الغرض من سلوك طريقة الاتجاهات: تحاشي التكرار الذي يؤدي إليه ذكر كل مذهب على حدة، وما يستلزمه ذلك من تقديم مذهب معين. والمقصود من الأخذ بطريقة الاتجاهات أن تذكر المذاهب تبعًا لذكر المواقف (إذا لم تكن المسألة موضع اتفاق) . وذلك بمراعاة الأولوية المنطقية للبدء، بتقديم ما لا يتوقف فهمه على ما بعده، وذكر البسيط قبل المركب أو ما فيه تفصيل، وحين تتكافأ الاتجاهات من حيث الأولوية المنطقية يبدأ بما ذهب إليه الأكثرون، ثم تستكمل مواقف من بعدها. وتربط المذاهب بالآراء التي اندرجت تحتها، حتى لو كان للمذهب الواحد أكثر من رأي، فإنه يذكر المذهب ثانية عند الرأي الآخر. والعرض وفقًا للاتجاهات يلحظ فيه كل مسألة أو مجموعة متلازمة من المسائل، وليس بحسب البحث كله، أو أجزائه الكبرى.
رابعًا: تدخل في الموسوعة جميع المسائل المستجدة والقضايا العصرية، في أبوابها المناسبة، وكذلك التطبيقات الجديدة للأحكام المقررة في كتب الفقه.
المراد بالمسائل المستجدة كل واقعة جديدة في الظهور أو في الشهرة، وليس لها في المراجع الفقهية المعتمدة حكم ظاهر مفصل. فلا عبرة بالإشارات أو التعرض الخاطف لها في كتب الفقه، من فقيه واحد أو اثنين، أو لدى مذهب دون غيره، فهي تعتبر مستجدة طالما لم تحظ بالمعالجة المتكررة كغيرها من المسائل المتداولة في المتون والشروح والحواشي.
كما يشار للتطبيقات الجديدة إذا كان في ذلك التطبيق ما يختلف من حيث المبدأ أو المنهج عن التطبيق السابق.
خامسًا: اقتران الأحكام بأدلتها، ووجه الاستدلال إن لزم، مع تحري التوضيح والسهولة في عرضها. وإذا كان للمسألة أكثر من دليل يقتصر على أقواها وتشمل الأدلة النصوص والأقيسة والتعليلات.
الأدلة الشرعية:
" تذكر مع الأحكام أدلتها الشرعية من نصوص أو غيرها دون المناقشات فيها مع الاقتصار على المهم الذي يعرف به وجه استنباط الحكم من نص أو غيره. ويستتبع ذلك عزو الآيات، وتخريج الأحاديث ببيان موجز لمرجع الحديث ودرجته عند علماء الحديث".
موطن ذكر الأدلة تال لذكر الحكم. تفاديا من تكرار تصويره فيما لو فصلت الأدلة عن مدلولها. ولا يذكر من الأدلة إلا ما استدل به أصحاب كل مذهب لمذهبهم في كتبهم. ولا يتعرض لمناقشات الأدلة سواء أوردها أصحاب المذهب أو غيرهم.
وتخريج الأحاديث وبيان ضعفها أحيانا لا يتعارض مع إيراد المسألة الفقهية التي اقتضت ذكر الحديث؛ لأنه قد يكون للحكم دليل آخر.(3/1318)
سادسًا: حق الترجيح بين الأدلة، أو استظهار بعض الآراء، يقتصر على لجنة التحرير والمراجعة. ويمكن للكتاب إثبات ما يبدو لهم من ترجيح أو استظهار في الهوامش ويترك البت فيها للجنة.
يقصد بالترجيح الشخصي الذي لا يسمح بالإشارة إليه، رأي الكاتب، مما لم ينقله عن أئمة المذهب، ويجب ذكر ما رجحه فقهاء كل مذهب فيما يتصل بمذهبهم، مع وجوب التنصيص على درجة الرأي في المذهب بالعبارات المصطلح عليها فيه (حسب أصول الإفتاء المعبر عنها برسم المفتي) .
سابعًا: اختيار الأسلوب الملائم لمتوسطي الثقافة، بعيدا عن التركيز العلمي الملحوظ في معظم النصوص الفقهية، وبعيدا عن الأسلوب الأدبي الإنشائي غير المنضبط، وعدم سرد النصوص من الكتب كما هي، إلا إذا كان يتحقق فيها اليسر والوضوح، فيقتصر على أجمعها معنى، وأوضحها دلالة، وأقربها أسلوبا.
لا مانع من التزام عبارات المؤلفين في المراجع الفقهية ما دامت واضحة مناسبة لما يقتضيه المقام، مع التصرف فيها في حال غموضها أو تعقيدها أو أسهابها أو إيجازها المخل.
التصرف في عبارات المراجع الفقهية قد يكون ضروريا لسلوك طريقة الاتجاهات الفقهية (المطلوب في البند الرابع) ، وكذلك الاستمداد من أكثر من مرجع لكل مذهب (المطلوب في البند السادس) . فلا بد لمراعاة الأمرين من التصرف بصورة يحافظ فيها على مراد المؤلف.
ثامنًا: إفراد أصول الفقه بعمل مستقل وعدم تناوله في الموسوعة، لا سيما بعد التزام الترتيب الموضوعي للفقه.
ستشتمل الموسوعة بين مصطلحاتها الفقهية على (إحالات) بجميع المصطلحات الأصولية يكتفى فيها بتعريفها وتصويرها بما يمنع اللبس، كذكر تقاسيمها الأساسية وأهم أمثلتها، مع الإحالة بالتفصيل إلى الملحق الأصولي الموضوعي، مع الاستفادة مما كتب في علم الأصول قديما أو حديثا.(3/1319)
والملحظ في إفراد الأصول بملحق هو النظر إلى طبيعته الخاصة، من حيث عرض المذاهب على أسس أوسع من المذاهب المعروفة، كما أن الغرض من ترتيبه موضوعيا هو لمُّ أجزاء مباحثه تسهيلاً للإفادة منه، مع وضع كشاف تحليلي ألفبائي بأول الملحق للدلالة على مواطن مصطلحاته، فضلاً عن أخذ جميع العناوين الأصولية في صورة إحالات بين مصطلحات الموسوعة الفقهية، وكذلك يفرد ما بتوابع أصول الفقه (وهو القواعد الفقهية، والأشباه والنظائر، والفروق) لتأرجحها بين الفقه والأصول، فتفرد عن الموسوعة بمدونات مناسبة.
تاسعًا: ذكر المقابل القانوني للمصطلحات الفقهية بين قوسين، سواء في التقسيمات أو الأبحاث والمسائل.
ليس من شأن هذه الموسوعة استعراض الأحكام القانونية؛ لأنها موسوعة فقهية، ولكن من اللازم المقارنة بين مصطلحات الفقه ومصطلحات القانون في الموضوع نفسه، كذلك يستعان بالتقسيمات المناسبة فقهية كانت أو قانونية.
إن المبدأ القائل " لا مشاحة في الاصطلاح" يحكم هنا، فإنه لا سبيل إلى إهمال ما تعارفه الناس من تعابير فنية، سواء كانت موروثة أو مستحدثة، حتى لو كانت مشتركة، فإن من الممكن إلحاق ما يقطع الاشتراك بين القوسين.
والمصطلحات الفقهية معروفة للفقهاء والمشتغلين بكتبهم، ولها مؤلفاتها المشار إليها في بعض ما نشرته أمانة المجمع من مقالات الأعضاء. أما المصطلحات القانونية فهي في الغالب مترجمة عن اللغات الأخرى التي راجت مع المستعمرين المتعددين حسب كل بلد خضع لهم، ومن هنا جاء التفاوت والازدواجية فيما بينها من جهة، وبينها جميعها وبين المصطلحات الفقهية. وإن كانت هذه أيضًا قد تختلف حسب المذاهب أو ينفرد المذهب بما لا مقابل له في المذاهب الأخرى وهو يسير.
ولذا لا بد من الاقتران بين المصطلح الفقهي وما يقابله واحدا أو أكثر،، إما في صلب البحث للمرة الأولى، ثم يختار الكاتب ما هو أوسع تداولا، وإما في الهامش. ومن الممكن أن يستعان بقوائم معدة لهذا الغرض تلحق بالمادة العلمية وتستوعب البدائل. وفيما أصدره مكتب تنسيق التعريب من مصطلحات الفقه والقانون نماذج ومواد أولية للاستكمال.
كما أن الكشاف المعد للمصطلحات ينبغي أن يشتمل على جميع ما تداوله الفقهاء أو القانونيون منها مع رموز تبين طبيعة هذا المصطلح الفقهية أو القانونية.
وسيكون المعجم العام للمصطلحات مرجعا أصيلا للموسوعة،ولاسيما إذا تمت المبادرة إلى إخراجه قبلها؛ لأن الأعمال فيه محصورة، وتأخذ طابع الجمع والترتيب بعد الاختيار، خلافا للموسوعة التي تقوم على التمثل للمعلومات وصياغتها بطريقة مقارنة.(3/1320)
عاشرًا: الإفادة من جميع ما كتب سواء في القرون السابقة أم في العصر الحاضر، بحيث يستعين الكاتب بكل ما وصل إلى علمه ويرجع إلى المؤلفات الحديثة والدوريات ونشرات المجامع والجامعات والمؤسسات العلمية.
لضمان تمثيل المذاهب هناك مراجع أساسية معتمدة لكل مذهب لا بد للكاتب من الرجوع إليها كحد أدنى، سواء نقل منها جميعها أو اجتزأ بما يغني عن غيره، وهي في مجموعها تحقق خصائص عديدة مثل أصالة المذهب، والعناية بالاستدلال من المنقول والمعقول، والتوسع في التفريع، والترجيح والاعتماد للفتوى، وتأخر زمن المؤلف ليشمل ما قبله من كتابات.
- المراجع الأساسية في المذهب الحنفي:
1- المبسوط، للسرخسي.
2- رد المحتار (حاشية ابن عابدين) .
3- فتح القدير شرح الهداية، لابن الهمام.
4- بدائع الصنائع. للكاساني.
5- الفتاوى الهندية.(3/1321)
- المراجع الأساسية في المذهب المالكي:
1- المدونة، رواية سحنون عن الإمام مالك.
2- حاشية الدسوقي على الشرح الكبير للدردير على مختصر خليل.
3- شرح الزرقاني على خليل بحاشية الرهوني.
4- حاشية العدوي على شرح أبي الحسن على الرسالة لابن أبي زيد القيرواني " كفاية الطالب الرباني".
5- مواهب الجليل للحطاب شرح مختصر خليل.
- المراجع الأساسية في المذهب الشافعي:
1- الأم، رواية الربيع عن الإمام الشافعي.
2- حاشية الجمل على شرح المنهج.
3- أسنى المطالب شرح روض الطالب، للقاضي زكريا الأنصاري.
4- الروضة، للإمام النووي.
5- نهاية المحتاج شرح المنهاج، للشمس الرملي.(3/1322)
المراجع الأساسية في المذهب الحنبلي:
1- مسائل الإمام أحمد لأبي داود، وغيره.
2- كشاف القناع شرح الإقناع، للبهوتي.
3- المغني، لابن قدامة.
4- الفروع، لابن مفلح.
5- مطالب أولي النهى شرح غاية المنتهى.
المذاهب الأربعة الأخرى:
هناك كتب مشهورة في هذه المذاهب، كشروح الأزهار في المذهب الزيدي، وشرح النيل لأطفيش، والإيضاح للشماخي في المذهب الأباضي، وشرح اللمعة، وشرح المختصر النافع، وتذكرة الفقهاء في المذهب الإمامي، والمحلى في المذهب الظاهري.
ويستعان بفقهاء كل مذهب بوضع قائمة مفصلة للمراجع الممثلة لفقه المذهب، مع الخصائص المشار إليها في بداية الكلام عن المراجع من حيث الأصالة والرجحان والاستدلال ...
من المراجع لفقه السلف والفقه العام:
يستمد ذلك من كتب الخلاف، كاختلاف الفقهاء لابن جرير الطبري، والمحلى لابن حزم، والمغني لابن قدامة، والمجموع للنووي، والقوانين الفقهية لابن جزي، وبداية المجتهد لابن رشد، والبحر الزخار للمهدي وغيرها من المطولات الفقهية.
ويستمد من كتب الحديث وشروحه كمصنف عبد الرزاق، ومصنف ابن أبي شيبة، وشرح معاني الآثار للطحاوي، والاستذكار والتمهيد كلاهما لابن عبد البر، وفتح الباري لابن حجر، ونيل الأوطار للشوكاني.
ويستمد من كتب التفسير المطولة كالطبري والقرطبي والجصاص وأبي بكر ابن العربي.(3/1323)
الهيكل الموضوعي
التقسيم المختار للموسوعة الفقهية للمعاملات
من حيث الزمر، والأبواب لكل زمرة
تمهيد:
نظرا للاقتصار على قسم المعاملات من الفقه (بالتقسيم الرباعي القديم المشتمل على العبادات، والمعاملات، والمناكحات، والعقوبات مع المرافعات، فإن هناك حاجة للبت في بعض الأبواب المتأرجحة بين تلك الأقسام الأربعة. وسيقتصر البحث فيما هناك احتمال بدخوله في قسم المعاملات، دون ما كان التردد فيه قاصرا على الأقسام الأخرى مع الجزم بعدم صلته المباشرة بالمعاملات. هذا مع العلم بأن هذه الأمور لم تسلم من الخلاف الواسع فيها، وهو خلاف لا مناص من الاختيار منه دون إمكانية حسمه.
- فالأبواب المتعلقة بالأيمان والنذور والواجبات أو المندوبات المالية كالأضحية والعقيقة، لا تندرج في المعاملات بالرغم من العنصر المالي فيها؛ لأنها لا مطالب لها من العباد، ولا يجري فيها القضاء.
- والهبة وإن أدرجتها بعض قوانين الأحوال الشخصية بين أبوابها، فإنها من صميم قسم المعاملات.
- والوصية والوقف: مع التسليم بالعلاقة الشديدة بينهما وبين ما تدور عليه أبواب الأحوال الشخصية مع القرابة ونحوها، فإن الوصية لا تختص بالأقارب، وكذلك الوقف الخيري، وهما في غاية الأهمية بالنسبة للدراسات الاقتصادية الحديثة؛ لأنهما من قبيل الموارد العامة، لذا أدرج هذان الموضوعان في المعاملات.
- واللقطة: لما اعتبرت من المعاملات المالية استتبع ذلك الكلام عن اللقيط مع أنه يتصل بشخصه وأحواله، لكن غالب الأحوال هي العلاقة المالية من جهة التصرف بما وجد معه وما ينفق عليه.
- والتخارج: يعتبر لدى الفقهاء من توابع الإرث؛ لأن معظم تطبيقاته فيه، لكن قابلية هذا العقد تتسع لما سوى الإرث من الحقوق المشتركة، لذا أدرج في موسوعة المعاملات المالية.
- والصلح والإقرار: رغم علاقتهما بالمرافعات، ولكن العنصر المالي فيهما هو الأهم، لذا كانا مشمولين.
- والحجر: مع أنه قيد على الأهلية، لكن تقييده على أهلية التصرف بالمال وأثر ذلك في التعامل مع المحجور، وكذلك الحال في المأذون، وهو هنا قاصر على الصبي المأذون له بالتجارة دون الرقيق لعدم التطبيق.(3/1324)
أما باب الإفلاس: فلا ريب في إدراجه في قسم المعاملات.
- والإيصاء أو الوصاية: هي من مشمولات الأحوال الشخصية، لكنها تشبه إلى حد كبير الوكالة وأنواع النيابة عن الغير في التصرفات المالية.
- والغصب: وإن كان كثير من الفقهاء يورده عقب السرقة، لكنه من المعاملات لا من العقوبات.
- كذلك الحال في الإتلاف، أو الإكراه: فإنه مدرج مع المعاملات لأثره على التصرفات عموما، ومنها التصرفات المالية.
كما ألحق بالغصب: باب الاستحقاق، لأن أكثر الفقهاء يورده مع البيع.
أما توزيع قسم المعاملات إلى زمر، فإن البيانات فيه قليلة متناثرة في بدايات الأبواب، والغرض منه ليس أكثر من الملاءمة بين تتابع الأبواب التي تضمها طبيعة عامة واحدة لكي يختصر الكلام عن الخصائص التي تشترك فيها.
وقد اختيرت الزمر المشتملة على أبواب من بين التسميات الكثيرة التي يلحظ أن بعضها لا يجذب أبوابا، بل هو للمسائل وبعض الفروع، فكانت الزمر المختارة والجارية في قسم المعاملات بقطع النظر عن كثرة أبواب كل زمرة أو قلتها، هي:(3/1325)
1- التبرعات. 2- المعاوضات وتجمعهما زمرة كبرى هي " التمليكات" لكن التخصيص في اسم الزمرتين أولى بالاعتبار، ولم تؤخذ زمرة للإسقاطات؛ لأنها ليست لها أبواب.
3- المشاركات وألحق بها ما تنتهي به الشركة كالقسمة، أو الشفعة، وحقوق الشركاء في الجوار والمرافق.
4- الاستحفاظات
5- الإطلاقات
6- التقييدات
7- الضمانات 8- التوثيقات ولوحظ في الحوالة والكفالة أنهما توثيق مع أدائهما أدوارا أخرى، كالبيع أو الهبة في حالات الإطلاق أو التقييد والرجوع أو عدمه.
وفيما يلي الأبواب التي تشملها كل زمرة:
1- (زمرة) المعاوضات:
البيع (الاحتكار – التسعير) .(3/1326)
المقايضة
الصرف السلم.
بيوع الأمانة
المرابحة /التولية/الإشراك/الوضيعة
بيع المعاطاة
بيع الوفاء
بيع الربا
بيع التلجئة
الصلح
التحكيم
الإجارة
الجعالة
الاستصناع
الإقالة
2- (زمرة) التبرعات:
الهبة
العمرى
الرقبي
العرية
المنحة
الإرفاق
الإسكان
الإخدام
الهدية
الإيراد بمرتب مدى الحياة
الإباحة(3/1327)
التزام التبرع (الوعد)
الإبراء
الإعارة
المسابقة والمناضلة والجوائز
الوصية
الوقف
القرض
3- (زمرة) المشاركات:
الشركات (المفاوضة / العنان /الوجود، التقبل)
القراض (المضاربة)
الإبضاع
المزارعة
المساقاة (أو المعاملة أو المعاقدة)
المغارسة.
الشفعة
أحكام الجوار والمرافق المشتركة
القسمة
المهاياة
التخارج (المخارجة)
عقد الموالاة
الشركات الحديثة (بجميع أنواعها) .(3/1328)
4- (زمرة) الاستحفاظات:
الإيداع
الحراسة
اللقطة
اللقيط من حيث الملك والتصرف
المفقود
5- (زمرة) الإطلاقات:
الوكالة.
الإيصاء
الإذن للمميز (المأذون) .
إحياء الموات والتحجر.
6- (زمرة) التقييدات:
الحجر
التفليس
7- (زمرة) التوثيقات:
الرهن
الكفالة
الحوالة
الإقرار
التأمين
8- (زمرة) الضمانات:
الغصب
الإتلاف
الإكراه
الاستحقاق(3/1329)
النظريات الأساسية المتصلة بفقه المعاملات
1- الأموال
2- الملكية
3- العقد
4- الشرط
5- الخيار
6- الأجل
7- الضمان
8- الأهلية
9- الغرر
10- القبض
11- الغبن
12- الفسخ
13- البطلان والفساد ... إلخ(3/1330)
بسم الله الرحمن الرحيم
الخطوات العملية لإعداد الموسوعة
الموسوعة عمل علمي يتصف بالطابع الجماعي الذي هو أهم العوامل التي تبعث الثقة فيها. وهذه الطبيعة تستتبع المرور بمراحل عديدة يتلو بعضها بعضا، ولا يمكن حذف بعضها أو تغيير موقعه. وذلك كله بعد تحديد خصائص الموسوعة المطلوبة من خلال خطة الكتابة بخصائصها وقيودها، ومن خلال الهيكل الموضوعي لها.
وهذه المراحل هي: الاستكتاب، المراجعة، الاعتماد، الإخراج.
الاستكتاب والمراجعة والاعتماد والإخراج:
توطئة:
بالرغم من أن هذه المهام هي تنفيذية، وتحتاج إلى جملة مفصلة من الإجراءات، ومجموعة من اللوائح الفنية والإدارية والمالية، وهي مما لا يمكن وضعه إلا من قبل لجنة، على ما تضمنته التوصيات التي تمخضت عنها الدورة الثانية، تحسن الإشارة هنا إلى بعض المعالم مما سلكته المشاريع القائمة، سواء أكانت فقهية أو غيرها، والتركيز هنا على الفقهية.
ففي مجال الاستكتاب: لا بد أن يسبقه وضع خريطة شاملة لفقه المعاملات بترتيب عام مختار، ثم بتخطيط تفصيلي مستوعب لكل معاملة (تصرف أو واقعة) . وهذه التجزئة تتيح تجنيد أكبر قدر من الطاقات العلمية للكتابة وتؤدي للإسراع في الإنجاز، على أن يختار لكل (زمرة) من الزمر الفقهية لجنة من ثلاثة فقط، لتنسيق ما تضمه الزمرة، من النواحي الخارجية دون الغوص في المضمون، فذاك من عمل المراجعة بعد أن يحال إليها ما كتب منسجما في مكوناته وروابطه.
والمتبع في بعض المشاريع أن لا يعهد بالكتابة إلا لمن له تجربة سابقة بإعداد رسالة دكتوراه مثلاً، أو كتب تدريسية رفيعة المستوى، أو مراجع في صميم الفقه بطريقة حديثة، ولا بد هنا من اختيار الطبقة العليا من هذه النوعية؛ لخطورة البحث الفقهي في المعاملات، وخاصة إلى معايشة التطبيقات القائمة، ويتم استكتاب الفقهاء في مواطن عملهم ويختار لكل باب من له سابق اهتمام به.
أما المراجعة: فهي إما فردية أو جماعية.(3/1331)
والمراجعة الفردية أسهل وأقل تكاليف، ولذا يصار إليها في كل ما كتب.
أما الاعتماد أي المراجعة الجماعية: فتكون للزمر بعد انتهاء كتابة محتواها ومراجعته، وتتم بمعرفة المجمع من لجنة الموسوعة. والمراجعون - حسب المتبع في بعض المشاريع - لا ينبغي أن تخلو عن رؤساء أقسام الفقه ممن بلغ درجة الاستناذية في الفقه، ومن في مستواهم من غير ذوي المؤهلات الرسمية. ويستعان في المراجعة بمتعمقين في الفقه في مواطن عملهم أيضًا دون تفرغ، ويراعى في عملية المراجعة – فضلا عما اشتملت عليه خطة الكتابة، وفضلاً عما تكشفه خبرة المراجع – تفقّد الأمور التالية:
(أ) أصالة البحث.
(ب) بذل جهد جديد في الموضوع من حيث المعلومات وترتيبها.
(ج) جودة التعبير سواء كانت العبارة منشأة من الباحث أو مختارة من النصوص الفقهية.
(د) التركيز على الموضوع وعدم الخروج عنه.
(هـ) تنسيق المعلومات ومنهجية البحث.
(و) تحديد المراجع بالعزو للجزء والصفحة وبيان الطبعة.
والإخراج: عمل مزيج بين الفقه وأصول التحقيق والنشر، ويستعان فيه ببعض المختصين على هذا النحو، وتكفي له لجنة أو لجنتان لا تزيد كل منهما عن ثلاثة.
هذا، ويمكن وضع الخطوط لإعداد الموسوعة على النحو التالي:
الإخراج: يهدف الإخراج إلى إدخال اللمسات الفنية في عرض الموسوعة باستكمال علامات الترقيم والعناوين والفقرات والقواعد التنظيمية الأخرى، وفيما يلي نماذج لما ينبغي مراعاتها:
أولاً: الورق والحجم والغلاف:
الورق وزن (80) جرام أبيض ناعم، مقاس الصفحة 28 × 22 بعد القص تقريبًا.(3/1332)
معلومات الغلاف – باليمين: الشعار وتحته اسم المجمع والأمانة، ثم في الوسط " موسوعة فقه المعاملات "، وتحتها رقم الجزء بالحروف، وتحته اسم الزمرة، أو الزمر التي في المجلد، وجميع المصطلحات الممثلة للزمرة، وفي الأسفل " حقوق الطبع محفوظة "، والغلاف الأيسر مماثل للأيمن باللغتين الإنجليزية من الخارج والفرنسية من الداخل، وتكون معلومات الكعب مماثلة للغلاف الأيمن، باستثناء الجزء فيذكر رقما لا حرفا، ويكون حجم المجلد من 300 – 400 صفحة.
ثانيًا: تنظيم محتوى الصفحة:
(أ) يلتزم ما أمكن التصريح باسم مؤلف المرجع في الصلب وباسم كتابه في الحاشية مع الجزء والصفحة.
(ب) يذكر الرقم المتسلسل للصفحات بأسفل الصفحة في الوسط.
(ج) يذكر في طرة الصفحة اليمنى اسم الزمرة والباب أو الأبواب الواردة في الصفحة، مع بيان رقم الفقرة في المصطلحات الأصلية الممتدة.
وكذلك في الصفحة المقابلة. وذلك ببنط أسود مع خط منقط فاصل بين معلومات الطرة وبين الصلب.(3/1333)
(د) تتكون الصفحة من عمودين مع بيان فاصل بينهما دون خط، وذلك بالنسبة لكل ما في المجلد من مقدمة وبحوث وتراجم وفهراس.
(هـ) أرقام الفقرات بنط 24 أسود متبوعة بخط أفقي، بارزة عن الكلام.
(و) الكلام في الصلب يطبع ببنط 18 تقريبًا والحواشي بنط 12 تقريبًا.
(ز) تستعمل علامات الترقيم المعهودة والمأخوذة من كتاب " كيف تكتب بحثا " للدكتور أحمد شلبي ص 173.
(ح) الإحالة إلى مصطلح آخر أثناء الكتابة أو في نهايته تكون بحرف الراء متبوعًا بنقطتين في المصطلح المحال عليه، ورقم الفقرة فيه، وذلك كله بين قوسين هكذا (كذا: ر: كذا ف/..) وفي الإحالة لفقرة في نفس المصطلح يكتفى بذكر رقمها فقط.
(ط) العناوين: عنوان الزمرة والباب يكتب خطا (روسم – كليشه) في وسط العمود. وأما عناوين الدلالة مثل (كذا/ر: كذا) فتطبع ببنط أسود من نفس بنط الكلام في وسط مستقل، وكذلك العناوين التقسيمية للبحث التي تكون في الوسط، وكذلك العناوين الجانبية للمسائل.
(ي) الهامش والعزو للمراجع: يكتفى بذكر المراجع في الحواشي مع بيان الطبعة في أول ذكر لها في البحث، ويفترض أن كل ما لم تحدد طبعته من مواطن النقل عن الكتاب هو مطابق للمذكور أولا، فإن تغيرت فلا بد من تحديد الطبعة بازاء ذلك المكان يكون العزو للمرجع بالصورة التالية: اسم الكتاب، فرقم الجزء والصفحة مفصولاً بينهما بخط مائل، ثم تُبيّن الطبعة بعد حرف ط هكذا (0/0 ط 0 0 0) .(3/1334)
وإذا كان النقل غير مباشر يُبيّن المرجع المباشر متبوعا بعبارة " نقلا عن كذا "، ويكتفى في المعاجم بذكر اسم الكتاب والمادة.
الهامش للمراجع وتخريج الآيات والأحاديث، فضلاً عن تخصيص توضع فيه الترجيحات والملاحظات التي تبدو للكاتب. وكذلك شرح المفردات للغوية الغريبة، والأسماء المبهمة مثل فقهاء المدينة، مشايخ بلخ. ويلاحظ بروز أرقام الهوامش، وتكون أرقام هوامش الصفحة متسلسلة فيها فقط، وتحت كل عمود هوامشه المتصلة به، وتفصل الحاشية عن الصلب بخط أفقي قصير.
ثالثًا: تخريج الآيات والأحاديث:
1- تشكل الآيات شكلا كاملاً، وتخرج في الصلب بذكر اسم السورة متبوعًا برقم الآية هكذا مثلا {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: 20] بين قوسين معقوفين.
2- يشكل من الأحاديث ما هو مُشكَِل فقط بحسب الضرورة (أي تشكل شكلا جزئيًا) .
3- يصحح لفظ الحديث حسب الأصل المنقول منه، فإن اختلف ذلك عما في كتب الأحاديث صحح في الهامش، وإن كان مرويا بالمعنى يوضح ذلك.
4- يخرج الحديث تخريجا موجزا بنسبته إلى الأصول المسندة التي أوردته بالجزء والصفحة.
5- تذكر درجة الحديث من الصحة والضعف ونحوهما، منسوبة إلى من نص عليها من الأئمة، وإن اختلفت نصوصهم تذكر باختصار، فإن لم ينص عليه أحد تذكر خلاصة ما في كتب التخريج بإيجاز.
رابعًا: التراجم:
1- يترجم الفقهاء خاصة دون غيرهم من الأعلام المذكورين في الموسوعة.
2- تذكر تراجم الأعلام الواردة في جميع المجلدات مجتمعة في ملحق في آخرها، مرتبة بحسب حروف المعجم.
3- تذكر الترجمة باختصار بما لا يزيد عن ثلاثة أسطر.
4- تطبع التراجم بحرف من بنط 14 ويكون العلم ببنط أسود بارزا إلى اليمين مسافة مناسبة.(3/1335)
خامسًا: ترتيب محتويات المجلد:
ترتيب محتويات المجلد كما يلي:
1- صفحة العنوان.
2- الصفحة الثانية تذكر فيها الطبعة وسنة الطبع.
3- تقديم الأمانة.
4- مقدمة الموسوعة والإيضاحات الضرورية.
5- متن الموسوعة.
6- (في الأخير تماما) فهرس تفصيلي شامل لجميع الموضوعات الواردة في المجلد وما يتبع كل موضوع من العناوين الفرعية مسرودة كما وردت في الواقع مع بيان الصفحات والفقرات مع اقتران رقم الفقرة في الفهرس بحرف (ف) .(3/1336)
سادسًا: خطوات العمل في الإخراج الطباعي:
1- تصحيح البحث من حيث اللغة، وإضافة علامات الترقيم وتطبيق لائحة الإخراج مع توقيع كل من المكلفين بالتصحيح على كل ورقة من أوراق البحث قبل إرسالها للمطبعة وعند الاعتماد للطبع.
2- إضافة العناوين الرئيسية والجانبية التي يقتضيها البحث.
3- ترقيم فقرات البحث.
4- استخراج الفهرس التفصيلي لمحتوى المجلد من واقع العناوين.
(هـ) الفهارس والكشافات لموسوعة فقه المعاملات:
مهما تصورنا الإسراف في أمر فلا إسراف في أمر الفهارس الفنية والكشافات.. لأنها لا عبء فيها على المطالع، بل هي عبء حمله عنه صانع الفهرس وبذل وقته الطويل ليحفظ وقت غيره.
وفي الكشافات علاج للأخذ بطريقة ما في الترتيب الموضوعي دون أخرى لأن التعويض عن الطرائق المعدول عنها أن تلحق على صورة فهارس ويتم الربط بينها وبين ما أخذ به. وعلى سبيل المثال يمكننا – وهو ضروري أيضًا – أن نلحق بالمادة العلمية فهرسا يمثل نظرية الالتزام بأوسع تصور لها مع تشعيب أجزائها ويشار إلى مكان بحث كل جزئية من خلال نظام ربط يعتمد المصطلحات والفقرات أو التبويب العنواني: كتاب، باب، فصل إلخ.
كذلك لا بد من صنع فهرس تحليلي لجميع المسائل ملقبة كانت أو غير ملقبة عن طريق تصدير المسألة باللفظ الاصطلاحي الفقهي وترتيب هذه المسائل الفبائيا، ثم الإشارة إلى موطن بحثها..(3/1337)
وهكذا يتم استيفاء جميع الفهارس النافعة ولو بأدنى صلة، ومن المتاح الاستعانة بالفهارس التي تم صنعها في الكويت من قبل وزارة الأوقاف كعمل مساعد للموسوعة وقد خدمت أكثر من أربعين مرجعا فقهيًا، وهناك خطة تعاون بين الوزارة وبين البنك الإسلامي للتنمية لإكمال هذا المشروع ليصبح كشافا شاملا لمصادر الفقه الإسلامي، ويوضع في متناول الباحثين في جميع البلاد الإسلامية بعد توفير التقنية اللازمة من كومبيوتر وميكروفيش وإعادة طباعة تلك المراجع حسب الطبعات المعتمدة للفهرسة وتعميمها عن طريق البنك إلى المراكز العلمية.
وأعمال الفهرسة – بالطبع – تخرج عن العمل الكتابي للموسوعة ولكن لا بد أن يكون العاملون فيها من المشتغلين بالفقه وإن لم يصلوا إلى مرتبة الكتابة الموسوعية. وقد استعين في مشروع وزارة الأوقاف بالعاملين في المساجد من أئمة وخطباء مؤهلين فقهيا (كخريجي كلية الشريعة فقط) وكذلك بالعاملين في تدريس التربية الإسلامية أو التوجيه من نفس النوعية.. ولا بد أن يقرن بهؤلاء بعض المختصين المكتبيين لضمان عصرية الفهرسة وأخذها بما هناك من تطوير في وسائل العمل أو أشكاله.(3/1338)
معجم المصطلحات الفقهية
معجم المصطلحات الفقهية
عناصر الموضوع:
1- النظام الأساسي:
جاء في المادة الخامسة من الباب الثالث من النظام الأساسي للمجمع: " وضع معجم للمصطلحات الفقهية ييسر على المسلمين إدراك معناها لغة واصطلاحًا عن طريق لجان متخصصة".
2- توصية شعبة التخطيط:
رأت الشعبة في اجتماعها الأخير بجدة (شعبان 1405 هـ/مايو 1985 م) أن يكون المعجم المراد وضعه معجما تعريفيا بالمصطلحات الفقهية لا مجرد فهرس للمصطلحات، ودون اشتماله على أحكام فقهية تفصيلية، وأن يكون شاملا لجميع ما ورد من مصطلحات في المذاهب الفقهية.
ولقد طلبت الشعبة من الأمانة العامة تكوين لجنة تستعرض الجهود السابقة في هذا المجال والاقتراحات التي قدمت في الموضوع إلى أمانة المجمع، وتستعين بالفهارس التي تم إنجازها للكتب الفقهية؛ لوضع منهج واضح لإخراج معجم شامل للمصطلحات الفقهية.(3/1339)
على أن يتم توثيق معاني هذه المصطلحات في المعجم المأمول بالرد إلى كتب المذاهب المتعددة، وعلى أن تراعي الأمانة العامة، عند تشكيل هذه اللجنة إمكانيات المجمع وتسهيل العمل، وبحيث يصار إلى البدء بتنفيذ العمل بتكليف مختصين لعمل معجم لمصطلحات كل مذهب على حدة، ثم يجري إخراج المعجم الشامل.
3- قرار المجمع في دورته الثانية بناء على محضر لجنة المعجم:
المعجم:
أما المعجم المقرر إعداده للمصطلحات الفقهية، فقد رأت اللجنة أن ما جاء عنه في تقارير الأعضاء، وما اشتمل عليه تقرير لجنة التخطيط يعتبر كافيا، لأن ما بعد هذا التصور يعتبر من القضايا التنفيذية التي تتطلب القيام بالإعداد الفعلي مستعانا بالأعمال السابقة سواء في مجال المعاجم (معجم المحلى، ومعجم المغني الصادر في الكويت) أو الفهارس التحليلية للمراجع الفقهية الكثيرة التي تقوم بها وزارة الأوقاف في الكويت وأن اللجنة العلمية المقترحة للموسوعة سيكون من عملها الإشراف على إعداد المعجم. والله الموفق.
توقيع أعضاء لجنة الموسوعة الفقهية والمعجم:
الشيخ عبد الله البسام د. عبد السلام العبادي
الأستاذ عبد الحليم الجندي د. محمد عبد اللطيف فرفور
(مقرر اللجنة)
الدكتور عبد الستار أبو غدة(3/1340)
توطئة عن الخطوات التنفيذية:
في ضوء عناصر الموضوع المستخلصة مما جاء عن " المعجم " في النظام الأساسي للمجمع، وتوصيات شعبة التخطيط، وتوصية لجنة المعجم التي اعتمدت ضمن قرارات الدورة الثانية للمجمع فإن المرحلة الحالية هي مرحلة التنفيذ والإعداد الفعلي للمعجم بالاستفادة من كل من المعاجم السابقة، والفهارس التحليلية للمراجع الفقهية.
وتقتضي إجراءات التنفيذ تقديم نماذج لما ستكون عليه بيانات المعجم، مع قوائم بالمعاجم والفهارس التحليلية المنجزة أو التي هي قيد الإنجاز، وكذلك قوائم بالفهارس الفقهية القديمة وكتب التعريفات والمصطلحات.
وقد تم إعداد ذلك كله كخطوة عملية للتنفيذ.
المجمع والجهات المعنية بالمعاجم الفقهية:
غير أن من الضروري الإشارة إلى عنصر جديد في سبيل إعداد معجم المصطلحات الفقهية من شأنه " توفير إمكانيات المجمع، وتسهيل العمل " وهو أيضًا منسجم مع رغبة شعبة التخطيط في عمل معجمات لمصطلحات كل مذهب على حدة تمهيدا لإخراج المعجم الشامل، هذا العنصر الجديد هو اهتمام مشترك بين وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت والبنك الإسلامي للتنمية في جدة، انطلاقًا من عناية الوزارة بفهرسة المراجع الفقهية وعناية البنك بالمصطلحات الاقتصادية الإسلامية (أي فقه المعاملات) وهو ما لا يتم بصورة كاملة إلا من خلال العناية بمصطلحات الفقه كله.(3/1341)
وقد تمخض عن هذا الاهتمام المشترك توقيع ميثاق تعاون لإصدار " الكشاف الشامل لمصطلحات الفقه الإسلامي" بنهوض الوزارة بالعبء العلمي، وتكفل البنك بكل ما يتطلبه تعميم الانتفاع بهذا الجهد، ومن الواضح أن " الكشاف الشامل " نافذة واسعة إلى مقومات المعجم الذي يعتزم المجمع إعداده، لأن الفهارس التحليلية لكتب الفقه تؤدي إلى ما يلي من البيانات – وهي كلها من لوازم مادة المعجم: -
- حصر المصطلحات لكل مذهب، ومن ثم لجميع المذاهب الفقهية.
- الوقوف على مواطن " تعريف " تلك المصطلحات.
- الوقوف على مواطن " الحكم الإجمالي " لتلك المصطلحات.
الاقتراح:
ولهذا أتقدم باقتراح لتوحيد الجهود بين المجمع وبين الجهتين المتعاونتين المشار إليهما وهو أن ينضم المجمع رسميا إلى ذلك الميثاق ويكون هو الجهة الأولى المستفيدة من تلك الأعمال وفي الوقت نفسه هو مناط الاعتماد والتقويم لها، ومنحها الثقة المجمعية من خلال لجنة المعجم خاصة ومساهمات الأعضاء عامة.(3/1342)
المرفقات:
1- الكشاف الشامل لقائمة المصادر المباشرة للمصطلحات والتعريفات.
2- نماذج للبيانات التي سيشتمل عليها المعجم بالنسبة لكل مصطلح.
الكشاف الشامل
(67) فهرسا تحليليا فقهيًا
1- الفواكه الدواني شرح الرسالة جزءان
مجموع صفحاتهما (944)
2- حاشية الباجوري علي ابن قاسم (4) أجزاء.
مجموع صفحاتها (1856) .
3- كفاية الأخيار للحصني جزءان
مجموع صفحاتهما (626) .
4- إعانة الطالبين (4) أجزاء
مجموع صفحاتها (1377) .(3/1343)
5- شرح البهجة للقاضي زكريا (5) أجزاء
مجموع صفحاتها (2150) .
6- تحفة المحتاج لابن حجر (10) أجزاء.
مجموع صفحاتها (4735)
7- الغاية القصوى للبيضاوي جزءان
مجموع صفحاتهما (1633)
8- البناية شرح الهداية للعيني (10) أجزاء
مجموع صفحاتها (8676)
9- البحر الرائق لابن نجيم (8) أجزاء
مجموع صفحاتها (3160)
10- حاشية أبي السعود على شرح الكنز (3) أجزاء
مجموع صفحاتها (1793)
11- مجمع الأنهر جزءان
مجموع صفحاتهما (1420)
12- كشف الحقائق للأفناني جزءان
مجموع صفحاتهما (704)(3/1344)
13- أسهل المسالك (3) أجزاء
مجموع صفحاتها (1299)
14- منح الجليل شرح خليل لعليش (4) أجزاء
مجموع صفحاتها (3138)
15- حاشية الرهوني علي الزرقاني على خليل (8) أجزاء
مجموع صفحاتها (3019)
16- فتح الجواد لابن حجر جزءان
مجموع صفحاتهما (1089)
17- نيل المآرب للشيباني جزءان
مجموع صفحاتهما (990)
18- الكافي لابن قدامة (4) أجزاء
مجموع صفحاتها (2111) .
19- منار السبيل شرح الدليل لابن ضويان جزءان
مجموع صفحاتهما (4099)(3/1345)
20- المبدع لابن مفلح (10) أجزاء
مجموع صفحاتها (4099)
21- الإنصاف شرح المقنع للمرداوي (12) جزءا
مجموع صفحاتها (5782)
22- الروض النضير للسيافي (4) أجزاء.
مجموع صفحاتها (1805)
23- البحر الزخار لابن المرتضى (5) أجزاء
مجموع صفحاتها (2195)
24- المنتزع المحتار لابن مفتاح (4) أجزاء
مجموع صفحاتها (2353) .
25 - الفروع لابن مفلح (6) أجزاء
مجموع صفحاتها (3888)
26- الشرح الصغير بحاشية الصاوي (4) أجزاء
مجموع صفحاتها (3050)
27- شرح منتهى الإرادات (3) أجزاء
مجموع صفحاتها (1514)
28- حاشية ابن عابدين (5) أجزاء
مجموع صفحاتها (2804) .
29- أسنى المطالب شرح الروض (4) أجزاء
مجموع صفحاتها (2062)
30 – مدونة الإمام مالك (6) أجزاء
مجموع صفحاتها (2970) .
31- المبسوط للسرخسي (30) جزءا
مجموع صفحاتها (6368)(3/1346)
32- البدائع للكاساني (7) أجزاء
مجموع صفحاتها (2134) .
33- الفتاوى الهندية (6) أجزاء
مجموع صفحاتها (3789)
34- مواهب الجليل للحطاب (6) أجزاء
مجموع صفحاتها (3526) .
35- الأم للشافعي (7) أجزاء.
مجموع صفحاتها (1960)
36- روضة الطالبين للنووي (12) جزءا
مجموع صفحاتها (5023)
37- نهاية المحتاج للرملي (8) أجزاء
مجموع صفحاتها (3758)
38- مسائل الإمام أحمد لأبي داود. جزء واحد
مجموع صفحاته (326)
39- مسائل الإمام أحمد لابن هاني جزءان
مجموع صفحاتهما (497)
40 – المغني لابن قدامة (12) جزءا ط (1) المنار
مجموع صفحاتها (8065)
41- المغني لابن قدامة (9) أجزاء ط، الرياض، مجموع صفحاتها (6203) .
42- الاختيار شرح المختار للموصلي (5) أجزاء
مجموع صفحاتها (846)
43- المحلى لابن حزم (11) جزءا
مجموع صفحاتها (1480)
44- جمع الجوامع بشرح المحلى جزء واحد
مجموع صفحاته (439)
45- مسلم الثبوت شرحه للأنصاري جزءان
مجموع صفحاتهما (742)(3/1347)
46- المجموع للنووي شرح المهذب (12) جزءا
مجموع صفحاتها (5697)
47- المعيار للونشريسي (12) جزءا
مجموع صفحاتها (5422)
48- فتاوى ابن تيمية (35) جزءا
مجموع صفحاتها (15367)
49- بداية المجتهد لابن رشد (2) جزءان
مجموع صفحاتها (952)
50- الإقناع للخطيب الشربيني (4) أجزاء
مجموع صفحاتها (619)
51- الشرقاوي على شرح التحرير جزءان
مجموع صفحاتهما (1069)
52- الفتاوى الحامدية جزءان
مجموع صفحاتهما (1026)
53- الفتاوى المهدية (7) أجزاء
مجموع صفحاتها (3998)
54- فتاوى ابن حجر الكبرى (4) أجزاء.
مجموع صفحاتها (1735)
55- فتاوى الرملي (4) أجزاء
مجموع صفحاتها (1735)
56- فتاوى السبكي (2) جزءان
مجموع صفحاتها (1162)
57 – فتاوى عليش (فتح العلي المالك) (2) جزءان
مجموع صفحاتهما (823)(3/1348)
58- الفتاوى الأنقروية جزءان
مجموع صفحاتهما (895)
59- فتح القدير (8) أجزاء
مجموع صفحاتها (3806)
60 – شرح الزرقاني (8) أجزاء
مجموع صفحاتها (2174)
61 – كفاية الطالب الرباني جزءان
مجموع صفحاتهما (868)
62 – مطالب أولي النهي (6) أجزاء
مجموع صفحاتها (4475)
63 - حاشية الجمل (5) أجزاء
مجموع صفحاتها (3722)
64 – حاشية الدسوقي علي شرح الكبير (4) أجزاء
مجموع صفحاتها (2134)
65 – كشاف القناع (6) أجزاء
مجموع صفحاتها (3723)
66- جواهر الأكليل جزءان
مجموع صفحاتهما (750)
67 – شرح المنهاج بحاشية القليوبي وعميرة (4) أجزاء.
مجموع صفحاتها (2443)(3/1349)
نموذج (1) من العبادات
الترجيع
التعريف:
الترجيح في اللغة ترديد الصوت في قراءة أو أذان أو غناء أو زمر أو غير ذلك مما يترنم (لسان العرب مادة " رجع ") .
ويستعمل الفقهاء كلمة الترجيح بمعنيين:
1- رفع المؤذن صوته بالشهادتين بعد أن خفض بهما (حاشية الشلبي بهامش الزيلعي 1/ 90) .
2- التلحين، وهو إخراج الحرف عما يجوز له في الأداء من نقص من الحروف أو من كيفياتها وهي الحركات والسكنات أو زيادة شيء فيها (حاشية الشلبي بهامش الزيلعي 1/ 91، والبحر الرائق لابن نجيم) .
الحكم الإجمالي:
الترجيع بالمعنى الأول:
أن الأذان لا ترجيع فيه. بهذا قال الحنفية والحنابلة على الصحيح من المذهب والإباضية والزيدية والإمامية.
(الزيلعي 1/ 90، والبحر الرائق 1/ 269، والبناية 2/ 9، والمغنى مع الشرح الكبير 1/ 416، والإيضاح للشيخ الشماخي 1/ 397 ط. مطبعة الوطن، عيون الأزهار في فقه الأئمة الأطهار ص 82، واللمعة الدمشقية 1/ 239 نشر جامعة النجف) .
وقال المالكية والشافعية على المذهب الصحيح والظاهرية بسنة الترجيع في الأذان.
(حاشية العدوي 1/ 223، والمجموع 3/ 90، 91، وروضة الطالبين 1/ 199، والمغني مع الشرح الكبير 1/ 416، والمحلى لابن حزم 3/ 149، 150 الفقرة/331) .
وأما الترجيع بالمعنى الثاني وهو التلحين فينظر في (قراءة ولحن) .(3/1350)
نموذج (2) من العقوبات
لوث
التعريف:
اللوث في اللغة معناها البينة الضعيفة غير الكاملة.
(المصباح المنير مادة " لوث ")
وللوث عند الفقهاء، تعاريف متعددة منها أنه قرينة لصدق المدعي بأن وجد قتيل في محلة أو قرية صغيرة لاعدائه أو تفرق عنه جميع محصورون ولو لم يكونوا أعداه.
(شرح المنهاج للمحلى 4/ 164، حاشية الشرقاوي 2/ 383 نشر دار المعرفة) .
(ومنها) أنه هو الأمر الذي ينشأ عنه غلبة الظن بصدق المدعى بالقتل.
(الدسوقي 4/ 287 ط. عيسى الحلبي) .
(ومنها) أنه العداوة الظاهرة بين المقتول والمدعى عليه كنحو ما بين الأنصار ويهود خيبر وما بين الشرطة واللصوص وكل من بينه وبين المقتول ضغن يغلب على الظن أنه قتله.
(المغني مع الشرح الكبير 10/ 7 – 8)(3/1351)
الحكم الإجمالي:
لا تجب القسامة إلا إذا كان هناك لوث.
بهذا قال المالكية والشافعية والحنابلة والإمامية والظاهرية والزيدية.
(حاشية الدسوقي 4/ 287 ط. الحلبي، الشرقاوي/383، وكشاف القناع 6/68، واللمعة الدمشقية 10/ 72 نشر جامعة النجف، والمحلى 11/ 84، والمشرع المختار 4/ 460) .
ولا يشترط الحنفية والإباضية اللوث لوجوب القسامة.
ومن أهم وجوه اللوث:
العداوة، تفرق جماعة عن قتيل، وجود قتيل لا يوجد بقربه إلا رجل معه سيف أو سكين ملطخ بالدم ولا يوجد غيره ممن يغلب على الظن أنه قتله، اقتتال فئتين فيفترقون عن قتيل من أحدهما، شهادة العبيد والنساء بالقتل، قول المجروح: دمي عند فلان.
ومن الفقهاء من يشترط لتحقق اللوث أن يكون بالقتيل أثر ومنهم من لا يشترط.
(البناية 1/ 328 – 331، والنيل وشفاء العليل 15/ 161، 162) .(3/1352)
نموذج (3) من المعاملات
اشتباه
التعريف:
الاشتباه مصدر اشتبه، مثال: اشتبه الشيئان وتشابها: أشبه كل واحد منهما الآخر، والمشتبهات من الأمور: المشكلات.
والشبهة اسم من الاشتباه وهو الالتباس.
(لسان العرب والمصباح المنير مادة شبه) .
والاشتباه في الاستعمال الفقهي أخص منه في اللغة فقد عرف الجرجاني الشبهة: بأنها ما لم يتيقن كونه حراما أو حلالا.
(التعريفات للجرجاني ص 110) .
من أهم أسباب الاشتباه.
الاشتراك الواقع في الألفاظ واحتمالها للتأويلات، دوران الدليل بين الاستقلال بالحكم وعدمه، اختلاف الرواية، اختلاف الإعراب، دعوى النسخ وعدمه، وتعارض الأدلة دون رجح.
(الموافقات للشاطبي 4/ 213 – 214 ط. المكتبة التجارية، والإحكام لابن حزم 2/ 124، ومقدمة بداية المجتهد) .
من أهم طرق إزالة الاشتباه:
التحري (الفتاوى الهندية 5/ 382) ، والأخذ بالقرائن (مجلة الأحكام العدلية المادة 7141) ، واستصحاب الحال (مجلة الأحكام العدلية المادة 5) ، والأخذ باحتياط (إرشاد الفحول ص 244 – 245) ، وإجراء القرعة (القواعد لابن رجب) .
ومن أمثلة المسائل الفقهية التي يقع فيها الاشتباه.
اشتباه الثياب الطاهرة بغيرها.
فقد ذهب الحنفية والمالكية على المشهور والشافعية إلى أن من تحقق من إصابة النجاسة لأحد ثوبيه وطهارة الآخر فاشتبه الطاهر بالنجس فإنه يتحرى أي يجتهد بعلامة تميز له الطاهر منهما من النجس. فما أداه اجتهاده إلى أنه طاهر صلى به وما أداه اجتهاده إلى أنه نجس تركه حتى يغسله.
(الفتاوى الهندية 1/ 60 ومواهب الجليل 1/ 160، والمهذب 1/ 61) .(3/1353)
ويرى الحنابلة والإمامية وابن الماجشون من المالكية أن من اشتبهت عليه ثياب طاهرة بنجسة لم يجز له التحرى وصلى في كل ثوب بعدد النجس وزاد صلاة.
(كشاف القناع 1/ 12 نشر دار المعرفة، والمغنى لابن قدامة 1/ 63 ط. الرياض، ومفتاح الكرامة في شرح قواعد العلامة 1/ 182، والحطاب 1/ 160) .
وقال الزيدية: إذا التبس الثوب الطاهر بغيره صلى في كل وحد من الثوبين مرة.
(شرح الأزهار 1/ 179 – 180 ط، مطبعة الحجازي بالقاهرة)
وقال الإباضية: ثوب الريبة في الصلاة أولى من الثوب المنجوس والحديد والنحاس والرصاص والذهب والحرير.
(كتاب الإيضاح للشيخ الشماخي 1/ 429؛ والنيل وشفاء العليل 2/ 58 نشر دار الفتح) .(3/1354)
نموذج (4) من الأنكحة (الأحوال الشخصية)
اهتداء
التعريف:
الاهتداء: مصدر اهتدى، يقال: اهتدى الرجل امرأته إذا جمعها إليه وضمها، وهي مهدية وهدى أيضًا.
(لسان العرب مادة هدى) .
وخلوة الاهتداء عند المالكية – وهم أكثر الفقهاء استعمالاً لهذا اللفظ – هي إرخاء الستور إن كان هناك إرخاء ستور أو غلق باب أو غيره.
(حاشية الدسوقي 2/ 301 ط. دار الفكر) .
فخلوة الاهتداء هي خلوة بناء، وهي غير الخلوة التي تكون لا لأجل البناء.
(انظر التاج والإكليل بهامش الحطاب 3/ 507) .
الحكم الإجمالي:
إذا اختلى الزوج بزوجته خلوة اهتداء ثم طلقها وتنازعا في المسيس، فقال الزوج: ما أصبتها، وقالت هي: بل أصباني، فإنها تصدق في ذلك بيمين، بكرًا كانت أو ثيبا، كان الزوج صالحًا أم لا.
(حاشية الدسوقي 2/ 301، ومواهب الجليل 3/ 507) .(3/1355)
معلمة القواعد الفقهية
المقدمة:
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد، فإن علماء الشريعة العاملين نضر وجوهم، ذهبوا في خدمة الشريعة كل مذهب متفننين بالتدوين والتأليف فنتج من هذا الإثراء تولد عدد غير قليل من العلوم الشرعية ومن أجلها: الفروع الفقهية بدقائقها التفصيلية المنتزعة من مصادرها الأصلية: الكتاب والسنة. والأثر. فكان من ثمار تلك التفريعات: ظهور القواعد الفقهية الجامعة لعدد من المسائل الفرعية فقد تحيط القاعدة بمآت الفروع. فصارت القاعدة عندهم تعني:
كل تأصيل فقهي كلي أو أغلبي يحوي بتقعيده قضاياه وفروعه المتناثرة التي موضوعها هو فعل المكلف.
وهذا التقعيد مسبوق بلسان النبوة في: جوامع الكلم ثم على لسان الصحابة والتابعين، ثم يجدها الناظر في عصور التدوين منثورة في ثنايا الأحكام الفقهية التكليفية للتعليل والتدليل، حتى تكونت أمام العلماء ظاهرة الاهتمام بأفرادها في تأليف مستقلة، وكان ذلك في طلائع القرن الرابع الهجري على يد علماء المذهب الحنفي وفي مقدمتهم الكرخي عبد الله بن الحسن م سنة 340 هـ في كتابه المسمى: أصول الكرخي، وأبو زيد عبد الله بن عمر الدبوسي م سنة 430 هـ رحمهما الله تعالى.
ثم أخذت الكتب في هذا الفن العلمي الجامع تنشر لدى علماء المذاهب وفقهاء الملة، وقد وقع لي نحو من (200) كتاب استخرجتها من كشف الظنون وذيليه.
يضاف إليها ما يوجد من القواعد المحررة المشروحة بمآت الأمثلة التفريعية لدى شيخ الإسلام ابن تيمية ولدى تلميذه ابن القيم، وقد استقرأت ما لدى ابن القيم فبلغت نحوًا من مائتي قاعدة فقهية طبعت في الجزء الأول من كتابي التقريب لفقه ابن القيم 1/ص 259 – 292 مبينًا مواضعها من كتبه المطبوعة وهي (31) كتابًا.(3/1356)
المؤلفات المطبوعة فيها:
هذا وقد مَنَّ الله تعالى على المسلمين وهو المانَّ وحده بظهور عدد من كتب القواعد الفقهية مطبوعًا منها ما يلي:
1- أصول النظر. للكرخي
2- تأسيس النظر. للدبوسي
3- القواعد النورانية الفقهية الفقهية لابن تيمية
4- قواعد الأحكام، للعز بن عبد السلام.
5- القواعد لابن رجب.
6- الفرائد البهية في القواعد الفقهية، للحسيني الدمشقي م سنة 1305 هـ.
7- الأشباه والنظائر. لابن نجيم.
8- شرحه، غمز عيون البصائر للحموي.
9- إتحاف الأبصار والبصائر بتبويب الأشباه والنظائر، لأبي الفتح الحنفي، وهو في مجلدين.
10- نزهة النواظر على الأشباه والنظائر، لابن عابدين.
11- الإسعاف بالطلب على قواعد المذهب، للتواني المالكي.
12- إيضاح المسالك إلى قواعد مالك. للونشريسي المالكي.
13- الأشباه والنظائر للسيوطي الشافعي.
14- المنثور في القواعد، للزركشي الشافعي.
15- القواعد لابن اللحام الحنبلي.
16- مجلة الأحكام العدلية (99) قاعدة في مقدمتها.
17- شرح القواعد الفقهية، لأحمد الزرقاء.(3/1357)
18- المدخل لمصطفى الزرقاء.
19- مجلة الحكام الشرعية على مذهب الحنابلة في مقدمتها (160) قاعدة.
20 -مختصر قواعد العلائي.
21- خاتمة مجامع الحقائق. للخادمي الحنفي م سنة 1176 هـ
22- في: الفروق للقرافي المالكي.
23- القواعد للمقري المالكي م سنة 1758، وقد حقق منه قسم العبادات في: جامعة أم القرى بمكة حرسها الله تعالى.
24- التمهيد في تخريج الفروع على الأصول للأسنوي.
25- تخريج الفروع على الأصول للزنجاني وهناك رسائل قديمة وحديثة وأخرى جامعية في دراسة قاعدة فقهية بعينها كقواعد: العرف، والضرر، والمصلحة، وسدّ الذرائع والضمان، والضرورة، ونحوها، وهي مطبوعة ومنتشرة ولله الحمد.
بل برزت كتب مطبوعة شارحة للقواعد في جوانبها كافة، منها:
1- القواعد الفقهية، لعلي بن أحمد الندوي.
2- أثر الاختلاف في القواعد الأصولية.(3/1358)
أسباب الدعوة إلى هذا المشروع:
مما تقدم يظهر مدى اهتمام العلماء بتشخيص القواعد الفقهية والتفريع عليها، وتظهر أهميتها بما يلي:
1- جامعيتها، فإن القاعدة قد تنظم عددًا كثيرًا من الفروع في عامة أبواب الفقه.
2-إسعافها للقاضي والمفتي عند غياب النص الفقهي.
3- فعاليتها المهمة في التطبيقات والنوازل المعاصرة، أنه امتداد لاهتمام العلماء بها وبالغ أهميتها ولما يلي:
(أ) عدم وجود مؤلف مستقل ينظم تلك القواعد لدى علماء المذاهب الفقهية.
(ب) الحاجة إلى تحرير نص القاعدة.
(ج) إيجاد أقرب سبيل للوقوف عليها.
إن لهذه الأسباب ولأن المجامع العلمية ينبغي أن تتبنى مشاريع فيها جدية وتجديد وجامعية واستقطاب، ولأنه لم تسبق حسب التتبع الدعوة إلى هذا المشروع وأعماله فإنه يظهر مناسبًا أن يكون من بواكير الإنتاج لهذا المجمع وطلائعه عمل:(3/1359)
معلمة القواعد الفقهية
مراعاة فيها ما يلي:
1- تحرير نص القاعدة وترتيبها.
2- توثيقها بذكر مصادرها الأصلية والمذهبية.
3- توجيهها أو التدليل عليها.
4- ذكر بعض فروعها.
5- التطبيقات المعاصرة عليها ما أمكن.
وهذا المشروع مع ضخامته لن ينوء به إن شاء الله، مجمع يمثل دول العالم الإسلامي ويضم نحو " الهنيدة " من العلماء، وأنه عند الموافقة عليه فإنني إن شاء الله تعالى مستعد للقيام به، وعلى أن ترشح لجنة ثلاثية متخصصة تفحص دوريًا ما يتم إنجازه من هذا المشروع المبارك.
منح الله الجميع التقوى ومن العمل ما يحب ويرضى، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
كتبه
بكر أبو زيد(3/1360)
مدونة أدلة الأحكام الفقهية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد، فإن النداء إلى عمل موسوعة " للحديث " النبوي هو امتداد لجهود علماء السنة في " المجامع " مثل: جامع الأصول لابن الأثير، ومجمع الزوائد للهيثمي، والمطالب العالية لابن حجر، وجامعي السيوطي في طائفة كثيرة نحوها.
وإن النداء إلى عمل " مدونة – موسوعة، لأدلة الأحكام هو امتداد للكتب الحديثة في أدلة الأحكام مثل: عمدة الأحكام لابن سرورة المقدسي، وعمدة الأحكام لابن دقيق العيد، والمنتقى للمجد ابن تيمية، وبلغ المرام للحافظ ابن حجر، وهكذا في عدد كثير من هذا الطراز.
فالدعوة اليوم إلى عمل " مدونة – موسوعة – لأدلة الأحكام، هو امتداد لجهود الأجداد على يد الأحفاد.
وإنه في عام 1368 هـ، دعا العلامة المحدث أبو الأشبال أحمد بن محمد شاكر إلى عمل تدوين جامع للأدلة من السنة النبوية للأحكام الشرعية، وبعث في هذا مكاتبة لسماحة مفتي المملكة العربية السعودية الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله تعالى فكانت محل استحسان من الشيخ رحمهما الله تعالى، لكن حال دون ذلك عدم استكمال طباعة كافة العمد من كتب السنة.
أما اليوم وقد أفاء الله تعالى على المسلمين بطباعة الأصول من كتب السنة كالصحاح، والمساند، والمعاجم، والمصنفات، والسنن، والجوامع، والمجامع، والأجزاء، والتخاريج، والمستخرجات في سلسلة كريمة هائلة.
كما أفاء الله سبحانه وهو المان وحده بظهور عدد كبير من المعاجم والفهارس والأطراف التي بواسطتها يحصل الكشف بلحظات على الحديث المطلوب من المساند ونحوها، وذلك في نحو خمسين مؤلفًا من الفهارس وما في حكمها جميعها في متناول أهل العلم مطبوعة ميسرة ولله الحمد.
إنه والحال كذلك يتأكد على أهل العلم التجديد لذلك النداء وأعماله بعمل مدونة موسعة تستقطب أدلة الأحكام من الكتاب، والسنة، وأقوال الصحابة رضي الله عنهم، مرتبة على أبواب الفقه ومصنفة على موضوعاته ليسهل الكشف، ويسلك في سياقها طريقة ميسورة سهلة في الخطوات الآتية:(3/1361)
1- ما في الباب من آيات القرآن الكريم.
2- سياق نص الحديث بذكر صحابيه.
3- ذكر من أخرجه.
4- تفصيل روايات المخرجين عند الاختلاف في مروياتهم وألفاظهم.
5- بيان كلام العلماء في الحكم على هذا الحديث إن كان خارج الصحيحين.
6- يتلو ذلك سياق أقوال الصحابة رضي الله عنهم على هذا المنوال.
وقد كنت طبعت أنموذجًا لهذا المشروع عام 1403 هـ، لنصوص الحوالة حيث إنه لم يرد فيها إلا حديث واحد مرفوع وأثار. وفي ص/12 – 13 ما نصه.
" وعسى أن يكون بداية خير، وفتح باب لنظر إخواني طلاب العلم في الأخذ بعمل: موسوعة لنصوص الأحكام الفقهية قبل عمل: الموسوعة الفقهية وهذا هو أسلم طريق يوصل إلى العلم الشرعي الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن صحابته رضي الله تعالى عنهم، فإنه إذا استوعبت النصوص في الباب وجمعت مرتبة في صعيد واحد وحرر الثابت منها من غيره، أمكن للفقيه المتجرد من العصبية: استنباط الأحكام الفقهية من أدلتها الشرعية وهو في غاية ما يكون من الاطمئنان للقول الحق والوصول إلى الصواب من فقه علماء الأمصار، رحم الله الجميع وأجزل لهم الأجر والثواب … " اهـ.
هذا عرض موجز عن مدونة الأدلة للأحكام الشرعية وفي تضاعيفه تفصيلات معلومة أو بحكم المعلومة، إذا تمت الموافقة على هذا المشروع الجليل فأرى تأليف لجنة من أهل الاختصاص لتحرير خطوات التدوين مفصلة.
وقبل الختام، ألفت النظر إلى أن هذا المشروع بهذه الكيفية على الأبواب الفقهية إذا تم باب فقهي منه مثل باب الصلح، باب العارية، باب الربا والصرف، وهكذا فهو عمل مستقل بنفسه ويكون إنجازا رائعًا لا يرتبط طبعه ونشره وتكامل الفائدة منه بالأبواب الأخرى.
والله الموفق. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
كتبه
بكر أبو زيد
30/ 10/ 1406هـ(3/1362)
تقرير لجنة الإجابة عن استفسارات
البنك الإسلامي للتنمية بعد
مداولات المجلس حول محضر أصحاب
الفضيلة علماء الشريعة
تقرير لجنة الإجابة عن استفسارات البنك الإسلامي للتنمية
بعد المداولات حول محضر اجتماع أصحاب الفضيلة علماء الشريعة
بحمد الله اجتمعت اللجنة يومي 10 و 11 صفر 1407 هـ الموافق 14 و 15 / 10 / 1986 م. للنظر في الاستفسارات في ضوء محضر اجتماع علماء الشريعة الذي عقد في جدة بدعوة من البنك الإسلامي للتنمية في الفترة من 14 – 17 شوال 1406 هـ، وفي ضوء المناقشات التي جرت حولها في كل من دورتي المجمع الثانية والثالثة.
وقد حضر اجتماعات اللجنة كل من:
- فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي – رئيسا.
- فضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء.
- فضيلة الدكتور الصديق محمد أمين الضرير.
- فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي.
- فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور.
- فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة – مقررا.
وحضر من البنك الإسلامي للتنمية كل من:
- الدكتور محمد الفاتح.
- الدكتور منذر قحف.
- الدكتور عبد الرزاق اللبابيدي.
- السيد درمس كافدار.
- السيد عبد الملك القادني.(3/1363)
وقد استعرضت المبادئ المشار إليها في محضر اجتماع علماء الشريعة، وما تقدم به الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير من ملاحظات على المحضر (حيث لم يتمكن من حضور الاجتماع المذكور عند دعوته لحضوره) وبعد التداول والمناقشات انتهى الحاضرون إلى المبادئ التالية:
المبادئ المقررة حول عمليات الإيجار
المبدأ الأول:
أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا.
المبدأ الثاني:
أن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد وصولها وحصولها في يد الوكيل هو توكيل مقبول شرعا، والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
المبدأ الثالث:
أن عقد الإجارة يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات، وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد.
المبدأ الرابع:
أن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل، كما أن تعليقها على وفاء المستأجر بالتزامات مقبول شرعا.
المبدأ الخامس:
أن تبعة الهلاك والتعيب تكون على البنك بصفته مالكا للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد أو تقصير من المستأجر فتكون التبعة عندئذ عليه.
المبدأ السادس:
أن نفقات التأمين لدى الشركات الإسلامية كلما أمكن ذلك – يتحملها البنك.(3/1364)
المبادئ المقررة حول عمليات البيع
بالأجل مع تقسيط الثمن
المبدأ الأول:
أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية ببيع المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا.
المبدأ الثاني:
أن توكيل البنك أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك، بغية أن يبيعه البنك تلك الأشياء بعد وصولها وحصولها في يد الوكيل هو توكيل مقبول شرعا.
والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
المبدأ الثالث:
أن عقد البيع يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات والقبض لها، وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد.
المبادئ المقررة حول عمليات
تمويل التجارة الخارجية
تنطبق على هذه العمليات المبادئ المطبقة على (عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن)
المبادئ المقررة حول التصرف في فوائد الودائع
تأكيدا لما جاء في محضر اجتماع علماء الشريعة بشأن الفوائد ومنع حماية البنك القيمة الحقيقية من الـ 50 % التي قررها مجلس المحافظين للاحتياطي فإنه يجب أن يطبق على جميع الفوائد المبدأ الشرعي وهو صرفها في وجوه الخير والبر العام حسب المبادئ الخمسة المشار إليها في محضر اجتماع علماء الشريعة.
وانتهى الاجتماع بحمد الله تعالى.
تواقيع الحاضرين من أعضاء المجمع وخبرائه:
رئيس اللجنة مقرر اللجنة
محمد المختار السلام د/ عبد الستار أبو غدة
عضو اللجنة عضو اللجنة
د/ مصطفى أحمد الزرقاء د/ الصديق محمد الأمين الضرير
عضو اللجنة عضو اللجنة
د/ وهبة الزحيلي د/ محمد عبد اللطيف الفرفور
تواقيع الحاضرين عن البنك الإسلامي للتنمية
د/ محمد الفاتح د/ منذر قحف
د/ عبد الرزاق اللبابيدي السيد درمس كاندار
السيد عبد الملك الفادني(3/1365)
مناقشة تقرير لجنة الإجابة عن الاستفسارات
مناقشة ما قررته اللجنة الخاصة
باستفسارات البنك
جلسة يوم 13 صفر 1407 هـ / 16 / 10 / 1986 م.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بعد مداولات مستفيضة ومناقشات واسعة لجميع الاستفسارات التي تقدم بها البنك إلى المجمع انتهى مجلس المجمع إلى ما يلي:
(أ) أجور خدمات القروض: قرر المجمع اعتماد المبادئ التالية في هذا الموضوع:
1- جواز أخذ أجور عن خدمات القروض.
2- أن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية.
3- كل زيادة عن الخدمات الفعلية محرمة لأنها من الربا المحرم شرعا.
(ب) عمليات الإيجار: قرر مجلس المجمع اعتماد المبادئ التالية فيها:
المبدأ الأول: أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية في إيجار المعدات
الرئيس:
مندوب البنك يا شيخ عبد السلام موجود والله إذا رأيتم.
الشيخ عبد السلام العبادي:
على فكرة إذا سمح الإخوان نحن أخذنا هذه تماما كما قررتها اللجنة اشترك فيها الموافقون بالصيغة الأولى وعدد من الإخوة الذين كانوا تولوا عملية النقاش هنا والقرار منظور وموقع منهم وأخذناه كما هو دون أي تعديل نحن قمنا بدورنا كلجنة صياغة فقط.
الشيخ محمد عطا السيد:
السيد الرئيس نطلب أن هذا الموضوع كنا قد اتخذنا فيه قرارات حتى أنه صعب أن يثبت الآن، على كل هذه نقطة نظام.
الرئيس:
الذي أعرفه أن الأسئلة الأربعة الأخيرة أنه عندما حصل كثرة البحث فيها بين الإخوان ولم يصلوا إلى نتيجة قاطعة أنه رؤي أن يؤلف من وجهتي النظر لجنة أظن سداسية أو خماسية ويجتمعون ويدرسون الموضوع ثم يعرض هذا الذي كنت أعرفه ويدرسون ثم يعرض لكن الآن هو بمثابة العرض لا بمثابة قرار، إن أقررتموه وإن لم تقروه فهذا الأمر متروك لكم كذا يا مشايخ.(3/1366)
الشيخ عبد السلام العبادي:
المبدأ الأول: أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية لإيجار المعدات إلى العاملين بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا… لا العاملين، أتصور المتعاملين.
الشيخ الصديق الضرير:
لإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا، هذا هو النص.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بالضبط أي نعم.
الأمين العام:
أعد اقرأ لنا الجملة
الشيخ عبد السلام العبادي:
إن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية بإيجار المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا.
المبدأ الثاني: أن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بُغيَة أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد وصولها في يد الوكيل هو توكيل مقبول شرعا، والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
الشيخ الصديق الضرير:
بعد وصولها وحصولها في يد الوكيل.
الشيخ تقي العثماني:
سيادة الرئيس، نتم القراءة ثم نناقش نقطة نقطة.
الشيخ عبد العزيز عيسى:
إن توكيل البنك الإسلامي يجعل الفتوى خاصة بالبنك الإسلامي فهل الأمر على ذلك.
الرئيس:
هي خاصة بالبنك يا شيخ، كونها خاصة هذا لا إشكال فيه.(3/1367)
الشيخ عبد السلام العبادي:
المبدأ الثالث: أن توكيل البنك الإسلامي للتنمية أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وآليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يؤجره البنك تلك الأشياء بعد حصولها.
الشيخ المختار السلامي:
بعد وصولها وحصولها.
الشيخ عبد السلام العبادي:
كيف يا سيدي وصولها وحصولها.
الرئيس:
بعد حوزتها في يد الوكيل.
الشيخ عبد السلام العبادي:
هذه الخطوة التالية بعد حصولها في يد الوكيل.
الرئيس:
بعد حوزتها، ما الذي يمنع من أن تتركوا وصولها وحصولها؟
الشيخ عبد السلام العبادي:
بعد تسلمها من الوكيل.
الشيخ عبد الله البسام:
بعد حوزتها، كلمة جيدة.
الرئيس:
هذه عبارة فقهية يا شيخ.
الشيخ الصديق الضرير:
الوكيل هو الذي سيتسلم وتسلم الوكيل تسلم للأصيل.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بعد تسلمها من الوكيل.
الشيخ الصديق الضرير:
في يد الوكيل الذي يتسلم هو الوكيل نفسه، إما أن يقال بعد تسلمها فقط أو بعد حيازتها سواء كان الحائز هو الوكيل أو الأصيل.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
البضاعات كما هو معروف اليوم من أمر الشحن وما إلى ذلك تصل إلى البلد المرسلة إليه ولكن لا تحصل في يد المشتري على الفور فمتى وصلت إلى المرفأ أو الميناء أو إلى الجمارك، هذا وصول لكن هذا لا يعتبر أنه قد تسلمها ولذلك الوصول وحده لا يكفي.(3/1368)
الرئيس:
في الواقع ما يمنعكم من العبارة الفقهية "بعد حوزتها" ماذا يمنع؟
بعد حيازتها في يد الوكيل، تلك عشرة كاملة.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بعد حيازة الوكيل إياها
الرئيس:
بعد حيازة الوكيل لها.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بعد حيازة الوكيل لها، هو توكيل مقبول شرعا والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
المبدأ الثالث: أن عقد الإيجار يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد.
المبدأ الرابع: أن الوعد بهبة المعدات عنه انتهاء أمد الإجارة جائز بعقد منفصل كما أن تعليقها على وفاء المستأجر بالتزاماته مقبول شرعا.
المبدأ الخامس: أن تبعة الهلاك والتعييب تكون على البنك بصفته مالكا للمعدات ما لم يكن ذلك بتعد أو بتقصير من المستأجر فتكون عندئذ التبعة عليه.
المبدأ السادس: أن نفقات التأمين لدى الشركات الإسلامية كلما أمكن ذلك يتحملها البنك.
ج - عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن.
الشيخ تقي الدين العثماني:
نناقش أولا.
الشيخ عبد السلام العبادي:
ننتهي من هذه الصفحة ونبدأ نناقش.
الرئيس:
على كلٍ كل هذه المبادئ التي ذكرها الإخوان هي أمامكم، وكما ذكرت سلفا أنه كونت لجنة من وجهتي النظر المتعارضين ليعدوا ما يتوصلون إليه ليطرح للنظر لا لأنه قرار، فالآن جمع الصفتين على أنه صيغة قرار إن اتفقتم عليه أو ذهب الأكثرية إليه فهو على ما هو عليه ويمشي وإن كان هناك اتجاهات أخرى فعلى كل حال التصويت… الشيخ تقي ثم الشيخ عطا ومع رجاء عدم الإطالة.(3/1369)
الشيخ تقي العثماني:
المبدأ الرابع: هو أن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة كما أذكر أنه ذهبت الأكثرية وكان الاتجاه السائد حين ذاك أنه يلغى هذا الشرط وقد وافقنا عليه صاحب البنك أيضا لأن الهبة تخرج العقد من طبيعة الإجارة.
الرئيس:
هو فعلا أذكر أن صاحب البنك وافق إن لم تخني الذاكرة كان الشيخ أحمد محمد على موجودا وقال المشايخ: إن الأولى أن كانت للحذف تحذف؟
الشيخ عبد السلام العبادي:
الإخوان قالوا بعقد منفصل.
الرئيس:
لكن المهم طالما أن صاحب الصفة المعني يقول تحذف فهل ترون أن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة، يقال مثلا: حيث إن البنك لا يرى مانعا من حذف الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة صَرَفَ النظر عن بحث مختار السلامي لحكم الشرعي خطأ فإذا كان خطأ أزلناه.. إذا كان ليس حكما شرعيا وفيه خطأ نحذفه، وإذا كان صوابا فلم نحذفه؟
الرئيس:
على كل أما أنا فأرى أن هذه المبادئ الستة آخذ بعضها بحجز البعض هذا الصحيح وإن هذه المعاملة متركبة من هذه المبادئ الستة، ولهذا يعني تعرفون وجهة نظري في الجلسة أنني لا أرى أنه عقد حقيقي وإنما ليتوصل به وهذه المبادئ هي نفس الشيء توصل إلى نفس الصيغة، فمن جهتي أنا متحفظ على هذه المبادئ الموجودة والمقبلة لأني قرأتها وتأملتها والرأي للإخوان، الشيخ يوسف.
الشيخ يوسف جيري:
بسم الله الرحمن الرحيم.. سيدي الرئيس.. بعد أن أثني على الاقتراح الوجيه الذي تقدم به الأخ تقي العثماني فإني أرى أنه نظرا لأن هذا الموضوع قد قدم بتعاون من الطرفين اللذين كان لهما نوع من التعارض في الآراء عندما تطرقنا إلى دراسة هذا الموضوع، نظرا لأن الطرفين قد اتفقا على أن يطلع المشروع بهذه الصورة ونظرا لأنها فعلا تحقق المقصود فإنني أقترح على مجلسكم الموقر أن يقرر هذا بصورته هذه بعد حذف المبدأ الرابع، وشكرا.(3/1370)
الشيخ محمد شريف أحمد:
الحقيقة، إن رأيي وقد أكون مخطئا فيه أن عمليات البنك الإسلامي تعتبر من العمليات ومن العقود الجديدة وهي لا تنطبق عليها هذه المبادئ لا يجوز لنا أن نحللها إلى هذه المبادئ بل لنا أن ننظر لها نظرة مستقلة على أنها عملية واحدة تتركب من عدة عمليات فإن توفرت فيها مقاصد الشريعة الإسلامية فهي حلال جائز وإن لم تتوفر فيها المقاصد الشرعية فهي حرام، فلا يجوز لنا أن نتعمق في تفصيلات العقود والوكالة ونطبق عليها كل شرط من شروط هذه العقود وإلا أغرقنا البنك وأغرقنا أنفسنا في متاهات لا نخرج منها إطلاقا لمصلحة البنك ولا لمصلحة اقتصادنا الإسلامي.
الشيخ محمد عطا السيد:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، اللهم صلى على محمد عبدك ورسولك.
الحقيقة يا سيدي الرئيس أنا حريص جدا وأتمنى أن هذا المجمع لا يخرج أبدا من هذا الاجتماع إلا بإجابات مقنعة، والسبب في ذلك أن هذه المسألة عرضت من الدورة الماضية واستوفت النقاش في هذه الدورة، وأخشى ما أخشاه أن المجمع لو ما استطاع أن يتوصل إلى حلول في هذه المسألة تبدو وكأن الشريعة عاجزة عن مواجهة هذه المسائل المصرفية الحديثة وهذا ما أخشاه جدا. ولذلك أرجو أن تتسع صدور الأعضاء إلى هذه المسألة ومناقشتها باستفاضة مهما كلفنا ذلك من وقت وحتى نصل فيها إلى قرارات.
الأمين العام:
سيدي الرئيس… أثني على ما قاله الدكتور عطا السيد، وأريد أن أشير واذكر بما قاله سيادة الرئيس في أول الاجتماع نحن قد تدارسنا هذا الموضوع مدة طويلة في العام الماضي وفي هذه السنة، وقد شكلت لجان، اللجنة الأولى في المؤتمر الماضي واجتماع ثان بعد المؤتمر، واجتماع ثالث علمي فيما بين المؤتمرين، ثم عرض هنا فكان الخلاف قويا وشديدا بين فئتين من العلماء لكن هاتين الفئتين اجتمعتا ودرستا الموضوع بتأن وانتهتا بالاتفاق إلى ما هو معروض على حضراتكم فنحن ينبغي أن ننظر في هذه المبادئ إن كانت مستقيمة من الناحية الشرعية قبلناه وإن كانت متعارضة مع الأصول الشرعية رفضناه، أما أنه قال: إن هذا الموضوعات لا تعنينا وهي تهم البنك وحده.. الخ. فهذا مما لا سبيل إليه، البنك هو نفسه عرض هذا الموضوع على مجمع له أهميته ليقول في هذا رأيه.(3/1371)
الرئيس:
يا شيخ عطا انطلاقا من كلامك هذا هل رأيك أن هذه المبادئ الستة تصوت عليها وتراها؟
الشيخ محمد عطا السيد:
أبدا أنا رأيي يا سيد الرئيس أن تستوفى نقاشا فقهيا كاملا.
الرئيس:
اسمع أنتم الآن سمعتم المداولات قبل وبعد، وأنا أسالك الآن عن وجهة نظرك شرعا هل تراها مبادئ شرعية؟
الشيخ محمد عطا السيد:
والله يا سيدي أنا رفعت يدي لأعبر عن النقاش في نقطة من النقاط ثم دار النقاش في أن: هل تغلق أو لا تغلق؟ إن لدي إذا أردت أن أقوله يمكن أن أقوله.
الشيخ عبد السلام العبادي:
في الواقع أنا أثني على ما تفضل به الأمين العام، قضية النقاش، كان نوقش هذا الموضوع بما لا مزيد من نقاش وكان القرار الذي اتخذه المجمع تشكيل لجنة من الطرفين اللذين كانا مختلفين، والذين كانوا ماسكين بحجز بعض كما يقولون في هذه القضية وكنا نحن نشارك مشاركات بسيطة وجلسوا جلسات وانتهوا إلى هذه التوصيات، الآن القضية يجب أن يبت في أمرها أما أننا نوافق على هذا أو لا نوافق، أما أن نفتح الموضوع مرة أخرى للنقاش ما فيه وقت.
الشيخ عمر جاه:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أعتقد أن العمل الجاد يقتضي أننا نستفيد من الطاقات التي نسخرها لخدمتنا، فالموضوع نوقش أكثر من مرة وأنا دائما أشعر بشيء من الضيق إذا كلفنا لجنة مؤهلة تتكون من أناس نثق في عملهم وفي تقواهم وفي ورعهم وقدموا إلينا تقريرا ونتج عنه هذا لنكون مرة أخرى فهذه اللجنة موجودة أمامنا بتوقيع أعضائها، على ضوء هذا أقترح كما ذهب زميلي الأخ يوسف أننا نتبنى هذا من غير مناقشة أو إن كان هناك إنسان يرى أنه فيه شيء مخالف يبينه لنا وننتهي.
الشيخ عبد السلام العبادي:
وفي هذا إبراء للذمة لما عمل(3/1372)
الشيخ هشام برهاني:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحقيقة التي ظهرت لي من هذه المعاملة من أول المناقشة إلى آخرها أن المقصود فيها مجموعة هذه العقود مركب بعضها على بعض، وهذه العملية في جملتها أنا أراها أنها طريق لأكل الربا الحرام، ولذلك أنا أتحفظ على جواز هذه المبادئ وإن كانت صحيحة كل مبدأ بذاته منفصل عن غيره صحيح، لكنها عقود مركبة بعضها على بعض ولم يدخل البند واحد منها إلا لأن وراءه عقدا آخر، هذه الصورة التي أراها، والله سبحانه وتعالى أعلم.
الرئيس:
شكرا.. في الواقع أنا يعني قلت للشيخ أحمد محمد علي هل ترى مناسبا أن يتألف من هذا المجمع لجنة شرعية تكون لموضوعات البنك ليست هذه فحسب وإنما لموضوعات البنك الحاضرة والمستقبلية وتضمون إليها خبراء اقتصاديين إسلاميين؟ قال: ما عندنا مانع من هذا، ففي الحقيقة في نظري والرأي متروك لكم ومطروح أمامكم، وإنما شيء جرى بحث فيه فأردت أن أطرحه على مسامعكم، أنه كون يؤلف لجنة شرعية من هذا المجمع ففيه التبني من هذا المجمع وفيه لجوء إليه وهذا فيه كذلك عصمة أو توفيق للبنك في تصحيح لمساراته، وفي جعلهم ما يخطون خطوة إلا من هذه اللجنة الشرعية الموثوق بها، ولا يكون مقتصرا على هذه الفقرات الخمس وإنما لها ولغيرها، يعني ما أدري، تفضل يا شيخ مختار.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أعتقد أن المجمع الموقر هذا لما صوت بالإجماع على تكوين لجنة للنظر في هذه القضايا.. وتكفلت بالنظر فيها وسهرت الليالي للإتيان بعمل لا لأن نعود إلى المبدأ ونقول: أن نكون لجنة سادسة أو سابعة فإذا كان هناك عدم اقتناع من سيادة الرئيس فقد استمعنا أن وجهة نظره تخالف هذا وليعرض من فضله القضية على التصويت وكفانا من التأثير.
الرئيس:
في الواقع يعني إذا كان الشيخ المختار فاهم غلط، أن البنك لا يوجد اللجنة لهذه القضايا فحسب وإنما لهذه القضايا ولغيرها من القضايا وفي معاملاته وفي الواقع أنا أرى أن هذا كسب عظيم كونه يكون في البنك لجنة شرعية منطلقة من هذا المجمع معناها أن المجمع بدأ يدخل في ساحة العمل في تلك البنوك وفي غيرها وأنا ناقل وهذا استعداد من البنك.(3/1373)
الأمين العام:
سيدي الرئيس من فضلك.. قضية تشكيل لجنة، أعود إلى هذا الموضوع.. اللجنة قد شكلت والتقت فيها آراء متضاربة وقامت بدراسة هذا الموضوع وانتهت إلى ما أعدته لنا وقد أمضى كل أعضائها على هذا البلاغ أو على هذا البيان، الذي أريد أن أقَّفي به على كلام سيادة الرئيس هو أن البنك له لجنته الشرعية وكل البنوك لها لجانها الشرعية "لجان المراقبة" هي أرادت أن تتجاوز هذه اللجان لتعرض الأمر على المجمع ليكون هو القوة الأخيرة والسلطة الحاكمة التي تتلاقى فيها أنظار المراقبين الشرعيين، وقد تم هذا بالفعل فكثير من الذين شاركوا في نقد هذه الورقة كانوا من فقهاء شرعيين مراقبين في بنوك عديدة، فكانت هذه الحصيلة التي تزهو بها وقد تم النظر فيها، فالقضية إذن هي إما أن تعرض على التصويت، وإما أن نقول نحن: لا نريد أن ندرس أية قضية تأتينا من البنك أو من غيره، هذه قضية دامت سنين والفضيحة الكبرى أن لا نقول فيها كلمتنا وأن يكون المجمع عاجزا عن الإدلاء برأيه، ثم عقدنا لها لجنة علمية تتكون من أطراف متناقضة ومختلفة وانتهت إلى ما انتهت إليه والنص ممهور بإمضاء الجماعة، فأنا أقترح التصويت.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم.. في الحقيقة أن اللجنة أو الهيئة هي ضرورة لكل بنك إسلامي لأن البنوك الإسلامية تستجد عندها يوميا معاملات فيجب على كل بنك إسلامي أن تكون عنده هيئة استشارية شرعية تفتيه وتراقب عمله، هذا شيء في الحقيقة أمر ضروري، وإذا أوصيت بهذا للبنك الإسلامي فهذا شيء جميل وشيء طيب.
أما النقطة الثانية هي إيحاء إعادة الأسئلة إعادة الأسئلة هذه برمتها إلى اللجنة لتنظر فيها أو أن هذه اللجنة المقترحة لما يستجد من أعمال فيما بعد ذلك هذا الكلام الذي نود أن نستبينه ونستوضحه.
الرئيس:
الكلام الذي حصل مع الشيخ أحمد ونقلته لكم هو لهذه ولغيرها بالحرف الواحد قال لي لا مانع لدينا.(3/1374)
الشيخ الصديق الضرير:
إذا كان الأمر كذلك وأن السيد رئيس البنك قد اتفق مع السيد الرئيس على تكوين لجنة من المجمع لتنظر في هذه الموضوعات وفي غيرها ويعمل البنك بها ويكون هذا عملا من المجمع أيضا إذن الأمر أصبح سهلا، اللجنة كونت ونظرت في هذه المسائل وأصدرت فتواها بالنسبة لها فلنعتبر المبادئ أو هذه القرارات على أنها من اللجنة التي كونها المجمع الموقر بناء على موافقة السيد رئيس البنك للسيد رئيس المجمع، وإذا رأى المجمع أن يعتبر هذه اللجنة هي التي شاورها البنك في مستقبله وفي تنفيذ هذه المبادئ والتأكد من سلامة صحتها فلا أعتقد أن أعضاء هذه اللجنة سيمانعون في هذا وبهذا تكون قد انتهينا وكفينا هذا المجمع وبقية الأعضاء مؤونة البحث.
الرئيس:
لعل يكون في هذا حل وسط، لعل يكون هذا حاصل.
الشيخ المختار السلامي:
إن هذه اللجنة لم يكونها البنك وإنما كونها المجمع ورجعت إلى المجمع ليقول كلمته، ومنذ بدأنا وعلى هذا أنا ابتدأت من أول الأمر بالاعتراض على التأخير لأني قلت: إن هذا فيه نية لترك القضية إلى جهل، وقد ظهر فعلا ما كنت أتوقعه فأرجوكم سيدي الرئيس وقد تكونت هذه اللجنة من المجمع وقد أبلغت قراراتها إلى المجمع وما على المجمع إلا أن ينظر فيها، ثم يقرر في ذلك ما يشاء وقد استمعنا إلى وجهة نظركم التي هي لم تختلف عما استمعنا إليه من قبل ورأيكم محترم وعلى الرأس وملء العينين، وأرجوكم أن تحترموا أيضا آراءنا.
الشيخ يوسف جيري:
شكرا سيدي الرئيس … الحقيقة أنه كما تفضل الأخ عمر جاه حفظه الله يجب علينا من الناحية المنهجية أن يكون فيه نوع من الالتزام بقراراتنا، هذه اللجنة التي عملت أياما وليالي على إعداد هذا القرار نحن الذين طلبنا في مستوى هذا المجلس من هذه اللجنة أن تعمل وتعرض علينا نتيجة عملها، فأنا لا أتصور أبدا بعد أن توصلنا إلى هذه النتيجة أن نطرح القضية إلى دورة أخرى أو إلى لجنة إسلامية أو تشريعية أخرى، القضية كالتالي، وهذا قناعتي الشخصية، أن هذه القضية بعد أن تدارسناها، وأنا أعتقد أننا سنستمع رأيا جديدا، كل الآراء التي سمعناها الآن من الأخ مندوب العراق حفظه الله، ومن الأخ مندوب الإمارات، هذه الآراء سمعنا بها قبل وكان التشدد من جهة الطرفين هو ما حدا بنا إلى أن نطلب تكوين هذه اللجنة فبما أن اللجنة جاءت بنتيجة عملها ما علينا إلا شيئان، أولا:إن كان هناك موافقة بالإجماع فهو كذلك وإن لم يكن هنالك موافقة بالإجماع ننظر إذا كان هنالك تحفظ أو تحفظان أو ثلاثة، أشياء قليلة، وفي هذه الحالة لا نرقى إلى التصويت، أما إذا رأينا أن هناك فريقين كبيرين ففي هذه الحالة نصوت، أما التصويت بالنسبة لي فهي الصيغة الأخيرة، وأنا أرى من خلال المباحثات أن هنالك تحفظات قليلة فلماذا نلجأ إلى التصويت؟(3/1375)
الرئيس:
لا، إلى الآن ما ندري عن عملية التحفظات، لكن الآن بالنسبة إلى عمليات الإيجار سمعتم المبادئ الستة فهل ترون إقراراها كما كتبت أو هناك تعديل أو وجهة نظر أو تحفظ أو كذا؟
الشيخ تقي العثماني:
نرى إقرارها بالتعديل بحذف مبدأ الهبة.
الشيخ يوسف جيري:
هذه خلاص انتهينا منها.. الذين يرفعون أيديهم … خلاص ما فيه تصويت السكوت رضا.
الشيخ محمد عطا السيد
سيدي الرئيس ما عدا النقطة الرابعة أوافق على المضي في إجازة هذه المسائل ما عدا النقطة الرابعة أبدى فيها أخ زميل رأيه وما زلت أبدي فيها رأيا بتحفظ حتى زيادة على ما قال إنه الوعد لعله لا يكون جائزا. أرى أنه حتى تضمين الفقرة الثانية مازال يدخلنا في مشاكل بخصوص ما نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم من صيغتين في صيغة لأنه بالرجوع إلى الصيغة الأولى. فما زلت بدون إطالة.
الرئيس:
يعني المبدأ الثاني.
الشيخ محمد عطا السيد:
المبدأ الرابع مازلت أتحفظ عليه
الرئيس:
ما هو المبدأ الرابع قلت يشطب … ترى قضية الشطب كأنكم أغفلتموه لكن نظرا إلى أن رئيس البنك وانتم تسمعون لما قلت ما رأيكم في حذفه أظن قال: لا مانع.
الشيخ عمر جاه:
سيدي الرئيس … أنا أتذكر تماما أنه قال: إذا رأيتم، وقال هذا، نزولا على ما ذهب إليه بعض الأعضاء.
الرئيس:
طالما أنه الوعد كذلك قد ترون مناسبا أن يقال: إن الوعد بهبة المعدات عند انتهاء أمد الإجارة طالما أن معالي رئيس البنك رأى أنه ليس هناك مانع من حذفه فقد انتهى الموضوع بذلك.(3/1376)
الشيخ المختار السلامي:
نحن نتأثر بحكم الله أن ما ظنه الفقيه هو حكم الله، الفقيه يخبر عن حكم الله ولا يخبر عن حكم نفسه، ولو كان يخبر عن حكم نفسه لما أقبل عليه أحد.
الشيخ محمد عطا السيد:
السيد الرئيس التحفظ الذي أبديته أنه ما هو بخصوص الجزئية الثانية من المبدأ الرابع لكن هنالك تعليقا على الجزء الأول، وهو أن رئيس البنك على حسب ما أتذكر، ولعلكم تتذكرون ذكر أن هذا الوعد فيه فائدة الطرف الثاني وهو الضعيف، الطرف الذي يستغرق هذه المسائل ذكر بأن هذا الوعد بما يطمئن هذه الدول في نهاية الأمر ستؤول ملكية هذه المسائل إليها ولذلك التحفظ الذي أبديته إنما أبديته على الفقرة الثانية كما أن تعليقها على وفاء المستهلك بالتزاماته مقبول شرعا هذه رأيت حذفها لكن الجزء الأول مازلت على قولي: إنه يمكن أن يكون هنالك عقد منفصل في الوعد بهبة المعدات.
الرئيس:
المهم الذين يرون إقرار مبدأ عقد الإجارة بمبادئه يتفضلون بالإشارة بأيديهم
الشيخ تقي العثماني:
لكن بحذف الهبة
الرئيس:
هل نحذف المادة الرابعة وتصير خمسا؟
الشيخ عبد السلام العبادي:
أي نعم تصير خمس مبادئ
الدكتور عبد السيد (مندوب البنك)
إذا حذفت الهبة لن تتم العملية لأن الأساس في هذه العملية هو هذه الهبة لأنها من مصلحة الضعيف. هذه النقطة من مصلحة الضعيف.
الشيخ الصديق الضرير:
موضوع الهبة هذه كما قال الدكتور عطا السيد هي لمصلحة عميل البنك لأنه هو في هذه العملية على أن هذا العميل سيتملك هذه المعدات بعد مدة محددة بعد أن ينتهي عقد الإجارة فهي لمصلحة هذا الشخص.(3/1377)
النقطة التي اعترض عليها عطا السيد قد تكون مقبولة شرعا أكثر من الوعد. تعليق الهبة جائز عند الشافعية والمالكية، الحنفية هم الذين منعوا هذا. عقود التمليكات كلما قالوا: لا يصح، تعليقه على أن ابن تيمية أجاز تعليق جميع العقود حتى عقود التمليكات فكون أن أقول لشخص: إن حصل هذا فقد وهبتك هذه المعدات، هذا شيء مقبول شرعا عند الأئمة، يعني لا خلاف في هذا. ومع ذلك إذا رؤي أن يحذف هذا وقبل الطرف المستفيد من غير أن ينص عليه في العقد فالبنك في سعة يستطيع بعد أن ينتهي عقد الإجارة أن يقول له: وهبتك هذه المعدات.
ولذلك أنا لا مانع عندي من الحذف مع اعتقادي الجازم بأن هذا المبدأ سليم من الناحية الشرعية.
الشيخ المختار السلامي:
القضية قبل العقود لما عرضت علينا كان فيها وعد بالبيع إثر انتهاء الإيجار وهذا الوعد بالبيع قلنا لا يصح واعترضنا عليه وقلنا والهبة أفضل.
الرئيس:
يا مشايخ.. أرجو أن تبتوا في الموضوع لنمشي لأن عندنا جلسة مفتوحة وعندنا الذي يريد أن يسافر، يعني يحذف الرابع أو لا؟
الشيخ عبد السلام العبادي:
يبقى في صدره ويحذف الصدر الثاني " كما أن تعليقها ".
الرئيس:
المهم من هم الذين يرون إقرار عقد الإجارة بمبادئه الستة بحذف الجزء الأخير واحد، اثنين، ثلاثة، أربعة، خمسة، ستة، سبعة … خلاص يكفي. الله في عوننا وإياكم
الشيخ عبد السلام العبادي:
عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
اسمح لي طال عمرك إن خدمات القروض لم نناقشها.
الشيخ عبد السلام العبادي:
يا سيدي ما دامت فعلية. انتهى ما فيه مشكلة ما دام فقط …..(3/1378)
الرئيس:
ماذا عندك فيها يا شيخ؟
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
أريد أن نقرر بأنها خدمات قروض بنك التنمية الإسلامي وأنها تخص البنك وحده
الشيخ المختار السلامي:
نصصنا على أنه البنك الإسلامي للتنمية، أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية، أن توكيل البنك الإسلامي للتنمية
الرئيس:
ما عليهش يا شيخ المختار طيب خلوها عبارة تسمي توقي همة الجميع يقال:
أ - أجور خدمات القرض في البنك الإسلامي للتنمية. حطوها ياشيخ
الشيخ المختار السلامي:
عمليات الإجارة في البنك الإسلامي للتنمية.
الشيخ عبد السلام العبادي:
ج – عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن.
الشيخ المختار السلامي:
عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن للبنك الإسلامي للتنمية
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بالنسبة طال عمرك من أول القرض … أولا وثانيا وثالثا كلها في الحقيقة بند واحد
الرئيس:
هو صحيح ولكن للتوضيح.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
لا أخشى أن يؤخذ كل واحد على حدة.
الرئيس:
قرر المجمع اعتماد المبادئ التالية في هذا الموضوع يا شيخ.
الشيخ أحمد بازيع الياسين
نعم …. جواز أخذ أجور عن خدمات القروض وأن يكون ذلك في حدود النفقات الفعلية …. إلخ
الرئيس:
سجلوها … خلاص يا شيخ
الشيخ عبد السلام العبادي
عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن قرر المجمع اعتماد المبادئ التالية فيها:
المبدأ الأول: أن الوعد من البنك الإسلامي للتنمية ببيع المعدات إلى العميل بعد تملك البنك لها أمر مقبول شرعا.(3/1379)
المبدأ الثاني: أن توكيل البنك أحد عملائه بشراء ما يحتاجه ذلك العميل من معدات وأليات ونحوها مما هو محدد الأوصاف والثمن لحساب البنك بغية أن يبيعه البنك تلك الأشياء بعد وصولها وحصولها في يد الوكيل هو توكيل مقبول شرعا والأفضل أن يكون الوكيل بالشراء غير العميل المذكور إذا تيسر ذلك.
المبدأ الثالث: أن عقد البيع يجب أن يتم بعد التملك الحقيقي للمعدات والقبض لها وأن يبرم بعقد منفصل عن عقد الوكالة والوعد.
د - عمليات تمويل التجارة الخارجية: قرر مجلس المجمع أنه ينطبق على هذه العمليات المبادئ المطبقة على عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن.
الرئيس:
هذه عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن هل لأحد من الإخوان ملاحظة عليه؟ أو هل الذين أجازوا الأول أجازوا الثاني؟
الشيخ تقي العثماني:
سيدي ملاحظة بسيطة حول جميع هذه العمليات وهي إن صحت من حيث الفكر ولكن الذي يخاف منه جميع الإخوان أنه يكون تحيلا على الربا ولذلك أقترح أن يوصي المؤتمر والمجمع أيضا مع الجواب عن هذا الاستفتاء ألا يستخدم البنك هذه المسائل إلا في مشروعات لا يمكن فيها الشركة والمضاربة لأن الشركة والمضاربة هي البديل الحقيقي للربا للبنك. وأما إذا أديرت جميع المعاملات البنكية المصرفية على هذه الأسس فحينذاك لا نأتي للعالم ببديل للنظام الرأسمالي الربوي وتدور عملياتنا كتحيل على الربا.
فلذلك أقترح أن يكون مع هذه الأجوبة توصية من المؤتمر بألا يستخدم البنك …
الرئيس:
جزاك الله خيرا، لكن الناس يصيحون ليل نهار يوصونهم بتقوى الله يوصونهم بعدم الربا ويوصونهم بكذا.. فقصدي، هم يهمهم وجود المبادئ فإذا وجدوا المبادئ فالله إن شاء الله تعالى يبرأ ذمة الجميع ويعينهم ويغفر لهم.
الشيخ تقي العثماني:
ولكن لا ضرر في هذه التوصية.
الرئيس:
هي فيها نفع … الشيخ عطا.
الشيخ محمد عطا السيد:
اسمح لي، سؤال بسيط، سيادة الرئيس.. في المبدأ الثاني في (ج) الذي هو عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن والمبدأ الثاني الذي أجزناه فقط، هذا سؤال هل هي عملية متداخلة في بعضها؟ لأن الأولى إنما هي تأتي للإجارة، يؤجر له هذه المعدات التي اشتراها.(3/1380)
الرئيس:
هي ليست عمليات متداخلة في بعضها، ولذلك أنا قدمت عبارة قلت: إن جميع هذه العمليات آخذة بحجز بعضها كلها جاءت كذلك، لا يمكن أن عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن إلا بهذه المبادئ الثلاثة، ولا يمكن أن عقد الإجارة إلا بمبادئه الستة أو الخمسة، خذ فكرك من الآن، ما هي المسألة؟ أنا لا شك أنه لو جاءني المبدأ الأول أهلا وسهلا، الحالة واحدة مفيش شيء. لو أتاني المبدأ الثاني بوحده هذه بديهيات شرعية ليست محل بحث، لكن المسألة قضية التحليل هذه، التحليل الموضوعي له مبادئ، وهي أمامكم وأنتم أصحاب الشأن.
الشيخ المختار السلامي:
سيدي، اسمح لي، أنا أريد أن أتحدث في موضوع هام وإن كان لا أريد أن أطيل فيه ولكن لا بد من بيانه، هو الفرق الجوهري بين عمليات البنك الإسلامي وبين العمليات الربوية، فالربا يبدأ بتوجه الشخص إلى البنك ويقترض مالا هذا المال يستطيع أن يكون به مشروعا صناعيا وإن ينفقه في أغراضه وفي شهواته ويشتري به سيارة بينما هذه تبدأ من أولها على أساس تطوير اقتصاد إسلامي. فالبنك الإسلامي لا يقرض مليما لشخص ليشتري به شيئا لذاته وإنما يقرض أو يقوم بهذه العملية لتطوير الاقتصاد الإسلامي ثم في النهاية يختلف الربا عن ذلك، ذلك أنه في العقود الربوية كلما تأخر يوما دفع في مقابل ذلك وهو معني الربا أضعافا مضاعفة، بينما هذا عادة يتأخر الشهر والشهرين والسنة والسنتين ويرفع للتحكيم ولا يضاف عليه ولا مليم واحد، ففي بدايته ونهايته العقدان مختلفان، هذا تنشيط للاقتصاد الإسلامي ولا بد للمستثمرين أن يكون لهم عائد ولما لم يكن للمستثمرين عائد لاحتفظوا بأموالهم.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
في الحقيقة لنا عشر سنوات مع المشايخ في جميع المؤتمرات وقرروا بأن هذا لا بأس فيه لأنها ليست من العقود الصورية، هناك بائع، وهناك مشتر، وهناك عين مباعة حقيقية، وهناك ثمن، فالعملية عملية حقيقية وليست صورية، وأود أن أبين للجماعة.(3/1381)
الرئيس:
يا شيخ عقد الإجارة الذي مر علينا بمبادئه الخمسة أو الستة عقد حقيقي.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
نعم.
الشيخ عبد السلام العبادي:
فيه مسؤولية وضمان.
الشيخ المختار السلامي:
وضمان المال ضامن بينما البنك عند المال لا يهمه هو يأخذ منك الفائدة والمال ولا يهمه شيء.
الرئيس:
المهم يا مشايخ، هذه عمليات البيع بالأجل الذي يرون الموافقة عليه كما هو يتكرمون برفع أيديهم.
الشيخ تقي العثماني:
ولكن التوصية.
الرئيس:
التوصية يظهر منها جيدة.
الرئيس:
في فوائد الودائع.
الشيخ عبد السلام العبادي:
قرر مجلس المجمع أنه يحرم على البنك أن يحمي القيمة الحقيقية لأمواله من آثار تذبذب العملات بواسطة الفوائد المنجرة من إيداعاته، ولذا يجب أن تصرف تلك الفوائد في أغراض النفع العام كالتدريب والبحوث وتوفير وسائل الإغاثة وتوفير المساعدات المالية للدول الأعضاء وتقديم المساعدة الفنية لها وكذلك للمؤسسات العلمية والمعاهد والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة الإسلامية.(3/1382)
الشيخ رجب التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. كلمة فوائد الودائع هذه ربا لأن الودائع لا يجوز أخذ الربا عنها، فالفوائد محرمة شرعا فكيف نجيز أن نصرف هذه الفوائد، وأنا هي في رأيي وفي نظري وفي يقيني أنها محرمة، في وجوه البر والخير لا يجوز أن تصرف الأموال المحرمة في وجوه البر أو غيرها ما دامت محرمة، أنا أرى أن فوائد الودائع أمر محرم.
الرئيس:
جزاك الله خيرا.. نحن كذلك … على كل حال الذي يرى التصرف يرفع يده.. أحب أسأل يا شيخ هل ستغير شيئا؟
الشيخ المختار السلامي:
لا طبعا هذا ليس رأيي هذا بيان واقع، القضية هو أن البنك الإسلامي له إيداعات في بنوك أمريكا وأن هذه البنوك تعطي له عن إيداعاته في نهاية السنة فوائد، فجاء البنك وقال: أهذه الفوائد نأخذها أو نتركها لأمريكا؟ هذه واحدة. ثم إنه أخذ هذه الفوائد قلنا إن البنك الإسلامي هل يصح للبنك أن يقول أن أعطيها للبنك الأمريكي فقلنا له: لا خذها، قال: طيب، أنا آخذها، لما جاء مجلس المديرين قال: إن هناك تذبذبا في العملات فأنا أعطي 50 % من هذه الفوائد تحصين عملاتي و 50 % من الفوائد للمشاريع العامة، قلنا له: لا يجوز لك أن تحمي أموالك ولو بمليم واحد من هذه الفوائد، ويجب أن تصرف للمشاريع العامة الإسلامية، هذا مفهوم الأمر.
الشيخ رجب التميمي:
إذن لا ضرورة لوجود بنك التنمية الإسلامي ما دام في المال أن يتعامل مع البنوك الربوية ويأخذ منها يعني نمشي نقول: حلال مع بنك التنمية، ثم يتعامل بنك التنمية مع البنوك الربوية ويتعامل بالربا.
الرئيس:
يا مشايخ الذي يرى هذه الفقرة يرفع يده.
الشيخ خليل الميس:
فيه توضيح سيادة الرئيس إذن بتأمر، هذه المسألة تتبعتها في ثلاث عشرة سنة حتى عثرت على نص صريح من مذهب الإمام مالك تفسير القرطبي الجزء الثالث صفحة 366 في بيان قوله: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُوسُ أَمْوَالِكُمْ} قال شأنها أن توزع في مصالح المسلمين وليستغفر الله تعالى، نص عليها نصا كنا متوقفين حتى وجدنا، نص عليه مالك.(3/1383)
المشاريع
- تقرير عن اجتماع شعبة التخطيط حول المشاريع.
- الموسوعة الفقهية.
- معجم المصطلحات الفقهية.
- معلمة القواعد الفقهية.
- مدونة أدلة الأحكام الفقهية.
- القرار.
تقرير عن اجتماع شعبة التخطيط
حول مشاريع المجمع
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه ومن اهتدى به وسار على دربه إلى يوم الدين. وبعد؛ فقد عقد اجتماع لشعبة التخطيط للنظر في مشاريع المجمع القائمة والمستقبلية، وما أعد عنها من مذكرات مقدمة في الدورة الثالثة للمجمع.
وقد تم هذا الاجتماع – بحمد الله وتوفيقه – في الفترة من 8 – 9 صفر 1407 هـ الموافق 11 – 12/10/1986م.
وقد حضر جانبا من اجتماع الشعبة كل من معالي رئيس المجمع الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، ومعالي الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة.
وحضر الاجتماع كل من:
1- فضيلة الدكتور عبد اللطيف الفرفور رئيس شعبة التخطيط.
2- فضيلة الدكتور إبراهيم بشير الغويل مقرر شعبة التخطيط.
3- فضيلة الدكتور عبد السلام العبادي مساعد رئيس المجمع.
4- فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة عضو (مع القيام بمساعدة المقرر)
حيث تأخر وصول المقرر من بلده إلى اليوم الثاني للاجتماع.
5- سعادة السفير سيدي محمد يوسف جيري عضو مكتب المجلس.
6- فضيلة الشيخ سالم بن عبد الودود عضو.
7- فضيلة الشيخ محمد هشام البرهاني عضو.(3/1384)
8- فضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد عضو.
9- فضيلة الشيخ خليل محيي الدين الميس عضو المجمع
10- فضيلة الشيخ رجب التميمي عضو المجمع.
وفي الجلسة الأولى تم إقرار جدول الأعمال كما قدمته الأمانة العامة، وهو يشتمل على (10) عشرة بنود، وقد أضيف إليه بندان هما: تقنين الفقه، واستقطاب المزيد من الموضوعات المستجدة (عدا ما سبق جمعه) ، وبذلك كان على الشعبة النظر في الموضوعات الاثني عشر التالية:
1- الموسوعة الفقهية.
2- معلمة القواعد الفقهية.
3- مدونة الأدلة للأحكام الفقهية.
4- معجم المصطلحات الفقهية.
5- إحياء التراث.
6- تيسير الفقه.
7- مشروع المنهج لسير عمل ومناقشات وإدارة جلسات المجلس.
8- اللائحة المالية للموسوعة الفقهية.
9- اللائحة المالية لمعجم المصطلحات الفقهية.
10- اللائحة المالية لإحياء التراث.
11- تقنين الفقه.
12- استقطاب المزيد من الموضوعات المستجدة.(3/1385)
1- مشروع الموسوعة الفقهية:
أشار فضيلة الدكتور الأمين العام للمجمع إلى ما سبق إقراره من لجنة الموسوعة وخصائصها وقيودها، وأنه عهد إلى الدكتور عبد الستار أبو غدة مقرر تلك اللجنة بوضع مذكرة إيضاحية للعناصر المميزة للموسوعة، ووضع الهيكل الموضعي لها، وكذلك الخطوات اللازمة للتنفيذ، وقد ترك له أمر الاستعانة بمن يشاء من المهتمين بالموسوعة من أعضاء المجمع أو غيرهم من الخبراء في الكويت – تفاديا لتكاليف عقد اجتماعات خاصة لذلك.
وقد قام الدكتور أبو غدة بما طلب منه بجهد فردي، ثم عرضه على عدد من المعنيين بالموسوعة من العاملين في موسوعة الكويت، أو المدرسين بكلية الشريعة، أو كلية الحقوق بجامعة الكويت. وقدم مذكرة بذلك وزعت على أعضاء الشعبة، تمهيدا للتداول فيها بشكل مفصل.
وقد استعرضت الشعبة في اليوم الثاني من اجتماعها ما جاء في المذكرة بعد تقديم معدها إيضاحًا عما سأل عنه الأعضاء.
وقد انتهت الشعبة إلى إقرار ما جاء في المذكرة واستحسان المنهج والخطوات التنفيذية المذكورة فيها للبدء عمليا بالمشروع حسب الهيكل الموضوعي المبين في المذكرة.
2 و 3 – مشروع معلمة القواعد الفقهية ومشروع مدونة الأدلة:
أشار معالي الأمين العام إلى المذكرتين اللتين قدمهما معالي رئيس المجمع الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد، حول المشروعين، وهما توسعة لما سبق أن عرضه في الدورة السابقة، وسيصار إلى وضع الخطوات العملية لتنفيذ ذلك عقب المناقشة التي ستتم للمشروع في اليوم المحدد للمشاريع.
4- معجم المصطلحات الفقهية:
أشار معالي الأمين العام إلى أنه كلف في البداية الدكتور عبد الستار أبو غدة لوضع الخطة العملية للسير في إعداد المعجم في ضوء اهتمام الموسوعة الفقهية بالكويت بالفهارس والمعاجم الفقهية، وأن المذكور قدم مذكرة بذلك تتضمن أبعادا جديدة للتعاون في إنجاز الفهرسة للمصادر الفقهية، فضلا عن المعجم، ثم أشار معالي الأمين العام إلى الأخذ بالاعتبار لما هو قائم في (فاس) بالمملكة المغربية من اهتمام بالفقه المالكي من حيث فهرسته ووضع معجم لمصطلحاته، وهذا ينسجم مع الفكرة القائمة على وضع معاجم مذهبية، ثم إدماجها في معجم واحد. وأن هذا الاهتمام وراءه المجالس العلمية بالمغرب، وذلك يتطلب التنسيق مع تلك الجهة في ضوء ما يتجدد من أخبار هذا الاهتمام ...(3/1386)
وقد تداولت الشعبة في اليوم الثاني للاجتماع في موضوع معجم المصطلحات الفقهية.
بعد دراستها للمذكرة الموزعة عليها عن المعجم، وأبدت تقديرها لجهود وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت وتعاون البنك الإسلامي للتنمية من خلال (الميثاق المشترك) بينهما لإعداد (الكشاف الشامل لمصادر الفقه الإسلامي) . والشعبة تؤدي اقتراح معد المذكرة لدخول المجمع شريكا في هذا التعاون بصفته جهة علمية بالطاقات الفقهية.
5- مشروع إحياء التراث:
أشار معالي الأمين العام إلى ما سبق للجنة التراث – إعطاؤه الأولوية بالنشر بعد التحقيق أو التحرير وهو: كل ما يتصل بالخلاف العالي (الفقه المقارن) ، والرسائل المفردة في موضوعات فقهية خاصة، وأحكام القرآن، وأحكام السنة، والعلوم الفقهية المساعدة من الأشباه والنظائر والقواعد والفروق.
وأفاد أن على رأس قائمة ما سينشره المجمع كتاب " الجواهر الثمينة في فقه عالم المدنية " لابن شاس. وهو الذي تفضل خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز بالانفاق لنشره وتوزيعه، وقد كلف بتحقيقه كلا من الدكتور عبد الحفيظ منصور، والدكتور محمد أبو الأجفان، وهما بصدد استكمال مخطوطاته، كما أن في قائمة النشر كتاب " التنبيهات على المدونة "، والذي سيتعاون في إخراجه مع كل من فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي والشيخ مصطفى الغزالي.
وأضاف فضيلة الدكتور رئيس المجمع بيانات عن كتاب يتم السعي لإخراجه من المجمع – بناء على توصيات سابقة – وهو كتاب " معرفة السنن والآثار " للبيهقي بعد أن توقفت الجهة التي نشرت جزءا واحدا منه، حيث تم العصور على مخطوطة كاملة له بإحدى قرى الرياض.(3/1387)
6- مشروع تيسير الفقه:
بعد التداول طويلا في هذا المشروع وملابساته ومشكلاته، انتهت الشعبة إلى وضع الضوابط التالية لكتابة المؤلف المطلوب في الفقه الميسر، وهي:
1- أن تتم الكتابة من لجنة لا من أفراد.
2- أن تشتمل اللجنة على فقهاء، وممثلين للمذاهب المعتبرة من أصحاب الثقة والورع.
3- عدم الخروج عن الراجح المفتى به في المذاهب الأربعة.
4- أن يجرد عن الآراء الشخصية.
5- أن يكون العرض موثقا.
6- أن يختار ما هو أرجح دليلا، وأيسر للعامة، وشرح المصطلحات الغريبة، وتحديث الأمثلة.
7- أن تراعى المستويات المختلفة في صياغة واحدة.
8- طي المسائل التي لا وجود لها في التطبيق الآن.
9- أن يذكر المتفق عليه، ويضم إليه ما عداه دون التزام مذهب معين، واستئناسا بما عليه العمل في مؤلفات التربية الإسلامية للمدارس.(3/1388)
11- مشروع تقنين الفقه:
في ضوء مبادرة أمانة المجمع لحصر التقنينات الشرعية من شتى البلاد الإسلامية، تدعو الحاجة إلى إعداد تقنين مختار لأحكام المعاملات: (المدنية، والأسرية الأحوال الشخصية والجنائية والدولية) والهدف من هذا:
(أ) إيجاد البديل الإسلامي للتقنينات الوضعية المطبقة لكي يعرف منهج الشريعة ولا يندثر بعدم العمل بها، لتستمر الدراسات والبحوث المقارنة.
(ب) تمكين الدول الإسلامية التي تتجه لتغيير المعمول به من التشريعات وتطويرها بما يوافق الشريعة، بحيث تجد ما يصلح لسد الفراغ عند أي توجه من هذا القبيل.
وهذا يتطلب عقد ندوة فيها بعض أعضاء المجمع المهتمين بالتقنين مع قانونيين مختصين لوضع المنهج العلمي، ثم تشكيل لجنة عملية لكل قسم من أقسام المعاملات المدنية – والأسرية – والجنائية – والدولية.
تتقدم الشعبة بتوصية إلى الأمانة لمخاطبة الجهات المسؤولة عن مشاريع القوانين الموحدة من مثل (مشروع قانون الأحوال الشخصية) الذي أعدته الجامعة العربية ووزعته على الدول الإسلامية؛ لإبداء الرأي دون أن تحسب حسابا للمجمع في النظر فيه، لذا ينبغي الطلب إلى الجهة المسؤولة لإرسال نسخة من المشروع إلى (المجمع) بصورة رسمية، مع إرجاء البت فيه إلى أن يبدي المجمع رأيه الشرعي فيه.(3/1389)
12- إضافة موضوعات مستجدة (للفتوى أو البحث) :
(فتوى) تأخير دفن الميت لأسباب.
(بحث) الديات وتقديرها في العصر الحاضر.
(بحث) المقادير والمقاييس الشرعية.
(بحث) تقسيم العالم إلى دور: الإسلام والحرب والعهد، والأصل في العلاقة مع غير المسلمين.
(بحث) تقسيم الأراضي إلى عشرية وخراجية.
(بحث) النفط، ملكيته وزكاته.
(بحث) مجادلة غير المسلمين وضوابطها (الحوار الإسلامي - المسيحي مثلا) .
(بحث) الاستفادة من صيغة مولى الموالاة في مشردي الحروب والكوارث.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم.
رئيس لجنة التخطيط والترجمة مقرر الشعبة مساعد المقرر
د. عبد اللطيف الفرفور د. إبراهيم بشير الغويل د. عبد الستار أبو غدة(3/1390)
الجلسة الافتتاحية المغلقة
الجلسة الأولي
6 صفر 1407 هـ – 12 أكتوبر 1986 م
الساعة الثامنة والنصف صباحا
الرئيس:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:
فنفتتح مستعينين بالله تعالى مستمدين من التوفيق إلهاما والسداد في الأقوال والأعمال وصلاح النية فيما نقول ونذر، هذه الجلسة الصباحية الأولي من جلسات الدورة الثالثة من مجمعكم هذا وكما تعلمون فإن هذه الجلسة الصباحية هي لدراسة استفسارات البنك الإسلامي للتنمية، وقبل هذا هناك أمور إدارية لا بد من ترتيبها وبقوة لائحة نظام المجمع، التي يختار فيها رئيس المجمع وأمينه مقررا عاما للدورة، فقد وقع الاتفاق فيما بيني وبين معالي الشيخ الحبيب أمين عام المجمع على اختيار فضيلة ممثل المملكة الأردنية الهاشمية الشيخ عبد السلام العبَّادي مقررا عاما لهذه الدورة.
وطلبا لحسن الأداء في الصياغة والعرض للموضوعات واختصار للوقت فقد جرى الاتفاق كذلك على اختيار بعض من أصحاب الفضيلة للعرض والبعض الآخر للصياغة حسب البيان الذي سيوزع عليكم وهو كالآتي:
في موضوعات البحوث والدراسات: توحيد بدايات الشهور القمرية:
العرض: فضيلة الشيخ كمال التارزي، والدكتور فخر الدين الكراي والصياغة محدثكم.
استفسارات المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن: العرض فضيلة الشيخ محيى الدين قادي والصياغة فضيلة الشيخ القاضي تقي الدين العثماني وفضيلة الشيخ أحمد حمد الخليلي وفضيلة الدكتور طه جابر العلواني.(3/1391)
الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة: العرض: لفضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء والصياغة لفضيلة الشيخ محي الدين قادي.
أحكام النقود الورقية وتغير قيمة العملة: العرض لفضيلة الشيخ نزيه حماد والصياغة لفضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور.
سندات المقارضة وسندات التنمية والاستثمار: العرض والصياغة لفضيلة الشيخ عبد السلام العبادي.
وفي موضوعات شعبة الفتوى: استفسارات البنك الإسلامي للتنمية:
يقوم بالعرض والصياغة فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي.
زكاة الأسهم في الشركات: عرض: فضيلة الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير، صياغة فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي.
توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق: العرض لفضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور، والصياغة لفضيلة الشيخ وهبه الزحيلي.
أطفال الأنابيب: العرض للأستاذ محمد علي البار والصياغة لفضيلة الشيخ عبد الله البسام.
أجهزة الإنعاش: العرض للأستاذ محمد علي البار والصياغة لفضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء.
وبعد هذا فإن اللائحة نصت على أنه لا بد في الصياغة العامة بالإضافة إلى المقرر العام، من إضافة عضوين من أعضاء هذا المجمع فهذا موكول إلى اختياركم.
الشيخ أحمد البازيع ياسين:
نقترح الشيخ عبد الله البسام.
الشيخ أحمد الخليلي:
فضيلة الشيخ السلامى.
الرئيس:
إذن هل من معارض في جهة نظر هذا الاختيار؟
إذن تمت الموافقة على ضم الشيخين إلى لجنة الصياغة النهائية لمشاريع هذه الدورة وبالله التوفيق.
وبعد هذا ندخل في موضوع جلستنا هذه وهناك توطئة وعرض لبعض المعلومات حول هذه المواضيع الاقتصادية، نرجو من فضيلة الشيخ عبد السلام العبادي أن يتفضل بالإيضاح عنها وشكرا.(3/1392)
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد من رب العالمين وأصلي على رسوله الكريم.
لا يسعني في بداية هذه الكلمة التي أتيحت لي إلا أن أتقدم بالشكر والتقدير على اختياري مقررا عاما لهذه الدورة راجيا من الله سبحانه وتعالى أن يعينني بالمشاركة مع الإخوة في لجنة الصياغة على أداء ما أوكل إلى من مهمة ولا يفوتني أيضا في مطلع الكلمة هذه أن أرحب بجميع الأخوة الكرام أعضاء هذا المجلس الموقر في بلدهم الأردن مرة أخرى في صباح هذا اليوم المبارك.
أقر مجلسكم الكريم أمس ترتيب جدول الأعمال بحيث جمع الموضوعات الاقتصادية في مطلع هذه الدورة، وهذا تأكيد من المجلس الكريم على أهمية هذه الموضوعات وضرورة التصدي العاجل لمشكلات المسلمين الملحة وكما يعلم الإخوة الكرام أن القضايا المطروحة على الساحة في واقع المسلمين في هذه الأيام أمام المعاناة التي تعيشها قطاعات عريضة منهم في رحاب عالمنا الإسلامي الواسع من مشكلات المرض والجهل والفقر توجب على فقهاء الشريعة الإسلامية أن يسارعوا لرحاب هذه الشريعة الخاتمة شريعة الله التي جاءت لإصلاح الواقع الإنساني وتنظيم الحياة الإنسانية بكل أبعادها بما يحقق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة أن يسارعوا إلى هذه الشريعة لتلمس الحلول الناجعة لمشكلات هذه الأمة في واقعها ومختلف جنبات حياتها ومن هنا كان نص النظام الأساسي في هذا المجمع على أن من واجبه تقديم الحلول لمشكلات المسلمين الملحة المعاصرة في هذه الأيام.
وبحمد الله جاءت الموضوعات المطروحة على هذه الدورة رغم أنها عند النظر السريع تمثل موضوعات جزئية في قضايا متنوعة لكنها عند التدقيق تشكل في الواقع أرضية لنوع من التوجه الواسع الكبير نحو موضوعات هي في ذاتها فيما إذا أُحسن التعامل معها في إطار الشريعة الإسلامية تقدم التصور الإسلامي لحل مشكلات المسلمين في هذه الأيام في مواجهتهم للأمراض الثلاثة التي أشرت إليها.
استفسارات البنك الإسلامي تمثل في مجملها طرحا لمعالجة إسلامية في مجالات تحقيق تنمية في واقع المسلمين وفق قواعد الشريعة وأصولها.
الحديث عن الزكاة يمثل في الواقع طرحا لمعالجة إسلامية فذة لمشكلات الفقر وتحقيق الحياة الكريم لكل مسلم في رحاب الأرض.
وموضوع شهادات الاستثمار للتنمية التي نحتاجها في مجال تحقيق هذه التنمية.
قدمت للسادة العلماء هذا النموذج ليعلموا وليوقنوا بعمق ما تعاني لتكون معالجتنا المطروحة في ظلال إلحاح هذه المشكلة ومدي ما تسبب في رحاب عالمنا من آثار وآلام، ولعل عند ذلك حديثنا في مجال التنمية وتقديم الصيغ الإسلامية المتطورة لتحقيق هذه التنمية وتوفير ضمانات العيش الكريم للمسلمين ضمن ما قدمت الشريعة من معالجات، لعل ذلك يدفعنا إلى مزيد من التبحر والنظر ويدفعنا إلى مزيد من الصياغة الفاعلة وهو مطروح علينا من معالجات استفسارات وآراء، لذلك أرجو الإخوة الكرام أن يقدموا لنا هذا النموذج الذي لا يِأخذ من وقتكم الثمين إلا دقائق معدودة لنكون في جو المعانات ولتكون بعد ذلك أنظارنا ومعالجتنا في حجم المعالجة الفاعلة السريعة وشكرا.
"إثر هذه الكلمة وقع عرض شريط مصور عن معاناة الأشقاء في بعض المناطق في السودان من جراء الجفاف وقلة المدد".(3/1393)
صاحب السمو الملكي الأمير الحسن ولي العهد المعظم
بسم الله الرحمن الرحيم … أيها الإخوة أخاطبكم بعد أن عدت من زيارة رسمية للسودان الشقيق وقلبي يعتصره الحزن والألم وقد أتاحت لي زيارتي للسودان الاطلاع على أحوال مخيمات السودانيين الذين تضرروا بالجفاف وسوء التغذية وكذلك الأمر في بعض مخيمات اللاجئين الذين ما زالوا يتدفقون على السودان من الدول المجاورة وقد استمعت إلى ما يملأ نفوسكم من ألم ومرارة نتيجة تقصير إخوانهم العرب وأشقائهم المسلمين ووقوفهم موقف المفتوح بينما تطاحنهم المحنة من كل جانب وهو يتطلعون إلى إخوانهم بروح الأمل والرجاء.
أيها الإخوة:
لقد مرت على السودان خمس سنوات متوالية من الجفاف وانحباس الأمطار مما أدى إلى صعوبات اقتصادية وتخلف زراعي وانتشار للجوع والمرض والحرمان لا مثيل له في هذا القرن وحسب تقديرات الأمم المتحدة يعاني ثمانية ملايين وأربعمائة ألف سوداني هذه المعاناة كما يعاني سكان إقليم دارفور وكردفان من شح الغذاء وقلة مساعدات من يمثلهم من البقاء على قيد الحياة، هذا بالإضافة إلى المشاكل الناجمة عن تدفق أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ من إرتيريا وتشاد وزائير وأوغندا على السودان يتزايد عددهم باستمرار وتتولى خمس وعشرون وكالة تطوعية أعمال الإغاثة وتقديم المساعدات لهؤلاء اللاجئين معظمها من أوروبا وأمريكا بينما غابت الوكالات والجمعيات العربية والآسيوية إلا واحدة عن تقديم العون للمنكوبين الذين تصل نسبة المسلمين فيهم إلى أربعة وثمانين بالمائة، كما عاني هؤلاء اللاجئون من بؤس وجفاف لسنوات طويلة نتيجة سوء التنمية والجوع والصراعات المسلحة على أراضيهم كما ضم الجوع مئات الألوف مما يجسد حرمانهم ظلم الإنسان لأخيه الإنسان فآلاف الأطفال ما زالوا يواجهون الموت يوميا بسبب الجوع والمرض، ومن منطلق الإيمان بواجبنا الإنساني وإحساسنا في الأردن من واقع المأساة على شعب السودان الشقيق وبتوجيه من جلالة الحسين فقد وضع الأردن برنامجا لمساعدة عاجلة للسودان الشقيق وبوصفي رئيسا وعضوا مؤسسا للجنة المشكلة للقضايا الإنسانية الدولية بحثت مع المسئولين في السودان الإجراءات التي يمكن اتخاذها على المستوي الدولي واتفق على العمل لتأمين أنصبة مالية مباشرة للمزارعين الصغار وإنشاء جهاز فعال للمتابعة قبل حصولها وبالبحث عن أمور لازمة لأوضاع اللاجئين في السودان.
أيها الإخوة أخاطبكم لأنقل لكم استغاثة أشقائكم في السودان في ذكرى مباركة عطرة من ذكريات رسالة الرسول الكريم وذكري نفحة من نفحات نبوية وهي ذكرى هجرته عليه الصلاة والسلام إلى المدينة لجمع كلمة المسلمين على الخير والتواد والتراحم، وأية ذكرى أكرم يتجول فيها الإنسان مع أخيه المسلم لمد يد العون والإغاثة والإنقاذ لمن أهلكت المحنة والمجاعة ما لديهم من حرث ونسل وكادت تفني البقية الباقية من المواد البشرية والمادية.
أيها الإخوة الكرام.. إن البؤس والحرمان اللذين يتحملهما الملايين من إخواننا في السودان يذكر بقول الرسول العظيم: إن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل جسد واحد إذا اشتكي منه عضو تدعي له سائر الجسد بالسهر والحمي، إني أوصيكم أن تهبوا إلى نجدة إخوانكم في السودان الذين يتطلعون إليكم لإنقاذ أطفالهم وحياتهم وذويهم {وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} .
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(3/1394)
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صاحب السمو الملكي…. أصحاب الفضيلة الأعضاء إننا تأملنا الصور لأوضاع إخواننا في السودان التي تمت مشاهدتهم الآن وقال المذيع ومندوب المملكة الأردنية: إنه يهيب بإخوانه المسلمين إلى مد يد العون والإغاثة فإنه بدورنا ينبغي أن نناشد دولنا وحكوماتنا بأن يمدوا يد العون والإغاثة وأن يكثفوا الجهود لإغاثة إخوان لنا في الله في الإسلام وفي العقيدة وألا يكون هذا محل النسيان منا أو التكاسل إن هذا من أصول الإسلام ومن واجباته العظام وإن هذه لفتة كريمة من هذه الدولة المباركة، ومن دل على خير فله مثل أجر فاعله.
صاحب السمو.. في الوقت الذي نتشرف فيه بحضور سموكم فإن صاحب السمو الملكي يرغب بأن يُلقي على مسامعكم الكريمة كلمته التي نرجو الله سبحانه وتعالى أن تعطي هذه الدورة دفعة وشحنة إلى الأخذ بقرارات شرعية حاسمة في قضايا اقتصادية على ضوء الشريعة الإسلامية وشكرا.
صاحب السمو الملكي الأمير الحسن:
أصحاب الفضيلة.. أيها العلماء الأجلاء… استجابة للدعوة الكريمة من فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة وفضيلة الدكتور بكر أبو زيد حضرت اليوم لأتابع المناقشة فيما يتعلق بجوانب من الاستصلاح أي تعظيم المصلحة العامة، وهذه الجوانب في بحثكم اليوم الموصول بإذن الله تتناول قضايا مالية وددت فقط أن أعتذر في بداية حديثي أنني أشعر أن واجب الضيافة لا يتعدى إلا الاطمئنان على سير العمل بصورة مرضية بإذن الله ولكنني عند المشاركة في بحث موضوع أعتقد أنه يتعدى البعد المالي والمادي إلى الوصول إلى البعد الإنساني، شعرت من واجبي أن أبلغ الرسالة والأمانة.
كنت تحدثت من خلال ما شاهدتم الآن عن الأوضاع في السودان وربما كان بوسعي أن أتحدث أيضا عن مظاهر أخرى للتخلف والحرمان منها ظاهرة ما يسمى بأطفال الشوارع والذين يؤمون المدن الكبيرة في هذا العالم بأعداد تصل بحسب تقديرات اللجنة الدولة إلى ثمانين مليونا. وكان بمقدوري أن أتحدث بالتفاصيل عن المرض لأقول لكم بأن هنالك إلى جانب موقع الفريق الطبي الأردني في السودان تجمع لأربعة آلاف مجذوم من مجموع يقدر بإحصاءات منظمة الصحة العالمية في حدود الثمانية ملايين مجذوم في القارة الإفريقية ولو أردنا أن نتحدث عن التصحر والجفاف لأشرنا إلى أوضاع دول عضوة كما على سبيل المثال والتي تعاني من أمرِّ وأصعب الظروف في تاريخها ربما ولعلها هذه الصور في الألبوم المصور (1) لأحوال المرض الذي أرجو من السادة الأفاضل أن يتناقلوه ويتصفحوه لمثل آخر على ما وجهنا به في زيارة السودان عند دخول المعسكر الأول للاجئين هرع أطفال المعسكر لاستقبالنا بعبارة: الخواجات الخواجات على اعتبار أنه رسخ في الذهن أن لا يقدم الدعم في مثل هذه الحالات إلا الجمعيات التبشيرية وعندما وضح مضيفنا السوداني بالإشارة إلى أن الوافد آت من الأردن لم يتجاوبوا معه فالأردن أو الدول الأقطار في إطار مفهوم العصر ليست من أعلام التراث والذاكرة لتلك القبائل ولكنه عندما قال يأتون من الأردن الهامشي وتردد كلمة هاشمي وهنا ارتفع الهتاف: الله أكبر ولله الحمد، ولا أدعي فضلا من قريب أو من بعيد في هذه المبادرة فعندما عدت وجهت النداء الذي شاهدتموه إلى المجتمع الأردني وتجاوب هذا المجتمع الطيب بالمساهمة خلال أشهر معدودة بمبلغ يتجاوز الأربعة مليون دولار وللمقارنة مع الولايات المتحدة الأمريكية عندما أعلن يوم لدعم الفقراء في أمريكا وامتدت الأيدي من الساحل الشرقي إلى الساحل الغربي الأمريكي تضامنا مع الفقراء كانت حصيلة ذلك اليوم خمسة عشر مليون دولار ونحن ثلاثة ملايين هنا في الأردن، المهم أنه أول ما صادف اللجنة.
__________
(1) عرض سموه على الحاضرين ألبومات مصورة عن الوضع في بعض مناطق السودان الشقيق، الناجم عن الجفاف وقلة المدد(3/1395)
وهنا ملاحظتي المتصلة في موضوعات البحث السؤال من المواطن ما هو موقف الزكاة من هذا التبرع؟ وهل يحسب زكاة؟ وكانت الإجابة – وصححني الدكتور عبد السلام – هذه المبالغ الذاهبة لصندوق مخصص للسودان ذاهبة لتوظيف خدمة المعوزين فبمفهوم التوظيف لخدمة هذه الفئة المحرومة من الناس كنت أتطلع إلى إمكانية العودة إلى موضوع الزكاة في المنظور الدولي لأن هنالك منظورا قطريا لكل قطر من أقطار المؤتمر الإسلامي، ونعم هنالك بحوث على مستوي القمة الإسلامية، وأنا حضرت شخصيا القمة الأخيرة في الدار البيضاء عندما بحث موضوع الزكاة لم يتحمل القادة دقائق وأرجئ البحث للقاء القادم والسبب لذلك واضح في نظري وهو ذو شقين:
أولا: عدم الرغبة في الخوض في مجال أو عدم التأهيل لذلك المنبر السياسي في أن يخوض في مسائل فقهية.
والسبب الثاني واضح أيضا في نظري: أن الأحوال الاجتماعية للعالم الإسلامي ليست ماثلة بنفس السوية من الفهم والدراية بالعمق لجميع المشاركين عندما نتحدث عن معركة بقاء حياة وموت نتحدث حقيقة عن هوية جماعية مهددة في ظلم الإنسان لأخيه الإنسان، مهددة في ظلم الإنسان لبيئته، ولا أريد أن أتحدث عن الظلم ما بين الإنسان وربه، ولكن هذه العناصر الثلاثة وخاصة يبدو لي أن العنصرين الأول والثاني اللذين نستطيع على الأقل أن نتعامل معهما في مواجهة المفاهيم الثلاثة للاستصلاح وهي الإنسان والأرض والماء الطيب. إن شاء الله وهي ورقة عمل مقدمة للدورة من البنك الإسلامي للتنمية تتعلق في موضوع نقل الأموال من الدول الإسلامية.
وهنالك أعود للقاء الأخير للبنك ولا أريد هنا التحدث باسم البنك وذلك لوجود من يغنيني بالحديث الكفء والمتعمق وأكرر ما لمسته من توجه البنك ولكن عند لقائنا الأخير كنت توجهت للبنك باقتراح هل يمكن للبنك عودة لقضية الفقراء وجيوب الفقر الكثيرة المتناثرة في العالم الإسلامي أن يبلور مفهوم المناطق المدعومة أي أن ييسر الوصول إلى الأموال من المصادر الإسلامية داخل تلك الشبكة المتحددة من البنوك الإسلامية ليستمر في رسالة التجاوب مع المشروعات الاجتماعية والاقتصادية خاصة بذوي الدخل المحدود؟(3/1396)
ثانيا: كان سؤالي موجها لموضوع الأولويات في اتفاقنا في العالم الإسلامي هل يستطيع البنك من خلال هذا التوجه أن يسهم في تصويب الأولويات على اعتبار أن أي معيار لقياس أوضاع المسلمين في أنحاء العالم يدلنا على أن نسبة الدخل للفرد تؤهل تلك الدول لما يسمى بالقروض السهلة من قبل المصارف الدولية والغربية ولكننا لم نتفاعل بصورة كاملة وشاملة مع القارة الإفريقية على سبيل المثال، وأود هنا أن أذكر ما آلت إليه المنظمات الاقتصادية للجامعة العربية من اضطراب وارتباك وكذلك جهود مخلصة تبذل في هذه الساعة المتأخرة للنهوض بمستوي تلك المنظمات ولكنني أخشى أننا إذا استمرينا في أوضاعنا الحالية ضمن إطار المؤتمر الإسلامي أننا سنواجه أوضاعا مشابهة للمنظمات المتخصصة في المؤتمر المذكور، واقترحت أيضا أن يتعاون البنك وفريق من المتخصصين في أخذ بعض الأمثلة الناجحة ومنها اعتبر البنك سندات المقارضة المعمول بها في هذا الصباح وستكون لي بإذن الله المداخلة الأخيرة لأني أترك الموضوع لكم بالدرجة الأولى إذا اعتبرتموني حلقة وصل فإنني توجهت في الماضي إلى القادة السياسيين فرادى وجماعة وكانت الملاحظة أن هنالك معوقات ولن أعتبرها معوقات فقهية تحول دون التوجه كما تصفه في موضوع التوظيف وتلك الخلافات هي جزء من الخلافات بصفة عامة في حياة الأمة، فأتوجه إليكم بتوضيح جزء من الصورة كما رأيناها، وأرجو عند الحديث عن الإرادة أننا نستطيع حقيقة أن ننفذ من خلال هذا اللقاء إلى التعبير عن الإرادة في أشرف وأعمق صورة وهو في نظري مد العون لإخواننا في الله حيثما وجدوا من المحرومين المعوزين الذين إذا بقوا على أحوالهم الحالية سيتأثرون بأنواع التيارات الفكرية التي عادة ترتفع في مثل ذلك المناخ لتقلب الإنسان على عقيدته وعلى إيمانه.
أرجو المعذرة إذا لم أوفق في توضيح الصورة ولكنني وددت فقط أن أنقل جو اللقاء من النصوص والإحصاءات والأرقام والتقارير إلى البعد الإنساني كما رأيناه، وأنتم أعلم مني لتمثيلكم رقعة أوسع جغرافيا من ما استطعت أن أصف ولكن تجوالي في كثير من هذه الدول وعملي مع اللجنة الدولية بالاطلاع على تقاريرها المختلفة أشعرني حقيقة في عظم المسؤولية وأيضا الفرصة السانحة لهذا التجمع الكريم في أن يكون القدوة للآخرين في هذا العالم في مثل هذه المبادرة الأصيلة.
أشكركم وأشكر الرئيس على السماح لي بأن أخاطبكم في هذا الصباح وسأستمع معكم بدقة للبحث والمداولات في هذه المواضيع الهامة.
رئيس المجلس:
نشكر صاحب السمو الملكي نائب جلالة الملك على ما كنا نستمع إليه من حديث فائق وعرض موثق ومعلومات اقتصادية دقيقة وتوجيهات تنطلق من منظور إسلامي إنساني.(3/1397)
محضر اجتماع أصحاب الفضيلة علماء الشريعة
مع
البنك الإسلامي للتنمية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه.
بدعوة من السيد رئيس البنك الإسلامي للتنمية الدكتور أحمد محمد علي اجتمع كل من أصحاب الفضيلة العلماء الموضحة أسماؤهم (1) بعد:
الأستاذ / أحمد بزيع الياسين.
فضيلة الشيخ/ بدر المتولي عبد الباسط.
الدكتور/ عبد الله محمد عبد الله.
الدكتور/ عبد الستار أبو غدة.
الأستاذ / محمد الحبيب ابن الخوجة.
الأستاذ / محمد المختار السلامي.
الأستاذ / مصطفى أحمد الزرقاء.
وقد اعتذر عن الحضور كل من السادة:
الدكتور / سامي حمود.
سماحة الشيخ / صالح الحصين.
سماحة الشيخ / محمد الأمين الضرير.
وحضر عن البنك الإسلامي للتنمية كل من:
الدكتور / أحمد محمد علي رئيس البنك
الأستاذ / عثمان سيك نائب رئيس البنك
الأستاذ / عمر عبد الله سجيني
الأستاذ / عبد الرحمن نور حرزي.
الدكتور / محمد الفاتح.
الأخ / منصور بن فتي.
الأخ / المقداد حامد الرشيد.
وذلك خلال الفترة من 14 - 17 من شوال 1406 هـ الموافق 21 – 24 من يونيو 1086م بمقر البنك الإسلامي للتنمية بجدة، بغرض دراسة الاستفسارات المعروضة عليهم من قبل البنك الإسلامي للتنمية والتي تتناول الموضوعات التالية:
رسوم الخدمة على القروض.
عملية الإيجار.
عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن.
عمليات تمويل التجارة الخارجية.
التصرف في فوائد الودائع.
__________
(1) حسب الترتيب الأبجدي(3/1398)
الاستفسار الأول: رسوم الخدمة على القروض:
بالنسبة للموضوع الأول وهو تقدير رسم الخدمات على القروض التي يقدمها البنك، إلى الدول الأعضاء، تم ما يلي:
أولا: قدم البنك بيانا عن الأعمال التي تقتضيها هذه القروض.
ثانيا: اتضح تعذر تقدير النفقات التي يستوجبها إنجاز هذه القروض بكامل التدقيق وأنه لا بد من إعطاء تقدير للنفقات يكون أقرب ما يكون للواقع.
وبعد أن تدارس المشاركون هذا الموضوع انتهوا إلى الأمور الآتية:
أولا: بما أن اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية المصادق عليها من قبل الدول الأعضاء بالبنك، نصت في مجال تمويل القروض على أن يتقاضى البنك رسم خدمة مقابل مصروفاته الإدارية.
وهذا الأمر تم الاتفاق على قبوله من كافة الحاضرين كمبدأ من المبادئ.
ونظرا إلى أن تقدير هذه النفقات يتعذر بكامل الدقة حسب ما قدمه البنك واقتنع به كل الحاضرين.
لذلك اتفقوا على أنه لا مناص من اللجوء إلى التقدير التقريبي العادل الذي لا يُظلم فيه أي شيء من طرفي العملية: المقترض والبنك.
ثانيا: أن ما جري عليه عمل البنك من تقدير رسم الخدمات بين 2.50 % و3 % عن جميع مدة القرض لاحظ عليه الحاضرون أنه أمر مبالغ فيه وأنه لا بد من إعادة النظر فيه على أسس جديدة في تقدير معدل النفقات على القروض.
ونظرا لما لوحظ من وجود تفاوت بين مرحلتين:
أولاهما: عند إنجاز القرض حيث إن هناك نفقات كبيرة تتمثل في الدراسة ومتابعة الإنجاز.
وثانيتهما: المرحلة اللاحقة التي يقل فيها الجهد وتكون نفقاتها محدودة.
فقد اتفق الحاضرون على أن البنك يتقاضى تكاليف الخدمة عن مدة إنجاز المشروع فقط ويتغاضى عن المدة اللاحقة وعن المصاريف الإدارية المتعلقة بها بعد إنجاز المشروع، خلال فترة الوفاء تنزها عن الشبهات.
ثالثا: بالنسبة لتقدير هذه النفقات عن مدة الإنجاز التي يتحملها المقترض والتي لا بد من تقديرها التقريبي حسب الاعتبارات السابقة واعتماد على ما قدمه البنك من بيانات حول هذه النقطة، قرر الحاضرون أن نفقات الخدم تقدر بالمعادلة التالية:
قسمة الحصة التقديرية للعمليات العادية من المصاريف على الاعتمادات المقررة للعمليات العادية خلال خمس سنوات ماضية ثم استخراج النسبة المئوية لتضرب هذه النسبة في مبلغ القرض في عدد سنوات إنجاز كل مشروع على حدة.(3/1399)
ويشكل الناتج مبلغا مقطوعا يدفعه المقترض منجما على سنوات الوفاء، وعند الانتهاء من إنجاز المشروع تقارن المدة المقدرة بالمدة الفعلية للإنجاز فإن ساوتها فبها ونعمت، وإن كانت إقل خصم من المقدار الإجمالى للخدمة ما يتناسب مع المدة من الأقساط الباقية، وإن كانت أكبر يضاف إلى الخدمات بحسب تلك النسبة. ويلزم المقترض بالوفاء بها مع الأقساط الباقية.
وقد أنتجت هذه القسمة بالنسبة ليوم الاجتماع نسبة 3.33 % ومرفق بهذا التقرير صورة تطبيقية توضح طريقة إجراء هذا الحساب مقارنة بالطريقة التي كان يجري العمل عليها في البنك.
كما اتفق الحاضرون على أن تقدير هذه النسبة ليس تقديرا جامدا بل يجب إعادة النظر فيها سنويا وذلك بحذف السنة الأولى من السنوات الخمس في التقدير وإضافة السنة الأخيرة بدلا عنها.
ولقد انفرد فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء، برأي خاص بالنسبة للجزئية التالية: وهي أنه عند احتساب النسبة يقسم مجموع تكاليف الخدمات على مجموع الاعتمادات المقررة بصورة تشمل تمويل التجارة الخارجية.
الاستفسار الثاني: عملية الإيجار:
عرض البنك على الحاضرين الطريقة التي يتبعها في عملية الإيجار التي تتلخص فيما يلي:
أولا: بعد التحقق من الجدوى يوكل البنك المستأجر ليقوم مقامه في شراء المعدات وقبولها والتأكد من سلامتها وحسن تركيبها… الخ.
ثانيا: عندما يتلقي البنك من الوكيل ما يفيد أن البائع قد وفَّى بالتزاماته يقوم البنك بإيجار هذه المعدات إلى الوكيل بمقدار معلوم هو حاصل رأس المال مع الأرباح مقسطا على سنوات معينة.
ويتضمن عقد الإيجار التزاما من البنك بهبة المعدات المستأجرة عقب وفاء جميع الأقساط الإجارة.
ثالثا: يلتزم المستأجر بالتأمين على المعدات لصالح البنك على نفقة المستأجر وكذلك صيانة المعدات والمحافظة عليها.
وبعد أن تدارس الحاضرون موضوع هذا العقد قرروا:
1- التأكيد على الفصل بين عقد التوكيل وعقد الإجارة.
2- التأكيد على انتهاء عملية الإجارة بهبة المعدات للمستأجر لا ببيعها.
3- أن يكون البنك هو الذي يتولى التأمين على المعدات على نفقته وليس على نفقة المستأجر.
أن كل ما نتج عن تقصير المستأجر أو تعديه فإن المستأجر وحده هو الذي يتحمل ما يترتب على تقصيره أو تعديه فقط.(3/1400)
الاستفسار الثالث: عمليات البيع بالأجل مع تقسيط الثمن:
عرض البنك الطريقة التي يتبعها في ذلك والتي تتمثل فيما يلي:
1- يقع وعد بشراء المعدات المطلوبة من المستفيد.
2- يقوم البنك بتوكيل المستفيد بشراء تلك المعدات باسم البنك ويقوم البنك بدفع ثمنها للمورد.
3- بعد أن يتلقى البنك من الوكيل ما يفيد تسلمه لكامل المعدات سليمة وصالحة للاستعمال يقوم البنك بعقد بيع بينه وبين الوكيل بثمن يزيد عن ثمن الشراء بربح متفق عليه، ويدفع المشتري الثمن على أقساط محددة في زمن يتراوح بين ثلاث وعشر سنوات. وبعد تداول النظر بين الحاضرين اتفقوا على ما يلي:
أولا: التأكيد على الفصل بين عقد الوكالة وعقد البيع.
ثانيا: أن هذه العملية هي عملية مقبولة شرعا مع ملاحظة وجوب الفصل بين عقد الوكالة وعقد البيع.
الاستفسار الرابع: عمليات تمويل التجارة الخارجية:
عرض البنك الطريقة العملية المتبعة في ذلك وهي أنه بعد أن يتلقى البنك طلبا من إحدى الدول الأعضاء بشراء سلع أو مواد وبعد الموافقة المبدئية من قبل البنك على الطلب يقوم البنك بإبرام اتفاقية بين ثلاثة أطراف:
1- البنك.
2- الجهة المستفيدة.
3- الضامن.
وبعد هذا يُوَكِّل البنك الجهة المستفيدة أو الضامنة لشراء السلعة المطلوبة وعندما يتلقى البنك إشعارا من الوكيل بتسلمه السلعة موضوع العقد يتم البيع بين البنك والجهة المستفيدة بواسطة تبادل الرسائل المبرقة (التلكس) بثمن هو حاصل رأس المال المدفوع مع ربح معين، ويقسط الثمن على المدة المتفق عليها على أساس أن كل شحنة يتم تسليمها يدفع ما يخصها من الثمن عند أجله.
وبعد تداول النظر بين الحاضرين قرر المجتمعون بالإجماع ما يلي:
1- وجوب فصل عقد البيع عن عقد التوكيل.
2- أن هذه العملية بعد الفصل بين العقدين مقبولة شرعا.
الاستفسار الخامس: التصرف في فوائد الودائع:
تم النظر في تقرير اجتماع بعض علماء الشريعة والخبراء في المصارف المنعقد بمقر البنك الإسلامي للتنمية بجدة بتاريخ 10 ربيع الأول 1399 هـ. بشأن حكم الشريعة في الفوائد المتجمعة من إيداع البنك الإسلامي للتنمية عند الحاجة، المبالغ غير العاملة من أمواله في المصارف العالمية بالدول الأجنبية، وقد وافق المجتمعون على ما تضمنه التقرير بشأن استخدام تلك الودائع.(3/1401)
وبعد أن عرض البنك الطريقة التطبيقية التي قررها مجلس المحافظين للبنك الإسلامي للتنمية من تخصيص 50 % من الاحتياطي الخاص لمواجهة ما يطرأ من انخفاض قيمة الودائع نتيجة تذبب العملات وإن تخصص الـ 50 % الأخرى لأغراض النفع العام وهي التدريب والبحوث، توفير وسائل الإغاثة، توفير المساعدات المالية للدول الأعضاء، تقديم المساعدات الفنية للدول الأعضاء.
وبعد تداول النظر بين الحاضرين قرر المجتمعون ما يلي:
1- لا يسوغ للبنك أن يحمي القيمة الحقيقية لأمواله من الـ 50 % التي قررها مجلس المحافظين للاحتياطي.
2- أن يضاف إلى المصارف الأربعة السابقة المؤسسات العلمية والمعاهد والمدارس وما يتصل بنشر المعرفة الإسلامية.
3- باستطاعة البنك أن يُخصص، لأغراض النفع العام المشار إليه، أية أموال أخرى من فوائد تلك الوادئع مثل التي كان قد قرر تخصيصها كاحتياطي لتذبذب العملات.
هذا ما انتهى إليه المجتمعون في شأن الموضوعات الخمسة، وبما أن تلك الموضوعات قد ألحق بالأربعة منها نماذج اتفاقيات لتوضيح طريقة تطبيق المبادئ، وهي مصوغة من قبل، وقد أبدى المجتمعون ملاحظات حولها، بعضها يتصل بالموضوع والأحكام الشرعية، وبعضها يتصل بالإجراءات والأسلوب، فقد قرر المجتمعون أنه لا بد من تعديل هذه الاتفاقيات بعد قراءتها بدقة، ورشحوا لهذا العمل:
- فضيلة الشيخ / محمد المختار السلامي.
- فضيلة الدكتور / عبد الستار أبو غدة.
وذلك بأن يقوما مجتمعين بتعديل الاتفاقيات الأربع في ضوء أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية وإرسالها بعد ذلك إلى البنك لتطبيق التعديلات والعمل بها.
التوقيع
الشيخ محمد مختار السلامي
رئيس لجنة الصياغة(3/1402)
بسم الله الرحمن الرحيم
حساب تكاليف خدمة القروض
على أساس المصاريف إلى العمليات
1 - يفترض أن مصاريف البنك الإدارية تنفق لإدارة عمليات البنك بكاملها، وأن هذه العمليات في مجملها فئتان:
- فئة العمليات العادة التي هي أكثر حصة في التكاليف والخدمة.
- فئة التجارة الخارجية والاستثمار بالودائع التي لا تتطلب كثير عمل نسبيا.
2 - تقدير حصة العمليات العادية من التكاليف تقريبا بـ 80 % من المصروفات الإدارية، ويقسم هذا المبلغ على مبالغ تمويل العلميات العادية، لتحديد نسبة التكاليف إلى الاعتمادات في كل سنة.
3 - تضرب هذا النسبة في عدد سنوات العمل الكثيف المتصل بالمشروع، وتقدر هذه الفترة في المتوسط بـ 5 سنوات، وهي مدة تنتهي باكتمال إنجاز المشروع، وقد تنزل هذه الفترة إلى 2 وقد تبلغ حتى أكثر من 6 سنوات حسب كل مشروع.
4 - حاصل ضرب النسبة في مبلغ القرض في عدد السنوات المذكورة، يشكل المبلغ المقطوع كرسم خدمة للعملية، يستوفى على أقساط متساوية خلال فترة الوفاء.(3/1403)
بسم الله الرحمن الرحيم
تطبيق الطريقة المقترحة على
مثال واقعي
(الجدول المرفق)
مبلغ القرض:: 1925000 دينار إسلامي.
المدة: 30 سنة منها 5 سنوات سماح.
- حساب 80 % من المصروفات الإدارية المقدرة بـ 68.25 = 54.6م د.
- توزيع المصروفات بعد الخصم على العمليات العادية (الاعتمادات 1638.89) = 3.33 %
- ضرب الحاصل في سنوات الإنجاز الخمس = 16.66 %
- المبلغ المقطوع خلال كل فترة = 320705
- هذا بالمقارنة مع مبلغ = 75/854218
حسب طريقة الحساب المعمول بها حاليا.
القرض: 1925000 دينار إسلامي الجدول رقم 1 (ب)
رسم الخدمة: 75/854218 دينار إسلامي رسم الخدمة
المدة: 30 سنة بما فيها 5 سنوات سماح.
(الحساب المعمول به) الجدول حسب(3/1404)
الرقم تاريخ الاستحقاق المبلغ بالدينار الإسلامي التقرير الجديد
1
50 / 24062 08 / 5345
2
50 / 24062 08 / 5345
3
50 / 24062 08 / 5345
4
50 / 24062 08 / 5345
5
50 / 24062 08 / 5345
6
50 / 24062 08 / 5345
7
50 / 24062 08 / 5345
8
50 / 24062 08 / 5345
9
50 / 24062 08 / 5345
10
50 / 24062 08 / 5345
11
50 / 24062 08 / 5345
12
25/23581 08 / 5345
13
00 / 23100 08 / 5345
14
75 / 22618 08 / 5345
15
50 / 22137 08 / 5345
16
25 / 21656 08 / 5345
17
00 / 21175 08 / 5345
18
75 / 20693 08 / 5345
19
50 / 20212 08 / 5345
20
25 / 19731 08 / 5345
21
00 / 19250 08 / 5345
22
75 / 18768 08 / 5345
23
50 / 18287 08 / 5345
24
25 / 17806 08 / 5345
25
00 / 17325 08 / 5345
26
75 / 16843 08 / 5345
27
50 / 16362 08 / 5345
28
25 / 15881 08 / 5345
29
00 / 15400 08 / 5345
30
75 / 14918 08 / 5345
31
50 / 14437 08 / 5345
32
25 / 13956 08 / 5345
33
00 / 13475 08 / 5345
34
75 / 12993 08 / 5345
35
50 / 12512 08 / 5345
36
25 / 12031 08 / 5345
37
00 / 11550 08 / 5345
38
75 / 11068 08 / 5345
39
50 / 10587 08 / 5345
40
25 / 10106 08 / 5345
41
00 / 9625 08 / 5345
42
75 / 9143 08 / 5345
43
50 / 8662 08 / 5345
44
25/ 8181 08 / 5345
45
00 / 7700 08 / 5345
46
75 / 7218 08 / 5345
47
50 / 6737 08 / 5345
48
25 / 6256 08 / 5345
49
00 / 5775 08 / 5345
50
75 / 5293 08 / 5345
51
50 / 4812 08 / 5345
52
25 / 4331 08 / 5345
53
00 / 3850 08 / 5345
54
75 / 3368 08 / 5345
55
50 / 2887 08 / 5345
56
25 / 2406 08 / 5345
57
00 / 1925 08 / 5345
58
75 / 1443 98 / 5345
59
50 / 962 08 / 5345
60
25 / 481 28 / 5345
الإجمالي 75/ 854218 00 / 320705(3/1405)
بسم الله الرحمن الرحيم
البنك الإسلامي للتنمية
المركز الرئيسي – جدة
بيان تحليلي بمصروفات البنك عن فترة الخمس أعوام الماضية
1401 – 1405 هـ(3/1406)
بسم الله الرحمن الرحيم
اتفاقية قرض
بين
حكومة
والبنك الإسلامي للتنمية
اتفاقية قرض
أبرمت اتفاقية القرض هذه بتاريخ ……………………… الموافق ………………………
بين حكومة ……………………… (ويشار إليها فيما يلي بالمقترض) والبنك الإسلامي للتنمية (ويشار إليه فيما يلي بالبنك) .
بما أن المقترض قد طلب من البنك مساعدته في تمويل ……………………… (ويشار إليه فيما يلي "بالمشروع") كما ورد وصفه في الجدول رقم (2) الملحق بهذه الاتفاقية وذلك بمنحه قرضا كما هو مبين فيما يلي.
وبما أن من أغراض البنك مساعدة الدول الأعضاء عن طريق منح القروض لتمويل المشروعات والبرامج الإنتاجية.
وبما أن المشروع يعتبر سليما فنيا وله ما يبرره اقتصاديا وماليا ولا يتنافى مع أحكام الشريعة الإسلامية، وبما أن المقترض قد أبرم (بصدد إبرام) اتفاقيات قروض مع كل من……………………… وبما أن البنك بناء على ما تقدم قد وافق على منح قرض للمقترض بالشروط والأوضاع المبينة في هذه الاتفاقية.
لذلك فقد اتفق الطرفان على ما يلي:
المادة الأولى
شروط عامة وتعريفات
الفقرة 1 - 1: شروط عامة:
يوافق طرفا هذه الاتفاقية على جميع نصوص الشروط العامة المطبقة على اتفاقيات البنك للقروض والضمانات المؤرخة في 8 / 11 / 1976 م (وتسمى فيما يلي "الشروط العامة") وسيكون لها ذات القوة ونفس الأثر كما لو وضعت بكاملها في صلب هذه الاتفاقية.
الفقرة 1 - 2: تعريفات:
كلما وردت في هذه الاتفاقية المصطلحات الوارد تعريفها في الشروط العامة سيكون لها نفس المعاني الموضحة هناك ما لم يتطلب سياق النص معنى آخر. كما يكون للعبارات الإضافية الآتية المعنى الموضح أمام كل منها:
(أ)
(ب)
(ج) "الاتفاقيات الأخرى" تعني القروض المشار إليها في مستهل هذه الاتفاقية.
(د) "المشروع" وأية إشارة لأجزاء منه تعني المشروع وأجزاءه الموصوفة في الجدول رقم (2) الملحق بهذه الاتفاقية.(3/1407)
المادة الثانية
القرض
الفقرة 2 - 1: المبلغ:
يوافق البنك على منح المقترض قرضا من موارد البنك المادية بمبلغ لا يتجاوز ……………………… دينار إسلامي والدينار الإسلامي كما ورد تعريفه في المادة 4 (1) (1) من اتفاقية تأسيس البنك يعادل وحدة من حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي.
الفقرة 2 - 2:
يتم الحصول على عقود الخدمات والبضائع التي تمول من حصيلة القرض وفقا للإجراءات التي يحددها البنك وذلك ما لم يوافق البنك على خلاف ذلك، على أن يلتزم المقترض باللوائح الصادرة أو التي تصدرها منظمة المؤتمر الإسلامي المتعلقة بحظر التعامل مع جنوب أفريقيا وإسرائيل.
المادة الثالثة
السداد، رسم الخدمة، مكان السداد
الفقرة 3 - 1: السداد:
يلتزم المقترض بسداد أصل مبلغ القرض على مدى ……………………… بما فيها ……………… سنوات مدة سماح تبدأ من تاريخ إبرام هذه الاتفاقية، على أن يتم السداد على ……………… طبقا للجدول رقم (1) الملحق بهذه الاتفاقية.
الفقرة 3 - 2: رسم الخدمة:
(أ) يلتزم المقترض بأن يدفع للبنك رسم خدمة مقداره ……………………… دينارا إسلاميا فقط. وذلك طبقا للجدول رقم (ب) الملحق بهذه الاتفاقية.
(ت) وسيكون رسم الخدمة مستحقا من تاريخ الالتزام كما ورد تعريفه في الفقرة 9 - 2 من هذه الاتفاقية.
الفقرة 3 –3: مكان السداد:
ستعتبر جميع المبالغ الواجب أداؤها بما فيها أقساط أصل القرض قد سددت عندما تكون هذه المدفوعات قد قيدت في الحساب المخصص لهذا القرض بسجلات البنك.(3/1408)
الفقرة 3 –4:
مع عدم المساس بعمومية نص البند 3 –3 أعلاه، فإن جميع المبالغ الواجب أداؤها بمقتضى هذه الاتفاقية تعتبر قد سددت إلى البنك عندما يؤكد أي بنك من البنوك الآتية إتمام إيداع تلك المبالغ في حساب البنك الإسلامي للتنمية لديه:
(1) إذا كان السداد بالدولار الإمريكي:
(1) Account No. 001591 - 11
Saudi International Bank
99 Bishopsgate, London Ec 2M 3tB
Telex Numbers: 8812261 8812262
(2) Account No. B 10507
Arab Banking Corporation
p. o Box 5698, Manama, Bahrain
Telex Numbers: 9385, 9431 / 2 / 3
9442 ABCBAH BN
(2) إذا كان السداد بالفرنك الفرنسي
Account No. 96965. 9. 001. 00
Union de Nanques Arabes et
Framcaises (U.B.A.F)
190 Aveue Chaies de Gaulle
92523 Neuilty Cedex, France
Telex Number: 610334 UBAFRA
(3) إذا كان السداد بالجنيه الاسترليني
Account No, 708372
Gulf International Bank
2 - 6 Canon Street, London EC 4M 6xp
Telex Numbers 8813326 8812889
المادة الرابعة
سحب مبالغ القرض واستعمالها
الفقرة 4 – 1: المسحوبات:
يحق للمقترض أن يسحب مبلغ القرض وفقا للجدول رقم (3) من هذه الاتفاقية ووفقا لنصوصها وأحكامها ونصوص الشروط العامة وقواعد السحب المتبعة في البنك، وذلك للأغراض الموضحة بهذه الاتفاقية كالمبالغ التي صرفت على التكلفة المعقولة للبضائع والخدمات المطلوبة التي تمول بموجب هذه الاتفاقية.(3/1409)
الفقرة 4 – 2: تاريخ طلب السحب الأول:
إذا لم يتقدم المقترض بطلب للبنك للسحب الأول قبل يوم ……………………… أو في تاريخ لاحق لهذا التاريخ بسحب ما يتم عليه الاتفاق بين المقترض والبنك يجوز للبنك - في هذه الحالة – أن ينهي أثر هذه الاتفاقية بعد إخطار المقترض بهذا الإنهاء.
الفقرة 4 – 3: تاريخ انتهاء السحب:
يكون يوم ……………………… في أي تاريخ لاحق له يحدد باتفاق المقترض والبنك هو تاريخ انتهاء حق المقترض في السحب من القرض لأغراض الفقرة 6 بند (3) (ج) من المادة السادسة من الشروط العامة.
الفقرة 4 – 4: استعمال مبالغ القرض:
يلتزم المقترض بأن يستعمل جميع المبالغ التي يسحبها من حساب القرض فقط في أغراض تنفيذ المشروع الذي يموله البنك.
المادة الخامسة
تنفيذ المشروع
الفقرة 5 – 1: يقوم المقترض:
(أ) بتنفيذ المشروع والقيام بكل ما يتعلق بتنفيذه من عمليات وشئون بسرعة وفعالية ووفقا للنظم والممارسات الإدارية والمالية والهندسية والاقتصادية السليمة عن طريق الهيئة المنفذة للمشروع وذلك تحت إشراف إدارة ذات كفاية وخبرة وهيئة موظفين أكفاء من ذوي الاختصاص والخبرة وطبقا لجدول الاستثمار والميزانية والخطط والمواصفات التي قدمت للبنك ووافق عليها.
(ب) بالتقدم إلى البنك للموافقة بأية تعديلات هامة ومتوقعة في الميزانية وخطط ومواصفات المشروع وأية تغييرات جوهرية في أي عقد للحصول على الخدمات وشراء بضائع تتصل بتنفيذ المشروع وذلك بالقدر المعقول من التفصيل الذي يطلبه البنك.
الفقرة 5 – 2:
على المقترض أن يمنح البنك فترة معقولة لإبداء رأيه في أية تغييرات جوهرية أو أي تمديد للفترة المنصوص عليها في أي عقد للحصول على الخدمات أو شراء بضائع تتصل بتنفيذ المشروع، وذلك دون أي تحديد أو قيد على أي من الالتزامات الأخرى بموجب هذه الاتفاقية.(3/1410)
المادة السادسة
شروط إضافية واجب استيفاؤها قبل أن
يسمح البنك بإجراء السحب على القرض
يجب على المقترض قبل أن يتقدم بطلبه للبنك للسحب الأول أو يوضح الإجراءات التي ينوي أن يتبعها أو يعمل على أن تتبع في طرح العطاءات تمشيا مع أحكام الفقرة 2 –2 من هذه الاتفاقية للحصول على موافقة البنك على ذلك.
المادة السابعة
أحكام خاصة
الفقرة 7 – 1:
يتعهد المقترض بأن يوفر بقدر الحاجة جميع المبالغ المطلوبة لتنفيذ المشروع بالشروط والأوضاع التي تكون مقنعة للبنك بما في ذلك احتياجات المشروع بالعملة المحلية، وأي تجاوز في تكلفة المشروع المقدرة.
الفقرة 7 – 2:
يقوم المقترض بإرساء جميع العقود المتعلقة بتنفيذ المشروع والممولة من هذا القرض عن طريق طرح المناقصة المفتوحة وأن يحصل المقترض على الموافقة المسبقة من البنك لإرساء أي مناقصة، أو إبرام أي عقد تزيد قيمته عما يعادل مائة وخمسين ألف دينار إسلامي (150.000) إلا إذا وافق البنك على خلاف ذلك.
الفقرة 7 – 3:
على المقترض أن يقدم للبنك حالا وفور إقرارها من قبل المقترض كافة دراسات المشروع والتصميمات والمواصفات وجدول مواعيد التنفيذ وأية تعديلات جوهرية تتم بعد ذلك وبالتفاصيل التي يطلبها البنك من وقت لآخر.
الفقرة 7 – 4:
على المقترض أن يضع ويمسك سجلات نظامية مستوفاة تمكن من يرجع إليها من التعرف على البضائع والخدمات التي تم تمويلها من متحصلات القرض وبيان استخدامها في أغراض تتصل بالمشروع ومن التعرف على سير العمل فيه كما تعكس وفقا للأسس والنظم المحاسبية المعترف بها عمليات التشغيل والمركز المالي للهيئة المنفذة للمشروع.
الفقرة 7 – 5:
يقدم القرض كافة التسهيلات المعقولة لتمكين مندوبي البنك المعتمدين من القيام بزيارات لأغراض متعلقة بالقرض وتنفيذ المشروع ومراجعة البضائع وفحص أية وثائق متصلة بالمشروع وأن يوافي البنك بالمعلومات التي يطلبها في حدود المعقول والمتعلقة بإنفاق متحصلات القرض وبالمشروع وبالبضائع وبالعمليات وبالمركز المالي للهيئة المنفذة للمشروع.
الفقرة 7 – 6:
يتعهد المقترض في سبيل تنفيذ المشروع وتشغيله أن يتخذ التدابير المناسبة لتعمل الهيئة المنفذة للمشروع طبقا لأنظمة وقواعد فنية كفيلة بتحقيق أغراض المشروع شكلا وموضوعا وبصورة مرضية للبنك وأن يكون لها من الصلاحيات والسلطة الإدارية ما يمكنها من تنفيذ المشروع بالعناية والكفاية اللازمتين لتنفيذ المشروع وإدارته وتشغيله.(3/1411)
الفقرة 7 – 7:
يقوم المقترض بنفسه أو بواسطة غيره بالتأمين على جميع البضائع الممولة من متحصلات القرض ضد المخاطر المتصلة بالحصول على تلك البضائع على أن يغطي هذا التأمين مخاطر النقل البحري والعبور والمخاطر الأخرى حتى توصيلها وتسليمها إلى بلد المقترض وموقع العمل في المشروع، ويكون ذلك لدى شركات التأمين المعتمدة وبالمبالغ المقبولة في العرف التجاري السليم وأن يكون التأمين واجب الدفع في حالات ما يوجب استحقاقه بنفس العملة التي تم بها شراء البضائع المؤمن عليها أو بعملة أخرى قابلة للتحويل.
الفقرة 7 – 8:
يتخذ المقترض كافة الإجراءات اللازمة للحصول على كل الأراضي وما يتعلق بها من حقوق والتي تكون مطلوبة لتنفيذ المشروع ويزود البنك بناء على طلبه بدليل مقنع للبنك بأن تلك الأراضي وما يتعلق بها من حقوق متاحة للأغراض المتصلة بالمشروع.
الفقرة 7 – 9:
يلتزم المقترض بأن يتخذ بنفسه أو بواسطة غيره كل إجراء أو عمل لازم لتمكين الوكالة أو الهيئة المنفذة للمشروع من تنفيذ المشروع وبأن لا يقوم بأي عمل أو يسمح بالقيام بأي عمل يكون من شأنه عرقلة وإعاقة تنفيذ المشروع أو يحول دون تطبيق أي نص من نصوص هذه الاتفاقية، كما يلتزم المقترض بأن يخطر البنك فورا عن أية أحوال تعوق أو تهدد بإعاقة تحقيق أغراض القرض أو المحافظة على الخدمات التي يقدمها القرض وقيام المقترض بالتزاماته التي تقضي بها هذه الاتفاقية.
الفقرة 7 – 10:
يجب اعتبار جميع وثائق البنك وسجلاته والمراسلات وأية مستندات أخرى مماثلة سرية من قبل المقترض.
المادة الثامنة
التقارير
الفقرة 8 - 1:
(أ) سيتعاون المقترض والبنك تعاونا وثيقا يكفل تحقيق أغراض القرض. وللوصول إلى هذه الغاية يزود كل من الطرفين الآخر بالمعلومات والبيانات التي يطلبها في حدود المعقول والمتصلة بالحالة العامة للقرض، ومن جانب المقترض ستشمل مثل تلك البيانات المعلومات الخاصة بالوضع الاقتصادي والمالي في بلاد المقترض وميزان مدفوعاته.
يقوم البنك والمقترض من حين لآخر بالمشاورة وتبادل الرأي بواسطة مندوبيهم بالنسبة للمسائل المتعلقة بأغراض القرض والمحافظة على خدماتهم وقيام المقترض بالتزاماته التي تقضي بها هذه الاتفاقية.(3/1412)
الفقرة 8 – 2:
(أ) يتعهد المقترض بأن يتأكد بنفسه أو بواسطة غيره من تقديم التقارير الآتية للبنك على أن تنال تلك التقارير الرضا الكامل للبنك وأن تقدم في الأوقات المحددة لتقديمها:
(1) تقارير تقدم خلال ………… بعد مضي ربع عام ميلادي أو بعد مضي فترة يتفق على تحديدها الطرفان المتعاقدان عن تنفيذ المشروع بالصورة التي يحددها البنك من وقت لآخر.
(2) تقارير أخرى وفق ما يتطلبه البنك في حدود المعقول عن استثمار مبالغ القرض المسحوبة، وعن تقدم سير العمل في المشروع.
(3) على المقترض أن يعد ويقدم إلى البنك فور إنجاز المشروع وفي جميع الأحوال في موعد لا يتعدى ستة أشهر من تاريخ انتهاء السحب أو أي تاريخ لاحق يتفق عليه لهذا الغرض بين المقترض والبنك – تقرير إنجاز حول تنفيذ المشروع والبدء في تشغيله – وذلك في النطاق وبالتفصيل الذي يطلبه البنك على نحو معقول.
(ب) يتم توثيق كافة التقارير المذكورة في الفقرة السابقة بحسب اختيار البنك وبالطريقة التي يحددها في حدود المعقول.
المادة التاسعة
نفاذ الاتفاقية وتاريخ الالتزام
الفقرة 9 – 1: نفاذ الاتفاقية:
لا تصبح هذه الاتفاقية نافذة إلا إذا:
(أ) 1 - قدمت إلى البنك أدلة مقنعة تفيد بأن توقيع وتسليم هذه الاتفاقية نيابة عن المقترض قد تم بمعرفة الجهات الحكومية وأنه قد تم التصديق عليها باستيفاء جميع الإجراءات المطلوبة.
2 - قدم المقترض رأيا قانونيا من جهة قانونية حكومية مقبولة لدى البنك يفيد بأنه قد تم التصريح باتفاقية القرض وأنه قد تم التوقيع عليها نيابة عن المقترض والتصديق عليها على الوجه الصحيح وأن الاتفاقية ملزمة للمقترض قانونا طبقا لأحكامها.
(ب) تم إصدار خطاب تفويض من وزارة مالية الحكومة المقترضة أو من أي جهة حكومية أخرى مخولا لها من الحكومة المقترضة إلى البنك المركزي أو ما يقوم مقامه في بلد المقترض متضمنا تعليمات لذلك البنك بأن يقوم البنك المذكور أو ما يقوم مقامه بتنفيذ الدفع للوفاء بالقرض ورسم الخدمة في التواريخ التي يحل فيها استحقاق الأداء، وعلى الوزارة أو الجهة المعنية أن توجه إلى البنك الإسلامي للتنمية صورة من خطاب التفويض هذا مع خطاب من البنك المركزي أو ما يقوم مقامه يفيد فيه بأنه استلم أصل خطاب التفويض وقبل العمل بمحتوياته.
جـ- قدمت إلى البنك أدلة مقنعة تفيد بأنه قد تم الوفاء بكل الشروط السابقة لحق المقترض في الحصول على الأموال من قروض أخرى.(3/1413)
الفقرة 9 –2: تاريخ الالتزام:
يبدأ تاريخ الالتزام بعد (60) يوما من تاريخ هذه الاتفاقية أو من التاريخ الذي يكون المقترض قد استوفى جميع الشروط لنفاذ هذه الاتفاقية أيهما يسبق.
المادة العاشرة
أحكام متفرقة
الفقرة 10 – 1: المندوبون المعتمدون:
يكون المندوبون المعتمدون هم....................... في بلد المقترض وأي شخص أو أشخاص ينتدبهم المقترض كتابة ويكون اعتمادهم كمندوبين معتمدين لأغراض أحكام المادة العاشرة الفقرة 10 بند 3 من الشروط العامة.
الفقرة 10 – 2: تاريخ الاتفاقية:
يكون تاريخ هذه الاتفاقية لتحقيق كافة أغراضها هو التاريخ الموضح في افتتاحية هذه الاتفاقية.
الفقرة 10 – 3: العناوين:
تم تحديد العناوين التالية لأغراض أحكام الفقرة 10 – 1 من الشروط العامة.
عنوان المقترض:
عنوان البنك:
البنك الإسلامي للتنمية، ص. ب. رقم 5925 – جدة – 21432، المملكة العربية السعودية.
برقيا: بنك إسلامي – جدة.
تليكس: 401137 – أي اس دى بي – اس جي.
وإقرارا بما تقدم فإن البنك والمقترض عن طريق ممثليهما المعتمدين والمخول لهما قد وقعا هذه الاتفاقية باللغة العربية في التاريخ الموضح في افتتاحية هذه الاتفاقية.
عن حكومة ………………………..............
عن البنك الإسلامي للتنمية ……………………………………(3/1414)
بسم الله الرحمن الرحيم
اتفاقية تمويل تجارة خارجية
بين
البنك الإسلامي للتنمية
اتفاقية تمويل تجارة خارجية
أبرمت هذه الاتفاقية في هذا اليوم ……………………… الموافق ………………………
بين البنك الإسلامي للتنمية (ويشار إليه فيما يلي "بالبنك") و:
1- ……………………… (ويشار إليه فيما بعد "بالمستفيد") .
2- ……………………… (ويشار إليه فيما بعد "بالضامن") .
بما أن:
(أ) حكومة ……………………… قد طلبت من البنك الإسلامي للتنمية بأن يقوم بشراء ……………………… (ويشار لها فيما بعد "بالبضاعة") . ثم بيعها مرابحة للمستفيد ………………………
(ب) مجلس المديرين التنفيذيين للبنك الإسلامي قد وافق في جلسته المنعقدة في ……………………… بناء على تقرير وتوصيات رئيس البنك على تمويل شراء كمية من ……………………… في حدود مبلغ لا يتجاوز ……………………… دولار أمريكي (ويشار لهذا المبلغ فيما يلي "بالمبلغ المعتمد") وبيع تلك الكمية للمستفيد بضمان الضامن وفقا للأوضاع والشروط المنصوص عليها في هذه الاتفاقية. وقد أخطرت حكومة ……………………… بذلك بمقتضى التليكس المؤرخ في ……………………….
(ج) البنك قد وافق بالشروط والأوضاع المبينة في هذه الاتفاقية بأن يخول المستفيد كنائب ووكيل عنه في حدود "المبلغ المعتمد" بالتفاوض مع مورد أو موردين وإبرام عقد لشراء البضاعة (يشار إليه فيما يلي "بعقد الشراء ") .(3/1415)
لذلك فقد تم الاتفاق على ما يلي:
المادة الأولى
شراء البضاعة
(1) من المتفق عليه بين أطراف هذه الاتفاقية أن سلطة المستفيد في شراء "البضاعة" نيابة عن البنك مقيدة بشرائها من إحدى الدول الأعضاء بالبنك، ويتعين الحصول على موافقة البنك المسبقة في حالة شراء البضاعة من أية دولة أخرى، ويخضع شراء البضاعة للشروط التي يقرها البنك ويتبع في شأنه إجراءات الشراء المعمول بها في البنك أو أية إجراءات أخرى يوافق عليها الأخير كتابة.
(2) يلتزم المستفيد بأن يتأكد بأن المورد ليس مدرجا في قائمة جامعة الدول العربية الخاصة بمقاطعة إسرائيل أو قائمة منظمة الوحدة الإفريقية الخاصة بمقاطعة جنوب إفريقيا.
