وقد لا يتيسر حصول هذا التغيير الأنفسي بصورة عميقة باقية على استعجال وارتجال في الأجل القريب.
__________
(1) الرعد: الآية (11)(4/1993)
ولا يشك أحد أن الناس لا يغيروا ما بأنفسهم إلا بدافع التحفز والإيمان، ولا ينشأ هذا التحفز إلا إذا كان الناس على يقين بأن المشروع المقصود هو أفضل من الوضع الراهن، وأن السعي إلى هذا الأفضل أمر ممكن الإدراك، وأن القدرة عليه قائمة، والمخاطر في سبيله زهيدة هينة، ذلك: يعني ألا يكون المشروع مقصورا على نخبة من الناس، وأن يظل السواد الأكبر من عامة الناس بمعزل من المشاركة في طلبه مشاركة واعية مسؤولة.
الواقع الإسلامي الحاضر:
يتوزع 3 المجتمع الإسلامي المعاصر بين ثلاث مجموعات إقليمية تميز بينها طائفة من الخصوصيات السياسية والاقتصادية والعرقية والاجتماعية، وتشارك في عدد من السمات الثقافية والحضارية، يحسن بنا أن نأخذها في الاعتبار بصورة موجزة.
1 -ميدان الخصوصيات:
فالمجموعة الآسيوية أهم هذه المجموعات عددا وأوفرها كثافة، وأكثرها تميزا، تليها المجموعة العربية في العدد، ثم تأتي المجموعة الأفريقية من بعدها. وإلى جانب هذه الشعوب الإسلامية بتنظيماتها داخل دول إسلامية، تقوم مجموعات أخرى تتمثل في الأقليات الإسلامية، داخل دول غير إسلامية. وأهم هذه الأقليات تعيش في الدول الآسيوية الكبرى مثل الصين والاتحاد السوفياتي، وتليها في الأهمية العددية الأقليات الإسلامية بالدول الأوربية الغربية ثم الشرقية.
وتتوزع هذه الشعوب من وراء الانتماءات الوطنية إلى أجناس بشرية مختلفة في اللون وفي الألسن واللغات بما يعنيه اختلاف اللغات من فروق في المضامين الثقافية وفي مراجع الذاتية، كما تتوزع بحسب نوعية الارتباطات الاقتصادية والمالية، وبحسب ما بينها من مراتب التفاوت في الموارد الطبيعية وما بلغته من درجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ولسنا في حاجة إلى تتويج هذه الخصوصيات بما هو مشهود بين الدول الإسلامية من فروق بين الأنظمة الدستورية، ما بين ملكية دستورية وملكية قبلية، وما بين جمهوريات مدنية وأخرى عسكرية، وما بين أنظمة للحكم المطلق وأخرى للحكم الديمقراطي.(4/1994)
2- ميدان السمات المشتركة:
وإن بين الشعوب الإسلامية داخل هذه المجموعات الإقليمية عددا من السمات المشتركة نراها تتمثل بالخصوص، وعلى مستوي علاقة المجتمع بالدولة في ضعف كفاءة الرأي العام الوطني على المشاركة في صنع القرارات السياسية الكبرى، وهو مؤشر بارز من مؤشرات الحياة الديمقراطية، يجعل الشؤون العامة تدور في دائرة ضيقة من التداول تكاد تكون مقصورة على النخبة من ذوي الجاه أو المال أو من خاصة صاحب السلطان –وفي ذلك تأويل مقتضب ضيق لقوله تعالى: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} . (1) وهو لا يعين ولا شك على ترشيد الحياة السياسية المقصودة في هذه الآية الكريمة.
ومن أبرز هذه السمات المشتركة ارتفاع نسبة الأمية في الشعوب الإسلامية: أدناها 27 % وأقصاها 93 % ويزيد معدلها العام على 60 %، وهو نتيجة مرتقبة لضعف نسبة الإنفاق على التربية والتعليم من الناتج الإجمالي الوطني، إذ لا يرتفع معدل هذا الإنفاق فوق نسبة 2.5 %، في حين نراه يزيد على 8 % في بعض الدول القليلة. وعلى6 % في عامة الدول المصنعة، وأن في هذا الوضع الردييء إخلالا بإحدى تعاليم الإسلام الذي جعل من طلب العلم فريضة على كل مسلم ومسلمة وساوى في المنزلة بين مداد الأقلام وبين دماء الشهداء.
ولو اعتمدنا عدد ما ينشر من الكتب في العالم الإسلامي بأسره لوجدناه ينحط دون عدد ما يصدر في دولة واحدة من دول العالم المتصنع كاليابان لا يزيد عدد سكانها على العشر من عدد المجموعات الإسلامية.
وإن لنا في الميدان الاجتماعي سمات أخرى مستفحلة نخص منها بالذكر عدد البطالة من بين طبقات القوى العاملة، إذ قد يزيد المعدل الإسلامي للبطالة، على ثلث المترشحين للعمل من الذكور وعلى الثلثين من الإناث المترشحات.
أما أعداد الأطباء ونسبتها، بالقياس إلى كل ألف ساكن، فهي تتراوح بين 0.020.00 أي (2) في العشرة آلاف أو طبيب واحد على كل خمسة آلاف، وأقصاها 1.230.00 أي لكل عشرة آلاف أو 6 لكل خمسة آلاف.
وبالمقارنة نعلم أن نسبة التغطية العلاجية في المجتمعات المعاصرة تزيد على 6 أطباء بالنسبة لكل ألف ساكن أي بمعدل طبيب واحد في خدمة أقل من مائتي شخص، وعلى ذمة أربعين عائلة.
__________
(1) الشورى: الآية (38)(4/1995)
ومعلوم أن المجتمعات الإسلامية متشاركة في وصمة التخلف الاقتصادي لا من جراء نقص في الموارد الطبيعية، ولا في المدخرات المالية، ولا حتى في الكفاءات البشرية، وإنما يعزى هذا التخلف إلى نقص فادح في توظيف هذه الامكانات المتاحة، وإلى سوء استغلال للموارد، ولا حاجة للتذكير بما هو معلوم بالأرقام المضبوطة وبالبيانات الضافية في هذا الشأن، وقد تصنفت فيه التآلف العديدة ولا تزال تصدر عن دور التأليف والنشر بمختلف الحواضر الإسلامية، العديد من التصانيف القيمة، نذكر منها على سبيل المثال منشورات مركز دراسات الوحدة العربية الذي تزيد عناوينه اليوم على مائة وعشرون، من وضع نخبة من خير المفكرين العرب، كما نذكر أيضا التقارير القيمة الصادرة عن مشروع المستقبلات العربية البديلة والتي تناولت فيما تناولت محور الصحوة الدينية الإسلامية وآفاق تطورها في تعاملها مع الأنظمة الحاكمة ومع المجتمعات الإسلامية.
ولعل أكبر السمات المشتركة بين دول العالم الإسلامي في الميدان الاقتصادي هي سمة التبعية. تبعية مركبة مصنفة بين ميادين تمويل الاستثمارات وفداحة درجات المديونية المحملة على عاتق الشعوب الإسلامية، وأخطر هذه التبعات هي التبعية الغذائية التي تهم معظم الدول الإسلامية وتجعل أمنها الغذائي واستقرارها السياسي حكرا بأيدي مجموعة من القوى الأجنبية، تتصرف بما تشاء وحينما تشاء في مستقبلات هذه الشعوب، وقد تزيد نسبة هذه التبعة على نصف الاحتياجات الضرورية من الغذاء في بعض الحالات، وأن من الدول الإسلامية من تنفق اليوم أكثر من 60 % من مواردها بالعملة الصعبة لتوريد الحاجيات الغذائية الأساسية لشعبها.
ومن البدهيات المقررة اليوم في أدبيات التنمية أن الأمن الغذائي هو حجر الزاوية في الأمن العام وأنه الشرط الواجب المؤسس للسيادة الوطنية، الضامن لاستقرار الأنظمة السياسية.
كذلك الشأن بالقياس إلى التبعية التكنولوجية فهي اليوم من أثقل أنواع التبعيات الجاثمة بوزرها على نهضة الأمة الإسلامية في شتى الميادين المصرفية والاقتصادية والاجتماعية تجعل زمام أمورها بأيدي الشركات الكبرى متعددة الأجناس، وتعوقها عن المبادرة في تصريف شؤونها، وأن في ضعف درجات التصنيع بعامة الأوطان الإسلامية وتدني مساهمة الصناعة في الناتج الإجمالي الوطني إلى أقل من العشر، وضعف القيمة المضافة في حصيلة الإنتاج لمؤشرات كبرى على هذه التبعية التكنولوجية التي غدت من أهم السمات المشتركة بين شعوب المجتمع الإسلامي.(4/1996)
وإن الأمر بمثل هذه الخطورة في ميدان الإعلام، وقد كثرت بشأنه التقارير والدراسات على مستوي العالم الثالث، وتعالت أصوات الاستنكار ضد الاحتكار الواقعي الذي تتميز به ست وكالات عالمية للأنباء وتتصرف بذلك في حظوظ العالم الثالث بسبب ما لديها من الوسائل الفعالة لصناعة الإعلام ولتوجيه الرأي العام وفق المصالح الاقتصادية والأغراض السياسية التي ترتبط بها بروابط الولاء والتحالف.
والعالم الإسلامي خاضع لهذه الوكالات العالمية، كخضوع سائر مجتمعات العالم الثالث، بل نرى الوكالات الغربية للأنباء قد صرفت جهودها بصورة مركزة إلى إخراج صورة خاصة للإنسان المسلم وللرجل العربي المسلم بصورة أخص، وإلى العمل على نشرها في الرأي العام العالمي.
كان من نتيجة هذا العمل الإعلامي الموجه أن انقشعت في أذهان الرأي العام الغربي جملة من الملامح المشوهة عن الإنسان المسلم وعن الرجل العربي تقترن بمعان العجز والتبذير والكسل والشهوانية والجبن، ونحن نلمس آثار هذه الحملات الدعائية في الصحافة والوسائل الإعلامية الغربية، ونقف على مفعولها السلبي في المحافل الدولية وبصورة واضحة عند مناقشة القضية الفلسطينية، ولا حاجة لنا أن نذكر بما قد قيل أكثر من مرة في عواصمنا الإسلامية عن دور الدعاية الصهيونية في هذه الحملات، وعما توظفه في حقها من وسائل مالية وبشرية بالغة الشأن.
أدركت الدول الإسلامية هذه الأوضاع المتردية في مختلف الميادين وبصورة خاصة في المجالات الاقتصادية والتكنولوجية والمالية والإعلامية، وقد أخذت على نفسها منذ أواخر القرن أن تعالجها لا على الصعيد الوطني المنفرد فقط بل وأيضا على صعيد المجتمع الإسلامي ككل، إقرارا بأن هذه الأوضاع السلبية هي حصيلة لطائفتين من العوامل تضافرت مفعولاتها على مر الزمان: عوامل ذاتية تمثلت أولا وبالذات في تباعد الشعوب الإسلامية عن بعضها وفي توزع جهودها وتفرق كلمتها، اعتزاز خاطئا بما لكل شعب من خصوصيات، ظنا ووهما بأن النجاة ممكنة على سبيل منفردة وبإنشاء ما يتيسر إنشاؤه من الروابط مع بعض الدول الخارجية، وإقامة الأحلاف الخارجية بديلة من الترابط على الصعيد الإسلامي.
أما العوامل الخارجية التي أسفرت عن الأوضاع الرديئة، فهي تضافر الدول الأجنبية داخل مجموعات إقليمية لأغراض اقتصادية وتكنولوجية ومالية وعسكرية وإعلامية وغيرها. بحيث إن المجتمع الإسلامي في مفاوضاته مع العالم المصنع، يأتي هذه المفاوضات متفرق الصف موزع الكلمة، فيلقي مخاطبا متوحد الصف، متفق الكلمة، ينطلق من استراتيجية مدروسة مشتركة.(4/1997)
هذا ما أدركه العالم الإسلامي في العقود القليلة الماضية غداة الحرب العالمية الثانية، وهذا ما رام ويروم علاجه بتوحيد الكلمة، وتضافر الجهود، عبر المؤسسات المشتركة التي توفقت الدول الإسلامية إلى إنشائها منابر قارة للتشاور والتناصح فيما بينها ومحافل قائمة لتلاقي العزائم ولانعقاد الإرادة، ولاتباع السبيل المشتركة القويمة في إنقاذ الأمة من سلبيات الحاضر ولبناء المستقبل المشترك.
3-القاعدة الحضارية المتينة:
ونحن نعلم جميعا ما وفق الله إليه قادة الأمة الإسلامية إذ يسر لها إنشاء مؤسسة المؤتمر الإسلامي، وأمانتها العامة، ثم أعان على انبثاق العديد من الهيئات المتفرعة عنها المختصة في شتى مجالات الاقتصاد والبحث العلمي والتكنولوجيا والإعلام والاستثمار المالي والأمن. يزيد اليوم عددها على خمس عشرة هيئة موزعة مقراتها بين حواضر العالم الإسلامي.
وقد انعقدت المؤتمرات الدورية بين رؤساء الدول الإسلامية وبين وزراء الخارجية وصدرت عن هذه المؤتمرات مواثيق مباركة، لتحديد الأهداف المشتركة للعمل الإسلامي، ولاختيار السبل القويمة في طلب هذه الأهداف، انطلاقا من الثوابت الحضارية المشتركة أو كما جاء في إعلان (لاهور) لملوك ورؤساء الدول في فبراير 1974 الذين أكدوا:
(إيمانهم بأن دينهم المشترك إنما يمثل رابطة لا انفصام لها بين شعوبهم وأن تضامن الشعوب الإسلامية لا يقوم على معاداة أية جماعة إنسانية أخرى ولا على تفرقة بسبب العنصر أو الثقافة ولكن على المبادئ الإيجابية الخالدة، مبادئ المساواة والأخوة وكرامة الإنسان ... ) .
وإن مبدأ التوحيد على أساس رابطة الدين قد تكرر التأكيد عليه في ميثاق مكة المكرمة الصادر عن قادة الدول الإسلامية عام 1981. إذ يقرون:
(إيمانا منا بأن المسلمون أمة واحدة يعتصمون برابطة الإسلام ويستلهمون في الحياة منهجا لا اختلاف فيه ويستمدون معينهم الفكري من تراث حضاري مشترك، ويضطلعون في العالم برسالة واحدة، فنحن عاقدون العزم على أن نمضي قدما لتوثيق أواصر التضامن بين شعوبنا ودولنا وعلى أن نتجاوز كل ما يؤدي إلى الشقاق أو يجر إلى الفرقة ... ) .
وهكذا يتلاقى توحيد الإيمان مع توحيد المجتمع، لا على الصعيد العقائدي فحسب بل وأيضا على صعيد المصالح المرسلة التي أفسدها القعود الفكري وأوهنتها الخلافات السياسية، وأضاعتها النزاعات الخصوصية المفرقة.(4/1998)
واضطرت الأمة الإسلامية أن تعمل مرة أخرى على اعتماد وحدتها الدينية، سلاحا قويا، لتمتين اللحمة الاجتماعية ولتعزيز الجهود في بناء المستقبل الحضاري المشترك، مثلما كانت مضطرة في خواتم القرن الماضي وفي النصف الأول من هذا القرن إلى الاعتصام بالدين ضد الاستعمار الغربي، فبات الدين يمثل حارس الليل، لا ينام ولا يغفل، حتى وإن غفلت الأعين وخفتت في الضمائر أصوات اليقظة، وتراخت العزائم. وغير خاف في هذه الفترة من تاريخنا المعاصر (أن طلائع حركات اليقظة العربية كانت طلائع إسلامية سلكت سبيل الإصلاح الديني لبعث روح المقاومة في كيان الأمة ضد الغرب الاستعماري الزاحف على ديار الإسلام) . وهل قامت الوهابية من منتصف القرن الثامن عشر، والسنوسية في ليبيا والجزائر ومصر، والحركة المهدية في السودان، في خواتم القرن التاسع عشر إلا لتحمل مشعل اليقظة العربية الإسلامية الحديثة؟
وهل كان تيار هذه اليقظة الذي قاده جمال الدين الأفغاني في إطار مشروع الجامعة الإسلامية يرمي إلى هدف غير مجابهة المد الاستعماري الغربي على واجهة الشرق العربي الإسلامي بأكمله، ويعمل على إنشاء يقظة إسلامية وتضامن إسلامي، ووحدة فكرية ونضالية للملة الإسلامية قاطبة. وقد دعا هذا التيار إلى الوحدة الإسلامية بل وإلى إقامة (الجنسية الإسلامية) . فالوحدة عند الأفغاني إنما تنبع أساسا من رابطة الملة والدين وهي عنوان على تضامن الملة الإسلامية ضد أعدائها، واستلهامها القرآن لتجديد حياتها الدينية والدنيوية، وقد أقامت نخبة الجامعة الإسلامية مفهوم الوحدة الإسلامية على القاعدة الراسخة لرابطة الدين، ولم نجعل هذه الوحدة متجسدة في الدول الوطنية بالمدلول السياسي، فلا تعارض بين الوحدة الإسلامية بهذا المعني، وبين القومية ودولتها. وقد كتب جمال الدين الأفغاني في هذا الخصوص:
(لا ألتمس بقولي هذا أن يكون مالك الأمر في الجميع شخصا واحدا. فإن هذا ربما كان عسيرا، ولكني أرجو أن يكون سلطان جميعهم القرآن الكريم ووجهة وحدتهم الدين. وكل ذي ملك على ملكه. يسعي بجهده لحفظ الآخر ما استطاع، فإن حياته بحياته، وبقاءه ببقائه، إلا أن هذا بعد كونه أساسا لدينهم، تقضي به الضرورة وتحكم به الحاجة في هذه الأوقات) . (1)
__________
(1) محمد عمارة: الأعمال الكاملة لجمال الدين الأفغاني. ص345. القاهرة 1968.(4/1999)
وقد دعا أعلام الجامعة الإسلامية إلى سلفية دينية تعتمد المنابع النقية للإسلام ولكنها لا تتضارب مع عقلانية إسلامية تستخدم العقل وبراهينه في فهم الدين ووعي مقاصده. كما دعوا إلى تجدد ذاتي في مواجهة المعاصرة ومجابهة التحديات وإلى النظر في الحضارة الغربية (من موقع مستقل ومتميز) لمعرفة أسباب تفوق الخصم وللاستعانة بذلك في الصراع معه.
هذا المنهج القويم هو الذي ظل معتمدا في بناء التضامن الإسلامي بعيدا عن الخلافات السياسية وتجاوزا للخصوصيات القطرية واجتنابا لمنازعات السيادة، وهو منهج نراه ضامنا لإقامة صرح الوحدة الإسلامية على صعيدين اثنين:
صعيد المصالح المرسلة فيما يهم شؤون الاقتصاد، والإعلام والمالية والتكنولوجيا، والدفاع عن حرمة الأوطان والتعاون الخارجي، وسائر ميادين الحياة المدنية التي تقتضي المصلحة أن ننطق في معالجتها من منظور مشترك وأن نقوم في حلها على التعاون المستمر بين شعوبنا ودولنا، وأن نستفيد من الأجهزة والتنظيمات المشتركة التي هدانا الله إلى إنشائها لتكون منابر للتشاور وإطارا لاستنباط الخطط الاستراتيجية وتحديد الإجراءات العملية في خدمة الأهداف المرسومة.
أما الصعيد الثاني وهو صعيد المراجع الحضارية المشتركة فنستطيع أن نمضي فيه بحزم إلى أبعد من المشاريع الدنيوية وإلى أعمق وأنفس من المنجزات المادية أو الظرفية.
أود أن أقتبس من تصانيف الدكتور محمد عابد الجابري وخاصة من كتاباته الأخيرة عن (تكوين الفكر العربي) معني التأسي الفكري، يرى الجابري أن الفكر يتأسس فيما يرومه من مقاصد تأسيسا سلبيا بمنطق الضدية والمقاومة، مثلما تأسست مشاريعنا الوحدوية في الماضي القريب بديار المغرب العربي مثلا تأسيسا ضديا لمقاومة الاستعمار، ومثلما تأسس مشروع الجامعة الإسلامية ضد أنواع الاستعمارات الغربية بالمشرق.. ثم إذا ما زالت دواعي الضدية بزوال الاستعمار وحصول الدول على استقلالها أصبح الفكر الوحدوي بحاجة إلى تجديد في التأسيس، يطلب له أسسا أخرى، غير الأسس السلبية التي قام عليها في فترات الكفاح. تلك هي الظاهرة الإيجابية التي نطمع أن يتأسس عليها مفهوم الوحدة الإسلامية في مضمونها الحضاري، فليست الوحدة سلاحا ضد قوة معارضة،(4/2000)
ولا يقتصر وجودها على منطق الوسيلة ولا تنحصر في سجل السببية، بل الوحدة غاية في حد ذاتها يتأسس وجودها على منطق الإسهام في الحضارة الإنسانية، إعانة المجتمع الإسلامي أولا، والمجتمع البشري بصورة أعم على إنشاء حضارة جديدة لا تقوم على طمس القيم الدينية ولا على مسخ مقومات الذات البشرية التي كرمها الله، ولا على تجنيس المفاهيم الثقافية والأخلاقية في الاستكانة للمادة، وإنما تقوم على تعزيز أزكى ما في الذات الإنسانية من كفاءة التسامي والتجاوز، وعلى تفتق أصفى ما في سجية الإنسان من ملكات الجود والتطوع والمروءة، وتستمد من منطق الخير والفضيلة بما له من جذور مكينة في النفس السوية. عندئذ لا يكون في الخصوصيات الفطرية عائق عن السعي لمثل هذه المقاصد الحضارية، وقد قضيت حكمة المولى، جلت قدرته أن نكون شعوبا وقبائل لنتعارف فيما بيننا، وأن تكون التقوى مقياس التفاضل والتمايز على مراتب الكرم، التقوى لا الجاه ولا المال ولا مراتب السلطان.
ولعل مجمع الفقه الإسلامي الذي نتلاقى اليوم في رحابه أنسب المؤسسات المشتركة بمثل هذا الاجتهاد الفكري (الأصيل الفاعل) الرامي إلى تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي والمتفتحة على تطور الفكر الإسلامي بغية الوصول إلى الإجابة الإسلامية عن كل التحديات التي تطرحها الحياة المعاصرة.
ونحن نأمل أن يصبح للمفكرين المسلمين في هذا المجمع منبر مفتوح للتشاور العلمي المستمر ولإشاعة حصيلة الأبحاث العلمية حول مختلف قضايا المعاصرة التي تعرض للمجتمع الإسلامي، حتى يتوفر زاد من الحلول الاجتهادية تكون ثمرة للعمل العلمي المشترك، وعاملا من عوامل توحيد المعالجة لمشاكلنا المشتركة، وهل تزيد الوحدة بين المجتمعات على توحيد في مناهج التفكير وفي مراجع التدبر، يفضي إلى ضروب من التناسق والمماثلة في التعامل الحي من مشاكل الإنسان.
مصطفى الفيلالي(4/2001)
مجالات الوحدة الإسلامية
وسبل الاستفادة منها
إعداد
فضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر
كلية الشريعة والدراسات الإسلامية
جامعة الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله قيوم السماوات والأرض، بيده مقاليد الحكم، له الأمر كله والخلق كله، يصرف الأمور ويقدرها وفق علمه وحكمته، يؤتي الملك من يشاء، وينزع الملك ممن يشاء، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، بيده الخير، أنه على كل شيء قدير، قوله القول، وحكمه الحكم، لا راد لقضائه، ولا معقب لحكمه، ولا مبدل لأمره.
وأصلى وأسلم على عبده المصطفى، ورسوله المجتبي، خيرته من خلقه، وخاتم أنبيائه ورسله، الذي أقام الشريعة الغراء، وأنار القلوب العمياء، ومحا دولة الباطل، وطمس معالم الشرك، وأصلي وأسلم على آله وصحبه الذين جعلوه لهم قدوة وأسوة، واتبعوا النور الذي جاء به، وكانوا على المحجة البيضاء، يقرون بالحق ويدعون إليه، ويجاهدون في سبيل إعلائه حتى ظهر أمر الله، وأصبح الدين كله لله، وعلى التابعين ومن اتبع سبيلهم إلى يوم الدين.(4/2002)
أما بعد:
فإن الأمة الإسلامية –بإذن من الله وقدر-تسلمت قيادة ركب البشرية منذ أن تكونت على يدي معلم البشرية وهاديها محمد (صلى الله عليه وسلم) ، واستمرت على ذلك دهورا طويلة، ولكنها فقدت تلك المنزلة شيئا فشيئا، حتى أصبحت في أيامنا على الحال التي نعرفها ونشاهدها، ذلت بعد عزة، وجهلت بعد علم، وضعفت بعد قوة، وأصبحت في ذيل القافلة بعد أن كانت في طليعتها، وأخذت تتسول على موائد الفكر الإنساني بعد أن كانت منارة تهدي الحيارى والتائهين، وأخذت تضطرب في سيرها وتتأرجح في فكرها، ولا تعرف السبيل الذي تسلكه بعد أن كانت الدليل الحاذق الرائد في الدروب المتشابكة في الصحراء التي لا يهتدي فيها الأدلاء المجربون.
وجاء الذين آلمهم حال أمتهم من أصحاب الفهم الثاقب، والبصر النافذ، والرأي السديد يفكرون في حال هذه الأمة في ماضيها وحاضرها، فهالهم الأمر، فالبون بين الحالين بعيد والفرق كبير. لقد جرب عالمنا الإسلامي مختلف الأنماط في عصرنا هذا، فقد تسلط على رقابنا جماعات وأحزاب وعدتنا بأنها ستعيد لنا عزتنا وكرامتنا وإنها ستنهي مشكلاتنا، وتجمع شملنا، وتوحد جموعنا، وننظر إلى حالنا وقد مضى على الأمل الموعود وقت طويل فلا نرى إلا السراب، لقد كان حظنا مما وعدنا به مزيدا من الفرقة والانقسام والتأخر، فقد أصبحت الأمة الواحدة أمما، والدولة دولا، وانتشر الفقر، وازدادت التعاسة في كثير من ديار المسلمين، وضاع كثير من هذه الديار عندما استولي عليها أعداء الله من الشيوعيين والصليبيين واليهود.(4/2003)
لقد تبين لنا تبينا لا لبس فيه فشل دعاة الوطنية ودعاة القومية، كما فشل الاشتراكيون والبعثيون، ولم يبق إلا الإسلام.
لقد نجح الإسلام في الماضي عندما حكم هذه الديار –ديار الإسلام- نجح في إيجاد مجتمع مثالي في عالم البشر، فقد أوجد كيانا سعدت به البشرية، وترعرعت في جنباته القيم الصالحة، وتناسى المسلمون في ظله العصبيات للأقوام والأجناس والأوطان، وأصبحوا في ظله إخوة، ولاؤهم لله رب العالمين.
لقد أضاع المسلمون الكثير من تعاليم دينهم، وانحرف بهم المسار، واستبدلوا به عادات موروثة، وعادات وفلسفات وتوجهات وافدة، فكان ثمار ذلك الفرقة والانقسام والهزائم العسكرية والفكرية.
واليوم صحا المسلمون من جديد يحاولون تنظيم صفوفهم، وتلمس طريقهم ليحملوا الراية من جديد، غير أن الطريق ملئ بالصعاب محفوف بالمخاطر، فالأعداء متربصون بنا من كل جانب يرصدون حركاتنا، ويقرؤون كتاباتنا، ويدرسون فكرنا، ثم يأتمرون ويخططون، ويرسلون إلينا سهامهم، وبعض سهامهم رجال من هذه الأمة، يدعوننا إلى الدمار وغضب الجبار، وقد أصيب جموع كثيرة من هذه الأمة، كما أصيب الدعاة الصالحون فيها بسهام الأعداء ومكرهم وخديعتهم.
أضيف إلى ذلك الجهل الذي انتشر في ربوع العالم الإسلامي، والأمراض الفكرية الهائلة التي يعاني منها المسلمون في هذه العالم الرحب، كل ذلك يؤخر المسيرة، ويضعف تيارها، ويجعلنا نعاني معاناة هائلة ونحن نشق طريقنا إلى الأمام.
وهذا البحث يسلط الضوء على المكانة الفضلى التي استحقتها هذه الأمة، والسر في استحقاقها لها، ثم يبين السبب الذي عزل الأمة عن المكانة التي كانت تحتلها، وقد أعاد الباحث هذا إلى سبب واحد هو الفرقة بأنواعها: الفرقة في الدين والاعتقاد، والفرقة التشريعية، والفرقة السياسية.
كما سلط الضوء على الطريق الذي يعيد للأمة عزها من جديد، ويرقي بها إلى المكانة التي كانت تحتلها، وقد أعاد الباحث هذا إلى سبب واحدة هو الوحدة بكل أنواعها وشتى مجالاتها وأصولها هذه الوحدة: الانتماء للإسلام دون سواه، وتوحيد مصدر الهداية، ووحدة العقيدة، والوحدة السياسية المتمثلة في إقامة الدولة الإسلامية وإرجاع الخلافة الراشدة.
وختمت البحث بكلمة موجزة، لإلقاء الأضواء على طرق الدعاة التي سلكوها في عملهم في مجال الارتقاء إلى المستوي الذي يطمعون في بلوغها إليه.
وفق الله العاملين بالإسلام إلى توحيد الوجهة والعمل، وإلى توحيد الصفوف، ورصها، وسد الثغرات، وتقويم النفوس وبناء الأمة بالإسلام، كي ستعيد الأمة مجدها من جديد.(4/2004)
فضل الأمة الإسلامية
قال تعالى مبينا فضل هذه الأمة: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} . (1) .
وأصل الوسط الموضع الذي هو الجزء بين الطرفين.
والوسط مركز الاتزان والاعتدال، يقول الزمخشري في هذا: (الوسط عدل بين الأطراف، ليس بعضها أقرب من بعض) . (2)
وقد تعارف الناس على ذم الذي يمسك أحد طرفي الشيء ولا يلزم موضع الاعتدال، فتراهم يقولون: فلان متطرف في أمره في مقام الذم، كما يقولون: فلان معتدل في مقام المدح.
والسر في ذلك أن العباد في أكثر أحوالهم يجنحون إلى الإفراط أو التفريط، فترى بعضهم يجنح إلى الغلو في الرهبنة والتعبد حتى يتركوا الزواج والملذات ويسكنوا الفيافي والقفار، وآخرون يغرقون في العب من الشهوات بالملذات بعيدا عن مقاصد الشرع وضوابطه، واتباع المنهج الوسط الذي يحقق الاعتدال والاتزان يقضي بأن يعيش المرء في دنياه آخذا منها قدرا أباحه الله من الطيبات في الوقت الذي يؤدي حق ربه، ويكون همه تحقيق مراد الله منه.
يقول الطبري في تفسير الوسط: (وأنا أرى أن الوسط في هذا الموضوع هو الوسط الذي بمعني الجزء الذي هو بين طرفين، مثل وسط الدار، وأرى أن الله تعالى ذكره إنما وصفهم بأنهم وسط لتوسطهم في الدين، فلا هم أهل غلو فيه غلو النصارى الذين غلو بالترهب، وقيلهم في عيسى ما قالوا فيه، ولا هم مقصرين فيه تقصير اليهود، الذين بدلوا كتاب الله، وقتلوا أنبياء الله، وكذبوا على ربهم وكفروا به، ولكنهم أهل توسط واعتدال فيه، فوصفهم الله بذلك إذ كان أحب الأمور إلى الله أوسطها) . (3)
والوسط هو الأفضل والأحسن لأمرين:
الأول: أن الأطراف يتسارع إليها الخلل والأعوار، والأوساط محمية محوطة، كما يقول الزمخشري (4) ، ومنه قول الطائي:
كانت هي الوسط المحمي فاكتنفت بها الحوادث حتى أصبحت طرفا
__________
(1) البقرة: الآية (143)
(2) الكشاف: 1/317
(3) تفسير الطبري: 2/6
(4) تفسير الزمخشري: 1/317(4/2005)
والثاني: أن الوسط هو مركز الاعتدال والاتزان، فالعرب تقول: قريش أوسط العرب نسبا، أي افضلها، والرسول (صلى الله عليه وسلم) وسط قريش، أي أفضل قريش نسبا، وفي هذا يقول زهير بن أبي سلمى: (1)
هم وسط يرضى الأنام بحكمهم إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم
وفي محكم التنزيل {قَالَ أَوْسَطُهُمْ} . (2) أي خيرهم، وقال تعالى: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} . (3)
والصلاة الوسطى صلاة العصر كما ثبت في بعض الأحاديث، وما حث على الالتزام بها إلا لأنها أفضل من بقية الصلوات. وفي الحديث أن الفردوس وسط الجنة وأعلي الجنة، وفوقه عرش الرحمن.
وقد صرح الحق –تبارك وتعالى- بأفضلية هذه الأمة على غيرها من الأمم مما يدل على أنه عني بالوسطية الأفضلية، وهذا التصريح جاء في قوله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} . (4) .
وصرح في موضع آخر باجتبائه لهذه الأمة واصطفائه لها، ولا يكون الاصطفاء والاجتباء إلا لفضلها وعلو شأنها، قال تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} . (5) .
__________
(1) تفسير الطبري: 2/6
(2) القلم: الآية (28)
(3) البقرة: الآية (238)
(4) آل عمران: الآية (110)
(5) الحج: الآية (78)(4/2006)
سر هذا الفضل
أن هذا التفضيل الذي صرحت به النصوص ليس اعتباطا، وإنما كان لأن الأمة الإسلامية استقامت على منهج الله، فالإسلام هو الذي صنع هذه الأمة، فقد بني عقيدتها، ورسم منهجها وطريقها، وأقام أخلاقها وقيمها، وتأمل في قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} . (1) . تجد أن كلمة (جعلناكم) ليس معناها خلقناكم، وإنما المعني الصحيح هو صيرناكم أمة وسطا، وإنما صيرها الله كذلك بدينه المنزل، عندما استقامت على الخصائص التي رسمها رب العالمين، وتستطيع أن تلحظ هذا المعني في قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} . (2) .
فها هنا مخرج وهو الله، ومخرج وهو هذه الأمة، وأداة حصل بها الإخراج على هذا النحو وهو الإسلام، فبالاستقامة على الإسلام تحققت الأفضلية.
إذن ليست الأفضلية والخيرية لقبا أطلق على هذه الأمة من غير مضمون، ولكنه عنوان لحقيقة تجسدت في هذه الأمة، فقد سما هذا الدين بهذه الأمة في عقيدتها وتفكيرها وتوجهات قلوبها وأقوالها وأعمالها ونظمها، حتى مثلت الأنموذج الفاضل الذي يريده الله تبارك وتعالى للبشرية.
وهذه الأفضلية مرهونة باستمرار هذه الخصائص في هذه الأمة، فإذا تدنت هذه الخصائص أو انحرفت أو زالت، فإن الخيرية تتناقض أو تضمر أو تضعف. وهذا هو السر في تخلف هذه الأمة في عصرنا، والسبب فيما أصابها من فرقة واختلاف، وما رماها به الأعداء من بلايا ومصائب.
أن أفضلية هذه الأمة تتلخص بأخذها بهذا الدين في نفسها، ودعوة الناس إلى الحق الذي قرره هذا الدين، ونهيهم عن الباطل الذي نهاهم عنه هذا الدين، مع تحقيق الإيمان وفق ما جاء به الإسلام {تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} . (3)
__________
(1) البقرة: الآية (143)
(2) آل عمران: الآية (110)
(3) آل عمران: الآية (110)(4/2007)
لِمَ عَرَّفَ الله الأمة الإسلامية بمكانتها وفضلها؟
إن الحياة الإنسانية مجال صراع رهيب بين الأمم المختلفة، وكل أمة تدَّعي أنها الأفضل والأكمل، وأنها تستحق أن تغلب وتسود، وقد أخبر الله هذه الأمة بمكانتها كي لا تذل في مجال الصراع، ولا تهون في ميدان الخصام {وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} . (1) لقد ادَّعي كل من اليهود والنصارى والوثنيين أنه الأفضل والأكمل، وأن غيره ليس على شيء {وَقَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ وَهُمْ يَتْلُونَ الْكِتَابَ كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ} . (2)
والذين لا يعلمون: هم مشركون العرب.
وغلا اليهود والنصارى في دعواهم عندما ادعوا أنهم أبناء الله وأحباؤه {وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ} . (3) ، وادعوا أن الجنة وقف عليهم {وَقَالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (4) ورتب كل فريق على دعواه مطالبة غيرة باتباع منهجه: {وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} . (5) ولا تزال الأمم المختلفة إلى اليوم تدعي هذه الدعوى، لقد رفع هتلر شعار ألمانيا فوق الجميع، والشعب الأمريكي اليوم يشعر كأنه من طينة أخرى غير طينة البشر، وروسيا تدعي أنها جاءت العالم بإكسير السعادة.
إن اليهود كانوا في ميزان الله خير الأمم عندما استقاموا على الشريعة التي أنزلها الله تبارك وتعالى: {يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ} . (6) {وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} . (7) . والنصارى كانوا أصحاب رسالة لهم في ميزان الله فضل عندما استقاموا على الدين الذي أنزله الله إليهم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ} . (8) . ولكن اليهود والنصارى انحرفوا عن المسار، وتنكبوا الجادة، فأصبح اليهود مغضوبا عليهم، والنصارى ضالين، وهو في ميزان الله من الخاسرين، لقد غيروا وبدلوا فلعنهم الله، وغضب عليهم، وضرب عليهم الذلة والمسكنة، وهو لا يمثلون اليوم الفئة الفاضلة في ميزان الحق، وقد جاءت هذه الأمة من بعدهم لتكون الأمة الفاضلة.
__________
(1) سورة آل عمران: الآية (139)
(2) سورة البقرة: الآية (113)
(3) سورة المائدة: الآية (18)
(4) سورة البقرة: الآية (111)
(5) البقرة: الآية (135)
(6) البقرة: الآية (47)
(7) الدخان: الآية (32)
(8) الصف: الآية (14)(4/2008)
وإذا أنت رجعت إلى سورة البقرة، وإلى ما حدثنا الحق فيها عن أهل الكتاب، تري أن القرآن كشف لنا عن الدعوى المضللة التي يدعيها أهل الكتاب من أنهم الأفضل والأصلح، وبيَّن أنها دعوى زائفة، ذلك أن أهل الكتاب انحرفوا عن الخصائص التي كانت ترفعهم إلى مصافِّ الأمة الفاضلة وسرت فيهم العلل والأدواء التي شوهت العقيدة الصافية، والشريعة المنزلة، واختلت عندهم القيم والتصورات الإيمانية، كما اختل السلوك والقول والعمل، فمن اتهامات للخالق العظيم، إلى تشويه لسير الأنبياء، إلى تحريف للكتب المنزلة، إلى كتمان للعلم، وسفك للدماء، وتمرد على أحكام الشرع، واتباع الشياطين.
وبعد هذا البيان الطويل لحال الأمم التي تدعي الأفضلية في سورة البقرة يأتي قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} . (1) . ليقرر مكانة هذه الأمة، وأنها الأمة الفاضلة كي تعرف مكانتها، ولا تهون في مواجهة أهل الكتاب، ولقد سمي أهل الكتاب الذين يحاولون انتقاص هذه الأمة، وإلقاء الشكوك حول تشريعها بالسفهاء {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا} . (2)
إنهم سفهاء فقدوا المقاييس القويمة، واختلت عندهم الضوابط، ولذلك صدرت عنهم أحكام خاطئة، وتصرفات باطلة.
أما الأمم الأخرى التي تنازع هذه الأمة الفضل، ففضلها دنيوي عارض، ليس له في ميزان الله اعتبار؛ لأنه قائم على متاع الدنيا العارض {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} . (3) ، {وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} . (4) ، {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} . (5)
ولقد وصف القرآن الحضارات التي ارتقت في العلوم المادية، ولكنها انحدرت في عقيدتها وأخلاقها وقيمها بالضلال والزيغ.
إن المجتمع الذي يستحق أن يوصف بالرقي –في ميزان الله- هو المجتمع الذي يقيم حياته وفق منهج الله وتشريعه، وإن كان غير متقدم في مجال العمران والزراعة والصناعة.
أما الجاهلية فإنها تعتبر المجتمع راقيا إذا كان يملك العلوم المادية، والمجتمع المتأخر في عرفها هو المجتمع الفقير الذي لا يملك أسباب الرقي المادي وتنتشر فيه الأمية.
__________
(1) البقرة: الآية (143)
(2) البقرة: الآية (142)
(3) آل عمران: الآية (185)
(4) الأنعام: الآية (32)
(5) الروم: الآية (7)(4/2009)
ونحن عندما ندرس المجتمع الإسلامي المثالي تراه كان مجتمعا فقيرا، لا يكاد الفرد يجد فيه ما يسدُّ رمقه، ولا ما يوراي جسده، وكانت بيوت الرسول (صلى الله عليه وسلم) يمر عليها الهلال والهلال، ثلاثة أهلة في شهرين –كما تقول أم المؤمنين عائشة - ولا يوقد نار لإنضاج طعام، والذين كانوا يحسنون القراءة والكتابة في ذلك المجتمع قليل، والصناعات والعلوم التي ترقى بالحياة في جانبها المادي كانت فيهم قليلة نادرة.
إن نظرة الجاهلية إلى المجتمع الصالح المتحضر تصادم نظرة الإسلام، إن الإسلام يَصِمُ أكثر التجمعات الإنسانية تقدما بالتأخر والرجعية والضلال إن لم تحقق العبودية لله، ولم تقم حياتها وتشريعاتها وفق منهج الله. إن هذا الرقي المادي والعلم المادي لم يخلِّص فرعون ونمرود وعادا وثمود وغيرهم من الأمم من مقت الله وغضبه، ليس معني هذا أن الإسلام يحارب الرقي المادي، فالإسلام يأمرنا أن نسعى في الأرض لنسخر ما فيها من خيرات لصالحنا، {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} . (1) .
ولكنه يريد منا أن نبني هذا الرقي على أصول سليمة قويمة، يريدنا أن نقوم علوم الحياة ونضبطها بضوابط إلهية تحميها من الانحراف والضلال، فلا نقيم الصروح الضخمة التي تستنفذ طاقات الألوف وعشرات الألوف من البشر لغاية تافهة، كما فعل بناة الأهرام الذين أفنوا أعمار أجيال ليقيم الحاكم منهم هرما يكون له قبرا، أو كما فعل النصارى عندما أقاموا الكنائس الفخمة والأديرة، وبذلوا في سبيل ذلك جهودا وأموالا هائلة كان أكثر الأمة بحاجة إلى القليل منها. وقد أنكر هود على قومه مثل هذه الأفعال الحمقاء {أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آَيَةً تَعْبَثُونَ (128) وَتَتَّخِذُونَ مَصَانِعَ لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ} . (2) .
والجاهلية الجديدة أثمرت حضارة مادية هائلة سخرتها لخدمة الشيطان، وإقرار الظلم وإزهاق الحق، وامتصاص دماء الشعوب المغلوبة على أمرها، وأزهقت أرواح الملايين من البشر لا لشيء إلا لكي تكون العزة لأمة على بقية الأمم، أو لشعب على بقية الشعوب. نحن لا نوافق الأمم التي تدعي أنها الأفضل والأحسن لأنها تملك العمارات الشاهقة، والحدائق الغناء، والمسارح الرحبة، والقصور الفخمة، والشوارع المنسقة، والمدارس والجامعات والمستشفيات.. لا نوافقها على أنها الأفضل من أجل ذلك وحده، ولا لأنها توصلت إلى علوم هائلة بنت بها الرقي المادي، ولو كان هذا صحيحا فان اللص صاحب القصر الكبير أفضل من الشريف صاحب الكوخ الصغير، والعالم الذي يخطط لتدمير البشرية أفضل من الإنسان العادي الذي يسعى في إصلاح العباد.
__________
(1) الملك: الآية (15)
(2) الشعراء: الآية (128)(4/2010)
لقد أقامت كثير من الأمم حضارات راقية في المجال المادي، ولكنها أقامتها على أسس ظالمة، فأتي الله بنيانهم من القواعد، ودمر ما كانوا يعرشون {فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ فَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا وَبِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَقَصْرٍ مَشِيدٍ} . (1) {وَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَمْلَيْتُ لَهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ ثُمَّ أَخَذْتُهَا وَإِلَيَّ الْمَصِيرُ} . (2) {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آَخَرِينَ (11) فَلَمَّا أَحَسُّوا بَأْسَنَا إِذَا هُمْ مِنْهَا يَرْكُضُونَ (12) لَا تَرْكُضُوا وَارْجِعُوا إِلَى مَا أُتْرِفْتُمْ فِيهِ وَمَسَاكِنِكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْأَلُونَ (13) قَالُوا يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ} (3)
ارتقاء أمة الإسلام إلى المكانة الفضلي
حقق المسلمون –بفضل الله ورحمته- في عالم البشر الرقي العظيم الذي أصبحوا به خير أمة أخرجت للناس.
ويمكننا أن نلخص العوامل التي أوصلتهم إلى هذا الرقي في عبارة واحدة: (لقد حققوا الهدف الذي خلقهم الله من أجله إلا وهو العبودية لله العظيم) {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} . (4) .
ومن أجل تحقيق هذا الهدف العظيم أنزل الله كتابه، وأرسل رسله، {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} . (5) ويحقق البشر العبودية لله في عالمهم عندما يرضون بالله إلها معبودا، ويتخذون دينه الذي أنزل منهجا يستمدون منه عقيدتهم وأخلاقهم وتشريعه، فالدين الذي أنزله الله منهج يقيم العباد على النحو الذي يريده الله تبارك وتعالى، وهو نظام كامل يصوغ حياة البشر صياغة إلهية ربانية، لذا فإن العبارة التي تقول: (إن الإسلام منهج الحياة) تلخص القضية بأوجز عبارة وأوضحها.
وتتحقق العبودية باتخاذ الإسلام منهج حياة يحقق الصلاح للنوع الإنساني في داخل نفسه وفي مجتمعه، ولذلك لم يبعد الذين قالوا: إن غاية الدين الذي أنزله الحق –تبارك وتعالى- هي إصلاح النوع الإنساني، وقطع دابر الفساد عن الحقيقة، فقد قال شعيب لقومه: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} . (6) . وذم الله المفسدين في الأرض: {وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ} . (7) . {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} . (8)
__________
(1) سورة الحج: الآية (45)
(2) سورة الحج: الآية (48)
(3) سورةالأنبياء: الآية (11-14)
(4) الذريات: (56)
(5) الأنبياء: (25)
(6) هود: (88)
(7) البقرة: (205)
(8) القصص: (4)(4/2011)
إن إصلاح الإنسان حسب فقهنا لكتاب الله ورسوله (صلى الله عليه وسلم) يتم بأمرين:
الأول: إصلاح الفرد، وذلك بإصلاح عقيدته وتصوراته وأفكاره وقيمه وأخلاقه وموازينه.
والثاني: إصلاح المجتمع الإنساني بإصلاح علاقاته ونظمه وقوانينه.
وإذا أنت تأملت سيرة المصطفي (صلى الله عليه وسلم) رأيت عنايته كانت منصبة في المرحلة المكية على تحقيق الأمر الأول ألا وهو إصلاح الفرد، بينما كانت عنايته متجهة في المرحلة المدنية إلى تحقيق الأمر الثاني، وما أَسْلَمَ صلوات الله عليه الروح لبارئها، إلا بعد أن قام المجتمع المسلم الصالح الذي يقوم على أفراد صالحين.
لقد نجح الإسلام في إقامة مجتمع صالح، استنارت بصائر أفراده، وصلحت عقائدهم، واستقامت أخلاقهم، وأحكمت العلاقات فيما بينهم، وكانت الدينونة فيه لله وحده، وكان حاكم المسلمين فيه واحدا منهم، يخضع لسلطات الشريعة كما يخضعون، ويحاسب كما يحاسبون، ونسج الإسلام من ذلك المجتمع وحدة، كانت آصرتها الدين، ولحمتها التقي، وهدفها تحقيق العدل في ربوع الأرض بمنهج الحق، وساح المسلمون في المشارق والمغارب ينشرون دين الله، ودخل الناس في دين الله أفواجا، وتحطمت القوي الجاهلية الجبارة أمام المد الإسلامي المتماسك، وأصبحت الدولة الإسلامية هي الدولة العظمى إلى أمد ليس بالقصير، وصدق الله في هذه الأمة قوله: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . (1) .
لقد كان العرب في جزيرة العرب حيارى تائهين ضالين يسلب قويهم ضعيفهم، ويقتل بعضهم بعضا، لا دين يجمعهم، ولا ملك يوحدهم، فغيروا ما بهم من أمراض، وأصلحوا نفوسهم وأمتهم بالدين، فارتقوا إلى مرتبة لم يسبقهم فيها سابق، ولم يلحقهم فيها لاحق، وكانوا كما قال الحق تبارك وتعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} . (2)
لقد أنجز الله لهم ما وعدهم فاستخلفهم في الأرض، ومكن لهم دينهم الذي هو سبب عزهم وذكرهم، عندما أنجزوا ما شرطه الله عليهم {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا} . (3)
ولا نزال إلى اليوم ننعم ببقية صلاح الأجيال الأولى التي حملت الإسلام، فعلي الرغم من البلايا والزرايا التي تعرض لها الإسلام من أعدائه وحكامه عبر تاريخ المسلمين الطويل، إلا أن الإسلام لا يزال له وجود ظاهر، وحملته من المسلمين منتشرون في كل مكان.
__________
(1) الرعد: الآية (11)
(2) آل عمران: (110)
(3) النور: (55)(4/2012)
تأخر الأمة وانحطاطها
إن المتفكر في حال الأمة الإسلامية عندما يقارن بين حاضرها المشهود، وماضيها الغابر يهوله الأمر، فالبون شاسع، والفرق بعيد، وعندما يرجع الباحث النظر مرة أخرى مقارنا بين الواقع المشهود والموقع الذي رسمه القرآن لها فإنه يجدها لا تتبوأ المقعد الذي حدده القرآن لها.
والدارس لخط سير تاريخ الأمة الإسلامية يجد أن استمرار الأمة الإسلامية على خصائصها التي جعلتها خير أمة أخرجت للناس لم يستمر على وتيرة واحدة، فالخط البياني كان ولا يزال متذبذبا بين هبوط وصعود. وقد أشار الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى هذا التذبذب في خط سير الأمة الإسلامية، فقد سأل حذيفة بن اليمان الرسول (صلى الله عليه وسلم) قائلا: ((يا رسول الله إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يستنون بغير سنتي، ويهتدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم من أجابهم قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وأمامهم. قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض على أصل شجرة، حتى يدركك الموت وأنت على ذلك)) رواه البخاري.
فالأمة الإسلامية كما يشير الحديث يصيبها الشر فتهزل، ثم تعود إلى أصالتها، وقد تكون العودة مشوبة فيها دخن على حد قول الرسول (صلى الله عليه وسلم) : ((وفيه دخن)) وقد يكون الانحراف هائلا، وذلك عندما يتسلط على رقاب هذه الأمة دعاة إلى أبواب جهنم، يدعون الناس إلى مذاهب كافرة، فمن استجاب لهم كان مصيره النار، وبئس القرار.
لقد ألمحنا من قبل إلى أن الرقي العظيم الذي رفع هذه الأمة هو أخذها بالدين الذي أنزله الله تبارك وتعالى، ثم التفافها حول هذا الدين فأصبحت أمة واحدة، فتشكلت من هذه الأمة قوة هائلة لا تغلب.
ويمكن أن نعيد تأخر المسلمين وانحطاطهم إلى قضية واحدة هي الفرقة التي فرقت وحدتها، فجعلتها أمما وشيعا وطوائف وتجمعات.(4/2013)
إن السمة العظيمة التي تعطي الأمة الإسلامية مكانة قوية هائلة هي اجتماعها على أساس من دينها، وهذه حقيقة أثبتها القرآن ونبه إليها وأمر بها، فقد أمرنا القرآن بالوحدة ونهانا عن الاختلاف والتفرق، قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} . (1)
ثم ذكرنا بالحال التي كنا عليها قبل الإسلام. فقد كنا قبائل متفرقة، يقتل بعضها بعضا، ويسبي بعضها بعضا، فجاءنا الله بالإسلام فأصبحنا في ظله إخوة أحبة {وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا} . (2)
ثم نهانا الحق تبارك وتعالى عن مسلك الأمم السابقة وهو التنازع والاختلاف بعد أن جاءتنا البينات {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} . (3)
وقد أخبر جل وعلا أن التنازع والاختلاف يسبب الفشل وذهاب القوة، ذلك أن الوحدة تجعل الأمة قوية متماسكة في وجه الرياح والأعاصير، وعندما توجه هذه القوة مجتمعة نحو أعدائها، فإنها تفتت بأسهم وتقضي على كيدهم، فإذا اختلفت الأمة أصبح بأسها بينها، وهذا هو الفشل، لأنها تدمر نفسها بنفسها، وعند ذلك ينال أعداؤها منها ما يريدون، وقد حذرت النصوص من هذا المصير، وأخبرت أن الفرقة تعني ذهاب القوة وغلبة الأعداء {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} . (4) . وفي صحيح مسلم عن ثوبان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((إن الله زوى لي الأرض فرأيت مشارقها ومغاربها، وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زوي لي منها، وأعطيت الكنزين الأحمر والأبيض، وإني سالت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوي أنفسهم، فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة، وأن لا أسلط عليهم عدوا فيستبيح بيضتهم، ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضا، ويسبي بعضهم بعضا)) .
إن الوعد الإلهي في غاية الوضوح، لقد وعد الله الأمة بالنصر والتأييد والغلبة ما دامت متحدة على كلمة سواء، فإذا تفرقت واختلفت واقتتلت فهناك تكون الهزائم وتسلط الأعداء، وحلول النقم والبلايا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) سورة آل عمران: (103)
(2) سورة آل عمران: (103)
(3) سورة آل عمران: (105)
(4) سورة الأنفال: (46)(4/2014)
أنواع الفرقة
وقد وقعت الأمة الإسلامية في المحذور، فتفرقت وتنازعت واختلفت، وتعددت أشكال الفرقة، ويمكن إرجاعها إلى ثلاثة أنواع:
1- الفرقة العقائدية. 2- والفرقة التشريعية. 3-والفرقة السياسية.
وسنعرض لكل واحدة من هذه الثلاث بقدر ما يسمح به المقام.
أولا: الفرقة في الدين والاعتقاد:
أخطر أنواع الفرقة الفرقة العقائدية؛ لأن الإنسان أسير فكره ومعتقده، وما عمل الإنسان وسلوكه وتصرفاته في واقع الحياة إلا صدى لفكره وعقيدته، ومن هنا كان تبني الفكر المنحرف، وغرس العقائد الضالة في قلوب المسلمين موجبا لاختلاف المسلمين في واقع الأمر.
إن الله أراد لهذه الأمة أن تنضوي على اختلاف أجناسها وألونها ولغاتها تحت اسم واحد وهو الإسلام، ولكن الدعوات الضالة لم تزل تطل برؤوسها عبر التاريخ الإسلامي لتجزئ المسلمون إلى فرق وجماعات تخالف الإسلام مخالفة كلية أو جزئية.
إن بعض الدعوات والانحرافات التي نشأت في المسلمين تنادي بتوجُّه المسلمين إلى عبادة غير الله، واتباع منهج غير منهج الله، فعادت في ديار الإسلام كثير من مظاهر الشرك المتمثلة بعبادة الأولياء والأموات والأشجار والأحجار، فترى بعض الجهلة من المسلمين يدعونها ويستغيثون بها وينذرون لها ويحجون لها، ويخافون منها كخوفهم من رب العباد.
هذه طائفة لها أتباع وأنصار يعدون بعشرات الملايين يزعمون أنهم مسلمون، ومؤسس الجماعة يطالب أتباعه إذا ما وقع الواحد منهم في الكرب أن يناديه هو، لا أن يلجأ إلى الله، يقول من قصيدة له:
إذا كنت في هم وغم وكربة فنادني أيا مرغني أنجيك من كل كربة
وهذا البوصيري يمدح الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، فيأتي بقصيدة مدهشة، ولكنه أذهب جمالها وبهاءها وطمس ضياءها بما قذرها به من شرك وبغلوه في الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، ودعائه له من دون الله. وفي ذلك يقول:(4/2015)
يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عندك حلول الحادث العمم
ولن يضيق رسول الله جاهك بي إذا الكريم تجلي باسم منتقم
فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم
إن البلاء الأعظم الذي أصاب البشر كما يعلمنا القرآن –هو اختلافهم في الدين، وذلك باتخاذهم من دون الله أندادا، وعدم استقامتهم على دين الله ومنهجه، وفي ذلك يقول رب العزة: {وَإِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ (52) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} . (1)
ويقول في موضع آخر: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ (92) وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ} . (2) وقد فسر ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعبد الرحمن بن أسلم الأمة الواحدة التي وردت في النصين السابقين بالدين الواحد. (3)
والتقطع الذي أشارت إليه الآيتان هو التفرق والاختلاف وعبادة غير الله واتباع غير منهجه، وقد لا يصل الأمر إلى عبادة غير الله، ولا إلى الخروج عن دين الله خروجا تاما، ولكن الأمة تختلف في الأصول، وكل هذا يفرق الأمة، وقد أخبرنا الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن هذا البلاء قد أصاب الأمم من قبلنا، وأنه سيصيب هذه الأمة كما أصاب غيرها من قبلها.
ففي سنن أبي داود ومسند أحمد بإسناد صحيح عن معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- قال: قام فينا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) فقال: ((ألا إن من كان قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على اثنتين وسبعين ملة، وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين، اثنتان وسبعون في النار، وواحدة في الجنة وهي الجماعة)) . زاد في رواية: ((وإنه سيخرج في أمتي أقوام تتجارى بهم الأهواء، كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقي منه عرق ولا مفصل إلا دخله)) (التجاري: الوقوع في الأهواء الفاسدة. والتداعي فيها تشبهها بجري الفرس, والكلب: داء معروف يعرض للكلب إذا عض حيوانا عرض له أعراض رديئة فاسدة قاتلة، فإذا تجارى بالإنسان وتمادى هلك) .
__________
(1) سورة المؤمنون: (52، 53)
(2) سورة الأنبياء: (92، 93)
(3) تفسير ابن كثير: 4/ 590.(4/2016)
وفي سنن أبي داود وسنن الترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((تفرقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة، أو اثنتين وسبعين فرقة، والنصارى مثل ذلك، وستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة)) .
لقد انقسمت الأمة إلى خوارج ومعتزلة وشيعة وأشاعرة وكلابية وماتريدية ومرجئة وقدرية، واختلفت هذه الفرق في الإيمان وحدوده، كما اختلفت في صفات الله وقدر الله، ونشأ عن ذلك كله اختلافات في واقع الأمر. وقد تبنت كثير من هذه الفرق مناهج مضادة للمنهج الإسلامي، ومن ذلك تبني المنهج الفلسفي الكلامي في إرساء العقيدة والإيمان. وهذا المنهج مزاحم للمنهج الإيماني القرآني القائم على الوحي، وعمدة المنهج الفلسفي الكلامي نظريات عقلية، وأصول فلسفية، ومصطلحات منطقية، وهذا المنهج يختلف من المنهج الإيماني القرآني في طريقة الاستدلال وفي المقصد والهدف.
فالاستدلال القرآني الإيماني أساسه الوحي والإيمان بالرسالة، ومن علوم الوحي نعرف ربنا، وقد أرشدنا القرآن إلى الدلائل العقلية، ووجه أنظارنا إلى التفكير في الكون، وهذه الدلائل دلائل فطرية قريبة المأخذ مأمونة العاقبة، والغاية التي يدعو المنهج القرآني إليها هي عبادة الله وحده لا شريك له، وعبادته متضمنة لمعرفته وتوحيده.
أما عمدة المنهج الكلامي الفسلفي فهو تلك النظريات والأقيسة العقلية التي جعلوها أصولا للعقائد والتشريعات, وهذه الأدلة فيها حق وباطل, وهي سبيل وعر لا يسهل الارتقاء إليه, وقد ينقطع السالك قبل الوصول إلى مراده.
وقد اقتضت الأقيسة الباطلة رد كثير من الحق الذي في الكتاب والسنة فردوا كثيرا من الأسماء والصفات بهذه الأقيسة الباطلة.
والغاية التي كانوا يريدونها من وراء بحوثهم هي المعرفة الباردة، وهذا لا يكفي، فدعوة الرسل عبادة الله وحده.
وهذا يفسر لنا ذلك البرود الذي نجده لدى العلماء الذين يتخرجون من كثير من الجامعات الإسلامية اليوم.
ومن المناهج المخالفة للمنهج الإسلامي المنهج الصوفي الذي يفرق في التعبد ويستحدث أنماطا من العبادات لم يشرعها الله تبارك وتعالى.(4/2017)
وقد نهى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن هذا المنهج، ففي سنن أبي داود عن أنس بن مالك أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((لا تشددوا على أنفسكم فيشدد الله عليكم، فإن قوما شددوا على أنفسهم، فشدد الله عليهم، فتلك بقاياهم في الصوامع والديار، رهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم)) .
وقد قوم الرسول (صلى الله عليه وسلم) توجه كثيرا من أصحابه الذين أرادوا قيام الليل كله، وصيام الدهر أبدا، أو أرادوا الانقطاع إلى العبادة واعتزال النساء، أو تحريم اللحم، وبين لهم أن ذلك كله مخالف لسنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، وأن من رغب عن سنته فليس منه.
وجاءت الطامة الكبرى في العصر الحديث حيث قامت في ديار المسلمين دعوات أخذت تنادي بالكفر الصراح. ونبذ الإسلام والانضواء تحت رايات تعلن الحرب على الإسلام، ومن هذه الدعوات تلك التي تنادي بالعلمانية والشيوعية والبعثية. والدعوات التي تنادي بالاعتزاز بالحضارات الكافرة البائدة كالفرعونية والآشورية والبابلية، وقامت دعوات تضع مبادئ ضالة على أساس القومية والوطنية، وتحت ستار هاتين الدعوتين توضع منهاج مخالفة للإسلام تدعو الناس إلى تجمعات ضيقة تضاد الإسلام وتحاده.
وقام في أيامنا فريق ينادي بتقليد العالم الغربي، والسير في الطريق الذي سار فيه، غير مفرقين بين ما يحسن أخذه، وبين ما لا يجوز أخذه، فهم يرون أننا لن ننهض حتى ننبذ ديننا، ونسير في مسار العالم الغربي ولو اقتضى الأمر أن ننسلخ من جلودنا ونلبس جلودهم، وما هذا الانبهار بالحضارة الغربية إلا ثمرة لجهل الأمة بدينها ومركزها، وهذا جعلها تنظر إلى الأمم التي غلبتها نظرة فيها كثير من التعظيم والتبجيل، وأخذت تقلد الأمم الغالبة في عوائدها، وتلك سنة من سنن الله في خلقه عقد لها ابن خلدون في مقدمته فصلا فقال: (فصل: المغلوب مولع بتقليد الغالب) .
وفي الحديث في صحيحي البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((لتتبعن سنن من كان قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع، حتى ولو دخلوا جحر ضب لتبعتموهم، قلنا: يا رسول الله، اليهود والنصارى؟ قال: فمن؟.)) .
وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((لا تقوم الساعة حتى تأخذ أمتي مأخذ القرون من قبلها شبرا بشبر وذراعا بذراع. قيل له: يا رسول الله كفارس والروم، قال: من الناس إلا أولئك؟))(4/2018)
وقد تسلم الذين صبغوا بالثقافة الغربية مراكز التوجيه في ديار الإسلام، وصبغوا الحياة فيها بالصبغة الغربية، وتأثر بهم الناشئة كثيرا.
ثانيا: الفرقة التشريعية:
لا نعني بالفرقة هنا الاختلاف الذي وقع بين السلف في فقه النصوص بسبب تفاوت العلماء في الفهم والإدراك، كما لا نعني به الاختلاف الناشئ عن عدم وجود نص، فهذا النوع من الاختلاف لا يسبب فجوة بين المسلمين، وقد وقع هذا النوع من الاختلاف بين الصحابة في حياة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ولم ينكره المصطفى على أصحابه، فإنه اختلاف طبيعي، تأبي طبيعة البشر أن لا يختلف فيه.
والاختلاف المذموم هو الخلاف الناشئ عن الإعراض عن نصوص الكتاب والسنة تقليدا لآراء الرجال، أو الإعراض عن النصوص اتباعا للهوى.
وقد نشأت في المسلمين دعوات كثيرة تهدف –بقصد أو بغير قصد- إلى زحزحة نصوص الكتاب والسنة عن مرتبة الصدارة، ورد الأمر إلى عقول الرجال والقواعد التي أفرزتها تلك العقول.
وقام في المسلمين من يدعي أن أكثر نصوص الكتاب والسنة لا تصلح للاستدلال لأنها ظواهر وعموميات لا تفيد اليقين، وأخذ هؤلاء ينادون بالرجوع إلى القواعد العقلية لأنها وحدها التي تفيد اليقين.
وقام في المسلمين من نادي بالاقتصار على القرآن وحده ونبذ السنة النبوية، وسمي هؤلاء أنفسهم –زورا وبهتانا- بالقرآنيين. وكذبوا فلو كانوا قرآنيين لأخذوا بالسنة التي يلزمها القرآن بالأخذ بها، وبعض الفرق الضالة رفضت السنة رفضا كليا، وجوز أصحاب هذا المذهب على رسول الله (صلى الله عليه وسلم) الخطأ في غير القرآن، ومعني ذلك أن كلامه ليس بحجة، وقد خالف الخوارج والمعتزلة أهل السنة في كثير مما أجمعوا عليه، ولذلك جوزت الخوارج الجمع بين المرأة وعمتها وخالتها، وذهبوا إلى أن الحكم الواجب في حق الزاني هو جلد مائة جلدة، لا يفرقون بين المحصن وغير المحصن مستدلين بالقرآن ورادِّين للحديث.
