الكتاب: مجلة مجمع الفقه الإسلامي
المؤلف: تصدر عن مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
وقد صدرت في 13 عددا، وكل عدد يتكون من مجموعة من المجلدات، كما يلي
-العدد 1: مجلد واحد.
-العدد 2: مجلدان.
-العدد 5 و 7 و 9 و 12: كل منها 4 مجلدات
-بقية الأعداد: كل منها 3 مجلدات
ومجموع المجلدات للأعداد الـ13: أربعون مجلدا ...
أعدها للشاملة: أسامة بن الزهراء
[رقم الجزء في كتاب الشاملة هو رقم العدد، والصفحات مرقمة آليا غير موافقة للمطبوع](/)
مجلة مجمع الفقه الإسلامي
العدد الأول(1/1)
كلمة: معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
الأستاذ / سيد شريف الدين بيرزاده
الحمد لله رب العالمين. وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
بعد شكر المنعم الحميد المجيد على ما أولى، واستمناحه التوفيق والتسديد فيما دعا إليه وهدى، يشرفني أن أقدم للأمة الإسلامية جمعاء الثمرة الأولى من أعمال مجمع الفقه الإسلامي الذي كان وليد قرار القمة الثالثة لمؤتمر الملوك والرؤساء للعالم الإسلامي، والذي يترجم عن اهتمام قادة هذه الأمة بمختلف قضايا المسلمين، وعن حرصهم على دراستها حسب المنهج القويم الذي يعتمد الاجتهاد الجماعي، ويرتكز على البحث والنظر ومراعاة الأصلح والأقوم والسير في طلب الحلول الناجحة الإسلامية العملية على أساس من روح الشريعة ومقاصدها، ووفق مصدريها الأساسيين: كتاب الله الكريم والسنة النبوية الشريفة.
وإنه ليسعدني في المحل الأول أن أرفع هذه الثمرة دانية قطوفها لواضع اللبنة الأولى لهذا المجمع وراعيه حضرة صاحب الجلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز الذي تولى في المؤتمر التأسيسي لهذا المجمع تحديد هدفه وبيان وظيفته في كلمته الخالدة حيث قال:
(إن الدعوة إلى إنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطور الأمة الإسلامية، حيث تجد فيها الإجابة الإسلامية الأصلية لكل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد البشرية عامة والمسلمين خاصة، وذلك يقتضي حشد جهود فقهاء وعلماء وحكماء ومفكري العالم الإسلامي للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات العصر من واقع شريعتنا السمحة لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسك بها والتزام حكمها {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . [المائدة: 50]
وإني لأنوه هنا بالجهود العظيمة التي يضطلع بها المجمع. وبما تعاقب لديه وتوافر من أعمال ودراسات وبحوث ومناقشات وآراء وقرارات في الدورة التأسيسية والدورتين العلميتين الأولى والثانية، وفي اجتماعات مكتب المجلس وشعبه على انفراد ومجتمعة، وأرجو له من الله حسن الأيد وكمال العون , لمجلسه وشعبه بلوغ القصد في خدمة الملة وهداية الأمة وتنويرها وتبصيرها معالم الطريق باتباع المحجة البيضاء التي ليلها كنهارها، كما أرجو أن تتاح له من الإمكانات ما يعينه على القيام بمشاريعه الطموحة العلمية، وعلى النهوض بالفقه الإسلامي بحثاُ ونظراً وتجريحاً واستنباطاً واجتهاداً فيساير تطورات الزمان ويواكبها، ويعالج ما جد ويجد من قضايا العصر في مختلف البلاد وفي كل مجالات الحياة.
والله الموفق إلى سواء السبيل، وبه الاعتداد، وعليه التكلان، وهو حسبنا ونعم الوكيل.(1/7)
كلمة العدد: لمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
د. محمد الحبيب ابن الخوجة
الحمد لله الذي جمعنا على الهدى وألزمنا كلمة التفوى، وأرشدنا إلى الحق، وجعلنا بإتباع سبيله، والاهتداء بكتابه، أدلاء على الطريق، قائمين لله في الأرض بالحجة {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا (114) وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} . [النساء: 114-115] وصلى الله وسلم على سيدنا ومولانا محمد عبد الله ورسوله إمام الهدى وسيد الأنبياء الذي بلغ الدعوة، ونصح الأمة، وأقام الملة، وأخرج الله به الناس من الظلمات إلى النور، وأرسله سبحانه شاهداً ومبشراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً.
وبعد فقد مضى عامان على قيام مجمع الفقه الإسلامي الدولي، جعله الله خير أداة لتوحيد الأمة، وجمع كلمتها، ينير لها الطريق، ويهديها السبيل، ويجتهد اجتهادً جماعياً في بيان أحكام الله في القضايا والمشاكل المستجدة، ويواجه التحديات التي تقف في وجه العالم الإسلامي، بل في وجه الإنسانية كلها بالحلول المناسبة لمعالجتها معتمداً في ذلك كتاب الله العزيز وسنة رسوله المشرفة، ومستلهما تلك الحلول من مقاصد الشريعة وأسرارها
وقد نوه بدوره الفعال هذا ورسمه له خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك المعظم فهد ابن عبد العزيز في خطابه الكريم في المجلس التأسيسي للمجمع حين صدع بقوله أعزه الله ونصره:
إن بيان حكم الله ووجوب الخضوع له، حكاماً ومحكومين، سوف يؤدي إلى حقن الدماء، وحفظ الأموال، وصيانة الأعراض، كما أن بيان حكم الله سوف يجعل المسلمين دعاة رحمة وأمن، ولسوف يوحد جهودهم ضد عدوهم في وقت تتداعى فيه الأمم على حضارتنا وتراثنا وأمتنا.
كما نبه إلى صبغة المجمع المميزة له وهو يخاطب الحضور بقوله: إن اجتماعكم هذا يعتبر بداية حقبة تاريخية هامة من تاريخ أمتنا الإسلامية، مرحلة يتخطى فيها شرف خدمة الشريعة الإسلامية حدود الجهود الفردية والإقليمية، ويجتاز الحدود السياسية في أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة الأمة الإسلامية في هذا المجال.
والآن وقد بدأ المجمع يسير بخطى ثابتة ومتأنية من أجل تحقيق الهدف من تأسيسه والقيام بدوره الجليل، أولاً عن طريق مجلسه المتألف من أعضائه المندوبين من طرف الدول الإسلامية كافة، وثانياً عن طريق من انضم إليه من أعلام الفقه الإسلامي المعاصر والهيئات العلمية الإسلامية، وكذلك الزمرة الطيبة من الباحثين والخبراء، يسرنا ويشرفنا أن نشيد في المقام الأول بالعناية الدائمة والموصولة التي يلقاها المجمع من صاحب الجلالة الملك المعظم أقام الله به قناة الدين، وبسط العدل، وأطال عنان الإحسان، ثم من رجال حكومته الرشيدة وأعلام الفكر الديني والعلم الإسلامي بالمملكة العربية السعودية المحروسة، وكذلك من كل الجامعات العلمية والمؤسسات الإسلامية التي لا يفوتنا أن نذكر على الخصوص من بينها رابطة العالم الإسلامي التي وجدنا لديها كل تعاون وبر، ومن أمينها العام معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف حسن التفهم وكريم الدعم. جازاهم الله عن المجمع وعن العمل الإسلامي خير الجزاء.(1/9)
وهكذا تمكنا بحول الله ورعايته أن نسير في هذه المرحلة الدقيقة الصعبة سيراً جاداً تظهر آثاره الكريمة فيما أحببنا أن نخرجه للناس في هذه المجلة الدورية من المعلومات المشخصة للمجمع والمترجمة عنه، كي يزداد الناس تعرفاً عليه والتفافاً من حوله، وتلقي أسباب التواصل والتعاون بينه وبين المؤسسات العلمية ومع الصفوة الخيرة من العلماء والمفكرين والأساتذة والحكماء المنتشرين بحمد الله في العالم الإسلامي كله، والمنبثين حتى خارج محيطه الواسع الكبير.
وقد بدأنا بهذا السفر وهو العدد الأول وجعلناه مشتملاً على أقسام ثلاثة:
الأول: بطاقة ميلاد المجمع، وهي عبارة عن النصوص القانونية والوثائق المتصلة بقرار تأسيسه الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد بمكة المكرمة في 19 - 22 ربيع الأول 1401 / 25 - 28 يناير 1981، وقرار مؤتمر وزراء الخارجية الثالث عشر المنعقد بنيامي عاصمة جمهورية النيجر بين 3 - 7 ذي القعدة 1402 / 22 - 26 أغسطس 1982، وكذلك وقائع المؤتمر التأسيسي المنعقد بمكة المكرمة بإشراف صاحب الجلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز في 26 - 28 شعبان 1403 هـ / 7 - 9 يونيو 1983 م، والذي شاركت فيه وفود من الدول الإسلامية الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي يتقدمها وزراء الأوقاف والشؤون الدينية ووزراء العدل.
القسم الثاني: منه يصور وقائع المؤتمر العلمي الأول أعني الدورة الأولى لمجلس مجمع الفقه الإسلامي بجدة المنعقد بمكة المكرمة فيما بين 26- 29 صفر 1405 هـ / 19 - 22 نوفمبر 1984، والذي شارك فيه أعضاء المجمع المنتدبون من طرف دولهم، والذي تكونت فيه الهيئات، وتعينت فيه الشعب، ودرس فيه النظام الأساسي، ووضعت فيه اللائحة التنفيذية لسير عمل المجمع.
والقسم الثالث: هو عبارة عن التصورات العلمية والتي اقترحها الأعضاء أو الخبراء أو الجامعات والهيئات العلمية المتصلة بالمجمع على مجلسه، والتي أحيلت كلها لدرسها وضبط خطوات العمل بالمجمع بحسبها، على شعبة التخطيط التي اجتمعت هي الأخرى بمقر المجمع بجدة في 22 - 25 شعبان 1405 هـ ـ / 12 - 15 مايو 1985 م.
ولعل جملة هذه المادة كفيلة بإعطاء صورة واضحة عن مجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة، وعن إدارته وأجهزته ومجلسه ومكتبه وشعبه وكل نشاطاته ووسائل عمله.
والله المسؤول بإنجاح الأعمال، وتحقيق المقصد، وبلوغ الآمال. نحمده سبحانه ونثني عليه، وندعوه أن يرزقنا التوفيق والتسديد في خدمة الأمة الإسلامية، وتنشيط الدراسات الفقهية، والاجتهاد الجماعي. إنه سميع مجيب؛ وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.(1/4)
كلمة: رئيس مجلس المجمع د. بكر أبو زيد
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد:
فإن المتتبع لحركة الفكر الإسلامي يرى توالي النداءات من الناصحين في أمة محمد صلى الله عليه وسلم إلى تكوين منتدى يلتقي فيه ثلة صالحة من علماء الديار الإسلامية، لشد آصرة التآخي بينها، وتقوية وحدتها، وحل مشكلاتها ونوازلها الفقهية على هدي الشريعة الإسلامية وحدها. وما زالت تلك الأمنية تتردد في مخيلتها لكن لم تتجسد بحقيقتها لعزة الظفر بها، إذ تقاصرت دونها همم، وناءت بها أمم، وبما أن أهل الإسلام ينطلقون من قاعدة: حرب اليأس وفتح باب الأمل، فما فتئت الدعوة منها قائمة. حتى وكلها الباري سبحانه وتعالى إلى: همة خادم الحرمين الشريفين عاهل المملكة العربية السعودية فنادى بها بين إخوانه قادة العالم الإسلامي: ملوك: ورؤساء وأمراء. وهم في رحاب المسجد الحرام، وتحت ظلال البيت العتيق: في مؤتمر القمة الثالث عام 1401هـ فالتقت الأفكار وتلاحمت الآراء في مسار التلبية والقبول:
إذا ما راية نصبت لمجد
تلقاها عرابة باليمين
فأصبحت حقيقة متمثلة للعيان، تباشر مهامها، وتسير في ضوء أهدافها، تحت عنوانها الخالد بإذن ربها:
(مجمع الفقه الإسلامي)
وحقيقته كما هو معلوم: جمعية متعاونة منسجمة غرضها ترقية العلوم، وحل مشكلاتها. يحدوها إلى ذلك: العشق الخالص لغرضها النبيل من غير أن يشوبه شائبة من ربح مادي أو خلافه.
إنه من هذه الغاية (عشق الحقيقة) سيكون هذا المجمع بإذن الله مبعثاً لآمال الأمة، ومهوى لأفئدتها، وأمنة تتقي به لفحات الأحداث. حماية لحمي الشريعة.
إنه جدير بأن يكون المجمع الأم على وجه الأرض في رحاب الإسلام وحملته وبرعاية قادته.
وهذه سنة لكل عمل صالح مبرور يبني على حسن النية ونيل الغاية. والواقع على ذلك شهيد إذا تمثل هذا المجمع سوياً يبث في الأمة طلائع قراراته التي صدرت منه في دورته الثانية المنعقدة بمركزه الرئيسي في مدينة جدة عام 1405 هـ وهي - ولله الحمد - في غاية من الدقة والإحكام، والاعتدال في الرأي والأحكام. على وطاء من البحوث الماتعة، والمناقشات الهادئة الهادفة، على لسان نحو مائة عالم من علماء المسلمين: أعضاء عاملين، وخبراء، وباحثين.
وإن ما بين يدي هذا التقديم من أبحاث، ومناقشات، وقرارات، ومناشدات تمنح التدليل المادي على ثبات هذه النتائج وثبوتها. ولن يغلب عسر يسرين. هذا وإن شرف فتح الباب، والترقي للأخذ بالأسباب لإبراز هذه النشرة الجامعة الماتعة مطبوعة في هذا القالب القشيب من فضل الله تعالى على: العالم الدءوب، - معالي الأمين العام للمجمع الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة - في جهود متواصلة، فإظهارها على هذا المنوال المرضي هو بحق: غرس يمينه. فكفاؤه منا دعوة صالحة. منح الله الجميع التقوى ومن العمل ما يحب ويرضى. كما نسأله سبحانه أن يوفق قادة المسلمين وولاة أمرهم إلى ما فيه صلاح الإسلام والمسلمين محكمين لشرعه، ذابين عن سنة نبيه صلى الله عليه وسلم ... والحمد لله رب العالمين....(1/13)
خطاب
جلالة الملك فهد بن عبد العزيز
ملك المملكة العربية السعودية
في افتتاح المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي
بسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
أصحاب الفضيلة والمعالي.
أعضاء المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي
أحييكم بتحية الإسلام. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وأرحب بكم أجمل ترحيب في هذا البلد الأمين، مهد الرسالة وقبلة المسلمين، وأسأل الله أن يسدد خطاكم ويجعل التوفيق حليفكم.
إن اجتماعكم هذا يعتبر بداية حقيقية لمرحلة تاريخية هامة من تاريخ أمتنا الإسلامية، مرحلة يتخطى فيها شرف خدمة الشريعة الإسلامية حدود الجهود الفردية والإقليمية، ويجتاز الحدود السياسية في أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة الأمة الإسلامية في هذا المجال.
أيها الأخوة الكرام:
إن روح العمل الجماعي هي الصفة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة جميع التحديات، وإن المؤشرات تدل على أن الأمة الإسلامية قد وضعت أقدامها على طريق تصحيح المسار والعودة إلى رحاب العقيدة في ظل تضامن أبنائها. فلقد كان مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي عقد في رحاب الكعبة المشرفة وما تمخض عنه من نتائج وقرارات ومن بينها القرار التاريخي الذي أصدره زعماء العالم الإسلامي بإنشاء مجمع الفقه الإسلامي الذي نشهد اليوم افتتاح مؤتمره التأسيسي ... لقد كان ذلك المؤتمر فرصة طيبة وانطلاقة واعية وجادة لأمتنا الإسلامية نحو تحقيق ما تصبو إليه من عز ومنعة لتشارك بفعالية وتواصل دورها الطليعي في بناء الحضارة الإنسانية وتحقيق العدل وتخليص الإنسان من ظلم الإنسان.
إننا نؤمن جميعاً – أيها الإخوة – أن الإسلام دين يخاطب العقل، ويناهض التخلف في شتى صوره وأشكاله، ويشجع حرية الفكر، ويستوعب منجزات العصر، ويحض على متابعتها، كما أن الإسلام وهو يضع قواعد السلوك الإنساني فإنه ينظم العلاقات الاجتماعية والدولية على أساس من الرحمة حيث يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} . [الأنبياء: 107]
لقد تطورت العلاقات الإنسانية، ولكن الفكر الإنساني قد قصر عن استقصاء آلام الإنسان، وعن تحقيق آماله في الرخاء والسلام. فأصبح ذلك الفكر في حاجة إلى ضابط الرحمة. وإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أتم علينا نعمته – سبحانه وتعالى – بكمال دينه الذي ارتضاه لنا، وكانت الشريعة الإسلامية هي الثروة الحقيقية الكبرى في العالم الإسلامي، حفظت عليه ذاتيته في أحلك الظروف التي كان يعاني فيها من الهجمات الشرسة على تراثه وحضارته وإنسانيته.(1/6)
أيها الإخوة أعضاء المؤتمر:
إننا نشهد في وقتنا هذا أجزاء من جسد الأمة الإسلامية في فلسطين والأراضي العربية المحتلة وأفغانستان وهي تئن تحت وطأة الظلم والبغي والعدوان، كما أن مقدساتنا في القدس يدنسها الغاصب المحتل الذي سفك الدماء، واستحل الحرمات وشرد الملايين من إخواننا المسلمين، إن ما أصاب الأمة الإسلامية من ضعف ووهن ما كان يصيبها لو أنها تمسكت بهدي كتابها الكريم وسنة نبيها الهادي الأمين، لكن الابتعاد عن صعيد الإسلام كان العامل الأول والفاعل المؤثر لما تقاسي منه أمة الإسلام اليوم من تحديات شرسة من جانب أعدائها الذي يعملون باستمرار وإصرار على انتزاع الأمة الإسلامية من أحضان عقيدتها، لأن الخصوم يدركون أن لا قوة للمسلمين إلا بتمسكهم بمعطيات هذه العقيدة. إن عدم التمسك بالعقيدة هو مصدر الخطر الذي يتهدد اليوم ديار الإسلام ويحيط بأمة محمد صلى الله عليه وسلم.
وإنني أعتقد أن البداية السليمة لبناء وحدتنا تتمثل في نبذ الخلافات بين المسلمين وتصفيتها بروح الأخوة الإسلامية عملاً بقوله تعالى {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} [آل عمران: 103] وقوله تعالى: {وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} . [الأنفال: 46] كما أن البداية الحقيقية لقوتنا تعتمد على قدرتنا على مواجهة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والإنسانية العالمية بحلول إسلامية مستلهمة من روح الشريعة السمحة ومتجاوبة مع احتياجات العصر.
أيها الإخوة الكرام:
قبل أكثر من نصف قرن تمت الدعوة لعقد أول مؤتمر اسلامي لبحث أمور الأمة والتشاور فيما يحقق مصالحها وذلك على أثر توحيد هذه البلاد تحت راية التوحيد بقيادة الملك الراحل عبد العزيز طيب الله ثراه. ثم تتابعت الجهود إلى أن تم إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي وانطلقت في بلاد المسلمين صحوة إسلامية مباركة تستهدف الرجوع إلى الإسلام: إلى تعاليم القرآن الكريم وهدي السنة الشريفة. لقد أعادت الصحوة إلى كل مسلم اعتزازه بدينه الحنيف. وانتماءه الحضاري المشرف، وماضيه المشرق المجيد.
إن هذه الصحوة تعبر عن نفسها بأشكال تختلف باختلاف المجتمعات الإسلامية، ولكن مضمونها الأساسي واحد وهو الاقتناع بضرورة إيجاد حلول إسلامية لمشكلات العصر. إن بعض النظم الأخرى قد تستطيع إيجاد بعض الحلول لبعض المشكلات في بعض الأحيان، ولكن قيمة عقيدتنا الإسلامية ليست في كونها تمدنا بالحلول الشاملة فحسب، وإنما قيمتها في أنها تقدم لنا هذه الحلول وتقدم معها أيضاً القوة الكفيلة بتحقيقها وحمايتها. ونحن نرجو أن يواكب الفكر الإسلامي هذه الصحوة لضبط حركتها على حكم الله في كافة المجالات.(1/7)
إننا نلحظ أن تفرق المسلمين قد أدى إلى تورع العلماء عن مواجهة ما جد من مشكلات الحياة برأي يجتمع عليه علماء المسلمين. واليوم ترون - أيها الإخوة – كثرة الأحداث وكثرة السؤال، وقد تراكمت المشكلات، ورغم وفرة العلماء والفقهاء المجتهدين في كل زمان ومكان إلا أن الخطب جلل والمسئولية أمام الله أكبر من اجتهاد إنسان فرد فيما يجد من الحوادث حتى يدعم هذا الاجتهاد قبول العلماء بعد استقصاء البحث والنظر في الفقه القديم والجديد. وفي هذا الصدد فإن الدعوة لإنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطور الأمة الإسلامية حيث تجد فيها الإجابة الإسلامية الأصيلة لكل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد البشرية عامة والمسلمين خاصة وذلك يقتضي حشد جهود فقهاء وعلماء وحكماء ومفكري العالم الإسلامي للإجابة على الأسئلة التي تطرحها تحديات هذا العصر من واقع شريعتنا السمحة لأنه لا فلاح لنا إلا بالتمسك بها والتزام حكمها {وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} . [المائدة: 50]
إن بيان حكم الله ووجوب الخضوع له حكاماً ومحكومين سوف يؤدي إلى حقن الدماء وحفظ الأموال وصيانة الأعراض، كما أن بيان حكم الله سوف يجعل المسلمين دعاة رحمة وأمن ولسوف يوجه جهودهم ضد عدوهم في وقت تتداعي فيه الأمم على حضارتنا وتراثنا وأمتنا.
إن روح التعصب أبعد شيء عن الإسلام، إذ أن التعصب من مثارات البغضاء، ومن أسباب التفرق والتمزق الفكري، وقد حرم الله علينا ما يثير البغضاء والعداوة بين المسلمين. والحقيقة أن التعصب لا معنى له في الإسلام. لأن المسلم إنما يلزم بحكم الله، والعبرة في استظهار الحكم بدليله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم طبقاً لضوابط الاستنباط وأصوله الشرعية التي يعرفها العلماء والفقهاء.
ولقد التزمت المملكة العربية السعودية هذه الروح في تنظيمها القضائي اقتداء بالسلف الصالح من أئمة المسلمين، وصدرت بذلك تعليمات محددة من جلالة المغفور له الملك عبد العزيز تقضي بأن المسائل الخلافية بين المذاهب الإسلامية المعتمدة يوحد الحكم فيها بقرار يصدر من هيئة علمية وفقاً لأقوى المذاهب دليلاً من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وإننا – أيها الإخوة الكرام - لمطالبون جميعاً بالعمل على توحيد الأحكام في البلاد الإسلامية في كل شئون الحياة على مقتضى أحكام الشريعة الإسلامية، فذلك هو السبيل الأوحد لتحقيق الوحدة الإسلامية بين الشعوب المسلمة.
وإننا لنعلم أن المهمة شاقة وأن الأمانة ثقيلة ولكن الأمل فيكم كبير.
فسيروا على بركة الله، واحملوا أمانتكم. واستمدوا العون من الله.
وإنني أحمد الله الذي أسعدني بأن أشهد اجتماعكم في هذا اليوم الذي تحقق فيه أمنية غالية طالما تمنيناها ويتمناها كل مسلم صادق الإيمان.
وفي الختام أتوجه إلى الله العلي القدير ومن جوار بيته العتيق بالدعاء أن يرزق الجميع الفقه في دينه والعمل بشريعته وأن يكون مستقبل أمتنا الإسلامية خيراً من حاضرها، وأن يلهمنا سبيل الصواب وطريق الرشاد وألا يزيغ قلوبنا بعد إذا هدانا إنه سميع مجيب. والله الهادي إلى سواء السبيل.
وفقكم الله وسدد خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/8)
كلمة
معالي الأستاذ / الحبيب الشطي
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين
وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه والتابعين
صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية ...
أصحاب السمو الملكي ...
أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة..
أيها الإخوة..
إن سعادتي غامرة بين يدي جلالتكم، وأنتم تشملون المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي برعايتكم السامية في هذا اليوم المشهود من أيام المسلمين، وبذلك تؤكدون عملياً يا صاحب الجلالة سعيكم المتواصل لرفعة الإسلام وعزة المسلمين.
وأرى من واجبي في مستهل هذه الكلمة أن أشكر قادة الدول الإسلامية على استجابتهم بتسمية وفود رفيعة المستوى لتمثل بلادهم في اجتماعات هذا المؤتمر التأسيسي مما يدل على اهتمامهم بهذا الحدث الكبير.
وإنني إذ أرحب بوفود الدول الإسلامية ترحيباً حاراً في هذا البلد الأمين، أعتبر هذا اللقاء فاتحة خير للأعمال المنتظرة من مجمع الفقه الإسلامي الذي سيشرع ابتداء من هذا اليوم في أداء مهمته الجليلة، تحقيقاً لإرادة الأمة الإسلامية التي عبرتم عنها شخصياً يا صاحب الجلالة عندما أعلنتم خلال مؤتمر القمة الإسلامي الثالث عن رغبة المملكة العربية السعودية في إحداث مجمع الفقه الإسلامي، وسرعان ما تبلورت الفكرة بمصادقة المؤتمر المذكور على قرار خاص بهذا الشأن.
وما تشريف جلالتكم اليوم لافتتاح هذا المؤتمر شخصياً إلا دليل على مدى الاهتمام الذي تولونه لهذا المشروع الذي يعود معظم الفضل في توفير أسباب وجوده إلى جلالتكم.
وهنا نحن نجتمع اليوم لنجني ثمرات ما غرسناه إذ أنه لأول مرة في تاريخنا المعاصر تتوفر لنا أسباب إنشاء مؤسسة كبرى مشتركة بين الدول الإسلامية كافة تعمل في إطار منظمة المؤتمر الإسلامي. ألا وهي (مجمع الفقه الإسلامي) الذي أصبح اليوم حقيقة واقعة بعد أن كان حلماً يراود مخيلاتنا زمناً طويلاً.
ولا ريب في أن تقلد مجمع الفقه الإسلامي مهمته الجليلة سيلبي حاجة الأمة الإسلامية خلال هذا المنعطف التاريخي من حياتها إلى مؤسسة طال انتظارها، مؤسسة تلتقي فيها اجتهادات فقهائها وعلمائها وحكمائها كي تقدم لهذه الأمة قواعد أصيلة صادرة عن منابع العقيدة الإسلامية الخالدة: كتاب الله الكريم وسنة رسوله المطهرة.
أيها السادة:
لقد واجهت الأمة الإسلامية حيناً من الدهر ظروفاً أبعدتها عن أحكام شريعتها ودفعتها إلى الأخذ بقوانين وضعية لم تألفها من قبل ومع ذلك لم تخل أمتنا من مجموعة رائدة من الدعاة الصالحين والقادة المخلصين المتمسكين بأهداب العقيدة الذين رفعوا عقيرتهم بوجوب الحفاظ على مقوماتنا الإسلامية الأصيلة ونادوا غير هيابين ولا وجلين بنبذ القوانين الدخيلة وبالالتزام بتراثنا الفقهي العظيم وبأحكام شريعتنا باعتبارها جزءاً من عقيدتنا ونبراساً ينير لنا مسالك الحياة ويهدينا إلى سواء السبيل.
ودار الزمان دورته ورحل المستعمر المحتل من معظم بلادنا الإسلامية بعد جهاد طويل وأصبحنا متوفرين في دار الإسلام على مؤسسات وهيئات ومنظمات من شأنها أن توحد كلمتنا وتلم شتاتنا وتدعونا إلى الاعتزاز بمقوماتنا وتشعرنا بالثقة والاطمئنان.(1/9)
وها هي منظمة المؤتمر الإسلامي تشق اليوم طريق العمل الجاد لخير كل المسلمين على كل صعيد، مهتدية بتوجيهات قادة هذه الأمة المخلصين، مستفيدة من آرائهم، متمتعة برعايتهم، محققة بفضل ذلك إنجازات طيبة متمثلة في إنشاء عديد من المؤسسات العاملة بجد واهتمام لتحقيق الوحدة الإسلامية نظرياً وعملياً ولشد الأمة الإسلامية إلى عقيدتها وأصولها وتراثها الحضاري.
وبفضل تعاون علماء هذه الأمة – عبر المجمع – على التعريف بالنظريات الفقهية وبالمبادئ العامة في العدالة والحرية والأمن والسلم، وعلى تطبيق أحكام الشريعة تطبيقاً يجمع ما بين التطور والتفتح اللذين يقتضيهما العصر الحديث من ناحية والتمسك بالأصالة والارتباط بالعقيدة، من ناحية أخرى. وإذا حققنا ذلك فعلاً أمكننا السير بثبات على طريق العزة والكرامة والسؤدد والانتصار.
وإن أهمية الفقه الإسلامي في مجتمعاتنا الإسلامية تتجلى في كونه يتناول بشكل مباشر حياة الفرد والأسرة والمجتمع والعلاقات في المجتمعات غير الإسلامية. ولذا فإن المؤسسة الجديدة التي تشرع منذ اليوم في عملها مؤسسة تعلق عليها أهمية كبرى لأنها ستتولي إصدار الفتاوى المنسجمة مع تطور الحياة في هذا العصر دون أن تخرج على مبادئ الدين الحنيف، كما أنها ستتولي وضع بحوث وآراء ودراسات تمكن قادة الأمة الإسلامية من أن يستوحوا منها الأنظمة المناسبة للمؤسسات والمجتمعات الإسلامية، مما يوفر الانسجام بين مختلف دولنا ويؤدي بالتالي إلى تمهيد طريق التضامن والوحدة أمام هذه الأمة. ولا يخفي أننا اليوم، نظراً لمقتضيات الحياة المعاصرة، ونظراً لرواسب عهد التخلف والاستعمار الذي حاول التقليل من شأن تشريعنا وشتت صفوفنا بصورة جعلت كلا منها يجتهد منفرداً دون أن يهتم بما يصدر عن أشقائه من اجتهاد، في حاجة إلى مثل هذه الفتاوى أكثر من أي وقت مضى.
أيها السادة ...
إن السر في انتشار الإسلام في مشارق الأرض ومغاربها بسرعة لم تعرفها الأديان التي سبقته وفي ازدهار الحضارة الإسلامية ازدهارًا لا مثيل له في تاريخ الإنسانية، يعود إلى ارتباط أجدادنا بعقيدتهم. وإلى حرصهم المستمر على مراعاة الانسجام بين وقائع الحياة اليومية والأسس العامة للإسلام باعتباره منهجاً كاملاً لحياة الإنسان، صالحاً لكل زمان ومكان، وقد أبرزت هذا الانسجام إلى حد بعيد القاعدة الفقهية السليمة والمتينة التي أرساها أجدادنا لتنظيم حياة الفرد والأسرة والمجتمع، ولتنظيم علاقاتهم مع المجتمعات الأخرى خارج دار الإسلام.
ولقد مكنت تلك القاعدة المسلمين من تنظيم حياتهم تنظيماً دينياً ودنيوياً في وقت واحد. إذ أنهم جمعوا ما بين العبادة والعمل: فقد آمنوا بالله أعمق إيمان وأخلصوا له. وتفانوا في الوقت نفسه، في إتقان أعمالهم، تفانياً جعلهم قادة التطور والتقدم والرقي كما جعلهم رواد زمانهم في حقول العلم والفكر والابتكار والإبداع، ولم يكن غريباً والحال هذه أن تنشر حضارتهم ظلالها على كل أرجاء الكرة الأرضية، مما جعل الشعوب الأخرى التي كانت إذ ذاك تعيش في ظلام القرون الوسطى ترسل أبناءها إلى جامعاتنا ومؤسساتنا الحضارية ليتزودوا من مناهل العلم والمعرفة بما يعود بالنفع عليهم. ومن المعلوم أن الحضارة الغربية المعاصرة هي نتاج حضارتنا الزاهرة.
وكما نجح أجدادنا في رفع راية الإسلام بالإيمان والعمل، فإننا لا شك قادرون على أن نحذو حذوهم لنعيد إلى الإسلام مكانته ومجده، لا سيما وأننا نتوفر على إمكانات وطاقات وثروات لم يتوفر مثلها لأجدادنا.(1/10)
أيها السادة ...
لقد لبت الشريعة الإسلامية، على الصعيد الفقهي حاجات دار الإسلام على مر القرون، فأمدتها بالقواعد والأصول المتسمة بالمرونة الرامية إلى تحقيق الصالح العام ودرء المفاسد، وقد رأى فقهاء المسلمين أن عليهم أن يضبطوا قواعد الفقه ويدونوها ويدرسوها لأبنائهم، ورأوا كذلك أن يستنبطوا أحكاماً لكل ما يعرض عليهم من موضوعات وقضايا ومسائل، بل إنهم افترضوا أحداثاً ووقائع قبل أن تحدث، وحرصوا على أن يضعوا لها الحلول الملائمة وهكذا أضحى لدينا كنز لا يقدر بثمن من الأبحاث والمؤلفات الفقهية التي تعالج مشكلات الناس في كل الأقطار. وبناء على ذلك، فإن مجمع الفقه الإسلامي لا ينطلق اليوم من فراغ لأنه سيجد بين يديه بحراً زاخراً من تراث الآباء والأجداد، ولا يعني ذلك أننا سنكتفي بهذه الكنوز ونعيش عالة على الرصيد الذي ورثناه عن أجدادنا، بل إن من واجبنا أن نواصل العمل لإثرائها وتلافي النقص الذي حدث نظراً للأوضاع الحديثة والظروف الراهنة التي علينا أن نواجهها. ولذا فلن تقتصر مهمتنا على رعاية هذا التراث فحسب، بل ينبغي استثماره لدفع مسيرتنا قدماً.
أيها السادة..
من دواعي السرور والغبطة أن إنجازات هامة أخرى ستتبع قيام هذا المجمع، كمحكمة العدل الإسلامية الدولية التي اتخذت منظمة المؤتمر الإسلامي خطوات متقدمة لإخراجها إلى حيز الوجود، وهي المحكمة التي نحن في حاجة ماسة إليها، وسيكون من مهمتها النظر في الخلافات التي قد تنشأ بين الدول الإسلامية قصد إيجاد حلول لها عملاً بتعاليم ديننا الحنيف التي تأمر بإصلاح ذات البين، كي لا نلجأ نحن – المسلمين – في تسوية خلافاتنا إلى مؤسسات تعتمد في أحكامها على غير الشريعة الإسلامية.
ومن تلك الإنجازات أيضاً وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام التي ستكون ملزمةللدول الأعضاء كافة. ومن أجدر من المسلم بأن يصوغ هذه الوثيقة وقد كرم الإسلام الإنسان، فضمن له الحياة المادية والروحية، وكفل له الحرية والأمان والاطمئنان والحقوق؟
وهناك أيضاً اللجنة الإسلامية الدولية للقانون، وهي هيئة دائمة ستكون تابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتتألف من خبراء قانونيين متمكنين في علوم الشريعة الإسلامية. ومن مهامها وضع دراسات وبحوث تساعد على نشر الشريعة الإسلامية وإيجاد الوسائل التي تؤمن تمثيل وجهة نظر الإسلام في الهيئات الدولية كلما دعت الحاجة.(1/11)
ويتضح من ذلك أنه رغم الأبعاد الجغرافية واختلاف النظم السياسية وتباين اللغات واللهجات، ورغم كل الفوارق التي لا مفر منها في عالم مترامي الأطراف كالعالم الإسلامي، فإن العمل الإسلامي المشترك يسير والحمد لله قدماً بصورة بناءة مما يساعد على التضامن الإسلامي المنشود، وإن كل عمل ننجزه بصورة جماعية في أي ميدان ما هو إلا خطوة نحو مزيد من التقارب والتآخي، وبالتالي نحو نبذ الخلافات والنزاعات الطارئة القائمة بين الأشقاء.
وبإقامة مؤسسات كهذه المؤسسات الهامة، وبعقد لقاءات للأشقاء المسلمين في نطاق مؤسساتنا المتعددة الاختصاصات، وبتمكينهم من التعارف والاطلاع على شؤون بعضهم، والتعاون فيما بينهم من أجل مزيد من التضامن للدفاع عن قضايانا، ولتقوية مناعتنا بذلك كله، نبني صرح هذه الأمة لبنة لبنة.
إن بلداننا تعمها اليوم صحوة إسلامية مباركة تتمثل في حماسة شبابنا بالخصوص لإحياء تراثنا والتمسك بأصالتنا والتخلص من رواسب الاستعمار لتكون مسيرة أمتنا في مطلع هذا القرن الخامس عشر مسيرة إسلامية خالصة، فلنهيئ للجيل القادم وللأجيال التي ستتبعه القواعد الثابتة التي تضمن لمسيرته السلامة وتفتح أمامه سبل الإيمان القوي والعلم الغزير والقدرة على مواجهة تحديات العصر وأعداء الأمس واليوم والغد.
أيها السادة ...
إن التحديات التي نواجهها اليوم تهدد مصير أمتنا: فالقدس مهددة بفقدان شخصيتها الإسلامية. وفلسطين مهددة بالاستعمار الصهيوني وأفغانستان ما تزال مسرحاً لغزو أجنبي، أما حرب العراق وإيران فهي نزيف مستمر لطاقاتنا البشرية والمادية مما يضعف أمتنا. ومواجهة كل هذه التحديات تتطلب أمرين ملحين: أولهما: الاتحاد والتضامن، وثانيهما: أن نكون في مستوى من الكفاية والقدرة يتماشى مع عصرنا هذا ومع مستوى خصومنا وأعدائنا.
وإذا حققنا هذين الهدفين فإننا سننتصر على أعدائنا ونحرر أوطاننا ونصون كرامة شعبونا ومعتقداتها ومثلها. ولا يكون ذلك إلا بمواصلة العمل الجماعي في كل ميدان من ميادين الحياة في بلادنا، كما هو الشأن اليوم في هذا الميدان الأساسي (ميدان الفقه الإسلامي) .(1/12)
كلمة
معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
الحمد لله الذي لا يبلغ مدحته القائلون، ولا يحصي نعماءه العادون، ولا يؤدي حقه المجتهدون، نحمده ونثني عليه بالذي أثنى به على نفسه، فله الحمد كله، وله الملك كله، بيده الخير كله، وإليه يرجع الأمر كله..
نحمده أن منحنا من فضله هذه الهيئة العلمية الكريمة السامية التي أرادها جل جلاله أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة أمتنا في مجال الفقه وخدمة الشريعة الإسلامية. ونسأله تعالى أن يرزقنا الهداية والتوفيق إلى العمل بكتابه والاحتكام إليه والنفوذ إلى أسراره والتدبر لمقاصده ومعانيه، فهو الذكر والبيان، والبصائر والبرهان، الحق والهدى والرحمة..
{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَمًا وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلًا وَالَّذِينَ آَتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ (114) وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: 114] .
والصلاة والسلام على سيدنا ومولانا محمد عبد الله ورسوله المبعوث للناس كافة هدى ورحمة {يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [الأعراف: 157] .
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير مكة المكرمة
معالي الأستاذ الحبيب الشطي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
أصحاب السماحة والمعالي والسعادة ضيوفنا الكرام
حضرات الأعضاء الأكارم المحترمين
أحييكم بتحية الإسلام تحية من الله مباركة، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد.
يشرفني في طليعة هذا الخطاب أن أرفع إلى الحضرة الملكية مقام جلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز أعزه الله ونصره كل آيات الامتنان والشكر والتقدير لأياديه البيضاء على هذا المجمع الفقهي الإسلامي الذي رعاه وما زال يرعاه حق الرعاية حتى يستوي على سوقه ويؤتي أكله الطيب بإذن الله.(1/13)
كلمة: معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام على رسولنا وسيدنا محمد وعلى آله وصحبه. وبعد:
صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة
أصحاب السماحة أصحاب المعالي أصحاب الفضيلة والسعادة.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. وبعد:
أحمد الله تعالى أن يسر لنا هذا اللقاء الكريم في رحاب بيته العتيق. بهذه المناسبة الكريمة لافتتاح الدورة الأولى لمجمع الفقه الإسلامي في منظمة المؤتمر الإسلامي. وأن رابطة العالم الإسلامي تسعد بأن تنتهز هذه الفرصة المباركة لتعرب عن أمانيها الطيبة لهذا المجمع المبارك. ويسرها التعاون والتنسيق معه لتتحد جهود المجمعين وهما مجمعكم هذا المبارك والمجمع الفقهي الإسلامي للرابطة التي تستقبل دورته الثامنة خلال أيام إن شاء الله، ولتنتظم أنشطتها في ظل راية التوحيد على أرض الإسلام والسلام خدمة للأمة الإسلامية وتكاتفا من أجل مواجهة السموم التي سنها أعداء الإسلام.
وإن الظروف التي نعيشها والأحداث التي تواجهنا والمشاكل المستجدة التي تمس حياتنا اليومية كلها تتطلب من فقهاء العصر اجتماعا وتكاتفا لمقابلة هذه المسائل والمشكلات ولصد التيارات الجارفة التي تحمل العداء لكل من ولى وجهه شطر المسجد الحرام. لذا أصبح الاجتهاد متعينا على فقهاء الأمة للورود من المعين الصافي الذي لا ينضب أبدا للشريعة الإسلامية والغوص في أعماق الثروات الفقهية التي تركها لنا سلفنا الصالح رضي الله عنهم لبيان الحكم الشرعي وإظهار خصوبة الفقه الإسلامي وقدرته على تقديم أنجع الحلول الإسلامية لمشاكلنا وقضايانا المعاصرة للحصول على فكر فقهي متجدد يهيئ للمسلمين أمكانية مواجهة التحديات التي تقابل أمتنا الإسلامية.
أيها الأخوة الأفاضل
لقد من الله علينا بنعم كثيرة ومن مظاهرها إنشاء هذا المجمع المبارك ووجودكم هنا معشر العلماء لتحمل هذه الأمانة في بيان الأحكام الشرعية لكل ما يجد ويحدث، أسأل الله أن يوفقكم للعمل الجاد البناء في هذا المجال بما يحقق لهذا المجمع ما يصبو إليه من تقدم وازدهار وخدمة للمسلمين.
وأغتنم هذه المناسبة لأتقدم بالشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز على ما يقدمه من دعم متواصل لخدمة العالم الإسلامي وقضاياه وعلى ما يبذله من عطاء سخي في هذا الجانب، كما يسرني أن أشكر معالي السيد الحبيب الشطي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وكذلك أقدم شكري لمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي مع أخلص تمنياتنا له ولهذا المجمع المبارك. سائلا المولى القدير أن يجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم وأن يلهمنا رشدنا وأن يمدنا بعونه وتوفيقه إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/14)
كلمة: سعادة الدكتور صالح طوغ مندوب تركيا
نيابة عن مندوبي آسيا
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه الكريم وعلى آله وصحبه أجمعين،
صاحب السمو الملكي، أمير مكة المكرمة..
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي..
معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي..
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي..
أعضاء مجمع الفقه الإسلامي الأفاضل..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
قبل كل شيء اسمحوا لي أن أقدم الشكر إلى رئاسة الاجتماع التي أتاحت لي فرصة توجيه كلمة قصيرة باسم مندوبي آسيا. وأود أيضا أن أقدم شكرنا وتقديرنا العظيم إلى المملكة العربية السعودية ولعاهلها الملك فهد بن عبد العزيز المفدى لاستضافته هذا المؤتمر ولسمو أمير مكة المكرمة ماجد بن عبد العزيز لرعايته مؤتمرنا.
إن مجمع الفقه الإسلامي الذي أسس منذ سنتين من قبل الدول الإسلامية لبشرى لجميع المسلمين وكلنا مكلف ببذل الجهود والطاقة لإنجاح هذا المجمع لأنة هدف من أهداف المسلمين العظيمة ,وسوف يتمكن هذا المجمع بإذن الله من تحقيق أهدافه وتنفيذ مشاريعه الفقهية التي ينتظرها العالم الإسلامي. ونرجو الله أن يوفقنا في إيجاد الأجوبة للمسائل الفقهية وفي إيجاد طريق شرعي للمشاكل التي ستعرض على مجمع الفقه الإسلامي.
إننا متأكدون بأن هذا المجمع سوف يلعب دورا هاما فيما يتعلق بالمسائل الفقهية وبكل ما يتعلق بالحياة الاجتماعية الاقتصادية والثقافية للبشرية جمعاء، لأن الدين الإسلامي دين سماوي للبشر كافة، كما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ} [آل عمران: 19] ..
وأخيرا اسمحوا لي أن أقدم إلى حضراتكم جميعا شكري وتمنياتى الخالصة باسمي وباسم إخواني مندوبي آسيا وباسم الشعب التركي المسلم.
وبالله التوفيق. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/15)
كلمة: معالي الأستاذ عبد الرحمن باه
وزير الشئون الدينية في جمهورية غينيا
نيابة عن مندوبي أفريقيا
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
وعلى آله وصحبه والتابعين إلى يوم الدين
صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز
أمير منطقة مكة المكرمة
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
أصحاب الفضيلة العلماء والفقهاء
ممثلي الدول الأعضاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
الحمد لله جل ثناؤه وتقدست أسماؤه وصفاته القائل في محكم تنزيله {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} صدق الله العظيم. [التوبة: 122] .
نصلي ونسلم على خاتم النبيين المبعوث بالرحمة إلى البشرية جمعاء مبشرا ونذيرا وهاديا إلى الصراط السوي القائل: ((من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين)) .
أيها الأخوة،
نشكر الله سبحانه وتعالى على نعمة الإسلام وعلى أن جعلنا من أتباع سنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم وهدانا إلى الصراط المستقيم.
أيها الأخوة،
القرآن نعمة كبرى، لم يترك القرآن الكريم خيرا إلا ودعانا إليه وبينه لنا، ولم يترك شرا إلا ونهانا عنه ودعا إلى اجتنابه، وتولت السنة النبوية الطاهرة تفصيل مجمله وشرح محكمه ومشتبهه.
والفقه الإسلامي تراث حضاري شامخ، ومعين لا ينضب، لمن أراد الهداية في البحث العلمي والاجتهاد على ضوء من الكتاب والسنة، فيه كل ما تحتاج إليه البشرية في حياتيها الدنيوية والأخروية.
إن تحديات ومعضلات العصر الاقتصادية والمالية والقضائية والتشريعية لتجد لها الحلول العادلة في الفقه الإسلامي وما علينا إلا البحث الجاد والمخلص والدؤوب في طياته ونفض غبار النسيان والإهمال عن كاهله لنستنبط منه القوانين لحياتنا العملية والنظرية ونترك جانبا تلك الدساتير والقوانين الوضعية التي يعمل بها معظم البلدان الإسلامية.
نحيى ونبارك مولد هذا المجمع الإسلامي الذي يربط ماضينا بحاضرنا في المجالات المادية بالفكرية ويسد فراغا ظل شاغرا به دفع البعض منا إلى الجري وراء القوانين الوضعية البراقة التي لم تجلب للعالم الإسلامي إلا الفرقة والنزاع والانقسام والتناحر بل الطائفية على مرأى ومسمع من العلماء والفقهاء رغم الشريعة الإسلامية.(1/16)
أيها الفقهاء والعلماء،
علينا أن نعمل ونرسم الخطط وننقب في التراث إنه لبحر زاخر ومحيط متلاطم بالدرر فيه الدواء الشافي لكل الأوجاع سنجد فيه الضالة ما تمسكنا بالكتاب والسنة جاعلين نصب أعيننا بعد رضاء الله الهدف الأسمى والغاية القصوى وهو الأخذ بيد الأمة الإسلامية إلى تحكيم كتاب الله وسنة رسوله في شتى نواحي الحياة.
باسمكم جميعا نتقدم بالشكر الجزيل والثناء الوافر إلى صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز لمنحه هذا المجمع مقرا فاخرا يليق به، ونقول في حق جلالته:
أيا فهد فاهد الورى خادما لكعبة ربك يا طاهر
أيا فهد فاهد الورى هادئا هدوء المليك الذي يعمر
(فلو كان للشكر شخص يبين إذا ما تأمله الناظر)
(لمثلته لك حتى نراه وتعلم أني أمرؤ شاكر)
كما نتوجه بالشكر إلى صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء وإلى حكومة جلالة الملك والشعب السعودي الشقيق لاستضافته هذه الدورة ولتكون أم القرى مولدا له.
كما نتقدم بالتقدير إلى معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الحبيب الشطي لما قام به في سبيل الإعداد الجيد لتأسيس مجمعنا والأخذ بيده حتى ترعرع ووصل إلى ما نشهده اليوم حيث أصبح حقيقة ملموسة بعد أن كان حلما. هذا بتوفيق من الله سبحانه وتعالى الذي أراد أن يكون البلد الأمين مولدا وها هو اليوم يحتضن أول اجتماع له تبركا به.
كما نهنئ فضيلة الدكتور محمد الحبيب الخوجة الأمين العام للمجمع الذي نال شرف إدارة هذا الصرح الحضاري الوليد وهذا الجهاز الأكاديمي المتطور العملاق الذي يضم بين جنباته العالم الإسلامي بأسره، نتمنى له كل توفيق في مهمته الإسلامية الشاقة والنبيلة لنستفيد منها.
كما نهنئ جميع الأعضاء للعمل في خدمة الفقه والشريعة لما فيه خير الأمة الإسلامية.
{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: 110] .(1/17)
كلمة: سعادة الأستاذ محمد ميكو
مندوب المملكة المغربية
نيابة عن مندوبي الدول العربية
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
حضرة صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي،
سيادة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي،
أصحاب السعادة الفقهاء الأعلام،
أود بادئ ذي بدء - أصالة عن نفسي ونيابة عن باقي الوفود المشاركة - أن أتوجه بخالص الشكر والامتنان لما لقيناه من كرم الضيافة، وحسن الوفادة والرفادة، في هذه البقاع الطاهرة، في رحاب مكة المكرمة، أرض الرسول الأمين، ومهبط الوحي المبين، ومهد رسالة المؤمنين المتقين.
هذه الديار التي كلما تنادى إلى اللقاء في أكنافها جمع، واتصل في ربوعها شمل، إلا واستعرضنا عطاءها الفياض، فهي معقل الأنبياء والرسل، ومصدر العدالة والقداسة، تحيط بها ملائكة الرحمن في كل وقت وآن، إلا وأشرقت على قلوبنا كمؤمنين وعلى عقولنا كمفكرين موضوعيين أشعة الاعتزاز والافتخار بما تمتاز به الرسالة الإسلامية من أبعاد حضارية فكرية تستهدف إسعاد الإنسان في مختلف الأمصار والأعصار.
هذه الديار التي حباها الله بأسرة آل سعود العظيمة، وبقائد شهم، ورائد مظفر همام، وضع فكره وحصافته في خدمة رعيته، ووظف خبرته وكفاءته لتحقيق الازدهار والتقدم، وإيجاد الحلول الناجعة للقضايا الوطنية، والعربية، والإسلامية، يذود عنها، ويحمي حماها صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز المعظم.
فإلى سامي حضرته أرفع تحيات أخيه صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني حفظه الله، وخالص متمنياته ودعواته بالتوفيق والتسديد، فيما يبذله من جهد جهيد، لصالح رعيته، ولصالح الأمة الإسلامية جمعاء، فنعمه عليها كثيرة، وخيراته تترى هنا وهناك، وما تفضله بشمول هذا المجمع برعايته السامية إلا نقطة من بحر عطاءاته المتصلة اتصال استمرار واسترسال فخطابه في الحفل الافتتاحي للمؤتمر التأسيسي ما زالت أصداؤه ترن في آذاننا بتوجيهاته القيمة، ونصائحه الغالية المفيدة، ودرره اللامعة المضيئة.(1/18)
وقد يكون من الضروري والعالم الإسلامي يعيش منعطفا دقيقا وتاريخيا يقضي باليقظة، والتفتح، والعمل الصالح، في ظل رسالة القرآن الكريم أن نجعله نصب أعيننا نستوحى منه نقط الانطلاق والالتقاء، فقد قال جلالته بالحرف: "إن روح العمل الجماعي هي الصلة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة جميع التحديات، وأن المؤشرات تدل على أن الأمة الإسلامية قد وضعت أقدامها على طريق تصحيح المسار، والعودة إلى رحاب العقيدة في ظل تضامن أبناءها ... إننا نؤمن جميعا – أيها الأخوة – أن الإسلام دين يخاطب العقل، ويناهض التخلف في شتى صوره وأشكاله، ويشجع حرية الفكر، ويستوعب منجزات العصر، ويحض على متابعتها، كما أن الإسلام وهو يضع قواعد السلوك الإنساني فإنه ينظم العلاقات الاجتماعية والدولية على أساس من الرحمة حيث يقول الله عز وجل في محكم التنزيل: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء: 107] .
حضرات السادة الأكارم،
يسجل التاريخ بكل إكبار وإجلال أن صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني حفظه الله خاطب الضمير الإسلامي سنة 1969 بروحانية المؤمنين الصابرين أن أزفت ساعة الالتقاء والالتحام، فالخطب جلل، والمصيبة داهية دهماء، قاتلة إن لم تنبذ الأمة الإسلامية متاهات الخلاف والشقاق، وتسعى بروح وثابة صلبة بناءة إلى التلاقي والوفاق، فالمسجد الأقصى يحرق، والقدس الشريف يسرق، ومعالم الحضارة الناطقة بتعايش الديانات السماوية الثلاثة تباد وتمحق.
وشاءت العناية الربانية أن تجد هذه الصيحة الطاهرة تجاوبا مطلقا في مختلف البقاع والأصقاع، فيلبي القادة الأعلام الدعوة الملكية الكريمة، ويستضيف رباط الفتح المؤتمر الأول للقمة الإسلامية: حيث حددت المعالم، وظهرت الاختيارات والمراسم، واتضحت الرؤية لوضع المواثيق والأحكام لتسترجع الأمة الإسلامية قوتها ومناعتها أمام المتآمرين على شخصيتها، وحضاراتها، ورسالتها السماوية الإنسانية. {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ} [آل عمران: 119] ، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال: 30] .
وشاء ربك أن يبين جلالته في خطابه السامي ما ينتظره المسلم في هذا الملتقى، "المنتظر منا أن لا نخيب رجاء الذين ينتظرون نتائج أعمالنا، المنتظر منا أن نعطي للعالم فكرة جديدة على تجمع المسلمين، فكرة الفعالية، فكرة العمل، فكرة الواقعية، فكرة الإيجابية.
علينا أن نجعل من هذه الخطوة التي بارك الله سبحانه وتعالى عملها خطوة تتلوها خطوات، ولبنة تقف فوقها لبنات، وأساسا يمكننا أن نبني عليه جدارا ذلك الجدار الذي يجمع بين جميع المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها".
وشاء ربك أن يكون المؤتمر الأول خطوة تلتها خطوات تأصيلية وتحليلية وفي مختلف الميادين، فأصبحت منظمة المؤتمر الإسلامي هيكلا وأجهزة وروافد حقيقة ملموسة، وأخذت محكمة العدل الإسلامية الدولية طريقها للنور، بالإضافة إلى وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام، وتكوين اللجنة الإسلامية الدولية في القانون، وتوجت كل هذه الأعمال الجليلة بمجمع الفقه الإسلامي الذي سيساند الصحوة الإسلامية، ويزكي اعتزاز كل مسلم بدينه الحنيف، وانتمائه الحضاري المشرف، وماضيه المشرق المجيد، ومستقبله الواضح القوي السديد.(1/19)
وكم يسعدني أن أغتنم هذه الفرصة لأزف إليكم أن صاحب الجلالة الملك الحسن الثاني شرفني بصفته رئيسا لمؤتمر القمة الإسلامي الرابع فكلفني بأن أحمل إلى هذه المنظمة السامية وإلى أعضائها المحترمين تحياته العاطرة، ومتمنياته الصادقة، بالنجاح والتوفيق في جميع الأعمال، مؤمنا بأنها ستكون فاتحة عهد جديد لصالح الفكر الإسلامي، والفقه المحمدي، والشريعة الخالدة، مباركا أعمالها في الحال والمآل مطمئنا إلى أنها ستكون في مستوى ما يعلق عليها من آمال.
حضرات السادة،
لا يخفى عليكم أن الفقه الإسلامي عرف ككل كائن حي طور النشأة ومرحلة الشباب، وطور النضج والكمال عندما كان الأئمة الأعلام يتعمقون دراسة أصوله، من قرآن كريم، كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وسنة نبوية طاهرة، قولية، أو فعلية، أو تقريرية، قال تعالى {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ} [آل عمران: 132] . وقال عز من قال، {مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ} [النساء: 80] . وإجماع دل على صحته قوله تعالى: {وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} [النساء: 115] . واستنباط وهو القياس على هذه الأصول الثلاثة لأن الله جعل المستنبط من ذلك علما وأوجب الحكم به فرضا قال تعالى: {وَلَوْ رَدُّوهُ إلى الرَّسُولِ وإلى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} [النساء: 83] . وقال عز وجل: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [النساء: 105] ، أي بما أريك فيه من الاستنباط والقياس.
لقد انتصب الفقه الإسلامي شامخا في ربوع الأمة الإسلامية، وأضاء الفكر الإنساني بما أمتاز به من عمق وشمولية يوم كان الأئمة الأعلام يتشبثون بالثوابت التي تعتبر فوق الزمان والمكان، فلا مساغ للاجتهاد في مورد النص، ويستنبطون أحكام النوازل بما يتوافق والأعراف، وما تقتضيه المصالح المرسلة والاستحسان، فيختلفون اختلافا طبع على التسامح، إذ اختلاف أمتي رحمة، وينتجون نتاجا أثرى المعرفة الإنسانية، وحرر الفكر البشري من قيود الأغلال والأصفاد، والهمة طريق النور والهدى والرشاد.
ولكن هذا العملاق الشامخ تسرب إليه الضعف والوهن يوم اقتصر الفقهاء على التقليد، ففضلوا المتون والشروح والحواشي، واعتبروا أن الاجتهاد باب مغلق، وطريق دونه خرط قتاد. أحاطوا بستان الفقه بحيطان شاهقة، ثم بأسلاك شائكة، ووضعوه فوق حبل وعر بعدما صيروه غثا، وألقوا العثرات في طريق ارتقائه، والتمتع بأفيائه.(1/20)
ولكن هذا العملاق الشامخ دب إلى كيانه الهرم والشيخوخة يوم تعصب الفقهاء إلى الفروع وتناسوا الأصول حتى قال العلامة تاج الدين السبكي في كتابه "معيد النعم ومبيد النقمم": فلعمر الله لا أحصي عدد من رأيته يشمر على ساق الاجتهاد في الإنكار على شافعي يذبح ولا يسمي، أو حنفي يلمس ذكره ولا يتوضأ، أو مالكي يصلي ولا يبسمل، أو حنفي يقدم الجمعة على الزاول، وهو يرى من العوام ما لا يحصى عدده إلا الله يتركون الصلاة التي جزاء من تركها عند الشافعي ومالك وأحمد ضرب العنق ولا ينكرون عليه".
ويشاء الله أن تعرف الأمة الإسلامية صحوة جديدة فتثار معركة إحياء التراث بين جماعة تعتقد أن ليس في الإمكان أبدع مما كان، وجماعة تدعو إلى تجاوزه فقد استنفد أغراضه في زمن معين، ومكان خاص، وإذن فستعيش الأمة الإسلامية في حالة استيلاب واغتراب.
ولا ريب أن مجمعنا سيكون كما أراد الله للأمة الإسلامية أن تكون {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} [البقرة: 143] ، ستلتزم بالقرآن الكريم، والسنة الثابتة الطاهرة، في إطار العدل والمصلحة والإحسان، فالقرآن نزول وتنزيل، نزول تم بموت الرسول، وتنزيل على الوقائع واستنباط الأحكام يجب أن يستمر إلى يوم يبعثون، ذلك أن الدين الإسلامي دين خلق وإبداع، دين منفتح يترك للفرد مبادرة كبرى، وحرية في التكييف والتغيير. وتوقع التحولات. ونحن سنجابه الواقع بما فيه من تحديات، ومشاكل اجتماعية وحضارية، وبما فيه من علوم وتقنيات ومعارف لنستنبط من الأصول بروح جماعية الحلول الملائمة. إن عودتنا إلى القيم التراثية بهذه الصورة حجة على مسايرة عضوية، وبرهان على أنه يوفر للقيم التي يحملها التحاما عميقا للواقع الذي نعيشه، فالرسالة الإسلامية صالحة لكل زمان ومكان، والشريعة الإسلامية مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد، في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المضرة، وعن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن دخلت فيها بالتأويل.
حضرات السادة الأجلاء،
إن الاعتراف بالجميل، وإسناد الفضل إلى ذويه سنة متبعة، وطريقة محكمة، وصفة حميدة في محيط الأخلاق الإسلامية قال تعالى: {وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آَثِمٌ قَلْبُهُ} [البقرة: 283] ، وقال عز من قائل {وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} . [الأعراف: 85]
فمعالي الأمين العام الأستاذ الجليل السيد الحبيب الشطي معلمة شاركت في مختلف دروب النضال ليستعيد وطنه الحبيب الحرية والاستقلال، وشاركت في معركة الجهاد الأكبر، فتقلب في مسؤوليات سامية في الداخل والخارج، كان في جميعها عملا متواصلا ورؤية صادقة، وتفكيرا ثاقبا، وابتكارا يبحث عن الحلول التي يستقطبها الصالح العام، ثم عندما أسندت إليه الأمانة تحملها بنفس راضية مرضية. فكان صلبا في مبادئه واختياراته، صبورا في خطواته وإنجازاته، حتى ازدانت هذه المنظمة بنتائج باهرة. وأعمال إيجابية صالحة.(1/21)
ومن حسناته التي تكتب بمداد الفخر والاعتزاز فتشكر، تعيينه في نطاق الفقرة الثانية من المادة الحادية والعشرين للنظام الأساسي لهذا المجمع لفضيلة الأستاذ الكبير، العلم النحرير، الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة أمينا عاما لهذا المجمع، إنه شخصية علمية تجاوزت الحدود الوطنية، عرفناه في الدروس الحسنية. وفي الحلقات الدراسية للأكاديمية الملكية يحاضر بوقار العلماء، ويناقش بتسامح الصلحاء الأصفياء، ويستنبط القواعد والأحكام بقوة فولاذية. وعبقرية نادرة، فهو بحق موسوعة علمية، ومعلمة أخلاقية سامية، مخضرم في تكوينه بين الفقه الإسلامي والقانون الوضعي، له ذهنية تركيبية تسمح له بالتنسيق بين الأصالة والمعاصرة، بين الرسالة السماوية والقوانين الوضعية، فهو مفت رائد، وعلامة كبير في القانون المقارن.
فإلى حضرته تهانينا الحارة، ومتمنياتنا الصادقة، وكم يعز علينا أن نتفاءل بتعيينه فسيكون قطب الرحى، والقوة الديناميكية لهذا الملتقى، يشرف مسؤوليته بما يمتاز به من خصال حميدة، وأخلاق إسلامية سامية، وفقه الله ووفقنا جميعا للصالح العام، وجعلنا في مستوى المسؤوليات التاريخية الملقاة على عاتقنا، حتى نشارك في مسيرة النماء والتطور في ظل الأصول الإسلامية، والرسالة المحمدية الخالدة حتى نكون عند حسن ظن قادتنا الأعلام.
{وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ} [التوبة: 105] ، صدق الله العظيم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/22)
أعمال المؤتمر
خطاب: معالي الدكتور بكر أبو زيد
رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل بقايا من أهل العلم يدلون من ضل ويبصرون بنور الله أهل العمى ويصبرون منهم على الأذى ويحيون بكتاب الله الموتى، فكم من قتيل لإبليس قد أحيوه وكم من ضال تائه قد هدوه، فلله ما أحسن أثرهم على الناس ولكن ما أسوأ أثر الناس عليهم يمحون عن دين الله تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين، فنشروا ألوية السنة وقمعوا رؤوس الضلالة والبدعة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له كلمة قامت عليها الأرض والسماوات ومن أجلها أرسلت الرسل وأسست الملة ونصبت القبلة وجردت سيوف الجهاد، وأشهد أن محمدا عبده المجتبى ونبيه المصطفى بلغ عن الله حق البلاغ وأدى الأمانة حق الأداء - اللهم صل وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، ورضي الله عن الصحابة الكرام وآل بيته الأطهار.
وبعد، معشر الحضور الكرام، رجال هذا المجمع مع الاحتفاظ بكريم الألقاب وعواليها لحضراتكم الكريمة، أهدي لكريم مسامعكم من ردهة هذا المجمع، ونحن نعايش جملا من جلائل النعيم وعظيم المآثر فنحن في بلد الله الحرام دار أمنه وموئل حرمته وفي أول مجمع للفقه الإسلامي يكون على وجه البسيطة بهذه الصفة إذ يتبناه من بسط الله أيديهم على البلاد والعباد فهذا المجمع شعاع هبط علينا من ملوك ورؤساء وأمراء العالم الإسلامي بفضل من الله وتوفيقه واستشعارا بمدى حاجة الأمة المحمدية إلى تزكية سدتها وقوتها العاقلة بالعلم الشرعي الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، فحق للسان أن يتحرك رطبا بذكر الله {وَاذْكُرُوا إِذْ كُنْتُمْ قَلِيلًا فَكَثَّرَكُمْ} [الأعراف: 86] ، ومن الجاري ظفر الطالبون واتصل الوصل وفاز الأحباب بالأحباب، لقد جاء هذا المجمع في وقت رثت فيه حبال الأمة فاشتدت حاجتها إلى تزكيتها، إلى تزكية سدتها وقوتها بالعلم الشرعي الموروث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وذلكم بلم شتات طاقاتها الإسلامية المبعثرة من رجال مخلصين برزوا في حلائب العلم يسيرون على النهج السوي وينهلون من المشرع الروي لينهضوا بجناحه المهيض إلى مطار السؤدد والمجد.(1/23)
إن هذا المجمع نشر السرور لبناة المجتمع الإسلامي من سروات الرجال وخيارهم، ورأوا في مولده بروز عهد جديد لاستكمال الوجود الإسلامي في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وحرك باب الرجاء في هذه الأمة الكريمة، وإن من لطائف الصدف ويمن الطالع أن تنطلق الدعوة الكريمة إلى هذا المجمع عزمة من عزمات خادم الحرمين الشريفين بمحضر من قادة العالم الإسلامي فيجتمع رأيهم بالإجماع على ذلك وأن هذا المجمع يشبه تماما أول ميثاق نشأ على وجه هذه الأرض المقدسة إذ حضره النبي صلى الله عليه وسلم قبل بعثته، وأقره بعد نبوءته ورسالته، فقال: ((لقد شهدت في دار عبد الله بن جدعان حلفا لو دعيت به في الإسلام لأحببت)) ذلكم هو ما عرف فيما بعد باسم "حلف الفضول" إذ تحالفوا على رد الفضول إلى أهلها، وردع الظالم ونصرة المظلوم.
واليوم يأتي ذلك المجمع على حين فترة ليكون حصنا لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من دواعي الانحلال والتفسخ وعوامل الفرقة والتفكك، إنه ليقوم في هذه الأمة مقام الوالد بنشر أنوار التنزيل والسنة المشرفة في عقيدة الأمة وسلوكها وأخلاقها وشتى دروب حياتها، إنه لانقاذها من أمور ألمت بها إذ أصابها رذاذ من وابل أعدائها فغشي على طريقها ما غشى، ولإنقاذها من ظلمات ثلاث طالما تهافتت هي ظلمة في العقائد وظلمة في الأنفس وظلمة في الأحكام، إنه يهدف إلى تجاذب بردة المساجلة لسوابح الأفكار وسوابق الأقلام في الأمور الاجتهادية بين ثلة من علماء الإسلام حتى تنزل تلكم الأمور الاجتهادية منزلتها من العقل والدين إنه يهدف إلى إعمال وصل الأمة بربها وإعلائها عن مراتب الضعف والهوى وعن قاطعات الأرحام وجازمات حبال الإخاء وان هذا المجمع بقدر ما له من أهداف سامية بعيدة المدى وعميقة، فإنه ينطلق من أسس متينة وجذور عميقة ذلكم أنه يسير في خطوطه العريضة المتمثلة في أمور من أهمها: إيجاد معلمة للفقه الإسلامي تكون خالصة من الرأي الهجين والمقرف والدخيل متخلصة من شوائب القوانين الوضعية بصورها وأشكالها فضلا عن الحقائق وإعدادها. ومنها التصدي للفتيا في نوازل العصر ومسائل العلم وقضاياه. ومن أهمها مثاقفة الداء العقام الذي نسميه بالاستعمار الفكري، ولو أنصفنا لتابعنا العلامة الطاهر ابن عاشور في تسميته له بالطاعون حتى يضحي ذلك الاستعمار أو ذلكم الداء العضال كحرف لا يقرأ بين أمة محمد صلى الله عليه وسلم.(1/24)
معشر الحضور الكرام إن هذا المجمع كما يعلم الجميع ينبني على قاعدتين أساسيتين مشتبكتين اشتباك الروح بالهيكل، القاعدة الأولى:
تمحض المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فهذا المجمع تبتدئ وتنتهي قراراته وبحوثه ومداولاته في مضمار مناهج الأدلة الشرعية من الكتاب الكريم وصحيح السنة وسليم القياس وصالح الإجماع وما جرى مجرى ذلك من الأدلة التبعية. هذا مع وافر الحرمة والتقدير لعلماء الإسلام وأئمته الكرام بفضل سابقتهم في الإسلام والعلم والبيان.
القاعدة الثانية: تمحض صدق النية مع الله سبحانه وتعالى فيما نأتي ونذر من أقولنا وأعمالنا فإنه إذا صدقت النية وصلحت العزيمة فإنه يظفر الطالب بالمطلوب ويتحقق للمؤمل المأمول.
معشر الحضور الكرام، إنني أجد في الوقت الذي أجد فيه شرفا عظيما في اختياركم لي رئيسا لهذا المجمع، فإنني أجد ما يغطي ذلك من أن هذا تكليف لي وأنه أمانة عظمى أرجو من الله سبحانه وتعالى أن يعينني على أدائها وأن يوفقنا وإياكم لكل عمل صالح مبرور وإنني أقدم لكم شكري وخالص تقديري وامتناني واسمحوا لي أن قصرت في إبداء ما يجب لكم من الشكر والامتنان، فإن العرب قد مدحت العي في بعض المواضع، فقالت: "رب إشارة أبلغ من عبارة" إذا فلا جناح على في سلوك ذلكم الطريق المعبد، طريق الاعتراف بالعجز والتقصير عن إبداء ما يجب لكم من الشكر والتقدير، وأرجو من الله سبحانه وتعالى أن أكون عند حسن ظنكم، وأسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا جميعا لكل عمل صالح مبرور وأن يأخذ بأيدينا دائما وأبدا إلى ما فيه صلاح الأمة في أولاها وأخراها، والله خليفتي عليكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...(1/25)
القسم الأول
المرحلة التأسيسية
قرار مؤتمر القمة الإسلامي الثالث: بشأن إنشاء مجمع الفقه الإسلامي
قرار رقم 8 / 3- ث (ق، أ)
إن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث (دورة فلسطين القدس) المنعقد في مكة المكرمة بالمملكة العربية السعودية في الفترة من 19 إلى 22 ربيع الأول 1401 هـ الموافق من 25 إلى 28 يناير 1881 م.
إذ يأخذ في الاعتبار الخطاب الذي وجهه صاحب الجلالة الملك خالد بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية إلى قادة الأمة الإسلامية وزعمائها وإلى المسلمين كافة في كل مكان والذي دعا فيه الأمة الإسلامية وفقهاءها وعلماءها أن يجندوا أنفسهم ويحشدوا طاقاتهم في سبيل مواجهة معطيات تطور الحياة المعاصرة ومشكلاتها بالاجتهاد والاسترشاد بالعقيدة السمحة وما تضمنته من مبادئ خالدة قادرة على تحقيق مصلحة الإنسان الروحية والمادية في كل زمان ومكان، والدعوة إلى إنشاء مجمع عالمي للفقه الإسلامي يضم فقهاء وعلماء ومفكري العالم الإسلامي بغية الوصول إلى الإجابة الإسلامية الأصلية لكل سؤال تطرحه الحياة المعاصرة.
وإذا يشير إلى ما للعلم والفكر من دور حاسم في تقدم الأمم ورقي الشعوب.
وإذا يذكر بالدور الحضاري الرائع الذي قدمته الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي وأثرى به المعرفة الإسلامية فقاد البشرية إلى النور والهداية، وما زال منبعاً غنياً وأساساً صالحاً لدفع حياة الإنسان نحو مستقبل أفضل.
وإذ يؤكد حاجة الأمة الإسلامية في هذا المنعطف التاريخي من حياتها إلى مجمع تلتقي فيه اجتهادات فقهائها وعلمائها وحكمائها لكي تقدم لهذه الأمة قواعد أصلية صادرة عن المنابع الفكرية الإسلامية الخالدة في كتاب الله وسنة نبيه.
يقرر:
1- إنشاء مجمع يسمى (مجمع الفقه الإسلامي) يكون أعضاؤه من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة من فقهية وثقافية وعلمية واقتصادية من أنحاء العالم الإسلامي لدراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهاداً أصيلاً فاعلاً بهدف تقديم الحلول النابعة من التراث الإسلامي والمنفتحة على تطور الفكر الإسلامي لتلك المشكلات.
2- تكليف الأمين العام للمنظمة بالتشاور مع رابطة العالم الإسلامي لاتخاذ اللازم نحو وضع النظام الأساسي لهذا المجمع وتقديمه لمؤتمر وزراء الخارجية الإسلامي القادم لدراسته واتخاذ الإجراءات اللازمة نحو إقراره.(1/26)
قرار المؤتمر الثالث عشر لوزراء الخارجية:بشأن إنشاء المجمع الفقهي الإسلامي
قرار رقم 20/ 13 - ث
إن المؤتمر الإسلامي الثالث عشر لوزراء الخارجية المنعقد في مدينة نيامي بجمهورية النيجر في الفترة من 3 إلى 7 ذي القعدة 1402 هـ، الموافق من 22 إلى 26 أغسطس 1982 م.
إذ يذكر بالقرار رقم (8 / 3 - ث) الصادر عن مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد في مكة المكرمة والطائف بشأن المجمع الفقهي الإسلامي.
وإذ يشير إلى القرار رقم (16/ 12 - ث) الصادر عن المؤتمر الإسلامي الثاني عشر لوزراء الخارجية حول الموضوع.
وإذ أخذ علماً بتوصيات الدورتين الثامنة والتاسعة للجنة الإسلامية للشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية المنعقدتين في هذا الشأن.
وبعد استعراض نتائج اجتماع لجنة الخبراء الموسعة المنعقدة في جدة والصيغة الجديدة للنظام الأساسي للمجمع الفقهي الإسلامي.
وبعد الاطلاع على المذكرة التفسيرية التي قدمتها الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في هذا الشأن:
1- يصادق على الصبغة النهائية لمشروع النظام الأساسي للمجمع الفقهي الإسلامي.
2- يؤكد على تكليف الأمانة العامة بالتنسيق والتعاون مع دولة المقر (المملكة العربية السعودية) من أجل عقد المؤتمر التأسيسي العام للمجمع الفقهي الإسلامي في أقرب فرصة ممكنة، وذلك من أجل استكمال الإجراءات الضرورية لإنشاء المجمع المذكور.
3- يطلب من الأمانة العامة تقديم جميع الملاحظات والاقتراحات التي ستقدم إليها من قبل الدول الأعضاء حول النظام الأساسي، وعرضها على المؤتمر التأسيسي العام للمجمع الفقهي الإسلامي لدراستها واتخاذ القرار المناسب في شأنها.(1/27)
قرارات الدورة الأولى: لمجمع الفقه الإسلامي
قرار رقم 1
إن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأولى المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 26 إلى 29 صفر 1405هـ، الموافق 19- 22 نوفمبر 1984م.
إذ استعرض تقرير شعبة التخطيط والنقط الرئيسة التي تضمنها والتوصيات التي تبناها.
قرر:
1-البحث في المسائل المستجدة والواقعات الحادثة وفق نظر يعتمد قوة الدليل الشرعي، ويهتم بتحقيق المقاصد الشرعية المعتبرة، ويهدف إلى التيسير ورفع الحرج ضمن قواعد الشريعة وضوابطها العامة.
2-الاستئناس بما تنتهي إليه البحوث والدراسات الجادة التي تعني بالمذاهب الفقهية جميعها.. وتحرص على أخذ الآراء المذهبية من مصادرها الأصلية وكتبها المعتمدة.
3-التقيد في الدراسات والبحوث:
-بالواقعية:
-بالاجتهاد اجتهاداً مؤسساً على الأصول الإسلامية المتوخي للمقاصد والمصالح الشرعية.
-بالتزام منهج الفقه المقارن في البحوث والقضايا المدروسة.
-بالتزام الموضوعية والتجرد.
-بالتحلي بالسماحة في مواطن الاختلاف ويصدر التقرير بما تذهب إليه غالبية الآراء.. مع وجهة نظر المخالف.
-بتأصيل الآراء والبحوث بالأدلة الصحيحة من أصول الإسلام ومواقع التراث وتخريجه الأحاديث وفقاً لقواعد التخريج المعتمدة، وتوثيق النقول وفق القواعد المعتمدة.
قرار رقم (2)
إن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأولى المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 26- 29 صفر 1405هـ، الموافق 19- 22 نوفمبر 1984م.
إذ استعرض تقرير شعبة الدراسات والبحوث، والنقط الرئيسة التي تضمنها والتوصيات التي تبناها.(1/28)
قرر:
1-رصد التقنينات الشرعية الإسلامية ومشروعات تدوين أحكام الشريعة الإسلامية في أي بلد إسلامي وجمعها بغية تقنين الشريعة وتدوينها في مواد يسهل الرجوع إليها.
2-تحديد أولويات البحث والدراسة في الموضوعات التالية:
-نظم تدريس الفقه الإسلامي ومناهجه.
-الاجتهاد في المجتمع الإسلامي المعاصر.
-النظم القضائية والعدلية في الإسلام.
- الشركات التجارية الحديثة واهتماماتها.
قرار رقم (3)
إن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأولى المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 26 إلى 29صفر 1405هـ، الموافق 19- 22 نوفمبر 1984م.
إذ استعرض تقرير شعبة الإفتاء، والنقط الرئيسية التي تضمنها والتوصيات التي تبناها.
قرر:
1-أن المقصود من الفتوى في عملنا هو ما يصدر من آراء فيما يشغل بال الأمة الإسلامية من مشاكل العصر وعرضها على المجمع ليبت فيها.
2-تحقيق تيسير معرفة الفقه بالوسائل التالية ونحوها:
ا-المصطلحات الفقهية:
-بالاستفادة مما أنجز من المصطلحات والمساعدة على نشرها.
-بمراجعة ما هو موجود وإثرائه.
ب-الموسوعات الفقهية:
-بمراجعة الموجود منها وتصحيح ما يجب تصحيحه وإكمال ما يتحتم إتمامه.
-بالعمل على التقدم بمشاريعها.
-بإثرائها تدليلاً على مسألة من مسائلها بالأدلة المعتمدة.
(جـ) نشر كتب الفقه الإسلامي:
-بتحرير قائمة المخطوطات الموجودة في مكتبات العالم والتعريف بكل كتاب منها واقتناء صورها تمهيداً لطبعها عند الاقتضاء.
-بإعادة طبع كتب الفقه المعتمدة التي نفدت طبعاتها.
(د) فهرست الكتب الفقهية:
-بإبراز موضوعاتها بما من شأنه أن ييسر الانتفاع بها.(1/29)
3-إن تحرير الفتاوي من القضايا المهمة يقع بالنظر فيما يعرض على الشعبة المختصة من استفتاء يتصل بالقضايا العامة المختلفة للبحث لها عن حلول من الشريعة الإسلامية تساعد على تحقيق النمو وتطور المجتمع الإسلامي في المسار الصحيح.
قرار رقم 4
إن مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأولى المنعقدة بمكة المكرمة في الفترة من 26 إلى 29 صفر 1405هـ، الموافق 19- 22 نوفمبر 1984م.
اتخذ القرارات التنظيمية التالية:
1-تفويض الأمين العام للمجمع لمدة عام اختيار الدارسين والباحثين والمحققين والخبراء.. مع الاستعانة بقوائم الشخصيات العلمية التي تم عرضها وتوزيعها على الأعضاء في المجلس.
2-ضم الشخصيات الآتية اسماؤهم، والهيئات والمنظمات العلمية التي تشاركه في بعض انشطته، وممثل عن الجاليات الإسلامية في غير البلاد الإسلامية بناء على المادة السابعة الفقرة الثانية من النظام الأساسي للمجمع.
ا– الشيخ مصطفى الزرقاء.
-الشيخ د. الصديق الجرير.
-دكتور محمد سلام مدكور.
-الشيخ عبد الرزاق عفيفي.
ب– المجمع الفقهي لرابطة العالم الإسلامي.
-الموسوعة الفقهية في الكويت.
-مجمع البحوث الإسلامي بالأزهر – القاهرة.
-المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية (مؤسسة آل البيت) بالأردن.
-المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة.
-مجلس الفكر الإسلامي بإسلام أباد بالباكستان (إسلامي نظريات كاونسيل) .
(جـ) الشيخ جابر العلواني المقترح من طرف المعهد العالمي للفكر الإسلامي في الولايات المتحدة الأمريكية.
3-اجتماع الشعب على التداول واحدة بعد أخرى كل ثلاثة أشهر بمقر المجمع بجدة، وتتوج هذه الاجتماعات الفصلية باجتماع المجلس في دورته العادية.
4-اجتماع هيئة مكتب المجلس مرتين في كل سنة مرة خلال السنة والثانية قبل الدورة العادية.(1/30)
التقرير العام والقرارات: للمؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
1- انعقد بحمد الله تعالى المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة فيما بين 26 و 28 شعبان 1403 هـ (7 - 9 من شهر يونيو 1983 م) تحت رعاية صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، ورئيس مؤتمر القمة الإسلامية الثالث.
2- وبانعقاد المؤتمر التأسيسي أصبح مجمع الفقه الإسلامي حقيقة واقعة باعتباره أحد الهيئات المنبثقة عن منظمة المؤتمر الإسلامي تنفيذاّ للقرار رقم 8 / 3 - ث (ق - أ) الذي أصدره مؤتمر القمة الإسلامي الثالث المنعقد في مكة المكرمة والطائف بالمملكة العربية السعودية، فيما بين 19 و 22 من شهر ربيع الأول 1401 هـ ـ (25 - 28 من شهر يناير 1981 م) وهو القرار الذي قضى بإنشاء المجمع:
* سعياً وراء تحقيق إرادة الأمة الإسلامية في الوحدة نظرياً وعملياً وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
* واعتباراً للدور الحضاري الذي اضطلعت به الشريعة الإسلامي والتراث الإسلامي والذي أثرى المعرفة الإنسانية فقاد البشرية إلى النور والهداية، وما زال منبعاً غنياً وأساساً صالحاً لدفع حياة الإنسان نحو مستقبل أفضل.
* وتقديراً لما للعلم والفكر من دور في تقدم العالم والأمم ورقي الشعوب.
* وتأكيداً لحاجة الأمة الإسلامية في هذا المنعطف التاريخي من حياتنا إلى مجمع تلتقي فيه اجتهادات فقهائها وعلمائها وحكامها، لكي تقدم لهذه الأمة قواعد أصيلة صادرة عن كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
* وتمكيناً للمسلمين من مواجهة مشكلات الحياة المعاصرة بتقديم الحلول المناسبة النابعة من الشريعة الإسلامية عن طريق الاجتهاد الصحيح والأصيل.
3- شاركت في المؤتمر الدول الأعضاء التالية أسماؤها، ومثل معظمها وفود ذات مستويات عالية، مما يدل على اهتمام تلك الدول بهذا الحدث: الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، دولة البحرين، جمهورية بنجلاديش الشعبية، جمهورية القمر الإسلامية الاتحادية، جمهورية جيوبتي، جمهورية الغابون، جمهورية غامبيا، جمهورية غينيا الثورية، المملكة الأردنية الهاشمية، الجمهورية العراقية، جمهورية أندونيسيا، الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دولة الكويت، الجمهورية اللبنانية، ماليزياً، جمهورية المالديف، الجمهورية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية، جمهورية مالي ,جمهورية موريتانيا الإسلامية، المملكة المغربية، جمهورية النيجر، سلطنة عمان، جمهورية باكستان الإسلامية، فلسطين، دولة قطر، المملكة العربية السعودية، جمهورية السنغال، جمهورية سيراليون، جمهورية الصومال الديمقراطية، جمهورية السودان الديمقراطية، الجمهورية العربية السورية، الجمهورية التونسية، الجمهورية التركية، جمهورية تشاد، جمهورية أوغندا، دولة الإمارات العربية المتحدة، جمهورية فولتا العليا، الجمهورية العربية اليمنية، جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.
4- وتغيب عن حضور المؤتمر:
- جمهورية الكاميرون المتحدة
- جمهورية غينيا بيساو
5- حضر المؤتمر بصفة مراقب:
جمهورية نيجيريا الاتحادية، جمهورية بنين الشعبية، طائفة المسلمين الأتراك القبارصة، جمعية الدعوة الإسلامية، المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم، الندوة العالمية للشباب الإسلامي، البنك الإسلامي للتنمية، منظمة الإذاعات الإسلامية، وكالة الأنباء الإسلامية الدولية، رابطة العالم الإسلامي.(1/31)
6- افتتح المؤتمر صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية بإلقاء خطاب جامع رحب في مستهله بالحضور، وقال: إن اجتماعكم هذا يعتبر بداية حقيقية لمرحلة تاريخية هامة من تاريخ أمتنا الإسلامية، مرحلة يتخطى فيها شرف خدمة الشريعة الإسلامية حدود الفردية والجهود الإقليمية، ويجتاز الحدود السياسية في أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة الأمة الإسلامية.
وذكر جلالته بأن روح العمل الجماعي هي الصفة المميزة لنجاح الأمة الإسلامية وقدرتها على مواجهة التحديات.
وقال جلالته: أننا نؤمن بأن الإسلام دين يخاطب العقل ويناهض التخلف ويشجع حرية الفكر ويستوعب منجزات العصر ويحض على متابعتها ويضع قواعد السلوك الإنساني وينظم العلاقات الاجتماعية والدولية على أساس من الرحمة.
وأضاف جلالته: أن العلاقات الإنسانية قد تطورت لكن الفكر الإنساني قصر عن استقصاء آلام الإنسان وعن تحقيق آماله في الرخاء والسلام ... إلا أن الرسول عليه السلام لم ينتقل إلى الرفيق الأعلى إلا بعد أن أتم الله نعمته علينا بكمال دينه الذي ارتضاه لنا، فكانت الشريعة الإسلامية هي نعمته بكمال دينه الذي ارتضاه لنا، فكانت الشريعة الإسلامية هي الثروة الحقيقية الكبرى في العالم الإسلامي، فحفظت ذاتيته في أحلك الظروف.
وتطرق جلالته إلى ما تعاني هذه الأمة الإسلامية اليوم في فلسطين والأراضي العربية المحتلة وأفغانستان، وقال: إن ما أصاب هذه الأمة ما كان ليصيبها لو أنها تمسكت بهدي كتاب الله الكريم وسنة النبي الهادي الأمين ذلك أن الخصوم يدركون أن لا قوة للمسلمين إلا بتمسكهم بمعطيات العقيدة الإسلامية.
وبين جلالته أن البداية السليمة لبناء وحدتنا تتمثل في نبذ الخلافات بين المسلمين ثم بالاعتماد على قدرتنا على مواجهة المشكلات بحلول إسلامية مستلهمة من روح الشريعة السمحة ومتجاوبة من احتياجات العصر.
وقال جلالته: إنه على أثر توحيد البلاد تحت راية الملك عبد العزيز طيب الله ثراه، تمت الدعوة إلى عقد أول مؤتمر إسلامي لبحث أمور الأمة والتشاور فيما يحقق مصالحها، ثم تتابعت الجهود إلى أن أنشئت منظمة المؤتمر الإسلامي، وانطلقت في بلاد المسلمين صحوة إسلامية مباركة مضمونها الأساسي هو الاقتناع بضرورة إيجاد حلول إسلامية لمشكلات العصر. وقال أن قيمة عقيدتنا الإسلامية في كونها تمدنا بالحلول الشاملة، ومعها أيضاً القوة الكفيلة بتحقيقها وحمايتها. وأعرب عن أمانيه في أن يواكب الفكر الإسلامي هذه الصحوة لضبط حركتها على حكم الله في كل المجالات.
وأضاف جلالته قائلاً: إن الدعوة إلى إنشاء مجمع للفقه الإسلامي تشكل ضرورة حتمية في هذه المرحلة من مراحل تطور الأمة الإسلامية حيث نجد فيها الإجابة الإسلامية الأصيلة على كل سؤال تطرحه أمامها تحديات الحياة المعاصرة من أجل إسعاد البشرية عامة والمسلمين خاصة.(1/32)
وقال جلالته إن التعصب من أسباب التفرق والتمزق الفكري. وقد حرم الله علينا ما يثير البغضاء والعداوة بين المسلمين، والحقيقة أن التعصب لا معنى له في الإسلام، لأن المسلم يلتزم بحكم الله، والعبرة في استظهار الحكم بدليله من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
وأشار جلالته إلى أن المملكة العربية السعودية التزمت هذه الروح في تنظيمها القضائي اقتداء بالسلف الصالح من أئمة المسلمين.
وخلص جلالته إلى أننا مطالبون جميعاً بالعمل على توحيد الأحكام في البلاد الإسلامية في كل شئون الحياة حسب مقتضى الشريعة الإسلامية، فذلك هو السبيل الأوحد لتحقيق الوحدة الإسلامية بين كل الشعوب الإسلامية.
7- ثم ألقى معالي السيد الحبيب الشطي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي خطاباً ضافياً استهله بالترحيب بوفود الدول الأعضاء التي كلفها قادة الدول الإسلامية بتمثيل بلادهم في اجتماعات المؤتمر الإسلامي التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي الذي انعقد تحقيقاً لإرادة الأمة الإسلامية.
وأشاد معالي الأمين العام بحضور جلالة الملك فهد بن عبد العزيز افتتاح المؤتمر شخصياً، وفي ذلك دليل على مدى الاهتمام الذي يوليه جلالته لهذا المجمع.
وقال معاليه: أن تقلد مجمع الفقه الإسلامي مهمته الجليلة سيلبي حاجة الأمة الإسلامية إلى مؤسسة تلتقي فيها اجتهادات فقهائها وعلمائها وحكامها، فهي تقدم للمسلمين قواعد أصيلة صادرة عن منابع العقيدة الإسلامية.
وقال: إن منظمة المؤتمر الإسلامي تشق اليوم طريق العمل الجاد لخير كل المسلمين على كل صعيد لتحقيق الوحدة الإسلامية نظرياً وعملياً.
وأكد أن المجمع سيحمل الأمانة الثقيلة بفضل التقاء أعلى الخبرات الإسلامية وتجميع أقوى التخصصات وبفضل تعاون علماء الأمة الإسلامية عبر المجمع على التعريف بالمبادئ الإسلامية وعلى تطبيق أحكام الشريعة تطبيقاً يجمع بين التطور والتفتح من ناحية. والتمسك بالأصالة والارتباط بالعقيدة من ناحية أخرى.
وقال: إن أهمية الفقه الإسلامي في مجتمعاتنا الإسلامية تتجلى في أنه يتناول بشكل مباشر حياة الفرد والأسرة والمجتمع والعلاقات مع المجتمعات غير الإسلامية، وفي أنه سيعمل على إصدار فتاوى وبحوث ودراسات منسجمة مع تطور الحياة في هذا العصر دون الخروج على مبادئ الدين الحنيف.(1/33)
ثم أضاف أن السر في انتشار الإسلام بسرعة لم تعرفها الأديان التي سبقتها وفي ازدهار الحضارة الإسلامية ازدهارا لا مثيل له، يعود إلى ارتباط أجدادنا بعقيدتهم وحرصهم المستمر على مراعاة الانسجام بين وقائع الحياة اليومية، والأسس العامة للإسلام باعتباره منهجاً صالحاً لكل زمان ومكان.
وقال إن المجمع لا ينطلق اليوم من فراغ، لأنه سيجد بين يديه بحراً زاخراً من تراث الآباء والأجداد، ودعا إلى عدم الاكتفاء بما ورثناه عن أجدادنا، ونادى بضرورة مواصلة الجهود لإغناء ذلك التراث.
وأعرب معاليه عن سروره بالإنجازات الهامة الأخرى التي ستتبع قيام المجمع بحول الله ومن ضمنها محكمة العدل الإسلامية الدولية ووثيقة حقوق الإنسان في الإسلام، واللجنة الإسلامية للقانون الدولي.
وأبدى بهذه المناسبة السيد الشطي ارتياحه إلى أن العمل الإسلامي المشترك يسير والحمد لله قدما بصورة بناءة مما يساعد على قيام التضامن الإسلامي المنشود.
وحذر معالي الأمين العام من أن التحديات التي نواجهها اليوم تهدد مصير أمتنا، ولذا فإن علينا أن نتحد ونتضامن ونكون في مستوى من الكفاية والقدرة يتماشى مع مستوى خصومنا وأعدائنا ومع مستوى هذا العصر.
واختتم السيد الشطي كلمته بتوجيه التحية وصادق العرفان إلى صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز، وأعرب عن شكره لجلالته على المساندة الكريمة التي يوليها جلالته لكل ما من شأنه أن يدفع العمل الإسلامي في جميع الميادين.
8- انتخب المؤتمر بالإجماع سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير، رئيس وفد المملكة العربية السعودية رئيسا له، وانتخب أيضا بالإجماع نائبين للرئيس هما: القاضي افتاب حسين، رئيس وفد جمهورية باكستان الإسلامية، والسيد أمادو لوي جاي، رئيس وفد جمهورية السنغال، كما انتخب بالإجماع أيضا معالي السيد عبد الرحمن شيبان رئيس جمهورية الجزائر الديمقراطية الشعبية، مقررا عاما للمؤتمر.
9- ألقى سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير، رئيس المؤتمر كلمة شكر فيها المؤتمر على انتخابه رئيسا وتمنى للمؤتمر كل توفيق ونجاح.
10- وبعد أن صادق المؤتمر على مشروع جدول الأعمال شكل لجنة منبثقة عنه تتولى دراسة الإجراءات الخاصة بالاتصال بالدول الأعضاء لتعيين أعضائها العاملين بالمجمع، كما تتولى دراسة مشروع الميزانية التقديرية للسنة المالية الأولى للأمانة العامة للمجمع واتخاذ الترتيبات المالية والإدارية لعقد الدورة الأولى للمجمع وإعداد البيان الختامي للمؤتمر السنوي التأسيسي.
11- قرر المؤتمر تكليف الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بإدراج التعديلات التي أقر إدخالها على بعض المواد الواردة في نص النظام الأساسي للمجمع والتي تمت مناقشتها في المؤتمر.
12- خلال انعقاد المؤتمر التأسيسي ألقى عدد من رؤساء الوفود كلمات أعربوا فيها عن تقديرهم وشكرهم للمملكة العربية السعودية ملكا وحكومة وشعبا على استضافة المؤتمر وعلى حرارة الاستقبال وكرم الضيافة.
13- قرر المؤتمر بخصوص موضوع الإجراءات الخاصة بالاتصال بالدول الأعضاء لتعيين أعضائها العاملين بالمجمع الطلب من الدول الأعضاء العمل على أن تبلغ كل منها الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في مدى ثلاثة أشهر باسم العضو العامل الذي سيمثلها في المجمع وتكليف الأمانة العامة بإعداد لائحة بأسماء الأعضاء العاملين المعينين من الدول الأعضاء قصد منها تقديمها إلى المجمع في دورة انعقاده الأولى.(1/34)
14- قرر المؤتمر بخصوص موضوع الميزانية التقديرية الأولى للأمانة العامة للمجمع الطلب من الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي فصل مشروع الميزانية المذكورة عن ميزانية الأمانة العامةوتقديمها إلى مجلس المجمع للموافقة عليها ثم عرضها على المؤتمر الرابع عشر لوزراء الخارجية.
15- قرر المؤتمر بخصوص موضوع الترتيبات المالية والإدارية الخاصة بعقد الدورة الأولى للمجمع تكليف الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بمواصلة مهمتها لإعداد الدورة المذكورة وتنظيمها بالتعاون مع حكومة المقر (المملكة العربية السعودية) .
16- قرر المؤتمر تفويض موضوع تحديد موعد لانعقاد الدورة الأولى لمجمع الفقه الإسلامي وتحديد مكانها إلى الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في ضوء الاتصالات اللازمة في هذا الشأن مع الدول الأعضاء، على أن يتم عقده خلال فترة لا تزيد على خمسة أشهر.
17- نوه المؤتمر بما أعرب عنه صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز ملك المملكة العربية السعودية في خطابه الافتتاحي، بأن ما تعاني منه الأمة الإسلامية اليوم في فلسطين والقدس والأراضي العربية المحتلة وفي أفغانستان الإسلامية ما كان ليصيب هذه الأمة لو أنها تمسكت بهدي كتاب الله الكريم وسنة نبيه الهادي الأمين، لأن الخصوم يدركون أن لا قوة للمسلمين إلا بتمسكهم بمعطيات العقيدة الإسلامية.
18- ألقى رئيس وفد المملكة المغربية في الجلسة قبل الختامية كلمة أشاد فيها بالخطاب الذي ألقاه صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز في افتتاح المؤتمر، وشكر باسم الوفود المملكة العربية السعودية على حرارة وحسن الوفادة وكرم الضيافة.
19- قرر المؤتمر، بناء على اقتراح رئيس وفد موريتانيا، اعتبار خطاب صاحب الجلالة الملك فهد عبد بن العزيز، ملك المملكة العربية السعودية في افتتاح المؤتمر وثيقة رسمية من وثائق المؤتمر نظرا لأهميته ولما اشتمل عليه من توجيهات سديدة وأفكار حكيمة، كما قرر رفع برقية إلى جلالته تتضمن الشكر على توجيهاته ومساعدته الجليلة على إنجاح المؤتمر.
20- قرر المؤتمر توجيه ثنائه وشكره إلى معالي السيد الحبيب الشطي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي على جهوده المستمرة في خدمة العمل الإسلامي وحرصه على قيام مجمع الفقه الإسلامي.
21- قرر المؤتمر شكر سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير، رئيس المؤتمر على جهوده الموفقة في تسيير أعمال المؤتمر مما ساعد على نجاح أعماله والخروج بنتائج إيجابية ستعود بالخير على الأمة الإسلامية بعد انطلاقه وتحقيق أهدافه السامية.
22- أعلن سماحة رئيس وفد المملكة العربية السعودية عن تبرع صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز بمقر للمجمع في مدينة جدة، وبهذه المناسبة أعرب المؤتمر عن شكره وامتنانه لهذه المكرمة الملكية الكريمة.
23- قرر المؤتمر توجيه شكره وتقديره إلى كل الذين شاركوا بعملهم المخلص من أجل إنجاح أعمال المؤتمر.
وأخيرا نتوجه إلى الله تعالى بالحمد والشكر على توفيقه الدول الإسلامية إلى إنشاء هذا المجمع المبارك الذي سيحقق للأمة الإسلامية، بعون الله وتوفيقه مزيدا من الوحدة والمناعة والرخاء والأمن، وفيما بين المسلمين بعضهم بعضا، وفيما بينهم وبين غيرهم من الناس أجمعين.
24- أصدر المؤتمر عددا من القرارات المرفقة نصوصها بهذا التقرير.(1/35)
قرار رقم 1
استعراض النص الكامل للنظام الأساسي
ودراسة آراء وملاحظات وفود الدول الأعضاء حوله
واتخاذ القرار المناسب
إن المؤتمر التأسيسي للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 26الي 28 شعبان 1403هـ الموافق 7-9 يونيو 1983م..
إذ اطلع على قرار المؤتمر الإسلامي الثالث عشر لوزراء الخارجية لا سيما الفقرة العاملة منه التي تتعلق بملاحظات وآراء الأعضاء حول النظام الأساسي للمجمع.
وإذ استعرض النص الكامل للنظام الأساسي المصادق عليه من طرف المؤتمر الإسلامي الثالث عشر لوزراء الخارجية.
وبعد أن درس الآراء والملاحظات المكتوبة، التي وردت من بعض الأعضاء.
قرر
أولا: إجراء التعديلات الآتية على النظام الأساسي:
1-إضافة جملة: ويتم تعيينه من قبل دولته. إلى الفقرة (أ) من المادة السابعة حيث يتم تعيين الأعضاء العاملين من قبل دولهم.
2-استبدال عبارة: ثلث الأعضاء، بربع الأعضاء في الفقرة الثالثة من المادة الثانية عشرة، حيث تتم دعوة مجلس المجمع لعقد دورة استثنائية بناء على طلب ثلث الأعضاء.
3-استبدال عبارة: ثلثي الأعضاء، بعبارة: نصف الأعضاء في الفقرة (أ) من المادة الثالثة عشرة، حيث تصبح اجتماعات المجلس صحيحة بحضور ثلثي الأعضاء.
4-استبدال كلمة: ثلاث سنوات، بكلمة: أربع، في الفقرة (2) من المادة الثامنة عشرة، حيث تصبح مدة عضوية هيئة المكتب ثلاث سنوات.
5-استبدال جملة: بالإجماع أو بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين، بجملة: الأعضاء الحاضرين، في الفقرة الثانية من المادة الثالثة عشرة حيث تصدر قرارات المجمع وتوصياته بالإجماع أو بأغلبية ثلثي الأعضاء الحاضرين.
6-إضافة فقرة جديدة في المادة العاشرة، حيث يتم إشعار الدول المعنية بقرار المجلس إسقاط عضوية ممثلها فيه، ويطلب استبداله مع الإبقاء على النص الأصلي بحق مجلس المجمع في إسقاط العضوية بالنسبة للأعضاء الذين يتم تعيينهم من قبل المجمع.(1/36)
7-فصل ميزانية المجمع عن ميزانية الأمانة العامة بحيث تكون للمجمع ميزانية مستقلة بدلا من كونها جزءا من ميزانية الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، وتعدل الفقرة الأولى من المادة الثالثة والعشرين بهذا المعنى: وذلك تحقيقا لمزيد من الفعالية لأعمال المجمع.
8-إضافة فقرة جديدة للمادة السابعة تحدد: أن لا يتجاوز عدد الأعضاء العاملين في المجمع من غير الدول الأعضاء ربع عدد الأعضاء الذين يمثلون دولهم، مع الإبقاء على منحهم حق التصويت.
ثانيا: قرر المجلس الإبقاء على ما جاء بالنصين العربي والفرنسي للنظام الأساسي وتعديل النص الإنجليزي حول الفقرة الرابعة من المادة التاسعة المتعلقة باشتراط تمكن العضو من اللغة العربية.
ثالثا: قرر المؤتمر الطلب من الأمانة العامة إدراج التعديلات المشار إليها أعلاه، وإعداد النص المقنع وتعميمه على الدول الأعضاء.
رابعا: قرر المؤتمر إحالة الآراء المكتوبة المقدمة رسميا من الدول الأعضاء أثناء انعقاد المؤتمر وتلك التي قد ترد مستقبلا إلى الأمانة العامة لتتولى عرضها على مجلس المجمع في دورته لدراستها واتخاذ ما يراه مناسبا ...(1/37)
قرار رقم 2
دراسة ومناقشة آراء ومقترحات الدول الأعضاء
حول خطة عمل المجمع الفقهي الإسلامي
للسنوات الثلاث الأولى
إن المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 26 إلى 28 شعبان 1403هـ. الموافق 7- 9 يونيو 1983م.
إذ استعرض: أهداف المجمع الفقهي الإسلامي ووسائله لتحقيق تلك الأهداف وفقا للمادتين الرابعة والخامسة من النظام الأساسي.
قرر
1-إحالة مهمة وضع خطة عمل المجمع إلى مجلس المجمع نفسه.
2-الطلب من الدول الأعضاء موافاة مجلس المجمع بآرائها واقتراحاتها للأمانة العامة ليستفيد منها مجلس المجمع في وضع خطة عمله.
قرار رقم 3
حول الإجراءات الخاصة بالاتصال
بالدول الأعضاء لتعيين أعضائها بالمجمع
إن المؤتمر التأسيسي للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 26 إلى 28 شعبان 1403هـ. الموافق 7- 9 يونيو 1983م.
إذ يذكر بالمواد السادسة والسابعة والتاسعة من النظام الأساسي للمجمع.
واستنادا إلى التوصية التي تقدمت بها اللجنة الفرعية التي شكلها المؤتمر التأسيسي بتكليف الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي، بإجراء الاتصالات اللازمة مع الدول الأعضاء بشأن تعيين أعضائها العاملين بالمجمع.
أ -يرجو من الدول الأعضاء العمل على إبلاغ الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي في موعد أقصاه ثلاثة أشهر باسم وصفة العضو العامل الذي يمثلها في المجمع مع نبذة عن حياته ونشاطه العلمي، وذلك وفقا لما نصت عليه المواد السادسة والسابعة والتاسعة من النظام الأساسي.
ب -يدعو الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي إلى تكثيف اتصالاته بالدول الأعضاء لتحقيق ذلك.
جـ- يطلب من الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي إعداد لائحة كاملة بأسماء الأعضاء العاملين المعينين من الدول الأعضاء مع البيانات الخاصة بهم وتقديم ذلك إلى المجمع في الدورة الأولى لانعقاده.(1/38)
قرار رقم 4
حول تحديد موعد انعقاد الدورة
الأولى للمجمع الفقهي
إن المؤتمر التأسيسي للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 26 إلى 28 شعبان 1403هـ. الموافق 7- 9 يونيو 1983م.
بعد استعراض المادة الثانية عشر من النظام الأساسي للمجمع الفقهي وبعد استعراض كافة الاقتراحات المتعلقة بالموضوع.
قرر
تفويض الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي تحديد موعد اجتماع الدورة الأولى للمجمع الفقهي الإسلامي وتعيين انعقادها وذلك بعد إجراء الاتصالات اللازمة في هذا الشأن مع الدول الأعضاء على أن يتم عقده خلال مدة لا تزيد عن خمسة أشهر.
قرار رقم 5
حول الترتيبات المالية والإدارية لعقد
الدورة الأولى للمجمع الفقهي الإسلامي
إن المؤتمر التأسيسي للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 26 إلى 28 شعبان 1403هـ. الموافق 7 – 9 يونيو 1983م.
إذ يأخذ بعين الاعتبار المرحلة التأسيسية الأولى لانطلاق المجمع الفقهي الإسلامي لمباشرة مهامه، وضرورة اتخاذ الإجراءات التمهيدية لعقد دورته الأولى.
واستنادا إلى القرار رقم (4) الذي كلف الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بتحديد موعد تلك الدورة بعد استشارة الدول الأعضاء.
ونظرا للدور الهام الذي قامت وما زالت تضطلع به الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي لإتمام جميع الترتيبات الخاصة لتمكين المجمع من القيام بالمهام الجليلة التي أنيطت به.
يكلف الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي بمواصلة مهمتها النبيلة بالإعداد والإشراف على تنظيم عقد الدورة الأولى للمجمع في الموعد الذي سيحدد فيما بعد.(1/39)
قرار رقم 6
حول الميزانية التقديرية الأولى للأمانة
العامة للمجمع الفقهي
إن المؤتمر التأسيسي للمجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في الفترة من 26 إلى 28 شعبان 1403هـ. الموافق 7 -9 يونيو 1983م.
بعد الاطلاع على مشروع الميزانية التقديرية للسنة المالية الأولى للأمانة العامة للمجمع، والتي تضمنتها المذكرة التفسيرية التي أعدتها الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
واستنادا إلى توصية اللجنة الفرعية المنبثقة عن المؤتمر التأسيسي بالموافقة المبدئية على مشروع الميزانية والبالغ مقدارها (2.274.060) مليونان ومائتان وأربعة وسبعون ألفا وستون دولارا.
وإذ يذكر بالفقرتين (1، 2) من المادة الثالثة والعشرين من النظام الأساسي للمجمع.
أ -يطلب من الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي تقديم مشروع الميزانية المذكورة إلى مجلس المجمع لاعتماده قبل رفعه إلى مؤتمر وزراء الخارجية.
ب -يرجو من الدول الأعضاء، وبصفة استثنائية، المبادرة إلى تسديد مساهمتها في الميزانية الأولى للمجمع قبل موعد دورته الأولى التي ستتم قبل انعقاد المؤتمر الإسلامي الرابع عشر لوزراء الخارجية.
جـ- يناشد جميع الدول الأعضاء، وخاصة الدول القادرة منها على التبرع بسخاء لميزانية المجمع، بالإضافة إلى مساهمتها النظامية، حتى يتمكن المجمع من توفير الاعتمادات المالية اللازمة لانطلاقه ومباشرة المهام السامية التي أنيطت به، وخاصة خلال المرحلة التأسيسية الأولى من عمله.(1/40)
التقرير العام: للدورة الأولى لمجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين
انعقدت بحمد الله تعالى الدورة الأولى لمجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة في الفترة ما بين 26 -29 صفر الخير 1405هـ، الموافق لـ 19 -22 نوفمبر 1984م برعاية صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة نيابة عن صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز، عاهل المملكة العربية السعودية.
وبحضور معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي السيد الحبيب الشطي ومعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله عمر نصيف وفضيلة الشيخ محمد بن جبير رئيس ديوان المظالم بالمملكة العربية السعودية ومعالي السيد عبد الهادي أبو طالب المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة "ايسسكو".
وحضر أعمال الدورة الأولى ثلاثون عضوا من أعضاء المجمع "المرفق رقم 1" وتغيب عن الحضور الأعضاء الممثلون لكل من الدول التالية:
دولة الإمارات العربية المتحدة - جمهورية أندونيسيا - جمهورية أوغندا - الجمهورية الإسلامية الإيرانية - جمهورية سيراليون - جمهورية غينيا بيساو - دولة قطر - جمهورية الكاميرون - جمهورية بنين - سلطنة بروناي دار السلام - الجمهورية العربية اليمنية - جمهورية الغابون - الجمهورية اللبنانية - جمهورية جيبوتي.
وبعد تلاوة آيات من كتاب الله العزيز. افتتح صاحب السمو الملكي الأمير ماجد ابن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة أشغال الدورة بكلمة هامة ركز فيها على عمل منظمة المؤتمر الإسلامي داخل الأمة الإسلامية وخارجها لرفعة شأن الإسلام والمسلمين وعلى أهمية إنشاء مجمع الفقه الإسلامي، مشيرا إلى دوره الفعال في مجتمع اليوم وقال بالخصوص:"لما كان فقه الإسلام وأحكامه من الأمور الضرورية للمسلم ليكون معززا مكرما في دنياه منعما في أخراه، فقد أنشئ هذا المجمع الفقهي كجهاز من أجهزة منظمة المؤتمر الإسلامي لييسر للقاصدين معرفة أمور دينهم ومعاملات دنياهم على نهج جماعي موحد".(1/41)
ثم ألقى معالي السيد الحبيب الشطي، الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي خطابا ضافيا استهله بتوجيه الشكر إلى المملكة العربية السعودية لاستضافتها هذه الدورة وللترتيبات التي وفرتها للوفود والترحيب بأعضاء الوفود معبرا عن ابتهاجه عن قيام مجمع الفقه الإسلامي الذي جاء اليوم بحمد الله ليفتح الطريق للأخذ بالقواعد الشرعية واعتبارها مرجعا أساسيا كي يمضي العمل الإسلامي الشامل في مساره الصحيح وكي يعاد للفقه دوره وحيويته ونشاطه ومواكبة للعصر وتطوراته فيرسي دراساته وبحوثه وأحكامه على كتاب الله الكريم وسنة رسوله الأمين، ويعتمد في النظر والاستنباط على الأصول المقررة المعلومة والقواعد الكلية الهامة التي ضبطها علماء الأمة، فيجد في ذلك السبيل الحل لكل المشاكل مهما تنوعت أو اختلفت. وأكد معاليه بأن هذا الظرف بالذات الذي يكتنف العالم الإسلامي لينتظر الكثير من هذا المجمع المبارك.
وقال معاليه بالخصوص:
"إن في رد القضايا المختلفة المعقدة الفكرية والعقدية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها الناجمة عن تلكم الظروف والملابسات إلى كتاب الله وسنة رسوله، وإلى الأصول العامة والقواعد الكلية التي تضمنها التشريع الإسلامي والتي يقام بها العدل ويصان بها الحق وينشر بواسطتها الخير لأقوم طريق لحماية الإنسانية وإنقاذها مما تسرع إلى التردي فيه من أسباب المحق والدمار كما أنه السبيل الوحيد للنهوض بالعالم الإسلامي وتحقيق الانسجام بين دوله وشعوبه في الرأي والعمل نهوضا وانسجاما يطيحان بالصعاب ويقضيان على التحديات ويفرضان للعالم الإسلامي مكانته الرفيعة الجديرة به بين دول العالم وأن الأمل في بلوغ ذلك وتحقيقه لمعقود بهذه الهيأة العلمية الشرعية التي يمثلها مجمعكم الموقر والمعبرة عن الأمة الإسلامية بأكملها لانتظامها من ينوب عنها من العلماء والمفكرين في أطراف العالم".
وبعد ذلك ألقى معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي كلمة بليغة أعرب في بدايتها عن أمانيه الطيبة لهذا المجمع المبارك وأعلن عن استعداد رابطة العالم الإسلامي للتعاون مع المجمع حتى تنظم أنشطتها في ظل راية التوحيد على أرض الإسلام والسلام خدمة للأمة الإسلامية وتكاتفا من أجل مواجهة أعداء الإسلام مشيرا إلى أن الاجتهاد أصبح متعينا على فقهاء الأمة للورود على المعين الصافي الذي لا ينضب أبدا للشريعة الإسلامية والغوص في أعماق الثروات الفقهية التي تركها لنا سلفنا الصالح.
ثم ألقى معالي الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة، الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي كلمة رحب في بدايتها بالحاضرين وحمد الله أن منحنا من فضله هذه الهيأة العلمية الكريمة السامية، التي أرادها الله جل جلاله أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة أمتنا في مجال الفقه وخدمة الشريعة الإسلامية. وتطرق معاليه إلى تحليل المناهج والخطط الذي ينوي المجمع اتباعها في نشاطها المستقبلي باعتماده المناهج العلمية الأصولية الدقيقة إلى جانب اهتمامه بالمادة الفقهية وما تركه الأئمة من الأصوليين والفقهاء والمجتهدين والعناية بالجانب العلمي والتقني مما أشار إليه النظام الأساسي للمجمع.(1/42)
وأشار في كلمته إلى تساؤل الناس عامة في كل البلاد الإسلامية وفي غيرها عن موقف الدين تجاه ما يحدث من قضايا تمس كل مجالات الحياة من مذهبية فكرية واجتماعية واقتصادية وعلمية ونحوها وهم جميعا ينتظرون من أهل الفقه والعلم بالأحكام الشرعية دراسة مختلف الآراء في المسألة الواحدة والنظر في الأدلة والقواعد التي تحكمها. وقال: إن الاجتهاد ليصبح أقوى وأسلم حين يكون جماعيا وتخلص فيه النية وتغلب على القائمين به الخشية من الله والتقوى له والتفكير في مصالح الأفراد والجماعة الإسلامية.
ثم أعطيت الكلمة لممثلي الوفود الأعضاء حيث تكلم الدكتور صالح طوغ باسم الوفود الآسيوية فأشاد بأهمية المجمع ودوره في بناء المجتمع الإسلامي. وتلاه معالي السيد عبد الرحمن باه وزير الشؤون الدينية بجمهورية غينيا نيابة عن الوفود الأفريقية فبارك قيام المجمع حاثا أعضاءه على البحث الدؤوب استجابة لتطلعات الأمة الإسلامية التي تنتظر الكثير من هذه المؤسسة العلمية وأخذ الكلمة بعد ذلك سعادة الأستاذ محمد ميكو مندوب المملكة المغربية نيابة عن الوفود العربية محييا باسم جلالة ملك المغرب كرئيس لمنظمة المؤتمر الإسلامي مبديا ارتياحه لعزم هذه المؤسسة العلمية الفقهية على مجابهة الواقع بما فيه من تحديات ومشاكل اجتماعية وحضارية وبما فيه من علوم وتقنيات ومعارف لاستنباط الحلول الملائمة في الأصول بروح جماعية.
وانتخب المؤتمر بعد ذلك معالي الدكتور بكر أبو زيد وكيل وزارة العدل بالمملكة العربية السعودية وممثلها لدى المجمع رئيسا فألقى معاليه كلمة شكر فيها الأعضاء على الثقة التي وضعوها في شخصه بانتخابه لهذه المهمة مؤكدا أن هذا المجمع هو ثمرة من ثمرات مجهودات الأمة الإسلامية معربا عن أمله في أن تكون هذه المؤسسة العلمية الفقهية انطلاقة لإيجاد الحلول الملائمة لما يعرض لمجتمعنا الإسلامي من مشاكل ناتجة عن التطور الذي ما انفك يشهده في جميع الميادين. وأعرب عن أمله في أن يساهم المجمع في نشر كتاب الله وسنة رسوله على النهج الصحيح.(1/43)
ثم انتخب بالإجماع ثلاثة نواب للرئيس وهم:
- معالي السيد عبد الرحمن باه: وزير الشؤون الدينية بجمهورية غينيا.
- فضيلة الدكتور عبد الله إبراهيم: رئيس قسم الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية بماليزيا.
- وسعادة الدكتور عبد السلام العبادي: وكيل وزارة الأوقاف وشؤون المقدسات الإسلامية بالمملكة الأردنية الهاشمية.
وبعد الفراغ من هذه الخطوات التنظيمية تولى المؤتمر انتخاب هيئة مكتب المجمع مراعيا في ذلك التوزيع الجغرافي للعالم الإسلامي وهي متكونة من ستة أعضاء يمثلون كل من: تركيا وباكستان ومالي والسنغال ودولة الكويت والجزائر.
واتفق الحاضرون على تكوين الشعب التي نص عليها النظام الأساسي للمجمع وبذلك تكونت ثلاث شعب وهي كالتالي:
- شعبة التخطيط والترجمة.
- شعبة الدراسات والبحوث.
- وشعبة الإفتاء.
وتولى الحاضرون بعد ذلك استعراض اللائحة التنفيذية للمجمع التي أعدها الأمين العام طبقا للنظام الأساسي وبعد مناقشتها مناقشة مستفيضة وإدخال التعديلات اللازمة عليها أقرها المجلس وبخصوص المواد المتعلقة باختصاصات الشعب رأى المجلس تفويض الأمر فيها إلى أعضاء الشعب أنفسهم للنظر فيها زيادة وتعديلا وتنقيصا.
وخصص المؤتمر جلسات يوم 27 صفر 1405هـ الصباحية والمسائية لاجتماعات الشعب الثلاث وهي:
- شعبة التخطيط واختارت الدكتور عبد اللطيف فرفور رئيسا. والأستاذ إبراهيم بشير الغويل مقررا.
- شعبة الدراسات والبحوث واختارت الدكتور حسن الترابي رئيسا، والدكتور محمد شريف أحمد مقررا.
- شعبة الإفتاء واختارت فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى رئيسا، والأستاذ محمد ميكو مقررا.
وقد استعرضت هذه الشعب في جلساتها المنفصلة الصباحية المواد التي تخصها في اللائحة التنفيذية. وأجرت تعديلات وإضافات عليها في ضوء المناقشات التي دارت بين أعضائها كما ضبطت المنهج والخطة التي تلتزم اعتمادها في سير عملها.
وفي الجلسة المسائية التأمت الشعب الثلاث في اجتماع مشترك نسقت فيه بين نشاطها وأعمالها وانتهت إلى قرارات "ملحق 2".
وعقدت هيئة المكتب يوم 28 صفر 1405هـ اجتماعا للنظر في ميزانية المجمع طبقا للنظام الأساسي. وبعد المناقشة والتعديل عرضت الهيئة الميزانية على المجلس.
وفي الجلسة المسائية وبعد الفراغ من مناقشة تقارير اللجان وزعت على الأعضاء قائمات بأسماء الباحثين والدارسين والخبراء والمحققين.(1/44)
وعرض رئيس المجلس في نفس الجلسة على المؤتمر ميزانية المجمع وتناول الكلمة الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي للشؤون الثقافية والاجتماعية وصندوق التضامن الإسلامي سعادة السيد بكاري درامي فقدم الميزانية مشيرا إلى أن المصادقة عليها قد تمت من طرف وزراء الشؤون الدينية في المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي الذي انعقد بمكة المكرمة في شعبان سنة 1403هـ. وأثر التداول في شأنها ومناقشتها أقر المجلس الميزانية المعروضة عليه "ملحق 3".
وإثر ذلك تقدم رئيس المجلس باقتراح عضوية أربعة من أعلام الفقه والدارسات الشرعية وست منظمات ومؤسسات تشارك المجمع في بعض أنشطته وممثلا عن الجاليات الإسلامية مقترحا من المعهد العالي للفكر الإسلامي بأمريكا.
وإثر المصادقة على العضوية العاملة لهؤلاء الأشخاص والهيئات حدد المؤتمر شهر محرم الحرام من سنة 1406 موعدا لانعقاد دورته القادمة الثانية.
وأعرب أعضاء المجمع عن خالص شكرهم وتقديرهم لمعالي الدكتور بكر أبو زيد رئيس المجلس لما أبداه من حنكة ودراية ومعرفة واسعة تجلت في حسن إدارته لمختلف جلسات المجمع وأضفى عليها روحا من التعاون المثمر البناء.
وتوجه المجلس في ختام أعماله بالشكر الجزيل وعميق الامتنان لصاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز وحكومة المملكة العربية السعودية لما قدم لكافة أعضائه من كريم الضيافة والتسهيلات مما يسر انعقاده في أحسن الظروف وكلل أعماله بالنجاح.(1/45)
تقرير
شعبة الدراسات والبحوث
بسم الله الرحمن الرحيم
اجتمع أعضاء الشعب الثلاث: شعبة التخطيط، وشعبة الدراسات والبحوث، وشعبة الإفتاء في صباح ومساء يوم الثلاثاء المصادف 27 صفر 1405هـ، الموافق 20/11/1984م، واختارت كل شعبة رئيساً ومقرراً لها كالآتي:
(أ) شعبة التخطيط: اختير الدكتور عبد اللطيف فرفور رئيساً لها والأستاذ إبراهيم بشير الغويل مقرراً لها.
(ب) شعبة الدراسات والبحوث: اختير الدكتور حسن عبد الترابي رئيساً لها والدكتور محمد شريف أحمد مقرراً لها.
(جـ) شعبة الإفتاء: اختير فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى رئيساً لها والأستاذ الدكتور محمد ميكو مقرراً لها.
واستعرضت كل شعبة في بداية عملها المواد التي تخصها في اللائحة التنفيذية، وأجرت تعديلات، وإضافات عليها في ضوء المناقشات التي دارت بين أعضاء الشعب الثلاث، وفي نهاية اليوم اجتمعت الشعب الثلاث اجتماعاً مشتركاً لغرض التنسيق في الاقتراحات وانتهت الشعب إلى التوصيات التالية:
أولاً: شعبة التخطيط:
15- تتولى هذه الشعبة إعداد أثبات وقوائم لما يصدرفي مجال الدراسات والبحوث وتأليف الكتب والرسائل عن الإسلام، وكذلك في مجال الفقه والفتوى وفي مجال التراث الفقهي أصوله وفروعه وتحقيقه.
16- تضع أثباتا وقوائم لأمهات الكتب المخطوطة في الفقه الإسلامي في مختلف المذاهب وفي كتب الخلاف، وفي القواعد والكليات، وفي علم الأصول. وتدل الأمانة العامة على مكان وجود هذه المخطوطات كي تتولى إدارة المجمع استحضار ما يلزم من مايكروفلمات أو نسخ، وذلك تمهيداً لتحقيقها ونشرها.
17- تضبط قوائم في أهم القضايا التي لها ارتباط بالأحوال الاجتماعية والاقتصادية والشؤون العامة للمجتمع الإسلامي رصداً للتطور الساري في مختلف المجالات وما نجم عنه من مشكلات في الحياة المعاصرة تمهيداً لإيجاد حلول لها في ضوء الشريعة الإسلامية.
18- تعتمد المنهج الذي يجب إعماله في البحوث والدراسات الشرعية والفقهية وتضع ذلك في صورة قواعد للدراسة والتحقيق.
19- تضع رزنامة للندوات واللقاءات التي يعتزم المجمع القيام بها بمقره في جدة، أو خارج مقره بصفة مستقلة، أو بالاشتراك أو التعاون مع الجامعات ومع المؤسسات من أجل دراسة مشكل قائم، أو التعمق في دراسة موضوع من موضوعات الحياة العملية، أو القيام بدراسة فقهية شرعية مستوعبة، تعتمد التحليل والمناقشة، وإيجاد الحلول الإسلامية.(1/46)
20- تربط الصلة بالجامعات الإسلامية ومراكز البحوث بها، أو خارجها وبالمجامع والمؤسسات المختصة قصد التنسيق والتعاون معها بالطرق الممكنة.
ويتولى الأمين العام متابعة ذلك وتنفيذه.
21- مادة (21) - تضع شعبة التخطيط، على ضوء ما تجمع لديها من معلومات مما نص عليه في المواد 15، 16، 17- وبعد تصنيفها – وبالمنهج الذي تعتمده، (تضع) مشروع خطة عمل عامة للدراسات والبحث والتحقيق والترجمة والنشر ... وتقترح بعض الدارسين والباحثين والمحققين وتنسق كل ذلك مع الأمين العام للمجمع والشعب المختصة، كما تتولى اقتراح ما ترى ترجمته ونشره.
ثانياً: شعبة الدراسات والبحوث:
22- تحدد منهجاً لعملها، وإطاراً لنشاطها، يتم به تصنيف موضوعات الدراسات والبحوث، وتحديد المشروعات التي تعتزم القيام بها، وتقدير الحاجات الفنية والمادية اللازمة لمشروعات العمل.
23- تسترشد بما تقدم إليها لجنة التخطيط من أثبات وقوائم ومقترحات كما تقترح على لجنة التخطيط ما تشاء من موضوعات جديدة للدراسة والبحث في مختلف المجالات الفقهية والفكرية والإسلامية.
24- تلتزم بالمنهج العلمي للدراسات والبحوث ذلك الذي تقترحه هي وتقره لجنة التخطيط ويعتمده المجلس.
25- تسهم في إثراء النشرات الدورية العملية للمجمع وذلك بإمدادها بما تقوم به من بحوث أو تقره من دراسات.
26- تسهم في مشروعات للدراسة والبحوث والتأليف، ولها أن تقترح على الأمين العام وقوائم بالخبراء والباحثين والمحققين للاستعانة بهم في ذلك.
27- بناءً على توصية اللجنة تعطي على الدراسات والبحوث التي يقبلها المكتب ويقرها المجلس مكافآت مناسبة يحددها الأمين العام وفق ما هو معمول به في المؤسسات المماثلة.
28- تعرض عليها أي مشروعات علمية من الباحثين أو الجامعات أو المؤسسات العلمية الأخرى لغرض تقويمها والتوصية بشأن تبنيها أو إعانتها من قبل المجمع. وللجنة أن تستعين في ذلك بآراء الخبراء المختصين.
29- تعني هذه الشعبة بإنشاء موسوعة فقهية لا مبتدئة بالاستفادة مما أنشيء ومراجعة ما هو موجود حتى يكون عملها مستأنفا لا مكملاً وتهتم بالرجوع في كل مسألة إلى الأدلة المعتمدة.
30- تعني بتحقيق كتب الفقه الإسلامي ويعهد بذلك لمن يقوم به من بين أفرادها أو من تقترحه من الخبراء والمحققين الذين لهم قدم في هذا المجال ويحصلون على الموافقة في انتدابهم من الأمين العام للمجمع.(1/47)
ثالثاً: شعبة الإفتاء:
31- تضع خطة لعملها تتماشى والمهام التي يمكن أن تتوفر عليها لتتيسر معرفة الفقه وتحرير الفتاوى في القضايا المختلفة.
32- تعني بنشر كتب القه الإسلامي في موضوع الفتاوى والقضايا والأحكام وذلك بتحرير قائمة المخطوطات الموجودة في مكتبات العالم والتعريف بكل كتاب منها واقتناء صورها تمهيداً لطبعها عند الاقتضاء. وبإعادة طبع كتب الفقه المعتمدة والتي نفدت طبعاتها وتحديد الأولويات فيما يطبع.
33- تعني هذه الشعبة بفهرست الكتب الفقهية المتعلقة بالفتوى وذلك بإبراز موضوعاتها بما من شأنه أن ييسر الانتفاع بها.
34- تقوم بتحرير مشروع الفتاوى ليقرها المجمع في القضايا المهمة، وذلك بالنظر فيما يعرض عليها من استفتاءات تتصل بالقضايا العامة المختلفة.. للبحث لها عن حلول من الشريعة الإسلامية تساعد على تحقيق النمو والتطور للمجتمع فى المسار الإسلامي الصحيح.
35- إن رأت أن الاستعانة بذوي الكفاءات العلمية ضرورة أكيدة لتكون الفتاوى مبنية على مراعاة جميع المعطيات.
ونتيجة لذلك فقد تقرر حذف المواد 37، 38، 39، في ضوء الترقيم السابق، نظراً لتكون هذه الاختصاصات قد أدرجت في مهام شعبة الدراسات والبحوث.
أما بقية المواد إلى المادة 48 بإدخال الغاية في ضوء الترقيم السابق فقد صودق عليها بدون تغيير.(1/48)
تقرير
شعبة التخطيط
بسم الله الرحمن الرحيم
عند الساعة العاشرة والربع من صباح اليوم الثلاثاء 27 صفر 1405هـ، وبغرفة اللجنة الأولى، انعقد اجتماع للشعبة الأولى.. شعبة التخطيط (والمكلفة بشعبة الترجمة والنشر) ، وقد حضر هذا الاجتماع كل من الإخوة:
الدكتور عبد اللطيف فرفور من سوريا.
الدكتور التيجاني الهدام من الجزائر.
السيد إبراهيم بشير الغويل من لبيبا.
السيد محمد سالم محمد على عبد الودود من موريتانيا.
السيد (روحان) مباي من السنغال.
السيد تيجاني صابون محمد من تشاد.
ولم يتغيب سوى الأخوين: الدكتور الترابي (من السودان) والسيد محمد ميكو (من المغرب) لانشغالهما في لجان أخرى.
وقد اختير الأخ للدكتور عبد اللطيف فرفور ليرأس الجلسة، كما اختير الأخ إبراهيم بشير الغويل مقرراً. وقد حضر من الأمانة العامة الأخ الأستاذ المستشار حسن ميجاج.
وقد رأى الأخوة أعضاء الشعبة أن يبدأوا باستعراض المواد التي تخص الشعبة من اللائحة التنفيذية، وهي المواد من 15 حتى 22، ثم ينظرون في المواد التي تخص شعبة الترجمة والنشر ... ولدى بدئهم باستعراض المواد التي تخص الشعبة (شعبة التخطيط) وضعوا مقياساً يضبطون به صياغة المواد ... وهو أن يقبلوا كل ما يكون متصلاً بالتخطيط لا غير- تاركين ما تعلق بتدبير الخطوات التنفيذية وتوجيه للشعب الأخرى.. كل فيما يخصه ... على أنهم يحفظون لشعبة التخطيط بجانب المتابعة إضافة إلى ما لها من حق التخطيط..
وبهذا المقياس قبل الإخوة الحاضرون ما جاء في المواد 16، 17، 18- وإن كانوا قد ارتأوا من أجل أغراض الصياغة البحتة أن يدمجوا المادتين 16، 17 معاً- من مسؤوليتهم في وضع أثبات وقوائم ... سواء لأمهات الكتب المخطوطة أو لأهم القضايا.. وفي مجال الدراسات والبحوث.. الخ.
وقد عدلوا المادة (15) بحيث تصير كما يلي: " تتولى هذه الشعبة إعداد أثبات وقوائم لما يصدر في مجال الدراسات والبحوث وتأليف الكتب ... " (المادة) .
وقد ارتأى الإخوة الحاضرون أن " توضيح المنهج الذي يتأكد اعتماده في البحوث والدراسات.." المنصوص عليه (مادة 18) هو من أهم وأعظم واجبات التخطيط.
كما أن وضع رزنامة للندوات واللقاءات من أجل دراسة مشكل قائم أو التعمق في دراسة موضوع من الموضوعات (مادة 20) ، وكذلك ربط الصلات بالجامعات الإسلامية ومراكز البحوث (مادة 19) ، يعد من الواجبات التي ارتأت لجنة التخطيط أنها فعلاً من واجباتها الأساسية.(1/49)
إلا أن اللجنة رأت أن تكون المادة (22) - والتي صارت المادة (21) - على الوجه التالي:
مادة 21- تضع شعبة التخطيط، على ضوء ما تجمع لديها من معلومات مما نص عليه في المواد 15، 16، 17- وبعد تصنيفها - وبالمنهج الذي تعتمده، (تضع) خطة للدراسة والبحث والتحقيق والترجمة والنشر ... وتقترح بعض الدارسين والباحثين والمحققين وتنسق كل ذلك مع الأمين العام للمجمع والشعب المختصة، كما تتولى اقتراح ما ترى ترجمته ونشره.
وعند استعراض المواد الخاصة بـ (شعبة الترجمة والنشر) رئي الإبقاء على المواد (وهي من 48 حتى 53) كما هي ما عدا تعديلات طفيفة.. تتمثل في استعمال كلمة (مهمة) بدلاً من (هامة) في المادة 48 ... وتصحيح آخر هذه المادة على الوجه التالي:
" بحوث إسلامية مهمة يحتاج إلى نقلها إلى لغات أخرى"، وإضافة صفة (مسلمين) إلى الخبراء المذكورين في المادة (53) .
هذا. وقد رأى الإخوة الحاضرون الإبقاء على اختصاص كل من الشعبتين.. قائماً بذاته، واعتبار أن ما تم من تكليف لهم بمهام الشعبتين إنما هو مجرد اسناد مهام (شعبة الترجمة والنشر) إلى (شعبة التخطيط) وليس دمجاً لكل من الشعبتين، ذلك بعد أن تشاور الحاضرون مع سعادة الأمين العام، الذي تشرفوا بحضوره معهم.. كما تشرفوا بحضور الشيخ رئيس المجمع ... وقدر رفعت الجلسة عند أذان الظهر.. على أن تعود إلى الانعقاد عند الساعة الرابعة عصراً، بعد أن تقرر أن تخصص جلسة المساء للاهتمام بوضع خطة للدراسات والبحوث والتحقيقات والترجمة والنشر.. مبتدئين بمحاولة لوضع برنامج لجمع الملعومات عن أهم الدراسات وقضايا البحث التي يجب أن تنال أولوية، ومع الاهتمام بالمنهج الذي يجب اعتماده.(1/50)
بسم الله الرحمن الرحيم
مشروع خطة.. واقتراح لمنهج مبدئي:
من وضع شعبة التخطيط
تحقيقاً للأهداف التي يرمى إليها المجمع من:
تحقيق الوحدة الإسلامية بتكوين مجمع تلقى فيها اجتهادات فقهائها وعلمائها وأولي الأمر فيها.. وحتى يتم العزم أو الإجماع- بعد تحاور وتشاور - مما يحقق إرادة الأمة الإسلامية في الوحدة نظرياً وعملياً وفقاً لأحكام الشريعة الإسلامية.
وتأكيد الدور الحضاري الذي اضطلعت به الشريعة الإسلامية، وقد قام السلف الصالح بدورهم في مواجهة مشكلات عصرهم ومجتمعهم.. مما وفر تراثاً إسلامياً أثرى المعرفة الإنسانية، وعلينا دراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد في اجتهاداً أصيلاً لتقديم الحلول النابعة من الشريعة الإسلامية.. قياماً بدور وحملاً لرسالة.(1/51)
وعملاً باختصاصات شعبة التخطيط في توفير المعلومات (وكتابة ببلوغرافيا للثقافة الإسلامية المعاصرة ووضع قوائم وإثبات للمخطوطات وكذلك قوائم للباحثين والخبراء والمحققين) وتصنفيها حسب الأولويات، وإعدادها مفهرسة ومبوبة وحسنة العرض، ودفعها كقضايا معدة- ومع إرفاقها بمنهج المعالجة المعتمد- إلى شعبتي البحث والدراسة والإفتاء ومتابعة هاتين الشعبتين في إنجاز أعمالها المتوخية بهما في هذه القضايا إلى أن تنتهيا وتعيدا القضايا المذكورة بعد النظر فيها وإيجاد الحلول الإسلامية لها ... لتتولى شعبة التخطيط السهر والسبك النهائي لهذه القضايا مع حلولها بشكل فني متقن وعرضها على المجلس لاعتمادها، ثم ترجمتها ونشرها في دوريات المجمع وثائق مجمعية.
فقد رأت شعبة التخطيط وضع الخط التالية ... واعتماد المنهج المبين فيما يلي:
الخطة:
أولاً: ستتولى الشعبة إعداد أثبات وقوائم لما يصدر في مجال الدراسات والبحوث وتأليف الكتب والرسائل، وكذلك في مجال الفقه والفتوى.. في مجال التراث الفقهي.
ثانياً: كما تضع أثباتاً وقوائم لأمهات الكتب المخطوطة في الفقه الإسلامي في مختلف المذاهب، وفي كتب الخلاف، وفي القواعد والكليات، وفي علم الأصول مع توضيح مكان وجودها.
ثالثاً: ترى الشعبة أنه يمكن الآن ضبط قائمة بأهم القضايا التي لها ارتباط بالأحوال الاجتماعية والاقتصادية والشؤون العامة للمجتمع الإسلامي.. مع رصد للتطور الساري وما نجم، وينجم، عنه من مشكلات في الحياة المعاصرة ... وذلك لإيجاد حلول لها على ضوء الشريعة الإسلامية.
المنهج:
رابعاً: ترى الشعبة أن المنهج الذي يتأكد اعتماده في البحوث والدراسات الشرعية والفقهية - وذلك بصفة مبدئية، وإلى أن يتيسر وضع منهج معتمد في صورة قواعد للدراسات والتحقيق - (ترى الشعبة أن يكون المنهج) كما يلي:
1- البحث في المسائل المستجدة والواقعات الحادثة وفق نظر يعتمد قوة الدليل الشرعي، ويهتم بتحقيق المقاصد الشرعية المعتبرة، ويهدف إلى التيسير ورفع الحرج ضمن قواعد الشرعية وضوابطها العامة.
2- الاستئناس بما تنتهي إليه البحوث والدراسات الجادة التي تعنى بالمذاهب الفقهية جميعها.. وتحرص على أخذ الآراء المذهبية من مصادرها الأصيلة وكتبها المعتمدة.
3- تخريج الأحاديث وفقاً لقواعد التخريج المعتمدة.
4- توثيق النقول وفق الاصطلاح الذي يختاره المجمع.(1/52)
تقارير شعب التخطيط والدراسات والبحوث والإفتاء
بسم الله الرحمن الرحيم
في يوم الثلاثاء المصادف 27/صفر / 1405هـ، الموافق 20/11/1984م. اجتمعت شعبة الدراسات والبحوث لدراسة اختصاصاتها، وأولويات عملها، واختيار خطة عمل مناسبة لها بحضور جميع أعضائها، وهم:
الدكتور حسن عبد الله الترابي.
الدكتور محمد شريف أحمد.
سيدي محمد الأمين دجيري.
الدكتور عبد الله بن حاج إبراهيم.
البروفيسور صالح طوغ.
الشيخ محمد عبده عمر.
مولانا محمد عبد الرحيم.
معالي السيد موسى فتحي.
وفي بداية الجلسة الصباحية اختارت الشعبة الدكتور حسن عبد الله الترابي رئيساً لها، والدكتور محمد شريف أحمد مقرراً لها. ثم، ضعت خطة لعملها سارت بموجبها في تحديد اختصاصاتها في ضوء طبيعة عمل الشعبة، واختصاصات الشعب الأخرى تفادياً لأي تناقض أو تداخل بين أعمال الشعب واختصاصاتها المختلفة.
ومع تقديرها للجهود التي بذلت في صياغة اللائحة التنفيذية فإن الشعبة راجعت تلك الصياغة، وأجرت عليها تعديلات تناولت حذف بعض الفقرات وضم بعضها إلى البعض الآخر وإضافات تقتضيها طبيعة الشعبة.
ثم واصلت جلستها المسائية لاستكمال خطها، ووضع المنهج العلمي لها، وتحديد بعض الموضوعات الهامة للدراسة والبحث. وتوصلت بعد مناقشات ضافية من الأعضاء إلى الأمور التالية:
أولاً: فيما يتعلق باختصاصات شعبة الدراسات والبحوث:
22- تحدد منهجاً لعملها واطاراً لنشاطها يتم به تصنيف موضوعات الدراسات والبحوث، وتحديد المشروعات التي تعتزم القيام بها، وتقدير الحاجات الفنية والمادية اللازمة لمشروعات العمل.
23- تسترشد بما تقدمه إليها لجنة التخطيط من أثبات وقوائم ومقترحات، ولها أن تقترح على لجنة التخطيط ما تشاء من موضوعات جديدة للدراسة والبحث في مختلف المجالات العقدية، والفقهية، والفكرية الإسلامية.
24- تلتزم بالمنهج العلمي الذي تقترحه، وتقره لجنة التخطيط ويعتمده المجلس.
25- تسهم في أثراء النشرات الدورية العلمية للمجمع وذلك بامدادها بما تقوم به من بحوث، أو تقره من دراسات.(1/53)
26- تتولى تنفيذ مشروعات للدراسات والبحوث والتأليف، ولها أن تقترح على الأمين العام خبراء وباحثين ومحققين، للاستعانة بهم في أعمال المجمع العلمية.