(3) يلتزم المستفيد بأن يقدم مشروع عقد الشراء للبنك بغرض الحصول على موافقته قبل أن يتم توقيعه من المستفيد، وكل إشارة فيما يلي إلى عقد الشراء تقرأ على أنها إشارة إلى ذلك العقد بعد موافقة البنك عليه وإبرامه نيابة عنه.
(4) يتعهد المستفيد ويلتزم بأن يتأكد من أن شراء "البضاعة" والتوقيع على عقد الشراء قد تم بدون مساعدة أو تدخل مباشر أو غير مباشر من وسيط أو سمسار أو ما شابه ذلك.
المادة الثانية
التأمين
(1) على المستفيد أن يؤمن أو يعمل على تأمين البضاعة أثناء نقلها وإلى أن تسلم للمستفيد بالقيمة الكاملة لاستبدالها مع شركة تأمين ذات سمعة طيبة يوافق عليها البنك على أن يكون التأمين باسم البنك وعلى نفقته على أن يغطي التأمين المخاطر التي يؤمن ضدها عادة كل من ينقل بضاعة مماثلة للبضاعة بنفس الطريقة، وعلى المستفيد أن يتاكد من أن أحد شروط بوليصة التأمين تنص على أن عائدات التأمين ستدفع عند حدوث ما يوجب دفعها بعملة حرة قابلة للتحويل.
(2) إذا لم ينص مشروع عقد الشراء على التأمين على البضاعة بالكيفية المنصوص عليها في الفقرة (1) من هذه المادة. يلتزم المستفيد بأن يبين للبنك عند تقديمه مشروع عقد الشراء للبنك للموافقة عليه وفقا للفقرة (3) من المادة الأولى من هذه الاتفاقية، الترتيبات التي قام باتخاذها أو سيقوم باتخاذها للتأمين على البضاعة بالكيفية المحددة في الفقرة (1) من هذه المادة للحصول على موافقة البنك على تلك الترتيبات.(3/1416)
المادة الثالثة
التسليم
على المستفيد أن يتأكد من أن عقد الشراء على تسليم البضاعة مباشرة له أو لأمره نيابة عن البنك ويكون المستفيد مسؤولا عن فحص نوعيتها وكميتها ومواصفاتها الفنية وكافة الأمور الأخرى المتعلقة بها.
المادة الرابعة
دفع ثمن البضاعة من قبل البنك
(1) يقوم المستفيد نيابة عن البنك باتخاذ الترتيبات اللازمة مع البنك الذي يتعامل معه لفتح خطاب اعتماد بثمن الشحنات لصالح المورد بالطريقة المطلوبة في عقد الشراء وسيقوم المستفيد بمراجعة كل المستندات المؤدية للدفع بموجب خطاب الاعتماد كما سيقوم باصدار تعليماته للبنك الذي فتح عن طريقه خطاب الاعتماد بأن يرسل للبنك نسخة معززة بالمفتاح السري لكامل نص خطاب الاعتماد وأي تعديلات مقترحة عليه، وسيقوم البنك باتخاذ الترتيبات اللازمة لتعويض البنك الفاتح للاعتماد عن أي مبالغ دفعها بموجب خطاب الاعتماد على أن يتم هذا التعويض عن طريق بنك من الدرجة الأولى مراسل للبنك أو لمؤسسة النقد العربي السعودي مقابل استلام ذلك البنك لشهادة من البنك الفاتح للاعتماد يؤكد فيها بأن كل شروط خطاب الاعتماد قد استوفيت تماما وعلى الوجه السليم.
(2) مع مراعاة ما نص عليه البند (1) من هذه المادة، فإن فتح أول خطاب الاعتماد الخاص باستخدام المبلغ المعتمد يجب أن يتم في موعد أقصاه ……………………… وإذا لم يتمكن المستفيد من فتح أول خطاب اعتماد خلال تلك المدة يجوز للبنك – إذا لم يقتنع بالأسباب المقدمة لتبرير التأخير في فتح خطاب الاعتماد – إلغاء العملية موضوع هذه الاتفاقية بعد إشعار أطراف هذه الاتفاقية بذلك.
(3) من المتفق عليه بين أطراف هذه الاتفاقية أن جميع المبلغ المعتمد ينبغي أن يسحب في موعد أقصاه ……………………… شهرا من تاريخ سحب أول مبلغ يتعلق باستخدامه، فإذا بقي جزء من المبلغ المعتمد دون سحب بعد انتهاء موعد السحب المنصوص عليه في هذا البند اعتبر ذلك الجزء المتبقي ملغي ما لم يوافق البنك على خلاف ذلك.(3/1417)
المادة الخامسة
الوعد بشراء البضاعة
(1) يتعهد المستفيد بأن يشتري البضاعة بعد قبضه لها نيابة عن البنك ويوافق البنك على بيعها له بالشروط المبينة في المواد من السادسة إلى الخامسة عشرة من هذه الاتفاقية.
(2) يتم إبرام عقد بيع البضاعة للمستفيد بتبادل الرسائل المبرقة بين المستفيد والبنك على أن يتم ذلك فور قبض المستفيد للبضاعة نيابة عن البنك بإيجاب من المستفيد بالصيغة المبينة في الملحق رقم (1) وقبول من البنك بالصيغة المبينة في الملحق رقم (2) . فإذا لم يتصل المستفيد بالبنك لإنهاء إجراءات إبرام العقد في ظرف ثلاثة أسابيع من تاريخ قبضه للبضاعة نيابة عن البنك دون سبب معقول فإن المستفيد يضمن للبنك كل ما ترتب على إخلاله بالتزامه في إبرام العقد.
المادة السادسة
بيع البضاعة من البنك إلى المستفيد
يكون ثمن إعادة بيع البضاعة للمستفيد بالنسبة لكل شحنة (ويشار إليه فيما يلي "بثمن إعادة البيع ") هو الثمن الذي دفعه البنك للمورد وفقا لعقد الشراء المتعلق بتلك الشحنة (ويشار إليه فيما يلي "بثمن الشحنة") زائدا هامش ربح محدد بمبلغ.
المادة السابعة
التزامات البنك وحقوق المستفيد
عند إعادة بيع البضاعة
يضمن البنك جميع العيوب الخفية في البضاعة ويلتزم البنك بانه متى ظهر أي عيب خفي في البضاعة بأن يحول إلى المستفيد الاستفادة من الضمانات والتعهدات التي حصل عليها من المورد واطلع عليها وارتضاها المشتري وأي تعهدات أو ضمانات أخرى تكون مقررة قانونا أو جرى بها العرف لصالح البائع.(3/1418)
المادة الثامنة
تقويم ثمن إعادة البيع بالدينار الإسلامي
يتم تقويم ثمن إعادة البيع بالدينار الإسلامي، والدينار الإسلامي وفقا لنص المادة 4 (1) (1) من اتفاقية تأسيس البنك يعادل وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي، وسيقوم البنك في أقرب فرصة ممكنة بعد دفع ثمن كل شحنة بإخطار كل من المستفيد والضامن بثمن إعادة البيع المقابل بالدينار الإسلامي محسوبا على أساس سعر الصرف السائد في يوم العمل في جدة الذي يسبق مباشرة اليوم الذي دفع فيه البنك ثمن الشحنة المعنية، وذلك استنادا إلى أسعار الصرف السائدة في نفس اليوم بين وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة والدينار الإسلامي والمعلنة من قبل صندوق النقد الدولي ويلتزم المستفيد بأن يدفع ثمن إعادة البيع بعملة حرة قابلة للتحويل وفق ما يحدده البنك من وقت لآخر ويخطر به كلا من المستفيد والضامن وسيتم احتساب ثمن إعادة البيع بتحويل ثمن إعادة البيع بالدينار الإسلامي إلى العملة التي سيتم بها الدفع بسعر الصرف السائد في يوم العمل في جدة الذي يسبق مباشرة التاريخ الذي يصبح فيه ثمن إعادة البيع مستحقا وفقا لنص المادة (9) من هذه الاتفاقية.
المادة التاسعة
تاريخ استحقاق دفع ثمن إعادة البيع
(1) مع مراعاة حكم المادة الثانية عشرة من هذه الاتفاقية يلتزم المستفيد بأن يدفع للبنك ثمن إعادة البيع بعد ……………………… شهرا من التاريخ الذي يدفع فيه البنك ثمن الشحنة المعنية للمورد.
إذا استحق دفع ثمن البيع في يوم تكون فيه البنوك غير مفتوحة رسميا للعمل في المكان الذي سيقوم فيه المستفيد بالدفع بالعملة المعنية، فينبغي أن يتم دفع ذلك المبلغ في أول يوم تال تكون فيه تلك البنوك مفتوحة رسميا للعمل.(3/1419)
المادة العاشرة
طريقة سداد ثمن إعادة البيع من قبل المستفيد
(1) يقوم المستفيد بسداد ثمن إعادة البيع للبنك عن طريق التحويل بالمبرقة أو التحويل البرقي للحساب الذي يحدده البنك من وقت لآخر لكل من المستفيد والضامن أو بأية طريقة أخرى يحددها البنك.
(2) دون مساس بعمومية الفقرة (1) من هذه المادة، ستعتبر كل المبالغ المستحقة الدفع بموجب هذه الاتفاقية قد تم دفعها عندما يؤكد أحد البنوك التالية للبنك أن المبلغ المستحق قد أودع في حساب البنك الإسلامي للتنمية لديه:
(1) إذا كان السداد بالدولار الأمريكي:
(1) Account No. 001591.11
Saudi International Bank
99 Bishopsgate. London Ec 2M 3TB
Telex Number: 8812261 8812262
(2) Account No. B 10507
Arab Bank Corporation
p. O. Box: 5698, Manama, Nahrain
Telex Numbers: 9385 9421/2/3
9442 ABCBAH BN
(2) إذا كان السداد بالفرنك الفرنسي:
Account No. 96965. 9. 001. 00
Union Des Banque Arabes Et
Francaises (U.B.A.F)
190 Avenue Charles De Gaulle
922523 Neuilly Cedex, France
Telex Numbers: 610334 UBAFRA
(3) إذا كان السداد بالجنيه الاسترليني:
Account No. 708372
Gulf International Bank
2 – 6 Canon Street, London EC 4M 6xp
Telex Numbers: 8813362 8812899
(3) يتحمل المستفيد ويدفع كل النفقات والمصاريف المتعلقة بسداد المبالغ المستحقة للبنك.
(4) يلتزم المستفيد بسداد كل المبالغ المستحقة للبنك بموجب هذه الاتفاقية دون خصم أي جزء منها بسبب مقاصة أو مطالبة مقابلة أو ضريبة أو تكاليف أو خصومات أو حبس أيا كان نوعه ويكون كل ما سبق على حساب المستفيد.(3/1420)
المادة الحادية عشرة
الضمان
في مقابل موافقة البنك على إعادة بيع البضاعة للمستفيد بالكيفية المبينة في هذه الاتفاقية، يوافق الضامن على أن يضمن للبنك ضمانا غير مشروط وغير قابل للإلغاء بأن يؤدي للبنك بناء على طلب منه كل ثمن إعادة البيع بالكامل وفي موعد استحقاقه كما يضمن أداء كل المبالغ الأخرى المستحقة للبنك بموجب هذه الاتفاقية في مواعيد استحقاقها وذلك بصرف النظر عما إذا كان بإمكان البنك أن يسترد تلك المبالغ من المستفيد عن طريق الإجراءات القانونية ودون أن يطلب منه اتخاذ تلك الإجراءات القانونية أولا، كما يلتزم الضامن بأن يقوم بسداد نفس المبالغ المطلوبة من المستفيد بموجب هذه الاتفاقية بالكيفية المبينة في هذه الاتفاقية فيما يتعلق بالسداد من قبل المستفيد.
المادة الثانية عشرة
المدة المقررة لتنفيذ العملية
يجب أن تنفذ نصوص وشروط عملية تمويل التجارة الخارجية موضوع هذه الاتفاقية بما في ذلك عمليات السحب والسداد في مدة ……………………… شهرا () من تاريخ أول مبلغ يتعلق بهذه العملية يدفعه البنك.
المادة الثالثة عشرة
التأخير في استعمال الحق
من المتفق عليه أن أي تأخير أو امتناع أو أي تساهل من قبل البنك في ممارسة حقوقه بمقتضى هذه الاتفاقية في مواجهة أي من المستفيد أو الضامن لا يعتبر تنازلا عن تلك الحقوق.
المادة الرابعة عشرة
تسوية الخلافات
كل خلاف أو نزاع ينشأ بين أطراف هذه الاتفاقية ويتعلق بتفسيرها أو تطبيقها ويتعذر تسويته بالطرق الودية يحال إلى التحكيم وفقا لإجراءات التحكيم المنصوص عليها في المادة التاسعة الفقرة (9) بند (4) من الشروط العامة التي تنطبق على اتفاقيات القرض وضمان القرض للبنك والمؤرخة في 8 / 11 / 1976 م. وتقرأ كل إشارة فيها للبنك على أنها إشارة للبنك الإسلامي للتنمية وكل إشارة فيها للمقترض والضامن على أنها إشارة للمستفيد والضامن على التوالي.
الفقرة 7 – 10:
يجب اعتبار جميع وثائق البنك وسجلاته والمراسلات وأية مستندات أخرى مماثلة سرية من قبل المقترض.(3/1421)
المادة الخامسة عشرة
التقارير
الفقرة 8 – 1:
(أ) سيتعاون المقترض والبنك تعاونا وثيقا يكفل تحقيق أغراض القرض. وللوصول إلى هذه الغاية يزود كل من الطرفين الآخر بالمعلومات والبيانات التي يطلبها في حدود المعقول والمتصلة بالحالة العامة للقرض. ومن جانب المقترض ستشمل مثل تلك البيانات المعلومات الخاصة بالوضع الاقتصادي والمالي في بلاد المقترض وميزان مدفوعاته.
(ب) يقوم البنك والمقترض من حين لآخر بالمشاورة وتبادل الرأى بواسطة مندوبيهم بالنسبة للمسائل المتعلقة بأغراض القرض والمحافظة على خدماته وقيام المقترض بالتزاماته التي تقضي بها هذه الاتفاقية.
الفقرة 8 – 2:
(أ) يتعهد المقترض بأن يتأكد بنفسه أو بواسطة غيره من تقديم التقارير الآتية للبنك على أن تنال تلك التقارير الرضا الكامل للبنك وأن تقدم في الأوقات المحددة لتقديمها.
وإشهادا على ما تقدم فإن أطراف هذه الاتفاقية عن طريق ممثليهم المفوضين قانونا بذلك قد وقعوا هذه الاتفاقية في التاريخ المذكور في افتتاحيتها.
عن البنك الإسلامي للتنمية ………………………
عن المستفيد………………………
عن الضامن………………………(3/1422)
ملحق رقم (1)
(صيغة الإيجاب)
إلى ……………………… "المستفيد" بناء على الاتفاقية المبرمة بيني وبين البنك الإسلامي للتنمية في ……………………… وعملا بما جاء في المادة الخامسة الفصل الأول فإني أرغب في شراء البضاعة أو الشحنة التي تسلمتها نيابة عن البنك بالشروط المبينة في المواد من السادسة إلى الخامسة عشرة من الاتفاقية.
ملحق رقم (2)
"صيغة القبول "
فإن البنك الإسلامي للتنمية بناء على طلبكم الوارد بواسطة ………………رقم............. يبيع إليكم البضاعة التي تسلمتموها نيابة عنه بالشروط المبينة في المواد من السادسة إلى الخامسة عشرة من الاتفاقية المبرمة بينكم وبينه في...................(3/1423)
بسم الله الرحمن الرحيم
اتفاقية
بين
البنك الإسلامي للتنمية
و………………………
بشأن توكيل ………………………
لشراء معدات نيابة عن البنك
………………………
اتفاقية
بين
البنك الإسلامي للتنمية
و.........................................
أبرمت هذه الاتفاقية في هذا اليوم ……………… الموافق ……………… بين البنك الإسلامي للتنمية (ويشار إليه فيما يلي "بالبنك") .
و............................... (ويشار إليه فيما يلي "بالوكيل") .
بما إن:
(أ) حكومة ……………… قد طلبت من البنك بأن يشتري المعدات المبينة تفصيلا في الملحق رقم (2) من هذه الاتفاقية (ويشار لها فيما يلي "بالمعدات") ثم يبيعها للوكيل مرابحة إلى أجل مع تقسيط الثمن، وذلك لأغراض المشروع الوارد وصفه في الملحق رقم (2) من هذه الاتفاقية.
(ب) مجلس المديرين التنفيذيين للبنك قد وافق على هذا الطلب في اجتماعه رقم () المنعقد في ……………… في حدود مبلغ لا يتجاوز ……………… وبالشروط المضمنة في قراره رقم ……………….
فقد تم الاتفاق على ما يلي:
(1) تعاريف:
في هذه الاتفاقية وما لم يقتض السياق معني آخر تكون للعبارات التالية المعاني الموضحة أمام كل منها:
عقد / عقود / الشراء:
العقد (العقود) التي يبرمها الوكيل مع البائع نيابة عن البنك ولحسابه.
ثمن الشراء:
المبالغ مستحقة الدفع بموجب عقد (عقود) الشراء وتشمل ثمن المعدات وتكاليف نقلها والتأمين عليها، وتكاليف أي خدمات أخرى يكون البنك ملزما بدفعها بموجب هذه الاتفاقية.
المعدات:
المعدات والآليات الوارد وصفها تحديدا في الملحق رقم (2) من هذه الاتفاقية وتشمل الأجزاء المكملة لها.
البائع:
مورد المعدات بصرف النظر عما إذا كان هو الصانع أو لم يكن.(3/1424)
دينار إسلامي:
الوحدة الحسابية للبنك الإسلامي للتنمية طبقا لما هو مقرر في المادة 4 (1) (1) من اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية وتعادل وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي.
(2) التوكيل بشراء المعدات وقبضها:
2 - 1 يوافق البنك على تفويض الوكيل ليقوم نيابة عنه وباسمه وفي حدود الشروط والأحكام الواردة في هذه الاتفاقية:
(أ) بالتفاوض مع البائع والاتفاق معه على ثمن المعدات ومواصفاتها وجميع الشروط والأحكام الأخرى المتعلقة بشرائها وتسليمها للبنك.
(ب) بقبض المعدات من البائع نيابة عن البنك وفقاً لطريقة القبض المنصوص عليها في عقد الشراء.
2 –2 يلتزم الوكيل بأن يتبع في شراء المعدات إجراءات الشراء التي يحددها البنك وبوجه خاص ودون مساس بعمومية ما تقدم، على الوكيل مراعاة النظم الصادرة من منظمة المؤتمر الإسلامي الخاصة بمقاطعة جنوب إفريقيا وإسرائيل.
2 – 3 يلتزم الوكيل بأن يتأكد من أن كل عقد شراء:
(أ) ينص على أن ملكية المعدات تنتقل مباشرة من البائع إلى البنك.
(ب) يتضمن نصا بالتأمين الكافي باسم البنك على المعدات أثناء ترحيلها وإلى أن يتم بيعها للوكيل وفقا لحكم المادة 7 – 2 من هذه الاتفاقية. على أن يكون ذلك التأمين بالقيمة الكاملة لاستبدال المعدات وأن يغطي كل المخاطر التي يؤمن ضدها عادة كل من يقوم بترحيل معدات مماثلة بنفس الطريقة بما في ذلك المخاطر البحرية ومخاطر العبور وأن يكون التأمين مع شركة تأمين ذات سمعة طيبة يوافق عليها البنك، وعلى الوكيل أن يتأكد من أن بوليصة التأمين تنص على أن عوائد التأمين ستكون مستحقة الدفع – إذا حدث ما يوجب ذلك – بعملة حرة قابلة للتحويل.
2 - 4 يتعهد الوكيل بأن يقوم نيابة عن البنك بالحصول على جميع التصاريح والأذونات اللازمة لتوريد المعدات في ………………………………
2 - 5 لا يجوز للوكيل أن يبرم أي عقد لشراء المعدات قبل أن يحصل على موافقة البنك على أحكام وشروط ذلك العقد.(3/1425)
2 – 6 لا يجوز للوكيل أن يوافق على أي تعديل أو تغيير أو تنازل أو خروج عن أحكام وشروط أي عقد شراء سبق أن وافق عليه البنك قبل أن يحصل على موافقة البنك المسبقة على ذلك.
2 - 7 تنتهي سلطة الوكيل في التعاقد لشراء المعدات نيابة عن البنك عندما يبلغ مجموع ثمن المعدات المتعاقد عليها ……………………………… أو عند فسخ هذه الاتفاقية أي الأجلين أسبق.
(3) قبول الوكالة:
يوافق الوكيل وفقا لأحكام وشروط هذه الاتفاقية على التفاوض مع البائع والاتفاق معه على شراء المعدات، كما يوافق على قبض المعدات من البائع نيابة عن البنك.
(4) تنفيذ عقد الشراء:
يتعهد الوكيل بأن يبذل العناية والاهتمام اللازمين في متابعة تنفيذ عقد الشراء مع البائع نيابة عن البنك وأن يخطر البنك فورا بأي تأخير أو إخلال آخر بعقد الشراء والتشاور معه بشأن الإجراءات التي يتعين اتخاذها قبل البائع.
(5) قبض المعدات:
5 - 1 يتعهد الوكيل بأن يقوم بفحص المعدات قبل قبضها ليتأكد من أنها مطابقة للمواصفات المنصوص عليها في عقد الشراء وأنها في حالة جيدة وخالية من العيوب التي يمكن تبينها بالفحص السليم للمعدات.
5 - 2 يتعهد الوكيل بأن يقوم فورا بعد الانتهاء من فحص المعدات بإخطار البنك بالمبرقة (التليكس) عما إذا كان قد وجد المعدات مطابقة من كل الوجوه لعقد الشراء وقبضها أو أنه قد وجدها غير مطابقة، فإذا لم يتسلم البنك هذا الإخطار في خلال ثلاثين يوما من التاريخ المحدد في عقد الشراء لوصول المعدات ولم يتصل البنك من الوكيل بما يبرر التأخير – فإن البنك يعتبر أن الوكيل ضامن للمعدات مطابقة لعقد الشراء من جميع الوجوه.
5 - 3 إذا تبين للوكيل عند فحص المعدات أنها غير مطابقة في أي وجه من الوجوه لعقد الشراء، فعلى الوكيل أن يتصل فورا بالبنك للتشاور حول ما إذا كان يتعين رد المعدات للبائع أو إمساكها ومطالبته بالتعويض.
5 - 4 يكون الوكيل مسئولا عن كل عيب أو تلف يصيب المعدات نتيجة تعديه أو تفريطه في المحافظة عليها من تاريخ قبضه لها نيابة عن البنك، وإلى أن يتم بيعها له بموجب عقد البيع الذي سيبرمه مع البنك.(3/1426)
(6) أداء ثمن الشراء:
يتعهد البنك بدفع ثمن المعدات وفقا لشروط وأحكام عقد الشراء وإجراءات السحب المعمول بها بالبنك وذلك بعد أن يتأكد من:
(أ) أن المعدات قد تم شراؤها وفقا لإجراءات الشراء المعمول بها لدى البنك أو أي إجراءات أخرى يكون البنك قد وافق عليها مسبقا.
(ب) أن البنك قد وافق على أحكام وشروط عقد الشراء.
(ج) أن وصف المعدات مطابق لوصفها المبين في الملحق رقم (2) من هذه الاتفاقية.
(د) أن مجموع ثمن الشراء لن يزيد عن المبلغ الذي وافق البنك عليه.
(7) الوعد بشراء المعدات من البنك:
7 - 1 يتعهد الوكيل بأن يشتري المعدات من البنك بعد قبضه لها نيابة عن البنك ويتعهد البنك ببيعها له وذلك بالشروط التي وافق عليها مجلس المديرين التنفيذيين في جلسته بتاريخ ……………………… وقبلها الوكيل بموجب رسالته المبرقة المؤرخة في ……………… والشروط الأخرى المبينة في مشروع عقد البيع الملحق بهذه الاتفاقية.
7 - 2 يوافق البنك والوكيل ويلتزمان بتوقيع عقد بيع المعدات خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع من التاريخ الذي يخطر فيه الوكيل البنك بقبضه للمعدات، فإذا لم يتصل الوكيل خلال هذه المدة مع البنك لإنهاء إجراءات إبرام العقد دون سبب معقول فإنه يضمن للبنك كل ما ترتب على إخلاله بالتزامه في توقيع العقد.
(8) نفاذ الاتفاقية:
لا تصبح هذه الاتفاقية نافذة إلا إذا:
(أ) قدمت للبنك أدلة مقنعة تفيد بأن توقيع هذه الاتفاقية نيابة عن الوكيل قد تم بموجب تفويض صحيح وطبقا للقوانين المعمول بها في ………………
(ب) قدم الوكيل للبنك ضمانا بالصيغة التي يقبلها البنك من حكومة ……………… أو من بنك تجاري يقبله البنك، يلتزم فيه الضامن بكفالة أداء الوكيل لالتزاماته بموجب عقد البيع الذي سيبرمه مع البنك.(3/1427)
(9) عدم استعمال أو التمسك بالحق:
إن عدم قيام البنك باستعمال أو بالتمسك بأي حق من حقوقه الثابتة بموجب هذه الاتفاقية أو تأخره في أي من ذلك أو عدم استعماله أو تمسكه بأي جزاء مقرر له ضد الوكيل أو تأخره في ذلك لا يخل بذلك الحق أو الجزاء ولا يجوز أن يفسر على أنه تنازل عن ذلك الحق أو الجزاء.
(10) تسوية الخلافات:
يسعى الطرفان إلى تسوية أي خلاف في تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية بالطرق الودية، فإذا لم يتم الاتفاق الودي بينهما يعرض النزاع على التحكيم وفقا لإجراءات التحكيم المنصوص عليها في المادة التاسعة الفقرة 9 بند 4 من الشروط العامة التي تنطبق على اتفاقيات القرض وضمان القرض للبنك الإسلامي للتنمية والمؤرخة في 8 / 11 / 1976 م، وتقرأ كل إشارة في تلك الشروط العامة للمقترض على أنها إشارة "للوكيل".
(11) الإشعارات:
11 - 1 كل طلب أو إشعار يوجهه أحد الطرفين إلى الآخر بناء على هذه الاتفاقية أو بمناسبة تطبيقها يتعين أن يكون كتابة، ويعتبر أن أيا من الطلب أو الإشعار قد تم قانونا بمجرد أن يسلم بالبريد أو البرق أو المبرقة إلى الطرف الموجهة له في عنوانه المبين في البند (2) من هذه المادة أو أي عنوان آخر يحدد بموجب إشعار إلى الطرف الآخر.
11 - 2 تنفيذا لحكم البند (1) من هذه المادة فقد حدد الطرفان عنوانيهما كالتالي:
البنك: البنك الإسلامي للتنمية، ص. ب. رقم 5925 – جدة – 21432.
المملكة العربية السعودية.
برقيا: بنك إسلامي – جدة.
تليكس: 401137 – أي اس دي بي اس جي.
الوكيل:
وإقرارا بما تقدم وقع الطرفان هذه الاتفاقية في التاريخ المذكور في مطلعها بواسطة الممثلين المفوضين قانونا من جانب الطرفين.
عن البنك ………………………………
عن الوكيل………………………………(3/1428)
ملحق رقم (1)
اتفاقية بيع لأجل مع تقسيط الثمن
أبرمت هذه الاتفاقية في هذا اليوم / / 14 هـ الموافق / / 19 م بين البنك الإسلامي للتنمية (ويشار إليه فيما يلي "بالبائع") …………………………… (ويشار إليه فيما يلي "بالمشتري") ……………………………
بما أن:
(أ) البائع كان قد أبرم مع المشتري اتفاقية بتاريخ …………………… الموافق …………………… (ويشار لها فيما يلي "باتفاقية الوكالة ") فوض البائع بموجبها المشتري بأن يشتري نيابة عنه المعدات الوارد تحديدها في الملحق رقم (2) لتلك الاتفاقية، وذلك لأغراض المشروع الوارد وصفه في الملحق رقم (3) لتلك الاتفاقية.
(ب) المشتري بموجب اتفاقية الوكالة ووفقا لأحكامها وشروطها قد قام بشراء وقبض المعدات نيابة عن البائع.
(ج) المشتري قد وعد بموجب اتفاقية الوكالة بشراء المعدات بعد قبضها نيابة عن البائع.
فقد تم الاتفاق بين البائع والمشتري على ما يلي:
(1) تعاريف:
في هذه الاتفاقية وما لم يقتض السياق معني آخر، تكون للعبارات التالية المعاني الموضحة أمام كل منها:
يوم عمل:
أي يوم تكون فيه البنوك مفتوحة رسميا للعمل في المكان الذي سيؤدي فيه المشتري إلى البائع أي مبالغ مستحقة بمقتضى هذه الاتفاقية بالعملة التي سيتم بها أداء تلك المبالغ.
عقد (عقود) الشراء:
العقد (العقود) التي أبرمها المشتري بصفته وكيلا عن البائع بموجب اتفاقية الوكالة.
المعدات:
المعدات والآليات الوارد وصفها تحديدا في الملحق رقم (2) من هذه الاتفاقية وتشمل الأجزاء المكملة لها.
المورد:
البائع الذي اشتري منه البنك المعدات بموجب عقد الشراء بصرف النظر عما إذا كان هو الصانع أم لا.
ضريبة:
أي ضريبة أو جباية أو رسوم أو أي تكليف مماثل، وتشمل دون حصر أي غرامة جزائية واجبة الدفع في حالة الفشل أو التأخير في دفع أي مما سبق.(3/1429)
دينار إسلامي:
الوحدة الحسابية للبنك الإسلامي للتنمية طبقا لما هو مقرر في المادة 4 (1) (1) من اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية وتعادل وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي.
(2) بيع المعدات للمشتري مرابحة لأجل مع تقسيط الثمن:
2 - 1 يوافق البائع على بيع المعدات للمشتري ويوافق المشتري على شراءها بالثمن المحدد في هذه الاتفاقية ووفقا لشروطها وأحكامها.
2 - 2 تنتقل ملكية المعدات للمشتري بموجب عقد البيع هذا من تاريخه، ويصبح قبض المشتري للمعدات من هذا التاريخ قبضا لها بصفته مالكا للمعدات وتنتقل إليه من ذلك التاريخ تبعة تلفها أو ضياعها أو هلاكها.
2 - 3 يقر المشتري بأنه قد فحص المعدات وأنه قد وجدها في حالة جيدة وليس بها أي عيب يمكن تبينه من الفحص السليم لها وأنها مطابقة من كل الوجوه للمواصفات المحددة في عقد الشراء.
2 - 4 يلتزم البائع بأنه متى ظهر أي عيب خفي في المعدات بأن يحول إلى المشتري الاستفادة من الضمانات والتعهدات التي تتعلق بحالة المعدات والتي حصل عليها من المورد واطلع عليها وارتضاها المشتري وأية تعهدات أو ضمانات أخرى تكون مقررة قانونا أو جرى بها العرف لصالح البائع.
(3) أداء ثمن البيع:
يلتزم المشتري بأن يؤدي للبائع مبلغ ……………………… دينار إسلامي يمثل مجموع ثمن بيع المعدات وذلك على أقساط نصف سنوية ومتتابعة يصبح القسط الأول منها مستحقا وواجب الدفع بعد ستة أشهر من تاريخ هذه الاتفاقية وتستحق بقية الأقساط وتصبح واجبة الدفع في التواريخ المبينة في الملحق رقم (3) من هذه الاتفاقية.
(4) كيفية أداء ثمن البيع:
4 - 1 يجب أن يتم أداء ثمن البيع إلى حساب البائع أو بأي طريقة أخرى يشعر بها البائع المشتري كتابة من وقت لآخر على أن يكون ذلك بعملة حرة قابلة لتحويل يقبلها البائع حسب قيمتها في تاريخ الاستحقاق.(3/1430)
4 - 2 ستعتبر جميع المبالغ الواجب أداؤها بموجب هذه الاتفاقية بما فيها سداد أقساط الإيجار قد تم دفعها للبنك عندما يؤكد أي من البنوك الآتية إتمام إيداع تلك المبالغ في حساب البنك الإسلامي للتنمية لديه:
(1) إذا كان السداد بالدولار الأمريكي:
(1) Account No. 001591.11
Saudi International Bank
99 Bishopsgate. London Ec 2M 3TB
Telex Number: 8812261 8812262
(2) Account No. B 10507
Arab Bank Corporation
P. O. Box: 5698, Manama, Bahrain
Telex Numbers: 9385, 9431/2/3
9442 ABCBAH BN
(2) إذا كان السداد بالفرنك الفرنسي:
Account No. 96965. 9. 001. 00
Union Des Banques Arabes Et
Francaises (U.B.A.F)
190 Avenue Charles De Gaulle
92523 Neuilly Cedex, France
Telex Numbers: 610334 UBAFRA
(3) إذا كان السداد بالجنيه الاسترليني:
Account No. 708372
Gulf International Bank
2 – 6 Canon Street, London EC 4M 6xp
Telex Numbers: 8813362 8812899
4 - 3 إذا كان أي قسط من أقساط الثمن مستحق الأداء في غير يوم عمل يتم أداؤه في أول يوم عمل يعقب يوم استحقاقه.(3/1431)
4 - 4 يكون الدينار الإسلامي هو الوحدة الحسابية لكل مبلغ يكون مستحقا من المشتري في أي وقت بموجب هذه الاتفاقية، وكلما لزم تحويل أي مبالغ لأغراض هذه الاتفاقية من الدينار الإسلامي لأية عملة أو من أية عملة إلى الدينار الإسلامي يتم ذلك على أساس سعر الصرف المعلن لحقوق السحب الخاصة بصندوق النقد الدولي في اليوم الذي تم فيه دفع تلك المبالغ طبقا للأسعار التي يقوم بنشرها صندوق النقد الدولي.
4 - 5 يتم أداء ثمن البيع وأي مبالغ أخرى قد تكون مستحقة بموجب هذه الاتفاقية دون خصم أو حجز أي مبلغ بسبب أي ضريبة أو مقاصة أو مطالبة أو أي أمر آخر. فإذا كان المشتري ملزما بموجب أي قانون ساري المفعول بأن يجري مثل ذلك الخصم أو الحجز، فعليه أن يوفر من المبالغ ما يمكنه من أن يحول للبائع بعد إجراء ذلك الخصم مبلغا صافيا غير خاضع لأي التزام يساوي المبلغ المستحق الذي يكون من حق البائع استلامه والاحتفاظ به.
(5) تأكيد المشتري:
يؤكد المشتري للبائع ما يلي:
(أ) أنه شركة (مؤسسة) قائمة بموجب قوانين ………………… وأنه يتمتع بالسلطة اللازمة لإبرام هذه الاتفاقية وممارسة الحقوق الناشئة عنها والوفاء بالالتزامات التي تحمل بها بمقتضي هذه الاتفاقية.
(ب) أن كل الإجراءات المطلوبة قانونا لتمكينه من إبرام هذه الاتفاقية على وجه مشروع وممارسة حقوقه الناشئة عنها والوفاء بالالتزامات التي تحمل بها بمقتضاها قد تم اتخاذها حسب الأصول وأن تلك الإجراءات لا تزال سارية المفعول.
(ج) أن الالتزامات التي تحمل بها بموجب هذه الاتفاقية التزامات قانونية صحيحة وملزمة له وفقا لأحكامها بموجب القوانين القائمة في ……………………… وأنه لا يلزم لضمان قانونية أو صحة أو نفاذ هذه الاتفاقية إيداعها أو قيدها أو تسجيلها لدى أية محكمة أو جهة.
(6) الإخلال بالالتزامات:
يعتبر أن المشتري قد أخل بالتزاماته بموجب هذه الاتفاقية في الحالات الآتية:
(أ) إذا فشل في أن يؤدي بالكامل أي مبلغ مستحق بموجب هذه الاتفاقية خلال (30) يوما من تاريخ استحقاقه ولا يعتبر قبول البائع بجزء من المبلغ المستحق تنازلا عن اعتبار المشتري مخلا بأداء التزامه بأداء كامل المبلغ المستحق.
(ب) إذا تبين أن أيا من البيانات أو التأكيدات التي قدمها في هذه الاتفاقية غير صحيحة في أمر يعتبره البائع جوهريا في الوقت الذي قدمت فيه هذه البيانات أو التأكيدات.
(ج) إذا فشل في تنفيذ أو خالف أي حكم أو شرط جوهري في هذه الاتفاقية وعجز عن تصحيح هذا الوضع خلال (30) يوما من التاريخ الذي يشعره فيه البائع بعدم تنفيذه أو مخالفته لذلك الحكم أو الشرط.(3/1432)
(7) جزاء الإخلال بالالتزامات:
يتعهد المشتري بأن يدفع فورا للبائع ما تبقى من أقساط ثمن البيع وذلك إذا استلم من البائع إشعارا يفيد وقوع إخلال من قبله في أداء التزاماته بموجب هذه الاتفاقية ولم تجر تسوية هذا الإخلال في بحر (30) يوما من تاريخ الإشعار بوقوعه.
(8) نفاذ الاتفاقية:
لا تصبح هذه الاتفاقية نافذة إلا إذا:
(أ) قدمت للبائع أدلة مقنعة تفيد بأن توقيع هذه الاتفاقية نيابة عن المشتري قد تم بموجب تفويض صحيح وطبقا للقوانين المعمول بها في ………………………
(ب) ………………
(9) التقارير:
يتعهد المشتري أن يقدم التقارير الآتية للبائع:
(أ) تقرير عن سير العمل في تنفيذ المشروع بالكيفية التي يحددها البائع من وقت لآخر ويقدم هذا التقرير بعد ثلاثة أشهر من تاريخ النفاذ ومن ثم كل ثلاثة أشهر.
(ب) تقرير عن المركز المالي للمشتري ونتائج عملياته عن السنة المالية المنتهية مصحوبا ببيان الحسابات المراجعة بما في ذلك كشف الموازنة وحساب الأرباح والخسائر عن السنة المالية المنتهية ويقدم هذا التقرير بعد (90) تسعين يوما من نهاية كل سنة مالية.
(ج) تقرير إنجاز بالتفصيل الذي يطلبه البائع بصورة معقولة عن تنفيذ المشروع والتشغيل الابتدائي له، ويقدم هذا التقرير فور إكمال تنفيذ المشروع والتشغيل الابتدائي له.
(د) أي تقرير أو معلومات أخرى يطلبها البائع بصورة معقولة من وقت لآخر.
(10) عدم استعمال أو التمسك بالحق:
إن عدم قيام البائع باستعمال أو بالتمسك بأي حق من حقوقه الثابتة بموجب هذه الاتفاقية أو تأخره في أي من ذلك أو عدم استعماله أو تمسكه بأي جزء مقرر له ضد المشتري أو تأخره في ذلك لا يخل بذلك الحق أو الجزاء ولا يجوز أن يفسر على أنه تنازل عن ذلك الحق أو الجزاء.
(11) تسوية الخلافات:
يسعى الطرفان إلى تسوية أي خلاف في تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية بالطرق الودية، فإذا لم يتم الاتفاق الودي بينهما يعرض النزاع على التحكيم وفقا لإجراءات التحكيم المنصوص عليها في المادة التاسعة الفقرة 9 بند 4 من الشروط العامة التي تنطبق على اتفاقيات القرض وضمان القرض للبنك الإسلامي للتنمية والمؤرخة في 8 / 11 / 1976 م، وتقرأ كل إشارة في تلك الشروط العامة "للبنك" على أنها إشارة ""للبائع" كما تقرأ كل إشارة فيها "للمقترض" على أنها إشارة "للمشتري".(3/1433)
(12) الإشعارات:
12 - 1 كل طلب أو إشعار يوجهه أحد الطرفين إلى الآخر بناء على هذه الاتفاقية أو بمناسبة تطبيقها يتعين أن يكون كتابة. ويعتبر أن أيا من الطلب أو الإشعار قد تم قانونا بمجرد أن يسلم باليد أو بالبريد أو البرق أو المبرقة إلى الطرف الموجه له في عنوانه المبين في البند (2) من هذه المادة أو أي عنوان آخر يحدده بموجب إشعار إلى الطرف الآخر.
12 - 2 تنفيذا لحكم البند (1) من هذه المادة فقد حدد الطرفان عنوانيهما كالتالي:
المشتري:
البائع:
البنك الإسلامي للتنمية، ص. ب رقم 5925 – جدة – 21432، المملكة العربية السعودية.
برقيا: بنك إسلامي جدة.
تكلس: 401137 – أي اس دي بي – اس جي.
وإقرارا بما تقدم وقع الطرفان هذه الاتفاقية في التاريخ المذكور في مطلعها بواسطة الممثلين المفوضين قانونا من جانب الطرفين.
عن البنك الإسلامي للتنمية…………………
عن ………………………(3/1434)
بسم الله الرحمن الرحيم
اتفاقية
بين
البنك الإسلامي للتنمية
وبشأن توكيل
لشراء معدات نيابة عن البنك
اتفاقية
بين
البنك الإسلامي للتنمية
و……………
أبرمت هذه الاتفاقية في هذا اليوم / / 140 هـ الموافق / / 198 م بين البنك الإسلامي للتنمية (ويشار إليه فيما يلي "بالبنك") و…………………………………… (ويشار إليه فيما يلي "بالوكيل") .
بما أن:
(أ) حكومة ………………………… قد طلبت من البنك الإسلامي للتنمية بأن يشتري المعدات المبينة تفصيلا في الملحق رقم (2) من هذه الاتفاقية (ويشار لها فيما يلي "بالمعدات" ثم يؤجرها للوكيل، وذلك لأغراض المشروع الوارد وصفه في الملحق رقم 5 من هذه الاتفاقية.
(ب) مجلس المديرين التنفيذيين بالبنك الإسلامي للتنمية قد وافق على هذا الطلب في اجتماعه رقم () المنعقد في ………………………… حدود مبلغ لا يتجاوز ………………………… وبالشروط المضمنة في قراره رقم …………………………
فقد تم الاتفاق على ما يلي:
(1) تعاريف:
في هذه الاتفاقية وما لم يقتض السياق معنى آخر تكون للعبارات التالية المعاني الموضحة أمام كل منها:
عقد / عقود / الشراء:
العقد (العقود) التي يبرمها الوكيل مع البائع نيابة عن البنك ولحسابه.
ثمن الشراء:
المبالغ مستحقة الدفع بموجب عقد (عقود) الشراء وتشمل ثمن المعدات وتكاليف نقلها والتأمين عليها وتكاليف أي خدمات أخرى يكون البنك ملزما بدفعها بموجب هذه الاتفاقية.
المعدات:
المعدات والآليات الوارد وصفها وتحديدا في المحلق رقم (2) من هذه الاتفاقية وتشمل الأجزاء المكملة لها.
البائع:
مورد المعدات بصرف النظر عما إذا كان هو الصانع أو لم يكن.
دينار إسلامي:
الوحدة الحسابية للبنك الإسلامي للتنمية طبقا لما هو مقرر في المادة 4 (1) (1) من اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية وتعادل وحدة من وحدات حقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي.(3/1435)
(2) التوكيل بشراء المعدات وقبضها:
2 - 1 يوافق البنك على تفويض الوكيل ليقوم نيابة عنه وباسمه وفي حدود الشروط والأحكام الواردة في هذه الاتفاقية:
(أ) بالتفاوض مع البائع والاتفاق معه على ثمن المعدات ومواصفاتها وجميع الشروط والأحكام الأخرى المتعلقة بشرائها وتسليمها للبنك.
(ب) بقبض المعدات من البائع نيابة عن البنك وفقا لطريقة القبض المنصوص عليها في عقد الشراء.
2 - 2 يلتزم الوكيل بأن يتبع في شراء المعدات إجراءات الشراء التي يحددها البنك وبوجه خاص ودون مساس بعمومية ما تقدم، على الوكيل مراعاة النظم الصادرة من منظمة المؤتمر الإسلامي الخاصة بمقاطعة جنوب إفريقيا وإسرائيل.
2 - 3 يلتزم الوكيل بأن يتأكد من أن كل عقد شراء:
(أ) ينص على أن ملكية المعدات تنتقل مباشرة من البائع إلى البنك.
(ب) يتضمن نصا بالتأمين الكافي باسم البنك على المعدات أثناء ترحيلها وإلى أن يتم إيجارها للوكيل وفقا لحكم المادة 7 - 2 من هذه الاتفاقية. على أن يكون ذلك التأمين بالقيمة الكاملة لاستبدال المعدات، وأن يُغطي كل المخاطر التي يؤمن ضدها عادة كل من يقوم بترحيل معدات مماثلة بنفس الطريقة بما في ذلك المخاطر البحرية ومخاطر العبور وأن يكون التأمين مع شركة تأمين ذات سمعة طيبة يوافق عليها البنك وعلى الوكيل أن يتأكد من أن بوليصة التأمين تنص على أن عوائد التأمين ستكون مستحقا الدفع - إذا حدث ما يوجب ذلك – بعملة حرة قابلة للتحويل.
2 - 4 يتعهد الوكيل بأن يقوم نيابة عن البنك بالحصول على جميع التصاريح والأذونات اللازمة لتوريد المعدات في …
2 - 5 لا يجوز للوكيل أن يبرم أي عقد لشراء المعدات قبل أن يحصل على موافقة البنك على أحكام وشروط مشروع ذلك العقد.(3/1436)
2 - 6 لا يجوز للوكيل أن يوافق على أي تعديل أو تغيير أو تنازل أو خروج عن أحكام وشروط أي عقد شراء سبق أن وافق عليه البنك قبل أن يحصل على موافقة البنك المسبقة على ذلك.
2 - 7 تنتهي سلطة الوكيل في التعاقد لشراء المعدات نيابة عن البنك عندما يبلغ مجموع ثمن المعدات المتعاقد عليها ………………………… أو عند فسخ هذه الاتفاقية أي الأجلين أسبق.
(3) قبول الوكالة:
يوافق الوكيل وفقا لأحكام وشروط هذه الاتفاقية على التفاوض مع البائع والاتفاق معه على شراء المعدات، كما يوافق على قبض المعدات من البائع نيابة عن البنك.
(4) تنفيذ عقد الشراء:
يتعهد الوكيل بأن يبذل العناية والاهتمام اللازمين في متابعة تنفيذ عقد الشراء مع البائع نيابة عن البنك وأن يخطر البنك فورا بأي تأخير أو إخلال آخر بعقد الشراء والتشاور معه بشأن الإجراءات التي يتعين اتخاذها قبل البائع.
(5) قبض المعدات:
5 - 1 يتعهد الوكيل بأن يقوم بفحص المعدات قبل قبضها ليتأكد من أنها مطابقة للمواصفات المنصوص عليها في عقد الشراء وأنها في حالة جيدة وخالية من العيوب التي يمكن تبينها بالفحص السليم للمعدات.
5 - 2 يتعهد الوكيل بأن يقوم فورا بعد الانتهاء من فحص المعدات بإخطار البنك بالمبرقة (التليكس) عما إذا كان قد وجد المعدات مطابقة من كل الوجوه لعقد الشراء وقبضها أو أنه قد وجدها غير مطابقة، فإذا لم يتسلم البنك هذا الإخطار في خلال ثلاثين يوما من التاريخ المحدد في عقد الشراء لوصول المعدات، سيعتبر البنك أن الوكيل ضامن للمعدات مطابقة لعقد الشراء من جميع الوجوه.
5 - 3 إذا تبين للوكيل عند فحص المعدات أنها غير مطابقة في أي وجه من الوجوه لعقد الشراء، فعلى الوكيل أن يتصل فورا بالبنك للتشاور حول ما إذا كان يتعين رد المعدات للبائع أو إمساكها ومطالبته بالتعويض.(3/1437)
5 - 4 يكون الوكيل مسئولا عن كل عيب أو تلف يصيب المعدات نتيجة تعديه أو تفريطه في المحافظة عليها من تاريخ قبضه لها نيابة عن البنك وإلى أن يتم إيجارها له بموجب عقد الإيجار الذي سيبرمه مع البنك.
(6) أداء ثمن الشراء:
يتعهد البنك بدفع ثمن المعدات وفقا لشروط وأحكام عقد الشراء وإجراءات السحب المعمول بها بالبنك وذلك بعد أن يتأكد من:
(أ) أن المعدات قد تم شراؤها وفقا لإجراءات الشراء المعمول بها لدى البنك أو أي إجراءات أخرى يكون البنك قد وافق عليها مسبقا.
(ب) أن البنك قد وافق على أحكام وشروط عقد الشراء.
(ج) أن وصف المعدات مطابق لوصفها المبين في الملحق رقم (2) من هذه الاتفاقية.
(د) أن مجموع ثمن الشراء لن يزيد عن المبلغ الذي وافق البنك عليه.
(7) الوعد بإيجار المعدات من البنك:
7 - 1 يتعهد الوكيل بأن يستأجر المعدات من البنك بعد قبضه لها نيابة عن البنك ويتعهد البنك بإيجارها له وذلك بالشروط التي وافق عليها مجلس المديرين التنفيذيين في جلسته بتاريخ ……… وقبلها الوكيل بموجب رسالته المبرقة المؤرخة في ……… والشروط الأخرى المبينة في مشروع عقد الإيجار الملحق بهذه الاتفاقية.
7 - 2 يوافق البنك والوكيل ويلتزمان بتوقيع عقد إيجار المعدات خلال مدة لا تتجاوز ثلاثة أسابيع من التاريخ الذي يخطر فيه الوكيل البنك بقبضه للمعدات، فإذا لم يوف الوكيل بالتزامه من توقيع عقد الإيجار خلال تلك المدة فإنه يضمن للبنك كل ما يترتب عن إخلاله بالتزامه في توقيع العقد.
(8) نفاذ الاتفاقية:
لا تصبح هذه الاتفاقية نافذة إلا إذا:
(أ) قدمت للبنك أدلة مقنعة تفيد بأن توقيع هذه الاتفاقية نيابة عن الوكيل قد تم بموجب تفويض صحيح وطبقا للقوانين المعمول بها في ……….
(ب) قدم الوكيل للبنك ضمانا بالصيغة التي يقبلها البنك من حكومة ……… أو من بنك تجاري يقبله البنك يلتزم فيه الضامن بكفالة أداء الوكيل لالتزاماته بموجب عقد الإيجار الذي سيبرمه مع البنك.
(9) عدم استعمال أو التمسك بالحق:
إن عدم قيام البنك باستعمال أو بالتمسك بأي حق من حقوقه الثابتة بموجب هذه الاتفاقية أو تأخره في أي من ذلك أو عدم استعماله أو تمسكه بأي جزاء مقرر له ضد الوكيل أو تأخره في ذلك لا يخل بذلك الحق أو الجزاء ولا يجوز أن يفسر على أنه تنازل عن ذلك الحق أو الجزاء.(3/1438)
(10) تسوية الخلافات:
يسعى الطرفان إلى تسوية أي خلاف في تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية بالطرق الودية، فإذا لم يتم الاتفاق الودي بينهما يعرض النزاع على التحكيم وفقا لإجراءات التحكيم المنصوص عليها في المادة التاسعة الفقرة (9) بند (4) من الشروط العامة التي تنطبق على اتفاقيات القرض وضمان القرض للبنك الإسلامي للتنمية والمؤرخة في 8 / 11 / 1976 م، وتقرأ كل إشارة في تلك الشروط العامة للمقترض على أنها إشارة "للوكيل".
(11) الإشعارات:
11 - 1 كل طلب أو إشعار يوجهه أحد الطرفين إلى الآخر بناء على هذه الاتفاقية أو بمناسبة تطبيقها يتعين أن يكون كتابة ويعتبر أن أيا من الطلب أو الإشعار قد تم قانونا بمجرد أن يسلم بالبريد أو البرق أو المبرقة إلى الطرف الموجهة له في عنوانه المبين في البند (2) من هذه المادة أو أي عنوان آخر يحدد بموجب إشعار إلى الطرف الآخر.
11 - 2 تنفيذا لحكم البند (1) من هذه المادة فقد حدد الطرفان عنوانيهما كالتالي:
البنك:
البنك الإسلامي للتنمية ص. ب رقم 5925 – جدة – 21432، المملكة العربية السعودية.
برقيا: بنك إسلامي – جدة.
تليكس: 401137 – أي اس دي – بي – اس جي.
الوكيل:
وإقرارا بما تقدم وقع الطرفان هذه الاتفاقية في التاريخ المذكور في مطلعها بواسطة الممثلين المفوضين قانونا من جانب الطرفين.
عن البنك الإسلامي للتنمية ………………………………
عن الوكيل / ………………………………………(3/1439)
ملحق رقم (1)
اتفاقية إيجار
أبرمت هذه الاتفاقية في هذا اليوم الموافق بين البنك الإسلامي للتنمية (ويشار إليه فيما يلي "بالمؤجر") .
و……………………… (ويشار إليه فيما يلي "بالمستأجر") .
بما أن:
(أ) المؤجر كان قد أبرم مع المستأجر اتفاقية بتاريخ ……………… الموافق ……………… (ويشار لها فيما يلي "باتفاقية الوكالة ") فوض المؤجر بموجبها المستأجر بأن يشتري نيابة عنه المعدات الوارد تحديدها في الملحق رقم (2) لتلك الاتفاقية، وذلك لأغراض المشروع الوارد وصفه تفصيلا في الملحق رقم (3) لتلك الاتفاقية.
(ب) المستأجر بموجب اتفاقية الوكالة ووفقا لأحكامها وشروطها قد قام بشراء وقبض المعدات نيابة عن المؤجر.
(ج) المستأجر قد وعد بموجب اتفاقية الوكالة باستئجار المعدات بعد قبضها نيابة عن المؤجر.
فقد تم الاتفاق بين المؤجر والمستأجر على ما يلي:
(1) تعاريف:
في هذه الاتفاقية وما لم يقتض السياق معني آخر، تكون للعبارات التالية المعاني الموضحة أمام كل منها:
يوم عمل:
أي يوم تكون فيه البنوك مفتوحة رسميا للعمل في المكان الذي سيؤدي فيه المؤجر إلى المستأجر أي مبالغ مستحقة عليه بمقتضى هذه الاتفاقية بالعملة التي سيتم بها أداء تلك المبالغ.
عقد (عقود) الشراء:
العقد (العقود) التي أبرمها المستأجر بصفته وكيلا عن المؤجر بموجب اتفاقية الوكالة.
المعدات:
المعدات والآليات الوارد وصفها تحديدا في الملحق رقم (1) من هذه الاتفاقية وتشمل الأجزاء المكملة لها.
المورد:
البائع الذي اشتري منه البنك المعدات بموجب عقد الشراء بصرف النظر عما إذا كان هو الصانع أم لا.(3/1440)
فترة الإيجار:
المدة التي تبدأ من تاريخ نفاذ هذه الاتفاقية وتنتهي بعد ……………… شهرا من ذلك التاريخ.
تاريخ النفاذ:
التاريخ الذي يعلن فيه البنك نفاذ هذه الاتفاقية.
تواريخ أداء أقساط الإيجار:
التواريخ التي تقع بعد 6 , 12 , 18, 24, 30 , 36 شهرا من تاريخ النفاذ.
ضريبة:
أي ضريبة أو جباية أو رسوم أو أي تكليف مماثل، وتشمل دون حصر أي غرامة جزائية واجبة الدفع في حالة الفشل أو التأخير في دفع أي مما سبق.
دينار إسلامي:
الوحدة الحسابية للبنك الإسلامي للتنمية طبقا لما هو مقرر في المادة 4 (1) (1) من اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية وتعادل وحدة من وحدات حقوق السحب لصندوق النقد الدولي.
(2) الإيجار:
2 - 1 مع مراعاة أحكام وشروط هذه الاتفاقية يوافق المؤجر على إيجار المعدات للمستأجر لفترة الإيجار ويوافق المستأجر على استئجارها.
2 - 2 تبدأ فترة الإيجار من تاريخ نفاذ هذه الاتفاقية ليصبح قبض المستأجر للمعدات من ذلك التاريخ قبضا لها بصفته مستأجرا للمعدات.
(3) أقساط الإيجار:
في مقابل إيجار المعدات للمستأجر، يلتزم المستأجر بأن يدفع للمؤجر مبلغ ……………… دينار إسلامي يمثل مجموع إيجار المعدات خلال فترة الإيجار وذلك على أقساط متتالية يصبح كل منها مستحقا وواجب الدفع في تاريخ أدائه طبقا لما هو مبين تفصيلا في المحلق (3) من هذه الاتفاقية.
(4) ملكية المعدات:
تظل المعدات مملوكة للمؤجر وحده في جميع الأوقات حتى تنتقل ملكيتها للمستأجر وفقا للمادة (13) من هذه الاتفاقية وعلى المستأجر ألا يقوم أو يسمح بالقيام بأي شيء من شأنه المساس بحقوق المؤجر في المعدات أو تعريضها للخطر.(3/1441)
(5) لوحات إثبات الملكية:
يوافق المستأجر على أن يلصق بالمعدات لوحات إثبات ملكية تحمل العبارة التالية:
"هذه المعدات مملوكة للبنك الإسلامي للتنمية ومؤجرة لـ………………" ويتعهد المستأجر بأن يتأكد من أن اللوحات ستظل ملصقة وبصورة واضحة بالمعدات طيلة فترة الإيجار.
(6) موقع المعدات:
تظل المعدات خلال مدة الاتفاقية في حيازة وحفظ المستأجر ويتم تركيبها بـ ……………… ولا يجوز نقلها أو نقل أي جزء منها من ذلك الموقع دون موافقة مكتوبة مسبقة من المؤجر.
(7) تشغيل المعدات واستعمالها وصيانتها:
7 - 1 على المستأجر أن يستعمل المعدات بعناية وبطريقة سليمة طبقا لتعليمات التشغيل الخاصة بها الصادرة من موردها، ولا يجوز للمستأجر أن يسمح باستعمال المعدات لغير الأغراض التي صممت لأجلها أو لأي غرض غير مشروع وعلى المستأجر ألا يسمح لغير الفنيين المؤهلين باستعمال أو تشغيل المعدات.
7 - 2 على المستأجر الحفاظ على المعدات في جميع الأوقات في حالة سليمة وصالحة للعمل وعليه أن يقوم على نفقته بإصلاح أو استبدال ما يتعيب أو يستهلك أو يتلف من أجزائها ولا يجوز للمستأجر أن يسمح لغير الأشخاص ذوي الخبرة والتأهيل المناسب بإصلاح أو خدمة المعدات.
7 - 3 على المستأجر أن يقوم على نفقته في أي وقت بإصلاح أو خدمة المعدات بالحصول على كل التصاريح والتراخيص وأي إذن آخر فقد يكون مطلوبا في أي وقت خلال فترة الإيجار فيما يتعلق بحيازة أو استخدام المعدات أو المباني التي ستوضع أو فيما يتعلق بتنفيذ المستأجر لالتزاماته بموجب هذه الاتفاقية وعلى المستأجر أن يتأكد أن هذه التصاريح والتراخيص وأي إذن آخر قد يكون مطلوبا سيبقى ساري المفعول في جميع الأوقات، كذلك على المستأجر أن يمتثل لجميع الالتزامات القانونية وغيرها من الالتزامات المتعلقة بحيازة أو استعمال المعدات وعليه أن يقوم وعلى نفقته بإضافة أو تركيب أدوات السلامة مع المعدات وأي أدوات أخرى يتطلب القانون إضافتها إلى المعدات أو تركيبها معها لأغراض استعمال أو تشغيل المعدات على نحو مشروع.
7 - 4 يؤكد المستأجر بأن جميع الاختبارات اللازمة ستجري على المعدات قبل البدء في استعمالها للتأكد من أنه قد تم تصميمها وتصنيعها وتشغيلها بطريقة لن تعرض صحة أو سلامة العاملين عليها أو غيرهم من الأشخاص الذين يستعملونها للخطر، كما يتعهد بأن يتخذ في جميع الأوقات كل الترتيبات اللازمة لضمان تشغيل واستعمال المعدات دون تعريض أي شخص لما سبق ذكره من مخاطر.(3/1442)
7 - 5 يوافق المستأجر على أن يعوض المؤجر عن جميع المطالبات والدعاوى التي قد يتعرض لها المؤجر فيما يتعلق بأية إصابة أو ضرر أو خسارة تنشأ عن تقصير المستأجر أو تعديه في حيازة أو تشغيل المعدات.
(8) حظر التصرف في المعدات:
8 - 1 لا يجوز للمستأجر إيجار المعدات لغيره أو رهنها أو إنشاء أي تأمين آخر عليها أو بيعها أو بيع أي جزء منها، كما لا يجوز له أن يحيل حقوقه الناشئة عن هذه الاتفاقية أو أن يسمح بأن ينشأ لأي شخص حق في حبس أي من المعدات، كما لا يجوز له أن يتخلى عن حيازة المعدات دون موافقة مسبقة مكتوبة من المؤجر.
8 - 2 لا يجوز للمستأجر بدون موافقة المؤجر المسبقة كتابة أن يثبت المعدات على أي أرض أو مباني، بحيث لا يمكن فصلها عن تلك الأرض أو المباني دون تلف أو تغيير في هيئتها. ويتعهد المستأجر بأن يتخذ كل الترتيبات اللازمة التي تمنع نقل ملكية المعدات لمالك تلك الأرض أو المباني.
8 - 3 لا يجوز للمستأجر بدون موافقة المؤجر المسبقة كتابة أن يدخل أي إضافات أو تغيير أو تعديلات على المعدات أو أن يلصق بها أي ملحقات لا يمكن فصلها عنها دون تلف أو تغيير في هيئة المعدات. وتصبح أي ملحقات يجري إلصاقها إخلالا بهذا البند ملكا للمؤجر وذلك دون مساس بحق المؤجر في التعويض.
8 - 4 فيما بين المؤجر والمستأجر وخلفائهما تظل المعدات من المنقولات وتبقى مملوكة للمؤجر بصرف النظر عما إذا كان قد تم تثبيتها على أي أرض أو مبان، ويكون المستأجر مسئولا عن أي ضرر يصيب تلك الأرض أو المباني من جراء تثبيت المعدات عليها أو فصلها منها.
(9) التأمين على المعدات:
9 - 1 يلتزم المستأجر أن يقوم على نفقة المؤجر بالتأمين تأمينا شاملا على المعدات من تاريخ تسليمها له إلى نهاية فترة الإيجار بما يعادل القيمة الكاملة لاستبدالها بمثيلاتها شريطة ألا تقل تلك القيمة تحت أي ظرف عن ثمن الشراء وأن يكون التأمين عند شركة تأمين ذات سمعة طيبة يوافق عليها المؤجر ويجب أن تغطي بوليصة التأمين أي ضرر أو خسارة تنجم عن الحريق أو السرقة أو الفيضان أو الزلزال أو الإعصار أو الحوادث، كما تغطي مخاطر الغير والمخاطر التي يتم التأمين ضدها عادة في عرف الصناعة التي يشتغل بها المستأجر وأي مخاطر أخرى يطلب المؤجر التأمين عليها.
9 - 2 يجب أن تحتوي بوليصة التأمين على ما يفيد بأن المعدات مملوكة للبنك الإسلامي للتنمية ومؤجرة لـ ……………… وأن تكون عائدات التأمين مستحقة الدفع بعملة حرة قابلة للتحويل وأن تكون تلك العائدات واجبة الدفع للبنك الإسلامي للتنمية وإذا عزم أي من المستأجر أو شركة التأمين على إلغاء بوليصة التأمين أو تعديل شروطها أو عدم تجديدها فلا بد من إشعار المؤجر قبل (90) تسعين يوما من التاريخ الذي يعتزم فيه أي من المذكورين إلغاء أو تعديل أو عدم تجديد بوليصة التأمين حسبما تكون الحال.(3/1443)
9 - 3 على المستأجر أن يقدم للمؤجر متى طلب منه ذلك كل بوليصة من بوالص التأمين المذكورة والإيصالات الخاصة بما تم دفعه من أقساط التأمين.
9 - 4 إذا فشل المستأجر في التأمين على المعدات أو في تقديم ما سبق ذكره من بوالص التأمين وإيصالات يجب عليه إشعار المؤجر بذلك فورا ويتولى المؤجر بنفسه وعلى نفقته التأمين المطلوب على المعدات.
9 - 5 على المستأجر ألا يسمح بأي فعل أو امتناع عن فعل يخالف أحكام أي بوليصة تأمين أو يكون من شأنه أن يعطي شركة التأمين الحق في إلغاء بوليصة التأمين أو يقلل أو يعفيها من مسؤوليتها المقررة بموجب بوليصة التأمين.
9 - 6 على المستأجر أن يشعر المؤجر فورا عند حدوث أي ظرف ينشأ عنه أو قد ينشأ عنه الحق في المطالبة بموجب بوليصة التأمين ليحصل على موافقة المؤجر على المطالبة بموجب بوليصة التأمين، وعلى المستأجر ألا يوافق على أي تسوية للمطالبة دون حصوله كتابة على الموافقة المسبقة للمؤجر.
(10) حق التفتيش:
يوافق المستأجر على أن يسمح للمؤجر وموظفيه وأي شخص آخر مفوض من قبله بالدخول في جميع الأوقات المناسبة في الموقع الذي توجد به المعدات وذلك بغرض تفتيش المعدات وفحص حالتها.
(11) دفع المبالغ المستحقة بموجب الاتفاقية:
11 - 1 يجب أن يتم دفع كل مبلغ يؤديه المستأجر إلى المؤجر بموجب هذه الاتفاقية بعملة حرة قابلة للتحويل يقبلها المؤجر بحسب قيمتها في تاريخ الاستحقاق إلى حساب المؤجر أو بأية طريقة أخرى يشعر بها المؤجر المستأجر كتابة من وقت لآخر.
11 - 2 ستعتبر جميع المبالغ الواجب أداؤها بموجب هذه الاتفاقية بما فيها سداد أقساط الإيجار قد تم دفعها للبنك عندما يؤكد أي من البنوك الآتية إتمام إيداع تلك المبالغ في حساب البنك الإسلامي للتنمية لديه:
(1) إذا كان السداد بالدولار الأمريكي:
(3) Account No. 001591.11
Saudi International Bank
99 Bishopsgate. London Ec 2M 3TB
Telex Number: 8812261 8812262
(2) Account No. B 10507
Arab Bank Corporation
P. O. Box: 5698, Manama, Bahrain
Telex Numbers: 9385, 9431/2/3
9442 ABCBAH BN
(2) إذا كان السداد بالفرنك الفرنسي:
Account No. 96965. 9. 001. 00
Union De Banques Arabes Et
Francaises (U.B.A.F)
190 Avenue Charles De Gaulle
92523 Neuilly Cedex, France
Telex Numbers: 610334 UBAFRA
(3) إذا كان السداد بالجنيه الاسترليني:
Account No. 708372
Gulf International Bank
2 – 6 Canon Street, London EC 4M 6xp
Telex Numbers: 8813326 8812899(3/1444)
11 - 3 إذا أصبحت أية مدفوعات مستحقة الدفع في غير يوم عمل يتم دفعها في أول يوم عمل يعقب ذلك اليوم.
11 - 4 يكون الدينار الإسلامي هو الوحدة الحسابية لكل مبلغ يكون مستحقا من المستأجر في أي وقت بموجب هذه الاتفاقية، وكلما لزم تحويل أي مبالغ لأغراض هذه الاتفاقية من وإلى الدينار الإسلامي لأي من العملات الأخرى، يتم ذلك على أساس سعر الصرف المعلن لحقوق السحب الخاصة لصندوق النقد الدولي في اليوم الذي تم فيه دفع تلك المبالغ وفقا للأسعار التي يقوم بنشرها صندوق النقد الدولي.
11 - 5 يتم دفع كل المبالغ المستحقة بموجب هذه الاتفاقية دون خصم أو حجز أي مبلغ بسبب أي ضريبة أو مقاصة أو مطالبة مقابلة أو أي أمر آخر. فإذا كان المستأجر ملزما بموجب أي قانون ساري المفعول بأن يجري مثل ذلك الخصم أو الحجز فعليه أن يوفر من المبالغ ما يمكنه من أن يحول للمؤجر بعد إجراء ذلك الخصم مبلغا صافيا غير خاضع لأي التزام يساوي المبلغ المستحق الذي كان من حق المؤجر استلامه والاحتفاظ به، لولا ذلك الخصم أو الحجز.
(12) الخسارة الشاملة:
12 - 1 إذا لحقت بالمعدات خسارة شاملة أو خسارة شاملة حكمية بسبب ضياعها أو سرقتها أو تلفها لدرجة تجعل تكاليف إصلاحها تفوق قيمتها أو لأي سبب آخر، تنتهي هذه الاتفاقية دون مساس بحقوق المؤجر التي استحقت بموجب هذه الاتفاقية ويتم دفع جميع عوائد التأمين للمؤجر بحيث لا يقل ما يحصل عليه المؤجر في هذه الحالة عن ثمن شراء المعدات المؤجرة أو ما تبقى له من أقساط إيجار لم يحن موعد سدادها أيهما أقل. وإذا لم يكف عائد التأمين لتعويض المؤجر وفقا لما تقدم، يحق للمؤجر الرجوع على المستأجر بالفرق إذا كانت الخسارة بسبب تقصير المستأجر أو تعديه وفي حالة كون عائد التأمين الذي استلمه المؤجر يزيد عن قيمة أقساط الإيجار التي لم يحن موعد سدادها، يلتزم المؤجر بإعادة الفرق إلى شركة التأمين.
12 - 2 يكون المستأجر ملزما وعلى نفقته وحده بأن يعيد المعدات التي لم تلحق بها خسارة شاملة أو خسارة شاملة حكمية إلى حالتها الأولى وأن يقوم بإصلاحها، ومع مراعاة حكم البند (3) من هذه المادة، فإن أي عوائد تأمين يتم دفعها لغير الخسارة الشاملة الحكمية يستفاد منها إما في مقابل تكلفة إعادة المعدات إلى حالتها أو إصلاحها بصورة يرضى عنها المؤجر أو لتعويض المستأجر عما يكون قد أنفقه من تكاليف لإعادتها لحالتها الأولى أو إصلاحها.
12 - 3 إذا كان المستأجر مخلا بأي من التزاماته بموجب هذه الاتفاقية فللمؤجر بحسب اختياره أن يستفيد من أي عوائد تأمين مدفوعة لغير الخسارة الشاملة أو الخسارة الشاملة الحكمية في مقابلة أي مبالغ يكون المستأجر مدينا بها للمؤجر.(3/1445)
(13) هبة المعدات للمستأجر:
إذا لم تلحق بالمعدات خسارة شاملة ولم يكن المستأجر مخلا أو مقصرا في أي من التزاماته المقررة بموجب هذه الاتفاقية يقوم المؤجر في أول يوم عمل يعقب تاريخ أداء آخر قسط من أقساط الإيجار بنقل ملكية المعدات إلى المستأجر على أساس الهبة.
(14) تأكيدات المستأجر:
يؤكد المستأجر:
(أ) أنه شركة (مؤسسة) قائمة بموجب قوانين ……………… وأنه يتمتع بالسلطة اللازمة لإبرام هذه الاتفاقية وممارسة الحقوق الناشئة عنها والوفاء بالالتزامات التي تحمل بها بمقتضى هذه الاتفاقية.
(ب) أن كل الإجراءات المطلوبة قانونا لتمكينه من إبرام هذه الاتفاقية على وجه مشروع وممارسة حقوقه الناشئة عنها والوفاء بالالتزامات التي تحمل بها بمقتضاها قد تم اتخاذها حسب الأصول وأن تلك الإجراءات لا تزال سارية المفعول.
(ج) أن الالتزامات التي تحمل بها بموجب هذه الاتفاقية التزامات قانونية صحيحة وملزمة له وفقا لأحكامها بموجب القوانين القائمة في ………………………… وأنه لا يلزم لضمان قانونية أو صحة أو نفاذ هذه الاتفاقية إيداعها أو قيدها أو تسجيلها لدى أي محكمة أو جهة حكومية في ……………….
(15) التقارير:
يتعهد المستأجر أن يقدم التقارير الآتية للمؤجر:
(أ) تقرير عن سير العمل في تنفيذ المشروع بالكيفية التي يحددها المؤجر من وقت لآخر ويقدم هذا التقرير بعد ثلاثة أشهر من تاريخ النفاذ ومن ثم كل ثلاثة أشهر.
(ب) تقرير عن المركز المالي للمستأجر ونتائج عملياته عن السنة المالية المنتهية مصحوبا ببيان الحسابات المراجعة بما في ذلك كشف الموازنة وحساب الأرباح والخسائر عن السنة المالية المنتهية، ويقدم هذا التقرير بعد (90) تسعين يوما من نهاية كل سنة مالية.
(ج) تقرير إنجاز بالتفصيل الذي يطلبه المؤجر بصورة معقولة عن تنفيذ المشروع والتشغيل الابتدائي له ويقدم هذا التقرير فور إكمال تنفيذ المشروع.
(د) أي تقرير أو معلومات أخرى يطلبها المؤجر بصورة معقولة من وقت لآخر.
(16) نفاذ الاتفاقية:
لا تصبح هذه الاتفاقية نافذة إلا إذا:
(أ) قدمت للبنك أدلة مقنعة تفيد بأن توقيع هذه الاتفاقية نيابة عن المستأجر قد تم بموجب تفويض صحيح ومطابق للقانون الأساسي ولوائح المستأجر.
…….
(ب)(3/1446)
(17) إنهاء الاتفاقية:
17 - 1 يجوز للمؤجر أن ينهي هذه الاتفاقية بإشعار مكتوب للمستأجر:
(أ) إذا عجز المستأجر عن دفع أي مبلغ مستحق الدفع بموجب هذه الاتفاقية أو إذا فشل في مراعاة أو تنفيذ أي حكم أو شرط من هذه الاتفاقية أو إذا تبين أن أيا من التأكيدات أو البيانات التي قدمها في هذه الاتفاقية أو أي مستند أو شهادة قدمها عملا بهذه الاتفاقية أو فيما يتعلق بها غير صحيحة أو مضللة في أمر جوهري حين تقديمها.
(ب) إذا تم اتخاذ أي إجراء أو بدأت إجراءات قانونية لتصفية المستأجر أو حله أو إعادة تنظيمه (باستثناء إعادة التنظيم بفرض الدمج أو إعادة التشكيل والمستأجر ملئ وبالشروط التي يكون المؤجر قد وافق عليها مسبقا وكتابة) أو تعيين مُتَوَلٍّ أو قَيِّم أو أي موظف مماثل على المستأجر أو على كل أو أي جزء من إيراداته أو أصوله.
17 - 2 يكون إنهاء هذه الاتفاقية بموجب الفقرات (أ) (ب) من البند (1) من هذه المادة دون مساس بحقوق المؤجر التي أصبحت مستحقة بموجب هذه الاتفاقية.
17 - 3 إذا تم إنهاء هذه الاتفاقية بموجب الفقرة (1) من البند (1) من هذه المادة يبيع المؤجر المعدات إلى المستأجر ويوافق المستأجر على شراء المعدات بمبلغ يساوي القيمة الحقيقية للمعدات يوم البيع ويعتمد في تقديرها على رأي الخبراء وذلك دون إخلال بحكم البند (2) من هذه المادة ويصبح ذلك المبلغ مستحق الدفع من تاريخ البيع.
(18) عدم التمسك بالحق:
أن عدم قيام المؤجر باستعمال أو التمسك بأي حق من حقوقه الثابتة بموجب هذه الاتفاقية أو تأخره في أي من ذلك أو عدم استعماله أو تمسكه بأي جزء مقر له ضد المستأجر أو تأخره في ذلك لا يخل بذلك الحق أو الجزاء ولا يجوز أن يفسر على أنه تنازل عن ذلك الحق أو الجزاء.
(19) تسوية الخلافات:
يسعى الطرفان إلى تسوية أي خلاف في تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية بالطرق الودية، فإذا لم يتم الاتفاق الودي بينهما يعرض النزاع على التحكيم وفقا لإجراءات التحكيم المنصوص عليها في المادة التاسعة الفقرة (9) بند (4) من الشروط العامة التي تنطبق على اتفاقية القرض وضمان القرض للبنك الإسلامي للتنمية والمؤرخة في 8 / 11 / 1976 م. وتقرأ كل إشارة في تلك الشروط العامة "للبنك" على أنها إشارة "للمؤجر" كما تقرأ كل إشارة فيها "للمقترض" على أنها إشارة "للمستأجر".
(20) الإشعارات:
20 - 1 كل طلب أو إشعار يوجهه أحد الطرفين إلى الآخر بناء على هذه الاتفاقية أو بمناسبة تطبيقها تعين أن يكون كتابة، ويعتبر أن أيا من الطلب أو الإشعار قد تم قانونا بمجرد أن يسلم باليد أو بالبريد أو البرق أو المبرقة (التليكس) إلى الطرف الموجهة له في عنوانه المبين في البند (2) من هذه المادة أو أي عنوان آخر يحدده بموجب إشعار إلى الطرف الآخر.(3/1447)
20 - 2 تنفيذا لحكم البند (1) من هذه المادة، فقد حدد الطرفان عنوانيهما كالتالي:
المؤجر:
المستأجر:
البنك الإسلامي للتنمية، ص. ب. رقم 5925 – جدة 21432. المملكة العربية السعودية.
برقيا: بنك إسلامي – جدة.
تليكس: 401137 – أي اس دي بي – اس جي.
وإقرارا بما تقدم وقع الطرفان هذه الاتفاقية في التاريخ المذكور في مطلعها بواسطة الممثلين المفوضين قانونا من جانب الطرفين.
عن البنك الإسلامي للتنمية …………………………………
عن ………………………………(3/1448)
الملحق رقم (2)
وصف المعدات
المحلق رقم (3)
جدول سداد أقساط الإيجار
الملحق رقم (4)
اتفاقية ضمان
أبرمت هذه الاتفاقية في اليوم ……………… الموافق ……………… بين حكومة ……………… (الضامن) والبنك الإسلامي للتنمية (البنك) .
بما أن:
(أ) البنك الإسلامي للتنمية قد وافق على تمويل معدات عن طريق الإيجار لمشروع شركة ……………… (الشركة) بمبلغ لا يتجاوز ……………… دولار أمريكي (أي ما يعادل ……………… دينار إسلامي) وفقا للأحكام والشروط المنصوص عليها في اتفاقية الإيجار بين البنك والشركة (اتفاقية الإيجار) والمبرمة بتاريخ ……………….
(ب) تقديم الضامن لهذا الضمان لالتزامات الشركة هو أحد شروط نفاذ اتفاقية الإيجار.
(ج) الضامن قد وافق في مقابل إيجار البنك للمعدات المذكورة للشركة على ضمان الالتزامات التي تعهدت بها الشركة والواردة تفصيلا في اتفاقية الإيجار.
لذلك فقد تم الاتفاق بين الطرفين على ما يلي:
المادة الأولى
الضمان
1- في مقابل قيام البنك بإيجار المعدات المذكورة للشركة يضمن الضامن الشركة كما لو كان مدينا أصليا ضمانا غير معلق على شرط وغير قابل للإلغاء بأن تقوم الشركة بالوفاء في المواعيد المحددة بكل المبالغ المستحقة عليها وفقا لاتفاقية الإيجار أو فيما يتصل بها ويتعهد الضامن للبنك بأنه في كل مرة تفشل فيها الشركة في دفع أي مبلغ مستحق للبنك بموجب اتفاقية الإيجار يقوم الضامن بناء على طلب كتابي من البنك بدفع ذلك المبلغ كما لو كان هو المدين الأصلي عوضا عن الشركة.
2- أن التزامات الضامن بموجب هذا الضمان لن تتأثر بأي فعل أو امتناع أو أي ظرف آخر من شأنه - لولا هذا النص - أن يعفي الضامن من التزاماته بموجب هذا الضمان أو أن يؤثر على تلك الالتزامات وبوجه خاص دون تحديد لما سبق تظل التزامات الضامن المقررة بموجب هذا الضمان صحيحة ونافذة طبقا لأحكامها بغض النظر عن أحكام أي قانون أو أمر ينطوي على تخفيض تلك الالتزامات أو التأثير بأي شكل آخر عليها، وأن هذا الضمان يفسر وكان ذلك القانون أو الأمر لا يوجدان.
3- يتنازل الضامن عن أي حق قد يكون له في مطالبة البنك بأن يرفع دعوى ضد الشركة ليطالبها بدفع المبالغ المستحقة عليها بموجب اتفاقية الإيجار أو أن ينفذ أي ضمان ممنوح له من أي جهة أخرى قبل رجوعه على الضمان بموجب هذا الضمان.
4- أن أي مطالبة مكتوبة من البنك تبين المبلغ المستحق على الشركة بموجب اتفاقية الإيجار تعتبر دليلا حسب الظاهر لإثبات المبلغ المذكور.
5- يتعهد الضامن بأنه في حالة تصفية الشركة سيقوم بدفع ما يترتب على المستأجر طبقا للمادة 17 – 3 من اتفاقية الإيجار وقد وافق البنك على أنه متى دفع الضامن ما التزم به للبنك سينقل ملكية المعدات للضامن.
6- يكون هذا الضمان ملزما للضامن وخلفائه ويؤول لصالح البنك وخلفائه.
7- يظل هذا الضمان ساري المفعول إلى أن تقوم الشركة بدفع كل المبالغ المستحقة عليها بموجب اتفاقية الإيجار أو فيما يتصل بها والوفاء بكل التزاماتها بموجب الاتفاقية المذكورة.(3/1449)
المادة الثانية
التزامات أخرى
يتعهد الضامن:
1- بإعفاء البنك من جميع الضرائب ومن جميع الرسوم الجمركية المفروضة بموجب قوانين ……………… فيما يتعلق بالمعدات محل الإيجار أو فيما يتعلق بأي مبالغ مستحقة للبنك بموجب اتفاقية الإيجار.
2- بأن تتمتع المعدات محل الإيجار بالحصانة من التفتيش أو الاستيلاء والمصادرة ونزع الملكية وأي شكل من أشكال الاستيلاء أو الحجز بإجراء إداري أو تشريعي على أن يستمر تمتعها بهذه الحصانة إلى أن تؤول ملكيتها إلى الشركة بموجب اتفاقية الإيجار أو إلى الضامن بموجب هذه الاتفاقية.
3- بأن كل المبالغ المستحقة للبنك بموجب اتفاقية الإيجار أو هذه الاتفاقية أو ما يتصل بهما سيتم تحويلها بالكامل بأي عملة قابلة للتحويل يحددها البنك إلى أي مكان خارج ……………… يحدده البنك.
المادة الثالثة
تسوية الخلاف
يسعى الطرفان إلى تسوية أي خلاف في تفسير أو تطبيق هذه الاتفاقية بالطرق الودية، فإذا لم يتم الاتفاق الودي بينهما عرض النزاع على التحكيم وفقا للأحكام المنصوص عليها في المادة التاسعة الفقرة 9 بند 4 من الشروط العامة التي تطبق على اتفاقيات القرض وضمان القرض للبنك الإسلامي للتنمية والمؤرخة في 8 نوفمبر 1976 م.
المادة الرابعة
1- كل طلب أو إشعار يوجهه أحد الطرفين إلى الآخر بناء على هذه الاتفاقية أو بمناسبة تطبيقها يتعين أن يكون كتابة ويجوز أن يكون على شكل رسالة أو تليكس، ويعتبر أن أيا من الطلب أو الإشعار قد تم قانونا بمجرد أن يسلم باليد أو بالبريد إلى الطرف الموجه له في عنوانه المبين في الفقرة (2) من هذه المادة أو أي عنوان آخر يحدده بموجب إشعار إلى الطرف الآخر.
2- تنفيذا لأحكام الفقرة (1) من هذه المادة، فقد حدد الطرفان عنوانيهما كالتالي:
الضامن:
البنك:
البنك الإسلامي للتنمية، ص. ب رقم 5925 – جدة – 21432، المملكة العربية السعودية.
برقيا: بنك إسلامي جدة.
تليكس: 401127 – أي اس دي بي – اس جي.
وإقرارا بما تقدم وقع الطرفان هذه الاتفاقية في التاريخ المذكور في مطلعها بواسطة الممثلين المفوضين قانونا من جانب الطرفين.
عن حكومة………………………………………………
عن البنك الإسلامي للتنمية ………………………………(3/1450)
المناقشة
استفسارات البنك الإسلامي للتنمية
9 صفر 1407 هـ الموافق 12 أكتوبر 1986 م
الرئيس:
الكلمة لمعالي الأستاذ أحمد محمد علي.
الدكتور أحمد محمد علي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أحمده وأصلى وأسلم على نبيه الأمين.
صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال نائب جلالة الملك وولي العهد.
سماحة رئيس مجمع الفقه الإسلامي.
سماحة الأمين العام.
أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة.
سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته.
لا أريد أن آخذ من وقتكم الثمين ولكني أجدها فرصة سانحة لأعبر باسم البنك الإسلامي للتنمية لصاحب الجلالة الملك الحسين حفظه الله وللمملكة الأردنية الهاشمية حرسها الله عن خالص الشكر والامتنان على استضافة هذه الدورة للمجمع الفقهي والثناء العاطر لسموكم الكريم – حفظكم الله – على تفضلكم بافتتاح الدورة بكلمتكم البليغة التي عبرت تعبيرا صادقا عما نكنه جميعا لهذا المجمع وعن آمالنا وتطلعاتنا إلى إنجازاته في مجال مساعدة الأمة في مواجهة متغيرات هذا العصر، وعلى حضور سموكم هذا الصباح ومشاركتكم الإيجابية الفاعلة في هذه اللقاء المبارك بإذن الله.
إن استضافة الأردن العظيم لأول مرة دورة مجلس مجمع الفقه الإسلامي تعقد خارج دولة المقر واستضافة الأردن في شهر آذار الماضي للاجتماع العاشر لمجلس محافظي البنك الإسلامي للتنمية يعتبر دلالة بليغة على الدعم المتين الذي يمنحه الأردن للعمل الإسلامي المشترك وعلى الدور الفاعل الذي ما فتئت الحكومة الهاشمية تضطلع به في مجال تقوية التعامل التعاوني والتضامني بين الدول الإسلامية، كما يسعدني أن أعبر عن خالص الشكر والتقدير لمعالي الأخ الدكتور ناصر الدين الأسد وزير التعليم العالي ورئيس المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية مؤسسة آل البيت على الجهود التي بذلتها المؤسسة لتنظيم هذه الدورة.
وإنه لمن دواعي سعادتي الغامرة أن أعبر عن عظيم تقدير البنك الإسلامي للتنمية للمهام الجسيمة التي أُنيطت بمجمع الفقه الإسلامي وللجهود العظيمة التي يقوم بها أعضاؤه في مجال خدمة الشريعة الغراء بالبيان والإيضاح والله أسأل لمجمع الفقه الإسلامي الموقر مزيدا من التوفيق في هذه الجهود الهادفة إلى تبصير المسلمين بأمور دينهم وتوعيتهم وإرشادهم إلى ما فيه تمكينهم باتباع نور القرآن الكريم وهدي النبي صلى الله عليه وسلم في هذا العصر العصيب.
أصحاب السماحة … إن عملكم الرائد في مواجهة التطور في الحياة المعاصرة ومشكلاتها بالاجتهاد المتبصر والاسترشاد بمبادئ الشرع الحنيف هو قبلة اهتمام هذه الأمة التي تتطلع إلى ثمرة اجتهادكم الأصيل الفاعل بهدف إيجاد الحلول الناجعة النابعة من التراث الإسلامي والواعية لمتطلبات الأمة المتغيرة وإنني أغتنم هذه الفرصة للإعراب عن خالص امتنان البنك الإسلامي للتنمية للتجاوب العظيم الذي لقيه من المجمع والجهود المباركة التي بذلها منذ الدورة الماضية أعضاؤه المكلفون بالتدقيق في استفسارات البنك المتعلقة بعملياته كما أعرب بصفة خاصة عن عظيم الشكر لأصحاب الفضيلة العلماء الذين حضروا الاجتماع الاستشاري الذي عقد بمقر البنك الإسلامي للتنمية خلال شهر شوال الماضي بغرض دراسة استفسارات البنك والنظر في اتفاقيات التمويل التي يبرمها مع الحكومات والمؤسسات المستفيدة في دولة الأعضاء.(3/1451)
وأسأل الله العلى القدير لهؤلاء العلماء الأجلاء جزيل المثوبة وخير الجزاء وسوف يقوم هؤلاء العلماء الذين حضروا الاجتماع المذكور بتقديم تقرير لمجمعكم الكريم عن نتائج الأعمال التي توصلوا إليها وهم أقدر مني على ذلك وهم أدرى بكنه أبحاثهم الجليلة التي قاموا بها، ويسعدني أن أعبر لسماحة الأمين العام للمجمع عن تقدير البنك الإسلامي للتنمية للجهود التي بذلتها الأمانة العامة في سبيل تسهيل البحث في الموضوعات المتعلقة بالبنك وتهيئتها للعرض على نظركم الكريم معبرة بالتوضيحات والبيانات المعينة على تصور المجمع لجوانبها الكاملة، ويسرني أن أعبر عن استعداد وفد البنك الإسلامي للتنمية إلى هذه الدورة لتزويد أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع بأي إيضاحات حول الاستفسارات قيد البحث مما يمكن المجمع من إعطاء توجيهاته حول الموضوع.
والله أسأل أن يمن على هذا اللقاء الإسلامي بوافر النجاح والتوفيق في أعماله، والله يحفظكم ويرعاكم وسلام عليكم من الله ورحمته وبركاته.
الرئيس:
شكرا لمعالي الأستاذ.
الآن ندخل في الموضوع ونرجو من فضيلة الشيخ المختار السلامي أن يعطي عرضا لاستفسارات البنك الإسلامي للتنمية.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا، ربنا عليك توكلنا واليك أنبنا واليك المصير، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب.
صاحب السمو الملكي – أصحاب المعالي – أصحاب الفضيلة:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
بين أيديكم التقرير الشامل للبنك الإسلامي في أسئلته وفيما تمخض عنه الاجتماع وفي الطرق التطبيقية بالتوصيات والتعديلات التي أدخلت على الاتفاقيات وإني أريد فقط أن أقدم مقدمة لكل ذلك تكون فاتحة للبحث فأقول:
أولا: إن الاقتصاد قد تطور تطورا البشرية وأنه شاهد تطورا في هذا العصر ما شاهده من قبل ولست من رجال الاقتصاد حتى أنفذ إلى كل أبعاده ولكني أكتفي بظاهرتين:
الظاهرة الأولى: هي التحول من طابع الفردية إلى طابع الاشتراك والاجتماع.
الأمر الثاني: وهو أن قيمة الثروة التي بين يدي الإنسان قد نمت نموا بالغا لأنه قد دخل في الثروة عناصر جديدة هي واردة من ذي الأرض ودخول الطاقة كقيمة مضافة للإنتاج، وهذا التطور الذي دخل العالم لم يشذ عنه العالم الإسلامي والعالم الإسلامي بذلك ومن هاتين الناحيتين أصبح يواجه مشاكل وهذه المشاكل تستدعي حلولا، هذه الحلول لا بد أن يواجهها الفقهاء بشجاعة مع اعتبار الظروف العامة والخاصة وتقديرها في ضوء النصوص الخاصة والعامة أيضا، ولأزيد توضيحا لكلامي توفرت ثروات ضخمة بين أيدي الأفراد وهؤلاء يرغبون في استثمار أموالهم وهي مشكلة تتطلب قطعا إيجاد منظمات تقوم على هذا الاستثمار.(3/1452)
ثانيا: هو أن الدول بذاتها أصبحت تواجه مشاكل التنمية والتجهيزات وحاجات التمويل ليس البنك الإسلامي إلا مظهر من مظاهر الاستجابة لهذه الحاجة الملحة للتنمية بعض الصعوبات الاقتصادية التي تنشأ عن اختلاف في التوازن الداخلي للدول تبعا للأزمات الداخلية أو العالمية فكان بروز المشاكل التي واجهها البنك الإسلامي في عمله والتي أحالها على مجمعكم الموقر هي الآتية:
أولا قضية القرض: وقضية القرض هذه، هي أن دولة من الدول تكون في حاجة إلى التحصيل على سيولة مالية تواجه بها مشكلة من مشاكلها الاقتصادية فتتقدم الدولة الإسلامية بطلب إلى البنك الإسلامي ليمولها بقرض مالي.
يقوم البنك على الدراسة الشاملة للقرض وأغراضه فإذا ما كان مستجيبا لأهداف البنك وكان فعلا يعود بالخير على البلد المقترض فإذا ما كانت الدراسة إيجابية وافق البنك على القرض.
وهذه الموافقة تقتضى بعد ذلك أن يقدم البنك على المشروع دراسة معمقة فلو فرضنا أن الدولة تريد أن تحول مجرى من مجاري الأنهار هي في حاجة إلى تحويل اقتصادها فإذا وجد البنك أن هذا المشروع يعود بالخير على البلد فالواقع الموافقة المبدئية بعد حضور أمنائه، ثم بعد ذلك يقوم بالدراسات الحقيقية التفصيلية المعمقة، ثم يتابع المشروع من خطواته الأولى إلى أن يتم تنفيذه حسب الخطة وحسب المنهج المقدم، وهذا يقتضي نفقات على الدراسات ونفقات على المتابعة هذه النفقات يتحملها المقترض ولا يتحملها البنك، ولكن ما قيمة هذه النفقات، هذه النفقات لم يستطع البنك أن يحددها تحديدا مضبوطا حتى يقول من أول يوم أن النفقات كذا وكذا على هذا العمل.
والأمر واضح، مثلا: أمين عام يعقد اجتماعا فيقضي يوما في متابعة هذا القرض هذا اليوم الذي يقضيه كم قيمته؟ والموظف الآخر يقضى ساعة في هذا بمعني أنه لا يمكن أن نفرغ لا الأمين العام ولا الموظفين تفرغا كاملا لهذا القرض لأن الكلفة ستكون كبيرة جدا، فرأي البنك الإسلامي أن يجعل النسبة 2.5 % إلى 3 % على كامل مدة القرض، هذه المدة التي تتراوح عادة بين خمس عشرة سنة وثلاثين سنة، اجتمع بعض إخوانكم وتحدثوا مع البنك في هذه النسبة التي قدرها وأقروا أولا كمبدأ مقبول هو أن المقترض هو الذي يتحمل النفقات التي تلزم الدراسة والتي تلزم الإنجاز، ولكن بقى التقدير، وبعد مناقشات دامت يومين وثلاثة إلى منتصف الليل من الثامنة صباحا إلى منتصف الليل وبعد دراسات حسابية وصلنا إلى الحساب الآتي:
وهو أن البنك له مشاريع غير هذا وله نشاط يزيد على غير نشاط القروض، هذه الأنشطة التي فيها دراسات يعرف البنك ما ينفقه كل سنة، النفقات التي ينفقها على الدراسات عموما كل سنة ويعلم المحفظة المالية التي في هذا النوع من النشاط ما قيمتها.. فقلنا يوزع نسبة النفقات على نسبة الأموال المرصدة للدورة، وهذه النسبة هي النسبة الحقيقية وهذه النسبة تؤخذ فقط على سنوات إنجاز المشروع لا على كل السنوات فوصلنا بذلك إلى أن النسبة هي بين 3، 3.5 % وأن هذه النسبة تؤخذ على حساب الزمن المقدر لإنجاز المشروع الذي هو بين أربع، خمس سنوات، ست سنوات، لا يتجاوز ست سنوات ثم ينظر في هذه النسبة لا على أساس سنة واحدة ولكن على أساس الخمس سنوات معدل الخمس سنوات الماضية، وهذا النسبة ليست قارة وإنما كل سنة تمضي نطرح السنة القديمة ونعوضها بسنة جديدة حتى يكون التقدير أقرب إلى الواقع، فإذا ما أنجز المشروع في زمن أقل من الزمن المقدر فإنه يخصم عدد السنوات من النسبة ولا يدفع المقترض إلا عن السنوات التي يتطلبها الإنجاز فقط، فهذه هي القضية الأولى أو الموضوع الأول الذي استفسرنا فيه البنك والذي وصلنا فيه إلى الحل الذي عرضناه عليكم.(3/1453)
الموضوع الثاني هو عملية الإيجار، وعملية الإيجار هو أن دولة من الدول تطلب من البنك.
الرئيس:
قد ترون حسنا على أنه تعرض الموضوعات واحدا واحدا فطالما أنه عرض الموضوع الأول ويظهر أنكم استكملتم العرض إذن يطرح للمداولة ثم بعد ذلك يأتي العرض للموضوع الثاني.
شكرا، إذن يكون هذا الموضوع وهو رسوم الخدمة على القروض الذي تفضل بعرضها الشيخ المختار مطروحا للمداولة من أصحاب الفضيلة المشايخ.
الشيخ أحمد البازيع ياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم وبه وحده أستعين وهو المستعان على كل حال، الحمد لله رب العالمين خلقنا ورزقنا ويميتنا ثم يحيينا لا إله إلا هو الحي القيوم بديع السموات والأرض.
والصلاة والسلام الأكملان الأتمان على من اختاره ربه رحمة للعالمين نبينا محمد عبد الله ورسوله وعلى آله الطيبين الطاهرين الأتقياء الأنقياء وعلى صحابته الكرام الغر الميامين أهل التقي والرشاد وعلى من اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد فإن ما سمعناه وما نعلمه من كوارث ومن مصائب ومن أزمات ومن محن ومن فتن حلت في الأمة الإسلامية لا بد لمجمعنا هذا أن يقف على أسبابها وإني أري أن السبب الرئيسي هو بعد الأمة الإسلامية عن دينها وعن تطبيق شرع الله فإذا أخذنا جزئية من الجزئيات وهي الربا الذي حرمه الله سبحانه وتعالى على المسلمين نرى أنه منتشر ومتفش في الأقطار العربية والإسلامية حتى لا تكاد تسلم منه قرية من القرى أو مغارة من المغارات متمثلا بالنظام المصرفي العالمي، الذي يتعاطى بالفائدة المصرفية، والفائدة المصرفية قرر علماء المسلمين وفقهائهم في مؤتمرات عديدة ومؤتمرات في الحقيقة عقدت في جميع أنحاء المعمورة الإسلامية قرروا بأن الفائدة المصرفية هي عين الربا أو هي من الربا المحرم شرعا، والله سبحانه وتعالى أنزل في كتابه العزيز وقال في آخر آية في سورة الأحقاف {بَلَاغٌ فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ} وأي فسق أعظم من تعاطي الربا الذي أذن الله سبحانه وتعالى لمن يتعامل به بالحرب فإذا أردنا فعلا، ونحن جادون، أمة إسلامية نرفع عن هذه الأمة آثار الظلم والهوان والفقر والكوارث، علينا أول شيء أن ندعو الأمة الإسلامية التي نمثلها بالابتعاد عن الربا، ومن هذا المنطلق من الابتعاد عن الربا إن الفائدة البنكية ربا انطلق الفقهاء الخمسة أو الستة الذين اجتمعوا في البنك الإسلامي للنظر في المواضيع المطروحة.
والموضوع الأول هي الخدمة على المشاريع وليس على المال، الخدمة على المشاريع التي يقوم بها المصرف أو البنك الإسلامي للأمة الإسلامية، حينما يقوم بخدمات دراسة المشاريع ودراسة جدوى ثم جميع ما يتعلق بهذا من أمور حتمية للقيام بالمشروع وتنفيذه كالقرض المالي ليس في الحقيقة معني في هذا، أن المعني هو الخدمة المصرفية، المال على الخدمة، وهذا مبين في التقرير أنه مبلغ مقطوع يقرر، وكنا نريد من البنك أن يعطينا كل مبلغ ولكل مشروع على حدة لو أمكنه ذلك وقال: إنه يتعذر ويستحيل عليه ذلك، فإذا لجأ المشايخ إلى حساب جميع المصاريف الإدارية بالإضافة إلى المصاريف الأخرى الطارئة حين تنفيذ المشاريع وأضيفت إلى مجمل المصاريف السنوية، ثم أضيف لخمس سنوات وأخذ المعدل وظهر 3.33 % وقدر لإنشاء المصروف حوالي خمس سنوات فظهرت المصاريف تقريبا 16 % وكسور لكل مشروع.(3/1454)
وهنا أود أن أبين أن بعض المشاريع بما يكون في الحقيقة مبلغها مليونا وتتحمل من المصاريف أكثر من المشاريع التي مبلغها عشرة ملايين ولكن بالنسبة لتعذر استحالة معرفة المصاريف الفعلية بالدقة لجأ المشايخ إلى الأخذ بالتقريب، ثم عملوا هذه النسبة وجعلوا النسبة على 16 % لمدة خمس سنين، وهذه الخمس سنين هي مدة تنفيذ المشروع ومدة العمل للمشروع، ومدة الخدمة للمشروع إنما هي بقية السنين خمسة وعشرين سنة أو عشرين سنة أو ثلاثين سنة التالية لا أجر عليها من وهنا نبين أن الخدمة ليست نظير المال المستثمر في المشروع إنما المال أجر للخدمة وودت إيضاح ذلك، وأشكركم.
الرئيس:
شكرا… الشيخ وهبه الزحيلي
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله وأصلى وأسلم على سيدنا رسول الله، وبعد، كلنا نتحسس هذه الآلام العميقة والجراح البالغة التي تمر بأمتنا على المستوي الجماعي والفردي وكلنا يود أن يصل إلى حل حاسم يقضي على مشكلة التخلف والفقر في أرجاء البلاد الإسلامية والعربية، وكلنا متفقون أنه في هذه الصحوة المباركة الإسلامية المجيدة التي تتجه نحو استقاء الأحكام الشرعية من شرع الله ودينه، نحن متفقون جميعا على أن استقاء هذه الأحكام ينبغي أن يكون وفق الأصل الدستوري الأول القرآن العظيم ثم سنة نبيه المصطفى عليه الصلاة والسلام ثم اجتهادات الفقهاء، ومما قرره فقهاؤنا في هذا الصدد بالإضافة لما هو معروف لديكم لا داعي لتكرار ما يمس قضية تحريم الربا كله صغيره وكبيره ولو كان 1 % أو 0.5 % بالإضافة إلى ما هو معروف أن الفقهاء لم يفرقوا في الأحكام الشرعية بين أحكام تتعلق بالفرد وأحكام تتعلق بالدولة أو المؤسسة العامة، فنحن لا نستطيع الفصل بين حكم يمس الفرد المسلم العادي الفقير وبين رئيس الدولة أو الحاكم، المؤسسة العامة أو البنك أو غير ذلك من القطاعات العامة فكلهم أمام شرع الله ودينه على السواء، فإذن ينبغي أن يكون الحكم واحدا للجميع.
ومن خلال هذه النظرة التي نظرناها إلى قضية رسوم الخدمة تفضل الأستاذ بزيع، الحقيقة هي رسوم الخدمة لكن هل هي خدمة لصالح المقترض أم هي خدمة لصالح البنك المقترض قام بالدراسة واستفاد من الخبرات ودرس المشروع وأنفق عليه الكثير فهو وضع التصميم النهائي بعد دراسة مستفيضة.
الحقيقة أن الدراسة التي يقوم بها البنك وخبراؤه هي من أجل ضمان مصلحة البنك حتى لا تضيع أمواله سدى ولا تهدر ولكي يطمئن في المستقبل إلى أنه سيحصل على رسوم الخدمات وطبعا يحافظ بشكل أساسي على أصل مبلغ القروض، والمعروف أن فقهاءنا وشرعنا يقر القرض الحسن الخالي من أي فائدة تعود إلى المقرض كل "قرض جر نفعا فهو ربا" فلذلك أرجو أن يكون إذا كنا نريد أن ننجح هذه العملية أن يكون هناك ورع دقيق يراقب الله فيه أهل البنك وخبراؤه والقائمون عليه.(3/1455)
إن مثل هذه الرسوم لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تتجاوز فعلا ما هو داخل في حدود الضرورة والضرورة تقدر بقدرها وأن يكون أيضا المقابل لهذه الأعباء الذي يتحملها البنك من خبراته وخبرائه تكون موازية فعلا للخبرة المقدمة وأن يكون أيضا المبدأ الثالث كما قرر الإخوة العلماء في هذه الفتوى التي قدموها أن يكون مبلغا مقطوعا، ولكني في الحقيقة ألاحظ أن المبلغ المقطوع يصعب تقديره وإن هناك مبدأ قريبا من قضية المبلغ المقطوع وهو الوفاء، بشكل عادل قريب من النفقات التي يؤديها البنك، لذلك النتيجة المتحصلة من هذا الموضوع ما نجد عليه البنوك الربوية عندما تقدم قرضا مثل هذه القروض، البنك الربوي يأخذ أقل من البنوك الإسلامية.
ثانيا: أصحاب الفضيلة الذين أفتوا البنك بقدر رسوم الخدمة بـ 2.5 % 3 % أصحاب الفضيلة أعطوه فائضا جديدا رفعوها إلى 3.33 % فهذا الكرم على حساب من؟
هذه الأموال المودعة بالبنوك هي لأناس مسلمين يستثمرون أموالهم وليست ملكي ولا ملك البنك ولا أي شخص من الأشخاص، فبأي حق نحن ندفع مثل هذه النسبة وتكون في النتيجة مردودة ربحا للبنك سواء سميناه رسوم خدمة أو فائدة ولا أي نفع من المنافع؟
المهم ينبغي أن نكون مراقبين الله عز وجل في مثل هذا الأمر وأن تكون فعلا الرسوم مطابقة إن لم تكن مائة في المائة لا يوجد يقين في الأحكام الشرعية إلا القليل، ولكن يوجد ما هو غالب الظن، ما هو قريب من اليقين، فنحن نحمل البنك الإسلامي هذه الأمانة الكبرى وأن نقدر هذا تقديرا صادقا دقيقا عندئذ حتى نستطيع أن نفتي بالحل وإن نؤيد الفتوى التي صدرت من أصحاب الفضيلة، وأنا في قلبي شك من أن مثل هذا التقدير الذي يعني أوجده أصحاب الفضيلة في هذه الفتوى، الحقيقة هو أكثر مما يتطلبه البنك سواء بالصرف على الخبرات أو الدراسات أو النفقات أو ما شاكل ذلك فنحن لا نستطيع بالنسبة لي أن أؤيد مثل هذه النسبة المقررة لرسوم الخدمة، وشكرا. . .
الشيخ أحمد جمال الدين:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
إذا يسمح أصحاب الفضيلة بملاحظة عن أمرين: الأول أن دعوى البنك بأنه لا يستطيع التقدير سلفا دعوى فيها نظر، لأننا نلاحظ دائما المكاتب الفردية أو العادية والمؤسسات الاقتصادية العادية لا تقوم بمشروع فردي إلا بعد أن تقدر خدماته وكل تكاليفه وتعرف ماذا تنفق وما تتكلف، فالذي أراه أن البنك يستطيع التقدير سلفا، هذا أمر واحد.
الأمر الثاني: لماذا لا يكون في العقد شرط من البنك على المقترض بأنه يدفع ما يتحقق فعلا من مصاريف الخدمات لئلا يكون هناك تقدير نسبة مقدمة سلفا ففي ذلك شبهة الربا إذا قدر البنك سلفا أنه يأخذ 2.5 أو 3 أو 4 أو 5 سلفا يكون في هذا شبهة ربا، لكن إذا شرط على الطرف الثاني المقترض أنه يستعد بدفع ما تحقق فعلا من خدمات يكون سلم من شبه الربا.
هذان الأمران ينبغي أن يلاحظا في المشروع، وشكرا.(3/1456)
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
إني وأنا أستمع إلى تدخل السادة العلماء وخاصة فضيلة الشيخ وهبة الزحيلي حضر في ذهني ما أجاب به مالك رضي الله عنه لما حكم على ولد رجل شيخ بحكم الله فقال له هذا: اتق الله يا مالك فوالله ما خلقت النار باطلا، فما كان جواب مالك إلا أن قال: رزقني الله وإياك تقواه، وأنا أقول لفضيلة الشيخ: رزقني الله وإياك هذا الورع، لعلى لم أبلغ ببياني أن أوضحت مقصدي ولذلك حصل هذا الاشتباه عنده، فرأي أن الخدمات هي للبنك، ولست أفهم أن البنك وما فائدته من أن يقوم بالدراسة في بلاد الصومال لمشروع من المشاريع ويبعث بخبرائه ويتابع المشروع إلى أن يتم بما في ذلك من سفر ونفقات إلى آخره.
الأمر الثاني هو أنه زاد في حدته فقال: إن البنوك الربوية لعلها أفضل من البنك الإسلامي وتأخذ أقل يا سيدي أن البنوك الربوية الآن هي بين 14 % و 20 % كل سنة وأن النسبة التي يتقاضاها عن خدماته هي لصفر فاصل 0.83 % عن القرض وهي نسبة لا يرضى بها أي شخص كيفما كانت حالته يريد الربح، إن البنك الإسلامي لا يوجد فيه فرد مشارك ولكن المشاركين هم الدول فنحن لا نتفضل على البنك لنحصل منه على شيء وإنما هو النظر الذي راقبنا فيه الله وهو النظر السامي الذي لا يفضل أحدا لا المقرض ولا المقترض، وسيادته وهو من كبار الفقهاء يعلم أن الفقهاء قد قالوا: إن المغتصب الذي غصب شيئا وحوله عن مكانه لا يرد ذلك من مال المغتصب وإنما يراد مال المغصوب منه قال: لأننا نحترم مال المغتصب كما نحترم مال المغصوب منه، وهذا شأن الإسلام في عدالته فنحن ما راعينا البنك طلبا في ثواب، ولكننا نظرنا، ولو كنتم معنا لشاهدتم المشادَّات والليالي التي تحاورنا فيها مع ممثلي البنك وكلنا يرغب في الحقيقة لأن البنك إذا أراد الاستثمار فلا يعطي قرضا لأنه لا يوجد استثمار يرضى به أصحاب مؤسسة مالية يدر عليهم 0.83 % وقد نزلنا بالبنك النسبة فقد كانت حسب المشروع الذي مضى عليه البنك وأنا أعتقد أنه كان على حسن نية كانت النسبة تبلغ 0.86 % فنزلت بعد هذا التعديل الذي رأيتم فيه فائضا إلى نسبة 16 % فهي أقل من الخمس، فهذه توضيحات أردت بيانها وشكرا لكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ إبراهيم الغويل:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
لندخل رأسا في موضوع البحث، الورقة بالأصل تشير إلى أن المصرف يرى إلى أن يصبح المصلح من الممكن عمليا تحديد التكلفة الإدارية فإنه كان يكتفي بإجراء تقدير معين أخشى أن نكون قد رفعنا عليه هذا التحرز وأشعرناه أن يقرر نسبة وكان الأمر قد وصل فيه إلى رأي أعتقد أن هذا الاحتراز رغم عدم قناعتي به لأنني أعتقد أنه وفقا للحسابات والقدرات المتاحة في العالم المعاصر، يمكن احتساب التكلفة الإدارية ولكن على الأقل، كان من الممكن أن نبقي هذا الاحتراز، الذي أود أن نقف أمامه كثيرا قبل أن ندرجه في أي قرار نصدره لأنني أود أن يؤخذ الرأي العلمي في هذا الأمر لأن هناك مصارف تعاونية جرت عادة أن تحتسب احتسابا احتواريا وحسابات أخرى بحيث تستطيع أن تحدد بدقة التكلفة الإدارية ثم لم أفهم بعد كيف، وقد رفعت النسبة إلى 3.33 % أن ذلك كان تخفيضا بينما المصرف كان يقدر بين 2.5 % أو 3 % رغم أني استمعت إلى الشرح، من فضيلة الشيخ سماحة المفتي، ولكن لا زلت لا أعرف كيف يمكن لأن النسبة هذه 2.5 أو 3 سنوية ولكنها إذا امتد المشروع لأكثر لاستمرت، هذا القيد هل هو موجود؟
أكرر أننا دائما – وكنت أود ونحن قد استمعنا إلى الكلمة الكريمة التي لفتت انتباهنا إلى أننا ونحن نعالج هذه المشكلات إنما نعالج مشكلة جوهرية تتعلق بقضية عدم شكر النعمة بكفرها أو الظلم وإن الأمر لا بد أن ينظر إلى أولويات المشاريع التي يجب أن يهتم بها البنك وأن ينظر فيها أيضا إلى أن يكون ذلك من أجل تحقيق نوع من الكفاية والعدالة لشعوب المسلمين.(3/1457)
أخ كريم لا أذكر الآن، أظن الأخ جمال أشار إلى كلمة أو لعل الشيخ ياسين أو الشيخ علي أن أموال المسلمين، ولعل هذا يتصل بالكلمة الكريمة التي استمعنا إليها أيضا، لو وضعت بنظر يرى أن المسلمين جميعا يحملون مسئوليتهم معا لكان ذلك أولى، ويقدم حلا مناسبا والكلمة الكريمة أشارت إلى الزكاة والنظر في أماكن الزكاة أو صندوق الزكاة، وبالأخص بند الفقراء والمساكين باعتباره لكل العالم الإسلامي وليس لأماكن محلية معينة، ما زلت أكرر من جديد مع الشيخ والدكتور وهبة الزحيلي أن في النفس شيئا من هذا الأمر الذي يراد أن يفتى به في هذا الموضوع ما زلت أكرر أن العلم وتقدم العصر يمكن من تقدير المصاريف الإدارية على وجه الدقة ولا أفهم لماذا رفعت النسبة رغم الشروح التي استمعنا إليها وشكرا.
الشيخ أحمد البازيع ياسين:
بسم الله … الحقيقة، للإيضاح فقط إن النسبة لم ترفع لأن نسبة البنك 0
0.86 % والنسبة التي قررها الفقهاء 16 % إنما يظهر من بين 2.5 إلى 3 % زيادة إنما الثلاثة مقصورة على خمس سنين المشروع لأن المشايخ قالوا بأن النسبة هذه خدمة للمشروع وليس على المال، وليس على المال المستثمر النسبة هي على المشروع، والمشروع خدمته مدة خمس سنين وخمس سنين من ثلاثة تساوي 15 إلى 16 % إنما نسبة البنك كانت 2.5 % طبعا 2.5 من 3 فيها نزول لكن 2.5 ممتدة إلى ثلاثين سنة وامتدادها إلى ثلاثين سنة تساوي 0.86 % وأمامهم في الجدول مثلا مبلغ مليون وتسعمائة كانت النسبة التي تؤخذ من قبل البنك سابقا 854218 وحسب تعديل المشايخ خفضت إلى 320000 في صحيفة 3 يجدونها وإنما الذي أنا أراه أنه ليس هناك خلاف بأن تؤخذ الأجرة خدمة على المشروع وليس هناك خلاف بألا نأخذ فائدة على المبلغ، إذن النقطة هنا كيف تحسب هذه الخدمة؟ يعني ما هو الأسلوب الذي نحسب فيه الخدمة؟ الأسلوب الذي رأته الهيئة هو التقدير الممكن عمله حسبما أفاد البنك وإذا كان هناك وسيلة تمكننا من معرفة النسبة بطريقة أدق فليتفضل فيها الأخوان وتدرس.
الشيخ يوسف جيري:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله وسلم على سيدنا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه الكرام.
أود بادئ ذي بدء أن أشكر سمو الأمير الحسن لما تفضل به من عرض لوضع المسلمين في القارة الإفريقية وفي المناطق الأخرى الذي فيها مسلمون يعيشون في حالات مماثلة أو أقل أو أكثر، وأشكر الأخوان المنظمين لهذه الدورة حيث فطنوا إلى أهمية الصورة وقاموا بتأييد كل كلمة قيلت أو استقبال بخصوص هذا الوضع بما رأيناه على شاشة التليفزيون من أشياء ربما لم نصل إليها في عبارتنا المتواضعة، كما نشكر كذلك سمو الأمير أن جعل هذه الصورة حية أكثر في ذهننا بما تفضل وتقدم به إلينا من صور نظرنا إليها في الألبومات والتي لما بدأت أتصفحها في الحقيقة لم استطع أن أصل إلى النهاية، لأن كل صورة تحيي في ذاكراتي صورا ربما تكون أبشع وأسوا بكثير من التي رأيتها في هذا الدفتر وربما للحياء والحشمة فظن سموه أن لا توضع بعض الصور أمام الناس، وأننا في الحقيقة نشكر الإخوان الذين تفضلوا بالكلام وأرجع إلى حقيقة الوضع الذي نعيش فيه في العالم الإسلامي اليوم إلى أننا ابتعدنا عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، فالمأساة في بعدنا عن كتاب الله وسنة رسوله بعدنا في مجال التطبيق، بعدنا في مجال الامتثال كما أراده الله، مثلما يريده الله ورسوله لنا، نحن الأمة التي يقول فيها المولى سبحانه وتعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} بعد ذلك أتطرق إلى الموضوع الذي نحن بصدده موضوع تساؤلات البنك الإسلامي للتنمية، الحقيقة يا سادة أن القضية كما أراها ليست قضية الربا في مستوى البنك الإسلامي فأنا أعتقد أن هذه القضية مفروغ منها لسبب بسيط وهو أن البنك نفسه وضع نفسه تحت تصرف هذا المجمع ومجامع أخرى لكي يقولوا له ما يرونه بخصوص قضية الربا وما يرونه بخصوص تعامل البنك مع الدول أو مع الجهات التي يتعامل معها البنك فالقضية ليست قضية الربا إنما هي قضية شبهة الربا، وفيه فرق بين الاثنين هل أسلوب تعامل البنك مع الدول ومع الجهات التي يتعامل معها البنك يوهم بشبهة الربا أو لا يوهم بشبهة الربا {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا}(3/1458)
وأنتم أهل علم وأهل دراية وتعرفون أن الشبهة ربما تكون في كثير من الأحيان أفجع وأسوأ حتى من الحقيقة.
فالحقيقة إن الذي نريد أن نقوله: إن أية عملية أو أي أسلوب في التعامل يوحي بشبهة الربا يجب أن نبتعد عنه، إذا أمكن أن نجد حلا بديلا والقضية في نظرنا كالتالي: البنك يتعامل مع كل دولة على انفراد، وهذه حقيقة ثابتة، إذا تقدمت دولة بالتماس أو طلب إلى البنك الإسلامي يكون التعاقد مع هذه الدولة على انفراد ويرسل إلى هذه الدولة وفود على انفراد، ويؤخذ القرار النهائي بخصوص التماس هذه الدولة على انفراد، فالقضية إذن لا يمكن للبنك الإسلامي أن يتوصل إلى صيغة يتعهد فيها الطرف الآخر التي هي الدولة التي يتعامل معها البنك على أن تدفع هذه الدولة تكاليف العمليات الإدارية وغيرها إذا كان هذا الحل البديل ممكنا فلا أرى أي فائدة في أن ندخل في عمليات التقديرات، ويقول: هذا التقدير مقبول، وهذا التقدير غير مقبول، لن نتطرق إلى عملية التقدير إلا إذا اتضح لنا بصورة لا تقبل مجالا للشك أن الحل البديل غير ممكن، إذا كان الحل البديل ممكنا يجب علينا أن نتشبث به وأن نترك التقديرات. وشكرا جزيلا سيدي الرئيس والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ خليل الميس:
لا شك مع ثقتنا مسبقا بأعضاء اللجنة الكريمة وعلى رأسها وفيها سماحة المفتي، نذكر أن سلفنا الصالح كيف تعاملوا مع القرض، كان إذا أقرض أحدهم الآخر مالا تحاشى أن يستظل بظل جداره وتحاشى أيضا أن يقابله في الطريق حتى لا يكون التعظيم في السلام هو ضرب من النفع في القرض، إذا كانوا يتعاملون مع هذا المبدأ بمزيد من الورع والآن لا شك أن اللجنة الكريمة ونحن معها في مبدأ التعويض، ولكن نقطة واحدة لماذا لا تحدد النفقات وتضاف دون تحديد النسبة 3 % نعم نحن معها بتحديد نفقات الدراسة وتضاف إلى القرض لأنها دراسات نتجت عن هذا الأمر تضاف على هذا الأمر تضاف على القرض لأنها جزء من القرض دون تحديد 2 % أو 3 % ونكون بذلك قد خرجنا من شبهة الربا، وشكرا.
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
اذكر هنا أن البنوك الإسلامية من قبل بحثت موضوع خدمة القرض وهل يمكن أن تأخذ مقابل هذه الخدمة أم لا؟ والبحث نشر في الموسوعة العلمية والعملية باتحاد البنوك الإسلامية وانتهوا بعد الدراسة إلى أن هذا وإن كان جائزا لاعتبار أنه يقابل خدمة عملية ولا يقابل القرض إنما اتقاء للشبهة فإن البنوك الإسلامية ترى أن يبقى القرض دون أخذ شيء مقابل الخدمة حتى لا تكون هناك شبة في الربا هذه ناحية، فالذي أخشاه هو أن يعلن أن مجمع الفقه أفتى بنك التنمية بجواز أخذ أجر على العمل المصاحب للقرض فتعود هذه البنوك الإسلامية وتأخذ بهذه الفتوى وتطبقها على نفسها ونفاجأ من هذه البنوك كأعضاء رقابة شرعية مثلا بأن المجمع أفتى بكذا فلماذا أنتم ترفضون هذا بالنسبة للبنك؟ هذا ما أخشاه.(3/1459)
الأمر الآخر، ما دام البنك لا يستربح نتيجة القرض وإنما هو يريد ألا يغرم ويكفي أنه يقرض قرضا حسنا ويتعامل مع دول وليس مع أفراد أفلا يمكن أن تكون هنا دور خبرة نطمئن إليها ويطمئن إليها المقترض أيضا وتقوم هي بدور الدراسة والمتابعة وتأخذ أجرها من المقترض لا من المقرض أما البنك المقرض فله رأس المال فقط {لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} .
ألا يمكن أن يكون هذا حلاً أرجو أن يبحث إذا أمكن أن نصل إلى إيجاد دور خبرة تستطيع أن تقوم بهذا العمل وتأخذ هي الأجر إذا البنك معناه أن يعطي القرض ويأخذ راس المال، دار الخبرة هي التي أخذت أجرها وهي لم تقرض، وبذلك نكون قد فصلنا ما يتصل بخدمة القرض عن القرض وجعلنا الخدمة في مكان والقرض في مكان آخر، ثم أمر كذلك وهو المفروض بالنسبة للبنوك الإسلامية ألا تتوسع في الإقراض لأن المودعين إنما أودعوا للاستثمار ولذلك يمكن أن لا تقرض إلا عند الضرورة ويمكن أن تحول بدلا من أن تقرض أن تفكر في بديل شرعي يكون الهدف منه الاستثمار مع الرفق بهؤلاء المستثمرين.
هذا ما بدا لي والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، وشكرا لكم جميعا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
أرجو من الشيخ يوسف أن يعيد بإيجاز مع التفضل وجهة النظر.
الشيخ يوسف جيري:
شكرا سيدي الرئيس… أرجو المعذرة إذ لم يكن كلامي واضحا، الذي أردت أن أقوله إننا ونحن بصدد دراسة أو البحث عن حل إسلامي للتعامل المصرفي في يومنا هذا يجب علينا أن نبتعد كل الابتعاد عن كل ما به شبهة أو عن كل شيء يقربنا من التعامل السائد الربوي الحالي في العالم، فقلت إذا لا ندخل في عمليات التقدير إذا كان الحل البديل ممكنا والحل البديل في نظري أن البنك الإسلامي يتعامل مع كل دولة على انفراد ويرسل وفودا فنية إلى كل دولة على انفراد ولا يصل القرار إلى الصيغة النهائية مع بلد معين إلا بعد أن تدرس الأوضاع مع هذه الدولة على انفراد ولماذا إذن لا يقوم البنك الإسلامي بإيجاد صيغة تعهد بين البنك والدولة على أن تتعهد الدولة بدفع تكاليف الأعمال والأشياء الإدارية بعيدا عن التقديرات وأن لا نلجأ إلى التقديرات إلا إذا اتضح لنا أن الحل البديل غير ممكن، وشكرا سيدي الرئيس.(3/1460)
معالي الدكتور أحمد محمد علي:
شكرا سماحة الرئيس… الحقيقة فيما تفضل به الأخ يوسف إذا أخذنا باقتراحه هذا يعني أن يكون في البنك قسم خاص لكل دولة إذا كانت أربعة وأربعين فيجب أن يكون هناك إدارة مستقلة لكل دولة تتعامل معها، وهذا يزداد وهناك أشياء عديدة جدا في البنك، صحيح هناك اتفاقية مع كل دولة لكن للدراسات والتخصصات الموجودة كلها في البنك لا بد أن تخدم كل الدول الأقسام الموجودة في البنك لا بد أن تخدم كل الدول ويصعب أنك تفرق تكاليف كل دولة على حدة بدءا من الجهاز الإداري والجهاز الفني وكل أجهزة البنك، يصعب جدا أنك تفصل كل دولة على حدة، النقطة التي تفضل بها الأخ على السالوس. هو تحدث في الحقيقة عن البنوك الإسلامية الخاصة حيث رأى أنها لا تتوسع في الإقراض هذا غير وارد بالنسبة للبنك الإسلامي للتنمية، البنك الإسلامي للتنمية لا بد أن يقدم القروض لمشروعات البنية الأساسية: بناء على الطرق بناء المطارات، بناء المواني ما هي البنوك الخاصة التي يمكن أن تقدم قروضا للدول هذه المشروعات، فهنا غير وارد مشروع الاستثمار، توصية للبنك الإسلامي للتنمية بعدم التوسع في الإقراض هذا لا يخدم مصلحة الأمة فلا بد أن يفرق بين البنوك الإسلامية الخاصة وبين البنك الإسلامي للتنمية الذي يخدم الدول الإسلامية ولا بد أن يسعى إلى إقراضها لمشروعات البنية الأساسية فأحب أن أؤكد إلى الإخوة الكرام أنه يصعب إن لم يكن يستحيل معرفة التكلفة لكل مشروع على حدة وأصحاب الفضيلة العلماء الذين اجتمعوا بالبنك أول جهدهم ركزوه على هذا الأمر وتبين للجميع مهما قيل عن وسائل المحاسبة الحديثة إلى غير ذلك ويصعب أنك تعرف تكلفة كل مشروع على حدة بسبب بسيط، البنك عنده عدة اجتماعات لبحث المشروعات في كل اجتماع يبحث ستة، سبعة، إلى عشرة مشروعات، كيف تستطيع أنك تعرف كل مشروع على حدة حينما تذهب بعثة إلى غرب إفريقيا تبحث لعدد من المشروعات: بعضها تتعرف على بعض المشروعات وبعضها لتقييم المشروعات، وبعضها لمتابعة المشروعات، فيصعب أنك توزع هذه التكاليف لكل مشروع على حدة هذا أمر على حد ما هو موجود في الوقت الحاضر فربما يتطور العلم مستقبلا لكن كما هو في الوقت الحاضر يكاد يكون من المستحيل أنك تعرف بالدقة تكلفة كل مشروع على حجة، التقدير أمر لا مفر منه في الوقت الحاضر، وشكرا.
الشيخ رجب التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الموضوع الذي أمامنا هو موضوع خطير جدا ذلك لأننا إذا اتجهنا إلى أخذ الفائدة أو الخدمات التي يقدمها البنك للقروض على حسب النسبة كأنما نقع في شبهة الربا ذلك لأن كل مشروع له تكاليفه الخاصة، فإذا أجملنا المشاريع بنسبة مقدرة والمشاريع تختلف بالنسبة لمصاريفها فإننا نقع في شبهة الربا، لا أقول في الربا فإنني أشكر الإخوة أعضاء اللجنة الذين توصلوا إلى النسبة لكن توصلوا إليها بصفة عامة بكل المشاريع التي يقرضها بنك التنمية، أنا لست مع الرأي الذي يقول إنه لا يمكن معرفة تكاليف كل قرض، هذا أمر سهل وإن كان الأخ معالي رئيس البنك قال إنه يصعب، نحن نريد ألا نتأسى أو نمشي مع البنوك الربوية التي تستعمل النسبة الربوية في القروض، لا نريد أن نتشبه بها، نحن نريد أن نتخلص من النسبة، نحن لا نتعامل بالنسبة أبدا، نتعامل مع كل قرض بما تجري فيه من تكاليف تضاف إلى رأس المال لا على أساس نسبي لأن الأساس النسبي غير دقيق في المشاريع، قد يختلف مشروع عن مشروع آخر في تكاليفه، في خبراته، في دراسته وإني أرى أن نتعمق في البحث وأن نأخذ وقد أمكن للجنة أن تصل إلى التكاليف الفعلية أو التقريبية للمشاريع وحددت النسبة، أنا أقول النسبة، يجب أن نبعدها في الفوائد أو الخدمات أو قرض ونأخذ التكاليف الفعلية لكل مشروع لأنني أعتقد أن المشاريع لا تتشابه في الخدمات، قد يكلف مشروع 300.000 وقد يتكلف مشروع 299.000 وقد يكلف مشروع 290.000 فأخذ النسبة فيها شبهة، أرى أن نبتعد عن تقدير النسبة وأن نحدد الخدمات الفعلية لكل مشروع، وهذا أمر ممكن إذا اتبعنا طريق الدقة في التقديرات، وهو أعتقد أنه ممكن ولا نمشي وراء البنوك التي تقدر النسبة، صحيح أنها تقدر النسبة بفوائد ربوية، نريد ألا نتشبث بها لتقدير النسبة ونبتعد عنها، شكرا.(3/1461)
الشيخ عمر جاه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا أنا أشكر سمو الأمير على اهتمامه بقضايا المسلمين وخاصة قضية المجاعة في إفريقيا واهتمام سموه ينبغي ألا نستغربه ذلك لأن الشيء من معدنه لا يستغرب.
بالنسبة للقضية التي نحن بصددها هي مسالة استفسارات البنك الإسلامي للتنمية أحترم الإخوة الذين عبروا عن تخوفهم من الوقوع في شبهة الربا، ولكنني مع هذا أريد أن أشير إلى الهدف الأساسي مع إنشاء البنك الإسلامي للتنمية، وأشير أيضا إلى أن الاكتتاب في هذه البنك للدول الإسلامية ليس للأفراد والبنك ملك للدول الإسلامية التي تستفيد من هذه القروض، إذن إمكانية استغلال وإلا قد لا يكون من الإمكان أن ننفيه تماما لكن الاستغلال في إمكانية البنك أقل وكذا الاستغلال بين البنوك الإسلامية والأفراد أصحاب الفضيلة الفقهاء والخبراء في شؤون الأعمال البنكية وقدموا لنا التقرير بعد جهد جهيد وبعد مداولات طويلة، أعتقد أننا لكي نراعي المصلحة العامة ولكي نتقدم في عملنا أن نركز على تقرير هذه اللجنة ونتبناه، وشكرا.
الشيخ أحمد بزيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحقيقة نقطة إيضاح: المصاريف هنا ليست تقديرية، المصاريف هنا فعلية لخمس سنوات مكتوبة ثمانية وستين مليون لخمس سنوات مصاريف فعلية للبنك على جميع أعماله المتمثلة بما يأتي:
متمثلة بعمليات البنك العادية ألف وستمائة وثمانية وثلاثين مليون، أي تشكل تقريبا 80 % من المصاريف، ثم بعمليات البنك للتجارة الخارجية تمثل أربعة ألاف وأربعمائة وخمسا وستين مليونا، المصاريف التقديرية هي في الحقيقة بين مجمل المشاريع إنما المشاريع كلها مصاريفها معروفة وليست تقديرية، هي ثمانية وستون مليونا وزعت على جميع المصاريف بنسبة 3.3 % بالتساوي يعني أخذ المعدل مثل المشاريع بالتساوي وجميع الأسئلة التي طرحت الآن من الإخوة في الحقيقة وأكثر منها طرح على السادة في بنك التنمية الإسلامي والآن أنا شخصيا أرتاح وأشعر بالطمأنينة لأنهم وافقوا على أخذ الأجرة على خدمة المشروع وليس أجرة على المال المستثمر والقيمة هي 68 ليست تقديرية إنما فعلية لكن وزعت على المشاريع كلها، والمشاريع أمامنا الآن إنما المشاريع قيل إن عمليات البنك للتجارة الخارجية الذي انفرد به فضيلة الشيخ الزرقاء قال بأن هذه يجب أن تجمع مع الألف وستمائة وثلاثين مليونا وتؤخذ النسبة عليها بالتساوي ولم يوافقه الإخوة المشايخ لأن الأربعة آلاف وأربعمائة خمسة وستين مليونا لا تأخذ مجهودا من البنك ولا تأخذ خدمة عالية إنما الخدمة كلها منصبة على الألف وستمائة وثمانين وثلاثين مليونا، وللإيضاح أعيد وأكرر أن النسبة ليست تقديرية، هي فعلية إنما التقدير هي أنها وزعت على المشاريع بالنسبة، نعم ربما مشروع مثلا يختلف عن مشروع آخر ولكن روعيت النسبة يعني اتفاقا للوسطية في هذا الأمر، وشكرا.(3/1462)
معالي الدكتور أحمد محمد علي:
شكرا سماحة الرئيس، في الحقيقة أحب أن أطمئن فضيلة الشيخ رجب أن البنك حينما يتعامل مع المقترضين لا يتعامل معهم بأية نسبة وإنما يتعامل بمبلغ مقطوع مقدر للتكاليف، فهذه النسبة التي تبحث هي فقط نسبة لاحتساب مبلغ التكاليف الكلية للقروض ولكن التعامل بكل قرض على حدة هو بمبلغ مقطوع على عدد سنوات الدفع وليس بنسبة معينة.
فحينما يقرض البنك الإسلامي للتنمية مثلا دولة "س" لمشروع بناء طريق معين بمبلغ مثلا 8 ملايين دينارا إسلاميا تقدر التكلفة بمبلغ مقطوع في العقد بمبلغ كذا من الدنانير الإسلامية تدفع على دفعات لعدد من السنوات، فليس هناك نسبة إطلاقا وإنما النسبة كما ذكرت والتي أتحدث عنها الآن هي فقط لاحتساب نسبة التكلفة ككل لتقدير التكلفة، أما كل قرض على حدة فهو بمبلغ مقطوع من المال وليس بنسبة من القرض، وشكرا.
الرئيس:
شكرا، ونحب نسأل يا شيخ أحمد بين ما ذكرتموه الآن على أن التقادير بما يفيد كلامكم على أنها معلومة بينما قرر لدى اللجنة التي أولت الدراسة على أنه يتعذر على البنك تقديره.
معالي الدكتور أحمد محمد علي:
يتعذر تقدير أو معرفة احتساب تكلفة مشروع معين الذي هو مثلا مشروع بناء طريق في تونس مثلا: القرض نفترض أنه بـ 8 ملايين دينارا إسلاميا يعني يصعب أن يعرف بالدقة ما هي تكاليف البنك الإسلامي للتنمية لهذا المشروع لكن على الأسلوب الذي أقترحه أصحاب الفضيلة يمكن تقدير المبلغ الإجمالي، فحينما تقدر التكلفة مثلا بمبلغ "س" من المبالغ بالدينار الإسلامي احتسب هذا المبلغ كتكلفة لهذا المشروع فهي مقدرة تقديرا، ولكن حينما أحسبها أدخلها في الاتفاقية بين تلك الدولة بأنني سأتقاضى مبلغ كذا لتكاليف البنك لهذا القرض، فالمبلغ هو مقدر يعني للوصول إليه تقديرا لكن حينما نصل إليه نضعه ذلك المبلغ في الاتفاقية أن الدولة تلتزم بدفع هذا المبلغ مقابل التكاليف، وكما تفضل أصحاب الفضيلة عند نهاية الفترة نرى ما عدد السنوات التي استغرقها تنفيذ المشروع فلو قدرنا في البداية أن تنفيذ المشروع يستغرق خمس سنوات ثم نفذ مثلا في ثلاث سنوات أعيد احتساب المبلغ هذا "س" وأنقص منه بنفس النسبة وبذلك يصبح مبلغا أقل بعد انتهاء المشروع.(3/1463)
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم..
متابعة للكلمة الأولى التي قلتها ولما استمعته من السادة المشايخ الجلة أريد أن أبدي بعض الملاحظات زيادة في التوضيح فقط، وهي ملاحظة تفضل بها الشيخ أحمد محمد علي هو أن هذه النسبة ليست موجودة في العقد، وإنما هي للفهم قمنا بها نحن لفهم ما يؤخذ على كل قرض وحتى لا يظلم أحد الأطراف على بقية الأطراف لأنه لا يعرض علينا كل اتفاقية في الحاضر وفي المستقبل ولكن لما عرفنا نسبة نفقات البنك على عملياته قلنا هذه النسبة نأخذ بها لتقدير النفقات وتضرب في خمس سنوات ثم تحسب حسابا إجماليا جمليا يضاف إلى القرض كخدمات فإذا لم يبلغ مدة الخدمات نفس المدة الخمس سنوات فإنه ينقص بحساب ذلك.
الأمر الثاني أقول: إن ما تفضل به الإخوان هو المثل الأعلى والأولى أن يعرف كل حساب كل قرض على انفراد، هذا لا يمكن أن يجادل فيه أحد وهو الذي حاولناه مع البنك من أول يوم، هل يمكن لنا أن نعطي كل قرض صفته الخاصة ربما قدم لنا من استحالة ذلك اقتنعنا بأنه لا يمكن حساب كل قرض على انفراد ولكن يمكن حساب مجموع العمليات فشبهة الربا بمعني أن البنك سيستفيد ولو بجزء من ألف في المائة هي شبهة منفية لأن الذي أعطانا البنك أعطانا ما ينفقه على جملة نشاطه الاقتصادي، عندما قسمناه على مجموع المال أعطي نسبة 3.33 % وقلنا: إذن هذه النسبة هي ليست نسبة ثابتة ولكنها نسبة يجب أن تراجع كل سنة بأن تحذف السنة الأولى ونعوضها بالسنة الجديدة لأنه يمكن أن تزيد في سنة عن 3.33 % وممكن أن تنقص عن 3.33 % فدائما وأبدا نحسب فقط ما أنفقه البنك دون أن يزيد على ذلك ولو مليما واحدا بالتقريب، لكن قد تقع بين المقترضين أن بعضهم يدفع أقل مما يجب عليه فعلا وبعضهم يدفع أكثر مما وجب عليه فعلا، فهذه هي الناحية التي أردت بيانها وشكرا.
الشيخ يوسف جيري:
شكرا سيدي الرئيس… الحقيقة أني لما استمعت إلى الأخ العزيز من الكويت عندما قال إن المصاريف فعلية وليست تقديرية لم أستطع إلى الآن أن أفهم المقصد الحقيقي من هذه الفرق فإذا كانت التكاليف فعلية وليست تقديرية كيف نستطيع والمشروع لم ينفذ بعد أن يتوصل إلى تكاليف فعلية، لن نتوصل إلى التكاليف الفعلية إلا بعد إنجاز العمل، فإذن القضية سميناها نسبية أو وجدنا اسما آخر في مصطلح الرياضيات.
ثانيا: الأخ العزيز الفاضل والذي أنا شخصيا أشهد له بالنزاهة والتمسك والغيرة على الدين الحنيف وهو الشيخ أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي وأقولها من هذا المنبر والله شاهد على ما أقول: إن هذا الإنسان المسلم خدم بلدي بصفة لن أنساها أبدا عندما كنت سفيرا في المملكة العربية السعودية، ونحن كلنا نعرف غيرته على الإسلام وحرصه على اتباع تعاليم الإسلام، ومن هذا المنطلق نفسه نرى لزاما أن نسارع في هذه العملية {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ} .(3/1464)
فالقضية أنه يرى وهو رجل الميدان أنه يتعذر، إن لم يكن مستحيلا، تحديد التكاليف لكل دولة على حدة، وهذا يجرنا إلى نقطة أخرى، وأرى أن هذه النقطة هي بيت القصيد.
ما هي العناصر المكونة للتكاليف الإدارية؟ يجب علينا أن نعرف العناصر المكونة للتكاليف أو المصاريف الإدارية ونقتنع كلنا هنا بأنه لا يمكن أن تحدد هذه المصاريف لكل بلد على حدة، لأننا كما قلت، والشيء الذي فهمته من خلال تجربتي المتواضعة أنه يرسل إلى كل بلد وفد، أو وفدان أو وفود وأنه بالإمكان في نهاية تسديد القروض أن يكون هناك تجميع للتكاليف التي سببت بخصوص مشروع معين على أن تتعهد الدولة من بداية القرض أن تدفع هذه التكاليف.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
ثمانية وستون مليونا، فهذه المصاريف الفعلية لخمس سنوات وأخذ معدل الوسط من هذه المصاريف إنما المصاريف تباعا في كل سنة يؤخذ الخمس سنوات مثلا في سنة 1406 نحذف 1401 وتضاف 1406 إنما طبعا إنه من المعروف أن المصاريف لكل مشروع ما تنفق إلا بعد القيام بالمشروع إنما هذه المصاريف التي أقصد فيها أنها فعلية هي فعلا فعلية لسنوات مضت، لخمس سنين مضت أخذ عليها التقدير كما قال الشيخ: أجر المثل، وشكرا.
الشيخ يوسف جيري:
الحقيقة إنه بالنسبة للتكاليف أو المصاريف الفعلية المنصوص عليها في الأوراق هذه المصاريف تخص فترة مضت وانقضت والمشاريع التي نحن بصددها هي مشاريع مستقبلية فكوننا نأخذ خمس سنوات مضت بتكاليفها ونأخذ منها أشياء نسميها فعلية لنطبقها على خمس سنوات قديمة لا أعتقد أن هذا ممكن أن نسميها فعلية هي مصاريف تقديرية بالنسبة للسنوات الخمس القادمة لكنها ربما تكون مصاريف فعلية بالنسبة للخمس سنوات التي مضت، وشكرا.
الشيخ عبد الستار أبو غده:
الحقيقة أن مما ينبغي مراعاته وملاحظته أن هناك مقرضا ومقترضا المقرض هو البنك، والمقترض هو تلك الدول، وليست دولة واحدة تستفيد من خدمات البنك الإسلامي للتنمية، والذي يهمنا أن المقترض لا يأخذ أكثر مما دفع ولا يأخذ أكثر من حقه فيما تكلفه من تكاليف وهذا متوفر في هذه المعاملات، إنما الذي لم يتوفر أن المقترض يدفع أحيانا أكثر من التكاليف التي تخص مشروعه، وهذا أمر مغتفر لأنه دخل فيه التقدير ضرورة، وليس هذا بدعا من الأمر فهناك تطبيق موجود وهو موجود في المصارف الإسلامية منذ زمن طويل ولا يستطيع أحد أن يتخلص منه ولا أن يعلق عليه، كلنا يعلم أن المصارف الإسلامية تطبق طريقة المضاربة، فالمصرف هو العامل وأصحاب التوفيرات والودائع الاستثمارية هم أرباب الأموال، هناك ربح يتحقق، المصرف يتقاضى نصيبه من الربح دون زيادة ولا نقصان لأن هناك نسبة توضع في البداية بأن للعامل مبلغ كذا من الربح، ولكن أصحاب الأموال لا يأخذون حقهم بالضبط وإنما يدخل فيه التقدير لأن هذه الأموال تعمل عملا متفاوتا، أموالا تدخل في فترة وأموالا تدخل في فترة أخرى، وقد يوضع هذا المال في مشروع ناجح مائة في المائة، وهذا المال في مشروع أقل نجاحا، وفي النهاية عند التنضيد الذي يتم في نهاية المدة وهو تنضيد تقديري لا يستوفي أصحاب الأموال نصيبهم بدقة من الربح فيما بينهم وإن كانوا لا يأخذون من نصيب العامل شيئا، وهذا لا يحصل في معاملات البنك الإسلامي للتنمية فإنه حينما يقرض يسترد مقدار القرض فقط، ويسترد التكاليف التي تكلفها في هذه الخدمة على القرض، ولكن المقترضين قد يدفع واحد منهم أكثر مما دفع الآخر كما يحصل في عمليات المصارف الإسلامية في اقتسام الأرباح، والذي يهمنا أن المقترض لا يأخذ أكثر لأن هذا الذي يأخذه يكون ربا وهذا لم يحصل فأما المقترضون فإنهم فيما بينهم حصلت هذه المبارءة وهذه المسامحة، وهذا التداخل ضرورة عدم إمكان ضبط هذه المبالغ ولا بد من التقدير، والتقدير إذا صير إليه للضرورة أمر لا بد منه وحسبنا أن نتذكر حديث الأشعريين الذين كانوا إذا أرملوا يضعون كل ما لديهم ثم يأخذون فقد يأخذ الواحد أكثر مما تقدم به من مال، وهذه ضرورة لأن الضرورة تقدر بقدرها، والسلام عليكم.(3/1465)
الرئيس:
ولكن ما كان يشترطونها يا شيخ عبد الستار، هناك نقطة مرت في كلام أحد المشايخ فقط دون الآخرين وهي أن المصاريف التي يأخذها البنك للخدمات التي يجريها هي للحفاظ على قرضه وليست مصاريف للخدمات التي يجريها بالتعاون مع الدولة، هل هناك من مناقشة حول هذه النقطة بالذات؟
الشيخ المختار السلامي:
علينا أن نعلم أن قضية القرض بين البنك وبين الدول المستفيدة هي الدول وأن البنك لا فائدة له من ذلك لأنه لو كانت تعود له فائدة لقلنا: إنه يمنع، وهذا قرض فكل الخدمات التي يقوم بها البنك من دراسات لأن الواقع هو أن في بعض الدول جربت التجربة فإذا بالقروض عند إنفاقها تأخذ طريقا آخر غير الطريق الذي طلبت منه فيضيع على المجموعة الإسلامية الأحقية ويشتري بها ذهبا ومصوغا وغيره من أوروبا أو تصرف أو تنفق على فساد، فلتحقق منفعة القرض للمجموعة الإسلامية يقوم البنك بالدراسة والمتابعة والإنجاز ولا ينفق أي مليم أي أو دينار إلا في الوجه الذي من أجله، وهذه هي الرقابة التي هي تتابع القرض في إنجازه، وشكرا.
الشيخ أحمد محمد جمال:
لكن نبتعد عن شبهة الربا بتقدير نسبة معينة نلجأ إلى الاشتراط على الدولة المقترضة في العقد بأن تدفع التكاليف الفعلية نهائيا ووافق عليه كثير من الأعضاء بعد ذلك على هذا الرأي وقالوا بمثل ما قلت. الآن بدا لي حل آخر وهو أن تتعهد الدولة بنفقات الخدمة من القرض الذي تتسلمه، أي أن البنك لا يصرف على الخدمات، البنك يحتاج إلى دراسة ومتابعة وإنجاز، الدولة تنفق من نفس القرض ولو زادت عليه شيئا، يعني بدل أن تأخذ 20 مليون دينار تأخذ 22 مليونا وهي التي تنفق رسوم الخدمات أو نفقات الخدمات ونخلص من شبهة الربا.
الدكتور الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وبعد.
ما قدمته اللجنة الموقرة يتضمن حكمين:
الحكم الأول: مبدأ أخذ نفقات القرض من المقترض شريطة أن تكون مساوية تماما لهذه النفقات، وهذا المبدأ - وإن كنت لا أقول: إنه ممنوع أو حرام - ولكني أرى أنه خلاف الأولى وسأبين هذا فيما بعد.
الحكم الثاني: على افتراض أننا قبلنا بالمبدأ وهو ما قدرته اللجنة بنسبة مئوية 3.33 % وقد سمعنا ما دار حول هذا التقدير، فمن قائل: إن التقدير الحقيقي ممكن ولا يصح أن نلجأ إلى التقديرات بهذه الكيفية، ومن قائل: إن هذا التقدير كثير إلى درجة أن بعضهم قال: إنه أكثر مما تأخذه بعض الجهات الربوية من فائدة، وقد ردَّ السيد رئيس اللجنة على هذا بأن النسبة 14 % ولكني أود أن أقول هنا بأننا نعلم أن بعض الدول غير الإسلامية تقدم قروضا بفائدة للدول النامية المحتاجة بفائدة قد تكون 1 % وهذا حادث مشاهد فشبهة أو ما قد يقال من أن البنك الإسلامي للتنمية يأخذ على هذه النفقات أكثر مما يؤخذ فائدة وارد، ولهذا فإني أرى أن نأخذ بالأولى وإن نقفل هذا وذلك لأن أموال البنك الإسلامي للتنمية تأتي من دول غنية وسع الله لها في الرزق وفوضت البنك في استثمار بعض هذه الأموال استثمارا يدر عليها ربحا، وفوضته أيضا في إقراض بعضها للدول المحتاجة، وهذا هو أصل القرض، القرض إنما يعطى للمحتاج ابتغاء وجه الله وثوابه في الآخرة وليس في الدنيا، ونسبته كما تؤخذ من الحديث 18 % القرض بثمانية عشر فماذا يضير هذه الدول الغنية التي وضعت أموالها في البنك الإسلامي للتنمية أن يتحمل البنك هذه النفقات يحملها لهذه الدول الغنية ويعطي هذا القرض للدول المحتاجة الفقيرة للتنمية وترده كما هو، وبهذا نخلص من هذا الخلاف الواسع الذي وقعنا فيه وما قد يشاع ويردده أعداء الإسلام من أن البنوك الإسلامية، وهذا أمر حادث وسمعناه كثيرا ويتلقطون الشبه ليقوضوا بها هذا العمل الإسلامي، خلاصة رأيي أرى أن لا يؤخذ من هذه الدول المقترضة أي شيء نظير هذه النفقات وتتحملها الدول الغنية ولها ثوابها عند الله وقد يكون هذا سببا في تنمية أموالها المستثمرة بما يزيد عن هذه الثلاثة أو الخمسة في المائة، وشكرا.(3/1466)
الشيخ عبد الله بن بيه:
الحمد لله رب العالمين… اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
في الحقيقة أعتقد أننا ابتعدنا كثيرا عن مسار المناقشة وعن المسار الذي يجب أن تسير فيه مناقشتنا، نحن هنا في جمعية إفتاء تحولنا إلى أطراف تتفاوض مع البنك هل تستطيع أن تفعل كذا أن تفعل كذا، هذه المفاوضات فيما أعتقد غير مقبولة بالنسبة لمجمع كمجمعنا الإفتاء هو أن نقول: إن الطريقة المثلى التي لا غبار عليها أن يقرض البنك بدون أية رسوم، الطريقة الثانية إذا كان البنك لا يستطيع أن يقوم بهذا العمل الخالص لوجه الله سبحانه وتعالى أن يقرض برسوم لكن هذه الرسوم تحسب في النهاية.
المسألة الثانية: إذا تعذرت كل هذه السبل وانسدت كل هذه الطرق فإن البنك حينئذ يستطيع أن يلجأ إلى طريقة التقدير بسبب تنزيل الحاجي العام منزلة الضروري عند الفقهاء، ثم ألاحظ ملاحظة أخرى أنه ينبغي أن توضع في هذه الأجوبة الأدلة الشرعية، الأدلة الشرعية أساسية بالنسبة لمجمعنا فإن المرجع هو الشريعة ولا يجب أن نصدر فتاوى كفتاوى البابا، نحن لسنا باباوات، نحن نرجع إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ولأجل هذا فمن الضروري أن توضع الأدلة الشرعية بجانب الفتاوى التي يصدرها هذا المجمع، وأشكركم.
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه وبعد.
فقد طال الكلام ولا أريد أن أزيده طولا ولكن أريد أن أقول كلمات موجزة
أولا: هناك أصل شرعي للتقدير التقريبي، هذا الأصل هو ما شرعه رسول الله صلى الله عليه وسلم من الخرص فيما يجب من مقادير الزكاة في الثمار والتمور وغير ذلك وهو تقدير تقريبي يقوم به الخبراء، قد يقدر في بستان من النخيل أو الأعناب كذا طنا أو قنطارا، وكل مسألة فوق ذلك أو دون ذلك لو حسبناها بالضبط ولكن هذا مما تسومح فيه وأجازه الفقهاء لأنه ثبت فيه أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم.
في ناحية من النواحي كما في الطب مثلا أو غير ذلك، ويختلف الفقيه مع الطبيب، أنا أعتقد الفقيه يؤخذ بقوله في الفقه والخبير يؤخذ بقوله في فنه، يعني نحن لربما نقول: إنه يمكن تقدير التكاليف تقديرا فعليا ولكن المختصين يقولون: إنه يصعب أو يتعذر أو يتعسر هذا، أعتقد أن الخبير إذا كان مسلما عدلا مؤتمنا فقوله مصدق في هذه الناحية ولسنا مطالبين بأكثر من ذلك.
شيء ثالث أريد أن أضيف هنا هو أنه قد عرف مجموع ما راجع إلى أرقام فعلية، ولكن ما يخص كل مقترض هو الذي يمكن أن يأخذ بعض الناس أكثر من حقه أو دون حقه، ولكن كما قال فعلا أخونا الدكتور عبد الستار: إن هذا مما يتسامح فيه وما يتغابن الناس في مثله، كما قالوا في أمور البيع والشراء الغبن غير الفاحش والذي يمكن أن يتسامح فيه يمكن أن يتسامح فيه يمكن أن يغتفر ولا شيء في ذلك.(3/1467)
أمر رابع هنا ما يتعلق بالورع والعمل بالأولى وغير ذلك هذا في الواقع أمر يمكن أن يكون في معاملات الأفراد بعضهم مع بعض وليس كل الأفراد أيضا، هناك فرد يبحث عن الأفضل والأولى، وبعض الأفراد لا يقبل منهم هذا، كما قال ابن عمر لمن سألوه عن دم البعوض في الإحرام فقال: من أين أنتم، أنتم من كذا؟ تسفكون دم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتسألون عن دم البعوض، حينما ترتكب الموبقات والمحرمات لا يبحث الناس عن خلاف الأولى وعن الوضع لأنا في حاجة إلى أن نحرم الناس من الموبقات الكبرى.
وبذلك قد يتورع الإنسان في خاصة نفسه وقد يفتي بالأحوط بالنسبة للورعين من الناس إنما بالنسبة للمؤسسات وللأمور العامة. هنا أرى أنه ليس المهم الأحوط وإنما المهم الأيسر والرسول صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثما، قد نقول للبنك الإسلامي: إن الأولى أن لا تأخذ شيئا ولكن هذا لا يلزمه الذي يلزمه الحلال والحرام فإن كان هناك فرصة للحل فينبغي ألا نتركها وقد فتح أخونا الشيخ تقي العثماني بابا آخر وهو باب تقدير التكاليف ينبغي أن ينظر إليه ولا ينسى وهو باب إعطاء أجرة المثل، وشكرا والسلام عليكم ورحمة الله.
الرئيس:
إضافة إلى ما تفضلتم به يا شيخ يوسف في مسألة خرص الثمار، كذلك في الأسهم المعاصرة الذي عليه أهل العلم هو جواز بيعها والسهم؟ إذا بيع فإنه ليست قيمته أعيان جميعها ففي شركة الكهرباء مثلا يكون قيمته أعيان وفيه نقدا، لكن ما لم يثبت استقلالا فيغتفر هذا النقد الضئيل بجانب الأعيان الموجودة المتكاثرة.
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد.
فإنه من خلال هذه المداولات التي جرت بين أصحاب الفضيلة في حكم رسوم الخدمة على القرض، أي في أخذ رسوم الخدمة والرسوم الإدارية من بنك التنمية الإسلامي في جدة على القروض التي يدفعها إلى الدول فإن هذا الاستفتاء إنما ورد فرارا من الربا ومن الوقوع فيه، وفي الوقت نفسه لا بد أن نفر من التحيل على الربا، ومن صور التحيل على الربا، ولهذا فإن أمامنا عدة ركائز شرعية لهذا الموضوع:
الأولى: وأرجو من أصحاب الفضيلة إذا كان هناك أية مخالفة في أي ركيزة من هذه الركائز أن يتفضلوا بالإشارة، وإلا فإننا سنعتبره رأيا جماعيا في كل ركيزة ألخصها على مسامعكم الكريمة.
الأولى: جواز أخذ العمولات الإدارية.(3/1468)
الشيخ عبد الله البسام:
الأجدر ألا نسميها عمولات… نسميها أجورا.
الرئيس:
هذا في الصياغة وأنتم في لجنة الصياغة يا شيخ، جزاكما لله خيرا، ولا شك أننا نحن كما نعني في الإعداد نعني في الصياغة.
الركيزة الأولى جواز أخذ الرسوم الإدارية.
الشيخ أحمد جمال:
إنما العاقد يتحمل مصروفات الاستيفاء.
الرئيس:
يا شيخ محمد هي ليست أجور الاستيفاء فقط إنما هي أجور القرض نفسه الأجور الإدارية بكتابة الدين وما يتبع ذلك من الأشخاص والأعمال والأوراق والآلات واللجان، هذا لا يدخل في الاستيفاء، هذا قبل الاستيفاء هذا الآن في القرض نفسه في الأداء.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم …سيادة الرئيس أنا لا أستحسن لا التعبير بالعمولة ولا بالرسوم، التعبير الذي في نظري هو الأفضل أن يقال: نفقات الإدارة أو ما يقابل نفقات الإدارة الفعلية على القرض.
الشيخ المختار السلامي:
أنا عندي شيئان.. أما استيفاء القرض فإن البنك قد تنازل عنه ولا يأخذ على استيفاء القرض ولا مليما واحدا وشكرا لهم على أن وصلنا إلى هذا.
ثانيا: هي أجور الخدمات اللازمة للقرض، فهذه أجور الخدمة اللازمة للقرض هي التي يتحملها المقترض، وشكرا.
الرئيس:
على كل فإنه يظهر لي أن هناك خلافا في التعبير أما في الإعداد والنتيجة أن هناك اتفاقا عليها.
إذن أطلب من أصحاب الفضيلة المقررين أن يسجلوا هذه الركيزة الأولى.
الثانية: هي جواز أخذ البنك لمقابل الخدمات الفعلية.. الفرق الأول واضح لأن الأول هو على ضوء العمل المعتاد مع أي ساحب شيك أو ساحب سهم أو كذا فإنه يأخذ منه عمولة حتى إلى الآجال المعدودة.
الثالث أو الركيزة الثالثة هي المنع البات أو التحريم لأخذ زيادة من المقترض في موضوع الخدمات لأن كل قرض جر نفعا فهو ربا.
الشيخ عبد الله البسام:
هذه تحتاج إلى تفصيل يعني الخدمات قد تكون أكثر، قد تكون أقل.
الرئيس:
يا شيخ نقول مقابلها من غير زيادة.
الشيخ عبد الله البسام:
لا نستطيع أن نقول من غير زيادة ولا نقص نقول مقابلها فقط ولا نجعل فوائد أخرى لغير الخدمات.
الرئيس:
هو، سلمك الله، هو فقرتان، هو أخذ مقابل الخدمات من غير زيادة الخدمات الفعلية من غير زيادة ثم بعد هذا تأتي فقرة ثالثة وهي أنه يحرم أخذ الزيادة لأن كل قرض جر نفعا فهو ربا، هذه كقاعدة شرعية تساق هنا على سبيل التحوط في أخذ الزيادة في مقابل الخدمات التي كثر فيها البحث من المشايخ.
في الواقع إن هذا السؤال من استفسارات البنك لي عليه عنده من التساؤلات ولكني سأرجيها لأني أعرف جيدا أن ما لدى أصحاب الفضيلة المشايخ سيغطيها وزيادة.(3/1469)
الشيخ وهبة الزحلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أما بعد.
فقد أصابت اللجنة عندما قررت مبدأين في فتواها حول هذا الموضوع، الناحية الأولى هي الفصل بين عقد التوكيل وعقد الإجارة. وذلك بعدا عن الوقوع في المنهي عنه، وهو نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن صفقتين في صفقة، ومن خلال هذا النهي كنت أنتظر أن يكمل النهي في الحديث نفسه أن النبي صلى الله عليه وسلم أيضا نهى عن بيع وشرط، فالتزام البنك بأن يهب إلى الدولة المستفيدة في نهاية المطاف هذه الآلات، هذا الالتزام هو عقد إيجار أعقبه، أو تضمن أيضا التزاما بشرط الهبة فهو أيضا عقد مقرون بشرط والعقد المقرون بالشرط غير سائر، فكنت أتوقع أن يكون هناك انسجام في الفتوى من حيث المبدأ بين هاتين الناحيتين، هذه ناحية.
أصابت اللجنة أيضا في الناحية الأخرى وهي عدم تحميل المستأجر الضمان، وقررت المبدأ الشرعي المعروف أن المستأجر أمين والأمين لا يضمن إلا بالتعدي أو بالتقسيط وهذا مطابق تماما لما اتفق عليه الفقهاء.
ومن حيث تأصيل هذه العملية وتفصيلها بعد هذا النقد الجزئي انظر إلى العملية ككل وهي أن هذه العملية تنفصل إلى ثلاثة عقود أقرتها اللجنة ببراعة أقرت عقد الوكالة ولا أحد يعترض على جواز هذا العقد، كذلك عقد الإيجار، كذلك عقد الهبة هذه عقود مشروعة مقررة معروفة في الإسلام لا شك في اعتبارها وفي إقرار مشروعيتها، لكني أجد أن الجمع بين هذه العقود وإقرارها من حيث الظاهر، هذا تأثر ببعض الاتجاهات الفقهية كمذهب الإمام الشافعي إذ يقر ظواهر هذه العقود، وتركت اللجنة ما قاله الإمام الشافعي: "إني أقر ظاهر هذا العقد وأدع القصد المؤثم لله عز وجل" حتى إن الإمام الشافعي الذي ينظر إلى ظواهر هذه العقود فيقرها نظرا لاكتمال أركانها وشروطها واستيفاء كل ما تتطلبه فهو لن ينسى الناحية أو الباعث الذي بعث المتعاقد إلى الوقوع في الحرام فقال: وأدع القصد المؤثم لله عز وجل، يعني أن العقد وإن كان صحيحا في الظاهر فهو حرام يوقع صاحبه في الباطل ويأثم، نحن كما تعلمون لا يصح أن نفصل بين صحة العقد وبين النظرة التحريمية لهذا العقد فالإمام الشافعي بالرغم من أنه يقر ظاهر هذا العقد وكذلك مثله، وهو أيضا مثل الإمام أبي حنيفة يقر ظاهر هذه العقود، والنظرة الظاهرية موجودة عند هذين الإمامين إلا أنهما أيضا لم ينسيا جانب النية والباعث وحرما العقد من حيث الديانة وإن كانا أقرا هذه العقود من حيث الظاهر، وهذا موجود في بيع العينة، هذا شيء فبراعة اللجنة فعلا أقرت ظاهر هذه العقود ولكني أنظر إلى مجموع هذه العقود من ناحية أخرى، أنظر إلى الباعث، وأنظر إلى الهدف والمقصد والغاية والمال الذي ينشده البنك من هذه العملية، أليس البنك قد ضمن الأجرة وهي في العقد الثاني، العقد الأول لا اعتراض لي عليه وكالة، هذا عمل ابتدائي جيد لا أعترض عليه، ثم ضم مع هذا الوكيل عقدا آخر سرنا على رأي اللجنة بانفصال العقدين، أنا أقول: ولو سرنا على هذا الانفصال لكنه من حيث النتيجة عقد انضم مع نفس العاقد الأول، فمن هذه الناحية ألم يقم البنك في الجملة، وهذا يعني الفتوى لم تتعرض له وفيه شيء من التغطية في الأجرة يقرر البنك ما يشاء من أرباح تحت اسم الأجرة، يقولون: الإجارة مشروعية وبالتالي العمل جائز فمن خلال الجمع بين هذه العقود في عملية واحدة لا يخلو طرفاها من اثنين: البنك والجهة المستفيدة، الحقيقة هذه بحسب اطمئناني إلى القواعد الفقهية، هذه كلها جسور للوصول في الباطن إذا ضم المستأجر ما يريده من أرباح من خلال الأجرة، هذا في رأيي أنهم اتخذوا العقود جسورا إلى الوصول إلى الحرام، وكما قرر الفقهاء في بيع العينة أنهم عندما يتخذون بيعين في بيعتين، البيع الأول منجز والثاني مؤجل، اتخذوا البيع وسيلة خدمة بخدمة لكن النتيجة أنهم عندما اشترى نفس البائع الأول نفس المبيع من المشتري بثمن مؤجل أكثر من الثمن المعجل. الحقيقة هو بيع مقترن بالوصول إلى الربا والقرض بفائدة أو بيع مع الربا فالنتيجة تكون الوصول إلى الربا والعقود في الظاهر سليمة ولكنها من حيث الحقيقة والباطن حيل شرعية للوصول إلى الهدف.(3/1470)
فأرجو التوضيح حول هذه الملاحظات، حول ظاهر العقود وعقود متكررة مع عاقدين فقط، ولو سرنا على رأي اللجنة في الانفصال، ثم أيضا أرجو الاستفسار عن دور البنك ألا يضمن ما يريده من ربح تحت ستار الأجرة، وإن هذا عقد إجارة، وأنه أيضا الوكالة عقد صحيح وبعد ذلك أريد الاستفسار حول النهي عن عقد وشرط كيف يصح له أن يشترط الهبة مع أن النصوص أيضا تحرم ذلك؟ وشكرا لكم.
الشيخ محمد تقي عثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم..
الحقيقة طلبت الكلمة، لعين ما تفضل به الأستاذ الدكتور وهبة، فلا أريد أن أطيل وأتنازل عن كلمتى لأني أؤيده بكل معني الكلمة، وشكرا.
الرئيس:
في الواقع إضافة إلى ما تساءل عنه الشيخ وهبة أحب أن أسأل الشيخ المختار باعتباره أنه هو الذي باشر هذه العملية، يعني هو من الذين باشروا هذه العملية في أدوارها، هل يا شيخ مختار ظهر لكم أن عقد الإجارة هو عقد حقيقي مراد؟ هذا هو السؤال الوارد وإن كانت هناك عدة أسئلة، لكن هذا هو بيت القصيد، هل ظهر لكم من خلال هذا الاستفسار أن عقد الإجارة هذا هو بيت القصيد، هل ظهر لكم من خلال هذا الاستفسار أن عقد الإجارة عقد حقيقي مراد ولا يراد التوصل إلى غيره؟
الشيخ المختار السلامى:
بسم الله الرحمن الرحيم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
ما أثاره فضيلة الشيخ الدكتور وهبة الزحيلي: أولا أن هذا العقد فيه شرط، وكل عقد تضمن شرطا هو عقد باطل، ما قاله صحيح بالنسبة للمذهب الحنفي ولو كنا نلتزم في هذا المجمع الافتاء أو أن الإنسان يلتزم مذهبا معينا لكنت موافقا له تمام الموافقة ولكن العقود بشروط ليست مجمعا عليها.
والواقع أنه خلاف بين الصحابة رضوان الله عليهم وبين التابعين أيضا.
ويجمع الأقوال:
بيع الشروط الحنفي حرمه
وجابر سوغ لابن شبرمة
وفصلت لابن أبي ليلى الأمة
ومالك إلى الثلاث قسمه
فهي مذاهب أربعة: يرى الإمام أبو حنيفة أن الشرط حرام وأن البيع فاسد، ويرى ابن شبرمة أن الشرط جائز وأن البيع صحيح، وذلك لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من جابر ناقة واشترط عليه جابر حلابها وحمولتها إلى المدينة، وأقره صلى الله عليه وسلم على ذلك، وأما ابن أبي ليلى فقد قال: إن البيع صحيح وإن الشرط باطل اعتمادا على حديث بريرة المعروف وشرط لهم الولاء، وأما مالك فرأى أن الشروط على ثلاثة أنواع: قد يكون الشرط حراما وهذا يفسد العقد، وقد يكون الشرط حلالا ولا تأثير له بالثمن وهذا لا يفسد العقد، وهو شرط مقبول، وقد يكون شرطا حلالا لكن فيه نوع من التأثير في الثمن فهذا يصح معه العقد ويبطل الشرط.(3/1471)
فإذن ليست المسألة اجتماعية.
الأمر الثاني هو أن هذه البنوك الإسلامية هي بنوك تودع فيها أموال المسلمين وأموال الأثرياء ويريدون تنمية أموالهم هذا أمر لا بد أن نقر به وأنه لنا خيار إما أن تودع هذه الأموال في بنوك إسلامية لتستثمر وإلا فإن هذه الأموال ستنصرف إلى ما كانت منصرفة إليه من إيداعها في بنوك أجنبية يتحكمون فيها وفي فوائدها وقد رأينا التحكمات الأجنبية في أموال الدول وفي أموال الأفراد لما أرادت الدول القوية هذا.
فإرجاع الأموال الإسلامية إلى البلاد الإسلامية، وتوظيف الأموال الإسلامية في خدمة المسلمين، وما رأيناه من مشاكل ديون ما رأيناه مما يدمي القلب لا العين فقط هو كله ناتج عن أن العالم الإسلامي ليس عالما فقيرا ولكنه عالم لم يحسن استخدام ثرواته وأول خطوة من استخدام الثروات ألا تفر هذه الثروات، إذن لا بد لهؤلاء المستثمرين أن نجد لهم حلولا مقبولة لاستثمار أموالهم، وفرق بين التجرؤ على الحرام مباشرة وما فيه استهانة الفرد بصلته بالله، وبين أنه يبحث عن حل يبيح له ذلك، وهذا الذي ذهبنا إليه هي حلول رأينا أنه لا يمكن لهذه البنوك أن تستمر في أداء رسالتها إلا إذا وجدنا لها أمثال هذه الحلول، أما إذا أخذنا القضية بالظاهر وبكل السهولة وبكل اليسر وفتحنا كتابا من كتب الفقه وقلنا هذا النية كذا والعزم كذا إلى آخره، فمعني ذلك أننا نأمر هذه البنوك بإقفال أبوابها وتنتهي القضية والسلام، وهي قضية خطيرة في نظري على مستقبل الاقتصاد الإسلامي، وشكرا لكم.
الرئيس:
شكرا… نريد الجواب على السؤال يا شيخ مختار، التساؤل الذي ذكرته تحب أعيده أم هو مفهوم؟
الشيخ المختار السلامي:
ما ذكرته مفهوم جدا قلت: إنني لو أخذت بأن نية البنك هو أن يأخذ هذا عقد الإجارة، ولعله يريد أن يربح منه إذا أردنا أن نبحث في كل هذا فمعني ذلك أن نقول للبنك الإسلامي: شكرا لقد قمت لمدة سنوات واقفل أبوابك وأرجع أموال الناس إلى أصحابها.
الرئيس:
نحن لا نريد هذا يا شيخ نحن نريد الذي اتضح لكم على بساط الحقيقة هل عقد إيجار حقيقة أو لا؟
الشيخ المختار السلامي:
الذي اتضح لي على بساط الحقيقة هي ثلاثة عقود قدمت لي كل عقد منها صحيح فإذا أردنا أن ننفذ إلى القلوب فسيادة رئيس البنك الإسلامي تستطيعون أن تتوجهوا إليه بهذا السؤال.(3/1472)
الشيخ خليل الميس:
أتوجه إلى أخينا الدكتور وهبة الزحيلي في مذهب الأحناف أنه لا يجوز الانتفاع بالعين المرهونة وعند غيرهم يجوز، ولذلك استحدثوا بيع الوفاء، وبيع الوفاء كما هو معروف أن يستفيد هذا الذي اشترى وهو راهن مرتهن في الحقيقة بالعين المرهونة وعندما يحصل الثمن لمن رهن يعيد العين ويكون قد انتفع بمثل هذه العين، الحقيقة هذا العقد المستحدث كما قالوا بالفقه الحنفي تلبية لرغبات، وتوافقا مع مذهب متبع مع إمام متبع، فما دام الأمر في غير مذهب الأحناف جائز فلا بأس بأن نيسر الأمر وإلا هناك محظور كبير كما قالوا، أما أن نجمد أموالنا وألا علينا أن نجد الحل وإلا فرت من بلادنا ومن بنوكنا، والله أعلم.
الرئيس:
كلمة بسيطة يا شيخ خليل.. وهو أن بيع الوفاء تعلمون أنه لم يحدثه إلا الكرخي في أوائل القرن الخامس، ولهذا نسبته للإمام قد لا تكون متأخرة المهم أنه نسبته للإمام قد لا تكون متأخرة عند الأحناف وعلى وجه التحديد أربعمائة وخمسة وعشرين هجرية.
الشيخ خليل الميس:
إذا قلنا: متأخرا، وأنا لم أقل: متأخرا.
الرئيس:
نعم أحسنت وشكرا.
الدكتور الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم.
هذه المعاملة هي في حقيقتها بيع بالتقسيط وليست إجارة، جاء في المذكرة: يقوم البنك بإيجار هذه المعدات إلى الوكيل بمقدار معلوم هو حاصل رأس المال مع الأرباح مقسطا على سنوات معينة، مؤدى هذا أن هذا المستأجر عندما يدفع هذا الذي سمي مستأجرا، عندما يدفع هذه الأقساط وتمضي السنوات المعينة طبيعي يكون قد دفع رأس المال زائدا الأرباح فما الحاجة إلى عقد بعد ذلك؟ فهذه وإن كانت وضعت في صورة إجارة هي حقيقتها بيع بالتقسيط ولا أدري، ولعل للبنك غرضا صحيحا في تحويلها من بيع بالتقسيط مع أن هذا المبسط والسهل إلى جعلها إجارة وجعلها تحتاج بعد ذلك إلى الهبة بعدما تدفع كل الأقساط أو إلى بيع من البيع الرمزي إلى آخر هذه التعقيدات التي لا أدري لها مبررا إذا اعتبرنا هذا بيعا بالتقسيط فأريد أن أفهم لم لجأ البنك إلى جعل هذه العملية إجارة؟ وشكرا.(3/1473)
الشيخ عبد الله البسام:
بسم الله الرحمن الرحيم..
أنا ما أرى يعني محظورا كبيرا من هذه العملية والحيل إذا لم يتوصل بها إلى محرم هي لا بأس بها، وكلكم تعلمون قصة خيبر أن عبد الله بن رواحة جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بتمر جيد فقال: أكل تمر خيبر هكذا؟ قال: لا، وإنما نبيع الصاع بالصاعين، قال: لا، هذا هو الربا، بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم الجيد، وقد يشتري من نفس هذا الرجل مع أن النبي صلى الله عليه وسلم ما قال لا تشتر من صاحب هذا التمر، أمن له هذا، هذا يعني أنه أرشده إلى طريق يتخلص فيها من الربا بطريقة ميسرة بأنه لا بد أن يشتري من رجل آخر مع بيع التمر بالتمر معروف متطابق فبناء عليه فأنا ما أرى محظورا ما دام ما تحققنا يقينا من أن البنك ولا شققنا على قلوبهم يريد بهذا التوصل إلى الأعمال الربوية، هذه ناحية.
نريد إذا حددت الأجرة، إذا كانت الأجرة محددة ومعقولة، فهذه قرينة تدل على حسن نيتهم، لكن أحب أن أدخل على هذا مثلا يعني بعض التعديلات وهو أن المستفيد لا يتولى هو بنفسه الشراء وإنما الذي يتولاه البنك لأن البيع له عهد يعرفونها والحمد لله المشايخ كلهم وعهدها على المشتري وإن كان هذا وكيلا ولكن البنك لا يعرف هذا الوكيل ما يعرف إلا هذا الوكيل أنه أصيل ومشتر.
نقطة أخرى أريد أن أقولها هو التزام البنك بالبيع أو بالهبة في آخر مراحل الإجارة، هذا يعني نقطة تحتاج إلى تأمل لأن هذا وعد والوعد لا يجب الالتزام به، فإذا دخلت تحسينات على مثل هذا العقد فأنا أرى أن فيه تسهيلا وتيسيرا لا بأس منهما، وشكرا.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، وبه استعين:
الحقيقة حينما بدأت البنوك الإسلامية تفتح في البلاد الإسلامية أهل الأغراض والمناوئون لهذه الفكرة يقولون: كيف تريدون من هذه البنوك أن تعمل بدون فوائد؟ فقيل لهم: إن البنك الربوي يدور حول المحور الربوي وهي الفائدة المصرفية، والبنوك الإسلامية تخلع هذا المحور وتنزعه وتضع محاور أخرى مشروعة: الوكالة، والإجارة، والشراكة، والقراض، التجارة، وكل هذه الأبواب المشروعة يضعها البنك الإسلامي ويدور حولها وإذا قلنا بأن المقاصد والحيل، فالحقيقة أن الأمر يكون عسيرا على معرفة المقصد لأن المقصد لا يعرفه إلا الله سبحانه وتعالى، إنما المقصد الأصلي المفهوم هو استثمار أموال المسلمين في ديار المسلمين لمنفعة المسلمين بالطرق المشروعة فإذا كان عقد الوكالة فيه بند من البنود لا تجيزه الشريعة الإسلامية، فالحقيقة لنا أن ندرسه ولكن إذا كان عقد الوكالة عقدا شرعيا ليس فيه ما يخله في الشريعة الإسلامية فليس لنا أن نقول للبنوك: لا تستعملوا هذا العقد، لأننا لا نعلم مقصدكم، ثم بالنسبة إلى الهبة البنك فيه فرق في أن يكون مؤجرا وأن يكون مالكا البيع بالأجل يكون البنك مالكا للعين المؤجرة يكون المشتري مالكا للعين، فبالتالي جميع الآثار المترتبة عليه من خلل، من مخاطر، من تلف كلها يتحملها المشتري إنما البنك الآن هو مؤجر والمؤجر يملك العين المؤجرة، فهناك فرق بين بيع الأجل وبين التأجير لأن بيع الأجل لا يتحمل البنك مخاطر ما يجري على هذه العين، فالعملية عملية عقود، عقد وكالة وإجارة ممكن الاطلاع على بنوده.(3/1474)
أما الهبة فهنا في الحقيقة للبنك أن يهب لأنه ملكه، للبنك أن يهب، وله أن يبيع وله أن يتصرف في ما يملك لأنه في الحقيقة مالك له، وهذا الشرط الذي رأته اللجنة هو في الحقيقة لمنفعة المستأجر، يعني اللجنة أكدت وليس شرطا من قبل المستأجر، إنما اللجنة أكدت بأن تكون هذه من باب المعاونة من قبل البنك المقترض بدون أن يبدي شرطا هو، وإذا رأيتم في مجمعكم حذف هذا ونترك مسألة الهبة للبنك أن يهب وللبنك أن يبيع أو هذا فهذا له، وشكرا.
الشيخ أحمد محمد جمال:
ملاحظتي أن هناك عقودا متداخلة وإجراءات معقدة وأن الدفاع عنها لا بأس أن نلجأ إلى الحيلة إذا كانت موصولة إلى الحلال أو ينبغي أن نشفق على الأموال الإسلامية من أجل بقاء العمل الاستثماري الإسلامي الذي أراه أن ينبغي للمجمع أن يصدر فتاوى صريحة واضحة لا يلجأ فيها لا إلى الحيل ولا إلى العقود المتداخلة ولا إلى مجرد الشفقة على الأموال الإسلامية واستثمارها، هذه العقود المتداخلة ممكن اختصارها عقد بيع بالتقسيط، أنا أسأل لماذا يوكل البنك الدولة المقترضة لتشتري ثم هو يؤجرها عليه؟ لماذا هذا اللف أو الدوران أو التداخل؟ البنك عليه أن يشتري المعدات لحسابه ثم يبيعها للدولة بيعا بالتقسيط وزيادة الثمن جائز في البيع بالتقسيط، يبقى عقد واحد لا ثلاثة عقود، لا هبة ولا بيع ولا إجارة ولا توكيل يشتري هو المعدات ثم يبيعها بالتقسيط على الدولة وتنتهي كل هذه العقود وتحل كل هذه الشبهات وهذا رأيي.
الرئيس:
ممكن معالي الشيخ أحمد محمد علي أن يكون هناك أمران:
الأمر الأول: وهو التساؤل الوارد هل حقيقة عقد الإيجار مقصودة هنا أم لا؟ أم أن المقصود هو يعني وصول هذا المبلغ أو هذه السلع وصول هذه الأرباح الناتجة التي نتجت عن الإيجار؟ تلك إلى الدولة المباع عليها والربح للبنك، ثم الرأي في البديل الذي ذكره الشيخ أحمد، وشكرا.
معالي الدكتور أحمد محمد علي:
بسم الله الرحمن الرحيم … شكرا سماحة الرئيس.
الحقيقة أن البنك يباشر العمليتين، عملية البيع بالتقسيط، وعملية التأجير، ولجوء البنك في بعض الحالات إلى عقد التأجير تقضي به العملية ذاتها نوع المعدات، ففي بعض الحالات يكون من مصلحة الدولة أن تكون على أساس تأجير عما يحدث لتلك العين، وأيضا أحيانا لبعض القوانين الخاصة في بعضهم من مصالح المشروع حينما يكون المشروع جديدا أن يكون على أساس التأجير بحيث إن بعض القوانين الضرائبية تقلل الأعباء الضريبية على المشروع سيما في بداية المشروع وهناك العديد من العوامل والعديد من الظروف إما متعلقة بالمشروع ذاته أو متعلقة بالقوانين الضريبية في تلك الدولة أو لبعض المصالح الأخرى نجد أن من المصلحة أن تتم المعاملة على أساس عقد الإجارة بدلا من عقد البيع لأجل، نحن نتعامل مع الاثنين مع العقدين وفقا للمصلحة ووفقا لما تقتضيه مصلحة المشروع ومصلحة الجهة المستفيدة وشكرا، أرجو أن يكون في ذلك إجابة على الاستفسار.(3/1475)
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا سمح لي السادة العلماء أريد أن أعود بالمسألة إلى أصلها، لماذا جرى التفكير بمثل هذه الصيغ وطرحت للعمل في بعض المؤسسات أو للنقاش في بعض المحافل العلمية، صيغة التمويل المطروحة في البنوك الربوية هي صيغة القرض الربوي يدفع البنك مبلغا من المال ويشترط على المقترض دفع نسبة معينة متفق عليها مسبقا تدفع للممول بصرف النظر عما سيؤول إليه المشروع ودون أن يتحمل الممول أي مسئولية أو أي مخاطرة.
في الاقتصاد الإسلامي الصورة المقابلة في مجال التمويل تقوم على ضرورة اشتراك صاحب المال في المسؤولية كمبدأ عام وتعرضه للمخاطرة مع صاحبه مع العامل أو المقترض ما هنا جرى بحث في تخريج صيغ للوصول إلى معاملات إسلامية جديدة تستخدم ما هو متاح في الفقه الإسلامي من صيغ تعامل فقهي وتحاول أن تطور في هذه الصيغ ضمن المبدأ الأساسي المقرر.