وذهب المعتزلة إلى رد أحاديث الآحاد مطلقا، فهم يقبلون المتواتر دون الآحاد، وإن كان في أصح كتب الحديث، زاعمين أن الآحاد ظني الثبوت والدين لا يقوم على الظن. وذهب آخرون إلى أن المفروض هو أحاديث الآحاد في العقيدة وقد زعموا أن أحاديث الآحاد ظنية والعقيدة لا تقوم على الظن.(4/2019)
وأعاد بعض المغرضين في هذا العصر القضية جذعة، فطعنوا في سنة الرسول (صلى الله عليه وسلم) ورواتها، وأقاموا عقولهم حكما فيما يأخذون ويدعون من سنة رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
وفريق آخر بما ليس بحجة في الدين، ومن هؤلاء الذين يعتمدون في إثبات العقائد والأحكام على الأحاديث الضعيفة والموضوعة، وبذلك يقررون عقائد وأحكاما ليست من الدين وينسبون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يقله وقد حذرنا رسولنا من مثل هذا أشد التحذير، ففي الحديث الصحيح: ((من حدث عني بحديث يرى أنه كذب، فهو أحد الكاذبين)) (1) وتوعد الرسول (صلى الله عليه وسلم) الكاذب عليه بالنار؛ فقد صح عنه (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: ((من كذب على متعمدا فليتبوأ مقعده من النار)) .
ومن الفرقة التشريعية الافتراق بسبب التقليد، فكثير من المقلدة يرفضون الأخذ بنصوص الكتاب والسنة التي تخالف قول الإمام الذي يقلدونه بدعوى أن إمام المذهب أعلم منهم بالنصوص، وقد بلغ الأمر ببعض المقلدين إلى القول بأن كل نص يخالف المذهب فإنه إما منسوخ أو مؤول.
وقد أنشأت العصبية المذهبية فرقة بين الأمة فانقسمت الأمة إلى مذاهب، كل فريق يناصر مذهبه، ويغلو في تقديس إمام المذهب، ويغض من المذاهب الأخرى وأئمتها وفقهها، ونشأ من هذا الخلاف مناظرات وصراعات وقتال في بعض الأحيان.
وكان الواجب أن يبقى الخلاف في دائرة فقه النص، وأن يكون رائد الجميع الوصول إلى الحق من خلال النظر في النصوص، وأن يكون فقه العلماء السابقين ثروة تساعدنا على الوصول إلى هذا الهدف.
وقد رأينا بعض التجمعات الحديثة في هذا العصر يلزم أصحابها أتباعهم بما تتبناه الجماعة.
وفيما تبنته تلك الجماعة أمور مخالفة للكتاب والسنة، فإذا استمسك أحد أتباعها بما علمه من نصوص الكتاب والسنة المخالفة لرأي تلك الجماعة طردته الجماعة من صفوفها.
وقد زاد بلاء الفرقة التشريعية في هذا العصر، عندما أقصيت الشريعة الإسلامية عن الحكم في ديار الإسلام، واستبدلت بها القوانين الوضعية، وحكم المسلمون في رقابهم حكم الطاغوت، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
__________
(1) الكاذبان: منشئ الكذب وناقله.(4/2020)
ثالثا: الفرقة السياسية:
الأمة الإسلامية أمة واحدة، يجمعها إطار سياسي واحد، ويحكمها حاكم واحد، هكذا علمنا الإسلام.
وافترقت الأمة الإسلامية في نهاية حكم الخلفاء الراشدين، ولكنها استردت وحدتها، وأول فرقة سياسية وقعت واستمرت كانت بعد انهيار الدولة الأموية، حيث حكم العباسيون في الشرق، وحكم الأمويون في الأندلس، ولكن لا تمض بضع مئات من السنين حتى تفرقت كلتا الدولتين إلى دول كثيرة، وقام على كل دولة حاكم وزعيم، إلا أن الخليفة بقي في عاصمة الخلافة رمزا للكيان السياسي الذي يحكم الأمة الإسلامية، ولكنه لم يكن يملك من الأمر الكثير، وكان يحكم باسمه في كثير من الأحيان، بل كان يعزل ويولي غيره بإراده الذين لا يريدون بالأمة خيرا.
ثم إن الرمز الذي كان يلوح في عاصمة الخلافة زال وتلاشى، غير أن الاسم الذي يمثل الكيان السياسي للمسلمين استمر، ولم يُقْضَ عليه إلا منذ عهد قريب عندما اجتمعت على تركيا المسلمة جيوش الأعداء ومكر المنافقين، ولم يرضوا منها إلا أن تتنازل عن الشريعة التي كانت تحكم بقاياها تلك الدول، واشترطوا عليها إلغاء الخلافة الإسلامية، ومنصب شيخ الإسلام، وما تركوها حتى غيروا الحروف العربية إلى الحروف اللاتينية. ووضعوا القبعة فوق رؤوسهم بدل العمامة، وسلخوا الولايات الإسلامية التي كانت تابعة لدولة الخلافة، وتجزأ العالم الإسلامي إلى دول كثيرة ضعيفة هزيلة، ونالت هذه الدول استقلالها ولكنها لم تنهض من كبوتها، ولم تملك زمام الأمور في بلادها. وهذه الطريقة التي سلكها أعداؤنا معنا طريقة قديمة معروفة، استخدمها المستعمرون منذ ألوف السنين، فقد ذكر ابن كثير في (البداية والنهاية) أن الإسكندر المقدوني اليوناني عندما غلب على ملك الفرس (دارا بن دارا) وأذل مملكته وخرب بلاده، واستباح بيضة قومه، ونهب حواصله، وفرق شمل الفرس شذر مذره، وضع خطة تبقي الفرس ضعفاء لا تقوم لهم قائمة، كي يبقي له السيطرة عليهم ويأمن من انتفاضتهم عليه ومحاربتهم له، يقول ابن كثير موضحا ما فعله هذا الرجل الداهية بالفرس: (عزم أن لا يجتمع لهم بعد ذلك شمل، ولا يلتئم لهم أمر، فجعل يقر كل ملك على طائفة من الناس في إقليم الأرض ما بين عربها وعجمها، فاستمر كل ملك منهم يحمي حوزته، ويحفظ حصته، ويستغل محلته، فإذا هلك قام ولده من بعده، أو أحد قومه، فاستمر الأمر كذلك قريبا من خمسمائة سنة، حتى كان أزدشير بن بابك من بني ساسان بن بهمن، فأعاد ملكهم إلى ما كان عليه، ورجعت الممالك برمتها إليه، وأزال ممالك الطوائف، ولم يبق منهم تالد ولا طارف....) (1)
__________
(1) البداية والنهاية 2/ 183.(4/2021)
قارن بين ما فعله الإسكندر في الماضي البعيد بما فعله الكفار بدولتنا الإسلامية تجد التخطيط واحدا والنتائج واحدة، بل إن الحال معنا أشد وأقسي، فإننا لم نعط الاستقلال إلا بعد أن أخذت علينا العهود والمواثيق بأن لا نعود إلى تحكيم الشريعة الإسلامية، ولا نقيم الكيان السياسي الإسلامي، كتب اللورد كرومر في الفصل الأخير من كتابه (مصر الحديثة) الصادر في سنة 1908م (إن انجلترا كانت مستعدة لتمنح الحرية السياسية النهائية لكل ممتلكاتها المستعمرة حالما يكون جيل من المفكرين والسياسيين المشحونين بمثل الثقافة الإنجليزية عن طريق التربية الإنجليزية مستعدا للاضطلاع بالأمور، ولكن الحكومة الإنجليزية لن تسمح بحال من الأحوال بقيام دولة إسلامية مستقلة، ولو للحظة واحدة) .
أثر إثارة النعرات والعصبيات
في الفرقة السياسية
ولا يفوتني –قبل أن أنهي الحديث عن الفرقة والاختلاف- أن أتعرض إلى مرض خطير كان ولا يزال يعمل على تفتيت وحدة المسلمين السياسية، ألا وهو العصبيات التي تثور بين الفينة والفينة في المجتمعات الإسلامية.
إن الإسلام جعل الرابطة التي تجمع المسلمين وتوحدهم هي الإسلام. وقد قامت دولة الإسلام على أساس الجامعة الإسلامية، وانصهرت في بوتقة هذه الجامعة العصبية للجنس واللون والوطن والنسب، وأصبح التنادي بين المسلمين للتجمع على أساس غير أساس الرابطة الإسلامية يعد دعوة جاهلية مقيتة، فقد قال الرسول (صلى الله عليه وسلم) لأبي ذر عندما عير رجلا بسواد أمه: ((إنك امرؤ فيك جاهلية)) وقد حذر الرسول (صلى الله عليه وسلم) من هذه العصبيات المقيتة، ففي حديث جندب بن عبد الله قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((من قتل تحت راية عمية يدعو لعصبية، أو ينصر عصبية فقتله جاهلية)) . أخرجه مسلم والنسائي.
وفي سنن أبي داود عن جبير بن مطعم -رضي الله عنه- أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((ليس منا من دعا إلى عصبية، وليس منا من قاتل على عصبية، وليس منا من مات على عصبية)) .
وعندما اختلف رجلان من المهاجرين والأنصار فتناديا يا للمهاجرين، يا للأنصار، وهب كل فريق لنصرة صاحبه، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((ما هذا؟ أدعوى أهل الجاهلية؟)) رواه مسلم في صحيحه. وفي رواية أخري عند مسلم: ((دعوها فإنها منتنة)) .(4/2022)
إن الإسلام لا يلغي الانتماءات للأوطان والقبائل والشعوب، ولكنه لا يسمح أن تجعل لغير ما أراد الله له، إن حكمة الله اقتضت تقسيم البشر إلى شعوب وقبائل للتعارف لا للتفاضل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . (1)
إن الآصرة التي تجمع المسلمين هي الإسلام، وفي ظل هذه الآصرة تتجمع القبائل والشعوب، وسعي المرء في شأن قومه وأهله من الفضائل التي يحمد الإسلام أصحابها، ولكن الإسلام لا يرضي أن ينصر المرء قومه أو بني عشيرته/ أو الذين يشاركونه في اللون محقين أو ظالمين، إن الإسلام قبل مقولة أهل الجاهلية (انصر أخاك ظالما أو مظلوما) ولكنه رفض التفسير الجاهلي لهذه المقولة، وأعطى تفسيرا مضادا لتفسير الجاهلية، ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((لينصر الرجل أخاه ظالما أو مظلوما، إن كان ظالما فلينهه، فإن له نصر وإن كان مظلوما فلينصره)) .
إن نصرة المرء قومه عصبية لهم جريمة كبرى في المجتمع الإسلامي، في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : ((من نصر قومه على غير حق، فهو كالبعير الذي ردي في مهواة، فهو ينزع بذنبه)) والمهواة: الحفرة من الأرض، وكل مهلكة مهواة، والتردي الوقوع من علو.
وقد ثارت العصبيات في القرن الأخير، وحطمت الرابطة الإسلامية والدولة الإسلامية، فدعا الأتراك إلى التركية، والأكراد تنادوا إلى الكردية، وفعل مثل ذلك البربر والعرب، ثم جاءت الدعوة إلى الأوطان، فكل قوم يعيشون على بقعة من الأرض أقاموا عصبية منتمية إلى تلك البقعة، وقامت دعوات تدعو إلى الاعتزاز بالفرعونية والآشورية والفارسية، وقطع الترك كثيرا من الحبال التي كانت تربطهم بالإسلام، وأصبح العالم الإسلامي على الصورة الكئيبة التي نراها عليه اليوم.
__________
(1) الحجرات: (13)(4/2023)
طريق الارتقاء بالأمة الإسلامية
إذا كانت الفرقة هي طريق الانحطاط، فإن الوحدة هي سبيل الارتقاء وتبوء المكانة الفاضلة من جديد.
والوحدة الإسلامية على أساس من الإسلام أمل القلوب المسلمة الصادقة في كل مكان، ذلك أن الإسلام، يغذي أتباعه دائما وأبدا بأنهم إخوة في دين الله {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} . (1) ، ويجعل الأمة الإسلامية أمة مترابطة ترابط الجسد الواحد، ففي صحيح مسلم عن النعمان بن بشير عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى)) وفي رواية أخرى عند مسلم: ((المسلمون كرجل واحد، إن اشتكى عينه، اشتكى كله، وإن اشتكى رأسه، اشتكى كله)) .
وشبههم في حديث آخر بالبنيان المرصوص، ففي صحيح مسلم عن أبي موسي عن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا)) . فالأحاديث تصور المجتمع الإسلامي بالجسد الواحد الذي يخفق فيه قلب واحد، وتسري فيه روح واحدة، ويتأثر كل عضو فيه بما يصيب بقية الأعضاء، أو هو كالجدار الذي تجتمع لبناته لتشكل فيما بينها واحدة متماسكة متراصة.
أصول الوحدة الإسلامية:
ونحن إذ ننادي بالوحدة الإسلامية لا نريدها وحدة على غير أصول، لا نريدها وحدة تجمع شتاتا مختلفا متناقضا، إنما نريدها وحدة صادقة تقوم على أصول قوية ثابتة، ويلخص هذه الأصول قوله تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا} . (2)
وسنحاول أن نبرز أهم الأصول التي تقوم عليها وحدة الأمة.
الأصل الأول: الانتماء للإسلام دون سواه:
العالم اليوم بحر محيط يموج بالدعوات والأفكار، وتقوم هذه الدعوات على مناهج ونظريات أتعب أصحابها أنفسهم في تزيينها وتزويقها، ويجب أن يجهد دعاة الإسلام أنفسهم في الدعوة إلى نبذ جميع المذاهب والمبادئ التي غزت ديار المسلمين وعقولهم وعلي الدعاة أن يحصنوا المسلمين ضد هذه السموم التي تبثها مختلف وسائل الإعلام صباح مساء.
__________
(1) الحجرات (10)
(2) آل عمران: (103)(4/2024)
لقد فقد كثير من أبناء المسلمين اليوم هويتهم، ومسخت شخصيتهم بفعل التضليل المستمر الذي يمارسه شياطين الجن والإنس بمختلف الوسائل، وسبيلنا للوحدة الصادقة هو الدعوة إلى الالتزام بالإسلام عقيدة وشريعة ومنهج حياة، والاعتزاز بالانتساب إلى هذا الدين، ونبذ كل ما يخالفه ويضاده، وهذا النهج هو نهج أبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام، الذي حرص على إقراره في بنيه وذريته، وهو المنهج الحق الذي أمرنا الله بالتزامه، وحكم على من أعرض عنه بالسفه والضلال، وفي ذلك يقول الحق تبارك وتعالي: {وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآَخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (130) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (131) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (132) أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آَبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} . (1)
هذه هي ملة إبراهيم، وهي توحيد الخالق جل وعلا بعبادته وحده لا شريك له، وإقامة الحياة وفق منهج الله، والاعتزاز بهذا المنهج وإقراره في واقع الحياة، ورفض المبادئ المنحرفة الضالة التي اخترعها البشر وجعلوها أديانا يقيمون حياتهم وفقها، ويعتزون بالانتماء إليها.
إن الإسلام منهج حياة، والعبودية لله معلم كبير في حياة المسلم، والمسلمون وفق هذا المنهج والفهم يشكلون أمة واحدة في مقابلة التجمعات البشرية.
والمسلم الصادق يعتز بالانتساب إلى الإسلام {وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} . (2) فقد نص على أن أفضل الناس هم الذين يعلنون انتسابهم إلى الإسلام.
وكثير من المسلمين اليوم فقدوا انتماءهم، فأخذوا يبحثون عن عقائد ومذاهب وأقوام ينتسبون إليها، وآن لنا أن نرفع الراية التي كان أسلافنا ينتسبون إليها، ألا وهي الإسلام، لا راية الأوطان، أو الأقوام أو الأحزاب أو التجمعات الضالة.
التوحيد والانتساب إلى الإسلام ملة إبراهيم، وقد أمر الله رسوله باتباع ملة إبراهيم: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ} . (3) . ونحن أولى الناس بإبراهيم بعد أتباعه {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} (4)
__________
(1) البقرة: (130-133)
(2) فصلت: (33)
(3) النحل: (123)
(4) آل عمران: (68)(4/2025)
الأصل الثاني: توحيد مصدر الهداية:
والأصل الثاني توحيد مصدر الهداية، وهذا لازم للأصل الأول، فما دمنا قد آمنا بأن هذا الدين من عند الله، أنزله لهداية البشر للتي هي أقوم، فيجب أن نحل هذا الدين في المرتبة التي يستحقها في هذا المجال.
إن جميع الدعوات والمذاهب والأديان التي يموج بها عالم اليوم يدعى أصحابها أنهم يملكون إكسير السعادة، وهداية البشر للتي هي أقوم، ونحن نقول كما علمنا الله أن نقول: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} . (1)
إن مصدر الهداية الوحيد كتاب الله وسنة رسوله، واتباع أهل الكتاب، وأصحاب الدعوات الباطلة يقود إلى الردة والكفر: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقًا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ (100) وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آَيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} . (2) ومتي فقهنا هذه الحقيقة التي قررها قوله تعالى: {إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللَّهِ} . (3) وفرنا على أنفسنا جهودا كثيرة في تلمس الهداية في الكتب السماوية المحرفة، وفي نظريات البشر وأفكارهم المتضاربة المتعارضة، وسرنا في الطريق المرسوم، ندعو البشر إلى طريقنا، ونحاكم أفكارهم وعقائدهم ومبادئهم إلى موازين الإسلام، وإذا ما جاؤوا يعرضون بضاعتهم علينا رفضناها، لأننا نعلم أن في بضاعتهم دخنا، وهم لا يرضون عنا حتى ننسلخ من ديننا ونأخذ دينهم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ} . (4) وقد وقف الرسول (صلى الله عليه وسلم) في وجه تلمس الهداية من الأديان المحرفة بقوة، وشدد التنكير على من ذهب هذا المذهب، ففي مسند أحمد عن عبد الله بن جابر قال: ((جاء عمر إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: يا رسول الله، إني مررت بأخ لي يهودي من بني قريظة فكتب لي جوامع من التوراة ألا أعرضها عليك؟ قال: فتغير وجه رسول الله (صلى الله عليه وسلم) .
قال عبد الله بن ثابت: قلت له: ألا ترى وجه رسول الله؟ فقال عمر: رضيت بالله ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا.
قال: فسري عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وقال: والذي نفسي بيده لو أصبح فيكم موسى عليه السلام ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم، إنكم حظي من الأمم، وأنا حظكم من النبيين)) .
__________
(1) آل عمران: (73)
(2) آل عمران: (100-101)
(3) آل عمران: (73)
(4) البقرة: (120)(4/2026)
ولذلك فإننا ننظر –اليوم- بكثير من الريبة والحذر إلى ما يسمي بمؤتمرات التقريب بين الأديان والتي تعقد في شتى أنحاء العالم ويحضرها علماء مسلمون وغير مسلمين يبحثون في الالتقاء والتقارب بين الإسلام والنصرانية، ويبحثون في إزالة سوء التفاهم بينهما. إننا نرفض هذه المؤتمرات، لأنها تضع الإسلام الدين الحق والنصرانية الدين المحرف الباطل في مرتبة سواء، ونرفضها لأن الإسلام جاء مهيمنا على النصرانية وغيرها من الأديان، وليس هناك مجال للتقريب بين دين محرف مغير مبدل والدين الحق.
إننا نقف في مجامع النصارى لا لنقرب بين دينهم الباطل وديننا، وإنما لنقول لهم: دعوا هذا الدين، ودعوا الشرك بالله والكفر به، وتعالوا إلى الدين الذي بشر به موسى وعيسى، دين الله الخاتم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
إننا نعد قبول العلماء المسلمين بحضور هذه المؤتمرات انحرافا يضر بهم وبدينهم وعقيدتهم، ولا ينفع إلا الذين قالوا اتخذ الرحمن ولدا، لأنهم بذلك يجرجروننا إلى باطلهم، ويوقعوننا في شباكهم.
ففي شهر أبريل سنة 1974 عقد مؤتمرا من هذا النوع في باريس التقي فيه علماء مسلمون ورجال فكر أوربيون للبحث في التقارب بين الإسلام والمسيحية، وزار الوفد الإسلامي الفاتيكان وألقي هناك محاضرتين، وقد مهد لهذا المؤتمر منذ عام 1972، وقد وصفت الصحف هذا المؤتمر بأنه مهم.
وفي شهر سبتمبر من العام نفسه 1974 انعقد المؤتمر الإسلامي المسيحي في مدينة (قرطبة) وقد كانت مهمة المؤتمر تقريب وجهات النظر بين العالمين المسيحي والإسلام، ودراسة تزايد موجة السعي من أجل إزالة الخلافات وسوء الفهم الذي قد يكون قائما بين الدينين بالنسبة للمعنيين بالأمر والرأي العام.
وفي شهر نوفمبر من ذلك العام كان المؤتمر المسيحي الثالث في مدينة (تونس) .
وقد عقد مؤتمر إسلامي في مدينة لاهور في باكستان في ذلك العام في شهر فبراير 1974 ومع كونه إسلاميا في الظاهر إلا أنه قد حضره ممثلون من نصارى لبنان، وقد أشاد المؤتمر بالتعاون الإسلامي المسيحي.(4/2027)
وهذه المؤتمرات لم تكن الأولى ولا الأخيرة فقد عقد قبلها مؤتمرات وبعدها مؤتمرات على النمط نفسه.
وقد تحدث عن شيء من بلايا هذه المؤتمرات الكاتب العلامة الباحث الدكتور محمد محمد حسين في كتابه (حصوننا مهددة من داخلها) ص (321) عندما كشف عن زيف ودجل المؤتمر الإسلامي المسيحي الذي دعت إليه جامعة برنستون ومكتبة الكونغرس الأمريكي في صيف عام 1953 ونشرت قسما من بحوثه مؤسسة فرانكلين الأمريكية كما كشف الدكتور الأهداف الخبيثة لذلك المؤتمر.
إن الذين يؤمون تلك المؤتمرات لا يدركون الدسيسة والمكيدة التي أوقعهم أعداؤهم فيها، وآخرون يعلمون ذلك ولكنهم يريدون بالإسلام والمسلمين شرا، وعندما يوجه إليهم اللوم لا تكون إجابتهم إلا كإجابة إخوانهم من قبل: {إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} . (1) ، وذلك بالتقارب بين الإسلام والمبادئ البشرية، وقد فضح القرآن هذا الصنف من الناس، وبين هؤلاء أتباع الطواغيت همهم إفساد البلاد والعباد وصد الناس عن دين الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا (60) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا (61) فَكَيْفَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلَّا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا (62) أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا} . (2)
إننا نعلن لبني قومنا أن الهداية من الضلال لن تكون في غير الكتاب والسنة، وهذا ليس تقولا من أنفسنا، ولكنه صريح كلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) ، ففي الموطأ عن أنس بن مالك وفي المستدرك للحاكم عن ابن عباس أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) قال: ((تركت فيكم أمرين لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما كتاب الله، وسنة رسوله)) .
__________
(1) النساء: (62)
(2) النساء: (60-63)(4/2028)
الأولى: لا يجوز طلب الهداية من الأديان المحرفة والمذاهب الباطلة وقد أسلفنا القول في هذا الموضوع.
الثانية: وهذا لا يعني أنه لا يجب علينا دراسة هذه المذاهب والأديان لبيان عوارها والرد عليها، ويدلنا على صحة هذا مناقشة القرآن لأهل هذه المذاهب والأديان، وقد ألف علماؤنا مؤلفات كثيرة في هذا المجال.
الثالثة: أن العلوم الدنيوية في المجالات المختلفة كالطب والهندسة يجب علينا دراستها والاستفادة من جهود البشر فيها، ولا تدخل دراستها في المحذور.
الأصل الثالث: وحدة العقيدة:
لا يمكن أن تقوم وحدة المسلمين ما لم تجمعهم عقيدة واحدة، والعقيدة تشكل في البناء الفردي والاجتماعي القاعدة التي تقوم عليها الأعمال والعلاقات والأخلاق، فإذا كانت العقيدة مشوهة أو مزورة فإن البناء لا يستقيم، ولا يكاد البناء يواجه الأعاصير والفتن حتى ينهار، بل إن البناء قد لا يقوم من أساسه، وقد شهد عالمنا العربي والإسلامي مزيدا من الفرقة والانقسام، والعقائد الموروثة والحادثة كثيرة، وقد انتشرت في الأمة الإسلامية انتشارا كبيرا، وانقسمت الأمة بناء على ذلك في التقديم والحديث إلى فرق وجماعات، وقام بينها العداء والخصام والحروب.
قد يقال: من أين تأتي العقيدة الإسلامية التي تصلح للم شتات المسلمين؟
الجواب: أن العقيدة الإسلامية الصافية منصوص عليها في الكتاب والسنة، ويمكن التدليل على كل أصل من أصولها، أو جزئية من جزئياتها، ثم إن السلف الصالح الذين استقاموا على عقيدة الإسلام الحق دونوا هذه العقيدة تدوينا يميزها عن عقائد أهل الفرق والضلال، ومن هؤلاء العلامة الطحاوي دون عقيدة عرفت باسمه، شرحها محمد بن محمد بن محمد بن أبي العز الحنفي، ولم يقف الأمر عند هذا، فقد دون العقيدة الصحيحة كثير من العلماء من قبله وبعده، منهم الإمام أحمد وابن تيمية، والشوكاني، والإسفرائني وغيرهم.
وأحب أن أنبه إلى أن هذه العقائد قواعد تعصم من الخطأ في مجال الاعتقاد وهناك لون آخر من العقيدة، يبعث العباد إلى العمل بما جاءهم من عند الله، مخلصين دينهم لله، وهذا اللون هو الذي يجعل المسلم قوة حية متحركة عاملة، وهذا اللون من العقيدة حتى يعطي ثماره لا بد من دراسته من خلال النصوص.(4/2029)
الأصل الرابع: جعل الكتاب والسنة محور الدراسة ومصدر التشريع:
لا بد أن تعود المكانة الكبيرة للكتاب والسنة، فقد كانا محور الدراسة والتعليم والتشريع، ولا يجوز استبدالها بآراء الرجال، ولا يجوز إلغاؤهما بحجة أن الفقه الذي دونه الأئمة يكفى في هذا الجانب.
ليس معني ذلك أننا نلغي فقه الأئمة فذلك وهم، بل نري أن فقه الأئمة هو محاولة دائبة لفقه الكتاب والسنة، فنحن ندرس الكتاب والسنة، وندرس كيف فَقِهَ علماؤنا النصوص، واستنبطوا منها الأحكام، أما الفقه المجرد الذي لا يصطبغ بالكتاب والسنة، فإنه يبعدنا عن النبع الأصيل. ولا يجوز إقصاء الكتاب والسنة عن دائرة الدراسة والفقه، بحجة أن ذلك مهمة المجتهد وحده، ولا شك أن هذا مزلق خطر، فإن الذي يدرس الكتاب والسنة لن يكون عالما بهما، ولكن ليس كل من درس آيات وبضع أحاديث أصبح عالما يحق له الإفتاء.
إن مثل العالم وطالب العلم مثل الطبيب ودارس الطب، فطالب الطب يعطي العلم الذي يؤهله لعلاج الناس وإجراء العمليات الجراحية لهم ولكنه لا يؤذن له في العلاج وإجراء العمليات في السنة الأولى التي يدرس فيها الطب، غير أنه يترقى في ذلك حتى يحصل قدرا صالحا من العلوم الطبية، ثم يتدرب على أيدي المتخصصين من الأطباء الكبار، ثم يمارس مهنة الطب، وقد يواصل دراسته وتنمو خبرته بعد ذلك حتى يستقل في بعض القضايا وتصبح له نظرة اجتهادية يستقل بها عن غيره، ولو منعنا طلاب الطب بعد تخرجهم عن العلاج والممارسة لما كان هناك أطباء كبار.
وعالم الشريعة عليه أن يدرس الشريعة من مصادرها، وأن يتفقه في هذا الدين، ويدرس العلوم الخادمة لعلم الشريعة ومن ذلك علم اللغة العربية، ثم لا يزال يترقى في هذا المجال حتى يبلغ مبلغ العلماء المؤهلين. وهذا الطريق ليس بالطريق الصعب المستحيل، ولذلك لا يجوز صد الناس عن السير في طريق العلم الشرعي، كما لا يجوز لمن كان في البدايات أن يُنَصِّبَ نفسه عالما ومفتيا.(4/2030)
الفصل الخامس: إقامة دولة الإسلام وإرجاع الخلافة الراشدة:
لا يمكن أن تنتهي فرقة المسلمين السياسية إلا بإقامة دولة إسلامية راشدة تقيم فينا دين الله وشرعه، وتحكمنا بالإسلام، وتقيم فينا وفي العالم موازين الإسلام وقيمه، وتسمع العالم صوت الله، فتقيم بذلك الحجة على العالمين، وتقوم بواجب البلاغ الذي كلفنا به، وتحمي حمى الإسلام وتحرس هذا الدين، كما تحمي ديار الإسلام، وتحفظ حرمات المسلمين، وترد كيد الكائدين، وترفع الظلم عن المظلومين، وترد هذا البلاء الذي رمانا به أعداء الإسلام، هذا البلاء الذي جعلنا في ديار المسلمين أذلة، نخشى إن قلنا كلمة الحق أن تقطع منا الرؤوس، وتسلب منا الأموال، ويؤذى أهلنا وأحبابنا، إن دولة الإسلام هي المؤهلة لرد هذا البلاء الذي جعل ديار الإسلام مرتعا لأعداء الإسلام، فصالوا وجالوا من غير رقيب وحسيب. لقد قسموا ديارنا فجعلوها دولا، وجزؤوا أمتنا فجعلوها أمما، بعد أن كنا دولة واحدة وأمة واحدة، إننا نريد دولة الإسلام كي نتوحد في ظلها، لنعود مرة أخرى دولة واحدة وأمة واحدة، تختفي في ظلها النعرات الجاهلية، والعصبيات المقيتة التي فرقت شملنا، وأذهبت قوتنا، وملكت منا الأعداء.
أنا أدرك أن إقامة الدولة الإسلامية لا يتحقق بمجرد الأماني، وأن الطريق إليه ليس مفروشة بالورود والرياحين، وأن الطريق إلى تحقيق ذلك تعترضها عقبات جسام، أنا أعلم أن قيام الدولة الإسلامية يقتضي من المسلمين أن يبذلوا في سبيل تحقيقها أوقاتهم وأموالهم وأنفسهم، وأن يرضوا بالتشريد حينا من الدهر، كما يرضوا بالعذاب والسجون، فإن لإقامة الدولة ضريبة وأية ضريبة، ذلك أن دولة الإسلام تبطل مخططات خصوم الإسلام، التي عملوا على تحقيقها دهرا طويلا، بحيث جعلت لهم السيطرة على بلادنا وشعوبنا ومقدراتنا، وتبطل امتيازات المسلطين في ديارنا، كما تبطل مصالح الطبقة التي تأخذ ما تأخذ بالباطل، فإذا جاء الإسلام وأعمل حكم الله أوقف نهب ثروات الشعوب وسوى بين المسلمين وحكم بالعدل، وجعل العزة لله، ومن هنا يحرص أعداؤنا والظلمة المسلطون علينا أن يخنقوا صوت الإسلام. الذي ينادي بالعودة إلى إقامة خلافة راشدة تحكِّم شرع الله، وتقيم دين الله.(4/2031)
أنا أعلم أن الصعوبات هائلة والعقبات كثيرة، واقتحامها لا يكون بمؤتمر يعقد، ولا اجتماع يتبادل فيه الرأي، ولا بمحاضرة تلقى، ولكننا مع ذلك كله ننادي بإقامة هذه الدولة، ونوقن أن أبناء الإسلام الذين رضوا بالله ربا وبالإسلام دينا، وبمحمد رسولا سيقدمون الثمن، ثمن إقامة الدولة الإسلامية، وهذا الذي سيقدمونه ليس أمرا مندوبا إليه، يمكن أن يقوم به المسلمون كما يمكن أن يغضوا الطرف عنه، فالعقيدة الراسخة في أعماق قلوبنا، والتي تشكل فينا قاعدة الدين الذي رضينا به، كما تعتبر بحق أساس الإسلام والإيمان لا ترضى أن نعيش هكذا من غير راع يرعى المسلمين، ولا دولة تنتظم أمورهم، وتحرسهم، وترفع صوت الله لتسمعه العالم أجمع، إن عقيدتنا تقول لنا: إن الله هو حاكم هذا الكون، الكون كله: أرضه وسمائه، بره وبحره، حيوانه ونباته، نجومه وشمسه وقمره، وكذلك هو الحاكم للتجمعات البشرية فوق ظهر الكرة الأرضية، والفرق بين البشر وغيرهم أن البشر يتحاكمون إلى شرع الله باختيارهم، أما بقية الكائنات فإنها لا تستطيع أن ترفض أمر الله، فالله يريدنا أن نتخذه إلها وربا وحاكما ونرضى بذلك، ونخضع لعظمته ونرضى بشريعته، لأنه خالقنا ورازقنا ومحيينا ومميتنا، وإليه مآبنا، فهو المستحق لأن يجعل حاكما، والله لا يرضى منا حتى نقيم دولة الإسلام التي تسلم مقاليد الحكم إلى الذين يجعلون التشريع لله تعالى، وتنبذ الطواغيت والظلمة الذين اعتدوا على سلطان الله ونازعوه في حكمه وقضائه، وقد قرر الإسلام بصورة واضحة هذه القضية {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ} . (1) .
فالحكم لله والعبادة لله، ولا تجوز منازعة الله في حكمه، ولا يجوز صرف شيء من ذلك لغير الله، فالإيمان بالله يقتضي تحكيم شرع الله، ونبذ حكم الطواغيت والكفر بها {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لَا انْفِصَامَ لَهَا} . (2) .
فكل من ادعى الإيمان بالله فعليه أن يكفر بالطاغوت، فإن ادعى أنه مؤمن وهو يرضى بحكم الطاغوت فقد تناقض في دعواه، ووقف موقفا يتعجب منه، {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آَمَنُوا بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلَالًا بَعِيدًا} . (3)
__________
(1) يوسف: (40)
(2) البقرة: (256)
(3) النساء: (60)(4/2032)
إن المسلم لا يقف عند حد الكفر بالطاغوت، بل يتعدى ذلك إلى مصارعة الطاغوت ومغالبته وإقصائه عن مشاركة الله في حكمه {الَّذِينَ آَمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} . (1)
والطواغيت هم الذين نصبهم الناس، أو نصبوا أنفسهم آلهة ينازعون الله في حكمه، فالقول قولهم والأمر أمرهم، وكلمتهم هي العليا، وشرعهم هو المتبع، وقد يصل الحال إلى السجود لهم وعبادتهم، والله لا يرضى أن يشاركه أحد في حكمه {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} . (2) ، أي لا يرضي أن يشاركه أحد في حكمه، وفي القراءة الأخرى: {وَلَا يُشْرِكُ فِي حُكْمِهِ أَحَدًا} . (3) ، أي لا تشرك أيها المؤمن مع الله غيره في حكمه، والقراءتان معناهما متلازم، وقد جعل الإسلام التحاكم إلى غير شرع الله تحاكما إلى الجاهلية {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . (4) . وحكم على الذين لا يحكمون شرعه المنزل ودينه العظيم بالكفر والظلم والفسق {ووَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ.... فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ.... فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} . (5)
هذه القضية (الحكم لله) عقيدة عند المسلمين، ولا يمكن تحقيق هذه العقيدة إذا بقيت مقاليد الحكم في عالم البشر بأيدي الطواغيت: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} . (6) .
إننا لا نستطيع تحقيق الإيمان إلا بإقامة دولة الإسلام التي تقيم شرع الله في كل شئون الحياة.
وعقيدتنا تجعل الإيمان بالرسالات السماوية وخاتمها الإسلام دافعا إلى إقامة الدولة الإسلامية، ذلك أن طبيعة هذا الدين توجب إقامة الدولة الإسلامية، لأن هذا الدين منزل من عند الله العلي القدير، والله لا يرضى أن تسود مناهج البشر وشرائع البشر عالَمَ البشر ويقصى دينه وشريعته، لقد أنزل الله دينه من أول يوم ليكون هو الأعلى {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} . (7) . وقد قرر الحق أن طبيعة هذا الدين تأبى أن يخفت صوته، وتطمس معالمه، وتعلوه كلمة البشر {وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا} . (8) . وأوجب على المسلمين الجهاد والقتال حتى ترتفع كلمة الله، وتكون الدينونة لله الواحد الأحد {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} . (9) .
__________
(1) النساء: (76)
(2) الكهف: (26)
(3) الكهف: (26)
(4) المائدة: (50)
(5) المائدة: 44، 45، 47
(6) النساء: (65)
(7) التوبة: (33)
(8) التوبة: (40)
(9) البقرة: (193)(4/2033)
ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا إذا قامت دولة الإسلام، فجعلت الهيمنة في عالم البشر لهذا الدين، وهذه هي المهمة الكبرى المناطة بالدولة الإسلامية، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: (جميع الولايات في الإسلام مقصودها أن يكون الدين كله لله، وأن تكون كلمة الله هي العليا، فإن الله تعالى إنما خلق الخلق لذلك، وبه أنزل الكتب، وبه أرسل الرسل، وعليه جاهد الرسول (صلى الله عليه وسلم) والمؤمنون، قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} ) . (1) .
وعقيدتنا تلزمنا بإقامة الدولة الإسلامية، لأن إقامة الدولة أحد أحكام الشريعة الإسلامية، والشريعة الإسلامية هي التي تحقق العقيدة في واقع الحياة، فالدين ليس مجرد عقيدة تبقى حبيسة في صدور أصحابها ولكنها حياة دافعة تتحرك في الصدور وتنبعث بها النفوس، ثم تتشكل في إطار يحكم الواقع وحياة البشر، وبذلك فإن الشريعة التطبيق الواقعي للعقيدة، ولا تزال تلح العقيدة على صاحبها كيما يجاهد، ويناضل لإيجاد الصورة العملية التي تقتضيها تلك العقيدة.
__________
(1) الذاريات: (56)(4/2034)
مرحلة المخاض
تحدثنا فيما سبق عن المكانة الفضلى التي رفع الله إليها هذه الأمة بدينه المنزل ورسوله المبعوث رحمة للعالمين، ثم بينا كيف انحطت هذه الأمة عن مكانتها بسبب فرقتها، وعقبنا على ذلك بالحديث عن الوحدة التي يمكن أن تعيد للأمة الإسلامية عزتها من جديد. ولكن يبقى أمر في غاية الأهمية، وهو الحديث عن الطريق التي تؤدي إلى بناء الأمة الإسلامية من جديد.
وأول ما يتبادر إلى الذهن في هذا هو الطريقة التي سلكها الرسول (صلى الله عليه وسلم) في بناء الأمة الإسلامية، والعالم بسيرة الرسول (صلى الله عليه وسلم) يجد أنه عليه السلام كان يعنى بالدعوة إلى الله في وسط الكفار، فمن استجاب منهم لاحقه بالتربية والتقويم حتى يصبح لبنة صالحة، وكان هؤلاء يشكلون فيما بينهم وحدة مترابطة متعاونة، تعلم أن مهمتها هي تغيير مجرى الحياة الإنسانية، ولقد أوذيت هذه الفئة أذى شديدا وعذبت في دين الله، وهجرت الأوطان للبحث عن مكان آمن يقيهم الطغيان. وفي هذا الوقت أخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) يبحث عن مكان صالح لإقامة دولة الإسلام، فكان يعرض دعوته على القبائل مطالبا إياهم بنصره وحمايته حتى يبلغ دعوة الله، وكانت المهمة شاقة وصعبة، ولكن الله هدى بعض أهل يثرب إلى الإيمان بدعوة الإسلام، وانتشر فيهم الإسلام وهاجر الرسول (صلى الله عليه وسلم) وصحبه إلى المدينة، وكانت هذه الهجرة إيذانا بميلاد الأمة الإسلامية، وقيام دولة الإسلام الأولى، وهنا تحول المضطهدون الصابرون على الظلم والأذى إلى مقاتلين، يدفعون الشرك والمشركين بالكلمة كما يدفعونهم بالسيف والرمح، ولم يزل شأن الدولة الإسلامية يعلو حتى هيمن الإسلام على العالم كله، وأطاح بعرش كسرى، وأسقط تاج قيصر، وكان الدين لله.
واستمر الوجود السياسي الممثل في الخلافة الإسلامية قائما، كلما سقطت رايته في جانب من جوانب العالم قام في جانب آخر، وكان العلماء والدعاة يسددون الحكام ويقومونهم، وكان الحكام يقتربون من الإسلام ويبتعدون عنه بنسب متفاوته ولكن الإسلام بقي باستمرار هو الدين الوحيد المهيمن على حياة المسلمين، والشريعة الإسلامية هي القانون الذي يتحاكم المسلمون إليه.(4/2035)
وآخر كيان سياسي جامع للمسلمين هو الدولة العثمانية التي انهارت على أيدي اليهود والصليبيين في الربع الأول من القرن العشرين، وكان انهيارها نتيجة محتمة في سنة الله، ذلك أنها أصيبت بأمراض وعلل كثيرة جعلتها ضعيفة في مواجهة أعدائها، ولو بقيت قوية قوة الجبال الرواسي لما عصفت بها الفتن، ودمرتها الرياح.
لا يكفي في تقويم الدولة العثمانية أن يدلل الباحثون على أن حكامها كانوا صالحين، وأن آخرهم وهو السلطان عبد الحميد كان مخلصا للإسلام، فهناك علل في الأمة كلها وفي السلطان نفسه تجعل استمرار تلك الدولة في الوجود مخالفا لسنة الله التي سنها في عباده.
لقد كانت تلك الدولة تمثل الإسلام، ولكن في الإسلام الذي كانت تمثله دخنا كثيرا في العقائد والسلوك والعلاقات، ودخل الترف حياة الحكام وأغرقوا فيه، وتزلزلت أركان العدل في كثير من ولايات الدولة الإسلامية وانتشرت الفرق الصوفية التي جعلت الإسلام عبارة عن أذكار ورقص وأكل وقعود عن الجهاد، وكان القائمون على الدولة لا يجاهدون لإعادة الأمة الإسلامية إلى المستوى الراقي الذي يحققه الالتزام بالإسلام، بل كان الحكام في كثير من الأحيان يعاقبون المصلحين الذين يحاولون إصلاح الفساد الذي غرقت فيه الأمة الإسلامية.
فكانت سنة الله تقضي بأن تنهار هذه الدولة، وعلى الرغم من المأساة الكبرى التي حلت بالمسلمين بسبب انهيارها، إلا أن هذا الانهيار كان ضروريا لا بد منه، واليوم وقد مر على انهيار الخلافة نصف قرن تقريبا ننظر إلى ما أصاب المسلمين في هذا النصف من المآسي والبلايا فنألم، ولكننا نرى من خلال الآلام والمآسي روحا بدأت تسري في الأمة الإسلامية تهدف إلى إعادة مجد الإسلام وعزه من جديد. وشكلت هذه الروح تيارا إسلاميا ناميا، وقد أصبح هذا التيار واضحا ظاهرا، وسر هذا التيار الإسلامي نفوس الموحدين، وأقر أعينهم وساء هذا التيار أعداء الإسلام فارتفعت عقيدتهم محذرة من الخطر الداهم، والمارد الذي بدأ يتململ في قيوده، وهو يوشك أن يخرج من محبسه ويفك أغلاله. ولكن هذا التيار لم يبلغ مبلغا يعيد فيه عزة الإسلام، وينهض بالأمة إلى المستوى الذي كانت تتبوؤه، ولا يزال العلماء والمفكرون المسلمون منذ سقوط الخلافة وإلى اليوم مختلفين في الطريقة التي نعيد بها عز الإسلام ومجده.(4/2036)
عندما زالت الخلافة في تركيا، ظن بعض الأخيار أنه يكفي أن ينصب حاكم من حكام المسلمين خليفة كي تعود المياه إلى مجاريها، ويأخذ القوس باريها والسهم نابله، وغفل هؤلاء عن أن الذين أسقطوا الخلافة كانوا لا يزالون يسيطرون على مقاليد الأمور وهم لا يسمحون بإعادة الخلافة مرة أخرى بعد أن بذلوا جهودا هائلة غير مشكورة في هذا السبيل.
وبعض دعاة الإسلام ظن أنه يمكن أن يخدم الإسلام ويقيم بناءه إذا انضوى تحت لواء القيادات التي تهمين على مقاليد الحكم في دياره، وفي سبيل تحقيق هذا تنازل عن شيء من الإسلام، فقصر دعوته على الصلاة والصوم والزكاة والحج وبعضا من أخلاق الإسلام، وأعرض عما لا يوافق أهواء أولي الأمر، وهذا ركون للظالمين، وتضييع للإسلام وقد حاول الكفار جاهدين أن يحرفوا الرسول (صلى الله عليه وسلم) عن المنهج الذي دعا إليه، بحيث يتفقون معه على حل وسط، فجاءه الوحي من السماء محذرا: {وَلَوْلَا أَنْ ثَبَّتْنَاكَ لَقَدْ كِدْتَ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ شَيْئًا قَلِيلًا (74) إِذًا لَأَذَقْنَاكَ ضِعْفَ الْحَيَاةِ وَضِعْفَ الْمَمَاتِ} . (1) . وفي هذا أنزل الله {وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ} . (2) .
وقام في الأمة علماء ومصلحون، وظن هؤلاء أن نشر العلم والتفقيه في الإسلام وبيان المشكلات التي تحيط بالأمة الإسلامية كاف في إعادة مجد الإسلام وعزه، وغفل هؤلاء عن أن الذين يفقهون ويتعلمون ويعرفون من المسلمين يبقون أوزاعا متفرقين لا يشكلون تيارا يصارع الباطل والطغيان.
وقام آخرون بإنشاء الصحف الإسلامية والمجلات الإسلامية، ويحاول آخرون إنشاء إذاعات إسلامية، ومهما انتفع الناس بما تكتبه الصحف والمجلات، وما تبثه الإذاعات، فإن الفائدة محدودة؛ لأن الذين لا يريدون للمسلمين أن يفقهوا هم أصحاب الكلمة في الديار التي أنشئت فيها هذه الصحف والمجلات والإذاعات، وهؤلاء يحجبون كلمة الحق، ويمسخونها، ثم إن الذين يتأثرون بذلك كله لا يشكلون وحدة فيما بينهم، وبذلك تبقى قوتهم مشتتة متفرقة، لا تستطيع أن تهدم بناء معارضا للإسلام، كما لا تستطيع إقامة بناء الإسلام. وأفضل الرواد هم الذين تنبهوا إلى أن الخطوة الأولى في إقامة صرح الأمة الإسلامية من جديد تتحقق بإقامة تجمع يؤمن بهذه القضية، يسعى في سبيل تحقيقها باذلا في ذلك النفس والمال.
__________
(1) الإسراء: (74- 75)
(2) هود: (113)(4/2037)
وفعلا قامت تجمعات كثيرة في العالم الإسلامي تنادي بالعودة إلى الإسلام وانضوى تحت لواء كل منها ألوف وعشرات الألوف، واستطاعت هذه التجمعات أن تؤثر في حياة المسلمين، لكن واحدا منها لم ينجح في إعادة الأمة إلى مكانتها من جديد.
ولا شك أن بناء الجماعة التي تأهل إلى استلام الراية يحتاج إلى بناء مبدع، لأن الخلل في البناء يؤخر النجاح، بل قد يفشله.
هناك تجمعات لا تعنى بتربية أفرادها، وتظن أن كل مهتمها هو إقامة الخلافة فإذا قامت الخلافة، فإن الخليفة سيقضي على الباطل بجرة قلم وسيقيم صرح الحق بمنشور أو بيان.
الدكتور عمر سليمان الأشقر(4/2038)
مجالات الوحدة الإسلامية
وسبل الاستفادة منها
إعداد
الحاج شيت محمد الثاني
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على النبي الكريم، إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
أما بعد: فيا أيها الإخوة الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
إن أصدق الحديث كتاب الله سبحانه وتعالى وإن خير الهدي هدي سيدنا (محمد صلى عليه وسلم) . وبعد: فلقد اخترت أن أكتب في هذا الموضوع لما له من أهمية بالغة في عصرنا الحاضر وللأمل في أن يكون علاجا لأمتنا الإسلامية التي تفككت أواصرها وتبعثرت كلمتها وتفرقت وحدتها وتمزق شملها وضعف صوتها كل هذا وهكذا لأننا بعدنا عن الدين ولأننا تركنا مباديء الإسلام وجعلنا دستورنا غير القرآن فللأسف كنا على ما نحن عليه يقتل المسلم أخاه المسلم ويخذل المسلم أخاه المسلم. وتألب الأعداء على المسلمين، فصدق فينا قول النبي (صلى الله عليه وسلم) حيث يقول:
((يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل: أومن قلة نحن يومئذ؟ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن، قال قائل يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت)) . حديث عن ثوبان، رواه أبو داود والبيهقي في دلائل النبوة.(4/2039)
فما أحوجنا إلى علاج الإسلام ودواء القرآن والعمل بشريعة الله السمحة الغراء فهذا بلا شك سبيل المجد والارتقاء، يقول الله تبارك وتعالى: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} . (1) . صدق الله العظيم فإن الأمة الإسلامية التي ينتسب إليها الإسلام في هذا المجال هي الأمة التي تتعامل بالإسلام ولا يجوز لمن ينتسب إلى الإسلام أن يقاطع أخاه بسبب القبيلة أو سبب السياسة، والأمة الإسلامية أمة واحدة فإن مظاهر وحدة الأمة الإسلامية كثيرة وهي متشابكة لا مثيل لها أبدا لأن كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله هي أصل الوحدة، ومتى قالها الإنسان كان من هذه الأمة وما دام خارج دائرتها فليس منها، ومتى أسلم الإنسان وجهه لله على ملة رسول الله فقد تحقق إسلامه وتحرر من القتل لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام وحسابهم على الله تعالى)) . رواه البخاري ومسلم.
لأن النبي قال: ((من صلى صلاتنا واستقبل قبلتنا وأكل ذبيحتنا فذلك المسلم الذي له ذمة الله ورسوله)) . رواه البخاري.
إن تاريخ المسلم لا يرتبط بطين الوطن ولا بصباغة اللون ولا بلغة الجنس الذي ينسب إليه الناس وتاريخ المسلم الذي ينتسب إليه ويعتز به هو تاريخ الإسلام وعقيدته التي يلقى الله عليها قوله تعالى: {قُولُوا آَمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} . (2)
وقانون الأمة الإسلامية ودستورها هو القرآن الكريم والسنة الطاهرة ولا يجوز أن يكون للمسلمين قانون ودستور يخالف شرع الله.
__________
(1) الانبياء: (92)
(2) البقرة: (136)(4/2040)
إن الأمة الإسلامية لها قائد واحد هو رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي له على المسلمين فرض الطاعة، فإذا ما انتقل الرسول إلى الرفيق الأعلى فإن على المسلمين اختيار وانتخاب خليفة له يقيم شريعة الله، فمن الواجب على المسلمين أن يوجدوا دار العدل وأن يقيموا خلافتهم ثم يبدأوا عملهم ويحاربون الحكومة الكافرة ويحررون الأرض السليبة ثم ينساحون في الأرض حتى يخضعوها لسلطان الله ويستردوها من أيدي الغاصبين ولا يعني ضعفنا الحالي الاستمرار فيه بل يفترض علينا أن نحاول سد العجز الموجود عندنا إما من ناحية العتاد أو الرجال أو التدريب والسلاح إذ ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
فإن على المسلمين عامة وعلى مسلمي كل قطر خاصة أن يجعلوا قطرهم دار عدل وأن يتحدوا ليشكلوا وطنا واحدا بشكل معقول ويرضى المسلمين، ويكون لكل ولاية دستورها الإسلامي وأن يكون ذلك كله مستمدا من الكتاب والسنة، ويكون بذلك توفير الرجال المفكرين الإسلاميين ووحدتهم على الأسلوب الوحيد في كل مجال من مجالات الدعوة الإسلامية والتبليغ في الكتابة والخطابة والتحدث والنقاش في العمل الإسلامي وكل ذلك بحاجة إلى الأسلوب الحسن الذي يصيب الهدف ويبلغ القصد.
إن الإسلام ووحدة الأمة الإسلامية في هذا الزمان بحاجة إلى الرجال المفكرين من الذين يحسنون عرض أفكارهم ومبادئهم بأسلوب شيق جذاب يبشرون ولا ينفرون ويحسنون ولا يسيئون، وكم من أدعياء شوهوا الإسلام بسوء دعوتهم له وأساؤوا إليه وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا.(4/2041)
ومن هنا كانت وظيفة الدعاة ورجال المفكرين لوحدة الأمة الإسلامية خطيرة جدا ومسؤولياتهم كبيرة، ولهذا وجب على الأمة الإسلامية أن تتوافر عناصر الواقعية والإيجابية والاتزان في أساليب الدعوة، ويقول الله تعالى في آخر سورة النحل آمرا نبيه الكريم بالتزام الحكمة في دعوة الناس قال: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} . (1) وفي سوره آل عمران يشير القرآن الكريم إلى فوائد الرفق واللين في كسب الأنصار والمؤيدين وانطلاق الدعوة ويقول: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ} . (2) .صدق الله العظيم.
فإن منهج مجالات الوحدة الإسلامية وهو مفهوم في الفكر الإسلامي، وأما الفكر فهو الجهود العقلية المبذولة في محاولة فهم الإسلام من مصدريه: الكتاب والسنة فالعلماء المسلمون في كل عصر يقبلون على القرآن الكريم، وعلى السنة المطهرة ويأخذون منهما ما يفهمون، لأن مجال التفكير في الكتاب والسنة فهم إسلامي فبه يصيب المفكر والمجالات في وحدة الإسلامية حيث لا ينتسب إلى الإسلام الذي أنزله اللطيف الخبير.
فإذا أردنا أن نتعرف على صحة الفكر والمجالات في الوحدة الإسلامية واستقامتها عرضناها على كتاب الله وسنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) فإذا وافق الفكر ما جاء فيهما كان فكرا إسلاميا أصيلا، وهل يستطيع المفكر المسلم أن يعي حقائق العبادة دون أن يدرك حقائق العقيدة؟ وهل يستطيع أن يتفهم حقائق المعاملات دون أن يدرك العقيدة والعبادة ودورهما في السلوك الإنساني؟ فإذا كان ما في الكتاب والسنة موجها إلى الإنسان وإذا كان هذا الإنسان كلا متكاملا فإنه لا يستطيع أن يفصل عقله عن قلبه ولا قلبه عن جوارحه ولا موضوعات الكتاب والسنة بعضها عن بعض، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، فمعرفة المعبود جل جلاله وما يتعلق بذلك ومعرفة كيفية الصلاة والعبادة التي تنظم الشعائر وشؤون الحياة من أخلاق ومعاملات ونظم سياسية واجتماعية واقتصادية جاء مفصلا في الكتاب والسنة، فالعامل على غير ما يريد يفسد أكثر مما يصلح، وفي الحكم من سلك طريقا بغير دليل ضل، ومن تمسك بغير أصل ذل، وروي عن النبي (صلى الله عليه وسلم) قال: ((الحكمة ضالة المؤمن أنى وجدها فهو أحق الناس بها)) . وقوله عليه الصلاة والسلام ((خذوا الحكمة من أي وعاء خرج)) .
__________
(1) النحل: (125)
(2) آل عمران: (159)(4/2042)
فلتتمة هذا الجانب الثقافي والتربوي نرى ضرورة إنشاء المدارس الإسلامية لأطفال المسلمين ومدارس تحفيظ القرآن الكريم، وإصدار النشرات والمجلات والصحف الإسلامية الأسبوعية والشهرية بعيدة عن الصور الخليعة والفساد.
وأن تقوم حكومتنا الإسلامية بتشجيع المسلمين على إقامة المساجد في المدارس والكليات والمصانع والمتاجر وإلى غير ذلك من كل مجمع الناس محافظة على هذا الركن الأول العظيم من أركان الإسلام الخمس والتي هي - الصلاة لأنها أول ما يسال عنه العبد يوم القيامة أمام الله فإن صلحت صلح عمله كله وإن فسدت فسد عمله كله كما ورد ذلك في الحديث النبوي الشريف، وكذلك الحرص على تشجيع الشباب المسلم والشابات المسلمات على الزواج المبكر صونا لهن من الانحراف والفساد وتطهيرا لأذهانهن عما قد شاع لديهن من الزواج المتأخر الذي ورثناه من الاستعمار الغربي المنحرف.
وعلى الجانب الاقتصادي للإسلام والحمد لله النظام الاقتصادي الإسلامي مستقل عن النظام الاقتصادي في العالم، ونظام الاقتصاد في الإسلام يقوم على أساس التعبد لله تعالى لانبثاقه عن الشريعة الإسلامية لقوله (صلى الله عليه وسلم) : ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى)) فالاقتصاد الإسلامي قائم على الإنتاج وتنمية الثروة بطرق مشروعة وتبادل المصالح والمنافع دون إلحاق ضرر بأحد أو بعبارة أخرى يهدف الاقتصاد الإسلامي إلى تحقيق التوازن بين المصلحة الفردية والمصلحة الجماعية على السواء.
فعلى الأمة الإسلامية وحكومتها أن يجعل الإعلام الإسلامي نصب عينها قواعد الشعب الإسلامي العريضة فيخاطب الشباب بلغته ويعرض قضاياه ومشكلاته، ويخاطب الفتاة المسلمة ويتعرف على مشكلاتها واهتماماتها ويخاطب الطفل المسلم ولا يغفل المرأة المسلمة، ولا الرجل الطاعن في السن، وبذلك تقبل ملايين المسلمين في كل أرض على تلك الصحف والمجلات، وأن تبرز الصحف الإسلامية شعار الإسلام واضحا جليا كما ورد في القرآن الكريم: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} . (1) صدق الله العظيم.
وقد فرض الإسلام على كل مسلم ومسلمة أن يؤدي صلواته خمس مرات كل يوم إماما كان أو مؤتما، وأن يؤذن ويقيم ويكبر ويهلل ويتشهد وكل هذه العبادات باللغة العربية ورتب فيها ثوابا جزيلا لكل من يقرأ القرآن الكريم باللغة العربية سواء فهم معناه أو لم يفهم.
الحاج شيت محمد الثاني
__________
(1) الأنبياء: (92)(4/2043)
الوحدة الإسلامية
والتعامل الدولي
إعداد
فضيلة الشيخ/ محمد علي التسخيري
بسم الله الرحمن الرحيم
تقول المادة الحادية عشرة (من دستور الجمهورية الإسلامية الإيرانية) ما يلي: (إن المسلمين هم أمة واحدة وذلك بحكم الآية الكريمة: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} . (1) وعلى حكومة الجمهورية الإسلامية الإيرانية أن تقيم سياستها العامة على أساس ائتلاف واتحاد الشعوب الإسلامية، وأن تواصل جهودها من أجل تحقيق وحدة العالم الإسلامي في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية) . وسيشتمل حديثنا على بحوث:
البحث الأول: الترابط في الإسلام والأمة:
نحاول في ما يلي التدرج في عرض الترابط على النحو التالي:
أ - الترابط الكوني من وجهة نظر الإسلام.
ب- الترابط بين مكونات الإسلام.
ج- الترابط بين قطاعات الأمة المسلمة وأفرادها.
__________
(1) الأنبياء: (92)(4/2044)
أ- الترابط الكوني من وجهة نظر الإسلام:
إذا كان التعريف الأحدث للفلسفة يصورها على أنها (عملية تحديد موقف) فإن الإسلام يمنح الإنسان أروع فلسفة كونية، وأركز تحديد موقف له من الواقع وإذا كانت فلسفة (هيغل) (المثالية جوهرا والواقعية ظاهرا) تدَّعي الترابط وتتمحله على ضوء خلطها بين عالم الذهن وعالم الواقع، وإذا كانت الفلسفة الماركسية تدعي لنفسها أنها اكتشفت (الترابط الكوني) في ظل قوانين (المادية الديالكتيكية) التي كانت تتصيد لها من التاريخ وبعض القوانين العلمية والآراء الفلسفية ما يقوم دليلا على مدعاها - ولكنها تفشل فشلا ذريعا - في ذلك وعلى كل الأصعدة، نعم إذا كانت هاتان الفلسفتان تكشفان الترابط في جزء من الكون كشفا مهزوزا، فإن الإسلام في نظرته العامة يحق له أن يعرض الترابط ليس بين كل أجزاء هذا الكون المادي المحسوس فحسب، بل بين كل أجزاء الكون (الطبيعة وما فوقها) ليكون الكون كله مرتبطا تمام الارتباط فيما بينه في نفسه وبالله خالقه العظيم، وهذا التصور الشامل ينسجم تمام الانسجام مع تطلعات الفطرة الإنسانية ومع المنطق الموحد الذي يثبته الإسلام وتهدي إليه الفطرة الإنسانية.(4/2045)
بين الكون والله:
يردد المسلم في مطلع كل أمر يقوم به، وفي مطلع كل سورة يتبرك بقراءتها عبارة جميلة رائعة المدلول هي عبارة (بسم الله الرحمن الرحيم) ولئن كان متعلق الجار والمجرور فيها محذوفا، فإنه يشكل تعبيرا حيا عن إطلاق المتعلق، وهو يعني أن كل شيء على الإطلاق قائم باسمه تعالى ومتعلق به ومرتبط به ارتباطا وثيقا، بل وجود كل الكائنات لا يتجاوز كونه وجودا تعليقا. أي هو التعلق والارتباط بعينه إذ هو لا شيء مع زوال الارتباط.. ولئن جاء الوصفان الرائعان (الرحمن الرحيم) فلكي يعبرا عن إطار صدور كل الكائنات وانبثاقها منه وباسمه ضمن إطار الحركة الإلهية التي وضعت كل شيء. وهذا الإطلاق في القدرة والرحمة والخلق والقيمومة تعرضه لنا آيات قرآنية كريمة. منها قوله تعالى:
{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى (1) الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى (2) وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى (3) وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى (4) فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى} . (1) {إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} . (2) .
{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} . (3)
{لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} . (4)
الترابط بين عالم الغيب وعالم الشهادة:
إن الإسلام ركز في خلد المسلم هذا الترابط بأساليب مختلفة، فالمسلم يعتقد بأن القوانين المؤثرة في الكون لا تختص بالقوانين المادية أبدا. فالاستغفار والتوبة وصلة الرحم والصدقة واتباع الحق والإيمان كل ذلك مؤثر في عالم الطبيعة تمام التأثير. يقول هود عليه الصلاة والسلام مخاطبا قومه: {وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ} . (5)
__________
(1) الأعلى: (1-5)
(2) لأعراف: الآية (54)
(3) آل عمران: الآيات (26-27)
(4) الشورى: (49-50)
(5) هود: الآية (52)(4/2046)
وبنفس هذا المضمون يخاطب نوح قومه. وعلى هذا الإسلام يقوم جزء واسع من التشريع الإسلامي.
ولا ننسى أن نشير إلى أن أعظم ترابط واقعي حياتي يندرج في هذا الإطار وهو الترابط بين عالم الدنيا وعالم الآخرة إلى الحد الذي يعين الأول طبيعة الثاني تماما.
بين المخلوقات أنفسها:
وعلى أساس من ذلك الارتباط القويم للمخلوقات بالله تعالى قام الارتباط التبعي بين الموجودات كلها.. فهي كلها مسخرة بأمره. وهي كلها تسبحه تعالى من موجودات شاعرة وغيرها.
{سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} . (1) {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} . (2)
{وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} . (3)
والشيء الرائع في التصور الإسلامي لهذا الترابط هو هذا التسخير الكامل لصالح الإنسان باعتباره الموجود الأروع والقابل لأن يكون خليفة الله في الأرض، وليكون الهدف الأسمى الذي سخرت له الموجودات لكي يواصل مسيرته نحو الكمال.
وهذه الحقيقة واضحة في الآيات التالية:
{أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} . (4)
{وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} . (5)
{وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهَارَ (32) وَسَخَّرَ لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنِ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ} . (6) {أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7) وَخَلَقْنَاكُمْ أَزْوَاجًا (8) وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا (9) وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ لِبَاسًا (10) وَجَعَلْنَا النَّهَارَ مَعَاشًا (11) وَبَنَيْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعًا شِدَادًا (12) وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا (13) وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا (14) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (15) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا} . (7)
__________
(1) الحديد: الآية (1)
(2) الرعد: الآية (13)
(3) الإسراء: الآية (44)
(4) لقمان: الآية (20)
(5) الجاثية: الآية (13)
(6) إبراهيم: الآيات (32- 33)
(7) النبأ: الآيات (6-16)(4/2047)
وعلى ضوء هذا التسخير الطبيعي لصالح الإنسان تنقلب نظرته للطبيعة من عدو يبغي الصراع معه وانتزاع القوت منه انتزاعا إلى عملية استئناس بها وقيام على إعمارها وإحيائها يؤطر ذلك حب طبيعي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم عند رجوعه من غزوة تبوك وأشرف على المدينة فقال: ((هذه طابة، وهذا جبل أحد، يحبنا ونحبه))
(سفينة البحار)
بين أبناء الإنسانية:
وهنا تقوم الروابط على أسس قويمة من وحدة المنطلق، ووحدة الشعور الواعي، ووحدة الهدف. فالكل خلق الله، والكل من نفس واحدة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ} . (1) .
والكل يمثلون الموجود المكرم {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ} . (2) .
وما كان هذا الاختلاف بين الطوائف الإنسانية إلا للتعارف:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} . (3) .