27- بناء على توصية الشعبة تعطي على الدراسات والبحوث التي يقبلها المكتب، ويقرها المجلس مكافآت مناسبة يحددها الأمين العام وفق ما هو معمول به في المؤسسات المماثلة.
28 تعرض عليها أي مشروعات علمية من الباحثين أو الجامعات، أو المؤسسات العلمية الأخرى لغرض تقويمها، والتوصية بشأن تبنيها أو اعانتها من قبل المجمع، وللجنة أن تستعين في ذلك بآراء الخبراء المختصين.
ورأت الشعبة إحالة الفقرات 37، 38، 39، وفق الترقيم السابق إلى اختصاصاتها لصلتها الأكيدة بها وهي فقرات تقع ضمن اختصاصات شعبة الإفتاء وتتعلق بجمع المصطلحات الفقهية وأعمال الموسوعة الفقهية، وتحقيق كتب التراث.
ثانياً: فيما يتعلق بالمنهج العلمي:
ترى الشعبة أن المنهج العلمي هو المعيار الذي يوجه الدراسة والبحث وسائر العمل العلمي في المجمع ويتصف بما يلي:
" المقارنة " التزام منهج الفقه المقارن في البحوث والقضايا المدروسة.
" الموضوعية" التزام الموضوعية والتجرد عن كل هوى أو تعصب لمذهب، أو ولاء طائفي أو سياسي.
" الواقعية " إيلاء الأولوية في الدراسة والبحث لمعالجة مشاكل الواقع الإسلامي المعاصر.
" الاجتهاد " الاجتهاد بالرأي المؤسس على الأصول الإسلامية والمتوخي للمقاصد والمصالح الشرعية، والمستأنس بالتراث الفقهي، والمعتبر لظروف الواقع وحاجاته.
" السماحة " التحلي بالسماحة في مواطن الاختلاف الفقهي، والأخذ بما تذهب إليه غالبية الآراء مع إثبات المسار الآخر.
" التأصيل " تأصيل الآراء والبحوث بالأدلة الصحيحة من أصول الإسلام ومن مواقع التراث.
ثالثاً: فيما يتعلق بتحديد أولويات البحث تختار الشعبة الموضوعات التالية:
الملكية ومدى سلطة الدولة في تقييدها.
الشركات التجارية الحديثة واهتماماتها.
الولاء الوطني ووحدة الأمة في حاضر العالم الإسلامي.
نظم ومناهج تدريس الفقه الإسلامي.
الاجتهاد في المجتمع المسلم المعاصر.
النظم القضائية والعدلية في الإسلام.
رابعاً: فيما يتعلق بخطة عمل قصيرة للمجمع تقترح ما يلي:
استئصال دراسة لمشروع إقامة مركز للبحث الإسلامية يتولى الأعمال الفنية ومنها إصدار النشرات الدورة التي تخدم أهداف المجمع.
رصد وجمع التقنينات والتشريعات الإسلامية ومشروعات تدوين أحكام الشريعة الإسلامية في أي بلد إسلامي.(1/54)
تقرير: شعبة الإفتاء
بسم الله الرحمن الرحيم
اجتمعت شعبة الإفتاء التابعة لمجمع الفقه الإسلامي يوم الثلاثاء 27صفر 1405هـ، الموافق 20نوفمبر 1984 بعضوية كل من:
فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى.
عضو مجمع البحوث الإسلامي بالأزهر
سعادة السيد محمد ميكو
رئيس غرفة المجلس الأعلى، مدير الشؤون المدنية بالمملكة المغربية
معالي الحاج عبد الرحمن باه
وزير الشؤون الدينية بجمهورية غينيا
فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن
مفتى جمهورية جزر القمر ومستشار الرئيس للشؤون الدينية
فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
مفتى الجمهورية التونسية
القاضي محمد تقي عثمان.
قاضي القسم الشرعي بالمحكمة العليا بجمهورية باكستان الإسلامية.
فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد.
وكيل محكمة الاستئناف العليا الشرعية بدولة البحرين
فضيلة الشيخ أحمد بن سعود السيابي
مدير مكتب المفتى العام لسلطنة عمان
فضيلة الشيخ آدم شيخ عبد الله علي
مدير وإمام مسجد التضامن الإسلامي بجمهورية الصومال
كما حضر اشغال الشعبة الدكتور طلال عمر بافقيه، مدير المجمع الفقهي الإسلامي برابطة العالم الإسلامي وفضيلة الشيخ محمد أمين البدوي مدير مكتب الجامع الأزهر الشريف وقد انتخب أعضاء الشعبة فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى، رئيساً، وسعادة السيد محمد ميكو مقرراً.(1/55)
ثم شرعت الشعبة في أعمالها بتحليل مفهوم كلمة الإفتاء وضبط حدودها، واتفقت على أن المقصود من الفتوى هو ما يصدر عنها من آراء فيما يشغل بال الأمة الإسلامية كافة من مشاكل العصر وعرضها على المجمع ليبت فيها، مستبعدة بذلك ما يتبادر إلى معنى كلمة الفتوى كل ما يتعلق بإصدار فتاوى جزئية لما يعرض للأفراد من إشكالات في مجال العبادات أو المعاملات. ومن هنا اتفقت الشعبة أنه عليها أن تضع خطة لعملها بتحديد أهدافها ومنهجية عملها حيث إن الشعبة لا تكتفي بإعطاء الحلول فقط بل ترمى أيضاً إلى إثراء مكتبة الفقه الإسلامية بجميع المصادر الهامة.
وبعد مداولات ودراسة القسم المتعلق بشعبة الإفتاء الوارد في اللائحة التنفيذية حيث اعتبروه أرضية مشتركة للحوار بينهم، واتفقوا على الهيكلية التالية:
أولاً: تيسير معرفة الفقه بالوسائل التالية ونحوها:
(أ-) المصطلحات الفقهية:
بالاستفادة مما أنجز من المصطلحات والمساعدة على نشرها.
بمراجعة ما هو موجود منها وإثرائه.
(ب) الموسوعات الفقهية:
- بمراجعة الموجود منها وتصحيح ما يجب تصحيحه وإكمال ما يتحتم إتمامه.
- بالعمل على التقدم بمشاريعها.
- بإثرائها تدليلاً على كل مسألة من مسائلها بالأدلة المعتمدة.
(جـ) نشر تراث الفقه الإسلامي:
بتحرير قائمة المخطوطات الموجودة في مكتبات العالم والتعريف بكل كتاب منها واقتناء صورها تمهيداً لطبعها عند الاقتضاء.
بإعادة طبع كتب الفقه المعتمدة والتي نفدت طبعاتها.
بتحديد الأولويات لما يطبع.
(د) فهرست الكتب الفقهية:
- بإبراز موضوعاتها بما من شأنه أن ييسر الانتفاع بها.
(هـ) جعل مادة الفقه الإسلامي، مادة أساسية في جميع مراحل التعليم وصفوفه.
ثانياً: تحرير الفتاوى في القضايا المهمة:
بالنظر في القضايا الاقتصادية حسب حركة التطور المعاصرة للبحث لها عن حلول من الشريعة الإسلامية تساعد على تحقيق النمو الاقتصادي للأمة الإسلامية.
بالنظر في القضايا الاجتماعية المعاصرة للبحث لها عن حلول من الشريعة تساعد على تطور المجتمع في المسار الإسلامي الصحيح.
وترى الشعبة أن الاستعانة بذوي الكفاءات العلمية في جميع الميادين ضرورة أكيدة لتكون الفتاوى مبنية على مراعاة جميع المعطيات الأساسية.
وتحقيقا للفاعلية، قررت التفويض لسيادة الأمين العام للمجمع قصد تعيين الخبراء الذين هم أهل للقيام بهذه المهمة الدقيقة والهامة.
كما ترى أن عقد اجتماعات دورية لهذه الشعبة بين الجلسات العامة كلما اقتضى الحال ذلك.
وبالله التوفيق وهو من وراء القصد..(1/56)
النظام الأساسي: لمجمع الفقه الإسلامي
الباب الأول
المبادئ العامة
المادة الأولى:
ينشأ مجمع يسمى (مجمع الفقه الإسلامي) ويشار إليه في هذا النظام بلفظ (المجمع) وله شخصيته المعنوية داخل إطار منظمة المؤتمر الإسلامي.
المادة الثانية:
مدينة جدة بالمملكة العربية السعودية هي المقر الأساسي للمجمع، وله أن ينشئ فروعا في البلاد الإسلامية، كما أن له أن ينشئ مكاتب في أي بلد يراه.
المادة الثالثة:
تعقد دورات المجمع وجلساته في جدة، ويجوز أن تعقد في أي بلد إسلامي آخر بعد اتخاذ الترتيبات اللازمة.
الباب الثاني
الأهداف
المادة الرابعة:
يعمل المجمع على:
أ -تحقيق الوحدة الإسلامية نظريا وعمليا عن طريق السلوك الإنساني ذاتيا واجتماعيا ودوليا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.
ب -شد الأمة الإسلامية لعقيدتها ودراسة مشكلات الحياة المعاصرة والاجتهاد فيها اجتهادا أصيلا لتقديم الحلول النابعة من الشريعة الإسلامية.
الباب الثالث
الوسائل
المادة الخامسة:
يسعى المجمع لتحقيق أهدافه بكل الوسائل الممكنة ومنها ما يلي:
1-وضع معجم للمصطلحات الفقهية ييسر على المسلمين إدراك معناها لغة واصطلاحا عن طريق لجان متخصصة.
2-كتابة الفقه الإسلامي بالطريقة التي تسهل على الدارس والناظر أخذ ما يحتاجه وذلك بوضع موسوعة فقهية شاملة.
3-التعاون مع المجامع واللجان والمؤسسات الفقهية القائمة في العالم الإسلامي.
4-تقنين الفقه الإسلامي عن طريق لجان متخصصة.
5-تشجيع البحث الفقهي في نطاق الجامعات وغيرها من المؤسسات العلمية حول تحديات العصر وقضاياه الطارئة.
6-إقامة مراكز بحوث للدراسات الإسلامية في بعض أنحاء العالم تخدم أهداف المجمع.
7-نشر بحوث المجمع بشتى الوسائل المتاحة على أوسع نطاق.
8-العمل على إحياء التراث الفقهي الإسلامي والعناية بأصول الفقه وكتب الخلاف.(1/57)
الباب الرابع
العضوية
المادة السادسة:
يكون أعضاء المجمع من الفقهاء والعلماء والمفكرين في شتى مجالات المعرفة الإسلامية.
المادة السابعة:
1-يكون لكل دولة من دول منظمة المؤتمر الإسلامي عضو عامل في المجمع ويتم تعيينه من قبل دولته.
2-يجوز ضم أكثر من عضو عامل من الدولة الواحدة بقرار من مجلس المجمع.
3-للمجمع أن يضم (بقرار) إلى عضويته من تنطبق عليهم شروط العضوية من علماء وفقهاء المسلمين والجاليات الإسلامية في الدول غير الإسلامية ومن المنظمات الإسلامية التي تخدم نفس أهداف المجمع بشرط الالتزام بالعضو الواحد لكل دولة أو جالية أو منظمة، على أن لا يتجاوز عدد الأعضاء العاملين في المجمع من غير الدول الأعضاء ربع عدد الأعضاء الذين يمثلون دولهم ومنحهم حق التصويت.
المادة الثامنة:
للمجمع أن يضم إليه أعضاء مراسلين ممن يرى الاستعانة بهم في تحقيق أغراضه، ويجوز لهم حضور اجتماعات المجلس والمشاركة في مناقشاته بدعوة من المجمع دون أن يكون لهم حق التصويت.
المادة التاسعة:
يشترط أن يتوفر في عضو المجمع ما يلي:
1-الالتزام بالدين الإسلامي عقيدة وسلوكا.
2-سعة الاطلاع وعمقه في العلوم الإسلامية عامة والشريعة منها بوجه خاص فضلا عن معرفته بواقع العالم الإسلامي.
3-ألا يكون قد صدر ضده حكم مخل بالشرف أو الأمانة.
4-أن يكون العضو العامل متمكنا من اللغة العربية.
المادة العاشرة:
يتم إسقاط العضوية بقرار يصدره مجلس المجمع بثلثي أعضائه العاملين في الحالات التالية:
1-إذا فقد العضو واحد أو أكثر من شروط العضوية المبينة في المادة التاسعة.
2-التغيب عن اجتماعات المجمع دورتين متتاليتين بدون عذر.
3-الاستقالة.
4-اتفاق ربع أعضاء المجمع على عدم أهليته للعضوية كتابة.
وحينما يتم إسقاط العضوية عن العضو الممثل لحكومته يتوجب إشعار دولته بقرار المجلس ويطلب منها استبداله.(1/58)
الباب الخامس
تنظيم المجمع
المادة الحادية عشرة:
ينتظم أعضاء المجمع فيما يلي:
1-مجلس المجمع.
2-شعب المجمع المتخصصة.
3-هيئة المكتب.
4-أمانة المجمع.
المادة الثانية عشرة:
مجلس المجمع:
1-يتكون مجلس المجمع من جميع أعضاء المجمع العاملين.
2-يجتمع المجلس في دورة سنوية بناء على دعوة موجهة مكتوبة من قبل أمانة المجلس.
3-وللمجلس أن يعقد دورات استثنائية عند الضرورة بناء على طلب ثلث الأعضاء أو بناء على قرار إجماعي من أعضاء هيئة مكتب المجلس.
المادة الثالثة عشرة:
1-تكون اجتماعات المجلس قانونية بحضور ثلثي الأعضاء.
2-تصدر قرارات المجلس وتوصياته بالإجماع أو بأغلبية الأعضاء الحاضرين.
المادة الرابعة عشرة:
1-يترأس جلسات المجلس رئيس المجمع الذي ينتخبه أعضاء المجلس من بينهم ويساعده ثلاثة نواب منتخبين.
2-مدة عضوية الرئيس ونوابه ثلاث سنوات قابلة للتجديد.
3-يتولى الأمين العام للمجمع أمانة المجلس.
المادة الخامسة عشرة:
مهام المجلس هي:
1-مناقشة جدول الأعمال الذي تعده الأمانة العامة ويقره أعضاء هيئة المكتب وله أن يضيف عليه أو يعدله، وإصدار القرارات والتوصيات اللازمة لما حواه الجدول من موضوعات.
2-انتخاب الرئيس ونوابه والأعضاء الستة لهيئة المكتب واعتماد عضوية الشعب المختلفة.
3-مناقشة البحوث والدراسات الفقهية والتوصية بنشر ما يراه ضروريا منها.
4-اعتماد خطة عمل اللجان والشعب والمكاتب الفرعية ووضع اللوائح الداخلية.
5-تعديل أو تغيير النظام الأساسي للمجمع بناء على اقتراح من هيئة مكتب المجلس.
6-اختيار المرشحين للعضوية.
7-اختيار الأعضاء المراسلين بناء على توصية من هيئة مكتب المجلس أو تزكية أربعة من أعضائه العاملين للعضو المرشح.
8-اعتماد مشروع ميزانية المجمع والحساب الختامي السنوي له.(1/59)
المادة السادسة عشرة:
شعب المجمع المتخصصة:
1-ينتظم أعضاء المجلس في شعب متخصصة لها لجان فرعية تغطي أهدافه وفق تخصصات الأعضاء واختيارهم الشخصي ومنها ما يلي:
أ -شعبة التخطيط.
ب - شعبة الدراسة والبحث.
ج- شعبة الإفتاء.
د- شعبة التقريب بين المذاهب.
هـ- شعبة الترجمة والنشر.
2-للعضو أن يشترك في أكثر من شعبة بحيث لا يزيد عدد الشعب التي يشترك فيها عن ثلاثة.
3-يعتمد المجلس أعضاء الشعب، ويجوز للعضو الانتقال من شعبة إلى أخرى بعد إخطار هيئة مكتب المجلس واعتماد المجلس لها.
4-اللوائح التنفيذية لنظام عمل هذه الشعب واجتماعاتها يضعها الأمين العام للمجلس بالتشاور مع هيئة مكتب المجلس.
المادة السابعة عشرة:
هيئة مكتب المجلس:
تؤلف هيئة مكتب المجلس من الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي أو من ينوب عنه وسبعة من الأعضاء على النحو التالي:
1-ستة أعضاء ينتخبهم مجلس المجمع يمثلون التوزيع الجغرافي للدول الإسلامية قدر المستطاع.
2-الأمين العام للمجمع بحكم منصبه ويكون أمين السر للهيئة.
المادة الثامنة عشرة:
1-رئاسة هيئة مكتب المجلس دورية بين الأعضاء المنتخبين.
2-مدة عضوية هيئة مكتب المجلس ثلاث سنوات ويجوز إعادة اختيار أعضائها أو بعضهم.
المادة التاسعة عشرة:
مهمة هيئة المكتب ما يلي:
1-مراجعة مشروع جدول أعمال المجلس الذي أعدته الأمانة العامة للمجمع.
2-مراجعة الترشيحات للعضوية ومشروع الميزانية والحساب الختامي الذي تعده الأمانة العامة تمهيدا لعرضه على مجلس المجمع.
3-متابعة سير جلسات مجلس المجمع واجتماعات شعبه والالتزام باللوائح.
4-مراجعة مشروعات القرارات والتوصيات التي تقدم للمجلس من الأعضاء ومن الأمانة العامة.
5-التوصية لدى المجلس بما تراه مفيدا ودافعا لعمل المجمع من لوائح وموضوعات.(1/60)
المادة العشرون:
تقدم مقترحات أعضاء المجلس مكتوبة إلى الأمانة العامة للمجمع، حيث تسجل وتأخذ طريقها وفق اللائحة الداخلية للمجلس.
المادة الحادية والعشرون:
الأمانة العامة:
1-للمجمع أمانة عامة تتولى الأعمال الإدارية والشؤون المالية وحفظ أوراق المجمع وترتيبها وتدوين محاضر اجتماعاته ونحوها.
2-يرأس الأمانة العامة أمين عام يعينه الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي من بين أعضاء المجمع.
3-يعمل تحت رئاسة أمين عام المجمع عدد من الموظفين الأكفاء لإدارة العمل في الأمانة العامة ممن تتوفر فيه الصلاحية الإسلامية ويرشحهم الأمين العام للمجمع ويصدر الأمين العام للمنظمة قرارا بتعيينهم.
المادة الثانية والعشرون:
الأمين العام للمجمع هو الرئيس المباشر لموظفي الأمانة العامة للمجمع ويقوم بالمهام التالية:
1-تنظيم وترتيب العمل في الأمانة العامة بما يقتضيه صالح العمل في المجمع.
2-التوصية لدى الأمين العام للمنظمة بترقية أو معاقبة أو مكافأة أو انتداب موظفي الأمانة العامة للمجمع.
3-تولي الشؤون الإدارية للمجمع وتنفيذ قراراته ومتابعتها.
4-تنسيق الاتصال بين أعضاء شعب المجمع وأعضاء المجلس وهيئة المكتب.
5-إعداد مشروع جدول أعمال المجلس ومشروع ميزانيته وإعداد الحساب الختامي.
المادة الثالثة والعشرون:
1-ميزانية المجمع، تحقيقا لمزيد من الفاعلية لأعمال المجمع تكون ميزانيته مستقلة عن ميزانية الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
2-للمجمع أن يقبل التبرعات.
المادة الرابعة والعشرون:
تحفظ محاضرات اجتماعات المجلس وهيئة المكتب والشعب المتخصصة واللجان الفرعية وبحوث المجمع وفتاواه لدى الأمانة العامة للمجمع.
المادة الخامسة والعشرون:
1-يضع الأمين العام للمجمع مشروع اللائحة التنفيذية لهذا النظام بالتشاور مع الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وأعضاء هيئة المكتب.
2-يصبح هذا النظام الأساسي للمجمع نافذ المفعول بعد إقراره من المؤتمر الإسلامي لوزراء الخارجية.(1/61)
قائمة بأسماء الوفود المشاركة في المؤتمر التأسيسي لمجمع الفقه الإسلامي
1- الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية:
معالي الشيخ عبد الرحمن شيبان وزير الشئون الدينية. رئيس
السيد/ محمد الصغير شريف حسن. عضو
السيد/ محمد المأمون القاسمي الحسني. عضو
السيد/ على السعدي المغربي عضو
السيد/ الطيب بشير بوبجره عضو
2- دولة البحرين:
معالي الشيخ عبد بن خالد آل خليفة وزير العدل والشئون الإسلامية رئيس
الشيخ يوسف أحمد الصديقي عضو
السيد/ طلعت إبراهيم أبو زهرة عضو
السيد/ غازي عبد الرحمن حسن عضو
3- جمهورية بنجلاديش الشعبية
معالي السيد محبوب الرحمن وزير الحكم المحلي والشئون الدينية رئيس
سعادة محمد محسن عضو
السيد/ جاهانبر سادات عضو
السيد/ حوميون كبير عضو
4- جمهورية القمر الإسلامية الاتحادية
معالي السيد محمد عبد الرحمن مفتي جمهورية القمر الإسلامية الاتحادية رئيس
السيد/ حسن شيخ صالح عضو
5- جمهورية جيبوتي
معالي السيد عمر كامل ورسمه وزير العدل رئيس
سعادة السفير آدن شيخ حسن عضو
6- دولة الإمارات العربية المتحدة
معالي محمد عبد الرحمن البكر وزير العدل والشئون الإسلامية والأوقاف رئيس
السيد/ أحمد محمد القاسمي عضو
السيد/ محمد الخطيب عضو
7- جمهورية جامبيا:
سعادة الدكتور عمر جاه سفير جامبيا لدى المملكة العربية السعودية رئيس
السيد/ عبد الرحمن فوفانا عضو
8- جمهورية غينيا الشعبية الثورية رئيس
معالي فودي سوريبا كامارا وزير الشئون الإسلامية رئيس
السيد/ موري كمارا محمد عضو
9- الجمهورية العراقية
معالي السيد عبد الله فاضل عباس وزير الأوقاف والشئون الدينية رئيس
السيد/ الدكتور محمد شريف أحمد عضو
السيد/ إبراهيم عثمان الصكب عضو
السيد/ فاضل حمد خضر عضو
السيد/ عادل عبد القادر عضو
10- جمهورية إيران الإسلامية
سعادة حجة الإسلام على تسخيري نائب رئيس الإرشاد الإسلامي ومستشار نائب الإمام بوزارة الخارجية رئيس
السيد/ حجة الإسلام حسين عبد الرحيم سبحاني نيا عضو
السيد/ محمد علي النجافي عضو
السيد/ منصور الغروي عضو
11- جمهورية أندونيسيا:
معالي الدكتور أ. تيمور الجيلاني نائب وزير رئيس
السيد/ زيني داحلان عضو
12- المملكة الأردنية الهاشمية
معالي السيد/ كامل الشريف وزير الأوقاف والشئون الإسلامية والمقدسات رئيس
السيد/ نايف أبو رجب عضو
13- دولة الكويت
معالي الشيخ أحمد سعد الجاسر وزير الأوقاف والشئون الإسلامية رئيس
السيد/ عبد الستار عبد الكريم أبو غدة عضو
السيد/ مانع راشد العجمي عضو
السيد/ فؤاد صالح الجمعة عضو
14- الجمهورية اللبنانية
معالي السيد/ بهاء الدين البساط وزير الإسكان والموارد المائية والكهرباء رئيس
السيد/ حسن القوتلي عضو
الشيخ خليل الميس عضو
15- الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية
معالي السيد/ محمد علي الجدي رئيس المحكمة العليا رئيس
السيد/ حسين عبد القادر السنوسي عضو
16- جمهورية مالي:
معالي العقيد عيسى أنجويا وزير العدل رئيس
سعادة سيدي محمد يوسف جبري عضو
السيد/ يوسف كرانيا عضو
17- جمهورية جزر المالديف
سماحة القاضي موسى فتحي رئيس القضاء رئيس
السيد/ آدم موسى عضو
السيد/ حسين عبد الرحمن عضو
18- المملكة المغربية:
معالي السيد مصطفى بلعربي العلوي وزير العدل رئيس
السيد/ محمد ميكو عضو
السيد/ الحاج أحمد شقرون عضو
19- الجمهورية الإسلامية الموريتانية
معالي السيد عبد العزيز بن أحمد وزير العدل والشئون الدينية والتوجيه الإسلامي رئيس
السيد /محمد عبد القادر ولد ديدي عضو
السيد/ محمد سالم عبد الودود عضو
السيد/ حمدان ولد أتاه عضو
20- ماليزيا
معالي السيد/ داتو الحاج محمد ناصر وزير برئاسة مجلس الوزراء رئيس
السيد/ داتو عبد القادر طالب عضو
الحاج عبد القادر سليمان عضو
21- جمهورية النيجر
معالي الحاج علاله حبيبو وزير العدل رئيس
السيد/ محمد عبد الله عضو
السيد/ سونا سيدو ديجرما كويا عضو
السيد/ مختار عثمان عضو
22- سلطنة عمان
سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي رئيس
السيد/ يحيى سفيان الراشدي عضو
السيد/ حمد محمد اليحمدي عضو
23- أوغندا
- سعادة السيد أبو بكر رجب نادوي قائم بالأعمال بسفارة أوغندا لدى المملكة العربية السعودية رئيس
24- فلسطين
الشيخ عبد الحميد السايح رئيس
الشيخ رجب التميمي عضو
25- جمهورية باكستان الإسلامية
- القاضي أقطب حسين رئيس المحكمة الشرعية الفيدرالية رئيس
- القاضي دكتور تنزيل الرحمن عضو
- السيد/ أمين جان نعيم عضو
- السيد/ رشيد سالم خان عضو
- الدكتور عبد الكبير عضو
26- دولة قطر
سعادة الشيخ عبد الرحمن عبد الله المحمود وكيل رئاسة المحاكم الشرعية والشئون الدينية رئيس
- السيد/ عبد القادر محمد العماري عضو
- السيد/ خليل محمد حمد عضو
27- الجمهورية العربية السورية
سعادة الدكتور محمد عبد اللطيف مدكور أستاذ بجامعة دمشق رئيس
السيد/ الشيخ عبد الرحمن حافظ عضو
السيد/ محمد مالك بيدق عضو
28- جمهورية السنغال
- سعادة محمد السيد أحمد لوي جاي الرئيس الأول للمحكمة العليا رئيس
- سعادة السيد مصطفى سيسي عضو
- السيد الدكتور روان موباي عضو
السيد/ سيدنا عمر ديوب عضو
29- جمهورية الصومال الديمقراطية
معالي الدكتور محمود سعيد نائب وزير العدل والشئون الدينية رئيس
معالي الشيخ حسن عبد الله فارح عضو
فضيلة الشيخ آدم شيخ عبد الله عضو
السيد/ حسن فارح حجالي عضو
30- جمهورية السودان الديمقراطية
- معالي السيد دفع الله الحاج يوسف رئيس المجلس الأعلى للشئون الدينية والأوقاف رئيس
- السيد/ حسب الرسول عثمان عضو
- السيد/ محمد حجاز المدثر عضو
- السيد/ عوض الله محمد علي عضو
31- جمهورية سيراليون
- معالي السيد أبو بكر كمارا وزير الصناعة والتجارة رئيس
- السيد/ بكر كمارا عضو
32- الجمهورية التونسية
معالي السيد محمد شاكر وزير العدل رئيس
- فضيلة الدكتور محمد الحبيب ابن خوجة عضو
- السيد/ عبد الله الغيد الرحموني عضو
- السيد/ عبد العزيز الزغلامي عضو
33- الجمهورية التركية
- سعادة السيد صالح طوغ عميد كلية الشؤون الدينية رئيس
- السيد/ سامي أصلو عضو
34- جمهورية تشاد
- معالي السيد أحمد كروم وكيل وزارة الخارجية والتعاون رئيس
- السيد/ عبد الرحمن يعقوب عضو
- السيد/ إبراهيم محمد عضو
- محمد عبد الجليل عضو
35- المملكة العربية السعودية
- معالي الشيخ محمد بن إبراهيم بن جبير رئيس ديوان المظالم رئيس
- سعادة الأستاذ عباس غزاوي عضو
- السيد/ الدكتور سعود بن دريب عضو
- السيد/ عبد الحفيظ كشميري عضو
- السيد/ محمد المرزوقي عضو
- السيد/ حسن الخطيب عضو
36- الجمهورية العربية اليمنية
معالي السيد أحمد صالح فرحان وكيل وزارة العدل رئيس
- السيد يحيى محمد مالك عضو
37- جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية
- معالي الشيخ يحيى عبد الله القحطاني مدير الشئون الدينية بوزارة العدل وعضو مجلس الشعب الأعلى رئيس
- السيد/ حسن عبد الرحمن السقاف عضو
- السيد/ على عبد الله الكاف عضو
38- جمهورية الجابون
- سعادة مينيه نبو سفير جمهورية الجابون لدى المملكة العربية السعودية رئيس
- السيد/ آدم زورتا عضو
39- جمهورية فولتا العليا
- سعادة دمبوبمبا سفير فولتا العليا لدى المملكة العربية السعودية رئيس
- سيدبي داوود عضو
المراقبون
1- نيجيريا
سعادة تليمو سولاوا سفير نيجيريا بالجزائر رئيس
ساني سولاوا بلا عضو
2- بنين الشعبية
عفاديري ساليون مدير الشئون العربية بوزارة الخارجية
3- طائفة القبارصة الأتراك
- سعادة مصطفى هاشم التاه مدير عام الوثائق
4- البنك الإسلامي للتنمية
معالي الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية
5- رابطة العالم الإسلامي
فضيلة الشيخ علي مختار الأمين العام المساعد
6- جمعية الدعوة الإسلامية
- السيد/ محمد عثمان الفقهي
7- المنظمة الإسلامية للتربية والثقافة والعلوم
- السيد/ حسن السائح
8- الندوة العالمية للشباب الإسلامي
- سعادة الدكتور توفيق أحمد القصير الأمين العام(1/62)
اللآئحة التنفيذية التي أقرها مجلس مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد
المجلس:
1- يرأس اجتماعات المجلس الرئيس المنتخب ويساعده نوابه كما نصت على ذلك المادة الرابعة عشرة من النظام الأساسي.
2- يتألف المجلس طبقا للمادة السابعة من النظام الأساسي من أعضاء عاملين ومراسلين:- ا- (أ) الأعضاء العاملون الممثلون لدول منظمة المؤتمر الإسلامي.
1- ب- الأعضاء العاملون من الفقهاء والعلماء في الدول الأعضاء والجاليات الإسلامية في غير الدول الإسلامية، ومن المنظمات الإسلامية التي لها صلة باختصاصات المجمع، كما تنص على ذلك المادة "7/3" من النظام الأساسي.
3- الأعضاء المراسلون ويعينون من بين العلماء المسلمين المعروفين ببحوثهم العميقة ودراساتهم الجادة المركزة. ويقع تعيينهم بعد عرض اقتراحهم على المجلس والحصول على المصادقة منه.
4- تقدم الترشيحات لـ "1/ب، ولـ "2" من طرف الأمين العام للمجمع ويصحب الترشيح بيان كتابي مفصل عن المؤهلات العلمية للمرشح.
5- يتم اختيار المرشحين للعضوية بنوعيها (1/ب، 3) بالمجلس وفق ما نصت عليه المادة الخامسة عشرة: 6، 7 أي بتوصية من هيئة المكتب أو تزكية أربعة من الأعضاء العاملين بالمجلس.
6- يستقبل الأعضاء العاملون الجدد في جلسة علنية ولا يشتركون في أعمال المجلس لا بعد استقبالهم.
7- جلسات المجلس خاصة فيما عدا جلسات الافتتاح والاستقبال والتأبين وللمجلس أن يقرر عقد جلسات علنية.
8- تعد الأمانة محاضر جلسات المجلس.
9- تنفض دورة المجلس بمجرد انتهاء مدته المقررة لاجتماعاته وللمكتب أن يمدها إن دعا الأمر.(1/63)
المكتب:
10- تجتمع هيئة المكتب للمجمع مرة كل سنة على الأقل، وقبل اجتماع المجلس.
11- يضع المكتب التعليمات الضرورية لتنفيذ أحكام هذه اللائحة.
12- يقر المكتب الهيكل الوظيفي والتنفيذي للمجمع ويقر مشروع ميزانية المجمع.
13- يزكي من يختاره من المرشحين ويصدر بشأنهم توصيات للمجلس.
شعب المجلس:
14- تتنوع شعب المجلس إلى خمس فرق متميزة كما تنص على ذلك المادة السادسة عشرة/1 من النظام الأساسي، وللأعضاء أن يشاركوا في أكثر من شعبة حسبما تنص عليه نفس المادة رقم "2".
15-1- 1- شعبة التخطيط:
تتولى هذه الشعبة إعداد أثبات وقوائم لما يصدر في مجال الدراسات والبحوث وتأليف الكتب والرسائل عن الإسلام، وكذلك في مجال الفقه والفتوى وفي مجال التراث الفقهي أصوله وفروعه وتحقيقه.
16- تضع أثباتا وقوائم لأمهات الكتب المخطوطة في الفقه الإسلامي في مختلف المذاهب وفي كتب الخلاف وفي القواعد والكليات، وفي علم الأصول. وتدل الأمانة العامة على مكان وجود هذه المخطوطات كي تتولى إدارة المجمع استحضار ما يلزم من مايكروفيلمات أو نسخ، وذلك تمهيدا لتحقيقها ونشرها.
17- تضبط قوائم في أهم القضايا التي لها ارتباط بالأحوال الاجتماعية والاقتصادية والشؤون العامة للمجتمع الإسلامي رصدا للتطور الساري في مختلف المجالات وما نجم عنه من مشكلات في الحياة المعاصرة تمهيدا لإيجاد حلول لها في ضوء الشريعة الإسلامية.
18- تعتمد المنهج الذي يجب إعماله في البحوث والدراسات الشرعية والفقهية وتضع ذلك في صورة قواعد للداراسة والتحقيق.
19- تضع رزنامة للندوات واللقاءات التي يعتزم المجمع القيام بها بمقره في جدة، أو خارج مقره بصفة مستقلة، أو بالاشتراك أو التعاون مع الجامعات ومع المؤسسات من أجل دراسة مشكل قائم، أو التعمق في دراسة موضوع من موضوعات الحياة العملية، أو القيام بدراسة شرعية فقهية مستوعبة، تعتمد التحليل والمناقشة، وإيجاد الحلول الإسلامية.
20- تربط الصلة بالجامعات الإسلامية ومراكز البحوث بها، أو خارجها وبالمجامع والمؤسسات المختصة قصد التنسيق والتعاون معها بالطرق الممكنة.(1/64)
ويتولى الأمين العام متابعة ذلك وتنفيذه.
21- تضع شعبة التخطيط على ضوء ما تجمع لديها من معلومات مما نص عليه في المواد: "15، 16، 17" – وبعد تصنيفها – وبالمنهج الذي تعتمده، "تضع" مشروع خطة عمل عامة للدراسات والبحث والتحقيق والترجمة والنشر ... وتقترح بعض الدارسين والباحثين والمحققين وتنسق كل ذلك مع الأمين العام للمجمع والشعب المختصة، كما تتولى اقتراح ما ترى ترجمته ونشره.
22- 2 – شعبة الدراسات والبحوث:
تحدد منهجا لعملها، وإطارا لنشاطها، يتم به تصنيف موضوعات الدراسات والبحوث، وتحديد المشروعات التي تعتزم القيام بها، وتقدير الحاجات الفنية والمادية اللازمة لمشروعات العمل.
23- تسترشد بما تقدم إليها من لجنة التخطيط من أثبات وقوائم ومقترحات كما تقترح على لجنة التخطيط ما تشاء من موضوعات جديدة للدراسة والبحث في مختلف المجالات الفقهية والفكرية الإسلامية.
24- تلتزم بالمنهج العلمي للدراسات والبحوث ذلك الذي تقترحه هي وتقره لجنة التخطيط ويعتمده المجلس.
25- تسهم في إثراء النشرات الدورية العلمية للمجمع، وذلك بإمدادها بما تقوم به من بحوث أو تقره من دراسات.
26- تسهم في مشروعات للدراسة والبحوث والتأليف، ولها أن تقترح على الأمين العام قوائم بالخبراء والباحثين والمحققين للإستعانة بهم في ذلك.
27- بناء على توصية اللجنة تعطي على الدراسات والبحوث التي يقبلها المكتب ويقرها المجلس مكافآت يحددها الأمين العام وفق ما هو معمول به في المؤسسات المماثلة.
28- تعرض عليها أي مشروعات علمية من الباحثين أو الجامعات أو المؤسسات العلمية الأخرى لغرض تقويمها والتوصية بشأن تبنيها أو إعانتها من قبل المجمع. وللجنة أن تستعين في ذلك بآراء الخبراء المختصين.
29- تعني هذه الشعبة بإنشاء موسوعة فقهية مبتدئة بالاستفادة مما أنشئ ومراجعة ما هو موجود حتى يكون عملها مستأنفا لا مكملا وتهتم بالرجوع في كل مسألة إلى الأدلة المعتمدة.
30- تعني بتحقيق كتب الفقه الإسلامي لذلك من يقوم به من بين أفرادها أو من تقترحه من الخبراء والمحققين الذين لهم قدم في هذا المجال ويحصلون على الموافقة في انتدابهم من الأمين العام للمجمع.(1/65)
31-3-- شعبة الإفتاء:
تضع خطة لعملها تتماشى والمهام التي يمكن أن تتوفر عليها لتتيسر معرفة الفقه وتحرير الفتاوى في القضايا المختلفة.
32- تعني بنشر كتب الفقه الإسلامي في موضوع الفتاوى والأقضية والأحكام وذلك بتحرير قائمة المخطوطات الموجودة في مكتبات العالم، والتعريف بكل كتاب منها واقتناء صورها تمهيدا لطبعها عند الاقتضاء، وبإعادة طبع كتب الفقه المعتمدة والتي نفدت طبعاتها وتحديد الأولويات فيما يطبع.
33- تعني هذه الشعبة بفهرست الكتب الفقهية المتعلقة بالفتوى وذلك بإبراز موضوعاتها بما من شأنه أن ييسر الانتفاع بها.
34- تقوم بتحرير مشروع الفتاوى ليقرها المجمع في القضايا المهمة، وذلك بالنظر فيما يعرض عليها من استفتاءات تتصل بالقضايا العامة المختلفة ... للبحث لها عن حلول من الشريعة الإسلامية تساعد على تحقيق النمو والتطور للمجتمع في المسار الإسلامي الصحيح.
35- إن رأت أن الإستعانة بذوي الكفاءات العلمية ضرورة أكيدة لتكون الفتاوى مبنية على مراعاة جميع المعطيات.
36- تعرض الشعبة دراساتها وفتاواها على المجلس خلال انعقاد دورته لاتخاذ القرار المناسب بشأنها.
37- تحرص الشعبة على جمع كتب الفتوى المخطوطة في مختلف المذاهب وذلك بطلب تصويرها أو الحصول على نسخ منها تمهيدا لضبطها وتحقيقها ونشرها والاستفادة منها.
38- تمد الشعبة النشرة العلمية للمجمع بنتائج بحوثها وبالفتاوى التي تصدرها باسم المجمع والتي تحظى بموافقة المجلس في دورته عليها.
39- يعطى الدارسون والمحققون مكافآت مادية مناسبة عند اعتماد المكتب والأمين العام أعمالهم.
40- يعطى القائمون على إعداد المعجم الفقهي أو معجم المصطلحات مكافآت تناسب جهودهم تكون على نحو ما يعطى أمثالهم في المجامع والمؤسسات المختصة أمثالها.(1/66)
4- شعبة التقريب بين المذاهب:
تعد هذه الشعبة الخطوات اللازمة لوضع دراسة موسعة ودقيقة حول الفقه الإسلامي ومصادره ونشأته ومراحله وتطوراته ومذاهبه وخصائص كل مذهب.
42- تتعاون مع شعبة الإفتاء في جميع كتب الفتاوى المطبوعة أو المخطوطة في مختلف المذاهب تمهيدا للاستنارة بها ومحاولة للتقريب بين أنظار أصحابها بعد المقارنة والمقابلة والترجيح بينها.
43- تعد دراسات في كتب الخلاف وتحرص على إبراز وجمع أسباب اختلاف وجهات النظر في الأحكام بين الأئمة وعلماء الأمة.
44- تبحث الأصول المقربة والنظريات الثابتة التي أجمع عليها مختلف الأئمة وذلك في إطار نصوص الكتاب والسنة الثابتة الصحيحة.
45- 5- شعبة الترجمة والنشر:
تستعين هذه الشعبة بشعبة التخطيط في التعرف على ما ينشر في مختلف اللغات من دراسات أو بحوث إسلامية مهمة يحتاج إلى التعريف بها أو إلى نقلها إلى لغات أخرى.
46- تقترح ما يستحق الترجمة والتعريف والتعقيب من بحوث ودراسات ومقالات تصدر عن الإسلام وقضاياه الفكرية والتشريعية في اللغات الأجنبية.
47- تضبط القائمة النهائية للدراسات أو البحوث أو غيرها مما كتب بالعربية التي تحتاج إلى النقل إلى اللغات الأجنبية مرتبة ذلك بحسب الأولوية.
48- تنسق هذه الشعبة عملها مع شعب الدراسات والبحث والإفتاء والتخطيط لتحديد ما تتأكد ترجمته ونشره.
49- تعد هذه الشعبة نشرة علمية مجمعية دورية.
50- تعتمد في إنجاز أعمالها على الجهاز الإداري للترجمة الموجودين بالمجمع وعند الاقتضاء تستعين بخبراء المسلمين من ذوي الاختصاص يمنحون حقوقا مادية على نحو ما هو مقرر التعامل به في المؤسسات المماثلة.
51- الأمين العام:
الأمين العام هو المسؤول عن الأجهزة الإدارية والتنفيذية للمجمع. وله الإشراف الفعلي على موظفي المجمع.
52- وفقا لخطة المجمع في الدراسات والبحوث وإحياء التراث، يختار الأمين العام الخبراء والمحققين من القائمة التي تعرضها الشعب.
53- يعرض الأمين العام في افتتاح أشغال المجلس في كل دورة بيانا عن أعمال المجمع في الدورة السابقة وعما تم إنجازه من نشاطات في الفترة الفاصلة بين الدورتين.
54- يعد الأمين العام مشروع ميزانية المجمع ويقوم بعرضه على المكتب ثم على المجلس للمصادقة.
55- تتألف موارد المجمع من:
ا-إسهام الدول الأعضاء.
ب-من الإعانات والتبرعات والمنح والوصايا وريع ما يوقف على المجمع.
ج-من أية موارد أخرى يوافق عليها المكتب.
56- يطبق على موظفي المجمع نفس النظام الأساسي المعدل للموظفين من الناحية المالية والإدارية في الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي.(1/67)
قائمة بأسماء ممثلي الدول في مجمع الفقه الإسلامي الذين حضروا الدورة الأولى
الرقم الدولة اسم الممثل صفته
1- بوركينا فاسو السيد سيد بي داود القائم بالأعمال والمستشار الثقافي بسفارة بوركينا فاسو بجدة.
2- الجمهورية الإسلامية الموريتانية السيد محمد سالم عبد الودود رئيس المحكمة العليا
3- جمهورية باكستان الإسلامية القاضي محمد تقي العثماني قاضي القسم الشرعي بالمحكمة العليا بالباكستان
4- جمهورية بنجلاديش الشعبية مولانا محمد عبد الرحيم عضو شعبة الدراسات والبحوث في المؤسسة الإسلامية - دكا
5- جمهورية تركيا البروفسور صالح طوغ عميد كلية الشريعة في جامعة مرمارا
6- جمهورية تشاد السيد تجاني صابون محمد مدير التعليم العربي تشاد
7- الجمهورية التونسية فضيلة الشيخ محمد المختار بن أحمد السلامي مفتي الجمهورية التونسية
8- الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الدكتور التيجاني الهدام نيابة عن معالي الشيخ عبد الرحمن شيبان سفير الجزائر بجدة
9- جمهورية السنغال السيد رومان مباي مدير المعهد الإسلامي بدكار
10- جمهورية السودان الديمقراطية الدكتور حسن عبد الله الترابي مساعد رئيس الجمهورية
11- جمهورية الصومال الديمقراطية السيد آدم شيخ عبد الله علي إمام وخطيب مسجد التضامن الإسلامي
12- الجمهورية العراقية الدكتور محمد شريف أحمد مستشار بوزارة الأوقاف والشئون الدينية
13- الجمهورية السورية الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور معاون وزير الأوقاف لشئون العلماء
14- الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية السيد إبراهيم بشير الغويل - مستشار قانوني، ومن خبراء القانون والفقه والاقتصاد، وعضو لجنة جمعية الدعوة الإسلامية وأمين سر، والمقرر العام للمجلس العالمي للدعوة الإسلامية، وعضو اللجنة العليا لتقنين الشريعة الإسلامية سابقا، وعضو اللجنة العليا للتعليم والتربية سابقا ومحام مقبول للترافع أمام المحكمة العليا سابقا.
15- جمهورية غامبيا الدكتور عمر جاه سفير غامبيا بالمملكة العربية السعودية
16- جمهورية غينيا الحاج عبد الرحمن باه وزير الشئون الإسلامية وإمام جامع الملك فيصل
17- جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية الشيخ محمد عبد الرحمن مفتي الجمهورية ومستشار الرئيس في الأمور الدينية.
18- جمهورية المالديف معالي السيد موسى فتحي رئيس المحكمة العليا
19- جمهورية مالي السيد سيدي محمد يوسف جيري سفير مالك بدول الخليج
20- جمهورية مصر العربية فضيلة الأستاذ الشيخ عبد العزيز محمد عيسى عضو مجلس البحوث الإسلامية والمجالس القومية المتخصصة وعضو مجلس الشورى.
21- جمهورية النيجر الشيخ محمد علي عبد الله وكيل الجمهورية بمحكمة طاوا- النيجر
22- جمهورية اليمن الديقمراطية السيد محمد عبده عمر مدير القضاء الاجتماعي بوزارة العدل
23- دولة البحرين فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد وكيل محكمة الاستئناف العليا الشرعية
24- دولة الكويت الدكتور عجيل جاسم النشمي العميد المساعد لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية
25- سلطنة عمان فضيلة الشيخ أحمد سعود السيالي نيابة عن فضيلة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي. مدير مكتب المفتى العام
26- فلسطين الشيخ رجب التميمي عضو المجلس الوطني الفلسطيني
27- ماليزيا الدكتور عبد الله إبراهيم رئيس قسم الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية، ومحاضر بالجامعة الوطنية الماليزية- بانجى سلانغور، أستاذ العلوم القرآنية ومستشار اللجنة المقررة للاتحاد الإسلامي - بنين
28- المملكة الأردنية الهاشمية الدكتور عبد السلام داود العبادي وكيل وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية
29- المملكة العربية السعودية الدكتور بكر أبو زيد وكيل وزارة العدل
30- المملكة المغربية الأستاذ محمد ميكو رئيس غرفة بالمجلس الأعلى، مدير الشؤون المدنية رئيس لجنة الخبراء المكلفة بوضع مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية.(1/68)
قائمة بأسماء السادة أصحاب المعالي والفضيلة أعضاء المجمع
مسلسل الدولة الاسم الصفة والعنوان
1- الجمهورية العراقية فضيلة الدكتور محمد شريف أحمد مستشار بوزارة الأوقاف والشؤون الدينية
2- جمهورية السنغال فضيلة السيد روخان مباي ميدر المعهد الإسلامي بداكار ص. ب: 2639 ت:20475
3- جمهورية مالي سعادة السيد سيدي محمد يوسف جيري سفير مالي بدول الخليج - أبو ظبي- ت: 823255
4- جمهورية السودان الديمقراطية معالي الدكتور حسن الترابي وعوض بفضيلة الدكتور محمد عطا السيد. محاضر بجامعة أم دومان الإسلامية.
5- جمهورية الباكستان الإسلامية فضيلة القاضي محمد تقي العثماني قاضي القسم الشرعي بالمحكمة العليا: دار العلوم كراتشي 14
6- جمهورية اليمن الديمقراطية فضيلة الشيخ محمد عبده عمر مدير القضاء الاجتماعي بوزارة العدل ت:52843 عدن
7- المملكة العربية السعودية فضيلة الدكتور بكر أبو زيد وكيل وزارة العدل بالرياض
8- الجمهورية التونسية فضيلة الشيخ محمد الحبيب ابن الخوجة وعوض بفضيلة الشيخ محمد المختار بن أحمد السلامي مفتي الجمهورية التونسية
9- جمهورية تركيا البروفيسور صالح طوغ عميد كلية الالهيات - جامعة مرمارا- اسكوا - استنبول
10- جمهورية غينيا معالي فودي سوريبا كامارا وخلفه معالي الحاج عبد الرحمن باه وزير الشؤون الإسلامية وإمام جامع الملك فيصل
11- فلسطين فضيلة الشيخ رجب التميمي عضو المجلس الوطني الفلسطيني- مكتب منظمة التحرير بالأردن
12- الجمهورية الجزائرية الديمقراطية معالي الدكتور عبد الرحمن شيبان وزير الشؤون الدينية - نهج تمقاد - حيدرة - الجزائر
13- الجمهورية الإسلامية المؤيتانية فضيلة السيد محمد سالم محمد عبد الودود رئيس المحكمة العليا- قصر العدالة - ص. ب: 201 نواكشط
14- دولة الكويت فضيلة الدكتور عجيل جاسم النشمي العميد المساعد لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية
15- سلطنة عمان فضيلة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي وكيل وزارة العدل- والمفتى العام لسلطنة عمان- مسقط
16- جمهورية بنجلاديش مولانا محمد عبد الرحيم منزل مصطفى - نقال بره- 173دكا-
17- الجماهريرة العربية الليبية الشعبية الأشتراكية فضيلة الدكتور إبراهيم بشير الغويل أمين سر والمقرر العام للمجلس العالمي للدعوة الإسلامية 189 شارع أول سبتمبر ص. ب: 484 طرابلس.
18- دولة البحرين فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد وكيل محكمة الاستئناف العليا الشرعية- المنامة.
19- جمهورية جامبيا فضيلة الدكتور عمر جاه سفير جامبيا لدى المملكة العربية السعودية.
20- الجمهورية العربية السورية فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور معاون وزير الأوقاف لشؤون العلماء- دمشق - أقصاب سادات جادة فيصل التاسعة - منزل رقم 89هاتف منزل رقم 422773
21- المملكة الأردنية الهاشمية فضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادي وكيل وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية - ص. ب659
22- جمهورية مصر العربية فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى عضو مجلس البحوث الإسلامية والمجالس القومية المتخصصة وعضو مجلس الشورى-20 شارع ابن سندر- كوبري القبة - القاهرة
23- المملكة المغربية فضيلة الأستاذ محمد ميكو رئيس غرفة بالمجلس الأعلى، مدير الشؤون المدنية، رئيس لجنة الخبراء المكلفين بوضع مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية.
24- جمهورية الصومال الديمقراطية فضيلة السيد آدم شيخ عبد الله على أمام وخطيب مسجد التضامن الإسلامي
25- جمهورية تشاد فضيلة الأستاذ تيجاني صابون محمد مدير التعليم العربي بوزارة التربية الوطنية ت:2327
26- جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية فضيلة الشيخ محمد عبد الرحمن مفتي الجمهورية ومستشار الرئيس في الأمور الدينية ص. ب: 251
27- جمهورية الجابون معالي السيد محمد موابا بواتا المفوض السياسي للعلاقات الخارجية والمكلف بالشؤون الإسلامية
28- ماليزيا فضيلة الدكتور عبد الله إبراهيم رئيس قسم الشريعة بكلية الدراسات الإسلامية، محاضر بالجامعة الوطنية الماليزية بانجي سلانغور.
29- الجمهورية اللبنانية فضيلة الشيخ خليل محيي الدين الميس مدير كلية الدعوة الإسلامية وأزهر لبنان-دار الفتوى - بيروت
30- جمهورية المالديف معالي السيد موسى فتحي رئيس المحكمة العليا بالمالديف
31- جمهورية بوركينا فاسو فضيلة السيد دوكوري بوبكر ص. ب: 7030 واجادوجو تلكس رقم 5222 في يو
32- جمهورية بنين الشعبية فضيلة السيد محمد شيتو استاذ العلوم القرآنية ومستشار اللجنة المقررة للاتحاد الإسلامي
33- سلطنة بروني دار السلام فضيلة الأستاذ أونغ حاج عبد الحميد بن باكل كبيرة القضاة بإدارة الشؤون الإسلامية بيروني ت: 22565/8
34- جمهورية جيبوتي فضيلة الشيخ هارون خليف جيلي أمام مجامع السلام ص. ب: 6741 ت: 350429
35- جمهورية غينيا بيساو معالي السيد شريف محمد الأمين هيدرا الأمين العام المساعد لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة
36- جمهورية اندونيسيا سعادة الأستاذ أحمد الأزهر باشير عميد كلية الدراسات الإسلامية بالجامعة الإسلامية
37- جمهورية إيران الإسلامية فضيلة حجة الإسلام محمد علي تسخيري معاون الرئاسة للعلاقات الدولية بمنظمة الإعلام الإسلامي ص. ب: 2782 طهران ت: 643391- 643343
38- جمهورية أوغندا فضيلة الشيخ محمد إسماعيل الحجي رئيس اللجنة العلمية لتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية ورئيس مكتب دفع المظالم برئاسة الجمهورية.
40- جمهورية النيجر فضيلة الشيخ محمد علي عبد الله وكيل الجمهورية بمحكمة طاوا
41- دولة قطر فضيلة الشيخ عبد الله بن عبد العزيز آل محمود قاضي المحكمة الشرعية الثانية
42- دولة الإمارات العربية المتحدة معالي الشيخ محمد أحمد حسن الخزرجي وزير الأوقاف والشؤون الدينية(1/69)
قائمة بأسماء أعضاء مكتب مجلس المجمع
الرقم الاسم العنوان البلد
1- معالي الشيخ عبد الرحمن شيبان وزير الشؤون الدينية الجمهورية الجزائرية
2- فضيلة القاضي محمد تقي العثماني قاشي القسم الشرعي بالمحكمة العليا كراتشي 14 الجمهورية الباكستانية الإسلامية
3- سعادة سيدي محمد يوسف جيري سفير دولة مالي لدى دول الخليج - أبو ظبي جمهورية مالي
4- سعادة البروفيسور صالح طوغ عميد كلية الآلهيات - جامعة مرمارا- استنبول جمهورية تركيا
5- سعادة السيد روحان أمباي مدير المعهد الإسلامي بداكار - ص. ب: 2639 جمهورية السنغال
6- سعادة الدكتور عجيل جاسم النشمي العميد المساعد لكلية الشريعة والدراسات الإسلامية دولة الكويت(1/70)
قائمة بأسماء أعضاء شعبة التخطيط والترجمة
الرقم اسم العضو العنوان البلد
1- الدكتور محمد عبد اللطيف صالح الفرفور معاون وزير الأوقاف لشؤون العلماء- دمشق الجمهورية العربية السورية رئيساً
2- الدكتور إبراهيم بشير الغويل أمين سر والمقرر العام للمجلس العالمي للدعوة الإسلامية طرابلس ص. ب: 484 الجماهيرية الليبية - مقررًا
3- الشيخ تجاني صابون محمد مدير التعليم العربي- انجمينا جمهورية تشاد
4- السيد روحان مباي مدير المعهد الإسلامي بدكار جمهورية السنغال
5- السيد محمد سالم محمد علي عبد الودود رئيس المحكمة العليا- نواكشط جمهورية موريتانيا
6- الدكتور عبد الرحمن شيبان وزير الشؤون الدينية جمهورية الجزائر
7- الدكتور عبد السلام داود العبادي وكيل بوزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية عمان المملكة الأردنية الهاشمية
8- الشيخ محمد عبده عمر مدير القضاء الاجتماعي بوزارة العدل- عدن جمهورية اليمن الديمقراطية
9- الدكتور عبد الستار أبو غده مقرر الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف دولة الكاويت
10- الدكتور مصطفى أحمد الزرقا كلية الشريعة - الجامع الأردنية المملكة الأردنية الهاشمية
11- الدكتور عبد الحليم محمود الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة جمهورية مصر العربية
12- الشيخ محمد بن أحمد حسن وزير الأوقاف والشؤون الدينية الإمارات العربية المتحدة
13- الأستاذ عبد الهادي أبو طالب مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الأيسيسكو) المملكة المغربية
14- الشيخ عبد العزيز محمد عيسى عضو مجلس البحوث الإسلامية جمهورية مصر العربية
15- الدكتور طه جابر العلواني مدير الأبحاث والدراسات بالمعهد العالمي الولايات المتحدة الأمريكية(1/71)
قائمة بأسماء أعضاء شعبة الدراسات والبحوث
الرقم اسم العضو العنوان البلد
1- الدكتور محمد شريف أحمد مستشار بوزارة الشؤون الدينية - بغداد الجمهورية العراقية
2- السيد سيدي محمد يوسف حيري سفير مالي لدى دول الخليج - أبو ظبي جمهورية مالي
3- الشيخ الدكتور عبد الله إبراهيم رئيس قسم الشريعة بجامعة كوالالمبور جمهورية ماليزيا
4- مولانا محمد عبد الرحيم عضو شعبة الدراسات بالمؤسسة الإسلامية - دكا جمهورية بنجلاديش
5- سعادة موسى فتحي رئيس المحكمة العليا بالمالديف جمهورية المالديف
6- فضيلة الشيخ رجب التميمي عضو منظمة التحرير الفلسطينية (الأردن - عمان) فلسطين
7- الدكتور صالح طوغ عميد كلية الالهيات - جامعة مرمارا- استنبول الجمهورية التركية
8- الشيخ محمد علي عبد الله وكيل الجمهورية بمحكمة طارا جمهورية النيجر
9- دكتور عبد الهادي أبو طالب مدير عام منظمة التربية والعلوم 16مكرر شارع عمر بن الخطاب ص. ب: 755 أكدال الرباط المملكة المغربية
10- دكتور عمر جاه سفير جامبيا لدى المملكة العربية السعودية جمهورية جامبيا
11- الدكتور محمد مصطفى شلبي 5شارع المدينة المنورة بالدقي خلف نادي الصيد القاهرة جمهورية مصر العربية(1/72)
قائمة بأسماء أعضاء شعبة الإفتاء
الرقم اسم العضو العنوان البلد
1- فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى عضو مجلس البحوث الإسلامية والمجالس القومية المتخصصة وعضو مجلس الشورى - 2 شارع ابن سندر كوبري القبة - القاهرة جمهورية مصر العربية - رئيساً
2- الأستاذ محمد ميكو مدير الشؤون المدنية ورئيس لجنة الخبراء المكلفين بوضع مشروع القانون العربي الموحد للأحوال الشخصية - الرباط المملكة المغربية - مقرراً
3- الحاج عبد الرحمن باه وزير الشؤون الإسلامية وإمام جامع الملك فيصل- كوناكري جمهورية غينيا - عضواً
4- القاضي محمد تقي العثماني قاضي القسم الشرعي بالمحكمة العليا - دار العلوم - كراتشي 14 جمهورية الباكستان - عضوا
5- فضيلة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي وكيل وزارة العدل والمفتي العام لسلطنة عمان سلطنة عمان - عضواً
6- الشيخ محمد عبد الرحمن مفتي الجمهورية ومستشار الرئيس في الأمور الدينية موروني جمهورية جزر القمر الاتحادية - عضوا
7- فضيلة الشيخ محمد المختار بن أحمد السلامي مفتي الجمهورية التونسية الجمهورية التونسية - عضواً
8- الشيخ آدم شيخ عبد الله إمام وخطيب مسجد التضامن الإسلامي- مقديشو الجمهورية الصومال المديقراطية - عضواً
9- فضيلة الشيخ محمد عبد اللطيف آل سعد وكيل محكمة الاستئناف الشرعية - النامة دولة البحرين
10- فضيلة الشيخ محمد إسماعيل الحجي رئيس اللجنة العلمية لتنفيذ أحكام الشريعة الإسلامية ورئيس مكتب دفع المظالم برئاسة الجمهورية - صنعاء الجمهورية العربية اليمنية - عضواً
11- الدكتور عمر جاه سفير جامبيا لدى المملكة العربية السعودية - جدة جمهورية جامبيا - عضواً
12- فضيلة الشيخ خليل محيي الدين الميس مدير كلية الدعوة الإسلامية وأزهر لبنان - دار الإفتاء بيروت الجمهورية اللبنانية - عضواً
13- فضيلة الشيخ خليل عبد الله الباسم عضو مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة (رابطة العالم الإسلامي) المملكة العربية السعودية- عضواً
14- الشيخ مصطفى الزرقا كلية الشريعة - جامعة الأردن - عمان المملكة الأردنية الهاشمية - عضواً
15- الشيخ الصديق الضرير كلية الحقوق- جامعة الخرطوم جمهورية السودان الديمقراطية - عضواً
16- الدكتور عبد الستار أبو غدة الموسوعة الفقهية بالكويت - المصفاة ص. ب:3719 دولة الكويت - عضواً
17- الدكتور عبد العزيز الخياط وزير الأوقاف والمقدسات الإسلامية- عمان المملكة الأردنية الهاشمية - عضواً(1/73)
قائمة بأسماء أصحاب المعالي والفضيلة أعضاء المجمع المعينين
الدولة الاسم الصفة والعنوان
1- المملكة المغربية معالي الأستاذ عبد الهادي أبو طالب مدير عام المنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة (الأيسيسكو)
2- دولة الكويت فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غده مقرر الموسوعة الفقهية بوزارة الأوقاف. الكويت وممثل لها.
3- المملكة العربية السعودية فضيلة الشيخ عبد الله البسام قاضي محكمة التمييز بالمنطقة الغربية - مكة المكرمة وممثل لرابطة العالم الإسلامي.
4- المملكة الأردنية الهاشمية معالي الدكتور عبد العزيز الخياط وزير الأوقاف وممثل لمؤسسة آل البيت بعمان (الأردن) .
5- جمهورية مصر العربية فضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي عضو مجمع البحوث الإسلامية بالقاهرة وممثل له.
6- جمهورية الباكستان الإسلامية مجلس الفكر الإسلامي بالباكستان كراتشي
7-المملكة المتحدة الأمريكية فضيلة الدكتور طه جابر علواني مدير الأبحاث والدراسات بالمعهد العلمي للفكر الإسلامي.
8- المملكة الأردنية الهاشمية فضيلة الدكتور مصطفى الزرقا كلية الشرعية - الجامعة الأدرنية.
9- جمهورية السودان الديمقراطية فضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير كلية الحقوق- جامعة الخرطوم.
10- جمهورية مصر العربية محمد سلام مدكور (توفي) عين مكانه فضيلة الدكتور محمد مصطفى شلبي أستاذ الفقه والدراسات الشرعية
11- الجمهورية العراقية عبد الرازق عفيفي تعذرت عليه المشاركة لأسباب صحية وعين بدله فضيلة الدكتور عبد الكريم زيدان فقيه عراقي(1/74)
كشف أسماء ثلة من الخبراء والدارسين والمحققين
- الدكتور رفيق المصري سوريا اقتصاد إسلامي
- الدكتور عبد الكريم كيال سوريا الطب الشرعي
- الدكتور عبد الوهاب كيال سوريا طب أسنان وجراحة
- الدكتور مأمون حلاق سوريا علوم كهرباء - هندسة
- مصطفى الغزالي تونس
- الأستاذ مظهر المصري سوريا الطباعة والنشر
- الدكتور فوزي فيض الله الكويت دراسات إسلامية معاصرة
- الأستاذ سعيد الأفغاني سوريا النحو العربي
- الأستاذ عمر رضا كحاله سوريا التاريخ والتراجم
- الدكتور نور الدين العتر سوريا علوم الحديث
- الأستاذ محمد مطيع الحافظ سوريا فقه وتراجم
- الأستاذ عبد القادر الأرناووط سوريا علوم وحديث
- الدكتور إبراهيم محمد السلعيني سوريا فقه مقارن وعلوم الخلاف
- الأستاذ إبراهيم اليعقوبي سوريا علوم الشريعة واللغة العربية
- السيد أحمد بن عبد الله موريتانيا الأمين العام لوزارة العدل سابقا
- محمد الطاهر بن عثمان تونس
- السيد عبد الله بن الشيخ المحفوظ موريتانيا
- محمد يحيى بن الشيخ محمد الحسن موريتانيا دراسات وبحوث إسلامية
- السيد محمد سالم المحبوبي موريتانيا دراسات وبحوث إسلامية
- السيد التراد بن عبد القادر موريتانيا بحوث وتوجيه معنوي
- السيد محمد بن يوسف موريتانيا مستشار برئاسة الدولة
- السيد المصطفى بن الشيخ محمد موريتانيا
- السيد منصور بن قنى موريتانيا
- الدكتور حسن الشريف
جامعة أم القرى
- السيد عبد العزيز الحلاق
جامعة أم القرى
- السيد محمد بلتاجي مصر درا العلوم
- الدكتور محمد أبو الأجفان تونس
- الدكتور أحمد مباركي
جامعة الإمام بالرياض
- السيد محمد فهمي أبو سعة
جامعة أم القرى
- الدكتور محيي الدين قادي تونس
- الدكتور عبد العظيم ناصر فقيهي
الجامعة الإسلامية
- الدكتور عبد العظيم سري الدين مصر المعهد العام للقضاء بالرياض
- السيد أحمد بن حجر آل طامي قطر قاض
- الدكتور محمد أديب الصالح
جامعة الإمام بالرياض
- الدكتور محمد مصطفى الزحيلي سوريا
- السيد عبد الصمد شرف الدين الهند
- الدكتور محمد عقله الإبراهيم
شريعة - الجامعة الأردنية
- الدكتور وهبه الزحيلي سوريا كلية الشريعة - جامعة دمشق
- الدكتور محمد الزحيلي سوريا كلية الشريعة - جامعة دمشق
- الدكتور محمد أنس الزرقا سوريا المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد
- الدكتور محمود السرطاوي
كلية الشريعة جامعة الأردن
- الدكتور ياسين دار دكه
كلية الشريعة جامعة الأردن
- الدكتور محمد توري فيض الله
كلية الشريعة جامعة الأردن
- الدكتور محمد نعيم ياسين
كلية الشريعة - الكويت
- الدكتور فتحي الدريني
كلية الشريعة - دمشق
- الدكتور أسامة الدباغ
اقتصادي إسلامي جامعة الأردن
- الدكتور محمد سالم شحاته
اقتصادي إسلامي جامعة الأردن
- الدكتور محمد صقر
اقتصادي إسلامي جامعة الأردن
- الدكتور عبده خرابسه
اقتصادي إسلامي جامعة الأردن
- الشيخ بويجره الجزائر فقه
- الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان قطر فقه
- الشيخ صالح الحصين المدينة فكر إسلامي
- الشيخ أحمد حماني الجزائر فقه
- الدكتور التيجاني الهدام الجزائر طب
- الدكتور محمد علي البار جدة طب
- الدكتور اليب النجار مصر فقه
- الدكتور عبد المعطي قلعى مصر طب
- الشيخ بدر متولي مصر فقه
- الدكتور إدريس الجزائري الجزائر إفتاء
- الشيخ عبد المحسن العباد المدينة سنة
- الشيخ عمر فلاته المدينة فقه
- الشيخ الشاذلي النيفر تونس فقه وقانون
- الشيخ الطيب المهدي البو عدبلي الجزائر فقه
- الدكتور محمد فرهود مصر فقه
- الدكتور المهدي بن عبود المغرب مفكر إسلامي
- الدكتور مصطفى الفيلالى تونس مفكر إسلامي
- الشيخ محمد خاطر مصر فقه
- الدكتور عبد الله التركى السعودية أصول
- الشيخ محمود شمام تونس قضاء وفقه
- الشيخ الطيب بسيس تونس فقه وقضاء
- الدكتور المهدي المنجره المغرب اقتصاد
- الشيخ مصطفى كما التارزي تونس فقه
- الدكتور زكريا البري مصر فقه وقضاء
- الدكتور يوسف القرضاوي قطر فقه
- الدكتور على أحمد السالوس مصر فقه، اقتصاد
- الدكتور عبد اللطيف جناحى البحرين اقتصاد
- الدكتور أحمد البزيع ياسين الكويت اقتصاد
- الدكتور نزيه حماد سوريا فقه
- الدكتور سيد طاهر محمود سوريا فقه
- الدكتور عبد الله الوصيف تونس فقه
- الشيح كمال جعيط تونس فقه
- الدكتور عمر حافظ
- الدكتور نجاة الله صديقي جدة المركز العالمي لأبحاث الاقتصاد
- الدكتور درويش جستنية
- الدكتور محمد القرى جدة
- الدكتور محمد الزبير جدة(1/75)
القسم الثالث
اجتماع شعبة التخطيط
جدة 22 - 25 / 8 / 1405 هـ، 12 - 15 / 5 / 1985 م
برنامج عمل المجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
عقدت شعبة التخطيط المنبثقة عن مجمع الفقه الإسلامية (67) اجتماعات مطولة في الفترة الواقعة بين 22 - 25 شعبان 1405هـ الموافق 12 - 15 مايو 1985م نظرت فيها في القضايا التي تضمنها جدول الأعمال، بعد إقراره من الشعبة.
وفي الجلسة الأولى ألقى السيد رئيس مجلس المجمع فضيلة الشيخ الدكتور بكر أبو زيد كلمة رحب فيها بأعضاء الشعبة - في أول اجتماع لها - وبين المسئوليات الجسام التي تتحملها، ثم ألقى السيد الأمين العام للمجمع فضيلة الشيخ الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة كلمة استعرض فيها الاقتراحات التي قدمها السادة أعضاء المجمع في الموضوعات المطروحة على جدول الأعمال، وبين مجالات التعاون مع المؤسسات والجهات المعنية.
وقد ترأس هذه الاجتماعات السيد رئيس شعبة التخطيط الدكتور محمد عبد اللطيف فرفور، وقام بأعمال المقرر السيد الدكتور عبد السلام العبادي (نائب رئيس المجمع) .هذا، وقد حضر جانباً من تلك الاجتماعات كل من السيد رئيس مجلس المجمع والسيد الأمين العام للمجمع، بالإضافة إلى أعضاء مكتب مجلس المجمع المشار إليهم ضمن كشف أعضاء الشعبة الحاضرين الذين وردت أسماؤهم مع حفظ الألقاب، ودون مراعاة لأي ترتيب في ذكرهم بعد ذكر برنامج العمل المتفق عليه.(1/76)
كلمة
معالي الدكتور / محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الخلق وبيده الأمر، وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن سيدنا ومولانا محمدا عبده ورسوله أرسله بالحق بشيرا ونذيرا بين يدي الساعة. فهو أمام الخير والعدل والهدي والتقوى يهدي به الله إلى صراط مستقيم صلى الله عليه وسلم وعلى أله وصحبه وسلم. من يطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصمها فإنه لا يضر إلا نفسه ولا يضر الله شيئاً.
حضرات أصحاب المعالي والفضيلة الأعضاء الموقرين.
حضرات الأساتذة الخبراء المبجلين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد.(1/77)
يسر الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي بجدة أن ترحب بكم أجمل ترحيب وتشكركم أوفى الشكر على ما تجشمتم من مشاق وتركتم من أعمال من أجل حضور هذا الاجتماع الذي هو اجتماعكم والذي به يناط كل نشاط مدروس ومخطط لمجمعكم.
وأملنا في جهودكم الخيرة كبير إذ أنكم ستتولون بحول الله برمجة نشاطات المجمع وتحديد أولويات هذه النشاط وضبط المناهج القويمة التي ستبنى عليها الأعمال المجمعية المزمع إنجازها بحول الله.
وقد سبق لنا من أجل أن تكون الصلة قائمة دائما بيننا وبين حضرات أعضاء المجمع الموقرين، ومن أجل وضع وسائل العمل المجمعي التي تضمنها النظام الأساسي لمؤسستكم هذه موضع التنفيذ أن أجرينا اتصالات كثيرة عن طريقي المراسلة واللقاء بأعضاء المجمع وبالمؤسسات والهيئات العلمية في المملكة وخارجها من جهة وببعض المسؤولين في المشرق والمغرب وبكبار أصحاب الاختصاص من رجالات الفكر والفقه الإسلامي من جهة ثانية.
وكان القصد من وراء هذا كله استطلاع الآراء حول قضايا مهمة هي من مشاريع المجمع التي فكر فيها ويعتزم القيام بها أو الحصول على الوثائق والمعلومات التي طالب بها المجلس في دورته الأولى مجتمعا أو في شعبه المختلفة بغية تيسير عمله والإعداد المحكم لتنفيذ برامجه ومخططاته.
وقد وصلت إلينا جملة من هذه الآراء وتلك بعثنا بأكثرها إلى حضراتكم وتجدونها بإذن الله كاملة في الملفات التي بين أيديكم. ولا ستجلائها بصورة دقيقة وتمكين حضراتكم من درسها ومناقشتها وإكمالها وإثرائها في اجتماعكم هذا المبارك نعرضها عليكم في قسمين مادة مادة مستنيرين بآرائكم ومستفيدين من فضلكم وعلمكم. والله يمدكم بعون منه ويرزقنا وإياكم التسديد والتأييد لخدمة شريعته ونصرة دينه.(1/78)
القسم الأول: وسائل العمل المجمعي
المشاريع العلمية
أولاً: الموضوعات المقترحة للبحث والفتوى.
في ختام الدورة الأولى لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي الذي انعقد برحاب مكة المكرمة فيما بين 26- 29 صفر الخير 1405 / 19 – 22 نوفمبر 1984وزعنا على الحضور استفسارات وردت علينا من البنك الإسلامي للتنمية بجدة، وحين كتبنا إلى حضراتكم مستطلعين آراءكم النيرة وتصوراتكم الحكمية لمشروعات أعمال المجمع أرسلنا صحبة ذلك بورقة الاستفسارات تلك مع ضميمة ورقتين أخريين أولاهما تقرير عن اجتماع بشأن تحديد حكم الشريعة الإسلامية في الفوائد المتجمعة للبنك الإسلامي في المصارف الأجنبية، وثانيتهما اقتراح للمصارف الإسلامية يتعلق بخطابات الضمان.
وبعد هذا وردت علينا منكم ومن أعضاء المجلس ومن الهيئات والشخصيات العلمية اقتراحات عديدة تزيد على السبعين بشأن الموضوعات التي يراد بحثها أو تحديد موقف الشارع منها، وبعد دراستها صنفناها تصنيفا جمليا في إحدى عشر مادة:
1-الموضوعات العامة.
وهي نوعان: الإسلام وتحديات العصر، والإسلام وقضايا المسلمين. وتندرج في النوع الأول عدة قضايا منها:
-الإسلام والسلام العالمي. / الإسلام في مواجهة دعاة الحروب.
-الإسلام ونظام اقتصاد عالمي جديد. / الإسلام في مواجهة الاستغلال.
-الإسلام وقضية القوميات المعارضة. / الإسلام في مواجهة العنصرية.
-الإسلام والصدق الإعلامي. / الإسلام في مواجهة الزيف.
وتتسع النظرة في النوع الثاني لتشمل مسائل مهمة من بينها:
-الجهاد والحرب التحريرية والقتال في سبيل المستضعفين.
-الكفاية والعدل والتعاون الاقتصادي المتكافيء.
- التعايش ومحاربة العنصرية.
- الحوار والشورى في مواجهة التدفق الإسلامي من جانب واحد.
2-موضوعات فنية علمية مجمعية. تتناول:
-سبر الخلافات الفقهية والمقارنة والترجيح بين المذاهب.
-الشريعة الإسلامية والفقه الإسلامي.
-تحقيق القواعد الأصولية ببحث موضوعات القياس وقول الصحابي والمصلحة المرسلة والاستحسان وبيان أثر ذلك في الاجتهاد وتعليل الأحكام.(1/79)
3-موضوعات اقتصادية.
-نظرية اقتصادية إسلامية.
-كيفية تطوير التنمية الاقتصادية وفق المنهج الشرعي في العالم الإسلامي.
-متاجرة الدول الإسلامية وحكوماتها في الخمور والمخدرات ابتغاء تحقيق التوازن والدعم الاقتصادي.
-أعمال البنوك الربوية.
-طرق التمويل في البنوك الإسلامية.
- المرابحة للآمر بالشراء في المصارف الإسلامية.
- المعاملات المصرفية في نظر الشريعة الإسلامية.
- شهادات الاستثمار وجوائزها.
- خطاب الضمان.
-المواعدة على الصرف بين مقدارين محددين مع عمليتين مختلفتين.
- الإيجار المنتهي بالتمليك للمساكن أو الآلات والأصول الثابتة عموما.
- التمويل العقاري لبناء وشراء المساكن.
4-موضوعات تجارية ومالية.
- الربا وتحديد مفهومة مع بحث القرض الذي يجر نفعا وسندات القرض.
-الذهب والفضة سلعتان لا أثمان. تحديد الاتجار بهما والتعامل بالأوراق النقدية.
- النقود الورقية وأحكامها.
- القرض مع تغير قيمة العملة.
- بدل الخلو.
-بيع الاسم التجاري والترخيص.
- نظام التأمين وأنواعه وموقف الإسلام منه.
-القواعد الشرعية الواجب مراعاتها في قضايا الأسهم وفي تنظيم الأسواق المالية.
-تقيد أرباح التجار.
-استحقاق الملكية بسبب الحيازة السابقة العامة.
- حقوق التأليف.
-حقوق إنتاج البرامج في الكمبيوتر.
5-قضايا الشركات
-الشركات الحديثة بوصف عام وشركة المساهمة بوصف خاص.
-عمل الشريك موظفا في شركته.
-تحديد المسؤولية بأموال الشركة دون غيرها من أموال الشريك.
-الجمع بين الشركة والكفالة في موضوع واحد.
-الجمع بين الشركة والوكالة في موضوع واحد.(1/80)
6-القضايا المستجدة. مثل:
-العلو والفراغ ومقارنة القوانين الحديثة بالشريعة الإسلامية.
-نظرة الشريعة للقوانين الدولية حول الطيران في الأجواء الإقليمية وموضوع استغلال المياه الإقليمية.
-نظرة الشريعة للفضاء والأقمار الصناعية والمركبات الفضائية وتحديد موقف الشريعة من استغلال الفضاء.
7-قضايا طبية.
- تنظيم النسل.
- أطفال الأنابيب.
- بنوك الحليب.
- أجهزة الإنعاش.
8-من أحكام الزكاة.
-الأراضي المستغلة وإخراج زكاتها وعلى من تجب.
-زكاة الأسهم في الشركات.
-نصاب الزكاة في العملات المتداولة.
-زكاة أموال الشركات.
-زكاة الديون.
-زكاة العقارات والأراضي غير الزراعية.
-زكاة الأموال الثابتة كالآلات ونحوها.
-زكاة المأجورات.
-زكاة المرتبات والأجور.
- استثمار أموال الزكاة.
-وضع الزكاة في مشاريع ذات ريع بلا تمليك فردي للمستحق.
9-في العقوبات.
- كفارة قتل الخطأ بعد انتهاء الرق وتعطل حكم التخيير.
10-من قضايا السياسة الشرعية.
-مدة صلاحيات أولى الأمر في إدارة المجتمع الإسلامي.
- الجنسية والتجنس بأنواعها.
-مصير الأراضي الخراجية.
- الركاز ونحوه من الأراضي والموارد الطبيعية والمياه والغابات ومسألة استغلال الثروات المعدنية في قيعان البحار.
-توزيع الغنائم الحربية وتخميسها.
-انتزاع الملكية للصالح العام.
-المبادئ الشرعية والاقتصادية الرئيسية للتوظيفات المالية.
-واقع أهل الكتاب بيننا ومصير عقد الذمة.
-حقوق ولد الزنا في المناصب الدينية كالإمام ونحوها.(1/81)
11-قضايا اجتماعية ودينية:
- تطبيق الشريعة في الدول الإسلامية.
-الفرق والطرق الإسلامية.
-الأذكار والأوراد عند الطرق الصوفية.
-الموضوعات الفقهية الجزئية كإرسال اللحى وتحديد الأزياء وصلاة السنة قبل الجمعة وقراءة القرآن على الموتى والتجارة في المخمور والمخدرات.
- الزواج من البوذيات والقاديانيات والأحمديات والشيوعيات.
- زواج المسلمة من غير المسلم.
- التسري بالجواري في هذا العصر.
-تولي الرجال توليد النساء مع انتفاء الخطر ووجود طبيبات مسلمات.
- تولي القضاء لغير المسلمين والاحتكام إليهم.
-توحيد الشهور والمواسم.
- الإرسال والقبض في الصلاة.
- الصلاة والصوم في الأماكن التي يختل فيها التوازن بين الليل والنهار.
-مكان ووقت الجمعة مع لغة الخطبة.
- لحوم الهدي في منى.
-تكرار الحج مع تضاعف عدد المسلمين ويسر المواصلات.
- الوصية الواجبة في الإرث.
وهذه الموضوعات على تنوعها وكثرتها منها ما هو من قبيل القضايا العميقة والمشاكل القائمة التي تقتضي نظرا ودرسا ومقارنة وبحثا.
ومنها ما هو من قبيل القضايا العلمية التي تتطلب درسا وبحثا وتحديد حكم.
ومنها ما هو من قبيل المسائل الجزئية التي تحتاج الإجابة عنها إلى فتوى مجمعية.
والأمر موكول إلى حضراتكم في تصنيفها هذا التصنيف أو غيره لتحددوا في شعبتكم الموقرة هذه، شعبة التخطيط ترتيب هذه الموضوعات بحسب الأهمية أو التأكد ثم ترتيبها على أساس الأولوية في عرضها على لجنة الفتوى أو الدراسات فنتمكن من وضع رزنامة لبحث ما يعرض من موضوعات واستفتاءات في المؤتمر القادم والمؤتمرات بعده بإذن الله.(1/82)
ثانياً: الموسوعة الفقهية:
اختلفت للآراء والتصورات بشأن الموسوعة الفقهية رغم أهميتها ورغم التنصيص عليها كوسيلة من وسائل تحقيق أهداف المجمع الفقهي في نظامه الأساسي:
فمن صارف للنظر عنها وعن التفكير فيها لما تحتاجه من تكلفة وجهد مع التكرار.
ومن داع إلى التعاون مع الموسوعتين المصرية والكويتية وذلك بالسعي إلى توحيدهما أو توحيد العمل فيهما وبضم الجهود إليهما بالدعم المادي والعلمي وعدم انفراد مجمع الفقه الإسلامي بجدة بمشروع ثالث.
ومن الآراء التي تذهب إلى قريب من هذا ذلك الرأي الذي يدعو:
أولا إلى توزيع الأجزاء المنجزة من الموسوعتين على خبراء حسب الاختصاص المذهبي للمراجعة وتحقيق مزيد من الدقة وللاستدراك لتفاصيل البحث أو للمسائل المغفلة أو للأنقاص وما يمكن أن يكون قد حصل من تحريف للأدلة المعتمدة. ثم التقدم بنتائج هذه الأعمال إلى الموسوعة الكويتية تحقيقا للتنسيق بينها وبين جهود المجمع.
ويطلب ثانيا من مجلس المجمع أن يضبط خطة التعاون في هذا الصدد ويصدر بشأنها قرارا.
ومثله الرأي الذي يدعو المجمع إلى القيام بتحديد مظان الموضوعات الفقهية بالأصول والأمهات مستعينا في ذلك بالكمبيوتر وهو ينصح بالتخلي نهائيا عن عمل الموسوعة للكويت.
ومن الآراء ما يقف وسط الطريق غير مانع القيام بمشروع الموسوعة ولا حريص على المبادرة به في التو لما يدعو إليه من قيام بدراسة عن الموسوعات والمعاجم الموجودة في الدول الإسلامية تمهيدا لوضع موسوعتنا.
وإلى جانب الآراء المتقدمة على اختلافها في تحديد وجاهتها نجد آراء أخرى صريحة تدعو في حماس وإصرار إلى إنجاز هذا المشروع الهام وإن أدى ذلك إلى تكرار وهذه بسبب الموقع العمومي الشمولي للمجمع وتمثيله للعالم الإسلامي غير ملاحظة مانعا من التكرار.
-فمنها من يرى وجوب مراجعة الموجود مع التصحيح والإكمال والاستدلال لكل مذهب.
-ومنها ما يدعو إلى الاستفادة من التجارب السابقة في عمل الموسوعتين لبناء الموسوعة الجديدة.(1/83)
-ومنها ما يؤكد على استيعاب الموسوعة للقضايا العصرية.
-ومنها الذي يشير في تصنيف مادتها إلى مراعاة الترتيب الألفبائي.
-ومنها الذي يختار الترتيب الموضوعي لمادتها مسايرة لأبواب الفقه في جميع المسائل المتفرقة. ويقترح الشروع بقسم المعاملات الذي طالت الغفلة عنه وتأكدت الحاجة له خصوصا في معالجة القضايا الحديثة في إطار الحياة الاقتصادية والتجارية وفي ميدان المصارف ونحوها.
وهو مع التردد بين الاقتصار في الموسوعة على المذاهب الأربعة السنية وبين الدعوة إلى الشمول والتوسع الذي تقتضيه طبيعة المجمع يوصى باعتماد فقهاء المذاهب في تحرير فصول الموسوعة وبوجوب تناولها للمسائل المستجدة مع الاستدلال للمذهب والحرص على تميز الموسوعة باختيار الأقوال الراجحة تسهيلا للعمل بالشريعة، كما يوصى هذا الرأي بتجريد الموسوعة من المسائل الميتة ومن التراجم.
هذا ويمكن لحضراتكم أن تجدوا في الملف الذي سلم إليكم إلى جانب هذه الأراء المختلفة وبخاصة إلى جانب التي تدعو منها إلى الحرص على إيجاد الموسوعة بيانات حول المساهمة في العمل الموسوعي وتحديدا للخطوات العلمية المقترحة لعمل الموسوعة، وللخطوات العلمية الكفيلة بإعداد موسوعة مستكملة.
ولا يفوتنا هنا أن ننبه إلى أن المادة (29) من تقرير شعب المجلس مجتمعة المصادق عليه في الدورة الأولى لمؤتمر المجلس، تنص على أن شعبة الدراسات والبحوث تعني بإنشاء موسوعة فقهية مبتدئة بالاستفادة مما أنشيء ومراجعة ما هو موجود حتى يكون عملها مستأنفا لا مكملا وتهتم بالرجوع في كل مسائله إلى الأدلة المعتمدة. وفي ضوء كل ما تقدم يكون لشعبتكم الموقرة شرف وضع تصور واضح لهذا العمل الجليل ومنهجية مدققة لإنجازه على الوجه المطلوب.
ثالثا: معجم المصطلحات الفقهية:
-تدعو أكثر الآراء والاستطلاعات إلى وضع معجم عام للمصطلحات الفقهية وتؤكد المبادرة به وهي مع اختلافها في الخطة توسعا وشمولا توصى بتحديد المصطلحات الفقهية في مختلف المذاهب والإشارة إلى أسماء الفقهاء وأشهر دواوين الفقه ورموز الكتب والمصادر التي يحال عليها ونحو ذلك. وهي تلفت النظر إلى وجوب اعتماد الأعمال المتنوعة السابقة في هذا الغرض من كتب وفهارس تعين على إعداد هذا المعجم العام.(1/84)
ومن أهم ما ذكرته من مصادر لهذا العمل القيم والمفيد:
-كليات أبي البقاء.
-المغرب للمطرزي.
-المشوف المعلم للمحب العكبرى.
-دستور العلماء لعبد رب النبي.
-الزاهر للأزهري.
-التعريفات للجرجاني.
-الحدود للباجي.
-كشاف مصطلحات الفنون للتهانوي.
-المصباح المنير للفيومي.
-طلبة الطلبة للنسفي.
-القاموس الفقهي لسعدي أبو حبيب.
-ألفاظ التنبيه للنووي.
-ألفاظ المهذب للركبي.
-المطلع على أبواب المقنع للبعلي.
-ألفاظ المدونة للجبي.
-معجم المغنى.
-معجم المحلى.
-فهرس ابن عابدين
-فهرس شرح المنهاج.
-فهرس جواهر الأكليل.
-فهرس مسلم الثبوت.
-فهرس جمع الجوامع.
وغير ذلك من الكتب والمؤلفات المخطوطة التي يصار إليها استكمالا للجمع والضبط.
وقد وردت بعض الرسائل المتضمنة لقسم من هذه القوائم مذيلة كما هو موجود لديكم بالملف باقتراحات علمية ومنهجية لطريقة وضع المعجم العام لمصطلحات الفقه الإسلامي.
وقد لفت بعضها النظر إلى ما هو متداول اليوم عند الفقهاء من مصطلحات وصيغ واستعمالات لا يجوز تركها ولا يحسن إغفالها وذلك كجملة من المصطلحات القانونية، واستعمالات العامة التي دخلت في كلام الفقهاء، ومصطلحات الأصوليين ومصطلحات الآداب الشرعية، ومصطلحات الحسبة ونحوها.(1/85)
انفرد المسجل العلمي لجامعة القرويين بفاس باقتراح وضع معجم خاص باصطلاحات الفقه المالكي تستخرج من كتب المالكية وكتب مقاصد الشريعة.
وهكذا حضرات الإخوة الكرام تبين السبيل وتحدد تصورات المشروع المتشعب. وإن الأمل معقود في هممكم العلمية لضبط الوسائل العلمية والمنهجية لطريقة وضع المعجم العام لمصطلحات الفقه الإسلامي والمعجم المالكي إن رأيتم.
رابعا: المخطوطات المقترحة للتحقيق والنشر:
تراجع في ذلك القوائم المثبتة في الملف الذي بين أيدي حضراتكم ويضاف إليها:
منهج الزقاق وشرحه للمنجور (اقتراح المجلس العلمي لجامعة القرويين بفاس) .
تحقيق جملة من الكتب الفقهية المطبوعة مثل التنقيح للقرافي، والتبصرة لابن فرحون (اقتراح المجلس العلمي لجامعة القرويين بفاس) .
وإنا لنأمل أن يتمخض هذا الاجتماع عن تصور للخطوات المناسبة الكفيلة بإدخال هذا المشروع حيز التنفيذ وذلك بوضع برنامج عملي يضبط الأولويات فيما يحسن البدء به من المخطوطات في زمنية معينة، ويحدد الوسائل التي يتعين اعتمادها في طور الإنجاز.
خامسا: فهرسة بعض الكتب الفقهية.
اقترح المجلس العلمي لجامعة القرويين بفاس:
-فهرسة شرح الحطاب على مختصر خليل.
-فهرسة حاشية الرهوني على الزرقاني.
ملحوظة:
ورد في عون المراسلات التي كتب بها بعض الأعضاء إلى الأمانة العامة وكذلك ببعض محاضر الجلسات التي عقدت مع الهيئات العلمية التأكيد على وجوب التنسيق بين مجمع الفقه الإسلامي للرابطة ومجمع الفقه الإسلامي بجدة وإلى جانب ذلك اقتراحات مفيدة كثيرة منها ما هو من قبيل المشاريع والأعمال ومنها ما يعد من وسائل العمل.
المشاريع والأعمال المقترحة:
-استخلاص تفسير مجمع عليه من التفاسير الموجودة يكون مبسطا ووجيزا.
-وضع كتاب في السيرة يكون استمداده من القرآن وتأويلاً بآيانه.
-وضع فهرست للكتب الستة يعني بجوانب السيرة والفقه.
-وضع منتخب من الأحاديث له علاقة وارتباط بالكتب الستة يتناول ما وقعت الإشارة في الفهرست له مع شرح موجز.(1/86)
-وضع كتاب وسط في المذاهب الفقهية السنية يترجم إلى اللغات الأجنبية.
-صياغة دستور واحد للأمة الإسلامية يكون أساسا لتحقيق الوحدة القانونية.
-وضع مداخل للمذاهب الفقهية.
-ندوات وملتقيات ودورات فقهية.
-تيسير الفقه بتدوين الأحكام الشرعية على حسب الأقوال الراجحة في المذاهب الأربعة وبتدوين أصول المرافعات.
-مجلة للفقه الإسلامي تعني بقضايا الساعة.
-إنشاء كلية شرعية استثنائية للتدريب على البحث والاستنساخ والاجتهاد في القضايا المستجدة.
وسائل العمل:
-موظفون قارون للعمل في الموسوعة والمعجم والمجلة ونحوها.
-كمبيوتر تخزن به المعلومات ويستفاد منه عند الحاجة.
-الإفادة من الدوريات مثل البيبلوغرافيا الموضوعية العربية.
-الإفادة من أعمال المؤتمرات والندوات العلمية والفقهية.
-جمع كتب الفتاوى والنوازل للاستفادة منها.
-الاستفادة مما ينشر من مصطلحات فقهية وقانونية في الرسائل أو الدوريات.
-استطلاع الجهات المعنية والخبراء في كل أمر مهم.
القسم الثاني: الوثائق والمعلومات
التقنينات والتشريعات الإسلامية في الدول الأعضاء.
استجابة لرغبة شعبة الدراسات والبحوث ولقرارها رقم (2) فقرة (1) ، وللرسائل التي بعثنا بها إلى أعضاء المجمع الموقرين وصلتنا جملة من القوانين ومن مشاريع القوانين الفقهية التي أعدت في مصر والأردن والجمهورية اليمنية وتونس والمغرب والكويت والسودان وإيران. وقد تضمنها الملف الذي بين أيدي حضراتكم.(1/87)
وإن الأمانة العامة لتتوقع أن يصلها تباعا من بقية الدول الأعضاء ما أعد لديها من مشاريع القوانين الإسلامية، ويحسن بهذا الاجتماع أن يحدد تصورا واضحا وعمليا للطريقة التي ينبغي توخيها للوصول إلى الهدف المبتغي من وراء هذا العمل الجليل ونعني ذلك وضع تشريع موحد للأمة الإسلامية يحتكم بالأساس إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وإلى أحكام الفقه وأصوله وقواعده ونظرياته.
الإثبات والقوائم لما نشر عن الإسلام.
كنا نود أن تتوفر لنا قائمة فيما نشر عن الإسلام باللغة العربية واللغات الأجنبية ابتغاء ضبط وحصر الاتجاهات الهدامة والمعادية للإسلام مما يناهض به الإسلام في فكره وتشريعه وثقافته وحضارته ويحمل طابع التحامل عار من التحليل الصحيح وخاليا من الموضوعية. فاتصلنا بمؤسسة الإسلام والغرب بجنيف، وبمركز الدراسات الإسلامية بلندن، وطلبنا هذا من أعضاء المجمع كافة لكن لم يصلنا بعد شيء من ذلك سوى قائمة تفضل بعض الأعضاء مشكورا بإعدادها.
ولعلنا نفيد من حضراتكم بما يمكننا من الاستعانة على إعدادها تمهيدا للقيام بدراسات نقدية وتصحيحية يقوم بها المجمع وتنشر باللغة العربية واللغات الأجنبية في مجلته تنبيها للغافلين وتنويرا لشباب الإسلام وغيره من الدارسين.
قوائم في الخبراء مع سيرهم الذاتية:
تم بحمد الله ضبط قائمة عامة في الخبراء اعتمادا على اقتراحات الأعضاء والهيئات العلمية. ولعلنا نستكمل هذا في الأيام اللاحقة وقبل انعقاد الدورة الثانية لمجلس المجمع التي موعدها بإذن الله شهر المحرم الحرام 1406 ونحن حريصون على السادة الأعضاء بأن يوافونا باقتراحاتهم في هذا الشأن.
وفي انتظار ما سوف ينتج عن دراسة حضراتكم للمقترحات المعروضة عليكم من ضبط للموضوعات وللاختيارات، وتحديد للأولويات، وتمحيص للمشاريع وقبول ما ترون قبوله منها تقبلوا أصحاب المعالي والفضيلة خالص التقدير وعظيم الشكر والامتنان، والله ينفع بعلمكم ويسدد الخطي بدرسكم ويمكن لهذا الدين ,أهله باجتهادكم، والله من وراء القصد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(1/88)
اجتماعات الشعبة وخطة العمل المقترحة
كونت الشعبة عددا من اللجان الفرعية لمتابعة ما توصل إليه الأعضاء من آراء متعددة واستكمال البحث في القضايا المطروحة، على النحو المشار إليه في هذا التقرير.
وفيما يلي استعراض لما اتخذته الشعبة من قرارات وتوصيات:
أولا: رسالة المجمع ودوره الأساسي:
لما كان هذا هو الاجتماع الأول لشعبة التخطيط، فقد بحثت الشعبة في رسالة المجمع والدور المنوط به، لتحديد الهدف الأساسي من انشائه، ليكون نبراسا في أنشطته وأعماله المختلفة. وقد تمخض عن هذا البحث وضع التصور الآتي:
"تقرر الشعبة من منطلق النظام الأساسي للمجمع ولائحته الداخلية. أن الهدف الرئيسي لهذا المجمع، والدور البارز المنوط به، هو عرض الشريعة الإسلامية عرضا صحيحا وإبراز مزاياها، وبيان قدراتها الفذة في معالجة المشكلات الإنسانية المعاصرة، وفي تحقيق سعادة الإنسان في الدنيا والآخرة، وفق تصور شامل يهتم بالإسلام كله، وفي أصوله ومصادره وقواعده وأحكامه، وعلى أساس أن الفقه الإسلامي هو ثمرة تحكيم شريعة الله سبحانه في الواقع الإنساني بكل أبعاده".
ثانيا: الموضوعات المقترحة للبحث والفتوى:
استعرضت الشعبة الاقتراحات الواردة من السادة الأعضاء المجمع، كما وردت كاملة في الوثائق المقدمة لاجتماعات الشعبة، وكما وردت مصنفة في ورقة العمل التي قدمها السيد الأمين العام. وبعد المناقشة والتداول شكلت الشعبة لجنة فرعية من كل من:
- الشيخ مصطفى الزرقاء.
- الدكتور عبد الستار أبو غدة.
- الشيخ التيجاني صابون محمد.
- الدكتور عبد السلام العبادى – مقررا.
وذلك لاختيار الموضوعات ذات الأولوية في مجالى البحوث والفتوى، تمهيداً لاحالتها إلى الشعبتين المعنيتين بهذين المجالين.
وقد قدمت هذه اللجنة إلى الشعبة تقريرا خاصا بمهمتها، ثم اقراره بعد المناقشة المستفيضة وتقرر: ادراج الموضوعات التالية في خطة المجمع للسنوات القادمة.(1/89)
(أ) الموضوعات في مجال البحوث والدراسات:
(في مجال أصول الفقه)
- الاستحسان، والمصالح المرسلة.
- العرف.
(في مجال الفقه)
- توحيد بدايات الشهور العربية.
- الإحرام للقادم للحج والعمرة بالطائرة والباخرة.
- حكم التعامل المصرفي المعاصر بالفوائد.
- أحكام التعامل في المصارف الإسلامية.
- التأمين، وإعادة التأمين.
- أحكام النقود الورقية، وتغير قيمة العملة.
- أحكام السوق المالية.
- أحكام الاتجار بالذهب والفضة.
- سندات المقارضة، وسندات التنمية والاستثمار.
- خطاب الضمان.
- الشركات المدنية، وبخاصة شركة المساهمة.
- حقوق الابتكار (التأليف، وإنتاج برامج الكمبيوتر مثلا..) .
- مقدار الدية في العصر الحاضر.
- تنظيم النسل وتحديده.
- الإجهاض.
- لحوم الهدي في منى.
- التمويل العقاري لبناء المساكن وشرائها.
- الايجار المنتهي بالتمليك.
- انتفاع الإنسان بأعضاء جسم إنسان أو جزئه حيا أو ميتا.
- أحكام الفضاء الخارجي.
- العلو وملكية الطبقات في الفقه الإسلامي.
- تحديد أرباح التجار.
- الجنسية والتجنس.
- الوصية الواجبة.(1/90)
(ب) في مجال الفتوى:
- أطفال الأنابيب.
- بنوك الحليب.
- أجهزة الإنعاش.
- زكاة الأراضي الزراعية المأجورة.
- زكاة الأسهم في الشركات.
- زكاة أموال الشركات.
- نصاب الزكاة في العملات المتداولة.
- زكاة الديون.
- زكاة العقارات والأراضي المأجورة لغير الزراعة.
- زكاة الأصول الثابتة كالآلات.
- زكاة المأجورات.
- زكاة أموال الزكاة.
- توظيف الزكاة في مشاريع ذات ريع (بلا تمليك فردى للمستحق) .
- زواج المسلم من نساء الفرق الخارجة عن الإسلام.
- زواج المسلمة من غير المسلم.
- تولي الرجال توليد النساء مع انتفاء الضرورة وتوفر طبيبات مسلمات.
- الصلاة والصوم في الأماكن التي يختل فيها توازن الليل والنهار.
- حكم تحديد عدد الحجيج بما يتناسب مع استيعاب الأماكن المقدسة.
- حكم الصلاة في الطائرة إذا خيف فوات الوقت.(1/91)
(ج) كما قررت الشعبة ما يلي:
1. ضرورة أن يقوم المجمع بإعداد دراسة تعريفية بالفقه الإسلامي تبين علاقته بالشريعة الإسلامية وخصائص كل منهما ومناهج الفقهاء، وكتب المذاهب، بحيث توضع بين يدي الباحثين، لتسهيل عملية البحث الفقهي، والتوجيه إلى تطبيق الشريعة الإسلامية.
2. تحال الموضوعات السابقة إلى الشعب المعنية في المجمع لبدء العمل.
3. يطلب من كل عضو من أعضاء المجمع اعداد ورقة عملية في موضوع واحد على الأقل من موضوعات البحوث والدراسات، كما يطلب منه تقديم ورقة عمل في موضوع واحد على الأقل من موضوعا الفتوى.
4. يجرى توزيع قوائم بهذه الموضوعات من بحوث وفتاوى، على جميع أعضاء المجمع، ليختاروا منها ما يرغبون في الكتابة فيه.
5. تنظم الأمانة العامة هذا الأمر بالاتفاق مع أعضاء المجمع والخبراء المختصين بما يحقق تغطية جميع الموضوعات، وجودة إعدادها، وتوافرها لدى أعضاء المجمع بفترة كافية قبل الاجتماعات التي ستبحث فيها.
6. وتعطي الأولوية للبحث في الدورة القامة للمجمع للموضوعات الآتية:
- المصالح المرسلة والاستحسان في مجال أصول الفقه.
- الموضوعات العشر الأول في مجال الفقه.
- الموضوعات الأربعة عشر الأولى في مجال الفتوى.
ثالثا: الموسوعة الفقهية:
بحثت الشعبة في موضوع إصدار المجمع لموسوعة فقهية طبقا لما ورد في النظام الأساسي للمجمع بقصد كتابة الفقه الإسلامي بالطرية التي تسهل على الدارس والناظر أخذ ما يحتاجه منه.(1/92)
وبعد التداول في الأوراق المقدمة، وما جاء من عرض بشأنها في ورقة العمل التي أعدها السيد الأمين العام للمجمع، واستعراض المشاريع التي يجري تنفيذها الآن في كل من مصر والكويت، قررت الشعبة تشكيل لجنة فرعية من كل من:
- الشيخ مصطفى الزرقاء.
- الدكتور عبد الستار أبو غدة.
- الدكتور عبد الرحمن شيبان.
- الشيخ سيدى محمد يوسف جيرى.
- الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور.
- الدكتور عبد السلام العبادى – مقررا.
وذلك لدراسة المنهج المتميز الذي ينبغي أن تسير عليه الموسوعة الفقهية التي سيصدرها المجمع، بحيث تقدم هذه الدراسة في الاجتماع القادم للشعبة، على أن يوافى بقية الأعضاء في الشعبة هذه اللجنة بآرائهم في موضوع الموسوعة، وتتولي الأمانة العامة للمجمع متابعة عمل هذه اللجنة.
رابعا: معجم المصطلحات الفقهية:
بحثت الشعبة في موضوع إعداد معجم المصطلحات الفقهية ييسر على المسلمين إدراك معناها لغة واصطلاحا عن طريق لجان متخصصة، طبقا لما ورد في النظام الأساسي للمجمع.
وقد تداولت الشعبة في الموضوع على ضوء الأوراق المقدمة بخصوصه، وقررت: أن يكون المعجم المراد وضعه معجما تعريفياًَ بالمصطلحات الفقهية، لا مجرد فهرس للمصطلحات، ودون اشتماله على أحكام فقهية تفصيلية، وأن يكون شاملا لجميع ما ورد من مصطلحات في المذاهب الفقهية.(1/93)
كما عهدت الشعبة إلى الأمانة العامة بتشكيل لجنة تستعرض الجهود السابقة في هذا المجال، والاقتراحات التي قدمت إلى أمانة المجمع، وتستعين بالفهارس التي تم إنجازها للكتب الفقهية، لوضع منهج واضح لاخراج معجم شامل للمصطلحات الفقهية. على أن يتم توثيق معاني هذه المصطلحات في المعجم المأمول بالرد إلى كتب المذاهب المتعددة، وعلى أن تراعى الأمانة العامة، عند تشكيل هذه اللجنة أمكانيات المجمع وتسهيل العمل، وبحيث يصار إلى البدء بتنفيذ العمل بتكليف مختصين لعمل معجم لمصطلحات كل مذهب على حدة، ثم يجرى إخراج المعجم الشامل.
خامسا: الموضوعات المقترحة للبحث في ندوات أو لقاءات:
تداولت الشعبة في الموضوعات المقترحة لعقد ندوات أو لقاءات لبحثها، بالتعاون بين المجمع والجامعات والمؤسسات الأخرى؛ وقررت الشعبة أن تتولي الأمانة العامة جدولة الموضوعات التالية وغيرها، مما تقترحه الجهات المتعاون معها بعد الاتصال بها.
والموضوعات التي أقرتها الشعبة وهي:
1- القضايا الطبية الجديدة: بالتعاون مع المنظمة الإسلامية الطبية في الكويت ونحوها.
2- التقنيات الشرعية: بالتعاون مع وزارات العدل؛ والمؤسسات الإسلامية المعنية.
3- القضايا المصرفية الجديدة: بالتعاون مع المصارف الإسلامية.
4- موضوعات مناسبة، يتم الاتفاق بشأنها مع وزارة الشؤون الدينية الجزائرية مثلا، من خلال الملتقيات التي تقيمها، وذلك استجابة للعرض المشكور الذي تقدم به عضو المجمع معالى وزير الأوقاف الجزائري.
سادسا: إحياء تراث الفقه الإسلامي:
شكلت الشعبة لجنة لاختيار الكتب المرشحة للنشر من المخطوطات والمطبوعات المحتاجة للتحقيق من كل من:
1- الشيخ محمد سالم محمد علي عبد الودود.
2- الشيخ محمد هشام البرهاني.
3- الدكتور عبد الستار أبو غدة.
وذلك لوضع قائمة أولية، وتحديد معالم منهج لنشر التراث، وقد استعرضت البيانات المتصلة بهذا الموضوع، مما جاء في كلمة السيد الأمين العام للمجمع وفي قائمة المخطوطات والمطبوعات المقترحة للنشر، والمثبتة في أوراق الاجتماع.(1/94)
وقد أقرت الشعبة ما ورد في تقرير اللجنة من أن الأولوية للنشر من بين فئات ما ألف في الفقه هي كما يلي:
أولا: كتب الخلاف العالى (الفقه المقارن) :
حيث إن ما نشر منها قليل جدا وصغير الحجم في الغالب، وهي الكتب الجديرة بإعطاء صورة شاملة للفقه الإسلامي بشتى مذاهبه، كما أنها تعني – بطبيعتها – بالأدلة والمقارنة والترجيح والمناقشات، مما يغني الدراسات والبحوث الفقهية التي يهتم بها المجمع ويحتاج إليها المختصون.
فمن كتب الفقه المقارن (المخطوطة أو المطبوعة) المحتاج لتحقيق وإعادة طبع:
- تقويم النظر، لابن الدهان.
- شرح المنظومة النسفية في الفقه المقارن.
- الإشراف على مسائل الخلاف للقاضي عبد الوهاب.
- البحر الزخار لابن المرتضي.
- الخلافيات للبيهقي.
- طريقة الخلاف بين الحنفية والشافعية للقاضي حسن.
- الجمع والفرق لإمام الحرمين الجويني.
ثانيا: كتب آيات الأحكام وأحاديث الأحكام:
نظرا للحاجة الماسة إلي هذه الزمرة من كتب فقه الكتاب والسنة في الإستدلال للمسائل وفي المقارنة بين المذاهب يهتم بنشرها كتب فيها من تراث ما يزال مخطوطا.(1/95)
ثالثا: كتب القواعد الفقهية والأشباه والنظائر والفروق (المخطوطة والمطبوعة) :
- الفروق - للقرافي.
- القواعد – للونشريسي.
- القواعد – للمقرئ.
- القواعد والفوائد الأصولية لابن اللحام البعلي.
- المنهج المنتخب للزقاق وتكملته وشرحه – للمنجور.
- القواعد – للعلائى.
- القواعد الفقهية – للحمزاوي.
- شرح الأشباه والنظائر – لابن البعلى.
- الأشباه والنظائر – للسبكي.
- الأشباه والنظائر – للسيوطي.
- الأشباه والنظائر – لابن الوكيل.
رابعا: الرسائل المفردة لموضوع أو مسألة:
يستفاد مما تضمنه فهرس الكتبخانة المصرية في المجلدين الأخيرين تحت عنوان (المجاميع) فهى تضم الرسائل الصغيرة المؤلفة في موضوع واحد. ومعظمها مخطوط. وكذلك مما جاء في فهرس المكتبة الأزهرية، وفي فهرس المكتبة الظاهرة المطبوع والمخطوط، وفهرس خزانة القرويين وغيرها. والمكتبة الأحمدية في تونس ... الخ.
مع التعاون مع الجهات المهتمة بالمخطوطات كمعهد المخطوطات العربية في مقره الحالي بالكويت، ومقره السابق بالقاهرة سواء ما نشر في فهارسهما أو لم يزل في البطاقات والقوائم الداخلية.
خامسا: الكتب الأساسية (الأمهات) في كل مذهب:
بالإضافة إلي تلك الكتب التي تعني بتعقيد الفقه والاهتمام بمسائله، هناك حاجة لنشر المدونات الكبرى في كل مذهب وهي أشهر كتبه المعتمدة مما تأخر إخراجه إلي عالم الطبع أو مما طبع على غير أصول الإخراج الحديث ويحتاج إلي إعادة طبعه بعد العناية بخدمة النص.(1/96)
المذهب الحنفى:
مخطوطات للتحقيق والنشر مطبوعات لإعادة طبعها محققة
الأصل للإمام محمد بن الحسن الشيباني مجمع الأبحر شرح ملتقى الأنهر
المحيط البرهانى حاشية ابن عابدين (على نسخة المؤلف)
رسائل الشرنبلالي بدائع الصنائع للطاساني
رسائل النابلسى المبسوط
شرح الوهبانية، لابن الشحنة فتح القدير لابن الهمام
فتح باب العناية شرح الناقبة، للعلى القارى شرح الهدايا للكنوى
التعليق الممجد شرح موطأ محمد، للكنوى الفتاوى الهندية
الحاوى القدسى، الغزناوى الفتاوى البزازية
المحيط لرضى الدجين السرخسى فتاوى قاضيخان
رسائل العلامة قاسم ابن قطلويغا مجمع الحقائق في الأصول والقواعد
أصول الفقه للبزدوي
مجموعة رسائل ابن عابدين(1/97)
المذهب المالكي:
مخطوطات للتحقيق والنشر مطبوعات لاعادة طبعها محققة
الواضحة، لابن حبيب شرح المواق، لمختصر خليل
الموازية لابن المواز شرح الحطاب، لمختصر خليل (مواهب الجليل)
التبصرة للخمى المنتقي للباجي
الجامع لابن مونس المدونة
الجواهر الثمينة، لابن شاس تحفة ابن عاصم وشروحها
الطراز لسند تبصرة الحكام، لابن فرحون
الشامل، لبهرام التنقيح للقرافي
التوضيح لخليل، شرح مختصر ابن الحاجب الجوهر المنظم لابن سلمون
مختصر ابن عرفة لامية الزقاق وشرح ميارة
النوادر لابن أبي زيد شرح الزرقاني وحواشيه للبنانى والرهوني وكنون
التنبيهات للقاضي عياض والتاودي (تطبع مجتمعة على نسق واحد وتفهرس)
الذخيرة للقرافي القوانين الفقهية، لابن جزي
شرح القلشاني للرسالة
شرح زروق للارشاد لابن عسكر
شرح التلقين للقاضي عبد الوهاب البغدادي
المعونة للقاضي عبد الوهاب البغدادي
شفاء الغليل في لغات خليل لابن الحسن الشاذلي المالكي
تنبيه الطالب لألفاظ ابن الحاجب، للتونسي، غرر المقالة في شرح غريب الرسالة، للصفراوي
الاستذكار لابن عبد البر(1/98)
المذهب الشافعي:
مخطوطات للتحقيق والنشر مطبوعات لاعادة طبعها محققة
الحاوي للماوردي أسنى المطالب شرح روض الطالب للقاضي زكريا الأنصاري
الكوكب الساطع وشرحه للسيوطي في أصول الفقه تحفة المحتاج شرح المنهاج لابن حجر الهيثمي شرح المنهاج للمحلى بحاشيتي القليوبي وعميرة
المذهب الحنبلي:
مخطوطات للتحقيق والنشر مطبوعات لاعادة طبعها محققة
الجامع الكبير للخلال. المغني لابن قدامة
الطرق الحكمية
القواعد النورانية لابن تيمية(1/99)
اختيار منهج لنشر التراث بالمجمع:
تبين مما عرض في جلسات شعبة التخطيط ميل أكثر الأعضاء أو جميعهم إلي الاختصار على خدمة النص المخطوط دون تزيد أو تكلف في التعليقات التي لا أثر لها مباشرا في خدمة النص من مثل التراجم، والمغايرات الخطية اللفظية، والتخريج المطول ... الخ.
وهذا المنهج يحتاج لتوضيحه إلي وضع خطة لهذا الاقتصاد في التحقيق. ويستفاد ما توصلت إليه (لجنة التراث بوزارة الأوقاف في الكويت) حيث أوضحت إلي جانب طريقة التحقيق المتداولة طريقة أخرى دعتها (التحرير) وهي تشبه ما كان يتم في نشر الكتب الفقهية بعناية لجان من العلماء تخدم النصوص دون التعليق عليها. وهناك لائحة تحدد عناصر التحرير سترسلها لجنة التراث بوزارة الأوقاف الكويتية للمجمع للاطلاع ولتكون من وثائقه في حال اعتمادها.
واللجنة – وإن ذكرت بعضاً من الكتب المطبوعة لمزايا تخصها – تعتبر أن الهدف الأهم هو نشر المخطوطات التي لم يسبق طبعها حرصا على الانتفاع بها وصونا لها من الضياع الذي تتعرض له، وهذا هو الاتجاه الذي قرره أعضاء الشعبة جميعهم.
هذا، ما حضر الأعضاء بادى الرأي – من الذاكرة – والموضوع يحتاج إلي الرجوع إلي كتب الوارقة (الببليوغرافيا) وفهارس مخطوطات الخزائن ودور الكتب في أنحاء العالم الإسلامي وغيره من البلاد الأوربية والشرقية وامريكا، والمجلات المعنية بالتراث، كالمورد العراقية ومجلتي معهدي المخطوطات بالكويت والقاهرة.
واللجنة ستواصل استكمال هذه القوائم، مع رجاء تعاون بقية أعضاء الشعبة (شعبة التخطيط) وغيرهم من أعضاء المجمع في موافاة (الأمانة) بما لديهم من مقترحات.
سادسا: بند ما يجد من أعمال:
وبحثت الشعبة في موضوع إصدار مجلة المجمع، وبعد النقاش والمداولة قررت:
- يصدر المجمع مجلة علمية حولية، تعني بالإعلام عن أخبار المجمع والتنويه بأنشطته الحاضرة والمستقبلية، بالإضافة إلي نشر البحوث والدراسات التي يعدها المجمع، كما تشمل المجلة الأخبار المتعلقة بالفقه الإسلامي في العالم، من بحوث ومطبوعات ومؤتمرات وندوات وغيرها، بحيث تصدر بعدد من اللغات، وفق أمكانيات المجمع.(1/100)
الاسم الدولة الصفة
1- فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور (رئيس) الجمهورية العربية السورية معاون السيد وزير الأوقاف السورى لشؤون العلماء
2- فضيلة الدكتور عبد السلام داود العبادى (مقرر) المملكة الأردنية الهاشمية وكيل وزارة الأوقاف والشؤون والمقدسات الإسلامية
3- معالي الوزير عبد الرحمن شيبان الجمهورية الجزائرية وزير الشئون الدينية
4- البروفيسور صالح طوغ الجمهورية التركية عميد كلية الالهيات بجامعة مرمارة باسطنبول
5- فضيلة الأستاذ روحان أمباى جمهورية السنغال مدير المعهد الإسلامي بدكار
6- سعادة الأستاذ سيدى محمد يوسف جيرى جمهورية مالى سفير جمهورية مالى لدى دول الخليج
7- فضيلة القاضي محمد تقي العثماني الجمهورية الإسلامية الباكستانية عضو مجلس القضاء الشرعي الأعلى
8- فضيلة الدكتور مصطفى أحمد الزرقاء عمان استاذ في كلية الشريعة بالجامعة الأردنية
9- فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى جمهورية مصر العربية عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
10- فضيلة الأستاذ عبد الحليم محمود الجندى جمهورية مصر العربية عضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر
11- فضيلة الدكتور عبد الستار أبو غدة دولة الكويت خبير ومقرر الموسوعة الفقهية
12- فضيلة الشيخ محمد سالم علي عبد الودود الجمهورية الإسلامية الموريتانية رئيس المحكمة العليا
13- فضيلة الشيخ عبد الله البسام المملكة العربية السعودية قاضى محكمة التمييز بمكة المكرمة
14- فضيلة الشيخ محمد عبده عمر جمهورية اليمن الديمقراطية مدير دائرة القضاء الاجتماعية
15- فضيلة الدكتور محمد هشام برهاني الإمارات العربية المتحدة باحث شرعي في وزرة الشؤون الإسلامية ينوب عن معالي الشيخ محمد بن أحمد حسن الخزرجي عضو المجمع ووزير الأوقاف بالإمارات
16- فضيلة الأستاذ تيجاني صابون محمد جمهورية تشاد مدير التعليم العربي بتشاد(1/101)
قائمة بأسماء أصحاب الفضيلة الحاضرين في اجتماع شعبة التخطيط
كلمات ختامية
كلمة معالي الأستاذ الحبيب الشطي
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
في اختتام أشغال الدورة الأولى للمجمع بمكة المكرمة.
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على خاتم النبيين وأشرف المرسلين
سيدنا محمد وعلى آله وصحبه والتابعين
فضيلة رئيس المجمع الفقهي الإسلامي، الدكتور بكر أبو زيد فضيلة الأمين العام للمجمع الفقهي الإسلامي، الدكتور الحبيب ابن الخوجة أصحاب الفضيلة.
أيها الإخوة..
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،
وبعد، فأحمد الله تعالى، ونحن على أهبة اختتام أعمال هذه الدورة الأولى للمجمع الفقهي الإسلامي، على ما هيأ لنا، وعلى ما وفقنا إليه من خير، بإقامة هذه المؤسسة الإسلامية التي طالما صبت أمتنا الإسلامية إلى إقامتها، والتي ستتمتع عن جدارة، إن شاء الله، بثقة العالم الإسلامي من أقصاه إلى أقصاه..
لقد سارت أعمال هذه الدورة، بحمد الله، إلى نهايتها الطيبة بفضل جو الأخوة والجدية وتقدير المسؤولية الذي ساد أعمالها، مما يجعلنا مطمئنين إلى أن هذا المجمع قد انطلق انطلاقه سليمة نحو أداء مهمته السامية النبيلة ذلك أن المناقشات التي دارت خلال اجتماعات هذه الدورة، والتي تنم على بعد في النظر وعمق في التفكير، قد انتهت إلى نتيجة تدعو إلى الارتياح والبهجة، وهي نتيجة تتمثل في وضع خطة عمل محكمة ينتهجها المجمع، تقوم على أساس ثابت من البحث العلمي الرصين ومن الحرص على تمكين المسلمين من مواجهة مشكلات الحياة المعاصرة بتقديم الحلول الملائمة النابعة من الشريعة الإسلامية الغراء والمتجاوبة مع احتياجات العصر عن طريق الاجتهاد الصحيح والأصيل..
أيها الإخوة..
لقد لبت الشريعة الإسلامية كل الحاجات القضائية في كل مكان وزمان، بما فيها من الأصول والقواعد المتسمة بالمرونة والرامية إلى تحقيق المصالح ودرء المفاسد.
وما تزال الشريعة الإسلامية، وستبقى في كامل حيويتها وثرائها وغناها. وهي كفيلة باسعاد البشرية ما حظيت بالعناية، ووضعت موضع التطبيق.(1/102)
وقد بات من الواجب أن يتداعى أرباب الاختصاص ممن هداهم الله إلى التفقه في هذه الشريعة، على أبواب كنوز الفقه الإسلامي وخزائنه، عبر هذا المجمع، وأن يعملوا بإقبال وهمة على خدمة أبناء هذه الأمة، بل على خدمة الإنسانية كلها، باستخراج المباحث الفقهية التى تتناول حياة الناس وتعالج مشكلاتهم، وبعرضها في أثواب جديدة، وفق المناهج المتبعة في الدراسات العلمية دون تعصب لرأي أو انتصار لمذهب، مع ترجيح الآراء الصالحة لمقتضيات العصر ومتطلبات الحياة.
وبالتقدم في هذا المجال نخرج إلى الدائرة العالمية، ونسهم بكل جدارة وفاعلية وأهلية في تقدم الفقه العالمي.
وإن عنايتنا بالشريعة الإسلامية وتيسير سبل الناهلين من معينها الثري سيوطد دعائم أصالتنا وسيمهد الطريق أمام استقلال فقهنا وقضائنا وتشريعنا ويمكننا من خدمة أمتنا وإضاءة جانب كبير من جوانب الثقافة العالمية في القانون.
أيها الأخوة..
إن العالم الإسلامي يعيش في الوقت الحاضر ظروفاً دقيقة، ولذا، فإن شروع المجمع الفقهي الإسلامي في الاضطلاع برسالته يكتسى أهمية كبرى في هذه المرحلة من مراحل حياة أمتنا الإسلامية التي ستجد لدى هذا المجمع بحول الله، الحل المنشود لكل مشكلة، والرأي الحصيف، والرد الإسلامي المناسب على كل سؤال تمليه حياة هذا العصر وسيكون ذلك معواناً على زيادة التقارب بين شعوب هذه الأمة وعلى زيادة انسجامها، مما ييسر لها السبل نحو الاتحاد والتآخي.(1/103)
ونحن مطالبون اليوم، بأن نعمل جميعاً، عبر هذه المؤسسة الإسلامية الجديدة على توحيد الأحكام في دار الإسلام توحيداً يتناول كل جوانب الحياة، حسب مقتضى الشريعة، فذلك هو السبيل القويم لتحقيق الوحدة بين شعوبنا المسلمة.
وأهمية الفقه الإسلامي في مجتمعاتنا الإسلامية تتجلى في أنه يتناول بشكل مباشر حياة الفرد والأسرة والمجتمع ويتناول العلاقات مع المجتمعات غير الإسلامية، وتتجلى كذلك في أنه يعمل على إصدار الفتاوى والبحوث والدراسات المستلهمة من مبادئ الدين الحنيف، والمنسجمة مع تطور الحياة في هذا العصر.
وتجدر الإشارة إلى أن هناك مشكلات وقضايا كبرى ظل العالم الإسلامي يعاني منها دون أن يتمكن الساسة المسلمون من إيجاد حل مناسب لها حتى الآن. لذا، فعلى المجمع الذي أصبح اليوم حقيقة قائمة الذات أن يقول في تلك المشكلات كلمة الإسلام، أن يجهر بموقف الشريعة إزاءها مما يعين القادة المسلمين على التوصل إلى الحلول المناسبة لها.
أيها الإخوة..
اسمحوا لي بأن أتوجه من هذا المقام إلى جلالة الملك فهد بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، بأجمل عبارات الامتنان والتقدير لما أسبغ على مجمعنا هذا من رعاية وعناية، ومن حفاوة وكريم ضيافة، ولتفضله بافتتاح أعمال المجلس التأسيسي للمجمع في السنة الماضية بخطاب ضاف كان مناراً لعملنا موضعا لتقديرنا، نظراً لما أشتمل عليه من أفكار وتوجيهات حكيمة، ثم لتفضل جلالته كذلك بإنابة صاحب السمو المالكي الأمير ماجد بن عبد العزيز عن جلالته في افتتاح أعمال الدورة. ولا غرابة في ذلك، فقد عودنا جلالته على حرصه الشديد- حفظه الله – على كل ما من شأنه أن يرفع مكانة أمتنا الإسلامية.
أيها الإخوة..
أسأل الله أن يزيد في توفيقنا على طريق تدعيم التضامن الإسلامي بين دول الأمة الإسلامية وشعوبها، وأن يلهمنا رشدنا وينصرنا على أنفسنا وعلى أعداء أمتنا، أنه سميع مجيب.(1/104)
الكلمة الختامية لمعالي الدكتور / بكر أبو زيد
رئيس مجلس مجمع الفقه الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
شكراً لمعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الأستاذ الحبيب الشطي على هذه الكلمة الضافية الشاملة، وبعد سماعكم إلى تلاوة البيان الختامي من معالي الأمين العام المجمع الفقه الإسلامي وإلى كلمة معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي، نأتي على اللحظات الأخيرة في اختتام الدورة الأولى لمجمعنا فأقول.. الحمد لله أولاً وآخراً وظاهراً وباطناً، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده المجتبى ونبيه المصطفى اللهم صل وسلم عليه كلما ذكره الذاكرون وغفل عن ذكره الغافلون، ورضي الله عن الصحابة الكرام وآل بيته الطيبين الأطهار والتابعين لهم بإحسان. وبعد:
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي.
معالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي.
أصحاب المعالي والفضيلة والسعادة أعضاء ورجال مجمع الفقه الإسلامي..
أهنئكم جميعاً وأهنيء نفسي على تمام وإنهاء أعمال دورتكم هذه، وهي تتسم بروح الإخاء والصدق والتعاون والتفاني في سبيل خدمة الشريعة الإسلامية، تمهيداً لاستكمال وجودها في أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وليكون لنا جميعاً شرف المساهمة وشرف الجهاد في سبيل الله تعالى بما نقدمه من خلال مجمعنا هذا من مشاريع تتمثل في موسوعة فقهية تعتمد النصوص من الكتاب الكريم والسنة النبوية المشرفة ومن أقوال الصحابة رضي الله تعالى عنهم ومن آراء علماء الإسلام المعتبرين في فقههم، والأخذ بالرأي الرجيح الذي يسنده الدليل، إلى غير ذلك من معجم لمصطلحات الشريعة الإسلامية ومن إقامة مراكز لهذا المجمع ومن لقاءات، إلى غير ذلك من وسائله وأهدافه وغاياته، وإن هذا المجمع يختص بخصائص - ولله الحمد- انفرد بها عن غيره أو يكاد أن ينفرد بها عن غيره منها.. شرف المكان، إذ أنه انعقد في دار أمن الله وموئل حرمته وشرف الزمان والغاية والمهمة العظيمة وهي خدمة الفقه الإسلامي في ضوء النصوص الصحيحة الصريحة، وفي ضوء الأدلة الشرعية المساعدة من الاستحسان والعرف والمصالح المرسلة وما جرى مجرى ذلك من أدلة التشريع المختلفة.(1/105)
وإنني أشكر إخواني أمين عام ورجال هذا المجمع على ما أبدوه من جهود ومواصلة في عملهم وفي لجانهم وفي جلساتهم وفي شعبهم وفي اجتماعاتهم الثنائية في سبيل التأصيل والتقعيد لهذا المجمع في دورته هذه وفي أعماله التي تعتمد عليها دوراته المستقبلية بإذن الله تعالى، كما أشكر معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الذي أبدى جهوداً ليست بالقليلة، بل هي جهود كبيرة ومهمة جداً ومتابعة لخطوات هذا المجمع اطمئناناً على سيره في أعماله، وأشكر جميع الإخوة المؤتمرين والموظفين والسكرتارية وبقية الإخوة الذين أسهموا في إنجاح هذه الدورة، ولا يفوتني بحال أن أقدم خالص الشكر والتقدير مع خالص الدعاء لخادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز، حفظه الله ووقاه من كل سوء، على اهتمامه البالغ ورعايته المتتابعة لهذا المجمع تطلعاً لتخرج قراراته وتوصياته وأعماله إلى العالم الإسلامي على أحسن وجه وأكمله حتى تعم أنوار التنزيل ونشر السنة النبوية في الربوع الإسلامية على أحسن وجه وأكمله.
وفي الختام أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يوفقنا جميعاً لكل عمل صالح مبرور وأن يحفظ أئمة المسلمين وقادتهم بالإسلام ويحفظ بهم الإسلام، وأن يثبتنا جميعاً على الإسلام، إنه ولي ذلك والقادر عليه. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(1/106)
البيان الختامي للدورة الأولى لمجمع الفقه الإسلامي
للدكتور / محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي كفل لعباده الصالحين أسباب النجاح، ويسر للعاملين الصادقين الفلاح، وجعل من أشرف العبادات التدبر لكتابه، والغوص على أسرار شريعته والأخذ بهدي رسوله، واعتماد الأصول والقواعد العلمية الصحيحة السليمة في استنباط الأحكام من الأصلين العظيمين والمصدرين الأساسيين هدياً للخلائق، وإقامة للعدل بينهم، وتيسيراً عليهم، وحلاً لمشاكلهم.
وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد عبد الله ورسوله المبعوث للناس بالحق هدى ورحمة وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً
وبعد، فقد تم بفضل الله وحسن عونه وتوفيقه انعقاد الدورة الأولى لمؤتمر مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي بمكة المكرمة بفندق الانتركونتيننتال فيما بين 26 و 29 من صفر الخير 1405هـ و19 و22 نوفمبر 1984م.
إنا لنزجي الشكر مجددا"ً لعاهل المملكة العربية السعودية، خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز على ما حف به مجمعنا من عناية وشمله به من رعاية وخصه به من دعم مادي وأدبي من يوم إيحائه فكرة واقتراحه إياه وسيلة عمل إلى حين قيامه حقيقة وظهوره مؤسسة علمية تخطط لتوحيد المسلمين على منهج الله وتوجههم السنن الأقوم الذي يحفظ عليهم دينهم ويقيهم العثرات ويجنبهم المخاطر ينهض بهم.
وقد افتتحت دورة مجمعنا هذه بإشراف من صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة وكان لكلمته التوجيهية والتشجيعية صداها العميق في نفوسنا وأثرها البين في انطلاق أعمالنا، شكر الله سعيه وبارك جهوده.
وقد شهد افتتاح اشغال المجمع أصحاب المعالي والسماحة والسعادة والفضيلة من رجال العلم والجامعات والمنظمات والمؤسسات تكريماً منهم وتشريفاً وتعزيزاً ودعماً لا عدمنا فضلهم ولا حرمنا مؤازرتهم.(1/107)
وتولى معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي الأستاذ الحبيب الشطي الذي باشر مراحل تأسيس المجمع وبذل من الجهد أقصاه وهيأ كل الظروف والوسائل المساعدة لقيام هذه الدورة ونجاحها تصوير الأهداف التي يتطلع إليها المجتمع الإسلامي، بل المجتمع الإنساني من وراء قيام هذه المؤسسة العلمية الفقهية العالمية فأثار في نفوس الحضور الاهتمامات البالغة والتطلعات الكثيرة الشريفة. وعقبه معالي الدكتور عبد الله نصيف أمين عام رابطة العالم الإسلامي الذي أعلن عن شريف رسالة المجمع وما ينتظره المسلمون منه ودعم الرابطة له. وألقى الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي خطاب الافتتاح الذي تلته كلمات أصحاب المعالي والسعادة ممثلي غينيا وتركيا والمغرب عن أعضاء المؤتمر.
واستمرت بعد ذلك طوال أربعة أيام أعمال المؤتمر في جلسات مغلقة حضرها ثلاثون عضواً من الأعضاء العاملين الذين انتدبتهم دولهم. وانتخب المجلس رئيساً له هو العلامة معالي الشيخ بكر أبو زيد عضو المملكة وثلاثة نواب له هم أصحاب المعالي مندوبو ماليزيا والأردن وغينيا. وتم بعد ذلك انتخاب هيئة المكتب التي تألفت من مندوبي مالي والسنغال وباكستان وتركيا والكويت والجزائر.
وقام المجلس بعد ذلك بترتيب الشعب التي جعلها ثلاثاً: شعبة للتخطيط والترجمة وشعبة للدارسات والبحوث وشعبة للفتوى.
وبعد توزيع أعضاء المجمع على هذه الشعب اسندت رئاسة الشعبة الأولى لسماحة الشيخ محمد عبد اللطيف فرفور واختير مقرراً لها معالي الأستاذ إبراهيم الغويل.
وترأس الشعبة الثانية معالي الدكتور حسن الترابي وعين مقرراً لها معالي الدكتور محمد الشريف أحمد.
واسندت رئاسة الشعبة الثالثة لمعالي الشيخ عبد العزيز عيسى، واختير مقرارً لها معالي الأستاذ محمد ميكو.
وفي جلسات اللجان أو الشعب المنبثقة عن المجلس تم ضبط الخطط ورسم المناهج للقيام بكل نشاطات المجمع واستخدام أكثر ما يمكن من وسائل العمل. وقد اتسمت بحمد الله الخطط والمناهج بالدقة والوضوح كما جاء في مقررات اللجان.
وفي جلسة عامة للمجلس عرضت قوائم بأسماء المقترحين من الدارسين والباحثين والخبراء والمحققين كما درس مشروع ميزانية المجمع من المجلس بعد أن عرضه الأمين العام على هيئة المكتب وتمت مناقشته تم المصادقة عليه.
واتخذ بعد هذا جملة من القرارات بشأن عضوية بعض رجال العلم من الفقهاء وبعض المنظمات العلمية.(1/108)
ولا يسعني في ختام هذه البيان إلا أن أنوه بالروح الإسلامية العلمية اليقظة الواعية التي تحلى بها كل أعضاء المجمع والتي كانت سنداً لنجاح أعمال هذه الدورة بما فتحت من حوار صريح ودقيق ومكنت من تحليل ودرس عميق.
وأخص بالشكر رئيس المجمع على عظيم أدبه وبالغ حكمته وحسن إدارته لأعمال المجلس كما أذكر وأشكر رؤساء ومقرري وأعضاء هيئة المكتب وهيئات الشعب العلمية على ما بذلوه من جهود في سبيل بناء التصورات الكاملة والدقيقة لمهمة المجمع والأعمال المجمعية.
وإني لأشكر للحكومة السعودية ما قدمته لنا من مساعدات كبيرة حققت لدورتنا هذه نجاحاً وتوفيقاً.
ولا يفوتني أن أشكر أجهزة الأمانة العامة للمؤتمر الإسلامي من أمناء مساعدين ومديرين وتراجمة وكتاب وطباعين وفنيين على ما قدموه للمجمع الفقهي ولدورته هذه من خدمات ومساعدات جزاؤهم عليها منا عظيم الثناء ومن الله أحسن الثواب.
ولا أنسى أجهزة الإعلام والصحافة بأنواعها من أن أوفيها حقها من التقدير والشكر على واسع تغطيتها لأعمال المجمع في دورته الأولى وأشكر لإدارة الفندق والعاملين به حسن الوفادة وكرم الضيافة.
والله أسأل أن يوفقنا في أعمالنا ويهدينا سبلنا ويمكن مجمعنا من الاضطلاع بمهامه على الوجه الأكمل المشرف حتى نقوم بما علينا من خدمة الإسلام والمسلمين ومن تجلية شريعة الله للمؤمنين ومن بيان أحكام هذا الدين فنضع حداً للمخاطر التي تهدد وحدتنا ونواجه التحديات بما يكتب لنا الظهور عليها والغلبة، ونقى المجتمع الإسلامي من أسباب الفتنة وأدواء التخلف ومظاهر الذلة والانتكاس.
ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي(1/109)
العدد الثاني(2/1)
كلمة العدد
لمعالي الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي
د/ محمد الحبيب ابن الخوجة
الحمد لله الذي بنى شريعته على أصول معتمدة من النظر، وقواعد مسلمة في الاعتبار والعمل والأثر، وصرح بأحكام أورد فيها نصوصًا قطعية ثابتة في كتابه الكريم أو مقيدة أو مخصصة، وسكت عن الكثير مما أتت السنة الشريفة النبوية له مبينة أو مفصلة. وترك ما وراء ذلك عفوًا منه سبحانه ورحمة تخفيفًا على المكلفين. وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين ومبلغ أكمل الشرائع وأتمها وأهمها وأقومها وأصلحها وأوفقها للعالمين، وعلى آله وأصحابه شموس الاهتداء ونجوم الائتساء والاقتداء الذين أخذوا عنه واستمدوا منه، وتأثروا بنظره واجتهاداته، وتعلموا منه الحكمة وروح التشريع، وتبينوا من معاشرته وملازمته وأقضيته وأحكامه أصول الشريعة ومقاصدها فكانوا للمصالح راعين، وللمفاسد دارئين، وبالرحمة والعدل متمسكين وللجور والعبث ملغين ومبطلين.
وبعد، يسر أمانة مجمع الفقه الإسلامي بجدة أن تخرج للقراء والباحثين والمستفيدين والمستفتين هذا العدد الثاني من دورية المجمع، وهو حافل بما تعنون له أقسامه من جهود وأعمال وتصفه محتويات من ألوان نشاط المجمع خلال السنة الثانية من انطلاقه. فهو إلى جانب وقائع الجلسة العامة الافتتاحية للدورة الثانية لمؤتمر مجلس مجمع الفقه الإسلامي التي زانها صاحب السموم الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز حفظه الله بإشرافه عليها نيابة عن جلالة الملك المعظم أعزه الله ونصره، يحتوي على جملة من البحوث والدراسات المعروضة على مجلس المجمع. بعضها قد تم البت في شأنه في هذه الدورة. وبعضها الآخر رأى المؤتمر إرجاءه إلى الدورة القادمة لاتخاذ القرار النهائي بشأنه بعد مواصلة بحثه واستدراك الجوانب المتصلة به التي وقع السكوت عنها أو جاءت مجملة في البحوث المقدمة، ولكننا مع ذلك تعمدنا كما سيرى القارئ الكريم نشر ما تم عرضه من هذه البحوث. وقد كانت –بحمد الله- عامة البحوث والدراسات العلمية والفقهية مما عرض على المجمع في هذه الدورة موضع درس وبحث ونظر ومناقشة في أيام دراسية مباركة واتخذت بشأنها القرارات المناسبة المجمعية. وفي نهاية هذا العدد تأتي ملاحظات ومقترحات ممثلي شعب المجلس وذلك في التقرير الصادر عن اجتماعهم المنعقد بمقر المجمع بجدة يومي 2، 3 رجب 1406هـ/ 12، 13 مارس 1986م.
وإنا لنرجو من الله أن يمد هذه المؤسسة بعونه وتوفيقه، ويسدد خطى أعضاء المجمع والعاملين فيه من فقهاء وأصوليين ودارسين وباحثين وخبراء مجمعيين لصيانة شريعة ربنا، والنهوض بفقه ديننا، والسعي في توحيد كلمة أمتنا، وإصدار الأحكام الاجتهادية من قياسية ومصلحية، بحسب ما يتلاءم مع اختلاف الأعراف المعتبرة، وتغيرات الزمان، وبما يقيم العدل ويجلب المصالح ويدرأ المفاسد ويعين على نشدان الحق وطلب الاستقامة، والله ولي القصد وهو الهادي إلى سواء السبيل.(2/2)
القسم الأول
الجلسة الافتتاحية
خطاب صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز
ألقاها نيابة عنه صاحب السمو الملكي
الأمير ماجد بن عبد العزيز
أمير منطقة مكة المكرمة
في افتتاح الدورة الثانية
لمؤتمر الفقه الإسلامي بجدة
الحمد لله يحق الحق ويبطل الباطل.. أنزل على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم كتابًا لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه وأوضح فيه مقاصد الحق وحاجات الخلق في عباداتهم ومعاملاتهم وأخذهم وعطائهم.. والصلاة والسلام على نبينا ورسولنا سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم القائل: ((ما عبد الله بشيء أفضل من فقه في الدين)) .
أيها الإخوة الكرام.. السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
إنه لمن دواعي سروري أن أفتتح نيابة عن خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز الدورة الثانية للمجمع الفقهي.. وتأتي هذه الدورة بعد مرور عام على افتتاح الدورة الأولى، ونرجو أن يكون المجمع الفقهي قد أتم وضع القواعد اللازمة لينطلق في عمله المبارك ونسأل الله تعالى أن يوفقكم ويسدد خطاكم وينفع المسلمين بالآراء والاجتهادات الجماعية..
أيها الإخوة الكرام..
إننا نعتقد أن أهم ما يعني به التفقه في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. فقد كان الفقه الإسلامي من أهم الأسس التي ساهمت في بناء الأمة الإسلامية وتكوين حضاراتها وسد حاجتها وامتداد سلطانها وانضواء الشعوب المختلفة تحت لوائها لأنه فقط يقوم على العدالة ويصون الحقوق ويكفل الحرية ويلائم الفطرة السليمة ويزيل الفوارق ويساير التطور.. ولا تسيطر عليه شهوات الأفراد ولا أطماع الجماعات.. ولا يخضع لهوى أيٍ كان.. ذلك أنه مستمد من شرع لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.. وأنه مستمد أيضًا من إرشاد رسول أمين لا ينطق عن الهوى ولا يحيد عن الحق..(2/3)
ولقد خدم في هذا المجال رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه فوضحوا معالم الشريعة.. كان دأبهم دراسة الدين والتفقه فيه وإيضاح مقاصده للناس وتقديمها للخلف سهلة سائغة.. واليوم تجد حاجات جديدة للأمة الإسلامية وأمور تتطلب أن يشرع لها، وأن ذلك يكون امتدادًا لما قام به الفقهاء الأجلاء في الماضي.. ويا حبذا أن يقتدي الآخر بالأول في تبصير الأمة الإسلامية بما جد من أمورها وحوادثها وأحوالها. وحين تكون التشريعات جماعية يكون ذلك أدعى إلى تجنب الأخطاء وإلى الإلمام باجتماعيات الشعوب الإسلامية المختلفة.. وأن خصوبة الفقه الإسلامي تمكن في يسر من مواجهة التطورات الهائلة في مختلف جوانب الحياة.. لا جمود ولا تعصب ولا انحلال ولا مسايرة للأهواء.. لأننا نسلك على المنهاج الرباني الصالح لكل زمان ومكان.. ونبعث كنوز الدراسات الفقهية وإضافة المزيد إليها..