وهو أن صاحب المال لا يجوز أن يتقاضى فائدة مقطوعة ينالها بصرف النظر عن نتيجة المشروع التي هي لب وأساس الفكرة الربوية، ومن هنا هذه الصيغة المقترحة بيننا أمامنا كان في أصل الصيغة شرط يحمي الممول من المسؤولية وهي أن يتحمل المستأجر المخاطر التي يمكن أن تتعرض لها العين محل الإجارة ويتحملها المستأجر وليس المؤجر، جاء تعديل اللجنة تعديلا صائبا لهذه المعاملة إذ حملت عملية أي مخاطر تتعرض لها العين المستأجرة للمؤجر الذي هو في الأصل الممول لأن هي كل الصيغة في الأساس هي اقتراح لصيغة جديدة على أساس جملة قواعد في الفقه الإسلامي شريطة عدم الوقوع في المحظور وهو الربا، لأن الأساس حتى في تحريم الشروط في الشريعة الإسلامية عندما ركز هو عدم الوقوع في المحاذير، ليس فكرة الشرط حتى عند الحنفية الذين تمسكوا بظاهر هذا الحديث استثنوا بعض الشروط عندما تم التيقن بأن ليس هناك وقوع في الحرام ضمن المفهوم الذي قدموه، فلذلك ما دامت هذه الصيغة بصرف النظر عن مكوناتها التفصيلية، ما دامت لا تؤدي في تفصيلاتها ولا في نتائجها إلى الوقوع في الحرام، سواء كان الحرام الربوي أو أي حرام آخر، نصت عليه الشريعة بشكل محدد، التوجه عند اللجنة كما هو ظاهر إلى إجازتها، ونقتها مما كان يمكن أن يوقعها في أشكال الربا عندنا هنالك نوع من حماية المؤجر من أي مسؤولية يمكن أن يتعرض لها في هذا المجال، يعني يصير في هذا المجال، يعني في الواقع أن دفع قرض الراغب في العملية التمويلية وتقاضي عليه فائدة، التي هي الربح الذي حسبه في قضية الإجارة وخلا من أي مسؤلية تحميله إلى هذه المسؤولية، في الواقع هو الذي أعاد الصيغة إلى جوازها، وأظن أن القضية إذا نظر لها على أساس أننا نطرح صيغا اجتهادية جديدة بديلة للتعامل الربوي، وتخلصنا من مشكلاته ضمن هذا الإطار لا بد من التوجه وإلا كما قال الإخوان: ليضرب صفحا عن كل هذه المحاولات ونترك العملية الاستثمارية في أبعادها الخطيرة الاقتصادية، نتركها من أي تدخل إسلامي ولتسر الدنيا كما تريد ولا نريد أن نواجه هذه الظروف الاقتصادية المعقدة بحلول إسلامية لا يمكن أن نأتي إلى معالجة طرحت في ظل فقهنا الإسلامي في ظرف من الظروف ونأتيها إلى هذا العصر بتعقده الاقتصادي ونقول: نريد أن نأخذ هذه الصيغة كما هي ونقدمها كيف؟ لا بد في الواقع من أن ننحت ونخرج صيغا جديدة نتحاشي فيها الوقوع في المحاذير الشرعية كونها لم تعهد في فقهنا الإسلامي سابقا، لا يعني أنها ممنوعة المهم أن يؤتى بدليل يقول: إن هذا الأمر يوقعنا في الحرام والحرام المقطوع به وفق كذا وكذا، عند ذلك نمتنع، أما أن يقال: إن الأمر يقترح صيغة جديدة، ولم لا يقترح صيغة جديدة؟ فليقترح صيغة جديدة ما دام أننا نتاحشي الوقوع في الربا، وشكرا.(3/1476)
الرئيس:
شكرا، في الواقع بعد أن حصل التساؤل هل المراد في حقيقة العقد الإجارة أو لا؟ لا شك أنه يظهر لي أنه اتضحت الرؤيا في تجلي هذه الحقيقة لكن يبقى سؤال واحد وهو من باب التقعيدات الشرعية، هل يعرف من قواعد الشرع تشريع العقود الوهمية التي ظاهرها السلامة للتوصل إلى مثل هذه المعاملات، لأننا إذا نظرنا إلى أحكام التشريع كما في عقد المحلل والعينة، وما جرى مجرى ذلك، نجد أن الشرع لم يعد يجيزها مع أن عقد التحرير ظاهرة الصحة فهو عقد لولي وشاهدين إلى غير ذلك، فالمسألة تنطلق من تقعيد شرعي هل في الشريعة قاعدة تجيز العقود الوهمية للوصول إلى مثل هذه المعاملات أم لا؟ هذا في الحقيقة إذا رأي أصحاب الفضيلة أن يغطى بمداولات أن رأوها جديرة.
الشيخ عبد الله بن بيه:
الحمد لله رب العالمين، اللهم صلى على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
أولا: أعتقد أن الصيغة التي بين أيدينا يجب أن نحللها إلى جملة من العناصر:
العنصر الأول: يتعلق بالتوكيل، وكما قال الشيخ عبد الله البسام: هذا عنصر ينبغي أن ينظر فيه فإن كون اليد قابضة دافعة مسألة من المعروف أنها لا تنبعي وإن كانت مبنية على قاعدة من قواعد الخلاف، وهي: تقبض اليد وتدفع معا، لأن المستأجر هنا قبض ودفع لنفسه كان وكيلا في بداية الأمر ثم تحولت النية وهي قاعدة أيضا أخرى ليصبح قابضا لنفسه هذه النقطة الأولى.
ويجب أن نتجنب، إذا كان ذلك ممكنا، بأن يوكل شخص آخر على القبض أو يأخذ البنك أو يقبض البنك بنفسه.
المسألة الثانية: مسألة الإيجار جائزة، الإيجار جائز يبقى العنصر الثالث الذي يؤثر على العنصر الثاني وهو وعد بالهبة، هذا الأمر ليس خطيرا أن يعد شخص شخصا بالهبة إذا فعل أمرا معينا، يمكن أن يخرج على وجهين: أن تكون إجارة وجعالة أو أن تكون إجارة، وهبة، بمعني: أن شخصا يقول لشخص إذا فعلت كذا فإني أهبك كذا، ويكون هذا الوعد ملزما على مذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى، الذي يرى إلزام الوعد إذا اشتمل على توريط كما يقول خليل: وابن الوعد أن ورطها، إذا وعدها بالخلع ثم باعت دارها لذلك فإن الوعد يكون ملزما، وهو الذي قال فيه الزقاق:
فيجب الوفاء بالوعد نعم
أو لا نعم لسبب وإن لزم
أي إذا كان يوجد سبب فهذا هو قول تفصيلي يكون الوعد لازما، ولمالك مستند من كتاب الله من قوله سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} ومستند من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو أنه وصف المنافق بأنه إذا وعد أخلف، فالعدة لازمة ولا أرى ضررا ولا محظورا في هذه المعاملة بهذا الشكل، نحن نعرف أن المحلل لم ينفق الفقهاء على فسخ نكاحه إذا تزوجها بعد المحلل لم يتفق الفقهاء على فسخ نكاح المحلل لم يتفقوا على فسخه، مالك قال بالفسخ، وقال غيره أبو حنيفة بعدم الفسخ على تقي، قال بعدم الفسخ في نكاح المحلل اعتبروا أن لعن النبي صلى الله عليه وسلم هو دليل على أن الفعل حرام وحرمة الفعل لا تدل عند أبي حنيفة على بطلان العقد، إذن بالرجوع إلى هذه العناصر وخصوصا بالرجوع إلى روح القضية وهي محاولة بالمصالحة بين الوضع الذي نعيش فيه والذي زج بنا فيه لأسباب خارجة عن إرادتنا لأننا نعيش ضمن عالم لا نتمكن من فرض إرادتنا، كما قلنا مع الأسف بالنظر إلى شيء من هذا يمكن أن تعتبر المعاملة سليمة إذا سلمت من العنصر الأول الذي يتعلق بعنصر التوكيل، وشكرا.(3/1477)
الشيخ أحمد حمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه.
في الواقع العقود ينظر فيها إلى الأطراف المتعاقدة، ففي هذه القضية طرفان: الطرف الأول هو البنك والطرف الآخر هو المتعامل مع البنك أو المستأجر، فهذا المستأجر الذي استأجر هذه الآلة مثلا هل استأجرها لتكون ملكا لغيره أو استأجرها لأجل الغاية التي يطمح إليها وهي أن يوهب إياها فيما بعد؟ فهل من ناحية إذا سكتنا عن ناحية التوكيل وقلنا: إن البنك ما يتوكل وإنما بنفسه يؤجر هذه المعدات من أول الأمر للمستأجرين، وفي نفس الدخول في هذا المأزق حل آخر وهو أولى، أليس بالإمكان أن يكون البنك مراعيا لمتطلبات الناس باختلاف بلدانهم؟ فأصحاب الأعمال المختلفة يأتي لهم المعدات كما يأتي التجار البضائع المختلفة بحسب ما ينظرون إلى حاجات الناس في ظروفهم المختلفة، فالبنك يراعي هذه الناحية ثم يبيع ما يبيعه أقساطا بالأسعار التي يفرضها بنفسه ويربح من وراء هذه الأقساط، في هذا فيما يتبين لي إذا أمكن حل هذه المكلة الخروج من هذه المآزق، وشكرا لكم.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وأصلي وأسلم على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
أردت بعد متابعتي للنقاش في كثير من الوجوه أن أبين أمرا أول: أنه بمجرد ما حرم الربا ظنوا أن تحريم الربا لا فرق بينه، أنه غير معقول المعني لأنه كالبيع، ذلك بأنهم {قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا} فإذا إنسان باع إلى أجل وللأجل حصة من الثمن فمعني ذلك أنه قد رجع من يده أكثر مما أعطي لكن جاء الجواب {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} فالعقود إذا كانت سليمة وواضحة وتوفرت فيها كل الشروط الشرعية فهي عقود جائزة {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} وتورعا من الإمام مالك وممن كان معه في عصره من العلماء كانوا يخشون من كلمة حرام خشية كبرى ويقول: أكره هذا أو كان طلبته وتلاميذه يفهمون هذا على أنه حرام، فقضية تحريم معاملة من المعاملات هي من الخطر كقضية تحليل معاملة من المعاملات، كلاهما سواء، وكلاهما حكم شرعي يجب ألا يقدم عليه الإنسان إلا مع كامل الاحتياط.(3/1478)
يتساءل الشيخ الضرير وهو من كبار علمائنا يقول: هذه المعاملة بيعا بالتقسيط وما الحاجة إلى هذا وهل يعقد عقد بيع؟ هذا جائز صحيح إجارة الضمان فيه على البنك ليس على المستأجر، وهو عقد يختلف بذلك جوهريا عن عقد البيع فلماذا تشترطون علي وتريدون أن أقلب عقد البيع إلى الإجارة إلى عقد بيع، فهو عقد سليم جائز.
فضيلة الشيخ أحمد جمال يقول: إن هذه العقود متداخلة وكيف لا نلجأ إلى الحيل والإشفاق على الأمة الإسلامية لا تنظر إليه، هذه وجهة نظر.
ولكني أقول: إن الفقيه وهو ينظر في قضية من القضايا لا يستطيع أن يعطي حكما إذا لم ينظر في كل المعطيات المتاحة بين يديه وإن إغفال أي معطى من المعطيات هو لا يصل به إلى الحكم الصحيح الذي يحقق المصلحة للأمة الإسلامية، وأذكر في هذا أن الإمام القرافي يقول في التنقيح: إذا جاءك رجل مستفت من بلد فاسأله عن عرف بلده فإن الجمود عن المسطور في الكتب جهل بالدين وتنكر لهدي رب العالمين، فيما أظن هذا الكلام.
أعتقد أنه لا بد ومن الضروري أن ننظر في وضعنا كأمة إسلامية وما عانيناه وما نعانيه وما سنعانيه فيما بعد، وكيف نستطيع أن نُخرج الأمة الإسلامية من وضعها هذا إلى وضع أفضل؟
أما ما تفضل به الشيخ عبد الله بن بيه وهو إمام في الفقه والأصول فإن اليد قابضة دافعة إنما هذا محله إذا كان في عقد واحد، فعقد واحد إذا كانت اليد قابضة دافعة فيه مقال، أما إذا توالى عقدان في زمنين مختلفين فإنه لا أعلم فيما أعلم أنه يوجد من يعترض على مثل هذه المعاملة.
أما ما تفضل به الشيخ الخليلي من قلب البنك إلى تاجر مشتري ويبيع فإنه حسبما سمعت من البنك أنه عمل أنا كنت أتصوره الأول أنه يمكنه أن يفعل هذا قال: يا أخي أنا أشتري الباخرة ما أصنع بها وأشتري طائرة ما أصنع بها فالقضية ليست قضية مواد غذائية، ولا ملابس تشترى وتباع ولكنها قضايا أكبر من هذا وتجهيزات أساسية لدول، وهي لا يمكن أن تشترى وتباع إلا إذا ما توفرت فيها عدة ظروف ومعطيات يراعيها البنك في التعامل حتى يكون تعامله تعامل الرشيد ليس تعامل السفيه، فهذه بعض من النواحي التي أردت أن أوضحها، وشكرا لكم على الاستماع، والسلام عليكم.(3/1479)
الرئيس:
قبل أن نعطي الكلمة للشيخ مصطفى، هناك يظهر لي أنا في مسألة المعدات وإيجار ها أن هناك نوعا من المعدات إذا أخذ باسم عقد الإجارة فهو ثابت في العمل الذي استأجر له بحيث أنه يوضع ويركب بحيث لا يسوغ إزالته، ولو أزيل لأصابه الدمار، هذا لا أشكال فيه يأتي شيء من هذا القبيل، إذن يظهر لي من هذا أنه قد تتجلى الصورة بأن الإجارة أنها للوصول فقط ولذات مرادها، لأن صاحب المؤجر لو أراد استرجاع الآلة لكان من المتعذر والمستحيل إعادة هذه الآلة التي أصبحت مركبة في مبني أو في أي مشروع من المشاريع.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم.
فضيلة الرئيس أحب أن أضع بعض النقاط على الحروف لعلها تعطي ضوءا كافيا يقطع الخلاف وأحب أن أكون منصفا في القول كما هو الواقع.
الواقع أننا لا نستطيع أن نجادل أو ننكر أن العملية في الحقيقة إجازة هي تغطية لغاية البيع لأن الإجارة تقسط أجورها أقساطا بما يعادل رأس المال زائد ربح وعلى مدى معين ولو أنها جعلت بيعها لبيع أيضا على طرق المرابحة للآمر بالشراء بيع أيضا برأس ماله، وربح مقسط إلى نفس الأقساط الواقع أن هذا هو مقصد البنك فلماذا الإجارة؟ كما سأل أخونا الدكتور الضرير، سأل هذا السؤال وهو سؤال وجيه بحق، لماذا الإجارة؟ ولماذا لا تجعل القضية من أساسها بيعا بمرابحة؟ وهذا موضوع السؤال الثالث، هناك موضوع بيع بالمرابحة وهو يغني عن هذه، هذا سؤال وارد، لكن الجواب الذي تفضل به رئيس البنك الدكتور أحمد محمد على أوضح مبررا لهذا، وهو أن النظم في البلاد تختلف فيما يتعلق بالضرائب فيما يتعلق بأمور أخرى يعني بعض البلاد يناشد أن يكون العقد الذي يجريه البنك على أساس إجارة تنتهي بملكية، وفي بعضها لا يناشد فيتخذ بيع المرابحة هذا جواب معقول في التفريق وإن كان في النتيجة في رأيي، وهذا لا نستطيع الجدال فيه، إن الغاية واحدة تكاد تكون فهي إذن مسايرة لبعض النظم التي لا يملكون فيها لا تغييرا ولا تبديلا فيكون أمامهم طريقان: أحدهما أمر من الآخر بحسب الظروف المحلية هذه ناحية.(3/1480)
الناحية الأخرى التساؤل أنه لماذا الوكالة؟ وقد تساءل عن هذا عدد من أصحاب الفضيلة الأساتذة الكرام كذلك، هذا سؤال وجيه أن يلقى، ولكن من عرف ملابسات الأمور في مثل هذه الأحوال ووضع البنك الحقيقي وأهدافه يجد المبرر، وذلك أن البنك الإسلامي للتنمية لا يستطيع أن يكون ككل تاجر يشتري منه أو يكون هناك من وعده ولكن هو يقوم فيفتش هو عن البضاعة ويتبع الأسواق، ثم يشتري ثم ينتظر من يشتري منه أو يكون هناك من وعده ولكن هو يقوم فيفتش، البنك الإسلامي يتعامل على نطاق واسع ومعاملاته كثيرة جدا فهو لا يستطيع أن يتتبع الأسواق وأن يعقد ويفتش عن المواصفات وعن وعن الخ.. لذلك هو مضطر أن يجعل صاحب الحاجة هو يفتش ويرى المواصفات وسائر حاجاته ثم بعد ذلك لكي يتحقق امتلاك البنك.
البنك أيضا ليس عنده مجال أن يعقد صفقات مباشرة مع المصانع مع المعامل بنفسه، فهو يوكل صاحب المصلحة ليقوم عنه هذه المهمة والمقصود في النتيجة هذه المعدات تشتري للبنك، وهذا الوكيل الذي هو صاحب الحاجة الأصلي يقوم بهذه المهمة وهو يرى أنه لمصلحته يسهل الأمر على البنك لأن البنك إذا كلف أنه هو تولى العقود والصفقات لصرف النظر عن الموضوع ولحرم صاحب الحاجة من هذه المعاونة من البنك عن طريق المرابحة الوكالة، فلذلك الوكالة اللجوء إليها واضح السبب، وعلى هذا أرى أنه سبب غير مشروع سبب يتفقان عليه ويكون فيه صاحب الحاجة مقام البنك في أن يغنينا عن هذه المهمة.
النقطة الأخرى وهي موضوع شرط الهبة، الواقع أن شرط الهبة هذا المقصود به يؤكد ما ذكرته أولا أن الحقيقة بين العقدين عن طريق الإجارة وعن طريق بيع المرابحة واحدة وأن اختلاف الأسلوب كما ذكر رئيس البنك بحسب اختلاف النظم في نواحي عديدة فيلجأون إلى هذه تارة وإلى تلك أخرى فهذه قضية تؤكد هذا المعني: أن المقصود أن يملك المستأجر هذه المعدات في النهاية ملكا مجانيا لأن البنك يكون قد استوفى رأس ماله مثل طريق بيع المرابحة، استوفى رأس ماله، واستوفى الربح المشروع الذي يرتبه عليه لقاء بيع بأجل، فلذلك يجب أن تنتهي العملية بملك المستأجر بلا ثمن فجعل هذا عن طريق الهبة، وإذا قيل: إن شرط الهبة هذا شرط صفقة في صفقة هذا يمكن أن يجاب عنه أولا بالمناسبة ما قيل عن المذهب الحنفي: أنه يرى الشروط المقرونة بالعقد باطلة أو مبطلة هذا غير صحيح، والحنفية يقسمون الشروط إلى ثلاثة أنواع: فشرط صحيح ملزم، وشرط فاسد مفسد، وشرط لا يؤثر على العقد كما هو معروف، فإذا الحنفية يمسكون السلم بالعرض ويقولون قول شرط لا يقبل لا، لكن قد يقال: إن شرط الهبة يعتبر شرط عقد في عقد يدخل في الظاهر تحت نهيه عليه السلام عن صفقتين بصفقة، ولكن هذا علاجه سهل جدا وهو بأن تصاغ الهبة لا بصورة شرط بل بصورة وعد إذا جعلت الهبة في صيغة وعد وليست في صيغة شرط فعندئذ ممكن، هذا يحل المشكل ويكون هذا الوعد ملزما بحسب قواعد المذهب المالكي في الوعود والحالات التي يكون فيها الوعد ملزما إذا دخل الموعود على المفتى به عندهم إذا دخل الموعود تحت التزام نتيجة للوعد، وهنا يدخل تحت التزام نتيجة للوعد ولذلك يدخل البنك تحت هذا الالتزام وعندئذ يكون الوعد ملزما ونخرجه على أساس أنه وعد بالهبة ملزم، أخذا بالمذهب المالكي، ملزم، ونحن لا نتقيد بمذهب معين حتى في المسألة الواحدة يمكن أن يؤخذ بعض حكمها من مذهب وبعض حكمها من مذهب آخر ما دام كلاهما وجيها، وبذلك أيضا تحل من هذا الطريق.(3/1481)
الرئيس:
يا فضيلة الشيخ أنتم تذكرون في خطاب الضمان نصصنا في أحد صور خطابات الضمان فل العام الماضي في الدورة الثانية على جواز أخذ الأجرة الإدارية، وهذا أظن حقيقة مصرفية ليست محل بحث قضية الأجور الإدارية حقيقة مصرفية لا أحد يستطيع أن يأخذ فيها وأن الذي يريد أن يلتبس في المفاهيم هم يلتبسون في القرآن {فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ} ويتركون الباقي التلبيس باب مفتوح لكن الشأن في أننا لا ننازع الواقع طالما أن هناك مصاريف إدارية تأخذها البنوك ولا إشكال في إباحتها ولا أحد يقول فيها شيئا لكن كون الناس مثلا يفسرون هذا ويؤولونه، فنحن نتحوط في العبارة، والرقيب هو الله سبحانه وتعالى.
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
اسمح لي لا بد أن أسجل هنا نقطة بصفتي أعمل في البنوك، هناك فروق بين البنوك التجارية وبين بنك التنمية الإسلامي فرق شاسع ولو أني حضرت حضوري للبنوك لما أقررت الخدمة الإدارية لأن البنوك لما يعرف الواحد تاريخها، وكيف التسلسل الذي مرت به فيه يرى من البداية كان الإنسان الذي يودع ماله في البنك يأخذ عليه أجرا ثم تطورت الأمور، ما أريد أن أطول في الموضوع إلى أن الإنسان الذي يعطي البنك ماله يعطيه فائدة على ذلك، أنا أخشى من خلال هذه النقطة في الحقيقة أن يتوسع الناس في الربا إذا قلنا لهم: إن لكم أن تأخذوا على المصاريف الإدارية أجرة، يا بنوك تجارية، قالوا: هذا ما نريده ثم ينفقون مع الآخرين ويقولون الأجرة 5 %، 10 %.
الرئيس:
في بيت التمويل لا تأخذون أجرة؟
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
لا أبدا.
الرئيس:
إدارية إطلاقا؟
الشيخ أحمد بازيع الياسين:
إطلاقا لا في البنوك وجميع البنوك الإسلامية.
لسنا متبرعين ولكن نحن متحوطين، نحن نخشى أن نقع في الربا "من حام حول الحمي يوشك أن يقع فيه" يجب أن نبتعد، وهذه النقطة خطيرة أتحفظ عليها ولا أوافق عليها، موضوع بنك التنمية الإسلامي، فهذا شيء آخر هو ليس كالبنوك وعمله مستقل.(3/1482)
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
شكرا يا سيدي الرئيس.. إنني أوافق أخي وزميلي ممثل دولة الكويت على ما تفضل به سدا للذرائع الفاسدة فإن هذا خطر كبير جدا وكل شيء أوله يسير وآخره انحراف شديد وخطير، ولا يجوز لنا ونحن مجمع إسلامي عالمي، وكلمتنا فصل في هذا الموضوع أن نفتي بهذا، وإني أتحفظ على أخذ أجر، أتحفظ، وأرجو أن يكتب تحفظي موازيا ومنجمعا إلى تحفظ الأستاذ ممثل دولة الكويت وشكرا.
الرئيس:
يا شيخ عبد اللطيف هل تحفظتم في خطاب الضمان على منع الأجور الإدارية؟
أنا أقول لم تتحفظوا.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
أنا أقول: إني تحفظت شفويا ولم يكتب ذلك.
الرئيس:
على كل أنا أرى شيئا واحدا وهو أنه بالنسبة للنقطة الأولى فإن لجنة الصياغة، وهم من الأعضاء والذين صار لهم مداولات إذا اجتمعوا فمن خلال هذه المداولات يمكن أن يأتونا بنص تتلافى فيه هذه المحاذير أو أن تحذف مرة واحدة، الشيء الذي يتوصلون إليه طالما أن الاتجاه العام للجواز لا إشكال ولكن هناك لمسات جيدة وإن رأيتم أن ينضم إلى اللجنة لهذا العنصر خاصة الشيخ أحمد فهو مناسب. وشكرا.
ما بعد ذلك كون أننا نوجه البنك بأن يأخذها مبالغ مقطوعة أو أن يأخذها نسبا وما جرى مجرى ذلك الذي يظهر قد ترون مناسبا أننا نترك التفصيل والدخول في لجة هذه الأمور لأننا طالما قعدنا قاعدة، وهو أنه لا يجوز للبنك، أي للمصرف أن يأخذ أكثر من قيمة التكاليف الفعلية وأجور المثل للتكاليف الفعلية أو الخدمات الفعلية فكون أنه مقابل خدماته الفعلية وأجور المثل للخدمات الفعلية كونه يأخذها مقطوعة أو يجعلها نسبا، أو ما جرى مجرى ذلك حسب تعامله مع المقترض هذا أمر مفوض إليه، فنحن لا ندخل في لجة هذه الأمور ونتركها لأن الذي يقول: يجوز، أنه يجزئها على خمس سنوات، لا شك أنه يقول: إنه يجوز له أن يأخذها مقطوعة، هذا لا إشكال، ولهذا فإن من باب الاحتياط وأن لا ندخل في التصرفات الداخلية طالما أننا نجعل القواعد ونرسم الأصول، فقد ترون مناسبا أن يكتفي بهذه الأصول الثلاثة وهي:
أن كل قرض جر نفعا فهو ربا، فلا يجوز أخذ الزيادة وأنه لا يجوز أخذ أكثر من أجور المثل أو مقابل التكاليف للخدمات الفعلية، والثالث ما سيجري البحث فيه وتكييفه لدى لجنة الصياغة بانضمام الشيخ أحمد البازيع إليهم في الأجور الإدارية.
وبهذا ينتهي وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومعذرة لصاحب السمو من الإطالة وترفع الجلسة، وشكرا.(3/1483)
بعد الصلاة
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.. نستأنف جلستنا هذه … الشيخ مختار السؤال الثاني.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. ونصلى ونسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
الموضوع الثاني هو عملية الإجارة ويتمثل هذا النشاط من البنك الإسلامي في أنه يتلقى طلبا من دولة من الدول ليؤجر لها البنك طائرة مثلا أو باخرة أو شيئا مثل هذا من التجهيزات الأساسية للدولة، وبعدد الدراسة الأولية والموافقة على المشروع، يرى البنك أن في هذا المشروع فائدة للدولة الطالبة حسب خبرائه إذاك يتفق البنك مع الجهة المستفيدة بأن يوكلها لشراء المعدات المطلوبة، فيقوم مثلا بعقد بيع من الصانع إلى البنك، والذي يتولى هذه العملية هي الجهة المستفيدة حتى تحقق المواصفات التي ترغب فيها وعندما يتم تجهيز الطلب يدفع البنك الثمن للصانع ثم بعد ذلك يؤجر البنك إلى الدولة المتعاقد معها المعدات بثمن هو حاصل رأس المال والربح المتفق عليه موزعا على سنوات وبانتهاء السنوات المتفق عليها في الإيجار عرض البنك أنه يبيع المعدات إلى الدولة المستأجرة بثمن رمزي وأن المستأجر يؤمن على المعدات وعلى حصوله…
الشيخ مصطفى الزرقاء:
قد تكون أدوات ثبتت في الأرض ولا يمكن نزعها، كما أن البنك لا يريد أن يدخل في دعاوى من هذا القبيل، فإذن اللجوء إلى الإجارة ليس هو بنفس الدافع الذي تلجأ إليه الشركات في ظل القوانين الوضعية وإنما هو لغاية أخرى لها مبررها ومعقوليتها وباختلاف النظم، وما تستدعيه من أن يلجأ إلى الإجارة تارة وإلى البيع أخرى، ولذلك من حيث النتيجة أنا لا أرى بأسا في الصيغة هذه كلها على أن تصاغ الهبة بصيغة الوعد بالهبة لا بصيغة شرط، وشكرا.
الشيخ تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الذي جعل هذا العقد أشبه بالحيلة منه بالعقد الجاد هو شطب جملة في آخر هذا العقد، فالذي أريد أن أسأل أصحاب البنك وهل من الممكن أن يلغى هذا الشرط ويكون العقد مشتملا على الوكالة على النية فقط؟ ثم بعد انتهاء مدة الإجارة يكون من الخيار للبنك إن شاء استعاد ما أمكن وإن شاء تركه للجهة المستفيدة، فهذا ممكن أو لا عملا؟ وشكرا.(3/1484)
مناقش:
الحقيقة لا أرى بأسا من ذلك، وإذا كان أصحاب الفضيلة يرون أنه إذا عدل على أن يكون وعدا وليس عقدا بالهبة أعتقد أن هذا أيضا يكون مناسبا باعتبار أن العمل هنا عمل مؤسسة دولية مع دولة أخرى، إذا أمكن أن يكون وعد، فهذا أفضل وتكون الأمور أوضح.
الشيخ عبد الله البسام:
هو عندي نقطتان باختصار جدا:
الأولى: أني ما أدرى الإخوان المجيبون هم أهملوا نقطة وهي ذكر مدة الإجارة لأن الإجارة هذه لا بد لها من مدة فلا بد من ذكرها، الفقهاء ذكروا أن مدة الإجارة هذه قد تطول ما دامت العين موجودة، وبهذا يكون هذا يصح مثلا أن تكون مدة الإجارة مثلا يقدرونها بالمدة التي تصل إلى درجة إلى الوقت الذي تنتهي فيه مدة الإجارة ويأتي وعد الهبة وإذا قلنا وهو قول جمهورنا: إن الإجارة عقد لازم ذهب عنا، ما تسائل سماحة الرئيس من إمكان الرجوع في المعدات بعد تثبتها، ما دام قلنا: إن الإجارة عقد لازم من الطرفين، وإنه لا يجوز إيجار معناه أن هذا العقد سيتسمر إلى نهاية الحاجة من هذه الآلة المجعولة (إلى نهاية المدة) ، وهذه المدة نقدرها بنهاية العمل (الحاجة من هذه الآلة) ، أنا أرى أنه ليس هناك مانع من ذكر الوعد كما هو مذهب الإمام مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وقول الإمام أحمد اختار كثير من مشايخنا أن الوعد يجب الوفاء به {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} فأنا ما أرى مانعا من ذكر هذه الصيغة وتكون لازمة من جانب البنك.
الرئيس:
مع تقديري لكلام فضيلتكم الوعد لم يأت ابتداء وإنما أتي اجترارا لهذا العقد الموجود الذي تكيف وكالة ثم إجارة.
الشيخ عبد الله البسام:
المستفيد لا يلزم البنك بهذا وإنما تكرما من البنك ومحافظة على هذه الآلة حتى لا يرهقها في مدة قصيرة، محافظة لهذا ورعاية لهذا يعمد البنك بأنه يعد المستفيد بأنه بعد المدة الفلانية التي يحددونها أنه سيهبها له.
الرئيس:
لكن إذا كانت الآلة ثابتة بحيث لا يمكن إزالتها بعد، وهي إنما حازها بناء على الإجارة لا على التملك فكيف يصدق عليها أنها إجارة، هذا سؤال لعله وارد.(3/1485)
الشيخ عبد الله البسام:
إذا قلنا: إن العقد لازم من الطرفين لا نؤجر ولا نستأجر ما يستطيعون حال هذا العقد إلا باتفاقهما.
الرئيس:
لكن هو لمدة معينة ولذلك منصوص في نفس الصفحة هنا مقسطا على سنوات معينة.
الشيخ عبد الله البسام:
مدة معينة أن يجعلها المؤجر والمستأجر يمدونها بحيث حتى تنتهي هذه الآلة.
الرئيس:
ما تنتهي هنا الآلة.
الشيخ عبد الله البسام:
ينتهي الغرض منها.
الرئيس:
الغرض منها قد يستمر سنين طويلة لا حد لها.
الشيخ عبد الله البسام:
لها حدود مدة معينة أو سنوية بمدة معينة.
الرئيس:
المدة موجودة، هذا الذي تساءلت عنه هو في آخر الصفحة مقسط على سنوات معينة فقط، معينة لا إشكال فيها، لكن نفس الإيجار مع الربح مقسط على سنوات معينة فأنا أقول: هذه الآلة التي يسوغ إزالتها عن مكانها بحال من الأحوال بحيث إنه إذا أزيلت فإنها تكون تلفا على المشروع وتلفا للآلة نفسها فكيف نسميها إجارة؟
الشيخ عبد الله البسام:
الحكر في الحجاز وفي غير الحجاز والصبر في نجد ما هي إجارة.
الرئيس:
تعرفهم أنه مستوفى أن القيمة مستوفى تقديمها بقي إلا شيء رمزي.
الشيخ عبد الله البسام:
لهذا يحددون لها مدة لتصحيح العقد إلى خمسمائة عام، شكرا.
معالي الدكتور أحمد محمد علي:
شكرا سماحة الشيخ الحقيقة دوما في عقود الإيجار التي يبرمها البنك، فيسعي إلى أن تكون العين المؤجرة لها دور تقوم بذاته في المصنع وممكن أيضا فصله مثلا، ممكن تكون غلاية في أغلب الأحيان قد تكون سفن، قد تكون قاطرات. قد تكون مركبات قاطرات، وقد تكون في بعض الأحيان معدات في المصانع، ولكن يكون لها وظيفة قائمة بذاتها، ممكن إن تكرمتم الدكتور فاتح يشرح هذه النقطة بالذات دائما يسعى في عقود التأجير أن تكون الآلة لها صفة قائمة بذاتها.
الرئيس:
تفضل يا أستاذ فاتح مع الإيجاز.(3/1486)
الدكتور فاتح خان:
شكرا سيدي الرئيس… بسم الله الرحمن الرحيم. أحب أن أشير إلى شرط في جميع مشروعات العقود، عقود الإيجار التي يقوم بها البنك، هذا الشرط ينص على الآتي:
لا يجوز للمستأجر بدون موافقة المؤجر المسبقة كتابة أن يثبت المعدات على أي أرض أو مبان بحيث لا يمكن فصلها عن تلك الأرض أو المباني دون تلف أو تغير في هيئتها، ويتعهد المستأجر بأن يتخذ كل الترتيبات اللازمة التي تمنع نقل ملكية المعدات لمالك تلك الأرض أو المباني، شكرا سيدي الرئيس.
الرئيس:
في الواقع مع معذرتي لجميع الإخوان المشايخ لا شك عندي بأن تصوير الاستفسارات أنه قاصر، فالمفروض أنه في هذه الاستفسارات التي وضعت أمامنا لأن الحكم فرع التصور ومعني هذا أن الاستفسارات ينبغي أن تحمل جميع التصورات لهذه المعاملة القائمة بذاتها.
الآن من خلال هذه المناقشة البسيطة تبين لنا ما لم يذكر ويصور في هذا السؤال، ولهذا فالحقيقة يا مشايخ نحن نجد حرجا، وتعرفون أنه في الدورة الماضية، إن لم نقل جميع الاستفسارات فهو أغلبها كان التصور لها على خلاف ما كان يعمل عليه البنك، ولهذا كونت لجنة في نفس الدورة فوصلوا إلى تصور ثم اجتمعت اللجنة الأخيرة التي أبدت جهودا لا تنكر وهي آخر لجنة انعقدت في رجب أو في شعبان أو في شوال عند معالي الشيخ في البنك ثم أبدت التصور الأخير، وعلى الرغم من هذا فإنه لا يزال ثمة نواقص ونحن يتعذر علينا تعذرا كاملا أن نفتي في مسألة أو استفتاء أو استفسار لم يكن مستكملا للتصور لأنه قد يكون هناك نقطة أهملت وهي تنسف الموضوع نسفا وقد تكون هناك نقطة أهملت، وهي تبرر الموضوع ليكون شرعيا، وفوت الأمور هو من طبيعة البشر ولا شك، لأن أمثال هذه الأمور هي عمليات حسابية مصرفية، عقود تتلاحق عليها عدة عقود، وفيها شيء من التعقيد وتحتاج إلى إعمال الذهن، فلهذا نحن في جلستنا هذه ننهي المناقشة ونستأنف الجلسة المسائية بإذن الله تعالى، وسوف يكون الاستئناف في الجلسة المسائية في الاستفسار الثالث لأن فيه تشابها حتى نربط بين الاستفسار الثاني والثالث وعلى ضوئه إن شاء الله تعالى نتوصل إلى نتيجة، وشكرا، وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(3/1487)
الجلسة المسائية
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين، وصلى الله عليه وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ونفتتح مستعينين بالله تعالى هذه الجلسة المسائية والتي كان من المفترض فيها أن تكون لزكاة الأسهم في الشركات ولبحث توظيف الزكاة، إلا أنه نظرا لامتداد البحث في استفسارات البنك الإسلامي للتنمية فإننا سنواصل في جلستنا هذه بإذن الله تعالى العرض والمداولة لاستفسارات البنك الإسلامي للتنمية.
وأرجو أمرين:
الأمر الأول: أنه إذا أخذ المشايخ الكلمة يدخل في الموضوع مباشرة ورجائي إعفاؤنا من المقدمات التي لا معنى لها، تضيع لنا الوقت.
الشيء الثاني: الإيجاز ما أمكن.
الأمر الثالث: إذا تكرمت وأرجو المعذرة أنه لا داعي للتعقيبات التي قد تبدو هناك حساسية في بعض الأشياء يعني ينبغي أن قيمتنا الأدبية أكبر من هذا الشيء، نغتفرها ونسير فيكون عملنا موضوعيا ونترك المناقشة الجانبية، وأرجو المعذرة في هذا الشيء وأرجو من فضيلة الشيخ المختار أن يتفضل في الاستفسار الثالث.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة أنك أنت الوهاب.
الموضوع الثالث: وإن كنا لم نكمل الحديث في الموضوع الثاني وهما لا تلازم بينهما بل يصح أن تتمثل "أيها المنكح الثريا سهيلا" هو الوعد بالشراء، الوعد بالشراء هو أن دولة من الدول ترغب من البنك أن يشتري لها أمرا ثم يبيعها بعد ذلك فيقع العقد على النحو التالي بعد أن يتأكد البنك من صلاحية الطلب لاقتصاد الدولة الطالبة إذ ذاك يقع وعد بشراء المعدات، أو بشراء ما يرغب في شرائه، بين البنك وبين الجهة المستفيدة، أي الدولة الراغبة في الشراء، وبعد هذا الوعد يوكل البنك وبين الجهة المستفيدة أي الدولة الراغبة في الشراء، وبعد هذا الوعد يوكل البنك الراغب في القيام نيابة عنه بالشراء ومتابعة العملية إلى تمامها حتى يكون ما وعد بشرائه وما تم العقد على شرائه كاملا جاهزا لا نقص فيه بعد أن يتسلم الوكيل المعدات وتكون سليمة يبرم عقد بيع بين البنك وبين الجهة المستفيدة بثمن معين هو حاصل ثمن الشراء مضاف إليه الربح ويقسط هذا الثمن العام على آجال تتراوح بين ثلاث سنوات وعشر سنوات فهي إذا ثلاث عقود.
العقد الأول: هو وعد بالشراء.
العقد الثاني: هو توكيل.
العقد الثالث: هو بيع من البنك إلى الجهة المستفيدة.
وقد رأت اللجنة بعد البحث والتأمل أن هذه العقود الثلاثة هي عقود سائغة، ولكنهم يؤكدون على الفصل بين عقد الوكالة وبين عقد البيع، وكذلك الوعد بالشراء فكل عقد هو على انفراد، وقد أنجزنا، وهذا ما لم أقله في الصباح، تطبيق التوصيات كلها على العقود فكانت العقود غير مستجيبة للتوصيات التي قمنا بها، فقمنا بتحرير العقود على أساس الاستجابة للملاحظة الشرعية التي رأيناها، وشكرا.(3/1488)
الشيخ إبراهيم الغويل:
سيدي الرئيس أنا أود أن أدخل إلى الموضوع مباشرة ولكنني أود أن أقدم لذلك ملاحظة أو ملاحظتين ثم أقترح اقتراحا عمليا.
الملاحظة التي خطرت لي وأنا أقرأ السؤال الثاني، وهذا السؤال هو أن تجزئة كل عملية إلى عدة عقود أعتقد أنه لا يفيد كثيرا في تجنب النتيجة التي نراها جميعا وهي أن العمليات بالخلاصة وبالأخير هي نفس العمليات التي تجريها المصارف فكأننا نحاول أن ندخل هذه الترتيبات وهذه التوزيعات وهذه التجزئات لنصل في الأخير إلى قرار بأن ما تجربه المصارف في العادة هو صحيح، أعتقد أن الأمر الأولى أن نواجه المشكلة مباشرة هذه تصرفات توجد لدى المصارف نقبلها أو لا نقبلها، إنما محاولة جعلها أجزاء وكل جزء صحيح وفقا للعقد الفلاني، ثم الانتهاء في الأخير إلى القرار بأنها صحيحة هو واحد إذا أردنا أن نقر العمليات المصرفية أو البنكية كما هي فلنقرها إن لم يرد ذلك، فأعتقد أن نواجه هذا الأمر بشكل أوضح، ولاحظت أيضا ولا بد أن أعود لهذه الملاحظة أن هناك في كثير من الأحيان نوعا من التصورات لهذه المعاملات على غير ما هو معروف في العالم المعاصر، مثلا كأن قال يعني في السؤال الثاني بأن التقرير الواقع غير ممكن أنا أعرف بحكم أن لدى مكتبا استشاريا والمكاتب الاستشارية أو مكاتب الخبرة تعرف ثلاثة أنواع من المعاملات في التقديرات فنحن لدينا نظام يقول: إن هناك اشتراكا محددا أو ما نسميه "الاشتراك الثابت" أو هناك طريقة أخرى في التقدير تقوم على عدد الساعات ومن نخصصه لمتابعة أمر من الأمور ونعرف ذلك بدقة وفقا للساعات وللجهد المبذول وهناك طريقة أخرى نسميها طريقة "النسب" والطرق الثلاث تختلف عندنا في المكاتب الاستشارية، ودور الخبرة اختلافا واضحا بينا صريحا معروفا وفقا لأنظمة المحاسبات العصرية، ولقد استغربت صباح اليوم أن يشار أن البنك يرى أن أعمال النسبة وعدم إمكانية التقدير يسيران معا، لا أعتقد أن ذلك ما نعرفه نحن في مكاتب الاستشارات ومكاتب الخبرة، ولكن تغلبتم على هذه المشكلة حينما أشرتم إلى أجر المثل ولا بد من ضبط هذه الأمور وفقا لأسس محاسبية معروفة وروح العصر الذي نعيش فيه.
لذلك لدي اقتراح عملي أن مثل هذه الأسئلة لكي تضبط ضبطا دقيقا وتناقش بدقة أكثر لابد أن تدرس ضمن نظرة كاملة لنظام اقتصادي إسلامي، اقتراحي العملي الذي أرجوه وأقترحه أنه وفقا لهذا المجمع ومن الممكن أيضا بالتعاون مع البنك الإسلامي أن ندعي إلى ندوة علمية بين متخصصين في الاقتصاد العالمي من الاقتصاديين الإسلاميين ومع فقهاء لمناقشة هذه الأمور بنظرة أوسع حول نظام اقتصادي جديد يقوم على أسس إسلامية إنما هذه التأويلات يؤسفني أنها … أقول أن تذكرني أنه قيل يوما حينما أراد بنو إسرائيل أن يتخلصوا من عبء ما تصوروه من تآمر على عيسى عليه السلام فقالوا لنترك للرومان أن يحاكموه ولنطلب لصانع الصليب أن يصنع صليبا دون أن يعرف وليحمل الصليب طفل صغير ولينفذ الحكم أناس غير إسرائيليين وبتوزيع المسؤولية نخلص منها بالتمام.(3/1489)
أنا لا أرى أن الطريقة المثلى في معالجة هذه القضايا أن نوزع العقود ونتأولها ثم ننتهي لنفس النتيجة، وهو إقرار النظام المصرفي الغربي الرأس مالي كما هو لذلك أعتقد أن الحل العلمي أن يدعى إلى ندوة علمية يحضرها اقتصاديون يشرحون الأمور الاقتصادية يشرحون الأمور المحاسبية تناقش بدقة تفصيلية ويكون هناك اقتصاديون مسلمون ويكون هناك المجموعة المكلفة من هذا المجمع الكريم.
ولذلك مع كل اعتذاري ودون محاولة لجعل الأمر كما يقولون كأنه يحول من وقت إلى وقت ولكن هذه الأسئلة ومعالجتها بهذه الطريقة لا أعتقد أن هذه هي المعالجة المثلى على الأقل من وجهة نظري.
اقتراحي الذي أقدمه أن مثل هذه الأسئلة تناقش ضمن إطار كلي لنظرة اقتصادية إسلامية تعالج الأمور من جذورها، وشكرا.
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم.
ما زلت أؤكد ما قلته في الصباح عن الاستفسار الثاني بأن هذا المجموع من العقود التي ظاهرها الصحة يراد بها الاحتيال إلى التوصل إلى ما هو مشروع في الظاهر وهو فاسد وباطل في الحقيقة والباطن.
ولذلك أؤكد ما قلته في الصباح وأجعل العمليتين حكمهما واحدا، وأوجه الشكر لمعالي السيد الرئيس حيث ربط بين الموضوعين ربطا علميا دقيقا لأن الحكم فيهما واحد، وأيضا الذي أؤكد وأثني على ما اقترحه الأستاذ الغويل في أن مثل هذه الأمور لا يصح أن تعالج بهذه الطرق التي لا تخفى عن العوامل، وسرعان ما يتهموننا أننا كما يقول ابن القيم عندما يصف الذين يقولون بالحيل: قال أرباب الحيل فنحن أصبحنا تماما أرباب حيل، ونحن لا نعارض ما يريده إخوتنا من التنمية والنشاط والتصدي للحياة الحاضرة، ولكن نحن نعارضهم في الأسلوب نحن معهم أكثر تحمسا في الوصول إلى الأهداف التي يرجونها، لكن من طريق الحلال لا من طريق الحرام، فنحن لا نقر الواقع الظالم والشر ونعالج الشر بشر مثله، لأننا عجزنا عن أن نجد مخرجا إسلاميا.(3/1490)
واقترح الأستاذ الدكتور الصديق الضرير الزميل الفاضل أن نبسط هذه الأمور ونجعل بدل هذه الثلاثة عقود في كل زمرة زمرة ونجعل صورة واحدة، والبنك يعرض هذا الشيء على الناس فمن يريد قبوله هو يتحكم فيما يريد هو الطرف الأقوى وهو الذي يحتاجه المقترضون فهو الذي يحدد من خلال عقد واحد كالبيع بالتقسيط الذي لا غبار على مشروعيته في البنك الإسلامي عندئذ يمكن أن نتوصل إلى هذه النتيجة ولا داعي للتأقلم أو الدخول في هذه المتاهات أو القول: إن الوعد جائز وملزم عند الإمام مالك وهل ينازع أحد كما تفضل السيد الرئيس، هذا ابتداء لكن أن يكون من خلال عقد آخر لم يقل به أحد من فقهاء الإسلام.
الوعد ملزم عند الإمام مالك ونحترمه ولكن ليس هذا في صورة عقد، كذلك أن نربط عقدا بعقد. والحقيقة الطرفان العاقدان هما اثنان فقط والعقد الأول والثاني والثالث بين طرفين، وإنما هي محاولة لعبور جسر عبور من مرحلة إلى مرحلة والوصول إلى النتيجة الظالمة، وهي الوقوع في الربا شئنا أم أبينا ولا يعد هذا عرقلة منا للنظام الذي يراد نجاحه، فنحن أشد الناس حماسا لإنجاح نظام البنوك الإسلامية والمصارف الإسلامية والمنشآت الإسلامية وأن نحول الناس من الإقبال على البنوك الربوية إلى طريقة إسلامية سليمة ومنهجية، نحن إذن نحاول العثور على الحل الذي يتفق مع الأحكام الشرعية، هذه مهمتنا والله ولي التوفيق، وشكرا.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
بسم الله الرحمن الرحيم.
الحقيقة: هذه الصورة أو الصورتان بالنسبة للفقه المالكي وأنا لا أقول: مالكي بالنسبة للمذهب المالكي ولكني مالكي المدرسة من الباب الذي يسميه المالكية العينة، وهو اشتر لي سلعة فلان بكذا وآخذها منك بكذا، اشترها لي بعشرة نقدا وآخذها باثني عشر، وهذا نوع من العقود المحرمة عندهم تحريما لا غبار عليه، فإذا قال الآمر: اشترها لي بعشرة نقدا أخذها باثني عشر بأجل فهذا الحرام البين عند المالكية، وتلزم الأمر بالثمن الذي اتفق عليه المأمور مع المالك ولا يكون للمأمور شيء في هذه الحالة، وفي بعض التفصيلات الفصل يلزم للمأمور سمسرة مثله فإذا قالت الدولة للبنك اشتر لنا كمية من البواخر أو من الطائرات أو من المعدات بمبلغ كذا ونحن نشتريها منك، فهذا من العينة المحرمة عند المالكية، أما إذا جاءت الدولة إلى البنك تقول: أنا محتاجة إلى عدد كذا من الأدوات، يقول: بكم تشتريها؟ تقول الدولة: بكذا فيقول: بعد شهر خابريني والبنك يشتري على ذمته وعلى مسؤوليته فإذا جاءت إليه المعدات تشتريها الدولة بعقد منفصل تماما وليس وعدا بالشراء، فهذا يجوز وهو ما صدر به المالكية الكلام، عن العينة بقولهم: جاء لمطلوب منه سلعة أن يشتريها ليبيعها بنماء، فينبغي أن لا نخلط بين الصور الجائزة والصور المحظورة ونتكئ على المذهب المالكي ونقول: هذا وعد يلزم عند المالكية، المالكية هم أبعد الناس من الحيل، وهذا خلاصة مذهبهم في الموضوع، وشكرا.(3/1491)
الرئيس:
في الواقع معالي الشيخ أحمد علي … في الواقع الموضوع هو مطروح من قبل معاليكم وفي الحقيقة ليس موضوع معاليكم، وموضوع البنك هو موضوعنا جميعا لأن الوجهة الشرعية هي تهم الجميع، ونحن نعايشكم في همومكم وفي مهماتكم إلا أن من خلال المداولة في الاستفسار الثاني ومبادئ المداولة في الاستفسار الثالث يبدو أن هناك شبه اتجاه عام إلى التوقف أو المنع، ونحن حفاظا على قيمة البنك وإن لا يصدر ما يؤثر عليه وإن تكون القرارات التي تصدر هي قرارات شرعية متمحضة فإن معاليكم بصفتكم أصحاب الشأن قد ترون مناسبا وجهة النظر التي تفضل بها بعض الإخوان وثني عليها آخرون بأن يؤلف لجنة فيها فقهاء، لكن عصب هذه اللجنة هم اقتصاديون إسلاميون متخصصون معروفون بتخصصهم الدقيق في الأمور الحسابية والمصرفية ودراستهم الإسلامية ويشاركهم فقهاء من هذا المجمع، وعلى ضوئه يعد تقرير، ويوجهون بأن ما يتصلون فيه بعد تسجيل هذه المداولات لهم، ما يتصلون فيه أنه عقد فيه شائبة الحرمة أو شائبة الربا فإنهم يجدون بديلا لنا وعلى ضوء هذا في نظري أنه يجنب البنك، أي علامة استفهام أو تعثر ويحفظ همة الجميع، وعهدنا في معاليكم أنكم نحن ما جئنا نطلب منكم، أنتم الذين تطوعتم بدافع من دينكم وإسلامكم وغيرتكم الدينية في مجال الاقتصاد الإسلامي فقد ترون هذا مناسبا وإن شاء الله تعالى كل آت قريب وهذا لا يؤثر في الموضوع شيئا وإنما يدل على نفاذ البصيرة ويدل على التأني في طلب الحق يعني ما أدري عن نظر معاليكم في هذا الشيء.
معالي الدكتور أحمد محمد علي:
شكرا معالي الرئيس.. هذا الأمر متروك لكم كما ذكرتم، البنك اقترح هذه الأسئلة وتفضلتم بتكوين لجنة في الاجتماع السابق وحدث الاجتماع الذي أشرتم إليه وقدم لكم تقرير لجنة الذي ترتؤون في شأن هذا راجع لكم بالكامل أي شيء ترتؤونه أنتم.
الرئيس:
قصدي أن نختصر الوقت ونتلافى كثرة المناقشات والتصويت لأن الموضوعات التي كانت مرتبة في المساء فاتت علينا، المهم أننا ننتج سواء كان في استفسارات البنك أو في غيرها.(3/1492)
الشيخ عبد العزيز الخياط:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أعتقد أنه لا بد من أن نخرج من هذا الاستفسار برأي ما دام قد طرح للإخوة العلماء الأفاضل هذه واحدة، والشيء الثاني هناك اقتراح مقدم من اللجنة التي درست هذا الموضوع وهذا الاقتراح اعترض عليه بعض الإخوة اعترضوا أنه لا يجوز تفتيت العقد في مثل هذه العملية عقد توكيل وعقد بيع من البنك، أرى في رأيي أنه لو بحثناها من وجهة نظر أخرى صوبناها من وجهة نظر أخرى بأن ننزلها على بيع مرابحة فيكون هناك وعد بالشراء هذا الوعد سواء كان ملزما على رأي الإمام مالك أو غير ملزم إنما يقوم البنك بشراء هذه المعدات اللازمة وبعدئذ يبيعها بعقد ثان لمن طلبها أو وعد بشرائها بيع مرابحة بالربح الذي يراه أو بالتقسيط الذي يراه وشكرا.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أعتقد أننا وصلنا في الصباح إلى نقطة هي التي بقيت محل سؤال هي أنه هل تقرن الهبة بالعقد أو لا تقرن، ولما طلبت الكلمة منكم في الصباح لأقرأ عليكم نص الفصل الثالث عشر الذي هو وعد بالهبة وليس فيه هبة كاملا، لأن نص الفصل الثالث عشر يقول: هبة المعدات المستأجرة إذا لم تلحق بالمعدات خسارة شاملة ولم يكن المستأجر مخلا أو مقصرا في أي من التزاماته المقررة بموجب هذه الاتفاقية يقوم المؤجر في أول يوم عمل يعقب تاريخ أداء آخر قسط من أقساط الإيجار بنقل ملكية المعدات إلى المستأجر على أساس الهبة فقلت في كلمتي: إن هذه التوصيات أو هذه الملاحظات التي لاحظناها حاولنا أن نجعل العقود متناسبة معها وانتهينا في الصباح إلى أن هذه العقود وهي مفرقة كل عقد على انفراد لا يستطيع أي منا أن يدعي حرمته وإنما تجاوز ذلك إلى أنه لا يطمئن إليه أو في نفسه منه شيء ما أعتقد أن الأحكام تعود إلى ما في النفس من شيء ولكن الأحكام مبنية على الدليل، قضية ما جاء اليوم من وعد بالشراء ثم توكيل بالشراء ثم بيع المعدات بعد ذلك هذا أمر إذا نظرنا للعقود الثلاثة فإن كان الإمام مالك فعلا، وقد نص على هذا حافظ المذهب ابن رشد، ومنه نقل خليل على هذه الصورة، لكن ليس مذهب مالك هو المذهب الوحيد بل من العلماء من الشافعية من يجوز هذه العقود.(3/1493)
فإذا كان العقد جائزا وإذا كانت العقود كل عقد على انفراد وهو عقد جائز فما معني أن هذه العقود؟ لأننا لم نألفها وشأن الشخص إذا لم يألف عقدا أو لم يألف شيئا تقع بينه وبينه جفوة، والعبرة بالعقود في صيغتها وفي اشتمالها على كافة الأركان والشروط، فعلينا إذن كل شخص يريد أن يناقش لكن حبذا أن تكون المناقشة مناقشة علمية على أن هذا العقد فيه من العيوب كذا وكذا وكذا ولذلك فهو غير مقبول شرعا، ونتناقش على أساس، أما أن هذه العقود في النفس منها شيء وهذا تحايل وهذا كذا، فهذه تهم أعتقد أنه من الأفضل إذا أرادنا أن نسلك هذا العمل بجدية ألا يكون العمل والطريقة هي هذه الطريقة، وطريقة التأجيل والتأجيل والتأجيل هي ليست طريقة ثانية وإنما هي طريق للهروب من مواجهة المشاكل، وشكرا.
الرئيس:
في الواقع إن من خلال التجربة في هذا الموضوع على وجه الخصوص تعرفون أنه طرح في المجمع في الدورة الماضية فكونت لجنة منبثقة من نفس المجمع، ثم عرض قرارها أو تصوراتها في آخر الدورة فوجد أن ما تصور أخيرا كشف لنا أمورا كانت غائبة قبل، ثم كانت اللجنة التي فيها أصحاب الفضيلة المشايخ التي انعقدت في شوال في مقر البنك في جدة ثم حصل من التصورات أكثر وأدق مما كان عليه قبل ثم من خلال المناقشة في الجلسة الصباحية حصل أن هناك نقطة لم تدون في السؤال الثاني، ولا شك أن مثل هذه لها تأثير سلب أو إيجاب، ولهذا فإن موضوع تأليف اللجنة هي ليست لجنة عائمة أو لجنة مطلقة كذا، وإنما لجنة متخصصة من الذين حضروا هذه المداولات وعرفوا التوجيهات ووجهات الآراء، ومن المتخصصين العارفين بالمصارف وأحكامها وطرقها والمحاسبات فيها وعلى ضوء هذا يظهر أنه سيكون هناك جلاء في النتيجة التي ستعرض عليكم فيما بعد إن شاء الله تعالى، ولهذا فإنني نظرا لقرب صلاة المغرب وأن معالي رئيس البنك لا يرى مانعا، متى ما توجه المشايخ إلى هذا فأرجو إشارة أصحاب المشايخ بأيديهم الذين يرون التأجيل بأن يوكل إلى لجنة قضائية فقهية اقتصادية.(3/1494)
الدكتور عبد السلام العبادي:
سيدي لا أريد أن أدخل في مناقشة القضية من حيث الموضوع لأني أبديت رأيي في الجلسة الصباحية وأريد أن أقول إذا كان فيه توجه إلى مثل هذا الاقتراح نحن نكرر أنفسنا في الواقع، الاقتراح هذا، بني بشكل أو بآخر في الدورة السابقة، نحن نستطيع أن نقول إننا بين خيارين إما أن نقول: إن هذه قضية تحتاج إلى بحث واستفسار ويتركها المجمع يعني يترك المجمع هذه القضية لمجموعة من الفقهاء والمتخصصين من الاقتصاديين أو غيرهم ليدلوا برأيهم مباشرة إلى البنك من أجل أن تبرأ ذمة البنك فيما يتعلق بالحكم الشرعي لأنه إذا أحلناها إلى لجنة من هذا النوع ستأتي اللجنة بدراستها إلى هذا المجمع وسيعود النقاش مرة أخرى بنفس الصيغة إلا إذا قلنا إن عددا كبيرا من أعضاء المجمع سيكونون هم أعضاء هذه اللجنة ويشتركون مع مجموعة كبيرة من الاقتصاديين لبحث هذه القضية، هنالك في الواقع وجهتا نظر في هذا المجال واضحتان، ولا يمكن في الواقع أن تتفقا، وهذا أيضا معروف في ساحات أخرى وفي دراسات أعدت في هذا الموضوع: وجهة نظر تنطلق من القيود التقليدية المقررة في مجال ضبط العقود من الناحية التفصيلية ووجهة نظر تنظر إلى روح الشريعة وحكم تحريم الربا، وإن القاعدة ترتبط بمدى مسؤولية المقرض الممول لا بد أن يظل الخلاف، فإما أن يتجه المجلس لدراسة هذه القضية بإفاضة ولو أخذت عدة جلسات ومع ازدحام جدول الأعمال يبدو أن هذا الأمر مستحيل وإما أن يدع القضية أن تعاد مرة أخرى ونحيلها إلى هؤلاء العلماء الكبار الذين اجتمعوا في رحاب البنك، وهم ممن نثق بعلمهم وبينهم اقتصاديون ومنهم فقهاء درسوا هذه القضية واستجمعوا كل المعلومات واطلعوا على كل التقارير وعلى كل التفاصيل وانتهوا إلى هذا، تحفظنا على ما انتهوا إليه ما الذي يمنع أن نكرر أنفسنا أيضا عندما تأتينا لجنة أخرى وتأتي بنفس الاقتراحات أو بالحلول المقاربة، القضية لا تعالج بأسلوب إحالتها مرة أخرى إلى لجنة يمكن معالجتها بأن يرفع المجلس يده عن هذا الموضوع ويترك لإدارة البنك أن يعالجه بالطريقة التي يراها مناسبة.. وشكرا.(3/1495)
الرئيس:
في الواقع يا شيخ عبد السلام هذا إنما انطلق من خلال المناسبة التي جرت في الجلسة الصباحية في الاستفسار الثاني وهو في عملية الإجارة لا شك أن الاتجاه العام هو المنع أو إلى التفصيل في الموضوع، والبنك مؤسسة للجميع يحرص الجميع على أنها تسير في أعمالها وأنها لا يعتريها شيء يعثرها، ولهذا فإنه لا بد أن يصحح هذا المسار طالما أنه فيه اتجاه للمنع يصحح هذا المسار، أو أنه يقرر تقريرا نهائيا بالمنع لكي يوجد لهم البديل، ومن خلال تسجيل المداولات في الصباح فيه اتجاه إلى المنع أو التفصيل فطالما أن الأمر كذلك فالحقيقة أنه يعني بقدر ما هو محافظة على ذمة الجميع هو محافظة على قيمة البنك الأدبية في معاملاته.
الشيخ عبد الله بن بيه:
الحمد لله رب العالمين اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدا.
في الحقيقة العملية لا شك ولا ريب أن الحيلة فيها واضحة، لا شك ولا ريب في ذلك لو حذفنا مسألة التوكيل كما ذكرت صباحا وحذفنا تلك الوعود وبدأت القضية بالبيع والوعد بالهبة لأمكن على المذهب المالكي أن نجد حلا لها ولذلك حتى لا أطيل عليكم أقترح أن تشكل لجنة حالا وأن هذه اللجنة تقدم الأدلة لأن ما قدمته هذه اللجنة ليس كافيا كما قلت صباح اليوم لسنا بأبوات لا نصدر قرارا هكذا. نصدر القرارات انطلاقا من الأدلة المتوفرة النابعة من الكتاب والسنة وأقوال الفقهاء، هذا الكلام الذي أمامنا لا يجد دليلا لابد أن توضع الأدلة الشرعية الواحد تلو الواحد ليقرر لها حكما هذا رأيي والله أعلم، والسلام عليكم.
الرئيس:
ترفع الجلسة لأداء صلاة المغرب.(3/1496)
بعد صلاة المغرب
الرئيس:
أصحاب الفضيلة في مدارسة بيني وبين معالي أمين عام المجمع قد يكون هناك وجهة نظر لعلها تجمع وتحقق المطلوب بإذن الله تعالى وهو أن تؤلف لجنة من مجمعنا هذا ويباشرون النظر في هذه الاستفسارات وما قررته اللجنة السابقة وما حصل من مداولات ثم ينتهون إلينا في آخر هذا الأسبوع بما يتوصلون إليه، وهذا اللجنة تتكون من المشايخ.
الشيخ وهبة الزحيلي – الشيخ المختار السلامي – الشيخ مصطفى الزرقاء – الدكتور الشيخ الصديق الضرير – الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور.
وإذا رغبوا لعله يكون معهم معالي الأمين أو أحد خبراء البنك أو لعلهم يكتفون بما لديهم من ورقة العمل فلعلكم ترون هذا مناسبا، وبه إذا رأيتم ذلك مناسبا وتمت الموافقة عليه.
إذن تمت الموافقة.(3/1497)
التوصيات والاختتام
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
توصيات
الدورة الثالثة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الثالث بعمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية من 8 إلى 13 صفر 1407 هـ/11 – 16 أكتوبر 1986 م.
بعد استماعه إلى بيان سمو ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية الأمير الحسن بن طلال، حول المشكلات الملحة التي يعاني منها المسلمون في مجالات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وضرورة التوجه لتلبية الحاجات الملحة للمسلمين في مواجهة آثار الفقر والمرض والجهل، وتحقيق الحياة الكريمة للإنسان.
وبعد اطلاعه على نداء سمو ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية الموجه إلى العالم العربي والإسلامي لإغاثة السودان.
وبعد استشعاره وهو ينعقد على مقربة من المسجد الأقصى المبارك بضرورة مضاعفة الجهد من أجل استنقاذ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
وفي ضوء قناعته بضرورة الاهتمام بالدرجة الأولى بالقضايا التي تتصل بحياة المسلمين الاجتماعية والاقتصادية والتضامنية، وبضرورة تعميق الدراسة والبحث فيها بالتركيز على الندوات العلمية والأيام الدراسية ونحوها.
يوصي بما يلي:
أولاً: ضرورة تبني برنامج إسلامي واسع للإغاثة ينفع عليه من صندوق مستقل ينشأ لهذا الغرض ويمول من أموال الزكاة والتبرعات والأوقاف الخيرية.
ثانيًا: مناشدة الأمة الإسلامية شعوبًا وحكومات أن تعمل جهدها لاستنقاذ أُولَى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين وتحرير الأرض المحتلة بحشد طاقاتها وبناء ذاتها وتوحيد صفوفها والتسامي على كل أسباب الاختلاف بينها وتحكيم شريعة الله سبحانه في حياتها الخاصة والعامة.
ثالثًا: الاهتمام بأعمال المجمع في مجالات الدراسات والبحوث والفتوى والمشاريع، بالقضايا الهامة للمسلمين والتي تتصل بحياتهم الاجتماعية والاقتصادية وتوحيد صفوفهم وجمع كلمتهم وتحقيق أسباب التكافل والتضامن بينهم وتمكينهم من مواجهة كل التحديات ومن إقامة حياتهم على هدي من شريعة الله سبحانه.
رابعًا: التمييز بين قضايا الدراسات والبحوث وموضوعات الفتوى وذلك بالتركيز في البحوث والدراسات بصفة خاصة على الندوات العلمية والأيام الدراسية وفق خطة تعدها شعبة التخطيط لتعرض على المجلس.(3/1498)
بسم الله الرحمن الرحيم
تحية دورة الجمع
للدكتور: محمد عبد اللطيف صالح الفرفور
بوركت أرض يعرب والسماء
وضفاف الأردن والبلقاء
أمة بورك الزمان عليها
ورعتها يد له سحاء
أنها أمتي التي رفع الله
منارًا لها به الاهتداء
أنها خير أمة لنبي
كان من بعض جنده الأنبياء
نبعة العز فيهمو وبهم قا
م عماد لدينهم واعتلاء
هذه أرضهم عليها لواء
من أضاح ما فوقهن لواء
رويت تربة العروبة منهم
فالأقاحي جذورها شهداء
ولئن باحت الورود بسر
ند منها فوجنتاها دماء
أرضنا ضمخت بعطر الضحايا
فالروابي زهورها أشلاء(3/1499)
فعلى الأرض من شذاها عبير
وعليها من البهاء رواء
بوركت أمة النبي وأرض
شرفتها نعل له غبراء
هذه الأرض أرضنا وحمانا
وهي عرض تحميه منا الدماء
لو بقينا بعد القتال رفاتا
قام من ذلك الرفات القضاء
أبدا لن ترى العدو يجوس الدار
إلا وأهلها قد أساءوا
مزقتهم حمى الزعامة فيهم
فهموا في حماهمو أشلاء
إيه يا أمة النبي وأنت اليوم
أنت المني وأنت الرجاء
يا بني أمتي إلام ابتعادا
عن هداه يهدي له من يشاء
عزَّ آباؤكم بنصرهمو الل
هـ وهم في نفوسهم ضعفاء
والبطولات في دماكم تلظت
هي وقف عليكمو وبناء
لا تقولوا قد فاتنا الركب إنا
قد أُكِلْنَا وما بذاك بقاء
إن تعاقد هذي الخناصر نضحي
لبلاء ما بعد ذاك بلاء
يا لمهد المسيح والحرم الأقصى
وأرض ترابها أنبياء(3/1500)
جاسها السيد الكليم بتوراة
وفيها الشريعة الغراء
ولقد شرف المسيح ترابا
وطئته برجلها العذارء
وبإسرائك المبارك أضحي
برؤه في محمد وانتهاء
إيهِ أرض البلقاء فيك عظام
لأناس هم همو العظماء
في ثراك الصحابة الغر ناموا
وهمو للنبي فيهم فداء
مؤتة من تلاحم المجد فيها
تتجلى البطولة العرباء
شهدت موت جعفر فهو طير
من طيور الجنان كيف يشاء
عبق المجد والبطولة عطر
ليس يدري عبيره الجبناء
يا لهول اليرموك في غسق الفجر
وما للمحاربين اهتداء
وجيوش الرومان تسرع في وا
قوصة في جحيمها البلواء
عندها تسمع الهدير هريرًا
وبجوف الظلام يعلو النداء(3/1501)
ما تنادوا (الله أكبر) إلا
رقص السيف واستحر اللقاء
أمتي أمة الحضارات فيها
ظللتها الظلال والأفياء
نبعت في ثري رباها عيون
وعلوم وحكمة علياء
لم تك الحرب في شريعتها العظمى
اشتفاء وأين منها الشفاء
إنما الحرب للطواغيت حتى
ظهر الحق للشعوب وفاؤوا
دخل الناس في الشريعة أفواجًا
ويحدوهمو إليها رضاء
بعث الدين في العقول انبعاثًا
للمعالي وهن قَبْلُ هواء
فإذا جوهر الحضارة فيهم
فهمو في شعوبهم حكماء
وأنارت تلك الحضارات دربًا
أين منها النجوم والجوزاء
وبهذا الإسلام نصنع صرحًا
للحضارات ما إليه انتهاء
يا بلاد الشام يا أمل الدن
يا ويا بارقا سناك ضياء
كنت كهف العلوم والفكر حتى
غالك الدهر والليالي وفاء(3/1502)
هذه صحوة ومنبعها الشام
وأردنها ونعم العطاء
إن تفرق منا حدود فإنا
نحن يوم الشدائد الأوفياء
إن ذكرت الشام يومًا فعمان
وتلك الخريدة المعطاء
نحن في الروع أمة وحد الد
ين عراها وباركتها السماء
ما دمشق عندي وعمان إلا
بلد واحد له الانتماء
أبدًا لن تزول أمتي الكبـ
ـرى ولن يغلب العلا لأواء
شرف باذخ ومجد تليد
ولنا في المجامع الآباء
ولعمري كل البلاد وطائي
من بلاد الإسلام وهو الغطاء
مجمع الفقه يا كبير المعاني
أنت في ليلنا هدى وسناء
فيك ناطت هذي الشعوب جسامًا
هي للقوم عزة وارتقاء
وعليك الآمال تعقد فينا
ولديك المحجة البيضاء
فأعد مجد ديننا واجمع الشمـ
ـل وحقق ما أخفقت به الزعماء
رد للمسلمين عزة دنياهم
وصحح ما قد يكون أساؤوا(3/1503)
هذه أمة تجاوزها التاريخ
في عقر دراهم بؤساء
هل وجدتم فيما وصلتم علاجًا
فلماذا لم تشبع الفقراء؟
ليس تحت السماء أرحم من دين
رحيم رجاله رحماء
مجمع الفقه يا عبير الأقاحي
قد تندت بعطرك الأرجاء
كنت ريحانة القلوب فلما
زرتنا اليوم كان منك العطاء
امض نحو الخلود أيدك اللـ
ـه وفيك الجهابذ الأكفاء
امض نحو الرشاد والنور والإشر
اق قدما تحوطك الأمناء
فكأين من مجمع مات لما
ولدت منه صرخة بلهاء
لا تخف فالحبيب فينا مكين
وله عزة وفيه مضاء
ورئيس لنا هو الأمل المرجو
واليمن والهدى والنقاء
لم أقم مادحًا وما ذاك من شأ
ني ولكن أمانة وذماء
في رحاب الأردن كان لقاء
وبذكر الحسين يحلو اللقاء
وأخوه الأمير سدده الله كفاء
ونعم ذاك الكفاء(3/1504)
من عرين الأٍسود جئنا إلى النسر
وعرش تهفو له العلياء
وشهدنا من ناصريه أسودًا
فهمو عليه الورى العلماء
إيهِ يا مجمع الحضارة آل البيت
يا من تعطرت أنحاء
لهواكم في القلب أحلى من الشـ
ـهد وروضاته بكم فيحاء
وقلوب العشاق فيها أنين
وصدور لهم بها برحاء
وقواف نظمتها في هواكم
بعضها شكرهم وبعض دعاء
فلعل الزمان يسمح يومًا
بتلاق وأين ذاك اللقاء؟
ففؤادي ومجمعي وبلادي
يا حسبنا مني إليك تناء
وقريضي وما عسى أن توفى
لك مني القصائد العصماء(3/1505)
قائمة بأسماء المشاركين في الدورة الثالثة
لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
عمان: 8 – 13 صفر 1407 هـ
11 – 16 أكتوبر 1986 م
قائمة بأسماء المشاركين في الدورة الثالثة
لمجلس مجمع الفقه الإسلامي
عمان 8 –13 صفر 1407 هـ
11 – 16 أكتوبر 1986 م.
أولاً: الأعضاء المنتدبون:
1- فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد المملكة العربية السعودية رئيس
2- فضلة الحاج عبد الرحمن باه جمهورية غينيا نائب الرئيس
3- فضيلة الدكتور عبد السلام العبادي المملكة الأردنية الهاشمية نائب الرئيس
4- فضيلة الدكتور عبد الله الحاج إبراهيم ماليزيا نائب الرئيس
5- فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور الجمهورية العربية السورية رئيس شعبة التخطيط
6- فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى جمهورية مصر العربية رئيس شعبة الإفتاء
7- فضيلة الأستاذ إبراهيم بشير الغويل الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية مقرر شعبة التخطيط
8- فضيلة الأستاذ محمد ميكو المملكة المغربية مقرر شعبة الإفتاء
9- فضيلة الدكتور محمد شريف أحمد الجمهورية العراقية مقرر شعبة البحوث والدراسات
10- سيدي محمد يوسف جبري جمهورية مالي عضو مكتب المجلس
11- فضيلة القاضي محمد تقي العثماني جمهورية باكستان الإسلامية عضو مكتب المجلس
12- فضيلة الدكتور روحان أمبابي جمهورية السنغال عضو مكتب المجلس
13- البروفيسور صالح طوغ الجمهورية التركية عضو مكتب المجلس
14- فضيلة الشيخ محمد هشام البرهاني الإمارات العربية المتحدة عضو
15- فضيلة الشيخ أحمد أزهر بشير جمهورية أندونيسيا عضو
16- فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد دولة البحرين عضو
17- فضيلة الدكتور دوكوري أبو بكر جمهورية بوركينا فاسو عضو
18- فضيلة الشيخ عبد الحميد بن باكل سلطنة بروني دار السلام عضو
19- حجة الإسلام محمد علي التسخيري جمهورية إيران الإسلامية عضو
20- فضيلة الشيخ محمد علي عبد الله جمهورية النيجر عضو
21- فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي الجمهورية التونسية عضو
22- سعادة الدكتور عمر جاه جمهورية غامبيا عضو
23 – فضيلة الشيخ هارون خليف جيلي جمهورية جيبوتي عضو
24 – فضيلة الدكتور محمد عطا السيد سيد أحمد جمهورية السودان عضو
25- فضيلة الشيخ آدم الشيخ عبد الله علي جمهورية الصومال الديمقراطية عضو
26- فضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد جمهورية تشاد عضو
27- فضيلة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي سلطنة عمان عضو
28- فضيلة الشيخ رجب بيوض التميمي فلسطين عضو
29- فضيلة الشيخ خليل محيي الدين الميس الجمهورية اللبنانية عضو
30- فضيلة الشيخ موسى فتحي جمهورية المالديف عضو
31- معالي الشيخ محمد سالم محمد علي عبد الودود جمهورية موريتانيا الإسلامية عضو
32 – فضيلة الشيخ سعيد محمد عبد الرحمن آل الشيخ جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية عضو
33-فضيلة الشيخ محمد عبده عمر جمهورية اليمن الديمقراطية عضو
34 – فضيلة الشيخ أنس عبد النور خاليصا جمهورية أوغندا عضو(3/1506)
ثانيًا: الأعضاء المعينون:
1- معالي الدكتور عبد العزيز الخياط: مؤسسة آل البيت
2- معالي الأستاذ عبد الهادي بو طالب: المدير العالم للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم الثقافية (المملكة الغربية)
3- فضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير: أستاذ بجامعة الخرطوم.
4- فضيلة الشيخ مصطفى أحمد الزرقاء: أستاذ في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية – عمان
5- فضيلة الشيخ عبد الرحمن البسام: عضو مجمع الفقه الإسلامي (بمكة المكرمة)
6- فضيلة الشيخ طه جابر العلواني: مدير المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن.
7- فضيلة الدكتور عبد الستار عبد الكريم أبو غدة: خبير ومقرر الموسوعة الفقهية بالكويت.(3/1507)
ثالثا: الخبراء:
1- فضيلة الدكتور يوسف عبد الله القرضاوي: عميد كلية الشريعة ومدير مركز بحوث السنة والسيرة بجامعة قطر.
2- فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي: رئيس قسم الشريعة الإسلامية، جامعة الإمارات كلية الشريعة والقانون.
3- فضيلة الدكتور علي أحمد السالوس: أستاذ مساعد بكلية الشريعة. جامعة قطر.
4- سعادة الدكتور محمد علي البار: طبيب – مستشار قسم الطب الإسلامي مركز الملك فهد للبحوث الطبية جامعة الملك عبد العزيز – جدة.
5- سعادة الأستاذ أحمد بزيع الياسين: مدير بيت التمويل الكويتي.
6- فضيلة الشيخ كمال الدين جعيط: أستاذ بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين بتونس. وخبير لدى جامعة الدول العربية.
7- فضيلة الدكتور نزيه كمال حماد: أستاذ مشارك في قسم القضاء بجامعة أم القرى – بمكة المكرمة) .
8- فضيلة الدكتور حسن عبد الله الأمين: معهد البحوث (البنك الإسلامي للتنمية بجدة)
9- فضيلة الشيخ مصطفى كمال التارزي: أستاذ.
10- فضيلة الشيخ عبد الله الشيخ المحفوظ بن بيه: أستاذ بجامعة الملك عبد العزيز/كلية الآداب بجدة.
11- فضيلة الشيخ محيي الدين قادي: أستاذ.
12- فضيلة الشيخ أحمد محمد جمال: عضو مجلس الشورى وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
13- سعادة الدكتور فخر الدين بن عثمان الكراي: باحث علوم الفضاء بالولايات الإمريكية المتحدة
14- فضيلة الأستاذ علي حيدري: خبير في شؤون الاقتصاد.
رابعًا: الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي:
1- معالي الشيخ فؤاد عبد الحميد الخطيب: الأمين العام المساعد.(3/1508)
خامسًا: المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) :
1- معالي الأستاذ الدكتور ناصر الدين الأسد: وزير التعليم العالي، ورئيس مؤسسة آل البيت.
2- الأستاذ فاروق جرار: أمين النشر والشؤون العلمية بالمؤسسة.
سادسًا: البنك الإسلامي للتنمية:
1- معالي الدكتور أحمد محمد علي: رئيس البنك.
2- الأستاذ محمد الفاتح حامد: مستشار قانوني.
3- الدكتور عبد الرزاق اللبابيدي.
4- الأستاذ دورموس شفدار.
5 – الدكتور منذر قحف: باحث اقتصادي.
سابعًا: الأمانة العامة للمجمع:
1- فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة: الأمين العام
تم بحمد الله وحسن عونه طبع هذا العدد الثالث من مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ونحن نعتذر للقارئ الكريم عما قد يكون حصل فيه من سهو أو خطأ. كما يؤسفنا سقوط بعض صفحات منه لم يقع الانتباه إليها إلا في المرحلة الأخيرة من الطبع بحيث لم نتمكن من تداركها، وإنا لنرجو أن نقوم بذلك في العدد القادم إن شاء الله.(3/1509)
كلمة معالي الدكتور بكر عبد الله أبو زيد
رئيس مجلس المجمع
كلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد
رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
في اختتام أعمال الدورة الثالثة
بسم الله الرحمن الرحيم … الحمد للذي فتق لسان العرب بأفصح لسان وأبلغ بيان وأنزل سبحانه به القرآن والحمد لله الذي جعلنا من أهله ومن خدمة سنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده رسوله اللهم صلى الله عليه وسلم عليه وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد …
وبعد حمد الله وشكره على ما مَنَّ به علينا من إتمام أعمال دورتنا هذه الدورة الثالثة للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقدة في عمان عاصمة المملكة الأردنية الهاشمية فإن من محمود السنن وكرائم الطرق إبداء الشكر لذوي الفضل والمآثر، فابدأ الشكر لحكومة جلالة الملك الحسين بن طلال ملك المملكة الأردنية الهاشمية على هذه الاستضافة الكريمة وعلى ما لقيناه من بليغ العناية والإكرام.
كما أشكر صاحب السمو الملكي ولي عهده الأمير الحسن بن طلال على متابعاته الدقيقة للاطمئنان على سير أعمال هذا المجمع وتوفر مستلزمات هذه الدورة، وقد أحسن حكومة جلالته كل الإحسان، حيث عهدت بذلك إلى مؤسسة آل البيت المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، وصاحب الدار أدري بما فيها، ومن رأيي علائم فحولة الرجال تبدو على طلعة معالي رئيس ذلكم المجمع مؤسسة آل البيت، فإنه لا يستكثر ما لمسناه بكل وضوح من دقة في الإجراء ومن عناية بالغة وحفاوة ظاهرة قل أن نجد لها مثيلاً، وأقول هذا بكل فخر واعتزاز ولله الحمد واعترافًا بالفضل لأهله.(3/1510)
فجزى الله ناصرًا كل خير وجزى أسرته أسرة مؤسسة آل البيت كل خير إذا وقفوا أنفسهم لليالي متعددة ليل نهار في هذا المجمع لخدمة رجال هذا المجمع. وإنني لا أنسى أبدًا أن أشكر معالي أمين هذا المجمع فضيلة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة على جهوده المتواصلة، وإنني أغبطه على روحه الفتية وجهوده المتواصلة، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. كما أشكر جميع الإخوة العاملين في الأمانة من الموظفين والسكرتاريين والنساخ. ووفق الله الجميع لكل خير أنه على كل شيء قدير.
أيها الجمع الكريم، إن الوسطية صفة ملازمة لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، وإن الاعتدال في الرأي مسلك راشد نهجه أهل العلم سلفًا وخلفًا، وأن مراقبة الله سبحانه وتعالى في السر والعلن قاعدة أصلية في شريعة الله ودينه، وأن الرد إلى الله تعالى وإلى رسول الله صلى الله عليه وسلم معصم للعلم وحلية له وعصمة للقول والعمل، وإنني أقول بكل ثبات: إنه من خلال قراراتكم المجمعية في دورتيه الثانية والثالثة تدل بإيجابياتها على الخطة المنهجية التي سار عليها هذا المجمع، وعلى أن هذه القواعد أو تلكم القواعد الثوابت، هي أجلي خطوط هذا المجمع التي سار عليها، فلله الحمد على ما أنعم وتفضل وأجزل وتكرم، ونسأله سبحانه وتعالى المزيد من فضله، وأن يثبتنا وإياكم على الإسلام، وأن يأخذ بأيدينا إلى كل عمل صالح مبرور، كما أسأله سبحانه وتعالى أن يوفق قادة العالم الإسلامي إلى ما فيه صلاح البلاد والعباد، أنه على كل شيء قدير. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(3/1511)
كلمة معالي
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام للمجمع
كلمة معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام للمجمع في اختتام أعمال الدورة الثالثة
الحمد لله نحمده ونستعين ونتوب إليه ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، ومن يهده الله فلا مضله له، ومن يضلل فلا هادي له، وصلى الله على نبي الرحمة وإمام الأمة الهادي إلى صراط الله العزيز الحميد، سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
سيدي الدكتور ناصر الدين الأسد رئس مؤسسة آل البيت المبجل.
سيدي الرئيس الموقر
حضرات أصحاب الفضيلة والسعادة أعضاء المجلس وخبرائه المحترمين
حضرات الأساتذة، أيها السادة(3/1512)
من السبت إلى الخميس، على مدى ستة أيام تواصلت في هذه القاعة جلساتكم العلمية صباح مساء. وقد طرحت عليكم جملة من القضايا الفقهية والمسائل المتعددة ذات الأسس المتعلقة بالدين والاجتماع والاقتصاد. وتقدم الباحثون بعروضهم وتداولت المناقشات حول تلك العروض وكانت نتائج ذلك بحمد الله استجلاء للحقائق وتلمسًا للأحوال والملابسات وتوصلاً للأحكام الشرعية بالاستنباط من الكتاب والسنة والاستئناس بمذاهب الأئمة والترجيح بين الأقوال.
وقد كانت اتجاهات الأنظار بين تمسك بالعزائم وأخذ بالرخص ولكنها في كل حال لا تريد إلا الحق ولا تبتعد عن التزام مناهج الفقهاء السابقين الذين تقدمونا زمانا وإحسانًا.
وقد كان من بين ما عرض من القضايا ما له صبغة اقتصادية شرعية محضة كاستفسارات البنك الإسلامي للتنمية عن معاملاته ووجه تصحيح المسار الشرعي فيها، وأحكام النقود الورقية، وتغير قيمة العملة، وسندات المقارضة والاستثمار.
ومنها ما له صبغة اجتماعية دينية كزكاة الأسهم في الشركات وتوظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق، وأسئلة المعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن. ومنها ما كان ذا علاقة بالعلوم الطبية والعلاجية مثل التلقيح الصناعي وأجهزة الإنعاش، ومنها العبادي الشرعي كبدايات الشهور القمرية وارتباط الرؤية فيها بالحساب الفلكي، وقضية الإحرام من المواقيت أو من بعدها لم نتجاوزها ومصارف الزكاة.(3/1513)
وقد أخذت هذه البحوث وقتًا طويلاً واقتضت من حضراتكم جهدًا كبيرًا وتوصلتم في آخرها إلى نتائج طيبة تنطق بها القرارات المجمعية الصادرة اليوم عن مجلسكم الموقر.
هذا وقد بحثت المشاريع العلمية التي شملت موسوعة الفقه الاقتصادية فقه المعاملات ومعجم المصطلحات الفقهية، ومناهج تيسير الفقه عن طريق معلمة القواعد ومدونة الأدلة الشرعية وغيرها.
وصدرت عن المجمع توصيات باعتمادها. وبتوجيه الدراسات في المجمع نحو القضايا الهامة التي تشغل من قريب فكر العالم الإسلامي.
ولقد كانت الكلمة الأميرية المتمثلة في الخطاب المنهجي الذي ألقاه حضرة صاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير الحسن موحية ومنبهة كما كانت تدخلات سموه في الجلسات حافزًا للبحث في القضايا المطروحة فعلاً في العالم الإسلامي على وجه يجعل من الدين والعلم ومن الفكر والواقع سبيلاً لعلاج كل مشاكلنا وطريقا لرفع التحديات من طريقنا.
وإني إذ أحمد الله على ما وفق إليه ويسره من تلك الجهود والنتائج، أرفع خالص الشكر والتقدير للرعاية الملكية الهاشمية السامية وأقدم أوفى الشكر وأجزله لسمو الأمير الحسن على ضيافته للمؤتمر وتعهده له بالتوجيه والنصح، وأتقدم إلى أسرة مجمع الحضارة الإسلامية ورئيس مؤسسة آل البيت الدكتور ناصر ببالغ الامتنان والاعتراف بما أولانا من جميل ويسره من أمر، ولا أنسى الجهود الموفقة والعناية الكريمة من سماحة الدكتور عبد العزيز الخياط وزير الأوقاف والمقدسات الإسلامية ومن وكيل الوزارة الدكتور عبد السلام العبادي عضوي المجمع اللذين سهرا عليه طوال هذا الأسبوع وحققا له ما بلغ من نجاح.
وإني في ختام هذا الأسبوع لأجدد الثناء والشكر لرئيس مجلس المجمع لحكمته وحسن تدبيره في إدارة جلسات هذه الدورة، كما أشكر للجنة الصياغة وللمقررين وللأعضاء وللخبراء كافة جهودهم المتواصلة وعملهم الدؤوب، نرجو لهم ولنا من الله التوفيق وحسن العون. وإلى دورة قابلة إن شاء الله نعقدها ومجتمعنا الإسلامي يسانده الوئام ويتحقق فيه التناصر والتضامن والتعاون, وتكلؤه رعاية الله ويقدمه العز والنصر بإذن الله، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(3/1514)
العدد الرابع(4/1)
كلمة
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الأستاذ/ سيد شريف الدين بيرزاده
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد،
يسعدني أن أقدم هذا العدد الرابع من المجلة العلمية الفقهية التي يصدرها مجمع الفقه الإسلامي بجدة، وقد جاء بفضل الله زاخرا بالبحوث العلمية والدراسات المستفيضة التي تناولت كالعادة قضايا هامة ذات صلة مباشرة بحياتنا اليومية، وذلك بعد أن تم عرضها ومناقشتها واتخاذ القرارات بشأنها في المؤتمر الرابع لمجلس المجمع المنعقد بجدة في دورته الأخيرة.
وإنه لشرف عظيم لي أن أرفع إلى حضرة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز ـ أيده الله بنصره ـ وإلى كل أصحاب الجلالة والفخامة والسمو من الملوك والرؤساء والأمراء إلى المسلمين كافة في أقطار العالم نتاج هذا الجهد المحمود الذي قامت به ثلة من العلماء المبرزين ـ جزاهم الله خيراً ـ قصد بيان ما قد يغمض على البعض فهمه من المسائل المستعصية والقضايا المعقدة وإنارة السبيل للمسلمين ليكون مسلكهم قويماً وسعيهم حميداً.
وإني لمعتز بهذه الثروة العلمية في مجال الفقه والدراسات الإسلامية التي يكون المجمع قد أضاف بإنجازها لبنة جديدة إلى ما توصلت إليه الدورات السابقة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي مما تضمنته أعداد مجلته الغراء. هذه المجلة التي أصبحت تعد من أبرز المراجع الأساسية الهامة، وتتيح للباحث بلوغ غايته بأيسر السبل مستعينا بما أقره الفقهاء الأجلاء والعلماء الأفاضل من توجيهات سديدة استمداداً من كتاب الله جل وعلا واعتماداً على سنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأود بهذه المناسبة أن أنوه أولاً بالعناية الممتازة الراقية التي يوليها مجمع الفقه الإسلامي لمشكلات العصر، وثانياً باهتمامه المتواصل بالقضايا التي تشغل ألباب المسلمين إزاء التطورات التي يعيشونها سواء في مجال معاملاتهم اليومية أو في حقل ما يمارسونه ويتأثرون به من الاكتشافات العلمية الحديثة المحتاجة في تطبيقاتها إلى معرفة دقيقة بأحكام الفقه الإسلامي، وما يعرضه أحياناً كثيرة من حلول وبدائل ضرورية لمواجهة التحديات والمضي دائماً في سبل الرقي والتقدم.
ويسرني في ختام هذه الكلمة أن أنوه بالدور الهام الذي يقوم به معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة في إدارة المجمع وتنظيم أعماله وترتيب ندواته والإعداد لمؤتمراته، مشيدا بالجهد المرموق الذي يبذله في كل مراحل هذا العمل متحلياً بأبرز صفات العلماء من كد وجد وتواضع.
والله أدعو أن يوفق جهود الخيرين من أبناء هذه الأمة الصالحين، وأن يكتب لأعمال مجمع الفقه الإسلامي تواصل العطاء ومزيد الإسهام في إثراء الفكر الإسلامي والعالمي.
والله سبحانه المسؤول أن يرعى هذه الحركة المجمعية المباركة ويسدد خطاها، وهو عزت حكمته من وراء القصد وهو ولي التوفيق.
سيد شريف الدين بيرزاده(4/2)
كلمة
معالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه، أما بعد:
فهذا هو العدد الرابع من " مجلة الفقه الإسلامي بجدة " يشمل أعمال الدورة الرابعة للمجمع المنعقدة في مقره من 18/ 6/ 1408 إلى 23/ 6 / 1408 بما حوته تلك الدورة من أبحاث ومداولات وقرارات، رؤي من الخير جمعها بين الدفتين لتكون بين أيدي الأخصاء والباحثين، مؤمنين بأنها بإذن الله ستنير فكرا، وتفتح إلى الخير أفقاً.
ومن وجه آخر تكون مرآة لهذا المجمع المبارك، يتجلى من خلالها جانب من اهتمامات علماء المسلمين في قضايا أمتهم ومعالجتها على منهاج النبوة " الكتاب والسنة " وإن ما أنتجه من قرارات لم يبت فيها إلا بعد استكمال التصور الواقعي للنازلة، وجمع أطراف القول فيها قديماً وحديثاً. وثالثة: فتح المداولة الموسعة بشأنها حتى تتضح الرؤية الصحيحة لها بتنزيلها على ضوء الشرع المطهر.
أرجو أن يجد المسلم فيها الوفاء بهذين الجانبين.
وأسأل الله سبحانه أن يأخذ بيد القائمين على هذا المجمع إلى ما فيه خدمة الأمة الإسلامية وصلاحها في أمر دينها ودنياها. والله الموفق.
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد(4/3)
كلمة
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
الدكتور محمد الحبيب بن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل الشريعة الإسلامية التي نزل بها وحيه، وعم بها عدله، مشكاة للهداة المتبصرين، ونبراساً للأئمة المتقين، وسندا لمعرفة الطريق القويم، وسببا للاستقامة على مناهج الدين.
أشهد أن لا إله إلا الله الملك الحق القوي المتين الرحمن الرحيم وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خاتم النبيين وإمام المرسلين، حرر العقول بتلقين الوحدانية، وبيان حقائق الألوهية، وكشف أسرار الربانية، وزكى النفوس بما أنزل إليه من هدى وبيان وحكمة، فمحا الظلمات، ومحق الباطل، وقضى على الضلالات، واقتلع من الصدور أسباب التعسف والظلم والأثرة والأنانية والطغيان والفساد في الأرض. ودعا إلى التمسك بكتاب الله وسنة نبيه الأصلين العظيمين ليكونا للمؤمنين مصدر إشعاع وهداية، وسبب نجاح وتوفيق، وسبيل تيسير ورحمة، في عالم اكفهرت فيه الأجواء، وتلبدت به الشرور، وحاقت بالناس نكاده وأنكاله، فلا يجدون بعده فيه من واحات الأمن والسلام والاستقرار والاطمئنان والعزة والكرامة إلا ما أنبتته موارد الشرع وأظلته أفياء هداه. وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه ومن اتبع طريقه وسلك سبيله إلى يوم الدين.
وبعد،
فإن في الهدي الديني والمنهج الإسلامي طريقاً لتسديد الوجهة وبلوغ القصد، وسبيلاً لتذليل العقبات والهيمنة على التحديات، وهما إلى ذلك أساسَا الحفاظ على الملة. وتحقيق وحدة الأمة، وعلاج أوضاع المجتمعات، وإصلاح شؤون الخلق في هذه الحياة، والرقي والنجاح، والسيادة والريادة، وهل هذا الدين إلا هدى ورحمة، وهل خطابه ودعوته إلا بلاغ للناس كافة.
ولئن كانت الصفوة من الفقهاء والعلماء تجتمع في كل عام في رحاب مجمع الفقه الإسلامي الدولي، تأوي إليه من أطراف العالم لتتدارس ـ بعد مراجعة وبحث وتدبر وإعداد ـ كل القضايا المعروضة عليها في كل دورة، وتعمل على إيجاد الحلول المناسبة للمشاكل الناجمة في مجتمعاتها، في ضوء الشريعة الإسلامية المطهرة، وعن طريق الاجتهاد الجماعي الفقهي، فإن ذلك ليس أمراً سهلاً، ولا هو بالذي يمكن أن يطرد لولا العناية الإلهية، وصدق العزم، والشعور بالأمانة الثقيلة والمسؤولية العظمى أمام الله، وتجاه المسلمين عامة في مشارق الأرض ومغاربها.
وقد وجد المجمع بفضل ما قام به من مؤتمرات وندوات، وبحثه وهيأه من مشاريع في عديد المجالات، وطبعه ونشره من بحوث ودراسات، ما لفت الأنظار إليه، وأثار الاهتمام به، وهو لا يزداد مع الأيام إلا خيراً ومع تداول الأعوام إلا رشداً.
وإنا في هذا العدد الرابع من مجلته العلمية ونشرته السنوية لنقدم للباحثين والدارسين والفقهاء والاقتصاديين ورجال الجامعات والطلاب في كل الأقطار والأقاليم من الدول العربية والإسلامية وغيرها أعمال المؤتمر الرابع لمجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي.(4/4)
كان الفضل في إقامة الدورة الرابعة في إبانها وفي اجتماع العلماء بجدة من أجلها فيما بين 18و 23 جمادى الآخرة 1408 الموافق لما بين 6و 11 فبراير 1988 للأريحية الكريمة والصلة السنية التي وهبها لمؤسستنا بهذا القصد خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، أطال الله عمره، وأيد ملكه ونصره، وهو من يوم تأسيس المجمع وقيامه في ظل الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة مجدد به العناية، وسابغ عليه حفظه الله من ألوان الرعاية ما قوّى عوده، وشد عضده، وساعده على السير قدماً إلى غايته النبيلة.
وإن حصيلة أعمال الدورة الرابعة هذه التي شهدها وأسهم فيها عدد كبير من أصحاب المعالي الوزراء، وأصحاب الفضيلة العلماء ونخبة من الباحثين المقتدرين، والخبراء المبرزين إلى جانب أعضاء المجمع من منتدبين عن الدول الإسلامية، وممثلين للهيئات العلمية والمؤسسات الفكرية لتتميز شكلاً ومضموناً عن أعمال الدورات السابقة.
فقد غطت الإذاعة والتلفزة السعودية مشكورة أشغال هذه الدورة يومياً خلال انعقاد مؤتمر المجمع، وكانت الصحافة السعودية وغير السعودية تتحدث عن جلسات الدورة وما كان يقدم فيها من عروض، ويناقش بها من قضايا، ويدرس فيها من مشاريع، ويتخذ بها من قرارات، مع أحاديث خصبة وجيدة أجرتها بالمناسبة مع ثلة من كبار الشخصيات السياسية والعلمية التي شاركت في الدورة، فكانت على مدى عشرة أيام أو أكثر سجلاً حافلاً للأعمال المجمعية، ومظهر عناية بالدراسات الشرعية والفقهية التي تخدم واقع مجتمعاتنا الإسلامية، وتوحي بالنظرة المستقبلية لبناء غدنا الأفضل على الأصول الثابتة والمتينة.
وقد حظيت هذه الدورة أيضاً في الجلسة الافتتاحية بخطاب كريم لمعالي وزير الأوقاف بدولة الكويت الشيخ خالد أحمد الجسار الذي عبر فيه عن وجوب تشجيع المجمع، ودعم ما يقوم به من جهود خيرة في سبيل إحياء الفقه الإسلامي، ودفع حركة البحث والاجتهاد في مختلف مجالاته الواسعة، معلناً بالمناسبة وبتكليف من أمير الكويت عن استضافة سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح أعزه الله وأيده للدورة الخامسة لمؤتمر المجمع التي تنعقد بإذن الله في جمادى الأولى 1409/ ديسمبر 1988(4/5)
وإلى جوانب شواهد التوفيق الإلهي ودلائل العناية الربانية هذه بمجمع الفقه الإسلامي الدولي عرضت في رحابه بمقره بجدة خلال انعقاد دورته الرابعة جملة كبيرة من البحوث والدراسات المتنوعة:
العقدي: (1) البهائية
الشرعي: (2) زكاة الأسهم في الشركات 10 بحوث
توكيل صندوق التضامن الإسلامي بصرف
ما يتجمع لديه من أموال الزكاة 3 بحوث
السياسي (4) مجالات الوحدة الإسلامية وسبل
الاستفادة منها 4 بحوث
الاجتماعي الطبي: (5) زارعة الأعضاء 7بحوث
الاجتماعي: (6) انتزاع الملكية للمصلحة العامة 6بحوث
(7) كيفية مكافحة المفاسد الأخلاقية بحثان
الاقتصادي: (8) سندات المقارضة وسندات الاستثمار 10 بحوث
التجاري: (9) بدل الخلو 5 بحوث
وسجلت بأثر عرض كل موضوع المداولات والمناقشات بشأنه، كما ختمت هذه المناقشات بالقرارات والتوصيات الصادرة عن مجلس المجمع في هذه الدورة.
ومما يلفت النظر في هذا العدد جملة المشاريع العلمية التي وقع إقرارها لاتخاذ ما يلزم بشأنها والشروع فيها وهي: الموسوعة الفقهية، ومعلمة القواعد الفقهية، ومشروع تيسير الفقه.
وإنا حين نقدم للقراء الأكارم هذا العدد الرابع الجديد من مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة لا يفوتنا أن نشكر للعلماء الباحثين جهودهم العظيمة، وللخبراء والدارسين إسهاماتهم الفائقة المباركة، وللجان التي بحثت المشاريع وأعدت المخططات كل ما تستحقه من ثناء وتقدير.
وفي ختام هذه الكلمة نحمد الله على التسديد والتوفيق، ونثني على ما لقيناه من القادة والمفكرين في كل بلد من دعم ورعاية، وعلى ما وجدناه من الأستاذ الجلي معالي الدكتور محمد أحمد الشريف المربي والداعية الإسلامي من تقدير وعون، غير غافلين عن التنويه باللجنة التنفيذية للمجلس العالمي للدعوة الإسلامية الذي منح المجمع باسم جمعية الدعوة الإسلامية العالمية بطرابلس مساعدة سخية تمكنا بها من الإنفاق على طبع هذا العدد بأجزائه. فشكر الله جهودهم ووفقنا وإياهم إلى صالح العمل إلى ما يرضي الله من جهاد في سبيله فتبقى كلمة الحق والعدل بين الناس، والله الجليل الكريم يهدينا إلى أقوم السبل، ويسدد خطانا في خدمة ديننا والعناية بشريعتنا وتعزيز ملتنا، إنه سميع مجيب، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجه(4/6)
كلمة
صاحب السمو الملكي
الأمير سعود بن عبد المحسن
نائب أمير منطقة مكة المكرمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ... والصلاة والسلام على أشرف المرسلين القائل ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) .
أيها الإخوة الحضور ... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
نيابة عن خادم الحرمين الشريفين ... يسرني أن ألتقي بكم في هذا الاجتماع المبارك للدورة الرابعة للمجمع الفقهي الإسلامي.. وهو الصرح الإسلامي الكبير الذي آلى على نفسه وبجهود أعضائه الكرام الأخذ في إبراز معالم الدين الإسلامي الحنيف ... وإلقاء الضوء والنور على ما استجد في عالمنا المعاصر من قضايا ومشكلات.
إن عالم اليوم يواجه التقدم التكنولوجي الهائل ... والاختراعات العلمية المعقدة في شتى ألوان الحياة ... مما يتمخض عنه بعض القضايا التي لم تواجه أسلافنا.. أعلام الفقه الإسلامي مما يجعل حتما علينا فتح باب الاجتهاد الإسلامي ... والذي لم يقفل قط في تاريخنا المضيء، وقد من الله علينا بعدد وفير من أولي الأحلام والنهى ومن هم في محل التقدير والإكبار في مجال الفتوى.. مما يسهل على أبناء المسلمين الاسترشاد بآرائهم في حل قضاياهم ومشاكلهم التي يعاصرونها في حياتهم اليومية..
أيها الإخوة:
إن عالمنا الإسلامي يواجه كل يوم عدداً ونوعاً جديداً من التحديات الصليبية الحاقدة.. والشيوعية الملحدة ... والتي لا تألو جهداً " متحدة أو منفصلة " في المساس من كرامة الإسلام وسماحته.. وغزو أبنائه في عقيدتهم.. وأخلاقهم ... وسلوكياتهم ... وتتحداهم في عقر دارهم ... مما يجعلهم ينطبق عليهم ما جاء في الأثر: " سيأتي زمان القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ".
وإنني أهيب بأعضاء المجمع الموقرين وبكافة علماء العالم الإسلامي أن لا يدخروا وسعاً في سبيل تحقيق الأهداف الإسلامية والإنسانية العامة للمجمع.. كما يسرني أن أؤكد أن حكومة خادم الحرمين الشريفين ... وكما هو معروف لدى الجميع ... تؤيد وتناصر دوماً وتعمل على كل ما فيه رفعة الإسلام وعزة المسلمين.
كما أنني أشكر فضيلة الأمين العام للمجمع الدكتور/ الحبيب بن الخوجة، على حسن إدارته وكل من يؤازره في ذلك.
وختاماً أسأل الله الكريم للجميع دوام التوفيق والسداد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(4/7)
كلمة
معالي الأستاذ سيد شريف الدين بيرزاده
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين
صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز
أمير منطقة مكة المكرمة بالنيابة.
أصحاب السماحة والمعالي
أيها الإخوة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
وبعد،
فإنني سعيد بمشاركتي اليوم في افتتاح الدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي، هذه المؤسسة الإسلامية المهمة التي انعقد مؤتمرها التأسيسي بمكة المكرمة في شهر شعبان من عام 1403 هـ (يونيو 1983) برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية الذي تفضل يومذاك فألقى خطابا ضافياً ضمنه توجيهاته السديدة حول مهمة المجمع، وأعرب فيه عن الآمال الكبيرة التي تعقدها الأمة الإسلامية على المجمع.
وأعرب، بادئ ذي بدء، عن ترحيبي بوفود الدول الإسلامية التي جاءت هذا البلد الأمين للمشاركة في هذه الدورة التي أرجو أن تكون أعمالها ناجحة ومثمرة.(4/8)
أيها الإخوة
لقد أراد قادة الأمة حين قرروا في قمتهم الإسلامية الثالثة بمكة المكرمة إقامة هذه المؤسسة، أن يتخطى شرف خدمة الشريعة الإسلامية حدود الجهود الفردية والإقليمية، ويجتاز الحدود السياسية إلى العمل الجماعي المنظم، ومن هذا المنطلق أنشئ هذا المجمع، الذي هو أول مؤسسة عالمية إسلامية في هذا المجال، تعبيراً عن الرغبة الصادقة في أن تتعزز به مسيرة العمل الإسلامي المشترك، وفي أن يستعيد الفقه الإسلامي تحت مظلة هذا المجمع، دوره النشيط في مواكبة العصر والحياة المتطورة.
وإنني لسعيد حقا، بأن هذه المؤسسة أصبحت اليوم ملتقى صفوة فقهاء هذه الأمة ومثابة لعلمائها ومفكريها وحكمائها.
إن التطور العلمي والتقني المتلاحق في هذه الأيام، تلاحقاً مذهلاً مؤثراً في حياة الأمم والشعوب، يفرض على المسلمين أكثر من أي وقت مضى، أن يفهموا الإسلام ـ خاتمة الشرائع السماوية ـ حق الفهم، ليزدادوا تمسكاً بأصوله وفروعه، وليتعرفوا ما وسعتهم المعرفة، على جوهر الشريعة الغراء، وليظفروا نتيجة البحث والدراسة والتمحيص بالحلول المناسبة لما يعترض بني الإنسان من مشكلات على صعد مختلفة.(4/9)
أيها الإخوة
إن إسهام الإسلام في حضارة الإنسان، وخاصة في مجالات علم الأحياء والفلك والتجارة والجغرافيا والقانون والرياضيات والطب والعلوم الطبيعية والمؤسسات الاجتماعية، لإسهام كبير واسع ومتنوع ومنظم يعترف به غير المسلمين.
فمن المعروف في ميدان القانون مثلاً أن " نابليون بونابرت " تأثر تأثراً عميقاً، حين وضع مدونة القوانين الفرنسية، بالقرآن الكريم، ومن المعروف في تاريخ القانون التجاري أن الحوالات (وهي الوثائق التي تحول بها الديون) لم تكن معروفة في أوروبا قبل القرن الثاني عشر الميلادي مع أنها كانت معروفة ومسجلة في الكتب الإسلامية التي يرجع عهدها إلى القرن الثامن الميلادي، ويقال: إن التعامل بمثل هذه الوثائق قد أدخل إلى الغرب إبان الحروب الصليبية عن طريق إيطاليا، من ناحية، وعن طريق الأندلس، من ناحية ثانية، حين كانت بلداً عربياً.
وعرف الغرب بعد ذلك فكرة شركات المساهمة من المشروعات التجارية المشتركة للتجار المسلمين والإيطاليين.
ونبعت فكرة المشاركة المحدودة من " القراض " لدى المسلمين.
وقانون العقود مدين بالكثير للقرآن الكريم الذي يمنح العقود مكانة كبيرة.
ويشير البروفيسور " ووكر " في كتابه " تاريخ الأمم وقوانينها " إلى المؤلفات العربية القديمة حول القانون الدولي التي كانت تلقى إقبالا شديداً في جامعات أوروبا، وإلى أن كتب " جورا بيللي " ـ أن قوانين الحرب ـ بنيت كلها على مؤلفات رجال القانون العرب.
ويمكن أن نرجع أصل اتفاقية فيينا حول قانون المعاهدات إلى الطريقة التي اتبعها رسول الله صلى الله عليه وسلم في الاتفاقيات التي كان قد أبرمها ولا سيما " معاهدة الحديبية ".
وقبل أن توضع اتفاقية الحصانة الدبلوماسية بوقت طويل، كان رسول الله يمنح مثل تلك الحصانة للسفراء والوفود التي كانت تفد عليه صلى الله عليه وسلم.
ويقول البروفسير " رفائيل لامكين " الذي صاغ للأمم المتحدة ما أصبح يعرف باتفاقية " منع الإبادة الجماعية ": إنه صاغ هذه الاتفاقية وفقاً لما جاء في القرآن الكريم الذي هو على حد تعبيره، أكثر الأديان التي عرفها الإنسان تسامحاً وتفتحاً.
وليس الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حقيقة الأمر سوى صدى لما انطوت عليه " خطبة الوداع " التي خاطب بها الرسول الكريم المسلمين قبل أربعة عشر قرناً، وبين فيها أنه لا فضل لعربي على أعجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى.(4/10)
أيها الإخوة
وليس لنا نحن ـ معشر المسلمين ـ من خيار، أمام التحديات التي يواجهنا بها أعداؤنا داخل الوطن الإسلامي وخارجه، وأمام طغيان المادة وتحديات العصر، إلا أن نوحد ونجمع طاقاتنا للثبات أمام كل خطر يهدد قيمنا الروحية، وأمام كل من يحاول أن يطمس معالم هويتنا وشخصيتنا الإسلامية، ذلك أن هذه الأمة لا تصلح إلا بما صلح به أولها، ولا منقذ لها إلا في أن تحتكم في قضاياها كلها إلى الأصول العامة والقواعد الشاملة التي انطوت عليها الشريعة الإسلامية.
وكما لبت هذه الشريعة في الماضي حاجات دار الإسلام، في شتى المجالات والأوضاع، على مر القرون، حيث أمدتها بالمبادئ المرنة والقواعد السليمة لحل مشكلات الأفراد والجماعات، تحقيقاً للمصلحة العامة، فإن تلك الشريعة ما تزال، وستبقى قادرة على تلبية حاجات المسلمين في أي زمان ومكان.
ولقد حرص أجدادنا، كما هو معروف، على تدوين قواعد الفقه وعلى جمع ما استنبطوه من أحكام وفتاوى بوسائل شتى، مما وفر للأجيال اللاحقة معيناً لا ينضب وثروة طائلة من المؤلفات والدراسات والأبحاث الفقهية التي عالجت مشكلات الناس في أيامهم، والتي تعد اليوم أساساً مكيناً ورصيداً كبيراً لعمل هذا المجمع، الذي شرع في حمل الأمانة بطريقة نأمل أن يحافظ بها من ناحية، على تراث الآباء والأجداد، ويلبي بها، من ناحية أخرى، حاجات هذه الأمة في هذا الزمان.(4/11)
أيها الإخوة:
لا يخفى أن الميادين التي يعمل فيها المجمع ميادين رحبة واسعة، رحابة هذه الشريعة السماوية الخالدة، ذلك أن أهمية الفقه الإسلامي، تتجسد في كونه يتناول، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، حياة الفرد المسلم، والأسرة المسلمة، والمجتمع المسلم، كما يتناول العلاقات بين المجتمعات المسلمة، والمجتمعات الواقعة خارج دار الإسلام.
وستنظر الدورة العلمية الفقهية الرابعة للمجمع، بحول الله، طائفة من الموضوعات العامة ذات الصلة المباشرة بحياة المسلمين، ومنها وحدة الأمة الإسلامية، ومنها كذلك الحفاظ على الصحة العامة، ووقاية مجتمعاتنا المسلمة من المخدرات، وحرمة جسم الإنسان، وموضوعات أخرى تتناول شؤوناً مالية واقتصادية واجتماعية مختلفة.
وإذا كنا نرجو أن تتيسر لمجمع الفقه الإسلامي أسباب العمل لكي يؤدي رسالته ويحقق الآمال التي تعقدها هذه الأمة عليه، فإن من حقه أن يحظى بدعمها المادي والمعنوي، لذا فإنني أدعو المسلمين كافة، إلى أن يسهموا في إعانة المجمع بكل صورة ممكنة كي يتمكن من الاضطلاع على خير وجه بالمهمة النبيلة التي أنيط بها، وهي خدمة الشريعة الإسلامية، ومن ضمن الأعمال التي ينهمك المجمع في إصدارها " موسوعة القواعد الفقهية " "والموسوعة الفقهية". وأرجو من الله أن يتمكن المجمع من إنجاز هذين المشروعين الضخمين في وقت قريب.
واسمحوا لي في ختام هذه الكلمة بأن أرفع إلى مقام خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز أجمل عبارات الامتنان والتقدير لما أسبغه على هذا المجمع وعلى منظمة المؤتمر الإسلامي من ضروب الرعاية والعناية، ولتفضله حفظه الله، بإنابة صاحب السمو الملكي الأمير الجليل سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز عنه، في افتتاح أعمال هذه الدورة.
أمد الله في عمر خادم الحرمين الشريفين وأعانه على العمل لما فيه خير المملكة العربية السعودية وخير بلاد المسلمين.
واسمحوا لي أيضاً أن أثني على الجهود الموفقة التي بذلها أخي المحترم الدكتور الحبيب ابن الخوجة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.
وأسأل الله أن يوفق المجمع وأعضاءه ومفكريه في العمل لما فيه صلاح هذه الأمة لتعود كما كانت أمة قوية عزيزة كريمة.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سيد شريف الدين بيرزاده(4/12)
كلمة
معالي رئيس البنك الإسلامي للتنمية
الدكتور/ أحمد محمد علي
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله تبارك وتعالى وأصلي وأسلم على رسوله الكريم وعلى صحابته أجمعين.
صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن آل سعود
نائب أمير منطقة مكة المكرمة
أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي والسعادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يسرني أن أعبر عن أجل الثناء للدور العظيم الذي تقومون به في هذا المجمع الموقر لخدمة قضايا الأمة الإسلامية، وبيان حكم الإسلام في كثير من المشكلات والأمور التي جدت في عصرنا الحاضر.
إن قيام مجمع الفقه الإسلامي حقق أملا عظيماً للأمة الإسلامية، إذ إنه يمثل الإجماع الذي لم يتيسر للمسلمين بعد عصور الإسلام الأولى، وإن الأمة الإسلامية لتتطلع إلى ما يصدر عن مجمعكم الجليل من آراء وقرارات وفتاوى خصوصاً في القضايا التي نشغل بال المسلمين في هذا العصر.(4/13)
أصحاب السماحة والفضيلة
كما يسعدني أن أنقل لكم شكر البنك الإسلامي للتنمية على استجابتكم الكريمة لطلب البنك النظر في جميع عملياته التي يقوم بها لخدمة التنمية الاقتصادية للدول الأعضاء وبيان الحكم الشرعي في كل منها، وذلك لحرص البنك على أن تكون مسيرته في نطاق مهمته التي حددتها له اتفاقية تأسيسه وهي أن تكون جميع عملياته وأعماله متفقة وأحكام الشريعة الإسلامية السمحة.
وما صدر عن مجلسكم الموقر في دورته الثالثة ـ التي انعقدت بمدينة عمان بالمملكة الأردنية الهاشمية ـ أي القرار رقم (1) د / 3 /07 / 86 ـ بشأن عمليات البنك التي تقدم بها للاستفسار عن رأي الشرع في كل منها تم تطبيقه بالكامل، ولقد حرص البنك على الاسترشاد بما جاء في ذلك القرار من مبادئ وأحكام، واتخذها البنك نبراساً في طريق مسيرته نحو تحقيق أهدافه، وفور صدور قراركم بادر البنك باتخاذ ما يلزم من الإجراءات لتطبيق ما جاء فيه، سواء على مستوى الإدارة أو على مستوى مجلس المديرين التنفيذيين للبنك أو فيما يتعلق باختصاص مجلس محافظي البنك.
وقد أجرت إدارة البنك بناء على ذلك التعديلات اللازمة على نصوص اتفاقيات تمويل العمليات والمشروعات التي تبرم بين البنك والأطراف المعنية بما يحقق مطابقتها لإرشادات مجلس المجمع الموقر.
كما رفعت الإدارة إلى عناية كل من مجلسي المحافظين والمديرين والتنفيذيين للبنك الأمور التي وردت بقرار مجلسكم الموقر، والتي تقع في نطاق اختصاص المجلسين، وأصدر كل من مجلس المحافظين ومجلس المديرين التنفيذيين القرارات اللازمة لتنفيذ التوجيهات التي وردت في قراركم.
وإنني إذ أعبر مرة أخرى عن شكر البنك وتقديره لمجلسكم الموقر على هذا العمل الجليل والجهد العلمي القيم الذي سيساعد البنك على الالتزام بوضوح تام بأحكام الشريعة الغراء ليسرني أن أؤكد رغبة البنك في التعاون دوماً مع المجمع الموقر، ولذا سيحرص على تقديم كل ما يجد أو يطرأ بالنسبة لعملياته أو إجراءاته إلى مجلس المجمع الموقر لتكون مسيرة البنك على بصيرة وهدى من الشرع الحنيف.
وإن البنك ليسره ـ أيضاً ـ أن يضع إمكانات المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في خدمة أهداف المجمع الموقر ورهن إشارته فيما يتعلق بالبحوث والدراسات ذات الصلة بالاقتصاد الإسلامي والأعمال المالية والمصرفية بما يتفق ومبادئ الشريعة الغراء.
ويسعدني أن أشيد بالتعاون الكريم بين أمانة المجمع والبنك الإسلامي للتنمية، ومن ذلك مشاركة أمانة المجمع الموقر في حلقة عمل بمقر البنك بجدة في شعبان 1407 هـ عن " ربط الحقوق والالتزامات بتغير الأسعار من وجهة النظر الإسلامية"، كما تم التعاون بين أمانة المجمع والبنك في تنظيم ندوة عن " سندات المقارضة وسندات الاستثمار " في مطلع هذا العام، كما ستنظم المؤسستان خلال هذا العام بإذن الله حلقة عن أسواق المال الإسلامية.(4/14)
أصحاب السماحة والفضيلة
إن جدول أعمال هذه الدورة لمجلسكم الموقر حافل بالمسائل التي تهم المسلمين، ومنها موضوعات ذات علاقة وثيقة بالعمل المصرفي والمؤسسات التي تعنى بالاستثمار بما يتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية، مثل سندات المقارضة وسندات الاستثمار، والإيجار المنتهي بالتمليك، والمرابحة للآمر بالشراء، وتغير قيمة العملة، وإن رأي مجلسكم الموقر في كل مسألة من هذه المسائل سيجعل المعنيين بالأمر على بينة ووضوح، وسيكون خير عون في مجال تثمير الأموال بما يتفق وأحكام الشريعة، وسينير الطريق أمام جميع المؤسسات العاملة في هذا الميدان الحيوي الهام.
وإن مشاركة بعض أهل الاختصاص في بعض فروع المعرفة في أعمال هذه الدورة مع أصحاب السماحة والفضيلة ليعد عملاً جليلاً جديراً بالثناء والتقدير؛ إذ في هذه المشاركة ما يعين على وضوح كثير من المشكلات والمسائل التي جدت في عصرنا الحاضر حتى يأتي الحكم الشرعي إزاءها متفقاً مع مرامي الشرع الحنيف بإذن الله تعالى.
أصحاب المعالي والسعادة والسماحة
يسعدني في هذه المناسبة الكريمة أن أتقدم بخالص الشكر لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز، أعزه الله، على مساندتها لجميع مؤسسات العمل الإسلامي المشترك التي تخدم قضايا التضامن الإسلامي والأهداف المشتركة لأمة الإسلام، وعلى استضافتها للدورة الرابعة لمجلس مجمع الفقه الإسلامي ورعايتها له.
ويسرني أن أعبر عن أجزل الشكر لمعالي الدكتور/ محمد الحبيب ابن الخوجة ـ الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، على جهوده الموفقة وعلى تعاونه المتصل.
ويسعدني أن أعبر ـ أيضاً ـ عن أجزل الشكر على الجهود التي بذلت، وعلى الترتيبات الممتازة التي أعدت لإنجاح أعمال هذه الدورة، وأتوجه إلى العلي القدير أن يوفق مجلسكم الموقر وأن يسدد على طريق الخير والحق خطاه، وأن يتحقق لهذا الاجتماع العظيم كل نجاح في تحقيق أهدافه. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور/ أحمد محمد علي(4/15)
كلمة
معالي الأمين العام بالنيابة لرابطة العالم الإسلامي
الأستاذ/ أمين عقيل عطّاس
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمد الله سبحانه وتعالى وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة المبعوث للخلق هادياً ومعلماً وسراجاً منيراً سيدنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة بالنيابة عن الأمير سعود بن عبد المحسن، أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي والسعادة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
يسرني أن ألتقي بكم في رحاب المملكة العربية السعودية في هذا اللقاء المبارك بحضور هذه الجماعة من علماء العالم الإسلامي الذين حضروا لخدمة المجتمع الإسلامي التي تتجلى فيما تقدمونه من أحكام شرعية مستنبطة من الكتاب الكريم والسنة المطهرة بطريق الاجتهاد الجماعي الذي أصبح ضرورة من ضروريات الحياة، فأنتم إن شاء الله عدول ممن ينفون عن الدين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
وإن عالمنا الإسلامي اليوم يعيش وسط تيارات تعصف به، غايتها هدم هذا الدين الإسلامي والتشكيك فيه، ويأبى الله ذلك حيث قال عز من قائل:
{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} وقال جلَّ شأنه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} .
لذا فقد أصبح لزاماً أن يجتمع فقهاء العصر للاجتهاد الجماعي للصمود أمام تيارات الغزو الفكري من أعداء الإسلام ولبيان الأحكام الشرعية فيما يستجد من قضايا وأمور في حياتنا.
وإن في تراثنا الفقهي سعة لبيان أحكامها وحل معضلاتها تتجلى فيها خصوبة ومرونة الفقه الإسلامي، وإن هذا لبيان في حاضرنا اليوم لا يصدر إلا عن مجمع فقهي يلتقي في رحابه الفقهاء ممن هم أهل الاجتهاد وعدول هذا الوقت إن شاء الله، وإن خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله الذي تشهد له مواقفه العظيمة الدائمة بأخذ زمام المبادرة في كل ما فيه خدمة الإسلام والمسلمين، ومنها هذا المجمع الفقهي الذي قدمه هدية منه للعالم الإسلامي حيث رعاه وحباه بكل أنواع الدعم، كما أني أشير إلى التعاون القائم بين هذا المجمع والمجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم الإسلامي الذي قدم ويقدم منذ إنشائه الخدمات الجليلة لعالمنا الإسلامي.
وأخيراً أسأل الله أن يرينا جميعاً الحق حقاً ويرزقنا اتباعه، وأن يرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أمين عقيل عطّاس(4/16)
كلمة
معالي وزير الأوقاف بدولة الكويت
الشيخ خالد أحمد الجسار
بسم الله الرحمن الرحيم
هذه ساعة من الساعات الطيبة التي يحبها الله؛ لأنه تجتمع فيها وجوه خيرة وأدمغة اتجهت إلى الخير، ليس لعقيدتها ودينها فحسب، وإنما للدنيا بأسرها، كما كان رسولها صلى الله عليه وسلم، وإذا كنا نسعد بحضورنا بهذا الاجتماع للمجمع الفقهي الإسلامي الرابع، فإننا نحس ونشعر أن هناك أموراً جدت في العالم الإسلامي من المعاملات لا يعرف الناس حكمها وما موقف الإسلام منها. فهناك سندات المقارضة، وسندات الاستثمار وبيع الاسم التجاري والخلو، وما إلى ذلك، وسيجد في المستقبل معاملات أشد تعقيداً من التي ذكرت، ما حكمها؟ وما موقف الإسلام منها؟ هذا المجمع الذي تجتمعون اليوم فيه وهو ثمرة من ثمرات مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي انعقد بمكة المكرمة، سيأتي بثماره إن شاء الله.
إذن لا بد من حلول لهذه المعضلات، ولا بد أن يفتح باب الاجتهاد على نطاقه علماً ودراية، بل وفهما، وفي الأمة رجال على هذا المستوى، فهم ليسوا أقل ممن مضى، ولذلك أرى أن هذا المجمع وهو المجمع الفقهي الإسلامي سيكون هو المصدر لحل المشكلات والمعضلات.
أيها الإخوان
إن دولة الكويت بصفتها تحتضن مؤتمر القمة الإسلامي الخامس، ويرأسه صاحب السمو جابر الأحمد الصباح أمير البلاد، فإنني أولاً أبلغكم كما حملني لكم تحياته الطيبة وتمنياته الخالصة لهذا المؤتمر، وحملني دعوة للاجتماع القادم وهو الخامس لكي يكون في الكويت، فأهلاً وسهلاً بكم في بلدكم الكويت، وأبلغكم أداء للأمانة ما حملني سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء من تحياته الطيبة وأمانيه المخلصة لكم في هذا المؤتمر.
أيها الإخوان
يجب علي وأنا في هذا الموقف، ويجب علينا جميعاً ونحن في هذا المؤتمر أن نشيد وأن نشكر المسؤولين في المملكة العربية السعودية البلد الطيب المضياف الذي احتضن هذا المؤتمر مؤتمر الفقه الإسلامي الرابع، واحتضن من قبله مؤتمرات كثيرة، ودافع عن الإسلام وحمى العقيدة من أن تدخلها الشوائب، إن الإسلام كالماء، عند نبعه صاف كالزلال، فإذا صار هذا الماء من نبعه متجهاً إلى مصبه أخذ من خشاش الأرض حتى أصبح آسنا، فالحفاظ على العقيدة شيء مهم قبل كل شيء، فيجب أن نحافظ على التوحيد أولاً وقبل كل شيء من أن تدخله الشوائب، وكذلك يجب علينا جميعاً أن نشكر المسؤولين في هذه البلاد، وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز.
فجزاهم الله خيراً وجعل ذلك في موازينهم يوم القيامة، ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا حسب النيات وحسب المقاصد، والله الموفق.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
خالد أحمد الجسار(4/17)
كلمة
معالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله عدد خلقه ورضا نفسه وزنة عرشه ومداد كلماته، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ربوبيته ولا في ألوهيته ولا في أسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه وخاتم رسله وأنبيائه، اللهم صل وسلم عليه وعلى آله وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد
ففي مقيدات التراجم والسير أن ثلة من العلماء تذاكروا عن آية من كتاب الله تعالى يناسب أن ترسم على طرة التنزيل فيما لو أريد ذلك معبراً عن وظائف القرآن الكريم فافترعها عالم منهم بقول الله تعالى: {هَذَا بَلَاغٌ لِلنَّاسِ وَلِيُنْذَرُوا بِهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّمَا هُوَ إِلَهٌ وَاحِدٌ وَلِيَذَّكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} .
ثم عن آية من كتاب الله تعالى تعبر عن وظائف أهل القرآن الكريم، فأجمعوا على قول الله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ} في نظائر لها، واليوم نعايش ساعة من أبهج ساعات العمر نباشر فيها جانباً مهماً من جوانب وظيفتنا الرئيسية في هذه الحياة الدنيا، من وظائف أهل القرآن وظيفة التعبد بالتفقه والبلاغ في فقه السنة والكتاب وقفوا أثر السلف الصالح للاتباع وذلكم في الدورة الرابعة لمجمع الفقق الإسلامي، في فواتح ساعاته وعزيز لحظاته مكللة بوجوه أهل العلم وتشريفهم، مفتتحة برعاية خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ملك المملكة العربية السعودية حفظه الله بنيابة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله تعالى أمير منطقة الحرم الحرام أمير منطقة مكة المكرمة حرسها الله تعالى، فشكر الله لخادم الحرمين الشريفين جهوده في سبيل العلم والعلماء، وشكر الله لصاحب السمو تشريفه، وشكر الله لكم أيها العلماء الأجلاء تشريفكم وإجابتكم الدعوة.(4/18)
صاحب السمو الملكي
أيها العلماء الأجلاء
أيها الجمع الكريم
يسير الناس في أرض الله طولا وعرضا ويقطعون بلاد الله شرقاً وغربا، وكل الخلق يبحث عن حياة راشدة آمنة مستقرة، وكل الخلق في الحقيقة قاعدون متخلفون ما برحوا مكانهم إلا من عصم الله تعالى بأن عاش والإسلام بين جوانحه، وقد أعمل فيه جوارحه فيعيش تحت مظلة الإسلام فوق أي أرض وتحت أي سماء؛ لأن الإسلام هو المنقذ الوحيد للبشرية بأجمعها والإسلام مع شرفه وعظيم قدره، وأنه المنقذ الوحيد للبشرية ما يزال على سنة الصراع بين قوى الخير والشر، وينهش أهله الأعداء من كل جانب، فعدو واقف في الفناء ليقتحم الدار وعدو ممسك بعضادة الباب وعدو رابض في وسط الأمة يشرب بكأسها ويتزيا بزيها، ويدعو إلى غير وجهتها، وهذا هو أعدى أعداء أمة الإسلام، وهو الجواد الذي يمتطيه العدو الخارج عنها طلباً لإدغام الأمة في غيرها وخفضها عن مكانتها وكسر حاجز النفرة بينها وبين الكافرين، ولكن يعيش بإذن الله تعالى لتلكم الحفنات الهابطة حراس الشريعة القائمون بوظائف أهل القرآن في عامة ديار الإسلام ومنازله، فإنهم وإن تباعدت منهم واختلفت منهم الأنساب والأسباب فإن بينهم رحما ماسة وشجنة متعاطفة وآصرة متآخية متقاربة تحت سلطان الجامعة الكبرى والجامعية الشاملة شريعة الإسلام الخالدة. ومجمعكم يعلق المسلمون عليه آمالاً وآمالاً في أن يقوم بوظائف أهل القرآن وأن يقوم بوظائف الكتاب والسنة، وأن يدعو إلى الله على بصيرة، فأجمعوا أمركم رحمكم الله تعالى لإزهاق تلكم البواطن.(4/19)
أيها العلماء الأجلاء:
لقد أتيتم من بلادكم في سبيل كلمة الحق، وتفرقتم منها لتجتمعوا هنا لجمع كلمة المسلمين على الحق، فمهمتكم جليلة وعظيمة ومتعددة الجوانب، وإن من ورائنا نواة تنتظر منكم السقي والتعهد شباب الأمة مجدها ودمها المجدد لحياتها، فخرها إذا عدت المفاخر، وذخرها إذا عدت الذخائر، فلا بد من النزول في ساحة المعاصرة منكم أيها العلماء الأجلاء، ومن كل عالم يسير إلى الله على بصيرة يسمع كلمتي هذه من هذا المقام المبارك لصيانة شباب الأمة من الانحرافات والاتجاهات الفكرية والتموجات العقدية والطائفية والحزبية التي تميد بهم ذات اليمين وذات الشمال عن صراط الله المستقيم.
وهناك في بلاد الله ويلات طاف طائفها وفيها من جاءتهم النذر فتماروا فيها، وفي بلاد الله أناس يثيرون عليه النقع هم ضرائر للحق. في سوق المعاصرة مذاهب ونحل محاها الإسلام دعاة إليها وفي جوانبهم رماة والمسلمون هم الهدف، ومن أعظم ما يكون وأسوأ ما يكون هو المذاهب ذات الفكر العلماني التي تنتشر في عدد كبير من مكتبات بلاد المسلمين، وقد كنا نفرح أشد الفرح لقيام المعارض العالمية للكتاب. وإذا بالفرحة تعود ترحة فتصل الأخبار ونشاهد بالعيان أجنحة واسعة فيها كتب فخمة مجلدة أحسن تجليد وأعظم إخراج وبأرخص الأسعار، وتدعو إلى إنكار وجود الله في بلاد المسلمين. هذه من أسوأ الويلات التي يعايشها أهل الإسلام فماذا أعددنا لها؟ وماذا عمل المسلمون لها، وهي مهمتكم أيها العلماء ومهمة رجال هذا المجمع. في بلاد الإسلام جنسيات مسلمة، لكنها تحمل تجنسات متعددة؛ تجنساً في الفكر وتجنساً في اللغة وتجنساً في التراث إلى آخر ما هنالك من تلكم التجنسات الماسخة للأمة من مكانتها في بلاء متناسق مما يثير الرهج ويؤذي المهج، وأمام هذا أقول ألية ضارة ويمين قارة إن هذه المعايشات المؤلمة التي يعايشها المسلمون هي بحاجة إلى جهودكم وإلى إخلاصكم ونصحكم ومناصحتكم ودعوتكم الصادقة؛ لأن هذا هو من باب استصلاح أحوال المسلمين، واستصلاح أحوال المسلمين هو مهمة المهمات لنا في هذه الحياة الدنيا، وهو رأس في وظيفة أهل القرآن، وقد طرز الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى كتابه الحافل العظيم في شرح صحيح الإمام البخاري بكلمة نقلها عن الوزير الحافظ ابن هبيرة الحنبلي رحمه الله تعالى أنه قال: " إن استصلاح أحوال المسلمين هو أولى من مجاهدة الكافرين للإدخال في الإسلام؛ لأن استصلاح أحوال المسلمين هو من باب المحافظة على رأس المال وهل يطلب الربح من يفقد رأس ماله، فأجمعوا أمركم رحمكم الله تعالى. فيا سعادة من راغ على تلكم البواطيل ضرباً باليمين بلسان الحجة والدليل، وكم للدليل في العقلية الإسلامية من نفاة ويعرفه الذين آمنوا كما يعرفون أبناءهم، والله تعالى يحفظنا وإياكم بالإسلام.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد(4/20)
كلمة
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي الدولي
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي قيض في هذا العصر في مشارق الأرض ومغاربها أئمة ودعاة مبشرين ومنذرين، يغرسون في النفوس العقيدة الصحيحة، ويذكرون المؤمنين عامة بآيات الله ويوقظون الروح الديني في المسلمين، وينشرون بينهم في أطراف المعمورة صحوة إسلامية مباركة تقود إلى الحق وإلى صراط مستقيم، وتهدي العالمين سبل السلام وطرق السعادتين. وقد عزز سبحانه منهجه القويم بقادة يحرسونه وساسة يعتدون بهذا الدين، يمضون في تأييده، ويسعون طاقتهم للالتزام به والانقياد إليه، ويزعون بالسلطان الذي ائتمنهم الله عليه ما لا يزعه سبحانه بالقرآن؛ صوناً للعقائد وحماية للمشاعر ودرءاً للمفاسد وجلباً للمصالح. وجعل العزيز الحكيم من وراء هؤلاء وأولئك علماء عاملين وفقهاء نابهين يأخذون بكتاب الله الكريم. ويستهدون بهدي رسوله الأمين في كل مجال من مجالات الحياة، وينزعون في تقريراتهم وأنظارهم وأحكامهم وفتاويهم منزع الراشدين والأئمة المتبعين فلا يجتهدون في موارد النصوص، ولكنهم أمام تغيرات الحياة وتطوراتها واختلاف الأزمان والأعراف يمثلون الوقائع بنظائرها، ويشبهونها بأمثالها، ويردون بعضها إلى بعض فيقيسون ويستعينون بالقواعد الكلية فيما وراء ذلك، وهي كثيرة وكثيرة جداً، عليها يقوم الاجتهاد، وبها تصان الشريعة من التحريف والتغيير والتبديل، وتناط الأحكام الاجتهادية بالمصالح المعتبرة، وتراعى فيما يصدرون عنه مجتمعين حكمة التشريع الإسلامي وأسراره النفيسة، فلله الحمد، لا أحصي ثناء عليه، هو كما أثنى على نفسه، حمداً يكافئ نعمه التي لا تحصى وآلاءه التي لا تستقصى، وأصلي وأسلم على النور المبين، لسان الحق الناطق بالصدق، أمين الله على وحيه، وخيرته من خلقه، إمام المتقين، ورسول رب العالمين، وخاتم النبيين، وحجة الله على خلقه أجمعين، سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/21)
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن نائب أمير منطقة مكة المكرمة الموقر
حضرة صاحب المعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي المبجل
أصحاب المعالي والسماحة والفضيلة المكرمين.
أيها الجمع الكريم
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته، وبعد
إن الأيام والشهور لتجري متوالية متعاقبة إلى قدر. وقد مضى على اجتماعنا السابق بهذه القاعة من مقر مجمعكم الموقر ستة وعشرون شهراً تفصلنا عن الدورة الثانية لأعمال مجلسكم الفقهي هذا، كما مضى على انعقاد الدورة الثالثة بعاصمة البلقاء عمان ستة عشر شهراً، ونحن فيما بين الدورة الأخيرة ودورتكم الرابعة هذه نعيش وتعيش الأمة الإسلامية أحداثاً جساماً لا يمكن أن يغفل عن ذكرها أحد، كما أنه من اللازم أن تتوافر الجهود المخلصة للدعاة والساسة والعلماء على مواجهتها؛ تصحيحاً للمسار، وتخليصاً للديار، وجمعا لكلمة الأمة الإسلامية، ومعالجة لقضاياها المتنوعة في مجال السياسة والنضال والاجتماع والاقتصاد ونحوها بروح من الدين القيم ومدد من هدي الرحمن.
فالحرب المشتعلة بين الأختين الشقيقتين المسلمتين العراق وإيران دخلت عامها الثامن وهي لا تزيد إلا استعاراً. تهدم الديار، وتقوض المعالم، وتبيد الأبرياء، وتلتهم الطاقات الحية المسلمة التهاما، وتجر بعيداً إلى الوراء مجتمعا إسلامياً كنا نعده قوة ومكاسب، فإذا هو يطويه التباب والوباء ويمحقه الدمار والفناء، وعبثاً توسطت أطراف متعددة، وصدرت الدعوات والقرارات من أجل وضع أوزار هذه الحرب وإطفاء نارها، وهي إن لم تجد مواجهة صادقة فسوف تستشري في المنطقة كلها وتصبح تهديداً للسلم العالمية، ومن المعلوم أن الإسلام صلح على الحقيقة، ألا ترى أنه لا قتال بين أهله وأنهم يد واحدة على من سواهم، وقد أمرنا الله بالتقوى وإصلاح ذات البين في قوله عز وجل: {فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}
كما دعانا عز وجل إلى صيانة الأخوة الإسلامية وحمايتها من كل تصدع فقال تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .
وما يجري بأفغانستان من إبادة جماعية للمسلمين وتقويض للمدن والقرى، وقتل للأنفس البشرية البريئة على أيدي الدخلاء وعملائهم ليحمل العالم بأسره على تقدير ومظاهرة جهود المجاهدين الذين يستميتون في سبيل إعلاء كلمة الله وحماية عقيدتهم وتحرير بلادهم المسلمة من كل عدوان.(4/22)
والانتفاضة المباركة التي نعيشها هذه الأيام مع الشيوخ والنساء والشبان والأطفال بالضفة الغربية وغزة وبالأراضي المحتلة لتدعو إلى الفخر والاعتزاز بأبطال الصراع المجاهدين الفلسطينيين الذين استجابوا لقوله عز وجل: {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (190) وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ} .
فبذلوا نفوسهم في سبيل الحق، وجادوا بأرواحهم لتحرير أوطانهم ومقدساتهم مرددين: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} .
راموا النعيم السرمدي فأبعدوا
في نيله مرمى وعز مرام
جنحوا إلى العلياء فاهتجروا المنى
فعلى جفونهم المنام حرام
إخوان صدق منهم من قد قضى
نحبا، ومنهم من له يستام
باعوا النفوس فحبذا من مشتر
رب لديه البر والإنعام
فعلى نفوسهم الزكية رحمة
من ربهم وتحية وسلام
وعلى وجوههم البهية نضرة الـ
إجلال موصول بها الإكرام
ولا تزيد هذه الانتفاضة المسلمين إلا تثبيتاً في مواقفهم، واستبسالا في جهادهم.
وإيماناً بأن الأقصى وما حوله من أرض مباركة ستنزاح عنه بإذن الله مهما طال الزمن القوات الغاشمة المغتصبة، فتتحرر الأرض وينجز الوعد ويهزم الأحزاب، ويعود القدس قبلة المسلمين الأولى، كأول عهده آهلاً بالمؤمنين، مكللاً بالنصرة والعزة. ألا إن نصر الله قريب.
وإن هذه الأحداث الجسام وأمثالها التي يعاني منها المسلمون في أطراف البلاد وفي البلاد غير الإسلامية فتهددهم بالذوبان والمحق لتشغل بال المسلمين عامة والمسؤولين منهم خاصة، فتدعوهم إلى التفكر والتدبر، وبذل الجهد من أجل إقامة العدل ونشر الأمن ونصرة المجاهدين أينما كانوا. وهي تدعونا نحن أيضاً إلى جانب نشاطاتنا العلمية المكثفة التي تجدونها حضراتكم مفصلة في التقرير الأدبي الذي بين أيديكم، إلى العناية في هذه الدورة الرابعة بقضايا الساعة هذه. فنسهم قدر المستطاع بواجبنا في تحقيق وحدة أمتنا الإسلامية، وبناء عزتها، وصيانة حقوقها، والذود عنها، ونشر تعاليمها الإلهية المقدسة التي كان بها ظهورها على غيرها، وبيان سبل الخير والسلام عن طريقها وطريق الدعوة إليها.(4/23)
ولئن تم هذا اللقاء بحمد الله وتوفيقه ولو بعد شهور من موعده المقرر له فإن ذلك من فضل الله علينا وجميل عنايته بنا، فهذا خادم الحرمين الشريفين وحامي حماهما الملك فهد بن عبد العزيز نصره الله وأيده، وهو الذي واكب هذا المجمع من تأسيسه، وتعهد خطاه برعايته، وذكره غير مرة في مجالسه، ونوه في تصريحاته بدوره العلمي الكبير وبرسالته العظيمة في البحث عن طرق تحقيق الوحدة الإسلامية الشاملة، وأسباب ترسيخ الأخوة بين كل شعوب هذه الأمة، على أساس من وحدة العقيدة، والاشتراك في القيم والمبادئ الخالدة لهذه الملة الحنيفية، وفي علاج المشاكل ومواجهة التحديات التي تتعرض لها في هذا العصر أمتنا الإسلامية، اعتماداً على أحكام الشريعة الغراء وروح الإسلام السمحة، واستناداً إلى كتاب الله العزيز الحكيم وسنة نبيه ورسوله صلى الله عليه وسلم، قد منح - أجزل الله جزاءه - مجمعكم الموقر، مكرمة سنية مكنته من عقد هذا الاجتماع الجليل الذي يضم أهل الحل والعقد من كل بلد، ليتدارسوا في دورتهم الرابعة ببوابة الحرمين الشريفين عروس البحر الأحمر مدينة جدة القضايا المعروضة عليهم والتي أعدوا لها طوال هذه السنة بحوثهم الممتعة ودراساتهم القيمة.
ولقد وجدنا من أعضاده الميامين وأعضاء حكومته الرشيدة أصحاب السمو الملكي وأصحاب المعالي كل عون ودعم جعلنا نمضي قدماً بهذه المؤسسة العلمية في طريق الإنتاج والعمل الجاد والعطاء النافع.(4/24)
ولا بد في هذه المناسبة الكريمة من شكر سمو الأمير الحسن ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية على تشجيعه ورعايته ومن الاعتراف بالفضل والتقدير للدعوة الكريمة التي أعلن عنها معالي الشيخ خالد أحمد الجسار، أحسن الله إليه، والصادرة عن سمو أمير الكويت المبجل لعقد الدورة الخامسة القادمة بإذن الله في رعايته وبأرض الكويت المضياف الشقيق. وإني لأشيد بما يلقاه المجمع من رعاية من المؤسسة الأم والأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي وبما حققه من تعاون وإنجازات مع البنك الإسلامي للتنمية، والمعهد الإسلامي للبحث والتدريب التابع له، ومع رابطة العالم الإسلامي، ومجمعها الفقهي، ومركز الدراسات الإسلامية بمؤسسة الملك فيصل الخيرية.
وإن أنس في هذا المقام فلن أنسى الرحم العلمية التي تربطنا بمختلف الجامعات بالمملكة مثل جامعة أم القرى ومركز البحث فيها، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة الإمام محمد بن سعود بالرياض والقصيم، وجامعة الملك عبد العزيز، ومركز الملك فهد للدراسات الطبية، ومركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بها.
ولقد اتسعت بفضل الله دائرة التعاون هذه فشملت القطاع الخاص، وأرسيت قواعد للتعاون مع مؤسسة اقرأ، وتعاطف مع المجمع أصحاب الفكر والعلم والخير والبر لما لاحظوا من جد في سيره، وصدق في عمله. فتقدموا بتبرعات لمكتبته مثل بيت التمويل الكويتي، والسادة الدكتور سمير شما، والأستاذ عبد الله بن عدوان، أو قاموا بمساعدته على طبع مجلته كالذي فعلته في العام الماضي رابطة العالم الإسلامي بطبع العددين الأول والثاني منها وقام به في هذه السنة السري الماجد المحسن معالي السيد حسن عباس شربتلي بطبعه للعدد الثالث الذي بين أيديكم بأجزائه الثلاثة، أجزل الله ثوابهم جميعاً وأدام معروفهم.
ولعمري إن مما يزيد في تشجيعنا واعتزازنا بالقيام بالرسالة المجمعية تشريف أصحاب المعالي الوزراء وأصحاب السماحة العلماء ضيوفنا الكرام الذين جاؤوا من المشارق والمغارب يؤكدون ـ بحضورهم هذه الدورة معنا ـ ما نجده دائماً لديهم من تقدير وتعزيز ومساندة ودعم.(4/25)
إن العلاقة بحمد الله لدائمة متينة، وجيدة مثمرة بين المجمع ووزارة الأوقاف المصرية، والأزهر الشريف، وكلية الشريعة بالجامعات الأزهرية، ومجمع البحوث الإسلامية، وهي على أكرم ما تطمح إليه النفس قوة مع وزارة الأوقاف، والموسوعة الفقهية بالكويت، ومنظمة الطب الإسلامي به، وعلى أفضل ما يكون عليه التعاون بين المجمع وبين مؤسسة آل البيت بالأردن " مجمع الحضارة الإسلامية"، وكذا ما جد ويجد من تواصل العمل العلمي المشترك مع الجامعة الزيتونية التي وافت البشائر ببعثها منذ شهر، ومع وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية برباط الفتح التي تتولى التنسيق معنا والإعداد لتنفيذ أحد مشاريعنا، وجامعة القرويين العتيدة بفاس العتيق وتطوان ومراكش الحمراء، ومع وزارة الأوقاف بالعراق التي وافتنا في هذه المدة الأخيرة ومن قبل، ببعض منشوراتها التراثية القيمة.
وإن هذا التعاون العلمي المكثف، الذي كله جهد وعطاء وبذل وسخاء، ليجعلنا نؤمن بأن الغد لنا ولأمتنا الإسلامية، وذلك متى استأنفت هذه الأمة دورها الجاد العلمي في تعديل سلوك المجتمع الإنساني والبعد عن الهاوية التي تتردى فيها الحضارة المادية بسبب عناصر الفناء والإبادة فيها.
{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} .
ومتى كانت أعمالنا في مجمعكم ماضية على الوجه الذي بينا، وكانت خالصة لله ابتغاء التوفيق إلى الحق وتحقيق المقاصد السامية الدينية والشرعية، وكان التعاون عليها سنة مطردة ومنهجاً قائماً، لا يلتبس مع الأهواء ولا يزيغ مع الباطل، ولكن يقوم على النظر والتدبر والتشاور والمراجعة والتكامل والتحقيق، التي هي سمات الاجتهادات الجماعية، في بلوغ الهدف من نشاط المجمع ودراساته وقرارات مجالسه تكون بإذن الله ذات جدوى وتحقق الغرض منها بإذن الله، فتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر.
وإني وإن أوجزت القول فلا يفوتني أن أتقدم بجزيل الشكر إلى سماحة الشيخ الجليل عبد الله البسام على مساعداته النفيسة الكريمة، وأن أثني على الجد والعمل الدؤوب وحسن التدبير وفائق العناية التي يتسم بها سماحة رئيس مجلسنا الشيخ الدكتور بكر أبو زيد في متابعته الدائمة لعمل المجمع وإشرافه بنفسه على الندوات العلمية واللجان التخصصية طوال السنة، كما يطيب لي أن أذكر بكامل التقدير والإكبار الجهود العلمية المباركة والدراسات الفقهية العميقة التي تقدمتم وتتقدمون بها في هذه الدورة أنتم أصحاب السماحة والفضيلة والمعالي والسعادة حضرات الأعضاء الموقرين والخبراء المبرزين.
وختاماً يسعدني أن ينتظم جمعكم الكريم في مجمعكم هذا، وأرحب بكم أجمل ترحيب في هذا الموسم الديني الفقهي الاجتهادي الإسلامي، وأتمنى لكم طيب الإقامة بين ظهرانينا في بلد مقر مجمعكم المبارك، معتذراً عن كل تقصير قد حصل ويحصل في هذه الدورة، فإن أشياء كثيرة خارجة عن طاقتنا، وأدعو الله أن يسدد خطانا جميعاً ويجري الخير على أيدينا، إنه سميع مجيب، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة(4/26)
كلمة
الوفود المشاركة
ألقاها بالنيابة سعادة السفير الدكتور عمر جاه
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين سيدنا ونبينا ومولانا محمد بن عبد الله النبي العربي الأمي الأمين، وعلى آله وصحبه والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
نحمدك اللهم على نعمة الإسلام الذي اخترته للناس كافة {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآَخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} صدق الله العظيم.
نستغفرك اللهم ونتوب إليك ونتوكل عليك ونعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن عبد المحسن نائب أمير منطقة مكة المكرمة صاحب المعالي السيد شريف الدين بيرزاده الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي صاحب الفضيلة الدكتور بكر أبو زيد رئيس مجمع الفقه الإسلامي.
أصحاب الفضيلة والمعالي والسادة
إخواني أعضاء مجمع الفقه الإسلامي
ضيوفنا الكرام
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن أعضاء مجمع الفقه الإسلامي في دورته الرابعة يشرفني أن أحييكم جميعاً وأتقدم بالشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود ولحكومة المملكة العربية السعودية الرشيدة، ولشعبها الكريم المضياف باسمنا جميعاً نشكر هذه المملكة ومليكها وشعبها على تحمل مسؤولية حماية الأراضي المقدسة ورعايتها، بتوفير الأمن والاستقرار فيها. كما نشكر هذه المملكة وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين على استضافة مجمع الفقه الإسلامي ورعايته بدعم مادي ومعنوي سخي، ندعو المولى جلت قدرته أن يجازيهم عنا خيراً وأن يديم علينا جميعاً نعمة الأمن والاستقرار، كما نتضرع إليه سبحانه وتعالى أن يرينا الحق حقا ويرزقنا اتباعه، ويرينا الباطل باطلا ويرزقنا اجتنابه، إنه سميع قريب مجيب الدعوات.
ها نحن اليوم نجتمع، وللمرة الرابعة، في هذه البقعة الطاهرة المباركة وفي هذه الظروف الدقيقة التي تواجه فيها أمتنا الإسلامية سلسلة من التحديات في كل ميدان من ميادين الحياة، ولقد أصبحت هذه التحديات تهدد وجودنا كخير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله.(4/27)
نجتمع اليوم ونحن نمثل نخبة من علماء الأمة ومفكريها لنتدارس قضايا العصر ومشاكل الحياة في محاولة لإيجاد حلول عملية لهذه المشاكل في ضوء شريعة الإسلام الغراء. فسلاحنا الوحيد في هذه المعركة المصيرية هو إيماننا بالله سبحانه وتعالى وتمسكنا بكتابه الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، واتباع سنة نبيه المصطفى الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى، وبهذا السلاح نستطيع أن ندخل معركة الاستنباط والاجتهاد الجماعي مطمئنين لقوله تعالى:
{وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} .
راجين من المولى عز وجل أن يلهمنا من لطائف حكمته وفيوضات أنواره ما ينير لنا الطريق إلى الحق ويهدينا إلى سواء السبيل {وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا} صدق الله العظيم.
وغني عن البيان أيها الإخوة الأفاضل أن أنظار الأمة موجهة إلينا وأن مآلها في إيجاد حلول عملية لمشاكلها الاجتماعية والاقتصادية معلقة علينا. ولأننا لا نستطيع أن نخيب آمالهم فينا ينبغي أن نتسلح بسلاح الإيمان ونتحلى بالصبر وسعة الصدر، ونبذل الغالي والرخيص في سبيل الوصول إلى الحق الذي يكفل لنا حياة شريفة وعزيزة في ظل القرآن الكريم، الذي قال فيه الحق سبحانه وتعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} .
صاحب السمو وأصحاب المعالي والسعادة، قبل أن اختتم هذه الكلمة أريد أن أنوه بالجهود المشكورة التي يبذلها فضيلة الدكتور بكر أبو زيد رئيس المجمع وبالطريقة العملية التي أدار بها مداولاته في الماضي والتي نأمل أن يدير بها مداولاتنا في هذه الدورة وفي الدورات القادمة إن شاء الله، لكي نصل بسفينة بحثنا هذه إلى بر الأمان في إطار شريعتنا السمحة، كما أسجل شكرنا وتقديرنا لفضيلة الشيخ الدكتور الحبيب ابن الخوجة الأمين العام للمجمع، نشكره على دقة التنظيم وحسن الأداء التي تتميز بها إدارته لشؤون الأمانة، على الرغم من قلة الموارد المالية، ولا شك أن الذي شد أزره في هذا هو إيمانه بالله، ووجود الشباب المؤمن الذي يقف وراءه وينفذ أوامره، فجزاهم الله عنا خير جزاء، وباسمكم جميعاً أشكر حكومة دولة الكويت وعلى رأسها أمير دولة الكويت وشعبه على دعوتهم الكريمة لاستضافة الدورة الخامسة لمجمع الفقه الإسلامي.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د/ عمر جاه(4/28)
رسالة صاحب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال
ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية
إلى معالي رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
معالي الأخ الكريم الدكتور بكر أبو زيد حفظه الله تعالى
رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد
فقد انتهزت فرصة مشاركة الأخ الدكتور عبد السلام العبادي، في دورة المجمع التي ستعقد في جدة، فرغبت أن يحمل إليكم رسالتي للاطمئنان على صحتكم ولينقل إليكم خالص تحياتي وأطيب تمنياتي مقرونة بالدعاء إلى الله العلي القدير أن يديم عليكم الصحة والعافية، ويكلل جهودكم الخيرة بالتوفيق والنجاح، إنه سميع مجيب الدعاء.
ولقد تابعت باهتمام بالغ الترتيبات الخاصة بانعقاد دورة المجمع الرابعة، وسررت بمواصلة هذه المؤسسة العلمية الدولية الإسلامية لمسيرتها، وعملها الدؤوب لأداء رسالتها في خدمة الإسلام والمسلمين، خاصة في مواجهة القضايا المستجدة التي تحتاج من علمائنا النظر والبحث، لإيجاد الحلول الناجعة على هدي من شريعتنا الإسلامية الغراء، ولقد لاحظت أن موضوعات دورتكم هذه تمتاز بالجدية والأصالة كتلك الموضوعات التي بحثت في دورة المجمع الثالثة التي عقدت في عمان، فالأمة الإسلامية جميعها أصبحت تنظر إليكم بعين الأمل والدعاء لأن يسدد الله خطاكم وليعينكم على الخروج بقرارات وتوصيات تلبي طموحات أمتنا الإسلامية وتحقق رجاءها في علمائها وفقهائها الأجلاء، فهي في هذه الأيام أحوج ما تكون إلى كل جهد خير يقدمه الفقهاء والعلماء إليها. فموضوعات أبحاثكم متنوعة وهامة، ووحدة الفكر والرأي والكلمة وجمع الصف لأمتنا الإسلامية هو كل ما نهدف إليه، في هذا الوقت الذي نرى فيه أمتنا مستهدفة في هويتها وتراثها الإسلامي.
واللَّه نسأل أن يوفقنا في مسعانا وأن يأخذ بيدنا لما يحبه ويرضاه.
حفظكم الله ورعاكم.(4/29)
رسالة صحاب السمو الملكي الأمير الحسن بن طلال
ولي عهد المملكة الأردنية الهاشمية
إلى معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
سماحة الأخ العزيز الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فيسرني أن يحمل رسالتي لسماحتكم الأخ الدكتور عبد السلام العبادي، بمناسبة مشاركته في ندوة مجمع الفقه الإسلامي، لينقل إليكم خالص تحياتي وأطيب تمنياتي مقرونة بالدعاء إلى الله العلي القدير، أن يديم عليكم الصحة والعافية، ويكلل جهودكم الخيرة بالتوفيق والنجاح.
ولقد اطلعت على المعلومات الخاصة بانعقاد دورة المجمع الرابعة، فسررت كثيراً بمواصلة هذا المجمع العلمي الدولي الإسلامي لمسيرته الخيرة، بغية تحقيق الأهداف والغايات النبيلة التي أنشئ من أجلها، ولا شك بأن قيامكم على أمانته العامة له أكبر الأثر في نجاح قراراته وتوصياته، فرسالة هذا المجمع هي موضع اهتمام ومحط أنظار أمتنا الإسلامية التي ترجو من علمائها وفقهائها الأجلاء مساعدتها على جمع كلمتها في الرأي والفكر والصف، خاصة في هذا الوقت الذي نجد أمتنا مستهدفة من الطامعين في خيراتها وموقعها، والذين يخططون لبقائها في فرقة وعزلة، ويعملون ما أمكن لإضعاف إيمانها وتمسكها في عقيدتها، مستغلين نفوس الحاقدين والضعفاء والمندسين بين صفوفنا.
نسأل العلي القدير وندعوه أن يسدد خطانا ويؤيد مسعانا جميعاً لكل ما فيه خير الإسلام والمسلمين آملين أن يوافينا الأخ الدكتور العبادي بعد عودته إن شاء الله بكل ما توصلتم إليه من قرارات وتوصيات، ونحن دائماً على العهد لتسخير ما نملك من أجل خدمة أمتنا الإسلامية وقضاياها.
حفظكم الله ورعاكم.(4/30)
انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً
إعداد
معالي الدكتور محمد علي البار
عضو الكليات الملكية للأطباء بلندن وجلاسكو وأدنبره
مستشار قسم الطب الإسلامي بمركز الملك فهد للبحوث الطبية ـ جامعة الملك عبد العزيز
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وخاتم النبيين وآله الطيبين وصحبه الميامين.
أما بعد،
فإن موضوع غرس الأعضاء موضوع حساس لأنه يتصل بالأحياء والأموات، وقد تقدم الطب في العشرين عاماً الماضية تقدماً كبيراً بحيث فتح آفاقاً جديدة في هذا الميدان وخاصة بعد ظهور مفهوم موت الدماغ، وبعد التقدم الجراحي الواسع، وبعد استحداث عقاقير جديدة فعالة في تثبيط جهاز المناعة الذي يقوم برفض الأعضاء المغروسة.
وقد بحث الفقهاء الأجلاء هذا الموضوع بشكل من الأشكال منذ عهود بعيدة، عندما قام الأطباء بتوصيل العظام بعظام الأموات من بني البشر أو بعظام الحيوانات، وكانت هذه العظام الموصولة تفيد كثيراً، وإن كان الجسم يلفظها بعد فترة ويمتصها، وتأتي فائدتها من أنها تعمل كالسقالة التي يتم عليها البناء ثم تزال.
وقد توالت الفتاوى في هذا الموضوع منذ ظهور نقل الدم، الذي يعتبر طبياً، جهازاً من أجهزة الجسم يحتوي على خلايا متنوعة. ثم اتسع النطاق مع ظهور عمليات زرع (غرس) الأعضاء المختلفة.
وقد قسمنا هذا البحث إلى ثلاثة فصول لا بد منها:
الأول: في تاريخ غرس الأعضاء.
الثاني: في تعريفات وتصنيف غرس الأعضاء.
الثالث: الموقف الفقهي من غرس الأعضاء.
وفي نهاية الفصل الأخير ذكرنا الأسئلة التي يثيرها الأطباء العاملون في هذا الحقل. وذلك بعد حضور ندوة خاصة في هذا الموضوع نظمها المركز الطبي لنقل الكلى في الرياض في 28 محرم 1408 هـ (21/9/ 1987 م) وشارك فيها كاتب هذه السطور بإلقاء محاضرة أساسية عن مفهوم موت الدماغ بين الطب والدين والقانون، كما شارك في المناقشات التي تمت في موضوع غرس الأعضاء ومشاكله وصعوباته.(4/31)
تاريخ غرس (زرع) الأعضاء
إن موضوع غرس الأعضاء ليس أمراً حديثاً يشهده القرن العشرون، كما قد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة، ولكنه أمر قديم عرفته البشرية بشكل من الأشكال البدائية، وفي بعض الأحيان بصورة متقدمة نسبياًَ.
وقد عرف الإنسان في العصر البرونزي عملية التربنة Trephine وهي إزالة جزء من عظم القحفة (Cranium) نتيجة إصابة الرأس. وقد وصف جوثري في كتابه الطب
(1)
جمجمة أجريت لها عملية تربنة ثم أعيدت قطعة العظم المأخوذة بعد فترة وذلك منذ العصر البرونزي (وأوضح صورة تلك الجمجمة) .
ويبدو من الحفريات القديمة أن المصريين القدماء عرفوا عمليات زرع الأسنان التي أخذها عنهم اليونان والرومان فيما بعد (2) وتدل المكتشفات الأثرية على أن سكان الأمريكتين قد مارسوا زرع الأسنان قبل أن يعرفها الأوربيون، وكذلك عرف الأطباء المسلمون زرع الأسنان في القرن العاشر الميلادي (الرابع الهجري) (3) .
وقد ورد في كتب السنة ((أن قتادة بن النعمان رضي الله عنه، أصيبت عينه يوم بدر ويرد في رواية يوم أحد فندرت حدقته فأخذها في راحته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم وأعادها إلى موضعها، فكانت أحسن عينيه وأحدهما بصراً)) أخرجه البيهقي وابن عدي والطبراني وأبو نعيم وأبو يعلى) (4) . وهذا من معجزاته صلى الله عليه وسلم. وهو أول زرع للعين Replatation (أو إعادة زرع)
__________
(1) Guthrie D.A History of Medicine. Philadelphia USA. Lippincott co. 1946 P.12
(2) Peer L.A. Transplantation of tissue Baltimore. USA Williams wikins co.
(3) Peer L.A. Transplantation of tissue Baltimore. USA Williams wikins co.
(4) نقلاً عن سعيد حواء في كتابه: " الرسول " ج2/ ص 97، الطبعة الثانية، 1971(4/32)
وقد وصف الجراحون الهنود القدماء عمليات بارعة في إصلاح الأنف والأذن المقطوعة أو المتآكلة نتيجة مرض. وقد وصفوا بدقة ترقيع الجلد ونقله من الخد إلى موضع الأنف سنة 700 قبل الميلاد (كتاب سرسوتا سانهيتا) (1) .
وقد انتشرت هذه الطريقة البارعة في استخدام الرقعة الذاتية من الهنود إلى غيرهم من الأمم، ووصلت إلى اليونان ثم الرومان. ثم نقلها الجراحون الأوربيون وبالذات تاجليكوزي الإيطالي (القرن السادس عشر الميلادي) ولا تزال هذه الطريقة تستخدم مع بعض التعديلات الطفيفة إلى اليوم.
وفي عصر النبوة قام عرفجة بن أسعد رضي الله عنه باتخاذ أنف من الفضة بعد أن أصيبت أنفه يوم كلاب، فلما أنتنت أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ أنفاً من ذهب، فلم ينتن، ولا يدخل هذا في زرع الأعضاء بل يدخل في عمليات التجميل.
وقد ذكرنا هذا لنوضح أن الجراحين العرب حتى في العهد القديم كانوا على براعة غير متوقعة في إجراء عمليات تجميلية.
وتطورت زراعة الأعضاء وخاصة الزرع الذاتي Autograft في القرن الثامن عشر والتاسع عشر الميلاديين. وفي عام 1770 م استطاع Missa أن يقوم بعملية نقل وتر العضلة الباسطة للأصبع الوسطى إلى السبابة، وفي خلال القرن التاسع عشر تمت عمليات نقل الأوتار والعضلات والجلد والأعصاب والغضاريف والقرنيات والغدة الكظرية والدرقية والمبايض وأجزاء من الأمعاء والمثانة وذلك بالنسبة لحيوانات التجارب.
__________
(1) woodruff M.f. the transplantation of tissues and organs. Springfield USA charles thomas co. 1960(4/33)
أما بالنسبة للإنسان فقد تمت بنجاح خلال القرن التاسع عشر عمليات ترقيع الجلد، وخاصة الترقيع الذاتي Autograft كما تم الترقيع المتباين Allograft حتى إن ونستون تشرشل تبرع أثناء الحرب بقطعة من جلده لأحد زملائه وذلك عام 1898.
وفي القرن العشرين تكثف نشاط الجراحين بالنسبة لزرع القرنية في الفترة ما بين 1925و 1945 وانتشر كذلك نقل الدم بصورة واسعة.
وبدأ زرع الكلى على مستوى الحيوانات عام 1902 على يد أولمان Ulman في فيينا وفون دي كاستلو الذي نقل كلية من كلب إلى آخر.
وقام جابوليه في فرنسا (ليون) بزرع كلية حيوان لإنسان، وبطبيعة الحال فشلت تلك العملية على الفور.
واستطاع كاريل تلميذ جابوليه أن يحسن بشكل باهر عمليات توصيل الأوعية الدموية مما مكنه من إجراء العديد من عمليات نقل الأعضاء من فصيلة واحدة Allograft وبنجاح نسبي.
وقام الجراح الأوكراني Yu Vorony عام 1933 بأول عملية زرع كلية من إنسان لإنسان، واستمرت الكلية المنقولة في العمل لمدة ست ساعات فقط، وقد قام YO Vornoy بست عمليات مماثلة حتى عام 1949، وكلها باءت بالفشل.
وبدأ مورتون سيمونسون من الدينمارك في بداية الخمسينات دراسته لأسباب رفض الكلى وغيرها من الأعضاء.. وبدأت الدراسات تتوالى حول جهاز المناعة وأسباب الرفض، وفي عام 1653 قام هامبرجر Hamburger في باريس بنقل كلية من أم إلى ابنها واستمرت الكلية في العمل لمدة 22 يوما ثم رفضها الجسم.(4/34)
وبدأت الدراسات المكثفة للتغلب على عمليات الرفض التي يقوم بها جهاز المناعة. ومنذ بداية الستينات من القرن العشرين ظهرت عدة محاولات للتغلب على مشكلة الرفض Rejection للأعضاء المزروعة ... وتمثلت الوسائل في الآتي:
1) استخدام الأشعة للجسم بأكمله ... وسرعان ما اندثرت هذه الطريقة لخطورتها.
2) استخدام العقاقير وبالذات Azathiopurine الذي ظهر عام 1961 واستخدم في عمليات زرع الكلى عام 1962 ... وتبعه بعد ذلك البريدينزلون (من مشتقات الكورتيزون) ... وظل هذا العقار حجر الزاوية في معالجة مشكلة الرفض للأعضاء المزروعة حتى ظهر في 1968 عقار سيكلوسبورين الذي فتح آفاقاً أمام زرع الأعضاء وحقق نجاحاً طبياً في مجال مشكلة الرفض.
3) وبتحسن الوسائل الجراحية، وتحسن الديلزة Dialysis واكتشاف عقار السيكلوسبورين حققت عمليات زراعة الكلى نجاحاً كبيراً ومطرداً في مختلف أنحاء العالم. وفتحت مراكز متعددة لزراعة الكلى في مختلف الأقطار، حتى في البلاد النامية، رغم الكلفة العالية نسبياً لهذه العمليات، وتكلفة علاج مشكلة الرفض بالعقاقير الباهظة الثمن مدى الحياة.
ولم تقتصر عمليات زرع الأعضاء بطبيعة الحال على الكلى وإنما شملت كل الأعضاء تقريباً ما عدا الدماغ.
ولم تؤخذ الأعضاء من الأحياء والأموات فحسب، بل بدأ عهد جديد في أخذ الأعضاء والأنسجة من الأجنة.
ومنذ ظهر مفهوم موت الدماغ وتقبلته الدوائر الطبية أولاً ثم القانونية وذلك في السبعينات وبداية الثمانينات في القرن العشرين تمكن الجراحون من أخذ الأعضاء وهي لا تزال في حالة جيدة بسبب التروية الدموية المستمرة حتى لحظة نزع العضو أو قبيله مباشرة.
وقام مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة في عمان صفر 1407 أكتوبر 1986 بإصدار قراره التاريخي بالاعتراف بموت الدماغ واعتباره مساوياً لتوقف القلب والتنفس توقفاً تاماً لا رجعة فيه.
وبدأ بذلك عهد جديد له ميزاته وله محاذيره ومخاطره.(4/35)
تعريف وتصنيف (زرع) غرس الأعضاء
التعريفات:
غرس الأعضاء (زرع الأعضاء) : يقصد به نقل عضو سليم أو مجموعة من الأنسجة من متبرع Donner إلى مستقبل Recipient ليقوم مقام العضو أو النسيج التالف.
المتبرع Donner: هو الشخص أو الحيوان الذي تؤخذ منه الأعضاء. ويمكن أن يكون المتبرع إنساناً وهو الغالب، أو حيواناً وهو أمر أصبح نادر الحدوث بسبب عمليات الرفض القديمة.
كذلك يمكن أن يكون المتبرع حياً، وذلك بالنسبة للأعضاء المزدوجة أو التي يمكن تعويضها مثل الدم ونخاع (نقي) العظام والجلد، أو ميتاً. وبما أن الأعضاء التي ستغرس ينبغي أن تكون في حالة جيدة وليست تالفة، لا بد أن تبقى هذه الأعضاء وهي تتلقى التروية الدموية عبر الدورة الدموية للشخص الذي مات.. أي لا بد أن يكون هذا الشخص قد مات نتيجة موت دماغه لا قلبه ... ويبقى القلب في هذه الحالات يضخ الدم بمساعدة الأجهزة والعقاقير.. ويشترط أن يبقى ضغط الدم في حدود 100 مم زئبق للضغط الانقباضي حتى تتم تروية الأعضاء تروية جيدة لحين عملية نقل هذا العضو أو الأعضاء المتبرع بها.
المستقبل (المضيف) (Recipient (Hot: هو الجسم الذي يتلقى الغريسة (العضو) ويمكن أن يكون إنساناً أو حيواناً.
وبالنسبة للإنسان لا بد من توافر عدة شروط في المستقبل من ناحية السن ونوعية المرض ومدى استفحاله ... إلخ.
الغريسة (الرقعة) graft (Transplant) ويقصد به العضو المغروس، وجمعها غرائس. والغريسة إما أن تكون عضواً كاملاً مثل الكلية والكبد والقلب.. إلخ، أو تكون جزءاً من عضو كالقرنية (وهي الجزء الشفاف الخارجي من العين) أو تكون نسيجاً أو خلايا كما هو الحال في نقل الدم ونقي العظام وغرس جزر لانجرهان من البنكرياس.(4/36)
وتصنيف الغرائس تصنيفات عدة، وأول هذه التصانيف هي حسب طبيعة ترويتها الدموية، فهناك غرائس ذات تروية دموية مباشرة مثل القلب والكبد والكلية. وهناك غرائس لا تحتاج إلى أوعية دموية ترتبط مباشرة، مثل غرس طبقة من الجلد، وهناك غرائس لا تحتج مطلقاً إلى أوعية دموية مثل القرنية التي تصاب بالتلف إذا تخللتها الأوعية الدموية.
وثاني هذه التصانيف هو تصنيف الغريسة حسب علاقتها بالجسم المستقبل وهي كالتالي:
1) غرائس ذاتية Auto Graft: وفي هذه الحالة تؤخذ الغريسة (العضو) من منطقة إلى منطقة أخرى في نفس الجسم. ويحدث هذا كثيراً في نقل الجلد وخاصة في الحروق. حين يقوم الجراح بنقل جزء من جلد المصاب من الجهة السليمة ليغطي الجزء المحروق. كذلك قد يستخدم الجراح غضاريف من الأضلاع التي تستخدم لسد الفجوة في العظام نتيجة استئصال ورم أو كسر كبير متهشم.
2) غرائس متماثلة Isograft: ومثالها أن ينقل عضو من الأخ لأخيه التوأم المتماثل Identical twin والتوائم نوعان:
أ) التوائم المتماثلة: وهي التي نتجت عن بويضة واحدة مخصبة ثم انقسمت إلى خليتين مستقلتين وأنتجت كل واحدة منها جنيناً. وهذه التوائم متماثلة في جميع الخصائص الوراثية.
ب) التوائم غير المتماثلة: وهي التي نتجت عن تلقيح بويضتين أو أكثر في وقت واحد. وتم تلقيح كل بويضة بحيوان منوي. ولذا فهي مختلفة من الناحية الوراثية. ولا تتشابه إلا كما يتشابه الإخوة من أب وأم. وقد تكون إحداها ذكراً والآخر أنثى.
وتتميز الغرائس المتماثلة بأنها لا تحتاج إلى عقاقير خفض المناعة؛ لأن الجسم لا يرفضها بل يعتبرها جزءاً منه. وهي بطبيعة الحال أفضل أنواع الغرائس، وأطولها عمراً وأكثرها فائدة، وأقلها تعرضاً للتلف، ولا تحتاج إلى استخدام عقاقير خفض المناعة.(4/37)
3) الغرائس المتباينة Allugraft: وهي الغرائس التي تؤخذ من أشخاص مختلفين من جنس واحد ... أي من إنسان لإنسان أو من أرنب لأرنب.. وهكذا. ويدعى هذا النوع أحياناً الغريسة المتجانسة Homorgraft لحدوثة بين فصيلة متجانسة.
وهذا النوع من الزرع هو الأكثر انتشاراً وقد يكون المتبرع حياً Living Donner أو ميتاً Cadaver Donner. وكلاهما يسبب رفض الغريسة (العضو المزروع) بواسطة المستقبل Recipient، ولذا لا بد من إعطاء العقاقير الخافضة للمناعة Immu-nosuppressants مدى الحياة، وفي ذلك من الخطورة ما فيه.
4) الغريسة الغربية أو الدخيلة Xenograft: وهي الغرائس المنقولة بين جنسين أو فصيلتين مختلفتين.. ومثالها غرس عضو من كلب لقط أو من قرد لإنسان ... وقد وقع هذا كثيراً ولا يزال في مجال الحيوانات على سبيل التجارب، واستخدمت عظام الحيوانات للإنسان، وقد ذكر الفقهاء منذ أزمنة قديمة استخدام عضو الحيوان لتوصيل العظام.
قال الإمام النووي في منهاج الطالبين (1) : " ولو وصل عظمه بنجس لفقد طاهر فمعذور وإلا وجب نزعه إن لم يخف ضرراً ظاهراً، وقيل: وإن خاف، فإن مات لم ينزع على الصحيح. وعلق الإمام الشربيني في مغني المحتاج (2) على ذلك بقوله: " وظاهر هذا أنه لا فرق بين الآدمي المحترم وغيره. وهو كذلك ". وقال: " ولو صل عظمه " لانكساره مثلاً واحتياجه إلى الوصل (بنجس لفقد طاهر) الصالح للوصل، أو وجده، وقال أهل الخبرة: إنه لا ينفع ووصله بنجس (فمعذور) في ذلك تصح صلاته معه للضرورة ".
وذكر القزويني في عجائب المخلوقات (3) أن من خواص عظم الخنزير أنه يوصل بعظم الإنسان ويلتئم سريعاً ويستقيم من غير اعوجاج!!
__________
(1) مغني المحتاج على متن منهاج الطالبين: ج 1/190
(2) مغني المحتاج على متن منهاج الطالبين: ج1/ 190
(3) زكريا القزويني: عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات، تقديم فاروق سعد، دار الآفاق الجديدة، بيروت، الطبعة الثالثة 1978: ص 422(4/38)
وبما أن العظام تبقى فترة طويلة بعد أن تموت حتى يمتصها الجسم ويحل محلها عظم جديد ولذا تعمل كسقالة Scaffolding لذا فإن عملية الرفض في العظام غير مهمة كثيراً، وقد قام الأطباء حديثاً بمحاولة زرع قلب قرد في طفلة، وأدى ذلك إلى رفض الجسم بسرعة لهذا القلب.
لهذا يتجنب الأطباء عمليات الغرس من الحيوانات للإنسان، على الأقل في الوقت الراهن، ومع هذا فإن استخدام بعض أجزاء من الحيوان للإنسان أمر يستخدم حتى اليوم، ومثاله الأنسولين البقري أو الخنزيري الذي يستخدم لعلاج مرض البدل السكري (الديابيطس) أو استخدام صمامات القلب من البقر والخنازير لإبدال الصمامات التالفة في الإنسان، إذا لم يتمكن الجراح من إصلاح الصمام التالف، أو أخذ صمام من أوردة المصاب ذاته. وفي الوقت الراهن قل استخدام هذه الصمامات البقرية والخنزيرية مع التقدم الجراحي في هذا الميدان، وازدياد مقدرة الجراحين في إصلاح الصمامات المعطوبة.(4/39)
موضع الغرس:
قد يوضع العضو المغروس (الغريسة) في مكان العضو التالف ويسمى هذا النوع الموضع السوي Ortho topic ومثاله غرس القلب والرئتين والكبد والقرنية. وقد تغرس الأعضاء في غير موضعها المعهود ويسمى ذلك الموضع المختلف Hetero topic ومثاله زرع الكلى التي توضع في الحفرة الحرقفية بدلاً من موضعها في الخاصرة.
أنواع الغرس (الزرع) :
لقد قام الأطباء بزرع مختلف الأعضاء والأنسجة، وأكثر هذه الأنواع شيوعاً نقل الدم، حيث تنقل ملايين اللترات من الدم سنوياً وينقذ بذلك مئات الآلاف من الأشخاص في كل عام. وفي الولايات المتحدة الأمريكية يتم نقل 12 مليون عملية نقل دم سنوياً (1) ونظراً لكثرة استخدام نقل الدم وعدم وجود أي مضاعفات خطيرة من نقله، إذا أعطي ضمن الشروط المعتبرة، فإن هذا الإجراء لا يذكر عادة ضمن موضوع غرس الأعضاء K وإن كان في الأصل داخلاً فيه.
ويلي نقل الدم، استخدام الجلد وغرسه. وهو إجراء واسع الانتشار أيضاً وقليل المضاعفات وخاصة إذا كان ذاتياً (أي من نفس الشخص) .
وانتشر في الوقت الراهن نقل الكلى (غرس الكلى) . وأنشئت مراكز في معظم بلدان العالم بما في ذلك ثلاثة مراكز في المملكة العربية السعودية التي تم فيها حتى الآن إجراء قرابة خمسمائة عملية نقل كلى تمت بنسبة نجاح كبيرة.
كذلك ينتشر منذ زمن نقل القرنية، ومشاكل غرسها محدودة جداً؛ لأن القرنية لا تعتمد على التروية ورفضها محدود جداً. وتوجد مراكز لنقل القرنية في مصر والسعودية وبعض البلاد العربية الأخرى.
ولا يزال غرس القلب قاصراً على الدول المتقدمة تقنياً لصعوبته البالغة وكلفته العالية، وإن كان قد تم في الأردن إجراء عمليات زرع قلب كما تم في الرياض بالمملكة العربية السعودية إجراء هذه العملية بنجاح.
ويواجه غرس الكبد والرئتين مصاعب كثيرة حتى في البلاد المتقدمة تقنيا. وبدأ يحقق بعض النجاح بعد استخدام عقار السيكلوسبودين لمعالجة مشاكل الرفض ...
وأنشئت مراكز عدة في مختلف الأقطار لزرع العظام ولا أظن أن هناك مشاكل عويصة لا يمكن التغلب عليها في هذا المجال، وكذلك أنشئت مراكز لنقل المفاصل، وهي لا تزال في مراحلها الأولى.
__________
(1) merk manual of diagnosis and therpay. (1982. 14 th edition Merk sharp & dohme NJ. p.p 1093 - 1098.(4/40)
أما نقل البنكرياس، أو بعض خلاياه، فقد حقق في الآونة الأخيرة نجاحاً مطرداً بعد فترة فشل طويلة.
وحقق غرس نقي العظام نجاحاً طيباً بعد استخدام عقار السيكلوسبودين. وهناك موضوع غرس الأعضاء التناسلية والغدد التناسلية وما يثيره من مشاكل بالنسبة للمسلمين، وكذلك غرس الأجنة المجمدة وموضوع الرحم الظئر وما يعتورهما من مشاكل أخلاقية وقانونية ودينية.
وقد فتح باب جديد مؤخراً، وهو تنمية الأجنة في المختبرات واستخدام أنسجتها للغرس في مختلف الأمراض، وهو باب جديد له مشاكله الأخلاقية والدينية العديدة.
ولا يدخل في موضوع غرس الأعضاء إدخال أجزاء من المعادن أو غيرها مثل السيلكون والداكرون والتيفلون، ومثالها صمامات القلب الصناعية، وصمامات الأوعية الدموية، والأوعية الدموية الصناعية ... والمفاصل الصناعية والصفائح والمسامير التي توضح لتجبير العظام المكسورة.