فلا مسوغ لأي تعال عنصري لوني أو جنسي أو مكاني أو نسبي أو غير ذلك ما دامت تلك الوحدة قائمة، بل المجال الوحيد للتفاضل هو التقوى {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} . (4) .
وهكذا تقوم وحدة إنسانية كبرى تؤسسها هذه النظرة الأخوية الشاملة، وتعبر عنها آيات كريمة. منها:
{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} . (5) وعلى هذا الأساس جاءت التعليمات السامية ومنها ما في هذه الآية المباركة:
{مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} . (6)
والآية المباركة: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} . (7) . ومن هنا يكتب الإمام أمير المؤمنين علي عليه السلام إلى عامله على مصر الأشتر النخعي قائلا له: (وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعا ضاريا تغتنم أكلهم فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين، وإما نظير لك في الخلق..)
(نهج البلاغة ص 427) .
__________
(1) النساء: الآية (1)
(2) الإسراء: الآية (70)
(3) الحجرات: الآية (13)
(4) (الحجرات: الآية (13)
(5) الممتحنة: الآية (8)
(6) المائدة: الآية (32)
(7) المائدة: الآية (8)(4/2048)
الروابط الداخيلة:
وإذا تجاوزنا الروابط العامة بين أبناء الإنسانية نصل إلى مراحل أخرى للترابط هي أضيق من سابقته: كالترابط الوثيق القائم بين الرجل والمرأة من حيث وحدة الأصل، ومن حيث وحدة القدر عند الله، وتكافؤ الفرص في العمل في سبيل التكامل: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً} . (1) .
{وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً} . (2) {أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى} . (3) .
وكذلك الترابط القائم بين الآباء والأبناء وغير ذلك.
أما الترابط بين أبناء العقيدة الواحدة فهو ترابط وثيق سنتحدث عنه في القسم الثالث من هذا البحث إن شاء الله.
ب- الترابط بين مكونات الإسلام:
استعرضنا مظاهر الترابط العام في تصور الإنسان المسلم بين موجودات الكون وها نحن نتعرض باختصار إلى الترابط الداخلي في الإسلام (أي بين جوانبه المختلفة) وإن من يدرس الإسلام بعمق ثم يلقي نظرة تجريدية عليه يجد أن الإسلام تصميم هندسي متكامل، يرتبط كل جزء فيه بالجزء الآخر، ويحتل كل عضو فيه محله الطبيعي، ولا يستطيع أي جانب أن يؤدي دوره المطلوب على الوجه الأكمل إلا في ظل الصيغة العامة للكل. وتشكل العقيدة الأساس الرصين الذي يشع روحا في كل الأبنية الفوقية، والتمهيد اللازم للأرضية الصالحة تماما للأشكال العلوية؛ ذلك أن العقيدة الإسلامية تبتني عليها طائفة كبيرة من التصورات الإسلامية عن مختلف الشؤون الحياتية تدعى (المفاهيم الإسلامية) وهي بدورها تشكل أساسا لمجموعة من العواطف الإسلامية.
ويمثل الشهيد آية الله الصدر لهذا الترابط فيقول:
(ففي ظل عقيدة التوحيد ينشأ المفهوم الإسلامي عن التقوى القائل: إن التقوى هي ميزان الكرامة والتفاضل بين أفراد الإنسان، وتتولد عن هذا المفهوم عاطفة إسلامية بالنسبة للتقوى والمتقين وهي عاطفة الإجلال والاحترام) (اقتصادنا ج 1 ص 271) . وكذلك يمكننا أن نقيم مختلف فروع الأخلاقية الإسلامية على أسس تصورية تنشأ في ظل العقيدة الإسلامية. فالتضحية مثلا يمكن أن تبنى على أساس مفهوم الجزاء الأوفي المبني على عقيدة المعاد وهكذا.
ولكن العقيدة والمفاهيم والأخلاق تشكل كلها الأرضية الصالحة للمذهب الاجتماعي الإسلامي في الحياة.
__________
(1) النساء: الآية (1)
(2) الروم: الآية (21)
(3) آل عمران: الآية (195)(4/2049)
أمثلة من الترابط بين المكونات:
وها نحن نذكر بعض أوجه الترابط - على نحو الإجمال:
1- الارتباط بين النظام السياسي ودور الحاكم الشرعي (الإمام المعصوم أو الولي الفقيه) ، وبين التشريع الاقتصادي وذلك لكي يقوم بملء منطقة الفراغ المتروكة له على ضوء الظروف المتطورة ووفق القواعد العامة، وكذلك الارتباط بينهما وبين النظام الجنائي والسياسة المالية للدولة.
2- ارتباط النظام الاقتصادي بمجموعة من العواطف التي يصوغها الإسلام في نظامه الأخلاقي: كعاطفة الأخوة العامة.
3- ارتباط مختلف المذاهب الاجتماعية بالعقيدة الإسلامية وتأثيرها الكبير في تنفيذ تلك التشريعات والالتزام بها.
4- ارتباط إلغاء الربا وأحكام الإسلام الأخرى في المضاربة والتكافل العام والتوازن الاجتماعي. وغير ذلك.
ج- الترابط بين قطاعات الأمة المسلمة وأفرادها:
وانطلاقا من واقعية الإسلام التي رأى فيها أن النظم المتعددة لن تستطيع أن تقود الإنسانية إلى هدفها الكمالي المنشود، وأن التعدد الشعوري والتعدد في المقاييس لن يستطيعا مطلقا أن ينسجما مع الهدف الواحد الذي أراده الله للإنسان وإلا فالحروب متوقعة، والمصالح متحكمة، ولا مخلص ولا مناص، وانعكاسا لذلك الترابط العام في التصور والتشريع فقد دعا الإسلام إلى تكوين الأمة المسلمة الواحدة التي يفترض فيها أن تضم كل الأرض وتوجه كل الأرض (ليكون الدين كله لله) ، فهي الأمة النموذجية قبل الانتصار الكامل، وهي واسطة العقد الاجتماعي وهي الشاهد على كل الأمم وبعد الانتصار هي الأمة المسلمة التي تعمل على أن تصل إلى أكمل الدرجات من خلال تطبيق تعاليم الإسلام الخالد.
وعلى هذا كان الترابط الحقيقي هو المقوم التالي من مقومات الأمة الإسلامية بعد الإيمان العميق النافذ إلى المشاعر. فإذا فقدت الأمة إيمانها النافذ، فقدت شخصيتها، وكذلك إذا فقدت ترابطها، فقدت شخصيتها المميزة لها والتي عملت في فترة التطبيق الإسلامي الأول على إذابة كل الفروق المصطنعة بين المسلمين، وشدتهم إلى بعضهم حتى أعطتهم صفة الأخوة في الله تعالى، وهي أروع صفة تعبر عن الشد القوي في إطار الله، وكذلك أعطتهم صفة الأعضاء في جسد واحد من حيث اشتراك كل المكونات في القيام بالوظائف المطلوبة لتحقيق الهدف العام وذلك بتناسق وتخطيط دقيق.(4/2050)
المبحث الثاني
المظاهر العامة لتركيز هذا الارتباط في ذهنية الأمة
ويمكننا أن ننتظم هذه المظاهر في خطوط عامة هي:
الترابط الشعوري:
فقد عمل الإسلام على الصعيدين النظري والعملي على خلق ترابط إحساسي بين كل أفراد المسلمين، بحيث يشعر كل مسلم بآلام الآخرين من أبناء أمته، ويفرح لفرحهم، ويهتم لحل مشاكلهم ويعتبرها من مشاكله بالصميم. فعلى الصعيد النظري جاءت الروايات الكثيرة التي تؤكد على أن هذا الشعور هو شرط الإسلام الحقيقي وأن الذي لا يهتم بأمور المسلمين فليس منهم، وأن المسلم عليه أن يتفاعل شعوريا مع المسلمين: فيسلم على عباد الله الصالحين، ويدعو للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات. إلى غير ذلك مما لا مجال لعرضه مفصلا. هذا على الصعيد النظري أما على الصعيد العملي فقد وجدنا الرسول الأعظم (صلى الله عليه وسلم) ، والقادة من أهل البيت الكرام عليهم السلام، والصحابة المنتجبين، يقدمون أروع الأمثلة على هذا الترابط الشعوري، وكل سيرة النبي (صلى الله عليه وسلم) مصداق لذلك فلا نحتاج إلى عرض الأمثلة.
الترابط عبر المقاييس الواحدة:
وواضح أن المقياس عندما يتوحد فإنه يوحد ظروف تطبيقه، وما ضاعت الأمم وما تفرقت إلا لأنها اختلفت مقاييسها التي بها تتبين طريقها، وعليها تبني خطواتها ...
وإذا رجعنا إلى المقاييس المادية وجدناها مقاييس متفرقة بطبيعتها فسواء أكان المقياس هو المصلحة المادية، أو التوفرات العنصرية.. أو المؤهلات الطبقية وما إلى ذلك من مقاييس مادية. فإن من الطبيعي أن تختلف المصالح الضيقة، أو المؤهلات العنصرية والطبقية وغير ذلك، وحينذاك فالناتج هو الصراع الدموي العنيف والهلاك، أما لو رجعنا إلى مقياس الإسلام الثابت لوجدناه المقياس الوحيد الذي يستطيع أن ينفي كل ذلك وذلك هو رضا الله تعالى {وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ} . (1) نعم أكبر من كل مقياس، والحاكم على كل شيء وغيره، ورضا الله تعالى يمكن في اتباع شريعته الموحدة، والسير على الحق والعدل وفق تصورات الإسلام لهما.
والآن لنتصور الإنسانية وهي تضع هذا المقياس نصب عينيها ثم لنلاحظ هذه المآسي التي نشاهدها اليوم. إن هذا المقياس كما ينظم تطبيق الإسلام وسيرة الأمة القانونية يحرك المناقبية العامة ويصبها في قالب منسجم مع ذلك التطبيق. وذلك ما يعبر عنه بـ (الحب في الله والبغض في الله) .
__________
(1) التوبة: الآية (72)(4/2051)
وهكذا تقوم كل المقاييس في حياة الأمة المسلمة على ذلك المقياس مما يخلق ترابطا تذوب عنده كل أنواع الترابط الكاذب سواء كانت تلك الأنواع روابط قومية أو عنصرية أو مصلحية أو جغرافية أو غير ذلك.. ومن العجب العجاب بل من المنطقي إلى حد بعيد أننا لاحظنا أن تلك المقاييس خلقت في المجتمع الإنساني اليوم نزعة اللا انتماء إلى أي مقاييس اللهم إلا إلى مقياس (اللا مقياس واللا انتماء) فقط.
الترابط عبر العبادات:
العبادات مظهر جميل أخاذ من مظاهر الارتباط بين الله والعبد. وبين العباد أنفسهم. فهي إلى جنب ربطها الفرد والمجتمع بالله تعالى، وإلى جنب تأثيراتها النفسية الكبرى، تؤثر الارتباط والشعور بالوحدة.
فالمسلم أينما كان يقف في أوقات واحدة نسبيا، وفي جماعة حسية تعبر عن المجمع العالمي للمسلمين وتجسده، ويقوم بأعمال تربي فيه الخشوع والخضوع والعقيدة النافذة والترابط بعدها، ويتجه مع إخوته جميعا إلى قبلة واحدة، ويردد نشيدا مقدسا واحدا يسبح به الله تعالى ويحمده، إلى غير ذلك. وهكذا يبدو لنا نوع رائع من أنواع الترابط، بل أروع نموذج تتصوره الإنسانية للترابط في عملية الحج الكبرى بما لا يحتاج إلى كثير شرح وتفصيل، إلا أننا نشير هنا إلى وحدة المركز الذي يطوف حوله الحجاج كتعبير إيجابي عن لزوم جعل هذا المركز مطاف الحياة كلها، والعمل على أن يكون مطاف الأرض كلها بما يجسده من تعبيرات مقدسة، في حين يقف المسلمون في مكان آخر ليرموا رمز الشر المتمثل في الجمرات المتعددة إشارة إلى خطوات الشيطان وسبله المختلفة.(4/2052)
الترابط عبر الحقوق المشتركة:
زخرت كتب الروايات بالأخبار الكثيرة المتواترة إما لفظا وإما معنى بحقوق المسلم على المسلم، وهي لو روعيت تمام المراعاة لعادت على المسلمين بروابط قوية لا يمكن أن يفصمها فاصم.
وقد ذكر صاحب كتاب (الأخلاق) (السيد عبد الله شبر رحمه الله تعالى) هذه الحقوق مستمدا إياها من النصوص الشرعية وهي:
1-أن يحب للكافة ما يحب لنفسه ويكره لهم ما يكره لنفسه.
2-أن لا يؤذي أحدا من المسلمين بقول أو فعل. قال (صلى الله عليه وسلم) : ((المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده)) .
3-أن يتواضع لكل مسلم ولا يتكبر عليه.
4- أن لا يسمع بلاغات الناس بعضهم على بعض ولا يبلغ بعضهم ما يسمع من بعض.
5- أن لا يزيد في الهجر لمن يعرفه أكثر من ثلاثة أيام مهما غضب عليه.
قال (صلى الله عليه وسلم) : ((لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام)) .
6- أن يحسن إلى كل من قدر منهم إن استطاع.
7- أن لا يدخل على أحد إلا بإذنه.
8- أن يخالط الجميع بخلق حسن، ويعاملهم بحسن طريقته
9-أن يوقر المشايخ ويرحم الصبيان. قال (صلى الله عليه وسلم) : ((ليس منا من لم يوقر كبيرنا ويرحم صغيرنا)) .
10- أن يكون مع كافة الخلق مستبشرا طلق الوجه رقيقا.
11- أن لا يعد مسلما بوعد إلا ويفي به.
وهكذا يصل بها إلى ستة وعشرين حقا وهي في الحقيقة بعض الحقوق. ترى لو أن المسلمين جميعا طبقوا هذه الحقوق فهل يصلون إلى ما هم عليه اليوم؟(4/2053)
الترابط في المجال الاقتصادي:
والدارس للاقتصاد الإسلامي المذهبي يجد بوضوح أن هذا المذهب يشكل دعامة كبرى من دعائم الترابط العام بين كل القطاعات المسلمة. وها نحن نشير إلى ظاهرتين في هذا المجال كمثال يوضح ما نقول.
أ - ظاهرة الملكية العامة:
فالاقتصاد الرأسمالي إذا كان يعتبر الملكية الخاصة هي الأصل والملكية العامة الاستثناء، والاقتصاد الماركسي يعتبر الأمر على العكس، فإن المذهب الاقتصادي الإسلامي يتميز بأنه يقول بالملكية المزدوجة العامة والخاصة ولكل منهما مساحتها الخاصة بها وملكية الأمة هي جزء مهم من الملكية العامة في الإسلام حيث إن الأرض التي تفتح عنوة بالجهاد تكون ملكا للمسلمين جميعا - على الرأي الأشهر- من هو حاضر ومن سيولد بعد دون أن تورث. فالمسلمون على هذا الأساس شركاء في ملكية الكثير من الأراضي، وإليهم وإلى مصالحهم يعود ريع تلك الأرض.
ب - ظاهرة التكافل الاجتماعي:
وهي المبدأ الذي يفرض فيه الإسلام على المسلمين فرضا كفائيا كفالة بعضهم البعض. ففي حديث عن الإمام الصادق (ع) (أيما مؤمن منع مؤمنا شيئا مما يحتاج إليه وهو يقدر عليه - من عنده أو من غيره - أقامه الله يوم القيامة مسودا وجهه مزرقة عيناه، مغلولة يداه إلى عنقه، فيقال هذا الخائن الذي خان الله ورسوله، ثم يؤمر به إلى النار) .
هذا وإن هذه الروح لتشع في كل جوانب التشريعات الاجتماعية الأخرى في الإسلام.(4/2054)
الترابط عبر المسؤولية المتبادلة لتطبيق أحكام الله تعالى:
ونعني بذلك مضمون ما ورد من أحاديث تؤكد على عاملي (الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) وأن بهما قوام الأمة وبقائها. وكذلك الأحاديث المباركة التي تؤكد على عموم المسؤولية الاجتماعية من قبيل: ((كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)) وغير ذلك فإنها تجعل كل مسلم على في أي أرض كان، وبأي مستوى كان مسؤولا عن كل ما يقع من انحراف، وكل توانٍ في المسيرة الإسلامية الصاعدة. فعليه أن يواصل الدفع من جهة، ويرفع العقبات التي أمامها من جهة أخرى.
وفي ختام هذا الفصل لا بد لنا من أن ننصت إلى كلام الله الحكيم وهو يخاطب المسلمين جميعا بعبارة (يا أيها الذين آمنوا) ويمنحهم التصور المطلوب عبر لفظ واحد للجميع فيقول تعالى:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ} . (1)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ} . (2)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا} . (3)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا} . (4)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} . (5)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ} . (6)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تُحِلُّوا شَعَائِرَ اللَّهِ} . (7)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} . (8)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ} . (9)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ} . (10)
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} . (11)
وهكذا يصف القرآن الأمة المسلمة بالصفات العامة: فهي الأمة الخليفة، والوسط والشاهدة، والمسلمة لله تعالى، والشديدة على الكفار، والرحيمة فيما بينها، والكريمة غير المهانة، والمنفقة، والمتقية، وغير المتشبهة بالكفار، والصابرة المرابطة القائمة بالقسط، والمعادية للكفار، والمقيمة لشعائر الله، والمجتنبة للخمر والميسر، وغير الخائنة، والراكعة الساجدة، والعابدة ربها الذاكرة له، وهكذا تتوالى هذه الأوصاف لتحدد معالم هذه الأمة، وتنتهي بها إلى موقف موحد تماما، وتجعلها (خير البرية) .
__________
(1) البقرة: الآية (254)
(2) آل عمران: الآية (102)
(3) آل عمران: الآية (156)
(4) آل عمران: الآية (200)
(5) النساء: الآية (135)
(6) النساء: الآية (144)
(7) المائدة: الآية (2)
(8) المائدة: الآية (90)
(9) الأنفال: الآية (27)
(10) الحج: الآية (77)
(11) الأحزاب: (41)(4/2055)
مجالات الوحدة الإسلامية
مجالات الوحدة الإسلامية:
يمكننا أن نتصور المجالات التالية للوحدة الإسلامية:
1- المجال العقائدي.
2- المجال التشريعي.
3- الموقف السياسي.
أما المجال العقائدي: فمن الضروري والأولى قبل كل شيء أن تتذكر قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ} . (1) .
فهذه الآية الكريمة تدعو للبحث عن نقاط الالتقاء مع أهل الكتاب وهي بكل وضوح وأولوية تدعو لتأكيد المسلمين على نقاط الالتقاء العقائدية ثم العمل على تجليتها وتوضيحها بروح كلها موضوعية وإخلاص للعقيدة، ثم التحرك إلى نقاط الاختلاف وتسرية تلك الروح الموضوعية إليها فإذا تم الوفاق فنعمت النتيجة وإلا عذر كل منا الآخر فيما اقتنع به.
ومن الجدير بالذكر هنا أن هناك أصولا عقائدية لا تسامح فيها وهي تشكل الحدود الفاصلة بين العقيدة الإسلامية والأخرى اللا إسلامية فيجب أن تتوضح تماما وتقاس عليها كل الأقوال.
بعد هذا نقول: إن المساحة العقائدية المشتركة بين الفرق الإسلامية واسعة واسعة بحيث لا نلمح الاختلاف إلا لماما، ولا نراه إلا متواريا خلف تلك المساحة الواسعة. ولا ننسى هنا أن نقول: إن الاتفاق على الأصول العقائدية الرئيسية (التوحيد، النبوة، المعاد) أدى إلى وحدة رائعة في المسلمين إلى الحياة، وتكون مفاهيم مشتركة للإنسان والحياة والتاريخ، بل وتركت هذه النظرات العامة أثرها الجيد على الاتجاهات التشريعية الفقهية المخططة للحياة على ضوء المصادر الإسلامية الأصيلة.
__________
(1) آل عمران: الآية (64)(4/2056)
ثانيا المجال التشريعي:
ورغم أن احتمالات الاختلاف كثيرة في المجال الفقهي إلا أن الاحتياطات التي اتخذتها الشريعة سواء في تعيين المنابع الأصيلة بالكتاب الكريم والسنة الشريفة أو في تحديد أصول الاستفادة من هذه المنابع، هذه الاحتياطات لم تترك مجالا واسعا للاختلاف رغم كونه طبيعيا في موارد كثيرة نتيجة وجود أسبابه التي يذكرها علم الأصول المقارن.
ومن هنا نجد أن المساحة الفقهية المشتركة تتجاوز أعلى حد متصور مما يمكن معه القول: إن التحديدات التشريعية الأصلية وتفريعاتها المهمة مشتركة بين المسلمين وهذا لا يتنافي مع وجود الاختلاف في الآراء الفرعية جدا فهي أمور لا مناص منها ولا يعني مفهوم الوحدة الإسلامية أن تتطابق كل الآراء فلا تجد فيها اختلافا.
ثالثا: الموقف السياسي العملي:
وهذا هو المجال الوحيد الذي يجب أن تتحد فيه الخطى والخطط فليس من الصحيح أن يتم اختلاف بين الأساليب التخطيطية لإدارة المسلمين بما يؤدي لصراع وتنافر، وليس من الصحيح أن لا تتحد المواقف في مواجهة العدو الكافر، وليس من الصحيح أن يئن جناح ويفرح آخر ويجوع البعض ويشبع الآخرون، ويموت شعب ويترف آخر.
سبل الاستفادة من هذه المجالات:
يجب أولا تعيين الهدف لكي نشخص سبل الاستفادة من هذه المجالات والهدف النهائي هو تعبيد الأرض لله تعالى ونشر الإسلام على كل ربوع الحياة لتعبد الأرض ربها آمنة مطمئنة لا تشرك به شيئا، أما الهدف المرحلي فهو استرجاع الأمة الإسلامية لخصائصها العامة لتكون بذلك خير أمة أخرجت للناس، والأمة الشاهدة على الناس، والتي تشكل طليعة حضارية للأمم.(4/2057)
وهذا الهدف لن يتم إلا إذا انتشر الوعي العقائدي، والتشريعي والسياسي بين المسلمين إلى الحد الذي يجمعهم حول المساحات المشتركة صفا واحدا كأنه بنيان مرصوص، كما أنه لن يتم ما لم يصر المجتمع على تطبيق الإسلام على كل نواحي الحياة فترى القرآن فينظمها خير تنظيم وترى الخلق الإسلامي يتحكم في العلائق الاجتماعية، ومن الطبيعي أن يتم السير المنسجم نحو العلوم الطبيعية واكتشاف أفضل سبل الحياة السعيدة والوصول إلى مستوى القوة في كل هذه المجالات.
وهنا نذكر بواجب الفقهاء وهم ورثة الأنبياء في أن يقودوا الحياة الاجتماعية نحو هذه المعاني الخيرة.
والله الموفق.
محمد علي التسخيري(4/2058)
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
مجالات الوحدة الإسلامية
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. في موضوع الوحدة الإسلامية وسبل الاستفادة منها أرجو من الأستاذ مصطفي الفيلالى أن يتفضل بعرض موجز عن هذا الموضوع.
الشيخ مصطفي الفيلالي:
سيدي الرئيس.. حضرات الإخوة الأفاضل:
لا أريد أن أشق عليكم في خاتمة هذه السلسلة الطيبة من اللقاءات والاجتماعات التي استرسل فيها بحثنا لمختلف القضايا المدرجة بجدول الأعمال، ولكني أريد في عجالة أن أستخلص من هذه الأعمال ومن هذه المناقشات كلها ملاحظة أساسية أراها خير تمهيد لما نحن بصدده الآن في خاتمة هذه الجلسات وهذه الملاحظة تتعلق بالأغراض التي قضينا فيها هذه الأيام الأربعة الطيبة. فلقد كانت هذه الأغراض الطبية والمالية والاقتصادية والقانونية والأخلاقية بمثابة المجالات الطيبة التي تلتقي فيها عزائم النخبة من أبناء الأمة الإسلامية لبناء مجتمع إسلامي يكون خير المستجيب لقاعدة وحدة الإيمان التي مَنَّ الله بها علينا في مشارق الأرض ومغاربها. فإنما هذه المباحث كلها هي مطلب على مستوى الحياة وعلى مستوى المعاملات الدنيوية لكي نؤكد وحدتنا الإيمانية ونعززها بوحدة قومية أو بوحدة أمية بوحدة أمة كاملة تتعاون على البر والتقوى ولا تتعاون على الإثم والعدوان. وإذا نحن كما أبان ذلك السيد سماحة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي قبل هذه الجلسة إذا نحن اعتمدنا الواقع وانطلقنا من هذا الواقع ما الذي نلحظه؟ نلحظ أن المجتمع الإسلامي هو جزء من المجتمع المعاصر من محيط المجتمع البشري كافة وأن هذا المجتمع الإسلامي هو وإياه المجتمع المعاصر على ظهر سفينة واحدة بيننا وبين المجتمع المعاصر ضروب من التشارك في الحال والاستقبال وما يمكن أن نسميه أو نطلق عليه التضامن الموضوعي.(4/2059)
فالمجتمع المعاصر بقسميه المصنع والمتخلف أو النامي يشكل اليوم كما هو معلوم تكتلات وأحلافا قائمة في ميادين شتى بين الشعوب المتجاورة جغرافيا في ميدان المنعة والأمن الوطني مما يشكل أحلافا عسكرية، حلف أطلس أو حلف فارسوفيا في ميدان كفاءة التفاوض أو الوزن السياسي ولنا كتلة غربية منضوية تحت زعامة الولايات المتحدة الأمريكية تشابهها أو تقابلها في الجانب الشرقي كتلة أخرى بزعامة موسكو وتكاد أن تخرج أو أن تبرز في العالم اليوم كتلة صفراء بزعامة طوكيو أو بكين. هذه الكتل تعززها من جانب آخر تكتلات اقتصادية تحاول في ميدان الكفاءة الاقتصادية أن تبني وحدة أو مجموعة تضامن مثل التي نتفاوض معها ونتعامل معها في أوروبا وهي السوق الأوروبية المشتركة أو مثل التي أنشأها الاتحاد السوفيتي من حوله في أوروبا الشرقية وتضم تسع دول وتعرف باسم الكومكن. هذا في العالم المصنع. أما في العالم الثالث أو ما يعرف بالعالم الثالث فهناك مجموعات بدرجات متفاوتة من النجاح والفشل في أفريقيا الغربية في أمريكا الجنوبية في آسيا الجنوبية الشرقية إلى غير ذلك. وإنما دعي إلى هذه التكتلات بين الدول المتجاورة والدول المتجانسة في الأهداف أو في الأوضاع الاقتصادية بعض قوانين يعلمها رجال الاقتصاد خير علم وهو أن كل المشاريع الاقتصادية اليوم وخاصة في الميدان الصناعي لها عتبة جدوى أي القدر الأدنى الذي يضمن الجدوى لهذه المشاريع وهو أن تكون لهذه المشاريع سوق لا يقل عدد المستهلكين فيه على 150 مليون مما يشكل عدد العالم العربي بأسره. هذا هو المجتمع الذي نحن فيه فما هي السمات الكبرى في محيط المجتمع الإسلامي ذاته؟ نحن نعلم أن لنا في هذا المجتمع الإسلامي سمات تتوزع وتتفرق تغلبت فيها الخصوصيات الجغرافية والاقتصادية فتفرقت الأقطار بين عدد من السيادات الوطنية وبين عدد من عدد الانتماءات اللغوية والانتسابات العرقية وترابطت هذه الدول أو هذه الشعوب بارتباطات عسكرية واقتصادية ومالية مختلفة مع جهات مختلفة. وهذه المجموعات نعلم أن المجموعة الآسيوية تساوي تقريبا ثلثي في عددها مجموع سكان العالم الإسلامي. وأما المجموعة العربية وهي المجموعة الثانية في الأهمية من حيث العدد فهي تساوي الربع، والمجموعة الأفريقية لا تكاد تزيد على العشر، إلى جانب الأقليات المسلمة المتعددة والمتواجدة خاصة في آسيا وفي أوروبا وفي أمريكا. إلا أن بين هذه المجموعات وبين هذه الأصناف من الشعوب الإسلامية عددا من السمات المشتركة، أولا في الميدان السلبي ثم في الميدان الإيجابي.(4/2060)
ففي الميدان السلبي هناك تبعية أو تبعيات متعددة تخضع لها وترزح تحت نيلها الدول والشعوب الإسلامية تبعيات للدول المصنعة في مقدمتها تبعية علمية فكرية. المراجع الفكرية وأنماط التنمية إلى غير ذلك كلها أو معظمها وارد ومقتبس من الأنماط الغربية. تبعية تكنولوجية نحن نعلم أوزارها ووزرها وثقلها، على حياتنا في مختلف ميادين الحياة. تبعية مالية فيما يتعلق بالاستثمار وتتضح بصفة جلية في مستوى المديونية التي تتحمل أعباءها الشعوب الإسلامية اليوم وهي معروفة غنية عن البيان. وتبعية حربية عسكرية إلى عدد من الانتماءات والأحلاف.
لكن أفظع هذه التبعيات وأكثرها شأنا أو أعظمها شأنا وخطرا على حياتنا هي التبعية الغذائية لأن الشعوب الإسلامية هي اليوم في حالة بعيدة عن الكفاية الغذائية وتستورد أكثر من نصف حاجياتها من الغذاء وتنفق في ذلك أكثر من 60 % من مواردها وخاصة هذه الموارد بالعملة الصعبة.
أختزن بعض الأرقام لتثبيت هذه الحقائق التي نعيشها وهي ذات دلالة على السمات السلبية المشتركة. فالأمية هي ظاهرة تتضح في أوطاننا جميعا وتزيد نسبتها على أكثر من 60 % أدناها 27 % وأقصاها 93 %. الإنفاق على التربية الوطنية وعلى التعليم بالنسبة للناتج الإجمالي الداخلي لا يزيد عن 2.5 % بينما يبلغ 8 % في الدول المصنعة وبعض دول العالم الثالث لا يزيد إنفاقنا على البحث العلمي الذي هو أساس في تقدمنا على 0.2 % بينما يبلغ الإنفاق على البحث العلمي 4 % في الدول المصنعة وطالبت المنظمات العالمية أن نخصص1.5 % من الناتج الإجمالي للبحث العلمي ونحن بعيدون كل البعد عن هذه الأرقام. عدد ما ينشر من الكتب في عالمنا الإسلامي بأسره أقل من عشر ما ينشر في السوق الأوروبية المشتركة بالدول التسعة أو العشرة أو الإثنى عشرة التي تعدها أو أقل ما ينشر في دولة واحدة كاليابان مع أن عدد سكان اليابان يمثل العشر من عدد سكان العالم الإسلامي.(4/2061)
أما في الميدان الاجتماعي فالبطالة هي الظاهرة أو السمة الكبرى التي ترزح تحتها أوطاننا وشعوبنا فثلث من الذكور يرزح في البطالة والثلثان من الإناث يتحملون أوزار البطالة. عدد الأطباء: لنا معدل طبيب واحد، معدلات عامة عن كل خمسة آلاف ساكن في العالم الإسلامي في حين أن العالم المتمدن يعد 6 أطباء على الأقل عن كل 1000 ساكن أي أن هناك طبيب واحد أو أكثر من طبيب واحد عن 180 ساكن أي أن هناك طبيب واحد عن كل 40 عائلة تقريبا.
أما في الميدان الاقتصادي فالمديونية كما أسلفت تبلغ 60 % من الموارد و25 % مخصصة لخدمة الدين والتبعية الغذائية ذكرتها وذكرت الأرقام التي تتعلق بها. وهنالك كذلك التبعية التكنولوجية التي كثرت بشأنها الدراسات وخاصة هناك دراسات نشرها مركز دراسات الوحدة العربية وتدل على أن الشركات الإنشائية التي تقوم في الأوطان الإسلامية بإنشاء الأشغال الكبرى من مراس ومن مطارات ومن مرافق ومن طرقات ومن بناءات كبرى كالمستشفيات إلى غير ذلك نصدر معها أكثر من 70 % من مواردنا بالعملة الصعبة في ميدان الدراسة وفي ميدان الإنجاز لأن الشركات الإنشائية الكبرى معظمها شركات أجنبية ولا يبقى في أوطاننا من الكلفة التي ننفقها في سبيل إنشاء ما نعهد به إليها أكثر من الثلث أو أقل من الثلث.
أريد أن أذكر رقما ذا دلالة بالقياس إلى التبعية التجارية فالمغرب العربي الكبير الذي يعد أربع دول أو خمس دول يشكل ويتعامل في تجارته مع السوق الأوروبية المشتركة. وتمثل تجارة المغرب العربي جملة توريدا وتصديرا مع السوق الأوروبية المشتركة65 % من مجموع المعاملات التجارية لهذه الدول في حين أن مجموعة المغرب العربي ككل بالقياس إلى السوق الأوروبية المشتركة لا يزيد وزنها عن 2 % من المعاملات التجارية الأوروبية.
هل نغفل الميدان الإعلامي وما لنا فيه من تبعية كبيرة ومن وزن بالقياس إلى خمس أو ست شركات كبرى أو وكالات كبرى للأنباء تكيف الرأي العام الإسلامي وتكيف الرأي العام الدولي، وتقدم للرأي العام الدولي الذي نتفاوض معه صورة مشوهة عن الإنسان المسلم وعن الإنسان العربي؟ كل هذه هي بعض السمات السلبية المشتركة بين البلاد الإسلامية.(4/2062)
لنا إلى جانب هذا بحمد الله عدد من السمات الإيجابية المشتركة وأولها القاعدة الحضارية المتينة وركنها العتيد أنا نحن أمة القرآن أمة الإسلام المؤمنة بالله ورسوله {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ} . (1) فتوحيد الإيمان بالله هو المنطلق السديد لتوحيد الأمة ولبناء هذا المجتمع المثالي أو المجتمع المؤمن الطيب، المجتمع العزيز الكريم الذي نريده {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً} . (2)
فالاختلاف هو امتحان إرادة الله وهو سنة الله في خلقه ولا يزالون مختلفين إلا من رحمه ربه ولذلك خلقهم. والهدف الذي ينبغي أن نرمي إليه أن يلتقي توحيد الإيمان مع توحيد الشأن أو أن يكون توحيد العقيدة حافزا قويا دائما على توحيد المجتمع. فلنا حوافز، حوافز سلبية ظرفية وحوافز إيجابية قارة على طلب هذه الوحدة. فأستسمحكم في أن أذكر ما أفرده محمد عبده الجابري وهو من كبار الكتاب المغاربة وأستاذ في جامعة الرباط من دراسة لبنية الفكر العربي والإسلامي وخصص له دراسات متعدة نشر مركز دراسات الوحدة العربية بعضا منها فذكر أن الفكر العربي الإسلامي بحاجة إلى إعادة تأسيس بنيته لأن الحوافز الظرفية التاريخية التي أقام عليها هذا الفكر مشروع الوحدة هي حوافز طيبة إذ كانت لمقاومة الاستعمار في النصف الثاني من القرن الماضي وفي النصف الأول من هذا القرن وطلائع حركات اليقظة العربية الإسلامية كانت طلائع إسلامية اعتمدت سبيل إصلاح الدين، لشحذ روح المقاومة ضد الغرب الاستعماري ومجابهة حينئذ المد الاستعماري الغربي هو الحافز الأساسي الذي بني عليه التضامن في الأهداف وتضامن في الرد وموقف الدفاع عن الحوزة وعن العقيدة.
لنا في المعاصرة حوافز مستمدة من مجابهة التحديات التي كنت أجملت فيها القول وذكرت بعض الأرقام الدالة عليها وتحقيق النهضة وفي مقدمتها الأمن الغذائي والكفاءة الغذائية والاقتدار التكنولوجي ومنعة الأوطان والتنمية المستقلة كل هذا فيه دراسات وليس هذا محل الاعتماد بشأنه.
الحافز الأساسي الكبير والركن المتين هو حافز البناء الحضاري والمشاركة في المعاصرة، فنحن في ركب المعاصرة لا مشاركة بالاستهلاك والاستكانة بل مشاركة بالإبداع والإسهام والريادة. الأساس فيما أعتقد هو تميز النظرة الفكرية؛ لأن للإسلام دورا وأن للإسلام والعقل الإسلامي إسهاما، يمكن أن يمد به الحضارة الإنسانية إذا ما هو اعتمد بعيدا عن الجمود وبعيدا عن العلمانية الضالة اعتمد منطق العقلانية الإسلامية التي بنت الحضارة الإسلامية فيما تشهد به آثار هذه الحضارة من آيات الإبداع في مختلف ميادين المعرفة وفي مختلف ميادين العمران.
__________
(1) الانبياء: (92)
(2) يونس: الآية (19)(4/2063)
هذا هو إعادة تأسيس كما ارتآه محمد عبده الجابري. الانضمام إلى المعاصرة والاضطلاع بما للفكر الإسلامي من كفاءة التغيير والتقدم والرقي الحقيقي، رقيا بديلا من الرقي المادي المحجوب عن المقاصد السامية التي من أجلها استخلف الله الإنسان في الأرض {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا} . (1)
أعتقد أن الشروط التي يجب أن نتوخاها في بناء هذه الوحدة الإسلامية هي بطبيعة الحال شروط مادية ولنا في المؤسسات التي بنيت حول منظمة المؤتمر الإسلامي في مختلف ميادين الشأن الاقتصادي والاجتماعي مشاريع وبرامج كبيرة ومتعددة لا بد أن نهتم بها ونعمل على تطبيقها، لكن أريد أن أركز على الشروط المعنوية وفي مقدمتها تقديم الترابط الداخلي الذاتي، الترابط الحضاري، الترابط في الفكر بين أجزاء العالم الإسلامي. تقديم ذلك على الارتباطات الخارجية مع الدول ومع الحضارة الأخرى. وإعطاء الأولوية المطلقة للعوامل الحضارية المشتركة وفي مقدمتها وحدة الدين ووحدة الفكر الديني، وتنسيق المناهج التربوية والتعليمية على مراحل، التفاتا إلى المستقبل ومحاولة لإنشاء وتخريج جيل من بني القرآن الذين يعتزون بالانتماء إلى أداتيتهم المسلمة العربية والمسلمة بصفة عامة.
إن لنا في التجارب التي وقعت في مختلف أصقاع العالم وخاصة في أوطاننا العربية والإسلامية لنا فيها عبرة ينبغي أن نتجنب الطرائق والوسائل الفورية والرأسية التي حاولنا بها أن نبني وحدة إقليمية بين أجزاء معينة من الأوطان وأن لا نتعجل التاريخ ونقفز فوق المراحل ونقضي على النتوءات وخاصة أن نعتمد على نظرة تبين أنها نظرة خاطئة ومعقدة وهي أن الوحدة لا بد أن تقضي شرطها الأساسي في هذا المفهوم الغالط أن تقضي على الخصوصيات وأن تصل إلى إدماج فكري وملي وإدماج في مختلف الميادين الأخرى من ميادين دستورية وتشريعية واقتصادية واجتماعية إلى غير ذلك لتكوين مجتمع واحد موحد على واجهة عرضها عشرة آلاف كيلومتر. وقد بينت التجارب القليلة التي وقعت في العشريات القريبة أن هذه الطريقة طريقة مغامرة وطريقة مسدودة، وطريقة فاشلة لا تأتي بخير لأن هذا الواقع، واقع القومية، وواقع الوطنيات، هو واقع لا سبيل إلى جحده، ولا فائدة في جحده، ولا نرى أن الوحدة الإسلامية ينبغي أن تنبني على محو هذه الخصوصيات وعلى القضاء عليها لتكوين مجتمع واحد بين ملات ولغات وسمات اجتماعية بينها ما ذكرنا من التميز ومن مراتب الانفراد.
__________
(1) النور: الآية (55)(4/2064)
مجالات الوحدة بين المأمول والممكن. المأمول ممكن بالقوة ومجال التغيير الأنفس هو السبيل الوحيد والسبيل القويمة يصبح هذا الممكن بالقوة ممكنا بالفعل. فتوخي سياسة الممكن وطرق المقاصد الكلية في ميادين كبرى أذكر منها اثنين: ميدان المعاملات التجارية والاقتصادية والمالية على أساس التنسيق لا الوحدة، تنسيق بين سياسات التنمية، تنسيق بين المعاملات التجارية، ولا بأس من تكوين أو النظر أو العمل على تكوين أسواق مشتركة في الأفق الإقليمي بحسب الجهات، وتنسيق بين سياسات الاستثمار، وتنسيق في تبادل الكفاءات والخبرات احتسابا لهجرة الكفاءات والمهارات الفنية وما تسببه من نزيف للمجتمع الإسلامي يفقد بموجبه المجتمع الإسلامي خير ما أنشاه وأنفق على إنشائه من كفاءات ومن مهارات علميه تجد لها سوقا رابحة وسوقا نافقة في الأوطان الغربية من الولايات المتحدة وكندا ومن أوروبا إلى غير ذلك، تنسيق على أساس إقليمي بمنطق التدرج مثلا بين البلاد العربية المؤلفة من أربع مجموعات إقليمية، المغرب ووادي النيل، الخليج، الهلال الخصيب. بين البلاد الآسيوية، بين المجموعات الأفريقية المجموعة الغربية والمجموعة الشرقية. وتوسيع كما قلت الاستفادة من المنظمات الإسلامية والعربية المختصة، لكن الميدان الأساسي قلت إن هذا يمكن أن يقع في ميدانين اثنين كبيرين الميدان الأساسي هو الميدان الفكري، وهنا لا بد من أن نعطي الأولوية الأساسية الكبرى العالية للميدان التربوي والتعليمي لابد من السعي إلى أسلمة مناهج التربية مثل ما ذكر السيد الأمين العام للمجمع، إسلامية مناهج التربية والتعليم بالاعتماد على المراجع الباقية الثابتة من مناهل الفكر الإسلامي العربي وما أنجزه هذا الفكر على مر عشرة قرون من النهضة من آيات الإبداع في مختلف الميادين. لا بد من أن نعود أو يتفطن شبابنا إلى أن الإبداع الذي يلحظه في الحضارة الغربية له جذوره أو له مثيله في الحضارة الإسلامية العربية وأن هذه الحضارة لم تكن شحيحة ولم تكن بخيلة وإنما أنتجت الكثير مما ينسب اليوم إلى علماء الغرب وإلى أساتذتهم وإلى باحثيهم. لا بد من أن نعيد بناء مشاعر العزة في نفوس شبابنا حتى يكون الجيل المقبل نحن إن كان جيلنا هذا مقصرا في باب النهضة وفي باب إنشاء هذه الوحدة لابد أن نفسح المجال ونعد العدة لشباب المستقبل، وشباب المستقبل وهو في الروضة أو في رياض الأطفال أو في المدارس الابتدائية أو على أبواب الكليات أو الجامعات. لا بد أن نعد العدة ونبني هذه الأنفس بناء حضاريا، بناء إسلاميا حتى تكون عدة مستقبلنا الذي نريده أن يكون بديلا وخيرا من حاضرنا الرديء.(4/2065)
أريد أن أبدي بعض ملاحظات تتعلق بهذا الميدان، فميدان الدراسات الدينية ما زال في منزلة بالقياس إلى النهج الكبير من المعارف الوضعية، المعارف الدنيوية المعارف المادية. لا تزال الدراسات الدينية في طريق هامشي وفي منزلة مهمشة وفي منزلة جانبية بالقياس إلى هذا النهج الكبير من نهج المعرفة. فمثلا التفسير تفسير القرآن الكريم. أعتقد شخصيا وهذا رأي شخصي أن المجتمع الإسلامي في حاجة اليوم إلى تفاسير تأخذ في الاعتبار الفتوحات العلمية الكبرى التي بلغها الفكر الإنساني حتى يتبين لنا، حتى يتبين لشبابنا أن في القرآن، أن في كتاب الله، وأن في سنة رسوله (صلى الله عليه وسلم) ما لا يتضارب على أقل تقدير مع هذه الفتوحات العلمية؛ لأن الفكر السائد والذي غرسه الغربيون وغرسته الحضارة الغربية والفكر الغربي في أنفسنا هو أن الكشوفات العلمية والمكاسب الفكرية والمعرفية الكبرى لا يمكن أن تكون مستمدة أو متفاهمة أو منسجمة ومنسقة مع المفاهيم الدينية ومع الفكر الديني. فأحسن مقاومة لهذا هو أن نعيد النظر أو لا أقول نعيد النظر في القرآن وإنما نعيد النظر في المكاسب الفكرية والمكاسب المعرفية حتى نبين لأنفسنا ولشبابنا لأن شيئا من ذلك لا يتنافي مع الفكر القرآني، الفكر الديني بل أن الفكر الديني يبعث على هذه الفتوحات ويدعو إلى المضي في الكشوفات العلمية قدما.
فنحن في ميدان الدراسات الفقهية لا بد من أن نلائم كذلك مع الواقع في أوطاننا الإسلامية وهذا واقع لا سبيل إلى إنكاره. الأوطان التي تتطبق وتعمل على تطبيق الشريعة الإسلامية أوطان قليلة العدد وبقيت الأوطان الإسلامية تعمل بمراجع قانونية أجنبية فلا بد من أن تنصب الدراسات الفقهية إلى تمهيد السبيل للتشاريع الوضعية في أوطاننا التي لا نستطيع أن نقلبها رأسا على عقب بين عشية وضحاها. لا بد من أن نتعامل مع الواقع فيما يقتضيه الواقع من مرحلية، أن نعمل على أن تكون هذه التشاريع مستمدة إن لم تكن مستمدة تماما على أقل تقدير ليس فيها ما يتضارب والشريعة الإسلامية وأحكام الشريعة الإسلامية حتى لا يكون بين المسلم وبين دينه هذا الصراع أو هذه الفجوة أو الجفوة المصطنعة التي هي من آثار الحياة المدنية والمجتمع المدني كما نمارسه في مجتمعاتنا الإسلامية. لا يكون جيل القرآن ولا يمكن أن يكون جيل الاستكانة للظلم والحيف وانكسار الذات وانثلام الذاتية ولا جيل القهر والسفاهة السياسية المبنية على الحرمان المستمر من المشاركة في الحياة العامة في حياة أوطانه ومن الاجتهاد. فلا فائدة في وحدة بين رعاع سفهاء مولى على عقولهم مستلبة شخصيتهم، مطموسة قدراتهم في بناء المجتمع الرشيد الذي نبتغيه.(4/2066)
هذه بعض الملاحظات حول هذا الموضوع الشائك هذا الموضوع المتسع وأعتقد أن ما يمضي فيه مجمع الفقه الإسلامي من بحوث ومن لقاءات حول مختلف القضايا كالتي بحثناها في هذه الدورة الطيبة المباركة يمهد ويعين على إنشاء هذا المستقبل الكريم البديل من حاضرنا الذي نبتغيه. وأن مدار التغيير الذي نبتغيه إنما هي الأنفس والعقول وفقا للآية الكريمة {إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} . (1)
والسلام عليكم.
الرئيس:
وعليكم السلام ورحمة الله. وشكرا. في الواقع إن الموضوع كما ذكرت لكم في الجلسة التي امتدت من هذه منها وهو أن هذا الموضوع أصوله من المسلمات ولهذا فإنه من المستحسن أن يعهد إلى الأمانة بأن تعد صياغة للتوصية في هذا الموضوع من خلال الأبحاث والدراسات التي لديها ومن خلال فطرة المسلم لما هو معلوم لدى الجميع. فهل ترون هذا مناسبا؟
__________
(1) الرعد: الآية (11)(4/2067)
القرار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (1) د 4 / 08 / 88
بشأن
انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6-11 فبراير 1988م.
بعد hطلاعه على الأبحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا".
وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي والطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية المفيدة والمشوبة في كثير من الأحيان بالأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن ممارسته دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع إعمال مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد والجماعة، والداعية إلى التعاون والتراحم والإيثار.(4/2068)
وبعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره وحالاته التي يختلف الحكم تبعًا لها.
قرر ما يلي:
من حيث التعريف والتقسيم:
أولاً: يقصد هنا بالعضو: أي جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها، كقرنية العين، سواء أكان متصلاً به، أم انفصل عنه.
ثانيًا: الانتفاع الذي هو محل البحث، هو استفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه.
على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعًا.
ثالثًا: تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1 - نقل العضو من حي.
2 - نقل العضو من ميت.
3 - النقل من الأجنة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي، تشمل الحالات التالية:
أ - نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.
ب - نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر. وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.
أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فرديًا، وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما لا تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم بها. ومنه ما يتجدد تلقائيًا كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والموروثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائيًا لا رجعة فيه طبيًا.
الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفًا تامًا لا رجعة فيه طبيًا.
فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة.(4/2069)
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة، وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
حالة الأجنة التي تسقط تلقائيًا.
حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
حالة "اللقائح المستنبتة خارج الرحم".
من حيث الأحكام الشرعية:
أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
ثانيًا: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثًا: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما، عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعًا: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
خامسا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءًا من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادسًا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
سابعًا: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو؛ إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد؛ ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريمًا، فمحل اجتهاد ونظر.
ثامنًا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.(4/2070)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (2) د 4/08/88
بشأن صرف الزكاة
لصالح صندوق التضامن الإسلامي
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408 هـ, الموافق 6-11 فبراير1988م.
بعد اطلاعه على المذكرة التفسيرية بشأن "صندوق التضامن الإسلامي ووقفيته المقدمة إلى الدورة الثالثة للمجمع، وعلى الأبحاث الواردة إلى المجمع في دورته الحالية بخصوص موضوع صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي "
يوصي:
- عملا على تمكين صندوق التضامن الإسلامي من تحقيق أهدافه الخيرة (المبينة في نظامه الأساسي) والتي أنشئ من أجلها، والتزاما بقرار القمة الإسلامي الثاني الذي نص على إنشاء هذا الصندوق وتمويله من مساهمات الدول الأعضاء، ونظرا لعدم انتظام بعض الدول في تقديم مساعداتها الطوعية له - يناشد المجمع الدول والحكومات والهيئات والموسرين المسلمين القيام بواجبهم في دعم موارد الصندوق بما يمكنه من تحقيق مقاصده النبيلة في خدمة الأمة الإسلامية.(4/2071)
ويقرر
أولا: لا يجوز صرف أموال الزكاة لدعم وقفية صندوق التضامن الإسلامي؛ لأن في ذلك حبسا للزكاة عن مصارفها الشرعية المحددة في الكتاب الكريم.
ثانيا: لصندوق التضامن الإسلامي أن يكون وكيلا عن الأشخاص والهيئات في صرف الزكاة في وجوهها الشرعية بالشروط التالية:
أ - أن تتوافر شروط الوكالة الشرعية بالنسبة للموكل والوكيل.
ب - أن يدخل الصندوق على نظامه الأساسي وأهدافه التعديلات المناسبة التي تمكنه من القيام بهذا النوع من التصرفات.
جـ- أن يخصص صندوق التضامن حسابا خاصا بالأموال الواردة من الزكاة، بحيث لا تختلط بالموارد الأخرى التي تنفق في غير مصارف الزكاة الشرعية، كالمرافق العامة ونحوها.
د- لا يحق للصندوق صرف شيء من هذه الأموال الواردة للزكاة في النفقات الإدارية ومرتبات الموظفين وغيرها من النفقات التي لا تندرج تحت مصارف الزكاة الشرعية.
هـ- لدافع الزكاة أن يشترط على الصندوق دفع زكاته فيما يحدده من مصارف الزكاة الثمانية، وعلى الصندوق – في هذه الحالة – أن يتقيد بذلك.
و يلتزم الصندوق بصرف هذه الأموال إلى مستحقيها في أقرب وقت ممكن حتى يتيسر لمستحقيها الانتفاع بها وفي مدة أقصاها سنة.(4/2072)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه
قرار رقم (3) د 4/08/88
بشأن
زكاة الأسهم في الشركات
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ. الموافق 6-11 فبراير 1988م.
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "زكاة أسهم الشركات"
قرر ما يلي:
أولاً: تجب زكاة الأسهم على أصحابها، وتخرجها إدارة الشركة نيابة عنهم إذا نص في نظامها الأساسي على ذلك، أو صدر به قرار من الجمعية العمومية، أو كان قانون الدولة يلزم الشركات بإخراج الزكاة، أو حصل تفويض من صاحب الأسهم لإخراج إدارة الشركة زكاة أسهمه.
ثانياً: تخرج إدارة الشركة زكاة الأسهم كما يخرج الشخص الطبيعي زكاة أمواله، بمعنى أن تعتبر جميع أموال المساهمين بمثابة أموال شخص واحد، وتفرض عليها الزكاة بهذا الاعتبار من حيث نوع المال الذي تجب فيه الزكاة، ومن حيث النصاب، ومن حيث المقدار الذي يؤخذ، وغير ذلك مما يراعى في زكاة الشخص الطبيعي، وذلك أخذاً بمبدأ الخلطة عند من عممه من الفقهاء في جميع الأموال.
ويطرح نصيب الأسهم التي لا تجب فيها الزكاة، ومنها أسهم الخزانة العامة، وأسهم الوقف الخيري، وأسهم الجهات الخيرية، وكذلك أسهم غير المسلمين.(4/2073)
ثالثاً: إذا لم تزك الشركة أموالها لأي سبب من الأسباب، فالواجب على المساهمين زكاة أسهمهم، فإذا استطاع المساهم أن يعرف من حسابات الشركة ما يخص أسهمه من الزكاة لو زكت الشركة أموالها على النحو المشار إليه، زكى أسهمه على هذا الاعتبار؛ لأنه الأصل في كيفية زكاة الأسهم.
وإن لم يستطع المساهم معرفة ذلك:
فإن كان ساهم في الشركة بقصد الاستفادة من ريع الأسهم السنوي، وليس بقصد التجارة؛ لأنه يزكيها زكاة المستغلات، وتمشياً مع ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثانية بالنسبة لزكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية، فإن صاحب هذه الأسهم لا زكاة عليه في أصل السهم، وإنما تجب الزكاة في الريع، وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم قبض الريع مع اعتبار توافر شروط الزكاة وانتفاء الموانع.
وإن كان المساهم قد اقتنى الأسهم بقصد التجارة، زكاها زكاة عروض التجارة، فإذا جاء حول زكاته وهي في ملكه، زكى قيمتها السوقية، وإذا لم يكن لها سوق، زكى قيمتها بتقويم أهل الخبرة، فيخرج ربع العشر 2.5 % من تلك القيمة ومن الربح إذا كان للأسهم ربح.
رابعاً: إذا باع المساهم أسهمه في أثناء الحول ضم ثمنها إلى ماله وزكاه معه عندما يجيء حول زكاته. أما المشتري فيزكي الأسهم التي اشتراها على النحو السابق.(4/2074)
قرار رقم (4) د 4/ 08 /88
بشأن
انتزاع الملكية للمصلحة العامة
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18- 23 جمادى الآخر 1408هـ، الموافق 6-11 فبراير 1988م، بعد الإطلاع على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع " انتزاع الملك للمصلحة العامة"
وفي ضوء ما هو مسلم في أصول الشريعة، من احترام الملكية الفردية، حتى أصبح ذلك من قواطع الأحكام المعلومة من الدين بالضرورة، وأن حفظ المال أحد الضروريات الخمس التي عرف من مقاصد الشريعة رعايتها، وتواردت النصوص الشرعية من الكتاب والسنة على صونها، مع استحضار ما ثبت بدلالة السنة النبوية وعمل الصحابة رضي الله عنهم فمن بعدهم من نزع ملكية العقار للمصلحة العامة، تطبيقًا لقواعد الشريعة العامة في رعاية المصالح وتنزيل الحاجة العامة منزلة الضرورة وتحمل الضرر الخاص لتفادي الضرر العام.
قرر ما يلي:
أولا: يجب رعاية الملكية الفردية وصيانتها من أي اعتداء عليها، ولا يجوز تضييق نطاقها أو الحد منها، والمالك مسلط على ملكه، وله في حدود المشروع التصرف فيه بجميع وجوهه وجميع الانتفاعات الشرعية.
ثانيًا: لا يجوز نزع ملكية العقار للمصلحة العامة إلا بمراعاة الضوابط والشروط الشرعية التالية:
1-أن يكون نزع العقار مقابل تعويض فوري عادل يقدره أهل الخبرة بما لا يقل عن ثمن المثل.
2-أن يكون نازعه ولي الأمر أو نائبه في ذلك المجال.
3-أن يكون النزع للمصلحة العامة التي تدعو إلى ضرورة عامة أو حاجة عامة تنزل منزلتها كالمساجد والطرق والجسور.
4-أن لا يؤول العقار المنزوع من مالكه إلى توظيفه في الاستثمار العام أو الخاص، وألا يعجل نزع ملكيته قبل الأوان.
فإن اختلت هذه الشروط أو بعضها كان نزع ملكية العقار من الظلم في الأرض والغصوب التي نهى الله تعالى عنها ورسوله صلى الله عليه وسلم.
على أنه إذا صرف النظر عن استخدام العقار المنزوعة ملكيته في المصلحة المشار إليها تكون أولوية استرداده لمالكه الأصلي، أو لورثته بالتعويض العادل.(4/2075)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه وسلم.
قرار رقم (5) د 4/ 08/ 88
بشأن
سندات المقارضة وسندات الاستثمار
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 – 23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6 –11 فبراير 1988م.
بعد اطلاعه على الأبحاث المقدمة في موضوع (سندات المقارضة وسندات الاستثمار) والتي كانت حصيلة الندوة التي أقامها المجمع بالتعاون مع المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية بتاريخ 6 – 9 محرم 1408هـ/ 30 / 8 - 2/ 9/ 1987م تنفيذا لقرار رقم (10) المتخذ في الدورة الثالثة للمجمع وشارك فيها عدد من أعضاء المجمع وخبرائه وباحثي المعهد وغيره من المراكز العلمية والاقتصادية وذلك للأهمية البالغة لهذا الموضوع وضرورة استكمال جميع جوانبه، للدور الفعال لهذه الصيغة في زيادة القدرات على تنمية الموارد العامة عن طريق اجتماع المال والعمل.
وبعد استعراض التوصيات العشر التي انتهت إليها الندوة ومناقشتها في ضوء الأبحاث المقدمة في الندوة وغيرها، قرر ما يلي:(4/2076)
أولا: من حيث الصيغة المقبولة شرعا لصكوك المقارضة:
1- سندات المقارضة هي أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال القراض (المضاربة) بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصا شائعة في رأس مال المضاربة وما يتحول إليه، بنسبة ملكية كل منهم فيه.
ويفضل تسمية هذه الأداة الاستثمارية (صكوك المقارضة) .
2- الصورة المقبولة شرعا لسندات المقارضة بوجه عام لا بد أن تتوافر فيها العناصر التالية:
العنصر الأول:
أن يمثل الصك ملكية حصة شائعة في المشروع الذي أصدرت الصكوك لإنشائه أو تمويله، وتستمر هذه الملكية طيلة المشروع من بدايته إلى نهايته.
وترتب عليها جميع الحقوق والتصرفات المقررة شرعا للمالك في ملكه من بيع وهبة ورهن وإرث وغيرها، مع ملاحظة أن الصكوك تمثل رأس مال المضاربة.
العنصر الثاني:
يقوم العقد في صكوك المقارضة على أساس أن شروط التعاقد تحددها (نشرة الإصدار) وأن (الإيجاب) يعبر عنه (الاكتتاب) في هذه الصكوك، وأن (القبول) تعبر عنه موافقة الجهة المصدرة.
ولا بد أن تشتمل نشرة الإصدار على جمع البيانات المطلوبة شرعا في عقد القراض (المضاربة) من حيث بيان معلومية رأس المال وتوزيع الربح مع بيان الشروط الخاصة بذلك الإصدار على أن تتفق جميع الشروط مع الأحكام الشرعية.(4/2077)
العنصر الثالث:
أن تكون صكوك المقارضة قابلة للتداول بعد انتهاء الفترة المحددة للاكتتاب باعتبار ذلك مأذونا فيه من المضارب عند نشوء السندات مع مراعاة الضوابط التالية:
أ - إذا كان مال القراض المتجمع بعد الاكتتاب وقبل المباشرة في العمل بالمال ما يزال نقودا فإن تداول صكوك المقارضة يعتبر مبادلة نقد بنقد وتطبق عليه أحكام الصرف.
ب - إذا أصبح مال القراض ديونا تطبق على تداول صكوك المقارضة أحكام تداول التعامل بالديون.
ج - إذا صار مال القراض موجودات مختلطة من النقود والديون الأعيان والمنافع فإنه يجوز تداول صكوك المقارضة وفقا للسعر المتراضي عليه، على أن يكون الغالب في هذه الحالة أعيانا ومنافع. أما إذا كان الغالب نقودا أو ديونا فتراعى في التداول الأحكام الشرعية التي ستبينها لائحة تفسيرية توضع وتعرض على المجمع في الدورة القادمة.
وفي جميع الأحوال يتعين تسجيل التداول أصوليا في سجلات الجهة المصدرة.
العنصر الرابع:
أن من يتلقى حصيلة الاكتتاب في الصكوك لاستثمارها وإقامة المشروع بها هو المضارب، أي عامل المضاربة ولا يملك من المشروع إلا بمقدار ما قد يسهم به بشراء بعض الصكوك فهو رب مال بما أسهم به بالإضافة إلى أن المضارب شريك في الربح بعد تحققه بنسبة الحصة المحددة له في نشرة الإصدار وتكون ملكيته في المشروع على هذا الأساس.
وأن يد المضارب على حصيلة الاكتتاب في الصكوك وعلى موجودات المشروع هي يد أمانة لا يضمن إلا بسبب من أسباب الضمان الشرعية.
3- مع مراعاة الضوابط السابقة في التداول:
يجوز تداول المقارضة في أسواق الأوراق المالية إن وجدت بالضوابط الشرعية وذلك وفقا لظروف العرض والطلب ويخضع لإرادة العاقدين. كما يجوز أن يتم التداول بقيام الجهة المصدرة في فترات دورية معينة بإعلان أو إيجاب يوجه إلى الجمهور تلتزم بمقتضاه خلال مدة محددة بشراء هذه الصكوك من ربح مال المضاربة بسعر معين ويحسن أن تستعين في تحديد السعر بأهل الخبرة وفقا لظروف السوق والمركز المالي للمشروع. كما يجوز الإعلان عن الالتزام بالشراء من غير الجهة المصدرة من مالها الخاص، على النحو المشار إليه.
4- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على نص بضمان عامل المضاربة رأس المال أو ضمان ربح مقطوع أو منسوب إلى رأس المال، فإن وقع النص على ذلك صراحة أو ضمنا بطل شرط الضمان واستحق المضارب ربح مضاربة المثل.(4/2078)
5- لا يجوز أن تشتمل نشرة الإصدار ولا صك المقارضة الصادر بناء عليها على نص يلزم بالبيع ولو كان معلقا أو مضافا للمستقبل. وإنما يجوز أن يتضمن صك المقارضة وعدا بالبيع. وفي هذه الحالة لا يتم البيع إلا بعقد بالقيمة المقدرة من الخبراء ويرضي الطرفين.
6- لا يجوز أن تتضمن نشرة الإصدار ولا الصكوك المصدرة على أساسها نصا يؤدي إلى احتمال قطع الشركة في الربح فإن وقع كان العقد باطلا.
ويترتب على ذلك:
أ - عدم جواز اشتراط مبلغ محدد لحملة الصكوك أو صاحب المشروع في نشرة الإصدار وصكوك المقارضة الصادرة بناء عليها.
ب - أن محل القسمة هو الربح بمعناه الشرعي، وهو الزائد عن رأس المال وليس الإيراد أو الغلة. ويعرف مقدار الربح، إما بالتنضيض أو بالتقويم للمشروع بالنقد، وما زاد عن رأس المال عند التنضيض أو التقويم فهو الربح الذي يوزع بين حملة الصكوك وعامل المضاربة، وفقا لشروط العقد.
ج- أن يعد حساب أرباح وخسائر للمشروع وأن يكون معلنا وتحت تصرف حملة الصكوك.
7- يستحق الربح بالظهور، ويملك بالتنضيض أو التقويم ولا يلزم إلا بالقسمة. وبالنسبة للمشروع الذي يدر إيرادا أو غلة فإنه يجوز أن توزع غلته. وما يوزع على طرفي العقد قبل التنضيض (التصفية) يعتبر مبالغ مدفوعة تحت الحساب.
8- ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار على اقتطاع نسبة معينة في نهاية كل دورة، إما من حصة الصكوك في الأرباح في حالة وجود تنضيض دوري، وإما من حصصهم في الإيراد أو الغلة الموزعة تحت الحساب ووضعها في احتياطي خاص لمواجهة مخاطر رأس المال.
9- ليس هناك ما يمنع شرعا من النص في نشرة الإصدار أو صكوك المقارضة على وعد طرف ثالث منفصل في شخصيته وذمته المالية عن طرفي العقد بالتبرع بدون مقابل بمبلغ مخصص لجبر الخسران في مشروع معين، على أن يكون التزاما مستقلا عن عقد المضاربة بمعنى أن قيامه بالوفاء بالتزامه ليس شرطا في نفاذ العقد وترتب أحكامه عليه بين أطرافه ومن ثم فليس لحملة الصكوك أو عامل المضاربة الدفع ببطلان المضاربة أو الامتناع عن الوفاء بالتزاماتهم بها بسبب عدم قيام المتبرع بالوفاء بما تبرع به بحجة أن هذا الالتزام كان محل اعتبار في العقد.(4/2079)
ثانيا:
استعرض مجلس المجمع أربع صيغ أخرى اشتملت عليها توصيات الندوة التي أقامها المجمع، وهي مقترحة للاستفادة منها في إطار تعمير الوقف واستثماره دون الإخلال بالشروط التي يحافظ فيها على تأييد الوقف وهي:
أ - إقامة شركة بين جهة الوقف بقيمة أعيانه وبين أرباب المال بما يوظفونه لتعمير الوقف.