وبحمد الله تسير هذه المملكة في خير لاستمداد تشريعاتها من الفقه الإسلامي المدعم بكتاب الله وسنة رسوله.. وسيعيش المسلمون في خير إن شاء الله طالما وفقهم الله إلى اختيار هذا المسلك {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} .. والسلام عليكم ورحمة الله..(2/4)
كلمة معالي سيد شريف الدين بيرزاده
الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على رسول الله خاتم النبيين
وأشرف المرسلين وعلى آله وصحبه أجمعين
أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة
أيها الإخوة،
يسعدني أن أحضر اليوم افتتاح أعمال الدورة الثانية لمجلس المجمع الفقهي الإسلامي. وهي مناسبة أغتنمها لأرحب بممثلي الدول الإسلامية أجمل ترحيب، راجيًا لهم إقامة طيبة في هذا البلد الأمين، ومتمنيًا أن تحقق الدورة أهدافها المرسومة.
أيها الإخوة،
لقد أبت العناية الإلهية إلا أن تجعل من أرض الحرمين الشريفين، منطلقًا للدعوة إلى العقيدة الإسلامية الغراء. وكان مؤتمر القمة الإسلامي الثالث الذي انعقد في مكة المكرمة والطائف في شهر ربيع الأول 1401هـ بمشاركة حوالي أربعين من رؤساء الدول الإسلامية المنبر الذي دعا منه صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز في الخطاب الافتتاحي إلى أن من واجب حكماء الأمة الإسلامية ومفكريها وعلماءها، بصفة خاصة، أن يجندوا أنفسهم ويحشدوا طاقاتهم في مجلس عالمي للفقه الإسلامي يضمهم ويوحد جهودهم، لتجد الأمة الإسلامية في رحابه الإجابة الصحيحة المقتبسة من الشريعة الإسلامية، على كل سؤال تطرحه عليهم الحياة المعاصرة.
وكانت استجابة زعماء العالم الإسلامي لدعوة جلالته في مستوى النداء الكريم. وتبلورت إرادة قادة الدول الإسلامية في أفكار بناءة تمثلت في صدور قرار تاريخي يقضي بإنشاء المجمع.
وتوجت جهود الأمانة العامة لمنظمة المؤتمر الإسلامي -بفضل الله وعونه- بانعقاد المؤتمر التأسيسي للمجمع الفقهي الإسلامي تحت رعاية جلالة الملك فهد بن عبد العزيز، في مكة المكرمة، يوم 26 من شهر شعبان 1403هـ، حين شاركت في المؤتمر جميع الدول الأعضاء. وكان المؤتمر المذكور، بحق، بداية لمرحلة تاريخية في حياة أمتنا، تخطى فيها العمل الإسلامي حدود الفردية والجهود الإقليمية والحدود السياسية إلى إنشاء أول تنظيم عالمي يعبر عن وحدة العالم الإسلامي في ميدان الفقه والتشريع.(2/5)
ولا شك في أن المجمع إذا نهض بأعباء مهمته على خير وجه، سيتيح الفرصة لالتقاء أعلى الخبرات وأقوى التخصصات الإسلامية في رحابه، وسيمهد الطريق للتعاون المثمر بين علماء هذه الأمة في مضمار التعريف بالنظريات الفقهية وبالمبادئ الإسلامية العامة في العدالة والحرية والأمن والسلم، وسيساعد مساعدة فعالة على تطبيق أحكام الشريعة تطبيقًا يجمع بين التطور والتفتح اللذين يقتضيهما العصر الحديث من ناحية، وبين التمسك بالأصالة والعقيدة من ناحية ثانية.
نعم. لقد أصبح المجمع اليوم حقيقة واقعة. والأمل معقود في نطاقه على صفوة علمائنا وفقهائنا للعمل على وضع القواعد الفقهية التي يحتاجها المسلمون في هذه الفترة من تاريخنا توخيًا للوصول إلى تشريع موحد في كل بلاد المسلمين، وإننا لنرجو أن تصبح هذه المؤسسة الإسلامية الجديدة محورًا رئيسيًا تلتقي حوله الهيئات الفقهية المتعددة القائمة اليوم في أرجاء العالم الإسلامي، كما نرجو أن تنهض هذه المؤسسة بمهمة التنسيق والتنظيم بين تلك الهيئات، معتمدة في ذلك خطة مدروسة قائمة على أسس علمية.
أيها الإخوة،
إن أهمية الفقه الإسلامي تتمثل في كونه يتناول بشكل مباشر حياة الفرد والأسرة والمجتمع، كما يتناول العلاقات بين المسلمين وبين سكان المجتمعات غير المسلمة. وليس بخاف أن المسلمين في كل مكان يعلقون أهمية قصوى على هذه المؤسسة، لا لما ستصدره من فتاوى منسجمة مع تطور الحياة المعاصرة فحسب، بل لما ستصدره أيضًا من دراسات وبحوث وآراء تعين المسلمين على استيحاء الأنظمة الملائمة لمؤسساتهم ومجتمعاتهم، مما يوفر، بالتالي، إمكانيات الانسجام بين مختلف دولنا، ويساعد على تمهيد طريق التضامن الإسلامي المنشود.(2/6)
ولقد لبت الشريعة السمحة على الصعيد الفقهي، كما لا يخفى، حاجات دار الإسلام على مر العصور، فأمدتها بقواعد مرنة تحقق الصالح العام وتعمل على درء المفاسد. ورأى علماء المسلمين منذ قرون أن يعملوا على ضبط قواعد الفقه وتدوينها وتدريسها لأبنائهم. ورأوا كذلك أن يستنبطوا أحكامًا لكل ما يعرض عليهم من مسائل وقضايا وموضوعات.. بل إنهم افترضوا وقائع وأحداثًا قبل وقوعها، وحرصوا على أن يضعوا لكل منها حلًا ملائمًا. وقد توفر بفضل ذلك كنز ثمين من المؤلفات الفقهية والدراسات والأبحاث التي تعالج مشكلات الناس في كل أقطارهم. ولذا، فالمجمع الفقهي الإسلامي لا ينطلق اليوم من فراغ، لأن بين يديه بحرًا زاخرًا من تراث الآباء والجدود. ومن واجبنا أن لا نكتفي بما تركوه لنا، بل إن علينا أن نستمر من حيث ما انتهوا إليه، لنزيد تراثنا ثراء ولنتلافى النقص الذي طرأ في الفترة التي ضعف فيها المسلمون. ويعني ذلك أن مهمة المجمع تقتضي رعاية ذلك التراث، كما تقتضي استثماره لدفع مسيرتنا إلى الأمام.
أيها الإخوة،
وإن من دواعي الارتياح، أن إنجازات مهمة أخرى، في الوقت الذي يبدأ فيه المجمع خطواته الأولى على الطريق سترى النور قريبًا، كمحكمة العدل الإسلامية الدولية التي تتخذ منظمة المؤتمر الإسلامي الإجراءات الأخيرة لإخراجها إلى حيز الوجود، وهي المحكمة التي ستكون مهمتها النظر في الخلافات التي تقع، لسبب أو لآخر، في بعض الأحيان، بين الدول الإسلامية، عملًا بتعاليم ديننا التي تأمر بإصلاح ذات البين. وهي محكمة من شأنها حين تقوم في القريب أن تجنبنا –نحن المسلمين- اللجوء إلى تسوية مثل تلك الخلافات إلى منظمات وهيئات أجنبية تعتمد أحكامًا غير أحكام الشريعة.
ومن تلك الإنجازات أيضًا، وثيقة حقوق الإنسان في الإسلام التي ستكون ملزمة للدول الأعضاء كافة. ومن أجدر من المسلم بأن يصوغ هذه الوثيقة؟ ذلك أن الإسلام كرم الإنسان، فضمن له الحياة المادية والروحية، وكفل له الحقوق والحرية والأمان والاطمئنان.(2/7)
وبإقامة مزيد من المؤسسات التي تمكن المسلمين من عقد لقاءات تضمهم وتزيدهم تعارفًا وتآلفًا نستطيع أن نبنى صرح تضامننا وقوتنا.
أيها الإخوة،
إن التحديات التي نواجهها اليوم تحديات تهدد مصيرنا، فالقدس مهددة بفقدان شخصيتها الإسلامية، وفلسطين خاضعة لنير احتلال غاشم، وأفغانستان ما تزال مسرحًا لغزو أجنبي منذ بضع سنين. أما الحرب بين العراق وإيران فما فتتئت تستنزف طاقاتنا البشرية والمادية باستمرار، مما يزيدنا ضعفًا وتخاذلًا أمام عدونا المشترك. ومواجهة تلك التحديات يقتضي تضامننا، ويتطلب رفع مستوى كفايتنا وقدرتنا لنكون في مستوى العصر الذي نعيش فيه ولنكون في مستوى خصومنا.
أيها الإخوة،
اسمحوا لي في هذه المناسبة، وقبل أن أختتم كلمتي، بأن أقدم خالص التحية ووافر التقدير، باسم منظمة المؤتمر الإسلامي، إلى صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز لما تجده المنظمة لدى جلالته ولدى حكومته، من رعاية مستمرة ومن دعم مادي ومعنوي لكل مؤسسة أو جهاز من مؤسساتها التي من ضمنها المجمع الفقهي الإسلامي الذي كان صاحب الجلالة قد تفضل كما هو معروف فتبرع له بمقر دائم في مدينة جدة.
ولا يفوتني كذلك أن أنوه بدور رابطة العالم الإسلامي وبدور علماء المملكة العربية السعودية في خدمة الفقه الإسلامي، مما سيعين هذا المجمع، دون شك، على أداء مهمته إعانة ملموسة.
واسأل الله العلي القدير أن يكلل أعمالكم بالنجاح والتوفيق. إنه سميع مجيب. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..(2/8)
كلمة سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز
الرئيس العام لإدارات البحوث العلمية
والإفتاء والدعوة والإرشاد
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد، فإني أشكر الله عز وجل على ما من به من هذا اللقاء بإخوة في الله في الدورة الثانية لمجمع الفقه الإسلامي واسأل الله عز وجل أن يجعله لقاء مباركًا ويوفق هذا المجمع لكل ما فيه صلاح العباد والبلاد ويمنحهم إصابة الحق وأن يمنح أعضاءه إصابة الحق في كل ما يجتمعون عليه وفي كل ما يقرون وأن ينفع بهم المسلمين إنه جل وعلا جواد كريم. ثم أشكر القائمين على هذا المجمع على دعوتهم لي للمشاركة في هذه الدورة وإنه ليسرني كثيرًا أن أشارك إخواني في هذه الدورة وأن أدعو لهم بالمزيد من التوفيق.
ولقد سررت كثيرًا لما تضمنته كلمة خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز وفقه الله من التوجيه والبيان والإرشاد والتشجيع على ما ينبغي لهذا المجمع أن يقوم به بما في ذلك من النفع العام للمسلمين لأن القرارات التي يتخذها الجماعة من العلماء يستعان بها كثيرًا في حل المشاكل وإيضاح الحق وإبطال الباطل ولا ريب أن الرأي الجماعي له فائدته وله منزلته في الدين، ولا ريب أيضًا أن كل إنسان من أهل العلم يحتاج إلى التعاون مع إخوانه أهل العلم في حل المشاكل وفي إيضاح الحق في مسائل الخلاف وفي إيضاح الدليل الذي يستند عليه من يرجح أحد القولين أو الأقوال على القول الثاني أو الأقوال الأخرى، فإذا اجتمع علماء الإسلام في مسألة يدرسونها أو في مسألة يدرسونها وينظرون في وجه الدليل الذي استنبط منه الحكم لا شك أن لهذا أثره العظيم وفائدته كبيرة، وإني لأرجو أن يوفق هذا المجمع لما فيه الخير الكثير للمسلمين وحل المشاكل التي قد استعصى كثير منها على كثير من أهل العلم فيوفق هذا المجمع لحلها وإيضاحها بالدليل. وقد صح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام أنه قال: ((من يرد الله به خيرًا يفقهه في الدين)) متفق على صحته. فالتفقه في الدين من أفضل القربات ومن أعظم الأعمال الصالحات فإن في ذلك عونًا لعلماء المسلمين وعونًا للمسلمين أيضًا على معرفة ما أوجب الله عليهم وما حرم الله عليهم حتى يؤدوا الواجب على بصيرة وحتى يدعوا ما حرم الله على بصيرة وإن وصيتي لإخواني أعضاء المجلس أن يعلوا بهذا المجمع، أن يعلوا به كثيرًا، ويعدوا العدة لكل دورة ما أمكنهم في إيضاح المسائل وإقامة الدليل والعناية بمعرفة صحة الدليل وما يبين ضعف الدليل الذي يتمسك به بعض الناس وبيان وجه صحة الدليل من جهة أخرى فإن الأحاديث التي قد يستند بها أصحاب القول الذي يرجحونها على القول الثاني قد يكون فيها من الطعن والعلة ما يمنع التعلق بها فإن الأحاديث التي جاءت في المسائل الفقهية فيها الصحيح وفيها الحسن وفيها الضعيف وفيها الموضوع، فمن الواجب على أعضاء هذا المجمع أن يعنوا بهذه الأدلة الحديثية ويحرصوا على إيضاح الصحيح منها والضعيف والموضوع مع إيضاح وجه الاحتجاج وبيان وجه ما في الحديث الذي احتج به من قاله، أما الآيات الكريمات فالغالب بحمد الله روح المعنى فيها؛ ولكن لا مانع أيضًا من العناية ببيان معنى الآية التي يتعلق بها الحكم ووجه الاستدلال بها عليه وكلام أهل العلم في ذلك. وإذا وضع لهذه المعاني بحوث مستوفاة كان ذلك مما يعين أعضاء هذا المجمع على إيضاح الحق وعلى اجتماع القول فيه وعدم الخلاف أو قلته. والله جل وعلا المسؤول أن يوفقنا وإياكم لما فيه رضاه وأن يمنحنا جميعًا إصابة الحق في القول والعمل وأن يوفق الأمة جميعًا لكل ما فيه صلاحها ونجاتها وسعادتها في الدنيا والآخرة وأن يوفق علماء المسلمين أينما كانوا لإصابة الحق في أقوالهم وأعمالهم وأن يعينهم على الدعوة إليه والأخذ بما يرضيه سبحانه وتعالى وأن يعينهم على إيضاح غلط الغالطين وخطأ المخطئين وأن يوفق علماء المسلمين لإقامة الحق أينما كانوا وإيضاحه بالدليل ودحر الباطل وإيضاح وجه بطلانه، كما اسأله سبحانه أن يوفق حكام المسلمين في كل مكان لتحكيم الشريعة والحكم بها ونصر الحق وتأييده ورد الباطل وتفنيده. وأن يعين الجميع على كل ما فيه رضاه وصلاح عباده إنه سميع قريب وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.(2/9)
كلمة معالي الدكتور بكر أبو زيد
رئيس مجمع الفقه الإسلامي بجدة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رافع شأن العلماء العاملين من أمة محمد صلى الله عليه وسلم وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له قيوم السماوات والأرضين وأشهد أن محمدًا عبده المجتبى ونبيه المصطفى، اللهم صلِّ على محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد، فنحمد الله تعالى دائمًا وأبدًا حمدًا لا ينقطع أوله ولا يبيد آخره على توافر نعمه وعظيم آلائه. وإنا ونحن في مجلس مجمعنا هذا نعايش نعمة عظيمة من نعم الله سبحانه وتعالى وكبير آلائه ذلك أن هذا المجمع دخل في دور الإنتاج وهو ما زال في أوائل ميلاده، فلله الحمد على ما أنعم وأجزل وتكرم، هذا وأن الدعم الأدبي لمحافل العلم ومجامعه ودور العلم ومعاهده هو من أسمى الخطوط العريضة التي تسير عليها حكومة هذه البلاد، وما افتتاح صاحب السمو الملكي أمير منطقة مكة المكرمة حرسها الله تعالى الأمير ماجد بن عبد العزيز آل سعود لهذه الدورة الثانية لمجمعكم هذا نيابة عن جلالة الملك حفظه الله إلا خطوة رشيدة من خطوات المسلك الرشيد، فشكر الله له سعيه وجزاه خير الجزاء.
أيها الحفل الكريم أحييكم جميعًا بتحية الإسلام وأذكركم بأن الاعتصام بحبل الله المتين وإعمال الشورى بين المسلمين تتجلى معالمهما وتتجسد آثارهما بصفة إسلامية عالمية في مجمعكم هذا الذي يتمثل فيه خمسون عالمًا من شتى الولايات الإسلامية يجمعهم في هذا كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله. وإنه من ورائهم أعداد وجموع ينتظرون ماذا يلتقطه السمع وماذا يكون تحت البصر لنفع الأمة في عاجلها وآجلها وإغاثتها في مسيرتها إلى الله تعالى والدار الآخرة. وكلنا يعلم ما تمر به أمة محمد صلى الله عليه وسلم في شتى مجالات حياتها من ملاحم، وفي رأسها ملاحم علمية على اختلاف أنواعها عقلية أو فكرية أو اجتماعية أو ثقافية أو فقهية وما جرى مجرى ذلك في سلسلة متصلة الحلقات يمسك بها أعداء الإسلام ظاهرًا من جهة، ويمسك بها ذوو الفسالة العقلية المنافقون من جهة أخرى ليضربوا بآرائهم ومقترحاتهم وتوجيهاتهم المعادية للإسلام صخرة الإسلام والمسلمين وكل هؤلاء الأعداء ينزعون عن قوس واحدة ويدقون على وتر واحد هو القضاء على المسلمين بكل مقوماتهم.(2/10)
وإن أم الملاحم هي الملحمة الفقهية التي يشهدها أهل الإسلام تلك الملحمة التي تسندها النظرة الآثمة وهي النظرة التبريرية للواقع الشاذ عن الهدى والصراط المستقيم والتي تقوم بها الأصابع العابثة في دين الله وشرعه وهذه الأصابع العابثة هم المتعالمون في أمة محمد صلى الله عليه وسلم وهل التعالم داء تشتكي منه دور الفتيا وتئن منه المنابر وتشتكي منه المحابر وتشتكي منه دور الوعظ والإرشاد، لماذا؟ لأنهم يقولون على الله ودينه وشرعه ما لا يعلمون، فيحللون ما حرم الله ويحرمون ما أحل الله بلا علم. ولكن كل هذا باطل ليس له ثبات وعهن منفوش خواء ليس له روح وما يلبث أن ينشد أهله الخلاص وسيجدون الحق دائمًا وأبدًا في شريعة الإسلام فهي الحق وما سواها الباطل، وقد أسقط النبي صلى الله عليه وسلم كل راية تخالف راية الإسلام وأن لله رجالًا يحملون ضياءها المشرق ليخرقوا حجب الظلام ويكسروا أقلام الضلال ويلوون أعناق اللئام وإن كانوا في ديار الإسلام فلله ما أشد لهف المسلمين على هذا الطراز من العباد الخلص الذين يقومون مع الشريعة حيث قامت وينزلون معها حيث نزلت ويدلون على الله بهديهم وسمتهم وكريم علمهم قبل أن يدلوا عليه بعلمهم.
وإن في طلوع شمس مجمعكم هذا ينفتح باب الرجاء وينعقد عظيم الأمل في أن يكون مصباح خير ومشعل هداية ولسان صدق لأمة محمد صلى الله عليه وسلم يحل قضاياها الفقهية والاقتصادية والعلمية وما جرى مجرى ذلك من ضروب مسائل العلم.(2/11)
أيها الحفل الكريم،
إنني أهنئكم بانضمام جماعة من أهل العلم إلى مجمعكم هذا منهم عالمان فاضلان من فقهاء الإسلام وهما الشيخ محمد الصديق بن الأمين الضرير من علماء السودان، والشيخ مصطفى بن أحمد الزرقاء من علماء الديار الشامية، كما أهنئكم بانضمام ممثلين من مؤسسات علمية كبرى لها وزنها وثقلها في محيط العلم في الديار الإسلامية وهى مجمع رابطة العالم الإسلامي بمكة حرسها الله تعالى، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، مؤسسة آل البيت بالمملكة الأردنية الهاشمية، المنظمة الإسلامية للتربية والتعليم والثقافة بالمغرب، المركز الإسلامي في واشنطن، الموسوعة الفقهية بدولة الكويت، فحياهم الله وأخذ بأيدينا وأيديهم جميعًا إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد ورزقنا جميعًا العلم النافع والعمل الصالح.
صاحب السمو الملكي،
أصحاب السماحة والمعالي والفضيلة،
أصحاب المعالي والفضيلة رجال المجمع،
إليكم جميعًا وإلى كل مسلم وإلى كل مهتم بشأن العلم والعلماء أزف إليكم البشرى عزمة من عزمات خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله ورعاه وذلك أنه صدر أمره حفظه الله بأن يكون أول كتاب يطبع في هذا المجمع هو على نفقة جلالته –حفظه الله- فجزاه الله خيرًا وأكرم سعيه وأبقاه خادمًا للإسلام والمسلمين وأنه من خلال هذا الأمر الكريم ومن القوائم التي قدمها عدد من رجال هذا المجمع إلى أمانة المجمع في بعض الكتب التي ما زالت مخطوطة، فقد وقع الاختيار على كتاب الجواهر الثمينة من فقه عالم المدينة لابن شاس من علماء القرنين السادس والسابع الهجريين، وذلك لما لهذا الكتاب من أهمية في الفقه وإثرائه، ولأنه كتاب فيه اهتمام عظيم بالدليل فجزى الله جلالته كل خير ووفقنا وإياكم إلى كل عمل صالح مبرور، وأخذ بأيدينا وإياكم إلى ما فيه صلاح العباد والبلاد.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/12)
كلمة معالي الأمين العام للمجمع الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة
بسم الله الرحمن الرحيم
صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
نحمدك الله على ما هديتنا إليه من أسباب المعرفة واليقين، ورفعتنا به ووفقتنا له من طرق العزة والتمكين، فجعلت لنا من مجمعنا هذا ملتقى لأئمة الملة من كل دولة، ومنتدى لعلماء الشريعة من كل بقعة، يوحدون صف الأمة الإسلامية ويجمعون كلمتها بما يدرسون من قضاياها ومشاكلها وما تتعرض له من أحوال في حياتها اليومية في مختلف أقطارها وديارها، فيبذلون لها النصيحة ويهدونها السبيل الأقوم، ويجنبونها الخطل، ويحمونها من مواقع الزلل، بفضل استبصارهم أمور ديناهم واستبانتهم أحكام دينهم، بعد استقراء لنصوص الشريعة الغراء، وتتبع لمصادرها ومواردها، وإمعان النظر في معاقدها وقواعدها، وإحاطة بكلياتها وجزئياتها، وإدراك لمقاصدها وغاياتها.
ونستمنحك اللهم فضائل صلواتك ونوامى بركاتك وأتم سلامك على إمام الأمة وقائدها ووليها وهاديها الذي أخرجت به الناس من الضلالة، وأنقذتهم به من الجهالة، فهديت به قلوبًا غلفًا وعيونًا عميًا، النبي الأكرم والرسول الأعظم سيدنا ومولانا محمد ابن عبد الله ورسوله إلى الناس كافة وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه.
حضرة صاحب السمو الأمير ماجد بن عبد العزيز الموقر أمير منطقة مكة المكرمة
معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي
أصحاب المعالي والسماحة
أصحاب السعادة والفضيلة أعضاء المجمع الموقرين
حضرات الأساتذة والخبراء الأكارم
ضيوفنا الأعزاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
وبعد فها هي دورة مجلسكم الثانية تلتئم بحمد الله تعالى بعد أن كان الأمل في عقدها غير قائم أو ضعيفًا. وهذا ما يفسر تأخر اجتماع مؤتمركم هذا عن موعده ثلاثة أشهر من شهر محرم الحرام الذي كان موعدًا لذلك إلى شهر ربيع الثاني هذا. وأن الأسباب لذلك غير خافية على أحد، ومؤسستكم ما تزال في أولى خطواتها، ولكنها ثابتة العزم، مصممة على القيام بدورها، مستعينة بالله في تحقيق أهدافها، والقيام بما أنيط بها، والاضطلاع بما ائتمنتها عليه الدول الإسلامية جمعاء. ولئن بدأت متعثرة ككل طفل لم يبلغ طور الفتوة فقد كان لها من الرعاية الإلهية الفائقة، والعناية الربانية السابغة ما أعانها على التحرك والعمل الوفاء بما التزمت به خلال سنة من عمرها.(2/13)
وإنه لمن الواجب بهذه المناسبة الشريفة أن نرفع إلى حامي الأمة وناصر اللمة خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك المعظم فهد بن عبد العزيز كل آيات التقدير والإجلال والعرفان والامتنان على ما أولانا ويولينا من عطف وكرم ودعم وتشجيع. فإلى مكرمته السخية، والتفاتته السامية الملكية، يرجع فضل انعقاد الدورة الثانية لمجلسكم الموقر بهذا القصر المنيف الذي جعله جلالته مقرًا لمؤسستكم ومركزًا لنشاط مجمعكم.
وقد تفضل مشكورًا أيده الله ونصره بقبول الرئاسة الشرفية لهذا المؤتمر، وندب إلينا للإشراف عليه سمو الأمير الجليل ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة زاده الله سنى وسناء ورفعة وشرفًا. فحبانا من لطف سجاياه، وكريم خلقه، وحسن بيانه ما نعده تكريمًا لمجمعنا، ودعمًا لمسيرتنا من طرف الحكومة الرشيدة كلها، حكومة جلالة الملك المعظم أعزه الله وأكرمه.
ولا أنسى في أثر هذا أن أتقدم بجزيل الشكر لمنظمة المؤتمر الإسلامي وأمينها العام معالي سيد شريف الدين بيرزاده على ما يجده المجمع من المنظمة الأم، ومنه خاصة، من رعاية مستمرة في هذا الظرف الذي نمر به، كما لا أنسى لرابطة العالم الإسلامي ولأمينها العام معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف، ولبنك التنمية الإسلامي ورئيسه معالي الدكتور أحمد محمد، على حسن تعاونهما وجميل رعايتهما للمجمع، ولمشاريع المجمع.
أصحاب المعالي والسماحة.
حضرات الأساتذة
قبل الشروع في الحديث عن مسيرة مجمعكم الموقر طوال سنة من تاريخ مباشرتنا للعمل به حتى الآن حسب ما تقتضي ذلك لائحته التنفيذية، أريد أن أرفع إلى الدول الإسلامية الأعضاء عظيم تقديري واحترامي للجهود الكبيرة التي ما فتئت تبذلها كلها لتحقيق الغد الأفضل والمستقبل الأسعد للأمة جمعاء. وإن عنايتها كلها بجمع كلمة الأمة، وتوحيد صفها، والتذكير بما نادى به الإسلام من وجوب توثيق أواصر الأخوة بينها، والاجتماع على أصول الهداية الإسلامية والمبادئ العالية والقيم الخالدة لديننا الحنيف، مما يسهر هذا المجمع على تحقيقه، ويعتز بنشره، ويدعو إليه، ليحملنا على الإشادة بتلك الجهود العظيمة ومن بينها ما تقومون به حضرات الأعضاء الأكارم من فحص لمشاكل المجتمع الإنساني بعامة والإسلامي بخاصة، وما يبذله حضراتكم والخبراء المتخصصون معكم من طاقات في الدرس والبحث والتوجيه وعرض الحلول ومناقشتها، ليستقيم بعد ذلك كل أمر من أمورنا، في عالمنا الإسلامي ومجتمعاتنا الكبيرة والمنتشرة وفي كل مجالات الحياة بيننا، على المنهج الإلهي الرشيد وعلى هدى من الله {قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} .(2/14)
مضت سنة على انعقاد الدورة الأولى لهذا المجمع. وقد كانت بحمد الله دورة مشهودة وتاريخية بفضل خبرة وحسن إدارة رئيس مجلسنا هذا، فضيلة الدكتور بكر أبو زيد لمداولاتها، وبفضل تعاون الأعضاء الأكارم الذين شهدوا أعمال المؤتمر الأول وأسهموا فيه إسهامًا مرموقًا ساعد على وضع اللائحة التنفيذية للنظام الأساسي للمجمع، وعلى إقرار الخطة العامة الشاملة والمتكاملة لسيره التي صدرت عن الشعب الثلاث للمجلس: شعبة التخطيط، وشعبة الدراسات، وشعبة الفتوى.
فسار بحمد الله مجمعكم في ما قام به من نشاط خلال هذه الفترة مستنيرًا بتلك الخطة الدقيقة، مستعينًا بالله عز وجل على كل الصعاب والعقبات التي تقف في طريقه، مستلهمًا من المبادئ والأهداف التي رسمها قادة الأمة لهذا الصرح الجديد من صروح العلم والفكر والعالم الإسلامي، عزمًا ثابتًا وإرادة قوية، تؤذن إن شاء الله بتحقيق الغاية من هذا المجمع، تلك الغاية التي أعلن عنها سمو الأمير ماجد في خطابه المنهجي الذي افتتح به الدورة الأولى لمؤتمركم نيابة عن جلالة الملك المعظم أعزه الله حين قال:
لقد أنشئ هذا المجمع الفقهي كجهاز من أجهزة منظمة المؤتمر العالم الإسلامي لييسر للقاصدين معرفة دينهم، ومعاملات دنياهم على منهج جماعي موحد.
وقد اتجهت من جمادي الأولى 1405هـ / يناير 1985م نشاطات المجمع إلى وجهتين أساسيتين:
أما الوجهة الأساسية الأولى فربط الصلة المستمرة بالأعضاء الأكارم والدارسين والخبراء من رجال الجامعات ومراكز البحث وذلك قصد موافاتنا بالتصورات للمشاريع والأعمال التي حددتها الخطة العامة لعمل المجمع وكذلك بما يحضرهم من آراء ومقترحات بشأنها وذلك توفيرًا للمادة الأساسية التي يمكن درسها واعتمادها من طرف شعبة التخطيط.
وفعلًا تلقت الأمانة العامة للمجمع شاكرة لكل الذين أسهموا بهذا الجهد مجموعة كبيرة من ذلك تتعلق بمشاريعها المتنوعة مثل تحديد موضوعات البحث والفتوى، وبيان التصورات والمقترحات بشأن الموسوعة الفقهية، والمعجم العام لمصطلحات الفقه، وتقنين الشريعة، وإحياء التراث ومجلة المجمع وغير ذلك.(2/15)
وقد قمنا إثر هذا بتدوين الحصيلة الكبيرة للآراء والمشاورات التي وصلتنا أو قمنا بها في وثيقة هامة اعتمدت في أول اجتماع عقده المجمع لأعضاء شعبة التخطيط فيما بين 22 و25 شعبان 1405هـ / 12- 15 مايو 1985م بمقر المجمع بجدة. وقد شاركت فيه ثلة من الشخصيات الإسلامية العلمية المرموقة. وتمخض ذلك اللقاء عن برنامج عمل تمثل في:
1- تحديد موضوعات البحث والدراسات التي ستعرض في الدورة الثانية لمجلس المجمع وعددها 11 موضوعًا.
2- تحديد الموضوعات في مجال الفتوى وعددها 14 موضوعًا.
3- تحديد طريقة المنهج المتميز الذي ينبغي أن تسير عليه الموسوعة الفقهية.
4- تحديد طريقة وضع منهج للمعجم العام للمصطلحات الفقهية.
5- تحديد الموضوعات المقترحة للبحث في ندوات أو لقاءات بالتعاون مع مؤسسات إسلامية تشترك مع المجمع في معالجة بعض المسائل المستحدثة في حياة المجتمعات الإسلامية.
6- تحديد الكتب والمخطوطات الفقهية التي لها الأولوية في النشر والتحقيق.
7- تحديد منهج المجلة العلمية للمجمع.
وفور انتهاء شعبة التخطيط من دورتها، وزعت موضوعات البحوث والدراسات وموضوعات الفتوى على كافة أعضاء المجمع من جهة، وعلى ثلة من أبرز العلماء المسلمين والأخصائيين في بعض المسائل المرتبطة بالفقه أو الاقتصاد أو الطب من جهة أخرى، وذلك لاستكتابهم جميعًا في كل الموضوعات المعروضة وفقًا لتوجيهات شعبة التخطيط، قصد عرض الدراسات والفتاوى على هذه الدورة لمناقشتها واتخاذ الموقف المناسب من القضايا والمشاكل المطروحة.
وقد اتصلت الأمانة العامة بنحو أربعين بحثًا شارك في إعدادها ستة عشر عضوًا وتسعة من الخبراء. ولكثافة المادة اضطررنا إلى اختصار عدد القضايا المعروضة للدرس والمناقشة فجلعناها ستة للفتوى بدل أربعة عشر، وسبعة للبحوث والدراسات بدل أحد عشر. وأملنا أن يكون في الوقت متسع لدراسة عميقة ينتهي فيها إلى الأخذ بالأقوى حجة ودليلًا، والأوفق والأصلح وجهًا وحكمًا. ولا ينبغي بحال لدارس أو لمجتهد في المسائل في مثل هذا المجمع الذي يقضى فيه للجماعة، جماعة أهل الحل والعقد لا للفرد، أن يتعصب لمذهب بعينه أو لرأي بذاته. وقد قال إمام الحرمين أبو المعالي عبد الملك الجويني من قبل في هذا الشأن: "من ترقى إلى رتبة الفتوى واستقل بمنصب الاستبداد في الاجتهاد فلا يتصور في مطرد الاعتياد انطباق فتاويه واختياراته في جميع مسائل الشريعة على مذهب إمام من الأئمة. فإن مسالك الاجتهاد وأساليب الظنون كثيرة وجهات النظر لا يحويها حصر".(2/16)
وبإزاء مآخذ الأحكام المتناهية في مقابلة الحوادث والوقائع غير المتناهية يقول رحمه الله: "للشرع مبنى بديع، وأس هو منشأ كل تفصيل وتفريع، وهو معتمد المفتي في هداية الكلية والدراية، وهو المشير إلى استرسال أحكام الله على الوقائع مع نفي النهاية، وذلك أن قواعد الشريعة متقابلة بين النفي والإثبات، والأمر والنهي، والإطلاق والحجر، والإباحة والحظر، ولا يتقابل قط أصلان إلا ويتطرق الضبط إلى أحدهما وتنتفي النهاية عن مقابله ومناقضه".
وإني لأرجو أن تكون دورة مجلسكم هذه دورة مرموقة لما سيناقش فيها من موضوعات هامة متصلة بحياة أمتنا حاضرًا ومستقبلًا، وسيحاول المجمع بإذن الله معالجتها بما تستحقه من تبصر واحتكام إلى كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام، وذلك كي يكون المسلمون حيث ما وجدوا، على بينة من أمر دينهم.
أما بخصوص المشروعات العلمية للمجمع فإن المنتظر من المجلس في هذه الدورة أن يحدد الطرق الكفيلة بالشروع فيها. وذلك من حيث المنهج والوسائل، ويكون هذا بإمعان النظر في مقترحات شعبة التخطيط في هذا الشأن، ودراسة تقارير لجنة الموسوعة، ولجنة المعجم الفقهي، والانتهاء إلى تكليف طائفة من المحققين والدارسين لإحياء أمهات كتب الفقه والمصادر فيه، وإعداد التآليف والبحوث في جملة من الدراسات المقترحة، والقيام من الآن بتوفيرما يلزم لإصدار مجلة المجمع. ثم بحث المشاريع الأخرى المعروضة لأول مرة على مجلسكم الموقر في هذه الدورة.(2/17)
وهذا هو الجانب الأول الذي قام به مجمعكم ودعا إلى تحقيقه وسدد وجهته الأولى إليه.
وإنه ليطيب لي هنا أن أنوه بما تضمنه محضر جلسة العمل التي عقدناها بجامعة القرويين بالمغرب، من استعداد المجلس العلمي بها لإعداد معجم فقهي مالكي متى صدرت إليه الإشارة بذلك من المجمع، واستعداده كذلك لفهرسة ما يقترحه عليه مجمعكم الموقر من أمهات كتب الفقه المالكي، واعتقادنا أن تحقيق مثل هذا العمل سوف يدعم قدرات مجمعنا على توفيرالمراجع النفيسة لعامة العلماء، كما يغني المكتبة الإسلامية بأهم ما تحتاج إليه من تصانيف ومؤلفات.
وأما الوجهة الأساسية الثانية التي سار فيها المجمع فتتمثل في العلاقات التي ربطناها ببعض وزارات الأوقاف والثقافة في الدول الأعضاء، وببعض الجامعات والهيئات والمؤسسات الإسلامية فيها، وذلك قصد التعريف بالمجمع، واستكشاف آفاق التعاون معها في كل ما يتصل بتحقيق خطة العمل المرسومة لمجمعنا.
ومن ثم فقد شرفنا بلقاء أصحاب المعالي وزراء الأوقاف والثقافة في العدد من الأوطان، في المملكة العربية السعودية، وجمهورية مصر العربية، ودولة الإمارات العربية المتحدة، وتونس والجزائر والمغرب، وكانت كلها لقاءات مباركة جنى ويجني منها المجمع بإذن الله خيرًا كثيرًا.
وحرصنا خلال هذه السنة على الاتصال بما أمكن من الجامعات الإسلامية، وعقدنا جلسات عمل مع هيئاتها العلمية، وحددنا إمكانات التعاون معها بخصوص الاشتراك في الأعمال العلمية المجمعية، والاستفادة مما تنشره مراكز البحث فيها من كتب التراث، والرسائل العلمية الجامعية المتصلة بالمسائل الفقهية ونحوها.(2/18)
وربطنا الصلة بجامعة أم القرى بمكة المكرمة، والجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، وجامعة الأزهر الشريف بمصر، وجامعة القرويين بالمغرب، وجامعة الزيتونة بتونس، ومركز أبحاث الاقتصاد الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، والجامعة الإسلامية بماليزيا والجامعة الوطنية بها.
كما ربطنا علاقات وثيقة بالمجمع الفقهي التابع لرابطة العالم الإسلامي، وبالموسوعة الفقهية بالكويت، ومؤسسة دار القبلة بجدة، والبنك الإسلامي للتنمية، ومنظمة الطب الإسلامي بالكويت، وبرئاسة المحاكم الشريعة والشؤون الدينية بالدوحة.
وشاركنا في ندوة البركة الثانية للاقتصاد الإسلامي التي انعقدت بتونس، وحضرنا مؤتمر مجمع الحضارة الإسلامية بالأردن، وقدمنا بحثًا في مؤتمر الشريعة الإسلامية في ماليزيا في محرم 1406هـ، وأسهمنا في الملتقى الذي انعقد بجدة في ربيع الأول 1406هـ والذي نظمته رابطة العالم الإسلامي ومنظمة الصحة العالمية حول التغذية، كما قدمنا تقريرًا كتابيًا وعرضًا شفويًا عن المجمع في الدورة الثانية للجنة الوزارية للثقافة والإعلام التي انعقدت في صفر 1406هـ بداكار تحت لواء منظمة المؤتمر الإسلامي وبرئاسة فخامة الرئيس عبدو ضيوف رئيس جمهورية السنغال، وقدمنا مثل ذلك أمام اللجنة الإسلامية للثقافة والاقتصاد التابعة لمنظمة المؤتمر الإسلامي التي انعقدت بجدة في ربيع 0الأول 1406هـ.
وسعينا في كل هذه المحافل أن نعرف مندوبي الدول الإسلامية بأعمالنا ونحثهم على دعم مسيرتنا التي تستهدف تحقيق الخير لأمتنا من خلال خدمة شريعتنا المطهرة.
ولعل من المفيد أن نلاحظ بصفة خاصة العلاقات المتميزة التي تربط مجمعكم الدولي الموقر بالمؤسستين العتيدتين مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة، ومنظمة الطب الإسلامي بالكويت.
أما المؤسسة الأولى فإنكم تعلمون جميعًا ولا شك أن مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة قد شرفنا بانتداب أحد أعضائه من العلماء الجلة للعضوية بمجلسكم هذا، وهو إلى جانب مشاركته الإيجابية في نشاطاتنا قد أسهم إسهامًا مرموقًا فيما تجمع لدينا من دراسات وبحوث وفتاوى مما هو الآن بين أيدي حضراتكم.
كما أن مقررات المجمع الفقهي بمكة المكرمة التي لها صلة بموضوعات دورتنا هذه، قد أدرجت ضمن الوثائق المعروضة على حضراتكم لتؤخذ بعين الاهتمام والاعتبار فهي حصيلة جهود عليمة قيمة وأثر مناقشات مستفيضة شاركت فيها ثلة من علماء المسلمين الأجلاء جزاهم الله كل خير.(2/19)
ومجمعكم أيها الإخوة يشرف من جهته في شخص أمينه العام بتمثيل مؤسساتنا الفتية في المجمع الفقهي بمكة المكرمة، وقد شارك في اجتماعاته في السنة الماضية وهو يعتزم بإذن الله الإسهام في البحوث والدراسات المزمع تقديمها هذا العام أثناء دورته القادمة.
وأما المؤسسة الثانية: فهي المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بالكويت، التي تتخذ من تعاليم الإسلام وأصول ديننا الحنيف أرضية لدراستها وتفكيرها، وتعني بالتزام ذلك كله في علاج مختلف الأمراض البدنية والنفسية والوقاية منها، وتقوم بتشجيع العاملين في مجال العلوم الطبية الإسلامية موفقة بين الجهود العلمية الطبية وبين الأحكام الشرعية الفقهية بهدف الوصول إلى رأي سليم موحد في تطبيق ما يستجد من طرق العلاج الطبي الحديث، واختيار وإيجاد البدائل الصحيحة للوسائل والعقاقير المحظور استعمالها إسلاميًا. وقد تمت عدة اتصالات بين المجمع وبين هذه المنظمة عن طريق معالي الدكتور رضا محمد سعيد عبيد عضو مجلس أمنائها ومدير جامعة الملك عبد العزيز.
وقد حرص المجمع بخصوص الموضوعات المعروضة عليه والمتصلة بالطب أو العلاج، أن يتعاون بشأنها مع العلماء والأخصائيين في هذه المنظمة ومن بينهم الأساتذة الأطباء من أبناء المملكة العربية السعودية، وذلك رغبة في الاستفادة من علمهم وتجاربهم وقصدًا إلى تحقيق قدر من التنسيق في المواقف إزاء المسائل المعروضة في وقت واحد على المجمع وعلى المنظمة.
ويصار الآن إلى إيجاد صيغة للتعاون مع المنظمة ومع بعض العلماء في بعض الجامعات لربط برامج الدراسات الطبية بالقيم التي ارتكزت عليها الحضارة الإسلامية وتعاليم الشريعة السمحة. وهو عمل دقيق وطويل نسأل الله أن يوفق مجمعنا إلى إنجازه. كما يستعد مجمعكم للمشاركة بإذن الله في الملتقى الذي تعقده المنظمة بباكستان السنة القادمة وذلك بتقديم بحث حول موضوع الطب والإسلام.(2/20)
وتنفيذًا للخطة التي رسمها المجمع في اجتماع شعبة التخطيط في شهر شعبان الماضي سعت الأمانة العامة وتسعى في نطاق التعاون مع الدول الأعضاء إلى الاتصال بوزارات الأوقاف والشؤون الدينية ووزارات العدل وذلك لعرض برامج الملتقيات العلمية التي ينوي المجمع عقدها في شكل أيام دراسية على الأولى. وهكذا وقع التفكير في الاستفادة مثلًا من الملتقيات والندوات الإسلامية التي تقوم بها الجزائر سنويًا وخاصة منها ملتقى الفكر الإسلامي. والتفاهم يجري الآن مع الوزارة بشأن تحديد موضوع الندوة، أما الاتصال بوزارات العدل فبقصد أن تتكون لجنة أو لجان فقهية تنظر فيما أعد من مشاريع تقنين الشريعة فتستكمل الجوانب الباقية التي لم تبحث أو تضبط بعد، وتراجع بقية المواد. وعلى هذا الأساس يصبح تطبيق الشريعة ميسورًا في عامة البلاد لا يثير قلقًا ولا يستوجب ترددًا بل يعم نفعه وتدرك على الوجه الدقيق أهميته ونجاعته. وقد بدأ تدوين أحكام الفقه من وقت انتباه العالم الإسلامي لهذا الأمر الجليل، وظهرت محاولات كثيرة مختلفة. ومن أجل ذلك يحرص المجمع اليوم على جمعها كما يطلب من وزارات العدل في الدول الأعضاء كافة أن تمده بما قد يتوفر لديها من مشاريع التقنينات. وقد وصلنا بالفعل من بعض الدول ما زودتنا به منها. وأملنا أن تستحث هذه الدورة بقية الدول الأعضاء لموافاتنا بالمطلوب في هذا الشأن حتى نتمكن من تحقيق الغاية المنشودة.
وقد قام المجمع خلال هذه الفترة القصيرة أولًا بإعداد مكاتب لما قد ينشأ من فرق العمل به في الموسوعة، والمعجم، وللشروع متى أذنتم وسمحت الظروف بإصدار المجلة المجمعية الفقهية الإسلامية التي تكون بحول الله لسانكم الناطق بألوان نشاطكم والناشر لبحوثكم ودراساتكم وفتاويكم وأهم قراراتكم. وثانيًا بتجهيز قاعة للاجتماعات والمؤتمرات ومكتبة تكون نواة لما نقدر أن يكون مثلها للمجمع. ويرجع الفضل في إنجاز ما حققناه من خطوات في هذه السبيل إلى تيسير الله وفضله ثم إلى ثلة من المؤمنين المنقطعين إلى العمل الإسلامي منهم معالي وزير العدل في المملكة العربية السعودية الذي تكرم بتزويدنا بعدد من الكتب القيمة، وسماحة مدير رئاسة إدارات البحوث العليمة والإفتاء والدعوة والإرشاد في الرياض، ومعالي الدكتور عبد الله التركي مدير جامعة محمد ابن سعود الإسلامية، ومعالي الدكتور رضا محمد سعيد عبيد مدير جامعة الملك عبد العزيز، ومعالي الدكتور راشد الراجح مدير جامعة أم القرى، ومعالي الدكتور صالح بن عبيد مدير الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ومعالي الدكتور الأحمدي أبو النور وزير الأوقاف في جمهورية مصر العربية، ومعالي الدكتور عبد الكبير المدغري وزير الأوقاف في المغرب، ومعالي الشيخ عبد الله الأنصاري رئيس إدارة إحياء التراث الإسلامي بقطر، فكلهم تكرموا جزاهم الله خيرًا بتزويد مكتبتنا ووضع النواة الأولى لها. ولا يفوتني في هذا المقام أن أشكر كلًا من دولة قطر، وسلطنة عمان، وجمهورية إيران الإسلامية، ومجمع اللغة العربية بمصر ووزارة الثقافة بتونس، على ما زودوا به المجمع من كتب ومراجع هامة مختلفة، وأريد هنا أن أخص بالذكر والثناء معالي الدكتور أحمد محمد علي رئيس البنك الإسلامي للتنمية لما وجدناه لديه من تفهم ولما قدمه لنا من مساعدة، وذلك حيث خصص للمجمع مبلغ ستين ألف ريال سعودي اقتنينا حتى الآن بنصف المبلغ منها كتبًا هامة إسلامية ومتخصصة وجدناها متوفرة في السوق السعودية.(2/21)
أصحاب المعالي والسماحة
حضرات السادة
إن ما سبق عرضه من أعمال لا يعدو أن يكون خطوات أولى على درب طويل يتطلب اجتياز مراحله جهدًا متواصلًا ودعمًا كبيرًا وقويًا على قدر نبل الغايات التي نهدف إلى تحقيقها جميعًا.
وإنكم لتدركون حق الإدراك أن إنجاز المشاريع العلمية الأساسية للمجمع ونهوضه بالمهمات الموكلة إليه أمر جليل وبعيد، جليل لما فيه من خدمة للمجتمعات الإسلامية، وبعيد لعدم توفر ما يحتاج إليه من موارد وإمدادات، ولا يتسنى إدراك الغايات السامية من تأسيس هذا المجمع إلا بتوفر الإمكانات المادية. وهذا للأسف ما يقوم اليوم في طريقنا عقبة كأداء يتعين علينا أن نتعاون جميعًا على تخطيها. وإنكم لتلاحظون في التقرير المالي الذي بين أيديكم أن المجمع لم يتلق من الإسهامات الإلزامية في ميزانية عامه الأول إلا نسبة سبعة عشر بالمائة مما هو مقرر له من قبل الدول الأعضاء في مؤتمر وزراء الخارجية الخامس عشر بصنعاء، وهذه النسبة الضعيفة مما حصل عليه لا تفي حتى بالتكاليف الإدارية الأساسية. لذلك فإني أهيب بكم جميعًا أن تكثفوا السعي مشكورين لدى حكوماتكم الموقرة لدعم المجمع، فيستطيع بحق أن يضطلع برسالته الدقيقة ويسهم في إنارة سبيل المسلمين في حياتهم اليومية ويجمع كلمتهم على الخير والعمل الصالح.
وإنه ليسعدني في ختام هذا العرض أن أعرب لكم جميعًا عن جزيل الشكر والثناء وعظيم الامتنان لما تجشمتموه من مشقة السفر ومتاعبه من أجل حضور هذه الدورة ولما أعددتموه من دراسات وبحوث وفتاوى تعرضونها على مجلس المجمع، وتتولون بحسن عنايتكم وسديد نظركم مناقشتها وتحريرها. وإني لأقول لحضراتكم: نزلتم سهلًا برحاب مجمعكم في هذه الأرض المباركة الطيبة، ولقيتم أهلًا يعرفون فضلكم ويقدرون منزلتكم.
وإني باسم المجمع وباسمكم جميعًا يشرفني أن أشيد بالتسهيلات التي وفرتها للقائنا هذا، حكومة صاحب الجلالة الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله، وأخص بالذكر منها ما قدمه لنا من رعاية صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة، وما وجدناه من مختلف الإعانات من صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية ومن إدارته، بالرياض وجدة. فإليهم جميعًا أرفع باسمكم آيات الشكر والعرفان والتقدير والامتنان. والله أسأل أن يوفق أعمالنا ويسدد خطانا لخدمة الإسلام والمسلمين وإعلاء كلمة الدين. وسبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وصلى الله على سيدنا ومولانا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/22)
كلمة معالي الدكتور أحمد محمد علي
رئيس البنك الإسلامي للتنمية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله، والسلام على نبي الهدى والرحمة الذي بعثه الله للناس كافة ليرشدهم إلى ما فيه خيرهم في الدنيا والآخرة.
صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز، أمير منطقة مكة المكرمة
أصحاب السماحة والفضيلة والسعادة
سلام الله عليكم ورحمته وبركاته،
يسرني أن أحييكم جميعًا في هذا اللقاء المبارك، إن قيام هذا المجمع الذي يمثل الأمة الإسلامية كان أملًا يتطلع إليه مفكرو الأمة منذ أمد طويل، فالحمد لله الذي جعله حقيقة واقعة، فالمسلمون اليوم يتطلعون إلى هذا المجمع وينتظرون نتائج أعمالكم وأبحاثكم فهم شغوفون لمعرفة رأي الإسلام وحكم شريعتهم الغراء في ما جد من مشكلات هذا العصر، وإن آمالهم لجد عظيمة في أن يوحد رأي المسلمين وكلمة فقهائهم وعلمائهم تجاه المشكلات التي يزخر بها العصر الحاضر، سواء في الجوانب الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو غيرها، على نور وهدى من كتاب الله عز وجل وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، مما يجعل المهمة جسيمة والمسؤولية جد خطيرة، وإنه ليسرني أن أشيد بالجهود العلمية المباركة التي تمثل باكورة جهود المجمع في النفاذ للوقوف على مشاكل العالم الإسلامي، وسعيه لإيجاد الحلول لها من الكتاب والسنة، مستعينين بتراث فقه شريعتنا الزاخر العظيم.
إن الاستعانة بأهل الاختصاص في بعض ميادين المعرفة للاشتراك في إعداد البحوث وفي مناقشة بعض الموضوعات المعروضة على هذه الدورة يستحق كل التقدير للمجمع، فنحن في عصر انفجار المعرفة وتعدد المشكلات العلمية والاجتماعية، فحضور ذوي الاختصاص في فروع العلم المتعددة يكون خير عون لفقهائنا الأجلاء، إذ الاستعانة بأهل الذكر في كل مجال من مجالات المعرفة يعين على كشف دقائق الأمور ويجعل الرؤية أكثر وضوحًا تجاهها ليأتي الحكم الشرعي موافقًا لمرامي الشرع بعون الله تعالى.(2/23)
صاحب السمو،
أصحاب السماحة والفضيلة والسعادة،
إن اتفاقية تأسيس البنك الإسلامي للتنمية التي صادق عليها وأبرمتها المؤسسات الدستورية في ثلاث وأربعين دولة من الدول الإسلامية حددت هدف البنك بأنه دعم التنمية الاقتصادية والتقدم الاجتماعي لشعوب الدول الأعضاء والمجتمعات الإسلامية، مجتمعة ومنفردة، ووفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، ويمثل هذا تحديًا آخر بالنظر للظروف الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي يمر بها عالمنا الإسلامي التي لا تخفى عليكم، وسعيًا من البنك الإسلامي للتنمية للقيام بالمهام التي أوكلت إليه بشأن إجراء البحوث اللازمة للممارسة النشاطات الاقتصادية والمصرفية في الدول الإسلامية وفقًا لأحكام الشريعة الإسلامية، أنشأ المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب منذ عام 1402هـ، ويسر البنك أن يتعاون مع المجمع الموقر عبر المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب في كل ما يتعلق بمجالات الاقتصاد الإسلامي والنشاط المالي والمصرفي الذي يتفق مع أحكام الشريعة الغراء، كما يرجو البنك أن يتفضل المجمع الموقر بدراسة أعمال البنك وعملياته المالية للتأكد من أنها تتفق وأحكام الشريعة الإسلامية وذلك وفقًا لما نصت عليه اتفاقية تأسيس البنك.
إنني أسأل الله عز وجل لاجتماعكم المبارك هذا كل نجاح وتوفيق وأن يسدد الله على طريق الخير خطاكم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...(2/24)
كلمة معالي الدكتور عبد الله عمر نصيف
الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز أمير منطقة مكة
أصحاب المعالي، أصحاب الفضيلة، أصحاب السعادة
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد،
فأحمد الله عز وجل أن هيأ لي هذه المناسبة السعيدة لألتقي بهذه الصفوة المختارة من علماء الأمة الإسلامية وفقهائها في افتتاح الدورة الثانية لمجلس المجمع الفقهي الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي.
وأشكر لإخواني المسؤولين عنه معالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وسماحة الدكتور محمد الحبيب ابن الخوجة الأمين العام للمجمع دعوتي للمشاركة في هذا اللقاء المبارك كما أشكر لكم جميعًا جهودكم المباركة جزاكم الله خير الجزاء وسدد خطاكم.
أيها الإخوة الكرام،
إن الله سبحانه وتعالى الذي أكمل هذا الدين وجعله صالحًا لكل زمان ومكان أوجب على علماء المسلمين أن يتفقهوا في الدين في كل زمان ومكان فقال تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ} .
فأنتم أيها العلماء الأفاضل تقومون بواجب إسلامي عظيم وخاصة في هذا العصر الذي يستدعى اجتماع العلماء والمفكرين والفقهاء لدراسة قضايا الأمة ومشكلاتها وإيجاد الحلول الإسلامية لها حتى تستعيد مكانتها اللائقة وتسترد مجدها التليد من منطلقات إسلامية ثابتة مستمدة من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، والاجتهاد الجماعي ضروري في مثل هذه الظروف والأوضاع التي نعيشها اليوم، والمسلمون يتطلعون إلى مثل هذا اللقاء ومثله إلى اجتماعات المجمع الفقهي في رابطة العالم الإسلامي بأمل وشوق للاطلاع على القرارات والتوصيات التي تصدر عنهما وفيها الإجابة على الاستفسارات والتساؤلات التي يواجهها المسلمون في جميع شؤون الحياة حتى ترشدهم إلى الطريق القويم كما أرشدت المسلمين أقوال القرون الماضية، ولذا فإن نشأة المجمع نعمة من نعم الله الكبرى، فقد اهتم ملوك ورؤساء المسلمين بتكوينه وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد بن عبد العزيز الذي أولى هذا العمل اهتمامه منذ كان فكرة وحتى خرج إلى حيز الوجود ولا أدل على ذلك من إنابته صاحب السمو الملكي الأمير ماجد في إلقاء كلمة جلالته.
فنسأل الله أن يبارك في أعمال هذا المجمع ويعم بنفعه المسلمين في كل مكان.(2/25)
أيها الإخوة:
إن التعاون البناء الذي نشأ بين المجمعين المباركين مجمعكم هذا والمجمع الفقهي برابطة العالم الإسلامي هو مثال للتكامل والتنسيق الذي ينبغي وجودهما لتحقيق الصالح العام خدمة لهذا الشرع الحنيف وإخراج كنوزه المخبوءة.. لنفع الناس وهدايتهم إلى الحق والصواب.. ويشارك بعض الأعضاء في كلا المجمعين كما أن الأمين العام لهذا المجمع هو عضو فعال في ذلك المجمع كما أن تبادل الأبحاث والوثائق قائم على خير ما يرام.
ختامًا أحمد الله سبحانه وتعالى مرة أخرى وأكرر شكري وتقدير للجميع وأسأل الله أن يأخذ بأيديكم للبحث عن الحق والأخذ به وأن يوفقكم لما يحبه ويرضاه وأن يمن على الأمة الإسلامية بالعودة إلى شريعته والحكم بها والاحتكام إليها واستعادة مجدها وعزتها وقوتها وسعادتها في الدنيا والآخرة إنه سميع مجيب.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...(2/26)
كلمة سعادة الدكتور عبد السلام داود العبادي
نيابة عن أعضاء مجلس المجمع
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين وصلاة وسلامًا على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه ومن التزم بهديه وسار على دربه إلى يوم الدين.
صاحب السمو الملكي الأمير ماجد بن عبد العزيز المعظم
أيها الحفل الكريم
ها هي وفود من علماء المسلمين قد أقبلت من كل أنحاء العالم إلى الديار المقدسة مهبط الوحي وموطن الدعوة والإيمان الأول، ومدرج محمد صلى الله عليه وسلم وموئل تطبيق رسالته..
ها هي وفودهم قد حطت رحالها إلى جوار البيت العتيق لتعمل الفكر في كتاب الله جل وعلا، وسنة نبيه محمد عليه الصلاة والسلام.. فهمًا ونظرًا، واستنباطًا منهما للأحكام الناظمة لواقع الأمة الحياتي، واستمدادًا منهما للحلول الناجعة لمشكلاتها المستعصية.
في أيام تتعرض فيها أمتنا لما يهدد وجودها ويمس ذاتيتها ويعرض كيانها لأشد أنواع الأخطار والتحديات.. مما هو معلوم للجميع، وفي فترة فقدت فيها البشرية توازنها واتزانها.. فتاهت وتخبطت، واضطربت المفاهيم، واختلطت التصورات، وضاعت الحقوق، وهانت حياة الإنسان وكرامته، وتفككت الأسرة وعلاقات المجتمع وانتشرت الجريمة، وعمت مظاهر الانحلال والانحراف..
نعم أقبلت هذه الوفود إلى مملكتكم العامرة لتشارككم اهتمامكم بقضايا الأمة الإسلامية وتؤكد معكم على كل ما من شأنه إعلاء كلمة المسلمين وتحقيق مصالحهم وتوحيد جمعهم ودحر أعدائهم واستنقاذ مقدساتهم وأراضيهم تحرير مسجدهم الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين.
صاحب السمو الملكي
إن مجمع الفقه الإسلامي بما حمل من مسؤولية، وتصدى له من مهمات يدل دلالة أكيدة على أن هذه الأمة ستظل أمينة على شرع الله سبحانه، حريصة على تطبيقه والسير وفق هداه. كيف لا، وهي التي تحمل شريعة الهداية والسعادة، شريعة إنقاذ البشرية من كل معاني الضلال والشقاء.. {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى (123) وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} ، فكانت بذلك خير أمة أخرجت للناس تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتؤمن بالله العلي العظيم.
ثم إن مجمع الفقه الإسلامي بتمثيله الشامل لشعوب الأمة الإسلامية يجسد وحدة هذه الأمة وضرورات التقاء شعوبها على دين الله وشريعته سبحانه، تلك الوحدة التي كانت عنوان قوتها، ورمز عظمتها وأساس بقائها وقدرتها على مواجهة التحديات والوقوف في وجه الأعداء. {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} .(2/27)
ومجمع الفقه الإسلامي مؤسسة اجتهاد جماعي تواجه القضايا المعاصرة والمشكلات الحادثة بالنظر العميق والبحث الرصين وفق منهجية الحوار الإسلامي التي تقدم قوة الدليل ومردود الخير والمصلحة على جماعة المسلمين وعامتهم {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} .
والفقه الإسلامي في مسيرته الخيرة عبر القرون كان النتاج الدائم والعطاء المستمر والثمرة اليانعة لتحكيم شريعة الله سبحانه وتعالى في حياة الناس وواقعهم.. وبقدر ما يدرك الفقهاء روح الشريعة وحكمها وأسرارها ويعون أحكامها وأدلتها يبينون كل ذلك للناس بقدر ما يظهر ثراء هذه الشريعة وقدرته الفذة على تنظيم الواقع الإنساني ووضع الحلول لما يواجه من مشكلات وقضايا في كل الأماكن العصور تطبيقًا لقوله تعالى: {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} . ومن هنا تعظم رسالة هذا المجمع وتبرز واجباته في خدمة الشريعة الإسلامية.
وإن في احتضان المملكة العربية السعودية لهذه المؤسسة الفقهية الإسلامية الدولية على ثرى الأرض المقدسة وإلى جوار البيت العتيق تأكيدًا لكل هذه المعاني ومكرمة أخرى تضاف إلى عقد مكارم هذا البلد الأمين في خدمة الإسلام والمسلمين والمحافظة على أحكام الدين.
وإنني باسم هذه النخبة المتميزة من علماء المسلمين ومفكريهم لأعبر عن الشكر الجزيل والامتنان العظيم لما يلقاه هذا المجمع من رعاية واهتمام من حكومة المملكة العربية السعودية بتوجيه مباشر وتأكيد مستمر من خادم الحرمين الشريفين جلالة الملك فهد المعظم.. فلجلالته باسمهم جميعًا أعظم آيات الشكر وكل معاني التقدير.. ولصاحب السمو الملكي الأمير المعظم الذي تفضل بافتتاح الدورة الثانية لمجلس المجمع الفقهي الإسلامي شكر أعضاء المؤتمر فردًا فردًا وتقديرهم البالغ واحترامهم العميق.
وإنني لأدعو الله سبحانه وتعالى أن يسدد على الحق خطاهم وأن يأخذ بأيديهم وسائر حكام المسلمين لإعلاء كلمة هذه الأمة ونصرة دينها وتحقيق أهدافها، وأن يوفق مجمعنا لأداء واجبه خير أداء.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ...(2/28)
القسم الثاني
بحوث المؤتمر وفتاواه
زكاة الديون
فضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير
فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى
وفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي
بسم الله الرحمن الرحيم
زكاة الديون
لفضيلة الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير
اختلف الفقهاء اختلافًا كثيرًا في زكاة الدين: هل يزكى أم لا يزكى؟ وإذا كان يزكى فمن الذي يزكيه، الدائن أم المدين؟ وكيف يزكى؟
وسبب اختلافهم عدم ورود نص في القرآن أو السنة (1) في زكاة الدين فقال كل فقيه فيه باجتهاده، وسأذكر فيما يلي ما وقفت عليه من آراء فقهاء الصحابة والتابعين وآراء المذاهب الأربعة، ثم تعقيب أبي عبيد القاسم بن سلام وابن حزم على هذه الآراء وما أراه راجحًا منها.
آراء فقهاء الصحابة التابعين:
روى عن فقهاء الصحابة والتابعين أقوال مختلفة عن زكاة الدين أحصيت منها تسعة أقوال.
القول الأول: لا زكاة في الدين:
قال بعض الفقهاء: لا زكاة في الدين مطلقًا، لا على الدائن ولا على المدين، وإن كان على ثقة مليء. وهو قول عكرمة (2) وعطاء (3) وعائشة (4) وإبراهيم، والحكم بن عتيبة (5) وابن عمر. (6)
وروى أبو عبيد وابن حزم عن عكرمة قوله: "ليس في الدين زكاة" (7) وروى أبو عبيد وابن حزم عن عطاء أنه قال: "لا يزكى الذي عليه الدين، ولا يزكيه صاحبه حتى يقبضه (8) وروى أبو عبيد عن عطاء أنه قال لمن سأله: "لا تزكه حتى تقبضه" وقال: "أما نحن أهل مكة فنرى الدين ضمارًا" قال ابن كثير: يعني أنه لا زكاة فيه". (9)
وروى ابن حزم عن عطاء قوله: "ليس على صاحب الدين الذي هو له، ولا على الذي هو عليه زكاة" وقوله: "ليس في الدين زكاة" وقوله لمن سأله: "السلف يسلفه الرجل ليس على سيد المال، ولا على الذي استسلفه زكاة" (10)
وروى ابن حزم عن عائشة قولها: "ليس في الدين زكاة" (11)
وروى عن الحكم بن عتيبة قوله: خالفني إبراهيم في الدين، كنت أقول: لا يزكى، ثم رجع إلى قولي. (12)
وقال ابن قدامة: روي عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "ليس في الدين زكاة. (13)
ويلحظ في أقوال عطاء أنه ورد في بعضها "لا يزكيه صاحبه حتى يقبضه" وينبغي حملها على أنه يزكيه بعد قبضه لما يستقبل، لا لما مضى، لكي تتفق مع الروايات الأخرى.
__________
(1) جاء في البحر الزخار 2/153 "لا يزكى دين لما مضى مطلقًا إذ لا يمكن، ولقوله صلى الله عليه وسلم ((ليس على من أقرض مالًا زكاة)) وقال في الحاشية: حكاه في أصول الأحكام. ولم أقف على هذا الحديث في مرجع آخر.
(2) الأموال لأبي عبيد 430 و 433 والمحلى لابن حزم 6/133 والمغني لابن قدامه 3/46
(3) الأموال 433 والمحلي 6/133 و 134
(4) المحلى 6/133 والمغني 3/46
(5) 6/ المحلى 6م133
(6) المغني 3/46
(7) الأموال 433 والمحلى: 6/133
(8) الأموال 433 والمحلى: 6/133، غير أن في المحلى 134: "ولا يزكيه الذي" هو له بدل "ولا يزكيه صاحبه"
(9) الأموال 433
(10) المحلى 6/133
(11) المحلى 6/133، وجاء مثله في المغني 3/46
(12) المحلى 6/133، وجاء مثله في المغني 3/46
(13) المغني 3/46(2/29)
واستدل لهذا الرأي:
1- بأنه ناقص الملك. (1)
2- بأنه غير تام فلم تجب زكاته كعروض القنية. (2)
القول الثاني: يزكيه المدين:
ذكر أبو عبيد في زكاة الدين خمسة أوجه من الفتيا منها: أن تجب زكاته على الذي عليه الدين، وتسقط عن ربه المالك له. ونسبه إلى إبراهيم وعطاء، وروى عنهما قولهما: "في الدين الذي يمطله صاحبه ويحسبه (هكذا) : "زكاته على الذي يأكل مهنأة". (3)
وذكر ابن حزم هذا القول أيضًا منسوبًا إلى إبراهيم وعطاء. وروى عن إبراهيم النخعي في الدين يكون على الرجل فيمطله، قال: زكاته على الذي يأكل مهنأة".
وروى عن عطاء أو غيره نحوه. (4)
ونسب ابن حزم هذا القول إلى عمر والحسن بن حي أيضًا.
وروى عن عمر قوله: "إذا حلت –يعني الزكاة- فاحسب دينك وما عندك، واجمع ذلك جميعًا ثم زكه".
وروى عنه أيضًا أن رجلًا قال له: يجيء إبان صدقتي فأبادر الصدقة فأنفق على أهلي وأقضي ديني، قال عمر: "لا تبادر بها. واحسب دينك، وما عليك، وزك ذلك أجمع". (5)
ولم يرو شيئًا عن الحسن بن حي.
ونسبة هذا القول إلى إبراهيم وعطاء غير دقيقة؟ لأن ما روى عنهما يدل على أنهما يريان أن المدين الذي يزكي الدين هو المدين المماطل، وليس كل مدين.
ونسبته إلى عمر محل نظر: لأن الرواية الأولى التي نقلتها عن ابن حزم أوردها أبو عبيد مستدلًا بها على أن عمر يرى أن زكاة الدين على الدائن، وأورد معها رواية أخرى عن عمر أنه كان إذا خرج العطاء أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد. (6)
__________
(1) بداية المجتهد 1/245
(2) المغني 3/46
(3) الأموال 430 - 432
(4) المحلى 6/132، ومهناه –بفتح الميم والنون وبينهما الهاء ساكنة هو ما يأتي بلا مشقة، وأكل هنيئًا.
(5) المحلى 6/131
(6) الأموال 432(2/30)
وكلمة "دينك" تحتم المعنيين: الدين الذي له، والدين الذي عليه، والخبر الثاني الذي رواه أبو عبيد عن عمر يؤيد المعنى الأول، والخبر الثاني الذي رواه ابن حزم عن عمر يؤيد المعنى الثاني، ولكن يترتب عليه أن عمر يرى أن الدين يزكيه الدائن والمدين معًا، وهذا غير مقبول.
أما رأي الحسن بن حي فقد علق عليه ابن حزم بقوله: "أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ، لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له، (1) وعلى الذي هو عليه، فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد، فحصل في العين نصف العشر، وفي خمس من الإبل شاتان، وكذلك ما زاد". (2)
ولم يذكر من أورد هذا الرأي دليلًا عليه.
والذي يترجح عندي أن هذا الرأي لا تصح نسبته إلى أحد من الصحابة أو التابعين.
القول الثالث: يزكيه المدين المماطل.
هذا الرأي يستفاد من أقوال إبراهيم النخعي، وعطاء، وإن كان من روى أقوالهما، وهما أبو عبيد وابن حزم جعلاهما مع من يرى وجوب زكاة الدين على المدين من غير تقييد بكونه مماطلًا، وقد تقدم ذكر أقوالهما.
ويلحظ أن الروايات عن عطاء وإبراهيم فيها شيء من الاختلاف.
القول الرابع: يزكيه الدائن من ماله الحاضر:
روى هذا القول عن عمرو وجابر بن عبد الله (3) وابن عمر والحسن، ومجاهد. (4)
فقد روي أبو عبيد عن عمر أنه كان إذا خرج العطاء أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد. (5)
وروى عن جابر بن عبد الله أنه قيل له في دين لرجل على آخر: أيعطى زكاته؟ قال: نعم. (6)
هذان الخبران يدلان على أن الدائن يزكي ما له من دين من ماله الحاضر، ولكن أبو عبيد ذكرهما مع الرأي القائل بأن الدائن يعجل زكاة الدين مع المال الحاضر إذا كان على الأملياء. (7)
وليس في الخبرين تقييد.
__________
(1) ذكر ابن حزم الحسن بن حي مع من يوجبون زكاة الدين على الدائن. المحلى 6/136، 137.
(2) المحلى 6/138
(3) الأموال 430، 431
(4) المحلى 6/132
(5) الأموال 430
(6) الأموال 431
(7) الأموال 430(2/31)
وروى ابن حزم عن ابن عمر أنه ولى مال يتيم فكان يستلف منه، يرى أن ذلك أحرز له، ويؤدي زكاته من مال اليتيم. (1)
وروى عن الحسن قوله: إذا كان للرجل على الرجل الدين فالزكاة على الذي هو له) (2)
وروى عن مجاهد قوله: "إذا كان عليك دين فلا زكاة عليك، إنما زكاته على الذي هو له" (3)
القول الخامس: يزكيه الدائن إذا كان على مليء من ماله الحاضر.
هذا قول عثمان، وابن عمر، وجابر بن زيد، والحسن وميمون بن مهران (4) وإبراهيم النخعي (5) ومجاهد (6) وسفيان (7) ووكيع (8) وطاوس والزهري وقتادة وحماد بن أبي سليمان وإسحاق. (9)
وروى أبو عبيد عن عثمان أنه كان يقول: إن الصدقة تجب في الدين الذي لو شئت تقاضيته من صاحبه، والذي هو على ملئ، تدعه حياء أو مصانعة، ففيه الصدقة. (10)
وروى عن ابن عمر أنه قال: كل دين لك ترجو أخذه فإن عليك زكاته كلما حال الحول. (11)
وروى عن جابر بن زيد أنه قال: أي دين ترجوه فإنه تؤدى زكاته وروى عن مجاهد أنه قال: زك ما ترى أنه يخرج.
وروى عن الحسن وإبراهيم أنهما كانا يقولان: يزكى من الدين ما كان في ملاءة.
وروى عن ميمون بن مهران قوله: إذا حلت عليك الزكاة فانظر إلى كل مال لك، وكل دين في ملاءة فاحسبه، ثم ألق منه ما عليك من الدين، ثم زك ما بقي.
__________
(1) المحلى 6/132
(2) الأموال 430 – 431 والمغني 3/46
(3) الأموال 430 – 431 والمغني 3/46، والمحلى 6/133
(4) الأموال 431
(5) المحلى 6/133 والمغنى 3/46
(6) المحلى 6/133
(7) المغني 3/46
(8) الأموال 430 و 431
(9) المغني 3/46
(10) الأموال 430 و 431
(11) الأموال 430 و 431(2/32)
وروى ابن حزم عن إبراهيم النخعي أنه قال: زك ما في يديك من مالك، وما لك على المليء، ولا تزك ما للناس عليك. (1)
واستدل ابن قدامة لهذا الرأي بأن الدائن قادر على أخذه والتصرف فيه فلزمه إخراج زكاته كالوديعة. (2)
ويلحظ أن ابن قدامة يعبر بأن الدين على معترف به، باذل له.
القول السادس: يزكيه الدائن إذا كان على معترف به، باذل له إذا قبضه لما مضى من السنين.
نسب ابن قدامة هذا الرأي إلى علي، والثوري، وابن ثور.
ولم يرو شيئًا عمن نسبه إليهم، وهو مذهب الحنابلة. (3)
القول السابع: يزكيه الدائن إذا كان على معترف به باذل له إذا قبضه لسنة واحدة.
نسب ابن قدامة هذا الرأي إلى سعيد بن المسيب، وعطاء الخراساني، وأبي الزناد.
__________
(1) المحلى 6/133
(2) المغني 3/46
(3) المغني 3/46(2/33)
ولم يرو عمن نسبه إليهم شيئًا. (1)
القول الثامن: يزكيه الدائن إذا كان على غير ملئ عند قبضه لما مضى من السنين.
وهو قول علي، وابن عباس، (2) والثوري. (3)
روى أبو عبيد عن علي في الدين الظنون، قال: إن كان صادقًا فليزكه إذا قبضه لما مضى. (4)
وروى عن ابن عباس قوله في الدين: إذا لم ترج أخذه فلا تزكه حتى تأخذه، فإذا أخذته فزك عنه ما عليه. (5)
يفهم من هذا مع ما تقدم في القول السادس أن عليًا والثوري لا يفرقان بين الدين الذي على ملئ، أو على غير ملئ، ففي الحالين يزكيه الدائن عند قبضه لما مضى من السنين.
القول التاسع: يزكيه الدائن إذا كان على غير ملئ إذا قبضه لسنة واحدة.
وهو قول الحسن وعمر بن عبد العزيز (6) وميمون بن مهران (7) والليث، فليؤد زكاته سنة واحدة.
وروى عن ميمون بن مهران قال: كتب إلى عمر بن عبد العزيز في مال رده على رجل فأمرني أن آخذ منه زكاة ما مضى من السنين. ثم أردفني كتابًا: إنه كان مالًا ضمارًا فخذ منه زكاة عامة. (8)
__________
(1) الأموال 430 والمغني 3/46
(2) المغني 3/46
(3) الأموال 431 و 432 والظنون هو الذي لا يدري صاحبه أيصل إليه أم لا.
(4) الأموال 432 والمغني 3/47
(5) الأموال 432
(6) المغني 3/47
(7) الأموال 432
(8) الأموال 432(2/34)
مذهب الحنفية:
أقسام الدين:
قسم أبو حنيفة الدين إلى ثلاثة أقسام: قوي، ووسط، وضعيف. (1)
فالدين القوي هو الذي ملكه الدائن بدلًا عما هو مال الزكاة كالدراهم والدنانير وأموال التجارة، كما يقول السمرقندي، أو هو بدل القرض ومال التجارة كما يقول الكمال بن الهمام. (2)
والدين الوسط هو الذي وجب بدل مال لو بقي عند الدائن حولًا لم تجب فيه الزكاة، كثياب البذلة كما يقول السمرقندي، أو هو بدل ما ليس للتجارة كثمن ثياب البذلة، ودار السكنى، كما يقول الكمال. (3)
والدين الضعيف هو ما وجب وملك لا بدلًا عن شيء، كالميراث، أو وجب بدلًا عما ليس بمال كالدية على العاقلة، والمهر، وبدل الخلع، والصلح عن دم العمد. (4) وزاد الكمال: الوصية، وبدل الكتابة والسعاية. (5)
وقسم الصاحبان الديون قسمين: ديون مطلقة وديون ناقصة، فالناقصة هي بدل الكتابة، والدية على العاقلة، وما سواهما فديون مطلقة. (6)
فالدين المطلق عند الصاحبين يقابل الدين القوي والوسط وأكثر أفراد الدين الضعيف.
__________
(1) تحفة الفقهاء 1/456 وفتح القدير 1/491
(2) تحفة الفقهاء 1/456 وفتح القدير 1/491
(3) تحفة الفقهاء 1/456 وفتح القدير 1/491
(4) تحفة الفقهاء 1/457ن وذكر الكمال جميع الأمثلة ما عدا الميراث فقد قال عنه: ولو ورث دينا على رجل فهو كالدين الوسط ويروى عنه أن كالضعيف 1/491
(5) فتح القدير 1/491
(6) فتح القدير 1/491 تحفة الفقهاء 1/458(2/35)
حكم الدين الضعيف، والدين الناقص:
الدين الضعيف لا تجب فيه الزكاة ما لم يقبض الدائن منه نصابًا، ويحول عليه الحول بعد القبض. (1)
هذا عند أبي حنيفة وعند الصاحبين لا تجب الزكاة في الدين الناقص، وهو بدل الكتابة والدية على العاقلة فقط، ما لم يقبض النصاب ويحول عليه الحول. (2)
حكم الدين الوسط:
في الدين الوسط روايتان عن أبي حنيفة: رواية أنه كالدين الضعيف، ورواية أنه تجب فيه الزكاة، ولكن لا يخاطب بالأداء ما لم يقبض مائتي درهم، فإذا قبضها يزكي لما قبض. (3)
حكم الدين القوي:
الدين القوي تجب فيه الزكاة إذا كان نصابًا وتم الحول، لكن لا يخاطب بالأداء ما لم يقبض أربعين درهمًا، فيؤدي درهمًا، وكذلك يؤدي من كل أربعين عند القبض درهمًا، وإذا قبض أقل من أربعين لا يزكي. عند أبي حنيفة، وعند الصاحبين تجب الزكاة في الكسور فيزكي الدائن ما قبضه من الدين قل أو كثر.
قال السمرقندي: والصحيح قول أبي حنيفة لأن في اعتبار الكسور حرجًا بالناس، والحرج موضوع. (4)
الدين مقر به والمدين موسر:
وجوب الزكاة في الأحوال السابقة مقيد بما إذا كان الدين مقرًا به والمدين موسرًا، لأن الوصول إلى الدين ممكن في هذه الحالة. (5)
أما إذا كان الدين مقرًا به، والمدين معسرًا، أو كان الدين مجحودًا به، ففيه تفصيل.
__________
(1) تحفة الفقهاء 1/458
(2) تحفة الفقهاء 1/458
(3) تحفة الفقهاء 1/458
(4) تحفة الفقهاء 1/457، 417 وانظر أيضًا فتح القدير 1/520
(5) تحفة الفقهاء 1/460(2/36)
الدين مقر به، والمدين معسر:
إذا كان الدين مقرًا به، ولكن المدين معسر، ومضى عليه أحوال ثم أيسر فقبض الدائن دينه فإنه يزكي لما مضى عند أئمة الحنفية الثلاثة، وقال الحسن بن زياد: إنه لا زكاة فيه.
وحجة الحنفية أنه دين مؤجل شرعًا فصار كما لو كان مؤجلًا بتأجيل صاحبه، والتأجيل لا يمنع وجوب الزكاة؛ لأن الوصول إلى الدين ممكن بتحصيله (1)
هذا إذا كان معسرًا لم يقبض عليه بالإفلاس.
المدين المفلس:
المدين الذي قضى عليه بإفلاس إذا أيسر وقبض الدائن منه دينه يزكيه لما مضى عند أبي حنيفة، كما هو الحال في المدين المعسر، لأن الإفلاس لا يتحقق في حال الحياة عند أبي حنيفة، والحكم به باطل عنده.
وقال محمد: لا تجب على الدائن زكاة، لأن القضاء بالإفلاس صحيح عنده، ويصير الدين تاويا به، وقال أبو حنيفة: لا يتوى الدين لأن المال غاد ورائح ويبقى الدين في ذمة المفلس مثله في المليء.
وأما أبو يوسف فإنه مع موافقته لمحمد في صحة الإفلاس بتفليس القاضي، فإنه وافق أبا حنيفة في وجوب الزكاة، رعاية لجانب الفقراء، كما يقول المرغيناتي، ولم يرتض الكمال تعليل المرغيناتي، وقال: الأولى ما قيل إن التفليس وإن تحقق لكن محل الدين المذمة وهي والمطالب باقيان حتى كان لصاحب الدين حق الملازمة، فبقاء الملازمة دليل بقاء الدين على حاله، فإذا قبضه زكاه لما مضى. (2)
__________
(1) تحفة الفقهاء 1/162 وفتح القدير 1/490
(2) تحفة الفقهاء 1/462 وفتح القدير 1/492(2/37)
الدين المجحود:
الدين إذا كان مجحودًا به ومضى عليه أحوال، ثم أقر به المدين وقبضه الدائن فلا تجب زكاته للسنين الماضية عند الحنفية، وقال زفر: تجب. (1) وهذا هو المال الضمار، والدليل على عدم وجوب زكاته قول علي رضي الله عنه: لا زكاة في المال الضمار؛ ولأن السبب هو المال النامي، ولا نماء إلا بالقدرة على التصرف، ولا قدرة عليه. (2)
واختلف الفقهاء المشايخ في الدين المجحود إذا كان للدائن بينة، فقال بعضهم لا تجب فيه الزكاة كالمال الضمار، لأن البينة قد تقبل وقد لا تقبل، وقال بعضهم: تجب فيه الزكاة؛ لإمكان الوصول إليه. (3)
وأما إذا كان القاضي عالمًا بالدين فإنه تجب الزكاة؛ لأن القاضي يقضي بعلمه في الأموال، فصاحبه يكون مقصرًا في الاسترداد، فلا يعذر. (4)
الدائن الذي يملك نصابًا غير الدين:
الأحكام السابقة خاصة بالدائن الذي لا يملك شيئًا غير الدين، أو يملك أقل من النصاب، أما الدائن إذا كان يملك نصابًا غير الدين، وقبض شيئًا من الدين فإنه يضمه إلى ما عنده إذا كان من جنسه ويخرج زكاة الجميع، لأن المقبوض من الدين في هذه الحالة يكون مالًا مستفادًا فيضم إلى الأصل. (5)
مذهب المالكية:
يقول ابن رشد: قال مالك: إذا قبض الدائن الدين يزكيه لحول واحد، وإن أقام عند المدين سنين إذا كان أصله عن عوض، وأما إذا كان عن غير عوض، مثل الميراث، فإنه يستقبل به الحول، وفي المذهب تفصيل في ذلك. (6)
وفيما يلي تفصيل المذهب مستخلصًا من الشرح الكبير وحاشية الدسوقي:
الدين كما يستفاد من عبارة ابن رشد قد يكون أصله عن عوض، وقد يكون أصله عن غير عوض، الدين الذي أصله عن عوض هو دين القرض، ودين البيع، مثل أن يكون عنده مال فيسلفه لرجل، أو يشتري به سلعة ثم يبيعها بدين، والدين الذي أصله عن غير عوض هو ما كان عن ميراث، بيد الوصي على تفرقة التركة أو هبة بيد واهبها، أو صدقة بيد متصدقها، أو أرش جناية بيد جانيه، أو مهر بيد الزوج، أو خلع بيد دافعه، أو صلح عن دم خطأ أو عمد بيد المصالح، ولكل من هذين النوعين من الدين حكمه.
حكم الدين الذي أصله عن غير عوض:
هذا الدين لا زكاة فيه على الدائن حتى يقبضه ويحول عليه حول من قبضه، ولو أخر الدائن قبضه فرارًا من الزكاة. (7)
__________
(1) تحفة الفقهاء 1/460 والهداية مع فتح القدير 1/489
(2) الهداية مع فتح القدير 1/490
(3) تحفة الفقهاء 1/461 والهداية مع فتح القدير 1/491
(4) تحفة الفقهاء 1/461
(5) تحفة الفقهاء 1/432 – 434 وفتح القدير 1/510، 511
(6) بداية المجتهد 1/247
(7) الدسوقي على الشرح الكبير 1/466(2/38)
حكم الدين الذي أصله عن عوض:
هذا الدين قد يكون أصله قرضًا وقد يكون أصله ثمن عرض تجارة، أو ثمن عرض قنية، وعرض التجارة قد يكون بائعه محتكرًا (1) وقد يكون مديرًا (2) ولكل حكمه.
الدين الذي أصله قرض:
هذا الدين يزكى الدائن المقبوض منه لسنة فقط، ولو أقام عند المدين سنين بشرط أن يكون المقبوض نصابًا بنفسه، أو مع مال عند الدائن جمعهما حول، وكأن يقبض عشرين دينارًا جملة، أو عشرة ثم عشرة، فيزكيها عند قبض العشرة الثانية، أو يكون عنده عشرة دنانير حال عليها الحول، واقتضى من دينه الذي حال عليه الحول عشرة دنانير، فإنه يزكيهما.
وتبدأ السنة من يوم زكى أصل الدين إن كان قد زكاه، ومن يوم ملك أصله إن لم تجب فيه، بأن لم يقم عنده حولًا.
ومحل زكاة هذا الدين لعام واحد، إذا لم يؤخر الدائن قبضه فرارًا من الزكاة، وإلا زكاه لكل عام مضى.
الدين الذي أصله ثمن عرض قنية:
إذا كان أصل الدين عرضًا من عروض القنية لم يقصد به التجارة باعه صاحبه بدين، فلا زكاة في الدين إلا بعد حول من قبضه، مثل الدين الذي أصله عن غير عوض. (3)
الدين الذي أصله ثمن عرض تجارة لمحتكر:
هذا الدين حكمه كحكم الدين الذي أصله قرض، أي لا يزكيه الدائن إلا بعد قبضه لعام واحد على النحو الذي ذكرناه.
ولا ينظر في هذه الحالة إلى سبب ملك المحتكر لعروض التجارة، فلا فرق بين ملكها بالشراء، أو الهبة، أو الميراث ما دام قصد بها التجارة.
__________
(1) المحتكر هو الذي يرصد لعرض التجارة السوق، أي ينتظر ارتفاع الأثمان، الشرح الكبير مع الدسوقي 1/474
(2) المدير هو الذي يبيع بالسعر الواقع ولو كان فيه خسر، ويخلفه بغيره. الدسوقي 1/474
(3) حاشية الدسوقي على الشرح الكبير 1/466 - 468(2/39)
وإذا قبض المحتكر عرضًا عوضًا عن دينه فإنه لا تجب فيه الزكاة حتى يبيعه، فإذا باعه زكى ثمنه لحول من يوم قبض العرض، لا من حول الأصل. (1)
الدين الذي أصله ثمن عرض تجارة لمدير:
هذا الدين يزكى زكاة عروض التجارة، فيزكى عدده إذا كان نقدًا حالًا ومرجوًا، فإن لم يكن نقدًا حالًا، بأن كان عرضًا، أو نقدًا مؤجلًا مرجوين، قوم بما يباع به على المفلس، العرض بنقد، والنقد بعرض ثم بنقد، وتزكى القيمة.
وأما إذا كان الدين غير مرجو، بأن كان على معدم أو ظالم، فلا يقومه صاحبه ليزكيه حتى يقبضه، فإن قبضه زكاه لعام واحد. (2)
مذهب الشافعية:
الدين الحال على مقر مليء:
الدين إذا كان حالًا، وكان المدين مقرًا به ومليئًا تجب زكاته على الدائن في الحال، ولو لم يقبضه لأنه مقدور على قبضه، فهو كالوديعة. (3)
وفي القديم لا زكاة في الدين لعدم الملك فيه حقيقة. (4)
الدين الحال على ملئ جاحد:
الدين إذا كان حالًا، وكان المدين مليئًا، ولكنه جاحد للدين، فإن كان للدائن بينة وجبت عليه زكاته في الحال، وإن لم يقبضه لقدرته على قبضه فأشبه المودع.
وفي حكم البينة علم القاضي بالدين في الحالة التي يقضي فيها بعلمه. (5)
وإن لم تكن للدائن بينة ففيه قولان: قال في القديم: لا تجب فيه الزكاة، لأنه خرج عن يده وتصرفه فكان ملكه فيه ناقصًا، وقال في الجديد: تجب عليه، لأنه مال له، يملك المطالبة به، ويجبر على التسليم إليه، فوجبت فيه الزكاة كالمال الذي في يد وكيله، وقال في المنهاج: إنه الأظهر.
__________
(1) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/467
(2) الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي 1/474
(3) المهذب 1/158 ونهاية المحتاج 3/130
(4) نهاية المحتاج 3/130
(5) نهاية المحتاج 3/130(2/40)
ولا يجب دفع الزكاة حتى يعود الدين المجحود لقدم التمكن قبله، فإذا عاد زكاه للأحوال الماضية، ولو تلف قبل التمكن سقطت الزكاة. (1)
الدين الحال على مقر معسر:
الدين إذا كان حالًا والمدين مقر ولكنه معسر، فإن حكمه كحكم الدين الحال على المدين الجاحد الذي لا بينة عليه، لا تلزم الدائن زكاته قبل أن يرجع الدين إليه، فإن رجع إليه ففيه قولان، قول بعدم وجوب الزكاة، وقول بالوجوب عن الأعوام الماضية. (2)
وذكر الرملي أن المطل والغيبة حكمها حكم الإعسار. (3)
الدين المؤجل:
الدين إذا كان مؤجلًا على مليء حكمه كحكم الدين على المدين المعسر على الأصح. (4) وقال النووي: إنه المذهب. (5) وقيل: دفع الزكاة عند حلول الأجل ولو لم يقبض الدين. (6)
مذهب الحنابلة:
الدين على المليء:
إذا كان الدين على مليء كما يعبر الخرقي، وابن قدامة في المقنع، أو على معترف به باذل له، كما يعبر ابن قدامة في المغني، فعلى صاحبه زكاته، إلا أنه لا يلزمه إخراجها حتى يقبضه، فإذا قبضه زكاه لما مضى من السنين. (7)
واستدل له ابن قدامة في المغني بأنه دين ثابت في الذمة فلم يلزمه الإخراج قبل قبضه، كما لو كان على معسر، ولأن الزكاة تجب على طريق المواساة، وليس من المواساة أن يخرج زكاة مال لا ينتفع به، وفرق بينه وبين الوديعة، بأن الوديعة بمنزلة ما في يده، لأن المستودع نائب عنه في حفظه ويده كيده، وإنما يزكيه لما مضى، لأنه مملوك له يقدر على الانتفاع به، فلزمته كسائر أمواله. (8)
وذكر محشي المقنع رواية عن الإمام أحمد أنه يجب إخراج الزكاة في الحال قبل قبض الدين. (9)
__________
(1) المهذب 1/142، 158، ونهاية المحتاج 3/128، 130
(2) المهذب 1/142، 158، ونهاية المحتاج 3/128، 130
(3) نهاية المحتاج 3/130
(4) المهذب 1/158
(5) نهاية المحتاج 3/130
(6) نهاية المحتاج 3/130
(7) المغني 3/46 المقنع 1/292
(8) المغني 3/46، 47
(9) المقنع 1/292(2/41)
الدين على غير مليء:
إذا كان الدين على غير ملئ أو كان مجحودًا كما يعبر ابن قدامة في المغني ففيه روايتان: إحداهما: يزكيه الدائن إذا قبضه لما مضى، أي لا فرق بينه وبين الدين على المليء المعترف به الباذل له، وهو المذهب، كما يقول محشي المقنع.
واستدل له ابن قدامة في المغني بما رواه أبو عبيد عن علي وابن عباس في الدين الظنون، قال: إن كان صادقًا فليزكه إذا قبضه لما مضى، ولأنه مملوك يجوز التصرف فيه فوجبت زكاته لما مضى كالدين على المليء.
والرواية الثانية: لا تجب فيه الزكاة، واستدل له في المغني بأنه غير مقدور على الانتفاع به، واستدل له محشي المقنع بأنه غير تام، وهو خارج عن يده وتصرفه. (1)
الدين المؤجل:
يذكر ابن قدامة في المقنع الدين المؤجل مع الدين على غير الملئ والدين المجحود، ويعطيه حكمهما، ويقول في المغني: "وظاهر كلام أحمد أنه لا فرق بين الحال والمؤجل لأن البراءة تصح من المؤجل، ولولا أنه مملوك لم تصح البراءة منه لكن يكون في حكم الدين على المعسر، لأنه يمكن قبضه في الحال". (2)
__________
(1) المغني 1/46، 47 والمقنع 1/292
(2) المغني 1/46، 47 والمقنع 1/292(2/42)
تعقيب أبي عبيد القاسم بن سلام:
أورد أبو عبيد آراء عدد من فقهاء الصحابة والتابعين ذكرتها كلها في هذا البحث ثم عقب عليها بقوله:
"وأما الذي أختاره من هذا فالأخذ بالأحاديث العالية التي ذكرناها عن عمر وعثمان، وجابر، وابن عمر، ثم قول التابعين بعد ذلك: الحسن، وإبراهيم، وجابر بن زيد ومجاهد، وميمون بن مهران أنه يزكيه في كل عام مع ماله الحاضر إذا كان الدين على الأملياء المأمونين، لأن هذا حينئذ بمنزلة ما بيده وفي بيته.
وإنما اختاروا –أو من اختار منهم- تزكية الدين مع عين المال، لأن من ترك ذلك حتى يصير إلى القبض لم يكد يقف من زكاة دينه على حد، ولم يقم بأدائها، وذلك أن الدين ربما اقتضاه ربه مقتطعًا كالدراهم الخمسة والعشرة، وأكثر من ذلك وأقل، فهو يحتاج في كل درهم يقبضه فما فوق ذلك إلى معرفة ما غاب عنه من السنين والشهور والأيام ثم يخرج من زكاته بحساب ما يصيبه، وفي أقل من هذا ما تكون الملالة والتفريط، فلهذا أخذوا له بالاحتياط فقالوا: يزكيه مع جملة ماله في رأس الحول، وهو عندي وجه الأمر، فإن أطاق ذلك الوجه الآخر مطيق حتى لا يشذ عليه منه شيء فهو واسع له، إن شاء الله، وهذا كله في الدين المرجو الذي يكون على الثقات.
فأما إذا كان الأمر على خلاف ذلك، وكان صاحب الدين يائسًا منه، أو كاليائس فالعمل فيه عندي على قول علي في الدين الظنون وعلى قول ابن عباس في الدين لا يرجوه: أنه لا زكاة عليه في العاجل، فإذا قبضه زكاه لما مضى من السنين. (1)
__________
(1) الأموال 432(2/43)
قال أبو عبيد: وهذا أحب إلى من قول من لا يرى عليه شيئًا، ومن قول من يرى عليه زكاة عامة، وذلك لأن هذا المال وإن كان صاحبه غير راج له، ولا طامع فإنه ماله وملك يمينه، متى ما ثبته على غريمه بالبينة، أو أيسر بعد إعدام، كان حقه جديدًا عليه، فإذا أخطأه ذلك في الدنيا فهو له في الآخرة، وكذلك إن وجده بعد الضياع كان له دون الناس، فلا أرى ملكه زال عنه الوجدان، فكيف يسقط حق الله عنه في هذا المال، وملكه لم يزل عنه؟ أم كيف يكون أحق به إن كان غير مالك له؟ فهذا القول عندي داخل على من رآه مالًا مستفادًا.
وأما الداخل على من رأى عليه زكاة عام واحد فأن يقال له: ليس يخلو هذا المال من أن يكون كالمال يفيده تلك الساعة على مذهب أهل العراق فيلزمك من ذلك ما لزمهم من القول، أو أن يكون كسائر ماله الذي لم يزل فعليه الزكاة لما مضى من السنين، كقول علي وابن عباس.
فأما زكاة عام واحد فلا نعرف لها وجهًا، وليس القول عندي إلا على ما قالا، يزكيه لما مضى، وإنما يسقط عنه تعجيل إخراجها من ماله في كل عام، لأنه كان يائسًا منه، فأما وجوبها في الأصل فلا يسقطه شيء ما دام لذلك المال ربا. (1)
رأى ابن حزم وتعقيبه على الآراء المخالفة:
يرى ابن حزم أن الدين يزكيه المدين إذا كان حاضرًا عنده منه ما يبلغ النصاب، وأتم عنده حولًا، ولا تجب في غير الحاضر، ولو أقام عليه سنين.
ويعلل هذا بقوله:
إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه فهو معدوم عنده، ومن الباطل المتيقن أن يزكى عن لا شيء، وعما لا يملك، وعن شيء لو سرقه قطعت يده، لأنه في ملك غيره. (2)
أما الدائن فلا زكاة عليه حتى يقبض الدين ويتم عنده حولًا:
يقول ابن حزم:
ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالًا أو مؤجلًا عند ملئ مقر يمكنه قبضه أو منكر، أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء، ولا زكاة فيه على صاحبه، ولو أقام عنه سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولًا كسائر الفوائد ولا فرق، فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه، لا حينئذ ولا بعد ذلك، الماشية والذهب والفضة في ذلك سواء. (3)
وأيد مذهبه بما روي عن عائشة وعطاء وابن عمر: "ليس في الدين زكاة"، وبأن لصاحب الدين عند غريمه عدد في الذمة وصفة فقط، وليس عنده عليه مال أصلًا، ولعل الفضة أو الذهب اللذين له عنده في المعدن بعد، والفضة تراب بعد، ولعل المواشي التي له عليه لم تخلق بعد، فكيف تلزمه زكاة ما هذه صفته؟ (4)
__________
(1) الأموال 429 - 435
(2) المحلى 6/131 و 134
(3) المحلى 6/131 و 134
(4) المحلى 6/131 و 138 و 140(2/44)
وذكر ابن حزم آراء القائلين بأن الدائن يزكي الدين وعقب عليها بقوله:
"أما قول الحسن بن حي فظاهر الخطأ، لأنه جعل زكاة الدين على الذي هو له، وعلى الذي هو عليه، فأوجب زكاتين في مال واحد في عام واحد، فحصل في العين العشر، وفي خمس من الإبل شاتان".
"وأما تقسيم مالك فما نعلمه عن أحد، إلا عن عمر بن عبد العزيز، وقد صح عنه خلاف ذلك ومثل قولنا.
وأما أبو حنيفة فإنه قسم ذلك تقاسيم في غاية الفساد، وقوله تخليط لا خفاء به".
وقال في موضع آخر: "إن تقسيم أبي حنيفة ومالك لا يعرف عن أحد قبلهما، لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين". (1)
ولم يعلق ابن حزم على ما أورده من آراء الصحابة والتابعين القائلين بأن الدائن يزكي الدين.
الرأي الراجح عندي:
الرأي الراجح عندي بعد عرض ما تقدم من آراء الفقهاء هو أن زكاة الدين تجب على الدائن، ولكن لا يطالب بإخراجها مع زكاة ماله الحاضر إلا إذا كان متمكنًا من قبض الدين، كأن يكون الدين حالًا على ملئ معترف به باذل له، لأنه يكون في هذه الحالة بمنزلة المال الذي في يده، أو بمنزلة الوديعة.
أما إذا لم يكن الدائن متمكنًا من قبض دينه، كأن يكون الدين على المعسر، أو جاحد، أو مماطل، أو يكون الدين مؤجلًا، فإن الدائن يطالب بإخراج زكاته عند قبضه أو التمكن من قبضه بحلول أجله، فإذا قبضه أو حل أجله زكاه لما مضى من السنين، لأنه ماله عاد إليه فيجب عليه إخراج زكاته.
والله أعلم ...
3/1/1406هـ
18/9/1985م
__________
(1) المحلى 6/138 و 140(2/45)
زكاة الديون
فضيلة الشيخ عبد العزيز محمد عيسى
وفضيلة الدكتور عبد الحليم محمود الجندي
فيما يتعلق بزكاة الديون نذكر هنا ما أشار إليه الإمام شمس الدين السرخسي في المبسوط الجزء الثاني ص 195: من أن الديون على ثلاث مراتب عند أبي حنيفة رحمه الله تعالى: دين قوي، ودين ضعيف، ودين متوسط. ومثل لكل منها منبهًا على أن القوي لا يلزم صاحبه الأداء ما لم يقبض أربعين درهمًا وأن المتوسط لا يلزم صاحبه الأداء ما لم يقبض مائة درهم فحينئذ يؤدي خمسة دراهم وأن الضعيف لا يلزم صاحبه الزكاة ما لم يقبض ويحول الحول على ما قبضه. قال وعند الصاحبين: الديون كلها سواء لا تجب فيها الزكاة قبل القبض وكلما قبض شيئًا لزمه الأداء بقدره قل أو كثر.
وفي البدائع جـ 2 ص 10: وجملة الكلام في الديون أنها على ثلاث مراتب في قول أبي حنيفة: قوي وضعيف ووسط، فالقوي فيه الزكاة، والضعيف لا زكاة فيه حتى يقبض كله ويحول عليه الحول بعد القبض. وفي الوسط روايتان عن الإمام: إحداهما تجب فيه الزكاة ولا يؤديها إلا بعد قبضه لما يكون نصابًا منه فإذا قبض زكى لما مضى. والثانية أنه لا زكاة فيه إلا بعد قبضه وحولان الحول عليه بعد قبضه وهي أصح الروايتين عنه. والصاحبان يقولان: كلها قوية تجب الزكاة فيها قبل القبض.
وقد يقال إن الدين مال في الذمة وما كان كذلك فاحتمال عدم قبضه قائم لأنه ليس بعين ومن ثم لا تجب زكاته لنقصان الملك فيه بفوات اليد كما لا يجب زكاة الدين إذا جحده المدين. هذا إلى ما يعرف من أحوال الناس ومطل الغني. فكيف بمن دونه وهذا يرجح عند الاختيار أن يختار القول بأن الديون كلها سواء وأنها لا تزكى إلا بعد القبض. ولا نجمع على المكلف غبنين: غبن دفع الزكاة وغبن تعرض ماله الذي هو دين له عند فلان أو فلان للضياع، وهو أمر محتمل فيما بين الناس.
وفي المجموع شرح المهذب للإمام النووي. قال: جـ 6 ص 20(2/46)
وإن كان له دين فإن كان غير لازم كمال الكتابة لم تلزمه زكاته لأن ملكه غير تام عليه. وإن كان لازمًا على مقر مليء لزمته الزكاة لأنه مقدور على قبضه ... قال أصحابنا: الديون ثلاثة أقسام:
1- غير لازم فلا زكاة له.
2- لازم وهو ماشية فلا زكاة فيه أيضًا، لأن شرط زكاة الماشية السوم، ولا توصف التي في الذمة بأنها سائمة.
3- أن يكون دراهم أو دنانير وهو مستقر، ففي القديم لا زكاة فيه وفي الجديد تجب فيه الزكاة.
وفي بداية المجتهد لابن رشد جـ 1 ص 248 وهو يتحدث عن اعتبار حول الدين قال:
إذا قلنا: إن في الدين الزكاة، فإن قومًا قالوا: يعتبر ذلك فيه من أول ما كان دينًا. وقوم قالوا تزكية لعام واحد. وقوم قالوا: يستقبل به الحول من يوم قبضه. طبيعي أن يكون هذا قول الذين يقولون بعدم إيجاب الزكاة في الدين. ولعلهم الذي اشترطوا في الإيجاب أمرين:
1- حضور عين المال بين يدي المكلف.
2- حلول الحول عليه وهو في يده.
فإذا لم يكن المال بين يدي المكلف فلا اعتبار لحولان حول أو مرور أحوال وإن قبضه استأنف به الحول من ذلك اليوم وهو ما نختاره وخاصة في زمننا هذا. وبالله التوفيق.(2/47)
العرض والمناقشة
12/4/1406هـ = 24/12/1985م
الساعة 9.45 – 12,45
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين.
نفتتح جلستنا هذه والبحث المعد للنظر بين أيديكم "زكاة الديون" وهذه المسألة أعد فيها بحثان: أحدهما من الشيخ الصديق الضرير وقد تفضل بالحضور هذا اليوم ونعيد له الترحيب والتحية مرة أخرى وإن كان قد أعلن ذلك في الجلسة الافتتاحية فحياه الله ووفقنا وإياه لما فيه خير البلاد والعباد، وأن يأخذ بيد الجميع بالعلم النافع والعمل الصالح. والبحث الثاني من الشيخين الفاضلين عبد العزيز عيسى وعبد الحليم محمود فأرجو من الشيخ الضرير أن يتفضل بإعطائنا ملخصًا عن هذا البحث.
الشيخ الصديق الضرير:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وبعد،
أود أن أشكر أولًا السيد الرئيس عن الترحيب السابق والترحيب الآن وأرجو أن يوفقنا الله جميعًا إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وأعتذر عن التأخير لأسباب خارجة عن إرادتي، وأدخل بعد ذلك في الموضوع.
موضوع زكاة الدين، في الواقع إني قصدت في هذا البحث أن أرجع بهذا الموضوع إلى أصوله الأولى فلم أجد فيه نصًا في القرآن ولا في السنة إلا حديثًا ذكرته رواه في البحر الزخار "ليس على من أقرض مالًا زكاة"، وقال في حاشيته إنه حكاه في أصول الأحكام لكني لم أقف على هذا الحديث فاتجهت إلى آراء الفقهاء من الصحابة والتابعين واعتمدت في هذا على ثلاثة مراجع – الأموال، والمحلى، والمغني. وجمعت من هذه المراجع تسعة أقوال لفقهاء الصحابة والتابعين، أقولها لكم باختصار.(2/48)
القول الأول: لا زكاة في الدين مطلقًا لا على الدائن ولا على المدين حتى ولو كان الدين على ثقة مليء، ونسب هذا القول إلى عكرمة وعطاء وعائشة وإبراهيم والحكم بن عتيبة وابن عمر، ونقل الذين نسبوا إلى هؤلاء الفقهاء نقلوا عنهم أقوالًا تؤيد ما نسبوه إليهم. فأبو عبيد وابن حزم نقلا عن عكرمة قوله: ليس في الدين زكاة، وروى أيضًا عن عطاء أنه قال: لا يزكى الذي عليه الدين ولا يزكيه صاحبه حتى يقبضه. وروى ابن حزم عن عائشة قولها "ليس في الدين زكاة" وقال ابن قدامة "روى عن ابن عمر رضي الله عنه أنه قال: "ليس في الدين زكاة" وقد لاحظت فيما نقل عن عطاء أنه ورد في بعضها: لا يزكيه صاحبه حتى يقبضه. هذه العبارة ينبغي حملها على أنه يزكيه بعد قبضه لما يستقبل لا لما مضى لأنه سيأتي قول به: إن الدين يزكى لما مضى. وهذا لكي تتفق الروايات في المنقول عن عطاء. واستدل لهذا الرأي بأن الملك فيه ناقص وبأنه مال غير نام فلا تجب فيه زكاة كعروض القنية، هذا هو القول الأول ويبدو لي على الرغم من عظمة القائلين به، أنه سيؤدي إلى أن يكون لنا مال يبلغ النصاب وليس فيه زكاة مطلقًا. هذا وجه الضعف فيه.
القول الثاني: أنه يزكيه المدين ولا يزكيه الدائن، وهذا القول ذكره أبو عبيد ضمن خمسة أوجه، ونسبه إلى إبراهيم وعطاء. وروى عنهما قولهما: في الدين الذي ينقله صاحبه ويحبسه زكاته على الذي يأكل مهنأة، وواضح أن هذا القول الذي نقله لا يؤدي إلى القول بأن الزكاة على المدين هي زكاة على المدين المماطل وهذا قد يكون له وجه! ابن حزم أيضًا ذكر هذا القول منسوبًا إلى عطاء وإبراهيم أيضًا. وفي رأيي أن نسبة هذا القول إلى إبراهيم وعطاء نسبة غير دقيقة لأن ما روي عنهما يدل على أنهما يريان أن المدين الذي يزكي الدين هو المدين المماطل، وليس كل مدين، وكذلك نسب هذا الرأي إلى عمر، والواقع في رواية أخرى نذكرها عن عمر روايتين متعارضتين ولم يذكر من أورد هذا الرأي دليلًا عليه. والذي يترجح عندي أن هذا الرأي لا نسبة له إلى أحد من الصحابة والتابعين بحسب ما فهمته من الأقوال المسندة إليهم.(2/49)
القول الثالث: يزكيه المدين المماطل وهذا ما يفهم من أقوال عطاء وإبراهيم.
القول الرابع: يزكيه الدائن من ماله الحاضر. هذا القول روي عن عمر وجابر وابن عمر والحسن ومجاهد. فقد روى أبو عبيد عن عمر أنه كان إذا خرج العطاء أخذ الزكاة من شاهد المال عن الغائب والشاهد. وروى أبو عبيد عن جابر أنه قيل له في دين لرجل على آخر أيعطى زكاته قال: نعم، هذان الخبران يدلان على أن الدائن يزكي ماله من دين من ماله الحاضر ولا ينتظر حتى يقبضه، لكن أبو عبيد: الذي نقلت عنه هذه الآراء ذكر هذا الرأي مع الرأي القائل بأن الدائن يعجل زكاة الدين مع المال الحاضر إذا كان على الأملياء، ونقل هذه الأقوال. الأقوال ليس فيها تقييد بكون المدين مليئًا أو غير مليء.
القول الخامس: يزكيه الدائن إذا كان على مليء من ماله الحاضر، هذا هو القول المقيد، وهذا قول عثمان وابن عمر وجابر والحسن وميمون بن مهران وإبراهيم النخعي ومجاهد وسفيان ووكيع وطاوس وأكثر الصحابة والتابعين من الذين أثر عنهم أنهم قالوا بهذا الرأي. وروى أبو عبيد عن عثمان أنه كان يقول: إن الصدقة تجب في الدين الذي شئت تقاضيه من صاحبه والذي هو على مليء تدعه حياء أو مصانعة ففيه الصدقة. وروى عن ابن عمر أنه قال كل دين لك ترجو أخذه فإن عليك زكاته كلما حال الحول! وهذا رأي ظاهر الوجاهة. ورويت أقوال أخرى عن بقية من نسب إليهم.
القول السادس: يزكيه الدائن إذا كان على معترف به باذل له إذا قبضه لما مضى من السنين، لا يزكيه كل حول، وإنما يزكيه إذا قبضه. وهذا القول نسبه ابن قدامة إلى علي والثوري وأبي ثور ولم يرو شيئًا عمن نسبه إليهم، وهذا هو مذهب الحنابلة.
القول السابع: يزكيه الدائن إذا كان على معترف به باذل له إذا قبضه لسنة واحدة.. هذا كالقول الذي سبقه الفرق أنه لا يزكيه لكل السنين وهذا لسنة واحدة، وأيضًا هذا القول ذكره ابن قدامة ونسبه إلى سعيد وعطاء الخرساني وأبي الزناد وكذلك لم يرو عمن نسبه ولم ينقل عنهم شيئًا.(2/50)
القول الثامن: يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء عند قبضه لما مضى من السنين، وهذا القول منسوب إلى علي وابن عباس والثوري.
القول التاسع: يزكيه الدائن إذا كان على غير مليء إذ قبضه لسنة واحدة، الاختلاف في عدد السنين، وهذا قول الحسن وعمر بن عبد العزيز.
هذه هي الأقوال التي وقفت عليها للصحابة والتابعين ثم بعد ذلك ذكرت أقوال الأئمة مبتدئًا بمذهب الحنفية والمالكية والشافعية، والحنفية لهم تفصيل لا أظن أن هناك حاجة لذكره وهو مدون في البحث وكذلك بقية الآراء. وأنتقل إلى تلخيص ما خرجت به من هذا البحث من أقوال الصحابة والتابعين وأقوال الأئمة الأربعة وما عقب به أبو عبيد القاسم بن سلام وبن حزم. الواقع أنه أكثر من كتب في هذا الموضوع ناقلًا لآراء الصحابة والتابعين هو أبو عبيد، فنقل الخمسة أقوال وأيد بعضها بالأدلة. يقول في ذلك: وأما الذي أختاره من هذه فالأخذ بالأحاديث العالية التي ذكرناها عن عمر وعثمان وجابر وابن عمر، ثم قول التابعين بعد ذلك، الحسن وإبراهيم وجابر بن زيد ومجاهد وميمون بن مهران، أنه يزكيه في كل عام مع ماله الحاضر إذا كان الدين على الأملياء المأمونين لأن هذا حينئذ بمنزلة ما بيده، أما ابن حزم فله رأي يختلف عن كل هذه الآراء فهو يرى أن الدين يزكيه المدين إذا كان حاضرًا عنده عندما يبلغ النصاب وأتم عنده حولًا ولا تجب في غير الحاضر، ولو أقام عليه سنين، فكأنه يرى أن الزكاة على المدين لكن في حالة خاصة فيما إذا كان الدين موجودا"ً تحت يده، ويعلل هذا بقوله: إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه وهو ينفي من يعارض رأي من يقول إن الزكاة على الدائن!
الرئيس:
فإنها إذا كانت أعيانًا، يقصد.
الشيخ الصديق الضرير:
نعم أعيان، هو لم يفصل في هذا. يقول: إذا خرج الدين عن ملك الذي استقرضه هذا لأجل لا تجب الزكاة على الدائن فهو معدوم عنده ومن الباطل المتيقن أن يزكي عن لا شيء وعما لا يملك وعن شيء لو سرقه قطعت يده لأنه في ملك غيره. ويصرح في موضع آخر بأن الدائن لا زكاة عليه حتى يبقى الدين عنده حولًا كاملًا، يقول: ومن كان له على غيره دين فسواء كان حالًا أو مؤجلًا عند مليء مقر يمكنه قبضه أو منكر أو عند عديم مقر أو منكر كل ذلك سواء ولا زكاة فيه على صاحبه ولو أقام عنده سنين حتى يقبضه، فإذا قبضه استأنف به حولًا كسائر الفوائد ولا فرق، فإن قبض منه ما لا تجب فيه الزكاة فلا زكاة فيه، وأيد مذهبه هذا بما روي عن عائشة وعطاء وابن عمر: ليس في الدين زكاة. والواقع أن هذا لا يؤيد مذهبه في كل ما قاله، ثم تعرض ابن حزم لآراء القائلين بأن الدائن يزكي الدين وعقب عليها وتعرض أيضًا لأقوال الأئمة. رأي الحنفية ورأي المالكية أيضًا هم لهم تقسيمات لا تخلو من التعقيد. يقول عنها ابن حزم إن تقسيم أبي حنيفة ومالك لا يعرف عن أحد قبلهما لأن الرواية عن عمر بن عبد العزيز إنما هي في الغصب لا في الدين، ولكنه لا يعلق على ما أورده من آراء الصحابة والتابعين القائلين بأن الدائن يزكي الدين، سكت عنها، خرجت من كل هذا بالخلاصة التالية:
وهي أن زكاة الدين تجب على الدائن ولكن لا يطالب بإخراجها مع زكاة ماله الحاضر إلا إذا كان متمكنًا من قبض الدين كأن يكون الدين حالًا على مليء معترف به باذل له، لأنه يكون في هذه الحالة بمنزلة المال الذي في يده أو بمنزلة الوديعة. وما دام متمكنًا من قبضه عليه أن يخرج زكاته. أما إذا لم يكن الدائن متمكنًا من قبض دينه عليه كأن يكون الدين على معسر أو جاحد أو مماطل أو يكون الدين مؤجلًا فإن الدائن يطالب بإخراج زكاته عند قبضه أو التمكن من قبضه بحلول أجله. فإذا قبضه أو حل أجله زكاه لما مضى من السنين لأنه ماله عاد إليه فيجب عليه إخراج زكاته! وهذا الرأي له سند من آراء الصحابة والتابعين التي نقلتها. وشكرًا.
الرئيس: شكرًا فضيلة الشيخ على هذا البيان والعرض لأقوال العلماء.(2/51)
الشيخ عبد الله البسام:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد
نشكر فضيلة الشيخ على هذا الاستعراض لبحثه القيم والذي أستطيع أن أعلق عليه، هو: أولًا بخصوص نسبة مذهب الحنابلة، المشهور عند الحنابلة أن الدين يزكى إذا قبض سواء كان على مليء أو غير مليء وإن كان هذا قول يضعف لكن هذا هو المشهور عندهم، المشهور في مذهبهم أن الدين مطلقًا إذا قبضه صاحبه زكاه سواء كان على مليء أو معسر أو مماطل يزكيه لما مضى من السنين. هذا هو القول المشهور عندهم. في رواية أخرى أخذ بها كثير من المحققين وهي تقسيم الدين إلى قسمين، إذا كان على مليء وكان على معسر باذل ففيه زكاة. وإذا كان على معسر أو على مماطل فليس فيه زكاة إلا إذا قبضه. وهل يزكيه السنة الماضية، لسنة واحدة أم يبتدئ به حولًا جديدًا؟ فيه خلاف بينهم ولكن إذا أردنا أن نطبق هذه الأقوال على مبدأ الزكاة وهي أن الزكاة مواساة لا يكلف الإنسان منها إلا بقدر ما عنده، وأنها مواساة بين الفقير والغني. فإن الدين إذا كان على معسر أو على مماطل أو على جاحد أو كان ضالًا أو مسروقًا أو نحو ذلك فهذا أرى أن وجوب الزكاة فيه للسنين الماضية، إن هذا إجحاف بصاحب المال لأنه يزكي مالًا ليس عنده، أما إذا كان الدين على موسر وعلى باذل، هذا نعم لأنه كما تفضل الشيخ كالوديعة عند صاحبه، وصاحبه مستطيع وقادر على استحصاله وعلى أداء زكاته. هذه من ناحية.
أما التي قال عنها من خصوص أن الزكاة على الدائن، هذا قول يعني بعيد ولكن إذا أردنا أن نمحص هذا القول فالزكاة عبادة، الزكاة عبادة وتحتاج إلى نية لو أخرج الإنسان دراهم وهو لم ينو بها الزكاة ثم نوى بعد ذلك ما صحت أن تكون زكاة تكون صدقة من الصدقات لأنها عبادة فلا يقوم بها أحد عن أحد إلا بإذنه. فكيف نوجبها على غيره. ولكن هناك وجه وهو أن الدائن إذا غصب المال أو ماطل في المال وبقي عنده السنين وأوجبنا عليه الزكاة على أحد الأقوال نستطيع أن نجعل هذا من الغصب ومن نقص المال وأن نغرم الدائن مقابل الزكاة. هذا ما أردت أن أعلق على محاضرة فضيلة الشيخ.
مناقش:
على المدين.(2/52)
الشيخ عبد الله البسام:
عندنا دائن ومدين، الدائن هو صاحب الشيء، والمدين هو الذي عنده الشيء، فمنهم أوجبوا الزكاة على المدين، الزكاة لا تجب إلا على صاحب المال لكن نستطيع أن نغرمه بدلها وشكرًا.
الرئيس:
الشيخ عبد الستار وأريد أن نفصح عما كتبته لنا بالأمس إذا تكرمتم.
الشيخ عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم.. بالأمس كتبت اقتراحًا صغيرًا لسيادة الرئيس، بأن زكاة الدين والكلام فيها كلام قديم محرر ومنضبط وليست مسألة تحتاج إلى نظر جديد وبحث مستجد، وإنما تحتاج إلى اختيار. فهي مما يندرج عليه حكم الفتوى والتخير حسب القواعد والضوابط في اختيار مسائل الفتوى، لأنها مسألة تكلم فيها الفقهاء وأوسعوا فيها القول حتى بلغت خلافاتهم إلى هذا العدد الكبير. وربما كان ما ترجح لدى فضيلة الشيخ الصديق الضرير هو أقرب الأقوال إلى تحقيق مقاصد الشريعة وتوزيع العدل بين الفقير والغني، لأنه في حالة ما إذا كان الدين تحت يد الدائن اعتبارًا وبالقوة كما يقولون لأنه على باذل له معترف به مليء وهذا ما يسميه بعض الفقهاء مرجو الأداء يعني أنه يستطيع عند الطلب أن يكون تحت يده: فإن من الطبيعي أن يتحمل عبء ماله وأن يتحمل تبعة ماله التبعة التي أوجبها الله عز وجل في هذا المال لأنه كما لو كان عنده وقد تخلى عن حيازة هذا المال لأجل القرض فلا يتخلى عن ثواب أداء الزكاة. أما إذا كان المال على معسر أو على منكر جاحد له، أو مماطل فإن القول الآخر أيضًا يحقق العدل بأنه حينما يقبضه! ولكن يبقى الخلاف هل يزكيه عما مضى من السنين أم عن سنة واحدة، والذي أميل إليه أنه يزكيه عن سنة واحدة لأنه يشبه في هذه الحال بما لو كانت للإنسان مال موجود وله حول مستمر وجاءه مال في أواخر الحول قبل يوم أو يومين من أواخر الحول فإن الحول الماضي يسري على هذا المال الذي دخل كما يسري على نماء المال. لذلك ربما نخالف في هذا الاختيار فقط أنه يزكيه عن سنة واحدة إذا كان من النوع الآخر الذي ليس مرجو الأداء ولا على موسر باذل له. والمسألة لا تعدو أن تكون اختيارًا من فتاوى الصحابة والتابعين وفقههم والأمر فيها يسير إن شاء الله.(2/53)
الشيخ حسن عبد الله الأمين:
بسم الله الرحمن الرحيم، شكرًا سيدي الرئيس.
الحقيقة الصورة الأولى من هاتين الصورتين لزكاة الديون التي شرحها ووضحها فضيلة الأستاذ الدكتور الصديق ووافق عليها الأخوان الفاضلان، أتفق معهم جميعًا اتفاقًا كاملًا. ولكن الصورة الثانية التي يكون فيها الدين على مماطل أو معسر أو منقذ له أرى أنها في حكم أو أشبه ما تكون ملكيتها لصاحبها ملكية الحكمية. فلا أرى أن توجب عليه الزكاة في هذه الفترة التي لم تثبت فيها ملكيتها الحقيقية. نعم هي ملكه في الواقع ولكن هذا الضباب نشأ من النكران أو المماطلة..
الصورة الثالثة من التأخير أرى أن هذه الفترة قد حجبت عن صاحب هذا المال الانتفاع به حتى ولو الاطمئنان النفسي للانتفاع به، حجبته عنه، فلا أرى تجب فيها الزكاة عليه حينما يقبض هذا الدين الممطول أو المنكر أو الذي على محسن لا تجب فيه الزكاة على السنين الماضية ولا حتى على السنة الأخيرة التي تلي القبض، أرى أنه يستأنف به عامًا جديدًا بحكم أنه أصبح ملكًا حقيقيًا بين يديه. أما فيما سبق فلا أرى في ذلك زكاة عليه، وهذه ما أشار إليها فضيلة الأستاذ البسام أن إحدى الروايتين أو رأيين لدى السادة الحنابلة. وأرجح هذا وأرى الأخذ بها.
الشيخ تقي عثمان:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين.
إني أثني على رأي أخينا الدكتور عبد الستار حفظه الله في أن زكاة الديون ليست مسألة جديدة وإنما هي مسألة قد بسطها الفقهاء في كتبهم ولكل رأى مؤيد بالدلائل وليس من أعمال المجمع أن يدخل في كل ما بحث عنه الفقهاء ويرجح الراجح منه ولكن من أعمال المجمع أن ينظر في مسائل جديدة كالتي تحدث في عصرنا ولم تكن معهودة من قبل فمن هذه الناحية أرى أن هناك جهتين في مسألة زكاة الدين معهودة في العصور السالفة مثلًا الديون التي تكون عند المصرف المالي، يعني المبالغ يكون صاحبها متمكنًا على قبضها كلما شاء حتى أنها تعتبر نقدًا موجودًا عنده فهل تعتبر هذه الديون المودعة في البنوك وفي المصارف دينًا، من حيث وجوب الزكاة عليها فأرى أن المبالغ المودعة في المصرف وفي البنك إنما هي في العرف المتعامل تعد من أموال المالك ولا تعد دينًا فينبغي أن تجب عليها الزكاة حتى عند الذين لا يقرون بوجوب الزكاة على الدين وحتى عند الذين يقرون بوجوب الزكاة على الدين بعدما قبضه الدائن. هذه واحدة.(2/54)
والمسألة الثانية هي استثناء الدين من الزكاة يعني عند كثير من الفقهاء الدين يكون مستثنى من الزكاة ولكن حدث عندنا هذه الديون الكبيرة الضخمة التي يستقرضها أصحاب المصانع الكبيرة مثلًا فلو استثنيناها من الزكاة لا تجب عليهم الزكاة أصلًا وربما يكونون مستحقين لقبض الزكاة إذا استثنينا المبالغ التي استقرضوها من البنوك.
فهذه هي المسألة التي ينبغي أن ننظر فيها وأرى أن القرض الذي استقرضه صاحبه استقرضه لأغراض الاستثمار ينبغي أن لا يستثنى من وجوب الزكاة.
فهاتان المسألتان اللتان أقدر أنهما من موضوعات المجمع والتي ينبغي أن نبحث فيهما وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا فضيلة الشيخ، أما هذه المسألة ما أدرجت إلا لأنها أصبحت واقعًا لها صفة الشيوع وبالغ الأهمية نظرًا للتضخم المالي الذي تعايشه كافة الولايات على اختلافها.
أما مسألة الودائع فهذا مستصحب فيها الأصل وهو وجوب الزكاة فما أظن أنها محل بحث أو استشكال حتى أنها تكون واردة هنا.
أما المسألة الثانية فهي تعود إلى المسألة الأولى وهي محل بحثنا هنا. فعلى كل فنحن نريد الاقتصار في بحثنا على زكاة الديون وسواء جعلتم أن تكون كما ذكر الشيخ عبد الستار وثنيتم عليه أن تكون من جهة قبل الفتيا وتدرج في مسار الأسئلة والأجوبة على الأسئلة الواردة أو أنه يصدر بها قرار مستقل بنفسه من المجمع فعلى كل هذا نجعله هو الخطوة الأخيرة إن شاء الله تعالى. الذي نريده هنا هو تحرير الرأي في مسألة زكاة الديون وأعطى الكلمة للشيخ علي السالوس.(2/55)
الشيخ علي السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله.
النقطة التي كنت أريد التحدث عنها هي ما تختص بالديون الاستثمارية التي أشار إليها الأخ الفاضل، أن هذه المشكلة فعلًا واجهتنا في المؤتمر الأول للزكاة، دين استثماري مبالغ طائلة قد تصل إلى آلاف الآلاف، إذا قلنا الزكاة على الدائن معنى ذلك أن المدين لا يخرج زكاة من هذه الأموال، وبالتالي عندما يحسب زكاة ماله يطرح لأن فيه زكاة يحسب ماله من ديون مرجوة الأداء ويحسب ما عليه من ديون ثم يزكي الباقي، فبالنسبة للدين الاستثماري لو فعل هذا يمكن أن يصبح مدينا مع أنه يملك آلاف الآلاف ,وقائع حدثت فعلا ولذلك فى المؤتمر الأول للزكاة كنا اتخذنا قرارا مؤقتا قلنا إن الدين الاستثماري بخصوصه الذي لا يزكى هو ما حل منه يعنى لو فرضنا أن أحدا اشترى أشياء ما حل منها الآن خمسمائة ألف وباقى الملايين مؤجلة إلى سنوات طويلة , هنا الذى لايزكيه هوالدين الذي حل فعلًا، يخرجه لصاحبه ولا يزكيه وصاحب هذا المال هو الذي يزكي باقي الأقساط التي لم تحن مواعيدها فهذه لا تزكى، وقلنا بأن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث آخر فلعل هذا المؤتمر المبارك إن شاء الله يخرج برأي محدد وينص على أن الدين الاستثماري بالذات، يعني لا يقول زكاة الديون بصفة عامة وإنما ينص على هذا، على الدين الاستثماري بصفة خاصة هذا ما أردت أن أقوله.
الرئيس:
شكرًا وأحب أن أوضح نقطة بسيطة لفضيلة الشيخ وهو أن المسألة التي أمامنا هي زكاة الديون فقط أما المسألة الثانية وهي هل الدين مانع من الزكاة أم لا، فأظنها مسألة مستقلة بذاتها. أما الذي لدينا فهو زكاة الدين ذاته. وأعطي الكلمة للشيخ الجناحي.
الشيخ عبد اللطيف جناحي:
بسم الله الرحمن الرحيم ... في الحقيقة أردت أن أتكلم عن أكثر من نقطة ولكن كفاني الأخوان قبلي، فتطرقوا للموضوع. ولكن ما أود أن أثيره في هذا الاجتماع هي النظرة للزكاة من زاويتين وليس من زاوية واحدة. ننظر إليها من زاوية فردية فهي عبادة وفرض على الإنسان، ولكن لوعاء الزكاة نظرة أخرى وهي أنها قاعدة أمن اقتصادية. فالمسألة هنا لا يدخل فيها فقط العبادة الفردية إنما المجتمع ككل، عندما فرضت فريضة الزكاة هي فرضت لخدمة المجتمع ككل.. فأرجو من المؤتمر أن ينظر في هذا الموضوع من زاوية أننا نحقق قاعدة أمن اقتصادية للمجتمع المسلم، وهنا يكون للفقهاء لكل زمان رأى فيه. وأعتقد هذا هو ما تعددت فيه الآراء بحيث الدائن والمدين يقومان بالزكاة لأن فعلًا الآن معظم الاستثمارات ومعظم الديون هي ديون تتكرر وبقصد منها الربحية فكلما اتسعت قاعدة الزكاة كلما اتسعت القاعدة الأمنية الاقتصادية في المجتمع المسلم، وشكرًا.(2/56)
الشيخ وهبه الزحيلي:
في الحقيقة كنت قد أمليت النظر في هذا الموضوع منذ زمن لم أجد أصلًا من النصوص يمكن أن يبحث فيه هذا الموضوع في ضوئه، لذلك أقدر أن وضع هذا الموضوع في سجل الأعمال التي ينظر يها هذا المجمع الكريم كان عن تخطيط ذكي وسليم لأن هذا الموضوع بالذات يمكن أن ننظر فيه وأن يخرج المجمع برأي يفض الخلاف حوله لا سيما وقد تضاربت الآراء حوله والناس عندما يفتون بأن الزكاة على الدائن خصوصًا وأن الدين طال عليه الأمد ومضى عليه سنوات يكادون يستهجنون مثل هذه الفتيا وأن التقى الورع منهم لا يكاد يزكى إلا عن عام واحد بعد قبض الدين فعلًا. لهذا فإن النظر في هذا الموضوع نظر سليم ونستطيع أن نعطي أو ندلي فيه برأي يرفع الخلاف. وليس العمل مجرد انتقاء ولكن في الحقيقة يسهل على المفتين الرأي الراجح من هذه الآراء. لذلك أرى أن القول بأنه لا زكاة لا على الدائن ولا على المدين هذا قول ينبغي رفضه لأنه يتنافى مع مقاصد الشريعة. كذلك القول بأن الزكاة تكون على المدين الحقيقة نزيده ضغثًا على إبالة لأنه ما استدان إلا لحاجة ولا يمكننا أن نحمله عبء أداء الدين وعبء زكاته، بقي أن الزكاة ينبغي أن تكون متعينة على صاحب المال وهو الدائن لأنه المالك فعلًا والكلام في هذا الموضوع ما هو إلا تطبيق للشروط العامة التي إذا توافرت وجبت الزكاة، وأهم هذه الشروط هو ملك النصاب هو رضي لنفسه أن يقرض والقرض الحسن كما هو معلوم لديكم له ثواب أفضل من ثواب الصدقة، فهو ابتغى تسهيل تعاون أخيه المسلم ورفع ما به من ضائقة، لذلك أجره عظيم عند الله جل جلاله عندما أقرض.
بقي الواجب المالي العبادي وهو لما يملكه، حينئذ أؤيد بحث أخي فضيلة الدكتور الصديق في أن تكون الزكاة على الدائن إذا قبض هذا الدائن المال فعلًا أو كان في حكم المقبوض. بعد هذا القبض هل يزكيه عن سنة واحدة أم عن السنوات الماضية؟ الحقيقة الذي ينطبق على القواعد الفقهية لا يمكننا أن نستثنى هذه الجزئية من القواعد ولا من شروط أداء الزكاة ووجوبها، فلذلك أرى أنه لا بد من أن تكون الزكاة على ما مضى من السنوات ولكن نيسر على الدائن أن تكون الزكاة بعد القبض فعلًا أو أن يكون ذلك في حكم القبض. وشكرًا لفضيلتكم.(2/57)
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا.
افتتح كلمتي هذه بالتوجه بالشكر إلى كل إخواني الذين تقدموا وخاصة فضيلة الشيخ الضرير الذي أرحب به ثانيًا والذي أحسسنا بالفقد عندما لم يشاركنا من أول يوم.
القضية التي طرحت اليوم هي قضية جديرة بالنظر ولا بد من التعمق فيها قليلًا. فالله قد فضل بعضنا على بعض في الرزق فجعل قسمًا محتاجًا وقسمًا متفضلًا. وتوجه إلى القسم المتفضل فقال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} بمعنى أن الإسلام يهدف فيما يهدف أولًا إلى نزع الأنانية الفردية من الإنسان الثري حتى يشارك الفقير فيما آتاه الله. هذا الانتزاع الأناني هو يكون بأمرين يكون أولًا بالتبرع الواجب وغير الواجب بما جاء من زكاة وصدقة وهبة ووصية إلى آخر التبرعات التي لا يبتغى منها صاحبها إلا وجه الله والتي تخرج عن ماله خروجًا تامًا كما جاء أيضًا وقاية شح النفس بالقرض والقرض هو منهج إسلامي يختلف اختلافًا كبيرًا عن بقية المناهج إذ أن القرض الإسلامي يعود فيه المال لصاحبه دون زيادة. وهذا ما لا يقبله غير المسلمين. فإذا أقرض المسلم ماله لغيره فإنني عندما نظرت في المال وجدته مملوكًا ملكًا غير تام لا للدائن ولا للمدين. فإذا نظرت للدائن صاحب الدين وجدته قد خرج المال من يده رغبة في الثواب من عند الله وتنازل عن تنمية ذلك المال بوجوه التنمية المعلومة. ووجدته عند المدين هو لا يملك الأصل ولكن يملك استثمار ذلك المال وتنميته، فالقضية إذن هي قضية فيها وجهان.
وبناء على هذا فالرأي الأول الذي ذكر فضيلة الشيخ الضرير أنه لا يرى له وجهًا هذه هي الناحية في نظري التي بنى عليها أصحاب القول الأول قولهم لما قالوا ولست أؤيد هذا القول ولكن وجهة نظر محترمة مبنية على أصل، على هذا القول بنى من بنى أنه لا تجب الزكاة على هذا ولا على ذاك لأن هذا لا يملكه ملكًا تامًا والآخر لا يملكه ملكًا تامًا. إذا ما ذهبنا إلى أن المال تجب زكاته على صاحب الدين للسنوات التي مرت كلها فإن الديون قد تكون تارة لعشر سنوات وتارة تكون لأكثر فمعنى ذلك أننا حطمنا هذا الأصل الموجود، إما بطريقة حرام واضحة وإما بطريقة فيها حيلة. فإذا نقضنا الأصل تمامًا وقلنا له تأخذ المال لكم عندك عندما تأخذ المال يجب عليك أن تزكيه للسنوات الماضية كلها، فمعنى ذلك أننا نقصنا له من ماله عشرين 20 % أو 10 % حسب السنوات الماضية. فالقضية إذن هي قضية فيها وجهان، وجه لا بد من ملاحظته وهو أن نمكن هذا المال الموجود من أن يخرج من الخزائن إلى الناس القادرين على استثماره، والقرض باب كبير، لهذا من الناحية الدنيوية ومن الناحية الأخروية، فهذا الإشكال الذي ظهر لي أولًا في هذه القضية. طريقة حل هذا الإشكال، هل نفضل أن نجعل زكاة الدين هي على المدين لكامل السنوات التي مضى فيها وقد استفاد منه المحتاج كله لا ببعضه واستثمره وأنفق منه على عياله وحرك به الاقتصاد، أرى أن هذا فيه ظلمًا لرب الدين وفيه تعطيل للدين، فأنا أعتقد أن أفضل حل لذلك هو أن يعتبره صاحب الدين من الوقت الذي يتمكن فيه من قبض دينه أما بأن يكون قد حل على مليء معترف وأن يكون الدين صاحبه غير مماطل وهناك في هذا يجب عليه أداء الزكاة لسنة واحدة يستقبل بها من وقت القدوم.
الأمر الثاني، ما جاء في كلمة صديقي فضيلة الشيخ عبد الستار أبو غدة من أنه إذا انضاف مال جديد إلى مال قديم قبل حلول الحول فإنه يجري عليه الحول الأول، أنا لا أقول إنني أعرف المذاهب كلها ولكن مذهب مالك خلاف هذا. فإنه يستقبل به حول جديد وإنما ذلك المال الذي نما من المال أصل المال الأول له حوله الأصلي أما المال الجديد فله حول من وقت قبضه لأن الحول هو منتسب إلى المال وليس منتسبًا إلى صاحب المال. شكرًا.(2/58)
الشيخ زكريا البري:
بسم الله الرحمن الرحيم.. في رأيي أن الديون تنقسم أقسامًا متعددة. وأن هذا الموضوع يستأهل العرض على المجمع وليس محلًا لفتوى عادية، ذلك أن من الديون القرض الحسن، استدانه مدين لسد حاجته الأصيلة ولا سبيل لإيجاب الزكاة لا على الدائن لأنه ليس ناميًا بالنسبة له، ولا على المدين لأنه مشغول بسد حاجته الأصيلة. فإذا ما قبضه الدائن بعد ذلك، قبضه حقيقة أو حكمًا بقدرته على قبضه فإن الزكاة فيه لا تجب على الدائن بعد ذلك، إلا بعد حولان الحول. أما قبل ذلك فكما قلت لا وجه مطلقًا من ناحية القواعد الشرعية على إيجاب الزكاة لإيجاب الزكاة عليه. بعد ذلك هناك قرض آخر استدانه مدين ليستثمره لحسابه الشخصي وزكاته عندي على هذا المدين المستثمر، أما الدائن فلا زكاة عليه إلى أن يقبضه ويمر عليه الحول كما قلت فيما سبق، ولا وجه مطلقًا أيضًا لإيجاب الزكاة عليه عن مدة ماضية، فما كان ناميًا بالنسبة له وليس مشاركًا للمدين المستثمر في أي شيء، هذه صورة. بعد ذلك عندنا الودائع الاستثمارية في البنوك وهي ليست من الديون وإنما هي مملوكة لأصحابها تستثمر لحسابهم وبالتالي فإنها مال مملوكة لصاحبها بدلالة قاطعة هي أن البنك يملكها ويستثمرها ويتصرف المالك في ملكه إقراضًا واستثمارًا ونحوه، فهي لا يصح أن نسميها نحن الحسابات الجارية لأن تكييفها كما رأينا في أعمال البنوك، يخرجها عن هذه التسمية ويوجب علينا أن نسميها قروضًا لأن البنك يتصرف فيها كما قلت. وعلى هذا الأساس فالحسابات الجارية مملوكة للبنك أي لمؤسسيه والمستفيدين منهم وهؤلاء هم الذين يجب عليه أداء الزكاة بشروطها الشرعية ولا وجه عندي لما ذهب إليه بعض فقهاء البنوك والمصارف الإسلامية من إيجاب الزكاة على البنك كشخصية اعتبارية لأن هذه الشخصية الاعتبارية ليست مكلفة شرعًا، وبعض مؤسسي هذه البنوك أو بعض مساهميها قد لا يملكون ما يوجب عليهم الزكاة الشرعية، أعتقد أنني أوجزت رأيي بصورة سريعة لأنني لم أكن قد كونته فيما سبق وإنما كونته الآن بعدما استطعت أن أقرأ ما قرأت وأن أسمع ما سمعت. وشكرًا.(2/59)
الشيخ أحمد البزيع ياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله والصلاة والسلام على سيدي رسول الله وعلى آله الطيبين وصحابته الكرام وعلى من اتبعه بإحسان إلى يوم الدين، وبعد،
الزكاة ركن عظيم من أركان الإسلام لا شك ولا ريب فيه. ثم إنه كما قال أخي عبد اللطيف، أداء الزكاة في الحقيقة واجب وأخذها من قبل السلطان واجب عليه لأن الله سبحانه وتعالى قال: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} أمر خذ لا ينتظر الوالي بأن تؤدى الزكاة طواعية وإنما يجب أن تؤخذ الزكاة. والخليفة الثاني قاتل مانعي الزكاة –عفوًا الأول أبي بكر الصديق رضي الله عنه- ثم المطلوب من فقهاء المسلمين في اتباع الأصول الفقهية المتبعة لأن في التقيد واتباع الأصول الفقهية المتبعة فيها منجاة عن التسهيل على الناس في أداء الزكاة. فأنا وددت في زكاة المستغلات أن تتاح لي الفرصة لأبين ثلاث صور فلعل الآن الفرصة متاحة.