وفي العادة لا تدخل أيضاً الصمامات المستخرجة من الخنازير والبقر والتي تستخدم أحياناً لإصلاح صمامات القلب المعطوبة في الإنسان، ولا تذكر عادة ضمن موضوع غرس الأعضاء، وإن كانت في الأصل ضمن هذا الموضوع.(4/41)
فترة نقص التروية الدافئة Warm ischaemic Time: ويقصد بها المدة الزمنية التي يستطيع العضو أن يتحملها بعد انقطاع التروية الدموية عنه. ولا يستطيع الدماغ أن يعيش أكثر من أربع دقائق بدون تروية دموية، وربما يبدأ الفساد بعد دقيقتين فقط من توقف التروية الدموية عن الدماغ، ويستطيع القلب البقاء لعدة دقائق، أما الكلى فيمكن أن تصمد بدون تروية دموية لمدة أقصاها 45 دقيقة. ويبقى الجلد لفترة زمنية طويلة نسبياً (12 ساعة) وكذلك القرنية. أما العظام والغضاريف فإنها تتحمل انقطاع الدم عنها لمدة يوم أو يومين.
فترة نقص التروية الباردة Cold Ischaemic time: ويقصد بها المدة الزمنية التي يمكن أن يبقى فيها العضو بعد استقطاعه من الجسم ووضعه في محلول مثلج في درجة حرارة منخفضة. ويمكن للكلى أن تبقى دون فساد في درجة حرارة 4 مئوية في محلول مبرد لمدة 24 ساعة على الأكثر، وإذا استخدمت صدمات دفقية محددة بواسطة المحلول المبرد فإنه يمكن الاحتفاظ بالكلى لمدة 72 ساعة دون حدوث نخر أنبوبي حاد Acute Tubular Necvosis ويمكن الاحتفاظ بالقلب في السوائل المبردة بالدفق الخاص لمدة ساعتين فقط. (1) أما الأنسجة والخلايا فيمكن الاحتفاظ بها تحت النتروجين السائل في درجة حرارة منخفضة جداً (76 تحت الصفر) لمدة طويلة، ويمكن الاحتفاظ بالمني والأجنة المجمدة وغيرها من الأنسجة والخلايا لمدة عشر سنوات أو أكثر. وقد حددت القوانين في بعض البلاد الغربية وأستراليا أقصى مدة للاحتفاظ بالمني والأجنة المجمدة بعشر سنوات.
__________
(1) Ascher N. etal; multiple organ Donnatson from a cadaver. In (eds) ; Simmons R. Finch M. Ascher N. Najerant. Manual of vogular Access. organ Donnation & transplantation. Springer - Verlog ltd. New York Berline - Tokyo. 1984 pp. 105 118(4/42)
ويمكن الاحتفاظ بالكبد بعد التبريد بواسطة المحلول المبرد بالدفق المحدد لمدة 8 ساعات فقط وتبقى البنكرياس في مثل هذه الحالة لمدة 72 ساعة
Warm Ischaemic time
Cold Ischaemic time
بقاء الأعضاء دون تروية في درجة حرارة عادية
بقاء الأعضاء بعد تبريدها بواسطة محلول مثلج بالدفق المحدد (أي بعد أخذها من الجثة أو الجسم)
العضو دقائق ساعات
الدماغ مدة أقصاها 4 دقائق نهاية الحياة
القلب مدة أقصاها بضع دقائق (يبرد موضعياً) ساعتان
الكلى مدة أقصاها 45 دقيقة 72 ساعة
الكبد 8 دقائق 8 ساعات
البنكرياس مدة أقصاها 20 دقيقة 12 ساعة كل البنكرياس 72 ساعة جزء من البنكرياس
الجلد 24 ساعة
العظام 24 ساعة
القرنية 24 ساعة إذا كان الجلد مبرداً 48 ساعة ـ وبطريقة ماكاري كوفمان 4 أيام أما الحفظ بالتجميد فيمكث فترة طويلة ولكنه يحتاج إلى مستوى فني عال(4/43)
الموقف الفقهي من غرس الأعضاء
رغم أن غرس الأعضاء يعتبر من المواضيع المستحدثة والمستجدة في القرن العشرين إلا أن بدايات هذا الموضوع قد تمت منذ عصور قديمة (1) .
وأول ذكر لغرس الأعضاء أو إعادة غرس عضو لنفس الشخص الذي فقد ذلك العضو في التاريخ الإسلامي هو ((ما حدث لقتادة بن النعمان رضي الله عنه الذي فقد عينه في معركة أحد (وفي رواية في معركة بدر) ثم أعادها النبي صلى الله عليه وسلم فكانت أحسن عينيه وأحدهما بصراً.))
وتحدث الفقهاء منذ أزمنة متطاولة عن وصل العظام بعظم إنسان ميت أو عظم حيوان طاهر أو نجس، ومثال ذلك ما ذكره الإمام النووي في منهاج الطالبين حيث قال: " ولو وصل عظمه بنجس لفقد الطاهر فمعذور وإلا وجب نزعه" (2) وما ذكره الخطيب الشربيني في مغني المحتاج إلى معرفة ألفاظ المنهاج من أن وصل العظم الذي انكسر بعظم آدمي (محترم أو غير محترم) جائز شرعاً متى قال ذلك أهل الخبرة. وكذلك جواز وصل العظم بعظم حيوان طاهر (مذكى) أو نجس (غير مذكى أو خنزير) متى ما قرر ذلك أهل الخبرة أو أن عظم الآدمي غير متوفر (3) .
وتحدث الفقهاء أيضاً في موضوع الغرس الذاتي منذ أزمنة بعيدة. ويذكر الدكتور محمد فوزي فيض الله أن الإمام النووي قرر في هذه المسألة وجهين: أحدهما لأبي إسحاق وقد استجازه، لأنه إحياء نفس بعضو، فجاز، كما يجوز أن يقطع عضواً إذا وقعت فيه الأكلة وذلك إحياء لنفسه، والآخر لا يجوز، لأنه إذا قطع عضواً منه كانت المخافة عليه أكثر" (4)
__________
(1) انظر تاريخ غرس الأعضاء ص 2ـ 4
(2) مغني المحتاج على متن منهاج الطالبين للإمام النووي (شرح الخطيب الشربيني) دار الفكر ج 1/ 190
(3) مغني المحتاج على متن منهاج الطالبين للإمام النووي (شرح الخطيب الشربيني) دار الفكر ج 1/ 190
(4) د. محمد فوزي فيض الله، التصرف في أعضاء الإنسان مجلة الوعي الإسلامي العدد 276 ذو الحجة 1407 هـ (أغسطس 1987 م) .(4/44)
ومنذ ظهور مسألة نقل الدم كتب العديد من الفقهاء المحدثين فتاواهم في إباحته، نذكر منهم فضيلة الشيخ حسن مأمون (مفتي مصر) فتوى رقم 1065، وفتوى الدكتور أحمد فهمي أبو سنة (بحث مقدم للمجمع الفقهي رابطة العالم الإسلامي في دورته الثامنة 1405 وسبق نشره في مجلة التضامن) كما ظهر كتاب بعنوان نقل الدم وأحكامه الشرعية للشيخ محمد صافي (سورية حمص ـ مؤسسة الزعبي 1392 هـ/ 1973) وقد أباحت هذه الفتاوى وغيرها كثير، إجراء نقل الدم واعتبرته من أعمال البر والخير، وذلك لما فيه من إنقاذ حياة أشخاص كثيرين.
وكذلك ظهرت كتابات وفتاوى متعددة في موضوع نقل الأعضاء وكلها قد أباحته، وكان لبعض هؤلاء بعض الشروط التي سنذكرها في حينها.
ونذكر من هذه الفتاوى ما يلي كأمثلة فحسب:
1) فتوى فضيلة الشيخ محمد خاطر (في 3 ذي الحجة 1392/ 3 فبراير 1973) بإباحة سلخ جلد الميت لعلاج حروق الأحياء بفتوى رقم 1069 واشترط في الإباحة الاقتصار على الموتى الذين لا أهل لهم، أو الموتى الذين أوصوا بذلك في حياتهم، أو الموتى الذين أذن أهلهم بذلك.
2) فتوى فضيلة الشيخ حسن مأمون (6 شوال 1378 هـ/ 4 إبريل 1959 م) برقم 1087 في إباحة نقل عيون الموتى إلى الأحياء، وأن ذلك جائز بإذن الموتى الذين لهم أهل أو الميت الذي أوصى بذلك، أو الميت الذي لا أهل له (بدون إذن) .
3) فتوى الشيخ أحمد هريدي (23 أكتوبر 1966) برقم 993 بجواز سلخ قرنية العين من ميت وتركيبها لحي، وذلك من الميت الذي لا أهل له، أو الميت الذي أذن أهله بذلك، أو الميت الذي أوصى بذلك قبل وفاته.(4/45)
4) فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق في 15 محرم 1400/ 5 ديسمبر 1979 برقم 1323 بإباحة نقل الأعضاء من إنسان إلى آخر، وقد أباح نقل الأعضاء بشروط تشبه الشروط السابقة المذكورة أعلاه (الميت الذي لا أهل له. أو الذي أذن أهله بذلك) وأما المتبرع الحي فتبرعه مقيد بأن لا يتبرع بعضو ينتج عنه هلاكه.
5) بحث الدكتور أحمد فهمي أبو سنة المقدم إلى المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي (الدورة الثامنة 1405 هـ) بعنوان حكم العلاج بنقل دم الإنسان أو نقل أعضائه أو أجزاء منها.
6) فتاوى مقدمة لقسم الطب الإسلامي مركز الملك فهد للبحوث الطبية ـ جامعة الملك عبد العزيز بجدة ـ والأبحاث مقدمة من الشيخ السيد أحمد الشاطري والسيد عمر حامد الجيلاني والدكتور محمد عبد الجواد محمد. وجميعها أباحت نقل الأعضاء واعتبرته عملاً نبيلاً لإنقاذ حياة الكثيرين.
7) بحث فضيلة الشيخ عبد الله البسام حول زرع الأعضاء والمقدم إلى المجمع الفقهي، رابطة العالم الإسلامي (الدورة الثامنة 1405 هـ) وقد أباح الزرع بشروط عدم الإضرار بالمتبرع ضرراً بالغاً ولا يجوز التضحية بحياة المتبرع من أجل شخص آخر.
8) بحث فضيلة الشيخ محمد رشيد رضا قباني حول زرع الأعضاء والمقدم إلى المجمع الفقهي، رابطة العالم الإسلامي في الدورة الثامنة 1405 هـ، وقد أباح أيضاً الزرع بشروط أهمها عدم حصول الضرر على المتبرع.
9) الفتوى الصادرة uن وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بدولة الكويت برقم 132/ 79 (بتاريخ 5 صفر 1400 هـ 24/12/ 1979 م) . وقد أجازت اللجنة نقل الأعضاء سواء من الميت أو من الحي، على أنه إذا كان المنقول ميتاً جاز النقل سواء أوصى أم لم يوص. إذ إن الضرورة في إنقاذ الحي تبيح المحظور ويقدم الموصي له في ذلك عن غيره، كما يقدم الآخذ من جثة من أوصى أو سمحت أسرته بذلك عن غيره. أما إذا كان المنقول منه حياً، فإذا كان الجزء المنقول يفضي إلى موته كالقلب والرئتين أو فيه تعطيل له عن واجب كاليدين والرجلين معاً، فإن النقل يكون حراماً مطلقاً سواء أذن أم لم يأذن، أما نقل إحدى الكليتين أو العينين أو إحدى الأسنان أو بعض الدم فهو جائز بشروط الحصول على إذن المنقول منه.(4/46)
10) فتوى هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية بقرار رقم 99 في 6/11/ 1402 هـ والقاضي بإباحة نقل الأعضاء من المتبرع الحي أو من الميت.
11) بحث الدكتور أحمد شرف الدين بعنوان الأحكام الشرعية للأعمال الطبية تناول فيه موضوع زرع الأعضاء وموت الدماغ ببحث مطول (إصدار المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت 1402 هـ/ 1982 م) .
12) قامت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاشتراك مع وزارة الصحة بالكويت بتنظيم ندوة تحت عنوان " الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي " في الفترة ما بين 24 ـ 26 ربيع الآخر 1405 هـ (15 ـ 17 يناير 1985 م) شارك فيها نخبة من الفقهاء والأطباء ودرست موضوع الدماغ ووافقت على اعتبار موت الدماغ موتاً للإنسان وارتأت زيادة بحث الموضوع في فترة لاحقة.
13) قام مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بدراسة مفصلة لموضوع موت الدماغ استغرقت دورتين إحداهما في جدة (1406 هـ/ 1986 م) والثانية في عمان (صفر 1407 هـ، أكتوبر 1986 م) . وصدر في نهايتها القرار التاريخي باعتبار موت الدماغ موتاً للإنسان، وقد نص القرار على الآتي:
" يعتبر شرعاً أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعاً للوفاة عند ذلك، إذا تبينت إحدى العلامتين التاليتين:
أ) إذا توقف قلبه وتنفسه توقفاً تاماً، وحكم الأطباء بأن هذا التوقف لا رجعة فيه.
ب) إذا تعطلت جميع وظائف دماغه تعطلاً نهائياً، وحكم الأطباء الاختصاصيون الخبراء بأن هذا التعطيل لا رجعة فيه، وأخذ دماغه في التحلل.
وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص وإن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلاً لا يزال يعمل آلياً بفعل الأجهزة المركبة.(4/47)
وستتضح الأهمية البالغة لهذا القرار في موضوع غرس الأعضاء عند مناقشة نقل الأعضاء من الموتى.
14) قام مجمع الفقه الإسلامي، رابطة العالم الإسلامي بدراسة موضوع موت الدماغ في الدورة الثامنة (1405 هـ) والدورة التاسعة (1406 هـ) ولكنه لم يصدر قراراً بهذا الشأن.
15) قدم محمد زين العابدين طاهر المدرس بكلية الشريعة والقانون بالجامعة الأزهرية فرع أسيوط أطروحته لنيل درجة الدكتوراه بعنوان " نطاق الحماية الجنائية لعمليات زرع الأعضاء في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي " درس فيها موضوع زرع الأعضاء بتفصيل وما يتبع ذلك من أحكام فقهية.. وإعادة الأعضاء المقطوعة حداً (كالسرقة) وهل يجوز إعادة وصلها إلى جسم الإنسان وانتهى إلى عدم الجواز. وقد أوضح الباحث جواز نقل الأعضاء من الأحياء المتبرعين بأعضائهم بشرط أن لا يسبب ذلك خطراً على حياتهم. وجواز نقل الأعضاء من الموتى، وقد جاءت الأطروحة في 850 صفحة وأشرف عليها الأستاذ الدكتور يوسف محمد عبد المقصود والأستاذ حسنين صالح عبيد، ونال بها الباحث درجة الدكتوراه بامتياز مع مرتبة الشرف.
16) قدم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي بحثا قيماً بعنوان " انتفاع الإنسان بأعضاء إنسان آخر حياً أو ميتاً" إلى مجمع الفقه الإسلامي بجدة ليعرض في دورته الرابعة (1408 هـ/ 1987 م) وأجاز نقل الأعضاء من الحي بشرط أن لا يضر ذلك بالمتبرع كما أجاز نقل الأعضاء من الموتى بإذن الورثة، ومن المحكوم عليهم بالإعدام وغير المحترم ومن لا ولي له. وتحدث عن موت الدماغ باعتباره نذيراً للموت ولم يعتبره موتاً. ولذا لا يجوز أخذ الأعضاء الحيوية قبل توقف القلب توقفاً تاماً.
17) قدم الدكتور محمد فوزي فيض الله بحثاً بعنوان (التصرف في أعضاء الإنسان " إلى ندوة وزارة الصحة الكويتية " الرؤية الإسلامية لبعض الممارسات الطبية " ونشرتها مجلة الوعي الإسلامي في عددها رقم 276 ذو الحجة 1407/ أغسطس 1987.(4/48)
وقد أجاز التبرع بالأعضاء من الحي بشرط عدم الإضرار بالمتبرع كما أجاز الاقتطاع من الميت بعد تحقق الوفاة (ولم يتحدث عن موت الدماغ) ومنع الاقتطاع لمجرد قرب الوفاة كالمحكوم عليه نهائياً بالإعدام، ولا يجوز شراء أعضاء إنسان آخر غير أنه إذا اضطر المريض ولم يجد من يتبرع له بذلك العضو جاز له شراؤه والإثم في ذلك على البائع.
هذه مجموعة من الأبحاث التي تحت يدي ولا شك أن غيرها كثير في هذا الباب وتتلخص المشكلة فيما أحسب في الآتي:
1) الغرس (الزرع) من المتبرع الحي:
أجمع الفقهاء الذين كتبوا في هذا الموضوع على جواز التبرع بالأعضاء بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى ضرر بالغ بالمتبرع، واعتبروا ذلك من الإيثار الذي حث عليه الإسلام.
وقد جاء في فتوى لجنة الفتوى بوزارة الأوقاف الكويتية رقم 32/ 79 بتاريخ 5 صفر 1400/ 24/12/ 1979 جواز نقل الأعضاء من المتبرع الحي بشرط أن لا يفضي العضو المنقول إلى موت المتبرع كالقلب والرئتين مثلاً، أو فيه تعطيل له عن واجب كاليدين أو الرجلين معاً. أما نقل إحدى الكليتين أو العينين أو إحدى الأسنان أو بعض الدم فهو جائز بشرط الحصول على إذن المنقول منه.
ويعتبر نقل الدم من الأمور التي تحدث يومياً. ولا ضرر فيها على المتبرع ما لم يكن يعاني من فقر دم بل فيه فائدة له ... وقد يحدث الضرر للمتلقي للدم، ولذا لا بد من توفر شروط عدة في الدم المنقول منها خلوه من الأمراض المعدية كالملاريا والزهري وفيروس الإيدز وفيروس التهاب الكبد من نوع B خاصة. ومنها مطابقة فصيلة الدم المنقول له.(4/49)
ويتحاشى الأطباء نقل عين أو يد أو رجل من شخص حي لأن في ذلك ضرراً بالغاً وهو أمر غير مقبول لديهم وإن أفتى به بعض الفقهاء.
كما أنهم لا يقبلون المتبرعين بالكلى إلا إذا كانوا أقارب للمريض، رغم وجود عدد من المتبرعين الذين يلحون على الأطباء في قبول تبرعهم.
ويتحاشى الأطباء أخذ الكلى من المتبرعين غير أقارب المريض للأسباب التالية:
1) احتمال وجود عملية بيع وشراء في الخفاء بين المتبرع والمريض.
2) احتمال ندم المتبرع وخاصة إذا أصيبت كليته الباقية بمرض ما، وما يسببه من متاعب له ... وربما ذهب إلى الملتقي (المستقبل) للغريسة ونغص عليه حياته.
3) هناك مجموعة من المساجين الذين أعلنوا استعدادهم للتبرع بكلاهم ... أملا في العفو عنهم وهناك احتمال مضايقة المتلقي وابتزازه مالياً فيما بعد.
4) أن الكلى والأعضاء من الموتى يمكن أن تقوم مقام المتبرعين الأحياء. ولا ضرر في ذلك على أحد، بينما أخذ الأعضاء من الأحياء محفوف بالمخاطر وإن كانت نادرة الوقوع ... ويعتبر التبرع من غير الأقارب من الأحياء مماثلاً للأخذ من الأموات.
وقد أجمع الفقهاء على عدم جواز بيع الأعضاء من الحر ... ولكنهم لم يذكروا جواز أخذها من المملوك، وهذه نقطة تحتاج إلى إيضاح. وعلى أية حال فإن عصر المماليك قد انتهى.(4/50)
ويعتبر الغرس من المتبرع الحي القريب للمريض ذا ميزات هي:
1) وجود تطابق في الأنسجة أكثر بكثير من غير الأقارب. ولذا تقل عمليات الرفض ... وهي بذلك أفضل من الزرع (الغرس) من المتبرع الحي البعيد أو من الأموات ... وأفضلها دون شك هو الزرع من التوائم المتماثلة حيث تتطابق الأنسجة تماماً ولا يحدث أي رفض مطلقاً.
2) وجود الترابط بين الأقارب. والاطمئنان إلى عدم وجود عملية بيع وشراء،
3) ندرة المشاكل التي تقوم بين المتبرع والمتلقي.
4) وجود وقت كاف لإجراء فحص تطابق الأنسجة بين المتبرع والمتلقي (المستقبل) . وتوضح اللوائح أو القوانين أن المتبرع ينبغي أن يكون عاقلاً بالغاً 18 عاماً فما فوقها مدركاً تماماً لما يمكن أن يحدث من مخاطر ولو كانت على سبيل الاحتمال، وينبغي أن يكون متزناً نفسياً.
وليس من حق الوالد أن يتبرع عن ولده القاصر ولا من حق الولي أن يتبرع عن وليه المجنون.
وهذه نقطة للبحث بالنسبة للفقهاء الأجلاء، حيث لم أجد في الفتاوى الموجودة بين يدي من أولاها عنايته.(4/51)
الزرع من الموتى Cadaver Donner:
يعتبر الزرع للأعضاء من الميت هو الإجراء الأكثر شيوعاً الآن. وذلك للأسباب التالية:
1) حدوث مفهوم موت الدماغ وانتشار استخدامه في معظم مناطق العالم:
لقد ظهر لدى الأطباء مفهوم موت الدماغ وأول من نبه إليه المدرسة الفرنسية عام 1959 ولكن هذا الموضوع لم يلق الاهتمام الجدير به إلا بعد أن انتشر استخدام الآلات الحديثة للإنعاش (جهاز المنفسة) وقامت مجموعة هارفارد بوضع شروط ومواصفات موت الدماغ عام 1968 ثم تبعتها مجموعة مينسوتا عام 1971. ثم الكليات الملكية للأطباء في بريطانيا التي وضعت المواصفات عام 1976. وأخذ الأطباء في مختلف أصقاع العالم يدرسون هذه المواصفات ويطبقونها بعد أن اتفقوا عليها ... وأخذت القوانين تعترف تباعاً بمفهوم موت الدماغ وأنه مساو لموت القلب. وقد أعلن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في عمان في دورته الثالثة صفر 1407/ أكتوبر 1986 قبوله لمفهوم موت الدماغ وأنه مساو لموت القلب.
وتأتي أهمية هذا المفهوم بالنسبة لنقل الأعضاء وغرسها أنه يتيح نقل الأعضاء وهي لا تزال حية تستطيع العمل ... إذ إن هذه الأعضاء تفسد وتموت وتصبح غير صالحة للنقل إذا توقفت عنها التروية الدموية لفترة تختلف من عضو لآخر. وتسمى هذه الفترة، فترة نقص التروية الدافئة Warm Ischaemic time ولا يستطيع الدماغ أن يعيش أكثر من أربع دقائق بدون تروية دموية، وفي معظم الحالات يبدأ الفساد بعد دقيقتين، أما القلب فيمكن أن يبقى لبضع دقائق، بينما يمكن للكلى أن تبقى لمدة أقصاها 45 ـ 50 دقيقة قبل أن تصبح ميتة ولا تصلح للزرع، ويمكن للجلد أن يبقى لبضع ساعات، أما القرنية فيمكن أن تبقى لـ 12 ساعة ... وتستطيع العظام والغضاريف أن تتحمل نقص التروية أو توقفها التام لمدة يوم أو يومين.(4/52)
وفي تعريف موت الدماغ لا بد من موت الدماغ بما في ذلك جذع الدماغ الذي به مراكز التحكم في التنفس والدورة الدموية.. ويمكن أن يستمر القلب في الضخ والرئتان في التنفس بعد إعلان موت الدماغ. وفي الغالب، يتوقف القلب تماماً عن العمل مهما أعطي من منشطات واستخدمت من الآلات بعد موت الدماغ بساعات أو أيام قلائل، ولكن هناك حالة موثقة استمرت 68 يوماً بعد إعلان موت الدماغ. (1) (مجلة نيوإنجلند الطبية في 7 يناير 1982) .
لهذا فإن الفقهاء الذين أباحوا نقل الأعضاء من الموتى بشرط توقف القلب تماماً عن العمل، يلعنون في الواقع العملي هذه الإباحة. إذ لا فائدة من نقل عضو فسد وتحلل.
وهذه المشكلة تعتبر محلولة بالنسبة للفقهاء الذين قبلوا موت الدماغ باعتباره مساوياً لموت القلب. أما الفقهاء الذين لم يقبلوا بعد هذا المفهوم، فإنهم في الواقع لا يقبلون نقل الأعضاء.
2) كثرة حوادث المرور في العالم:
لقد ازدادت حوادث المرور في العالم أجمع ... ويرجع ذلك إلى زيادة في تناول الخمور والمخدرات وإلى تهور كثير من السائقين. وترجع منظمة الصحة العالمية WHO، نصف حوادث المرور في العالم أجمع إلى شرب الخمر. وفي فرنسا ترجع السلطات 70 % من حوادث المرور لشرب الخمور.
ويوضح الجدول التالي ضحايا حوادث المرور يلاقون حتفهم سنوياً في بعض البلدان:
الولايات المتحدة 60.000
فرنسا 11.000
بريطانيا 10.000
المملكة العربية السعودية 3.500
وفي الغالب فإن أكثر ضحايا حوادث المرور ممن هم في مقتبل العمر ولا يعانون من أي أمراض مزمنة وتكون وفاة عدد كبير منهم نتيجة موت الدماغ، وبالتالي فإنهم من أكثر المجموعات الصالحة لنقل الأعضاء.
__________
(1) Parisi etal: Brain Death with Prolonged Somatic survival. new Engl J Medicine 306: 14 - 16. 1982(4/53)
3) النوبات الدماغية وأورام الدماغ:
تحدث النوبات الدماغية ونزف الدماغ نتيجة انفجار أحد شرايين الدماغ، كما تحدث أورام دماغية، وفي هذه الحالات قد يموت الدماغ قبل موت القلب ... وفي كثير منها تصلح هذه الحالات لنقل الأعضاء.
4) الغرس من الموتى ليست له أي مخاطر من الناحية الطبية:
لا توجد أية محاذير بالنسبة للمتبرع الميت على عكس المتبرع الحي الذي قد يواجه بعض الأخطار المستقبلية عند التبرع بالكلية مثلاً.
ونتيجة التقدم الطبي في استخدام عقاقير خفض المناعة فإن استخدام أعضاء الموتى الذين تبقى أعضاؤهم سليمة بواسطة التروية بأجهزة الإنعاش، يعتبر أمراً لا ضرر منه حتى على المستقبل (المتلقي) .
وقد أمكن التوصل إلى درجة نجاح تبلغ 85 بالمائة بالنسبة لزرع (غرس) الكلى في السنة الأولى ثم تفشل بعد ذلك خمس حالات من كل مائة سنوياً. وارتفعت كذلك نسبة نجاح عمليات زرع القلب والبنكرياس والكبد. وقد وصلت نسبة نجاح عملية زرع البنكرياس 65 بالمائة في السنة الأولى بينما لم تكن تجاوز 30 بالمائة قبل بضع سنوات.
5) الزرع من الميت يوفر أعضاء عديدة لجملة من المرضى في وقت واحد:
يمكن أخذ العديد من الأعضاء من متبرع واحد وخاصة في المراكز المتقدمة حيث يمكن أخذ القرنيتين والقلب والكبد والبنكرياس والكلى والجلد والعظام إلخ ... ومعظم المراكز المنتشرة حالياً لا تستطيع أخذ هذه الأعضاء.. وفي المملكة العربية السعودية يتم أخذ الكلى فقط. وليس هناك بطبيعة الحال أي تمثيل بالجثة في هذه الحالة.
6) الزرع من الميت يوفر أعضاء يستحيل توفيرها من المتبرع الحي:
وهي الأعضاء الأساسية مثل القلب والرئتين والكبد والبنكرياس.(4/54)
الشروط المفروض توافرها لنقل الأعضاء من الموتى:
1) أن تكون هناك وصية من الشخص قبل وفاته يعلن فيها تبرعه. وتصدر مراكز الكلى بطاقات خاصة يعلن فيها الشخص تبرعه بكليته حال الوفاة.. وبطبيعة الحال لا تؤخذ الكلى إلا من الذين يتوفون نتيجة ما يسمى موت الدماغ، وبحيث تبقى أعضاؤهم صالحة للاستعمال بواسطة أجهزة الإنعاش.
2) في حالة عدم وجود وصية تشترط معظم البلدان موافقة الورثة على أخذ الأعضاء من ميتهم. وقد ذكرت ذلك معظم الفتاوى الصادرة من دار الإفتاء المصرية وفتوى لجنة الإفتاء في وزارة الأوقاف الكويتية وفتوى هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية.
وقد أفتى كثير من هؤلاء المفتين بجواز أخذ الأعضاء ممن لا أهل لهم، ويعتبر ولي الأمر في هذه الحالة وليه ... كما أصدرت لجنة الفتوى في الكويت رأيها بالسماح بأخذ الأعضاء عند الحاجة من الموتى حتى مع عدم موافقة ذويهم. وهو أمر لم تقره وزارة الصحة الكويتية والبرلمان الكويتي.
وهناك سؤال يطرحه الأطباء هو: مَن مِن الورثة له حق السماح بأخذ الأعضاء من ميتهم؟ وهل يشترط موافقة جميع الأسرة أو الورثة أو يكفي في ذلك واحدة منهم؟ وهذا السؤال لم أجد له جواباً. وهو سؤال مطروح من الأطباء الذين يعملون في هذا الحقل حيث لا توجد أمور واضحة بهذا الخصوص في الوقت الراهن.
3) في بعض البلاد مثل فرنسا وبعض دول أوربا يحق لولي الأمر أن يأمر باستقطاع الأعضاء من شخص توفي نتيجة موت الدماغ، بشرط أن لا يكون هذا الشخص قد أوصى في حياته بعدم أخذ أعضائه عند وفاته ... ولا يعتبر في هذه الحالة رضا الورثة ضرورياً.
4) أن لا يكون المتوفى قد جاوز 55ـ 60 عاماً بالنسبة لزرع الكلى وأن لا يكون تجاوز خمسين عاماً بالنسبة لزرع القلب.
5) أن لا يكون المتوفى مصاباً بضغط الدم وضيق الشرايين.(4/55)
6) أن لا يكون مصاباً بالأمراض المعدية مثل السل (الدرن) ، التهاب الكبد الفيروسي من فصيلة B، الإيدز (مرض نقصان المناعة المكتسب) الزهري ... إلخ.
7) أن لا يكون هناك ورم خبيثي في الجسم ما عدا ورم الدماغ أو أورام الجلد غير المنتشرة.
8) أن لا يكون مصاباً بالبول السكري بدرجة شديدة تؤثر على أعضائه.
9) أن لا يكون هناك إنتان في الجسم Seps. S أو في الدم Septicaemic.
10) أن يكون العضو المراد استقطاعه صالحاً. ففي حالة استقطاع الكلية مثلاً لا بد أن يتم تشخيص موت الدماغ أولاً من قبل فريق لا علاقة له بفريق زرع الأعضاء..وينبغي أن يبقى الميت تحت أجهزة الإنعاش لحين استقطاع الأعضاء ... وينبغي أن تكون الكلى تعمل بحيث تفرز البول بنسبة لا تقل عن 600 ملليلتر يومياً وأن تفرز الكلى البول بمقدار 200 ملليتر في الساعة الأخيرة قبل الاستقطاع. ويعطى الميت عقاقير تزيد إفراز البول مثل اللاسكي (فروسامايد Frusamide) مع المحاليل وأدوية رفع الضغوط بحيث لا يقل الضغط الانقباضي عن 90 مم زئبق.. ولا بد أن يكون العضو المراد استقطاعه خالياً من الأمراض.
11) أن تكون فصيلة الدم مطابقة للشخص الذي سينقل إليه العضو. ويجري فحص المقارنة المتصالب Cross matching لخلايا الدم الحمراء مع مصل الدم، وأن لا يكون هناك تعارض وتضاد بين دم المريض المتلقي (المستقبل) ودم الميت (المتبرع) .
12) لا يعد إجراء فحص مطابقة الأنسجة Tissue cross matching ضرورياً وإن كان مستحباً. وفي الغالب يكون من المتعذر إجراء هذا الفحص بالنسبة للجثث؛ لأن الفحص يتطلب وقتاً طويلاً نسبياً، بينما قد لا يبقى القلب ينبض بعد موت الدماغ إلا سويعات معدودة، وبما أنه من الضروري جداً الإسراع في أخذ الأعضاء قبل توقف سويعات معدودة، وبما أنه من الضروري جداً الإسراع في أخذ الأعضاء قبل توقف التروية الدموية فإن إجراء هذا الفحص لمطابقة الأنسجة يكون متعذراً في معظم الأحوال.(4/56)
ويجرى نقل الأعضاء من الموتى في بعض المراكز دون إجراء فحص مطابقة الأنسجة، وخاصة بعد التقدم في مجال العقاقير الخافضة للمناعة Immuno suppressants وبالذات بعد استعمال عقار السيكلوسبودين.
الأسئلة المطروحة على الفقهاء الأجلاء:
1) بالنسبة للمتبرع الحي لا بد من تحديد مواصفات المتبرع الحي ... والأعضاء التي يجوز له التبرع بها.
2) بالنسبة للموتى الذين لم يكتبوا وصية بالسماح باستقطاع أعضاء منهم:
أ) هل يكفي أمر ولي الأمر في ذلك؟
ب) في حال موافقة الورثة. مَن مِن الورثة له حق الموافقة؟ وهل لا بد من موافقتهم جميعاً؟ أو الاكتفاء بالأقرب، الأب أو الابن مثلاً؟
ج) الموتى مجهولو الهوية والذين لا أهل لهم هل يجوز أخذ أعضائهم دون إذن؟
3) بالنسبة للأعضاء التي تستقطع وتزرع:
هل يجوز استقطاع الأعضاء التناسلية؟ بالنسبة للمرأة التي تلفت مبايضها مثلاً هل يجوز لها أن تتبرع برحمها الذي لا فائدة منه، وتعطية لامرأة أخرى مبايضها سليمة ورحمها تالف؟ وهل يجوز استقطاع الأعضاء التناسلية (القضيب) مثلاً من الميت وزرعه في المجبوب؟ وهل يجوز نقل الخصيتين أو المبيضين أو إحداهما من الميت أو من الحي وزرعه في شخص آخر؟ وهي مشكلة خاصة حيث إن الحيوانات المنوية والبويضات ستعود إلى المتبرع لا للمتلقي.
وهل يجوز استخدام الأجنة التي تستنبت وتؤخذ منها الأنسجة؟ وهناك أجنة فائضة من مشاريع أطفال الأنابيب يمكن أن تستنبت في المختبر إلى فترة معينة من العمر، وقد سمحت لجنة وارنك في بريطانيا التي عينها البرلمان البريطاني باستخدام الأجنة واستنباتها إلى اليوم الرابع عشر منذ التلقيح، باعتباره بداية لتكوين الجهاز العصبي.
وهل يجوز نقل الأجنة الفائضة المجمدة إلى من يعانون العقم؟ وهناك فتاوى من المجامع الفقهية الموقرة تمنع دخول طرف ثالث في الإنجاب والمقصود بالطرف الثالث بويضة من متبرعة، حيوان منوي من متبرع، لقيحة، (جنين) جاهزة من متبرعين، استخدام الرحم الظئر (الأم المستعارة) ... إلخ.
وهناك مجال جديد في زرع الأعضاء له مخاطره المستقبلية، فقد بدأ بالفعل زرع خلايا من الجهاز العصبي من الأجنة وزرعها لمعالجة بعض أمراض الجهاز العصبي.. كما تم بالفعل أخذ خلايا الغدة الكظرية (فوق الكلية) وزرعت في الدماغ لمعالجة مرض الشلل الرعاش (مرض باركنسون) .
وإذا تطور هذا المجال فيمكن غرس خلايا عصبية في الجهاز العصبي والدماغ. وذلك قد يؤثر على شخصية المتلقي.. إذ إن التفكير والعاطفة والإرادة ... إلخ، مركزها في الدماغ. أو هكذا يبدو للعلم التجريبي في الوقت الراهن على الأقل. فهل تتأثر شخصية المتلقي بهذا الغرس؟
4) إعادة الغرس: بالنسبة للمحكوم عليهم بقطع اليد في السرقة أو القصاص، هل يجوز إعادة غرس (زرع) الجزء المستقطع؟ أفتى بعض الفقهاء بعدم جواز ذلك؟ لأن العبرة من إقامة الحد لم تتم في هذه الحالة، ومال بعضهم إلى أن الحكم قد نفذ ولا مانع من إعادة الجزء المستقطع.
هذه بعض الأسئلة المطروحة على الفقهاء الأجلاء التي يرغب الأطباء في معرفة جوابها.(4/57)
انتفاع الإنسان بأعضاء
جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً
غرس الأعضاء في جسم الإنسان
مشاكله الاجتماعية وقضاياه الفقهية
إعداد
معالي الدكتور محمد أيمن صافي
أستاذ مساعد بقسم الجراثيم والمناعة
كلية الطب/ جامعة الملك عبد العزيز
مقدمة عن التداوي وصون النفس وقواعدها الفقهية
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيدنا محمد الذي أرسله الله رحمة للعالمين وعلى آله وصحبه أجمعين.
الحمد لله خالق كل شيء، خالق الداء، وخالق الدواء، وجاعل لكل داء دواء، والذي أمرنا بالتداوي على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم القائل ((عباد الله، تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء، غير داء واحد هو الهرم)) . (أخرجه الشيخان) والقائل أيضاً ((إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام)) . [أخرجه أبو داوود) والقائل أيضا ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)) . [أخرجه البخاري] فالإنسان مخلوق كرمه الله على سائر المخلوقات وشرفه بحمل الأمانة {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72] .
وجدير بهذا الإنسان الذي حمل الأمانة التي رفضتها سائر المخلوقات أن يكون مؤتمناً على جسده وبدنه، فالجسد ملك لله عز وجل خالق هذا الجسد، والإنسان لا يملك من هذا الجسد إلا الأمانة عليه، فهو أمين على جسده ومأمور بأن يحسن التصرف بهذه الأمانة ليحقق ما يصلحها ويتجنب ما يفسدها، فأمره الله أن يتداوى وألا يتداوى إلا بحلال طيب؛ لأنه لا شفاء بحرام إذ يقول عليه الصلاة والسلام ((إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) أخرجه البخاري.
وذلك لأن الحرام هو الخبيث الضار والحلال هو الطيب النافع إذ يقول الله جل جلاله {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} الأعراف 157 وقد ميز الله الخبيث من الطيب إذ قال جل جلاله {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} آل عمران: 179.(4/58)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء بالخبيث))
رواه أبو داود.
تلك هي حدود الله تؤمن للإنسان الصلاح والإصلاح وتبعد عنه الشر والفساد، فإن تجاوز الإنسان للحدود وتصرف في جسده بما يتعارض مع إصلاحه وصلاحه كان خائناً للأمانة التي ائتمنه الله عليها، وكان تصرفه محرماً وباطلاً.
ويتم اختيار الطيب دون الخبيث والصالح دون الفاسد والنافع دون الضار حسب القواعد الفقهية المتفق عليها:
1) وجوب صون النفس. ودرء المفاسد مقدم على طلب المنافع.
2) الضرورات تبيح المحظورات.
3) الضرر الأشد يزال بالضرر الأخف.
4) يتم اختيار أهون الشرين.
5) يتحمل الضرر الخاص بدفع ضرر عام.
6) إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما.
7) ما حرم أخذه حرم عطاؤه، وما حرم فعله حرم طلبه.
فمثلاً أجاز جمهور الفقهاء شق بطن الأم التي هي في حال الاحتضار لاستخراج جنين حي أو ترجى حياته، كما أجازوا شق بطن الآدمي بعد وفاته لاستخراج ما ابتلعه أثناء حياته من أشياء ثمينة كالذهب والحلي والجواهر.
ففي الحالة الأولى يتضح أن ضرر شق بطن الأم أقل من ضرر موت الجنين ولذلك روعي أعظمها ضرراً بارتكاب أخفهما وهو شق بطن الأم، وشق بطن الأم هو أهون الشرين، وفيه أيضاً إزالة للضرر الأشد بارتكاب الضرر الأخف، أما في الحالة الثانية فضرورة إخراج الأشياء الثمينة والتي قد تكون ملك الغير أباحت المحظور وهو شق بطن الآدمي، وكذلك يلجأ إلى شق بطن الآدمي عندما يكون ضرر بقاء الأشياء الثمينة في جوفه أشد من ضرر فتح بطنه فيتم اختيار أهون الشرين ويراعى الضرر الأعظم بارتكاب الضرر الأخف ألا وهو شق البطن.(4/59)
نعم إن الدين الإسلامي كرم الإنسان حياً وميتاً، فحرم العبث بجثث الموتى والتمثيل بها، إلا أن الشريعة أجازت تشريح جثث الموتى عندما يكون تشريح الجثة وسيلة ضرورية للتعليم وإتقان مهنة الطب لتأهيل أطباء أكفاء يفيدون المجتمع الإسلامي، بل يجوز تشريح الجثث في الطب الشرعي لتحديد سبب الوفاة في الأمور الجنائية. فالإسلام كرم الإنسان حياً وميتاً فحرم التمثيل بالجثث، إلا أن تشريح الجثث من أجل العلم والطب الشرعي يخدم غرضاً نبيلاً، بعكس التمثيل بالجثة والذي يهدف إلى قطع أعضاء وأجزاء الإنسان لتشويه الجثة وللانتقام وإخماد الغضب وللسخرية والاستهزاء.
فإجراءات التشريح والتمثيل واحدة شكلاً، وهي قطع أعضاء الجثة، إلا أن الغاية والنتيجة المرجوة مختلفة، فحسب القواعد الفقهية المذكورة سابقاً جاز التشريح وحرم التمثيل، واستناداً إلى هذه القواعد الفقهية أيضاً أجاز الفقهاء نقل أعضاء الميت إلى جسم آدمي حي هو بحاجة إلى الأعضاء. وجاءت هذه الفتوى بقرار هيئة كبار العلماء بالرياض رقم 99 (في 6/11/ 1402 هـ) .
فجواز نقل أعضاء الموتى مشروط بالقواعد الفقهية السابقة إذ يجب أن يخدم غرضاً نبيلاً نافعاً، كأن ينقذ حياة المريض أو يشفيه من مرض عضال لا يتم شفاؤه (بإذن الله) إلا عن طريق نقل العضو، وقد ثبت أن نقل الأعضاء (ويعرف باسم غرس الأعضاء (1) يخدم الطب بشكل كبير.
__________
(1) الاسم الشائع هو زرع الأعضاء، وهي تسمية خاطئة كما هو مبين لاحقاً في صفحة 125(4/60)
وغرس الأعضاء من الأساليب العلاجية المهمة جداً والتي أفادت في الشفاء (بإذن الله) من أمراض عضال كثيرة تستعصي على أساليب العلاج الأخرى، فاليوم هنالك ما يفوق عن مائة ألف عملية غرس كلية ثم إجراؤها في العالم لعلاج المراحل المتأخرة من أمراض الكلى، كما تم بنجاح إجراء العديد من عمليات غرس القلب (والرئة) محققاً نتائج طيبة (بإذن الله) لمرضى القلب والرئتين الذين كانت حالاتهم ميئوساً منها. وها هي عمليات غرس نقي العظام تجرى بنجاح لعلاج أدواء نقص المناعة وأدواء انحلال الدم الخطيرة، وغرس الكبد لعلاج العديد من أمراض تليف الكبد وغرس البنكرياس لعلاج بعض حالات مرض السكري وبعض أمراض عجز البنكرياس أو التهاباته المزمنة. أما غرس قرنية العين فقد طبقت في مجالات واسعة لإعادة الرؤية إلى المرضى (بإذن الله) . وبالرغم من أن التقدم العلمي والتقني أدى إلى تطور كبير في غرس الأعضاء إلا أنه خلق مشاكل أخلاقية وقضايا فقهية جديدة يجب حلها، ولذلك توخيت في بحثي هذا أن ألقي الضوء على بعض هذه القضايا والمشاكل التي نشأت والتي يمكن أن تنشأ (من جراء تطور غرس الأعضاء) وسأخص بالذكر منها ما يلي:
أ) غرس الخصية.
ب) غرس أعضاء الأجنة.
ج) انتقال الإيدز عن طريق غرس الأعضاء.
د) ضرورة غرس أعضاء الإنسان الحي ومشاكلها.
وقد بدأت هذا البحث بموجز عن تعريف غرس الأعضاء وتاريخه؛ لما للتاريخ من أهمية لدى الباحث الفقيه، وأنهيته ببعض الاقتراحات التي أعتقد أنها ضرورية.
وحيث إن البحث في موضوع غرس الأعضاء يحتاج إلى مادة علمية غنية (من جميع جوانب هذا الموضوع) يمكن الرجوع إليها عند الضرورة فقد كان لي شرف كتابة أول مرجع شامل باللغة العربية عن " غرس الأعضاء في جسم الإنسان " سأرفقه مع هذا البحث أملا أن يكون فيه ما يشبع الشغف وينير الدرب، وأن تكون فيه الإفادة لمن أراد المزيد حول هذا الموضوع.
وعلى الإنسان أن يسعى وبالله التوفيق.(4/61)
تعريف غرس الأعضاء وتاريخه
لا بد أولا أن أنوه وألفت الانتباه إلى وجوب استبدال عبارة " زرع الأعضاء " (الشائعة الاستعمال) بعبارة " غرس الأعضاء " تبعاً للمبررات الآتية:
غرس الأعضاء يقصد به نقل عضو سليم من جسم متبرع (معطي، مانح) سواء كان إنساناً أو حيواناً أو أي كائن حي، وإثباته في الجسم المستقبل (الآخذ، المتلقي) ليقوم مقام العضو المريض في أداء وظائفه، وعبارة " غرس الأعضاء " هي التسمية الصحيحة وليس عبارة " زرع الأعضاء "؛ فقد اتفقت جميع معاجم اللغة العربية (لسان العرب والمحيط وغيرها) أن عبارة غرس في اللغة العربية تعني إثبات الشيء المغروس (الغريسة) في مكان الغرس، فيقال: غرس الشجر؛ أي: أثبته في الأرض.
أما " الزرع" فهو طرح الزُّرعة " أي البذر " في الأرض فيقال: زرع الأرض أي ألقى فيها البذر، ويقال زرع الحب أي بذره، والاسم الزرع. وقد جاء في المصباح المنير أن " الزرع" هو ما استنبت بالبذرة، وبهذا نجد أن كلمة " غرس " أدق وأصح من كلمة " زرع " لاستعمالها في مجال نقل الأعضاء.
بالإضافة إلى دقة المعنى نجد أن الاشتقاقات في كلمة غرس هي الأنسب لاستعمالها في مجال نقل الأعضاء، فنقول: " غريسة " للدلالة على العضو المغروس، وجمعها " غرائس" أي الأعضاء المغروسة.
أما اشتقاقات كلمة " زرع " فهنالك " الزُّرعة " وهو البذر المطروح في الأرض وهنالك " زريعة " وهو ما بذر، وتطلق أيضاً على الشيء المزروع مثل الأرض المزروعة، وهنالك " الزريع " وهو ما ينبت في الأرض مما سقط فيها من الحب أيام الحصاد. وكلها غير مناسبة للدلالة على العضو المراد نقله، بعكس كلمة " غريسة " والتي تعني الفسيلة ساعة توضع حتى تعلق.(4/62)
وخير ما يؤيد ذلك أحاديث الرسول عليه الصلاة والسلام: عن جابر رضي الله عنه قال: قال عليه الصلاة والسلام: ((ما من مسلم يغرس غرساً إلا كان ما أكل منه له صدقة، وما سرق منه له صدقة، ولا يرزؤه أحد إلا كان له صدقة إلى يوم القيامة)) وعن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ما من مسلم يغرس غرساً أو يزرع زرعاً، فيأكل منه طير أو إنسان إلا كان له به صدقة)) .
رواه البخاري ومسلم.
وعن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا يغرس مسلم غرساً ولا يزرع زرعا، فيأكل منه إنسان ولا طائر ولا شيء إلا كان له أجر)) رواه الطبراني في الأوسط بإسناد حسن.
ومن هذه الأحاديث يتضح أن الزرع غير الغرس وأن الغرس مرتبط بالغريسة وهي الفسيلة كالشجر والنخل كما في حديث أنس رضي الله عنه أن النبي عليه الصلاة والسلام قال: ((سبع يجري أجرهن للعبد وهو في قبره بعد موته؛ من علم علماً أو كرى نهراً أو غرس نخلاً أو بنى مسجداً أو ورث مصحفاً أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته)) .
ويقول عليه الصلاة والسلام: ((إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها)) .
وكثيرة هي الأحاديث التي تبين أن الغرس غير الزرع وأن الزرع يتعلق بالبذور والغرس يتعلق بالشجر والفسيلة.(4/63)
تاريخ غرس الأعضاء
يقول علماء غرس الأعضاء إن عمليات غرس الأعضاء لم تبدأ إلا في أواخر القرن التاسع عشر.
إلا أنه كما ((ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد حين أصيبت عين قتادة بن النعمان فأتى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فردها عليه بيده، وكانت أصح عينيه وأحسنهما)) رواه الدارقطني وابن شاهين والبيهقي وقد اختلف أهل العلم في تصحيحه (زاد المعاد الجزء الثالث ص 198) .
وهذه القصة تجعلنا نقول: إن أقدم وأسرع عمليات غرس العيون كانت بمشيئة الله على يد الرسول عليه الصلاة والسلام وهي معجزة إلهية.
إلا أن التاريخ لم يذكر شيئاً من غرس الأعضاء حتى أواخر القرن التاسع عشر إذ بدأت محاولات غرس الجلد في الحيوان على يد الجراح الفرنسي جاك لويس ريفيردين وحاول الطبيب روبسون عام 1893 غرس البنكرياس في طفل. وبدأت أول عمليات غرس القرنية (رأب القرنية) في عام 1905م وتنسب إلى الجراح التشيكوسلوفاكي (ادوارد دزيوم) أما عمليات غرس الكلى فقد بدأت أول تجاربها على الحيوان في عام 1908 م على يد (ولمان) في فيينا.
إلا أن تطور غرس الأعضاء حدث في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث أجريت أول عملية ناجحة في غرس الكلى، وفي منتصف الستينات بدأت أولى عمليات غرس القلب والكبد والبنكرياس، وقد قفزت عمليات غرس الأعضاء قفزات رائعة في السنوات الأخيرة وما ذلك إلا نتيجة لتطور التقنية الجراحية ولاكتشاف مستضدات (انتيجين) التطابق النسيجي والآليات المناعية المسؤولة عن رفض الغرائس والتي يعود الفضل فيها إلى العالم الأمريكي اللبناني الأصل (مدَوَّر) أضف إلى ذلك اكتشاف عقار السايكلوسبورين المثبط للمناعة.(4/64)
وإلى الآن أصبحت معظم الأعضاء تغرس في جسم الإنسان مثل الجلد ونقي العظام والقرنية والكلية والقلب والرئتين والكبد والبنكرياس، وتفاصيل عمليات غرس كل عضو من هذه الأعضاء ومجالات تطبيقاتها وتطورها ومدى نجاحها مشروع بشكل مفصل في كتابنا غرس الأعضاء في جسم الإنسان (ص 121 ـ 257) وقد أدى غرس هذه الأعضاء إلى الشفاء من أمراض عضال مستعصية على أساليب العلاج المختلفة. ومما زاد في تطور عمليات غرس الأعضاء التقنية الحديثة التي يتم بواسطتها تجميد الأعضاء إلى درجات حرارة منخفضة جداً تصل إلى 170 درجة مئوية تحت الصفر، وبذلك يحفظ الأعضاء لمدة طويلة جداً إلى حين استعمالها، فعند الحاجة لاستعمالها تسخن إلى درجة حرارة الجسم فتعود إلى حالتها الطبيعية (والمبدأ العلمي وطريقة الحفظ بالتجميد مشروحة بالتفصيل في كتابنا غرس الأعضاء في جسم الإنسان (ص 23 ـ 24) .
وبالرغم من أن التقدم العلمي والتطور الهائل في التقنيات المستخدمة في غرس الأعضاء أفاد كثيراً وأدى إلى خدمة البشرية إلا أنه من جهة أخرى وضعنا أمام قضايا فقهية جديدة ومشاكل أخلاقية نذكر منها ما يلي:
أ- غرس الخصية:
الخصيتان (في الذكر) والمبيضان (في الأنثى) هي الغدد التناسلية في الإنسان، وتعتبر كمصانع لإنتاج الخلايا التناسلية. فالخصية مصنع لإنتاج الحيوانات المنوية (إضافة إلى إفراز الهرمونات الذكرية) كما أن المبيض مصنع لإنتاج البويضات، إضافة إلى إفراز هرمونات الأنوثة.
فمتى تنضج هذه الغدد؟؟ وهل يمكن استخدام غدة الأجنة كغرائس؟؟ وهل يتم إنتاج الخلايا التناسلية (النطاف والبويضات) بشكل كامل داخل الغدد التناسلية؟؟ وفي أي مرحلة من تطور الجنين يتم ذلك؟؟(4/65)
فالإجابة على هذه التساؤلات ستنير الطريق أمامنا لكي نفهم طبيعة غرس الخصية والمبيض وخاصة المأخوذة من الأجنة، ولكي يتم وضع الأحكام الشرعية.
في بداية الأسبوع السابع لا يوجد في الجنين أعضاء تناسلية إلا أنه توجد حدبة تناسلية غير محددة الهوية (ذكورة أم أنوثة) . توجد بالقرب من منطقة الكلية بين الصلب (العمود الفقري والترائب) (الأضلاع) . إنه ابتداء من الأسبوع السابع من الحمل تبدأ الخصية بالنمو (قبل المبيض) ويظهر فيها نسيج خاص يكون ملفوفاً بغلاف أبيض يدعى اللفافة البيضاء، وتنمو الخصية (أو المبيض) في الحدبة التناسيلة (سابقة الذكر) وإنه يمكن في الأسبوع الثامن التعرف على الغدد التناسلية إن كانت خصية أم مبيضاً، وفي الأسبوع التاسع من الحمل تبدأ الأعضاء التناسلية الخارجية بالتميز بين الأنوثة والذكورة / وإنه في الأسبوع الثاني عشر تتميز الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل كامل أي في نهاية الشهر الثالث. وكما ذكرنا آنفاً يكون موضع الخصية قبل الشهر الثالث (في الأسبوع الثامن) بالقرب من موضع الكلية بين الصلب (العمود الفقري) والترائب (الأضلاع) ثم تنزل الخصية تدريجياً أثناء الحمل إلى أن تصل إلى الحوض في الشهر السابع وعلى عكس المبيض الذي يستقر في الحوض تتابع الخصية نزولها حتى إنها في الشهر التاسع من الحمل (الأسبوع 36) تنزل إلى كيس الصفن خارج البدن. وقد ثبت أن النطاف متواجدة منذ بدء تطور الخصية إلا إنها تكون متواجدة بجدار القنيات المنوية بشكل خلايا أصلية (ينشأ منها كل النطاف طوال العمر الجنسي) ، إلا أن الخصية تكون خامدة هاجعة حتى سن البلوغ، وتحت تأثير هرمونات منطقة الوطاء (منطقة تحت السرير البصري، أو منطقة تحت المهاد (Hypothalamus) تبدأ الغدة النخامية بإرسال رسولها المنشط (المغذي) للغدد التناسلية فتتنبه الخلايا الأصلية (الأولية) الموجودة بجدار القنيات المنوية فتقوم من هجعتها الطويلة وتبدأ بالانقسام منذ تلك اللحظة.(4/66)
وبالرغم من أن النطاف متواجدة في الخصية منذ مرحلة الجنين وتكون متواجدة بجدار القنيات المنوية بشكل خلايا أصلية هاجعة (كامنة) فإنه لا يمكن اثبات أو نفي (1) . إن كان نقل خصية جنين إلى إنسان بالغ سيؤدي إلى خروج الخصية من هجعتها وبالتالي إلى نشاط الخلايا الأصلية وإنتاج النطاف تحت تأثير الغدد النخامية في الجسم.
وقد ورد أن الخصية نفسها تفرز هرمونا ذكورة، وأنها ابتداء من الشهر الرابع من عمر الجنين تصبح قادرة على إفراز هرمونات الذكورة تحت تأثير غدة أمه النخامية، ولذلك يمكن بعد الشهر الرابع من عمر الجنين استخدام الخصية لغرسها في جسم إنسان بالغ وستقوم هذه الخصية بجميع وظائفها الهرمونية بشكل كامل تحت تأثير الغدة النخامية في الإنسان البالغ المتلقي للخصية، وقد ذكر ذلك الدكتور (ك. حنش) وهو صاحب أول عملية غرس خصية في الإنسان. فكما يذكر في كتابه الجنس والعقم (ص 266) أنه غرس خصيتي جنين (2) في شاب في العشرينات من عمره يشكو من غياب خصيتيه إلا أن غدته النخامية سليمة الوظائف، وبعد العملية بسبعة أيام بدأت تظهر على الشاب صفات الذكورة الثانوية وهكذا حتى أصبح الشاب ذا مظهر رجولي طبيعي ومن ثم بدأ يقذف وبدأ يمارس الجنس (3) . إلا أن المؤلف لم يذكر شيئاً عن وصل الحبال المنوية في هذه العملية (؟!!) إذن فغرس الخصية هذه أفاد من الناحية الهرمونية؛ إذ استطاعت الخصية المغروسة من إفراز هرمونات الذكورة مما أدى إلى ظهور الصفات المذكورة أعلاه.
فما رأي الشرع؟؟ لا بد أن الأمر يحتاج إلى استشارة أخصائي أمراض المسالك البولية والعقم وقد سألت الأستاذ الدكتور/ ربيع عبد الحليم أستاذ المسالك البولية في كلية الطب بجامعة الملك عبد العزيز فأفاد بأنه لا يوجد وصف لعلاج العقم بواسطة غرس الخصية فلا يعتقد بأن الخصية المغروسة تستطيع توليد النطاف إلا أننا لا نستطيع إثبات ذلك أو نفيه لأنه لا توجد أبحاث حول هذه النقطة والحالة التي ذكرها الدكتور/ حنش إنما تعني قدرة الخصية المغروسة على إنتاج هرمونات الذكورة، وعادة تغرس الخصية بدون وصل الحبال المنوية في حالات غرس الخصية الذاتي (انتهى رأي د. ربيع) .
__________
(1) لا توجد تجارب أو أبحاث عملية بهذا الخصوص
(2) ذكر المؤلف كمال حنش في كتابه أنه تم تسجيل هذه العملية في المجلة الأمريكية للعقم
(3) هذا لا يعني أنه يقذف حيوانات منوية. فلربما يقذف سائل البروستات(4/67)
فالأمر بهذه الصورة يتلخص بوجود عملية غرس خصية غريبة للاستفادة من هرموناتها لمعالجة المرضى (الذين يشكون من غياب أو عطب الخصيتين) من الناحية الهرمونية لاستعادة صفاتهم الذكرية بدون إنتاج نطاق.
وأود بهذا الصدد أن أفترض حالة من نسيج الخيال والافتراض العلمي، فلو فرضنا جدلاً أنه في عملية غرس خصية جنينية تم توصيل الحبال المنوية واستطاعت الخصية من إفراز النطاف فهل يسمح شرعاً بغرس الخصية لعلاج المرضى الذين يئسوا من حياتهم بسبب غياب الخصية عندهم؟ هل يسمح بهذا ونحن نعلم أن إنتاج النطاف محصور بالخصية ليس إلا، فالخصية هي المصنع المتكامل الذي ينتج النطاف ولا تحتاج لعملها هذا إلا أوامر من الغدة النخامية، ولا تحتاج إلى أية مواد خارجية تدخل في تصنيع النطاف، وهذا يعني أن الإنسان الذي يتلقى الخصية لا دخل له في إنتاج النطاف سوى أن غدته النخامية ترسل أوامر بواسطة رسلها الكيماوية (الهرمونات) إلى الخصية الغريبة المغروسة، ثم تقوم الخصية بإنتاج النطاف ذاتياً طوال فترة العمر الجنسي، فالنطاف من الخصية.. والخصية ملك الرجل المتبرع ... فلمن يكون الأولاد؟ فإذا كان الجواب إنهم لصاحب الخصية (وهو الأرجح) ، فهل يا ترى يسمح بغرس الخصية مع جعل نسب الأبناء لصاحب الخصية؟؟ أم يا ترى نحرم غرس الخصية (وهو الأرجح) ؟! لأن ذلك كما يبدو إنما هو تلقيح بويضة الزوجة بنطفة غير نطفة الزوج وهذا حرام لأنه ينطوي ضمن دائرة الزواج الذي يستخدم طرفاً ثالثاً ألا وهو نطفة غريبة.
فكما أسلفت فإني طرحت هذه الحالة لإثارة الجدل العلمي فقط.(4/68)
ب- غرس أعضاء الأجنة:
غرس أعضاء الأجنة أخذ طريقه حديثاً إلى عالم " غرس الأعضاء "، وقبل الخوض بشرحه لا بد أولاً من إلقاء الضوء على تطور الجنين واكتمال أنسجته وأعضائه فكيف يتطور الجنين؟ نقطة البدء هي التقاء البويضة مع النطفة (التلقيح) ويتم التلقيح في الثلث الأول من قناة فالوب وتحتاج البيضة الملقحة إلى ستة أيام كي تصل إلى الرحم، وعند وصولها إلى الرحم تكون بشكل التوتة فتنفرز في جدار الرحم وتستمر في تطورها لتصبح بشكل القرص في الأسبوع الثالث، ومن الأسبوع الثالث وحتى نهاية الأسبوع السابع (أربعة أسابيع تقريباً) يحدث التطور السريع للجنين ويتحول إلى شكل متميز وتتشكل جميع الأعضاء: الجلد والشعر والأظفار والجهاز العصبي والعضلات والعظام والأوعية الدموية والأمعاء والكبد والمرارة والبنكرياس والحنجرة والرئتين والقلب. وفي منتصف الأسبوع السادس يصبح له خفقة قلب الإنسان العادي ويكون بطول 1.5 سم. أما الغدد التناسلية الخصيتان (ذكر) والمبيضان (أنثى) فتنشأ من حدبة تناسلية تكون غير محددة الهوية في بداية الأسبوع السابع وعندها تبدأ هذه الحدبة بالنمو لتعطي إما خصية (ذكر) أو مبيضاً (أنثى) فيصبح بالإمكان التعرف على الغدد التناسلية أذكرية هي (الخصية) أم أنثوية (المبيض) ؟ ومن نهاية الأسبوع السابع وحتى الأسبوع الثاني عشر (أربعة أسابيع تقريباً) تكون مرحلة نمو فقط إذ إنه في الأسبوع الثامن يصبح للجنين الشكل الإنساني المتميز حيث تكونت معظم الأعضاء والأجهزة بصورتها الشبيهة بما هي عليه عند المولود ويكون طوله 3 سم تقريباً ووزنه 2 غ وله جفون مغلقة وأصابع وأسنان، وفي الأسبوع الثاني عشر يصبح طوله 7.5 سم تقريباً ووزنه 140 غ وأجهزته مكتملة وإن كانت لم تبدأ في أداء دورها وواجبها.(4/69)
في الشهر الثالث من نمو الجنين، يكون التخلق الجنسي أكثر وضوحاً، فالمهبل والرحم يبدأان في التكون، ويبدأ القضيب في البروز وتتكون الكليتان والمثانة ومجاري البول ويبدأ الجنين بإفراز البول بكميات ضئيلة، ويكون الدماغ في غضون الأسبوع العاشر مثله عند الولادة وفي نهاية الأسبوع الثاني عشر (نهاية الشهر الثالث) تتميز الأعضاء التناسلية الخارجية بشكل كامل. ويستمر نمو الجنين حتى إن نهاية الشهر الخامس يصبح الجنين درجة من كمال النمو واكتمال الأعضاء حتى ليكاد الإنسان يظن أن الجنين يستطيع أن يحيا خارج الرحم ولكن هذا ليس إلا من قبل الأوهام، فالجنين في هذا العمر لا تكتب له الحياة عادة، فالرئتان والبشرة وجهاز الهضم ليست قادرة بعد على العمل المنوط بها خارجاً. والجنين في هذا العمر صغير يبلغ طوله بحدود ثماني بوصات (20 سم تقريباً) ووزنه 225 غراماً، أما أصغر عمر يستطيع الجنين متى بلغه أن يحيا خارج الرحم هو 25 أسبوعاً ويكون وزنه بحدود 450 غراماً.
نعم لقد بدأ استخدام أجنة الإنسان في مجالات غرس الأعضاء، فكما أسلفت هناك حالة غرس خصيتي جنين أجراها الدكتور/ كمال حنش وذكرها في كتابه الجنس والعقم، وقد نجحت العملية وكانت نتائجها جيدة (1) ، وهي أول عملية غرس خصية في العالم، بالإضافة إلى عملية غرس خصيتي الجنين الناجحة، هنالك أيضاً عمليات غرس الغدة السعترية (التيموس) من الأجنة إلى أطفال يعانون من نقص في المناعة نتيجة غياب أو عطب الغدة السعترية. ومن الثابت أن الغدة السعترية مسؤولة عن تطور بعض خلايا المناعة. وأن غيابها يؤدي إلى نقص في المناعة. ولقد أبدت النتائج تحسناً ملحوظاً في مناعة الأطفال المرضى، وتعتبر هذه العملية من الإجراءات المأمولة لعلاج أمراض نقص المناعة الخلوية عند الأطفال، وكذلك تم غرس بعض خلايا بنكرياس الجنين التي تفرز الإنسولين لمعالجة نوع من أنواع السكري وقد وجد بعض التحسن عند استعمال خلايا مجمدة فقط، وكذلك هنالك محاولات لغرس بعض خلايا الأجنة لدماغ الإنسان لعلاج مرض باركنسون.
__________
(1) انظر ص 12(4/70)
كل هذه الأمثلة تؤكد استعمال أعضاء وخلايا الأجنة في علاج الأمراض المستعصية، وإن كان الأمر ذا فائدة طبية إلا أنه يضعنا أمام قضايا فقهية وقضايا أخلاقية.
فالجنين كائن حي ذو حياة نباتية بادئ الأمر إلى أن تنفخ فيه الروح، ونفخ الروح يكون بعد أربعين يوماً حسب رأي بعض الفقهاء أو أو بعد مائة وعشرين يوماً حسب رأي البعض الآخر من الفقهاء، فهل يا ترى يجوز استعمال الجنين في المداواة (غرس الأعضاء) ؟
بعد أن عرفنا أن أعضاء الجنين تستعمل عادة بعد الشهور الثلاثة الأولى (إذ تكون الأعضاء قد تطورت، فمثلاً يجب استئصال الخصية من جنين عمره أكثر من أربعة شهور) أي بعد نفخ الروح (120 يوماً على أكثر الاحتمالات) ؟ فإذا كان الشرع أجاز استخدام أعضاء الموتى للأمور العلاجية.. فهل الأمر كذلك في بعض حالات استخدام الجنين؟؟ فمثلاً عندما تشتكي الأم من بعض أمراض المشيمة أثناء الحمل (انسلاخ المشيمة) فلا بد عندها من التضحية بحياة الجنين لإنقاذ حياة الأم ... فإن كان عمر الجنين أقل من 25 أسبوعاً فلا حياة له ترتجى إن هو أخرج من الرحم ... فما المانع من استخدام هذا الجنين في مجالات علاجية كغرس الأعضاء؟ ... إلا أن الأمر يجب أن يكون ضمن ضوابط شرعية.. لمنع المشاكل الأخلاقية التي يمكن أن تنشأ عن سوء استخدام الأجنة، فبعض النسوة قد يلجأن إلى الحمل بغية استخدام الجنين لعلاجهن أو علاج أقربائهن ... أو قد يجبرن على ذلك من قبل أزواجهن إضافة إلى تأجير الأرحام التي انتشرت في المجتمعات الغربية ووصل الأمر (1) . (حسب تقرير جريدة " المسلمون " العدد 142) أو سيصل إلى إنتاج الأجنة في الأرحام المستأجرة.. وإضافة إلى كونها ظاهرة اجتماعية وأخلاقية كبيرة الخطورة فإنها بالوقت نفسه تشكل خطراً لانتشار أمراض خطيرة كمرض الإيدز (كما سيتم شرحه لاحقاً) .
__________
(1) جريدة المسلمون العدد (142) الجمعة 1 ربيع الأول، 1408 هـ (23/ 10/ 1987) .(4/71)
جـ- انتقال الإيدز عن طريق غرس الأعضاء:
الإيدز " مرض نقص المناعة المكتسب " مرض خطير يوصف بأنه طاعون العصر الذي يفتك بصاحبه دون رحمة، فما أن يصاب إنسان به حتى تغزوه الإنتانات الكثيرة (الانتهازية) وتتدهور صحته ويموت خلال خمس سنوات.
ظهر هذا المرض في أواخر السبعينات من هذا القرن، لكن لم يعرف باسم " الإيدز " إلا في أوائل الثمانينات 1981، وبعد ذلك اكتشف أن سبب هذا المرض هو فيروس ينتمي إلى مجموعة الفيروسات المتراجعة Retrovirueses والذي أطلق اسم HTLV.III، وهذه الكلمة اختصار لعدة كلمات هي Human T-Lymphocyte virus وقد أطلقه الباحثون الأمريكيون بينما استعمل الفرنسيون اسماً آخر LAV وهو اختصار الكلمات Lymphadenopathy- assocociated virus إلا أن الاسم الجديد الذي يوحد الاسمين السابقين معاً هو HIV وهو اختصار الكلمات Human Immunodeficiency Viruses
يهاجم هذا الفيروس الخلايا اللمفاوية (تي) المساعدة (T4) T-helper Iymphocytes بشكل رئيسي فيفتك بها ويخربها وبذلك تنعدم المناعة في الجسم ويصبح المريض عرضة لغزو الإنتانات (العدوى) الانتهازية الفتاكة، كما يصاب المريض بسرطان كابوس ويموت خلال خمس سنوات.
ينتشر هذا المرض بين الممارسين للشذوذ الجنسي، وبين مدمني المخدرات، وبين المهاجرين من جزر هايتي، وبين سكان الحزام الأفريقي، وبين مرضى الناعور (هيموفيليا) وقد أطلق على هذه المجموعات اسم مجموعات خطر الإيدز. بالإضافة لهؤلاء الناس ينتقل هذا المرض عن طريق الاتصال الجنسي الطبيعي بين الذكر والأنثى إذا كان أحد الطرفين مصاباً أو حاوياً على فيروسات المرض، كما ينتقل عبر المشيمة من الأم إلى الجنين، كما ينتقل عن طريق الرضاعة. وموضوع انتقال وانتشار الإيدز واسع ويحتاج إلى تفصيل واف، وهناك تفصيل كاف وواف في كتابنا " الإيدز مرض العصر ". ولكن ما يهمنا في موضوعنا الآن هو علاقة الإيدز بغرس الأعضاء. فالسؤال الذي يطرح هو هل ينتقل الإيدز عن طريق غرس الأعضاء؟
حقيقة الأمر أن عمليات غرس الأعضاء تتضمن إجراءين اثنين يتدخلان في نقل مرض الإيدز، وهما نقل الدم، وغرس العضو المطلوب نقله، إضافة إلى إمكانية انتقال الإيدز عند استعمال أنسجة الأجنة.(4/72)
1) نقل الدم:
من الإجراءات المهمة التي تجرى قبل عمليات غرس الأعضاء هو نقل الدم، فمنذ عام 1973 أصبح مؤكداً أن نقل الدم للمريض الذي ستجرى له عملية غرس الأعضاء تعطي نتائج جيدة في رفع معدل بقاء الغريسة وفي تخفيض حدوث رفض الغريسة.
ويوجد شرح كاف وواف لتأثر نقل الدم في تحسين نتائج غرس الأعضاء في فصل غرس الكلية (ص 207) من كتابنا " غرس الأعضاء في جسم الإنسان " وقد ثبت مما لا يدع مجالاً للشك أن فيروس الإيدز ينتقل عن طريق نقل الدم، ولا تتعلق العدوى (عن طريق نقل الدم) بكمية الدم المنقولة فيكفي أن تكون كمية قليلة جداً من الدم ملوثة بفيروس الإيدز حتى تتم العدوى، بل إن دخول أثر قليل من الدم الملوث عن طريق وخز الإبرة الملوثة يكفي لحدوث العدوى، كما ثبت أن فيروس الإيدز ينتقل بواسطة نقل أحد مشتقات الدم مثل العامل الثامن والذي ينقل عادة إلى مرض الناعور (الهيموفيليا، وهو سوء تجلط الدم) ولهذا نجد أن هؤلاء المرضى هم مجموعات خطر الإيدز، في مجال غرس الأعضاء يتلقى المريض قبل عملية الغرس عدة وحدات من الدم قد تصل إلى خمس وحدات، بهذا يتبين إمكانية حصوله على الدم من عدة متبرعين وبذا يزيد احتمال الإصابة بمرض الإيدز.
وقد أصبح كشف فيروسات الإيدز من الإجراءات التي تجرى في معظم المختبرات الطبية، وتعتمد الطريقة على كشف الأضداد النوعية للفيروس antibodies في المصل.
وهنالك العديد من الطرق المستعملة لهذا الغرض المذكورة في ص (108 ـ 114) من كتابنا غرس الأعضاء في جسم الإنسان.(4/73)
2) غرس الأعضاء:
قبل عام 1985 لم يكن يعرف أن الإيدز ينتقل عن طريق نقل أعضاء الإنسان من شخص إلى آخر. ففي أيلول (سبتمبر) من عام 1985 ظهر أو تقرير عن انتقال مرض الإيدز جراء غرس كلية مأخوذة من مريض مصاب بمرض الناعور (الهيوفيليا) . وقد تأكد هذا عندما أعلن فريق طبي ألماني أن فيروس الإيدز ينتقل عن طريق غرس الكلى المأخوذة من متبرعين مصابين بالإيدز، ونفى هذا الفريق أن يكون سبب ظهور الإيدز في مرضاهم المستقبلين لغرائس الكلى ناتجاً عن نقل الدم الذي أجري لهؤلاء المرضى، فقد كانت كل وحدات الدم المنقولة سليمة وخالية من الفيروس، بينما كانت كل الكلى المنقولة لمرضاهم مأخوذة من متبرعين مصابين بالإيدز، وقد ثبت بما لا يدع مجالا للشك أن سبب انتقال مرض الإيدز هو الكلى المغروسة، وثبت حديثاً أن مرض الإيدز ينتقل عن طريق غرس الجلد، وحتى عن طريق الجلد المحفوظ بواسطة التجميد.
إذن لا بد من إجراء فحوصات كشف فيروسات الإيدز وأضدادها على المتبرعين بالأعضاء المختلفة. وقد جاءت توصية من منظمة الصحة العالمية بضرورة إجراء فحوصات كشف فيروس الإيدز في المتبرعين بالدم والسائل المنوي والأعضاء والأنسجة ويجب استبعاد المتبرعين من مجموعات خطر الإيدز.(4/74)
3) غرس أنسجة الأجنة:
لقد أدى التطور التقني والعلمي في مجال غرس الأعضاء إلى غرس أنسجة الأجنة وقد ثبت أن هذه الأعضاء الجنينية تؤدي الغرض المطلوب إضافة إلى أنها أقل عرضة للرفض من قبل الجسم المستقبل.
ولهذا فإن المريضات قد يطلبن إجهاضهن أو يكرهن على الإجهاض من قبل أزواجهن واستخدام أعضاء وأنسجة الجنين في المداواة. والأعظم من ذلك نشوء فكرة إنتاج أجنة عن طريق المومسات والعاهرات بنطاف أجنبية ومن ثم إسقاط الجنين واستخدامه في غرس الأعضاء (جريدة المسلمون: العدد 142 ـ الجمعة 1 ربيع الأول 1408 هـ) .
وقد ثبت انتقال فيروس الإيدز من الأم إلى الجنين، ونحن نعلم أن نسبة كبيرة من العاهرات والبغايا والمومسات يحملن فيروس الإيدز، أضف إلى ذلك أن كثيراً من الشاذات جنسياً يرغبن في الحمل ولكن ليس عن طريق الجماع فيلجأن إلى تأجير أرحامهن من أجل إنتاج الأجنة وهؤلاء الشاذات هن من أخطر مجموعات مرض الإيدز.
ومن هنا يتضح خطورة استعمال أنسجة الأجنة في نقل مرض الإيدز، مع العلم أن تجميد الجنين سيؤدي إلى حفظ الفيروس ويضمن بقاءه في الأنسجة، وما يجب قوله: إن الأجنة قد تستخدم أيضاً في تصنيع مستحضرات التجميل، وقد نشرت جريدة " المسلمون " تقريراً كاملاً عن هذا الإجراء وفي ذلك خطورة كبيرة (1) لأنه لم يثبت أن طريقة تحضير مستحضرات التجميل تؤدي إلى تخريب فيروس الإيدز في حالة وجوده في أنسجة الأجنة، وبذلك توجد خطورة كبيرة لانتقال مرض الإيدز عن طريق مستحضرات التجميل.
وقد يحتج البعض بأن شركات تحضير مستحضرات التجميل تؤكد سلامة المستحضرات من جميع الكائنات الممرضة وخاصة فيروس الإيدز، إلا أننا نتساءل عن مدى صحة هذه التصريحات وخاصة فيما يخص المستحضرات التي تصدر خصيصاً إلى البلاد الإسلامية، وقد قرأنا أكثر من مرة عن إرسال مواد غذائية منتهية الصلاحية أو ملوثة أو ذبائح غير شرعية مكتوب عليها أنها ذبحت على الطريقة الإسلامية، فالمجتمعات الغربية بعد أن باعت أخلاقياتها أصبح بالإمكان أن تفعل كل شيء " إذا لم تستح فاصنع ما شئت ".
__________
(1) المصدر الوحيد هو جريدة المسلمون (العدد 142) ـ تاريخ 1/3/ 408(4/75)
د- ضرورة غرس أعضاء الإنسان الحي ومشاكلها:
كثير من أعضاء الإنسان لا يمكن الحصول عليها من متبرعين أحياء؛ وذلك لأنها أعضاء فردية في الجسم وذات وظائف حيوية ضرورية مثل القلب والكبد والبنكرياس والدماغ ... فلا بد من الحصول عليها من جثت الموتى حديثي الولادة.. أما الأعضاء غير الفردية مثل الكلية فمن الممكن أن يتبرع بها الأحياء، إذ إن الآدمي الحي يستطيع أن يعيش بكلية واحدة سليمة. ولقد أجاز السادة الفقهاء الأجلاء استعمال أعضاء جثث حديثي الوفاة (حسب قرار هيئة كبار العلماء في الرياض رقم 99 بتاريخ 6/11/ 1402 هـ) كما أن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الذي انعقد في عمان أقر موت الدماغ (1) كدليل على موت الإنسان، ولا شك أن تلك القرارات قد ساعدت كثيراً في تذليل كثير من الصعوبات التي تقف في وجه التداوي بواسطة غرس الأعضاء. فإن كان التقدم العلمي قد ذلل بعض الصعوبات التقنية إلا أن الصعوبات الاجتماعية تعتبر من أهم الصعوبات ... فالصعوبات الأساسية تتمثل في الحصول على الأعضاء وليست في التقنية، فالصعوبات التقنية لم تعد مشكلة في الوقت الحاضر مع هذا التقدم الهائل في التقنيات الحديثة، فقد أصبح بالإمكان أجراء عمليات غرس معظم أعضاء الجسم، وأصبح بالإمكان التغلب على رفض الجسم للغرائس بواسطة اختيار التبرع المناسب وبواسطة استخدام الأدوية المخمدة للجهاز المناعي، وقد ارتفع معدل الحياة بشكل ملحوظ في أكثر أنواع غرس الأعضاء (ومن أراد المزيد حول التقنيات الحديثة وتأثيرها فليرجع إلى كتابنا غرس الأعضاء في جسم الإنسان) إلا أن المشكلة والصعوبة الكبيرة التي يواجهها المهتمون في هذا المجال هو قلة المتبرعين، فلو عرفنا أن عدد المحتاجين (2) لغرس الكلى في المملكة يصل إلى ما يزيد عن 600 مريض سنويا وأن كل الأقارب لا تشكل سوى 10 % من الاحتياج فسيحتاج الأمر إلى استيراد الكلى من الخارج.. إلا أن الكلى المستوردة من الخارج تشكل خطراً كبيراً لنقل مرض الإيدز كما تم تفصيله سابقاً، أضف إلى ذلك أنها لا تغطي سوى 5 % من احتياجات المملكة. وبالرغم من أن القرارات الفقهية سابقة الذكر قد ساعدت كثيراً إلا أن المشكلة ما زالت قائمة.
__________
(1) يوجد في كتابنا " غرس الأعضاء في جسم الإنسان " ص 12 تفصيل واف عن موت الدماغ وقرارات مجلس مجمع الفقه الإسلامي
(2) حسب تقرير المركز السعودي لغرس الأعضاء(4/76)
والضرورة شديدة وملحة للحصول على الأعضاء من متبرعين أحياء، ونحن أمام قضية فقهية اجتماعية في الوقت نفسه. فإنقاذ حياة مريض الكلى يتوقف كلية على وجود المتبرعين الأحياء ... فالأمر لم يعد يقتصر فقط على إجازة التبرع بالكلى ... بل يجب التشجيع على ذلك. معتمدين على تعاليم ديننا الحنيف التي تحث على الإيثار والتكافل الاجتماعي والتعاون والتضحية ... وخاصة أن استيراد الكلى من الخارج (وإن كان يشكل فقط 5 %) يشكل خطورة لجلب مرض الإيدز ... فيجب الانتقال من مرحلة تحليل استخدام أعضاء الأحياء إلى مرحلة الحض والتشجيع على ذلك ... وها نحن أمام تجربة جليلة وجيدة ألا وهي الحض على التبرع بالدم، فالدم (ومشتقاته) لم تعد حالياً تستورد من الخارج، بل أصبح يعتمد على التبرع داخل المملكة.. وقد ساعد كثيراً التوعية والجوائز التشجيعية.. فالأمر يجب أن يكون كذلك بالنسبة للتبرع بالأعضاء.. فالتوعية الدينية والجوائز التشجيعية والحض على حمل بطاقات التبرع بعد الوفاة (لا سمح الله) كلها ستساعد أيضاً في التغلب على ظاهرة اجتماعية خطيرة ألا وهي بيع الأعضاء ... أليس بيع الأعضاء محرماً شرعاً؟ وهل تعتبر الجوائز التشجيعية بمثابة البيع والشراء؟ وهل يمكن لذوي الأجنة المجهضة طبياً أن يتبرعوا بالجنين لأغراض علاجية ودوائية؟
وما هذه التساؤلات إلا غيض من فيض.
فكثيرة هي التساؤلات التي تنشأ عند طرح موضوع غرس الأعضاء ولا بد من دراسة مستفيضة متأنية للخروج بأحكام شرعية تفيد المجتمع الإسلامي المعاصر.
الدكتور محمد أيمن صافي(4/77)
مقترحات
مما سبق يتضح أن غرس الأعضاء من القضايا الفقهية كغرس الخصية واستعمال أعضاء الأجنة، كما أنه يواجه مشاكل اجتماعية كقلة المتبرعين واللجوء إلى بيع الأعضاء أو بيع الأجنة، إضافة إلى خطورة نقل مرض الإيدز فكما ذكرنا أن كلا الإجراءين الرئيسين المستعملين في غرس الأعضاء (وهما نقل الدم وغرس العضو المرغوب) تعتبر وسائل هامة لنقل العدوى بمرض الإيدز. وفي ذلك خطورة كبيرة على الإنسان في البلاد العربية بشكل عام والإسلامية بشكل خاص؛ لأن معظم أكياس الدم المتوفرة في بنوك الدم في بلادنا (قبل اتخاذ الإجراءات الوقائية) إنما مصدرها البلاد الأجنبية الموبوءة بهذا المرض اللعين، " والإيدز " ومعظم الناس الذين يبيعون دماءهم في تلك البلاد هم المحتاجون المعوزون وغالبيتهم من مدمني المخدرات ومن الشاذين جنسياً (أي من أخطر مجموعات خطر العدوي) . أضف إلى ذلك أن 5 % من غرائس الكلى تستورد أيضاً من الخارج، ولهذا نضع المقترحات التالية:
1) يجب عدم استيراد الدم من الخارج وخاصة من البلاد الموبوءة مثل الولايات المتحدة وأوروبا وذلك للأسباب المذكورة سابقاً، وهذا ينطبق أيضاً على استيراد مشتقات الدم مثل البلازما أو العامل الثامن وهو العامل المهم في تجلط الدم والذي ينقل لمرضى الهيموفيليا (الناعور) ويجب أن ينطبق أيضاً على استيراد الأعضاء (من أجل غرس الأعضاء) . وقد اتخذت المملكة العربية السعودية (ومعظم البلاد العربية والمسلمة) إجراء وقائياً بأن منعت استيراد الدم ومشتقاته قطعياً، وأصبح نقل الدم يقتصر على الدم الذي يجمع داخل المملكة في المراكز الطبية والمستشفيات، تحت شروط وقائية والتي تشمل السلامة الصحية للمتبرع، وخلوه من الأمراض المختلفة وخاصة الزهري والتهاب الكبد، إضافة لخلوه من الأضداد النوعية لفيروس الإيدز.
2) يجب على جميع أبناء البلاد العربية والمسلمة أن يتبرعوا بدمائهم؛ لأن ذلك سيقلل الحاجة إلى استيراد الدم من الخارج.(4/78)
3) يجب تشجيع وتوعية أبناء البلاد العربية والمسلمة لحمل بطاقة التبرع بالكلى، والتي تدل على الرغبة في التبرع بالكلى عند الوفاة، لا سمح الله. ويمكن الحصول على هذه البطاقة من المراكز الطبيبة ومشافي المملكة العربية السعودية، ويجب أن تشمل البطاقات بقية أعضاء الإنسان وخاصة بعد أن أجازت الشريعة الإسلامية نقل أعضاء الموتى إلى الأحياء (انظر ص3) ففي الوقت الحاضر تقوم عدة مراكز طبية بإجراء غرس الكلى في المملكة العربية السعودية، وللأسف فإن أكثر ما يعانون منه هو قلة المتبرعين، إذ إن الكلى المأخوذة من أقارب المرضى تغطي فقط (10 %) من الاحتياج الحقيقي، وهذا ما يدفع إلى استيراد الكلى من الخارج، إلا أن الكلى المستوردة تشكل خطراً كبيراً لنقل مرض الإيدز، أضف إلى ذلك أنها لا تغطي سوى 5 % من احتياجات المملكة. وبناء عليه أصبح مطلوباً من جميع أبناء البلاد أن يشجعوا على التبرع بالكلى بعد الوفاة، وأن يسارع كل شخص لحمل بطاقة التبرع والتي تدل على رغبة في التبرع بكليتيه بعد وفاته، لا سمح الله. ولا بد من الإشارة إلى أن حمل بطاقة التبرع بالكلى لن تؤثر أبداً على العلاج الذي سوف يتلقاه الإنسان عندما يصاب بمرض أو حادث ما، لا سمح الله.
4) إذا دعت الضرورة القصوى إلى استيراد كلى من الخارج فيجب التأكد من خلوها من فيروس الإيدز أو أضداده، ويجب معرفة تاريخ حياة المتبرع، والتأكد من أنه ليس مصاباً بالإيدز وأنه لا ينتمي إلى مجموعات خطر الإيدز.
5) إجراء فحص الأضداد النوعية لفيروس الإيدز لكل من يتبرع بدمه ولكل من يتبرع بأعضائه، فإن ثبت بالتحليل وجود الأضداد النوعية لهذا الفيروس منع هذا الشخص من التبرع.
6) إجراء فحص الأضداد لفيروس الإيدز في الدم والبلازما ومشتقات الدم الموجودة في بنوك الدم، وإتلاف أي مادة موجودة يثبت فيها وجود أجسام مضادة لفيروس الإيدز.(4/79)
7) يجب أن يمنع من التبرع بالدم أو الأعضاء من المصابين بمرض الناعورية ومدمني المخدرات والذين يخالطون مريضاً بالإيدز أو يخالطون الممارسين للشذوذ الجنسي والذين أصيبوا بمرض الزهري.
8) ضرورة تجنيد كافة وسائل الإعلام المسموعة والمقروءة والمرئية لتوعية المواطنين عن موضوع غرس الأعضاء وفوائده وقضاياه الفقهية ومشاكله الأخلاقية والاجتماعية ولحثهم على التبرع وضرورة حمل بطاقات التبرع.
9) نؤكد أن أعضاء الإنسان تختلف في وظائفها الفسيولوجية، فمثلاً: الخصية والمبيض تتدخلان في الأنساب، كما أن الدماغ يتدخل في وظائف حيوية تسيطر على شخصية الإنسان وتصرفاته وسلوكه، فإن كان الهدف من غرس الخصية هو المعالجة الهرمونية فقط دون إنتاج النطاف فالأمر يختلف عن كونه علاجاً للعقم، فلا بد من وجود ضوابط شرعية لكل عضو على حِدَة ولا بد عند وضع هذه الضوابط أن تناقش الأعضاء المختلفة على أنها حالات فردية، لكلِّ عضو خواصُّه ووظائفه المختلفة عن الآخر، ولا بد من الرجوع إلى الأخصائيين في كل عضو من الأعضاء لوضع دراسة متكاملة عن غرس هذا العضو من جميع النواحي التي تهم الفقيهَ.
10) إن ما نشرته جريدة المسلمون في عددها 146 عن تحضير مستحضرات التجميل من الأجنة يثير قضية أخلاقية ذات خطورة لنقل مرض الإيدز كما ذكرنا، فيجب التأكد من الموضوع ومن ثم اتخاذ الإجراءات الفقهية والإعلامية الضرورية حول الموضوع.(4/80)
المراجع العلمية
- England M.A.A colour Atlas of life before birth (Wolf) 1983.
- England M.A.A colour Atlas of life before birth (Wolf) 1983.
- Gibert P/ Your Pregnancy Diary (Macdoland) 1984.
3) محمد علي البار، خلق الإنسان بين الطب والقرآن.
(الدار السعودية للنشر والتوزيع) .
4) محمد على البار ـ طفل الأنبوب والتلقيح الصناعي.
(الدار السعودية للنشر والتوزيع) .
5) محمد أيمن صافي ـ " غرس الأعضاء في جسم الإنسان ".
(دار المطبوعات الحديثة) 1987 ـ وكل المراجع الموجودة فيه.
6) كمال حنش ـ الجنس والعقم: أوهام وحقائق طبية (دار النشر العالمية) 1986.
الصحف:
1) جريدة المسلمون، العدد (142) الجمعة 1 ربيع الأول 1408 (23 أكتوبر 1987)
2) جريدة المسلمون العدد 138 الجمعة 9 صفر 1408 (26 أكتوبر 1987) .
3)(4/81)
التشريح الجثماني والنقل والتعويض الإنساني
إعداد
فضيلة الدكتور بكر بن عبد الله أبو زيد
رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد: فإن الطبيب يعايش في الوقت الحاضر، أنواعاً من الممارسات الطبية الفاعلة على بدن الإنسان في مفردات متعددة من العمليات تجمعها أوعية ثلاثة:
1- العمليات المجردة.
2- التشريح.
3- النقل والتعويض الإنساني.
والعمليات المجردة كالزائدة الدودية، والفتق ... حكمها الجواز شرعاً بالإجماع، طرداً لقاعدة الشرع في أصل مشروعية الجواز والذي قد يصل إلى (الوجوب) إذا توقفت عليه الحياة.
والبحث إنما يكون في متعلقاتها من: التخدير، والعلاج بها على البرء.. والنظر الشرعي هنا يتجاذب معهم الحوار في:
1- حرفة التشريح.
2- وصور النقل والتعويض الإنساني، في دم، أو عضو، أو أنسجة، أو شرايين ... قد عقدت لهذا، أو لبعض مفرداته مؤتمرات وأعدت له ندوات، وكتبت فيه أبحاث ومؤلفات، وصدرت فتاوى، بين الإباحة والحظر، في إطار التفصيل والضوابط والشروط.
فصار لا بد من تحرير النظر لتلتقي الحقيقة الشرعية مع الحقيقة الطبية، إذ الحكم فرع التصور، عسى أن ينتج من هذا القول الصحيح، المبني على الدليل الصريح، والنظر الرجيح.(4/82)
ويجري البحث في هذين على سبيل تخريج النوازل على قواعدها، وإرجاع الفروع إلى أصولها. وإناطة الأحكام بعللها ومداركها.
لنعلم بعد حين: أن البحث في حكم التشريح للتعلم والتعليم يستلزم البحث في حصر صور التشريح.
وأن البحث في حكم القرنية، والترقيع، فرع البحث في أحكام النقل والتعويض الإنساني.
وإن هذين الوعائين، بفروعهما المتكاثرة، والتي زادت في إنجاز الطب عن عشرة فروع، تلتقي في البحث والاستدلال، وتجاذب الخلاف واختلاف الأنظار؛ لأنها تنزع من قوس واحدة.
" التصرف الفاعل في بدن الإنسان إدخالاً وإخراجاً" فهي مشتبكة، اشتباك الروح بالهيكل، وكما أن محلها بدن الإنسان، فهي تلتقي في المآخذ الشرعية من حيث الأصول والقواعد الكلية من حيث:
بدن الإنسان في: طهارته، ورعاية حرمته وكرامته، وهل هو مالك لبدنه أم أمين ووصي عليه، والموازنة بين المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، في إطار مقصد الشرع في " حفظ النفس".
والمهم في بيان أحكام هذه النوازل المستجدة تحرير النتيجة الحكمية للقواعد التي تخرج عليها، وسلامة التخريج وتثبيت مدرك الحكم والتعليل، فإنه متى صحت مع الباحث هذه المطالب سهل عليه بإذن الله تعالى ترتيب الحكم بأمان واطمئنان، وهذه رؤوس المقيدات فيها مع أبحاث تمهيدية لها:
المبحث الأول: المؤلفات فيها.
المبحث الثاني: حكم التداوي في أصل الشرع.
المبحث الثالث: التاريخ القديم لها.
المبحث الرابع: حصر التصرفات الطبية الفاعلة على بدن الإنسان.
المبحث الخامس: القواعد والأصول الشرعية التي تخرج عليها هذه النوازل الطبية جوازاً أو تحريماً.
المبحث السادس: التخريج لهذه القضايا عليها:
1- العمليات المجردة.
2- التشريح.
3- النقل والتعويض الإنساني.
المبحث السابع: الشروط العامة للنقل والتعويض.
المبحث الثامن: حكم المعاوضات المالية على الدم والأعضاء.
وهذا أوانها، والله الموفق والمعين.(4/83)
المبحث الأول
وفيه بيان ما كتب في هذه النوازل من:
1- المؤلفات والرسائل.
2- أبحاث وأجوبة في مؤلفات.
3- بحوث مجمعية. مؤتمرات. ندوات.
4- أبحاث ومقالات في: الدوريات.
5- الفتاوى.
وهذا تقييدها:
أولاً: المؤلفات والرسائل:
1- الأحكام الشرعية للأعمال الطبية.
تأليف: أحمد شرف الدين ص/ 23 ـ 160 ـ طبع عام 1407 هـ بمصر.
2- نطاق الحماية الجنائية لعمليات زرع الأعضاء في الشريعة الإسلامية والقانون الوضعي.
رسالة " دكتوراه" قدمت لكلية الشريعة بالجامعة الأزهرية فرع أسيوط. تقع في (850) صفحة.
3- نقل الدم وأحكامه الشرعية.
تأليف: محمد صافي. نشر: مؤسسة الزعبي. حمص عام 1392 هـ.
4 - شفاء التباريح والأدواء في حكم التشريع ونقل الأعضاء.
للشيخ إبراهيم يعقوبي رحمه الله تعالى. طبع بدمشق عام 1407 هـ. نشر مكتبة الغزالي. وهو مهم في بابه لما حواه من النقول المتناثرة.
5- تعريف أهل الإسلام بأن نقل العضو حرام.
لأبي الفضل عبد الله بن الصديق الغماري.
رسالة في (28) صفحة طبعت عام 1407 هـ في دار مصر للطباعة.(4/84)
6- تشريح جسم الإنسان لأغراض التعليم الطبي.
بحث: قنديل شاكر شبير.
نشر عام 1978 م في ليبيا.
ثانياً: أبحاث وأجوبة في مؤلفات:
7- الفتاوى السعدية. للشيخ عبد الرحمن بن سعدي رحمه الله تعالى. بحث فيه جواباً عن سؤال 1/320 ـ 325. طبع عام 1388هـ.
8- مجموعة بحوث فقهية
تأليف: عبد الكريم زيدان. ص/163 ـ 164.
9- ردود على أباطيل.
للشيخ: محمد الحامد رحمه الله تعالى. ص/125 ـ 126.
10- بحث في تفسير " معارف القرآن" أردو. لمفتي باكستان: محمد شفيع م. سنة 1396 هـ رحمه الله تعالى. ترجم جملة منه: محمد برهان الدين السنبهلي في: مجلة البعث الإسلامي عدد/1 المجلد/32 لعام 1407 هـ ص/67 ـ 68.
11- من حقيبة المفتي.
تأليف: أحمد العسكري. ص/168، 212، 239.
ثالثاً: بحوث مجمعية. مؤتمرات. ندوات:
12 ـ 14 ثلاثة بحوث في: نزع القرنية من عين إنسان وزرعها في إنسان آخر.
إعداد: اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء برئاسة: سماحة الشيخ/ عبد العزيز ابن باز. عام 1396 هـ، 1397 هـ.
15- قرار هيئة كبار العلماء بالمملكة العربية السعودية رقم/ 66 في عام 1398 هـ.
بشأن: نقل القرنية من عين إنسان إلى آخر.
16- قرار هيئة كبار العلماء في المملكة العربية السعودية رقم/99 لعام 1402 هـ.
بشأن: نقل عضو من إنسان حي أو ميت إلى آخر.(4/85)
17- بحث: زراعة الأعضاء الإنسانية في جسم الإنسان.
إعداد: الشيخ عبد الله عبد الرحمن البسام.
نشر في: مجلة المجمع الفقهي بمكة العدد/1 عام 1408 هـ السنة الأولى. من ص/13 ـ إلى ص/22.
18- حكم العلاج بنقل دم الإنسان أو نقل أعضاء أو أجزاء منها.
إعداد: أحمد فهمي أبو سنة.
نشر في: مجلة المجمع الفقهي بمكة المكرمة ص/23 ـ 26. العدد/1 السنة/1 عام 1408 هـ.
بحث مقدم: للمجمع الفقهي بمكة. ونشر أيضاً في مجلة: التضامن الإسلامي.
19- زراعة الأعضاء الإنسانية في جسم الإنسان.
إعداد: محمد رشيد رضا قباني.
نشر في: مجلة المجمع الفقهي بمكة ص/27 ـ 34. العدد/ 1 السنة/1 لعام 1408 هـ.
20- قرار المجمع الفقهي بمكة حرسها الله تعالى.
في دورته الثامنة لعام 1405 هـ.
بشأن: زراعة الأعضاء.
21- انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً.
الطبيب: محمد علي البار.
بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي بجدة. الدورة الرابعة عام 1408 هـ.
22- انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً.
إعداد: الشيخ خليل محي الدين الميس. لبنان.
بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي بجدة عام 1408 هـ.
23 - انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً.
للشيخ/ محمد بن عبد الرحمن.
بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي بجدة. الدورة الرابعة عام 1408 هـ.(4/86)
24- انتفاع الإنسان بأعضاء إنسان آخر حياً أو ميتاً.
إعداد: محمد سعيد رمضان البوطي.
بحث مقدم لمجمع الفقه الإسلامي بجدة عام 1408 هـ.
25- بحوث بشأن نقل الأعضاء.
من محفوظات: قسم الطب الإسلامي في مركز الملك فهد للبحوث الطبية بجامعة الملك عبد العزيز بجدة.
26- المؤتمر الإسلامي الدولي.
انعقد في: ماليزيا في شهر أبريل عام 1969 م.
وبحث فيه: نقل قرنية العين، والأعضاء.
بواسطة: بحث رئاسة الإفتاء بالرياض. البحث الثالث لعام 1397 هـ ص/ 22.
27- ندوة نقل الكلى.
عقدها: المركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة عام 1978م.
28- ندوة المركز الطبي لنقل الكلى في الرياض. محرم عام 1408 هـ.
رابعاً: أبحاث ومقالات في: الدوريات:
29- تشريح الميت.
فتوى: للشيخ يوسف الدجوي.
نشرت في: مجلة الأزهر عام 1355 هـ. العدد/ 7و 8، المجلد/9.
وفي: مجلة نور الإسلام. المجلد السابع.
وخلاصتها في: شفاء التباريح والأدواء.
30- حرمة التشريح.
للشيخ: محمد عبد الوهاب بحيري.
نشر في: مجلة نور الإسلام.
وهو رد على مقال: الشيخ الدجوي.(4/87)
31- ورَدَّ عليه ـ أي على الدجوي ـ أيضاً:
الشيخ العربي بو عياد الطنجي.
وخلاصته في: شفاء التباريح والأدواء.
32- استخدام أعضاء الإنسان في جسم غيره من الإنسان، والأخطار الناشئة عنه.
بحث: للشيخ أبي الأعلى المودودي.
نشر في: مجلة البعث الإسلامي ص/53 ـ 55. العدد/2 المجلد 32 لعام 1407 هـ.
33- نقل الكلى وموقف الإسلام منها.
إعداد: عبد الرحمن النجار.
نشر في: المجلة الجنائية القومية بالقاهرة عام 1978 م. العدد/ 1
34- حكم الشريعة الإسلامية في التداوي بالأشياء النجسة ودم الإنسان. بحث: للشيخ محمد برهان الدين السنبهلي.
نشر في: مجلة البعث الإسلامي ص/62 ـ 73، العدد/1 المجلد/ 32، رمضان لعام 1407 هـ.
35- حكم الشريعة الإسلامية في زرع الأعضاء الإنسانية.
بحث: الشيخ محمد برهان الدين السنبهلي.
نشر في: مجلة البعث الإسلامي ص/ 44 ـ 55. العدد/ 2 المجلد/ 32، عام 1407 هـ.
36- التصرف في أعضاء الإنسان.
إعداد: فوزي فيض الله.
نشر في: مجلة الوعي الإسلامي. العدد/ 276. لشهر ذي الحجة عام 1407 هـ.
37- الإنسان لا يملك جسده، فكيف يتبرع بأجزائه أو يبيعها.
بحث: للشيخ محمد متولي الشعراوي.
نشر في مجلة: اللواء الإسلامي. العدد/226. لشهر جمادى الآخرة عام 1407 هـ.(4/88)
خامساً: الفتاوى. وتقدم بعضها، ومنها:
38- فتوى الشيخ محمد بخيت المطيعي.
وخلاصتها في: شفاء التباريح والأدواء.
39- فتوى مفتي مصر: الشيخ محمد حسنين مخلوف.
في: فتاويه 1/ 360.
40- فتوى الشيخ حسن مأمون. في جواز نقل الدم.
مفتي مصر سابقاً.
رقم الفتوى/ 1065
41- فتوى الشيخ حسن مأمون. مصر
رقم/ 1087 عام 1378 هـ.
بشأن: نقل عين ميت إلى حي بشرطه.
42- فتوى الشيخ محمد خاطر. مصر.
عام 1392 هـ.
بشأن علاج حروق الأحياء من جلد الميت بشرطه
43- فتوى الشيخ أحمد هريدي. مصر.
برقم/ 992 عام 1966 م.
بشأن: سلخ القرنية من الميت للحي بشرطه
44- فتوى الشيخ جاد الحق علي جاد الحق. مصر.
برقم 1323 عام 1400 هـ.
بشأن: نقل العضو من إنسان إلى آخر. بشرطه.
45- فتوى مفتي سوريا: الشيخ محمد أبو اليسر عابدين. وخلاصتها في: شفاء التباريح والأدواء.
46- فتوى لجنة الإفتاء في المجلس الإسلامي الأعلى في الجزائر عام 1392 هـ.
موجودة بنصها في (البحث الثالث) من أبحاث اللجنة الدائمة في رئاسة الإفتاء بالرياض. ص/17 ـ 21
47- فتوى من وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالكويت.
رقم/ 132/ 79 عام 1400 هـ.
بشأن نقل الأعضاء من حي أو ميت.(4/89)
المبحث الثاني
في حكم التداوي
قال العز بن عبد السلام (1) :
"الطب كالشرع، وضع لجلب مصالح السلامة والعافية ولدرء مفاسد المعاطب والأسقام".
وقد علم من الشرع بالضرورة مشروعية التداوي، وأن حكمه في الأصل الجواز، توفيراً لمقاصد الشرع في حفظ النوع الإنساني، المعروف في ضرورياته باسم " حفظ النفس".
وقد حكي الإجماع على أن حكمه الجواز، لكن قيل: بل إن أحكام التكليف تنسحب عليه، فمنه ما هو واجب، وهو ما يعلم حصول بقاء النفس به لا بغيره.. (2) .
فهو يختلف حكماً باختلاف الغاية منه. ومنها (3)
1- حفظ الصحة الموجودة.
2- حفظ الصحة المفقودة بقدر الإمكان.
3- إزالة العلة أو تقليلها بقدر الإمكان.
4- تحمل أدنى المفسدتين لإزالة أعظمهما.
5- تفويت أدنى المصلحتين لتحصيل أعظمها.
__________
(1) قواعد الأحكام. 1 / 4
(2) فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية. 37/92، 5/106 الفتاوى الهندية، 5/355، تحفة المحتاج: 3/182
(3) زاد المعاد: 3/111، والطب النبوي: 114(4/90)
المبحث الثالث
التاريخ القديم لعمليات النقل والتعويض
لقاء تزاحم التطورات الطبية في العصر الحديث. وغرابتها في الإبداع. وبعد الإنسان خاصة المسلم عن قراءة التاريخ ومآثر الأسلاف ـ ظن أن هذه من مولدات العصر، وأنها منقطعة الاتصال بالقرون الخوالي، والحال ليس كذلك، بل إن تاريخها يرجع إلى ما قبل الإسلام، لدى: اليونان، والرومان، وسكان الأمريكتين، والهند.. (1) .
لكن كانت بحكم ما يملكونه من وسائل وإمكانات في تلك العصور.
وعليه فالذي حصل إنما هو تطور في التشريح، والترقيع، وامتداده من الإنسان إلى الإنسان.
والذي يهمنا هنا هو ذكر الوقائع التي حصل الوقوف عليها في سالف عصور الإسلام منها ما يلي.
__________
(1) انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً. للطبيب محمد علي البار ص/ 2 ـ4 بحث مرقوم لمجمع الفقه الإسلامي بجدة.(4/91)
المبحث الرابع
حصر التصرفات الطبية الفاعلة على بدن الإنسان
من أعظم المطالب حصر المتفرق في ضوابط جامعة، وعبارات مترابطة تكون كالمتن، وما يلحقها كالشرح لها، فإن ذلك أدعى للفهم وجمع الذهن عليه.
اعلم أن التصرفات الطبية الفاعلة على بدن الإنسان، تنقسم بحكم التتبع والاستقراء إلى أقسام ثلاثة:
1- عمليات مجردة كعملية الفتق، و" الزائدة الدودية " ونحوهما. وهذا لا يعلم في جوازه خلاف طرداً لأصل مشروعية التداوي، وستعلم بعد مدى انسحاب أحكام التكاليف الخمسة على التداوي.
2- عمليات " النقل والتعويض الإنساني " بين شخصين، أو في الشخص ذاته في نقولاتها الأربعة: نقل الدم، النقل الذاتي، النقل من حي إلى حي، النقل من ميت إلى حي. كزراعة الأعضاء.
3- حرفة التشريح في واحد من أغراضه الثلاثة، لكشف الجريمة، أو لكشف المرض، أو للتعلم والتعليم.
وهذان القسمان هما محل التجاذب، والنزاع بين أهل العلم في مفرداتهما بالجملة، فمنها ما هو محل نزاع قوي كنقل عضو من حي إلى حي، ومنها ما هو محل خلاف ضعيف كنقل دم من حي إلى حي، ومنها ما هو متفق على تحريمه كنقل مضر بالحي إلى حي، ومنها ما ليس محل خلاف على جوازه كترقيع شقة من بدن الحي ذاته، وتحرير النظر فيها نراه بعد تحرير التصور الطبي الواقعي لها وهذا أوانها.(4/92)
المبحث الخامس
القواعد والأصول الشرعية التي تخرج عليها هذه النوازل الطبية
يمكن إجمال القول في تصنيف مهماتها على ما يلي:
1- طهارة الآدمي:
القاعدة الفقهية أن " ما أبين من حي فهو كميتته " للحديث في ذلك. ويأتي. أي: كميتته طهارة ونجاسة، فما أبين من بهيمة الأنعام وهي حية فله حكم الميتة منها حتف أنفها " النجاسة " فهو نجس.
وما أبين من السمك والجراد وهو حي فله حكم ميتته منها " الطهارة " أي فهو طاهر.
قالوا: والكافر نجس، فما أبين منه حياً أو ميتاً فهو نجس، لقوله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} التوبة: 28 وللأمر باغتساله إذا أسلم.
والآدمي المسلم ميتته نجسة، فما أبين منه وهو حي فله حكم ميتته " النجاسة " فهو نجس، وبدليل تغسيله بعد موته.
وعليه: فإن ترقيع المسلم بما هو نجس فيه إخلال بواجبات الشريعة كصحة الصلاة، لكن هذا التعقيد يرد عليه أمور:
أولاً: أن تعلم أن أصل قول الفقهاء رحمهم الله تعالى (ما أبين من حي فهو كميتته) يذكرونه في بابي الطهارة، والصيد، ويريدون ما أبين من حيوان مأكول.
وأصل هذا قد ورد مقيداً (بالبهيمة) في حديث أبي واقد الليثي رضي الله عنه، وحديث ابن عمر رضي الله عنه، وحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وحديث تميم الداري رضي الله عنه.
وهذا الحديث له قصة وهي كما في رواية أبي واقد رضي الله عنه قال: ((كان الناس في الجاهلية قبل الإسلام، يجبون أسنمة الأبل ويقطعون أليات الغنم، فيأكلونها، يحملون منها الودك، فلما قدم النبي سألوه عن ذلك فقال:
" ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت ")) رواه أحمد وابن الجعد، وأبو يعلى وأبو داود، والترمذي، والدارمي، والدارقطني، والطبراني، وابن عدي، والحاكم، والبيهقي.
ترجم عليه أبو داود في الصيد بقوله: باب في صيد قطع منه قطعة.
وترجم عليه الترمذي في الصيد بقوله: باب ما جاء ما قطع من الحي فهو ميت.
وترجمه البيهقي ترجمتين في الطهارة بقوله: باب المنع من الانتفاع بشعر الميتة. وفي الصيد بقوله: ما قطع من الحي فهو ميتة.(4/93)
وأما حديث ابن عمر فهو بلفظ: ((ما قطع من البهيمة وهي حية فهو ميت)) ، فرواه ابن ماجه، والبزار، والدارقطني.
وحديث أبي سعيد: ((ما قطع من حي فهو ميت)) ، رواه الحاكم.
ورواه أبو نعيم في الحلية وابن عدي في الكامل: كل شيء قطع من الحي فهو ميت.
وحديث تميم الداري رضي الله عنه بلفظ: ((ما أخذ من البهيمة وهي حية فهو ميت)) ، رواه الطبراني، وابن عدي.
ورواه ابن ماجه بسنده عنه بلفظ: ((يكون في آخر الزمان قوم يجبون أسنام الإبل ويقطعون أليات الغنم، ألا فما قطع من حي فهو ميت.))
وهذا اللفظ فيه: الهذلي وهو متروك.
هذا الحديث مقيد بسببه ولفظه بالبهيمة، فلا يتجاوزها إلى غيرها والله أعلم.
وقد قال المناوي في شرحه له 6/461: فإن كان طاهراً فطاهر، أو نجساً فنجس، فيد الآدمي طاهرة، وألية الخروف نجسة، ما خرج عن ذلك إلا نمو شعر المأكول وصوفه وريشه ووبره ومسك فارته فإنه طاهر لعموم الاحتياج" اهـ.
ثانياً: وأما آية التوبة/ 28 {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ} فقد علم أن النجاسة أنواع: نجاسة خبث وحدث، ونجاسة عينية وحكمية.
والمراد بنجاسة المشركين في هذه الآية هي النجاسة الحكمية، وعلى هذا المحققون من المفسرين، بدليل أن سؤر اليهودي والنصراني طاهر، وآنيتهم التي يصنعون فيها المائعات ويغمسون فيها أيديهم طاهرة، وقد أباح الله للمسلمين التزوج بالكتابيات ولم يوجب عليهم غسل الأيدي عند ملامستهم أو غسل ما لامسوه وهكذا ـ 21/ 67 الفتاوى، وأما غسل الكافر بعد موته، فليس لنجاسته ولكن لما عسى أن يكون عليه من جنابة، وإعلاناً لغسل الكفر وحبه للإسلام.
وأما تغسيل المسلم بعد وفاته فهو أمر تعبدي، لم يعلله أحد بالنجاسة، إذ لو كان نجساً ويطهر بالغسل لما صلى النبي صلى الله عليه وسلم على قتلى أحد وغيرهم من الشهداء بلا اغتسال، فغسل المسلم الميت، لأنه قادم على ربه فيكون في طهارة من الحدث متيقنة. والله أعلم.
وبناء على ما تقدم، فلم يظهر دليل يفيد نجاسة بدن الآدمي مسلماً كان أو كافراً، فالكافر طاهر طهارة نسبية، والمسلم طاهر البدن طهارة كاملة، ولهذا ثبت في الصحيحين ص/22 المجمع.(4/94)
2- بدن الإنسان (1) :
يتردد البحث في بدن الإنسان، قولاً، وتخريجاً على بعض القواعد الأصولية، والقواعد الفقهية الكلية ـ بعبارات كلها بمعنى.
فيقال: بدن الإنسان مملوك له أو لا؟
ويقال: بدن الإنسان مملوك له أم هو أمين ووصي عليه؟
ويقال: بدن الإنسان حق لله، أو حق للعبد، أو حق مشترك، وأي الحقين أغلب؟ ثم إذا قيل بملكية الآدمي لبدنه، وأحقيته له، فهل هي مثل تملكه للمال والمتاع، تدخل عليه مطلق التصرفات من بيع، وهبة، وتبرع، وإسقاط، ونحو ذلك مما يدور في محيط المصلحة، وتحقيقها كالشأن في التصرف في الأموال لا يكون إلا بدائرة المصالح، فلو كان مبذراً سفيهاً، حجر عليه، ومنع من التصرف في ماله، وأقيم عليه وصي لإدارة شؤونه على ضوء المصلحة.
وإذا قيل بأنه حق لله تعالى، فهل حق الله سبحانه وتعالى: هو الاستعباد، وحق العبد: الاستعمال والاستمتاع، والانتفاع؟ فكما أن له في حال الجناية عليه: حق الإسقاط وأخذ العوض، والمجازاة في العمد عليه، فله حق التصرف ابتداء في عضو ونحوه تبرعاً، كما أن له بنص الشرع: الخوض في معارك الجهاد الشرعي، وإلقاء نفسه حال المسابقة والمبارزة ومقاتلة المشرك لينال سلبه.
كل هذا محل تجاذب ونظر، ولم ينفصل عنه راقموه بكبير شأن، وإن كان أظهرها اجتماع الحقين: حق الله، وحق عبده، وتغلب أي منهما يختلف باختلاف الأحوال والتصرفات، ومعلوم أن ما اجتمع فيه الحقان، فإن إسقاط العبد لحقه مشروط بعدم إسقاط حق الله تعالى، وحق الله تعالى هو الغاية من خلق الآدميين {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذرايات: 56 فليس له حق التصرف في بدنه بما يضر في الغاية من خلقه ولا بما يخدشها، والله أعلم.
__________
(1) بحوث دار الإفتاء بالرياض 1/25 ـ26، 2 / 18ـ 19، 3/2ـ4، 24 مجلة البعث الإسلامي، ج/432/2 ص/45 ـ 55، تعريف أهل الإسلام: 4، 13، 19.(4/95)
3- قاعدة الشريعة في حفظ " الضروريات الخمس " والمعروفة أيضاً: مقاصد الإسلام الخمسة وهي:
حفظ الدين.
فحفظ النفس.
فحفظ العقل.
فحفظ النسل " والعرض ".
فحفظ المال.
ومسائلها في الشرع معلومة. والقصد هنا ما يتعلق بثانيها رتبة " حفظ النفس " وعليه: فاعلم أن " حفظ النفس " بما أنه من مقاصد الشرع الكلية ومقاصده الضرورية، فقد أحاطته الشريعة بكل ما يمنع النيل من هذه الصيانة، والحفظ في إطارات كلية وجزئية منها ما يلي:
أ - أن حرمة دم المسلم أو أي عضو منه، وعصمته ذلك مما علم من الدين بالضرورة، والنصوص بهذا متظاهرة فلا يجوز الاعتداء عليه بقتل، أو خدش فأكثر، ولا قتل نفسه ولا العبث ببدنه، والتصرف فيه بما يضره، ولا ينفعه كالخصاء، والوسم، والوشم، ونحوه، سوى ما كان لموجب شرعي من حد أو قود في نفس أو طرف، أو بتر عضو مريض لمرضه حتى لا يسري إلى بدنه.
ب - أن الشرع رتب التدابير الجزائية الرادعة عن الاعتداء عليه من قصاص، ودية وكفارة، وإثم.
ج- أنه لا يباح شيء من بدنه بالإباحة، فكما حرم على الإنسان: قتل نفسه، أو قطع عضو منه، فيحرم عليه إباحة شيء من ذلك للغير.
قال القرافي في " الفروق ": " وحرم الله القتل والجرح، صوناً لمهجته، وأعضائه، ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك، لم يعتبر رضاه، ولم ينفذ إسقاطه".
ونحوه في الموافقات للشاطبي، في " كشف القناع"(4/96)
د- وإلى أبعد من هذا ذهب بعض أهل العلم إلى وجوب القصاص على من جرح ميتاً أو كسر عظمه، لعموم آيات القصاص.
وممن قال بذلك ابن حزم رحمه الله تعالى (1) .
هـ - حماية الشرع له قبل ولادته، فأوجبت الدية في الجناية على الجنين، مع الإثم (2) .
و تحريم الإجهاض، فلو أجهضت أمه لوجبت عقوبتها بديته لورثته (3) .
ز- النهي عن تمني الموت لضر نزل به، والأحاديث في هذا الصحاح من حديث أنس، وأبي هريرة وغيرهما كحديث خباب رضي الله عنه " لا تتمنوا الموت " رواه أحمد وابن ماجه وغيرهما.
ح- حث المسلم على انقاذ الأنفس من الهلكة، وإن ذلك من أعظم القربات، وأجل الطاعات، قال الله تعالى: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} . المائدة: 32
ومن أسباب الهلاك " المرض "، فبذل السبب من المسلم لأخيه في إنقاذه من مرضه، إنقاذ له من الهلاك بأي سبب من علاج، أو تغذيته بدم مضطر إليه ...
ط- تحريم التمثيل به تشفياً وانتقاماً، وإهانة وإيذاء، وإهداراً لحرمته وكرامته، وتغييراً لخلق الله، كالتمثيل في الحروب والمعارك وكتغيير خلق الله مثل: خصاء الآدمي، والوسم، والوشم، والتنمص، والتفلج، ووصل شعر الرأس من آدمي بآخر....
والنصوص في هذه متظاهرة من الكتاب والسنة، قال الله تعالى: {وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آَذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} . [النساء: 119] .
__________
(1) المحلى. 11 / 39. المجموع 5/283. 303
(2) المغني 7/ 799. زاد المعاد 3/ 200
(3) المغني 7/ 816.(4/97)
فهذه الآية: تشمل ما ذكر، وتشمل نقل عضو من عين ونحوها، حتى ولو كان لا يضر المنقول منه مطلقاً مثل نقل شعر من آدمي لوصله في رأس آخر.
وقد كان نزول هذه الآية في " فقء عين الأنعام، وشق آذانها" والعبرة بعموم الألفاظ لا بخصوص الأسباب، ويشهد لهذا العموم، حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله الواشمات، والمستوشمات، والمتنمصات، والمتفلجات للحسن، المغيرات خلق الله تعالى)) مالي لا ألعن ما لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو في كتاب الله تعالى".
وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله، إن لي ابنة عروساً أصابتها حصبة، فتمزق شعرها أفأصله؟ فقال ((لعن الله الواصلة، والمستوصلة))
فهذا دل على أمرين:
1- أن العلاج بنقل عضو لا يجوز للوعيد المذكور، فهو مثلة.
2- أن من أصيب بداء من ذلك لا يجوز التعالج بتعويضه من بدن إنسان آخر. وهذا تغيير لخلق الله.
ولهذا قال النووي رحمه الله تعالى في وجه الدلالة من هذه الأحاديث (1) : " إن وصلت شعرها بشعر آدمي فهو حرام بلا خلاف، سواء كان شعر رجل أو امرأة، وسواء شعر المحرم والزوج، وغيرهما بلا خلاف، لعموم الأحاديث، ولأنه يحرم الانتفاع بشعر الآدمي وسائر أجزائه، لكرامته، بل يدفن (2) شعره، وظفره، وسائر أجزائه". اهـ.
وفي تفسير هذه الآية تكلم القرطبي على حرمة خصاء الآدمي ونقل عن ابن عبد البر قوله: " لا يختلف فقهاء الحجازيين، وفقهاء الكوفة، أن خصاء بني آدم لا يحل، ولا يجوز لأنه مثلة، وتغيير لخلق الله تعالى وكذلك قطع سائر أعضائهم في غير حد ولا قود". اهـ.
__________
(1) المجموع للنووي: 2، ص 23
(2) انظر في دفن ما تساقط من بدن الآدمي تفسير القرطبي 2/102، المحلى: 1/1118 مغني المحتاج: 10/ 348 بحاشية الشربيني(4/98)
وقال النووي رحمه الله تعالى أيضا: " ولا يجوز أن يقطع ـ أي الآدمي ـ لنفسه من معصوم غيره بلا خلاف، وليس للغير أن يقطع من أعضائه شيئاً ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف ". اهـ.
لكن هذا الوجه من الاستدلال في حرمة التمثيل على حرمة النقل والتعويض والتشريح فيه نظر لما يلي: وهو أن الأمور بمقاصدها، فالتمثيل المحرم هو المبني على التشفي والحقد والانتقام والإيذاء، لهذا جاز القصاص في النفس وما دونها " العين بالعين، والسن بالسن، والبادي أظلم " ولم يعد مثلة محرمة فتلحق بالتمثيل المحرم، بل هذا عين العدل، لأنه مبني على العقوبة بالمثل.
وهكذا يمكن أن يقال في التشريح لجثة الميت لكشف الجريمة مثلاً لمصلحته، ومصلحة وارثه، ومصلحة أمن الجماعة.
وهكذا في النقل والتعويض الإنساني، فهذا والله أعلم يعد من باب الإحسان والإيثار.
فالصورة في قلع العين كما ترى واحدة، والنتيجة الحكمية مختلفة، فقلع العين كفصل القرنيتين مثلة محرمة وقلع القرنية من العين لمصلحة حي لا يحتسب مثلة بل يحتسب إحساناً، وقلع العين قصاصاً يعتبر عدلاً، والله أعلم.
ي- رعاية حرمة المسلم ميتاً كرعاية حرمته حياً.
وقد جاءت النصوص بتحريم كسر عظم الميت والنهي عن إيذائه، والنهي عن وطء قبره..
عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) رواه أبو داود وابن ماجة، والدارقطني ولفظه: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي في الإثم)) .
ورواه ابن أبي شيبة بلفظ: ((أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته)) .
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لأن يجلس أحدكم على جمرة، فتحرق ثيابه فتخلص إلى جلده، خير له من أن يجلس على قبر)) . رواه مسلم والأربعة.(4/99)
وجه الاستدلال:
إذا كانت حرمة المسلم ميتاً مساوية لحرمته حياً، فكيف تكون الجرأة بهتك حرمته، من تمزيق بدنه بتشريحه، وانتزاع عضو بل أعضاء منه. قال الحافظ ابن حجر: (ويستفاد منه أن حرمة المؤمن بعد الموت باقية كما كانت في حياته) . اهـ.
ك- الحجر والمنع لمتطبب الجاهل رعاية للنوع البشري من العبث وتضمينه (1) ، ((من للمتطيب ولم يعلم منه طب فهو ضامن)) رواه أبو داود، والنسائي وابن ماجه، والحاكم.
4- الموازنة بين المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار: ثم هذه القاعدة العظيمة التي تعني الحفظ العام والرعاية الشاملة لهذه المقاصد الخمسة بجزئياتها، تدور مفرادتها في قاعدة الشريعة الأخرى وهي: " الموازنة ... إلخ.
فإن تغالبتا فالحكم للغالبة منهما، وإن تساوتا قدم الحظر درءا للمفسدة.
5- اعتبار المصالح:
ثم إن " المصلحة في الشرع " وهي مفسرة بما يعني: جلب المنفعة، ورفع المضرة تحقيقاً لأي من المقاصد الخمسة المذكورة ـ هي بالاعتبار لا تخلو من واحدة من ثلاث:
1- مصلحة شهد الشرع باعتبارها كالحدود.
2- مصلحة لم يشهد الشرع لها بالاعتبار، بل هي منحطة عن مصالحه المعتبرة، وهي ما شهد النص بإلغائها، كقول من قال من العلماء: يوجب كفارة الصيام دون الإعتاق على من جامع من الملوك في نهار رمضان، وهو صائم.
3- وثالثة لم يشهد لها الشرع نصاً بأي من هذين الاعتبارين، وهذه تسمى " المصلحة المرسلة " وسميت مرسلة لعدم النص وروداً بها.
__________
(1) المغني: 6/120، حاشية ابن عابدين 8/183، الطب النبوي 109، بداية المجتهد 2/346(4/100)
6- مراتب المصالح:
ثم هذه المصالح المرسلة تدور بين رتب ثلاث:
1- مرتبة الضرورة.
2- مرتبة الحاجة.
3- مرتبة التحسين.
فما يتطلبه بدن الآدمي الحي من بدن إنسان لا يخلو أن يكون أمراً تحسينياً تجميلياً فهل تنتهك حرمة بدن الميت مثلاً لغرض تحسيني؟. ومثله في غير الآدمي: يسير الذهب في الإناء كالضبة.
وإما أن يكون حاجياًَ بمعنى أن يكون مكملاً لعمل كفائي في بدن الإنسان، دون منزلة الضرورة، فهل تنتهك حرمة محرمة الانتهاك لغرض حاجي؟ ومثل الحاجة في غير الآدمي: يسير الفضة التابع كما في حديث أنس رضي الله عنه: " إن قدح رسول الله صلى الله عليه وسلم لما انكسر شعب بالفضة " وإما أن يكون ضرورياً بمعنى توقف حياته عليه. فهذا انتهاك حرمة بدن ميت بجانب العمل على حياة لآدمي معصوم فما الحكم؟(4/101)
7- قواعد دفع الضرر ورفع المشقة:
1) الضرر يزال 2) والضرورات تبيح المحظورات.
3) ويرتكب أخف الضررين لدفع أعظمهما.
4) ويتحمل الضرر الخاص لدفع العام.
5) والضرورة تقدر بقدرها، 6) والمشقة تجلب التيسير. 7) والأمر إذا ضاق اتسع.
ثم الضرورات إذا حصلت، فإن الضرر يزال، والضرورة تبيح المحظور، والمشقة تجلب التيسير.
وتأسيساً على هذه القواعد المترابطة الآخذ بعضها بحجز بعض، جالت أنظار العلماء المتقدمين في عدد من الفروع الفقهية في غذاء الآدمي عند الاضطرار أو دوائه وأشياء أخرى كلها واردة على مقصد الشرع في ضرورة " حفظ النفس " بين الجواز والمنع، والقبول والكراهة، أسوق رؤوساً لمسائل فيها دون التعرض لذكر الخلاف فضلاً عن تحرير، لأن هذا مما يطول، ولا يعنينا هنا تحرير الحكم البات في كل مسألة بعينها، أكثر مما يعنينا ذكرها وإن أنظار العلماء جالت فيها، وإن كان الأكثر على جواز أكثرها وكل كتاب من كتب المذاهب المعتبرة إلا ويذكرها أو بعضها لعموم البلوى، وقد ذكر أكثرها:
العز بن عبد السلام في " قواعد الأحكام 1/86 ـ 98" في مبحث: " ما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه".(4/102)
وابن قدامة في " المغني 9/ 417 ـ 419، 11/ 78 ـ 80" وأتى على عامة النقول من المذاهب الأربعة: اليعقوبي في" شفاء التباريح والأدواء ص/45 ـ 74" والى رؤوس المسائل فيها:
1- شق بطن المرأة الميتة التي في بطنها حمل متحرك يضطرب. وفي هذا إنقاذ لحياة معصوم، وهي مصلحة أعظم من مفسدة انتهاك حرمة الميت (1) .
لكن هذا الشق يطابق وظيفة الأم الطبيعية، وقد توصل الطب الحديث إلى عمله في المرأة الحية، إذا تعسرت ولادتها، فهو عملية مجردة في محل واحد، هو: " الميت متصل به حي أو حي متصل به ميت أو حي، ولا سبيل إلى الإنقاذ للحي إلا بهتك حرمة وعائه " الحي المتلبس به " بخلاف المفارق كأخذ عضو من ميت إلى حي آخر فلا مماسة، فافترقا فبطل إذا: التنظير والقياس للاستدلال بها في النقل من ميت إلى حي. والله أعلم.
2- رمي من تترس به الكفار من أسارى المسلمين في الحرب (2) .
3- رمي الكفار بالمنجنيق إذا تترسوا بالحصون، وإن كان فيهم النساء والأطفال (3) .
4- أكل المضطر لحم آدمي إذا لم يجد غيره مما يؤكل لسد رمقه (4) .
قال الحنابلة: لا يجوز، وقال الشافعية والحنفية: يجوز، لأن حركة الحي أعظم.
5- بقر بطن الميت إذا ابتلع دنانير للغير (5) .
لكن هذا جاز شق بطنه لأنه هتك حرمة نفسه بتعديه على مال الغير كالسارق إذا سرق قطعت يده. والله أعلم.
6- استهام ركاب السفينة لإلقاء بعضهم في حال مشاهدة العطب تلافياً للغرق (6) .
7- وصل عظم الرجل بعظم أنثى وعكسه.
قال عبد الحميد الشرواني في حاشيته على: تحفة المحتاج شرح المنهاج (7) : " يجوز للذكر الوصل بعظم الأنثى وعكسه، ثم قال: وينبغي أن لا ينقض وضوءه، ووضوء غيره به، وإن كان طاهراً، ولم تحله الحياة لأن العضو المبان لا ينقض الوضوء بمسه إلا إذا كان من الفرج وأطلق عليه اسمه " اهـ.
__________
(1) حاشية ابن عابدين: 1/602، 628، الفتاوى الهندية: 5/360 عيون المسائل للسمرقندي 384. الأشباه والنظائر لابن نجيم: 88، شرح المواق على خليل: 2/274. المدونة 1/ 190، 191، فتاوى عليش 1/319، 320، شرح الدردير على خليل: 1/ 192، حاشية الصاوي على الشرح الصغير: 1/192، الروضة للنووي: 2/ 140، المجموع: 5/ 301، مغني المحتاج 1/207 الإنصاف للمرداوي 2/ 556، الإقناع 1/ 235 ـ 236 الفروع وتصحيحه: 1/961. المغني: 2/413 - 415. المحلى: 5/166، 167. قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام: 1/79، 86 ـ 98. شفاء التباريح 45 ـ 74
(2) الأم: 4/287، المغني 4/276 ـ 277. الإنصاف 4/129.
(3) الأم: 4/287، المغني: 4/276 ـ 277. الإنصاف: 4/129
(4) شرح المواق على خليل: 2 /ص 71، كتاب الجنائز، شرح الدردير على خليل: 1/301، فتاوى عليش: 1/596، وبداية المجتهد/ الروضة للنووي: 2/ 284 ـ 285 المغني: 11/ 79. الإنصاف للمرداوي: 10/ 276، والشرح الكبير: 11/ 106، والمحلى: 5/426، المجموع: 9/33، 36 القواعد للعز بن عبد السلام: 1/ 89. مغني المحتاج:1/ 359، 4/ 282 - 284. حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم 2/302 فتح الوهاب شرح منهج الطلاب: 2/193.
(5) قواعد الأحكام: 1/97. المغني: 2/414 ـ 415، المحلى: 5/166 ـ 167، الأشباه والنظائر لابن نجيم: 88، 1/113، 2/ 360، الفتاوى الهندية، ومجلة البعث الإسلامي: عدد/ 2 مجلد/22 لعام 1407 هـ ص: 49. المجموع 5/ 300. نهاية المحتاج للرملي: 3/ 39. مغني المحتاج للشربيني 1/207.
(6) قواعد الأحكام لابن عبد السلام: 1/ 89
(7) انظر: منهاج الطالبين للنووي، وشرحه مغني المحتاج: 1/190 ـ 192. المجموع 3/138، تحفة المحتاج: 2/125 ـ 128. الفتاوى الهندية: 5/ 254(4/103)
8- قال بعض أصحاب الشافعي: للمضطر إذا لم يجد شيئاً أن يأكل بعض أعضائه؛ لأن له أن يحفظ الجملة بقطع عضو كما لو وقعت فيه الآكلة (1) .
9- إذا لم يجد المضطر إلا آدمياً، فإن كان معصوماً محقوق الدم فليس له قتله ليسد منه رمقه إجماعاً ولا إتلاف عضو منه مسلماً كان أو كافراً.
وإن كان مباح الدم كالحربي والمرتد فذكر القاضي أن له ذلك، وبه قال أصحاب الشافعي (2) .
10- نبش القبر لمصلحة، وله وقائع متعددة (3) .
11- قطع اليد المتآكلة حتى لا تسري إلى البدن (4) .
12- شرب لبن الميتة للمضطر، وانتشار المحرمية به (5) .13- إجراء العمليات الجراحية إن غلب على الظن نجاحها (6) .
مثل بسط القرحة بالكي، وقطع الإصبع الزائدة، وشق المثانة إذا كانت فيها حصاة.
14- تنبيه: في المغني وغيره ما نصه (7) :
" قال أبو بكر بن داود: أباح الشافعي أكل لحوم الأنبياء.." اهـ. وقال الباجوري (8) " وللمضطر أكل ميتة الآدمي إذا لم يجد ميتة غيره لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، إلا إن كان الميت نبياً فلا يجوز الأكل منه جزماً لشرفه على غيره بالنبوة " اهـ.
وقال التاج بن السبكي في ترجمة المزني (9) : بعد جزمه بأن الصحيح في المذهب أن المضطر يأكل لحم الآدمي الميت قال التاج: " قال إبراهيم المروروذي: إلا أن يكون الميت نبياً " اهـ.
__________
(1) الإقناع 4/313. وغاية المنتهي 3/369. المغني 9/417. مغني المحتاج 4/285، فتح الوهاب شرح منهج الطلاب للشيخ زكريا الأنصاري 2/193 ـ 194.
(2) المغني 9/417، 11/78 ـ80 البدائع للكاساني 7/177، وغاية المنتهي 3/369. الأشباه والنظائر لابن نجيم ص/124، رد المحتار 5/215، طبعة الهند. عمدة الكباري 8/296.
(3) القواعد لابن عبد السلام 1/96. تحفة المحتاج 3/205 ـ 206. حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم 1/268. المجموع 5/301. الإقناع 1/235. مغني المحتاج للشربيني 1/367. نهاية المحتاج للرملي 3/ 40
(4) قواعد الأحكام للعز بن عبد السلام 1/87، المغني 11/ 78، 79، الفتاوى الهندية 5/360.
(5) المغني 9/198 ـ 199. شفاء التباريح ص/71 نقول من الشافعية والحنفية
(6) شفاء التباريح ص/72 عن: الدار المختار 5/479. الفتاوى الهندية 5/360
(7) المغني 9/417
(8) حاشية الباجوري على شرح ابن قاسم: 2/ 302
(9) طبقات الشافعية: 2/ 105 ط الحلبي.(4/104)
وقال النووي (1) : " قال الشيخ إبراهيم المروروذي: إلا إذا كان الميت نبياً فلا يجوز الأكل منه بلا خلاف؛ لكمال حرمته، ومزيته على غير الأنبياء " اهـ.
وقال القرطبي (2) : ولا يأكل ـ أي المضطر ـ ابن آدم ولو مات قاله علماؤنا، وبه قال أحمد وداود، احتج أحمد بقوله عليه السلام: ((كسر عظم الميت ككسره حيا)) ، وقال الشافعي: يأكل لحم ابن آدم، ولا يجوز أن يقتل ذمياً لأنه محترم الدم، ولا مسلماً، ولا أسيراً لأنه مال الغير، فإن كان حربياً، أو زانياً محصناً: جاز قتله والأكل منه " اهـ.
وهذا كله يدل على أن الإمام الشافعي رحمه الله تعالى لم يقل بإباحة أكل لحوم الأنبياء، إضافة إلى أنه لا سند لذلك إليه، وعلى فرض أنه قال ذلك، وحاشاه من أن يقوله يكون ذلك من قبيل ما نقله شيخ الإسلام ابن تيمية في 1/219 الاستقامة عن ابن المبارك أنه قال: " رب رجل في الإسلام له قدم حسن وآثار صالحة كانت منه الهفوة والزلة لا يقتدى به في هفوته وزلته " اهـ.
15 - وقد بلغ الحال إلى اتخاذ أعضاء مصطنعة من الذهب والخشب، ونحوهما. وحصل بالتتبع عدد من الواقعات من عصر النبي صلى الله عليه وسلم إلى القرن السادس.
ومنه اتخاذ: عرفجة رضي الله عنه أنفا من فضة لما أصيبت أنفه يوم كلاب.
و ((النبي صلى الله عليه وسلم رد عين قتادة بن النعمان لما أصيبت عينه يوم بدر.))
و ((رد صلى الله عليه وسلم عين أبي سفيان لما أصيبت يوم حنين.))
وهكذا في وقائع على تعاقب العصور.
ومنها: اتخاذ الزمخشري سنة 538 هـ رجلا من خشب، والله أعلم.
__________
(1) المجموع: 9/36
(2) الجامع: 2/211 ـ 212(4/105)
المبحث السادس
تخريج وتنزيل الممارسات الطبية المعاصرة على المدارك الشرعية
وبعد هذا التطواف المبين لمدارك ومآخذ الأحكام التي فيها ممارسات على بدن الإنسان وتنزيل الفروع الفقهية المعاصرة لمتقدمي الفقهاء عليها.
وبعد أن أحاط الناظر خبراً بأنواع الممارسات الطبية الفاعلة على بدن الإنسان في أوعيتها الثلاثة العامة وهي:
1- إجراء العمليات.
2- التشريح.
3- النقل والتعويض الإنساني
وعلم أقسام كل على سبيل التتبع والاستقراء، مما به يعلم " التصور الطبي للنازلة الطبية " حتى يمكن معرفة تقبل القواعد الشرعية لها جوازاً أو منعاً.
بعد هذا كله نأخذ بها واحدة إثر الأخرى في أوعيتها العامة على ما يلي:
أولاً
إجراء العمليات طرداً لمشروعية التداوي في الشرع، فإن إجراء الممارسة الطبية الفاعلة على بدن الإنسان في عملية شق البطن لرتق فتق، أو قطع زائدة دودية ونحو ذلك، مما فيه دفع مرض، والعادة جارية بنجاحه في عرف الطب الذي يعايشه الإنسان ... فهذا مما لا خلاف في جوازه إلحاقاً له بحكم الأصل.
نعم الخلاف في بعض متعلقات العملية من التخدير بالبنج، والمشارطة على البرء.... وهذه ونحوها محررة أحكامها في المدونات الفقهية، والله أعلم.(4/106)
ثانياً:
التشريح
علم التشريح مرتكز أساسي لحذق الطبيب، وطريق اكتسابه إما عملياً أو نظرياً، ولا غنى للطبيب عن ممارسته عملياً.
والتشريح أيضاً هو الأساس في تشخيص الأمراض.
والتشريح مفيد إلى حد ما في تحديد سبب الوفاة هل هو باعتداء أم بدون اعتداء، وفي كشف الجريمة هل هي بمثقل أو محدد، وهل الوفاة بسبب الجناية أو ليست بسببها،
والتشريح أساس للطب في إطار " النقل والتعويض الإنساني ".
والتشريح يفيد تأييد الحكم الفقهي في مسائل شرعية يقررها الفقهاء منها:
1- أن بعض أهل العلم قرروا في: عين الأعور الدية كاملة، والعلة أن العين العوراء يرجع نورها للصحيحة.
والتشريح يكشف عن تحديد هذا حتى يصحح القول بوجوب الدية كاملة، أو نصف الدية كالشأن فيمن له عينان سليمتان فجني على إحداهما ففيها نصف الدية (1) .
2- ومنه البحث في طهارة المني ونجاسته (2) .
فقد علل القائلون بنجاسته وهم: المالكية، والحنفية، بأنه من مجرى البول. والشافعية قالوا بأن لكل منهما مجرى فهو طاهر، قال القاضي أبو الطيب: " وقد شق ذكر رجل فوجد كذلك ".
فالحكم في قيام هذا التعليل أو إلغائه للتشريح.
وبعد: فيرد السؤال المعاصر هل يخرج التشريح في صوره الثلاث أو في إحداها على الجواز أم المنع؟
__________
(1) الفروق 3/191
(2) المجموع: 2/ 573(4/107)
فيقال:
1- أما تشريح الميت لكشف الجريمة، فإنه متى استدعى الحال لخفاء في الجريمة، وسبب الوفاة باعتداء، وهل هذه الآلة المعتدى به قاتلة منها، فمات بسببها أو لا؟ فإنه يتخرج القول بالجواز، صيانة للحكم عن الخطأ، وصيانة لحق الميت الآيل إلى وارثه، وصيانة لحق الجماعة من داء الاعتداء والاغتيال، وحقناً لدم المتهم من وجه، فتحقيق هذه المصالح غالبت ما يحيط بالتشريح من هتك لحرمة الميت، وقاعدة الشريعة ارتكاب أخف الضررين، والضرورات تبيح المحظورات، والله أعلم.
وهذا الجواز عند من قال به في ضوء الشروط الآتية:
1- أن يكون في الجناية متهم.
2- أن يكون علم التشريح لكشف الجريمة بلغ إلى درجة تفيد نتيجة الدليل، كالشأن في اكتشاف تزوير التوقيعات والخطوط.
3- قيام الضرورة للتشريح بأن تكون أدلة الجناية ضعيفة لا تقوى على الحكم بتقدير القاضي.
4- أن يكون حق الوارث قائماً لم يسقطه.
5- أن يكون التشريح بواسطة طبيب ماهر.
6- إذن القاضي الشرعي.
7- التأكد من موت من يراد تشريحه لكشف الجريمة: الموت المعتبر شرعاً.
إما التشريح لكشف المرض.
وإما التشريح للتعلم والتعليم.
فحيث إن جثث الموتى من الوثنيين وغيرهم من الكفار ميسورة الشراء لهذين الغرضين بأرخص الأسعار، وأموال المسلمين نهاباً يبذل قسط منها في غير مصارفه الشرعية فهي غير منتظمة المصارف على رسم الشرع.(4/108)
ثالثاً
النقل والتعويض الإنساني
في أقسامه الأربعة
يقصد بالنقل والتعويض الإنساني: نقل قطعة من جلد إلى مكان آخر من بدنه، أو نقل عضو، أو دم، من بدن إنسان متبرع به غالباً إلى بدن إنسان آخر، ليقوم مقام ما هو تالف فيه أو مقام ما لا يقوم بكفايته، ولا يؤدي وظيفته بكفاءة.
وقد اشتهر بلقب:
زراعة الأعضاء الإنسانية.
غرس الأعضاء.
انتفاع الإنسان بأعضاء الإنسان.
ترقيع الأعضاء.
والدم بخصوصه اشتهر بلقب.
" نقل الدم " و " التلقيح بالدم ".
لكن هنا من النقولات ما لم يشمله هذان اللقبان وهو: النقل لغير دم أو عضو كنقل قطعة من جلد، إذ لا يطلق عليها " عضو " وأن يكون النقل إليه أو إلى إنسان آخر.
ويمكن تقسيمه باعتبارين:
أولاً: أقسامه باعتبار المنقول وهي ثلاثة:
1- نقل الدم.
2- نقل عضو.
3- نقل ما دون العضو كقطعة جلد، أو بعض شريان.(4/109)
ثانياً: أقسامه باعتبار طرفي النقل.
1- النقل الذاتي أي من بدن الإنسان إليه ذاته من مكان إلى آخر مثل ترقيع الشفة بقطعة من الفخذ، وترقيع الجفن بقطعة من الشفة.
2- النقل من حي إلى حي.
3- النقل من ميت إلى حي.
وللترابط بين هذين التقسيمين بهذين الاعتبارين في ترتيب الحكم، فإنه يمكن لنا حصر النقولات في أقسامها الأربعة الآتية:
القسم الأول: نقل الدم من إنسان حي إلى آخر
ويقال: التبرع بالدم.
وهذا أوسعها انتشاراً.
القسم الثاني: النقل الذاتي، من الإنسان إليه ذاته.
وهذا يليه في الانتشار، خاصة في عمليات التجميل.
القسم الثالث: النقل لعضو ونحوه من حي إلى حي، للعلاج.
القسم الرابع: النقل لعضو ونحوه من إنسان ميت إلى حي للعلاج.
وقد وصل الطب إلى عدد من مفردات النقل منها:
1- نقل القرنية: وقد أقيم لها مراكز عالمية.
والقرنية، الجزء الأمامي من جدار المقلة، وهي قرص صلب شفاف يغطي سواد العين وتمتاز عن معظم أنسجة العين، وأنسجة الجسم كلها بأنها شفافة للضوء.
2- نقل الكلى وزرعها. وقد أقيم مراكز عالمية لها.
3- العظام.
4- نقل شريان من الساق مثلاً للقلب.
5- توصيل الأمعاء المستأصلة. استئصال الأمعاء وتوصيلها.
6- المفاصل.
7- البنكرياس، وخلاياه.
8- نقل القلب وزرعه.
9- الكبد.
10- الرئتان.
11- العضو التناسلي، والغدد التناسلية.(4/110)
النقل والتعويض بين رتب المصالح
الضرورة والحاجة والتحسين
يمكن تصنيف دواعي النقل والتعويض إلى ثلاث مراتب:
1- ما يقع في مرتبة الضرورة، والضرورة فيما يتوقف حياة الإنسان عليه.
2- ما يقع في مرتبة الحاجة، كالقرنية.
3- ما يقع في مرتبة التحسينات، كسن وتسوية شفة ونحوها.
تقسيمها باختلاف الدين
والنقل والتعويض ينقسم باعتبار اختلاف الملة إلى قسمين:
النقل من مسلم إلى كافر وعكسه، لاسيما إذا كان بين ولد مسلم ووالدته الكتابية.
وللأطباء تقسيمات أخر باعتبار (1) :
الذاتية: أي كونها من الجسم ذاته وإليه من منطقة إلى أخرى.
والتماثل: كالنقل بين التوأمين.
والتباين: كالنقل بين آدميين.
والدخيلة: كالنقل من حيوان، أو مصنعة إلى آدمي.
لكن هذه التقسيمات الطبية لا يترتب عليها اختلاف في الحكم الشرعي، سوى في " الدخيلة " وستعلم ما فيها بعد، إن شاء الله تعالى.
وباعتبار عملية التعويض يقسمها الأطباء إلى تقسيم آخر إلى قسمين (2) :
1- الموضع السوي: بمعنى غرس أو زرع العضو في مكان التالف ذاتاً أو منفعة. وهذا في: القلب والرئتين أو الكبد أو القرنية.
2- الموضع المختلف: بمعنى زرع العضو في غير محل التالف، مثاله: زرع الكلى في: الحفرة الحرقفية بدلاً من موضعها في الخاصرة.
__________
(1) بحث الطبيب البار:6
(2) البار: 7(4/111)
النقل من ميت لحي
يتصور من حيث الإذن وعدمه إلى الصور الآتية:
1- ميت أذن قبل وفاته.
2- ميت لم يعقب وارثاً.
3- ميت عقب وارثاً ولم يأذن الوارث.
4- ميت عقب ورثة فأذن بعضهم.
5- ميت عقب ورثة فأذنوا جميعهم.
التخريج الشرعي للنقولات
أولاً: التخريج للتغذية بالدم
في أعقاب الإنجاز الطبي الحديث بنقل الدم من إنسان إلى آخر تعويضاً له عن نقص في مادة أو عن نزيف حصل له كالحال في بعض الحوادث، وحالات الولادة ولقاء إجراء العمليات وهكذا ـ حصل تغليب العلماء لها وتخريجها على ما يمكن تخريجها عليه، والتنظير لها بفروع من بابها، وكيف الاعتذار في نظر المبيح عن حديث النهي عن التداوي بالحرمات، وكتبت في هذا أبحاث، ورسائل، وبعد تطواف كبير استقرت كلمة أهل العلم على الجواز في محيط الشروط والضوابط الآتية وهي:
1- قيام الضرورة وتحققها.
2- عدم وجود بديل له مباح.
3- غلبة الظن على نفع التغذية به.
4- تحقيق عدم الخطر على المأخوذ منه.
5- توفر رضا المأخوذ منه وطواعيته.
6- أن يكون النقل والتعويض يجريه طبيب ماهر.
7- أن تكون التغذية به بقدر ما ينقذه فالضرورة تقدر بقدرها.(4/112)
والمدرك الفقهي لهذه المسألة، الذي ينفي الاضطراب ويقطع القيل والقال هو أن نقل الدم من إنسان إلى آخر في إطار الشروط المذكورة ومن أهمها " الاضطراب " هو: " من باب الغذاء لا الدواء " فكمية الدم نقصت مادتها فيحتاج إلى تغذيتها (1) . ولهذا فهو داخل في حكم المنصوص عليه بإباحة تناول المضطر في مخمصة من المحرمات لإنقاذ نفسه من الهلكة، كما في آيات الاضطرار ومنها قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ} إلى قوله: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} المائدة: 3
ولو قيل: هو من باب الدواء فيقال (2) : "إذا اضطررنا إليه فلم يحرم علينا حينئذ، بل هو حلال فهو لنا حينئذ شفاء ".
هذا وقد قرر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى في مواضع: أن الدم الآدمي طاهر ما دام في جسده، فإذا ظهر وبرز كان نجساً، ورد على من قال بنجاسته ما دام في جسد الآدمي بوجوه متعددة من أهمها (3) :
عدم الدليل على تنجيسها والأصل الطهارة، وإن خاصية النجس وجوب مجانبته في الصلاة، وهذا مفقود فيها في البدن من الدماء وغيرها ومنها: " إن الدماء المستخبثة في الأبدان وغيرها هي أحد أركان الحيوان التي لا تقوم حياته إلا بها حتى سميت نفساً، فالحكم بأن الله يجعل أحد أركان عباده من الناس والدواب نوعاً نجساً في غاية البعد".
__________
(1) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: 10/ 92 ـ 93
(2) المحلى: 1/ 234.
(3) الفتاوى: 21/558 ـ 601(4/113)
لكن بقي هنا أبحاث:
الأول: أن الأصل هو التبرع به، وبيعه فيه إهدار لكرامة الدم الإنساني وقيمته. وفي هذا بحث سيأتي إن شاء الله تعالى في آخر أبحاث هذه النازلة.
الثاني: النقل والتعويض للدم بين مختلفي الديانة كمسلم وكافر، كحال من كانت أمه كتابية ووالده مسلم.
الثالث: جمع الدم في " بنوك الدم " تحسباً لوجود المضطر، ومفاجأة أحوال الاضطرار وتكاثرها، تقتضي ذلك. فهو تبرع من مالكه بشرطه من عدم التأثير على صحته ... لمضطر يحتاج إليه.
وقد نص بعض أهل العلم على ما هو أقل من هذا في تزود المضطر مما أبيح له أكله ضرورة.
قال البهوتي في " كشاف القناع ": " وللمضطر أن يتزود من المحرم إن خاف الحاجة إن لم يتزود " اهـ.
ثانياً
التخريج الشرعي للنقل الذاتي
النقل الذاتي من مكان من بدن الإنسان إلى مكان آخر منه ذاته هو في الحكم كإجراء عملية له كالفتق، والزائدة الدودية، وقطع العضو المتآكل، وهكذا طرداً لقاعدة التداوي: " الجواز " في إطار شروط التداوي العامة. والله أعلم.(4/114)
ثالثاً
النقل من حي إلى حي
النقل من حي إلى حي، لا يخلو من حيث التأثير على حياة المنقول منه وصحته من واحد من الأحوال الآتية:
1- لا تأثير له بأي ضرر مطلقاً كنقل قطعة من جلد ونحوه مما لا تتوقف حياته ولا صحته عليه. وهذا أمر افتراضي ولم نعلم في أبحاث الطب نقلاً من هذا النوع.
2- نقل يؤدي إلى ضرر جزئي محتمل لا خطر معه على صحته ولا حياته، مثل: نقل سن، أو نقل دم.
فهذا افتراض لا نعلمه في أبحاث الطب سوى نقل الدم للتغذية به، وقد تقدم بيانه.
3- نقل يؤدي إلى ضرر بالغ بتفويت أصل الانتفاع أو جله كقطع كلية، أو يد، أو رجل ...
والذي يظهر والله أعلم تحريمه وعدم جوازه، لأنه تهديد لحياة متيقنة بعملية ظنية موهومة من إمداد بمصلحة مفوتة لمثلها، بل أعظم منها.
ولأن حق الله تعالى متعلق ببدن الإنسان قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56] فمن يفتقد عضواً عاملاً في بدنه يرتفع عنه بمقدار عجزه عدد من تكاليف الشريعة {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [النور: 61] .
فكيف يفعل الإنسان هذا بنفسه وإرادته ويفوت تكاليف مما خلق ليوفرها لغيره بسبيل مظنون، فالضرر لا يزال بمثله، فهذه المصلحة المظنونة بتفويت المتيقنة مما يشهد الشرع بإلغائها وعدم اعتبارها.
4- نقل يؤدي إلى: الخطر على الحياة أو الصحة، أو يؤدي إلى الموت، كنزع القلب والرئة ... فهذا قتل للنفس، وانتحار بطيء والله تعالى يقول: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29] وهو من أشد المحرمات في الشرع والفطرة.(4/115)
الرابع:
النقل من ميت إلى حي
اعلم أن المراد بالميت هنا هو من فارقت روحه بدنه بانقطاعها عن بدنه انقطاعاً تاماً من توقف دقات قلبه المنزلة طبيعياً أو صناعياً واستكمال أماراته، فهذه هي الوفاة التي تترتب عليها أحكام مفارقة الإنسان للدنيا من انقطاع أحكام التكليف، وخروج زوجته من عهدته، وماله لوارثه، وتغسيله، وتكفينه، والصلاة عليه، ودفنه ...
أما نصب " موت الدماغ " أو " جذع الدماغ " تحقيقاً لموته مع نبض قلبه ولو آلياً فهذا في الحقيقة ليس موتاً لكنه نذير وسير إلى الموت، فما زال له حكم الأحياء حتى يتم انفصال الروح عن البدن. ولذا:
لابد لنا من تصور الأحوال حتى يكون بإذن الله تعالى تنزيل الحقيقة الشرعية على الحقيقة الواقعية الطبيعية لكل مسألة بخصوصها، وهنا طرفان: ميت، وحي.
أما الميت المأخوذ منه: فنتصور الحال من حيث الإذن وعدمه إلى ما يلي:
1- ميت أذن قبل وفاته بانتزاع عضو منه لمعين أو غير معين.
2- ميت لم يعقب وارثاً.
3- ميت عقب وارثاً ولم يأذن الوارث.
4- ميت عقب ورثة فأذن البعض.
5- ميت عقب ورثة فإذن جميعهم.
أما الحي فلا تخلو مصلحته من مراتب المصالح الثلاث:
1- إما أن تكون ضرورية تتوقف حياته إلى ذلك العضو.
2- وإما أن تكون حاجية لا تتوقف حياته عليها كالحاجة إلى قرنية ونحوها.
3- وإما أن تكون تحسينية كترقيع شفة ونحوها.
وعليه:
فإذا كانت المصلحة تحسينية فلا ينبغي الخلاف بعدم الجواز، سواء أذن الميت قبل وفاته أو لا؟ لأن حرمته ميتاً كحرمته حياً، فلا يجوز انتهاك حرمته المحرمة لتوفير مصلحة تحسينية تجميلية، وفي هذا تعريض لجثة الميت للامتهان، وتسويغ العبث بها.
وأما إن كانت مصلحة الحي حاجية، فإن حرمة الميت واجبة كحرمة الحي، وهتكها وقوع في محرم، فلا ينبغي خرق الحرمة والوقوع في الحرام لمصلحة مكملة للانتفاع.
وأما إن كانت ضرورية، والضرورية هنا مفسرة بما تتوقف حياته عليه كالقلب والكلى، والرئتين ونحوها من أصول الانتفاع الضرورية.(4/116)
فيها يتخرج الجواز عند من قال به، لأمور.
1- بالموازنة بين المصالح والمفاسد، والمنافع والمضار، فإن مصلحة الحي برعاية إنقاذ حياته أعظم من مصلحة الميت بانتهاك حرمة بدنه وقد فارقته الروح، وأذن به، ولهذا نظائر في الفروع المتقدمة عند عدد من أهل العلم من التناول في حال الاضطرار من: لبن المرأة الميتة، ولحم الآدمي، وشق بطن المرأة الميتة الحامل إذا كان حملها يضطرب وقد علمت ما فيه، ونبش القبر لمصلحة حي، وبقر بطن ميت ابتلع مال حي وقد علمت ما فيه أيضاً ... إلخ.
إلى آخر ما تقدم من فروع على قواعد الضرر من أنه يزال، وإن الضرورات تبيح المحظورات. والله أعلم.
2- وشرط إذنه وإذن ورثته، لأن رعاية كرامته حق مقرر له في الشرع فلا ينتهك إلا بإذنه، فهو محق موروث كالحال في المطالبة من الوارث في حد قاذفه ـ ولذا فإن الإذن هو إيثار منه أو من مالكه الوارث ـ لرعاية حرمة الحي على رعاية حرمته بعد موته في حدود ما أذن به. ولذا صح ولزم شرط الإذن منه قبل موته، أو من ورثته جميعهم.
أما إن فات هذا الشرط ولم يتحقق بإذنه، أو إذن جميع ورثته بأن أذن بعض دون بعض فلا يجوز انتزاع عضو منه بل المراغمة في هذا: هتك تعسفي للحق وحرمة الرعاية له.
أما من لا وارث له إذا مات ببلد إسلام تحت ولاية سلطان مسلم بحكم الشرع ويقيم الحدود وينفذ أحكام الإسلام فالسلطان ولي من لا ولي له فهو يقوم مقام الوارث له.(4/117)
المبحث السابع
في الشروط العامة
اعلم أن من قال بالجواز في أي من مسائل " النقل والتعويض الإنساني " لم يقل بذلك بفتيا مطلقة، بل أحاطها بشروط شرعية يجب توفرها، فمتى فقدت شرطاً فقدت الصفة الشرعية.
وهذه الشروط منها شروط عامة لا بد من توافرها على صفة الثبات والدوام في أي مسألة قبل جوازها، وشروط خاصة في بعض منها.
وهذه الشروط العامة منها ما يرجع إلى المنقول منه ومنها ما يرجع إلى المنقول إليه، ومنها ما يرجع إلى الواسطة، وهي على ما يلي:
الشرط الأول: تحقق قيام الضرورة بطريق اليقين، بأي دلالة يقوم بها اليقين كإخبار طبيب حاذق، ولا يشترط كونه مسلماً، وهو ما ورد من شرط إسلامه عند البعض فهو قيد اتفاقي.
الشرط الثاني: تحقق انحصار التداوي به، لعدم وجود بديل له يقوم مقامه، ويؤدي وظيفته بكفاءة.
الشرط الثالث: أن تكون العملية بواسطة طبيب ماهر لا متعلم.
الشرط الرابع: تحقق أمن الخطر على المنقول منه في حال النقل من حي.
الشرط الخامس: غلبة الظن على نجاحها في المنقول إليه.
الشرط السادس: عدم تجاوز القدر المضطر إليه.
الشرط السابع: تحقق الموازنة بتقدير ظهور مصلحة المضطر المنقول إليه على المفسدة اللاحقة بالمنقول منه.
الشرط الثامن: تحقق توفر شرط الرضا والطواعية الأهلية من المنقول منه.
الشرط التاسع: توفر الشرط الثامن في المنقول إليه أو إذن وليه إن كان قاصر الأهلية.
الشرط العاشر: توفر متطلبات العملية التي بلغها الطب، وإلا كان الطبيب مفرطاً يحمل تفريطه، والله أعلم.(4/118)
المبحث الثامن
في حكم بيع الآدمي لدم أو عضو منه
إذا علمت أن الأصل هو الحظر على الغير استعمال جزء من الإنسان أو دمه، حفظاً للنوع الإنساني، وصيانة لقيمته وكرامته، وسداً للطرق الموصلة إلى إهدارها، وإذا كان انتزاع دم من حي، أو عضو من ميت عند من قال به جائزاً عند الإضرار، والضرورة المقدرة - تخوف هلاك حي أو عضو فيه تتوقف عليه حياته ـ مقدرة بقدرها لا يجوز تجاوزها، وهذا القدر المضطر إليه لا يعد إخلالا بآدمية المنزوع منه، فاعلم أن الأصل لذلك البذل أيضاً يكون بطريق التبرع والهبة لمنفعة حي بسد ضرورته، لوجوب تلاحم النوع الإنساني على جسر من التعاون والإخاء، وشد بعضهم ببعض استيفاء لنوعهم، ورعاية لحرمتهم وحرمة مصالحهم.
لكن يبقى هنا تساؤل عن حكم المعارضة المالية عليها، وهل المعارضة تتنافى مع هذا القصد والتأسيس الإنساني، وأن هذا استرقاق جزئي لآدميته في دم أو عضو، وامتهان لحرمته ليعود كالسلعة والبهيمة محلاً للتجارة في دم أو عضو أو تشريح لكامل جسده، ويزاد ـ على الخلاف المتقدم ـ أن الدم نجس، وما قطع من حي فهو كميتته نجس، والنجس لا يجوز بيعه، وأنه وإن جوز الانتفاع به تبرعاً لمضطر فلا يجوز بيعه لقاعدة: إن جواز الانتفاع لا يستلزم جواز البيع، وعليه: فبيعها محرم لا يجوز، لكن إن لم يحصل عليه مضطر لا بثمن فيجوز من باذل لدفع الضرر لا في حق آخذ.
هذا ما يمكن أن يقال في وجهة مانع المعاوضة.
أم أن المعاوضة تجوز في وجهة المجيز من أن ذلك لا يناقض آدميته، بل يسيران في ركاب واحد فلا ينفض على الآدمي آدميته وكرامته، كالشأن فيمن قتل قتيلاً فإن له سلبه بشرط الشرع، والشأن فيمن حج عن الغير بمال إذا أخذ ليحج، والشأن في الاحتفاظ بحقوق التأليف مع بيعها ونفع المسلمين بها، فهذه الأمور المتزامنة متضامنة غير متضاربة فلا تفسد كرامة قائمة ولا نية صالحة.
وهل كما يجوز هذا البيع من الحي لدمه، والميت لعضو منه قبل موته يجوز لوارثه؟
كل هذه أمور وأحوال لا بد من تحرير الحكم فيها للترابط بينها وهي بحاجة إلى نظر من حاز قصب السبق في الفقه والتفقه وجميع ما ذكرته في هذه الرسالة من مواطن الخلاف أسوقه بحثاً ولم أجرؤ على الانفصال عنه برأي. منح الله الجميع الفقه في الدين.
وصلى الله وسلم على نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
د. بكر بن عبد الله أبو زيد(4/119)
انتفاع الإنسان بأعضاء
جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً
إعداد
فضيلة الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي
أستاذ في قسم الفقه الإسلامي بجامعة دمشق
بسم الله الرحمن الرحيم
مخطط البحث
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد، فإن هذا البحث يسير وفق المخطط التالي:
أولاًـ طبيعة البحث الفقهي في هذه المسألة، والمستندات الشرعية في دراستها.
ثانياً: جذور هذه المسألة في التراث الفقهي القديم. والتطور الذي انتهى إليه الطب فيها.
ثالثاً ـ صورة المسألة اليوم، والتقسيمات المحتملة لها:
1- عندما يكون المستفاد منه حياً، وله حالتان:
أ - أن يتعلق بحياته حق للغير كالحد والقصاص.
ب - أن لا يتعلق بحياته حق للغير وله هنا حالتان:
- إما أن يكون كامل الأهلية مستقلاً بأمر نفسه.
- وإما أن يكون ناقص الأهلية غير مستقل بأمر نفسه.
2- عندما يكون المستفاد منه ميتاً. وتتعلق به النقاط التالية:
أ - الموت الذي نعنيه (بيان الفرق بين الموت الشرعي وموت الدماغ) .
ب - حكم الاستفادة من أعضاء الميت للحي.
ج- حكم تشريح الميت لسبب ما.
د- هل يجب الرجوع في ذلك إلى أولياء الميت، والتأصيل الفقهي لذلك.(4/120)
مقدمة
طبيعة البحث الفقهي في هذه المسألة
والمستندات الشرعية لدراستها
إن النظر في حكم انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، حياً أو ميتاً، في الشريعة الإسلامية إنما يدخل في المسائل الاجتهادية الفقهية الحديثة، ولعله من أهمها ومن أحوجها إلى الدراسة الشاملة ابتغاء الوصول إلى حكمها، أو أحكامها، في شرع الله عز وجل، بحيث تستند إلى أدلة يقتنع بها أولو الملكة الفقهية السليمة، ويطمئن إليها أولو البصيرة الإسلامية المخلصة.
ومما لا ريب فيه أن هذا البحث يتصل اتصالاً مباشراً ووثيقاً بجملة من القواعد الفقهية الكلية من شأنها أن تنير السبيل بوضوح أمام تلمس حكم الشريعة الإسلامية، أو أحكامها، في هذا الموضوع الهام.
ولعل من المناسب أن نبدأ فنتعرف على هذه القواعد أولاً، ثم نتخذ منها الدليل الهادي على طريق دراسة هذا البحث الذي سنجد أنه يتصل ببعض المسائل الجزئية مما قد تناوله الفقهاء وفرغوا من دراسته وبيان حكمه، بل أبرمت السنة المطهرة بشأن بعض منها.
أوسع هذه القواعد شمولاً، وأرسخها في البنيان الفقهي، قاعدة المقاصد الخمسة والترتيب الذي صنفت ـ من حيث الأهمية ـ على وفقه. وهي كما نعلم: مقاصد الدين فالحياة، فالعقل، فالنسل، فالمال.
ومما يجدر بلفت النظر إليه أن كثيراً من العلماء يعبرون بالعرض بدلاً من النسل، وكثير منهم يضيفون إلى هذه المقاصد الخمسة العرض، وذلك لإدخال حق الكرامة، بل القدسية الإنسانية، في مجموعة المقاصد التي تدور عليها أحكام الشريعة الإسلامية (1) .
وسواء علينا أن استعملنا عبارة " النسل " أو " العرض " أو استعملناهما معاً، فإن تنويه الإسلام بقدسية الإنسان وكرامته، ورعاية الشريعة الإسلامية لذلك في سائر الأحكام، حقيقة ثابتة لا يرتاب فيها باحث أو فقيه، ومن ثم فإن رعاية الكرامة الإنسانية داخلة دخولاً أولياً في المقاصد أو المصالح التي هي محور الشرع الإسلامي الحنيف.
القاعدة الثانية: انقسام جملة الحقوق الشرعية إلى قسمين: حق لله، وحق للعباد وإنما يجوز التصرف بما هو حق للعباد أو غلب عليه حق العباد. ثم إنه يكون حقاً أصيلاً ومباشراً بالنسبة لمن أعطي هذا الحق أصالة، سواء كان على وجه التمليك أو التمتيع، ويكون حقاً فرعياً ومقيداً بالنسبة للولي أو الوكيل.
__________
(1) انظر شرح المحلى على جمع الجوامع، وحاشية البناني عليه: 2/179(4/121)
القاعدة الثالثة: تنهض مشروعية الإيثار على سائر الحقوق البدنية والدنيوية الداخلة في حقوق العباد، دون ما سواها من حقوق الله عز وجل، ومن الثابت أن المحافظة على أصل الحياة ومقوماتها من حقوق الله عز وجل.
القاعدة الرابعة: الحقوق المعنوية الداخلة في حقوق العباد تورث بالموت كما تورث الحقوق العينية، دون خلاف في ذلك، وإنما ينعكس الخلاف إلى مسائل بعض هذه الحقوق، من الخلاف بين الفقهاء في: هل هي داخلة في حقوق الله، أم في حقوق العباد، كالقذف وحق المعاقبة عليه (1) ؟
فهذه القواعد الأربع، تشكل جسراً ممتداً بين ينبوع الشريعة الإسلامية، إلى هذا العصر والعصور التالية، من شأنه أن يكشف لنا عن موقف الشريعة الإسلامية المطهرة من مسألة زرع الأعضاء الاصطناعية في جسم الإنسان، وهو ما عالجه الفقهاء وأوضحوا حكمه قديماً، ومن مسألة زرع عضو من إنسان في جسم إنسان آخر، وهو ما يمارسه الأطباء، اليوم، وما يطرح نفسه لبيان حكمه الشرعي.
وقد أدلى الفقهاء السابقون ـ كما قلنا ـ باجتهاداتهم في أصل هذه المسألة، وهو اتخاذ الإنسان عضواً اصطناعياً مكان العضو الطبيعي الذي افتقده. ومن الجدير أن نستعرضها إجمالاً، نظراً إلى أنها تشكل مستنداً فرعياً، بعد الاستناد إلى تلك القواعد التي ألمحنا إليها، لدراسة تطوراتها الحديثة اليوم، ونظراً إلى أن ذلك يبرز جذور هذه المسألة في تراثنا الفقهي العظيم.
جذور هذه المسألة
__________
(1) سيأتي تفصيل الخلاف فيه في غضون هذا البحث إن شاء الله(4/122)
في التراث الفقهي القديم
والتطور الذي انتهى إليه الطب فيها
لجذور هذه المسألة مستند أصيل من السنة النبوية الشريفة، بالإضافة إلى القواعد الفقهية التي تشكل الأساس الاجتهادي فيها، وهو حديث عرفجة الذي رواه الترمذي وصححه ابن حبان، ((أنه قطعت أنفه فاتخذ أنفاً من فضة، فأنتن عليه، فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يتخذه من ذهب.))
فقد قرر الفقهاء بالاتفاق جواز اتخاذ سن أو أنملة أو أنف من ذهب، إن اقتضت الضرورة أن يكون ذهباً، وعلى خلاف فيما بينهم في جواز اتخاذه من الذهب إن قامت الفضة أو نحوها مقامه، فأجاز الشافعية والمالكية الذهب مطلقاً، ومنعه الحنفية عند عدم الضرورة (1) .
أما الأطراف، كاليد والرجل، وكالإصبع الكاملة منهما، فقد ذهب الحنفية والشافعية، في المعتمد عندهم، إلى عدم جواز اتخاذها من ذهب أو فضة، نظراً إلى أنها لن تكون أعضاء عاملة، بل لمجرد الزينة فلا ضرورة في تركيبها إذن، أي فلا ضرورة في ارتكاب المحظور (2) ومعنى ذلك أن اتخاذ طرف اصطناعي من غير الذهب والفضة جائز بالاتفاق.
كما اتفقوا على أن وصل الجسد بعظم من حيوان طاهر، للتداوي به، أو للاستعاضة به عن عضو أو عظم فقده صاحبه، جائز، وإن وصل بعظم نجس مع وجود الطاهر، أو بدون ضرورة تدعو إلى ذلك، فهو غير جائز، ويجب نزعه عند الجمهور في هذه الحالة، إلا إن خيف من هلاك أو عطب، أما إن تعين العظم النجس، فلا مانع من الاستفادة منه عند الضرورة (3) .
__________
(1) انظر مغني المحتاج للشربيني: 1/ 391، والهداية للمرغيناني: 4/ 61، وجواهر الإكليل: 1/10 وما بعد.
(2) انظر مغني المحتاج للشربيني: 1/ 391، والهداية للمرغيناني: 4/ 61، وجواهر الإكليل: 1/10 وما بعد.
(3) انظر الفتاوى الهندية: 5/ 354، وروضة الطالبين للنووي: 1/ 275، والشرح الصغير للدردير: 1/58.(4/123)
ولكن هل أجاز الفقهاء الاستفادة، في هذه الحال، من عظم إنسان آخر؟ قال في الفتاوى الهندية: لا يجوز الانتفاع بأجزاء الآدمي، قيل: للنجاسة، وقيل: لكرامة الإنسان، وهو الصحيح (1) .وأطلق الشربيني في مغني المحتاج القول بحرمة ذلك فقال:" والآدمي يحرم الانتفاع به وبسائر أجزائه، لكرامته " (2) .
أقول: ينبغي أن يكون هذا الاجتهاد خاصاً بالحالات التي لا يتعين فيها الآدمي دون غيره، أما عندما يتعين الآدمي ولا يقوم مقامه جزء آخر من غيره، وكان في ذلك إنقاذ لحياته أو تمتيع بعضو أصيل في جسمه، فلا نشك في أن ضرورة إنقاذ حياة الإنسان أو إعادتها إلى النهج القديم، أرجح في سلم المصالح المعتبرة من مراعاة كرامة الإنسان بعد موته.
هذه خلاصة لما انتهى إليه الفقهاء في هذه المسألة، في العهود الغابرة. ومن الواضح أنها تبرز مدى مسايرة الفقه الإسلامي لحركة الطب وتقدمه آنذاك، ومدى تناسق الفقه معه في السعي إلى خدمة الإنسان وتحقيق مصالحه.
غير أن الطب، بلغ اليوم شأواً بعيداً، بالنسبة إلى ما كان عليه بالأمس، فقد تجاوز مرحلة تثبيت أنف أو أنملة أو سن اصطناعي، أو وصل الجسم بعظم إنسان أو حيوان آخر، تجاوزه إلى زرع كلية مكان أخرى، وتركيب قلب مكان قلب آخر، وإلى استبدال عين سليمة بأخرى تالفة. وهو بهذا التقدم الذي بلغه اليوم، إنما يعيد الأمل إلى الإنسان الذي استيأس من حياته، ويضع الإنسان في الوقت ذاته أمام أسمى امتحانات التعاون والإيثار.
ثم إن هذا التقدم العلمي في نطاق الطب، يصور لنا بعضاً من الفروق بين عمل الطب في هذا المضمار بالأمس وعمله في اليوم.
وأبرز هذه الفروق، أن تلك الإنجازات الطبية القديمة، لم تكن تعدو عملاً تزيينيا أو سداً شكلياً لنقص في البدن، وليس له من فائدة إلا ضمن حدود الشكل والمظهر. فكان أثره المصلحي محصوراً في نطاق مرتبة التحسينات لمصلحة الحياة. أما هذا الذي وصل إليه الطب اليوم، فهو يرقى إلى درجة استعادة مقومات الحياة بعد فقدها أو بعد الإشراف على فقدها، فهو يدخل بذلك في إنجاز أبرز المقومات الضرورية لمصلحة الحياة.
ومما لا ريب فيه أن هذا الفرق في مضمار العمل الطبي في هذا المجال، ما بين الأمس واليوم، له تأثيره ودوره الكبير في إبراز كثير من وجوه الاختلاف في الأحكام الفقهية لهذه المسألة ما بين الأمس واليوم، وهذا ما سنشرع في بيانه وتفصيل القول فيه بعون الله وتوفيقه.
__________
(1) الفتاوى الهندية: 5/ 354
(2) مغني المحتاج: 1/ 191(4/124)
صورة هذه المسألة اليوم
والحالات الخاضعة لها
تدور وقائع هذه المسألة في عصرنا هذا على ركنين أساسيين: مستفيد، ومستفاد منه. ويتبعه ركن تنفيذي هو العمل الجراحي الذي يقوم به الطبيب.
ولا شأن لنا في بحثنا هذا بالمستفيد، ولا بالعمل الجراحي الذي هو أمر فني بحت، وإنما يدور حديثنا كله حول الركن الثاني وهو الشخص المستفاد منه.
وهذا الشخص إما أن يكون حياً أو ميتاً.
وفي الحالة الأولى إما أن يتعلق بحياته حق للغير، سواء كان حقاً للمجتمع، وهو الذي يسمى في المصطلح الفقهي حق الله عز وجل، أو حقاً للفرد، وإما أن لا يتعلق بحياته حق لأحد. وهو في هذه الحالة إما أن يكون كامل الأهلية مستقلاً بأمر نفسه ورعاية شأنه، وإما أن يكون ناقص الأهلية غير مستقل برعاية نفسه.
وفي الحالة الثانية: أي عندما يكون ميتاً، إما أن يكون موته موتاً دماغياً، وهو الموت الذي اصطلح عليه الأطباء أو موتاً قلبياً تاماً، وهو الذي تعتمد عليه أحكام الشريعة الإسلامية.
وعلى كلا الاحتمالين، فإما أن يكون له ورثة من أقاربه وذوي رحمه، أو لا يكون له من قريب أو ذي رحم، وإنما يتولى أمره ولي المسلمين.
فهذه هي صورة المسألة بمختلف الاحتمالات التي يمكن أن تدور عليها. وسنعالج بيان حكم، بل أحكام هذه المسألة، من خلال النظر في كل من هذه الاحتمالات على حدة.(4/125)
أولاً
عندما يكون المستفاد منه حياً
وقد قلنا إن هذه الحالة يتفرع عنها احتمالان اثنان: الاحتمال الأول أن يتعلق بحياته حق للغير، والاحتمال الثاني أن لا يتعلق بحياته حق لأحد، ولنبدأ بدراسة الاحتمال الأول منهما.
عندما يتعلق بحياة المستفاد منه حق للغير:
ونعني بذلك أن يرتكب الإنسان جرماً، قد أدين به طبقاً لأحكام الشريعة الإسلامية، وترتبت عليه بسببه عقوبة الإعدام، كزنا المحصن، وقتل النفس عمداً بغير حق، والارتداد عن الإسلام مع الإصرار عليه.
ومن المتفق عليه أن هذا الإنسان يصبح مهدر الدم بعد إدانته أمام القضاء، بمثل هذا الجرم، فهل يجوز أخذ شيء من أعضائه ليزرع في جسم إنسان محترم محصن الدم، قد أشرف على الهلاك، وتعين لإنقاذ حياته زرع عضو من غيره في جسده، ككلية وقلب وعين أو نحو ذلك، بقطع النظر عما قد يستلزمه استلاب ذلك العضو من صاحبه، من موت أو تشويه؟
قبل أن نجيب عن هذا السؤال، يستحسن أن نمهد له ببيان رأي الفقهاء في حكم أكل المضطر من جسم إنسان مهدر الدم قد وجب قتله بحكم القضاء الإسلامي.
أما الشافعية، فقد ذهبوا إلى جواز ذلك، نظراً إلى أن مهدر الدم لا حرمة له، ولا قيمة لحياته فهو في حكم الميت، قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: (لو وجد المضطر من يحل قتله، كالحربي والزاني المحصن وقاطع الطريق الذي تحتم قتله، واللائط والمصر على ترك الصلاة، جاز له ذبحهم وأكلهم، إذ لا حرمة لحياتهم، لأنها مستحقة الإزالة فكانت المفسدة في زوالها أقل من المفسدة في فوات حياة المعصوم) (1) .
وأما الحنابلة، فقد اختلف الرأي في ذلك عندهم، غير أن ما ذكره ابن قدامة في المغني يتضمن ترجيح القول بجواز ذلك، موافقة لما ذهب إليه الشافعي وأصحابه (2) .
وأما المالكية، فالمذهب عندهم منع ذلك مطلقاً، قال الدردير في الشرح الصغير: (إلا الآدمي فلا يجوز أكله للضرورة، لأن ميتته سم، فلا تزيل الضرورة) (3) . وقال الصاوي تعليقا: (أي فلا يجوز تناوله سواء كان حياً أو ميتاً، ولو مات المضطر، وهذا هو المنصوص لأهل المذهب) .
وهذا الذي ذهب إليه المالكية هو الراجح عند الحنفية، على ما ذكره ابن عابدين في حاشيته) (4) .
ويتحصل من هذا أن الشافعية والحنابلة وبعضاً من الحنفية، يجيزون أكل لحم المهدر دمه عند الضرورة. أما المالكية والراجح عند الحنفية ـ فيما يراه ابن عابدين ـ فعلى حرمة ذلك.
__________
(1) قواعد الأحكام في مصالح الأنام: 1/81
(2) المغني لابن قدامة: 9/419
(3) الشرح الصغير للدردير، مع حاشية الصاوي عليه: 2/ 184
(4) انظر حاشية ابن عابدين: 5/ 296(4/126)
ولعل المذهب الأول هو المتفق مع القواعد الفقهية المتعلقة بهذه المسألة، كقولهم: يتحمل الضرر الأخف لدرء الضرر الأشد، وكقولهم: إذا تعارضت مفسدتان روعي أعظمهما ضرراً، بارتكاب أخفهما. وهما من القواعد المتفق عليها لدى المذاهب الفقهية. وهما متفرعتان عن قاعدة (الضرر يزال) (1) .
أما الاستدلال بالكرامة الإنسانية، فمن المعلوم أن هذه الكرامة تصبح مهدرة بتحقق موجب القتل. وإلا لما أوجبت الشريعة الإسلامية قتله، وقد تبين من صريح قول الله عز وجل: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (4) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (5) إِلَّا الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [التين: 4، 5، 6] أن الكرامة التي ميز الله الإنسان بها، ليست نابعة من جوهر بشريته، حتى تكون ملازمة له في كل الحالات: وإنما هي وصف يلازمه ما كان متجاوباً مع فطرة عبوديته لله عز وجل، مستقيماً على الانصياع لأمره وسلطانه، ولو في الجملة.