ب - تقديم أعيان الوقف (كأصل ثابت) إلى من يعمل فيها بتعميرها من ماله بنسبة من الريع.
ج- تعمير الوقف بعقد الاستصناع مع المصارف الإسلامية لقاء بدل من الريع.
د - إيجار الوقف بأجرة عينية هي البناء عليها وحده، أو مع أجرة يسيرة.
وقد اتفق رأي مجلس المجمع مع توصية الندوة بشأن هذه الصيغ من حيث حاجتها إلى مزيد من البحث والنظر وعهد إلى الأمانة العامة الاستكتاب فيها، مع البحث عن صيغ شرعية أخرى للاستثمار، وعقد ندوة لهذه الصيغ لعرض نتائجها على المجمع في دورته القادمة.(4/2080)
القرار
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (6) دع /08/ 88
بشأن بدل الخلو
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18- 22 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6- 12 فبراير 1988م.
بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية الواردة إلى المجمع بخصوص (بدل الخلو) وبناء عليه.
قرر ما يلي:
أولا: تنقسم صور الاتفاق على بدل الخلو إلى أربع صور هي:
1- أن يكون الاتفاق بين مالك العقار وبين المستأجر عند بدء العقد.
2- أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين المالك وذلك في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
3- أن يكون الاتفاق بين المستأجر وبين مستأجر جديد، في أثناء مدة عقد الإجارة أو بعد انتهائها.
4- أن يكون الاتفاق بين المستأجر الجديد وبين كل من المالك والمستأجر الأول قبل انتهاء المدة، أو بعد انتهائها.
ثانيا: إذا اتفق المالك والمستأجر على أن يدفع المستأجر للمالك مبلغا مقطوعا زائدا عن الأجرة الدورية (وهو ما يسمى في بعض البلاد خلوا) ، فلا مانع شرعا من دفع هذا المبلغ المقطوع على أن يعد جزءا من أجرة المدة المتفق عليها، وفي حالة الفسخ تطبق على هذا المبلغ أحكام الأجرة.(4/2081)
ثالثا: إذا تم الاتفاق بين المالك وبين المستأجر أثناء مدة الإجارة على أن يدفع المالك إلى المستأجر مبلغا مقابل تخليه عن حقه الثابت بالعقد في ملك منفعة بقيمة المدة، فإن بدل خلو هذا جائز شرعا، لأنه تعويض عن تنازل المستأجر برضاه عن حقه في المنفعة التي باعها للمالك.
أما إذا انقضت مدة الإجارة، ولم يتجدد العقد صراحة أو ضمنا عن طريق التجديد التلقائي حسب الصيغة المفيدة له، فلا يحل بدل الخلو، لأن المالك أحق بملكه بعد انقضاء حق المستأجر.
رابعا: إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد أثناء مدة الإجارة على التنازل عن بقية مدة العقد لقاء مبلغ زائد عن الأجرة الدورية، فإن بدل الخلو هذا جائز شرعا، مع مراعاة مقتضى عقد الإجارة المبرم بين المالك والمستأجر الأول، ومراعاة ما تقضي به القوانين النافذة الموافقة للأحكام الشرعية.
على أنه في الإجارات الطويلة المدة خلافا لنص عقد الإجارة طبقا لما تسوغه بعض القوانين لا يجوز للمستأجر إيجار العين لمستأجر آخر، ولا أخذ بدل الخلو فيها إلا بموافقة المالك.
أما إذا تم الاتفاق بين المستأجر الأول وبين المستأجر الجديد بعد انقضاء المدة فلا يحل بدل الخلو، لانقضاء حق المستأجر الأول في منفعة العين.(4/2082)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (7) د 4/ 08/ 88
بشأن
بيع الاسم التجاري والترخيص
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18- 23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6- 11 فبراير 1988م.
بعد اطلاعه على الأبحاث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع (بيع الاسم التجاري والترخيص) والتي تفاوتت في تناولها للموضوع واختلفت المصطلحات المستخدمة فيها تبعا للأصول اللغوية التي ترجمت عنها تلك الصيغ العصرية، بحيث لم تتوارد الأبحاث على موضوع واحد وتباينت وجهات النظر.
قرر ما يلي:
أولا: تأجيل النظر في هذا الموضوع إلى الدورة الخامسة للمجلس حتى تستوفي دراسته من كل جوانبه مع مراعاة الأمور التالية:
أ - اتباع منهجية مقاربة في البحث تبدأ من مقدماته التي يتم فيها تحرير المسألة وتحديد نطاق البحث مع تناول جميع المصطلحات المتداولة في الأبحاث الحقوقية مع مرادفاتها.
ب - الإشارة إلى السوابق التاريخية للموضوع وما طرح فيه من أنظار شرعية أو حقوقية لها أثر في إيضاح التصور وأحكام التقسيم.(4/2083)
ثانيا: محاولة إدراج موضوع (بيع الاسم التجاري والترخيص) تحت موضوع عام لتكون الدراسة أحكم والفائدة أعم وأوسع، وذلك تحت عنوان (الحقوق المعنوية) لكي تستوفي المفردات الأخرى من مثل (حق التأليف – حق الاختراع أو الابتكار – حق الرسالة – حق الرسوم والنماذج الصناعية والتجارية من علامات وبيانات..إلخ) .
ثالثا: يمكن للباحثين أن يركزوا على مفردة معينة من الحقوق المشار إليها، كما يمكنهم توسيع نطاق أبحاثهم لتشمل المفردات المتقاربة في هيكل الموضوع العام.(4/2084)
قرار رقم (8) د 40/ 08/ 88
بشأن
التأجير المنتهي بالتمليك والمرابحة للآمر بالشراء
وتغير قيمة العملة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (8) د /08/ 88
بشأن
التأجير المنتهي بالتمليك والمرابحة للآمر بالشراء
وتغير قيمة العملة
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18 – 23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6- 11 فبراير 1988م.
قرر ما يلي:
أولا: تأجيل النظر في كل من موضوع (التأجير المنتهي بالتمليك) وموضوع (المرابحة للآمر بالشراء) وكذلك تأجيل البت في موضوع (تغير قيمة النقد) للحاجة لاستيفاء جوانبه إلى الدورة القادمة:
ثانيا: تكليف الأمانة العامة استيفاء دراسة الموضوعين واستحضار ما قدم من أبحاث في موضوع (التأجير المنتهي بالتمليك) وما صدرت فيه من قرارات عن الندوة الفقهية الأولى لبيت التمويل الكويتي التي عقدت عام 1407هـ (1987م) . وما قدم من أبحاث في موضوع (المرابحة للآمر بالشراء) في ندورة استراتيجية الاستثمار في المصارف الإسلامية التي أقيمت في عمان عام 1407هـ (1987م) . بالتعاون بين المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب للبنك الإسلامي للتنمية، والمجمع الملكي للحضارة الإسلامية.(4/2085)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه..
قرار رقم (11) دع /08/ 88
بشأن مشروع الموسوعة الفقهية
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 16-11 فبراير 1988م.
بعد دراسة التقرير المعد من اللجنة المكلفة بإعداد الخطة التنفيذية لمشروع الموسوعة الفقهية، والمشتمل على الخطوات المقترحة للتنفيذ، وهيكل الزمرة المرشحة للبدء بها (زمرة المشاركات) ، وخطط مقرراتها. وبعد اطلاعه على تقرير اللجنة الفرعية المكونة في أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع الموسوعة الفقهية وتوصيتها باعتماد الخطة التنفيذية للمشروع وفق التعديل المقترح منها، والجوانب المقترح إدخالها على خطط الموضوعات والمراجع المضافة إلى قائمة المراجع.
قرر ما يلي:
اعتماد الخطة التنفيذية الواردة في تقرير اللجنة المكلفة بإعدادها وفق الاقتراحات المقترحة من اللجنة الفرعية، وتكليف الأمانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه.(4/2086)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه..
قرار رقم (12) دع /08/88
بشأن مشروع موسوعة القواعد الفقهية
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 16-21 فبراير 1988م.
وبعد دراسة التقرير المعد عن مشروع معلمة القواعد الفقهية واطلاعه علي تقرير اللجنة المكونة في أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع موسوعة القواعد الفقهية ومراحل السير فيه، والمشتمل علي الصياغة النهائية للمشروع ثم المراحل السبع المقترحة لإعداد الموسوعة وما في المرحلة الأولى والخامسة من تعدد الرأي.
قرر ما يلي:
أولا: اعتماد الصياغة النهائية لمشروع موسوعة القواعد الفقهية والمراحل المتفق علي اقتراحها من لجنة المشروع.
ثانيا: تكليف الأمانة العامة للمجمع متابعة تنفيذ ما يترك لها اختيار ما تراه مناسبا من الرأيين المطروحين من لجنة المشروع بالنسبة للمرحلة الأولى والخامسة من مراحل إعداده.(4/2087)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام علي سيدنا محمد خاتم النبيين وعلي آله وصحبه..
قرار رقم (10) دع/08/ 88
بشأن
مشروع تيسير الفقه
إن مجلس الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة، الموافق 6-11 فبراير 1988م.
بعد دراسة التقرير المعد عن مشروع تيسير الفقه والمشتمل علي الخطة المقترحة للمشروع كما وردت من اللجنة المكلفة بالإشراف عليه.
وبعد اطلاعه علي تقرير اللجنة الفرعية المكونة في أثناء انعقاد هذه الدورة لدراسة مشروع تيسير الفقه وتوصياتها باعتماد الخطة المشار إليها وتكليف الأمانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه.
قرر ما يلي:
اعتماد الخطة الواردة في تقرير اللجنة المشرفة علي مشروع تيسير الفقه وفق التعديل المقترح منها، وتكليف الأمانة العامة للمجمع متابعة تنفيذه..(4/2088)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وصحبه وعلى آله
قرار رقم (9) دع /08 /88
بشأن البهائية
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الرابع بجدة من 18 إلى 23 جمادى الآخرة 1408 هـ (الموافق من 6 إلى 11 فبراير1988م)
-انطلاقا من قرار مؤتمر القمة الإسلامي الخامس المنعقد بدولة الكويت من 26 إلى 29 جمادى الأولى 1407هـ (الموافق 26 إلى 29 يناير 1987م) , والقاضي بإصدار مجمع الفقه الإسلامي رأيه في المذاهب الهدامة التي تتعارض مع تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة.
- واعتبارا لما تشكله البهائية من أخطار على الساحة الإسلامية وما تلقاه من دعم من قبل الجهات المعادية للإسلام.
-وبعد التدبر العميق في معتقدات هذه الفئة والتأكد من أن البهاء مؤسس هذه الفرقة يدعي الرسالة ويزعم أن مؤلفاته وحي منزل, ويدعو الناس أجمعين إلى الإيمان برسالته, وينكر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو خاتم المرسلين ويقول: إن الكتب المنزلة عليه ناسخة للقرآن الكريم, كما يقول بتناسخ الأرواح.
-وفي ضوء ما عمد إليه البهاء في كثير من فروع الفقه بالتغيير والإسقاط, ومن ذلك تغييره لعدد الصلوات المكتوبة وأوقاتها إذ جعلها تسعا تؤدى على ثلاث كرات, في البكورة مرة, وفي الأصال مرة, وفي الزوال مرة, وغيَّر التيمم فجعله يتمثل في أن يقول البهائي: (بسم الله الأطهر الأطهر , وجعل الصيام تسعة عشر يوما تنتهي في عيد النيروز في الواحد والعشرين من مارس في كل عام, وحول القبلة إلى بيت البهاء في عكا بفلسطين المحتلة وحرم الجهاد وأسقط الحدود وسوى بين الرجل والمرأة في الميراث وأحل الربا) .(4/2089)
وبعد الاطلاع على البحوث المقدمة في موضوع (مجالات الوحدة الإسلامية) المتضمنة التحذير من الحركات الهدامة التي تفرق الأمة وتهز وحدتها وتجعلها شيعا وأحزابا وتؤدي إلى الردة والبعد عن الإسلام.
يوصي:
بوجوب تصدي الهيئات الإسلامية في كافة أنحاء العالم بما لديها من إمكانات لمخاطر هذه النزعة الملحدة التي تستهدف النيل من الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة.
ويقرر:
اعتبار ما ادعاه البهاء من الرسالة ونزول الوحي عليه ونسخ الكتب التي أنزلت عليه للقرآن الكريم، وإدخاله تغييرات على فروع شريعة ثابتة بالتواتر، هو إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومنكر ذلك تنظبق عليه أحكام الكفار بإجماع المسلمين.
والله أعلم..(4/2090)
مشروع
الموسوعة الفقهية
تقرير عن اجتماع اللجنة المكلفة بإعداد الخطة التنفيذية
للموسوعة الفقهية.
زمرة المشاركات والتصرفات المشاكلة لها.
(مقدمة عن الزمرة والخصائص العامة للمشاركات)
تقرير اللجنة الفرعية المشكلة لدراسة مشروع الموسوعة الفقهية.
قرار رقم (11) دع /08/ 88 بشأن الموسوعة الفقهية.(4/2091)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير عن اجتماع اللجنة المكلفة بإعداد الخطة التنفيذية للموسوعة الفقهية
27-29/ 6 /1407هـ - 25-27/ 2/ 1987م
بدأت الاجتماعات المشار إليها أعلاه في مقر المجمع (في المكتبة) الساعة العاشرة من صباح يوم الأربعاء المؤرخ 27 جمادى الآخر 1407هـ الموافق5 2 فبراير 1987م. بواقع جلستين يوميا إحداهما من الصباح إلى الظهيرة، والأخرى عقب صلاة العصر إلى العشاء، فضلا عن جلسات تكميلية بعد العشاء عقدها الأعضاء في الفندق الذي ينزلون فيه.. وقد شارك في الاجتماعات المشار إليها كل من:
- الدكتور عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان.
- الدكتور نزيه كمال حماد.
- الدكتور عبد الستار أبو غدة- عضو المجمع (مقررا) .
واعتذر عن عدم الحضور الدكتور محمد إبراهيم علي لارتباطه بعمله في جامعة أم القرى.
وقد استهلت الاجتماعات بتقديم المقرر تلخيصا لما عرض في دورات المجمع السابقة، وما صدر عنه فيها بشأن الموسوعة المجمعية لفقه المعاملات، ولا سيما ما يتصل بخصائص الموسوعة وقيودها ومتطلباتها التي اعتمدها مجلس المجمع في دورته الثانية، وكذلك اللوائح المالية التي اعتمدها في دورته الثالثة، فضلا عن المذكرة التوضيحية الشارحة لخصائص الموسوعة، والمفصلة للخطوات التنفيذية المطلوبة لإعدادها والمشتملة على التقسيم المختار من حيث الزمر والأبواب.
وقد تمت الإشارة إلى إمكانية التعديل في المذكرة التوضيحية ولا سيما في الزمر زيادة ونقصا لها من حيث هي أو لما اشتملت عليه من أبواب إثباتا وحذفا ونقلا. وكذلك من الممكن (اقتراح) التعديلات بشأن (خصائص الموسوعة) و (لوائحها) للنظرفي ذلك من قبل مجلس المجمع الذي اعتمدها.
وبعد هذه التوطئة التي كان لا بد منها لتحديد المطلوب إنجازه من هذه اللجنة والإطار الدقيق لعملها استعرض الأعضاء جدول الأعمال الذي جاء في خطاب الدعوة من الأمين العام للمشاركة في الاجتماع وأقر وهو:
ا - تحديد الموضوعات (عشرة) التي سيتم الاستكتاب فيها في المرحلة الأولى (وتخطيط تلك الموضوعات المستكتب فيها من تمام المهمة) .
2 - وضع أنموذج من الكتابة الموسوعية، في أحد الموضوعات المختارة، وذلك لتعميمه على المستكتبين.
3- وضع قائمة بأسماء المستكتبين الذين يمكن للمجمع تكليفهم بالكتابة في المواضيع المدرجة.(4/2092)
4 - وضع قائمة بأسماء من يمكن أن توكل إليهم مهمة المراجعة.
5 - تعيين لجنة اعتماد الكتابات المعدة للنشر وتحديد برنامج اجتماعاتها.
6 - مراجعة اللوائح المالية التي أعدت لمكافآت المستكتبين والمراجعين ونحوهم.
وقد اختارت ترتيبا آخر لهذه المهام - مع ظهور دقة ترتيبها ومنطقيته - حرصا على إنجاز أكبر قدر منها في الوقت القصير المتاح، وللفراغ مما يتطلب الاستفادة من المكتبة، أو ينبغي له تواجد جميع الأعضاء قبل انشغال بعضهم بارتباطات أخرى.
البند الأول: (تحديد 10 موضوعات للاستكتاب وتخطيطها) :
استعرضت اللجنة المعاملات المالية (التي هي موضوع موسوعة المجمع) بأبحاثها التي سيقت زمرا، وطرحت آراء حول موقع مفردات كل زمرة، وتبين أنه لا بد من استكتاب أبحاث زمرة كاملة، ليمكن عند إنجازها نشر جميع تلك الزمرة، لتلافي ما هو معهود في عالمنا الإسلامي من عدم الصبر والأناة على المشاريع العلمية إلى أن يكتمل إنجازها كلية. ولا ضير من عدم ترتيب نشر الزمر المكتملة تباعا، لأن ذلك يستدرك عند إكمال نشرها جميعا، حيث يعاد طبعها مرتبة فيما بينها: المعاوضات ثم التبرعات ثم.. أو تجلد الأجزاء التي ظهرت لكل زمرة وترقم مجلداتها متسلسلة كما ينبغي.
على أن البدء بتوزيع زمرة للكتابة، لا يمنع من تجهيز زمرة أخرى ليصار إلى توزيعها بمجرد ما يطمأن إلى أن الإجراءات المتخذة للزمرة السابقة صالحة لإيتاء ثمرتها.
لذا تقرر اختيار (زمرة المشاركات) ، لما لها من الأهمية في المجال الاقتصادي.
وقد حرر النظر في مفرداتها ورتبت فيما بينها وقد أنافت عن العدد المطلوب تحديده.(4/2093)
ثم قامت اللجنة بوضع مخططات زمرة المشاركات كلها بالرجوع إلى كتب الفقه والتقنينات فضلا عن المؤلفات الخاصة في البحث نفسه إن وجدت. (والمخططات مرفقة بالتقرير) . ولا يخفى أن هذه المخططات للاستئناس ومن حق الكاتب أن ينصرف في منهج بحثه بما تمليه عليه طبيعته عندما يباشر كتابته، من غير أن يخرج عن الإطار العام للبحث (كما يستخلص من المخطط) أو يقحم فيه ما ليس منه. وروعي أن يستكمل كل بحث مسائله ولو وقع تكرار بين بحث وآخر لتشابه الصور أو الأحكام؛ لأن علاج ذلك في يد لجنة الاعتماد بما تراه أنسب بعد أن ترد إليها الأبحاث.
البند الثاني: (كتابة نموذج لبحث موسوعي) :
رأت اللجنة أن إنجاز هذا النموذج لن يكفي له الوقت المحدد لجميع مهامها، ولو اشتغلت بهذا البند لحال دون بقية المهام مع عدم التيقن من إنجاز النموذج على النحو المرغوب. لذا تقرر إرجاؤه، ويمكن أن يعهد إلى مقرر اللجنة السير في إنجازه بمعرفة الأمانة.
البند الثالث: (قائمة المستكتبين) :
استعرضت اللجنة القوائم المدرجة في مجلة المجمع لأعضائه وخبرائه ومن تبادر إلى الأذهان من المتمرسين بالكتابة الفقهية والمشاركين بأبحاث ودراسات في أقسام الفقه والأصول بكليات الشريعة. وانتهت إلى القائمة المرفقة بالتقرير وهي عجالة لتسيير عملية الكتابة، مع العلم أنه لا بد من توسيع رقعة التعاون؛ لأن ظروف المستكتبين قد تحملهم على الاعتذار أو الإبطاء. لذا تقترح اللجنة قيام الأمانة العامة بمخاطبة الجهات المسئولة عن الهيئات التدريسية بكليات الشريعة في قسمي الفقه والأصول لموافاتها بقوائم بهم وبدرجاتهم العلمية وأسماء أطروحاتهم وإنتاجهم العلمي، وبذلك يتوافر العدد الكفيل بانتظام عملية الاستكتاب لزمرة كاملة أو أكثر إن أمكن.
البند الرابع: (قائمة المراجعين) :
راعت اللجنة عند اختيار هذه القائمة أن يكون المراجع فقيها مشهورا، له ماضٍ طويل في هذا المجال من خلال الاشتراك في تقويم أبحاث الترقية ونحوها.. ومن المألوف أن لا يقل عدد مراجعي البحث عن ثلاثة، وأن تختلف اتجاهاتهم - ما أمكن - بحسب المذهب أو البيئة الثقافية.(4/2094)
وينطبق على موضوع (المراجعين) بعض ما سبق في موضوع المستكتبين. وينبغي أن يتضمن التكليف بالمراجعة الإشارة إلى العناصر المطلوب تفقدها في البحث بوجه خاص (فضلا عما جاء في خصائص موسوعة المجمع) وهذه العناصر هي:
(أصالة البحث - جهد الكاتب في بيان المعلومات وترتيبها - جودة التعبير إنشاء أو اختيارا - عدم الخروج عن موضوع البحث - تنسيق المعلومات ومنهجية البحث - تحديد المراجع بالغزو الدقيق وبيان الطبعات ... )
البند الخامس: (لجنة اعتماد) :
تحرت اللجنة في اقتراح أعضاء لهذه اللجنة أن يكونوا ممن جمع إلى أهلية الاستكتاب المقدرة على كل من المراجعة، والتعديل معا، لأنه سيوكل إلى هذه اللجنة النظر في ملاحظات المراجعين واتخاذ الخطوات اللازمة لتنفيذ ما تقضي به من تعديلات (إن وافقت اللجنة عليها) . أما طريقة عمل هذه اللجنة فهي جمعها كلما توافر لدى الأمانة قدر مناسب من الأبحاث لأن ما يستدعيه تنسيق الأبحاث وتحريرها من تعديلات أو زيادة أو حذف يحتم أن يكون عمل (لجنة الاعتماد) جماعيا من خلال جلسات علمية تعقد وينظر فيها المضمون والأسلوب وليتحقق فيها من المراجع إن ظهرت الحاجة، ولا بد أن يكون في هذه اللجنة (الأمين العام) وبعض المعنيين بالموسوعات، أو الممارسين لمهمة (التحكيم) ، مع مراعاة تعدد المذاهب ما أمكن.
وهو ما حاولت اللجنة مراعاته في اقتراحها. ولتوفير الوقت ترسل الأبحاث وملاحظات المراجعين إلى أعضاء اللجنة قبل اجتماعهم.
البند السادس: (مراجعة اللوائح المالية للموسوعة) :
راجعت اللجنة ما جاء عن الموسوعة في اللوائح المالية، سواء في عملية الاستكتاب، أو المراجعة. وهي المواد (1 - 12) ولم يبد لها ملاحظة جوهرية فيها، وترى أن تلك المكافآت مناسبة. وهناك ما يقتضي التوضيح في المادة (12) عند الحديث عن مكافآت الصفحات الزائدة عن (25) صفحة وهي عبارة وللصفحات الزائدة (100) هي بواقع (5) دولارات ولما زاد عن المائة بواقع (3) دولارات على ألا تقل.. يبدو أنه سقطت كلمة (لغاية) بين (الزائدة) ورقم 100 فتصحح العبارة على النحو التالي وللصفحات الزائدة لغاية (100) هي بواقع (5) دولارات للصفحة، ولما زاد عن المائة بواقع (3) دولارات للصفحة..(4/2095)
بند ما يستجد من أعمال:
حيث إن موسوعة المجمع لها خصائصها المختلفة عن الموسوعات القائمة، لذا تقترح اللجنة أن تتضمن رسالة الاستكتاب أهم هذه الخصائص - رغم ورودها كاملة في مرفقات الرسالة مع مخطط البحث - والحقوق المالية للكاتب وما عليه من التزامات أدبية. وعلى سبيل المثال خصيصة شمول المسائل المستحدثة، واستغراق جميع المراجع مهما كان عصرها أو شكلها كأعمال المجامع والمؤتمرات والندوات والدوريات، وتقترح اللجنة تجميع قوائم هذا النوع المتفرق من المراجع، وحصر الدوريات التي تعنى بالأبحاث الفقهية الجديدة أو بالفتاوى المعاصرة.
ويناط بالأمانة توفير المراجع الخاصة بالمسائل المستحدثة مما سبقت الإشارة إليه لصعوبة حصول الأفراد على ذلك جميعه.
كما تتضمن رسالة الاستكتاب تحديد أمد الإنجاز (وهو يتراوح بين 3 - 6 شهور تمدد بالطلب إلى 9 ثم يلغى الاستكتاب إن لم يرد البحث خلال 12 شهرا) . هذا ما انتهت إليه اللجنة، وتأمل أن يساعد الأمانة فيما تبديه من حرص على تنفيذ قرارات المجمع وما توليه لمشاريعه من اهتمام.
والله الموفق.
مقرر اللجنة
د. عبد الستار أبو غدة(4/2096)
زمرة المشاركات والتصرفات المشاكلة لها
(مقدمة عامة عن الزمرة والخصائص العامة للمشاركات)
(1)
أولا: شركة الملك والأحكام المتعلقة بها:
أ - شركة الملك.
ب - أحكام الجوار والمرافق المشتركة.
ثانيا: شركة العقد: (تمهيد عام للتعريف والمشروعية إجمالا، والتقسيمات)
أ - المفاوضة.
ب - العنان.
ج- الوجوه (المفالس) .
د- الأبدان (الصنائع، أو التقبل) .
هـ- المضاربة (القراض، أو المقارضة) .
و الإبضاع (أو المباضعة) .
ز- المزارعة (أو المخابرة) .
ح- المساقاة (أو المعاملة، أو المعاقدة) .
ط- المغارسة (أو المناصبة) .
ثالثا: التصرفات المشاكلة للشركة:
أ - القسمة.
ب - المهايأة (أو التهايؤ) .
ج- التخارج (أو المخارجة) .
رابعا: الشركات الحديثة بجميع أنواعها من أشخاص وأموال ومدنية وتجارية أو مدنية بشكل تجاري.
__________
(1) المقدمة العامة والتمهيد العام يكتبان (بعد تمام موضوعات الزمر) داخليا بمعرفة الأمانة العامة ولا داعى لاستكتابها خارجيا، لأنهما لمجرد التوطئة لما بعدها من أبحاث(4/2097)
مخطط بحث (شركة الملك)
أ) تعريف شركة الملك.
ب) أقسام شركة الملك.
أولا: من حيث الموضوع: شركة الدين، وشركة غير الدين (العين- الحق- المنفعة) .
ثانيا: من حيث الاختيار وعدمه: شركة اختيارية وشركة اضطرارية.
ج) أحكامها:
(حكم التصرفات التعاقدية في نصيب الشريك – بيع الشريك حصته لشريكه أو لغيره –حق الشريك في الانتفاع بمال المشترك في حال حضوره أو غيابه- النفقة على المال المشترك – الدين المشترك) .
مخطط بحث
(أحكام الجوار والمرافق المشتركة)
الجوار:
أ) تعريف الجوار.
ب) المصطلحات ذات العلاقة.
ت) ما ورد في شأن الوصاية بالجوار.
ث) أحكام ما هو مشترك بين الجيران.
أولا: أحكام الطريق غير النافذ المشترك.
ثانيا: أحكام الحائط المشترك.
ثالثا أحكام الأملاك المشتركة الموقوفة وغير الموقوفة.
هـ) أحكام ما ليس بمشترك بين الجيران.
و) حكم تمليك الهواء (العلو) والتخوم.
ز) فتح النوافذ أو إحداث شيء في جدار الجار.
ح) حق صاحب العلو.
ط) أحكام المرافق الموجودة من القديم.
ي) حكم المنافذ التي يتضرر منها الجار.
ك) إزالة الضرر الذي يتحقق من كشف الجار.(4/2098)
المرافق:
أ) تعريف المرافق.
ب) المصطلحات ذات العلاقة (الارتفاق- الإقطاع) .
ج) حكم إقطاع الإمام الجلوس بطريق واسعة ورحبة مسجد.
د) النزول في خان مسبل ورباط ومدرسة وخانكاه.
هـ) حمى الموات لرعي دواب المسلمين.
و) نقص الإمام الحمى.
ز) الماء النازل من العلو وحق السقيا منه.
ح) حق الجماعة في النهر الصغير المستمد من نهر كبير.
ى) التصرف في الماء المشترك.
مخطط بحث (شركة العقد)
تمهيد عام لشركة العقد يتناول (تعريفها-مشروعيتها- حكمتها- تقسيمها باعتبار المحل- تقسيمها باعتبار التساوي والتفاوت- تقسيمها باعتبار العموم والخصوص- تقسيمها باعتبار الاختيار والجبر) .
ملحوظة: هذا التمهيد يكتب داخليا بمعرفة الأمانة, ولا داعي لاستكتابه خارجيا, لأنه لمجرد التوطئة لأنواع شركة العقد.
مخطط بحث (شركة المفاوضة)
أ) تعريفها.
ب) مشروعيتها وحكمتها.
ج) أركانها.
د) شروطها:
1- قابلية الوكالة.
2- معلومية الربح.
3- أهلية الكفالة.
4- التساوي في أهلية التصرف.
5- تساوى الحصص في الربح.
6- التعبير بلفظ المفاوضة.
7- أن لا يشترط العمل على أحد الشريكين.
8- أن يكون رأس المال عينا لا دينا.(4/2099)
9- أن يكون رأس المال من الأثمان.
10- أن يكون رأس المال حاضرا عند الشراء.
11- المساواة في رأس المال.
12- شمول رأس المال لكل مل يصلح له من مال الشريكين.
13- إطلاق التصرف لكل شريك في جميع أنواع التجارة.
هـ) أحكامها:
أولا: الاشتراك في الأصل والغلة.
ثانيا: عدم لزوم العقد.
ثالثا: يد الشريك يد أمانة.
رابعا: ما يستحق به الربح.
و) ما يجوز وما لا يجوز في شركة المفاوضة:
1- صحتها مع اختلاف جنس رأس المال وصفته.
2- صحتها مع عدم خلط المالين.
3- صحتها مع تسليم المالين.
4- لكل من الشريكين أن يبيع نقدا ونسيئة.
5- لكل من الشريكين أن يوكل في البيع والشراء وسائر التصرفات.
6- لكل من الشريكين أن يستأجر من يعمل للشركة.
7- الشريك الذي يؤجر نفسه, لمن تكون أجرته؟
8- لكل من الشريكين أن يدفع مال الشركة إلى أجنبي مضاربة.
9- لكل من الشريكين أن يبضع مال الشركة.
10-لكل من الشريكين أن يودع مال الشركة.
11-لكل من الشريكين أن يسافر بمال الشركة.
12-لكل من الشريكين أن يقابل فيما بيع من مال الشركة.
13-لكل من الشريكين أن يبيع مرابحة ما اشترى للشركة.
14-ليس لأحد الشريكين إتلاف مال الشركة أو التبرع منه.(4/2100)
15-ليس لأحد الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه.
16-ليس لأحد الشريكين أن يخلط مال الشركة بمال له خاص دون إذن.
17-كل ما اشتراه أحدهما فهو للشركة إلا حوائجه وحوائج أهله الأساسية.
18-ما لزم أحدهما من دين التجارة أو ما يجرى مجراه يلزم الآخر.
19-حقوق العقد.
20-تصرف المفاوض.
21-بيع المفاوض ممن ترد شهادته له صحيح نافذ.
22-للمفاوض أن يشارك شركة عنان.
ز) فساد شركة المفاوضة وأحكامها.
ح) انتهاؤها:
أولا: فسخ أحد الشريكين.
ثانيا: إنكار أحدهما الشركة.
ثالثا: جنون أحداهما جنونا مطبقا.
رابعا: موت أحدهما.
خامسا: القضاء بلحاق أحدهما بدار الحرب مرتدا.
سادسا: مخالفة شروط العقد.
سابعا: هلاك المال في شركة الأموال.
ثامنا: فوات التساوي في شركة المفوض
تاسعا: انتهاء المدة في الشركة المؤقتة.
مخطط (شركة العنان)
أ) تعريفها.
ب) مشروعيتها وحكمتها.
ج) أركانها.(4/2101)
د) شروطها:
1- قابلية الوكالة.
2- معلومية الربح بالنسبة.
3- أن يكون رأس المال عينا لا دينا.
4-أن يكون رأس المال من الأثمان.
5- أن يكون رأس المال حاضرا عند الشراء.
هـ) أحكامها:
أولا: الاشتراك في الأصل والغلة.
ثانيا: عدم لزوم العقد.
ثالثا: يد الشريك يد أمانة.
رابعا: ما يستحق به الربح.
و) ما يجوز وما لا يجوز في شركة العنان:
1- صحتها مع اختلاف جنس رأس المال وصفته.
2- صحتها مع عدم خلط المالين.
3- صحتها مع تسليم المالين.
4- لكل من الشريكين أن يبيع نقدا ونسيئة.
5- لكل من الشريكين أن يوكل في البيع والشراء وسائر التصرفات.
6- لكل من الشريكين أن يستأجر من يعمل للشركة.
7- الشريك الذي يؤجر نفسه, لمن تكون أجرته؟
8- لكل من الشريكين أن يدفع مال الشركة إلى أجنبي مضاربة.
9- لكل من الشريكين أن يبضع مال الشركة.
10- لكل من الشريكين أن يودع مال الشركة.
11- لكل من الشريكين أن يسافر بمال الشركة.
12- لكل من الشريكين أن يقابل فيما بيع من مال الشركة.(4/2102)
13- لكل من الشريكين أن يبيع مرابحة ما اشتري للشركة.
14- ليس لأحد الشريكين إتلاف مال الشركة أو التبرع منه.
15- ليس لأحد الشريكين أن يؤدي زكاة مال الآخر إلا بإذنه.
16- ليس لأحد الشريكين أن يخلط مال الشركة بمال له خاص دون إذن.
17- ليس كل ما يشتريه أحد الشركين يكون للشركة.
18- الدين الذي يلزم أحد الشريكين لا يؤخذ به الآخر.
19- حقوق العقد إذا تولاه أحد الشريكين قاصرة عليه.
20- نفاذ تصرف شريك العنان على شريكه يختص بالتجارة.
21- بيع شريك العنان لمن ترد شهادته له باطل في حصة شريكه.
22- ليس لأحد شريكي العنان أن يشارك بغير إذن شريكه.
ز) فساد شركة العنان وأحكامها.
ح) انتهاء الشركة:
أولا: فسخ أحد الشريكين.
ثانيا: إنكار أحد الشريكين.
ثالثا: جنون أحدهما جنونا مطبقا.
رابعا: موت أحدهما.
خامسا: القضاء بلحاق أحدهما بدار الحرب مرتدا.
سادسا: مخالفة شروط العقد.
سابعا: هلاك المال في شركة الأموال.
ثامنا: انتهاء المدة في الشركة المؤقتة.(4/2103)
مخطط بحث (شركة الوجوه)
أ) تعريفها.
ب) مشروعيتها وحكمتها.
ج) أركانها.
د) شروطها.
هـ) أحكامها (تطبيق أحكام ما انعقدت عليه المفاوضة أو العنان) .
و) انتهاؤها.(4/2104)
مخطط بحث (شركة الأبدان)
أ) تعريفها.
ب) تسمياتها (شركة الصنائع –شركة التقبل – شركة الأعمال) .
ج) مشروعيتها
د) حكم مشروعيتها.
هـ) أركانها.
و) شروطها.
) أحكامها (تطبيق أحكام ما اتفق عليه من المفاوضة أو العنان) .
و) انتهاؤها.
مخطط بحث (المضاربة)
أ) تعريف المضاربة.
ب) الألفاظ ذات الصلة: الإضباع – القرض)
ج) مشروعيتها، حكمتها.
د) أركان المضاربة.
هـ) شروط المضاربة.
و) أقسام المضاربة (مطلقة –مقيدة) .(4/2105)
ز) التكييف الشرعي للمضارب في أحواله:
أولا: المضارب أمين عند تسليم رأس المال.
ثانيا: وكيل عند التصرف في رأس المال، التصرف المأذون فيه.
ثالثا: شريك عند وجود الربح.
رابعا: أجير عند فساد العقد.
خامسا: غاصب عند المخالفة والتعدي.
ح) تصرفات المضارب الجائزة:
أولا: ما لا يحتاج إلى إذن (الشراء – والبيع – التوكيل – الاستئجار –السفر –محال المضاربة – إيداع مال المضاربة –إبضاع مال المضاربة – الحوالة –بمال المضاربة - الرهن) .
ثانيا: ما يحتاج إلى إذن عام (المضاربة – الشركة - الخلط) .
ثالثا: ما يحتاج إلى إذن خاص (الاستدانة –التبرعات – الإقراض – العتق) .
ط) ما يمتنع من تصرفات على المضاربة.
ى) أحوال المضاربة:
-تعدد المضارب.
- المضاربة الفاسدة
ك) ما تنتهي به المضاربة.
ل) حساب الربح والخسارة والنفقات وتحمل التبعات.
م) الاختلاف في المضاربة.(4/2106)
مخطط بحث (الإبضاع)
أ) تعريف الإبضاع.
ب) المصطلحات ذات الصلة: القراض – القرض)
ج) مشروعيته، وحكمته.
د) أركان الإبضاع.
هـ) شروط الإبضاع.
و) من يملك إبضاع المال.
ز) أحكام الإبضاع.
ح) انتهاء الإبضاع.
ط) الاختلاف فيه.
مخطط بحث (المزارعه)
أ) تعريف المزارعة.
ب) المصطلحات ذات العلاقة: المساقاة – المغارسة – المعاملة – المخابرة.
ج) مشروعيتها، وحكمتها.
د) طرفا المزارعة، ومحلها.
هـ) أركانها.
و) شروطها: في العاقدين والأرض والبذرة، والمدة، والعمل، والخارج.
ز) ما يفسد عقد المزارعة من شروط ونحوها.
ح) صور المزارعة وتطبيقاتها.
ط) أحكام المزارعة:
أولا: حكم المزارعة الصحيحة:
-في حال الابتداء.
-في حال البقاء.
-في حال الانتهاء.(4/2107)
ثانيا: أحكام المزارعة الفاسدة.
ى) انحلال المزارعة:
-الفسخ قبل اللزوم.
-الفسخ بعد اللزوم للأعذار.
-الفسخ لموت أحد المتعاقدين.
-الفسخ لمضي المدة.
مخطط بحث (المساقاة)
أ) تعريف المساقاة.
ب) المصطلحات ذات العلاقة: المزارعة –المغارسة.
ج) شرعيتها.
د) حكم تشريعها.
هـ) أطرافها.
و) أركان المساقاة.
ز) شروط المساقاة.
ح) شروط محل المساقاة وهو الشجر:
-شروط العمل.
-شروط المدة.
-شروط الخارج.
ط) ما تفسد به المساقاة.
ى) أحكام المساقاة.
أولا: أحكام المساقاة الصحيحة.
-في الابتداء –في البقاء –في الانتهاء.(4/2108)
ثانيا: أحكام المساقاة الفاسدة.
ك) انحلال المساقاة:
أولا: انحلال المساقاة بالفسخ.
-عذر المالك.
-أعذار العامل.
ثانيا: انحلال المساقاة بموت أحد المتعاقدين.
ثالثا: انحلال المساقاة بمضي المدة.
مخطط بحث (المغارسة)
أ) تعريفها.
ب) المصطلحات ذات العلاقة: المساقاة – المزارعة.
ج) مشروعيتها وحكمة تشريعها.
د) أطرافها.
هـ) أركانها.
و) شروطها:
-شروط المحل.
-شروط العمل.
-شروط المدة.
-شروط الخارج.
ز) ما تفسد به المغارسة.
ح) أحكام المغارسة:
أولا: أحكام المغارسة الصحيحة.
ثانيا: أحكام المغارسة الفاسدة.
ط) انحلال المغارسة.(4/2109)
مخطط بحث (القسمة)
أ) تعريف القسمة.
ب) تكييفها، هل هي بيع أو تمييز حقوق؟ والآثار المترتبة على ذلك.
ح) مشروعيتها، وحكمتها.
د) أنواع القسمة:
أولا: باعتبار الحاجة إلى التقويم وعدمه (قسمة الإفراز- قسمة التعديل - قسمة الرد)
ثانيا: باعتبار إرادة المتقاسمين (قسمة التراضي - قسمة الإجبار) .
ثالثا: باعتبار وحدة المحل وتعدده (قسمة الجمع - قسمة التفريق) .
رابعا: باعتبار طبيعة المحل (قسمة أعيان - قسمة منافع) .
هـ) شرائط القاسم (الأهلية - الملك - الولاية.. إلخ) .
و) أجرة القاسم (من يتحملها، وكيف توزع) .
ز) شرائط المقسوم له (طلب الشركاء أو بعضهم - انتفاء الضرر- البينة على إرث المدعى إرثه - رضا الشركاء - حضور الشركاء أو نوابهم) .
ح) شرائط الشيء المقسوم (اتحاد الجنس - اتحاد صنف المقولات - زوال العلقة بالقسمة - أن لا تنقص القسمة قيمة المقسوم - تعذر أفراد كل صنف بالقسمة - عدم الجمع بين نصيبين - عدم الرد - أن يكون المال المشترك عينا أو منفعة - أن يكون قابلا للقسمة - أن يكون مملوكا للشركاء عند القسمة - حضور المقسوم أو وصفه - عدم الشرط المنافي للشرع.
ط) كيفية القسمة:
- في العقار.
- في المنقول.(4/2110)
ى) آثار القسمة (لزومها - استقلال كل واحد بملك نصيبه، والتصرف فيه.. إلخ) .
ك) أحكام الطوارئ (الغبن - العيب - الاستحقاق) .
مخطط بحث (المهايأة)
أ) تعريف المهايأة.
ب) المصطلحات ذات العلاقة: قسمة.
ج) مشروعيتها.
د) حكمة التشريع.
هـ) محل المهايأة.
و) أقسامها: مهايأة تراض –مهايأة إجبار.
ز) كيفية المهايأة: المهايأة الزمانية –المهايأة المكانية.
ح) أحكام المهايأة:
1- عدم اللزوم.
2- عدم انتهاءها بموت أحد الشريكين.
3- انتهاؤها بتلف العين.
4- عدم الضمان إذا انتهت بغير فسخ.(4/2111)
5- حق الاستعلال لكل شريك فيما وقع له بالمهايأة على سبيل الاختصاص.
6- عدم ضمان النقص بالاستغلال.
مخطط بحث (التخارج)
أ) التعريف.
ب) المصطلحات ذات العلاقة: قسمة –صلح.
ج) مشروعيته.
د) حكم مشروعيته.
هـ) أركان التخارج.
و) من يملك التخارج.
ز) شروط صحة التخارج.
ح) تقسيم التخارج.
أولا: يحسب البدل: من نفس التركة –من غيرها.
ثانيا: يحسب نوعية التركة.
ط) كون بعض التركة دينا قبل التخارج.
ى) ظهور دين على التركة بعد التخارج.
ك) ظهور دين للميت بعد التخارج.
ل) كيفية تقسيم التركة بعد التخارج.
تخارج الموصي له بشيء من التركة.(4/2112)
مخطط بحث (الشركات الحديثة)
أ- تعريفها.
ب- مشروعيتها في الجملة.
ج- أنواع الشركات الحديثة من حيث كونها مدنية أو تجارية.
د- خصائص الشركات التجارية والتكييف الفقهي لتلك الخصائص.
هـ- أنواع الشركات التجارية.
و شركات الأشخاص (أو شركات الحصص) .
ز- مشروعيتها في الجملة.
ح- تعريفها وخصائصها.
ط- صورها إجمالا (التضامن –التوصية البسيطة –المحاصة) .
ى- شركات الأموال (أو الشركات المساهمة) .
ك- تعريفها وخصائصها.
ل- مشروعيتها في الجملة.
م- صورها بإجمال (المساهمة المغفلة –التوصية المساهمة –المحدودة المسئولية) .
مخطط بحث (شركة التضامن)
أ - تعريفها (وكونها من شركات الأشخاص) .
ب -خصائصها.
ج - تكيبفها الفقهي.
د - أركانها (انعقادها) .
هـ- شروطها.
و إدارتها:
- مدير الشركة.
- صلاحية الشركاء غير المديرين.(4/2113)
ز - توزيع الأرباح والخسائر.
ح- انقضاؤها.
ط-تصفيتها، وقسمتها.
مخطط بحث (شركة التوصية البسيطة)
أ - تعريفها (وكونها من شركات الأشخاص) .
ب - المصطلحات ذات العلاقة: شركة التوصية المساهمة.
ج- خصائصها.
د- طبيعتها المركبة لاختلاف نوعي الشركاء فيها.
هـ- تكييفها الفقهي عموما.
و تكييف انحصار المسؤولية بالنسبة للموصين بقيمة الحصص في الشركة.
ز- أركانها (انعقادها) .
ح- شروطها.
ط - إدارتها:
- مدير الشركة.
-الشركاء المفوضون.
ى- توزيع الأرباح والخسائر.
ك- انقضاؤها.
ل- تصفيتها وقسمتها.(4/2114)
مخطط بحث (شركة المحاصة)
أ - تعريفها (وكونها من شركات الأشخاص) .
ب - خصائصها.
ج- تكييفها الفقهي.
د- أركانها (انعقادها) .
هـ- شروطها.
و إدارتها:
- مدير المحاصة.
- الشركاء المحاصون.
ز- توزيع الأرباح والخسائر.
ح- انقضاؤها.
ط- تصنيفها وقسمتها.
مخطط بحث (الشركات المساهمة المغفلة)
أ - تعريفها (وكونها من شركات الأموال –الشركات المساهمة) .
ب - خصائصها
ج- تكييفها الفقهي.
د- أركانها (انعقادها) .
هـ- شروطها.
و إدارتها:
- مجلس الإدارة.
- المدير
- الجمعية العمومية.(4/2115)
ز- توزيع الأرباح والخسائر.
ح- انقضاؤها.
ط- تصفيتها وقسمتها.
مخطط بحث (شركة التوصية المساهمة)
أ - تعريفها (وكونها من شركات الأموال – الشركات المساهمة) .
ب - خصائصها.
ج- المصطلحات ذات العلاقة: شركة التوصية البسيطة.
د- تكييفها الفقهي.
هـ- أركانها (انعقادها) .
و شروطها.
ز- إدارتها:
-الشريك المدير.
-الشركاء المفاوضون.
ح- توزيع الأرباح والخسائر.
ط- انقضاؤها.
ى- تصفيتها وقسمتها.(4/2116)
مخطط بحث (الشركة المحدودة المسؤلية)
أ- تعريفها (وكونها من شركات الأموال –الشركات المساهمة –والخلاف في ذلك) .
ب-خصائصها.
ج- تكييفها الفقهي.
د- أركانها (انعقادها) .
هـ- شروطها.
و إدارتها:
-المدير.
-جمعية الشركاء.
- مراقبة الإدارة.
ز- توزيع الأرباح والخسائر.
ح- انقضاؤها.
ط- تصفيتها وقسمتها.(4/2117)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير اللجنة الفرعية المشكلة
لدراسة مشروع الموسوعة الفقهية
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
وبعد، فقد اجتمعت اللجنة الفرعية المشكلة لبحث الخطة التنفيذية للموسوعة الفقهية، بحضور كل من:
- فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة.
- فضيلة القاضي محمد تقي العثمانى.
- فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.
- سعادة الأستاذ سيدي محمد يوسف جيري.
- فضيلة الدكتور نزيه كمال حماد.
- فضيلة الدكتور عبد الستار أبوغدة مقرر.
وقد قدم المقرر بيانا للمراحل التي مر بها مشروع الموسوعة الفقهية منذ إقرار المجمع له واعتماد خصائص الموسوعة المجمعية لفقه المعاملات، ثم وضع المذكرة التفسيرية لتلك الخصائص مع الخطوات التنفيذية لإعدادها، ثم التقرير المعد عن اجتماع اللجنة المكلفة بإعداد الخطة التنفيذية للموسوعة في اجتماع دعت إليه الأمانة العامة وحضره كل من:
- الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
- الدكتور نزيه كمال حماد.
- الدكتور عبد الستار أبوغدة مقرر.(4/2118)
وقد اشتمل التقرير المشار إليه - والذي كلفت اللجنة الحالية النظر فيه تمهيدا لإقرار المجمع له - على اختيار زمرة المشاركات (من فقه المعاملات) وتفصيل مفرداتها وخططها مع بيانات إجرائية بشأن الاستكتاب والمراجعة والاعتماد. وقد قامت اللجنة الفرعية بدراسة الخطوات التنفيذية ولا سيما زمرة المشاركات، وخططها وأقرتها بعد إدخال تعديلات تنظيمية في الفقرات الرئيسية للزمرة بحيث أصبحت خمسة بتحويل فقرة (شركة الملك) إلى فقرتين والثانية لشركة الحق بعد استدراك أنواع هذه الشركة وهي: الشركة في المباحات، وفي المرافق المشتركة، وفي بيت المال، وفي استحقاق الوقف، مع أحكام الجوار. وتم إلحاق فقرة التصرفات المشاكلة للشركة بشركة الملك. وتخصيص فقرة باسم (لواحق زمرة المشاركات) لمعالجة المسائل المنثورة في أبواب الفقه، مما مقتضاه الاشتراك، كالحاصل باختلاط الأموال أو الالتصاق بالبناء في أرض الغير. ورئي الاستعانة بأسلوب الإحالات في تلك المسائل بالتعريف بها وإحاللها إلى الأبواب الفقهية التي تعالج فيها مما هو في زمر أخرى غير زمرة المشاركات.
وقد تقرر أن يقرن كل بحث باسم كاتبه وذلك بعد انتهاء مرحلة المراجعة والاعتماد وما يقتضيه ذلك من تعديلات مع الإشارة إلى أنه أدخل في البحث تعديلات. كما تم النظر في المراجع الموصى بالاستمداد منها في كل مذهب مع إلحاق مراجع أخرى وتمييز المراجع المعتمدة من المراجع المشهورة مما سيراعى عند طبع قائمة المراجع التي ترسل إلى المستكتبين.
كذلك أوصت اللجنة بأن تطلب الأمانة من الكتاب الاهتمام في أبحاثهم بالجوانب إلتي تساعد على فهم الخلافات الفقهية وهي:
- تحديد محل الخلاف.
- بيان منشأ الخلاف.
- الاستدلال، والاستظهار مما يساعد على استمداد التقنينات من الموسوعة.
وقد وزع على أعضاء اللجنة الفرعية قائمة المرشحين للاستكتاب والمرشحين للمراجعة لكي يقترحوا آخرين للاحتياط، مع التوصية إلى الأمانة لمخاطبة أعضاء المجمع - إن رأت ذلك - بطلب الترشيح لهاتين المهمتين.
ورئي أن المقدمات والتمهيدات المؤجل توزيعها للكتابة يفضل إعدادها بعد الفراغ من مفردات الزمرة ليكون التقديم لها وافيا.
وبذلك أنهت هذه اللجنة الفرعية ما عهد إليها به وتوصي بإقرار التقرير المشار إليه من المجمع..
والحمد لله رب العالمين..
د. عبد الستار أبو غدة(4/2119)
مشروع معلمة القواعد الفقهية
- المذكرة التفصيلية لمعلمة القواعد الفقهية: فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد.
- مخطط أولي في سبيل إيجاد موسوعة القواعد الفقهية: فضيلة الدكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو.
- محضر جلسة حلول مشروع المعلمة: أمانة المجمع.
- حول مشروع إعداد معلمة القواعد الفقهية: فضيلة الأستاذ علي الندوي.
- حول مشروع إعداد معلمة القواعد الفقهية: فضيلة الدكتور سعود مسعد الثبيتي.
المذكرة الإيضاحية
لمعلمة القواعد الفقهية
إعداد
معالي الدكتور بكر أبو زيد(4/2120)
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإن علماء الشريعة العاملين نضر الله وجوههم، ذهبوا في خدمة الشريعة كل مذهب متفننين بالتدوين والتأليف فنتج من هذا الإثراء تولد عدد غير قليل من العلوم الفرعية ومن أجلها: الفروع الفقهية بدقائقها التفصيلية المنتزعة من مصادرها الأصلية: الكتاب والسنة. والأثر فكان من ثمار تلك التفريعات ظهور القواعد الفقهية الجامعة لعدد من المسائل الفرعية فقد تحيط القاعدة بمئات الفروع.. فصارت القاعدة عندهم تعني:
كل تأصيل فقهي كلي أو أغلبي يحوي بتقعيده قضاياه وفروعه المتناثرة التي موضوعها هو فعل المكلف. وهذا التقعيد مسبوق بلسان النبوة في: جوامع الكلم ثم على لسان الصحابة والتابعين، ثم يجدها الناظر في عصور التدوين منثورة في ثنايا الأحكام الفقهية التكليفية للتعليل والتدليل، حتى تكونت أمام العلماء ظاهرة الاهتمام بأفرادها في تآليف مستقلة. وكان ذلك في طلائع القرن الرابع الهجري على يد علماء المذهب الحنفي وفي مقدمتهم الكرخي: عبد الله بن الحسن 340 هـ في كتابه المسمى: أصول الكرخي، وأبو زيد عبد الله بن عمر الدبوسي 430 هـ رحمهما الله تعالى.
ثم أخذت الكتب في هذا الفن العلمي الجامع تنشر لدى علماء المذاهب وفقهاء الملة، وقد وقع لي نحو من (200) كتاب استخرجتها من كشف الظنون وذيله.
يضاف إليها ما يوجد من القواعد المحررة المشروحة بمئات الأمثلة التفريعية لدى شيخ الإسلام ابن تيمية ولدى تلميذه ابن القيم. وقد استقرأت ما لدى ابن القيم فبلغت نحوا من مائتي قاعدة فقهية طبعت في الجزء الأول من كتابي (التقريب لفقه ابن القيم) ا/ص 259 – 292 مبينا مواضعها من كتبه المطبوعة وهي (31) كتابا.(4/2121)
المؤلفات المطبوعة فيها: هذا وقد مَنَّ الله تعالى على المسلمين وهو المانُّ وحده بظهور عدد من كتب القواعد الفقهية مطبوعا منها ما يلى:
ا - أصول النظر. للكرخي.
2 - تأسيس النظر. للدبوسي.
3 - القواعد النورانية الفقهية. لابن تيمية.
4 - قواعد الأحكام. للعز بن عبد السلام.
5 - القواعد لابن رجب.
6 - الفرائد البهية في القواعد الفقهية. للحسيني الدمشقي من سنة1305 هـ.
7 - الأشباه والنظائر. لابن نجيم.
8- شرحه: غمز عيون البصائر للحموي.
9 - إتحاف الأبصار والبصائر بتبويب الأشباه والنظائر. لأبي الفتح الحنفي. وهي في مجلدين.
10 - نزهة النواظر على الأشباه والنظائر لابن عابدين.
11 - الإسعاف بالطلب على قواعد المذهب. للتواني المالكي.
12 - إيضاح المسالك إلى قواعد مالك. للونشريسي المالكي.
13 - الأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي.
14 - المنثور في القواعد. للزركشي الشافعي.
15 - القواعد لابن رجب الحنبلي.
16 - القواعد لابن اللحام الحنبلي.
17 - مجلة الأحكام العدلية (99) قاعدة في مقدمتها.
18 - شرح القواعد الفقهية. لأحمد الزرقاء.
19 - المدخل لمصطفي الزرقاء.
20 - مجلة الأحكام الشرعية على مذهب الحنابلة في مقدتها (160 قاعدة) .
21 - مختصر قواعد العلائي.
22 - خاتمة مجامع الحقائق. للخادمي الحنفي من سنة 1176هـ.
23 - الفروق للقرافي المالكى.(4/2122)
24 - القواعد للمغربى المالكى 758. وقد حقق منه قسم العبادات في: جامعة أم القرى بمكة حرسها الله تعالى.
25 - التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للأسنوي.
26 - تخريج الفروع على الأصول للزنجاني.
وهناك رسائل قديمة وحديثة وأخرى جامعية في دراسة قاعدة فقهية بعينها كقواعد:
العرف، الضرر، والمصلحة، وسد الذرائع، والضمان، والضرورة ونحوها. وهي مطبوعة ومنتشرة ولله الحمد.
بل برزت كتب مطبوعة شارحة للقواعد في جوانبها كافة، منها:
1 - القواعد الفقهية. لعلى بن أحمد الندوي.
2 - أثر الاختلاف في القواعد الأصولية. للخث.
أسباب الدعوة إلى هذا المشروع:
مما تقدم يظهر مدى اهتمام العلماء بتشخيص القواعد الفقهية والتفريع عليها. وتظهر أهميتها بما يلى:
1 - جامعيتها، فإن القاعدة قد تنتظم عددا كثيرا من الفروع في عامة أبواب الفقه.
2 - إسعافها للقاضي والمفتي عند غياب النص الفقهي.
3 - فعاليتها المهمة في التطبيقات والنوازل المعاصرة، أنه امتداد لاهتمام العلماء بها ولبالغ أهميتها ولما يلي:
أ - عدم وجود مؤلف مستقل ينظم تلك القواعد لدى علماء المذاهب الفقهية.
ب - الحاجة إلى تحرير نص القاعدة.
ج - إيجاد أقرب سبيل للوقوف عليها.
إن لهذه الأسباب ولأن المجامع العلمية ينبغي أن تتبنى مشاريع فيها جدية وتجديد وجامعية واستقطاب، ولأنه لم تسبق حسب التتبع الدعوة إلى هذا المشروع وأعماله فإنه يظهر مناسبا أن يكون من بواكير الإنتاج لهذا المجمع وطلائعه عمل:(4/2123)
معلمة القواعد الفقهية
مراعاة فيها ما يلي:
1 - تحرير نص القاعدة وترتيبها.
2 - توثيقها بذكر مصادرها الأصلية والمذهبية.
3- توجيهها أو التدليل عليها.
4 - ذكر بعض فروعها.
5 - التطبيقات المعاصرة عليها ما أمكن.
وهذا المشروع مع ضخامته لن ينوء به - إن شاء الله - مجمع يمثل دول العالم الإسلامي ويضم نحو (الهنيدة) من العلماء. وإنه عند الموافقة عليه فإنني إن شاء الله تعالى مستعد للقيام به، على أن ترشح لجنة ثلاثية متخصصة تفحص دوريا ما يتم إنجازه من هذا المشروع المبارك.
منح الله الجميع التقوى ومن العمل ما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدكتور بكر أبو زيد
مخطط أولي
في
سبيل إيجاد موسوعة القواعد الفقهية
إعداد
دكتور محمد صديقي بن أحمد البورنو(4/2124)
بسم الله الرحمن الرحيم
يشتمل على ثلاثة أقسام:
القسم الأول: تمهيد..
المبحث الأول: المقدمة وموضوعها: الأسباب الداعية إلى جمع القواعد الفقهية وتدوينها والحاجة إليها في عصرنا الحاضر.
المبحث الثاني: في مبادئ علم القواعد الفقهية ويشتمل على:
أ - تعريف القاعدة في اللغة وفي الاصطلاح الفقهي.
ب - تعريف الفقه في اللغة وفي الاصطلاح الفقهي.
ج - تعريف القاعدة الفقهية في اصطلاح الفقهاء وأقوال العلماء فيها.
د- تعريف علم القواعد الفقهية.
هـ - التفريق بين القاعدة الفقهية والضابط الفقهي أو الضابطة الفقهية.
و التفريق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية.
ز- التفريق بين مسمى القاعدة عند الفقهاء ومسمى المبدأ والنظرية عند المحدثين.
ح - بيان مكانة القواعد الفقهية في استنباط الأحكام وفي إثراء الفقه الإسلامي ومدى إمكان الاعتماد على القواعد الفقهية في استنباط الأحكام أو العمل بموجبها.
القسم الثاني: ويشتمل على المباحث التالية:
المبحث الأول: نبذة تاريخية عن بدء العناية بالقواعد الفقهية وتدوينها واختلاف دلالة القاعدة أو عدم الاختلاف في مدلولها أو الاختلاف في ذلك.
المبحث الثاني: حصر المؤلفات في علم القواعد الفقهية قديمها وحديثها وما كتب عنها وترتيب ذلك كله ترتيبا تاريخيا عاما بالنظر إلى سنة وفاة المؤلف أو تاريخ التأليف إن علم، ثم ترتيبها ترتيبا مذهبيا تاريخيا كذلك.
المبحث الثالث: ترتيب المؤلفات في القواعد الفقهية ترتيبا منهجيا. وأعني بالمنهجية مدى استيعاب المؤلف في مؤلفه للقواعد الفقهية ومدى تمييزه للقواعد الفقهية - باعتبارها علما مستقلا - عن القواعد الأصولية أو اللغوية أو الكليات أو المسائل الفقهية المختلف فيها، ومدى إدراك المؤلف للفرق بين القواعد الفقهية والضوابط الفقهية الخ.(4/2125)
القسم الثالث: وهو القسم الأوسع والأهم ويشتمل على مايلي:
أولا: جمع عام للقواعد الفقهية مرتبة ترتيبا أبجديا بقطع النظر عن كون القاعدة كبرى أو فرعية، وبقطع النظر عن المذهب القائل بأي منها. ورد كل قاعدة لمصدرها.
ثانيا: جمع ترتب فيه القواعد المجموعة كالتالي:
أ - القواعد الست الكبرى وما يندرج تحت كل منها من قواعد فرعية مرتبة أبجديا.
ب - القواعد الفرعية مرتبة أبجديا كذلك.
وتحت كل قاعدة يبين ما يلي: أصل كل قاعدة ودليلها ومعناها في اللغة وفي الاصطلاح الفقهي والخلاف في مدلولها - إن وجد - وما ينبني على ذلك الخلاف من أثر في الأحكام.
وأعني بأصل القاعدة أول عبارة وردت تشير إلى معنى القاعدة سواء أكانت آية كريمة أم حديثا نبويا شريفا أم أثرا أم عبارة فقهية لأحد كبار الأئمة المجتهدين أو غيرهم من السلف.
وأريد بدليل القاعدة ما يدل على معناها من الكتاب أو السنة أو الإجماع أو عمومات الشرع.
ويلحق بكل قاعدة فقهية أمثلة من أبواب فقهية مختلفة تمثل وجهات النظر المختلفة للمذاهب المختلفة، وإن كان هناك خلاف في مسألة منها بين المذاهب يوضح ذلك الخلاف ويبين منشؤه ويحاول بقدر الاستطاعة التمثيل ببعض المسائل الفقهية المعاصرة مما يمكن أن تندرج تحت بعض هذه القواعد، وبيان الراجح أو الصواب فيها إن شاء الله.
ج - ويمكن أن يلحق أيضا قسم آخر يشمل ترتيب القواعد ترتيبا مذهبيا بمعنى أن توضع القواعد المتفق على مدلولها في المذاهب في مبحث خاص ثم قواعد كل مذهب على حدة بحسب الأقدمية للمذهب: الحنفي، المالكي، الشافعي، الحنبلي.
وتشتمل كل قاعدة على ما ذكر سابقا من بيان معنى القاعدة وأصلها ودليلها الخ.
د-كما يمكن أن يكون هناك ملحق آخر يشمل جميع الضوابط الفقهية في مختلف المذاهب وبيان مدى الخلاف في مدلول الضابط بين علماء المذهب الواحد، وما ينبني على هذا الخلاف من أثر فقهي، مع الإشارة إلى مدى موافقة مدلول أي ضابط في أي مذهب لضابط أو قاعدة في مذهب مخالف.(4/2126)
وقد يترتب على هذين الجمعين الأخيرين محاولة حصر أوجه الخلاف بين المذاهب من خلال الاختلاف في مدلولات بعض القواعد أو الضوابط.
هذا جهدي أقدمه لأعضاء مجلس المجمع الفقهي الموقرين وهو كما قلت جهد أولي، ولي في علم وجهد الأعضاء الموقرين ونظراتهم النيرة الفاحصة وفي إدراكهم لمسئولية هذا العمل الكبير ما يصحح الدرب ويقوم المسار إن كان هناك ما يحتاج إلى تصحيح أو تقويم أو إضافة.
وأرجو الله مخلصا أن يعينني بتوفيقه وهدايته للقيام بهذا العمل الجليل وأن يوفقني وإخواني لأداء هذه الأمانة على الوجه المرضي النافع للفقه خاصة وللعلم عامة أنه ولي ذلك والقادر عليه.
وهو حسبي ونعم الوكيل..
دكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو(4/2127)
محضر جلسة حول مشروع
(معلمة القواعد الفقهية)
انعقدت بمقر المجمع بجدة يوم 6 محرم 1408هـ جلسة ضمت كلا من:
فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس المجمع
فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام للمجمع
فضيلة الدكتور أحمد بن حميد عميد كلية الدراسات بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
فضيلة الدكتور محمد صدقي بن أحمد البورنو أستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض
وكان موضوعها بحث الدراسة التي كلف الدكتور محمد البورنو بإعدادها حول مشروع (معلمة القواعد الفقهية) ، والتي تحمل عنوان مخطط أولي في سبيل إيجاد (موسوعة القواعد الفقهية) .
وبعد التباحث في العديد من النقاط اتفق على ضم عناصر جديدة إلى اللجنة وهم:
فضيلة الدكتور سعود الثبيتي أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
فضيلة الدكتور نزيه كمال حماد أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
فضيلة الشيخ علي الندوي أستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة
فضيلة الدكتور عبد الرحمن الشعلان أستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض
فضيلة الدكتور أحمد العنقري أستاذ بجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض
كما تم الاتفاق على الاتصال ببعض الجامعات والمراكز العلمية في مصر وسوريا والمغرب والعراق، وذلك للحصول من طريق الفهارس الموجودة على بعض الكتب الموضوعة في القواعد أو على الرسائل الجامعية الموضوعة حولها.