الصورة في المستغلات التي بينت في السابق وأخذ فيها قرار من مجمعكم أود أن أسأل عن ثلاث صور تابعة للصور الأولى قبل أن أبدأ في موضوع الديون.
السؤال الأول: الحصص المشاعة في شركة مساهمة تملك مستغلات للاستثمار، هذا سؤال ما هو حكمها؟
السؤال الثاني: حصص مشاعة في نفس الشركة المساهمة ولكن الذي اقتنى الأسهم والحصص اقتناها للتجارة وللتداول وليس للاستثمار الطويل.
السؤال الثالث: إذا اقتناها للتجارة وللتداول ولكنها كسدت السوق ووفق التداول لأسباب طارئة مدة طويلة. فما هو الحكم؟ هل هي تعتبر من المستغلات التي عليها زكاة المستغلات 2.5 % أو أنها تعتبر عروضًا تجارية لأنها بدأت بنية أنها عروض تجارية؟.
هذا في الحقيقة وددت إضافته لما ذهبنا إليه بالنسبة لزكاة المستغلات. ثم بالنسبة للبحوث الفقهية، في الحقيقة إذن فيه مسألة نكررها هنا فلا مانع من التكرار لأن في التكرار تأييدا ولكن يجب الاستعاضة فيما ذهب إليه فقهاء المسلمين في مؤتمراتهم السابقة، وتأييد ما يؤيد ويؤلف به كتب. في الحقيقة، حتى يكون صمام أمان في المستقبل، نخشى أن يتوسع الناس في المفاهيم ويعتبرون القواعد الفقهية إنما هي خطب أو مواضيع إنشائية وما إلى ذلك. نريد من فقهاء المسلمين في هذا المجمع أن يعملوا صمام أمان للمستقبل في الأمور الفقهية التي اجتمعوا عليها واتفقوا عليها، حتى في الحقيقة في المستقبل لا يكون هناك تجاوزات. ثم أود أن أقترح في الحقيقة على المجمع بأن هناك أمورًا من الأهمية بمكان ويجب أن تبحث وفيها علاج لأمراض الأمة الإسلامية، وهي في السلوك والأخلاقيات، سلوك الفرد مع المجتمع وسلوك المجتمع مع الفرد وسلوك السلطة مع المجتمع وسلوك المجتمع الإسلامي مع المجتمع الإنساني. هذه في الحقيقة أمور، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق)) فهذه المواضيع من الأهمية بمكان أرجو أن يقبل اقتراحي في مؤتمرات لاحقة لبحث هذه الأمور لأن في الحقيقة نحن لسنا بحاجة إلى أن نعلم عن الأمور الفقهية التي هي معلومة منا في الدين بالضرورة إنما نحن بحاجة إلى سلطة تنفذها ونحتاج في الحقيقة أيضًا إلى أن نكون مسلمين في أخلاقنا، نريد أن نكون لماذا هذا التأخر إنما هذا التأخر مثل ما قال بعض الإخوة في تعطيل الزكاة نجعل ثغرة تلج منها كثير من المذاهب الهدامة، والمصطفى صلى الله عليه وسلم عندما يعلن أحد إسلامه أول ما يسأل: ألك مال؟ فالحقيقة الزكاة يستحق من المجتمع أن يبحث هذا الركن بحثًا مستفيضًا وأن يكون في بحثه بجانب الفقير معتمدًا على الأصول والقواعد الفقهية.(2/60)
ونأتي إلى زكاة الديون: زكاة الديون في الحقيقة، أنا أعمل في شركة والذي أريد أن أبينه أني لست فقيهًا إنما على أن أبين الصورة التي عليها كثير من الشركات التي تلتزم بالإسلام وتود أن تبرئ ذمتها. الشركات والتجار يعملون كل سنة ميزانية، الميزانية فيها أصول وفيها خصوم، الدين من الأصول يعتبر ولو تكرر الدين مثلًا لمدة ثلاث سنوات ومؤجل لمدة 3 سنوات أو أربع سنوات إنما ملاحظ عند استثماره هذا الدين لمدة طويلة ملاحظ فيه الربحية فالدائن يعتبر الدين على المليء المتمكن من السداد، يعتبره مالًا له يزكيه كل سنة باعتباره أصلًا في أصوله. هذه في الحقيقة وددت أن أبينها إنما بالنسبة لما ذهب إليه الفقهاء من دين المغتصب أو المعسر أو المماطل فهذا شيء لا أريد الخوض فيه لأني لست من فرسان ميدانه. وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا، أحب أن أحيط فضيلة الشيخ بما يتعلق بالأسهم فسبق أن جرى بحث جانبي وذكرت أن ما يتعلق بالأسهم سيكون إن شاء الله تعالى في الدورات الآتية بحوث مستفيضة حول ما يتعلق بالأسهم من جميع جوانبها إحدى الصور التي ذكرتموها ولعلها الأولى هي داخلة فيما قرره المجمع بالأمس أو قبل الأمس في زكاة المستغلات ونشكر فضيلة الشيخ لفتاته الكريمة وشكرًا.(2/61)
الشيخ أحمد محمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
موضوع زكاة الدين ينبغي أن ننظر أولًا إلى حق الزكاة، هل الزكاة حق في الذمة أو الزكاة حق في المال. ونرى أن الراجح بأن الزكاة حق في المال، ولذلك وجبت الزكاة في أموال القصر، وجبت الزكاة في أموال اليتامى وأموال مطلق الصبيان غير البلغ، وفي أموال المجانين حسب رأي أكثر علماء الأمة. هذا إن دل على شيء إنما يدل على أن الزكاة على المدين لا على الدائن. وإذا فرضت الزكاة على الدائن في السنين المتطاولة قبل أن يحضر أجل ذلك الدين فإن الزكاة تستهلك ذلك المال خاليًا من هذا الواجب وذلك ينافي ما عرفناه من سائر المسائل التي تنبني على هذا الأصل وهو وجوب الحق في الأموال. ويدل أيضًا على أن الحق في المال، قوله سبحانه وتعالى {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} ففي نفس المال حق وليس هذا الحق في الذمة. وإذا كان هذا المال استهلكه إفلاس المدين فإذن لم يبق هناك مال حتى يقال إن على الدائن أن يزكيه إذا ما قبضه. لم يبق هناك مال، وكذلك كان هذا المدين مماطلًا ولم تكن لدى الدائن بينة يتمكن بها من التوصل إلى حقه لدى الحكام الشرعيين أو لم يكن هنالك من ينصف له، فإن الحق في هذه الحالة إذا أوجبناه عليه تضاعف عليه الواجب من غيران ينتفع من هذا المال بشيء وإنما أؤيد رأي الأخ الدكتور عبد الستار أبو غدة في كون الدائن يجب عليه أن يزكي هذا المال بعد أن يقبضه بحيث يستقبل به عامًا جديدًا إن لم يكن له أصل. فإن كان له أصل فإنه يرده إلى ذلك الأصل ويزكيه متى ما زكى من الأصل وأما ما قاله الأخ الشيخ المختار السلامي من أنه لم يطلع على قول غير قول الإمام مالك واتباعه في هذه المسألة وهو أن المال المستفاد يستقبل به عامًا جديدًا فإني أريد أن أنبه فضيلة الشيخ السلامي بأن هذا القول إنما هو قول الإمام مالك طبعًا وقد قاله ابن عباس من قبله أما جمهور الأمة فإنهم يقولون بخلاف هذا القول. جمهور الأمة يقولون بأن الفائدة حسبما يعبر الفقهاء ترد إلى الأصل وتزكى مع الأصل. وبجانب ذلك هنالك قول آخر أيضًا، وأظن هذا القول إن لم تخني حافظتي منسوب إلى عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو أن الفائدة أو المال المستفاد إن كان وصل إلى حد النصاب فإنه يستقبل به عامًا جديدًا وإن كان دون النصاب فلا حاجة إلى استقبال عام جديد بل يضاف إلى الأصل، وهكذا. فما دام هناك هذا القول وهو قول جمهور الأمة فعلينا أن نأخذ برأيهم ونستفيد مما قالوه ولا ينافي أن يكون هنالك اجتهاد عند الآخرين، الاجتهاد الفردي في الإفتاء ولكن بما أن هذا المجمع يصدر رأيًا جماعيًا فإنه يصدر رأي الأكثرية.. وتعرض أيضًا الشيخ زكريا لموضوع البنوك وموضوع الزكاة، وقال إن البنك شخصية اعتبارية. أظن أن المشكلة تنحل إذا قلنا بأن الزكاة حق واجب في المال وما دام الشركاء يكونون كشخص واحد كما جاء ذلك في زكاة النعم لا يفرق بين مجتمع ولا يجمع بين متفرق فإن قيام الشركة، شركة تجارية سواء كانت هذه الشركة بنكًا إسلاميًا أو غير ذلك تكون هذه الشركة بمثابة شخص واحد ويجب أداء الزكاة من جميع المال المشترك، هذا ما أردت أن أنبه عليه وشكرًا لكم.
الرئيس:
شكرًا، أرجو من سماحة الشيخ أن يعطي ملخصًا لما تفضلتم به.(2/62)
الشيخ عبد الله البسام:
ملاحظة صغيرة على الشيخ الخليلي، ملاحظة صغير جدًا وهي أن الخلطة ليس لها تأثير إلا في بهيمة إلا في الأنعام.
الرئيس:
أنا أردت ملخصًا لكلمة فضيلة الشيخ ومن ضوئها يتضح.
الشيخ أحمد حمد الخليلي:
في الواقع طبعًا كما قال فضيلة الشيخ إن بهيمة الأنعام هي التي تعتبر فيه الخلطة ولكن إذا تعدد الشركاء وساهم كل أحد منهم بدفع جزء من المال مقدار مائة ريال سعودي أو أقل من ذلك أي مقدار ما لا تجب فيه الزكاة، إذا ساهم عدد من الشركاء في دفع ذلك، فهل يقال في مثل هذه الحالة بأن وصلت التجارة إلى مقدار النصاب هل يقال تسقط الزكاة بهذه التجارة ولا تجب نظرًا إلى أن سهم كل أحد لا يفي بمقدار النصاب. ينبغي إعادة النظر في ذلك وعلى أي حال ملخص ما أراه هو أن الزكاة تجب على الدائن إذا كان الدين حاضرًا وقته وكان هذا الدين على وفي مليء سواء قبضه أو لم يقبضه إذا حضر الوقت الذي يزكي فيه سائر المال أو مر سائر ماله، يعني الدائن، أو مر نصاب أو مر حول على ذلك الدين نفسه إن لم يكن عنده مال آخر وإذا أفلس المدين فلا زكاة على الدائن ولو حضر وقته، وكذلك إذا كان هذا المدين مماطلًا ولم يتمكن الدائن من التوصل إلى حقه بحيث أعوزته البينة أو بحيث لم يكن هناك من ينتصف له، وفي هذه الحالة طبعًا الزكاة على المدين، في حالة مماطلته وفي حالة العسر طبعًا ما عليه زكاة.
الرئيس:
وفي حالة إفلاسه.
الشيخ أحمد حمد الخليلي:
في حالة إفلاسه لا عليه زكاة ولكن في حالة مماطلته عليه هو الزكاة فيما بينه وبين ربه وتجب أيضًا الزكاة عليه ما دام يستغل ذلك المال قبل أن يحضر أجل الدين فقبل حضور أجل الدين الزكاة على المدين وبعد حضور أجل الدين على الدائن بشرط أن يكون الدين على مليء وأن يكون الدائن متمكنًا من الوصول إلى حقه.
الرئيس:
شكرًا أكرمكم الله. الشيخ آدم.(2/63)
الشيخ آدم شيخ عبد الله علي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وأصحابه وسلم. وبعد.
فأولًا: أثنى رأي ما ذهب إليه الباحث وأختاره من أن الزكاة تجب على الدائن إذا كان المدين مليئًا مقرًا غير مماطل. وكذلك إذا كان المليء منكرًا ولك للدائن شهود ووثائق يستطيع بهما أخذ ماله لدى المحاكم الشرعية. فهو كالمتمكن تجب عليه الزكاة أيضًا. وأما إذا كان الدين على مليء منكر ولم يكن للدائن شهود ووثائق يستطيع بهما أخذ ماله لدى المحاكم، أو كان المدين معسرًا، فهاتان الحالتان لا تجب الزكاة على الدائن إخراجها حتى يقبضها فيما مضى من السنين. وشكرًا.
الشيخ نزيه حماد:
بسم الله، الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ومن والاه، وبعد.
فلي تعليق جزئي على بعض مقدمات استدلال الأخ الفاضل الشيخ السلامي حيث أنه بنى رأيه على أن الدين غير مملوك ملكًا تامًا بالنسبة لدائن والمدين على السواء، أقول بالنسبة للمدين هو مملوك ملكًا تامًا بالعقد والقبض بلا خلاف بين الفقهاء، هذا بالنسبة للمدين، أما بالنسبة للدائن فالدين في ذمة المدين مملوك ملكًا تامًا بالنسبة للدائن وهو في ذمة المدين، والدليل على ذلك اتفاق الفقهاء على صحة تمليك الديون المستقرة للمدين لمن عليه الدين ولغير من عليه الدين بغير عوض، واتفاقهم كذلك على صحة تمليك الديون المستقرة بعوض إلى من عليه الدين. أما كون الدين في ذمة المدين معرض للتوي بالنسبة لدائن فهذا لا يزعزع ملكية الدائن ولا يؤثر على تمامها. فالتعرض للتوي ليس مناطًا مؤثرًا والدليل على ذلك أو مما يستأنس به في الاستدلال على ذلك أن المال المغصوب في يد الغاصب يكون معرضًا للتوي بالنسبة لمالكه ومع ذلك لا خلاف في أنه يملكه المغصوب منه ملكًا تامًا وهو في يدي الغاصب. وشكرًا.(2/64)
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم.. إخواني الأساتذة الكرام، أريد أن أقدم بمقدمة بسيطة ولكنها لا للاستدلال وإنما للاستئناس ثم أبين رأيي في الموضوع. المقدمة البسيطة هي:
موقف علماء القوانين المالية فيما يتعلق بالديون وخضوعها لضريبة الدخل. وهذا أمر شاع في جميع البلاد اليوم. فهناك عملاء القوانين المالية يميزون بالنسبة للديون وخضوعها أو عدم خضوعها لضريبة الدخل، فيميزون بين ديون موضوعة في الاستثمار أي الديون التي عليها فوائد كالودائع المصرفية التي يضعها أصحابها في البنوك الربوية ويأخذون عليها فوائد أو التي يقرضونها مباشرة إلى الأفراد بطريق المراباة. فهذه الديون باتفاق علماء القانون تخضع للضريبة، ضريبة الدخل. وأما الديون التي لا فوائد عليها، فهذه لا يخضعوها لضريبة الدخل بل يسقط صاحب الدين مبلغ الدين من وارداته وأرباحه التي تؤخذ عليها الضريبة.
هذه أذكرها، يعني قلت للاستئناس. نحن في الإسلام، هذا لا يمكن أن ينظر إليه لأنه لا يوجد عندنا ديون موضوعة للاستثمار لأننا لا نقبل وضع الديون بالفوائد الربوية في المصارف. وأما الأموال التي توضع للاستثمار فهي لا تقبل إسلاميًا أن تكون ديونًا مستثمرة لصاحب الدين وإنما هي مشاركة عندئذ كما يحصل في القراض وكما في وضعنا الآن اليوم، الودائع في البنوك الإسلامية إنما توضع على أساس المشاركة، والبنك الإسلامي إنما هو بمنزلة المضارب، فلذا هذا النظر إنما ذكرته للاستئناس. لكن بالنسبة للموضوع، أرى أن المال إنما ميز فيه الشرع كما هو معلوم بين نوعين، مال نام، ومال غير نام، وأعرف أنه باتفاق الفقهاء لا أعرف خلافًا، إنه إنما يخضع للزكاة المال النامي. وهذا النماء قد يكون بالفعل وبالقوة، النماء بالفعل كالأموال التجارية التي هي المراد بالنماء، والنماء موضوع في طريق التنمية موضوع سواء نما بالفعل أم لا فالتاجر يزكي أمواله التجارية ولو خسر كما هو معلوم لأنه يخسرمرة ويربح مرات الخ، والتجارة طريق اكتساب يعيش عليه البشر أجمعون. ولكن هناك حالة يذكرون أنها يعتبرون المال فيها ناميًا بالقوة وهى حالة المال المكنوز عندئذ الذهب والفضة يقررون أنهما لو كنزا ولو لم يوضعا في طريق الاستثمار يخضعان للزكاة. والحكمة في ذلك معروفة وهذا من روائع الشريعة الإسلامية الكريمة حيث إن إيجاب الزكاة في هذين المالين الأساسيين ولو كانا غير موضوعين بطريق الاستثمار، الزكاة حكمتها أنها تهاجم المال المكنوز لتبعثه من مرقده. طبيعي على فرض أن الرجل سيتقيد بالشريعة ويخرج الزكاة أما العاصي الذي لا يبال فلا شأن لنا به. ونحن نفترض المسلم الملتزم، فإن الزكاة تهاجم الكنز وهذا من أبرز وأوضح حكمتها فلا تترك للإنسان مجالًا ولو أنه مسلم ملتزم أن يدخر ويكتنز وإنما عليه أن يخرج هذا المال فيضعه في طريق نفع عباد الله والاستثمار كما هو معروف. أما ما سوى النقدين فإن التمييز ذاك الأساسي جار على مداه وهو أنه لا يخضع للزكاة إلا المال النامي ولذلك التاجر نفسه إذا أخذ من متجره شيئًا وضعه في بيته للاستعمال لا يدخل حينئذ في حساب الزكاة، وهكذا كما هو معروف لا حاجة للإفاضة فيه. وبناء على هذا التأصيل أستطيع أن أقول إن الدين وهو في ذمة المدين، هذا بالنسبة إلى الدائن فاقعد النماء فهو مال غير مدفوع على سبيل الفائدة كما عند القانونيين، وهو قرض حسن وقد خرج عن ملكية الدائن ولا سلطة بقيت له عليه ما دام في ذمة الآخر، فهو إذن لو فرضنا أنه يملكه وهذا مقرر بأنه يصبح حقًا في الذمة والحقوق الشرعية.
الرئيس:
هو قرض حسن في بعض صوره.(2/65)
الشيخ مصطفى الزرقاء:
نعم هو قرض حسن يعني غير خاضع لربا، فبناء عليه هو بالنسبة للدائن يعني عديم الفائدة منه، أي بمعنى أنه ليس ناميًا بالنسبة إليه، أي فقد فيه شرط النماء وعندئذ لا يصح في نظري إيجاب الزكاة على الدائن ما دام لم يقبض الدين. وفي هذا أرى ما رآه فضيلة الأستاذ الشيخ السلامي وإن كنت أخالفه في عدم ملكية المدين للدائن فهو مملوك، للدائن ويتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكهم، لكن هذا لا يخرج عن كونه مالًا غير نام ومفقود النماءة بالمرة بالنسبة للدائن. أما بالنسبة إلى المدين فكذلك هذا هو يستنميه ويثمره ولكن هذا أيضًا مشغول الذمة بوفائه، والقاعدة في الأموال التي تخضع للزكاة أنها يسقط منها الديون وكل ما يحتاج إليه صاحب المال في حاجته الأساسية فيما زاد عن النصاب هذا لا شك أنه أيضًا مفقود بالنسبة للمدين، هذا المعنى، لأنه مشغول الذمة بالوفاء فهو وإن كان مالكًا لهذا المال ويستثمره ولكن ذمته مشغولة بوفائه فكأنه غير موجود لأنه سوف يذهب. وإنما يستفيد المدين ثمرات هذا الدين الذي عليه لغيره، يستفيد ثمراته، وعندئذ نحن عندما نوجب على المدين أنه يطرح مبلغ الدين ويزكي بقية أمواله التي هي في طريق النماء موضوعة، فقد أدخلنا ما جناه من فوائد وثمرات من هذا الدين واستثماره إياه مدة الحول، أدخلناه في الزكاة التي تجب عليه وهذا هو العدل، فنحن نأخذ من المدين زكاة عن الثمرة التي استفادها من هذا الدين مدة بقائه في ذمته، أما أن نأخذ منه زكاة عن أصل الدين وهو مكلف بإعادته، فهذا أراه مخالفًا لمنطق الشريعة وقضية نماء المال، وفي النتيجة أرى أن الدين لا تجب زكاته على الدائن إلا بعد القبض كما تفضل الأستاذ السلامي وأما المدين فلا تجب عليه أبدًا إلا الثمرة وهذه تدخل في زكاة ما يبقى من ماله بعد طرح الدين.
الرئيس:
لا تجب عليه إلا بعد القبض، قصدي يستقبل بها أو لها اثر رجعي.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بعد القبض يعني من الممكن أن نقول إنه هو الأقرب أنه يزكيه بعد حولان الحول.
الرئيس:
يعني يستقبل.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بعد القبض إذا حال عليه الحول.
الرئيس:
يستقبل بها حولًا.(2/66)
الشيخ مصطفى الزرقاء:
نعم، وأما ما ذكره أخونا الكريم الأستاذ الخليلي من أن الراجح في نظره وقد يكون هذا أيضًا الراجح في نظرنا أن الزكاة تتعلق بالمال لا بالذمة فإن هذا لا ينتج النتيجة التي أرادها من إيجاب الزكاة على المدين ذلك لما بينت، أن المال وإن تعلقت به الزكاة لكن هناك شرط النماء فليس مجرد وجود المال يكفي بأن تتعلق به الزكاة وإنما قضية النماء شرط أساسي بإجماع الأمة فيما أعلم. وهذا ما أراه والله سبحانه وتعالى أعلم.
الشيخ معروف الدواليبي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. سيدي الرئيس ملاحظتي حول زكاة الدين لا نص فيها كما استمعنا إلى السادة الأفاضل ستكون ملاحظة عامة في الحقيقة حول جميع مواطن الاجتهاد، لماذا هذه المواطن وما الحكمة فيها وما هو الواجب عنها؟ لأنه عرض من قبل بعض هذه الآراء في القضية الواحدة من علماء أجلاء ونحن اليوم أيضًا في قضية قد يطول البحث فيها وربما تأتي وسوف تأتي خاصة على المجمع مواقف كثيرة. لا أريد أن أجعل من كلمتي هذه محاضرة ولكنني أتكلم بنقاط أو كلمات برقية، أي مختصرة جدًا.. أين هي مواطن الاجتهاد وهي ما سكتت عنه النصوص سواء الكتاب أو السنة "وما كان ربك نسيًا" ولا رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يسكت في المواطن التي يجب أن يبين فيها، وإنما كما جاء في الحديث الشريف ((ما كان ربك نسيا)) وإنما رحمة بنا، فالرحمة إذن كلما سكتت النصوص. هذا السكوت مقصود منه أن يترك فيه البيان بدأ من الرسول عليه الصلاة والسلام فيما يتعلق بالقرآن {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} وتتمة الآية في هذا الإبداع {وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يبق في عهد التشريع المدني إلا عشر سنوات فيما بين أصحابه ولم يأذن الله أن يكون خالدًا ليتابع معهم الوقائع والأحداث ولكن بين لهم لنتخذ من رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة أو نورًا نهتدي في الأحداث التي حدثت بعده، كيف نستفيد من مواطن الاجتهاد وهي التي سكتت عنها أولًا النصوص القرآنية بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام وهي بالنسبة إلينا فيما بعد الرسول أو سكتت عنها النصوص النبوية إلينا أيضًا فيما بعد وقد مضى على ذلك أربعة عشر قرنًا تقريبا فتركت لنا. والأساس في الحقيقة بالبيان سواء كان للرسول عليه الصلاة والسلام أو لنا فيما ترك عن قصد من الله ومن الرسول عليه الصلاة والسلام ما كان كما قلنا نسيًا، ولا يمكن للرسول أن يسكت في مقام الواجب فيه البيان وإنما ما سكت عنه أيضًا الرسول كما سكت عنه القرآن، أو ما جاء عامًا أو ما جاء مجملًا كما هو في القواعد الأصولية هو مواطن الاجتهاد. والشريعة في الاجتهاد مبناها مصالح العباد كما قال الأئمة أمثال ابن تيمية وابن القيم وغيرهم، أينما كانت المصلحة، فثم شرع الله وإن لم ينزل بها وحي ولا قال بها الرسول، فنحن في مثل هذه المواطن وقد سكت عنه النص في زكاة الديون، استمعنا إلى الآراء بدءًا من أجلة الصحابة وبعد ذلك من أجلة العلماء وإنني لست وحدي باسم جميع السادة العلماء الحاضرين كلنا نحمل في أنفسنا الإعظام والإجلال للصحابة رضي الله عنهم وإن اختلفت آراؤهم وللأئمة الذين تقدموا فلا أحد هنا متكلم عن هوى وإنما عن تفتيش عن البحث عن المصلحة وأذكر فقط فيما تختلف فيه الآراء أحيانًا حتى بالنسبة للرسول عليه الصلاة والسلام.(2/67)
هناك آراء، كل منهم يهدف ويفتش عن المصلحة المشروعة فالرسول عليه الصلاة والسلام مثلًا في قضية تشريع الأضاحي كما هو معلوم للسادة العلماء لما شرع الأضاحي ((كلوا وتصدقوا وادخروا)) فلما جاء العام الذي بعده في ظروف لم ينتبه الناس فقال: ((كلوا وتصدقوا ولا تدخروا)) فلما جاء العام الثالث فظن المسلمون وهذا من البيان الذي نستفيد منه من الرسول صلى الله عليه وسلم أكلوا وتصدقوا، والأيام كانت حارة وفاض من اللحوم، فتجمعوا كما تعلمون في المسجد النبوي وتعالت أصواتهم اللحم كاد يفسد، ولقد نهانا رسول الله في العام الماضي وقال ((كلوا وتصدقوا وادخروا)) فما نصنع؟ فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم من الحجرة النبوية فخرج إليهم وقال: ويحكم إنما نهيتكم في العام الماضي، أما الآن فقد وسع الله ((فكلوا وتصدقوا وادخروا)) إذن في مثل هذه النصوص بأجمعها إن كانت مجملة أو عامة أو سكت عنه الرسول، أنا أتمنى على المجلس الكريم لأنها ستعرض لنا في كثير من المواقف، مواقف الإفتاء، لا أرى في مثل هذه القضية أن نبحث لأن نقول بالرأي الراجح وإنما نوصي بمبدأ الأصول في مثل هذه المواطن التي أذن العلماء أن يجتهدوا أن يتركوها مفتوحة لنظر المفتي بالنسبة لكل حادث كما حدث للرسول صلى الله عليه وسلم في قضية التشريع، اختلف ما بين سنة وأخرى المصلحة ولذلك اختلف القول ولم يكن القول الأخير ناسخًا فكذلك لو كان مثلًا عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه هو الدائن المعروف بثروته، أنا لا أقول له إنك لا تزكي عن المال الدائن، عن المال الذي أنت أخرجته في ملكك وأذنته فلا أميل في مثل هذا الموقف، لا أقول لمثل عبد الرحمن ابن عوف وليس فيه عليه حرج مثلًا ولكن ادفع زكاة دينك، الدين الذي عند الآخرين لأنه لا يخرجه وهو أنفع للفقراء وقد اتخذ في موقف آخر، بالنسبة للدائن لو كان دينه بسيطًا ومضى عليه أربع سنوات مثلًا كان مائة ريال في كل سنة والدائن ليس مماطلًا ولكنه في كل سنة أوجب عليه أن يدفع 2.5 % وإذا طالب هذا الرجل الذي لا يملك إلا مثلًا مائة ريال أو ألف ريال كل على حسبه، أن ألزمه بجميع السنوات، فأنا نفسي أجد وأشعر أن عندما يكون الرجل في راحة وفي استطاعة وضربت مثلًا عن عبد الرحمن بن عوف المعروف بغناه فيما بعد فأقول بإلزامه بإخراج زكاة الدين، ولكن في حالة أخرى لا أتبنى هذا الموقف أنظر إلى مصلحة الدائن والمدين. وشكرًا.
الرئيس:
شكرًا، الشيخ مختار وأرجو الإيجاز لأنها آخر المطاف.(2/68)
الشيخ المختار السلامي:
شكرًا سيادة الرئيس.. وأنا دائمًا وأبدًا أوجز، ولكني في هذه الحالة لا بد من أن ولا أستطيع الإيجاز الكامل إذ إنما سأفتتح كلمتي هذه بشيء من الأدب ولا بد منه، فقد كان المعز باديس في عاصمة القيروان وقد طاف حول المدينة الأعراب الذين قدموا من كل مكان وانهزم جيشه، فوقف أمامه شاعره وقال به:
تنبه لا يخامرك اضطراب *** فقد خضعت لعزتك الرقاب ...
فأمر بقصيدته أن تمزق وأن يطرد شاعره الأثير عنده عادة، لأن كلمة: تنبه، رأى فيها سوء أدب وقال له: متى تعودت مني الغفلة حتى تقول لي: تنبه، وفي هذا المقام ما قبلت أبدًا أن يقول لي أحد زملائي لأني أحترمهم جميعًا، أريد أن أنبه فلانًا، لأني أعتقد أننى قد انتبهت لكل ما قيل وانتبهت لما قلت، إذ جاء في كلمة الأستاذ صديقي وعزيز أن ما انضاف من الأموال الحكم فيه أنه يأخذ حول الأصل. قلت بالنسبة لمذهب مالك أن هذا ليس صحيحًا ولكن في مذهب مالك كل مال له حوله متى قبض، فلا حاجة لي بأن ينبهني شخص لوجود خلاف في مذاهب أخرى إذ أنني قلته من أول الأمر. هذه واحدة.
الأمر الثاني، لما تحدثت عن الملك الناقص لما قلت: ملكًا ناقصًا بالنسبة لرب الدين فأنا أعي ما أقول، لأن رب الدين عندما يدفع دينه لغيره فأصبح تصرفه في ملكه تصرفًا ناقصًا، إذ أنه لا يجوز بيع الدين ويدخله في كثير من الأحكام فملكه ملك منقوص.. وأيضًا لا يستطيع أن يستثمره إذ هو عند غيره، فلما قلت كلمة ملكًا ناقصًا لم أنف الملكية ولكني قلت إنها ليست ملكية لها الحقوق الكاملة للملك إذ نقص بعضها وبقي بعضها وإلا كان ذلك بيعًا لوانتفى الملك. هذا هو أمر الدين وهو نفس ما أقوله لفضيلة الأستاذ شيخنا الشيخ الزرقاء هذا ما أريد أن أقوله من كلمتي إنه ملك غير تام. وشكرًا.(2/69)
الرئيس:
شكرًا.. الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. وبعد،
فإنه من خلال البحوث المعدة ومن خلال هذه المناقشات المباركة الميمونة والمداولات يتضح أمامنا أمور:
الأمر الأول: أن هذه المسألة ليس فيها نص من كتاب ولا سنة ولا إجماع.
الأمر الثاني: لهذا اتسعت فيها دائرة الخلاف بين الصحابة والتابعين ومن بعدهم من أهل العلم رضي الله تعالى عن الجميع.
الأمر الثالث: أن خلاصة النقاش تنحصر تقريبًا في تحقيق المناط، هل القدرة على التحصيل كالمحصول عليه أو لا؟ فتحقيق المناط في مسألة الديون هل القدرة على التحصيل كالمحصول عليه أولًا.
ولهذا فإن أهل العلم معللين في حال الضمار وفي حال الملاءة، مفرقين بين حال الضمار وبين حال الملاءة وحال الضمار هي كما في موطأ الإمام مالك رحمه الله، أن عمر بن عبد العزيز رضي الله تعالى عنه كتب في كتاب له لما سئل عن الدين إن أدى زكاته لما مضى من السنين ثم رجع وقال: أدى زكاته لسنة واحدة، قال مالك: وذلك لأن الدين كان ضمارًا. والدين الضمار هو لدين الغالب الذي ليس على مليء. إذن تحقيق المناط في مسألة الضمار وفي مسألة الملاءة هي فلكة المغزل في هذه المسألة الفقهية المطروحة بين أيديكم. وقد علم يقينًا أن عددًا من المحققين ليس لهم اختيار في هذه المسألة، ومن المحققين المعاصرين الذين بحثوا هذه المسألة باستفاضة وجمعوا ما ورد فيها من النصوص انسحبوا منها ولم يفصحوا عن رأيهم وأذكر على سبيل المثال الشيخ العلامة محمد الأمين الشنقيطي صاحب أضواء البيان رحمه الله تعالى فإنه بحث هذه المسألة في الجزء الثاني من أضواء البيان بحثًا عليمًا دقيقًا مستفيضًا لكن لم يصرح له فيها برأي لأن المسألة ليست ذات نص من كتاب أو سنة أو إجماع مع الخلاف في تحقيق المناط في هذه القضية.
ومن هنا فإن أنظاركم أصحاب الفضيلة التي جرى سماعها في هذا الموضوع اختلف التقييد لدى من رأى إلى آخر في الإطلاق والتقييد ولهذا فإنني أرجو من حضراتكم الكريمة قبول الاقتراح الآتي:
أن يتفضل كل عضو بأن يقدم الرأي فقط مختصرًا مكتوبًا إلى الأمانة، والأمانة نجتمع وإياها ونأخذ هذه الآراء ونعرضها ملخصة مع بيان من قال باتجاه إلى أي من هذه الأقوال وبعد هذا يمكننا البت في هذه المسألة بإذن الله تعالى والله تعالى أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد.(2/70)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم 1
بشأن زكاة الديون
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 – 16 ربيع الثاني 1406 هـ/ 22- 28 ديسمبر 1985م.
بعد أن نظر في الدراسات المعروضة حول "زكاة الديون" وبعد المناقشة المستفيضة التي تناولت الموضوع من جوانبه المختلفة تبين:
1- أنه لم يرد نص من كتاب الله تعالى أو سنة رسوله صلى الله عليه وسلم يفصل زكاة الديون.
2- أنه قد تعدد ما أثر عن الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم من وجهات نظر في طريقة إخراج زكاة الديون.
3- أنه قد اختلفت المذاهب الإسلامية بناء على ذلك اختلافًا بينًا.
4- أن الخلاف قد انبنى على الاختلاف في قاعدة هل يعطي المال الممكن من الحصول عليه صفة الحاصل؟
وبناء على ذلك قرر:
1- أنه تجب زكاة الدين على رب الدين عن كل سنة إذا كان المدين مليئًا باذلًا.
2- أنه تجب الزكاة على رب الدين بعد دوران الحول من يوم القبض إذا كان المدين معسرًا أو مماطلًا.(2/71)
زكاة المستغلات العمارات والمصانع ونحوها
فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي
يشتمل هذا الفصل على ثلاثة مباحث:
الأول: في زكاة "المستغلات" بين المضيقين الموسعين؟
الثاني: كيف تزكى هذه الأشياء؟
الثالث: كيف يحسب النصاب فيها؟
المبحث الأول
زكاة المستغلات بين المضيقين والموسعين
المستغلات: هي الأموال التي لا تجب الزكاة في عينها، ولم تتخذ للتجارة ولكنها تتخذ للنماء، فتغل لأصحابها فائدة وكسبًا بواسطة تأجير عينها، أو بيع ما يحصل من إنتاجها.
فما يؤجر: مثل الدور والدواب التي تكون بأجرة معينة، ومثل ذلك الحلي الذي يكرى وغيره. وفي عصرنا يتمثل في العمارات ووسائل النقل وغيرها.
وما ينتج ويباع نتاجه: مثل البقر والغنم غير السائمة التي تتخذ للكسب فيها، ببيع لبنها أو صوفها أو تسمينها أو غير ذلك. وأهم منها الآن المصانع التي تنتج ويباع إنتاجها في الأسواق.
وقد اخترنا في الفصل السادس أن تقاس المنتجات الحيوانية على العسل، ويؤخذ منها العشر من الصافي، لأنها متولدة من حيوان لا تجب الزكاة في أصله. ولهذا أرى أن تستثنى من المستغلات التي نذكرها في هذا الفصل، وإن أدخلها بعض الفقهاء فيه.(2/72)
والفرق بين ما يتخذ من المال للاستغلال وما يتخذ للتجارة: أن ما اتخذ للتجارة يحصل الربح فيه عن طريق تحول عينه من يد إلى يد. وأما ما اتخذ للاستغلال فتبقى عينه، وتتجدد منفعته.
وعلى كل حال، فإن معرفة الحكم في المستغلات أمر مهم. وخاصة في عصرنا، بعد أن تعددت أنواع المال النامي فيه تعددًا واضحًا، فلم يعد مقصورًا على الماشية والنقود وسلع التجارة والأرض الزراعية.
فمن الأموال النامية في عصرنا: العمارات التي تعد للكراء والاستغلال، والمصانع التي تعد للإنتاج، والسيارات والطائرات والسفن التي تنقل الركاب والبضائع والأمتعة، غير ذك من رؤوس الأموال الثابتة أو شبه الثابتة، وبعبارة أدق: رؤوس الأموال المغلة النامية غير المتداولة التي تدر دخلًا وفيرًا على أصحابها، فماذا تقول شريعة الإسلام وفقهاؤها في زكاة هذه الأشياء؟
إن الجواب عن هذا السؤال يختلف باختلاف وجهة المضيقين والموسعين في إيجاب الزكاة.
وجهة المضيقين في إيجاب الزكاة:
أما الذين يميلون إلى التضييق في الأموال التي تجب فيها الزكاة، فيقولون:
1- إن الرسول صلى الله عليه وسلم حدد الأموال التي تجب فيها الزكاة، فلم يجعل منها ما يستغل أو ما يكرى من العقارات والدواب والآلات ونحوها، والأصل براءة الناس من التزام التكاليف، ولا يجوز الخروج عن هذا الأصل، إلا بنص صريح عن الله ورسوله، ولم يوجد في مسألتنا.(2/73)
2- يؤيد هذا: أن فقهاء المسلمين في مختلف الأعصار، وشتى الأقطار، لم يقولوا بوجوب الزكاة في هذه الأشياء، ولو قالوا به لنقل عنهم.
3- أنهم نصوا على ما يخالف ذلك فقالوا: لا زكاة في دور السكنى، ولا أدوات المحترفين، ولا دواب الركوب، ولا أثاث المنازل ونحوها. وإذن يكون الحكم عندهم: أن لا زكاة في المصانع وإن عظم إنتاجها، ولا في تلك العمارات، وإن شهق بنيانها، ولا في تلك السيارات والطائرات والسفن التجارية، وإن ضخم إيرادها.
فإذا قبض من إيرادها شيء، وبقي حتى حال الحول، ففيه زكاة النقود: بشروطها المدونة. وإن لم يبق إلى الحول نصاب أو ما يكمل نصابًا فلا شيء عليه.
والتضييق في أموال الزكاة مذهب قديم، عرف به بعض السلف، وتبناه ودافع عنه الفقيه الظاهري ابن حزم، وأيده في الأعصر الأخيرة الشوكاني، وصديق حسن خان، حتى قالوا: لا زكاة في عروض التجارة، ولا في الفواكه والخضروات ونحوها.
ومن أوضح العبارات في ذلك ما قاله صاحب "الروضة الندية" ردًا على ما قال: في المستغلات –كالدور والعقار والدواب ونحوها- بمجرد تأجيرها بأجرة من دون تجارة في أعيانها، مما لم يسمع به في الصدر الأول الذين هم خير القرون، ثم الذين يلونهم، فضلًا عن أن يسمع فيه بدليل من كتاب أو سنة. (1)
وجهة الموسعين في إيجاب الزكاة:
وأما المتوسعون في الأموال التي تجب فيها الزكاة فيقررون وجوبها في الأشياء المذكورة من مصانع وعمارات ونحوها، وهذا هو رأي بعض المالكية والحنابلة –وإن يكن غير مشهور- ورأي الهادوية من الزيدية. كما هو رأي بعض العلماء المعاصرين، أمثال أساتذتنا الأجلاء: أبي زهرة وخلاف وعبد الرحمن حسن. كما سنبين ذلك في المبحث القادم. وهذا التوسع هو الذي أرجحه استنادًا إلى الأمور الآتية:
1- أن الله أوجب في كل مال حقًا معلومًا، أو زكاة، أو صدقة، لقوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} وقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} وقوله صلى الله عليه وسلم: ((أدوا زكاة أموالكم)) من غير فصل بين مال ومال.
وقد رد ابن العربي على الظاهرية الذي نفوا وجوب الزكاة في عروض التجارة، لعدم ورود حديث صحيح فيها، فقال: قول الله عز وجل: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} عام في كل مال على اختلاف أصنافه، وتباين أسمائه واختلاف أغراضه، فمن أراد أن يخصه في شيء فعليه الدليل. (2)
2- أن علة وجوب الزكاة في المال معقولة، وهي النماء كما نص الفقهاء الذين يعللون الأحكام، ويعملون بالقياس، وهم كافة فقهاء الأمة ما عدا حفنة قليلة من الظاهرية والمعتزلة والشيعة. ومن هنا لم تجب الزكاة في دور السكنى، وثياب البذلة، وحلي الجواهر، وآلات الحرفة، وخيل الجهاد بالإجماع وكان القول الصحيح سقوط الزكاة عن العوامل من الإبل والبقر، وعن حلي النساء المستعملة المعتادة، وعن كل مال لا ينمى بطبيعتة أو بعمل الإنسان.
وإذا كان النماء هو العلة في وجوب الزكاة، فإن الحكم يدور معه وجودًا وعدمًا، فحيث تحقق النماء في مال وجبت فيه الزكاة، وإلا فلا.
3- أن حكمة تشريع الزكاة –وهي التزكية والتطهير لأرباب المال، أنفسهم والمواساة لذوي الحاجة، والإسهام في حماية دين الإسلام، ودولته ونشر دعوته –تجعل إيجاب الزكاة هو الأولى والأحوط لأرباب المال أنفسهم، حتى يتزكوا ويتطهروا، وللفقراء والمحتاجين، حتى يستغنوا ويتحرروا، وللإسلام دينًا ودولة، حتى تقوى شوكته، وتعلو كلمته.
وقد قال الكاساني في دلالة العقل على فرضية العشر فيما خرج من الأرض:
إن إخراج العشر إلى الفقير من باب شكر النعمة، وإقدار العاجز، وتقويته على القيام بالفرائض، ومن باب تطهير النفس من الشح ومن الذنوب، وتزكيتها بالبذل والإنفاق، وكل ذلك لازم عقلًا وشرعًا. اهـ.
فهل يكون شكر النعمة، ومساعدة العاجز، وتطهير النفس وتزكيتها بالبذل، لازمًا عقلًا وشرعًا لصاحب الزرع والثمر، غير لازم لصاحب المصنع والعمارة والسفينة والطائرة ونحوها، مما يدر من الدخل أكثر مما تدره أرض الذرة والشعير بأضعاف مضاعفة، ويجهد أقل من جهدها؟
__________
(1) الروضة الندية ج 1 ص 194
(2) شرح الترمذي ج 3 ص 104(2/74)
الرد على أدلة المضيقين:
أما قولهم: لا زكاة إلا فيما أخذ منه النبي صلى الله عليه وسلم الزكاة؛ فنقول:
إن عدم نص النبي صلى الله عليه وسلم على أخذ الزكاة من مال لا يدل على عدم وجوب الزكاة فيه، فإنما نص النبي صلى الله عليه وسلم على الأموال النامية التي كانت منتشرة في المجتمع العربي في عصره، كالإبل والبقر والغنم من الحيوانات، والقمح والشعير والتمر والزبيب من الزروع والثمار، والدراهم الفضية من النقود.
ومع هذا أوجب المسلمون الزكاة في أموال أخرى لم يجئ بها نص، قياسًا على تلك الأموال، أو عملًا بعموم النصوص، وتطبيقًا لما قرر من حكمة فرض الزكاة.
(أ) من ذلك ما قاله الإمام الشافعي في الرسالة عند زكاة الذهب، قال: وفرض رسول الله صلى الله عليه وسلم في الورق و (النقود الفضية) صدقة، وأخذ المسلمون في الذهب بعده صدقة: إما بخبر من النبي صلى الله عليه وسلم لم يبلغنا وإما قياسًا على أن الذهب نقد الناس الذي اكتنزوه، وأجازوه أثمانًا على ما تبايعوا به في البلدان، قبل الإسلام وبعده. اهـ. (1)
واحتمال وجود خبر نبوي لم يبلغ الشافعي في عصره –مع حاجة الناس إلى تناقل هذا الخبر- احتمال ضعيف، فالعمدة هو القياس، وبهذا جزم القاضي الفقيه أبو بكر ابن العربي، فذكر في شرح الترمذي، في بيان الحكمة من ذكر النبي صلى الله عليه وسلم الفضة، ونصابها ومقدار الواجب فيها، وترك ذكر الذهب، قال: "إن تجارتهم إنما كانت في الفضة خاصة، معظمها، فوقع التنصيص على المعظم ليدل على الباقي، لأن كلهم أفهم خلق الله وأعلمهم، وكانوا أفهم أمة وأعلمها، فلما جاء الحمير الذين يطلبون النص في كل صغير وكبير، طمس الله باب الهدى، وخرجوا عن زمرة من استن بالسلف واهتدى" (2) وهو يعني بكلمته الأخيرة العنيفة الظاهريين الذين ينفون القياس، ولا يلتفتون إلى العلل.
(ب) ومن ذلك أنه لم يرد نص صحيح صريح بوجوب الزكاة في العروض التجارية، ومع هذا نقل ابن المنذر الإجماع على وجوبها، ولم يخالف في ذلك إلا الظاهرية الذين تعلقوا بشبهات واهية فندناها في موضعها.
(جـ) ومن ذلك أن عمر أمر بأخذ الزكاة من الخيل، لما تبين له أن فيها ما تبلغ قيمته مبلغًا عظيمًا من المال، وتبعه في ذلك أبو حنيفة؛ ما دامت سائمة، واتخذت للنماء والاستيلاد.
(د) أن أحمد أوجب الزكاة في العسل، لما ورد فيه من الأثر، وقياسًا على الزرع والثمر، وأوجب الزكاة في كل معدن، قياسًا على الذهب والفضة، ولعموم آية {وَمِمَّا أَخْرَجْنَا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ} .
(هـ) أن الزهري والحسن وأبا يوسف أوجبوا فيما يستخرج من البحر من لؤلؤ وعنبر ونحوهما الخمس، قياسًا على الركاز والمعدن.
(و) أن كل مذهب من المذاهب المتبوعة أدخل القياس في الزكاة في أحكام عدة، كقياس الشافعية غالب قوت البلد، أو غالب قوت الشخص على ما جاء به الحديث في زكاة الفطر، من التمر أو الزبيب أو الحنطة أو الشعير، وكقياسهم كل ما يقتات على الأقوات الأربعة المذكورة، التي جاء بها النص في عشر الزرع والثمر.
2- وأما قولهم: إن فقهاء الإسلام في جميع أعصاره وأمصاره لم ينقل عنهم القول بذلك –فلأن بعض هذه الأموال النامية لم ينتشر في عصرهم انتشارًا تعم به البلوى، ويدفع الفقيه إلى الاجتهاد والاستنباط، وبعضها لم يكن موجودًا قط، بل هو من مستحدثات الأزمنة الأخيرة.
__________
(1) الرسالة ص 193، 194 بتحقيق الشيخ أحمد شاكر.
(2) شرح الترمذي ج 3 ص 104(2/75)
ومع هذا وجد من أقوال الفقهاء ما يدل على وجوب الزكاة في هذه الأشياء أو في غلتها وفوائدها. كما سنذكر بعد.
3- وأما نص الفقهاء على إعفاء الدور والآلات ونحوها من الزكاة؛ فهو عين الصواب –ولكن هذه الأشياء التي أخرجها علماؤنا من وعاء الزكاة غير ما نحن فيه، فدور السكنى غير العمارات الاستغلالية، وآلات المحترف كالقدوم والمنشار ونحوهما؛ غير الماكينات والأجهزة التي تنتج وتعمل وتدر ربحًا ودخلًا، والتي غير ظهورها وجه الحياة في العالم كله. ولهذا أطلق عليه المؤرخون اسم "الانقلاب الصناعي" ودواب الركوب غير هذه السيارات والطائرات والجواري المنشآت في البحر كالأعلام، وأثاث المنازل غير محلات "الفراشة" التي تؤجر أثاثها ومقاعدها ومعداتها للناس- فما أخطأ علماؤنا حين قرروا أن لا زكاة فيما ذكروا من الأشياء، بل طبقوا بدقة ما اشترطوه لوجوب الزكاة؛ أن يكون المال ناميًا، فاضلًا عن الحاجة الأصلية لصاحبه، ولهذا علل صاحب "الهداية" الحكم بعدم الزكاة في الأشياء المذكورة بقوله: لأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، وليست بنامية أيضًا. (1)
ووضح ذلك صاحب "العناية" فقال: يعني أن الشغل بالحاجة الأصلية وعدم النماء؛ كل منهما مانع من وجوبها، وقد اجتمعا ههنا: أما كونها مشغولة بها فلأنه لا بد له من دار يسكنها، وثياب يلبسها.. الخ- وأما عدم النماء فلأنه إما خلقي كما في الذهب والفضة، وإما بإعداد للتجارة، وليسا موجودين ههنا. (2)
وعلى هذا اتفق الفقهاء: أن لا زكاة في دار اتخذها صاحبها للسكنى، وهذا من العدل والتيسير الذي جاء به الإسلام، وإن كنا نرى كثيرًا من قوانين الضرائب في الدول المعاصرة تعمد إلى أخذ ضريبة على العقار، ولو كان سكنًا لصاحبه، وقليل منها –مثل التشريع الأمريكي- هو الذي نص على إعفاء مالك المبنى من الضريبة إذا كان يتخذه لسكناه.
هذا إلى أن تعليل فقهائنا لعدم وجوب الزكاة في الدور والثياب وآلات الحرفة ونحوها بأنها مشغولة بالحاجة الأصلية، وبأنها غير نامية، يدل –بمفهوم المخالفة- أن ما اتخذ منها للنماء ولغير الاستعمال في الحاجة الأصيلة يصبح صالحًا لوجوب الزكاة.
__________
(1) الهداية مع فتح القدير ج 1 ص 487
(2) العناية نفس الصفحة السابقة.(2/76)
المبحث الثاني
كيف تزكي العمارات والمصانع ونحوها
الأموال النامية التي أوجب فيها الإسلام الزكاة نوعان:
الأول: نوع تؤخذ الزكاة من أصله ونمائه معًا، أي من رأس المال وغلته، عند كل حول، كما في زكاة الماشية وعروض التجارة، وهذا لتمام الصلة بين الأصل وفوائده وغلاته، ومقدار الزكاة هنا هو ربع العشر، أي 2.5 %.
الثاني: نوع تؤخذ الزكاة من غلته وإيراده فقط، بمجرد الحصول على الغلة دون انتظار حول، سواء أكان رأس المال ثابتًا كالأرض الزراعية، أو غير ثابت كنحل العسل. ومقدار الزكاة هنا هو العشر أو نصفه أي 10 % أو 5 %.
فعلى أي أساس تعامل هذه الأموال النامية الجديدة؟ وكيف تأخذ منها الزكاة؟ أنأخذ الزكاة من رأس المال وما بقي من غلته كما في أموال التجارة! أم نأخذ من غلته وإيراده فقط كما في الحبوب والثمار والعسل؟(2/77)
اتجاهان قديمان في زكاة الدور المؤجرة ونحوها من المستغلات:
ولعل كثيرًا من المتصلين بالفقه ولا يغوصون في أعماقه يظنون أن الدور التي تكرى للناس بأجر، ونحوه مما يدر في كل عام أو في كل شهر مالًا وإيرادًا متجددًا؛ لم ينص أحد من الفقهاء على حكم في زكاته؛ لأنها لم تكن مما عمت به البلوى، وانتشر بين الناس، واحتاجوا فيه إلى حكم حاسم.
وهذا التعليل حق، ولكن وجدنا رغم ذلك من فقهائنا من يقول بتزكيتها، وإن اختلفوا في معاملتها والنظر إليها: أتعامل معاملة رأس المال التجاري، فتقوم كل حول، وتؤخذ الزكاة منها ربع عشر قيمتها؟ أم يغض النظر عن قيمتها وتؤخذ الزكاة من غلتها وإيرادها إذا بلغ نصابًا مستوفيًا لشروط الزكاة؟
الاتجاه الأول: أن تقوم وتزكى زكاة التجارة:
هذا الرأي يعامل مالك العمارة الاستغلالية، والطائرة والسفينة التجاريتين ونحوها معاملة مال السلع التجارية، فتثمن العمارة كل عام، مضافًا إليها ما بقي معه من إيرادها، ويخرج عن ذلك كله 2.5 % ككل عروض التجارة.
وقد وجد في فقهاء السنة وفي فقهاء الشيعة من ذهب هذا المذهب.
رأي ابن عقيل الحنبلي:
ففي فقه أهل السنة وجدت هذا الرأي للفقيه الحنبلي أبي الوفاء ابن عقيل –وهو عالم قوي الذهن ناضج الفكر خصب الاستنتاج- وقد نقل عنه هذا الرأي المحقق ابن القيم في كتابه "بدائع الفوائد" نقل الموافق المقر- قال ابن عقيل مخرجًا ما روي عن الإمام أحمد في تزكيته حلى الكراء: يخرج من رواية إيجاب الزكاة من حلى الكراء والمواشط؛ أن تجب في العقار المعد للكراء، وكل سلعة تؤجر وتعد للإجارة.
قال: "وإنما خرجت ذلك على الحلي؛ لأنه قد ثبت من أصلنا أن الحلي لا تجب فيه الزكاة، فإذا أعد للكراء وجبت. فإذا ثبت أن الإعداد للكراء أنشأ إيجاب الزكاة في شيء لا تجب فيه الزكاة كان في جميع العروض التي لا تجب فيها لزكاة ينشئ إيجاب الزكاة.
"يوضحه أن الذهب والفضة عينان تجب الزكاة بجنسهما وعينهما، ثم إن الصياغة والإعداد للباس والزينة والانتفاع؛ غلبت على إسقاط الزكاة في عينه، ثم جاء الإعداد للكراء فغلب على الاستعمال، وأنشأ إيجاب الزكاة؛ فصار أقوى مما قوى على إسقاط الزكاة، فأولى أن يوجب الزكاة في العقار والأواني والحيوان التي لا زكاة في جنسها" (1)
هذا ما ذكره ابن عقيل وأقره ابن القيم تخريجًا على مذهب أحمد.
ونحن نقول: إن ما ذهب إليه الإمام أحمد من إسقاط الزكاة عن الذهب والفضة إذا استعملا في حلي مباح، ومن إيجابها في الحلي إذا أعد للكراء؛ مذهب قوى، يستند إلى أصل هام في باب الزكاة وهو: أن لا زكاة في مال غير نام أو مشغول بالحاجة الأصلية، وإنما الزكاة في المال النامي، وهو الذي يدر على صاحبه كسبًا ودخلًا.
__________
(1) بدائع الفوائد ج 3 ص 143(2/78)
والحلي المباح المستعمل للزينة واللبس مال غير نام، ومشغول بحاجة صاحبته، فإذا أعده للكراء فقد خرج عن ذلك إلى حيز النماء، وأصبح صالحًا للدخول في وعاء الزكاة".
وهو قول لمالك أيضًا كما ذكر ابن رشد. (1)
وإذا طبقنا هذا على العقارات والأثاث والسيارات والسفن والطائرات والماكينات والأجهزة الصناعية المختلفة، اتضح لنا هذا الحكم: أن لا زكاة فيها إذا كانت للاستعمال الشخصي، فإذا أعدت للكراء، وغدا من شأنها أن تجلب نماء وربحًا؛ فقد غدت صالحة لوجوب الزكاة، وزكاتها في هذه الحال كزكاة عروض التجارة نصابًا ومقدارًا.
ومعنى هذا أن مالك العمارة أو "الأوتوبيس" أو الطائرة أو الفندق أو محل "الفراشة" (2) أو أي سلعة تؤجر وتعد للإجارة –كما قال ابن عقيل - عليه- فردًا كان أو شركة- أن يقوم عقاراته أو سياراته (التاكسي) ، فإذا عرف قيمتها ضم إليها ما لديه من رأس المال النقدي، وما له من ديون مرجوة، كما يصنع التاجر في رأس ماله، ثم يخرج ربع عشرها زكاة.
ولا يقال: إن هذه الأشياء رأس مال ثابت، فيجب أن يعفى من الزكاة، كما يعفى الأثاث الثابت في حوانيت التجارة؛ لأنا نقول: إن هذه الأشياء الثابتة هنا هي نفسها رأس المال النامي المغل الذي به تجلب المكاسب والأرباح، وإنما يعفى ما لم يكن مقصودًا للكسب من ورائه، كالأرض والمباني التي توضع فيها الماكينات الصناعية، لأن الماكينات هي المقصودة، بخلاف الأرض والمباني في العمارة والفندق والسينما ونحوها، فإن المبنى نفسه هو الذي يجلب الفائدة والمال.
__________
(1) بداية المجتهد ج 1 ص 237 ط 1 استانبول سنة 1333هـ
(2) يراد بها محلات تأجير الأثاث من خيام ومقاعد وأدوات في الأفراح والولائم وغيرها من المناسبات(2/79)
مذهب الهادوية في المستغلات:
وفي فقه الشيعة وجدت صاحب "البحر الزخار" وهو سجل جامع لمذاهب علماء الأمصار أهل سنة وشيعة –قد نقل عن الهادوية من الشيعة الزيدية؛ أنهم ذهبوا إلى إيجاب الزكاة في المستغل من كل شيء لأجل الاستغلال، لعموم قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} ولأنه مال قصد به النماء في التصرف فكان كمال التجارة فيزكيه إذا بلغت قيمته نصابًا. (1)
ثم رجعت إلى "متن الأزهار" وشرحه وحواشيه، في فقه الزيدية، فوجدته يتبنى مذهب الإمام الهادي في "المستغلات" ويعنون بها: كل ما تجددت منفعته، مع بقاء عينه. فلا تجب الزكاة عندهم في الخيل والبغال والحمير والدور والضياع ونحوها، إلا أن يكون شيء منها لتجارة أو استغلال.
فكل ما يؤجر من حلية أو دار أو دابة أو غيرها إذا بلغت قيمته نصابًا من النقود طرفي الحول، تجب تزكيته زكاة التجارة.
ذكروا عن الهادي: أن من اشترى فرسًا لبيع نتاجها متى حصل، فإنه يلزمه الزكاة في قيمتها وقيمة أولادها، قال المؤيد بالله وأبو العباس وأبو طالب: ووجهه أنها تصير للتجارة هي وأولادها.
قال المؤيد بالله: وكذلك من اشترى دود القز ليبيع ما يحصل منها.
__________
(1) البحر الزاخر ج 2 ص 147(2/80)
قال الحقيني: وكذلك من اشترى الشجرة ليبيع ما يحصل منها من الثمار
وقيل: وكذا من اشترى بقرة ليبيع ما يحصل منها من السمن واللبن، أو شاة ليبيع ما يحصل من الصوف والسمن والأولاد. (1)
ودليل هذا المذهب ذكره في "البحر" وهو أمران:
1- عموم النصوص التي أوجبت الزكاة في الأموال مطلقًا، دون فصل بين مال ومال.
2- قياس المال المستغل على المال المتجر فيه، فكلاهما مال قصد به النماء، ولا فرق بين المعارضة في الأعيان والمعارضة في المنافع.
اعتراضات المانعين:
وقد اعترض على هذا الرأي بعض الفقهاء الذين يميلون إلى التضييق في إيجاب الزكاة، مثل الإمام الشوكاني في (الدرر البهية) وشارحها صديق حسن خان في (الروضة الندية) .
ولا يبعد ممن يقول: ليس في الخضروات ولا في البقول ولا في أموال التجارة زكاة –وهذا رأي الشوكاني وصديق- أن يقول: ليس من المستغلات كالدور والدواب التي يكريها مالكها زكاة.
وجملة ما احتج به في الروضة يرجع إلى شعبتين: إحداهما تتعلق بالمنقول من الخبر، والثانية تتصل بالمعقول من النظر.
(أ) فأما الخبر فحديث ((ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة)) وهو يصرح بنفي الصدقة عن فرس المسلم نفيًا عامًا، وهذا النفي يشمل حالة استغلاله بالتجارة أو بالكراء.
وأما الشبهة الأخرى فهي أن إيجاب الزكاة فيما ليس من الأموال التي تجب فيها الزكاة بالاتفاق –كالدور والعقار والدواب ونحوها- بمجرد تأجيرها بأجرة بدون تجارة في أعيانها، مما لم يسمع به في الصدر الأول الذين هم خير القرون ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، فضلًا عن أن يسمع فيه بدليل من كتاب أو سنة.
__________
(1) انظر شرح الأزهار لابن مفتاح وحواشيه ص 450، 451، 475(2/81)
وقد كانوا يستأجرون ويؤجرون، ويقبضون الأجرة من دورهم وضياعهم ودوابهم ولم يخطر ببال أحدهم أن يخرج في رأس الحول ربع عشر داره أو عقاره أو دوابه، وانقرضوا وهم في راحة من هذا التكليف الشاق، حتى كان آخر القرن الثالث، من أهل المائة الثالثة؛ فقال بذلك من قال بدون دليل إلا مجرد القياس على أموال التجارة، وقد عرفت الكلام في الأصل –يعني زكاة التجارة- فيكف يقوم الظل والعود أعوج؟ مع أن هذا القياس في نفسه مختلف بوجوه، منها: وجود الفارق بين الأصل والفرع، فإن الانتفاع بالمنفعة ليس كالانتفاع بالعين. (1)
وخلاصة هذه الشبهة: أن الأصل براءة الناس من التكاليف، ولم يوجد دليل يوجب الزكاة في هذه المستغلات، حتى إن أحدًا من السلف لم ينقل عنه القول بزكاتها، فضلًا عن نص من آية أو حديث.
أما القياس على أموال التجارة وزكاتها؛ فعلى فرض التسليم بثبوت الزكاة فيها، فقد اختل القياس بوجود الفارق وهو: أن أموال التجارة وسلعها ينتفع بعينها، فتنتقل العين من يد إلى يد بالبيع والشراء، بخلاف هذه الأشياء، فإنها باقية، وإنما يستفاد من منفعتها فحسب.
__________
(1) الروضة الدية ج 1 ص 194(2/82)
تعقيب وترجيح:
أما حديث ((ليس على المسلم في عبده أو فرسه صدقة)) فالذي اخترناه أن نفي الصدقة فيهما إنما كان لأنهما من حوائجه الأصلية؛ فالعبد يخدمه، والفرس مركبه وعدته للجهاد، ومن ثم أو جب جمهور الفقهاء منذ الصدر الأول إخراج الزكاة عن العبد والفرس إذا كانا للتجارة، بل نقل ابن المنذر الإجماع على ذلك، ولم يقف ظاهرًا هذا الحديث دون ما فهموه وأفتوا به.
وأما عدم النقل عن الصدر الأول ما يفيد إيجاب الزكاة في هذه الأشياء؛ فإنما كان لعدم شيوع الكراء والاستغلال فيها بحيث تعم به البلوى –على حد تعبير الفقهاء- ويظهر الحكم، ويتناقله الرواة، وكل عصر له مشكلاته التي تثار، ويطلب إبرام حكم في شأنها، ولم تكن هذه (المستغلات) من مشكلات تلك الأعصار. قال في (البحر) : وقد ادعى مخالفة الهادوية للإجماع، وفيه نظر؛ إذ لم يصرح السلف فيها بحكم. (1)
وفي حواشي شرح الأزهار: المختار أن قول الهادي ليس مخالفًا للإجماع؛ لأن الصحابة والتابعين إما أن يكونوا خاضوا في المسألة واختلفوا فيها، فهي خلافية، أو خاضوا وأجمعوا، فلم ينقله عنهم ناقل، أو لم يخوضوا، فلا حرج في استنباط مسألة بفكره الصائب، ونظره الثاقب. (2)
أما قياس هذه (المستغلات) على عروض التجارة؛ فربما كان له وجه عند النظرة الأولى، إذ كل من المستغلات والعروض رأس مال نام مغل، وكلا المالكين تاجر يستثمر رأس ماله ويستغله ويربح منه، وكون صاحب العروض ينتفع بإخراج عين الشيء عن ملكه، وصاحب العمارة والمصنع ينتفع بالغلة مع بقاء العين؛ ليس فرقًا يوجب الزكاة على أحدهما ويعفي الآخر.
بل قد يقال: إن المنتفع باستغلال الشيء مع بقاء عينه في ملكه –كمالك العمارة وصاحب المصنع- ربما كان أكثر ضمانًا للربح، وأمانًا من الخسارة، من صاحبه التاجر الآخر.
__________
(1) البحر الزخار ج 1 ص 148
(2) حاشية شرح الأزهار ج 1 ص 450(2/83)
هذا ما قد يبدو لأول وهلة، ولكن عند التأمل يتبين لنا المفارقات الآتية:
أولًا: أن أصدق تعريف لعروض التجارة هو: كل ما يعد للبيع من الأشياء بقصد الربح، كما جاء في حديث سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يأمرهم أن يخرجوا الزكاة مما يعدونه للبيع. وقد تقدم في زكاة التجارة.
ومما لا يخفى أن هذه العمارات والمصانع وما شاكلها كلها لا يعدها مالكها للبيع. بل للاستغلال. وإنما ينطبق هذا على التجار والمقاولين الذين يشترون العمارات أو يبنونها بقصد بيعها والربح من ورائها. فهذه تعامل معاملة عروض التجارة بلا نزاع.
ثانيًا: أننا لو جعلنا كل مالك يستغل رأس ماله ويبتغي نماءه تاجرًا –ولو كان رأس المال غير متداول وغير معد للبيع- لكان مالك الأرض والشجر التي تخرج له زرعًا وثمرًا تاجرًا أيضًا، ويجب أن يقوم كل عام أرضه أو حديقته ويخرج عنها ربع العشر زكاة، وهذا ما لا يقبل، ولا يقول به أحد.
ثالثًا: أن هذه المستغلات قد يتوقف في بعض الأحيان استغلالها لسبب من الأسباب، فلا يجد صاحب العمارة من يستأجرها، ولا يجد صاحب المصنع المواد الأولية اللازمة، أو الأيدي العاملة، أو السوق الرائجة.. الخ، فمن أين يخرج زكاته؟
إن صاحب العروض التجارية السائلة (المتداولة) يبيعها ويخرج زكاتها من قيمتها، بل يمكن عند الحاجة أن يدفع الزكاة من عينها –كما رجحنا ذلك- ولكن صاحب الدار أو المصنع كيف تؤخذ منه الزكاة إذا لم يكن له مال آخر؟ لا سبيل إلى ذلك إلا بيع العقار أو جزء منه ليستطيع أداء الزكاة، وفي هذا عسر ظاهر، والله يريد بعباده اليسر، ولا يريد بهم العسر.
ومن هنا تظهر قيمة الفرق بين ما ينتفع بعينه كالعروض التجارية، وما ينتفع بغلته كالعقارات ونحوها.
رابعًا: يعكر على هذا الرأي من الناحية العملية: أن العمارة أو المصنع ونحوه ستحتاج كل عام إلى تثمين وتقدير، لمعرفة كم تساوي قيمتها في وقت حولان الحول، إذ المعهود أن مرور السنين ينقص من صلاحيتها، وبالتالي من قيمتها، كما تقلب الأسعار تبعًا لشتى العوامل الداخلية والخارجية له أثره في هذا التقويم، ولا شك أن هذا التقويم الحولي تلابسه صعوبات تطبيقية، ويحتاج أول ما يحتاج إلى مختصين ذوي كفاية وأمانة قد لا يتوافرون كما أن كل هذا يقتضي جهودًا ونفقات تنتقص أخيرًا من حصيلة الزكاة.
لهذا نرى أن الأولى أن تكون العمارة والمصنع ونحوهما في غلتهما، وهذا ما اتجه إليه الرأيان الآخران، وإن اختلفا في تحديد نسبة ما يؤخذ من الغلة: أهي العشر أو نصفه كما في زكاة الزروع والثمار، أم ربع العشر كما في زكاة التجارة؟(2/84)
الاتجاه الثاني: أن تزكى الغلة عند قبضها زكاة النقود:
أما الرأي الثاني الذي وجدناه لبعض الأئمة في كتبنا الفقهية، فإنه ينظر إلى هذه المستغلات نظرة أخرى، فلا يأخذ الزكاة من قيمتها كل حول، ولكن يأخذها من غلتها وإيرادها.
ما روي عن الإمام أحمد:
وقد روي عن الإمام أحمد فيمن أجر داره، وقبض كراها: أنه يزكيه إذا استفاده. كما ذكر صاحب المغني عنه. (1)
__________
(1) المغني ج 3 ص 29، 47(2/85)
قول بعض المالكية:
وفي كتب المالكية، ذكر الشيخ زروق في شرح "الرسالة": أن في المذهب خلافًا في حكم زكاة الأشياء التي تتخذ للانتفاع بغلتها، كالدور للكراء، والغنم للصوف، والبساتين للغلة، وهذا الخلاف في أمرين:
الأول: في ثمنها إذا بيعت عينها.
والثاني: في غلتها إذا استفيدت.
فالقول المشهور في الأول: أن يستقبل بثمنها حولًا. كعروض القنية (الممتلكات الشخصية) إذا بيعت.
والقول الآخر، ينظر إليها كعروض التاجر المحتكر، وحكمه عند المالكية معروف، وهو أن يزكى ما يبيعه منها في الحال، إذا كان العرض قد بقي في ملكه حولًا أو أكثر.
وهذان القولان يردان في غلة هذه الأشياء وفائدتها، كما أشار إلى ذلك الشيخ زروق، وقال: انظره في المطولات. (1)
والذي يهمنا هنا هو القول الثاني، الذي يزكى فوائد "المستغلات" عند قبضها.
مذهب جماعة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم:
وكل من قال بتزكية "المال المستفاد" عند تملكه (بلا اشتراط حول) يقول بتزكية الإيراد الناتج عن استغلال العمارات وإنتاج المصانع وأجرة السيارات والطائرات والأجهزة وأدوات الفراشة ونحوها.
وسنرى في بحثنا عن المال المستفاد في الفصل القادم: أن هذا هو مذهب ابن عباس وابن مسعود ومعاوية والناصر والباقر وداود، كما روي عن بن عبد العزيز، والحسن البصري والزهري ومكحول والأوزاعي. (2)
وحجة هؤلاء عموم النص من قوله صلى الله عليه وسلم: ((في الرقة ربع العشر)) .
وزاد بعضهم هنا ما ذكره "الهادي" في قياس المال المعد للكراء والاستغلال على المال المعد للبيع. قالوا: وهو قياس قوي؛ لأن بيع المنفعة كبيع العين، وكلما كراها فكأنما باعها، إلا أن القياس يقتضي أن يقدر النصاب من الغلة التي هي الأجرة. كما ذكر صاحب "الحاصر في مذهب الناصر" حيث ذكر في الحوانيت والدور المستغلات إذا بلغ كراهًا وغلتها في السنة 200 مائتي درهم، ففيها ربع العشر، وإذا لم يبلغ ذلك، فلا شيء. (3)
__________
(1) شرح الرسالة ج 1 ص 329
(2) انظر: موضوع المال المستفاد في الفصل الآتي عند زكاة (كسب العمل) .
(3) حواشي شرح الأزهار ج 1 ص 450، 451(2/86)
فإذا كان الرأي الأول يجعل أخذ الزكاة من رأس المال نفسه –العمارة والمصنع- فإن هذا الرأي يجعل أخذها من الدخل والإيراد، بنسبة ربع العشر 2.5، ولا يشترط لذلك حولان الحول.
رأي معاصر: أن تزكى الغلة زكاة الزرع والثمر:
وهناك رأي آخر معاصر يوافق الرأي الثاني في أخذ الزكاة من غلة هذه الأشياء، ولكنه يخالفه في مقدار ما يؤخذ، فإنه جعل الواجب هو العشر أو نصفه، قياسًا على الواجب في الأرض الزراعية.
فإذا كان الرأي الأول قاس هذه الأشياء على عروض التجارة؛ فهذا قاسها على الأرض الزراعية، وقاس إيرادها على الزرع والثمار، إذ لا فرق بين مالك تجبى إليه غلات أرضه المزروعة، ومال آخر تجبى إليه غلات مصانعه وعماراته ونحوها.
وإلى هذا الرأي –في قياس العمائر والمصانع على الأرض الزراعية- ذهب من فقهائنا المعاصرين الأساتذة: أبو زهرة وعبد الوهاب خلاف وعبد الرحمن حسن –رحمهم الله- في محاضرتهم بدمشق سنة 1952 عن الزكاة. (1)
فقد قسموا الأموال –نقلًا عن الفقهاء- إلى ثلاثة أقسام:
1- أموال تقتنى لإشباع الحاجات الشخصية؛ كدور السكنى لأصحابها، والأقوات المدخرة لسد حاجة المالك، وهذه لا تجب فيها الزكاة.
2- أموال تقتنى لرجاء الربح بسببها، أو يكون من شأنها ذلك، ولكن تختزن في الخزائن، وهذا تجب فيه الزكاة باتفاق الفقهاء، ومنه الأموال التي أخذ الرسول منها الزكاة، وهي الأصل الذي يقاس عليه غيره.
3- أموال تتردد بين النماء وإشباع الحاجة الشخصية كالحلي والماشية التي تتخذ للعمل والنماء معًا، وفي حكمها اختلف الفقهاء، كما بينا من قبل.
ثم قالوا: إن تطبيق هذا التقسيم على عصرنا ينتهي بنا لا محالة إلى أن ندخل في أموال الزكاة أموالًا في عصرنا مغلة نامية بالفعل، لم تكن معروفة بالنماء والاستغلال في عصر الاستنباط الفقهي، وذكروا من هذه الأموال نوعين:
أولًا: أدوات الصناعة التي تعتبر رأس مال للاستغلال، وهي وسيلة الاستغلال لصاحبها، مثل صاحب مصنع كبير يستأجر العمال لإدارته، فإن رأس ماله للاستغلال هو تلك الأدوات الصناعية، فهي من هذه الآلات، فلا تعد كأدوات الحداد الذي يعمل بيده، ولا أدوات النجار الذي يعمل بيده. وهكذا.. ولهذا قالوا: نرى أن الزكاة تجب في هذه الأدوات باعتبارها مالًا ناميًا، وليس من الحاجات التي لإشباع الحاجات الشخصية بذاتها. وإذا كان الفقهاء لم يوجبوا الزكاة في أدوات الصناعة في عصورهم، فلأنها كانت أدوات أولية لا تتجاوز الحاجة الأصلية لصناعته، والإنتاج لمهارته، فلم تعتبر مالًا ناميًا منتجًا، إنما الإنتاج فيها للعامل.
__________
(1) حلقة الدراسات الاجتماعية للجامعة العربية – الدورة الثالثة – ص 241، 242(2/87)
أما الآن فإن المصانع تعد أدوات الصناعة نفسها رأس مالها النامي، ولذلك نقول: إن أدوات الصناعة التي يملكها صانع يعمل بنفسه كأدوات الحلاق الذي يعمل بيده ونحوه تعفى من الزكاة، لأنها تعد من الحاجات الأصلية له. أما المصانع فإن الزكاة تفرض فيها، ولا نستطيع أن نقول: إن تلك مخالفة لأقوال الفقهاء، لأنهم لم يحكموا عليها، إذ لم يروها، ولو رأوها لقالوا مثل مقالتنا فنحن في الحقيقة نخرج على أقوالهم، أو نطبق المناط الذي استنبطوه في فقههم رضي الله عنهم.
وثانيًا: العمائر المعدة للاستغلال لا للسكنى الشخصية، فإننا نعدها مالًا ناميًا، ولا نعدها من الحاجات الأصلية، ولذلك نقسم الدور إلى قسمين:
أحدهما: ما أعد لسكنى المالك، وهذه لا زكاة فيها، كما قرر الفقهاء.
والقسم الثاني: ما هو معد للاستغلال، فإننا نرى أن تفرض فيه الزكاة، ولسنا في ذلك نخالف الفقهاء، وإن قرروا أن الدور لا زكاة فيه، لأن الدور في عصورهم لم تكن مستغلًا إلا في القليل النادر، بل كانت للحاجة الأصلية، ولم يلتفتوا إلى النادر، لأن الحكم للأغلب الشائع، والنادر لا حكم له في الشرائع.
أما الآن فإن الدور أصبحت للاستغلال لا للسكنى الشخصية فقط، فالعمائر تشاد لطلب الفضل والنماء، وهي تدر الدر الوفير، فالواجب أن تؤخذ منها زكاة، إذ هي مال نام مستغل، ولأننا نأخذ من نظيرها، وهو الأراضي الزراعية، فمن العدل أن نأخذ منها زكاة، وإن لم نأخذ من هذا كان ذلك تفريقًا بين متماثلين، وذلك لا يجوز في الإسلام، ونحن في هذا أيضًا نطبق أقوال الفقهاء أو نخرج على أقوالهم لتحقيق المناط الذي استنبطوه.
ومن الإنصاف أن نقول: إن الإمام أحمد – رضي الله عنه – كانت له غلة تجيئه من حوانيت يؤجرها، فكان يخرج زكاتها، مع أنه لا مورد لعيشه سواها (راجع مناقب الإمام أحمد ص 224- لابن أبي يعلى) .
" ولقد رأيناه صلى الله عليه وسلم يفرض الزكاة فى الأموال المنقولة غير الثابتة من رأس المال بمقدار ربع عشره ووجدناه يفرض الزكاة فى الأموال الثابتة المنتجة, فى الغلة لا فى الأصل, لأن الأصل لا يقبل التجزئة والأخذ منه، فانتقل الأخذ إلى الغلة، فكان الأخذ من الإنتاج بمقدار العشر أو نصف العشر.(2/88)
وعلى ضوء ما قرر النبي صلى الله عليه وسلم من مقادير مفرقا بين الثابت والمنقول من حيث المأخذ والمقدار، فإنا أيضًا في الأموال المنتجة في عصرنا، نفرق بين المنقول والثابت، ففي المنقول تؤخذ الزكاة من رأس المال بمقدار ربع العشر، والثابت تؤخذ الزكاة من غلته بمقدار العشر أو نصف العشر.
وعلى هذا نقول: إن العمائر وأدوات الصناعة الثابتة تؤخذ الزكاة من غلاتها، ولا تؤخذ من رأس المال، وعند التقدير بالعشر أو نص العشر، إن أمكن معرفة صافي الغلات بعد التكاليف- كما هو الشأن في الشركات الصناعية – فإن الزكاة تؤخذ من الصافي بمقدار العشر، لأن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ الزكاة بالعشر من الزرع الذي سقى بالمطر أو العيون، فكأنه أخذه من صافي الغلة، وإن لم تمكن معرفة الصافي على وجهه – كالعمائر المختلفة- فإن الزكاة تؤخذ مها (أي من الغلة) بمقدار نصف العشر" (1) . اهـ.
هذا ما ذهب إليه ثلاثة من كبار العلماء، الذين قضوا حياتهم في دراسة الفقه الإسلامي وأصوله وتاريخه، وتدريسها. فاجتهادهم هنا هو اجتهاد الخبير الأصيل، لا المتطفل الدخيل. وهو اجتهاد صحيح، لأن معتمدة هو القياس، أحد الأصول والأدلة الشرعية المعتبرة عند جمهور الأمة.
أما تعليقنا على الموضوع نفسه. فنوضحه في السطور التالية:
مناقشة وترجيح:
إن الرأي الذي ذهب إليه شيوخنا الأجلاء، يوافق الاتجاه الثاني – كما ذكرنا – في أخذ الزكاة من غلة العمارات والمصانع وفوائدها – أعنى أرباحها – ولكنه يخالفه في مقدار ما يجب أخذه. فالرأي السابق يجعل الواجب ربع العشر، اعتبارًا بزكاة النقود. وهذا الرأي يجعل الواجب العشر أو نصفه، اعتبارًا بزكاة الزروع والثمار، وقياسًا لدخل العمارات والمصانع ونحوها على دخل الأرض الزراعية، وهذا الرأي هو الذي أختاره، لأنه اعتمد على أصل شرعي صحيح وهو القياس، ولكني ألاحظ عليه الأمور الآتية:
أولها: أن هذا الرأي أدخل المصانع والعمارات في الأموال النامية التي تجب فيها الزكاة، ولكنه لم يضع ضابطًا عامًا، أو قاعدة جامعة، يندرج تحتها كل ما ماثلها من رءوس الأموال المغلة المنتجة، فلا شك أن في عصرنا مزارع للأبقار والدواجن ونحوها، تدر ربحًا وفيرًا من المنتجات الحيوانية. وفي عصرنا أموال كسيارات الأجرة الصغيرة (التاكسي) والكبيرة (أوتوبيس) وسيارات النقل، والسفن التجارية، والطائرات التجارية والمحلات التي تؤجر الأثاث في الأحفال والمناسبات، وغير ذلك كثير. وهذه الأموال الجديدة لا تدخل تحت المصانع ولا العمارات. ولهذا رأينا أن تدخل هذه الأشياء وما شابهها تحت قاعدة " المستغلات " فهي قاعدة حاصرة جامعة. سواء أكان الاستغلال بطريق كراء العين والاستفادة بأجرتها، كالعمارات والسيارات ونحوها أم بطريق الانتاج وبيع ما يحصل من نتاجه، أي الإنتاج للسوق، كالمصانع ونحوها. سواء كان مصدر الاستغلال حيوانًا كبقر الألبان والدواجن، والتي قسنا منتجاتها في الفصل السادس على عسل النحل – أم جمادًا كالأشياء الأخرى. وسواء كان المستغل عقارًا كالعمارة والمصنع أم منقولًا كالسيارة والأثاث الذي يؤجر في الأحفال ونحوها. فلا ضرورة إذن للتفرقة بين الثابت والمنقول. كما ذكر هذا الرأي، بأن تؤخذ الزكاة في رأس المال الثابت من الغلة بمقدار العشر (أو نصفه) وفي المال المنقول تؤخذ الزكاة من رأس المال نفسه بمقدار ربع العشر.
__________
(1) المرجع السابق ص 249، 250(2/89)
أجل، لا ضرورة لهذه التفرقة وقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم أخذ من العسل وهو غلة النحل، وليس النحل من العقارات، بل هو أقرب إلى المنقولات، وخلايا النحل، يمكن نقلها بالفعل.
الثاني: إن قياس الدور المؤجرة ونحوها على الأرض الزراعية، غير مسلم. وقولهم: لا فرق بين مالك تجبى إليه غلات أرضه، ومالك تجبى إليه غلات عماراته، منقوض. فإن الزكاة التي تؤخذ من الزرع ليست منوطة بملك الأرض الزراعية، بل بملك الزرع نفسه، فصاحب الزرع عليه الزكاة ولو كان مستأجرًا كما هو قول الجمهور.
والذي يصح أن يقاس عليه هو مالك الذي يكري أرضه، وتجبى إليه غلتها في صورة " أجرة " من مستأجريها، فهذا أشبه شيء بمالك العمارة الذي يكريها، وتجبى إليه غلتها كذلك.
ولهذا كان لا بد أن يسبق هذا الحكم أصل يقاس عليه، وهو القول بزكاة أجرة الأرض الزراعية، إذا قبضها مالكها، وهو ما ذهبنا إليه من قبل، ورجحناه بالأدلة. بدون هذا الأصل لا يسلم القياس المذكور.
الثالث: أن قياس العمارات ونحوها على الأرض الزراعية يمكن أن ينقض بوجود الفارق بينهما. ذلك أن الأرض الزراعية مصدر دائم للدخل، لا يعتريه توقف، ولا يلحقه بلى أو تآكل بتقادم العهد. بخلاف العمارات ونحوها فإنها مصدر مؤقت يعيش سنوات تقل أو تكثر ثم ينتهي ويتوقف، فكيف يصح القياس مع هذا الاختلاف بين الأصل والفرع والقياس يقتضي التماثل بين المقيس والمقيس عليه وإلا كان قياسًا مع الفارق.
والذي يخرجنا من هذا الاعتراض، ويصحح القياس المذكور هو الأخذ بما ذهب إليه علماء الضرائب من إعفاء مقابل الاستهلاك، فقد نادوا باقتطاع مبالغ سنوية من الدخل بحيث يؤدي تراكمها على مر السنين إلى الاستعاضة عن رأس المال - مصدر الدخل- بمصدر آخر جديد. فإذا كانت الآلة أو العقار – مصدر الدخل – يستطيع الاستمرار في الإنتاج مدة ثلاثين عامًا مثلًا، فإنه يمكن – بإدخار جزء من ثلاثين جزءًا من ثمنه كل عام – شراء مصدر آخر من آلة أو عقار، عند توقف الأول، بحيث يبقى الدخل قائمًا مستمرًا، وهذا الجزء المقتطع كل عام يجب أن يعفى من الضرائب (1) فإذا كان رجل يملك عمارة يقوم ثمنها بثلاثين ألف دينار مثلًا، وافترضنا أنها تنقص كل عام 1/30 من ثمنها، أي ألف دينار فالمفروض أن تخصم هذه الألف من غلتها السنوية، فلو كانت تؤجر في السنة بمبلغ 3000 ثلاثة آلاف – تعتبر كأنه لم تؤجر إلا بألفين فقط.
وبهذا يصح قياس العمارة والمصنع على الأرض الزراعية، فإنها مصدر باق صالح للإنتاج على مر الزمن، وما تحتاج إليه من تسميد ونحوه، فهو أشبه بنفقات الصيانة للمبنى والآلة. وهذا غير مقابل الاستهلاك الذي ذكرنا.
__________
(1) انظر: علم المالية الدكتور رشيد الدقر ص 368(2/90)
المبحث الثالث:
نصاب الزكاة في العمائر ونحوها
لم يعرض الأساتذة أصحاب هذا الرأي لموضوع النصاب الذي يجب توافره في غلة العمارة أو المصنع، كم هو؟ وكيف يقدر بقيمة نصاب الزرع، وهو خمسة أوسق (خمسون كلية مصري) ؟ وهل يعتبر أدنى الحبوب والثمار أو أوسطها أو أعلاها؟ – وقد يؤيد هذا المنزع أن نقيس غلة المصنع على غلة الأرض- أم يقدر النصاب بالنقود أي بما قيمته 85 جرامًا من الذهب، على اعتبار أن الذهب وحده التقدير في كل العصور؟
لعل هذا هو الأقرب والأيسر، فإن الشارع اعتبر من ملك هذا القدر غنيًا، وأوجب عليه زكاة، ولم يوجب على من ملك دون ذلك شيئًا من الزكاة. وما دام مالك العمارة أو المصنع يقبض غلة ملكه نقودًا؛ فالأولى أن يقدر النصاب بالنقود.
المدة التي يعتبر فيها النصاب:
وإذا كان لا بد من اعتبار النصاب – لأنه الحد الأدنى للغنى في نظر الشارع – فما المدة التي يعتبر فيها النصاب؟ أيعتبر بالشهر؟ فكل غلة شهر يشترط فيها أن تبلغ نصابًا، أم يعتبر بالسنة؟ فتضم إيرادات الشهور بعضها إلى بعض، ويخرج منها الزكاة في رأس الحول إذا بلغت نصابًا. إن الاعتبار بالشهر له مزية، وهي إعفاء ذوي الإيراد القليل من أصحاب الدور المتواضعة، التي لا يبلغ كراها في الشهر نصابًا، ففيه رفق بأرباب المال.
ولكن الاعتبار بالسنة أنفع للفقراء والمستحقين، لما فيه من توسيع قاعدة الزكاة والأموال التي تجب فهيا، إذ في هذه الحالة تجب على عدد أكبر، فإن ضم دخل الشهور بعضها إلى بعض حتى تبلغ النصاب يدخل في ممولي الزكاة عددًا أكبر.(2/91)
ولعل هذا الاعتبار هو الأقرب، فإن دخل الفرد- كدخل الدولة أيضًا – يقدر بالسنة لا بالشهر، وقديمًا كانوا يؤجرون الدور بالسنة، ولهذا ذكرنا عن بعض الفقهاء الذين قالوا بتزكية المال المستفاد عند قبضه: إذا بلغ كراء الدار في السنة نصابًا زكي في الحال.
وفي هذا الحال تعتبر غلات الشهور كالزرع أو النخل الذي يؤتى ثماره على دفعات، فيضم بعضها إلى بعض، كما هو مذهب أحمد. قال في المغنى: (وتضم ثمرة العام الواحد بعضها إلى بعض، سواء اتفق وقت إطلاعها وإدراكها أم اختلف، فتقدم بعضها على بعض في ذلك، ولو أن الثمرة جذت ثم أطلعت الأخرى وجذت، ضمت إحداهما إلى الأخرى، فإن كان له نخل يحمل في السنة حملين، ضم أحدهما إلى الآخر) (1) .
وبذلك يكون حساب العمائر – كحساب المصانع ونحوها – حسابًا واحدًا متشابهًا، فإن المصانع إنما تصفى حسابها، وتعرف صافي إيرادها كل حول، لا كل شهر.
رفع النفقات والديون من الإيراد:
والذي أختاره هنا: أن الزكاة تجب في صافي الإيراد، أي بعد رفع ما يقابل النفقات والتكاليف من أجور وضرائب ونفقات صيانة ونحوها، وكذلك رفع ما يقابل الديون التي تثبت صحتها، ورفع قدر النفقة هو ما ذهب إليه عطاء وغيره في الزرع والثمر، قال عطاء: " ارفع نفقتك وزك الباقي"، وهو الذي أيده ورجحه ابن العربي في شرح الترمذي.
__________
(1) المغنى ج 1 ص 733.(2/92)
إعفاء الحد الأدنى للمعشية:
وهنا بحث تتم به زكاة العمائر ونحوها، وذلك هو حكم إعفاء الحد الأدنى لمعيشة المالك وعياله، إذا لم يكن له مورد يعيش منه غيرها.
فهل تجب الزكاة في صافي الإيراد السنوي، دون أن يقتطع له منه قدر ما يعيش به هو ومن يعوله في السنة، وبتعبير فقهائنا: ما يحتاج إليه في حوائجه الأصلية؟ أم تجب في جملة الإيراد دون إعفاء شيء من ذلك؟
لا ريب أن من الناس من لا مورد لرزقه غير دار يؤجرها، أو مصنع صغير يديره بنفسه، أو بمن ينوب عنه، وقد يكون هذا المصنع أو تلك الدار لشيخ كبير، أو أرملة، أو صبية أيتام.
فهل يترك لهؤلاء وأمثالهم نصيب لمعيشتهم، وما لا بد لهم منه، وتفرض الزكاة فيما بقى؟ أم تؤخذ الزكاة من جملة الإيراد كله؟
إن الذي يتفق وعدالة الإسلام أن يعفى ما يعتبر حدًا أدنى للمعيشة – في تقدير خبراء متدينين – وأن تجب الزكاة في الباقي من إيراد السنة إذا بلغ نصابًا، وهذا بالنسبة لمن ليس له إيراد آخر يكفيه حاجاته، كمعاش أو راتب أو نحوه.
ودليلنا على ذلك أمران:
الأول: أن الفقهاء اعتبروا المال الذي يحتاج إليه صاحبه حاجة أصلية كالمعدوم شرعًا، وشبهوه بالماء المستحق للعطش، يجوز التيمم مع وجوده، لأنه مع الحاجة إليه اعتبر معدومًا.
الثاني: ما جاءت به الأحاديث – التي ذكرنا من قبل- من أمر الخارصين لثمار النخيل والأعناب بالتخفيف والتيسير على أرباب الثمار، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لهم: ((دعوا الثلث فإن لم تدعوا الثلث فدعوا الربع)) (أي يعفى من الزكاة هذا القدر توسعة على أرباب المال، وتقديرًا لحاجتهم إلى الأكل من الثمر رطبًا) .
وقد يكون من الأضبط والأيسر إعفاء ثلث الإيراد أو ربعه ابتداء، اهتداء بروح الأحاديث المذكورة.(2/93)
زكاة المستغلات
فضيلة الدكتور علي احمد السالوس
في زكاة المستغلات اختلفت الآراء، ولم يكن هناك خلاف يذكر بين المذاهب الفقهية والذي أبرز هذا الخلاف هو ضخامة هذه المستغلات في العصر الحديث.
فعندما عقدت حلقة الدراسات الاجتماعية بدمشق سنة 1952م، وبحثت موضوع الزكاة انتهى المجتمعون إلى أن المستغلات لا تزكى عينها، وإنما غلتها فقط، وأن ما تزكى غلته لا عينه يقاس على زكاة الزرع، فالعين كالأرض، والغلة كالزرع، فصافي الغلة يزكى بنسبة 10 %.
وهذا الرأي وجد من عارضه، وأذكر على سبيل المثال أن الشيخ محمود شلتوت أفتى بأن الغلة تزكى زكاة نقود، أي 2.5 % واستمر الأمر إلى أن عقد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية سنة 1385هـ (1965م) . وكان أستاذنا العلامة المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة أحد الذين حضروا حلقة الدراسات الاجتماعية، وقدم للمؤتمر بحثًا عن الزكاة، وذهب في المستغلات إلى ما انتهى إليه الرأي في تلك الحلقة. وبعد مناقشة البحث انتهى المؤتمر إلى ما يأتي:
الأموال النامية التي لم يرد النص ولا رأي فقهي بإيجاب الزكاة فيها حكمها كالآتي:
1- لا تجب الزكاة في أعيان العمائر الاستغلالية والمصانع والسفن والطائرات وما شابهها، بل تجب الزكاة في صافي غلتها عند توافر الناصب وحولان الحول.
2- وإذا لم يتحقق فيها نصاب وكان لصاحبها أموال أخرى تضم إليها، وتجب الزكاة في المجموع إذا توافر شرطا النصاب وحولان الحول.
3 – مقدار النسبة الواجب إخراجها هو ربع عشر صافي الغلة في نهاية الحول. ومعنى هذا أن المؤتمر رفض رأي أستاذنا، ومعلوم أن المجمع لا يصدر الفتاوى إلا بالإجماع، وهذا يعني أنه هو نفسه عدل عن رأيه وانضم لرأي الجماعة، ولكن سمعت غير هذا، ولا أجد له تفسيرًا.(2/94)
وبعد المؤتمر الثاني للمجمع ظهر كتاب "فقه الزكاة" للأستاذ يوسف القرضاوي وكان للكتاب أثره الواسع في هذا المجال. وانتهى فضيلته في المستغلات إلى رأي حلقة الدراسات الاجتماعية مع شيء من التعديل، يحث رأي إسقاط ما يقابل استهلاك العين، فالعين المستغلة لها عمر زمني مفترض، واقترح عدم تزكية الربع أو الثلث كما كان يحدث عادة في الخرص.
وهذا الرأي كأنه وسط بين الرأيين.
وينتهي الأمر إلى مؤتمر الزكاة الأول الذي شرفت بحضوره. وذكرت في اجتماع اللجنة العلمية ما يؤيد المؤتمر الثاني لمجمع البحوث، مستدلًا بما يأتي:
1- المستغلات في عصرنا لا أصل لها في تاريخ أمتنا، حيث كان المسلمون يؤجرون البيوت، والحوانيت، والحمامات، والدواب، وغيرها، ورأي الأئمة الإعلام أن الغلة تزكى زكاة نقود، وما قال أحد بقياسها على الزرع.
2- الزكاة عبادة، والقياس في العبادة قد يكون غير جائز.
3 – ولو أخذنا بالقياس نظرًا للجانب المالي، فهو هنا قياس مع الفارق، لأن المستغل ليس كالأرض، فقد يهلك في لحظة: فتحترق الطائرة، وتغرق السفينة، وتنهدم العمارة، والأرض باقية إلى أن يأذن الله عز وجل في زلزلتها.
والغلة ليست كالزرع لأنها تزكى كل حول، أما الزرع فبعد أن يزكى، إذا ادخر سنوات فلا يزكى مرة ثانية، إلا إذا أصبح عروض تجارة.
ولذلك بين الإمام الشافعي الفرق بين النقدين والزرع بقوله في رسالته (ص527- 528) :
" ... وأني لم أعلم منهم مخالفًا في أني علمت معدنا فأديت الحق فيما خرج منه، ثم أقامت فضته أو ذهبه عندي دهري، كان على في كل سنة أداء زكاتها، ولو حصدت طعام أرضى فأخرجت عشرة، ثم أقام عندي دهره، لم يكن على فيه زكاة ".
ولكن هذا الرأي رفضه الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي، والأستاذ الدكتور مصطفى الزرقاء، وهو أحد الذين حضروا الدراسات الاجتماعية، وقد رد قائلًا بجواز القياس هنا، وبأن هذا القياس قياس محكم.(2/95)
العرض والمناقشة
10/4/ 1406- 22/12/1985
الساعة 16.20 – 20.20
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
نبحث الآن موضوع " زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية " وأمامكم فيه بحثان: أحدهما لفضيلة الشيخ القرضاوي، والثاني لفضيلة الشيخ علي بن أحمد السالوس، وقد ترون مناسبًا أن يتفضل الشيخ يوسف القرضاوي بعرض موجز عن البحث في هذا الموضوع يعتمد النظرة الفقهية من خلال الاختلاف والدليل فليتفضل مشكورًا.
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه، {رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا} {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} ، اللهم أرنا الحق حقًا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا وارزقنا اجتنابه، وبعد.
هذا الموضوع الذي قدمت لأتحدث عنه، ليس جديدًا عليكم وهو في كتابي " فقه الزكاة" وأعتقد أنكم تعرفونه، لذلك فأنا أجد من العسير أن أكرر نفسي لهذا فأنا ألخص تلخيصًا ربما كان مخلًا كالتلخيص الذي لخصه مجموع ملخصات البحوث وهو في الحقيقة ملخص تلخيصًا شديدًا جدًا لا يمكن أن يفي ببعض ما في الموضوع من أساسيات.
الذي أريد أن أؤكد عليه هنا أن الشريعة لا تفرق بين متماثلين كما أنها لا تجمع بين مختلفين، وأن أحكام الشريعة في جملتها معللة مفهومة، وأن جمهور فقهاء الأمة يعللون الأحكام، وهذا ما جعلنا ننظر في وعاء الزكاة أو الأموال التي تجب فيها الزكاة على أساس هذه النظرة، وأن سبب إيجاب الزكاة كما نص كثير من الفقهاء هو المال النامي، النامي حقيقة أو النامي تقديرًا، النامي أو القابل للنماء، ومعنى أنه نام أنه يدر كسبًا وإيرادًا لصاحبه، وبناء على هذا قلنا: إن الأموال النامية تختلف من عصر إلى عصر، ربما كانت هناك أموال في عصر النبوة وفي عصر الصحابة ليس لها نماء أصبحت في عصرنا أموالا نامية بل من أكبر الأموال النامية وأكثرها وأشهرها، ومن هنا ظهرت أشياء لعلها لم تظهر عند الفقهاء السابقين فلم يكن عندهم ما يجعلهم يجتهدون فيها، والاجتهاد وليد مشكلة يجدها الفقيه فيبحث ويجتهد، فإذا لم توجد أو وجدت على سبيل الندرة، لم يكن هناك حاجة للاجتهاد ربما وجدت بعد عصور الاجتهاد ولكن في عصور التقليد، قلما نجد قولًا إلا أن يردد أقوال السابقين، هذا ما جعلنا ننظر في المستغلات أو أو الأراضى والعقارات , العقارات والمصانع ونحوها التى سماها بعض الفقهاء " المستغلات " وهو ما تبقى عينه وتتجدد منفعته بخلاف الأِشياء التي تعد للتجارة في العين تنتقل من يد إلى يد، هذا الأشياء رأيناها في عصرنا في مثل العمارات السكنية وفي مثل المصانع التي تنتج ويباع نتاجها في الأسواق، ماذا ينبغي أن ننظر إلى هذه الأشياء، ربما إذا نظرنا إلى الفقه التقليدي أو المشهور فيه نقول: لا شك فيها حتى يأتي منها بعض المال ويحول عليه الحول فتجب فيه الزكاة، ولكن إذا لم يحل عليه الحول كما يحدث فعلًا، فإن كثيرًا من أصحاب هذه العمارات والمصانع لا يبقى في يدهم مال يحول عليه الحول، لأن المال يتحول للانتاج مرة أخرى، لا يبقى عنده سيولة، أكبر التجار والرأسماليين ليس عندهم مال سائل، لأن المال يعمل باستمرار من شيء إلى شيء فربما تمر السنون تلو السنين ولا تجب عليه زكاة قط، فهل قصد الشارع أن يعفى هؤلاء من الزكاة.(2/96)
فمن هنا كانت نظرتنا إلى هذه الأموال، إن هذه هي أموال نامية وعلة وجوب الزكاة هو النماء أو المال النامي، من ناحية أخرى النصوص العامة، عموم النصوص وإطلاقها التي أوجبت في كل مال حقا أو في كل مال زكاة {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ} {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} "أدوا زكاة أموالكم" من غير فصل بين مال ومال. وكما قال القاضي أبو بكر بن العربي إن كلمة " زكاة أموالكم"، أو {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} ، عام في كل مال على تباين أسمائه وإختلاف أغراضه ,فمن خص منها شيئا فعليه الدليل ,فعموم النصوص من ناحية، والتعليل بأن وجوب الزكاة أساسه المال النامي والقياس أيضًا، وأحب أن أقول إن الزكاة فيها قياس من نواح كثيرة، وما من مذهب فقهي إلا وأدخل القياس في الزكاة، والزكاة ينظر إليها على أنها إحدى العبادات الأربع والشعائر الكبرى في الإسلام، وقد ينظر بعض الناس إلى هذا الجانب فيقول: إنه لا يدخل القياس فيها، ولكن الزكاة ليست عبادة محضة، بل هي عبادة وهي أيضًا جزء من النظام المالي والاقتصادي في الإسلام، هذا يجعل الفقهاء أحيانًا ينظرون إليها باعتبارها حقًا ماليًا، ولهذا أوجب الأئمة الثلاثة وجمهور الأمة الزكاة في مال اليتيم، ولم يخالف في ذلك إلا الحنفية الذين نظروا إلى الجانب العبادي فيها، فلم يوجبوا الزكاة على الصغير والمجنون، على حين أن الحنفية نظروا إليها من الجانب العبادي في هذه الناحية، فالزكاة فيها بجوار الجانب العبادي الجانب الاجتماعي والاقتصادي والمالي، فهذا القياس جعلنا نقول إنه ينبغي أن يقاس ما تنتج هذه العقارات وهذه الأشياء على إيجار الأرض الزراعية خاصة عندما يقال إن المالك يخرج الزكاة عن أجرة الأرض كما هو مذهب الإمام أبي حنيفة، هذا ما أحببت أن أقوله في وجهة الموسعين في إيجاب الزكاة، وهناك طبعًا مضيقون في إيجاب زكاة، وبعضهم يضيق إلى أن يقول: إنه ليس في عروض التجارة صدقة، كما هو مذهب الظاهرية، فطبعًا أولى أن يقولوا في إيجاب المستغلات.(2/97)
هناك أحب أن أقول شيئًا في هذا، أنه سبق لكثير من الفقهاء القول بإيجاب الزكاة في هذه الأشياء ولهم أكثر من اتجاه، فهناك من ينظر إلى أعيانها كما حكى ابن القيم عن ابن عقيل، الإمام ابن عقيل الحنبلي وهو إمام مشهور ذو باع طويل وصاحب الفنون، ابن عقيل قال: إن الزكاة في العقارات أو في الحلى كما ورد عن الإمام أحمد: الحلى إذا اتخذ للكراء، ورد عن الإمام أحمد رواية أن فيه زكاة خرج ابن عقيل على رواية الإمام أحمد تخريجًا: أن الدور التي تكرى ونحوها تكون فيها زكاة أيضًا، ونقل هذا ابن القيم عن ابن عقيل ولم يعترض عليه حيث إنه أقره في ذلك، هناك أيضًا بعض الأقوال في مذهب مالك ذكرتها في كتاب " فقه الزكاة "، وهناك رواية عن الإمام أحمد أيضًا: أنه من قبض كراء داره يزكيها عندما يقبضها، وهذا ذكره أيضًا ابن قدامة في " المغنى"، وهناك كل من يزكى المال المستفاد من الصحابة والتابعين يقول بزكاة هذه الأشياء عندما يقبضها، عندما يقبض الغلة، الإيراد. مذهب ابن مسعود ومذهب ابن عباس ومذهب معاوية من الصحابة ومذهب عدد من التابعين أن المال المستفاد، أي المال الذي لم يزك من قبل، الذي يقبضه صاحبه عليه أن يزكيه حين يقبضه، أي يزكيه حين يستفيده كما قال ابن عباس، وكان ابن مسعود يعطي العطاء ويأخذ من كل ألف خمسة وعشرين، يعني بيسموه الحجز في المنبع، وهكذا، وكذلك كان معاوية يزكى العطاء، وكان عمر بن عبد العزيز يزكى العطاء والجائزة، يخصم، فإن كل من يقوم بزكاة المال المستفاد عند قبضه يزكى غلة هذه العقارات، ولكن المذهب الذي اخترته هو ما ذهب إليه مشايخنا منذ ثلث قرن، المرحوم الشيخ خلاف وإخواننا السلفيون يعترضون علينا في المرحوم الشيخ خلاف والشيخ أبو زهرة والشيخ عبد الرحمن حسن رحمهم الله جميعًا- المرحوم أي المدعو له بالرحمة- فهؤلاء في سنة 52 في حلقة الدراسات الاجتماعية التي عقدت بدمشق، ذهبوا إلى أن هذه العقارات والمصانع تزكى غلتها العشر، عشر الصافي قياسًا على الأرض الزراعية، أنا قلت: هناك يجب أيضًا لكي يكون القياس صحيحًا أن نعفي مقابل الاستهلاك، لأن الأرض الزراعية لا تستهلك في 30 سنة يحسم ذلك على هذا السن التقديري أو العمر التقديري، هذا ما ذهبت إليه وأردت بذلك في الحقيقة أن أرد على الذين يقولون: إن الشريعة الإسلامية توجب الزكاة على الفقراء وتعفى الأغنياء، كما قال لي أحد الإخوة ونحنن نصعد الأسانسير في النفدق الذي نقيم فيه قال: انظر هذه الناطحة من ناطحات السحاب قلت له: ولكن لا يبدو أن ليس عليها زكاة لأن صاحب هذه الناطحة ممكن أن يأتي إليه الآلاف والملايين ومع هذا لا تجب عليه الزكاة لأنه لا ينتظر حتى يحول عليها الحول، ومنذ سنوات كنت في ماليزيا سألني مدير جامعة الملايو سؤالًا أثاره الشيوعيون هناك قالوا: إن الإسلام يوجب الزكاة على فقراء المزارعين صغار الزراع ويعفى كبار الملاك، سألني هذا السؤال فعرفت من أين أتى هذا السؤال، أتى هذا السؤال أن في مذهب الشافعي ويقرب منه بعض المذاهب الأخرى أن الزكاة لا تؤخد إلا مما يقتات على سبيل الاختيار، القمح، الذرة، والأرز، هذه الأشياء، أما مزارع التفاح والمانجو وجوز الهند والشاي والمطاط وغير ذلك وإن جلبت لصاحبها الملايين فليس فيها شيء، المجالس الإسلامية هناك حينما تأخذ الزكاة ممن يزرعون الذرة والقمح وهذه الأشياء وهؤلاء هم الفقراء ومعظمهم مستأجرون، أما كبار الملاك فلا تأخذ منهم شيئا، فقلت له: إن في مذهب أبي حنيفة الزكاة في كل ما أخرجته الأرض، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز وقد جاء عن عدد من السلف وهو الموافق لعموم الآيات والنصوص، ولذلك رجحه القاضي أبو بكر ابن العربي في كتابيه أحكام القرآن، وعارضة الأحوذي وقال إن مذهب أبي حنيفة هو أحوط للمساكين وأليق بشكر النعمة وأحق بتحقيق مقاصد الشرع ومصالح الخلق.. إلى آخر المقال، والإمام الشافعي لعله لو كان موجودًا الآن ورأى ما رأينا لغير رأيه ما يدرينا لعله يغير رأيه، وقد غير رأيه في مدة أقرب من هذا، كان له مذهب قديم في العراق ومذهب جديد في مصر، هذه المفارقات هي التي تجعلنا أيها الإخوة نقول بتوسيع وعاء الزكاة، فلا يعقل أن نقول: إن الشارع قصد إلى إعفاء الغنى وإيجاب عبء الزكاة على الفقير، أليس هذا صاحب ناطحات السحاب وغيره أليسوا محتاجين إلى تطهير أنفسهم وتزكية أموالهم؟ {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} أليسوا محتاجين إلى التطهير والتزكية؟ هم محتاجون وأموالهم محتاجه بل هم أكثر من غيرهم حاجة إلى هذا التطهير وإلى هذه التزكية.
أكتفى بهذه الإشارات واللمحات وأسأل الله تعالى أن ينير طريقنا وأن يفقهنا في ديننا إنه سميع قريب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/98)
الرئيس:
أحب أن أسأل فضيلة الشيخ لما ركز على أن العلة في الزكاة هي النماء هل هي علة اطرادية أم لا؟
الشيخ يوسف القرضاوي:
هي اطرادية نعم.
الرئيس:
إذا كانت اطرادية فعندنا يرد سؤال فيما لو كان عند إنسان رصيد كبير من الذهب أو الفضة وبقى سنين لا يستغله بأي نماء.
الشيخ يوسف القرضاوي:
فضيلة الرئيس أنا أشرت إشارة موجزة إلى معنى النماء، قلت: النماء حقيقة أو تقديرًا، ما كان قابلًا للنماء فهو نام، لذلك اعتبروا النقود بطبيعتها نامية لأنها قابلة للنماء، هذا النماء بالقوة وليس النماء بالفعل، فلو أن إنسانا عطل هذه النقود فعليه زكاتها، هذا ما قصدته من النماء وهو مشروح ومنبه عليه، والفقهاء يقصدون بالنماء: أي النماء حقيقة أو تقديرًا بأن يكون المال في ذاته قابلًا لأن ينمى، هذا ما أردته.
الشيخ رجب التميمي:
لقد ذكر فضيلة الأستاذ أن العقارات والمصانع والمستغلات يؤخذ منها العشر كما في الأرض الزراعية ثم استدرك وقال إن هذه الأشياء قد تستهلك على مدى ثلاثين أو غير ذلك ولذلك يجب أن ننقص العشر لأن الأرض الزراعية لا تستهلك، هذا قول جميل وله تقدير، لكن هذه المستغلات لو قسناها على الأرض الزراعية التي فيها نصف العشر والتي تحتاج إلى مؤونة مثل الأرض التي تسقى بالدولاب وغيره، أم ماذا يرى فضيلة الاستاذ حينما ننقص العشر إلى أي شيء؟ أنا أرى أن هذه المستغلات يؤخذ منها نصف العشر قياسًا على الأرض الزراعية التي تحتاج إلى مؤونة كالأرض التي تسقى بالدولاب وغيره، فما رأي فضيلة الأستاذ في ذلك أم أن له رأيًا آخر في إنقاص الزكاة من العشر إلى أي شيء؟
الشيخ يوسف القرضاوي:
شكر الله لفضيلة الأستاذ التميمي، أنا أيضًا يمكنني أن أوافق على هذا لأن الذي يهمني في الحقيقة هو ألا تخلو هذه الأموال النامية الكبيرة التي يملك بعض الناس منها الكثير والكثير جدًا ألا تخلو عن زكاة عند قبض إيرادها، فيمكن أن نقول كما قال مشايخنا بالزكاة في الصافي على أن يكون عشرًا وأن يحدد المقدار لأن الكلام الآن في المقدار إذ انتهينا إلى أن فيها زكاة، ممكن أن يكون العشر في الصافي مع حساب مقابل الاستهلاك، وممكن أن يكون كما قال فضيلة الشيخ نصف العشر في الإجمالي، في إجمالي الإيراد دون نظر إلى حساب الاستهلاك قياسًا على الأرض التي تروى بآلة وما إلى ذلك أنا لا أمانع في هذا، وربما يكون هذا تيسيرا في الحساب وأسهل على عموم الناس.
الشيخ رجب التميمي:
يعني ممكن أن نتخذ في هذه الجلسة الرأي ونحدد الرأي في المقادير ونبحث ذلك.(2/99)
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر لفضيلة الأستاذ الجليل الشيخ يوسف القرضاوي مطلاعته القيمة وما فيها من لمسات الاجتهاد المذهبي المشكور، غير أن هنالك سهوًا فيما أعتقد، وجل الذي لا ينسى، في تقرير بعض الحقائق العلمية. ففضيلته نسب إلى الإمام الأعظم ومذهبه أنه يقول بوجوب الزكاة في المستغلات أو بغير ذلك، لعل هذا الكلام سهو، والذي هو معروف في المذهب الحنفي، في المفتى به في كتب المذهب أن المستغلات لا زكاة فيها، لا زكاة في المستغلات، وأنا الذي فهمته، ولعلك لم تقل ذلك، وأنا الذي فهمته أن الإمام الأعظم يميل مع الجمهور، لعل هذا القول قول للإمام، لكن المفتى به في المذهب كما هو معلوم لدى السادة العلماء عدم وجوب الزكاة في المستغلات والأراضي الإيجارية. هذه واحدة، فإذا كان فضيلته لم يقل ذلك فقد اتفقنا. بقيت مسألة وهي أن محل الزكاة المال المنامي تقديرًا أو تحقيقًا، وما أظن أن أحدًا من الفقهاء في المذاهب الأربعة الكبرى قال: إن علة الربا هو المال النامي، لأن علة الربا كما تعلمون العلة هي السبب المؤثر، علة الربا عند الحنفية القدر والجنس وعلة الربا عند الشافعية كما تفضل المطعومات والمقتاتات وعلة الربا عند المالكية المدخرات، فإذا تأسس كلامه على أن علة الربا هو المال النامي فقد وضع محل الربا علة، والعلة الحكم شيء ومحله شيء آخر إن علة الربا لدى كل إنسان قرأ المذهب الحنفي هي القدر والجنس، وللحنفية في ذلك استدلال كبير تجده في كتاب " التوضيح " لصدر الشريعة وحاشية التلويح، وفي كتب أصول الفقه المتعددة عند الحنفية، فقضية المال النامي ليس علة أبدًا لا عند الحنفية ولا عند المالكية ولا عند الشافعية، ولكنني إنصافًا للحقيقة العلمية لم أطلع على قول عند الحنابلة في قضية المال المنامي هل هو العلة أم لا؟ وأرجو أن يفيدني في مذهب الحنابلة فضيلته في هذا، فإنني أعلم أن المذهب الحنبلي دائمًا بنحو قريبا من المذهب الشافعي في هذه المسألة وفي غيرها من المسائل القياسية الفقهية، فإذا كان أصل الموضوع كله مبنيًا على أن علة الربا هو المال النامي فإن أصل الموضوع من أساسه يحتاج إلى نظر، هذا مع العلم بأني أنصف فضيلته في مقاصده وفي حقية وغاية ما قاله وما رمى إليه من أننا نريد توسيع وعاء الزكاة وعدم إعفاء الأغنياء، وأننا نريد ذلك عن طريق علمي أصلي، مؤصل، ولا نريده لأجل أن نقول هذا الكلام انطلاقًا من عاطفة دينية صحيحة جياشة لدينا نريد تحقيقها ولكننا نطالب بالدليل الصحيح، والدليل الصحيح ما كان مبنيًا على أساس صحيح. أشكر فضيلة الرئيس وأرجو الإفادة والاستفادة، فقيل للإمام أبي حنفية: كيف وصلت إلى ما وصلت إليه قال: ما تركت الإفادة وما استنكفت عن الاستفادة. وشكرًا.(2/100)
الشيخ يوسف القرضاوي:
شكر الله للأخ فرفور ولكن يظهر أنه الذي سها ولست أنا، وجل من لا يسهو، أولا أنا لم أقل إن أبا حنفية قال: إن هناك زكاة في المستغلات، إن هذا مذهب الزيدية وليس مذهب الحنفية، أنا قلت إن أبا حنفية يقول: الزكاة في كل ما أخرجت الأرض ورجحه القاضي أبو بكر ابن العربي، وقلت أن أبا حنيفة قال: الزكاة على المالك المؤجر في الأرض الزراعية وليس على المستأجر، وإن كان المذهب يقول الفتوى على قولهما، على قول الصاحبين وليس على قول الإمام الأعظم، هذا من ناحية، الأمر الآخر هو أمر الربا، ما دخل الربا؟ تكلمت عن علة الزكاة وليس عن علة الربا، موضوعنا هو الزكاة وليس الربا، وهما متقابلان {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} فنحن في الصدقات وليس في الربا يا شيخ فرفور، فعلة الربا هذه معروفة وفيها خلاف المذاهب، أي علة الاقتيات أو القدر والجنس، ولكن ليس هذا موضوعنا وما تطرقت إليه قط، أنا أتكلم في علة الزكاة، فأقول إن الحنفية وغيرهم حتى عند الحنابلة، أشار ابن قدامة في المغنى إلى أن النماء أيضًا هو العلة، المال النامي. أسأل الله سبحانه وتعالى أن يغفر لي ولك.(2/101)
الشيخ على السالوس:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، نحمده سبحانه وتعالى ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فهو المهتدى ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى من اهتدى بهديه واتبع سنته إلى يوم الدين. وبعد أيها الإخوة الكرام. في الواقع أنا لم أكتب بحثًا في هذا الموضوع وأنما أبديت بعض الملاحظات كنت أبديتها أمام اللجنة العلمية للمؤتمر الأول للزكاة، والتلخيص هنا فيه بعض أشياء سقطت، فرقم 1، 2، 3 هذه الأرقام إنما هي لفتوى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية هذا ليس رأيي، وأيضًا فيه بعض أشياء أخرى سقطت، والمستغلات في عصرنا لا أصل لها، اذكر أنني قلت فيما كتبت، فما كتبته لم يصلني، هنا جزاهم الله خيرًا أرسلوا الأبحاث ولكن الأبحاث لم تصلني، وأذكر هنا أنني قلت المستغلات لها أصل، ثم الزكاة هنا بالنسبة للقياس قد يكون جائزا وقد يكون غير جائز، ففيه كلمة (غير) ناقصة، على أي حال أبين وجهة النظر التي أبديتها. حلقة الدراسات الاجتماعية كما تفضل الدكتور القرضاوي أفتت بأن المستغلات تقاس على الأراضي الزراعية، والغلة تقاس على الزرع، وهذا الرأي هناك من خالفه مثل فضيلة الشيخ شلتوت، واستمر الأمر إلى أن وصل إلى المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية، في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية قرر ما أثبته هنا أنه لا تجب الزكاة في أعيان العمائر بل في غلتها عند توافر النصاب وحولان الحول، وإذا لم يتحقق فيها نصاب وكان لصاحبها أموال أخرى تضم إليها ويزكى على المجموع بشرط توافر النصاب وحولان الحول، ومقدار الزكاة ربع العشر، إذن هنا المؤتمر الثاني لمجمع البحوث رأى أن المستغلات تزكى زكاة نقود، الغلة هي التي تزكى وتزكى زكاة نقود وليست زكاة زروع، ولم يقيسوها على الزرع، ثم أشرت أيضًا إلى ما ذكره فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي في كتابه القيم " فقه الزكاة " حيث أخذ رأيًا وسطا ولم يذهب إلى رأى حلقة الدراسات كما هو ولم يوافق مجمع البحوث الإسلامية، ولذلك ما أذكره هنا ليس رأيًا شخصيًا وإنما هو أدلة أرى أنها تؤيد ما ذهب إليه المجتمعون في المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية.(2/102)
أولًا: أن هذه المستغلات كانت موجودة من قبل فكانوا يؤجرون الدور والدواب والحمامات وغير ذلك، فالمستغلات كانت موجودة فعلًا، وما قال عالم بأن نقيس هذا على الزروع وإنما كانوا ينظرون إلى الأموال هذه على أنها تزكى زكاة نقود، كيف كانت تزكى، القائلون بأنها تزكى في الحال وهم قلة، وهناك من قال تزكى بعد حولان الحول أو تضم إلى الأموال الأخرى.
الأمر الثاني: أننا هنا نقيس في العبادات والقياس في العبادات قد يكون غير جائز لأننا إذا جئنا للقياس في العبادات على إطلاقه فإننا سنقع في أشياء محظورة، فعلى سبيل المثال إذا قلنا القياس المطلق أو العلة المطلقة، كيف مثلًا أن صاحب أربعين شاة يخرج شاة وصاحب مائة وعشرين شاة يخرج شاة! قلنا هنا بعلة مطلقة وهذا غنى وهذا فقير وصاحب تسع وثلاثين شاة لا يخرج شيئًا! إذن هنا القياس في العبادات لأن العبادات أصلًا أن الإنسان يعبد الله سبحانه وتعالى وهو طائع إن لم يستطع أن يصل إلى الحكمة ثم لو فرضنا أن هنا الجانب المالي في الزكاة كما تفضل الدكتور، الجانب المالي قد يجعلنا نأخذ بشيء من القياس، أقول هنا أيضًا بأن القياس مع الفارق، فارق فيماذا؟ المستغل ليس كالأرض لأن المستغل يمكن الطائرة تحترق، والسفينة تغرق، والعمارة تنهدم، إنما الأرض من طبيعتها البقاء، طبيعة الأرض تختلف عن طبيعة المستغلات هذه ناحية، ناحية أخرى، أن المستغل قد يكون قائمًا وصالحًا ومع ذلك لا يستخدم، لماذا؟ لأنه ظهر ما هو أحسن منه، آلة معينة، ثم الاختراعات الحديثة وصلت إلى مرحلة، اعتبرت هذه الآلة مرحلة متخلفة جدًا، فأصبحت لا تستخدم، فكأن ثمن هذا المستغل يعتبر ضاع. إذن نقيس المستغل على الأرض فيه فارق. الأمر الآخر ما تنتجه الأرض وما تنتجه المستغلات: ما تنتجه الأرض، إذا خرج منها وزكيته، فكما يقول الإمام الشافعي: وبقى عندي دهره فلا أزكيه مرة أخرى، أما المستغل ما يخرج منه وبقى عندى دهري ففي كل عام أزكيه، إذن هنا المستغلات زكاة الغلة التي تخرج منها عندما نزكيها هذا العام وتبقى عندنا أيضًا تتزكى في العام التالي وهكذا، أما ما يخرج من الأرض فإننا نزكيه عندما يخرج ما لم يتحول إلى تجارة، وما بينه الإمام الشافعي في رسالته الأصولية عندما أخذ يبين الفرق بين الزرع والذهب والفضة، إذن هنا القياس يكون مع فوارق كثيرة، لذلك أرى أن القياس هنا غير دقيق. أما أن نأخذ برأي أن فيها زكاة أم لا، ونزكى في الحال أم لا؟ هذا رأي أرى أن تبحثوه وأن تنتهوا فيه إلى ما يرضى الله إن شاء الله، ولكن المقدار أن نقيس على الزرع هذا هو ما أرى أنه بعيد. والله سبحانه وتعالى أعلم بالصواب، والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.(2/103)
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا..
شكرًا لإحالتي الكلمة، وأريد أن أعقب على ما جاء في كلمة سماحة الشيخ يوسف القرضاوي فيما ذهب إليه من حيث التأصيل ومن حيث التفريع. أما من حيث التأصيل فقد اعتمد العمومات في الشريعة وأسند رأيه إلى الإمام أبي بكر ابن العربي، والإمام أبو بكر بن العربي هو معلوم من كبار فقهاء المالكية وهو رجل يطلق كلامه بدون تدقيق، هو قوى الحجة يريد أن يلجيء خصمه، لو أخذنا بكلامه لقلنا له: يا إمامنا عليك أن تزكى حذاءك، عليك أن تزكى عمامتك، وعليك أن تزكى الدار التي تسكنها، وعليك أن تزكى الطعام الذي ادخرته لحياتك لكامل السنة، كل هذه أموال، في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (24) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ} ونعلم أن الشريعة الإسلامية من حيث الأصول بينت أشياء وسكتت عن أشياء موجودة في وقت التشريع، وما سكتت عنها إلا لأنها عفو، وقد كانت الدور تكرى، ومالك رضي الله عنه ما ملك دارًا كامل حياته وإنما يسكن في دار بالكراء، ومن أبواب الفقه عندنا أي المسلمين في كل المذاهب باب كراء الرواحل والسفن، فالرواحل والسفن كان يوجد في المسلمين من لهم نشاط في هذا النوع، فهي مشهورة معلومة عند جميع الفقهاء يشاهدونها، والذين يعتمد قولهم ما رأيت واحدًا منهم قال: إنه تجب الزكاة في هذه.
الأمر الثاني هو أننا بجانب شيئين: الأمر الأول الحق الواجب، والحق الواجب هو أمر خطير لأننا نجعل أن كل من لم يقم بهذا الواجب هو آثم مستحق لعقوبة ترك الزكاة، ولكن الإسلام لم يجعل الحد الأدنى هذا هو الحق الوحيد في أموال الناس ولكن الأثرياء عندهم حق واجب وهو الأدنى، وهو ما ورد فيه النص وما زاد على ذلك هم مطالبون فيه بالصدقات وبغيرها من أبواب البر المعروفة في الإسلام.
الأمر الثاني أو الثالث الذي أريد أن ألاحظه هو أنه يكفينا الاتهامات الواردة على هذه القلعة الفقهية من غير الفقهاء فلا نسمح للفقهاء أن يزيدوا ضغثًا على إبالة، ونسمع بالفقه التقليدي. فما أظن أن هناك فقهًا تقليديًا وفقهًا تجديديًا وإنما هناك فقه إسلامي كله نتيجة النظر، فلا يتهم بعضنا بعضًا بالألقاب التي تؤثر بالنسبة للعامة ولا تؤثر على العلماء. فإن هذا مفهوم الزكاة في المستغلات هو أمر مضطرب لأن السفن استهلاكها في أمد، وهناك من يكري السيارات واستهلاك السيارة هو لا يتجاوز بالنسبة للسيارة المكتراة أكثر من ثلاث سنوات على أكثر تقدير، وهناك دور العمارات وتستمر ثلاثين سنة، فهذه المستغلات هي مستغلات لا تدخل تحت قاعدة من القواعد التي نستطيع أن نضبطها بها. وبناء على ذلك كله فأنا أؤكد أن ما ذهب إليه المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية هو الصواب، وما زاد على ذلك لا يزيد على دعوة إلى أثرياء المسلمين ليساهموا في المشاريع العامة، وما وقف صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في بناء الدولة على إخراج الزكاة ولكنهم تجاوزوا ذلك إلى إعطاء ثلث ونصف مالهم وأكثر من ذلك. وشكرًا.(2/104)
الشيخ أحمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد.
فإني أشكر الرئيس على إعطائي هذه الفرصة للحديث، وأشكر للأخوين الكريمين فضيلة الدكتور القرضاوي وفضيلة الدكتور على السالوس بحثهما القيم حول هذا الموضوع ولا ريب أن الذي دفع فضيلة الدكتور القرضاوي إلى الاجتهاد في هذه القضية وما يراه من حاجة المسلمين المعوزين ومن الثراء الواسع عند بعض المسلمين، هذا الثراء يتمثل في مثل العمارات الشاهقة التي تدر عليهم دخلًا كبيرًا، فإذا ما قيل بإعفائهم من الزكاة مع فرض الزكاة على الذين يجهدون في حرث الأرض بعرق الجبين وببذل ما في أيديهم أدى ذلك إلى شيء من المفارقات، في الواقع الدين الإسلامي الحنيف دين اجتماعي يرعى مصالح جميع الطبقات، فلا يكلف الغني فوق طاقته ولا يجعل الفقير أيضًا ضائعًا في مجتمعه، ففي أموال المسلمين حقوق سوى الزكاة، والدليل على ذلك أن الله سبحانه وتعالى قال في محكم كتابه {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآَتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ} هذا حق سوى الزكاة بدليل قوله سبحانه وتعالى من بعد: {وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآَتَى الزَّكَاةَ} ، مع أنه من المعروف أن المعطوف غير المعطوف عليه في العربية، فلا يعفي أمثال هؤلاء الذين من الله عليهم بهذا الثراء من مراعاة حاجات الفقراء والمساكين بعد أن يعطوا حق الزكاة الواجب في الأصناف التي نص العلماء على وجوب الزكاة فيها، أو جاءت النصوص بوجوب الزكاة فيها. كما أنه لا يمنع أن يكون هنالك اجتهاد بحسب الظروف وبحسب الأحوال. فنجد في عهود السلف الصالح رضي الله تعالى عنهم اجتهادات قد تكون هذه الاجتهادات تؤدي أحيانًا إلى تطبيق أمر لم يكن يطبق في عهد الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام، مثل ذلك صنيع عمر رضي الله عنه حيث جلد في الخمر ثمانين، وصنيعه رضي الله عنه حيث جعل طلاق الثلاث ثلاثًا وقال: (رأينا الناس تعجلوا أمرا كانت لهم فيه أناة فلو أمضيناه عليهم) فهذا نظر منه وهذا النظر لا يحجر على علماء المسلمين. والقاعدة التي ذكرها فضيلة الدكتور على السالوس وهي أن باب العبادات لا قياس فيه، ينبغي أن ينظر في هذه القاعدة، ذلك لأن الرسول عليه أفضل الصلاة والسلام أشار إلى القياس في بعض الأشياء، فعندما سئل عن قبلة الصائم نبه على المضمضة التي هي مقدمة للشرب، هل تنقض المضمضة الصوم؟ فعندما أجيب بـ: لا، جعل حكم القبلة كحكم المضمضة، القبلة هي مقدمة للوقاع والمضمضة هي مقدمة للشرب. وكذلك عندما سألته الخثعمية قالت له "إن فريضة الله على عباده في الحج أدركت أبي شيخًا كبيرًا لا يستطيع الثبوت على الراحلة أفأحج عنه؟ فقال لها: أرأيت أن لو كان على أبيك دين فقضيتيه أكان مجزيًا؟ قالت: نعم قال: فذاك ذاك" فالحج عبادة، وقد قاس هذه العبادة التي هي دين الله سبحانه وتعالى على دين الناس، وكذلك أيضًا قوله عليه أفضل الصلاة والسلام للرجل الذي جاء يستفتيه في أخته التي نذرت أن تصوم ولم تصم حتى ماتت، أيضًا قاس هذا الدين على دين الخلق وقال: ((فاقضوا فدين الله أحق بالقضاء)) فإذن مجال الاجتهاد والقياس في هذه المسألة ينبغي أن لا نوصد بابه وإنما ينبغي النظر في المقدار فإذا كان هذا الدخل نقودًا ومن المعلوم أن زكاة النقد هي بنسبة 2.5 % فأقرب أن تكون هذه الزكاة الواجبة في ريع العمارات وأمثالها زكاة نقد ولا تكون زكاة زراعة، هذا الذي يتجه لي، وطبعًا المجال واسع للاجتهاد في هذه المسألة ونظر أصحاب الفضيلة العلماء فيها.(2/105)
الشيخ عبد العزيز عيسى:
بسم الله الرحمن الرحيم، أريد أن أنضم إلى إخواني الذين يرون أن لا زكاة في المستغلات لشبهة عندي، أما أولًا فلأن الرسول صلى الله عليه وسلم هو الذي بين الأنواع التي تجب فيها الزكاة وأنصبتها ومقاديرها، وغير معقول أن يكون هناك رغبة من الشارع أو تصرف من الشارع في أن يكون على هذه المستغلات التي صورت ثم ينسى الرسول أو يتناسى أن يبلغها الناس، هذا بعيد جدًا. وما هذه المستغلات؟ هي مثل المأجورات التي نؤجرها ونحن لم نقل لا يوجد عند أحد قول لا زكاة فيها حتى يقال نحن لا نوجب عليه الزكاة، وحتى يحتج علينا هؤلاء وأولئك والشيوعيون ومن إليهم. لم يقل أحد بمنع الزكاة عليها ولا أصدر هذا الحكم، نحن نوجب عليه الزكاة في كل ما فضل عن حاجته وحاجة من يعول إذا مضى عليها الحول وبلغت نصابًا. وكون نتصور أن فيه أحد مجنون سفيه بيجيلوا من مستغلته مائة ألف جنيه في العام ويضيعها، ده مجنون لا يكلم وهو معاقب لهذا، إنما إحنا نقول للناس: وعاء الزكاة كله فيما يتعلق بالذهب والفضة كذا وكذا، وهذا الذهب والفضة وهذا النصاب يكون من كل مدخراته، قد يكون عنده مستغلات وقد يكون عنده ثمرة مزروعات زرعها وقد يكون عنده راتب وما إلى ذلك، كل هذا يكون ويكون وعاء للزكاة، فإذا كان مجموعة أنصبة دفعت الزكاة عن مجموعة الأنصبة إذا تحقق شرطها. نحن في المستغلات سواء كانت عمارات أو نحوها، ولا نريد أن يفهم الناس أن الشارع يضيق عليهم، الشارع لا يضيق، الشارع بيعطي الناس فرصها، هو الشارع لما شرع الزكاة وطلب من الناس هذا نظر إلى حالهم وقال خذوا الوسط من أموال الناس ولما رأى ناقة كوماء في مال الصدقة غضب فلما أخبره الذي أخذ الزكاة من العمال قال له: إنني أخذتها بناقتين صغيرتين رضي واطمأن، فالعملية ليست عملية تتبع أموال الناس، والشريعة الإسلامية لا تتبع أموال الناس ولا ترضى أن تحقد عليهم، هذا نوع من الحقد، ولا أعمل بما يقوله الشيوعي، هو انتقاد التماس فرصة يريدون أن يغلبوا بها أصحاب الإسلام ولا نقبل كلامهم {وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} هل هم إذا اتبعناهم في مثل ذلك وفرضنا الزكاة على المستغلات هل يقبلون كلام الشريعة في ناحية أخرى؟ أبدًا، نحن لا نأبه باعتراض الشيوعيين ولا القاديانيين ولا البهائيين ولا كلام من هذا، الزكاة فرضها الشارع وحدد الرسول صلى الله عليه وسلم أصناف الأموال وحدد أنصبة الزكاة وحدد المقادير التي تدفع، والمهم أن نغرس الإيمان في قلوب أصحاب الأموال، ونحن بنحكي في الحديث القدسي ((ولا يزال العبد يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ... )) الخ. نعلم الناس أن المسألة مسألة الفريضة وطبعًا الناس عندنا عارفين هذا، أن الفريضة أمر لا بد منه لا يمكن أن نتخلف عنه وهناك ما هو فوق الفريضة، ومن زاد زاد له الله من الخير.(2/106)
الشيخ محمد علي التسخيري:
شكرًا سيدي الرئيس.. رغم أنه ليس لي الدخول في الموضوع بعد ما تعرفونه من الخلاف في مسألة الزكاة في مثل هذه الموارد بين الإمامية وغيرهم، وهم هنا يوجبون خمس المال، ولكني على الفرض أود أن أشير إلى نقطة تبدأ من حيث انتهى أخي الشيخ الخليلي، من أن الدافع في فرض الزكاة في مثل هذا المورد هو محاولة سد الفراغات الاقتصادية وتوزيع الضريبة على هؤلاء جميعًا حتى يقوموا بحق الفقراء. الدافع هو هذا بلا ريب، أود أن أشير إلى نقطة مهمة، أن علينا أن نلتزم بأنصبة الزكاة كما جاءت بلا ريب، ولكن إذا لم تف هذه الأنصبة بما يحقق ذلك التوازن المطلوب على الصعيد الاقتصادي والاجتماعي فإن الأمر متروك للجانب المتغير، أن ينتقل من جانب الأحكام الثابتة إلى جانب الأمر المتغير المتروك بيد ولي الأمر ويجب حينئذ طاعة ولي الأمر فيما يطلب، ولي الأمر عندما يرى أن الحاجة الاجتماعية الاقتصادية تقتضي فرض ضريبة معينة على دخل أو على شيء معين، لا ريب طاعته واجبة، وحينئذ فعلى من أوجب عليه ذلك الالتزام، وإذا لم يلتزم يستطيع ولي الأمر أن يفرض عليه العقوبة ويمكن لهذه العقوبة أن تكون مالية، لكن كما قلت هذا هو الجانب الذي يتغير بتغير الظروف وبتغير المصلحة التي يراها ولي الأمر الحاكم للدولة الإسلامية الذي يرى أن الخزينة تتطلب أمورًا أخرى بالإضافة إلى الزكاة المفروضة. يجب أن نلحظ هذا العنصر حينما نتحدث وحتى حينما نجيب على الإشكالات التي تورد على النظام الاقتصادي الإسلامي بأنه يوجب على فقير ولا يوجب على غني، بالعكس يستطيع ولي الأمر أن يوجب على الأغنياء أو على من كان دخلهم كذا بمقتضى ما يراه من مصلحة لسد الفراغ الاجتماعي. وددت الإشارة إلى هذه النقطة. وشكرًا.(2/107)
الشيخ تقي عثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله وكفى والسلام على عباده الذين اصطفى. لعل النقطة الأساسية في هذا الموضوع هي أننا جعلنا جميع الفقهاء مطبقين على أن الزكاة إنما تجب على المال النامي، وقد ذكر فضيلة الشيخ القرضاوي حفظه الله تعالى في كلمته القيمة أن هذه المستغلات أصبحت اليوم نامية، فلذلك يجب أن تفرض عليها الزكاة، ولكني أرى أننا لو حددنا معنى المال النامي، ما هو المال النامي لوصلنا إلى نتيجة: أن المال النامي فيما فهمت من اصطلاح الفقهاء هو مال تأتي نتيجة نمائه من جنس ذلك المال، مثلًا النقود، إنها تنمو حقيقة أو تقديرًا، فتأتي نتيجة النماء في صورة النقود نفسها، وكذلك لحيوان ينمو فيأتي نتيجة نمائه بصورة حيوان من جنس الحيوان، وكذلك الزروع والثمار تعد نامية من حيث إنها تنمو فتأتي نتيجة نمائها في صورة المحصولات الزراعية، ولم أجد في كتب الفقهاء ما يسمى مالًا ناميًا ولا تأتي نتيجة نمائها من غير جنسها، وأما المستغلات فليست من الأموال النامية بهاذ المعنى من يحث إن نتيجة النماء لا تأتي في صورة تلك الأموال من جنسها وإنما تأتي في صورة النقود. فلذلك لا تصلح أن تسمى أموالًا نامية. وكما تعرفون أنتم أن وجوب الزكاة على شيء أو عدم وجوبه إنما يبتني على كون ذلك المال ناميًا أو غير نام، وأن كثرة المقدار الحاصل وقلته لا تؤثر في وجوب الزكاة، فإن كان المال ناميًا وجب فيه الزكاة سواء كان قدره قليلًا بعدما بلغ النصاب، وإن لم يكن ناميًا لم تجب فيه الزكاة سواء كان قدره كثيرًا، فنرى أن المستغلات، الدور المأجورة، والحوانيت المأجورة، كانت موجودة في زمن سلفنا الصالح، في الأزمنة السالفة ولو كانت غلتها قليلة بالنسبة إلى غلة المستغلات اليوم، ومع ذلك لا يوجد في الفقهاء من يقول بوجوب الزكاة على المستغلات، نعم إذا كثرت غلات المستغلات كما تفضل فضيلة الشيخ القرضاوي حفظه الله أن هؤلاء أصحاب المستغلات يجلبون أموالًا كثيرة، فإننا لا ننكر وجوب الزكاة على تلك الأموال الكثيرة التي يجلبونها من تلك المستغلات، إنما تجب عليهم الزكاة على غلاتهم التي يحصلون عليها من تلك المستغلات.
ثم هناك ناحية ثالثة وهي أن الزكاة، لو أوجبنا الزكاة على المستغلات نفسها..