إذا علمنا هذا، فلنعد إلى أصل المسألة التي طرحنا السؤال عن حكمها، وهو: استفادة الحي المشرف على الهلاك من عضو إنسان تعلق بحياته حق للغير واستوجب القتل. فنقول:
لا بد من تخريج هذه المسألة على تلك التي نقلنا أقوال الفقهاء فيها. فإن رجحنا ما ذهب إليه الشافعية والحنابلة وبعض الحنفية، من جواز الإقدام على أكل من قد استوجب القتل شرعاً، عند الضرورة، فلأن يجوز هنا اقتطاع عضو منه ليزرع في جسم إنسان معصوم الدم مشرف على الهلاك، من باب أولى، ولا فرق في هذه الحال بين أن يسري اقتطاع هذا العضو من المستفاد منه إلى الموت أو لا. إذ إن مناط القول بصحة ذلك إنما هو زوال حرمة حياته واستحقاقه للقتل، والحالتان عندئذ سواء.
نعم، ينبغي اشتراط الضرورة بالنسبة لحال المستفيد. بحيث يقرر الطبيب العادل المختص أن لا بد لاستنقاذ حياته من زرع هذا العضو في جسده، ولا يقوم مقامه عضو اصطناعي أو عضو من حيوان غير نجس.
وسبب اشتراط الضرورة بهذا الشكل، يعود إلى ما هو مقرر من حرمة التمثيل في القتل عند إقامة حد أو استيفاء قصاص (2) . ولا ريب أن اقتصاص جزء من الحي يدخل في معنى المثلة وحكمها. فينبغي أن يتوقف جواز ذلك على الاضطرار، كما ينبغي أن يكون التنفيذ محدداً بقدر الضرورة ذاتها، وأن نتخذ الوسائل الحديثة الممكنة التي تبعد العملية عن معنى المثلة وعن السبب الذي حرم من أجله، وهو التعذيب.
ولكن ينبغي ـ حسب القواعد التي اعتمدنا عليها في ترجيح هذا الرأي ـ أن لا يكون ثمة فرق في هذا الحكم بين أن تكون ضرورة المستفيد في نطاق استنقاذ الحياة، أو في نطاق الاستفادة من عضو أو طرف هام بعد تلفه أو إشرافه على ذلك، كالاستفادة من عين سليمة بدل عينه التالفة، إذ مهما كان قدر الفائدة العائدة إلى المستفيد المعصوم دمه، فإن رعايتها أرجح في ميزان المصالح الشرعية، من رعاية إنسان في حياته أو شيء من أعضائه أهدر دمه بحكم قضائي شرعي صحيح.
__________
(1) انظر الأشباه والنظائر لابن نجيم من 98 و 99، والأشباه والنظائر للسيوطي: ص 79
(2) انظر مغني المحتاج للشربيني: 4/44 وبداية المجتهد لابن رشد: 2/ 397، والقوانين الفقهية لابن جزي: ص 261.(4/127)
عندما لا يتعلق بحياة المستفاد منه حق للغير:
وهو الذي يسمى في الاصطلاح الفقهي: الإنسان المحترم أو المعصوم دمه. هذا الإنسان إما أن يكون كامل الأهلية رشيداً مستقلاً بأمر نفسه، أو لا. فهما إذن صنفان من الناس.
ونبدأ بالحديث عن الصنف الأول منهما، فنقول: هل لهذا الإنسان أن يتنازل عن عضو أو جزء من جسمه ليستفيد منه إنسان آخر، توقفت استمرارية حياته على ذلك؟
والجواب أن اقتطاع هذا العضو منه إن غلب على الظن تسببه للموت ـ أو بتعبير أصح: إن لم تتحقق الطمأنينة التامة بأن ذلك لن يؤثر على استقرار حياته وسلامتها ـ لم يجز منه الإقدام على ذلك، كما لا يجوز لأحد أن يكرهه على هذا التنازل، ولا يجوز للطبيب الجراحي أن يقبل على تنفيذه.
وعلة الحرمة واضحة، وهي أن الإنسان لا يملك الإيثار في نطاق حقوق الله عز وجل، وأصل الحياة حق الله سبحانه وتعالى، فليس للإنسان الذي يتمتع بها أن يهبها أو يؤثر بها أحداً غيره، وهذا هو الأساس في تحريم الانتحار. ونظراً إلى أن الأمر هنا متعلق بجوهر الحياة، وجوهر الحياة بين المستفيد والمستفاد منه، في هذه الصورة، واحدة دون أي تفاوت أو اختلاف، فليس ثمة من مصلحة تترجح بها حياة الأول على الثاني أو العكس. فالسبيل إذن أن يترك الأمر بعد جهد الطبابة والعلاج لقضاء الله عز وجل.
وهذا الحكم يوازنه في الطرف الآخر نقيضه الذي يذكره علماء الأصول في باب الإكراه. وهو حرمة إقدام (المكره) على قتل شخص ما لا يتعلق حق ما بحياته، وإن أيقن (المكره) أنه سيقتل إن لم ينفذ ذلك. فالعلة نفسها ترد هنا. وهي أن جوهر الحياة التي هي حق الله عز وجل واحد في شخص كل منهما، فلا تمتاز بأي مرجح إذ تكون في جسم أحدهما دون الآخر، ما دام كل منهما معصوم الدم. أما مظاهر التفاوت العارضة بين الناس في خدمة المجتمع أو السبق في الصلاح والتقوى، فلا دخل لشيء منها في تصنيف درجات أصل الحياة، وإن كان لهذا التفاوت أثره الذي لا ينكر في تفاوت الاهتمام والإكرام والتوقير في نطاق التعامل ضمن دائرة جنس الحياة الواحدة.(4/128)
أما إن جزم طبيبان عادلان مختصان (1) بأن حياة المستفاد منه من دون ذلك العضو ستظل مستمرة ومستقرة على نهج سوي، وذلك اعتماداً على قواعد الطب وتجاربه، كإمكان استمرار حياة الإنسان بكلية واحدة، دون وجود ما يتهددها ـ فإن استظهار حكم ذلك منوط بالرجوع إلى قاعدتين من القواعد التي ذكرناها في مقدمة هذا البحث، وقلنا: إن مداره عليها. وهاتان القاعدتان هما:
1- كل ما كان من حق الإنسان أو تغلب حق الإنسان فيه على حق الله عز وجل، جاز التصرف به، سواء كان مصدراً ثبوت هذا الحق تمليكاً أو تمتيعاً.
2- كل ما ثبت للإنسان حق التصرف فيه، كان له حق الإيثار به. ولنقف عند كل من هاتين القاعدتين بشيء من البيان والضبط، كي لا يقع في تطبيقهما أي خطأ أو لبس فنقول في بيان القاعدة الأولى:
من الثابت أن الإنسان بكل ما له من حقوق ملك لله عز وجل، فمآل الحقوق كلها إذن، على تنوعها واختلافها أن تكون لله وحده. وهذا معنى كلام الشاطبي: (إن كل حكم شرعي ليس بخال عن حق الله تعالى) وقوله: (كل ما ثبت فيه اعتبار التعبد فلا تفريع فيه، وكل ما ثبت فيه اعتبار المعاني دون التعبد، فلا بد فيه من اعتبار التعبد) (2) .
ولكن الله مكن عباده من التصرف بطائفة من هذه الحقوق، فسميت من هذا الجانب حق العباد. ولم يمكنهم من التصرف بطائفة أخرى منها، فبقيت على أساسها الأصلي: حقوق الله.
__________
(1) الصحيح أن يكتفى بشهادة طبيب واحد، في المسائل التي لا تتعلق بها حقوق للآخرين. أما في المسائل التي تتعلق بها حقوق لهم ـ وهذه منها ـ فلا بد فيها من شهادة طبيبين (انظر الأشباه والنظائر للسيوطي: 296)
(2) الموافقات: 2/310 و 317(4/129)
ولقد علمنا فيما سبق أن الله لم يأذن لأحد من عباده بالتصرف في أصل الحياة، بأن يتسبب في إنهائها عندما يشاء، وإنما أمره وعزم عليه أن يرعاها في كيانه ويحافظ عليها ضد كل ما يتهددها من الأخطار k ولذا فهي من أبرز حقوق الله عز وجل.
أما أعضاؤه ودمه وعظامه وجلده، وسائر أجزاء جسده، فإن التصرف فيها من شأنه أن يؤول إلى أحد قسمين:
القسم الأول: تصرف يسري بصاحبه إلى الموت يقيناً أو ظناً ولو ظنا غير راجح، فهذا القسم من التصرفات متعلق بحقوق الله عز وجل بالتبعية واللزوم. ومن ثم فلا يجوز للإنسان أن يقدم على هذا النوع من التصرف بأعضائه مهما كانت الأسباب (1) .
القسم الثاني: تصرف ليس من شأنه أن يسري بصاحبه إلى الموت، لا يقيناً ولا ظناً، بل الشأن فيه أن لا يعقب أي ضرر بأصل الحياة، بل تبقى سالمة مستقرة، فهذا التصرف، ضمن هذا القيد، من حق العبد، أو بتعبير أدق حق العبد متغلب فيه على حق الله.
وبمقتضى هذا الحق، يسوغ للإنسان أن يذهب في استخدام عينيه لقراءة، أو يديه في صناعة أو قدميه في قطع مفاوز، مذهباً قد يلحق به عطباً كلياً أو جزئياً بهذه الأعضاء أو بعض منها، دون أن يكون ذلك منه عدواناً على حق الله أو تجاوزاً لحدود الشرع، ما دام أنه كان يتوخى في استخدامه لتلك الأطراف مصلحة مشروعة، ولم يكن يهدف إلى مجرد الإضرار بنفسه.
__________
(1) لا يعترض على هذا بمشروعية الجهاد، إذ حتى في ساحة الجهاد، لا يجوز أن يقصد المجاهد إزهاق روحه، بل يجب أن يتجه القصد منه إلى تحصين الدين وحمايته من العدو المتربص به، مضحياً في سبيل ذلك بروحه إن اقتضت الضرورة. وذلك طبقاً لما يقتضيه أولوية مصلحة الدين على مصلحة الحياة في سلم المصالح الخمس(4/130)
وقد يقول أحدنا: ولكن ما لا ريب فيه أن الإنسان لا يملك أن يتلف شيئاً من أطرافه أو أن يعطب شيئاً من جسمه، قل العطب أو كثر، أفليس ذلك دليلاً على أن لا حق للإنسان في شيء من أطرافه وأعضائه، وأنه ـ كحق الحياة ـ عائد إلى الله عز وجل؟ والجواب أن سائر حقوق العباد مقيدة بنظام الشرع، نظراً إلى أن جذور هذه الحقوق كلها، إنما هي ملك لله وحده. فالمالك هو الله، والعبد مخول بالتصرف في كل ما جعله الله حقاً له، لا بشكل كيفي، وعلى النحو الذي يشاء، بل طبق النظم والضوابط التي شرعها الله له ... وهذه الضوابط والنظم لا تعدو في جملتها أن تكون توجيهاً للعبد إلى الطريق الأمثل لرعاية المصالح الإنسانية، المتمثلة في المقاصد الكلية التي سبق بيانها، وتحذيراً من الانزلاق في مهاوي الضرر والفساد بين العباد (1) .
ومن هنا، حرم الله تبذير الأموال وإتلافها وإن صدر ذلك من مالكها الذي هو صاحب الحق في التصرف بها. وبهذا المعنى ذاته يحرم على الإنسان أن يعرض شيئاً من جسده للضرر والفساد، رغبة في الضرر ذاته، أي دون أن يحمله على اقتحام ذلك تحقيق مصلحة مشروعة ضمن سلم الأولويات المقررة.
فإذا تبين لنا معنى هذه القاعدة، وظهر لنا انطباقها على علاقة الإنسان بأطرافه ودمه وأجزاء جسده، لا من حيث المحافظة بها على حياته، بل من حيث تصرفه بها ضمن حدود الوقاية التامة لها ـ فإن القاعدة الثانية تترتب عليها لزوماً. وهي: (كل ما ثبت للإنسان حق التصرف فيه، كان له حق الإيثار به) .
ومن مقتضى ذلك أن يملك الإنسان إيثار غيره بشيء من دمه أو بأي من أجزاء جسده، ما لم يستلزم ذلك ـ ولو على وجه الاحتمال البعيد ـ هلاكه.
وواضح أن معنى الإيثار قائم على إسقاط المؤثر حظ نفسه، وتقبل المضرة اللاحقة به، رعاية لمصلحة أخيه. فهو وإن كان في الظاهر سعياً إلى مفسدة ليس من شأن الشريعة الإسلامية أن تأذن بالاتجاه إليها، إلا أنها أساس وسبب لمصلحة ضرورة تتحقق للغير، بالإضافة إلى ما يتوج هذا العمل به، من الخلق النبيل المتمثل في ترك المؤثر حظ نفسه رعاية لحظ غيره، اعتماداً على يقينه بالله وأملا في مرضاته والعوض الذي سيكرمه الله به. فهو، وإن كان في الظاهر مضرة وفساداً، إلا أنه منطو على مصلحة هامة في طريق بناء الأمة الإسلامية والمجتمع الإسلامي، ولا ريب أنها أجل بكثير من حجم المفسدة التي قد تنجم عنه.
__________
(1) انظر ما ذكره الشاطبي في المسألة التاسعة ص 377 من الجزء الثاني من الموافقات. فقد جاء بالكلام جامع في هذا الموضوع.(4/131)
يقول الإمام الشاطبي، بعد أن أصل قاعدة الإيثار هذه في الفقه الإسلامي، موضحاً المصلحة التي تترجح على مفسدة إسقاط المؤثر حظ نفسه:
(والإيثار على النفس: وهو أعرق في إسقاط الحظوظ. وذلك أن يترك حظه لحظ غيره اعتماداً على صحة اليقين، وإصابة لعين التوكل، وتحملاً للمشقة في عون الأخ في الله على المحبة من أجله. وهو من محامد الأخلاق وزكيات الأعمال. وهو ثابت من فعل رسول الله وعمله المرضي) وبعد أن استشهد بطائفة من الأحاديث الواردة في الإيثار والمبينة لحدوده قال: (وتحصل أن الإيثار هنا مبني على إسقاط الحظوظ العاجلة. فتحمل المضرة اللاحقة بسبب ذلك لا عتب فيه إذا لم يخل بمقصد شرعي. فإن أخل بمقصد شرعي فلا يعد ذلك إسقاطاً للحظ ولا هو محمود شرعاً) (1) .
وقد ذكر السيوطي في الأشباه والنظائر قاعدة الإيثار هذه، مفرقاً بين حقوق الله وحقوق العباد ثم قال: (ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام لاستبقاء مهجته، كان له ذلك وإن خاف فوات مهجته) (2) . وذكر ابن نجيم نحو ذلك أيضاً (3) .
يترتب على هذا الذي أوضحناه، أن للإنسان أن يتنازل عن أي من أجزاء جسده أو دمه لإنسان آخر ذي حياة محترمة مشرف على الهلاك، قرر طبيبان عدلان أن زرع ذلك العضو أو الجزء في جسده ينقذه من الهلاك ويمتعه بحياة سليمة، وأن اقتطاعه من جسم الأول لا يسبب هلالكه، بل يظل متمتعاً بحياة مستقرة سليمة.
__________
(1) الموافقات. 2/355 و 356
(2) الأشباه والنظائر للسيوطي: 104، 105
(3) الأشباه والنظائر لابن نجيم: 182(4/132)
ولكن ما الحكم إن كانت الضرورة ليست إنقاذاًَ لحياة المستفيد، وإنما هي استبدال طرف أو عضو سليم عامل، بعضو تالف من جسده؟ وذلك كأن يؤثر الرجل صاحبه بعينه، فتؤخذ منه وتزرع في مكان العين التالفة من وجه صاحبه؟
مقتضى القواعد والأدلة التي اعتمدنا عليها في الحكم بجواز الحالة الأولى، أن تجوز هذه الحالة الثانية أيضاً، ولقد أمعنت النظر والتفكير، فلم أجد في هذه الحالة الثانية أي فارق عن الأولى يستدعي الحكم بالحظر. والله أعلم.
ومها يكن، فإن جواز الإقدام على هذا الأمر منوط بالضرورة، سواء كانت ضرورة إنقاذ حياة، أو ضرورة إحياء عضو تالف. ولكي نزيد بيان هذه الضرورة ضبطاً، نذكر بالمحترزات التالية:
أ - لا يجوز التنازل، إن ثبت أن عضواً اصطناعياً يمكن أن يقوم مقام العضو الطبيعي في إنقاذ حياة المريض، أو كان احتياجه إلى ذلك العضو غير ضروري، أو كانت استفادته منه شكلية.
ب - لا يجوز التنازل، إن كان على وجه الإهدار والإتلاف، كأن يمكن غيره من إتلاف أحد من أعضائه أو من إلحاق أي ضرر بجسمه، دون أي ضرورة تستلزم ذلك.
ج- لا يجوز التنازل، إن كان لمصلحة ذي حياة غير محترمة، كمرتد أصر على الردة واستوجب القتل، أو زان محصن قضى القاضي في حقه بالرجم.
وسبب حرمة الإيثار في هذه الحالات الثلاث أن تحمل المؤثر للمضرة مخل في كل منها بالمقصود الشرعي. فلا يعد التنازل فيها إسقاطاً للحظ الشخصي في سبيل الغير، على نحو ما تم تأصيله للمعنى الفقهي في الإيثار.
وبملاحظة هذه المحترزات يزول وهم التناقض الذي قد يتصوره القارئ لكلام الشاطبي، إذ عاد بعد أن أصل قاعدة الإيثار وأيدها بالأدلة المختلفة، فأوضح أن حق العبد وإن كان ثابتاً له في حياته وكمال جسمه وبقاء ماله في يده، فإنه لا يجوز له أن يسلط يد الغير عليه بالإتلاف أو الإضرار (1) .
ذلك لأن عدم جواز التسليط هنا، إنما هو بسبب افتقاره إلى الشروط التي لا بد من توافرها لتحقق معنى الإيثار، فكلامه في المرة الأولى والثانية منسجم مترابط.
ويلاحظ أن الشاطبي هنا ساوى في الحرمة بين تسليط الرجل يد الغير على جسمه وعلى ماله، ليعلم أن شروط الإيثار إن لم تتوافر، فالتسليط عندئذ يصبح محرماً لا على الجسم فقط، بل على المال أيضاً، وليعلم أن شروطه إن تمت كان تمكين الغير إيثاراً مبرراً مثاباً عليه بالنسبة لكل من الجسم والمال معاً.
__________
(1) الموافقات: 2/376(4/133)
الصنف الثاني: وهو الإنسان الذي لا يتمتع بأهلية كاملة يستقل بها بإرادة شؤون نفسه، كالطفل وكالمجنون. فمن الثابت أن هذا الصنف من الناس لا يملك أن يستقل بالتصرف في هذا الأمر، الذي هو من أخطر شؤونه الشخصية، ومن ثم فإن القيام بالإيثار الشرعي لا يتأتى منه.
ولكن هل يملك أن يقوم عنه بهذا الأمر وليه كأبيه وعمه مثلا؟
والجواب أن وليه أيا كان ـ سواء كان يتمتع بالولاية الخاصة أو العامة ـ لا يملك مثل هذا التصرف بشيء من أجزاء جسد موليه، ولا حتى بماله أو أي من حقوقه الأخرى.
أي أن الإيثار لا يتأتى إلا من الأصيل صاحب الحق ذاته.
وبيان ذلك أن تصرف الولي إنما هو بمقتضى حكم الولاية. لا بمقتضى عقد الوكالة.
إذ لا تتأتى الوكالة هنا، ذلك لأن من شروط صحة عقد الوكالة، أن يملك الأصيل التصرف الذي يطالب به الوكيل. ومن المعلوم أن الأصيل لا يملك مثل هذا التصرف بنفسه، فأحرى أن لا يملك تنفيذه بواسطة غيره.
فإذا ثبت أن تسلط الأب أو من يقوم مقامه على حقوق الطفل ونحوه، إنما هو بحكم الولاية عليه لا النيابة عنه، فإن من القواعد الثابتة التي لا نعرف فيها خلافاً أن تصرف الولي منوط بما هو الخير والمصلحة لموليه. ومن ثم فلا ينفذ من تصرفاته بحقوقه، إلا ما كان على وجه الغبطة والمصلحة له.
وعلى هذا، فليس لولي الطفل أو المجنون، سواء كان ذا ولاية خاصة أو عامة، أن يتبرع عنه بكلية أو أي من أجزاء جسده، لمضطر من الناس، أيا كان شأنه ومهما بلغت ضرورته. لما في ذلك من إلحاق الضرر البين بموليه، نعم إن ثبت بشهادة طبيبين عدلين أن أخذ شيء من دمه لمريض محتاج إلى الدم، ينشطه ويحقق له فائدة صحية، كأن يكون دمه أكثر من القدر الذي ينبغي، فالمسألة تختلف عندئذ، إذ تصبح خاضعة حينئذ لقاعدة: تصرف الولي منوط بالمصلحة للمولي.
أما في سائر الصور الأخرى للمسألة، فلا يجوز مثل هذا التصرف قط.(4/134)
ثانياً
: عندما يكون المستفاد منه ميتاً
ما هو الموت؟
الموت الذي نتحدث عنه في هذا الصدد، هو الموت ذاته الذي تترتب عليه جملة الأحكام الشرعية من ميراث وانفصام لعرى الزوجية وعدة وفاة وانقطاع عهد التكليف، ووجوب التجهيز والدفن، وغير ذلك. إذ ليس لدينا في الاصطلاح الشرعي أو اللغوي أو الطبي أكثر من حقيقة واحدة للموت. فما هو الموت الذي تعارف الناس جميعاً على معناه، والذي هو مناط لأحكام شرعية كثيرة؟
هو: مفارقة الروح للبدن مفارقة تامة. وإن شئت فقل: رعاية لمن لا يفهمون الروح ولا يتعاملون مع هذه الكلمة. هو انقطاع الحياة عن البدن انقطاعاً تاماً. ولا نحسب أن ثمة أي خلاف بين فئات الناس في أن هذا هو معنى الموت.
غير أن خلافاً قد يقع اليوم في الدليل الذي يمكن أن يعتمد على تحققه ووقوعه.
فالدليل المعتمد لذلك شرعاً هو سكون النبض ووقوف حركة القلب وقوفاً تاماً. إلا أنه يجب الاحتياط والتحري بتلمس أدلة أخرى، كلما حامت الشبه وظهرت موجبات الشك والريبة، لاسيما من جراء الأسباب التي أدت إلى الموت. قال النووي نقلاً عن الشافعي في الأم:
( ... فإن مات فجأة، لم يبادر بتجهيزه، لئلا تكون به سكتة، ولم يمت. بل يترك حتى يتحقق موته) . ثم قال: (وذكر الشافعي والأصحاب للموت علامات، وهي أن تسترخي قدماه وينفصل زنداه ويميل أنفه وتمتد جلدة وجهه) . زاد الأصحاب: (وأن ينخسف صدغاه) (1) .
أقول: ولعل من الضروري في كل الأحوال الاستعانة بالطبيب للوصول إلى اليقين، لاسيما في حالات خاصة كالموت صعقاً أو غرقاً أو احتراقاً أو تردياً في جبل، أو على أثر عملية انتحار كتناول أقراص مميتة بنوعها أو كميتها.
__________
(1) المجموع: 5/124 و 125 وانظر المغني لابن قدامه: 2/457(4/135)
أما الأطباء، فهم يعتمدون اليوم، بالإضافة إلى الأدلة الشرعية التي هي محل اتفاق، على ما يسمونه بموت الدماغ! ... وهي حالة دماغية تبعث على اليقين عند الأطباء بانحدار حالة المريض إلى الموت. بمعنى انقطاع أمل الحياة عنه انقطاعاً تاماً في يقينهم العلمي، مع احتمال استمرار لدقات القلب وحرارة أو حركة في النبض.
بيد أن موت الدماغ هذا، لا يعد، وحده، في ميزان الشريعة الإسلامية، دليلاً قاطعاً على حلول الموت فعلاً، بل هو في أكثر الأحيان نذير موت محقق حسب المقاييس الطبية المجمع عليها. إلا أنه ليس نذيراً قطعياً بالموت في حكم الشريعة، بل العقيدة الإسلامية، ذلك لأن هذه الحالة، وإن كان من شأنها أن تورث الطبيب يقيناً تاماً بأنها حالة موت، وبأن المسألة عندئذ لا تعدو أن تكون مسألة وقت يتمثل في بضع دقائق ويسكن القلب بعدها بيقين ـ إلا أن هذا اليقين بحد ذاته ليس يقيناً علمياً لدى التأمل والتحقيق، وإنما هو طمأنينة نفسية منبعثة من كثرة التجارب المتكررة التي لا لم تشذ، وهي التي يسميها كثير من العلماء، ومنهم الغزالي (اليقين التدريبي) (1) .
وسبب عدم الاعتبار بهذا الدليل الطبي، من قبل الشريعة الإسلامية سببان اثنان: أولهما: أن أحكام الموت، أيا كانت، إنما تترتب على وقوعه الفعلي التام، لا على توقعاته مهما كانت يقينية جازمة.
ثانيهما: أن هذه الدلالات أو التوقعات، مهما استندت إلى اليقين العلمي، فإن انتعاش المريض وتوجهه مرة أخرى إلى الحياة ليس مستحيلاً عقلياً، ومن ثم فليس مستحيلاَ شرعياً ... ذلك لأن الموت الحقيقي التام لم ينزل به بعد، ومقدمات الموت وأسبابه التي لم تشذ قط، ليست أسباباً موجبة بطبعها، وإنما بجعل الله إياها علامات على قربه. ولله أن يبطل دلالتها ويلغي سببيتها للموت عندما يشاء. ومن ثم فإن قرار الموت بناء على مجرد هذا الذي يسمونه الموت الدماغي لا يرقى إلى يقين علمي جازم بأن الروح قد فارقت أو ستفارق البدن، كما هو الشأن في الموت الحقيقي التام المصطلح عليه لغة وشرعاً، هذا بالإضافة إلى أنه مستند قاعدة (استصحاب الأصل) في الحكم باستمرار الحياة، أقوى من مستند الدلالة الطبية على الموت أو قرب حلوله، في الحكم بطروء الموت.
__________
(1) انظر تهافت الفلاسفة: 243(4/136)
ويتساءل كثير من الأطباء، عن قيمة دقات القلب أو قيمة الأنفاس الصاعدة، في ميزان الشريعة الإسلامية: عندما تكون هذه الأنفاس أو الدقات، منبعثة بفعل أجهزة متصلة بالمريض، بحيث لو فصلت عنه لتوقف القلب للتو، ولهمد كل شيء، وحل الموت الذي لا ريب فيه؟ وإلى متى يجب أن تكون هذه الأجهزة موصولة به تصطنع له صورة الحياة وتمتعه بكثير من دلائلها؟
والجواب: أن حركة القلب ما دامت مستمرة، فقرار الموت غيب لا يجوز الحكم به، سواء كانت هذه الحركة طبيعية أم اصطناعية، بواسطة بعض الأجهزة، وهذه الأجهزة فيما تقدمه من معونة، ليست أكثر في هذه الحال من غطاء مسدل على المريض يمنع من معرفة واقع حاله أميت هو أم حي.
ومن ثم فإن فصل هذه الأجهزة عنه لا يعد قتلاً له ولا تسبباً بموته، مهما ظهر أن هذا الفصل قد ينهي حركة القلب ويعجل بالموت، ذلك لأن الحياة الحقيقة ليست تلك التي تنبعث من أجهزة، فتمد القلب بالوجيب وتجعل صاحبه وكأنه يمارس الشهيق والزفير.
وإنما الحياة ذلك السر المنبعث من داخل الكيان، بل من كل أجزاء الجسد، ومن ثم فإن للطبيب أو لذوي المريض فصل هذه الأجهزة وإنهاء عملها في الوقت الذي يشاؤون.
لذا، فإن السبيل الوحيد لمعرفة حال المريض وما آل إليه أمره، عندما يكون محجوباً بفعل هذه الأجهزة، أن تفصل عنه، ثم ينظر في أمره آنذاك، فإن تحققت الدلائل الشرعية للموت، حكم بموته وترتبت عليه أحكامه.
وإلا فإنه لا يزال في الأحياء، وتظل أحكام الحياة هي السارية في حقه.(4/137)
حكم الاستفادة من جسد الميت:
بعد أن حررنا المعنى المقصود شرعاً بالموت، نعود إلى أصل المسألة، فنتساءل: هل يجوز اقتطاع جزء من الميت ليستفيد منه حي محترم معصوم الدم، في إنقاذ حياته المهددة بالموت، أو في استعاضة عضو سليم بعضو تالف منه؟
نعيد إلى الذاكرة، القاعدة الرابعة من جملة القواعد التي ألمحنا إليها في مقدمة هذا البحث، وهي: كل ما كان حقاً للعبد يورث بالموت عينياً كان أو معنوياً، ولا شك أن الكرامة، بل القداسة التي متع الله بها الإنسان حق من حقوقه، فهو مخول بالدفاع عنها والمخاصمة في سبيلها أو التنازل عنها بالتجاوز والعفو، أي ضمن حدود معنى الإيثار.
فإذا مات الإنسان، آل حق كرامته الشخصية هذا إلى ورثته فهم المخولون في رعايتها والمحافظة عليها أو التنازل عنها بالإيثار ضمن حدوده الشرعية التي سبق بيانها.
ولعل من أبرز الأمثلة المندرجة في هذا الحق، موت المقذوف قبل مطالبته بحقه في إقامة الحد على القاذف، فإن الحق ينتقل إلى ورثته، فإن شاؤوا أقاموا الدعوى، وطلبوا إقامة الحد على القاذف، وإن شاؤوا عفوا (1) . نعم خالف الحنفية في ذلك، فذهبوا إلى أن حق المقذوف يسقط بموته ولا يورث.
غير أن مخالفتهم ليست في العمل بهذه القاعدة والأخذ بها، بل هي محل اتفاق من الجميع. وإنما سبب مخالفة الحنفية هنا للجمهور، ما يرونه من أن إقامة الحد على القاذف حق لله عز وجل. أو المتغلب فيها هو حق الله عز وجل. ولذا فهو لا يورث، تطبيقاً منهم للقاعدة ذاتها (2) .
وبناء على هذا، ولما كان اقتطاع جزء من الميت مخلاً بكرامته من حيث هو إنسان مكرم، بحيث لو كان حياً لكان له حق المنع، رعاية لكرامته، وحق الإذن إيثاراً وإسقاطاً لحظه ـ فإن النظر في هذا الحق يؤول، بسبب موته، إلى ورثته، فإن شاؤوا منعوا، ولا سلطان عليهم من أحد، وإن شاؤوا تجاوزوا حقهم وسمحوا باقتطاع عضو أو جزء مورثهم لإسعاف من اقتضت الضرورة إسعافه.
__________
(1) انظر بداية المجتهد: 2/ 433 وحاشية الدسوقي: 4/ 331 والفروق للقرافي: 1/ 141
(2) انظر بدائع الصنائع: 7/ 56 وحاشية ابن عابدين: 4/ 189(4/138)
ولعل انطباق هذه القاعدة على موضوعنا في هذه الحال، يعد دليلاً آخر على ضعف ومرجوحية قول الفقهاء الذين أطلقوا القول بحرمة الاستفادة من جسم الميت، وهم الحنفية والشافعية، مستدلين بالكرامة الإنسانية التي ميز الله بها الإنسان (وقد مرت النصوص التي نقلناها عنهم في ذلك ص: 192. ذلك لأنه قد ثبت ثبوتاً جلياً بأن رعاية هذه الكرامة حق للإنسان فهو المدافع عنها والمتصرف بها في حياته، ومن ثم فإن له حق الإيثار بها، كما مر بيانه مدعوماً بالأدلة والنقول. وإذا تقرر أنها حق للعبد، فلا مناص من القول بأنها تورث بعد موته، وإن حق التصرف بها يؤول إلى ورثته بحكم أن هذا الحق قد آل إليهم، فلهم عندئذ أن يسمحوا أو أن لا يسمحوا بالاستفادة من جسم ميتهم لإنقاذ الغير.
ويبعد أن يكون أولئك الفقهاء غافلين عن هذا المستند الجلي الذي لا نعلم خلافاً فيه، ولذا فالرجح أنهم أرادوا بما أطلقوه من المنع الاستفادة التي لا تلجئ إليها ضرورة، كأن تكون في حدود التجميل الشكلي للمستفيد، ويؤكد هذا أن الطب في عصورهم لم يكن يملك زرع عضو في جسم الإنسان لأكثر من الزينة وإزالة مظهر التشوه فيه.
ونعود إلى مسألتنا فنقول: هذا إن لم يتعلق حق عام بجسد الميت خصوصاً، أو على سبيل الفرض الكفائي الشامل له ولغيره عموماً. فإن الأمر في هذه الحالة لا يتوقف على إجازة الولي وموافقته.
مثال الحالة الأولى، وهي تعلق حق عام بجسد ميت بخصوصه، أن يموت الشخص في ظروف غامضة أو يرى مقتولاً، وتيقن القاضي أو غلب على ظنه أن تشريح الجثة من قبل الطبيب الشرعي من شأنه أن يكشف عن الجريمة التي ربما تكون هي التي أودت بحياته، ومن ثم فإن ظهور الجريمة سيكون موصلاً إلى معرفة القاتل: فلقد تعلق حق عام ـ هو حق العدالة ـ بجسد هذا الميت بخصوصه، وإنما تأخذ العدالة هنا مجراها وحقها بإخضاع الجثة للتشريح.
ومثال الحالة الثانية توقف الدراية الصحيحة بالطب أو الطب الجراحي في البلدة، على تشريح بعض الجثث لإجراء تجارب وتطبيقات عملية عليها، ابتغاء الحصول على الخبرة الكافية التي تخول الأطباء حق إجراء العمليات الجراحية للمرضى مع افتراض أن استخدام أي من الحيوانات غير الإنسان لا يحقق الغاية المطلوبة. فالحق هنا متعلق بالقدر الكافي من الجثث لا على التعيين.(4/139)
فلنوضح حكم كل من هاتين الحالتين على حدة:
الحالة الأولى: مما لا ريب فيه أن مصلحة الحق العام هي الراجحة، بل لا ريب أن مصلحة رعاية كرامة الميت منطوية في مصلحة الحق العام، بمعنى أن كرامة الميت آيلة إلى التمزق والهدر، إن لم تراع مصلحة الحق العام في حفظ العدالة وتحقيق مقتضياتها.
ولهذا الذي نقول مستند قوي في تراثنا الفقهي المتمثل في أحكام أخذ بها الجمهور، تدعم هذا المبدأ الذي نقرره في هذه المسألة، وهو اتفاق جمهور الفقهاء على أن الرجل إن اغتصب جوهرة ثمينة من صاحبها، فابتلعها ثم مات، وغلب على الظن إمكان الحصول عليها بشق بطنه، وجب شق بطنه لاستخراج الجوهرة منه، إن حرص صاحبها على المطالبة بحقه. ومثل ذلك اتفاقهم أيضاً على وجوب شق بطن الحامل، إن ماتت وقرر الأطباء أن جنينها حي، وأن استخراجه من رحمها حياً ممكن يقيناً أو ظناً (1) .
ومن المعلوم أن الحق الذي يتعلق بجثة الميت لاستخراج الجنين أو لاستخراج الجوهرة الثمينة، إنما هو حق خاص عائد إلى شخص بعينه. فإذا كانت رعاية الحق الخاص تستدعي ـ فيما أجمع عليه جمهور الفقهاء ـ إخضاع جسم الميت للتبضيع والتمزيق، فلأن تستدعي رعاية الحق العام ذلك، من باب أولى.
__________
(1) أما مسألة ابتلاع قدر كبير من المال أو جوهرة ثمينة اغتصاباً، فالحكم فيها محل اتفاق ولا نعلم فيها خلافاً، إلا أن يسقط المالك حقه، وأما مسألة الجنين الحي عندما تموت أمه، فقد خالف فيها ـ من حيث الظاهر ـ الحنابلة، نظراً منهم إلى أن حياة الجنين غير مؤكدة، واستنقاذه حيا غير معلوم، (انظر المغني لابن قدامة: 2/ 458) ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار تقدم الطب في هذا العصر، وإمكان الحصول على اليقين العلمي بأن الجنين حي أم لا، وبأن استخراجه حياً ممكن يقيناً، فإن العلة التي من أجلها خالفت الحنابلة الجمهور تزول، ويعود مظهر الخلاف إلى الوفاق. هذا وقد كتب العلامة الشيخ يوسف الدجوي مقالاً مفصلاً في مسألة تشريح الجثة في مجلة نور الإسلام مجلد ... عدد ... فليرجع إليه.(4/140)
الحالة الثانية: وهي تدخل في جملة الأمثلة الكثيرة للفروض الكفائية، وبيان ذلك أن توفير القدر الضروري من الأطباء في المجتمع الإسلامي فرض على مجموع المسلمين بالاتفاق، بحيث لو أنهم أعرضوا عن النهوض بهذا الواجب أثموا جميعاً. ومن المعلوم أن كل ما يتوقف عليه تحقيق الواجب يندرج معه في حكم الوجوب، فيصبح هو الآخر واجباً، تطبيقاً لقاعدة: ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب.
وعلى هذان فإن توقف تحصيل القدر الكافي من الخبرة الطبية الواجب تحصيلها على إجراء تجارب عملية على بعض الجثث في نطاق الجراحة الطبية، كان تيسير السبيل إلى ذلك واجباً على مجموع المسلمين، شأنه كشأن سائر الفروض الكفائية المختلفة.
ولكن كيف، وعلى أي أساس، يتم اختيار الجثث التي تجرى عليها هذه التجارب العلمية؟
والجواب أنه يجب قبل كل شيء التقييد في السعي إلى تحقيق هذه الاستفادة بأدنى حدود الضرورة، دون أن توسع عن هذا الحد. ذلك لأن الضرورات يجب أن تقدر بقدرها لاسيما في مثل هذه المسألة، ولعل الواقع الذي يجري اليوم في كثير من البلاد العربية لا يخضع من قريب أو بعيد لهذا الضابط.
وفي نطاق الالتزام بحدود الضرورة هذه نقول: لا بد أن يتم قبل كل شيء الإعلان عن الحاجة الماسة إلى العدد المطلوب من الجثث لهذا الأمر، فإن تقدم من أولياء الموتى من يكفي لتغطية الحاجة، بالسماح للاستفادة من موتاهم، فذاك
وإلا فإن السبيل ينحصر ـ والحالة هذه ـ في إحدى طريقتين:
الطريقة الأولى: الاستفادة من جثث أولئك الذين يؤول أمر تجهيزهم ودفنهم إلى الولي العام مما لا يوجد لهم ورثة من الأقارب أو ذوي الأرحام. ذلك لأن حق النظر في هذه الجثث إنما يؤول بالإرث وإلى الولي العام كما قد بيناه من قبل. ومن ثم فهو يملك أن يقرر ما يشاء ضمن حدود المصلحة الضرورية التي لا تتجاوزها، ولا ترد هنا قاعدة: تصرف الولي منوط بالمصلحة لوليه، لأن المسألة هنا ليست ترديداً بين مصلحتين متساويتين للميت وللمجتمع وإنما هي ترديد بين مصلحة تحسينية للميت ومصلحة ضرورية لعموم المجتمع، فالمسألة إذن بمعزل عن هذه القاعدة.(4/141)
الطريقة الثانية: ويتم اللجوء إليها عند عدم إمكان اللجوء إلى الطريقة الأولى: الاعتماد على إجراء قرعة تجريها الدولة للوصول إلى تحقيق الواجب الكفائي.
وتعتمد في ذلك على السبل الإجرائية التي ترى أنها الأليق والأكثر اتفاقاً مع المصلحة العامة.
وثمرة القرعة في هذه الحال، سقوط حق أولياء الميت الذي خرجت عليه القرعة، في النظر في هذا الأمر، وثبوت حق الدولة في تشريح جثته للمصلحة الضرورية العامة، مع وجوب الالتزام الدقيق بما ذكرناه من ضوابط الضرورة القصوى، وعدم تجاوزها بحال من الأحوال.
وبعد، فلعلنا استوفينا من خلال هذا الموجز بيان أحكام هذه المسألة بجوانبها وصورها المختلفة، ولقد حرصنا أن يكون معتمدنا أولا: الأصول والقواعد الشرعية التي هي الأساس المتبع للبحث والاجتهاد الفقهي، ثانياً الاعتماد على ما قرره أئمتنا الفقهاء الأعلام في نظائر هذه المسألة أو ما يجري مجراها، ويدخل في مناطاتها، من الأحكام الجزئية المختلفة.
فإذا جاء الاجتهاد منضبطاً بهذين الأساسين، فإنا لنرجو ونسأل الله أن يكون مكللاً بالتوفيق وإصابة الحق في علم الله عز وجل وحكمه.
غير أن ثمة أساساً ثالثاً لا بد للاعتماد عليه في طريق الحرص والسعي إلى موافقة اجتهاداتنا حكم الشريعة الإسلامية، إلا أنه ليس من اختصاص الباحث ولا هو في مقدوره. وإنما المعتمد في رعايته هو المجتمع الذي ينهض بدور التنفيذ والتطبيق.
هذا الأساس هو مراقبة الله عز وجل في تنفيذ هذه الأحكام، والحرص على ممارستها وتطبيقها على الوجه الذي يتفق مع مقاصد الشريعة الإسلامية والحكمة التي يتوخاها الشارع مما شرع لعباده.
فإن لم يتحقق هذا الأساس التنفيذي، فإن جهود الباحثين والمجتهدين تظل على الغالب نظرية، هذا إن لم نقل: إنها قد تصبح مطايا تحت سلطان الكثيرين لتحقيق المآرب الدنيوية والوصول إلى كثير من المبتغيات غير المشروعة.
والله المستعان أن يوفقنا، باحثين ومنفذين، لرعاية هذه الأسس الثلاثة على خير وجه، إنه نعم المستعان ونعم النصير.
د. محمد سعيد رمضان البوطي(4/142)
انتفاع الإنسان بأعضاء
جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً
في الفقه الإسلامي
إعداد
فضيلة الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي
أستاذ وعميد كلية الشريعة والقانون بجامعة الأزهر
بسم الله الرحمن الرحيم
المقدمة
تقوم العقيدة الإسلامية على كلمة جامعة هي (أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله صلى الله عليه وسلم) .
أ: تبين الكلمة الأولى منها أن المعبود بحق ـ في عقيدة الإسلام ـ واحد لا يشاركه أحد، فهو واحد في ذاته، وصفاته وأفعاله، لا يماثله أحد، ولا يستحق العبودية أحد سواه، لأنها تضمنت نفياً وإثباتاً، أو قصراً وتخصيصاً، حيث تضمنت نفي الألوهية عن غيره، وتضمنت بالاستثناء بعد النفي إثبات الألوهية له، والألوهية هي استحقاقه العبادة وحده.
فعقيدة الإسلام تقوم على توحيد، أي إفراد المعبود بالعبادة مع اعتقاد وحدته ذاتاً وصفات وأفعالاً، فلا تقبل ذاته الانقسام بوجه من الوجوه، ولا تشبه ذاته الذوات، ولا صفاته الصفات، ولا يدخل أفعاله الاشتراك، أي أن كل ما في الكون كله ـ من إنسان أو حيوان أو طير أو نبات أو جماد أو غيرها ـ من خلق الله جل شأنه، ولا فضل لغيره فيه.
ب: والكلمة الثانية (وأشهد أن محمداً رسول الله) هي تعبير عن الإيمان بكل ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الوحي بنوعيه: الوحي المتلو وهو القرآن الكريم، والوحي غير المتلو، وهو السنة النبوية المطهرة وما احتوت عليه من أقوال الرسول صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته.
والإيمان بما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم يؤدي إلى إيجاب العمل بشريعته واتباع هديه، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} . (59/4)
وقال جل شأنه: {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} (80/ 4) .
وقال: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآَخِرَ} [الآية 21 الأحزاب] أي قدوة حسنة يتبع فيها.(4/143)
وينبثق عن هذه العقيدة قواعد مسلمة، وأسس ثابتة منها على ضوء ما تقرر في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
أ - أنه جل شأنه الخالق لكل ما في الكون دون سواه، قال تعالى: {الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا} [الآية 59 من سورة الفرقان 25] وقال تعالى: {أَمَّنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الآية 64 من سورة النمل 27] .
ب - وأنه جل شأنه المالك لكل ما في الكون وحده دون سواه، لا شريك له فيه، وهو المتصرف فيه، بكل أنواع التصرف، إيجاداً وإعداماً، إحياء وإماتة، تغيراً وتبديلا، استقراراً وحركة، تحليلاً وتحريماً، منحا ومنعاً، تخسيراً وحجباً ...
ت - يقول الله تعالى في أول سورة الملك: {تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (1) الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} . [الآية 1، 2 من سورة الملك] .
ويقول جل شأنه: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ وَلِيٌّ مِنَ الذُّلِّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} [الآية 11 من سورة الإسراء] .
وإذا كانت عقيدة الإسلام تقرر أن المالك لكل ما في الكون كله ـ عاقلة وغير عاقلة، متحركة وثابتة، سائلة وجامدة ـ هو الله جل شأنه، فقد اقتضت حكمته جل شأنه أن يوجد من بين الكائنات خلقاً يميزه عن غيره من كافة الخلق، ويخصه بنعم لا تحصى ويحمله الأمانة، وينيط به تعمير الكون ويجعله خليفة في الأرض ... ألا وهو الإنسان. فقد كرم الله جل شأنه الإنسان، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} [الآية 70 من سورة الإسراء] وصانه وحفظ له ـ بما شرعه من أحكام ـ دينه ونفسه وعقله وعرضه وماله وكل مقومات حياته.
وحمله الأمانة، قال تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الآية 72 من سورة الأحزاب] والأمانة تعم جميع وظائف الدين، وهي الفرائض التي ائتمن الله عليها العباد، يقول ابن عباس رضي الله عنه: الأمانة الفرائض، عرضها الله على السماوات والأرض والجبال. إن أدوها أثابهم وإن ضيعوها عذبهم، فكرهوا ذلك وأشفقوا من غير معصية، ولكن تعظيماً لدين الله عز وجل ألا يقوموا به، ثم عرضها على آدم فقبلها بما فيها ...(4/144)
وجعل الله الإنسان خليفة في الأرض، قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} . [الآيتان 30/ 31 من سورة البقرة] (1) .
وأناط الخالق جل شأنه بالإنسان تعمير الأرض:
قال تعالى: {هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا} ... (الآية 61 من سورة هود) (2) .
وسخر الخالق جل شأنه للإنسان ما في الكون ليعترف بفضل الله تعالى: عبادة وينعم به انتاجاً وتعميراً وأمناً وسلاماً في حدود مقننة، وفي إطار مرسوم، مؤدياً فرائض الدين وملتزماً به أمراً ونهياً وسلوكاً وإرشاداً.
قال تعالى: {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُنِيرٍ} . [الآية 20 من سورة لقمان) (3) . وقد أفاضت الآيات الكريمة في بيان ما سخره الله للإنسان ومنحه إياه وخصه به ومكنه من الانتفاع به في حدود الشرع، وفي إطاره المحكم.
__________
(1) وتراجع الآيات: 26 من سورة ص، 14 من سورة يونس، 165 من سورة الأنعام.
(2) وتراجع الآيات الآية 9 من سورة الروم، والآية 74 من سورة الأعراف.
(3) وتراجع الآيات: الآية 2 من سورة الرعد، 32، 33 من سورة إبراهيم، 12، 14، 79 من سورة النحل 65 من سورة الحج، 61 من سورة العنكبوت، 29 من سورة لقمان، 13 من سورة فاطر، 5 من سورة الزمر، 13 من سورة الزخرف، 12، 13 من سورة الجاثية، 36، 37 من سورة الحج، 164 من سورة البقرة، 54 من سورة الأعراف.(4/145)
وهذا التسخير الذي منحه الخالق جل شأنه للإنسان لكل ما في الأرض وما في السماء هو حق انتفاع أو حق منفعه، وليس حق ملك، حق منحه الخالق جل شأنه للإنسان، لكي يتمكن من تحقيق ما أناطه به من أغراض، وما حمله إياه من أهداف، وحق الانتفاع هذا هو اكتساب للمنافع فقط، وتمكن من استيفائها دون أن يكون للإنسان حقيقة الملك لهذه الأعيان، إذ المالك الحقيقي هو الله جل شأنه، ولا مالك سواه لكل ما في الكون من إنسان أو غيره ـ كما سبق أن وضحنا.
وهذا ما نطق به فقهاء المسلمين في كل موضع تحدثوا فيه عن ذلك:
يقول ابن عرفة: (الملك الحقيقي إنما هو لمالك الملوك، الخالق للذوات والصفات فلا مالك حقيقة إلا الله تعالى) (1) .
هذه الحقيقة انبثقت مما تقرر في كتاب الله تعالى، وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما نطقت به العقول السليمة التي تجد نفسها وهي في محيط هذا التنظيم الكوني البديع الصنع، المنظم المسيرة الدقيق، مقرة معترفة بأن خالقه ومسيره ومنظمة ومدبر شؤونه واحد، ولا شريك له في كل ذلك، له الملك وهو على كل شيء قدير ـ جل شأنه وتعالى ذكره، فحق الانتفاع يخول للإنسان أن ينال هذا الحق ويباشره ويحصله بنفسه، وليس له أن يملكه لغيره، لا بعوض ولا بغير عوض، فإذا استوفى هذا الحق نعم به، وإن لم يستوفه ضاع عليه.
__________
(1) يقول الشاطبي: ج3 ص 110 (إن العلماء قالوا: إن الرقاب ـ وبالجملة الذوات لا يملكها إلا الله تعالى ـ وإنما المقصود في التملك شرعاً منافع الرقاب، لأن المنافع هي التي تعود على العباد بالمصالح، لا أنفس الذوات. وفي أنواء الفروق: ص 194 عند شرح الفرق 30 ج 1: ولأن القاعدة أن الأصل بقاء الأملاك على ملك أربابها، والنقل والانتقال على خلاف الأصل، فمتى شككنا في رتب الانتقال حملناه على أدنى المراتب استصحاباً للأصل في الملك السابق) .(4/146)
وإذا كان للإنسان حق الانتفاع بما منحه الله إياه، فإن هذا الانتفاع الممنوح قد وضع له مانحه (جل شأنه) الإطار الذي يحقق الانتفاع به على الوجه الأكمل، في إطار أمن الجماعة ومصلحة كل فرد من أفرادها.
وهذا الإطار حدده وبين معالمه رسله صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين، رسولاً بعد رسول إلى أن ختم الله هذه الرسالات برسالة محمد صلى الله عليه وسلم الذي جاء مصدقاً لما بين يديه من الكتاب، ومهيمناً عليه، قال تعالى مخاطباً رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} [الآية 48 من سورة المائدة] وقد جاءت هذه الرسالة كاملة تامة، قال تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} [الآية 3 من سورة المائدة) .
ففرقت شريعة الإسلامي بين الحق والباطل، وأعطت كل ذي حق حقه، ومن أجل مصالح الناس حرمت أشياء وأباحت أشياء، كما نوعت حق الانتفاع بتنوع الشيء الممنوح والمسخر، فمن المنتفع به ما يكون الانتفاع به باستهلاكه.. ومنه ما يكون باستعماله.. ومنه ... ونظمت الحقوق في كل ذلك في حال الاختيار ... وكذا في حال الضرورة ... في تنسيق تام وتنظيم محكم يحقق الخير للبشرية جمعاء، ويضمن لها السعادة في الدارين.
وإذا كانت الشريعة الإسلامية قد وضعت الضوابط لحدود الانتفاع بما خلق الله تعالى ومعرفة ما يحل ويحرم من التصرفات في كل ما منحنا الله جل شأنه إياه، فإن أول الأشياء الممنوحة لنا، والمسخرة لمصلحتنا، هذا الجسم الإنساني الذي يعايشنا ويصاحبنا منذ بدء وجودنا ـ لحظة لحظة ـ حتى يرث الله الأرض ومن عليها.
ولقد أحاط المشرع الحكيم هذا الكائن المكرم بكل ما يحفظه من كل سوء، ويدرأ عنه كل الشرور، حتى يحقق الأهداف المنوطة به، ويحقق الحكمة من إيجاده وخلقه.
فشرع له ما يحفظ له دينه، ونفسه، وعقله، وعرضه، وماله، أي ما يحفظ عليه كل مقومات الحياة، وكل مقومات العطاء والتقدم، وكل مقومات المسيرة المؤمنة الآمنة المطمئنة حتى يرى نتيجة عمله {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الآية 7، 8 من سورة الزلزلة] .
والذي يعنينا إبرازه في هذا المبحث هو أن نذكر بعضاً من الآيات والأحاديث التي تضبط علاقتنا بالجسم الإنساني، سواء أكان جسم الإنسان نفسه، أو جسم غيره، ثم نبين بعد ذلك ما يصلح وما يحرم من الانتفاع به، وبالله التوفيق.
أستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي(4/147)
المبحث الأول
حرمة دم الإنسان
بسم الله الرحمن الرحيم
قررت الشريعة الإسلامية عصمة دم الإنسان، وحرمته، ومنعت الاعتداء عليه بأي نوع من أنواع الاعتداء سواء كان هذا الإنسان مسلماً أو غير مسلم، كانت نفس الإنسان أو نفس غيره، بذلك نطق الكتاب الكريم والسنة النبوية، وآية ذلك:
أولاً ـ في حرمة قتل الغير:
من القرآن الكريم:
قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} [الآية 32 من سورة الإسراء] .
وقال جل شأنه: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} [الآية 93 من سورة النساء] وقال جل شأنه: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً} [الآية 92 من سورة النساء] .
وقال علا ذكره: {مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [الآية 32 من سورة المائدة] .
من السنة النبوية الشريفة:
- عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن دماءكم وأموالكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا، في بلدكم هذا، ألا كل شيء من أمر الجاهلية تحت قدمي موضوع، ودماء الجاهلية موضوعة، وأن أول دم أضع من دمائنا دم ابن ربيعة بن الحارث ـ كان مسترضعاً في بني سعد فقتله هذيل)) .
- جزء من حديث طويل ـ في صحيح مسلم ـ في حجة النبي صلى الله عليه وسلم.
- وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((اجتنبوا السبع الموبقات)) قيل: يا رسول الله، وما هي؟ قال: ((الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق، وأكل مال اليتيم، وأكل الربا، والتولي يوم الزحف، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات)) رواه البخاري ومسلم وأبو داود والنسائي.(4/148)
- وروي عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لن يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً)) رواه البخاري والحاكم.
- وروي عن البراء بن عازب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((لزوال الدنيا أهون على الله من قتل مؤمن بغير حق)) رواه ابن ماجة بإسناد حسن ورواه البيهقي (1) .
- كما ورد النهي عن قتل الذميين والمعاهدين:
- فبجانب دلالة الآيات القرآنية التي أوردناها آنفاً على قتل النفس، مطلقاً، مؤمنة أو غير مؤمنة، فقد صرحت السنة النبوية بحرمة قتل الذميين والمعاهدين:
- فقد روي عن عبد الله بن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة وإن ريحها يوجد من مسيرة أربعين عاماً)) رواه البخاري وأحمد والنسائي وابن ماجة (2) .
- ومن هذا يتبين لنا روعة الشريعة الإسلامية وسمو تعاليمها، ورحابة آفاقها وتقديرها لذات الإنسان الذي نزلت الرسالات لهدايته وإرشاده إلى ما يصلح حاله ويدفع الأذى عنه، وأخذها بيده إلى سفينة النجاة، مع الحفاظ عليه وعدم المساس بدمه أو ماله أو عرضه إلا بالحق، حتى تتفتح براعمه في المجتمع إلى أن يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله. صلى الله عليه وسلم.
- قصر القتل في الحروب على المحاربين ...
كما أرست السنة النبوية القواعد التي يجب تطبيقها في الحروب ... سواء من حيث بيان من يجوز قتالهم ومن لا يجوز ... وحدود القتال وضوابطه، وكيفيته، وبدايته ونهايته ... ومن بين ما قررته في هذا السبيل:
- النهي عن قتل النساء والصبيان والشيوخ في الحروب:
فقد روي عن ابن عمر أنه قال: وجدت امرأة مقتولة في بعض مغازي النبي صلى الله عليه وسلم و ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والصبيان)) .
وعن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((انطلقوا باسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتلوا شيخاً فانياً، ولا طفلاً صغيراً ولا امرأة ... )) رواه أبو داود
- النهي عن قتل الأجراء:
كما روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عندما وجد امرأة مقتولة في غزوة: ((ما كانت هذه لتقاتل)) فقال لأحدهم: ((الحق خالداً فقل له: لا تقتلوا ذرية ولا عسيفاً)) رواه أحمد وأبو داود (والعسيف هو الأجير) .
__________
(1) والأحاديث كثيرة في هذا الشأن ـ أوردتها في كتابي (الجنايات في الفقه الإسلامي) : 46 ـ 52
(2) ولقد وردت عدة أحاديث بهذا المعنى ويمكن الرجوع إليها في الترغيب والترهيب للمنذري: ج3 ص 298(4/149)
- النهي عن قتل الرهبان:
- كما روي عن ابن عباس أنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث جيوشه قال: ((اخرجوا باسم الله تعالى تقاتلون في سبيل الله من كفر بالله، لا تغدروا، ولا تغلوا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا الولدان ولا أصحاب الصوامع)) رواه أحمد..
والنهي عن قتل كل أولئك هو احترام للنفس الإنسانية التي لا تقدم على الإضرار بغيرها أو التي لا يتأتى منها الإضرار، النفس الإنسانية التي تمشت مع الفطرة السليمة والطبيعة المستقيمة فلم تحارب الله ورسوله، ولم تؤازر المحاربين لله ولرسوله واكتفت بمسيرة حياتها في أمن ... وهذا ما ينشده المشرع الكريم ويحرص عليه ويهيئ كل الظروف لإنمائه حتى يحس الناس بالأمن، وتزكو في عقولهم ومداركهم الرغبة في معرفة الحق جل شأنه، فيؤمنون به عن قناعة تامة ورؤية واضحة جلية ... فيعم الخير رحابهم، وتزكو وتتفتح براعمه في كل مكان.
ومن الطبيعي، أن يعاقب الخارج على هذه الفطرة، والمقلق للمجتمع والمهدد للأمن والمحارب لله ولرسوله، والمعرض لمسيرة الشريعة التي أنزلها الله تعالى على محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم خاتمة للرسالات السماوية، ومصدقة لما بين يديها من الشرائع السابقة. وعقاب هذا الناد المشارك في الحرب، أو المؤازر، أو المخطط لها هو من جنس ما أقدم عليه، فقد أقدم يبغي قتلاً للمؤمنين وصد الدعوة لله فارتدت نيته إليه، وتحقق قصده في نفسه هو، سواء كان رجلاً أو امرأة أو شيخاً أو أجيراً أو كاهناً ... لأنه بخروجه محارباً أباح دمه وأهدر حرمته.
وتظهر عالمية الشريعة الإسلامية، وسماحتها، وسعة أفقها في هذا المجال وفي غيره بصورة واضحة حينما تراجع نصوص ما جاء عن الحضارات الأخرى ـ كاليونانية والرومانية، بل وحتى في كتب بعض الديانات ... التي تجعل دم غير المؤمنين بها في كل الأحوال وفي كل الأزمان (1) هدراً، وتجعل أموالهم مباحة، وتجعل شريعتهم دائماً تؤول إلى ما يحقق له مصلحة ولو على حساب أرواح وأموال غير المنتمين إلى شريعتهم.
فالنفس الإنسانية مكرمة، والنفس الإنسانية معصومة، ومحقونة الدم، ولا تنال إلا بحق، والنفس الإنسانية يحرم الاعتداء عليها، أو الإضرار بها، إلا إذا أخلت بما وجب عليها، وخرجت عن إطار الشرع، وعاقت مسيرة الحياة.
__________
(1) راجع كتاب العلاقات الدولية في الإسلام للأستاذ الدكتور/ حسن الشاذلي(4/150)
ثانياً: حرمة قتل الإنسان أو الإضرار بها:
- جناية الإنسان على نفسه من أدق أنواع الجنايات وأعقدها تركيباً، وأعمقها دوافع، وأكثرها تعبيراً عن الظروف الاجتماعية التي تحيط بالجاني، وتضطره إلى أن يقدم على الجناية على أعز الكائنات عليه وأحب المخلوقات إليه، وأولاها ظفراً بحرصه ورعايته، وامتداداً لآماله ...
وقد كانت هذه الجناية وستظل مقياساً لما عليه المجتمع من دأب في رعاية أفراده، وحدب على حل مشكلاتهم، وتفاعل مع تطورات الأزمنة وتعاقب التطورات ... ، وتعبيراً عن الآفاق الصحيحة السليمة التي تظلل الدولة من جميع نواحي اختصاصاتها وأنشطتها، ثقافية كانت أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية ... إذ سلامة كل ذلك يعمل بدافعية وجدية على سلامة المستوى الفكري للفرد، وإذا سلم هذا المستوى وصح كان الفرد راضياً عن نفسه وعن مجتمعه ... وإذا رضي عن ذلك حرص على البقاء حرصاً لا يعادله حرص، ودأب على حماية نفسه دأباً لا يعادله دأب، وصمد للتيارات صموداً لا يعرف الشك ولا التردد ولا اليأس ...
والشريعة الإسلامية جاءت بالقواعد الأساسية، والمبادئ المستقرة الثابتة التي تدعم مسيرة الحياة جميعها، وتوطد أركانها، وترسي بين جوانبها معاني المحبة والعدالة والتسامح والرضا، وتعمل على حماية الإنسان وحماية حقوقه في إطار تكافل اجتماعي سليم، وتكافل اقتصادي هادف وحماية للمقدسات والحقوق ورعاية للمصالح جميعاً، ضرورية كانت أو حاجية أو تحسينية، كانت تخص الفرد أو الأسرة أو الجماعة أو الدولة، كانت تخص العقلاء أو ما خلق الله من أجل العقلاء من كائنات حية، أو جمادات أو نباتات ...(4/151)
والمتتبع للنصوص الواردة في الكتاب والسنة يتضح له منها هذه الرعاية، ويتبين له أن صلة الإنسان بجسمه ليست صلة مالك يتصرف في ملكه كيفما يشاء وبما يشاء، ولا تسلط يخضع المسلط عليه لرغباته دون حساب ودون رقيب..، ولكنها صلة كصلة المودع بالوديعة التي وضعت تحت يده، فهو أمين عليها، ومطالب بأن يحوطها بكل مقومات الحفظ والصيانة، وبكل ما يدرأ عنها الأضرار حتى ترد إلى صاحبها، وصلة كصلة المنتفع بما وهب له الانتفاع به، فيجب أن يباشر انتفاعه به على الوجه الذي رسمه له مالكه، وعلى المنهج الذي ارتضاه له، وفي الحدود التي ارتضاها وشرعها، فإذا جاوز الحد حق عليه الجزاء.
وقد سبق أن بينا أن المالك لكل ما في الكون من إنسان وغيره هو الله سبحانه وتعالى.
وعلى ضوء هذا حرم الله تعالى تعريض الإنسان نفسه للهلاك، وعاقب عليه أشد العقاب، وفي تقرير ذلك يقول الله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (1) ويقول جل شأنه: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} . (2)
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن هذا الإنسان بنيان الله، ملعون من هدم بنيانه)) . ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلدا فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)) رواه البخاري ومسلم.
وروي عن جندب البجلي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((كان ممن كان قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً، فجز بها يده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله تعالى: بادرني عبدي بنفسه، حرمت عليه الجنة)) أخرجه البخاري ومسلم.
__________
(1) الآية 195 من سورة البقرة
(2) الآية: 29 من سورة النساء(4/152)
ولم تكتف الشريعة الإسلامية بتقرير هذا المبدأ العام مع وضوحه ودلالته بل زادت ذلك بالنص على منع كل ما يضر الإنسان، ومن ذلك:
1- النهي عن أن يرهق الإنسان نفسه بالأعمال ولو كانت عبادة.
وحسبنا في تقرير هذا المبدأ ما روي عن عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال: بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أني أسرد الصوم، وأصلي الليل، فإما أرسل إليَّ، وإما لقيته، فقال: ((ألم أخبر أنك تصوم ولا تفطر، وتصلي الليل؟ فلا تفعل، فإن لعينك حظًّا، ولنفسك حظا ولأهلك حظا، فصم وأفطر، وصل ونم، وصم من كل عشرة أيام يوماً، ولك أجر تسعة)) قال: إني أجدني أقوى من ذلك يا نبي الله. فقال: ((فصم صيام داود عليه السلام)) قال: وكيف كان داود يصوم يا نبي الله؟ قال: ((كان يصوم يوماً ويفطر يوماً، ولا يفر إذا لاقى)) قال: من لي بهذه يا نبي الله؟ قال عطاء: فلا أدري كيف ذكر صيام الأبد، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا صام من صام الأبد، لا صام من صام الأبد)) رواه مسلم (1) .
وما روي عن أنس أن نفراً من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قال بعضهم: لا أتزوج. وقال بعضهم: أصلي ولا أنام. وقال بعضهم: أصوم ولا أفطر. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((ما بال أقوام قالوا كذا وكذا، لكني أصوم وأفطر، وأصلي وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني)) . متفق عليه.
2- النهي عن التقتير والبخل: وأشد أنواعه أن يقتر الإنسان على نفسه ويبخل عليها بما أنعم الله عليه… ومن يفعل ذلك يستحق أشد العقاب.
يقول الله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (8) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (9) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى} (2) ويقول جل شأنه: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} الآية (3)
__________
(1) صحيح مسلم
(2) الآيات: 8، 9، 10 الليل.
(3) الآية 180 من سورة آل عمران، واقرأ الآيتين 34، 35 من سورة التوبة(4/153)
وينظم الرسول صلى الله عليه وسلم أوجه إنفاق الإنسان من ماله (فيما رواه جابر بن عبد الله) فيقول: ((ابدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل عن أهلك شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا)) . يقول: ((فبين يديك وعن يمينك وعن شمائلك)) . رواه مسلم.
3- النهي عن أن يحجب الإنسان عقله ويعطل فكره عن العمل بشرب المسكرات، فحرم عليه المسكرات، فقال صلى الله عليه وسلم: ((كل مسكر خمر وكل خمر حرام)) . وعاقب من يسكر اعتداء فقال عليه الصلاة والسلام: ((من شرب الخمر فاجلدوه)) فإذا كان هذا هو موقف الشريعة ممن يعطل جزءاً عن العمل، وهو تعطيل مؤقت فإن موقفها ممن يفعل مثل ذلك، أو أكثر من ذلك، يقاس عليه، في التحريك، وفي العقاب، مع شدة فيه حين يكون الجرم أكبر. (1)
__________
(1) ورعاية الشريعة الإسلامية لجسم الإنسان ـ بجانب رعاية روحه ـ رعاية وردت تفصيلاً في الكتاب والسنة، فقد بينت الشريعة ما يحل وما يحرم من الأكل والشرب والزينة، راجع الآيتين 31، 32 من سورة الأعراف، والآيات 3، 4، 5 من سورة المائدة، وراجع في كتب الفقه باب الأطعمة والأشربة واللباس.(4/154)
المبحث الثاني
حكم التداوي
حكم التداوي بالمحرمات
حكم التداوي بالجراحات
حكم التداوي في الفقه الإسلامي
التداوي من الأمراض أمر مطلوب شرعاً، كما نص عليه المحققون من علماء الشريعة استنباطاً من نصوص الكتاب والسنة، ولما كان التداوي تارة يكون بتناول شيء مباح، وتارة يكون بتناول شيء قد حرم الله تناوله ... وتارة يكون بالجراحة، وتارة يكون بالكي ... فإن الفقهاء قد بينوا حكم الشرع في كل ذلك، ونعرض فيما يلي ما يكشف لنا عن هذا الحكم، متوخين عرض نصوص الكتاب فالسنة، ثم آراء العلماء ثم الترجيع في مواطن الاختلاف.
أ: النصوص من الكتاب الكريم:
أرست بعض الآيات الكريمة القواعد التي تحفظ على النفس البشرية حياتها، والتي تنهى عن تعريضها لأي هلاك، والتي توجب على الإنسان الأخذ بكل الأسباب التي تحقق للنفس البشرية صحتها.
ومن ذلك:
قال تعالى في النهي عن قتل النفس: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} [النساء: 29] وقال تعالى في النهي عن تعريضها للهلاك: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} [البقرة: 195] . وفي اتخاذ الأسباب للوصول إلى حال القوة والصحة نورد قصتين:
ففي قصة أيوب عليه السلام لما أصابه السقم وأعياه المرض فنادى ربه: {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} فأمره الله تعالى بما كان سبباً في شفائه، وهو القادر على أن يشفيه دون سبب.
قال تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ} (1) {وعذاب اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب} [الآيتان 41، 42 من سورة ص] .
فقد أمره جل شأنه بالركض ـ وهو الدفع بالرجل ـ فركض فنبعت عين ماء فاغتسل به، فذهب الداء من ظاهره، ثم شرب منه فذهب الداء من باطنه، وعاد أيوب عليه السلام سليماً معافى من كل داء.
__________
(1) النصب: الشر والبلاء، وقد قيل في معنى {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} أي ما يلحقه من وسوسته لا غير، والله أعلم، ذكره النحاس. وقيل: النصب ما أصابه في بدنه، والعذاب ما أصابه في ماله، وفيه بعد. القرطبي: 15/ 208.(4/155)
ومما ذكر في كتاب الله تعالى نأخذ أن اتخاذ الأسباب للوصول إلى النتائج المرجوة أمر قرره الشرع، ومنهج مشروع ارتضاه لنا الخالق جل شأنه ... فقد تحققت النتيجة المرجوة هنا ـ وهي شفاء أيوب عليه السلام ـ إثر أمر الله تعالى له بأن يركض برجله، فما خرج نتيجة الركض من الماء فعليه أن يغتسل منه، وعليه أن يشرب، فكان الشفاء ظاهراً وباطناً إثر ذلك، تلك إشارة كريمة من المشرع الكريم لربط الأسباب بالمسببات، وترتب المسببات على أسبابها بإذنه تعالى، وهو القادر جل شأنه أن يقول: (كن فيكون) دون ركض أو شرب، ولكنها حكمة عالية، وإشارة حكيمة من قادر حكيم لخلقه، كي يبحثوا ويتخذوا من الأسباب ما يوصل إلى النتائج بإذنه تعالى وتوفيقه.
وفي قصة يونس عليه السلام:
فقد قال تعالى في شأن يونس عليه السلام حينما التقمه الحوت، وهو مليم، ثم نبذه بالعراء وهو سقيم:
{فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ (145) وَأَنْبَتْنَا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ} [الآيتان 145، 146 من سورة الصافات] .
وورد فيما روي عن ابن مسعود رضي الله عنه (1) قال: {فَنَبَذْنَاهُ بِالْعَرَاءِ وَهُوَ سَقِيمٌ} قال: كهيئة الفرخ الممعوط ليس عليه ريش، قال: وأنبت عليه شجرة من يقطين، فنبتت، فكان يستظل بها ويصيب منها....
وقد روي عن أبي هريرة أن اليقطينة هي (شجرة الدباء) وقيل: هي (شجرة التين) وقيل: شجرة الموز تغطى بأوراقها، واستظل بأغصانها، وأفطر على ثمارها، والأكثر على أنها شجرة اليقطين، واليقطين ما لا ساق له كشجر القرع والبطيخ والحنظل والدباء.... وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يحب القرع ويقول: ((إنها شجرة أخي يونس)) (2) .
__________
(1) القرطبي: 15/ 130
(2) القرطبي: 15/ 130(4/156)
ومن هذه أيضاً نأخذ أن الله سبحانه وتعالى أراد أن ينقل يونس عليه السلام من حالة الضعف إلى حالة القوة بأسباب عقلية طبيعية، ولم يشأ جل شأنه أن يقول له: (كن قوياً فيكون) إشارة لنا وبياناً لما يجب علينا من اتخاذ الأسباب وانتظار النتائج من الخالق جل شأنه.
ب: النصوص من السنة النبوية المطهرة: في إباحة التداوي.
روي عن أسامة بن شريك أنه قال: جاء أعرابي فقال: يا رسول الله، أنتداوى؟ قال: ((نعم، فإن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله)) رواه أحمد. وفي لفظ آخر: قالت الأعراب: يا رسول الله، ألا نتداوى؟ قال: ((نعم، عباد الله تداووا فإن الله لم يضع داء إلا وضع له شفاء أو دواء، إلا داء واحداً)) قالوا: يا رسول الله، وما هو؟ قال: ((الهرم.)) رواه ابن ماجة وأبو داود والترمذي وصححه ـ وفي لفظ: ((إلا السام وهو الموت)) .
وعن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لكل داء دواء، فإذا أصيب دواء الداء برئ بإذن الله تعالى)) رواه أحمد ومسلم.
وعن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، علمه من عمله، وجهله من جهله)) رواه أحمد.
وعن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)) رواه أحمد والبخاري وابن ماجة.
وعن أبي خزامة قال: قلت: يا رسول الله، أرأيت رقى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترد من قدر الله شيئا؟ قال: ((هي من قدر الله)) رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وقال: حديث حسن ولا يعرف لأبي خزامة غير هذا الحديث.(4/157)
ويعلق الشوكاني في نيل الأوطار على هذه الأحاديث بقوله: (وفي أحاديث الباب كلها إثبات الأسباب، وأن ذلك لا ينافي التوكل على الله لمن اعتقد أنها بإذن الله، وبتقديره، وأنها لا تنجح بذواتها، بل بما قدره الله فيها، وأن الدواء قد ينقلب داء إذا قدر الله ذلك، وإليه الإشارة في حديث جابر، حيث قال: ((بإذن الله تعالى)) فمدار ذلك كله على تقدير الله وإرادته، والتداوي لا ينافي التوكل كما لا ينافيه دفع الجوع والعطش بالأكل والشرب، وكذلك تجنب المهلكات والدعاء بالعافية ودفع المضار وغير ذلك.
وفي قوله: ((جهله من جهله)) ـ في حديث أسامة المتقدم ـ فيه دليل على أنه لا بأس بالتداوي لمن كان به داء قد اعترف الأطباء بأنه لا دواء له، وأقروا بالعجز عنه (1) .
وفي قوله صلى الله عليه وسلم: ((هي من قدر الله)) ـ في حديث أبي خزامة المتقدم ـ أي لا مخالفة بينهما، لأن الله هو الذي خلق تلك الأسباب وجعل لها خاصية في الشفاء) .
ويقول الشوكاني في الرد على من قال بالتوكل على الله في دفع الداء وعدم التداوي، قال بعد أن أورد آراء العلماء في فهم الحديث الذي روي عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يدخل الجنة من أمتي سبعون ألفاً بغير حساب، هم الذين لا يسترقون، ولا يتطيرون، ولا يكتوون، وعلى ربهم يتوكلون)) ..
قال: (والحق أن من وثق بالله وأيقن أن قضاءه عليه ماض لم يقدح في توكله تعاطيه الأسباب اتباعاً لسنته، وسنة رسوله، فقد ظاهر صلى الله عليه وسلم بين درعين، وليس على رأسه المغفر، وأقعد الرماة على فم الشعب، وخندق حول المدينة، وأذن في الهجرة إلى الحبشة وإلى المدينة، وهاجر هو، وتعاطى أسباب الأكل والشرب، وادخر لأهله قوته، ولم ينتظر أن ينزل عليه من السماء، وهو كان أحق الخلق أن يحصل له ذلك، وقال للذي سأله: أيعقل ناقته أو يتوكل: ((اعقلها وتوكل)) . فأشار إلى أن الاحتراز لا يمنع التوكل) .
__________
(1) نيل الأوطار: 8/ 201(4/158)
حكم التداوي بالمحرمات
ولما كانت دماء الناس وأموالهم وأعراضهم حراماً عليهم بنص الحديث الشريف ((:إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)) .
وقوله صلى الله عليه وسلم: ((المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه)) .
فإن التداوي بنقل عضو من إنسان حي أو ميت إلى آخر هو تداو بمحرم ... لذلك نورد فيما يلي ما جاء من الأحاديث في حكم التداوي بالمحرمات.
فقد روي عن وائل بن حجر الحضرمي أن طارق بن سويد الجعفي سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر، فنهاه عنها، فقال: إنما أصنعها للدواء، قال: ((إنه ليس بدواء، ولكنه داء)) رواه أحمد ومسلم وأبو داود والترمذي وصححه.
وعن أبي الدرداء قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تتداووا بحرام)) رواه أبو داود (1) .
وقال ابن مسعود في المسكر: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيها حرام عليكم) ذكره البخاري.
وعن أبي هريرة قال: ((نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الدواء الخبيث ـ يعني السم)) رواه أحمد ومسلم وابن ماجة والترمذي.
وقال الزهري في أبوال الإبل: (قد كان المسلمون يتداوون بها فلا يرون بها بأساً) رواه البخاري.
__________
(1) حديث أبي الدرداء في إسناده إسماعيل بن عياش، قال المنذري: وفيه مقال، ومن المعلوم أنه إذا حدث عن الشاميين فهو ثقة، وهو هنا يحدث عن ثعلبة بن مسلم الخثعمي وهو شامي ـ ذكره ابن حبان في الثقات عن أبي عمران الأنصاري مولى أبي الدرداء وقائدها وهو أيضاً شامي (نيل الأوطار: 8/ 204) .(4/159)
ثم أورد الشوكاني آراء العلماء في جواز التداوي بالمحرمات فقال: قوله صلى الله عليه وسلم عن الخمر: ((إنه ليس بدواء، ولكنه داء)) فيه التصريح بأن الخمر ليست بدواء، فيحرم التداوي بها كما يحرم شربها، وكذلك سائر الأمور النجسة أو المحرمة، وإليه ذهب الجمهور (جمهور الفقهاء) . وقوله صلى الله عليه وسلم: ((ولا تتداووا بحرام)) أي: لا يجوز التداوي بما حرمه الله من النجاسات وغيرها مما حرمه الله، ولو لم يكن نجساً.
قال ابن رسلان في شرح السنن: والصحيح من مذهبنا ـ يعني الشافعية ـ جواز التداوي بجميع النجاسات، سوى المسكر، لحديث العرنيين في الصحيحين، حيث ((أمرهم صلى الله عليه وسلم بالشرب من أبوال الإبل للتداوي)) .
ثم قال: وحديث الباب محمول على عدم الحاجة بأن يكون هناك دواء غيره يغني عنه، ويقوم مقامه من الطاهرات.
قال البيهقي: هذان الحديثان (حديث وائل، وحديث أبي الدرداء) إن صحا محمولان على النهي عن التداوي بالمسكر والتداوي بالحرام من غير ضرورة ليجمع بينهما وبين حديث العرنيين) . انتهى.
ثم يقول الشوكاني معلقاً: (ولا يخفى ما في هذا الجمع من التعسف، فإن أبوال الإبل الخصم يمنع اتصافها بكونها حراماً أو نجساً، وعلى فرض التسليم فالواجب الجمع بين العام، وهو تحريم التداوي بالحرام، وبين الخاص، وهو الإذن بالتداوي بأبوال الإبل: بأن يقال: يحرم التداوي بكل حرام إلا الإبل، هذا هو القانون الأصولي) الترجيح ولكننا يمكن أن نرد على الشوكاني قائلين: إما أن يقاس على الخمر ـ الوارد بشأنها التحريم ـ كل المحرمات والنجاسات فيكون بالتداوي بها حراماً أو أن تخص الخمر بالحرمة ـ لمخاطرها، وأولها الخطر من إدمانها بعكس غيرها من المحرمات ـ ويبقى التداوي بغيرها حلالا.
وأيضاً حديث أبوال الإبل: إما أن يقاس على أبوال الإبل كل المحرمات، فيكون التداوي بها حلالا، أو أن تخص أبوال الإبل بهذا الحكم ويبقى التداوي بغيرها حراماً بناء على الحديثين الواردين بشأن الخمر.(4/160)
وإزاء ذلك وإعمالاً للأحاديث جميعاً، وعلى ضوء سبر علة التحريم في كل هذه المحرمات، وانطلاقاً من مبدأ انفراد الخمر بخواص تخالف غيرها من المحرمات أرى أن رأي الشافعية هو الرأي الراجح، وهو جواز التداوي بجمع النجاسات ـ سوى المسكر ـ وذلك عند عدم وجود دواء غيره يغني عنه، ويقوم مقامه من الطاهرات، فإذا لم يوجد غير المسكر دواء جاز التداوي به للضرورة، إنقاذاً للنفس البشرية من الهلاك ... (1) {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [الآية 173 من البقرة] .
وتطبيقاً لذلك يجوز تداوي النفس البشرية بما أحل الله تناوله والتداوي به، وكما يجوز تداويها بالمحرم إذا تعين علاجاً لها على يد طبيب مسلم حاذق.
جاء في العناية للبابرتي هامش تكملة فتح القدير ج8 ص 134 قوله: (ولا بأس بالحقنة يريد به التداوي إلا أنه لا ينبغي أن يستعمل المحرم كالخمر ونحوها؛ لأن الاستشفاء بالمحرم حرام، قيل: إذا لم يعلم أن فيه شفاء، فإن علم أن فيه شفاء وليس له دواء آخر غيره يجوز له الاستشفاء به، ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: (إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم) يحتمل أن عبد الله قال ذلك في داء عرف له دواء غير محرم؛ لأنه يستغنى بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تنكشف الحرمة عند الحاجة، فلا يكون الشفاء بالحرام، وإنما يكون بالحلال) .
ومثله في (رد المحتار لابن عابدين ج4 ص224 في مطلب في التداوي بالمحرم فقال: (إن صاحب الخانبة والنهابة اختارا جواز بيع الحيات إن انتفع بها في الأدوية، إن علم أن فيه شفاء ولم يجد دواء غيره. قال في النهاية وفي التهذيب يجوز للعليل شرب البول والدم والميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن فيه شفاء ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه، وإن قال الطبيب: يتعجل شفاؤك به فيه وجهان، كذا ذكره الإمام التمرتاشي، وكذا في الذخيرة، وما قيل: إن الاستشفاء بالحرام حرام غير مجرى على إطلاقه، وأن الاستشفاء بالحرام إنما لا يجوز إذا لم يعلم أن فيه شفاء، أما إذا علم وليس له دواء غيره يجوز. ومعنى قول ابن مسعود رضي الله عنه: لم يجعل شفاءكم فيما حرام عليكم (يحتمل أن يكون قال ذلك في داء عرف له دواء غير محرم، لأنه حينئذ يستغنى بالحلال عن الحرام، ويجوز أن يقال: تنكشف الحرمة عند الحاجة فلا يكون الشفاء بالحرام وإنما يكون بالحلال) (2)
__________
(1) ويراجع سبل السالم: 4/ 52 في تحريم التداوي بالخمر لما يتولد عن شربها من أدواء كثيرة
(2) ويراجع رد المحتار: 5/ 283 في (فصل في البيع) .(4/161)
ويؤكد دور الطبيب المسلم في وصف الشيء المحرم دواء ما جاء في رد المحتار جـ 5 ص 383 (وفي التهذيب يجوز للعليل شرب البول والدم والميتة للتداوي إذا أخبره طبيب مسلم أن شفاءه فيه، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه، وإن قال الطبيب: يتعجل شفاؤك به، فيه وجهان، وهل يجوز شرب القليل من الخمر للتداوي فيه وجهان، كذا ذكره التمرتاشي.
قال في الدر المنتقى بعد نقله ما في النهاية (من أنه لا يجوز التداوي إلا بطاهر) وأقره في المنح وغيرها، وقدمنا في الطهارة والرضاع أن المذهب خلافه.
أي أنه يجوز للعليل (عند الحنفية) التداوي بالطاهر، وكذا بالنجس إذا أخبره طبيب مسلم أن شفاءه فيه، ولم يجد من المباح ما يقوم مقامه كما ذكرنا آنفاً.
حكم التداوي بالجرح أو الكي
ولما كان نقل الأعضاء يحتاج إلى جراحة فمن المناسب أن نعرض لبيان حكم الشرع فيما كان التداوي فيه بطريق الجراحة.
فقد وردت في ذلك عدة أحاديث منها:
ما روي عن جابر قال: ((بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بن كعب طبيباً، فقطع منه عرقاً، ثم كواه)) رواه أحمد ومسلم.
وعن جابر أيضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم ((كوى سعد بن معاذ في أكحله (1) مرتين)) رواه ابن ماجه ومسلم بمعناه.
وعن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم ((كوى سعد بن زرارة من الشوكة)) (2) رواه الترمذي وقال: حديث حسن غريب.
وروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الشفاء في ثلاثة: في شرطة محجم، أو شربة عسل، أو كية بنار، وأنهى أمتي عن الكي)) رواه أحمد والبخاري وابن ماجه (3) .
__________
(1) الأكحل عرق في اليد، يفصد. مختار الصحاح
(2) الشوكة: مرض معروف قال في النهاية: هي حمرة تعلو الوجه والجسد
(3) وفي نيل الأوطار أحاديث أخرى 8/ 205 في هذا المعنى. وعن المغيرة بن شعبة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من اكتوى أو استرقى فقد برئ من التوكل رواه أحمد وابن ماجة والترمذي وصححه. وعن عمران بن حصين أن رسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الكي فاكتوينا فما أفلحنا، ولا نجحنا رواه الخمسة إلا النسائي وصححه الترمذي وقال: فما أفلحنا ولا أنجحنا.(4/162)
أما التداوي بالجراحة.
فقد أورد الشوكاني آراء العلماء في هذا الموضوع عند شرحه للحديث الأول فقال: (استدل بذلك الحديث) (فقطع منه عرقاً) على أن الطبيب يداوي بما ترجح عنده، قال ابن رسلان: وقد اتفق الأطباء على أنه متى أمكن التداوي بالأخف لا ينتقل إلى ما فوقه فمتى أمكن التداوي بالغذاء لا ينتقل إلى الدواء، ومتى أمكن بالبسيط لا يعدل إلى المركب، ومتى أمكن بالدواء لا يعدل إلى الحجامة، ومتى أمكن بالحجامة لا يعدل إلى قطع العرق.
وقد روى ابن عدي في الكامل من حديث عبد الله بن جواد ((قطع العروق مسقمة)) كما في الترمذي وابن ماجة ((ترك العشاء مهرمة)) .
وإنما كواه بعد القطع لينقطع الدم الخارج من العرق المقطوع (1)
ومن ذلك يتبين لنا أن العلاج بالجراحة هو آخر أنواع العلاج، وهو جائز شرعاً أخذاً من هذه الأحاديث.
__________
(1) نيل الأوطار: 8/ 205(4/163)
وأما التداوي بالكي (1) .
فقد ((ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كوى سعد بن معاذ)) ، وورد النهي عن الكي ـ كما ورد في الأحاديث المتقدمة، ولذلك قال العلماء: إنه قد جاء النهي عن الكي ـ فحرم الكي ـ وجاء الرخصة فيه بحديث سعد بن معاذ ـ فحرمته عزيمة، وجوازه رخصة، وذلك حيث لا يقدر الإنسان أن يداوي العلة بدواء آخر.
يقول الشوكاني: (وقد جاء النهي عن الكي، وجاءت الرخصة فيه، والرخصة لسعد لبيان جوازه حيث لا يقدر الرجل أن يداوي العلة بدواء آخر، وإنما ورد النهي حيث يقدر الرجل على أن يداوي العلة بدواء آخر، لأن الكي فيه تعذيب بالنار، ولا يجوز أن يعذب بالنار إلا رب النار، وهو الله تعالى، ولأن الكي يبقى منه أثر فاحش.. (2) وهذا ما نرجحه.
إلا أن هذا النوع من العلاج لا يتصل بموضوعنا، ولذلك نؤثر أن ننتقل إلى ما يتصل بموضوع نقل الأعضاء من إنسان لآخر، بعد أن انتهينا إلى قاعدة شرعية.
(وهو جواز التداوي عن طريق الجراحة إذا دعت الضرورة أو الحاجة إلى ذلك) .
__________
(1) وهو أن يحمى حديد ويوضع على عضو معلوم ليحرق ويحبس دمه ولا يخرج أو لينقطع العرق الذي خرج منه الدم.
(2) نيل الأوطار: 8/ 204 وما بعدها(4/164)
• المبحث الثالث
• الضرورات تبيح المحظورات
• حقيقة الضرورة وآثارها
• أنواع المحرمات
• حكم الانتفاع بمال الغير بغير إذنه.
• حكم الانتفاع بالميتة.
الضرورات تبيح المحظورات
هذه قاعدة شرعية أخذت من قوله تعالى عقب ذكر المحرمات في سورة المائدة الآية 3: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}
ومن قوله تعالى أيضاً من سورة البقرة الآية 193: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
ومن قوله تعالى جل شأنه أيضا في سورة الأنعام الآية 145: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
ومن قوله أيضاً جل شأنه في النحل: 115 {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} .
فالمضطر أبيح له في حال الضرورات أن ينال من المحرم بقدر ما يدفع عنه الضرورة غير باغ في أكله (أو استعماله) فوق حاجته، ولا عاد بأن يجد عن هذه المحرمات مندوحة ويأكلها (أو يستعملها) قاله قتادة والحسن والربيع وابن زيد وعكرمة.
وقال السدي: غير باغ في أكلها شهوة وتلذذاً، ولا عاد باستيفاء الأكل إلى حد الشبع.
(ويرى الجمهور من الفقهاء والعلماء أن معنى قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ} هو من صيره الدم والغرث ـ وهو الجوع ـ إلى ذلك (1) أي إلى النيل من هذه المحرمات ...
(وقيل: معناه أكره وغلب على أكل هذه المحرمات) قال مجاهد: يعني أكره عليه كالرجل يأخذه العدو فيكرهونه على لحم الخنزير وغيره من معصية الله تعالى. وعقب القرطبي على هذا الرأي بقوله: (إلا أن الإكراه يبيح ذلك له إلى آخر (حالة) الإكراه.
أي أنه يريد أن يقول: إن الاضطرار غير الإكراه، فالإكراه له حكم، والاضطرار له حكم، فلا يفسر أحدهما بالآخر. فالمكره يباح له الأكل من المحرم الذي أكره عليه إلى أن تزول حالة الإكراه، أما المضطر فإنه يجب عليه أن يأكل من هذه المحرمات لدفع الهلاك عن نفسه، ولكن غير باغ ولا عاد، غير متجاوز حد الضرورة.
__________
(1) القرطبي ج2 ص 225 ـ في مختار الصحاح: (الغرثان) بوزن العطشان، الجائع، والمرأة غرثى، وبابه طرب.(4/165)
تعريف الضرورة:
عرف بعض العلماء الضرورة (بأن يبلغ الإنسان حداً إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب الهلاك (1))
وعرفها الحنفية بأنها: (خوف الضرر أو الهلاك على النفس أو بعض الأعضاء بترك الأكل) (2) .
وعرفها المالكية بأنها: (الخوف على النفس من الهلاك علماً أو ظناً) (3) .
وعرفها الحنابلة بأنها (خوف الإنسان التلف إن لم يأكل المحرم غير السم) (4) .
فالضرورة أن يتعرض الإنسان لظروف تصيره إلى حد يعلم ـ أو يظن ـ أو يخاف أنه إن لم يتناول المحرم ـ غير السم ـ هلك، أو قارب الهلاك ـ هلك جميعه، أو هلك بعضه ... أو قارب الهلاك أي منهما.
والمعيار في تقدير الوقوع في الضرورة هو معيار شخصي، كما هو واضح من تعبير الفقهاء بـ (العلم) أو (الظن) وكذا تعبيرهم (بالخوف) إذ خوفه على نفسه في هذه الحالة إنما يكون إثر علمه بأنه إن لم يتناول هذا المحرم هلك كلا أو بعضاً أو إثر ظنه هذه النتيجة، بأن كان احتمال الهلاك راجحاً عن احتمال النجاة عنده.
فمن بدأ التعريف بالخوف.. بدأه بأثر العلم أو الظن بوقوع الهلاك، والخوف حالة نفسية تعتري الإنسان إثر علمه بذلك فتحدث له آثاراً عضوية من اصفرار وجه وارتعاش أعضاء، وأرق وما إلى ذلك وهي تختلف من شخص إلى شخص طبقاً لما يحيط به من ظروف، وما يدركه من أبعاد للآثار الناجمة عن ابتعاده عن تناول المحرم وما يتميز به من معارف لآثار هذا الابتعاد وهذا الامتناع ...
وإذا توافر ذلك للإنسان كان الإنسان في هذه الحالة مضطراً، وآثار وقوعه في هذه الحالة نبينها فيما يلي:
أثر الضرورة: لا خلاف بين أهل العلم في أن الضرورة ... تبيح تناول المحرم لأن ذلك ثابت بكتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإجماع المسلمين.
قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} [الآية 173 من سورة البقرة وتقدمت] إلا أن المحرمات معدودة ومتنوعة، ومنها ما هو مال، ومنها ما ليس بمال.. ولذلك يحسن أن نبين موقف المضطر من هذه الأنواع.
__________
(1) الأشباه للسيوطي ص 85 والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح الحرام ويبيح الفطر في الصوم، والمنشور من القواعد للزركشي الشافعي ج2 ص 219
(2) أحكام القرآن للجصاص: ج1 ص 159
(3) الشرح الكبير: ج2 ص 103
(4) الروض المربع: ج2 ص 356 ـ 357(4/166)
أنواع المحرمات: والمحرمات أنواع:
النوع الأول: تناول مال الغير دون إذنه، فمال الغير محرم إلا بإذنه. قال صلى الله عليه وسلم: ((كل مسلم على المسلم حرام دمه، وماله، وعرضه)) رواه مسلم في صحيحه (1776 مختصر) وقد قسم الفقهاء هذا المال إلى نوعين:
- (نوع لا يجب في أخذه حد السرقة وهو القطع) .
- ونوع يجب فيه.
فأما الأول: فكالتمر المعلق على الشجر، وحريسة الجبل (1) (وهي الشاة التي ليست في حرز، وإنما يحرسها الجبل) ونحو ذلك مما لا قطع فيه، فإن المضطر يلزمه أن يتناول من هذه الأموال أولاً إذا وجدت ووجد معها النوع الثاني (وهو ما فيه قطع) وهذا مما لا اختلاف فيه بين العلماء لحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: بينما نحن مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر إذ رأينا إبلا مصرورة (2) بعضاة الشجر فثبنا إليها، فنادانا رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجعنا إليه، فقال: ((إن هذه الإبل لأهل بيت من المسلمين هو قوتهم ويمنهم (3) بعد الله، أيسركم لو رجعتم إلى مزاودكم فوجدتم ما فيها قد ذهب به، أترون ذلك عدلاً؟)) قالوا: لا، فقال: ((إن هذه كذلك)) قلنا: أفرأيت إن احتجنا إلى الطعام والشراب؟ فقال: ((كل ولا تحمل، واشرب ولا تحمل)) أخرجه ابن ماجة رحمه الله، وقال: هذا الأصل عندي.
وذكره ابن المنذر قال: قلنا: يا رسول الله، ما يحل لأحدنا من مال أخيه إذا اضطر إليه؟
قال: ((يأكل ولا يحمل، ويشرب ولا يحمل)) . قال ابن المنذر: وكل مختلف فيه بعد ذلك فمردود إلى تحريم الله الأموال.
__________
(1) الحريسة: الشاة تسرق ليلاً، وفي الحديث: لا قطع في حريسة الجبل أي ليس فيما يحرس بالجبل قطع؛ لأنه ليس بحرز
(2) مصرورة: مربوطة الضروع
(3) ويمنهم ـ كذا في سنن ابن ماجة ـ أي بركتهم وخيرهم، وفي الأصول: (قيمهم) القرطبي ج2 ص 225.(4/167)
وأما الثاني: وهو المال الذي يجب في أخذه عقوبة القطع فقد نقل القرطبي عن أبي عمر بأنه يجب أن يرد رمقه، وتنقذ حياته (أي المضطر) فقال: قال أبو عمر: (وجملة القول في ذلك أن المسلم إذا تعين عليه رد رمق مهجة المسلم وتوجه الفرض في ذلك، بأن لا يكون هناك غيره قضى عليه بترميق تلك المهجة الآدمية، وكان للممنوع منه ماله من ذلك محاربة من منعه ومقاتلته، وإن أتى ذلك على نفسه، وذلك عند أهل العلم إذا لم يكن هناك إلا واحد لا غير، فحينئذ يتعين عليه الفرض.
فإن كانوا كثيراً أو جماعة وعدداً كان ذلك عليهم فرضاً على الكفاية، والماء في ذلك وغيره مما يرد نفس المسلم ويمسكها سواء إلا أنهم اختلفوا في وجوب رد قيمة ذلك الشيء على الذي ردت به مهجته، ورمق به نفسه، فأوجبها موجبون، وأباها آخرون، وفي مذهبنا (المالكية) القولان جميعاً.
(ولا خلاف بين أهل العلم متأخريهم ومتقدميهم في وجوب رد مهجة المسلم عند خوف الذهاب والتلف بالشيء اليسير الذي لا مضرة فيه على صاحبه، وفي البلغة) (1) .
ومن هذا النص يتبين لنا أن المضطر إلى الأكل من مال الغير عليه أن يرد رمقه، وينفذ نفسه بالأكل من مال الغير، وعلى الغير أن يقدم ذلك له. وأن المضطر يجوز له أن يقاتل من لديه مال زائد عن حاجته يمتنع عن تقديمه له حتى ينقذ نفسه، إلا أنه لا يقاتله بسلاح لمكان حق الملكية الثابتة له على ماله.
- كما يقول الحنفية ... وإن حق صاحب المال ينتقل بعد ذلك إلى قيمة ما أكله المضطر من ماله فيلزمه فيمته عند جمهور الفقهاء احتراماً لحق الملكية ...
__________
(1) القرطبي ج2 ص 225 - 226 والبلغة ـ بضم وسكون اللام ـ ما يتبلغ به من العيش، وتبلغ بكذا أي اكتفى به.(4/168)
وجاء في رد المحتار ج5 ص 331 (الأكل) للغذاء، والشرب للعطش ولو من حرام أو ميتة أو مال غيره، وإن ضمنه (فرض) يثاب عليه بحكم الحديث (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله ليؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها العبد إلى فيه)) ولكن مقدار ما يدفع الإنسان الهلاك عن نفسه، فإن ترك الأكل والشرب حتى هلك فقد عصى، لأن فيه إلقاء النفس إلى التهلكة وأنه منهي عنه في محكم التنزيل بخلاف من امتنع عن التداوي حتى مات إذ لا يتيقن بأنه يشفيه كما في الملتقى وشرحه) وجاء في الاختيار ج3 ص 129:
(ومن اشتد جوعه حتى عجز عن طلب القوت ففرض على كل من علم به أن يطعمه أو يدل عليه من يطعمه؛ صوناً له عن الهلاك، فإن امتنعوا من ذلك حتى مات اشتركوا في الإثم، قال عليه الصلاة والسلام: (ما آمن بالله من بات شبعان، وجاره إلى جنبه طاو) . وقال عليه الصلاة والسلام: ((أيما رجل مات ضياعاً بين أقوام أغنياء فقد برئت منهم ذمة الله، وذمة رسوله)) . وإن أطعمه واحد سقط عن الباقين.
وكذا إذا رأى لقيطاً أشرف على الهلاك، أو أعمى كاد أن يتردى في البئر، وصار هذا كإنجاء الغريق) .
النوع الثاني: تناول الميتة والانتفاع بها:
لقد نص القرآن الكريم على إباحة تناول الميتة وغيرها من المحرمات عند الضرورة، قال تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . [الآية 3 من سورة المائدة] (1) .
__________
(1) وتراجع الآية 173 من سورة البقرة، والآية 145 من سورة الأنعام، والآية 115 من سورة النحل.(4/169)
حكم أكلة الميتة للمضطر
- وقد اتفق الفقهاء على أن المضطر إلى أكل الميتة يحل له الأكل منها، ولكن لا يأكل منها إلا مقدار ما يسد الرمق (1) ـ كما هو رأي الحنفية ورواية عن مالك، والشافعية، والهادوية ـ أو يتناول منها إلى أن تأخذ النفس حاجتها من القوت ـ وهو رواية عن مالك، وقول للشافعي ثان (2) .
- وقيل: يجوز أكل المعتاد للمضطر في أيام عدم الاضطرار ـ قال الحافظ: وهو الراجح عندي (3) .وقد نقل ابن رشد عن مالك أنه قال: (حد ذلك الشبع والتزود منها حتى يجد غيرها) (4) .
- وفي ترجيح الرأي الأول يقول الشوكاني: (والآية الكريمة قد دلت على تحريم الميتة، واستثني ما وقع الاضطرار إليه، فإذا اندفعت الضرورة لم يحل الأكل كحالة الابتداء، ولا شك أن سد الرمق يدفع الضرورة)
ومن ثم أخذت القاعدة الشرعية (الضرورة تقدر بقدرها) .
وإذا كان هذا هو حكم الأكل من الميتة في حالة الاضطرار، فإننا نتساءل عن حكم التداوي بالميتة، ومن المعلوم أن التداوي لإزالة علة أو مرض أمر مطلوب شرعاً كما سبق أن بيناه، ونوضح حكم التداوي بالميتة في الفقه الإسلامي فيما يلي:
__________
(1) القرطبي ج2 ص 229، والأشباه للسيوطي 3ص 84، ولابن نجيم ص 85، 86 والروض المربع ج2 ص 357
(2) نيل الأوطار: ج8 ص 151، ويراجع الأحاديث الواردة في هذا الشأن.
(3) بداية المجتهد ج1 ص 461
(4) بداية المجتهد ج1 ص 461(4/170)
- المبحث الرابع
- التداوي بالميتة
- حكم التداوي بها قبل تغيرها
- حكم التداوي بها بعد تغيرها
- حكم الانتفاع بميتة الإنسان
حكم التداوي بالميتة
التداوي بالميتة: يحتاج إلى تفصيل:
وذلك أن التداوي بها إما أن يكون باستعمالها قائمة العين لم تمسها يد التغيير والتحويل، أو أن تمسها يد التغيير والتحويل.
فأما الحالة الأولى: وهي ما إذا كانت الميتة قائمة بعينها فقد اختلف في حكمها، فيرى البعض جواز التداوي بها، وقد احتجوا بإباحة النبي صلى الله عليه وسلم الحرير لعبد الرحمن بن عوف لمكان حكة به، فقد روي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم رخص لعبد الرحمن بن عوف، والزبير في لبس الحرير لحكة كانت بهما، رواه الجماعة (1) . فإذا أبيح لبس الحرير لعبد الرحمن بن عوف من أجل ما ألم به من مرض ـ والحرير حرام على الرجال لبسه ـ فإنه يقاس عليه التداوي بالميتة طلباً للبرء والشفاء مما ألم بالإنسان من أمراض.
- ويرى البعض الآخر منع التداوي بالميتة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يجعل شفاء أمتي فيما حرم عليها)) والميتة محرمة بكتاب الله تعالى. فلا يجوز التداوي بها.
- الترجيح: قد سبق أن بينا آراء العلماء في حكم التداوي بالمحرمات تفصيلاً ورجحنا رأي الشافعية في أنه يجوز التداوي بها إلا التداوي بالخمر فإنه لا يجوز إلا عند الضرورة.
ومن بين المحرمات (الميتة) ورجحنا رأي الحنفية أنه يجوز التداوي بالمحرم إذا تعين علاجاً لها على يد طبيب مسلم حاذق.
__________
(1) إلا أن لفظ التمرمذي (أن عبد الرحمن بن عوف والزبير شكوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم القمل، فرخص لهما في قمص الحرير في غزاة لهما) نيل الأوطار: ج2 ص 88 ـ 89(4/171)
وأما الحالة الثانية: وهي استعمال الميتة بعد تغييرها وتحويلها إلى مادة أخرى، هذه الحالة قد أشار إليها القرطبي فقال: (فإن تغيرت (الميتة) بالإحراق فقال ابن حبيب يجوز التداوي بها والصلاة، وخففه الماجشون بناء على أن الحرق تطهير لتغير الصفات، وفي العتبية من رواية مالك في المرتك (ضرب من الأدوية) يصنع من عظام الميتة إذا وضعه في جرحه لا يصلي به حتى يغسله.
الترجيح: والظاهر أن الرأي الأول هو الراجح، لأنها تحولت إلى مواد آخرى، ولم تبق فيها خواصها، بل أصبحت رماداً، أو مواد أخرى لها خواصها، ومن ثم لا يظهر تعلق الحرمة بها، فيجوز التداوي بها.
الخلاصة:
ومن هذا المبحث نأخذ أنه يجوز التداوي بالميتة سواء كانت قائمة العين ولم تمسها يد التغيير والتبديل، أو غير قائمة العين بأن مستها يد التغيير والتبديل فحولتها من حالة إلى حالة أخرى.(4/172)
حكم الانتفاع بميتة الإنسان
لما كانت الميتة تارة تكون ميتة حيوان يحل أكله أو لا يحل أكله، وتارة تكون ميتة إنسان، فإنه من المتفق عليه أنه إذا توافرت هذه الأنواع من الميتة جميعها فإنه يبدأ بالانتفاع بميتة الحيوان الذي يحل أكله، ويأتي بعد الحيوان الذي لا يحل أكله وأخيراً ميتة الإنسان.
ونبسط الحديث عن النوع الأخير مبينين آراء الفقهاء في الانتفاع بميتة الإنسان في حالة الاضطرار. ثم نتبع بما نرى ترجيح الأخذ به:
1- آراء الفقهاء في الانتفاع بميتة الإنسان عند الاضطرار.
الحنفية: جاء في الأشباه لابن نجيم ص 87: (ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر ولا شيئاً من بدنه) (وجاء في رد المحتار على الدر المختار ج5 ص (331) : (الأكل للغذاء والشرب للعطس ولو من حرام أو ميتة أو مال غيره وإن ضمنه فرض يثاب عليه بحكم الحديث (1) . ولكن مقدار ما يدفع الهلاك عن نفسه، ومأجور عليه، وهو مقدار ما يتمكن به من الصلاة قائماً، ومن صومه....
ثم علق عليه ابن عابدين على قوله: (ولو من حرام) بقوله: (ولو خاف الهلاك عطشاً وعنده خمر له شربه قدر ما يدفع العطش إن علم أنه يدفعه (بزازية) ويقدم الخمر على البول (تاترخانية) ثم علق على قوله: (وإن ضمنه (بقوله: لأن الإباحة للاضطرار لا تنافي الضمان، وفي البزازية خاف الموت جوعاً، ومع رفيقه طعام أخذ بالقيمة منه قدر ما يسد جوعه، وكذا يأخذ قدر ما يدفع العطش، فإن امتنع قاتله بلا سلاح، فإن خالف الرفيق والموت جوعاً أو عطشاً ترك له البعض، وإن قال له آخر: اقطع يدي وكلها، لا يحل، لأن جسم الإنسان لا يباح في الاضطرار لكرامته..) .
وجاء في البدائع ج5 ص 132: (ولو سقط سنه يكره أن يأخذ سن ميت فيشدها مكان الأولى بالإجماع، وكذا يكره أن يعيد تلك السن الساقطة مكانها عند أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله، ولكن يأخذ سن شاة ذكية فيشدها مكانها.
وقال أبو يوسف رحمه الله: لا بأس بسنه، ويكره سن غيره، قال، ولا يشبه سنه سن ميت. استحسن ذلك، وبينهما عندي فصل، ولكن لم يحضرني (ووجه) الفصل من وجهين أحدهما أن سن نفسه جزء منفصل للحال عنه لكنه يحتمل أن يصير متصلاً في الثاني، بأن يلئتم فليتئم بنفسه فيعود إلى حالته الأولى، وإعادة جزء منفصل إلى مكانه ليلتئم جائز، كما إذا قطع شيء من عضو فأعاده إلى مكانه، فأما نفس غيره فلا يحتمل ذلك.
والثاني أن استعمال جزء منفصل عن غيره من بني آدم إهانة بذلك الغير، والآدمي بجميع أجزائه يكرم ولا إهانة في استعمال جزء نفسه في الإعادة إلى مكانه.
(وجه) قولهما: إن السن من الآدمي جزء منه إذا انفصل استحق الدفن ككله، والإعادة صرف له عن جهة الاستحقاق فلا تجوز وهذا لا يوجب الفصل بين سنه وسن غيره.
__________
(1) قال صلى الله عليه وسلم: إن الله ليؤجر في كل شيء حتى اللقمة يرفعها العبد إلى فيه(4/173)
المالكية:
وجاء في الشرح الكبير للدسوقي ج2 ص 103: وأما الآدمي فلا يجوز تناوله ... ) .
أي سواء كان حياً أو ميتاً، ولو مات المضطر، هذا هو المنصوص لأهل المذهب، وتقدم آخر الجنائز أن بعضهم صحح أكله للمضطر إذا كان ميتاً، ولا فرق بين المسلم والكافر فيما ذكر.
وقد بين أن الذي صحح أكله هو ابن عبد السلام فقال (ج1 ص 345) : (والنص المعول عليه (عدم جواز أكله) أي أكل الآدمي الميت، ولو كان كافراً (لمضطر) ولو مسلماً لم يجد غيره، إذ لا تنتهك حرمة آدمي لآخر ... (وصحح أكله) أي صحح ابن عبد السلام القول بجواز أكله للمضطر.
وعلق على قوله: (لم يجد غيره) بقوله: هذا محل الخلاف أما لو وجد غيره فلا يجوز أكله قولاً واحداً.
الشافعية: جاء في مغني المحتاج ج4 ص 307: (وله أي للمضطر أكل آدمي ميت) إذا لم يجد ميتة غيره.. لأنه حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، ويستثنى من ذلك ما إذا كان الميت نبيا فإنه لا يجوز الأكل منه جزماً ـ كما قاله إبراهيم المروزي وأقره، وما إذا كان الميت مسلماً والمضطر كافراً، فإنه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام، بل لنا وجه أنه لا يجوز أكل الميت المسلم. ولو كان المضطر مسلماً) .
الحنابلة: جاء في المغني مع الشرح الكبير ج11 ص 79: (وإن وجده ـ أي مباح الدم كالحربي والمرتد ـ ميتاً أبيح أكله، لأن أكله مباح بعد قتله، فكذلك بعد موته معللاً ذلك بأنه لا حرمة، فهو بمنزلة السباع) .
وإن وجد معصوماً ميتاً لم يبح أكله في قول أصحابنا (أي الحنابلة) .
وقال الشافعي وبعض الحنفية: يباح، وهو أولى، لأن حرمة الحي أعظم، وقال أبو بكر بن داود: أباح الشافعي أكل لحوم الأنبياء.
واحتج أصحابنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) .
واختار أبو الخطاب أن له أكله، وقال: لا حجة في الحديث ههنا، لأن الأكل من اللحم لا من العظم، والمراد بالحديث التشبيه في أصل الحرمة لا في مقدارها بدليل اختلافهما في الضمان والقصاص ووجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت) فالراجح في مذهب الحنابلة هو جواز أكل المضطر من لحم الميت المعصوم، ويجوز بالاتفاق الأكل من غير المعصوم عندهم.(4/174)
الزيدية: جاء في التاج المذهب ج3 ص 473:
(والمباح من أكل الميتة عند الضرورة لمن خشي التلف حالاً أو مآلا، إنما هو سد الرمق منها ...
ويقدم وجوباً الأخف فالأخف عند الاضطرار، ولا يعدل إلى الأغلظ تحريماً مع وجود الأخف، فمن أبيح له الميتة قدم ميتة المأكول، ثم ميتة غيره، ثم ميتة الكلب، ثم ميتة الخنزير، ثم ميتة الدب، ثم الحربي حياً المكلف الذكر بعد الذبح بضرب العنق الشرعي، أو ميتاً، ثم ميتة الذمي، ثم ميتة المسلم، ثم مال الغير بنية الضمان ثم دابة حية له غير المأكولة بعد ذبحها، ثم دابة لغيره بنية الضمان.
إلى بضعة منه ـ أي من نفسه حيث لا يخاف من قطعها ما يخاف من الجوع) . وجاء في القرطبي ج2 ص 229 عن تفسير قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} [الآية 173 من سورة البقرة] ... ثم إذا وجد المضطر ميتة وخنزيراً ولحم ابن آدم أكل الميتة لأنها حلال في حال، والخنزير وابن آدم لا يحل بحال، والتحريم المخفف أولى أن يقتحم من التحريم المثقل، كما لو أكره أن يطأ أخته أو أجنبية، وطئ الأجنبية لأنها تحل له بحال، وهذا هو الضابط لهذه الأحكام.
ولا يأكل ابن آدم ولو مات، قاله علماؤنا، وبه قال أحمد وداود.
واحتج أحمد بقوله عليه السلام: (كسر عظم الميت ككسره حياً) .
وقال الشافعي: (يأكل لحم ابن آدم، ولا يجوز له أن يقتل ذمياً؛ لأنه محترم الدم، ولا مسلماً ولا أسيراً؛ لأنه مال الغير. فإن كان حربياًَ أو زانياً محصناً جاز قتله والأكل منه.
وشنع داود على المزني بأن قال: (قد أبحت أكل لحوم الأنبياء) فغلب عليه ابن شريح بأن قال: (فأنت قد تعرضت لقتل الأنبياء إذ منعتهم من أكل الكافر) .(4/175)
قال ابن العربي: (الصحيح عندي ألا يأكل الآدمي. إلا إذا تحقق أن ذلك ينجيه ويحييه، والله أعلم.
المقارنة والترجيح: ومن هذه النصوص الفقهية يتضح لنا ما يأتي:
أولاً: يجب التفرقة بين الانتفاع بأجزاء الآدمي الحي، وأجزاء الآدمي الميت.
ونخص البحث في هذه الفقرة بأجزاء الآدمي الميت.
ثانياً: أن الانتفاع بأجزاء الآدمي الميت في حالة الاضطرار قد اختلف الفقهاء في إباحته إلى رأيين:
الرأي الأول: يرى الحنفية والمالكية (خلافاً لابن عبد السلام) والظاهرية، عدم جواز الانتفاع بأجزاء الإنسان الميت، منعاً من انتهاك حرمة الآدمي. ولقوله عليه الصلاة والسلام: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) .
الرأي الثاني: يرى جمهور الفقهاء (بعض الحنفية، وبعض المالكية، والشافعية والحنابلة والزيدية) جواز الانتفاع بأجزاء ميتة الآدمي، وقد عللوا ذلك بأن حرمة الآدمي الحي أعظم من حرمة الميت.
وقد رد أبو الخطاب من علماء الحنابلة على الحديث المتقدم (كسر عظم الميت ... ) بأن المراد بالحديث التشبيه في أصل الحرمة، لا في مقدارها، بدليل اختلافهما في الضمان، والقصاص، ووجوب صيانة الحي بما لا يجب به صيانة الميت) .(4/176)
الترجيح:
والذي أرجحه هو جواز الانتفاع بأجزاء الآدمي الميت عند الضرورة، سواء كان معصوماً أو غير معصوم، إحياء للنفس الآدمية ومداً لأسباب البقاء لها ... وبخاصة أن النفس الميتة إن لم ينتفع بها تحللت وصارت تراباً ... فإنقاذ نفس حية بشيء من نفس ميتة حفاظ على النفس، وإحياء لها، هو هدف مشروع ومصلحة مقررة شرعاً ومعتد بها فضلاً عن أن رعاية مصلحة الحي في امتداد حياته، أولى من رعاية مصلحة الميت في عدم المساس بجسمه، إذ جسمه إلى تحلل وإلى فناء.
ثالثا: أنه على القول بإباحة الانتفاع بالآدمي الميت عند الاضطرار فإنه قد وضعت شروط هذا الانتفاع وهي:
1- ألا توجد ميتة أخرى غير ميتة الآدمي، فإذا وجدت ميتة أخرى لا يحل الانتفاع بميتة الآدمي.
2- أن يكون المضطر معصوم الدم، وذلك لأنه لو كان مستحق القتل شرعاً، كان دمه غير معصوم، وحياته إلى زوال بتنفيذ حكم الشرع فيه، ومن ثم فلا يجوز شرعاً العمل على مد أسباب حياته في الوقت الذي فيه يرى الشرع إنهاء حياته حقاً لله تعالى فكان ذلك معارضة للشرع، ومضادة لأحكامه، وهو ما لا يجوز ولا يحل ...
3- أنه يجب أن يكون المنتفع مضطراً إلى هذا الانتفاع، وقد سبق أن أوضحنا المقصود بالاضطرار وبينا أنه لم يتناول المحرم هلك كله أو بعضه.
ويلزم هنا أن نتعرض لبيان ما إذا كانت الحاجة تبيح للإنسان أن يتناول أو ينتفع بالمحرمات..، قياساً على حالة الضرورة.(4/177)
وللإجابة عن ذلك نقول: إن القرآن الكريم قد عبر عن ذلك بأوضح تعبير وبينه أوفى بيان، إذ أنه بعد ذكر المحرمات: قال {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ} فالمستثنى من الوقوع في المحرم هو من وقع في حالة الاضطرار لا في أي حالة غيرها، حاجية أو تحسينية.
ومن ثم فلا يجوز هذا الانتفاع إلا في حالة الضرورة، وإلا لضاعت الحكمة من تحريم هذه المحرمات باتساع دائرة الإباحة عند الحاجة مما يفقد التحريم حكمته والغاية منه.
4- كذلك يجب أن يكون هناك إذن بالانتفاع بأجزاء الميت وهذا الإذن، يمكن أن يكون صادراً من الميت قبل موته، باعتبار أن له ولاية على نفسه، ويمكن أن يكون صادراً من ورثته بعد موته، وهم من لهم الحق في ميراث تركته شرعاً، ولهم المطالبة بالقصاص في حالة الجناية عليه عمداً، فإذا اتفقا على التبرع بجزء منه فلا إشكال، وكذا إذا اتفقنا على المنع فلا يؤخذ شيء منه، أما إذا اختلفت وصية الميت عن رأي الورثة، فإن كان الميت قد أوصى بالانتفاع ببعض أجزائه، وهم لم يوافقوا فإنني أرى أن نعتد بوصيته؛ لأن ولايته على نفسه مقدمة على ولايتهم، ولذلك شبيه في الفروع الفقهية، وذلك فيما إذا عفا المجني عليه قبل موته من الجاني، فإن فقهاء الحنفية اعتبروا عفوه وأخذوا به وجعلوه مقدماً على رأي الأولياء فيما إذا طالبوا بالقصاص، وأسقطوا القصاص أخذاً بعفوه ... وأما إذا رفض هو التبرع بأجزاء منه بعد وفاته، ثم وافق الورثة على هذا الانتفاع، فإنني أرى ترجيح جانب الورثة هنا تحقيقاً لمصلحة راجحة، وهي بقاء نفس إنسانية حية، ودرء المفسدة محققة، وهي دفع الهلاك عن هذا الإنسان الذي يراد نقل العضو الميت إليه، وفي الوقت نفسه ليس هناك ضرر على الإطلاق بالنفس المراد أخذ العضو منها لأنها هي وأعضاؤها لا تلبث أن تفنى وتصير تراباً، ولا شك أن الانتفاع بها قبل تحويلها إلى هذا المصير أولى بالاعتداد وأرجح في الاعتبار ومن ثم كان العمل بإرادة الولي هنا أرجح من العمل بإرادته هو، وهذا يتمشى مع رأي الظاهرية الذين يجعلون الرأي للولي أخذاً من قوله تعالى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} الإسراء: 33.(4/178)
المبحث الخامس
حكم
الانتفاع ببعض أجزاء الإنسان الحي
لمنفعة نفسه في حال الضرورة
حكم الانتفاع ببعض أجزاء الإنسان الحي
لمنفعة نفسه في حال الضرورة
في هذه الفترة من البحث يلزمنا أن نفصل حالات هذا الانتفاع سواء من ناحية الشخص المنتفع، أو من ناحية حال الشخص المنتفع منه، ومن ناحية الجزء المنتفع به وآثاره على الشخص المأخوذ منه، ومن ناحية المنهج والأسلوب الذي يمكن به أخذ هذا العضو، سواء كان من نفسه إلى نفسه أو من نفسه إلى غيره.
المبحث الأول
انتفاع الشخص بجزء من نفسه لنفسه في حالة الضرورة
وهنا يلزمنا أن نوضح أن ما يحتاج الإنسان إليه من أجزاء بدنه تارة يكون للتصحيح والتعويض، وتارة يكون لإنقاذ حياته ونوضح حكم كلا النوعين فيما يلي:
النوع الأول: أن يكون ما يحتاج إليه من نفسه للتصحيح والتعويض كأن يكون به عيب ظاهر فيحتاج إلى إصلاح هذا العيب الظاهر ـ كما يحدث عقب الحروق والحوادث التي قد تبتر عضواً أو تحدث به منظراً غير مألوف ـ كالأذن أو الأنف ـ أو قد يولد الإنسان بهذه الكيفية ويمكن عن طريق الجراحة إصلاح هذا العيب.
فهذا النوع من الجراحات التصحيحية يمكن القول بجوازه قياساً على جواز أخذ شيء من بدنه ليأكله إذا كان مضطراً ـ كما هو رأي الشافعية والزيدية - وسيأتي إيضاحه.
ولا يعتبر ذلك تغييرا للخلقة بل هو إعادة لها إلى حالتها الطبيعية، إعادة لها إلى حالتها المألوفة ونسقها وهيئتها المعتادة، وإبعاد لما قد يصاحب بقاءها من منظر متغير، أو شكل غريب ملفت للنظر وهيئتها المعتادة، وكل ذلك غرض وهدف لا يأباه الشرع الحكيم.
أما الجراحات التجميلية والتي يقصد بها الغلو في مقاييس الجمال، كترقيق الأنف أو تفليج الإنسان أو نحو ذلك فهذا النوع من الجراحات يدخل في دائرة المنهي عنه في الحديث الشريف، وهو ما روي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الحديث الشريف، قال: ((لعن الله الواشمات والمستوشمات، والنامصات والمتنمصات، والمتفلجات للحسن المغيرات خلق الله)) قال: (فبلغ ذلك امرأة من بني أسد، يقال لها: أم يعقوب، وكانت تقرأ القرآن، فأتته، فقالت: ما حديث بلغني عنك أنك لعنت الواشمات والمستوشمات، والمتنمصات والمتلفجات للحسن المغيرات خلق الله؟ فقال عبد الله: وما لي لا ألعن من لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في كتاب الله عز وجل؟ فقالت المرأة: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فما وجدته. فقال: لئن كنت قرأتيه لقد وجدته؛ قال الله عز وجل: {وَمَا آَتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} ... صحيح مسلم.
النوع الثاني: أن يكون ما يحتاج إليه الإنسان من نفسه تتوقف عليه حياته، وقد صور الفقهاء ذلك في صورة أن يشتد به الجوع ولا يجد ما يأكله، فيلجأ إلى قطع جزء من نفسه ليأكله فتمتد به حياته بعض الوقت إلى أن يجد مخرجاً من حالة الاضطرار أو المخمصة.(4/179)
ونعرض فيما يلي بعضاً من النصوص الفقهية:
الحنفية: يرى الحنفية أنه لا يجوز أن يقطع الإنسان جزءاً من بدنه في حالة اضطراره.
جاء في الأشباه لابن نجيم ص 87 عند شرح قاعدة الضرر لا يزال بالضرر (أنه لا يأكل المضطر طعام مضطر آخر، ولا شيئاً من بدنه) .
فهذا يدل على أن الحنفية لا يجيزون للإنسان في حالة الضرورة أن يتناول شيئاً من بدنه؛ لأن الضرر لا يزال بالضرر.
وقال محمد بن الحسن: (ولا بأس بالتداوي بالعظم إذا كان عظم شاة أو بقرة أو بعير أو فرس، أو غيره من الدواب، إلا عظم الخنزير والآدمي، فإنه لا يمكن التداوي بهما، ولا فرق بين أن يكون ذكياً أو ميتاً أو رطباً أو يابساً) (1) .
الشافعية:
أجاز الشافعية انتفاع المضطر بجزء من بدنه ـ على الأصح ـ بشرط عدم وجود غير هذا السبيل، وأن يكون الخوف في قطع هذا الجزء أقل من الخوف في ترك الأكل، فإن كان مثله أو أكثر حَرُمَا جزماً.
جاء في مغنى المحتاج ج4 ص 310: (والأصح) حيث لم يجد المضطر شيئاً يأكله (تحريم قطع بعضه) كجزء من فخذه (لأكله) لأنه قد يتولد منه الهلاك.
قلت: أخذاً من الرافعي في الشرح (الأصح جوازه) لأنه إتلاف بعضه لاستبقاء كله، فأشبه قطع اليد بسبب الأكلة.
وشرطه ـ أي الجواز ـ أمران:
أحدهما: فقد الميتة ونحوها مما مر.
والأمر الثاني: أن يكون الخوف في قطعه أقل من الخوف في ترك الأكل، فإن كان مثله أو أكثر حَرُمَ جزماً.
فإن قيل: قد تقدم في قطع السلعة (2) الجواز عند تساوي الخطرين فلا كان هذا كذلك؟ أجيب بأن السلعة لحم زائد على البدن، وفي قطعها إزالة الشين، وتوقع الشفاء، ودوام البقاء، فهو من باب المداواة، بخلاف هذا، فإن فيه إفساداً وتغييراً لبنيته، وليس من باب المداوة.
ولهذا قيد البلقيني محل القطع هذا بما إذا لم يكن ذلك المقطوع يجوز قطعه في غير الأضرار، فإن كان كالسلعة واليد المتآكلة حيث جاز قطعها، فيجوز ذلك في حال الاضطرار ـ قطعاً.
الحنابلة:
جاء في المغني مع الشرح الكبير ج11 ص 79:
فإن لم يجد المضطر شيئاً لم يسمح له أكل بعض أعضائه.
وقال بعض أصحاب الشافعي له ذلك، لأن له أن يحفظ الجملة بقطع عضو، كما لو وقعت فيه الأكلة.
ولنا (الحنابلة) أن أكله من نفسه ربما قتله، فيكون قاتلا نفسه، ولا يتيقن حصول البقاء بأكله، أما قطع الأكلة فإنه يخاف الهلاك بذلك العضو، فأبيح له إبعاده ودفع ضرره المتوجه منه بتركه، كما أبيح قتل الصائل عليه ولم يكن له قتله ليأكله.
__________
(1) الفتاوى الهندية: ج5 ص 354
(2) السلعة: المتاع، وهي أيضاً زيادة في البدن كالغدة تتحرك إذا حركت وقد تكون من حمصة إلى بطيخة ـ مختار الصحاح(4/180)
الزيدية:
جاء في شرح الأزهار ج4 ص 97:
ويقدم الأخف فالأخف عند الاضطرار، ولا يعدل إلى الأغلظ تحريماً مع وجود الأخف، فمن أبيح له الميتة، قدم ميتة المأكول، ثم ميتة غيره، ثم ميتة الكلب، ثم ميتة الخنزير، ثم الحربي حيا (1) . أو ميتاً ثم ميتة الذمي، ثم ميتة المسلم، ثم مال الغير، ثم دابة حية له، ثم لغيره بعد ذبحها، إلى بضعة منه أي من نفسه، حيث لا يخاف من قطعها ما يخاف من الجوع؛ كقطع المتآكلة حذراً من السراية) .
المقارنة والترجيح:
يتضح لنا مما تقدم أن الفقهاء قد اختلفوا فيما لو اضطر الإنسان إلى الانتفاع بجزء منه لإنقاذ حياته إلى رأيين:
الرأي الأول: يرى الحنفية وبعض الشافعية والحنابلة أنه لا يجوز للإنسان أن يقطع شيئاً من بدنه لينتفع به في إنقاذ حياته، وقد عللوا ذلك بأمرين:
أولاً: أن ما أبين من الحي فهو ميت، وإن الميت يجب مواراته التراب، فالانتفاع به تغيير لما وجب بشأنه، ويستفاد هذا من كلام الحنفية.
ثانياً: أنه قد يتولد الهلاك من قطع جزء من بدنه، والضرر لا يزال بالضرر؛ إذ ربما قطع هذا الجزء أدى إلى قتله فيكون قاتلاً نفسه، وقاتل النفس عمداً خالد مخلد في نار جهنم أبداً.
الرأي الثاني: يرى الشافعية على الأصح والزيدية جواز أن يقطع إنسان شيئاً من بدنه إنقاذاً لحياته، وقد عللوا لهذا الرأي بأمرين:
الأول: أن قطع هذا الجزء لإنقاذ حياة يشبه قطع (السلعة) أو اليد المتآكلة إنقاذاً لنفسه، فكما أنه جاز في الثانية يجوز في الأولى بجامع إنقاذ الحياة في كل.
الثاني: أن جواز ذلك يدخل في باب إتلاف البعض لإنقاذ الكل، أو التضحية بالبعض لإنقاذ الكل، وجواز ذلك مقرر بالإجماع.
والذي أرجحه هو الرأي الثاني؛ وذلك لما أبرزته من أدلة له، ولما يأتي:
أولاً: أن ما قطع منه ليعود إليه يجوز قياساً على من قطع منه عضو ثم أعيد إليه، فإنه في هذه الحالة يجوز؛ لأنه إعادة جزء نفسه إلى نفسه، وهذا إكمال للنفس وإعادة لها إلى حالتها الطبيعية، فما بالك بما نحن فيه حيث يخشى أن تهلك النفس جميعها إذا لم تنقذ بمثل هذا الجزء، كما إذا احتاج مريض القلب إلى نقل بعض الشرايين من مكان آخر من جسمه ترقيعاً لما تلف في القلب.
ثانياً: أنه إذا كان النقل من مكان إلى مكان من باب المداواة، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد أمرنا بالتداوي ـ وقد سبق أن نقلنا النصوص من السنة المطهرة في ذلك
، فحينئذ إذا قرر الطبيب المسلم الحاذق ذلك، جاز أن يؤخذ من الجسم ويرد إليه إنقاذاً لحياته ودفعاً للضرر عنه.
ثالثاً: أنه إذا كان خطر القطع أعلى من خطر البقاء على ما هو عليه، فحينئذ لا تجوز هذه الجراحة؛ لأنها مغامرة وإهلاك للنفس غالباً، وذلك لا يجوز شرعاً، فلا بد من أن تكون نسبة النجاح أعلى، وكفة السلامة أرجح في حال إجراء هذه الجراحة.
أما عند تساوي الأمرين فأرجح ما ذهب إليه الشافعية من أنه يحرم إجراء هذه الجراحة.
__________
(1) المكلف الذكر بعد الذبح بضرب العنق الشرعي، وفيما يقتل من الحربيين كالصبي والمجنون والمرأة والشيخ الفاني وجهان: أحدهما جواز قتله لأن ندفع به ضرر المسلمين، قلت: وظاهر المذهب عدم جواز قتلهم؛ لأن الشارع حجر قتلهم بصفهم، كما حجر قتل الذمي لصفته التي هي الذمة(4/181)
المبحث السادس
حكم انتفاع الإنسان بجزء من إنسان آخر
حي في حال الضرورة
حكم انتفاع الإنسان بجزء من إنسان آخر
بينا آنفاً الضوابط عند انتفاع الإنسان بجزء من ميتة الإنسان، ولكن هذا الضوابط تزداد هنا وتتعقد؛ نظراً لمكانة الروح في جسم الإنسان ولمكانة عصمة دمه، ومنع النيل منه، كلا أو بعضاً، ووضع العقوبات الرادعة لمن يعتدي عليه أو على جزء منه.
وإذا أردنا أن نبرز هذه الضوابط فإننا نذكر في هذا المقام أيضاً أننا نتحدث هنا عن حالة الضرورة فقط {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ} (1) فالمضطر فقط هو الذي أبيح له التناول من المحرم؛ دفعاً للهلاك عن نفسه، أما ذو الحاجة، وهو من وقع في جهد ومشقة فقط، كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكله لم يهلك، فإنه لا يباح له تناول المحرم أو الانتفاع به؛ سداً لحاجته ودفعاً للمشقة عنه، وإن كان يباح له الفطر في الصوم وفي السفر {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} (2) .
فالضرورة غير الحاجة، والفارق بينهما أنه إن لم يتناول الممنوع هلك كلا أو بعضاً في حالة الضرورة، وأصابه جهد ومشقة في حالة الحاجة، ونظراً لأن المشرع الحكيم يهدف إلى استمرار حياة النفس البشرية وإبعادها عن الهلاك، أباح لها ما يحقق ذلك، ولو أدى هذا إلى تناول ما حرمه عليها في حال الاختيار، فالانتقال من الحرمة إلى الإباحة يشترط فيها أعلى الرتب ـ كما يقول القرافي ـ أما الانتقال من الإباحة إلى الحرمة فيكفي فيها أيسر الأسباب (3) .
وأعلى الرتب في ترتيب المصالح هي الضرورة، وأدناها التحسين، وأوسطها الحاجة، فالضرورة وحدها هي التي تبيح تناول المحرم حسبما ذكرنا.
__________
(1) البقرة الآية: 173
(2) الآية: 184 من سورة البقرة
(3) القرافي: الفرق الحادي والثلاثون والمائة ج3 ص73(4/182)
الإنسان الحي المراد الانتفاع بجزء منه في حالة الضرورة.
يفرق الفقه الإسلامي بين الإنسان المعصوم الدم، وهو الذي لا يباح قتله، وبين الإنسان المهدر دمه، أو المباح قتله.
والأسباب المبيحة لقتله كردة وقتل عمد أو زنا إحصان أو حربي.
ونرى أن نعرض آراء الفقهاء في كل منهما، ثم نتبعه بالترجيح في مواطن ـ الاختلاف.
حكم الانتفاع بجزء من إنسان معصوم الدم:
أجمع الفقهاء على أنه لا يجوز قطع شيء من جسم إنسان حي معصوم الدم لينتفع به إنسان مضطر. وإليك بعض ما نص عليه الفقهاء:
الحنفية: يرون أنه لا يصح انتفاع الإنسان المضطر بجزء من إنسان آخر محقون الدم.
جاء في الأشباه ابن نجيم ص 87 عند شرح قاعدة (الضرر لا يزال بالضرر) أمثلة تطبيقية لها منها قوله:
(ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر، ولا شيئاً من بدنه) .
المالكية:
جاء في الشرح الكبير ج2 ص 103: (والمباح ... للضرورة ... غير آدمي وغير خمر من الأشربة.
وأما الآدمي فلا يجوز تناوله، وكذا الخمر إلا لغصة، فيجوز إزالتها به عند عدم ما يسيغها به من غيره) .
ثم يقول تعليقاً على قوله: (وأما الآدمي فلا يجوز تناوله) بقوله: أي سواء كان حياً أو ميتاً، ولو مات المضطر، هذا هو المنصوص في المذهب) . وسبق أن بينا أن ابن عبد السلام صحح القول بجواز أكله للمضطر، إذا كان ميتاً. أما الحي فلا، باتفاق علماء المذهب.(4/183)
الشافعية:
جاء في مغني المحتاج ج4 ص 310:
(ويجزم) جزماً على شخص (قطعه) أي بعض نفسه (لغيره) من المضطرين، لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستبقاء الكل.
تنبيه: هذا إذا لم يكن ذلك الغير نبيا، وإلا لم يحرم بل يجب ... ويحرم على مضطر أيضاً أن يقطع لنفسه قطعة من حيوان معصوم ـ والله أعلم ـ لما مر. وجاء في ج1 ص 191 حين بيان حكم وصل شعر الآدمي بشعر آدمي وأنه حرام للحديث (لعن الله الواصلة والمستوصلة..) لأنه مستعمل لشعر آدمي يحرم الانتفاع به وبسائر أجزائه لكرامته) .
الحنابلة: جاء في المغني مع الشرح الكبير ج11 ص 79:
(إن لم يجد (المضطر) إلا آدمياً محقون الدم لم يسمح له قتله إجماعاً ولا إتلاف عضو منه؛ مسلماً كان أو كافراً؛ لأنه مثله، فلا يجوز أن يبقي نفسه بإتلافه، وهذا لا خلاف فيه) .
الظاهرية: يرى الظاهرية تحريم لحوم الناس وتحريم الانتفاع بها، جاء في المحلى لابن حزم ج4 ص 468: (ولا يحل أكل العذرة ولا الرضيع، ولا شيء من أبوال الخيول ولا القيء، ولا لحوم الناس ولو ذبحوا، ولا أكل شيء يؤخذ من الإنسان إلا اللبن وحده ... ) .
وبعد أن ذكر وجه التحريم في الأمور الأربعة الأولى بدأ بذكر وجه التحريم في لحوم الناس فقال: (وأما لحوم الناس فإن الله تعالى قال: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} (1) ولأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قد ذكرناه في كتاب الجنائز، بأن يوارى كل ميت من مؤمن أو كافر، فمن أكله فلم يواره، ومن لم يواره فقد عصى الله تعالى، ولقول الله تعالى: {إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ} (2) فحرم تعالى آكل الميتة وأكل ما لم يذك، والإنسان قسمان: قسم حرام قتله، وقسم مباح قتله، فالحرام قتله إن مات أو قتل فلم يذك فهو حرام، وأما الحلال قتله فلا يحل قتله إلا لأحد ثلاثة أوجه: إما لكفره ما لم يسلم، وإما قوداً، وإما لحد أوجب قتله، وأي هذه الوجوه كان فليس مذكى؛ لأنه لم يحل قتله إلا بوجه مخصوص، فلا يحل قتله بغير ذلك الوجه، والتذكية غير تلك الوجوه بلا شك، فالقصد إليها معصية، والمعصية ليست ذكاة، فهو غير مذكى فحرام أكله بكل وجه، وإذ هو كله حرام، فأكل بعضه حرام؛ لأن بعض الحرام حرام بالضرورة، ويدخل في هذا المخاط والنخاعة والدمع والعرق والمذي والمني والظفر والجلد والشعر والقيح والسن إلا اللبن المباح بالقرآن والسنة والإجماع، وقد أباح عليه السلام لسالم ـ وهو رجل ـ الرضاع من لبن سهلة بنت سهيل، والريق لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم حنك الصبيان بتمر مضغه، فريقه في ذلك الممضوغ، فالريق حلال بالنص فقط، وبالله تعالى التوفيق) .
__________
(1) الآية: 12 من سورة الحجرات.
(2) الآية: 3 من سورة المائدة.(4/184)
الزيدية: جاء في شرح الأزهار ج4 ص 407:
(والإباحة لا تسقط القود (القصاص) عن القاتل، فإذا قال لغيره: اقتلني، واقتل ابني، أو اقطع يدي، ففعل، لزمه القصاص، ولا حكم لهذا الإذن) .
حكم الانتفاع بجزء من إنسان غير معصوم الدم:
بينا آنفاً أن غير معصوم الدم هو من ارتكب جرماً استحق من أجله القتل، من هؤلاء الحربي: وهو من رفع راية الحرب ضد المسلمين.
القاتل للنفس عمداً، ولم يعف عنه ولي الدم.
الزاني المحصن ...
المرتد عن دين الإسلام.
المحارب.
فهؤلاء قد استحقوا القتل بسبب ما ارتكبوا من جرائم، وعقوبة هذه الجريمة هي القتل، فإذا صدر ضد شخص حكم بقتله، إما لكونه حربياً، أو قاتلاً عمداً دون عفو ولي الدم، أو زانياً محصناً، أو مرتداً، أو محارباً ... ومن ثم فإن الفقهاء قد اختلفوا في جواز الانتفاع بشيء من أجسامهم لمصلحة المضطر من الأحياء المعصومين.
فيرى جمهور الفقهاء عدم جواز الانتفاع بشيء من أجسامهم.
وهم فقهاء الحنفية والمالكية والظاهرية.
الحنفية:
وقد نقلنا آنفاً رأي الحنفية في الانتفاع بجزء من الإنسان الميت.(4/185)
المالكية:
قال الدسوقي في شرحه: (وأما الآدمي فلا يجوز تناوله؛ أي: سواء كان حياً أو ميتاً، ولو مات المضطر، هذا هو المنصوص لأهل المذهب) .
(والنص المعول عليه عدم جواز أكله ـ أي أكل الآدمي الميت، ولو كافراً، لمضطر ولو مسلماً لم يجد غيره، إذا لا تنتهك حرمة آدمي آخر) .
وقد سبق نقل هذا النص، ومنه يتبين أن المالكية لا يجيزون الانتفاع بأي جزء من أجزاء الإنسان لإنسان آخر مضطر، ولو كان المضطر مسلماً، ولو مات هذا المضطر من عدم الأكل.
الظاهرية:
وقد نقلنا آنفاً ما نص عليه هذا المذهب من حرمة الانتفاع بأي جزء من أجزاء الآدمي مسلماً كان أو كافراً إلا اللبن والريق.
ويرى الشافعية والحنابلة جواز الانتفاع بجزء من نفس الشخص المستحق للقتل. وإليك بعض النصوص الفقهية الدالة على ذلك:
الشافعية: جاء في مغنى المحتاج ج4 ص 307:
(وله قتل مرتد وأكله، وقتل حربي بالغ وأكله؛ لأنهما غير معصومين، وله قتل الزاني المحصن، والمحارب، وتارك الصلاة، ومن عليه قصاص، وإن لم يأذن الإمام في القتل؛ لأن قتلهم مستحق، وإنما اعتبر إذنه في غير حال الضرورة تأدباً معه، وحال الضرورة ليس فيها رعاية أدب، لا قتل ذمي ومستأمن ومعاهد، وصبي حربي وحربية لحرمة قتلهم. قلت: الأصح حل قتل الصبي والمرأة الحربيين للأكل ـ والله أعلم ـ أنهما ليسا معصومين، ومنع قتلهما في غير الضرورة لا لحرمتها بل لحق الغانمين، ولهذا لا يتعلق بقتلها الكفارة.(4/186)
(تنبيه: حكم مجانين أهل الحرب وأرقائهم وخناثاهم كصبيانهم، قال البلقيني: ومحل الإباحة إذا لم نستول على الصبي والمرأة ونحوهما، وإلا صاروا أرقاء معصومين لا يجوز قتلهم قطعاً لحق الغانمين) .
والحنابلة: جاء في المغني مع الشرح الكبير ج11 ص 79:
(وإن كان مباح الدم كالحربي والمرتد فذكر القاضي أن له قتله وأكله؛ لأن قتله مباح، وهكذا قال أصحاب الشافعي؛ لأنه لا حرمة له، فهو بمنزلة السباع، وإن وجده ميتاً أبيح أكله ... ) .
الترجيح:
وأرى ترجيح رأي الشافعية والحنابلة من حيث إنه إذا كان إنسان قد استحق القتل بسبب جرم ارتكبه، وكان هذا الحكم باتا، واجب التنفيذ، ولا طريق إلى إنقاذه من هذه العقوبة، لا بتوبة ولا بغيرها، فإنه يمكن عقب تنفيذ الحكم الانتفاع بأجزاء من هذا الإنسان ونقلها إلى إنسان آخر يوشك على الهلاك ـ كلًّا أو بعضاً ـ بشرط ألا تؤخذ هذه الأجزاء أثناء حياته ـ لأنها مُثلة، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن المثلة، وإنما تؤخذ عقب تنفيذ الحكم فيه مباشرة.
ولا مانع من إجراء الفحوص اللازمة قبل تنفيذ الحكم لمعرفة ملاءمة هذا الانتفاع لإنسان ما، أو لغيره، أو عدم ملاءمته.
ويجب أن يكون هذا الأخذ في حال الاضطرار إلى إنقاذ نفس توشك على الهلاك كما سبق القول ـ وليس في حال الاختيار.
ويجب أن يكون كل ذلك تحت رقابة السلطة التنفيذية وتحت رقابة نخبة من الأطباء المسلمين الحاذقين.
وإجازة ذلك في حال الضرورة يحقق هدفاً كبيراً، وهو إحياء نفس توشك على الهلاك ببعض أجزاء نفس هالكة لا محالة.
وأن يوضع لذلك قانون ينظم كل ذلك ويعلن للناس جميعاً.
وقد يكون النص فيه على أن ولي الأمر يعتبر إذنه في أخذ هذا الجزء بمثابة الإذن من ولي الدم أكثر تحقيقاً للهدف حتى لا تضيع فرصة الانتفاع بهذا الجزء، ونظراً لتحلل بعض أجزاء الإنسان عقب موته بسرعة كبيرة.
وفي هذه الحالة إن لم يكن هناك إذن بذلك تضيع فرصة الانتفاع بهذا الجزء، وتضيع فرصة إنقاذ نفس من الهلاك.
وأيضاً فإن القول بجواز ذلك عند الضرورة لا يجعل للإذن دوراً كبيراً من الناحية الفقهية، فالضرورات تبيح المحظورات، ويتغاضى عن الإذن في هذه الحالة ـ كما إذا لم يجد سوى مال غيره لينقذ به حياته، فإن عليه أن يأكل منه أو يشرب ولو دون إذن ثم عليه الضمان على الخلاف في هذا الضمان وقد سبق التعرض لذلك.
وبترجيحنا هذا فإن الاختلاف بين الانتفاع بجزء الميت، وهذا الانتفاع بجزء من المستحق بجزء منه وملاءمته وعدم ملاءمته للحالات الاضطرارية الموجودة، أما في الحالة الأولى فلا يتيسر فيها ذلك؛ إذ قد تحدث فجأة، أو لا يرضى صاحبها بمثل هذه الفحوص، فضلاً عن أنها غير معروفة الأشخاص غالباً، أما الأخيرة فهم معروفون ويمكن تحديد زمن معين لتنفيذ الحكم فيهم بشرط ألا يضاروا من هذا الإرجاء، وألا يتخذوا مخازن للأعضاء الحية يلجؤون إليها متى شاؤوا ... بل هم لهم كل الحق في أن يكون تنفيذ الحكم فيهم في وقت لا يضر بهم.(4/187)
المبحث السابع:
حكم بيع الآدمي في الفقه الإسلامي
حكم بيع الآدمي في الفقه الإسلامي
لقد تناول الفقه الإسلامي بيان حكم التصرف في الإنسان، أو التصرف في جزء من أجزائه، سواء أكان الجزء متجدداً، أم غير متجدد.
ونعرض فيما يلي حكم كل حالة من هذه الحالات الثلاث من مباحث متتالية:
الأول: حكم بيع الآدمي.
نعرض فيما يلي جانباً من الكتاب الكريم والسنة النبوية المطهرة، ثم نتبعها بآراء الفقهاء في هذا الحكم.
أولاً: الكتاب الكريم:
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} (1) .
لقد تناول المفسرون تفسير هذا التكريم قائلين: إن الله تعالى قد كرمهم بالنطق والتمييز، وباعتدال القامة وامتدادها، وبحسن الصورة، وبتسليطهم على سائر الخلق وتسخير سائر الخلق لهم، وبالكلام والخط وبالعقل الذي هو عمدة التكليف، وبه يعرف الله ويفهم كلامه، ويوصل إلى نعيمه وتصديق رسله ... وبتخصيصهم بما خصهم به من المطاعم والمشارب والملابس، وهذا لا يتسع فيه حيوان اتساع بني آدم؛ لأنهم يكسبون المال خاصة دون الحيوان، ويلبسون الثياب، ويأكلون المركبات من الأطعمة، وغاية كل حيوان يأكل لحما نيئاً أو طعاماً غير مركب.
ثم قال جل شأنه: {وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} قال المفسرون: فضلناهم على البهائم والدواب، والوحوش والطير بالغلبة والاستيلاء، والثواب والجزاء، والحفظ والتمييز، وإصابة الفراسة.
فالإنسان مكرم لكل ذلك؛ لأنه متحمل الأمانة، وخليفة الله في أرضه، والمطالب بالتعمير والإصلاح، والتطور والتقدم في ظل شرع الله تعالى.
ومن أجل ذلك سخر الله جل شأنه له سائر الخلق في السماء وفي الأرض، وجعله مسلطاً على غيره من المخلوقات، ينتفع بها ويحيا عليها ...
وميزه عنها بأنه جعل له حق تملكها والانتفاع بها، وجعلها موضع ملكه ومنتفعاً بها ... ، والملك قدرة والانتفاع حق، جعلهما في يده فأصبح مالكاً منتفعاً، وأصبح غيره مملوكاً منتفعاً به، ومن هنا لم يخضع الإنسان شرعاً لما يخضع له الحيوان من جواز بيعه والتصرف فيه؛ لأن فعل ذلك في الإنسان إذلال، وقلب للحقيقة الشرعية والحكمة الإلهية التي حبته بكل هذه الصفات.
__________
(1) الآية: 70 من سورة الإسراء(4/188)
ثانياً: السنة النبوية المطهرة:
ورد في الحديث القدسي أن الله تعالى يخاصم من يخضع الإنسان لما يخضع له الحيوان من بيعه والتصرف فيه.
روى البخاري بإسناده (1) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال الله عز وجل: ثلاثة أنا خاصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي ثم غدر، ورجل باع حراً فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيراً فاستوفى منه ولم يوفه أجره)) (2) .
وزاد ابن خزيمة وابن حبان والإسماعيلي في هذا الحديث: ((ومن كنت خصمه فقد خصمته)) قال ابن التين: هو سبحانه وتعالى خصم لجميع الظالمين إلا أنه أراد التشديد على هؤلاء (الثلاثة) بالتصريح
. وقال العسقلاني في ((باع حراً فأكل ثمنه)) : خص الأكل بالذكر لأنه أعظم مقصود، والمراد به كما هو واضح النهي عن إخضاع الإنسان الحر للتصرفات التي تخضع لها سائر الحيوانات والكائنات المسخرة لخدمة الإنسان، والتي أبيح له تملكها والتصرف فيها بالبيع وغيره من التصرفات الناقلة للملكية أو للانتفاع. قال ابن الجوزي: الحر عبد الله فمن جنى عليه فخصمه سيده) .
ونقل ابن حجر (الإجماع على منع بيع الحر (3) كما سنوضح ذلك في الفقرة التالية، وقد وردت أحاديث تبين حرمة دم الإنسان على أخيه.
روى البخاري في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن دماءكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام)) ... ورواه أحمد.
وروي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((لا تحاسدوا ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناًً)) . ((المسلم أخو المسلم لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره، التقوى ههنا)) ويشير إلى صدره ثلاث مرات ((بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) .
__________
(1) سنده في البخاري: حدثني يحيى بن سليم، عن إسماعيل بن أمية، عن سعيد بن أبي سعيد، عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم (الحديث) تحت باب (إثم من باع حرا)
(2) وفي رواية أبي داود من حديث عبد الله بن عمر: (ثلاثة لا تقبل لهم صلاة. فذكر فيهم: ورجل اعتبد محرراً) .
(3) فتح الباري لابن حجر العسقلاني: ج4 ص 346، 347 طبعة أولى سنة 1300(4/189)
ثالثاً: الفقه الإسلامي:
يحرم بيع الإنسان الحر باتفاق العلماء، وكل عقد يرد عليه يكون باطلاً، ومجري هذا العقد يكون آثماً، وإليك النصوص الفقهية الدالة على ذلك:
(أ) الحنفية ينصون على أن:
(الآدمي مكرم شرعاً، وإن كان كافراً فإيراد العقد عليه، وابتذاله به، وإلحاقه بالجمادات إذلال له. أي وهو غير جائز ... ) (1) . أي لأن الله تعالى قد كرمه وفضله كما نص عليه في الكتاب، ولابن نجيم في القاعدة السابعة: (إن الحر لا يدخل تحت يد أحد فلا يضمن بالغصب ولا صبياً) ص 119.
(ب) المالكية: يرون أن لحم ابن آدم محرم، والمحرم لا يجوز بيعه ولا التصرف فيه (2) .
(ج) : الشافعية: ينصون على أن بيع الحر حرام (3) . للحديث: ((ثلاثة أنا خصمهم)) وقال النووي: (بيع الحر باطل بالإجماع) .
(د) الحنابلة: ينصون على أنه:
(لا يصح بيع الحر؛ لقوله عليه السلام: ((ثلاثة أنها خصمهم يوم القيامة)) وذكر منهم ((رجلاً باع حراً وأكل ثمنه)) وقد تقدم نص الحديث (4) .
والظاهرية: يقررون أن (كل ما حرم أكل لحمه فحرام بيعه..) (5) .
__________
(1) ابن عابدين: ج4 ث 110 وفتح القدير: ج5 ص 202
(2) بداية المجتهد: ج2 ص 177
(3) مغني المحتاج: ج2 ص 40، المجموع: ج9 ص 262
(4) كشف القناع: ج3 ص11، والشرح الكبير: ج4 ص14
(5) المحلى: ج4 ص 481.(4/190)
والزيدية: ينصون على أنه (لا يجوز مطلقاً بيع الحر (ولو شعراً بعد انفصاله) باع نفسه أو باع غيره، فيؤدب العالم ـ بنظر الحاكم ـ لحريته، من البائع أو المشتري، أو هما جميعاً، إذا علما. والبيع باطل ولو جهلا، والثمن كالغصب لا في جميع وجوهه إلا في أربعة (1) سواء كان المشتري عالماً أو جاهلاً له (قرز) .
ويرد القابض للثمن ما قبضه إلى المشتري إن كان الثمن باقياً بعينه، كبيراً كان القابض أو صغيراً، إلا الصبي إذا باع نفسه، أو باع حراً غيره ثم قبض الثمن وأتلفه فلا يرد ما قد أتلف ... ) (2) .
والإمامية: ينصون على أنه: (لو باع ما لا يملكه مالك كالحر وفضلات الإنسان ... لم ينعقد) .
ومن هذا تبين لنا أن الفقهاء قد اتفقوا على أن الحر لا يباع ولا يشترى، وإذا لم يصح هذا التصرف فيه مع أنه بمقابل، وهو الثمن، فمن باب أولى لا يصح هبته أو التبرع به؛ لأن الشرع الحكيم أبطل التصرف فيه بمقابل فمن باب أولى يبطله إذا لم يكن هناك مقابل، ولأن المشرع الحكيم لم يجعله ملكاً لأحد سواه، فلا يحق لأي كائن أن يتصرف فيه؛ لأن التصرف ـ معاوضة أو تبرعاً ـ إنما يكون فيما يملكه الإنسان، والإنسان غير مملوك للإنسان وإنما هو مملوك لخالقه وموجده جل شأنه.
ويجب أن ننوه هنا إلى أن (الرقيق) وقد انتهى أمره بعد أن اتفقت الدول والمجتمعات الإنسانية إلى منع الرق بجميع أنواعه، وهو ما يهدف إليه المشرع الحكيم، وما يشير إليه في حكم كتابه وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أن انتهاء الرق في هذا العصر لا يثير أي تساؤل بشأن الأحكام التي كانت تطبق عليه وقت وجوده.. وحتى في أثناء وجوده لا سلطان لأحد على جسمه وأجزاء جسمه إلا بحق. قال صلى الله عليه وسلم: ((من قتل عبده قتلناه، ومن جدع عبده جدعناه)) رواه أحمد. وفي رواية أبي داود والنسائي بزيادة: ((ومن خصى عبده خصيناه)) .
فأهلية الرقيق موجودة، وعصمة دمه قائمة، وصيانة أعضائه مقررة، وإنما الرق أثر على أهليته للتملك، وعلى جعله سلعة يباع ويشترى ـ كلا أو جزءاً ـ قائماً لا مقطعاً ...
والآن ـ والحمد لله ـ قد تحقق هدف الشرع، وهو منع الرق بكل أنواعه من جميع العالم.. ومن ثم لا يثور أي تساؤل بشأنه في موضعنا هذا، ولا يصح أن يجعل ركيزة لشيء في موضوع بحثنا هذا (3) .
__________
(1) شرح الأزهار: ج3 ص 30، والتاج المذهب: ج2 ص 340
(2) يراجع هذه الفروق في التاج المذهب: ج2 ص 455
(3) راجع كتاب الجنايات في الفقه الإسلامي: ج 1 ص200(4/191)
المبحث الثامن
حكم بيع جزء من أجزاء الآدمي المتجددة
- حكم بيع لبن الآدمي
- حكم بيع شعر الآدمي
حكم بيع جزء من أجزاء الآدمي
لما كانت أجزاء النفس الإنسانية منها ما يتجدد شياً فشيئاً، أو ينمو إذا أخذ منه شيء ـ كاللبن والشعر والدم.
ومنه ما لا يتجدد إذا أخذ، كاليد والرجل والأذن والأنف، والعين، من الأجزاء الظاهرة، والقلب والرئة، والكلى، والطحال ... من الأجزاء الباطنة.
ونعرض فيما يلي آراء الفقهاء في كلا النوعين:
النوع الأول: حكم بيع الأجزاء المتجددة من الإنسان:
- حكم بيع لبن الآدمي
لقد تعرض الفقهاء لحكم بيع هذه الأجزاء، وكان من أبرز هذه الأشياء المتجددة بيع لبن المرأة الحرة ـ إذا حلب ـ ونعرض فيما يلي بعض النصوص الفقهية ثم نتبعها بالرأي:
الحنفية:
ففي فتح القدير: (ولا يجوز بيع لبن امرأة في قدح) وقال الشافعي رحمه الله: يجوز بيعه لأنه مشروب طاهر.
ولنا (أي الحنفية) أنه جزء الآدمي، وهو بجميع أجزائه مكرم مصون عن الابتذال بالبيع ... وعلق الكمال على ذلك بقوله: إن قوله: (في قدح) هذا القيد لبيان منع بيعه بعد انفصاله عن محله، فإنه لا يكون في قدح إلا بعد انفصاله، أما عين القدحية فليس قيداً، بل سائر الأواني سواء، وإنما هو قيد باعتبار لازمه، وهو انفصاله عن مقره، كي لا يظن أن امتناع بيعه ما دام في الضرع، كغيره، بل على سائر أحواله لا يجوز بيعه ولا يضمن متلفه، وهو مذهب مالك وأحمد.
ثم علق على قول الشافعي: وأنه (مشروب طاهر) فيجوز بيعه بقوله: (ونحن نمنع أنه مشروب مطلقاً، بل للضرورة، حتى إذا استغنى عن الرضاع لا يجوز شربه، والانتفاع به يحرم، حتى منع بعضهم صبه في العين الرمداء، وبعضهم أجازه إذا عرف أنه دواء عند البرء.
ونقول: هو جزء من الآدمي مكرم ومصون عن الابتذال بالبيع ...
ثم يقول: (وجواز البيع يتبع المالية ولا مالية للإنسان إلا ما كان محلاً للرق ...
فإن قيل: أجزاء الآدمي مضمونة فيجب كون اللبن كذلك يضمن بالإتلاف ...
أجيب بمنع ضمان أجزائه مطلقاً. بل المضمون ما انتقص من الأصل ...(4/192)
ولابن عابدين أيضاً:
(ولا يجوز بيع لبن امرأة ولو في وعاء، ولو أمة على الأظهر، لأنه جزء آدمي، والرق يختص بالحي، ولا حياة في اللبن فلا يحله الرق.
قوله: (على الأظهر) أي ظاهر الرواية.
وعن أبي يوسف جواز بيع لبن الأمة لجواز إيراد البيع على نفسها، فكذا على جزئها، قلنا: الرق حل نفسها، فأما اللبن فلا رق فيه؛ لأنه يختص بمحل تتحقق فيه القوة التي هي ضده، وهو الحي، ولا حياة في اللبن. فلا يكون محلاً للعتق ولا للرق فكذا البيع، وأشار إلى أنه لا يضمن متلفه لكونه ليس بمال، وإلى أنه لا يحل التداوي في العين الرمداء، وفيه قولان، قيل بالمنع وقيل بالجواز، إذا علم فيه الشفاء ـ كما في الفتح هنا ـ وقال في موضع آخر: إن أهل الطب يثبتون نفعاً للبن البنت للعين، وهي من أفراد مسألة الانتفاع بالمحرم للتداوي كالخمر، واختار في النهاية والخانية الجواز إذا علم فيه الشفاء ولم يجد دواء غيره (بحر) (1) .
المالكية:
جاء في الفروق للقرافي في الفرق الخامس والثمانين والمائة بين قاعدة ما يجوز بيعه وقاعدة ما لا يجوز بيعه.
فقاعدة ما يجوز بيعه: ما اجتمع فيه شروط خمسة، وقاعدة ما لا يجوز بيعه: ما فقد منه أحد هذه الشروط الخمسة، فالشروط الخمسة هي الفرق بينهما وهي:
الشرط الأول: بقوله عليه السلام في الصحيحين: ((إن الله حرم بيع الخمر والميتة والخنزير والأصنام)) فقيل له: يا رسول الله، أرأيت شحوم الميتة فإنه يطلى بها السفن ويستصبح بها، فقال: ((لعن الله اليهود، حرمت عليهم الشحوم فباعوها وأكلوا أثمانها)) .
الشرط الثاني: أن يكون منتفعاً به ليصح مقابلة الثمن له.
الشرط الثالث: أن يكون مقدوراً على تسليمه حذراً من الطير في الهواء، والسمك في الماء، ونحوهما، لنهيه عليه السلام عن بيع الغرر.
الشرط الرابع: أن يكون معلوماً للمتعاقدين، لنهيه عليه السلام عن أكل المال بالباطل.
الشرط الخامس: أن يكون الثمن والمبيع مملوكين للعاقد والمعقود له، أو من أقيما مقامه.
فهذه شروط في جواز البيع دون الصحة؛ لأن بيع الفضولي وشراءه محرم.
__________
(1) ابن عابدين: جـ4 ص 118(4/193)
وفي الشروط مسألتان:
المسألة الأولى: في الشرط الثاني قال صاحب الجواهر: يكفي أصل المنفعة وإن قَلَّت، وقلت قيمتها، فيصح بيع التراب والماء ولبن الآدميات، وقاله الشافعي وابن حنبل قياساً على لبن الغنم.
وقال أبو حنيفة رضي الله عنهم أجمعين: لا يجوز بيعه ولا أكله؛ لأنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته فيحرم أكله فيمتنع بيعه.
وجوابه القياس المتقدم، وفرق هو بشرف الآدمي، وإباحة لبنه هو أنه استثنى منه الرضاع للضرورة، وبقي ما عداه على الأصل بخلاف الأنعام، بدليل تحريم لحمه تشريفاً له.
ويندفع الفرق بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيراً فحرم عليها، فلو كان حراماً لما فعلت ذلك. ولم ينكر عليها أحد من الصحابة، فكان ذلك إجماعاً على إلغاء هذا الفرق.
وعلق على ذلك صاحب إدرار الشروق بقوله: (قلت ما قاله من أن فرق الحنفية يندفع بما روي عن عائشة رضي الله عنها أنها أرضعت كبيراً فحرم عليها، لقائل أن يقول: لا يندفع بذلك، لجعل رضاع الكبير لقصد ثبوت التحريم، داخلاً فيما استثني للضرورة..) .
الشافعية: جاء في المجموع جـ9 ص 276:
(فرع) بيع لبن الآدميات جائز عندنا لا كراهة فيه، هذا هو المذهب، وقطع به الأصحاب إلا الماوردي والشاشي والروياني، فحكوا وجهاً شاذا عن ابن القاسم الأنماطي من أصحابنا أنه نجس لا يجوز بيعه، وإنما يربى به الصغير للحاجة، وهذا الوجه غلط من قائله، وقد سبق بيانه في باب إزالة النجاسة، فالصواب جواز بيعه، قال الشيخ أبو حامد: هكذا قاله الأصحاب، قال: ولا نص للشافعي في المسألة، هذا مذهبنا.
وقال أبو حنيفة ومالك: لا يجوز بيعه. وعن أحمد روايتان كالمذهبين.
واحتج المانعون بأنه لا يباع في العادة، وبأنه فضلة آدمي فلم يجز بيعه، كالدمع والعرق والمخاط، وبأن ما لا يجوز بيعه متصلاً لا يجوز بيعه منفصلاً، كشعر الآدمي، ولأنه لا يؤكل لحمها فلا يجوز بيع لبنها كالأتان.
واحتج أصحابنا بأنه لبن طاهر منتفع به، فجاز بيعه كلبن الشاة، ولأنه غذاء للآدمي فجاز بيعه كالخبز (فإن قيل) : هذا منتقض بدم الحيض فإنه غذاء للجنين ولا يجوز بيعه.
قال القاضي أبو الطيب في تعليقه: (فالجواب) أن هذا ليس بصحيح ولا يتغذى الجنين بدم الحيض، بل يولد وفمه مسدود لا طريق فيه لجريان الدم، وعلى وجهه المشيمة، ولهذا أجنة البهائم تعيش في البطون ولا حيض لها، ولأنه مائع يحل شربه فجاز بيعه كلبن الشاة. قال الشيخ أبو حامد: (فإن قيل) : ينتقض بالعرق (قلنا) : لا نسلم بل يحل شربه، (وأما) الجواب عن قولهم: لا يباع في العادة، فإنه لا يلزم من عدم بيعه في العادة أن لا يصح بيعه، ولهذا يجوز بيع بيض العصافير، وبيع الطحال، ونحو ذلك مما لا يباع في العادة، والجواب عن القياس على الدمع والعرق والمخاط أنه لا منفعة فيه بخلاف اللبن، وعن البيض بأنه لا يجوز الانتفاع به بخلاف اللبن، وعن لبن الأتان بأنه نجس بخلاف لبن الآدمية، والله تعالى أعلم) .(4/194)
الحنابلة:
جاء في كشف القناع ج2 ص 8:
(ويصح بيع لبن آدمية ولو كانت حرة، أي: المنفصل منها، لأنه طاهر منتفع به كلبن الشاة، ولأنه لا يجوز أخذ العوض عنه في إجازة الظئر فيضمنه متلفه.
ويكره للمرأة بيع لبنها نص عليه.
ولا يصح بيع لبن رجل، فلا يضمن بإتلاف) .
وجاء في الشرح الكبير ج4 ص 12: (فأما بيع لبن الآدميات فرويت الكراهة فيه عن أحمد، واختلف أصحابنا في جوازه، وهو قول أبي حامد ومذهب الشافعي.
وذهب جماعة من أصحابنا إلى تحريم بيعه، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك، ولأنه مائع خارج من آدمية، فلم يجز بيعه كالعرق ولأنه جزء من آدمي فلم يجز بيعه أشبه سائر أجزائه.
ثم تابع ابن قدامة تحليلاً مرجحا بأحد الرأيين فقال:
والأول أصح؛ لأنه ظاهر منتفع به، فجاز بيعه كلبن الشاة، ولأنه يجوز أخذ العوض عنه في إجارة الظئر، فأشبه المنافع، ويفارق العرق فإنه لا نفع فيه ولذلك لا يباع عرق الشاة ويباع لبنها، وسائر أجزاء الآدمي يجوز بيعها فإنه يجوز بيع العبد والأمة، وإنما حرم بيع الحر لأنه غير مملوك، وحرم بيع العضو المقطوع منه لأنه لا نفع فيه) .
الظاهرية:
جاء في المحلى لابن حزم جـ4 ص 481:
(وكل ما حرم أكل لحمه فحرام بيعه ولبنه؛ لأنه بعضه ومنسوب إليه وبالله تعالى التوفيق، إلا ألبان النساء فهي حلال كما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق) .
وجاء في بداية المجتهد جـ2 ص 127:
(ومن مسائلهم المشهورة في هذا الباب اختلافهم في جواز بيع لبن الآدميات إذا حلب؛ فمالك والشافعي يجوزانه، وأبو حنيفة لا يجوزه) .
وعمدة من أجاز بيعه أنه لبن أبيح شربه، فأبيح بيعه قياساً على سائر الأنعام. وأبو حنيفة يرى أن تحليله إنما هو لمكان ضرورة الطفل إليه، وأنه في الأصل محرم، إذ لحم ابن آدم محرم، والأصل عندهم أن الألبان تابعة للحوم، فقالوا في قياسهم: هكذا الإنسان حيوان لا يؤكل لحمه، فلم يجز بيع لبنه، أصله لبن الخنزير والأتان) .(4/195)
المقارنة والترجيح:
المقارنة: اختلف الفقهاء في حكم بيع لبن الآدمية الحرة إذا حلب إلى رأيين:
الرأي الأول: يرى الحنفية والمالكية (1) وبعض الشافعية، وبعض الحنابلة، والزيدية أنه لا يجوز بيعه، وقد استندوا في ذلك إلى الأدلة التالية:
1- أن الآدمي مكرم شرعاً (2) لا مبتذل، فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً مبتذلاً ـ وبيعه، أو بيع جزء من أجزائه إهانة وابتذال له ـ وهذا لا يجوز شرعاً ـ أو نقول: هو جزء من الآدمي مكرم مصون عن الابتذال بالبيع.
2- أن الرسول صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيحين: ((لعن الواصلة والمستوصلة)) والواصلة هي التي تصل الشعر بشعر النساء، والمستوصلة المعمول بإذنها ورضاها.
وهذا اللعن إنما كان بسبب الانتفاع بما لا يحل الانتفاع به شرعاً، ألا ترى أنه رخص في اتخاذ القراميل، وهي ما يتخذ من الوبر ليزيد في قرون النساء للتكثير، فظهر أن اللعن ليس للتكثير مع عدم الكثرة، وإلا لمنع القراميل، ولا شك أن الزينة حلال، قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} [الأعراف: 32 ـ ولولا لزوم الإهانة بالاستعمال لحل وصلها بشعور النساء أيضاً.
3- أن جواز البيع يتبع المالية ـ أي أن يكون الشيء مالا ـ ولا مالية للإنسان الحر.
4- أنه مائع خارج من آدمية، فلم يجز بيعه كالعرق.
5- أنه جزء حيوان منفصل عنه في حياته، فيحرم أكله، فيمتنع بيعه.
- وفي هذا الاستدلال إشارة إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم فيما روي عنه قوله: ((ما أبين من الحي فهو ميت)) و ((ما قطع من حي فهو ميتة)) رواه الحاكم وصححه على شرط الشيخين، وإذا كان ميتاً فإنه لا يجوز بيعه ولا الانتفاع به ـ على الوجه والرأي الذي يجري على الميتة.
__________
(1) سبق نقل النص
(2) سبق ذكر الآيات والأحاديث الدالة على ذلك.(4/196)
الرأي الثاني: يرى مالك (1) والشافعية في رأي آخر وبعض الحنابلة (2) والظاهرية جواز بيع لبن الآدمية الحرة إذا حلب، وقد استدلوا على ذلك بما يأتي:
1- أن هذا اللبن هو لبن أبيح شربه، فأبيح بيعه قياساً على لبن سائر الأنعام.
2- أو هو مشروب طاهر ننتفع به، وما كان كذلك يجوز بيعه قياساً على المشروبات الطاهرة المنتفع بها.
3- أن في اللبن منفعة، فهو شيء منتفع به، وأنه يكفي في جواز بيع الشيء وجود أصل المنفعة وإن قلَّت وقلَّت قيمتها، فيصح بيع التراب والماء ولبن الآدميات قياسا على لبن الغنم.
الترجيح: والناظر في الأدلة التي استند إليها كل من الرأيين يجد رجحان الرأي الأول الذي يرى عدم جواز بيع لبن الآدمية الحرة وذلك للاعتبارات التالية:
أولاً: لا ينكر أحد من العلماء ـ سواء من منع أو من أجاز ـ أن الآدمي مكرم شرعاً وأنه غير مبتذل، وأن البيع وما شابهه من التصرفات إهانة وابتذال للشيء المبيع وإخضاع له لإرادة بائعه والمتصرف فيه ... ) وأن الإهانة والابتذال للإنسان لا تجوز شرعاً بالاتفاق.
ثانياً: أن الآدمي الحر ليس مالاً يباع ويشترى، ويوهب ويتصدق به. ويؤكل ...
وهذا بالاتفاق أيضاً ـ ومن ثم لا يجري عليه ما يجري على الأموال
، وإذا نظرت في تعريف الفقهاء للمال عرفت حقاً أن الإنسان ليس مالاً عند جميع الفقهاء.
فالمال عرفه بعض الحنفية بأنه (ما يميل إليه الطبع ويمكن ادخاره للانتفاع به وقت الحاجة) ، وعرفه بعضهم بأنه: (اسم لغير الآدمي خلق لصالح الآدمي، وأمكن إحرازه والتصرف فيه على وجه الاختيار) وعرفه آخرون بأنه: (ما يميل إليه الطبع ويجري فيه البذل والمنع، فخرج التراب ونحوه) .
__________
(1) نقل الحنفية والشافعية والحنابلة أن مالكاً لا يجوز بيعه، ونقل ابن رشد أن مالكاً يجوز بيعه، ومثله ما أورده القرافي في فرقه 185. وإن كان قد اقتصر على رأي القائلين بعدم جواز بيعه، وقد سبق نقل النص.
(2) ورد في كشف القناع: جـ2 ص8 (ويصح بيع لبن آدمية ولو كانت حرة.. ويكره للمرأة بيع لبنها نص عليه، ولا يصح بيع لبن رجل فلا يضمن بإتلاف ...(4/197)
وعرفه الزركشي (1) الشافعي بتعريف يحصر دائرة المال في:
(المال ما كان منتفعاً به، أي مستعداً لأن ينتفع به، وهو إما أعيان أو منافع) أي منافع الأعيان.
والأعيان قسمان: جماد وحيوان.
فالجماد مال في كل أحواله.
والحيوان ينقسم إلى قسمين: ما ليس له بنية صالحة للانتفاع، فلا يكون مالاً كالذباب والبعوض والخنافس والحشرات.
وإلى ما له بنية صالحة (للانتفاع به) ، وهذا ينقسم إلى ما جبلت طبيعته على الشر والإيذاء كالأسد والذئب، وليست مالا، وإلى ما جبلت طبيعته على الاستسلام والانقياد كالبهائم والمواشي، فهي أموال.
والسر فيه أن استعمال الجمادات ممكن على سبيل القهر، إذ ليس لها قدرة وإرادة يتصور منها الامتناع.
وأما الحيوان فهو مختار في الفعل، فلا يتصور استعمالها إلا بمساعدة منها، فإذا كانت مجبولة على طبيعة الاستسلام أمكن استعمالها واستسخارها في المقاصد، بخلاف ما طبيعته الشر والإيذاء، فإنها تمتنع وتستعصي، وتنتهي إلى ضد غرض المستعمل، ولهذا إذا صالت تلك الحيوانات التحقت بالمؤذيات طبعاً في الإهدار) .
كما بين أيضاً اختلافهم في كون المنفعة مالا، ثم بين أن الشافعية اتفقوا على أن المنافع لا تندرج تحت مطلق اسم المال، لكن قالوا: يطلق عليها أنها مال، أما على طريق الحقيقة فلا يطلق عليها أنها مال.
وعرف الحنابلة المال شرعاً بأنه ما فيه منفعة مباحة لغير حاجة أو ضرورة، أو بأنه ما يباح بيعه مطلقاً ـ أي في كل الأحوال ـ أو يباح اقتناؤه بلا حاجة، فخرج ما لا نفع فيه كالحشرات ـ وما فيه نفع محرم كخمر، وما لا يباح إلا عند الاضطرار كالميتة، وما لا يباح اقتناؤه إلا لحاجة كالكلب.
__________
(1) الزركشي: جـ3 ص 222(4/198)
ومن هذه التعريفات للأموال يتضح لنا أن الإنسان ليس من الأعيان التي يقال عنها: إنها مال، أو أنه يجري عليها الملك، أو أنه يجوز التصرف فيها كما يتصرف في الأموال.
ثالثاً: أن قول المجيزين لبيع لبن الآدمية الحرة: إن اللبن مشروب طاهر منتفع به فيحل بيعه قياساً على حل بيع المشروبات الطاهرة المنتفع بها ... يمكن أن يراد عليهم بما يرد عليهم به الحنفية حيث قالوا:
(نحن نمنع أنه مشروب مطلقاً، بل للضرورة، حتى إذا استغنى الطفل عن الرضاع لا يجوز شربه، والانتفاع به يحرم) .
ثم بين المذهب أن خلافاً جرى في كونه يصح الانتفاع به في التداوي فقالوا: (إن بعض العلماء منع صبه في العين الرمداء، وبعضهم أجازه إذا علم فيه الشفاء، وقد نقل ابن عابدين عن فتح القدير أن أهل الطب يثبتون نفعاً للبن البنت للعين، وهي من أفراد مسألة الانتفاع بالمحرم للتداوي كالخمر، واختار في النهاية والخانية الجواز إذا علم فيه الشفاء، ولم يجد دواء غيره.
فالقول في الاستدلال بأنه مشروب طاهر إلى آخره، منعه بعض الفقهاء ولم يجعلوه مشروباً طاهراً جائزاً بيعه، بل قالوا: إنه ليس مشروباً وإنه أبيح استثناء رضاعه للطفل حفاظاً على حياته ... وفيما عدا ذلك يحرم، فهذا الدليل غير مسلم عند كل الفقهاء فهو استدلال بمختلف فيه، ومثله لا يصلح للاستدلال، وتبقى الأدلة الأخرى سالمة عن المعارضة.
رابعاً: أن القول بأنه منتفع به، وإن ما كان منتفعاً به وإن قلت منفعته يجوز بيعه، غير مسلم على إطلاقه؛ إذ كل المحرمات لا تعدم نوعاً من النفع، وحسبنا قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} [البقرة: 219] .(4/199)
فالمشرع قد أهدر المنفعة هنا حين حرم تناول الخمر ولعب الميسر ... ، ومثل ذلك يجري في كل المحرمات.
فلا بد لإباحة التصرف في الشيء أن يكون أصل الشيء حلالاً في ذاته، مباحاً في ذاته له، فإذا وجد فيه منفعة وإن قلت أبيح بيعه والتصرف فيه لمن ملكه، فمن ملك شيئاً ولو قل نفعه، أبيح له بيعه أو بيع جزء منه. فهل ملك الإنسان نفسه، أو ملك أحد إنساناً حراً حتى نقول بجواز أن يبيعه أو يبيع جزءاً منه، الإجابة على ذلك: لا؛ لأن الحر غير مملوك، وأنه يحرم المساس به كلا أو بعضاً إلا بحق ... ومن هان يفترقان.
وحسبنا حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ثلاثة أنا خصمهم.. منهم رجل باع حراً وأكل ثمنه)) .
خامساً: أن قياس لبن الآدميات في جواز بيعه على لبن الغنم قياس مع الفارق وذلك لما يأتي:
1- أن الإنسان مالك للغنم والغنم مملوكة له، وشتان بين الأمرين.
2- أن لحم الإنسان محرم، ولحم الغنم حلال.
3- أن الإنسان مكرم غير مبتذل، والغنم مسخرة للإنسان ومبتذلة له. وشتان بين الأمرين.
4- أن لبن الآدميين تتعلق به أحكام دقيقة وخطيرة، حيث قال عليه الصلاة والسلام: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) . ولا تتعلق بلبن الغنم أحكام، ومثل ذلك يجعل القياس مع الفارق ويوجب علينا عدم التوسع في أحكام هذا النوع من اللبن، بحيث يحلب ويباع ويشترى.
سادساً: أن قولهم بأن أجزاء الآدمي مضمونة ـ يعني عند التعدي عليه ـ سواء بالقصاص أو الدية أو حكومة العدل، فيجب أن يكون اللبن مضموناً بالإتلاف.
أجاب عنه الحنفية بمنع ضمان أجزاء الإنسان مطلقاً، بل المضمون ما انتقص من الأصل حتى لو نبتت السن التي قلعت لا ضمان، إلا ما يستوفى بالوطء فإنه مضمون وإن لم ينتقص شيئاً، تغليظاً لأمر البضع، فجعل ما يستوفى بالوطء في حكم النفس، بخلاف من جز صوف شاة، فإنه يضمن وإن نبت غيره، وبإتلاف اللبن لا ينتقص شيء من الأصل، ولأن حرمة المصاهرة تثبت بشربه، ففي إشاعته ببيعه فتح لباب فساد الأنكحة، فإنه لا يقدر على ضبط المشترين والبائعين فيشيع فساد الأنكحة بين المسلمين.
ثم قال الكمال بن الهمام: وإن كان هذا يندفع إذا كانت حرمة شربه شائعة بالدار (دار الإسلام) فيعلم أن شراءه ليس إلا لمنفعة أخرى ـ كشراء الأمة المجوسية بعد اشتهار حرمة وطئها شرعاً، لكنهم يجيزون شربه للكبير.
هذا ولقد روي عن محمد بن الحسن أنه قال: (جواز إجارة الظئر دليل على فساد بيع لبنها؛ لأنه لما جازت الإجارة ثبت أن سبيله سبيل المنافع، وليس سبيله سبيل الأموال؛ لأنه لو كان مالاً لم تجز الإجارة، ألا ترى أن رجلاً لو استأجر بقرة على أن يشرب لبنها لم تجز الإجارة، فلما جاز إجازة الظئر ثبت أن لبنها ليس مالاً.
لكل هذه الاعتبارات أرى عدم جواز بيع لبن الآدمية الحرة ولا الآدمي، كما لا يجوز بيعهما ولا بيع شيء من أجزائهما.(4/200)
حكم بيع شعر الآدمي
ولقد أبرز بعض الفقهاء حكم بيع شعر الإنسان، ونصوا عليه مبينين ما استندوا إليه من أدلة، وأغفل ذكره البعض معتمدين على أنه جزء الإنسان فيسري عليه ما يسري، على بقية أجزائه من حرمة بيعها، وكان من أبرز الموضحين لحكمه فقهاء الحنفية، والظاهرية، والزيدية إذ نصوا عليه صراحة:
ونورد فيما يلي بعضاً من النصوص الفقهية في هذا الموضوع.
أولا: الحنفية.
جاء في البداية:
(ولا يجوز بيع شعور الإنسان ولا الانتفاع بها؛ لأن الآدمي مكرم لا مبتذل، فلا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مهاناً ومبتذلاً، وقد قال عليه الصلاة والسلام: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة)) الحديث.
وإنما يرخص فيما يتخذ من الوبر فيزيد في قرون النساء وذوائبهن.
وقال الكمال تعليقاً على ذلك: (لا يجوز بيع شعور الإنسان مع قولنا بطهارته، ولا الانتفاع بها ... وفي بيعه إهانة له، وكذا في امتهانه بالانتفاع، وقد قال صلى الله عليه وسلم فيما ثبت عنه في الصحيحين: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة والواشمة والمستوشمة)) فالواصلة هي التي تصل الشعر بشعر النساء، والمستوصلة المعمول بها بإذنها ورضاها، وهذا اللعن للانتفاع بما لا يحل الانتفاع به، ألا ترى أنه رخص في اتخاذ القراميل، وهي ما يتخذ من الوبر ليزيد في قرون النساء للتكثير، فظهر أن اللعن ليس للتكثير مع عدم الكثرة، وإلا لمنع القراميل، ولا شك أن الزينة حلال قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ} (1) فلولا لزوم الإهانة بالاستعمال لحل وصلها بشعور النساء أيضاً) .