وتقرر بالنسبة للمملكة العربية السعودية الاتصال بجامعة أم القرى، وجامعة الإمام محمد بن سعود، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة.
أما بمصر فيكون الاتصال بجامعة الأزهر ودار العلوم.(4/2128)
وأما بسوريا فيكون الاتصال بكلية الشريعة بدمشق.
وبالمغرب الأقصى، فيكون الاتصال بخزانة الرباط والخزانة الحسينية وكلية الشريعة بفاس.
وبالعراق فيكون الاتصال بوزارة الأوقاف.(4/2129)
حول مشروع إعداد
(معلمة القواعد الفقهية)
إعداد
الأستاذ: علي الندوي(4/2130)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين وبعد، فان هذا البحث الموجز يتناول ثلاثة جوانب تتعلق بموضوع القواعد:
1- كلمة تمهيدية وطريقة بدء العمل في المشروع ومراحله.
2- المصادر الفقهية المهمة المتعلقة بالموضوع ما عدا كتب القواعد والأشباه والنظائر والفروق.
3- نظرة حول خطة المشروع.
(أ) إن إعداد معلمه القواعد الفقهية يعد من المشاريع المهمة البناءة التي تبناها المجمع الفقهي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وذلك مما يدل على سعة أفق القائمين بهذا المجمع الموقر والساهرين على مصالحه، وفي الواقع فإن هذا المشروع يواكب مسيرة الحياة المعاصره ومتطلباتها في شتى الميادين خصوصا في ميدان الفقه باعتبار أنه يبحث عن الأحكام الشرعية العملية التي يحتاج إلى معرفتها والعمل بها جميع المسلمين، وقد جدت قضايا ومسائل في العقود الأخيرة لم تكن تخطر على بال أحد قبل نصف قرن من الزمن. ولذلك كانت المسئولية عظيمة ومتحتمة على الفقهاء لبيان أحكام الفقه الإسلامي ومعالجة قضاياه وإيجاد الحلول الناجعة السليمة للمسائل المستحدثة بالأسلوب الذي يكون مفهوما ومألوفا لدى معظم الدارسين وشداة الباحثين، ولعل تصور إعداد الموسوعات الفقهية كان نابعا عن هذه المسئولية في أقطار مختلفة.
وهنا يمكن القول بأن تصور إعداد معلمة القواعد الفقهية تصور فريد، وسررت كثيرا حينما علمت عن وجود هذه الفكرة لأنها صادفت رغبة كامنة في نفسي، فقد راودني هذا الأمل منذ خمس سنوات تقريبا، وقد تحقق ذلك إلى حد ما، ولكن من المعلوم أن الجهود الفردية في الغالب تتعرض للإعواز والنقصان، على سبيل المثال أن العلامة المرحوم الشيخ عميم الإحسان - أحد علماء بنجلاديش - صنف كتابا بعنوان (قواعد الفقه) جمع فيه ما جاء عند الكرخي والدبوسي وابن نجيم وما تأثر في شرح السير الكبير للسرخسي، وهذا جهد مشكور لكنه لا يغطي نصف ما عند الحنفية في كتبهم من القواعد. وكذلك العلامة عبد الرحمن السعدي الحنبلي -من علماء عنيزة- قام بتقصي القواعد والأصول الواردة في كتب شيخ الإسلام ابن تيمية وجمعها في كتابيه:
1 - القواعد والأصول الجامعة.
2 - طريق الوصول إلى العلم المأمول بمعرفة القواعد والأصول، ولكن هذا الجهد أيضا لا يستوعب ما ورد في كتب الإمام المذكور كما يظهر ذلك عند إجالة النظر فيها.(4/2131)
ومن هنا كانت الحاجة ماسة إلى جهود مكثفة متوالية بل إلى التعاضد والتناصر في هذا المجال لاستكمال الموضوع وإبرازه على الوجه الناصع المطلوب.
وذلك يستدعي أن يكون توزيع العمل في هذا الباب حسب المذاهب الفقهية في بداية الطريق، وتناط هذه المهمة بالمتخصصين بالموضوع تيسيرا للعمل وإنجازه في زمن مناسب مع صيانته عن التبدد والفوضى.
وقد تبلور لي من خلال مطالعتي المتواضعة أن يكون بدء العمل في إعداد هذا المشروع حسب المراحل التالية:
1 - مرحلة التجميع والإحصاء للقواعد.
2 - مرحلة الانتقاء والتشذيب.
3- مرحلة التنسيق والترتيب.
4 - مرحلة التدليل والشرح واستقراء الفروع مع جمع المستثنيات بالقدر المستطاع.
5 - مرحلة السبك والصياغة.
6 - إعداد الفهارس الجذرية في النهاية.
فهذه الأمور لآبد أن تكون موضع العناية والاهتمام قبل استئناف العمل أو الدخول في المرحلة الأولى للموضوع.
2- المصادر الفقهية المهمة المتعلقة بالموضوع:
أ - قراءة متأنية للكتب والقواعد والفروق واستخراج القواعد والضوابط منها.
ب - النظر في المصادر الفقهية التي عنيت بالتفريع، لأنها تضمنت في طياتها قواعد وضوابط وفروقا وعلل قد لا توجد في كتب القواعد، والمصادر التي تستحق الأولوية والترجيح في هذا المجال هي كما يلي:(4/2132)
المذهب الحنفي:
1- كتب الإمام محمد بن الحسن الشيباني.
2- المبسوط وشرح السير الكبير للإمام السرخسي.
3- شرح الزيادات والفتاوى الخانية لقاضيخان.
4- شرح الجامع الصغير لعبد الغفور الكردلي.
5 - شرح العلامة جمال الدين الحصري للجامع الكبير.
6 - شروح مجلة الأحكام.
المذهب المالكي:
1- المدونة.
2- جامع البيان والتحصيل.
3- المقدمات لابن رشد.
4 - الشرح الكبير للدردير.
5- حاشية الرهوني.
المذهب الشافعي:
1-كتاب الأم للإمام الشافعي.
2- فتح العزيز للإمام الرافعي.
3- المجموع للإمام النووي.
4- كفاية الأخبار للحفني.
المذهب الحنبلي:
1- كتب الإمام ابن تيمية وعلى رأسها مجموعة فتاوى شيخ الإسلام.
2 - كتب الإمام ابن القيم.
3- المبدع لابن مفلح.
4 - كشاف القناع للبهوتي.(4/2133)
(3) نظرة حول خطة المشروع:
مما لاشك فيه أن إعداد خطة البحث أو المشروع أمر لابد منه، وهو يساعد على تنوير الموضوع وإبراز معالمه الأساسيه وخطوطه العريضة، مع العلم بأن الخطة في بداية الطريق - مهما كانت نصوصها واضحة ومصوغة بصياغة محكمة – لا تبقى على حالها وتظل قابلة للتعديل والتطوير فيها إلى نهاية المطاف في الموضوع. وهذا المخطط الأولي الذي قدمه الأستاذ الفاضل الدكتور محمد صدقي البورنو حفظه الله، فيه ما يسد حاجة الموضوع في بداية الطريق، جزاه الله تعالى خيرا لقاء ما بذل في هذا السبيل. ولا بأس أن أشير هنا إلى أمور:
1- أرى أن يستبدل التعبير بكلمة (مبادئ) كما في عنوان المبحث الثاني للقسم الأول بكلمة أخرى شاملة الدلالة على الموضوعات المندرجة تحت هذا العنوان على سبيل المثال يوضع عنوان (مقدمات تمهيدية لأن كلمة) (المبادئ) لا تنطبق على ما ورد تحتها في نظري، لأن المبدأ هو ما يقوم عليه الشيء وليس الأمر كذلك هنا.
2- الشطر الأخير من المبحث الثاني المتعلق بالقسم الأول يستدعي إعادة النظر في نظري ويمكن أن يصاغ على الوجه الآتي:
- (مهمة القواعد الفقهية ودورها في إغناء الفقه الإسلامي ومدى إمكان الاعتماد عليها في بناء الأحكام وذلك لأن كلمة (الاستنباط) في صلب الخطة توهم القارئ أن القواعد مصدر من مصادر التشريع أو دليل من أدلة الشرع وفي الغالب ليس الأمر كذلك.
3- وبجانب ذلك يمكن أن يضاف بعض المباحث إلى المبحث المذكور:
1- الفرق بين القاعدة والأصل (باعتبار أن كلمة الأصل لها عدة مفاهيم) .
2- هل هناك فرق بين القواعد الفقهية وبين ما سمى بأصول المذهب أم لا؟..
3- مدى ارتباط موضوع القواعد بموضوع الفروق الفقهية.
4- الفرق بين القاعدة الفقهية وبين القاعدة القانونية!. في الفقه الغربي مع بيان سمو قواعد الفقه الإسلامي وخصوبتها) .
5- ينبغي - وضع القسم الثاني على طراز القسم الأول - في مبحثين فقط بحيث يضم المبحث الثالث منه مع المبحث الثاني مع التعديل في الصياغة.
هذا ما رأى، والرأي رأيكم، والأمر أمركم، والله يتولى الجميع.
الأستاذ: على الندوي(4/2134)
حول مشروع إعداد
معلمة القواعد الفقهية
إعداد
الدكتور سعود مسعد الشبيتي(4/2135)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين.
يمكن تقسيم المشروع إلى مقدمة وقسمين رئيسيين:
المقدمة: في أهمية الموسوعة والحاجة إلى تدوينها في هذا العصر وخطة التدوين.
القسم الأول: ويمكن تقسيمه إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: تعريف القاعدة عموما - تعريف الفقه - تعريف القواعد الفقهية الفرق بين القاعدة والضابط - الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية - الفرق بين القاعدة الفقهية والقانونية - الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية.
المبحث الثانى: أهمية القواعد الفقهية. مكانة القواعد الفقهية في التشريع الإسلامي:
1- من حيث الاستدلال بها.
2- من حيث استنباط الأحكام الشرعية منها.
المبحث الثالث: نشأتها وتاريخها - حصر المؤلفات الخاصة والعامة - مناهج المؤلفين في كتبهم من الناحية التنظيمية حيث بعضهم دون قواعده مبتدئا بالقواعد الست ثم الأربعين إلخ والبعض الآخر على حروف المعجم وبعضهم على الأبواب الفقهية الخ.
القسم الثاني: ويمكن أن يوزع إلى عدة مراحل:
المرحلة الأولى:
أ - حصر المصادر الخاصة بالقواعد الفقهية في كل مذهب والرسائل الجامعية وغيرها مما كتب في القواعد أو عنها وأرى أن يجمع ما يمكن جمعه منها (ولو تصويرا) في مركز خاص بالمجمع يسمى (مركز القواعد الفقهية) .
ب - حصر المصادر غير المتخصصة التي يمكن أن تؤخذ منها القواعد الفقهية في كل مذهب.
المرحلة الثانية:
اختيار أوفي الكتب المتخصصة في كل مذهب بحيث يكون أساسا يجمع إليه ما لا يوجد فيه من المصادر الأخرى غير المتخصصة.(4/2136)
المرحلة الثالثة: مرحلة الجمع:
جمع ما في المصادر المتخصصة من القواعد والضوابط وترتب ترتيبا يسهل معه التقديم والتأخير والإضافة والحذف ومعرفة المكرر على ضوء خطة واضحة عند جميع كل من يقوم بالعمل بعد توزيعه حسب المذاهب بحيث يكلف بكل مذهب شخص أو شخصان ويبدأ بالمجمع بأن تكتب كل قاعدة في بطاقة خاصة حتى يسهل الأمر على أن تكون البطاقة مستوفية لما تلزم الإشارة إليه من اسم الكتاب واسم المؤلف والطبعة وسنتها والناشر إلخ وبعد أن يستوفي الجمع من الكتب المتخصصة يمكن الانتقال إلى المرحلة التالية وهي:
المرحلة الرابعة: مرحلة الترتيب للقواعد مذهبيا.
يمكن ترتيب قواعد كل مذهب على حدة بأن يبدأ بالقواعد الست وما يندرج تحت كل قاعدة من قواعد فرعية ثم الأربعين ثم القواعد الشاملة وبعد ذلك قواعد أو ضوابط الأبواب وهكذا حتى يتم ترتيب قواعد كل مذهب على هذا المنوال.
المرحلة الخامسة: مرحلة التنسيق بين المذاهب.
بعد أن رتبت قواعد كل مذهب على النحو السابق يأتي دور التنسيق بين المذاهب بأن ينظر في القواعد المكررة في كل مذهب وهذا كثير وتنظم على النحو السابق في المذهب الواحد الست - الأربعين إلخ كما سبق في تنظيم المذهب الواحد.
وأخيرا تذكر القواعد التي انفرد بها كل مذهب على حدة مرتبة حسب الأبواب الفقهية لما في هذا الترتيب من تسهيل العثور على القاعدة المرادة.
المرحلة السادسة:
1- تغيير صياغة القاعدة القانونية عند الضرورة - إن وجدت - محافظة على النصوص القديمة ونشرا لها.
2- مرحلة شرح القاعدة ودليلها وضرب الأمثلة على أن يكون ضرب الأمثلة يمثل المذاهب المختلفة فيما تختلف فيه أو تتفق عليه وتكون الخطة في هذا متناسقة بغير إفراط أو تفريط.
3- ذكر الاستثناءات التي تخرج عن القاعدة.
4- تطبيق القاعدة علي المسائل المعاصرة ما أمكن ذلك.
المرحلة السابعة: دور المراجعين والتدقيق بأن يتولى هذا العمل علماء عرفوا بالدقة والاهتمام بهذا العلم حتى يظهر في أبهى حلله.
الفهارس الدقيقة الشاملة للقواعد والأدلة والاسثناءات والمسائل الخ.
وبالله لتوفيق..
الدكتور سعود مسعد الثبيتي(4/2137)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير حول مشروع
موسوعة القواعد الفقهية ومراحل السير فيه
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على خير خلقه ومن دعا بدعوته واهتدى بهداه.
وبعد فقد اجتمعت لجنة موسوعة القواعد الفقهية برئاسة معالي أمين عام المجمع الفقهي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة وعضوية كل من فضيلة الدكتور محمد صدقي البورنو وفضيلة الشيخ علي الندوي، وفضيلة الشيخ عبد الرحمن الشعلان، وفضيلة الشيح أحمد العنقري والدكتور سعود مسعد الثبيتي.
وبعد استعراض المشروعات المقدمة من كل من فضيلة الدكتور محمد صدقي البورنو وفضيلة الشيخ علي الندوي والدكتور سعود الثبيتي رأت اللجنة أن المشروعات متقاربة يكمل بعضها بعضا فجعلت المشروع المقدم من الدكتور سعود الثبيتي أساسا يضاف إليه ما لا يوجد فيه على ضوء الملاحظات التي أبداها أعضاء اللجنة أثناء المناقشة وعلى هذا تكون الصياغة النهائية للمشروع على النحو التالي:
مقدمة:
تشتمل على أهمية الموسوعة والحاجة إلى تدوينها في هذا العصر وطريقة البحث فيها.
تمهيد:
وبمكن تقسيمه إلى ثلاثة مباحث:
المبحث الأول:
تعريف القاعدة عموما - تعريف الفقه - تعريف القواعد الفقهية - الفرق بين القاعدة الفقهية والقاعدة الأصولية - الفرق بين القاعدة الفقهية والقانونية – الفرق بين القاعدة الفقهية والنظرية.
المبحث الثاني:
أهمية القواعد الفقهية ومكانتها في التشريع الإسلامي:
1- من حيث الاستدلال بها.
2- من حيث استنباط الأحكام الشرعية منها.
المبحث الثالث:
نشأتها وتاريخها - حصر المؤلفات الخاصة والعامة - مناهج المؤلفين في كتبهم من الناحية التنظيمية حيث إن بعضهم دون قواعده مبتدئا بالقواعد الست ثم الأربعين.. إلخ والبعض الآخر على حروف المعجم وبعضهم على الأبواب الفقهية.. الخ.(4/2138)
أما فيما يتعلق بمراحل إعداد الموسوعة فيمكن أن تقسم إلى عدة مراحل:
المرحلة الأولى:
أ - حصر المصادر الخاصة بالقواعد الفقهية في كل مذهب، والرسائل الجامعية وغيرها مما كتب في القواعد أو عنها وجمع ما يمكن جمعه منها في قاعدة خاصة في المجمع تسمى (قاعدة القواعد الفقهية) .
ب - أما فيما يتعلق باستقرأء المصادر غير المتخصصة التي يؤخذ منها القواعد الفقهية في كل مذهب فقد انقسمت اللجنة إلى فريقين.
الفريق الأول يرى أن لا يكتفي بكتب القواعد المتخصصة فقط بل لابد أن يشمل البحث عن القواعد كتب الفقه وأن لا تقل كتب كل مذهب عن ثلاثة مراجع، لأن القواعد الموجودة في كتب الفقه أضعاف أضعاف ما في الكتب المتخصصة وأصحاب هذا الرأي هم: البورنو - الندوي - الثبيتي.
ويرى الفريق الثاني الاكتفاء بكتب القواعد لإمكان إنجاز المعلمة في أقرب وقت وقال بهذا: العنقري والشعلان.
المرحلة الثانية: مرحلة الجمع:
يجمع ما في المصادر من القواعد وترتب ترتيبا يسهل معه التقديم والتأخير والإضافة والحذف ومعرفة المكرر على ضوء خطة واضحة عند جميع من يقوم بالعمل بعد توزيعه حسب المذاهب بحيث يكلف بكل مذهب من نص للقيام به على ضوء ما يتخذ من قرار في الفقرة الثانية من المرحلة الأولى.
المرحلة الثالثة: مرحلة التنسيق:
بعد استيفاء الجمع ينظر في القواعد المتفق عليها والمختلف فيها فإن اتفق على معناها مع الاختلاف في صيغتها فيختار أوضح الصيغ وأوفاها وإن اختلف في القول بها وعدمه فيشار إلى ما هو محل اتفاق أو اختلاف عند ورودها في الترتيب.
المرحلة الرابعة:
ترتيب الموسوعة على حروف المعجم بعد تنسيقها.(4/2139)
المرحلة الخامسة: وتشتمل على فقرتين:
ا - مرحلة شرح القاعدة ودليلها وضرب الأمثلة مع ملاحظة تطبيق القاعدة على المسائل المعاصرة ما أمكن.
2 - ذكر الاستثناءات التي تخرج عن القاعدة وقد رأى أكثر الأعضاء الاكتفاء بذكر المستثنى فقط دون تعليل للاستثناء ورأى د. البورنو بيان وجه الاستثناء وتحت أي قاعدة يندرج هذا المستثنى.
المرحلة السادسة:
فيما يأتي دور المراجعة والتدقيق ممن عرفوا بالدقة والعلم والاهتمام بهذا العلم حتى يظهر هذا المشروع على هيئة يتحقق معها المقصود منه.
المرحلة السابعة:
وضع الفهارس الدقيقة الشاملة للقواعد والأدلة والاستثناءات والمسائل ... الخ.
ا) الأساتذة الذين يراد انتدابهم ودعوتهم لهذا العمل.
2) الإفادة من الكتب غير المتخصصة.
3) التمثيل وتحديد صوره.
4) المستثنيات وتعليلها.
5) شمول القواعد للضوابط.
أعضاء اللجنة:
-د. محمد صديقي بن أحمد البرنو.
-الشيخ علي الندوي.
الشيخ أحمد العنقري.
-الشيخ عبد الرحمن الشعلان.
-د. سعود مسعد الثبيتي.(4/2140)
بسم الله الرحمن الرحيم
مشروع تيسير الفقه
في شعبة التخطيط المنبثقة عن المجلس
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى به وسار على دربه إلى يوم الدين.
وبعد، فقد عقد اجتماع لشعبة التخطيط للنظر في مشاريع المجمع القائمة والمستقبلية وما أعد عنها من مذكرات مقدمة في الدورة الثالثة للمجمع.
وقد تم هذا الاجتماع -بحمد الله وتوفيقه -في الفترة بين 8- 9 صفر 1407هـ الموافق 11-12/ 10/ 1986م.
وقد حضر جانبا من اجتماع الشعبة كل من معالي رئيس المجمع الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد ومعالي الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة.
وحضر الاجتماع كل من:
ا - فضيلة الدكتور عبد اللطيف الفرفور رئيس شعبة التخطيط.
2 - فضيلة الدكتور إبراهيم بشير الغويل مقرر شعبة التخطيط.
3 - فضيلة الدكتور عبد السلام العبادي مساعد رئيس المجمع.
4 - فضيلة الدكتور عبد الستار أبوغدة عضوا (مع القيام بمساعدة المقرر) حيث تأخر وصول المقرر من بلده إلى اليوم الثاني للاجتماع.
5 - سعادة السفير سيدي محمد يوسف جيري عضو مكتب المجلس.
6- فضيلة الشيخ سالم بن عبد الودود عضوا.
7- فضيلة الشيخ محمد هشام البرهاني عضوا.
8- فضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد عضوا.
9-فضيلة الشيخ خليل محيي الدين الميس عضو المجمع.
10 -فضيلة الشيخ رجب التميمي عضو المجمع.(4/2141)
مشروع تيسير الفقه:
بعد التداول طويلا في هذا المشروع وملابساته ومشكلاته انتهت الشعبة إلى وضع الضوابط التالية لكتابة المؤلف المطلوب في الفقه الميسر، وهي:
1 - أن تتم الكتابة من لجنة لا من أفراد.
2- أن تشتمل اللجنة على فقهاء وممثلين للمذاهب المعتبرة من أصحاب الثقة والورع.
3 - عدم الخروج عن الراجح المفتى به في المذاهب الأربعة.
4 - أن يجرد عن الآراء الشخصية.
5 - أن يكون العرض موثقا.
6 - أن يختار ما هو أرجح دليلا، وأيسر للعامة مع شرح المصطلحات الغريبة وتحديث الأمثلة.
7 - أن تراعى المستويات المختلفة في صياغة واحدة.
8- طي المسائل التي لا وجود لها في التطبيق الآن.
9 - أن يذكر المتفق عليه ويضم إليه ما عداه دون التزام مذهب معين، استئناسا بما عليه العمل في مؤلفات التربية الإسلامية للمدارس.(4/2142)
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار
مؤتمر القمة الإسلامي الخامس
الكويت
1407هـ - 1987م
قصر المؤتمرات
د- مجمع الفقه الإسلامي
إذ يؤكد الأهداف المرسومة لمجمع الفقه الإسلامي بتحقيق وحدة الأمة الإسلامية نظريا وعمليا عن طريق السلوك الإنساني ذاتيا وجماعيا ودوليا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية ويشد المسلمين لعقيدتهم ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهادا أصيلا لتقديم الحلول النابعة من الشريعة الإسلامية.
وإذ يؤيد خطة العمل العامة التي رسمها مجلس المجمع في دورة مؤتمره الأول بمكة المكرمة، باعتبارها القاعدة الأساسية التي ينبني عليها عمل المجمع في سعيه لبلوغ الأهداف المرسومة له.
وإذ أخذ علما بالقرارات الهامة التي أصدرها المجمع في دورة انعقاده الثانية بالمملكة العربية السعودية ودورة انعقاده الثالثة بالمملكة الأردنية الهاشمية.
وإذ يعرب عن ارتياحه لما يوليه المجمع من اهتمام أساسي بالقضايا المتصلة بحياة المسلمين المعاصرة، ولما حققه حتى الآن من إنجازات علمية ذات مستوى رفيع.
1- يحث الدول الأعضاء على دعم المجمع ليواصل أداء رسل لله على الوجه المطلوب.
2- يدعو إلى ضرورة استمرار التنسيق بين المجمع والهيئات العلمية الإسلامية في الدول الأعضاء، وذلك ضمانا لنجاعة وفاعلية العمل المجمعي والبلوغ به إلى الحد الذي يمكن المجمع أن يكون مرجعا وحجة للمجتمع الإسلامي بأسره في معرفة السبيل الذي يكفل حل مشاكله ويعينه علي التطور في ضوء الشريعة الإسلامية.
3- يطلب من المجمع إصدار رأيه في المذاهب الهدامة التي تتعارض مع تعاليم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.
4- يطلب من المجمع تركيز الجهود علي تيسير الفقه الإسلامي لتقريبه أكثر فأكثر إلى إدراك عموم المسلمين حتى يعيشوا دينهم ويتمكنوا من تطبيق تعاليمه السمحه.(4/2143)
تقرير عن اجتماع
لجنة مشروع (تيسير الفقه)
في الفترة من 20-21/ 5 / 1987م
بمجمع الفقه الإسلامي بجدة
لقد تم عقد الاجتماع المشار إليه في الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي واستغرق عدة جلسات خلال يومي الأربعاء والخميس المؤرخين 23 - 24 رمضان 1407هـ الموافقين 0 2 – 21/ 5/ 1987م، مع جلسات تكميلية بين بعض أعضاء اللجنة في مكان إقامتهم.
وقد شارك في هذا الاجتماع كل من:
- سعادة الشيخ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة (الأمين العام للمجمع) .
- سعادة الدكتور محمد عبده يماني مدير مؤسسة اقرأ، (مع إبلاغه عن الظروف الصحية التي حالت دون مشاركة سعادة الشيخ صالح كامل في الاجتماع) .
- فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي (من خبراء المجمع) .
- فضيلة الدكتور عبد السلام العبادي (نائب رئيس المجمع) .
- فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة (عضو المجمع) .
وقد اعتذر عن عدم تمكنه من الحضور بسبب مهام عمله سماحة الشيخ محمد المختار السلامي عضو المجمع، بعد أن أرسل مذكرته حول تصوره للمشروع. وقد بدأ الاجتماع بكلمة قيمة من سعادة الأمين العام أشار فيها:
بعد حمد الله تعالى والصلاة والسلام على رسوله وآله وصحبه - إلى أن عقد هذا الاجتماع تم بالتنسيق مع مدير مؤسسة اقرأ الدكتور محمد عبده يماني، وسعادة الشيخ صالح كامل باعتبارهما الجهة المتكفلة بمتطلبات إنجاز هذا المشروع ونشره، كما أوضح أن هذا المشروع كان بمبادرة من المجمع حين اتخذت شعبة التخطيط توصية بشأنه في اجتماعها أثناء انعقاد الدورة الثالثة للمجمع بعمان (وهى مدرجة بملف المشروع) ، ثم تلا ذلك إصدار مؤتمر القمة الإسلامي الخامس بالكويت قرارا بدعوة المجمع إلى تيسير الفقه (وهو أيضا مدرج بملف المشروع) ، واستدعى ذلك قيام الأمانة العامة للمجمع بتشكيل لجنة تشرف على هذا المشروع من أعضاء المجمع وخبرائه وكلفت أعضاءها إعداد تصوراتهم (التي جاءت في المذكرات الأربع المدرجة بملف المشروع أيضا) .(4/2144)
وأشار إلى أن هذا المشروع لقي ترحيبا واحتضانا من سعادة الشيخ صالح كامل وسعادة الدكتور محمد عبده يماني للسير في إنجازه ونشره طبقا للخطة التي يرتضيها المجمع بعد أن تصاغ في هذا الاجتماع، ثم اقترح قيام الدكتور عبد الستار أبو غدة بمهمة مقرر اللجنة (وتمت الموافقة على ذلك) ثم حدد الأمور التي يراها ضرورية لإمكان البدء بالمشروع وهي:
أ - وضع الخطة العلمية ومنهج التنفيذ، من خلال (صياغة أولية للمشروع) تتضمن ماهيته وأهدافه وطريقة إنجازه، لعرضها على مجلس المجمع، لاعتماد مسيرة الأمانة العامة في تنفيذه، بإشراف ومتابعة لجنة المشروع.
ب -وضع تصنيف للموضوعات مبينا فيه كل ما يستحق أن يكتب على حدة، مع الإشارة إلى ما هو أولى بالبدء به.
ج - وضع معايير للمراجع المستخدمة في المشروع، وللوسائل الإيضاحية المستعان بها في موضوعاته ومسائله، ولأصول الإخراج الفني وطريقة النشر.
د - وضع قوائم للمستكتبين، وللمراجعين.
هـ - اقتراح أعضاء لتكوين (لجنة الاعتماد) .
وختم الأمين العام كلمته بالأمل في إعداد ما هو ضروري الآن من هذه الأمور رغم قصر فترة الاجتماع.
وقد أضاف المقرر تنويها بما تتطلبه خطوات تنفيذ المشروع من لوائح إدارية ومالية، والإجراءات اللازمة لأعمال الترجمة والنشر. وعقب الدكتور يماني بأن ذلك ستقوم به الجهة الراعية للمشروع.
ثم أعطى الأمين العام الكلمة للدكتور محمد عبده يماني فأشار إلى دواعي الاهتمام بهذا المشروع الهام الذي يتطلع إليه المسلمون من غير المتخصصين في الفقه لإرواء تعطشهم إلى التفقه في الدين بطريقة تناسب إمكاناتهم وظروفهم، وبين أن هذه المهمة ملقاة على عاتق المتخصصين من أهل الفقه، وأن المجمع أجدر من ينهض بها، وأشار إلى ما لمسه خلال جولاته في البلاد الإسلامية التي أصابتها المجاعات من الحاجة إلى جانب العون المادى لإعطاء الشعوب والجاليات الإسلامية قسطا كافيا من الزاد الفكري والفقهي للحفاظ على شخصيتها الإسلامية من الذوبان بفعل المعونات المشبوهة والمحفوفة بتوريد الأفكار المجافية لإسلام.(4/2145)
ثم بدأ التداول بين الحاضرين فيما اشتملت عليه المذكرات الأربع من تصورات ولا سيما في النقاط المختلف فيها أو التي انفردت بها بعض المذكرات وتم الاتصال هاتفيا بسماحة الشيخ محمد المختار السلامي لمذاكرته في الخطوط العريضة التي طرحت وتبين من جوابه اتفاقه في المآل على تأييد المشروع في ظل الضمانات الكافية لضبط مسيرته وسلامة أهدافه.
وقد انتهى الأعضاء إلى اعتماد (الصيغة) المرفقة بالتقرير، للتعبير عن ماهية المشروع وأهدافه وخطته ومنهج تنفيذه.
والحمد لله رب العالمين.
الأمين العام للمجمع د. محمد الحبيب ابن الخوجة د. محمد عبده يماني
د. يوسف القرضاوي
د. عبد السلام العبادي
(مقرر اللجنة)
د. عبد الستار أبوغدة(4/2146)
الصياغة الأولية لخطة مشروع
(تيسير الفقه)
المقصود بتيسير الفقه.
إن المراد بتيسير الفقه هو تسهيل الاستفادة منه، وعرضه على أساس روح الشريعة ومقصدها العام الذي هو اليسر ورفع الحرج.. وهذا المشروع مقدم أصلا لعموم المسلمين من غير المختصين في الفقه، ومن غير من درجوا على تقليد مذهب ارتضوه، وهم كثرة غالبة في معظم العالم الإسلامي ممن لم تتح لهم ظروفهم فرصة الاطلاع المنظم على أحكام الفقه الإسلامي في المؤسسات التعليمية القائمة، ولا سيما بعد أن اختفت الفرصة التاريخية التي كانت توفرها حلقات العلماء في المساجد مما كان له دوره في العناية بالتفقه عن طريق الالتزام بمنهج فقهي واحد. فضلا عن المنزلة التي يحتلها الكتاب الآن باعتباره أداة عملية من أيسر أدوات التعليم الشامل.
ولا يعني هذا المساس بقيمة المذاهب الفقهية ومدارس المجتهدين الذين استفرغوا جهودهم المبرورة في خدمة الشريعة وتمكين الناس من الالتزام بأحكامها، فإن هذه المذاهب ثروة عظيمة استمدت من الكتاب والسنة، وهي المرجع لكل عمل فقهي جاد، بل إنها ستكون الأساس المكين لهذا المشروع.
كما لا يعني هذا المشروع التأثير على اتباع المذاهب المعروفة لترك التمذهب فإن الأخذ بمذهب فقهي معين هو طريق ممهد للالتزام بأحكام الشريعة.
ولن يكون من شأن هذا المشروع في تكوينه تتبع الرخص والتلفيق المذهبي بصرف النظر عن قوة الدليل وقيام المصلحة الشرعية المعتبرة التي تهدف إلى تحقيق مقاصد الشريعة.(4/2147)
أهداف المشروع:
يهدف هذا المشروع إلى:
أ - تلبية حاجة عامة المسلمين الملحة إلى معرفة الحكم الشرعي بشكل واضح محدد.
ب - توفير المادة العلمية المناسبة التي تمكن غير المختصين من التفقه في الدين لأسلوب سهل ميسور.
ج - المساعدة في تكوين الشخصية المسلمة الملتزمة بشرع الله سبحانه وتعالى في شؤون حياتها كافة، وحمايتها من مخاطر الأفكار والتصورات غير الإسلامية.
د - الإسهام في تهيئة المناخ الفكرى الإسلامي اللازم لتطبيق الشريعة في شتى مجالات الحياة والاستغناء عن القوانين غير الإسلامية.
هـ- سد الحاجة الماسة إلى عرض الشريعة القائمة على التيسير ورفع الحرج، وذلك بالإفادة من جميع ما اشتملت عليه من فقه معتبر، بعيدا عن التضييق والتعصب المذهبي.
ولا شك أن عرض الشريعة بيسرها وسماحتها وتنوع أحكامها إلى رخص وعزائم وقيامها على أسس الاعتدال والوسطية وملاءمة الفطرة، ومراعاتها أحوال الاختيار والسعة أو الضرورة والحاجة، سيكون له أعظم الأثر في بقاء معظم الناس في دائرة الالتزام بالشريعة والعمل بهديها، ويتبع ذلك تعميق حسن الانتماء إلى هذا الدين بين جماهير المسلمين، مما يقويهم في مواجهة الأفكار الوافدة ويعينهم على صد حملات التحلل من أحكام الإسلام.
خطة تيسير الفقه ومناهج التنفيذ:
لكي يتحول تيسير الفقه في فهمه وجوهره من هدف وشعار إلى حقيقة سارية في جميع مسائله لا بد من مراعاة الأمور التالية فيما بعد، وهي أيضا بمثابة ضمانات لتحقيق التوازن والاتساق بين أجزاء المشروع ووحدة نسيجه، وهي عناصر موضوعية أو شكلية تؤدي إلى حسن إنجاز المشروع وإيتاء ثماره التي يتشوف إليها جماهير المسلمين:
أ - سهولة العرض المنظم للمادة الفقهية: وذلك بعرض الأحكام الفقهية بأسلوب لغوي سهل التركيب واضح العبارة يفهمه جماهير المسلمين مباشرة دون الحاجة إلى الشرح أو التلقي.
ويراعى في ذكر أجزاء الموضوع ومسائله التدرج الموضوعي المنطقي بعيدا عن التشعيبات والتعقيدات التي لحقت ببعض الكتابات الفقهية في العصور المتأخرة كما يستعان بالتمهيدات أو التوطئات التي يتطلبها المقام لفهم الموضوعات وحسن إدراكها.(4/2148)
ب - اختيار الأحكام والتوثيق الفقهي:
بما أن هذا المشروع ليس مدونة فقهية شاملة للمذاهب، وإنما هو منهج ميسر لأحكام الشريعة فإنه يقوم على أساس اختيار الأحكام من الثروة الفقهية مع التوثيق لها ببيان منازعها بطريقة لا تلحق عسرا في الفهم أو مشقة في العمل وذلك على النحو التالي:
- إذا كان حكم المسألة متفقا عليه بين فقهاء المذاهب المعتبرة فإنه يورد دون أي بيان آخر؛ لأنه غير مزاحم، ويميز في الطبع بحروف أكبر، ليستدل بذلك على الاتفاق (من خلال البيان التوضيحي الذي تشتمل عليه مقدمة المشروع) .
- وإذا كانت المسألة خلافية، فإنه يذكر الحكم المختار المحقق لليسر، ما دام هناك تكافؤ في الأدلة بصورة يعسر فيها الترجيح.
وحين يشار إلى رأى الجمهور أو من خالفهم فإن ذلك يكون بتعيين المذهب وخلاصة الرأي في صلب الكلام بنوع صغير من الحروف (بحيث تستخدم ثلاثة أنواع من الحروف: كبير للمتفق عليه، ثم وسط للمختار في المشروع، ثم صغير للرأي المقابل للرأي المختار) .
وسبب الحرص على ذلك مذهب الجمهور في جميع الأحوال إتاحة المجال لمن يريد الحيطة بالأخذ به ولو كان المختار خلافه. وهذا مع استقصاء من اختار الرأي المخالف للجمهور من فقهاء السلف وعلماء الأمة أصحاب الاختيارات، وتوجيه ذلك الرأي وبيان البواعث لاختياره.
ج - شمول الفقه للآداب الشرعية:
يشتمل هذا العمل على مسائل الآداب الشرعية مما اختصر في كتب الفقه المعروفة، أو ألحق بأبواب موجزة، مما دعا إلى إفراد كتب مستقلة لها تحت اسم (الآداب الشرعية) ونحوه. وبذلك يتحقق الجمع بين الأحكام التي يجري فيها التقاضي والأحكام التي تشرع على سبيل الديانة أو متابعة الهدي النبوي، ويستغني المسلم عن البحث عنها في مظانها خارج كتب الفقه.
ويتصل بذلك الحرص على ذكر جميع الكيفيات المأثورة أو المشروعة على وجه الكمال عن مثل (صفة الصلاة) و (صفة الحج) سعيا إلى إيضاح الصور المتكاملة لهذه الشعائر.(4/2149)
د - شمول المسائل المستجدة:
تستقصى المسائل المستجدة التي استقر حكمها من خلال ما انتهت إليه المجامع الفقهية والمؤتمرات والندوات ولجان الفتوى المشهورة. أما ما كان بحاجة إلى النظر الجماعي فيشار إلى حكمه إن كان ميسورا أو يرشد إلى الموقف المناسب فيها دون جزم أو استباق للجهود المنوطة بالمؤسسات الفقهية المهتمة بهذا المجال.
هـ - الأدلة والتوجيهات:
ينبغي اقتران الأحكام الأساسية بالأدلة، مع شمول ذلك المسائل الأخرى ما أمكن، فتذكر الأدلة النقلية والإجماع والأقيسة الصحيحة ووجوه المعقول بعيدا عن المناقشات المذهبية، وتستكمل الأدلة النصية الواردة في المسائل وتوجيه الاستدلال ليكون التزام المسلمين بالأحكام نابعا عن الطاعة لله ورسوله واستشعارا للاقتداء والتأسي بالمنهج النبوي.
على أنه لا بد من الاقتصار على الصحيح والحسن عند الاستدلال بالسنة وذلك من كتبها المعتبرة، مع الاستعانة للحكم على الحديث بكتب التخريج المشهورة.
و حكمة التشريع ومقاصده وتاريخه:
لا يخفي ما في ذلك من طمأنينة القلب واقتناع العقل وبيان انضباط الشريعة، ويستمد ذلك مما ورد في كتب الفقه أو الكتب المخصصة لحكمة التشريع وتاريخه ومقاصده، مع الاستفادة مما كتبه المختصون في شتى العلوم العصرية بحسب علاقة الموضوع بمعارف العصر، مع الحذر من الخلط بين حكمة التشريع وعلله لما يؤدي إليه ذلك من فتح باب التحلل من التكاليف حيث تختفي الحكمة في بعض التطبيقات كما تربط الأحكام بمقاصد التشريع وقواعده العامة ويشار إلى ظروف بدء التشريع للحكم بذكر وقته وأسباب نزول الآيات وأسباب ورود الأحاديث.
ز - مراعاة المعارف العصرية والتعامل المشروع المستقر:
لا مناص من الاستفادة من معارف العصر ومراعاة الأعراف المستقرة التي لا تخالف الشريعة. وذلك في تصوير المسائل وإعطاء الحكم بالرجوع إلى العرف والخبرة الفنية، وكذلك في إبراز حكمة التشريع. مع الاهتمام بما تعامل عليه الناس في مجال المقادير والمقاييس المختلفة، والأدوات الحديثة المتخذة وسائل في أفعال المكلفين. وكذلك باستخدام المصطلحات الحديثة أو المولدة جنبا إلى جنب من الاصطلاحات الفقهية.(4/2150)
ح - التركيز على الفقه العملي:
يقتصر في عرض المسائل والأحكام على ما يحتاجه الناس فعلا، وتترك الأمور الافتراضية النظرية، أو المسائل التاريخية التي لم تعد قائمة، أو المسائل النادرة الوقوع، فإن مثل هذه الأمور يمكن الرجوع إليها في المدونات الفقهية، وفي حذفها تسهيل على عامة المسلمين.
ومن ذلك القبيل إعطاء كل باب حقه من التوسع أو الاختصار تبعا للحاجة العملية، فهناك أبواب تخصصية تنحصر الاستفادة منها في الحاكم أو القاضي أو فئة قليلة من الناس. ومن التيسير إيجاز عرضها، أو الاكتفاء ببعض مسائلها مما يستفيد منها جمهرة المسلمين.
ط- استمداد الأمثلة من الواقع:
عند بيان أو توضيح المسائل الفقهية بالأمثلة يحرص على استخدام أمثلة مستمدة من واقع الناس المعاصر، والتخفف من الأمثلة التاريخية تسهيلا للفهم، وإبرازا لمواكبة الشريعة لمشكلات مختلف العصور والبيئات.
ى - الوسائل الإيضاحية:
ينبغي الاستعانة بكل وسائل الإيضاح الممكنة من كل ما هو مباح وملائم من رسوم توضيحية وصور وخطوط بيانية وجداول وخرائط لإيضاح الهيئات المطلوبة شرعا أو المنهي عنها ولا سيما أحكام الصلاة أو الحج بذكر مشاهده ومواضع النسك وماهيات المحظور من الأطعمة من نبات أو حيوان.. الخ؛ لأن ذلك من قبيل الأمثلة المحسوسة.
ولا يمكن الآن حصر هذه الوسائل أو تحديد النماذج المحتاج إليها منها، ويحسن اختيار مجموعة من المعنيين بأنواعها المختلفة ليحال إليها أولا بأول كل ما يقترح من وسائل، من قبل المستكتبين أو المراجعين أو لجنة الاعتماد في كل موضوع بحسبه.
ك - المراجع المستخدمة في المشروع:
بالإضافة إلى الاستمداد من الكتب الفقهية الأساسية الممثلة لفقه المذاهب المعتبرة، وكتب الفقه المقارن يرجع إلى كتب أحكام القرآن، وكتب أحاديث الأحكام وشروحها. مع الاستفادة من المراجع المعاصرة والدوريات وأعمال المجامع والمؤتمرات والندوات ولجان الفتوى، أو الرسائل العلمية المتخصصة ومحاولات تيسير الفقه المعروفة، لأن في هذا النتاج جهدا علميا لا يجوز إغفاله، وله دوره في توجيه النظر إلى ما يحقق اليسر والمصلحة الإسلامية العامة.(4/2151)
ل - الإخراج الفني والفهرسة:
من تمام التيسير المستهدف في هذا المشروع مراعاة أصول الإخراج والنشر الفني، من علامات الترقيم والأقواس والفقرات والعناوين، وتنويع الخطوط وأصناف الحروف المطبعية فضلا عن نوع الورق والحجم والتغليف الخ.. مع ضبط الآيات والأحاديث وتشكيل المشكل.
وكذلك الفهرسة الفنية بشتى الاعتبارات لسد الحاجة إلى الكشف عن المسائل بسرعة ويسر.
ومن الجدب بالذكر أن كل موضوع سينشر على حدة في إطار سلسلة واحدة تجمع هذه الكتيبات في مواصفات عامة بها، مع اختيار ما يميز كل كتاب منها بالألوان أو الأرقام الخ.
م - قوائم المستكتبين والمراجعين ولجنة الاعتماد:
طرحت بعض الأسماء لتشكيل القوائم واللجنة المشار إليها، ورئي أن استكمال ذلك على الوجه الصحيح يتطلب مزيدا من الوقت لاستحضار الطاقات المناسبة للنهوض بهذا العمل حيث سيناط بكل من يرشح للكتابة أو المراجعة تحمل مهمة إنجاز ما يكلف به ويفسح له المجال للاستعانة بمن يشاء على مسئوليته. لذا احتفظ بالأسماء المطروحة في ملحق لتكون نواة لتشكيل القوائم واللجنة المشار إليها، بعد استكمالها وتحديد العناوين.
كما أشير إلى ضرورة اشتمال التكليف على مدة لإنجاز الكتابة، أو إنجاز المراجعة.(4/2152)
ومن الضروري أن تتضمن الأبحاث المكتوبة بيانات خاصة بشأن المستندات والآراء غير المختارة. إلخ للمساعدة في عملية المراجعة والاعتماد، وإن كانت ستحذف فيما بعد لعدم حاجة القارئ إليها.
ن - معيار أولوية الإنجاز والنشر:
لا يخفي أن حاجة عامة المسلمين تختلف بين موضوع وآخر، ومع شمول المشروع لكل موضوعات الفقه وآدابه الشرعية فإن هناك أولوية لنشر بعض أقسام الفقه أو أبوابه، مما سيشار بإزائه في قائمة تصنيف الموضوعات. وعلى سبيل المثال هناك من الأقسام والأبواب المستحقة للتعجيل:
أ - العبادات، ولا سيما الصلاة والحج.
ب - الأحوال الشخصية.
ج –أبواب من المعاملات. من مثل:
البيع، الإجارة، الصرف، الهبة.
س - تصنيف الموضوعات حسب جدارتها بالإفراد في كتيب:
إن من مظاهر التيسير لتناول جماهير المسلمين للفقه تجزئة موضوعاته وإخراجها في كتيبات لطيفة الحجم، ولذلك سيفرد كل موضوع يستحق الإفراد، حسب منهج منضبط تتحقق به الفائدة للقارئ دون إخلال بوحدة الموضوع ومشتملاته وبما أن هذا التصنيف سيحتاج إليه عقب قرار مجلس المجمع للصياغة المعبرة عن المشروع، لذا وُكِّلَ إلى الأعضاء إعداد تصنيف مقترح من كل منهم علي تؤدة وهو بالقرب من مكاتبهم وذلك للتداول فيه عند عقد الدورة القادمة بحيث يساعد ذلك (مع القوائم الشخصية للمستكتبين والمراجعين ولجنة الاعتماد) في الانطلاق بمسيرة المشروع.(4/2153)
بسم الله الرحمن الرحيم
محضر الاجتماع الثاني للجنة المشرفة
علي مشروع تيسير الفقه
تم في الكويت عقد اجتماع للجنة المشار إليها، وذلك مساء الجمعة 9/صفر/1408هـ الموافق 2/ 10/ 1987م حضره ثلاثة من أعضاء اللجنة الموكول إليها الإشراف على مشروع (تيسير الفقه) بمناسبة وجودهم في الكويت هم:
- سماحة الشيخ محمد المختار السلامي.
- فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي.
- الدكتور عبد الستار أبو غدة.
ولم يتيسر حضور الدكتور عبد السلام العبادي، وتقرر إبلاغه بما دار في الاجتماع وما أحيل إليه من الأعمال الموزعة على أعضاء اللجنة.
ولقد استعرضت اللجنة متطلبات تنفيذ الفقرة الأخيرة من خطة المشروع الموضوع من قبلها، بشأن (تصنيف الموضوعات حسب جدارتها بالإفراد في كتيب) ليكون في الإمكان إفراد كل موضوع يستحق الإفراد دون الإخلال بمشتملاته الأساسية. وتبين أنه لا بد من استعراض جميع الأبواب الفقهية وجعلها وحدات مستقلة، سواء ضمت الوحدة بابا أو أكثر من التبويب المألوف أو استدعى الأمر تجزئة ما كان مشتملا على موضوعات تستحق الفصل أو إعادة التوزيع.
وتقرر أن ينهض كل عضو من أعضاء اللجنة الأربعة بإجراء هذا المتطلب في قسم من أقسام الفقه (حسب التقسيم الرباعي المعروف) وذلك على النحو التالي:
- العبادات وما يتصل بها، (الدكتور يوسف القرضاوي) .
- الأحوال الشخصية وما يتصل بها، (الشيخ محمد المختار السلامي) .
- المعاملات وما يتصل بها، (الدكتور عبد السلام العبادي) .
- العقوبات والأقضية وما يتصل بها، (الدكتور عبد الستارة أبو غدة) .(4/2154)
كما تم الاتفاق على أن كل عضو (بعد وضع التصنيف المطلوب بالنسبة للقسم الفقهي المخصص له) يقوم باختيار باب من ذلك القسم لكتابته بصورة نموذجية تراعى فيها القواعد والخصائص المبينة في خطة مشروع تيسير الفقه.
ولضمان التناسق والتكامل بين عمل الأعضاء فإنه يؤمل أن يسلم ما يقوم به كل منهم إلى الأمانة العامة للمجمع قبل وقت كاف من عقد الدورة المرتقبة لكي يتم تهيئة العمل على شكل موحد في ضوء الاتصال مع الأعضاء إذا اقتضى الأمر. ثم يصار إلى إتمام التداول فيه عند عقد الدورة، كما جاء في كتاب الأمانة العامة الموجه للأعضاء بهذا الشأن.
وانتهى الاجتماع في اليوم نفسه، على أن تتفضل الأمانة العامة بإبلاغ الدكتور عبد السلام العبادي بما انتهت إليه اللجنة.
والحمد لله رب العالمين.
د. عبد الستار أبو غده(4/2155)
بسم الله الرحمن الرحيم
تقرير اللجنة الفرعية المشكلة
لدراسة مشروع تيسير الفقه
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وصحبه ومن سار على دربه واقتدى به إلى يوم الدين، وبعد.
فقد اجتمعت اللجنة الفرعية المشكلة لبحث الخطة المقترحة لمشروع تيسير الفقه.. بحضور كل من:
الأستاذ الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة الأمين العام للمجمع.
الأستاذ الشيخ محمد المختار السلامي
الأستاذ الدكتور عبد السلام داود العبادي مقرر.
الأستاذ الدكتور عمر جاه
الأستاذ الدكتور وهبة مصطفي الزحيلي
الأستاذ الدكتور عبد الله إبراهيم
وقد استمعت اللجنة إلى شرح مستفيض من معالي الأمين العام عن فكرة المشروع وما مرت فيه من مراحل وقد أشار إلى أن هذا الموضوع قد ورد النص عليه في النظام الأساسي للمجمع وأن ذلك قد تأيد في قرارات مؤتمر القمة الإسلامي الخامس الذي عقد في الكويت 1407هـ الموافق 1987م وأوضح أن شعبة التخطيط كانت قد بحثت هذا المشروع في اجتماعها الذي عقد في عمان بتاريخ 8 - 9 صفر 1407هـ الموافق 11-12/ 1986م أثناء انعقاد الدورة الثالثة لمجلس المجمع. وقد اتخذت فيه مجموعة من التوصيات ثم بين معاليه أن الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي قد قامت بتشكيل لجنة لإعداد هذا المشروع من أعضاء المجمع وخبرائه.. وتتكون هذه اللجنة من كل من:
1 - الشيخ محمد المختار السلامي
2 - الدكتور يوسف القرضاوي
3 - الدكتور عبد السلام داود العبادي
4-الدكتور عبد الستار أبوغدة مقرر(4/2156)
وقد التقت هذه اللجنة بتاريخ 23 - 24 رمضان 1407هـ الموافق 20-21 /5/ 1987م بحضور معالي الأمين العام، وأعدت صياغه أولية لهذا المشروع على ضوء التصورات التي أعدها أعضاؤها. ثم بيَّن معاليه أبعاد التبرع المشكور الذي قدمه سعادة الشيخ صالح كامل ومعالي الدكتور محمد عبده يماني مدير مؤسسة اقرأ لتمويل هذا المشروع.
وقد قامت اللجنة الفرعية بدراسة هذه الصياغة وبعد المداولة تبنت اللجنة اعتماد هذه الخطة المقترحة لمشروع تيسير الفقه كما وردت من اللجنة التي قدمته مع إدخال بعض التعديلات الطفيفة التي ستراعى عند الطباعة. وتوصي اللجنة لمجلس المجمع إقرار هذا المشروع وتكليف الأمانة العامة بمتابعة تنفيذه. هذا وقد اقترح بعض أعضاء اللجنة الفرعية أن يضم لمشروع تيسير الفقه الأحكام الاعتقادية أيضا لأهميتها والحاجة إلى التيسير في عرضها. وقد رأت اللجنة أن هذه الأحكام جديرة بمشروع مستقل لتيسير عرضها وأنه لا ضرورة لإدخالها في هذا المشروع حرصا على ما استقر من اصطلاحات في هذا المجال.
مقرر اللجنة الفرعية
د. عبد السلام داود العبادي(4/2157)
توصيات الدورة الرابعة
لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
مناقشة التوصيات
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه..
أولا: بعد الاطلاع على البحوث الواردة للمجمع في موضوع (كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية والتي أوضحت ما يعانيه العالم بأسرة من المفاسد الأخلاقية التي أخذت تنتشر في عالمنا الإسلامي بصورة لا ترضي الله تعالى، ولا تتوافق مع الدور القيادي المنوط بهذه الأمة في قيادة البشرية نحو الطهر العقدي والأخلاقي والسلوكي، بين الناس والأمم) .
وانسجاما مع خصائص الإسلام المتكاملة، وكون الجانب الأخلاقي من أهم جوانب الدين ولا تتحقق الثمار الكاملة للانتماء إلى الإسلام إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية بجميع مبادئها وأحكامها وفي شتى مرافق الحياة. يوصي:
- بالعمل على تصحيح وتقوية الوازع العقدي عبر القيام بتوعية شاملة وتحسيس بآثار العقيدة الصحيحة بالنفوس.
- بالسعي إلى تطهير الإعلام المقروء والمرئي والمسموع والإعلانات التجارية في عالمنا الإسلامي من كل ما يشكل معصية لله تعالى وتنقيته تماما من كل ما يثير الشهوة أو يسبب الانحراف ويوقع في المفاسد الأخلاقية.
- بوضع الخطط العلمية للمحافظة على الأصالة الإسلامية والتراث الإسلامي، والقضاء على كل محاولات التغريب والتشبه، واستلاب الشخصية الإسلامية والوقوف أمام كل أشكال الغزو الفكري والثقافي الذي يتعارض مع المبادئ والأخلاق الإسلامية. وأن توجد رقابة إسلامية صارمة على الأنشطة السياحية والابتعاث إلى الخارج حتى لا تتسبب في هدم أخلاق ومقومات الشريعة الإسلامية.
- بتوجيه التعليم وجهة إسلامية، وتدريس كل العلوم من منطلق إسلامي، وجعل المواد الدينية مواد أساسية في كل المراحل والتخصصات مما يقوي العقيدة الإسلامية ويؤصل الأخلاق الإسلامية في النفوس. كما يجب أن تحرص الأمة أن تكون رائدة في مجالات العلم المتعددة.(4/2158)
- ببناء الأسرة الإسلامية بناء صحيحا، وتيسير الزواج والحث عليه، وحث الأباء والأمهات على تنشئة البنين والبنات تنشئة صحيحة، حتى يكونوا جيلا قويا يعبد الله على حق ويتولى المهمة الدائمة لنشر الإسلام والدعوة إليه. وأن تهيأ المرأة لتقوم بدورها أما وربة بيت حسب ما تقضي به الشريعة الإسلامية والقضاء على ظاهرة انتشار استخدام المربيات الأجنبيات خاصة غير المسلمات.
- بتهيئة جميع الوسائل التي تحقق تربية النشء تربية إسلامية بحيث يلتزم بأركان الإسلام وسلوكياته، ويدرك واجباته تجاه ربه وأمته ويتخلص من الخواء الروحي الذي يتسبب في تعاطي المخدرات والمسكرات والتفسخ الأخلاقي بأشكاله المتعددة وإشغال أوقات الفراغ لديهم بما هو مفيد وإيجاد وسائل الترفيه والرياضات والمسابقات البريئة الطاهرة وأن توجه وجهة إسلامية كاملة.
ثانيا: بعد الاطلاع على البحوث الواردة للمجمع في موضوع (مجالات الوحدة الإسلامية وسبل الاستفادة منها) وانطلاقا من أولوية رابطة الإسلام بين شعوب الأمة الإسلامية وهي رابطة لا انفصام لها، وأساس متين للتضامن المنشود وقاعدة ثابتة لكل بناء حضاري يرمي إلى توحيد صفوفها وإلى التأليف بين الجهود المبذولة في مجابهة التحديات المعاصرة وتحقيق العزة والتقدم.
وبما أن في رابطة الإسلام حافزا قويا وعاملا باقيا لأحكام التوجه ولتنسيق سياسات الدول الإسلامية في مختلفة ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولتوثيق علاقات التناصر والتعاون والمرحمة بين شعوب الأمة في رفع ما يعوق سيرها من ألوان التبعية ويجابهها من تحديات المعاصرة في بلوغ ما تسعى لتحقيقه من رقي ومنعة وازدهار.
يوصي أيضا بما يلى:
- بالذود عن العقيدة الإسلامية، وتمكينها بصورتها النقية من الشوائب، والتحذير من كل ما يؤدي إلى هدمها أو التشكيك في أصولها.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
ما وزعت علينا هذه نحن غير متابعين.(4/2159)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
هي على كل ليس فيها فقه وإنما هي فكر وأنتم مفكرون.. ستوزع الأن.
الرئيس:
توزيعها ضروري.. ما هو رأيكم نصلي الظهر ثم نعود، أو تنتظرون خمس دقائق.. نصلي هنا؟
* * *
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم
التوصيات بين أيديكم وسيبدأ قراءتها من أولها.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
نواصل من حيث بلغنا.
يوصي أيضا بما يلي:
أ - بالذود عن العقيدة الإسلامية، وتمكينها بصورتها النقية من الشوائب، والتحذير من كل ما يؤدي إلى هدمها هذه في الصفحة 26 في البند ثانيا الفقرة أو التشكيك في أصولها ويقسم وحدة المسلمين ويجعلهم مختلفين متنابذين
ب - بتأكيد عناية مجمع الفقه الإسلامي بالأبحاث والدراسات الفقهية التي ترمي إلى مجابهة التحديات الفكرية الناشئة عن مقتضيات المعاصرة واهتمام الفقه الإسلامي بمشكلات المجتمع، واعتماده كعنصر أساسي في النهضة الفكرية للأمة وتوسيع دائرة اعتماده فيما تسنه الدول الإسلامية من تشاريع وقوانين في عامة شؤون المجتمع.
ج - وجوب التناسق الوثيق في ميدان التربية والتعليم مضمونا ومنهاجا على السبيل القويمة للحضارة الفكرية التي بناها الإسلام بغية تكوين أجيال من المسلمين متوحدين في المرجع التعبدي متقاربين في التوجه الفكري متشاركين في الاعتزاز بالانتساب الحضاري.(4/2160)
د - بإعطاء درجة عالية من الأولوية للبحث العلمي في مختلف ميادين المعرفة وتخصيص نسبة10 % من الناتج الإجمالي لتمويل البرامج البحثية، لإنشاء المخابر العلمية على أساس وثيق من التكامل والتعاون بين الجامعات الإسلامية.
هـ - بالعمل مع الجامعات الإسلامية على ضبط برنامج دراسي يتألف من عدد من المحاور الكبرى تكون غرضا للبحث الفقهي، وبإنشاء لجنة عليا من المفكرين المسلمين لمتابعة هذه الأبحاث وإجازتها..
الدكتور عبد السلام داود العبادي:
يوصي بما يلي تأكيد. يعني يلتزم به، بعضها صار مضطربا.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
هي تكرار للحرف الجار للتوكيد.. الذي مضطرب نحذفه، وبإنشاء لجنة عليا من المفكرين المسلمين لمتابعة هذه الأبحاث وإجازتها، وتخصيص جائزة تفوق لمكافأة أحسنها..
و أن يكون الإعلام في بلاد المسلمين بكل أنواعه المسموعة والمقرؤة والمرئية إعلاما هادفا إلى تحقيق العبودية لله في أرضه، وبث الخير ونشر الفضيلة والتحرر من المبادئ الهدامة للفكر والخلق، والملحدة في دين الله، والمنحرفة عن الصراط المستقيم، ودعم جهود توحيده من خلال نشاط اتحاد الإذاعات الإسلامية.
ز - إقامة اقتصاد إسلامي لا شرقي ولا غربي، بل اقتصاد إسلامي خالص مع إقامة سوق إسلامية مشتركة، يتعاون فيها المسلمون على الإنتاج وتسويقه دون الحاجة إلى غيرهم، لأن الاقتصاد ركن مهم من أركان قيام المجتمعات وتكامله سبيل للوحدة بين شعوب الأمة الإسلامية.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بل اقتصاد إسلامي خالص. من الأول إقامة اقتصاد إسلامي لا شرقي ولا غربي.. مع إقامة سوق إسلامية مشتركة. بل هذه ما فهمت لنا.
الرئيس:
يريد لا شرقي ولا غربي.
الشيخ محمد المختار السلامي:
إقامة اقتصاد إسلامي خالص.(4/2161)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
نضرب عن الإضراب.
ثالثا:
انطلاقا من أن (إسلامية التعليم) في الديار الإسلامية اليوم ضرورة لا مناص منها لبناء الأجيال الإسلامية بناء سويا متكاملا في الفكر والتصور والسلوك والعمل.. وذلك بجعل جميع العلوم محكومة بالإسلام في المنطلقات والأهداف، وأن يكون الإسلام بنظمه وضوابطه إطارا لهذه العلوم، وأن تكون العقيدة الإسلامية قاعدة وأصلا في بناء المنهج التربوي والتعليمي. وتتلخص أهم معالم المنهج المنشود في (إسلامية التعليم) فيما يلي:
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
بالنسبة للاصطلاح أسلم. ما بده وقفة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
والله درج هذا الاصطلاح.
الرئيس:
هذه العبارة ولو درجت ينبغي تغييرها.
الشيخ طه جابر العلواني:
لو سمحتم كلمة أسلم فيها معنى خذل والأفضل إسلامية التعليم وإن كان إذا اعتبرناه مصدرا صناعيا ممكن أن يمشي ولكن الأفضل منه إسلامية التعليم.
الشيخ محمد تقي عثماني:
صبغ التعليم صبغة إسلامية. بدل أسلمة التعليم.
الشيخ طه جابر العلواني:
وماذا عن إسلامية التعليم.
الرئيس:
لماذا لا يقول انطلاقا من مطلب التعليم الإسلامي في الديار الإسلامية. (التعليم الإسلامي) .
الشيخ محمد المختار السلامي:
ممكن سيادة الروح الإسلامية، سيادة التفكير الإسلامي في التعليم.(4/2162)
الرئيس:
لكن إذا قلنا التعليم الإسلامي ما يكون جيدا؟
الشيخ طه جابر العلوانى:
سيادة الرئيس هو المطلوب إسلامية العلوم الإنسانية والاجتماعية وليس المطلوب علوما أخرى.
فلذلك إسلامية التعليم المطلوب فيه إسلامية العلوم الإنسانية والاجتماعية لما قلنا التعليم الإسلامي ينصرف للتعليم الشرعي.
الأمين العام:
يا سيدي صبغ التعليم بالصبغة الإسلامية.
الشيخ محمد المختار السلامي:
ما معنى إني أبحث في المادة أو عندما نكون طبيب نقول صبغة إسلامية. يا سيدي ما هي صبغة إسلامية. التجربة فيما تصل إليه.
الشيخ عمر جاه:
فضيلة الرئيس إن إسلامية التعليم تختلف عن التعليم الإسلامي اختلافا كليا فإسلامية التعليم معناها إدخال روح الإسلام في مناهج التعليم وخصوصا في العلوم الإنسانية ولذلك أنا أميل إلى اختيار كلمة إسلامية التعليم.
الرئيس: خلاص إسلامية التعليم.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
انطلاقا من أن (إسلامية التعليم) في الديار الإسلامية اليوم ضرورة لا مناص منها لبناء الأجيال الإسلامية بناء سويا متكاملا في الفكر والتصور والسلوك والعمل. وذلك بجعل جميع العلوم محكومة بالإسلام في المنطلقات والأهداف، وأن يكون الإسلام بنظمه وضوابطه إطارا لهذه العلوم.
الشيخ محمد المختار السلامي:
ما معنى وذلك يجعل جميع العلوم محكومة بالإسلام في المنطلقات والأهداف عندما تكون القاعدة ونجيب مهندس الجسور والطرقات ونأخذ في الصلب والحديد. هذه أهذب خلقه وأن يكون دائما متصلا بالله وأن يراقب الله في عمله أما أن يكون ذات العلم يصبح أساس ما فاهم أنا هذا.. العلم لا مسيحي ولا إسلامي. احذفوا هذه العبارة وقولوا بجعل الإسلام بنظمه إطارا لهذه.(4/2163)
الرئيس:
أين.
الشيخ محمد علي التسخيري:
هو نفس هذه العبارة احذفوها وذلك يجعل جميع العلوم، وانقلوا إلى السطر الثاني وذلك يجعل الإسلام بنظمه وضوابطه إطارا لهذه العلوم.
الشيخ محمد المختار السلامي:
هذه القضايا علوم تجريبية ونحن بعدنا عنها كثيرا.
الرئيس:
على فيه شيء يخرج عن حكم الإسلام. ما فيه شيء.
الشيخ محمد المختار السلامي:
الكلام يوزن ويتتبع. وممكن يأتي غدا في جريدة من الجرائد يحكموا هذا الكلام.