الرئيس:
أنتم جمعتم بين كلمتين، قلتم إنه لا يوجد في فقهاء الإسلام من يقول بوجوب الزكاة على حاصل المستغلات.(2/108)
الشيخ تقي عثماني:
لا! على المستغلات نفسها، والناحية الثالثة هي أن الزكاة يجب ألا تكون مجحفة، فلو أوجبنا الزكاة على المستغلات نفسها فهناك كثيرون من المقلين ومن الأرامل والأيتام إنما يعيشون على غلات دورهم أو غلات حوانيتهم الصغيرة، فلو أوجبنا الزكاة على الدور والحوانيت صار ذلك مجحفًا لمالهم ولا عدل في ذلك في الشرع الشريف، هذه نواح ثلاثة كنت أريد أن ألفت أنظاركم إليها.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الدكتور عبد الستار أبو غدة:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أريد أن أثير نقطة وأطلب من فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي أن يتعاون في حلها. فقد تردد على لسانه وعلى لسان غيره أن علة الزكاة النماء، والذي نعلمه أن النماء هو شرط في وجوب الزكاة وليس علة وشتان بين الشرط والعلة، فالفقهاء يذكرون النماء شرطًا من شروط وجوب الزكاة، ومن المعلوم ومن قواعد الأصول أن وجود الشرط لا يقتضي وجود المشروط، أما وجود المشروط لا بد له من وجود الشرط، فالنماء ليس علة للزكاة وإنما هو شرط، وقد تأملت كثيرًا في العبارات القليلة جدًا التي أوردها في كلامه من كلام صاحب العناية وفتح القدير فوجدت أنهم لم يذكروا النماء علة للزكاة، وإنما أوردوا كلامًا يفهم منه أن عدم وجوب الزكاة في مال كذا وكذا لعدم النماء أي لتخلف الشرط وليس لتخلف العلة وإلا لو قلنا بأن النماء علة لأصبح لا حاجة للنصوص التي جاءت في أن الإبل فيها زكاة والبقر فيها زكاة والغنم فيها زكاة وليس في الحمر زكاة مع أن الحمر مال نام، وقد سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم ((هل في الحمر زكاة؟ فقال: لا أعلم فيها إلا هذه الآية الفاذة)) وهي قول الله عز وجل {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (7) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} فأريد أن يمحص النظر ولا سيما أنه أورد في كتابه فقه الزكاة النماء في عداد الشروط ولم يورده علة، ثانيًا: أن المألوف في القياس أن يكون في جزئية أو في ناحية، أما أن نأتي إلى أمر فنقيس في أصل وجوبه وهو في نظر الآخرين غير واجب ثم نقيس في النصاب لنستحدث له نصابًا ثم نقيس في القدر الواجب، إذن هذه تركيبة مستحدثة وتحتاج إلى كثير من الأدلة ومن المستندات، فلذلك هناك ما يشير إلى أن الزكاة هي معلقة بالنصوص والعلة فيها هي النصوص وليس النماء، النماء شرط وإذا وجد الشرط لا يوجد المشروط. والحمد لله.(2/109)
الشيخ أحمد بازيع ياسين:
بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر الأخ الرئيس وأشكر الباحثين على ما قدماه من اجتهاد في هذا الموضوع، وأود أن أشير إلى أنه عقد في الكويت من عامين مؤتمر للزكاة وبحثت هذه المسألة واتخذ فيها قرار، وأصحاب الفضيلة العلماء كثير منهم من شارك هناك وهم موجودون بيننا الآن، وأود أن أبين أن المستغلات ليست من الأمور الجديدة التي نحتاج فيها إلى اجتهاد، المستغلات كانت على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وعهد الصحابة وعهد السلف الصالح، وكانت المستغلات إذا كان فيها ريع يضاف ريعها على الموجودات وتزكى مع مال صاحبها، إنما اجتهاد مشكور ولهم من الله سبحانه وتعالى الأجر والثواب، ثم أود أن أوضح موضوع النماء، في الحقيقة عندما وردت كلمة الزكاة المضادة لها الربا، فأنا في الحقيقة مرتاح لكلمة الأخ عن الربا، لأن دائمًا الزكاة نماء والربا فناء، نماء الزكاة ليس في الحقيقة بما يقدمه أصحاب الأموال من نصيب لمستحقي الزكاة إنما الذي يظهر لي وأنا أعمل في الميدان الاقتصادي أن الزكاة تجبر الإنسان صاحب المال على العمل وعندما تجبره على العمل يكون هناك نماء ويقضى على البطالة، فالعمارة التي كلفت مليون دينار مثلًا جل هذا المليون ذهب إلى العمال، وهنا الحكمة كل عمل استفاد منه العامل تقل نسبة الزكاة عليه فتكون الزكاة على ريعه وليس على أصله، ثم إن الزكاة تؤخذ من القلة، أنها تؤخذ من القلة وتنفق على الكثرة، أما الربا فهو مثل ما تفضل الأخ الفاضل يؤخذ من الكثرة الفقيرة ويعطى إلى القلة ففيه فناء. ثم إن العبادة، الأمر التعبدي لا شك والله سبحانه وتعالى يقول: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} والعبادة هي في الأركان الخمسة، وأيضًا في عمارة الأرض فحينما يسلك الإنسان مسلكًا في عمله وفي حياته حسبما يريده الله سبحانه وتعالى وملتزمًا الشريعة الإسلامية فلا شك من أن هذه عبادة حتى ولو كانت في أمور حياتية وأمور في المعاملات. القواعد والأصول، شريعتنا الإسلامية في الحقيقة غنية بالقواعد والأصول والأسس التي منها نستنبط الأحكام. ولقد سبقنا الأفذاذ والعباقرة من هذه الأمة ولا أعتقد أن هناك أمرًا من الأمور إلى الآن يحتاج إلى استنباط وإلى اجتهاد إلا اللهم النزر اليسير جدًا، فعلينا في ذلك الرجوع إلى فقهائنا وإلى علمائنا السابقين. أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم.(2/110)
الشيخ إبراهيم الغويل:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.
أولًا الشكر للسيد الرئيس ولكل الإخوة الذين شاركوا، بما أنني آخذ الكلمة لأول مرة، وأود قدر الإمكان أن أكون وجيزًا وواضحًا قدر ما أستطيع ولقد سهل فضيلة المتحدث الذي تحدث قبلي على المهمة، لقد وقفت كثيرًا أمام القول: إن العلة في الزكاة هو النماء، لقد اعتقدت أن الزكاة هي التي تدفع إلى النماء، أصلًا زكى الشيء نماه، فالزكاة أصلًا هي التي تؤدي إلى النماء وتؤدي إلى التنمية وتدفع إلى العمل، ومن هنا جرت المقابلة بينها وبين الربا فعلًا وبدقة، لأن الربا انتفاخ كاذب بينما الزكاة نماء حقيقي عن طريق العمل، والفارق الأساسي بين الربا وبين الزكاة أن الربا انتفاخ بدون عمل انتفاخ كاذب، بتعبيرات عصرنا نسميه التضخم، بينما الزكاة هي تنمية حقيقية عن طريق العمل، وكما قال المتحدث قبلي فإن لوجود هذا الأمر ولوجود هذا الفارق كانت الزكاة تزداد كلما قال العمل وتقل كلما كثر العمل، حينما تكون الأرض بدون سقي وبدون جهد يكون العشر، حينما تكون بالسقي تكون نصف ذلك، حينما يكون الأمر يستدعي جهدًا أكثر يكون 2.5 % ربع العشر، هذا التناسب والتضاعف يتم كلما زاد العمل، حينما يزيد العمل تقل نسبة الزكاة، حينما يقل العمل تكثر نسبة الزكاة، إذن النظرة الأساسية هي الدفع إلى العمل والتنمية، ومنع النمو الكاذب. الذي نواجهه في هذا الموضوع، والموضوع الذي سيليه فيما يتعلق بزكاة الدين هو ما يلي: أننا حينما نبحث عن القواعد والأصول نجد أن الأمور بينة واضحة وحينما تلتبس الأمور ويطلب الفتوى فيما هو موضع التباس تظهر أمامنا المشكلات.مثلًا أصلًا رأس المال إنما يأتي نتيجة عمل وجهد سابق وتستحق عليه الزكاة، فإذا أريد لرأس المال نفسه أن ينمو من جديد وأن يحصل على مقابل على الجهد السابق مرة أخرى، نشأت المشكلة التي نعالجها الآن، الأصل أن لكل عمل أجرًا أو لكل عمل جزاء، فإذا لم يكن هناك من عمل فلا جزاء.(2/111)
القاعدة فيما يبدو لي في الفكر الاقتصادي الإسلامي أن العمل هو أساس التنمية، وبالتالي فلكل عمل جزاء، وهذا ما يميزنا على الشيوعيين والماركسيين وغيرهم، نحن ننحاز إلى أن العمل لا بد له من مقابل، ولكننا نرفض أن يكون للمقابل مقابل، من هنا تنشأ المشكلة، يعمل الإنسان عملًا صالحًا فيستحق جزاء، ولكن هذه المعادلة وقد أقفلت تدخل في مرحلة التلاعب حينما يطلب مقابلًا على مقابله، وتنشأ هذه المشكلة التي نواجهها الآن، فيما يبدو لي أن العلة في الزكاة وكما أخرجها الأقدمون أنها تدور في أحد أمرين، هو حق بتعبير ربى "حق" من أين نشأ هذا الحق، لأنه تحمل الزكاة على الشركة أو تحمل على أنها دين، والأرجح عندي أنها تحمل على الشركة، فنحن بحكم ملكية الأزل شركاء مع هذا العامل الذي كلفناه أن يعمل في هذا المال، ولذلك {وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ} حينما أعمل، أعمل بهذا الجهد ممكنًا في هذه الثروة التي مكنني فيها الله ومكنني فيها هذا المجتمع المستخلف فيها، ولذلك هناك حق بحكم ملكية الأزل لا بد أن يتقاضاه هذا المجتمع. فالصورة الأصلية إنما الموضوع الذي أدى إلى الالتباس هو موضوع النقود، والمنع هناك واضح لأنه كما قال الأقدمون أيضًا إن النقود فيها شرك خفي ولذلك استعمل ربى التطهير النفسي. لماذا الشرك الخفي؟ لأن كل ما في الكون يستهلك حتى بعوامل التعرية تستهلك الجبال، ولكننا نحن حينما أوجدنا النقود وهي وكيل عن الطيبات أردنا للوكيل أكثر من موكله. أصبحت النقود لا تتناقص ولا تكلف صاحبها شيئًا، أي طيبة من الطيبات تكلف صاحبها التخزين وقد تستهلك وما إلى ذلك، ولكن هذا الوكيل الجديد، هذا البديل الجديد، الذي جاء لكي يكون مقياسًا ومقومًا أصبح أداة اختزان واكتناز لما جاء فيه من هذه المزايا التي لا تكلف، فهناك العلة مختلفة بالنسبة للنقود لأنها تطهير نفسي ومنع أن يظن أن هناك مالًا ينقص. الله الواحد الأحد الذي لا شبيه له ولا مثيل هو الداعم، ولكن أي طيبة أي شيء في هذا الكون يتناقص مع الزمن، فلا بد أن تتناقص النقود أيضًا. فالزكاة على النقود هي ضريبة للتناقص، ولدفعها حتى لا تكون مكتنزة ومعطلة عن التعامل، ولكن الأصل في الزكاة العامة محمولة على أننا شركاء مع هذا الذي يعمل في هذا المال الذي استخلفنا الله فيه جميعًا ووظفناه فيه لأنه أقدر على بذل هذا الجهد فيه. إذا نظر إلى هذه الأمور بالقواعد والأصول الأصلية يصبح بعد ذلك أن النظر أيضًا في الموضوع التالي أنا حينما أضع هذا المال في خدمة المجتمع وأسلمه إلى شخص آخر لكي يستخدمه، فإذا استخدمه فلا زكاة عليه حتى عنده وإلا فإن عطله فعليه الزكاة، أما أنا وقد وضعته في خدمة المجتمع فلا زكاة على. النظرة تختلف، وبعد ذلك سنأتي لموضوع الدور والعمارات والمستغلات، ومن هنا نشأت المفارقات. العوامل الأخرى التي أوجدها ربى من نعمة تنمو من طبيعتها، ولكننا نحن هنا أوجدنا نموًا مفتعلًا، ولذلك نواجه هذا المشكل. في اعتقادي أن ربط الموضوع فيما يتعلق بالربا {فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} وربط الموضوع بالزكاة وباعتبارها أنها تقوم أصلًا على معنى الشركة من المجتمع وباعتبارها دفعًا نحو التنمية ونحو العمل وربط كل ذلك بالعمل والعمل الصالح هو الذي يوضح صورة النظام الاقتصادي الإسلامي. وكل ما هو عبادة إنما هو تهيئة الإنسان لأداء دوره، وفي اللسان العربي المبين: عبد الطريق أو عبد الإبل، هيأه لما يصلح له، التسخير هو دفع الشيء لما يصلح له جبرًا وانقيادًا، وأما العبودية والعابدية فهي تهيئة الشيء لما يصلح له. فكل شيء يؤكد الأمور لما تصلح له هو عبادة ولذلك نحن حينما نعمل المبادئ الأساسية في الفكر الإسلامي وفي الفكر الاقتصادي الإسلامي كثير من هذه الأمور يبدو لي أنه يجب أن ننظر إليها نظرة أخرى ... وشكرًا.(2/112)
الشيخ وهبة الزحيلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، وأصلي وأسلم على سيدنا محمد النبي الأمي وعلى آله وصحبه أجمعين.. أما بعد.
الحقيقة أننا في هذا العصر أمام مشكلة حساسة تتعلق بالنظام الاجتماعي الإسلامي بين النظم العالمية، نريد أن يثبت هذا النظام كفاءته لإنقاذ مجتمعنا من عوامل التردي والفقر والجوع والتخلف، وكل ما يعوق نهضته ويجعله في زمرة العالم النامي أو العالم المتخلف، وقد بدأت دولة باكستان في فرض الزكاة. ونحن أمام هذه التجربة خصوصًا بعد الإحصاءات الدقيقة لهذا الموضوع في ذلك المجتمع، هل يمكن لفريضة الزكاة أن تنهي مشكلة الفقر؟ الحقيقة، القائمون على هذا الموضوع في الباكستان ما يزالون إلى الآن لم يصلوا إلى نتيجة، لأن حصيلة الزكاة لم تحقق الهدف المرجو. لذلك نحن أمام مشكلة تحريك ليس أمام مشكلة فرض زكاة على أشياء لا يقتنع بها المجتمع خصوصًا وقد أدركوا أن شبه إجماع من الفقهاء أن الزكاة لا تكون إلا في أربعة أصناف من الأموال، هي النقود، والأنعام، الزروع، والتجارة، لذلك نحن بحاجة إلى تحريك الهمم، وتحريك النفوس كما تفضل فضيلة الشيخ عبد العزيز عيسى، إلى جعل الإيمان هو العنصر المحرك الدافع القوي لدفع أصحاب الأموال الضخمة لأن يقوموا بواجبهم في إنهاء مشكلة الفقر في البلاد الإسلامية، وهذا مراد الشارع، الشارع عندما فرض الزكاة أراد أن يقيم تعادلًا وتوازنًا بين جانب الفقراء وجانب الأغنياء ليحقق الوسطية المعروفة عن منهج الإسلام، بناء على هذا الهدف وهو مقصد من مقاصد الشريعة الإسلامية الكبرى لا نريد أن ندخل في التفصيلات والجزئيات التي هي محل خلاف فعلًا، هل يجوز القياس في العبادات أم لا يجوز؟ ويكاد يكون هناك شبه استقرار نفسي وأغلبي عند الناس أن القياس لا يكون جائزًا في العبادات، وليس هذا هو رأي القلة بل هو رأي الأكثرين، هذا شيء.(2/113)
الشيء الثاني، قضية أن نقطع جزءًا كحد أدنى للمعيشة بمقدار الثلث أو الربع أو ما شاكل ذلك، هذا أيضًا أمر مضطرب لأن الأغنياء لا يمكن أن يحد إنفاقهم شيء. فقد يكون الثلث بالنسبة إليهم لا يشكل شيئًا والثلث لآخرين يشكل شيئًا، فلذلك القضية مطاطة وقد يكونوا بهذا الثلث يحققون أهدافًا كبرى نظرًا لغناهم الفاحش، لهذا أرى أن نبحث الهدف من استثمار الأموال في المستغلات وكل نواحي الدخل التي تأتي للمسلم في عصرنا الحاضر، هناك دخول جديدة وهناك استثمارات جديدة وهناك توجيه للمال نحو ما يحقق الاسترباح والفائدة وجني أكبر قدر ممكن من الربح في شتى النواحي. فإذا وجد المجتمع أن العمارات تحقق ربحًا وقد أقبل الناس في فترة ما على هذا النحو من القطاع الاقتصادي، فتجد الأغنياء يتجهون إلى بناء العمارات لإيجارها وأخذ الربح منها، كذلك في جدة هناك مكاتب ليس فيها إلا مكتب وهاتف وموظف أو اثنان وهو يحرك العالم بهذا الهاتف وتأتيه دخول ضخمة من هذا التحريك، الحقيقة العامل الأكبر الذي يسيطر على الأغنياء في عصرنا الحاضر هو عنصر الاسترباح وعنصر جلب أكبر قدر ممكن من الربح، لذلك لا داعي لأن نقول إن الزكاة واجبة في هذا القطاع من النشاط الاقتصادي العمارات وغيره، وإنما يجب أن نقول إن كل ما هو متجر فيه – الحقيقة العمارات والدخول ومقالع الحجارة والسيارات وكثير من نواحي الاستثمار الحديثة يراد بها لربح- نقول: كل هذا في الحقيقة ينطبق عليه معاني التجارة، صحيح هو لا يعرضه للبيع ولا ينوي بيعه إلا بعد أن يكاد لا يحقق الهدف المرجو منه وهو أخذ أكبر ربح ممكن، عندما تزيد النفقات الاستهلاكية على الربح يبيع العمارة ويستغني عنها ويوجه استثماره إلى نشاط اقتصادي آخر، الحقيقة الغني اليوم يهمه أن يأتي أكبر دخل ممكن من هذا العمل، سميه تجارة، سميه استغلالًا، سميه أي شيء المهم لازم تفرض عليه الزكاة، ونحرك عوامل الإيمان في قلب هذا المؤمن، الحقيقة قرارات المجامع للآن لم تشكل قناعة عند الناس، فنريد أن يكون إذن لقرارنا مساس بقلوب وأفئدة المؤمنين ليندفعوا إلى القيام بواجبهم في تزكية أموالهم وتطهير نفوسهم. والحقيقة يمكن أن يطبق على كل هذه الاستثمارات الحديثة معنى التجارة وزكاة التجارة، وحينئذ نخرج من المآزق والخلافات الفقهية وتكون الزكاة ضمن ربع العشر 2.5 % وبعد حولان الحول، وأيضًا نتجاوز كل هذه المشكلات الفرعية، وإن كان للسادة الأفاضل جهد طيب عبأ بعض الأفكار لضرورة الاتجاه نحو تزكية هذه الأموال، الحقيقة نحن إذا اتجهنا ونظرنا إلى الموضوع نظرة أخرى، كل ما فيه استرباح يعني التجارة، وهذا اتجار في العمارات الحقيقية تجب فيه الزكاة، ولكن أنضم إلى الرأي الذي يقول بأن تلك الزكاة هي ربع العشرة 2.5 % ويكون ذلك بعد انتهاء الحول وحينئذ لا داعي لأن ندخل الناس، حتى العوام لم يقتنعوا عندما نقول لهم: زك عماراتك، زك سياراتك، زك الغلة الناتجة، فهو في الحقيقة لن يقتنع في هذا الموضوع ... وشكرًا.(2/114)
الرئيس:
ترفع الجلسة لأداء الصلاة المغرب ثم نعود إنشاء الله تعالى لاستكمالها.
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.. فضيلة الشيخ عبد الله بن بيه.
الشيخ عبد الله بن بيه:
بسم الله الرحمن الرحيم، والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وعلى آله وأصحابه وأزواجه أجمعين.
حضرة الأخ الرئيس أشكركم وأشكر الأخ الأمين العام على الدعوة الكريمة التي وجهتموها إلي ولست عضوًا في هذا المجلس الموقر، ولكني أريد أن أدلي بدلوي في قضية تهم جميع المسلمين وأن أذكر في هذه القضية ما أراني الله وأسأل الله سبحانه وتعالى أن أكون موفقًا فيما أقول. وبعد.
فإن الله سبحانه وتعالى يقول: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا} ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها وهو حديث صحيح متفق عليه ((من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)) فبناء على هذا وانطلاقًا من أن الزيادة في الكامل تعتبر نقصًا، فإن موضوعنا قد يتعلق إلى حد ما بهذه المقولة الأولى وبهذه المسلمة.
الزكاة: حد النبي صلى الله عليه وسلم جملة من الأموال التي يجب فيها الزكاة، هذه الجملة المحدودة جعلت الأصل هو عدم الزكاة وجانب الزكاة جانب محدود، معناه أن الأموال التي نص على وقوع الزكاة فيها هي التي تزكى والأموال التي ليست كذلك هي من قبيل العفو، وهذا يدل عليه الحديث الذي رواه الدارقطني وغيره: ((وترك أشياء من غير نسيان)) ، هذه الأشياء التي تركها الله سبحانه وتعالى {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} هي من باب العفو، وقال ابن رشد رحمه الله تعالى في "البداية": يقول الله سبحانه وتعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} . إن هذا العام يراد به الخصوص، فقد اتفق المسلمون على عدم وجوب الزكاة في كل مال، هذا نصه في "البداية"، ويقول إنه عام يراد به الخصوص، والعام الذي يراد به الخصوص هو ما لا يتناول جميع أفراده، بل يقتصر على بعضها، وهو ليس كالعام المخصوص، لأن العام المخصوص يتناول جميع أفراده، يدل على جميع الأفراد تناولًا وحكمًا، والعام الذي يراد به الخصوص لا يدل عليها لا تناولًا ولا حكمًا، هذا هو الفرق، ولأجل هذا يقول ابن رشد: إن هذا من العام المراد به الخصوص لأن المسلمين اتفقوا على أن الزكاة لا تخرج من كل الأموال، فهناك أموال نص عليها الشارع هي التي تخرج منها الزكاة، وهناك أموال عفا عنها فلا تجب فيها الزكاة، إن الزيادة كما قلت في التام هي نقص، والإسلام لا يحتمل النقص. هذا من جهة العفو، الأصل هو العفو ولذلك لا يجوز أن نحدث واجبًا لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم ولم يذكره وكما قلت {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} فالنبي صلى الله عليه وسلم عندما نص على بعض الأموال وترك بعضها، فإن معنى هذا أن المتروك لا زكاة فيه. هذه المسألة الأولى التي أردت أن أشير إليها، وأن قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} هو من باب العام المراد به الخصوص وليس من باب العام لمخصوص.(2/115)
المسألة الثانية: الزكاة تعبدية، الزكاة في الحقيقة كما يقول العلماء مترددة بين التعبدي وبين المعقولية، فهي معقولة من جهة سد خلة الفقير، غير معقولة من جهة القدر الذي تجب فيه الزكاة، وبنوا على هذا جملة من الأحكام منها وجوب النية فيما فيه شائبة التعبد فإنه يدور بين وجوب النية وبين عدمه، فالزكاة مترددة وهي قريبة من التعبد، والتعبد كما تعلمون لا قياس فيه.. النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى الرجل بارزًا في الشمس وقال إنه برز وقام ليستمع إلى خطبة النبي صلى الله عليه وسلم أمره بالدخول وأن يجلس في الظل. والبروز في الشمس قد يكون عبادة في عرفات وهو مستحب في عرفات، ولكنه ليس مستحبًا والرجل لا يمكنه ولا يجوز له أن ينشئ عبادة في حكم لم يأمر الشارع فيه باتباعه، هذه هي النقطة الثانية التي أردت أن أشير إليها.
هناك كثير من الأمثلة يمكن لفت الانتباه إليها، أكثر المذاهب على أنه لا زكاة في الماشية غير السائمة خلافًا لمذهب الإمام مالك رحمه الله تعالى لحديث ((في سائمة الغنم الزكاة أو في السائمة الزكاة)) حسب لفظ البخاري في كتاب أبي بكر الصديق رضي الله عنه. الغنم السائمة وعكسها المعلوفة أو الماشية السائمة هي التي تجب فيها الزكاة عندهم بسبب هذا القيد وهو الوصف ومفهوم المخالفة لمن يعمل طبعًا بمفهوم المخالفة، والمالكية يعملون بمفهوم المخالفة، إلا أنهم في هذه النقطة بالذات لم يعملوا بمفهوم المخالفة لأنه من باب الغالب، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن غنم سائمة فأجاب: ((في الغنم السائمة زكاة)) أو أن الغالب أن تكون سائمة ولأجل ذلك اعتبروا أن هذه الصفة ليست مقيدة وليست موجبة لعدم الزكاة في غير السائمة.
المهم أن العلماء لم يستندوا إلى النماء فالغنم المعلوفة أيضًا تنمو وتتوالد ومع ذلك لم يقل أحد منهم مطلقًا بأن النماء سبب في وجوب الزكاة، ولو كان النماء علة لكانت العلة مطردة ومنعكسة، واطراد العلة وانعكاسها واضح البطلان، فعشرة من الغنم تنمو وتتوالد ومع ذلك لا زكاة فيها إنما لا يمكن أن يكون النماء علة لأنه لا يطرد ولا ينعكس، والعلة الصحيحة شرطها الاطراد والانعكاس، يمكن أن يكون دليلًا للعلة لمن يقول بالقياس دلالة، وتعلمون أن أنواع القياس، هذا يعلمه الجميع، ثلاثة: قياس الشبه، وقياس العلة، وقياس الدلالة، يمكن أن نقول أنه دليل على العلة، إلا أنه ليس علة مطلقًا ولا يمكن أن يعتبر علة. هذه نقطة أخرى.(2/116)
هناك شبهة قد تثار هي شبهة مقايسة الاقتصاد الإسلامي بالاقتصاد العالمي، أو ما يقوله الآخرون عن الإسلام، لقد تحدث قبلي أحد الإخوان لعله الشيخ وهبة لا أدري، أحد الإخوان الذي ألحوا على ضرورة حل المسألة من الناحية الإيمانية بمعنى أن نكون جيلًا من أجيال الإيمان، جيلًا مؤمنًا صادقًا في إيمانه، عندما نكون هذا الجيل المؤمن سنجد أنه سيكون متعاونًا وسنجد أن الناس يديرون أموالهم. النبي صلى الله عليه وسلم قد وقعت في زمنه أزمات اقتصادية كثيرة لم يوجب ضريبة تصاعدية، لم يوجب شيئًا إلا الزكاة التي أوجبها الله سبحانه وتعالى بل دعا الناس للتصدق، عندما أتاه أناس، مجتاب النمارى أكثرهم مضر، تنمر وجه النبي صلى الله عليه وسلم وخطب في الناس فحثهم على الصدقة وكل منهم يتصدق حسب جهده وحسب إيمانه. النبي صلى الله عليه وسلم يحض على الصدقات وعلى حمل المجاهدين في غزوة تبوك في شدة العسرة، ويأتي عثمان رضي الله عنه ويتصدق بما تصدق به ويأتي قبل ذلك عندما يأمر بالصدقات يقدم أبو بكر رضي الله عنه كل ماله ويقدم عمر رضوان الله عليه نصف ماله وكل يقدم حسب إيمانه وحسب جهده، لم يقل مطلقًا يجب على هؤلاء كذا، ويجب على هؤلاء كذا، الوجوب درجة ثابتة لا يمكن أن تتغير ولا أن تتبدل، تبقى بعد ذلك الأوضاع التي يفرضها الإيمان وتفرضها الأوضاع الخاصة بالمسلمين، إذن يجب أن نفرق تفريقًا واضحًا بين حكم من أحكام الله سبحانه وتعالى لا يتغير ولا يتبدل وهو حكم الزكاة وبين الأحكام التي قد تفرضها أوضاع معينة كالقرض الخراج، الخرج المعين، يعني أريد أن ليس هو الخراج بمعناه، معناه خراج الأرض وإنما هو الخراج الذي يتحدث عنه ابن العربي رحمه الله تعالى عند قوله تعالى: {هَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا} في قراءة نافع وسدًا في قراءة عاصم، فابن العربي يتحدث عن هذا الخرج أو عن هذا الرزق الذي يفرض على الناس أو هذه الضريبة التي تفرض وإني أكره الضريبة كثيرًا لأنها من باب {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} فهي كلمة غير لائقة بالمسلمين، هذا قد يكون في ظروف معينة وقد تكلم العلماء عنه ووضعوا له شروطًا وطالبوا من ولي الأمر أن يقسم على المنبر أن بيت المال لا يملك شيئًا وأنه لا يستطيع أن يقوم بمصالح المسلمين وحينئذ يتولى جباية هذا الخرج جمع من العلماء ليسدوا منه الحاجة، أما أن نفرض زكاة ليست منصوصة ولا منصوصًا عليها في أموال لا تتناولها الزكاة فلعمري إن هذه الدعوى يفهم منها أن في الدين نقصًا، والدين ليس بناقص وزيادة الكامل تعتبر نقصًا وأشكركم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/117)
الشيخ محمد عبده عمر:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه وأزواجه وأتباعه ومن تمسك بسنته وبعقيدته إلى يوم الدين. أما بعد،
فضيلة رئيس المجلس فضيلة المشايخ العلماء.. الواقع لست آتي بجديد عمن سبقني من العلماء في موضوع الزكاة، ولكنني أحب أن أنبه إلى موضوع هام جدًا ربما البعض يفهمه ولكن لا يحب أن يتكلم عنه، ونحن كنخبة لشعوبنا الإسلامية يجب أن نفهم على أي حال وعلى أي وضع تعيش شعوبنا الإسلامية اليوم، إن موضوع الزكاة في الإسلام ليس هو ما يتطلبه العالم الإسلامي من اجتهاد في مجال الاقتصاد وفي مجال العدالة الاجتماعية المطلوبة والملحة اليوم، لكنه أكبر من هذا وأعظم من هذا.
إن الإسلام تحوم حوله شبه من الأعداء ولقد سبق لبعض أصحاب الفضيلة أن قال: ليس علينا من الأعداء يقولون ما يقولون، هذا صحيح، لكن بالمقابل علينا أن نتمسك بالإسلام روحًا ومعنى، وهنا نقول: ما علينا من الأعداء وما علينا من شبههم، موضوع الزكاة في الإسلام وسائل الاقتصاد أو الوسائل التي يوجب على الإسلام الزكاة تبدلت وتغيرت من عهد النبي عليه الصلاة والسلام إلى عهدنا الحالي. وهذا شيء لا يجادل فيه أحد، ثم أيضًا المعاملة، معاملة الناس اليوم ليست على مقتضى شريعة الله فيها الغش وفيها أموال تدخل من غير حلها، فنحن نناقش نصاب الزكاة بينما الأموال هذه التي نحاول أن نستخلص منها نصاب الزكاة لا نناقشها ولا نفهم من أين أتت، فالمسألة مهمة جدًا هو أن الأعداء يراهنون على حلف الإسلام عدالة اجتماعية واضحة وصحيحة وكافية لحل مشاكل العالم الإسلامي أم لا؟ والحقيقة كما قال بعض الفضلاء من أصحاب الفضيلة بأن الزكاة حتى ولو أديت على أحسن وجهها لن تحل مشاكل العالم الإسلامي اليوم. مشاكل العالم الإسلامي اليوم مستعصية تمامًا، وأنتم تعلمون أنه في عهد النبي عليه الصلاة والسلام وفي المجتمع المدني عندما آخى بين المهاجر الذي أتى من مكة بدون مال ولا أهل ولا دار وبين أخيه الأنصاري في المدينة، أول ما آخى بينهم الأخوة في الإسلام. فكان نتيجة العقيدة الإسلامية الإيمانية أن انطلق كل أنصاري بأخيه المهاجر يقاسمه في كل شيء ولم يقل عليه الصلاة والسلام إن هذا ليس من الإسلام بل فتح عليه الصلاة والسلام وأيد هذا، لكن نحن لا نقول هذا إلزامًا ولا جبرًا بل طواعية ونتيجة للإيمان العميق في قولب أولئك الطلائع الإيمانية المخلصة للإسلام والصادقة مع ربها، لكن بالمقابل نقول إننا نحن الآن، وضعنا الآن الإيمان ضعف، والعقيدة الإسلامية ضعفت في قلوب المسلمين، وتقوى الجانب الاقتصادي المادي المظلم على قلوب وعقول الشعوب الإسلامية.(2/118)
ومن هنا دخلت عليهم الشبه ودخلت عليهم التهم، واتهموا في دينهم وفي عقيدتهم، وأن الإسلام عاجز عن أن يحل مشاكل العالم الإسلامي وأن الشقة تتسع بين فقراء معدمين وبين رأسماليين متخمين. ومن هنا يلجأ بعض الحكام إلى أن يستورد بعض المذاهب من هنا أو هناك كعلاج للمجتمع. ألا يليق بهذا المجمع الإسلامي العالمي أن يناقش هذه القضية بكل أبعادها. وبالتالي إذا كان هناك حق سوى الزكاة، كما قال السلف والخلف إن هناك حقًا في الإسلام سوى الزكاة، هذا الحق اليوم لم يؤد طواعية واختيارًا كما كان يؤدى في عهد السلف الصالح. ألا يليق بهذا المجمع أن يجعل هذا الحق واجبًا كالزكاة ونضمه إلى الزكاة من أجل أن نستطيع أن نوضح وجه الإسلام، وجه العدالة الاجتماعية في الإسلام وأن الإسلام نظام عقدي ونظام عبادة ونظام اقتصاد ونظام عدالة وبالتالي لسنا بحاجة إلى العقائد ولا الأفكار المستوردة من هنا أو هناك. لا أنكر أن مبحث الزكاة مهم، لكن هل الزكاة كافية في الوقت الحاضر، حتى لو ناقشناها بكل أبعادها مهما كان الخلاف في المسألة الجزئية، هل هي كافية؟ وهل تحل مشاكل العالم الإسلامي اليوم؟ إن هناك مبدأ في الإسلام من أين لك هذا. فقبل كل شيء نبحث عن مصادر هذا التملك وهذه الأموال وهل المعاملة في هذا الدخل على مقتضى شريعة الله أم فيها هناك مفاسد ومحاذير، وبالتالي علينا أن نركز على إيضاح وجه العدالة الاقتصادية في الإسلام، فإن هذا الموضوع خطير جدًا وحوله تحوم الشبه من الأعداء، وعلينا أن نثبت للأعداء بأن في الإسلام عدالة اجتماعية متكاملة من كل النواحي وهو صالح لكل زمان ومكان. أنا لا أقول بالأفكار المستوردة ولست متأثرًا بها أبدًا على الإطلاق لأنني أؤمن بالله وباليوم الآخر. لكن علينا أن نوضح مبدأ العدالة الاجتماعية في الإسلام بكل أبعاده على مقتضى ما وصلت إليه شعوبنا اليوم، وعلى مقتضى ما وصل إليه عصرنا من وسائل الإنتاج ومن سهولة التملك ومن اتساع الشقة في المجتمع الواحد. نجد المكان الواحد بل في البيت الواحد هذا غني غنى مطلق وهذا فقير فقر مدقع، ومن هنا تدخل الأفكار وتدخل الفتنة على عقيدتهم وفي دينهم.
الرئيس:
أرجو الاختصار يا فضيلة الشيخ.
الشيخ محمد عبده عمر:
شكرًا.. ولهذا فإنني أركز على أن نوضح وجه الإسلام في الجانب الاقتصادي ونثبت للعالم كله أن الإسلام صالح لكل زمان ومكان ... والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/119)
الرئيس:
الشيخ زكريا مع التفضل بالإيجاز.
الشيخ زكريا البري:
سيادة الرئيس لم يقل لأحد قبلي: مع التفضل بالإيجاز، ولكنني أشكره على هذا.
بسم الله الرحمن الرحيم، أشعر بكثير من السعادة حين أوجد في هذه المجموعة الطيبة وبدلًا من المقدمة الطويلة أدخل في بعض الأمور معارضًا جاري ويكفي هذا.
جاري العظيم بدأ كلامه بأن هذا ما أراه الله، وأنا أذكره بما يذكره من قول عمر حينما أملى حكمًا فكتب الكاتب هذا ما أراه الله عمر، فقال: لا قل: هذا ما رأى عمر فإن يكن خطأ فمن عمر. وليس هذا بجديد على علمه ولكنه النسيان قطعًا، بعد ذلك قال: إن الإضافة إلى الكامل تعتبر نقصًا في الكامل، هذه كلمة دعوى رددها لغات القياس، ومردود عليها في كتب أصول الفقه، وبعد ذلك أقول إن ما تركه الله سبحانه وتعالى يعتبر عفوًا، ولا يعتبر عفوًا إذا ما وصلنا كأهل الاختصاص أي أن هذه الأموال يجب فيها الزكاة، بعد ذلك قال: إن الزكاة عبادة، نعم إنها عبادة ولكنها في نفس الوقت لا أقول ضريبة حتى لا يعارضني ولكني أقول إنها مؤنة الأموال، ولذلك وجبت في أموال الأيتام وليسوا مكلفين بعبادة، بعد ذلك أجيال الإيمان التي تحدث عنها لا تعالج المشكلة مطلقًا، لأننا لا نتكلم عن الإيمان وإنما نتكلم عن نظام اقتصادي في الدولة يتولاه الحاكم ويتولاه أولو الحل والعقد، بعد ذلك هؤلاء الشباب الذين يراد لهم أن يتربوا على الإيمان يسألونك أول سؤال: كيف تجب على في الإسلام ضريبة الأرض الزراعية وأخي تمامًا بجواري يملك أكثر مني عقارات ولا يدفع عنها مليمًا، هل هذا يمكن أن يكون عدل الله؟ إنه فهم الفقهاء لا أكثر ولا أقل ولا بد له من إجابة، والقول إن بهذا كلام الشيوعيين يقول فليكن من أي مكان كان ورد على سؤال، بعد ذلك أقول: أنا منضم إلى الأخ الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي وقد انضممت إليه كثيرًا في مؤتمرات كثيرة مع مخالفات جزئية بيني وبينه ولكني أنضم إليه، ومع هذا فبعد أن استمعتم إلى هذه الآراء الكثيرة التي تجعل الموقف في غاية الدقة أن نخرج بأنه لا زكاة، ثم بعد ذلك يخاطبنا الناس بما حدثنا به عن ماليزيا والشاي والمطاط إلى آخره نريد جوابًا على هذا منكم ولهذا أردت أن أخرج من هذا الخلاف وأن أتوصل إلى أمر أرجو أن يكون مقبولًا عندكم، وهو ترك قضية الزكاة إلى أمر ولي الأمر {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ} ونتوجه إلى أولياء الأمر في البلاد الإسلامية بفرض ما نسميه مؤنة إرضاء لجاري العزيز أو ضريبة تتعادل مع الزكاة في الأموال التي لم تفرض فيها الزكاة حتى نخرج من هذه القضية الكبرى، ولكي نسد حاجات المسلمين. بعد ذلك هذا الأمر إذا ما اتبعت فيه الطرق الشرعية، فقهاء يقترحون، وحكام يلزمون فإنه بحكم القرآن الكريم، وكما قال الإمام الألوسي ينشئ حكما شرعيًا دينيًا يطلب من الحاكم أن يحاسب عليه في الدنيا ويثيب الله ويعاقب عليه في الآخرة، هذا كلام الإمام الألوسي، لأننا لا نطيع ولي الأمر من حيث إنه ولي أمر، وإنما نطيعه من حيث إن الله سبحانه وتعالى قد أمر بطاعته، وأمر بطاعته في مثل هذه الأمور المستجدة.
عندي كلام كثير ولكنني امتثالًا لأمر ولي الأمر أكتفي بهذا وشكرًا.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/120)
الشيخ محمد عمر الزبير:
بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
في بادئ الأمر أريد أن أذكر قضية النماء هل هو علة أو هو شرط؟ والواقع أن الإمام القرافي في فروقه ذكر الفرق بين السبب والشرط والمانع فجعل السبب ما يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم، وجعل الشرط ما يوجب من وجوده العدم، وذكر الزكاة على أساس أنها سبب وأن الحولان هو الشرط وأن الدين هوا لمانع فلا يمكن أن نقول على أن النماء شرط وإنما الحولان هو الشرط والسبب أعم من العلة كما يعرف الأصوليون ذلك، وبالنسبة للزكاة، النصاب هو السبب في الأموال التي ذكرها الرسول صلى الله عليه وسلم ولكن يمكن أن نستخرج علة تشترك في صفة هذه الأموال ويمكن أن نقول: النماء علة لذلك، ولكن ليست العلة هي السبب الرئيسي الذي يرتبط به الحكم وجوبًا وعدمًا وإنما هي دالة على أن السبب الرئيسي في الحكم الشرعي الموجب للزكاة هو النصاب، على كل حال هناك اختلاف في وجهة النظر بين الأصوليين حول تعدية هذه العلة في الأموال التي تشترك فيها صفة النماء أو لا تشترك وهل هي قاصرة على محلها التي هي هذه الأموال بأنواعها المخصوصة المذكورة، هذه قضية.
القضية الثانية، في الواقع قضية التفرقة بين ما يستلزم من الحاكم أن يحقق نوعًا من العدالة أو التوازن بين الطبقات وهذا الأمر متروك لولي الأمر حسب الحاجة، ونستطيع أن نفرق بين الواجب كحكم شرعي وبين ما يوجبه ولي الأمر حسب حاجات المجتمع وتغيراته، فإذن هناك أحكام ثابتة حتى لو اقتصرنا على الأنواع المخصوصة التي ذكرها الفقهاء بالنسبة لأموال الزكاة إلا أن هناك أموالًا أخرى كما قال الإمام الشاطبي رضي الله عنه يمكن أن يوظف ولي الأمر ما يستلزم لدفع الجوائح عن المجتمع، وهذا مجال خصب تستطيع الدولة أو الحاكم أن يحقق كثيرًا من التوازن في المجتمع، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/121)
الدكتور عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. في هذه المجالات العلمية لا بد في بحث المسائل الفقهية من تحرير محل النزاع حتى لا يذهب بنا البحث في جوانب ليست لها علاقة مباشرة بالموضوع الذي نتعرض له.
الموضوع الذي أمامنا هو هل تجب الزكاة في المستغلات في ريع أو في دخل المستغلات أو لا تجب؟ فالقضية ليست قضية بحث في زيادة الإيمان وفي دعوة الناس للصدقة ولا في هل للحاكم المسلم سلطة فرض مدخلات جديدة على أموال الناس ولا في أي أمر لاحق هذا أمر.
الأمر الثاني: القضية المطروحة هل هي قضية مستحدثة مائة بالمائة. وضح أستاذنا يوسف القرضاوي أن هنالك آراء فقهية قديمة قالت بوجوب الزكاة على دخل المستغلات، إذن الأمر في هذا المجال أمر ترجيح، وليس أمر استحداث لرأي جديد، ولكل وجهته ونظره في مجال الترجيح، ما رآه أستاذنا في هذا المجال من مرجحات لإيجاب الزكاة في دخل المستغلات له وجهة نظر فيها، وجهة نظر مقدرة ومحترمة، ووجهة النظر التي تمنع أو لا توجب، كما ظهر من النقاش، أدخلت في الواقع على المسألة مجموعة من العناصر التي لا بد أن تلحظ فيما إذا أريد لجهة تشريعية خاصة بعد توجه عدد كبير من الدول الإسلامية إلى وضع فريضة الزكاة في تشريع ملزم ولم يترك لعملية المبادرة الفردية هذا المجال، قد يختار المشرع هذا الرأي أو ذاك الرأي، أرجو أن يسمح لي بأن أقول إنني أميل في هذه المسألة إلى عدم الإيجاب وإن كنت أحترم الرأي الذي يرجح الوجوب الذي تفضل به أستاذنا، ملاحظًا عناصر أخرى دخلت في العملية تفضل بعض الإخوان وأشار إلى بعضها، لدينا في مجال المستغلات العقارية عنصر التعرض لمخاطر الاستثمار، والتعرض لاحتمالات الخسارة، وعند ذلك تعطيل هذه الأموال، نحن نلاحظ بعد فترة الكساد الاقتصادي التي نمر بها أن كثيرًا من أصحاب البنايات ينظرون إلى بناياتهم دون أن يحصلوا منها على أي دخل بل يحاولون بيعها، ويبيعونها بأسعار أقل بكثير من تكلفتها في بعض البلاد.(2/122)
الأمر الثالث: عنصر استثمار الأموال وإيجاد فرص العمل وإدارة المال في المجتمع، هذا الذي يستثمر في العقارات ويعمل فرص عمل ويحرك المال ويحقق مدخلات اقتصادية لجمهور كبير من الناس يدعم هذا التوجه، وأقول توجهًا أن عنصر النماء كما تبين من البحث ليس علة في إيجاب الزكاة إنما هو شرط حتى بعدما سمعنا من الأخ الدكتور محمد عبده عمر لأن هي دالة، هي مؤشر، هي حكمة قضية النماء، لكن لا بد أن يتوجه الباحث إلى معرفة العلة الحقيقية في إيجاب الزكاة التي يمكن أن تكون مطردة وإذا لم تكن مطردة عند ذلك لا تسمى علة لأن هذا هو أساس تسميتها بعلة.
أما قضية الفقر والفقراء فيجب أن لا يغيب عن بالنا أن معالجة قضيتهم لن تتم في النظر الإسلامي فقط عن طريق الزكاة، هنالك نظام متكامل لمعاجلة مشكلة الفقراء يكفي أن نشير هنا إلى قاعدة، إذا لم تف حصيلة الزكاة بتأمين مستوى الكفاية للفقراء ضمن قواعد تشريعية متعددة بينتها الشريعة، فبين بعض الباحثين أن حق الفقراء في الكفاية متعلق بأموال الأغنياء ولو أدى ذلك إلى استيعاب جميع أموالهم واشتراكهم فيها بالتساوي. أنا لا أستطيع من أجل حل مشكلة الفقراء أن أوسع دائرة الإيجاب في الزكاة بهذه الحكمة التي تحرص عليها الشريعة وتدعو إليها تأمينًا للعدالة الاجتماعية بين الناس، لأن لدى غنية في بعض القواعد الشرعية التي ستعمل مباشرة بعد أن تنتهي هذه القاعدة من العمل، هي قاعدة الزكاة، ثم إن استخدام المستغلات هو الآن بات وسيلة لعيش الفقراء والأغنياء ليس فقط لعيش الأغنياء أو لمزيد من الدخل لديهم، لأننا نلاحظ في مجتمعاتنا ونراهم حولنا في كل مكان هذا الذي يؤجر بيتًا صغيرًا وهذا الذي يؤجر غرفة وهذا الذي يؤجر سيارة أو غير ذلك، فإذا أردنا أن نأخذ بقاعدة أن المستغلات تجب فيها الزكاة، فإننا يجب أن نلاحظ موضوع الاطراد في تطبيق ما تبنيناه، التوجه إلى إعفاء حد معين من المعيشة الذي هو أدنى ما يكفي الإنسان، والذي انتهى فيه أستاذنا إلى تقرير كتنسيب بأن يكون هناك ثلث الدخل معفى، في الواقع هذا لا يحل المشكلة لأنه لا ينسجم مع قاعدة إعفاء الحد الأدنى للمعيشة، لأنه سيكون فقيرًا وسيدفع ثلثي الدخل، إعفاء ثلث الدخل بالنسبة له لا يحل المشكلة، يمكن أن يكون التصور بإعفاء مجموعة من المالكين من الدخول في دائرة التكليف في مجال الزكاة في هذا النوع من أنواع الزكاة، لذلك أرجو أن يكون الأمر في إطار الترجيح، وإذا كان في إطار الترجيح، نحن لا نستطيع أن نرفع الخلاف وبالتالي عندما يتوجه إلى وضع تشريع ملزم في مجال الزكاة للحاكم المسلم أن يتبنى الرأي الذي يراه محققًا للمصلحة بمشورة الخبراء والمختصين، وبخاصة أننا لدينا مؤتمرات علمية قد بحثت هذا الموضوع وانتهت فيه إلى رأي معين. وشكرًا.(2/123)
الرئيس:
في الواقع أنا هنا في موضوع أشار إليه الشيخ عبد السلام ناقل ولست بناقد، أشار إليه أثناء الانصراف إلى صلاة المغرب أن هناك كلمات موسعة وهي لا تعدو عن كلمات إنشائية. ونحن كما تعلمون في مجال فقه وفي مجال تحرير محل النزاع وفي مجال استنباط العلل وفي مجال جمع الأدلة وبيان مدارك الأحكام ومدارك الخلاف، أما الأمور العاطفية أو الأمور الوقتية أو مشكلات الحياة أو ما جرى مجرى ذلك، فهذه بحور لا ساحل بها، نحن نريد أن نسير في ذلك المسار فقط. هذا أذكره لكم على سبيل النقل من توجهات بعض الإخوان ويرون ويأملون أن يكون ما يتفضل به المشايخ في المسار الفقهي الذي يحدد لنا القضية ويعطينا إيضاحًا عنها.. والكلمة الآن للشيخ عمر جاه، ثم للشيخ عبد اللطيف.
الشيخ عمر جاه:
بسم الله الرحمن الرحيم.. ولأنني آخذ الكلمة لأول مرة أريد أن أتوجه بكلمة شكر إلى رئيس المجمع وإلى الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي على حسن التنظيم الذي سهل لنا الأمور ومهد لنا الطريق. وعندي ملاحظة: لا أريد أن أعلق على موضوع الزكاة الذي أعتبر وأعتقد أن أصحاب الفضيلة العلماء الذين تكلموا عنه أعتقد أنهم قتلوه بحثًا. أريد فقط أن أستوضح نقطة واحدة هي تتعلق بزكاة المستغلات.. ومما لا شك فيه أن مجال المستغلات وخاصة ما يخص العمارات والمصانع، مجال يعتبر من أحد مجالات استثمار أموال المسلمين في الوقت الحاضر. وليس من المعقول إهمال هذا القطاع الذي يستوعب أكبر قدر من استثمار أموال المسلمين. وإذا كنا في إطار هذا المجمع نمثل العالم الإسلامي في الوقت الحاضر. إذن ينبغي أن نقول إن وجودنا هنا تجسيم لمشاكل المسلمين خاصة المشاكل الاقتصادية، فالزكاة كما نعرف جزء ومحاولة أو توجيه إلهي لإعطاء المحتاج من مال الأغنياء التي تعتبر وديعة عندهم. وسؤالي أو ملاحظتي أن من يتساءل عن وجوب الزكاة في المستغلات هل الزكاة التي تتكلم عنها في المستغلات نفسها أو في دخل المستغلات؟ ونعني إلى الفهم، وأرجو من فضيلة العلماء الذين قدموا بحوثًا في هذا المجال أن يصححوا فهمي إن أخطأت. الزكاة التي نتكلم عنها الآن هي الزكاة في دخل المستغلات وأعتقد أن دخل هذا إذا كان شكل أموال له قواعده في مسألة الزكاة، إذا كان نتصور إنسانًا استثمر مليون ريال في بناء عمارة لعملية تجارية وحصل أن هذه العمارة لم تستغل لفترة زمنية ,من المعقول أن لا يطالب بالزكاة , إذن فالمزكى هو ريع هذه العمارة أو دخل هذه العمارة أو الأموال التي يتحصل عليها من هذه العمارة. إذن أعتقد أن العلماء لا يختلفون أبدًا على وجوب فرض زكاة على هذه الأموال ولكن الزكاة هي على الأموال التي تدرها أو يستنتجها المستثمر من هذه المستغلات. فأرجو من الدكتور يوسف الذي تفضل بتقديم البحث في هذا الموضوع، وإنني أعترف بأنني تعلمت من بحثه الكثير، إذا كان فهمي هذا خطأ، أرجو أن يتفضل ويصحح لي هذا الفهم.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/124)
الشيخ محيي الدين قادي:
نحمده ونستغفره ونتوب إليه، وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ألا إن خير الكلام كلام الله وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم.
والزكاة: أثيرت مشكلة زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية. هذه المشكلة فيما يبدو لي موجودة من يوم أن هاجر صلى الله عليه وسلم إلى المدينة واحتاج المسلمون إلى أن الواحد منهم يتنازل عن نصف بيته أو نصف منزله إلى أخيه من المهاجرين. وقد وجدت هذه المشكلة وهي فاشية منتشرة من عهده صلى الله عليه وسلم وهي كراء الدور. ولكن الفاشي المنتشر إذا سكت عنه صاحب الشرع يعتبر أن سكوته حكم، فلم يوجب صلى الله عليه وسلم فيما رأينا وما عرفنا من نصوص السنة الشريفة وفيما عرفه الأئمة السابقون، يعني من نصوص السنة، والزكاة في العقارات. وإن قلنا بأن هذه المشكلة جدت وتطورت فهل حضارة بغداد وقاضي قضاتها أبو يوسف وحضارة القيروان وقاضيها سحنون وحضارة قرطبة، يعني لم تعرف هذه المشكلة، أيضًا وهي ما يتعلق بكراء العقارات. فجعلنا الزكاة واجبة في العقارات يقتضي من القائل به أن يعيدنا إلى مصدر من مصادر التشريع المعروفة وهي المجمع عليها أو المختلف فيها على الأقل وهي الكتاب والسنة وهما محل الإجماع، والإجماع على رأي أغلبية الفقهاء، ثم ما اتسع عند بعض الأئمة وضاق عند بعضهم كالمصالح المرسلة والاستصحاب. أما إن أردنا أن نجيب هؤلاء السائلين من الشيوعيين وغير الشيوعيين، فديننا يجيب في غير هذا. فعندنا دروب من المؤاساة الواجبة في الإسلام غير الزكاة، وذلك كما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم ((إذا بات أهل عرصة في شبع وفيهم جائع فقد برئت منهم ذمة الله ورسوله)) وكقوله صلى الله عليه وسلم حين أصابت الناس حاجة ((من كان عنده فضل زاد)) إلى غير ذلك، وكقول مالك بن أنس "إن لم توف الزكاة بحقوق الفقراء أنه يجب على الأغنياء إغناء الفقراء" وإلى غير ذلك من الوجود الكثيرة. وقد ورد في عهد الإمام علي للأشطر النخعي وهو من المتفق عليه بين أهل السنة وغيرهم، يعني أنه أوصى بالأرامل وبالأيتام وبذوي الحاجة وبذوي العجز إلى غير ذلك. فالزكاة تتسع لبعضهم ولا تتسع للكل، وفي الإسلام وفي بيت المال موارد أخرى. فإن أردنا تحقيق ذلك فعلينا أن نحقق ذلك إلى أي مصدر من مصادر التشريع نرجع أقوالنا هذه. وإن كان ما قلته صوابًا فمن فضل الله وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان وصلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/125)
الشيخ عبد الله البسام:
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد. وبعد،
فأصحاب الفضيلة قتلوا الموضوع بحثًا في هذا الأمر وتعرضوا لموضوع النماء: هل هو علة أو شرط؟ وحسب ما عندي من قراءة وما عندي من فهم أن النماء شرط من شروط وجوب الزكاة وأنه ليس علة فيها. وإنما الذي أرى وقرأته وعلمته من كلام أهل العلم أن النقطة الأساسية في الزكاة هي المواساة بين الفقراء والأغنياء. فالمواساة هذه يستطيع الفقيه أن يأتي بها في كل نقطة من نقاط الزكاة، فهذه هي التي تحدد مأخذ الزكاة. ولهذا أهم ما استدل به الجمهور على عدم وجوب الزكاة في حلي المستعار أو المستعمل، أهم ما استدلوا فيه أنه للقنية وليس للنماء. وإذا كان ليس للنماء فمعناه أن صاحبه بعدم إخراجه ساوى الفقير، دخل عنصر المواساة في ذلك لأنه من أموال القنية التي لا تنمو والتي هي من استعمالات صاحبه. هذا المبدأ مبدأ المواساة إذا طبقناه على المستغلات كالمصانع والعمائر ونحوها وجدناه تنطبق على ذلك. فمسألة المستغلات هي مسألة قديمة وليست جديدة. هي موجودة في صدر الإسلام في عهد النبي صلى الله عليه وسلم وفي عهد أصحابه وفي الصدر الأول، فلم يحدث فيها تشريع جديد وإنما بقيت على الأصل فيها. وكونها تضخمت وكثرت غلاتها، وهذا أعتقد لا يغير من التشريع شيئًا، التشريع لا يزال باقيًا لأن التشريع يقع على الكثير والقليل، هذا ما أردت أن أبديه حول هذه النقطة. وشكرًا.(2/126)
الشيخ عبد الله إبراهيم:
بسم الله الرحمن الرحيم.. شكرًا لفضيلة الرئيس على ما أتاحه لي من المشاركة التي قد طالت وتنوعت إلى أن ظهرت لي أن المسألة قد بقيت مختلفًا فيها، ولم نصل إلى الحل الحاسم. فمن بين نقاط الخلاف هي مسألة النماء نفسه. فالنماء كما ظهر لنا جميعًا إما أن يكون شرطًا وإما أن يكون علة، على حسب ما ظهر لنا من المناقشات. وبالنسبة لما حضر لي من القراءات في هذه المسألة، أن النماء أيضًا إلى جانب وجود القول بأنه شرط أو علة يوجد أيضًا ما هو يشبه بأنه نوع ليس بشرط ولا بعلة ولكنه نوع. هذا ظهر من تعبير الإمام النووي في المجموع لأنه قال: الأموال الزكوية إما ما هو نماء وإما ما هو مصدر للنماء، أو كما قال الماوردي في الأحكام السلطانية وكذلك القاضي أبو يعلي، فالنماء هنا كما ظهر لي أنه نوع من الأموال الزكوية. فالأموال الزكوية إما ما هو نماء وإما ما هو مصدر للنماء، فظهر لي أن النماء هنا يعني الدخل، فالأموال الزكوية إما هو الدخل على حسب التعبير الحديث وإما هو المال النامي والمال النامي نوع والنماء نفسه نوع، فالنماء ظهر لنا هو غلة المستغلات فهذا هو النماء، وأما النقود والسوائم وأموال العروض التجارية فهذه هي المال النامي فإذا رأينا إلى تقسيم الأموال الزكوية إلى هذين النوعين، إما الأموال الزكوية إما ما هو نماء، وإما ما هو مصدر للنماء. إذن فكل ما هو نماء تجب فيه زكاة أو كذلك كل ما هو مال نام أو مصدر للنماء تجب فيه الزكاة، ومهما كان الأمر فالخلاف لا يزال باقيًا. وأرى أن نخرج من هذا الخلاف بما عليه الفقهاء. في كثير من الأحيان رأينا الفقهاء إذا اختلفوا في مسألة من المسائل فإنهم يطبقون قاعدة اختيار الأنفع للفقراء. رأينا الإمام النووي في المجموع وكذلك ذكر كثيرًا في المغني لابن قدامة، فإنهم في مسألة اختلفوا فيها طبقوا أو يشيرون إلى الأخذ بما هو أنفع للفقراء. فخروجًا من الخلاف الذي نحن فيه الآن فأنا أميل إلى أن نطبق أو لا نمنع من أي جهة من الجهات تطبيق ما هو أنفع للفقراء، تطبيق ما هو أنفع للفقراء بالنسبة لمسألتنا هذه، فهو طبعًا كما ذهب إليه مقدم البحث الفاضل الدكتور يوسف القرضاوي، فإن تطبيق ما هو أنفع للفقراء أيضًا يناسب كما قال فضيلة الشيخ عبد الله البسام فإن فيه مواساة للفقراء، فإن الزكاة ومن حكم تشريع الزكاة فيها مواساة للفقراء. فالأخذ بهذه القاعدة قاعدة اختيار الأنفع للفقراء يمكن أن نقيس أشياء غيرها وليس لنا أن نقف في مسألتنا هذه فقط مسألة غلة المستغلات. فكل ما هو مثل غلة المستغلات يمكن أن نطبق عليه قاعدة اختيار الأنفع للفقراء. فهناك مسائل أخرى إذا طبقنا عليها هذه المسألة نفيد المجتمع كثيرًا خصوصًا مجتمع اليوم، مجتمع المسلمين في كل مكان يحتاج إلى تطبيق ما هو الأنفع للفقراء. هذا ما أراه للخروج من هذا الخلاف، والله أعلم.(2/127)
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
شكرًا أيها السيد الرئيس ... الواقع أولًا في كل اجتهاد تخريجًا أو ترجيحًا نردد ما قاله الإمام أبو حنيفة رضي الله عنه "علمنا هذا رأي وهو أحسن ما توصلنا إليه فمن جاءنا بأحسن منه كان أحق".
القضية هي في دخل المستغلات وليست في أعيانه كما هو ظاهر. فهل النماء علة بصرف النظر عن كونه شرطًا أو نوعًا أو غير ذلك، الواقع أني أعود فأكرر أنه ظهر لدى جميع الأفاضل الحضور أن النماء ليس علة لأن العلة هي السبب المؤثر، والنماء ليس سببًا ولا مؤثرا، ثم المواساة التي تفضل بها بعض الزملاء الأفاضل حكمة وليست علة. المواساة مئنة وليست مضنة، نحن نبحث هنا المضنة لأنها هي التي يدور معها الحكم وجودًا وعدمًا مع التأثير فيه. فمن ادعى غير ذلك فعليه الدليل، من ادعى أن النماء علة فليأتنا بدليل نقلي وعقلي.
ثانيًا القياس على الأرض الزراعية هنا غير وارد إطلاقًا لغلبة جانب التعبد في الزكاة على معنى الحق البحت، أي حق المال، فهي كما يقول الأصوليون الأحناف: عبادة فيها معنى المئنة، الأصل فيها العبادة فلو سلم جدلًا فهو قياس مع الفارق كما تفضل الأخ الدكتور السالوس.
ثالثًا، الزكاة في ريع المستغلات مفروضة كما تفضل الشيخ عبد العزيز عيسى فنحن لم نقل: إن الزكاة غير مفروضة كما تفضل الشيخ عبد العزيز عيسى فنحن لم نقل: إن الزكاة غير مفروضة ما قال بذلك أحد، لكنه في الريع بزكاة النقود وبشروطه فهذا هو التوسط، الوسطية التي نادى بها الإسلام.
وهذا يعد كله من باب التجارة، وعلى فرض عدم وفاء هذه الزكاة بالهدف في ظل ترقيع الأنظمة الحالية، لأننا لسنا في نظام اقتصادي إسلامي، نحن نرقع الأنظمة الحالية ترقيعًا بما لدينا من حلول إسلامية، والمفروض أن نستبدل بهذه الأنظمة النظام الاقتصادي الصحيح الكامل الشامل الوافي حتى نرى هل يحقق الهدف أم لا؟ فالنبي عليه الصلاة والسلام ورد عنه أثر لا أدري الآن تخريجه بالضبط ولكني قرأته في بعض الكتب المعتبرة الموثوقة من كتب السنة "لو أن الله عز وجل يعلم أن زكاة أموال الأغنياء لا تكفي الفقراء لأنزل عليهم من عنده ما يكفيهم"، فإذا أحببنا معالجة قضية عدم وفاء هذه الزكاة بحاجات الفقراء ولتحقيق العدالة الاجتماعية فعندنا في المذهب الحنفي فرق كبير بين ما يسمى بحكم الفتيا، وبين ما يسمى بالسياسة الشرعية. فيقول ابن عابدين في "رد المحتار" نقلًا عن أئمة المذهب، وهذا هو آخر كتاب من كتب الحنفية المعتبرة: "إن الإمام بشروطه طبعًا له صلاحية فرض خرج، وأحببت كلمة الخرج جدًا وإن لم يقلها ابن عابدين بالذات وإنما هي كلمة معتبرة بعد الرجوع لأهل الحل والعقد وهي الشورى الخاصة أن يفرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء وما يكفي حاجة الدولة"، هذا حكم اسمه حكم سياسي، ولا نقول سياسي بمعنى السياسة الحالية التي نفهمها، حكم سياسي شرعي، وله حق الإلزام وعلى الناس أن يطيعوا ذلك يثابون ما أطاعوا ويعاقبون من عند الله ما خالفوا، اللهم إذا كان في ذلك منفعة عامة للكافة وبشروطها المعتبرة. فقد خصص ابن عابدين مطلبًا خاصًا لما يسمى بالسياسة الشرعية. فحينما يضيق الأمر إذا ضاق الأمر اتسع، نأتي إلى السياسة الشرعية ونقول للحاكم المسلم تعال فافرض في أموال الأغنياء ما يكفي الفقراء وما يكفي الجيش وما يكفي البلاد، هذه ناحية. وأقول بعد ذلك إن الشرع ما شرعه الله، ولا نستطيع أن نزيد من عندنا شيئًا باسم المصالح إذا كان الأمر يتعلق بالتعبد بالذات. والزكاة أمر تعبدي أكثر مما هو حق مالي فلنقتصر على النصوص ونبتعد عن هذه الاجتهادات ما دمنا نريد أن نصل إلى السلامة في ديننا ودنيانا. مع شكري لمن تفضل قبلي بالجهود المشكورة والاجتهادات النافعة فمن أصاب فله أجران ومن أخطأ فله أجر واحد، وأرجو الله أن أكون صاحب الأجرين، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/128)
الدكتور حسن عبد الله الأمين:
بسم الله الرحمن الرحيم.. شكرًا للسيد رئيس الجلسة والإخوة الكرام السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
الحديث حول الزكاة في المستغلات دار كثيرًا وأشبع بحثًا من الإخوة الكرام. والحقيقة أن الأموال المستغلة هي في واقع حياتنا الحاضرة تمثل نسبة عالية من الاقتصاد الكلي لأي بلد من البلدان. فهي في حقيقتها قبل أن تكون أموالًا مستغلة في أعيان كانت أموالًا سائلة ابتغى بها التنمية والربح والعائد من أصحابها. وكان لهم أن يدخلوا بها في التجارة مباشرة ويديرونها سريعًا، ولكنهم اكتشفوا أن جعلها في هذه المستغلات المتنوعة أنفع وأفيد كثيرًا لهم من التجارة السريعة. فهي في حقيقتها أموال نقدية أدخلت في عمليات شبيهة بالتجارة إن لم تكن تجارة، وكون كثير من الإخوة جعل هذه الأموال يزكى ريعها ولا تزكى أصولها هذا نوع من التجاوز. وقد يكون مقبولًا حفاظًا على هذه الأصول ولكن ليس مقبولًا أن نجعلها والتجارة في مستوى واحد. أموال التجارة تزكى كلها ما كان منها نقدًا وما كان منها عينًا. تقوم ثم تزكي. لكن هنا لا نقيم هذه الأعيان المالية في المستغلات، وإنما نأخذ الزكاة كما يتجه أكثر الإخوان من ريعها ومن عائدها. فهل أولًا يصح أن نبعد هذه الأموال من الزكاة نهائيًا كما يتجه بعض الإخوة؟ هذا لا يصح. أو هذا في رأيي لا يكون منطقيًا. كيف نستبعد هذه الأموال وهي أموال ضخمة جدًا تمثل النسبة العالية وقد تكون الثلث أو النصف أو أكثر من ذلك من الأموال الدائرة في النشاط الاقتصادي؟ من حيث المبدأ أعتقد أنه ليس سليمًا أن نستبعد هذه الأموال من محيط الزكاة. فإذا انتقلنا إلى مرحلة أخرى هي أن تكون الزكاة في ريعها وعائدها فكذلك أرى أنه لا نسوي بينها وبين التجارة العادية التي نأخذ على ريعها وعلى أعيانها. المخرج في رأيي في هذه الحالة بعد أن نقرر مبدأ الزكاة فيها أي في عائدها وليس فيها أن تكون هذه الزكاة في يوم العائد مباشرة حتى لا تخرج مرة أخرى في شكل مستغلات وتتسرب من السيولة التي بين أيدينا التي نستطيع أن نجعل منها زكاة، لأننا لا نستطيع أن نعوض هذا بجعلها هي في أعيانها وفي ذواتها زكاة أو نزكي عنها. فالرأي الذي ذهب إليه الأخ الدكتور يوسف القرضاوي أعتقد أنه سليم في هذا الموضوع: أن تكون الزكاة واجبة، وأن تكون واجبة في ريع هذه الأموال المستغلة وأن تقوم في تاريخ وجود هذه العوائد منها. وشكرًا.(2/129)
الشيخ عجيل جاسم النشمي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
يبدو لي أن القضية منحصرة في تحقيق محل النزاع كما أشار أحد الزملاء. وبناء الحكم في هذه القضية يقتضي توضيح معنى السبب ومعنى الشرط كي نتوصل إلى قضية النماء هل هو شرط أم سبب؟ ويقتضي أيضًا تحقيق معنى العلة. أود هنا أن أذكر لكم ما يحضرني في تعريف السبب والخلاف فيه وفي تعريف الشرط والعلة. ثم أبني الرأي حول قضية النماء.
السبب: اختلف فيه العلماء إلى رأيين: الجمهور قالوا بأن السبب هو وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم. وآخرون رأوا أن السبب هو أيضًا وصف ظاهر منضبط يلزم من وجوده الوجود ومن عدمه العدم بشرط أن لا تكون هناك مناسبة بين السبب وتشريع الحكم. فعلى الرأي الأول السبب والعلة قد يجتمعان. وقالوا إن بينهما عمومًا وخصوصًا مطلقًا، أي يجتمعان في شيء وينفرد الأعم منهما في شيء آخر. فتجتمع العلة والسبب فيما إذا كانت هناك مناسبة في تشريع الحكم، أي إذا ظهرت الحكمة من التشريع كقصر الصلاة في السفر. السفر هو السبب والحكمة ظاهرة في التخفيف، فهنا يقول الجمهور بأن في هذا المثال يجتمع السبب والعلة. فبينهما عموم وخصوص مطلق. على الرأي الثاني لا تجتمع العلة مع السبب لأن العلة لا بد وأن تظهر الحكمة فيها ولذلك قيدوا فقالوا إن السبب شرطه أن لا تكون هناك مناسبة، فإذا كانت هناك مناسبة فلا يكون سببًا إنما يكون علة. هذه خلاصة ما قاله العلماء في السبب.
أما الشرط: فعرفوه بأنه ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود ولا عدم لذات الشرط ويكون خارجًا عن حقيقة المشروط. هذا تعريف السبب والشروط. وعلى هذا فالنماء هو شرط لأن الحكم لا يدور معه، شرط لا سبب، لأن السبب قد يكون له شرط لوجوبه أو وجوده. فالنماء شرط للسبب. ونصوا هنا في قضية الزكاة أن السبب هو ملك النصاب. فملك النصاب هو الذي يدور معه الحكم وجودًا وعدمًا. أما النماء فهو شرط من الشروط عند من يرى أن النماء شرط للزكاة. وقضية العلة هنا ليس لها تأثير في هذه القضية، العلة ليس لها تأثير لا باعتبار معنى الحكمة، لأن السبب هو الأعم. فكلما وجدت العلة وجد السبب، لأن السبب هو الأعم، ولا توجد العلة إلا ويوجد السبب معها إذا ظهرت الحكمة على رأي الجمهور. فالرأي العلمي الذي أطمئن إليه هنا في هذه القضية بناء على هذه المسلمات في تعريف السبب والشرط هو أن النماء شرط وليس سببًا ... والله أعلم.(2/130)
الشيخ آدم شيخ عبد الله:
بسم الله الرحمن الرحيم.. بعد شكرى للأمين العام ورئيس المجمع وجميع الباحثين يظهر لي أن هناك لبسا في المسألة، المسألة المراد: هل غلة أو ريع أو أجرة المستغل أو عين المستغل؟ فإن لم يكن المستغل نفسه من عروض التجارة فهذا أمر ظاهر والريع أو الغلة تجب الزكاة بشروطها، من النصاب وحولان الحول أو ضم هذه الغلة إلى أموال صاحبها، وإن كان المراد المستغل عينا ولم يكن المستغل من عروض التجارة، فأرى أن مثل هذا كان موجودا في عصر النبي صلى الله عليه وسلم، فكان هناك مزارع، مزارع النخيل ومستغلة ولم تجب الزكاة في عين الأرض. هناك بيوت تدر دخلا وغلة ولم تجب الزكاة في عين البيوت المستغلة إن لم تكن من عروض التجار. ولهذا أنا أرى أن يدور الكلام والنقاش حول هاتين النقطتين، يعني غلة الأرض وريعها أو غلة العمارات والمصانع، فإن المصانع وما فيها من الأدوات والأرض وما فيها من أدوات الحرث تدر أموالا، فهذه الأموال نوجب فيها الزكاة بشروطها، وما أدوات الحرث ونفس أصل الأرض المستغلة ولا أعتقد هناك فرق بين أرض مستغلة وعمارة مستغلة، لذلك أنا أرى أو أضم رأيي مع من يرى أن الأعيان المستغلة إن لم تكن من عروض التجارة لا تجب فيها الزكاة. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/131)
الشيخ على العصيمي:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه.
ينطق بعض الإخوان باسم الزكاة فيقولون زكاة كما يقول البعض إذا نكروا حياة يقولون حياة، ونحن هنا في موضع عال وسام وكريم وينبغي أن نعرف كيف ننطق بهذا الاسم الذي هو ركن من أركان الإسلام، ولقد تشعب الحديث وطال وينبغي أن يختصر اختصارا سريعا. فالأمر فيه واضح وضوحا جليا والدليل فيه قائم من القرآن ومن السنة وأعمال ورأى بعض الصحابة، فالأمر هو أن المال المستغل أصله مال ولذلك يجب فيه الزكاة كما تجب في المال ... والسلام.
الدكتور محمد شريف أحمد:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أود أن أشكر في البدء الرئيس والأستاذ الأمين العام على إتاحة هذه الفرصة للتحدث في هذا الموضوع الذي سأسهم فيه بشكل موجز وسيكون دوري تعليقا وملاحظات بسيطة فقط.
أود أن أقول إننا في مجمع فقهي إسلامي والمفروض من هذا المجمع الفقهي وهو كذلك كما نلاحظه أنه يصدر عن رأي اجتهادي أصيل. والمفروض أيضا أن هذا الرأي يكون مؤسسا على دليل من كتاب أو سنة أو مصادر متفق عليها أو مختلف فيها. وقد نوقشت هذه المسألة وكما قيل قتلت أو أشبعت بحثا فيها. وكما أرى أن فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي قدم عرضا أصيلا يمكن أن نعتبره نموذجا لاجتهاد عالم معاصر يجب أن نجل رأيه ونحترمه كما نجل ونحترم آراء علمائنا من السلف الصالح. ولا يعني ذلك أنني أؤيده في رأيه تمام التأييد ولكني أؤيد نهجه الجرئ ونهجه العلمي الذي يضع اللمسات على موضع الداء، والحقيقة أن هذه المسألة كما تفضل الدكتور هي تتفرع عن قاعدة أساسية، بعد أن كان الموضوع ينزل إلى التفصيلات وبدأ البحث الآن يعود إلى تلخيص هذه المسائل، إلى الرجوع إلى الأفكار الأساسية. الفكر الأساسي الذي انطلق منه الدكتور الأستاذ القرضاوي: هو هل أن أحكام الله معللة بالأغراض، أو غير معللة؟ هو ذكر اسم العلة، وكما أعتقد والشخص موجود لا يجوز أن أتكلم باسمه ولم يكن يقصد بالعلة المعنى الاصطلاحي الأصولي. والحقيقة كما تعلمون وكما تفضل السادة الأفاضل تناولوا المصطلحات الأصولية: السبب، الشرط، المانع، العلة، لكن هذه المصطلحات لم تكن في يوم من الأيام عائقا لأي مجتهد تعوقه عن الاجتهاد، وإنما هذه مصطلحات فنيه اصولية تتبع الحكم وليست تسبق الحكم الاجتهادي، لذلك إذا أخذنا بالرأي القائل بأن الزكاة هي من الأحكام الشرعية التي يغلب فيها الجانب المالي وهو خاضع للتعليل فإن المنطق يدفعنا إلى أن نذهب وننحو منحى الأستاذ القرضاوي. أما إذا رأينا بأن الزكاة هي حكم شرعي ويغلب فيه الجانب التعبدي يكون من الصعب علينا أن نأخذ بغيره. والحقيقة أنا شخصيا لم أطلع تمام الإطلاع على بحثه القيم وعلى البحوث القيمة الأخرى، ولكن كما تعلمون أن كثيرا من المجتهدين ولا أعنى ولا أقصد بذلك أن أدخل في دائرة الاجتهاد وإنما أنا فيه طالب من طلاب العلم، ولكننا نقرأ كثيرا أن المجتهدين قد يتوصلون لعلة تنقدح في ذهن المجتهد أي هنالك إحساس لدى المجتهد في عدالة هذا الحكم. ولذلك إذا كان لي رأي فإن إحساسي يميل إلى الدكتور القرضاوي ولكن ديني الجانب الآخر ربما يميل إلى الرأي الذي عبر عنه بكل وضوح الأستاذ الجليل الشيخ عبد العزيز عيسى وهو الأوفق لمن يريد أن يلتزم بالجانب النصي تماما، وأنه الأوفق أيضا للمعنى الديني الملتزم الصارم فقط. ولكن إذا أردنا أن نسير إلى بعد اجتماعي في الدين فلابد أن نأخذ برأي الأستاذ الدكتور القرضاوي. وشكرا والسلام عليكم.(2/132)
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم ... وبهذا ينتهي ما سجلت من أسماء في مناقشة هذا الموضوع وقد كثرت النقاط الهامة واستغرقنا أربع ساعات في هذا الموضوع والآن إذا تكرمتم سوف أحضر ما جرى من المداولات وما جرى في النقاش وألخصه وأبين من خلاله ما اتجهت إليه أكثر الأنظار أو أكثر الأصوات ... فمن كان منضما إلى هذا الرأي فذاك، ومن لم يكن منضما إلى هذا الرأي ربما يتأمل يحصل له الانضمام أو يحصل له التحفظ.
الشيخ عبد الله بن بيه:
كما يبدو أن بعض الإخوان يريدون لنا أن نبحث في فراغ، نحن لسنا جمعية سياسية تنقسم فيها الأصوات والأهواء، نحن كما قيل إن الناقد وإن كان بصيرا لكنه بسلوك الأثر جدير، نحن نفتى، نصدر فتوى وبذلك نترجم عن الله ورسوله. الفتوى هي ترجمة عن الله ورسوله كما يقول العلماء " إخبار الفتوى كمن يترجم والحكم إلزام " فما يترجم عن الله ورسوله لابد أن يرجع إلى كتبا لله وسنة رسوله. ينبغي أن نتأمل قليلا في كلمة قالها اليوم فضيلة الدكتور الحبيب ابن الخوجة نقلها عن إمام الحرمين: هناك المتقابلات، الأوامر والنواهي. هناك الناحية المحصورة والناحية غير المحصورة هل من كلمة تفيدنا كثيرا، الجهة المحصورة والجهة غير المحصورة. هل الجهة المحصورة هنا هي جهة الزكاة أو هي جهة غير محصورة. ما هي الجهة التي حصرها الشارع بمعنى أنها تحتاج إلى نص من الشارع لنأخذ فيها حكما. هل يجوز لنا إحداث حكم؟ أعتقد أن هذا الموضوع في غاية الأهمية والدعاوى ما لم تقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء.
أنا لم أقل أبدأ إننا لا نقيس كما يحلو لجاري. وهذا من حسن الجوار أن ينسب إلى. أنا أقوال إن الأحكام تتلقف من أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وإقراراته ومن القياس. القياس هو المصدر الرابع وأنا أقول بالقياس.إلا أن القياس إ ذا لم يكن على غير شيئ أو كان فاسدا فإنه ممنوع شرعا. فإن القياس الذي لا يستند إلى علة جامعة، والعلة الجامعة باختصار شديد هي العلة المؤثرة في الحكم والتي تدور معه وجودا وعدما. فإذا لم تدر العلة مع الحكم وجودًا وعدما فمعنى هذا أنها لا تصلح أن تكون علة وبالتالي لا تكون مؤثرة. هنا ليس أمامنا نص نستند إليه ونطمئن إليه وليس أمامنا قياس سليم نستند إليه ونرتكز إليه. أمامنا آراء، بعض الإخوان يقول أرى كذا وأنا قلت: أراني الله، معناه جعل الله هذا رأيي، وهذا قد يكون صحيحا لأني قلته هكذا وأنا قلت: أراني الله، معناه جعل الله هذا رأيي، وهذا قد يكون صحيحا لأني قلته هكذا فالبعض يقول شرط والبعض يقول سبب وليس شرطا ولا علة ولا سببا. الشرط إذا كان شرط وجوب فإن المكلف يجب عليه أن يقوم به كالوضوء للصلاة، والنماء لا يجب على أحد أن يقوم به. النماء أيضا قد يتخلف وتوجد الماهية دونه والشرط إذا تخلف لا توجد الماهية دونه ولا تصح. المال الموضوع إذا لم ينم بشيء فإن الزكاة تجب فيه عندما يحول الحول. إذن هذا ينفى الشرطية وينفى العلية. ولقد قلت إنه إذا كان لنا أن نصف النماء بوصف فيجوز أن نصفه بأنه دليل على العلة وليس علة. وأن يكون القياس قياس دلالة لمن يقول بوجود قياس دلالة، كالشدة دليل على الإسكار، الإسكار هو العلة في الحرمة والشدة دليل على الإسكار. إذن النماء دليل يستروح منه وحكمة وليس شرطا من الشروط. يجب أن يكون هذا واضحا. الزكاة هي الفريضة الثانية بعد الصلاة {أَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ} فليس من المعقول مطلقا أن تكون أحكام كهذه الفريضة الثانية ليست مذكورة عن السلف خصوصا وأن السلف تكلموا عن باب كراء الدور والأرضين، في المدونة مثلا، تكلموا كثيرا عن الكراء وعن الإيجار ولم يتكلم أحد منهم عن الزكاة في هذا إلا القليل النزر ولم أستوعب والحق يقال، لم أقرأ، قرأت قليلا جدا ولكن أرى من واجبي أن أنبه إلى هذه المسألة وأن أدعو الإخوان إلى التحاكم إلى الكتاب والسنة وإلى التحاكم إلى القياس السليم بشروطه المعتادة والمعتبرة. وأضم صوتي إلى ما قاله الشيخ عبد اللطيف، أعجبني كثيرا ما قاله ويجب أن نحرر موضوع ومواضيع النزاع لنهتدي إلي شيء، وأشكركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
شكرا ويتفضل الشيخ يوسف مع رجاء الاختصار.(2/133)
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم ... الشكر لله أولا ثم لفضيلة رئيس الجلسة وللإخوة. وفي القرآن العظيم {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} ، الشكر للإخوة جميعا الذين خالفوني والذين وافقوني ولا أتوقع أن يتفق على أمر اجتهادي كهذا. فالأمور الاجتهادية بطبيعتها لابد أن يختلف فيها. ولا أدعى أن رأيي هو الصواب بل أقصى ما أقوله ما جاء عن الإمام الشافعي رضي الله عنه " رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب".
أقصى ما يقوله إنسان يجتهد ولا أدعى أنى من المجتهدين، إنما الاجتهاد الجزئي قال به أغلب الأصوليين أن يجتهد الإنسان في مسألة أو موضوع فهذا لا يمانع فيه أحد. وأعتقد أن مهمة مجمعنا هذا هو الاجتهاد الجزئي على الأقل في المسائل التي تعرض عليه سواء كان الاجتهاد هذا اجتهادا ترجيحيا انتقائيا أم اجتهادًا إبداعيا إنشائيا. ففي المسائل التي عرفها السابقون يكون اجتهادنا انتقائيا وفي المسائل الجديدة جدة مطلقة يكون اجتهادنا إنشائيا. وأنا أرى أن اجتهادنا هنا هو من النوع الانتقائي لأن المسألة قد قيلت فيها أقوال كما ذكرت في المذاهب المختلفة وإن لم يكن ذلك هو المفتى به. لأن الشيخ عبد الله ينكر أن يكون للسلف فيها رأي، مع أن الشيخ زروق ذكر في شرح الرسالة رأيا عن بعض المالكية أن يكون في غلة هذه الأشياء، صحيح ليس هو الرأي المشهور، وليس هو الرأي المفتى به، ولكن كم من آراء كانت مهجورة ثم شهرت وكم من آراء كانت ميتة مقبورة ثم حييت، كم من آراء، ولذلك اختلفت التصحيحات والترجيحات في المذاهب المختلفة على طوال العصور، ثم إنه من المقرر أن الفتوى تتغير بتغير الزمان والمكان والحال والعرف، لماذا تتغير الفتوى، ليس الحكم الشرعي، أي أن هناك أشياء تجد تجعل المجتهد بغير رأيه حتى أن بعض الأئمة غيروا آراءهم في حياتهم، رويت عن الإمام مالك روايات عديدة في المسألة الواحدة، والإمام أبو حنيفة رجع عن بعض أشياء حتى قبيل موته بأيام، وخالفه أصحابه في نحو ثلث المذهب وكثيرا ما قال الحنفية في اختلاف أبي يوسف ومحمد عن شيخهما، هذا اختلاف عصر وأوان وليس اختلاف حجة وبرهان. فإذا كان هذا في وقت قريب مثل وقت الصاحبين مع شيخهما، فكيف والوقت بيننا وبين الأئمة المجتهدين وبين عصور الاجتهاد وقت طويل والحياة لم تعد رتيبة كما كانت، ولكن تغيرت.(2/134)
الإخوة يقولون: إن مسألة الكراء كانت موجودة من قديم، كانت قديمة، ولكن لم تكن بهذا الحجم ولم تكن بهذا القدر الذي هو موجود الآن. نحن إلى عهد قريب لم يكن أحد يسكن دارا بالكراء. الآن بعد حركة الحياة وتنقل الناس وعمل الناس في غير بلادهم وفي غير مواطنهم أصبح لابد من الكراء، فانتشرت هذه الأشياء، وأنا لم أتكلم فقط عن مسألة العمارات السكنية هناك العمارات السكنية، هناك الفنادق، هناك المطابع، هناك السفن والبواخر والطائرات وسيارات النقل وسيارات التاكسي والمصانع بكل أنواعها، تقول كما أشار أخونا الدكتور حسن الأمين قد تكون ثلث ثروة الأمة، نصفها أكثر أقل، يعني أموالا كبيرة، هل الشريعة سكتت عن هذا؟ بعض الإخوة يزعمون أن الشريعة قالت قولا وأننا نجيء باجتهاد نخالف مثل هذا القول، لو كان ذلك لكان الاجتهاد باطلا من أوله، لأنه لا اجتهاد مع النص، إذا كان نصا صحيح الثبوت صريح الدلالة فلا معنى للاجتهاد، إنما هذه الأمور التي لم يجيء نص فيها، كل ما في الأمر، يقال كانت هذه موجودة ولابد أن يكون للشريعة فيها، ولكن لم يصلنا شيء وقد حدث أن الأئمة اجتهدوا في أشياء لم ينص عليها النبي صلى الله عليه وسلم، كما رأينا سيدنا عمر رضي الله عنه كما جاء في قضية يعلى بن أمية والخائن ابن أمية والخيل وقال: أنأخذ من كل خمس إبل زكاة ولا نأخذ في مثل هذه الخيل شيئا وعلى هذا أخذ الإمام أبو حنيفة وأوجب الزكاة في الخيل إذا كانت للنماء، في مسألة- أيضا- الصدقة أو الزكاة في الخضروات والفواكه وهذه الأشياء قالوا أيضا على الحنفية أن النبي عليه الصلاة والسلام لم يأخذ منها وقالوا لم يأخذ منها لأنه تركها للناس، أو غير ذلك، فكم من أشياء قال بها الفقهاء لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذ منها ولكنهم طبقوا القواعد العامة والنصوص المطلقة، طبقوا عموم النصوص وإطلاقها وأخذوا من أشياء لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ولذلك أنا حينما استندت في اجتهادي هذا استندت إلى أشياء أساسية، للأسف أن البعض ذكر أشياء وترك أشياء، أنا استندت إلى أشياء أساسية، لا تنقض إلا بنقض جميع أدلتها. أنا استندت إلى عموم النصوص وإطلاقها، وذكرت كلمة ابن العربي وللأسف بعض الإخوة المالكية لكي ينقض كلامي نقص من ابن العربي، نقص من قدره وقال: هذا ينقصه التدقيق، ابن العربي الذي كان قمة في عصره وقد وصلنا من كتبه القليل وهي تدل على أنه كان مجتهدا رغم أنه كان رأس المالكية في عصره وهو صاحب كتاب " أنوار الفجر" الذي قالوا إنه كان ثمانين مجلدا وضاع فيما ضاع من تراثنا، على كل حال ذكرت عموم النصوص وإطلاقها، ذكرت مسألة القياس ومسألة التعليل، وهنا أقف في هذه الناحية لأنها مسألة تتعلق بالأصول. كثيرون من الإخوة يقولون إن الزكاة عبادة والعبادات لا تعلل ولا يدخلها القياس. وأنا قلت: إن الزكاة ليست عبادة محضة لأنها عبادة من جانب وحق مالي من جانب. ولذلك قالوا إنه ينظر إليها كما ينظر إلى النفقات والغرامات فأوجبوها في مال الصبي والمجنون وهذا رأي الجمهور وإن خالف في هذا الحنفية، والحنفية نظروا إليها على أنها حق مالي فأوجبوا فيها القيمة. فكون حق مالي وذكر ذلك ابن القيم في " أعلام الموقعين" أن فيها الأمرين معا، الأمر التعبدي والأمر أنها حق من الحقوق المالية، فيجب أن ننظر إليها من هذا الأمر وعلى هذا يمكن أن يدخل فيها التعليل ويدخل فيها القياس، هنا مسألة العلة والشرط، أشار أخونا الدكتور عبد الستار أبو غدة إلى أن النماء شرط وليس علة. لعل في كلامي نقصا من الدقة المطلوبة. لأن الكلام هو أن العلة هي المال
النامي أو النصاب النامي وليس مجرد النماء هكذا التعبير. لكنني خانني التعبير أو لم أدقق فيه، إنما هو المال النامي أي المال الذي تحقق فيه شرط النماء أو النصاب الذي تحقق فيه شرط النماء، هذا هو العلة، المال مع النماء، هذه علة، وعلة أصولية أيضا ليس علة بالمعنى العام كما قال أخونا الدكتور شريف. فهذه علة فيمكن أن نقول إنها علة مؤثرة وتدور مع المعلول وجودا وعدما، وهي غير الحكمة، أنا ذكرت أيضا من الحكم التي ينبغي أن تلحظ وهي حكمة التطهير والتزكية وهي منصوص عليها في القرآن {تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا} وعلة المواساة التي ذكرها الأخ الشيخ البسام هذه أيضا علة الإسهام في حماية دين الإسلام ودولته في سبيل الله والدفاع عنه. كل هذه من الحكم المذكورة وينبغي أن تراعى. فمسألة العلة واردة، مسألة أن النماء أشار هنا الشيخ تقي عثماني أن النماء ينبغي أن يكون من جنس المال وإلا لا يعتبر نماء. لا أدري من أين جاء بهذا، مع أنه ليس من الضروري. لأن الأرض شيء ونماؤها شيء آخر الأرض جماد ونماؤها نبات، التجارة هي عروض ونماؤها نقود. فليس من الضروري ولم أجد من قال هذا. فمسألة المال النامي هذه هي العلة في نظري والنماء متحقق تحقيقا أو تقديرا، نماء بالقوة أو نماء بالفعل.(2/135)
ثم في مسألة القياس، القياس هو في الزكاة وارد وفي العبادات ومن استقرأ الكتب الفقهية في جميع المذاهب يجد أن القياس دخله، ليس هذا فيما يسمونه مدرسة أهل الرأي، ومدرسة الرأي ومدرسة الأثر، المدرستان كلاهما، المذهب الحنبلي. في الصيام ألا يقيسوا على مسألة الاستنشاق في حديث ((إذا استنشقت فأبلغ إلا أن تكون صائما)) وقالوا إن الماء إذا دخل من الأنف وقاسوا عليه إذا دخل من غير الأنف، من أي منفذ آخر. موجود هذا في الصيام وفي غيره كما أشار أخونا الشيخ الخليلي من أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، تدل على أن للقياس مدخلا وقياس الشبيه بالشبيه، والنظير بالنظير حتى في العبادات. وفي الزكاة نفسها هي فيها كثير جدا من أمور القياس وهذا أمر أساسي لأن الاعتماد في موضوعنا على القياس، وأعتقد أن الموجدين هنا ليسوا من الظاهرية، لأننا نؤمن بتعليل الأحكام، وحتى الذين ينكرون تعليل أفعال الله سبحانه وتعالى من الأشاعرة وغيرهم يعللون الأحكام، هذا أمر معروف وجميع الفقهاء يعللون الأحكام ويبنون عليها أقيستهم فأنا أذكر بعض الأشياء التي جاء فيها القياس، مثلًا عمر رضي الله عنه أمر بأخذ الزكاة من الخيل لما بين له أن فيها ما يبلغ قيمتها مبلغًا عظيمًا من المال وتبعه في ذلك أبو حنيفة، ما دامت سائمة واتخذت للنماء والاستيلاد، أحمد أوجب الزكاة في العسل كما قال ابن القيم لما رود فيه من الأثر وقياسًا على الزرع والثمر وأوجب الزكاة في كل معدن قياسًا على الذهب والفضة. الزهري والحسن وأبو يوسف أوجبوا فيما يستخرج من البحر من لؤلؤ وعنبر ونحوهما الخمس قياسًا على الركاز والمعادن كل مذهب من المذاهب أدخل القياس فى أحكام عدة , كقياس الشافعية غالب قوت البلد أو غالب قوت الشخص على ما جاء به الحديث في الفطر من تمر أو الزبيب أو غيره وقياسهم كل ما يقتات على الأقوات الأربعة المذكورة فى بعض الأحاديث، والإمام الشافعي ذكر أن الذهب لم يجئ فيه حديث وقال ربما جاء فيه حديث لم يبلغنا أو هو قياس على ما جاء في الفضة، ويستبعد أن يكون هناك حديث في عصر الشافعي في الذهب لم يبلغه ولم يعرفه. وعلى كل حال القياس في جميع المذاهب في أمور الزكاة قائم ولا ينكر، يعني في هذا الأمر. وعلى هذا أقول: أخونا الدكتور علي يقول القياس لا يمكن أن يدخل في الزكاة وذكر مسألة الغنم وأربعين من الغنم ومائة من الغنم وكأنه يؤيد ابن حزم، لأن ابن حزم ذكر هذا أيضًا في نفيه للقياس وإبطاله للقياس وذكر عشرات غير هذا لأنه يرى أن الشريعة تفرق بين المتساوين وتجمع بين المختلفين، وذكر في هذا مئات الأمثلة مما رد عليه ابن القيم في كتابه "أعلام الموقعين"، ولكن لا أظن أن أحدًا يقول بهذا، وأنا عللت مسألة الغنم هذه في الكتاب ولا يتسع الوقت أن أرجع. مسألة القياس مع الفارق أن أهم فارق في الموضوع هو أن الأرض باقية بقاء نسبيًا أيضًا، والمصانع والعمارات وهذه الأشياء غير باقية، وأنا لكي أبطل هذا الفارق قلنا أن يحسب مسألة الاستهلاك، ومع هذا قد يقول قائل إن الأرض نفسها غير باقية لأن الأرض إذا لم تسمد دائمًا ويبذل فيها جهد ممكن أن تموت مع الزمن وتصبح أرضًا غير صالحة. وكما أشار أخونا الدكتور إبراهيم الغويل ممكن عوامل التصحر.(2/136)
مفيش شيء في الكون اسمه غير مستهلك. فالأرض نفسها تحتاج إلى جهد حتى تصلح للإنبات، في الحقيقة أنا لا أرد على كل جزئية لأن فيه جزئيات كثيرة ولكن هناك البعض يقولون إن العمارات هذه هي عبارة عن أشياء يشتغل فيها عمال ويشتغل فيها ناس وأفادت المجتمع، طيب بهذا المنطق نفسه نقول هذا عن التجارة وعن الأشياء الأخرى، هي نتيجة عمل من الناس وبعض الناس أيضًا في عصرنا ممن يتبنون رأي ابن حزم في إسقاط زكاة التجارة. صحيح الإمامية لا يقولون بوجوب زكاة التجارة ولكنهم يوجبون بما هو أكثر الخمس، عشرين في المائة وليس 2.5 %، عشرين في المائة من صافي الدخل. فيه بعض الناس يأخذون بقول ابن حزم ويعللون ذلك بأن هذه الأموال تعمل ويشتغل فيها الناس، فالمهم أن المال يعمل، المهم أن المال يعمل وأن أطهر نفسي من رجس الشح والأنانية وأطهر هذا المال حقًا {فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ} وأساهم وأواسي المجتمع وأساهم في سبيل الله إلى آخره فكل هذه مطلوبة. فيه أشياء بعضهم أشار إلى الإجحاف. قد يكون هناك صاحب حانوت صغير أو واحد يأكل من كراء داره، أنا لم أوجب في كل هذا ولو حررنا موضع النزاع كما قال أخونا الأستاذ الدكتور العبادي، أنا لم أقل إلا فيما كان له، ما كان فيه دخل، أولًا طبعًا أنا ذكرت الآراء التي توجب في عين هذه الأشياء وتراها كأنها عين تجارية، مثل رأي ابن عقيلي الحنبلي ومثل رأي الهادوية وغيرهم، ولكني لم أتبن هذا الرأي، أنا تبنيت الرأي الذي يقول إن الزكاة في الدخل في الإيراد في العائد في الغلة، سمها ما تسميها. ولذلك لا يعترض علي بما قاله الأخ الدكتور السالوس وكثير من الإخوة إن هذا المستغل قد لا ينتفع به، قد يبني عمارة ولا يؤجرها ولا يسكنها أحد. هذا أنا لا أوجب فيه شيئًا وهذه نقطة خلافية جوهرية بيني وبين من يوجبون الزكاة في عين هذه الأشياء، ويعتبروها كعروض التجارة. أنا أقول تجب الزكاة في الغلة، في الإيراد، إذا بلغ نصابًا بعد أن يكون ذلك فاضلًا عن حوائجه الأصلية بتعبير الفقهاء وبخاصة فقهاء الحنفية، إذا كان فاضلًا عن حوائجه الأصلية هي ما يعبرون عنه في عصرنا الحد الأدنى للمعيشة، وهذه، وأنا قلت استحسانًا: ممكن أن نجعله الثلث، إنما هذا ليس مهمًا. كثير من الإخوة يقولون إن الزكاة لم تعد كافية في عصرنا لماذا؟ لأن وعاء الزكاة ضيقناه جدًا، مع أنه أساس التكافل الاجتماعي وجوهر العدالة الاجتماعية في الإسلام، الزكاة أولًا، لماذا ركنًا من أركان الإسلام؟ تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم.(2/137)
لماذا نأخذ من بعض الأغنياء ونترك بعض الأغنياء ونأخذ من الغني الضعيف الذي يملك الحد الأدنى الذي هو النصاب ومن يملك الأنصبة الكثيرة والملايين لا يؤخذ منه شيء! يقول بعض الإخوة إننا يمكن أن نفرض حقًا في المال. أنا ممن يقولون بوجوب حق وكتبت بابًا كبيرًا عريضًا في فقه الزكاة كهذا، ولكن بعد أن نستوفي الزكاة ونقيم المساواة والعدالة بين الناس حتى لا يعترض علينا معترض. وإخواننا يقولون يقول الشيوعيون ما يقولون، بلاش شيوعية ولا غيره، إنما فعلًا أنا أريد، أنا أنطلق من غيرتي على الشريعة، إن هذه الشريعة شريعة عادلة وتسوي بين الناس في الحقوق والواجبات ولا تحابي أحدًا على أحد، فيجب أن تكون الشريعة منطقية والفقه منطقيًا. هذا انطلاقي من هذه الناحية، فأيها الإخوة أنا اجتهدت، واجتهادي من منطلق الحرص على هذه الشريعة والحرص على هذا الدين. وما قيل من أننا يجب أن نقوي الإيمان ونحو ذلك، أنا مع هذا أنا عملي الأول داعية قبل أن أكون فقيهًا. ونحن نحب أن ندعم الإيمان ونثبته ونقويه ونبني الأجيال عليه، ولكن هذا شيء ووضع نظام شيء آخر. والإسلام يمتاز بأنه يسير فيه الأمران معًا، الإيمان والسلطان، أو القرآن والسلطان، وكما قال الخليفة الثالث "إن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن" فلا بد من هذين الأمرين معًا وإذا لم يكن الإيمان قويًا كما نرى في كثير من الناس فلا بد من السلطان.
أسأل الله تبارك وتعالى أن يغفر لي إذا كنت قد أخطأت وأن يثيبني وإياكم وأن لا يحرمني أجر المخطئ أيضًا، إنه سميع قريب، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.(2/138)
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم.. شكرًا لفضيلة الشيخ، شكرًا لجميع المشايخ الأعضاء والباحثين والخبراء. ومن خلال هذه المداولات فإنه تحرر لدينا ما يلي:
أولًا: أنه ليس من خلاف يؤثر في الزكاة في أصل المستغلات والمأجورات.
ثانيًا: أن الذي اتجهت إليه أكثر الأنظار وهو مذهب الإمام مالك كما في موطئه.
ورواية الإمام أحمد كما في كتاب الروايتين للقاضي أبي يعلي وذكرها صاحب المغني وغيرهم من الفقهاء على أن الزكاة تكون في الغلة.
- إذن فكونه لا زكاة في أصل المستغلات والمأجورات هذا كشيء مسلم به في أنظار الكثرة إن لم يكن الجميع.
- أن الزكاة تكون في الغلة.
بقي بعد هذا أمران: أنظار المشايخ أصحاب الفضيلة الأعضاء العاملين حسب التقييدات على أن الزكاة في اللغة تكون ربع العشر من القبض ويبدأ حولان الحول من القبض لا من أصل العقد. ورأى الشيخ يوسف ومن أيده من بعض الإخوة على أن يكون هو العشر مع بعض التقييدات التي ذكرها الشيخ في بحثه ولم يفصح عنها في ملخصة لذلك البحث، ولهذا فإني أرجو من لجنة الصياغة: فضيلة الشيخ السلامي وفضيلة الشيخ طه جابر صياغة القرار بالأكثرية على ما يلي:
أولًا: أنه ليس من خلاف يؤثر في الزكاة في أصل المستغلات والمأجورات.
ثانيًا: أن الزكاة تكون في الغلة بعد حولان الحول من تاريخ قبضها وتكون ربع العشر.
وبهذا انتهت الجلسة، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/139)
بسم الله الرحمن الرحيم
قرار رقم 2
بشأن
زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية
أما بعد:
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني من 10 – 16 ربيع الثاني 1406هـ/ 22 – 28 ديسمبر 1985م.
بعد أن استمع المجلس لما أعد من دراسات في موضوع "زكاة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية".
وبعد أن ناقش الموضوع مناقشة وافية ومعمقة، تبين:
أولًا: أنه لم يؤثر نص واضح يوجب الزكاة في العقارات والأراضي المأجورة.
ثانيًا: أنه لم يؤثر نص كذلك يوجب الزكاة الفورية في غلة العقارات والأراضي المأجورة غير الزراعية.
ولذلك قرر:
أولًا: أن الزكاة غير واجبة في أصول العقارات والأراضي المأجورة.
ثانيًا: أن الزكاة تجب في الغلة وهي ربع العشر بعد دوران الحول من يوم القبض مع اعتبار توفر شروط الزكاة، وانتفاء الموانع.
والله أعلم(2/140)
أطفال الأنابيب
فضيلة الشيخ عبد الله البسام
وبعد: فهذه مقدمة أمام البحث استقيتها من كلام علماء العصر الذين أدركوا الاكتشافات العلمية الحديثة في الطب والرياضة والفلك وطبقات الأرض وأغوار البحار والفضاء وغيرها وصار لهم حظ وافر وإدراك واسع وفكر حر في العلوم الدينية التي أولها التفقه بكتاب الله تعالى حتى استطاعوا أن يطبقوا ثمرات العلم الحديثة على ما تشير إليه الآيات الكريمة ليظهر إعجاز القرآن الكريم ويتحقق بيقين أنه تنزل من لدن حكيم خبير وأنه الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد.
فقد كان المعروف في العصور الغابرة والأديان السابقة أن العلم والدين لا ينسجمان بل بينهما حرب عوان شهدتها القرون الوسطى بين رجال العلم والبحث وبين رجال الكنائس، فهؤلاء رأوا الدين أسطورة من الأساطير وطقوسًا شلت حركة العلم وحدت من حريته وصارت أمرًا لا استفادة منه.
أما رجال الكنيسة فقد اعتبروا هذه العلوم الكونية والطبيعية ضلالة وإلحادًا واستغلوا الدين لتجميد العلم وإخضاعه وحصره بما سطر في كتب القدامى التي أكتسبها طول الزمان قداسة وحرمة وجعلوا في معرفة القوى الكونية الخفية بابًا من أبواب السحر وخدمة تقدمها الشياطين لإخوانهم من الإنس.
ولذا فروا رجال العلم وحاكموهم وعذبوهم ثم استتابوهم هذا والعلم في ازدياد ولم يقف أمام هذا الظلم والجور فلم يمض زمن طويل حتى عادت الكرة للعلم وأخذ في التطور والظهور.
أما الدين فأخذ في الانكماش والضمور، فثار العلم ثورة حطم فيها أبواب السجون وانتقم من الدين وتنكر له وتجاهل دوره واعتبره سدًا يمنع التقدم وقيدًا يحد من الانطلاق.
وهذا العداء بين الدين والعلم والصراع بين رجال الدين ورجال العلم إذا وجد بين العلم وجوهر تلك الأديان فإنه لا يوجد –إطلاقًا- بين جوهر الإسلام وحقيقته وبين العلم.
ذلك أن كتاب الإسلام وهو –القرآن- وجه الأنظار إلى الكون وما فيه من عجيب الصنع وبديع التركيب.
كما أنه عرض لكثير من الحقائق الكونية بأسلوبه الإشاري وطريقته الرمزية التي تومض في العقل بنور روحي باهر إلا أنها كانت خفية كامنة أثناء طفولة العلم وعدم تحديد قوانين الكون، فلم يدرك معناها ولم يفهم حقائقها وأسرارها وقت نزولها إلا أنه جل وعلا عليم بما سيكشفه المستقبل لبيان هذه الآيات ومصداق ذلك قوله تعالى:
{سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} .(2/141)
وقد أدرك الناس مكانة العلم في القرآن الذي هو دستور الإسلام.
ولذا فإنه من الخطأ أن يتوهم أحد أن العلم هوما أتانا به الغرب إذ الحقيقة أن إشاراته وإيماءاته العملية نزلت مع نزوله منذ أربعة عشر قرنًا وحقائق القرآن لم تتغير ولم تتطور في ذاتها وإنما الذي تغير وتطور العقل البشري الذي لما تطور فكره واستنار عقله وتوسعت مداركه وجد القرآن على حقيقته الأصيلة الخالدة كنزًا من كنوز المعرفة ومعجزة تدعو إلى الإيمان به وتصديقه وأنه ليس من صنع البشر وإنما أكملت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير.
وبهذا يثبت لدينا أن العلوم الطبيعية الحديثة منسجمة تمام الانسجام مع القرآن الكريم وأنه دعا إلى النظر في العلوم وتعلمها والأخذ بها ليكون المتثقف المسلم والعالم المسلم صاحب إلمام واطلاع على معطيات العلم الحديث لأن بعد رجال الدين عن هذه العلوم شجع على انتشار الإلحاد بين أفراد شباب المسلمين المثقف.
إذ لا يمكن للعالم المسلم أن يوجه الشباب المسلم ما لم يكن مطلعًا على هذه العلوم ليخاطب الشباب بلغة العلم وبين الموافقة والانسجام بين نصوص الإسلام الشريفة وبين الحقائق العلمية التي أثبتها البحث والتجارب فيحفظ للشباب المسلم دينه ويمسكه عن الزيغ والإلحاد.
ثم إن المثقف المسلم إذا حاز العلوم الدينية، ومبادئ العلوم الطبيعية استطاع أن يثبت أمام أعداء الإسلام الذين يحاربون الدين باسم العلم أن هذا الدين قائم على العلم وأن آيات القرآن وتعاليمه تنسجم تمام الانسجام مع معطيات العلم الحديث في أصح مباحثه وأدقها ليتأكد أمام العالم (مسلمه وكافره) أن العلم الذي دعا القرآن إلى طلبه لم يكن العلوم الدينية فحسب إنما دعا إليها وإلى العلوم الطبيعية أيضًا.
وإننا لن نتطرق في بحثنا هذا إلا إلى النصوص الكريمة التي جاءت في –خلق الإنسان- فلأنها هي المبدأ لبحثنا والطريق إلى الوصول إليه.
قال الله تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإنسان مِن سُلالَةٍ مِّن طِينٍ ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا العَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا المُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا العِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الخَالِقِينَ} .(2/142)
وقال تعالى: {فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}
وقال تعالى: {الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإنسان مِن طِينٍ ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِن سُلالَةٍ مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِن رُّوحِهِ}
وقال جل وعلا: {أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاءٍ مَّهِينٍ فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ إلى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ القَادِرُونَ}
وقال تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِّن مَّاءٍ}
وقال تعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَى ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى}
وقال تبارك وتعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}
وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنَ المَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍ}
فهذه طائفة من الآيات الكريمة مما يتعلق ببابنا
وأما الأحاديث الشريفة فمنها ما جاء في الصحيحين عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم هو الصادق المصدوق فقال: ((إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح)) .
كما جاء في الصحيحين أيضًا عن أم سلمة رضي الله عنها أن أم سليم قالت: يا رسول الله، إن الله لا يستحي من الحق فهل على المرأة الغسل إذا احتلمت؟
قال: نعم، فقالت أم سلمة: وهل تحتلم المرأة؟
قال صلى الله عليه وسلم ((تربت يداك، فيم يشبهها ولدها؟))
وقال صلى الله عليه وسلم: ((ما من كل الماء يكون الولد، وإذا أراد الله أن يخلق شيئًا لم يمنعه شيء)) .
يقول علماء الطبيعة: الخلية آجرة الحياة فأي جسم ما هو إلا مجموع الخلايا، وهذه الواحدة من الخلايا كانت مجهولة إلا في العصور الأخيرة وبالذات أن أول من أدرك انقسام الجسم إلى خلايا هو (روبرت هوك) بأداته المكبرة، وذلك في عام 1660م، إلا أن القرآن الكريم قد ذكر هذه الخلية قبل الاكتشاف هذا بقرون فقال تعالى: {وَمَا يَعْزُبُ عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاءِ وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلاَ أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ}
فقد كان الاعتقاد السائد أن الذرة هي أصغر شيء وأنه لا شيء أصغر منها حجمًا ووزنًا ولكن العلم أثبت أن الذرة تلك الشيء الضئيل الذي لا تراه العين مادة قابلة للتجزئة.
وهذا ما نطق به القرآن قبل الكشوف العلمية الحديثة التي توصل إليها الإنسان في القرن العشرين.
والذي يهمنا في هذا البحث هو:(2/143)
الخلية الإنسانية:
فها هي الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة تشير إليها تلك النصوص التي نزلت في بلاد صحراوية قاحلة من العلم والمعرفة وعلى رجل أمي لا يقرأ ولا يكتب لتحقق بما لا يدع مجالًا للشك أن هذا الدين وهذا الكتاب إنما جاء من حكيم خبير عالم للغيب والشهادة وليس من عند محمد وإنما محمد صلى الله عليه وسلم مبلغ ما أنزل إليه من ربه.
تلك (الخلية الإنسانية) التي توصل العم عن طريق الدراسات المجهرية إلى اكتشافها وهي إما خلية مذكرة وهي: (الحيوانات المنوية) أو خلية مؤنثة وهي (البيضة) فالحيوان المنوي موجود في ماء الرجل الذي أشار إليه القرآن الكريم:
بقوله: {فَلْيَنظُرِ الإنسان مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ}
يلتقي أثناء العملية الجنسية بماء المرأة ليتكون من المائين نطفة أمشاج المذكورة في قوله تعالى: {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} فالأمشاج هي الأخلاط فحيوان الرجل –خلية ذكرية- وبيضة المرأة –خلية أنثوية- فإذاتحدا دخلا في مرحلة التكوين ثم يبدأ انقسام خلايا (البيضة) إلى عدد كبير من الخلايا وتأخذ هذه الخلايا بعد ذلك دورها في التمايز والتخصص حسب أنواعه ووظائفه.
قال الدكتور صادق العظم: والخلية الإنسانية معجزة إلهية لا تعليل لها سوى قدرته المطلقة على الخلق.
قال محرره: إن هذا المبدأ هو الذي يتفق مع العقل والمنطق فإن العقل البشري محدود والاكتشافات العلمية التي تطالعنا كل يوم بجديد تدل على قصور العقل ومحدوديته كما أنه يوافق النصوص الدينية الكريمة في مثل:
{وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ العِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا} ، وقوله تعالى {وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ} ، وقوله تعالى {وَحَمَلَهَا الإنسان إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا}
أما كبرياء رجال الغرب وغرورهم من رفضهم العلل الغائبة والنظرة الغائبة واعتبارها من خيال الإنسان وتفكيره الأسطوري إن اعتبار النظر الغائب يعيق تقدم العلم وتفسيراته للظواهر الطبيعية.
هذا المبدأ الغربي يعتمد على أمور.
أولها: الإلحاد في الرب المكون لهذه الأشياء والذي يقول للشيء كن فيكون والذي أحاط بكل شيء علمًا والذي يقول عن نفسه تعالى: {عَالِمُ الغَيْبِ فَلاَ يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا إِلاَّ مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا}(2/144)
ثانيًا: النظرة المادية البحتة التي تبنى عليها البحوث والتجارب وعدم اعتبار مؤثر سوى الطبيعة التي يشاهدونها.
ثالثا: اسمح لنفسي بأن أقول إن هذا قصور في النظر وعدم إحاطة في حقائق الأشياء وظواهرها وإلا فهل يمكن أن يكون هذا النظام الكوني وليد الصدفة أو من أثر الطبيعة، ولا يكون وراء هذا الكون العظيم والنظام البديع خالق مدبر أحاط بكل شيء علمًا ووسع كل شيء حكمة، ولذا فإن العلماء المنصفين والذين لم يسيطر على عقولهم الغرور صرحوا بأن العلم يدعو للإيمان وأنه كلما ازداد علم الإنسان بالكون وطبائعه كلما ازداد إيمانه ورسخ يقينه.
واستشهد منهم بقول الأستاذ (يوسف مروه) وهو من علماء الكيمياء والفيزياء المتخصصين.
قال: وإنني كعالم فيزياء استطاع أن يجمع إلى جانب ثقافته العلمية ثقافة دينية لا بأس بها أستطيع القول بعد غربة أكثر من عشر سنين قضيتها في معاهد الغرب ومؤسساته أنني عدت إلى وطني – بيروت - وأنا من أشد المؤمنين بالله وملائكته وأنبيائه وأحداث القصص القرآني.
وإيماني ليس عاطفة هوجاء بل يرتكز على معطيات العلم الحديث في أدق مباحثه من ذرة وفضاء ونسبية، وأرى في الآيات القرآنية ما يؤثر ويدعم مواضيع العلم الحديث، وإني كلما فهمت قانونًا من هذه القوانين كلما ازددت إيمانًا بقدرة الله وعظمته وحمدته ووقرته فالإنسان لم يصنع قوانين الطبيعة بأنواعها، إن العلماء لم يفعلوا أكثر من كشف الغطاء عن هذه الأنظمة الإلهية ومحاولة فهمها وتفسيرها واستعمالها، وهذه القوانين قائمة سواء كان الإنسان موجودًا أو معدومًا فهي قد وجدت منذ خلق الكون) اهـ.
ونعود إلى النطفة التي تركنا البحث وهي (نطفة الأمشاج التي تكونت من ماء الرجل وهو –الحوين- الذي قدر له من بين ملايين الحيوانات السابحة في الماء المهين فينفذ بقدرة الله تعالى إلى (بويضة) المرأة التي تترقبه لينفذ فيها فيلقحها وبعد التلاقي والتلقيح تنتقل إلى ما وصفه الله تعالى بأدق وصف وأحكمه فقال تعالى: {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ} فالقرار المكين هو رحم المرأة ذلك الوعاء المحروس من جميع جوانبه بوضعه في الحوض الحقيقي لهيكل المرأة الذي يحمي الرحم من أي عدوان خارجي بما جعل في الحوض من عظام مشدود بعضها إلى بعض ومحكمة إحكامًا دقيقًا، ثم إن الرحم موثق بأربطة مختلفة تمسكه من التموج والاضطراب فيبقى الجنين في هذا القرار المكين إلى قدر معلوم ينمو بنموه وعاؤه، حتى يأتي القدر الذي قدره الله تعالى لخروج هذا الجنين ليخرج إلى أول دور من أدوار الحياة وهي الطفولة، وهذا هوالتلاقح الطبيعي بين الرجل والمرأة في النظام الرباني في –خلق الإنسان- وهو النظام السائد الذي جعله الله طريقًا طبيعيًا في التناسل.(2/145)
التلقيح الطبيعي:
هذا هو الأصل الذي جعل الله تبارك وتعالى بحكمة الطريق الأصلي للإنجاب والتناسل وبقاء النوع البشري والحيواني والنباتي.
وكما أنه الأصل شرعًا وقدرًا فإنه الأفضل حالًا ومآلا.
وله من الفوائد والمنافع ما يفوت العد والحصر ولكننا نشير هنا إلى بعض ما استقدمناه من المطالعات العامة في كتب الطب وكتب علم النفس وكتب الفقه في العشرة الزوجية:
أولًا: إن الجماع هو من المقاصد الرئيسية في الزواج لما فيه المتعة واللذة التي أوجدها الله تعالى في الصنفين من الرجال والنساء، ولما فيها من تحصين الفرج وحفظه عن الوقوع في الفواحش، وغض البصر وصون الجوارح عن المحرم فإن لكل حاسة وعضو زنا ويصدق ذلك أو يكذبه الفرج، ولما فيه من العشرة الشرعية بين الزوجين.
الثاني: أن الحالة الجنسية بين الزوجين هي الطريق الطبيعي التي هيأها الله تعالى وهدى خلقه إليها للتناسل والتوالد وبقاء النوع وعمار الكون وصنع الله الذي أتقن كل شيء هو الذي يجب استعماله وترويجه وهو مقتضى الشريعة البشرية والرغبة الإنسانية المحببة وما حاد عنها فإنه معاكس لتلك الطبيعة فلا يحقق الرغبات والطلبات النفسية والغرائز الطبيعية.
الثالث: أن الوقاع بين الزوجين بالحالة الجنسية الطبيعية أستر وأصون للزوج ولا شك أن كشف العورة لغير الزوجين أمر تحرمه الشريعة وتنهى عنه وتمقت عليه وتنفر منه الطباع الشريفة.
الرابع: إن الله تبارك وتعالى شدد في حفظ النسب ولعن من انتسب إلى غير أبيه وهي أن يسقي الرجل بمائه زرع غيره.
ولاشك أن الإنجاب من الوقاع الطبيعي بين الزوجين أمر مضمون العاقبة وسليم النتيجة لصحة النسب بخلاف التلقيح الصناعي فمهما عمل له من الاحتياطات فإن الشكوك تكتنفه وتحوم حوله.
الخامس: تقدمت الإشارة إلى أن الجماع هو من المقاصد الرئيسية في النكاح وأنه من أهم مقاصده، وأن العشرة الزوجية شرعًا لا تتم إلا به، وأن الشارع حدد للمولى حدًا فيه إما أن يفيء فيجامع زوجته التي آلى منها وإما أن يطلق، وأن المجاهدين في ميادين الحرب يعودون إلى زوجاتهم في مدة معلومة محدودة، وأن للرجل أن يفسخ نكاحه من الرتقاء وأن للمرأة أن تفسخ نكاحها من العنين والمجبوب كل هذا مراعاة للقيام بالواجب الجنسي بين الزوجين.
السادس: يقول الأطباء إن الجوع نوعان:
أحدهما: جوع البطن وهذا باعثه الرغبة في البقاء على الحياة في الأجسام.
الثاني: الجوع الجنسي وباعثه الرغبة في استمرار الحياة وبقاء الفرع.
غريزة الشعور بالجوعين سامية لأنها تحمل في طياتها النفحة الإلهية والإرادة الربانية في حفظ النوع واستمراره.
وإشباع الجوع الجنسي هذا لا يتحقق إلا عن طريق الجماع وبدونه تبقى الرغبة مهملة وتبقى معاناة الجوع الجنسي على تلهفه.
السابع: نداء الجنس نداء طبيعي يتطلب إجابة ندائه وإشباع نهمته، أما كبته وصم الآذان عن ندائه فهو خرق للقوانين الطبيعية التي وضعها الله تعالى وحكمته كما أن هذا الكبت والحرمان يورث صاحبه الأمراض والعلل والأسقام ويوقف نشاطه وعقله عن الإبداع والإنتاج.(2/146)
الثامن: أنه لا يمكن أن يوجد رابطة تعوض انعدام الجاذبية الجنسية بن الزوجين، فهي العلاقة الوحيدة التي تجمع القلبين وتوحد الاتجاهين وترسخ التفاهم والتعاون فإذا انعدمت هذه الرابطة انحل معها رباط الزوجية وانفصمت عراها إذ لا يوجد ما يقوم مقامها من أنواع العشرة الكلامية أو المالية.
التاسع: الاتصال الجنسي بين الزوجين وهو التعبير الفعلي المتبادل عن الحب بينهما، وهو الدليل العملي على الميل الروحي والاتجاه النفسي من أحدهما للآخر، وهو الرائد الذي لا يكذب على أهله وقد فسر العلماء قوله تعالى {وَلَن تَسْتَطِيعُوا أَن تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّسَاءِ وَلَوْ حَرَصْتُمْ} بهذا المعني فمتى كان الزوج أميل إلى إحدى زوجتيه أو زوجاته كان إلى مسيسها أرغب وبهذا نفهم أن رغبة كل منهما بصاحبه بهذه العملية دليل على تماما الانسجام بينهما وتبادل مشاعر الود والمحبة بينهما.
العاشر: السعادة الزوجية لا تتحقق إلا إذا وجد الاتصال الجنسي، ولذا قال الأطباء وعلماء النفس: متى وجدت الزوجين سعيدين فتأكد أن سعادتهما مبنية على تمام الانسجام في الحياة الجنسية ومتى وجدت التعاسة والشقاء بينهما فتأكد من عدم انسجام الحياة الجنسية بينهما فهما أمران متلازمان.
والطبيب الذي يهتم بنفسيات مرضاه يركز اهتمامه على السعادة أو ضدها بين الزوجين في الناحية الجنسية إذ هي أساس الراحة والطمأنينة.
ولذا فإن بريطانيا لما أرادت تحديد النسل عن الطريق ما يعرف –بالزواج الأبيض- وهو الزواج الذي لا يحصل فيه اتصال جنسي بين الزوجين عادت هذه المحاولة وذلك الزواج بالفشل الذريع لديهم فتقرر إلغاؤه.
وبما تقدم من الأحوال التي تتطلب بقاء التلقيح عن طريقه الطبيعي والتي تحتم هذه الحالة قدرًا وشرعًا وعقلًا وعرفًا وكذلك الأحوال التي سقناها تنفر من التلقيح الصناعي، لذا فإننا ندخل في بحث إمكان إباحة شي من أنواعه للضرورة القصوى، وقبل الحكم على التلقيح الصناعي بشيء فإنه يجب علينا أن نستعرضه ونبينه ونأتي على بيان أقسامه وأنواعه ليكون الحكم عليه بعد تصوره وبيانه فإن القاعدة الشرعية تقول: الحكم على الشيء فرع من تصوره.(2/147)
التلقيح الصناعي في التاريخ:
بحث العلماء –قديمًا- في إمكان حمل المرأة بغير ملامسة من الرجال إذا وصل المني بطريقة ما إلى أعضائها التناسلية فكان هذا مستبعدًا جدًا عند الأقدمين، وأثر هذا الحمل والوضع عن الزعيم الديني الهندي-بوذا- فنسجت حول الحمل به ووضعه الأساطير والقصص الخيالية.
أما العلامة ابن خلدون وفلاسفة الإسلام قبله كابن سينا والفارابي وغيرهما أشاروا إلى تخلقات تشابه ما نحن بصدده، فهذا ابن خلدون في مقدمته الشهيرة أشار إلى هذا الموضوع وهو يتحدث عن –الكيمياء- عند الأقدمين.
فقال: (واعتمادًا على ما ذكر ابن سينا والفارابي والطغراني أنه يمكن تخليق إنسان من المني في بيئته الطبيعية) يريد البيئة الطبيعية الرحم.
ثم يقول (وإذا سلمنا له بالإحاطة بأجزائه ونسبته وأطواره وكيفية تخليقه في رحمه وعلم ذلك علمًا محصلًا بتفاصيله حتى لا يشذ منه شيء عن علمه سلمنا له تخليق هذا الإنسان) .
فابن خلدون العالم العربي المسلم يسلم بتخليق الكائن الحي من المني وذلك بعد الإحاطة الدقيقة التامة بأجزاء ونسبة جزئيات البيئة التي تم فيها التخليق ثم يقول: (وأنى له ذلك) وهذا الاستبعاد من ابن خلدون بناء على ما توصل إليه العلم في زمنه، ولذا قال: (لقصور العلوم البشرية) .
وطبعًا إن ابن خلدون وهو يتحدث عن العلوم البشرية في عصره التي هي قاصرة عن التوصل لمعرفة نسب هذه الأجزاء الدقيقة، ولهذا قال: (وليست الاستحالة فيه من جهة الفصول ولا من الطبيعة إنما هو من تعذر الإحاطة وقصور البشر عنها) هـ.
فابن خلدون يقرر أن تخليق الإنسان أو أي حيوان من المني ليس هو أمرًا متعذرًا ومستحيلًا في حد ذاته وإنما المتعذر أن علوم البشر قاصرة عن إيجاد البيئة المناسبة لتخليقه ونموه ومن تهيئة المناخ والبيئة ومن معرفة نسب الجزئيات لتخليق الإنسان من المني خارج الرحم، فسبحان من علم الإنسان ما لم يعلم.
فابن خلدون لا ينسب استحالة تخليق الإنسان من المني إلى الطبيعة التي ركبها الله تعالى فيه وإنما يسلم بنظرية تخليق الإنسان من المني ولكن متى؟ إذا توفرت الدقة في معرفة نسب الجزيئات الصحيحة، تلك الدقة التي توصل إليها العلم الحديث الآن.
وهو يشير بهذا إلى ما نسميه الآن (أطفال الأنابيب) تلك النظرية بل تلك –الحقيقة- التي أصبح في مقدور العلم الحديث أن يهيء البيئة والمناخ الملائم لتخلق الإنسان من المني بعد أن توفرت في هذا العصر الإحاطة والدقة في معرفة نسب الجزيئات الصحيحة.
والقصور ملازم لبشر في كل زمان ومكان، فمرد العلم كله إلى الله تعالى: ذلك أن المادة المستعدة للتخلق والاستحالة من حالة إلى حالة ليست من صنعهم وإنما هي من صنع الله الذي أتقن كل شيء.
ونهاية ما وصلوا العثور على المفردات والجزيئات والمولدات المناسبة ومزج بعضها بنسب مقدرة اقتداء واحتذاء لما أجراه الله في طبائع الأشياء.
كما أن هذه العلوم هي من تعليم الله تعالى وهدايته لخلقه فهذا الذي: {أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى} وهو الذي {عَلَّمَ الإنسان مَا لَمْ يَعْلَمْ} وهو بكل شيء عليم.(2/148)
العلم الحديث:
ثم جاء دور العلم الحديث فروت لنا الصحف قصة (أطفال الأنابيب) فقالت تجربة علمية جديدة قام بها أطباء أمريكيون وشدت إليها انتباه الشعب الأمريكي بأسره وتمثلت هذه لتجربة في نقل جنين عمره خمسة أيام من رحم أمه إلى رحم امرأة ثانية حملته تسعة أشهر ثم وضعته، ولأول مرة في التاريخ تلد امرأة استرالية مولود، لقح انطلاقًا من بويضة امرأة ثانية، والقصة الكاملة لهذه التجربة روتها صحيفة (دي باري) الفرنسية فقالت:
قدمت امرأة لم يكشف عن هويتها إلى المركز الطبي في (لونج بيتش) فاستقبلها أحد الأطباء وأعلمها أن كل شيء جاهز للقيام بعملية اللقاح الاصطناعي وفعلًا تمت العملية بسهولة متناهية وبعد خمسة أيام أدرك الأطباء أن اللقاح قد ثبت في رحم المرأة، ومنذ تلك اللحظة أصبحت القصة رائعة وأخذت أبعادًا خيالية فالأطباء المذكورون ينتمون في الواقع إلى مؤسسة أمريكية تسمى (شركة الخصوبة والبحث في علم الوراثة) ومهمتها مكافحة عقم النساء.
أما المرأة التي قدمت لتحمل الجنين فقد كانت أبرمت عقدًا مع هذه الشركة تستلم بمقتضاه مبلغًا شهريًا قدرة (250) دولارًا منذ أن اهتم بها الأطباء ومنذ أن بدأوا يفحصونها لمعرفة ما إذا كانت ستصبح امرأة الأنبوب الأولى في العالم.
ثم جاءت المرحلة النهائية من العقد حين جهز الدكتور (جون بوستر) كل أدواته الخاصة وأدخل مسمارًا إلى رحم المرأة وشفط الجنين حيًا وأحاطه بكل عناية ليعرف هذا الجنين شيئًا لم يعشه أي جنين آخر ألا وهو رحم ثان غير رحم أمه الأولى، وفي الواقع فإن العملية كانت تهدف إلى تمكين امرأة ثانية محرومة من الحمل الذي طالما تمنته وهكذا تمت إعادة زرع الجنين في رحمها وبعد (28) أسبوعًا بالضبط تمت الولادة المنتظرة بواسطة عملية قيصرية.
وكانت المرأة التي تبلغ الثلاثين من عمرها سعيدة بمولودها الذي لن يعرف مطلقًا هوية أمه الأولى.
وكان المولود تامًا جميلًا لا يختلف عن غيره من المواليد، ومنذ ذلك الوقت عرفت هذه التجربة انتشارًا واسعًا في أنحاء العالم وأتاحت الفرصة لمكافحة العقم المنتشر والذي يرجع سببه إلى انسداد القنوات المؤدية إلى الرحم، أما إذا كان المبيض لا يؤدي مهمته فإنه ليس بالإمكان حتمًا أخذ البويضة لتلقيحها خارج الرحم ولابد إذًا من إيجاد طريقة جديدة"وهكذا برزت ممارسات لاقت احتجاجات عديدة وسميت –بمؤاجرات البطون- وتتمثل هذه الطريقة في إجراء تلقيح صناعي لامرأة تؤجر رحمها من زوج المرأة العاقر فتحمل الأولى ثم تضع مولودًا تدفعه إلى أمه بموجب عقد تم إبرامه من قبل، وبهذه الطريقة يباع الطفل إلى الزوجة العاقر لينسب إليها بالتبني، وحقق الأستراليون اكتشافًا جديدًا جنبهم مشاكل العقود حين قاموا بأخذ –بيضة- من امرأة ولقحوها داخل أنبوب بواسطة منويات زوج امرأة عاقر ثم أعادوا زرعها في رحم الزوجة العاقر.
وجاء الأمريكيون أخيرًا فنهجوا طريقة لا تختلف كثيرًا عن طريقة الأستراليين إلا أنه بدلًا من أن يجرى التلقيح داخل الأنبوب قاموا به في رحم الأم الأولى ثم أعادوا زرعه في رحم الأم الثانية وفي الحالتين تمثل هذه الاكتشافات ثورة في عالم الوراثات وذلك أن الأم صاحبة البيضة لم تعد هي الأم الوارثة بل أصبحت التي تحمل الطفل وتلده فقط هي أمه الوارثة.(2/149)
المقابلة العالمية لهذا الاكتشاف:
أقيمت ضجة كبرى في جميع صحف العالم ووسائل الإعلام عند مولد الطفلة (لويزا براون) التي أسموها طفلة الأنبوب والتي قد ولدت في 25 يونيه 1978م.
وقد خصص لها كثير من الصحف والمجلات العلمية أعدادًا خاصة.
واستهواهم هذا الاكتشاف إلى أن أخذوا يضربون في متاهات الخيال والأوهام البعيدة حتى كتب بعضهم مقالًا في إحدى المجلات العربية تحت عنوان: (هل تختفي أسطورة الأم)
وقد بعث مدير مكتب رابطة العالم الإسلامي بباريس رسالة إلى الأمين العام للرابطة يقول فيها:
لقد استطاعت تطبيقات العلوم الحديثة تنويع الطرق الجديدة في التناسل والتكاثر من هذه الطرق نقل ماء زوج إلى رحم امرأة لم يمسها لكنها رضيت أن يتكون في رحمها جنين هو والده وقد وقع هذا الأمر أخيرًا في فرنسا وانقسم الناس إلى طائفتين في قضية استجار الأرحام، فمنهم من يرى في هذه الطريقة وسيلة لإرضاء الألوف من الأزواج والزوجات الذين عجزوا لسبب ما عن التناسل والسعادة بالأولاد، وبعض هذه الطائفة يجد في هذه الطريقة تجارة رائجة لفئات عدة من الناس.
القسم الثاني: استهجن الأمر وثار عليه ورآه منقصة لكرامة الإنسان ولاسيما للمرأة التي تصبح آلة تستأجر وطالبوا الحكومة الفرنسية التدخل في الأمر.
وإزاء هذا الوضع ألفت الحكومة لحنة من العلماء ورجال الدين والأخلاقيين والزعماء الشعبين وطلبت منهم بيان الرأي الصريح في هذا الموضوع من الناحية الأخلاقية، وقد نشرت الصحف تقرير هذه اللجنة في 31/ 10 / 1984م وخلاصة التقرير ما يلي:
1- لا شك أن طرق التوليد الحديثة في الأنابيب أو في استئجار الأرحام أمر جديد على المجتمع ولابد للمجتمع أن يكون له رأي مدروس مقبول من الأكثرية.
2- تعود المجتمع استقبال اليتامى واللقطاء فأوجد لهم المؤسسات الخاصة لرعايتهم أما طريقة تأجير الأرحام فإنها ستجر المجتمع على تقبل عدد كبير من الأطفال من نوع جديد لا هم يتامى ولاهم لقطاء وقد يعترف بهم الوالد ولا تعترف بهم الأم.
3- القابلون لهذه الطريقة الجديدة في توليد الذراري يعرفون جميعًا أن المرأة التي أجرت رحمها مقابل مقدار معين من المال قد تعهدت بعد حمله وولادته التخلي عنه وتسليمه للأسرة أو لرجل دفع لها المال ومن المحتمل كثيرًا أن تغير المرأة المستأجرة رأيها فتحتفظ بالطفل وليس هناك في الوقت الحاضر قانون يجبرها على تسليم جنينها لغيرها.
4- أما هذه المواقف التي ظهرت للمجتمع فجأة ولم تتهيأ له دراسة نتائجها الأخلاقية طلبت اللجنة الحكومية مهلة كافية من الزمان لدراسة الموضوع واستشارة الناس قبل بيان الرأي وقد سئلنا رأينا فيه بعد ظهور قرارا الجنة الحكومية.(2/150)
قال أحد الأطباء أمام هذه الضجة الإعلامية، والقائل هو الدكتور السعودي: محمد علي البار:
الفكرة في حد ذاتها سهلة ميسورة وتعتمد على أخذ البييضة من المرأة عند خروج البييضة من المبيض ووضعها في أنبوب خاص به وسائل (فسيولوجية) مناسبة ثم يؤخذ مني الرجل فيلقح أحد الحيوانات المنوية البويضة فإذا ما تم تلقيحها انقسمت البييضة الملقحة انقساماتها المعروفة حتى تبلغ مرحلة (التوتة) وذلك في اليوم الرابع من هذا التلقيح ويكون الرحم عندئذ قد استعد لاستقبال البييضة الملقحة فيعاد إدخالها عندئذ إلى الرحم فتعلق به وتثبت بجداره إذ ما نجح العلماء في ذلك فقد انتهت مهمتهم عندئذ وتركوا (النطفة الأمشاج) تعلق بجدار الرحم وتصبح علقة عالقة ثم تنمو بعد ذلك نموًا طبيعيًا إلى مضغة ومن مضغة إلى عظام يكسوها اللحم ثم ينشئه الله خلقًا آخر فتبارك الله أحسن الخالقين. هـ.(2/151)
قال الشيخ مصطفى الزرقاء:
تداولت الصحف هذا العنوان في هذه السنوات العشر الماضية، ودرج استعماله للدلالة على الحدث المفاجئ العجيب من منجزات العلم في العالم وهو نجاح تجربة التلقيح الصناعي بين نطفتي الذكورة والأنوثة ضمن أنابيب الاختبار في المختبرات الطبية، ثم نقل الجنين البدائي المتكون من هذا التلقيح وزرعه في رحم المرأة حيث يعلق فيه ويحضن وينمو ويتخلق مدة الحمل المعتادة، ثم يولد ولادة طبيعية كما لو كان حملًا متكونًا من اتصال جنس مباشر بين رجل وامرأة.
وكان قد نشر وشاع في أواخر الستينات الماضية أن طبيبين انكليزيين، هما روبرت إدواردز عالم (الفسيولوجيا) وباتريك ستبتو وجراح أمراض النساء، قد توصلا إلى تكوين جنين إنساني في وعاء اختبار، وأنه قامت حول هذا العمل ضجة استنكار عظيمة في الأواسط الدينية الكنسية تمنع متابعة هذا العمل وتراه محرمًا، وفي الوقت نفسه قامت ضجة فرح في الأوساط الإلحادية، إذ رأت في هذا لنبأ العظيم برهانًا على إمكان خلق الإنسان بطريق علمي تركيبي دون حاجة إلى تقدير وجود إله خالق، وزاد الموضوع غرابة ما ذكر من إمكان نقل هذا الجنين المخبري إلى رحم امرأة حيث يعلق وينمو ككل جنين مدة الحمل الكاملة، ثم تلده ولادة طبيعية.
وبين هاتين الضجتين اعترى كثير من القراء أو السامعين حيرة ودهشة، ولجأ بعض أهل الدين من المسلمين إلى التكذيب، ولجأ بعض الناس إلى الاستفتاء حول جواز تصديق النبأ، أو حول جواز الإقدام على هذا العمل إن كان النبأ صحيحًا" كما وجهت بعض الجرائد والمجلات أسئلة إلى بعض الأطباء، وإلى بعض علماء الشريعة أو المفتين، تطلب إليهم أن يبينوا آراءهم حول هذا الحدث والإنجاز العلمي والتقني الذي تم فيه، وما يقال في ذلك إذ أصبح في مقدور كل امرأة عقيم أن تحمل وتلد فتروي ظمأها إلى الأمومة، وظمأ زوجها إلى الأبوة بل أصبح في مقدور كل فتاة غير متزوجة أن تصبح أمًا دون أن تتزوج وتتصل جنسيًا بأي رجل، حيث صار من الممكن بل مما يدور في أفكار العلماء إنشاء بنك لنطف تحفظ بطريقة فنية تصونها من الفساد، فإذا أردت امرأة عقيم أو فتاة غير متزوجة إنجاب ولد فما عليها الآن إلا أن تأتي إلى الطبيب الأخصائي ليزرع بعملية تقنية خاصة في رحمها منيًا مهيأ في وعاء خاص مخبري، لتحمله ثم تلده في نهاية مدة الحمل فتصبح أمًا.
وإن كانت العقيم متزوجة، وتحرص هي وزوجها على أن تكون بزرة الجنين منهما شخصيًا يستطيع الطبيب أن يأخذ النطفة التي فيها (الحوين) المنوي من زوجها، ويأخذ البويضة من مبيضها هي في الموعد الذي تتولد فيه البويضة (وهو اليوم الرابع عشر من بدء كل دورة طمثية) فيلقحها في الوعاء المخبري والوسط المناسب، ثم ينلقها ملقحة آخذة في النمو، وفي الوقت المناسب إلى رحمها لتعلق وتتطور فيه إلى جنين كامل تلده في نهاية مدة الحمل فيكون ولدًا لهما من أصلابهما كما لو أنجباه بالاتصال الزوجي الطبيعي.
بل كتب وقرأنا أكثر من ذلك عن الإمكانات المستقبلة المتوقعة لثمرات هذا الإنجاز العلمي وفوائده، أنه قد يلجأ إلى هذه الطريقة المخبرية في إنتاج الأطفال لتحسين النسل في الأسر ليكون النسل أصح وأقوى بنية وصفات ومميزات، إذ يمكن تلقي بويضات شتى مأخوذة من نساء مختبرات عديدات، بنطفة من رجل قوي سوى جسمًا وذكاء، فيعمل قانون الوراثة الطبيعي عمله في أن يكون الأولاد الذين يتكونون بهذه الطريقة كلهم أصحاء جسمًا وعقلًا.
والمزية المدعاة لتلقيح عدد من البويضات مخبريًا أن ذلك يتيح للطبيب فرصة اختيار أجنة أفضل خلال وجودها في الوعاء المخبري بعد تلقيح البويضات وبدء نموها قبل اخذها للزرع في الأرحام، لأن من الممكن في هذه المرحلة تمييز اللقائح الجنينية الأحسن والأصح نموًا وتكونًا في مراحل التطور الجنيني، فتختار اللقيحة أو اللقائح الفضلى لتزرع في الرحم ويتلف الطبيب ما سواها.(2/152)
وما يقال في الزوجة العقيم يقال كذلك في الزوج العقيم إذا أراد أن تنجب زوجته ولدًا حيث يمكن تلقيحها مباشرة –دون حاجة إلى الطريقة المخبرية المشروحة- بالنطفة المأخوذة منه إذا كان عقمه لغير سبب فقدان الحوينات المنوية أو ضعفها في مائة وذلك بحقن نطفته ذاتها في نهاية مهبل زوجته في الموعد الشهري المناسب (الآنف الذكر) الذي فيه يقذف مبيضها بويضتها المتولدة منه إلى القناة المسماة (قناة فالوب) حيث تلتقي بالحوين المنوي الآتي من ماء الرجل، فيخترق جدارها ويندمج فيها ذلك الاندماج الذي يسمى التلقيح، ثم تأخذ اللقيحة (البويضة الملقحة) طريقها إلى الرحم، لتعلق بجداره جنينًا، كما يحمل تمامًا في الحمل الطبيعي الناشئ عن الاتصال الجنسي بينهما، وليس في هذه الطريقة أي شيء جديد.
ولكن إذا كان عقم الزوج لفقدان الحيوانات المنوية من مائه أو ضعفها فلا سبيل عندئذ للحصول على ولد من زوجته إلا باللجوء إلى طريقة تلقيح بويضة منها في وعاء مخبري بنطفة مأخوذة من رجل آخر، ثم زرعها في رحمها بالطريقة التي حققها الإنجاز العلمي الجديد الآنف الشرح.
وقد كانت أصعب العقد حلًا في مراحل هذا الإنجاز العلمي عقدتان تطلب حلهما كثيرًا من الجلد والصبر والدأب وتغيير الشروط بين تجربة وأخرى من التجارب الخائبة الكثيرة قبل النجاح، وهاتان العقدتان هما:
1- تركيب الوسط الكيمياوي السائل الخاص، والمعقد كثيرًا في عناصره ومقاديرها فهذا المحلول الخاص يجب أن تحفظ فيه البويضة من فور استخراجها من مبيض المرأة قبل تلقيحها، ثم تعديله مرات بعد تلقيحها بحسب مراحل نمو اللقيحة، ودون ذلك لا يمكن حفظ حياة البويضة ولا اللقيحة حتى تبلغ مرحلة من النمو والتكاثر في خلاياها بطريق الانقسام المعروف في الخلايا الحية، ولتصبح قابلة للشتل في الرحم.
وقد قام بتهيئة هذا المحلول الكيمياوي ثم تعديلاته عالم الغريزة (الفسيولوجيا) الدكتور ادواردز.
2- توقيت (الشتل) في الوقت المناسب من مراحل نمو اللقيحة في المختبر، وهذا قد اقتضى أكبر الجلد والصبر على إخفاق التجارب وتكرارها، فقد كان الدكتور سنبنو يعتقد متأثرًا برأي الطبيب الإيطالي المشار إليه آنفًا، أنه إذا تأخر وقت (الشتل) في الرحم حتى يزداد نمو اللقيحة في وعاء الاختبار، وتتكاثر خلاياها بالانقسام، كان ذلك أقرب إلى النجاح.
ثم تبين له، بعد فشل التجارب الخائبة، وتغيير الشروط، أن الصواب هو العكس، فنجحت تجربة الشتل أخيرًا، في الوقت الذي تنقسم فيه اللقيحة ثلاث انقسامات، حتى تصبح ثماني خلايا فقط.(2/153)
الصور المختلفة للتلقيح الاصطناعي
نريد بتعبير (التلقيح الاصطناعي) كل طريقة أو صورة يتم فيها التلقيح والإنجاب بغير الاتصال الجنسي الطبيعي بين الرجل والمرأة، أي بغير عملية الجماع.