__________
(1) الآية: 32. من سورة الأعراف(4/201)
وجاء في العناية: (بيع شعور الآدميين والانتفاع بها لا يجوز، وعن محمد أنه يجوز الانتفاع بها، استدلالا بما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حين حلق رأسه قسم شعره بين أصحابه، فكانوا يتبركون به، ولو كان نجساً لما فعله، إذ النجس لا يتبرك به.
وجه ظاهر الرواية أن الآدمي مكرم شرعاً غير مبتذل، وما هو كذلك لا يجوز أن يكون شيء من أجزائه مبتذلاً مهاناً، وفي البيع والانتفاع كذلك، ويؤيد ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ((لعن الله الواصلة والمستوصلة)) والواصلة من تصل الشعر والمستوصلة من يفعل بها ذلك ... ) (1) .
__________
(1) فتح القدير: جـ5 ص302، وقد أورد البابرتي اعتراضاً هادفاً، وقام بالرد عليه، ونورده في ما يلي نظراً لما يؤكده من النظرة التكريمية للآدمي حيث يقول: (فإن قيل جعل المصنف (المرغيناني) رحمه الله بيع شعر الخنزير إعزازاً له فيما تقدم وجعل بيع شعر الآدمي إهانة له، والبيع حقيقة واحدة، فكيف يجوز أن يكون موجباً لأمرين متنافيين؟؟ وأجيب بأن البيع مبادلة (مال بمال) فلا بد فيه من المبيع، فإن كان مما حقره الشرع فبيعه ومبادلته بما لم يحقره إعزاز له، فلا يجوز لإفضائه إلى إعزاز ما حقره الشرع، وإن كان ما كرمه وعظمه فبيعه ومبادلته بما ليس كذلك إهانة له، فلا يجوز لإفضائه إلى تحقير ما علمه الشرع، فليس ذلك من البيع في شيء، وإنما هو من وصف المحل شرعاً. ثم إن عدم جوازهما ليس للنجاسة على الصحيح؛ لأن شعر غير الإنسان لا ينجس بالمزابلة، فشعره وهو طاهر أولى، ولأن في تناثر الشعر ضرورة، وهي تنافى النجاسة. وقال الشافعي: نجس لحرمة الانتفاع به، وهو محجوج للضرورة. ولا بأس باتخاذ القراميل، وهي ما يتخذ من الوبر ليزيد في قرون النساء، أي في أصول شعرهن بالتكثير، وفي ذوائبهن بالتطويل. وقد علق قاضي زاده على قول البابرتي: (واجيب بأن البيع مبادلة فلا بد فيه من البيع ... إلخ) بقوله: (أقول: فيه بحث؛ إذ لو تم ما ذكره لكان البيع بما يماثله في التحقير والتعظيم جائزاً، وليس كذلك، إلا أن يقال: لا نظير لذلك في الشرع وفيه تأمل. أو يقال ما ذكرته كلام على السند، ولعل الأولى أن يقال في جواب أصل السؤال: إن بعض الأشياء خلق مالكاً فجعله مملوكاً إهانة له، لكونه حطاً عن درجته، وبعض الأشياء أخرجه الله تعالى عن دائرة الانتفاع والمملوكية، فجعله مملوكاً رفع له عن درجته، ولا بعد في إيجاب الشيء الواحد أمرين متنافيين في محلين مختلفين، ألا يرى أن الشمس تبيض الثوب، وتسود وجه القصار، وتعقد الملح وتذيب الشمع، فليتأمل) .(4/202)
وجاء في ابن عابدين: (مطلب الآدمي مكرم شرعاً ولو كافراً. ويبطل بيع شعر الإنسان لكرامة الآدمي، ولو كافراً، ذكره المصنف وغيره) حيث قال: والآدمي مكرم شرعا، وإن كان كافرا، فإيراد العقد عليه، وابتذاله به، وإلحاقه بالجمادات إذلال له. اهـ. أي وهو غير جائز وبعضه (أي بعض الإنسان) في حكمه، وصرح في فتح القدير ببطلانه ط. قلت: وعليه أنه يجوز استرقاق الحربي وبيعه وشراؤه وإن أسلم بعد الاسترقاق؟ إلا أنه يجاب بأن المراد تكريم صورته وخلقته، ولذا لم يجز كسر عظام ميت كافر، وليس ذلك محل الاسترقاق، والبيع والشراء، بل محله النفس الحيوانية، فلذا لا يملك بيع لبن أمته في ظاهر الرواية كما سيأتي) (1) .
الظاهرية:
لقد أوردنا آنفاً قول الظاهرية: (وكل ما حرم أكل لحمه فحرام بيعه ولبنه؛ لأنه بعضه ومنسوب إليه - وبالله تعالى التوفيق - إلا ألبان النساء فهي حلال كما ذكرنا قبل وبالله تعالى التوفيق) .
وهو دل دلالة واضحة على أن بيع شعر الإنسان، أو أي عضو منه حرام إلا ألبان النساء عندهم فقط.
الزيدية:
وما نقلناه عن الزيدية فيما سبق يدل على تحريم بيع شعور الآدميين حيث قالوا: (لا يجوز مطلقاً بيع الحر ولو شعراً بعد انفصاله، باع نفسه أو باعه غيره ... ) .
ومن هذه النصوص يتضح لنا عدم جواز بيع شعر الآدمي؛ لأنه بعض الإنسان، وبعضه منسوب إليه، وقد كرم الله الإنسان وحرم بيعه، فيكون بيع شعره حراماً كحرمته هو.
__________
(1) ابن عابدين: ج4 ص 110(4/203)
المبحث التاسع
حكم بيع جزء من أجزاء الآدمي غير المتجددة
حكم بيع جزء من أجزاء الآدمي
غير المتجددة
لقد خلق الله سبحانه وتعالى الإنسان فأبدع خلقه، وسواه فأحسن تسويته،
قال تعالى: {ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آَخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (1) .
وقال: {الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ (7) فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ} (2)
وقال تعالى: {لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ} (3)
فالإنسان هو أمارة القدرة الإلهية، ودليل الإبداع الإلهي، فكل ما فيه خلق لحكمة، وكل ما فيه خلق لغاية، ولم يوجد شيء فيه خلق عبثاً، أو دون حكمة أو هدف؛ إذ كل ما يصدر عنه جل شأنه كمال، وكل ما يخلقه هو قمة الإبداع.
ومن ثم كانت أجزاء الإنسان الظاهرة والباطنة هي مكوناته، وهي حقيقته، وهي المؤلفة لوحدة هذا الجسم وتناسقه وحمايته على المدى القريب والبعيد، وهي المؤدية لغاياته، والمناط بها استمرار حياته إلى نهاية الأجل الذي كتبه الله جل شأنه له ...
هذه حقيقة أولى.
أما الحقيقة الثانية فهي أن كل جزء من أجزاء الإنسان خلق ليؤدي وظيفة معينة في الجسم الآدمي، ويقوم بمهام محددة ضمن الإطار العام ... ولم يخلق أي جزء فيه عبثاً، أو دون هدف، أو زائداً عن الحاجة.
وأما الحقيقة الثالثة فهي أن الشريعة الإسلامية حرمت بيع الإنسان أو التصرف فيه، كما سبق أن أوضحناه.
ومن ثم انبثق عن هذه الحقيقة حرمة بيع أي جزء من أجزائه غير المتجددة ظاهراً كان العضو أو باطناً، كان مكرراً كالكلى أو الخصية أو الرئة، أو غير مكرر، كالقلب أو الطحال أو الكبد.
__________
(1) الآية: 14 من سورة المؤمنون
(2) الآيتان7، 8 من سورة الانفطار
(3) الآية: 4 من سورة التين.(4/204)
إذ هذه الأجزاء جميعها هي مكونات الآدمي من لحم وعظم، وإن أخذ كل عضو من أعضائه اسماً معيناً إلا أنها أجزاء الحقيقة، فما تأخذه الحقيقة الكلية من حكم يأخذه كل جزء من أجزائها؛ لأنها نفس واحدة، وروح واحدة، فإذا حرم التصرف في الآدمي حرم التصرف في كل جزء من أجزائه.
(ومن ثم رأينا الحنفية لا يجوزون بيع شعر الإنسان ولا الانتفاع به ... ، ولا بيع لبن امرأة إذا حلب ... كما سبق أن ذكرنا ـ وعللوا ذلك بأن الآدمي مكرم شرعاً وإن كان كافراً، فإيراد العقد عليه، وابتذاله به، وإلحاقه بالجمادات إذلال له، وإذلاله غير جائز، وبعض الإنسان في حكمه، وصرح في فتح القدير ببطلان بيعه.
فسائر أجزاء الآدمي لا يجوز بيعها سواء كانت متجددة أو غير متجددة عندهم.
المالكية: ولقد بين القرافي في النص المنقول آنفاً أن الأصل حرمة أجزاء الآدمي، وأن إباحة اللبن هو أنه استثنى منه الرضاع للضرورة، وقيس ما عداه على الأصل، بخلاف الأنعام بدليل تحريم لحمه تشريفاً له ...
الشافعية: وقد نطق فقه الشافعية بذلك أيضاً.
فقد نص الشافعية على قاعدة عامة في التصرف في الحر وهي: (الحر لا يدخل تحت اليد والاستيلاء) (1) . ومؤاده أنه لا يملك، وإذا كان الحر لا يملك، فإنه لا يجري عليه بيع ولا هبة ولا أي تصرف من التصرفات التي تجري على الشيء المملوك.
كما ينصون على أنه: (يحرم جزماً على شخص قطعه (أي بعض نفسه) لغيره من المضطرين، لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستيفاء الكل ... ) وقد سبق النص. ثم ينصون على قاعدة شرعية تمنع التصرف فيما لا يحل للإنسان، ولا يدخل في ملكه وهي: (من لا يملك التصرف لا يملك الإذن فيه) (2) .
__________
(1) المنشور من القواعد للزركشي الشافعي: جـ2 ص 43
(2) المنشور من القواعد للزركشي الشافعي: ج3 ص 211(4/205)
وفي قاعدة أخرى: (ما حرم أخذه حرم إعطاؤه) (1) .
ومن ثم كان محرماً على أي شخص أن يقلع جزءاً من نفسه لغيره، وإذا كان ذلك حراماً فلا يصح حينئذ أخذ عوض عنه، أو التبرع به، لأن ما لا يجوز بيعه لا يجوز هبته، وما جاز بيعه جاز هبته كما هي القاعدة الشرعية أيضاً التي نصوا عليها.
وإذا كان هناك رأي للشافعية في صحة بيع لبن الآدمي إذا حلب، فإنه خاص بهذا فقط، دون غيره من أجزاء الإنسان؛ إذ يحرم عندهم التصرف فيها كلا أو بعضا.
والحنابلة: يرون حرمة بيع أجزاء الإنسان، ولقد وضحوا رأيهم هذا صراحة عند عرضهم اختلاف الفقهاء في حرمة بيع لبن الآدمي إذا حلب، فالإمام أحمد روي عنه كراهته وجماعة من الحنابلة يحرمون بيعه، كالحنفية والمالكية ويعللون ذلك (بأنه جزء من آدمي فلم يجز بيعه ... ) أشبه سائر أجزائه.
وأما الرأي المخالف لذلك من بينهم والذين رأوا تصحيحه وهو جواز بيع لبن الآدمي لأنه طاهر منتفع به ... قالوا: (وإنما حرم بيع الحر، لأنه غير مملوك، وحرم بيع العضو المقطوع منه، لأنه لا نفع فيه) .
والظاهرية: يرون ـ كما سبق أن نقلناـ: (أن كل ما حرم أكل لحمه فحرام بيعه ولبنه؛ لأنه بعضه ومنسوب إليه - وبالله تعالى التوفيق - إلا ألبان النساء فهي حلال ... ) . ومنه يتبين حرمة بيع أجزاء الآدمي غير اللبن عندهم.
والزيدية: يقولون بأبلغ تعبير: (لا يجوز مطلقاً بيع الحر ولو شعراً بعد انفصاله، باع نفسه أو باعه غيره (2) .ثم أوجبوا تأديب من يفعل ذلك أو تعزيزه بما يراه الحاكم.
والإمامية: أيضاً لا يجوزون بيع ما لا يملك كالإنسان الحر، ومقتضاه أنهم لا يجوزون بيعه كلا أو بعضاً؛ لأن ما لا يدخل تحت ملك الإنسان لا يجوز له التصرف فيه.
__________
(1) الأشباه للسيوطي: ص 150
(2) سبق ذكر النص جميعه(4/206)
والإنسان وأجزاؤه لا يدخل تحت ملك الإنسان فلا يملك نفسه، ولا يملكه غيره، وقد فهم بعض الباحثين من قول صاحب المغني: (وحرم بيع العضو المقطوع منه لأنه لا نفع فيه) تقدم النص آنفاً: أنه يريد مطلق النفع، وقال: إن الفقهاء لو رأوا نفع نقل الأعضاء كما في العصر الحديث لوافقوا على بيعها، وجعل ذلك أساساً لقوله بجواز بيع الأعضاء الآدمية.
وهذا الفهم مجاف للصواب؛ لأن المحرم مهدر النفع شرعاً، ولا يعتمد بنفعه، وإلا فكل ما في الكون من المحرمات فيها نفع، وفيها ضرر، ولكن الشرع أهدر ما فيها من نفع ولم يعتد به رغم وجوده عقلاً وحسا.
انظر إلى الخمر والميسر، يقول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا} (1) ومع ذلك حرم الشرع شرب الخمر وبيعها والانتفاع بها، (وحرم الميسر ما قد يكون فيه من منافع) ويقول الشاطبي في موافقاته: جـ3 ص 120.
(ومن الفوائد في ذلك أن كل ما لا منفعة فيه من المعقود عليه في المعاوضات لا يصح العقد عليه، وما فيه منفعة أو منافع لا تخلو من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون جميعها حراماً أن ينتفع بها، فلا إشكال في أنه جار مجرى ما لا منفعة فيه البتة) .
والثاني: أن يكون جميعها حلالا، فلا إشكال في صحة العقد به وعليه ...
والثالث: أن يكون بعض المنافع حلالا، وبعضها حراماً، فههنا معظم نظر المسألة، ثم يقول ص 122: (وما سوى ذلك مما يقصد بالبيع ولا يقصد في نفسه عادة إلا بالتبعية لا حكم له (وقد ورد تحريم الميتة وأخواتها، وقيل للنبي صلى الله عليه وسلم في شحم الميتة: إنه تطلى به السفن ويستصبح به الناس، فأورد ما دل على منع البيع، ولم يعذرهم بحاجتهم إليه في بعض الأوقات؛ لأن المقصود وهو الأكل محرم، وقال: ((لعن الله اليهود حرمت عليهم الشحوم فجملوها فباعوها وأكلوا أثمانها)) وقال في الخمر: ((إن الذي حرم شربها حرم بيعها، وإن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه)) .
(ولا شك أن الإنسان حرام دمه، بنصوص شرعية، وحرام بيعه بنصوص شرعية أيضاً، كما سبق أن ذكرنا ـ فلا عبرة بما في جميع أعضائه من نفع إطلاقاً؛ لأن ما حرم كله حرم بعضه؛ إذ لا عبرة بأي نفع قد أهدره الشرع؛ لأن الله تعالى وضع لنا من الضوابط لما يحل ويحرم ما يحقق مصالح الناس في عاجلهم وآجلهم، ومنافعهم الحقيقة لا منافعهم الوهمية أو الظنية.
فمنافع الإنسان منها ما أجاز الشرع الحكيم وورد العقد عليه، كعقد اجارة الأشخاص، وحينئذ وضع الضوابط اللازمة لصحة هذا العقد. ومنها ما لم يجز الشرع وورد العقد عليه، ولا التصرف فيه، كبيع الآدمي الحر، أو بيع جزء منه ... ، وحينئذ يكون العقد عليه باطلاً، لا ينتج آثاراً، فضلاً عن الإثم الواقع على من يتصرف فيما لم يبح الشرع التصرف فيه.
__________
(1) الآية: 219 من سورة البقرة(4/207)
المبحث العاشر
حكم تبرع الإنسان بجزء من أجزائه لمنفعة شخص آخر
حكم تبرع الإنسان بجزء من أجزائه لمنفعة شخص آخر
بينا آنفاً حرمة بيع إنسان لعضو من أعضائه لينتفع به شخص آخر، ونوضح هنا رأي الفقه الإسلامي في حكم التبرع بأي عضو من أعضائه، على النحو التالي:
بينا فيما سبق أن قواعد الفقه الإسلامي تقرر ما يلي:
القاعدة الأولى: (ما جاز بيعه جازت هبته، وما لا فلا) (1) .
وأصل هذه القاعدة واضح أن البيع هو مبادلة مال بمال، وأن الذي يجوز بيعه هو ما يدخل تحت ملك الإنسان، أي ما يكون مملوكاً له، وما يكون مالا، أي ما يدخل تحت سلطته.
والإنسان ليس مالاً وليس مملوكاً للإنسان، بل لله تعالى، فليس لأحد سواه حق التصرف فيه ببيع أو غيره.
والهبة: تمليك مال بلا عوض، فمحل الهبة هو المال، ومالك هذا المال كما يملك بيعه، يملك هبته.
فإذا لم يكن الشيء مالاً فلا يجري عليه بيع ولا هبة ولا غيرهما من التصرفات الناقلة للملكية..
القاعدة الثانية: (من لا يملك التصرف لا يملك الإذن فيه) (2) .
وهذا واضح لأن فاقد الشيء لا يعطيه، ومن ليست له ولاية على الشيء لا يملك التصرف فيه، وإذا لم يملك التصرف فيه فكذلك لا يملك الإذن لغيره في التصرف فيه، فالعدم لا ينتج إلا العدم، وانعدام الأصل يترتب عليه انعدام فروعه ومنتجاته وما يترتب عليه ...
فالإنسان لا يملك التصرف في الإنسان ـ لا نفسه، ولا غيره ـ وإذا لم يملك ذلك لا يملك أن يأذن لغيره في اقتطاع جزء منه لا على سبيل الهبة، ولا على سبيل البيع.
__________
(1) القواعد للزركشي جـ3 ص 138
(2) المنثور من القواعد للزركشي جـ3 ص 211(4/208)
الحياة حق لله تعالى وليس للإنسان خيار في هذا الحق
- الحق هو كل ما استحقه الإنسان شرعاً طبقاً لما قررته الشريعة وما أرسته من أحكام وما جاءت به من نظام، فالحق مصدره الشرع، وموضوعه ومحله هو ما قرره الله للإنسان وما أثبته له، في صورة فردية أو في صورة جماعية.
إذ الحقوق منها ما يتعلق به النفع العام للناس جميعها، وتسمى (حقوق الله تعالى) وقد سميت بذلك تشريفاً لها وتعظيماً حتى لا يجرؤ على انتهاكها أو المساس بها، وتدور هذه الحقوق حول العبادات بأنواعها، وموارد الدولة المالية والعقوبات؛ حفظاً للدين والنفس والعرض والمال والعقل. ومنها ما يتعلق به مصلحة خاصة بالعبد، فالأصل في هذا النوع من الحق أن منفعته الغالبة تعود إلى الشخص فقط، كما فيما ملكه من أموال ـ عيناً أو منفعة ـ ويسمى هذا النوع من الحق (حق العبد) .
ولكل حق من هذين الحقين آثاره وخصائصه المستقاة من نصوص الشريعة (من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم) ومنها:
(أن حق الله تعالى لا يجري فيه عفو ولا صلح ولا إبراء، ولا يورث ويستوفيه الإمام، وأن حق العبد يجري فيه العفو والصلح والإبراء، ويورث ويستوفيه صاحبه ... ) .(4/209)
إذا عرفنا الفرق بين هذين الحقين فإننا نتساءل:
هل جسم الإنسان وحياته هي حق من حقوق الله تعالى؟ أو هي حق من حقوق العبد؟ فإذا حددنا من أي نوع هي، ثبت لنا خصائص هذا الحق وما تميز به عن غيره.
للإجابة على ذلك نقول:
إن حياة الإنسان وجسمه، وكافة ما يتصل بهذا الجهاز الآدمي هي حق من حقوق الله تعالى، وليست حقاً من حقوق العبد، فليس للإنسان أن يتنازل عن حياته، أو عن جزء من أجزائه، وليس له أن يتصرف فيه بأي تصرف ناقل للملكية، ومعاوضة أو تبرعاً ... والدليل على ذلك ما يأتي:
أولاً: سبق أن بينا أن المالك لكل ما في الكون ـ ومنه الإنسان ـ هو الله تعالى، فليس للإنسان ولاية على هذا الجسم إلا في حدود ما رسمه الشرع وما أباحه وأجازه له، أو عليه ...
ثانياً: أن هذا الإنسان قد أوجب الله تعالى حفظ حياته، وحفظ كل جزء من أجزائه، وقرر عقوبة رادعة لكل من اعتدى على هذا الجسم كلا أو بعضاً، كما سبق بيانه.
ثالثاً: أن الشرع الحكيم قد أوجب عقوبة رادعة لكل من يعتدي على نفسه ـ كلا أو بعضاً ـ كما سبق بيانه.
رابعاً: أن الشرع الحكيم قد أوجب على كل من عطل جزءاً من جسمه عن العمل ولو في وقت محدود ـ وهو العقل ـ عقوبة، فشارب الخمر معاقب بعقوبة (حد شارب الخمر) .
خامساً: أن إرادة الإنسان ليس لها عمل في إضاعة الحياة أو تعطيل جزء من أجزاء النفس البشرية، أياً كان هذا الجزء.(4/210)
يقول القرافي: وكذلك تحريمه تعالى المسكرات صوناً لمصلحة عقل العبد عليه، وحرم السرقة صوناً لماله، والزنا صوناً لنسبه، والقذف صوناً لعرضه، والجرح صوناً لمهجته وأعضائه ومنافعها عليه، ولو رضي العبد بإسقاط حقه من ذلك لم يعتبر رضا، ولم ينفذ إسقاطه، فهذه كلها وما يلحق بها من نظائرها، مما هو مشتمل على مصالح العباد حق الله تعالى؛ لأنها لا تسقط بالإسقاط، وهي مشتملة على حقوق العباد، لما فيها مصالحهم، ودرء مفاسدهم،.. (1) ولقد قرر الشاطبي في موافقاته (2) هذا المعنى بصورة باتة فقال: (كل ما كان من حقوق الله فلا خيرة فيه للمكلف على حال، وأما ما كان من حق العبد في نفسه فله فيه الخيرة.
أما حقوق الله تعالى فالدلائل على أنها ساقطة ولا ترجع لاختيار المكلف كثيرة، وأعلاها الاستقراء التام في موارد الشريعة ومصادرها، كالطهارة على أنواعها والصلاة والزكاة والصيام والحج والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي أعلاه الجهاد، وما يتعلق بذلك من الكفارات والمعاملات والأكل والشرب واللباس، وغير ذلك من العبادات والعادات التي ثبت فيها حق الله تعالى أو حق الغير من العباد، وكذلك الجنايات كلها على هذا الوزن جميعاً لا يصح إسقاط حق الله فيها البتة، فلو طمع أحد في أن يسقط طهارة للصلاة أي طهارة كانت، أو صلاة من الصلوات المفروضات، أو زكاة أو صوماً أو حجا، أو غير ذلك، لم يكن له ذلك، وبقي مطلوباً بها أبداً حتى يتفصَّى عنه عهدتها، وكذلك لو حاول استحلال مأكول حي مثلاً من غير ذكاة، أو إباحة ما حرم الشارع من ذلك، أو استحلال نكاح بغير ولي أو صداق أو الربا أو سائر البيوع الفاسدة، أو إسقاط حد الزنا أو الخمر أو الحرابة أو الأخذ بالغرم والاعتداء على الغير بمجرد الدعوى عليه وأشباه ذلك، لم يصح شيء منه، وهو ظاهر جداً في مجموع الشريعة. حتى إذا كان الحكم دائراً بين حق الله وحق العبد لم يصح للعبد إسقاط حقه إذا أدى إلى إسقاط حق الله، فلأجل ذلك لا يعترض هذا بأن يقال مثلاً: إن حق العبد ثابت له في حياته وكمال جسمه وعقله وبقاء ماله في يده، فإذا أسقط ذلك بأن سلط يد الغير عليه، فإما أن يقال بجواز ذلك له أو لا، فإن قلت: لا، وهو الفقه، كان نقضاً لما أصلت؛ لأنه حقه، فإذا أسقطه اقتضى ما تقدم أنه مخير في إسقاطه، والفقه يقتضي أن ليس له ذلك، وإن قلت: نعم خالفت الشرع؛ إذ ليس لأحد أن يقتل نفسه ولا أن يفوت عضواً من أعضائه ولا مالا من ماله، فقد قال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} (3) ثم توعد عليه وقال: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (4)
__________
(1) الفروق: جـ1 ص 140 الفرق الثاني والعشرون، وص 157
(2) الموافقات للشاطبي: جـ4 ص 277
(3) النساء: 29
(4) البقرة: 188(4/211)
وقد جاء الوعيد الشديد فيمن قتل نفسه، وحرم شرب الخمر لما فيه تفويت مصلحة العقل برهة، فما ظنك بتفويته جملة، وحجر على مبذر المال، ونهى عليه الصلاة والسلام عن إضاعة المال، فهذا كله دليل على أن ما هو حق للعبد لا يلزم أن تكون له فيه الخيرة.
لأنا نجيب بأن إحياء النفوس وكمال العقول والأجسام من حق الله تعالى في العباد، لا من حقوق العباد، وكون ذلك لم يجعل إلى اختيارهم هو الدليل على ذلك، فإذا أكمل الله تعالى على عبد حياته وجسمه وعقله الذي به يحصل له ما طلب به من القيام بما كلف به فلا يصح للعبد إسقاطه، اللهم إلا أن يبتلى المكلف بشيء من ذلك من غير كسبه ولا تسببه، وفات بسبب ذلك نفسه أو عقله أو عضو من أعضائه، فهنالك يتمحض حق العبد، إذ ما وقع مما لا يمكن رفعه، فله الخيرة فيمن تعدى عليه؛ لأنه قد صار حقاً مستوفى في الغير كدين من الديون، فإن شاء استوفاه وإن شاء تركه، وتركه هو الأولى إبقاء على الكلي، قال تعالى: {وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} وقال: {فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} وذلك أن القصاص والدية إنما هي جبر لما فات المجني عليه من مصالح نفسه أو جسده، فإن حق الله قد فات ولا جبر له، وكذلك ما وقع مما يمكن رفعه كالأمراض إذا كان التطبب غير واجب ودفع الظالم عنك غير واجب على تفصيل في ذلك مذكور في الفقهيات، وأما المال فجار على ذلك الأسلوب، فإنه إذا تعين الحق للعبد فله إسقاطه، وقد قال تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} بخلاف ما إذا كان في يده فأراد التصرف فيه وإتلافه في غير مقصد شرعي يبيحه الشارع فلا، وكذلك سائر ما كان من هذا الباب.
وأما تحريم الحلال وتحليل الحرام وما أشبهه فمن حق الله تعالى؛ لأنه تشريع مبتدأ وإنشاء كلية شرعية ألزمها العباد، فليس لهم فيها تحكم؛ إذ ليس للعقول تحسين ولا تقبيح، تحلل به أو تحرم، فهو مجرد تعد فيما ليس لغير الله فيه نصيب، فلذلك لم يكن لأحد فيه خيرة.(4/212)
فإن قيل: فقد تقدم أيضاً أن كل حق للعبد لا بد فيه من تعلق حق الله به، فلا شيء من حقوق العباد إلا وفيه لله حق، فيقتضي أن ليس للعبد إسقاطه، فلا يبقى بعد هذا التقرير حق واحد يكون العبد فيه مخيراً، فقسم العبد إذا ذاهب، ولم يبق إلا قسم واحد.
فالجواب: أن هذا القسم الواحد هو المنقسم؛ لأن ما هو حق للعبد إما يثبت كونه حقاً له بإثبات الشرع ذلك له، لا بكونه مستحقاً لذلك بحكم الأصل، وقد تقدم هذا المعنى مبسوطاً في هذا الكتاب، وإذا كان كذلك فمن هنا ثبت للعبد حق ولله حق، فأما ما هو لله صرفاً فلا مقال فيه للعبد، وأما ما هو للعبد فللعبد فيه الاختيار من حيث جعل الله له ذلك، لا من جهة أنه مستقل بالاختيار.
وقد ظهر بما تقدم آنفاً تخيير العبد فيما هو حقه على الجملة، ويكفيك من ذلك اختياره في أنواع المتناولات من المأكولات والمشروبات والملبوسات وغيرها مما هو حلال له، وفي أنواع البيوع والمعاملات والمطالبات بالحقوق، فله إسقاطها، وله الاعتياض منها، والتصرف فيما بيده من غير حجر عليه إذا كان تصرفه على ما ألف من محاسن العادات، وإنما الشأن كله في فهم الفرق بين ما هو حق الله وما هو حق للعباد، وقد تقدمت الإشارة إليه في آخر النوع الثالث من هذا الكتاب، والحمد لله) .
ومن هنا يتبين لنا أن حياة الإنسان، وأن أجزاء النفس الآدمية هي جميعها من حقوق الله تعالى، وأن ما كان حقاً لله تعالى فلا يملك فيه الإنسان تصرفاً، بيعاً أو شراء أو تبرعاً، أو بعبارة أخرى لا يجري فيه عفو ولا صلح ولا إبراء ولا بيع ولا شراء ولا تبرع..) .(4/213)
المبحث الحادي عشر
حكم أخذ الطبيب أجرة على قطع
عضو صحيح من أعضاء الإنسان
لا تدعو الحاجة إلى قطعه
حكم أخذ الطبيب أجرة على قطع
عضو صحيح من أعضاء الإنسان
لا تدعو الحاجة إلى قطعه
لقد تناول الفقه الإسلامي بدقة بيان الحكم إذا استؤجر الطبيب على قطع عضو صحيح من أعضاء الإنسان دون حاجة إلى قطعه، أو دون ضرر من بقائه على صاحبه، ونعرض فيما يلي آراء الفقهاء في هذا الموطن ثم نتبعها بالمقارنة والترجيح:
أولاً: النصوص الفقهية:
(1) الحنفية: جاء في رد المحتار جـ5 ص 76:
(تفسخ الإجارة بعقد لزوم ضرر لم يستحق بالعقد، إن بقي العقد، كما في سكون ضرس استؤجر لقلعه ... ) ثم علق ابن عابدين على: (بعذر) بقوله: (فلا تفسخ الإجارة بدون العذر) وعلى قوله: (كما في سكون ضرس..) التقييد بسكون الضرس ... يفهم منه أنه بدونه لا يكون له الفسخ، قال الحموي: وفي المبسوط إذا استأجره ليقطع يده للأكلة ... ثم بدا له في ذلك كان عذراً؛ إذ في إبقاء العقد إتلاف شيء من بدنه أو ماله، وهذا صريح في أنه لو لم يسكن الوجع يكون له الفسخ اهـ. أقول: وفي جامع الفصولين: كل فعل هو سبب نقص المال أو تلفه فهو عذر لفسخه، كما لو استأجره ليخيط له ثوبه، أو ليقصر، أو ليقطع، أو يبني بناء، ثم ندم، له فسخه اهـ.
(زاد في غاية البيان عن الكرخي: أو ليفصد، أو ليحجم، أو يقلع ضرساً له، ثم يبدو ألا يفعل فله في ذلك كله الفسخ؛ لأن فيه استهلاك مال، أو غرماً، أو ضرراً اهـ.) .
ويتضح من هذا أن الإجارة تفسخ إذا سكن ألم الضرس، لزوال سبب قلعه، فإذا لم يكن هناك ألم إطلاقاً فلا يصح قلعه، بل إن المؤجر له أن يفسخ عقد الإجارة ولو لم يسكن الألم؛ لأن في بقاء العقد إتلاف شيء من بدنه أو ماله، وإتلاف شيء من بدنه أو ماله لا يجوز) .
(ب) المالكية: جاء في حاشية الدسوقي جـ5 ص 30:
(وفسخت الإجارة على سن لقلع فسكنت، أي فسكن ألمها قبل القلع، ووافقه الآخر على ذلك، وإلا لم يصدق إلا لقرينة، وفائدة عدم التصديق لزوم الأجرة، لا أنه يجبر على القلع، وما ذكرناه من عدم تصديق ربها إذا نازعه الحجام، وقال له: إنه سكن ألمها، هو قول ابن عرفة، واستظهر بعض المشايخ عج خلاف ما قاله ابن عرفة فقال: إنه يصدق في سكون الألم إلا لقرينة تدل على كذبه، لأنه أمر لا يعرف إلا منه..) .
ويتضح من كلام المالكية أن الإجارة تفسخ إذا سكن الألم الذي من أجله اتفق مع الطبيب على قطع العضو موضع الألم، فإذا لم يكن هناك ألم أو مرض يوجب قطعه فلا تصح الإجارة، وهذا ما صرح به الشافعية فيما يلي:(4/214)
(ج) نص الشافعية: (الرملي جـ5 ص 270، وقليوبي جـ3 ص 70، 78) على ذلك فقالوا:
(لا يجوز الاستئجار على خلع سن صحيحة، بخلاف الوجيعة التي يقرر أهل الخبرة زوال ألمها بالقطع. وشرط الطبيب عند الشافعية أن يكون ماهراً، بمعنى أن يكون خطوه نادراً، وإن لم يكن ماهراً في العلم فيما يظهر، فإن لم يكن كذلك لم يصح العقد، ورجع عليه بما أخذه من أجرة أو غيرها..) .
(د) كما نص الحنابلة: على ذلك، فقد جاء في كشف القناع: جـ3 ص 565: (ولا تصح إجارة لقلع سن سليمة، أو قطع يد سليمة، وكذا سائر الأعضاء) .
كما جاء أيضاً في نفس المرجع في مبحث الإجارة جـ4 ص 300 ـ 302: (وتصح الإجارة على قطع شيء من الجسد للحاجة للقطع؛ لأن ذلك منفعة مباحة، ولا يكره أكل أجرته.
(ويحرم قلع شيء من الجسد عند عدم الحاجة للقطع، ولا يصح الاستئجار له) .
وجاء في المغني مع الشرح الكبير جـ6 ص 126: (ويجوز أن يستأجر من يقلع ضرسه؛ لأنها منفعة مباحة مقصورة، فجاز الاستئجار على فعلها كالختان، فإن أخطأ فقلع غير ما أمر بقلعه ضمنه؛ لأنه من جنايته، وإن برأ الضرس قبل قلعه انفسخت الإجارة؛ لأن قلعه لا يجوز، وإن لم يبرأ، لكن امتنع المستأجر من قلعه لم يجبر عليه؛ لأن إتلاف جزء من الآدمي محرم في الأصل، وإنما أبيح إذا صار بقاؤه ضرراً، وذلك مفوض إلى كل إنسان في نفسه إذا كان أهلاً لذلك، وصاحب الضرس أعلم بمضرته ومنفعته وقدر المدة) .(4/215)
(هـ) الزيدية: وأيد هذا الزيدية:
جاء في التاج المذهب جـ3 ص 118: أن الإجارة الصحيحة يثبت فيها الفسخ بـ (العذر الزائل معه الغرض بعقدها من المستأجر، أو العين المستأجرة، نحو أن يستأجر من يقلع له سناً، أو يقطع عضواً حصلت به علة، ثم شفي، فإنها تبطل الإجارة) .
وجاء في شرح الأزهار: جـ3 من 250 عند بيان شروط المنفعة التي يصح عقد الإجارة عليها (أن يكون في منفعة مقدورة للأجير ... ، وإلا لم يصح، كالطير في الهواء والحوت في البحر، ومنه ما يتعذر لمانع شرعي كالحائض لكنس المسجد، أو لقلع السن الصحيح ... ) .
(ومن هذا يتبين أن العضو لا يصح إجراء عقد على قطعه؛ إذ يوجد مانع شرعي يمنع من صحة هذا العقد؛ لأن الشرع صان الأجزاء الصحيحة من الإنسان، كما صان الإنسان كله.
(و) الإمامية: جاء في المختصر النافع ص 176:
أن من شروط صحتها: (أن تكون المنفعة مباحة) .
(ولا شك أن قطع عضو صحيح من الإنسان لا يكون مباحاً إلا إذا وجد دليل شرعي من قرآن وسنة يوجب قطعه، كما في القصاص فيما دون النفس، أو في حد السرقة أو الحرابة، فإذا لم يوجد دليل يوجب ذلك فحرمة النفس قائمة وأجزاؤها مصونة، ولا تنال إلا بحق.
الترجيح:
يتضح لنا مما تقدم اتفاق الفقهاء على بطلان عقد الإجارة إذا كان محل هذا العقد قطع عضو صحيح من الإنسان، دون علة أو مرض؛ صيانة لنفس الإنسان وحفاظاً عليه، ومنعاً للأيدي أن تمتد إليه، بل أوجب المشرع الحكيم عقوبة لمن ينال من هذه النفس كلاً أو بعضاً كما سيأتي بيانه..(4/216)
المبحث الثاني عشر
أثر رضا المقطوع عضوه
على درء العقوبة عن القاطع
أثر رضا المقطوع عضوه
على درء العقوبة عن القاطع
- إذا رضي الشخص بأن يقطع منه عضو من أعضائه، أو تزهق روحه، فهل هذا الرضا يؤثر في درء عقوبة القصاص على من باشر قطع هذا العضو أو أزهق هذه الروح؟
لقد اختلف الفقهاء في موجب هذا العمل إلى رأيين:
الرأي الأول: يرى الحنفية (غير الإمام زفر) والشافعية أنه لا قصاص على الجاني في هذه الحالة؛ لأنه لما أذن له في قتله أو قطع عضو من أعضائه فقد تمكنت في عصمة دمه شبهة الإباحة، والشبهة في باب القصاص لها حكم الحقيقة.
وإذا قيل بسقوط القصاص فالأظهر عند الشافعية أنه لا تجب الدية، وهو رواية عن أبي حنيفة وقول لأبي يوسف ومحمد لوجود الإذن بقتله، (أو قطعه) ويرى أبو حنيفة في رواية صححها عند فقهاء المذهب أنه تجب الدية في القتل، ولا تجب في القطع، وفي رواية عند الشافعية: تجب الدية في القتل والقطع؛ وذلك لأن القصاص قد سقط لوجود الشبهة، والشبهة تمنعه، ولكنها لا تمنع وجوب المال، فتجب الدية عمن باشر القتل أو القطع.
الرأي الثاني: يرى المالكية، والإمام زفر من الحنفية، والزيدية والظاهرية وجوب القصاص على الجاني ولا عبرة برضا المجني عليه؛ لأن الحق بعد الموت انتقل إلى ورثة المجني عليه ... ولأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، فقد روي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فلا سمع ولا طاعة)) وعن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الطاعة في المعروف)) فإذا أمره بقتله أو قطع عضو من أعضائه لا يحل له أن يفعل، وإن فعل اقتص منه في النفس عندهم جميعاً، وإن كانت الجناية على ما دون النفس، أي: على عضو من أعضائه، اقتص منه عند الزيدية والظاهرية.(4/217)
وإيجاب القصاص في الجميع هو الذي نراه راجحاً شرعاً؛ لأن أمره لا يحل ما حرم الله تعالى للحديث: ((المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) وإذا كان الله تعالى قد شدد عقوبة قاتل نفسه، وهو حين يقتل إنما يقتل نفسه، فكيف نعتد بأمره للغير بالنيل من نفسه أو عضو من أعضائه، وهو لا يملك من نفسه شيئاً، ولذلك عوقب بجنايته.
جاء في المحلى لابن حزم: فيمن أمر آخر بقطع يده أو يقتل ولده أو عبده أو بقتله نفسه: حدثنا عبد الله بن ربيع، نا عبد الله بن محمد بن عثمان، نا أحمد بن خالد، نا علي بن عبد العزيز، نا الحجاج بن المنهال، نا حماد بن سلمة، عن عمرو بن دينار قال: (إن رجلاً قال لعبده: اقطع أذني وأنت شريكي في الدية. ففعل، فاختصموا إلى ابن الزبير، فقامت البينة على قوله، فأبطل ديته.
قال علي: قد أوجب الله تعالى في النفس الدية إن أرادها ولي المقتول على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، وأوجب الله تعالى أيضاً كذلك دية الأصابع على ما ذكرنا قبل، وحرم الله طاعة أحد من الناس في معصية الله تعالى. وقد ذكرنا كل ذلك بإسناده فيما سلف من ديواننا: حدثنا عبد الله بن يوسف، نا أحمد بن فتح، نا عبد الوهاب بن عيسى، نا أحمد بن محمد، نا أحمد بن علي، نا مسلم بن الحجاج، نا قتيبة، نا ليث - هو ابن سعد - عن عبد الله - هو ابن عمر - عن نافع، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب أو كره، إلا أن يؤمر بمعصية، فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) وبه إلى مسلم: نا محمد بن المثنى، نا محمد بن جعفر غندر، نا شعبة، عن زبيد، عن سعيد بن عبيد، عن أبي عبد الرحمن السلمي، عن علي بن أبي طالب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنما الطاعة في المعروف)) .
قال أبو محمد: فحرام على كل من أُمر بمعصية أن يأتمر لها، فإن فعل فهو فاسق عاص لله تعالى، وليس له بذلك عذر، وكذلك الآمر في نفسه بما لم يبح الله تعالى له فهو عاص لله تعالى فاسق، ولا عذر للمأمور في طاعته، بل الأمر والذي يؤمر سواء في ذلك، فالواجب أن يجب للآمر إنساناً بقطع يد الآمر نفسه بغير حق، أو بقتل عبده أو بقتل ابنه، ما يجب له لو لم يأمر بذلك من القود أو الدية؛ لأن وجود أمره بذلك باطل لا حكم له في الإباحة أصلاً، وكذلك من أباح لآخر أن يقتله ففعل، فلأولياء المقتول القود أو الدية، وقد قال مالك: من أمر آخر بقتل عبده فقتله فلا شيء على المأمور. وقال الشافعي: من أمر آخر بقطع يد الآمر فلا شيء على القاطع.
قال علي: وهذان القولان في غاية الفساد لما ذكرناه، والعجب أنهم أصحاب قياس بزعمهم، وهم لا يختلفون فيمن أمر إنساناً بأن يزني بأمته نفسه ففعل، أن الحد عليه، فإن قالوا: إن له بعد قطع يده وقتل أبيه، أن يعفو وليس له بعد الزنا بأمته، قبل وقت العفو لم يأت بعد، فليس له أن يعفو، وهم لا يختلفون فيمن قال: من قتل ابن عمي فلان بن فلان فقد عفوت عنه فقتله قاتل، فإن له القود، فبطل نظيرهم. وبالله تعالى التوفيق) .(4/218)
المبحث الثالث عشر
الإيثار
- تفسير الآية التي ورد فيها الإيثار.
- حقيقة الإيثار.
- المفسرون ومعنى الآية.
- الإيثار بالقرب.
- الإيثار بالمال.
- الإيثار بالنفس.
الإيثار
قد يحتج بعض الناس عند الاستدلال لقولهم بجواز نقل عضو من إنسان حي إلى آخر إنقاذاً لحياته بأنه من باب (الإيثار) ، والإيثار خلق محمود وصفة مشروعة مدح الله تعالى بها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى بشأن الأنصار: {وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (1) .
فهذه الآية تحدثت عن الأنصار ووصفتهم بأربع صفات:
1- أنهم الذين اعتقدوا الإيمان وأخلصوه من قبل كثير من المهاجرين.
2- وأن الأنصار من كرمهم وشرف أنفسهم يحبون المهاجرين ويواسونهم بأموالهم.
3- وأن الأنصار لا يجدون في أنفسهم حسداً للمهاجرين فيما فضلهم الله به من المنزلة والشرف والتقديم في الذكر والرتبة، وما خصوا به من أموالهم الفيء وغيرها. قال الحسن البصري: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً} يعني الحسد {مِمَّا أُوتُوا} قال قتادة: فيما أعطي إخوانهم من المهاجرين مما أفاء الله عليهم وقسمه الرسول صلى الله عليه وسلم من أموال بني النضير.
4- وأنهم {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي يؤثرون على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم، لا عن غنى، بل مع احتياجهم إليها.
__________
(1) الآية: 9 من سورة الحشر.(4/219)
ونورد فيما يلي بعضاً من الأحاديث الواردة في سبب النزول:
في الترمذي عن أبي هريرة: أن رجلاً بات به ضيف فلم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته: نومي الصبية وأطفئي السراج وقربي للضيف ما عندك. فنزلت هذه الآية: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} قال: هذا حديث حسن صحيح. خرجه مسلم أيضاً. وخرج عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني مجهود. فأرسل إلى بعض نسائه فقالت: والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء، ثم أرسل إلى أخرى فقالت مثل ذلك، حتى قلن كلهن مثل ذلك: لا والذي بعثك بالحق ما عندي إلا ماء. فقال: ((من يضيف هذا الليلة رحمه الله؟)) فقام رجل من الأنصار فقال: أنا يا رسول الله. فانطلق به إلى رحله فقال لامرأته: هل عندك شيء؟ قالت: لا، إلا قوت صبياني. قال: فعلليهم (1) بشيء، فإذا دخل ضيفنا فأطفئي السراج وأريه أنا نأكل، فإذا أهوى ليأكل فقومي إلى السراج حتى تطفئيه.
قال: فقعدوا وأكل الضيف. فلما أصبح غدا على النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((قد عجب الله عز وجل من صنيعكما بضيفكما الليلة)) (2) وفي رواية عن أبي هريرة قال: جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليضيفه فلم يكن عنده ما يضيفه. فقال: ((ألا رجل يضيف هذا رحمه الله)) ؟ فقام رجل من الأنصار يقال له: أبو طلحة. فانطلق به إلى رحله ... وساق الحديث بنحو الذي قبله، وذكر فيه نزول الآية (3) . وذكر المهدوي عن أبي هريرة أن هذا نزل في ثابت بن قيس ورجل من الأنصار، نزل به ثابت، يقال له: أبو المتوكل، فلم يكن عند أبي المتوكل إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته: أطفئي السراج ونومي الصبية. وقدم ما كان عنده إلى ضيفه.. ذكر النحاس قال: قال أبو هريرة: نزل برجل من الأنصار، يقال له: أبو المتوكل، ثابت بن قيس ضيفاً، ولم يكن عنده إلا قوته وقوت صبيانه، فقال لامرأته: أطفئي السراج ونومي الصبية. فنزلت {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} إلى قوله: {فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وقيل: (إن فاعل ذلك أبو طلحة. وذكر القشيري أبو نصر عبد الرحيم بن عبد الكريم: وقال ابن عمر أهدى لرجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم رأس شاة فقال: إن أخي فلاناً وعياله أحوج إلى هذا منا. فبعثه إليهم، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى تداولها سبعة أبيات، حتى رجعت إلى أولئك، فنزلت: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} ذكره الثعلبي عن أنس قال: أهدي لرجل من الصحابة رأس شاة وكان مجهوداً، فوجه به إلى جار له، فتداولته سبعة أنفس في سبعة أبيات، ثم عاد إلى الأول، فنزلت: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} الآية.
وقال ابن عباس: قال النبي صلى الله عليه وسلم للأنصار يوم بني النضير: ((إن شئتم قسمت للمهاجرين من دياركم وأموالكم وشاركتموهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم نقسم لكم من الغنيمة شيئا)) . فقالت الأنصار: بل نقسم لإخواننا من ديارنا وأموالنا ونؤثرهم بالغنيمة. فنزلت: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} . الآية. والأول أصح.
وإذا عرفنا سبب النزول فإنه يلزمنا الآن أن نبين حقيقة الإيثار ومتى يكون أو بأي شيء يكون؟ ثم حكمه ...
__________
(1) علله بكذا، شغله ولهاه به
(2) أي: عظم ذلك عنده وكبر عليه، وإطلاق العجب على الله مجاز؛ لأنه لا يخفى عليه أسباب الأشياء
(3) وهناك روايات أخرى، تراجع كتب التفسير ومنها القرطبي: ج18 ص 24(4/220)
حقيقة الإيثار لغة واصطلاحاً:
الإيثار لغة: مأخوذ من آثر، يقال: آثرته به، أي: خصصته به وفضلته (1) .
الإيثار اصطلاحاً: عرف بتعريفات منها:
(أ) هو تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية؛ رغبة في الحظوظ الدينية ... (2)
(ب) الإيثار: هو أن يجود بالمال مع الحاجة إليه (3) .
والإيثار أرفع درجة في السخا؛، إذ السخاء هو بذل ما يحتاج إليه لمحتاج أو لغير محتاج، والبذل مع الحاجة أشد، وليس بعد الإيثار درجة في السخاء، وقد أثنى الله تعالى على الصحابة رضي الله عنهم فقال: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .
منشأ الإيثار: ينشأ الإيثار عن (قوة اليقين بالله، وغاية المودة، وتوكيد المحبة، والصبر على المشقة) ، وذلك يختلف باختلاف أحوال المؤثرين، كما روي في الآثار أن النبي صلى الله عليه وسلم قبل من أبي بكر ماله، ومن عمر نصف ماله، ورد أبا لبابة وكعب بن مالك إلى الثلث، لقصورهما عن درجتي أبي بكر وعمر؛ إذ لا خير له في أن يتصدق ثم يندم فيُحْبِط أجرَه ندمُه.
- هذا هو المنشأ الحقيقي للإيثار في نظر الإسلام.
أما الإيثار من أجل الحصول على المال، أو الجاه، أو الذكر الحسن وما إلى ذلك من أسباب النفع الدنيوي، فإنه لا يكون إيثاراً، ولكنه يكون بيعاً وتجارة، وهو بيع وتجارة فيما حرم الله بيعه أو التجارة فيه، فيكون حراماً.
__________
(1) في المعجم الكبير ج1 ص 292 (أثره إيثار) : اختاره وقدمه وآثر فلاناً على فلان: فضله عليه وقدمه، ومنه قوله تعالى على لسان إخوة يوسف: {تَاللهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللهُ عَلَيْنَا وَإِن كُنَّا لَخَاطِئِينَ} . وفي مختار القاموس ص 13: ( ... آثره أكرامه، وآثر اختار، واستأثر بالشيء استبد به.
(2) القرطبي: ج18 ص 26، وابن العربي: ج2 ص 246، وحاشية الصاوي على الجلالين.
(3) إحياء علوم الدين ج3 ص 222.(4/221)
رأي المفسرين في معنى {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .
1- القرطبي: (أي يؤثرون على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم، لا عن غنى، بل مع احتياجهم إليها) (1) .
2- ابن كثير: (أي يقدمون المحاويج على حاجة أنفسهم، ويبدؤون بالناس قبلهم في حال احتياجهم إلى ذلك) وقد ثبت في الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: ((أفضل الصدقة جهد المقل)) . وهذا المقام أعلى من حال من وصف الله تعالى بقوله: {وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا} (2) وقوله: {وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ} (3) فإن هؤلاء تصدقوا وهم يحبون ما تصدقوا به، وقد لا يكون لهم حاجة إليه، ولا ضرورة به، وهؤلاء آثروا على أنفسهم مع خصاصتهم إلى ما أنفقوه) (4) .
3- الطبري: (يعطون المهاجرين أموالهم إيثاراً لهم بها على أنفسهم) {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} يقول: (ولو كان بهم حاجة وفاقة إلى ما آثروا به من أموالهم على أنفسهم)
4- الألوسي: ( {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} . (أي يقدمون المهاجرين على أنفسهم في كل شيء من الطيبات، حتى إن من كان عنده امرأتان كان ينزل عن إحداهما ويزوجها واحداً منهم {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي حاجة) (5) .
5- الخطيب الشربيني: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ} (فيبذلون لغيرهم كائناً من كان ما في أيديهم، فإن الإيثار تقديم الغير على النفس وحظوظها الدنيوية رغبة في الحظوظ الأخروية، وذلك ينشأ عن قوة اليقين وتوكيد المحبة والصبر على المشقة، وذكر النفس دليل على أنهم في غاية النزاهة عن الرذائل؛ فإن النفس إذا طهرت كان القلب أطهر {وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} أي فقر وحاجة إلى ما يؤثرون به) .
__________
(1) تفسير القرطبي: ج18 ص 26
(2) الآية 8 من سورة الإنسان.
(3) تفسير ابن كثير: ج4 ص 338.
(4) الآية 177 من سورة البقرة.
(5) تفسير الألوسي: ج28 ص 27(4/222)
{وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} .
القرطبي: (الشح والبخل سواء، وجعل بعض أهل اللغة الشح أشد من البخل، وفي الصحاح: الشح البخل مع حرص.
ثم ساق تفسير بعض الصحابة وبعض التابعين لمعنى الشح، بعد أن ذكر أن من يؤثر على نفسه مع حاجته فقد وقي شح نفسه وأفلح فلاحاً لا خسارة بعده ...
والمراد بالآية: الشح بالزكاة وما ليس بفرض من صلة ذوي الأرحام والضيافة، وما شاكل ذلك، فليس بشحيح ولا بخيل من أنفق في ذلك وإن أمسك عن نفسه. ومن وسع على نفسه ولم ينفق فيما ذكرناه من الزكوات والطاعات فلم يوق شح نفسه، وروى الأسود عن ابن مسعود أن رجلاً أتاه فقال له: إني أخاف أن أكون قد هلكت؟ قال: وما ذاك؟ قال سمعت الله عز وجل يقول: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} وأنا رجل شحيح لا أكاد أن أخرج من يدي شيئاً. فقال ابن مسعود: ليس ذلك بالشح الذي ذكره الله تعالى في القرآن، إنما الشح الذي ذكره الله تعالى في القرآن أن تأكل مال أخيك ظلماً، ولكن ذلك البخل وبئس الشيء البخل. ففرق رضي الله عنه بين الشح والبخل، وقال طاوس: البخل أن يبخل الإنسان بما في يده، والشح أن يشح بما في أيدي الناس يحب أن يكون له ما في أيديهم بالحل والحرام، لا يقنع. ابن جبير: الشح منع الزكاة وادخار الحرام. ابن عيينة: الشح الظلم. الليث: ترك الفرائض وانتهاك المحارم. ابن عباس: من اتبع هواه ولم يقبل الإيمان فذلك الشحيح.
ابن زيد: من لم يأخذ شيئاً (لشيء) نهاه الله عنه ولم يدعه الشح (على أن يمنع شيئاً من شيء) أمره الله به، فقد وقاه الله شح نفسه. وقال أنس: قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((برئ من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة)) . وعنه أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو: ((اللهم إني أعوذ بك من شح نفسي وإسرافها ووساوسها)) . وقال أبو الهياج الأسدي: رأيت رجلاً في الطواف يدعو: اللهم قني شح نفسي. لا يزيد على ذلك شيئاً، فقلت له فقال: إذا وقيت شح نفسي لم أسرق ولم أزن ولم أفعل. فإذا الرجل عبد الرحمن بن عوف.
قلت: يدل على هذا قوله صلى الله عليه وسلم: ((اتقوا الظلم؛ فإن الظلم ظلمات يوم القيامة، واتقوا الشح؛ فإن الشح أهلك من كان قبلكم، حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم)) . وقد بيناه في آخر (آل عمران) (1) . وقال كسرى لأصحابه: أي شيء أضر بابن آدم؟ قالوا: الفقر. فقال كسرى: الشح أضر من الفقر؛ لأن الفقير إذا وجد شبع، والشحيح إذا وجد لم يشبع أبداً.
__________
(1) راجع: ج4 ص 293(4/223)
ما يكون فيه الإيثار
على ضوء ما أورده العلماء فيما يؤثر الإنسان به غيره، نجدنا في حاجة إلى أن نقسم هذا البحث إلى ثلاث فترات: الأولى حكم الإيثار بالقرب أي ما يتقرب به إلى الله. الثانية الإيثار بالمال، والثالثة الإيثار بالنفس.
الإيثار بالقرب:
تناول هذه الموضوعات الإمام السيوطي فقال:
(الإيثار في القرب مكروه، وفي غيرها محبوب، قال تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} .
قال الشيخ عز الدين: لا إيثار في القربات، فلا إيثار بماء الطهارة، ولا بستر العورة ولا بالصف الأول؛ لأن الغرض بالعبادات التعظيم والإجلال، فمن آثر به فقد ترك إجلال الله وتعظيمه.
وقال الإمام: لو دخل الوقت، ومعه ماء يتوضأ به، فوهبه لغيره ليتوضأ به، لم يجز. لا أعرف فيه خلافاً؛ لأن الإيثار إنما يكون فيما يتعلق بالنفوس، لا فيما يتعلق بالقرب والعبادات.
وبعد أنقل آراء فقهاء الشافعية في الإيثار بالقرب هل هو مكروه، أو خلاف الأولى، أو حرام، قال:
(قلت: ليس كذلك، بل الإيثار إن أدى إلى ترك واجب فهو حرام، كالماء، وستر العورة ... وأشباه ذلك، وإن أدى إلى ترك سنة، أو ارتكاب مكروه فمكروه، أو لارتكاب خلاف الأولى ما ليس فيه نهي مخصوص فخلاف الأولى، وبهذا يرتفع الخلاف.
الإيثار بالمال:
اتفق العلماء على أن الإيثار بالمال فضيلة من الفضائل، وكمال مروءة، وقوة في الإيمان والاعتقاد، واحتراز عن حظ النفس ولذائذها وهو منق لها، ورافع درجاتها إلى أعلى درجات السخاء.
ولقد رأينا فيما مضى من البحث في تفسير الآية الكريمة: {ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة} أن المفسرين جعلوا هذا الإيثار في حظ الدنيا، من مأكل أو ما شابهه، وآية ذلك سبب نزول الآية؛ فإن سبب نزولها وإن تعددت الروايات بشأنه إلا أنها جميعها تدور حول الإيثار بالمال مع الحاجة إليه.
كما رأينا أن العلماء حينما عرفوا الإيثار جعلوه (تقديم الغير على النفس في حظوظ الدنيا أو الجود بالمال مع الحاجة إليه) ، وبذلك اعتبروه أعلى درجات السخاء والجود؛ إذ السخاء هو بذل مال إلى إنسان آخر، محتاج أو غير محتاج، لكن الإيثار هو بذل ما يحتاج إليه لمحتاج آخر.(4/224)
حكم الإيثار بالمال:
- الإيثار بالمال تارة يكون مستحباً، وتارة يكون مكروهاً ...
يفصل ذلك ويقرر الأحوال التي يكون فيها الإيثار مرغوبا، والأحوال التي يكون فيها مكروهاً.
الجصاص يقول: قال الله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} الخصاصة: الحاجة، فأثنى الله على الأنصار بإيثارهم المهاجرين على أنفسهم فيما ينفقونه عليهم، وإن كانوا هم محتاجين إليه.
فإن قيل: روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلاً قال له: معي دينار. فقال: ((أنفقه على نفسك)) فقال: معي دينار آخر. فقال: ((أنفقه على عيالك)) فقال: معي دينار آخر. قال: ((تصدق به)) .
(وروي أن رجلاً جاء ببيضة من ذهب فقال: يا رسول الله، أتصدق بهذه، فإني ما أملك غيرها. فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاءه من الشق الآخر، فأعرض عنه، إلى أن أعاد القول، فأخذها رسول الله صلى الله عليه وسلم ورماه بها، فلو أصابته لعقرته، ثم قال: ((يأتيني أحدكم بجميع ما يملك، فيتصدق به، ثم يقعد يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى)) .
(وروي أن رجلا دخل المسجد، والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، والرجل بحال بذاذة، فحث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة، فطرح قوم ثياباً ودراهم، فأعطاه ثوبين ثم حثهم على الصدقة، فطرح الرجل أحد ثوبيه، فأنكره النبي صلى الله عليه وسلم) .
ففي هذه الأخبار كراهة الإيثار على النفس والأمر بالإنفاق على النفس، ثم الصدقة بالفضل.
قيل له: إنما كره النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ لأنه لم يثق منه بالصبر على الفقر، وخشي أن يتعرض للمسألة إذا فقد ما ينفقه، ألا ترى أنه قال: يأتيني أحدهم بجميع ما يملك فيتصدق به، ثم يقعد يتكفف الناس، فإنما كره الإيثار لمن كانت هذه حاله، فأما الأنصار الذين أثنى الله عليهم بالإيثار على النفس فلم يكونوا بهذه الصفة، بل كانوا كما قال الله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ} فكان الإيثار منهم أفضل من الإمساك. والإمساك ممن لا يصبر، ويتعرض للمسألة أولى من الإيثار.(4/225)
ويقول السيوطي: الإيثار في القرب مكروه، وفي غيرها محبوب، {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} ومعنى هذا أن الإيثار بالمال محبوب، ومرغوب فيه، أي (مستحب) .
ويقول الشيخ أبو محمد في الفروق: من دخل عليه وقت الصلاة، ومعه ما يكفيه لطهارته، وهناك من يحتاجه للطهارة لم يجز له الإيثار، ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام لاستبقاء مهجته، كان له ذلك، وإن خاف فوات مهجته. والفرق أن الحق في الطهارة لله، فلا يسوغ فيه الإيثار، والحق في حال المخمصة لنفسه.
وقد علم أن المهجتين على شرف التلف، إلا واحدة تستدرك بذلك الطعام فحسن إيثار غيره على نفسه.
ويقوي هذا الفرق مسألة المدافعة، وهي أن الرجل إذا قصد قتله ظلماً وهو قادر على الدفع، غير أنه يعلم أن الدفع ربما يقتل القاصد فله الاستسلام (1) . وهذا رأي الشافعية في مسألة المدافعة خالفهم فيه جمهور الفقهاء الذين يرون أن الدفاع عن النفس واجب، وليس جائزاً وحينئذ ما رأى السيوطي أنه يقوي قول الشافعية في جواز أن يقدم الإنسان الطعام الذي ينقذ حياته لغيره إنقاذاً لحياة ذلك الغير، ليس على إطلاقه، بل هناك رأي في المذهب في مسألة المدافعة يتفق مع جمهور الفقهاء في ضرورة أن يحافظ الإنسان على حياته، قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} وقال صلى الله عليه وسلم: ((ابدأ بنفسك فتصدق عليها فإن فضل شيء فلأهلك، فإن فضل شيء فلذي قرابتك، فإن فضل عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا)) .. رواه مسلم
__________
(1) وهذا الذي يقرره السيوطي في مسألة المدافعة مبني على أن المذهب الشافعي وكذا الحنابلة في رأي لهم يرى أن الدفاع عن النفس جائز، وليس واجباً لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الفتنة: اجلس في بيتك، فإن خفت أن يبهرك شعاع السيف فغط وجهك. وفي لفظ: فكن عبد الله المقتول، ولا تكن عبد الله القاتل.. وعلى ذلك اعتمد عثمان بن عفان رضي الله عنه على أحد الأقوال في ترك القتال عندما هوجم في داره مع إمكان قتال المعتدين وردهم) ... ويرى جهور الفقهاء (الحنفية والمالكية والشافعية في رأي ثان لهم، والحنابلة والزيدية والإمامية) وجوب دفعه ورده، ولو أدى ذلك إلى قتله؛ لقوله تعالى: {وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِن بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إلى أَمْرِ اللَّهِ} [الآية: 9 من سورة الحجرات) . فأمر الله تعالى بقتال الفئة الباغية، ولا بغي أشد من قصد إنسان بالقتل بغير استحقاق، فاقتضت الآية قتل من قصد قتل غيره بغير حق ... وأدلة أخرى كثيرة تدل على رجحان هذا الرأي بسطتها في كتابي الجنايات في الفقه الإسلامي ص 261(4/226)
وقد أورد ابن نجيم الحنفي، ما يشهد لهذا الرأي الراجح، ويؤيد ما قيده الجصاص فيقول: (رأيت في الهبة من منية المفتي: فقير محتاج معه دراهم، فأراد أن يؤثر على نفسه، إن علم أنه يصبر على الشدة فالإيثار أفضل وإلا فالإنفاق على نفسه أفضل، انتهى) (1) .
الترجيح: من كل هذا يتبين لنا ما يأتي:
أن الإيثار بالمال، والمال الأصل فيه البذل والعطاء، والتسامح والتساهل، قال صلى الله عليه وسلم: ((رحم الله رجلاً سهلاً إذا باع وإذا اشترى وإذا قضى وإذا اقتضى)) وإذا كان الأصل في المال هو هذا، فإن الإيثار بالمال يكون مرغوباً فيه ومحبوباً، إذا كان الإنسان يستطيع الصبر على الفقر ويأمن ألا يسأل الناس أعطوه أو منعوه، بأن كان له من أسباب الكسب ما يجعله مطمئناً إلى غده.
أما إذا كان لا يستطيع الصبر على الفقر، ويخشى أن يتعرض للمسألة وأن يتكفف الناس فيكره له أن يتصدق.
وقد رأينا في الأحاديث المتقدمة كيف أن النبي صلى الله عليه وسلم رد صدقة من تصدق بجميع ماله، ثم قال: ((يأتيني أحدهم بجميع ما يملك، فيتصدق به، ثم يقعد يتكفف الناس، إنما الصدقة عن ظهر غنى)) ، وأنكر صلى الله عليه وسلم صدقة من تصدق بأحد ثوبين، ففي هذه الأخبار كراهة الإيثار على النفس، والأمر بالإنفاق على النفس، ثم الصدقة بالفضل.
فإمساك المال ممن لا يصبر على الفقر ويتعرض للمسألة أولى من الإيثار، ويمكن أن نقول في هذه الحالة: إنه مكروه، والكراهة نوع من الحرمة، وما ذلك إلا لأنه عرض نفسه لما يذلها ويحوجها، وهي النفس التي كرمها الله تعالى، وأوجب تكريمها حية أو ميتة.
كما يتبين لنا أن هذا الحكم، وهو كون الإيثار تارة يكون مرغوباً وتارة يكون مكروهاً محوره المال، وحظوظ النفس الدنيوية بالجود ببعض أو كل ما يملك الإنسان من متاع الدنيا وزينتها، وليس المال إلا مطية للإنسان، وأمراً عارضاً يغدو ويروح، يكثر ويقل، والإنسان نفسه باق ما شاء الله له البقاء يحصل من المال ما وفقه الله إلى تحصيله وجمعه، وكان الإنفاق والتصدق والعطاء منه وبه أمراً مطلوباً شرعاً {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} فالأصل في المال البذل والعطاء كما سبق أن ذكرنا، وذلك بخلاف النفس؛ إذ الأصل فيها الحرمة، لا تنال كلا أو بعضاً إلا بحق، قال تعالى: {وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ} ومن هنا يفترقان.
__________
(1) وجاء في القرطبي ج18 ص 27، أثناء شرح آية الإيثار: فإن قيل: وردت أخبار صحيحة في النهي عن التصدق بجميع ما يملكه المرء، قيل له: إنما كره ذلك في حق من لا يوثق منه الصبر على الفقر وخاف أن يتعرض للمسألة إذا فقد ما ينفقه، فأما الأنصار الذين أثنى الله عليهم بالإيثار على أنفسهم فلم يكونوا بهذه الصفة، بل كانوا كما قال الله تعالى: {وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ} وكان الإيثار فيهم أفضل من الإمساك، والإمساك لمن لا يعتبر ويتعرض للمسألة أولى من الإيثار. وروي أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم بمثل بيضة من الذهب، فقال: هذه صدقة. فرماه بها وقال: يأتي أحدكم بجميع ما يملكه فيتصدق به، ثم يقعد يتكفف الناس. والله أعلم.(4/227)
الإيثار بالنفس:
تعرض بعض العلماء للإيثار بالنفس، ونورد فيما يلي بعضاً من ذلك ثم نورد تحليلاً لما ورد بشأنه:
يقول ابن العربي ومثله القرطبي (1) : (الإيثار بالنفس فوق الإيثار بالمال وإن عاد إلى النفس، ومن الأمثال السائرة: والجود بالنفس أقصى غاية الجود (2) ومن عبارات الصوفية في حد المحبة: أنها الإيثار، ألا ترى أن امرأة العزيز لما تناهت في حبها ليوسف عليه السلام آثرته على نفسها بالتبرئة، فقالت: {أَنَا رَاوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ} ثم قال: وأفضل الجود بالنفس الجود على حماية الرسول صلى الله عليه وسلم ففي الصحيح أن أبا طلحة ترس على النبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ((وكان النبي صلى الله عليه وسلم يتطلع ليرى القوم، فيقول له أبو طلحة: لا تشرف يا رسول الله، لا يصيبونك، نحري دون نحرك. ووقى بيده رسول الله صلى الله عليه وسلم فَشَلَّتْ)) .
وكلام هذين العالمين الجليلين في هذا المقام هل يعني أن الإنسان يحل له أن يؤثر غيره على نفسه بحياته، أو بعضو من أعضائه؟؟
وأقول للإجابة على ذلك:
أولاً: إن الآية الكريمة كانت في الإيثار بالمال، أي: بحظوظ الدنيا ولذائذها ـ كما قال المفسرون، وكما عرفوا به الإيثار ـ طلباً ورغبة في النعيم الأخروي، ولم تكن في تقديم عضو من أعضاء الإنسان لغيره.
__________
(1) أحكام القرآن للقرطبي: ج 18، ص 28، ولابن العربي: جزء 2 ص 246، والجصاص: ج3 ص 434.
(2) هو بيت من الشعر لمسلم بن الوليد صدره (تجود بالنفس إذ أنت الضنين بها) . يقول: تجود بالنفس في الحرب إذ أنت الضنين بها في الدم، ويروى أن صدره: (يجود بالنفس إذ ضن الجواد بها) وهذا البيت من الشعر لا يصلح دليلاً على حكم شرعي فإيراده هنا لا محل له حين الاستدلال على الأحكام الشرعية(4/228)
ثانياً: إن ما ورد في الحديث الشريف من أن أبا طلحة ترس للنبي صلى الله عليه وسلم يوم أحد، هذا موضوع آخر، فالجهاد في سبيل الله يكون بالمال، ويكون بالنفس، وكونه بالنفس معناه تقديمها حماية لحرمات الإسلام والذود عنه، ورد الأعداء مهزومين، ويكون ذلك بأمور، منها الهجوم على الأعداء، ومنها حماية القادة والوقوف سدا منيعاً أمام النيل منهم، وإبعاداً للأعداء عنهم، حتى يتم التخطيط السليم للمعركة وإدارتها الإدارة المحكمة. وقد كان ما فعله أبو طلحة من هذا النوع رضي الله عنه.
ثالثاً: أن حفظ الحياة هدف عظيم، ومصلحة من المصالح الضرورية، كما سبق أن ذكرنا، فالحياة لا يعرضها الإنسان للتهلكة، قال تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وقال: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} .
وأما في أثناء الجهاد، فيجب أن يتقدم الإنسان نحو الأعداء، ويقتحم جمعهم اقتحاماً لا يعرف التردد، ويقدم روحه فداء لدينه ووطنه، فإن لم يفعل كان من العصاة الآثمين المرتكبين لكبيرة من الكبائر، وهي: " التولي يوم الزحف "، فإذا تراجع إلى الخلف، لغير خدعة أو مكيدة حل قتله؛ لأنه آثر حياته على حياة دينه ووطنه، وفي ذلك شر عظيم، فالأرواح في الجهاد مبذولة، وفي السلم والأمن مصانة، وشتان بين الحالتين.
ولذلك أرى أن دائرة الإيثار ليست مطلقة في كل شيء، فهي في الحظوظ الدنيوية.
ولذلك وجدنا الإمام السيوطي يقول في الإيثار في القرب وفي العبادات:
(بل الإيثار إن أدى إلى ترك واجب فهو حرام، كالماء وساتر العورة والمكان في جماعة لا يمكن أن يصلي فيه أكثر من واحد، ولا تنتهي النوبة لآخرهم إلا بعد الوقت وأشباه ذلك.
وإن أدى إلى ترك سنة أو ارتكاب مكروه فمكروه، أو لارتكاب خلاف الأولى، مما ليس فيه نهي مخصوص فخلاف الأولى.
إذن لا بد من البحث في حكم الشيء المأثور به الغير، هل يؤدي الإيثار به إلى ترك واجب، فإن أدى إلى ذلك كان حراماً.
ونعلم جميعاً أن حفظ النفس أمر واجب، وإبعاد الضرر عنها أمر واجب، وهذا بالإجماع، وتعريضها للخطر أو للتهلكة أمر منهي عنه، فهو حرام.
ومن ثم يكون الإيثار بالنفس ذاتها وبجسم الإنسان أو أعضائه حراماً ولا يجوز الإقدام عليه ما عدا ما ذكرناه في أمر الجهاد في سبيل الله تعالى.(4/229)
أقسام الضرر
يقول العز بن عبد السلام ج2 ص 85: (وأسباب الضرر أقسام:
أحدها: ما لا يتخلف سببه عنه ـ إلا أن يقع معجزة لنبي أو كرامة لولي ـ كالإلقاء في النار وشرب السموم المذففة، والأسباب الموجبة، فهذا ما لا يجوز الإقدام عليه في حال اختيار ولا في حال إكراه؛ إذ لا يجوز للإنسان قتل نفسه بالإكراه، ولو أصابه مرض لا يطيقه لفرط ألمه لم يجز قتل نفسه....
والقسم الثاني: ما يغلب ترتب مسببه عليه، وقد ينفك عنه نادراً فهذا أيضاً لا يجوز أيضاً الإقدام عليه؛ لأن الشرع أقام الظن مقام العلم في أكبر الأحوال.
القسم الثالث: ما لا يترتب مسببه إلا نادراً، فهذا لا يحرم الإقدام عليه لغلبة السلامة من أذيته، كالماء المشمس في الأواني المعدنية في البلاد الحارة، فإنه يكره استعماله مع وجدان غيره خوفاً من وقوع نادر ضرره، فإن لم يجد غيره تعين استعماله لغلبة السلامة من شره؛ إذ لا يجوز تعطيل المصالح الغالبة بوقوع المفاسد النادرة.
كذلك فإن بقاء الحياة مع الإيثار أمر لا بد من أن يكون مراعى، فإذا أقدم إنسان في مخمصة على إعطاء ما ينقذ حياته إلى غيره، لينقذه من مخمصة كان آثماً؛ لأنه ألقى نفسه في التهكلة، وذلك منهي عنه بنص الآية الكريمة.
فالإيثار يكون فيما يمكن للإنسان الصبر عليه مع بقاء حياته، لا بما ينقذ حياته. والأحاديث الشريفة السابقة تدل على ذلك، وهو بصيغة الأمر: (ابدأ بنفسك) .(4/230)
ويؤيد هذا ويدعمه ما ورد في تفسيره الآيتين التاليتين:
الآية الأولى هي قوله تعالى: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} الآية. النساء: 29. يقول القرطبي: (أجمع أهل التأويل على أن المراد بهذه الآية النهي عن أن يقتل بعض الناس بعضاً، ثم لفظها يتناول أن يقتل الرجل نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال، بأن يحمل نفسه على الضرر المؤدي إلى التلف. ويحتمل أن يقال: ولا تقتلوا أنفسكم في حال ضجر أو غضب، فهذا كله يتناوله النهي، وقد احتج عمرو بن العاص بهذه الآية حين امتنع من الاغتسال بالماء البارد حين أجنب في غزوة ذات السلاسل خوفاً على نفسه منه، فقرر النبي صلى الله عليه وسلم احتجاجه، وضحك عنده ولم يقل شيئاً. أخرجه أبو داود وغيره (1) .
__________
(1) عن عمرو بن العاص رضي الله عنه أنه قال (لما بعثه النبي صلى الله عليه وسلم عام (ذات السلاسل) قال: احتلمت في ليلة باردة شديدة البرد، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فتيممت ثم صليت بأصحابي صلاة الصبح، قال: فلما قدمنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكرت ذلك له، فقال: يا عمرو، صليت بأصحابك وأنت جنب؟ قال: قلت: يا رسول الله، إني احتلمت في ليلة باردة شديدة البرودة، فأشفقت إن اغتسلت أن أهلك، فذكرت قول الله تعالى: {وَلاَ تَقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} . فتيممت ثم صليت. فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يقل شيئاً) رواه أحمد وأبو داود.(4/231)
وأورد ابن مردويه عند هذه الآية الكريمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يجأ بها بطنه يوم القيامة في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بسم فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً)) . وفي الصحيحين: ((من قتل نفسه بشيء عذب به يوم القيامة)) . وفي الصحيحين أيضاً عن جندب بن عبد الله البجلي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كان رجل ممن كان قبلكم، وكان به جرح فأخذ سكيناً فجر بها بيده، فما رقأ الدم حتى مات، قال الله عز وجل:عبدي بادرني بنفسه، حرمت عليه الجنة)) (1) .
ومن هذه التفاسير للآية الكريمة نأخذ ما يلي:
أولاً: أن الإنسان يجب عليه أن يحافظ على حياته، ويجب عليه ألا يقدم نفسه بقصد منه للقتل في الحرص على الدنيا وطلب المال.
(فإذا قصد ذلك كان فعله حراماً، وكان آثما وكان قاتلاً لنفسه، وإننا نرى الآن أن تقديم الأعضاء للآخرين احتوى غالباً على نظر دنيوي عماده ما يقدمه الآخذ للمعطي من مال أو ما يحرزه من وراء ذلك من كسب.
ثانياً: أن حمل النفس على الغرر المؤدي إلى الهلاك ممنوع شرعاً أخذاً من هذه الآية الكريمة.
والغرر في اصطلاح العلماء، هو ما تردد بين السلامة والعطب) (2) .
وهل استئصال عضو من إنسان لينتفع به شخص لا يجعل المتبرع في مرحلة التردد بين السلامة والعطب؟
نعم المتبرع، مهما تقدم الطب، هو في أثناء استئصال عضوه، هو في مرحلة الغرر المؤدي للهلاك، أي مرحلة التردد بين السلامة والعطب، فيكون هذا العمل ممنوعاً أيضاً ومحرماً، وفاعله يكون آثماً، وإنه إن مات بسبب ذلك في الحال أو في المآل كان قاتلاً لنفسه، أو ملقياً لنفسه في التهلكة، وبعد استئصاله أيضاً يكون معرضاً لفشل العضو الباقي.
__________
(1) ابن كثير ج1 ص 379، القرطبي ج5 ص 156، والجصاص: جـ2 ص 221 والنسفي: ج1 ص 172
(2) يراجع نظرية الشرط أ. د/ حسن الشاذلي في الشرط المؤدي إلى الغرر.(4/232)
ثالثاً: إن قتل الإنسان نفسه محرم بنص الآية، سواء كان الإنسان في حال ضجر أو غضب، كما ذكر آنفاً، وكذلك يقاس عليه إذا كان في حال حب أو مودة بالغة، فإن كل ما يعتور النفس من عواطف وما يصاحبها من انفعالات كل هذا لا يؤثر في حرمة نيل الإنسان من نفسه أو الإضرار بها؛ لأنها ملك لخالقها، وليس لك عليها إلا حق الانتفاع بها فقط، طبقاً لما حدده الشرع لك، وما أباحه لك عليها، فهي نفسك، ولكنها غيرك، نفسك تنتفع بها حسب شرع الله تعالى، وغيرك، حين تضر بها أو تنتفع بها في غير ما شرع الله تعالى، فتكون عقوبتك حينئذ أشد من عقوبة المعتدي على غيره.
رابعاً: إن تعريض النفس للهلاك محرم شرعاً، وذلك أخذاً من هذه الآية، فقد رأينا عمرو بن العاص رضي الله عنه يمتنع عن الاغتسال بالماء البارد، حين أصبح جنباً؛ خوفاً على نفسه من برودة الماء، مستدلاً بهذه الآية، وقد أقره النبي صلى الله عليه وسلم على هذا التفسير، بل وسره صلى الله عليه وسلم ذلك، ولم يقل له شيئاًَ.
فهذا يدل على أن هذه الآية يدخل في مدلولها والمراد بها عدم تعريض النفس للهلاك، ولو كان ذلك من أثر استعمال الماء البارد، الذي يخشى الإنسان من أنه لو استعمله لأدى إلى هلاكه، فيكون ذلك ممنوعاً ومحرماً أيضاً.
خامساً: إن هذه الآية: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا} جاء بعدها قوله تعالى: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} الآية 30 من سورة النساء.(4/233)
يقول القرطبي أيضاً: (ذلك) إشارة إلى القتل؛ لأنه أقرب مذكور، قاله عطاء، وأضيف إلى ذلك أن كل ما أخذناه من الآية من معان، وما أفادته من أحكام، كل من يفعله عدواناً وظلماً أي قصداً وعمداً، لا سهواً وخطأ يحق عليه أن يصلى النار.
يقول ابن كثير: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا} أي ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه معتدياً فيه، ظالماً في تعاطيه، أي عالماً بتحريمه متجاسراً على انتهاكه فسوف نصليه ناراً، وهذا تهديد شديد، ووعيد أكيد، فليحذر منه كل عاقل لبيب ممن ألقى السمع وهو شهيد) .
الآية الثانية: قال الله تعالى: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (1) .
قال البخاري: حدثنا إسحاق أخبرنا النضر، أخبرنا شعبة عن سليمان سمعت أبا وائل عن حذيفة {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال:
نزلت في النفقة ... وروي عن ابن عباس ومجاهد، وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاء، والضحاك، والحسن، وقتادة والسدي ومقاتل بن حيان نحو ذلك.
وقال الليث بن سعد: عن يزيد بن أبي حبيب عن أسلم أبي عمران قال: حمل رجل من المهاجرين بالقسطنطينية على صف العدو حتى خرقه، ومعنا أبو أيوب الأنصاري، فقال ناس: ألقى بيده إلى التهلكة، فقال أبو أيوب: نحن أعلم بهذه الآية، إنما نزلت فينا، صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهدنا معه المشاهد، ونصرناه، فلما فشا الإسلام وظهر اجتمعنا معشر الأنصار تحبباً فقلنا: قد أكرمنا الله بصحبة نبيه صلى الله عليه وسلم، ونصره، حتى فشا الإسلام، وكثر أهله، وكنا قد آثرناه على الأهلين والأموال والأولاد، وقد وضعت الحرب أوزارها، فنرجع إلى أهلينا وأولادنا فنقيم فيهما، فنزل فينا {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} فكانت التهلكة في الإقامة في الأهل والمال وترك الجهاد) (2) .
إلا أنه من المعلوم أن سبب النزول لا يخصص عموم النص، وإنما النص يشمل سبب النزول، كما يشمل غيره.. ومن هنا وجدنا عدة تفسيرات لهذه الآية.
ونبرزها فيما يلي:
__________
(1) يراجع القرطبي جـ2 ص 363 والطبري: جـ2 ص 112 وابن كثير جـ1 ص 228 والجصاص ج1 / ص 326، وابن العربي: جـ1 ص 49
(2) رواه أبو داود والترمذي والنسائي، وعبد بن حميد في تفسيره، وابن أبي حاتم وابن جرير وابن مردويه، والحافظ أبو يعلى في مسنده وابن حبان في صحيحه والحاكم في مستدركه، كلهم من حديث يزيد بن أبي حبيب به، وقال الترمذي: حسن صحيح غريب، وقال الحاكم: على شرط الشيخين ولم يخرجاه، يراجع ابن كثير.(4/234)
ثانياً: معنى قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} .
(أ) يقول الماوردي: (في الباء قولان: أحدهما أنها زائدة وتقديره: ولا تلقوا أيديكم إلى التهلكة، ونظيره قوله تعالى: {أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى} (1) .
وقال المبرد: {بِأَيْدِيكُمْ} أي: بأنفسكم، فعبر بالبعض عن الكل، كقوله تعالى: {فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ} .
وقيل: هذا ضرب مثل، تقول: فلان ألقى بيده في أمر كذا إذا استسلم؛ لأن المستسلم في القتال يلقي سلاحه بيده، فكذلك كل عاجز في أي فعل كان، ومنه قول عبد المطلب: (والله إن إلقاءنا بأيدينا للموت لعجز) .
والقول الثاني: إن الباء غير زائدة، أي: ولا تلقوا أنفسكم بأيديكم إلى التهلكة، كما تقول: لا تفسد حالك برأيك.
(ب) والتهلكة (بضم اللام) مصدر من هلك يهلك هلاكاً وهلكاً وتهلكة، أي: لا تأخذوا فيها يهلككم، قاله الزجاج وغيره.
(جـ) ما ورد من تفسير للآية:
الآية فيها ستة تأويلات:
أحدها: إن لم تنفقوا في سبيل الله تعالى عصيتم الله تعالى فهلكتم بالإثم، أي: لا تتركوا النفقة في سبيل الله؛ فإن الله يعوضكم منها أجرا ويرزقكم عاجلاً، وهذا قول ابن عباس وحذيفة، وسبيل الله طريقه الذي أمر أن يسلك فيه إلى عدوه من المشركين بجهادهم وحربهم، فقد روي عن ابن عباس قال في هذه الآية: قال ليس ذلك في القتال، إنما هو في النفقة، أن تمسك بيدك عن النفقة في سبيل الله، ولا تلق بيدك إلى التهلكة.
وقال الضحاك بن أبي جبير: كانت الأنصار يتصدقون وينفقون من أموالهم، فأصابتهم سنة، فأمسكوا عن النفقة في سبيل الله فنزلت: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} (2) .
وعن ابن عباس فإن لم يكن لك إلا سهم أو مشقص أنفقه.
التأويل الثاني: أي لا تخرجوا بغير زاد فتهلكوا بالضعف، يشهد له قوله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى} .
وهو قول زيد بن أسلم، قال: (لا تسافروا في الجهاد بغير زاد، وقد كان فعل ذلك قوم فأداهم ذلك إلى الانقطاع في الطريق، أو يكون عالة على الناس) .
__________
(1) الآية: 14 من سورة العلق.
(2) ابن كثير: ج1 ص 229، والماوردي(4/235)
التأويل الثالث: أي لا تيأسوا من المغفرة عند ارتكاب المعاصي، فلا تتوبوا، وهذا قول البراء بن عازب، وقال محمد بن سيرين وعبيدة السلماني: الإلقاء إلى التهلكة هو القنوط من رحمة الله تعالى. قال أبو قلابة: هو الرجل يصيب الذنب فيقول: قد هلكت، ليس لي توبة. فييأس من رحمة الله وينهمك في المعاصي فنهاهم الله تعالى عن ذلك، كما قال الله تعالى: {إِنَّهُ لَا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} (1) .
التأويل الرابع: أي لا تتركوا الجهاد في سبيل الله فتهلكوا، وهذا قول أبي أيوب الأنصاري، وقد تقدم ما روي بشأنه.
التأويل الخامس: إنها التقحم في القتال من غير نكاية في العدو، وهو الذي تأوله القوم الذين أنكر عليهم (2) . أبو أيوب الأنصاري، وأخبر فيه بالسبب، وهذا قول أبي القاسم البلخي (3) . وبين ابن العربي أن معنى الآية على هذا الرأي: (لا تدخلوا على العساكر التي لا طاقة لكم بها) .
وقد اختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده إلى آراء:
الأول: وهو رأي القاسم بن مخيمرة، والقاسم بن محمد وعبد الملك من علماء المالكية، قالوا: لا بأس بأن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة، وكان لله بنية خالصة، فإن لم يكن فيه قوة فذلك من التهلكة.
الرأي الثاني: قيل إنه طلب الشهادة وخلصت نيته فليحمل على العدو؛ لأن مقصوده واحد منهم، وذلك بين في قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} .
الرأي الثالث: يقول ابن خويز منداد: فإما أن يحمل الرجل على مائة، أو على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج، فلذلك حالتان:
الأولى: إن علم وغلب على ظنه أن سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل، ولكن سينكي نكاية أو سيبلي، أو يؤثر أثراً ينتفع به المسلمون فجائز أيضاً (4) .
__________
(1) الآية: 87 من سورة يوسف.
(2) أحكام القرآن للجصاص: جـ1 ص 327
(3) تفسير الماوردي: جـ1 ص 212
(4) ج1 ص 128 ولم ينص القرطبي على الحالة الثانية ولكنها واضحة، وهي أنه في غير هاتين الصورتين الجائزتين لا يجوز إلقاء النفس في الهلكة(4/236)
وقد علق القرطبي على هذا الرأي بقوله:
(قلت: ومن هذا ما روي أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابراً محتسباً؟ قال: ((فلك الجنة)) . فانغمس في العدو حتى قتل. وفي صحيح مسلم عن أنس بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أفرد يوم أحد في سبعة من الأنصار ورجلين من قريش، فلما رهقوه قال: ((من يردهم عنا وله الجنة؟)) أو ((هو رفيقي في الجنة؟)) فتقدم رجل من الأنصار فقاتل حتى قتل، فلم يزل كذلك حتى قتل السبعة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((ما أنصفنا أصحابنا)) هكذا الرواية ((أنصفنا)) بسكون الفاء ((أصحابنا)) بفتح الباء، أي لم ندلهم للقتال حتى قتلوا) ، وروي بفتح الفاء ورفع الباء، ووجهها أنها ترجع لمن فر عنه من أصحابه والله أعلم) .
الرأي الرابع: قال محمد بن الحسن في السير الكبير: إن رجلاً لو حمل على ألف رجل وهو وحده، لم يكن بذلك بأس إذا كان يطمع في نجاة أو نكاية في العدو، فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية فإني أكره له ذلك؛ لأنه عرض نفسه للتلف في غير منفعة للمسلمين، وإنما ينبغي للرجل أن يفعل ذلك إذا كان يطمع في نجاة أو منفعة للمسلمين، فإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية ولكنه يجرئ المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل، فيقتلون وينكون في العدوِّ فلا بأس بذلك إن شاء الله؛ لأنه لو كان على طمع من النكاية في العدو، ولا يطمع في النجاة، لم أرَ بأساً أن يحمل عليهم، فكذلك إذا طمع أن ينكي غيره فيهم بحملته عليهم فلا بأس بذلك، وأرجو أن يكون فيه مأجوراً.
وإنما يكره له ذلك إذا كان لا منفعة فيه على وجه من الوجوه، وإن كان لا يطمع في نجاة ولا نكاية، ولكنه مما يرهب العدو فلا بأس بذلك؛ لأن هذا أفضل النكاية، وفيه منفعة للمسلمين) .
وقد علق الجصاص على قول محمد بن الحسن هذا قائلاً: (والذي قال محمد من هذه الوجوه صحيح لا يجوز غيره، وعلى هذه المعاني يحمل تأويل من تأول في حديث أبي أيوب أنه ألقى بيده إلى التهلكة بحمله على العدو، إذ لم يكن عندهم في ذلك منفعة، وإذا كان كذلك فلا ينبغي أن يتلف نفسه من غير منفعة عائدة على الدين، ولا على المسلمين، فأما إذا كان في تلف نفسه منفعة عائدة على الدين فهذا مقام شريف مدح الله به أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في قوله: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ} (1) .
وقال: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ} (2) . وقال: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ} (3) في نظائر ذلك من الآي التي مدح الله فيها من بَذَلَ نفسه لله.
__________
(1) الآية 111 من سورة التوبة
(2) الآية: 169 من سورة آل عمران
(3) الآية 207 من سورة البقرة(4/237)
خلاصة هذه الدراسة:
هذه الآراء جميعها تدور حول محور واحد، وهو أنه إذا كان اقتحام الواحد في الجيش العظيم يحقق مصلحة للدين ومنفعة للمسلمين فإنه يجوز، وإلا فلا يجوز.
(أ) وإذا تتبعنا حالات جواز أن يلقي الواحد بنفسه في التهلكة كانت على حسب الآراء هي:
(1) إذا كان في المقتحم قوة، وكان لله بنية خالصة.
(2) إذا طلب الشهادة، وكان لله بنية خالصة وحكي بقيل.
(3) إذا علم أو غلب على ظنه نجاته، وأنه سيقتل من حمل عليه.
(4) إذا علم أو غلب على ظنه نجاته، وأنه سينكي العدو، ويؤثر تأثيراً ينتفع به المسلمون.
(5) إذا كان يطمع في نجاة، أو نكاية في العدو، أو يجرئ المسلمين بذلك حتى يفعلوا مثل ما فعل.
(ب) وإذا تتبعنا الحالات التي لا يجوز فيها إلقاء النفس في التهلكة كانت على حسب الآراء السابقة هي:
(1) إذا لم يكن في المقتحم قوة، ولم يكن لله بنية خالصة.
(2) إذا لم يطلب الشهادة، ولم يكن لله بنية خالصة.
(3) إذا علم أو غلب على ظنه أنه لن ينجو، وأنه لن يقتل من حمل عليه.
(4) إذا علم أو غلب على ظنه أنه لن ينجو، وأنه لن ينكي العدو، ولن يؤثر تأثيراً ينتفع به المسلمون.
(5) إذا كان لا يطمع في نجاة، ولا نكاية في العدو، ولا يجرئ المسلمين بذلك. وكل حالات عدم الجواز يجمعها ضابط واحد كما قال الجصاص:
(إنه لا ينبغي أن يتلف الإنسان نفسه من غير منفعة عائدة على الدين، ولا على المسلمين، فإذا كان فيه نفع للمسلمين فتلفت نفسه لإعزاز دين الله، وتوهين الكفر، فهذا المقام الشريف الذي مدح الله به المؤمنين في قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} . الآيةَ.
أما في غير هذا فيكون إلقاء للنفس في التهلكة، وهو منهي عنه بنص الآية الكريمة.(4/238)
التأويل السادس: وهو سادس التأويلات في الآية الكريمة، وآخرها، وهو رأي ابن جرير الطبري، حيث يقول بعد أن ذكر الآراء جميعها ممَّا يراه صواباً.
(والصواب من القول في ذلك عندي أن يقال: إن الله جل ثناؤه أمر بالإنفاق في سبيله بقوله: {وَأَنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} وسبيله طريقه الذي شرعه للعباد وأوضحه لهم، ومعنى ذلك: وأنفقوا في إعزاز ديني الذي شرعته لكم بجهاد عدوكم الناصبين لكم الحرب على الكفر، ونهاهم أن يلقوا بأيديهم إلى التهلكة، فقال: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وذلك مثل، والعرب تقول للمستسلم للأمر: أعطي فلان بيديه، وكذلك يقال للممكن من نفسه مما أريد به: أعطي بيديه، فمعنى قوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} : ولا تستسلموا للهلكة فتعطوها أزمته فتهلكوا.
والتارك النفقة في سبيل الله عند وجوب ذلك عليه مستسلم للهلكة بتركه أداة فرض الله عليه في ماله، وذلك أن الله جل ثناؤه جعل أحد سهام الصدقات المفروضات الثمانية في سبيله فقال: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} إلى قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ} فمن ترك إنفاق ما لزمه من ذلك في سبيل الله على ما لزمه كان للهلكة مستسلماً، وبيديه للهلكة ملقياً، وكذلك الآيس من رحمة الله لذنب سلف ملق بيديه إلى التهلكة؛ لأن الله قد نهى عن ذلك فقال: {وَلاَ تَيْأَسُواْ مِن رَّوْحِ اللهِ إِنَّهُ لاَ يَيْأَسُ مِن رَّوْحِ اللهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكَافِرُونَ} ، وكذلك التارك غزو المشركين وجهادَهم في حال وجوب ذلك عليه في حال حاجة المسلمين إليه مضيع فرضاً ملق بيديه إلى التهلكة، فإذا كانت هذه المعاني كلها محتملها قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} ولم يكن الله عز وجل خص منها شيئاً دون شيء فالصواب من القول في ذلك أن يقال: إن الله نهى عن الإلقاء بأيدينا لما فيه هلاكنا، والاستسلام للهلكة، وهي العذاب بترك ما لزمنا من فرائضه غير جائز لأحد منا الدخول في شيء يكرهه الله منا، مما يستوجب بدخلونا فيه عذابه، غير أن الأمر وإن كان كذلك فإن الأغلب من تأويل الآية: وأنفقوا أيها المؤمنون في سبيل الله، ولا تتركوا النفقة فيها فتهلكوا باستحقاقكم بترككم ذلك عذابي، كما حدثني المثنى قال حدثنا أبو صالح قال لنا معاوية عن علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} قال: التهلكة عذاب الله، قال أبو جعفر: فيكون ذلك إعلاماً منه لهم بعد أمره إياهم بالنفقة ما لمن ترك النفقة المفروضة عليه في سبيله من العقوبة في المعاد، قال قائل: فما وجه إدخال الباء في قوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} وقد علمنا أن المعروف من كلام العرب: ألقيت إلى فلان درهماً دون ألقيت إلى فلان بدرهم؟ قيل: قد قيل: إنها زيدت نحو زيادة القائل الباء في قوله: جذبت بالثوب وجذبت الثوب، وتعلقت به وتعلقته، وتنبت بالدهن وإنما هو تنبت الدهن. وقال آخرون: الباء في قوله: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ} أصل للكلمة؛ لأن كل فعل واقع كني عنه فهو مضطر إليها؛ كنحو قولك في رجل: كلمته، فأردت الكناية عن فعله فإذا أردت ذلك قلت: فعلت به، قالوا: فلما كان الباء هي الأصل جاز إدخال الباء وإخراجها في كل فعل سبيله سبيل كلمته، وأما التهلكة فإنها التفعلة من الهلاك.(4/239)
القول في تأويل قوله تعالى: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} يعني جل ثناؤه بقوله: {وَأَحْسِنُوا} أحسنوا أيها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي وتجنبوا ما أمرتكم بتجنبه من معاص، ومن الإنفاق في سبيلي، وعود القوي منكم على الضعيف في الخلة؛ فإني أحب المحسنين في ذلك، كما حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا زيد بن الحباب قال: أخبرنا سفيان عن أبي إسحاق، عن رجل من الصحابة في قوله: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: أداء الفرائض. وقال بعضهم: معناه أحسنوا الظن بالله. ذكر من قال ذلك: حدثني المثنى، قال: ثنا إسحاق، قال: ثنا حفص بن عمر، عن الحكم بن أبان، عن عكرمة: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} قال: أحسنوا الظن بالله ببركم، وقال آخرون: أحسنوا بالعود على المحتاج. ذكر من قال ذلك: حدثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهب، قال: قال ابن زيد: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} (عودوا على من ليس في يده شيء) .
النتيجة العامَّة لهذا البحث:
(كل هذا يدلنا على أنه تفسير الآيتين الكريمتين يَمْنَعُ أن يقتل الإنسان نفسه، ويمنع أن يُعَرِّض الإنسان نفسه للهلاك في كل الأحوال، وفي جميع الحالات سوى في حالة واحدة، بضوابط محددة، وهي حالة اقتحام الواحد على الجيش العظيم، عالِماً أن اقتحامه يُحقق مصلحة الدين ومنفعة جميع المسلمين، وفي غير ذلك يكون ممنوعاً إلقاء النفس في التهلكة، حتى ولو كان إيثاراً؛ لأن الإيثار إنما يكون بالمباحات، ولا يكون بالمحرمات، والله أعلم.(4/240)
المبحث الرابع عشر
سد الذرائع
سد الذرائع
إن القول بجواز نقل الأعضاء بين إنسان حي إلى إنسان آخر يؤدي إلى فتح باب شر عظيم، حيث يفتح باب التجارة في الأعضاء الآدمية، فمَن لديه المقدرة المادية اشترى ممن ليس لديهم هذه المقدرة، ويصبح الآدميُّ كُلًّا أو بعضاً سلعة من السلع تباع وتُشترى، تغلو وترخص في ميدان العرض والطلب، ويصبح للغني ما يريد، وللفقير الهلاك والضياع، وتتحول هذه المعاني التي ينثرونها وروداً في ميدان نقل الأعضاء مضار جسيمة الآدمية جمعاء، ويتحول سوقها إلى سوق خزي وعار للإنسانية ...
إن تدفق الشر من فتح هذا الباب يجعلنا نقول: إنه ممنوع شرعاً سدا للذرائع. وهو دليل آخر يضاف إلى الأدلة التي أفضنا في بيانها.
ولنتتبع معاً ما طفا وظهر من الأخبار العالمية حول التجارة في الإنسان، والتجارة في أعضائِه، وما خفِي كان أعظم، فإن العلم بها يعطينا فكرة واضحة حول ما يجري داخل أسواق بيع الكُلى في العالم أجمع.
جاء في الأهرام بتاريخ 4/11/ 1987 م تحت باب أخبار قصيرة ما يلي:
أ - الأطفال ... قطع غيار:
تيجو سيجاليا ـ كشف مسؤول بارز في هندوراس أن بعض الأجانب يشترون أطفالا من هندوراس للحصول على أعضاء حيوية من أجسامهم لاستخدامها في عمليات زراعة الأعضاء، وقال المسؤول في حديث صحفي: إن معظم الأطفال الذين يتم شراؤهم من المعوقين جسدياً.(4/241)
ب - كما جاء في الأخبار بتاريخ 20/ 11/ 1987 م تحت باب حكايات عربية بقلم وجيه أبو ذكري ما يلي:
الخطر القادم بدأ في الخرطوم:
شاهد مسؤول في مطار الخرطوم سيدة شقراء جميلة ومعها طفل أسمر في الرابعة من عمره، ولما سألها عنه أخرجت له جواز سفرها، وقالت: إنه ابنها، واسمه مُدَوَّن على جواز السفر، ولكن مسؤول المطار شك في الأمر، إذ كيف الطفل الأسود ابن السيدة الشقراء. فحاولت أن تقضي على الشك فأخبرته بأنها جاءت به سِفاحاً من أب سوداني.
وعندما لم يقتنع بذلك حاولت أن تقدم له رشوة نظير أن يتركها تأخذ ابنها وتصعد إلى الطائرة المتجهة إلى أثينا.، ورفض الرشوة وقادها إلى الشرطة.
وفي شرطة مطار الخرطوم ضاق الخناق عليها، وبعد ساعات من الأسئلة المتواصلة اعترفت السيدة اليونانية بأبشع قصة إنسانية.
فالسيدة عضو في عصابة دولية، لها مراكز في الكثير من دول العالم (المتقدم) ، ومهمة هذه العصابة سرقة أطفال الدول (المتخلفة) من آسيا وأفريقيا وكانت مهمتها سرقة أطفال سوادنيين وخاصة من الجنوب ... ويعيش الأطفال بعد ذلك في مراكز معدة لذلك، وتحت رعاية طبيبة جيدة.. ورعاية غذائية جيدة.
والعصابة على اتصال مستمر بكافة المستشفيات الكبرى في كل عواصم العالم (المتحضر) ، وهذه المستشفيات تحتاج إلى أعضاء بديلة للمرضى الأثرياء، وعندما يطلب من العصابة عضو بشري بديل، يأتون بطفل من ذلك المركز السري، ويتم خنقه بغاز ثاني أكسيد الكربون ثم يتم تشريحه، وتباع بعض أجزائه لتلك المستشفيات بمبالغ طائلة.
وقالت الشقراء اليونانية لشرطة مطار الخرطوم: لقد بدأت هذه العصابة عملها ذلك مند عام 1979، وهي تفكر في شراء طائرات خاصة بها، وربما تصبح هذه العصابات أخطر وأهم من عصابات بيع السلاح والاتجار في المخدرات.
كدت لا أصدق ما أسمع، لولا أن محدثي هو الشاعر السوداني الكبير مصطفى سند.
وسألته: هل نشرت الصحف هذا النبأ الخطير؟ وقال: لقد نشرتْه عن استيحاء. لماذا؟ لقد حدث ذلك أيام الحكم الشمولي، وكانت الرقابة على الصحف السودانية صارمة أيام حكم (نميري) إلا أن الخرطوم كلها كانت تتحدث عن هذه الحادثة البشعة.(4/242)
وماذا تم في الطفل والشقراء؟ الطفل أعادوه إلى أسرته، والشقراء رحلت دون محاكمة.
هذه الحادثة، وأعتقد أنها صحيحة، بل وأجزم أن الخطر القادم على البشرية قبل المخدرات والإيدز والسلاح هو التجارة في أعضاء جسد الإنسان الحي، وهي تجارة أقسى من تجارة الرقيق الأبيض، وهو يؤكد أننا نعيش في زمن ردئ اغتيل فيه الضمير الإنساني.
ولقد جرت في القاهرة شائعة ـ لا أساس لها من الصحة ـ قريبة من هذه الواقعة.
ومعنى ذلك أن هناك خطراً قادم وأن خير وسيلة للعلاج من أي خطر هي الوقاية منه، ولكي ندفع عن مجتمعاتنا هذا الخطر القادم لا محالة، فأتصور أن تَصدر تشريعات تجرم هذا. بل وتنظم نقل الأعضاء من الإنسان لآخر، فحتى في مصر ظهرت إعلانات خلال السنوات الماضية عن طلب شراء كُلى مع الاستعداد لدفع الثمن وبالآلاف. بل وليس سراً أن هناك مستشفيات في مصر يرقد فيها أثرياء المرضى انتظاراً لشراء كلى.
فأنقذوا مصر من خطر قادم. نعم فالخطر قادم لا محالة. وظهرت جرائمه في دولة عربية شقيقة هي السودان.
عقدت كلية الطب بجامعة عين شمس بالقاهرة ندوة حول رأي الدين في التبرع بالأعضاء، وأرى أن أنقل ما نشرته الأهرام عن وقائع هذه الندوة وما صرح به الأطباء مما رأوه من مآس حتى نتيقن أن خطراً جسيماً يطل برأسه على الإنسانية جمعاء. نشر في الأهرام بتاريخ 26/8/ 1987م ... تحقيق تحت عنوان (سوق الكلى في مصر ... من يبيع.. ومن يشتري؟) .
ما الذي يجري الآن داخل سوق الكلى في مصر؟
فقد تحولت بالفعل إلى تجارة ووساطات وربح وسمسرة، بل إنها وصلت إلى حد الاختطاف وإجراء عملية نزع كلية في الظلام لتركيبها لإنسان مريض، طال انتظاره لها؟ لسنا على أي حال نتهم أحداً.. ولا نوجه اللوم لمجرد اللوم إلى أحد ... ولكن وقد فاض الكيل بنا قبل من يريد الكلية ولا يجد بائعاً لها إلا بشق الأنفس.. لا بد لنا من مواجهة هذه الظاهرة الجديدة، والتي أطلق عليها الأطباء والمرضى (سوق الكلى في مصر) . من يشتري ومن يبيع؟(4/243)
إن تحقيقات الأهرام، وهي تفتح ملف مرضى الكلى في مصر يهمها في المقام الأول أن نعثر على حل حاسم للقضية.. وأن يساعدنا الأطباء ورجال الدين في حلها، خصوصاً مشكلة أحلال أم حرام التبرع بكلية إلى إنسان آخر؟
المنصة تزدحم بباقة من أطباء مصر طرحوا مشكلة على جانب كبير من الأهمية، هي (رأي الدين في التبرع بالأعضاء) ، ضمت المنصة عميد طب عين شمس د. علي عبد الفتاح، ومفتي الجمهورية د. سيد طنطاوي، والأساتذة الدكاترة عبد المنعم حسب الله، ووحيد السعيد، إبراهيم راجي، وسالم نجم، حلمي مراد، نعمت نور الدين.
في البداية عرض الأطباء.. صور تكريم الإنسان في القرآن الكريم ... وقد جاء ذكر آدم وبني آدم في القرآن الكريم في خمس وعشرين آية كريمة ... كما جاء تكريم الإنسان في الكتب السماوية بأجمعها ... وكانت هذه المقدمة من د. علي عبد الفتاح، الذي دعا لعقد ندوة، مريحة للنفس البشرية، ومطمئنة.(4/244)
أتبرع ... بكلية زوجتي!
وقد سبق هذا العرض.. حوادث مؤلمة عن (سوق بيع الكلى البشرية) ، وقد عكست (السوق) مظاهر غير إنسانية وقواعد لا آدمية ... وظهر فوق السطح (معاملات) غريبة، ومساومات أغرب تشير إلى أن سوق بيع الأعضاء البشرية سوف تتعرض بالضرورة إلى دروب اللاأخلاقيات، وكان لا بد من وقفة أسرعت إليها كلية الطب.
تحكي د. نعمت نور الدين واقعة عاشتها بحكم عضويتها لجمعية أصدقاء المرضى بالفشل الكلوي في مستشفى كوبري القبة، وهي أستاذة بكلية الزراعة.. وهي تعيش المشكلة بكل وجدانها ... وتقول: عشت تجربة تجارية.. جرت فيها مساومات لا إنسانية في سوق بيع قطع الغيار البشرية وعرضت المشكلة أمام كل الحاضرين، في أسلوب درامي حزين مؤسف.. وقالت: عندما طلبت شراء كلية لمريض أصيب بفشل في الكليتين جاءتني أعداد كبيرة من المتطوعين. جاءوا وكلهم رغبة في التبرع بإحدى الكليتين، وقد حمل كل متطوع شروطه ومبرراته.
قالت: جاءني أحد المتطوعين.. وقال: إن الكلية جاهزة.. وهو يود أن ندفع له مبلغ 30 ألف جنيه عداً ونقداً، ولا ينقص هذا المبلغ مليماً واحداً، وهو جاهز ومستعد للبدء في إجراءات الاختبارات الخاصة بالدم والأنسجة، وعندما يتأكد تطابق أنسجته مع أنسجة المريض سوف أكون جاهزاً لدخول حجرة العمليات لنزع كليتي وزرعها في كلية مريضكم.(4/245)
وتستمر د. نعمت في روايتها وتقول: فرحنا بهذا العرض، وحاولنا أن نخفض هذا المبلغ لأنه ضخم، وقد لا يكون متوفراً، كما أنه مبالغ فيه ولا سيما وإن هناك عروضاً أقل من هذا الرقم لمتبرعين بكليتهم.
ولكن المتبرع أجاب: إن هذا المبلغ لم يضعه اعتباطاً ولكنه موضوع تحت شروط، أن هذا المبلغ لن يضعه في جيبه.. إن هذا المبلغ مطلوب ... وإلا دخل السجن؟ وقال: إنني أعمل سائقاً لسيارة أجرة أرتزق منها، وأكسب منها قوتي وقوت أولادي وزوجتي، وبينما كنت أقود سيارتي الأجرة فوجئت أمامي بأحد المارة يعبر الطريق.
صدمته بسيارتي صدمة قوية.. وتم نقله إلى المستشفى وهناك لفظ أنفاسه ... ودخلت السجن. ورفعت ضدي قضية، وكسب أهل المتوفى القضية التي حكمت بدفع تعويض قدره 30 ألف جنيه، وكان أمامي حلان لا ثالث لهما. إما أن أدفع التعويض أو السجن ... وأنا عائل أسرتي الوحيد، وقد قفز أمامي الحل ... بأن أبيع الكلية لأي مريض مقابل هذا المبلغ.. وإلى هنا. وقد تركت القصة أثراً مؤلماً وكان المبرر واضحاً.
ورضخت الأسرة للثمن من منطق واحد، وهو أن هذا مبلغ يحل مشكلتين ويضرب أكثر من عصفور بحجر واحد، إننا بهذا المبلغ ننقذ أسرة من التشرد. وننقذ إنساناً من السجن، وننقذ مريضاً من حالة الموت.
وتم الاتفاق هكذا وقبل أن نبدأ أول خطوة لتناسق الأنسجة والاختبارات بين المريض وواهب الكلية، فوجئت بالسائق وقد جاءني في الموعد المحدد، وقد جر خلفه زوجته وقال: نسيت أقول لكم: إن الذي سوف يتبرع بالكلية هو زوجتي وليس أنا ... لأني ضعيف.
وتعلو المفاجأة وجوه الحاضرين ... وتستمر الدكتورة نعمت قائلة: وللأسف فإن زوجته كانت نحيلة الجسم ضعيفة البنيان، وكان هو مكتمل الصحة والعافية ذا بنيان ضخم لا يتجاوز الـ 28 ربيعاً ... ورفضنا طبعاً لأن كل العناصر الإنسانية هنا فقدت قيمتها، وعادت د. نعمت إلى دراستها مرة أخرى.. في البحث عن متطوع في (سوق بيع الأعضاء البشرية) .(4/246)
وجاءنا عرض آخر من متطوع آخر، قال: إنه مستعد للتبرع بكليته. وكان شاباً في عز شبابه، وبدأنا الحوار الحزين والمبادلة.. والمساومة.. قلنا له: وكم تساوي؟ ويدور الفصال، ولكن هذا الشاب كان مجاملاً ... لطيفاً، أبدى استعداداً طيباً للتبرع ولم يفاصل في ثمن بيع كليته.. وقد عطفنا عليه جدا.. وكانت له مطالب تبدو ساذجة جداً، أنه يود أن يأكل جيداً؛ لأن صحته معتلة وضعيفة، وأنه في حاجة إلى أكل جيد وأنه يشتهي أطباق الكباب والكفتة، وفعلاً تعاطفنا حول طلبه وقدمنا له كل مطالبه، وقام مع الأيام باستنزافنا وطلب منا نقوداً للسفر إلى أهله، بطول مصر وعرضها لتوديع أهله.. وتبين لنا أنه ينتمي إلى أسرة عريضة النسب، وبلغ الأمر أنه طلب تليفزيوناً ملوناً لأسرته لأنها محرومة من التليفزيون. وجاء وقت الجد ... وطلبناه لبدء التحاليل، وتحليل الأنسجة، ومهمة المعامل، وعند الانتهاء من كل هذا.. فوجئنا بأن كل التحاليل سليمة والأنسجة مطابقة والحمد لله. وعندما بدأنا إجراء الأشعة.. فوجئنا بأن إحدى كليتيه في حالة ضمور ... والكلية الأخرى سليمة ... وإنسانياً..فإنه لا ينبغي أن يتبرع هذا المريض بكليته لأنه فعلاً يعيش على كلية واحدة.
واعتذرنا له.. ونحن آسفون بعد رحلة طويلة من التحاليل المكلفة.. وعطفنا عليه؛ لأنه فوجئ بمشكلته المرضية هذه، وطلبنا من الطبيب عدم إخباره بهذه المأساة التي ظهرت في حياته، وتبين لنا في النهاية أن هذا الإنسان يعلم بكل شيء وأنه نصاب وأنه يتخذها تجارة له في ابتزاز الناس المحتاجين إلى من يتبرع بكليته ... ولكنه يظل يبتز الناس لمدة 6 شهور كاملة ... إلى أن يجيء موعد إجراء الأشعة باعتباره آخر إجراء يتم قبل الجراحة، وهنا يكون قد حصل على ما يريده من أموال وهدايا ثم يدعي أنه جاهز لولا مشكلته ...
وأصبح هذا الشاب من أشهر النصابين في (سوق بيع قطع الإنسان البشرية) ... في أحد مستشفيات مصر الجديدة.. والحكاية لا تنتهي.(4/247)
لقد جاءني أحد الأطباء - هكذا يقول د. رشاد برسوم - وكان مصاباً بفشل كلوي، وقد سحب خلفه أحد المتطوعين المزمع بيع كليته، وقال لي: إن هذا المتبرع سوف يحصل على نصيبه وأرجو أن تسرع بالموافقة، ولكني رفضت (الكلام ما زال للدكتور رشاد) وقلت له: إنني أرفض إجراء جراحة تتم على أساس بيع الكلية، هل لك أشقاء؟ ... أجاب: نعم. قلت: إن المفروض أن الأشقاء يتبرعون بكلاويهم لأشقائهم بدون مقابل.
(إننا نعيش في مستنقع ... ساعدونا للخروج منه) .. دوت هذه الجملة في قاعة المؤتمرات الكبرى، في مستشفى جامعة عين شمس التخصصي، وسط جمع من الأطباء، يمثلون الصفوة في تخصصات أمراض الكلى، وجراحات الكلى وزراعة الأعضاء، والمعامل، وتحليل الأنسجة من أساتذة الجامعات.
شدت هذه الجملة، التي بدأ بها د. عبد المنعم حسب الله أستاذ الأمراض الباطنية والكلى بطب القاهرة حديثه في جمع الأطباء، واستمر في كلمته يقول: إننا أيها السادة أمام مشكلة إنسانية اجتماعية معقدة جوانبها الإنسانية دامية، إننا نعيش كل يوم دراما عنيفة.. وحواراً لم يسمعه بشر، ما بين مريض فقد كليتيه، وفشلتا في أداء مهمتيهما ومعرض للموت، وبين إنسان يملك كليتين سليمتين وفي كامل صحته ومستعد لبيع واحدة منهما، إن الحوار غريب ومؤلم وحزين، إن المريض يقول: إنه لا يملك سوى 20 ألف جنيه سوف يقدمها هبة، وصاحب الكلية السليمة يقول للمريض: إن هذا المبلغ لا يكفي، ويتطور الحوار حتى يصل إلى.. وهنا انفجر الطبيب صائحاً هائجاً تأثراً ... لماذا تحكم علي بالإعدام ببطء؟ لماذا تجعلني أندم عمري كله، وأعيش مذلولاً لشقيقي ولزوجته وأولاده؟(4/248)
إن الحواديت لا تنتهي.. وكم من متبرعين ابتزوا المرضى، وعندما يحين موعد إجراء الجراحة يذهبون إلى العنوان فلا يجدون أي أثر لأي اسم في هذا العنوان! والمآسي كثيرة ... وبعد أن يكون المريض وأهله قد تكرموا وأكرموا وبالغوا في الكرم، والعطف على التبرع الذي رحمهم كلهم من هذه المشكلة ... وبعد ذلك يختفي المتبرع!
وواحدة من هذه المآسي عندما أصيب أخ بفشل كلوي، وكان له أربعة أشقاء وشقيقة واحدة، وتطوع كل الأشقاء بأن يهبوه كلياتهم، وكانوا كلهم صالحين ولكن الطبيب الجراح اختار الشقيقة الوحيدة لعدة اعتبارات، وجاءت الشقيقة الوحيدة للتبرع بكليتها لشقيقها، وفجأة وجدت نفسها على سرير المرضى ويتم تجهيزها لجراحة الغد ...
وتأملت هذه الفتاة حياتها عندما تشرع في الزواج ... وعندما تجد ابنها في حاجة إلى كلية وهي لا تملك أن تعطيه شيئاً لأنها تبرعت لشقيقها ... وظلت تفكر ... وهداها تفكيرها إلى حل، لقد طلبت من الأشقاء قبل منتصف ليلة إجراء الجراحة.. بأن يتبرعوا لها بنصف ما تملكه الأسرة ... وهو عبارة عن منزل يضم عشر شقق.. واحتارت الأسرة في هذا القرار. وأصرت الفتاة على قرارها وإلا الرفض؛ لأنها شعرت في لحظة أنها افتدت كل الأشقاء بتضحيتها، فلا أقل أن يفدي الأشقاء ويضحوا، ولم تجد الأسرة أي قرار سوى أنهم ذهبوا وحملوا والدهم الكهل إلى المستشفى ليوقع على ملكية الشقيقة لنصف المنزل وحدها!.(4/249)
ماذا قال (مؤتمر التطور الإسلامي) وقضية نقل وزراعة الأعضاء البشرية، الذي تنظمه كلية طب عين شمس؟
وقال د. علي عبد الفتاح عميد الكلية ... إن الجراح قد يضطر إلى استئصال عضو مريض من جسم الإنسان.. ولكن هل يسمح له باستئصال عضو سليم تحقيقاً لمصلحة علاجية لإنسان مريض؟
إذا كان هذا يترتب عليه إنقاذ مريض من الموت ... فإنه في تقديري يعتبر عملاً مميزاً للتضامن الإنساني.. إلا إذا استهدف غاية مادية!!
د. عبد المنعم حسب الله: لا يمكن الخروج من هذا المستنقع إلا إذا كان هناك بديل واضح ... وهو أن تكون الكلية مجاناً. إذا وفرناها لن يجد أحد فرصة للاتجار بها. وتوفيرها يكون من الموتى حديثاً والمصابين في الحوادث والتبرع بعد الوفاة.
د. رشاد برسوم: إن بيع الكلية أصبح أسهل طريق للحصول على عدة آلاف من الجنيهات بدون عرق، إن 90 % من زراعة الكلى في العالم من متوفين حديثاً أو من حوادث الطرق!.
د. وحيد السعيد: إن تجارة الأعضاء البشرية عمل لا أخلاقي.. واستنزاف مادي، إنها سوق للابتزاز والنصب والاتجار غير المشروع.
د. إبراهيم راجي: نجد صعوبة جمة عندما يحين موعد إجراء الجراحة وننتظر طويلاً إلى أن نجد متبرعاً، وأي وسيط في هذه المشكلة يصيبه التلوث؛ لأن الماديات تلعب دوراً علنياً أو من تحت لتحت.
د. حلمي مراد: هي مشكلة اجتماعية بالدرجة الأولى ... والتشريع لا يسمح بنزع عضو من جسم المتوفى.
د. سالم نجم: إن التوافق مطلوب بين العلم والإسلام.(4/250)
ومآس أخرى كثيرة ... !
قصص إنسانية طلعت علينا من مشكلة (سوق بيع قطع غيار البشرية) مريض وافق على استضافة المتبرع في حجرته الوحيدة مع أسرته يأكل ويشرب ويتنزه على حساب المريض ويشاركه النوم في الحجرة، وعندما يحين موعد الجراحة يهرب. وهذه الإقامة قد تطول لعدة شهور ... وهي إقامة باهظة، ولكنها تجارة النصب!
بينما قصص أخرى تقول: إن رجلاً تبرع ببيع الكلية لأن والدته مريضة ويود علاجها، ومصاريف العلاج باهظة. وشاب باع كليته لأنه يود أن يتزوج. وقد طالت فترة الخطوبة، وحصل على 20 ألف جنية وتزوج. وزوجة فقدت عائلها وليس لها أي مورد، وأمامها أطفالها جياع، فباعت كليتها واشترت بها قطعة أرض ترتزق منها..
ومريض تطوع لبيع شقة بالمجان لأحد المتطوعين في المنزل الذي يمتلكه ... وصاحب مصنع مريض قبل أن يدخل المتطوع بالكلية شريكاً له في المصنع. وقصة أخرى لإنسان محتاج جداً وفقير جداً، رفض بتاتاًَ التكلم في موضوع ثمن الكلية وقال: لن أقدم يدي لاستلام النقود إلا بعد أن أطمئن على سلامة المريض.
هذا بعض ما تناقلته أجهزة الإعلام، وما ردده الأطباء والعلماء وهو أمر خطير، وينذر البشرية بشر مستطير، يكون حصاده نفوساً بريئة، وقواده ورواده ذئاب من البشر تتاجر تحت ستار الرحمة بالإنسان وبأجزائه، وتتصيد تحت ظلال كثيفة، وظلام دامس، ما تستطيع اصطياده من البلاد الفقيرة من أنفس، إما شراء وإما خطفاً وقرصنة، وإما تدليساً، بأن توهم الضحية برحلة هانئة، وبصحة وارفة، وفي موطن ووكر المؤامرة تسرق بعض أعضائه، وتعطي لمن يدفع أكثر، وهو لا يدري حين يفيق ما حدث له، وما سلب منه، وإن درى ماذا يفيد، وماذا يجدي؟!
إنني أرى حرمة نقل أي عضو من أعضاء إنسان حي معصوم الدم إلى إنسان آخر يحتاج إلى هذا العضو. للأدلة التي بسطتها فيما تقدم، وأيضاً لأن الضرر لا يزال بالضرر كما قضت بذلك القاعدة الشرعية، وإليك نبذة موجزة عنها.(4/251)
(الضرر لا يزال بالضرر)
إن القاعدة الشرعية (الضرر يزال) المأخوذة من قوله صلى الله عليه وسلم: ((لا ضرر ولا ضرار)) لا ضرر أي لا ضرر ابتداء، فلا يحل أن يبدأ الإنسان غيره بإيقاع ضرر عليه، (ولا ضرار) أي لا يحل لإنسان أن يرد الضرر بضرر مثله، أي لا يضر الرجل أخاه ابتداء ولا جزاء.
وهذه القاعدة (الضرر يزال) يتعلق بها قواعد منها (الضرر لا يزال بالضرر) قال ابن السبكي في معناها: وهو كعائد يعود على قولهم: (الضرر يزال ولكن لا بضرر) فشأنهما - أي شأن القاعدتين - شأن الأخص، وهو هذه القاعدة، مع الأعم. ولكن السيوطي وابن نجيم ذكرا أن هاتين القاعدتين سواء، وليس بينهما عموم وخصوص؛ لأنه لو أزيل الضرر بالضرر لما صدق (الضرر يزال) .
وقد ذكروا لهذه القاعدة فروعاً نورد منها قولهم:
(ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر، إلا أن يكون نبيا؛ فإنه يجوز له أخذه ويجب على من معه بذله.
ولا يجوز له قطع فلذة من فخذه، ولا قتل ولده، أو عبده، ولا قطع فلذة من نفسه إن كان الخوف من القطع، كالخوف من ترك الأكل أو أكثر، وكذا قطع السلعة المخوفة) نص عليه السيوطي
وقال ابن نجيم: من فروعها (أنه لا يأكل المضطر طعام مضطر آخر ولا شيئاً من بدنه) .(4/252)
المبحث الخامس عشر
عقوبة من يعتدي على نفسه
عقوبة الجناية على النفس أو على ما دونها
إذا جنى الإنسان على نفسه جناية أدت إلى إزهاق روحه، أو إلى بتر جزء من جسده فإن الفقه الإسلامي يبين لنا عقوبة هذه الجناية في كلتا الحالتين، أن العقوبة في شريعة الله تعالى نوعان: عقوبة أخروية، وعقوبة دنيوية، ونوضح فيما يلي هاتين العقوبتين بإيجاز:
العقوبة الأخروية في الجناية على النفس أو ما دونها:
العقوبة دائماً تكون حيث تكون الجناية عمداً، فإن وقعت الجناية خطأ، فالخطأ مرفوع إثمه، وآية ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((عفوت عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) .
أما إن كانت جناية الإنسان على نفسه عمداً، فإن أدت إلى زهوق روحه ـ حالاً أو مالاً ـ كانت عقوبتها: الخلود في النار أبداً، وآية ذلك ما روي عن أبي هريرة أنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً. ومن تحسى سما فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً مخلداً فيها أبداً، ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً مخلداً أبداً)) (1) وقيد التأبيد هذا لم يرد في العقوبة الأخروية لقاتل غيره التي نص عليها قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (2)
وأما إن كانت الجناية على جزء من نفسه عمداً، فإنه يكون آثماً معذباً في الآخرة، ولكن مدة عذابه فيها وكيفيته موكولة إلى ربه جل شأنه.
أما أنه آثم، فلأنه فعل أمراً نهاه المشرع الحكيم عن فعله فقال: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ} وأما أنه معذب في الآخرة، فلأن الله تعالى يقول: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا} .
يقول ابن كثير: (ومن يتعاطى ما نهاه الله عنه معتدياً فيه ظالماً في تعاطيه، أي عالماً بتحريمه متجاسراً على انتهاكه، فسوف نصليه ناراً.
__________
(1) رواه البخاري ومسلم، وقد بيناه في كتابنا (الجنايات في الفقه الإسلامي، ص 137
(2) الآية 93 من سورة النساء(4/253)
العقوبة الدنيوية في الجرائم على النفس أو ما دونها:
تختلف العقوبة الدنيوية في هذا النوع من الجرائم باختلاف نوع الجريمة إذ هي إما جريمة عمدية أو جريمة شبه عمدية. أو جريمة خطأ، فإذا قصد الفعل والنتيجة كانت عمداً، وإذا لم يقصدهما كانت خطأ، وإذا قصد الفعل ولم يقصد النتيجة كانت شبه عمد. ونوضح فيما يلي بإيجاز بالغ حكم كل نوع فيها إذا وقعت الجناية من الإنسان على نفسه.
عقوبة الجناية عمداً على النفس أو على ما دونها.
العقوبة في هذا النوع من الجناية تدور بين القصاص أو الدية والكفارة، والحرمان من الميراث، والتعزير في بعض الحالات، فأما القصاص: فإنه لا يتأتى توقيعه على قاتل نفسه؛ لأن محل القصاص قد فات بموته، وكذلك في جنايته على جزء نفسه، مثل قطع كليته أو غيرها؛ لأن محل الاستيفاء قد فات أيضاً، لأن الذي يجب فيه القصاص هو العضو المماثل للعضو المقطوع، فاليد اليمنى باليمنى، واليسرى باليسرى، وكذا العين، وأيضاً فإن الجرائم التي تقع على أجزاء الإنسان الداخلية ليس فيها القصاص (1) ؛ لأن الجائفة ليس فيها القصاص، كما نعلم، لكن عقوبة التعزيز هنا تظهر، وهي عقوبة، وكل تقديرها للإمام أو من ينوب عنه من القضاة، فحيث ينتفي القصاص يمكن أن نوجب عقوبة تعزيرية منعاً من إضرار الإنسان بنفسه من الميراث، وهذا واضح، وكذلك لا تتأتى عقوبة حرمان القاتل.
وأما الدية: وهي اسم للضمان المالي الذي يجب بالجناية على الآدمي، أو على جزء منه.
فإن الفقهاء قد اختلفوا في إيجابها في جناية الإنسان على نفسه عمداً، وبخاصة أنه لا يمكن أن تطبق عقوبة القصاص هنا، وإذا قلنا بوجوبها فهل تجب على الجاني وعلى العاقلة؟
__________
(1) يراجع كتاب الجنايات في الفقه الإسلامي للمؤلف: ص 461(4/254)
أما إيجابها على الجاني، فيقرر الفقهاء أنها لا تجب على الجاني، وإذا أردنا أن نعلل لهذا الرأي أمكننا أن نقول: إن إيجابها عليه بعد موته يستدعي بقاء ذمته لتتعلق بها الدية، وقد فاتت هذه الذمة، وفواتها يفوت ما يتعلق بها وهو الدية.
وإذا قلنا: إن ذمته لا تنعدم بموته بل تضعف، ويقوبها ما يتركه من مال.. (1) .
فيمكن إيجابها في ماله، فإن الرد على ذلك ميسور، وهو أن الإنسان لا يستحق لنفسه حقاً على نفسه، وأيضاً فإن الوارث للدية هم ورثة المال، فلا فائدة عملية في إيجابها في ماله أولاً، ثم ردها إلى ورثته المستحقين لأمواله بعد ذلك، ويضاف إلى ذلك أن معنى الردع والزجر ـ وهو المقصود من العقوبة ـ لا يتحقق هنا، وإذا فات المعنى الذي شرعت من أجله العقوبة لم تجب هذه العقوبة (2) .
__________
(1) وإذا قلنا بذلك بالنسبة لسداد ديون الغير، فهذا القول له وجهه، وهو أن ينتفع الميت بوفاء ديونه من أمواله بدلاً من أن يأخذها الورثة لتعلق حق الدائنين بها، وهذا الوفاء يفيده، أما ما معنا هنا فليس فيه فائدة ملحوظة، والعاري عن الفائدة لا يشرع
(2) كما في إسقاط العقوبة عن الجاني إذا كان صبياً أو مجنوناً لفوات المقصود من توقيع العقوبة عليهما(4/255)
- وأما إيجابها على العاقلة ففيه رأيان:
الرأي الأول: يرى جمهور الفقهاء أنها لا تجب على العاقلة أيضاً، وذلك لما روي عن عمر أنه قال: (العمد والعبد والصلح والاعتراف لا تعقله العاقلة) رواه الدارقطني، وحكى أحمد عن ابن عباس مثله.
وقال الزهري: (مضت السنة أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية العمد أن يشاؤوا) رواه عنه مالك في الموطأ.
وهذه الآثار تدل بعمومها على أن العاقلة لا تحمل شيئاً من دية الجناية عمداً، فيندرج تحت مدلولها جناية الإنسان على نفسه عمداً، أو على غيره ... ولأنه لا عذر للقاتل في القتل العمد، وإذا لم يكن له عذر فإنه لا يستحق التخفيف، والعاقلة إنما تحمل عن الجانبي ما يستدعي التخفيف عنه؛ لأنها تتحمل عنه مواساة ومعاونة وتآزراً معه فيما وقع منه خطأ ودون قصد، أما ما كان عمداً فإنه لا يتلاءم مع المعنى الذي يهدف إليه المشرع من وراء معنى العاقلة وما تتحمله.
الرأي الثاني: يرى الأوزاعي وأحمد بن حنبل وإسحاق (كما نقله الشوكاني) (1) أن جناية العمد على نفس الجاني مضمونه على عاقلته.
وهذا الرأي لا يوافق الآثار المروية آنفاً، كما لا يساير أيضاً الحكمة التي شرع من أجلها إيجاب الدية على العاقلة، وهي أنها لمساعدة الإنسان الذي ارتكب جناية خطأ في حق العباد، إذ إيجاب كل الدية عليه فيه عدم اعتداد بعذره، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه)) كما يعارض الأصل القاضي بألا يتحمل الإنسان جرم غيره، قال تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2) .
وقال جل شأنه: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (3) . هذا هو الأصل، والاستثناء من هذا الأصل لا يكون إلا بدليل، والدليل وجد بشأن القتل الخطأ دون العمد. وهذا يرجح عدم إيجاب هذا النوع من الدية على العاقلة. كما لا يجب على الجاني، أي في ماله، كما ذكرنا آنفاً.
وأما الكفارة (4) فقد اختلف الفقهاء في إيجابها على من قتل نفسه عمداً، فيرى جمهور الفقهاء أنها لا تجب، وبخاصة من يرون عدم إيجاب الكفارة في قتل الغير عمداً، وهم (الحنفية والحنابلة والزيدية، والثوري، وأبو ثور) للأدلة التي سبق النص عليها، ويرى الشافعية إيجاب الكفارة في القتل العمد أو شبهه أو الخطأ، سواء قتل نفسه أو غيره، فقد جاء في مغني المحتاج: (وتجب الكفارة بقتل المسلم ولو بدار الحرب، وذمي وجنين، وعبد نفسه، وبقتل نفسه؛ لأنه قتل نفساً معصومة، فتجب فيه كفارة لحق الله تعالى، فتخرج من تركته، أما إذا لم تكن نفسه معصومة بأن كانت مهدرة، فينبغي كما قال الزركشي، ألا تجب، وفي قتل نفسه وجه: أنه لا يجب لها الكفارة كما لا يجب ضمانها بالمال) .
__________
(1) نيل الأوطار: جـ7 ص85
(2) الآية 164 من سورة الأنعام، 15 من سورة الإسراء، 28 من سورة فاطر، 7 من سورة الزمر، 38 من سورة النجم.
(3) الآية 38 من سورة المدثر.
(4) الكفارة هي: ما أوجب الشرع فعله بسبب حنث في يمين أو قتل أو ظهار..، وهي عقوبة فيها معنى العبادة شرعت تكفيراًَ للذنب، ومحواً للجرم، وتقرباً إلى الله تعالى، وشرعت في جريمة القتل ... لا في ما دون القتل، وهي عتق رقبة مؤمنة فإن لم يجد فإطعام ستين مسكيناً بالآية 92 من سورة النساء.(4/256)
عقوبة الجناية شبه العمد على النفس أو ما دونها:
إذا جنى الإنسان على نفسه جناية شبه عمد، فإنه يلزمنا أن نذكر بعض الأمثلة التي أوردها الفقهاء لمثل هذا القتل، ثم نتبعها ببيان ما يجب فيه من دية أو كفارة، أما الأولى فمن صوره: (إمساك الحية مع الظن أنها لا تقتل، أو أن يأكل كثيراً حتى يبشم، أو المشي على الحبال في الهواء، والجري في المواضع البعيدة كما يفعله أرباب البطالة والشطارة (كل ذلك يعتبر قتلاً شبه عمد إذا لم يقصد بشيء من ذلك قتل نفسه) ؛ لأن هذه الأفعال تقتل غالباً، ويمكن أن يقاس على ذلك كل ما يغلب على الظن الهلاك منه. وأما ما يجب في هذه الجناية من عقوبة، فإنها تدور بين الدية والكفارة، فأما الدية، فقد اختلف الفقهاء في إيجابها.
فيرى البعض إيجابها على العاقلة (في أي الشافعية (غير المشهور) ورأي للحنابلة) معتبرين أن هذه الجناية تساوي جناية الإنسان على غيره خطأ أو شبه عمد، فكما وجبت على العاقلة دية قاتل غيره خطأ أو شبه عمد فكذلك تجب هنا في الحالتين.
ويرى جمهور الفقهاء أنه لا تجب الدية في هذه الجناية؛ لأن لا عذر له في اقترافه الفعل الموجب لها، وإذا لم يكن معذوراً، فإنه يشبه العمد المحض، والعمد المحض لا تجب فيه الدية فكذلك هنا. وهو رأي الحنفية والمالكية والشافعية (المشهور) والحنابلة.
والناظر إلى هذين الرأيين على ضوء التطور الصناعي في هذا العصر يجد أن كثيراً من الناس يباشرون بعض الأعمال التي تكتنفها بعض المخاطر: كعمال المناجم، ومصانع الحديد والصلب، وما شاكل ذلك من الصناعات والأعمال، طلباً لرزقهم وسداً لحاجتهم، وتنمية لاقتصاد دولتهم.
وقد يترتب على مباشرتهم لهذه الأعمال ذهاب أرواحهم أو أعضائهم أو حدوث أضرار جسمانية فما الموقف من هؤلاء في ظل الفقه الإسلامي؟
إنني أرى أن هذا العمل الذي يقوم به العامل والذي يحتاج إليه الفرد والدولة لا بد من أن يكون محاطاً ببعض الضمانات الكفيلة بسد الثغرات التي تنتج عن استمرار العمل والإنتاج، وهذه الضمانات هي إيجاب الدية لمن قتل منهم أثناء تأديته عمله، وتكون هذه الدية على العاقلة؛ لأن قتل شبه عمد، إذ العمل قد يؤدي إلى القتل، والقتل غير مقصود، وفي شبه العمد الدية على العاقلة فكذلك هنا.
فإن لم تكن له عاقلة كانت ديته من بيت المال، ولا يمكن قياس هذا القتل على القتل العمد، حتى لا تجب الدية على العاقلة؛ لأن العمد أن يقصد الفعل ... ويقصد به القتل، ويمكن التوسع في مدلول العاقلة في الفقه الإسلامي، من العصبة إلى المحلة، إلى اعتبار كل العاملين في مصنع من المصانع عاقلة، كل منهم يعقل عن الآخر إذا ما توافرت شروط العاقلة فيهم وفي كل فرد منهم.
وأما إيجاب الكفارة فيرى بعض الفقهاء (الحنابلة) إيجابها في ماله. وقد يستدل لهذا الرأي بأن القتل هنا قد وقع خطأ؛ لأنه لم يرد قتل نفسه، والله تعالى يقول: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ} وهو قد وقع قتله لنفسه خطأ، بينما يرى جمهور الفقهاء عدم إيجابها عليه؛ وذلك لانعدام خطابه بها بسبب موته، وإذا انعدم خطاب الشرع له بها، بسبب الموت، لم تجب عليه كسائر الأحكام.(4/257)
عقوبة الجناية خطأ على النفس وما دونها:
وأما إن قتل إنسان نفسه خطأ أو قطع عضواً من أعضائه، فقد اختلف في إيجاب الدية والكفارة أيضاً:
فأما إيجاب الدية على العاقلة، كما هو الشأن في الجناية خطأ على الغير، فيرى بعض الحنابلة (القاضي) أن على عاقلته ديته لورثته إن قتل نفسه، أو أرش جرحه إذا كان أكثر من الثلث، وهو قول الأوزاعي وإسحاق، وذلك لما روي أن رجلاً ساق حماراً فضربه بعصى كانت معه، فطارت شظية ففقأت عينه، فجعل عمر ديته على عاقلته وقال: (هي يد من أيدي المسلمين لم يصبها اعتداء على أحد) ولم نعرف لعمر مخالفاً في عصره، ولأنها جناية خطأ، فكان عقلها على عاقلته كما لو قتل غيره، فعلى هذا الرأي إن كانت العاقلة الورثة لم يجب شيء؛ لأنه لا يجب للإنسان شيء على نفسه، وإن كان بعضهم وارثاً سقط عنه ما يقابل نصيبه، وعليه ما زاد على نصيبه، وله ما بقي إن كان نصيبه من الدية أكثر من الواجب عليه.
ويرى أكثر أهل العلم (الحنفية والمالكية والشافعية وقول للحنابلة، وربيعة والثوري) أن جنايته هدر؛ وذلك لأن عامر بن الأكوع بارز مرحباً يوم خيبر فرجع سيفه على نفسه فمات ولم يبلغنا أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى فيه بدية، ولا غيرها، ولو وجبت لبينه النبي صلى الله عليه وسلم، ولأنه جنى على نفسه فلم يضمنه غيره كالعمد، ولأن وجوب الدية على العاقلة إنما كان مواساة للجاني وتخفيفاً عنه، وليس على الجاني ههنا شيء يحتاج إلى الإعانة والمواساة فيه، فلا وجه لإيجابه، ويفارق هذا ما إذا كانت الجناية على غيره؛ فإنه لو لم تحمل العاقلة موجب الجنابة خطأ على الغير لأجحف به وجوب الدية لكثرتها.
وهذا الرأي هو الذي أرى رجحانه لرجحان أدلته.(4/258)
وأما الكفارة فيرى الحنفية والمالكية ووجه عند الشافعية: أنه لا يجب هنا في النفس كفارة، كما لا يجب ضمانها بالمال (الدية) .
ويرى الشافعية والحنابلة: أن من قتل نفسه خطأ وجبت الكفارة في ماله؛ لعموم قوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا} الآية، ولأنه آدمي مؤمن مقتول خطأ، فوجبت الكفارة على قاتله، كما لو قتله غيره.
الترجيح: رجح ابن قدامة المقدسي (الحنبلي) الرأي الأول قائلاً: (إنه الأقرب إلى الصواب إن شاء الله؛ فإن عامر بن الأكوع قتل نفسه خطأ) ولم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم فيه بكفارة، وقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً} إنما أريد بها إذا قتل غيره بدليل قوله: {وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ} ، وقاتل نفسه لا تجب فيه دية بدليل قتل عامر بن الأكوع.
ولكن ما ذكره من الأثر يمكن الرد عليه، بأن الرسول صلى الله عليه وسلم قضى في الجنين بغرة، ولم يقض بالكفارة، وقد قال الفقهاء: إن الغرة ثابتة بالحديث، والكفارة ثابتة بالقرآن، وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم التي وضحت الديات لم تذكر الكفارة اعتماداً على هذا، ومن هنا يمكن أن نقول: إنه قتل إنسان نفسه تجب في ماله الكفارة.
إلا أن المعاني التي شرعت من أجلها الكفارة، إن كانت عبادة وتقرباً، فلا بد من وجود الشخص؛ لأنه لا عبادة بدون النية، وإن كانت زجراً وتنبيهاً إلى التحرز عن الوقوع في الخطأ، فإن كان هذا بالنسبة للشخص نفسه، فقد فات المحل الذي يمكن أن يستجيب لذلك، وإن كان هذا بالنسبة للغير، فإن المحل موجود، ويمكن أن يتحقق بالنسبة له هذا الغرض، فيعلم الإنسان القاتل لنفسه أن عليه حين يرتكب هذه الجناية خطأ كفارة تؤخذ من ماله كما تؤخذ بقية الحقوق.
ولعل النظر إلى قوله صلى الله عليه وسلم: ((الأدمي بنيان الرب، ملعون من هدم بنياته)) يجعلنا ننظر إلى نفس الإنسان المعتدى عليه، على أنه غير، سواء كان المعتدى عليه هو نفس هذا الإنسان المعتدي أم غير نفسه، ويؤيد هذا أنه معاقب على اقتراف هذا الجرم في الآخرة على كلا الحالين، بل بعقوبة أشد في الحالة الأولى كما سبق أن أوضحنا.
ومن هنا نرى ترجيح الرأي الثاني، خاصة وأن حق الأرقاء في الحرية حتى يتشوف الشرع إلى تحقيقه، وهو حق للغير، يلزم الوفاء به كسائر الحقوق، وكذلك حق المحتاجين في الإطعام إن لم يجد رقبة يعتقها، كما هو الحال الآن بعد أن اتفق العالم على منع الرق، وهو ما يهدف إليه المشرع الحكيم.
ومن هذا العرض الموجز لنظرة الفقه الإسلامي لجناية الإنسان على نفسه عمداً أو شبه عمد أو خطأ، نخرج بنتيجة هامة، وهي أن من يعتدي على نفسه - كُلًّا أو بعضاً - تناولته العقوبات المقررة في الفقه الإسلامي لمن يعتدي على غيره على الوجه الذي يتلاءم مع توقيع هذه العقوبات على هؤلاء الجناة، سواء في الآخرة أو في الدنيا.
والله أعلم.(4/259)
الخاتمة: نتائج هذه الدراسة:
- يمكننا على ضوء هذه الدراسة أن نستخلص القواعد التالية:
من البحث الأول: تأخذ القواعد التالية:
1- أن الإنسان، روحاً وجسماً، كلا أو بعضاً، مملوك لله تعالى، وحده دون سواه، وليس للإنسان من نفسه إلا ما أجازه الشرع له من حق انتفاع يحصله ويستوفيه على المنهج والأسلوب الذي ارتضاه له خالقه.
2- أن دم الإنسان معصوم بحكم إنسانيته، ولا يحل دمه ولا يحل شيء منه إلا بحق، وقد حددت الشريعة ذلك تحديداً قاطعاً.
3- يحرم على الإنسان الاعتداء على نفسه أو الإضرار بها، أو تعريضها للهلاك.
ومن المبحث الثاني: نأخذ القواعد التالية:
1- التداوي من الأمراض أمر مطلوب شرعاً، ويجب على الإنسان أن يتخذ الأسباب المشروعة التي قد توصله إلى حال القوة والصحة.
2- يجوز تداوي النفس البشرية بما أحل الله تناوله والتداوي به، وكذا يجوز تداويها بالمحرم إذا تعين المحرم علاجاً لها دون غيره من المباحات على يد طبيب مسلم حاذق.
3- يجوز أن يكون التداوي والعلاج عن طريق الجراحة، أو الكي إذا دعت الضرورة أو الحاجة إلى ذلك، وهو آخر أنواع العلاج.
ومن المبحث الثالث: نأخذ القواعد التالية:
1- الضرورات تبيح المحظورات.
2- يباح للمضطر تناول مال الغير بغير إذنه، ولو باستعمال القوة دون سلاح، إذا كان هذا المال زائداً عن حاجته.
3- يباح للمضطر تناول الميتة والانتفاع بها، بمقدار ما يسد رمقه؛ إذ الضرورة تقدر بقدرها.
4- يجوز للمضطر التداوي بالميتة، سواء كانت قائمة العين لم تمسها يد التغيير والتبديل، أو غير قائمة العين بأن مستها يد التغيير والتبديل فحولتها من حالة إلى حالة أخرى.
5- يجوز الانتفاع بأجزاء الآدمي الميت، سواء كان معصوماً أو غير معصوم، إحياء للنفس الآدمية ومدا لأسباب البقاء لها ـ إذا توافرت الشروط التالية:
أ - ألا توجد ميتة أخرى غير ميتة الآدمي، فإذا وجدت لا يحل الانتفاع بميتة الآدمي.
ب - أن يكون المضطر معصوم الدم.
جـ- أن يكون الانتفاع بها حالة الاضطرار، أما في حالة الحاجة، أو التتمة فلا يجوز.
د- أن يكون هناك إذن بالانتفاع به من الميت قبل موته، أو من ورثته بعد موته، فإذا اختلف الإذنان: أحدهما أجاز والآخر منع، يؤخذ برأي المجيز؛ إنقاذاً للنفس البشرية من الهلاك.(4/260)
المبحث الخامس: يؤخذ منه القواعد التالية:
يجوز للإنسان أن ينتفع ببعض أجزاء نفسه في حالة الضرورة، أو في حالة تصحيح أو تعويض ما نقص أو تشوه من أعضائه؛ رجوعاً به إلى حالته المعتادة، وذلك بشرط ألا يكون خطر القطع أعلى من خطر البقاء على ما هو عليه (أو مساوياً) منعاً من تعريض النفس للتهلكة.
المبحث السادس: تؤخذ منه القاعدتان التاليتان:
1- يحرم قطع جزء من جسم إنسان حي معصوم الدم لينتفع به إنسان آخر مضطر إلى هذا الجزء، وذلك باتفاق الفقهاء.
2- يجوز للمضطر المعصوم الانتفاع بجزء من إنسان غير معصوم الدم استحق القتل بسبب جرم ارتكبه عقب تنفيذ حكم القتل عليه مباشرة؛ وذلك لإنقاذ هذه النفس البشرية من الهلاك، تحت رقابة السلطة التنفيذية، وتحت رعاية نخبة من الأطباء المسلمين الحاذقين، وبناء على قانون ينظم ذلك الانتفاع من جميع جوانبه.
المبحث السابع: تؤخذ منه القاعدة التالية:
يحرم بيع الآدمي الحر مطلقاً، وقد أجمع الفقهاء على ذلك.
المبحث الثامن: تؤخذ منه القاعدة التالية:
يحرم بيع جزء من أجزاء الآدمي المتجددة.
المبحث التاسع: تؤخذ منه القاعدة التالية:
يحرم بيع جزء من أجزاء الآدمي غير المتجدد.
المبحث العاشر: تؤخذ منه القاعدة التالية:
لا يصح أن يتبرع الإنسان بجزء من أجزائه لغيره.
المبحث الحادي عشر: يؤخذ منه القاعدة التالية:
يبطل عقد الإجارة إذا كان محله قطع عضو صحيح من جسم الإنسان، لا تدعو صحة الإنسان إلى قطعه، وكل أجر يأخذه الطبيب إزاء ذلك يكون باطلاً.
المبحث الثاني عشر: تؤخذ منه القاعدة التالية:
لا أثر لرضا المقطوع عضوه الصحيح في درء العقوبة المستحقة على من تولى قطعه.
المبحث الثالث عشر: تؤخذ منه القاعدة التالية:
الإيثار إنما يكون في المال، أما الإيثار بالقربات، أو بالأنفس أو الأعراض فممنوع شرعاً.
المبحث الرابع عشر: يؤخذ منه ما يأتي:
أن ما يترتب على القول بجواز نقل الأعضاء من إنسان إلى آخر يؤدي إلى مخاطر كثيرة، فيحرم سدا للذرائع.
المبحث الخامس عشر: يؤخذ منه ما يأتي:
1- جناية الإنسان على نفسه، عمدا كان أو شبه عمد، أو خطأ، معاقب عليها شرعاً في الدنيا وفي الآخرة.
هذا ما أردت إبرازه في هذا الموضوع الشائك الدقيق، وأرجو الله تعالى أن يلهمنا الصواب ويجنبنا الخطأ.
{ {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أو أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلاَ تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلاَ تُحَمِّلْنَا مَا لاَ طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَآ أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} .}
تحريرا في: 25 من ربيع الثاني 1408 هـ.
17 من ديسمبر 1987 م.
الأستاذ الدكتور حسن علي الشاذلي(4/261)
انتفاع الإنسان بأعضاء
جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً
إعداد
الشيخ خليل محيي الدين الميس
مدير أزهر لبنان
ومفتي زحلة والبقاع الغربي
وعضو مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
حكم العلاج بزراعة الأعضاء:
العلاج بزراعة الأعضاء والأنسجة الحية أو المعادن في جسم الإنسان من المسائل المستجدة في الحقل الطبي، كما يصف الاصطلاح الفقهي (النوازل) بالمسائل المستجدة بعد استقرار المذاهب الإسلامية حيث لا نص فيها من كتاب أو سنة أو قول أحد الأئمة المجتهدين.
ولما كان الطب ميدان التجرِبة، ولذلك كان من منجزات الطب الحديث ما أحرز من تقدم ملحوظ في هذا المجال، سواء في زرع القلب أو القرنية أو الكلية أو استئصال الأمعاء المصابة واستبدالها بأخرى سليمة ... وكل ذلك إنما يتم باستخدام عضو منتزع من إنسان أو حيوان ... وبالتالي فالسؤال مطروح وبإلحاح: ما هو الحكم الشرعي في كل ما جرى أو يجري ... ومن المعلوم أن عملية الزرع تمر في مرحلتين:
الأولى:
من إنسان أو حيوان.
الثانية:
زراعة العضو المفصول في جسم إنسان آخر يفتقر إليه.. والحاجة هذه يمكن تصنيفها إلى فئتين:
1) توقف حياة إنسان مريض أو مهدد بالموت على زرع ذلك العضو في جسده كالقلب.. والكلية.
2) توقف عمل العضو المصاب فقط مع بقاء الحياة على زرع ذلك العضو كالقرنية في العين مثلاً.
هذا وفصل العضو المطلوب ومن ثم زرعه في جسم المريض إما أن يتم بناء على تبرع إنسان كامل الأهلية، ويفصل منه ذلك العضو حال الحياة (كالكُلية) ، أو بناء على وصية بأن ينتزع من جسده بعيد وفاته، كما يحصل بالنسبة إلى العيون مثلاً ...(4/262)
وللإجابة على هذه التساؤلات المطروحة وأضرابها لا بد من مقدمة تمهيدية نعرض من خلالها للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تشكل إطاراً للبحث باعتبارها ترسم المرتكزات الفقهية علاجاً وانتزاعاً في الزراعة، وما يستتبع هذه الصور العلاجية.
أما قضية العلاج من حيث المبدأ فقد صرحت الأحاديث الشريفة بمشروعيتها، من ذلك ما أخرجه البخاري في صحيحه عن ابن مسعود قال عليه الصلاة والسلام: ((إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم)) .
وما رواه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، فتداووا ولا تداووا بحرام)) .
وفي الصحيحين عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)) .
وجاء في مسند الإمام أحمد رضي الله عنه من حديث زياد بن علاقة، عن أسامة بن شريك قال: ((كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم وجاءت الأعراب فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: نعم، عباد الله، تداووا؛ فإن الله عز وجل لم يضع داء إلا ووضع له شفاء، غير داء واحد. فقالوا: ما هو؟ قال: الهرم)) وفي لفظ: ((إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء علمه من علمه، وجهله من جهله)) .
وهكذا فإن هذه الأحاديث الشريفة صرحت بحقائق منها:
أولاً:
الأمر بالتداوي، وأدنى موجب الأمر هو الإباحة(4/263)
ثانياً:
إن إقراره عليه الصلاة والسلام بأن لكل داء دواء، علمه من علمه وجهله من جهله، يفتح باب العلاج على مصراعيه، ويمهد السبيل أمام الباحثين لاستكشاف الأدواء، وما لم يعلم بالأمس ربما يعلم اليوم أو غداً، هذا ومع أن الإسلام جاء لعلاج الأرواح والنفوس من مرض الكفر والفسق والفجور وغيرها، وإنقاذ العباد من شرور الوثنية والإلحاد، وهي أمراض عقدية أخطر من أمراض الأجساد، لا شك أنها تفضي إلى مهالك في الآجل والعاجل، فإنه أيضاً لم يهمل علاج أمراض الأجساد. ونحيل طالب المزيد من المعلومات في هذا الباب إلى كتاب (الطب النبوي) لابن قيم الجوزية، والآثار الواردة في كتب الحديث الشريف في أبواب الطب. ومع أن الأحاديث الشريفة صرحت بمشروعية العلاج لكنها نهت عن التداوي بالحرام؛ حيث ورد النهي بقوله عليه الصلاة والسلام: ((ولا تداووا بحرام))
وهذا ما يصلنا إلى الاستدلال بعمومات الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، وبعد ذلك القواعد الفقهية والمبادئ العامة التي استنبطها الفقهاء المسلمون من تلك العمومات والإطلاقات لنفرع عليها من الأحكام ما يتصل بموضوعنا:
قال تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] ، وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} [النحل: 89] والعموم الوارد في الآيتين وإن كان متوجهاً إلى بيان الأحكام الشرعية التكليفية أولاً، لكنها لا تتقاصر دون موضوعنا هذا؛ لأنه يدخل ضمن إطار تلك الأحكام من الإباحة والتحريم باعتبار أن هذا العلاج على هذا الوجه هل هو حلال فيتابع أو حرام فيجتنب.
ويأتي قوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} [الحج: 78] وقال تعالى إثر بيان مشروعية الوضوء والغسل والتيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} [المائدة: 6] .
وهكذا نجد توجه الشريعة الإسلامية نحو التيسير على العباد وتحقيق مصالحهم الدينية والدنيوية في ذلك يقول تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] .(4/264)
وتأتي الأحاديث النبوية على هذا النسق أيضاً لتؤكد المعنى الوارد في الآيات القرآنية، فيقول صلى الله عليه وسلم: ((بعثت بالحنيفية السمحة)) وقال عليه الصلاة والسلام: ((يسروا ولا تعسروا، وبشروا ولا تنفروا)) .
ومن مجمل هذه الآيات والأحاديث استنبط الفقهاء قواعد فقهية وضوابط أصولية تعتبر بمثابة الأصول لمسائل تفرعت عليها الأحكام، ومن ذلك قولهم: المشقة تجلب التيسير، وهي القاعدة الرابعة من قواعد الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي، وقال: وفي الحديث: ((أحب الدين إلى الله تعالى الحنيفية السمحة)) أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله. ومن حديث أبي أمامة، ويخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته، وعد منها المرض ثم قال.... الثاني المرض ورخصه كثيرة، ومنها التداوي بالنجاسات وبالخمر على أحد القولين، وتخرج على هذه القاعدة قولهم: الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق.
هذا وإن إحياء النفوس مطلب شرعي صرحت به الآية الكريمة، قال تعالى: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا} [المائدة: 32] .
ولا بد من مقدمة أصولية تمهد لهذا الموضوع وهي ما تعرف بتقسيم الحقوق، جاء في كتب الأصول ما نصه: الحقوق أربعة:
1) حقوق الله تعالى خالصة كالعبادات والحدود والكفارات.
2) حقوق العباد خالصة، وهي أكثر من أن تحصى، نحو ضمان الدين وبدل المتلفات والمغصوب وملك المبيع.
3) ما اجتمع فيه الحقان وحق الله أغلب. وهو حد القذف.
4) ما اجتمع فيه الحقان وحق العبد غالب وهو القصاص، (كشف الأسرار جـ2/ 162) ، وما نحن بصدده يندرج تحت القسم الرابع؛ لأن بدن الإنسان فيه حق الله من حيث التخلق، وفيه حق العبد من حيث الانتفاع.(4/265)
وحق الله ما يتعلق به النفع العام، فلا يختص به واحد وإنما ينسب إلى الله تعالى؛ تعظيماً، وهو سبحانه تعالى عن أن ينتفع بشيء، أو لئلا يختص به أحد الجبابرة.
ملكية الإنسان لجسمه وأعضائه ومدى حرية التصرف فيها:
من خصائص الملكية التامة حرية الاستعمال والاستغلال والتصرف على ما هو معروف فقها وقانوناً، والحرية هذه إنما يمارسها الإنسان على المنقولات والعقارات، وهو ما يعرف بأموال التجارة، فللمالك مطلق الحق في بيعها ورهنها وهبتها واستغلالها والإيصاء بها وإتلافها، كما أنها تورث عنه وتضمن بالاعتداء عليها، وهذه الأعيان معصومة في ذاتها ومملوكة له.
فهل جسم الإنسان من هذا القبيل أم لا بد من التمييز بين الملك والعصمة؟ فالعصمة تقوم بالمملوك، والملك يقوم بالإنسان، والعصمة تكون للدم كما تكون للمال، وبذلك ورد الحديث الشريف ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)) البخاري: باب الإيمان 179.
وبدن الإنسان مملوك له على وجه الانتفاع، وهو ما عبر عنه الفقهاء بقولهم: إن الله تعالى ملك الإنسان منفعة أعضائه، فالعين للإبصار، والرئة للتنفس، واليد للعمل وتناول الطعام، والرجل للسعي، وما إلى ذلك من وظائف الأعضاء.
ويبقى السؤال مطروحاً: هل ملكية الإنسان لأعضائه من صنو ملكيته للأشياء، فيكون له حق التصرف فيها كالأشياء المملوكة؟(4/266)
تناول الفقهاء المجتهدون موضوع النفس والأطراف والتعويض عنها حال الاعتداء عليها، ونصت الآيات والأحاديث على مشروعية الدية والقصاص وإرش الجراحات حال العدوان. ومما قاله الفقهاء في هذا المجال: ضمان النفس والأطراف بالمال في حالة الخطأ فإنه ثبت بالنص من غير أن يعقل فيه المعنى؛ لأن الآدمي مالك مبتذل لما سواه، والمال مملوك مبتذل فلا يتماثلان.
وإن ضمان النفس والأطراف بالمال غير مدرك بالعقل؛ إذ لا مماثلة بين الآدمي المالك المبتذل وبين المال والمملوك المبتذل، وإنما شرع الله تعالى الدية لئلا تهدر النفس المحترمة مجاناً (النسفي/ كشف الأسرار: جـ 1 / 84) وكان موجب الجناية عمداً على النفس والأطراف هو القصاص.
قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179] ، ويمكن العفو عن ذلك كله {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} [البقرة: 237] وقال سبحانه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} [الإسراء: 33] ، وأما جناية الخطأ فموجبها الدية وهي تعويض مالي لتفويت منفعة الجسم أو العضو، وهو محض حق الإنسان ولذلك تدخل تحت الولاية عفوا وإسقاطاً.
هذا بخلاف جريمة الزنا فإن العقوبة عليها محض حق الله تعالى ... لذلك لا تقبل بعد ثبوتها الإسقاط ولا العفو ولا الصلح على مال، وكذلك الشأن في السرقة وسائر الحدود.
ولما كان التعويض المالي عن القتل الخطأ يقرر ابتداء ... وفي القتل العمد مقرر صلحاً قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} [النساء: 92] .
وقال عليه الصلاة والسلام: ((في النفس مائة من الإبل)) وروي أنه عليه الصلاة والسلام ((قضى في قتيل بعشرة آلاف درهم)) الاختيار: ج4/ 45.(4/267)
هذا ودية النفس أو العضو ليست ثمناً بحال من الأحوال؛ لأنها إنما شرعت للنفس عن الهدر، لا ثمناً لها ولذلك قدرها الشرع ولم يترك تقديرها ابتداء للعباد، ومجمل القول: إن لله تعالى في النفس حق الاستعباد، كما أن للعبد حق الاستمتاع، وحق العبد غالب، لذلك يجري فيه الإرث، ويصح الاعتياض عنه بالمال بطريق الصلح.
(كشف الاسرار: ج2/ 161)
وقال السرخسي في المبسوط: لما أوجب الله تعالى حق العبد في النفس والأطراف، لذلك عمل فيه إسقاطه، ويورث عنه ويسقط بإذنه (جـ26/ 61) .
وقال السمرقندي في التحفة: لو عفا المجروح عن الجراحة ثما مات منه صح عفوه استحساناً (هـ جـ2/ 128) ، وهذه أمارة أن التعويض المقدر هو حق العبد، فكان له ولاية المطالبة كما كان له ولاية الإسقاط والصلح.
وبسط الكاساني القول في المسألة وزادها إيضاحاً، بل وكاد يلامس القضية بالذات من خلال تعريفه الأحكام في عبارته التي جاء فيها: ولو قال: اقطع يدي فقطع لا شيء عليه بالإجماع، ووجه هذا الحكم بقوله: لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال!! وعصمة الأموال تثبت حقاً له (للإنسان) . فكانت محتملة للسقوط بالإباحة والإذن كما لو قال له: أتلف مالي، فأتلفه. قلت: ولا يخلو فعلهما حال القطع من الإثم لكل من الآمر والقاطع؛ لأنهما اشتركا في تنفيذ فعل محظور شرعا (البدائع: ج7/ 236) ، وجاء في مشروعية القصاص ما نصه:
هذه العقوبة جزاء الفعل في الأصل، وأجزية الأفعال تجب في حق الله تعالى، ولكن لما كان وجوبها بطريقة المماثلة عرفنا أن معنى الحق راجح فيها، وأن وجوبها للجبران بحسب الإمكان، كما وقعت الإشارة إليه في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 179] .
ولهذا جرى فيه الإرث، وصح العفو، والاعتياض بطريقة الصلح بالمال، كما في حقوق العباد المحضة كبدل المتلفات (أصول السرخسي جـ2/ 297) .(4/268)
وهكذا تبين أن للإنسان ولاية إسقاط العقوبة عن الجاني حال الاعتداء على عضو من أعضائه، حتى على حياته بالكلية، كمن جرح إنساناً فعفا المجروح عن الجاني، وكذلك شأن الورثة لهم حق العفو عن القاتل كما أسلفنا ... ولكن هل الإنسان حق التبرع بعضو من أعضائه أو الإيصاء بها، فتنزع منه بعد وفاته..؟
ولنعد بالمسألة إلى أصول لها ثابتة ومسائل تقربنا من تقرير الحكم المناسب للمسألة.
أولاً: الرضاع، معلوم أن اللبن هو جزء الأم ترضعه أولادها وغيرهم، وذلك مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، والمسألة واضحة ... ولكن الفقهاء ذكروا أنه لا يجوز بيع لبن المرأة تكريماً لبني آدم.. وعليه الإجماع، قال ابن حزم: (ولا يصح بيع شيء أخذ من حي كلبن المرأة وشعور بني آدم) : اهـ. مراتب الإجماع 1/84.
مسألة أخرى: وهي التبرع بالدم، ولم ينقل خلاف بين العلماء على جوازه، ولئن كان اللبن تفرزه غدة معينة في الجسم وانفصاله لا يؤثر في البدن ... لكن الدم بخلافه؛ حيث إن فقده بالكلية يفضي إلى الهلاك ... ومع ذلك فلم يقل أحد من العلماء بتحريم التبرع بالدم بحال من الأحوال، وتعويضه في الجسم يستوجب بعض الوقت.
وهكذا يصل بنا الحديث إلى معالجة هذا الموضوع على ضوء القواعد الفقهية كما ذكرنا في مطلع البحث. وهذه القاعدة تعرف (بجلب المصالح ودرء المفاسد) .
ولا يخلو أي تصرف يقوم به الإنسان لتحقيق مصلحة ما إلا بمفسدة.. وذلك أن شرب الماء مصلحة لحياة البدن، وفي ذلك استهلاك للماء ... وكذلك الشأن في الطعام واللباس وذبح الحيوان ... بل ومشروعية الجهاد في سبيل الله ... وكذلك مشروعية القصاص، والذي من شأنه قتل الجاني أو بتر عضو من أعضائه؛ كقطع يد أو رجل، وعلى الرغم من ذلك وصف تعالى هذا التصرف بالحياة. قال تعالى سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة: 179] وفقهاء المسلمين قالوا في هذا المجال: (جلب المصالح مقدم على درء المفاسد) .(4/269)
قال الشاطبي: لما كانت المصالح الدنيوية لا يتخلص كونها مصالح محضة، وإنما تنمو على مقتضى ما غلب، فإن كانت المصلحة هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتبار فهي مقصودة شرعاً، ولتحصيلها وقع الطلب على العباد. (اهـ الموافقات: 1/ 27) وقريب من ذلك ما ذكره العز بن عبد السلام في قواعده؛ حيث قال: وما يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه كقطع اليد المتآكلة حفظاً للروح إذا كان الغالب السلامة فإنه يجوز قطعها (قواعد الأحكام: جـ1/ 92)
وهكذا كان الحكم صراحة في جواز قطع عضو إنسان لضمان استمرار سلامة سائر البدن، ونظيره شق جوف المرأة عن الجنين المرجو حياته؛ لأن حفظ حياة الجنين أعظم مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه. (القواعد: 1/102) .
فالمصلحة ما دامت هي المقصودة من التصرف لا تمنع بمجرد وقوع المفسدة ما دام أن المصلحة هي الراجحة، وهذا ما لا يخفى على عاقل.
ويقول العز بن عبد السلام: (وربما كانت أسباب المصالح مفاسد، فيؤمر بها ... لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح الحقيقة) (القواعد ج1/14) .
والشريعة الإسلامية إنما تهدف بالجملة إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وحيثما تكون المصلحة راجحة فثمة شرع الله، هذا والنفس البشرية معصومة ومحترمة، لذلك تعلق بها حق الله تعالى حتى لا يبلغ بها أصحابها في وقت من الأوقات أو في بلد من البلدان إلى مرتبة السلعة تباع وتشترى ولا يخفى ما في ذلك من إهدار لآدمية الإنسان وهدم لبنيان الرب كما جاء في الأثر: (الجسم بنيان الرب ملعون من هدمه) أي: ظلماً وعدواناً من غير وجه حق ... ومما تقدم نخلص إلى القول بأن الإيصاء بعضو من الأعضاء في حال الحياة على أن يفصل من الموصي بعد الوفاة لينتفع به آخر تتوقف حياته على ... أو يحول دون فقدان حاسة من حواسه كالعين أو سواها لا نرى أن قواعد الشريعة تحول دون مشروعيته والله أعلم. على أن يكون المتبرع كامل الأهلية، وإن كان في هذا التصرف انتهاك لحرمة الجسم بعد الموت، ولا يخفى ما في ذلك من مفسدة ظاهرة، لكن المصلحة المترتبة عليه من زرع ذلك العضو في جسم إنسان آخر واستمرار أدائه وظيفته التي خلق من أجلها مصلحة راجحة.(4/270)
وإن مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة أصدر قراره بهذا الشأن في جلسته المنعقدة بتاريخ 7 جمادى الأولى سنة 1405 هـ28 كانون الثاني 1985 ونصه ما يلي
أولاً:
إن أخذ عضو من جسم إنسان حي، وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته، أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية هو عمل لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية بالنسبة للمأخوذ منه، كما أن فيه مصلحة كبيرة وإعانة خيرة للمزروع فيه، وهو عمل مشروع وحميد إذا توافرت فيه الشرائط التالية:
1) أن لا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضرراً يخل بحياته العادية؛ لأن القاعدة الشرعية أن الضرر لا يزال بضرر مثله ولا بأشد منه ولأن التبرع حينئذ يكون من قبيل الإلقاء بالنفس إلى التهلكة وهو أمر غير جائز شرعاً.
2) أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع دون إكراه.
3) أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض المضطر.
4) أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققاً في العادة غالباً.
ثانياً:
تعتبر جائزة شرعاً بطريق الأولوية الحالات التالية:
1) أخذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان آخر مضطر إليه.
بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفاً وقد أذن بذلك حالة حياته.
2) أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقاً، أو غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه.
3) أخذ جزء من جسم الإنسان لزرعه أو الترقيع به في جسمه نفسه، كآخذ قطعة من جلده أو عظمه لترقيع ناحية أخرى من جسمه بها عند الحاجة إلى ذلك.
4) وضع قطعة صناعية من معادن أو مواد أخرى في جسم الإنسان لعلاج حالة مرضية فيه؛ كالمفاصل وصمام القلب وغيرهما، فكل هذه الحالات الأربع يرى المجلس جوازها شرعاً بالشروط السابقة.
بيروت في 29 رجب 1407
الموافق 19 آذار 1987
الشيخ خليل محيي الدين الميس(4/271)
انتفاع الإنسان بأعضاء
جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً
إعداد
الدكتور عبد السلام داود العبّادي
ممثل المملكة الأردنية الهاشمية في المجْمَع، ونائب رئيس المجْمَع
بسم الله الرحمن الرحيم
أحمدك ربي وأصلي وأسلم على رسولك الكريم، المبعوث رحمة للعالمين، وعلى آله وصحبه ومن سار على هديه والتزم بشرعه إلى يوم الدين ـ وبعد:
فإن قضية انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً من القضايا المستحدثة بصفة عامة، وإن كان لها بعض النظائر الفقهية السابقة. وقد اهتم ببيان حكم الشريعة الإسلامية فيها عدد من الفقهاء المحدثين، وقد أصدرت عدد من اللجان والمجالس وجهات الإفتاء في العالم الإسلامي فتاوى فيها.. والواقع أن هذه القضية من الأهمية بمكان بعد أن أبرز التقدم الطبي الحاجة الماسة إليها، وضرورة بلورة النظر الفقهي فيها، بل متابعة ما يستجد فيها من صور جزئية وملابسات وتفصيلات دقيقة.. فقد كان الأمر في إطار محدود يتعلق بالاستفادة من بعض الأعضاء وبعد وفاة الإنسان العادية، مثل الاستفادة من قرنيات العيون أو الاستفادة من بعض الأعضاء في الإنسان الحي له نفسه أو لغيره؛ كالاستفادة من الدم والجلد، ثم تتابع االتقدم الطبي يثير قضايا الاستفادة من أعضاء أساسية كثيرة في الإنسان كالقلب والكلى ويثير قضايا موت الدماغ والتفريق بينه وبين الموت العادي، بل دخلت على هذا الموضوع اعتبارات جديدة غير ذلك تتعلق بنقل الخصية والمبيض وما يترتب عليه من اختلاط في الأنساب وتداخل في النسل.
كل ذلك دفع العلماء لاستمرار النظر في هذا الموضوع ومتابعته بالبحث والدراسة. وإن في تصدي مجمع الفقه الإسلامي لدراسة هذا الموضوع وبيان حكم الشريعة الإسلامية فيه محاولة جادة في هذا المجال لها وزنها العلمي؛ نظراً لما يتمتع به المجمع من مكانة وصفات على مستوى العالم الإسلامي تجعله يقدم صورة من أفضل صور الاجتهاد الجماعي المعاصر أمام القضايا الحادثة.. نسأل الله سبحانه وتعالى له العون والتوفيق.
وقد كان قرار المجمع في دورته الثالثة في عمان بخصوص موت الدماغ مما يكمل االبحث في هذا الموضوع ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً.(4/272)
1- والواقع أن معالجة هذه القضية تحتاج إلى نظر فقهي يقوم على ملاحظة جملة من المبادئ والقواعد والأصول الشرعية التي يمكن إيجازها فيما يلي:
أ - كرامة الإنسان واحترام شخصه وعدم جواز انتهاك حرمته حياً أو ميتاً في الشريعة الإسلامية.. قال تعالى: {ولقد كرمنا بني آدم ... } (1) وقال سبحانه: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم} (2) . وقال صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) (3) وقال صلى الله عليه وسلم: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) (4) ونهى صلى الله عليه وسلم عن المثلة.. ومما يرتبط بهذا المبدأ عدم جواز المتاجرة بأعضاء الإنسان، والبعد به عن كل ما يؤدي إلى التشويه والمثلة.
ب - المحافظة على حياة الإنسان والتنديد بكل ما يضره ويؤذيه، وترتيب الأجزية الرادعة على كل عدوان عليه بقتله أو إتلاف عضو من أعضائه مما هو معروف في أحكام القصاص والديات.
وإن مما ينسجم مع هذا المبدأ جواز الانتفاع بعضو الإنسان الآخر إذا كان ذلك يحفظ حياة المنتفع دون أن يضر بالمنتفع منه، وإن ذلك لا يجوز في حالة الإضرار بالمنتفع منه أو تسبيب هلاكه.. لأن حق الحياة في الناس في نظر الشريعة واحد، والضرر لا يزال بمثله، ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح.
ج- حث الشريعة الإسلامية على التداوي ودعوتها إليه، وبيانها أن الكل داء دواء، وما على الإنسان إلا أن يبحث وينقب ليكتشف المرض والعلاج. والأحاديث النبوية في ذلك معروفة.
__________
(1) الإسراء: 70
(2) التين: 4
(3) أخرجة البخاري ومسلم.
(4) أخرجه أبوداود والنسائي وغيرهما.(4/273)
د- أن من أهداف الشريعة ومقاصدها الأساسية في المجتمع الإنساني رعاية المصالح وتحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة. وإن هذه الرعاية للمصالح تقوم على نظر متكامل يقدم الضروريات على الحاجيات على التحسينيات، بل إنه في إطار الضروريات يقيم نسقاً دقيقاً للمفاضلة بين المصالح عندما تتعارض.. فالضرورات تبيح المحظورات والضرورة تقدر بقدرها والحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة إلى غير ذلك مما يعرف بالرجوع إلى مظانه.
هـ - احترام إرادة الإنسان في نفسه وذاته وفي إطار أسرته وأقربائه.. فلابد من موافقة الإنسان أو أولياء أمره على التبرع بعضو من أعضائه، إن كان في حياته أو بعد مماته.. ومما يرتبط بهذا تحديد من هم الأقرباء الذين لهم الموافقة، وما الحكم في حالة مجهولي الهوية والذين لا أهل لهم.. وقد ذهب بعض العلماء أن الإذن معتبر في حالة الحي دون الميت، من منطلق أن مصلحة الأحياء مقدمة على المحافظة على جثث الموتى، وهو نظر يعارض ويناقش من أكثر من زاوية، ومما يرتبط بهذا أيضاً موضوع حكم الاستفادة من أعضاء المحكوم عليهم بالإعدام؛ فقد نص بعض العلماء على جواز الانتفاع بأعضائهم، ولو بدون موافقتهم، ويتعلق بذلك حكم تبرع الولي بأعضاء من هو تحت ولايته، فهو لا يجوز لأن هذا الإذن لم يلاق محله ولم يتوافر فيه شرطه، فتصرف الولي على من تحت ولايته في الأمور النافعة أو الدائرة بين النفع والضرر، أما ما هو ضار به فلا يجوز، وعلى هذا يجوز التبرع بالدم إذا ثبت أنه لا يضره، أما التبرع بإحدى كليتي ابنه فلا يجوز.(4/274)
3- ومن المسائل التي بحثها الفقهاء السابقون في هذا المجال مما يتعلق بهذه القضية:
أ - حكم التناول من جثة الآدمي إذا لم يجد المضطر غيرها، فقد ذهب العديد من العلماء إلى جواز ذلك لسد الرمق وعللوه بأن حرمة االحي أعظم من حرمة الميت.
ب - ونص بعض فقهاء الشافعية وغيرهم على جواز جبر العظم المنكسر بعظم الآدمي إذا لم يجد ما يصلح لذلك ولو كان من حيوان نجس نجاسة مغلظة.
ج- ومما يذكره بعض الباحثين في هذا المجال ما نقلته كتب السيرة من ((أن قتادة بن النعمان رضي الله عنه أصيبت عينه يوم بدر، وفي رواية يوم أحد فندرت حدقته، فأخذها في راحته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فأخذها النبي صلى الله عليه وسلم، وأعادها إلى موضعها فكانت أحسن عينيه وأحدّها بصراً.))
فهم يذكرون أن هذا وإن كان من معجزاته عليه السلام إلا أن فيه زرعاً للعين أو إعادة زرع لها.
وواضح أن هذا ليس مما نحن فيه من حيث بيان الحكم الشرعي للانتفاع بأعضاء جسم الإنسان.
وقد كانت لجنة الإفتاء في المملكة الأردنية الهاشمية قد عالجت موضوع انتفاع إنسان بأعضاء إنسان آخر حياً أو ميتاً في فتوى أقرتها بتاريخ 20 جمادى الأولى سنة 1397 هـ الموافق 18/5/1977م.. وقد كانت اللجنة تتكون في تلك الفترة من كل من الشيخ محمد عبده هاشم، والشيخ محمد أبو سردانه، والدكتور عبد السلام العبادي، والدكتور إبراهيم زيد الكيلاني، والدكتور ياسين درادكة، والشيخ عز الدين الخطيب، والشيخ أسعد بيوض التميمي.(4/275)
وفيما يلي نص الفتوى:
السؤال /
ما رأي الدين في تشريح الميت، وفي نقل عضو من أعضاء حي أو ميت، إلى إنسان حي، لحفظ حياته أو سلامة أعضائه، ونقل الدم من إنسان حي إلى آخر.
الجواب /
هذه المسائل من الحوادث المستجدة التي لم تكن معروفة في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومن بعده من سلفنا الصالح، ولذا لم ينقل عنهم لها ولا لأمثالها حكم خاص بها، فليس هناك نص خاص من كتاب أو سنة يجيز نقل أعضاء الميت إلى شخص آخر حي لينتفع بذلك أو يمنع منه، وإنما يؤخذ حكمها من عموميات القواعد والأدلة الشرعية. والذي تراه لجنة الفتوى في المملكة الأردنية الهاشمية، أن التشريح ونقل الأعضاء ونقل الدم بالشكل الوارد في السؤال من الأمور الجائزة شرعاً، ويستدل على هذا:
أولا:
إن حفظ الكليات الخمس واجب شرعاً عند العلماء، ومن ذلك حفظ النفس بإنقاذ حياة مسلم أو سلامة عضو من أعضائه بنقله من حي أو ميت.
ثانيا:
ويستدل بروح الشريعة وقواعدها العامة التي تقول: (الضرورات تبيح المحظورات) (والضرورة تقدر بقدرها) ، (وللضرورة أحكام) ، (وإذا ضاق الأمر اتسع) ، (والمشقة توجب التيسير) ، (ولا ينكر ارتكاب أخف الضررين) .
ثالثاً:
ويستدل كذلك بما كتبه الفقهاء المتقدمون والمتأخرون في إجازتهم تشريح الميت للكشف عن جريمة قتل أو لمعرفة أسباب مرض ما؛ ليتمكن الأطباء من معالجة ذلك المرض في الأحياء أو ما إلى ذلك من الصور والأمثلة التي يتحقق فيها الصالح العام أو الخاص للمسلمين، فقد أفتى فقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة بإجازة تشريح امرأة ميتة لإخراج مولودها الحي من بطنها أو لإخراج مال ابتلعه الميت ... إلى غير ذلك من المسائل التي ذكروها في كتبهم المعتمدة، فإذا أجاز العلماء التشريح لإخراج مال ابتلعه الميت، وقدر هذا المال بمقدار نصاب قطع يد السارق، وهو ربع دينار أي ثلاثة دراهم، فمن باب أولى أن يجاز التشريح هنا لصيانة نفس أو لإنقاذ حياة أو لسلامة عضو أو كشف لجريمة.(4/276)
وفيما يلي نصوص الفقهاء في ذلك:
أ- جاء في كتاب رد المحتار على الدر المختار، وهو من كتب الحنفية المعتمدة: (حامل ماتت وولدها حي يضارب- أي في بطنها- يشق بطنها من الأيسر ويخرج ولدها. ولو بالعكس، وخيف على الأم (أي من الهلاك) قطع- أي الجنين ـوأخرج لو ميتاً. ولو بلغ مال غيره ومات هل يشق أم لا؟ قولان: الأول: نعم ـ رد المحتار على الدر المختار: جـ (1) ص (602) .
ب- وجاء في متن خليل من كتب المالكية في كتاب الجنائز قوله: (وبقر عن مال كثر، ولو ثبت بالبينة أو بشاهد ويمين) وقال الخرشي في شرحه والحطاب: جـ2 آخر كتاب الجنائز (البقر عبارة عن شق جوف الميت) يعني أن من ابتلع مالا له أو لغيره ثم مات، فإنه يشق جوفه فيخرج منه إن كان له قدر وبال بأن يكون نصاباً، أي كنصاب الزكاة، وقيل: كنصاب السرقة أي ربع دينار، وهو ما يساوي ثلاثة دراهم. ثم أورد مسألة شق بطن الحامل في هذه الحال وبقية أئمة المالكية قد أجازوا ذلك.