الرئيس:
وذلك يجعل جميع هذه العلوم محكومة بالإسلام في المنطلقات والأهداف. هذه جميلة في مبناها ومعناها. الشيخ محمد المختار السلامي:
ما هي جميلة، في مبناها غير جميلة عندي.
الشيخ إبراهيم بشير الغويل:
هل سيدي من الممكن توضيح الموضوع. حتى في العلوم العلمية البحتة تختلف النظرات وفقا للإطار الذي يحكمها. فمثلا حينما كان يحكم الإطار مثلا في الفلك نظرة تقول بان هذا الفلك تحكمه نظرة نيوتن التي تقوم على الجاذبية غير حينما وصلنا سنة 1905 وظهرت النظرية النسبية الخاصة ثم أصبحت النسبية العامة وهي وجه نظر حول هذا الكون. فوجه نظر الإطار العام (الغريم) الذي عاد إليه يختلف بين مسلم وغير مسلم والعلوم العلمية البحتة تتغير بين إطار إسلامي وإطار غير إسلامي.(4/2164)
الشيخ محمد المختار السلامي:
سنأتي بطائرة إسلامية وطائرة غير إسلامية ومهندس يعمل بالطريق الإسلامي ومهندس لا يعمل بالطريق الإسلامي.
الأمين العام:
يا سيدى نحن نقاسي من الصراع بين الثقافات بين اختلاف العلماء الذين يأتون من الغرب وبين الذين ينشأون في بلادهم وهذه القضية جربناها حتى في بلدنا. فالعداء بين أهل الجامعة الذين تخرجوا من انجلترا وفرنسا وبين أهل الأزهر وأهل جامع الزيتونة قائم لا يمكن رفعه ومن أجل ذلك فإن المؤتمرات السابقة للتعليم الإسلامي وأول اجتماع لرابطة الجامعات الإسلامية الذي انعقد في سنة 969 أم في الرباط يقول بان الأصل لابد أن يكون لكل المتعلمين من أبناء المسلمين خلفية إسلامية يصدرون عنها في تعاملهم وفي فهمهم لحقائق الأمور. فلنأخذ شيئا من هذا ونضعه في هذا المكان.
الرئيس:
ألف يا شيخ.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
أ - جعل العقيدة الإسلامية قاعدة التصور الإسلامي الكبير. الشيخ محمد المختار السلامي: معنى هذا أن الآخر مشى ومضى كما هو. الرئيس: العبارة ماشية. الشيخ عبد الستار أبو غدة: وأن تكون العقيدة الإسلامية قاعدة وأصلا في بناء المنهج التربوي والتعليمي وتتلخص أهم معالبم المنهج المنشود في (إسلامية التعليم) فيما يلى:
أ - جعل العقيدة الإسلامية قاعدة التصور الإسلامي الكبير الذي يعطي نظرة كلية شاملة للكون والإنسان والحياة، كما تعرف الإنسان بخالق الحياة.
الأمين العام:
تعرف الإنسان بربه.(4/2165)
الرئيس:
جعل العقيدة الإسلامية قاعدة التصور الإسلامي الكبير.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
الذي يعطي نظرة كلية شاملة للكون والإنسان والحياة، كما تعرف الإنسان بربه خالق الحياة.
الرئيس:
لماذا لا يقال تعرف الإنسان بربه وعلاقته بالكون.
الشيخ طه جابر العلواني:
ممكن كما تعرف الإنسان بخالق الكون والحياة والإنسان. وبننهي الموضوع.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يا سيدى يكفي لعند كلمة والحياة في نصف السطر الثاني. لأنك أنت بتقول العقيدة الإسلامية لا تريد أن تدخل في التفصيلات.
الشيخ محمد علي تسخيري:
هو النظرة العامة للحياة. نظرة كلية للإنسان والكون والحياة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
والعلاقات مهمة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يا سيدي هي داخلة في النظرة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
يعني لو قلنا تعرف الإنسان بخالق الحياة وعلاقته بالكون وعلاقة الإنسان بخالقه وبمجتمعه.
ب - اتخاذ الإسلام محورا للعلوم الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والسياسية والبرهنة على أحقيته وأسبقيته لهذه العلوم.
الشيخ طه جابر العلواني:
في هذه العلوم.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
في هذه العلوم وإبراز نظرياته الإنسانية.(4/2166)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
لو سمحت العطف هذا غير دقيق. لا نقول الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية لأن الإنسانية تشملها كل هذا.
الشيخ طه جابر العلواني:
عفوا هناك فرق كبير بين العلوم الإنسانية والاجتماعية، العلوم الإنسانية هي علم الإنسان والعلوم السلوكية والتربية. والعلوم الاجتماعية الاقتصاد، الإعلام، الإدارة السياسة غيرها.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
كلها يطلق عليها علوم إنسانية ولا مشاحة في الاصطلاح يا دكتور طه. ليس مستقرا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
وإبراز نظرياته الإنسانية وتعلقها بخالق الكون والإنسان والحياة بالتنسيق مع المنظمات الإسلامية العاملة في هذا المجال كالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم.
الشيخ طه جابر العلواني:
هنا أرى أن منظمتين أساسيتين لهذا الغرض أهملتا وهي جمعية علماء الاجتماعيات المسلمين والمعهد العالمي للفكر الإسلامي.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
المعهد له فقرة خاصة في الأخير.
الشيخ طه جابر العلواني:
ولكن هاتين المؤسستين تعملان لهذا الغرض وأسستا من أجله.
الشيخ محمد المختار السلامي:
ما معنى اتخاذ الإسلام محور العلوم الاجتماعية والسياسية؟ أنا أسال اللجنة التي صاغت هذا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
معناه أن علم النفس والفلسفة وغيرها تعتمد النظرات الإسلامية بدل أن تعتمد النظرات التي تقوم على العلمانية هذا هو المحورية.(4/2167)
الشيخ عمر جاه:
لماذا لا تقول إطار بدل محور؟.
الشيخ محمد المختار السلامي:
اسمعني يا سيدي. إذا كان بالطريقة هذه قول اخرجي أما تقول ج معنى ذلك أننا نتحدث ولا أحد يسمعنا. ثم أقول أعملنا على التصويت ولي كامل الحق في ذلك. أنا لا أقبل هذا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ج - العمل على إظهار فساد ما يخالف العقيدة الإسلامية من علوم مادية وملحدة وأخرى مضللة كالكهانة، والسحر، والتنجيم، والتحذير من العلوم التي ذمها وحرمها الإسلام،. وكذلك العلوم التي تقوم على الفسق والفجور.
د - إعادة كتابة تاريخ العلوم والمعارف وبيان تطورها.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
إذا سمحت. أنا يصح أنفعل مثلما انفعل أستاذنا السلامي لكن في الواقع فيه بعض عبارات بتمر ليست دقيقة ثم تحسب علينا في النهاية. يعني في الواقع لا يصح أن نقول في – ب - وأسبقيته لهذه العلوم من يقول بالنسبة للعلوم السياسية إننا نحن نجعل الإسلام يسبق في العلوم السياسية فيه شيء، فكر وقضايا اجتهاد ونظر. يعني أن يقال محور ماشي أن يقال إطار أما أن نبرهن على أسبقيته لجميع العلوم. هذه العبارة: اتخاذ الإسلام محورا - والأدق إطارا - للعلوم الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والسياسية والبرهنة على أحقيته. أما أسبقيته لهذه العلوم هل مطلوب منا أن نبرهن على أن الإسلام سابق لكل شيء. ليس المطلوب هذا.
الرئيس:
يعني البرهنة على أحقيته وبلاش نظرياته.
الشيخ طه جابر العلواني:
لعل من الممكن حذف العبارة كلها والاقتصار (وإبراز نظرياته) بعد كلمة السياسية تأتي كلمة وإبراز نظرياته الإسلامية وينتهي الموضوع.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:(4/2168)
د - إعادة كتابة تاريخ العلوم والمعارف وبيان تطورها وإسهامات المسلمين في كل منها وتنقيتها مما دس فيها من نظريات استشراقية وتغريبية تحرف المسار التاريخي الحق، وإعادة النظر في تصنيف العلوم ومناهج البحث وفق النظرة الإسلامية. بالتنسيق والتعاون في ذلك كله مع معهد التاريخ والعلوم بفرانكفورت ومراكز البحث العلمي ومراكز الاقتصاد الإسلامي في شتى البلاد الإسلامية.
الشيخ طه جابر العلوانى:
أتحفظ على ذكر معهد تاريخ العلوم بفرانكفورت فهو معهد متخصص بنشر كتب التراث ولا علاقة له بدراسة تاريخ العلوم وهو معهد تشرف عليه هيئة استشراقية وإن كان الأستاذ الدكتور فؤاد سزكين يديره. فلا أرى ذكره في هذا المجال.
الرئيس:
الشيخ عبد الله التركي مدير جامعة الإمام نوه به وهو رئيس مجلس الأمناء.
الشيخ طه جابر العلواني:
هناك علاقة خاصة بين المعهد وبين جامعة الإمام في مجال تبادل الكتب والمخطوطات ولكن لا أرى أن يتبنى المجمع هذا.
الرئيس:
لماذا لا يحذف كلهم.
الشيخ طه جابر العلواني:
لا مانع.
الشيخ عمر جاه:
نقطة - د - عندما قلنا وتنقيتها مما دس فيها من نظريات استشراقية وتغريبية ليس من المناسب أن نضيف الإلحادية إذا رأيتم ذلك.(4/2169)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
إذا سمحت فيه قضية تكررت في التوصيات. أنه يقال بكذا بالتنسيق مع كذا من الذي سيقوم لينسق.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
الأمانة العامة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
لا. كيف الأمانة العامة مطلوب منها تعيد كتاب تاريخ العلوم بالتعاون مع كذا ذلك من خلال في أطر نشاطات.
الرئيس:
لا الذي يظهر لي شيء واحد. هو لا شك أنه قيل من خلال ... وفي أطر ... وفيه نشاطات يكون أولى. لكن هو يراد أن يكون هذا كتوصيات عامة لعموم الدول الإسلامية وأنه يحسن التنسيق مع هؤلاء الجهات كإرشاد. الشيخ عبد الستار أبو غدة:
يعني أي جهة تنهض بتنفيذ التوصيات التي وجهت إليهم التوصية.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
عندما تقول إعادة كتاب بالتنسيق يعني فيه جهة كلفت وستقوم بالتنسيق.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
التي وجهت إليهم التوصية.
الرئيس:
يعني لو قيل من خلال ...
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
من خلال أو في إطار نشاطات كذا.
الشيخ محمد تقي العثماني:
سيدي الرئيس أرى أنه لا يذكر أي معهد بخصوصه.
الرئيس:
هذا حذفناه ياشيخ.(4/2170)
الشيخ عبد الستار أبوغدة:
وصارت العبارة هكذا: وإعادة النظر في تصنيف العلوم ومناهج البحث وفق النظرة الإسلامية من خلال أنشطة مراكز ومعاهد البحث العلمي ومراكز الاقتصاد الإسلامي في شتى البلاد الإسلامية.
هـ - إعادة الوشائج بين العلوم التي تبحث في الكون والإنسان والحياة وبين خالقها فإن العالم الباحث في هذه المجالات يجب أن ينظر فيها على أنها تمثل الإبداع الإلهي والصنعة الربانية المحكمة.
و وضع الضوابط والقواعد المستخلصة من الدين الإسلامي أو المنسقة مع أهدافه وغاياته لتكون مبادئ لجميع العلوم أو لعلم واحد منها وإبراز عيوب المناهج الغربية التي أقامت فصاما موهوما بين الدين والعلم، أو بنت العلوم بناء خاطئا كعلم التاريخ والاقتصاد والاجتماع.
وينبغى أن يؤخذ في الاعتبار أن هناك مشروعا يشكل ظهيرا لإسلامية التعليم بل ربما كان من الوسائل الضرورية له وهو مشروع (إسلامية المعرفة) وينهض المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن في الولايات المتحدة بمتطلباته من حيث التخطيط ورسم سبل التنفيذ من خلال مقالات ومؤلفات وعقد ندوات.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أنا الواقع بالنسبة للدكتور طه أنا مع الإشادة بالمعهد وذكره لكن يخشى إذا لم يتم تعريف بالمعهد أن نقع في لبس خاصة إذا قلنا في الولايات المتحدة الأمريكية كان المجمع يحيل على الولايات المتحدة الأمريكية قضية إسلامية العلوم. فلا بد من التعريف بالمعهد.
الرئيس:
وكذلك في الفقرة - ب - ياشيخ عبد السلام. مثل ما ذكر الشيخ تقي ألا نسمي.
الشيخ طه جابر العلواني:
ممكن إن رأيتم تحذف كلمة واشنطن من الولايات المتحدة لأن المعهد له فروع كثيرة في العالم الإسلامي كله وتحذف هذه الفقرة ويكتفي: وينهض المعهد العالمي للفكر الإسلامي - فقط - بمتطلباته.
الشيخ محمد عبده عمر:
لو سمحت يا سيادة الرئيس - هذه التوصيات أهملت وسائل الإعلام والصحافة.
الرئيس:
لا ما أهملتها وذكرت المسموعة والمقرؤة.(4/2171)
الشيخ طه جابر العلواني:
عندي إذا سمحتم الله يرضى عليك سيادة الرئيس هذه القضايا الثلاث أدرجت في هذه التوصيات وتوصيات مباركة إن شاء الله ونافعة لكنني أرى أن هذه الموضوعات الخطيرة جدا التي هي: كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية، وكيفية تحقيق الوحدة بين المسلمين. وكيفية إسلامية التعليم. موضوعات خطيرة ودائمة ومستمرة فلا ينبغي أن تطوى صفحاتها بمجرد هذه التوصيات ولكني أرى أن المجمع يستمر إن شاء الله في محاولاته سواء بعقد ندوات مع الجهات المتخصصة أو دراسات بحيث كل دورة نستطيع أن نقدم بها بعض الأشياء. فإن رأيتم أن تبقى من الموضوعات المفتوحة التي يستمر بحثها والتوصية بها على مدار ندوات المجمع وجلساته.
الرئيس:
إن شاء الله هذه دعوة إلى الخير لاشك وهي من طبيعة هذا المجمع وكما قرأ معالي الشيخ الأمين في الأمس في أول مادة من نظام هذا المجمع الدعوة إلى الوحدة الإسلامية لكن يظهر أن مقصد الشيخ أنه في غير هذه التوصيات لو تزال أن يكون في دورات لاحقة تؤخذ بعض مفردات أو الكليات في محاربة ومقاومة المفاسد الأخلاقية وتجسد بدراسة خاصة.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أنا أثني على هذا الاقتراح المفيد والمبارك وأؤكد على أنه في كل دورة إلى هذين الأمرين المهمين.
الشيخ طه جابر العلواني:
وكذلك إسلامية التعليم طال عمرك.
الرئيس:
على كل بطبيعة المجمع وبقوة نظامه من الجائز فيه.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبعد..
إني أتحفظ على كل ما جاء في هذا القرار لصياغته صياغة خطابية وشكرا.(4/2172)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أرجو أن توزع علينا الصفحات من 23 إلى25 المتعلقة بموضوع المفاسد الأخلاقية. في صفحة 26 الفقرة (هـ) ليست واضحة يبدو أن فيها سقطا في الطباعة لأنه مكتوب: بالعمل مع الجامعات الإسلامية على ضبط برنامج دراسي يتألف من عدد من المحاور الكبرى تكون غرضا في البحث الفقهي. في ماذا؟ يعني ليس هنالك مضمون محدد. فلابد من الإشارة ما المقصود في ئانيا.
الرئيس:
لكن فقرة (هـ) يا شيخ عبد السلام ألا يكتفي عنها بذاك.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
هي إما أن تشطب أو تعدل.
الرئيس:
الحقيقة هي لافتة للنظر من أول ما قرأنا لكن لو شطبت لأن في أثناء الفقرات ما يغني عنها.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
إذن تشطب. وبعدين تخصيص نسبة 1 % الواقع أن طموح بعض الدول لأكثر فنشطب 1 % هذه. وتخصيص نسبة على الأقل المهم لا يقال نسبة 1 % حيث إن بعض الدول بتقول إنها صارت تخصص أكثر صارت1.5 %.
الرئيس:
صفحة كم يا شيخ عبد السلام:
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
في نفس (د) مكتوب وتخصيص نسبة 1 % يعني أنا أقترح بلاش ذكر النسبة وتخصيص نسبة من الناتج الإجمالي.
الشيخ محمد المختار السلامي:
لم تبلغها أي دولة ا % من العالم كله ولا دولة.(4/2173)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يا سيدي بلاش نبلغها وكثيرا، فبلاش نطلب المستحيل الذي لم تبلغه أي دولة في العالم لأن بلاش الدول المتخلفة تصير أحسن من الدول المتقدمة فيما يخص من إجمالي. ثم واعتماده عنصرا بدل في (ب) بدل كعنصر أساسي في النهضة.
الشيخ على المغربي:
والعمل على بث الخير ونثر الفضيلة والتحذير من المبادئ الهادمة وغير هذا مما هو مذكور. وهذا من أعمال المجمع. هل قام المجمع بإرسال بعض الأشياء إرشادات وتعليمات للبلاد الإسلامية أو هناك برنامج يكون لهذا.
الشيخ عبد السلام دارود العبادي:
الإذاعات الإسلامية عن كل الأنواع المسموعة والمقرؤة والمرئية كلها بدها تتم من خلال نشاط إذاعات ما احنا فيه عندنا مرئية أيضا. فتشطب من خلال نشاط اتحاد الإذاعات وفي عندك وكالة الأنباء بلاش ندخل في حساسية مع الجهات.
الرئيس: نحذف أين.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
ودعم جهود توحيده تحذف من خلال نشاط كذا.
الشيخ محمد عطا السيد:
سيدي الرئيس. أنا أرجو أن أؤكد على القرار الذي اتخذ بعدم ذكر أي أسماء بمعاهد بعينها أو جامعات بعينها وأرى في هذا الموضوع أنه لو ورد أي اسم فسيكون في ذلك خطورة وسابقة خطرة.
الرئيس: نحن وأنت تسمع حذفنا جميع أي اسم منظمة أو معهد أو جهة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
إلا الأعضاء في المجمع الذي هو المعهد العالمي والمنظمة الإسلامية. حذفنا النسبة.(4/2174)
بسم الله الرحمن الرحيم
نصوص توصيات الدورة الرابعة
لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة من 18 - 23 جمادى الأخرة1408هـ، الموافق 6 - 11 فبراير 1988م.
أولا:
بعد الاطلاع على البحوث الواردة للمجمع في موضوع (كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية) والتي أوضحت ما يعانيه العالم باسره من المفاسد الأخلاقية التي أخذت تنتشر في عالمنا الإسلامي بصورة لا ترضي الله تعالى ولا تتوافق مع الدور القيادي المنوط بهذه الأمة في قيادة البشرية نحو الطهر العقدي والأخلاقي والسلوكي. وانسجاما مع خصائص الإسلام المتكاملة وكون الجانب الأخلاقي من أهم جوانب الدين ولا تتحقق الثمار الكاملة للانتماء إلى الإسلام إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية بجميع مبادئها وأحكامها وفي شتى مرافق الحياة. يوصي:
أ - العمل على تصحيح وتقوية الوازع العقدي عبر القيام بتوعية شاملة وتحسيس باثار العقيدة الصحيحة في النفوس.
ب - السعي إلى تطهير الإعلام المقروء والمرئي والمسموع والإعلانات التجارية في عالمنا الإسلامي من كل ما يشكل معصية لله تعالى وتنقيته تماما من كل ما يثير الشهوة أو يسبب الانحراف ويوقع في المفاسد الأخلاقية.
ج - وضع الخطط العملية للمحافظة على الأصالة الإسلامية والتراث الإسلامي والقضاء على كل محاولات التغريب والتشبه واستلاب الشخصية الإسلامية والوقوف أمام كل أشكال الغزو الفكري والثقافي الذي يتعارض مع المبادئ والأخلاق الإسلامية.
وأن توجد رقابة إسلامية صارمة على الأنشطة السياحية والابتعاث إلى الخارج حتى لا تتسبب في هدم مقومات الشخصية الإسلامية وأخلاقها.
د - توجيه التعليم وجهه إسلامية وتدريس كل العلوم من منطلق إسلامي وجعل المواد الدينية مواد أساسية في كل المراحل والتخصصات مما يقوي العقيدة الإسلامية ويؤصل الأخلاق الإسلامية في النفوس. كما يجب أن تحرص الأمة أن تكون رائدة في مجالات العلم المتعددة.(4/2175)
هـ - بناء الأسرة الإسلامية بناء صحيحا وتيسير الزواج والحث عليه وحث الأباء والأمهات على تنشئة البنين والبنات تنشئة صحيحة حتى يكونوا جيلا قويا يعبد الله على حق ويتولى المهمة الدائمة لنشر الإسلام والدعوة إليه. وأن تهيا المرأة لتقوم بدورها أما وربة بيت حسب ما تقضي به الشريعة الإسلامية والقضاء على ظاهرة انتشار استخدام المربيات الأجنبيات خاصة غير المسلمات.
و تهيئة جميع الوسائل التي تحقق تربية النشء تربية إسلامية بحيث يلتزم باركان الإسلام وسلوكياته ويدرك واجباته تجاه ربه وأمته ويتخلص من الخواء الروحي الذي يتسبب في تعاطي المخدرات والمسكرات والتفسخ الأخلاقي باشكاله المتعددة وإشغال الشباب بمهمات الأمور وإعطائه المسئوليات كل حسب قدرته وكفاءته وإشغال أوقات الفراغ لديهم بما هو مفيد وإيجاد وسائل الترفيه والرياضات والمسابقات البريئة الطاهرة وأن توجه وجهة إسلامية كاملة.
ثانيا: بعد الاطلاع على البحوث الواردة للمجمع في موضوع (مجالات الوحدة الإسلامية وسبل الاستفادة منها) وانطلاقا من أولوية رابطة الإسلام بين شعوب الأمة الإسلامية وهى رابطة لا انفصام لها، وأساس متين للتضامن المنشود وقاعدة ثابتة لكل بناء حضاري يرمي إلى توحيد صفوفها وإلى التأليف بين الجهود المبذولة في مجابهة التحديات المعاصرة وتحقيق العزة والتقدم.
وبما أن في رابطة الإسلام حافزا قويا وعاملا باقيا لأحكام التوجه ولتنسيق سياسات الدول الإسلامية في مختلف ميادين التنمية الاقتصادية والاجتماعية ولتوثيق علاقات التناصر والتعاون والمرحمة بين شعوب الأمة في رفع ما يعوق سيرها من ألوان التبعية ويجابهها من تحديات المعاصرة وفي بلوغ ما تسعى لتحقيقه من رقي ومنعة وازدهار.
يوصي أيضا بما يلي:
أ - الذود عن العقيدة الإسلامية، وتمكينها بصورتها النقية من الشوائب، والتحذير من كل ما يؤدي إلى هدمها أو التشكيك في أصولها، ويقسم وحدة المسلمين ويجعلهم مختلفين متنابذين.(4/2176)
ب - بتأكيد عناية مجمع الفقه الإسلامي بالأبحاث والدراسات الفقهية التي ترمي إلى مجابهة التحديات الفكرية الناشئة عن مقتضيات المعاصرة واهتمام الفقه الإسلامي بمشكلات المجتمع واعتماده كعنصر أساسي في النهضة الفكرية للأمة وتوسيع دائرة اعتماده فيما تسنه الدول الإسلامية من تشاريع وقوانين في عامة شئون المجتمع.
ج – وجوب التناسق الوثيق في ميدان التربية والتعليم مضمونا ومنهاجا على السبيل القويمة للحضارة الفكرية التي بناها الإسلام بغية تكوين أجيال من المسلمين متوحدين في المرجع التعبدي متقاربين في التوجه الفكري متشاركين في الاعتزاز بالانتساب الحضاري.
د - بإعطاء درجة عالية من الأولوية للبحث العلمي في مختلف ميادين المعرفة وتخصيص نسبة1 % من الناتج الإجمالي لتمويل البرامج البحثية وإنشاء المخابر العلمية على أساس وثيق من التكامل والتعاون بين الجامعات الإسلامية.
هـ - بالعمل مع الجامعات الإسلامية على ضبط برنامج دراسي يتألف من عدد من المحاور الكبرى تكون غرضا للبحث الفقهي، وبإنشاء لجنة عليا من المفكرين المسلمين لمتابعة هذه الأبحاث وإجازتها، وتخصيص جائزة تفوق لمكافأة أحسنها.
و أن يكون الإعلام في بلاد المسلمين بكل أنواعه المسموعة والمقرؤة والمرئية إعلاما هادفا إلى تحقيق العبودية لله في أرضه، وبث الخير ونشر الفضيلة والتحرر من المبادئ الهدامة للفكر والخلق، والملحدة في دين الله، والمنحرفة عن الصراط المستقيم. ودعم جهود توحيده.
ز - إقامة اقتصاد إسلامي لا شرقي ولا غربي، بل اقتصاد إسلامي خالص مع إقامة سوق إسلامية مشتركة، يتعاون فيها المسلمون على الإنتاج وتسويقه دون الحاجة إلى غيرهم. لأن الاقتصاد ركن مهم من أركان قيام المجتمعات وتكامله سبيل للوحدة بين شعوب الأمة الإسلامية.(4/2177)
ثالثا:
انطلاقا من أن (إسلامية التعليم) في الديار الإسلامية اليوم ضرورة لا مناص منها لبناء الأجيال الإسلامية بناء سويا متكاملا في الفكر والتصور والسلوك والعمل. وذلك بجعل جميع العلوم محكومة بالإسلام في المنطلقات والأهداف، وأن يكون الإسلام بنظمه وضوابطه إطارا لهذه العلوم، وأن تكون العقيدة الإسلامية قاعدة وأصلا في بناء المنهج التربوي والتعليمي. وتتلخص أهم معالم المنهج المنشود في (إسلامية التعليم) فيما يلي:
أ - جعل العقيدة الإسلامية قاعدة التصور الإسلامي الكبير الذي يعطي نظرة كلية شاملة للكون والإنسان والحياة، كما تعرف الإنسان بخالق الحياة وعلاقته بالكون، وعلاقة الإنسان بخالقه، وبمجتمعه.
ب - اتخاذ الإسلام محورا للعلوم الاجتماعية والإنسانية والاقتصادية والسياسية وإبراز نظرياته الإنسانية وتعلقها بخالق الكون والإنسان والحياة بالتنسيق مع المنظمات الإسلامية العاملة في هذا المجال كالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية والمنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم.
ج - العمل على إظهار فساد ما يخالف العقيدة الإسلامية من علوم مادية وملحدة وأخرى مضللة كالكهانة والسحر والتنجيم والتحذير من العلوم التي ذمها وحرمها الإسلام وكذلك العلوم التي تقوم على الفسق والفجور.
د - إعادة كتابة تاريخ العلوم والمعارف وبيان تطورها وإسهامات المسلمين في كل منها وتنقيتها مما دس فيها من نظريات استشراقية وتغريبية تحرف المسار التاريخي الحق وإعادة النظر في تصنيف العلوم ومناهج البحث وفق النظرة الإسلامية من خلال أنشطة مراكز ومعاهد البحث العلمي ومراكز الاقتصاد الإسلامي في شتى البلاد الإسلامية.
هـ - إعادة الوشائج بين العلوم التي تبحث في الكون والإنسان والحياة وبين خالقها، فإن العالم الباحث في هذه المجالات يجب أن ينظر فيها علي أنها تمثل الإبداع الإلهي، والصنعة الربانية المحكمة.
و وضع الضوابط والقواعد المستخلصة من الدين الإسلامي أو المنسقة مع أهدافه وغاياته أن تكون مباديء لجميع العلوم أو لعلم واحد منها وإبراز عيوب المناهج الغربية التي أقامت فصاما موهوما بين الدين والعلم، أو بنت العلوم خاطئا كعلم التاريخ والاقتصاد والاجتماع.
وينبغي أن يأخذ في الاعتبار أن هناك مشروع يشكل ظهيرا لإسلامية التعليم بل ربما كان من الوسائل الضرورية له وهو مشروع (إسلامية المعرفة) وينهض (المعهد العالمي للفكر الإسلامي) بمتطلباته من حيث التخطيط ورسم سبل التنفيذ من خلال مقالات ومؤلفات وعد ندوات.(4/2178)
قائمة المشاركين
في الدورة الرابعة لمجمع الفقه الإسلامي
جدة: 18 إلى 23 جمادى الآخرة 1408 هـ
(الموافق 6 - 11 فبراير1988م)
أولا:
- الأعضاء المنتدبون:
1 - فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد المملكة العربية السعودية الرئيس
2 -فضيلة الدكتور عبد السلام العبادي المملكة الأردنية الهاشمية نائب الرئيس
3-فضيلة الدكتور عبد الله الحاج إبراهيم ماليزيا نائب الرئيس
4-فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور الجمهورية العربية السورية رئيس شعبة التخطيط
5-فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى جمهورية مصر العربية رئيس شعبة الإفتاء
6 -فضيلة الدكتور إبراهيم بشير الغويل ليبيا مقرر شعبة التخطيط.
7 - فضيلة الدكتور محمد شريف أحمد الجمهورية العراقية مقرر شعبة البحوث والدراسات
8- سعادة سيدي محمد يوسف جيري جمهورية مالي عضو مكتب المجلس
9-فضيلة القاضي محمد تقي العثماني جمهورية باكستان عضو مكتب المجلس
10 -فضيلة الدكتور روحان أمباي جمهورية السنغال عضو مكتب المجلس
11- فضيلة الشيخ عجيل جاسم النشمي دولة الكويت عضو مكتب المجلس(4/2179)
12 - سعادة البروفيسور صالح طوغ الجمهورية التركية عضو مكتب المجلس
13 -فضيلة الشيخ محمد هشام البرهاني الإمارات العربية المتحدة نيابة عن ممثل بلده
14- فضيلة الشيخ أحمد أزهر بشير جمهورية إندونيسيا عضو
15- فضيلة الدكتور دوكوري أبو بكر جمهورية بوركينافاسو عضو
16 -أستاذ الحاج عبد الحميد بن باكل سلطنة بروني دار السلام عضو
17- فضيلة الشيخ محمد علي عبد الله جمهورية النيجر عضو
18-فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي الجمهورية التونسية عضو
19-سعادة الدكتور عمر جاه جمهورية غامبيا عضو
20-فضيلة الشيخ هارون خليفة جيلي جمهورية جيبوتي عضو
21-فضيلة الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد جمهورية السودان عضو
22-فضيلة الشيخ آدم شيخ عبد الله علي جمهورية الصومال الديمقراطية عضو
23-فضيلة الشيخ علي المغربي الجمهورية الجزائرية عضو
24-فضيلة الشيخ محمد علي التسخيري جمهورية إيران الإسلامية عضو
25-فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد دولة البحرين عضو
26-فضيلة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي سلطنة عمان عضو
27-فضيلة الشيخ رجب بيوض التميمي فلسطين عضو
28-فضيلة الشيخ خليل محي الدين الميس الجمهورية اللبنانية عضو
29-فضيلة الشيخ موسى فتحي جمهورية المالديف عضو
30-فضيلة الشيخ محمد سالم محمد علي عبد الودود جمهورية موريتانيا الإسلامية عضو
31-فضيلة الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل الشيخ جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية عضو
32-فضيلة الشيخ محمد عبده عمر جمهورية اليمن الديمقراطية عضو(4/2180)
33-فضيلة الشيخ أنس عبد النور خاليصا جمهورية أوغندا عضو
34-فضيلة الشيخ ثانى محمد شيت جمهورية بنين الشعبية عضو
35 –محمد الأمين حيدرا جمهورية غينيا بيساو عضو
36-السيد الحاج مروي كومارا جمهورية غينيا نيابة عن ممثل بلده
37-الأستاذ علي فارع العصيمي الجمهورية العربية اليمنية نيابة عن ممثل بلده
38-مولانا شريف عبد القادر جمهورية بنجلاديش عضو
ثانيا: الأعضاء المعينون:
1- معالي الأستاذ عبد الهادي بوطالب مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة المغرب
2- فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة مقرر الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف الكويتية الكويت
3 - فضيلة الدكتور طه جابر العلواني مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي الولايات المتحدة
4 - فضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير أستاذ بكلية الشريعة والقانون بحامعة الخرطرم السودان.
5- فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة مصر
6- فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن البسام رابطة العالم الإسلامي السعودية
ثالثا:
الخبراء:
1 - فضيلة الدكتور وهبه الزحيلي رئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة الإمارات.
2 - فضيلة الدكتور على أحمد السالوس أستاذ مساعد بكلية الشريعة جامعة قطر.
3 - فضيلة الدكتور محمد الأمين الإسماعيلي أستاذ بجامعة محمد الخامس بالرباط.
4 - فضيلة الدكتور محي الدين قادي أستاذ بالجامعة الزيتونية.
5 -فضيلة الشيخ محمد الحاج ناصر باحث إسلامي متفرغ.(4/2181)
6 - فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي أستاذ بكلية الشريعة جامعة دمشق.
7 - فضيلة الأستاذ خليفة محفوظي عضو بالديوان الملكي بالرباط.
8- فضيلة مولاي مصطفى العلوي - رئيس المجلس العلمي بمنكاس.
9 - فضيلة الدكتور حسن علي الشاذلي رئيس قسم الفقه المقارن - جامعة الأزهر.
10 - فضيلة الدكتور محمد شمام رئيس شرفي محكمة التعقيب بتونس (دار الإفتاء- ساحة الحكومة) .
11 - فضيلة الدكتور إبراهيم فاضل الدبو أستاذ مساعد بكلية الشريعة - جامعة بغداد.
12 - فضيلة الدكتور عبد لله محمد عبد الله مستشار بمحكمة الاستئناف العليا بالكويت.
13 - فضيلة الدكتور عمر سليمان الأشقر أستاذ بكلية الشريعة والقانون - جامعة الكويت.
14 - سعادة الأستاذ مصطفى الفيلالي أستاذ بالجامعة التونسية.
15 - سعادة الدكتور أحمد رجائي الجندي أمين عام المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية.
16 - فضيلة الدكتور سامي حسن حمود مدير مركز البركة للاستشارات المالية الإسلامية بعمان - الأردن.
17 - فضيلة الشيخ كمال الدين التارزي أستاذ بكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين بتونس.
18 - فضيلة الدكتور أحمد محمد جمال أستاذ متعاون مع جامعة أم القرى بمكة المكرمة.
رابعا:
الوزراء والشخصيات:
1 - معالي الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء - المملكة العربية السعودية.
2 - معالي الشيخ خالد الجسار وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت.
3- معالي الدكتور محمد علي محجوب وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بجمهورية مصر العربية.
4 - فضيلة الشيخ أحمد بازيع الياسين رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الكويتي.(4/2182)
5 - فضيلة الدكتور محمد إبراهيم شقرة مدير شئون مسجد الأقصى بالمملكة الأردنية الهاشمية.
6- فضيلة الشيخ محمد سيد الطنطاوي مفتي جمهورية مصر العربية.
خامسا:
المنظمات الإسلامية:
1 - الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
- معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزادة الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
- سعادة الأستاذ حسن محمد داود مدير صندوق التضامن الإسلامي.
2 - رابطة العالم الإسلامي:
- سعادة الأستاذ أمين عقيل عطاس الأمين العام المساعد للرابطة.
3 - البنك الإسلامي للتنمية:
- معالي الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية.
- الدكتور حسين الدهماني
- السيد/ محمد الصديق
4 - منظمة إذاعات الدول الإسلامية:
- معالي الأستاذ أحمد فراج الأمين العام لمنظمة الإذاعات الإسلامية.
سادسا:
1 - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض والقصيم:
- فضيلة الدكتور أحمد بن محمد العنقري.
- فضيلة الدكتور عبد الرحمن الشعلان.
- فضيلة الدكتور أحمد صدقي البورنو.
2 - جامعة أم القرى بمكة المكرمة:
- فضيلة الدكتور نزيه كمال حماد.(4/2183)
- فضيلة الدكتور سعود مسعد الثبيتي.
- فضيلة الدكتور علي الندوي.
- فضيلة الدكتور عبد الله صالح الرسيني.
- فضيلة الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان.
3- جامعة الملك عبد العزيز بجدة:
- فضيلة الشيخ عبد الله بن محفوظ بن بيه.
- فضيلة الدكتور ناجي شفيق عجم.
- فضيلة الدكتور عبد اللطيف الصباغ.
- فضيلة الدكتور عبد الرحيم الساعاتي.
- سعادة الدكتور أيمن صافي.
4 - مركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي:
- سعادة الدكتور درويش جستنية.
- سعادة الدكتور محمد علي القري.
- سعادة الدكتور محمد عمر الزبير.
- سعادة الدكتور محمد نجاة صديقي.
- سعادة الدكتور أنس مصطفى الزرقا.
- سعادة الدكتور سيف الدين إبراهيم.
- سعادة الدكتور رفيق المصري.
5-مركز الملك فهد للبحوث الطبية:
- سعادة الدكتور محمد علي البار.
6 - مركز البحث والتدريب بالبنك الإسلامي للتنمية:
- سعادة الدكتور كوركوت أوزال.
- سعادة الدكتور حشمت بشار.(4/2184)
- سعادة الدكتور ثروت أرمغان.
- فضيلة الدكتور حسن عبد الله الأمين.
7- محكمة التمييز بالمنطقة الغرببة:
- فضيلة الشيخ عبد الله بن سليمان بن منيع.
8 - الديوان الملكي:
- معالي الدكتور معروف الدواليبي.
سابعا:
الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي:
ا -فضيلة الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة الأمين العام
2-الأستاذ حمزة ربانة مدير مكتب الأمين العام
3-الأستاذ محمد بن قارة مدير شؤون الإدارية والمالية
4-السيد/ محمد الميساوي القسم الفني
5-السيد/ نور الدين المازنى القسم الإعلامي
6-السيد/ غياث الحسيني قسم المحاسبة
7-السيد/ آدم تيام القسم الفني
8-السيد/ بسام معاذ القسم الفني
9-السيد/محمود سند القسم الفني
10-السيد/ محمد أبو القاسم قسم المراسم(4/2185)
بسم الله الرحمن الرحيم
البهائية
مناقشة مشروع القرار بشأن البهائية
الشيخ عبد الستار أبو غدة
قرار رقم 9 بشأن البهائية.. بعد الديباجة
- انطلاقا من قرار مؤتمر القمة الإسلامي الخامس المنعقد بدولة الكويت من 26 إلى 29 جمادى الأولى 1407 هـ (الموافق 26 إلى 29 يناير 1987م) والقاضي بإصدار مجمع الفقه الإسلامي رأيه في المذاهب الهدامة التي تتعارض مع تعاليم القرآن الكريم والسنة المطهرة.
- واعتبارا لما تشكله البهائية من أخطار على الساحة الإسلامية وما تلقاه من دعم من قبل الجهات المعادية للإسلام.
- وبعد التدبر العميق في معتقدات هذه الفئة والتأكد من أن البهاء مؤسس هذه الفرقة يدعي الرسالة ويزعم أن مؤلفاته وحي منزل، ويدعو الناس أجمعين إلى الإيمان برسالته، وينكر أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) هو خاتم المرسلين ويقول: إن الكتب المنزلة عليه ناسخة للقرآن الكريم، كما يقول بتناسخ الأرواح.
- وفي ضوء ما عمد إليه البهاء في كثير من فروع الفقه بالتغيير والإسقاط، ومن ذلك تغييره لعدد الصلوات المكتوبة وأوقاتها إذ جعلها تسعا تؤدى على ثلاث كَرَّات، في البكور مرة وفي الآصال مرة، وفي الزوال مرة، وغير التيمم فجعله يتمثل في أن يقول البهائي: (بسم الله الأطهر الأطهر) وجعل الصيام تسعة عشر يوما تنتهي في عيد النيروز في الواحد والعشرين من مارس في كل عام، وحول القبلة إلى بيت البهاء في عكا بفلسطين المحتلة وحرم الجهاد وأسقط الحدود وسوى بين الرجل والمرأة في الميراث وأحل الربا.
وبعد الاطلاع على البحوث المقدمة في موضوع (مجالات الوحدة الإسلامية) المتضمنة التحذير من الحركات الهدامة التي تفرق الأمة وتهز وحدتها وتجعلها شيعا وأحزابا وتؤدي إلى الردة والبعد عن الإسلام.(4/2186)
يوصي:
بوجوب تصدي الهيئات الإسلامية في كافة أنحاء العالم بما لديها من إمكانات لمخاطر هذه النزعة الملحدة التي تستهدف النيل من الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة.
ويقرر:
اعتبار ما ادعاه البهاء من الرسالة ونزول الوحي عليه ونسخ الكتب التي أنزلت عليه للقرآن الكريم، وإدخاله تغييرات على فروع شريعة ثابتة بالتواتر، هو إنكار لما هو معلوم من الدين بالضرورة، ومنكر ذلك كافر بالإسلام تنطبق عليه أحكام الكفار بإجماع المسلمين.
والله أعلم..
الشيخ محمد عبده عمر:
لو نضيف كلمة (كافر بالإجماع) بدلا من كلمة (كافر بالإسلام) .
الرئيس:
أو تنطبق عليه أحكام الكفار بإجماع المسلمين.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفوفور:
هل ترون أن نزيد كلمة ردة لأن هؤلاء البهائيين والقاديانيين وأمثالهم لا يسمحون لأحد أن يدخل في دينهم حتى يسلم أولا ويؤمن بشريعة نبينا ثم ينزلق إلى دينهم الخبيث فلذلك كان الإيمان بالبهائية ردة.
الرئيس:
هو ردة.
الشيخ محمد تقي عثماني:
لا. يمكن أن يكون هناك ردة.
الرئيس:
يا مشايخ طالما قيل إن هذا كفر وإن قائله كافر وبإجماع المسلمين.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
سيدي الردة أبلغ من الكفر، مولانا إن المرتد إما أن يقتل وإما أن يرجع إلى الإسلام لأنهم لا يقبلون أي دين من الأديان يدخل في دينهم حتى يسلم أولا.
يعني النصراني من النصرانية إلى البهائية لا يصير، بده يسلم ثم يصير بهائي. لذلك هذه ردة، وليست كفرا فقط، لأن الكافر بيكون نصراني ويصير يكون يهودي إنما هذا مرتد.(4/2187)
الشيخ محمد تقي عثماني:
إذا ولد بهائيا كيف نقول: إنه أسلم ثم ارتد عن الإسلام.
الشيخ محمد علي التسخيري:
سيدي الرئيس عندنا الكثير من اليهود في إيران في عهد الشاه صاروا بهائيين بشكل مستقل دون أن يمروا بالإسلام. فنبقي العبارة على ما هي عليه ونحكم عليهم بالكفر المطلق.
الرئيس:
المهم إذا قيل بإجماع المسلمين تنتهي المسألة.(4/2188)
كلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
نحمد الله تعالى ونشكره على ما أولى من النعم ونستغفره من تقصيرنا وذنوبنا وأخطائنا وكل ذلك عندنا ونقول اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
أيها العلماء الأجلاء أيها الجمع الكريم لئن كان هذا المجمع في دورتيه السابقتين قد آتى ثمارا طيبة آنس أهل العلم منها رشدا ودخلت في مجال التنفيذ في عدد من الجهات وعلى اختلاف المستويات فإن هذه الدورة الرابعة ولله الحمد تقع قراراتها من سوابقها موقع التاج من الحلة وذلك أنها بتَّت في قضايا مهمة طالما طال الجدل حولها وبآراء موفقة وسديدة بإذن الله تعالى كزراعة الأعضاء في عدد من أوعيتها الشاملة وزكاة الأسهم في الشركات وصكوك المقارضة وبدل الخلو وفي مشاريعه المستقبلية المهمة كمشروع موسوعة الفقه ومشروع معلمة القواعد الفقهية ومشروع تيسير الفقه وما بقي في هذه المشاريع إلا اللمسات الأولية لتأخذ حيز العمل والنفاذ وهذا من نعم الله تعالى بأن تبرز في هذه المدة القصيرة مع نشوؤ هذا المجمع هو حديث عهد في مباشرة أعماله. ولا يفوتني أبدا في هذا المقام المبارك أن أبدي الشكر والدعاء لمقام خادم الحرمين الشريفين حفظه الله تعالى على ما بذله ويبذله في سبيل خدمة العلم والعلماء وفي سبيل هذا المجمع المبارك وكل رجال هذه الحكومة يدا واحدة ولله الحمد تساند هذا المجمع. وهذا المجمع كما تعلمون يعيش تحت مظلة قادة العالم الإسلامي نسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقهم جميعا لكل خير وكل عمل صالح مبرور وأن يأخذ بيد الجميع لما فيه صلاح العباد والبلاد. وأشكر أمانة المجمع ممثلة في معالي الأمين العام وفي سائر موظفيها على اختلاف تخصصاتهم وما قام به كل من دور بما قدم في هذا المجمع من ترتيبات دقيقة وخدمات جليلة عايشت معالي الأمين منذ الانطلاق من الدورة الثالثة وإلى تاريخه وحتى انتهت النتيجة ولله الحمد مرضية، أرجو أن تجدوا فيها أنسا ورشدا. وأشكر أصحاب الفضيلة أعضاء هذا المجمع والخبراء والباحثين والذين تمت دعوتهم علي مشاركتهم الجليلة وآرائهم السديدة وتوجيهاتهم القويمة وأرجو الله سبحانه وتعالى أن يثبتنا وإياكم وأن يرزقنا جميعا الفقه في الدين وأن يجعل أعمالنا خالصة وصادقة وموفقه وأن يثبتنا بقوله الثابت في الحياة الدنيا والآخرة.
وصلي الله وسلم علي نبينا محمد وعلي آله وصحبه أجمعين.(4/2189)
البيان الختامي
للدورة الرابعة لمجلس مجمع
الفقه الإسلامي الدولي
لمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجه(4/2190)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل من علماء هذه الأمة أئمة يهدون إلى الحق وبه يعملون، فهم الحجة القائمة لله في أرضه، وهم الأسوة قد آتاهم الله الحكمة يعلمونها الناس وبها يقضون. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد إمام الهدى ورأس العلماء وسيد المتقين ورسول رب العالمين، قد رشد من التزم طريقته وسلك مسلكه واهتدى بهديه فنجا، وغوى وضل عن السبيل من أعرض عن سنته وتنكب المنهج الذي شرعه مرتدا إلى رأيه وأحلامه يعتمدها فبعد عن الحق وتردى.
وإنا بحمد الله في هذا المجمع الفقهي الإسلامي الدولي لنسير على هدي أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وسلم) ونجري على طريقتهم ونحاول قدر الطاقة أن نستقصي النظر في الوقائع والأقضية والنوازل نعرضها على كتاب الله فإن لم نجد فيها متعلقا راجعنا سنن المصطفى (صلى الله عليه وسلم) ، فإن لم نظفر بطلبتنا ولم نجد حاجتنا تشاورنا واجتهدنا سالكين المسالك القويمة المعتبرة التي أصلها أئمة الهدى وأحكم طرقها وضبط قواعدها علماء الشريعة من أسلافنا.. يقوم بذلك فقهاء مجمعيون وعلماء متخصصون من الأعضاء الموقرين والباحثين المتمكنين والخبراء المتضلعين المبرزين.
وإنا لنحمد الله تعالى ولي النعم المعز لملته الناصر لدينه على ما يسر لنا من هذا الأمر في هذه الأرض الطيبة المباركة التي اختارها سبحانه منبتا لرسوله ومطلعا لدينه الذي أظهره على الدين كله وجعلها مجتلى أنوار هدايته ومتفجر أسرار حكمته وشريعته التي بعث بها خير أنبيائه وخاتم رسله (صلى الله عليه وسلم) . فنحن بهذه البقعة الشريفة التي نأوي إليها من كل صوب ونلتف نحوها من كل قطر ونولي وجوهنا شطر مسجدها العتيق حيثما كنا، وبفضل العناية الملكية والرعاية السامية لخادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، لمؤسستنا الفتية الرائدة مجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي يضم أهل الحل والعقد من كل مكان قد استطعنا بعد طول إعداد للبحوث وللدراسات الفقهية أن نعقد هذه الدورة الرابعة التي تلتئم في مقر المجمع بجدة فيما بين18 - 23 جمادى الآخرة 1458 هـ (6 - 11 فبراير 1988م) .(4/2191)
وقد تولى افتتاح هذه الدورة التي انعقدت تحت سامي إشراف خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، حفظه الله، صاحب السمو الملكي الموقر الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز وحضرها صاحب المعالي الشيخ محمد بن جبير وزير الدولة ورئيس ديوان المظالم في المملكة العربية السعودية وصاحب المعالي محمد علي محجوب وزير الأوقاف في جمهورية مصر العربية ومعالي الأستاذ خالد أحمد الجسار وزير الأوقاف في دولة الكويت، ومعالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، ومعالي الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية، ومعالي الأستاذ أمين عقيل عطاس، الأمين العام المساعد لرابطة العالم الإسلامي، وفضيلة الشيخ محمد سيد طنطاوي مفتي جمهورية مصر العربية، وأصحاب المعالي رؤساء الجامعات في المملكة العربية السعودية وثلة من الباحثين ومن رجال العلم وأساتذة الجامعات الأجلاء، وعدد من أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين في المملكة العربية السعودية.
كما شهد هذه الدورة أكبر عدد من الأعضاء العاملين في المجمع حيث بلغ عدد المنتدبين للدول الإسلامية المشاركة ثمانية وثلاثين عضوا يمثلون أعضاء المجمع ممثلو الدول الإسلامية التالية:
المملكة العربية السعودية، المملكة الأردنية الهاشمية، ماليزيا، والجمهورية العربية السورية، جمهورية مصر العربية، الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية، الجمهورية العراقية، جمهورية مالى، جمهورية باكستان الإسلامية، جمهورية السنغال، دولة الكويت، الجمهورية التركية، دولة الإمارات العربية المتحدة، جمهورية إندونيسيا، جمهورية بوركينافاسو، سلطنة بروناي دار السلام، جمهورية النيجر، الجمهورية التونسية، جمهورية غامبيا، جمهورية جيبوتي، جمهورية السودان، جمهورية الصومال الديمقراطية، الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دولة البحرين، سلطنة عمان، فلسطين، الجمهورية اللبنانية، جمهورية المالديف، الجمهورية الإسلامية الموريتانية، جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، جمهورية أوغندا، جمهورية بنين الشعبية، جمهورية غينيا بيساو، جمهورية غينيا، الجمهورية العربية اليمنية، جمهورية بنغلاديش الشعبية.(4/2192)
وشهد هذه الدورة أيضا الأعضاء المعينون وثلة من الخبراء المتعاونين مع المجمع والأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وقد كان للكلمة البليغة التي ألقاها صاحب السمو الملكي عن خادم الحرمين الشريفين أطيب الأثر في نفوس كافة المشاركين في الدورة لما تضمنته من رؤى معمقة لرسالة المجمع ولدوره المتميز في حياة مجتمعاتنا المعاصرة، ولما اشتملت عليه من تأكيد لرعاية خادم الحرمين الشريفين ودعمه لهذا الصرح الإسلامي الفتي القائم على خدمة الشريعة المطهرة، بفضل تضافر جهود أعضائه الماضين في سبيل تفصيل أحكام الدين لعامة المسلمين مستمدين من الله العون ومبتغين مرضاته.
واستمع المجلس في جلسته الافتتاحية إلى كلمات توجه بها كل من أصحاب المعالي الأستاذ شريف الدين بيرزاده، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي والشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والدكتور أحمد محمد علي، رئيس البنك الإسلامي للتنمية، والأستاذ عقيل عطاس، الأمين المساعد لرابطة العالم الإسلامي، والدكتور الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام للمجمع. وتوجه معالي الشيخ خالد أحمد الجسار وزير الأوقاف في دولة الكويت بكلمة طيبة ألقاها أمام المجلس، بتحية من صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، أمير دولة الكويت، حفظه الله، إلى مجمع الفقه الإسلامي مؤكدا رعاية سموه لهذه المؤسسة العلمية الإسلامية. وأعلن معاليه عن استضافة سمو أمير دولة الكويت للدورة الخامسة لمجلس المجمع، وقد قبل المجلس هذه الدعوة الكريمة بالشكر والتقدير.
كما استمع المجلس إلى رسالة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال، ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية الذي تفضل بالإعراب عن تمنياته لهذه الدورة بالتوفيق والنجاح مؤكدا اهتمامه البالغ بسير هذه المؤسسة وبعملها الدؤوب لأداء رسالتها في خدمة الإسلام والمسلمين، خاصة في مواجهة القضايا المستجدة التي تحتاج من عملائنا النظر والبحث لإيجاد الحلول الناجعة على هدى من شريعتنا الإسلامية الغراء.(4/2193)
ثم ألقى فضيلة الأستاذ عمر جاه نيابة عن أعضاء المجلس كلمة أعرب فيها عن شكره لاستضافة المملكة العربية السعودية لهذه الدورة، ولما تقدمه من دعم مادي ومعنوي لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الذي يلتئم مجلسه في ظروف بالغة الدقة وسلسلة من التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية.
واستمرت بعد ذلك طوال ستة أيام أشغال المؤتمر في جلسات صباحية ومسائية ترأسها معالي الشيخ الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد. وقبل الشروع في العروض والمناقشات تولى المجلس انتخاب فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة مقررا عاما للدورة يعينه ثلة من الأساتذة كتبوا في مختلف الموضوعات المعروضة على المجلس.
وقد اتخذت إثر المداولات الطويلة جملة من القرارات المتعلقة بالموضوعات التالية:
- زرع الأعضاء.
- صرف الزكاة عن طريق صندوق التضامن الإسلامي.
- زكاة الأسهم في الشركات.
- انتزاع الملكية للمصلحة العامة.
- بدل الخلو.
- كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية.
- مجالات الوحدة الإسلامية وسبل الاستفادة منها.
كما درس المجلس المشاريع المقدمة له فاتخذ قرارات بشأن:
- الموسوعة الفقهية.
- معلمة القواعد الفقهية.
- تيسير الفقه.
- ميزانية الأمانة العامة للسنة المالية 89/1988م.
وستوزع على حضراتكم جملة القرارات والتوصيات التي صادق عليها المجلس.
وقد عقد مكتب المجلس أثناء الدورة جلسة برئاسة الشيخ محمد تقي عثماني تولى خلالها بحث بعض المسائل الإجرائية والترتيبية إلى جانب مشروع ميزانية المجمع.(4/2194)
ولا يسعني في خاتمة هذا البيان إلا أن أشيد بالروح الإسلامية العالية المتبصرة التي سادت أعمال دورتنا هذه وبما أسهم به أعضاء هذا المجمع وخبراؤه من عطاء علمي متميز، يسر بحمد الله الحوار البناء والمناقشة العلمية الجادة لمختلف القضايا والمشاريع المطروحة على المجلس.
وإني لأعرب عن عظيم الشكر والتقدير لفضيلة الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد رئيس المجلس الموقر الذي أدار أشغال دورتنا بحكمته المعهودة وأثرى مناقشاتها بإسهاماته العلمية الجيدة، وكان بحسن تلخيصه لوجهات النظر المختلفة في كل موضوع يكشف عن الدقائق الفقهية والملاحظات التي تعين لجان الصياغة على ضبط المقررات بصفة شاملة جلية.
وإن هذا الشكر ليتوجه كذلك إلى فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة مقرر الدورة العام، وإلى أصحاب الفضيلة مقرري لجان الصياغة من أعضاء عاملين وخبراء منتدبين، أسهموا بقسط واف في إضفاء مزيد من التحري والضبط في إعداد قرارات هذه الدورة.
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتقدم إلى معالي وزير الإعلام السعودي الأستاذ علي الشاعر بخالص الشكر والتقدير على ما أحاط به هذه الدورة من متابعة وعناية، وأشيد بأجهزة الإعلام السعودية التي واكبت أشغال مجلسنا ساعة بساعة، فبث التليفزيون في الداخل والخارج برامج عن جلساته رددت أصداءها وسائل الإعلام الإسلامية والدولية وخصصت الصحافة المكتوبة المقالات التحليلية المطولة عن القضايا المطروحة.
وفي ختام هذا البيان أتقدم إلى إخواني المشاركين في دورتنا هذه أولا بالشكر الفائق والامتنان للجهود العظيمة التي مكنتنا من تحقيق نجاح هذه الدورة، وثانيا بالاعتذار لديهم عن كل تقصير أو إخلال حصل عن غير قصد ولأسباب خارجة عن الطوق، ونحن واثقون من قبولهم لاعتذاراتنا موقنون بأنهم معنا على الدرب للاستجابة إلى تطلعات المسلمين وخدمة الفقه الإسلامي.
وإني لأرجو لهم سفرا ميمونا وعودة حميدة إلى أوطانهم راجين من الله أن يجمعنا بهم في الدورة القادمة بإذنه سبحانه.
والله أدعو أن يلهمنا الحق والصواب ويرشدنا إلى خير المسالك ويهدينا سبلنا ويرزقنا في عملنا الديني والعلمي التوفيق والسداد، أنه سميع مجيب، وصلي الله علي سيدنا محمد وعلي آله وصحبه وسلم.(4/2195)
العدد الخامس(5/1)
كلمة
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الدكتور حامد الغابد
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وسيد المرسلين ورحمة الله للعالمين.
يسعدني أن أقدم للقارئ الكريم العدد الخامس من هذه المجلة العلمية الفقهية الرصينة التي رأت النور، أول ما رأت غداة شروع مجمع الفقه الإسلامي في أداء مهمته الجليلة كمؤسسة إسلامية متخصصة في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي.
وها هو العدد الجديد من هذه المجلة يصدر، بحمد الله، حافلا بالبحوث العلمية والدراسات الإسلامية التي يجد فيها المسلم، دارسا كان أم باحثا أم فقيها، مرجعا غنيا يجمع طائفة من آراء صفوة فقهاء المسلمين إزاء بعض المشكلات والاستفسارات والقضايا التي تواجه أبناء هذه الأمة في العصر الحاضر. ولقد أتيح لي أن أطلع على الأعداد السابقة من مجلة المجمع، فوجدتها. بحق، مرآة صادقة للجهود التي يبذلها المجمع لفائدة أبناء هذه الأمة، أما هذا العدد فيمثل خطوة أخرى موفقة على الطريق. بما يضمه من مواد فقهية إسلامية نافعة.
وأنتهز هذه الفرصة لأشيد بالدور المهم الذي يضطلع به مجمع الفقه الإسلامي بكل اقتدار على صعيد تبصير المسلمين بشؤون دينهم بما يتفق والحياة المعاصرة، وعلى صعيد تسليط الضوء على بعض النقاط التي تحتاج إلى شرح أو بيان من تراثنا الفقهي الزاخر.
ويسرني أن أسجل بكل التقدير في هذا المقام أن المجمع قد قطع في بضع سنين شوطا طيبا، ولله الحمد، على طريقه المرسوم، والفضل يعود في ذلك إلى الدعم الملموس الذي حظي به وما يزال يحظى به من الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي من حكومة خادم الحرمين الشريفين التي تشمل المنظمة، أمانة عامة وأجهزة ومؤسسات. بالرعاية والمساعدة والمساندة.(5/2)
ويعود الفضل في ذلك أيضا، إلى أمانة المجمع العامة، وعلى رأسها سماحة الشيخ الجليل الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الذي عمل بدأب ومثابرة من أجل أن يبلغ المجمع ما بلغه اليوم من مكانة، بل لعل من الإنصاف أن أذكر ما هو معروف من أن سماحته قد أسهم في العمل على إنشاء المجمع، إسهاما مشكورا، حتى منذ كان المجمع مجرد فكرة لم تر بعد النور. فليجازه الله عن المسلمين خير الجزاء.
وتطلعا إلى تعميم الفائدة لصالح أكبر مجموعة من القراء فإني آمل في أن يوفق المجمع في العمل مستقبلا على إصدار هذه المجلة باللغات الرسمية الثلاث المعمول بها في منظمة المؤتمر الإسلامي. ذلك أن المواد التي تضمها المجلة جديرة بأن تنقل إلى عدة لغات حتى يتسنى للمسلمين الذين لا يجيدون العربية، ولغير المسلمين من الأجانب، الاطلاع على آراء صفوة الفقهاء، في عصرنا الحاضر، من خلال هذه المجلة العلمية النافعة.
ويدعونى ذلك إلى مناشدة المسلمين، دولا وأعضاء، وأفرادًا وجماعات، إلى دعم المجمع الفقهي الإسلامي ومساندته ماديا؛ كي يتمكن من أداء مهمته على خير وجه.
والله الموفق، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
الدكتور حامد الغابد(5/3)
كلمة معالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله ولي الخلق والأمر والتدبير. والصلاة والسلام على البشير النذير. وعلى آله وصحابته أجمعين، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد:
ففي عام 1409 انعقدت الدورة الخامسة لمجلس الفقه الإسلامي على ضفاف جزيرة العرب في دولة (الكويت) مفتتحا برعاية أمير البلاد سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح وحضور جمع كريم من رجال البلاد من الأمراء والوزراء والعلماء وغيرهم، وفي مقدمتهم سمو ولي العهد الشيخ سعد العبد الله الصباح، واستضافة وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ممثلة في معالي وزيرها الأستاذ/ خالد أحمد الجسار، ثم تتابعت جلسات هذه الدورة المباركة من 1/5/1409 إلى 6/5/ 1409 في عشر جلسات لمناقشة عدد من الموضوعات والمستجدات والنوازل الفقهية التي يعايشها المسلمون، ويبحثون عن الجواب عليها (بحث شحيح ضاع في الترب خاتمه) .
وتختم الدورة منتجة مجموعة من القرارات الشرعية: في إعلان وجوب تحكيم الشريعة على من بسط الله يده، وأن هذا أول واجب على الحاكم المسلم. وفي بيان أحكام العرف. وبيع المرابحة، وتحديد النسل ومدى تدخل الولاة فيه؟ ومنتجة عقد وشائج من الأخوة الإيمانية والتعاون في المجالات الشرعية، ومن أبرزها (اتفاقية الكويت) بين المجمع ومنظمة الطب الإسلامي ممثلة في معالي رئيسها وزير التخطيط الدكتور عبد الرحمن العوضي. وقد أجرى المجمع ولله الحمد، توقيع الاتفاقية، وفيها وجوه التعاون بين المؤسستين.
هذه المقيدات وأضعافها، وما دار من مناقشات أبدع بها رجال هذا المجمع من العلماء الأجلاء والفقهاء الفضلاء تراها أمامك في هذه المجلدات ممثلة العدد الخامس لمجلة المجمع. والتي تبرز اليوم في حلة بهية منشورة لأنظار العلماء وطلاب العلم تشد أزر أعداد الدورات السابقة لتكون في تمام اثني عشر مجلدًا.
فجزى الله العلماء العاملين والباحثين الجادين أحسن الجزاء، ولله الحمد في الآخرة والأولى، وصلى الله على نبينا محمد وآله وسلم.
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد(5/4)
كلمة
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي أنزل الكتاب بالحق مفصلا، فيه آيات بينات ونور وهدى وذكر للعالمين.
والصلاة والسلام على عبده ورسوله محمد بن عبد الله إمام الهدى ورسول السلام الذي بلغ الناس ما أنزل عليه من ربه من بصائر وحكمة، ومنهاج ورحمة، فثبت في قلوبهم التقوى، وألزمهم بشرائع الله سبحانه في كل الأقوال والأفعال والتصرفات والأعمال.
وبعد: فقد وعى مجمع الفقه الإسلامي الدولي مسئولياته منذ تأسيسه، وأدرك ما يواجه أمتنا الإسلامية من تحديات العصر، وما تعانيه من مشكلات، جاهد لإيجاد الحلول الشرعية لها، والبدائل متغلبا بذلك على الغزو الفكر، وما أحدثه من بلبلة في المجتمعات الإسلامية.
وانطلاقا من هذا الوعي، وإدراكا لاتساع الفكر الإسلام وقدرته على استيعاب مشكلات كل العصور، اعتمد مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنهج العلمي أساسا لدراسة قضايا الحياة المعاصرة، ولم يتوان في معالجتها، وبذل الوسع لاستنباط الأحكام فيها من أصول شريعتنا، وهو إلى جانب هذا منفتح على العصر، ملتزم بالتقصي والاستقراء، غايته الوصول بقراراته وتوصياته إلى الأحكام الشرعية الصحيحة، وتوفير القاعدة السليمة للحياة الإسلامية المطلوبة في جميع أنحاء الدنيا بين المسلمين عامة، وبينهم وبين غيرهم وفقا لأصول الأحكام الإسلامية، ومبادئ الدين السامية، وطبقا لما تقتضيه مصالح الناس وذلك في إطار تحقيق المقاصد الشرعية.
وتلك سنة المجمع التي جرى عليها من يوم شروعه في عمله وفقا لرغبة قادة الأمة الإسلامية الساهرين على حمايتها، وعلى التطور بها تطورا صالحا بناء يعيد لها عزتها، وينمي قدراتها، ويحفظ قوتها وأمنها.
وقد وجدنا لتيسير ذلك من دولة المقر، ومن عماد نهضتها خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - أعزه الله ونصره - كل دعم ورعاية يسابقان خطواتنا إلى إنارة المسلمين بتعاليم دينهم، وأحكام شريعتهم.(5/5)
ونحن إذ نقدم هذا العدد الخامس من مجلة مجمع الفقه الإسلامي للسادة القراء من العلماء والفقهاء، ورجال الطب والاقتصاد، وأساتذة الجامعات وطلاب العلم والباحثين، ولعامة المسلمين، نضع يين أيديهم نتاج أعمال المؤتمر الخامس الذي انعقد بالكويت في الفترة من 1 - 6 جمادى الأولى 1409 - 10 - 15 ديسمبر 1988 م بدعوة كريمة من حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت، ورئيس القمة الإسلامية الخامسة حيث رعى سموه - أيده الله وحفظه - الجلسة الافتتاحية للمؤتمر بإلقاء كلمة كريمة جامعة أكد فيها جلال العلم وفضل العلماء، منوهًا بأهمية مجمع الفقه الإسلامي، وبما يضطلع به من جهود في خدمة الإسلام والمسلمين. وقد اعتمد هذا الخطاب الشريف وثيقةً أساسيةً من وثائق المؤتمر.