إن التلقيح الاصطناعي في نطاق ما تحقق فعلًا من الإنجاز العلمي في أوعية الاختبار وما كان معروفًا قبله بالطريقة شبه الطبيعية، يمكن أن يجرى على سبعة أشكال وأحوال ذكرها الباحثون في هذا الموضوع واحتمالاته ونتائجه.
والأحوال جميعًا بعضها يتم داخليًا، أي في باطن جسم المرأة وبعضها يتم خارجيًا أي في وعاء الاختبار في المختبر الذي تجمع فيه بويضة المرأة بالحيوان المنوي، من نطفة الرجل في وسط مختبري ملائم، فيلقحها، ويتكون منهما بداية الجنين البشري، وهذه الأحوال السبع هي كما يلي:
أ- التلقيح في الداخل:
1- تلقيح بين زوجين، أي بماء يؤخذ من الزوج ويحقن في مهبل زوجته، وهذه حالة يلجأ إليها عندما لا يكون الزوج قادرًا على إيصال مائه إلى نهاية المهبل في المباشرة الطبيعية لسبب ما.
2- تلقيح بين زوجة ومتبرع، وذلك عندما يكون الزوج عقيمًا لخلو مائه من الحوينات أو لضعفها فيه، فيؤخذ الماء من متبرع به وتحقن به الزوجة.
ب- التلقيح يلف الخارج:
3- تلقيح بين بزرتي الزوجين في وعاء مختبري، وهذا هو الإنجاز العلمي في التلقيح التكنولوجي الذي نتج به ما يسمي: أطفال الأنابيب ويلجأ إليه في حالة عقم الزوجة عندما يكون عقمها بسبب انسداد قناتي فالوب اللتين تصلان ما بين المبيض والرحم، ونحو ذلك من أسباب يكون معها الرحم والمبيض سليمين.
4- تليقح بين بزرة زوج وبويضة امرأة متبرعة، ويلجأ إلى ذلك عندما تكون الزوجة قد استؤصل مبيضها لسبب مرض، أو كان معطلًا لا يقوم بوظيفته، فيؤخذ عندئذ بويضة من امرأة أجنبية عن الزوج (سميت: متبرعة) وتلقح مخبريًا بماء من زوج المرأة العقيم بفقدان مبيضها أو تعطله، لتزرع اللقيحة المتحصلة من هذا التلقيح في رحم الزوجة.(2/154)
5- تلقيح بين بزرتي رجل وامرأة متبرعين، أي ليست إحدى البزرتين من أحد زوجين ويلجأ إلى هذه الحالة عندما تريد امرأة أن تحمل لكن زوجها عقيم ومبيضها معطل فتلجأ إلى طبيب يأخذ لهما الحوين المنوي من مصرف للمني، ويأخذ البويضة من امرأة أخرى، ويجري التلقيح بين البزرتين مخبريًا، ثم (يشتل) اللقيحة في رحم المرأة الراغبة في الحمل بالطريقة السالفة الشرح في واقعة طفل الأنبوب لتحملها جنينًا طبيعيًا، ثم تلده ولادة عادية.
6- حالة امرأة تتطوع بحمل لقيحة تكونت في وعاء الاختبار بمن بزرتي زوجين،.
وسنوضح هذه الصورة في موقعها المناسب عند بيان موقف الشريعة من مختلف الحالات.
7- أما الحالة السابعة فإنها لم تقع بعد، ولكنها ممكنة الوقوع في نطاق المنجزات العلمية التي تمت، وأشار إليها الباحثون بين الاحتمالات الممكنة التي تتطلب حلًا حقوقيًا في ظل القانون المدني، وقانون الأحوال شخصية هي:
تلقيح الزوجة داخليًا، أو تلقيح بويضتها خارجيًا، بماء زوجها المتوفى الذي حفظ ماؤه قبل وفاته في مصرف المني في حسابه الخاص.
مقابلة هذا الاكتشاف من علماء المسلمين:
قال الشيخ محمود شلتوت ما خلاصته:
من المعلوم أن تخلق الولد إنما هو من السائل المنوي الذي يخرج فيصل إلى رحم المرأة المستعد للتفاعل {خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} {إِنَّا خَلَقْنَا الإنسان مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ} يتخلق الولد من هذا السائل متى وصل إلى الرحم المستعد للتفاعل وإن لم يكن وصوله عن طريق الاتصال الجسماني المعروف وهذا قد عرفه الناس جميعًا، وعرفه فقهاؤنا وجاء في كلامهم: (أن الحمل قد يكون بإدخال الماء للمحل دون اتصال عرفوه ورتبوا عليه وجوب العدة، وهو يتضمن تقرير المبدأ المعروف في تكوين الطفل من الماء الحيوي دون حاجة إلى العملية الجنسية وما الاتصال الجسماني إلا وسيلة معتادة لا يتوقف عليها تكون الولد الذى هو من الماء المستكمل مؤهلاته الطبيعية.
والتلقيح الصناعي البشري اتخذ سبيلًا لتحقيق رغبة الولد بالنسبة للزوجين اللذين ليس لهما ولد وذلك كحد يقف عندهما الإحساس بالعقم أو يزول وبذلك يشعران في هذه الحياة بزينة الأبوة والأمومة للأولاد، وإن كان لا يخرج عن حد التعلل النفسي بصورة الأبوة والبنوة ثم اتخذ سبيلًا لتكثير سواد الأمة وعدد أفرادها لمجرد الرغبة في التوسع البشري أو تحصيلًا ليعوض عمن تهلكهم الحروب.
وبهاتين الرغبتين اللتين بعثتهما (الفلسفة المادية) كان التلقيح الصناعي في الإنسان أمرًا مشروعًا عند أرباب تلك الفلسفة الجافة وبها ساوى التلقيح الصناعي في الحيوان والنبات وليس من ريب في أنهم إذا رجعوا إلى أنفسهم أدركوا أن للإنسان حياة هي أرقى من حياة الفرد نفسه وهي حياة تخضع لتلك المجتمعات التي تخضع لقوانين بشرية وشرائع سماوية تلبي داعي الفطرة الإنسانية في ذلك ويرتبط بها الإنسان في تصرفاته وسلوكه وانتظامه في مجتمعاته.
ولعل الزواج وإعلانه كان أنعم الشؤون التي تخضع المجتمعات لحكمها وترتب عليه آثار معينة فيما يتعلق بحياة الأسرة ونسب الأبناء.
ومن هنا نستطيع أن نقرر بالنسبة لحكم الشريعة في التلقيح الصناعي الإنساني –أنه إذ كان بماء الرجل لزوجه كان تصرفًا واقعًا في دائرة القانون والشرائع التي تخضع لحكمها المجتمعات الإنسانية الفاضلة وكان عملًا مشروعًا لا إثم فيه ولا حرج وهو بعد هذا قد يكون في تلك الحالة سبيلًا للحصول على ولد شرعي يذكر به الوالدان وبه تمتد حياتهما وتكتمل سعادتهما النفسية والاجتماعية ويطمئنان على دوام العشرة وبقاء المودة بينهما.
أما إذا كان التلقيح بماء رجل أجنبي عن المرأة لا يربط بينهما عقد زواج فإنه يزج بالإنسان في دائرتي الحيوان والنبات ويخرجه عن المستوى الإنساني.
ولعل هذه الحالة هي أكثر ما يراد من التلقيح الصناعي عندما يتحدث الناس عنه.(2/155)
وهو في هذه الحالة يكون في نظر الشريعة الإسلامية جريمة منكرة وإثمًا عظيمًا يلتقي مع الزنا في إطار واحد جوهرهما واحد ونتيجتهما واحدة وهي وضع ماء رجل أجنبي قصدًا في حدث ليس بينه وبين ذلك الرجل عقد ارتباط بزوجية شرعية يظلها القانون الطبيعي والشريعة السماوية ولولا قصور في صورة الجريمة لكان حكم التلقيح في تلك الحالة هو حكم الزنا الذي حددته الشرائع الإلهية، وينبو عنه المستوى الإنساني الفاضل وينزلق به إلى المستوى الحيواني الذي لا شعور فيه للأفراد برباط المجتمعات الكريمة وحسب من يدعون إلى هذا التلقيح ويشيرون به على أرباب العقم تلك النتيجة المزدوجة التي تجمع بين الخستين داخل النسب وعار مستمر إلى الأبد.
حفظ الله على المسلمين أنسابهم ومستواهم الإنساني الفاضل.
وقال أمين الفتوى بالأزهر الشيخ أحمد الشرباصي:
إن الشريعة تجيز التلقيح الصناعي بين المرأة وزوجها ولكنها لا تجيزه بين المرأة وأجنبي، هـ.(2/156)
وقال المحامي العام الأستاذ محمد عبد الله:
إن التلقيح الصناعي يعتبر مخالفًا للنظام العام والآداب وهما يرتكزان على الدين.
والدين لا يسمح بأن يوضع في رحم امرأة بذرة غير بذرة زوجها ولكن المولود الناجم عن التلقيح الصناعي يعتبر ولدًا شرعيًا طبقًا لقاعدة "الولد للفراش" ولكن هذا التلقيح لا يعد زنا من الناحية الجنائية حيث ينقصه الاتصال الجنسي وهو ركن أساسي في جريمة الزنا وإن جاز اعتباره هتك عرض.
وقال الشيخ محمد حسنين مخلوف: سئلت منذ عدة سنين بالآتي:
(أخذت مادة رجل وهي منيه ثم وضعت في رحم زوجته الشرعية بطريقة ما لا بطريقة الجماع ثم بعد فترة شعرت الزوجة بوجود جنين في بطنها واستمر ذلك مدة تسعة أشهر وأيام فوضعته غلامًا تامًا الخلقة والحركة فهل ينسب إلى هذا الزوج بالبنوة منه شرعًا كما نسب إليه سائر أولاده منها؟
فكان الجواب:
هذا الجنين إن تكون من مني زوجها الشرعي وخلق في رحمها حتى وضعته غلامًا حيًا فينسب شرعًا إلى أبيه بالبنوة الشرعية وهو زوجها المذكور كما ينسب إليها بالأمومة بلا فرق بينه وبين الغلام الذي يتكون مما يضعه زوجها في رحمها أثناء الوقاع ويبقى رحمها إلى وقت الوضع المقرر شرعًا.
هذا هو السؤال والجواب اللذان أشارت إليهما صحف مصرية منذ سنتين عند الحديث عن طفل الأنابيب ولم يعتن في الجواب عن حقيقة (طفل الأنابيب) وما يحوم حوله من بحوث واختبار وإنما الأساس في بيان الحكم الشرعي في النسب وهو تخلق هذا الطفل من مني الزوج الشرعي وتكونه في رحم أمه الزوجة الشرعية لأبيه وذلك هو الذي عناني في الأمر والله أعلم.
وقال الشيخ يوسف القرضاوي:
وإذا كان الإسلام قد حمى الإنسان بتحريم الزنا والتبني وبذلك تصفو الأسرة من العناصر الغريبة عنها فإنه يحرم ما يعرف بالتلقيح الصناعي إذا كان التلقيح بغير نطفة الزوج بل يكون في هذه الحالة جريمة منكرة وإثمًا عظيمًا يلتقي مع الزنا في إطار واحد جوهرهما واحد ونتيجتهما واحدة هي وضع ماء رجل أجنبي قصدًا في حرث ليس بينه وبين ذلك الرجل عقد ارتباط بزوجية شرعية يظلها القانون الطبيعي والشريعة السماوية ولولا قصور في صورة الجريمة لكان حكم التلقيح في تلك الحالة هو حكم الزنا الذي حددته الشرائع الإلهية ونزلت بكتب السماء.
وإذا كان التلقيح البشري بغير ماء الزوج على هذا الوضع وبتلك المنزلة كان دون شك أفظع جرمًا وأشد نكرًا من التبني فإن ولد التلقيح يجمع بين نتيجة التبنى المذكور وهي إدخال عنصر غريب في النسب وبين خسة أخرى وهي التقاؤه مع الزنا في إطار واحد تنبو عنه الشرائع والقوانين وينبو عنه المستوى الإنساني الفاضل وسينزلق به إلى المستوى الحيواني الذي لا شعور فيه برباط المجتمعات الكريمة للأفراد.(2/157)
قال الشيخ مصطفى الزرقا:
الرأي الشرعي في كل من حالات التلقيح الاصطناعي:
يجب أن يلاحظ قبل البدء ببيان الحكم الشرعي في كل حالة على حدة ملاحظتان مهمتان:
الملاحظة الأولى: حول صلة هذا الإنجاز العلمي الخطير بالإيمان والإلحاد.
ففي أواخر الستينات الماضية، لما نشرت الأنباء الأولى نجاح الطبيبين الإنكليزيين في تلقيح بويضة امرأة بحوين منوي من رجل في وعاء اختبار في المختبرة وإن هذه البويضة الملقحة (اللقيحة) أخذت في التكاثر والنمو الجنيني بطريق الانقسام المعتاد في تكاثر الخلايا الحية، وغمرت الملاحدة في كل مكان نشوة ظفر، وظنوا أن هذا هو النصر المؤزر للإلحاد على الإيمان بالبرهان المشهود والتجربة العملية وقد كنت أنا إذ ذاك في الكويت خبيرًا قائمًا على مشروع الموسوعة الفقهية في وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية ولم يكن إذ ذاك موضوع التلقيح المخبري هذا قد بلغ مرحلة زرع اللقيحة في رحم امرأة، ولكن كان التنبؤ ببلوغ هذه المرحلة الأخيرة قد شاع في الأوساط العلمية بعد نجاح التلقيح في وعاء الاختبار.
فقال لي أحد الملاحدة متبجحًا: أرأيت لقد أصبح الآن من الممكن عمليًا إنشاء الحياة من مواد غير حية بصنع الإنسان.
فقلت له: إن ما حصل ليس فيه إنجاز عجيب تقوم به حجة الإلحاد والمادية على نفي وجود الله الخالق تعالى الذي خلق الموت والحياة، فهو يشبه إلى أبعد الحدود قضية بيضة الدجاجة التي كانت تحتضنها تحت جناحيها فتفرخ، فأصبح الإنسان يهيء لها وسطًا آخر ملائمًا للتفريخ، والفارق الرئيسي بين الحالتين هو أن بيضة الدجاجة قد لقحها الديك بالصورة الطبيعية للتلقيح في جوف الدجاجة قبل أن تبيضها، أما في هذا الإنجاز العلمي الجديد فإن تلقيح بويضة المرأة بحوين الرجل يتم خارج جسم المرأة في وسط صناعي ملائم يقع فيه التلقيح، ويبدأ فيه النمو، وفرق عظيم بين بدء نمو الخلق وبدء الحياة، فبدء الحياة سيبقى من صنع واهب الحياة، عز وجل، رغم أنف المادية والماديين.
الملاحظة الثانية:
يجب أن يلاحظ سلفًا أن حالات التلقيح الاصطناعي السبع الداخلية والخارجية، جميعها يستلزم تطبيقها انكشاف عورة المرأة على شخص أجنبي، سواء كان هذا الشخص رجلًا أو امرأة (طبيبًا أو طبيبة) .(2/158)
وهذا يثير في الذهن تساؤلًا: هل تبيح معالجة العقم في المرأة هذا الانكشاف؟
إن من القواعد الشرعية المتفق عليها بين أئمة الفقه والدين أن الضرورات تبيح المحظورات، وأن الحاجة تنزل منزلة الضرورة، ومن تطبيقاتها أن مداواة المرض في مكان العورة تبيح كشفها بقدر حاجة المداواة، وقد صرح فقهاء المذاهب بذلك.
والمراد بالمرض هنا –فيما يظهر- ما كان مؤذيًا لصاحبه بألم أو أثر مزعج، أو كان له عواقب مؤذية أو مزعجة لراحة الإنسان في المستقبل لو أهمل علاجه، كانتشاره إلى أجزاء أخرى من البدن، أو إمكان تطوره إلى حالات مزعجة، فكل ذلك لا يوجب الشرع تحمله والصبر على المرض دون علاج تفاديًا لكشف العورة، في الرجال والنساء على سواء.
يبدو لي أن الغرض المشروع في الحصول على الولد، سواء في ذلك رغبة الزوج أو الزوجة، يمكن أن يعتبر مبيحًا لانكشاف الزوجة في سبيل معالجة العقم أو التلقيح الصناعي إن لم تكن طريقة التلقيح نفسها تنطوي على محظورات أخرى.
ففي ضوء ذلك نستعرض الآن فيما يلي الحالات السبع في التلقيح الاصطناعي، على التعاقب، لنرى ما ينبغي أن يكون موقف الشريعة منها، غير معتبرين انكشاف المرأة في شيء منها مانعًا، بل ننظر إلى ما سوى ذلك من موجبات الحظر والإباحة في الطريقة نفسها التي تسلك للتلقيح.(2/159)
(أ) التلقيح الاصطناعي داخليًا
1- الحالة أو الطريقة الأولى:
الحالة الأولى، كما رأينا في موضعها من هذا البحث، تتم داخليًا في جسم الزوجة ولا يدخل فيها عنصر أجنبي، بل تؤخذ نطفة الزوج خارجيًا بطريق الاستمناء، وتزرق في مهبل الزوجة، ثم تسلك النطفة بنسفها طريقها الطبيعي إلى الرحم، ثم إلى القناة التي تصل بينه وبين المبيض وتسمى قناة فالوب (نسبة إلى عالم التشريح الإيطالي الذي اكتشفها) حيث تكون البويضة التي قذفها المبيض إلى هذه القناة بانتظار الحويني المنوي الذي يسعده الحظ بأن يكون هو الفائز بالسبق إلى تلقيح البويضة من بين الملايين من زملائه التي تحملها نطفة الرجل، فمن سبق من هذه الملايين المتسابقة إلى البويضة اخترق جدارها، واندمج فيها فكونا منهما معًا خلية واحدة تسمى في اصطلاح الأطباء: (البويضة الملقحة) وقد فضلت أن أسميها: (اللقيحة) ثم تأخذ هذه اللقيحة طريقها في قناة فالوب إلى رحم المرأة لتعلق في جداره وتنمو بالانقسام إلى ملايين الخلايا، التي تتجمع كل مجموعة منها في ناحية فيتكون منها بعض أعضائه وهذا هو التخلق، يتضح من هذا التصوير الواقعي لما يتم في الحالة الأولى من التلقيح الاصطناعي أن الذي يحصل فيها هو الذي يحصل في حالة المباشرة الطبيعية بين الزوجين، لا فرق سوى الاستعاضة عن عضو الذكورة بمزرقة تزرق بها نطفة الزوج في الموقع المناسب من مهبل الزوجة أمام عنق الرحم.(2/160)
فإذا استبعدنا من الاعتبار محظور انكشاف المرأة لمصلحة (الولادة) المشروعة على ما سلف بيانه، لم يكن في هذه الطريقة الأولى من التلقيح الاصطناعي أي مانع شرعي يوجب حظرها، فيمكن إعلان جوازها شرعًا عندما يحتاج إليها لتحمل الزوجة من زوجها.
والشيء الوحيد الذي يجب أن يلحظ وينبه إليه هنا، وفي كل مقام علاجي آخر هو أنه كلما وجدت في المكان امرأة عالمة مختصة كطبيبة أو قابلة مأذونة، قادرة على تنفيذ المعالجة التي تحتاج إلى انكشاف المرأة على من يعالجها تنفيذًا صحيحًا سلميًا بالنظر الطبي، لم يجز شرعًا أن يعهد إلى طبيب من الرجال ليقوم بهذه المعالجة.
هذا ما يقرره فقهاء الشريعة بوجه عام ويعللونه بأن انكشاف الجنس على نظيره أهون وأقل محذورًا، وهذا أمر معقول جدًا في نظام يقوم على فكرة الحلال والحرام كالإسلام ومن القواعد الفقهية في حكم الضرورات أن "الضرورة تقدر بقدرها".
وهذا أمر ذو بال يجب التنبه إليه، ومعظم الناس عنه غافلون اليوم لاسيما في الولادة بالمستشفيات.
2 - الحالة الثانية: بين زوجة ومتبرع بنطفة:
هذه الحالة تمارسها اليوم المصارف المنوية في العالم الغربي على أوسع نطاق إذ يرون فيها حلًا لمشكلة الأمومة حينما يكون الزوج عقيمًا، وقد أقرها النظام في العديد من الولايات المتحدة الأمريكية، كما أقرتها فرنسا، واعتبروا الأطفال الذين يتولدون منها أولادًا شرعيين للزوجين.
أما ألمانيا فيعتبرون أولادًا شرعيين أيضًا ما لم يطعن في شرعيتهم ذو مصلحة في نفيها، فتسلب عنهم الشرعية، وقد يكون هذا الطاعن في الشرعية الولد نفسه حينما يكبر ويعلم أن المتبرع لأمه بالنطفة ذو غنى أو جاه ونفوذ، فيطلب إلحاق نسبه به.
وأما في بريطانيا فهذا التلقيح بنطفة متبرع لزوجة مسموح به قانونًا، ولكنها لا تعتبر الأطفال منه شرعيين، وهناك من دول أوروبية من تحرمه وتعتبره ضربًا من الزنى كسويسرا.
أما بالنظر الإسلامي فلاشك في تحريمه قطعًا، ففي شريعة الإسلام يعتبر نسب الولد لأبيه، ويستدل الفقهاء على ذلك بأدلة منها قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آَتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [البقرة: آية 233] .
وقوله تعالى في إبطال التبني: {وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ ادْعُوهُمْ لِآَبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آَبَاءَهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} [الأحزاب آية 4، 5] .
فقد اعتبر الأب هو المولود له – فهو صاحب حق النسب الذي يدعى الولد إليه، أي ينسب.
ففي هذه الحالة الثانية من التلقيح الداخلي خلط بين الأنساب إذ تكون البزرة الذكرية من رجل، والزوجية التي سيتبعها النسب هي لآخر.(2/161)
(ب) التلقيح خارجيًا
3- الحالة الثالثة من التلقيح الاصطناعي، وهي التي تتم خارجيًا بين بزرتي زوجين في وعاء مختبري وتزرع في رحم الزوجة صاحبة البويضة نفسها، وهي التي جاءت إلى العالم البشري بأول طفلة أنبوب (لويزا براون) .
معظم من بحثوا أو أجابوا من علماء الإسلام المعاصرين في موضوع التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب من أساتذة في كليات الشريعة أو مفتيين أو قضاة شرعيين –فيما علمت- قد اتفقت كلمتهم على أن هذه الحالة جائزة بلا تحفظ، وأما المحظور شرعًا فهو الحالات التي تكون فيها البزرتان أو إحداهما من مصدر متبرع.
وقليل منهم من تحفظ وتردد في الجواز.
وإنني كنت في سابق أجوبتي في هذه القضية ترددت في جواز هذه الصورة الثالثة التي تبدو مبدئيا جائزة شرعا. وكان ترددي فيها من ثلاث نواح:
1- من ناحية غموض نتائج التجربة في مستقبل حياة الولد المنتوج فيها من حيث احتمال الارتفاع في نسبة التشوه في هذا الطريق الاصطناعي عن المعتاد في الحمل بالطريقة الطبيعية لعدم إمكان كشف ذلك قبل التكرار الكثير، ومن حيث احتمال تأديتها إلى أضرار أخرى مرضية لا يمكن الجزم بالأمان منها في هذه الطريقة قبل مضي زمن طويل من عمر الوليد.
2- من جهة كونها صالحة لأن تتخذ ذريعة إلى الفساد والشك في الأنساب التي يقوم عليها الإسلام كيان الأسرة والحقوق الشرعية بين أفرادها، وحرمات القرابة والمصاهرة. ذلك لأن سلوك هذا الطريق الاصطناعي الخارجي لإنتاج الولد سيجعل أمر نسبة تابعا لقول الطبيب الذي سيقرر أنه أجرى التلقيح بين بزرتي الزوجين، وهذا يفسح مجالا للشك بأن الطبيب قد غلط بين وعاء وآخر أو أنه قد ساير رغبة المرأة الراغبة في الأمومة لأمر ما، فيهيأ لها الجنين المطلوب في المختبر من بويضة سواها، ولم يكن في مبيضها هي بويضة. إلى غير ذلك من احتمالات وتكون في صدق الطبيب لأسباب شتى.
3- من حيث ما سبقت الإشارة إليه وهو أن كل تلقيح اصطناعي يستلزم انكشاف عورة المرأة
على أنني قد انتهيت فيما سلف بيانه عن انكشاف العورة إلى أن هذا المحظور الشرعي يمكن صرف النظر عنه باعتبار أن حاجة المرأة إلى الأمومة ومصلحتها المشروعة فيها وصحتها تبيع هذا المحظور.
ولكن إذا اسقطنا من الاعتبار هذا المحظور الثالث بقي السببان السابقان كافيين للتحفظ والتردد الكبير في جواز هذه الطريقة من التلقيح الصناعي لذلك يترجح في نظري جانب الحظر فيها مبدئيا، فلا تمارس إلا في أٌقصى درجات الأضرار أو الحاجة الشديدة حين لا يكون للزوجين ولد، والطبيب عدل ثقة
4- الحالة الرابعة من التلقيح الصناعي، وهي التي تتم خارجيا بين بزرة زوج وبويضة متبرعة ثم تزرع في رحم الزوجة.(2/162)
هذه الحالة واضح فيها سبب التحريم لأن اللقيحة متكونة من مصدرين غير زوجين، فهي تؤدي إلى نسب منتحل غير مبني على زوجية.
ومثل هذا يقال في حالة العكس، وهي ما لو كانت البويضة من زوجة والنطفة الذكرية من متبرع ثم زرعت اللقيحة في الزوجة صاحبة البويضة.
5- الحالة الخامسة وهي حالة زوج عقيم وزوجته معطلة المبيض يتبرع لهما رجل بنطفة، وامرأة ببويضة، ويجري التلقيح بينهما خارجيا في المختبر وتزرع اللقيحة في رحم الزوجة المتبرع لها.
يبدو واضحا في هذه الصورة أن اللقيحة لا صلة لها بالزوج ولا بالزوجة المتبرع لهما وهذا ما يميزها في الحالة الرابعة. ولا شك في تحريم هذه الصورة أيضا، إذ لا مجال لأن يترتب فيها نسب.
6- الحالة السادسة: وهي حالة امرأة تتطوع بحمل لقيحة تكونت في وعاء الاختبار من بزرتي زوجين. ويلجأ إلى هذا الأسلوب حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها لكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفها.
والفارق بين هذه الحالة والحالة السابقة أن البزرتين هنا من زوجين، وإنما تبرعت امرأة أخرى بحمل اللقيحة المتكونة منهما – أما في الحالة السابقة فإن البزرتين ليستا من زوجين، بل متبرع بهما لراغبين في الولد ولكنهما عقيمان، وتزرع اللقيحة في الزوجة لأن رحمها صالح للحمل.
وكما تفترق هذه الحالة عن سابقتها الخامسة من هذه الناحية الأساسية، فهيا شبه بالحالة الثالثة السابقة في ناحية أساسية أيضا هي أن البزرتين من زوجين والفارق بينهما أن هذه السادسة تزرع لقيحتها في رحم امرأة غير الزوجة التي أخذت منها البويضة.
وقد رأينا في الحالة الثالثة أن فيها ثلاثة محاذير (هي: المخاطرة بغموض النتائج بالنسبة للجنين، وفتحها باب الشك في النسب حيث تربطه بقول الطبيب وتأديتها إلى انكشاف العورة.
ففي الصورة السادسة التي نحن بصددها تجتمع هذه المحاذير الثلاثة مضافا إليها كشف عورة المتطوعة بالحمل (إذ لا يمكن زرع اللقيحة في رحمها دون ذلك) وإذا كنا قد انتهينا في تلك الحالة الثالثة إلى ترجيح الحظر ففي هذه الحالة السادسة يكون الحظر أظهر للأسباب ذاتها. وإذا أمكن اعتبار كشف عورة الزوجة هناك لأجل الحمل جائز، كما أسلفنا بيانه، فانه هنا غير جائز للمتطوعة بالحمل لأنها ليست هي الزوجة المحتاجة إلى الأمومة.(2/163)
على أنه لو وقعت هذه الحالة فعلا رغم حظرها الشرعي فماذا عن نسب الولد، وعن علاقته بالأطراف الثلاثة: الزوجين والمتطوعة بالحمل (الأم المستعارة) ؟ والذي يظهر لي في الجواب أن نسب الولد يكون للزوجين مصدر اللقيحة بلا شك. أما المتطوعة بالحمل فإنها لا تعتبر أما نسبية قطعة، ولكنها تعتبر كالأم الرضاعية بطريق الأولوية لأن الجنين قد اكتسب نموا من جسمها أكثر مما يكتسب الرضيع من لبن المرضع.
وقد اصدر المجمع الفقهي الإٍسلامي قرارا شرعيا هذا نصه:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وبعد:
فإن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي في دورته السابعة المعقدة بمكة المكرمة في الفترة بين 11- 17 من ربيع الآخر 1404 هـ-1984/1/19قد نظر في الدراسة التي قدمها عضو المجلس مصطفى الزرقاء حول التلقيح الاصطناعي وأطفال الأنابيب، الأمر الذي شغل الناس وكان من أبرز قضايا الساعة في العالم. واستعرض المجلس ما تحقق في هذا المجال من إنجازات طبية توصل إليها العلم والثقافة في العصر الحاضر لإنجاب الأطفال من بني الإنسان والتغلب على أسباب العقم المختلفة المانعة من الاستيلاد.
وقد تبين للمجلس من تلك الدراسة الوافية المشار إليها أن التلقيح الاصطناعي بغية الاستيلاد (بغير الطريق الطبيعي وهو الاتصال الجنسي المباشر بين الرجل والمرأة) يتم بأحد طريقين أساسين:
- طريق التلقيح الداخلي. وذلك بحقن نطفة الرجل في الموقع المناسب من باطن المرأة.
- وطريق التلقيح الخارجي بين نطفة الرجل وبويضة المرأة في أنبوب اختبار، في المختبرات الطبية، ثم زرع البويضة الملقحة (اللقيحة) في رحم المرأة.
ولا بد في الطريقين من انكشاف المرأة على من يقوم بتنفيذ العملية وقد تبين لمجلس المجمع في تلك الدراسة المقدمة إليه في الموضوع ومما أظهرته المذاكرة والمناقشة أن الأساليب والوسائل التي يجري بها التلقيح الاصطناعي بطريقيه الداخلي والخارجي لأجل الاستيلاء هي سبعة أساليب بحسب الأحوال المختلفة، للتلقيح الداخلي فيها أسلوبان، وللخارجي خمسة من الناحية الواقعية بقطع النظر عن حلها أو حرمتها شرعا، وهي الأساليب التالية:
في التلقيح الاصطناعي الداخلي:
الأسلوب الأول:
أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج وتحقن في الموقع المناسب داخل مهبل زوجته أو رحمها حتى تلتقي النطفة التقاء طبيعيا بالبويضة التي يفرزها مبيض زوجته، ويقع التلقيح بينهما ثم العلوق في جدار الرحم بإذن الله، كما في حالة الجماع. وهذا الأسلوب يلجأ إليه إذا كان في الزوج قصور لسبب ما عن إيصال مائة في المواقعة إلى الموضع المناسب.
الأسلوب الثاني:
أن نؤخذ نطفة رجل وتحقن في الموقع المناسب من زوجة رجل آخر حتى يقع التلقيح داخليا ثم العلوق في الرحم كما في الأسلوب الأول. ويلجأ إلى هذا الأسلوب حين يكون الزوج عقيما لا بزرة في مائة، فيأخذون النطفة الذكرية من غيره.
في طريق التلقيح الخارجي:
الأسلوب الثالث:
أن تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من مبيض زوجته فتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى تلقح نطفة الزوج بويضة زوجته في وعاء الاختبار ثم بعد أن تأخذ اللقيحة الانقسام والتكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها صاحبة البويضة لتعلق في جداره وتنمو تتخلق ككل جنين، ثم في نهاية مدة الحمل الطبيعية تلده الزوجة طفلا أو طفلة. وهذا هو طفل الأنبوب الذي حققه الإنجاز العلمي الذي يسره الله. وولد به إلى اليوم عدد من الأولاد ذكورا وإناثا وتوائم تناقلت أخبارها الصحف العالمية ووسائل الأعلام المختلفة.(2/164)
ويلجأ إلى هذا الأسلوب الثالث عندما تكون الزوجة عقيما بسبب انسداد القناة التي تصل بين مبيضها ورحمها (قناة فالوب) .
الأسلوب الرابع:
أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج، وبويضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته (يسمونها متبرعة) ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته.
ويلجئون إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلا أو معطلا، ولكن رحمها سليم قابل لعلوق اللقيحة فيه.
الأسلوب الخامس:
أن يجري تلقيح خارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجة له (يسمونهما متبرعين) ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة أخرى متزوجة.
ويلجؤون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة التي زرعت اللقيحة فيها عقيما بسبب تعطل مبيضا لكن رحمها سليم وزوجها أيضا عقيم ويريدان ولدا.
الأسلوب السادس:
أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بزرتي زوجين، ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة تتطوع بحملها.
ويلجؤون إلى ذلك حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل لسبب في رحمها، ولكن مبيضها سليم منتج، أو تكون غير راغبة في الحمل ترفها، فتتطوع لها امرأة أخرى بالحمل عنها.(2/165)
الأسلوب السابع:
هو السادس نفسه إذا كانت المتطوعة بالحمل هي زوجة ثانية للزوج صاحب النطفة فتتطوع لها ضرتها لحمل اللقيحة عنها.
وهذا الأسلوب لا يجري في البلاد الأجنبية التي يمنع نظامها تعدد الزوجات، بل في البلاد التي تبيح هذا التعدد.
هذه هي أساليب التلقيح الاصطناعي الذي حققه العلم لمعالجة أسباب عدم الحمل.
وقد نظر مجلس المجمع فيما نشر وأذيع أنه يتم فعلا تطبيقه في أوروبا وأمريكا من استخدام هذه الإنجازات لأغراض مختلفة منها تجاري ومنها ما يجري تحت عنوان (تحسين النوع البشري) ومنها ما يتم لتلبية الرغبة في الأمومة لدى نساء غير متزوجات أو نساء متزوجات لا يحملن لسبب فيهن، أو في أزواجهن، وما انشئ لتلك الأغراض المختلفة من مصارف النطف الإنسانية التي تحفظ فيها نطف الرجال بصورة تقانية تجعلها قابلة للتلقيح بها إلى مدة طويلة، وتؤخذ من رجال معينين أو غير معينين تبرعا أو لقاء عوض، إلى آخر ما يقال أنه واقع اليوم في بعض بلاد العالم المتمدن.
النظر الشرعي بمنظار الشريعة الإسلامية:
هذا وأن مجلس المجمع الفقهي الإسلامي بعد النظر فيما تجمع لديه من معلومات موثقة مما كتب ونشر في هذا الشأن، وتطبيق قواعد الشريعة الإسلامية ومقاصدها لمعرفة حكم هذه الأساليب المعروضة وما تستلزمه، قد انتهى إلى القرار التفصيلي التالي:
أولا: أحكام عامة:
(أ) أن انكشاف المرأة المسلمة على غير من يحل شرعا بينها وبينه الاتصال الجنسي لا يجور بحال من الأحوال إلا لغرض مشروع يعتبره الشرع مبيحا لهذا الانكشاف.
(ب) أن احتياج المرأة إلى العلاج من مرض يؤذيها، أو من حالة غير طبيعية في جسمها تسبب لها إزعاجا ـ يعتبر ذلك فرضا مشروعا يبيح لها الانكشاف على غير زوجها لهذا العلاج. وعندئذ يتقيد ذلك الانكشاف بقدر الضرورة.
(ج) كلما كان انكشاف المرأة على غير من يحل بينها وبينه الاتصال الجنسي مباحا لغرض مشروع يجب أن يكون المعالج امرأة مسلمة أن أمكن ذلك، وإلا فامرأة غير مسلمة وإلا فطبيب مسلم ثقة، وإلا فغير مسلم بهذا الترتيب.
ولا تجوز الخلوة بين المعالج والمرأة التي يعالجها إلا بحضور زوجها أو امرأة أخرى.
ثانيا: حكم التقليح الاصطناعي:
1- أن حاجة المرأة المتزوجة التي لا تحمل وحاجة زوجها إلى الولد تعتبر غرضا مشروعا يبيح معالجتها بالطريقة المباحة من طرق التلقيح الاصطناعي.
2- أن الأسلوب الأول (الذي تؤخذ فيه النطفة الذكرية من رجل متزوج ثم تحقن في رحم زوجته في طرقة التلقيح الداخلي) هو أسلوب جائز شرعا بالشروط العامة الآنفة الذكر وذلك بعد أن تثبت حاجة المرأة إلى هذه العملية لأجل الحمل.
3- أن الأسلوب الثالث (الذي تؤخذ فيه البزرتان الذكرية والأنثوية من رجل وامرأة زوجين أحدهما للآخر، ويتم تلقيحها خارجيا في أنبوب اختبار، ثم تزرع اللقيحة في رحم لكنه غير سليم تماما من موجبات الشك فيما يستلزمه ويحيط به من ملابسات. فينبغي أن لا يلجأ إليه إلا في حالات الضرورة القصوى وبعد أن تتوفر الشرائط العامة الآنفة الذكر.
4- أن الأسلوب السابع الذي تؤخذ فيه النطفة والبويضة من زوجين وبعد تلقيحهما في وعاء الاختبار تزرع اللقيحة في رحم الزوجة الأخرى للزوج نفسه، حيث تتطوع بمحض اختيارها بهذا الحمل عن ضرتها المنزوعة الرحم يظهر لمجلس المجمع أنه جائز عند الحاجة وبالشروط العامة المذكورة.(2/166)
5- وفي حالات الجواز الثلاث يقرر المجمع أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدر البزرتين ويتبع الميراث والحقوق الأخرى ثبوت النسب فحين يثبت نسب المولود من الرجل أو المرأة يثبت الإرث وغيره من الأحكام بين الولد وبمن التحق نسبه به.
أما الزوجة المتطوعة بالحمل عن ضرتها (في الأسلوب السابع المذكور) فتكون في حكم الأم الرضاعية للمولود لأنه اكتسب من جسمها وعضويتها أكثر مما يكتسب الرضيع من مرضعته في نصاب الرضاع الذي يحرم به ما يحرم من النسب.
6- أما الأساليب الأربعة الأخرى من أساليب التلقيح الاصطناعي في الطريقين الداخلي والخارجي بما سبق بيانه فجميعها محرمة بالنظر الإسلامي لا مجال لإباحة شيء منها لأن البزرتين الذكرية والأنثوية فيها ليستا من زوجين أو لأن المتطوعة بالحمل هي أجنبية عن الزوجين مصدر البزرتين.
هذا، ونظرا لما في التلقيح الاصطناعي بوجه عام من ملابسات في الصور الجائزة شرعا ومن احتمال اختلاط النطف واللقائح في أوعية الاختبار ولاسيما إذا كثرت ممارسته وشاعت فان مجلس المجمع ينصح الحريصين على دينهم أن لا يلجأوا إلى ممارسته إلا في حالة الضرورة القصوى وبمنتهى الاحتياط والحذر من اختلاط النطف أو اللقائح.
هذا ما ظهر لمجلس المجمع في هذه القضية ذات الحساسية الدينية القوية من قضايا الساعة ويرجو من الله أن يكون صوابا.
والله سبحانه أعلم وهو الهادي إلى سواء السبيل وولي التوفيق.
هذا القرار صدر بالأكثرية من أعضاء المجلس والذي له مخالفة واضحة هو سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رئيس المجمع المذكور فان سماحته توقف في كل الصور الثلاث التي أجازها المجمع بالأكثرية. وكاتب هذا البحث – عبد الله بن عبد الرحمن البسام – أحد أعضاء مجلس المجمع الفقهي الإسلامي – ممن وافق على إجازة الأحوال الثلاث المذكورة في القرار المذكور وإلى هذا المجمع الموقر ما يراه حيال هذه المشكلة التي شغلت أذهان الناس وأقلامهم.
وأرجو أن يخرج من ذلك بنتائج مرضية.
سدد الله خطي الجميع ووفقنا لما يحبه ويرضاه وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.(2/167)
مراجع البحث
1- القرآن الكريم
2- الصحيحان
3- كشاف القناع البهوتي
4- فتاوى حسنين مخلوف
5- فتاوى محمود شلتوت
6- الحلال والحرام للقرضاوي
7- مقدمة ابن خلدون
8- العلوم الطبيعية في القرآن يوسف مروه
9- الإعجاز العلمي في القرآن محمد إسماعيل
10- خلق الإنسان بين الطب والقرآن محمد علي البار
11- الوجيز في علم الأجنة في القرآن محمد علي البار
12- منع الحمل صلاح عدس
13- تحديد النسل فائق الجوهري
14- الحياة وعجائبها إسماعيل خليل
15- حياتنا الجنسية القباني
16- بحث مصطفى الزرقاء
17- بحث عبد الله باسلامة
18- خطاب مكتب الرابطة بباريس(2/168)
التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب
الدكتور محمد علي البار
مقدمة:
منذ أن نجح الدكتور استبتو والدكتور ادواردز في تلقيح بويضة السيدة ليزلي براون بمنى زوجها جون براون في 10 نوفمبر 1977 وأدى ذلك إلى نجاح أول حمل وولادة أول طفلة أنبوب (لويزا براون) في 25 يوليه 1978، قامت حملات إعلامية منظمة شغلت الناس صباح مساء ثم خفقت الضجة وانضم إلى نادي أطفال الأنابيب عشرات الأطفال حتى جاوز الرقم بضع مئات في أنحاء العالم منهم مجموعة من التوائم.
وتحول الأطباء والصحفيون وأجهزة الإعلام إلى مواضيع أكثر إثارة … مثل تجميد الأجنة المخصبة … ونقل البويضة الملقحة من امرأة إلى أخرى وهو ما عرف باسم الرحم الظئر. وبدأت المشاكل الأخلاقية والدينية تظهر على السطح.
وصرح الدكتور ادواردز العالم الفسيولوجي الرائد في أطفال الأنابيب بقوله " إن هناك حاجة صارخة إلى وضع إطار لآداب وأخلاقيات هذا الميدان. وإن كل مؤسسة تجري العملية المذكورة يجب أن يكون لديها لجنة آداب خاصة " (1) .
ولقد تم بالفعل ولادة أو طفلة من الرحم الظئر. ودخلت القضية إلى المحاكم الإنجليزية ذلك لأن الأم بالوكالة أو الرحم الظئر رفضت تسليم الطفل لصاحبه البويضة بعد ولادته رغم أنها وقعت عقدا بتسليم الطفل بعد أن تلده (2) .
وتحولت القضية إلى مشكلة إعلامية ومادة للإثارة كما انشغل بها القضاء الإنجليزي لعدم وجود سابقة.
وقضية أخرى … أن إجراء محاولة إيجاد أطفال أنابيب تتم بإعطاء المرأة أدوية وعقارات مثل الكلوميد تزيد من إفراز البويضات فيأخذ الطبيب عدة بويضات ويلقحها … ويزرع عددا منها في اليوم الثالث إلى الخامس في رحم المرأة. ولذا كثرت ولادات التوائم في أطفال الأنابيب في الآونة الأخيرة. وذلك تحسبا للفشل كما أن الطبيب يحتفظ بمجموعة من البويضات الملقحة مثلجة ومجمدة فإذا فشلت المحاولة الأولى أعاد الكرة … وإذا نجحت المحاولة … ماذا يتم في الأجنة المجمدة؟
__________
(1) ندوة الإنجاب، المنطقة الإسلامية للعلوم الطبية ص 468
(2) المصدر السابق ص 469(2/169)
سؤال أثار ضجة كبرى في الإعلام الغربي ومناقشات حامية. هل يسمح بإجراء التجارب على هذه الأجنة وذلك قد يفيد الإنسانية في معرفة الأمراض الوراثية والمتعلقة بالصبغيات وغيرها أم ترمى الأجنة. وإلى أي يوم يمكن تنمية هذه الأجنة واستخدامها في المختبر؟
قضية أخلاقية ودينية شائكة. وفي بريطانيا تكونت لجنة من البرلمان وبعض المختصين ورجال الدين عرفت باسم وارنك Wamock وأنيط بها دراسة هذه المشكلة. واقترحت هذه اللجنة بعد خلاف طويل حاد بين أعضائها أن استخدام الأجنة يسمح به لمدة أسبوعين فقط. وذلك قبل أن تتشكل أول بداية للجهاز العصبي الذي يناط به تكوين الدماغ والنخاع الشوكي والإحساس.
وتفرعت مشاكل عديدة، كلها جديدة مثيرة تستحق الدرس والبحث …وإذا كانت هذه المشاكل لا تزال في الغرب فإنها ستفد إلينا في القريب العاجل بل إن بعضها قد وفد بالفعل. وأعلنت إحدى المستشفيات الخاصة في جدة قيامها بمشروع طفل الأنابيب حسب الشريعة الإسلامية!! كما تم توليد أول امرأة سعودية تحمل بواسطة الأنابيب في جدة في مستشفى جامعة الملك عبد العزيز وذلك بعد أن تم التلقيح في بريطانيا. وأما بالنسبة للتلقيح الاصطناعي فليست هناك مشكلة في الغرب. يتبرع المانح بمائه فيحفظ في بنك المنى … ثم تأخذه امرأة ما. طبعا غير زوجته … وقد تكون غير متزوجه أصلا … وهناك موجة من نكاح الاستبضاع الذي كان معروفا في الجاهلية والذي وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها في حديثها عن أنواع النكاح والذي أخرجه الإمام البخاري في صحيحه. ونكاح الاستبضاع هو أن يعتزل الرجل زوجته ويرسلها إلى شخص أشتهر بالذكاء والقوة فينام معها عدة أيام وليال حتى يتبين حملها فإذا تبين حملها منه أتاها زوجها إن شاء … وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد … وهذا ما تقوم به شركات متخصصة في الولايات المتحدة الآن …. تأخذ منى العباقرة والحائزين على جوائز نوبل وغيرهم، وتحتفظ به في ثلاجاتها. وتعطيه لمن تطلب وتدفع الثمن … وقد يذهب الزوج إلى الحرب كما حصل في فيتنام وهو يريد الولد فيدفع بمنيه إلى البنك لتلقح به زوجته في الوقت المناسب فتحبل منه وهو في فيتنام أو بعد وفاته وانتقاله إلى العالم الآخر.(2/170)
وتقول النيوزويك (18 مارس 1985) أن هناك ما لا يقل عن ربع مليون طفل ولدوا نتيجة التلقيح الصناعي بماء غير ماء آبائهم (1) .
ولا غضاضة عند هؤلاء القوم في كل هذا فالفوضى الجنسية ضاربة أطنابها ونادرا ما يستطيع الشخص هناك أن يجزم بأن فلانا أبوه … لشيوع الزنى …. فأكثر من 8 % من الزوجات اعترفن بخيانة أزواجهن …. ومثل هذا العدد من الرجال يخون زوجته (2) .
والتبني نظام شائع معترف به، ولا غضاضة فيه. والأم تبيع طفلها في المحكمة وتتنازل عنه لأسرة تدفع لها ثمنا وتأخذ منها وليدها … فلا ينسب بعد ذلك إلا لمن تبناه ورباه.
طفل الأنبوب: ما هو؟ ولماذا؟ وكيف يتم؟ وما هي محاذيره؟
فكرة طفل الأنبوب:
إن فكرة طفل الأنبوب في حد ذاتها سهلة ميسورة، وتعتمد الفكرة على أخذ البويضة (الأصح البييضة) من المرأة عند خروجها من المبيض وذلك بواسطة مسبار خاص يدخله الطبيب في تجويف البطن عند موعد خروج البييضة من المبيض فيلتقطها ثم يضعها في طبق بيتري Petri dish وليس أنبوبا كما شائع. وفي هذا الطبق سائل فسيوليجي مناسب لبقاء البييضة ونموها.
ثم يؤخذ منى الرجل ويوضع في الطبق مع البييضة … فإذا ما تم تلقيح البويضة بأحد الحيوانات المنوية Spermatozoa وذلك يمكن مشاهدته تحت الميكروسكوب تركت هذه البييضة الملقحة لتنقسم انقساماتها المعروفة المتتالية. الخلية الأمشاج (الزيجوت) المكونة من التحام نواة البييضة ونواة الحيوان المنوي تنقسم فتصبح الخلية خليتان …. والخليتان أربع …. والأربع ثمان وتدخل فيما يعرف باسم مرحلة التوتة Morula لأنها تشبه ثمرة التوتة المعروفة.
عند ذاك تأخذ هذه التوتة التي سرعان ما تتحول إلى ما يعرف بالكرة الجرثومية Blastulaويحدث في داخلها تجويف كما هو موجود في الكرة ويمتلأ التجويف بسائل وتوضع هذه الكرة في جدار الرحم حيث تتغرز فيه وتنمو نمو الحمل الطبيعي حتى الولادة.
والمدة التي تبقى فيها البييضة في الطبق لا تعدو يومين أو ثلاثة ففي أول حالة طفل أنبوب أخذ الدكتور باتريك استبتو بويضة الأم ليزلي براون في 10 نوفمبر 1977 ووضعها في الطبق الذي حضر محلوله الدكتور روبرت ادواردز وبعد أن قاما بتلقيح البويضة أعادها الدكتور استبتو إلى رحم الأم ليزلي براون في 12 نوفمبر 1977 وفي 25 يوليه 1978 ولدت لويزا براون أول طفلة أنبوب في العالم والتي أثارت ضجة كبرى في جميع أجهزة الإعلام وفتحت صفحة جديدة في تاريخ التناسل البشري.
__________
(1) النيوزويك 18 مارس 1985
(2) صحيفة الشرق الأوسط نقلا عن وكالات الأنباء في 29/5/1980(2/171)
هذه هي الفكرة ببساطة: أخذ البويضة من الأم في الوقت المناسب وتلقيحها في الطبق وإعادتها إلى الرحم بعد يومين أو ثلاثة لتنمو نموا طبيعيا وتلد ولادة طبيعية أو بالعملية القيصرية كما يولد ملايين الأطفال في كل عام.
الفكرة بسيطة سهلة ميسورة. ولكن التنفيذ هو العسير ويحتاج إلى دقة ومهارة ومع هذا فإن 90 % من محاولات الاستيلاد بطريق طفل الأنبوب تفشل (1) . (2) هذه الصعوبات تتلخص في الآتي:
1- معرفة موعد خروج البويضة أو البويضات من المبيض … وهذا يستدعى أولا إعطاء المرأة مجموعة من العقاقير أشهرها الكلوميد Clomide التي تجعل المبيض يفرز عددا من البويضات في الشهر الواحد بدلا من بيضة واحدة.
ويستدعى ثانية دراسة كاملة للأم ومعرفة موعد الأبياض … حتى يتم إدخالها المستشفى في الموعد المناسب وإدخال منظار البطن ورؤية المبيض ثم التقاط البييضات وهي عملية فنية قد تكتنفها صعوبات نتيجة التهابات القناة الرحمية وما حولها أو التهاب سابق بالمبيض أو وجود تليف إلى آخر قائمة الصعوبات الفنية.
__________
(1) Lancet , Feb 2 , 1985: 255 – 266 (editorial)
(2) Crosignani pa, Rubin BL in vitro Fertilization , New york , Academic press , 1983(2/172)
2- بعد أن يتم شفط البييضات ينبغي أن توضع في محلول فسيوليجي مناسب لنموها وبقائها فيه … وتركيب هذا المحلول ليس يسيرا بل يحتاج إلى تقنية عالية … ومهارة فائقة.
3- تلقيح البييضات وملاحظة مرورهن بمراحل النمو حتى يصلن إلى مرحلة التوتة Morula أو الكرة الجرثومية Blastula.
4- إعادة غرز البييضات في الرحم. وعادة ما توضع أكثر من بييضة ملقحة في الرحم لأن الرحم عادة يلفظ هذه البويضات … كلما زاد عدد البييضات المغروزة في الرحم كلما زاد الاحتمال بنجاح نمو واحد منهن إلى مرحلة الجنين والحمل والوليد.
ولكن هذا في حد ذاته يعتبر أحد العوائق إذ يتم فجأة ما ليس في الحسبان حيث تنمو أربع أو ست بويضات ملقحات إلى أجنة كاملة فتحمل المرأة حمل توائم متعددة وتلد أربعة أو ستة من الأطفال وحمل التوائم المتعددة له مخاطره على الأم وعلى الأجنة.
5- وعادة ما يترك الطبيب مجموعة البييضات ملقحة بحيث إذا فشل نمو البييضات الموضوعة في الرحم يعاود الكرة مرة أخرى دون الحاجة إلى إدخال المنظار مرة أخرى إلى رطن المرأة وأخذ البويضات وشفطها.
6- إذا نجحت جميع هذه الخطوات السابقة وتم الحمل … تظهر مشكلة جديدة وهو ماذا يصنع بهذه البويضات الملقحة المجمدة … هل ترمى؟ هل تستخدم لامرأة أخرى؟ هل تجرى عليها التجارب لمعرفة التكوينات المبكرة في النطفة الأمشاج (الزيجوت) ومرحلة التوتة ومرحلة الكرة الجرثومية وما بعدها؟ وإلى متى يسمح للأطباء بإجراء تجاربهم وبحوثهم على هذه الأجنة وإلى أي مرحلة من مراحل النمو تنمو … ثم بعد ذلك تقتل؟
أليست حياة إنسانية ولو كانت في مهدها؟ أيحق للأطباء والعلماء أن يعبثوا بالحياة الإنسانية حتى في مهدها وحتى لو كان الغرض شريفا وهو العلم ومعرفة الأمراض والأسرار الوراثية.(2/173)
وتكونت لجان وقامت دراسات وندوات وجلسات صاخبة في أوروبا والولايات المتحدة وفي بريطانيا تكونت لجنة وارنك Wamock مكونة من أطباء مختصين وقانونيين وأعضاء برلمان ورجال دين … وأصدرت اللجنة قراراتها وكان من بين هذه القرارات أن التلقيح خارج الجسم ln Vitro Fertilization أمر تدعو إليه الحاجة ويحل مشكلات بعض الأسر التي تعاني من العقم … وعليه فينبغي تشجيع هذه الأبحاث في هذا المجال. وبخصوص الأجنة الفائضة فقد سمحت اللجنة (بالأغلبية خمسة ضد صوتين) بإجراء التجارب على الأجنة الناتجة عن البويضات الملقحة الفائضة حتى اليوم الرابع عشر لنمو الجنين (1) (2) ولكن النائب البرلماني اينك باول Enoch powell جمع أنصارا عديدين لإصدار قرار من البرلمان بمنع التجارب على الأجنة الإنسانية مطلقا (3) .
وقد حددت اللجنة اليوم الرابع عشر وذلك لأن الجنين يظهر فيه بعد ذلك الميزان العصبي Neural groove وهو البداية الأولى لتكون الجهاز العصبي …. ورغم أن الجهاز العصبي يبدأ العمل المبكر في اليوم الثاني والأربعين. وقد اختارت اللجنة اليوم الرابع عشر حتى تكون قد ابتعدت تماما عن بداية تكون الجهاز العصبي.
والغريب حقا أن نجد علماء الإسلام القدماء قد بحثوا هذه النقطة الهامة والخطيرة قبل عدة قرون من ظهور المشكلة إلى السطح … يقول ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن: (4) .
" فإن قيل الجنين قبل نفخ الروح فيه هل كان فيه حركة وإحساس أم لا؟ قيل كان فيه حركة النمو والاغتذاء كالنبات. ولم تكن حركة نموه واغتذائه بالإرادة. فلما نفخت (الروح) انضمت حركة حسيته وإرادته إلى حركة نموه واغتذائه ".
وبذلك أعاد ابن القيم علامات نفخ الروح إلى وجود الإحساس وإلى وجود الحركة الإرادية وكلاهما لا يتم إلا بتكوين الجهاز العصبي.
__________
(1) Lancet: Editorial , Feb 2 , 1985: 255 – 266 Report of the Committee of inquiry into Human Fertilization and Embryology
(2) (Chairman , Dome Mary Warmock) London HMSO, 1984
(3) Newsweek March 18,1985 p.45
(4) ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن ص 255(2/174)
ويقول ابن حجر العسقلاني في فتح الباري وهو يتحدث عن أول ما يتشكل من أعضاء الجنين: " ولا حاجة له (أي الجنين) حينئذ إلى حس ولا حركة إرادية لأنه حينئذ بمنزلة النبات، وإنما يكون له قوة الحس والإرادة عند تعلق النفس (أي الروح) به " (1) .
وهكذا ميز علماء الإسلام الأجلاء بين الحياة النباتية Vegetative life التي ليس فيها إلا النمو والاغتذاء والحياة الإنسانية Human life التي تتميز بوجود الحس والإرادة أي بتكون الجهاز العصبي.
ورغم أن الحياة النباتية مقدمة للحياة الإنسانية ولها نوع احترام إلا أنها ليست كالحياة الإنسانية ولا تأخذ حكمها … فهي أقل منها درجة، وهذا ما نبه إليه الفقهاء حتى الإمام الغزالي الذي كان متشددا في موضوع الإجهاض قال ما يلي في الأحياء (2) : " وليس هذا (رأي العزل) كالإجهاض والوأد، لأن ذلك جناية على موجود حاصل، والوجود له مراتب، وأول مراتب الوجود أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة. وتستعد لقبول الحياة. وإفساد ذلك جناية. فإن صارت نطفة فعلقة كانت الجناية أفحش، وأن نفخ فيه الروح واستوت الخلقة ازدادت الجناية تفاحشا …. ومنتهى التفاحش في الجناية هي بعد الانفصال حيا ".
وهذه نظرة عميقة تدل على سعة فهم … والشيء الجديد الذي حدث الآن بعد ظهور طفل الأنبوب هو أن أول مراتب الوجود أن تلقح البييضة بماء الرجل في طبق (أنبوب) وليس كما ذكر الإمام الغزالي أن تقع النطفة في الرحم وتختلط بماء المرأة.
__________
(1) ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب القدر 11/ 482 المطبعة السلفية
(2) الأمام الغزالي: إحياء علوم الدين ج 2/ 65(2/175)
ورأي الإمام الغزالي أن إفساد ذلك جناية، وإن هذه الجناية تزداد تفاحشا كلما نمت النطفة وتحولت إلى علقة ومضغة فإذا نفخ فيها الروح فذلك منتهى الفحش. وافحش منه وأفظع قتل الجنين بعد انفصاله حيا من أمه.
لماذا طفل الأنبوب؟
سؤال قد يطرأ لماذا هذا العناء والتكلفة الباهظة والمشروع الذي لا تبلغ نسبة نجاحه في أحسن المراكز العالمية أكثر من 10 إلى 15 % كما تقول مجلة اللانست الطبية في عددها 2 فبراير 1985 (ص 255- 266) …. لماذا تصرف مبالغ طائلة من أجل بضع نسوه يعانين من العقم.
إن المشكلة عويصة حقا فعدد النساء العواقر في أوروبا والولايات المتحدة والبلاد المتقدمة في ازدياد مطرد، وكما تقول النيوزويك فإن واحدا من كل سبعة يعانون من العقم وهم في زمن الإنجاب (18/3/1985) ويقول كتاب الزوجين العقيمين: إصدار شركة سيبا أن 10 % من الأزواج في سن الإنجاب يعانون من العقم في الولايات المتحدة (مجلد 28/ رقم 5/1976) .
في الولايات المتحدة هناك اكثر من نصف مليون امرأة عاقر (في سن الحمل بسبب انسداد أو غياب القناة الرحمية (قناة فالوب) (1) . هذا عدا مئات الآلاف من النساء اللائي يعانين من العقم لأسباب أخرى.
ولكن لندرس ما هي أسباب العقم الرئيسية في الغرب؟
إن أهم الأسباب كما تذكر المصادر الطبية العديدة ما يلي:
1- انتشار الأمراض الجنسية نتيجة الولوغ في الزنا … وأهم مرض يسبب انسداد الأنابيب والتهاب حوض الرحم ناتج عن الكلاميديا (ميكروبات صغيرة من أصغر أنواع البكتريا) والمايكو بلازما … وفي الولايات المتحدة يقدر مركز اتلانتا لمكافحة الأمراض المعدية عدد المصابين بالكلاميديا في الولايات المتحدة سنويا بستة ملايين شخص (2) (3) (4)
وفي الدول الاسكندنافية وجد أن 5 إلى 10 % من جميع الفتيات اللاتي تقل أعمارهن عن عشرين سنة ويذهبن إلى عبادات تنظيم النسل يعانين من الكلاميديا (5) .
وفي المملكة المتحدة يعتبر التهاب مجرى البول الجنسي من غير السيلان الذي تسببه الكلاميديا أخطر بكثير من حالات السيلان حيث تبلغ عدد حالات الكلاميديا ضعف حالات السيلان (6)
وفي معظم الدول المتقدمة تقنيا والمنحطة أخلاقيا فأن الزنى ينتشر انتشارا ذريعا (انظر تفصيل ذلك في كتابنا الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها 1985 دار المنارة) كذلك ينتشر مرض السيلان انتشارا هائلا … فعدد حالات السيلان في العالم تقدر بـ 25 مليون حالة سنويا (7) .
2- اللولب لمنع الحمل L.U.D يعتبر إدخال اللولب السبب الثاني لالتهاب الأنابيب والتهاب الحوض Relvic lnflammatory disease الذي انتشر بصورة خاصة في الغرب. وبما أن هناك ملايين النساء يستخدمن اللولب كأحد موانع الحمل فإن هناك الآلاف منهن اللاتي يعانين من التهاب الحوض وبالتالي انسداد الأنابيب والعقم نتيجة استخدام اللولب (8) .
3- تأخير سن الزواج إلى ما بعد سن الخامسة والعشرين وهو سن الخصوبة الأمثل يعتبر من الأسباب الهامة لانتشار العقم (الزوجين العقيمين إصدار شركة سيبا مجلد 28 رقم 5 عام 1985) .
4- أن الإجهاض منتشر في العالم بصورة مرعبة … ويعتبر الإجهاض ثالث سبب في التهاب الأنابيب (القناة الرحمية) وانسدادها.
__________
(1) ندوة الإنجاب ص 419
(2) Merk Manual
(3) Mandell , Douglass & Bennet: Principals & Practice of infection diseases 1979
(4) Proceedings of First Scand Symp. on chlamydia , 1981
(5) المؤتمر السكندافي عن الكلاميدياعام 1981
(6) Wilcox , Medicine Digest , Aprill 1980
(7) منظمة الصحة العالمية نقلا عن مرجع مراك الطبي العلمي طبعة 1977
(8) الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها د. محمد علي البار ص 194- 195 دار المنارة 1985(2/176)
وقد ذكرت مجلة التايم الأمريكية في عددها الصادر 6 أغسطس 1984 أن عدد حالات الإجهاض الجنائي في العالم تزيد عن خمسين مليونا، أكثر من نصفها في البلاد النامية.
وذكرت مجلة ميدسين دايجست Medicine Digest (1) أن 13.700.000 حالة إجهاض جنائي (غير تلقائي) تتم سنويا في البلاد النامية … وفي شبه الجزيرة الايبرية (أسبانيا والبرتغال) أكثر من مليون حالة إجهاض غير تلقائي سنويا. وفي أوروبا الغربية أكثر من مليون … ومنذ أباحت المحكمة العليا عام 1973 في الولايات المتحدة الإجهاض فقد تم إجهاض أكثر من 15 مليون حالة إجهاض حتى عام 1983 مما حدا بالرئيس الأمريكي ريجان بالقيام بحملة بالمطالبة بإلغاء هذا القانون (2) .
ويعتبر الاتحاد السوفيتي أول دولة في العالم أباحت الإجهاض بمجرد الطلب وذلك في عام 1920 ولكن ستالين تراجع في هذا القرار عام 1936 ثم أعيد من جديد عام 1955، وتبلغ حالات الإجهاض ثلاثة ملايين حالة سنويا في الاتحاد السوفيتي (3) .
وفي اليابان ثلاثة ملايين حالة إجهاض سنويا (4) .
5- هناك أمراض أخرى تعتبر نادرة في الغرب ولكنها غير نادرة في البلاد النامية مثل الدرن (السل) الذي يصيب الجهاز التناسلي … وميكروبات البكترويدز والتهاب الزائدة الدودية إذا أهمل وتحول إلى خراج. وهذه جميعا قد تسبب التهاب الحوض وانسداد القناة الرحمية (قناة فالوب) .
6- الجماع أثناء المحيض: قال تعالي {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ} [البقرة 222- 223]
__________
(1) Medicin Digest March 1981
(2) كتاب مشكلة الإجهاض للدكتور محمد علي البار ص 5 –7 الدار السعودية للنشر
(3) كتاب مشكلة الإجهاض للدكتور محمد علي البار ص 5- 7 الدار السعودية للنشر
(4) كتاب مشكلة الإجهاض للدكتور محمد علي البار ص 5- 7 الدار السعودية للنشر(2/177)
وللجماع أثناء المحيض أنواع من الأذى ذكرنا نبذا وافيه منها في كتابنا " دورة الأرحام " (1) . ومن هذه الأضرار التهاب الحوض وقناتي الرحم وانسدادهم وحصول العقم وانتباذ غشاء الرحم Endometeriosis (د. برساد في بحثه المقدم إلى المؤتمر الطبي السعودي الثامن المنعقد بالرياض 24 – 28 محرم 1404 هـ) .
7- التعقيم بقطع الأنابيب وربطها: قد يبدو هذا السبب غريبا وهو كذلك إلا أنه الواقع فهناك عدد من النساء اللاتي يطلبن من الطبيب تعقيمهن أو أن سياسة الدولة تسير علىنشر التعقيم (الهند – مصر – الصين) … وبعد أن يتم قطع الأنابيب وربطها تأتي المرأة فيما يستقبل من الأيام الطبيب وتقول له: لقد ندمت في قراري ذاك السابق. فهل تستطيع أن تعيد فتح الأنابيب فيقوم الطبيب لقاء أجر ضخم (عشرة آلاف دولار في الولايات المتحدة) بإجراء هذه العملية التي لا تزيد نسبة النجاح فيها لدى أمهر الجراحين عن 30 إلى 40 % (2) .
لهذه الأسباب مجتمعة ولغيرها من الأسباب ازدادت حالات العقم الناتجة عن انسداد الأنابيب وأهم هذه الأسباب ثلاثة:
1- انتشار الزنا.
2- استعمال اللولب.
3- الإجهاض.
وللأسف لم يهتم الأطباء بمعالجة الأسباب وإنما اهتموا بمعالجة النتيجة فكان عاقبة أمرهم خسرا …. فالعلاج لدى الأطباء يتلخص في الآتي:
1- سرعة معالجة الأمراض الجنسية.
2- إجراء الإجهاض في بيئة معقمة أي في المستشفيات وهذا يستدعى السماح به قانونا.
3- إجراء عملية فتح الأنابيب المغلقة …. وهذه عملية عسيرة ودقيقة ولا يجريها إلا أفراد معدودون من متخصصي الأطباء … مع هذا فنسبة نجاحها كما اسلفنا لا تزيد عن الثلث …. وتكلف العملية الواحدة للمرأة الواحدة عشرة آلاف دولار.
__________
(1) د. محمد علي البار: دورة الأرحام فصل المحيض ص 60 الطبعة الرابعة الدار السعودية للنشر
(2) ندوة الإنجاب بالكويت ص 169(2/178)
4- طفل الأنبوب: وهو إجراء فاشل رغم الدعاية الضخمة له. إذ لم يتم سوى علاج عدد ضئيل من السيدات بهذه الطريقة …. ونسبة الفشل في هذه العملية كما اسلفنا تصل إلى 90 % في أمهر المراكز العلمية المتخصصة (مجلة اللانست 2 فبراير 1985) وتكلف مبالغ باهظة تفوق بكثير تكاليف عملية فتح الأنابيب المحدودة النجاح.
وطفل الأنبوب لن يحل مشكلة ملايين النساء اللاتي يعانين من انسداد الأنابيب وإذا استطاع هذا الأجراء التقني البارع أن يجعل مائة أو مائتين من النساء (خلال سبع سنوات) يحملن ويلدن بهذه الطريقة فإن هذا الحل لا يزال بعيدا عن ملايين النساء العاقرات.
إن العالم أصيب بلوثة في تفكيره ففي الوقت الذي يجهض ويقتل فيه كل عام 50 مليون طفل في أنحاء العالم تنفق ملايين الدولارات لعلاج مائتي امرأة على أكثر تقدير في العالم بواسطة طفل الأنابيب.
وفي الوقت الذي تستخدم فيه مئات الملايين من النساء وسائل منع الحمل بتشجيع ودفع من كثير من الدول وبالإكراه في بعض الأحيان (الصين – الهند – مصر) يتحدث الأطباء عن مجهوداتهم البارعة في عمليات فتح الأنابيب أو عمليات طفل الأنبوب.
إن ذلك يشبه العمليات الفنية البارعة في نقل القلوب الميتة أو المطاطية إلى أفراد شارفوا على النهاية، إنها عمليات تكلف الملايين بل مئات الملايين من الدولارات في الوقت الذي يموت فيه أكثر من عشرة ملايين طفل كل عام من الجوع والإسهال!! إن إنفاق هذه المبالغ في إنقاذ هؤلاء الأطفال سيجعل من الممكن بإذن الله إبعاد شبح الموت عن ملايين الأطفال كل عام … والذين أمامهم أيام طفولة ومستقبل …. ويمكن أن يكونوا أداة إنتاج.
إن علاج مشكلة العقم في رأينا يتلخص في علاج أسبابه الحقيقية وهي:
1- الزنا وانتشار الإباحية الجنسية.
2- الإجهاض.
3- استخدام اللولب كوسيلة من وسائل منع الحمل.
4- منع الجماع أثناء المحيض.
5- علاج الأمراض المستوطنة والمعدية مثل الدرن وتوفير المستشفيات والأطباء لتشخيص وعلاج الالتهابات مثل الزائدة الدودية وخلافها.(2/179)
وقد وضعنا فصلا أو فصولا في العلاج الحقيقي لأمراض الزنا والإباحية وهي في كتابنا " الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها " ويتلخص ذلك في الإحصان بمعنى العفة والإحصان بمعنى الزواج والإحصان بمعنى الحرية والإحصان بمعنى الإيمان.
وعلاج الإجهاض بمنعه وتوضيح حرمته وخاصة في محيط المسلمين وغيرهم من ذوي الأديان الذين يرون حرمة الإجهاض. كما أن منع الزنا أو التقليل منه يقلل أيضا من حدوث الإجهاض. ولا يسمح بالإجهاض. كما أن منع الزنا أو التقليل منه يقلل أيضا من حدوث الإجهاض. ولا يسمح بالإجهاض إلا بضرورة طبية وذلك قبل نفخ الروح …. أما بعد نفخ الروح فلا يسمح به إلا إذا تعرضت حياة الأم للخطر المؤكد (1) .
أما استخدام اللولب فينبغي أن لا يشجع على استخدامه، وكذلك يوضح للمسلمين خاصته ولغيرهم بصورة عامة أضرار الوطء في المحيض.
ولا يسمح بالتعقيم أبدا إلا لظروف طبية قاهرة تحتم منع الحمل منعا باتا وهذا أمر نادر الحدوث جدا.
وبعلاج الأسباب نستطيع أن نخفض عدد النساء العواقر اللاتي يعانين من انسداد أنابيبهن من عشرات الملايين في العالم إلى آلاف أو مئات الآلاف.. وهؤلاء يمكن علاجهن بطريقة من الطرق بشرط أن تخفض تكاليف هذه العمليات الباهظة.
ومع هذا فلا بد أن يبقى العقيم إذ يستحيل منع العقم كليا من العالم … والعالم يشكو من كثرة السكان … ويقتل خمسين مليون طفل سنويا إجهاضا … كما تستخدم مئات الملايين من النساء وسائل منع الحمل المتعددة.. فإزالة العقم من الوجود غير ممكنة عمليا ومنافية للقوانين الطبيعية وضارة بالتكوين الديموجرافي …. وخير أن يبقى أفراد مصابون بالعقم من أن نقوم بوأد الأبناء أو اجهاضهم حتى لا ينافسوننا في الرزق.
قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) } [الشورى 49- 50] .
وفي اختلاف الناس ما بين عقيم وولود …. وما بين إناث وذكور وما بين أفراد وتوائم تتجلى قدرة الخالق العظيم، وعلمه المحيط بكل صغيرة وكبيرة … فيجعل الحياة متوازنة.
__________
(1) دكتور محمد علي البار: مشكلة الإجهاض (ص 37- 45) الدار السعودية 1985(2/180)
والعلاج مطلوب لحالات العقم كما هو مطلوب لحالات المرض …. ولكن مع العلم بأن الشفاء كله من الله …. وأنه هو يعطي ويمنع ويبسط ويقبض … لا راد لحكمه ولا مغير لقضاه … فإذا علم المؤمن ذلك ارتاحت نفسه واطمأنت إلى قدر الله بعد بذلك الجهد والوسع والطاقة.. فلا يعيش كما يعيش أولئك المناكيد الذين حرموا نور الإيمان وبرد اليقين فتراهم يتلوعون لأقل نقص يصيبهم…. ويرتعبون من كل ما يقلل من متاعهم الدنيوي الرخيص …. فإن حالت الظروف دون تحقيق ما يريدون ارتكبوا تلك الحماقة الكبرى … واقدموا على الانتحار.
والانتحار شائع في الغرب شيوعا كبيرا رغم توفر الأسباب المادية لحياة الرخاء …. ولكن طلبات الإنسان لا يمكن أن تجاب جميعا فمتى صدم الكافر بغياب ما يريد تحقيقه ويصبوا إلى الوصول إليه انتكس ورجع القهقري …. وربما أنهى حياته تلك التعيسة برصاصة أو ببضع حبات من الباربيتورات ….. وهي حياة تمثل الغرب في صورته العامة …. تكالب على المتاع الدنيوي بكل أشكاله وألوانه فان نقص منه شيء ويئس من العثور عليه يئس من الحياة بأكملها فانهاها. وصدق الله تعالى حيث يقول: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} .
التلقيح الاصطناعي:
يطلق لفظ التلقيح الاصطناعي على عدة عمليات مختلفة يتم بموجبها تلقيح البويضة بحيوان منوي وذلك بغير طريق الاتصال الطبيعي الجنسي.
ويشمل هذا التلقيح ما يسمى التلقيح خارج الجسم In Vitro Fertilization
ويحدث فيه أحد الأمور التالية:
1- أخذ منى الزوج وبويضة زوجته وتلقيحهما في طبق كما حدث في الطفلة لويزا براون وبضع مئات من حالات طفل الأنبوب، ثم تعاد اللقيحة إلى رحم الأم فتنمو فيها نموا طبيعيا وتولد الطفلة ولادة عادية أو قيصرية.
وهذه الحالة أجمع الفقهاء المحدثون على جوازها إذا تمت للضرورة وهي علاج عقم بانسداد الأنابيب ولم يعد هناك علاج ينفع غير هذه الطريقة … مع أخذ الاحتياطات اللازمة لعدم اختلاط النطف كما قد يحدث في المختبرات (1) .
2- أخذ منى الزوج وبويضة زوجته وتلقيحها في طبق … ولكن بعد أن تنمو اللقيحة لا تعاد إلى الأم بل إلى امرأة أخرى تسمى متبرعة …. وقد أطلق عليها اسم الأم المستعارة Surrogatemotherأو الرحم الظئر (2) .
وقد أجمع الفقهاء المحدثون على حرمة هذا النوع من التلقيح لما قد يحدثه من اضطراب وفوضى في الأنساب ….والشك فيمن تكون أمه صاحبه البييضة أم التي حملته وولدت (3) . ويلجأ إلى هذه الطريقة حين تكون الزوجة غير قادرة على الحمل أو تكون غير راغبة في الحمل ترفها.
3- نفس الحالة السابقة ولكن تعاد اللقيحة إلى زوجه أخرى للزوج متبرعة بذلك وهذه الحالة هي التي أباحها المجمع الفقهي في دورته السابعة المنعقدة في مكة المكرمة في الفترة من 11 إلى 16 ربيع الآخر سنة 1404هـ. وبما أن الزواج بأكثر من واحدة ممنوع عند غير المسلمين فان هذه الطريقة لا يمكن أن تتم إلا عند المسلمين.
__________
(1) المجمع الفقهي في دورته السابعة 1404هـ
(2) المرجعين السابقين
(3) المرجعين السابقين(2/181)
وقد ذهب الشيخ مصطفى الزرقاء إلى أن الأم التي ترث والتي ينسب إليها الولد هي صاحبة البييضة وخالفه في ذلك مجموعة كبيرة من الفقهاء حيث قالوا إن الأم هي التي ولدت واحتجوا بالأدلة التالية:
(أ) قوله تعالى {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} فنفي الله تعالى الأمومة عن التي لم تلد.
(ب) قوله تعالى: {لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا} …. والوالدة الحقيقية هي التي ولدت.
(ج) {لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوَالِدَانِ} فالذي يرث المرأة هو الطفل الذي ولدته المرأة.
(د) قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ} والوالدة هي التي ولدت.
(هـ) {حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} فالتي تحمل وتضع هي الأم.
هذه خلاصة اعتراضات فضيلة الشيخ علي طنطاوي التي نشرتها الشرق الأوسط وأعادت نشرها لجنة كتاب الإنجاب في ضوء الإٍسلام الصادر من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت (1) .
وأما فضيلة الشيخ بدر المتولي عبد الباسط (2) فقد قال:
" ما لا شك فيه أن هذا الطفل ينسب إلى زوج صاحبه البييضة وضرتها التي حملت هذه البييضة الملقحة. وهذا أمر واضح لقيام الفراش وهو الزوجية. أما إلى من ينسب هذا الطفل من ناحية الأم: صاحبة البييضة أم التي حملته "؟
"إن الذي بينه الله أن هذا الطفل ابن أو بنت التي حملته لا صاحبه البييضة لقوله تعالى: {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ} . وهذا نص قطعي الثبوت والدلالة. ولا سيما أنه جاء على صيغة الحصر "
ثم قال: " والله سبحانه وتعالى يقول: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ} فهل صاحبة البييضة حملته وهنا على وهن؟ وكذلك يقول تعالى: {وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا} فهل صاحبة البييضة كذلك؟
" هذا من ناحية النص ومن ناحية المعنى أن البييضة الملقحة إنما نمت وتغذت بدم التي حملتها وتحملت آلام الحمل وآلام المخاض. فهل يعقل أن ينسب الولد لغيرها! وعليه فهذا الولد ابن لهذه التي حملته وولدته. ويأخذ كل أحكام الولد بالنسبة لأمة والأم بالنسبة لولدها من حيث الميراث ووجوب النفقة والحضانة وامتداد الحل والحرمة إلى أصولها وفروعها وحواشيها وغير ذلك.
__________
(1) ندوة الإنجاب ص 488-490
(2) المصدر السابق ص 484- 485(2/182)
بقي الكلام على علاقة صاحبة البييضة كالأم المرضعة. وذلك لأن الحنفية اعتبروا عله التحريم في الرضاع هي الجزئية أو شبهتها فأقل ما يقال إن هذا الطفل فيه جزئية من صاحبة البييضة. على أنى لا أستريح لهذا التخريج وأرى أن عملها هدر لا تترتب عليه أحكام.
وفي موضوع آخر (1) . ذكر فضيلة الشيخ بدر متولي أن صاحبه البييضة ليست أما واحتج بقصةابن وليدة زمعة فقد جعله الرسول ابنا لزمعة مع ظهور أنه ليس ابنا لزمعة وجعل الحكم ((الولد للفراش)) فالحقيقة الواقعية (العلمية) ليست بالضرورة هي الحقيقة الشرعية فالشرع يحكم بالظاهر والحقيقة علمها عند الله. وقد أمر الرسول صلوات الله عليه وعلى آله زوجته سودة أن تحتجب من أخيها لظهور الشبهة القوية أخذا بالاحتياط.
وينتهي إلى القول " ليس هناك قيمة أبدا لصاحب البذرة أو صاحب الحيوان المنوي في كثير من الحالات لأنه لا بد أن يكون فراشا شرعيا صحيحا ".
وقال الدكتور زكريا البري والدكتور نعيم ياسين وغيرهم ممن اشتركوا في الندوة أن زرع الجنين (طفل الأنبوب) في رحم امرأة غريبة عن صاحب المنى وصاحبه البويضة حرام …. ولو تمت هذه العملية فيجب التعزير لا الحد في كل من شارك في اجرائها بما في ذلك الأطباء.
وأما حكم الوليد الجنين الذي تلده صاحبه الرحم الظئر فهو للتي حملت وولدت وذكر بعض من ناقش في الندوة أن الأم هي صاحبة البييضة ومنهم الأستاذ الدكتور نعيم يسن، والدكتور عبد الحافظ حلمي ومالت آراء الأغلبية إلى اعتبار ان الأم هي التي حملت وولدت. وقد أضاف الدكتور احمد شوقي تعليقا نري أن نثبته (2) وخلاصته أن كل أطوار خلق الإنسان في رحم أمه من النطفة الأمشاج إلى الولادة تحدث في الرحم …. ومن يحدث لها ذلك سماها القرآن أما. قال تعالى: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [الزمر 6] ويقول: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئًا} [النحل 78] ، والأمومة تعتمد على خلق الجنين في بطن أمه طورا بعد طور … وقد قال صلى الله عليه وسلم: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقه مثل ذلك) … الحديث رواه ابن مسعود وأخرجه الشيخان.
__________
(1) ندوة الإنجاب ص 210 - 213
(2) ندوة الإنجاب ص 220(2/183)
فالأمومة ليست معتمدة على العوامل الوراثية وحدها وإن كانت لتلك العوامل أهمية كبرى في صفات الخلق إلا أن الأمومة أوسع من ذلك وأشمل علميا وشرعيا.
4- تؤخذ نطفة رجل وبويضة امرأة ليست زوجته يسمونها متبرعة وتلقح في أنبوب الاختبار …..ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته.
ويلجأ إلى هذا الأسلوب عندما يكون مبيض الزوجة مستأصلا أو متعطلا ولكن رحمها سليم وقابل للعلوق …. وزوجها أيضا سليم ولا يعاني من العقم … وهذه الطريقة أيضا ذكر المجمع الفقهي المنعقد في مكة المكرمة في دورته السابعة سنة 1404هـ حرمتها. وكذلك ندوة الإنجاب بالكويت (1403هـ) .
5- يجري تلقيح خارجي في طبق اختبار بين نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجته ويسمونهما متبرعين , ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متزوجة.
ويلجأون إلى ذلك حينما تكون المرأة المتزوجة التي زرعت فيها اللقيحة عقيما بسبب تعطل مبيضها لكن رحمها سليم وزوجها أيضا عقيم ويريدان ولدا.
وقد كانت الطريقة السابقة هي أن يقوما بتبني طفل. ولكن بعض النساء يرغبن في الحمل والولادة والشعور بالأمومة ….
وهذه الطريقة ذكر المجمع الفقهي (1404هـ) حرمتها كذلك. وقد افتى المجمع بجواز ثلاث طرق هي:
1- أخذ نطفة الزوج ووضعها في رحم زوجته.
2- أخذ نطفة الزوج وبييضة الزوجة وتلقيحها في طبق ثم إعادة اللقيحة إلى رحم الزوجة.
3- أخذ نطفة الزوج وبييضة الزوجة العقيم وتلقيحها في طبق ثم إعادة اللقيحة إلى زوجة أخرى للرجل متبرعة بحمل الجنين.
وفي هذه الحالات الثلاث قرر المجمع أن نسب المولود يثبت من الزوجين مصدر البذرتين ويتبع الميراث والحقوق الأخرى بثبوت النسب … ويثبت الارث وغيره من الأحكام بين الولد ومن التحق نسبه به. أما الزوجة المتطوعة فتكون في حكم الأم المرضعة لأنه اكتسب من جسمها وعضويتها أكثر مما يكتسب الرضيع من مرضعته في نصاب الرضاع الذي يحرم به ما يحرم من النسب ولكن لا توارث بينهم. (وهذه نقطة خلاف مع الفقهاء وقد ذكرنا أوجه الخلاف) .
كما حذر المجمع الفقهي كذلك المشاركون في ندوة الإنجاب من جميع وسائل التلقيح الاصطناعي حتى المباحة منها شرعا لما يعتبر بها من احتمال الخطأ والشك واختلاف النطفة …. والتجارة الجنينية التي يقوم بها من لا دين لهم فيتاجرون في النطف والأبضاع …. ولهذا ينبغي على المسلمين البعد عن هذه المزالق وأخذ منتهى الحيطة والحذر وعدم الولوج في هذا الميدان إلا في حالة الضرورة القصوى.
التلقيح داخل الجسم In Vivo Ferilization
إن هذه الطريقة الطبيعية التي تحدث في الإنسان والثدييات وذلك بإدخال العضو التناسلي في مهبل المرأة (أو الأنثى) .
وإذا تركنا هذه الطريقة الطبيعية فإن هناك طرقا أخرى غير طبيعية …. ويدخل بموجبها ماء الذكر إلى الأنثى.
وهذه الطريقة تستخدم بكثرة في الحيوانات …. ويكفي ثور واحد أو أثنين يجمع ماؤهما لتلقيح مئات أو آلاف الأبقار.(2/184)
وقد عرفت هذه الطريقة بالنسبة للإنسان باسم " الاستدخال " وهو استدخال ماء الرجل إلى فرج المرأة. وقد وصفها الفقهاء المسلمون وتحدثوا عنها بشيء من التفصيل في كتب الفقه.
واستخدمت هذه الطريقة حديثا في الإنسان …. وذلك في الأغراض التالية:
1- إذا كان عدد الحيوانات المنوية لدى الزوج قليلا فتجمع حصيلة عدة دفعات من المني وتركز ثم تدخل إلى رحم الزوجة.
2- إذا كانت حموضة المهبل تقتل الحيوانات المنوية بصورة غير اعتيادية.
3- إذا كان هناك تضاد بين خلايا المهبل والحيوانات المنوية مما يؤدي إلى موتها.
4- إذا كانت إفرازات عنق الرحم تعيق ولوج الحيوانات المنوية.
5- إذا أصيب الزوج بمرض أدى إلى إصابته بالعنة وهو عدم القدرة على الإيلاج أو (الإنزال السريع جدًا) مع وجود قدرته على إفراز حيوانات منوية سليمة.
في هذه الأغراض جميعا إذا تم التلقيح بين الزوج والزوجة فلا حرج … وإذا أمكن أن لا تنكشف عورة المرأة إلا لطبيبة مسلمة فإن لم يكن فغير مسلمة فإن لم يكن فلطبيب مسلم ثقة فإن لم يتيسر فلطبيب غير مسلم ثقة في عمله.
وقد ذكر الفقهاء السابقون واللاحقون أن إجراء مثل هذا التلقيح الصناعي جائز إذ ما تم بين زوج وزوجته أثناء قيام عقد الزوجية … وقد أفتى بذلك مفتي مصر ومفتي تونس والمجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في دورته السابعة 1404هـ وندوة الإنجاب المنعقدة بالكويت والتي ضمنت مجموعة من فقهاء العالم الإسلامي المشهورين وبعض الأطباء (11 شعبان 1403هـ / 24 مايو 1983) .
وهناك عدة أغراض أخرى تستخدم فيها طريقة التلقيح الاصطناعي الداخلي أعلن هؤلاء الفقهاء حرمتها وعدم جوازها وهي:
1- إدخال ماء رجل غريب عن المرأة: وهذه الطريقة قد استخدمت قديما باسم الصدفة … ومعروفة في أرياف مصر وأهل البلد …. وقد وقعت حادثة وصلت فيها إلى القضاء المصري.
وخلاصة هذه الطريقة القديمة أن الزوجة تشكو من العقم فتقوم إحدى النسوة بتحضير صدفة فيها منى قريب لها وتدخله في فرج المرأة فتحمل إذا كان العيب من الزوج.
وفي القصة التي وصلت إلى القضاء المصري كان الزوج قد فحص نفسه فوجد أنه لا يحتوي على حيوانات منوية فلما حملت زوجته بهذه الطريقة أنكر الولد ووصلت القضية إلى المحكمة واعترفت الزوجة بقصة الصدفة كما اعترفت بذلك المرأة التي قدمت لها الصدفة.
أما الآن فتستخدم هذه الطريقة في الغرب في الأغراض التالية:
(أ) زوج عقيم وامرأته غير عقيمة: ومع ذلك فقدرته الجنسية للجماع طبيعية ولا يوجد في ماء هذا الزوج حيوانات منوية …فآنذاك تؤخذ الحيوانات المنوية من بنك المني وتعطي للزوجة.
وهذه الطريقة لا شك في حرمتها بالنسبة للمسلمين …. وإذا حدثت وجب التعزير على كل من شارك فيها. ولا حد على الزوجة لأن ذلك ليس بزنا … فإذا حملت الزوجة ورضي الزوج ولم ينكر الولد ألحق الولد به " فالولد للفراش ".أما إذا أنكر الولد فيفرق بين الزوج والزوجة كما يحدث في اللعان وينسب الولد لأمه فقط.
(ب) نكاح الاستبضاع: وقد كان هذا النكاح شائعا في الجاهلية عند العرب قبل الإسلام. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: " وإن النكاح في الجاهلية كان على أربعة أنحاء …. فنكاح منها نكاح الناس اليوم … يخطب الرجل إلى الرجل وليته أو ابنته فيصدقها ثم ينكحها. والنكاح الآخر كان الرجل يقول لامرأته إذا طهرت من طمثها أرسلي إلى فلان فاستبضعي منه. ويعتزلها زوجها ولا يمسها أبدا حتى يتبين حملها من ذلك الرجل الذي تستبضع منه. فإذا تبين حملها أصابها زوجها إذا أحب. وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد. فكان هذا نكاح الاستبضاع. ونكاح آخر يجتمع الرهط ما دون العشرة فيدخلون على المرأة كلهم يصيبها فإذا حملت ووضعت ومر عليها ليال بعد أن تضع حملها أرسلت إليهم فلم يستطع رجل منهم أن يمتنع حتى يجتمعوا عندها. تقول لهم قد عرفتم الذي كان من أمركم وقد ولدت فهو ابنك يا فلان. تسمى من أحبت باسمه فيلحق به ولدها ولا يستطيع أن يمتنع ممن جاءها وهن البغايا كن ينصبن على أبوابهن الرايات تكون علما فمن أرادهن دخل عليهن. فإذا حملت احداهن ووضعت حملها جمعوا لها ودعوا لها القافة (وهو خبير الوراثة عند العرب) ثم الحقوا ولدها بالذي يرون خالطته ودعى ابنه لا يمتنع عن ذلك. (كتاب – النكاح – صحيح البخاري) .(2/185)
ولو عرف دعاة حقوق المرأة ومؤتمرات المرأة ما وصلت إليه المرأة في الجاهلية قبل الإسلام لطالبوا بالوصول إليه وتحقيقه واعتباره قمة الحرية والإنصاف للمرأة!!
على كل حال نكاح الاستبضاع الآن أخذ شكلا جديدا …. يجمع المني من العباقرة والأذكياء والأقوياء ويكتب على كل قارورة منى اسم مانحها وتحفظ في بنوك المنى … وتقدم كالتوجات للنساء وللأسر … هل تريدون منى الرجل العبقري فلان؟ إنه حصل على جائزة نوبل في الآداب؟ أم تريدون منى الرجل القوي الجبار فلان فقد كان قائدا عسكريا بارعا، أم أن المكتشف والمخترع فلان هو الذي يناسبكم؟ أتريدون ولدا أبيض أم اسمر إلى أخر قائمة الطلبات …. الكتالوج يوضح خصائص مانح المنى … والثمن خمسمائة جنية فقط ….
تجارة رابحة في نكاح الاستبضاع تقوم الآن في الغرب … الدكتور جراهام من ولاية كاليفورنيا بالولايات المتحدة اختار حوالي خمسين امرأة وأجرى معهن هذه التجربة …. وذلك بتلقيحهن بماء رجال مشهورين ….
ومن هؤلاء النسوة الدكتور بليك دكتوراه بالفلسفة، غير متزوجة في الأربعين من عمرها …. اختارت من كتالوج بنوك المنى منى أستاذ جامعي مشهور …. وأنجبت بالفعل طفلا … وهي سعيدة بهذا الطفل …. وقد أعلنت أنها ستخبر طفلها عندما يكبر بالحقيقة!! (1) .
2- إدخال ماء الزوج بعد انفصام عقد الزوجية:
يحتفظ الزوج بمائه في بنك المنى ويسافر إلى فيتنام مثلا كما حدث في أمريكا ويقتل هناك …. فتقوم زوجته بأخذ مائه من بنك المنى ويتم تلقيحها به. وقد حدثت مئات الحالات من هذا القبيل … وفي المجتمع الغربي لم يعتبر ذلك شيئا مشينا بل على العكس اعتبر عملا مجيدا يستحق الثناء.
أما في الإسلام فان الموت يعتبر نهاية عقد الزوجية ولا يمكن أن يأخذ منى هذا الزوج لتلقيح زوجته بعد وفاته … وتعتبر هذه الطريقة محرمة كما أفتى بذلك المجمع الفقهي الإسلامي المنعقد بمكة المكرمة في دورته السابعة عام 1404هـ … والعلماء الذين حضروا ندوة الإنجاب في الكويت تحت إشراف وزير الصحة الدكتور عبد الرحمن العوضي (11 شعبان 1403هـ) … ومفتي مصر كما نشرته الصحافة. وكذلك مفتي تونس.
أما إذا انفصم عقد الزوجية بطلاق بائن فكذلك لا يجوز استخدام المنى. وكذلك لا يجوز استخدام المنى في الطلاق الرجعي إلا إذا أرجعها الزوج وصارت بذلك زوجته مرة أخرى وقام بينهما عقد الزوجية من جديد.
وحصول النسب مرتبط بقيام عقد الزوجية فإذا انفسخ هذا العقد بموت أو طلاق ولم يكن هناك حمل قبل الموت أو الطلاق فإن الحمل بعد وفاة الزوج أو بعد الطلاق يلغي النسب.
__________
(1) ندوة الإنجاب ص 473- 474 نقلا عن مجلة أسرتي في 8/5/1982(2/186)
وهناك خلاف بين الفقهاء وفي المدة التي يختفي فيها الحمل وأغلب المذاهب على جعلها سنتين … وأما ابن حزم والظاهرية فقد أنكروا أن يكون الحمل أكثر من تسعة أشهر (1) .
بعض أضرار التلقيح الصناعي:
1- كثيرا ما يكون المانح (المتبرع) مجهولا … وقد يكون مصابا بأحد الأمراض التناسلية فينقل ذلك إلى المرأة التي تلقح بمائه. وقد نشرت الشرق الأوسط نقلا عن وكالات الأنباء في 1405/11/9هـ – 1985/7/26 م هذا الخبر: التخصيب الصناعي ينقل المرض القاتل إيدز: اعترف أحدث مستشفيات استراليا بأن أربعا من النساء اللاتي خصبن صناعيا بحيوانات منوية من مانحين ربما تلقين فيروس مرض الإيدز عندما تم تخصيبهن بماء مانح واحد عام 1982 وقد حملت ثلاثة من النسوة ووضعن ثلاثة أطفال أصحاء …. وقد ظهر أن الرجل كان مصابا بمرض الإيدز.
2- أن تتحول النساء إلى مجموعة من الأبقار يلقحن بماء ثور واحد … وتستخدم معظم بنوك المنى، منى رجل واحد لتلقيح مائه امرأة (النيوزويك 18/3/1985 ص 44) .
3- الفوضى العارمة في الأنساب … وجهالة النسب.
4- هناك ربع مليون طفل على الأقل كما تقول النيوزويك (1985/3/18) لا يعرف لهم أب أصلا لأنهم ولدوا نتيجة التلقيح بماء متبرع أو مانح.
5- التلقيح بماء الزوج الذي مات منذ فترة: وقد حصلت هذه القضية في الولايات المتحدة وخاصة أثناء حرب فيتنام كما حصلت عام 1984 في فرنسا في قضية السيدة الأرمل كورين بارباليكس التي رفعت أمرها إلى القضاء ليحكم لها بحقها في أن تلقح بماء زوجها الذي توفي منذ أمد.
6- استنبات الأجنة المجمدة: وفي استراليا وافقت المحكمة العليا في نوفمبر 1984 على استنبات الجنينين المجمدين اللذين خلفهما زوجان ثريان من كاليفورنيا في الولايات المتحدة ماتا في حادثة طائرة …. وكان الزوجان قد حاولا عملية طفل الأنبوب وفشلت العملية ….واحتفظ بجنينين مبكرين (لقيحتين …. واللقيحة مكونة من بييضة المرأة ملقحة بنطفة الرجل) في الثلاجة لحين عودتهما مرة أخرى إلى استراليا. ولكن القدر عاجلهما … فبقيت اللقيحتان مجمدتين تنتظران الإذن باستنباتهما والرحم الظئر لحملهما وقد صدر أمر المحكمة بالموافقة على استنباتهما وزرعهما في رحم متبرعة.
7- حمل طبيعي للام المستعارة: وفي ألمانيا وافقت امرأة على حمل لقيحة من شخصين عقيمين. لتكون أما مستعارة.. أو رحما ظئرا كما يدعيها الفقهاء Surrogate Mother وبالفعل تم وضع اللقيحة في رحمها وحملت المرأة …. ولكن أثناء الحمل تبين بالفحوصات أنها حملت من ماء زوجها أن اللقيحة التي وضعت فيها لم تعلق بالرحم!!
وبما أنها استلمتم 8000 (ثمانية آلاف دولار في مقابل أن تكون أما مستعارة فقد وافقت على أن تعطيهم ابنها عند الولادة ليتبنوه.
إنها حضارة القرن العشرين حيث يبيع المرء ولده مقابل مبلغ من المال!
8- الرحم المستعار ترفض تسليم الجنين بعد ولادته: وفي بريطانيا عندما قامت كيم كوتون بدور الرحم المستعارة (الرحم الظئر) لزوجين ثريين من الولايات المتحدة مقابل مبلغ من المال أمرتها المحكمة البريطانية في يناير 1958 عند ولادة الطفل بالاحتفاظ به واستأنف الزوجان الثريان من الولايات المتحدة القضية في المحكمة العليا وحصلا على أمر بأخذ الطفل … فأخذاه مقابل زيادة المبلغ المدفوع لكيم كرتون … ولكن مجلس العموم البريطاني انزعج لهذه القضية وخاصة بعد أن تحدث ضدها مجموعة من الأعضاء …. وتكونت لجنة ديم ماري وارنك من مجموعة من الأطباء والقانونيين ورجال الدين وأصدرت توصياتها بمنع كل أنواع الرحم المستعارة التجارية.
__________
(1) انظر تفاصيل مدة اكثر الحمل في كتابنا خلق الإنسان بين الطب والقرآن ص 452 الطبعة الخامسة(2/187)
9- شركات تجارية لبنوك المنى: في الولايات المتحدة وفي أوروبا تكونت شركات تجارية ضخمة للتجارة في بنوك المنى …. وكما تقول النيوزويك (18/3/1985) بأن بنوك المنى تشهد زحاما كبيرا هذه الأيام وتحقق أرباحا خيالية.
10- تكونت في الولايات المتحدة وبعض دول أوروبا شركات تجارية لبيع الأرحام المستعارة ويتراوح ثمن الرحم المستأجرة ما بين خمسة آلاف وعشرة آلاف دولار …. وتعتبر شركة ستوركس Storkes من الشركات الناجحة في مجال التجارة بالأرحام وتتحدث الفتاة دومنيكو جيرورو Dominique Guerrers البالغة 25 ربيعا والتي تعمل كرحم ظئر لشركة ستوركس Storkes بأنها تعتقد أن أم الطفل هي التي تحمله وتلده لا تلك التي تدفع النقود فقط.
11- ذكرت النيوزويك (1985/3/18) أن بنوك المنى تستخدم منى رجل واحد لتلقيح مائة امرأة …. وهناك احتمال كما يقول الدكتور جورجيس دافيد رئيس أكبر بنك للمني في فرنسا: " كلما زاد عدد الذين يلقحون من النساء بماء رجل واحد كلما زاد الاحتمال بأن تلقح أمه أو أخته أو عمته أو خالته أو ابنته بمائه ".
ولهذا فقد اتخذ هذا البنك إجراء للحد من هذا الاحتمال وذلك بحصر النساء اللاتي يلقحن بماء رجل واحد بخمس نسوة فقط … ولكن هذا لا ينفي كما يقول الدكتور جورجيس دافيد من احتمال تلقيح الرجل لأمه أو أبنته أو أخته أو غيرهن من المحارم.
على كل حال نكاح المحارم في الغرب غير غريب وقد بدأ في الانتشار وكتبنا عنه فصلا في كتابنا الأمراض الجنسية أسبابها وعلاجها فليرجع إليه.(2/188)
ويفتخر الدكتور جورجيس دافيد بأن البنك ساهم بمنى لإيجاد عشرة آلاف طفل ولدوا في فرنسا منذ إنشائه عام 1972.
12- تم تلقيح آلاف النساء الغير متزوجات بمنى حصلن عليه من البنوك.
13- في معظم هذه البنوك لا تعلم المرأة الملقحة شيئا عن الرجل الذي منحها منيه … وتسمح بعض البنوك بإعطاء فصيلة الدم ولون الجلد والشعر لكن دون الاسم.
والمضحك هنا أن امرأة بيضاء أخذت منى رجل أبيض فاتضح عند الولادة أنها أعطيت من رجل أسود.
14- احتمال الإصابة بالأمراض الوراثية كبير … خاصة أن الذين يبيعون منيهم للبنوك قد يكذبون في إعطاء التاريخ الطبي والوراثي للبنك … وبهذا يزداد عدد الذين سيصابون بأمراض وراثية.
15- الأمراض التي تنتقل عبر المني إلى امرأة أو إلى الجنين كثيرة … من أهمها التهاب الكبد الفيروسي من فصيلة B المسبب لسرطان الكبد … والسيلان والكلاميديا الزهري.. وغيرها من الأمراض الجنسية وغير الجنسية.
16- التحكم في جنس الجنين: يفتح التلقيح الصناعي الباب لاختبار الطفل المطلوب ذكر أم أنثي … وذلك مبنى على أن ماء الرجل يحتوي على حيوانات منوية مذكرة (أي تحمل كروموسوم الذكورة X) وحيوانات منوية مؤنثة (أي تحمل كرومسومات الأنوثة) بنسبة 50 % مذكرة و 50 % مؤنثة. فإذا استمنى الرجل خارج مهبل زوجته وأخذ المني أمكن فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن المؤنثة فصلا غير تام وذلك بناء على معرفة خصائص الحيوان المنوي المذكر التي تختلف عن الحيوان المنوي المؤنث. حيث يكون الحيوان المنوي الذي يحمل شارة الذكورة أسرع … وله صفات أخرى تميزه عن الحيوان المنوي الذي يحمل شارة الأنوثة مثل الكتلة والقدرة على اختراق المخاط اللزج في قناة عن الرحم … والبقاء في سائل قاعدي Alkdine وسنتعرض بإنجاز شديد إلى الوسائل التي تؤدي إلى الفصل (غير التام) بين الحيوانات المنوية المذكرة والحيوانات المنوية المؤنثة (1) والتي تستخدم حاليا في الحيوانات في التلقيح الصناعي كما أن استخدامها في الإنسان قد أخذ طريقة مع ظهور وشيوع التلقيح الصناعي.
(أ) استخدام سائل قاعدي أو حامضي: توضع الحيوانات المنوية لمدة ساعتين إلى ست ساعات في محلول حامضي أو قلوي ويسمح لها بأن تسبح في أنبوب رفيع تحت ظروف مماثلة لما يحدث في المهبل. وتترك الحيوانات المنوية ثم تفصل … ونجد ان الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة تميل إلى المحلول القاعدي بينما تميل الحيوانات التي تحمل شارة الأنوثة إلى المحلول الحامضي (تستخدم درجة حرارة تتراوح بين 5.4 إلى 9.6) وبهذه الطريقة يمكن فصل الحيوانات المنوية المذكرة عن الحيوانات المنوية المؤنثة بحيث تصل نسبة 70 % حيوانات منوية تحمل شارة الذكورة و 30 % حيوانات منوية تحمل شارة الأنوثة.
__________
(1) البروفسور سعد حافظ: ذكر أم أنثى بحث مقدم إلى المؤتمر الطبي السعودي الثامن الرياض (30 أكتوبر 1987)(2/189)
(ب) إذا أضيف هرمون الاسترادبول (هرمون الأنوثة) إلى الحيوانات المنوية فان حركة الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكور Y تزداد ازديادا كبيرا بالمقارنة مع الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الأنوثة X.
(ج) الفصل بواسطة الترسيب والطرد من المركز: لقد استخدمت أساليب كثيرة في الفيزياء الحيوية لفصل الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة Y عن الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الأنوثة X وذلك على أساس الاختلافات من ناحية الفيزياء الحيوية … وتستخدم المحاليل الزلالية ومحتويات السكروز لفصل الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة Y عن تلك التي تحمل شارة الأنوثة X بواسطة الترسيب والطرد المركزي.
وبما أن الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة Y لا تحتوي على كمية كبيرة من المواد الزلالية فإنها تتسرب بسهولة في المواد الزلالية ذات التركيز العالي.
وكذلك بما أن الكروموزم (الصبغ) Y أقصر وأخف من الكروموسوم X فإن حركات الحيوانات المنوية التي تحمل الكرموسوم Y (أي الحيوانات المذكرة) تكون أسرع من تلك التي تحمل الكرموسوم X وخاصة في محلول المواد الزلالية.
وهناك طريقة أخرى لترسيب الحيوانات المنوية المذكرة بصورة أكبر من ترسيب الحيوانات المنوية المؤنثة التي تحمل الكروموزوم Xوذلك باستخدام وسيلة الطرد المركزي على مكونات مادة السكروز لفصل الحيوانات المنوية التي تحمل الكروموزوم Y عن تلك التي تحمل الكروموزوم X … فقد وجد أن التي تحمل Y تترسب، بينما تطفو على السطح تلك التي تحمل الكروموزوم X.
وبهذه الطريقة أيضا أمكن زيادة الحيوانات المنوية التي تحمل شارة الذكورة Y إلى 70 % وخفض التي تحمل شارة الأنوثة إلى 30 %.(2/190)
ولعل القارئ الكريم قد لاحظ أن التحكم في جنس الجنين ليس تاما …. بل هو في زيادة احتمال الاستيلاء ذكور بنسبة 70 % بدلا من النسبة الطبيعية 53 % وذلك أن نسبة المواليد الذكورية إلى الإناث في الحالات الطبيعية هي 106 إلى 100 وهي زيادة محدودة لتعويض ما يفقد من الذكور في الحياة حيث أن وفيات الذكور أكثر من وفيات الإناث في مراحل العمر المختلفة … وفي الشيخوخة نجد أن النساء أكثر من الرجال.
وهناك طرق متعددة تستخدم حتى بدون التلقيح الصناعي لزيادة احتمال استيلاد ذكور وهي مبنية على الحقائق التالية:
1- أن خروج البييضة من المبيض يعقبه ارتفاع في درجة حرارة جسم المرأة بدرجة مئوية كاملة.
2- يصحب خروج البييضة تغييرات في سائل المهبل (أقل حامضية) وفي المادة المخاطية على عنق الرحم (أقل لزوجة) وزيادة في هرمون الاستروجين والبروجستروك. وهذه العوامل كلها تساعد على ولوج الحيوانات المنوية المذكرة أكثر مما تساعد على ولوج الحيوانات المنوية المؤنثة التي تحمل الكروموزوم X.
لهذا فإن الجماع إذا حصل بعد خروج البييضة (والبييضة لا تعيش في الغالب أكثر من 12 ساعة) فإن الولد سيكون بإذن الله ذكرا. أما إذا حصل الجماع قبيل خروج البييضة من المبيض فإن الاحتمال بأن الولد سيكون أنثى احتمال كبير.
وكذلك إذا وضعت المرأة في فرجها سائلا حامضيا فإن الحيوانات المذكرة تهلك فيه بسرعة على عكس السائل القلوي مثل بيكربونات الصوديوم Sodium dicarbonate الذي تنشط فيه الحيوانات المذكرة أكثر.
هذه هي الاحتمالات … وإذا قلنا إن جنس الجنين ذكر أم أنثى يتحكم فيه الإنسان فهو أمر غير صحيح … وأجهزة الإعلام لا توضح الحقائق العلمية بل تهول الأمور وتدعى ما لا يدعيه العلماء.(2/191)
صحيح أن استخدام التلقيح الصناعي قد يزيد من نسبة الذكور 70 % بدلا من 53 % وهذا في حد ذاته أمر خطير قد يسبب اضطرابا في التكوين الديموجرافي السكاني.
ولكن ليس كل الأباء يرغبون في ذرية من البنين فقط … فهناك من يرغب في البنين وهناك من يرغب في الإناث …. وهناك قطعا من يرغب الجمع بينهما.
17- زيادة احتمال ولادة المشوهين بالعيوب الخلقية: ومن المحاذير أيضا أن فصل الحيوانات المنوية المذكرة مثلا ثم حقنها في رحم الزوجة يزيد من احتمال وصول الحيوانات المنوية الشاذة في تكوينها … حيث إن الجماع الطبيعي فيه عوازل كثيرة تجعل الحيوانات الشاذة والمريضة (وهي لا تقل عن 20 % من مجموع الحيوانات المنوية) تموت في الطريق ولا تصل إلى البويضة. بينما إذا حقنا هذه الحيوانات المنوية مباشرة إلى الرحم فإن عددا لا يستهان به من الحيوانات المريضة والمشوهة والشاذة يصل إلى البييضة وقد ينجح أحدها في تلقيح البويضة فتكثر العيوب الخلقية مما يؤدي إلى الإجهاض أو إلى ولادة نسل مشوه.
وكذلك إذا فصلت الحيوانات المنوية المذكرة عن المؤنثة مثلا فإن نسبة الحيوانات المنوية الشاذة في تكوينها ترتفع وبذلك تزيد احتمالات ولادة أطفال مشوهين أو حدوث إجهاض إذا كان التشويه الصبغي (الكروموزومي) كبيرا. ذلك لأن معظم حالات الإجهاض التلقائي بها خلل كروموزمي. فإذا زاد الخلل الكروموزمي في الأجنة فإن ذلك يعني زيادة في الإجهاض.
18- زرع المبيض: إن التلقيح الصناعي والتحكم في الإنجاب فتح أبوابا جديدة في الممارسات الطبية. ومنها زرع مبيض امرأة في محل مبيض تالف لامرأة أخرى.
وقد نشرت (المدينة) في العدد 6696 في 1405/11/23هـ (9 أغسطس 1985) أن البروفسور شرمان سيلبر الذي يعمل في مستشفى سانت لوك في مدينة سانت لوى بالولايات المتحدة تمكن لأول مرة في التاريخ من نقل أحد المبيضين مع أنبوب قناة فالوب التابع له من امرأة وزرعها في أختها التوأم … وقد صرح الطبيب المذكور بأن هذه العمليات (نقل وزرع المبيض وقناة فالوب) ستبقى في الوقت الحاضر منحصرة في التوائم الحقيقية والتي تكونت نتيجة انقسام بويضة واحدة ملقحة … وذلك لتجنب مشكلة رفض الجسم للانسجة.
وتعتبر هذه العملية دقيقة جدا حيث إن زرع الأنبوب في الرحم عملية بالغة الصعوبة … وكذلك يحتاج الأمر إلى زرع أو تحويل بعض الشرايين لتغذية المبيض والأنبوب المزروعين.
وقد صرح الجراح الأمريكي بقوله: رغم أن هذا النوع من الجراحة لن يكون له قيمة في حل مشكلة العقم عند المرأة فإنه يعتبر خطوة مهمة جدا في عملية الجراحة المجهرية..
والمشكلة تأتي عندما يعمل المبيض المزروع وتحمل هذه المرأة فلمن تكون البويضة بتكوينها الوراثي؟ أليست للمتبرعة … ويكون بذلك الطفل مكونا وراثيا من أم أخرى وهذا يعيد المشكلة السابقة وهي مشكلة الرحم الظئر بصورة أخرى.(2/192)
19- زرع الخصية: وهي مشكلة مشابهة لزرع المبيض … وإذا تم زرع الخصية في شخص عقيم فإن حيواناته المنوية ستكون من رجل آخر … وهو نوع من النكاح فيه شبه زنا. إذ تكون النطفة لرجل آخر في الحقيقة …. وذلك يشبه التلقيح الصناعي بماء رجل آخر … وقد أفتى الفقهاء (المجمع الفقهي بمكة المكرمة وندوة الإنجاب بالكويت – مفتي مصر – مفتي تونس) بحرمة هذا النوع من التلقيح لوجود شبهة الزنا، وقد أوجبوا التعزير لكل من يشترك في مثل هذا الفعل.
20- زرع الرحم: إذا كان الرحم مصابا إصابة تجعل الجراح يستأصله ومع ذلك فإن المبيض لهذه المرأة سليم …. وقد ترغب هذه المرأة في الإنجاب، ومع شيوع زرع الأعضاء وتقدمها فإن زرع رحم امرأة أخرى (أما بعد وفاتها مباشرة أو متبرعة) سيفتح الباب لمعالجة عقم مثل هذه المرأة …. فهل يسمح بمثل هذا الأجراء؟
إن الضرر هنا قد يلحق بالمرأة المتبرعة برحمها إذا كانت حية …. وقد تكون في سن الإنجاب وقد تفقد أولادها بحادثة فترغب في الحمل أو تتزوج رجلا آخر وترغب في الحمل فلا تستطيع ذلك لعدم وجود رحم بها.
ومن هذه الناحية يبدو أن هناك مانعا من هذه العملية، أما إذا تم ذلك من امرأة توفيت في حادثة مثلا وبقى الرحم حيا بواسطة ترويته بالدورة الدموية بأجهزة الانعاش (كما أوضحناه في بحث موت القلب أو موت الدماغ) وكانت هذه المرأة قد تبرعت بأعضائها قبل وفاتها، فإن مثل هذه العملية إذا نجحت من الناحية التقنية فلا يبدو ما يمنعها من الناحية الشرعية.
حيث إن المبيض مبيضها … والبويضة عائدة لها … والنطفة من زوجها باتصال طبيعي أو غير طبيعي (بواسطة التلقيح الصناعي) … ولا تحدث أشكالا في النسب.
الرحم الظئر (الأم المستعارة) Surrogate Mother
إن الرحم الظئر يمكن أن تكون على أشكال متعددة نوجزها فيما يلي:
1- تؤخذ البويضة من الزوجة وتلقح بماء زوجها في الطبق (الأنبوب) ثم تعاد اللقيحة إلى رحم امرأة أخرى تستأجر لذلك ….
وقد خرجت هذه الحالة من الافتراض إلى الواقع عندما وافقت " ريتا باركر " على أن تكون أما بديلة ورحما مستعارا لزوجين هما " بولين وهاري تايلر ". وذلك مقابل أجر …
حملت الأم المستعارة اللقيحة المكونة من بييضة " بولين تايلر " والملقحة بحيوان منوي من ماء زوجها " هاري تايلر " …وبدأ هاري تايلر يتردد على المرأة التي حملت له والده … ووقع في غرامها ووقعت في غرامة … وزني بها وزنت به!!
الزوجة الأصيلة شعرت بالغيرة … وبدأ الشقاق في الأسرة التي كانت حتى ذلك الوقت تتمتع بقدر من السعادة والاستقرار.
الأم المستعارة " ريتا باركر " رفضت تسليم الوليد الذي حملته إلى صاحبه البويضة … إن مشاعرها تغيرت بالحمل والولادة …. إنها تشعر أنها أم ذلك الطفل ولا تستطيع التفريط فيه … ورفع الأمر إلى القضاء! والقضاء في حيرة من أمره!
في مدينة لوس انجلوس في الولايات المتحدة تكونت جمعية تسمى جمعية الأمهات البديلات أو الأمهات المستعارات Surrogate Mothers يتوافد عليها عدد من الأزواج المصابين بنوع من العقم والباحثين عن رحم مستعار.(2/193)
تكونت في الولايات المتحدة شركات تجارية لبيع الأرحام …. امتد النشاط إلى بريطانيا …. وقف القضاء والرأي العام البريطاني ضد هذه التجارة.
ما زالت شركات بيع الأرحام تغري أجهزة الأعلام بتبني قضيتها الإنسانية!! بدأ الرأي العام يستمع إلى الحجج التي ينمقها بعض المنتفعين من الكتاب والصحفيين في أجهزة الأعلام..البندول يتأرجح… والأنصار يزدادون يوما بعد يوم…
اقتراح رجال القانون وضع عقود موثقة بين الأم المستعارة (الرحم الظئر) بتسليم وليدها عند ولادته مقابل مبلغ من المال يدفعه الزوجان صاحبا اللقيحة.
المعارك مستمرة والقضاء في حيرة …
2- الصورة الثانية: يجرى تلقيح خارجي في أنبوب اختبار بين نطفة رجل وبويضة من امرأة ليست زوجه له. يسمونهما متبرعين أو مانحين … ثم تزرع اللقيحة في رحم امرأة متزوجة …. وتحمل المرأة وتلد … وهذه الصورة لم تسبب مشاكل في المجتمعات الغربية لأن المتبرعين بمائهما قد يكونا مجهولين … ويستلمان الثمن عادة من بنك المنى وقد يكونا معروفين … ولا غضاضة عندهم في هذا كله.
3- الصورة الثالثة: يجري تلقيح خارجي في أنبوب الاختبار بين نطفة مأخوذة من زوج، وبويضة مأخوذة من مبيض امرأة ليست زوجته تدعى متبرعة أو مانحة ثم تزرع اللقيحة في رحم زوجته..
وهذه أيضا لم تحدث مشاكل في الغرب لأن صاحبه البويضة أما أن تكون متبرعة بالبويضة أو تكون قد استلمت ثمن بويضتها …. وقد تكون معروفة للزوجين أو غير معروفة … وهو الأغلب.
4- الصورة الرابعة: وهي صورة نظرية لم تحدث حتى الآن … وقد تصورها الشيخ الدكتور مصطفى الزرقاء، وهو أن يجري تلقيح خارجي في وعاء الاختبار بين بذرتي زوجين … ثم تعاد اللقيحة في رحم زوجة أخرى للرجل متبرعة بذلك لأن ضرتها لا تستطيع الحمل لمرض في رحمها.(2/194)
وهذه الصورة لم تحدث حتى الآن … ففي الغرب حيث موجه التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب والأم المستعارة لا توجد مسألة الزواج بأكثر من واحدة وتحرمها جميع القوانين الغربية وينظر لها المجتمع شزرا وتعتبر لديهم صورة للهمجية والتخلف … في الوقت الذي يتسافدون فيه تسافد الكلاب.
وفي العالم الإسلامي حيث تسمح الشريعة الإسلامية بالزواج بأربعة فإن التلقيح الصناعي ورحم الظئر وطفل الأنبوب كلها أمور جديدة لم تظهر بعد … وإن كانت في طريقها إلى الظهور، ففي جدة أقام مستشفى خاص حملة دعايته بأنه سينفذ مشروع طفل الأنابيب حسب الشريعة الإسلامية!!
على أية حال أثارت هذه الصورة … وهي استعارة رحم الضرة لتحمل لقيحة ضرتها نقاشا طويلا بين الفقهاء … لا من حيث الحرمة … فقد اتفقوا على الإباحة بشروط عديدة منها الحيطة الكاملة في عدم اختلاط النطف. وأن لم يتم ذلك إلا للضرورة القصوى … وأن لا تنكشف عورات النساء إلا لطبيبات مسلمات فإن لم يتيسر فلطبيبات غير مسلمات فإن لم يكن ذلك فلطبيب مسلم عدل فإن لم يكن فلطبيب غير مسلم مأمون في صنعته.
وكان النقاش حادا وطويلا فيمن تكون الأم التي ينسب لها الطفل، الأم صاحبة البييضة أم تلك التي حملت وولدت؟ قال الدكتور الشيخ مصطفى الزرقاء إن الأم صاحبة البييضة وشايعة في ذلك قليل من الفقهاء ومال الأغلبية إلى أن الأم التي ينسب لها الطفل التي حملت وولدت. وقد سبق أن ذكرنا طرفا من ذلك النقاش فيما تقدم.
واشتط الشيخ بدر المتولي فجعل صاحبه البييضة مهدورة من كل حق. ومال الباقون إلى أن تكون مثل أم الرضاع.
وان الذين قالوا بأن الأم هي صاحبة البييضة فقد جعلوا صاحبة الرحم الظئر أما مثل أم الرضاع في المحرمين.. ولكن لا نسب ولا توارث، ولا حقوق ولا واجبات مثل حقوق وواجبات الأم الحقيقية.
الأجنة المجمدة:
ما هي الأجنة المجمدة؟ ومن أين تأتي؟ وماذا يصنعون بها؟ وما فائدتها؟ أسئلة عديدة تتبادر إلى ذهن القارئ وهو يقرأ في الصحافة من حين إلى أخر أنباء عن الأجنة المجمدة.
أولا: ما هي الأجنة المجمدة؟ Frozen Embryoes
هي أجنة في مراحلها المبكرة الأولى يحتفظ بها في ثلاجات خاصة في درجة حرارة معينة وفي سوائل خاصة تحفظ حياتها بحيث تبقى دون أن تنمو لحين الطلب فإذا جاء الطلب عليها أخرجت من الثلاجات الحافظة وسمح لها بالنمو!
من أين يحصلون عليها؟
يحصل الأطباء المختصون في المراكز الطبية المتقدمة على هذه الأجنة من مشاريع أطفال الأنابيب …. ففي هذه المشاريع تعطي المرأة عقاقير مثل الكلوميد تجعلها تفرز العديد من البييضات في المرة الواحدة. وعندما يقوم الطبيب المختص بإدخال منظار البطن ومسبارة في الموعد المحدد للابياض (خروج البويضات) يشفط الطبيب بآلاته مجموعة من البييضات من المبيض … ثم يقوم الطبيب بوضع بوضع كل بيضة في طبق بترى Petri Dish في سائل خاص وتلقح هذه البويضات (البييضات) بحيوانات منوية من الزوج أو غيره على حسب الحالة كما تقدم شرحه.
وبذلك تتكون مجموعة من البييضات الملقحة (Zygotes) أو النطفة الأمشاج المكونة من بييضة المرأة وحيوان (أو حيوانين) منوي للرجل، ويسمح لها بالنمو والانقسام …. الخلية تصبح خليتين … والخليتان أربع وهكذا حتى تصل إلى مرحلة التوتة Morula فتغرز آنذاك في الرحم.(2/195)
وتبقى مجموعة فائضة من البييضات Lftover تجمد ويحتفظ بها لأن احتمال نجاح عملية الانغراز وإتمام الحمل لا تزيد عن 10 إلى 15 % …
وهناك أيضا من يتبرع بمنية كما أن هناك من تتبرع ببويضاتها. فتؤخذ الحيوانات المنوية من الذكور المانحين وتؤخذ البييضات من النساء المانحات، وقد يكون ذلك بأجر أو بغير أجر.
ماذا يصنعون بالأجنة؟
يحتفظ الأطباء بهذه الأجنة المجمدة المثلجة Frozen Embryoes في ثلاجات خاصة … وتستخدم في الأغراض التالية:
1- إذا فشلت عملية زرع اللقيحة في الرحم (نسبة الفشل تصل إلى 90 %) …. تعطى المرأة الراغبة جنينا آخر (لقيحة) في موعد آخر مناسب … وتعاد العملية عدة مرات حتى يحصل الحمل المرغوب فيه.
2- تنمي هذه الأجنة المبكرة وتدرس فيها عمليات الانقسام والتكاثر والوراثة والأمراض الوراثية والأمراض الكروموزمية (الصبغيات) …. وقد اقترحت لجنة وارنك Wamack البريطانية المكونة من قانونيين وأطباء ورجال دين السماح بتنمية هذه الأجنة إلى اليوم الرابع عشر. وذلك قبل ظهور الشريط الأولى والمزاب العصبي في الجنين …. وذلك لأن الجهاز العصبي هي البداية الإنسانية الواضحة المعالم للإنسان. وقد اسلفنا القول في ذلك وما ذكره ابن القيم في التبيان في أقسام القرآن وابن حجر العسقلاني في فتح الباري من أن علامة نفخ الروح في الجنين هو ظهور الإحساس والحركات العضلية الإرادية …. ذلك لا يتم إلا بتكوين الجهاز العصبي ولا تظهر بوادر ذلك إلا في اليوم الأربعين أو الثاني والأربعين من عمر الجنين.
وقد اتخذت اللجنة اليوم الرابع عشر احتياطا وذلك لأن الجهاز العصبي لا يبدأ تكونه في أي صورة من صوره البدائية إلا بعد اليوم الرابع عشر.
3- حصلت قضية في استراليا أفاضت أجهزة الإعلام في نشر تفاصيلها في العام الماضي حيث قام اثنان من الأثرياء زوج وزوجة بإجراء تجربة طفل الأنبوب … وفشلت التجربة فلم تحمل المرأة ولكن الأطباء كانوا قد احتفظوا بمجموعة من اللقائح (الأجنة) مثلجة مجمدة منهما. على أساس أنهما سيعودان يعد بضعة أشهر وسيعيد الأطباء الكرة والمحاولة بإدخال لقيحة في رحم المرأة وزرعها فيها.(2/196)
ولكن الزوجين الثريين قتلا في حادثة طائرة سقطت وتحطمت، وليس لهما من وارث.
هل يقوم الأطباء بتنمية الأجنة التي حصلوا عليها من هذين الزوجين ويزرعونهما في متبرعات بحيث تقوي احتمالات نجاح واحدة من هذه المحاولات على الأقل؟
فإذا نجحت المحاولة نسب الوليد أي أبوية اللذين لقيا حتفهما قبل أن تحمله أي رحم وقبل أن تظله وتغذيه وتنمية أي بطن.
وأما الأم المستعارة أو الرحم الظئر Surrogate Mother التي حملت وولدت فستأخذ أجرها المادي كاملا من ثروة الأبوين الضخمة …. فهي لا تعدو رحما مستأجرة …. تؤدي وظيفتها وتمضي …. واشتبكت أجهزة الإعلام والقضاء والأطباء في جدل طويل لم تظهر نهايته.
أيجوز مثل هذا العمل؟ أيسمح به أم لا؟ أيأتي وليد بعد وفاة أمه وأبيه بسنين؟ ما هي المشاكل والمحاذير التي ستقوم عندما تتقدم الوسائل الطبية بدرجة كافية بحيث تنتشر هذه الطريقة ويمكن الاحتفاظ بالأجنة لعشرات السنين … أبعد وفاة الأبوين بنصف قرن أو قرن من الزمن يرزقان بطفل؟ مشاكل تضحك الثكلي … وتبكي الجذل الطروب … وتجعل الولدان شيبا. وسببها التقدم التقني الذي لم يصحبه إلا انهيار أخلاقي.(2/197)
المراجع لبحث التلقيح الصناعي وطفل الأنبوب
1- ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام، المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية …بإشراف وتقديم د. عبد الرحمن العوضي وزير الصحة الكويتي (11 شعبان 1403 الموافق 24 مايو 1983 م) الكويت ص 169.
2- المصدر السابق ص 169.
3- النيوزويك 18/3/1985م
4- الشرق الأوسط 29 / 5 / 1980 م.
5- Lancet Feb 2,1982: 255 – 266 (Editorial)
6- Crosignani P.A. , Rubin B,L. In vitro Fertilization new york Academic press 1983
7- Lancet , Editorial ,Feb 2 , 1985: 255 – 266
8- Report of the committee of Inquiy into Human Fertilization and Embryology (Chairman D.M. Warnock) , London HMSO , 1984
9-Nesweek , March 18.1985 p. 45
10- ابن القيم: التبيان في أقسام القرآن ص 255
11- ابن حجر العسقلاني: فتح الباري شرح صحيح البخاري كتاب القدر ج 11 / 482 لمطبعة السلفية.
12-الإمام الغزالي، إحياء علوم الدين ج 2 / 65
13-ندوة الإنجاب ص 469
14- مرجع مرك الطبي العمل الطبعة (13) 1977 Merk Manual ,13 th Edition
15- مندل، ودوجلاس وبينيت: أسس ومبادئ ومعالجة الأمراض المعدية 1979
Mandell , Douglas and Bennet: Principals and practice of infections Diseses 1979 , Wiley med , Publications New yorl , 1977
16-المؤتمر السكندنافي عن الكلاميديا
Mardh , Maller ; proceedings of first scand , symposium on chiamydia 1981
17- مجلة ميد سيزد اليجست إبريل 1980 Wilcox , medicine Digest , April 1980.(2/198)
أنواع الاستيلاء غير الطبيعي
يمكن تلخيص الطرق المتبعة حاليا في أنواع الاستيلاء غير الطبيعي بما يلي:
(أ) بواسطة التلقيح الصناعي:
وفي هذه الطريقة يؤخذ السائل المنوي من شخص ما (يسمى مانحا أو متبرعا ويحقن في رحم امرأة كالأتي:
1- منى الزوج يحقن في رحم زوجته. وهذه لا غبار عليها في الشرع إذا استوثق الشخص من عدم اختلاط المنى بمنى رجل آخر كما يحصل في بعض المختبرات التجارية.
2- يحقن ماء رجل غريب في الزوجة فتحمل الزوجة. وهذا محرم في الإسلام ومباح في الغرب.
3- يحقن ماء الزوج في امرأة أخرى غير الزوجة فتحمل وتلد. وبعد الولادة تتنازل عن الطفل لمن يدفع الثمن وهو الزوج … وهذه الطريقة أيضا محرمة في الإسلام … وتتم في الغرب دون أي حرج.
4- يتم تلقيح امرأة ما بمني رجل غريب عنها وفي اليوم الخامس يجري غسيل للرحم Lavage وإذا تم العثور على البويضة الملقحة (الزيجوت) يغرز في رحم الزوجة العاقر. ويستخدم هذا الإجراء عندما يكون الرجل وزوجته عقيمين ولكن رحم الزوجة سليم. ويمكن أن يتقبل اللقيحة. وهذه الطريقة لا شك في حرمتها أيضا في الإسلام … وهي أيضا مباحة في الغرب.(2/199)
5- يتم تلقيح امرأة بمنى الرجل الذي يريد الإنجاب (زوج عاقر) وفي اليوم الخامس يجري غسيل للرحم Lavage فإذا تم العثور على اللقيحة (الزيجوت) أخذت وغرزت في رحم الزوجة العاقر.. وهذه تشبه الطريقة السابقة إلا أن المنى هنا لزوج عاقر … وهذه الطريقة محرمة في الإسلام.
6- مثل الأولى بعد انتهاء عقد الزوجية.
(ب) التلقيح خارج الرحم (في أنبوب الاختبار) :
وفي هذه الطريقة يتم تلقيح بويضة بمنى الرجل في طبق ثم تأخذ اللقيحة (البويضة الملقحة أو الزيجوت) وتعاد إلى رحم امرأة ما لينمو فيها بالطرق التالية:
1- تؤخذ بويضة المرأة وتلقح بمني زوجها في طبق ثم تعاد إلى رحمها حيث تعلق فيه البويضة الملقحة وهذا ما حدث بالنسبة للسيدة ليزلي براون حيث أخذت بويضتها ولقحت في طبق بماء زوجها جون براون وأنجبت أول طفل أنبوب وهي لويزا براون. وهذه الطريقة مباحة شرعا إذا أمنت المحاذير وكان عقد الزوجية قائما ولم ينفصم بموت أو طلاق.
2- تؤخذ بويضة المرأة وتلقح بمني مانح غير زوجها في طبق ثم تعاد إلى رحمها لتنمو فيه.. وتستخدم هذه الطريقة عندما تكون الزوجة عقيما بسبب انسداد قناتي الرحم بينما مبيضها سليم. ولكن زوجها عقيم وليس لديه حيوانات منوية أو أنها قليلة العدد جدا …. وهذه الطريقة محرمة في الإسلام تحريما كاملا … وهي مع هذا مباحة في الغرب.
3- تؤخذ بويضة امرأة يسمونها مانحة Donner (بأجر أو بغير أجر) وتلقح بماء رجل متزوج بامرأة مصابة بالعقم بسبب مرض في المبايض. وتلقح البويضة في طبق ثم تأخذ اللقيحة (الزيجوت) وتوضع في رحم المرأة العقيم المتزوجة … فإذا أراد الله علقت اللقيحة (النطفة الأمشاج = الزيجوت) في رحمها وتم الحمل … وهذه الطريقة مرفوضة ومحرمة في الإسلام … وهي للأسف مباحة في الغرب.
4- عندما يكون كلا الزوجين عقيما … ولكن رحم الزوجة سليم بينما مبايضها مريضة ولا تفرز بويضات … في هذه الحالة تؤخذ بويضة امرأة ما يسمونها مانحة (Donner) وتوضع في طبق بتري … وتلقح بماء رجل ما يسمونه مانح (Donner) ثم توضع اللقيحة في رحم الزوجة العقيم ذات الرحم السليم فتنمو اللقيحة وتنجب طفلا … وهذه الطريقة أيضا لا شك في حرمتها في الإسلام وهي مباحة في الغرب.
5- يكون الرجل (الزوج) سليما تعاني زوجته من العقم بسبب مرض شديد في مبايضها ورحمها بحيث أنها لا يمكن أن تفرز بويضات ولا يمكن لرحمها أن يستقبل اللقيحة لتنمو فيه … فيؤخذ منى الرجل (الزوج) ليلقح بويضة من امرأة ما غير زوجته. وبعد تلقيح البويضة تعاد اللقيحة إلى رحم المتبرعة بالبويضة فتحمله فتكون بذلك أمة الطبيعية من جهتين: فهي صاحبة البويضة وهي التي حملت وولدت. ومع هذا تقوم بتسليم وليدها إلى المرأة العاقر ليدعى ابنها حسب القوانين الغربية الغريبة الشاذة. وذلك مقابل أجر تدفعه لها المرأة الثرية … وهذا في الواقع يشبه نظام التبني المسموح به في الغرب حيث يبيع الأبوان طفلهما لمن يدفع الثمن.(2/200)
وفي بعض الأحيان تؤخذ اللقيحة (البويضة الملقحة أو الزيجوت) وتوضع في رحم امرأة أخرى مستأجرة فيكون للطفل بذلك ثلاث أمهات: الأم صاحبة البويضة … والأم صاحبة الرحم … والأم التي دفعت الثمن لهذه العملية … وهذه الطريقة أيضا محرمة في الإسلام … وهي مباحة في الغرب.
6- مثل الحالة السابقة إلا أن الزوج أيضا عقيم فتؤخذ بويضة ما (مانحة) وتوضع في طبق وتلقح بماء رجل آخر مانح …. ثم توضع البويضة الملقحة (الزيجوت أو اللقيحة) في رحم امرأة أخرى … وعند الولادة يسلم الطفل للزوجين العقيمين اللذين دفعا ثمن هذه العمليات كلها …. وفي هذه الحالة يكون للطفل ثلاث أمهات وأبوان كالأتي:
- الأم صاحبة البييضة.
- الأم صاحبة الرحم المستأجر.
- الأم العاقر التي دفعت الثمن واستلمت الطفل.
- الأب المانح صاحب المنى.
- الأب الذي دفع الثمن واستلم الطفل.
وهذه الطريقة أشد إيغالا في الحرمة … وهي متبعة في الغرب.
7- الزوجة لها مبيض سليم ولكن رحمها قد أزيل بعملية أو به عيوب خلقية شديدة بحيث لا يمكن أن تحمل … وزوجها سليم. وفي هذه الحالة تؤخذ بويضة الزوجة وتوضع في طبق وتلقح بماء زوجها. وتوضع اللقيحة في رحم امرأة أخرى يسمونها الرحم الظئر أو الأم المستعارة Suirogate mother وعندما تلد الطفل تسلمه للزوجين مقابل أجر معلوم. هذه الطريقة أيضا محرمة في الإسلام.(2/201)
وقد افترض الشيخ الزرقاء أن التي تحمل اللقيحة في رحمها تكون زوجة ثانية للرجل وتتبرع بحمله في رحمها … ولكن هذه الطريقة فيها نزاع بين الفقهاء المعاصرين فمنهم من ذهب إلى أن أم الطفل التي يرثها وترثه هي صاحبة البويضة ومن هؤلاء الشيخ الزرقاء ومنهم من ذهب إلى أن أم الطفل هي التي حملت وولدت لا صاحبة البويضة … وقد رجع عنها المجمع في دورته 1405 هـ لاحتمال أن تكون البويضة من الزوجة الضرة الظئر.. واتفقوا على أن تكون الأخرى بمثابة الأم من الرضاع … وسنناقش ذلك فيما بعد.
8- الزوجة لها مبيض سليم ورحمها قد أزيل بعملية وزوجها عقيم. فتؤخذ بويضتها وتوضع في طبق. وتلقح بماء رجل غريب يسمى مانحا ثم توضع اللقيحة في رحم امرأة متبرعة يسمونها الرحم الظئر أو الأم المستعارة فإذا تم الحمل وولدت تنازلت عن الطفل لصاحبة البويضة لقاء مبلغ من المال … وهذه الطريقة أيضا محرمة في الإسلام.(2/202)
أطفال الأنابيب
فضيلة الشيخ رجب التميمى
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أِشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أطفال الأنابيب. حكمه في الشريعة الإسلامية:
من أخطر المواضيع التي يبحثها الباحثون والفقهاء المسلمون في عصرنا الحاضر (أطفال الأنابيب) فهو موضوع غريب عن المجتمع الإسلامي نقل إلينا من عادات المجتمعات الغربية وثقافتها المادية التي أفسدت كثيرا من المجتمع الإٍسلامي ومن المعلوم أن الأسرة تفككت في المجتمعات الغربية وسارت في طريق الانحلال.
إنجاب الأولاد:
إن إنجاب الأولاد إنما يتم عن طريق المعاشرة الزوجية العادية حين يحصل الحمل كما نص على ذلك الشرع الشريف قال تعالى {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الآية رقم 223 من سورة البقرة] . أي نساؤكم مكان زرعكم وموضع نسلكم وفي أرحامهن يتكون الولد فأتوهن في موضع النسل والذرية ولا تتعدوه إلى غيره ومعنى هذه الآية أن التلقيح بين البويضة والحيوان المنوي للزوجين إنما يتم عن طريق الجماع والتلقيح بين البويضة والحيوان المنوي للزوجين إنما يتم عن طريق الجماع , والتلقيح الذي يتم عن طريق آخر بواسطة الأنبوب أو غيره مخالفة لنص الآية الكريمة وللشرع الشريف.
إن فتح هذا الباب في المجتمع الإٍسلامي الذي يتطلع إلى الفضل والكمال يؤدي إلى الفساد والقيل والقال ويؤدي إلى إثارة الفتن والشبهة أو الشكوك لأن الأسرة لا تقبل أن ينتسب إليها الأولاد عن طريق التلقيح بواسطة الأنبوب أو بغيرها من الأدوات.(2/203)
إن القاعدة الشرعية أن سد الذرائع أمر ضروري لحفظ المجتمع " ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح ".
إن ما جاء في بعض الفتاوى لبعض الفقهاء أن التلقيح الصناعي بواسطة الأنبوب بين الزوجين وبرضاهما وبشروط ذكروها لم يستند إلى نص شرعي أو دليل قطعي وإنما استند إلى العاطفة أي عاطفة الأمومة والأبوة، والعاطفة لا تصلح أساسًا للحكم الشرعي لما فيها من الضرر الذي يؤدي بالمجتمع إلى الفتن والفساد كما في موضوعنا.
إن كثيرًا من الأطباء الثقات المسلمين ليعارضون التلقيح بنوعيه الداخلي والأنبوبي بين الزوجين لما فيه من مخاطر من ناحية علمية. وإن علاج العقم يتم بالطرق العلمية الحديثة، وإن عجز الطب عن علاج بعض حالات العقم فهذه إرادة الله سبحانه وتعالى.
إن الله عز وجل بين لنا أنه يهب لمن يشاء إناثًا ويهب لمن يشاء الذكور ويهب لمن يشاء الذكور والإناث ويجعل من يشاء عقيمًا قال تعالى: {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (50) } الآية رقم (49 – 50) من سورة الشورى.
فالمؤمن يرضى بقضاء الله وهو بصير بأحوال خلقه وهو الحكيم الخبير. ولا يجوز لنا أن نخالف أحكامه بسبب العواطف. ولا يجوز لنا أن نأتي بطرق ملتوية تكون مثارًا للشك والظنون في الأنساب.
أسأل الله العلي القدير أن يهدينا سواء السبيل وأن يلهمنا الرشد والصواب إنه سميع الدعاء.(2/204)
وثائق مقدمة للمجمع
الحكم الإقناعي في إبطال التلقيح الصناعي
وما يسمى بشتل الجنين
الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود
الحمد لله رب العالمين، وبه نستعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، أما بعد فقد عرض على مقالة أصدرتها مجلة العربي بالكويت في عددها رقم 232: ربيع الأول عام 1398 هـ الموافق شهر مارس 1978 م وهي صادرة من فضيلة الدكتور الشيخ يوسف القرضاوي كرد منه على الدكتور حسان حتحوت.
تتضمن استفتاء علماء فقه الشريعة على عملية شتل الجنين وهو أن يجامع الرجل الغريب امرأته التي هي غير صالحة للحمل ثم ينقل ماؤه منها إلى امرأة ذات زوج بطريقة فنية فينمو إلى نهاية وضعه، ويكون الجنين ابنًا لهذا الرجل الغريب الذي لقح به منيه وانبًا لزوجته، أما الأم التي حملت به وولدته وكذا زوجها الذي ولد الجنين على فراشه فإنهما يعتبران أجنبيين منه وتنقطع صلته بينهما فلا يرثهما ولا يرثانه، وتكون أمه الحقيقية هي التي أتت بالمني وزوجها أي صاحب المني هو أبوه الحقيقي، ويطلب رأي الفقه الشرعي في موضوعه.