جـ- وجاء في المهذب في كتاب الجنائز: جـ1 ص 138 وهو من كتب الشافعية المعتمدة قوله: (وان ابتلع الميت جوهرة لغيره وطالب بها صاحبها شق جوفه وردت الجوهرة) . وقوله: وإن ماتت امرأة وفي جوفها جنين حي شق جوفها؛ لأنه استبقاء حي بإتلاف جزء من الميت فأشبه إذا اضطر لأكل جزء من الميت) .
د- وقال صاحب المغني موفق الدين بن قدامة الحنبلي: (وإن بلع الميت مالا فإن كان يسيراً ترك، وإن كثرت قيمته شق بطنه وأخرج؛ لأن فيه حفظ المال من الضياع ونفع الورثة الذين تعلق حقهم بماله بمرضه) أي بمرض موته ـ انتهى المغني: جـ2 صفحة 459.(4/277)
ولا يقال: إن هناك أدلة تعارض جواز تشريح جثة الميت أو نقل عضو من أعضائه لحي ينتفع، بحجة أن الشريعة الإسلامية كرمت الآدمي وحثت على إكرامه وأمرت بعدم إيذائه؛ لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} إلى آخر الآية 70 من سورة الإسراء، وقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو داود على شرط مسلم والنسائي عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها بسند صحيح: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) ، يعني في الحرمة، وقوله أيضاً فيما أخرجه ابن أبي شيبة عن ابن مسعود قال: ((أذى المؤمن في موته كأذاه في حياته)) ؛ إذ إن المقصود من الآية والحديثين هو تكريم الميت وعدم إهانته أو التمثيل به. كما يدل على ذلك سبب ورود حديث النهي عن كسر عظم الميت، فإن النبي صلى الله عليه وسلم رأى حفاراً يكسر عظماً لميت بلا سبب مشروع فقال له: ((كسر عظم الميت ككسر عظم الحي)) . أما ما نحن بصدده فلا يقصد به الإهانة، وإنما يقصد به إنقاذ حياة إنسان أو سلامة عضوه، وهذا المقصود يحمل معنى تكريم الإنسان، لا إهانته، وبهذا الفهم الواعي أجاز العلماء السابقون تشريح جثة الميت لغرض مشروع؛ كإخراج مال ابتلعه الميت أو إخراج مولود حي من جوف امرأة ماتت.
هذا وإن لجنة الفتوى تنبه إلى أن جواز النقل أو التشريح يجب أن يكون مقيداً بالشروط الآتية، وذلك لحفظ كرامة الميت ولئلا يتخذ للعبث والإهانة:
1- أن تكون هناك موافقة خطية من المتبرع في حياته ثم موافقة أحد أبويه أو وليه بعد وفاته، أو موافقة ولي الأمر المسلم إذا كان المتوفى مجهول الهوية.
2- أن يكون المتبرع له محتاجاً أو مضطراً إلى العضو المتبرع به، وأن تتوقف حياة المنقول له على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة أحد أجهزة الجسم عليه، وذلك بتقرير من لجنة طبية موثوقة في دينها وعلمها وخبرتها.
3- إن كان المنقول منه العضو أو الدم حيّا فيشترط ألا يقع النقل على عضو أساسي للحياة، إذا كان هذا النقل قد يؤدي لوفاة المتبرع، ولو كان ذلك بموافقته.
4- ألا يحدث النقل تشويها في جثة المتبرع.
5- لا يجوز أن يتم التبرع مقابل بدل مادي أو بقصد الربح.
هذا وإن اللجنة تذكر بأنه لابد من الاحتياط والحذر في ذلك (أي في التشريح أو نقل الأعضاء من حي إلى حي، أو من ميت إلى حي، أو نقل الدم من حي إلى آخر) حتى لا يتوسع فيه الناس بلا مبالاة، وليقتصر فيه على قدر الضرورة؛ إذ هي علة الحكم الذي يدور معها وجوداً وعدماً وليتّق الله الأطباء الذين يتولون ذلك وليعلموا أن الناقد بصير والمهيمن قدير والله يتولى هداية الجميع.(4/278)
لجنة الإفتاء
وعلى ضوء هذه الفتوى وبالتنسيق مع لجنة الإفتاء صدر في الأردن قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان رقم 23 لسنة 1977م ... ثم صدر قانون معدل له سنة 1980، وفيما يلي النص الكامل لهذين القانونين اللذين جاءا ملتزمين بنص الفتوى وبحيث يقدمان صورة متكاملة من المعالجة التشريعية الدقيقة لهذا الموضوع وفق أحكام الشريعة الإسلامية.
عن الحسين الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية
بمقتضى الفقرة (1) للمادة (94) من الدستور
وبناء على ما قرره مجلس الوزراء بتاريخ 24/4/1977
نصادق بمقتضى المادة (31) من الدستور على القانون المؤقت الآتي ونأمر بإصداره ووضعه موضع التنفيذ المؤقت وإضافته إلى قوانين الدولة على أساس عرضه على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده:
قانون مؤقت رقم (23) لسنة 1977
قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان
المادة 1
يسمى هذا القانون (قانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان لسنة 1977) ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية.
المادة 2
تكون للألفاظ والعبارات الواردة في هذا القانون المعاني المحددة أدناه إلا إذا دلت القرينة على غير ذلك:
الطبيب الاختصاصي: هو الطبيب المعترف به اختصاصياً بمقتضى القوانين والأنظمة المعمول بها.
المستشفى: أي مستشفى مرخص في المملكة الأردنية الهاشمية.
العضو: أي عضو من أعضاء جسم الإنسان أو جزء منه.
نقل العضو: نزعه أو إزالته من جسم إنسان حي أو ميت حسب مقتضى الحال وتثبيته أو غرسه في جسم إنسان حي آخر.
المادة 3:
لا يجوز إجراء عمليات على الأعضاء إلا في مستشفى يوافق عليه وزير الصحة.
المادة 4:
أ- للأطباء الاختصاصيين في المستشفيات نقل العضو من إنسان حي إلى آخر بحاجة إليه وفقا للشروط التالية:
1- أن لا يقع النقل على عضو أساسي للحياة إذا كان هذا النقل قد يؤدي لوفاة المتبرع ولو كان ذلك بموافقته.
2- أن تقوم لجنة مؤلفة من ثلاث أطباء اختصاصيين بفحص المتبرع وتقرير أن نقل العضو من جسمه لا يشكل خطراً على حياته.
3- أن يوافق المتبرع خطيا وهو بكامل إرادته وأهليته على نقل العضو من جسمه، وذلك قبل إجراء عملية النقل.
ب- لا يجوز أن يتم التبرع بالعضو مقابل بدل مادي أو بقصد الربح.(4/279)
المادة 5:
للأطباء الاختصاصيين في المستشفيات التي يوافق عليها وزير الصحة نقل العضو من جسم إنسان ميت إلى جسم إنسان آخر حي يكون بحاجة لذلك العضو في أي من الحالات التالية:
أ - إذا كان المتوفى قد أوصى قبل وفاته بالنقل بإقرار خطي ثابت التوقيع والتاريخ بصورة قانونية.
ب - إذا وافق أحد أبوي المتوفى في حالة وجودهما على النقل أو وافق عليه الولي الشرعي في حالة عدم وجود الأبوين.
جـ- إذا كان المتوفى مجهول الهوية ولم يطالب أحد بجثته خلال (24) ساعة بعد الوفاة على أن يتم النقل في هذه الحالة بموافقة المدعي العام.
المادة 6:
للأطباء الاختصاصيين في المستشفيات التي يوافق عليها وزير الصحة فتح جثة المتوفى ونزع أي من أعضائها إذا تبين أن هناك ضرورة علمية لذلك على أن يكون المتوفى قد وافق على ذلك خطيا بصورة قانونية صحيحة قبل وفاته، أو بموافقة وليه الشرعي بعد الوفاة.
المادة 7:
لا يجوز أن يؤدي نقل العضو في أية حالة من الحالات إلى إحداث تشويه ظاهر في جثة المتوفى.
المادة8:
لا يجوز فتح الجثة لأي غرض من الأغراض المنصوص عليها في هذا القانون إلا بعد التأكد من الوفاة بتقرير طبي، ويشترط في ذلك أن يكون الطبيب الذي يقرر الوفاة هو غير الطبيب الاختصاصي الذي يقوم بعملية النقل.
المادة 9:
تلغى أحكام أي قانون أو تشريع آخر إلى المدى الذي تتعارض فيه مع أحكام هذا القانون.
المادة 10:
لمجلس الوزراء إصدار الأنظمة اللازمة لتنفيذ أحكام هذا القانون.(4/280)
المادة 11:
رئيس الوزراء والوزراء المختصون مكلفون بتنفيذ أحكام هذا القانون.
الحسين بن طلال
في 24/4/1977
وزير العمل: عصام العجلوني.
رئيس الوزراء ووزير الخارجية والدفاع: مضر بدران.
وزير المواصلات ووزير الصحة بالوكالة عبد الرؤوف الروابدة.
وزير المالية: محمد الدباس.
وزير الإنشاء والتعمير ووزير دولة للشؤون الخارجية: حسن إبراهيم.
وزير النقل: علي سحيمات.
وزير السياحة والآثار: غالب بركات.
وزير الداخلية: سليمان عرار.
وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية: كامل الشريف.
وزير الصناعة والتجارة: نجم الدين الدجاني.
وزير العدل: أحمد عبد الكريم الطراونه.
وزير الشؤون البلدية والقروية: إبراهيم أيوب.
وزير التموين ووزير الزراعة بالوكالة: مروان القاسم.
وزير الأشغال العامة: سعيد بينو.
وزير التربية والتعليم ووزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء: د. عبد السلام المجالي.
وزير الثقافة والشباب ووزير الإعلام بالوكالة: الشريف فواز شرف.
نحن الحسين الأول ملك المملكة الأردنية الهاشمية
بمقتضى الفقرة (1) للمادة (94) من الدستور
وبناء على ما قرره مجلس الوزراء بتاريخ 20/7/1980
نصادق بمقتضى المادة (31) من الدستور على القانون المؤقت الآتي ونأمر بإصداره ووضعه موضع التنفيذ المؤقت، وإضافته إلى قوانين الدولة على أساس عرضه على مجلس الأمة في أول اجتماع يعقده.(4/281)
قانون مؤقت رقم (17) لسنة 1980
قانون معدل لقانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان
المادة 1-
يسمى هذا القانون (قانون معدل لقانون الانتفاع بأعضاء جسم الإنسان لسنة 1980) ويقرأ مع القانون رقم (23) لسنة 1977 المشار إليه فيما يلي بالقانون الأصلي كقانون واحد، ويعمل به من تاريخ نشره في الجريدة الرسمية:
المادة 2-
يلغى نص المادة (4) من القانون الأصلي ويستعاض عنه بالنص التالي:
أ- للأطباء الاختصاصيين في المستشفيات المعتمدة من الوزير نقل العضو من إنسان حي إلى آخر بحاجة إليه وفقاً للشروط التالية:-
1- أن لا يقع النقل على عضو أساسي للحياة إذا كان هذا النقل قد يؤدي لوفاة المتبرع ولو كان ذلك بموافقته.
2- أن تقوم لجنة مؤلفة من ثلاثة أطباء اختصاصيين بفحص المتبرع للتأكد من أن نقل العضو من جسمه لا يشكل خطراً على حياته. وتقديم تقرير بذلك.
3- أن يوافق المتبرع خطياً.. وهو بكامل إرادته وأهليته على نقل العضو من جسمه وذلك قبل إجراء عملية النقل.
ب- إذا قرر الطبيب الشرعي تشريح جثة المتوفى لأغراض قانونية لمعرفة سبب الوفاة أو لاكتشاف جريمة فإنه يسمح له بنزع القرنية منها. وذلك وفقاً للشروط التالية:
1- أن لا يؤثر نزعها على معرفة سبب الوفاة، ولو بعد حين.
2- أن تؤخذ موافقة ولي أمر المتوفى خطياً ودون إكراه.
جـ- لا يجوز أن يتم التبرع بالعضو مقابل بدل مادي أو بقصد الربح.
المادة 3:
يلغى نص المادة (7) من القانون الأصلي ويستعاض عنه بالنص التالي:(4/282)
المادة 7:
لا يجوز أن يؤدي نقل العضو في أية حالة من الحالات إلى إحداث تشويه ظاهر في الجثة يكون فيها امتهان لحرمة المتوفى.
20/7/1980 الحسين بن طلال
وزير العمل ووزير الإنشاء والتعمير ووزير التنمية الاجتماعية بالوكالة: عمر النابلسي.
رئيس الوزراء ووزير الدفاع: د. قاسم الريماوي.
وزير المواصلات: د. محمد عضوب الزبن.
وزير السياحة والآثار: موفق الفواز.
وزير الصناعة والتجارة: المهندس علي النسور.
رئاسة الوزراء: سليمان عرار.
وزير العدل: نجيب إرشيدات.
وزير الصحة: د. زهير ملحس.
وزير التربية والتعليم: محمد نوري شفيق.
وزير التموين: د. جواد العناني.
وزير الخارجية: مروان القاسم.
وزير الأشغال العامة: معن أبو نوار.
وزير الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية: كامل الشريف.
وزير المالية: سالم مساعده.
وزير دولة: حسن إبراهيم.
وزير الإعلام ووزير الثقافة والشباب بالوكالة: د. سعيد التل.
وزير دولة لشؤون رئاسة الوزراء ووزير العمل: المهندس علي السحيمات.
وزير الشؤون البلدية والقروية والبناء: د. جمال الشاعر.
وفي سنة 1984 أصدرت لجنة الإفتاء في المملكة الأردنية الهاشمية فتوى حول حكم الشريعة الإسلامية في التبرع بقرنية العين فيما يلي نص الفتوى:(4/283)
حكم الشريعة في التبرع بقرنية العين
ورد إلى دائرة الإفتاء سؤال موجه من سمو الأمير رعد بن زيد رئيس جمعية أصدقاء بنك العيون الأردني والوقاية من فقدان البصر لإبداء الرأي عن حكم تبرع المواطنين بقرنيات عيونهم بعد الوفاة لزرعها عند بعض المواطنين الكفيفي البصر.
الجواب:
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله وبعد:
فإن قواعد الشريعة الإسلامية تبيح الاستفادة من قرنيات عيون الموتى لزرعها في عيون كفيفي البصر أو المهددين بالعمى، وذلك ضمن الشروط التالية:-
1- التحقق من وفاة المتبرع.
2- أن يكون هناك ظن غالب لدى الأطباء بنجاح عملية الزرع.
3- أن يكون الميت قد تبرع قبل موته بقرنية أو رضي الورثة بذلك.
ومن الأدلة الشرعية المؤيدة لجواز الأمر:
أولا: إن نقل الأعضاء من الأموات إلى الأحياء فيه حفظ للنفوس التي جاءت الشريعة الإسلامية بوجوب المحافظة عليها.
ثانياً: لاشك أن العمى أو فقد البصر ضرر يلحق بالإنسان ودفع هذا البصر ضرورة شرعية تبيح نقل قرنيات عيون الأموات إلى عيون الأحياء، وهذا يندرج تحت القواعد المتفق عليها مثل:
(الضرورات تبيح المحظورات) و (الضرورة تقدر بقدرها) (لا ينكر ارتكاب أخف الضررين)
ثالثاًً: إن أخذ قرنية الميت لزرعها في عين إنسان حي لاستعادة بصره لا يعد من قبيل المثلة لأن المثلة التي نهى عنها النبي صلى الله عليه وسلم، هي التي يقصد بها الاستخفاف بشأنه وانتهاك حرمته.
أما في هذه الحالة فهي تكريم للإنسان المتبرع حيث يفتح له باب الأجر والثواب. وتكريم الإنسان الحي الذي استعاد بصره وأعانه على التمتع بنعمة الله عليه بالبصر وشكرها.
ولهذا ذهب الفقهاء إلى جواز شق بطن الأنثى الحامل التي ماتت وذلك لإخراج الجنين الذي ترجى حياته، وكذلك جواز شق جوف الميت الذي ابتلع مالا لغيره وقد علل الفقهاء ذلك بقولهم: (إن حرمة الحي وحفظ نفسه أولى من حفظ الميت عن المثلة) . قال تعالى: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ} . فاطر: 22.
رابعاً: دعت الشريعة الإسلامية إلى التداوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله أنزل الداء والدواء، وجعل لكل داء دواء، تداووا، ولا تتداووا بحرام)) . ونقل قرنيات العيون من الأموات إلى الأحياء هو من قبيل التداوي والمعالجة.
خامساً: يدخل التبرع بقرنيات العيون إلى الآخرين المصابين بفقد البصر في مفهوم الصدقة التي حثت الشريعة الإسلامية على بذلها للآخرين من دون الحاجات، وحاجة الأعمى إلى البصر أشد من حاجة الفقير إلى المال، وأشد من حاجته إلى الطعام والشراب، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ومن نفّس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسّر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة، والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه)) . والله أعلم.
التاريخ 11/7/1404 هـ
الموافق 11/4/1984م لجنة الإفتاء(4/284)
انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً أو ميتاً
إعداد
فضيلة الشيخ آدم عبد الله علي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
لقد أكرم الله الإنسان حياً وميتاً، حمله في حياته في البر والبحر ورزقه من الطيبات، قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} الإسراء: 70.
وإذا شكر الإنسان لله على إكرامه وإحسانه وآمن به وبرسله عصمه في نفسه وماله وعرضه، كما قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: ((أُمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله)) ... إلخ.
وشرع الله له ما يصون حياته، وحرم عليه الاعتداء، قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} البقرة: 179. وإذا ألجأته ضرورة إلى تناول شيء مما حرمه الله عليه رفع الله عنه التحريم وأباح له بقدر الضرورة، قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} . البقرة: 173.
لذلك يجوز للمضطر الأكل من الميتة ونحوها صونا لحياته، فالضروريات تبيح المحظورات وتقدر الضرورة بقدرها كما هو المعروف لدى العلماء، والمحرمات إما لذاتها وإما لسد الذريعة وإذا كان التحريم لذاته لا يباح إلا للضرورة، وما حرم لسد الذريعة قد يباح للحاجة والمصلحة كرؤية الطبيب لعورة المريض رجلا كان أو امرآة لأجل التداوي.(4/285)
وفي كتاب مغنى المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج في جزئه الرابع ما يأتي:
وللمضطر أكل آدمي إن لم يجد ميتة غيره؛ لأن حرمة الحي أعظم من حرمة الميت، ويستثنى من ذلك ما إذا كان الميت نبيًا، فإنه لا يجوز الأكل منه جزما كما قاله إبراهيم المروزي وأقره، وأما إذا كان الميت مسلماً والمضطر كافراً، فإنه لا يجوز الأكل منه لشرف الإسلام، وهذا في المذهب الشافعي، ويحرم أكل الآدمي عند مالك وأحمد وأصحاب الظاهر.
وحيث جوزنا أكل ميتة الآدمي المحترم فإنه لا يجوز طبخها ولا شيها؛ لما فيه من هتك حرمته، ويتخير في غيره من أكله نيئاً ومطبوخاً ومشويا، وجوز الإمام النووي قطع الإنسان بعضه لأكله؛ لأنه إتلاف بعض لاستبقاء كله، وقال أبو إسحاق: لأنه إحياء نفس بعضو كما يجوز أن يقطع عضواً إذا وقعت فيه الأكلة لإحياء نفسه، واشترطوا في ذلك فقد الميتة ونحوها، وأن يكون الخوف في قطع بعضه أقل من الخوق في ترك الأكل، ثم يقول النووي: ويحرم قطعه لغيره، أي يحرم قطع بعض نفسه لغيره من المضطرين؛ لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستبقاء الكل، وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي عبارة أوضح يقول في جزئه الثامن ص 145: ويحرم قطعه البعض من نفسه لغيره، ولو مضطرا، ما لم يكن ذلك الغير نبيا فيجب له ذلك، فعلى هذا فليس للإنسان الوصية بقطع بعض أعضائه لغيره المضطر وهو في حياته، فكيف يجوز له أن يوصي بقطع بعض أعضائه بعد موته.(4/286)
وفي المجموع شرح المهذب للنووي في المجلد التاسع منه:
لو أراد المضطر أن يقطع قطعة من نفسه من فخذه أو غيرها ليأكلها فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم القطع بلا خلاف، وصرح به إمام الحرمين وغيره، وإلا ففيه وجهان مشهوران ذكرهما المصنف بدليلهما.
ثم قال: ولا يجوز أن يقطع من أعضائه شيئاً ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف. صرح به إمام الحرمين والأصحاب ـ يعني أصحاب الشافعي.
إن الله سبحانه أكرم الإنسان ميتاً كما أكرمه حياً، قال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} عبس: 17-21. فجعله سبحانه بعد موته مقبوراً، فالواجبُ على المسلمينَ دفن الميت منهم كله لا بعضه، فانتهاكُ حرمة الميت المسلم كانتهاك حرمته حيا، فقد رُوي عن عائشة رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن كسر عظم الميت ككسره حيا)) رواه مالك وأبو داود وابن ماجة.
وقد جوز الفقهاء شق بطن الحامل الميتة لإخراج جنينها الذي يرجى حياته، كما جوزوا بقر بطن الميت إذ كان في بطنه مال ابتلعه في حياته لإخراج المال منه إذا بلغ المال نصاب السرقة أو نصاب الزكاة على خلافهم في قدر المال الذي من أجله يشق بطن الميت، وقال بعض العلماء على ذلك جواز تشريح المجني عليه الذي مات قبل إثبات الجريمة لأجل إثبات الجريمة المتنازع عليها، ورأي الفقه في ذلك ظاهر؛ لأنه تعلق حق الغير، أو إثبات حق الغير بذات شخص معين وكان ميتا فانتهك حرمته لأجل هذا، وأما انتهاك حرمته بقطع بعض أعضائه لجعلها قطع غيار لغيره فليس من قبيل ذلك، فلا أجد في نظري القاصر وجهاً لإباحة ذلك مطلقاً، لا بوصيته حال حياته، ولا بإذن أقاربه بعد موته، وقياس الاضطرار بالمرض على الاضطرار بالجوع غير صحيح لوجود الفرق بينهما. والله أعلم.
الشيخ آدم عبد الله علي(4/287)
انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيّاً أو ميّتاً
إعداد
فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن
مفتي جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسوله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
لقد كرم الله تعالى ابن آدم وفضله على كثير من خلقه ومنحه الخلافة في أرضه وجعل من جنسه الأنبياء والمرسلين والعلماء العاملين وسخر له ما في السموات وما في الأرض وأنزل عليه لباساً يواري سوأتيه في الحياة كما أوجب مواراة جثمانه بعد مماته إلى غير هذه من الفضائل التي ميز الله بها بني الإنسان على من سواهم من مخلوقاته.
قال تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا} الإسراء: 70
وقال جل شأنه: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} الجاثية: 13.
ومقتضى هذا التكريم الذي نوه الله به في كتابه العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه أن تكون أعضاء هذه الشخصية الممتازة محترمة لا تمس بانتهاك حيّاً وميتاً إلا أن للضرورة أحكاما أعظمها أنها تبيح المحظورات.
قال تعالى: {إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} البقرة: 173.
أباح الله سبحانه وتعالى وهو الرؤوف الرحيم للمضطر تناول هذه المحرمات عند فقدان الطعام إبقاء لحياته، ومن جراء ذلك أجاز بعض الفقهاء تناول ميتة آدمي إذا لم يجد المضطر غيرها من المحرمات، قال ابن قدامة في الجزء الثامن من (المغني صحيفة 602) : وإن وجد معصوماً ميتاً لم يبح أكله في قول أصحابنا، وقال الشافعي: وبعض الحنفية يباح، وهو أولى؛ لأن حرمة الحي أعظم.
وقال الإمام النووي في المجلد التاسع من المجموع صحيفة: 33 وإن اضطر ووجد آدمياً ميتاً جاز له أكله لأن حرمة الحي أكبر من حرمة الميت، وفي صحيفة 36 من نفس المجلد قال: قال الماوردي: فإن جوزنا الأكل من الآدمي فلا يجوز أن نأكل منه إلا ما يسد الرمق بلا خلاف. إلى أن قال: ولو وجد ميتة ولحم آدمي أكل الميتة ولم يجز أكل الآدمي سواء كان الميتة خنزيراً أو غيره اهـ.(4/288)
وهذا يدل على أنه لا يجوز الانتفاع بجزء من أعضاء الآدمي إلا إذا لم يقم غيره مقامه، ولو نجاسة مغلظة. وغير خاف أن ما ذكرته خاص بالمضطر إلى تناول لحم الآدمي بالمخمصة، وأما المضطر إلى الانتفاع بأعضاء الآدمي للعلاج فقد قرر بعض من الشافعية جواز جبر العظم المنكسر بعظم الآدمي إذا لم يجد ما يصلح لذلك، ولو نجساً مغلظاً، وقرروا أيضاً أنه لا فرق بين كون العظم من ذكر وأنثى، فقد قال الشيخ عبد الحميد الشرواني في حاشيته على تحفة المحتاج شرح المنهاج: فيجوز للذكر الوصل بعظم الأنثى وعكسه. ثم قال: وينبغي أن لا ينقض وضوءه ووضوء غيره بمسه وإن كان طاهرا ولم تحله الحياة؛ لأن العضو المبان لا ينقض الوضوء بمسه إلا إذا كان من الفرج، وأطلق عليه اسمه اهـ.
وبمثل هذا أفتى فضيلة العلامة الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق بجواز نقل عيون الموتى لمعالجة الأحياء، وقيد الفتوى بقيود يلزم اعتبارها. هذا ولم أقف على جواز الانتفاع بأعضاء الآدمي الحي، بل الذي وقفت عليه في كتب الشافعية عدم جواز ذلك إذا كان اللآدمي معصوماً، قال النووي في المجلد التاسع من المجموع صحيفة: 37: ولا يجوز أن يقطع لنفسه من معصوم غيره بلا خلاف، وليس للغير أن يقطع من أعضائه شيئاً ليدفعه إلى المضطر بلا خلاف. وهذا في رأيي هو الصحيح إن شاء الله لأن في إباحة الانتفاع بجزء من أعضاء الإنسان الميت دفع الضرر عن الإنسان الحي، وحرمة الحي أعظم من حرمة الميت كما تقدم ذكره، وهو - أي الانتفاع بأعضاء الميت - وإن كان فيه هتك لحرمته ليس فيه إيلام ولا إلحاق الضرر به، وأما الانتفاع بأعضاء جسم الحي وإن كان لدفع الضرر عن حي مضطر ففيه انتهاك حرمة صاحب العضو وإلحاق الضرر به، والضرر لا يدفع بالضرر، ولا يقاس ذلك أي الانتفاع بأعضاء الحي على الانتفاع بالدماء التي يتبرع بها الناس اليوم للمرضى فإن الدم سائل من البدن يرجع إليه مثله بلا مشقة ولا يلحق المتبرع به ضرر، ولا شين في البدن غالباً. هذا وبالله التوفيق.
الشيخ محمد عبد الرحمن(4/289)
المناقشة
بسم الله الرحمن الرحيم
الرئيس:
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد.
في هذه الجلسة الثالثة دراسة موضوع انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حياً كان أو ميتاً. هو كما ترون فقد أعد فيه سبعة أبحاث جمعت بين التصور الطبي والتصور الشرعي. ولهذا فإن العرض سيكون من سعادة الطبيب الأستاذ محمد علي البار، ثم من فضيلة الشيخ خليل محيس الدين الميس. وليتفضل الأستاذ محمد علي البار للعرض عن هذا الموضوع. والمقرر هو فضيلة الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي.
الدكتور محمد علي البار:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده وآله ومن والاه، أما بعد، فإن موضوع غرس الأعضاء موضوع حساس لأنه يتصل بالأحياء والأموات. وأدى التقدم الطبي المذهل في العشرين عاماً الماضية إلى فتح آفاق جديدة لم تكن متوقعة من قبل، ومع هذا فقد بحث الفقهاء الأجلاء هذا الموضوع بشكل من الأشكال منذ عهود بعيدة عندما قام الأطباء الأقدمون بتوصيل العظام المكسورة بعظام الأموات من بني البشر أو بعظام الحيوانات. وقد أباح الفقهاء الأقدمون استخدامها بشروط، أهمها:
أن يكون ذلك شرطاً لحصول الشفاء والبرء، أو تعجيله.
وأن يكون ذلك بحسب قدرة الطبيب الثقة العدل.
ويقصد من غرس الأعضاء نقل عضو سليم أو مجموعة من الأنسجة من متبرع حي أو ميت إلى شخص مستقبل ليقوم مقام العضو أو النسيج التالف.(4/290)
وتقسم أنواع الغرائس إلى غرائس ذاتية، وهي التي تؤخذ من ذات الشخص وتعاد إليه. وأهم أمثلتها: نقل الجلد من مكان إلى آخر من المصاب، ونقل الغضاريف أو بعض العظام من ذات الشخص إلى مكان آخر، والاحتفاظ بدم الشخص وأخذه في حال الصحة، واستخدامه عند الحاجة كعملية جراحية مثلا.
النوع الثاني: غرائس متماثلة. ومثالها أن ينقل العضو أو النسيج من أخ لأخيه التوأم المتماثل. والتوائم المتماثلة هي التي نتجت عن بويضة واحدة ملقحة ثم انقسمت بعد ذلك إلى قسمين، أنتج كل منهما جنيناً. وكلا هذين النوعين لا يحتاج إلى عقاقير مضادة للمناعة.
الغرائس المتباينة: وهي الغرائس التي تؤخذ من أشخاص مختلفين من جنس واحد، ومثالها من إنسان لإنسان أو حيوان لحيوان آخر من نفس الفصيلة. وهذا النوع هو الأكثر انتشارا. وقد يكون المتبرع حياً أو ميتاً. وكلاهما يتعرض لرفض الجسم المستقبل للغريسة. ولذا لابد من إعطاء عقاقير خفض المناعة وتثبيطها.
الغرائس الدخيلة: وهي الغرائس المنقولة بين جنسين مختلفين، كأن يعطى إنسان قلب قرد أو كلب أو خنزير أو غير ذلك، وهذا يتعرض في الغالب للرفض الشديد. ولم يستخدم هذا النوع من الغرائس بنجاح إلا في غرس العظام؛ لأن رفض الجسم لها بطيء. ويعمل العظم الميت كسقالة يبنى عليها عظم جديد.
الأعضاء والأنسجة التي تزرع وتغرس: هناك العديد من الأنسجة والأعضاء التي تغرس أو تنقل من شخص إلى آخر. وبعض أنواع هذا النقل بدأ منذ بضعة قرون، ولكنه لم يأخذ شكله المعروف إلا في القرن العشرين.
وأولها: نقل الدم، ويعتبر اليوم هذا إجراء روتينياً، ويستخدم في كافة أنحاء العالم. ولا شك أن الدم عضو، وينقل من شخص إلى آخر. وقد أمكن بواسطة نقل الدم إنقاذ ملايين البشر على مدى نصف القرن الذي انتشر فيه هذا الإجراء.(4/291)
وقد أباح الفقهاء المسلمون حسب علمي هذا الإجراء، ولم يعترض عليه أحد لما فيه من منافع جمة.
غرس الجلد: وهو إجراء أيضاً واسع الانتشار، وعادة ما يكون غرساً ذاتياً. ولا يسبب أي مشاكل، وحتى في الحالات التي يؤخذ فيها الجلد من متبرع حي أو من ميت، فإن الشخص المستقبل يستفيد من ذلك الجلد قبل أن يلفظه جهاز المناعة.
غرس الكلى: وهو إجراء انتشر مؤخراً في كثير من بلدان العالم. وقد تم نقل ما يقارب من 500 كلية في المملكة العربية السعودية وخارجها لمواطنين ومقيمين فيها. ويتعرض المصاب بالفشل الكلوي لخطر فقد حياته. وهناك إجراءان لإنقاذه:
الأول:- عملية الديلزة (الغسيل الكلوي) : وهي عملية مرهقة للمريض. ولكنه يمكن أن يستمر في استخدامها سنين طويلة قد تبلغ عشرات السنين، ويتمكن خلالها من حياة معقولة على ما فيها من منغصات كثيرة.
الثاني:- عملية نقل الكلية: وهذه العملية مريحة للمريض إذا نجحت، وتبلغ نسبة النجاح في معظم المراكز 85 بالمائة في السنة الأولى، ثم تفشل 5 بالمائة من الحالات سنوياً. ويحتاج الشخص المستقبل إلى استخدام عقاقير خفض المناعة، وهذه العقاقير بالغة التكلفة في الوقت الراهن، ولها مضاعفات عديدة، مثل حدوث أنواع من السرطان، وحدوث إنتانات بسبب ضعف المناعة. ولكن هذه المساوئ على أهميتها وخطورتها نادرة نسبياً، وتحتمل في سبيل المصلحة الراجحة من استخدامها.(4/292)
إن قياس كلفة عمل زرع الكلى حوالي 30.000 دولاراً، وتكاليف العلاج السنوي قد تزيد عن تكاليف عملية الديلزة. ولكن نوع الحياة التي يعيشها شخص زرعت له الكلى أفضل بدون شك من شخص يقوم بعملية الديلزة مرتين أو ثلاثاً كل أسبوع. وإذا علمنا من إحصائيات عام 1986 أنه قد تم إجراء 113863 عملية ديلزة في المملكة العربية السعودية خلال ذلك العام، أدركنا مدى الحاجة إلى توفير عدد كبير من الكلى لأولئك الأشخاص الذين يحتاجونها. فمريض الفشل الكلوي يحتاج إلى إجراء 150 عملية ديلزة كل عام تقريباً. وهو أمر مكلف للدولة، ومرهق للمريض في نفس الوقت.
ويمكن أن يتم غرس الكلى من متبرع حي أو ميت. ويرفض الأطباء في الوقت الراهن أخذ الكلى من المتبرعين الأحياء ما لم يكونوا من أقارب الشخص المصاب لأسباب عدة، وذلك في المملكة العربية السعودية. أما في خارج المملكة للأسف فهي تؤخذ من المتبرعين. وهناك حالات كثيرة في مصر وفي الهند وغيرها من البلاد بدأت فيها عملية تجارة بيع الأعضاء ذكرناها في صلب البحث. أما في المملكة فإنهم لا يقبلون متبرعين أحياء قفلا لهذا الباب، ما لم يكن المتبرع الحي من الأقرباء. والأفضل أخذ ذلك من الموتى.
غرس العظام والمفاصل: قد تؤخذ بعض الغضاريف أو العظام من نفس المصاب. وهذه عملية لا تسبب رفضاً من الجسم. كما يتم أيضا زرع العظام من الموتى. وفي الآونة الأخيرة بدأت محاولات زرع المفاصل. وقد تم في السابق، كما أشرنا استخدام عظام الموتى وعظام الحيوانات، ورغم أن الجسم المستقبل يرفض الغريسة إلا أن العظام الميتة تعمل كسقالة يبني عليها الجسم عظماً جديداً، ثم يمتصها بالتدريج.(4/293)
نقل نقي العظام (نخاع العظام) : وتشبه في شكلها النهائي عملية نقل الدم. ولاتجرى في الغالب إلا بين التوائم المتشابهة أو الأقرباء. ولم يستخدم حتى الآن نقل نقي العظام من الموتى. وهذه العملية رغم أنها من جهة تشبه نقل الدم إلا أنها أشد صعوبة منه بكثير؛ لما يعتورها من رفض الجسم، ومن المضاعفات التي تحدث. وتبلغ تكلفة العملية قرابة 60.000 دولار.
نقل القرنية: وهذه لابد أن تؤخذ من ميت. وتوجد مراكز لنقل القرنية في مختلف بلاد العالم بما في ذلك بعض البلاد الإسلامية مثل القاهرة والرياض. وإن كان عدد العمليات محدوداً سنوياً.
نقل القلب: انتشرت عمليات نقل القلب منذ أن قام الدكتور برنارد بإجراء أول عملية غرس قلب لإنسان سنة 1967. وتجرى حالياً ما يزيد على مائتي عملية نقل قلب سنوياً في الولايات المتحدة. كما أن العمليات أصبحت أكثر تعقيداً بحيث أمكن نقل القلب مع الرئتين أو مع الكبد في آن واحد. وقد أجرى الدكتور مجدي يعقوب المصري الأصل أكثر من 500 عملية زرع قلب أو القلب والرئتين معاً. كما تم نقل قلب قرد إلى طفلة وماتت بعدها بسرعة. وكذلك تم زرع قلب صناعي في حالتين ماتت كلاهما بعد بضعة أشهر من العملية. ولابد لكي تتم عملية زرع القلب من أخذها من ميت. وقد تم إجراء هذه العمليات بنجاح نسبي في الأردن (4 حالات) ، وفي المملكة العربية السعودية (حالتان) . وتكلف العملية ما بين مائة ومائتي ألف دولار. كما أن كلفة متابعة المريض سنويا تبلغ قرابة مائة ألف دولار، وتبلغ نسبة النجاح لعمليات الزرع في السنة الأولى 80 بالمائة أو أكثر، و50 بالمائة لمدة خمس سنوات. وتعتبر عمليات زرع القلوب الإنسانية أو الحيوانية أو الميكانيكية مثيرة للرأي العام وتشكل تقدماً مذهلا. ولكن كلفتها عالية جداً حتى إن الولايات المتحدة بدأت تئن تحت وطأة هذه التكلفة؛ إذ إن هناك ما يقرب من 50.000 شخص يمكن أن تنقذهم (إلى وقت محدود) هذه العملية. وبالتالي فإن التكلفة كما نقلتها مجلة التايم الأميركية قد تصل إلى أربعين بليون دولار سنوياً.(4/294)
وإذا نظرنا إلى دول العالم الثالث وجدنا أن الدول الإسلامية عربية أو أعجمية تقع ضمن دوله. وهي دول فقيرة يموت فيها كل عام عشرة ملايين طفل بسبب الإسهال وعدم الرضاعة. كما يموت من المسغبة والمجاعة أعداد كبيرة كل عام، ويموت بسبب الملاريا والتيفوئيد، والسل، والتهاب الكبد، وغيرها من الأمراض المعدية عشرات الملايين كل عام. كما أن عدد الذين يموتون بسبب تدخين التبغ يبلغون مليون شخص في كل عام.
وإذا قامت هذه الدول الفقيرة بوضع برامج صحية لإيصال الماء النظيف إلى القرى وإيجاد نظام شبكة مجارٍ، وتعليم الأمهات واجبهن في إرضاع أطفالهن وتعليمهن مبادئ النظافة، وتوعية الجمهور بأخطار التدخين والخمور والأمراض الجنسية والمخدرات، إذا صرفت هذه المبالغ الشحيحة لدى الدول الفقيرة على برامج زرع القلب أو زرع الأعضاء فإن ذلك لن يترك مالا للبرامج الصحية المهمة لمكافحة البلهارسيا والملاريا والكوليرا وغيرها من الأمراض. إن برنامج تطعيم أو تمنيع الأطفال تؤدي إلى وقاية ملايين الأطفال من الأمراض الخطيرة والتي قد تودي بحياتهم.(4/295)
أما برامج غرس الأعضاء فإنها تلتهم الأموال دون أن تقدم أي فائدة إلا لعدد محدود جداً من البشر، وتجعلهم يعيشون حياة مليئة بالتعاسة. إن أصواتاً كثيرة حتى في الغرب حيث الثروات والإمكانيات الهائلة تعارض هذه البرامج، وتطالب بصرف هذه المبالغ في التوعية الصحية والحد من مخاطر الأمراض الناتجة عن التدخين، والأمراض الجنسية والخمور والمخدرات. أما بالنسبة للعالم الثالث فإنه يعاني بالإضافة إلى ذلك فقدان المقومات الأساسية البسيطة التي تكفل الصحة للمواطنين، وخاصة في المناطق الريفية حيث لا يوجد ماء نظيف ولا نظام مجاري ولا تطعيم للأطفال ولا توعية صحية ولا محاربة للمستنقعات وما ينتج عنها من أمراض. وأي مبلغ يصرف خارج هذا النطاق هو في رأي الكثيرين جريمة في حق الملايين الذين يعانون من المسغبة، ومن فقدان مبادئ الرعاية الصحية الأولية.
زرع الرئتين والكبد والبنكرياس: وجميعها لا تزال حكراً على بعض المراكز المتقدمة في الولايات المتحدة وأوربا واستراليا وجنوب أفريقيا. ولا تزال نسبة النجاح محدودة وكلفتها باهظة. ورغم تحسن نسبة النجاح في السنوات الخمس الأخيرة، وبلوغها في بعض المراكز نسبة 70 إلى 80 بالمائة، إلا أن التقنية المطلوبة والتكلفة العالية لا تزال غير متوفرة إلا في بعض المراكز.(4/296)
زرع الأعضاء التناسلية: مثل زرع المبيض أو الرحم. ويمكن أن يتم ذلك من متبرعة حية أو من ميتة، وزرع الخصيتين والقضيب ويمكن أن يتم ذلك من ميت.
زرع الأجنة: إن عمليات أطفال الأنابيب تعني نقل اللقيحة (الجنين) إلى رحم الأم أو امرأة أخرى. وهذا نوع من زرع الأعضاء. وقد ناقشت المجامع الفقهية هذا الموضوع واتفقت على أن دخول طرف ثالث يجعل الموضوع لاغياً وباطلا ومحرماً من الناحية الشرعية. والمقصود بالطرف الثالث: متبرع بمائه، متبرعة بنطفتها، متبرعة بالحمل في رحمها. وأن تجميد الأجنة مرفوض. ونقلها بعد وفاة الزوج أيضا مرفوض. وهناك محاذير كثيرة حتى على الحالة الوحيدة التي سمح الفقهاء بها، وهي أن يكون ذلك بين الزوجين حال قيام الزوجية؛ لعدم وجود رقابة في الواقع الفعلي. وقد طالبنا بقيام هذه الرقابة على مشاريع أطفال الأنابيب ولكن ذلك لم يتحقق بعد. ولا يبدو أنه سيتحقق في المستقبل القريب.
الزرع من الأجنة: تستخدم الأجنة الفائضة من مشاريع أطفال الأنابيب ومن حالات الإجهاض المتعمد أو غير المتعمد (هناك 50 مليون حالة إجهاض متعمد في العالم سنوياً) تستخدم هذه الأجنة لمشاريع مستقبلية في موضوع زرع الأعضاء. وتتميز الأنسجة والأعضاء من الأجنة بأنها لا تسبب رفض المستقبل لها. وقد بدأ الأطباء في نقل خلايا من الغدة الكظرية ومن الجهاز العصبي لمعالجة مرض باركنسون. كما تم نقل خلايا البنكرياس إلى مصابين بالبول السكري وحقق ذلك نجاحاً أيضاً.(4/297)
الزرع من الموتى: إن كثيراً من الفقهاء الذين تحدثوا عن جواز زرع الأعضاء من الموتى لم يلتفتوا إلى نقطة مهمة جداً. وهي أن نقل الأعضاء لابد أن يتم في أغلب الحالات والقلب لا يزال يضخ الدم والدورة الدموية لا تزال تعمل. وذلك يرجع إلى سبب بسيط جداً هو أن توقف القلب والدورة الدموية من هذه الأعضاء يؤدي إلى موتها وإلى عدم صلاحيتها للعمل. فلابد أن تنقل هذه الأعضاء وهي حية.
وتسمى الفترة التي يمكن أن يبقى فيها العضو قبل أن يتلف تلفاً لا رجعة فيه فترة نقص التروية الدافئة وهي كالتالي: الدماغ مدة أقصاها 4 دقائق - القلب: مدة أقصاها بضع دقائق - الكلى: مدة أقصاها 45 دقيقة - الكبد: مدة أقصاها 8 دقائق - البنكرياس مدة أقصاها 20 دقيقة. وهكذا. ثم إذا أخذت هذه الأعضاء والدورة لا تزال مستمرة والقلب لايزال ينبض فإنه يمكن تبريدها والاحتفاظ بها لمدة تختلف من عضو لآخر. فالقلب يمكن الاحتفاظ به مبرداً لمدة ساعتين، والكبد 8 ساعات، والكلى 72 ساعة. ولقد قام مجمع الفقه الإسلامي - مجمعكم الموقر - بدراسة موضوع موت الدماغ دراسة مفصلة في دورته الثانية في جدة 1406هـ والثالثة في عمان 1704هـ. وأصدر قراره التاريخي باعتبار موت الدماغ مساوياً لموت القلب، وهذا يتيح الاستفادة من أعضاء الأشخاص الذين يتوفون بصورة خاصة نتيجة موت الدماغ. وللأسف يأتي العدد الأكبر من هؤلاء الشباب بسبب الرعونة في سياقة السيارات. وفي المملكة العربية السعودية يبلغ عدد هؤلاء الضحايا ثلاثة آلاف وخمسمائة شخص سنوياً. ويمكن الاستفادة من حوالي ألف شخص على الأقل منهم.
القضايا التي أقترح مناقشتها - اسمحوا لى بذلك وإن كنتم ترون قضايا كثيرة - الغرس من المتبرع الحي: أجمع الفقهاء الأجلاء الذين كتبوا في هذا الموضوع على جواز التبرع بالأعضاء حسب علمي بشرط ألا يؤدي ذلك إلى ضرر بالغ بالمتبرع. واعتبر بعضهم ذلك من الإيثار الذي حث عليه الإسلام. وقد جاءت فتاوى كثيرة في ذلك. ويعتبر نقل الدم من الأمور التي تحدث يومياً ولا ضرر فيها على المتبرع ما لم يكن يعاني من فقر دم.(4/298)
ويتحاشى الأطباء نقل العين والأسنان واليدين والرجلين، بل إنهم يمتنعون عن قبول المتبرعين بالكلى ما لم يكن المتبرع قريباً للمريض لأسباب عديدة أثبتناها في صلب البحث، وهذا مهم. في الحقيقة الإجراء الذي تتخذه المملكة إجراء سليم في رأيي، وهو أن موضوع التبرع كله مقصور على المستشفيات الحكومية، ولا يقبل أيضا التبرع من أشخاص ليس لهم قرابة بالشخص المريض؛ لأن ذلك يؤدي إلى مشاكل كما علمنا في كثير من البلدان. ويسأل بعض الأطباء عن النقاط التالية:
يحدث كثيراً أن يتبرع طفل سليم لأخيه المريض بنقي العظام أو الكلى. فكيف أمكن ذلك؟ وهل يعتبر إذن الطفل أو إذن وليه كافياً في هذا الصدد أم أنه لابد أن تكون للمتبرع الأهلية الكاملة؟ وما هو السن الذي يملك فيه الأهلية؟.. البلوغ أم 18 عاما. وقد حدد القانون الكويتي إتمام 18 عاماً ميلادياً لذلك. يتبرع الشخص بمائه أو بالبويضة، أو قد يتبرع الزوجان باللقيحة إلى آخر ذلك. ولم يبحث الفقهاء هذا الموضوع ضمن إطار زرع الأعضاء، لكنهم بحثوه في أثناء بحث طفل الأنابيب والتلقيح الاصطناعي، وحصول موت الدماغ بشروطه الطبية المعروفة وقد بحثها الفقهاء. وقد تكون هناك وصية من الشخص قبل وفاته، يعلن فيها تبرعه. لابد من حصول هذه الأشياء قبل حصول موت الدماغ. وتصدر مراكز الكلى بطاقات خاصة يعلن الشخص تبرعه بكليته حال الوفاة. وهناك دراسة لإضافة هذه الفقرة لرخص قيادة السيارة والبطاقات الشخصية.(4/299)
في حالة عدم وجود وصية: تشترط معظم البلدان موافقة الورثة أو الأولياء، وقد أفتى كثير من الفقهاء الأجلاء بجواز أخذ الأعضاء من الأشخاص الذين لا أهل لهم أو مجهولي الهوية باعتبار أن الولي في ذلك هو الحاكم أو السلطان. وإذا أصدر الحاكم أمراً عاماً يبيح ذلك جاز للأطباء استخدام هذه الأعضاء بعد انتزاعها من الميت. والسؤال: من مِن الأولياء يحق له التبرع؟ وهل يشترط موافقة جميع الورثة أم يكفي واحد منهم. وماذا لو اعترض واحد أو اكثر من الورثة على التبرع؟ وهل يحق لولي الأمر أن يأمر بانتزاع الأعضاء من الموتى (حسب مفهوم موت الدماغ) بدون إذن الورثة؟ وقد قالت بذلك لجنة الفتوى في الكويت. ولكن البرلمان الكويتي رفض الأخذ بهذا الرأي. واشترط موافقة الورثة والأولياء. وفي بعض البلاد الغربية مثل فرنسا لا يعتبر رضا الأولياء ضرورياً في حالات الوفاة بموت الدماغ، وإذا كان الشخص يعالج في مستشفيات الدولة، بشرط ألا يكون الشخص قد أوصى أثناء حياته بعدم أخذ أعضائه في حالة وفاته.
هناك شروط طبية أخرى على حسب العضو المراد استقطاعه. وأهمها أن لا يكون المتبرع مصاباً بأمراض معدية ولا أمراض خبيثة، ولا يكون قد تجاوز الخامسة والخمسين. وأن لا يكون مصاباً بالسكر وتصلب الشرايين إلى غير ذلك من الأسباب.(4/300)
الغرس أو النزع من الموتى: يعتبر زرع الأعضاء من الموتى هو الإجراء الأكثر شيوعاً وذلك للأسباب التالية:
1) ظهور مفهوم موت الدماغ.
2) كثرة حوادث المرور في العالم وازديادها زيادة مرعبة. وللأسف تكون أغلب الضحايا ممن هم في مقتبل العمر. وتكون وفاة نسبة كبيرة منهم بسبب موت الدماغ. وبالتالي يمكن أن يستفاد من أعضائهم للتبرع بها لمن يحتاجها. وكمثال: عدد ضحايا المرور في الولايات المتحدة 60.000 سنوياً، وفرنسا 11.000 سنوياً، وبريطانيا 10.000 والمملكة العربية السعودية 3.500 سنوياً. وينبغي التركيز على منع الحوادث لا على مبدأ الاستفادة منها في زرع الأعضاء بحيث لا تكون مصائب قوم عند قوم فوائد. وحوادث المرور للأسف في منطقة الخليج هي أعلى بكثير بالنسبة لعدد السكان من مثيلاتها في مناطق العالم المختلفة.
3) الغرس من الموتى ليست له مخاطر من الناحية الطبية إلا في حالة عدم إتمام شروط موت الدماغ. وتنشر الصحف في بعض الأحيان أنباء مثيرة وفي الغالب غير صحيحة، ومن ذلك ما نشرته الصحف قبل فترة وجيزة، خبر مفاده أن طفلاً مشوهاً ولد، وأن أبويه قد تبرعا نيابة عنه بكليتيه، وأنه قد تم أخذهما من الطفل وهو لا يزال على قيد الحياة، وقد تبين لي بعد الاتصال بذوي الشأن أن هذا الأمر غير صحيح، وأن الطفل قد توفي حسب مفهوم موت الدماغ قبل أخذ كليتيه. وإن الكلى لم تكن ذات جدوى للزرع بسبب تلفهما.
4) الزرع من الميت يوفر أعضاء يستحيل توفيرها من الحي مثل القلب والكبد والرئتين والبنكرياس.
ما هي الشروط التي ينبغي توافرها لنقل الأعضاء من الموتي حسب مفهوم موت الدماغ؟ نرى توافر جملة من الشروط قبل السماح بنقل الأعضاء من الموتى. وهذه الشروط مذكورة في أصل البحث هناك، ثم تأتي الأسئلة: ما هو الموقف من التبرع بالأعضاء التناسلية حال الحياة أو الوفاة؟ ما هو الموقف حيال زرع الأعضاء؟ ما هو الموقف حيال الاستفادة من الأجنة المجهضة أو التي تم تنميتها في المختبرات والاستفادة من أعضائها وأنسجتها لنقل الأعضاء؟ وما هو الموقف بالنسبة لإعادة الزرع بالنسبة للمحكوم عليهم حدا بقطع اليد في السرقة أو القصاص مثلا؟ هل يجوز إعادة الجزء المستقطع أو أن ذلك لا يجوز؟ فمواقف الفقهاء الذين كتبوا في هذا الموضوع متباينة؛ فمنهم من أباحه ومنهم من منعه.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(4/301)
الشيخ خليل محي الدين الميس:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله. السيد الرئيس، الإخوة الأعضاء. سلام من الله عليكم ورحمته وبركاته، أما بعد فحكم العلاج بزراعة الأعضاء موضوع موزع بين يديكم سأقرأ منه ما ينبغي قراءته وأترك الباقي لمراجعاتكم.
العلاج بزراعة الأعضاء والأنسجة الحية أو المعادن في جسم الإنسان من المسائل المستجدة في الحقل الطبي، وتعرف في الاصطلاح الفقهي بالنوازل، أي المسائل المستجدة بعد استقرار المذاهب الإسلامية، حيث لا نص فيها من كتاب أو سنة أو قول أحد الأئمة المجتهدين وتلاميذهم.
ولما كان الطب ميدانه التجربة، ولذلك كان من منجزات الطب الحديث ما أحرز من تقدم ملحوظ في هذا المجال، سواء في زرع القلب أو القرنية أو الكلية أو استئصال الأمعاء المصابة واستبدالها بأخرى سليمة. وكل ذلك إنما يتم باستخدام عضو منتزع من إنسان أو حيوان. وبالتالي فالسؤال مطروح وبإلحاح: ما هو الحكم الشرعي في كل ما جرى أو يجري؟ ومن المعلوم أن عملية الزرع تمر في مرحلتين:
الأولى: الانتزاع من إنسان أو حيوان.
الثانية: زراعة العضو المفصول في جسم إنسان آخر يفتقر إليه. والحاجة هذه يمكن تصنيفها إلى فئتين:
أولاً: توقف حياة إنسان مريض أو مهدد بالموت على زرع ذلك العضو في جسده كالقلب أو الكلية.
ثانياً: توقف عمل العضو المصاب فقط مع بقاء الحياة على زرع ذلك العضو كالقرنية في العين مثلا.
هذا وفصل العضو المطلوب، ومن ثم زرعه في جسم المريض، إما أن يتم بناء على تبرع إنسان كامل الأهلية ويفصل منه ذلك العضو حال الحياة كالكلية، أو بناءً على وصية بأن ينتزع من جسده بُعَيْدَ وفاته كما يحصل بالنسبة إلى العيون مثلا.(4/302)
وللإجابة على هذه التساؤلات المطروحة ونظائرها كان لابد من مقدمة تمهيدية نتعرض من خلالها للآيات القرآنية والأحاديث الشريفة التي تشكل أنظاراً للبحث باعتبارها ترسم المرتكزات الفقهية علاجاً وانتزاعاً وزراعة، وما يستتبع هذه الصور العلاجية.
أما قضية العلاج فمن حيث المبدأ فقد صرحت الأحاديث الشريفة بمشروعيتها. ومن ذلك مثلا ما رواه أبو الدرداء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إن الله أنزل الداء والدواء وجعل لكل داء دواء، فتداووا، ولا تداووا بحرام)) . وفي الصحيحين عن عطاء عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء)) . وهكذا فإن الأحاديث الشريفة صرحت بحقائق منها:
أولاً: الأمر بالتداوي وأدنى موجب الأمر هو الإباحة.
ثانياً: إن إقراره عليه الصلاة والسلام بأن لكل داء دواء، علمه من علمه، وجهله من جهله، يفتح باب العلاج على مصراعيه، ويمهد السبيل أمام الباحثين لاستكشاف الأدواء. وما لم يعلم بالأمس ربما يعلم اليوم أو غدا. هذا مع أن الإسلام جاء لعلاج الأرواح والنفوس من مرض الكفر والفسق والفجور وغيرها، وإنقاذ العباد من شرور الوثنية والإلحاد ومن أمراض عقدية هي أخطر من أمراض الأجساد لا شك أنها تفضي إلى مهالك في الآجل والعاجل، فإنه أيضاً (أي الإسلام) لم يهمل علاج أمراض الأجساد. ونحيل طالب المزيد من المعلومات في هذا الباب إلى كتاب الطب النبوي لابن قيم الجوزية، والآثار الواردة في كتب الحديث الشريف في أبواب الطب. مع أن الأحاديث الشريفة صرحت بمشروعية العلاج، لكنها في نفس الوقت أيضا نهت عن التداوي بالحرام حيث ورد النهي بقوله عليه الصلاة والسلام: ((ولا تداووا بحرام)) .(4/303)
وهذا ما يصلنا إلى الاستدلال بعمومات الآيات القرآنية والأحاديث، وبعد ذلك بالقواعد الفقهية والمبادئ العامة التي استنبطها الفقهاء المسلمون. ومن تلك العمومات والإطلاقات لنفرع عليها من الأحكام ما يتصل بموضوعنا. قال الله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (الأنعام: 38) ، وقال سبحانه: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ} النحل: 89. هذا والعموم الوارد في الآيتين وإن كان متوجهاً في البدء إلى بيان الأحكام الشرعية التكليفية أولاً لكنها لا تتقاصر دون موضوعنا هذا؛ لأنه يدخل ضمن إطار تلك الأحكام من الإباحة والتحريم باعتبار أن هذا العلاج على هذا الوجه هل هو حلال فيتابع أو حرام فيجتنب؟ ويأتي قوله تعالى: {هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} الحج: 78. وقال تعالى إثر بيان مشروعية الوضوء والغسل والتيمم: {مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ} المائدة 6. وهكذا نجد توجه الشريعة الإسلامية نحو التيسير على العباد وتحقيق مصالحهم الدينية والدنيوية، في ذلك يقول تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} البقرة: 85، ومن ثم تأتي الأحاديث النبوية على هذا النسق أيضاً لتؤكد المعنى الوارد في الآيات القرآنية. ومن ذلك قوله عليه الصلاة والسلام: ((بعثت بالحنيفية السمحة)) وقوله عليه الصلاة والسلام: ((يسروا ولا تعسر وبشروا ولا تنفروا)) . ومن مجمل هذه الآيات والأحاديث استنبط الفقهاء قواعد فقهية وضوابط أصولية تعتبر بمثابة الأصول لمسائل تفرعت عليها الأحكام. ومن ذلك قولهم مثلا: المشقة تجلب التيسير، وهي القاعدة الرابعة من قواعد الأشباه والنظائر لابن نجيم الحنفي، وقال أي ابن نجيم: وفي الحديث: ((أحب الدين إلى الله تعالى الحنيفية السمحة)) : أخرجه الإمام أحمد في مسنده من حديث جابر بن عبد الله ومن حديث أبي أمامة، ويخرج على هذه القاعدة جميع رخص الشرع وتخفيفاته، وعد منها رأي المصنف المذكور المرض، ثم قال: الثاني المرض ورخصه كثيرة، ومنها التداوي بالنجاسات وبالخمر على أحد القولين، أي اعتبر المرض سببًا موجبا لالتزام أو لالتماس الرخص، وتخرج على هذه القاعدة، قولهم: الأمر إذا ضاق اتسع وإذا اتسع ضاق.(4/304)
هذا وإن إحياء النفوس مطلب شرعي صرحت به الآية الكريمة:
قال سبحانه: {مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا} المائدة: 32
ولا بد من مقدمة أصولية تمهد لهذا الموضوع، وهي ما تعرف بتقسيم الحقوق على ما جاء في كتب الأصول ونصه: الحقوق أربعة:
أولاً: حقوق الله تعالى خالصة كالعبادات والحدود والكفارات.
ثانياً: حقوق العباد خالصة. وهى أكثر من أن تحصى نحو ضمان الدين وبدل المتلفات والغصوب وملك المبيع.
ثالثاً: ما اجتمع فيه الحقان وحق الله أغلب. وهو حد القذف.
رابعاً: ما اجتمع فيه الحقان وحق العبد غالب وهو القصاص. وما نحن بصدده يندرج تحت القسم الرابع؛ لأن بدن الإنسان فيه حق الله تعالى من حيث التخلق، وفيه حق العبد من حيث الانتفاع، وحق الله على ما هو معلوم ما يتعلق به النفع العام، فلا يختص به واحد وإنما ينسب إلى الله تعالى تعظيماً.
ثم ملكية الإنسان لجسمه وأعضائه ومدى حرية التصرف فيها: من خصائص الملكية التامة حرية الاستعمال والاستغلال والتصرف على ما هو معروف فقهاً وقانونا، والحرية هذه إنما يمارسها الإنسان على المنقولات والعقارات. وهو ما يعرف بأموال التجارة. فللمالك مطلق الحق في بيعها ورهنها وهبتها واستغلالها والإيصاء بها وإتلافها كما أنها تُورث عنه وتضمن بالاعتداء عليها. وهذه الأعيان معصومة في ذاتها ومملوكة له.(4/305)
فيا ترى، هل جسم الإنسان من هذا القبيل أم لا بد من التمييز بين الملك والعصمة؟ فالعصمة تقوم بالمملوك. والملك يقوم بالإنسان، والعصمة تكون للدم كما تكون للمال. بذلك ورد الحديث الشريف: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله تعالى)) .
هذا وبدن الإنسان مملوك له على وجه الانتفاع. وهو ما عبر عنه الفقهاء بقولهم: (إن الله تعالى ملك الإنسان منفعة أعضائه، فالعين للإبصار، والرئة للتنفس، واليد للعمل وتناول الطعام، والرجل للسعي، وما إلى ذلك من وظائف الأعضاء) . ويبقى السؤال مطروحاً: هل ملكية الإنسان لأعضائه من صنو ملكيته للأشياء فيكون له حق التصرف فيها كالأشياء المملوكة. وهذا ما يعرف عند رجال القانون بالتشييء، أي: هل جسم الإنسان وأعضاؤه أشياء أم لا؟ تناول الفقهاء المجتهدون موضوع النفس والأطراف والتعويض عنها حال الاعتداء عليها، ونصت الآيات والأحاديث على مشروعية الدية والقصاص وأرش الجراحات حال العدوان. وما قاله الفقهاء في هذا المجال: ضمان النفس والأطراف بالمال في حالة الخطأ فإنه ثبت بالنص من غير أن يعقل فيه المعنى؛ لأن الآدمي مالك مبتذل لما سواه. والمال مملوك مبتذل فلا يتماثلان. وإن ضمان النفس والأطراف بالمال غير مدرك بالعقل؛ إذ لا مماثلة بين الآدمي المالك المبتذل وبين المال المملوك المبتذل، وإنما شرع الله تعالى الدية لئلا تهدر النفس المحترمة مجاناً.(4/306)
وكان موجب الجناية عمداً على النفس والأطراف هو القصاص. قال تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} البقرة: 179. ويمكن العفو كما هو معروف عن ذلك كله: {وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} البقرة: 37. وقال سبحانه: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ} الإسراء: 33.
وأما جناية الخطأ فموجبها الدية. وهي تعويض مالي لتفويت منفعة الجسم أو العضو. وهو محض حق الإنسان ولذلك تدخل تحت الولاية عفواً وإسقاطاً. وهذا بخلاف جريمة الزنا فإن العقوبة عليها محض حق الله تعالى؛ لذلك لا يقبل بعد ثبوتها الإسقاط ولا العفو ولا الصلح على مال. وكذلك الشأن في السرقة وسائر الحدود. ولما كان التعويض المالي عن القتل الخطأ مقررا ابتداء وفي القتل العمد مقررا صلحا، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} النساء 92. وقال عليه الصلاة والسلام: ((في النفس مائة من الإبل)) . وروي أنه عليه الصلاة والسلام (قضى في قتيل بعشرة آلاف درهم) . هذا ودية النفس أو العضو ليست ثمنا بحال من الأحوال؛ لأنها إنما شرعت صيانة للنفس عن الهدر، لا ثمنا لها. ولذلك قدرها الشرع ولم يترك تقديرها ابتداء للعباد. ومجمل القول: إن لله تعالى في النفس حق الاستعباد، كما أن للعبد حق الاستمتاع، وحق العبد غالب؛ لذلك يجري فيه الإرث، ويصح الاعتياض عنه بالمال بطريق الصلح. وقال السرخسي في مبسوطه: لما أوجب الله تعالى حق العبد في النفس والأطراف. لذلك عمل فيه إسقاطه، ويورث عنه ويسقط الإذن. وقال السمرقندي في التحفة: لو عفا المجروح عن الجراحة ثم مات منه صح عفوه استحساناً. وهذا كله أمارة أن التعويض المقدر هو حق العبد، فكان له ولاية المطالبة كما كان له ولاية الإسقاط والصلح. وبسط الكاساني القول في المسألة وزادها إيضاحاً بل، وكاد يلامس القضية بالذات من خلال تعريفه الأحكام في عبارته التي جاء بها فيها: ولو قال: أقطع يدي فقطع، لا شيء عليه بالإجماع. ووجه الحكم فيه لأن الأطراف يسلك فيها مسلك الأموال. وعصمة الأموال تثبت حقا له أي: الإنسان. فكانت محتملة للسقوط بالإباحة والإذن، كما لو قال له: أتلف مالي، فأتلفه، قلت - أي هو المصنف -: ولا يخلو فعلهما حال القطع من الإثم لكل من الآمر والقاطع؛ لأنهما اشتركا في تنفيذ فعل محظور شرعاً. هذا وجاء في مشروعية القصاص ما نصه: هذه العقوبة جزاء الفعل في الأصل. وأجزية الأفعال تجب في حق الله تعالى. ولكن لما كان وجوبها بطريقة المماثلة عرفنا أن معنى الحق راجح فيها، وأن وجوبها للجبران بحسب الإمكان كما وقعت إليه في قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة: 179. ولهذا جرى فيه الإرث. وصح العفو والاعتياض بطريقة الصلح بالمال، كما في حقوق العباد المحضة كبدل المتلفات.(4/307)
وهكذا يتبين أن للإنسان ولاية إسقاط العقوبة عن الجاني حال الاعتداء على عضو من أعضائه، حتى على حياته بالكلية كمن جرح إنساناً فعفا المجروح عن الجاني، وكذلك شأن الورثة لهم حق العفو عن القاتل كما أسلفنا. ولكن هل للإنسان حق التبرع بعضو من أعضائه أو الإيصاء بها فتنزع منه بعد وفاته؟ لنعد بالمسألة إلى أصول لها ثابتة وإلى مسائل تقربنا من تقرير الحكم المناسب لهذه المسألة. إن شاء الله.
أولاً: الرضاع. معلوم أن اللبن هو جزء الأم ترضعه أولادها وغيرهم، وذلك مشروع بالكتاب والسنة والإجماع، والمسألة واضحة. ولكن الفقهاء ذكروا أنه لا يجوز بيع لبن المرأة تكريماً لبني آدم، وعليه الإجماع. قال ابن حزم: لا يصح بيع شيء أخذ من حي كلبن المرأة أو شعور بني آدم. وهناك مسألة أخرى هي التبرع بالدم، وكما ذكر المحاضر قبلنا ـ حفظه الله ـ لم يعرف اعتراض من أحد العلماء على جواز التبرع بالدم في حال من الأحوال، علماً بأن هذا الدم يعوض في الجسم، ولكن يحتاج لبعض الوقت.
وهذا ما يصلنا للحديث إلى معالجة هذا الموضوع على ضوء القواعد الفقهية كما ذكرنا في مطلع البحث، وهذه القاعدة تعرف بجلب المصالح ودرء المفاسد. فنقول: لا يخلو أي تصرف يقوم به الإنسان لتحقيق مصلحة ما إلا بمفسدة، وذلك أن شرب الماء مصلحة لحياة البدن وفي ذلك إستهلاك للماء. وكذلك الشأن في الطعام واللباس وذبح الحيوان. بل ومشروعية الجهاد في سبيل الله، كذلك مشروعية القصاص والذي من شأنه قتل الجاني أو بتر عضو من أعضائه؛ كقطع يد أو رجل، على الرغم من ذلك وصف تعالى كل هذه التصرفات بالحياة، قال سبحانه: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} البقرة:179.(4/308)
وفقهاء المسلمين قالوا في هذا المجال: (جلب المصالح مقدم على درء المفاسد) . قال الشاطبي: لما كانت المصالح الدنيوية لا يتخلص كونه مصالح محضة، وإنما تكون على مقتضى ما غلب، فإن كانت المصلحة هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتياد فهي مقصودة شرعاً، ولتحصيلها وقع الطلب على العباد. وقريب من ذلك ما ذكره العز بن عبد السلام في قواعده حيث قال: وما لا يمكن تحصيل مصلحته إلا بإفساد بعضه كقطع اليد المتآكلة حفظاً للروح إذا كان الغالب السلامة فإنه يجوز قطعها.
وهكذا كان الحكم صراحة في جواز قطع عضو إنسان لضمان استمرار سلامة سائر البدن ونظيره. وشق جوف المرأة عن الجنين المرجو حياته؛ لأن حفظ حياة الجنين أعظم مصلحة من مفسدة انتهاك حرمة أمه. القواعد. فالمصلحة ما دامت هي المقصودة من التصرف لا تمنع بمجرد وقوع المفسده ما دام أن المصلحة هي الراجحة، وهذا ما لا يخفى على عاقل. يقول العز بن عبد السلام: وربما كانت أسباب المصالح مفاسد، فيؤمر بها لا لكونها مفاسد، بل لكونها مؤدية إلى المصالح الحقيقية. والشريعة الإسلامية إنما تهدف بالجملة إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد، وحيثما تكون المصلحة راجحة فثمة شرع الله تعالى. هذا والنفس البشرية معصومة ومحترمة.
لذلك تعلق بها حق الله تعالى حتى لا يبلغ بها أصحابها في وقت من الأوقات أو في البلد من البلدان إلى مرتبة السلعة تباع وتشترى. ولا يخفى ما في ذلك من إهدار لآدمية الإنسان وهدم لبنيان الرب كما جاء في الأثر: الجسم بنيان الرب، ملعون من هدمه، أي ظلماً وعدواناً من غير وجه حق. ومما تقدم نخلص إلى القول بأن الإيصاء بعضو من الأعضاء في حال الحياة على أن يفصل من الموصي بعد الوفاة لينتفع به آخر تتوقف حياته عليه، أو يحاول دون فقدان حاسة من حواسه؛ كالعين أو سواها، لا نرى أن قواعد الشريعة تحول دون مشروعيته والله أعلم. على أن يكون المتبرع كامل الأهلية، وإن كان في هذا التصرف انتهاك لحرمة الجسم بعد الموت، ولا يخفى ما في ذلك من مفسدة ظاهرة، لكن المصلحة المترتبة عليه من زرع ذلك العضو في جسم إنسان آخر واستمرار أداء وظيفته التي خلق من أجلها مصلحة راجحة.
وقد ختمنا البحث بما توصل إليه مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في مكة المكرمة من قرار مدون لديكم. هذا وبالله التوفيق وشكراً لاستماعكم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
شكراً. بعد هذا العرض. الموضوع مطروح للمداولة، ويمكن لأصحاب الفضيلة الأعضاء الذين شاركوا لو طلبوا الكلمة من قبلهم بصفتهم قد كتبوا فيه وسمعوا العرض الذي مر على أسماعكم قد يكون هذا أولى.(4/309)
الدكتور حسن علي الشاذلي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد، لي ملاحظة على العرض الذي عرض وهو أنه قد احتوى على أن جميع من كتبوا قالوا بجواز التبرع بالأعضاء. والواقع أن هناك بحثاً قدمته إلى أمانة المؤتمر أرى فيه أن التبرع بالأعضاء مازال لم يستطع أن نحكم بجوازه حتى هذه اللحظة رغم ما كتب في ذلك من بحوث، وذلك كما بينته في هذا البحث يقوم على نقطتين:
أما النقطة الأولى فخاصة بالتبرع بالأعضاء ممن كانوا على قيد
الحياة، ثم توفاهم الله وأوصوا بذلك أو ما إلى ذلك. أو الذين حكم عليهم بعقوبة مستحقة أو تستحق عقوبة الإعدام. وبينت في البحث أن هؤلاء لا داعي لأن نقول بالنسبة لهم أكثر من أنه يجوز إحياء للنفس الآدمية. وهو بحث وضعت فيه الأدلة التي أرتكز فيها على ذلك. أما بالنسبة للنقل بين الأحياء فذلك ما أتوقف فيه لأمرين:
أما الأمر الأول فهو أننا إذا بحثنا بالنسبة للمتبرع لابد أن يتبرع بما يملك، وجسم الإنسان لا يملكه سوى الله سبحانه وتعالى، ومن ثم فالمتبرع إنما يتبرع بشيء لا يملكه، فلا يصح هذا التبرع، هذا من ناحية.
من ناحية ثانية هناك أيضا حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنسبه للخمر حينما يقول: ((إن الذي حرم شربها حرم بيعها، وإن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه)) . وأيضا وجدنا من بعض الأحاديث أنه قد أهدي للرسول صلى الله عليه وسلم خمر بعد أن حرمت فرفضها؛ لأنها حرمت، فلما عرض عليه ذلك الذي قدمها أن يكارم بها اليهود وأن يعطيها لهم هدية قال: ((إن الذي حرمها حرم أن يكارم بها اليهود)) ، قال: فكيف أصنع بها؟ قال: ((أرقها على البطحاء)) . أي: ألقها. من هذا يتبين لنا أن الشيء المحرم في ذاته لا نملك إطلاقاً أن نتبرع به، فضلا عن أن نبيعه أو أن نتصرف فيه. ومن ثم فإن هذا الباب أصبح بابا يقلق المجتمع.(4/310)
إن الأحداث التي تجري الآن حول نقل الأعضاء توجب علينا أن نتوقف وألا نصدر فتوى في ذلك تبيح التبرع. وأصبحت هناك بنوك في العالم يؤخذ إليها الفقراء، أطفال الفقراء، ومن يغرر بهم، وهناك أيضا ضائقات مالية يتبرع بعض الناس فيها بالأعضاء، وما إلى ذلك مما جرنا الآن إلى التفكير كثيراً في هذا الميدان. هذا من ناحية.
الناحية الثانية إن ما نقوله عن الإيثار، الإيثار إنما يكون في المباحات، لا في المحرمات، فالأجسام والأعراض التي لا يجري فيها الإيثار. الإيثار إنما يكون في الأمور المباحة وفى الأمور المالية التي يجري فيها البذل والعطاء. أما الإيثار بالمحرم فحرام، والإيثار بالمكروه مكروه، وهكذا. كذلك أيضا بعض المتحدثين الأخ الدكتور عبد السلام العبادي ذكر فيما لو قال شخص لآخر: اقطع يدي، فقطعها، لا شيء عليه بالإجماع. أقول كلمة بالإجماع هنا ليست خاصة بجميع الفقهاء. فقهاء الحنفية فقط غير زفر، هم الذين قالوا: ليس عليه شيء بمعنى القصاص. ثم بعد ذلك الدية اختلفوا فيها هل تجب الدية أو لا تجب؟ هذا موضوع آخر. ولكن فقهاء المالكية وفقهاء الظاهرية والزيدية كلهم لم يجعلوا لرضى المجني عليه حينما يقول لآخر: اقطع يدي، لم يجعلوا لهذا الرضى وزناً في قيام القصاص. ومن ثم فالمسألة خلافية، والذي يدرأ حتى على رأي الحنفية فيما لو قلنا: إنه يدرأ القصاص؛ لأن هناك شبهة. ثم ننتقل إلى الدية، والدية لو قلنا حتى بإسقاطها فهناك أيضا عقوبة التعزير المانعة من ذلك.
لكل ذلك أقول: إنه حتى مع ما ذكرناه من أن ما ذكره الأخ الدكتور العبادي من أنه عرض بيع لبن المرأة أو شعر بني آدم، وبين أن الفقهاء منعوا ذلك؛ لأنه جزء لآدمي، إذا كان ذلك بالنسبة للعضو المتجدد؛ لأننا إذا اعتبرنا ذلك أشياء متجددة وتوقف فيها الفقهاء، فما بالكم بالأعضاء التي لا تتجدد في جسم الإنسان. فقطع الكلية معناه انتهاء لها. وإذا كان هناك منع لهذه الأشياء فما بالنا بعضو لا يتجدد، وإنما إذا أخذ من إنسان عرض الاثنين، الشخص المضطر ربما لا يستفيد. وهذا احتمال وارد كما ورد في الأبحاث الطبية، والشخص المأخوذ منه عرض نفسه للهلاك. قد يحدث ذلك وقد لا يحدث، إلا أن الضرر لا يزال بضرر. وهناك نقول كثيرة في المبحث أوضحتها أمام حضراتكم لأبين أن الفقهاء توقفوا، وبدل كلمة توقفوا منعوا أن يكون هناك تصرف في أجزاء الإنسان، سواء كان ذلك عن طريق المعاوضة أو عن طريق التبرع. هذا ما أردت أن أنوه إليه، وشكراً.
الرئيس:
شكراً. ولعل فضيلة الشيخ حسن يريد الشيخ خليل الميس وليس الشيخ عبد السلام العبادي. الأستاذ أحمد رجائي.(4/311)
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. فضيلة الأخ الرئيس، فضيله الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي، أصحاب الفضيلة العلماء. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أولاً: يسعدني أن أشارك في الدورة الرابعة لأعمال مجمع الفقه الإسلامي ممثلاً للمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدعوة كريمة من فضيلة الأستاذ محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام للمجمع، شاكراً لسيادته هذا التفضل، آملا أن يستمر هذا التعاون الدائم من منظمتنا في مجمعكم. كما يسرني أن أنقل تحيات سعادة الدكتور عبد الرحمن عبد الله العوضي رئيس المنظمة، والذي كان حريصا على أن يشارك بالحضور شخصياً لولا ارتباطاته المسبقة في نفس الميعاد، متمنياً لحضراتكم التوفيق والسداد لما أوكل لحضراتكم من مهام كبيرة في المعنى والهدف. المعنى هو تحديد الهوية الإسلامية. والهدف هو ربط الإسلام بالتقدم المعاصر في جميع مجالات الحياة، ولعل أبرزها الطب. وتوضيح الحلال والحرام لكافة أو عامة المسلمين. ومن هذا المنطلق كان الشغل الشاغل لمنظمتنا منذ قيامها هو تبني الفقه الطبي، والذى شارك في ندواته كثير من الإخوة الأفاضل المشاركين في أعمال هذه الدورة.
أما بالنسبة لموضوع زرع الأعضاء فقد تحدث زميلي الدكتور محمد علي البار عن نقاط كثيرة هامة. ولعل النقطة التي أثار فيها قضية الأولوية في عدالة التوزيع من أهم هذه النقاط، والتي ستعقد المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية مؤتمراً عنها بالقاهرة في الفترة من 21 إلى 23 نوفمبر لبحث الجوانب المختلفة لهذه القضية، واخترنا لها عنواناً (الاخيتار الصعب بين عدالة التوزيع والمصادر المالية المحدودة) ، وندعو الله أن نخرج منها بما يخدم الأمة الإسلامية، إلا أنني رغم أهمية هذه النقطة أرجو أن يؤخذ بعين الاعتبار النقاط الآتية:
أولاً: أن قضية زرع الأعضاء تمثل تحدياً بين الإنسان والمرض. ورغم أن هذا التقدم أنجز في ديار غير المسلمين، إلا أنه يطرق أبواب المسلمين بشدة، فهناك مجتمعات إسلامية أفاء الله عليها بالخير، ويمكن أن تدخل هذا النوع من العلاج. فيجب توضيح الرأي الفقهي بالحلال والحرام فيها. أيضا هناك من بين المسلمين من أفاء الله عليهم بخيراته، ويمكن أن يتحمل نفقاته، فيجب ألا نغلق عليهم باب رحمته.(4/312)
ثانياً: إن الجاليات الإسلامية التي تعيش في ديار غير المسلمين، ومنهم من يعمل في هذا المجال عالماً، ومنهم من يستطيع أن يتحمل التكاليف. وتريد هذه الجاليات أن تعرف الرأي الشرعي في هذه الأمور. ونحن ندين لها بهذا الدين في ديارنا، ويجب أن نوافيهم حقهم في هذا الموضوع.
ثالثاً: إنني وبحكم عملي واشتراكي بالمنظمات العالمية فإن الأديان المختلفة والعقائد المختلفة تدلي كل بدلوها من وجهات نظرها، والإسلام ليس بأقل منها، ولو بإبداء رأيه في هذه المجالات. ومن أجل ذلك أيضاً تبنت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالاتفاق مع منظمة الصحة العالمية بعقد ندوة في نوفمبر تحت عنوان (الأخلاقيات والقيم الإنسانية والصحة من الوجهات الإسلامية) وهذه لأول مرة توافق منظمة الصحة العالمية على عقد ندوة لتتعرف على الرأي الإسلامي. هذا وقد ناقشت المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية موضوع زرع وبيع الأعضاء الآدمية في ندوتين. وقد توصلت الندوة الأخيرة التي عقدت بالكويت في أبريل 1987 في موضوع بيع الأعضاء، وهذه هي التوصية: في ضوء ما استقر عليه الرأي الشرعي من المجامع الفقهية وهيئات الإفتاء في العالم الإسلامي من جواز نقل الأعضاء إلى المرضى في الظروف والشروط المقررة شرعاً، ناقشت الندوة موضوع بيع الأعضاء وانتهت إلى ما يلي:
أولا: ما يتم به الحصول على الأعضاء أن يكون ثمرة التراحم بين الناس بالتبرع من جثث الموتى بالوصية أو موافقة الورثة. كذلك من أعضاء المتوفى مجهول الهوية.
ثانياً: ورأي الأكثرية أنه يجوز الحصول على الأعضاء أيضا بتبرع الحي للحي بالشروط والضوابط المعتبرة، ومنها عدم الإضرار بالشخص المتبرع أو قصره على الإعطاء.
ثالثاً: لا يجوز بيع الأعضاء. إذا لم يمكن الحصول على الأعضاء بالتبرع، ولم يمكن الحصول عليها إلا ببذل مال، فهذا جائز فيما انتهى إليه أكثرية المشاركين. وهو من المحظور الذي يباح في حال الضرورة. ويرى البعض عدم جواز ذلك.
رابعاً: في جميع الأحوال يجب أن لا يترك الحصول على الأعضاء، ولا سيما في حال الإضرار لمنافسة المريض الغني للمريض الفقير، بل تنشئ له الدولة هيئة تحمكه وتتقي محاذيره وتديره وفق قانون مفصَّلٍ يوضع لذلك.
كذلك أثار الدكتور البار أن ناقش بعض النقاط، ومن بينها أن يتبرع الشخص بمائه أو ببويضة أو قد يتبرع الزوجان باللقيحة. وهذا بحثته أيضاً المنظمة وحرمته تحريماً واضحاً؛ تفادياً لخلط الأنساب.
خامساً: أن تتبرع المرأة برحمها. وهنا يجب أن يثار نقطتان. الواقع وعلى ما يعتقد فأولا أن الرحم، كلمة الرحم جاءت تعقيباً.(4/313)
الرئيس:
يا أستاذ أحمد، موضوع الرحم وما يتعلق به ولو تركتموه أولى؛ لأنه سبق وأن بت فيه المجمع. فنحن بحاجة إلى الوقت.
الدكتور أحمد رجائي الجندي:
نعم. أيضا أثار موضوع البويضات الملقحة. هل أثير هذا الموضوع؟
الرئيس:
لو ترك ما يتعلق بهذا الموضوع يكون أولى.
الدكتور أحمد رجائي الجندي: إذا شكراً لاستماعكم.
الرئيس:
عطفاً على التنبيه الذي تفضل به الدكتور الشاذلي كذلك ما ذكره الأستاذ رجائي من أنه استقرت الفتوى. لا أظن أن الفتوى استقرت على هذا، وإن الخلاف ما زال قائماً بين أهل العلم في هذه المسائل، سواء من حيث المبدأ أو من حيث بعض تفاصيله، أو من حيث شروطه. شكراً. الشيخ رمضان.(4/314)
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
بسم الله الرحمن الرحيم. الأستاذ حسن الشاذلي عقب لا على الدكتور البار فقط، بل لعله عقب على كل من تقدموا ببحث في هذا الموضوع. وفهم أن الجميع اتفقوا على جواز نقل عضو من حي إلى حي. وكما سمعنا الآن من الأستاذ رئيس مجلس المجمع أظن أن هذا الاتفاق بإطلاقه لم يتم بعد. ولكني أحب أن ألفت النظر إلى قاعدة فقهية وأصولية في آن واحد، الأستاذ المعقب يقول: إن الإنسان لا يملك جسمه. ومن ثم فإنه لا يملك أن يؤثر به غيره. صحيح أن الإنسان لا يملك جسمه بالمعنى الشرعي، ولكن القاعدة الفقهية تقول يا سيدي: كل ما جاز التصرف فيه جاز الإيثار فيه. فجواز الإيثار لا يشترط فيه الملكية بالمعنى الذي تتصورونه، وإنما يشترط فيه جواز التصرف. الإنسان يملك أن يتصرف بعينيه فينفقها سهراً على علم، وإن علم أن ذلك يضعفها. والإنسان يملك أن يتصرف بقدميه فيسعى بهما حاجا إلى بيت الله الحرام، وإن علم أن ذلك يوهنهما. وبناء على هذا فإنه يملك أو يؤثر أخاً له ببعض من أعضائه بشرط واحد، وهو أن يتحقق من هذا الإيثار منفعة للطرف الآخر. ولعلنا قرأنا كلمة السيوطي ناقلا ما يشبه الإجماع في هذا الصدد: ولو أراد المضطر إيثار غيره بالطعام لاستبقاء مهجته كان له ذلك، وإن خاف فوات مهجته ذلك؛ لأنه لا يهدف من هذا الإيثار إلى فوات مهجته، وإنما يهدف إلى إقامة بنيان مهجة أخ له. وهذا من الخلق الكريم الذي أشاد بذكره الإمام الشاطبي في موافقاته. ولذلك ليس هنالك ارتباط فيما أتصور فقهي بين موضوع عدم ملكية الإنسان لجسده وبين حرمة هذا الموضوع التي تحتاج إلى بحث.(4/315)
النقطة الأخرى التي أريد أن أنوه بها باختصار شديد. الدكتور محمد علي البار في محاضرته المكتوبة وفي كلامه الذي أصغينا إليه الآن، يصور لنا ما يشبه الإجماع بين علماء الشريعة الإسلامية والقضاء على اعتبار الموت الدماغي موتاً حقيقياً. وهكذا قرأت له وهكذا فهمت. وأنا لا أتصور أن مثل هذا الإجماع أو قريباً منه قد تم، بل إن هذا الموضوع ما زال مطروحاً للبحث. وأحب أن أقول كلمة موجزة جدا في هذا الصدد، ولي بحث بين أيديكم في هذا الموضوع مفصل. أنا لا أناقش علماء الطب في أن الموت الدماغي موت حقيقي أم لا، بل ربما كانوا هم المرجع فيما يقولون هو موت حقيقي، ولكني ألفت النظر إلى أن الشريعة الإسلامية في أحكامها أقامت أحكامها على الموت الذي يراه الناس جميعاً موتاً بمقاييس عامة، لا بمقاييس علمية عميقة النظر، ومرد ذلك إلى مبدأ أخلاقي وعلاقة اجتماعية. وأضرب المثل لو أن الأمر جرى على ما يقوله أو يراه ويحلم به الأطباء لو أن إخوة لمريض ينتظرون شفاء مريضهم، ورأوا أن نبضات قلبه تتوالى، ولكن الطبيب في يقينه العلمي يرى أنه ميت وأن هذه النبضات لا قيمة لها. واستل كبداً منه أو استل قلباً منه لتصور هؤلاء الإخوة ولا يزالون يتصورون مدى الحياة أن هذا الطبيب أودى بحياة مريضهم، وتشيع الأحقاد والضغائن بين القلوب والنفوس، وربما تركت مضاعفاتها في المجتمع، ومن ثم فإن حكمة الشارع عميقة جدا في هذا الموضوع.
الموت الذي يعقب أحكام الدفن والأحكام الأخرى والتشريح، فيما إذا أجزنا ذلك، هو الموت الذي يقرر بإجماع أنه الموت، وبناء على مواصفات لا تغيب عن العامي ولا تغيب عن العالم، حتى لا يتكون من تصرف من هذا القبيل حقد أو ضغينة أو تصور أن طبيباً قد أودى بحياة مريض. هذه هي النقطة الثانية التي أحببت أن أشير إليها.
والنقطة الأخيرة الوصية. سمعت كثيراً هذه الكلمة تتكرر إذا أوصى الحي بجسمه، إذا أوصى، الوصية هذه هي التي تحتاج إلى بحث كما قال الدكتور الشاذلي هل الإنسان يملك جسمه حتى يوصي به؟ هو لا يملكه، إذن فالوصية أيضا أتصور أنها تحتاج إلى بحث على أقل ترتيب وتعديل. ولعل البعض يقول: إذا كان الميت لا يملك أن يوصي بطرف من أطرافه إذن الورثة من باب أولى أيضا لا يملكون أن يجيزوا أو أن لا يجيزوا. الورثة يملكون نظراً إلى أن لهم حق الكرامة الموصولة ما بينهم وبين هذا الميت. فمن حق كرامتهم أن يكون ميتهم محفوظاً مكلوءاً لا يمثل به. هذه الكرامة صلة متصلة قائمة بين الميت وأقاربه وورثته، ومن ثم توقف الأمر على إجازة الورثة ذلك، لا من حيث إن ملكاً تحول إليهم. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم وشكراً لكم.
الرئيس: شكراً. ترفع الجلسة لأداء صلاة المغرب، ثم نعود بعد الصلاة مباشرة لاستئنافها بإذن الله.(4/316)
الرئيس: نواصل المناقشات والمداولات بين أصحاب الفضيلة. الشيخ وهبة.
الشيخ وهبة مصطفى الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله. الحقيقة ما دار في موضوع زرع أعضاء إنسان من جسم إلى جسم آخر، تحقيق هذا الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدقة والإمعان وعدم التورط في إطلاقات القول، سواء في حال الإجازة أو في حال المنع. فلست مع الذين يجيزون هذا الموضوع بإطلاق، ولا مع الذين يمنعونه بإطلاق. والحق أننا أمام مبدأين أساسيين في شريعتنا، وهما مبدآن في صلب القرآن الكريم.
المبدأ الأول: مبدأ التعاون على البر والتقوى. والمبدأ الثاني الضرورة الشرعية. فهذا الموضوع ينبغي أن ينظر إليه من خلال هذين المبدأين. وإن النقل ينبغي ألا يكون إلا في حالات ضرورية جداً تتوفر فيها ضوابط الضرورة الشرعية أو الحاجة العامة أو الخاصة التي تنطبق عليها قواعد الشريعة. والأمر الآخر ينبغي في مقابل اللجوء إلى الأخذ بعامل الضرورة أو السماح بالتعاون والإيثار ألا يترتب على هذا الفعل إلحاق ضرر بالمتبرع. فصحيح كما قرر جمهور الفقهاء أن الإنسان لا يملك نفسه ولا أعضاءه ولا أجزاءه، حتى إن الحنفية الذين سمعنا مقالتهم إذا قال كما ذكر الإمام السرخسي: اقطع يدي. الحقيقة لا يصح أن نقيس هذا الموضوع على هذه الجزئية؛ لأن هذا عبث. فلذلك ينبغي ألا نجيزه، لكن موضوع النقل يترتب عليه إنقاذ حياة من العدم. وإنقاذ النفس واجب شرعي. وفي مقابل ذلك إذا يئسنا من حياة الشخص الذي ينقل منه عضوه، فحينئذ إذ نكون قد قارنا بين مصلحة ومفسدة، بالمقارنة بين المفسدتين ودفع أهون الشرين. وإذا كان هناك مصلحة عامة ومصلحة خاصة، وأكد الأطباء أن حياة الذي تنقل منه هذه الأعضاء ميئوس منها بشكل نهائي ووثقنا بكلامهم عندئذ نستطيع أن نلجأ إلى الأخذ بهذه الحالات من النقل، دون أن نتورط بما عليه حال الغرب المادي المعروف. نحن مقيدون بشرعنا الإلهي فلا يصح أن ننقل كما تفضل عميد كلية الشريعة بالأزهر هذا الوضع المادي المبتور الصلة عن الأخلاق والقيم والمبادئ الإلهية إلى مجتمع يدين بوحي من الله وبقرآن لا يزال معمولا به وسيعمل به إلى يوم القيامة. نحن في الحقيقة أمام هذا لا يصح أن ننقل كل معطيات الغرب المادية وإنما يجب أن نكون حذرين كل الحذر من هذا، وأن نأخذ ما يتفق مع شرعنا. وفي هذا، وفي ضوء هذا الاتجاه لا شك أننا نمنع المعاوضة بأجزاء الإنسان؛ لأن أجزاء الإنسان والإنسان نفسه مكرم: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آَدَمَ} الإسراء: 70. ولا يصح بإجماع الفقهاء كما هو معروف أن يكون الإنسان أو أحد أجزائه مثل الأموات والأمتعة المادية التي هي محل للعقود، فهذا لا يصح بحال من الأحوال. وهو في إجماع فعلي من جميع الفقهاء لا يصح أن نجعل الإنسان وأجزاءه مثل الأمتعة؛ لأن الإنسان مكرم، وأسمى من هذه الأمتعة التي نخضعها للمبادلات المالية. فالمعاوضة في رأيي حرام ولا تجوز. ولكن التبرع سواء أكان تبرعاً في حال الحياة، أو وصية لما بعد الوفاة، فالوصية لا تخرج أن تكون تبرعاً، حتى بعد الوفاة لا بد من أخذ إذن أولياء هذا الشخص. كما هو بالنسبة للعفو عن القصاص لا نطبق هذه النظرية، قضية العفو كذلك، نظرية الأخذ بالعفو هذه إعطاء وسلباً، فما دام يعفى عن الدم، إذن يمكنهم أن يسمحوا في ضمن ضوابط شرعية محدودة وقليلة جداً عندئذ نسمح لهم بهذا الإذن.(4/317)
التبرع قائم، والفقهاء يفتون. لايصح، أو لا يستطيع أحد أن يزعم في هذه القضية إجماعاً في عصرنا، لا إجماع. ولكن اتجاه الأغلبية هو المعمول به. كلنا الآن - لا سمح الله - لو عندنا قريب في مستشفى أو واحد منا - لا سمح الله - حدث له حادث سيارة، كلنا نتبرع له بشيء من دمنا، هل هذا حرام؟ إذا مثل الدم. والدم هو الأساس الذي تتكون به بنية الإنسان، وأعضاء الإنسان ما هي إلا أقل خطراً بكثير من قضية الدم. نتبرع بالدماء ولا شيء فيها، نتبرع بالكلية، نتبرع بالأشياء التي لا تلحق ضرراً بنا. فإذا توافرت هذه الضوابط، وتم ذلك على أساس التبرع، وكان ذلك ضمن قيود مشددة عندئذ لا أرى مانعاً من هذا.
أما ما أثاره الأخ الدكتور البار في قضية موت الدماغ وغيره، ومما ذكر في مجمع الفقه في الدورة السابقة. الحقيقة بحث هذا الموضوع من خلال رفع أجهزة الإنعاش. هل نرفعها أو لا نرفعها؟ فلا يصح أن نبتر الأساس الظاهر الذي عليه الفقهاء، وهو أن الموت في الظاهر وقوف دقات القلب. فالحقيقة استشهاد الدكتور بهذه القضية يجب ألا يعمم، فقرارنا السابق كان بهذه المناسبة. ولا يصح أن نأخذ حكماً لوحظ فيه قضية جزئية ونعمم هذا الحكم على جميع الجزئيات التي معنا؛ حتى لا نقع في التوسعة في أكثر من حدود الضرورة وقيود الضرورة وحوائج الإنسان. فلسنا حتى متحجرين أمام هذه الأمور ونحن أرحم الناس بعباد الله إن كانوا يزعمون أنهم أنصار الإنسانية ويحب الواحد منهم الآخر. نحن أولى الناس بهذه الرحمة، ولا تنزع الرحمة إلا من شقي، فلا يمكننا نحن أن نقفل الباب أمام هذا الموضوع، كذلك لا يصح أن نتورط في إطلاق الجواز. والله الموفق، وشكراً لكم.
الرئيس:
شكراً. في الواقع قرار المجمع الفقهي الذي صدر بالأغلبية حول أجهزة الإنعاش عطفاً على ما ذكره الشيخ وهبة. قال: وفي هذه الحالة يسوغ رفع أجهزة الإنعاش المركبة على الشخص، إن كان بعض الأعضاء كالقلب مثلا لا يزال يعمل آليا بفعل الأجهزة المركبة وشكراً.(4/318)
الشيخ أحمد محمد جمال:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا وسيدنا محمد، وعلى آله وصحبه. وبعد،
لي تعليقات بسيطة على المتحدثين السابقين. الملاحظة الأولى هي أن قضية نقل الأعضاء البشرية من جسم إلى جسم أصبحت قضية مفروضة على المجتمعات الإسلامية، وإن كانت في أساسها وافدة من الغرب. هذه القضية أصبح مفروغاً منها وأفتت فيها المجامع الفقهية وهيئات كبار العلماء في عدة دول عربية وإسلامية، وأفتى فيها أيضا علماء وشيوخ، فأعتقد أنها قضية أصبح مفروغا منها، وإنما البحث أو مداومة الدراسة في هذه القضية يتعلق بجزء منها، وهو: هل يجوز بيع العضو أم لا؟ لأن بعض الذين أفتوا أجازوا التبرع ولم يجيزوا البيع، في حين أن المستند واحد في كلتا القضيتين، وهو الملكية. الإنسان لا يبيع شيئاً لا يملكه، كما أنه لا يتبرع بشيء لا يملكه، فإما أن يملك الإنسان أعضاءه أو لا يملكها. أما أن كونه لا يملكها ويتبرع بها ولا يملكها ولا يبيعها على أي حال. سأفصل موضوع البيع في تعقيب آخر، وأختصر الآن الملاحظات.
الملاحظة الثانية: نقل ماجاء في بحث الدكتور محمد علي البار حول نقل الخصى والأرحام، كان تعليق الدكتور على هذه القضية أن نقل الخصية من شخص إلى شخص كأنما ينقل نطفته معه ونقل الرحم ينقل رحمها معه، والحقيقة أن الرحم عندما تنقل من امرأة إلى امرأة، أو الخصية عندما تنقل من رجل إلى رجل إنما تتغذى بدماء المنقول إليه أو إليها، فليست النطفة بعد ذلك من الرجل السابق، وليس الرحم من المرأة السابقة. فينبغي أن نلاحظ ذلك، أصبحت تتغذى من المنقول إليها أو المنقول إليه من الشخص الأخير. أحببت أن أبدي هذه الملاحظات.
ولي تعقيب في موضوع البيع والتبرع إن شاء الله.(4/319)
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً.
سيدي الرئيس، حضرات الأعضاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
كان الموضوع الأول في لقائنا هذا هو في نظري من أخطر المواضيع؛ لأنه يتصل بأمرين: الإنسان ذاته، والحكم الإلهي، وهذا الموضوع الذي خرج من دائرة النظر إلى دائرة التطبيق، وصفقت له أجهزة الإعلام متحدية بذلك العالم الإسلامي كله باعتبار أن مستواه العلمي لم يصل إلى المستويات التي وصل إليها الغرب والشرق أي العالم الأول والثاني. ولعل هذه التحديات تؤثر ولا بد لها من أن تؤثر في نفس الناظر، وهو ما يجعل هذا الموضوع يقتضي أن ننظر فيه بكامل الحذر والموضوعية؛ لأنه موضوع خطير كما قلت جدا.
وأعود إلى أصل الموضوع فأجد أن العنوان الذي عنون به فيه نوع من الغموض أو القصور.
أولاً: كان الموضوع هو نقل عضو، ونقل العضو قاصر عن المشكلة المطروحة على بساط البحث؛ لأن هناك نقل أعضاء. وهناك نقل أنسجة، وهناك نقل إفرازات، وهناك نقل ما يتجدد ويمكن تعويضه، وما لا يتجدد ولا يمكن تعويضه. كما أنه في الشطر الثاني من الموضوع هناك أيضا بحث لا بد من تدقيقه، هو أن النقل قد يكون من شخص إلى شخص آخر، وقد يكون من شخص إلى ذاته، فيُنقل نسيج من الجلد من مكان إلى مكان، وهي عملية جراحية لا بد من بيان حكم الله فيها.
نأخذ القسم الأول، وهو النقل من شخص إلى شخص آخر، وهذا على نوعين؛ من شخص محترم الحياة، ومن شخص غير محترم الحياة. فإذا كان غير المحترم الحياة فقد بحث فيه الفقهاء قديماً في الأكل، في جواز أكل المضطر من لحم الحي ومن لحم الآدمي. وأما إذا كان محترم الحياة فهل يجوز للإنسان أن يتبرع بعضو من أعضائه لينقل لشخص آخر تلف منه ذلك العضو، والنقل تتوقف عليه الحياة؟ القضية مرتبطة بقاعدة أصلية، وهي قاعدة الملكية. أو قاعدة الحق. والحقوق كما تفضل من سبقني هي منقسمة إلى أقسام. وإذا أردت أن أضع هذا، أي: نقل الأعضاء فهو ما اجتمع فيه حقان: حق الله، وحق العبد.(4/320)
وكان حق الله أغلب من حق العبد. وإذا كان حق الله أغلب من حق العبد، فليس للإنسان أن يسقط هذا الحق. قد يقال: إن الإنسان يتصرف في أعضائه، وهو دليل للملكية والتصرف كما نعلم هو يقع بإذن الله، وهو إذن الشرع على ثلاثة أنحاء. عندنا إذن في التصرف من المنفعة، وهو مالك المنفعة. وعندنا تصرف في الانتفاع. وعندنا تصرف في الذات والمنفعة. فهذه الثلاثة التفصيل بينها أمر ضروري، حتى لا تختلط القضية في هذه النقطة الهامة. فالإنسان يملك من أعضائه أنه ينتفع بها، أي: أنه يتصرف فيها فيما يساعده على حياته، يملك الثاني الانتفاع ولا يملك المنفعة. له أن يملك الانتفاع بذاته، ولا يملك تلك المنفعة ليحيلها إلى غيره. وعندها الإنسان في بدنه يملك الانتفاع والمنفعة، فله أن ينتفع بالأعضاء التي خلقها الله له. وله أن يؤاجر نفسه لغيره، فيأخذ عوضاً عن منافعه، ولكن لا يملك أبداً، ولا يوجد أي نص يعطي للإنسان حقا في عضو من أعضائه. وما ورد عن الحنفية من أن الشخص إذ قال له: اقطع يدي، إنما تحدث الحنفية في هذا عن أمر خاص، وهو أن هذا حد يرفع بالشبهة، أما الإقدام عليه فحرام من الطرفين؛ وما كان حراماً من الطرفين إلا لأن هذا لا يملك والآخر لا يملك التعدي، ولو مع الإذن. ولذا فإن العضو في الإنسان ما دام محترم الحياة هو ملك لله، وللعبد حق فيه، وملك الله أغلب.
الأمر الثاني: هو أن الإنسان بعد موته بعد أن يتوفاه الله ما علمت من أين نبتت هذه النابتة التي ما أظنها إلا أنها وردت من التأثير الغربي علينا من أن للورثة حقا في الميت، الورثة ليس لهم الحق في الميت إلا حق الميراث. وأما حق الكرامة الإنسانية فهي واجبة، لا على الورثة ولا على الأهل والأقرباء. ولكنه حق كفائي، واجب على أمة محمد صلى الله عليه وسلم كلها أن تقوم بإكرام هذا الميت وبدفنه، وبعدم التمثيل به، ولا يقال: حق لشخص إلا إذا كان يملك إسقاطه. فليس لشخص أن يسلب حق كرامة الميت، ولبقية المسلمين أن يقوموا عليه بتحديده.
أما الإيثار فإن الشاطبي قد نص على أن الإيثار لا يكون بالحياة ولا بجزء من أجزاء الإنسان. يقول الشاطبي: وأيضا ففي العادات حق الله تعالى من جهة الكسب، وواجب الدفاع؛ لأن حق الغير محاطة عليه شرعاً أيضا، ولا خيرة فيه للعقل، فهو لله تعالى صرفا في حق الغير على عضو من أعضاء الإنسان، فهو حق للغير حتى يسقط حقه باختياره في بعض الجزئيات خلاف الأمر كله. ونفس المكلف أيضا داخلة في هذا الحق؛ إذ ليس له التسليط على نفسه ولا على عضو من أعضائه.
ولهذا فالذي أطمئن إليه لحد الآن هو أنه لا نستطيع أن نفرق بين باب التبرع، وبين باب التصرف بالبيع، وكلاهما سواء. فإما أن يملك الشخص الشيء فله أن يتصرف فيه بمقابل وبدون مقابل. وإما أن يكون معزولا عن التصرف فيه بذاته، هنا البابان سواء، وهو ما يجعلني لا أطمئن إلى جواز نقل الأعضاء في حال كون الشخص حيا محترم الذات، لا بهذا ولا بهذا. وشكراً لكم، والله أعلم.(4/321)
الشيخ محمد إبراهيم شقرة:
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ به من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له. أما بعد،
فبمناسبة طرح هذا الموضوع الذي ما زلنا ندير نقاط الحديث حوله، فإنني أقترح وقد رأينا وجهات النظر متباعدة متخالفة، وليس هناك قرب من بين الإخوان إلا في بعض الجزئيات من هذا البحث، وإن كان هناك اختلاف واسع في بعض الجزئيات الأخرى. لذا فإنني أقترح على فضيلة رئيس المجلس وأمينه أن تكون هناك لجنة مصغرة تكون من ثلاثة أشخاص أو أربعة أو الذين استكتبوا في هذا البحث لينسقوا هذا البحث تنسيقاً دقيقاً، وليستوفوا الأشياء التي ربما تكون قد غابت عن بعضهم في هذا البحث، أو في ذاك، وأقترح أن يكون أخونا الشيخ المختار واحداً من هذه اللجنة، فقد سمعنا منه كلاماً علمياً رصينا يذكرنا بالعلماء السابقين الذين كانوا لا يخطئون ولا يلحنون. بمناسبة طرح موضوع زراعة الأعضاء فإنني أرى لإخواني الذين يجيزون هذا الأمر أن يذكروا أن هناك مئات بل ألوفا بل عشرات من الألوف، بل مئات من الألوف، يقتلون أو قتلوا فعلا على جبهة العراق التي يدور رحى حرب ضروس فيها، وبين دولة أخرى عزمت على أن يظل قوسها منصوباً وسهمها مصوباً إلى صدر شعب أو جزء من أجزاء هذه الأمة التي تدين بالإسلام الحق، ولا تسجد إلا لله، ولا تعرف لغيره حقا عليها. أقترح على هؤلاء الإخوة الذين أجازوا زرع الأعضاء أن يلفتوا أنظارنا إلى أن نفيد من هذه الأعضاء التي تذهب هدراً وتصير تراباً مع التراب، وأن ذلك أمراً يكون مستحيلا، فبودي إذن أن يكون هناك ـ وهذه قضية في ظني وفي تقديري وفي تقدير كل مسلم يسجد لله ويركع له ويقرأ كتابه ويعرف أحكام الشريعة التي أقامت سعادة البشر عليها للدنيا والآخرة. فإنني أقترح أن يطرح هذا الموضوع المهم وهو في ظني أهم بكثير من موضوع زرع الأعضاء. أن يطرح موضوع الحرب العراقية الإيرانية على مجمعنا الكريم هذا. وبخاصة ونحن على مرمى البصر إن كان التعبير جائزاً من أيام الحج المباركة التي تذكرنا ولا شك بالدماء التي أسيلت وبالأرواح التي أزهقت وبالفتنة التي أثيرت. فماذا نحن قائلون يا ترى في هذه الحرب التي دفعت بجندها إلى ساحات الحرم الشريف ليثيروا هذه الفتنة العاصفة حتى ينزعوا وليسوا بقادرين وبحول الله وبقوته ثم بولاية هذه الأسرة الكريمة أسرة آل سعود على هذه الأرض التي حفظتها من سنين، فزرعت فيها الأمن والخير ليست بقادرة إن شاء الله تعالى على أن تمس أمن هذه الديار، ولا أن تخيف المسلمين، ولا أن تفزعهم، ولكن الشيء الذي يؤذي والضر الذي يقع لابد أن يقال فيه الكلام، ولابد أن يصدر حكم، إن كنا قد سمعنا أصواتاً كفرت ونددت ونادت وأثمت، صدرت من مصر والأردن ومن العراق ومن المملكه العربية السعودية، لكنها أصوات فردية، نريد من هذا المجمع أن يكون له صوت واحد يدوي في أصوات الدنيا، يصدر حكمه بلا خوف ولا تردد ولا وجل حول هذه الحرب الضروس التي أكلت اليابس قبل الأخضر، وأتت على أموال هذه الأمة، وأذهبت رونق جمالها، وجعلت الإسلام في نظر أعدائه أسود قاتماً لا يبصر منه الناس في هذا الزمان في بلاد الغرب التي تعادينا، لا تبصر منه إلا شؤما وإلا قرفاً وإلا سبة عار في جبيننا عياذا بالله تعالى. فماذا أنتم قائلون؟ وبارك الله فيكم والسلام عليكم.(4/322)
الرئيس:
شكراً. أما موضوع إرسال البحوث يا شيخ محمد فإن البحوث أرسلت إلى الأعضاء قبل ثلاثة شهور، وقبل أربعة شهور، وقبل شهرين، وأما جعل خلاصة في آخر كل بحث، فهذه اللائحة التنفيذية للمجمع ذكرت الشيء هذا، إلا أنه لم يحصل الالتزام بها، لكن هي مراعاة في نظام المجمع في اللائحة التنفيذية، وقبل أن أعطي الكلمه للشيخ رجب،
شكراً لكم على كلمتكم، وأرجو من الإخوة ألا نخرج من موضوع زراعة الأعضاء، وهكذا في بقية المواضيع التي تكون مطروحة في هذا المجمع. الشيخ رجب مع مراعاة الاختصار للوقت.
الشيخ رجب بيوض التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن الموضوع الذي أمامنا هو موضوع خطير يجب ألا نتسرع في الحكم فيه، والحكم فيه واضح وظاهر وبين. فقد خلق الله الإنسان للعبادة: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} الذاريات: 56، والله سبحانه وتعالى خلق لإنسان في أحسن تقويم، وقد خلقه ومَنَّ عليه بما خلقه من أعضاء: {أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ (8) وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ} البلد: 9.8، وأعضاء الإنسان شرعاً قول مبتوت فيه لا يملكها الإنسان. إنما خلقها الله فيه لينتفع بها، وليحيا حياة طيبه بها؛ ليعبد الله حق العبادة. فهو لا يملك هذه الأعضاء حتى يتبرع بها أو يبيعها أو يتصرف بها ورثته؛ لأن الإنسان لا يورث منه إلا ماله، وكذلك لا يجوز له أن يتبرع بما لا يملك، ولا أن يأخذ عوضاً عن أعضاء خلقها الله فيه لينتفع بها وليعبد الله بها. ولذلك فإن هذا البحث أستهجنه؛ لأنه بحث جاءنا من الغرب المادي الذي لا يفكر إلا في المادة وحدها، أما النواحي الروحية المعنوية والكرامة لبني الإنسان ولبني آدم لا يضع وزنا لها.
ولذلك فإنني أقول: إن الإنسان لا يملك أي عضو فيه، ولو كان ظفر أصبع؛ فإنه يعبد الله. ألا ترى أن الإنسان يتشهد برفع أصبعه، فكيف يجوز له أن يتصرف فيه، وإنما لو تركنا الأمر للإنسان ليتصرف برضاه بأعضائه لحصل من ذلك فوضى وسوء تصرف، وخروج عن الطاعة والوقوع في المعاصي بدعوى الرضا. دعوى أن كل إنسان حر في نفسه. لا، الحرية في الإنسان مقيدة بأوامر الله، والله سبحانه وتعالى خلق الإنسان وخلق له أعضاء، وخلق كل شيء فيه له خاصة، أما أن نتوجع على شخص مريض لنأخذ له عضواً من شخص صحيح، فهذا أمر لا يجوز لنا البحث فيه، صحيح أن هناك بعض الأشياء التي ذكرها بعض الإخوان تؤخذ من الإنسان كالدم، الدم يؤخذ لينتفع به آخر إذا كان لا ضرر فيه على المأخوذ منه، أو بعبارة أخرى أنه يعوض ما أخذ منه من دم أو كما يقول الأطباء: لا يتضرر من أخذ دم منه كالفصاد. الإنسان قد يكون فيه دم زائد، وهذا يمكن أن ينتفع به؛ لأنه لا يتضرر من أخذ هذا الدم. أما قطع عضو أو أخذ شيء محسوس منه فيجب منعه. أقول: يجب أن يفتى وأن يؤخذ بأنه حرام مطلقاً. وما ذكره السرخسي من أن إنسانا لو قال لإنسان آخر: اقطع يدي قطعه، لا شك أن هذا حرام وممنوع. ومن قطع العضو يجب أن يعزر إن لم يقم عليه الحد للشبهة؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات، لكن هذا الإنسان الذي اعتدى يجب أن يعزر وأن يعاقب؛ لأن الإنسان إن قال له: اقطع يدي فلا يجوز له أبدا أن يقطع، وإلا تقع حرمات كثيرة، وتقع مصائب كثيرة إن قلنا للإنسان: أنت حر فيما تفعل بأعضائك، فقد يفعل المنكر إن لم نقفل هذا الباب. ونقول له: أعضاؤك ليست ملكك، وإنما هي لك للانتفاع بها فقط، لا لغيرك، فلا يجوز أن تتبرع أو أن تأخذ عوضا، ولا يجوز لورثتك أن يتصرفوا بك بعد موتك؛ لأن الورثه فقط لهم مال الإنسان. هذا ما أردت أن أوضحه حسب اجتهادي بما علمت وبما درست وبما فهمت. والله الموفق.(4/323)
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله. لا أريد أن أكرر ما قاله الإخوان أو ما أشير إليه في البحوث، إنما أحب أن أعلق جملة من التعليقات، وكان بعضها نقطة نظام. والذى أرجوه أن يلاحظ هذا في الجلسة القادمة أن العارض ليس المقصود أن يعرض بحثه أو أن يقرأ بحثه، لابد في الواقع أن تقدم خلاصة عن جملة البحوث التي وردت في المسأله لتوضيح الصورة متكاملة أمام المجمع وبالتالى يبدأ النقاش على هذا الأساس.
فى ظني أن هذه القضية واضحة، لا يجوز فيها الإطلاق لا بالمنع ولا بالإباحة، وحتى الذين قالوا في هذه الجلسة بالمنع بالإطلاق إذا دخلت معهم في نقاش تفصيلي تجدهم يقرون المبدأ، فمن حيث المبدأ الأمر مقر عند الجميع، ولا أحتاج للتدليل على هذا، يكفي أن نذكر قضية نقل الدم، فقضية نقل الدم قضية مجمع عليها، عندما تسألهم: لماذا يقولون بالجواز في هذه القضية؟ يقول لك: إنه لا ضرر فيها، والدم يتجدد، إذا ما الذي يمنع أن يسهل الحكم. إذا فلا بد في الواقع أن تحرر المسألة بدقة، ثم بعد ذلك ينظر إلى ما تنسحب عليه بعد تحريرها بدقة بمختلف مواصفاتها وشروطها.
في ظني أن لبسا كبيرا وقع في هذه المسألة من استخدام كلمة المتبرع وكلمة الإذن، وحدث نتيجة هذا اللبس أن غفل عن أصل المسألة، وأنها في دائرة الضرورات وأنها من منطلق رعاية مصلحة الإنسان وغيره، الواقع يجب أن نخرج من هذا الموضوع قضية الملكية؛ لأننا لسنا في مجال ما يمتلك وما لا يمتلك في التعامل مع الإنسان نفسه.
الأصل في هذه المسألة، ومنطلق البحث فيها، إذا كان هنالك صيانة لحياة إنسان قطعا، وكانت هذه الصيانة تتطلب الاستفادة من عضو الإنسان، سواء أكان حياً أو ميتاً، دون الإضرار به، هل هذا يجوز؟ وما شروط ذلك؟ وضعوا قضية الملكية جانباً؛ لأن شرط الإذن في هذه المسألة واستخدام كلمة التبرع ليس باعتبار الملك أو عدمه؛ لأننا كما قال أستاذنا السلامي سنضطر إذا قلنا: إن القضية تبرع بما يملك، إذن الذي يتبرع يملك أن يبيع، ونحن نتحفظ على عملية البيع ونمنعها، إذن الموضوع ليس هذا مدخله. الموضوع مدخله من هذه الزاوية، زاوية الضرورة. وقضية الإذن نشترطها منعا للبس الذي أشار إليه أستاذنا البوطي عندما قال: إن السماح بمثل هذا قد يوقع مشكلات وقضايا. إذن نحن نشترط الإذن حتى لا يترتب على عمليه استخدام أعضاء الجسم الإنساني حيا كان أو ميتاً مشكلات وقضايا وخلافات، وهذا أيضا الذي أدخل قضية الأولياء، أدخل قضية الأولياء لهذا الاعتبار. اشتراط إذنهم وموافقتهم في إذا لم يكن هنالك إذن من الإنسان نفسه. هذه قضية.(4/324)
قضية أخرى يجب أن يتنبه إليها في هذا المجال، إن هنالك أموراً كما قلنا: إنها جائزة، ونحن مجمعون عليها، حتى عند الذين يتحفظون على أصل المسأله، هنالك قضايا يجب أن نقول بمنعها أيضا قولا واحداً؛ لما يترتب عليها من مشكلات وأمور تخل بمبادئ وقواعد شرعية أساسية كما في قضية التبرع بالخصية وقضية التبرع بالمبيض وغير ذلك.
وأنا أقول لأستاذنا أحمد محمد جمال في هذا الموضوع: إنه ثبت في النحو الطبي، وهذا أتركه للأطباء، أن التبرع بالخصية المواصفات الخاصه بالحيوانات المنوية لا تعود للمتبرع إليه، إنما تعود مواصفاتها للمتبرع، مما يعني أن هناك اختلاطا في الأنساب. كذلك قضية الولي عمن هو تحت ولايته لا يملك هذا. إذن هذه القضية نمنعها. قضية التبرع بما يسبب إشكالات أخرى؛ كاختلاط الأنساب، نمنعها. قضية اللقائح المرشحة، وهذا تحفظ كنت أشرت أنا إليه في بحث أطفال الأنابيب وغفل عنه. كنت نبهت إليه في الدورة الثانية هنا ولكننا غفلنا عنه في دورة عمان، الواقع لا بد من إضافة قيد من أن لا يكون هنالك ترشيح لعدد كبير من اللقائح؛ لأنه حتى لو لم نستخدم منها في زرع الأعضاء فإننا ندخل في دائرة القتل فيما إذا سمحنا للأطباء بعد ذلك أن يتلفوها أو لا بد أن تكون اللقائح المرشحه بالقدر الذي يفى بعملية أطفال الأنابيب؛ حتى لا تتولد عنها لقائح فيها الحياة، ثم بعد ذلك نقتلها أو نتيح للأطباء أن يفكروا في عملية الاستفادة منها في زرع الأعضاء.
ثم أشير هنا إلى أمر آخر في موضوع ما استقر في كثير من الدول، نحن لا نريد في هذا المجمع أن نأتي الأمور من نهايتها ونعود بالمصادر على كل ما أنجزناه. هذا الموضوع كما تفضل بعض الإخوان قد استقر في كثير من الدول وبحثه علماء أجلاء ووضعوا فيه قواعد وشروطاً. وأذكر في هذا المجال المملكة الأردنية الهاشمية، أن هناك قانونا يتعلق بالانتفاع بقرنية العين صدر سنة 1956 بشروط شرعية معتبرة قبل 32 عاما، ولدينا في هذا الموضوع قانون عمم قضية الانتفاع بأعضاء الجسم ضمن شروط شرعية معتبرة، أقرتها لجنة الفتوى صدر سنة 1977. الواقع مما يجب أن نحرص عليه في هذا المجال أن إطلاق الفتاوى دون أن توضع التشريعات الضابطة لتطبيقها في الدول التي تتبناها قد يوقع مشكلات كبيرة وسوء استخدام لهذه الفتاوى؛ لذلك كانت لجنة الإفتاء في المملكه الأردنية على ملاحظة لهذه النقطة فما أصدرت فتواها إلا وأرفقتها بتنسيق مع الدولة بتشريع يضبط هذه القيود التي نضعها؛ لأنه يبدو أننا نضع قيوداً في كثير من الأحوال في فتاوانا ولا ينتبه إليها، ويؤخذ المبدأ كمبدأ مجاز، ثم ينطلق في تطبيقه دون ملاحظة للشروط التي قررت، ولذا فيما إذا توجه مجلس المجمع للجواز في هذا، ووضع قيوداً وشروطاً، وهو كما أظن الاتجاه الأسلم في هذا المجال لابد أن يرفق بضرورة صدور تشريعات ضابطة لهذا الأمر ومراعية لتطبيقه أسلم تطبيق. وشكراً والسلام عليكم.(4/325)
الرئيس:
شكراً. قبل أن أعطي الكلمه للأستاذ محمد أيمن في الواقع أن الموضوع الذي طرح أمامنا الآن ليس موضوعاً محدداً في صورة من صور النقل والتعويض. وإنني بالاستقراء ظهر لي ما يقرب من ثلاثين صورة لعدة اعتبارات، سواء كان من حي إلى حي أو من ميت إلى حي، وباعتبار الإسلام والكفر، وباعتبار الأهلية، ونقص الأهلية إلى غير ذلك ما يقرب من ثلاثين صورة، فهل نجري بحثنا والمداولات فيه على أساس هذه المجموعة الكبيرة من الصور الشائكة، ولا أظن أن مثل هذه الجلسات، وأمامنا جدول مضغوط بعدد من البحوث، أنه يستوعب أن نناقش هذه الصور واحدة واحدة، بحيث تصدر فيها آراء فقهية بحسب ما يصل إليه الأكثرية في هذا المجمع، ولهذا فإنني أخشى إذا سرنا في هذا المسار بأن نبحث الموضوع على صفة العموم، هكذا أن ننتهي إلى غير غاية، ولهذا أقترح عليكم أن يحدد الموضوع الذي يبحث، هل نبحث الموضوع بكليته؟ فالذي يظهر فيه تعذر البت فيه أم نبحثه بجزئية أو جزئيتين أو ثلاث، فهذا هو الذي ينبغي أن يحدد، وأن يؤخذ بالأهم فالأهم من هذه الصور. والمسأله كما أشار إليها الأستاذ حسن الشاذلي والشيخ المختار وعدد من الإخوان هي مهمة وحساسة. ونحن لا نريد أن يصدر فتوى فيها شيء من الإطلاق تمتطيها جهات أخرى فيستغلونها على ذمة هذا المجمع. هذا ما يتعذر إصداره من هذا المجمع. ولهذا فإنني أرى أن يقصر البحث في الموضوع على صورة أو صور معينة. أما أن يبحث الموضوع زرع الأعضاء؛ ولهذا فإننا إلى الآن من خلال هذه المداولات بأجمعها لم يتضح لنا رأي نعرف اتجاه المجمع إليه بالجواز المقيد أو بالمنع أو بالتفصيل. هذا ما أحببت الإشارة إليه. والكلمة الآن إلى الأستاذ محمد أيمن.(4/326)
الدكتور محمد أيمن صافي:
بسم الله الرحمن الرحيم. وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أصحاب الفضيلة، أصحاب السماحة، أصحاب السعادة. يتضح لي كما اتضح للكل أن الموضوع شائك. إنه بعدما يتحدث المتحدث تنشأ الكثير من التساؤلات، وإني أؤيد فضيلة الرئيس بأن تحدد النقاط. ولا تظنوا أننا خرجنا بغير فائدة، فالفائدة موجودة، وحسبنا أننا سنحدد النقاط، وسيكون هذا الاجتماع منطلقاً لدراسات وأبحاث وتشاورات ما بين المختصين وما بين السادة الفقهاء؛ لنصل في اجتماعات أخرى إلى ما يرضي الله أو إلى ما نسأل الله أن تكون فيه الفائدة. نخرج بقرارات فقهية بعد دراسات وبعد مباحثات مع بعض. قلت: إنه بعدما يتحدث المتحدث تنشأ الكثير من التساؤلات. فقد بدأ زميلي الدكتور محمد علي البار، وفي نهاية حديثه طرح موضوع زرع الأعضاء التناسلية. الخصية والمبيض، ثم وجدت أن الشيخ عبد السلام العبادي إذا صح تخميني قد دعا إلى تحريم زرع الخصية والمبيض. إن هذا الجواب القاطع أعتقد ليس مقبولا، فلنعرف أن غرس الخصية لا يتم من أجل الحيوانات المنوية أو الخلايا التناسلية. وإنما من أجل علاج الصفات الجنسية الثانوية بغض النظر عن الخلايا التناسلية، فلو افترضنا كما يظنه البعض أن غرس الخصية سيؤدي إلى نقل الخلايا التناسلية، فنكون بهذا قد أوجدنا حلا جيداً لقضية عويصة يقف أمامها الأطباء المختصون، وهي قضية العقم، إذن ما أريد قوله في هذه النقطة أن الدراسة المتأنية والبحث المتأني سيغير موزون القضية، فنجد بالنسبة لهذه القضية عندما ننظر إلى غرس الخصية بأنها علاج العقم. فطبعا سيتبادر أنه حرام، لكن عندما نجد علاج الصفات الجنسية فإننا بذلك نميل من التحريم إلى التحليل حسب اعتقادي.
قضية أخرى أن موضوع غرس الأعضاء كما تعرض إليه الإخوة أصحاب الفضيلة حدده بأنه غرس أعضاء من شخص حي إلى شخص حي آخر، أو من ميت إلى حي. إن النقطة الأولى والتي هي غرس العضو أو نقل العضو من حي إلى إنسان حي آخر تتضمن أيضاً العديد من النقاط، فلا يجوز أن نطلق الحكم بالتحريم أو التحليل؛ لأن غرس العضو من حي إلى حي يتضمن أيضا غرس العضو ضمن نفس الجسم، وهو ما يسمى بالغرس الذاتي، فهذا يختلف، وأيضا هنالك حالة، فمثلا غرس قرنية العين في هذه النقطة لو رأينا أنه من الممكن الحصول على قرنية العين من إنسان حي عندما يضطر هذا الإنسان إلى التخلي عن عينه في بعض الأحوال يضطر الطبيب إلى استئصال العين لوجود مرض يستدعيه للاستئصال، ففي هذه الحالة نحن أمام غرس عضو، والذى هو قرنية العين، وهو جزء من العين مأخوذ من جسم حي، لكن من عضو يجب استئصاله، إذن فالموضوع شائك. وكما بدأت فإنه من المفيد أن نبدأ من الآن، وكما قال أصحاب الفضيلة من قبل، بدراسة هذا الموضوع بشكل جزئي نأخذ النقاط كلا على حدة ويتم بها البحث والتداول والتشاور، ومن الممكن أن نأتي في الاجتماع القادم بمعلومات أفضل وبقرارات أفضل. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(4/327)
الشيخ محمد سيد طنطاوي:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على رسول الله ومن والاه، وبعد، فمما لا شك فيه أن هذه الاجتماعات لها من النفع ما لها؛ لأن العقول مثلها كمثل الشموع، كلما تقاربت كلما سطع ضوءها، وفي هذا الاجتماع الذي نناقش فيه تلك المسأله أقول: إنه لا توجد مسائل صعبة متى خلصت النيات، ومتى صحت العزائم، وتعجبني كلمة لعلماء الأصول، وهي تحرير محل النزاع. إذا ما تحررت المسألة واتضحت سهل العسير وقرب البعيد. وهذا الموضوع ليس جديداً، وإنما هو موضوع تكلم فيه العلماء كثيراً، سواء كان كلامهم على جهة الانفراد أم على جهة المجامع الفقهية. فتوجد فتاوى متعددة ومن جهات رسمية حول هذا الموضوع. والذي أحب أن نصل إليه ألا يكون هناك تضارب أو تناقض في الأفكار. وإنما الذي نريد أن نصل إليه هو التقارب، وألا تصدر فتوى هنا تتناقض مع فتوى هناك، وإنما نحاول أن نعود إلى القرارات التي اتخذت في هذا الموضوع من المجامع الفقهية المختلفة، ومن دور الإفتاء، وأن نضيف إليها ما نراه نافعاً وما نراه صالحاً؛ فإن الأحداث تتجدد، وإن المسأله التي لا يسأل عنها اليوم قد يسأل عنها في الغد. وأنا أمامي الآن في ختام البحث الذي قدمه الأخ الشيخ خليل محي الدين الميس في الصفحة السابعة القرار الذي اتخذه مجمع الفقه الإسلامي المنعقد بمكة منذ ثلاث سنوات، ونصه إذا أذن لي فضيلة الرئيس، وهو قرار لن يأخذ سوى دقيقتين، لكنه قرار نافع من وجهة نظري، وأنا شخصيا أرتاح إليه ارتياحا تاماً:
أولاً: أن أخذ عضو من جسم إنسان حي وزرعه في جسم إنسان آخر مضطر إليه لإنقاذ حياته، أو لاستعادة وظيفة من وظائف أعضائه الأساسية هو عمل لا يتنافى مع الكرامة الإنسانية بالنسبة للمأخوذ منه، كما أن فيه مصلحة كبيرة وإعانة خيرة للمزروع فيه. وهو عمل مشروع وحميد إذا توافرت فيه الشرائط التالية:
أولاً: ألا يضر أخذ العضو من المتبرع به ضرراً يخل بحياته العادية؛ لأن القاعدة الشرعية أن الضرر لا يزال بضرر مثله، ولا بأشد منه، ولأن التبرع حينئذ يكون من قبيل الإلقاء بالنفس إلى التهلكة. وهو أمر غير جائز شرعاً.
ثانياً: أن يكون إعطاء العضو طوعاً من المتبرع دون إكراه.
ثالثاً: أن يكون زرع العضو هو الوسيلة الطبية الوحيدة الممكنة لمعالجة المريض المضطر.
رابعاً: أن يكون نجاح كل من عمليتي النزع والزرع محققاً في العادة أو غالباً.(4/328)
ثانياً: تعتبر جائزة شرعاً بطريق الأولوية الحالات الآتية:
أولاً: أخذ العضو من إنسان ميت لإنقاذ إنسان آخر مضطر إليه بشرط أن يكون المأخوذ منه مكلفاً، وقد أذن بذلك في حالة حياته.
ثانياً: أن يؤخذ العضو من حيوان مأكول ومذكى مطلقاً، أو من غيره عند الضرورة لزرعه في إنسان مضطر إليه.
ثالثاً: أخذ جزء من جسم الإنسان لزرعه أو الترقية به في جسمه كأخذ قطعة من جلده أو عظمه لترقيع ناحية أخرى من جسمه بها عند الحاجة إلى ذلك.
رابعاً: وضع قطعة صناعية من معادن أو من مواد أخرى في جسم الإنسان لعلاج حالة مرضية فيه كالمفاصل وصمام القلب. فكل هذه الحالات يرى المجلس جوازها شرعاً بالشروط السابقة.
أرى أن هذا كلاما جيداً وكلاما نفيسا، ينبغي أن نعود إليه وإلى غيره، وعندما نصدر قرارا في هذا الموضوع المطروح أمامنا أن نرجع إلى تلك الفتاوى وأن نضيف إليها ما نريد أن نضيفه، بشرط أن لا يكون هناك تناقض أو تضارب.
ولفتت نظري كلمة من الإخوة المتحدثين، أنه ليس هناك من فارق بين مسألة التبرع ومسألة البيع. وأنا من وجهة نظري الشخصية أرى أن هناك فارقاً ولو كان هذا الفارق ضئيلا. ولكن لا بد أن يكون هناك من فارق.
المتاجرة بالأعضاء عن طريق البيع وعن طريق التعامل ممنوعة وحرام قطعاً؛ لأن جسم الإنسان لا يصلح أن يكون محلا للمتاجرة. لكن في الحقيقة التبرع شيء لا يلجأ إليه الإنسان إلا عند الضرورة القصوى، أنا لا أتبرع لمن لا أعرفه، ولا أتبرع لإنسان أحبه حباً عادياً، وإنما أتبرع لأحب الناس إلى ولألصق الناس إلى قلبي. فهناك في تصوري فرق واضح بين حالة التبرع وبين حالة البيع.
نقطة ثالثه أيضا لفتت نظري خلال إلقاء البحث الذي ألقاه الأخ الشيخ خليل، وهو أنه أتى بعبارة يقول فيها: جلب المصالح مقدم على درء المفاسد، والذي أحفظه أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وتلك هي القاعده العامة، قد تكون العبارة الأولى قاعدة ولكنها ليست عامة أو ليست غالبة، ولكن القاعدة الغالبة والشائعة والتي حفظناها أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح. وهذا وبالله التوفيق وشكراً.(4/329)
الشيخ آدم عبد الله علي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده.
إنني أريد أن أنقل بعض الفقرات عن بعض الأئمة الشافعية. يقول الإمام النووي: يجوز قطع الإنسان بعضه لأكله؛ لأنه إتلاف بعض لاستبقاء كل. وقال أبو إسحاق المروزي: لأنه إحياء نفس بعضو، كما يجوز أن يقطع عضوا إذا وقعت فيه الأكلة لإحياء نفسه. واشترطوا في ذلك شروطا، وفي نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج للرملي عبارة أوضح من ذلك، يقول في جزئه الثاني صفحة 145: ويحرم قطعه البعض من نفسه لغيره، ولو مضطرا، ما لم يكن ذلك الغير نبيا. وفي المجموع شرح المهذب للنووي في المجلد التاسع يقول: لو أراد المضطر أن يقطع قطعة من نفسه من فخذه أو غيرها ليأكلها، فإن كان الخوف منه كالخوف في ترك الأكل أو أشد حرم القطع بلا خلاف. وصرح به إمام الحرمين وغيره، ثم يقول: ولا يجوز أن يقطع من أعضائه شيئا ليدفعه إلى المضطر الآخر بلا خلاف. وصرح به إمام الحرمين والأصحاب. يعني أصحاب الشافعي.
لا شك أن الله سبحانه وتعالى أكرم الإنسان ميتا كما أكرمه حيا؛ قال تعالى: {قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ (17) مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ (18) مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ (19) ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ (20) ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ} عبس 17 – 21 فجعله سبحانه بعد موته مقبورا، فالواجب على المسلمين إذا مات واحد منهم الدفن كله لا بعضه، فانتهاك حرمة الميت المسلم كانتهاك حرمته حيا؛ فقد روي عن عائشة رضي الله عنها، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إن كسر عظم الميت ككسره حيا)) رواه مالك وأبو داود وابن ماجه. وقد جوز الفقهاء أو بعضهم شق بطن الحامل الميتة لإخراج جنينها الذي يرجى حياته، كما جوزوا بقر بطن الميت إذا كان في بطنه مال ابتلعه في حياته لإخراج المال منه إذا بلغ المال نصاب السرقة أو الزكاة، على خلافهم في قدر المال الذي من أجله يشق بطن الميت، وقاس بعض العلماء على تلك المسائل جواز تشريح المجني عليه الذي مات قبل إثبات الجريمة.
ورأي الفقهاء في ذلك ظاهر؛ لأن في تلك المسائل تعلق حق الغير، أو إثبات حق الغير في ذات شخص معين، وإن كان ميتا، فانتهك حرمته لأجل ذلك، وأما انتهاك حرمة الميت بقطع بعض أعضائه لجعلها قطع غيار لغيره، فليس من قبيل ذلك في نظري، فلا أجد في نظري القاصر وجها لإباحة ذلك مطلقا، لا بوصية حال حياته، ولا بإذن أقاربه بعد موته. وقياس الاضطرار بالمرض على الاضطرار بالجوع غير صحيح؛ لوجود الفرق بينهما، فالله سبحانه وتعالى قيد الاضطرار الذي أبيح لأجله للمضطر أكل الميتة بالكيف، وهو المخمصة، قال سبحانه: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ} المائدة: 3، وأما الاضطرار بالمرض فليس هذا بالاضطرار. وشكرا، والله أعلم.(4/330)
الشيخ أحمد بازيغ الياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله، اللهم صل على عبدك ونبيك محمد وعلى آله الطيبين وأصحابه الكرام الغر الميامين، وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين وبعد.
أود أن أبين هنا بأني لا أستطيع أن أخفي إعجابي وتقديري بكلمة فضيلة الشيخ بكر عبد الله أبو زيد رئيس المجمع، التي أعتبرها فتحا ـ فتح الله عليه ـ صباح اليوم كلمة قيمة؛ لما تحمل من معان علمية وفقهية لو عممت على أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي لأتت بفائدة كبيرة، فإذا بالإمكان تعميمها أو بالإمكان أن تكتب في الحقيقة؛ لأن الشيخ ألقاها ارتجالا، فيا حبذا أنها لو تكتب وتعمم على أجهزة الإعلام في العالم الإسلامي حتى ينتفع المسلمون بها، فجزاه الله كل خير ووفقه الله.
النقطة الثانية: إني أشكر جميع علمائنا الأفاضل على ما أبدوه من آراء في بحوث تقدمت بخصوص غرس الأعضاء. والحقيقة الموضوع سبق أن بحث في كثير من الهيئات الفقهية، وخرجت بآراء مبنية على دليل واجتهادات مشكورة، وأنا في الحقيقة أتفق مع رأي الدكتور إبراهيم شقرة بأن يكون المجمع لجنة مختصة من أهل الاختصاص ليرجحوا بين الآراء وليأخذوا بالرأي القوي الدليل، الذي دليله من الكتاب والسنة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} الأنعام: 38، وليس هناك شيء في الحقيقة لم يذكره الكتاب، إنما علينا أن نتدبر ونتفكر، وأن نبحث وأن نستنبط وأن نقيس. والمجمع له أن يرجح أقرب الآراء وأصوبها إلى الدليل.
ثم هناك نقطة في الحقيقة أود أن أسأل عنها فقهاءنا، تعلمون أن الرضاعة لها أحكامها، وأحكام الرضاعة تتأثر في الحقيقة، فعندما يرضع الطفل تنشأ أحكام فقهية تسمى أحكام الرضاعة، فهل عندما يغرس عضو في إنسان من إنسان آخر تنشأ عنه أحكام فقهية؟ الحقيقة أنني لم أسمع رأي الفقهاء في هذا.
بالنسبة لما قاله الدكتور محمد إبراهيم شقرة بأن يقول المجمع كلمته فيمن يريد إبادة أمة الإسلام وينحرف بعقيدتها عن الصواب قبل أن يقول كلمته في ترميم الأعضاء، أعتقد أن هذا شيء مهم، يعني أنا لا أستطيع أن أصبغ غرفة أو أرمم غرفة أو أعمل فيها ديكورا وهناك من يريد أن يهدم بيتي علي، فأقل ما يمكن أن أوقف هذا الإنسان الذي يريد هدم بيتي، ثم بعد ذلك آتي بالأمور الأخرى. أثني على ما قاله بهذا الخصوص وأعتبره ليس خروجا عن الموضوع وشكر الله لكم.(4/331)
الرئيس:
في الواقع أكرر رجائي على أن المداولات تكون في الموضوع فقط، ولا تخرج عنه، مع المعذرة من أصحاب الفضيله المشائخ؛ لأن أمامنا قضية فقهية مهمة تحتاج إلى تفرغ ذهني، وألا ندخلها في غيرها ولا يدخل غيرها معها، ولم تجر العادة على أن المسائل الفقهية تشرك معها أمور أخرى، هذه لها جلسة في آخر جلسة، أو في أول جلسة من الجلسات القادمة، يتفق على البحث في أي موضوع يستجد مع الأمانة حسب نظام المجمع، وحسب لوائحه التنفيذية، أما لو أخذنا بأن كل من كان عنده إحساس نحو مسألة بعينها تثار، لذهب الجدول وسقطت الموضوعات فيه، وأتينا بأمور أخرى، ولا شك أنها أمور تنشأ من اهتماماتكم ومن إحساسكم في الواجب الإسلامي على الجميع، لكن ما بين أيدينا هو واجب إسلامي، وهي أمور شرعية بحاجة إلى البت. تفضل.
الشيخ محمد شريف أحمد:
نحن مجمعون، وأعتقد أن هذه المسألة موضوع البحث من المسائل التي سكت عنها الشارع، ولا أعتقد أن احداً من الباحثين استدل على رأيه بآية كريمة أو بحديث نبوي شريف. نعم قد ذكروا بعض الآيات الكريمة وبعض الأحاديث النبوية التي تدل على كرامة الإنسان وكرامة بني آدم، فالمسألة من المسائل المستجدة، وليست المستجدة كل الجدة، ولكنها مستجدة نوعاً ما، فرأينا أن كثيرا من الباحثين عمقوا كثيراً في نصوص عبارات الفقهاء. ونحن نجل عبارات الفقهاء، إلا أنها دون شك لا ترتقي إلى مستوى الأصول، تبقى هذه النصوص نصوصاً نستأنس بها، وقد نستهدي بها في فهمنا أو في استنباطنا لهذه المسألة.
ويؤسفني أن بعضهم قد عمقوا وأطالوا في الاستشهاد بعبارات الفقهاء الأجلاء، تلك العبارات أو تلك الآراء التي نتجت عن الفقه التقديري التصوري. وأن الفقه التقديري قد لا يصلح عرضه في كل مكان، وفي كل زمان، لايصلح لنا في هذا الزمان أن نستشهد بعبارات للفقهاء مع تقديرهم، تشير إلى أكل الإنسان لحم الإنسان، باعتبار حرمة الحي وعدم حرمة الإنسان الميت، أو الأهم فالمهم، حتى تجاوزوا إلى أكل الأنبياء، لحوم الأنبياء. وكلنا يعلم أن النبى صلى الله عليه وسلم هو خاتم الأنبياء فلا نبي بعده. فأقصد من ذلك القول إلى أننا في معالجتنا هذه المشكلات لا يجب علينا أن نعمقها ونخضعها لقواعد فقهية قد لا تنطبق عليها بمعنى صحيح، في الأصول يتحمل الضرر الأخف لزوال الضرر الأهم، ولكن هذه القاعدة العامة والقواعد العامة الأخرى تختلف طبيعتها عندما ننزلها إلى الواقع. كيف نثبت أن هذا هو الضرر الأخف وذلك هو الضرر الأهم، خاصة في هذه المسألة الحيوية الخطيرة جداً، وأن أي قرار فيه سيخشى من نتائجه.
علينا أولا وقبل كل شيء أن نعود إلى خبرة الأطباء، إلى ما يقوله الأطباء في كل هذه المسائل. وما علينا إلا أن نقول لهم: إن الإسلام منع هذا وأجاز ذلك، ونعطى لهم مساحات واسعة للأطباء، ولأهل الخبرة الأطباء المسلمين مجالات واسعة للتحرك وللعمل وفق هذه الحدود. وشكراً. والسلام عليكم.(4/332)
الشيخ عمر جاه:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم. بسم الله الرحمن الرحيم.
فضيلة الرئيس، نشكرك على الطريق التي استطعت بها أن تدير هذه المداولات، ونثني على ما قدمت من الاقتراح بتحديد مسائل معينة يمكن التركيز عليها وإبداء الرأي الشرعي فيها، لكن المسألة التي نناقشها اليوم مسألة شائكة وخطيرة إذا نظرنا إليها من جميع النواحي، وأنا أريد أن أستشهد بكلمة قالها الأخ محمد علي البار، فأرجو أن ننتبه إلى هذه الكلمة؛ لأنها من خبير عالم متخصص في هذه المسألة، يقول: إن برنامج زرع الأعضاء يلتهم الأموال دون أن تقدم أي فائده إلا لعدد محدود جداً من البشر، إذا نجحت تجعلهم يعيشون حياة مليئة بالتعاسة. فنحن هنا نناقش موضوعاً في منتهى الخطورة؛ ذلك لأنها قائمة بيننا فعلاً، لكنها مسألة مستجدة وتأتينا من بعيد، وأنا أتساءل: ما هي الأولويات التي نبني عليها حينما نتناول موضوعاً علمياً ينبغي إبداء رأي شرعي فيه؟
ولذلك أولا ينبغي أن نؤكد مسألة الضرورة الشرعية التي تتيح لنا المحظورات، ونسأل أنفسنا أولا وقبل كل شيء عن الدوافع الأساسية في نقل الأعضاء من شخص لشخص، وأنا لا أريد أن أخوض في مسألة التبرع، البيع، التجارة، لكن أتكلم عن مسألة التبرع، والأخطر من هذا هي منظور تجاري في هذه المسألة. وينبغي أن نبتعد عن التقليد الأعمى. هو صحيح أن هناك مجامع فقهية تجتهد في هذا، ونحن نقدر اجتهادها، ونعتقد أن ما وصلوا إليه رأي شرعي جيد، لكن المسألة أخطر وأكثر من هذا.
هذا المجمع يمثل العالم الإسلامي بأجمعه، قبل أن نخرج برأي شرعي وفتوى شرعية نلتزم بها، ينبغي أن نعيد النظر في هذه المسألة وندرسها دراسة متأنية، ولذلك أؤيد عدم البت في هذه المسألة، وتحديد أجزاء منها نستطيع أن نعالجها، ومما لا شك فيه أننا لا نختلف أن جزءا بسيطا من هذه المسألة يمكن تبنيه، وهو نقل الدم، وأقول: إن نقل الدم مسألة بسيطة وضرورة، ونرى أنه تساعد على إبقاء الحياة ومعالجة الأمراض، لكن كما يقول الدكتور البار: إذا كانت المسألة هذه تكلف كثيراً من الأموال، والذين يتلقون هذا العلاج يعيشون في تعاسة، فلماذا نضيع الوقت فيها؟ هذا رأي عالم متخصص في هذه المسألة ينبغي أن نضعه في الاعتبار. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
شكراً. لا أراني قد كفيت، المهم أن المعروف أصلا أن الإنسان لا يتصرف في بدنه؛ لأنه لا يملكه لا بالتبرع ولا بالمعاوضة، وأن الفقهاء القدامى نصوا على منع أكل لحم الإنسان للمضطر، وإن كان بعضهم جوز إزالة الضرورة المفضية إلى الموت بأكل لحم الإنسان. هذا الشيخ خليل بن إسحاق المالكي يقول في مختصره: والنص عدم جواز أكله لمضطر، وصحح أكله أيضا. ويقول الشراح: إن هذا التصحيح ضعيف معول عليه هو الأول. المهم أن نعود إلى ما أسفرت عنه المجامع ودور الإفتاء ونضعه بين أيدينا وننتقده إذا رأينا فيه منتقداً، ونعتمده إن رأينا معتمداً، ونخرج من هذه الدوامة الطويله في الأخذ والرد وشكراً.(4/333)
الشيخ طه جابر العلواني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين، وعلى آله وصحبه ومن تبعه واهتدى بهديه إلى يوم الدين، وبعد،
إن الواقعة موضوع البحث واحدة من هذه الوقائع الكثيرة التي تقذفنا بمئات منها يومياً الحضارة الغربية المعاصرة. هذه الواقعة لها أصولها الفكرية وجذورها الثقافية، وغايتها وأهدافها الاجتماعية. والمجتمع الغربي الذي حدثت فيه هذه الوقائع وصدرت إلينا، لا يتقيد بأقوال الفقهاء ولا قواعد الأصوليين، ولا ينتظر فتاوى المجامع، وإنما يسير في تجاربه وأعماله وفقاً لمعطيات علمه التجريبي ونظرته إلى الإنسان. هذه النظرة التي تجعل من الإنسان مجرد مجموعة من المواد الكيماوية يمكن أن تشترى مجمعة من أي صيدلية بما يساوي عشرة ريالات أو خمسة عشر ريالا. حين انطلقوا في بحث هذه الأمور، انطلقوا في بحثها دون ضوابط، وقد كانت لهذه الأمور مؤثرات خطيرة جداً نفسية وإجتماعية، مؤثرات أثرت في نفوس من أخذت منهم الأعضاء، ومن زرعت فيهم الأعضاء. وقد أشار الأخ الأستاذ عمر جاه إلى تلك التعاسة التي يعيشها من أخذ العضو منه، ومن زرع العضو الغريب فيه. لم ألاحظ في الأبحاث المقدمة بين أيدينا أية دراسة نفسية أو اجتماعية تشرح لنا طبيعة هذه القضايا وآثارها النفسية وآثارها على البنية الاجتماعية بعد ذلك. وأقوال الفقيه وفتاواه لا ينبغي أن تكون خالية من النظر إلى الآثار والنتائج التي تترتب على ما يفتي به.
إننا لو تابعنا هذه الحضارة في معطياتها كلها، وحاولنا أن نجيب عن كل تساؤل تطرحه، لربما طلبنا من هذا المجمع ومن مجامع أخرى مثله أو أكثر منه أن تظل في حالة انعقاد العام كله، وقد تستجيب لبعض هذه التساؤلات أو الحاجات، وقد لا تستجيب لذلك، ولذلك فإن من المفيد جدا أن ننظر فيما سبق، وفي هذا أثني على اقتراح فضيلة الأستاذ مفتي جمهورية مصر العربية الشيخ سيد طنطاوي في اقتراحه بالنظر في قرار مجمع الفقه بمكة ومحاولة الاستفادة منه. كما أثني على ما ذكره الدكتور عبد السلام العبادي في النظر في الصور التي تناولتها دار الإفتاء الأردنية وصدرت فيها قوانين. وأظن أن الصور التي يهمنا النظر فيها والخروج فيها بشيء، لعلنى أقترح حصرها في الصور الثلاث التي وردت في أحد الأبحاث المقدمة في هذا الموضوع، وهي صورة النقل من حي إلى حي، صورة النقل من ميت إلى حي.
الأمر الثالث: ما هي الشروط التي علينا أن نضعها والضوابط التي علينا أن نأخذ بها لنتلافى أية أضرار أو أمور جانبية لهذه الفتاوى التي تصدر، ولما يمكن أن تكون ذرائع له من مفاسد كثيرة ظهرت للإنسان الغربي، وستظهر في وقت غير بعيد للإنسان المسلم أيضا. وأقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(4/334)
الرئيس:
شكراً. أحب أن ألفت نظر الشيخ طه إلى أن مجمع الفقه بمكة صدر عنه ثلاثة قرارات، والذي بين أيدينا هو قرار واحد، وهذه القرارت الثلاثة في عدد من الصور التي تتعلق بالنقل والتعويض الإنساني، وكذلك هيئة كبار العلماء بالمملكة صدرت منها ثلاثة قرارات في ثلاث صور، كل قرار في صورة مستقلة. فالصورة غير متكاملة فيما صدر من قرارت مجمعية، ومن هيئات كبار العلماء، ومن لجان الفتيا إلى غير ذلك، فهذا ما أحب أن أوضحه بأن مجمع الفقه بمكة ليس هذا هو القرار الوحيد له، وإنما له ثلاثة قرارات في هذا الموضوع.
الشيخ طه جابر العلواني:
ولكن ماذا عن حصر البحث في الصور التي ذكرنا، النقل من حي إلى حي، والنقل من ميت إلى حي مع الشروط والضوابط المطلوبة.
الرئيس:
على كل حال هذا هو محل البحث … الشيخ رمضان.
الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي:
فقط أريد أن أقول شيئا واحدا تصحيحاً لبعض ما قد سمعنا من بعض الأمور الفقهية. سمعنا في هذه الأمسية من قال: إن الإنسان لا يرث من قريبه إلا المال، وتكرر هذا. ونحن لا نعلم أن هذا شيء قاله الفقهاء. الرجل الذي يقذف آخر فيموت المقذوف، ألا يملك ورثة المقذوف أن يرفعوا دعوى على القاذف؟ لم يخالف في ذلك فيما أعلم إلا السادة الحنفية، على خلاف بينهم في ذلك، إذن الكرامة انتقلت عن طريق الإرث، حق الكرامة كان للمقذوف، فلما مات انتقل هذا الحق إلى أقاربه. إذا مات الرجل حق خيار البيع، حق إنقاذ الحقوق المعلقة حقوق كثيرة معنوية كلها تورث. وهذا ما عليه جماهير الفقهاء. فقط أحببت أن أوضح هذه النقطة لأنها تُعِين في بلورة الموضوع الذي نحن بصدده. وشكراً.(4/335)
الشيخ حسن علي الشاذلي:
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم.
في الواقع كنت أود لو سمحت لي رئاسة الجلسة أن أضع أمامكم نتائج الدراسة التي قدمتها بين أيديكم؛ نظراً لأن كثيراً من الأمور قد نص عليها في هذا البحث. فإذا سمح لى سيادة الرئيس أن أتلو نتائج البحث ثم أعلق على ما ذكره حضرات السادة الإخوة، باختصار أنا تناولت في المبحث الأول من هذا البحث المقدم إليكم النتيجة الأولى: إن الإنسان روحاً وجسماً كلا أو بعضاً مملوك لله تعالى وحده دون سواه.
الثانية: أن دم الإنسان معصوم بحكم إنسانيته.
ثالثاً: يحرم على الإنسان الاعتداء على نفسه أو الإضرار بها أو تعريضها للهلاك.
ثم البحث الثانى بينت أن التداوي من الأمراض أمر مطلوب شرعاً، وأنه يجوز تداوي النفس البشرية بما أحل الله تناوله والتداوي به. وكذا يجوز تداويها بالمحرم إذا تعين المحرم علاجاً له دون غيره من المباحات على يد طبيب مسلم حاذق.
رابعا: يجوز أن يكون التداوي والعلاج عن طريق الجراحة إذا دعت الضرورة أو الحاجة إلى ذلك. ثم انتقلت بعد ذلك إلى الضرورة، القاعدة الفقهية الضرورات تبيح المحظورات، فأخذ منها:
أولا: يباح للمضطر تناول مال الغير بغير إذنه، ولو باستعمال القوة، إذا كان هذا المال زائداً عن حاجته.
ثانيا: يباح للمضطر تناول الميتة والانتفاع بها بمقدار ما يسد رمقه؛ إذ الضرورة تقدر بقدرها.
ثالثا: يجوز للمضطر التداوي بالميتة، سواء أكانت قائمة العين لم تمسها يد التغيير والتبديل أم غير قائمة العين بأن مستها يد التغيير والتبديل، فحولتها من حالة إلى أخرى. كل هذا عليه أدلة في داخل البحث.
رابعا: يجوز الانتفاع بأجزاء الآدمي الميت، سواء أكان معصوما أم غير معصوم؛ إحياء للنفس الآدمية، ومدا لأسباب البقاء لها إذا توافرت بالشروط الآتية:
أولا: ألا توجد ميتة أخرى غير ميتة الآدمي. فإذا وجدت لا يحل الانتفاع بميتة الآدمي.
ثانيا: أن يكون المضطر معصوم الدم.
ثالثا: أن يكون الانتفاع بها حالة الضرورة، أما في حالة الحاجة أو التتمة فلا يجوز.
رابعا: أن يكون هناك إذن بالانتفاع به من الميت قبل موته، أو من ورثته بعد موته. فإذا اختلف الاثنان أحدهما أجاز، والآخر منع، يمكن أن يؤخذ برأي المجيز؛ إنقاذا للنفس البشرية من الهلاك.(4/336)
وفي المبحث الخامس انتهيت إلى ما يلي:
يجوز للإنسان أن ينتفع ببعض أجزاء نفسه في حالة الضرورة، أو في حالة التصحيح أو تعويض ما نقص أو تشوه من أعضائه، رجوعا به إلى حالته المعتادة، وذلك بشرط ألا يكون خطر القطع أعلى من خطر البقاء، على ما هو عليه، أو مساويا؛ منعاً من تعريض النفس للتهلكة.
في المبحث السادس خرجنا بالقاعدتين:
أولا: يحرم قطع جزء من جسم إنسان حي معصوم الدم لينتفع به إنسان آخر مضطر إلى هذا الجزء، وذلك باتفاق الفقهاء، وسأتلو فيما بعض عبارات الفقهاء.
ثانيا: يجوز للمضطر المعصوم الانتفاع بجزء من إنسان غير معصوم الدم، استحق القتل بسبب جرم ارتكبه عقب تنفيذ حكم القتل عليه مباشرة؛ وذلك لإنقاذ هذه النفس البشرية من الهلاك، تحت رقابة السلطة التنفيذية، وتحت رعاية نخبة من الأطباء المسلمين الحاذقين، وبناء على قانون ينظم ذلك الانتفاع من جميع جوانبه، ولا يضر بحالة المجرم النفسية أثناء فترة الانتظار.
المبحث السابع: انتهيت إلى ما يأتي: يحرم بيع الآدمي الحر مطلقا، وقد أجمع الفقهاء على ذلك. وموجود الأدلة.
المبحث الثامن: يؤخذ منه: يحرم بيع جزء من أجزاء الآدمي المتجددة.
المبحث التاسع: يحرم بيع جزء من أجزاء الآدمي غير المتجددة.
المبحث العاشر: لا يصح أن يتبرع الإنسان بجزء من أجزائه لغيره.
المبحث الحادي عشر: يبطل عقد الإجارة إذا كان محله قطع عضو صحيح من جسم الإنسان لا تدعو صحة الإنسان إلى قطعه. وكل أجر يأخذه الطبيب إزاء ذلك يكون باطلا.
المبحث الثاني عشر: لا أثر لرضى المقطوع عضوه الصحيح في درء العقوبة المستحقة على من تولى قطعه طبيبا أو غيره.
المبحث الثالث عشر: الإيثار إنما يكون في المال، أما الإيثار بالقربات أو بالأنفس أو الأعراض فممنوع شرعا.
المبحث الرابع عشر: إن ما يترتب على القول بجواز نقل الأعضاء من إنسان آخر يؤدي إلى مخاطر كثيرة فيحرم سدا للذرائع.
ثم في المبحث الخامس عشر: بينت عقوبة من يعتدي على نفسه بالنسبة، سواء إن كانت عمدا أو شبه عمد أو خطأ.(4/337)
أنا أردت أن أبين ما في البحث حتى يمكن أن يرد على بعض الأمور، لي تعليق صغير.
أولا: لا شك أن المجمع بتقديره الحكيم رأى أن طرح الموضوع هنا للبحث وما إلى ذلك إلا لأنه يحتاج إلى مزيد من البحث، حتى وإن صدرت قبل ذلك آراء أخرى.
ثانيا: قول بعض الإخوان: إنك إذا ناقشت المانعين لا يستطيعون الجواب؛ لأن هذا من باب الضرورة، أقول: لا. فقط نحن نصر على هذا الرأي لأن له أدلته، لماذا؟ لأن أولا الضرورة تتمثل في جانب المريض، لكن من أنت تذهب إليه لتقطع عضوه، أي ضرورة تأخذ بها عضوه؟ فالضرورة ليست هذه هي الضرورة والبحث فيها غير ذلك، والفقهاء جميعا متفقون في ما قلته. وأنقل إليكم عبارات الفقهاء لنرى هل الفقهاء تعرضوا للضرورة، وقالوا: إنه إذا كان هناك إنسان مضطر يمكن أن يأخذ من غيره.
أولا: الحنفية يرون أنه لا يصح انتفاع الإنسان المضطر بجزء إنسان آخر معصوم الدم. فجاء ابن نجيم في الأشباه والنظائر تحت قاعدة الضرر لا يزال بالضرر: ولا يأكل المضطر طعام مضطر آخر، ولا شيئا من بدنه. وفي الشرح الكبير للدسوقي المالكي: والمباح للضرورة غير آدمي وغير خمر من الأشربة، وأما الآدمي فلا يجوز تناوله، وكذا الخمر، إلا لغصة، فيجوز إزالتها به عند عدم ما يسيغها به من غيره. ثم يقول تعقيبا على قوله: وأما الآدمي فلا يجوز تناوله بقوله: أي سواء إن كان حيا أو ميتا، ولو مات المضطر. هذا هو المنصوص في المذهب، وسبق أن بينا أن ابن عبد السلام صحح القول بجواز أكله للمضطر إذا كان ميتا، أما الحي فلا باتفاق علماء المذهب.
الشافعية: ويحرم جزماً على شخص قطعه؛ أي: بعض نفسه لغيره من المضطرين؛ لأن قطعه لغيره ليس فيه قطع البعض لاستبقاء الكل. ونظرا لأن الأخ الأستاذ شرح هذا أو ذكره، فأكتفي أنه في النهاية يقول: والآدمي يحرم الانتفاع به وبسائر أجزائه لكرامته.
الحنابلة: جاء في المغني مع الشرح الكبير: وإن لم يجد المضطر إلا آدميا محقون الدم، لم يصح له قتله إجماعا، ولا إتلاف عضو منه، مسلما كان أو كافرا؛ لأنه مثلة، فلا يجوز أن يبقي نفسه بإتلافه، وهذا لا خلاف فيه.(4/338)
الرئيس:
النصوص هذه موجودة في بحثكم وفي بحوث الإخوان.
الشيخ حسن علي الشاذلي:
خلاص، وهو كذلك. إذن انتهينا إلى هذه النقطة، نقطة أخيرة، القول بالنسبة لأقوال الفقهاء. أقوال الفقهاء هذه إننا نتمسك بها لسببين:
أما الأول: فهو أنهم نقلة ما فهموه، أو ما فهم من كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم عبر الزمن، ودونوه، وكان لهم الفضل في نقله إلينا حتى هذه اللحظة، ولهم أدلتهم، وهي موجودة من الكتاب والسنة، حتى وإن كان فقها افتراضيا فبنوه على قواعد مسلمة في ذلك.
أما القول الأخير: وهو أن هذا الموضوع فيه خير لها تختلف الأنظار فيه. إن الشر قد اندلع من وراء هذا الكلام من نقل الأعضاء، وقد نقلت في البحث جزءا عن الحوادث التي حدثت في العالم، والتي نشرتها صحف العالم حول ما ترتب على نقل الأعضاء وأصبح تجارة كما قلت في بداية كلمتي.
ثالثا، أو أخيرا، بالنسبة لما يورث هو الحديث الشريف: ((من ترك مالا أو حقا فلورثته، ومن ترك كلا أو عيالا فإليه)) . وأشكر لكم.(4/339)
الأمين العام:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
أستميح حضراتكم عذرا في تقدمي باقتراح أبديه على ما لاحظت وما لاحظتم أنتم أنفسكم من اختلاف الآراء وتعارضها في هذه القضية، وفي هذا الموضوع الشائك والواسع الدقيق، وهذا لمسناه من الأحاديث أو التدخلات التي استمعنا إليها، كما وقفنا عليه في الدراسات والبحوث التي وقع التقدم بها إلى هذه المجمع.
ثانيا: بجانب الآراء المختلفة والمتعارضة، وبجانب الدراسات التي استمعنا إليها، وقفنا على قرارات مجمعية متعددة، قد يكمل بعضها بعضا، وقد يتناقض بعضها مع البعض، وقد تكون الفتاوى متعارضة مع هذه القرارات، أو تكون فتاوى فردية قد لا يعتد بها، أو هي جديرة بأن يعاد النظر فيها؛ لذلك استمعت إلى بعض الإخوان الذين يرغبون في جمع حصيلة هذه القرارات والآراء والفتاوى لدراستها والإفادة منها، ثم إضافة ما ينبغي إضافته إليها من الشروط ونحو ذلك. فأمام اتساع الموضوع والاحتياج إلى ضبط جوانبه وتحديد نقاطه، أرى من الأفضل كما وقعت الإشارة إلى ذلك أن تتكون لجنة تتولى تحديد النقاط والجوانب الكثيرة؛ ليقع النظر فيها تفصيلياً وبدقة وتكون نتائج هذا البحث مقدمة بعد ذلك في المؤتمر القادم بإذن الله. وهذا ليس أمراً جديداً بالنسبة للمجمع؛ فإن كثيراً من القضايا ذات الأهمية التي احتاجت منا إلى دراسة مطولة قد استمرت سنة وسنتين، وهذا كأطفال الأنابيب، وكاستفتاءات البنك الإسلامي للتنمية وما إليها. كلما احتجنا إلى إعادة نظر واستكماله في قضية ما أرجأناها إلى الدورة القادمة، حتى يتم الإلمام بأطراف الموضوع ونستكمل الجوانب الدراسية التي لم يتقدم بها بالنسبة لنقاط وقع إغفالها. وأقترح أن تكون هذه اللجنة مؤلفة من أصحاب الفضيلة المشايخ: محمد المختار السلامي، ووهبة الزحيلي، وحسن الشاذلي، وعبد السلام العبادي، ومحمد علي البار، الدكتور محمد أيمن صافي، والشيخ رمضان البوطي. والمقرر في اللجنة من غير شك لا نحتاج إلى إضافته، فهو موجود في اللجنة وعضو فيها.(4/340)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
في الواقع إذا كان القصد من هذا الاقتراح هو إنجاز بعض العمل في هذه الدورة فهو مقبول. أما أن يؤجل الموضوع برمته على وضوح بعض قضاياه فهو في الواقع ما درج عليه هذا المجمع. أرجو إن كان هنالك أمور واضحة ويمكن أن يبت فيها لماذا نؤجل هذا الموضوع ويقال: إن مجمعنا أجل هذه القضية التي كثير من أمورها واضح وضوح الشمس.
الأمين العام:
هذا تقرره اللجنة، إذا انتهت إلى اتخاذ موقف إزاء بعض القضايا فلها ذلك.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أقترح من عندي: تعرض اللجنة ما تصل إليه من مداولات على المجمع، فإن أقر المجمع التأجيل فليؤجل. أما إذا كان هنالك بعض القضايا قد بت فيها لماذا لا يؤخذ فيها قرار.؟
أريد أن أكمل في الواقع. عندما طلبت الحديث أريد أن أقول كلمة صغيرة بالنسبة لهذا الموضوع المهم، أن تحصر قضاياه، ويمكن أن تقوم اللجنة بحصر قضايا هذا الموضوع.
وما يمكن البت فيه على ضوء ما انتهت إليه المجامع ولجان الفتوى وغيرها يعرض على المجمع، فإن وافقه أصدر به قراراً. فإذا سمح لي سيدي الرئيس أريد أن أكمل الحديث في القضية التي طلبت الكلام من الأصل فيها. بالنسبة للقضية التي عقب علي فيها الدكتور محمد أيمن، استغربت تعقيبه في زرع الخصية والحديث السريع بتخطئة ما قلت.
أنا أذكر ما قاله هو في بحثه: فإن كان الهدف من غرس الخصية هو المعالجة الهرمونية فقط دون إنتاج النطاف فالأمر يختلف عن كونه علاجاً للعقم. وما ذكره الدكتور محمد البار في صفحة 18 حيث قال: إن الحيوانات المنوية والبويضات ستعود إلى المتبرع لا إلى المتلقي. كما هو معلوم من الناحية الفقهية، لا ينظر إلى القصد والهدف، ينظر إلى مآل الفعل، إذا كان مآل الفعل ينتهي إلى اختلاط الأنساب لا بد من التحريم، وهذا أمر سألت فيه طبيباً زار مركزاً متخصصاً في كندا لعمليات زرع الخصية فقط. وقال: إنه في جميع الأحوال التي تزرع فيها الخصية فإن الإنتاج للحيوانات المنوية يكون للمتبرع وليس للمتلقي. على أية حال هذا نقوله بناء عل ما يصلنا من الأطباء، فإذا كان الأطباء مختلفين في هذه القضية لا بد أن يحسموا هم الموقف بينهم كما قلنا بالنسبة لقضية موت الدماغ.(4/341)
نرجو من أطبائنا قبل أن يعرض أمر على هذا المجمع أو غيره من المجامع أن يبتوا في الأمور من الناحية الطبية، ثم يبلوروها بشكل محدد، ثم تأتي مبلورة إلى هذه المجامع حتى ينظر في الأمر على بينة.
وأما ما انتقدت فيه ولو بطريق غير مباشر بالنسبة لقضية الضرورة أنا أقول: من الخطأ، أو ليس من المناسب حشر قضية الملكية في هذا الموضوع، القضية مربوطة بالضرورة، ليس معنى ذلك أنني أجيز جميع الأحوال بحجة الضرورة، وإنما أقول: يجب أن يكون مناط النظر في هذه القضية، هكذا العبارة من الناحية الفقهية. قاعدة الضرورة والقطع بتعين ذلك لصيانة الحياة دون إضرار بغيره. وهذا كلام أستاذنا الشاذلي، ولي أكثر من ذلك، وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا. تعلمون أننا أمضينا نحوًا من أربع ساعات في هذا الموضوع، وفي الواقع إذا أردنا أن نضع أيدينا على رأي اتجه إليه المجمع في مسألة أو في صورة بخصوصها، فإننا لا نستطيع أن نخرج إلى رأي بات للمجمع في أي صورة من الصور التي حصل البحث فيها، أو التي ذكرت في الأبحاث التي أعدت.
وأمامي الآن ما يقرب من خمسة عشر اسمًا من أصحاب الفضيلة المشايخ لطلب الكلمة، ولعلكم ترون أن ما تفضل به فضيلة الأمين من تكوين هذه اللجنة ليأخذوا هذه الأبحاث ومعهم طبيبان، الطبيب البار والطبيب محمد أيمن، ويأخذوا الصور المهمة والتي ينبغي أن يعد فيها بحوث مبنية على التصورات الطبية، ثم تنزيل الأحكام الشرعية عليها، ويؤجل إلى الدورة القادمة. فهذا لعلكم ترونه مناسبًا، وإذا رأيتم أنه مناسب فأرجو التكرم برفع الأيدي.
إذن الأكثرية على هذا، وبه تنتهي الجلسة وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. والجلسة الصباحية إن شاء الله تعالى في الساعة التاسعة.(4/342)
مناقشة مشروع القرار
الذي وضعته اللجنة
الرئيس:
الحمد لله.. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. لعله وصلتكم نسخة من مشاريع القرارات التي أعدت فيما أنهيتموه من موضوعات طرحت على جدول أعمال هذه الدورة، وأولها القرار رقم واحد بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا. الشيخ عبد الستار.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم.. الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين.
القرار رقم 1 للدورة الرابعة 1408 / 1988م بشأن انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر، حيًا أو ميتًا. نقرأ الديباجة للمرة الأولى فقط ثم نختصرها.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6-11 فبراير 1988م.
بعد اطلاعه على الأبحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا".
وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي والطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية المفيدة والمشوبة في كثير من الأحيان بالأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن ممارسته دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع إعمال مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد والجماعة، والداعية إلى التعاون والتراحم والإيثار.(4/343)
وبعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره وحالاته التي يختلف الحكم تبعًا لها.
قرر ما يلي:
من حيث التعريف والتقسيم:
أولاً: يقصد هنا بالعضو: أي جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها، كقرنية العين، سواء أكان متصلاً به، أم انفصل عنه.
ثانيًا: الانتفاع الذي هو محل البحث، هو استفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم؛ كالبصر ونحوه.
على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعًا.
ثالثًا: تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1 - نقل العضو من حي.
2 - نقل العضو من ميت.
3 - النقل من الأجنة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي، تشمل الحالات التالية:
أ - نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف
والعظام والأوردة والدم ونحوها.
ب - نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر. وينقسم العضو في هذه الحالة إلى
ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.
أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فرديا، وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما لا تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم، ومنه ما لا يقوم بها. ومنه ما يتجدد تلقائيًا كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والموروثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائيا لا رجعة فيه طبيا.
الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفًا تامًا لا رجعة فيه طبيًا.
فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة.
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة، وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
حالة الأجنة التي تسقط تلقائيًا.
حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
حالة "اللقائح المستنبتة خارج الرحم".(4/344)
الرئيس:
يا مشايخ ما تقدم هو في إعطاء التصور وتقسيم الموضوع وبيان وحداته من حيث الأحكام الشرعية، نحن سنتوقف عند كل فقرة ولا نقبل الرجوع بعد ذلك.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
من حيث الأحكام الشرعية:
أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر منه ذاته، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
شكرًا أيها السيد الرئيس، بسم الله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه.
في هذه المسألة بالذات كنت استوضحت والدي وشيخي الشيخ أبو اليسر عابدين، وهو طبيب رحمه الله في دمشق كان عالمًا وطبيبًا استوضحته قبل وفاته، فكان رأيهما على أنه سدا لباب الذريعة الفاسدة، وكي لا يصبح الإنسان في نهاية الأمر مصدر إكسسوار وتنهدر كرامته فيما بعد، ويتهاون الناس في هذا الأمر.
الرئيس:
يا شيخ عبد اللطيف. الفقرة أولاً: من جسم الإنسان إليه ذاته في نفس الإنسان الواحد، نفس البدن الواحد، نفس الشخص الواحد، يؤخذ رقعة من فخذه لخده.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
كلمة عربية وأخرى فقهية. العربية آخر منه ذاته، بدل "ذاته" نقول: "نفسه"؛ لأن ذاته ليس من ألفاظ التوكيد.
الرئيس:
يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر منه.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود.
نفسه.(4/345)
الرئيس:
أرجو من أصحاب الفضيلة الذين ليسوا أعضاء عاملين في هذا المجمع أن ينتظروا حتى الجلسة الختامية المعلنة؛ لأن هذه الجلسة تقتصر على الأعضاء العاملين فقط.
إذن يقال: إلى مكان آخر من جسمه.
الشيخ محمد سالم بن عبد الودود:
والمسألة الفقهية هي إزالة دمامة تسبب له أذى نفسيًا. نعرف الدمامة إذا لم يكن فيها أذى عضوي هل تجيز هذه العملية التي ربما تدخل في تغيير خلق الله تعالى. هو ما دام الوشر والتبلج للحسن محرمًا ملعونة من تتعاطاه.
الرئيس:
الذي يظهر شيء واحد، وهو امتداد لما لوحظ في الدورة الثالثة في قضية أخذ الشعر الزائد من الحاجب، لا نتف الحاجبين، لكن الزائد الذي صار فيه تشويه. فمثل قضية الأصبع الزائد أو قضية لحمة تنبت كالثآليل في الوجه، هذا لعله من المرض ولعلاج المرض؛ لأنه قيل أو لعلاج عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
حتى لو قيل: تسبب للشخص أذى. ألا ترون هذا أنسب.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أرجو عندما نناقش نعود إلى الفقرة من أولها. فالكلام في نقل عضو من جسم الإنسان إلى جسم الإنسان فهذا هو الوضع، لا مدخل للوجه ولا لغيره، وأعتقد أن الفقرة بتمامها صالحة وجيدة ولا ينقص فيها شيء؛ لأن الأذى النفسي هو لا يقل تأثيرًا على سلوك الإنسان وعلى مستقبله من الأذى البدني. وشكرًا.(4/346)
الشيخ محمد يوسف جيري:
بسم الله الرحمن الرحيم. شكرًا سيدي الرئيس.
في الحقيقة إنني طلبت الكلام لنقطة نظام، وكدت أستشف من التدخل الكريم الذي أراده أخونا وأستاذنا الفاضل الشيخ محمد الفرفور، كدت أستشف أننا سنرجع إلى مناقشة لمضمون أو للأفكار الفقهية إزاء هذه الأشياء مرة ثانية. وكما ترون سادتي أن أمامنا الآن مشاريع قرارات خلاصة لما توصلنا إليه من مواد فقهية بعد مداولة أسبوع كامل، فإذا كنا بإزاء هذه المشاريع المطلوب منا الإدلاء بآرائنا في إطار ضبط التحرير فقط. كيف نحررها بصورة مضبوطة. أما إذا كنا أمام هذه الأفكار نبدأ مرة ثانية نطرح أفكارًا جديدة أو نحاول أن نستذكر أشياء كنا قد قلناها سابقًا وما شابهه فإنني أخشى أولاً أن لا تكون مناقشة المشاريع دورة جديدة، وفي هذه الحالة لن ننتهي منها، ولهذا أرجوكم سادتي وأساتذتي أن ننظر إلى هذا الأمر بمنظار واقعي، وهو أننا كونا لجانا وكلفنا هذه اللجان بالعمل على أسس مضبوطة بعد مداولات مستفيضة، فيكون دورنا هنا الآن أن نقوم بضبط التحرير فقط، هذا يناسب هذا المكان، وهذا لا يناسب هذا المكان. أما أن نبدأ نشرح فإذا دخلنا في هذا أخشى أن لا ننتهي. وشكرًا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثانيًا: يجوز نقل العضو من جسم إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
الرئيس:
أنا عندي ملاحظة بسيطة، أولاً كلمة (المعتبرة) تحذف في نظري؛ لأن ليس هناك شروطًا شرعية غير معتبرة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
المعتبرة صفة كاشفة.
الرئيس:
وصف كاشف ماشي ما فيه مانع عندي. لكن أريد ما هو أهم من هذا. لماذا لا توضح الشروط الشرعية.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثالثًا: يجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص
آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعًا: يحرم نقل عضو من حي تتوقف عليه الحياة إلى إنسان آخر كالقلب ـ فيه تقديم وتأخير ـ يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة من إنسان حي إلى إنسان آخر.
الرئيس:
من إنسان حي إلى إنسان آخر كالقلب.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
كالقلب نجعلها تابعة لتتوقف عليها الحياة. يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
الرئيس:
ماشي هذه. تفضل.(4/347)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
خامسًا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته؛ كنقل قرنية العينين كلتيهما، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، على الوظيفة الأساسية.
الرئيس:
في الواقع هذا فيه عندي وقفة؛ لأن الإنسان الصحيح السليم إذا أخذت منه قرنية واحدة يعني تؤخذ من إنسان صحيح البدن وتجعل في إنسان آخر. أنا عندي في هذا تحفظ عليها.
الشيخ محمد المختار السلامي:
لماذا التحفظ؟
الرئيس:
يا شيخ مختار، لأنه قال كنقل قرنية العينين كلتيهما.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
هذا يحرم.. كلنا متحفظون على هذا.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
هذه قطعنا بحرمتها، أما نقل قرنية واحدة فقلنا: محل بحث.
الرئيس:
يحرم نقل عضو من حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته كنقل قرنية العينين كلتيهما. هذا ماشي يعني هذه الفقرة لا تبيح نقل قرنية واحدة.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
معلوم لدينا جميعًا أن مفاهيم كتب أصحابنا حجة، يعني مفاهيم النصوص الفقهية حجة، فأخشى أن يفهم من هذه العبارة جواز نقل قرنية واحدة.
الرئيس:
أنا هذا الذي تبادر لي في الأول.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
لا مانع من الإضافة للتوضيح.
الرئيس:
أعطونا إياها.. أعطني يا شيخ عبد السلام.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أما نقل قرنية واحدة فهو محل بحث ونظر.(4/348)
الرئيس:
يا شيخ عبد السلام، لماذا لا نترك التمثيل وتمشي القاعدة، يحرم نقل عضو من حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها. ونحذف التمثيل.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
لكن نبقي "وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها" ونحذف قرنية العينين كلتيهما، والباقي يبقى.
الشيخ محمد سالم عبد الودود:
لماذا لا نقيد الحي "من إنسان حي"؟
الرئيس:
يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
وإن لم تتوقف أصل الحياة عليها. أي: على تلك الوظيفة.
الرئيس:
يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله. يعني لا شك، أنا لا أزال أنه إذا قلنا: يعطل زواله وظيفة أساسية. للقرنيتين إذا أخذت واحدة لا تعطل الوظيفة الأساسية، وإنما تعطل بعض الوظيفة الأساسية، هذه هي الحقيقة لأنها تشمل أخذ كلية من الكليتين.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
الذي يحل الإشكال هو ما ورد في ثامنًا خاصة، وأننا قد أوضحنا التصور والتقسيم، قلنا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة مما يدخل في أصل الموضوع فهو محل بحث ونظر.(4/349)
الرئيس:
لكن يا شيخ عبد السلام هذه الآن في نظري أنها لا تقيدها ثامنًا؛ لأن ثامنًا قال: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة مما يدخل في أصل الموضوع هو محل بحث ونظر.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يعني ما عدا القضايا السابعة.
الرئيس:
لكن في خامسًا يقول: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل حياته عليها. فأنا في هذا آخذ إحدى القرنيتين أو آخذ إحدى الكليتين أو إحدى الرئتين تغطي الفقرة الخامسة الجواز ولا تنفي الجواز الفقرة الثامنة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
الفقرة الخامسة ضبطت ضبطًا كاملاً بالتمثيل، وإذا كان غير هذه الصورة المضبوطة، وهي نقل قرنية العينين كلتيهما، نقل قرنية عين واحدة تأتي الفقرة الثامنة لتبين أن هذه الصورة هي محل بحث ونظر. هو ما نتصوره وما لا نتصوره الآن، وما يأتي إلى أذهاننا وما لا يأتي مما لا يقع النص عليه صراحة فهو محل بحث ونظر. ولذلك أقترح بقاء الفقرة كما هي حتى تكون واضحة، وحتى يكون ما عداها لا نحكم عليه لا بالتحليل وبالتحريم ولكنه محل نظر.
الرئيس:
إذن لماذا لا نضيف إلى الفقرة الخامسة مع مراعاة ما جاء في الفقرة الثامنة. وبه ينتهي.(4/350)
الشيخ محمد المختار السلامي:
تبقى كنقل قرنية العينين كلتيهما حتى يكون غيرها واضحة.
الرئيس:
إذن تبقى الفقرة كما هي، وإلا فيدخل في مقتضى نقطة الفقرة الثامنة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
أنا أقترح أن تكون القضية واضحة؛ لأن هذا اللبس الواقع حدث في لجنة الصياغة، وها هو يحدث في المجمع. فإذا كان بالمجمع حادثًا فكيف أمام الناس؟ فلذلك يجب وإن كان تعطيل لجزء كذا كذا هو محل نظر كما ورد في الفقرة الثامنة.
الرئيس:
نحن نقول: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، فإن كان يعطل بعض الوظيفة.
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
فإن كان النقل يعطل جزءًا من هذه الوظيفة فهو محل نظر كما ورد في الفقرة الثامنة.
الشيخ محمد المختار السلامي:
أنا أذكر الأخ بأنه في لجنة الصياغة لما تحدثنا كانت هذه الفقرة مبهمة للتساؤلات، فراعينا إبطال كل التساؤلات والإجابة عنها في الفقرة الثامنة، وما زيدت الفقرة الثامنة إلا للإجابة عن التساؤلات التي حدثت.(4/351)
الشيخ عبد السلام داود العبادي:
يا سيدي، ممكن يأخذون جزءًا من قرارنا ويعتبر بعدين قرارا.
الشيخ الصديق محمد الأمين الضرير:
صياغة فقط. كوظيفة أساسية في حياته وإن لم تتوقف أصل الحياة عليها كنقل قرنية العينين كلتيهما. المثال يأتي آخرًا كما قلنا في المادة رابعًا.