وكان للدور الذي قام به معالي الأستاذ خالد أحمد الجسار وزير الأوقاف والشئون الإسلامية أكبر الأثر في تحقيق النجاح للمؤتمر، كما كان لأجهزة الإعلام الكويتي من تلفزة وإذاعة وصحافة الفضل الكبير في تغطية أعمال الدورة، ونقل الكبير من عروضه ومناقشاته إلى الجماهير الواسعة في الكويت وخارجها.
ويطيب لنا أن ننوه هنا بما تم أثناء انعقاد هذه الدورة بالكويت من توقيع ميثاق التعاون المقترح من معالي الدكتور عبد الرحمن العوضي وزير التخطيط، ورئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بين المجمع والمنظمة، فكان ذلك تتويجا للنجاحات التي تحققت بفضل الله تعالى، ثم بفضل حضرة صاحب السمو أمير الكويت وحكومته الرشيدة وشعبه الكريم، ودعما لمسيرة المجمع وتعاونا معه في كل ما يعود بالخير والنفع على المسلمين عامة.
وقد أسهم في أعمال هذه الدورة ثلة كريمة من أصحاب الفضيلة العلماء، ونخبة متميزة من الباحثين والخبراء، وأغلب أعضاء المجمع ممن حضر المؤتمر وكان عدد المشاركين يبلغ المائة أو يزيد، عرضت عليهم جميعهم للدرس، والمناقشة، واتخاذ القرارات جملة من البحوث والدراسات، تناولت الموضوعات التالية:(5/6)
1 - تنظيم النسل وتحديده. 23 بحثا
2 - الوفاء بالوعد 9 بحوث
3 - المرابحة للآمر بالشراء 9 بحوث
4- تغير قيمة العملة 12 بحثًا
5 - الحقوق المعنوية 10 بحوث
6 - التأجير المنتهي بالتمليك 5 بحوث
7 - تحديد أرباح التجار 5 بحوث
8 - العرف 11 بحثًا
9 - تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية بحثان
فقد كانت جملة البحوث المعروضة على الدورة 86 بحثًا أتبعت بما دار حولها من تعقيبات ومداولات، وختمت - كما هو واضح في هذا العدد - بما توصل إليه مجلس المجمع من قرارات وتوصيات.
ولا يفوتنا ونحن نقدم للقراء الأكارم هذا العدد الخامس من مجلة مجمع الفقه الإسلامي بجدة، أن نزجي الشكر الجزيل للسادة الأعضاء، وللباحثين والخبراء. على ما بذلوه من جهود خيرة مباركة تميزت بها هذه الدورة، كما نباهي بالإقبال المتزايد من الطلاب والباحثين، وعامة المسلمين على هذه المجلة، لما فيها من مادة علمية جادة، وآراء اجتهادية دقيقة.
كما لا يفوتنا بهذه المناسبة الشريفة أن نشكر حضرة صاحب المعالي الشيخ أحمد جمجموم لأريحيته الكريمة بتوليه الإنفاق على طبع هذا العدد بأجزائه الثلاثة حتى أخرجه في أبهى صورة وأجمل حلية، فالله يجزيه الجزاء الأوفى، ويكلؤه بعنايته ورعايته، وإنى لأدعو لكل من أسهم في إنجاز هذا العمل الجليل بالمثوبة والأجر،
وختاما أسأل الله تعالى أن يسدد على طريق الخير والرشاد خطانا، ويوفقنا في جميع أعمالنا، ويتقبل منا هذا الجهد المتواضع، وينفع به المسلمين أجمعين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة(5/7)
كلمة
حضرة صاحب السمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح
أمير دولة الكويت
ورئيس الدورة الخامسة لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه , ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
إخواني:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
باسم الكويت، وباسم منظمة المؤتمر الإسلامي التي تحمل الكويت شرف ومسئولية رئاسة دورتها الخامسة، أرحب بكم في هذه الدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي.
ومع الترحيب بكم، وأنتم صفوة علماء الإسلام، تقدير وأمل ودعاء.
تقدير لما تبذلون من جهد بناء في مد الجسور بين الإسلام والحياة المعاصرة، وعكوف دائب على البحث العلمي وزن الإسلام فيه مداد العلماء بدم الشهداء: هذا يبني الأوطان ويحميها، وهذا يبني العقول ويزكيها.
وآمل في أن يستمر عطاؤكم ويزداد.
ودعاء أن يثيبكم الله سبحانه خيرًا، وأن يفتح عليكم وبكم من أبواب التعاون ما ينير للمسلمين مسالك الحاضر والمستقبل.
إخواني:
إن الفقه هو التعمق في الفهم، وإن اختص به القانون والتشريع، وأمامنا الآن فقه أكبر نستطيع أن نسميه " فقه المجتمعات الإسلامية " ويقصد به عمق واتساع فهمنا للقضايا الإسلامية المعاصرة، والاجتهاد في استنباط الأحكام والخطوط الأساسية للتقدم، والاتفاق على الوسائل التي نتخفف بها مما خلفته الأحقاد والحروب من جراح نفسية وفكرية ومادية، وتقوى بها أواصر التعاون في مستوياتها وآفاقها التشريعية والتنفيذية والعلمية والثقافية لتكون الأجيال الجديدة أكثر قدرة وعطاء.
وأعتقد أن نقطة البدء هي أجهزة منظمة المؤتمر الإسلامي ذاتها، لتكون صورة التعاون والتكامل والاجتهاد المنشودة، وتتسع دوائرها لتشمل الأجهزة المناظرة في العالم الإسلامي والجاليات الإسلامية في مواطنها الجديدة.(5/8)
إن الفكر الإسلامي يقابل تحديات كثيرة أمام كشوف ومناهج العلم الحديث، ويتساءل المجتمع الإسلامي وبخاصة أجيال الشباب عن آراء العلماء في هذه القضايا والمشكلات، وإنهم يأملون في اجتهادات إيجابية نابعة من القرآن الكريم والسنة الشريفة، تعين على سلوك الطريق، بعد أن رضي جانب من الفكر الإسلامي خلال قرون مضت بالانطوائية والتقليد وما كان هذا ليحول دون استمرار حركة التاريخ، ومتغيرات الحياة والحوار بين الحضارات.
إن الإسلام شجرة طيبة، تضرب بجذورها في عمق الفطرة، وتمد فروعها في السماء لتحمل الزهر والثمر، وإذا كنا نستمد الأصالة من فطرة الله التي فطر الناس عليها، فإننا نحمل مسئولية الاجتهاد، وهو أرض اللقاء بين الأصالة وقضايا الحياة المتجددة.
إن كل حضارة عالمية لها سماتها الأساسية التي تسبق إلى الذهن إذا جاء ذكرها، فما هي معالم الحضارة الإسلامية في عالمنا المعاصر؟ إننا نستطيع أن نتحدث عن الماضي، وعن الصحوة المعاصرة كانطلاق تختلط فيه الإيجابيات بالسلبيات، والآمال بالعثرات.
ولكن علينا بالجهد المشترك أن نتعاون على تشكيل الملامح الطيبة للوجود الإسلامي الذي ينتظم الصف فيه بعد أن كان أمره فرطا، وتمر يد المحبة على آثار التعصب والتباعد، ويمحو فيه ضياء العلم ظلمات التخلف، وتتلاقى العقول والأيدي على صياغة الآمال أعمالا تنفع الناس، وتمكث في الأرض.
ولو نظرنا إلى هذه المسئوليات جميعا لوجدناها مستويات أربعة متوالية الاتساع، ومتبادلة التأثير، وتبدأ من تكوين الفرد المسلم إلى الأسرة المسلمة إلى المجتمع المسلم إلى مكانة هذا المجتمع في الحياة المعاصرة.
والأسرة هي خلية المجتمع ومدرسته الأولى، أقامها الله سبحانه على المودة والرحمة، وهي خير بيت ينشأ فيه الأبناء.
وإن تنظيم الأسرة حب ومسئولية، ويبدو هذا التنظيم في حسن إعداد الأبناء للحياة، فلا يحمل الأبوان فوق ما يطيقان رعايته وتربيته في عالم ازدادت فيه المسئوليات وتقدم العلم، واتسعت آفاق التخصص التي يحتاج إليها المجتمع الإسلامي.(5/9)
وخير الأبناء من كانوا من الباقيات الصالحات، الذين تقوم حياتهم على الإيمان والعلم، والإخاء والعمل، وتستمر بهم حسنات الآباء، ويتسع الخير والعطاء.
نحن محتاجون إلى تربية الأجيال الجديدة على السماحة، وأن نغرس في نفوسهم إخاء يضم أبناء القبلة جميعا، ويشع منهم على العالمين، برا ورحمة في نور من كتاب أنزله الله تعالى هدى ورحمة، وبعث به رسولا على خلق عظيم وصفه بقوله {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء]
وتدعونا هذه التربية إلى مراجعة مناهج الدراسة، وإلى الاتفاق على الخطوط الرئيسية في أجهزة الدعوة الإسلامية، والإعلام والثقافة، بحيث تصبح من وسائل الربط والتوثيق، أما المسائل الخلافية فمكانها مجالس العلماء، سعيًا إلى المزيد من التقارب في جو من الأخوة والتعاون.
إخواني:
إن هذا الإخاء سينعكس على قضايانا الإسلامية، ونحن نرى - والحمد لله - مطالع الخير وإن خالطتها العقبات والمشكلات وهذه سنة الحياة، ومواد الاختبار التي يبتلي الله سبحانه بها عباده ليمحص إيمانهم، وعسى أن نكون من المحسنين.
وأمامنا قضية فلسطين:
ولقد استطاع الجيل الجديد من أبناء فلسطين أن يشق طريقه رغم كل ضغوط القهر ومحاولات طمس الهوية، وأن يؤكد ذاته على أرض النضال الشريف، وتحركت معه أجيال سبقته على الطريق، وتابعته عقول وقلوب لا تتحرك إلا إذا كان أصحاب القضية أحياء يدافعون عنها ويروونها بالجهد والتضحية.
وكانت وحدة القرار السياسي الذي عبر عنه المجلس الوطني الفلسطيني وميلاد الدولة الفلسطينية، من ثمار هذا النضال الصامد، وقد رحبت بذلك دول كثيرة بادرت بالاعتراف بالدولة الفلسطينية، ولا تزال الاعترافات تتوالى مؤكدة حق الشعب الفلسطيني في قيام دولته فوق أرضه.(5/10)
وإننا لنحيي هيئة الأمم المتحدة والجمعية العامة على مساندتها العادلة للحق الفلسطيني، وقرارها بأن يكون إلقاء كلمة فلسطين في المقر الأوروبي في جنيف عندما حال القرار الأمريكي المنحاز بينها وبين الوصول إلى منبر الأمم المتحدة في نيويورك.
وأما عن العلاقات العراقية الإيرانية، فإننا نتطلع بعد وقف إطلاق النار إلى تنفيذ قرار مجلس الأمن 598 بكامله لتعود الجهود إلى التعمير والإنتاج وحسن الجوار.
وفي أفغانستان نرجو أن يلتقي إخوتنا على كلمة سواء، وأن تثمر رعاية المملكة العربية السعودية الشقيقة للمباحثات بينهم وبين الاتحاد السوفيتي ليفرغ الشعب الأفغاني إلى بناء حياته الجديدة.
أما لبنان فإن لنا أملا في أن تقف الدول العربية موقفا موحدا لشد أزره حتى تعود إليه وحدته الوطنية وسيطرته على كامل أرضه، ويلتقي أبناؤه على العمل والتعاون والمودة.
ومن الجانب السياسي ننتقل إلى الجانب الاقتصادي والإنساني:
هناك الملايين من إخوتنا في العقيدة معذبون في الأرض، ويقاسون من صنوف متنوعة من الحرمان ابتداء القوت الضروري إلى التعليم، وما يقوم عليه من زراعة وصناعة وتقدم علمي، وكل إنسان يحتاج أولا إلى ما يحفظ حياته، ثم إلى ما ترقى به هذه الحياة.(5/11)
وبهذا تبدو أهمية التنمية الزراعية في العالم الإسلامي في وقت لم تعد الحبوب الغذائية مجرد مادة تقوم بها الحياة، أو سلعة تجارية، ولكن من وسائل الضغط السياسي والاقتصادي، وهذه التنمية مسئولية دينية كما أنها مسئولية سياسية معًا، وما يصدق على الزراعة يصدق على الأنشطة الاقتصادية الأخرى، التي توفر للعالم الإسلامي مادة حياته، وحرية إرادته.
إن الإنتاج طريق الكرامة، والسعي فيه عبادة، وإن جهد الزارع والعامل روافد تلتقي مع جهود العلماء، في بناء الحياة الإسلامية، ومن حولها حصون من عزمات الشباب تحفظ الأوطان من أي عدوان.
وإننا لنأمل أن يتسع هذا الإنتاج، وتعمق قواعده وتمتد آفاقه إلى المشاركة في البحث العلمي وأن يتم هذا كل بتنسيق بين الأجهزة على مستوى العالم الإسلامي وبتعاون عالمي لا يمكن للبحث أن يسير دونه.
هذا أيها الإخوة هو طريق الإسلام، وهو طريق السلام، وإنني أتطلع إلى اليوم الذي يلتقي فيه علماء الإسلام على دستور عمل يجمع المسلمين في ساحة وإخاء تحررت من الصراعات المذهبية وتوجهت إلى بناء مستقبل الإسلام.
وأدعو الله سبحانه أن يكتب لكم في هذا السعي فضلًا، وأن يهدينًا جميعًا سواء السبيل.
إخواني:
أكرر الترحيب بكم، وأتمنى لكم طيب الإقامة وخصوبة الإنتاج، وسلامة العودة، واستمرار التعاون.
وفقكم الله
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(5/12)
كلمة
معالي الأستاذ خالد أحمد الجسار
وزير الأوقاف والشئون الإسلامية بدولة الكويت
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي أرسل رسوله للعالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين وعلى آل بيته الأطهار وصحابته الأخيار.
صاحب السمو أمير البلاد جابر الأحمد الجابر الصباح، سمو ولي العهد سعد العبد الله السالم الصباح حفظكم الله من كل مكروه.
ضيوفنا الكرام والمشاركين في هذه الدورة رعاكم الله.
باسمي وباسم وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية (وباسم دولة الكويت حكومة وشعبًا، أفرادًا ومؤسسات) أرحب بكم أجمل ترحيب في هذه الدورة الخامسة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي المقام على أرض دولة الكويت.
إن استضافة دولة الكويت لهذه الدورة تنبع من اهتمام سموكم حفظكم الله بدعم المشاريع الإسلامية سواء أكانت علمية تقوم بالتنظير ورسم المبادئ، أم عملية تعنى بالدعوة، وتهتم بإيصال النفع للمسلمين وتوفير التكافل لهم، وهي ترى في ذلك تعزيزًا لمكانة المجمع ومظهرًا من مظاهر الأخوة الإسلامية بين هذه الأمة، وإن لدولة الكويت بتوجيهات سموكم علاقة وثيقة بمسيرة هذا المجمع منذ أن شاركت في المرحلة التأسيسية له مشاركة فعالة، ومضت مع زميلاتها من الدول الإسلامية في دعم مسيرته انطلاقًا من الدور الذي يقوم به، فهو الأداة العصرية المؤهلة لمواصلة الجهود الشرعية والتشريعية والبحث الجماعي في حلول المشكلات المعاصرة.
والجدير بالذكر أن في الكويت مؤسسة فقهية تلتقي مع أهداف المجمع من أجلها حظيت الكويت بعضو ثان في المجمع فضلًا عن العضو الممثل للدولة، هذه المؤسسة هي الموسوعة الفقهية التي تعتبر هدية الكويت إلى العالم الإسلامي، وإن النهوض بها أغنى المجمع عن جهود ضخمة كان عليه بذلها لإعداد موسوعة فقهية شاملة، ولذا وجه طاقته إلى إنشاء موسوعة خاصة للمعاملات الاقتصادية، وهذا فضلًا عما يتصل بالموسوعة من أعمال موسوعية مساعدة منها مشروع (الكشاف الآلي الشامل للمراجع الفقهية) ويهدف لفهرسة مائة مرجع فقهي عن طريق الحاسب الآلي بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية من خلال ميثاق مشترك فضلًا عن مشروع تحقيق التراث الفقهي المخطوط، ونشر الرسائل التراثية في العلوم الشرعية.(5/13)
إن وجود ملتقى لفقهاء يمثلون العالم الإسلامي تمثيلًا دقيقًا على مستوى أكاديمي هو مطلب ملح في المجال العلمي، والفكري، والتوحيد السياسي الرشيد، فلا يخفى أن من مصادر الاجتهاد الفقهي (الإجماع) وهو اتفاق المجتهدين المسلمين في القضايا التي لم ينص على حكمها صراحة في القرآن والسنة، فيعمد كل فقيه لتلمس حكمها من منازع استدلالية شتى، فإذا التقت الآراء الفقهية رغم اختلاف مساراتها على حكم متوافق حظي حينئذ بالحجية وقطع الخلاف، ولم توجد طريقة لإحياء هذا المنهج الذي اختفى منذ عصور طويلة إلا عند قيام هذا المجمع من خلال أعضائه الذين يعتبر كل عضو منهم مستقطبًا للفكر المختار لفقهاء الدولة التي يمثلها، مضافًا إلى أعضاء الدول، أعضاء مختارون لتفوقهم البارز، وأعضاء يمثلون المؤسسات المشابهة.
ولا يخفى ما تعرض له الفقه الإسلامي (الذي هو نسع الفكر الموحد والثقافة العامة لهذه الأمة) من ركود أو توقف عن المواكبة العصرية بفعل المؤثرات العامة المعروفة التي سبقت عصر النهضة، بحيث أصبح من العسير كمال الاستفادة من معطياته السابقة ومواصلة إمداده بما جدت الحاجة إليه إلا إذا توفرت له سبل العناية المركزة لإعادة حيويته الكامنة في مناهجه وتراثه، وهو ما تجلى في أهداف المجمع، وظهر في الوسائل العديدة التي باشر بها لتحقيقها - رغم حداثة العهد - وذلك من خلال دورته السنوية، وندواته المتخصصة، ولجانه، ومشاريعه العلمية، ومشاركته الرقابية والموجهة لأي نشاط جماعي يتصل بالفقه والفكر الإسلامي؛ ليضع موضع التنفيذ هدفه الأساسي المتمثل في شد المسلمين لعقيدتهم وتحقيق وحدة الأمة الإسلامية نظريا وعمليا عن طريق السلوك الإنساني ذاتيا وجماعيا ودوليا، وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية بحيث أصبح المجمع رمزا للوحدة الفكرية والتشريعية وتآزر الجهود بين فقهاء الدول الإسلامية كلها لإيجاد الحلول للمشكلات المعاصرة، والسعي لاستكمال مقومات عزة الأمة الإسلامية وقوتها في شتى المجالات.(5/14)
هذا وإن المجمع يعبتر أقدر الجهات على معالجة القضايا المعاصرة، كما يعتبر المرجع الأعلى لهيئات الإفتاء ومراكز البحث حيث تحال إليه المسائل الشائكة المحتاجة لنظر جماعي أصيل من خلال الأبحاث والدراسات العميقة التي يستلزمها طرح أي موضوع في دورات المجمع.
وفضلا عن هذا يلحظ المتابع لنشاط المجمع أنه احتل دورا محوريا في الملتقيات الفقهية التي تقام في أرجاء العالم الإسلامي وخارجه من مؤتمرات وندوات، إذ يشارك في أنشطة هذه الملتقيات من خلال أمانته العامة وبعض أعضائه المنتمين إلى جميع الدول الإسلامية أو خبراته في شتى التخصصات، وإن هذه المشاركة مزدوجة الاعتبار فهي من جهة روافد للمجمع، ومن جهة أخرى هي فرصة متاحة لاكتساب أو تعزيز الطابع الأكاديمي للطاقات العلمية.
لقد بادرتم يا صاحب السمو باستضافة هذه الدورة على أرض الكويت الحبيبة في فترة رئاسة سموكم للمؤتمر الإسلامي الخامس، لتكون إقامتها على أرض الكويت ظهيرا للجهود العلمية المحلية التي أوجدتموها على أرض البلاد وسهرتم على العناية والاهتمام بنموها، والمحافظة عليها، وتوأمة مع المؤسسات الأكاديمية وتلاقيا مع ما تبثه من فكر ومعرفة سواء أكانت هذه المؤسسات ذات طابع ثقافي شامل، كمؤسسة الكويت للتقدم العلمي التي يرأس سموكم مجلس إدارتها، أو المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، أم كانت مؤسسات معنية بالفقه والتشريع كالموسوعة الفقهية وكلية الشريعة، أم كانت معنية ببعض التخصصات الحيوية مع الاهتمام بالرؤية الإسلامية، كالمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، أم كانت مؤسسات تحقق الوجود الفعال للاقتصاد الإسلامي في صورته الخيرية كبيت الزكاة والهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، أو في التنمية والاستثمار كبيت التمويل الكويتي.(5/15)
إن جهودكم - يا سمو الأمير - لم تقتصر على الكويت بحدودها بل تجاوزتها إلى الإسهام المستمر في دعم المراكز والمؤسسات والمنظمات في شتى ديار المسلمين ماديا ومعنويا وثقافيا، وحسبنا الإشارة إلى المشاريع الأربعة الأخيرة التي أمرتم بإنجازها لإهدائها إلى العالم الإسلامي وهي:
- (قاموس القرآن الكريم) وهو يجمع الجوانب المختلفة المتعلقة بكتاب الله بالكلمة والصورة وبشتى اللغات.
- (أطلس الخدمات الإسلامبة) وهو يضع الأساس العلمي لشتى الخدمات وخاصة الصحية والتعليمية والاجتماعية.
-مقولات في الطب والقانون والأخلاق وهي تبين الاجتهادات الإسلامية في المستجدات الطبية.
-تنظيم لقاء بين الشباب الرياضي الإسلامي على أرض الكويت في الربيع القادم للتعارف وتوثيق الصلة.
كما أنكم يا صاحب السمو - صدعتم بالحق على أعلى مستوى في خطابكم التاريخي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، لمناصرة قضايا الأمة الإسلامية، والقضايا الإنسانية العادلة، فدعوتم إلى تخفيف معاناة الدول النامية، وإلى مقاومة الإرهاب بشتى صوره ومصادره، وإلى رعاية حقوق الإنسان، وغير ذلك مما أملاه عليكم إيمانكم وإحساسكم الإسلامي الصادق المرهف واهتمامكم بأمر المسلمين.
إن هذه الأنشطة والمؤسسات الإسلامية التي نهضت بتوجيهات من سموكم ورعايتكم وعنايتكم بها، والمؤسسات الأخرى التي أسهمتم بها في شتى أنحاء العالم الإسلامي، في مجال نشر الوعي الديني والثقافة الإسلامية، أو في مجال التطبيقات، إنها لتبرز محاسن الشريعة الإسلامية، وتجعل المسلمين يتفيأون ظلالها وينعمون بخيرها، والله المسئول أن يبارك هذه الجهود المتعاونة على البر والتقوى، وأن يحفظكم وسمو ولي عهدكم الأمين ذخرا للبلاد، وهو ولي التوفيق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(5/16)
كلمة
معالي السيد شريف الدين بيرزاده
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
صاحب السمو.
أصحاب السماحة.
أصحاب المعالي.
الإخوة الأعزاء.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد، فإنني أشعر بسعادة غامرة وأنا أخاطب الجلسة الافتتاحية للدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي التي تنعقد في دولة الكويت، التي أسهمت حكومة وشعبا تحت القيادة الحكيمة لسمو أميرها المعظم الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، إسهاما ملموسا في تعزيز التعاون بين الدول الإسلامية. وأود في هذا المقام أن أبين أن سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رئيس مؤتمر القمة الإسلامية الخامسة يمثل تطلعات المسلمين إلى تجسيد تصور الإسلام النبيل لخلاص الجنس البشري، وإحلال السلام، ودفع عجلة التقدم.
واسمحوا لي بأن أتوجه بالتهنئة إلى سماحة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي على النجاح الذي حققته هذه الهيئة الإسلامية منذ إنشائها، فقد استطاعت أن تجتذب إلى رحابها علماء أعلاما وفقهاء بارزين، ونخبة من مفكري العالم الإسلامي، حتى غدت محفلا مرموقا لعمق الدراسة والبحث والعمل الجماعي، في حقول الشريعة وتطبيقاتها في عالم اليوم.(5/17)
أصحاب السماحة والمعالي
الإخوة الأعزاء..
إنه لا يمكن بناء المجتمع الإسلامي الحق إلا على أساس راسخ من فهم مبادئ عقيدتنا السمحة وتطبيقها على حاجتنا المعاصرة، وتكييف حياتنا أفرادا وجماعات وفقا لتعاليم ديننا الحنيف، ومما يثلج الصدر أن دولنا الإسلامية أضحت تدرك إدراكا متزايدا أن جهودها الرامية إلى إقامة نظم سياسية واقتصادية واجتماعية جديرة بالثقة يجب أن تستند إلى الأسس الراسخة للشريعة الإسلامية، وإنني لعلى يقين من أن مجمع الفقه الإسلامي لن يضن على الدول الإسلامية بما يتوفر عليه من معلومات وأفكار وحلول.
ومن الأهمية بمكان أن نطرد من أذهان شبابنا أية أفكار مفروضة أو مفهومات خاطئة يمكن أن تنسب إلى الإسلام وإلى التاريخ والحضارة الإسلاميين، كما أن علينا أن نحصن الأمة الإسلامية تحصينا كافيا لمواجهة المذاهب والمؤثرات الغربية عنا، وأن نساعد الدول الإسلامية على وضع نظمها التعليمية والتربوية وفقا لتعاليم ديننا الحنيف وحاجاتنا القائمة.
أصحاب السماحة والمعالي.
الإخوة الأعزاء ...
إن أعداء الإسلام يحاولون على الدوام زرع بذور الشقاق بين صفوفنا، وهناك محاولات دائبة جارية في الوقت الحاضر عمادها السفسطة والتزييف، وهدفها تشويه الفكر الإسلامي، ومن ذلك كتاب يتهجم على المقدسات الإسلامية ألفه المدعو سلمان رشدي بعنوان "قصائد شيطانية". كما أن هناك كتابا آخر نشرته بعثات تبشيرية في قبرص عنوانه "سيرة المسيح بلسان عربي فصيح" حاول مؤلفوه بدافع الحقد الدفين أن ينشروه في شكل القرآن الكريم قصد تشويش أفكار الناس وتضليلهم، وقد حثت الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي الدول الأعضاء على اتخاذ التدبيرات العاجلة لمصادرة بل تدمير مثل هذه الكتب المنطوية على الافتراء والقذف، ولمنع الناشرين من تولي نشر مثل هذه الكتب.
والجهل بالإسلام وبتعاليمه الخالدة غالبا ما يؤدي وبخاصة في البلدان الغربية إلى مفهومات خاطئة عن جوانب معينة في المجتمعات الإسلامية، ولذا فإن على مجمع الفقه الإسلامي أن يعمل على إقناع الأكاديميين والمفكرين وأهل الرأي في البلدان الإسلامية وغير الإسلامية بأوجه الإسلام المختلفة، وبخاصة تلك الأوجه التي غالبا ما يساء فهمها وتكون عرضة للنقد، ولا بد كذلك من إصدار دوريات منتظمة لهذا الغرض توزع على نطاق واسع بلغات شتى.(5/18)
أصحاب السماحة والمعالي:
إن على مجمع الفقه الإسلامي كذلك أن ينظر الأسلوب الأمثل الذي يمكن الدول الإسلامية من إدماج المرأة في عملية التنمية الاجتماعية والاقتصادية، ذلك أن دور المرأة ومكانتها في الإسلام كانا موضوع نقاش حتى في بعض الدول الإسلامية، وهذه قضية مهمة لأن المرأة تشكل تقريبا نصف الأمة، ولقد وضع القرآن الكريم المبادئ، وكانت سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم المثال الذي يحتذى في تطبيق تلك المبادئ النبيلة، ولا أظن أن هناك اليوم شكا فيما يخص المكانة الرفيعة التي تتمتع بها المرأة في الإسلام، ولذا فعلينا أن نوفر الخطوات العملية التي نستطيع بها إدماج المرأة في تنمية مجتمعاتنا في هذا العصر.
أصحاب السماحة والمعالي
الإخوة الأعزاء:
وعلى مجمع الفقه الإسلامي أن يطور برنامج خدمات استشارية تستفيد منه الدول الإسلامية، على أن يتكون هذا البرنامج، ذو المجالات المتعددة الأبعاد ذات الصلة الوثيقة بالشريعة الإسلامية، من البحوث والدراسات التخصصية، ومن توفير التوصيات اللازمة حول موضوعات ذات أهمية بناء على طلب من إحدى الدول الإسلامية.
إن سيرة النبي محمد صلى الله عليه وسلم وصحبه الأبرار تعلمنا الكثير، وتؤكد أن من واجبنا العمل بمبادئ الإسلام النبيلة وتطبيقها عن طريق الجهاد ضد الجهل وتقوية أسس التضامن الإسلامي، ولقد كانت هذه هي الطريقة التي تم بها نشر ديننا الحنيف الذي انبعث من مكة المكرمة والمدينة المنورة إلى سائر أنحاء العالم، والإسلام دين العالمين، ولكي يدرك الإنسان مدى قوة هذا الدين فما عليه إلا أن يتفقه في القرآن الكريم، ويتعمق في سيرة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، ومن واجباتنا الأساسية كخدم لهذه الأمانة المقدسة، أن ننشر رسالة القرآن الكريم في أجلى صورة، فذلك فرض واجب على كل مسلم، ولا شك في أن على مجمع الفقه الإسلامي أن يضطلع بدور رائد في تنفيذ هذه المهمة النبيلة.(5/19)
لقد قدم مجمع الفقه الإسلامي منذ إنشائه مساهمةً قيمة في توضيح وتسهيل وتحديد التعاليم الإسلامية القائمة على الشريعة الإسلامية، ذلك أنه تبني أربعة وعشرين قرارا حول الشريعة، وأصدر ستا وعشرين فتوى حول مختلف القضايا المتعلقة بالمجتمع الإسلامي، وأن المواضيع المتنوعة التي بحثها المجمع أو تلك التي ما زال يبحثها تتضمن عملية زراعة أعضاء الإنسان ودفع الزكاة لصندوق التضامن الإسلامي، والاستثمار والمشاركة في الشركات واستخدام الملكية الخاصة لصالح المجتمع، والاستثمارات بشكل عام، والقضية المتعلقة بتأجير الممتلكات، إضافة إلى المسائل المتعلقة بالوحدة الإسلامية ومكافحة الفساد الخلقي.
ويسرني أيضا أن أسجل اهتمام المجمع بالمسائل الهامة المتعلقة بالأمور المالية والاستثمارات والأعمال المصرفية وغير ذلك من القضايا الهامة، وذلك من أجل مساعدة الدول الإسلامية في تنظيم اقتصاديتها وفقا لتعاليم الإسلام، ولا بد من الاستمرار في عقد الندوات المتخصصة حول هذه القضايا الهامة، كما أن توصيات الندوتين اللتين انعقدتا بالتعاون مع البنك الإسلامي للتنمية حول الأمور المتعلقة بـ " تذبذب معدل الصرف " و" سندات المقارضة والاستثمار" يجب أن تنشر على نطاق واسع.
ومن بين المشاريع الجيدة التي تستحق التنويه والتي قام بها مجمع الفقه هي المشروعان المتعلقان بـ "موسوعة تيسير الفقه" و"الموسوعة الفقهية الاقتصادية" وستكون هاتان الموسوعتان في غاية الأهمية والفائدة بالنسبة للعلماء والباحثين والفقهاء في الدول الإسلامية، وسوف تكون لهاتين الموسوعتين قيمة كبيرة في المحاكم الشرعية التي أنشئت في العديد من البلدان الإسلامية وذلك نظرا لكونهما مرجعين أصيلين من الناحية الشرعية.
وأود أن أعرب عن تقديري للمجمع لما أولاه من أهمية للبحث عن حلول مناسبة للقضايا والمسائل المعاصرة التي تهم المسلمين في حياتهم اليومية.
إن نجاح المجمع في تحديد رأي يتفق عليه بالإجماع حول قضايا الشريعة وحول أسس علاقات الدول الإسلامية على المستويين الخارجي والداخلي سوف يساهم إلى حد بعيد في تعزيز الوحدة الإسلامية.
والواقع أن مجمع الفقه الإسلامي يستحق كل دعم مادي ومعنوي، وعليه فإنني أناشد جميع المسلمين المساهَمة في عمل المجمع بكل طريقة ممكنة من أجل تمكينه من القيام في أحسن الظروف بمهمته النبيلة الموكلة إليه، ألا وهي خدمة الأمة الإسلامية.(5/20)
الإخوة الأعزاء:
إن استضافة دولة الكويت لمحكمة العدل الإسلامية الدولية مدعاة للتقدير والإعجاب، ويسرني في هذا الصدد أن أبلغكم بأن دولة الكويت والمملكة العربية السعودية ومصر والجماهيرية الليبية قد صادقت على النظام الأساسي لهذه المحكمة، كما وأنني أؤيد الرأي القائل بأنه لا بد من القيام بعمل فعال لاستكمال الإجراءات اللازمة والجوانب الإدارية لتمكين المحكمة من الشروع في نشاطها حالَمَا يتم إيداع التصديقات اللازمة في هذا الشأن.
وأملنا كبير في أن تستكمل الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي الشكليات اللازمة لتمكين محكمة العدل الإسلامية الدولية من ممارسة
عملها في وقت مبكر فإنشاء محكمة العد ل الإسلامية سوف يكون دون شك أداة لتعزيز وحدة الأمة الإسلامية وتضامنها، وستكون الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي الذي تعتمد عليه المحكمة في قضاياها، كما ستأخذ المحكمة في اعتبارها القانون الدولي والاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف والأعراف الدولية المطبقة كقوانين، والمبادئ العامة للقانون، والأحكام الصادرة عن المحاكم الدولية، وآراء فطاحل الخبراء في القانون الدولي في مختلف الدول.
أصحاب السعادة:
أود أن أختتم حديثي في الإعراب عن امتناني وشكري لسمو أمير دولة الكويت ولحكومة الكويت لكرم الضيافة والترتيبات الممتازة التي وضعت لضمان نجاح مداولاتنا.
وإنني لعلى ثقة بأن الدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي ستكون معلما آخر على طريق تحسس الأمة الإسلامية لمستقبل مجيد قائم على المرتكزات القوية للشريعة الإسلامية.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(5/21)
كلمة
معالي الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
رئيس مجلس المجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الحمد لله الذي هدانا فجعلنا مسلمين، والحمد لله إن الحكم إلا لله أمر أن لا تعبدوا إلا إياه، إن الحكم إلا لله يقص الحق وهو خير الفاصلين، والحمد لله إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته، ولا في ألوهيته، ولا في أسمائه وصفاته، ولا في حكمه سبحانه وتعالى، وأشهد أن محمدا عبده المجتبى ونبيه المصطفى، اللهم صل وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون، وغفل عن ذكره الغافلون، ورضي الله عن الصحابة والآل وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فقد دأب شداة الصلاح بهذه الأمة على أن ينطلقوا في إصلاحهم بما يفيض على ألسنتهم وما ترقمه أقلامهم من القواعد العامة والكليات الجامعة والأصول والضوابط الشاملة التي تستلهم الفروع والجزئيات، وتستوعب النوازل والأقضيات والواقعات، وإن أهل الإسلام في غمرة اليقظة الإسلامية التي تتهلل لها الوجوه، يعايشون ظواهر مهمة في يقظة المسلمين وأهمها ظاهرتان: إحداهما تعني العلم والعمل به، تعني البصيرة والتبصر في دين الله وفي أحكام أفعال العباد اعتقادا وقولا وعملا، تأسيسا على كلمة التوحيد "لا إله إلا الله"، هذه الكلمة أسست عليها الملة ونصبت القبلة، ومن أجلها جردت سيوف الجهاد، ومن أجلها خلقت الجنة والنار، وهي أول الأمر وآخره، وهي البداية كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في أواخر بعثته: ((قولوا لا إله إلا الله تفلحوا)) وهي النهاية كما أرشد النبي صلى الله عليه وسلم في قوله ((لقنوا موتاكم: لا إله إلا الله)) .
وإن في هذا إرشادا عظيما إلى أن حياة المسلم مبنية على تحقيق كلمة التوحيد، وهذه الكلمة العظيمة هي أول مأمور به في كتاب الله تعالى كما في فواتح سورة البقرة {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 21] ويضادها أول ما نهى الله عنه كما قال بعد ذلك {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة: 22] .
وهذه الكلمة العظيمة هي أول ما فتح الله به كتابه في سورة الفاتحة مشيرا إلى أنواع توحيده في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ونحو ذلك {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] اختتم الله بها كتابه. وفي هذا إشارة إلى أن ما بين اللوحتين أو الدفتين هو كله لتحقيق كلمة التوحيد: "لا إله إلا الله" وعلى ذلك آيات التنزيل الأخريات في سورة الذاريات {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] .
قال المفسرون "إلا ليوحدون"(5/22)
وإن مجمع الفقه الإسلامي يحمل عبئا كبيرا وقسطا وافرا من حمل أشعة كلمة التوحيد ونشرها بين المسلمين في أمورهم العامة والخاصة، والذي نعقد اليوم دورته الخامسة في ضفاف جزيرة العرب على أرض دولة الكويت بدعوة من سمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح عبر الرسالة الشفهية التي تلقيناها على لسان معالي وزير الأوقاف، فشكر الله لسموكم ذلك وبارك في جهودكم، ولقد زودتم التكريم إكراما، والتشريف تشريفا بتشريفكم في افتتاح هذه الدورة فشكر الله مسعاكم وأكرمكم وجزاكم كل خير.
صاحب السمو أمير البلاد الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح
سمو الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح ولي العهد
أيها العلماء الأجلاء
أيها الجمع الكريم
وأما أخراهما فهي تلكم المرحلة التاريخية وقبل أن تكون تاريخية فهي حسنة في ميزان الحسنات وإنما الأعمال بالنيات، إنها تلكم المبادرة العظيمة التي تسنمتم قصب السبق لها يا صاحب السمو، إنها محكمة العدل الدولية الإسلامية، إنها إعلان الرد في التحاكم إلى كتاب الله تعالى، وإلى سنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلقد ألبستم المسلمين في هذا لباس الكرامة وحللتموهم رداء عز، ودفعتم التناقض الذي يلهج به ويمضغه أعداء الإسلام، يا معشر المسلمين كيف تؤمنون بالإسلام ولا تحكمونه؟! واليوم نعلن ونقول بكل افتخار: لقد حكمناه بإنشاء محكمة العدل الدولية الإسلامية التي أقرها قادة الدول في العالم الإسلامي، والتي حزتم قصب السبق لها فجزاكم الله خيرا على ذلك أحسن الجزاء وأكمله.
هذا وإنه من واقع مشاركتي المتواضعة في إعداد النظام الأساسي من أول لجنة عقدت في مدينة جدة، كان لي نوع من التتبع لما قيل وما نشر وما كتب عن هذه المحكمة، والذي حصيلته أن علماء المسلمين ومفكريهم وصلحاء المسلمين يرون أن هذه المحكمة هي مرحلة نقلة إلى المحاكم الشرعية المحلية إلى تحكيم شريعة الله يبن العباد فوق أرضه وتحت سمائه في ضروريات حياتهم في أموالهم، في أعراضهم، في نسلهم، في حقوقهم، في شؤون حياتهم كافة؛ إذ الذمم مشغولة والعهدة كبيرة، والحجة قائمة وأمامنا مواقف صعاب يوم العرض على رب الأرباب، فأعدوا رحمكم الله للسؤال جوابا، إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه.
وإني وإخواني رجال هذا المجمع نقدم خالص شكرنا وتقديرنا لسموكم الكريم، ولسمو ولي عهدكم ولرجال حكومتكم، وفقنا الله وإياكم لكل عمل صالح مبرور وحفظنا جميعا بالإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(5/23)
كلمة
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المرسلين وسلم تسليما كثيرا.
حضرة صاحب السمو الأمير المعظم الشيخ/ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت ورئيس الدورة الخامسة لمنظمة المؤتمر الإسلامي أعزه الله.
حضرات أصحاب المعالي والسعادة والسماحة والفضيلة الموقرين.
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد:
بيمن الله وكريم فضله وجميل رعايته، تنعقد هذه الدورة الخامسة لمؤتمر مجمعكم الموقر، باستضافة كريمة من سمو الأمير المعظم، وتحت سامي إشرافه بهذه الأرض الطيبة المباركة ديار الكويت، وإنا ونحن في طريقنا إلى هذه القاعة لتتردد على أسماعنا تلكم الكلمات الفرائد التي عقلناها يا سمو الأمير من خطابكم الجليل في القمة والتي رسمتم بها أجمل صورة لهذا البلد المضياف حين قلتم أيدكم الله بنصره وشملكم برعايته وحفظه. إن الكويت تعيش الإسلام دينا والعروبة وطنا، والتعاون طريقا، والسماحة شعارا، والإخاء نورا، والتشاور منهاجا، والعدل ميزانا، والتقدم مسؤولية، والسلام غاية. وفي هذا تعبير صادق عن أبرز ملامح هذه الدولة وهذا الوطن فتلك مقوماته الأساسية واضحة جلية في سلامة العقيدة وشريف القيم وكريم المبادئ وعظيم التطور المسؤول الذي يواجه بحكمة عالية وخطة محكمة كل ألوان التحدي الحضاري المعاصر.
وإنكم يا سمو الأمير إلى جانب ذالكم، وبحكم رئاستكم للقمة الخامسة قد توليتم حفظكم الله وتتولون القيام بكثير من الأعمال البناءة للأمة الإسلامية داخل الكويت وخارجها، وارتفع صوتكم بالحق وبالدعوة إلى الحلول الناجعة لجملة من القضايا في المحافل الدولية، وواكبت رئاستكم الشريفة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بوادر الانفراج بين الإخوة الأشقاء في العالم الإسلامي كما استمرت العناية والدعم للمكافحين بأفغانستان، وللانتفاضة الشعبية المباركة بالأرض المحتلة وللجهاد من أجل تحرير فلسطين والقدس الشريف، وكان من منن الله على المسلمين في هذه الأيام إعلان المجلس الوطني الفلسطيني وثيقة الاستقلال لقيام دولة فلسطينية تكون بإذن الله خير أداة ووسيلة لمواصلة النضال حتى النصر وتحقيق آمال الأمة في تحرير قبلتها الأولى.(5/24)
وإننا الساعة في هذا الإطار الديني والروحي، والخلقي والعلمي، الذي شعت أنواره وعمت آلاؤه. وبهذه البقعة الزاهية النضراء من أرض الكويت، نجتمع ممثلين لدولنا التي ورد على لسان سموكم – حفظكم الله – التنويه بشرفها وعظيم خطرها حين وصفتم الموقع الذي يجمعها بأنه يجعل منها قارة إسلامية وسط العالم القديم. ويحقق لأبناءها وجودا إيجابيا في قارات الأرض جميعا، وإنها لمقولة شريفة تذكر بالوسطية وبالدور الذي على المسلمين القيام به، وكأنها تلفت النظر إلى مزيد من التدبر لقول الله عز وجل: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] . وإلى وجوب الحرص على العمل بما استودعته هذه الآية الكريمة من حكم وأسرار.
ويسعدني في هذه الجلسة الافتتاحية أن أعرض على حضراتكم مجمل نشاط المجمع، ففيما بين الدورة الثانية التي انعقدت لمؤتمركم الموقر بجدة في ربيع الثاني 1406هـ باستضافة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز أعزه الله ونصره وبين هذه الدورة الخامسة التي تجمعنا اليوم طرح على المجمع ثلاثة وعشرون موضوعا دينيا واجتماعيا واقتصاديا، كما قدم إليه ما لا يقل عن ستين ومائة بحث ودراسة ومجموعة من الوثائق من أوراق وقرارات علمية في نفس الموضوعات، وتولى مجلسكم الموقر مناقشتها كلها وأصدر بشأنها تسعة وعشرين قرارا مجمعيا فقهيا وثلاثا وعشرين توصية، وفي هذه الدورة يعرض على سامي نظركم نحو خمسين بحثا حول عشرة موضوعات تتبعها كالعادة مناقشات تتلوها بإذن الله قرارات وتوصيات.
وقد قرر المجمع عقد ندوتين: الأولى عن سندات المقارضة قام بها بالتعاون مع معهد البحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، والثانية عن الأسواق المالية أرجئ عقدها لأسباب ترتيبية وتنسيقية إلى موعد لاحق بعد هذا المؤتمر وذلك بالاتفاق مع البنك ومع وزير الأوقاف والشؤون الدينية بالرباط معالي الدكتور عبد الكبير المدغري العلوي.(5/25)
ومضينا خلال عشرة شهور تفصل بين الدورتين الرابعة والخامسة نسرع الخطى في الإعداد والشروع في تنفيذ مقترحات المجلس بشأن الموسوعة الفقهية، وإحياء التراث وتيسير الفقه، فكان أن وزعنا جملة من المواضيع الفقهية الاقتصادية المتعلقة بالمعاملات على زمرة من الفقهاء والباحثين في الاقتصاد الإسلامي، ووصلتنا بالفعل بعض هذه الدراسات التي سنرفعها قريبا إن شاء الله إلى لجنتي المراجعة والاعتماد لنقوم بعد ذلك بنشرها، وقد تم تحقيق الجواهر الثمنية في فقه عالم المدينة لابن شاس، الذي تكفلت عناية خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله بطبعه على نفقته، والكتاب الآن بين يدي أحد فقهاء المالكية الأثبات لمراجعته تمهيدا لنشره، وقد واصلنا النظر في مشروع تيسير الفقه وأعددنا زمرا من الموضوعات مرفقة بالخطة التفصيلية لكل موضوع لتوزع على العلماء المستكتبين في هذا الغرض، كما قمنا بالاتصال بمعالي الدكتور محمد عبده يماني مدير عام مؤسسة اقرأ الخيرية التي ستتولى مشكورة الإنفاق على هذا المشروع لضبط ما يحتاجه من التكاليف إعدادا وإنجازا وترجمة إلى جملة من اللغات الحية والإسلامية.
ومما نعتز به ونفخر ذلك التعاون القائم بين المجمع والمؤسسات العلمية المختلفة من جامعية ومجمعية بالمملكة العربية السعودية وبالكويت وبمصر وتونس والمغرب، وأريد أن أذكر في مقدمة ذلك في هذه المناسبة الشريفة اتفاقية التعاون التي تولينا إبرامها بين جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية وبين المجمع، والتي تم توقيعها بالرياض منذ شهرين مع العلامة الجليل صاحب المعالي الدكتور عبد الله التركي، وقد أقر حفظه الله – طلبنا تفريغ أحد الأساتذة المختصين في علم القواعد ليعمل كامل الوقت بالمجمع ويشرف بنفسه مع ثلة من زملائه على إنجاز معلمة القواعد الفقهية.
وعلى هذا النحو أيضا – بحمد الله – أمضى المجمع اتفاقية ثانية مع جامعة أم القرى ووجدنا لإنجاز هذا المهم كل تشجيع ومساعدة من الدكتور الجليل راشد الراجح مدير الجامعة بمكة المكرمة، وإني لأدعو الله لنا ولهم بالتوفيق والتمكين لخدمة شريعته والاجتهاد بما يرضيه سبحانه مما يحقق لهذه الأمة صالح أمرها ويعيد إليها عزتها وريادتها.(5/26)
ولقد تمكنا – بحمد الله وعونه – إلى جانب ذلك من إعداد ومراجعة وطبع العدد الرابع من مجلة مجمعكم الموقر، ولا يفوتني في هذا الصدد أن أنوه بما لقيناه من الأستاذ النابغ المربي الداعية الإسلامي معالي الدكتور محمد أحمد الشريف من عناية ودعم وبما منحته جمعية الدعوة الإسلامية العالمية بطرابلس للمجمع من مساعدة سخية يسرت علينا إخراج هذا العدد بأجزائه الثلاثة في أجمل صورة وأبهى حلة.
ويسرني أن أحيط حضراتكم علما بالقرار45/17س لمؤتمر وزراء الخارجية السابع عشر المنعقد بعمان الأردن بإحالة مشروع النظام الأساسي للجنة الإسلامية الدولية للقانون على مجمعكم الموقر لتبحثوا إمكانية اضطلاع مؤسستكم العلمية الفقهية بالمهام المتوخاة من تلك اللجنة، وفي هذا مظهر من مظاهر الاعتداد بالمجمع وبرسالته الشريفة يظهر – بحمد الله – من الدول الإسلامية ومن المسؤولين في كل بلد كما نلمسه من عامة المؤمنين في الأقطار الإسلامية وخارجها. فكم تلقينا من رسائل وعرضت علينا من قضايا وطلب من فتاوى ومنشورات مجمعية مما يدل على التطلع الكبير إلى نشاطات المجمع تعرفا عليها ومتابعة لها، وقد حمل ذلك السري الماجد معالي الشيخ حسن عباس شربتلي – حفظه الله – على دعم أنشطة المجمع بصلة سنية أراد بها مساندته في الاضطلاع بدوره الديني العلمي.
وإني حين أذكر بالمهمة الأولى لمؤسستكم الجليلة التي تتمثل في فتوى الناس في دينهم وتعريفهم بأحكام الله فيما يجري بينهم، وإسعافهم بالحلول الشرعية الناجعة لما يواجهونه في حياتهم اليومية من مشاكل على صعيد الأفراد والمجتمعات دولا وشعوبا، لا يفوتني أن أنوه بجهود هذه العصابة الكريمة والصفوة الخيرة من علماء الشريعة وفقهاء الأمة ممثلين في أعضاء المجلس وخبراء المجمع، فإن في متابعتكم لدرس ما يعرض عليكم من قضايا في مختلف المجالات العقدية والسياسية والعلمية والاجتماعية والاقتصادية بردها إلى ما وضعه الإسلام من أصول، وضبطه الأئمة من قواعد، وفي مواكبتكم للتحفز العام وللحركة النشيطة التي يشهدها العالم الإسلامي من أجل نهوضه واسترجاع مكانته بين الأمم ما يحمل على الابتهاج والفخر، وإن هذه المواكبة الحازمة وذلك التوجيه السليم لا يتمان إلا بمضاعفة الجهود وبذل الوسع في الأعمال العلمية المجمعية الكبيرة التي لا تنقطع، والتي تحتاج إلى أجيال وأجيال تبني كما بنى الأوائل، فترد الحاضر على الماضي، وتشق السبيل الأقوم لبناء المستقبل الإسلامي، وإن ما تقومون به أيها السادة باستمرار الضمان لتحقيق الغد المشرف المشرق لبلادنا الإسلامية قاطبة.
وفي ختام هذه الكلمة أريد أن أزجي الشكر الفائق والامتنان العميق مجددا لراعي دورتنا الخامسة سمو الأمير الجليل الشيخ جابر الأحمد الصباح أمير دولة الكويت – حفظه الله - ولحكومته الرشيدة على ما وجدناه من عناية غامرة، ولا أنسى ما قام به ويقوم به معالي الوزير الفقيه الأديب العالم الجليل خالد أحمد الجسار الذي يرجع إليه الفضل ولأعضاده في وزارة الأوقاف من علماء وإداريين في الإعداد الرائع الدقيق لهذه الدورة، وما وجدناه لديهم كافة من بالغ الحفاوة بإخوانهم العلماء الذين أسرعوا من كل صوب فرحين مستجيبين للدعوة الأميرية الكريمة.
والأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي الناطقة باسم المجمع لا يمكن أن تنسى في هذه المناسبة ما قدمه إليها معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده في كل مراحل نشاطاتها من عظيم التأييد وكريم الدعم.
ولا ما اضطلع به مكتب المجمع من أمانة المراقبة، والدرس للمشاريع، والإعداد لخطة السير، بكامل الموضوعية والتجرد، والحرص على أن يجعل من هذه المؤسسة مفخرة للدول الإسلامية تباهي بها، وتجني من ورائها جليل الخدمات للأمة الإسلامية دولا وأوطانا وشعوبا.
وكذلك ما تميز به رئيس مجلسنا العلامة النابغ الدكتور الشيخ بكر بن عبد الله أبي زيد من حكمة وأناة، وحسن رأي، وعميق نظر، وقدرة فائقة على تدبير شئون المجلس وإدارته، وهو لا ينفك طوال السنة عن متابعة سير المجمع، لا يبخل بالتوجيه والمساعدة واتخاذ ما يلزم من التدابير للسير بمؤسستنا قدما.
فإلى هؤلاء وأولئك جزيل الشكر والتقدير، وإليكم جميعا حسن الثناء وخالص الدعاء، فلحفظ شريعتكم وإحياء فقهكم ما بذلتم، وفي سبيل الله ما فعلتم وتفعلون {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [المزمل: 20] . وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(5/27)
حول تنظيم النسل وتحديده
إعداد
الدكتور حسان حتحوت
المركز الإسلامي لجنوب كاليفورنيا
بسم الله الرحمن الرحيم
ما نحسب موضوعا حظي من بحوث الفقهاء وآرائهم منفردين أو مؤتمرين في العقود الثلاثة الأخيرة كموضوع تحديد النسل أو تنظيمه أو غير ذلك من مسميات تصف نفس الموصوف. فإن قلنا قتل بحثا لم نجاف الحقيقة، وإنما حفزنا ذلك على أن نحاذر فلا نجتر ما أصبح بالتكرار معروفا، وإشفاقا على مؤتمراتنا الفقهية أن تختزل إلى إعادة بلا إفادة وهو إشفاق دلت التجربة أنه في موضعه، ولئن قضت الضرورة أن نوجز في أسطر ما استقر عليه الرأي أو كاد في هذا الموضوع، لقد انعقدت نيتنا أن يكون إسهامنا فكرا حول الموضوع لا فيه، وبيانا لمصادره ومراميه، فإن هذا الموضوع كان ولا يزال حمال أوجه، ولما كان الحكم على الشيء فرعا من تصوره، فقد رأيت أن أزيد الصورة وضوحا واكتمالا، والعاجز من نظر من ثقب المفتاح ثم حسب أنه رأى، والعاقل من استوفى خريطة عريضة ذات تضاريس تعينه على تلمس طريقه في هذا الأمر الذي اختلطت مسالكه وانداحت آثاره، حتى لأحسب أن قرننا الحاضر لن يدخل سجل التاريخ بوصفه قرن الذرة والحاسوب ولكن بوصفه قرن التحكم في خصوبة الإنسان.
أما الدائرة الداخلية أو المركزية في هذا الموضوع فما اتجهت إليه غالبية فقهاء العصر من أن منع الحمل في ذاته ليس حراما شرعا وإن كان للقلة رأي آخر، ولكل من الرأيين حجته وأسانيده، واستندت الغالبية إلى روايات عن الصحابة بأنهم كانوا يمارسون العزل بعلم الرسول فلم يحرمه، وبأن الغزالي أجازه على مدى واسع من المبيحات الطبية أو الاجتماعية أو الشخصية، ولن نستطرد في سرد كل ما تحويه مكتبة بدائية أو أوردته مؤتمرات سابقة، وإنما قيدت الإباحة بشروط شرعية معروفة، فليس من الجائز تعطيل المقصدين الشرعيين للزواج في الإسلام، وهما الجنس والإنجاب أحدهما أو كليهما، في حال القدرة عليهما، وليس من الجائز انفراد الزوج بقرار منع الحمل، فلا بد أن يكون ذلك بإذن الزوجة لأن الأمر شركة بينهما، ومن الواجب أن تكون وسيلة منع الحمل خالية من المضار الصحية وغيرها، ولا يجوز أن تكون وسيلة منع الحمل مهدرة لحياة تكونت ولو في أدوارها الأولى، أو أن تنطوي على مصادرة نهائية لوظيفة الإنجاب إلا تحت الظروف الاستثنائية التي تبيحها الشريعة، وقد نعرض ذلك فيما بعد.(5/28)
وأما الدوائر الأخرى التي تحيط بالموضوع أو تكتنفه فنعتقد أنه لا بد من الإحاطة بها من باب العلم أولا، ثم من باب ضبط خطانا إزاء خطى الآخرين في هذا العالم المتلاطم، حتى إذا رأينا أننا وغيرنا نسير في ظاهر الأمر في اتجاه واحد لم يصرفنا ذلك عن الحذر فقد يكون التوافق الظاهر مرحليا رغم الاختلاف الكبير في المصدر وفي الغاية فما ينبغي أن نسلم أنفسنا إلى التيار أو نقع ضحايا للاستدراج.
وأود في البداية أن أشير إلى أن الإباحة الشرعية ليست هي المصفاة الوحيدة التي يستعملها المسلم وهو يقرر ما يأخذ أو يدع، فالحرام بطبيعة الحال ينبغي اجتنابه ولكن ماذا عن الحلال؟ وهنا نقول إن رقعة الحلال واسعة بحكم أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن الفرد المسلم والمجتمع المسلم كل منهما مطالب بأن ينظر في المباحات العديدة فيختار أنسبها وأصلحها وأوفاها بمقتضى الحال، وهذا قد يتغير بتغير الزمان والمكان والظرف المطروح والظروف المحيطة ولا غرابة في ذلك، فما ألبسه في بيتي قد لا يصلح أن ألبسه في عملي، وكلاهما حلال، وسنجد أن لذلك تطبيقاته في موضوع منع النسل وتنظيمه، وقديما قيل حسنات الأبرار سيئات المقربين، وقديما نهى عمر عن زواج جند العرب الفاتحين من نساء الروم مع أنه في الشرع مباح.
خلال عملي الطبي في اختصاص أمراض النساء والتوليد، وصفت وأجريت كل طرائق تحديد النسل.. ويا طالما شرحت وأطنبت بين مريضاتي أو بين طلابي وطالباتي عن المخاطر الصحية التي تتعرض لها النساء غزيرات الإنجاب وذلك علميا صحيح، وقناعتي أن منع الحمل في ذاته ليس حراما، ولكن هل معنى ذلك أن أكتفي بإجابة مبسطة عن سؤال بسيط هو حلال أو حرام، أو أن أكتفي بأن الاعتبار الطبي هو المرجع الوحيد فيما ينبغي للناس أن يأخذوا أو يدعوا؟ لا لأن شواهد العصر ترينا بوضوح أن بين الحروب المستعرة في عالمنا هذا حربا تسمى الحرب الديموغرافية.. تلك التي تهدف إلى تغيير الأنماط السكانية في منطقة من المناطق فتجعل الأغلبيات أقليات والأقليات أغلبيات وتستعين على ذلك بأسباب ووسائل منها التبشير بمزايا تحديد النسل وسوق الناس إليه.(5/29)
ولعل من الأمثلة البليغة على ذلك شعب فلسطين، فإن الصداع الأكبر في الدماغ الإسرائيلي الآن ليس ما حولها من دول عربية وجيوش عربية مجتمعة أو منفردة وإنما هو التفاوت الكبير في معدل الإنجاب بين السكان العرب والسكان اليهود، الذي إن استمر أفضى – لا محالة – إلى أن يجد اليهود أنفسهم هناك بعد بضعة أجيال أقلية مغلوبة، فهل من المقبول أن نقيم حملة بين نساء العرب لتهويل مخاطر الإنجاب وتزيين مزايا التحديد، معتمدين على أن الحكم الشرعي أن منع الحمل حلال؟ إن الأمة التي فقدت كل شيء إلا عدد أفرادها لا يجوز لها شرعا في اعتقادي أن تفرط في هذه الميزة الباقية، وليست فلسطين هي المثال الوحيد للحرب الديموغرافية بما يعمد إليه اليهود من هدم القرى ومصادرة المزارع والتهجير بالرغب والرهب والإفقار المنظم المدروس، وأعلم بالاطلاع الشخصي أن هذه الحرب الديموغرافية دائرة الرحى، منذ زمن في أكثر من بلد من بلاد الشرق الأوسط دونما تسمية حتى لا يظن بنا إشعال فتنة طائفية.
ومما أذكر في مطالع حياتي الجامعية في بلدي أن العلاقات ساءت بيننا وبين دولة غربية كبرى وانقطعت الصلات حتى نبه علينا بألا ندخل المكتبة التابعة لوحدتهم الطبية إلا بإذن من مجلس الوزراء، وكانت هي المكتبة الوحيدة التي تتيح لنا الاطلاع على المجلات والدوريات الطبية العالمية التي أقفرت منها بلادنا في تلك الفترة نظرا لقيود العملة، وطالت القطيعة كل شيء إلا شيئا واحدا هو تمويل أبحاث تحديد النسل في بلادنا من قبل تلك الدولة العظمى، فهذه لم تنقطع! ظاهرة في الواقع أوحت لي وللكثيرين غيري بسوء الظن، حتى بت أعتقد أن مشكلة الانفجار السكاني وقصور موارد الأرض إزاء تفاقم تعداد سكانها إنما تمثل جانبا من الحقيقة لا الحقيقة كلها، وإلا فكيف نفسر أن بعض الدول الكبرى لا تتورع عن إحراق الفائض من حاصلاتها الغذائية أو إلقائه في البحر حتى لا تهبط أسعاره؟ وفي عالمنا الذي أصابته المجاعات وأودت بحياة مئات الألوف نرى فائض المحاصيل يستخدم كسلعة استراتيجية للضغط السياسي ولا يستخدم منه في وجوه البر إلا نزر يسير عن طريق هيئات خيرية أو تبشيرية لها هي الأخرى أهداف ومقاصد.(5/30)
ومن المعلوم أن موارد ضخمة للغذاء في البر والبحر جاهزة لكشف النقاب عنها، وأن التقنيات العلمية الحديثة قادرة على مضاعفة الإنتاج النباتي والحيواني أضعافا مضاعفة، عن طريق الهندسة الوراثية، وأن جزءا من مائة من ميزانيات التسلح، لو وجه هذه الوجهة، لكان بليغ الأثر في سد الهوة بين السكان وبين الموارد، أما العالم الثالث الفقير الذي انهمرت دموع العالم الأول أسفا على فقره وعوزه فأحسب أن الذي يقصم ظهر اقتصاده حقيقة ليس هو النمو السكاني بقدر ما هو مقدار الربا الباهظ الذي يستأديه منه العالم الأول عن ديونه، حتى بات الاقتصاد القومي عاجزا عن الوفاء بفوائد الديون المتنامية فضلا عن الديون نفسها.
على أنني لا أريد أن أذكر بعض الحقيقة وأطوي بعضها فأكون قارفت الكذب وإذا بدا حديثي وكأنه ضد تحديد النسل فعلي أن أسائل نفسي: ماذا يستطيع بلد من البلاد عالية التكاثر كبلدي مصر على سبيل المثال- لا التحديد – أن يفعل إذا كان مقدار التنمية أقل من أن يشبع عدد الأفواه الجديدة التي تولد في كل عام؟ وكيف ألوم أسرة بذاتها إن طحنتها أعباء الحياة فلجأت إلى تحديد النسل، أو الدولة إن ناءت مواردها فشجعت الناس على هذا التحديد؟ ولقد هبت على ذلك عاصفة من الانتقادات، بعضها يرتكز على حجج سليمة، ولكن بعضها يستشهد بقول الله {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم خَشْيَةَ إمْلاَقٍ} [الإسراء: 31] ، وقوله {وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ} [الأنعام: 151] والاستشهاد هنا في غير موضعه، فليس في منع الحمل قتل ولد لا بعد أن يولد ولا قبل أن يولد وهو بعد جنين، وهو ما فرق فيه الغزالي بين منع الحمل والإجهاض، فقال: وليس ذلك كذلك، فإن هذا أي الإجهاض عدوان على موجود حاصل إلى آخر ما قال، وعلى الرغم من أنني أبصر وجه الضرورة التي تلجئ مصر وأمثالها من بلاد العالم الإسلامي إلى الأخذ بسياسة تحديد النسل، فإن هذه السياسة في اعتقادي لا تمثل العلاج الإسلامي لهذه المشكلة، والجفوة بينها وبين الحل الإسلامي ليس مسئولية مصر وحدها ومن لف لفها، وإنما أصل الخلل في نظري هو أن العالم الإسلامي لا يتصرف على أنه عالم إسلامي، ما زال القطر من أقطاره ينظر إلى غيره على أنه الآخر، وليس "الأنا".. ما زال هناك القطر الذي ينوء بالغنى والقطر الذي ينوء بالفقر.. الأرض الخصبة في مكان، والسواعد المدربة في مكان، والمال الوافر في مكان ثالث.. ولكنها لا تلتقي ولو كانت كلها للإسلام لالتقت، ويقول الله {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: 92] فنسمع ولا نلبي.(5/31)
ولسنا هنا ندعو لمظهرية وحدة ولكن لحقيقة الوحدة تراحما وتلاحما وتنسيقا وأداء إذن لوجدنا الحل لا لمسألة تنظيم النسل وتحديده ولكن لكافة العقبات التي تحول بين العالم وبين الاهتداء بنور الله الذي يشعه مصباح الإسلام.