فأجاب الشيخ يوسف القرضاوي في نقده وفي مقدمة مقالته ببطلان التلقيح الصناعي، وهو أن يؤخذ مني الرجل الغريب ويوضع في فرج المرأة ذات الزوج قائلًا: "إن هذا حرام بطريق اليقين لكونه يلتقي مع الزنا في اتجاه واحد، حيث إنه يؤدي إلى اختلاط الأنساب" ثم استطرق في كلامه عملية الشتل فأنحى عليها بالملام، وتوجيه المذام، وبين ما ينجم عنها من المساوئ والإجرام، مما يقتضي إلحاقها بالأمر الحرام، وكونه لا يرحب بها شرع الإسلام بكلام استقصى فيه غاية الغرض والمرام، مما يوافق أحكام شرم الإسلام.(2/205)
فلو اقتصر على حده ولم يتجاوزه إلى ضده، لقلنا: قرطس فأصاب ووفق للحكمة وفصل الخطاب، قال: والذي أرى أن الفقه الإسلامي لا يرحب بهذا الأمر المبتدع ولا يرضى عن فعله وآثاره.
لكنه تصدي لهدم ما بناه ومحا محاسن ما كتبت يداه، فعاد إلى إصدار حكم منه في القضية يتضمن جواز هذه العملية لاعتبار أنه أحد فقهاء الشريعة الإسلامية الذين وجه إليهم الخطاب فعقد للحكم فصلًا سماه: (ضوابط وأحكام) فعاد إلى القول بإباحته بعد جزمه بتحريمه من كون الجنين متى نشأ من هذه النطفة فإنه يكون ابنًا للرجل الذي أخذ منه قطرة المني والتي تكون زوجته التي لم تحمل ولم تلد هي أم الجنين الحقيقية، أما أمه التي حملت به وولدته فإنها ليست له بأم فلا يرثها ولا ترثه بزعمه وكذلك زوجها الذي ولد الغلام على فراشه فإنه ليس أبًا للجنين بزعمه وشرط لعملية الشتل:
أن يكون مع امرأة ذات زوج
وأن يكون بإذن زوجها ورضاه
وأن تستبرئ حالة التلقيح أي تعتد عن زوجها للعلم ببراءة رحمها.
ثم أخذ يخلط ويخبط في الأحكام، وأمور الحلال والحرام، بدون بينة ولا برهان، بل بكلام يعد من الفضول، تمجه العقول، ويناقض النصوص والأصول، قد أبطل به صريح حكمه بعد إحكامه وعاد إلى نقضه بعد إبرامه فكان {كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثًا} [سورة النحل الآية 92] .(2/206)
وبما أن الباطل شجون يستدعي بعضه بعضًا وحيث فتح الشيخ باب هذه الفتنة فإنه سيأتي من يبني على حكمه فيقول بجواز عملية التلقيح مع الأبكار العذارى، ومع الثيبات الخليات من الأزواج لكون الحكم في الجميع واحدًا فيتسع الخرق على الراقع، وإنني بمقتضى الرد عليه اتكلم في بطلان التلقيح بنوعيه:
نوع التلقيح بمني الرجل الغريب بلا واسطة.
ونوع الشتل.
فكلا الأمرين في البطلان سيان، إذ الأمر فيهما يدور على نقل مني رجل غريب في رحم امرأة غريبة منه ليست بزوجته والتي من واجبها أن تصون نفسها عن اختلاط ماء الغير بها، إذ هو نظير الزنا ونفس التلقيح الصناعي بلا فرق.
فلو بقي الأمر فيها مستورًا غير منشور لآثرنا غلق بابه على خبيئة خطئه واضطرابه، ولم نتعرض لنشر هذا الشر وأسبابه، لكن القضية صارت منشورة وحكمه فيها مشهور حتى صارت حديث الجمهور في مجالسهم ومدارسهم فأخذوا يخوضون في موضوع حقيقته، وفي غرابة الحكم بإباحته.
لهذا وجب علينا حتمًا أن نبين للناس ما نزل إليهم من ربهم وما شرعه لهم نبيهم في موضوع هذه القضية نفسها فإن شريعة الإسلام كفيلة بحل المشاكل كلها، والله سبحانه وتعالى قد أوجب على العلماء البيان وحرم عليهم الكتمان.
قال الشيخ يوسف في تفصيل ما حكم به مع فرض وقوعه فقال: (ضوابط وأحكام) إن من الشروط أن تكون الحاضنة أي التي فيها التلقيح:
أولًا: ذات زوج.
وثانيًا: أن يكون هذا الفعل برضي الزوج.
ثالثًا: يجب أن تستوفى المرأة الحاضنة العدة من زوجها خشية أن يكون قد علق برحمها بويضة ملقحة، فلابد أن تضمن براءة رحمها منعًا لاختلاط الأنساب.
رابعًا: نفقة المرأة الحاضنة وعلاجها ورعايتها طوال مدة الحمل والنفاس على أبي الطفل، أي الملقح للبويضة، أو على وليه من بعده، لأنها غذت الجنين من دمها، فلابد أن تعوض عما فقدته ثم استدل بقوله {وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [سورة الطلاق: الآية 6] .
خامسًا: جميع أحكام الرضاعة وآثارها تثبت من هنا من باب قياس الأولى أي للمرأة الأجنبية صاحبة المني.
أما زوج المرأة الحاضنة، أي زوج التي حملت وولدت فليس له أي علاقة بالجنين، انتهى كلام الشيخ يوسف.
وأقول: إن هذا التقرير الصادر منه هو صريح في الحكم منه لصحة عملية الشتل مع العلم أنه عالم يقتدى به، وينتهي أكثر الناس إلى رأيه، وفي هذا الرأي من التغرير المخالف لتقريره السابق ما لا يخفى على أحدٍ.
وحكمه بهذا هو حكم باطل في نفس الأمر والواقع.
لا وافق الحكم المحل ولا هو استوفى الشروط فكان ذا بطلان (1)
__________
(1) انظر (توضيح المقاصد في شرح قصيدة ابن القيم) للشيخ أحمد بن عيسى 1/ 38(2/207)
إن الأصل الفاسد لا يقاس عليه، إذ القياس على الفاسد فاسد، وهذا الحكم إنما نشأ عن عدم تفكير وحسن تدبير فهو خطرات من وساوس فكرته ليس له أصل يستند إليه ولا نظير يقاس عليه وهو مخالف للحق والحقيقية والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: ((من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)) [حديث متواتر] وحاصله: أنه رأى منه، وليس برواية، والرأي يخطئ ويصيب.
إن الشيخ يوسف أشار في مقدمة مقالته أن الدكتور حسان حتحوت تساهل في إباحة الشتل نظرة منه إلى رحمة المرأة الفاقدة للأولاد، وقد وقع الشيخ يوسف في نفس ما عاب به حسان حتحوت من القول بإباحة هذا الفعل، الذي جزم سابقًا بتحريمه، وكأنه خرج منه مخرج المصانعة لهذه المرأة، وللقوم الذين يحبون أن تشيع مثل هذه الفاحشة بين الناس، فأحب أن يتقدم بالقول بإباحتها تنشيطًا لهم على الإتيان بما هو أكبر وأنكر منها، وأظن أنه لم يسبق إلى القول بإباحتها أحد.
وما أسرع ما نسى هذا الإنسان، وأين قوله:
(إذا كان الإسلام قد حرم التبني، وانتساب الإنسان إلى غير أبيه فاجدر به أن يحرم التلقيح المذكور لأنه يلتقي مع الزنا في اتجاه واحد ويفضي إلى اختلاط الأنساب) .
فهذا الذي نطق به هو الحجة لنا عليه، ولا نقبل نقضه بما يخالفه، ومتى كان هذا قوله في التلقيح الصناعي وأنه حرام بيقين فإن الشتل مثله إذ التلقيح الصناعي هو نقل مني الرجل الغريب إلى المرأة ذات الزوج بلا واسطة.(2/208)
أما الشتل فإنه ينقل إليها بواسطة مروره على المرأة الفاقدة للأولاد ولن يتغير هذا المني عن حالته بمروره عليها وما ذكروه من تلقيح البويضة فإنه سيكون من رحم المرأة المنقول المني إليها فينتهي ويستقر برحمها ومني الرجل هو الأصل في إيجاد الجنين يقول الله تبارك وتعالى: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) } [سورة القيامة: 38] ومثله كل فحل فقد ثبت بمقتضى التجربة في البهائم وخاصة البقر فإنها تحمل بمجرد نقل مني الثور إلى فرجها، بدون مروره على شيء آخر.
فمتى علم ذلك فإن التلقيح بالشتل يثبت له من العلل والمساوئ ما ثبت للتلقيح الصناعي إذ حقيقته نقل مني رجل غريب إلى رحم امرأة ليست له زوجة، والتي من واجبها صيانة رحمها عن مشاركة الأغيار، فيترتب عليه اختلاط نسب أجنبي بنسب أهلي إذ هذا المقصود الأكبر في تحريم الزنا، وانتساب الرجل إلى غير أبيه وأمه، وهو واقع في التلقيح بنوعيه.
وما كنا نسمع بهذا الشيء قبل اليوم، ولكن الناس متى بعدوا عن الدين فإنهم يتوسعون في البدع والزور وأعمال الشرور والفجور ومن يرد الله فتنته فلن تملك له من الله شيئًا، ومتى كان هذا التلقيح زنا فكيف يطلب فيه إذن الزوج به ورضاه عنه، فإنه متى رضى به وأذن فيه فإنه ديوث، يقر السوء على أهله، وتعتبر امرأته زانية لأنه متى ذكر العلماء في حكمه تحريم الزنا أنه منع لاختلاط الأنساب، فالمقصود الأكبر في وسيلة اختلاط الأنساب هو نقل مني رجل غريب إلى رحم امرأة ليست له بزوجة بأي طريقة، أو بأي صفة يصل فيها المني إلى غايته من رحم هذه المرأة فيتخلق منه إنسان يلتحق بنسب المرأة الأجنبية ونسب زوجها وهو رجل أجنبي عنهما، فيترتب عليه اختلاط نسب أجنبي بنسب أهلي، إذ هذا المقصود الأكبر في تحريم الزنا، وهو حقيقة التلقيح بنوعيه في إيصال مني الرجل الغريب إلى امرأة ذات زوج، إن هذا لشيء عجاب.(2/209)
حكم الفقه الإسلامي
في موضوع القضية عند فرض وقوعها
إن الشريعة الإسلامية بأحكامها كفيلة بحل مشاكل العالم ما وقع في هذا الزمان وما سيقع بعد أزمان {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُولِي الْأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ} لكن الغوص إلى استنباط الحكم من مظانه يحتاج إلى علم واسع، وفكر ثاقب، ودراسة عميقة متخصصة في معرفة العلوم والفنون، فلا يقع بين الناس مشكلة ذات أهمية من مشكلات العصر ومعضلات الدهر إلا وفي الشريعة الإسلامية طريق حلها، وبيان الهدى من الضلال فيها، كما أنه لا يأتي صاحب باطل بحجة باطلة إلا وفي الشريعة الإسلامية ما يدحضها ويبين بطلانها.
والشريعة مبنية على حفظ الدين والأنفس والأموال والأعراض أي الأنساب والعقول التي حرم الخمر من أجل حفظها وحمايتها، ذلك بأن دين الإسلام قد نظم حياة الناس أحسن نظام بالحكمة والمصلحة والعدل والإحسان.
وقد اختلف العلماء فيما ثبت به لحوق نسب الولد بأبيه فمنهم من قال: إنه يلتحق بأبيه بمجرد العقد الصحيح بأمه، فمتى أمكن دخوله بالمرأة التي عقد عليها فإنه يلتحق به الولد الذي حملت به وولدته سواء علم دخوله بها أو لم يعلم احتياطًا لحفظ الفراش والنسب، وهذا هو ظاهر مذهب الحنابلة، والمالكية، والشافعية، واشترطوا لصحة إلحاقه مضي ستة أشهر فأكثر من عقده بها، ومنهم من قال: لا يلتحق به نسبه إلا بعد الدخول المحقق بزوجته أم ولده وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، والعلامة ابن القيم، وهو الصحيح المعمول به، فبعد تحقق الدخول بها فإن كل حمل تحبل به فإنه يحكم به لأبيه حكمًا احتياطيًا جازمًا صيانة للفراش والنسب، حتى لو فرض أنها حملت به زنا أو بطريق الغصب، أو وطء الشبهة، فإنه يحكم به لأبيه الذي هو زوج أمه، ولا ينظر إلى ما يخالفه، ويفهم منه التحاقه بطريق التلقيح بنوعيه، أي التلقيح الصناعي والشتلي، فيكون الولد لأبيه أي زوج أمه التي حملت به وولدته، فلا يتغير هذا الحكم عن أصله لكون الأحكام مبنية على الظاهر والله يتولى الحكم في السرائر إذ ليس كل الناس خرجوا من أصلاب آبائهم.
وقد حكم رسول الله بهذا في مثل هذه القضية عند فرض وقوعه فلا حكم لأحد بعد حكمه ومتى جاء سيل الله بطل نهر معقل.(2/210)
ففي البخاري ومسلم عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)) ويعني بالعاهر الزاني، ويعني بالفراش الزوجة التي في عصمة الزوج فإن حملت بهذا الغلام فإنه يحكم به لزوجها المذكور حرصًا على رعاية حفظ النسب وحماية حرمة النكاح الشرعي.
وتسمية المرأة فراشًا هو جار على ألسنة العرب لكونه يفترشها عند إرادة قضاء حاجته منها، كما قيل:
إذا رمتها كانت فراشًا يقلني وعند الفراغ منها خادم يتملق
كما أن الله سماها حرثًا في قوله {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [سورة البقرة: الآية 223] وهذا الحديث أي قوله: ((الولد للفراش وللعاهر الحجر)) هو نص في الحكم في هذه القضية وهو قاعدة عامة كلية من قواعد الشرع، يحفظ به حرمة النكاح، وطريق اللحاق بالنسب جوازًا وعدمًا، فهو يوجب قطع النزاع ويعيد الخلاف إلى مواقع الإجماع في مثل هذه القضية، فمتى حملت امرأة ذات زوج بالتلقيح الصناعي، أو الشتل، أو الزنا، أو الغصب، أو الوطء بالشبهة فإن حملها يعتبر للزوج ولزوجته التي حملت به ووضعته، ولا علاقة للغاصب أو الزاني أو المأخوذ منه المني فيه.
وهذا الحديث يفسره ما ذكر بسببه، فقد روى البخاري أنه تنازع سعد بن أبي وقاص، وعبد بن زمعة عند النبي صلى الله عليه وسلم في ولد جارية زمعة فقال سعد: إنه ابن أخي عتبة عهد إلي أن ابن وليدة زمعة مني فاقبضه فقبضته فقال عبد بن زمعة: إنه أخي وابن وليدة أبي، ولد على فراش أبي فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((هو لك يا عبد بن زمعة الولد للفراش وللعاهر الحجر، واحتجبي منه يا سودة)) لما رأى قرب شبهة بعتبة مع العلم أنه أخو سودة لأبيها في ظاهر الحكم، وقد أدرجه البخاري في باب اتقاء الشبهات من صحيحه، فلم يكن وطء عتبة لهذه المرأة مغيرًا للحكم في الولد.
إن الأصل الباطل يتفرع عنه فنون من الباطل، وأن التلقيح بالشتل هو نفس التلقيح الصناعي، ما عدا أن التلقيح الصناعي هو نقل مني الرجل الغريب إلى المرأة ذات الزوج بلا واسطة فينشأ عنه الولد.
أما التلقيح بطريق الشتل فإنه يكون بواسطة امرأة الرجل الغريب التي هي غير صالحة للحمل، فيمر عليها وينقل منها إلى المرأة ذات الزوج الصالحة للحمل ومرور هذه النطفة بها لا يغير شيئًا من أوصافها، ولا ينبغي أن يقاس على شتل الشجر بعد نموه وكبره فينقل إلى مكان آخر فإن هذا شيء وذاك شيء آخر، مع العلم أنه لم يثبت التاريخ وجوده، وإنما ثبت وجود التلقيح الصناعي عن طريق الحيوان حيث يلقح البقر بمني الثور بطريقة فنية بحيث يوضع المني في شيء شبه الأنبوب، ويولج في فرج البقرة فتلقح.(2/211)
وليس ما يصلح للحيوان يعتبر صالحًا لبني الإنسان، يقول الله: {يَخْلُقُكُمْ فِي بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ خَلْقًا مِنْ بَعْدِ خَلْقٍ فِي ظُلُمَاتٍ ثَلَاثٍ} [سورة الزمر: الآية 6] وقال سبحانه {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ مِنْ نُطْفَةٍ ثُمَّ مِنْ عَلَقَةٍ ثُمَّ مِنْ مُضْغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ لِنُبَيِّنَ لَكُمْ وَنُقِرُّ فِي الْأَرْحَامِ مَا نَشَاءُ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى} [سورة الحج الآية 5] .
وهذا معنى ما في الصحيحين من حديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يجمع خلق أحدكم في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك)) أي أربعين يومًا، والعلقة قطرة دم ((ثم يكون مضغة مثل ذلك)) أي قطعة لحم ((ثم يرسل الله إليه الملك فينفخ فيه الروح)) أي في الشهر الخامس.
وهذا الشتل إما أن يكون في حالة كونه نطفة، أو في حالة كونه علقة، أو في حالة كونه مضغة، فإنه يحكم بأنه للأم التي حملت به وولدته وزوجها هو أبوه الذي ولد هذا الغلام على فراشه، لحديث ((الولد للفراش)) .
ويعتبر التلقيح بطريق الشتل بمثابة العرق الظالم، أي لا حق لمدعيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: ((ليس لعرق ظالم حق)) وهذا من حديث رواه أبو داود وأهل السنن أن رجلين اختصما عند النبي صلى الله عليه وسلم في أرض غرس أحدهما فيها نخلًا والأرض للآخر، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للأرض لصاحبها وقال: ((ليس لعرق ظالم حق)) .
وقد سمى الله المرأة حرثًا فقال: {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [سورة البقرة الآية 223] فكل ما تحمل به المرأة ذات الزوج بأي طريقة فإنه ينسب إلى زوجها لكونه نماء حرثه وقد ولد على فراشه ولأن نكاحه لها هو مما يزيد في نمو الولد في بطنها.
وقد مر النبي صلى الله عليه وسلم على رجل مجخ عند باب فسطاط فقيل له: إن هذا الرجل عنده جارية هي حبلى من غيره وهو ينكحها فقال: ((لقد هممت أن ألعنه لعنًا يدخل معه في قبره كيف يطؤها وهي لا تحل له وكيف يورثه وهو لا يحل له)) .
ثم نهى أن يسقى الرجل ماءه زرع غيره.
وخلاصة البحث: أنه لو نقل بطريق الشتل وهو نطفة أو علقة أي قطعة دم أو مضغة وهو قطعة لحم فنما في بطن المرأة ذات الزوج حتى نفخ فيه الروح وحتى أتمت مدة حملها به فوضعته فإنه يكون ولدًا لها ولزوجها لعموم حديث ((الولد للفراش)) .
وهي قاعدة شاملة حتى لو طابت نفس الأم التي حملت به، وطابت نفس الاب بجعله للمرأة التي لم تحمل ولم تلد ولزوجها فإنه لا يجوز ذلك لكونه حرًا لا تجوز هبته ولما يترتب على هذا التصرف من قطع صلته بنسب أبيه، وقطع صلته بأمه التي قاست الشدة والمشقة حيث حملته كرهًا ووضعته كرهًا، فيقطع نسبه بها ويجعلها أجنبية عنه، وهو من باب قطع ما أمر الله به أن يوصل، ثم يلحق بأب أجنبي ليس بأب له فينسب إلى غير أبيه، وفي الحديث: ((من انتسب إلى غير أبيه فالجنة عليه حرام)) .(2/212)
ومن قواعد الفقه: أنه لا شبهة مع فراش، أي لا حكم لأي وطء وقع من الزنا، أو الشبهة، أو الإكراه، أو الشتل، أو التلقيح الصناعي، فمهما كان من ذلك فإن الولد للزوج الذي ولد على فراشه، والأم الحقيقية هي أمه التي حملت به ووضعته.
وقد ذكر الفقهاء صورة في نقل المني، وهي ما لو استلطفت امرأة ذات زوج بمني رجل غريب، أو برداء فيه مني فحملت من ذلك، فهذا القول قد سيق مساق التوسع في تقرير ما لا يقع، وإلا فإن المني متى ظهر للهواء فإنه يفسد بذلك وتبطل حقيقته، فلا حجة لدعوى المرأة المحتجة به.
وقد كفانا رسول الله صلى الله عليه وسلم وشفانا من كف هذه الفتنة التي أكثر الناس من الخوض في موضوعها فقال: ((الولد للفراش)) .
وحرم التبني وهو واقع فيه بكل حالاته.
كما حرم انتساب الرجل إلى غير أبيه، وهو واقع فيه.
إن حاكم القضية يروج في أذهان الناس بأن العلم أثبت بأن هذا المني الذي ينقل بطريق الشتل أنه جنين، وهو تدليس منه على الأذهان، وتلبيس على ضعفة العقول والأفهام، وإلا فإن موضوع الحكم والكلام وهو في المني الذي يلقح به الإنسان بويضة المرأة فلا يسمى جنينًا، وإنما يسمى منيًا كما قال سبحانه: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (6) } [سورة الطارق: 6] وقال: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (37) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (38) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى (39) } [سورة القيامة: 38] .
ثم إنه في حالة كونه نطفة ثم علقة ثم مضغة قد تقذفه الرحم كما قال سبحانه: {مُخَلَّقَةٍ وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ} [سورة الحج الآية 5] فلا يكون جنينًا حتى ينفخ فيه الروح.(2/213)
قال في القاموس: والجنين هو الولد في البطن- سمى جنينًا لاستجنانه- أي استتاره في الرحم، أما كون المني يصير جنينًا بإذن الله فهذا مما تعرفه العجايز فضلًا عن العلم ولم تأت هذه المرأة بجنين حتى تنقله ثم تدسه في فرج المرأة ذات الزوج، وقبل مضي الأطوار الثلاثة يعتبر كحكم الميت حتى ينفخ فيه الروح فيكون إنسانًا حيًا، ومن أحيا أرضًا ميتة فهي له.
ومثله تسمية الحامل، حاضنة، فإن هذا من باب قلب الحقائق، فإنه لا حضانة إلا للطفل الصغير متى خرج إلى الوجود حيًا، ومادام في بطن أمه فإنه يسمى: حملًا، وأمه: حاملًا، لا يقال حاضنة، والله أعلم.(2/214)
العرض والمناقشة
الاثنين 11/ 4/ 1406 هـ – 23/ 12/ 1985 م
الساعة: 9.35 – 12.00
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، نبدأ وبه نستعين وعليه نتوكل بعد حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، ونصلي ونسلم على خاتم أنبيائه ورسله، وبعد،
فنفتتح الجلسة الصباحية ليوم الاثنين وأعمال هذه الجلسة هي: أطفال الأنابيب بنوك الحليب، أجهزة الإنعاش والبحوث قد قدمت إليكم وأمامنا الآن البحوث المعدة في أطفال الأنابيب وهذه البحوث مقدمة من الشيخ عبد الله البسام، الدكتور محمد علي البار، الشيخ رجب التميمي، الشيخ عبد الله بن زيد آل محمود، المجمع الفقهي الإسلامي بمكة المكرمة، وأرجو من سعادة الدكتور محمد علي البار أن يعطينا ملخصًا لبحثه وما لديه حول أطفال الأنابيب.
الدكتور محمد علي البار:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أفضل المرسلين.(2/215)
أصحاب السماحة، أصحاب الفضيلة،
موضوع التلقيح الصناعي وأطفال الأنابيب موضوع أثار الجدل الشديد ليس على المستوى الإسلامي فقط وإنما على مستوى العالم بأجمعه حيث تفرعت عنه قضايا عديدة، ومنذ أن نجح الدكتور سيفت والدكتور إدواردز في تلقيح بويضة السيدة ليزلي براون بماء زوجها في 10 نوفمبر 1977 وأدى ذلك إلى نجاح أول حمل وولادة أول طفلة أنبوب وهي لويزا براون في 25 يوليه عام 1978، قامت حملات إعلامية منظمة شغلت الناس صباح مساء ثم خفت الضجة وانضم إلى نادي أطفال الأنابيب عشرات الأطفال حتى جاوز الرقم في نهاية 84 حوالي 1000 طفل أنبوب من بينهم 56 توائم ثنائية و8 توائم ثلاثية واثنان من التوائم الرباعية، نقلًا عن مجلة التايم الأمريكية في 10 سبتمبر 1984، وتحول الأطباء وأجهزة الإعلام إلى مواضيع أكثر إثارة مثل تجميد الأجنة المخصبة ونقل البويضة الملقحة من امرأة إلى أخرى وهو ما عرف باسم "الرحم الظئر" وبدأت المشاكل الأخلاقية والدينية تظهر على السطح، وقد صرح الدكتور ادواردز العالم الفسيولوجي الرائد في أطفال الأنابيب بقوله إن هناك حاجة صارخه إلى وضع إطار لآداب وأخلاقيات هذا الميدان، إن كل مؤسسة تجري العملية المذكورة يجب أن تكون لديها لجنة آداب خاصة، ولقد تم بالفعل ولادة أول طفلة من الرحم الظئر، وهناك شركات تجارية لما يسمى بالرحم الظئر في الولايات المتحدة تستأجر الفتيات في الغالب غير متزوجات يحملن أطفالًا من حيوانات منوية وبويضات من أناس متزوجين ويعانون من العقم، وتحولت القضية إلى مشاكل إعلامية ومادة للإثارة، وانشغل بها القضاء، وهناك قضية أخرى إذ أن إجراء محاولة إيجاد أطفال أنابيب تتم بإعطاء المرأة أدوية وعقارات مثل الكولوميده وغيرها تزيد من إفراز البويضات فيأخذ الطبيب عدة بويضات ويلقحها ويزرع عددًا منها في اليوم الثالث إلى الخامس في رحم المرأة، ولذا كثرت ولادة التوائم في أطفال الأنابيب وذلك تحسبًا للفشل، كما أن الطبيب يحتفظ بمجموعة من البويضات الملقحة مثلجة ومجمدة، فإذا فشلت المحاولة الأولى أعاد الكرة، وإذا نجحت المحاولة فماذا يتم في الأجنة المجمدة؟ سؤال أثار ضجة كبرى في الإعلام الغربي، هل يسمح بإجراء التجارب على هذه الأجنة، وذلك قد يفيد الإنسانية في معرفة بعض الأمراض الوراثية والمتعلقة بالصبغيات وغيرها، وقد نشرت الصحف أخيرًا، بعد كتابة هذا البحث، أنه قد أجرى بالفعل أبحاث على هذه الأجنة المجمدة وبديء بالبحث فيها حتى لمعرفة بعض الأسرار أو بعض الأمراض الوراثية، فهذه هي إحدى القضايا الأخلاقية والدينية الشائكة، وفي بريطانيا تكونت لجنة من البرلمان والمختصين ورجال الدين، عرفت باسم لجنة "ورانك" وأنيط بها دراسة هذه المشكلة، واقترحت هذه اللجنة بعد خلاف طويل حاد بين أعضائها، أن استخدام الأجنة يسمح به لمدة أسبوعين فقط وذلك قبل أن تتشكل أول بداية للجهاز العصبي الذي يناط به تكوين الدماغ والنخاع.
وتفرعت مشاكل عديدة كلها جديدة مثيرة تستحق الدرس والبحث، وإذا كانت هذه المشاكل لا تزال في الغرب فإنها ستفد إلينا في القريب العاجل بل إن بعضها قد وفد بالفعل، وقد أعلنت إحدى المستشفيات الخاصة في جدة قيامها بمشروع أطفال الأنابيب حسب الشريعة الإسلامية، وأن عددًا من النسوة قد حملن بهذه الطريقة ولا يزلن ينتظرن الولادة، كما تم توليد أول امرأة سعودية تحمل بواسطة الأنابيب في جدة بواسطة جامعة الملك عبد العزيز وذلك بعد أن تم التلقيح في بريطانيا، أما بالنسبة للتلقيح الاصطناعي فليس هناك مشكلة في الغرب، يتبرع المانح بمائة فيحفظ في بنك المني، ثم تأخذه امرأة ما، في الغالب غير زوجته وقد تكون غير متزوجة أصلًا، وقد نشرت النيوزويك في 18 مارس 1985، أن هناك ما لا يقل عن ربع مليون طفل، ولدوا نتيجة التلقيح الصناعي بماء غير آبائهم، ولا غضاضة عند هؤلاء القوم في كل هذا فالفوضى الجنسية ضاربة أطنابها ونادرًا ما يستطيع الشخص هناك أن يجزم بأن فلانًا أبوه، لشيوع الزنا، فأكثر من 80 % من الزوجات والأزواج قد اعترفوا بالخيانة الزوجية، والتبني نظام شائع معترف به عندهم، والأم تبيع طفلها في المحكمة، وتتنازل عنه لأسرة تدفع لها ثمنه.(2/216)
فيطرأ سؤال لماذا طفل الأنبوب؟ وأولًا ما هو طفل الأنبوب؟
إن فكرة طفل الأنبوب في حد ذاتها سهلة ميسورة، وتعتمد الفكرة على أخذ البويضة من المرأة عند خروجها من المبيض وذلك بواسطة مسبار خاص يدخله الطبيب في تجويف البطن عند موعد خروج البويضة من المبيض فيلتقطها ثم يضعها في طبق وفي هذا الطبق سائل فسيولوجي مناسب لبقاء البيضة، ثم يؤخذ مني الرجل ويوضع في الطبق مع البويضة فإذا تم تلقيح البويضة بأحد الحيوانات المنوية، وذلك يمكن مشاهدته تحت الميكروسكوب، تركت هذه البويضة الملقحة لتنقسم انقساماتها المعروفة المتتالية، الخلية الأمشاج، الزيجوت أو اللقيحة المكونة من التحام نواة البويضة ونواة الحيوان المنوي، ثم تؤخذ التوتة عندما تصبح ثمان خلايا وتغرز أو توضع في الرحم، والمدة التي تبقى فيها البويضة في الطبق لا تعدو يومين أو ثلاثة.
هذه هي الفكرة ببساطة، أخذ البويضة من الأم في الوقت المناسب وتلقيحها في الطبق وإعادتها إلى الرحم بعد يومين أو ثلاثة لتنمو نموًا طبيعيًا، ورغم أن الفكرة بسيطة سهلة ميسورة ولكن التنفيذ هو العسير ويحتاج إلى دقة ومهارة، ومع هذا فإن من بين 85 % إلى 90 % من محاولات الاستيلاد بطريق طفل الأنبوب تفشل، وهذه الصعوبات تتلخص في الآتي:
- معرفة موعد خروج البويضة.
- بعد أن يتم شفط البويضات ينبغي أن توضع في محلول مناسب.
- تلقيح البويضات وملاحظة مرورها بمراحل النمو المختلفة.
- وإعادة غرز البويضات في الرحم.
ومعظم حالات غرز البويضات يرفضها الرحم ثم إذا تم غرزها في الرحم هناك من 30 إلى 35 % يتم فيها الإجهاض حتى إذا انغرزت يرفضها الرحم بعد أن تنغرز فيه وهي حالة إجهاض مبكر.
لماذا طفل الأنبوب؟(2/217)
إن المشكلة عويصة حقًا، فعدد النساء العواقر في أوروبا والولايات المتحدة والبلاد المتقدمة في ازدياد مطرد، وكما تقول النيوزويك فإن كل واحدة من كل سبعة يعانون من العقم وهم في زمن الإنجاب، وفي الولايات المتحدة هناك أكثر من مليون امرأة عاقر، وأهم أسباب العقم الرئيسية انتشار الأمراض الجنسية نتيجة الولوغ في الزنا، وأهم مرض يسبب انسداد الأنابيب والتهاب حوض الرحم ناتج عن ميكروب يسمى الكلاميديا والمايكوبلازما، وفي الولايات المتحدة يقدر مركز اتلانتا للأمراض المعدية عدد المصابين في الولايات المتحدة بالكلاميديا بستة ملايين شخص سنويًا، وتذكر التايم في 10/ 8/ 1985 أن أهم سبب للعقم في الولايات المتحدة هو انتشار الزنا والأمراض الجنسية حيث تسبب الكلاميديا 50 % من حالات انسداد الأنابيب ويسبب السيلان 25 % من جميع حالات انسداد الأنابيب، نفس المشكلة منتشرة في بريطانيا وفي الدول الغربية، ومعظم الدول التقنية، وعدد حالات السيلان في العالم تقدر حسب تقدير منظمة الصحة العالمية عام 1977، 250 مليون حالة سنويًا، وعدد حالات الكلاميديا 500 مليون حالة، لهذا نتوقع ازدياد حالات العقم في العالم كله.
السبب الثاني هو اللولب لمنع الحمل، ويعتبر إدخال اللولب السبب الثاني لالتهاب الأنابيب، والتهاب الحوض المؤدي إلى انسداد الأنابيب، وبالتالي العقم.
السبب الثالث الإجهاض، والإجهاض الجنائي وليس الطبي منتشر في العالم –طبعًا لم يصبح جنائيًا لأن معظم دول العالم اباحته- ذكرت مجلة التايم في 6 أغسطس سنة 1984 أن عدد حالات الإجهاض الجنائي في العالم تزيد عن 50 مليونًا، اكثر من نصفها في البلاد النامية.(2/218)
هناك أيضًا أمراض أخرى، مثل تأخر سن الزواج إلى الثلاثين أو إلى ما بعد الثلاثين يعني كلما تأخر سن الزواج كلما زاد احتمال الإصابة بالعقم خاصة بالنسبة للمرأة، هناك أيضًا أمراض أخرى تعتبر نادرة في الغرب ولكنها غير نادرة في البلاد النامية، مثل الدرن الذي يصيب الجهاز التناسلي، والجماع أثناء الحيض أيضًا من الأسباب التي تسبب إقفال الأنابيب أو انسداد الأنابيب، والتعقيم بقطع الأنابيب وربطها ثم بعد ذلك يلجآن إلى الأطباء لمحاولة إعادة فتح هذه الأنابيب، وتذكر بعض المصادر أن عمل المرأة وممارسة الأعمال العنيفة والرياضة والرقص العنيف من أسباب العقم أيضًا.
باختصار إن أهم أسباب ثلاثة تؤدي إلى قفل الأنابيب هي: انتشار الزنا – استعمال اللولب – الإجهاض – هذه الأسباب الثلاثة الرئيسية والعلاج في نظري ينبغي أن يتجه أساسًا إلى معالجة الأسباب التي تزداد انتشارًا لأن معالجة هذه المشكلة لا تتم، رغم أن طفل الأنبوب من الناحية الفنية التقنية إجراء فني بارع جدًا ولكنه لا يحل هذه المشكلة لأنه باهظ التكاليف وأن نسبة نجاحه محدودة إلى الآن وحتى ولو ازدادت نسبة النجاح لا يمكن معالجة ملايين النساء العواقر بهذه الطريقة، وهذه الطريقة هي إحدى الطرق الفنية العويصة والتي من المعتقد أنها ستتقدم من الناحية الفنية يومًا بعد يوم لكنها لن تحل هذه المشكلة، والعلاج الأساسي هو منع انتشار الزنا واستعمال اللولب والإجهاض، المسببة لمئات الملايين من حالات العقم في العالم، مئات الملايين من النساء تعانين من انسداد الأنابيب بسبب هذه الأسباب الأساسية نستطيع حينئذ أن يبقى العدد محدودًا وهناك وسائل عديدة طبعًا من بينها استخدام طفل الأنابيب لأنه أحد الوسائل المتعددة، ومن بينها وسيلة التلقيح الاصطناعي الداخلي، ولا أريد أن أطيل عليكم لأنه هناك وقتًا أظنه ضيق فقد أعطيت عشر دقائق أو خمس عشرة دقيقة فقط.
هناك تفاصيل عن طفل الأنبوب وهناك مشاكل متعددة تنتج عن طفل الأنبوب أو التلقيح الاصطناعي الداخلي أو الخارجي، التلقيح الاصطناعي الداخلي: يؤخذ مني الرجل ويحقن في مهبل المرأة أو في رحم المرأة مباشرة وهذا يستخدم عندما يكون هناك عيب في مني الزوج، الحيوانات المنوية قليلة، أو أن المهبل يقتل هذه الحيوانات المنوية وهناك تضاد بينهما، ففي هذه الحالة يستخدم التلقيح الاصطناعي الداخلي لكن نتج عنه كما أخبرتكم تلقيحًا صناعيًا.(2/219)
هناك بنوك للمني منشرة في الغرب وشركات تجارية وهناك 250 ألف امرأة قد تم حملهن وولادتهن دون أن يعرف اسم الوالد الحقيقي، يعني تستخدم نفس الطريقة التي استخدمت في الثيران، كانوا تجار المواشي يقتلون الثيران ويذبحونها لأن لحم الثور غير صالح للأكل ويبقون ثورًا واحدًا فقط لتلقيح ألف بقرة، ما يستطيع الثور أن يلقح ألف بقرة فكانوا يأخذون هذا المني "فكرة التلقيح الصناعي " ويجمع ويحفظ ثم يلقح به ألف بقرة وألفين بقرة وخمسة آلاف بقرة، الآن نفس الوضع يعود إلى الغرب ثم هناك أيضًا نوع ما يسمى –بدأت هذه الفكرة في أمريكا - وهناك بنك لاختيار بنك مني العباقرة، وبالفعل كان هذا الرجل يشتري المني من العباقرة –رجل ناجح في عمل فني معين، كيمائي، طبيب مشهور حائز على جائزة نوبل، أو رياضي، أو موسيقي- فتذهب المرأة وتقول أنا أريد من مني الرجل الموسيقي المعروف أو الكيميائي أو الرجل الطبيب وقد تم استيلاد مجموعة من النساء بهذه الطريقة وهو نكاح الاستبضاع الذي كان معروفًا في الجاهلية والذي وصفته السيدة عائشة رضي الله عنها والذي أخرجه البخاري في كتاب النكاح، وأنتم جميعًا تعلمونه وأنتم الفقهاء فلا حاجة لي أن أعيد لكم نص الحديث الطويل المشهور في باب النكاح في كتاب البخاري، يعتزل الرجل زوجته فتذهب إلى رجل معين مشهور بالقوة أو بالكرم أو بغيرها من الصفات التي يريدها، فتبقى معه حتى تحمل فإذا تبين حملها أتاها زوجها إن شاء وإنما يفعل ذلك رغبة في نجابة الولد، هذا الآن حاصل في الولايات المتحدة وفي غيرها من الدول لكن دون تحديد للأب بصفة خاصة، وطبعًا حصلت مشاكل تأخذ منيًا ويطلع فيه مرض " الإيدز " وهذا قد حصل في استراليا بالفعل، حالتين اخذ المني من البنك الصناعي وتبين فيما بعد أن هذا المني من شخص كان لديه مرض " الإيدز " وهناك أيضًا مشاكل أخرى تأخذ منيًا يطلع مثلًا هي تريد شخص معين يطلع شخصًا معتوهًا أو شخصًا متخلفًا عقليًا، مسألة تجارية لها مردودات خبيثة جدًا، كذلك فيه احتمال، قذفة الرجل فيها خمسمائة مليون حيوان منوي أمامها حواجز كثيرة فلا يصل إلى البويضة إلا حوالي 500 في النكاح الطبيعي ويختار الله سبحانه وتعالى ويصطفي أحد الحيوانات المنوية ثم يصطفي ويختار من الأشهر ومن الأيام ومن الناس، كذلك يصطفي من الحيوانات المنوية حيوانًا منويًا واحدًا، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: ((ما من كل الماء يكون الولد)) في الحديث الذي أخرجه مسلم وإنما من جزء يسير من الماء، هذا معنى الحديث، وكذلك الله سبحانه وتعالى يقول {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى (36) أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} فهو جزء يسير من المني ويقول تعالى {وَبَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسَانِ مِنْ طِينٍ (7) ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ} والسلالة كما تعلمون جميعًا هو ما يستل أي الخلاصة، يعني خلاصة هذا الماء المهين، كما نعلم جميعًا أن الحيوانات المنوية فيها حيوانات منوية مشوهة وتحمل كروموزمات فيها خلل، فإذا استمر هذا التلقيح الصناعي لأسباب كما هو موجود في الغرب الآن بهذه الفوضى، فإن ذلك قد يؤدي إلى انتشار ولادة الأولاد المشوهين، لأن هذا يزيد من احتمال أن يلقح حيوان منوي به عيوب في الصبغيات بويضة فيؤدي إلى ولادة أولاد مشوهين وإلى زيادة تشوه الأجنة، هذا احتمال موجود وذكره الأطباء وكذلك حتى في طفل الأنبوب هذا الاحتمال وارد وهو تحت الدرس الآن ويعتقد أن سبب زيادة الإجهاض في ولادة أطفال الأنابيب قد يرجع إلى كون هذه الأجنة فيها زيادة احتمال تشوه ناتج عن تشوه موجود في الصبغيات، هذه خلاصة هذا الموضوع المعقد الطويل وأترك لكم المجال لمناقشته، وهنا بجانبنا والحمد لله الأستاذ الدكتور عبد الله باسلامة وهو أحد الرواد في هذا الباب وأستاذ أمراض النساء والولادة ويعتبر من الشخصيات الفذة في هذا الميدان، وله مشاركات عديدة وهو أول من ولد طفلة أنابيب في المملكة العربية السعودية بل في العالم الإسلامي.. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/220)
الرئيس:
أرجو من الدكتور باسلامة الإيضاح عما يلي:
أولًا: الصور في قسميها من التلقيح الداخلي أو الخارجي والتي سبق طرحها على بعض المجامع العلمية وذكرت في البحوث الموجودة بين أيديكم.
ثانيًا: أن يعطينا تصورًا مختصرًا لهذه الصور السبع ثم بعد هذا يرد سؤال مهم، هل الاكتشافات أو الاجتهادات الطبية تجاوزت هذه الصور السبع إلى ما عداها من الصور؟ وهل يمكن تصويرها؟ وهل جاء لها واقع ملموس أم لا؟
السؤال الثالث: أرجو من سعادة الأستاذ أن يعطينا الفرق بين الأسلوب الأول من القسم الأول وبين الأسلوب الثالث من القسم الخارجي.
الدكتور عبد الله باسلامه:
بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أصحاب الفضيلة.. بصفتي طبيب من واجبي أن أضع القضية كقضية إنسانية تواجه الطبيب وتواجه رب الأسرة وتواجه المرأة وتواجه المجتمع، قضية العقم قضية إنسانية ولا أشك أنها الشغل الشاغل للأسرة وفي بعض الأسر على استعداد لأن تبحث العلاج لهذه القضية حتى ولو في الصين.. والآن العالم الغربي له معطيات كثيرة في مجالات شتى بما فيها الطب، والإنجازات الحديثة في الطب أصبحت متطورة بشكل كبير، والإنسان المسلم والأسرة المسلمة ليس في أمان من هذه المعطيات، والانتقال بين الدول وبين المجتمعات أصبح بسهولة، فالأسرة المسلمة أمامها حلول لمشاكلها في عالم غربي ملحد بعيد عن ديانتها، الدوافع الداخلية قوية، فكثير من الأسر أصبحت الآن تشتري تذكرة سفر وتذهب إلى أي مركز من المراكز العالمية لتبحث عن علاج، فواجبنا أن نضع ما يريح ضمير هذه الأسر، عندما تريد أن تبحث عن علاج أو نبين لها الطريق إذا كان في الوسائل التي تستعملها، هل جائز أو غير جائز أو محرم؟ وإجابة على سؤال فضيلتكم، الموضوع يجب أن ينقسم إلى ثلاثة مجاميع رئيسية:
- المجموعة الأولى وهي المسماة بطفل الأنابيب.
- المجموعة الثانية وهي التلقيح الصناعي وفرق بين الاثنين.
- المجموعة الثالثة وهي الرحم الظئر.(2/221)
طفل الأنابيب:
هو الأكثر شيوعًا أو الأكثر طرحًا على وسائل الإعلام وبين الأسر والناس في هذه الأيام، التلقيح الصناعي أقدم من طفل الأنابيب، والرحم الظئر نتج نتيجة التطور في الحالتين، العقم له أسباب كثيرة لكن هذه الذي نحن بصددها اليوم هي علاج لنوع واحد من العقم أو لسبب من أسباب العقم، وأنا أقصد عندما نناقش طفل الأنابيب فإننا نناقش علاجًا لنوع واحد من أسباب العقم، وهو العقم الناتج عن تلف في البوقين اللذين من خلالهما تمر الحيوانات المنوية فتصل إلى البويضة، في التلقيح الطبيعي يضع الرجل النطفة في مهبل المرأة فتسري الحيوانات المنوية إلى داخل الرحم وتنتقل من داخل الرحم خلال البوقين إلى أن تلتقي بالبويضة في الجزء الآخر من البوق، عندما يحدث انسداد أو تلف في هذا الجزء الموصل للبوقين يتعذر الحمل، هناك طريقتان لهذا العلاج، لعلاج العقم الناتج عن تلف البوقين أحدهما وهو الآن أكثر شيوعًا، التدخل الجراحي، معظم المستشفيات في داخل المملكة وفي خارجها أو في العالم الآن أول ما تبحث عنه، تبحث عن وسيلة علاجية جراحية لتسليك هذا البوق لفتحه لإعادة التوصيل، لكن هناك حالات يصعب وتفشل الجراحة فيها ويصبح لا مفر من أن تصبح هذه الأسرة عقيمة أو أن تجد لها مخرجًا في طفل الأنابيب، وقد شرح أخي وزميلي الدكتور محمد علي البار طريقة العلاج بطفل الأنابيب، وهو كما قال أن يتخطوا البوق المسدود بأن تؤخذ من مبيض المرأة وهو في الجزء الآخر من الأنبوبة البويضة، ويؤخذ الحيوان المنوي من الرجل ثم بعد أن يتم اللقاء بينهما يدخلان في الرحم، إذن طفل الأنابيب لن يعالج العقم بأسبابه المختلفة وإنما جزء عندما يتعذر العلاج الجراحي، وهنا أحب أن أنوه ليسمح لي الدكتور البار أنه ليست أسباب قفل البوقين كلها ناتجة عن الزنا أو الإجهاض أو اللولب، ففيه أسباب كثيرة ومتعددة وهو ذكرها ولكن بسرعة لكن أنا أرمي من هذا لأن فيه أسر عربية ومسلمة أيضًا تعاني من هذه المشكلة لم يكن لهذه العناصر الثلاثة سبب أو دخل في الانسداد.(2/222)
نأتي لقضية طفل الأنابيب، أنا أعتقد أن طفل الأنابيب إذا أخذت البويضة من الزوجة وأخذ الحيوان المنوي من الزوج فهي وسيلة من وسائل علاج العقم بحيث تغلب بواسطة الطب الحديث على انسداد البوقين، على أن يتم ذلك في قيام الزوجية، لكن المشكلة تتفرع من الآتي.
عندما تسافر الأسرة المسلمة إلى المراكز التي هي الآن لها خبرات طويلة في هذا المجال فإن العملية قد تتطلب بقاء الأسرة أشهرًا، لأنه كما قال الدكتور البار النجاح محدود، لا يزال في حدود 10 إلى 20 % ففي بعض المراكز كما علمت بحكم تخصصي قد يعرض على الزوجين أنه هنا بويضة جاهزة أو هنا حيوان منوي جاهز فهل هناك استعداد بأن نضع هذا الجاهز وترجعوا إلى وطنكم، طبعًا في الغرب قد يكون هذا السؤال يقابل بترحاب لكن الأسرة المسلمة قد لا تعرف الأحكام الشرعية عندما تقبل هذا العرض، إذا كان الطبيب الذي يقوم بإجراء هذه العملية طبيبًا مسلمًا وملتزمًا فهو طبيعيًا لن يعرض مثل هذا السؤال على الأسرة عندما تذهب لعلاج هذه الحالة بطفل الأنابيب، هذا واحد من المحذورات التي قد تنشأ من تعميم إجازة طفل الأنابيب من غير أن نبين للناس بوضوح ما قد يطرأ عليه من محاذير، الجزء الآخر في هذه العملية وهو كما ذكر الدكتور البار عادة تسحب أكثر من بويضة، لأن في عملية طفل الأنابيب تحضر تبويض صناعي فيمكن أن يتم إخصاب أكثر من بويضة ووجود أكثر من جنين، وفي العادة يوضع ثلاثة من الأجنة ويترك اثنان أو ثلاثة آخرين في الثلاجة قد تستعمل بعد شهر أو شهرين لنفس الزوجة، إذا فسدت الثلاثة التي وضعت في المرة السابقة، الآن القائم في الغرب أن الأجنة الفائضة والموجودة الآن في الثلاجات، أرادوا أن يستخدموها للأبحاث العلمية، وأنا أذكر في مؤتمر دولي من شهرين، مؤتمر أمراض النساء والتوليد كان يتحدث أول رائد في هذا المجال البروفسور ادوارد ويطالب من العالم كله أن يدله متى تبدأ الحياة في الأجنة حتى يتسنى له قبل بدء الحياة أن يجري تجاربه على البويضات الملقحة والموجودة في الثلاجات، هو لم يستطع في مختبره ولا بأجهزته أن يعرف متى تبدأ الحياة، قيل له إنه بعد 18 يومًا، إنه عندما يبتدئ الحبل الشوكي، وقيل له أكثر من ذلك لكن الرجل ذو ضمير حي، وأراد أن يعمل ما يريحه، وقد كنا في مؤتمر سابق وحاولت القيام ببعض المجهودات، أن أجد بعض التفسيرات عن بدء الحياة، لكن هذا مجال آخر ويجب أن نضعه في الحسبان وهو الفائض من الأجنة، والأجنة المسلمة وهي نواة إنسان مسلم.(2/223)
الموضوع الآخر وهو موضوع التلقيح الصناعي، إذن فهذا طفل الأنابيب وهذه هي الحالة الأولى ونعتقد أنها الحالة التي يجب أن نركز عليها فقط عندما نناقش طفل الأنابيب، بين زوج وزوجة وفي أثناء قيام الزوجية، أما التلقيح الصناعي، الغرض فيه كان لمعاجلة نوع آخر من أنواع العقم وهو العقم الذي لا يوجد له سبب، الأنابيب لا تزال مفتوحة والرحم جيد والنسبة المئوية للحيوانات المنوية جيدة، ولكن لسبب ما يتعذر حدوث الحمل، يقول بعض الأطباء إن السبب يكون راجعًا لوجود مضادات ضد الحيوانات المنوية في عنق الرحم، فهنا طريقة أخرى للتغلب على هذه المضادات بأن تؤخذ الحيوانات المنوية من الزوج وتحقن رأسًا داخل تجويف الرحم، وهذا نوع من التلقيح الصناعي، إذن فهو مجرد وضع حيوانات منوية الزوج بدل أن يضعها في المهبل توضع رأسًا في تجويف الرحم، هذا التلقيح الصناعي الداخلي، في الغرب توسع في هذا المجال ووجد أن المادة التي توضع يمكن أن تؤخذ من الزوج ومن غير الزوج أو من بنك أو كما تفضل الدكتور البار أصبح هناك حتى اختيار لنوع النطفة التي تؤخذ وهذه المحاذير بدون تضييع أي وقت أو جدل فيهما، لن نرتضيها ولا نقبلها، لكن هي القضية الثانية التي نحن بصددها، هي إذا أخذ من الزوج للتغلب على وضع معين في عنق الرحم ووضع داخل تجويف امرأة، أنا أعتقد هذه هي القضيتان.
أما الرحم الظئر فهي بين وجود طرف ثالث عندما تتعدى القضية عن الزوج والزوجة إلى طرف ثالث كأخذ حيوان منوي من طرف ثالث أو أخذ بويضة من امرأة أخرى حتى ولو كانت زوجة أخرى أو استعارة رحم آخر لوضع البويضة الملقحة فيه وهو الرحم الظئر، عند وجود طرف ثالث أعتقد أن هذه القضية خرجت من يد الأسرة المسلمة، وعليها أن ترضى بما كتبه الله عليها إذا كان أمر يتطلب هذا، أرجو أن أكون واضحًا فيما سردت.(2/224)
الرئيس:
سعادة الدكتور، الذي يتلخص من كلامكم أن المجموعات ثلاث، المجموعة الأولى طفل الأنابيب وله صورة واحدة، المجموعة الثانية التلقيح الصناعي وله صورتان أي بين الزوجين فقط لا يتجاوز الزوجين، المجموعة الثالثة الرحم الظئر وهي التي يخل فيها طرف آخر غير الزوجين.
الدكتور عبد الله باسلامه:
المجموعة الأولى في رأيي وهو طفل الأنابيب الذي بين الزوج والزوجة في قيام الزوجية.
الرئيس:
هي صورة واحدة فقط في طفل الأنابيب.
الدكتور عبد الله باسلامه:
والصورة الممكنة في رأيي في التلقيح الصناعي هي صورة واحدة فقط وهو من مني الزوج يدخل في رحم الزوجة فقط ولا يستعان بأي مني من أي بنك أو أي وسيلة أخرى.
الصورة الثالثة، عندما يدخل طرف ثالث كبويضة أو كرحم ظئر أو كنقل مبيض كل ما بعد ذلك أعتقد أنه لا يمكن أن نسميها صورة ثالثة وأنا لا أعتقد أنها واردة.
الرئيس:
المهم التلقيح الصناعي له صورة واحدة أو صورتان؟(2/225)
الدكتور عبد الله باسلامه:
صورة واحدة.
الرئيس:
صورة واحدة فقط، وهو من زوج إلى زوجة، طيب ما وجه تسمية الرحم الظئر للمجموعة الثالثة؟
الدكتور عبد الله باسلامه:
هو في الغرب عندما يكون العقم لسبب غير الذي ذكرناه لا هو انسداد في الأبواق أو تلف في عنق الرحم وإنما يكون رحم المرأة في ذاته غير قابل لأن يتحمل وضع الجنين فيه أو حمل الجنين فيه، فهنا تؤخذ البويضة من الزوجة والحيوان المنوي من الزوج وتلقح في انبوبة وتستأجر امرأة أخرى بمبلغ معين من المال يوضع في داخلها الجنين الناتج، وعلى المرأة الثالثة هذه أن تتقبل الحمل والتغيرات الطارئة عن الحمل وبعد الولادة عليها أن ترسل الطفل إلى الأب والأم، وهو يعني عبارة عن استئجار رحم لفترة معينة.
الرئيس:
يا سعادة الدكتور، هل يمكن أن نعرف وجوه الفرق بين الأسلوب الأول الذي هو طفل الأنابيب وبين التلقيح الصناعي الذي هو أن تؤخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج وتحقن في الموقع المناسب داخل مهبل زوجته، هذه هي التلقيح الصناعي.
طفل الأنابيب:
أن تؤخذ نطفة من زوج وبويضة من مبيض الزوجة فتوضعا في أنبوب اختبار طبي بشروط فيزيائية معينة حتى تلقح نطفة الزوج بويضة الزوجة في وعاء الاختبار ثم بعد أن تأخذ اللقيحة في الانقسام والتكاثر تنقل في الوقت المناسب من أنبوب الاختبار إلى رحم الزوجة نفسها، كأن الفرق بين الأسلوبين أن التلقيح الصناعي ليس فيه مرحلة في الوسط، وإنما هو ينقل من الزوج إلى مهبل الزوجة رأسًا، أما طفل الأنبوب ففيه مرحلة تبقى بين أخذ الطفة من الزوج ومن مبيض الزوجة ثم تكون في وعاء أو في أنبوب ثم بعد ذلك بعد مضي مدة معينة تحقن في مهبل الزوجة؟(2/226)
هل يمكن معرفة ما يحيط بالأسلوب الأول من مخاطر؟ أما الأسلوب الثاني قد أوضحتم ما يحيطه من مخاطر لاسيما إذا كان على صعيد دولة لا تدين بدين الإسلام يعني إذا كان على يد طبيب غير مسلم أو كان على يد طبيب مسلم غير ملتزم، لكن بالنسبة للأسلوب الأول الذي هو التلقيح الصناعي؟
الدكتور عبد الله باسلامه:
التلقيح الصناعي في الأسلوب الذي ارتضيته من الزوج فقط، هذا مخاطرة أنه لو أعطى السائل المنوي في المختبر لعامل المختبر أو في بلاد أخرى وقد يختلط بعينة شخص آخر وهذا نادر جدًا أو قد يكون الطبيب في بلاد غير مسلمة يرى أن هذا الزوج عنده مني لكن ليس فيه حيوانات منوية.
الرئيس:
يعني قد يعتريه ما يعتري طفل الأنابيب.
الدكتور عبد الله باسلامه:
أقل شيء.
الرئيس:
يعني قد يعتريه ولكن بدرجة أقل، إذن يبقى سؤال وإن كان سؤال جانبي هل ممكن معرفة مدى التكاليف المالية؟ وهل فيها مطمع للذين يتولون العملية سواء على الصعيد الغربي أو الشرقي عند الأطباء المسلمين وعند غيرهم؟ ممكن معرفة التقدير الإجمالي أو التقريبي لطفل الأنبوب أو للتلقيح الصناعي الذي بين الزوجين؟(2/227)
الدكتور عبد الله باسلامه:
التلقيح الصناعي قد لا يكلف شيئًا، خاصة إذا أجري في مستشفيات تابعة للدولة أو التأمين الصحي، وقد يكلف جزءًا بسيطًا لا يتعدى مائتي ريال ثلاثمائة خمسمائة ريال.
طفل الأنابيب، الطفل الذي أشرفت على ولادته هنا كلف الأسرة مائة ألف ريال في بريطانيا إجراء العملية الآن كما سمعت في بعض المستشفيات هنا التجربة الواحدة تكلف عشرة آلاف ريال وقد تحتاج في المتوسط من 5 إلى 6 تجارب، لكن أنا ما أنظر فقط إلى الناحية المالية، لأن الأسر عندما تريد أن تعالج قضيتها تستدين وتعرض نفسها لأشياء كثيرة في سبيل أن تحصل على الحمل، الوجهة الشرعية أهم في رأيي من التكلفة.
الرئيس:
شكرًا، أرجو من فضيلة الشيخ عبد الله البسام اختصار البحث الذي تفضل بإعداده.(2/228)
الشيخ عبد الله البسام:
لم تتضح لي المخاطر التي قال عنها سعادة الدكتور من ناحية التلقيح الصناعي المباشر، المخاطر والمخاوف لم تتضح لي، لأنه ذكر المختبرات، والمختبرات يمكن أن يؤخذ مني الرجل إذا أراد فحصه ويجعله في المختبر ولكن حين التلقيح يستبدل بمني آخر حال إجراء العملية، فأحب أن أعرف إن كان فيه شيء من المخاطر لأننا تعرضنا لهذا الموضوع وأبحنا بعض الصور، فإذا كان هناك محاذير فالرجوع إلى الحق فضيلة.
الرئيس:
جزاكم الله كل خير، لعل الدكتور باسلامه يتفضل.
الدكتور عبد الله باسلامه:
بسم الله الرحمن الرحيم، المخاطر نظريًا واردة وهي التي ذكرها فضيلة الشيخ البسام، الذي يجري الآن في مستشفيات الدول المسلمة وبالذات المستشفيات التي نعمل بها تصر على أن نعطي الزوج غرفة مجاورة لغرفة الفحص التي يجرى فيها الحصول على المني من أجل قطع كل هذه المحاذير، أعتقد أن هذه ممكن تداولها، يعني هذه ممكن في بعض البلدان المسلمة أو المستشفيات الملتزمة ممكن، فالخوف هنا وارد إذا تركت وعممت في مجالات، أصبحت في يد عيادات ومختبرات عادية ممكن، لكن في مستشفيات ملتزمة وعند أطباء متخصصين، أعتقد هذا المحذور قد لا يكون ذا أهمية كبيرة.
الرئيس:
المهم أنه الذي يحصل في المحاذير التي تحيط بالأسلوب الأول منها ما هو مدون وموجود في بحث فضيلة الشيخ عبد الله البسام وهو قضية انكشاف المرأة المسلمة على غير من يحل لها، والخلوة بها، كما أن هذه المحاذير موجودة في بحث فضيلة الشيخ مصطفى الزرقاء، إضافة إلى ما تفضلتم به من أن المحظور الذي قد يرد في الأسلوب الثالث وهو طفل الأنابيب قد يكون موجودًا في الأسلوب نفسه الذي هو التلقيح الصناعي لكن كما تفضلتم أخف وقد يكون على سبيل الندرة، لكن الذي يظهر والله أعلم أنه افتراض على سبيل الندرة وهو مجرد افتراض وقد يكون إذا كان الطبيب غير مسلم ملتزم أو كان الجهاز بأجمعه من الطبيب إلى من في المختبر إلى أصحاب العملية غير مسلمين ملتزمين، نفس المخاطر تنتقل، ما الذي يمنع أن تكون المخاطر التي هنالك في طفل الأنبوب أن تنتقل هنا رأسًا في نفس التلقيح الصناعي، وأرجو أن يكون الأمر قد اتضح لفضيلة الشيخ عبد الله البسام، وإذا كان كذلك فتتفضلون بإعطاء ملخص.(2/229)
الشيخ عبد الله البسام:
الملخص الذي أريده كله يدور حول أن الأنواع التي يمكن ممارستها، هي ستة أساليب درست هذه الستة أساليب وظهر أن أربعة منها حرام وأنها لا تجوز لما فيها من مشابهة الزنا واختلاط الأنساب من ناحية، ومن ناحية أخرى أنها زرع ناعم في غير حرثه، والذي أجيز في ذلك هو الأسلوبان اللذان تعرضنا لهما وهما طفل الأنبوب هذا بمحاذيره ومخاوفه والتلقيح الصناعي، أما تلقيح الأنبوب هذا وشرحه سعادة الدكتور وكما هو موجود في البحوث أن فيه مخاطر كبيرة وكثيرة، أيضًا وأنه يخشى له العواقب، وأما التلقيح الصناعي هذا فهو أخف من الأول بكثير، وهناك حالات كثيرة يستدعي الأمر لها، وهي الحالات التي بها العقم كانسداد في المجاري وكضرر في المجاري يقتل الحيوانات أو نحو ذلك أو أن يكون الرجل هو نفسه غير مستطيع للعملية فيه الماء الملقح ولكن هو ليس عنده استعداد لذلك، العنة أو نحو ذلك هذه أشياء وأمور تستدعي الحقيقة الإقدام على هذا النوع وهو التلقيح الصناعي فقط إذا كان هذا لا يوجد مخاوف ولا مخاطر لأنه "درء مفاسد مقدم على جلب مصالح" والله سبحانه وتعالى قسم الناس ووصفهم إلى أربعة أقسام: منهم من يرزق الذكور ومنهم من يرزق الإناث، ومنهم من يزرق النوعين، {وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} هذا الحال من حالات الحياة يعني يرضخ لها الإنسان ويسلم هذا مع وجود المخاوف والمخاطر التي تحف بالموضوع، أما في حالة عدم وجود مخاوف ولا مخاطر ولا يخشى لها من عواقب ففيها إسعاف وتلبية لرغبة الأمومة والأبوة ما في ذلك شك.
هذا ما أردت عرضه حول الموضوع، وهو موضوع معروف ومبحوث والحمد لله، فنحن نحب أن نعرف رأي إخواننا الأطباء والخبراء في هذا النوع لأنهم أدرى منا بالمخاوف التي تحيط بالموضوع، وأعرف منا بهذا الشيء وهم الذين نحب أن يتناولوا هذا ونحب مثلًا إن كان عندهم بحوث لنستفيد منها لأننا علينا على رجال الشرع أنهم يحكمون ولكن الحكم فرع عن التصور لا نستطيع أننا نحكم ببحث شيء حتى نعلم عنه ونكون على ضوء ما يظهر من بحوثهم ومما كتبوه ومن بيانهم نستطيع أن نقول هذا حرام وهذا حلال، وأسأل الله التوفيق، وشكرًا.
الرئيس:
أرجو من الدكتور البار أن يتفضل بما لديه أولًا ثم أن يجسد لنا قضية المخاطر التي تحف بالتلقيح الصناعي وهل هي توازن المخاطر التي تحف بطفل الأنابيب أم لا؟(2/230)
الدكتور محمد علي البار:
بسم الله الرحمن الرحيم، عرض على فضيلتكم أستاذنا الدكتور عبد الله باسلامه الصور التي يمكن أن تكون مباحة في الإسلام أما الصور الأخرى التي لا شك في حرمتها فأعرض عنها، فأنا أحب أن أوضح لكم الصور جميعها لا لتحكموا بحلها أو بحرمتها ولكن لتكونوا على بينة من أنواع الصور المختلفة التي تحدث في هذا الموضوع لأنها واضحة الحرمة في الحقيقة، هي طريقتان، الاستيلاد غير الطبيعي، هو التلقيح الصناعي داخل الرحم والطريقة الأولى فيه كما ذكر الدكتور عبد الله بسلامه، أن يؤخذ مني الزوج ويحقن في رحم زوجته حال قيام عقد الزوجية.
الصورة الثانية منها وهذا حدث بالفعل وقد ثارت قضية في فرنسا ويحدث كثيرًا الآن، أن الزوجة بعد أن توفي زوجها ذهبت إلى المحكمة وطلبت أن تلقح بمني زوجها الموجود في البنك، فسمح لها بذلك وولدت طفلًا في العام الماضي، وهناك عديد من الحالات تعد بالآلاف الآن اللائي لقحن بمني الزوج بعد وفاته أو بأزواج غير معروفين، هذه صورة لاشك أن الفقهاء الأجلاء سيرفضونها لأنها بعد انحلال عقد الزوجية، بعد انتهاء عقد الزوجية سواء بالموت أو بالطلاق أو بغيرها.
الصورة الثانية أيضًا في هذا الباب: يحقن ماء رجل غريب في الزوجة فتحمل الزوجة، وهذا لاشك في حرمته.
الصورة الثالثة: يحقن ماء الزوج في امرأة أخرى غير زوجته فتحمل وتلد، وبعد الولادة تتنازل عن الطفل لمن يدفع الثمن.
الصورة الرابعة: يتم تلقيح امرأة ما ليست زوجته بمني رجل غريب عنها وفي اليوم الخامس يجري غسيل للرحم يسمى (Lavage) وإذا تم العثور على البويضة الملقحة يغرز في رحم الزوجة العاقر، ويستخدم هذا الإجراء عندما يكون الرجل وزوجته عقيمين ولكن رحم زوجته سليم ويمكن أن يتقبل اللقيحة.
الصورة الخامسة: يتم تلقيح امرأة ما بمني الرجل الذي يريد الإنجاب وفي اليوم الخامس يجري غسيل للرحم فإذا تم العثور على اللقيحة أخذت وغرزت في رحم الزوجة العاقر، وهذه تشبه الطريقة السابقة إلا أن المني هنا أيضًا للزوج العاقر.
الرئيس:
لو تكرمت يا شيخ الصورة هذه.(2/231)
الدكتور محمد علي البار:
الصورة الرابعة: تلقيح امرأة بمني رجل غريب عنها كلاهما غريب عن الآخر التلقيح صناعي، يعني داخل الرحم، يحقن كل هذا داخل الرحم داخلي يسمى (التلقيح الداخلي) وفي اليوم الخامس يجرى غسيل للرحم على اعتبار إن البويضة الملقحة قد وصلت إلى الرحم في اليوم الخامس والسادس فيجرى هذا الغسيل، فإذا استطاعوا أن يجدوا البويضة الملقحة أعادوها إلى رحم الزوجة العاقر وطبعًا زوجها أيضًا عاقر كلاهما عقيم.
أما الصورة التي بعدها: فتلقح هذه المرأة الغريبة المتبرعة بمني الزوج لأن الزوج غير عقيم لكن زوجته عاقر وفي اليوم الخامس تؤخذ البويضة الملقحة بواسطة غسيل في الرحم تؤخذ هذه الصورة إلى طبق وتعاد إلى الزوجة العاقر، هذه كلها تسمى تلقيحًا صناعيًا داخليًا.
التلقيح الصناعي الخارجي: خارج الرحم وله صور عديدة أيضًا الأولى التي ذكرها الدكتور عبد الله باسلامه وهي التي قبلت من الفقهاء الأجلاء، أن تؤخذ بويضة الزوجة ويؤخذ مني الزوج في حال قيام الزوجية أيضًا، يشترط ذلك، ثم تلقح في أنبوب أو في طبق في الواقع، ثم تعاد في اليوم الثالث إلى رحم الزوجة، بهذه الشروط هناك طبعًا محاذير كثيرة في صور مختلفة.
الصورة الثانية:
تؤخذ بويضة المرأة وتلقح بمني مانح غير زوجها في طبق ثم تعاد إلى رحمها لتنمو فيه، وتستخدم هذه الطريقة عندما تكون الزوجة عقيمًا بسبب انسداد قناتي الرحم بينما مبيضها سليم، ولكن زوجها عقيم أيضًا وليس لديه حيوانات منوية.(2/232)
الصورة الثالثة:
تؤخذ بويضة امرأة ممن يسمونها مانحة (donner) وتلقح بماء رجل متزوج بامرأة مصابة بالعقم بسبب مرض في مبايضها وتلقح البويضة في طبق ثم تؤخذ اللقيحة وتوضع في رحم المرأة العقيم المتزوجة.
الصورة الرابعة:
عندما يكون كلا الزوجين عقيمًا، ولكن رحم الزوجة سليم بينما مبايضها مريضة ولا تفرز بويضات، وفي هذه الحالة تؤخذ بويضة امرأة ما يسمونها "مانحة" وتوضع في طبق وتلقح بماء رجل ما يسمونه "مانح" ثم توضع هذه اللقيحة في رحم الزوجة العقيم ذات الرحم السليم.
الصورة الخامسة:
يكون الرجل "الزوج" سليمًا بينما تعاني زوجته من العقم بسبب مرض شديد في مبايضها ورحمها بحيث إنها لا يمكن أن تفرز بويضات ولا يمكن لرحمها أن يستقبل اللقيحة، فيؤخذ مني "الزوج" ليلقح بويضة من امرأة ما غير زوجته وبعد تلقيح البويضة تعاد اللقيحة إلى رحم المتبرعة أو متبرعة أخرى بالبويضة فتحمله فتكون بذلك أمه الطبيعية من جهتين، فهي صاحبة البويضة وهي التي حملت وولدت ومع هذا تقوم بتسليم وليدها إلى المرأة العاقر ليدعى ابنها حسب القوانين الغربية الغريبة، وذلك مقابل أجر تدفعه المرأة الثرية، وفي بعض الأحيان تؤخذ اللقيحة وتوضع في رحم امرأة مستأجرة فيكون للطفل بذلك ثلاث أمهات الأم صاحبة البويضة، والأم صاحبة الرحم، والأم التي دفعت الثمن.(2/233)
الصورة السادسة:
مثل الحالة السابقة إلا أن الزوج أيضًا عقيم فتؤخذ بويضة امرأة مانحة وتوضع في طبق وتلقح بماء رجل آخر ثم توضع البويضة الملقحة في رحم امرأة أخرى وعند الولادة يسلم الطفل للزوجين العقيمين اللذين دفعا ثمن هذه العملية، وفي هذه الحالة يكون للطفل ثلاث أمهات وأبوين كالآتي: الأم صاحبة البويضة –الأم صاحبة الرحم المستأجر- الأم العاقر التي دفعت الثمن واستلمت الطفل الأب المانح صاحب المني الأب الذي دفع الثمن واستلم الطفل، وهذه الطريقة أشد إيغالًا في الحرمة وهي متبعة في الغرب.
الصورة السابعة:
الزوجة لها مبيض سليم ولكن رحمها قد أزيل بعملية أو به عيوب خلقية شديدة بحيث لا يمكن أن تحمل، وزوجها سليم، وفي هذه الحالة تؤخذ بويضة الزوجة وتوضع في طبق وتلقح بماء زوجها وتوضع اللقيحة في رحم امرأة أخرى يسمونها "الرحم الظئر" أو الأم المستعارة، وعندما تلد الطفل تسلمه للزوجين مقابل أجر معلوم.
وقد افترض طبعًا الشيخ الزرقاء أن التي تحمل اللقيحة في رحمها قد تكون زوجة ثانية للرجل وتتبرع بحمله في رحمها وعند الولادة يسلم الطفل إلى ضرتها، وقد أباحها المجمع الفقهي بمكة المكرمة بالأغلبية، وهذه الطريقة فيها نزاع بين الفقهاء المعاصرين فمنهم من ذهب إلى أن أم الطفل التي يرثها وترثه هي صاحبة البويضة ومنهم من ذهب إلى أن أم الطفل هي التي حملت وولدت لا صاحبة البويضة، واتفقوا على أن تكون الأخرى بمثابة الأم من الرضاع.
الصورة الثامنة:
الزوجة لها مبيض سليم ورحمها قد أزيل بعملية وزوجها عقيم فتؤخذ بويضتها وتوضع في طبق وتلقح بماء رجل غريب يسمى مانحًا ثم توضع اللقيحة في رحم امرأة متبرعة يسمونها "الرحم الظئر" فإذا تم الحمل وولدت تنازلت عن الطفل لصاحبة البويضة لقاء أجر من المال.(2/234)
هذه خلاصة للصور المختلفة التي وجدت الآن في الغرب والتي ذكرتها مجلة التايم في عددها الأخير عندما لخصت موضوع التلقيح الصناعي بأنواعه الداخلي والخارجي، وكما قال الدكتور عبد الله باسلامه، هناك صورتان مقبولتان لدى كثير من الفقهاء بالنسبة للتلقيح الصناعي الداخلي، أن يكون من الزوج إلى الزوجة فقط مع أخذ المحاذير: في حال قيام عقد الزوجية، أما إذا انتهى، كما يحدث في الغرب، فالأمر مرفوض.
والصورة الثانية، هو التلقيح الصناعي الخارجي وهي أن تؤخذ البويضة من المرأة وتلقح بماء زوجها حال قيام عقد الزوجية ثم تعاد إلى الزوجة فتنمو في رحم الزوجة لا رحم امرأة أخرى، هاتان الصورتان اللتان عرضهما الدكتور عبد الله باسلامه عرضًا واضحًا جليًا هما اللتان اتفق عليهما في كثير من المباحث الفقهية وهي تعاد إليكم مرة أخرى، أما الصورة الأخرى فهي صور غريبة ولا يمكن أن يكون هناك مجال لقبولها أصلًا بين فقهاء الإسلام.
الشيخ رجب التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرف المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إن طفل الأنابيب أو التلقيح الصناعي هما من المواضيع التي يبحثها الفقهاء المسلمون في هذا العصر، وهي من المواضيع التي نقلت إلينا من الغرب، نقلت إلينا من الغرب المادي الذي يريد أن يأخذ الإنسان بصفة الحيوان، وكأن الإنسان الذي كرمه الله وجعله خليفة في الأرض وأنزل عليه الرسل والأنبياء وأتم عليه نعمه بدين الإسلام الذي بعث الله به سيدنا محمدًا صلى الله عليه وسلم للناس كافة ليخرجهم من ظلمات الجهل إلى نور العلم إلى العدالة إلى الكرامة الإنسانية، إن الغرب المادي يريد أن يضع الإنسان كالحيوان في الخانات وفي المصانع وفي التجارب، هذا الموضوع الغريب الذي ابتلي به المسلمون وهم خير أمة أخرجت للناس كرمهم الله وجعل مجتمعهم مجتمعًا ينزع إلى الفضل وإلى الكمال، لا إلى المادية البحتة ولا إلى الحيوانية، أختصر أو أحدد كلامي في طفل الأنابيب في الصورتين اللتين ذكرهما الدكتور، بأن يؤخذ مني الرجل "الزوج" ويوضع بالتلقيح الصناعي في رحم المرأة أثناء قيام الزوجية، أو طفل الأنابيب الذي يأخذ مني الرجل ويوضع مع بويضة الزوجة في طفل الأنابيب لمدة، هذان الموضوعان أو هاتان الصورتان اللتان نبحثهما، لأن بقية الصور هي حرام شرعًا بالإجماع، لأنه في حكم السفاح وفي حكم الزنا، إن التلقيح الصناعي وطفل الأنابيب أمر صناعي، الحياة الزوجية التي أرادها الله للإنسان، والولد، إنجاب الولد إنما يكون بالمعاشرة بين الزوجين معاشرة طبيعية بينهما، لا بواسطة أخرى.(2/235)
إن طفل الأنابيب أو التلقيح الصناعي يحصل بواسطة شخص ثالث أو طرف ثالث وهو الطبيب الذي يأخذ المني ويضعه في رحم المرأة هذا أولًا انتهاك لحرمة الإنسانية، لحرمة الزوجية، لأن العلاقة الزوجية والمعاشرة الزوجية بين الزوجين يجب أن تكون في إطار سري كامل، لا يجوز للرجل أن يتكلم أو المرأة أن تتكلم أو تتحدث بما يحصل بينهما، فكيف والأمر انكشف لدى شخص ثالث، هذا أمر فيه انتهاك لحرمة المعاشرة الزوجية، والله سبحانه وتعالى يقول في كتابه العزيز {نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلَاقُوهُ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} ، إذن الإتيان بين الزوج والزوجة في المعاشرة الزوجية لا بواسطة طرف ثالث، وطبعًا يحصل الحمل والإنجاب بالطريق الطبيعي، ثم هناك أمر آخر، نحن في مجتمع إسلامي، إن الأسرة الإسلامية لا تقبل أن ينتسب إليها طفل الأنابيب أو طفل التلقيح الصناعي، لأن هذا يثير القيل والقال، القيل والفتنة والشكوك خصوصًا كما ذكر سعادة الدكتور أن هناك محاذير والناس ليسوا بملائكة، والطرف الثالث ليس ملكًا ولكنه إنسان يعتريه ما يعتري الإنسان من شهوة وهوى وخروج عن الالتزام الذي التزمه فليس هناك عصمة، هذا يؤدي إلى أن طفل الأنابيب أو طفل التلقيح الصناعي ينظر إليه في الأسرة نظرة غير طبيعية، يشيرون إليه ولو من طرف خفي، إن هذا أتى عن طريق التلقيح الصناعي أو طفل الأنابيب وهناك تكون الشكوك وتكون الريب ويكون الفساد، والله سبحانه وتعالى أمرنا بأن نغلق باب الفتن وباب الفساد، وسد الذرائع "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح".(2/236)
هناك أمر آخر، فلقد سمعت من سعادة الدكتور قد ذكر أن طفل الأنابيب أو التلقيح الصناعي كثيرًا أو أغلبية كبيرة ما يكون مشوهًا وما يكون به عوارض لا يمكن أن تؤدي به إلى الحياة إلا في النادر، وحكم النادر لا قيمة له، إننا نشاهد الحياة الغربية التي نريد أن نقلدها، فيها من المخازي، وفيها من المصائب، وفيها من البلايا، ما انتهكت به الحرمات كلها من الإنسانية وهم يصيحون ولا يقدرون على أن يرجعوا عنها، أنا أحذر إخواني العلماء وأحذر نفسي أيضًا، أن فتح هذا الباب، ندخل به إلى مجتمعنا أمرًا لا نقدر عليه في المستقبل، أمرًا سيؤدي إلى أن يكون هناك في المستشفيات وبين الأطباء آلات للتلقيح والتفريخ كما نشاهد في مزارع الدواجن.
أنا أحذر إن فتح هذا الباب لن تقدروا على سَدِّهِ، وكونوا في هذا الأمر حريصين على كرامة المجتمع الإنساني وكرامة المجتمع الإسلامي، فأنتم مسؤولون أمام الله، إني أحذركم ألا تأخذوا فتوى أو قرارًا في هذا الأمر، ولنرجع إلى ما اتخذ من قرارات سابقة فنعمل على إلغائها لأن المجتمع الإسلامي والإسلام لا يرضى أن يكون الإنسان متعرضًا لهذه الإهانات.
أيها الإخوة، أيها الأفاضل، أيها العلماء، أنتم حملة الشريعة والله سبحانه وتعالى كرم بني آدم والله سبحانه وتعالى أخبرنا في كتابه العزيز بقوله {لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ} الله سبحانه وتعالى أراد العقم لإنسان أو إنسانة، فليرض بقضاء الله، لأن المؤمن يرضى بقضاء الله في جميع أموره ويتحمل، ولا يجوز لعاطفة أن تتحكم في الأحكام الشرعية، هذا الحكم الذي سبق وأن وافق عليه بعض العلماء كان نتيجة لناحية عاطفية، لن يتصور أن المرأة تكون عقيمًا لأنها تريد الولد، ولا من الناحية الإنسانية فيها، الناحية العاطفية تريد الولد فيجيء لها بأي ولد، الله سبحانه وتعالى حرم التبني، حتى هذه العاطفة التي كانت موجودة في الجاهلية حرمها الله، وأنى لكم أن تجزموا بصحة النسب ولو واحد في المليون فيه شك، يجب أن يمنع، واحد في المليون وليس واحد في الألف ولا العشرة آلاف، واحد في المليون إن كان هناك محذور يجب أن يمنع، لأن الأنساب كريمة والإسلام حفظ الإنسان وكرمه وبين له الطريق الواضح.(2/237)
ولا أريد أن أطيل عليكم وأكتفي بهذا القدر من تحذير إخواني العلماء فهم مسؤولون أمام الله هم مسؤولون أمام الله، وسيحاسبهم الله وإياكم أن تنجروا وراء ما في الغرب من مفاسد ومن ماديات سببت أن يكون العالم في قلق واضطراب وهو في قلق واضطراب بسبب ماديتهم البحتة، ونحن المسلمون حملة الرحمة والعدل في العالم إن تمسكنا بديننا وعملنا بما يرضاه ربنا، ولا أريد أن أذكر ما يحصل من محاذير بسبب التلقيح وما حصل من مفاسد في المجتمع، وشكرًا والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم.. أحب مبدئيًا إخواني الأساتذة الكرام أن أنبه إلى نقطة، فقد جاء في كلام الأخ الكريم الدكتور البار أن حالة الظئر الضرة، ولما أقول حالة الظئر فلا أحتاج لشرحها فقد صارت معروفة، إن هذه الحالة قد أجازها المجمع الفقهي في مكة إضافة إلى الحالتين اللتين أقرهما وهما التلقيح الصناعي الداخلي بين ماء الرجل وزوجته يحقن حقنًا، وحالة التلقيح الخارجي في أنبوب الاختبار بين بذرتين من زوجين في حالة قيام الزوجية بينهما تلك الحالتان أقرهما المجمع، ففهمت من كلام أخي الكريم الدكتور البار أن المجمع أقر الحالة الثالثة وهي عندما تكون الظئر أو الأم المستعارة ضرة لأخرى لا تحمل، وأن التلقيح يكون بين بذرة زوجها وبويضة تلك الضرة وكلتاهما لزوج واحد، طبيعي واضح، أريد أن أقول وأنبه نعم أن المجمع الفقهي في مكة كان أقر في دورته قبل السابقة الحالة الثالثة هذه، ولكنه في الدورة السابقة قد رجع عن هذا القرار بالنسبة لحالة الظئر الضرة، وذلك لأن الأستاذين الكبيرين الدكتور البار والدكتور باسلامه كانا حاضرين في هذه الدورة السابقة وأقرا ما ذكره بعض الأعضاء نقلًا عن بعض الأطباء أن هذه الحالة يمكن أن يحصل فيها اختلاط في النسب فيما إذا تصورنا أن البويضة من إحدى الضرتين التي أخذت ولقحت في أنبوب الاختبار بمني زوجها وبعد التلقيح في أنبوب الاختبار زرعت اللقيحة في الضرة الأخرى المتبرعة بالحمل، وهي أيضًا زوجة للرجل نفسه، أنه في هذه الحالة من المحتمل، وإن كان على بعد، أن يحصل اتصال بين الزوج والضرة الظئر التي تبرعت بالحمل في مرحلة بعد مرحلة الزرع في الرحم وعندئذ لا يدرى إذا علق الطفل وكبر وولد، هل هو من الزرع من بويضة ضرتها أو هو من بويضة ذاتية منها نتيجة اتصال زوجها بها، هذا الاحتمال أثير في الدورة السابقة للمجمع الفقهي بمكة، وأقر الأطباء الكرام إن كان هذا وإن كان على بعد كبير لكنه حالة محتملة نادرة، وبناء على ذلك رجع المجمع الفقهي في دورته السابقة عما كان أقره في الدورة التي قبلها من جواز هذه الحالة الثالثة، حالة الظئر الضرة، فأحببت أن أنبه إلى هذه الناحية، ثم أحب أن أنبه أيضًا تنويرًا لاخواني الكرام أن المجمع الفقهي في مكة لم يطلق إباحة الحالتين اللتين أقرهما عندما تكون البذرتان من زوجين وفي حال قيام الزوجية، هذه الحالتان الخارجية والداخلية لم يقرهما بإطلاق، وإنما المجمع الفقهي الكريم قرر قبل الكلام على الصور، قرر مبادئ عامة، من جملة تلك المبادئ أن كل انكشاف لامرأة على شخص أجنبي هذا محظور شرعًا ولا يباح إلا لحالات الضرورة، وكذلك أقر أن من جملة الحالات التي لا ضرورة فيها ولا يباح فيها حتى الحالتان الجائزتان ما إذا كان هناك أولاد للزوجين أو للمرأة التي تريد ولكنها تريد المزيد، فهذه أيضًا لا يكون لها مبرر ولو في الشروط المبينة في الحالتين، كذلك من المبادئ العامة التي أقرها أنه كلما ساغت حالة من الحالات الجائزة وأريد تنفيذها يجب أن يتولى عملية التنفيذ طبيبة امرأة إن كان ذلك ممكنًا، امرأة مسلمة، فإن لم يكن ذلك موجودًا فامرأة غير مسلمة، لأن انكشاف أحد الجنسين على الآخر كما هو معروف فقهًا أهون من انكشافه على جنس آخر، وأيضًا إذا لم يتوافر ذلك فطبيب مسلم ثقة عدل يؤمن عليه الكذب والتلاعب والاحتيال، وهكذا أقر عدة مبادئ، هذه كشرائط عامة في الموضوع.(2/238)
الرئيس:
فضيلة الشيخ، من الذي يكيف أن هذا هو الطبيب المسلم الثقة؟ من الذي له الحق؟
الشيخ مصطفى الزرقاء:
حالته المعروفة بين الناس يعني أن يكون رجلًا متدينًا ملتزمًا محافظًا على واجباته الشرعية يعني ما هو معروف من الناس أن هذا رجل متدين صالح، وهذا على خلاف ما يعرفه الناس من ذلك.
والشيء الأخير أيضًا الذي ينبغي أن أكرره تكرارًا، وقد ذكر على ألسنة الأساتذة، أن الجواز محصور في حالتين فقط كما أقره المجمع الفقهي في مكة من بين سائر الحالات الكثيرة والتي تضاعفت أيضًا صورها بين حين وآخر، وتتولد صور كثيرة كما أشار إليه الدكتور البار حفظه الله أن الجواز محصور فقط بهاتين الصورتين لا يتعداهما وبالشروط التي تتحقق بها المبادئ العامة كما ذكرت، وهما التلقيح الصناعي الداخلي بين مني الرجل والمرأة، يحقن حقنًا فيها عندما يكون لا يحصل الحمل بالحال الطبيعي في زوجته يعني في حال قيام الزوجية، والحالة الثانية حالة طفل الأنابيب، لما تكون البذرتان من زوجين، البويضة من زوجة والحيوان الذكري من زوجها ويلقحان في أنبوب اختبار ثم يزرعان في الزوجة نفسها لا في ضرتها، هذا ما أحببت التنبيه إليه مع ملاحظة حالة الضرورة بوجه عام.(2/239)
الشيخ علي السالوس:
كنت أريد أن أستفسر عن الحالة الخاصة بالظئر الضرة والحمد لله أستاذنا الدكتور بين هذا، ثم كنت أريد أن أقول أن الحالتين اللتين وافق المجمع الفقهي بمكة بالشرائط المذكورة قد لا يحتاج إلى نقاش طويل حيث إنني لا أرى فيه أي مانع شرعي، والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد.
الرئيس:
بعد هذه المداولات والإيضاح التام سواء من جهة التصور على يدي الطبيبين الكريمين أو من جهة البحوث المعدة على يد المشايخ الأجلاء، فإنني أستسمحكم في أن أعطي عرضًا موجزًا لنتائج هذه المداولات ثم الخيار متروك إليكم، لكن أحب من الطبيبين الكريمين أن ألقي عليهم سؤالًا كالآتي:
أنواع التلقيح كانت تدخل تحت فئتين: التلقيح الداخلي والتلقيح الخارجي بأنواعه السبعة التي هي قابلة للتكاثر، ثم سمعنا الأستاذ باسلامه أنه ينبغي التقسيم إلى ثلاث مجموعات – مجموعة طفل الأنابيب – مجموعة التلقيح الصناعي – مجموعة الرحم الظئر.
لكن أنا أسأل الطبيبين الكريمين أنه بدا لي أنه يكون هناك تقسيم رئيسي لتدخل فيه هذه الصورة وما يستجد، ومن ضوء المداولات الفقهية، وهذا التقسيم يكون كالآتي:
- التلقيح الذي يكون بين الزوجين فقط، سواء كان بواسطة الحقن أم بواسطة طفل الأنابيب أم بأي واسطة يكتشفها الطب في أي فترة أخرى.
- القسم الثاني التلقيح الذي يكون فيه طرف من غير الزوجية القائمة.
فما أدري نظر الأستاذ باسلامه لأنه هو الذي أوحى بالمجموعات حول هذا التقسيم.
الدكتور عبد الله باسلامه:
بسم الله الرحمن الرحيم.. هنا يجب أن ننظر، ويبدو لي المفهوم العلمي واللغوي للكلمات، إذا قصرنا المفهوم اللغوي والعلمي، التلقيح بين الزوجين، التلقيح في عرفنا الطبي ولا أستطيع أن أخوض فيه لغويًا، هو أن تلتقي البويضة بالحيوان المنوي فيتم التلقيح، لكن هذا لو أخذناه كجزء وحده لا يمنع أن يتم التلقيح وتؤخذ خلاصة التلقيح وتوضع في طرف ثالث، فيجب هنا أن ننوه أو على الأقل أن نضع بين قوسين ما نقصد بالتلقيح، وهو التلقيح ثم حضانة ما في التلقيح في الزوجة.(2/240)
الرئيس:
نحن نستطيع أن نحذف كلمة التلقيح إذا رأى المشايخ ذلك، وتكون التوليد أو الولادة أو الحمل، لكن أنا قصدي أنه المجموعات من حيث النظرة الشرعية إما أن تكون بين زوجين فقط أو أن هناك طرفًا ثالثًا فهذا هو المنطلق الأصل في قضية التوالد، فهل من اعتراض من وجهة نظر الأطباء على مثل هذا التقسيم.
الدكتور عبد الله باسلامه:
لو قلنا التلقيح والحمل بين الزوجين يمكن تكون أفهم، والوضع الآخر هو في وجود طرف ثالث.
الشيخ عبد الله البسام:
الطرف الثالث هذا يحتمل أن يكون هو الطبيب المجري للعملية سواء كانت عملية في الأنبوب أو عملية التلقيح الصناعي ويحتمل أن يكون الطرف الثالث هذا امرأة مستعارة أو رجلًا مستعارًا.
الرئيس:
المراد من لهم أثر، المراد الذي ينطلق منه الماء سواء كان ذكرًا أو أنثى، لكن أنا قصدي أننا لو جعلناه تحت هاتين المجموعتين، لأنني انطلقت من هذا من شيء واحد لأن الطبيبين الفاضلين ذكروا أنه جاء صور بعد هذه الصور السبع متعددة، فطالما أنه هناك صور، فالمنطق الشرعي إذا كان الماء من زوجين فهذا قسم مستقل بنفسه بصوره وإذا كان من زوجين بينهما طرف ثالث، ماء رجل ثالث أو ماء امرأة ثالثة، فهذا قسم يدخل تحته الصورة القائمة وما يأتي من الصور المستقبلة التي أشار إليها على سبيل الإجمال الطبيبان الفاضلان.(2/241)
الشيخ عبد الله البسام:
لماذا لا نجعل التقسيم من باب الحكم، مادمنا أننا في مجمع الفقه الإسلامي.
الرئيس:
أنا أريد يا فضيلة الشيخ هو هذا، أن أصل إلى هذا، نتيجة لهذا أستسمحكم في أن أذكر خلاصة ما دار فإن رأيتموه مناسبًا فذاك وإذا لم يكن مناسبًا فالأمر متروك إليكم والموضوع ما طرح إلا ليعطي البحث المهم الجاد وتتلاقح فيه الفهوم والآثار قبل تلاقح النطف.
الشيخ محمد علي التسخيري:
معذرة، إذا طرحنا التقسيم طبق ما تفضلتم، هناك صور قد تطرح ويختلف فيها أحيانًا النطفة من الرجل والبويضة من المرأة ثم تنميان في رحم صناعي وهذا شيء محتمل رحم صناعي بدل الأنبوبة تحمل وتصل إلى مستويات وربما العلم يصل إلى هذا المستوى، إذا أصدرنا حكمًا عامًا لهذا العنوان العام ربما نختلف.
الرئيس:
أنا لا أريد أن أصدر حكمًا عامًا، أنا أريد عنونة للصور الواقعية، أنا عندي مسألة: طفل الأنبوب الآن ركز على أنه بين الزوجين حسب الصورة الثالثة الموجودة لدينا، لكن طفل الأنبوب من الجائز جدًا أن يكون بين زوج وامرأة أجنبية أو بين امرأة أجنبية وزوج، هذا من الجائز جدًا، لكن لعله لوحظ في هذا أصل المنشأ، أن طفل الأنبوب أصل نشأته إنما هو بين زوجين وإلا فمن الجائز جدًا أن يكون طفل الأنبوب بين زوج وامرأة أجنبية أو أن هناك رجلًا أجنبيًا هذا جائز جدًا ومتصور وقد ذكر الأطباء هذا التصور بل من المخاطر التي تحيط بطفل الأنبوب حينما يكون بين زوجين.
الشيخ مصطفى الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم.. إخواني الأساتذة الكرام، سيادة الأخ المدير أنا أستطيع أن أرد جميع حالات الجواز إلى حالة واحدة ولكن لها شروط، كل شيء له شروط، ممكن أن نقول إن حالة الجواز واحدة وهي ما إذا كانت البذرتان اللتان يتكون منهما الجنين مأخوذتين من زوجين في حال قيام الزوجية بشرط أن تكون المرأة التي تحضنهما هي الزوجة نفسها لا سواها، سواء بعد ذلك أكان بطريق التلقيح الداخلي وهو طريقة حقن ماء الرجل بدلًا من الجماع الطبيعي في رحم المرأة أو كان بطريق التلقيح في الأنابيب ثم زرعه في رحم المرأة نفسها، يعني حالة واحدة ولكن بشروط، أن يكون من زوجين في حال قيام الزوجية وتكون التي تحمل هي الزوجة نفسها سواء بطريق التلقيح الداخلي أو الخارجي، وأما إذا قلنا فقط أن تكون البذرة من زوجتين فيبقى احتمال ولابد من وضع شرط وهو أن يزرع في رحم صاحبة البذرة وإلا لو لم نضع هذا الشرط يبقى احتمال أن تؤخذ البذرتان من زوجين وتزرعا بعد التلقيح في امرأة ظئر، وهذه قد أخرجت من الجواز، فلو حصرنا الموضوع في حالة واحدة وبشرائط يكون أجمع وكل ما سوى ذلك يقال من مختلف الصور مهما تنوعت هو حرام.(2/242)
الشيخ عبد الله البسام:
أؤيد ما قاله فضيلة الشيخ مصطفى، بأنه لو حدثت أحوال أخرى وهو تحت قاعدة أن النطفتين –مني الرجل الزوج والزوجة- لو حدثت أمور أخرى استطعنا واستطاع أي إنسان أن يبحث ويدخلها تحت هذه القاعدة، لأننا لا نعرف لأن فيما بعد يأتي صور أخرى كهذا، فإذا قعدناها على هذا الأساس مهما أتت من الصور دخلت تحت هذا وما عدا نطفة الزوج ونطفة الزوجة في امرأة زوجة واحدة هي صاحبة البويضة.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم أعتقد في هذا المقام أنه لابد من الوضوح الكامل حتى لا تكون القرارات محل تأويل، وعندنا أمران منفصلان: المنشأ والمحضن، فالمنشأ لابد من التنصيص على أنه من زوجين في حالة قيام الزوجية بينهما، والمحضن: لابد أن يكون هو الأم الذي منها البويضة، والتنصيص عليهما وإن كان فيه تطويل لكن هو مؤكد حتى لا يختلط هذا بهذا وحتى لا يكون محل تأويل، وشكرًا.
الرئيس:
يعني لابد من وجود شروط.
الشيخ المختار السلامي:
طبعًا، المحضن والمنشأ.
الشيخ محمد شريف أحمد:
بسم الله الرحمن الرحيم.. في الحقيقة إني أقدر العوامل النفسية والاجتماعية التي تدفع أطباءنا المسلمين الملتزمين بإثارة الموضوع لدى هذا المجمع الفقهي الكبير ولكني أود فقط أن أثير ملاحظة وهي أن هذا الطفل المصنع بالتلقيح الصناعي أو طفل الأنابيب سيكبر حتمًا ويصبح إنسانًا مسلمًا ويستمع إلى القرآن الكريم، أود أن أثير هذه الملاحظة، فماذا سيكون شعوره عندما يسمع إلى القرآن الكريم يقول: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (5) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ} أقصد التركيز على كلمة "دافق" {يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} والآية الثانية {أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (20) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} وأيضًا على {فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ} مجرد ملاحظة لا أقل ولا أكثر، وشكرًا.(2/243)
الشيخ محمد عبده عمر:
بسم الله الرحمن الرحيم.. والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أما بعد..
فإنني أقدم الشكر والامتنان للسادة الأفاضل الأطباء الذين أفضوا علينا بيانهم في هذا الموضوع الشائك والمهم للأمة الإسلامية، وأنا أعتقد أن العلم مقدس في الإسلام وأننا مأمورون كمسلمين أن نستفيد منه في كل نواحي حياتنا، وأنا مع الرأي الذي يؤيد هاتين الصورتين: أطفال الأنابيب، وأطفال التلقيح الصناعي، أما المحاذير فيمكن كما تفضل الشيخ مصطفى الزرقاء، أن نضع لهما الشرائط الصحيحة والسليمة والتي نضمن منهما الحكم الشرعي الصحيح، فأنا أضم رأيي إلى رأي الشيخ مصطفى الزرقاء في جواز هاتين الحالتين، وأيضًا لا ننسى أنه قد تكون من الحالات ألا يكون هناك طرف ثالث، لا طبيب ولا طبيبة أجنبي بل قد يكون الزوج هو الطبيب، وقد تكون الزوجة هي الطبيبة، وفي هذه الحالة ما فيه أي محذور من إدخال جنس ثالث على هذه العملية وشكرًا.
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم.. في الواقع لا أريد أن أكرر ما دار من نقاش، فقط أحب أن أشير إلى موضوع لم يوقف عنده في المناقشة إذ هو الأمر الذي يجري الآن بالنسبة لأطفال الأنابيب على أخذ أكثر من بويضة وإعداد أكثر من جنين كتسهيل لعملية الحصول على الولد والتي تسمى "الأجنة المجمدة" ما وقفنا عند هذه القضية يعني هي موضوع بداية الحياة، هناك كثير من الآراء الفقهية الآن خاصة في موضوع الحديث عن الإجهاض تصر على أن بداية الحياة هي من لحظة اتحاد الحيوان المنوي بالبويضة، وبالتالي إذا أخذنا اللقيحة الأولى المرشحة ووضعناها في الرحم، وتم الإنجاب، تلك ستتلف أو ستذهب إلى الاختبارات فما هو حكم الإجهاز عليها؟ هل هذا يرشح قيدًا جديدًا على الذين أجازوا بأن تتم العملية بالتدريج، بويضة بحيوان منوي، فإذا فشلت بدأنا بالعملية من جديد وأنه لا يجوز أن نحضر مجموعة كبيرة من الأجنة نقتل ما غير ناجح منها أو غير ما تم زرعه في الرحم وتم منه الولد، خاصة أن عملية الإجهاض الآن عملية نعاني منها معاناة كبيرة وأيضًا تسبب محاذير كثيرة، فإذا أجزنا عملية قتل الأجنة في هذه الحالة بعد أن نأخذ واحدًا منها وتتم عملية الولادة، فإننا يجب أن نأخذ هذا المنحى أيضًا في موضوع الإجهاض ونبيح عملية قتل الأجنة في المراحل الأولى وهو ما يتحفظ بعض العلماء عليه كثيرًا في هذه الأيام، وشكرًا.(2/244)
الشيخ عبد الله البسام:
أحب أن أعلق على ما قاله فضيلة الشيخ الشريف أنا أشكره على هذه الغيرة من ناحية القرآن من هذه الناحية ولكن أحب أن أقول إن هذا العمل وهذا الاكتشاف أننا لو قلنا إنه ينافي آيات القرآن سواء استعملناه أو لم نستعمله، لو قلنا كذا لصار فيه ثغرة على معاني القرآن ولكن معاني القرآن ما تزال باقية، لا تزال باقية حتى في هذه الحالة، فالطفل خلق من ماء دافق ما خلق إلا من ماء دافق، وأيضًا سيجعل في قرار مكين إلى أجل معلوم أو إلى قدر معلوم، لأنه سينقل وهو بذرة صغيرة سينقل إلى قرار مكين، فأحب أن أقول أن آيات القرآن والحمد لله باقية وأنه لا يعتريها شيء وأنه تنزيل من حكيم حميد، فمهما كانت الحال فالقرآن باق بمعانيه سواء استعملنا هذا العلم أو سواء تركناه لمحاذير أخرى، فالقرآن والحمد لله باق لأنه تنزيل من حكيم حميد.
الشيخ محيي الدين قادي:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
قضية التلقيح الصناعي أو طفل الأنابيب تؤصل أولًا ثم يفتى فيها ثانيًا، التأصيل أن النسل نعمة من الله من بها على أفضل خلقه وهم الرسل والأنبياء {وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً} .
والأمر الثاني أن النسل سبب لخلود البشر، الحديث الشريف ((إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث)) فعدم النسل لأية أسرة هو موقع في الحرج والمشقة، فالنسل إذن لكل أسرة على انفراد هو حاجة، والحاجة راعتها الشريعة الإسلامية، وثالثًا لا نقول بأن هذه المرأة عاقرًا أو هذا الرجل عقيم، لأن العقم الطبيعي لا يعالج، وهو الذي أشارت إليه الآية الكريمة {يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (49) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا} إنما الذي يعالج هو أمراض مانعة من الحمل لخصها لنا أهل الذكر وهم الأطباء فعليهم أن يشرحوا لنا من الوجهة الطبية وعلى السادة الفقهاء أن يتأملوا جيدًا ويصدروا الحكم، والذي يبدو لي ولست بالضليع وإنما أنا ضالع أنه متى دعت الحاجة إلى ذلك كعلاج لمرض يمنع من النسل مع وضع كل ما أدى إليه عدم الإنجاب من اللجوء إلا الغرب ومن اللجوء إلى مستشفيات غير مسلمة وغير ملتزمة بالأخلاق، يعني نضع هذا وكانت الزوجية قائمة بين الزوج والزوجة وتحققنا من ماء الزوج في التلقيح الصناعي ونظافة الأنبوب وعدم إضافة أي ماء إليه ولا أقول دواء، وحصل المني بالطرق الحلال وهو وطء الزوجة ووضع في محله الذي هو محل الحرث وكان الطبيب ثقة في مهنته وإن وجدت المرأة فلا يتعدى ذلك إلى الرجل وإن لم توجد تعدينا إلى الطبيب المسلم، وكذلك الأمر في طفل الأنبوب ونزيد قيدًا وهو مراقبة عملية النمو في الأنبوب ويكون ذلك تشريعًا متقبلًا في مستشفياتنا وصائغًا لأنه حرص من فقهاء الإسلام على كلية من كليات جميع الشرائع التي هي حفظ النسب والتي جاءت شريعة الإسلام بالحفاظ عليها للأفراد والجماعات وزاد الإسلام برعاية التطبيق لها، والسلام عليكم ورحمة الله.(2/245)
الشيخ محمد علي التسخيري:
شكرًا سيدي الرئيس، أود أن أقول هنا بكل اختصار أننا تارة نبحث عن الحكم الأولي لهذه الحالة وأخرى نلاحظ الحكم الثانوي التي تفرضه حالات مقارنة، أما بالنسبة للحكم الأولي فلا أتصور أن هناك أي مانع من قيام هذا التلقيح، ولا أعتقد أن هناك دليلًا معينًا إجماعًا أو شيئًا من هذا القبيل يعارض هذا المعنى، الكلام كله ينصب على العوارض وعلى الظروف الثانوية التي تستدعي حكمًا ثانويًا، والفقيه عليه أن يلاحظ العوارض بشكل دقيق، العوارض التي ذكرها أخونا الكريم والكبير الشيخ التميمي يمكنها أن تنفر الإنسان الفقيه من الحكم بهذا المعنى لكنها لا تستطيع أن تمنعه ولا يمكنها أن تؤدي إلى احتياط مقبول، مثلًا مسألة أن العائلة قد ترفض هذا الشخص مسألة الكرامة الإنسانية قد لا تحفظ هنا قد يأتي وضع طبيعي يحتفظ بالكرامة هنا والعائلة تقبل هذا المعنى، مسألة الشكل، الاعتراض على قضاء الله باعتبار أنه أراد الله العقم وينبغي أن نسير مع هذه الإرادة، الكلام هو من قال أن الله أراد العقم هنا مع أنه يحتمل وجود طريق طبيعي للتخلص من هذه الحالة، وكما أشار أخي محيي الدين، العقم قد يكون هنا العقم الكامل، مسألة الشك في صحة النسب، إذا استطعنا أن نثبت الطريق الشرعي فلا يبقى شك في صحة النسب ولا واحد بالمليون إذا كان الطريق شرعيًا.
يبقى مسألة الإجهاز على اللقيحة الإضافية هذا الإشكال وارد ويجب أن يبحثه العلماء هل يجوز الإجهاز على لقيحة ولو قبل لحظات أم لا، وهل تحل الحياة الحقيقية لا الحياة العرفية في هذه اللقيحة أم لا؟ إشكال وارد وربما أدى إلى أن يقول إنسان ما بدية من هذا القبيل إذا توسعنا في مفهوم الدين، هذا المعنى يجب التأكد منه دقيقًا وإذا لم نتأكد يمكننا أن نفترض أن العملية تتكرر، تؤخذ البويضة وتلقح وإذا لم تنتج تتكرر من جديد، وإلا فالإشكال الشرعي باق هنا.
النقطة الأخرى مسألة الظئر، هذه المسألة لا نستطيع أن نقول بها بضرس قاطع بعد أن كان الماء من الزوج والبويضة من الزوجة والحمل في رحم مباحة للزوج، فيجب أن نبحث، الإشكال مطروح أنه يحتمل أن الزوج يواقعها ويشتبه الأمران، يمكننا أن نفرق ونشترط على الزوج ألا يتصل بزوجته إلا بعد تبين الحمل بشكل طبيعي ولا يأتي هذا المحذور بعد ذلك، الشيء الآخر هناك فروض أعتقد أننا قد نبتلى بها الآن ولكن من الطبيعي جدًا أن نبتلى بها في المستقبل وهو الفرض الذي أشرت إليه، قد يفترض أن العلم ينمى أو يضع رحمًا صناعيًا، وهذا الرحم الصناعي ليست كمجرد أنبوب وإنما تحتضن الطفل منذ اللقيحة وحتى الولادة، قد يمكن أن يتوصل، نحن يجب أن نلحظ هذه الجوانب أيضًا ولا نغلق الأبواب تمامًا وبعد ذلك نضطر إلى فتحها من جديد، لا أدري إذا كان الإخوة يسمحون أم لا، يمكن أن نحتمل العلم أن العلم يتوصل إلى نطفة صناعية تؤخذ من النباتات وما إلى ذلك، هي أمور يجب أن نلحظها.(2/246)
الخلاصة، المحاذير التي ذكرت ثانوية كلها ولكنها واقعية يجب أن نلحظها بعين الاعتبار، وعلينا أن نحتاط لديننا ونحتاط لنسلنا، ولكن الاحتياط يجب أن يكون احتياطًا طبيعيًا، الاحتياط المضيق قد يؤدي إلى تحريم حلال، فنغلق الباب أمام حلال شرعي تمامًا كما قد نحلل حرامًا قد نحرم حلالًا وكلاهما مرغوب عنه، وشكرًا.
الرئيس:
أحب أن أضيف إلى كلمة الشيخ أن الفتيا أو تقرير الجواب لن يتجاوز الصور المطروحة أمامنا، نفس الصور المطروحة أمامنا هي التي تعطينا التصور الكامل للوقائع في هذا التلقيح وفي طفل الأنابيب، فنحن أمام صور واقعة أمامنًا وإذا وجد صور مستقبلية أو طرأ على هذه الصور نفسها ما يغير مسارها الذي شخص أمامنا، فالعلم والإيمان مكانهما إلى يوم القيامة وأهل العلم موجودون.
الشيخ أحمد محمد الخليلي:
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
شكرًا معالي الرئيس، في الواقع ما كنت أردت أن أتحدث في هذا الموضوع لأنه مما قيل الحكم على الشيء فرع تصوره، فالشخص الذي لا يتصور الشيء تمام التصور ينبغي أن يقف دون الحكم له أو عليه، والله تعالى يقول {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} ولكن من خلال البحث أخذت بعض الفائدة وفهمت شيئًا من صورة التلقيح الصناعي أو طفل الأنابيب، وأردت أن أنبه على شيء، وهو أن الله سبحانه وتعالى بحكمته خلق الإنسان من أبوين من ذكر أو أنثى وجعل بين النسل والأصل رباطًا هذا الرباط يتمثل في هذه العاطفة، عاطفة الأبوة والأمومة من ناحية، ومن ناحية ثانية عاطفة البنوة، وجعل الله سبحانه وتعالى سبب وجود هذا الإنسان بحسب حكمته التلاقي ما بين الزوجين، وهذا التلاقي تصحبه مشاعر الود، مشاعر الرحمة، مشاعر التعاطف بين الزوجين بحيث يكونان كالشخص الواحد بحيث تتحد مشاعرهما تكون كمشاعر الإنسان الواحد، لا ريب أن في ذلك حكمة كبرى من الله سبحانه وتعالى في خلق هذا الإنسان بهذا السبب، فإذا ما فقد هذا الأمر فقدت هذه المشاعر في تكوين هذا الإنسان، ماذا عسى أن يكون مستقبل هذا الإنسان الذي يتولد بهذه الطريقة التي تفقد هذه المشاعر ما بين أبويه في حالة تكوينه، فهل يكون هذا الإنسان في المستقبل إنسانًا طبيعيًا أو تتغير حالته؟ ما أظن أن الأطباء ولا غيرهم يستطيعون أن يجزموا في هذا بحكم، ومن القواعد الشرعية المسلمة "درء المفاسد مقدم على جلب المصالح" ومن المعلوم قطعًا أن انكشاف المرأة للرجل الأجنبي حتى ولو كان عدلًا ثقة بل حتى ولو كان نبيًا مرسلًا، لا يصح إلا لضرورة لا محيص عنها، ومادامت المنفعة وهمية، لأن إلى الآن لا نستطيع إن نقول أن المصلحة حاصلة، فالأطباء أنفسهم يقولون أن 80 % من التجارب تبوء بالفشل، فإذن المصلحة إلى الآن هي وهمية، مصلحة مظنونة بينما المفسدة مفسدة متيقنة، وهي اطلاع الرجل الأجنبي مهما كانت حالته في الصلاح والاستقامة على عورة المرأة، وفي نفس الوقت هذه القيود التي ذكرت، طبعًا هي قيود نبعت من أفكار أناس فيهم الغيرة على دين الله تعالى وعندهم حصافة الرأي وعندهم العلم الواسع، ولكن هذه القيود هل نحن نستطيع أن نفرضها؟ إلى الآن طبعًا الحمل يكون في أمريكا أو في أوربا، أين الطبيب المسلم الثقة أو أين الطبيبة المسلمة الثقة؟ هل هناك موجودة، وكون الزوج نفسه طبيبًا والزوجة طبيبة هذه حالات نادرة، والنادر لا حكم له، والإسلام يحرص على أن تكون الأنساب أنسابًا سليمة لا يشوبها أي شك وحسب ما سمعت بأن التلقيح يكون تلقيح عدة بويضات من عدة حيوانات لأجل الاحتياط وهذه يحتفظ بها في الثلاجات هناك، فإذا كان الأمر كذلك هل نحن نأمن بعد ذلك أن يتم لقاح آخر بعدما تم هذا التلقيح ما بين بويضة وحيوان منوي من زوجين بقية البويضات والحيوانات، هل نحن نأمن مادامت هي موجودة في ثلاجات عند ناس غير مؤمنين ناس غير مسلمين لا نأتمنهن بحيث لا يستغلون هذه البويضات وهذه الحيوانات التي تم تلقيحها في توليد عند ناس آخرين، أظن الشيء هذا لا نستطيع أن نجزم فيه خصوصًا بما أن إلى الآن كل شيء يتم في الغرب ولو كانت ولادة مثل التي هنا في السعودية لكن التلقيح تم في الغرب، فمادام الأمر كذلك فيجب أن نتبصر وأن ننظر أيضًا إلى مستقبل هذا الطفل هل يكون مستقبله طبيعيًا أو غير طبيعي، وقد قدم النصيحة فضيلة الشيخ رجب التميمي ويجب أن ينظر إلى هذه النصيحة نظرة اعتبار وتقدير لأنه يجب علينا أن لا نندفع وراء العواطف وأن نقول هذا عمل إنساني أو نقول أننا نريد أن يظهر الإسلام بمظهر التقدم العلمي، لا، الإسلام أجل من ذلك، فالقضية مطروحة للنظر والتأمل، وشكرًا لكم.(2/247)
الرئيس:
في الواقع هذا الموضوع حصل حوله مداولات كثيرة وكبيرة ومثرية جدًا، فشكر الله لأصحاب الفضيلة ذلك.
وتعرفون أنه استغرق من الزمن الشيء الكثير وليس بكثير على مثل هذا الموضوع الحساس المهم، لكن مثل هذا الموضوع الذي سبق أن أعطى حقه من الدراسة العميقة المتأنية من مجمع فقهي فيه عدد كبير من أصحاب الفضيلة العلماء ودرس في عدة دورات إن لم يكن في اربع ثلاث دورات أو أربع أو خمس دورات ثم توصلوا إلى القرار الأخير، ولهذا أرجو قبول أن أحسم الموضوع وأن أبين الاتجاهات التي حصلت في جلستكم هذه ثم نصوت على الرأيين الموجودين أمامنا من خلال هذه المداولات والمناقشات. مناقش يطلب الكلمة.
الرئيس:
كلنا يبغي دقيقة يا شيخ رجائي التصويت والرأي رأيكم، يا فضيلة الشيخ عندي عدد مسجلين حوالي ثمانية من المشايخ لم يتكلموا ولا مرة واحدة، فأنا طالما أن المسألة سيتكون فيها عرض لملخص لما جرى وفيها تصويت فإذا رأيتم أنه ينتهي الأمر على هذا لأنه لو تابعنا الكلام قد لا ينتهي والنتيجة فيها وضوح تقريبًا حيث تتجه في مسارين.
أصحاب الفضيلة.. إن الذي يتمثل أمامنا الآن هو أمران مهمان: الأمر الأول شبه إجماعي من مجمعكم هذا كما أجمع عليه مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة وهو:
- أن الصور الأربع والتي يكون فيها ماء أجنبي من رجل أو امرأة فإنها محرمة ولا مجال لإباحة شيء منها.
- بعد هذا أمامنا ثلاث صور، صورة كان مجمع الفقه الإسلامي بمكة المكرمة أفتى بأنه ينسحب عليها ما ينسحب على الصورتين الأوليين وهو في طفل الأنبوب بين الزوجين وفي التلقيح الصناعي الداخلي بين الزوجين، ثم إنه بعد أن استجد لديهم ما يوجب الرجوع والرجوع إلى الحق فضيلة، قرروا رجوعهم فبقي الجواز في الصورتين اللتين أشرت إليهما فقط، والصورة الثالثة هذه قرر المجمع إلحاقها بالصور الأربع من حيث المنع نظرًا لما يحيط بها من العوامل التي ترجح جانب الحظر على جانب الجواز.(2/248)
هذا مسار يظهر لي أن مجمعكم الموقر هذا شبه موافق إن لم يكن بالإجماع فهو موافق بالأكثرية، أما من ناحية الصورتين اللتين قرر فيهما مجمع مكة الجواز مع ملاحظة أنه لم يطلق الجواز فيهما وإنما أحاطهما ببعض الشروط والضوابط إضافة إلى أن هذه الشروط ربما عند المتجهين في هذا المجمع ستعمق وسيضاف إليها شيء من مزيد الضبط، وإذا سمحتم أن نأخذ بجانب التصويت، فإن الذي يظهر لي والله تعالى أعلم، وقد حصل لي تأمل في هذا الموضوع من جميع صوره سواء على صعيد مجمع الفقه الإسلامي بمكة في وقت كنت فيه عضوًا أو على صعيد مجمعكم هذا أو من خلال الدراسات الحرة، فإن الذي يظهر لي أن الصور الأربع هي محرمة لذاتها كما أجمع عليه المجمع وأما الصور الثلاث ومنها الصورتان اللتان أجازهما مجمع الفقه الإسلامي بمكة بشروط وضوابط، فالذي يترجح لدي هو القول بالمنع نظرًا لما يترتب عليهما من آثار وما يحيط بهما من ملابسات وشكوك، والشرع أتى بحفظ الأنساب وبحفظ ارتباط المجتمعات وتماسكها إلى غير ذلك من التعديلات الفقهية التي سأذكرها بوجهة نظري ومن يكون معي من الأخوة وأعطي الرأي بعد هذا إلى فضيلة الأمين العام. مناقش يطلب الكلمة.
الرئيس:
إذا كان يسمح الإخوان نعطي فضيلتكم ولا ينفتح الباب، هذا عن طريق التنازل إذ تتنازلوا وإلا ليس لي الحق، وله أرى بعض الإخوان يطلب الكلمة فاعذرني يا شيخ وإذا اتاكم الدور ممكن.
فضلًا أرجو أن تكون الآراء موجزة والإفادة برأي موجز.
اختصارًا. الصور الأربع التي قرر أنها محرمة لذاتها. هل من معارض؟
إذن اكتسب هذا الاتفاق من أصحاب الفضيلة.
يبقى لدينا ثلاث صور:
الصورة الأولى: وهي أخذ النطفة الذكرية من رجل متزوج وتحقن في الموقع المناسب داخل مهبل زوجته أو رحمها حتى تلتقي النطفة التقاء طبيعيًا بالبويضة والتي يفرزها مبيض زوجته التقاء إلى آخره، هذه الصورة مع الصورة المشابهة لها إلا أن بينهما فترة وهيمن كان لديه تحفظ، توقف أو ممانعة في هاتين الصورتين فليتكرم برفع يده.
الشيخ رجب، الشيخ أحمد الخليلي، الشيخ الشريف، الشيخ آدم، الشيخ صابون، الشيخ إبراهيم الغويل، الشيخ جيري، الشيخ هارون خليفة، الشيخ علي العصيمي، الشيخ عبده عمر.
يبقى الذين يرون من أصحاب الفضيلة الأخذ بما أخذ به مجمع الفقه الإسلامي من جواز الحالتين، الأسلوب الأول والأسلوب الثاني، فارجو الذين يرون الجواز من غير زيادة أي شروط أو تحفظات أو ضوابط أن يتكرموا برفع أيديهم، من غير زيادة، الزيادة كأنني لاحظت أن طبيبًا مسلمًا ثقة والذين يباشرون العملية بأجمعهم سواء الطبيب أو الذي يناوله في المختبر أن يكونوا مسلمين ثقات كأنني لاحظت أن هذا الشرط غير مجسد في مجمع الفقه الإسلامي بمكة، ونحن نريد مسلمًا ثقة، حيث إنه إذا كان عدلًا وليس بمسلم، العدالة إنسانية وليست إسلامية، يجب القول إذا كان مسلمًا عدلًا فعلى أصحاب الفضيلة الذين يرون الجواز كما ذهب إليه مجمع الفقه الإسلامي بمكة، أرجو أن يتكرموا برفع أيديهم.
الشيخ مصطفى الزرقاء , الشيخ عبد الله البسام , الشيخ عبد السلام العبادي , الشيخ عبد الحليم , الشيخ عبد الستار , الشيخ علي التسخيري , الشيخ عبد اللطيف آل سعد , الشيخ السلامي , الشيخ روحان مبايان مباي, الشيخ محمد عطا السيد , الشيخ عبد الله آل محمود , الشيخ عجيل , الشيخ عبد العزيز عيسى.(2/249)
مناقش:
أرجو أن يكون هناك رفع الأيدي للمتوقفين أيضًا.
الرئيس:
سيكون..
الدكتور محمد علي البار:
هل هناك أصوات للأطباء أو ليس لهم أصوات.
الرئيس:
المراد هم الأعضاء العاملون سيشار في القرار إلى أن إشارة بدون تحديد أسماء إلى توجهات الأطباء والخبراء والباحثين، والقرار لن يخرج عن قرار مجمع الفقه الإسلامي بمكة وهذه أمانة.
الشيخ المختار السلامي:
مع افتراض أن الذي يتولى العملية يكون مسلمًا ثقة وعلى هذا صوتنا.
الرئيس:
الشيخ طه، الشيخ تقي، الشيخ عبد الرحيم، الشيخ ابو بكر، الشيخ صالح طوغ.
الشيخ عبد اللطيف الفرفور:
بسم الله الرحمن الرحيم شكرًا سيدي الرئيس، خرجت من ذلك كله بأن هذا الأمر قد يبدو ظاهره سليمًا ولكنه ذريعة لفساد كبير قادم ينبني عليه ضياع الأسر وتفككها وضياع الأنساب ووجود بنوك نطف، وهذا ما حدث في أوربا وستقدم علينا هذه المفاسد إن عاجلًا أو آجلًا ويكفي هذا فما بالكم بما وراءه من اطلاع الأجنبي على العورات من غير ضرورة ولا حاجة عامة معتبرة شرعًا، فتح هذا الباب، فتح باب لا يسد، فمن باب سد الذرائع الفاسدة حرم الإسلام كما تعلمون بعض الحلال كالنظر إلى الأجنبية بلا عذر شرعي والخلوة بها وحرم النظر إلى المرأة بشهوة ونفى سيدنا عمر نصر ابن حجاج لا لشيء إلا لأن العواتك تتغزل به في خدورهن بعد أمره إياه بحلق شعر رأسه وتنقبه رضي الله عنهم جميعًا، الشاطبي يقول كما تعلمون "ما غلب ضرره فهو ضرر محض وما غلب نفعه فهو نفع محض، ولا تتمخض الأشياء في هذه الدنيا لجانب النفع ولا للضرر" وهنا غلب الضرر فلا يصح أبدًا الجواب فيه بالفتيا من الله، بالفتيا عن الله بالجواز، إننا مسؤولون يا أيها الأخوة بين يدي الله العزيز الكبير غدًا يوم القيامة عن علمنا هذا الذي تعلمناه وعن فتيانا التي نفتي بها، {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} إنني أرى أنه لا يجوز هذا ولا فتح هذا الباب أصلًا في أي صورة مطلقًا لا في المتفق عليه من الصور ولا في المختلف به منها لا في الأولين ولا في الآخرين، لأن هذا يجر بعضه بعضًا، وفتح الباب هنا يؤدي إلى فتح باب الفساد في الأعراض والانساب وهذا شر مستطير، وإن سلم بأنه لم يوجد في الصورتين الأولين في ذاتهما قبح أو ضرر في ذاتهما، فهما محرمان لقبح في غيرهما أو في جوارهما كما ذكر ذلك الأصوليون، وأنا أرى ما يراه معالي الرئيس على بياض، وشكرًا.(2/250)
الرئيس:
في الواقع فيه بعض المشايخ ما سمعنا أصواتهم.
الشيخ عبد العزيز عيسى:
أنا موافق على فتوى مجمع مكة بشرط أن يكون عند الضرورة الملزمة وبشروطها لأنني لا أريد أن اصدر فتوى أو اصدر قرارًا بجواز استخدام أطفال الأنابيب سواء بالصورة الجائزة، وأقول بشروطه وهو أن يكونا زوجين وفي أثناء قيام الزوجية ويكونان هما صاحبي البويضتين لأنه يترتب على ذلك المخاطر.
الرئيس:
فضيلة الشيخ، أصحاب الفضيلة، مجمع الفقه بمكة في الواقع ما أطلقوا الجواز وإنما جعلوا له الشروط الضيقة التي تضيق دائرته وتحفظه في نظرهم ومنها إذا توفرت الضرورة، أظن أن هذا واضح يا شيخ عبد الله.
الشيخ عبد العزيز عيسى:
إن هذا غير موجود.
الرئيس:
إن هذا موجود في نص قرار مجمع مكة، وعلى كل، أصحاب الفضيلة الذين ذهبوا إلى الأخذ بما رآه مجمع مكة هم أربعة عشر فإذا كان لأحد من أصحاب الفضيلة أرجو أن تقرأوا ما في قررا مكة فإن كان لأحد من أصحاب الفضيلة مزيد من شرط أو ضابط فإنني أرجو التكرم بتحريره وبعثه إلى الأمانة العامة، وأما إذا كان يرى أن ما جعل من الشروط والضوابط في قرار مكة كافيًا فلا حاجة إلى البحث في هذا، والقرار إن شاء الله تعالى سوف يصاغ بالتوجهات الأربعة، الثلاثة التي حصلت من حيث وجهة المانعين ووجهة المجيزين ووجهة المتوقفين، وأرجو من أصحاب الفضيلة المتوقفين أن يصوغوا صورة قرار في توقفهم.(2/251)
الشيخ عبد الله البسام:
هذا نصه، ونظرًا إلى احتمال التلقيح الصناعي بوجه عام من ملابسات حتى في الصور الجائزة شرعًا ومن المحتمل اختلاط النطف أو اللقائح في أوعية الاختبار ولاسيما إذا كثرت ممارسته وشاعت، فإن مجلس المجمع ينصح الحريصين على دينهم ألا يلجأوا إلى ممارسته إلا في حالة الضرورة القصوى، وبمنتهى الاحتياط والحذر من اختلاط النطف أو اللقائح.
الرئيس:
على كل، نسأل الله سبحانه وتعالى أن يأخذ بيد الجميع إلى ما فيه خير صلاح العباد والبلاد وأن يوفق الجميع، وأرجو من أصحاب الفضيلة الذين أبدوا توقفهم وهم الشيخ طه، والشيخ تقي العثماني، والشيخ عبد الرحيم والشيخ ابو بكر والشيخ صالح طوغ أن يجتمعوا بجلسة جانبية ويتفضلوا بصياغة مشروع قرار ويضعوا فيه النقاط التي أوجبت توقفهم.
الشيخ محمد علي التسخيري:
صورة الظئر لم تطرح.
الرئيس:
طرحت، وهو أن الذين رأوا قرار مكة أجازوا فقرتين فقط.
الشيخ محمد علي التسخيري:
طرحت صورتان أما الصورة الثالثة فلم تطرح.
الرئيس:
أنتم تحركتم قليلًا، فلعل في وقت تحرككم..
الأمين العام:
الأستاذ الشيخ محمد علي تسخيري انتم تتجهون إلى أي رأي من الآراء الثلاثة.
الرئيس:
هل إلى قرار مكة أو إلى الآراء الأخرى.
الشيخ محمد علي التسخيري:
موافق على قرار مكة ما عدا مسألة صورة الظئر الضرة فلا مانع فيها.
الرئيس:
يعني إضافة إلى الثلاث.
الشيخ محمد علي التسخيري:
إضافة إلى الاثنتين الصور الثلاثة أوافق عليها.
الرئيس:
يعني قرار مكة الأول، شكرًا، وبهذا ترفع الجلسة وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
وبعد الصلاة أرجو أن تتفضلوا بالعودة إلى هنا مباشرة لنتم البحث في بقية الجدول وشكرًا.(2/252)
بعد الصلاة
الرئيس:
أصحاب الفضيلة، في الواقع أنه حصل لي شيء من الاستخارة في موضوع أطفال الأنابيب، ومن المحادثات الجانبية مع بعض أصحاب الفضيلة الأعضاء ومن جانب الإخوان الأطباء، وأعرض عليكم وجهة نظر إذا رأيتموها سليمة فهي، حتى لا نستعجل في امر لنا فيه أناة، والذي أراه أن هذا الموضوع انقسمت فيه الآراء إلى أربعة اقسام: المنع للحالات كلها – الجواز لحالتين فقط – الجواز لثلاث حالات – القول بالتوقف ثم إن القول بالمنع قريب النصاب من القول بالجواز ما عدا فارق شخص أو شخصين، هذا شيء، الشيء الثاني أن الأطباء ذكروا أن لديهم حالة جديرة بالاهتمام وربما تكون مؤثرة على بعض الأحوال التي حصل البت فيها، واستعدوا بأنهم سيقدمون بحثًا من ناحية نظر الطب في هذا الموضوع، والذي تبين لي إذا رأيتم وتفضلتم أن هذا الموضوع لا نستعجل فيه وأنه نظرًا للخلاف الحاصل، ولأن هناك بعض الأطباء فإنني ارى تأجيل الموضوع إلى الدورة القادمة بإذن الله تعالى، ومن ثم فإذا رأيتم وعهدتم إلي وإلى فضيلة الشيخ عبد الله البسام وإلى الطبيب الأستاذ محمد علي البار وإلى فضيلة الأمين العام محمد الحبيب ابن الخوجة، أن أعد أنا بحثًا استخلصه من جميع هذه البحوث التي لديكم سواء من وجهة التصور طبيًا أو من وجهة ترتيب الحكم الشرعي عليها، ومما لدي من البحوث لبعض العلماء وبعض المفاتي في جهات متعددة، ثم بعد ذلك يحصل لي اجتماع بأصحاب الفضيلة الذين ذكرت أسماءهم أو عن طريق المراسلة بطريقتي الخاصة حتى أصل وإياهم إلى صيغة نهائية للبحث الذي لا يكون فيه من التبدد الذي لا يحصل به التصور، حتى أجمع بين نقاط التصور النظرية الطبية ثم ترتيب الحكم الشرعي من خلال كلام الفقهاء وكلام أهل العلم، ثم بعد ذلك يبعث هذا البحث بصفة متكاملة إلى كل عضو من أصحاب الفضيلة في بلده وقبل الدورة المقبلة إن شاء الله تعالى ببضعة شهور لا بشهر ولا بشهرين بل ببضعة شهور حتى يكون هناك دراسة متأنية.
وهذا الموضوع طالما أنه جلس عمرًا طويلًا لم يفت به، فليس هناك ما يمنع أن يزيد سنة ويكون فيه شيء من الحكمة والإحكام، والحقيقة ليس من المقبول أن يصدر رأي في مسألة وهي بهذه المثابة الشائكة جدًا ثم بأربعة آراء وفي أوائل ميلاد المجمع، فإذا رأيتم هذا مناسبًا فلعلكم توافقون عليه، ولهذا نتوقف عن اتخاذ القرارات، وشكرًا.
- الموافقة بالإجماع.
الرئيس:
شكرًا أكرمكم الله، إذن تمت الموافقة.(2/253)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه.
قرار رقم 5
بشأن
أطفال الأنابيب
أما بعد،
فإن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 10 – 16 ربيع الثاني 1406 هـ / 22 – 28 ديسمبر 1985م.
إذ استعرض البحوث المقدمة من السادة الفقهاء والأطباء الذين عرضوا موضوع "أطفال الأنابيب" من جانبيه الفقهي والفني الطبي، ناقش ما قدم من دراسات وافية، وما أثير من جوانب مختلفة لاستيضاح الموضوع.
وإذ تبين له أن الموضوع يحتاج إلى مزيد من الدراسة طبيًا وفقهيًا، وإلى مراجعة الدراسات والبحوث السابقة، واستيفاء التصور من جميع جوانبه.
قرر:
1- تأجيل البت في هذا الموضوع إلى الدورة القادمة للمجمع.
2- يعهد لفضيلة الشيخ الدكتور بكر أبو زيد –رئيس المجمع- بإعداد دراسة وافية في الموضوع تلم بكل المعطيات الفقهية والطبية.
3- توجيه الأمانة ما يصل إليها إلى جميع الأعضاء قبل انعقاد الدورة القادمة بثلاث أشهر على الأقل.
والله أعلم(2/254)
بنوك الحليب
فضيلة الدكتور يوسف القرضاوي
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله.. وبعد:
فلا ريب أن الهدف الذي من أجله أنشئت "بنوك الحليب" كما عرضها السؤال هدف خير نبيل يؤيده الإسلام الذي يدعو إلى العناية بكل ضعيف أيًا كان سبب ضعفه، وخصوصًا إذا كان طفلًا خديجًا لا حول له ولا قوة.
ولا ريب أن أية امرأة مرضع تسهم بالتبرع ببعض لبنها لتغذية هذا الصنف من الأطفال مأجورة عند الله، ومحمودة عند الناس، بل يجوز أن يشترى ذلك منها إذا لم تطب نفسها بالتبرع، كما جاز استئجارها للرضاع كما نص عليه القرآن، وعمل به المسلمون.
ولا ريب كذلك أن المؤسسة التي تقوم بتجميع هذه "الألبان" وتعقيمها وحفظها لاستخدامها في تغذية هؤلاء الأطفال في صورة ما سمي " بنك الحليب " مشكورة مأجورة أيضًا.
إذن ما المحذور الذي يخاف من وراء هذا العمل؟
المحذور يتمثل في أن هذا الرضيع سيكبر بإذن الله، ويصبح شابًا في هذا المجتمع، ويريد أن يتزوج إحدى بناته، وهنا يخشى أن تكون هذه الفتاة أخته من الرضاع وهو لا يدري، لأنه لا يعلم من رضع معه من هذا اللبن المجموع.
وأكثر من ذلك أنه لا يعلم مَن من النساء شاركت بلبنها في ذلك، مما يترتب عليه أن تكون أمه من الرضاع، وتحرم هي عليه ويحرم عليه بناتها من النسب ومن الرضاع، كما يحرم عليه أخواتها لأنهن خالاته، ويحرم عليه بنات زوجها من غيرها –على رأي جمهور الفقهاء- لأنهن إخوته من جهة الأب، إلى غير ذلك من فروع أحكام الرضاع.(2/255)
ولابد لنا هنا من وقفتين، حتى يتبين الحكم جليًا:
1- وقفة لبيان معنى "الرضاع" الذي رتب عليه الشرع التحريم.
2- وقفة لبيان حكم الشك في الرضاع.
معنى الرضاع:
أما معنى الرضاع الذي رتب عليه الشرع التحريم، فهو عند جمهور الفقهاء ومنهم الأئمة الثلاثة ابو حنيفة ومالك والشافعي، كل ما يصل إلى جوف الصبي عن طريق حلقه، مثل الوجور، وهو أن يصب اللبن في حلقه، بل ألحقوا به السعوط وهو أن يصب اللبن في أنفه، بل بالغ بعضهم فألحق الحقنة عن طريق الدبر بالوجور والسعوط!
وخالف في ذلك كله الإمام الليث بن سعد، معاصر الإمام مالك ونظيره، ومثله الظاهرية، وهو إحدى الروايتين عن الإمام أحمد.
فقد ذكر العلامة ابن قدامة عنه روايتين في الوجور والسعوط.
الأولى وهي أشهر الروايتين عنه والموافقة للجمهور، وهي أن التحريم يثبت بهما أما الوجور فلأنه ينبت اللحم وينشز العظم فأشبه الإرتضاع.
وأما السعوط, فلأنه سبيل لفطر الصائم، فكان سبيلًا للتحريم بالرضاع كالفم.
الرواية الأخرى: أنه لا يثبت بهما التحريم لأنهما ليسا برضاع.
قال في المغني: وهو اختيار أبي بكر ومذهب داود وقول عطاء الخرساني في السعوط، لأن هذا ليس برضاع، وإنما حرم الله تعالى ورسوله بالرضاع، ولأنه حصل من غير ارتضاع، فأشبه ما لو دخل من جرح في بدنه.
ورجح صاحب المغني الرواية الأولى بحديث ابن مسعود عن أبي داود ((لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) .
والحديث حجة عليهم، لأنه يتحدث عن الرضاع المحرم وهو ما كان له تأثير في تكوين الطفل بإنشاز عظمه وإنبات لحمه، فهو ينفي الرضاع القليل وغير المؤثر في التكوين، مثل الإملاجة والإملاجتين، فمثل هذا لا ينشز عظمًا ولا ينبت لحمًا، فالحديث إنما يثبت التحريم، الرضاع ينشز وينبت، فلابد من وجود الرضاع أولًا وقبل كل شيء.
ثم قال صاحب المغني: ولأن هذا يصل به اللبن حيث يصل بالارتضاع، ويحصل به من إنبات اللحم وإنشاز العظم ما يحصل من الارتضاع، فيجب أن يساويه في التحريم ولأنه سبيل الفطر للصائم، فكان سبيلًا للتحريم كالرضاع بالفم.
ونقول لصاحب المغني رحمه الله: لو كانت العلة هي إنشاز العظم وإنبات اللحم بأي شيء كان، لوجب أن نقول اليوم بأن نقل دم امرأة إلى طفلها يحرمها عليه ويجعلها أمه، لأن التغذية بالدم في العروق أسرع وأقوى تأثيرًا من اللبن، ولكن أحكام الدين لا تفرض بالظنون، فإن الظن أكذب الحديث، {وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} .
والذي أراه أن الشارع جعل أساس التحريم هو "الأمومة المرضعة، كما في قوله تعالى في بيان المحرمات من النساء: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} [النساء الآية 23] .
وهذه الأمومة التي صرح بها القرآن لا تتكون من مجرد أخذ اللبن بل من الامتصاص والالتصاق الذي يتجلى فيه حنان الأمومة، تعلق البنوة، وعن هذه الأمومة تتفرع الأخوة من الرضاع، فهي الأصل، والباقي تبع لها.(2/256)
فالواجب الوقوف عند ألفاظ الشارع هنا، وألفاظه كلها تتحدث عن الإرضاع والرضاع والرضاعة، ومعنى هذه الألفاظ في اللغة التي نزل بها القرآن وجاءت بها السنة واضح صريح، لأنها تعني إلقام الثدي والتقامه وامتصاصه، لا مجرد الاغتذاء باللبن بأي وسيلة.
ويعجبني موقف الإمام ابن حزم هنا فقد وقف عند مدلول النصوص، ولم يتعد حدودها، فأصاب المحز ووفق للصواب.
ويحسن بي أن أنقل هنا فقرات من كلامه لما فيها من قوة الإقناع ووضوح الدليل، قال:
"وأما صفة الرضاع المحرم، فإنما هو ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط، فأما من سقى لبن امرأة فشربه من إناء أو حلب في فمه فبلغه أو أطعمه بخبز أو طعام أو صب في فمه أو في أنفه أو في أذنه، أو حقن به، فكل ذلك لا يحرم شيئًا ولو كان ذلك غذاؤه دهره كله"، برهان ذلك قول الله عز وجل {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} النساء: 23، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) ، فلم يحرم الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم في هذا المعنى نكاحًا إلا بالإرضاع والرضاعة، والرضاع فقط.
ولا يسمى إرضاعًا إلا ما وضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع، يقال: أرضعته ترضعه إرضاعًا، ولا يسمى رضاعة ولا إرضاعًا إلا أخذ المرضع أو الرضيع بفيه الثدي وامتصاصه إياه، تقول: رضع يرضع رضاعًا ورضاعة.
وأما كل ما عدا ذلك مما ذكرنا فلا يسمى شيئًا منه إرضاعًا ولا رضاعة ولا رضاعًا، إنما هو حلب وطعام وإسقاء وشرب، وأكل وبلع وحقنة وسعوط وتقطير، ولم يحرم الله عز وجل بهذا شيئًا.
قال أبو محمد: وقد اختلف الناس في هذا فقال الليث بن سعد "لا يحرم السعوط بلبن المرأة، ولا يحرم أن يسقى الصبي لبن المرأة في الدواء، لأنه ليس برضاع، إنما الرضاع ما مص من الثدي".(2/257)
هذا نص قول الليث وهذا قولنا وهو قول أبي سليمان –يعني داود إمام أهل الظاهر- وأصحابنا، يعني الظاهرية.
ورد على الذين احتجوا بحديث: ((إنما الرضاعة من المجاعة)) فكان مما قاله: "إن هذا الخبر حجة لنا، لأنه عليه الصلاة والسلام إنما حرم بالرضاعة التي تقابل بها المجاعة، ولم يحرم بغيرها شيئًا، فلا يقع تحريم بما قوبلت به المجاعة من أكل أو شرب أو وجور أو غير ذلك، إلا أن يكون رضاعة، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} ".
وبهذا نرى أن القول الذي يطمئن إليه القلب، هو ما يتمشى مع ظواهر النصوص التي ناطت كل الأحكام بالإرضاع والرضاع ومعناهما معروف لغة وعرفًا.
كما يتمشى مع الحكمة في التحريم بالرضاع، وهو وجود أمومة تشابه أمومة النسب، وعنها تتفرع البنوة والأخوة وسائر القرابات الأخرى.
ومعلوم أن الرضاع بهذا المعنى في حالة "بنوك الحليب" غير موجود، إنما هو الوجود الذي ذكره الفقهاء، فلا يترتب عليه حينئذ التحريم.
الشك في الرضاع
على أننا لو سلمنا برأي الجمهور في عدم اشتراط الرضاع والامتصاص لكان هنا مانع آخر من التحريم.
وهو أننا لا نعرف من التي رضع منها الطفل؟ وما مقدار ما رضع من لبنها؟ وهل أخذ من لبنها ما يساوي خمس رضعات مشبعات؟ على ما هو القول المختار الذي دل عليه الأثر، ورجحه النظر، به ينبت اللحم، وينشز العظم، وهو مذهب الشافعية والحنابلة.(2/258)
وهل للبن المشوب المختلط حكم اللبن المحض الخالص؟
ففي مذهب الحنفية قول أبي يوسف –وهو رواية عن أبي حنيفة - أن لبن المرأة إذا اختلط بلبن امرأة أخرى، فالحكم للغالب منهما، لأنها منفعة المغلوب لا تظهر في مقابلة الغالب، وهنا لا يدرى غالب من مغلوب.