الرئيس:
تكون المادة هكذا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف أصل الحياة عليها؛ كنقل قرنية العينين كلتيهما. اقرأ يا شيخ.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
أما إن كان النقل يعطل جزءًا من وظيفة أساسية، فهو محل بحث ونظر، كما يأتي في الفقرة الثامنة.
الرئيس:
ماشي يا شيخ تقي؟ سادسًا.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
سادسًا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
الرئيس:
أما هذا فأنا كما تعلمون في الدورة الماضية في موضوع أجهزة الإنعاش حصل عندي توقف في قضية قد يكون أنه ما توقف إلا اثنان أو ثلاثة من أصحاب الفضيلة أعضاء المجمع في قضية أجهزة الإنعاش، واعتبار أن موت الدماغ حالة من حالات الموت، وإن كان القلب يضخ ضخًا صناعيًا، ولهذا فإنني أتحفظ عليها طردًا لما تحفظت عليه سابقًا.(4/352)
الشيخ محمد المختار السلامي:
أستاذنا، التحفظ ما فهمناه، وتوضح التحفظ.
الرئيس:
يا شيخ مختار، في صدر هذا القرار جعلتم من تأسيساته ما صدر من مجمع الفقه في دورته الثالثة في حقيقة الوفاة. والحديث في سادسًا هو فرع لما صدر عن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الثالثة في شأن أجهزة الإنعاش. وأنا كنت متوقفًا في ذلك الموضوع، فهذا الفرع فيما يخصني أنا ويخص ذمتي أنا، وأما أنتم فهو ماشي على قراركم.
الشيخ أحمد بن حمد الخليلي:
أنا أضم صوتي إلى صوت معالي الرئيس، وأثني على ما قال؛ فإني أتحفظ أيضًا بالنسبة إلى هذه الفقرة.
الرئيس:
الشيخ يوسف. ورجائي أن تكون الكلمات برقيات.
الشيخ محمد يوسف جيري:
أنا أعتقد أن ما جاء في القرار السابق لا علاقة بينه وبين الموجود هنا، حيث تقول هذه المادة: يجوز نقل عضو من ميت، فمهما كان تفسيرنا للميت سواء إذا كنتم تفسرون الميت بأسلوبكم أو نفسرها بأسلوبنا الكل موت.
الرئيس:
لا نفسرها بأسلوب الأطباء، الأطباء ما لم يكن القلب في حالات الضخ الصناعي ما ينقلون، ولا أحب أن أعيده حتى لا أضخم القضية أكثر. على كل الموضوع أمامكم.(4/353)
الشيخ محمد تقي العثماني:
الذي أراه الذي قرره المجمع في الدورة السابقة لا يمس بموضوعنا هذا؛ لأنه كان يتعلق برفع أجهزة الإنعاش فقط، أما لأخذ أعضاء فهذا موضوع آخر.
الرئيس:
لا، هو سلمك الله في صدر القرار، قال: فإن المجمع يقرر أن الشخص يعتبر ميتًا تترتب عليه جميع أحكام الوفاة في إحدى الحالتين. جميع أحكام الوفاة في إحدى الحالتين الآتيتين: الأولى موت الدماغ وذكروها. والثانية توقف القلب توقفًا نهائيًا وذكروها. ثم قالوا: ويجوز في هذه الحالة رفع أجهزة الإنعاش.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
هذا نص القرار: يعتبر شرعًا أن الشخص قد مات وتترتب جميع الأحكام المقررة شرعًا للوفاة بعد ذلك إذا تبين فيه إحدى العلامتين التاليتين. الذين جاءوا الآن معطوف عليهم.
الرئيس:
سادسًا: يمشي على ما ترون. إذن سابعًا.
الشيخ آدم شيخ عبد الله علي:
الحقيقة حتى إذا كان الإنسان ميتًا موتة حقيقية، فأنا أتحفظ أخذ عضو من أعضائه إن لم تتعلق بذاته الشخصية حق من الحقوق، حياة الجنين المرجو حياته أو مال ابتلعه أو ما شابه ذلك. أنا أتحفظ حتى لو كانت موتة حقيقية غير موتة الدماغ موتة تامة أن أتحفظ على هذا.(4/354)
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
سابعًا: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بواسطة بيع العضو؛ إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد، ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريمًا، فمحل اجتهاد ونظر.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
عفوًا سيدي الرئيس، هنا ربما سهو فيه خطأ لغوي: بوساطة، ما فيه واسطة.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
ثامنًا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.
الرئيس:
ماشي إن شاء الله؟ الشيخ عبد اللطيف.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
سماحة الرئيس، أرجو أن يكتب تحفظي على كل هذه القرارات، فأنا أسد هذا الباب سدا محكمًا وسدا للذريعة؛ حتى لا يتجرأ الأطباء في المستقبل إلى ترك هذه الضوابط التي اجتهدتم مأجورين.
الرئيس:
حتى نقل الدم يا شيخ، وحتى قطع الأصبع الزائدة وحتى النقل من جسم إلى الجسم نفسه؟(4/355)
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
ما عدا نقل الدم وهذه الحالات جائزة.
الرئيس:
لا، هذا ما يصلح يا شيخ، أنا لا أستثني على ذمتك، أنت الذي تستثني على ذمتك أنت. القضية أن الإنسان يتحفظ عليه جميعه وفيه ما نقطع بإباحته، وإنه غير محرم هذا في الحقيقة فيه شيء.. على كل جزيت خيرًا.
الشيخ محمد عبد اللطيف الفرفور:
أرجو أن تعرفوا ما أتحفظ عليه، ما عدا نقل الدم والنقل من نفسه إلى ذاته.
الرئيس:
على كل يا شيخ نكتبه في ورقة وترسله للمقرر.
الشيخ محمد علي التسخيري:
أعتذر سيادة الرئيس، أعتقد أني متحفظ على المادة السابعة فقط، ولا أمانع من أن يبيع إنسان كليته إذ أجزنا ذلك أو يبيع عضوًا منه، والقول: إنها لا تقبل الملكية لا أراه صحيحًا طبعًا تحفظ وأرجو أن يسجل.
الرئيس:
أرجو من أصحاب الفضيلة شيئًا واحدًا. أن القرار أو الفقرة إذا كانت انتهت بالأكثرية ولأحد تحفظ أن يتفضل بكتابة تحفظه ويبعثه لفضيلة المقرر، وبذلك تبرأ ذمة الجميع وينتهي الأمر على وضعه.(4/356)
القرار
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم (1) د 4 / 08 / 88
بشأن
انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا.
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره الرابع بجدة في المملكة العربية السعودية من 18-23 جمادى الآخرة 1408هـ، الموافق 6-11 فبراير 1988م.
بعد hطلاعه على الأبحاث الفقهية والطبية الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع "انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان آخر حيًا أو ميتًا".
وفي ضوء المناقشات التي وجهت الأنظار إلى أن هذا الموضوع أمر واقع فرضه التقدم العلمي والطبي، وظهرت نتائجه الإيجابية المفيدة والمشوبة في كثير من الأحيان بالأضرار النفسية والاجتماعية الناجمة عن ممارسته دون الضوابط والقيود الشرعية التي تصان بها كرامة الإنسان، مع إعمال مراعاة مقاصد الشريعة الإسلامية الكفيلة بتحقيق كل ما هو خير ومصلحة غالبة للفرد والجماعة، والداعية إلى التعاون والتراحم والإيثار.(4/357)
وبعد حصر هذا الموضوع في النقاط التي يتحرر فيها محل البحث وتنضبط تقسيماته وصوره وحالاته التي يختلف الحكم تبعًا لها.
قرر ما يلي:
من حيث التعريف والتقسيم:
أولاً: يقصد هنا بالعضو: أي جزء من الإنسان، من أنسجة وخلايا ودماء ونحوها، كقرنية العين، سواء أكان متصلاً به، أم انفصل عنه.
ثانيًا: الانتفاع الذي هو محل البحث، هو استفادة دعت إليها ضرورة المستفيد لاستبقاء أصل الحياة، أو المحافظة على وظيفة أساسية من وظائف الجسم كالبصر ونحوه.
على أن يكون المستفيد يتمتع بحياة محترمة شرعًا.
ثالثًا: تنقسم صور الانتفاع هذه إلى الأقسام التالية:
1 - نقل العضو من حي.
2 - نقل العضو من ميت.
3 - النقل من الأجنة.
الصورة الأولى: وهي نقل العضو من حي، تشمل الحالات التالية:
أ - نقل العضو من مكان من الجسد إلى مكان آخر من الجسد نفسه، كنقل الجلد والغضاريف والعظام والأوردة والدم ونحوها.
ب - نقل العضو من جسم إنسان حي إلى جسم إنسان آخر. وينقسم العضو في هذه الحالة إلى ما تتوقف عليه الحياة وما لا تتوقف عليه.
أما ما تتوقف عليه الحياة، فقد يكون فرديًا، وقد يكون غير فردي، فالأول كالقلب والكبد، والثاني كالكلية والرئتين.
وأما ما لا تتوقف عليه الحياة، فمنه ما يقوم بوظيفة أساسية في الجسم ومنه ما لا يقوم بها. ومنه ما يتجدد تلقائيًا كالدم، ومنه ما لا يتجدد، ومنه ما له تأثير على الأنساب والموروثات، والشخصية العامة، كالخصية والمبيض وخلايا الجهاز العصبي، ومنه ما لا تأثير له على شيء من ذلك.
الصورة الثانية: وهي نقل العضو من ميت:
ويلاحظ أن الموت يشمل حالتين:
الحالة الأولى: موت الدماغ بتعطل جميع وظائفه تعطلاً نهائيًا لا رجعة فيه طبيًا.
الحالة الثانية: توقف القلب والتنفس توقفًا تامًا لا رجعة فيه طبيًا.
فقد روعي في كلتا الحالتين قرار المجمع في دورته الثالثة.(4/358)
الصورة الثالثة: وهي النقل من الأجنة، وتتم الاستفادة منها في ثلاث حالات:
حالة الأجنة التي تسقط تلقائيًا.
حالة الأجنة التي تسقط لعامل طبي أو جنائي.
حالة "اللقائح المستنبتة خارج الرحم".
من حيث الأحكام الشرعية:
أولاً: يجوز نقل العضو من مكان من جسم الإنسان إلى مكان آخر من جسمه، مع مراعاة التأكد من أن النفع المتوقع من هذه العملية أرجح من الضرر المترتب عليها، وبشرط أن يكون ذلك لإيجاد عضو مفقود أو لإعادة شكله أو وظيفته المعهودة له، أو لإصلاح عيب أو إزالة دمامة تسبب للشخص أذى نفسيًا أو عضويًا.
ثانيًا: يجوز نقل العضو من جسم إنسان إلى جسم إنسان آخر، إن كان هذا العضو يتجدد تلقائيًا، كالدم والجلد، ويراعى في ذلك اشتراط كون الباذل كامل الأهلية، وتحقق الشروط الشرعية المعتبرة.
ثالثًا: تجوز الاستفادة من جزء من العضو الذي استؤصل من الجسم لعلة مرضية لشخص آخر، كأخذ قرنية العين لإنسان ما، عند استئصال العين لعلة مرضية.
رابعًا: يحرم نقل عضو تتوقف عليه الحياة كالقلب من إنسان حي إلى إنسان آخر.
خامسا: يحرم نقل عضو من إنسان حي يعطل زواله وظيفة أساسية في حياته، وإن لم تتوقف سلامة أصل الحياة عليها، كنقل قرنية العينين كلتيهما، أما إن كان النقل يعطل جزءًا من وظيفة أساسية فهو محل بحث ونظر كما يأتي في الفقرة الثامنة.
سادسًا: يجوز نقل عضو من ميت إلى حي تتوقف حياته على ذلك العضو، أو تتوقف سلامة وظيفة أساسية فيه على ذلك. بشرط أن يأذن الميت أو ورثته بعد موته، أو بشرط موافقة ولي المسلمين إن كان المتوفى مجهول الهوية أو لا ورثة له.
سابعًا: وينبغي ملاحظة أن الاتفاق على جواز نقل العضو في الحالات التي تم بيانها، مشروط بأن لا يتم ذلك بوساطة بيع العضو؛ إذ لا يجوز إخضاع أعضاء الإنسان للبيع بحال ما.
أما بذل المال من المستفيد؛ ابتغاء الحصول على العضو المطلوب عند الضرورة أو مكافأة وتكريمًا، فمحل اجتهاد ونظر.
ثامنًا: كل ما عدا الحالات والصور المذكورة، مما يدخل في أصل الموضوع، فهو محل بحث ونظر، ويجب طرحه للدراسة والبحث في دورة قادمة، على ضوء المعطيات الطبية والأحكام الشرعية.(4/359)
صرف الزكاة لصالح صندوق
التضامن الإسلامي
إعداد
سعادة سيدي محمد يوسف جيري
عضو المجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
بسم الله عليه توكلت وإليه أنبت
وصلى الله وسلم على من سيبقى فعله وقوله وإقراره مناراً على مدى الدهر لكل باحث عن الصراط المستقيم.
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبع سنته واهتدى بهديه إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
وبعد،،،
فهذه محاولة متواضعة ومركزة، لا نطمع بها في التمكن الفوري من استجلاء الكلمة الفصل بخصوص قضية إجزاء دفع الزكاة المفروضة إلى صندوق التضامن الإسلامي، بل همنا الأساسي هو تقديم دراسة مقارنة بين الزكاة وبين صندوق التضامن الإسلامي من حيث الأهداف وأساليب العمل؛ حتى تكون المسائل المبدئية والفقهية والتنفيذية التي تتضمنها هذه القضية واضحة وظاهرة بصورة أكثر حدة.
وبطبيعة الحال، فإن هذه المقارنة تجر إلى طرح بعض الاستنتاجات والاقتراحات العملية على بساط البحث. فينبغي ألا تقيم تلك الاستنتاجات والاقتراحات بمقدار ما سيتوفر إزاءها من قبول أو رفض من طرف السادة الأعضاء، بل تكون هذه الاقتراحات قد كملت مهمتها وآتت أكلها إذا تمكنت من إثارة نقاش علمي صريح وبناء بيد ذوي الاختصاص حتى يتوصلوا في النهاية إلى حل يرضي الله تعالى، حل يكون في الحقيقة انتصاراً للاجتهاد الجماعي على الرأي الفردي.
ومن هذا المنطلق فإن هيكل البحث يكون كالآتي:-
المحتوى
الباب الأول
- تعريف الزكاة
- أهداف الزكاة
الباب الثاني
- تعريف صندوق التضامن الإسلامي
- أهداف الصندوق
الباب الثالث
- دراسة مقارنة بين الزكاة وصندوق التضامن
الباب الرابع
- استنتاجات واقتراحات عملية
- قائمة بأهم المصادر والمراجع(4/360)
بسم الله الرحمن الرحيم
الباب الأول
تعريف الزكاة والتذكير بأهدافها وأبعادها
تعريف الزكاة:
الزكاة بالمعنى الشرعي: صدقة مكتوبة وعبادة تتم بأخذ قيمة مخصوصة من مال مخصوص، حسب أوصاف مخصوصة، تصرف إلى فئات مخصوصة من الناس بنية الامتثال لأمر الله.
وهي الركن الثالث من أركان الإسلام.
وفرضيتها ثابتة في الكتاب والسنة والإجماع.
إن للزكاة بعدين يكتسب كل منهما في نظر الخلق أهمية خاصة تكاد تكون مطلقة، فهي من ناحية عبادة ونسك وقربة إلى الله عز وجل. وهي من ناحية أخرى معالجة عملية لظاهرة اجتماعية واقتصادية بالغة الخطورة: حق المحرومين والفقراء في أموال الأغنياء.
فمن حيث كونها عبادة مفروضة، وركناً أساسياً في الإسلام، يرى المسلم أنه لزام عليه أن يقيد نفسه في إيتائها وفي التصرف في تأويلها وتفسيرها وتطبيقها بالحدود التي وضعها الشارع.
ففي الحديث فيما رواه أبو داود عن زياد بن الحارث الصدائي وفيه: ((إن الله لم يرض بحكم نبي ولا غيره في الصدقة، حتى حكم هو فيها، فجزأها ثمانية أجزاء..))
ومن الفقهاء الذين غلبوا هذه النظرة التعبدية للزكاة على غيرها من الاعتبارات الإمام الشافعي وأحمد في "المشهور"، وبعض المالكية وكذلك الظاهرية.
ومن حيث كونها معالجة عملية لظاهرة اجتماعية يرى المسلم نفسه أمام تطورات اجتماعية تستجد يوماً بعد يوم، مما يجعل لزاماً عليه أن يأخذ بعين الاعتبار تلك المتغيرات عند أدائه للزكاة.(4/361)
ومن الفقهاء الذين غلبوا هذه الناحية الاجتماعية أبو حنيفة وآخرون من الأئمة، فهم يرون أن الزكاة حق مالي قصد به سد خلة الفقراء.
والحقيقة أن الاجتهاد الأصيل في زمننا هذا يقودنا إلى موقف جامع لحكمة هذين الاتجاهين.
فالزكاة كعبادة وقربة ليس لنا الحق أن ننظر إليها كنظرتنا إلى ميادين الأمر العام بالمعروف والنهي عن المنكر، بحيث نكيفها كما نشاء، ولا نخشى وزراً ما دمنا لم نخرج عن إطار الأمر العام، بل يجب أن تكون استنباطاتنا بخصوص كيفية تطبيقها استنباطات موثقة محاطة بكل الضوابط التي تضمن لنا أمان البقاء الدائم في حدود العبادة والنسك. لكن يجب علينا ونحن نتقيد بالناحية التعبدية ألا ننظر إلى قربة الزكاة من حيث الشكل الخارجي كنظرتنا إلى الصلاة أو الصوم أو الحج من حيث الشكل الخارجي في أدائها.
فشكل هذه العبادات لا يتغير مهما اختلفت العصور وتعاقبت الدهور، أما الزكاة فلأنها ترتكز في تطبيقها على متغير بالطبيعة وهو المجتمع فإن فريضة الاجتهاد تبدو لا مناص منها في كل حين ومكان؛ لكي نقوم بهذه العبادة على الوجه الذي يرضي الله سبحانه وتعالى. لكن يجب أن يكون الاجتهاد اجتهاداً أصيلاً بعيداً عن الانسياق الأعمى وراء كل جديد؛ حيث الواجب على المسلم أن يطبق الشريعة على المستجدات لا أن يفرض المستجدات على الشريعة.(4/362)
أهداف الزكاة:
إن للزكاة أهدافاً وفوائد كثيرة روحية وأخلاقية واجتماعية واقتصادية وسياسية، بعضها فردية وبعضها جماعية.
فمن هذه الأهداف ما يتعلق بالمعطي ومنها يتعلق بالمعطى له، ومنها ما يتعلق بالكيان الاجتماعي العام الذي تصرف فيه الزكاة.
وبحكم طبيعة بحثنا وهو دراسة مدى إجزاء دفع الزكاة إلى صندوق التضامن الإسلامي، وحيث إن أهداف صندوق التضامن الإسلامي أهداف اجتماعية وسياسية في أساسها، فإننا مع إحساسنا العميق بالجانب الفردي والروحي والتعبدي والأخلاقي في عملية الزكاة، فإننا سنركز جل اهتمامنا على الرسالة الاجتماعية والسياسية لهذا الركن الأساسي من أركان الإسلام.
مصارف الزكاة في محكم التنزيل، حددت بصورة مفصلة {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} التوبة: 60.
ونظرة فاحصة في هذه الآية الكريمة تظهر ثلاثة أبعاد وأهداف متكاملة للزكاة على مستوى المجتمع ككل.
أولاً: هدف تكافلي:
يغطي هذا الجانب بجميع مظاهره قوله تعالى: لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
إذا تتبعنا في تراثنا الفقهي الكبير هذه الأصناف الخمسة فإنه يمكن القول بأنها تغطي جميع الحالات الفردية التي تحتاج إلى مؤازرة اجتماعية مباشرة:
فالفقراء هم العجزة والأرامل واليتامى والمصابون في أثناء العمل والمرضى والزمنى والمكفوفون والمسنون وذوو العاهات البدنية أو العقلية، شريطة عدم غناهم بمال موروث.
والمساكين هو ذوو الدخل القاصر عن كفايتهم؛ لقلة الأجر أو كثرة العيال أو ارتفاع الأسعار.
والغارمون هم ضحايا الديون أو الغارمون لإصلاح ذات البين.
وفي الرقاب: شراء الرقاب وعتقها أو فك الأسير المسلم الذي يتحكم فيه الكفار (مع الخلاف في ذلك) .
وابن السبيل: المهاجرون والمهجرون في سبيل الله والمشردون بفعل الكوارث الطبيعية، أو اللاجئون السياسيون الذين فروا من أجل دينهم من ديار الكفر والطغيان، وطلبة العلم في ديار الغربة الذين لا يجدون كفايتهم في إطار صندوق دولة أو جمعية، ولم يكن عندهم دخل خاص.
إن دور الزكاة أقرب إلى مؤسسات الضمان الاجتماعي في عصرنا، فعلى الهيئات المختصة استناداً إلى الآية الكريمة اختيار أفضل الطرق لمعرفة المستحقين وحصرهم والتأكد من استحقاقهم وقدر حاجاتهم ومبلغ ما يكفيهم ووضع الأسس السليمة لتحقيق غاية التكافل الاجتماعي وفقاً للعدد والظروف.
فمد يد المساعدة إلى هذه الأصناف الخمسة له انعكاساته الخيرة على كل فرد معني وعلى المجتمع ككيان متكامل. وفي هذا ضمان شامل لجميع أصناف المحتاجين ولحاجاتهم المختلفة من بدنية وعقلية ونفسية.
والحق أن الزكاة من هذا المنظار الشامل تعد أول تشريع منظم في سبيل تحقيق ضمان اجتماعي، لا يعتمد على الصدقات الفردية التطوعية فقط، بل يقوم على التدخل اليقظ من طرف الدولة الإسلامية لكل الأفراد (راجع فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي) ، فلا نجد في المجتمعات سلفاً وخلفاً هذا النوع من الإلزام بالتكافل الاجتماعي يفرضه الدين وتنظمه الدولة، وتحارب من أجله لاستخلاص حقوق الفقراء مما جعل الله الأغنياء مستخلفين فيه.(4/363)
ثانيا: هدف ديني سياسي:
يغطي هذا الجانب قوله تعالى: {وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} . مع هذين المصرفين من مصارف الزكاة يتضح البعد الديني السياسي للزكاة، فالإسلام دين ودولة، وشاءت عناية الله أن يخصص جزء من هذا الحق المعلوم للجهاد في سبيل الله والدفاع عن العقيدة وامتداد سلطانها حتى تكون كلمة الله هي العليا وكلمة أعداء الله السفلى، والمرابطة لتحرير أرض الإسلام من حكم الكفار حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله، وكذلك استمالة المؤلفة قلوبهم وشدهم إلى رحاب الدين الحنيف عن طريق الاهتمام بهم.
ثالثاً: هدف تنظيمي إداري:
يغطي هذا الجانب قوله تعالى: {وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا} ، إن تخصيص جزء من الزكاة لهذا الصنف وجعل ترتيبه بعد الفقراء والمساكين وهم في طليعة مستحقي الزكاة لدليل أكيد على أن الزكاة ليست فقط عبادة فردية، وإنما هي وظيفة من وظائف الدولة الإسلامية، تعين لها جهازاً إدارياً ومالياً كفؤا يقوم بتنظيم عملية الجباية والتوزيع، ويصرف للذين يعملون فيه رواتب عادلة من مال الزكاة.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يبعث السعاة لجباية الزكاة، فقد بعث عليه الصلاة والسلام عمر بن الخطاب وأبا موسى الأشعري ومعاذ بن جبل وغيرهم لأخذ الزكاة ودفعها إلى مستحقيها.
إن الجانب الروحي في دفع الزكاة والذي يجعل المسلم يدفعها عن طيب خاطر سائلاً الله عز وجل أن يتقبل منه لا يغني عن الجانب الإداري والتنظيمي الذي يفرض على أولي الحل والعقد في الدولة الإسلامية أن يقيموا إدارة لتحصيل الزكاة وتوزيعها وفق ما أمر به المولى عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} التوبة: 103.(4/364)
الباب الثاني
تعريف صندوق التضامن الإسلامي
وحصر أهدافه ورسالته
بعد أن تبين لنا هذه الأهداف الثلاثة الرئيسية للزكاة عن طريق تصنيف مصارفها الثمانية، يجدر بنا أن نعرف بصندوق التضامن الإسلامي والأهداف التي رسمتها له منظمة المؤتمر الإسلامي لنرى إذا كان بالإمكان أن تندرج رسالة الصندوق في إطار رسالة الزكاة.
1- صندوق التضامن الإسلامي:
صندوق دائم منبثق من منظمة المؤتمر الإسلامي له شخصيته الاعتبارية المستقلة.
أقر مؤتمر القمة الإسلامي الثاني بمدينة لاهور عام 1974م إنشاء هذا الصندوق بهدف الوفاء باحتياجات ومتطلبات القضايا الإسلامية وللنهوض بالثقافة والقيم والجامعات الإسلامية، على أن تدفع الدول الأعضاء مساهماتها في الصندوق بما يتفق واستطاعة كل منها.
وأقر نظامه الأساسي المؤتمر الإسلامي الخامس لوزراء الخارجية بكوالالمبور بماليزيا عام 1974م.
2- أهداف الصندوق:
بالرجوع إلى المادة الثانية من النظام الأساسي لصندوق التضامن الإسلامي يتضح أن أهدافه هي العمل على تحقيق كل ما من شأنه رفع مستوى المسلمين في العالم، والمحافظة على عقيدتهم، ودعم تضامنهم وجهادهم في جميع المجالات، وخاصة في المجالات الآتية:
"أ- التخفيف من أثر نتائج الأزمات والمحن والكوارث الطبيعية والظروف الاجتماعية التي تتعرض لها البلاد والمجتمعات الإسلامية، وتوجيه المساعدات اللازمة لذلك.(4/365)
ب- تنظيم منح المساعدات والمعونات المادية للبلاد والأقليات والجاليات الإسلامية بغية رفع مستواها الديني والثقافي والاجتماعي، والمساهمة في بناء المساجد والمستشفيات والمدارس التي تحتاج إليها.
ج- تنظيم نشر الدعوة الإسلامية ورسالتها وتعاليم الإسلام ومثله العليا ودعم المراكز الإسلامية داخل الدول الإسلامية وخارجها؛ لأجل خير المجتمعات الإسلامية ونشر الفكر الإسلامي.
د- تشجيع البحث العلمي والتقني وإنشاء وتمويل الجامعات الإسلامية؛ استجابة لاحتياجات العالم الحديث، حيثما كان ذلك مطلوباً، ودعم الجامعات القائمة فعلاً.
هـ- دعم وتنظيم نشاط الشباب المسلم في العالم روحيا واجتماعياً ورياضياً.
و تنظيم الحلقات الدراسية التي تضم نخبة من الخبراء والمختصين في قضايا التشريع والتقنية والإدارة والاقتصاد والثقافة والعلوم التي يحتاج العالم الإسلامي إلى بلورة الفكر الإسلامي بشأنها.
ز- تنفيذ جميع المشروعات التي يقرها المؤتمر الإسلامي ويعتبر تنفيذها من اختصاص صندوق التضامن الإسلامي".
أما موارد الصندوق فتنص عليها المادة السادسة كما يلي:
"أ- تتكون موارد الصندوق من تبرعات الدول الأعضاء ومن الهبات والمنح التي تقدمها الهيئات العامة والخاصة والأفراد، ومن عائدات وقفية الصندوق بعد إتمام إجراءات إنشائها.
ب- وللدول الأعضاء والهيئات العامة أو الخاصة والأفراد أن يدعموا صندوق التضامن الإسلامي بالخبرات أو المساعدات العينية أو الجهود البشرية".
ويقدم النظام الأساسي للصندوق في المواد الأخرى (2، 4، 5، 7، 8، 9، 10، 11، 12، 13) المتطلبات التنظيمية والعملية المتعلقة بإدارة الصندوق وتسيير أعماله وتحديد علاقاته مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ومع الهيئات والمؤسسات الأخرى.
أما وقفية صندوق التضامن الإسلامي فهو جاء كامتداد طبيعي للصندوق حيث تنشأ الوقفية عن صندوق التضامن وتخصص العائدات لصندوق التضامن دعماً لمركزه المالي بإمداده "بريع سنوي يعزز مكانته ويكفل له الاستمرار في رسالته" مع الالتزام في استثمار أموال الوقفية بجميع أنواعها بمراعاة أحكام الشريعة الإسلامية والبعد عن الربا.
وتحدد المادة (4) من النظام الأساسي لوقفية صندوق التضامن الإسلامي موارد الوقفية على الشكل التالي:
"أ- الأموال السائلة التي توقفها حكومات الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي وكذلك الأشخاص الطبيعيون أو الاعتباريون من العالم الإسلامي.
ب- العقارات وسائر الأموال المنقولة التي توقفها الحكومات والأشخاص الطبيعيون والاعتباريون من العالم الإسلامي".(4/366)
الباب الثالث
دراسة مقارنة بين الزكاة وصندوق التضامن
إن الدراسة المتمعنة للزكاة ولصندوق التضامن بقصد المقارنة تقودنا إلى الحقائق التالية:
1- نظراً للظروف الراهنة التي تمر بها المجتمعات الإسلامية في يومنا هذا، حيث مواطن الفقر والجهل والمرض تكاد تتطابق مع مواطن الإسلام على وجه الكرة الأرضية مع ملاحظة تفوق الأراضي الإسلامية في نفس الوقت على الأراضي الأخرى في ميدان الثروات الطبيعية والاستراتيجية والسيولات المالية، فإن صندوق التضامن الإسلامي يفرض نفسه على الأمة الإسلامية كإحدى الحلول الأساسية لمآسي الأمة ولمساعدتها على تبوء مكانتها كخير أمة أخرجت للناس.
وهذا يعني أنه يجب على مجمع الفقه الإسلامي أن يدرس على ضوء الكتاب والسنة والتراث الإسلامي كل ما من شأنه أن يضفي اعتبارات دينية خاصة لكل مجهود يقوم به الأفراد والمجتمعات لدعم هذا الصندوق، وفي هذا الإطار فإن دور مجمع الفقه الإسلامي لا يقتصر على مجرد حث الدول والأفراد على التبرع السخي لصالح صندوق التضامن الإسلامي كوجه من أوجه البر والصدقة الطوعية، بل يجب على المجمع كذلك أن يدرس بجدية إمكانية إجزاء دفع الزكاة المكتوبة إلى هذا الصندوق، كما يجب على المجمع كذلك أن يقترح على الصندوق أي تعديل في الهيكل أو النظام أو الأهداف يرمي إلى فتح الطريق أمام الصندوق لكي يتقدم إلى الوزراء، ومن ثم إلى القمة، بمشروع نظام معدل يطرح للإقرار ويكون الصندوق بموجبه وعاء صالحاً لتلقي الصدقات الفرضية من الأفراد والمجتمعات جنباً إلى جنب مع التبرعات الطوعية.(4/367)
فهذا النوع من الاجتهاد باتجاهاته المختلفة يفرضه على المجمع نظامه الأساسي؛ حيث نصت المادة (4 ب) على شد الأمة الإسلامية لعقيدتها ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً لتقديم الحلول النابعة من الشريعة الإسلامية.
2- إن التضامن والتآخي كفكرة مبدأ أساسي في الإسلام: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} الحجرات: 10. ((المسلم أخو المسلم)) ، ((المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضاً)) . وهذه الفكرة هي من صميم أهداف الزكاة وهي كذلك من صميم أهداف صندوق التضامن الإسلامي.
لكن وجود فكرة التضامن في صميم كل من الصندوق والزكاة يجب ألا يقودنا إلى استنتاجات سريعة.
إذ إن صندوق التضامن الإسلامي بصفته جهازاً تنفيذياً واجتهاداً جماعياً معاصراً يرمي إلى تطبيق فكرة التضامن الإسلامي في زمننا على مستوى العالم الإسلامي ككل، وبصفته هيئة لها شخصيتها الاعتبارية وأسلوب عملها ومصادر إيراداتها ونظام توزيع واستثمار مواردها ... الصندوق من هذا المنظار ظاهرة جديدة فرضتها متطلبات العصر على الأمة.
وهنا نعيد ما قلناه آنفاً من أنه يجب على العلماء الاستعانة بالكتاب والسنة والقياس والاستنباط والاستقراء والاستئناس كذلك بتجارب السلف وجميع وسائل الأمر بالمعروف لحث الأمة على مساندة هذا الصندوق ودعمه مادياً ومعنوياً.
أما جعل الزكاة أو بعض الزكاة مصدراً من مصادر إيرادات الصندوق فتلك قضية أخرى يجب النظر فيها على ضوء الضوابط التي رسمها الشارع للزكاة.
3- إن مؤسسي صندوق التضامن الإسلامي قادة دول كانوا أو وزراء لحكمة هداهم الله إليها، لم يشؤوا أن يقحموا الزكاة المكتوبة بصورة علنية في إطار هذا الصندوق.(4/368)
فموارد الصندوق التي أشير إليها في المادة (6) من القانون الأساسي تنص على: التبرعات، الهبات، المنح، عائدات وقفية الصندوق، الخبرات أو المساعدات العينية، والجهود البشرية، وكلها مصطلحات عصرية لها مدلولاتها المحددة وترتكز أساساً على الناحية التطوعية، ولم يستعمل النظام الأساسي للصندوق ولو مرة واحدة كلمة "الزكاة" أو الكلمات القرآنية الأخرى التي استعملت شرعاً لأداء معنى الزكاة؛ ككلمة "الصدقة" الصدقات، الإنفاق، والحق المعلوم، وغيرها.
ويلاحظ كذلك أن المصطلحات القرآنية في تحديد مصارف الزكاة ثمانية: "الفقراء، المساكين، العاملين عليها، المؤلفة قلوبهم، في الرقاب، الغارمين، في سبيل الله، ابن السبيل ... " هذه المصطلحات لم ترد ولو مرة واحدة بصيغتها القرآنية في أي عبارة من عبارات النظام الأساسي للصندوق، ولربما كانت الحكمة التي هدى الله إليها قادة الدول الإسلامية ووزراء الخارجية هو، على الرغم من أهمية الصندوق وإسلاميته، أن يترك الباب مفتوحاً لتحديد هذه النقطة الخطيرة أمام جهاز مختص هو مجمع الفقه الإسلامي حيث كانت فكرة تأسيس هذا المجمع موجودة منذ فجر منظمة المؤتمر الإسلامي لكنها لم تر النور بصورة قانونية إلا عند إقرار نظامه الأساسي من طرف المؤتمر الثالث عشر لوزراء الخارجية عام 1982م في نيامي بجمهورية النيجر، ثم انعقاد المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة عام 1983م تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين.(4/369)
4- مما لا يقبل الجدال أن بعض الأهداف المشار إليها في النظام الأساسي لصندوق التضامن الإسلامي، والتي تدعمها محصلة النتائج لمختلف نشاطات الصندوق ومساهماته منذ تأسيسه إلى يومنا هذا يمكن الموافقة بينها وبين بعض المعاني أو المدلولات الشرعية لمصارف الزكاة، مثل باب الأزمات والمحن والكوارث الطبيعية والظروف الاجتماعية التي تتعرض لها بعض الدول والمجتمعات الإسلامية، مما يبرز في تلك المجتمعات جماعة من الفقراء والمساكين والغارمين وابن السبيل.
ويتوقف ضيق أو سعة دائرة الموافقة بين مصارف الزكاة وبين الأجهزة والهيئات التي أسسها المسلمون لتجسيد فكرة التضامن والتآخي في الإسلام على مدى استعداد المذاهب الفقهية والمجتهدين من الفقهاء لتأويل أو تفسير مصارف الزكاة.
فبعضهم يرون الحكمة في الوقوف عند تفسير السلف وعدم تعديه، مثال ذلك: ما رجحته هيئة كِبار العلماء في المملكة العربية السعودية بخصوص تفسير {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} انظر قرار الهيئة رقم 24 بتاريخ 21/8/1394 هـ حيث رأى أكثرية أعضاء المجلس "الأخذ بقول جمهور العلماء من مفسرين ومحدثين وفقهاء" من أن المراد بقوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} الغزاة المتطوعين بغزوهم وما يلزم لهم من استعداد، وإذا لم يوجدوا صرفت الزكاة كلها للأصناف الأخرى، وليس صرفها في شيء من المرافق العامة إلا إذا لم يوجد لها مستحق من الفقراء والمساكين وبقية الأصناف المنصوص عليهم في الآية الكريمة.
ويلاحظ نفس الاتجاه في تفسير كلمات الفقراء والمساكين، والمؤلفة قلوبهم، والغارمين.(4/370)
ولا نرى أية فائدة في الاسترسال في ذكر الشواهد المشتقة من تراث الفقه الإسلامي الواسع إزاء تفسير هذه العبارات، فذلك معروف لدى السادة أعضاء المجمع الكرام، ولا يتسع صدر هذه المقالة التي نريدها مركزة بقدر المستطاع.
(ولمن يريد أن يقف على المصادر والمراجع التي يعتمد عليها هؤلاء وأولئك أن يراجع علماء المذاهب كالسرخسي من الحنفية وابن العربي من المالكية والنووي من الشافعية وابن قدامة من الحنابلة وابن حزم من الظاهرية وغيرهم) .
وفي المقابل، كان وما زال هناك فريق من العلماء والمجتهدين يسترسلون في تفسير معاني مصارف الزكاة، وهم على درجات، فمنهم من يقتصد فيه ويتقيد بما أثر عن مذهب معين أو مجتهد معين من السلف، ومنهم من يجاري العصر بدون تحفظ كبير إلى درجة أنه يوسع مفهوم الفقراء والمساكين أو ابن السبيل أو الغارم أو المؤلفة قلوبهم وبصفة خاصة مفهوم {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} مستعيناً بالمدلولات اللغوية والتاريخية ليشمل في النهاية أشياء كثيرة.
وأكبر مثال على ذلك عبارة {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} فحيث رأينا الفريق الأول يحصرها في الغزاة المتطوعين، نرى هنا علماء يعتقدون بصور متفاوتة أنه يشمل كل مجاهدة لنصرة دين الله ومحاربة أعدائه وإعلاء كلمته في الأرض حتى لا تكون فتنةٌ ويكون الدين كله لله، فهم يرون أن الغزو قد يكون عسكرياً وقد يكون فكرياً أو سياسياً أو تربوياً، وأن الجهاد قد يكون بالقلم واللسان وقد يكون بالسيف والسنان، وقد تكون المرابطة اقتصادية أو اجتماعية أو إعلامية، فإذا كان المسلم في أي خندق من هذه الخنادق فهو في رأيهم غاز ومرابط ومجاهد في سبيل الله يجب أن يعان بقسط من مال الزكاة يقل أو يكثر حسب حصيلة الزكاة من ناحية، وحسب حاجة الجهاد من ناحية ثانية، وحسب حاجة المصارف الأخرى حدة وضعفاً من ناحية ثالثة، شريطة أن يرتبط هذا الجهاد وهذا النوع من الغزو بأهداف إسلامية معلنة صريحة لا يشوهها اعتبارات قومية أو عرقية أو طبقية أو إيدولوجية أخرى.(4/371)
وقد أبدع الدكتور يوسف القرضاوي في استقصاء أدلة كل فريق من هذه الفرق والاتجاهات. ولمن يريد مزيداً من الشرح الرجوع إلى مؤلفه القيم "فقه الزكاة" وما ألحقه بكتابه من فهرس وافٍ للمصادر والمراجع ص 1190-1204 ج2.
5- في الوقت الذي نلاحظ إمكانية التطابق بين بعض أهداف الصندوق وبين مصارف الزكاة فإنه يجب أن نقر بأن هنالك أهدافاً أخرى من بين أهداف الصندوق يصعب إدراجها تحت مفهوم أحد مصارف الزكاة الثمانية إلا إذا حذونا حذو من يساير متطلبات العصر مسايرة مطلقة، ويجند كل المدلولات اللغوية والفقهية والتاريخية لكل كلمة بغية الوصول إلى حل توفيقي بين هدف معين وبين مصرف من مصارف الزكاة، وفي هذا الاتجاه ما فيه من خطورة حيث سبق أن أشرنا إلى أن الزكاة ليست براً أو معروفاً فحسب، وإنما هي ركن أساسي من أركان الدين وعبادة حدد الشارع كيفيتها.
فمثلاً الهدف (5) من أهداف الصندوق ينص على: "دعم وتنظيم الشباب المسلم في العالم روحياً واجتماعياً ورياضياً" ومن الواضح أنه لكي يندرج هذا الهدف في دائرة مصارف الزكاة يجب علينا أن نتوسع بشكل مفرط في تفسير هذا المصرف أو ذلك، وليس ذلك من الحكمة في شيء لما سبق أن ذكرنا من أن واجب المسلم في هذا العصر وفي كل عصر هو تطبيق الشريعة على المستجدات وليس فرض المستجدات على الشريعة.
6- حتى في الحالات التي تتضح إمكانية التوفيق بين هدف معين من أهداف الصندوق ومصرف محدد من مصارف الزكاة فإن مسألة تثبيت نفس المسلم على أن زكاته بلغت مصرفها تبقى قضية معلقة؛ حيث إنه بالإضافة إلى مشكلة الهدف توجد مشاكل فقهية كثيرة يجب تذليلها.
أهمها: مسألة نقل الزكاة من مكان إلى آخر، ومسألة التمليك، ومسألة تعجيل الزكاة أو تأخيرها، ومسألة دفع القيمة عن العين.(4/372)
أ- مسألة نقل الزكاة من مكان إلى آخر مع وجود من يستحقها من الفقراء والمساكين في مكان الزكاة (ونعيد إلى الذاكرة ما قلناه آنفاً من التطابق بين معاقل الفقر والمرض والجهل في العالم وبين مواطن الإسلام، مما يتعذر معه الجزم بأن الزكاة المنقولة إلى صندوق التضامن الإسلامي لصرفها في إحدى مصارف الزكاة لم يكن في بلد المزكي من كان في حاجة ملحة إليها) .
فهناك أدلة كثيرة تظهر أن الصحابة والتابعين والأئمة من بعدهم قد فهموا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) على أنه تفريق المال في مكانه أي حيث جمع، فكان السعاة في أيام الرسول صلى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدين يرجعون من مهمتهم إلى المدينة لا يحملون غير أحلاسهم أو عصيهم. والحكمة في ذلك: أن المقصود من الزكاة إغناء الفقراء بها، كما وضح ذلك ابن قدامة في المغني، ومراعاة حرمة الجوار وقرب دار الفقير من دار الغني والاكتفاء الذاتي والابتعاد عن المركزية المفرطة، وذلك بعلاج المشاكل حيث وجدت، فإذا أبحنا نقلها إلى مكان آخر بصورة مخالفة أفضى ذلك إلى إبقاء فقراء ذلك البلد محتاجين وإلى زعزعة عرى الجوار.
وعلى هذا المعنى يقول فرقد السبخي: "حملت زكاة مالي لأقسمها بمكة فلقيت سعيد بن جبير فقال: ردها فاقسمها في بلدك". وقد رد عمر بن عبد العزيز زكاة الري إلى الري بعد أن كان أهلها أحضروها إلى الكوفة.
وإذا تتبعنا ما أثر عن السلف في هذا الباب فإننا لا نراهم يجوزون النقل من مكان إلى مكان آخر إلا عند استغناء أهل المكان الأول.
وأكبر دليل على ذلك تلك المراجعات المتكررة بين معاذ بن جبل وعمر بن الخطاب رضي الله عنهما عندما أرسل إليه معاذ ثلث الزكاة فنصفها من اليمن فأنكره عمر عليه، لكن عندما علم أن ذلك جاء بعد تغطية الحاجة عند أهل اليمن أقره.(4/373)
أما عند وجود الحاجة فالخلاف بين من يقولون بعدم الإجزاء ومن يقولون بالإجزاء بإثم وعلى كراهية، ولم يستثن من ذلك إلا الحنفية الذين يقولون بجواز النقل بدون إثم ليس فقط لصلة الرحم أو لتلبيية حاجة أشد من بلد المزكي، بل أيضاً إذا كان نقلها إلى من هو أصلح وأنفع للمسلمين أو كانت الزكاة معجلة قبل تمام الحول.
وأما الأحاديث الكثيرة التي تروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يستدعي الصدقات من الأعراب إلى المدينة ويصرفها في فقراء المدينة الأنصار، وما في معناها من حديث قبيصة بن المخارق حيث قدم من نجد إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقال له صلى الله عليه وسلم: ((أقم حتى تأتينا الصدقة)) إما أن نعينك عليها (أي على حاجتك) وإما أن نحطها عنك، فإننا نذهب إلى ما ذهب إليه أبو عبيد من إنه ليس لهذه الروايات محمل إلا أن يكون فضلاً عن حاجتهم وبعد استغنائهم عنها، وعلى كل حال فإن المنقول عند الحاجة الملحة لا يمكن أن يكون إلا جزءاًَ من الزكاة لا كلها، ونقل الكل لا يجوز إلا عند الاستغناء المطلق وهذا ما أثبتنا استحالته في المجتمعات الإسلامية في يومنا هذا، فحتى لو اعتمدنا على آراء من يجيزون نقل الزكاة من مكان إلى آخر مع وجود الحاجة في المكان الأول بإثم أو بدون إثم حسب اختلاف الحالات، فإن القضية النفسية المطروحة وهي قضية تثبيت نفس المسلم ستبقى بدون حل إلا إذا كان هناك إجماع أو شبه إجماع، وهذا ما يتعذر مع وجود أغلبية من المسلمين سلفاً وخلفاً يتحاشون نقل الزكاة مع وجود من يستحقها في بلد المزكي.(4/374)
ب- مشكلة التمليك:
إن أغلب الأهداف التي يرمي إليها صندوق التضامن أهداف اجتماعية لا مجال فيها للتمليك الفردي، وهي بناء المدارس والمساجد والجامعات والمراكز والمخيمات وحلقات الدراسة كما هو مبين في قانونه الأساسي وفي جدول المساعدات التي قدمها المجلس الدائم لصندوق التضامن الإسلامي كمحصلة ثابتة لنشاطاته منذ ميلاده وحتى عام 1986م حتى تطبيق باب الأزمات والكوارث فإنه يأتي حسب عرف العصر الذي نعيشه في صورة جماعية لا مجال فيها إلا في القليل النادر للتمليك الفردي.
ومع أننا لا نذهب إلى القول بركنية التمليك في الزكاة فإننا نشير إلى أن جمهور المسلمين سلفاً وخلفاً فضلوا دائماً بخصوص الزكاة الحالات التي يتحقق فيها التمليك الفردي عند وجودها على المصالح العامة التي لا ملك فيها لأحد، فعلى الرغم من وجود فقهاء أجلاء أجازوا صرف الزكاة في أوجه الخير كما نسب ابن قدامة هذا المعنى بخصوص {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} إلى أنس بن مالك والحسن البصري، وكما هو شائع في كتب الزيدية وآراء المحدثين مثل جمال الدين القاسمي، وكذلك عند بعض المعاصرين أمثال الشيخ محمد شلتوت فإنه يلاحظ أن المسلمين من أقدم العصور إلى يومنا هذا فهموا الزكاة على أنها في المقام الأول إتاحة تمليك فردي، فصارت من كثرة زيوع هذا المفهوم كأنه ركن فيها.
فإذا كان الأحناف تفردوا بالجزم بركنية التمليك، فالملاحظ أن أصحاب المذاهب الأخرى الذين لم يصلوا إلى درجة التصريح العلني بذلك قد طبقوه عملياً في كثير من الأحيان؛ حيث إنهم أعطوا غالباً الأولوية لمجالات التمليك الفردي كما قلنا بذلك آنفاً.
فالزكاة في المفهوم المتوارث منذ عهد الصحابة إما أن تؤتى للفقير والمسكين وباقي مستحقي الزكاة مناولة، أو تصل إليهم عن طريق جهاز متخصص في إحصاء الفقراء والمحتاجين، ومعروف لدى المستحقين ويستطيعون الاتصال به بدون أية مقدمات (بيروقراطية) وفي جميع الأوقات. وهذا ما سمي بإدارة الزكاة أو صندوق الزكاة وهو جزء من بيت المال.(4/375)
والحكمة في هذا الاتجاه أنه قد استقر في الوجدان الجماعي للأمة الإسلامية في كل عصر أن إقحام المصالح العامة الكثيرة على ميدان الزكاة سيقود حتماً إلى إهدار حقوق عامة الفقراء والمساكين والغارمين وغيرهم من الذين لا يملكون أمام هيئات المصالح العامة المنظمة والمجهزة بالوسائل الفنية لفرض أنفسها على الرأي العام ... لا يملكون أي وسيلة للإشعار بوجودهم وبحاجتهم، وبما أن الإسلام دين يعطي لكل من الفرد والجماعة حقهما كاملاً ولا يسمح لأحدهما أن يطغى على الآخر كما هو الشأن في المذاهب المادية الشيوعية منها والرأسمالية، فإن الوجدان الجماعي في العالم الإسلامي خصص الزكاة في المقام الأول للأفراد الثمانية المنصوص عليهم في آية مصارف الزكاة، علماً بأن في المال حقاً آخر غير الزكاة، وهذا الحق الآخر كان على مر الأزمان مجالاً للعمل الإسلامي الخيري في مجال المصالح والمرافق العامة.
وأن التمسك بهذا النهج المتوارث بين المسلمين سلفهم وخلفهم لضمان أكيد لسد ذريعة إخضاع الفرد لهيمنة المجتمع عندما يفتح باب الزكاة للمصالح العامة.
ج- ومن تلك المسائل الفقهية التي يجب البت فيها: مسألة فورية تفريق الزكاة أو تأخيرها. فصندوق التضامن الإسلامي يعتمد على الاجتماعات الدورية كما جاء في المادة (3) من النظام الأساسي لتوزيع ما يجمع لديه من إيرادات في أهدافه المختلفة إلا في حالات الكوارث والمحن حيث تجتمع لجنة الطوارئ كلما دعت الحاجة إلى ذلك، أي الأزمات والكوارث الطبيعية في إحدى الدول الإسلامية لتقرير ما يمكن أن يقوم به الصندوق.
فدورية التوزيع قد لا تتفق تماماً مع مبدأ الفورية الذي سار عليه جمهور العلماء في تعجيل الزكاة، فكما هي الحال عند مالك والشافعي وأحمد وبعض الأحناف كالكرخي وابن همام. إذ إنه في مؤسسات الزكاة الشرعية أو أقسام بيت المال المكلفة بالزكاة يوجد تواكب وتنسيق مستمران بين جباية الزكاة وبين توزيعها بدون انتظار مفرط.(4/376)
وهذا الاتجاه في تعجيل دفع الزكاة إلى مستحقيها ما جعل النووي رحمه الله يرى أن عملية إحصاء المستحقين وتحديد مقدار حاجاتهم يجب أن يجري في نفس وقت جباية الزكاة بحيث "يقع الفراغ من جمع الصدقات بعد معرفتهم مباشرة أو معها ليصل إليهم حقوقهم في أقرب وقت ممكن" حيث الأمر بصرف الزكاة على الرغم من إطلاقه أمر معه قرينة الفورية الضمنية؛ لأن الزكاة لم توجد إلا لحاجة مستحقيها الثمانية، وهذه الحاجات في مجملها أو على الأقل في معظمها حاجات لا تقبل التأجيل، والتسويف. ولا يجوز التأخير فيها إلا لضرورة شرعية أو حاجة داعية، وهذا يعني أن طبيعة تحديد أوقات الصرف لأموال الصندوق لا تنسجم مع الزكاة إلا في حالتين:
- حالة الأزمات والطوارئ التي توجب اجتماع اللجنة المكلفة بذلك في أي وقت وحين.
- حالة التفسير الموسع لبعض مصارف الزكاة مثل: (سبيل الله) بحيث يشمل بعض المرافق والمصالح العامة التي لا تلتزم كثيراً بعنصر الوقت، وقد سبق أن أشرنا إلى عدم حكمة إقحام هذه المصالح العامة على الزكاة في يومنا هذا، إلا في حالة الاستغناء، أي عدم وجود من يستحق الزكاة من المصارف الأخرى وذلك لأسباب ذكرناها آنفاً.
د- ومن المسائل الفقهية التي تعترض كذلك سبيلنا عند الموازنة بين طبيعة الزكاة وطبيعة صندوق التضامن الإسلامي مسألة: دفع القيمة عن العين حيث إن تكوين الصندوق لا يحتوي على استعداد لتلقي الذات العينية لأموال الزكاة. فقد اختلف العلماء بخصوص دفع القيمة عن العين فمنهم من يمنع ذلك ومنهم من يجيزه بلا كراهة ومنهم يجيزه مع الكراهة ومنهم من يجيزه في بعض الحالات دون بعض.
وإننا نعتقد أن هذه المسألة يمكن حلها باتخاذ موقف وسط أشبه بما نقل عن معاذ بن جبل بخصوص الزكاة وقيل: بخصوص الجزية هو أنه قال لأهل اليمن: (اوتوني بخميس أو لبيس أيسر عليكم وخير لمن في المدينة من المهاجرين والأنصار..) .
وقد ذهب إلى نفس الحل الوسط شيخ الإسلام ابن تيمية حيث قال ما معناه: إن إخراج القيمة لغير حاجة ولا مصلحة راجحة ممنوع. وأما إخراج القيمة للحاجة أو المصلحة أو العدل فلا بأس به.
وموقفنا أنه إذا تبين إجزاء تقديم الزكاة إلى صندوق التضامن الإسلامي في حالة معينة (كما قلنا إن ذلك ممكن في باب الكوارث الطبيعية) فإن تحويل عين الزكاة إلى قيمتها أدعى للمصلحة وأيسر في العمل حيث إن صندوق التضامن الإسلامي لم يملك بعد استعدادات تنظيمية لتلقي عروض التجارة أو الذات العينية الأخرى شريطة أن يكون تقييم العين أو العروض على أسس عادلة ودقيقة.(4/377)
الباب الرابع
استنتاجات واقتراحات عملية
1- في حالة مراعاتنا للحكمة التي هدى الله إليها الأمة سلفاً وخلفاً من إعطاء الأولية في الزكاة لأصحاب الحاجات الفردية الملحة من فقراء ومساكين وفي الرقاب وغارمين وأبناء السبيل، إما مباشرة أو عن طريق هيئات مختصة في شؤون الزكاة (وقد أفضنا في ذكر ما أثر في ذلك آنفاً ... ) ونظراً لما يتسم به العالم الإسلامي في يومنا من تفشي جميع مظاهر هذه السلبيات الفردية وحيث إن أهداف صندوق التضامن أهداف اجتماعية لا مجال فيها للتمليك الفردي فإن نطاق التطابق بين الزكاة وبين أهداف صندوق التضامن الإسلامي يكون ضيقاً للغاية.
من هذا المنظار فإن باب الأزمات والكوارث الطبيعية والظروف الاجتماعية في البلاد والمجتمعات الإسلامية يكاد يكون الباب الوحيد الذي يمكن إدخاله في دائرة المستحقين للزكاة بالأولوية.
وعلى هذا، فإننا لا نرى هناك مانعاً شرعياً بل نحبذ ونشجع في حالة وجود تلك الكوارث والأزمات إعطاء جزء من الزكاة إلى صندوق التضامن لإيصالها لمستحقي الزكاة من المسلمين ضحايا هذه الكوارث، ويكون ذلك في صورة توكيل شرعي تحدد فيه شروط التوكيل ويتعهد الصندوق بالتقيد بها.
ويمكن أن تضاف إلى باب الكوارث الحالات الخاصة التي لم تحط بها المرافق العامة في بلد أو مجتمع إسلامي لسبب من الأسباب، والتي يعزم صندوق التضامن الإسلامي على مد يد المساعدة فيها إلى أفراد أو جماعات من المسلمين داخل المجتمع الإسلامي أو خارجه بغية تخليصهم من براثن الفقر والجوع والمرض والدين والجهل. مثاله: قيام الصندوق بدعم ما وجد في هذه الحالات من دور الأيتام ومراكز العجزة والمعوقين والفقراء في مخيمات المهاجرين والمهجرين لأسباب دينية، وتقديم المنح الدراسية إلى أبناء المعوزين من المسلمين، فهذه الحالات إما حالات فقر أو مسكنة أو ضرب في الأرض وذلك في جميع المدلولات الفقهية القديمة والمعاصرة لهذه الكلمات.(4/378)
وفي حالة عزم الصندوق على القيام بعمل محدد من هذه الأعمال سواء كوظيفة إضافية على وظائفها الأساسية أو كتفسير عملي لبعض أجزاء أهدافه السبعة المذكورة في نظامه الأساسي، فإننا لا نرى كذلك مانعاً شرعياً، بل نشجع في تلك الحالة إعطاء جزء من الزكاة إلى صندوق التضامن الإسلامي لصرفه في هذه الحالات المحددة على أساس التوكيل الشرعي الذي أشرنا إليه آنفاً.
2- في حالة توسعنا في تأويل بعض مصارف الزكاة كالفقير والمسكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم والغارمين وابن السبيل وفي سبيل الله فإنه يمكن بطريقة أو بأخرى أن ندخل جميع أهداف الصندوق أو أغلبها تحت مظلة الزكاة بهذا المفهوم.
إلا أننا في هذه الحالة نرى ألا يصرف شيء من أموال الزكاة في هذه الأهداف العامة للصندوق إلا بعد التأكد من أن ذوي الحاجة من أصحاب الحالات الأولى قد حصلوا على حقوقهم من الزكاة في المنطقة العينية.
ويكون ذلك بإحدى الطريقتين:
أ- أن تكون البنية الاجتماعية في المنطقة المعينة شفافة إلى درجة تسمح للمزكي أن يحصل على القناعة التلقائية بأنه لا يوجد في مكان إقامته من يستحق الزكاة من الفقراء والمساكين وخاصة ذوي القربى منهم والجار ذي القربى والجار الجنب والصاحب بالجنب وابن السبيل.
وفي هذه الحالة نرى أنه لا حرج شرعاً أن تدفع الزكاة أو ما فاض منها إلى صندوق التضامن بشرط أو بدون شرط حيث ترتقي الأهداف العامة في هذه الحالة للصندوق إلى مصاف مستحقي الزكاة بالأولوية بالنسبة لهذا الشخص.
ب- في حالة هذه الرؤية الواضحة، وفي حالة رغبة المزكي أن يعطي جزءاً من زكاته للصندوق فإن الأقرب للتقوى في رأينا أن يقوم به عن طريق هيئة متخصصة في حصر الزكاة وإحصاء مستحقيها في المنطقة التي يقيم فيها (مثل إدارة الزكاة أو صندوق الزكاة أو قسم بيت المال المتخصص في الزكاة أو أي جهاز مشابه في بلد إسلامي يتولى شؤون الزكاة) وتقوم هذه الهيئة بعد تقييم الأمر بتخصيص نسبة معينة لصندوق التضامن تقل أو تكثر حسب ما تمليه معرفة الهيئة بواقع الحال في هذه المنطقة ويفرضه الحرص على إعطاء الأولوية للفقراء والمساكين ومن في حكمهم.(4/379)
إننا في هذا الصدد نذكر بالحكمة التي جعلت المسلمين على مر التاريخ يؤثرون في الزكاة أصحاب الحاجات الملحة على المصالح والمرافق العامة، حيث إن هنالك حقا آخر في المال غير الزكاة يمكن توجيهه إلى المصالح العامة.
3- في الحالة التي يمكن لصندوق التضامن الإسلامي (على الرغم من كونه جهازاً دوليا يهتم بالأمور الجماعية لا الفردية) أن يولي الحالات الخاصة بعضاً من اهتماماته الثابتة، فإني أقترح تكوين لجنة تضم خبراء من الصندوق وفقهاء من المجمع تقوم بدراسة إمكانية وضع مشروع قانون أساسي معدل يعرض على الأمانة العامة ومن ثم على الوزراء فالقمة، يأخذ هذا القانون المعدل بعين الاعتبار متطلبات الزكاة الفقهية، ويعيد صياغة بعض أجزاء النظام الأساسي للصندوق أو يقترح إضافات عليه لكي يصبح بعد ذلك وعاء شرعياً مطلق الصلاحية لتلقي الزكاة وتوزيعها جنباً على جنب مع أهدافه الأخرى الإسلامية.
لكن هذا الحل التعديلي لا يمكن التفكير فيه إلا بطلب من الصندوق أو الأمانة العامة بصفتهما الجهتين اللتين تلمان بحدود صلاحيات صندوق التضامن الإسلامي.
4- نظراً للأهداف التي يرمي إليها صندوق التضامن الإسلامي والتي أنجزت الكثير منها منذ ميلاد هذا الجهاز الإسلامي الهام، وانطلاقاً من الهدف الأساسي للمجمع وهو: دراسة الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً لتقديم الحلول النابعة عن الشريعة الإسلامية،
فإني أرى أن يصدر المجمع فتوى بتأهيل صندوق التضامن الإسلامي ليكون وعاءً لتلقي صدقات طوعية وحقوق شرعية أخرى في المال غير الزكاة بصفته جهازاً مكملاً لهيئات الزكاة في العمل لتحقيق الكفالة الاجتماعية في هذا العصر، ويحث المسلمين جماعات وأفراداً ودولاً على المسارعة والمنافسة في تقديم هذه الصدقات الطوعية أو وقف عقارات استثمارات شرعية أخرى لصالح هذا الصندوق ودعم وقفيته وذلك لتحقيق أهدافه الإسلامية النبيلة.
وما أريد إلا الإصلاح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.
سيدي محمد يوسف جيري(4/380)
قائمة بأهم المصادر والمراجع
أولا – القرآن الكريم وتفاسيره:
- المصحف الشريف
- أحكام القرآن لابن العربي المالكي
- أحكام القرآن للجصاص
- التفسير الكبير للإمام فخر الدين الرازي
- الجامع لأحكام القرآن للإمام القرطبي
- تفسير القرآن العظيم لابن كثير
- تفسير القرآن الكريم للشيخ محمود شلتوت
- محاسن التأويل للعلامة جمال الدين القاسمي
ثانيا – الحديث وشروحه:
- الصحيحان والسنن وشروحها
- كتب أحاديث الأحكام وخاصة: نيل الأوطار للإمام الشوكاني
الفقه:
من كتب الحنفية:
- بدائع الصنائع للكاساني
- البحر الرائق للعلامة ابن نجيم
- الخراج للإمام أبي يوسف
- رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين
- شرح فتح القدير لابن الهمام
من كتب المالكية:
- المدونة الكبرى لإمام المذهب مالك بن أنس، رواية الإمام سحنون
- بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد
- شروح مختصر خليل كالخرشي، والشرح الكبير
- بلغة السالك لأقرب المسالك للشيخ أحمد بن الصاوي
- المنتقى شرح الموطأ للقاضي أبي الوليد الباجي.
من كتب الشافعية:
- الأم للإمام محمد بن إدريس الشافعي إمام المذهب
- المهذب للشيرازي
- المجموع شرح المهذب للإمام النووي
- المنهاج للإمام النووي
- نهاية المحتاج للرملي
- مغني المحتاج لمحمد الشربيني
- الوجيز لحجة الإسلام الإمام أبي حامد الغزالي
من كتب الحنابلة:
- المغني للعلامة ابن قدامة المقدسي
- الاختيارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية
- مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية
- الإنصاف في معرفة الراجح لأبي الحسن المرداوي.
من كتب الظاهرية:
- المحلى للإمام محمد بن علي بن حزم الأندلسي. وراجع كذلك:
- فتاوى الشيخ مخلوف
- شرائع الإسلام في فقه الإمامية للشيخ جعفر بن الحسن الحلي المعروف بالمحقق الحلي.
- فقه الزكاة للدكتور يوسف القرضاوي.
- مصارف الزكاة في الشريعة الإسلامية لعبد بن الجار الله
- الطرق الحكمية للإمام ابن القيم
- فتاوى الإمام محمد رشيد رضا
- الروضة الندية للسيد صديق حسن خان
وراجع كذلك أيضاً:
مذكرة تفسيرية بشأن صندوق التضامن الإسلامي ووقفيته مقدمة إلى الدورة الثالثة لمجمع الفقه الإسلامي.
والحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم.(4/381)
صرف الزكاة لصالح صندوق
التضامن الإسلامي
إعداد
فضيلة الشيخ تيجاني صابون محمد
مدير التعليم العربي بجمهورية تشاد
وعضو مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
لقد بين الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز مصارف الزكاة حيث قال:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ} التوبة: 60.
وفي تعريف كل واحد من هؤلاء الأصناف وما يتعلق بذلك من الأحكام تفصيل في المذاهب.
1) الحنفية:- قالوا: "الفقير" هو الذي يملك أقل من النصاب، أو يملك نصاباً غير تام يستغرق حاجته، أو يملك نصباً كثيرة غير تامة تستغرق الحاجة، فإن ملكها لا يخرجه عن كونه فقيراً، يجوز صرف الزكاة له، وصرفها للفقير العالم أفضل. والمسكين هو الذي لا يملك شيئاً أصلاً فيحتاج إلى المسألة لقوته أو لتحصيل ما يواري به بدنه، ويحل له أن يسأل لذلك، بخلاف الفقير فإنه لا يحل له المسألة ما دام يملك قوت يومه بعد سترة بدنه. "العامل" هو الذي نصبه الإمام لأخذ الصدقات والعشور، فيأخذ بقدر ما عمل. و"والرقاب" هم الأرقاء المكاتبون. "والغارم" هو الذي عليه دين ولا يملك نصاباً كاملاً بعد دينه، والدافع إليه لسداد دينه أفضل من الدافع للفقير. وفي سبيل الله هم الفقراء المنقطعون للغزو في سبيل الله على الأصح. "وابن السبيل" وهو الغريب المنقطع عن ماله، فيجوز صرف الزكاة له، بقدر الحاجة فقط، والأفضل له أن يستدين. وأما المؤلفة قلوبهم، فإنهم منعوا من الزكاة في خلافة الصديق – ويشترط لصحة أداء الزكاة النية المقارنة لإخراجها، أو لعذر ما وجب إخراجه.(4/382)
هذا وللمالك أن يصرف الزكاة لجميع الأصناف المذكورة في الآية الكريمة. أو لبعضهم، ولو واحد من أي صنف كان، والأفضل أن يقتصر على واحد إذا كان المدفوع أقل من نصاب، فإن دفع نصاباً كاملاً فأكثر، أجزأه مع الكراهة. إلا إذا استحق الزكاة مديناً، فإنه يجوز للمالك أن يسدد له دينه بالزكاة ولو كانت أكثر من نصاب، وكذا لو كان ذا عيال، فإنه يجوز أن يصرف له من الزكاة أكثر من نصاب. لكن بحيث لو وزع على عياله يصيب كل واحد منهم أقل من نصاب. ولا يجوز أن يصرف الزكاة في بناء مسجد أو مدرسة أو في حج أو جهاد أو في إصلاح طرق، أو قنطرة أو نحو ذلك من تكفين ميت، وكل ما ليس فيه تمليك لمستحق الزكاة، وقد تقدم أن التمليك ركن للزكاة ويجوز صرف الزكاة لمن يملك أقل من النصاب وإن كان صحيحاً ذا كسب. أما من يملك نصاباً من أي مال كان، فاضلاً عن حاجته الأصلية وهي مسكنه وأثاثه وثيابه وخادمه ومركبه وسلاحه، فلا يجوز صرف الزكاة لهم، ويجوز دفع الزكاة إلى ولد الغني الكبير إذا كان فقيراً، أما ولده الصغير، فلا يجوز دفع الزكاة له، وكذا يجوز دفعها إلى امرأة الغني وهي فقيرة، وإلى الأب المعسر إن كان ابنه موسراً، ويكره نقل الزكاة من بلد إلا أن ينقلها إلى قرابته، أو إلى قوم هم أحوج إليها من أهل بلده، ولو نقل إلى غيرهم أجزأه مع الكراهة. وإنما يكره النقل إذا أخرجها في حينها، أما إذا أعجلها قبل حينها، فلا بأس بالنقل. والمعتبر في الزكاة مكان المال حتى لو كان المالك في بلد آخر. تفرق الزكاة في مكان المال وإذا نوى الزكاة بما يعطيه لصبيان أقاربه، أو لمن يأتيه ببشارة ونحوها أجزأه. وكذا ما يدفعه للفقراء من الرجال والنساء في المواسم والأعياد. ويجوز التصدق على الذمي بغير مال الزكاة، ولا تحل لبني هاشم، بخلاف صدقات التطوع والوقت.(4/383)
2) الحنابلة:- قالوا: "الفقير" هو من لم يجد شيئاً أو لم يجد نصف كفايته، "والمسكين" هو من يجد نصفها أو أكثر فيعطى كل واحد منهما من الزكاة تمام كفايته مع عائلته سنة، "والعامل عليها" هو كل ما يحتاج إليه في تحصيل الزكاة فيعطى منها بقدر أجرته، ولو غنيا، "المؤلف" هو السيد المطاع في عشيرته ممن يرجى إسلامه أو يخشى شره، أو يرجى قوة إيمانه أو إسلام نظيره من الكفار أو يحتاج إليه في جبايتها ممن لا يعطيها، فيعطى منها ما يحصل التأليف، "والرقاب" هو المكاتب ولو قبل حلول شيء من دين الكتابة، ويعطى ما يقضي به دين الكتابة، "والغارم" قسمان أحدهما: من استدان للإصلاح ببين الناس. ثانيهما: من استدان لإصلاح نفسه في أمر مباح أو محرم وتاب، ويعطى ما يفي به دينه. "وفي سبيل الله" هو الغازي إن لم يكن هناك ديوان ينفق منه عليه، ويعطى ما يحتاج إليه من سلاح أو فرس أو طعام أو شراب وما يفي بعودته، "وابن السبيل" وهو الغريب الذي فرغت منه النفقة في غير بلده في سفر مباح، أو محرم وتاب ويعطى ما يبلغه لبلده، ولو وجد مقرضاً، سواء كان غنياً أو فقيراً، ويكفي الدفع لواحد من هذه الأصناف الثمانية، ويجوز أن يدفع الجماعة زكاتهم لواحد كما يجوز للواحد أن يدفع زكاته لجماعة، ولا يجوز إخراج الزكاة بقيمة الواجب، إنما الواجب إخراج عين ما وجب، ولا يجوز دفع الزكاة للكافر ولا لرقيق ولا لغني بمال أو كسب، ولا لمن تلزمه نفقته ما لم يكن عاملاً أو غازياً أو مكاتباً، أو ابن السبيل أو غارماً لإصلاح ذات بين، ولا يجوز أيضاً أن تدفع الزوجة زكاتها لزوجها، وكذلك العكس، ولا يجوز دفعها لهاشمي، فإن دفعها لغير مستحقها جهلا ثم علم عدم استحقاقه لم تجزئ ويستردها ممن أخذها، وإن دفعها لمن يظنه فقيراً أجزأه، كما يجزئه تفرقتها للأقارب إن لم تلزمه نفقتهم، والأفضل تفرقتها لفقراء بلده. ويجوز نقلها لأقل من مسافة القصر من البلد الذي فيه المال، ويحرم نقلها إلى مسافة القصر وتجزيه.(4/384)
3) الشافعية:- قالوا: "الفقير" هو من لا مال له أصلاً، ولا كسب من حلال، أو له مال، أو كسب من حلال يكفيه، بأن كان أقل من النصف الكافي، ولم يكن له منفق يعطيه ما يكفيه بالنسبة للزوجة، والكفاية تعتبر بالنسبة لعمره الغالب، وهو اثنان وستون سنة، إلا إذا كان له مال يتجر فيه فيعتبر ربحه في كل يوم على حدة، فإن كان ربحه في كل يوم أقل من نصف الكفاية في ذلك اليوم، فهو فقير، وكذا إذا جاوز العمر الغالب، فالعبرة بكل يوم على حدة، فإن كان عنده من المال أو الكسب ما لا يكفيه في نصف اليوم، فهو فقير. "والمسكين" من قدر على مال أو كسب حلال، يساوي نصف ما يكفيه في العمر الغالب المتقدم، أو أكثر من النصف، فلا يمنع من الفقر والمسكنة وجود مسكن لائق به أو وجود ثياب كذلك، ولو كانت للتجميل، وكذا لا يمنع من وصف المرأة بالفقر والمسكنة وجود حلي لها تحتاج للتزين بها عادة، وكذا وجود كتب العلم الذي يحتاج لها للمذاكرة، أو المراجعة، كما أنه إذا كان له كسب من حرام أو مال غائب عنه بمرحلتين أو أكثر أو دين له مؤجل، فإن ذلك كله لا يمنعه من الأخذ من الزكاة بوصف الفقر أو المسكنة. "والعامل على الزكاة" هو من له دخل في جمع الزكاة: كالساعي، والحافظ، والكاتب، وإنما يأخذ العامل منها إذا فرقها الإمام، ولم يكن له أجرة مقدرة من قبله فيعطى بقدر أجر مثله. "والمؤلفة قلوبهم" هم أربعة أنواع: الأول ضعيف الإيمان الذي أسلم حديثاً فيعطى منها ليقوى إسلامه، الثاني: من أسلم وله شرف في قومه، ويتوقع بإعطائه من الزكاة إسلام غيره من الكفار، الثالث: مسلم قوي الإيمان يتوقع بإعطائه أن يكفينا شر من وراءه من الكفار، الرابع: من يكفينا شر مانع الزكاة. "والرقاب" هو المكاتب يعطى من الزكاة ما يستعين به على أداء نجوم الكتابة، ليخلص من الرق، وإنما يعطى بشروط: أن تكون كتابته صحيحة وأن يكون مسلماً، وأن لا يكون عنده وفاء بما عليه من دين الكتابة، وأن لا يكون مكاتباً لنفس المزكي. "الغارم" هو المدين وأقسامه ثلاثة: الأول: مدين للإصلاح بين المتخاصمين، فيعطى منها ولو غنياً، والثاني: من استدان في مصلحة نفسه ليصرف في مباح، أو غير مباح، بشرط أن يتوب، الثالث: من عليه دين بسبب ضمان لغيره، وكان معسراً هو والمضمون إذا كان الضمان بإذنه، فإن تبرع هو بالضمان بدون إذن المضمون يعطى متى أعسر هو، ولو أيسر المضمون، ويعطى الغارم في القسمين الآخرين ما عجز عنه من الدين، بخلاف القسم الأول فيعطى منها ولو غنيا. "وفي سبيل الله" هو المجاهد المتطوع للغزو، وليس له نصيب من المخصصات للغزاة في الديون، ويعطى منها ما يحتاج إليه ذهاباً وإياباً وإقامة، ولو غنياً، كما تعطى له نفقة من مؤونة وكسوة، وقيمة سلاح وفرس، ويهيأ له ما يحمل متاعه وزاده إن لم يعتد حملها. "ابن السبيل" هو المسافر من بلد الزكاة أو المار بها، فيعطى منها ما يوصله لمقصده، أو لماله إن كان له مال بشرط أن يكون محتاجاً حين السفر أو المرور، وأن لا يكون عاصياً بسفره، وأن يكون سفره لغرض صحيح شرعاً، ويشترط في أخذ الزكاة من هذه الأصناف الثمانية زيادة على الشروط الخاصة لكل صنف شروط خمسة: الأول: الإسلام، الثاني: كمال الحرية، إلا إذا كان مكاتباً، الثالث: أن لا يكون من بني هاشم، ولا بني المطلب، ولا عتيقاً لواحد منهم، ولو منع حقه من بيت المال ويستثنى من ذلك الحمال والكيال، والحافظ للزكاة، فيأخذون منها ولو كفاراً، أو من آل البيت؛ لأن ذلك أجره على العمل، الرابع: أن لا تكون نفقته واجبة على المزكي، الخامس: أن يكون القابض للزكاة، وهو البالغ العاقل حسن التصرف. ويجب في الزكاة تعميم الأصناف الثمانية إن وجدوا، سواء فرقها الإمام أو المالك. إلا أن المالك لا يجب عليه التعميم. إلا إذا كانت الأصناف محصورة بالبلد ووفى بهم المال، والأوجب إعطاء ثلاثة أشخاص من كل صنف، وإن فقد بعض الأصناف أعطيت للموجود، واختار جماعة جواز دفع الزكاة ولو كانت زكاة مال لواحد، وتشترط نية الزكاة عند دفعها للإمام أو المستحقين أو عند عزلها، ولا يجوز للمالك نقل الزكاة من بلد إلى بلد آخر، ولو كان قريباً، متى وجد مستحق لها في بلدها، أما الإمام فيجوز له نقلها، وبلد الزكاة هو المحل الذي تم الحول والمال موجود فيه. وهذا فيما يشترط فيه الحول: كالذهب، وأما غيره كالزروع فبلد زكاته المحل الذي تعلقت الزكاة به وهو موجود فيه.(4/385)
4) المالكية قالوا: "الفقير" هو من يملك من المال أقل من كفاية العام فيعطى منها. ولو ملك نصاباً، وتجب عليه زكاة هذا النصاب. وليس من الفقير من وجبت عليه نفقته على غيره متى كان ذلك الغير غنياً قادراً على دفع نفقته، فلا يجوز أن يعطي الزكاة لوالده الفقير، ولو لم ينفق عليه بالفعل؛ لأنه قادر على أخذ نفقته منه برفع الأمر للحاكم، وأما إذا كان شخص ينفق على فقير تطوعاً بدون أن تجب عليه نفقته فإنه يجوز له أن يصرف الزكاة له، ومتى كانت له حرفة يتحصل منها على ما يكفيه أو له مرتب كذلك، فلا يجوز إعطاؤه من الزكاة، فإن كان المرتب لا يكفيه أعطي من الزكاة بقدر كفايته. "والمسكين" من لا يملك شيئاً أصلاً، فهو أحوج من الفقير، ويشترط في الفقير والمسكين ثلاثة شروط:- الحرية، والإسلام، وأن لا يكون كل منهما من نسل هاشم بن عبد مناف، إذا أعطوا ما يكفيهم من بيت المال، والأصح إعطاؤهم، حتى لا يضر بهم الفقر، وأما بنو المطلب أخي هاشم فليسوا من آل النبي صلى الله عليه وسلم، فتحل لهم الزكاة، وأما صدقة التطوع، فتحل لبني هاشم وغيرهم. "والمؤلفة قلوبهم" هم كفار، يعطون منها ترغيباً في الإسلام، ولو كانوا من بني هاشم، وقيل: هم مسلمون حديثو عهد بالإسلام، فيعطون من الزكاة ليتمكن الإيمان من قلوبهم، وعلى القول الثاني فحكمهم باقٍ لم ينسخ، فيعطون من الزكاة الآن، وأنا على التفسير الأول. ففي بقاء حكمهم وعدمه خلاف، التحقيق أنه إذا دعت حاجة الإسلام إلى استئلاف الكفار أعطوا من الزكاة وإلا فلا. "والعامل على الزكاة" كالساعي والكاتب، والمفرق والذي يجمع أرباب المواشي لتحصيل الزكاة منهم، ويعطى العامل منها ولو غنياً؛ لأنه يستحقها بوصف العمل، لا لفقر، فإن كان فقيراً استحق بالوصفين، ويشترط في أخذه منها أن يكون حراً مسلماً غير هاشمي، ويشترط في صحة توليته عليها أن يكون عدلاً عارفاً بأحكامها، فلا يولى كافر، ولا فاسق، ولا جاهل بأحكامها، وإذا ولى السلطان عاملاً عبداً، أو هاشمياً، نفذت توليته ويعطى الأجرة من بيت المال لا من الزكاة. "وفي الرقاب" الرقبة رقيق مسلم يشترى من الزكاة ويعتق ويكون ولاؤه للمسلمين، فإذا مات ولا وارث له، وله مال فهو في بيت مال المسلمين. "والغارم" هو المدين الذي لا يملك ما يوفي بد دينه من الزكاة، ولو بعد وفاته، وشرطه الحرية والإسلام، وكونه غير هاشمي، وأن يكون تداينه لغير فساد كشرب خمر، وإلا فلا يعطى منها إلا أن يتوب، ويشترط أن يكون الدين لآدمي فإن كان لله: كدين الكفارات، فلا يعطى من الزكاة لسداده، والمجاهد يعطى من الزكاة إن كان حراً مسلماً غير هاشمي، ولو غنياً، ويلحق به الجاسوس، ولو كافراً، فإن كان مسلماً، فشرطه أن يكون حراً غير هاشمي، وإن كافراً فشرطه الحرية فقط. ويصح أن يشترى من الزكاة سلاح وخيل للجهاد، ولتكن نفقة الخيل من بيت المال. "ابن السبيل" هو الغريب المحتاج لمن يوصله لوطنه فيعطى من الزكاة إن كان حراً مسلماً غير هاشمي، ولا عاصياً بسفره، كقاطع الطريق، ومتى استوفى الشروط أخذ، ولو غنياً ببلده، إن لم يجد من يسلفه ما يوصله إليها , وإلا فلا يعطى. كمن فقد أحد الشروط، ويجب في الزكاة أن ينوي مخرجها أن هذا القدر المعطى زكاة، وتكون النية عند توزيعها أو ينوي عند العزل، فإن نوى عند عزل مقدار الزكاة أنه زكاة، كفاه ذلك، فإن تركت النية أصلاً، فلا يعتد بما أخرجه من الزكاة، ولا يلزم إعلان الأخذ بأن ما أخذه هو من الزكاة , بل يكره لما فيه من كسر قلب الفقير، ويتعين تفرقة الزكاة بموضع الوجوب أو قربه، ولا يجوز نقله إلى مسافة قصر فأكثر، إلا أن يكون أهل ذلك الموضع أشد حاجة من أهل محل الوجوب، فيجب نقل الأكثر لهم، وتفرقة الأقل على أهله , وأجرة نقلها من بيت مال المسلمين، فإن لم يوجد بيت مال بيعت واشتري مثلها بالمحل الذي يراد النقل إليه، أو فرق ثمنها بذلك المحل على حسب المصلحة، وموضع الوجوب هو مكان الزروع والثمار، ولو لم تكن في بلد المالك ومحل المالك.(4/386)
هذا في العين، وأما الماشية فموضع وجوبها محل وجودها إن كان هناك ساعٍ وإلا فمحل المالك، ولا يجب تعميم الأصناف الثمانية في الإعطاء، بل يجوز دفعها ولو لواحد من صنف واحد، إلا العامل فلا يجوز دفعها كلها إليه إذا كانت زائدة على أجرة عمله.
فهذه هي الأصناف الثمانية التي أمرنا الله أن نوجه الزكاة إليها دون غيرها. إذاً فهل يمكننا صرف مبلغ من أموال الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال يجدر بنا أن نتعرف على هذا الجهاز الإسلامي الهام ونقف على الأنشطة التي قام بها فعند ذلك يتضح لنا الأمر ويكون الرد في متناولنا إن شاء الله.
تاريخ إنشاء الصندوق:
أنشئ صندوق التضامن الإسلامي بموجب قرار صادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثاني المنعقد بمدينة لاهور في جمهورية باكستان الإسلامية عام 1394هـ، الموافق 1974م.
وقد صادق المؤتمر الإسلامي الخامس، المنعقد بمدينة كوالالمبور عاصمة ماليزيا في شهر جمادى الآخرة 1394، الموافق يوليو 1974م على النظام الأساسي للصندوق.
أهداف الصندوق:
يضطلع الصندوق بالعمل على كل ما من شأنه رفع مستوى المسلمين في العالم في جميع المجالات، فبجانب ما يقدمه الصندوق من دعم للشعب الفلسطيني بالتأييد المادي والمعنوي، والوقوف معه ضد المؤامرات الصهيونية الرامية إلى تهويد القدس الشريف والأماكن الأخرى في فلسطين، فإن أهم أهداف الصندوق هي:
1- تشجيع البحث العلمي والتقني، وإنشاء وتمويل الجامعات الإسلامية استجابة لاحتياجات العالم الحديث، حيثما كان ذلك مطلوبا، ودعم الجامعات القائمة فعلاً.
2- التحقق من آثار نتائج الأزمات والمحن والكوارث الطبيعية والظروف الاجتماعية التي تتعرض لها البلاد والمجتمعات الإسلامية وتوجيه المساعدات المادية الممكنة لذلك.
3- تنظيم منح المساعدات والمعونات المادية للبلاد والأقليات والجاليات الإسلامية بغية رفع مستواها الديني والثقافي والاجتماعي والمساهمة في بناء المساجد والمستشفيات والمدارس التي يحتاج إليها المسلمون.
4- تنظيم نشر الدعوة الإسلامية ورسالتها وتعاليم الإسلام ومثله العليا ودعم المراكز الإسلامية داخل الدولة الإسلامية وخارجها لخير المجتمعات الإسلامية ونشر الفكر الإسلامي.
5- دعم وتنظيم نشاط الشباب المسلم في العالم روحياً واجتماعياً ورياضياً.
6- تنظيم الحلقات الدراسية التي تضم نخبة من الخبراء والمتخصصين في قضايا التشريع والإدارة والاقتصاد والثقافة والعلوم التي يحتاج العالم الإسلامي إلى بلورة الفكر الإسلامي بشأنها.
7- تنفيذ جميع المشروعات التي يقرها المؤتمر الإسلامي، ويعتبر تنفيذها من اختصاص صندوق التضامن الإسلامي.(4/387)
أهم إنجازات الصندوق
إن صندوق التضامن الإسلامي وهو يعمل على تأكيد وإبراز التضامن الإسلامي بين الدول والشعوب الإسلامية، فقد اختار بصفة خاصة تبني المشروعات الكبيرة ذات الأثر الملموس على البنية الحضارية في المجتمعات التي تقام فيها تلك المشروعات. وبإلقاء نظرة سريعة على محصلة النتائج لمختلف نشاطات صندوق التضامن الإسلامي نلمس مدى فاعلية هذا الجهاز الإسلامي الجدير بالاهتمام على كافة مستويات الأمة الإسلامية دولاً وأفراداً، وشعوباً وجماعات.
1- دعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني:
إن دعم صمود ونضال الشعب الفلسطيني يمثل الهدف الرئيسي من إنجازات منظمة المؤتمر الإسلامي، لذا نجد أن الصندوق قد أفرد باباً مستقلاً من أبواب ميزانيته السنوية للإنفاق على هذا الجانب.
هذا بخلاف ما يقدمه الصندوق من مساعدات للشعب الفلسطيني في إطار الأبواب الأخرى من الميزانية، ويتم ذلك كله بالتنسيق الكامل مع الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي ولجنة صندوق القدس.
2- إنشاء ودعم الجامعات الإسلامية:
لقد قطع الصندوق شوطاً طويلاً، وجهداً ملموساً في سبيل إنشاء الجامعات الإسلامية مثل الجامعة الإسلامية بالنيجر، والجامعة الإسلامية في أوغندا والكلية الأمريكية الإسلامية بشيكاغو، والمركز الإسلامي في غينيا بيساو وتحويل مركز تمبكتو بمالي إلى معهد للبحوث. وقدم الصندوق لهذه المشاريع الجليلة الجزء الأكبر من موارده منذ إنشائه حتى الآن، هذا بخلاف دعم ومساعدة الجامعات القائمة فعلاً والتي تعمل في مجال الخدمة الإسلامية.(4/388)
3- تقديم العون في حالات الأزمات والمحن والكوارث الطبيعية:
يقدم الصندوق مساعدات عينية ومالية لبعض الدول والمجموعات الإسلامية التي تحل بها الكوارث الطبيعية وذلك للتخفيف من آثارها.
4- دعم وإنشاء المساجد والمدارس والمستشفيات والمراكز الإسلامية المنتشرة في جميع أنحاء العالم.
5- نشر الدعوة الإسلامية:
يقوم الصندوق بالعمل في مختلف السبل التي تؤدي إلى نشر الدعوة الإسلامية مثل إرسال الدعاة وتدريب المختصين في شؤون الدعوة في مختلف أركان العالم وأيضاً طبع وترجمة معاني القرآن والأحاديث النبوية الشريفة، وإنتاج وتوزيع الأفلام الدينية.
6- أنشطة الشباب المسلم:
يقوم الصندوق بدعم أنشطة الشباب المسلم روحياً واجتماعياً ورياضياً، وغرس روح البذل والتضحية والعطاء والمبادرة بين الشباب المسلم في شتى أرجاء العالم.
7- الحلقات الدراسية:
لقد تعاون الصندوق في التنظيم والمشاركة لعدة ندوات تخدم قضايا إسلامية حساسة ومعاصرة وذلك مع مختلف الحكومات والهيئات الإسلامية.(4/389)
8- الاحتفال بمطلع القرن الخامس عشر الهجري:
لقد مول الصندوق البرامج الوطنية والعالمية التي أعدتها منظمة المؤتمر الإسلامي بمناسبة الاحتفال بالقرن الخامس عشر الهجري، وهذه المناسبة تدعو جميع المسلمين إلى أن يجددوا على أنفسهم العهد على التمسك بمعتقداتهم الأساسية ومبادئهم ومفاهيمهم الإسلامية، وعلى السعي الحثيث لبعث "أمة واحدة" ذات حضارة حية فعالة ومؤثرة هدفها تحقيق المساواة الصحيحة والعدل والسلم العالمي والتقدم والسعادة لجميع البشر.
وسع بعض العلماء في معنى (سبيل الله) وهو المصرف السابع من مصارف الزكاة فقالوا بأن معنى (سبيل الله) على الجهاد وما يتعلق به وإنما يشمل سائر المصالح والقربات وأعمال الخير والبر.
من ذلك ما نبه عليه الإمام الرازي في تفسيره حيث ذكر: إن ظاهر اللفظ في قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} لا يوجب القصر على الغزاة. ثم قال: فلهذا المعنى نقل القفال في تفسيره عن بعض الفقهاء أنهم أجازوا صرف الصدقات إلى جميع وجوه الخير من تكفين الموتى، وبناء الحصون، وعمارة المساجد؛ لأن قوله: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} عام في الكل.
ولم يبين من هم هؤلاء الفقهاء ولكن المحققين من العلماء لا يطلقون وصف الفقيه إلا على المجتهد، كما أن الرازي لم يعقب على نقل القفال بشيء مما يوحي بميله إليه.
ونسب ابن قدامة في (المغني) هذا الرأي إلى أنس بن مالك والحسن البصري فقد قالا: "ما أعطيت الجسور والطرق فهي صدقة ماضية" فدلت هذه العبارة على جواز صرف الزكاة في إنشاء الجسور والطرق وإصلاحها، فهي صدقة ماضية أي جائزة ومقبولة.(4/390)
وفي الروضة الندية لسيد صديق حسن خان، وهو على مذهب أهل الحديث المستقلين: قال: أما سبيل الله، فالمراد هنا: الطريق إليه عز وجل والجهاد وإن كان أعظم الطرق إلى الله عز وجل لكن لا دليل على اختصاص هذا السهم به بل يصح صرف ذلك في كل ما كان طريقاً إلى الله عز وجل. هذا معنى الآية لغة، والواجب الوقوف على المعاني اللغوية حيث لم يصح النقل هنا شرعاً.
ثم قال: ومن جملة سبيل الله الصرف في العلماء الذين يقومون بمصالح المسلمين الدينية فإن لهم في مال الله نصيباً، سواء كانوا أغنياء أم فقراء، بل الصرف في هذه الجهة من أهم الأمور؛ لأن العلماء ورثة الأنبياء وحملة الدين، وبهم تحفظ بيضة الإسلام، وشريعة سيد الأنام.
آراء المحدثين: القاسمي:
ذكر الشيخ جمال الدين القاسمي رحمه الله في تفسيره ما ذكره الرازي من أن ظاهر اللفظ لا يوجب القصر على الغزاة، وما نقله القفال عن بعض الفقهاء في ذلك، ثم ذكر قول صاحب (التاج) : كل سبيل أريد به الله عز وجل وهو بر داخل في سبيل الله. وسكت عن هذه النقول، ولم يعقب عليها، وهو يوحي بموافقة ضمنية أو بعدم الاعتراض.(4/391)
أما السيد رشيد رضا – صاحب المنار - رحمه الله فقد قال في تفسير آية المصارف ما نصه:
"التحقيق أن سبيل الله هنا: مصالح المسلمين العامة التي بها قوام أمر الدين والدولة دون الأفراد، وأن حج الأفراد ليس منها؛ لأنه واجب على المستطيع دون غيره، وهو من الفرائض العينية بشرطه كالصلاة والصيام، لا من المصالح الدينية الدولية ... ولكن شعيرة الحج وإقامة الأمة لها منها فيجوز الصرف من هذا السهم على تأمين طرق الحج وتوفير الماء والغذاء وأسباب الصحة للحجاج إن لم يوجد لذلك مصرف آخر.
وذكر صاحب المنار بعد ذلك بقليل أن سبيل الله يشمل سائر المصالح الشرعية العامة التي هي ملاذ أمر الدين والدولة وأولها (وأولاها بالتقديم الاستعداد للحرب لشراء السلاح وأغذية الجند وأدوات النقل وتجهيز الغزاة، وهذه بالنسبة للحرب الإسلامية والجيوش الإسلامية التي تقاتل لإعلاء كلمة الله فحسب) . وتقدم مثله عن محمد بن عبد الحكم، ولكن الذي يجهز به الغازي يعود بعد الحرب إلى بيت المال إن كان مما يبقى كالسلاح والخيل وغير ذلك؛ لأنه لا يملكه دائماً بصفة الغزو التي قامت به، بل يستعمله في سبيل الله، ويبقى بعد زوال تلك الصفة عنه في سبيل الله، ويدخل في عمومه إنشاء المستشفيات العسكرية وكذا الخيرية العامة: وإشراع الطرق وتعبيدها، ومد الخطوط الحديدية العسكرية، لا التجارية، ومنها بناء البوارج المدرعة والمطارات الحربية والحصون والخنادق، ومن أهم ما ينفق في سبيل الله في زماننا هذا إعداد الدعاة إلى الإسلام وإرسالهم إلى بلاد الكفار من قبل جمعيات منظمة، تمدهم بالمال الكافي، كما يفعله الكفار في تبشير دينهم، وقد ورد تفصيل هذه المصلحة العظيمة في تفسير قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ} آل عمران: 104.(4/392)
وكذا فسر الشيخ محمود شلتوت رحمه الله (سبيل الله) بأنه (المصالح العامة التي لا ملك فيها لأحد والتي لا يختص بالانتفاع بها أحد، فملكها لله، ومنفعتها لخلق الله، وأولاها وأحقها: التكوين الحربي الذي ترد به الأمة البغي وتحفظ الكرامة، ويشمل العدد والعدة على أحدث المخترعات البشرية، ويشمل المستشفيات عسكرية ومدنية، ويشمل تعبيد الطرق ومد الخطوط الحديدية وغير ذلك مما يعرفه أهل الحرب والميدان، ويشمل الإعداد القوي الناضج لدعاة إسلاميين، يظهرون جمال الإسلام وسماحته، ويفسرون حكمته، ويبلغون أحكامه، ويتعقبون مهاجمة الخصوم لمبادئه بما يرد كيدهم إلى نحورهم.
(وكذلك يشمل العمل على دوام الوسائل التي يستمر بها حفظة القرآن الذين تواتر – ويتواتر- بهم نقله كما أنزل –من عهد وحيه إلى اليوم، وإلى يوم الدين إن شاء الله) .
وهو تأييد لما ذهب إليه صاحب المنار رحمه الله.
وعلى هذا الأساس أفتى من سأله عن جواز صرف الزكاة في بناء المساجد فكان جوابه:
(إن المسجد الذي يراد إنشاؤه أو تعميره إذا كان هو المسجد الوحيد في القرية، أو كان بها غيره ولكن يضيق بأهلها ويحتاجون إلى مسجد آخر، صح شرعاً صرف الزكاة لبناء هذا المسجد أو إصلاحه والصرف على المسجد في تلك الحالة يكون من المصرف الذي ذكر آية المصارف الواردة في سورة التوبة باسم {سَبِيلِ اللَّهِ} .
وهذا مبني على اختيار أن المقصود بكلمة {سَبِيلِ اللَّهِ} المصالح العامة التي ينتفع بها المسلمون كافة، ولا تخص واحداً بعينه، فتشمل المساجد والمستشفيات ودور التعليم ومصانع الحديد والذخيرة، وما إليها مما يعود نفعه على الجماعة.
وأحب أن أقرر هنا أن المسألة محل خلاف بين العلماء (ثم ذكر الشيخ ما نقله الرازي في تفسيره عن القفال من صرف الصدقات في جميع وجوه الخير ... ) إلى أن قال: وهذا ما أختاره وأطمئن إليه وأفتي به، ولكن مع القيد الذي ذكرناه بالنسبة للمساجد، وهو أن يكون المسجد لا يغني عنه غيره، وإلا كان الصرف إلى غير المسجد أولى وأحق.(4/393)
وسئل الشيخ حسنين مخلوف مفتي الديار المصرية الأسبق عن جواز الدفع لبعض الجمعيات الخيرية الإسلامية من الزكاة فأفتى بالجواز مستنداً إلى ما نقله الرازي عن القفال وغيره في معنى {سَبِيلِ اللَّهِ} .
أورد الشيخ القرضاوي في الصفة 657 من الجزء الثاني من كتاب فقه الزكاة الحديث التالي: أوثر عدم التوسع في مدلول {سَبِيلِ اللَّهِ} بحيث يشمل كل المصالح والقربات. كما أرجح عدم التضييق فيه بحيث لا يقصر على الجهاد بمعناه العسكري المحض.
إن الجهاد قد يكون بالقلم واللسان كما يكون بالسيف والسنان. قد يكون الجهاد فكرياً أو تربوياً أو اجتماعياً أو اقتصادياً أو سياسياً كما يكون عسكرياً، وكل هذه الأنواع من الجهاد تحتاج إلى الإمداد والتمويل.
المهم أن يتحقق الشرط الأساسي لذلك كله وهو أن يكون (في سبيل الله) أي في نصرة الإسلام وإعلاء كلمته في الأرض، فكل جهاد أريد به أن تكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله، أياً كان نوع هذا الجهاد وسلاحه.
يقول الإمام الطبري في تفسير قوله تعالى: {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} : (يعني وفي النفقة في نصرة دين الله وطريقته وشريعته التي شرعها لعباده، بقتال أعدائه وذلك هو غزو الكفار) .
والجزء الأول من كلام شيخ المفسرين واضح ومقبول، وهو يشمل كل نفقة في نصرة الإسلام وتأييد شريعته، أما قتال أعداء الله وغزو الكفار فليس إلا وجهاً واحداً من أوجه النصرة لهذا الدين.(4/394)
فالنصرة لدين الله وطريقته وشريعته تتحقق بالغزو والقتال في بعض الأحوال، بل قد يتعين هذا الطريق في بعض الأزمنة والأمكنة لنصرة دين الله. ولكن قد يأتي عصر –كعصرنا - يكون فيه الغزو الفكري والنفسي أهم وأبعد خطراً وأعمق أثراً، من الغزو المادي العسكري.
فإذا كان جمهور الفقهاء في المذاهب الأربعة قديما، قد حصروا هذا السهم في تجهيز الغزاة والمرابطين على الثغور، وإمدادهم بما يحتاجون إليه من خيل وكراع وسلاح فنحن نضيف إليهم في عصرنا غزاة ومرابطين من نوع آخر، أولئك الذين يعملون على غزو العقول والقلوب بتعاليم الإسلام، والدعوة إلى الإسلام، أولئك هم المرابطون بجهودهم وألسنتهم وأقلامهم للدفاع عن عقائد وشرائع الإسلام.
ودليلنا على هذا التوسع في معنى الجهاد:
أولاً: أن الجهاد في الإسلام لا ينحصر في الغزو الحربي والقتال بالسيف؛ فقد صح عن النبي (ص) أنه سئل: أي الجهاد أفضل؟ فقال: ((كلمة حق عند سلطان جائر)) .
كما روى مسلم في صحيحه عن ابن مسعود أن رسول الله (ص) قال:
((ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون، فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل)) .
ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم)) .
ثانياً: إن ما ذكرناه من ألوان الجهاد والنشاط الإسلامي لو لم يكن داخلاً في معنى الجهاد بالنص، لوجب إلحاقه به بالقياس، فكلاهما عمل يقصد به نصرة الإسلام والدفاع عنه، ومقاومة أعدائه، وإعلاء كلمته في الأرض.(4/395)
وقد رأينا من فقهاء المسلمين من ألحق بالعاملين على الزكاة كل من يعمل في مصلحة عامة للمسلمين: قال ابن رشد: والذين أجازوها للعامل، وإن كان غنياً أجازوها للقضاة، ومن في معناهم، ممن المنفعة بهم عامة للمسلمين. كما رأينا من فقهاء الحنفية من ألحق بابن السبيل كل من هو غائب عن ماله، غير قادر عليه، وإن كان في بلده؛ لأن المعتبر هو الحاجة وقد وجدت.
فلا عجب أن نلحق بالجهاد –بمعنى القتال- كما يؤدي غرضه، ويقوم بمهمته من قول أو فعل؛ لأن العلة واحدة، وهي نصرة الإسلام. ومن قبل رأينا للقياس مدخلاً في كثير من أبواب الزكاة، ولم نجد مذهبا إلا قال به في صورة من الصور.
وبذلك يكون ما اخترناه هنا في معنى سبيل الله هو رأي الجمهور مع بعض التوسعة في مدلوله.
وأود أن أنبه هنا على أن بعض الأعمال والمشروعات قد تكون في بلد ما وزمن ما وحالة ما جهاداً في سبيل الله، ولا تكون كذلك في بلد آخر أو وقت آخر أو حال آخر.
فإنشاء مدرسة في الظروف العادية عمل صالح وجهد مشكور يحبذه الإسلام، ولكنه لا يعد جهاداً، فإذا كان بلد ما قد أصبح فيه التعليم وأصبحت المؤسسات التعليمية في يد المبشرين أو الشيوعيين أو اللادينيين العلمانيين، فإن من أعظم الجهاد إنشاء مدرسة إسلامية خالصة، تعلم أبناء المسلمين وتحصنهم من معاول التخريب الفكري والخلقي، وتحميهم من السموم المبثوثة في المناهج والكتب، وفي عقول المعلمين، وفي الروح العامة التي توجه المدارس والتعليم كله.
ومثل ذلك يقال في إنشاء مكتبة للمطالعة، وتكون هذه المكتبة إسلامية في مواجهة المكتبات الهدامة، وكذلك إنشاء مستشفى إسلامي لعلاج المسلمين وإنقاذهم من استغلال الإرساليات التبشيرية البشعة، وإن كانت المؤسسات الفكرية والثقافية تظل أشد خطراً، وأبعد أثراً. ولا شك أن من أهم ما ينطبق عليه معنى الجهاد في عصرنا هو: العمل لتحرير الأرض الإسلامية من حكم الكفار الذي استولوا عليها، وأقاموا فيها حكمهم بدل حكم الله، سواء أكان هؤلاء الكفار يهوداً أم نصارى أم وثنيين أم ملحدين، لا يدينون بدين، فالكفر كله ملة واحدة.(4/396)
فالرأسمالي والشيوعي والغربي والشرقي والكتابي واللاديني، كلهم سواء في وجوب محاربتهم إذا احتلوا جزءاً من ديار الإسلام، يقوم بذلك أدنى البلاد إلى هذا الجزء، يعاونهم الأقرب فالأقرب، حسب الحاجة، إلى أن يشمل الوجوب المسلمين جميعاً، إن لم تقم الكفاية إلا بالجميع. ولم يبتل المسلمون في عصر كما ابتلوا اليوم، بوقوع كثير من ديارهم في قبضة الكفرة المستعمرين، وفي مقدمة هذه الديار فلسطين التي سلط عليها شذاذ الآفاق من اليهود، ومثل ذاك كشمير التي تسلط عليها الهندوس المشركون وأريتريا والحبشة وتشاد والصومال الغربي وقبرص، التي تسلطت عليها الصليبية الحاقدة الماكرة، ومثل ذلك سمرقند وبخارى وطشقند وأزبكستان وألبانيا وغيرها من البلاد الإسلامية العريقة التي تسلطت عليها الشيوعية الملحدة الطاغية.
واسترداد هذه البلاد كلها، وتخليصها من براثن الكفر، وأحكام الكفار واجب على كافة المسلمين بالتضامن، وإعلان الحرب المقدسة لإنقاذها فريضة إسلامية.
فإذا قامت حرب في أي جزء من هذه الأجزاء بهذا القصد ولهذه الغاية: فإن تخليص البلد من أحكام الكفر وطغيان الكفرة فهي – بلا نزاع - جهاد في سبيل الله يجب أن يمول ويعاون، وأن يدفع له قسط من مال الزكاة، يقل ويكثر حسب حصيلة الزكاة من جهة، وحسب حاجة الجهاد من جهة ثانية، وحسب حاجة سائر المصارف الأخرى شدة وضعفاً من جهة ثالثة، وكل هذا موكول لأهل الحل والعقد، وذوي الرأي والشورى من المسلمين إن وجدوا".
يتضح لنا من خلال هذا الحديث الهام ومما سبق ذكره بأن الأنشطة التي يقوم بها صندوق التضامن الإسلامي تدخل ولا شك في المعنى الموسع لكلمة {سَبِيلِ اللَّهِ} .(4/397)
فإنشاء مسجد في الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وبريطانيا أو في أي دولة مسيحية في العالم؛ ليقف هذا المسجد إزاء كنيسة أو معبد، فهو جهاد في سبيل الله؛ لأن في ذلك إعلاء لكلمة الله.
وكذلك إنشاء مسجد في دولة إسلامية فقيرة لتوفير أحسن الظروف للمصلين، فهو إعلاء لكلمة الله وجهاد في سبيله.
وأن إنشاء مكتبات إسلامية ومراكز إسلامية وتزويدها بالكتب الإسلامية لتتصدى للأفكار المسيحية واليهودية والإلحادية، والتي تتمثل في المكتبات الغربية التي أنشأنها الجمعيات الكنسية والهيئات الإلحادية والمجمعات اليهودية، وزودتها بالكتب المسمومة لمحاربة الإسلام وثقافته، فإن إنشاء مكتبات ومراكز إسلامية إزاءها لجهاد في سبيل الله.
وإذا كانت الدول الصليبية واليهودية مثل أفريقيا الجنوبية وإسرائيل تبحث عن أرقى التكنولوجيا لتصنيع القنبلة الذرية لمجابهة الدول الإسلامية فإنه يحق على الدول الإسلامية أن تقيم مراكز للأبحاث وتصنيع قنبلة مماثلة لما تصنعه هذه الدول، ويكون ذلك جهاداً في سبيل الله؛ لأن الدفاع عن الدول الإسلامية دفاع عن الإسلام.
وأن مؤازرة ومساندة كل أمة مسلمة اغتصبت أرضها، وتوفير الإمكانيات اللازمة لتحرير هذه الأرض، فهو جهاد في سبيل الله، وأن إغاثة المسلمين المنكوبين من الجفاف والجوع والمرض وغيرها من الكوارث الطبيعية يعتبر ذلك من أعمال الخير والبر، وبالتالي فهو إنفاق على الفقراء والمساكين.
وعليه، فإن كانت الأنشطة التي يقوم بها صندوق التضامن الإسلامي هي هذه، فإنه لأحوج في صرف جزء من أموال الصدقة لصالحه.
والله أعلم.
تيجاني صابون محمد(4/398)
صرف الزكاة لصالح صندوق
التضامن الإسلامي
إعداد
فضيلة الشيخ مولاي مصطفى العلوي
رئيس المجلس العلمي الإقليمي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
الحمد لله
أما بعد.. فهذه إجابة مختصرة في موضوع الزكاة وصرفها لفائدة صندوق التضامن الاجتماعي.. أتشرف بعرضها على مجلس "مجمع الفقه الإسلامي" الموقر ... راجيا من الله التوفيق وهو الهادي إلى سواء السبيل {رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي (25) وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي (26) وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي} صدق الله العظيم.
والكلام في هذا الموضوع طويل وعميق وعريض وسأختصره جهد المستطاع بحول الله.
ينحصر القول فيه في ست مسائل:
* المسألة الأولى: تعريف الزكاة لغة وشرعا
* المسألة الثانية: موضوعها وتاريخ تشريعها
* المسألة الثالثة: دليل وجوبها من الكتاب والسنة
* المسألة الرابعة: المسؤول عن إخراجها وحكم مانعها
* المسألة الخامسة: مصارف الزكاة
* المسألة السادسة: نقلها وحكمه شرعا.(4/399)
1- تعريف الزكاة لغة وشرعا
الزكاة في اللغة النمو، والزكاء النماء، قال ابن منظور في لسان العرب: الزكاء ممدودا النماء والريع: زكا يزكو زكاء وزكوا: نما.. وفي حديث علي كرم الله وجهه: المال تنقصه النفقة، والعلم يزكو بالإنفاق.. والزكاة الصلاح، وزكاه، وزكى نفسه مدحها.
والزكاة في الشريعة الجزء الذي فرضه الله في المال يؤخذ من الأغنياء ويرد على الفقراء، وهو قول الأئمة مالك والشافعي وأحمد، فهي جزء من كل ما فرضت فيه الزكاة، ولا تقبل بدله القيمة، وقال أبو حنيفة: إنها جزء من المال مقدر.. أي أن قيمة هذا الجزء تقبل عند الأداء. والذي ترجحه الأدلة هو الأول، فعن معاذ بن جبل رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثه إلى اليمن فقال: ((خذ الحب من الحب، والشاة من الغنم، والبعير من الإبل، والبقر من البقر)) رواه أبو داود وابن ماجه.
وهكذا يبدو أن هذا الجزء المأخوذ من أموال الأغنياء لفائدة الفقراء سمي زكاة؛ أخذا من قول الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} التوبة: 103.
فقد وصفها الحق تعالى بأنها تزكى، في حين أنها في العد والحساب تنقص اثنين ونصفا في المائة في زكاة المال، وعشرة في المائة من نتاج المزروعات.
ذلك لأن أداءها من الأغنياء للفقراء يحدث تعاطفا وتراحما بين الفريقين، وتضامنا وتكافلا بين أعضاء المجتمع، فلا يوجد سبب للصراعات المحدثة في هذا العصر، والتي هي مظهر من مظاهر الطبقية المقيتة، والتي يتغنى بها من يصفون أنفسهم بالكادحين تارة، والمسحوقين تارة أخرى، مما أوقد ويوقد نار الفتنة والحقد والحسد والبغضاء بين الناس عندما ابتعدوا عن تعاليم الإسلام وهديه.
فالحق سبحانه وتعالى عندما أمر نبيه عليه السلام بقوله: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} التوبة: 103. وصف هذا العمل بأنه يطهر ويزكي.. فهو يطهر النفوس من الحقد والحسد، ويطهر المال من كل الشوائب ويزكيه وينميه بتوفيقه لمالكه والمتصرف فيه باستعماله استعمالات تدر عليه أرباحا كثيرة، وبذلك ينمو ويزداد كلما أخذت منه الزكاة، واندفع صاحبه للعمل به في وجوه البر والخير والإحسان. وبتتبع تعاليم الإسلام عاشت الأمة الإسلامية عصورا زاهرة لم يعرف فيها هذا المظهر الطبقي المشين.
فالزكاة كانت تؤدى لمستحقيها فتثير في النفوس كوامن الحب والتعاطف، وكان المجتمع الإسلامي بفضل ذلك كالجسد الواحد، لا فرق بين غني وفقير، وصدق الله العظيم: {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ} التوبة: 103.(4/400)
2- موضوع الزكاة وتاريخ فرضها
فرضت الزكاة في السنة الثانية للهجرة النبوية، وذلك بنزول الآية الكريمة على الرسول المصطفى صلى الله عليه وسلم تأمره أن يأخذ الزكاة من المؤمنين به.. قال تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} .
وموضوعها المال، الذهب والفضة، وما في معناهما مما يقوم مقامهما من أوراق وسندات، وكذلك عروض التجارة والممتلكات المعدة لاستثمار المال عن طريقها. والمزروعات مما تنتجه الأرض والأنعام، والإبل والبقر والغنم.
زكاة الذهب والفضة وما يقوم مقامهما:
تجب إذا بلغ ما يملكه الإنسان منها النصاب وتم عليه الحول، والنصاب في الذهب عشرون دينارا، وفيه نصف دينار، وفي الفضة مائتا درهم وفيها خمسة دراهم؛ أي: ربع العشر، ودليل ذلك ما ثبت في السنة عن سيدنا علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا كانت لك مائتا درهم وحال عليها الحول ففيها خمسة دراهم، وليس عليك شيء حتى يكون لك عشرون دينارا وحال عليها الحول، ففيها نصف دينار، وما زاد فبحسابه)) .
رواه أبو داود.
ولا يضم صنف لآخر من الذهب والفضة، فمن عنده مائة وتسعون درهما وتسعة عشر دينارا فلا زكاة عليه. عن علي كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قد عفوت لكم عن الخيل والرقيق فهاتوا صدقة الرقة من كل 40 درهما درهما، وليس في 190 درهم شيء، فإذا بلغت 200 ففيها خمسة)) .
رواه أصحاب السنن.
أما عروض التجارة فتقوم ويؤدى ثمنها عينا فضة أو ذهبا أو ما يقوم مقامهما من الأوراق البنكية التي يتم بها التبادل في أرجاء العالم الإسلامي.(4/401)
زكاة المزروعات وما تنتجه الأرض:
يجب في زكاة ما تنتجه الأرض العشر فيما يسقى بالمطر والأنهار والعيون، ونصف العشر فيما يسقى بالآلات؛ أخذا من حديث سيدنا عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((فيما سقت السماء والعيون أو كان عشريا العشر، وفيما سقي بالنضح نصف العشر)) .
وفي رواية أبي داود: أو كان بعلا العشر، ((وفيما سقي بالسواني نصف العشر))
والأنواع التي تزكى من المزروعات فقد اختلف العلماء في أمرها. فعن أبي موسى الأشعري ومعاذ بن جبل رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهما: ((لا تأخذا في الصدقة إلا من هذه الأصناف الأربعة؛ الشعير والحنطة والزبيب والتمر)) . رواه الطبراني والحاكم. وعن معاذ رضي الله عنه قال: "أما القثاء والرمان والقصب فقد عفا عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم".
وقال مالك في موطئه: الحبوب التي فيها الزكاة الحنطة والشعير والسلت والذرة والدخن والأرز والجلبان واللوبيا والجلجلان وما أشبه ذلك من الحبوب التي تصير طعاما.
وروى ابن حزم في المحلى أن الإمام مالكا قال: الزكاة واجبة في القمح والشعير والسلت وكلها صنف واحد، وفي العدس والسلت وفي الدخن والسمسم والأرز والذرة، وفي الفول والحمص واللوبيا والعدس والجلبان والبسيل والترمس وسائر القطنيات، ورأى الزكاة في حب العصفر وزيت الفجل. والزكاة في الزبيب وفي زيت الزيتون، ولم يرها في شيء من الثمار، كالتين والقسطل والرمان والجوز واللوز وما أشبهه هـ.
وقال أبو حنيفة: الزكاة في كل ما أنبتت الأرض من حبوب أو ثمار أو نوار، حتى الورد والسوسن والنرجس وغير ذلك ما عدا الحطب والقصب والحشيش، مستدلا بعموم قوله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} الأنعام: 114. وكذلك ذهب الإمام أحمد إلى وجوب الزكاة في كل ما أخرجه الله من الأرض من الحبوب والثمار، مما ييبس ويبقى ويكال ويستنبته الآدميون في أراضيهم، سواء كان قوتا كالحنطة، أو من القطنيات أو من الأباريز: كالكزبرة والكروياء، أو من البذور كبذر الكتان والقرطم والسمسم، وتجب عنده أيضا فيما جمع وصفي للاقتيات والادخار؛ كالتمر والزبيب والمشمش والتين واللوز والبندق والفستق.
وإذا كان سبب الخلاف بين قصر الزكاة على بعض الأصناف المذكورة في الأحاديث السابقة، وبين من رأى وجوبها في غيرها هو علة الاقتيات والادخار، فإن كثيرا من النباتات والثمار أصبح مدخرا وذا قيمة في الاقتيات والإنتاج، خصوصا وأن عموم اللفظ في قوله تعالى: {وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} بعد قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنَّاتٍ مَعْرُوشَاتٍ وَغَيْرَ مَعْرُوشَاتٍ وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ} أي يوم نضجه وجنيه.(4/402)
وكذلك قول الرسول عليه السلام: ((فيما سقت السماء العشر)) و " ما " من صيغ العموم كما هو معلوم. إذا كان الأمر كذلك فينبغي شمولها لكل ما يحقق انتفاع المزارعين مما تنبته الأرض، خصوصا وأن كثيرا من المزروعات كانت لا تدخر في الماضي ولا تستعمل إلا في الاقتيات الوقتي، وقد أصبحت اليوم تدخر بفضل التصنيع الحديث، وأصبحت لها أهمية كبرى في التغذية، كبعض البذور التي تنتج الزيوت، كبذور الكتان ونوار الشمس، وغيرها كثير. ولا يعقل أن تجب الزكاة في زيت الزيتون، ولا تجب في الزيوت الأخرى التي تستعمل في التغذية على نطاق واسع.
وكذلك بعض الأنواع من الثمار مما أصبح يدخر ويغذي، وله أهمية قصوى في الاقتصاد الزراعي. والنصاب في كل نوع مما يدخر ويقتات به خمسة أوسق، وليس فيما دون ذلك زكاة؛ أخذا من حديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((ليس فيما دون خمس أواق من الورق صدقة، وليس في ما دون خمس ذود من الإبل صدقة، وليس فيما دون خمسة أوسق من التمر صدقة)) .
وإذا كانت نفقات تحويل بعض الخضروات الموقوتة إلى مدخرات مقتاتة، فإن ما ذهب إليه ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم من إسقاط النفقة الزائدة في الزراعة وإخراج الزكاة عن الباقي إذا بلغ النصاب. أو تقاس على ما فيه نصف العشر فتزكى كلها دون نقص، إن في ذلك ما يؤذن بإخراج الزكاة فيها، مع مراعاة ما ينفق عليها حتى تؤول إلى الادخار والاقتيات، وإذا كان القصد من فرضية الزكاة هو سد خلة الفقراء والمساكين، والأصناف المذكورين في الآية، فمن السداد أن تفرض الزكاة في كثير من المنتجات الزراعية، خصوصا وقد أصبحت أهميتها في الميدان الفلاحي تتزايد، والإقبال على إنتاجها كبير، مثل اللفت السكري وقصبه والقطن والبطاطس والطماطم، وكذا الفواكه كالبرتقال والتفاح والإجاص وما شابهها.(4/403)
وإذا كانت هذه الأشياء لا تكال فإن زكاتها تتعلق بالقيمة، فيقاس ما لا يكال على ما يكال، وينظر في أمره بلوغ النصاب لاعتبار الأقل كالشعير والحنطة مثلا.
وهناك بعض المنتوجات تستعمل قبل يبسها وثبتت أمر وجوب الزكاة فيها مثل التمر والعنب، فعن أبي حميد الساعدي رضي الله عنه قال: "غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غزوة تبوك، فلما جاء وادي القرى إذا بامرأة في حديقة لها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((اخرصوا لها. وخرص رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أوسق فقال: لها: عشرة أوسق. فقال لها: أحصي ما يخرج منها)) .
رواه البخاري
فهذا يدل على ثبوت الزكاة في هذا قبل تمام نضجه وجنيه وكيله، فسلك به صلى الله عليه وسلم طريق الخرص، وهو تقدير إنتاجه من لدن الخبراء.
وهناك زكاة العسل، وقد اختلف فيها العلماء. فقال بعضهم: فيها زكاة، وقال آخرون: لا زكاة فيها، واستدل القائلون بزكاة العسل بحديث عبد الرحمن المتعي رضي الله عنه قال: قلت: يا رسول الله، إن لي نحلا. فقال صلى الله عليه وسلم: ((أد العشور)) . قال: قلت: يا رسول الله، احمها لي. قال: فحماها لي. وفي رواية: احم لي جبلها. فحمى لي جبلها.
ومعلوم أن تربية النحل اليوم أصبحت عملا مثمرا، يهتم به الفلاحون، ويستثمرون منه أموالا كثيرة، ومن المصلحة أن يؤدي أصحابها العشور، مصداقا لهذا الحديث الذي أخذ به الأحناف والحنابلة وأيدوا صحته بعدة آثار يقوي بعضها بعضا.
أما النصاب فيه، فعندما يبلغ عشرة أفراق، والفرق ستة عشر رطلا عراقيا، أي مائة وستون رطلا.(4/404)
زكاة الأنعام:
الأنعام هي الإبل والبقر والغنم: الضأن والمعز، ويشترط لوجوب الزكاة فيها أن تبلغ النصاب وأن يحول عليها الحول، وأن تكون سائمة، والسائمة هي التي ترعى من الكلأ المباح في أكثر الأيام، وهو قول أبي حنيفة وأحمد، وقال الشافعي: إن علفت قدرا تعيش بدونه وجبت فيها الزكاة، وإن كان قوتها علفا فلا زكاة فيها.
وقال مالك والليث: فيها الزكاة مطلقا سائمة أو معلوفة. والنصاب يختلف من نوع لآخر. وتعد فيه الحملان والعجول والفصلان. وهو في الإبل خمسة. وفيها شاة. فإذا بلغت عشرا ففيها شاتان إلى خمسة عشر، ففيها ثلاث، وفي عشرين أربع شياه، أما إذا بلغت خمسا وعشرين ففيها بنت مخاض أو ابن لبون، فإذا بلغت ستا وثلاثين ففيها ابنة لبون، وفي ستة وأربعين حقة، وفي واحد وستين جذعة. وفي 76 بنت لبون، وفي واحد وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين، فإن زادت ففي كل أربعين بنت لبون، وفي كل خمسين حقة، والحقة هي التي أتمت ثلاث سنين ودخلت في الرابعة، والجذعة هي التي أتمت أربع سنوات ودخلت في الخامسة.
والنصاب في البقر ثلاثون ليس دونها شيء، ومن بلغت أبقاره ثلاثين ففيها تبيع، وهو ما له سنة، فإذا بلغت أربعين ففيها مسنة، وهي التي لها سنتان، ولا شيء في الوقص، وهو ما بين العددين، فإذا كثرت فذاك نصابها، في كل ثلاثين تبيع، وكل أربعين حقة.
والنصاب في الغنم بنوعيه الضأن والمعز فليس فيها زكاة حتى تبلغ أربعين، وفيها شاة إلى مائة وعشرين، فإذا بلغت واحدا وعشرين ومائة ففيها شاتان، إلى مائتين، فإذا بلغت مائتين وواحدة ففيها ثلاث شياه، إلى ثلاثمائة، فإن زادت على ذلك ففي كل مائة شاة.
والمقبول في الضأن الجذع، وفي المعز الثني، ويؤخذ الوسط، فلا يلزم الخيار، ولا تقبل العجفاء، ولا شيء في الوقص، وهو ما بين العددين مما سلف ذكره في أنصبة الأنعام، ولا تؤخذ في الصدقة هرمة ولا ذات عوار، ولا تيس، ولا مريضة؛ فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يسألكم خيار أموالكم ولم يأمركم بشرارها)) .(4/405)
3- فرضية الزكاة ودليلها
أوجب الله على الأغنياء صدقة لفائدة الفقراء هي الزكاة. تؤخذ من أموال الأثرياء وتدفع للمحتاجين؛ تحقيقا للتضامن الذي أوجبه الله على المسلمين ليتم بذلك تلاحم المجتمع الإسلامي وترابطه. ويتحقق التكافل والتعاطف حتى يكون كالجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، أو كالبنيان يشد بعضه بعضا.
ودليل وجوب الزكاة قول الله تعالى للرسول صلى الله عليه وسلم:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} سورة التوبة: 103، وقد ورد الأمر بها مقرونا بالصلاة في اثنتين وثمانين آية من كتاب الله تعالى، من ذلك قوله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} البقرة: 43 {فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ} سورة الحج 78، {وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآَتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} سورة الأحزاب: 33.
أما دليلها من السنة فقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة نقتصر على بعضها اختصاراَ.
ففي صحيح الإمام البخاري أول كتاب الزكاة حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث معاذ بن جبل رضي الله عنه إلى اليمن فقال له: ((ادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله، وأني رسول الله، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوك لذلك فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة في أموالهم، تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم)) . وحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده معاوية بن حيدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((في كل سائمة إبل في أربعين بنت لبون، لا تفرق إبل عن حسابها، من أعطاها مؤتجرا بها فله أجرها، ومن منعها فإنا آخذوها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا، لا يحل لآل محمد منها شيء)) . رواه أحمد والنسائي وأبو داود. وحديث أبي أيوب الأنصاري أن رجلا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: أخبرني بعمل يدخلني الجنة. قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصل الرحم)) وقد أجمع أئمة الإسلام على وجوب الزكاة التي هي ركن من أركان الإسلام المهمة؛ لأنها تطهر النفوس من الشح وتطهر المال مما يمكن أن يلتصق به من شوائب، قد لا يعلمها صاحب المال.(4/406)
4- المسؤول عن إخراج الزكاة وحكم مانعها
الزكاة ركن من أركان الإسلام الواردة في قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام لمن استطاع إليه سبيلا)) . وإذن فمالك المال المأمور بتحقيق هذه الأركان هو المسؤول عن تنفيذ الزكاة، والذي يثاب إذا فعلها على وجهها المشروع، أو يعاقب إذا أخل بأدائها أو امتنع عنها، ومن ثم فرب المال هو المسؤول الأول عن أداء ما عليه من صدقة يعدها ويضعها في مكانها الذي شرعت له، وعلى الصفة التي أقرها التشريع الإسلامي. فإن لم يفعل أثم وألزم بأدائها من لدن الإمام. فإذا وضعها في يد من شرعت لهم برئت ذمته، وإذا أخذها الإمام منه برئت ذمته.. لحديث أنس رضي الله عنه أن رجلا قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ قال: نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها إلى الله ورسوله، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها)) رواه الإمام أحمد.. وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ستكون بعدي أثرة وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا؟ قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم)) . متفق عليه. وعن وائل بن حجر رضي الله عنه قال: ((سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجل يسأله فقال: أرأيت إن كان علينا أمراء يمنعونا حقنا، ويسألون حقهم؟ فقال: اسمعوا وأطيعوا، فإنما عليهم ما حملوا، وعليكم ما حملتم)) . رواه مسلم والترمذي.(4/407)
وقال النووي في المجموع: إن لم يبعث الإمام الساعي وجب على رب المال أن يفرق الزكاة بنفسه على المنصوص؛ لأنه حق الفقراء والإمام نائب عنهم، فإذا ترك النائب ذلك لم يتركه من عليه أداؤه. وبذلك تعين الأداء أولا على من عليه الحق، فإذا تم ذلك للإمام برئت ذمته. وإذا تم لأهله من الفقراء ومن ذكر معهم في الآية كلا أو بعضا برئت ذمته.
وأما حكم مانعها فقد وردت فيه آيات وأحاديث كثيرة، نذكر منها ما يلي: قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ} التوبة: 24. وقوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} سورة آل عمران: 180. وحديث أبي ذر رضي الله عنه قال: ((انتهيت إليه يعني النبي صلى الله عليه وسلم فقال: والذي نفسي بيده - أو قال: والذي لا إله غيره - ما من رجل تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدي حقها، إلا أتي بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه، تطؤه بأخفافها وتنطحه بقرونها، كلما جازت أخراها، ردت عليه أولاها حتى يقضي الله بين الناس".))
أخرجه البخاري في الزكاة، ومسلم في باب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة.
وحديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((من آتاه الله مالا فلم يؤد زكاته مثل له يوم القيامة شجاعا أقرع له زبيبتان.. يطوقه يوم القيامة، ثم يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - ثم يقول: أنا مالك، أنا كنزك.. ثم تلا: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ} )) آل عمران: 180.
وأخرج الدارمي في سننه حديثا مطولا بمعنى حديثي أبي ذر وأبي هريرة.. تحت رقم: 1625.
ومن امتنع من أداء الزكاة وهو مقر بها فإنه آثم ولا يحكم بردته، وعلى الإمام أن يأخذها منه قسرا، وكذلك إذا امتنع قوم من أدائها فإن على الإمام أن يأخذها ولو أدى ذلك إلى قتالهم؛ عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري ومسلم عن ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله)) .(4/408)
مصارف الزكاة:
مصارف الزكاة هي الأصناف الثمانية التي ذكرها الله في الآية الكريمة:
{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} فالحق سبحانه وتعالى اقتضت حكمته تفضيل بعض الناس على بعض في شؤون الحياة والمال، فقال تعالى: {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلَى مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَوَاءٌ أَفَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} النحل: 71. فجعلهم سبحانه سواء في الانتفاع به، ولكنهم في الملك والتصرف متفاوتون اختبارا لهم جميعا وامتحانا، كما قال سبحانه: {وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ} الأنبياء: 35.
وحتى لا يؤدي هذا التفاوت إلى خلل وفتنة بين الناس وإلى وجود ما عرف في اصطلاح العصر بالطبقية المتصارعة.. طبقة المترفين المتخمين المسرفين، وطبقة المحرومين والمسحوقين، وحتى لا يظل النزاع والصراع بين الطرفين على أشده، فرض الإسلام الصدقة على الأغنياء لترد على الفقراء، وبذلك يخف مفعول الفوارق المادية بين أعضاء المجتمع الإسلامي، فتنمو العواطف والشفقة والرحمة المتجلية في العطاء والبذل من جانب إلى آخر، ويسري الحب بينهما بدل الحقد والحسد الذي يؤججه الحرمان في بعض النفوس، وبذلك يقوى التضامن والتكافل بين جميع أصناف البشر. ولم يكتف الإسلام بهذا القدر المفروض فحث على البذل والإنفاق، وفرض أنواعا أخرى من الأداءات غير الزكاة، وفي مناسبات شتى مما وصف بعضه بأنه كفارة أي أنها تكفر الذنوب وتمحوها، مثل كفارة الإفطار في رمضان عمدا وكفارة اليمين الغموس، والقتل الخطأ وغير ذلك مما يحدث للناس في سلوكهم ومعاملاتهم وعبادتهم.
ويجب التعريف بكل صنف من الأصناف الواردة في الآية الكريمة بعد البحث عما تفيده أداة الحصر التي افتتحت بها الآية: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} . وهذا معناه أن ما جاء بعدها ينحصر في الأفراد المذكورين وهم الثمانية.(4/409)
واختلف العلماء في لام {لِلْفُقَرَاءِ} هل هي للملك أو للمحل؟ فعلى أنها للملك فيجب إعطاء كل صنف حظه من الصدقة، ولا يجوز إعطاؤها لصنف دون آخر، وعلى أنها للمحل؛ أي: أن الأصناف الثمانية محل توضع فيه الصدقة، ففي أي صنف منها وضعت الصدقة أجزأت، قال بالأول الشافعي، ويسانده ما ذهب إليه حديث زياد بن الحارث الصدائي قال: جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم يسأله عن الصدقات فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يرض في الصدقات بحكم نبي ولا غيره حتى جزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من أهل تلك الأجزاء أعطيتك)) . رواه أبو داود والدارقطني.
وذهب الإمام مالك وغيره إلى أنها للمحل؛ أي: أن الأصناف المذكورة في الآية محل توضع فيه الزكاة وتصرف له، وفي أيها وضعت أجزأت مستدلين بقول الله سبحانه: {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَيُكَفِّرُ عَنْكُمْ مِنْ سَيِّئَاتِكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} البقرة: 271.
وبحديث: ((أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم.))
وقد اختلف العلماء في توزيع الزكاة على الأصناف الثمانية الذين خصصتهم الآية الكريمة بها: الفقراء، والمساكين، والعاملين عليها، والمؤلفة قلوبهم، والأرقاء، والغارمين، وسبيل الله، وابن السبيل، فالإمام مالك يرى أن للمنفذ للصدقة أن يجتهد ويتحرى موضع الحاجة من الأصناف المذكورة، ويقدم الأولى من أهل الخلة والفاقة، وله أن ينظر في ذلك كل عام، ويضعها فيمن يراه أشد احتياجا من غيره، وهو قول عمر وعلي وحذيفة وابن عباس رضي الله عنهم.(4/410)
وقال الإمام الشافعي: يجب صرفها إلى الأصناف جميعهم إن وجدوا، فإذا كان المالك هو الموزع سقط نصيب العاملين عليها، وبقي السبعة الآخرون، وهكذا يسقط نصيب كل صنف لم يوجد، ولا يجوز ترك صنف منهم مع وجوده، وقال أبو حنيفة: هو مخير يضعها في أي صنف شاء. وقال بعض العلماء: إذا كان المال كثيرا يحتمل القسمة قسمه على جميع الأصناف، وإن كان قليلا جاز أن يعطي للبعض دون البعض، وسبب الخلاف يرجع إلى اللفظ ومعارضته للمقصود الذي هو سد الخلة لدى المحتاجين، فمن نظر إلى اللفظ وقال بأن اللام تفيد الملك، قال بتعميم الأصناف الثمانية أو من وجد منهم على الأقل، ومن نظر إلى الهدف من التشريع ورأى أن اللام للمحل وليست للملك، قال: يجوز وضعها في صنف أو أصناف دون تعميمها على الأصناف الثمانية.
ولعل مستند القائلين باجتهاد الموزع لها بتحريه الأحوج فالأحوج أن الله تعالى جعل الصدقة مختصة بالأصناف الثمانية غير جائزة لغيرهم، وهذا الاختصاص لا يستلزم قسمتها عليهم بالسوية، فمن وجبت عليه زكاة ووضعها في أي صنف من هؤلاء المستحقين فإنه يكون بذلك قد قام بما وجب عليه وبرئت ذمته، وكذلك إذا أعطاها للساعي المعين من طرف الإمام والله أعلم.(4/411)
الفقراء والمساكين
اختلف العلماء ... لغويون وفقهاء ... في الفرق بين الفقير والمسكين، فذهب بعضهم إلى أن الفقير أحسن حالا من المسكين، فالفقير هو الذي له بعض ما يكفيه، والمسكين الذي لا شيء له، وإلى هذا ذهب أبو حنيفة، والقاضي عبد الوهاب، وقال آخرون: إن المسكين أحسن حالا من الفقير، مستدلين بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه استعاذ من الفقر، بينما روي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال:
((اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني مع المساكين.)) وهو استدلال معقول ومقبول، لو كان المسكين أشد فقرا من الفقير، لما استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من هذا وطلب أن يعيش في الحالة الأخرى مسكينا ويموت مسكينا، ولا شك أن دعاءه مستجاب، وقد قبض صلى الله عليه وسلم وله مال مما أفاء الله عليه، واحتجوا أيضا بقول الله تعالى: {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا} الحشر: 8. ولا شك أن الذي أخرج من دياره وماله لم يبق منه شيء، ولذلك سماهم الله فقراء..
فصح أن الفقير الذي لا يملك شيئا أصلا. وقيل: إن الكلمتين بمعنى واحد، وإنما جاءت كلمة المساكين تأكيدا، فالمساكين هم الفقراء الذين يتعففون عن السؤال، ولا يفطن لهم لتحملهم وصبرهم وظهورهم بمظهر القناعة وعدم الاحتياج، ويؤيد هذه النظرية حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
((ليس المسكين الذي ترده التمرة والتمرتان، ولا اللقمة واللقمتان.. إنما المسكين الذي يتعفف واقرؤوا إن شئتم: {لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا} )) البقرة: 273. وفي لفظ آخر: ((ليس المسكين الذي يطوف على الناس ترده اللقمة واللقمتان، والتمرة والتمرتان.. ولكن المسكين الذي لا يجد غنى يغنيه، ولا يفطن له فيتصدق عليه، ولا يقوم فيسأل الناس)) . رواه البخاري ومسلم.
وإلى هذا ذهب أصحاب مالك وهو قول الشافعية أيضا.(4/412)
الحد الأدنى للفقر والمسكنة
اختلف العلماء في الحد الأدنى للفقر والمسكنة الذي يجوز معه أخذ الصدقة، فقال مالك: من له دار سكنى وخادم لا يستغني عنهما يعطى من الزكاة. وقال أبو حنيفة: من معه عشرون دينارا أو مائتا درهم فلا يأخذ من الصدقة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: ((أمرت أن آخذ الصدقة من أغنيائكم وأردها على فقرائكم)) .. فاعتبر من يملك نصابا غنيا لا يجوز له أن يأخذ الصدقة، وقال الشافعي وأبو ثور: من كان قويا على الكسب والاحتراف مع قوة البدن وحسن التصرف حتى يغنيه ذلك عن الناس فالصدقة عليه حرام. محتجا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم: ((لا تحل الصدقة لغني ولا ذي مرة سوي.)) رواه أبو داود والترمذي والدارقطني عن ابن عمر رضي الله عنهما.
روى جابر رضي الله عنه قال: جاءت لرسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة.. فركبه الناس فقال: ((إنها لا تصلح لغني صحيح ولا لعامل.)) رواه الطبراني. وعن عبد الله بن عدي بن الخيار قال: "أخبرني رجلان أنهما أتيا النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع وهو يقسم الصدقة، فسألاه فرفع بصره وخفضه فرآنا جلدين فقال: ((إن شئتما أعطيتكما ولا حظ فيها لغني ولا لقوي مكتسب)) رواه أبو داود.
وقال أبو عيسى الترمذي في جامعه: إذا كان الرجل قويا محتاجا، ولم يكن عنده شيء فتصدق عليه أجزأه عن المتصدق. وحمل الحديث السابق على المسألة أي أن القوي لا يجوز له أن يسأل، والله أعلم.(4/413)
الذين لا يجوز أن تعطى لهم الصدقة
لا يجوز إعطاء الصدقة لبني هاشم؛ لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الصدقة لا تحل لآل محمد، إنما هي أوساخ الناس)) ، وحديث أبي هريرة قال: أخذ الحسن تمرة من تمر الصدقة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (( ... كخ.. كخ ليطرحها)) وقال: ((أما شعرت أنا لا نأكل الصدقة؟)) متفق عليه.
ولا يجوز إعطاء الصدقة للكافر؛ أخذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.)) ، ويستثنى من ذلك المؤلفة قلوبهم؛ إذ يجوز أن يمنحوا من الصدقة؛ فقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه مر بذمي طاعن في السن عاجز عن العمل، وهو يستجدي، فسأله عن حاله.. ولما علم أنه محتاج وأنه من أهل الذمة أمر له بما يسد عوزه، ولا يجوز إعطاء الصدقة لمن تلزم نفقتهم للمصدق كالزوجة والأبوين والأبناء.
العاملون عليها
(أي على جمع الزكاة)
عندما يتولى الإمام جمع الزكاة يكلف ذلك رجالا من عماله، وهؤلاء يجوز أن يأخذوا أجورهم من الزكاة ولو كانوا أغنياء، إذا لم يأخذوا أجورهم من ميزانية الدولة، شريطة أن يكونوا مسلمين؛ لحديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحل الصدقة لغني إلا لخمسة: لعامل عليها، ورجل اشتراها بماله، أو غارم، أو غاز في سبيل الله، أو مسكين تصدق عليه منها، فأهدى منها لغني.)) رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه والحاكم ... ومن أصاب شيئا زائدا على أجره من العاملين فهو غلول منهي عنه {وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} . آل عمران: 161.(4/414)
المؤلفة قلوبهم
كل من رأى فيه الإمام نفعا للإسلام والمسلمين إذا أعطاه من مال الصدقة يستميله بذلك للدخول في الإسلام، إن كان ما زال على كفره، أو ليطمئن إلى إسلامه إن كان حديث عهد بالإسلام، أو رجل له نفوذ في قومه يستميله وقومه للدخول في دين الله..
وذلك أخذ من عمل الرسول عليه السلام حيث أعطى صفوان بن أمية عطاء كبيرا بعد غزوة حنين وقال صفوان: هذا عطاء من لا يخشى الفقر، والله لقد أعطاني النبي صلى الله عليه وسلم وإنه لأبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي.
وروى الإمام أحمد عن أنس رضي الله عنه ((أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن يسأل شيئا عن الإسلام إلا أعطاه.. فأتاه رجل فسأله فأمر له بشاء كثير بين جبلين من شاء الصدقة، فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا؛ فإن محمدا يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.))
ومذهب أبي حنيفة أن حظ المؤلفة قد سقط بانتشار الإسلام وغلبته.
أما المالكية والحنابلة والشافعية فيقولون بتأليف القلوب على الإسلام في كل زمان، وذلك عند الحاجة إليه، ولعله في هذا الوقت بالذات يفيد.. خصوصا في البلاد ذات الأقلية المسلمة والتي توجد تلك الأقليات المسلمة في حالة تهاجم فيها من لدن طوائف المنصرين وغيرهم من أصحاب المذاهب المنحرفة عن الإسلام؛ كالقاديانية والبهائية وغيرها، ولا شك أن استعمال أموال الزكاة في هذا الميدان له تأثير عظيم في تثبيت الكثيرين من البسطاء على دينهم، وعلى المسؤولين من المسلمين أن يجتهدوا في الأسلوب الذي يجب العمل به، والمقدار الذي يعطى من مال الصدقات لتثبيت الإيمان في قلوب هؤلاء.(4/415)
وفي الرقاب
وهو يشمل المكاتبين والأرقاء وافتكاك الأسرى من أيدي الكفار؛ وذلك أخذا من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما أتاه رجل فقال: يا رسول الله، دلني على عمل يقربني من الجنة ويبعدني من النار. قال: ((أعتق النسمة، وفك الرقبة)) .فقال: يا رسول الله، أوليس واحدا؟ قال: ((لا، عتق الرقبة أن تنفرد بعتقها، وفك الرقبة أن تعين بثمنها)) .
رواه أحمد والدارقطني.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ثلاثة كلهم حق على الله عونه.. الغازي في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح المتعفف.)) رواه أحمد وأصحاب السنن.
واختلف العلماء في المراد من قوله تعالى: {وَفِي الرِّقَابِ} فقال الشافعي وأبو حنيفة: إن المراد به المكاتبون يعطون من مال الصدقة ما يحقق حريتهم التي كاتبوا عليها.
وقال مالك وأحمد وأبو ثور: المراد بذلك شراء رقاب وعتقها؛ لأن المكاتب قد يعان ولا يتم عتقه إلا عندما لا يبقى في ذمته درهم، ولأن المكاتب داخل في الغارمين.. والظاهر أن اللفظ يشمل الأمرين: شراء الرقبة وعتقها، ومساعدة المكاتب على فك رقبته، والله أعلم.(4/416)
الغارمون
الغارمون هم الذين استدانوا لأغراض مشروعة؛ كالإنفاق على من تجب نفقته على المستدين أو من ضمن دينا فلزمه الوفاء به أو تحمل حمالة لإصلاح ذات البين، وما أشبه ذلك، فهؤلاء يأخذون من الصدقة ما يوفي ديونهم، وذلك أخذا من حديث رواه مسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: أصيب رجل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في ثمار ابتاعها، فكثر دينه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((تصدقوا عليه. فتصدق الناس عليه، فلم يبلغوا بذلك وفاء دينه.. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لغرمائه: خذوا ما وجدتم وليس لكم إلا ذاك.))
وحديث أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا تحل المسألة إلا لثلاث: لذي فقر مدقع.. أو لذي غرم مفظع.. أو لذي دم موجع.. .))
وهو الذي تحمل دية عن قريبه أو صديقه.
وحديث قبيصة بن مخارق قال: تحملت حمالة فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم أسأله فيها، فقال:
((أقم حتى تأتينا الصدقة فآمر لك بها.. ثم قال: يا قبيصة، إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة: رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك، ورجل أصابته جائحة اجتاحت ماله فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، ورجل أصابته فاقة حتى يقول ثلاثة من ذوي الحجا من قومه: لقد أصابت فلانا فاقة، فحلت له المسألة حتى يصيب قواما من عيش، أو قال: سدادا من عيش، فما سواهن من المسألة يا قبيصة سحتا يأكلها صاحبها سحتا.))(4/417)
وفي سبيل الله
سبيل الله هو الطريق الموصل إلى مرضاته سبحانه وتعالى والقصد به هنا كل عمل من شأنه أن يكسب صاحبه رضى الله سبحانه.
وجمهور العلماء على أن المراد به في الآية الغزو في سبيل الله، والجهاد لنصرة الإسلام والدفاع عن المسلمين.. فسهم سبيل الله من الزكاة يصرف في مصالح الجهاد بإعداد العدة وتجهيز الجيوش بالسلاح المناسب، وشراء الآلات وصناعتها. وتهييئ كل ما يناسب المقام زمانا ومكانا، حتى يضمن النصر للحق والعدل، ولتكون كلمة الله هي العليا.
ويرى بعض العلماء أن سبيل الله يدخل فيه كل عمل يحقق جانبا من جوانب المصالح الإسلامية، ويعود على المجتمع الإسلامي بالخير ويدفع عنه كل سوء.. سواء في ذلك الميدان الاجتماعي كالتربية والتعليم والثقافة، أو الميدان الصحي، كصناعة الأدوية وبناء المستشفيات، وتكوين الأطباء والأساتذة، ومساعدة الدعاة الذين يجابهون الغزو الفكري، ودعاة التنصير والإلحاد، وغير ذلك من الميادين؛ لأن سبيل الله شامل لكل ما يجلب الخير ويدفع الشر عن المسلمين.
وابن السبيل
هو المسافر المنقطع عن موطن سكناه وأهله وماله، فهذا يعطى من الصدقة ما يحقق مقصده، ما دام لم يجد من يعينه بقرض إلى أن يعود إلى بلده.. وذلك إذا كان سفره مباحا.
وهو مذهب الشافعية، أما مذهب المالكية والحنابلة فابن السبيل المستحق للزكاة.. هو المسافر الذي انقطعت به السبل، ولم يجد من يقرضه حتى يعود إلى بلده، أو ليس له مال في بلده يؤدي منه ما استلفه في سفره.. فإن كان له مال في بلده ووجد من يقرضه فلا يعطى من الزكاة، والله أعلم.(4/418)
نقل الزكاة وحكمه شرعا
اختلف العلماء في جواز نقل الزكاة من مكان وجوبها إلى بلد آخر، فقال علماء الشافعية وبعض المالكية: لا يجوز نقل الصدقة ويجب صرفها في البلد الذي يوجد فيه المال المزكى، إلا إذا فقد من يستحقها في المكان الذي وجبت فيه.. واستدلوا لمذهبهم بحديث عمرو بن شعيب "أن معاذ بن جبل لم يزل بالجند (اسم بلد) حيث بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قدم على عمر فرده على ما كان عليه، فبعث إليه معاذ بثلث صدقة الناس، فأنكر ذلك عمر.. وقال: لم أبعثك جابيا ولا آخذا جزية، ولكن بعثتك لتأخذ من أغنياء الناس فترد على فقرائهم. فقال معاذ: ما بعثت إليك بشيء وأنا أجد أحدا يأخذه مني. فلما كان العام الثاني بعث إليه بشطر الصدقة فتراجعا بمثل ذلك، فلما كان العام الثالث بعث إليه بها كلها، فراجعه عمر بمثل ما راجعه، فقال ماعذ: ما وجدت أحدا يأخذ مني شيئا". رواه أبو عبيد فدل ذلك على أن عمر لا يجيز نقلها إلا عندما لا يوجد من يستحقها في نفس المكان الذي فرضت فيه.
وفي حديث معاذ.. ((أخبرهم أن عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم، وترد على فقرائهم..)) وحديث أبي جحيفة قال: قدم علينا مصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخذ الصدقة من أغنيائنا فجعلها في فقرائنا، فكنت غلاما يتيما فأعطاني قلوصا.. رواه الترمذي.. وعن عمران بن حصين أنه استعمل على الصدقة، فلما رجع قيل له: أين المال؟ فقال: وللمال أرسلتني؟ أخذناه من حيث كنا نأخذه على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ووضعناه حيث كنا نضعه. رواه أبو داود وابن ماجه. وعن طاوس قال: كان في كتاب معاذ: من خرج من مخلاف إلى مخلاف فإن صدقته وعشره في مخلاف عشيرته. رواه الأثرم في سننه، وبهذه الأدلة ثبت أن الصدقة تستعمل في المكان الذي يوجد فيه المال المزكى، إلا إذا استغنى أهل البلد فيجوز نقلها.(4/419)
أما الحنفية فقالوا بكراهة نقلها، إلا إذا كان هناك سبب معقول.. كأن ينقلها المصدق لذي قرابة محتاج؛ لأن في ذلك معنى آخر زائدا وهو –صلة الرحم- أو يكون أهل البلد المنقولة إليه أشد حاجة إليها من أهل البلد الذي وجبت فيه، وكذلك نقلها من دار الكفر إلى دار الإسلام أو نقلها إلى طلبة علم وما شابه ذلك، ففي هذه الأحوال لا يكره نقلها.
أما مذهب الحنابلة فهو عدم جواز نقل الصدقة من بلدها إلى مسافة القصر، ولا بأس بنقلها فيما دون ذلك.
وإذا كان الرجل في بلد وماله في بلد آخر فالمعتبر البلد الذي فيه المال، وإذا كان المال بعضه في بلد وبعضه في بلد آخر أدى صدقة كل مال في البلد الذي يوجد فيه ذلك المال، بخلاف صدقة الفطر فإنها تؤدى في البلد الذي يوجد فيه من وجبت عليه؛ لأن الوجوب يتعلق بالشخص في هذه وبالمال في تلك.
وهكذا يتبين أن الصدقة يجب صرفها في المكان الذي وجبت فيه إلا إذا كان هناك سبب يجيز نقلها إلى مكان آخر، وهو أمر معقول. ومالك يرى أن نقلها عندما يوجد سبب النقل يكون بأمر الإمام على سبيل النظر والاجتهاد؛ لأن النظر والاجتهاد لا يتم على الوجه المقبول إلا من المسؤول وليس من رب المال.(4/420)
ومن أخرج صدقته ووضعها في غير مستحقها فهل تجزئه أم يجب عليه أداؤها لمن يستحقها مرة أخرى.. فقال أبو حنيفة: يجزئه ما دفعه ولا يطالب بزكاة أخرى. مستدلا بحديث معن بن يزيد الذي قال: إن أباه أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها في يد رجل في المسجد. قال معن: فجئت فأخذتها وأتيته بها، فقال: والله ما إياك أردت. فخاصمته إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ((لك ما نويت يا يزيد، ولك ما أخذت يا معن)) . رواه أحمد والبخاري.
كما يؤيده حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((قال رجل: لأتصدقن الليلة بصدقة.. فخرج بصدقته فوضعها في يد سارق، فأصبحوا يتحدثون: تصدق على سارق الليلة. فقال: اللهم لك الحمد، لأتصدقن بصدقة، فخرج بصدقته فوضعها في يد زانية، فأصبحوا يتحدثون.. تصدق الليلة على زانية، فقال: اللهم لك الحمد على زانية، لأتصدقن بصدقة.. فخرج بصدقة فوضعها في يد غني، فأصبحوا يتحدثون.. تصدق الليلة على غني.. فقال: اللهم لك الحمد على زانية وعلى سارق وعلى غني. فأتي فقيل له: أما صدقتك على سارق فلعله أن يستعفف عن سرقته، وأما الزانية فلعلها أن تستعفف به عن زناها.. وأما الغني فلعله يعتبر فينفق مما آتاه الله عز وجل)) .
رواه البخاري ومسلم وأحمد.
وذهب مالك والشافعي وأحمد والثوري إلى أنه لا يجزئه دفع الزكاة إلى من لا يستحقها، فإذا تبين خطؤه وجب عليه إخراجها مرة أخرى ودفعها إلى مستحقيها.
واتفقوا على أنه إذا تبين له أنه أعطاها لعبد أو كافر أو هاشمي أو ذي قرابة تجب نفقته على المزكي، فإنها لا تجزئه أيضا.(4/421)
المتصرف في الصدقة
في عهد النبوة كان الرسول صلى الله عليه وسلم يبعث العاملين على جمع الصدقة، ويصرفها في مستحقيها؛ طبقا لما أمره الله به: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ} . التوبة: 103.
ومعلوم مما سبق أن بيان مستحقيها لم يتركه الله سبحانه لاجتهاد أحد ابتداء من الرسول عليه السلام، كما جاء في الحديث الذي رواه أبو داوود عن الصدائي أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أن يعطيه من الصدقة، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: ((إن الله لم يرض أن يحكم نبي ولا غيره في الصدقات، حتى حكم فيها، فجزأها ثمانية أجزاء، فإن كنت من تلك الأجزاء أعطيتك حقك)) .
فالله تعالى تولى بيان المستحقين الذين تعطى لهم الزكاة في آية التوبة السابق ذكرها {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} التوبة:60.
وجاء بعده خلفاؤه الراشدون فبعثوا عمالهم على الصدقات، وكانوا يجمعونها ويضعونها في أهلها، ويأتون الخليفة ببعضها، كما تشير إليه الأحاديث والآثار السابقة في هذا البحث المتواضع.
وعليه، فالأصناف الثمانية لم تكن الصدقة توزع عليهم بالتساوي، لا في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا في عهد خلفائه، فالثابت بالنصوص المذكورة سابقا تدل على أن النبي عليه الصلاة والسلام أعطى من الصدقة لبعض الفقراء والمساكين ولبعض المؤلفة قلوبهم، وكان الفرق عظيما بين ما أعطى لهؤلاء ولهؤلاء، وحتى لصنف واحد لم يكن يعطيهم بالتساوي، وليس في الآية التي نصت على الأصناف الثمانية ما يفيد أنه يجب القسمة بينهم بالتساوي، ولا بين أفراد كل صنف منهم ... وكذلك أمر صلى الله عليه وسلم معاذا عندما أرسله إلى اليمن فأمر أن يأخذ صدقاتهم ويردها في فقرائهم، ولم يوصه بقسمتها بالتساوي بين الأصناف، ولا بين أفراد الصنف الواحد، مما يدل على أن للموزع أن يجتهد ويعطي كل فرد وكل صنف ما يدفع عنه غائلة الفقر والمسكنة أو ما يفيد أي إنسان من الأصناف الأخرى.. لأن الغرض هو سد الخلة عند الفقراء والمساكين وما يحقق القصد من وضعها في أي صنف من الأصناف الأخرى من المؤلفة قلوبهم والغارمين، وفي سبيل الله، وابن السبيل، وكذا العاملين عليها.(4/422)
هذا إذا تولى الإمام أو عامله جمع الصدقة وتوزيعها كما كان عليه الأمر في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين وصدر الإسلام الزاهر.
أما إذا كان الموزع هو صاحب المال المزكى، فعليه أن يجتهد ويتحمل مسؤولياته لكي تبرأ ذمته، وقد سبق التنصيص على أنه إن وضعها في غير مستحقها فإن كان خطأ فقيل: إنه أتى بالواجب عليه، وبرئت ذمته لحديث أبي هريرة السابق.. أما إذا تعمد فتبقى ذمته مليئة بما وجب عليه؛ لأنه لم يضعها في مستحقها.
أما إذا دفعها للإمام أو نائبه فقد برئت ذمته؛ لأنه أدى الواجب على النحو الذي أمر به وسلك مسلك المسلمين على عهد الرسول عليه السلام وخلفائه الراشدين.
وذلك أخذا من حديث أنس قال: أتى رجل من بني تميم رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: حسبي يا رسول الله إذا أديت الزكاة إلى رسولك فقد برئت منها إلى الله ورسوله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((نعم إذا أديتها إلى رسولي فقد برئت منها، فلك أجرها، وإثمها على من بدلها.)) رواه الإمام أحمد. وحديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((إنها ستكون بعدي أثرة، وأمور تنكرونها. قالوا: يا رسول الله، فما تأمرنا قال: تؤدون الحق الذي عليكم وتسألون الله الذي لكم)) رواه البخاري ومسلم.
إذن فللمسلم أن يعطي الزكاة لمن يستحقها بنفسه، وفي البلد الذي وجبت فيه، وله أن ينقلها إلى مكان آخر قريب لأسباب معقولة إذا استغنى فقراء البلد عنها، وله أن يدفعها للخليفة إذا كان يعمل على جمعها وإعطائها لمستحقها، فإن أخل بالعدل في توزيعه فعليه إثمه، أما صاحب المال فقد برئت ذمته.
ومن هنا يمكن القول بدفع الصدقة لصندوق التضامن الإسلامي إذا كان ينوب عن الإمام في الجمع والتوزيع.. فما هو هذا الصندوق ومن هم القائمون عليه؟(4/423)
صندوق التضامن الإسلامي
يجب معرفة هذه المؤسسة الإسلامية الهامة في حياة الأمة الإسلامية.. خصوصا في الظروف التي تعيشها، والتي يعمل كل مؤمن مخلص في عقيدته عارف بمسؤولياته.. قادة وعلماء على إنقاذ الشعوب الإسلامية من الحالة المتردية التي تعيشها شعوب العالم الإسلامي؛ من تمزق واختلاف وتفرق وابتعاد عن تعاليم الإسلام ونهجها القويم، مما أوقع الأمة الإسلامية بين أيدي خصومها وأعداء دينها فريسة تتعاورها أيدي الثالوث الرهيب: الصليبية والشيوعية ... وربيبتها الصهيونية المدللة، وهذا لا يحتاج إلى شرح وتوضيح؛ لأن العالم أصبح ميدانا لتصرفات هذا الثالوث، وقد يختلفون فيما بينهم، ولكنهم إزاء أمة الإسلام تجدهم أقانيم ثلاثة، هدفهم واحد هو الوقوف في وجه الأمة الإسلامية؛ عربيها وعجميها ... شرقيها وغربيها.
وعلى المسلمين وعلمائهم وقادتهم، أن يراجعوا حسابهم مع أنفسهم، ويزيلوا كل أسباب الفرقة والخلاف، ولا يمكن ذلك إلا بالرجوع إلى المنهج الإسلامي المتكامل.. والذي لا تنجح خطة لإنقاذ ما بقي من ذماء روحي في مجتمعنا الإسلامي إلا به.
ولعل في هذه الاجتماعات والمؤتمرات الرئاسية التي يدعو إليها رؤساء وملوك المسلمين فترة بعد فترة، ما يعمل على رأب الصدع وجمع الكلمة والعمل على إيقاظ الهمم وإحياء روح الأخوة، والتعاضد والتعاون؛ عملا بأمر الله العلي القدير: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران: 103، وقوله سبحانه: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ} المائدة: 2.
ولا شك أنه من نتائج هذه المؤتمرات الرئاسية التي تعقد من حين لآخر تأسيس هذه المؤسسة التي يدل اسمها على عملها، فالأمة الإسلامية مدعوة من كتاب ربها وعلى لسان نبيها صلى الله عليه وسلم لأن تكون خير أمة أخرجت للناس، تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله، ولا تكون كذلك إلا إذا عملت بمبدأ التضامن والتكافل في سائر مجالات الحياة الاجتماعية والفكرية والسياسية والاقتصادية؛ لتصبح كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام: ((كالجسد الواحد، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر.)) .(4/424)
وبالرجوع إلى تاريخ تأسيس منظمة التضامن الإسلامي يظهر حسن القصد من هؤلاء الرؤساء الذين كونوا هذه المؤسسة الطيبة، غير أن الملاحظ أن الفكرة تبدو وهي ضرورية لحياة الأمة الإسلامية، ولكنها مع الأسف تسير ببطء.. فقد أسس صندوق التضامن الإسلامي بقرار من المؤتمر الثاني للقمة الذي انعقد عام 1394هـ، الموافق لسنة 1974م في الجمهورية الإسلامية بباكستان.
ووافق المؤتمر الإسلامي الخامس بعاصمة ماليزيا على النظام الأساسي لهذه المؤسسة بعد ذلك.. وجعل من أهم أهدافه رفع مستوى المسلمين في العالم في كل المجالات ... سياسية واقتصادية واجتماعية.. ومن أهم ذلك الوقوف مع الشعب المسلم المشرد من أرضه – فلسطين - أمام سمع وبصر.. كل دول العالم. ولم يكتف الأعداء بطرد الشعب من بلاده وأرضه بل أرادوا محو أهم مظهر له في الحياة ... قبلة المسلمين الأولى، ومسرى رسولهم صلى الله عليه وسلم المسجد الأقصى.. وهذا المسجد والمدينة التي تضمه والقطر الذي توجد فيه في ذمة كل المسلمين.. عملا بعهد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب الذي فتحه.. لأن ذمة المسلمين واحدة، يسعى بها أدناهم، فكيف بهذه وقد سعى بها خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم عمر.
ويمكن إلقاء نظرة خاطفة على أهداف هذه المؤسسة التي أحدثها مؤتمر القمة الثاني وصادق على نظامها وأهدافها المؤتمر الخامس، يرى الإنسان أهمية المؤسسة واستحقاقها لكل عون ومساعدة.. خصوصا وأن جل تلك الأهداف تدخل في نطاق مصارف الزكاة.
فالمادة التي تنص على مساعدة المتضررين من الأزمات والمحن والكوارث الطبيعية التي تتعرض لها البلاد الإسلامية.
والمادة التي تشير إلى تشجيع البحث العلمي والتقني وإنشاء الجامعات في البلاد المفتقرة إليها.
ومنح المساعدات المادية والمعنوية للأقليات المسلمة في أنحاء العالم.
والعمل على نشر الدعوة الإسلامية في أرجاء المعمورة بتمويل البعثات العلمية لنشر الإسلام والدفاع عن عقيدته وتعاليمه، ودعم المراكز الإسلامية داخل الدول غير المسلمة.. والعمل على تنظيم الشباب المسلم بما يحفظ عليه عقيدته وسلوكه وتكوينه فكريا وعلميا وجسميا، بتنظيم الحلقات الدراسية التي تكون الشباب من لدن العلماء المفكرين والمتخصصين في كل القضايا التي تجعل من الشباب رجال المستقبل الذين يتحملون الأعباء عن قوة وجدارة.
ولا شك أن تنفيذ هذه الأهداف يحتاج إلى بذل مادي واسع، والمعتقد أنها كلها أو جلها داخلة في نطاق ما تهدف إليه الآية الكريمة: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} التوبة: 60. خصوصا البند السابع {فِي سَبِيلِ اللَّهِ} .
ولا شك أن المسؤولين عن هذه المؤسسة – الموظفين- يدخلون في البند الثالث؛ لأنهم يعملون على جمع الصدقات وصرفها في مستحقيها، وهم مسلمون رشداء، لا يشك في صلاحيتهم وقدرتهم على المأمورية المنوطة بهم ومسؤولياتهم أمام الذين أسندوا إليهم هذه المهام، وأمام الله تعالى.
نعم ... لا بد من توزيع الصدقات على فقراء البلد حتى يكتفوا، ولا بأس بما يفضل عنهم كما كان على عهد الرسول والخلفاء الراشدين. والله من وراء القصد، وهو حسبنا ونعم الوكيل.
كتبه وحرره عبد ربه الراجي عفوه ومغفرته
مولاي مصطفى العلوي(4/425)
مراجع البحث
كتب التفسير:
1- الجامع لأحكام القرآن للقرطبي الجزء 8
2- أحكام القرآن لأبي بكر بن العربي الجزء 2
3- الكشاف للزمخشري الجزء 3
4- تفسير ابن كثير لابن كثير الجزء 3
5- التحرير والتنوير الطاهر ابن عاشور الجزء 10
6- تفسير المنار رشيد رضا الجزء 10
7- الكريم الرحمن الجزء 3
8- في ظلال القرآن سيد قطب الجزء 10
كتب الحديث:
9- فتح الباري على صحيح البخاري الجزء 3
10- النووي على صحيح مسلم الجزء 7
11- كتاب التاج للشيخ منصور الجزء 2
12- اللؤلؤ والمرجان فيما اتفق عليه الشيخان الجزء 1
13- الزرقاني على موطأ الإمام مالك الجزء 2
14- نيل الأوطار للشوكاني الجزء 4
15- شرح الجامع الصحيح للربيع بن حبيب الزاهيدي الجزء 2
16- سنن الدارمي لعبد الله بن عبد الرحمن الجزء 1
17- عون المعبود على سنن أبي داود لأبي الطيب الجزء 4
18- سبل السلام على بلوغ المرام لمحمد بن إسماعيل الجزء 2
19- تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي للمباركفوري الجزء 3
20- حاشية الرهوني على بلوغ المرام الجزء 1
21- شرح السنة للإمام البغوي الجزء 5
22- تلخيص الحبير في تخريج أحاديث الرافعي الكبير الجزء 2
23- الفتح الرباني في ترتيب مسند الإمام أحمد الشيباني الجزء 9
24- المصنف ابن أبي شيبة الجزء 3
25- لمصنف لعبد الرزاق الجزء 4
26- مجموع فتاوى ابن تيمية الأجزاء: 17-25-28-33-35
27- التمهيد لأبي عمر يوسف بن عبد البر الأجزاء: 2-4-10-18
كتب الفقه:
28- الكافي لأبي يوسف بن عبد البر القرطبي الجزء 1
29- الشرح الصغير على أقرب المسالك لأحمد الدردير الجزء 1
30- الروضة الندية شرح الدرر البهية الجزء 1
31- المحلى لابن حزم الجزء 5(4/426)
صرف الزكاة لصالح صندوق
التضامن الإسلامي
إعداد
سعادة الدكتور عبد الله إبراهيم
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا البحث سيتناول بإيجاز مدى إمكان إنشاء إدارة عالمية للزكاة تهتم جميعها على المستوى العالمي لصالح صندوق التضامن الإسلامي.
ومعني هذا أنه إذا أمكن ذلك فستكون هناك إدارة عالمية للزكاة مهمتها القيام بجمع الزكاة وما إليها من موارد أخرى واستئجارها. ((صندوق التضامن الإسلامي)) يقوم بالتحقق من مصارفها الشرعية على مستوى الدول الإسلامية ومجتمعاتها في الشرق والغرب، وفي القارات والمحيطات، فينفق عليها مما جمعته الإدارة المذكورة، وبالتالي فلا تبرز هناك مسألة صرف الزكاة لصالح صندوق التضامن الإسلامي. فإن الصندوق ليس حتما من مصارف الزكاة حتى ينفق من الزكاة لصالحه، بل يكون الصندوق أداة إيصال الزكاة إلى مصارفها الشرعية، وعليه فسنتعرض في هذا البحث إلى ما يأتي:
أ) إمكانات تكوين الإدارة العالمية للزكاة.
ب) مصادر تمويلها.
ج) مصارفها.
أولا: إمكانات تكوين الإدارة العالمية للزكاة:
((لصالح صندوق التضامن الإسلامي))
لعل كل واحد منا لا يحتاج إلى بذل جهد كثير للوقوف على هذه الإمكانات؛ حيث إن الأخبار من الصحف والمجلات والإذاعات الإسلامية والأجنبية قد كشفت لنا جميعا الشيء الكثير عن هذه الإمكانات، بل إننا لنجد إلى جانبها رغبة جماعية أكيدة ودواع كثيرة لقيام مثل هذه الإدارة التي تتولى مسؤولية تطبيق الزكاة على المستوى العالمي، والتي تخدم أهدافا عامة مشتركة بين المسلمين جميعا في كل مكان.(4/427)
ويمكن أن نلخص ذلك كله فيما يلي:
(1) وجود عدة دول إسلامية غنية، بحيث لا يحتاج رعاياها إلى الزكاة؛ نظرا لغناهم بأموالهم من ناحية، ولقيام هذه الدول بواجب الكفالة الاجتماعية (الضمان والتأمين الاجتماعيين) لرعاياها المحتاجين من ناحية أخرى، وهم ليسوا بكثير في هذه
الدول، كالسعودية والكويت وبقية دول الخليج العربي (بما فيها العراق وإيران) وليبيا. ففي السعودية مثلا نجد ميزانية مؤسسة الضمان الاجتماعي (في هذه السنة 97/1398هـ - 77/1978م) تبلغ " 1046 مليونا " من الريالات: (1) فالضمان الاجتماعي في المملكة العربية السعودية تقوم به الحكومة دون أن يترتب على الأفراد دفع أي قسط أو اشتراك أو ضريبة. وإن أي حادث من الحوادث الكونية المدمرة كالحريق أو انهيار المنازل أو نحو ذلك فإن الحكومة تتكفل بتقديم التعويض المناسب من غير حاجة إلى دفع اشتراك للتأمين على الحوادث مقدما.
فرعايا هذه الدول الغنية إذن لا يحتاجون إلى زكوات أغنيائها؛ لقيام هذه الحكومات بما تهدف إليه الزكاة، إلا أن الزكاة – كما سبق أن قررنا- لن تسقط أبدا عن أغنياء هذه الدول. كما لا يجوز لهذه الحكومات أن تهمل شؤونها أو تعفي أغنياءها من أدائها.
وعلى ذلك فزكوات أغنياء هذه الدول من الممكن أن تخصص لتكون أحد مصادر تمويل هذه الإدارة العالمية للزكاة.
(2) وجود فوائض مالية كثيرة لهذه الدول الغنية، لا تحتاج إليها، بل ذكرت الأخبار في الصحف والمجلات أنها لا تعرف ماذا تفعل بهذه الفوائض؟ فراحت تبعثرها في البنوك والمؤسسات المالية والاقتصادية الأجنبية في أوروبا وأمريكا وغيرهما ليستفيد بها الأصدقاء والأعداء على حد سواء.
__________
(1) من صحيفة أخبار العالم الإسلامي إصدار رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة يوم الاثنين 4 رجب 1397هـ - الموافق 20 يونيو 1977م)(4/428)
(3) وإلى جانب هذه الفوائض فإن هناك الودائع المودعة في البنوك الأجنبية كذلك، وهذه الفوائد تركت لهذه البنوك فتعيد استثمارها لتأتي بالأرباح المضاعفة، ولا يأخذها أصحابها باعتبار أنها ربا محرم، فيستفيد بها الأصدقاء والأعداء على حد سواء أيضا. فقد تناول بالكلام على هذه الفوائض وهذه الفوائد كثير من الخبراء الاقتصاديين في الصحف والمجلات وفي أبحاثهم ومحاضراتهم في المؤتمرات والندوات والاجتماعات، وطالبوا جميعا بالاستفادة بهذه الفوائض بما يعود بالنفع على العالم الإسلامي والدول الفقيرة والنامية في العالم الثالث (دول عدم الانحياز) ونخص بالذكر هنا أحد الاقتصاديين البارزين العاملين في خدمة العالم الإسلامي وهو الدكتور غريب الجمال؛ فقد تناول سيادته هذه المسألة في كتابه (المصارف والأعمال المصرفية في الشريعة الإسلامية والقانون) وكان مما قاله: "إن كثيرا من المسلمين يودعون أموالهم في مصارف أجنبية، مع كل ما هو معروف عن نظام العمل في تلك المصارف؛ من حيث قيامها بإعطاء فوائد قد تصل في حالات متعددة إلى مبالغ كبيرة يضطر أصحابها إلى التخلي عنها ويتنازلون عنها للمصرف؛ خوفا من أن تدخل تحت وطأه الربا المحرم. ونتيجة لذلك تضيع على المسلمين أموال طائلة إن لم تكن مستحقة لصاحب المال نفسه (المودع) فهي في الواقع مستحقة إلى بيت مال المسلمين لدعمه ولصرفها على المسلمين في نفعهم العام والخاص، وفي الجهاد إذا لزم الأمر، كما أن تركها في حد ذاته من أكبر دعامات اقتصاد أعداء المسلمين الذين يستخدمونها ضد الأمة الإسلامية، وكثير من هؤلاء قد ناصبنا العداء فعلا ويحاربنا عقائديا وفعليا ". وذكر سيادته أن في ترك هذه الفوائد لتلك المصارف مضرة أعظم من أخذها، فلهذا رأى وجوب أخذها وحرمة تركها لهم. وبعد أن أفاض في الاستدلال على ذلك لخص موقفه بقوله: " ونخلص من كل ذلك إلى الفوائد المشار إليها:
1- ترد من قوم ليسوا بمسلمين.
2- أنها حينما تترك تستخدم ضد المسلمين في نواح عديدة، سواء كان ذلك بالتبشير ضد الإسلام، أو بالتبرع بها لأعداء المسلمين على أي وضع كانوا.
وبذلك فإنه من الواجب – الذي يأثم المسلم إذا خالفه – أن يأخذ المسلمون هذه الفوائد ليستخدموها في مصلحة المسلمين. (1)
__________
(1) والدكتور غريب الجمال أحد الاقتصاديين المعروفين في العالم الإسلامي، وهو مصري، وكان أحد الأساتذة بالمعهد العالي للدراسات الإسلامية بالقاهرة، ويعمل حاليا مديرا لصندوق التضامن الإسلامي بمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة. ومن مؤلفاته كتابه: " التضامن الإسلامي في المجال الاقتصادي "(4/429)
وعلى ذلك فكل من هذه الفوائض وهذه الفوائد مما يمكن أن يخصص كمورد لتمويل هذه الإدارة العالمية للزكاة سنويا لاستخدامها في مصالح عامة للمسلمين ومشتركة بينهم جميعا. وعلى أصحابها أن يتعاونوا مع هذه الإدارة – في حالة قيامها – لتوريد هذه الفوائض والفوائد إليها لخدمة المصالح المشتركة للمسلمين.
3- وجود رغبة جماعية أكيدة بين المسلمين في قيام مثل هذه الإدارة، وتكشف عنها مواقف عديدة للمسلمين في كتاباتهم وأبحاثهم وفي مؤتمراتهم وندواتهم واجتماعاتهم. من ذلك:
تأسيسهم لصندوق الزكاة في البنك الإسلامي للتنمية، وبهدف القيام بجمع الزكاة من المسلمين في البلدان التي لا يقوم أولو الأمر فيها بجباية الزكاة منهم. ويمثل هذا الصندوق أحد الأركان الهامة في تنظيم البنوك الإسلامية. (1)
ومعلوم أن هذا البنك تساهم في إنشائه حوالي ثلاثين دولة إسلامية، وكان من النتائج الهامة لعدة مؤتمرات القمة لملوك ورؤساء الدول الإسلامية ومؤتمرات وزراء الخارجية والمالية والاقتصاد لهذه الدول، وهي المؤتمرات التي تنظمها منظمة المؤتمر الإسلامي التي مقرها الحالي – بصفة مؤقتة – مدينة جدة.
وعليه، فقد تأسست إذن في العالم الإسلامي اليوم إدارة عالمية للزكاة.
كما كان مما يؤكد للرغبة المذكورة أيضا تأسيسهم صندوق التضامن الإسلامي ووكالة الغوث والإنعاش الإسلامية.
ويهدف صندوق التضامن الإسلامي تحقيق كل ما من شأنه رفع مستوى المسلمين في العالم، والمحافظة على عقيدتهم ودعم تضامنهم وجهادهم في جميع المجالات.
وكان هذا الصندوق من نتائج مؤتمر القمة الإسلامي الثاني المنعقد بلاهور (باكستان) فيما بين 29 محرم – أول صفر 1394 هـ (22 – 24 فبراير 1974م) ، وقد نص في قراره: إنشاء صندوق التضامن الإسلامي للإنفاق على شؤون الوحدة والقضايا الإسلامية والنهوض بالثقافة والقيم والجامعات الإسلامية.
بينما تهدف وكالة الغوث والإنعاش الإسلامية توفير الإنعاش والمساعدات الموجهة للأقليات المسلمة التي تعاني من سلطات الحكم في بلادها، كالمسلمين في جنوب الفلبين، وتمول من صندوق التضامن الإسلامي ومن تبرعات الدول الإسلامية، وتخضع لرقابة المجلس الدائم للصندوق. وإلى جانب ذلك فقد تكونت هناك عدة مؤسسات مالية أخرى تحمل هدف تقديم مساعدات مالية للمسلمين وحركاتهم في كل مكان. تكونت هذه الصناديق في كل من السعودية والكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة وقطر وليبيا وغيرها من الدول الإسلامية الغنية.
__________
(1) كتاب منهج الصحوة الإسلامية د. أحمد النجار ص 56، 309 وكتاب المصارف والأعمال المصرفية د. غريب الجمال ص 392.(4/430)
4- هذا كله بالإضافة إلى أن هناك دواع كثيرة لإقامة هذه الإدارة العالمية للزكاة،منها:
أ) وجود أغنياء مسلمين كثيرين منتشرين في البلاد الأوروبية والأمريكية وغيرها من البلدان غير الإسلامية – بل والإسلامية أيضا – ولا إدارة زكاة واحدة تجمعها منهم للإنفاق منها على مستحقيها المنتشرين أيضا في هذه البلاد واستخدامها في مصالح إسلامية عامة مشتركة. وإذا وجد في بعض البلاد غير الإسلامية بعض (1) الأجهزة التي تقوم بجمع الزكاة، فهو في حكم النادر، والنادر لا حكم له.
ب) انتشار الفقر بين المسلمين في كل مكان وخصوصا في البلدان الفقيرة التي يحكمها المسلمون، أو يحكمها غيرهم من الحكام غير المسلمين، أو الحكام الأجانب المستعمرين.
ج) حاجة المجاهدين المناضلين المالية لتحرير بلادهم ورقابهم من الاستعمار، أو من حكم الكفرة، أو الحكام الطغاة، كإخواننا الفلسطينيين ومسلمي جنوب الفلبين وقطاني (جنوب تايلاند) وإريتريا وغرب الصومال وغيرهم.
د) حاجة اللاجئين المسلمين المهاجرين بدينهم بعد سقوط بلادهم لحكم الشيوعيين؛ كالمسلمين المهاجرين من كل من فيتنام وكمبوديا وكذلك المهاجرين من حكم الكفرة المتعصبة كالمسلمين البورماويين وغيرهم.
هـ) وهناك منظمات واتحادات ومراكز إسلامية كثيرة تعمل لخدمة الإسلام والدعوة إليه في مختلف بقاع الأرض، وكلها في حاجة شديدة إلى الدعم المالي لممارسة أنشطتها الإسلامية، خصوصا تلك الإسلامية القائمة في أوروبا وأمريكا وأستراليا ونيوزلنده، وغيرها من الدول غير الإسلامية – بل والإسلامية أيضا- والجزر المنتشرة في البحر الهندي والمحيط الهادي والأطلسي.
__________
(1) ذكر الدكتور محمود أبو السعود أن المسلمين في ولاية إنديانا بأمريكا قد أنشؤوا بنكا إسلاميا بلا فوائد، ومن بين أعماله جمع الزكاة من أصحاب المال المتعامل معه (المودع والمساهم) بعد موافقته على أداء زكاته إلى هذا البنك لصرفها على مستحقيها. عن جريدة الأهرام القاهرية، الجمعة 2/4/1976م(4/431)
ويجدر أن نذكر هنا بعض الأمثلة للأنشطة التي تقوم بها هذه المنظمات والمراكز الإسلامية، وتحتاج إلى الدعم المالي. وذلك كالأنشطة التي ينظمها المجلس الإسلامي الأوروبي (مقره لندن) . فقد رأى المجلس أن هناك ميادين رئيسية تتطلب اهتماما فوريا، من بينها:
أ) إنشاء مساجد ومراكز ثقافية إسلامية في كل مدينة فيها عدد كبير من السكان المسلمين.
ب) إنشاء نزل على أسس إسلامية للطلبة المسلمين في مختلف المراكز التعليمية الكبرى في أوروبا؛ لأن هذا يمثل الطريق الأفضل للحفاظ على الشخصية الإسلامية للشباب المسلم.
ج) إنشاء مدراس للبنين والبنات على أسس إسلامية، حيث إن هناك العشرات من المدارس المسيحية واليهودية التي تحافظ على مستويات تعليمية عالية، فكانت هناك حاجة كبرى إلى مدارس مشابهة للطلبة المسلمين، كما أن هناك حاجة ملحة لإنتاج مواد تعليمية للأطفال والشباب المسلمين في أوروبا. وكل هذه الأعمال تحتاج إلى الدعم المالي.
د) ومن بين الأنشطة الضرورية نشر المطبوعات الإسلامية باللغة الإنجليزية وغيرها من اللغات الأوروبية.
هـ) تنظيم المؤتمرات والندوات؛ فقد كان المهرجان الإسلامي الدولي بلندن في شهر أبريل 1976م أقيم بتنظيم من هذا المجلس. وقد كان هذا المؤتمر أكبر تجمع حتى الآن للمسلمين في أوروبا، ونجح في إعطاء المسلمين في أوروبا إحساسا بالفخر، ونقل إلى الغرب الرسالة الإسلامية.
ونظرا لشدة احتياج هذه المنظمة الإسلامية إلى الدعم المالي، ولكي تتمكن من ممارسة أنشطتها المرسومة، فقد طلبت تخصيص جزء من صندوق التضامن الإسلامي لأوروبا؛ كما طلبت أن تقوم الحكومات الإسلامية بتوفير اعتمادات مالية للاستثمار في قطاع العقارات؛ وذلك حتى يتثنى تمويل أنشطة المجلس الإسلامي الأوروبي والمنح التي يخصصها للدول والمنظمات الأخرى من حصيلة هذا الاستثمار؛ فإن هذا من شأنه أن يحقق الاستقرار للعمل الإسلامي في أوروبا، كما أنه من شأنه أن يمكن المجلس الإسلامي الأوروبي من اللجوء إلى الوسائل السليمة لوضع ميزانيته ووضع خططه على المدى المتوسط، وعلى المدى الطويل. (1) هذا وإذا وجدت هناك عدة مؤسسات مالية – كما تقدم ذكرها – تقوم بتقديم المساعدات المالية إلى الدول والمنظمات والمراكز والاتحادات الإسلامية فهذا ما يشكر عليه كل مسلم، بل إننا لنرجو قيام المزيد من مثل هذه المؤسسات، وخصوصا أنها قد أفادت إفادة عظيمة للعالم الإسلامي والحركات والمنظمات الإسلامية في كل مكان.
وإن هذا كله لا يتنافى مع إنشاء الإدارة العالمية للزكاة؛ لأن هذه المؤسسات القائمة تعتمد في مواردها المالية على الأموال المخصصة من الدول الإسلامية الغنية وتبرعاتها، بينما الإدارة العالمية للزكاة التي نحن بصددها الآن ستعتمد على المورد الأساسي من زكوات الأغنياء في الدول الغنية خاصة، وفي الدول التي لا توجد فيها إدارة مسؤولة عن جبايتها الزكاة منهم، بالإضافة إلى الموارد الأخرى كما يأتي ذكرها بعد قليل.
وهذه هي بعض الإمكانيات لتكوين الإدارة العالمية للزكاة، والأدلة على الرغبة الجماعية الأكيدة في قيامها ودواعي قيامها.
__________
(1) كتاب التضامن الإسلامي د. غريب الجمال ص 202-205(4/432)