إن موضوع تحديد النسل في العالم حديث نسبيا، ولعله بدأ بصورة مسموعة عندما تبنت بعض الحكومات سياسة التحديد من باب الضرورة الاقتصادية فدعت الفقهاء فيها إلى أن يبينوا للناس أنه ليس حراما شرعا وكانت من ذلك كتابات وأحاديث وإسهامات فقهية في مؤتمرات قومية وإقليمية وعالمية، ولا نشك في إخلاص فقهائنا الذين اضطلعوا بذلك، ولا نقدح فيما وصلوا إليه من رأي بالإباحة ورغم اشتراكهم في هذا الرأي مع الهيئات الدولية الداعية إليه، فإننا نود أن نؤكد أن هؤلاء وأولئك لم يكونوا جيادا تجري في عنان واحد وبنية واحدة.
فحركة تحديد النسل العالمية الحديثة نبعت من آراء داروين ثم مالثيوس اللذين تحدثا من جانب عن تكاثر الناس أكثر من تكاثر الموارد، ولكن من الجانب الآخر عن أن الأجناس المتخلفة تشكل عبئا على الأسرة الإنسانية، وتلويثا لنقائها ورقيها، فينبغي ألا يسمح لها بالتكاثر غير المقنن، ثم كان امتدادهما في حمل لواء الحركة على الأخص سيدتين، هما ماري ستوبسي في بريطانيا، ومرجريت سانجر في أمريكا، تحت شعار حركة الدفاع عن حقوق المرأة، الذي خلط صالحا وسيئا، فكان فيه الفوائد الصحية لتحديد النسل وأثرها على خفض معدلات وفيات الوالدات ووفيات المواليد قرب الميلاد، ولكن كان فيه كذلك ضرورة مساواة المرأة بالرجل في الحريات، ومنها حرية تعاطي الجنس – مشروعا أو غير مشروع – غير مهددة بحدوث حمل غير مرغوب، وبأموال مرجريت سانجر مولت الأبحاث التي أنتجت حبة منع الحمل الأولى، وبنفوذها تأسس الاتحاد العالمي لتنظيم الوالدية، وله صلاته ونشاطه في كثير من بلادنا.. واستقر للحركة النصر فيما يختص بمنع الحمل، فإذا هو الآن حق أكيد للمتزوجات وغير المتزوجات، والقاصرات وتلميذات المدارس بصحبة تغير شامل في القيم والمفاهيم أفضى إلى أن ما نسميه نحن زنى ونعترض عليه أصبح نشاطا إنسانيا عاديا لا غبار عليه وهو حق لمن أراده.(5/32)
وكانت المعركة التالية: معركة إباحة الإجهاض وجعله حقا لكل من تطلبه، وكانت الآثار الأخلاقية لذلك بالغة المدى، فأغلبية المجهضات على مستوى العالم غير متزوجات، وفيما طالعت في مؤتمرات فقهية سابقة من تناول لموضوع الإجهاض واختلاف عليه، فإن الصاحي لمجريات الأمور في عالمنا الحاضر يدرك بوضوح، أنه لو لم يكن هناك من داع لمنع الإجهاض إلا باب سد الذارائع لكفى وزاد.
ونحسب أن موضوع الإجهاض قد حسم الآن في أكثر من مؤتمر إسلامي، باعتبار حياة الإنسان محترمة في كافة أدوارها، حتى دورها الجنيني، فلا يجوز إهدارها إلا لإنقاذ حياة الأم ... وبينما ظن الفقهاء السابقون منذ قرون عديدة أن بدء الحياة قرين نفخ الروح الذي أورده حديث الأربعينات، أو إحساس الأم بحركة الجنين في بطنها، وكلاهما يكون في نهاية الشهر الرابع للحمل، تنبئنا المعطيات العلمية الحديثة، أن حياة الفرد منا قد بدأت قبل ذلك بكثير، بدأت في الواقع منذ بدايتها، بالتحام الحيوان المنوي وهو نصف خلية بالبويضة وهي نصف خلية ليكونا الخلية الكاملة، ذات الحصيلة الإرثية، التي تميز الجنس الآدمي عامة، كما تميز إنسانا فردا بعينه، لم يتكرر بتمامه، ولن يتكرر منذ آدم وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
والمطلع على أحكام الفقه الإسلامي عن الجنين في باب الإرث وباب الديات وباب رعاية الحامل وعبادتها وأحكامها، يدرك أن للجنين في الإسلام أهلية وجوب ناقصة من حيث إن له حقوقا، وإن لم تكن عليه واجبات، ويزيد الأمر وضوحا أن نعلم أنه إذا حكم على امرأة بالإعدام وكانت حاملا في أية مرحلة من الحمل، مهما كان باكرا، فإن تنفيذ الحكم يؤجل، حتى تلد وترضع احتراما لحق هذا الجنين في الحياة، مهما كان باكرا وحتى لو كان الحمل من سفاح.(5/33)
أما الثالثة في مجال التحديد بعد المنع والتجهيض، فجراحات التعقيم، وهي كذلك موجة عالمية اجتماعية سياسية خارج نطاق الطب، يدعو أهلها إلى تعقيم أعداد أزيد وأزيد من النساء في أعمار أصغر وأصغر وعدد أولاد أقل وأقل.
وجراحة التعقيم أمر محدث لم يرد فيه نص، ولكن مما يدل على أن اتخاذ القرار بها أمر خطير للغاية، أن نعلم أنه في باب الديات فإن الإصابة التي تفضي إلى منع القدرة على النسل تستحق دية نفس كاملة، ولهذا نرى حصرها في الضرورة الطبية، أو عندما تكون الفترة الإنجابية قد قاربت نهايتها، خاصة وفي الوسع تدبير البديل من وسائل منع الحمل المؤقتة بدلا من إجراء جراحة لا تضمن الرجعة فيها، إن تغيرت الظروف بتغيير الزوج أو فقد الأولاد، ويكون الندم ولات حين مندم.
نقول تنظيم النسل وتحديده فما الفرق بينهما؟ تاريخيا – وقد عاصرت ذلك – بدأت الحركة بشعار منع الحمل، فلما أثار غبارا غيرته لتحديد النسل، فلما أثار غبارا غيرته لتنظيم النسل، أو تنظيم الأسرة بقصد المباعدة بين الأحمال، وصولا إلى العدد المناسب لكل أسرة من الأطفال، ثم دخل في نطاقه كذلك معالجة العقم بالوسائل المختلفة، أي على العموم بالزيادة أو النقصان من الحمل، وليس الانتقاص فقط. وقبل أن نتطرق إلى موضوع علاج العقم نود أن نشير إلى مسألة إرضاع الأمهات أولادهن من أثدائهن رضاعا طبيعيا، وهو ما يحوز رضاء الإسلام بلا شك، بل قدر القرآن له سنتين لمن أراد أن يتم الرضاعة، ولو تم ذلك لكان أنجع وسيلة للمباعدة بين الأحمال، نظرا لأن للرضاع أثرا سلبيا على التبويض، ومن ثم على الخصوبة، فضلا عما فيه من فوائد للمواليد والوالدات، جسمية ونفسية، ولو كان الأمر بيدي لطوعت كل الظروف واستعنت بكل الوسائل للاستغناء عن الحليب الصناعي، وتمكين الوالدات العاملات والمتفرغات من أداء الرضاع الطبيعي، وننتقل إلى علاج العقم ما دمنا أدخلناه في زمرة التنظيم.. فنقول إن الحرص على الذرية أمر فطري، وإن السعي إليها لمن حرمها مطلب مشروع ما دام يتم بوسائل مشروعة، ووسائل ذلك الآن عديدة بتعدد الأسباب التي تحول دون الحمل، ولا يستطيع الطب الآن ولا نحسبه سيستطيع في المستقبل أن يكفل الشفاء في مائة بالمائة من الحالات، فمن يشأ الله يبق عقيما وقد عرضت مؤتمرات طبية – فقهية سابقة لطائفة من الوسائل الحديثة التي ابتكرها الطب الغربي والمعروف أنه لا يتقيد بدين.(5/34)
وقد كان لعلماء المسلمين رأيهم فيها، ونرى أن نوجزها هادفين إلى التذكرة عازفين عن التكرار. وحبذا لو قدمنا لذلك بالأسس الشرعية التي تحكم هذا الموضوع وهي ثلاثة:
أولا: أن الزواج بعقده الشرعي المعتبر هو الوعاء الوحيد المشروع لكل من الجنس والإنجاب.
ثانيا: أن عقد الزواج غايته أقرب الأجلين طلاقا أو مماتا وكلاهما ينهي الزوجية.
ثالثا: أن الزواج كما يدل ظاهر التسمية إنما ينتظم اثنين لا ثالث لهما ولا رابع ولا خامس، وليس هناك عقد زواج يسع أكثر من اثنين هما الزوجان، زوج وزوجة، فإذا تعددت الزوجات تعددت العقود، وكل دائما بين اثنين.
إن طبقنا هذه الأسس وجدنا إذن أن التلقيح الصناعي جائز بمني الزوج لزوجته حال قيام الزوجية، وأن تقنية أطفال الأنابيب جائزة بين الزوج وزوجته أي بمني منه وبويضات منها، وذلك حال قيام الزوجية وبدون إقحام طرف غريب عنهما، من مني أو بويضة أو جنين أو رحم، وعلى هذا فمسألة الرحم الظئر مستأجرة أو موهوبة لا تجوز، وكما لا يحل المني الغريب، لا تحل البويضة الغريبة، ولا الجنين، لا استقبالا من غريب ولا إيداعا في غريب، ولا يجوز أن تحمل الضرة جنين ضرتها، ولو اشتركا في الزوج، وإلا أقحمنا طرفا ثالثا على ثنائية عقد الزواج، وهي ثنائية لا تقبل التثليث، وتشكل مسألة الرحم الظئر منعطفا خطيرا في تاريخ الإنسانية، فلأول مرة في التاريخ تحمل أنثى الإنسان طواعية، وقد قررت سلفا أنها ستتخلى عن جنينها لغيرها فور ولادتها، ولما كان هذا في الغالب الأعم يحدث لقاء مال متفق عليه، فقد اختزلت الأمومة من قيمة إلى ثمن، والأصل أن صلة الرحم في فطرة الإنسان وفي شرعة الإسلام قيمة تجل عن معيار المادة وتقدير الثمن.(5/35)
ولقد نشأت عنها في بلاد مروجيها مشاكل عديدة لعل أشهرها تحرك عاطفة الأمومة في نفس الحامل، حتى إذا ولدت وتهيأت للإرضاع تشبثت بالوليد، ونشب النزاع بينها وبين صاحبة البويضة، وراحت كل أمام القضاء تسوق حجتها في موقف أقل ما يوصف به أنه اختلاط أنساب، فالإسلام يأباه ويأبى ما يؤدي إليه، ولكنه إن حدث فغالب علماء المسلمين اليوم يرون الأمر على بداهته وهو أن الوالدة هي الوالدة.
هذه سياحة سريعة في موضوعنا، ومن الخير أن نحكم خطوط دفاعنا الإسلامية حتى لا تغزونا تلك الجدائد على علاتها، وإنما بعد عرضها على أحكام الإسلام، فما اتفق أخذناه وما خالف نبذناه. ويبقى في رقابنا واجب آخر نحو بقية العالم الذي أوشك أن يعبد العلم من دون الله، وأن يتخذ إلهه هواه: ذلك هو واجب الهداية، ونعلم أن الغرب في حاجة
لاهبة إليه، فتلك رسالتنا إن كنا حقا ورثة النبوة التي أرسلها الله رحمة للعالمين، فلقد استطال العلم واستطال الإلحاد ولم يزد الإنسان إلا شقاء.. فعسى الله أن يهدينا ويهدي بنا ويجعلنا أهلا للرسالة وأوفى بالأمانة. والحمد لله رب العالمين.
الدكتور حسان حتحوت(5/36)
تنظيم النسل وتحديده
إعداد
معالي الدكتور محمد علي البار
عضو الكليات الملكية للأطباء بلندن وجلاسكو وأدنبره
مستشار قسم الطب الإسلامي بمركز الملك فهد للبحوث الطبية
جامعة الملك عبد العزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
منع الحمل
وحكمه في الإسلام
إن هناك طرقا عديدة لمنع الحمل مارسها الإنسان منذ القدم.. وقد استحدثت وسائل جديدة في القرن العشرين واتسع نطاق استخدام هذه الوسائل حتى أصبح عدد اللواتي يستخدمن وسائل منع الحمل يعد بالملايين بل بمئات الملايين.. ومع هذا فإن الحمل قد يحدث رغم استخدام وسائل منع الحمل إذا أراد الله ذلك مصداقا لقوله تعالى: {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء)) أخرجه مسلم.
وطرق منع الحمل كثيرة نوجزها فيما يلي:
أ- طرق منع وصول الحيوانات المنوية إلى عنق الرحم.
1- الجماع بدون إيلاج.
2- العزل Coitus Interruptus
3- استعمال الرفال (Condom) وهو يغطي الإحليل.
4- استعمال الحواجز والقلنسوة (القبعة الهولندية) Diaphrafms and Caps
5- استعمال المراهم واللبوس (Suppiditeries) والدوش المهبلي.
ب - تنظيم الجماع:
بحيث يقع في أول الدورة وآخرها ويتجنب وسطها الذي تخرج فيه البويضة من المبيض والذي يقع عادة في اليوم الرابع عشر قبل بدء الحيض من الدورة التالية.
ج- طرق تمنع المبيض من إفراز البويضة:
وأهم هذه الطرق هو حبوب منع الحمل التي ظهرت عام 1956 والتي تستعملها حاليا أكثر من مائة مليون امرأة في العالم (1)
د- استعمال أداة داخل الرحم (اللولب) . D. لا.1
ويعتقد أن اللولب يعمل بواسطة منع علوق البويضة الملقحة في جدار الرحم.
ويقال: إن العرب في الصحراء هم الذين ابتكروا هذه الطريقة حيث كانوا يدخلون أحجارا صغيرة في رحم الناقة عندما يريدون السفر الطويل ويخشون عليها من أن تحبل.. ويقدر عدد النساء اللائي يستخدمن هذه الطريقة بخمسين مليون امرأة في العالم نصفهن في الولايات المتحدة الأمريكية (2) .
__________
(1) Hexagon Vol4 No.5 1976
(2) Time. May 26, 1980(5/37)
هـ- الرضاعة:
تعتبر الرضاعة من الوسائل الفسيولوجية لمنع الحمل.. وهي طريقة موغلة في القدم، وقد وجد أن افراز البرولاكتين Prolactin من الغدة النخامية Pitfond وخاصة إذا كانت المرأة تعاني من نقص في التغذية يؤدي إلى منع إفراز البويضة.. وهذه الطريقة قد هيأها الله تعالى للمرأة في الأزمنة الغابرة والحاضرة لمنع الحمل أثناء الرضاع بصورة فسيولوجية.. إلا أن هذه الطريقة نسبة الفشل فيها عالية. ولذا فقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم النهي عن وطء المرضع وسماه وطء الغيلة وأنه يدرك الفارس قيد عثرة، وقد أخرج الإمام أحمد في مسنده قوله صلى الله عليه وسلم ((لا تقتلوا أولادكم سرا فإن الغيل يدرك الفارس قيد عثرة من فوق فرسه)) (1) .
ثم أباح رسول الله صلى الله عليه وسلم وطء المرضع عندما رأي أنه لا يضر أمتين قويتين آنذاك هما الفرس والروم وكانوا يفعلونه – عن أسامة بن زيد أن رجلا جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ((إني أعزل عن امرأتي فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم تفعل ذلك؟ فقال الرجل أشفق على ولدها فقال الرسول: لو كان ضارا لضر فارس والروم)) أخرجه مسلم في صحيحه وأحمد في مسنده (2) .
وقد أزال العلماء التعارض الظاهر بين الحديثين ومن أحسن ما كتب ما قاله ابن القيم في زاد المعاد ثم في مفتاح دار السعادة (3) . فقد أخبر المعصوم صلى الله عليه وسلم أن وطء المرضع يضعف المولود حتى إن ذلك الضعف قد يدركه وهو على فرسه قيد عثرة فأرشدهم إلى تركه ولم ينه عنه نهيا قاطعا. ولما رأى أن الإمساك عن وطء النساء مدة الرضاع ولا سيما من الشباب وأرباب الشهوة التي لا يكسرها إلا مواقعة نسائهم يؤدي إلى مفسدة أعظم.. رأى صلى الله عليه وسلم أن دفع المفسدة الأعظم أهم من دفع المفسدة الأصغر.. وقد رأى أن الغيل (وطء المرضع) لا يضر أمتين قويتين هما فارس والروم فعندئذ أرشد إلى مواقعة المرضع.
__________
(1) أخرجه أحمد في مسنده 6/453، 458 وأبو داود في كتاب الطب باب الغيل 4/13 وابن ماجة في السنن كتاب النكاح باب الغيل 6481
(2) صحيح مسلم كتاب النكاح باب جواز الغيلة ومسند أحمد 5/203
(3) زاد المعاد 4/18 ومفتاح دار السعادة 2/270(5/38)
و التعقيم:
ويتم تعقيم الرجل بقطع الحبل المنوي في الجهتين.. وقد انتشرت هذه الطريقة في الهند خاصة عندما أمرت بتنفيذها قسرا أنديرا غاندي وأدى ذلك إلى اضطرابات كثيرة وسقوط حكمها آنذاك.
أما تعقيم المرأة فقد يتم بإزالة الرحم أو المبايض وذلك عند إصابة هذه الأعضاء بمرض خطير أو نزف شديد.. أو ورم حميد أو خبيث.
كما يتم عادة بربط وقطع قناتي الرحم Tubal Ligation
ومن المعلوم أن ربط الحبل المنوي من الجهتين وقطعه لا يؤدي إلى العقم مباشرة ولا بد من مرور ثلاثة أشهر على الأقل قبل التأكد من أن الرجل أصبح عقيما.. ومع هذا فإن هناك نسبة لا يستهان بها بقيت لهم قوة الإخصاب رغم قطع الحبل المنوي من الجهتين حتى بعد مرور فترة طويلة من الزمن.
وكذلك فإن هناك نساء عديدات حملن رغم ربط الأنابيب (قناتي الرحم) وقطعها وهذا مصداق لقوله تعالى {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82] ولقوله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أراد الله خلق شيء لم يمنعه شيء)) أخرجه مسلم.
ز- الإجهاض:
قد يعتبر بعضهم الإجهاض أحد وسائل منع الحمل ... وهناك 25 مليون حالة إجهاض جنائي Induced or criminal abortion في العالم سنويا، ورغم أن هذه أبشع الوسائل لمنع الحمل فإنها للأسف لا تزال واسعة الانتشار.
وتختلف وسائل منع الحمل في درجة نجاحها فبعضها ذات نسبة نجاح عال مثل حبوب منع الحمل وربط الأنابيب واللولب وبعضها ذات نسبة فشل كبيرة تصل إلى 30 بالمائة مثل العزل والرضاعة.(5/39)
سياسة منع الحمل في البلاد الإسلامية (عربية وأعجمية) :
بما أن الإسلام شجع على التناسل والنكاح ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم)) رواه أبو داود والنسائي والحاكم وفي رواية ((تناكحوا تناسلوا فإني مباه بكم الأمم)) والأحاديث والآيات الحاثة على الزواج والتناسل كثيرة جدا فإن سياسة منع الحمل أو ما يسمى تنظيم الحمل والذي تقوم به كثير من الدول في البلاد الإسلامية (عربية وأعجمية) هو سياسة خاطئة تضاد مقاصد الشريعة من كثرة التناسل والزواج والحث عليهما.
والأغرب من ذلك أن تقوم بعض الدول (المسلمة) بإكراه النساء على وسائل منع الحمل دون مراعاة لأدنى نصيب من إنسانية الإنسان وكرامته.. ففي بعض البلاد العربية التي تبذل كل جهدها في نشر وسائل منع الحمل بكافة الطرق يقوم الطبيب بإدخال اللولب I.U.D إلى رحم المرأة عند قيامه بفحصها دون علمها ولا رغبتها ولا موافقتها!! وذلك تنفيذا لأوامر الدولة!! وهو أمر يجافي أبسط المبادئ الإنسانية.
كما أن هذه الدول تستدين مئات الملايين من الدولارات لتنفيذ سياسة منع الحمل.. وتوجه إعلامها لنشر هذه الوسائل والدعوة إليها.. والسخرية من الحمل وكثرة النسل.
وإذا علمنا أن إسرائيل تشجع سكانها على التناسل.. وبدرجة مثيرة للتقزز عندما وقف بيجن وطلب من الإسرائيليات أن ينجبن سواء كان ذلك بطريق شرعي أو غير شرعي – إذا علمنا ذلك أدركنا أن أعداء الإسلام يعملون دائبين على منع الحمل بين المسلمين ما استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
وفي البلاد الاشتراكية (الشيوعية) تقوم الدولة بتشجيع الحمل إلا بين الفئات الإسلامية ففي الاتحاد السوفيتي مثلا انزعج المسئولون انزعاجا شديدا عندما رأوا أن المسلمين في آسيا الوسطى (جمهوريات أوزبكستان، طادجيكستان، قزقستان قرغيزيا وتركمنستان) وفي جمهورية أذربيجان وبقية مناطق القوقاز يتكاثرون بنسبة تبلغ ضعف ما عليه الروس والأوكران وهم يعملون بكافة الوسائل لنشر منع الحمل بين المسلمين وزيادة الحمل بين الروس والأوكران وبقية المجموعات غير المسلمة.(5/40)
وتقدم الدولة في الغرب وفي الاتحاد السوفيتي كافة المعونات للنساء الحوامل والمرضعات وتخفف الضرائب عن الأسر التي تعول أطفالا عديدين.. وكلما زاد عدد الأطفال كلما خففت الضرائب وزادت المعونة من الدولة على هيئة غذاء مجاني للأطفال.. بينما تقوم الدولة هناك بفرض ضرائب مرهقة على غير المتزوجين وعلى الأسر بغير أطفال. وأشد هذه الدول الغربية انزعاجا من قلة النسل هي الدولة الألمانية حيث انخفض أطفال الأسرة الواحدة في المعدل إلى 1.6 ومعنى ذلك ببساطة أن سكان ألمانيا (من الألمان) سينخفضون تدريجيا.. ويواجهون مشكلة الانقراض إذا استمر انخفاض التناسل على ما هو عليه.
ولا شك أن ارتفاع عدد السكان في أوربا في القرن الثامن عشر والتاسع عشر وأوائل العشرين هو الذي مكن لهذه الدول أن تبسط سيطرتها ونفوذها على مناطق العالم، وإذا علمنا أن كثرة النسل وزيادته في بريطانيا قد أدت إلى أن يستوطن البريطانيون أستراليا ونيوزيلنده وكندا والولايات المتحدة وبالتالي يفرضوا سيطرتهم ولغتهم وثقافتهم على تلك البلاد الشاسعة.
ونظرة إلى الوراء توضح لنا سكان بريطانيا.. ففي عام 1400م كان عدد سكانها لا يجاوزون مليونين فقط وفي عام 1500 بلغوا ثلاثة ملايين وفي عام 1600م بلغوا خمسة ملايين وفي عام 1700 بلغوا سبعة ملايين وفي عام 1800 بلغوا عشرة ملايين، ثم حدثت الطفرة التي جعلت بريطانيا الامبراطورية التي لا تغيب عنها الشمس في القرن التاسع عشر وأوائل العشرين ففي عام 1847 بلغ عدد السكان 20مليونا وفي عام 1882 قفزوا إلى ثلاثين مليونا وفي أوائل القرن العشرين (1911) كانوا قد قفزوا إلى رقم 40 مليونا.. وفي عام 1951 وصلوا إلى 50 مليونا (1) وفي عام 1978 كان عدد السكان قد تجاوز 56مليونا (2) ..
وإذا قارنا الجزيرة البريطانية بالجزيرة العربية من حيث المساحة والسكان فإننا سنذهل للفارق الكبير بينهما فبينما نجد سكان المملكة العربية السعودية لا يتجاوزون ثمانية ملايين بما فيهم الأجانب نجد سكان بريطانيا قد تجاوزوا 56 مليونا ... وبينما نرى مساحة المملكة العربية السعودية تبلغ 2.240.000 كيلو مترا مربعا نجد أن مساحة المملكة المتحدة (إنجلترا وويلز وأسكوتلندة وشمال أيرلندة) تبلغ 244.104 كيلو مترا مربعا..
__________
(1) Hawkins and Elders: Human Fertility Control P466, Buttey Worths – London, 1979
(2) من كتاب "التحكم في الخصوبة الإنسانية" Hawkins, Elders: Human Fertility Control PP446, Butterworths – London, 1979(5/41)
وتذكر دائرة المعارف البريطانية (1) أن سكان المملكة العربية حسب إحصاء عام 1974 كانوا 7.012.642 (بما فيهم الأجانب الذين قدروا بأكثر من ثلاثة ملايين) أما الكثافة السكانية فتبلغ في المملكة 3.1 لكل كيلو متر مربع (وإذا أخذنا الرقم بالنسبة للسعوديين فهو أقل من شخصين لكل كيلو متر مربع) .
وبالمقارنة فإن الكثافة السكانية في المملكة المتحدة حسبما ذكرته دائرة المعارف البريطانية (2) كانت 229.3 في كل كيلو متر مربع.
أما عدد المواليد في المملكة فكانوا (في الفترة 1970- 1975) 49.5 لكل ألف من السكان. أما عدد الوفيات فكانوا 20.2 لكل ألف من السكان أي أن الزيادة هي 29.3 لكل ألف نسمة من السكان.
وسجل معدل الأعمار في المملكة بـ 44 عاما للذكور و46 عاما للإناث (دائرة المعارف البريطانية) (3) .
وبالمقارنة فإن معدل الأعمار في المملكة المتحدة هو 70 عاما للذكور و76 عاما للإناث.
أما بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وكندا (أمريكا الشمالية) فقد كان عدد سكانها عام 1750 م مليون نسمة فقط. وبعد قرن واحد (أي عام 1850م) بلغوا 26 مليون نسمة، وبعد قرن آخر بلغ عدد سكان الولايات المتحدة الأمريكية (بدون كندا) أكثر من 166 مليونا وهذا ما أعطى الولايات المتحدة الزحم السكاني وحولها من مستعمرة لبريطانيا في القرن التاسع عشر إلى أعظم دول الأرض قاطبة في القرن العشرين.. وقد ارتفع السكان ارتفاعا حثيثا في هذه الفترة ولا يزال ارتفاع معدل السكان عاليا فقد زاد السكان عام 1972 إلى 209 مليون نسمة (4) .. وفي عام 1980 بلغ عدد السكان أكثر من 230 مليونا وبالمقارنة فإن كندا التي تبلغ مساحتها 9.976.139 كيلو مترا مربعا فإن سكانها حسب إحصاء 1971 كانوا أقل من 22 مليونا (5) .
وهذا ما جعل الولايات المتحدة التي تقل مساحتها عن مساحة كندا دولة عظمى بينما نرى كندا دولة من الدرجة الثالثة.
__________
(1) الميكروبيديا المجلد 8/920 طبعة 1982
(2) الميكروبيديا المجلد 10/266 طبعة 1982
(3) المجلد 8/920
(4) الميكروبيديا المجلد 10/270
(5) الميكروبيديا المجلد 2/496(5/42)
ويقدر عدد سكان العالم العربي عام 1976 بـ 146 مليونا (1) مليونا، بينما بلغ سكان العالم 4045 مليونا في نفس العام. وبما أن مساحة العالم العربي تشكل 1/10 من مساحة اليابسة من الكرة الأرضية فإن سكان العالم العربي ينبغي أن يكونوا أكثر من ثلاثمائة مليون نسمة..
وبما أن الموارد النفطية والمعدنية والزراعية في البلاد العربية كبيرة جدا فإن تقارير الجامعة العربية تؤكد أن البلاد العربية تستطيع أن تضاعف عدد سكانها دون أن تجد أي صعوبة في إطعامهم وإسكانهم وإيجاد العمل المناسب لهم إذا استغلت الطاقات العظيمة الموجود حاليا، وإذا نظمت الأمور تنظيما دقيقا نسبيا على التعاون والتكامل بين كافة الأقطار العربية (2) . وقد جاء في تقرير برنامج الأمن الغذائي الذي أصدرته المنظمة العربية للتنمية الزراعية بالجامعة العربية أغسطس 1980 ما يلي:
1- إن حجم الموارد الطبيعية سواء كانت الأرضية أو المائية يعد كافيا للوفاء باحتياجات الأمة العربية في المستقبل القريب والبعيد.
2- إن آفاق التنمية الزراعية واسعة وإمكانياتها متاحة بلا حدود فيمكن زيادة الموارد المائية السطحية من 139 مليار متر مكعب إلى 202 مليار متر مكعب وذلك بالتحكم فقط في فواقد الأنهار الحالية وتنفيذ مشروعات التخزين السنوي والمستمر. وكذلك نستطيع أن نضاعف مياهنا الجوفية المستغلة من 12 مليار إلى 25 مليار متر مكعب سنويا.. وعلى ذلك يمكن مضاعفة المساحة المروية سنويا إذ يمكن زيادتها من نحو 12.5 مليون هكتار إلى 21.6 مليون هكتار عام 2000 الأمر الذي يشير إلى أن هناك إمكانيات هائلة لتنمية إنتاج الغذاء خاصة إذا استغلت هذه الموارد على الوجه الصحيح.
3- إن مساحة الأرض الصالحة للزراعة في الوطن العربي تبلغ 236 مليون هكتار لا يستغل منها حاليا سوى 46 مليون هكتار. ويعتمد منها على الأمطار 80 % من هذه المساحة وينخفض التكثيف الزراعي على هذه الأراضي المطرية بحيث لا يتعدى 50 % وهو معدل ضئيل للغاية.
__________
(1) كتاب أحوال السكان في العالم العربي للدكتور عزت النصر
(2) برنامج الأمن الغذائي- جامعة الدول العربية المنظمة العربية للتنمية الزراعية. أغسطس 1980(5/43)
ويستعرض ذلك البحث الضخم المكون من 8 مجلدات كيفية الاستفادة من الإمكانيات الزراعية الهائلة المتاحة وغير المستغلة حاليا، كما يورد إحصائيات دقيقة عن الموارد المائية الممكنة في الدول العربية من مصادرها المختلفة والتي تبلغ 238 مليار متر مكعب والذي لا يستغل منها حاليا سوى 156 مليار، وبطرق بدائية تسبب عدم الاستفادة حتى من هذه الكمية المستخدمة، كما يتحدث الباحثون بعمق عن مصادر الثروات الحيوانية وكيف يمكن مضاعفتها عدة مرات وكذلك الثروات السمكية والداوجن وغيرها.
وخلاصة البحث أن البلاد العربية تستطيع أن تعتمد على نفسها في إطعام سكانها، حتى لو تضاعفوا إذا استخدمت الموارد المتاحة بطرق فنية جيدة وبتعاون وثيق بين مختلف الدول العربية.
ويكفي أن تعلم أن السودان وحدها إذا استغلت إمكانياتها الزراعية والحيوانية تستطيع أن تطعم العالم العربي بأكمله، وهي تحتاج إلى أموال وإلى وفرة سكانية يمكن أن تأتيها من مصر التي تعاني من زيادة نسبية في السكان. ولهذا فقد أسمت الدوائر المطلعة السودان "سلة الخبز" للعالم العربي.
إذن نخلص من هذا إلى أن سياسة منع الحمل التي تسير عليها الدول العربية والإسلامية الأخرى هي سياسة خاطئة علميا ودينيا وديموجرافيا.
منع الحمل على مستوى الأفراد.
إذا قررنا أن سياسة منع الحمل على مستوى الدولة سياسة خاطئة، فإننا نعتقد أن موضوع منع الحمل على المستوى الفردي يختلف تمام الاختلاف عن موضوع سياسة منع الحمل على مستوى الدولة.
يقرر الإسلام أهمية الحمل والتناسل وما يكون فيهما من أجر للوالدين وخاصة الأم، ويعتبر الإسلام مشقة حملها وولادتها مثل مشقة الجهاد، ولها في ذلك مثل أجر المجاهد، ومع هذا فإن وسائل منع الحمل يمكن أن تمارس بشرط:(5/44)
1- أن لا تكون وسائل دائمة أي تؤدي إلى العقم مثل قطع الأنابيب وربطها وقطع الحبل المنوي وربطه أو استئصال الرحم ما لم يكن هناك سبب طبي قوي جدا لذلك الإجراء.
2- أن لا يعقب استخدام وسائل منع الحمل خطر وضرر على صحة المرأة التي تستخدمها، فمثلا لا ينصح باستخدام حبوب منع الحمل في الحالات التالية:
1- أمراض القلب وضغط الدم.
2- أمراض الكلى.
3- أمراض الكبد.
4- امرأة بلغت سن الخامسة والثلاثين فما فوقها.
5- البول السكري.
6- امرأة أصيبت بنوع من أنواع السرطان وخاصة سرطان الثدي وعولجت منه.
7- امرأة أصيبت بجلطة أو تخثر في الدم.
8- الأمراض النفسية مثل الكآبة والقلق والشيزوفرانيا.
9- تزداد أضرار حبوب منع الحمل مع التدخين إذ أن كلاهما يؤثر على شرايين القلب والدماغ والأطراف وكلاهما يزيد من احتمال الإصابة بالجلطات.
وتعتبر الوسائل الفسيولوجية هي أسلم الوسائل لمنع الحمل وهي العزل أي القذف خارج الرحم، وتنظيم الجماع بحيث يتجنب فترة نزول البويضة، والرضاعة أما الوسائل الميكانيكية فهي قليلة الضرر مثل الرفال Condon والحواجز والقبعة وهذه الوسائل جميعها نسبة الفشل فيها عالية إذ تترواح ما بين 10 بالمائة إلى 30 بالمائة. وترتفع نسبة النجاح في استعمال اللولب ولكن محاذير اللولب كثيرة وهي:(5/45)
1- أن طريقة عمل اللولب وهو منع العلوق يعتبر نوعا من الإجهاض المبكر جدا، ويحرمه الإمام مالك والظاهرية (ابن حزم) .
2- النزف المتكرر.
3- آلام شديدة عند بعض النساء في الظهر وأسفل البطن.
4- التهابات ميكروبية في الجهاز التناسلي.
5- انثقاب الرحم وهو أمر نادر الحدوث ولكنه خطير.
6- انغراز اللولب في جدار الرحم.
7- قد يطرد الرحم اللولب دون أن تشعر المرأة فتحمل.
8- تزداد نسبة الحمل خارج الرحم مع وجود اللولب.
9- حدوث الحمل وغم وجود اللولب (بنسبة 6 %) .
المسوغات لتنظيم النسل:
1- الخشية على حياة الأم أو صحتها من الحمل والولادة إذا أخبر بذلك طبيب ثقة.
2- الخشية من وقوع حرج دنيوي قد يفضي إلى حرج في دينه فيرتكب المحظور من أجل الأولاد.
3- الخشية على الأولاد أن تسوء صحتهم أو تضطرب تربيتهم
4- الخشية على الرضيع من حمل جديد.
وقد أورد الإمام الغزالي في إحياء علوم الدين (1) النيات الباعثة على العزل وقال هي خمس:
الأولى: في الإماء، لأن حمل الأمة (الجارية) يمنع التصرف فيها حيث تصبح أم ولد.
الثانية: استبقاء جمال المرأة واستبقاء حياتها خوفا من خطر الطلق ... وتكرر الحمل والولادة وهذا ليس منهيا عنه.
الثالثة: الخوف من كثرة الحرج بسبب كثرة الأولاد والاحتراز من الحاجة ودخول مداخل السوء، وهذا غير منهي عنه فإن قلة الحرج معين على الدين.
الرابعة: الخوف من الأولاد الإناث.
الخامسة: أن تمتنع المرأة لتعززها ومبالغتها في النظافة والتحرز من الطلق والنفاس والرضاع وكان ذلك عادة الخوارج.
وهاتان النيتان (الرابعة والخامسة) نيتان فاسدتان ولا يجوز العزل من أجلهما.
__________
(1) أبو حامد محمد بن محمد الغزالي: إحياء علوم الدين مجلد 2/ كتاب النكاح ص51 – 53 طبعة دار المعرفة بيروت(5/46)
الأحاديث الواردة في العزل:
1- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: ((كنا نعزل على عهد رسول الله والقرآن ينزل)) أخرجه البخاري ومسلم وزاد مسلم: ((فبلغ ذلك رسول الله فلم ينهنا)) .
2- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: ((غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة بني المصطلق فسبينا كرائم العرب فطالت علينا العزبة ورغبنا في الفداء فأردنا أن نستمتع ونعزل فقلنا نفعل ذلك ورسول الله بين أظهرنا لا نسأله، فسألنا رسول الله فقال: لا عليكم ألا تفعلوا ما كتب الله خلق نسمة هي كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون)) أخرجه البخاري ومسلم وابن ماجه والدارمي وأحمد.
3- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه: ((أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال إن لي جارية هي خادمتنا وساقيتنا -وفي رواية: سانيتنا وهي بمعناه - وأنا أطوف عليها وأنا أكره أن تحمل فقال: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها فلبث الرجل، ثم أتاه فقال: إن الجارية قد حبلت فقال: قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها)) رواه مسلم وابن ماجه وأحمد والدارمي.
4- عن جابر بن عبد الله قال ((قلنا يا رسول الله كنا نعزل فزعمت اليهود أنه الموءودة الصغرى. فقال: كذبت اليهود إن الله إذا أراد خلقه لم يمنعه)) وفي رواية ((إذا أراد الله خلقه لم تستطع رده)) . أخرجه الترمذي وأحمد وأبو داود.
5- عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها رواه أحمد في مسنده.
6- قال رجل في مجلس عمر رضي الله عنه العزل كالوأد. فقال الإمام على وكان حاضرا المجلس: لا تكون موءدة حتى تمر عليها التارات (وفي لفظ: الأطوار) السبع: حتى تكون سلالة من طين ثم تكون نطفة ثم تكون علقة ثم تكون مضغة ثم عظاما ثم تكسى لحما ثم تكون خلقا آخر. فقال عمر رضي الله عنه: صدقت أطال الله بقاءك (ابن رجب الحنبلي في جامع العلوم والحكم) .
7-(5/47)
وقد أباح أصحاب المذاهب الأربعة العزل عن الأمة برضاها وبدون رضاها كما أباحوا العزل عن الزوجة الحرة برضاها لأن لها حقا في الولد. ولكن جاء في مذهب الأحناف: "إن خاف فساد الولد لسوء الزمان فله أن يعزل بغير رضاها، وكذلك إذا كانت الزوجة سيئة الخلق ويريد فراقها مخافة أن تحبل" (1) وأما المالكية والحنابلة فقالوا: لا يجوز له أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها لأن لها حقا في الولد (2) ، وقال ابن قدامة: ظاهر كلام أحمد وجوب الاستئذان من الزوجة ويحتمل أن يكون مستحبا لأن حقها في الوطء دون الإنزال.
وأما الشافعية فأباحوا العزل عن الزوجة على قولين أحدهما "أنه يجب إذنها والقول الآخر أنه لا يجب إذنها لأن لها حقا في الوطء فقط" (3) .
وأما الظاهرية فقال ابن حزم (أبو محمد) : "لا يحل العزل عن حرة ولا عن أمة" (4) .
ومما تقدم يتضح أن المذاهب الأربعة على إباحة العزل على ما ذكرنا من نياته الباعثة له كما ذكرها الإمام الغزالي في الإحياء مع اشتراط موافقة الزوجة ورضاها عند أغلب الفقهاء لأن لها حقا في الولد ولحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن العزل عن الحرة إلا بإذنها)) رواه أحمد.
فلا مسوغ إذن لمنع هذه الرخصة والتشدد فيها كما فعل بعض العلماء المحدثين مثل الإمام أبو الأعلى المودودي في كتابه حركة تحديد النسل، والباحثة أم كلثوم يحيى مصطفى الخطيب في رسالتها التي نالت بها الماجستير من كلية الشريعة جامعة الأزهر "قضية تحديد النسل في الشريعة الإسلامية". حيث حددوها فقط بوجود سبب طبي قوي وحيث رفضوا البواعث الأخرى التي ذكرها العلماء وأقروها.
الدكتور محمد علي البار
__________
(1) حاشية ابن عابدين 2/521
(2) المنتقى شرح الموطأ للباجي 4/128 وكتاب قضية تحديد النسل لأم كلثوم يحيى مصطفى الخطيب.. والحلال والحرام في الإسلام للشيخ يوسف القرضاوي والمغني لابن قدامة
(3) المجموع شرح المهذب للنووي 15/577
(4) المحلى لابن حزم 10/87(5/48)
تنظيم النسل أو تحديده
في
الفقه الإسلامي
إعداد
الأستاذ الدكتور حسن على الشاذلي
أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن
كلية الشريعة والقانون
جامعة الأزهر
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن نهج نهجه واتبع سبيله إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن العلي القدير، والمشرع الحكيم، له قدرة علية، وحكمة بالغة، وقدر نافد.. فبقدرته العلية خلق الأرض والسماء وما بينها، خلق الأرض وبارك فيها، وقدر فيها أقواتها، وخلق السماء، وأوحى في كل سماء أمرها، وزين السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم.
وبحكمته البالغة خلق الإنسان من الأرض وجعله في الأرض خليفة، واستعمره فيها، وأمده بكل مقومات الحياة، فسخر له ما في السماوات وما في الأرض.. وعرض عليه الأمانة فحملها، وأرسل له الرسل مبشرين ومنذرين.
وبقدرته وبحكمته وإرادته جعله متوالدا، متناسلا يتتابع في الوجود، ويتوالى في البقاء، فردا يرث فردا، وجيلا يرث جيلا، حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ومن سنته الحكيمة وقدرته الفائقة أن جعل للتوالد بين كل الكائنات سببا، وللتناسل منهجا وطريقة، وقد أشار القرآن الكريم إلى ذلك، قال تعالى: {وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ وَإِنَّا لَمُوسِعُونَ (47) وَالْأَرْضَ فَرَشْنَاهَا فَنِعْمَ الْمَاهِدُونَ (48) وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ} [الآيات من 47 – 49 من سورة الذاريات]
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْهَارًا وَمِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ جَعَلَ فِيهَا زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [الأية 3 من سورة الرعد] .
وقال تعالى بشأن الإنسان: {وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (45) مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى} [الآيتان 45-46 من سورة النجم]
وقال تعالى: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى} [الآيات من 36- 40 من سورة القيامة] .
وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْمَاءِ بَشَرًا فَجَعَلَهُ نَسَبًا وَصِهْرًا وَكَانَ رَبُّكَ قَدِيرًا} [الآية 54 من سورة الفرقان] .(5/49)
فالخلق والتوالد والتناسل قدر نافذ، وسلطان قاهر، وتدبير محكم من عزيز حكيم قدير، عالم بما خلق، محيط بما أوجد، حكيم في شرعه، وما كل الكائنات وجودا وعدما، زيادة ونقصا- إلا خاضعة لإرادته جل شأنه، ولمشيئته العلية لا يعزب عنه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء.
وكان من حكمته أن شرع للإنسان – من أجل تناسله وتوالده، وإرضاء غرائزه، وصيانته وحفظه.. الزواج، فكان عقدا رضائيا، وكان من بين ثماره النسل والذرية {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} . [الآية 49-50 من سورة الشورى] .
واليوم وقد زخر العالم بالخلق، وماج ببني الإنسان، أحاط به ظاهرتان تستدعيان النظر والبحث: ظاهرة كثرة النسل في بلاد ضاق خيرها وقدر رزقها، وظاهرة قلة النسل في بلاد كثر خيرها ووسع رزقها، مما دفع بعض القائمين على الأمور إلى التساؤل عن حكم الشرع في تحكم الزوجين في الإنجاب، هل يجوز أو لا يجوز؟ وعن الأسباب أو البواعث التي يمكن أن تكون صالحة شرعا للقول بذلك واستجابة لهذه الرغبة، وإجابة عن هذا التساؤل، رأيت أن أبين في هذا البحث حكم الشرع في "تنظيم النسل أو تحديده" بالنسبة للأفراد، أو الجماعات والدول متوخيا في ذلك بيان رأي الفقه الإسلامي بمذاهبه المختلفة، ومرجحا ما يرجحه الدليل من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وقد تناولته على المنهج التالي:(5/50)
أولا: مقدمة عن الزواج، وحكمته، والترغيب فيه، وعن آثاره.
ثانيا: آراء الفقهاء في منع الحمل بالعزل ونحوه.
الرأي الأول: يباح العزل مطلقا – وأدلته.
الرأي الثاني: يحرم العزل مطلقا – وأدلته.
الرأي الثالث: يباح العزل برضا الزوجين – وأدلة الترجيح.
حقيقة الرضا أو الإذن من الطرف الآخر.
استثناءات يجوز فيها العزل دون إذن.
البواعث المشروع منها وغير المشروع ورأي الإمام الغزالي في ذلك.
ثالثا: خلاصة ما أرجحه من رأي في تحديد النسل أو تنظيمه في الفقه الإسلامي.
والله ولي التوفيق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
أ. د/ حسن علي الشاذلي
أستاذ ورئيس قسم الفقه المقارن
كلية الشريعة والقانون – جامعة الأزهر القاهرة(5/51)
بسم الله الرحمن الرحيم
حكمة مشروعية الزواج:
شرع الله تعالى الزواج لحكمة عالية، ومصلحة محققة، وفوائد جمة لا يحدها لفظ، ولا يحيط بها تعبير، وإنما يدركها أولا العقلاء، وثانيا الخبراء والمتخصصون في الحفاظ على النفس البشرية، وحمايتها من غوائل الأمراض النفسية والعضوية والاجتماعية.
ولقد نطق القرآن الكريم بهذه الحكم والفوائد، وأشار إليها أكثر من آية من آياته الكريمة، وكذلك نطقت بذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأرى في هذا الموطن الذي يكفي فيه اللفظ مكان الإشارة، والإشارة مكان العبارة، والإيجاز مكان الإطناب.. أن أبرز في هذا المقام ما يلي:-
أولا: الزواج نعمة وسكن لكلا الزوجين:
قال تعالى: {وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} (1) . وقال صلى الله عليه وسلم ((الدنيا متاع، وخير متاعها المرأة الصالحة)) (2) .
ثانيا: الزواج تعمير للكون وبقاء واستمرار لبني الإنسان:
قال تعالى: {وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ} (3) .
وعن قتادة عن الحسن عن سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التبتل، وقرأ قتادة، {وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} رواه الترمذي وابن ماجه.
وعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمر بالباءة، وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول ((تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة)) أخرجه ابن حبان وصححه، ورواه أحمد والطبراني في الأوسط.
__________
(1) الآية 21 من سورة الروم
(2) رواه مسلم في صحيحه والنسائي وابن ماجه الترغيب ج3 ص41
(3) الآية 72 من سورة النحل(5/52)
ثالثا: الترغيب في الزواج والحث عليه:
قال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (1) .
عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: ((قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الشباب (2) من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر، وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء)) رواه الجماعة.
وعن أنس رضي الله عنه أن نفرا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتزوج، وقال بعضهم أصلي ولا أنام، وقال بعضهم، أصوم ولا أفطر، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) متفق عليه.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير)) (3) .
__________
(1) الآية رقم 32 من سورة النور
(2) الشاب: يبدأ من سن البلوغ إلى الثلاثين أو اثنين وثلاثين أو الأربعين، ثم بعدها يكون كهلا. الباءة: القدرة على الوطء، وعلى مؤن النكاح ... الوجاء: المقصود أنه يضعف من الشهوة ويكسر حدتها. نيل الأوطار. ج6 ص102
(3) يراجع: العراقي ج2 ص20 بشأن سنده(5/53)
رابعا: الذرية منحة من الله تعالى ينظمها بحكمته، ويوزعها على الخلق بتدبيره:
قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} (1) .
يقول ابن العربي قال علماؤنا: "يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا" يعني لوطا، كان له بنات ولم يكن له ابن {وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ} يعني إبراهيم، كان له بنون ولم يكن له بنت، وقوله {أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا} يعني آدم، كانت حواء تلد له في كل بطن توأمين ذكرا وأنثى، ويزوج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر، حتى أحكم الله التحريم في شرع نوح صلى الله عليه وسلم وكذلك محمد صلى الله عليه وسلم كان له ذكور وإناث من الأولاد – القاسم والطيب والطاهر، وعبد الله (2) وزينب وأم كلثوم ورقية وفاطمة، وكلهم من خديجة رضي الله عنها، وإبراهيم من مارية القبطية.
ثم يقول: "وكذلك قسم الله الخلق من لدن آدم إلى زماننا هذا، إلى أن تقوم الساعة، على هذا التقدير المحمود بحكمته البالغة ومشيئته النافذة، ليبقى النسل، ويتمادى الخلق، وينفذ الوعد ويحق الأمر، وتعمر الدنيا، وتأخذ الجنة وجهنم كل واحدة ما يملؤها ويبقى، ففي الحديث: إن النار لن تمتلئ حتى يضع الجبار فيها قدمه (3) ، فتقول قط قط، وأما الجنة فيبقى منها فينشئ الله لها خلقا آخر"، ثم يقول: إن الله تعالى لعموم قدرته وشديد قوته يخلق الخلق ابتداء من غير شيء، وبعظيم لطفه وبالغ حكمته يخلق شيئا من شيء لا عن حاجة، فإنه قدوس عن الحاجات سلام عن الآفات، كما قال القدوس السلام، فخلق آدم من الأرض، وخلق حواء من آدم، وخلق النشء من بينهما منهما مرتبا على الوطء، كائنا عن الحمل، موجودا في الجنين بالوضع، فالخلق والذرية تكون بتقدير من العزيز العليم، يوزعها على الخلق بتدبيره وبحكمته ويخص بها من يشاء من خلقه، ليبقى النسل، ويتمادى الخلق، وينفذ الوعد ويحق الأمر وتعمر الدنيا".
__________
(1) الآيتان 49- 50 من سورة الشورى
(2) وفي المواهب اللدنية: القول الأصح أن الذكور الثلاثة: القاسم وعبد الله (ويسمى بالطيب والطاهر) وإبراهيم راجع شرح المواهب اللدنية) .
(3) قال القسطلاني: "أي يذللها تذليل من يوضع تحت الرجل، والعرب تضع الأمثال بالأعضاء، ولا تريد أعيانها، كقولها للنادم: سقط في يده"(5/54)
خامسا: إرادة الزوجين وأثرها في تحديد عدد النسل:
شاءت إرادة الله تعالى أن يكرم الإنسان ويفضله على كثير من خلقه فكان من إكرامه وتفضيله أن نظم له طريقة إشباع غريزته، وطريقة تكاثره وتناسله حتى يعمر الكون، ويتواصل، وتتوالي الأجيال جيلا بعد جيل، كما أوضحنا آنفا.
فكان أن جعل الوسيلة إلى ذلك – هي عقد الزواج- الذي جعله عبادة، لما فيه من تحقيق هدف المشرع الحكيم كما جعله عقدا – فوضع له القواعد والضوابط الموضوعية وكذا الشكلية التي بها يتم تحقيق الهدف الذي شرع من أجله، فجعله عقدا رضائيا، يتم بإرادة الزوجين ورضاهما، وجعل العشرة بين الزوجين قوامها المودة والبر والرحمة والمعروف.
وكما نظم المشرع الحكيم كل شئون هذا العقد، كذلك أحاط ثماره – وهم الأولاد – بالرعاية والحفظ والصيانة منذ اللحظة الأولى لبدء تكوين الجنين.
وبين للزوجين حدود السلطة الممنوحة لهما إزاء هذا الجنين – سواء كان ذلك قبل التقاء الحيوان المني بالبييضة، أو بعد التقائهما.. وحتى خروجه من بطن أمه خلقا سويا، فتبارك الله أحسن الخالقين.
وإذا كان موضوعنا الذي نتحدث عنه هنا هو "تنظيم النسل وتحديد عدده" فإننا نتناول هذا الموضوع طبقا للمنهج التالي:
أولا: آراء الفقهاء في عدم الإنجاب:
تناول الفقه الإسلامي بيان الحكم فيما لو أراد الزوجان أو أحدهما عدم الإنجاب رغم مواصلة المعاشرة الجنسية بينهما، وذلك من خلال بحث موضوع " العزل عن الزوجة أثناء الجماع" حيث إنه الصورة التي سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن حكمها والتي كانت هي المعروفة أو المشهورة في هذا الوقت لمنع الإنجاب، ويمكن أن يقاس عليها كل الوسائل التي عرفت حديثا والتي ستعرف ما دامت لا تؤدي إلى الإضرار بأي من الزوجين، ولا يؤدي إلى قتل الجنين في مرحلة من مراحله.(5/55)
حكم العزل عن الزوجة في الفقه الإسلامي:
اختلف الفقهاء في حكم عزل الزوج عن زوجته أثناء الجماع إلى ثلاثة آراء نوضحها فيما يلي. ثم نرجح ما يظهر لنا رجحانه لرجحان أدلته:
الرأي الأول: يباح العزل مطلقا- سواء أكان عن زوجته الحرة أو الأمة أو عن سريته، ودون توقف على إذنها – وهو رأي عند الشافعية (1) ، ورأي الفقيه محمد بن يحيى الهادي (2) وأبو حامد الجاجرمي.
وقد استدلوا بما يأتي:
1- ما روي عن جابر رضي الله عنه أنه قال: ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل)) متفق عليه. ولمسلم بلفظ ((كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فبلغه ذلك فلم ينهنا)) فهذا يدل على إباحته، وإلا لنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم.
2- وعن جابر رضي الله عنه أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((إن لي جارية هي خادمتنا وسانيتنا في النخل، وأنا أطوف عليها، وأكره أن تحمل، فقال: اعزل عنها إن شئت فإنه سيأتيها ما قدر لها)) رواه أحمد ومسلم وأبو داود.
__________
(1) المهذب ج2 ص66
(2) جاء في شرح الأزهار ج2 ص320 "وقال الإمام محمد بن يحيى، وأبو حامد الجاجرمي أنه يجوز العزل مطلقا، سواء رضيت الحرة أم لا"، والإمام محمد ابن يحيى هو محمد بن يحيى الهادي بن الحسين بن القاسم الرسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن علي بن أبي طالب ولد سنة 278هـ ثمان وسبعين ومائتين من الهجرة(5/56)
3- وعن أبي سعيد قال: قالت اليهود العزل الموءودة الصغرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم ((كذبت يهود، إن الله عز وجل لو أراد أن يخلق شيئا لم يستطع أحد أن يصرفه)) رواه أحمد وأبو داود (1) .
4- وعن أبي سعيد قال: خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة بني المصطلق، فأصبنا سبيا من العرب، فاشتهينا النساء، واشتدت علينا العزبة، وأحببنا العزل، فسألنا عن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال ((ما عليكم ألا تفعلوا فإن الله عز وجل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة)) متفق عليه.
5- وقد جاءت الإباحة للعزل صحيحة عن جابر بن عبد الله، وابن عباس، وسعد بن أبي وقاص وزيد بن ثابت، وابن مسعود (المحلى ج10 ص71) .
فمن هذه الأحاديث يتبين لنا ما يأتي:
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال للرجل الذي سأله عن العزل عن أمته في حديث جابر ((اعزل عنها إن شئت)) فهذا يدل على إباحته العزل إذا شاء الرجل ذلك.
وأيضا في حديث جابر الأول أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم ينه عن العزل عندما بلغه أن الصحابة كانوا يعزلون عن نسائهم، والقرآن ينزل، فلو كان محرما لحرمه الله تعالى.
وأنه صلى الله عليه وسلم حينما قال اليهود: ((العزل هو الموءودة الصغرى)) قال ((كذبت يهود إن الله عز وجل لو أراد أن يخلق شيئا لم يستطع أحد أن يصرفه)) ، ومنه يتبين لنا أن العزل جائز وأنه ليس الموءودة الصغرى – أي ليس قتلا للنفس – وأن العزل لا يؤثر في إيجاد الولد أو عدم إيجاده، فإذا أراد الله وجوده وجد وإن وجد العزل، وإذا لم يرد وجوده لم يوجد وإن لم يوجد العزل.
__________
(1) حديث أبي سعيد هذا أخرجه أيضا الترمذي والنسائي. قال الحافظ ورجاله ثقات، وقال في مجمع الزوائد رواه البزار، وفيه موسى بن وردان، وهو ثقة وقد ضعف، وبقية رجاله ثقات، وأخرج نحوه النسائي من حديث جابر، وأبي هريرة، وجزم الطحاوي بكونه منسوخا، وعكسه ابن حزم. ومثله ما أخرجه الترمذي وصححه عن جابر قال كانت لنا جوار وكنا نعزل، فقالت اليهود: إن تلك الموءودة الصغرى، فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال كذبت اليهود لو أراد الله خلقه لم يستطع رده وأخرج النسائي نحوه من حديث أبي هريرة(5/57)
فقد نفى الرسول صلى الله عليه وسلم تأثير العزل في وجود الولد ومنه يتبين أنه إذا لم يكن للعزل أثر في ذلك فلا تكون هناك حرمة في ذلك، فكما أن له أن يمتنع عن الوطء ابتداء كذلك يجوز له أن يعزل أثناء الوطء.
وأيضا قوله صلى الله عليه وسلم في حديث أبي سعيد حينما سئل عن رغبتهم في العزل في غزوة بني المصطلق ((ما عليكم ألا تفعلوا، فإن الله عز وجل قد كتب ما هو خالق إلى يوم القيامة)) ووقع في رواية البخاري وغيره بلفظ ((لا عليكم ألا تفعلوا)) قالوا ومعنى هذه العبارة ليس عليكم حرج في فعل العزل، وحينئذ تكون (لا) زائدة.
وقد ناقش العلماء الاستدلال بهذا الحديث على جواز العزل وسنورد هذه المناقشة في الترجيح بين الآراء.
كما نقل عن الشافعية إجازة العزل بلا إذن، وعليه الغزالي، وصححه بعض المتأخرين، وذلك لأنه لا حق للمرأة عندهم في الجماع، فضلا عن أن يحتاج في النزع قبل الإفراغ إلى إذنها.
وقيل عن الشافعي: لا حق لها فيه إلا الوطأة الأولى (1) .
الرأي الثاني: يرى تحريم العزل مطلقا عن الحرة أو الأمة أو السرية، بإذن أو بدون إذن (وهو رأي ابن حزم الظاهري، ورأي للهادوية – القاسم العياني – وابن حبان) .
وقد استدل لهذا الرأي بما يلي: ما روي عن جذامة بنت وهب الأسدية قالت:
حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم في أناس، وهو يقول: لقد هممت أن أنهى عن الغيلة (2) فنظرت في الروم وفارس، فإذا هم يغيلون أولادهم، فلا يضر أولادهم شيئا ثم سألوه عن العزل، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ذلك الوأد الخفي)) وقرأ: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ} رواه أحمد ومسلم.
__________
(1) ورد ذلك في شرح النيل جـ 6 ص 476
(2) الغيلة – بكسر الغين المعجمة بعدها تحتية ساكنة، ويقال لها الغيل بفتح الغين والياء، والغيال – بكسر الغين المعجمة، والمراد بها أن يجامع امرأته وهي مرضع "وقال ابن السكيت: هي أن ترضع المرأة، وهي حامل، وذلك لما يحصل على الرضيع من الضرر بالحبل حال إرضاعه، فكان ذلك سبب همه صلى الله عليه وسلم بالنهي، ولكنه لما رأى النبي صلى الله عليه وسلم أن الغيلة لا تضر فارس والروم وترك النهي عنها(5/58)
فهذا الحديث قد صرح فيه الرسول صلى الله عليه وسلم بأن العزل هو "الوأد الخفي" "وإذا كان وأدا، فالوأد محرم، فيكون العزل محرما، سواء كان العزل عن حرة أو أمة (1) .
وقال ابن حزم إن الأحاديث الأخرى غير حديث جذامة موافق لأصل الإباحة إذ الأصل في الأشياء الإباحة – وحديثها يدل على المنع، فمن ادعى أن العزل قد أبيح بعد أن منع فعليه البيان، فحديث جذامة هو الناسخ لجميع الإباحات المتقدمة.
وأما حديث أبي سعيد (2) والذي جاء فيه عقب سؤالهم رسول الله صلى الله عليه وسلم عن العزل قوله ((ما عليكم ألا تفعلوا)) وفي رواية في البخاري ((لا عليكم ألا تفعلوا)) قال ابن سيرين: هذا أقرب إلى النهي.
وحكى ابن عون عن الحسن أنه قال: والله والله لكان هذا زجرا.
قال القرطبي: كأن هؤلاء فهموا من (لا) النهي عما سألوه عنه، فكأنه قال: لا تعزلوا، وعليكم ألا تفعلوا. ويكون قوله: وعليكم إلى آخره تأكيدا للنهي.
وقد رد على هذا بأن الأصل عدم التقدير، وإنما معناه: ليس عليكم أن تتركوا (أي العزل) وهو الذي يساويه "ألا تفعلوا".
وقال بعض العلماء: معنى قوله ((لا عليكم ألا تفعلوا)) أي لا حرج عليكم.. أي لا تفعلوا، ففيه نفي الحرج عن عدم فعل العزل، فأفهم (ذلك) ثبوت الحرج في فعل العزل، ولو كان المراد نفي الحرج عن فعل العزل، لقال صلى الله عليه وسلم: ((لا عليكم أن تفعلوا)) إلا أن يدعى أن (لا) زائدة، فيقال: الأصل عدم الزيادة فيكون الحديث دالا على النهي عن العزل أيضا.
__________
(1) شرح الأزهار جـ2 ص320 "وقال القاسم العياني: لا يجوز العزل مطلقا في الحرة والأمة"
(2) نيل الأوطار جـ6 ص197(5/59)
كما استدل ببعض الآثار المروية عن بعض الصحابة، ومنها:
ما روي عن عبيد الله بن عمر عن نافع أن ابن عمر كان لا يعزل، وقال لو علمت أحدا من ولدي يعزل لنكلته، قال أبو محمد: لا يجوز أن ينكل على شيء مباح عنده.
ومنها ما روي عن على بن أبي طالب رضي الله عنه "أنه كان يكره العزل ".
وما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال في العزل "هي الموءودة الخفية" وعنه أيضا: هي الموءودة الصغرى. وعن أبي أمامة قال "ما كنت أرى مسلما يفعله".
وما روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال "ضرب عمر على العزل بعض بنيه" وما روي عن سعيد بن المسيب قال "كان عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان ينكران العزل" (1) .
كما قالوا إن النهي عن العزل يترتب عليه أمور كلها تؤدي إلى منعه، وهي:
1- تفويت حق المرأة: لأن لها في الإنزال لذة، ولها في الولد حق، وتفويت حقها لا يصح.
2- "وأن العزل معاندة للقدر ... " وحاشا لله أن يعاند مؤمن القدر.
3- وأنه إضرار بالمرأة حيث يترتب عليه ضرر بها، والضرر مرفوع لحديث الرسول صلى الله عليه وسلم ((لا ضرر ولا ضرار)) لكل ذلك يكون العزل محرما شرعا.
الرأي الثالث: يرى إباحة العزل إذا أذنت الزوجة، وعدم إباحته إذا لم تأذن (وهو رأي جمهور الفقهاء – الحنفية – المالكية – رأي للشافعية – الحنابلة – الزيدية – الإمامية – الإباضية) .
__________
(1) المحلى جـ 10 ص71(5/60)
ويمكن أن يقال: إن هذا الرأي جمع بين الأدلة، حيث حرم العزل إذا لم تأذن الزوجة فيه – وحينئذ عمل بالأحاديث الدالة على التحريم – وأباح العزل إذا أذنت الزوجة فيه وحينئذ عمل بالأحاديث الدالة على الإباحة، إلا أن هذا التفرقة في الحكم بناء على وجود الإذن وعدمه تحتاج إلى دليل.
كما أنهم أيضا اتفقوا على أن هذا هو الحكم إذا كانت الزوجة حرة، وأما إذا كانت أمة فقد اختلفوا في اعتبار الإذن أو عدم اعتباره، وفي اعتبار الإذن منها، أو من سيدها، ونوضح فيما يلي الحكم فيما إذا كانت الزوجة حرة، ثم إذا كانت أمة.
حكم العزل عن الزوجة الحرة:
لا يجوز العزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، وهذا هو رأي جمهور الفقهاء كما بينا – وقد استدلوا على ذلك بما يلي:
1- جميع الأحاديث التي استدل بها أصحاب الرأي الأول – التي تفيد إباحة العزل – غير أن هذا الإطلاق الوارد في هذه الأحاديث قيد بإذن الزوجة في الخبر المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم ((أن يعزل عن الحرة إلا بإذنها)) رواه أحمد وابن ماجه (1) .
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: ((نهي عن عزل الحرة إلا بإذنها)) أخرجه عبد الرزاق والبيهقي.
قال الشوكاني حكي في الفتح عن ابن عبد البر أنه قال "لا خلاف بين العلماء أنه لا يعزل عن الزوجة الحرة إلا بإذنها، لأن الجماع من حقها، ولها المطالبة به وليس الجماع المعروف إلا ما لا يلحقه عزل.
قال الحافظ ووافقه في نقل هذا الإجماع ابن هبيرة.
غير أن دعوى الإجماع هذه يؤثر فيها ما أوردناه آنفا من الرأيين: الأول والثاني – التحريم مطلقا، أو الإباحة مطلقا.
__________
(1) جاء في منتقى الأخبار بشأن هذا الحديث قوله "وليس إسناده بذلك" وقال الشوكاني: وحديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه في إسناده ابن لهيعة، وفيه مقال معروف، ويشهد له ما أخرجه عبد الرزاق والبيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: (نهي عن عزل الحرة إلا بإذنها) وروى عنه ابن أبي شيبة أنه كان يعزل عن أمته، وروى البيهقي عن ابن عمر مثله(5/61)