والمعروف أن الشك في أمور الرضاع لا يترتب عليه التحريم، لأن الأصل هو الإباحة فلا ننفيها إلا بيقين.
قال العلامة ابن قدامة في المغني:
"وإذا وقع الشك في وجود الرضاع، أو في عدد الرضاع المحرم، هل كملا أو لا؟ لم يثبت التحريم، لأن الأصل عدمه، فلا نزول عن اليقين بالشك، كما لو شك في وجود الطلاق وعدده".
وفي "الاختيار" من كتب الحنفية:
امرأة أدخلت حلمة ثديها في فم رضيع، ولا يدري: أدخل اللبن في حلقه أم لا؟ لا يحرم النكاح.
وكذا صبية أرضعها بعض أهل القرية، ولا يدرى من هو، فتزوجها رجل من أهل تلك القرية، يجوز، لأن إباحة النكاح أصل، فلا يزول بالشك.
قال: ويجب على النساء ألا يرضعن كل صبي من غير ضرورة، فإن فعلن فليحفظنه، أو يكتبنه احتياطًا".
ولا يخفى أن ما حدث في قضيتنا ليس إرضاعًا في الحقيقة، ولو سلمنا بأنه إرضاع فهو لضرورة قائمة، وحفظه وكتابته غير ممكن، لأنه لغير معين، وهو مختلط بغيره.
والاتجاه المرجح عندي في أمور الرضاع هو التضييق في التحريم كالتضييق في إيقاع الطلاق، وللتوسيع في كليهما أنصار.(2/259)
الخلاصة:
أننا لا نجد هنا ما يمنع من إقامة هذا النوع من "بنوك الحليب"، مادام يحقق مصلحة شرعية معتبرة، ويدفع حاجة يجب دفعها، آخذين بقول من ذكرنا من الفقهاء، مؤيدًا بما ذكرنا من أدلة وترجيحات.
وقد يقول بعض الناس: ولماذا لا نأخذ بالأحوط، ونخرج عن الخلاف، والأخذ بالأحوط هو الأورع والأبعد عن الشبهات.
وأقول:
عندما يعمل المرء في خاصة نفسه، فلا بأس أن يأخذ بالأحوط والأورع، بل قد يرتقي فيدع ما لا بأس حذرًا مما به بأس.
ولكن عندما يتعلق الأمر بالعموم، وبمصلحة اجتماعية معتبرة، فالأولى بأهل الفتوى أن ييسروا ولا يعسروا، دون تجاوز للنصوص المحكمة، أو القواعد الثابتة.
ولهذا جعل الفقهاء من موجبات التخفيف: عموم البلوى بالشيء مراعاة لحال الناس ورفقًا بهم، هذا بالإضافة إلى أن عصرنا الحاضر خاصة أحوج ما يكون إلى التيسير والرفق بأهله.
على أن مما ينبغي التنبيه عليه هنا هو أن الاتجاه في كل أمر إلى الأخذ بالأحوط دون الأيسر أو الأوفق أو الأعدل، قد ينتهي بنا إلى جعل أحكام الدين مجموعة "أحوطيات" تجافي روح اليسر والسماحة التي قام عليها هذا الدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((بعثت بحنيفية سمحة)) ، ((إنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين)) ، والمنهج الذي نختاره في هذه الأمور هو التوسط والاعتدال بين الملتزمين والمتهاونين {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} .
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل(2/260)
بنوك الحليب
الدكتور محمد علي البار
ظهرت في السبعينات من القرن العشرين في أوربا والولايات المتحدة فكرة بنوك الحليب بعد أن انتشرت من قبل مجموعة من البنوك مثل بنوك الدم وبنوك القرنية وبنوك المني وبنوك الأعضاء.
وتتلخص الفكرة: في جمع اللبن من أمهات متبرعات (أو بأجر) يتبرعن بشيء مما في أثدائهن من اللبن إما لكونه فائضًا عن حاجة أطفالهن، وإما لكون الطفل قد توفي وبقي في الثدي اللبن.
يؤخذ هذا اللبن بطريقة معقمة من المتبرعة ويحفظ في قوارير معقمة بعد تعقيمه مرة أخرى في بنوك الحليب.
ولا يجفف هذا اللبن بل يبقى على هيئته السائلة حتى لا يفقد ما به من مضادات الأجسام antibodies التي توجد في اللبن الإنساني ولا يوجد مثيلها في لبن الحيوانات مثل الأبقار والجواميس والأغنام.
وتأتي أهمية هذا اللبن من الآتي:
1- احتوائه على العناصر المناسبة للطفل الإنساني.
2- احتوائه على مضادات الأجسام antibodies وأجسام المناعة immunebodies.
3- عدم وجود حساسية منه للطفل كما قد يحدث في ألبان الأبقار أو الجواميس أو الأغنام أو الماعز.
4- لبن الأمهات يحمي الأطفال من مختلف أنواع الأخماج infections (الالتهابات) التي تصيب الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي وغيرها من الأجهزة.
5- لبن الأمهات وخاصة الذي يحتوي على خلايا المناعة بكمية كبيرة كما يحتوي على كمية كبيرة جدًا من أجسام المناعة وخاصة من نوع IJA الذي يلعب دورًا في حماية الجهاز الهضمي والتنفسي للطفل.
6- لبن الأمهات يحتوي على نسبة من الزنك بينما لبن الأبقار أو الجواميس أو غيرها من الحيوانات لا يحتوي على الكمية الكافية منه.. ولذا فإن الأطفال الذين ينشأون على لبن غير إنساني يتعرضون لاحتمال الإصابة بأعراض نقص الزنك التي تؤدي إلى حدوث أعراض جلدية إما حادة أو مزمنة متمثلة في بثور وطفح جلدي سرعان ما يمتليء بالصديد أو الدم وخاصة في مخارج الجسم: حول الفم والشرج وفي الأطراف، ويصحب ذلك إسهال قد يكون شديدًا.(2/261)
لهذه الأسباب ولغيرها يدعو الأطباء الأمهات إلى إرضاع أطفالهن لما يشمله ذلك من فوائد عديدة للطفل والأم على السواء.
وبما أن الأم قد لا تستطيع إرضاع طفلها لنضوب لبنها أو لوجود مرض معد أو لأي سبب من الأسباب التي تمنع الإرضاع مثل وجود خراج بالثدي فإن البديل لذلك هو إيجاد مرضعة.
وبما أن المرضعات قد اختفين من الوجود في المجتمعات الغربية (أوربا وأمريكا) وكثير من بقاع العالم، لذا ظهرت إلى السطح فكرة تكوين بنوك الحليب.
وتعتمد هذه الفكرة على تجميع اللبن الفائض أو غير المرغوب فيه من الأمهات المتبرعات وحفظه حفظًا جيدًا في ثلاجات خاصة ثم إعطائه مجموعة من الأطفال هم في أشد الحاجة إليه ومع ذلك فإن أمهات هؤلاء الأطفال لا يستطعن القيام بإرضاعهم.
وهؤلاء الأطفال هم:
1- الأطفال الحذج Premature babies أي الذين ولدوا قبل الميعاد (أقل من تسعة أشهر) وكلما كان ذلك أقل من التسعة أشهر كلما كانت حاجة الطفل أكبر.
ومن المعلوم أن الأطفال الذين قد جاوزوا ستة أشهر يمكن أن يعيشوا وعلى هذا حكم الشرع وهو الحكم الذي استنبطه الإمام علي رضي الله عنه عندما ولدت امرأة بعد زواجها بستة أشهر فعرضت على عثمان (1) رضي الله عنه فأراد أن يتهمها بالزنا لاتهام زوجها لها بذلك فأبان له الإمام أن حملها وولادتها في ستة أشهر ممكنة وذلك لقوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا} وقال تعالى: {وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ} كما قال تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} فتبين من ذلك أن أقل الحمل ستة أشهر.
__________
(1) ذكر ابن قدامة في المغني ج ر/ أن هذه الواقعة قد حدثت في خلافة عمر رضي الله عنه، وذكر غيره، أنها حدثت في خلافة عثمان، وسواء كان ذلك في خلافة عمر أو عثمان فإن الحادثة تدل على عظيم فقه الإمام علي رضي الله عنهم أجمعين(2/262)
2- الأطفال الناقصو الوزن عند الولادة Small for date
رغم أنهم قد أكملوا مدة الحمل الطبيعية تسعة أشهر (280 يومًا من آخر حيضة حاضتها المرأة أو 266 يومًا منذ التلقيح، قد تزيد أو تنقص) .
3- الالتهابات الحادة التي قد تصيب الطفل والإثنانات تجعله في حاجة شديدة للبن إنساني لما يحتويه من مضادات الأجسام.
لهذه الأسباب قامت فكرة بنوك اللبن.. والقصد منها إنقاذ مجموعة من الأطفال الذين يحتاجون بصورة خاصة للبن الإنساني في الوقت الذي لا تستطيع فيه أمهاتهم أن يقمن بالرضاعة.. ولا يوجد في هذه المجتمعات مرضعات بأجر أو بغير أجر يقمن بهذا العمل الإنساني النبيل.
هذه الفكرة قامت ونفذت بالفعل في أوربا والولايات المتحدة.. وهي فكرة لها ما يبررها من الناحية العملية وخاصة في أوربا وأمريكا.. ومع هذا فإن بنوك اللبن قد انكمشت بصورة خاصة في الولايات المتحدة.
يقول الدكتور ماهر حتحوت (رئيس قسم الأمراض الباطنية بأحد المستشفيات الجامعية بالولايات المتحدة) :
"إن حجم المشكلة أصغر مما قد تم تصوره ابتداء: لأن الألبان الصناعية (الحيوانية) تكفي وانحصر الاستعمال لمن لهم حساسية خاصة للألبان الصناعية أو لمن لا يستطيعون هضمه.. ونسبة الأطفال الحذج حوالي 7 % من المواليد.. من هؤلاء أقل من 1 % من الـ 7 % (الذين يحتاجون للبن الإنساني) وقد قمت بالاتصال ببنوك الألبان، فلقد انكمش إلى ثلثه في الولايات المتحدة ثم اتصلت بمستشفى الأطفال في لوس أنجلوس للسؤال عن عدد المرات التي استخدموا فيها بنوك اللبن في العامين الأخيرين فكان العدد صفرًا، ولذلك فإن المشكلة صغيرة ومنكمشة، ولكن الاحتمال موجود ومطروح، وقد تختفي المشكلة ثم تظهر بعد ذلك" (1)
__________
(1) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام (سلسلة مطبوعات منظمة الطب الإسلامي) المنعقدة بالكويت 11/ 8/ 1403 هـ (24/ 5/ 1983م) بإشراف وتقديم د. عبد الرحمن العوضي وزير الصحة العامة والتخطيط ورئيس المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية الكويتي صفحة 35 - 36(2/263)
وكنت قد قمت بسؤال مجموعة من أطباء الأطفال العاملين في الولايات المتحدة عندما كنت في زيارة لها في يناير 1983 فذكروا لي أن بنوك الأطفال في الولايات المتحدة في مرحلة الاحتضار وذلك للأسباب التالية:
1- الحاجة إليها نادرة.
2- تكلفتها عالية جدًا.
3- ندرة الأمهات المتبرعات باللبن.
4- يتعرض اللبن المتجمع للفساد مع الزمن رغم حفظه في البنك فهو معرض لإصابته بالميكروبات كما أنه معرض لتحلل بعض المواد الموجودة فيه فيفقد بذلك بعض مزاياه وفوائده.
ما هي محاذير استعمال بنوك اللبن؟
1- أن أول هذه المحاذير التي ينبغي أن نركز عليها في المجتمعات الإسلامية هو المحذور الديني وذلك أن جمع اللبن من أمهات متعددات وخلطه ثم إعطاءه الأطفال يؤدي إلى عدم معرفة مَن من النساء أرضعن مَن من الأطفال، فإذا حدثت الجهالة قد يؤدي ذلك إلى أن يتزوج الأخ أخته من الرضاع أو خالته أو عمته والرسول صلوات الله عليه يقول ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) وسنناقش فيما بعد بإيجاز أقوال الفقهاء المحدثين والسابقين في هذا الموضوع الحساس.
2- أن بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة تقنيًا مثل الولايات المتحدة محفوفة بمجموعة من المحاذير التي سبق الإشارة إليها وهي أن كلفتها عالية جدًا، وأن اللبن المتجمع يتعرض إما لإصابته بالميكروبات وإما لفقدان بعض خصائصه وميزاته نتيجة تحلل المواد الموجودة فيه مع تقادم الزمن، ولندرة الحاجة إليه.
3- أن بنوك اللبن في البلاد النامية تتعرض لهذه المصاعب بصورة أشد وأعتى لأن درجة التقنية والنظافة أقل بكثير مما هي عليه في الغرب، وذلك فإنها بالإضافة إلى كونها باهظة التكاليف جدًا بالنسبة للبلاد الفقيرة تعتبر غير ذات فائدة كبيرة لتعرض اللبن إلى الإصابة بالميكروبات.. ولتحلل مواده الهامة بالتخزين الطويل.
يقول الدكتور ممدوح جبر وزير الصحة السابق في مصر وأستاذ طب الأطفال ورئيس نقابة الأطباء: "إن الفكرة تطرح في مصر قليلًا جدًا، ولدى فئة متخصصة قليلة وهي المهتمة بشئون الأطفال المبتسرين (أي الحذج) لأنهم يحتاجون بشدة إلى الرضاعة الطبيعية، ولا يمكن للطفل من الحصول المباشر عليه، ولكن رغم أن الفكرة (أي فكرة بنوك الحليب) تم تنفيذها في بعض البلدان الأوربية وفي أميركا وتحقق نجاح كبير هناك (سبق أن قلنا إن بنوك الحليب في الولايات المتحدة تحتضر) إلا أنه يصعب تنفيذها هنا داخل مصر أولًا، لأن الرضاعة الطبيعية ليس فيها مشكلة في مصر لأن نسبة 85 % من الأمهات المصريات يرضعن أبناءهن رضاعة طبيعية والباقي توفر له الحكومة الألبان الطبيعية (أي المرضع) والباقي توفر له الحكومة الألبان الصناعية المناسبة وبعض البدائل الأخرى (من) الرضاعة.
ثانيًا: تنفيذ المشروع يحتاج إلى تكاليف مرتفعة جدًا إذا أردنا توفيره للأطفال العاديين لأن طريقة جمع اللبن نفسها سوف تحتاج إلى كثير من الجهد والوقت كما أن عمليات التعقيم والتبخير والحفظ تحتاج إلى كثير من العمليات وكثير من التكلفة حتى تصل إلى الطفل الثاني الذي سوف يحصل على هذا اللبن إلى جانب أن طريقة إعطاء اللبن للطفل أيضًا سوف تعرضه إلى التلوث، أما عن طريق الرضاعة التي سيتناول بها أو عن طريق الماء وغيره" (1)
__________
(1) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 460 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983(2/264)
ويقول الدكتور مصطفى حمامي وكيل وزارة الصحة للرعاية الأساسية: "إن الفكرة تطبق في الخارج على اعتبار أن لبن الأم هو أعلى قيمة غذائية يمكن أن تعطى للطفل وأنه إذا أمكن توفيره لدى أم أخرى لا تحتاج إليه في إرضاع طفلها يأخذه طفل آخر.. ولكن في مصر يصعب جدًا تنفيذ الفكرة على أساس أن أقصى قيمة يمكن أن تجمع من الأم الجيدة الإدرار يوميًا لا تزيد عن لتر واحد من اللبن.. فهل تكفي هذه القيمة لإرضاع طفل آخر أو حتى طفلين.
ثانيًا: أن من أهم أغراض الإرضاع هو تحقيق الارتباط بين أم وطفل وتوفير جو من الحنان له.. وهذا طبعًا لا يمكن تحقيقه عن طريق البنك، وأيضًا كيف توفر الأم التي ستعطينا اللبن، هل ستكون متبرعة إذا مات طفلها أو فطم، وهل ستولى طفلًا إن كان صحيًا يحتاج بشدة إلى هذا اللبن عن طفلها.. كل هذه الأسئلة مطروحة أمام فكرة التنفيذ وكيف سيودع هذا الحليب؟ هل سيودع في المستشفيات للحالات الخاصة والمحتاجة بشدة له أم سيمنح للقادرين ماديًا والذين يستطيعون الحصول عليه" (1)
ويقول الدكتور عبد الصادق حامد الاعرج المدرس بطب بنها بعد أن ذكر فوائد الرضاعة الطبيعية: فهل تستطيع الأم مشاركة طفلها مع آخر يوفر لها الحماية الضرورية عن طريق البنك؟ أم أنه سوف يتحول إلى نوع من التجارة واستغلال إمكانيات الفقيرات وتوجيهها إلى الأغنياء مما يضعف هؤلاء الأمهات ويؤثر تأثيرًا مباشرًا على صحتهن وصحة من يرضعهن من أطفالهن إلى جانب أنه ثبت علميًا أن نسبة حدوث النزلات المعوية في الرضاعة الصناعية خمسة أضعاف الرضاعة الطبيعية فهل تحقق الفكرة القضاء على النزلات المعوية كعلاج" (2)
ويقول الدكتور علي فهمي بالمركز القومي للبحوث الاجتماعية والجنائية بالقاهرة: (3) "إنه لو دخل هذا المشروع نطاق التنفيذ فسيكون فاشلًا وسيخلق جيلًا فاشلًا اجتماعيًا لا يمكن أن يتكيف مع المجتمع والبيئة التي يعيش فيها، وبالتالي سيخلق جيلًا ضعيفًا مليئًا بالأمراض والأوبئة لأنه سيحرم كثيرًا من الأطفال الأصليين أبناء هؤلاء الأمهات اللائي سيتعاملن مع هذا البنك مما سيترتب عليه حرمان هؤلاء الأطفال من حقهم الطبيعي في الغذاء مقابل بيع هذا اللبن كما سينتج عنه تشجيع كثير من الأمهات على امتهان هذه المهنة (مثل الاتجار ببيع الدم) وسيكون هؤلاء الأمهات من الطبقات الدنيا التي لاشك أن لديهن كثيرًا من الأمراض.
__________
(1) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 461 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983
(2) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 461 - 462 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983
(3) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 460 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983(2/265)
"ولا أتصور أن تكون هذه العملية إنسانية لأنها تعمل على تشجيع الأمهات على الامتناع عن إرضاع أطفالهن رضاعة طبيعية.. هذا إلى جانب الناحية النفسية للطفل، فقد أكدت كل البحوث والدراسات أن تربية الطفل الرضيع ليست عملية تغذية فقط إلا أنه إلى جانب ذلك تعطى للطفل جرعة من الإشباع في الحنان والحب والدفء والعطف من الأم".
ورغم أن الدكتور علي فهمي لم يفهم الفكرة الأساسية من بنوك اللبن وهي إعطاء لبن إنساني للأطفال الحذج أو غيرهم ممن هم في حاجة ماسة إليه وليس بديلًا عن الرضاعة الطبيعية وإنما هو حالة استثنائية لمن لا تستطيع أن ترضع طفلها المحتاج للرضاعة إلا أن ما ذكره من احتمال وجود طبقة من الأمهات الفقيرات يبعن لبنهن في مقابل دريهمات ويضعن أولادهن في خطر المسغبة، أو إعطاء أولادهن اللبن الصناعي (اللبن الحيواني) مما يعرض هؤلاء الأولاد لمخاطر التغذية بالألبان الصناعية، إلا أن ذلك أمر وارد وخاصة في البلاد النامية حيث رأينا أن التبرع بالدم قد تحول إلى تجارة حيث يقوم الفقراء والمحتاجون ببيع دماءهم لمراكز الدم.
أما الدكتور محمد فؤاد إسماعيل أخصائي حفظ وتبريد الألبان في مصر فيقول: "إن الله عز وجل كرم الإنسان وفضله على سائر مخلوقاته، وبتطبيق نظام بنك ألبان الأمهات (ومع تقديري للأمهات) إلا أنها تتمثل بالبقرة الحلوب أو الجاموسة أو النعاج بجمع لبنها وتعامل بوسائل الحفظ المختلفة من تبريد وتجفيف، هذه الطريقة لا يمكن أن يتقبلها الإنسان لا شكلًا ولا موضوعًا" (1)
وقد قمت بسؤال بعض المختصين في هذا الموضوع وهم الأستاذ الدكتور محمود حسن أستاذ طب الأطفال ورئيس قسم الأطفال بمستشفى الأطفال والولادة بجدة والدكتور محمد أمين صافي الأستاذ المساعد بقسم الكائنات الدقيقة بكلية الطب جامعة الملك عبد العزيز وصاحب عدة أبحاث في اللبن وخواصه المناعية والدكتور أحمد خالد حميدة الأستاذ المساعد بطب الأطفال جامعة الملك عبد العزيز، وكانت خلاصة آرائهم تتفق في الآتي مع آراء كاتب هذه السطور:
1- لا توجد حاجة حقيقية لبنوك اللبن في البلاد الإسلامية بصورة خاصة والبلاد النامية بصورة عامة.. وذلك لانتشار الرضاعة من الأم وإذا لم تتيسر الرضاعة من الأم فإن المرضعات لا يزلن بحمد الله موجودات.. ولا تزال المجتمعات الإسلامية تعيش نوعًا من التكافل والترابط الأسرى، ففي الأسرة الكبيرة التي عادة ما تضم العمات أو الخالات هناك أكثر من امرأة تستطيع الإرضاع في الأسرة فإذا تعذر على واحدة منهن إرضاع طفلها كان هناك من القريبات أو الجارات أو الصديقات من يقمن بهذا العمل الإنساني العظيم، وإذا تعذر ذلك كله وهو أمر نادر الحدوث فهناك أيضًا المرضعات بأجر أو بغير أجر احتسابًا للثواب عند الله تعالى.
__________
(1) ندوة الإنجاب في ضوء الإسلام ص 466 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 حتى 29/ 8/ 1983(2/266)
2- رغم أن الطفل الحذيج Premature baby قد يبقى في مستشفى الأطفال لمدة شهر بينما لا تستطيع أمه البقاء معه طوال هذه المدة لحاجة الأطفال الآخرين والزوج إليها فقد وفرت المستشفيات النظام الحديث الذي يطبق الآن في الغرب وفي المملكة فهو يسمح للأم بالحضور إلى المستشفى في الوقت المناسب لها عدة مرات يوميًا لإرضاع طفلها وإذا لم تتمكن من ذلك أمكن حضور العمة أو القريبة أو المتبرعة بالرضاعة فترضعه.
وبذلك يحصل الطفل على فوائد الرضاعة كاملة ويتجنب مزالق وسيئات اللبن الصناعي أو اللبن الذي جمع وحفظ في بنوك اللبن.. كما أن المرضع تكون معروفة معلومة فتصبح إما للطفل الذي أرضعته ويصبح زوجها أباه لأنه صاحب اللبن.. وتعرف بذلك دائرة المحرمات من الرضاع.
3- أن تنفيذ بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة تعترضه المصاعب والعقبات وهو مكلف.. باهظ التكاليف.. وبالنسبة للبلاد النامية الفقيرة فإن إقامة بنوك اللبن أمر مكلف للغاية إذا أريد أن يكون على المستوى الصحي المطلوب.
4- في البلاد النامية هناك محاذير أخرى فبالإضافة إلى احتمال عدم التعقيم الجيد وفقدان بعض المواد الهامة بالتخزين والحفظ فإن هناك احتمالًا لتحول الأمر إلى تجارة، وأن تضطر الفقيرات المعدمات إلى بيع لبنهن وترك أولادهن للمسغبة أو لمستحضرات الألبان الصناعية.
5- أن الأمهات المرضعات موجودات واستبدال الأدنى بالذي هو خير شبيه بما فعله بنو إسرائيل عندما طلبوا البصل والثوم والعدس وتركوا المن والسلوى.
6- هناك احتمال إذا انتشرت هذه البنوك أن تتقاعس الأمهات السليمات والقادرات على الرضاعة وخاصة الطبقة الثرية المترفة أو الموظفات عن واجب الرضاعة واستبدال ذلك باللبن الإنساني المأخوذ من بنوك اللبن على اعتبار أنه يمثل اللبن الإنساني المطلوب والأفضل بكثير من لبن الأبقار والجواميس والأغنام.. وهذا بدوره يؤدي إلى عدة مخاطر ومحاذير وهي:
أ- فقدان الفوائد الجمة للرضاعة للأم.. فالرضاعة تفيد الأم كثيرًا وذلك أن عملية مص الثدي تؤدي إلى إفراز مادة الإكسيرتوسين التي تساعد الأم على عودة الرحم إلى وضعه الطبيعي بعد الولادة، كما أن الرضاعة تساعد الأم الوالدة إلى عودة جسمها إلى وضعه الطبيعي وتمنع بذلك الترهل على عكس ما هو شائع من أن الرضاعة تسبب الترهل، فالرضاعة الطبيعية تساعد الأم في العودة إلى رشاقتها كذلك فإن الرضاعة الطبيعية تساعد الأم على منع الحمل لفترة الرضاعة وتجنبها أخطار حبوب منع الحمل أو اللولب، هذا بالإضافة إلى الفائدة النفسية الهامة لأن عملية الإرضاع وإلزاق الطفل بالصدر يعطي الأم فوائد جمة نفسيًا وبدنيًا.. ويزيد من ارتباطها بطفلها.(2/267)
ب- الفوائد المتعددة للرضاعة للطفل لا تتحقق بأخذ اللبن الإنساني لأن عملية الرضاعة بحد ذاتها تفيد الطفل في نموه النفسي والجسدي، والتقام الطفل الثدي يمنع عنه أذى الميكروبات كما يمنع عنه أذى الاضطرابات النفسية المستقبلية، وتجعله متوازنًا نفسيًا، ومنسجمًا مع مجتمعه، وقد وجد أن الأطفال الذين لم يرضعوا من أمهاتهم أكثر تعرضًا للانحرافات الخلقية والنفسية والأمراض العقلية والسلوك الإجرامي.
ج – إن عدم الرضاعة تؤدي إلى نقص إفراز اللبن من الثدي، وأن سحب اللبن من الثدي وحده لا يقوم مقام الطفل الذي يمص الثدي، وذلك لأن إفراز هرمون البردلاكتين الذي يزيد من إفراز اللبن مرتبط بعملية المص ذاتها.
د – أن اللبن الإنساني المحفوظ في بنوك اللبن معرض للتلوث أما عند جمعه أو أن عملية التعقيم غير مجدية ولا كافية.. أو.. وهذا هو متوقع عند تناوله إذ يعطي في قوارير قد تحتاج إلى تعقيم شديد.. وهذا أمر قد تهمل فيه الأم التي تعطي طفلها اللبن.
وهذا ما يحدث عادة بالنسبة للألبان الصناعية إذ تكون هي في ذاتها معقمة.. ولكن عدم التعقيم يأتي من جهل الأمهات وطريقة تحضيرهن لهذا اللبن وقد أدى ذلك كما تقول منظمة الصحة العالمية إلى إصابة أكثر من عشرة ملايين طفل بنوبات الإسهال سنويًا في العالم الثالث، وإلى أن يموت نصفهم في كل عام نتيجة استعمال الألبان الصناعية كما أن عددًا آخر تضعف مقاومتهم للأمراض التي تصيب الجهاز التنفسي نتيجة استخدام الألبان الصناعية فيؤدي ذلك إلى مزيد من الوفيات، وتقدر الهيئات الطبية أن حوالي عشرة ملايين طفل يلاقون حتفهم سنويًا بسبب عدم إرضاع أمهاتهم لهم.. ومعظم هذه المحاذير موجودة أيضًا في لبن البنوك الباهظة التكاليف.
هذا مجمل لأقوال الأطباء في موضوع بنوك اللبن فما هو يا ترى قول أو أقوال الفقهاء في هذا الموضوع؟
رغم أن هذا الموضوع (بنوك اللبن) حديث جدًا ولم يكن موجودًا في السابق بل إنه غير موجود حتى الآن سوى في مراكز معدودة في أوربا والولايات المتحدة وبعض البلاد المتقدمة تقنيًا، ولا يوجد إلى الآن في بلاد المسلمين خاصة وبلاد العالم الثالث عامة لصعوبة تنفيذه ولعدم الحاجة له، أقول: رغم أن هذا الموضوع حديث جدًا إلا أن الفقهاء القدماء قد تعرضوا له بإسهاب في كتبهم عندما تحدثوا عن الرضاعة، وسقى الطفل اللبن من غير التقام للثدي بل تعرضوا لتحول اللبن إلى جبن أو جعله إدامًا في خبز وأكله، وهل يحرم ذلك؟ أي يجعل من تناوله من الأطفال يدخل في تحريم الرضاع (أي الأخت الأم الخالة العمة.. إلخ من الرضاع) .(2/268)
ولم يبحثوا ذلك فحسب بل بحثوا أيضًا موضوع رضاع الكبير وهل يسبب التحريم أم لا؟ كما بحثوا السعوط والحقنة.
ولا تتجه النية هنا إلى استعراض أقوال الفقهاء في هذا الباب فهو باب طويل من أبواب الفقه ويهم الفقهاء تفاصيله، وما يهم الإنسان العادي الذي ليس من أهل الفقه مثلي هو مجمل أقوالهم في القديم والحديث.
معنى الرضاع:
يقول الشيخ يوسف القرضاوي (1) : "أما معنى الرضاع الذي رتب عليه الشرع التحريم فهو عند جمهور الفقهاء ومنهم الائمة الثلاثة أبو حنيفة ومالك والشافعي: كل ما يصل إلى جوف الصبي عن طريق حلقه مثل الوجور وهو أن يصب اللبن في حلقه، بل ألحقوا به السعوط وهو أن يصب اللبن في أنفه بل بالغ بعضهم فألحق الحقنة عن طريق الدبر بالوجور والسعوط.
وخالف في ذلك كله الإمام الليث بن سعد، معاصر الإمام مالك ونظيره، ومثله الظاهرية وهو إحدى الروايتين عن أحمد، فقد ذكر العلامة ابن قدامة عنه روايتين في الوجور والسعوط:
الأولى: وهي أشهر الروايتين عنه والموافقة للجمهور هي أن التحريم يثبت بهما، أما الوجور فلأنه ينبت اللحم وينشز العظم فأشبه الإرضاع، وأما السعوط فلأنه سبيل لفطر الصائم فكان سبيلًا للتحريم بالرضاع كالفم.
الرواية الأخرى:
أنه لا يثبت بهما التحريم لأنهما ليسا برضاع.. ورجح صاحب المغني الرواية الأولى بحديث ابن مسعود عن أبي داود ((لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) ، وخلاصة رأي ابن حزم والظاهرية أن الرضاع لا يطلق إلا على ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط قال ابن حزم في المحلى: (2) "وأما صفة الرضاع المحرم فإنما هو ما امتصه الراضع من ثدي المرضعة بفمه فقط، فأما من سقى لبن امرأة فشربه من إناء أو حلب في فمه فبلعه أو أطعمه بخبز أو طعام أو صب في فمه أو أنفه أو في أذنه أو حقن به، فكل ذلك لا يحرم شيئًا ولو كان ذلك غذاؤه دهره كله، برهان ذلك قول الله عز وجل {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ} وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب)) فلم يحرم الله تعالى ولا رسوله في هذا المعنى نكاحًا إلا بالإرضاع والرضاعة والرضاع فقط، ولا يسمى إرضاعًا إلا ما رضعته المرأة المرضعة من ثديها في فم الرضيع يقال: أرضعته ترضعه إرضاعًا ولا يسمى رضاعة ولا رضاعًا إلا أخذ المرضع أو الرضيع بفيه الثدي وامتصاصه إياه، تقول رضع يرضع رضاعًا ورضاعة، وأما كل ما عدا ذلك مما ذكرنا فلا يسمى شيء منه إرضاعًا ولا رضاعة ولا رضاعًا، إنما هو حلب وطعام وسقاء وشرب وأكل وبلع وحقنة وسعوط وتقطير، ولم يحرم الله عز وجل بهذا شيئًا.
__________
(1) ندوة الإنجاب للدكتور يوسف القرضاوي ص 50 - 57
(2) المحلى لابن حزم ج 10 / 7 طبعة دار الفكر المسألة 1866(2/269)
واستطرد ابن حزم وأفاض ورد على الجمهور في احتجاجهم بقوله صلى الله عليه وسلم: ((إنما الرضاعة من المجاعة)) .
وخلاصة هذا الكلام أن المذاهب الأربعة وهي الشافعية والمالكية والحنابلة والحنفية يرون أن تناول خمس رضعات (وهناك خلاف في العدد) مشبعات توجب التحريم بين المرضعة والرضيع ويحرم بالتالي جميع ما يحرم بالنسب لقوله صلى الله عليه وسلم: ((يحرم بالرضاع ما يحرم من النسب)) ، ولا فرق في ثبوت التحريم بالرضاع بين أن يرتضع الطفل من الثدي مباشرة أو أن يشرب لبن المرأة من الزجاجة بعد حلبه، حتى لو صار لبن المرأة جبنا أو مخيضًا فإنه يثبت به التحريم عند الشافعية والحنابلة وقال أبو حنيفة: إذا صار جبنًا أو مخيضًا لا يثبت به التحريم لزوال الاسم (1) وهذا كله في لبن المرأة، أما لبن البهيمة فلا يتعلق به تحريم كما يقول السيد عمر حامد الجيلالي في جوابه عن بنوك الحليب (2)
وقد شذ عن هذا الرأي الظاهرية وعلى رأسهم ابن حزم والليث بن سعد كما تقدم، وأما من المحدثين فقد مال الشيخ يوسف القرضاوي في بحثه الطويل عن بنوك الحليب المقدم إلى ندوة الإنجاب بالكويت إلى رأي الظاهرية، وهو أن الرضاعة تستلزم شقين تناول اللبن وتناول الثدي.
ولم يوافق الشيخ يوسف القرضاوي الظاهرية في أن الرضاعة من الكبير توجب التحريم، ومال إلى رأي الجمهور بأن هذا كان خاصًا بسالم مولى أبي حذيفة، فقد كان سالم متبني لأبي حذيفة قبل أن يحرم الإسلام التبني، فلما حرم الإسلام التبني شق على أبي حذيفة وزوجته ذلك فقد كانا يعبتران سالمًا ابنهما ولم يكن لهما إلا بيت واحد حينئذ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لزوجة أبي حذيفة: ((أرضعيه تحرمي عليه)) ، أخرجه مسلم وأبو داود وتفاصيل القصة رواها الإمام مالك في الموطأ وعبد الرزاق في مسنده (3)
__________
(1) ابن قدامة: المغني ج 7 / 539
(2) أجوبة على أسئلة مقدمة من قسم الطب الإسلامي
(3) كنز العمال ج 6/ 285(2/270)
واتفق الجمهور على أن هذا كان خاصًا بسالم وأن الرضاع المحرم لا يعتبر إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم لقوله صلى الله عليه وسلم: ((لا رضاع إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) أخرجه أبو داود.
وأورد الشيخ يوسف القرضاوي حجة أخرى في أن لبن بنوك الحليب لا يحرم لأنه مختلط من أمهات كثيرات غير معلومات وأن الشك يعتريه ومادام الشك فيه لا يثبت الرضاع لأن الأصل عدم الرضاع.
وقد أفتى الشيخ عبد اللطيف حمزة مفتي مصر بأنه لا تحرم رضاعة أي طفل من لبن البنوك واستند المفتي في قوله ذلك إلى مذهب أبي حنيفة الذي ينص على أن الرضاع لا يحرم إلا إذا تحققت شروطه ومنها أن يكون اللبن الذي يتناوله الطفل لبن امرأة وأن يصل إلى جوفه عن طريق الفم ولا يكون مخلوطًا بغيره كالماء أو الدواء أو لبن الشاة أو بجامد من أنواع الطعام أو بلبن امرأة أخرى فإن خلط بنوع من الطعام، وإن طبخ معه على النار فلا يثبت التحريم باتفاق أئمة المذهب الحنفي.. وإذا لم تمسه النار فلا يثبت به التحريم أيضًا عند أبي حنيفة سواء أكان الطعام المضاف غالبًا أو مغلوبًا لأنه إذا خلط الجامد بالمائع صار المائع تبعًا فيكون الحكم للمتبوع والعبرة بالغلبة ولو خلط لبن امرأتين فإن العبرة للغلبة أيهما كان أكثر فإنه يثبت التحريم دون الآخر، وإن استويا ثبت التحريم بهما.
والرضاع لا يثبت بالشك، ولا يحل اللبن رائبًا أو جبنًا فإن تناوله الصبي لا تثبت به الحرمة لأن اسم الرضاع لا تقع عليه.
وإذا صار اللبن جافًا مسحوقًا فقد زال عنه اسم اللبن وإذا خلط بالماء بعد ذلك لم يعد محرمًا، وإذا جمع اللبن من نساء غير محصورات ولا متعينات بعد الخلط فلا مانع في رأي المفتي الشيخ عبد اللطيف حمزة من الزواج بين من تناول هذا اللبن لعدم إمكان إثبات التحريم لعدم تعيين من تبرعن باللبن.(2/271)
أما إذا كان اللبن محفوظًا على هيئته السائلة ثم أعطي للأطفال فإن عامل الجهالة يبقى دائمًا ومن ثم لا يكون هناك مانع من الزواج بين الذين رضعوا من هذا اللبن المجهول (1)
وقد رد كثير من الفقهاء على المفتي الشيخ عبد اللطيف حمزة والشيخ يوسف القرضاوي وخالفوهما في الرأي المبيح وذهبوا إلى الحرمة.. وإلى رأي الجمهور نذكر منهم عددًا اشترك في ندوة الإنجاب بالكويت وطالبوا بوضع احتياطات مشددة إذا دعت الحاجة القصوى إلى مثل هذه البنوك ومنها أن يكتب على كل قارورة اسم المتبرعة ويسجل ذلك في سجل ويكتب اسم الطفل الذي تناول هذا اللبن ويسجل فيه الطفل ويعلم أهل الطفل اسم هذه المرضعة، وبذلك ينتفي المحذور، نذكر من هؤلاء الشيخ بدر المتولي عبد الباسط أمين الموسوعة الفقهية بالكويت، الدكتور محمد الأشقر الخبير بالموسوعة الفقهية، والشيخ إبراهيم الدسوقي وزير الأوقاف في مصر، الدكتور عمر الأشقر الأستاذ بكلية الشريعة بالكويت، والشيخ عز الدين توني باحث بالموسوعة الفقهية، والشيخ عبد الرحمن خالق وزارة التربية والتعليم بالكويت والدكتور زكريا البري مستشار بيت التمويل الكويتي، ومجموعة من الأطباء من بينهم الأستاذ الدكتور حسان حتحوت أستاذ أمراض النساء والولادة بجامعة الكويت.
ومن خارج الندوة أفاض الدكتور عبد الرحمن النجار في الرد على جواب مفتي مصر الشيخ عبد اللطيف حمزة، وقال: إن هذا المشروع حرام شرعًا، وليس هناك أدنى شبهة في حرمة هذا المشروع مع احترامي الشديد للرأي الذي أعلنه فضيلة الشيخ عبد اللطيف حمزة مفتي جمهورية مصر العربية إلا أنني لا أوافق على هذا الرأي إطلاقًا لأن النص في التحريم كان صريحًا، لأن مذهب الشافعية أقر غير ذلك وحرمه وكان النص صريحًا، وكما يحرم اللبن الباقي على أصل خلقته يحرم بعد تغيره على هيئة حالة انفصاله عن الثدي كالجبن والزبد وما عجن به الدقيق أو خالطه ماء أو نحوه، وغلب اللبن على الخليط بأن ظهرت إحدى صفاته الثلاث وهي الطعم واللون والرائحة، لوصول عين اللبن إلى الجوف وحصول التغذي به ويشترط في ثبوت التحريم في ذلك شرب الجميع فلو شربه بعضه متحققًا أنه وصل منه شيء إلى الجوف كأن بقي من المخلوط اقل من قدر اللبن حرم (2)
__________
(1) ندوة الإنجاب ص 458 – 459 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 و29/ 8/ 1983
(2) ندوة الإنجاب ص 463 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 و29/ 8/ 1983(2/272)
وبمثل هذا الرأي كتب إلى الأهرام الشيخ محمد حسام الدين رئيس الإدارة المركزية لمكتب شيخ الأزهر (1)
وقد ذكر السيد محمد أحمد الشاطري في رده على الأسئلة الموجهة إليه من قسم الطب الإسلامي بجامعة الملك عبد العزيز بعد أن أفاض في موضوع الرضاع وأقوال الفقهاء في ذلك، قال: "بناء على ما تقدم فإني أنصح بعدم تأسيس هذه البنوك كما أن على مستشفيات الولادة أن لا تتساهل في إرضاع طفل لبن غير أمه تجنبًا للوقوع في المحظور شرعًا مستقبلًا" (2)
وأصل الحكمة في التحريم بالرضاع أن التغذية بلبن المرضع كالتغذية بلبن الأم الحقيقية وفي ذلك شعور بالأمومة والحنان أيضًا، خصوصًا إذا اقترن بإنشاز العظم وإنبات اللحم كما في الحديث الذي رواه أبو داود وهو: ((لا رضاع إلا ما أنبت اللحم وأنشز العظم)) ، ومعلوم أن المذاهب اختلفت في الكمية والكيفية من الرضاع، ومذهب كل من الإمامين أبي حنيفة ومالك التحريم بالرضعة الواحدة. ومذهب الشافعي وأحمد لابد من خمس رضعات متفرقات.
الخلاصة:
إن موضوع بنوك الحليب (اللبن) أمر غير مرغوب فيه ولا حاجة له طبيًا وخاصة في البلاد الإسلامية فبنوك الحليب فيها كثير من المحاذير الطبية حيث إن كلفتها باهظة، ولا تقوم مقام الرضاعة من الثدي، وتحتمل إمكانية تلوثها بالميكروبات وتفقد فوائد الرضاعة بالنسبة للأم، وكثيرًا من فوائد الرضاعة للطفل.
وقد تتحول إلى تجارة وتؤدي إلى عدم الإرضاع من الأمهات المترفات أو الموظفات كما تؤدي إلى حرمان أطفال الأمهات الفقيرات من الرضاعة لأن الأم تبيع لبنها للبنك بثمن جيد وتعطي طفلها بدلًا عن الرضاع اللبن الصناعي، وبذلك تزداد المخاطر على هؤلاء الأطفال.
__________
(1) ندوة الإنجاب ص 464 نقلًا عن الأهرام 23/ 8/ 1983 و29/ 8/ 1983
(2) مجموعة الأجوبة الفقهية على أسئلة قسم الطب الإسلامي (غير مطبوع)(2/273)
وفي الوقت الحاضر على الأقل لا تبدو هناك أي حاجة في البلاد النامية بصورة عامة والبلاد الإسلامية بصورة خاصة إلى إقامة بنوك الحليب.
أما من الناحية الدينية فإن الجمهور وهو رأي المذاهب الأربعة الشافعية والمالكية والحنابلة والحنفية يقولون بالتحريم من رضاعة لبن يجمع من أمهات متعددات ويبقى على هيئته أي دون تجفيفه وهذا ما يحدث في البنوك، وأما افتراض السعوط أو الحقنة أو الطعام أو تحويله إلى جبن أو زبد أو الائتدام به مع الخبز فأمر غير وارد لأن هذا اللبن إنما يقصد به إنقاذ مجموعة من المواليد (الحذج أو ناقصي النمو) في الفترة الأولى من حياتهم (لبضع أسابيع أو بضعة أشهر على أقصى مدى) .
والمحاذير كثيرة طبيًا واجتماعيًا ودينيًا، ولهذا نرى عدم الحاجة لهذه البنوك.
وليس علينا أن نتبع كل صيحة في الغرب وأن نجري وراء كل ناعق هناك كما حذر الرسول صلى الله عليه وسلم باتباع سنن أهل الكتاب ((حتى لو دخلوا جحر ضب دخلنا وراءهم)) والله الهادي إلى سواء السبيل.(2/274)
العرض والمناقشة
11/4/ 1406هـ – 23/ 12/ 1985 م
الساعة 12.00 – 13.50
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، صلى الله على سيدنا ومولانا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، عندنا في الجدول بنوك الحليب وأرجو من فضيلة الشيخ يوسف القرضاوي أن يتفضل بملخص هذا الموضوع، وشكرًا.
الشيخ يوسف القرضاوي:
بسم الله الرحمن الرحيم، ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيئ لنا من أمرنا رشدًا، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب، اللهم علمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا، سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
موضوع بنوك الحليب وهو موضوع البحث الذي بين أيديكم كان جوابًا عن سؤال أو استفسار من المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية بدولة الكويت، والسؤال كان من بعض الإخوة الأطباء المعنيين بهذه الأمور منهم الأخ الدكتور حسان حتحوت، وهم يثيرون مشكلة: هي أن هناك بعض الأطفال الذين قد يولد أحدهم خداجًا ناقصًا ويحتاج إلى أن يمكث في المستشفى عدة أشهر ويحتاج إلى حليب يرتضعه، وكذلك بعض الأطفال الذين تموت أمهاتهم في الولادة فهؤلاء يحتاجون إلى غذاء أفضل من اللبن أو الحليب الطبيعي الذي أجراه الله تعالى في صدور الأمهات غذاء للأطفال، وكان السؤال يتوجه ما الحكم في إنشاء بنوك لهذا اللبن أو لهذا الحليب المختلط لتغذية مثل هؤلاء الأطفال في مثل هذه الأحوال؟ طبعًا موضوع بنك يجمع اللبن، تبرع المرأة باللبن هذا أمر جائز هي مأجورة من الله ومشكورة من الناس، إذا تبرعت بلبنها لغذاء الطفل، وتجميع هذا بشروطه الصحية هذا أيضًا لا شيء فيه، فما جاء المحذور ولماذا كان السؤال؟
السؤال لأن عندنا نحن المسلمين مسالة التحريم بالرضاع، فقد يترتب على ذلك أن يأتي هذا الطفل ويتزوج من بنت امرأة من هذه النسوة اللاتي تبرعن بلبنها لهذا البنك، أو يتزوج من بنت رضعت من هذا البنك أو نحو ذلك، فما الحكم في هذه الناحية؟ أنا حقيقة نظرت في هذا الأمر على طريقة ما سميته بالأمس " الاجتهاد الجزئي الانتقائي" فنحن نقول إن الاجتهاد الجزئي أمر سهل ومقدور عليه وخاصة إذا كان اجتهادًا انتقائيًا حتى ولو كان في المسائل الجديدة، ونعني بانتهاج الاجتهاد الانتقائي، النظر في الفقه الموروث عن أئمتنا ومذاهبنا المختلفة وسواء كان هذا الفقه للمذاهب المتبوعة أو غير المتبوعة لأنه ربما كان هذا فقهًا لأحد الصحابة أو أحد التابعين ممن ليس لهم مذهب مدون، هذا الفقه غني وسخي وينبغي أن يستفاد منه إذا أردنا الاجتهاد لعصرنا، ولا يمكن أن يقف الاجتهاد على ما دون في المذاهب المعتبرة والمتبوعة، وعند النظر في فقهنا وجدت أن هناك اعتبارين أساسيين في هذه القضية:(2/275)
الاعتبار الأول: هو تحديد ما هي الرضاعة، هل الرضاعة مجرد وصول اللبن إلى الجوف أم الرضاعة الامتصاص، امتصاص اللبن بالتقام الثدي، الجمهور على الأول، هذا هو الرأي الذي تعلمناه منذ أن كنا طلبة وهو الرأي السائد والمعروف، فالرأي السائد والمعروف هو: أن الرضاع ما وصل إلى الجوف ولو عن طريق الصب في الحلق أو السعوط في الأنف أو أي طريقة كانت، هذا هو الرأي المعروف، وهناك رأي آخر، هذا الرأي الآخر هو رأي الإمام الليث بن سعد وهو أحد الأئمة المعروفين وكان يقارن بالإمام مالك وهو رأي رواية عن الإمام أحمد كذلك وهو مذهب الظاهرية، مذهب داود وأصحابه إلى ابن حزم، وقد أيد ابن حزم هذا الرأي أن الرضاعة لغة هي التقام الثدي وامتصاصه، وقد لا يعرف في اللغة رضع من الإنسان أو الحيوان إلا التقام الثدي وامتصاصه، وأيد هذا تأييدًا قويًا، وعلى هذا الأساس أنا في الحقيقة تبين لي رجحان هذا المذهب وإن لم يكن هو المذهب السائد في الأئمة الأربعة، فقد يرجح الناظر في الفقه الإسلامي مذهبًا غير المذهب السائد وغير المذهب المشهور وينبغي أن يكون هذا هو منهج هذا المجمع، نأخذ الفقه من أوسع أبوابه، هذه من ناحية، من ناحية أخرى مسألة الرضاع المحرم، إذا صرفنا النظر عن مذهب الإمام الليث ورواية الإمام أحمد ومذهب الظاهرية، فهناك مسألة الشك في الرضاع، ما حكم اللبن المشوب؟ اللبن إذا اختلط بغيره، عند الحنفية رأي وهو رأي أبو يوسف وهو رواية عن الإمام أبي حنيفة أن اللبن إذا اختلط بغيره بلبن امرأة أخرى فالحكم للغالب منهما، ولكن هنا ليس هناك غالب ومغلوب، اختلطت ألبان كثيرة فلم يعد هناك أثر لأي امرأة منهن، ثم من ناحية أخرى أيضًا ذكر الحنفية وقد نقلت في البحث ما ذكره ابن مودود صاحب كتاب الاختيار وهو من الكتب التي درسناها في المرحلة الثانوية في الأزهر، ذكر صاحب الاختيار: لو أن امرأة في قرية أرضعت طفلًا لا يحرم عليه نساء هذه القرية من أجل هذه المرأة لأن الشك في هذه الحالة لا يؤثر، فبناء على هذا قلت أيضًا أنه مادام الموضوع فيه شك لا نستطيع أن نحرم والشك قائم، وقد صح في الحديث الذي رواه مسلم أنه ((خمس رضعات مشبعات معلومات يحرمن)) معلومات وقد قام الشك هنا، من أجل هذا ملت إلى القول بأن هذه البنوك إذا كانت هناك حاجة إليها، لأنني بنيت رأيي في الحقيقة على قول الأطباء أن هناك حاجة قد تقوم لمثل هذه البنوك، وهناك أطباء آخرون قالوا إنه ليس هناك حاجة، إذا لم يكن هناك إليها فكفى الله المؤمنين القتال، إنما إذا قامت حاجة إليها أو حدثت بالفعل هذه الحادثة هل نحرم بنات البلدة على هذا الشخص أو لا؟ هذه هي القضية، أنا أميل في هذا في الحقيقة إلى التضييق في مسألة الرضاعة، يعني على عكس ما كنت في الزكاة، أنا أميل في التوسيع في وعاء الزكاة، أما في مسالة الرضاع فأنا أميل إلى التضييق في التحريم بالرضاع كما أميل إلى التضييق في التحريم بالطلاق أيضًا، وأنا ممن ينصرون مذهب شيخ الإسلام ابن تيمية في هذا، فلهذا أنا أقول أن المذهب الأقوى عندي أو القول الأقوى أنه ليس هناك ما يدل على التحريم، وقد قال بعض الاخوة إننا لماذا لا نأخذ بالاحوط بدل أن نأخذ بالأيسر؟ أنا من منهجي: أنه إذا كان هناك قولان متكافآن أحدهما أحوط والآخر أيسر فإني أفتي عموم الناس بالأيسر، وحجتي في ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم ما خير بين أمرين إلا اختار أيسرهما ما لم يكن إثمًا، صحيح قد يأخذ الإنسان بالأحوط لنفسه أو يفتي أصحاب العزائم من الناس، أما عموم الناس وخاصة في عصرنا وقد ضعف الدين وقل اليقين، في هذه الحالة يفتي بما هو أيسر على الناس لأن هذه الشريعة حنيفية سمحة، ويعجبني من أقوال الأئمة السابقين ما ذكره الإمام النووي في مقدمات المجموع عن الإمام سفيان الثوري وهو إمام وأمير المؤمنين في الحديث وإمام في الفقه وإمام في الورع، قال الإمام سفيان الثوري رضي الله عنه: "إنما الفقه الرخصة من ثقة، أما التشديد فيحسنه كل أحد" أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا الرشد والصواب وأن يغفر لنا إن أخطأنا وألا يحرمنا من أجر المخطئ إن أخطأنا وأن نكون من أهل الأجرين إن شاء الله، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/276)
الرئيس:
فضيلة الشيخ، قبل أن أعطي الكلمة للأستاذ البار أحب أن أسأل هل الإسناد إلى الليث ثابت، لأن كتاب الليث بن سعد الذي طبع لا توجد فيه هذه الكلمة.
الشيخ يوسف القرضاوي:
الإسناد إلى الليث ثابت لأنني رأيته في أكثر من كتاب، فهو مذكور في المحلى وأظنه مذكور في المغني.
الرئيس:
هو ذكر في المحلى كما تفضلتم ولكن ما كل ما ذكر يكون ثابتًا، ففي المحلى وفي المغني عشرات الآثار بل الأحاديث التي لا تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم فأنا قصدي هل نحن متيقنون أو لا؟ فالقول على خلاف الجمهور هذا شيء واضح، لكن قصدي أننا نقول أنه لليث، فهل ثبت بالإسناد المضيء صحته إلى الليث.
الشيخ يوسف القرضاوي:
ما أستطيع أن أقول أنه موجود في الكتب الموثقة.. أما بحث الإسناد فأنت فتحت لنا أمرًا ممكنًا الإنسان يبحث عنه ليراه في المصادر الأكثر قدمًا لعله يكون مذكورا بسنده إن شاء الله.
الدكتور محمد علي البار:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، سماحة الرئيس أصحاب الفضيلة العلماء، بنوك الحليب أو بنوك اللبن ظهرت في السبعينات من القرن العشرين في أوربا والولايات المتحدة بعد أن انتشرت من قبل مجموعة من البنوك مثل بنوك الدم وبنوك القرنية وبنوك المني وبنوك الأعضاء.
وتتلخص الفكرة في جمع اللبن من أمهات متبرعات أو بأجر، يتبرعن بشيء مما في أثدائهن من اللبن إما لكونه فائضًا عن حاجة أطفالهن، وإما لكون الطفل قد توفي وبقي في الثدي اللبن، ويؤخذ هذا اللبن بطريقة معقمة من المتبرعة ويحفظ أيضًا في قوارير معقمة بعد تعقيمه في البنوك. ولا يجفف هذا اللبن لأني وجدت أن بعض من كتبوا في هذا الموضوع يظنون أنه مجفف بل يبقى على هيئته السائلة حتى لا يفقد ما به من مضادات الأجسام التي توجد في اللبن الإنساني ولا يوجد مثيلها في لبن الحيوانات مثل الأبقار والجواميس.(2/277)
وتأتي أهمية هذا اللبن من الآتي:
أولًا: احتواؤه على العناصر للطفل الإنساني.
ثانيًا: احتواؤه على مضادات الأجسام وأجسام المناعة.
ثالثًا: عدم وجود حساسية منه للطفل كما قد يحدث في ألبان الأبقار أو الجواميس.
رابعًا: لبن الأمهات يحمي الأطفال من مختلف أنواع الأخماج، الالتهابات التي تصيب الجهاز الهضمي والجهاز التنفسي وغيرهما.
خامسًا: لبن الأمهات وخاصة الذي يحتوي على خلايا المناعة بكمية كبيرة وكذلك يحتوي لبن الأمهات على نسبة من الزنك بينما يفقد ذلك لبن الأبقار والجواميس.
لهذه الأسباب ولغيرها يدعو الأطباء الأمهات إلى إرضاع أطفالهن لما يشمله ذلك من فوائد متعددة، وبما أن الأم قد لا تستطيع إرضاع طفلها لنضوب لبنها أو لوجود مرض معد، أو لأي سبب من الأسباب التي تمنع الإرضاع مثل وجود خراج بالثدي فإن البديل لذلك هو إيجاد مرضعة، وبما أن المرضعات قد اختفين من الوجود في المجتمعات الغربية وكثير من بقاع العالم، لذا ظهرت إلى السطح فكرة تكوين بنوك الحليب، وتعتمد هذه الفكرة على تجميع اللبن الفائض وغير المرغوب فيه من الأمهات المتبرعات، والأطفال الذين يحتاجون إليه بالذات هم:
- الأطفال الخدج أي المبتسرين أو الذين ولدوا قبل الميعاد.
- والأطفال الناقصو الوزن عند الولادة، يعني يكون مدته طبيعية 9 أشهر لكنه يكون ناقص الوزن عند الولادة.
- وفي وجود حالات الالتهابات الحادة التي قد تصيب الطفل –إذا لم يوجد لبن من الأم، هذه الفكرة قامت بالفعل في أوربا والولايات المتحدة، وهي فكرة لها بعض ما يبررها من الناحية العملية، ومع هذا فإن بنوك اللبن قد انكمشت بصورة خاصة في الولايات المتحدة وهذا ما اتفق عليه من كثير من الباحثين والأطباء الذين بحثوا هذا مثل الدكتور ماهر حتحوت، وكنت في الولايات المتحدة في عام 1983 وسألت مجموعة من أخصائيي الأطفال فقالوا إن الحاجة إليها نادرة وأن تكلفتها عالية جدًا، وأن الأمهات المتبرعات باللبن قليلات وأن اللبن الذي يبقى يتعرض للفساد يبدأ يتحلل ويفقد ما به من الميزات الكثيرة التي ندعو إليها في رضاعة الأم لطفلها.(2/278)
المحاذير التي تحدث من استعمال بنوك اللبن: أولها موضوع متروك لكم وقد ذكره الأستاذ الشيخ يوسف القرضاوي وهو موضوع الرضاعة من أمهات مجهولات وموضوع الحرمة التي ستأتي عليه، هذا موضوعكم وأنتم المختصون فيه.
النقطة الثانية: أن بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة محفوف بمجموعة من المحاذير وهي أن كلفتها عالية وأن اللبن المتجمع يتعرض إما لإصابته بالميكروبات وإما لفقدانه بعض خصائصه وميزاته.
النقطة الثالثة: إن بنوك اللبن في البلاد النامية تتعرض لهذه المصاعب بصورة أشد وأعتى لأن درجة التقنية والنظافة أقل بكثير مما هي عليه في الغرب، وذلك بالإضافة إلى كونها باهظة التكاليف جدًا بالنسبة للبلاد الفقيرة تعتبر غير ذات فائدة لتعرض اللبن إلى الإصابة بالميكروبات.
ويتحدث في هذا مجموعة من الأطباء منهم الدكتور ممدوح جبر وزير الصحة في مصر وأستاذ طب الأطفال ورئيس نقابة الأطباء في مصر الآن ويقول: "إن هذه الفكرة غير صالحة لأن المشكلة غير موجودة ولأن الأمهات بصورة عامة يرضعن أطفالهن وإذا لم تستطع الأم أن ترضع طفلها فهناك أحد الحلول الآتية:
- الإتيان بمرضعة إما على حساب الدولة وإما على حساب الأهل إذا كانوا مقتدرين أو الأقل أو الأدنى وهو الألبان المصنعة التي تقترب إلى حد ما من اللبن الإنساني إلى حد كبير.
لن أدخل في كلام الأطباء وهو كثير في هذا ولكن نلخص ما قيل في هذا الباب وقد درست هذا مع مجموعة من أخصائيي الأطفال والمختصين بمواضيع اللبن منهم الأستاذ الدكتور محمد أمين صافي وأستاذ قسم الأطفال الأستاذ الدكتور محمود حسن وأيضًا الدكتور أحمد خالد حميدة الأستاذ المساعد بطب الأطفال جامعة الملك عبد العزيز، وخلاصة هذه الآراء بعد مناقشة معهم في الآتي:
- لا توجد حاجة حقيقية لبنوك الحليب في البلاد الإسلامية بصورة خاصة والبلاد النامية بصورة عامة، وذلك لانتشار الرضاعة من الأم وإذا لم تتيسر الرضاعة من الأم فإن هناك المرضعات موجودات.
- رغم أن الطفل الخديج قد يبقى في المستشفى شهر أو أكثر بينما لا تستطيع أمه البقاء معه طوال هذه المدة لحاجة الأطفال الآخرين والزوج إليها فقد وفرت المستشفيات النظام الحديث الذي يطبق الآن في الغرب وفي المملكة وفي غيرهما: فهو يسمح للأم بالحضور إلى المستشفى في الوقت المناسب لها عدة مرات في اليوم لإرضاع طفلها ثم تذهب إلى منزلها، وإذا لم تتمكن من ذلك أمكن حضور أي امرأة أخرى معلومة تقوم بمهمة الرضاعة.
وبذلك يحصل الطفل على فوائد الرضاعة كاملة ويتجنب مزالق وسيئات اللبن الصناعي أو اللبن الذي جمع وحفظ في بنوك الحليب، كما أن المرضعة معروفة فتصبح إما للطفل الذي أرضعته ويصبح زوجها أباه إلى آخر ما يعرف في هذا الموضوع.(2/279)
- إن تنفيذ بنوك اللبن حتى في البلاد المتقدمة تعترضه المصاعب والعقبات وهو مكلف باهظ التكاليف، وفي البلاد النامية هناك محاذير أخرى فبالإضافة إلى احتمال عدم التعقيم الجيد وفقدان بعض المواد الهامة بالتخزين فإن هناك احتمالًا أن يتحول الأمر إلى تجارة وأن تضطر الفقيرات المعدمات إلى بيع لبنهن وترك أولادهن للمسغبة أو لمستحضرات الألبان المصنعة.
- إن الأمهات المرضعات موجودات واستبدال الأدنى بالذي هو خير شبيه بما فعله بنو إسرائيل، وهناك احتمال إذا انتشرت هذه البنوك أن تتقاعس الأمهات السليمات والقادرات على الرضاعة وخاصة من الطبقة الثرية المترفة أو الموظفات المشغولات بأعمالهن عن واجب الرضاعة واستبدال ذلك باللبن الإنساني المأخوذ من بنوك اللبن على اعتبار أنه يمثل اللبن الإنساني المطلوب، والأفضل بكثير من لبن الأبقار والجواميس.
- وهناك فقدان الفوائد الجمة للرضاعة في حد ذاتها والتقام الثدي مفيدة للأم ومفيدة للطفل بصرف النظر عن اللبن نفسه، فالرضاعة تفيد الأم كثيرًا وذلك أن عملية مص الثدي تؤدي إلى إفراز مادة الأكسيتوسين التي تساعد الأم على عودة الرحم إلى وضعه الطبيعي بعد الولادة، كما أن الرضاعة تساعد الأم الوالدة على عودة جسمها إلى وضعه الطبيعي، وكذلك تمنع الترهل، والرضاعة الطبيعية أيضًا تساعد الأم على عدم الحمل لفترة الرضاعة وتجنبها أخطار حبوب منع الحمل أو اللولب.
- الفوائد المتعددة أيضًا من الناحية النفسية للطفل والأم بالتصاقه والتصاقه بثدي الأم وصدرها وإن عدم الرضاعة يؤدي إلى نقص إفراز اللبن من الثدي إلى آخر ذلك من المشاكل التي تحف هذا الموضوع.
فمن الناحية الطبية يبدو أن لا حاجة حاليًا على الأقل لمثل هذا النوع من اللبن لأنه تحفه المخاطر والصعوبات ويتعرض للتحلل ويتعرض هذا اللبن كما هو معلوم لإصابته بالميكروبات خاصة إذا أعطي للأمهات.. كما تنتج عنه مصاعب ومشاكل اجتماعية كثيرة، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/280)
الشيخ عبد الله البسام:
بسم الله الرحمن الرحيم.. بخصوص البحث الذي قدمه فضيلة الشيخ يوسف عن اللبن أولًا: ذكر الروايتين عن الإمام احمد، هذا صحيح فيه روايتان عن الإمام أحمد ولكن المشهور في مذهب الإمام أحمد والمعتمد والذي اعتمده أصحابه هو موافقة الأئمة الثلاث: وهذه رواية كل مجتهد يقول رواية وروايتين وثلاثة وأكثر ولكن العمدة ما حققه أصحابه وأتباعه، هذا هو الذي يعتبر المذهب، ولا يأتي الباحث بقول إلا ويبين درجة هذا القول عن هذا الإمام لأجل أن يزول الإيهام لأنه ربما أن الظن أن هنا هو المذهب السائد عن الإمام أحمد، هذه من ناحية، ومن ناحية أخرى ذكر فضيلة الشيخ الشك، صحيح موجود في الشريعة الإسلامية وأنه يطرح وأن الأصل اليقين وإن اليقين لا يزول بالشك ولكن عملنا هذا، نحن الذين نوجد الشك، هناك فرق بين الشك إذا وجد واطراحه وفرق بين أننا نحن الذين نوجد الشكوك ونوجد الشبهات، فتخزين اللبن وحليب الأمهات هذا نحن الذين أوجدنا الشك فيه بين يحتمل أن يكون هذا أخ هذه أو هذه أو هي عمته أو خالته أو نحو ذلك مما يسبب المحرمية بينهم – أنا أرى أن الشريعة تبعدنا عن هذا، لكن إذا وقعنا فيه، إذا وقعنا في الشك، فالحمد لله الشريعة قواعدها معروفة، هذه ناحية، الناحية الثالثة، فضيلة الشيخ قارن بين اللبن والدم وذكر أن الدم ربما يعطي من الفوائد ما لا يعطيه اللبن ويمكن الطفل أو غير الطفل يمكنه من القرب من صاحب الدم أكثر مما يمكن صاحب اللبن، وأنا في اعتقادي أن هذا جمع بين متفرقين الدم هذا لا يلجأ إليه إلا عند الضرورة فقط، عند الضرورة القصوى يلجأ إليه، أما اللبن الذي نريده هذا هو تقريبًا يعني حاجات وكماليات هذا من ناحية، وفرق بين الدم النجس الذي وصف بالنجاسة وبين اللبن الذي وصف بالطهارة ووصف بالغذاء وأنعم الله به.
الرئيس:
ونفس تعليق المحرمية فيه يا شيخ.(2/281)
الشيخ عبد الله البسام:
النقطة الثالثة الحلية والحرمية، هذا حلال، وهذا حلال وطاهر، وهذا محرم دم مسفوح ولا لجأنا إليه عند الضرورة فلا أحب أن فضيلة الشيخ وإن كان له رأيه أنه مثلًا جعل الدم في مصاف اللبن الطبيعي، هذا ما أردت إيضاحه وشكرًا.
الشيخ علي التسخيري:
شكرًا سيدي الرئيس، فقط للعلم ثم لأعطي الرأي. في الإمامية شروط انتشار الحرمة أن يكون اللبن حاصلًا من وطء شرعي وأن يكون الشرب من الامتصاص من الثدي، هناك رواية عن الصادق عليه السلام: ((لا يحرم من الرضاع إلا ما ارتضع من ثدي واحد)) أن تكون المرضعة حية أثناء الرضاع أن يكون المرتضع في أثناء الحولين والكمية التي تقدر تارة بالأثر وأخرى بالعدد وأخرى بالزمان، على هذا الضوء كحكم أولى وبغض النظر عن العناصر الثانوية لا مانع من بنوك الحليب:
أولًا: لعدم الارتضاع من الثدي ونحن نشرطه.
ثانيًا: لعدم العلم باتحاد المرضعة وهناك تشترط.
ثالثًا: لعدم العلم بحصول الكمية المطلوبة، ويشترطون ألا يتخللها شيء، خصوصًا إذا أطعمنا الصبي شيئًا من المقويات وتأكدنا من عدم توالي الرضعات، والأصل أيضًا عدم الحرمة على انه لو كان الاختلاط عاماَ بين أنماط الحليب وتجاوزنا عما سبق فإنه يمكن القول بأنها قد تكون ما نسميه نحن شبهة محصورة، وحينئذ بعد ان كان الحليب مجمعاَ من شتى أنحاء العالم حينئذ لا داعي للاحتياط وترتيب الآثار.. الكلام عن الأضرار التي ذكرها أخونا الدكتور البار لا يستطيع هذا الكلام أن يوفر مانعا من تجويزنا لهذه البنوك، يقول لا توجد حاجة حقيقية لكن على أي حال هناك حاجة حتى لو كانت هناك حالات متعددة، علينا أن نعطى الفتوى فيها، وظيفتنا هذه.الشيء الآخر، قال هناك تكلفة، من يريد أن ينمي طفله يتحمل كل التكاليف. قال هناك محاذير أن الأمهات تتجه لبيع اللبن. مإذا يقول عندما يكون هناك نظام ارتضاع ومرضعات، أيضًا هناك مشجعات على أن تنطلق هذه الأم وترضع الأبناء الآخرين. بالنسبة إلى الفوائد الجمة للرضاعة، نحن لا نتحدث عن حالات طبيعية، حالة استثنائية: الأم تسلم ولدها إلى حليب غيرها. ليست الحالة حالة طبيعية لنتحدث عن حنان وما يتركه التقام الثدي وما إلى ذلك. أود أن أشير إلى كلمة قالها شيخنا الشيخ البسام قال: قياس اللبن على الدم هو جمع بين متفرقين، وإنشاز العظم وإنبات اللحم مؤثر في هذه الأحكام أراد أن يأتي بنقض ولم يرد كما أتصور والمصنف حاضر لم يرد أن يقيس هذا على ذلك وشكراَ. والرأي عندي بعد هذا أن بنوك الحليب جائزة ولا مانع منها(2/282)
السيخ تقي العثماني:
بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الكريم وعلى آله وأصحابه أجمعين وعلى كل من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين. شكراَ سيدي الرئيس
ان هذه المسألة من الناحية الشرعية متوقفة على مسألة أساسية وهي أن الرضاع المحرم هل يجب أن يكون عن طريق الامتصاص من الثدي أو يجوز من أي طريق آخر أيضًا وقد ذكر فضيلة الأستاذ الدكتور يوسف القرضاوي حفظه الله أن المذهب السائد عند الأئمة الأربعة هو أن تحريم الرضاعة لا يشترط له الامتصاص من الثدي، وأن هذا المذهب فيما أظن ليس قوياَ من حيث كثرة الآراء فقط وإنما هو قوى من حيث الدليل من الأحاديث الدالة على تحريم الرضاعة أيضًا. فمن المعروف حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((لا رضاعة إلا ما أنشز العظم وأنبت اللحم)) فان هذا الحديث دليل على أن علة التحريم في الرضاعة هو ليس الامتصاص من الثدي وانما هو إنشاز العظم وإنبات اللحم. وان إنشاز العظم وإنبات اللحم كما يكون من الامتصاص من الثدي يكون من الحليب المحلوب أيضًا. إلى جانب ذلك قد أخذ ابن سعد في الطبقات أن سالما مولى أبى حذيفة رضى الله تعالى عنه إنما ارتضع من لبن محلوب في إناء ومع ذلك جعله رسول الله صلى الله عليه وسلم محرماَ، وإن هذه الرؤية موجودة في طبقات ابن سعد وقد ذكره الحافظ ابن حجر رحمه الله في الإصابة وسكت عليها بما يدل على أنها مقبولة عنده. فان حرمة سالم مولى أبى حذيفة على أمه الرضاعية إنما ثبتت بارتضاع اللبن من اللبن المحلوب في الإناء لا الامتصاص من الثدي. فهذا دليل على أن الرضاع محرم سواء كان محلوباَ أو ممصوصاَ من الثدي. والأئمة الأربعة متفقون على هذا وأما ما ذهب إليه ابن حزم رحمه الله تعالى وبعض أهل الظاهر فقد عارضته الأمة باجماعها، اما الضرورة التي تدعو إلى إنشاء بنوك الحليب فقد كفانا في هذا الموضوع الأستاذ البار حفظه الله ولا أرى أن في العالم الإسلامي أية ضرورة إلى إنشاء بنوك الحليب مثل هذه وشكراَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(2/283)
الشيخ محمد عبده عمر:
الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين
لقد أعفاني الأخ العثماني عن حديث سالم مولى أبى حذيفة وهذا الحديث هو موضوع هذا البحث لأن هذا الحديث يعطى الصورة الكاملة لموضوع النقاش وهو أن الفقهاء حسب علمي مجموعون على أن تحريم رضاع سالم مولى أبي حذيفة لم يكن امتصاصاَ لثدي زوجة أبى حذيفة بل كان ذلك من إناء ذلك أن سالما رضي الله تعالى عنه قد شب من الطوق بل كان ذا لحية وليس من المعقول أن يمتص ثدي زوجة أبي حذيفة بل كان ذلك من إناء. وهذا الحديث أعتقد أنه يساعدنا على فهم موضوع النقاش. هذه مسألة. المسألة الثانية أني أميل إلى رأي شيخنا عبد الله البسام وهو أن المسألة خلقناها لأنفسنا، أي خلقنا الشك، ثم نحاول أن نتلمس الحكم الشرعى من خلال الشك. الذي وضعناه أمامنا. فالمسألة من الأهمية بمكان ومن الخطورة بمكان. والقاعدة الفقهية تقول: " درء المفاسد مقدم على جلب المصالح " فالموضوع يحتاج إلى دراسة وإلى بحوث وأيضًا علينا أن لا نأخذ بحرفية النص دون فهم العلل والمعاني وما تحتوي عليه الحكمة الالهية من تحريمٍ الرضاع من الأجنبية وخاصة في موضوع النقاش الذي هو موضوع بنوك الحليب وشكراَ(2/284)
الشيخ مصطفي الزرقاء:
بسم الله الرحمن الرحيم
اخواني الأساتذة الكرام أنا أولاَ أرى فيما ذكره أخونا حفظه الله ابن الأستاذ الكبير المرحوم الشيخ شفيق العثماني فيما يتعلق بترجيح المذهب ولا أسمي أصحابه أي مذهب كان، المذهب الذي يرى أن التحريم لا يتوقف على الامتصاص من الثدي ولا على مقدار وبين من يشترط ذلك، يعنى ليس نحن الآن في هذا الصدد في ترجيح مذاهب على مذاهب. نحن في مثل هذا المقام كما ذكر فضيلة الأخ القرضاوي نحن في مقام نحتاج فيه أن نعالج مشكلات قائمة نواجهها وقد تحدث دون إرادتنا. ولكن علينا أن ننظر في حكمها وهي من قضايا الساعة، فنحن في مقام لا يجب علينا أن نوازن بهذه الدقة بين الأدلة التي ذكرها فضيلة الأخ الكريم هذه أيضًا يقابلها من وجهة النظر الأخرى لمن يرون خلافها أدلة أيضًا هي محل اعتبار وكل يرى أن أدلته هي الأقوى. ولذلك تبني رأيه، نحن لسنا في هذا المقام أن نأتي فندخل في الترجيح بين المذاهب، نحن يكفينا عندما نواجه مسألة أن يكون أمامنا مذاهب معتبرة مسلم لأصحابها بالاجتهاد دون أن ندخل بعد ذلك في تفصيل الأدلة وإنما لنا أن نختار من هذه المذاهب ما نراه يحل مشاكلنا. هذا المبدأ أحببت أن أنبه عليه لكي يكون دستوراَ فيما بعد، لأننا لا يصح أن ندخل في انتصار لمذهب على مذهب متى كانت المذاهب محل اعتبار ومسلم لأهلها بأهلية الاجتهاد ورأيهم، من قلده لقي الله سالماَ، عندئذ يكفينا نحن أن نأخذ بها إذا كان نجد فيها حلاَ لمشكلتنا. ليس مقام ترجيح أدلة ومذاهب.. ثانياَ من جهة أخرى أن أرى أن المسألة ذات شقين ولا يكفي نحن أن نقول في إنشاء هذه البنوك مصلحة أو مفسدة يبنى عليها جواز أو تحريم. نحن نعالج المسألة من ناحيتين، من هذه الناحية أولاَ وهي هل يجوز أن يستحسن إنشاء بنوك للحليب في مثل هذه الأوضاع التي صورت فيها الحاجة وانتشرت في بعض البلاد ويراد أيضًا أن تنشأ في بلادنا وقد تنشأ بدون إرادتنا ينشئها من ينشئونها والحكومات تفعلها دون أن تأخذ رأي العلماء. فهل يجوز هذا أو هل يستحسن لحل هذه المشكلة أو لا يجوز؟ والناحية الأخرى وهي التي أرى أن مجرد الجواب عن الأولى لا يغني عنها، وهي أنه لو أنشئ بنك للحليب فعلاَ في بلد ما من البلاد الإسلامية وحصل فيه أرضاع الأطفال بهذه الطريقة، فما الحكم في هذا الرضاع؟ بقطع النظر عن كون إنشاء البنك مقبولاَ أو جائزاَ أو مستحسناَ أو غير جائز وان له محإذير، بغض النظر عن كل هذا، لو حصل هذا بالفعل وأنشئ بنك من هذا القبيل ولو بدون فتوى من علماء. فما حكم هؤلاء الأطفال من حيث الرضاع وأثره على الذين يرتضعون أو يربون على هذا اللبن؟ هذه نقطة يجب أن يتناولها البحث، والذي أرى أنه في حالة إنشاء البنك، أنا مع الأساتذة الأخوان الذين يرون أنه لا حاجة إلى إنشاء هذه البنوك كما يبين الدكتور البار، وأننا بعد في هذه المرحلة في غنى عنها. ولكن لو حصل هذا فعلاَ فهل نفتي بالتحريم بين هؤلاء الأطفال والذين قد يفوق عددهم الحصر والذين لا نعرف من هن النساء اللاتي تكون الحليب من أثدائهن. فهل تحكم بالحرمة وما نتائج الحرمة وإلى أي نطاق تصل، أو لا نحكم بحرمتها؟ أنا الذي أراه أن الأدلة التي أتى بها الأستاذ القرضاوي، أيده الله ورحمنا جميعاَ أحياء وأمواتاَ، أن أخانا الكبير الأستاذ القرضاوي حفظه الله وأيده ما أتى به من أدلة وملاحظات يترجح معها اعتبار عدم التحريم للأسباب وللمذاهب التي بينها وهي مذاهب معتبرة وللشك في تحقق شرائط التحريم بالاتفاق هذا كله يكفي لأن نقول أنه لو حصل بالفعل إنشاء هذه البنوك فإن هذا لا يؤثر تحريمه هذا الذي أراه(2/285)
الشيخ عبد العزيز عيسى:
في الواقع الذي أراه أنه ليس أمامنا مشكلة إسلامية فيما يتعلق برضاع الأطفال. لا توجد هذه المشكلة. والأولاد الصغار الرضع موجودون منذ القديم ورأيناهم في بلادنا، ما كان هناك من حاجة إلى إرضاع طفل من أم أخرى أو عمل بنك من بنوك الحليب الآدمي وإنما كان يرضع الطفل إما ماء مضافا إليه كراوية وإما لبن بقر وما إلى ذلك، كل هذا وهو على قلة ولأيام معدودة ثم ينتقل الطفل بعد ذلك إلى الطعام والشراب. ولا أقول ما قاله أخونا الفاضل إننا نتكلم في فرضية حصول هذا الأمر إذا حصل فهل يكون حلالاَ أم حراماَ؟ لا حين تكون نفتي بها إن شاء الله تعالى، نفتي بالجواز أو عدم الجواز، " وقت الله يفرجها الله " زي ما بيقولوا، يعني نشوف ظروف الأحوال أيه، انا يمكن أخالف الشيخ تسخيري في أن الرضاع هو خاص بالامتصاص لأن جمهور المسلمين على أن إيجار الصبي اللبن يعني صبه في حلقه محرم أيضًا. فنحن نبقى على هذا. ولو لم يكن في رفض بنوك الحليب إلا سد الزريعة وسد الوقوع في فتنة التحريم لكان أولى بنا أن لا نوجد هذه البنوك، ولسنا مكلفين بأن كل ما وجد في أوروبا أو في أمريكا من بنوك الحليب أو غيره، ده إحنا محتاجين إلى بنوك الدم ومش لاقيين من الناس يقبلوا على بذل دمهم، ولكن اللبن أقل من ذلك ولا تتصور أن امرأة أو أن واحدة ذات احترام تروح تمسك ثديها علشان تفرغ نصف كوب لبن علشان تبيعه بجنيه أو بجنيهين، العملية ده لازم تبطل إلى أن نحتاج إليها فنصدر الحكم الخاص بها(2/286)
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما أفتتح كلمتي بالتعبير عن كامل تقديري لفضيلة الشيخ الدكتور القرضاوي وأرجو من فضيلة نائبه أن يبلغه هذه التحية وخاصة هذا الحرص الكريم منه على ارضائي وأنه اطمأن إلى أن هناك عبارات لا بد أن نستعملها فيما بيننا وبناءَ على هذا فان ما جاء في الصفحة السادسة أرى بتفويضه أنه يجب أن يحذف في قوله: " والمنهج الذي نختاره في هذه الأمور هو التوسط والاعتدال بين المتزمتين والمتهاونين " فهذا بناء على ما ذهب إليه وما أقره، أطلب حذف هذه الكلمة واستبدالها بغيرها. الأمر الثاني، في صلب القضية والموضوع عندنا أمر جاء في الكلمة هو أن لا يقال أرضعه إلا في التقام الثدي، والحديث الذي ورد عن رضاع سالم لما نزلت آية إبطال التبني قال لها صلى الله عليه وسلم أرضعيه قالت له كيف أرضعه وهو كبير معنى الحديث أو يقاربه فضحك صلى الله عليه وسلم وكانت عائشة رضى الله تعالى عنها تأخذ بهذا الحديث فكان من تريد أن يدخل عليها تطلب من أخواتها أن يرضعنه أو من رجال أو من نساء اخوتها، فالذي آخذه من الحديث ليس الخصوصية أو عدم الخصوصية ولكن إطلاق كلمة الرضاع مع عدم التقام الثدي، هذه واحدة الأمر الثاني، هو أنا نبحث في قضية ما بناء على الحاجة، والحاجة بمراعاة جميع الظروف، وقد تبين لنا من خلال ما تفضل حضرة الأستاذ الدكتور في قضية بنوك الحليب قال ان تكلفتها باهظة وأنها في الدول النامية خطيرة على الأطفال لأن وسائل التعقيم هي وسائل لم تتحقق بعد في هذه الدول. وبناء على أنها خطيرة على صحة الأطفال وبناء على ما تنشره من فوضى، فان الحكم يجب أن يكون واضحاَ، أن لا تحدث مثل هذه البنوك في دول العالم الإسلامي خاصة وأن التربية الإسلامية على الغيرية هي غير التربية الغربية على الأنانية الفردية وان المرأة لا ترضع ابن غيرها. هذه واحدة، وأمر آخر أريد أن أختم به كلمتي هو أن الفتوى فهل يجوز ذلك أو لا، هذه الفتوى يلزمها للنظر فيها لا أقل من عشرين سنة إن فرضنا وجود لبن يوجد بنك لبن فلا تعرض القضية إلا بعد أن يبلغ الطفل أو البنت سن الزواج. فهي قضية لا حاجة لنا بها أصلا وفي الإفتاء بها من الآن هو فتح للباب خطير جدا – فلذلك ملخص رأيي أن هذه بنوك الحليب هي محرمة نظراَ للمخاطر الشرعية والبدنية منها، ثانياَ: ألا تصدر فتوى فيما يترتب على الرضاعة وشكراَ والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(2/287)
الشيخ عبد الحليم الجندي:
أشكر السيد الرئيس.. أريد شيئا خاصاَ باختصاص المجمع.. المجمع لا يعرض عليه الا أمر عمت به البلوى أو أمر ينتظر له أثر خطير في حياة الأمة. أمر واقع له شأنه تحسب حسابه وتخاف عواقبه. هذه المسألة ليست من هذا الطراز هي طلب استفتاء في مسألة لم تكن ولم تقع. الأقربون كانوا يقولون " فأجمنا حتى تكون " أي انتظر حتى تكون ثم اسأل، لا نحن أيضًا نفتح الباب. ولكن نفتح الباب لشيء واقع كأن يكون بنوك الدم كأن يكون لأطفال الأنابيب لأن الناس الآن بنوك الدم هم محتاجون إليها أطفال الأنابيب هي قضية قائمة. أما أن يستمر الأمر لكل إنسان عنده فكرة يعرضها على المجمع ويقول المجمع ممثلاَ للمسلمين رأيه فيه فأظن أن هذا ينزل بالمجمع عن مكانة آرائه، إنما ممكن للمجتهد أن يفتى. ممكن للأستاذ المدرس أن يدرس ويفترض فروضاَ ويبدي فروضاَ ويبدي فيها آراء، لكن المجمع فوق ذلك المجمع له وظيفة الإفتاء والإفتاء يحل محل المشرع، فهل نحن الآن في مقام هذا اللبن وفي هذا المقام أظن لا، وشكراَ
الشيخ رجب التميمي:
بسم الله الرحمن الرحيم
إن بنوك اللبن التي نتكلم عنها هي في الأصل في الدول الغربية أو من الغرب وهي في إنشائها أو نقلها للمسلمين تحد للإسلام. إننا نعلم جميعاَ أن لبن الأمهات يتعلق به أحكام شرعية وهي يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب. والغرب الكافر يريد أن يفسد علين إسلامنا وأحكامنا الشرعية. وأرى أن البحث في هذا الأمر مخالف للشرع. لبن الأمهات في بنك يختلط اللبن وحينئذ لا نعرف من يحل لها أن يتزوج ومن تحرم عليه أن يتزوجها. وفي هذا اختلاط وفوضى. وكما ذكر الدكتور نحن لسنا في حاجة في بلادنا إلى بنوك اللبن لما فيها من المخاطر والمساوئ. ولذلك أرى أن نقفل هذا الباب وألا نتبع ما يسير عليه الغرب الكافر فيما يتعلق بديننا وأحكامنا الشرعية وشكراَ(2/288)
الرئيس:
في الواقع ومن خلال العرض من أصحاب البحوث ومن وجهة نظر الأطباء ومن خلال هذه المداولات يمكن أن يتلخص لدينا ما يلي:
أولاَ: أن المسألة المطروحة أمامنا هي بنوك الحليب فحسب
ثانيا: أن هذه المسألة وقعت. ولهذا فان بحثها وارد. ولو لم تقع، والدليل على وقوعها ما ذكر الأطباء الدكتور محمد على البار في بحثه ومدى نسبتها في العالم
ثالثا: أما حكم ما وقع فقد أتى بكلمة الفصل فيه فضيلة الشيخ عبد العزيز عيسى وهو أن حكم ما وقع أنها قضايا أعيان. وقضايا الأعيان يسأل المبتلى فيها أهل العلم في وقته. لكن نحن هنا من حيث هذا المبدأ إيجاد بنوك للحليب، وقد علم بالضرورة من دين الإسلام أنه يحرم من الرضاعة ما يحرم من النسب. وقد تحرر لدى الجميع أن مذهب جماهير أهل العلم على منع ذلك وأنه يعتبر محرماَ حتى ولو لم يكن عن طريق الامتصاص ثم إن الرواية التي تفضل بذكرها الشيخ تقي العثماني في طبقات ابن سعد وذكرها الحافظ بن حجر في الإصابة قد وقفت يقينا على من صححها من أساطين أهل العلم وكنت أظنها في زاد المعاد لابن القيم ولذلك فقد طلبت الكتاب لكن لم يقع بصري عليها، لكن المتحرر لدى يقينا وليس شبه يقين أن الرواية فيه من صححها من أساطين أهل العلم وان سالماَ كان ذا لحية كبيرة وأنه حلب له.
ولهذا فإنني أرى إن ما اتجهت إليه أكثر الأنظار في مجمعكم هذا هو القول بالمنع وأرجو أن يكون هذا منهياَ وإذا كان لأحد تحفظ فأرجو أن يتكرم المتحفظ ببعثه إلى أمانة المجمع وشكراَ وبذلك نرفع الجلسة ونستأنفها في الساعة الرابعة والنصف إن شاء الله تعالى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(2/289)
قرار رقم 6
بشأن
بنوك الحليب
أما بعد:
فان مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني بجدة من 1 – 16 ربيع الثاني 1406 هـ /22 – 28 ديسمبر 1985م
بعد ان عرض على المجمع دراسة فقهية، ودراسة طبية حول بنوك الحليب
وبعد التأمل فيما جاء في الدراستين ومناقشة كل منهما مناقشة مستفيضة شملت مختلف جوانب الموضوع تبين:
1- أن بنوك الحليب تجربة قامت بها الأمم الغربية. ثم ظهرت مع التجربة بعض السلبيات الفنية والعلمية فيها فانكمشت وقل الاهتمام بها
2- أن الإسلام يعتبر الرضاع لحمة كلحمة النسب يحرم به ما يحرم من النسب بإجماع المسلمين. ومن مقاصد الشريعة الكلية المحافظة على النسب، وبنوك الحليب مؤدية إلى الاختلاط أو الريبة.
3- أن العلاقات الاجتماعية في العالم الإسلامي توفر للمولود الخداج أو ناقصي الوزن أو المحتاج إلى اللبن البشرى في الحالات الخاصة ما يحتاج إليه من الاسترضاع الطبيعي، الأمر الذي يغني عن بنوك الحليب
وبناء على ذلك قرر:
أولا: منع إنشاء بنوك حليب الأمهات في العالم الإسلامي.
ثانيا: حرمة الرضاع منها
والله أعلم(2/290)
أجهزة الإنعاش
الدكتور محمد على البار
الفصل الخامس
تحديد الوفاة والأخطاء التي تحدث فيها
الموت والحياة لغز من الألغاز لم يدرك الإنسان كنهما رغم أنه شاهد هذه التجربة مرارا وجربها ملايين الملايين من البشر منذ أن خلق الله الإنسان على ظهر الأرض.
ولم يكن الأمر يحتاج إلى طبيب ليعلن بدء الحياة أو نهايتها.. الملايين من النساء أنجبن أطفالهن دون تدخل طبيب وملايين الملايين من البشر خرجوا من هذه الحياة دون الحاجة لشهادة من طبيب تثبت وفاتهم.
وبدأت الحياة في التعقيد وتبين أن تحديد الحياة بدءًا ونهاية أمر ليس بالسهولة التي يمكن أن تترك للقابلة أو للأشخاص المجربين.
وسنترك موضوع بداية الحياة إلى بحث آخر إن شاء الله.
ومنذ لحظة خروج الجنين من بطن أمه قد يتعرض لسبب من أسباب الوفاة. بل إنه قد يتعرض للوفاة وهو في بطن أمه فهل يمكن تحديد ذلك؟(2/291)
إثبات الوفاة:
بالنسبة للقدماء كان من الصعب لديهم إثبات وفاة الجنين في بطن أمه وكانوا يخمنون ذلك بتوقف حركته..أما الآن فقد تيسرت الوسائل..وعند خروج الطفل من بطن أمه قد لا يستهل صارخا كما يفعل بقية الأطفال بسبب من الأسباب وكان القدماء بوسائلهم البسيطة يفقدون أعدادا كبيرة من الأطفال فلا يتم إنقإذهم وتحدث فقهاء الإسلام في هذا الموضوع.
قال مفتى الجمهورية التونسية الشيخ محمد المختار السلامي (1) . " وقد فصل اللخمي ما تكون به الحياة فقال: اختلف في الحركة والرضاع والعطاس، فقال مالك: لا يكون له بذلك حكم الحياة!! قال ابن حبيب وإن أقام يوما يتنفس ويفتح عينه ويتحرك ويسمع له وان كان خفيا!!! قال إسماعيل: وحركته كحركته في بطن أمه لا يحكم له فيها بحياة. قال عبد الوهاب وقد يتحرك المقتول.. وعارض هذا المازري وقال: لا معنى لإنكار دلالة الرضاعة على الحياة لأنه نعلم يقينا أنه محال بالعادة أن يرضع.
وخلاصة هذا الكلام أن بعض الفقهاء على الأقل حكموا بموت الجنين عند ولادته إذا لم يستهل صارخا ولو بصوت خفي واعتبروا حركته وتنفسه بل وعطاسه ورضاعته وتبوله وتغوطه أمورا ليست كافية لإعطائه صفة الحياة. ورد عليه آخرون باعتبار الرضاعة دليلا كافيا على حياة الطفل واعتبر آخرون العطاس دليلا كافيا على الحياة واستدلوا على ذلك بأن آدم عليه السلام لم نفخت فيه الروح عطس فحمد الله كما جاء في الحديث.
وتعتبر نظرة الفقهاء الذين لم يكتفوا بالحركة كدليل على الحياة أو خروج بعض الإفرازات من مخارج الجسم مثل البول والغائط والمخاط من الأنف أو الزبد من الفم كدليل على الحياة.. تعتبر نظرة هؤلاء الفقهاء موافقة للطب الحديث. فقد يتحرك المقتول أو المذبوح.. ومن المشاهد أن الدجاجة تقفز وتتحرك بعنف بعد ذبحها وكذلك بقية الحيوانات كالشاه والجمل والعجل وكم من أجساد تحركت بعد أن حزت رؤوسها بالمقصلة أو السيف ولم تهمد حركتها وتبرد إلا بعد مرور دقائق وأحيانا ساعات.
وفي الصورة التالية صورة لدجاجة ذبحت بحيث فصل رأسها ومع هذا ظلت تمشي وتتحرك وتتنفس لمدة أسبوع كامل. وذلك لأن موضع الذبح كان عاليا بحيث بقى جزء من النخاع المستطيل (من جذع الدماغ) حيا وهو الذي يتحكم في التنفس. وكانت تغذيتها تتم من البلعوم المفتوح.
(الصورة من كتاب كريستوفور باليس ابجديات موت الدماغ)
ABC of Broom Stem Death. Christopher Palls. BM.J. articles , BM.A. London.
__________
(1) صحيفة الشرق الأوسط في 22/6/14 5هـ الموافق 13/3/1985م(2/292)
إذن مما تقدم يتضح كيف أن تحديد الموت كان ولا يزال يواجه صعوبات جمة وخاصة بالنسبة لعامة الناس.. وكان تحديد موت شخص قد عاش فترة ثم مات أقل صعوبة من تحديد موت وليد خرج لتوه من بطن أمه ولم يستهل صارخا ولا شك أن عددا كبيراَ من هؤلاء الأطفال قد أعلنت وفاتهم في الماضي بينما هم في الواقع كانوا عند إعلان وفاتهم أحياء ولو كانت وسائل التشخيص والإسعاف كما هي الآن لأمكن إنقإذ الآلاف من هؤلاء الأطفال الذين أعلنت وفاتهم في الماضي. لأن بعض الفقهاء آنذاك حددوا بدء الحياة بالاستهلال بالصراخ!
وكذلك في مراحل العمر المختلفة كان الشخص يعتبر ميتا وهو في الواقع حي ومثال ذلك ما يضربه الفقهاء (نقلا عن كلام مفتى تونس في صحيفة الشرق الأوسط المتقدم ذكر) من أن عمر رضى الله عنه لما طعن كان معدوداَ في الأموات.. وأنه لو مات له مورث لما ورثه وهو قول ابن القاسم، ولو قتل رجل عمر في تلك الحالة لما قتل به وإن كان عمر يتكلم ويعهد ولا شك ان عمر رضى الله عنه كان حيا بعد ما طعن وقد بقى ثلاثة أيام ولو كان الطب متقدما آنذاك لأمكن إنقإذه بإذن الله وقد استدل الطبيب آنذاك بأن عمر ميت عندما سقاه لبنا فخرج من أمعائه من الجرح واليوم لا تعتبر مثل هذه الحالة مميتة بل يمكن إلى حد كبير إنقإذها بإذن الله.
وقد تمكن الأطباء من إنقإذ الرئيس ريجان بعد إصابته برصاصة مزقت رئته ومرت بشغاف قلبه (التأحور) عندما قام شخص بالاعتداء على حياته وهناك مئات الحالات المماثلة التي ينقذها الأطباء كل يوم ولو حصل هذا الاعتداء في زمن سابق لأعلن الفقهاء قبل الأطباء موته.
نتيجة لهذه الأسباب ولكثرة الأخطاء النسبية في تشخيص الموت لم يعد من حق الأشخاص العاديين أن يعلنوا الموت أو الحياة بل تحول ذلك إلى فئة مختصة بهذا الموضوع هم الأطباء وقد أصبح الأطباء في دول العالم أجمع هم الذين أنيط بهم إصدار شهادات الميلاد أو شهادة الوفاة.
ورغم ذلك فإن إعلان الميلاد أو الوفاة يتم في الأرياف والقرى في معظم أنحاء العالم الثالث دون معاينة الطبيب.. بل إن إعلان الوفاة قد يتم في المدن دون معاينة الطبيب حيث يكتفي بشهادة الأهل ويصدر الطبيب شهادته بناء على ذلك.
وهذا ما يفسر ما تنشره الصحف من أن طفلا أو رجلا أو امرأة قام من قبره يمشي إذ أن هذا الشخص لم يمت في الواقع بل إن الأشخاص الذين أعلنوا وفاته لم يكونوا على دراية كافية بهذا الموضوع الذي يبدو سهلا في كثير من حالاته إلا أنه يصبح شديد التعقيد في بعض الحالات.(2/293)
الخطأ في إعلان الوفاة:
الخطأ إذن في إعلان وفاة شخص ينتج على عدة مستويات كالآتي:
1- مستوى العامة ممن ليس لهم دراية بالطب وإنما أنيط بهم إعلان الوفاة لعدم وجود طبيب ولسابق تجربتهم ومعرفتهم فإن العباس رضى الله عنه لما رأي رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرضه الأخير قال وأني أعرف الموت في وجوه بني هاشم، ونعى النبي صلى الله عليه وسلم إلى علي رضى الله عنه.
ولا تزال القرى والأرياف في كثير من أنحاء العالم الإسلامي والعالم الثالث تعتمد في تشخيص الوفاة على ذوى التجارب أو على المساعدين الصحيين.. واحتمال الخطأ في تشخيص الوفاة في مثل هذه الحالات كبير نسبيا
2- الخطأ في مستوى الأطباء: لقد تعارف الأطباء منذ الأزمنة القديمة على أن توقف القلب عن النبض وتوقف الدم عن الدوران يعني الموت ولا يزال هذا المقياس قائما إلى اليوم وسيقي لفترة طويلة من الزمن في المستقبل لمعظم الحالات على الأقل.
ففي بريطانيا مثلا يتوفي كل عام نصف مليون شخص ويحكم الأطباء بموتهم نتيجة توقف القلب والدورة الدموية نهائيا عن الحركة ورغم التقدم الطبي الهائل فإن هناك ما يقرب من أربعة آلاف شخص لا يدخلون في هذا التعريف في بريطانيا كل عام (كتاب كريستوفر باليس ألف باء موت جذع الدماغ) وإنما يعتبر موتهم نتيجة موت الدماغ لا موت القلب وفي الواقع فإن هؤلاء الأشخاص الذين لا يشكلون سوى أقل من واحد بالمائة من جميع الوفيات في بريطانيا يوضحون عمق المشكلة الجديدة التي بداَ الأطباء في العالم اجمع يعانون منها نتيجة التقدم التكنولوجي الطبي المذهل إذا أن هذه الحالات جميعاَ أعلن عن موتها رغم أن القلب كان لا يزال ينبض والدورة الدموية لا تزال تتدفق.
وسبب هذه الثورة في المفاهيم هو أن الإصابات البالغة للدماغ التي كانت تعتبر مميتة في الحال لم تعد تعتبر كذلك فإذا توقف قلب الشخص أو تنفسه نتيجة إصابة الدماغ الذي به مركز التنفس أو توقف القلب والتنفس نتيجة لأي إصابة أخرى مثل الغرق أو الخنق أو اضطراب في كهرباء القلب أو غيرهما من الأسباب فإن وسائل الإنعاش الحديثة كالمنفسة (جهاز التنفس) Ventilator وجهاز إيقاف ذبذبات القلب Defibrillator إذا استخدمت بمهارة قد تؤدي إلى إنعاش الشخص وإعادة التنفس ونبض القلب إذا أراد الله ذلك.. وكان له في العمر بقية.
وهنا يحدث أحد الأمور التالية:
1- يعود الشخص إلى التنفس الطبيعي بدون الآلة (المنفسة (Respirator) ويعود قلبه إلى النبض ويستمر في ذلك وسواء كان في حالة غيبوبة أم لا فإنه يعتبر حيا بدون ريب.(2/294)
2- لا يمكن إيقاف المنفسة (Respirator) إلا لدقائق حيث يتبين أن التنفس لا يزال يعتمد على المنفسة والشخص لا يزال فاقدا للوعي بصورة كاملة وهنا لابد من إيجاد مواصفات جديدة لتحديد الوفاة إذ أن القلب لا يزال ينبض والتنفس مستمرا بمساعدة الآلة.
3- يتوقف القلب نهائيا رغم وجود المنفسة: ففي الحالة الأولى يعتبر الشخص حيا ولو كان فاقد الوعي واستمر في غيبوبته غيبوبة كاملة لمدة عام أو عدة أعوام كما حدث في حالة آن كونلان المشهورة.
وفي الحالة الثالثة يعتبر الشخص ميت بلا جدال. والحالة الثانية هي الحالة المعقدة التي أثارت جدلا واسعا في الغرب امتد أثره إلينا مع زحف التقدم الطبي والتكنولوجي. ومع قيام المستشفيات الحديثة ومع إثارة موضوع الاستفادة من الأعضاء الحية من شخص ميت لزرعها في إنسان حي ماتت كليته أو كادت وشارف قلبه أو كبده على الموت.
وفي هذه الحالة الثانية حصلت أخطاء على مستوى الأطباء بل على مستوى الأخصائيين من الأطباء في أكثر دول العالم تقدما
وقد قدم التلفزيون البريطاني B.B.C في برنامج بانوراما موضوع موت الدماغ في 13 أكتوبر 1980 حلقة مثيرة تحدثت فيها فتاة أخذت بعض الحبوب المنومة فأغمى عليها وتوقف تنفسها ووضعت تحت أجهزة الإنعاش المعقدة وفي المستشفي أعلن الأطباء أن دماغها قد مات وأن تنفسها قد توقف وأن تخطيط المخ الكهربائي لا يشير إلى وجود أي ذبذبات أو موجات آتية من دماغها ولذا أعلنوا موتها.(2/295)
ورفض أهلها هذا التقرير وجاءت مجموعة أخرى من الأطباء وواصلوا استخدام أجهزة الإنعاش فتنفست الفتاة طبيعيا ثم أفاقت من غيبوبتها ثم ذهبت إلى محطة التليفزيون لتروى للمشاهدين كيف أنها كانت تسمع الأطباء وهم يتجادلون ثم تسمعهم وهم يقررون وفاتها وهي في غيبوبتها العميقة.
وذكر البرنامج عدة حالات مشابهة توضح أخطاء الأطباء في إعلان الوفاة بسبب حالة الإغماء والغيبوبة التامة وفقدان الأفعال المنعكسة وتوقف التنفس الطبيعي.
وقد أخبرني الأستاذ الدكتور عبد الله منجود بحادثة مشابهة حدثت حيث كان يعمل في إحدى مستشفيات في مانشستر في إنجلترا عندما جاء الإسعاف بامرأة عجوز توقف قلبها وتنفسها.. وبعد محاولات الإنعاش قرر زملاؤه الأطباء أن المرأة ماتت وأوقفوا جهاز التنفس ولكنه أصر على إعادة المحاولة وبعد نصف ساعة عاد التنفس الطبيعي ثم عاد الوعي وعاشت المرأة فترة من الزمن.
لذلك تكونت لجان طبية عليا متخصصة لدراسة موت الدماغ. وكانت مجموعة من الأطباء الفرنسيين (مولارت وجولون) أول من تحدث عن مرحلة ما بعد الإغماء Coma de passe عام 1959 (1) ثم ظهرت لجنة آدهوك من جامعة هارفارد عام 1968 بتحديدات واضحة المعالم لموت الدماغ (2)
وفي بريطانيا اجتمعت لجنة مكونة من الكليات الملكية للأطباء، وأصدرت تعريفاتها لموت الدماغ عام 1976 (3)
وعام 1979 (4)
ومن عام 1981 أصدر الرئيس ريجان أمره بتكوين لجنة من كبار الأطباء والقانونيين وعلماء الدين لدراسة موضوع موت الدماغ. وأصدرت اللجنة قرارها عن موت الدماغ في يوليو 1981 (5) وقد وافقت 25 ولاية على الاعتراف بموت الدماغ وارتفع العدد إلى 33 ولاية في عام 1982 وكانت ولاية كانساس هي أول ولاية تعترف قانونيا بموت الدماغ وذلك في عام 1970 (6) ولا يزال الأمر كما تقول مجلة JAMA (7) الطبية المشهورة غريبا حيث يعتبر المرء ميتا في ولاية بينما تعتبره ولاية مجاورة حيا.
__________
(1) Mollaret P. Goulon M. le coma de Passe , Rev. Neurol, 1959. 1 1:3-15
(2) Ad Hoc Committee of the Hrverd School of Medicire: A defnation Irrewversible Coma JAMA. 1968.2 5: 85 - 88
(3) conference of medical royal colleges in U.k diajnosis of death Br. Med j 1976 (2) : 1187-8
(4) conference of medical royal colleges in U.k diajnosis of death Br. Med j 1976 (2) : 1187-8
(5) J 1979 (1) : 332 - Joynet R.A new look at Death JAMA 1984: 252 (5) : 68 - 682
(6) J 1979 (1) : 332 - Joynet R.A new look at Death JAMA 1984252 (5) 68 - 682: 252 (5) :.
(7) J1979 (1) :3320- JOYNET r.a.NEW LOOK AT DEATH JAMA 1984: 252 (5) : 680-682(2/296)
الفصل السادس
أجهزة الإنعاش وموت الدماغ
إن التعريف القديم للموت وهو توقف القلب والتنفس لا يزال ساريا بالنسبة لمئات الملايين من الوفيات التي تحدث سنويا ومع هذا نتيجة التقدم الطبي السريع واستخدام أجهزة الإنعاش فإن هذا التعريف أصبح غير كاف بالنسبة لمجموعة من الحالات في المراكز المتقدمة ففي بريطانيا مثلا يتوفي كل عام نصف مليون حالة حسب التعريف القديم وهو توقف القلب عن النبض والدم عن الدوران والرئتين عن التنفس. ولكن هناك أيضًا أربعة آلاف حالة لا ينطبق عليها هذا التعريف (1) وإنما يتم في هذه الحالات التي لا تكاد تبلغ 1 % من مجموع الوفيات (8ر %) تعريف الموت بواسطة موت الدماغ أو بالأصح موت جذع الدماغ..
وقد ظهرت هذه الحالات نتيجة التقدم الطبي الباهر في السنوات الأخيرة.. وتحدث هذه الحالات أساسا نتيجة حادثة لشخص سليم في الغالب حيث يعاني الدماغ من إصابة بالغة فيه.. وبما أن مراكز التنفس والتحكم في القلب والدورة الدموية موجودة في الدماغ وبالذات في جذع الدماغ Brain Stem فإن إصابة هذه المراكز إصابة دائمة تعني الموت ولكن قد تكون الإصابة مؤقتة ويمكن أن يشفي منها المصاب بإذن الله بالعلاج ولهذا لزم محاولة استمرار التنفس وضربات القلب والدورة الدموية بوسائل الإنعاش.
وتتمثل وسائل الإنعاش في مجموعة من الأجهزة والعقاقير وأهم من ذلك المجموعة المدربة من الأطباء والممرضين الذين يستخدمون هذه الأجهزة بمهارة.
أجهزة الإنعاش: وتتمثل الأجهزة في المجموعة التالية:
1- المنفسة Respirator or Ventilator وهي أنواع مختلفة فعندما يرى الطبيب مثلا أن التنفس قد توقف أو أوشك على التوقف فإنه يقوم بإدخال أنبوبة إلى القصبة الهوائية ويوصل ذلك إلى المنفسة.. وهناك المنفسة التي تعمل باليد مثل Ambu Bag وموجودة في شنطة الإسعاف لدى الممرضين والأطباء ورجال الإسعاف وحتى مضيفي الطائرات ووسائل النقل.. وهناك المنفسة التي تعمل بالكهرباء أو بالبطارية
__________
(1) Christopher Palls: ABC of Brain Stem Death: Br. Med. J 1981 , 285: 14 9 = 1412(2/297)
كما أن هناك أنواعا من المنفسات تساعد المريض الذي يتنفس بصعوبة بالغة فلا تأخذ عمل جهازه التنفسي بل تساعده على ذلك ومثالها Bennet Respirator وتستخدم خاصة في مرض الامفيزيما Emphysema والربو المزمن الشديد، والالتهابات الشعبية المزمنة.
ولكن معظم أنواع المنفسات التي تستخدم في العرض الذي نتحدث عنه هو تلك التي تقوم فيه المنفسة بعمل الجهاز التنفسي وتحرك بذلك القفص الصدري في حركة تشبه حركة الشهيق والزفير الطبيعتين.
وتستخدم هذه الأجهزة أيضًا أثناء العمليات التي يستخدم فيها التخدير الكامل فيفقد المريض وعيه ويدخل طبيب التخدير الأنبوبة إلى القصبة الهوائية Trachea ويصبح تنفس المريض أثناء العملية وربما بعدها لدقائق أو ساعات معتمدا على جهاز التنفس وفي الحالات المستعجلة جدا والتي يكون فيها انسداد في الحنجرة مثلا فإن الطبيب قد يقوم بعملية شق الرغام (شق القصبة الهوائية) Tracheostomy ويدخل الأنبوب مباشرة من الفتحة ويتم بذلك التنفس الصناعي.
2- أجهزة إنعاش القلب مثل مانع الذبذبات Defibrillator وهذا الجهاز يعطي صدمات كهربائية لقلب اضطرب نبضه اضطرابا شديدا وتحول إلى ذبذبات بطينية yentricular fibrillation لا تدفع الدم من البطين إلى الاورطي (الابهر) وإذا لم تنقذ هذه الحالة فإن القلب يتوقف تمامًا عن العمل وذلك يعنى توقف تغذية الدماغ وإذا توقفت تغذية الدماغ وخاصة جذع الدماغ لمدة دقيقتين فذلك يعني موت الدماغ الذي لا رجعة فيه. ويقوم الطبيب أو الممرضة أو الشخص المدرب بوضع جهاز مانع الذبذبات هذا على الصدر وإمرار تيار كهربائي يوقف الذبذبات ويعيد القلب إلى نبضه أو إذا توقف القلب فإن إمرار صدمة كهربائية قد يعيد القلب إلى العمل.
3- وهناك أيضًا جهاز منظم ضربات القلب Pace maker ويستخدم عندما تكون ضربات القلب بطيئة جدا بحيث إن الدم لا يصل إلى الدماغ بكمية كافية أو ينقطع لفترة ثوان أو لدقيقة ثم يعود وذلك يسبب الغشى (الإغماء) وفقدان الوعي المتكرر أو أن ضربات القلب مضطربة جدا كذلك بحيث إن ضخ الدم من القلب منخفضاَ بدرجة خطيرة تؤدي إلى اضطرابات في الوعي أو في درجة نشاط ذلك الشخص المصاب.(2/298)
وهذه المنظمات أنواع عديدة فمنها ما يستعمل مؤقتا خارج الجسم في الحالات المؤقتة.. ومنها ما هو دائم العمل.. والدائم العمل منها يعمل بالبطاريات ومنها ما يعمل بالذرة.. وما يعمل ببطاريات الليثم يمكن أن يستمر في عمله لعشر سنوات وما يعمل بالذرة يمكن ان يستمر مدى الحياة وما يعمل بالبطاريات الأخرى يستمر لسنتين من الزمن.
والنوع الدائم يغرز تحت الجلد والسلك يوصل إلى القلب.. والأنواع تتطور كل يوم وفي الطب جديد اليوم يصبح قديما بعد بضع سنوات فقط.
4- مجموعة العقاقير: التي يستخدمها الطبيب لإنعاش التنفس أو القلب أو تنظيم ضرباته إلى آخر القائمة الطويلة من العقاقير التي تستخدم في إنعاش المرضى.
وفي عمليات القلب المفتوح: التي تجرى بنجاح مطرد في مختلف عواصم العالم بما فيها مراكز القلب في المملكة العربية السعودية يتم إيقاف القلب كليا عن العمل وكذلك الرئتين طوال مدة العملية التي تبلغ بضع ساعات ويحرص الأطباء على أن لا تزيد المدة عن ساعتين كاملتين لأن المدة إذا زادت عن ذلك بدأت التأثيرات الضارة على عضلة القلب وحسب التعريف القديم فإن مثل هذا الشخص يعتبر ميتا أثناء إجراء العملية إذ أن قلبه وتنفسه قد توقفا تماما عن العمل.
ولكن الواقع أن هذا الشخص حي ويعود إلى وعيه بعد العملية ويعيش حياة طبيعية بعدها بل ويمارس نشاطه بدرجة لم يكن يستطيع أن يقوم بها قبل العملية.
وفي هذه العمليات يكون الدماغ حيا بطبيعة الحال وكذلك بقية الأعضاء وعند بدء العملية يقوم الجراح بتحويل الدم من الأوردة التي تأتى بالدم إلى القلب مثل الوريد الأجوف العلوي والسفلى إلى آلة تقوم بعمل القلب والرئتين فيذهب الدم غير المؤكسد إلى هذه الرئة الصناعية فتصفي الدم من ثاني أكسيد الكربون وتعطيه الأوكسجين بالدرجة المطلوبة وتعيده إلى القلب إلى الشريان الأبهر (الأورطي) عند قاعدته بواسطة أنبوبة خاصة. وبواسطة مضخ يدفع بالدم بضغط دم شبيه بضغط الدم العادي فيدفع الدم من الشريان الأبهر (الاورطي) إلى الدماغ وبقية أعضاء الجسم.(2/299)
وفي هذه الأثناء يبرد الجسم حتى لا يحتاج إلى استهلاك كمية من الطاقة والأوكسجين كبيرة وتخفض درجة الحرارة إلى 25 مئوية.
أما القلب فيبرد تبريدا شديداَ حتى لا يحتاج إلى كمية من الطاقة والأوكسجين إلا في حدود ضئيلة يمد بها عبر الشرايين التاجية من الاورطي..
ويوقف عمل القلب بنفس الآلة المعروفة باسم مانعة الذبذبات Defibrillator وذلك بإعطائه صدمة كهربائية معينة
وهكذا يبقى المريض وقلبه متوقف عن العمل تماما وكذلك رئتاه وفي حالات عمليات نقل القلب يبقى المريض بدون قلب على الإطلاق لفترة من الزمن وقد يستبدل القلب الإنساني بقلب إنسان آخر أو قلب قرد أو قلب صناعي. ويعيش مثل ذلك الشخص بدون قلب!! أو بقلب قرد أو ربما كلب أو خنزير أو قلب من المطاط والسيلكون والبولين اثيلين (أي مركبات غازات البترول) .
وهذا يدل على أن معاني القلب الواردة في القرآن الكريم والسنة المطهرة لا يقصد بها القلب العضلي الصنوبري الشكل الموجود في الجانب الأيسر من الصدر كما يقول الإمام الغزالي في الإحياء، وإنما المقصود به القلب المعنوي والنطفة الربانية.. والمعنى الذي يفقه من الإنسان ويعرف حقيقة الأشياء كما ذكر الإمام الغزالي في كتاب عجائب القلب من " إحياء علوم الدين ".
وتجري عمليات القلب المفتوح من أجل أغراض متعددة مثل إصلاح صمامات القلب التالفة، أو إزالة ورم بالقلب أو انسداد بشرايين القلب أو تضخم وتلف في عضلة القلب نتيجة جلطة القلب أو لعملية زرع قلب جديد أو لغير ذلك من الأغراض.
فإذا ما شارفت العملية على الانتهاء أعاد الطبيب حركة القلب بعد رفع درجة حرارته رويدا رويدا وذلك بالأقلال من تبريده وبتسخين الدم وتعاد حركة القلب بواسطة جهاز مانع الذبذبات Defibrillator وذلك بإعطاء القلب شحنة كهربائية معينة فيبدأ القلب بالتحرك ثم الضخ وفي نفس اللحظة التي تعود فيها حركة القلب يعاد الدم إلى القلب في حركة توافق وتناسق عجيبة متناغمة تدل على المهارة الفائقة والبراعة التامة وتناسق عمل الفريق الذي يقوم بالعملية.(2/300)
هذا موجز سريع لأجهزة الإنعاش وأغراض استخدامها وأما المشكلة العويصة التي نتجت عن هذا الاستخدام فتأتي عندما يقوم الطبيب بإسعاف مريض توقف تنفسه فجأة لأي سبب من الأسباب (غرق، حرق، تنفس مواد سامة) أو توقف قلبه فجأة (مرض بالقلب، اضطرابات النبض، مواد سامة الخ) أو أصيب دماغ الشخص في حادثة سيارة مثلا أو أثناء عملية جراحية لإزالة ورم بالدماغ.
وفي هذه الأسباب جميعا يقصد الطبيب إعطاء المصاب فرصة قد يعود فيها تنفسه وقلبه ودماغه إلى الوضع الطبيعي أو إلى ما هو أدنى من ذلك أو أفضل مما كان عليه قبل الإصابة..
وما أن يضع الطبيب المنفسة ويتنفس بها الشخص المصاب فإن مشكلة جديدة تطرأ وهي هل من حق الطبيب أن يوقف هذه المنفسة؟ وإذا كان كذلك فمتى وما هي الشروط لذلك؟
وهل يعتبر إيقاف المنفسة نوعا من القتل لذلك الشخص المعتمد عليها؟ إن التعريف القانوني للحياة هو استمرار القلب في الضخ واستمرار الدورة الدموية واستمرار التنفس فإذا كانت هذه العناصر كلها موجودة فهل يعتبر مثل هذا الشخص حيا أم ميتا في نظر القانون والشرع رغم أن دماغه قد وقف تماماَ عن العمل؟
إذا قلنا بأن استمرار عمل القلب والتنفس دليل قطعي على الحياة فمإذا نقول في عمليات القلب المفتوح التي يوقف فيها عمل القلب والرئتين لمدة ساعتين أو اكثر؟ هل مثل ذلك الشخص في نظر الشرع أو القانون ميت؟ أن الأطباء يقررون أن مثل ذلك الشخص حي ولا يعتبرون أنه توفي إلا إذا توقف القلب بالكلية وتوقف الضخ إلى الدماغ ومات الدماغ نتيجة لذلك.
لهذه الأسباب ظهر مفهوم موت الدماغ، أو موت جذع الدماغ.
تكوين الدماغ: والدماغ Brain يتكون من Cerebrol hemis phenes
1- المخ Cerebrum وهو بدوره يتكون من نصي المخ.
2- المخيخ ووظيفته الأساسية توازن الجسم وإزالة المخيخ بكامله لا تسبب الوفاة
3- جذع الدماغ Brain Stem
وفي المخ المراكز العليا.. ومراكز التفكير والذاكرة والإحساس.. والحركة والإرادة.. إلخ. وفي جذع الدماغ المراكز الأساسية للحياة مثل مراكز التنفس والتحكم في القلب والدورة الدموية.. فإذا مات المخيخ فإن الإنسان يمكن ان يعيش..
الحياة النباتية وأمثلتها كاترين كونيلان وسيسليا بلاندى:
وإذا مات المخ فإن الإنسان أيضًا يمكن ان يعيش وإن كانت حياته حياة غير إنسانية بل حياة نباتية Vegelative life. وهذا ما حدث لكارين كونيلان الي مكثت في غيبوبة منذ 14 أبريل 1975 حتى 13 يونيه 1985 عندما توفيت أخيرا وفي تلك الفترة الطويلة لم يكن لها من الحياة الإنسانية والإدراك شيء..(2/301)
وفي بداية الأمر وضعت تحت أجهزة الإنعاش وظل تنفسها بالمنفسة وتدخل الأبوان وقسيس الأسرة وطلبوا من المستشفي والأطباء إيقاف الأجهزة طالما أنه لا يوجد أي أمل في عودتها إلى الوعي ذلك لأن دماغها قد مات أو بالأحرى معظم دماغها الذي يشمل المخ والمخيخ ماعدا أجزاء من جذع الدماغ ظلت حية. ورفضت إدارة المستشفي طلب الأبوين.. وتقدما إلى المحكمة.. وكانت أول قضية من نوعها في الولايات المتحدة بل وفي العالم وأثارت ضجة كبرى ظلت محل اهتمام أجهزة الإعلام والأطباء والقضاة.
وبعد مداولات بل واستفتاء للرأي العام قررت المحكمة العليا حق المريض أو المريضة المصاب إصابة خطيرة كهذه في دماغها بحيث لا يرجى برؤها.. ولا تعود لها بها حياة إنسانة.. قررت المحكمة حق المريض في الموت بكرامة.. وذلك في شهر مارس 1976.
وبعد أن أوقفت أجهزة الإنعاش بأمر المحكمة في مايو 1976 استمرت كارين آن كونيلان في حياتها النباتية لمدة عشرة سنوات تقريباً وهي تعيش على التغذية بالمحاليل.. وعلى أجهزة الأنعاش من حين لآخر ... وأخيراً في 13 يونية 1985 انتقلت الى العالم الآخر فتاة أصيبت بنوبة من الإغماء بعد حفلة خمر وحبة فاليوم. وهي في عمر الزهور وقد حدث لها الإغماء عندما كانت في الواحدة والعشرين.. وفي الواحدة والثلاثن عاماً توفاها الله بعد أن أصيبت بالتهاب رئوي أصيبت بمثله وشفيت منه عشرات المرات أثناء غيبوبتها الطويلة.
كما أن مراكز الوعي منبثة ف شبكة الدماغ الأوسط Reticular formation of mid وتصاب هذه المراكز باصابات بالغة في الحالات التي يحدث فيها إغماء طويل مثلما حدث لكارين آن كونيلان ودسيسليا بلاندي.
وإذا تغير نشاط مناطق الوعي هذه فإن الإنسان يصاب بالنوم ... ورغم أن عملية النوم لا تزال مجهولة في تفاصيلها إلا أنه بات من المعتقد أن النوم يبدأ عندما ينخفض نشاط هذه المراكز في الدماغ الأوسط.
وإذا تغير النشاط في هذه المناطق حدث نوع من الصرع يفقد فيه المريض وعيه ثم يصحبه بعد ذلك تشنج في العضلات نتيجة سريان النشاط الكهربائ الشاذ المفاجئ من الدماغ المتوسط الى مراكز الحركة.
وهناك نوع من الصرع آخر يعرف بأسم صرع جاكسون Jacksomian يبدأ من مركز حركي فتتحرك الإبهام اليسرى مثلاُ ثم تتحرك اليد ثم الذراع ثم العضد ثم الشق الايسر بأكملة ثم يفقد المريض الوعي وينتابه صرع وتشنجات للجسم بأكمله.
وسبب هذا النوع من الصرع هو موجات كهربائة طارئة على منطقة قشرة الدماغ في المخ Cerebrum لوجود ورم أو ندبة في منطقة محدودة. ثم يسري النشاط الكهربائي من المنطقة الحركية المحدودة في الدماغ حتى تصل الى منطقة الوعي وهي شبكة الدماغ الممتدة الى الدماغ الأوسط.
وهناك فرق كبير بين حالة الإغماء وبين حالة النوم.. ففي حالة النوم العميق يمكن أن يوقظ الشخص إما بصوت عال أو بتحريكة أو بوخزه.. أما في حالة الإغماء فإن الصوت العالي والضوء القوي والتحريك واللمس والوخز لا يؤثر في الشخص ولا يجعله يخرج من حالة الإغماء بل لا يبدو عليه أي إحساس نحو هذه الؤثرات إلا بدرجة طفيفة جدا.
ولذا فإن نوم أهل الكهف الطويل الذ جعله الله معجزة لهؤلاء الفتية الذين آمنوا بربهم وفروا من ملكهم الطاغية الى الكهف إن نوم هؤلاء الفتية لمدة ثلاثمائة وتسعة أعوام ليس نوعاً من الإغماء ولا نوعاً من الموت بل هو نوم طبيعي ولا غرابة أنه بلغ هذه الأحقاب المتطاولة.. وقد قص علينا رب العزة قصتهم في سورة الكهف قال تعالى {أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آَيَاتِنَا عَجَبًا إِذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إِلَى الْكَهْفِ فَقَالُوا رَبَّنَا آَتِنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً وَهَيِّئْ لَنَا مِنْ أَمْرِنَا رَشَدًا فَضَرَبْنَا عَلَى آَذَانِهِمْ فِي الْكَهْفِ سِنِينَ عَدَدًا ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا} .
ثم قال تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا} .
وحالة النوم هذه هي همود لنشاط مراكز الوعي في الخلايا الشبكية في الدماغ الأوسط، وإذا تنبهت هذه الخلايا عادت الى نشاطها السابق.
ولا نريد ها هنا الدخول في متاهات النظريات عن النوم فهي خارجة عن موضوعنا، ولكن أحببنا توضح فكرة موجزة عنها للتفريق بينها وبين الإغماء.
والإغماء الطويل الذي يمتد أشهرا وسنيناً متطاولة هو نوع من الموت يفقد فيه الشخص المصاب حياته الإنسانة وتبقى له حياته النباتة ... ومع هذا فإن الشرع والطب والقانون يحتم في هذه الحالة اعتبار مثل هذا الشخص حيا ... له حقوق الحياة كاملة.. وكل من يتعدى على هذه الحياة يعتبر مسؤلا فإن قتلها شخص اعتبر قاتلا مهما كان الغرض من وراء قتله حتى لو سمى ذلك قتل الرحمة.
فإن هذا الشخص لا يخاطب بالتكاليف الشرعية لفقدان وعيه.(2/302)
الفصل السابع
موت الدماغ أو موت جذع الدماغ: الموقف القانوني والشرعي
لقد تبين مما سبق أهمية مفهوم موت الدماغ أو موت جذع الدماغ.. ونوجز فيما يلي الأسباب الداعية إلى استخدام موت الدماغ بدلا من موت القلب وتوقف الدورة الدموية.
إن الإصابات البالغة نتيجة الحوادث أو غيرها التي تصيب الدماغ قد تسبب موت الدماغ أو بالأحرى جذع الدماغ (وسنفصل فيما بعد في هذا المفهوم والفرق بينهما) وفي نفس الوقت فان أجهزة الإنعاش قد تجعل القلب يستمر في عمله والتنفس يستمر بواسطة المنفسة وبذلك تعمل كل أجهزة الجسم تقريبا ماعدا الدماغ الذي يكون قد مات.. ولهذا فان مثل هذا الشخص الميت يفرز البول أو الغائط وقد تنمو أظافره ويطول شعره وهو أمر يبدو غريبا على السامع.
المدة بين موت الدماغ وتوقف القلب:
والواقع أن الغرابة تزول إذا علمنا أن الدورة الدموية يمكن أن تستمر لعدة ساعات أو لعدة أيام بعد وفاة الدماغ وفي حالة موثقة نشرتها مجلة نيواتجلند جورنال الطبية المشهورة في 7 يناير 1982 أن شخصا توفي فجأة أثناء مشادة وتوقف قلبه وتنفسه وأدخل المستشفي بعد الإسعاف السريع واستمر تحت المنفسة وفي اليوم الثالث أوضحت كل الفحوصات أن دماغه قد مات.. واستمر التنفس الصناعي ليروا متى يتوقف القلب عن النبض.. واستمر قلب ذلك الشخص ينبض بوسائل الإنعاش الصناعي لمدة 68 يوما بعد موت دماغه ولم يتوقف عن النبض إلا بعد ان قام الأطباء بإيقاف وسائل الإنعاش الصناعي.. وهي أطول مدة مسجلة وموثقة في هذا الباب.
الأسباب التي تدعو إلى إيقاف وسائل الإنعاش:
1- أن رعاية جثة وتنظيفها أمر يسبب آلاماَ مبرحة لأسرة ذلك الميت وللأطباء ولهيئة التمريض.
2- والنقطة الأخرى الهامة هي أن تكاليف وسائل الإنعاش باهظة جدا.. وصرف ملايين الدولارات لجعل جثث تتنفس أمر ليس له معنى.
3- كذلك فإن هذه الأجهزة باهظة الثمن وقليلة العدد.. ويحتاجها كثير من المصابين وتعطيلها على مجموعة من الجثث أمر يؤدى إلى فقدان مجموعة من الحالات التي كان بالإمكان إنقإذها لو استخدمت معهم وسائل الإنعاش في حينها.
وترك شخص يموت لعدم وجود وسائل إنعاش أو لأن وسائل الإنعاش موضوعة في شخص مات دماغه أمر ليس له ما يبرره
لهذا وجد الأطباء أنفسهم في حاجة إلى إيجاد مواصفات محددة لتعريف موت الدماغ وكذلك فإن مشاريع زرع الأعضاء تستدعى أن تنقل هذه الأعضاء من الموتى وهي في حالة جيدة أي أن خلاياها لا تزال حية وبما أن موت العضو لا يحدث دائما عند موت الشخص فإن هذه الأعضاء قد تبقى حية لفترة زمنية محدودة بعد موت العضو.
ومن المشاهد في الشاة بعد ذبحها أنها تتحرك بل إن ألياف عضلات اللحم تتحرك وتنبض بعد أن تسلخ الشاة ويقطع لحمها
وكذلك فإن القلب أو الكلى أو القرنية أو غيرها من الأعضاء الإنسانية المطلوبة في زرع الأعضاء يمكن أن تكون حية بعد وفاة الشخص.
وبما أن الفساد يسرى إليها فتصبح غير ذات فائدة بعد توقف الدورة الدموية فإن أخذ هذه الأعضاء مع وجود الدورة الدموية أو بعد لحظات من توقفها أمر يستدعى استمرار وسائل الإنعاش لحين أخذ هذه الأعضاء، وذلك بعد إعلان وفاة الشخص.
ولهذا لابد من توضيح موت الدماغ والاعتراف به في هذه الحالات الخاصة كعلامة على الموت وإصدار شهادة الوفاة بذلك بينما تبقى الجثة بعد ذلك تحت أجهزة الإنعاش حتى يتمكن الجراحون من أخذ الأعضاء المناسبة.
ولهذا الأمر محإذير.. ولذا ينبغي أن يكون الفريق الطبي الذي يعلن موت الدماغ لا مصلحة له ولا يشترك في أخذ الأعضاء المطلوبة، بل إن الفريق الذي سينقل الأعضاء ليس له الحق مطلقا في إعلان موت الدماغ.
وجوب الاعتراف بموت الدماغ:
إذن من الناحية الشرعية أو القانونية لابد من إجراء التغيير التالي:
الاعتراف بموت الدماغ بدلا من موت القلب كعلامة على موت الشخص في الحالات الخاصة التي تستدعي وضع أجهزة الإنعاش وبذلك يمكن إعلان الوفاة متى ما تم تحديد موت الدماغ والاتفاق عليه من قبل مجموعة من الأطباء المختصين وفي تلك الحالة يمكن إيقاف أجهزة الإنعاش وإبقاؤها على حسب الوضع المطلوب في المستشفي، فمثلا إذا كان المصاب قد أوصى قبل وفاته بتبرعه بأعضاء جسمه فإن الأجهزة يمكن أن تظل تعمل بعد إعلان وفاته لبضع ساعات أو ربما يوم كامل إذا كانت هناك حاجة للحصول على عضو أو أعضاء كاملة التروية لزرعها في مريض أو مرضى آخرين هم في أشد الحاجة إليها.
وقد كانت القوانين في العالم أجمع بما فيه الولايات المتحدة وأوربا تنص على أن الوفاة مرتبطة بتوقف القلب والدورة الدموية يقول قاموس بلاك القانوني إن الموت يعني توقف الدورة الدموية وتوقف الوظائف الأساسية للكائن الحي مثل التنفس والنبض.(2/303)
وكان أول من نبه إلى موضوع موت الدماغ المدرسة الفرنسية عام 1959 فيما أسمته مرحلة ما بعد الإغماء Cama de passe وبدأ الأطباء الفرنسيون يحددون بعض المعالم لموت الدماغ بينما القلب لا يزال ينبض (1)
ثم جاءت المدرسة الأمريكية المتمثلة في لجنة آدهوك من جامعة هارفارد عام 1968 فوضعت مواصفات موت الدماغ (2)
(3) وركزت على خمس مواصفات اعتبرتها العلامات الدالة على موت الدماغ وهي:
(أ) الإغماء الكامل وعدم الاستجابة لأي مؤثرات.
(ب) عدم الحركة (تلاحظ على الأقل لمدة ساعة) .
(جـ) عدم التنفس.
(د) عدم وجود أي من الانفعالات المنعكسة.
(هـ) رسم مخ كهربائي لا يوجد فيه أي نشاط.
وأثار قرار لجنة هارفارد اهتماما واسعا في مختلف مناطق العالم.. وفي نفس العام بحث المؤتمر الطبي العالمي الثاني والعشرون في سيدني استراليا موضوع الموت وتعريفه وموت الدماغ.
واستمر الجدل عنيفا وحادا في الدوائر الطبية والقانونية ومنذ بداية السبعينات كانت المستشفيات جميعها تواصل الإنعاش حتى يتوقف القلب تلقائيا وكان ذلك يشكل عبئا كبيرا على المستشفيات والأطباء والممرضين وعلى أسرة المصاب وفي كثير من البلدان كان على الأسرة أن تدفع تكاليف وسائل الإنعاش الباهظة الثمن طوال المدة التي كانت تستخدم فيها (حتى بعد موت الشخص المصاب) ولم تكن الأسرة تعاني فقط نفسيا بل ماديا أيضًا.
__________
(1) Mollaret P , Gouon M. Le coma Dé passé, Rev Neurol. 1959, 1 1:3-15
(2) Ad Hoc committee of the harvard Med.School: Adefinition of irreversible Coma. JAMA 1968
(3) Pallis C., From Brain Death to Brain Stem Death. Br. Med. J 1982, 285: 1487 – 149(2/304)
وفي بريطانيا اجتمعت لجنة من كبار الأطباء المختصين من الكليات الملكية للأطباء وكليات الطب في الجامعات البريطانية وأصدرت تعريفاتها لموت الدماغ عام 1977 وبذلك أمكن في بريطانيا إيقاف وسائل الإنعاش متى ما تم تشخيص موت الدماغ.
وفي عام 1981 أصدر الرئيس ريجان أمراَ بتكوين لجنة من كبار الأطباء والقانونين وعلماء الدين لدراسة موضوع موت الدماغ وأصدرت اللجنة قرارها في يوليو 1981 بالاعتراف بموت الدماغ قانونيا وكانت أول ولاية تعترف بموت الدماغ هي ولاية كانساس وذلك عام 1977 (1) ورغم ان 25 ولاية لم تعترف قانونيا بموت الدماغ إلا أن القضاة في تلك الولايات بصورة عامة يعترفون به
ويسخر الدكتور واكر من الوضع القانوني الغريب حيث يعتبر الشخص ميتا في ولاية بينما تعتبره ولاية مجاورة حيا (2)
وسيعرض الأمر على الكونجرس الأمريكي لإصدار قانون فيدرالي يشمل الولايات المتحدة بأكملها وفي استراليا يذكر الدكتور بول جيرير والدكتور جور أن القوانين تختلف من ولاية لأخرى في تعريف الموت اختلافا بينا ففي جنوب استراليا ومقاطعة فيكتوريا ونيو ساوث ويلز يعترف القانون بموت الدماغ كعلامة للموت. بينما لا تعترف بعض المقاطعات الداخلية بتعريف موت الدماغ إلا في حالة تبرع المصاب قبل وفاته أو موافقة أسرته على التبرع بأعضائه (3)
موقف الدول من موت الدماغ:
وازداد عدد الدول التي تعترف بموت الدماغ وان كانت تختلف في تفاصيل الفحوصات المطلوبة لتعريف موت الدماغ.
وكان الموقف في عام 1979 كما يلي (نقلا عن كتاب كريستوفر باليس ابجديات موت الدماغ) (4)
الدول التي تعترف بموت الدماغ:
الأرجنتين، النرويج، استراليا، إسبانيا، النمسا، كندا، بورتيريكو، تشيكوسلافكيا، الولايات المتحدة (33 ولاية عام 1982) ، فرنسا، المكسيك، إيطاليا
__________
(1) Joyut R.A New look at Death. JAMA 1984 ; 252 (5) : 68 -682
(2) Walker A.E Cerebral Death.ed 2, Munich, Germany ; Urban and schwarzenberg 1981
(3) Gerber p, jur, D., Med J. Of Aust. 1984 (july 21) : 13
(4) C.Pallis: A.B.C of Brain stem death , articles from B.M.J. london 1983(2/305)
الدول التي تعترف طبيا بموت الدماغ ولكن لا يوجد قانون يعترف بموت الدماغ:
بلجيكا، ألمانيا، الهند، بريطانيا، ايرلندا، هولندا، جنوب إفريقيا، كوريا الجنوبية، سويسرا، تايلاند وبقية الولايات المتحدة، بوليفيا، البرازيل، بيرو، كولومبيا، فينزويلا، ارجواي، تركيا
الدول التي لا تعترف بموت الدماغ أو لا تعترف به كمساو لموت القلب:
الدينمارك، إسرائيل، اليابان، بولنده، السويد، الدول الإسلامية
الدول التي لم تدرس جديا موت الدماغ:
- معظم الدول الإسلامية
- بقية دول العالم الثالث بما في ذلك الصين
- الاتحاد السوفيتي
وقد بدأت كثير من الدول الإسلامية بحث موضوع موت الدماغ في الآونة الأخيرة ففي الكويت انعقدت ندوة بدء الحياة ونهايتها عام 1405 (1985) بإشراف المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية وكذلك بحث المجمع الفقهي الإسلامي موضوع موت الدماغ في دورته الثامنة المنعقدة بمكة المكرمة (1405هـ) وأجل البت في الموضوع إلى الدورة التاسعة (1406هـ) لحين استكمال دراسة هذا الموضوع من الأعضاء والاستفادة من آراء الأطباء ودراستهم حول هذا الموضوع
وقد قام الدكتور أحمد شرف الدين بوضع كتاب باسم " الأحكام الشرعية للأعمال الطبية " وحاز به جائزة مؤسسة الكويت للتقدم العلمي 1981 ونشر الكتاب عام 1983 ولقد وضع الكاتب الفاضل فصلا عن الحدود الشرعية للإنعاش الصناعي كما تعرض لنقل الأعضاء من الموتى.
يقول المؤلف: " ولقد أثار الإنعاش الصناعي مشكلة دينية تتعلق بالقدرة على إعادة الحياة للموتى. فقد قيل إن هناك أشخاصًا ماتوا وأعيدت لهم الحياة بالوسائل الطبية " (1) وهو أمر غير صحيح فإن الأطباء لا يعيدون الحياة لمن ثبت موته ولكنهم ينقذون بإذن الله من كان به رمق من الحياة.
__________
(1) C.Pallis: A.B.C of Brain stem death , articles from B.M.J. london 1983(2/306)
وتوقف القلب أو التنفس لدقيقة أو أكثر أو أقل لا يعني الموت، وذلك أن هذا التوقف قد يحدث تلقائيا كما أن عودة القلب والتنفس قد تعود تلقائيا دون تدخل طبي كما حدث في حالات عديدة موثقة..
والتدخل الطبي هو في إنعاش هذه الأعضاء الهامة التي توقفت ولذا فإن نسبة كبيرة جدا من الحالات التي تقدم لها وسائل الإنعاش تموت رغم وسائل الإنعاش.
والطب لم يستطيع منع الموت ولا إيقافه.. ففي كل يوم وفي كل لحظة يموت ملايين البشر وهذا وهم كبير أطلقته الصحافة وأجهزة الإعلام المثيرة والمشككة والتي يتحكم في معظمها إليهود وتلامذتهم بأن الأطباء أصبح في مقدورهم إعادة الموتى إلى الحياة فذلك أمر غير صحيح.. وهو لله وحده. قال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي الْمَوْتَى} [يس12] ، وقال تعالى {وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا} [الفرقان 3] . وقال تعالى: {قُلْ فَادْرَءُوا عَنْ أَنْفُسِكُمُ الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [آل عمران 168] والآيات في ذلك كثيرة والموت والحياة بيد الله وحده ولا يستطيع أحد أن يعيد الميت إلى الحياة إلا ما جعله الله معجزة لنبي أو كرامة لولي كما حدث لعزرا أو كما يجعله الله فتنة للناس كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن الدجال يفعله.
وقد أفاض الدكتور أحمد شرف الدين في الرد على هؤلاء وأوضح الحقيقة التي يعرفها الأطباء من أن الطبيب لا يعيد الميت إلى الحياة ولكنه بإذن الله قد ينجح في إنقإذ شخص معرض للموت، وتوقف قلبه وتنفسه ولكن دماغه بعد لم يمت.
أما إذا ماتت خلايا الدماغ كلها أو تلك المتحكمة في الوظائف الأساسية للحياة مثل التنفس والقلب والدورة الدموية فإن ذلك الشخص يكون قد مات حتى ولو كان قلبه ينبض ورئتاه تتنفس بواسطة أجهزة الإنعاش ولو تركت الأجهزة لتوقف القلب والتنفس فورا.
ويناقش الدكتور أحمد شرف الدين هذه القضية: هل إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي جائز شرعا وقانونا؟ فيقول: (إذا كان الشارع قد أباح العمل الطبي والجراحي لأنه يحفظ مصالح راجحة اجتماعيا تتمثل في المحافظة على الحياة وصيانة الصحة فان علة الإباحة تزول متى زالت الحياة التي تتوفر لها صفات الحياة الإنسانية ويتعين من ثم التوقف عن العمل (ولنا هنا تعليق سريع وهو أن تعبير الحياة الإنسانية غير محدد فإذا كان المقصود به التي فيها الوعي والتفكير والإدراك فان زوال هذه الصفات لا يعنى الموت فقد يبقى الشخص فاقد الوعي والتفكير والإدراك إما لجنون أو لإغماء لفترة طويلة قد تبلغ عشر سنوات أو تزيد كما سبق أن ذكرنا) .. وهذا الأمر يصدق على العمل الطبي المتمثل في الإنعاش الصناعي لإنسان ثبت موت مخه (وتعبير المخ أيضًا يطلق في الطب على جزء من الدماغ وهو Cerebrum وأما تعبير الدماغ Brain فيطلق على المخ والمخيخ وجذع الدماغ.. ولذا فالأصح هو القول موت دماغه) رغم تمتعه بحياة صناعية.. وبينما يعتبر علم الطب أن مثل هذا الإنسان قد مات فان الفقه والقانون (في كثير من البلدان) لا يعتبران إنسانا قد مات طالما قلبه ينبض ويلزم لاعتباره ميتا اتخإذ إجراءات معينة كتحرير شهادة الوفاة بعد توقف عن النبض تلقائيا..(2/307)
وهذا الأمر قد تجاوزته القوانين في بعض البلدان التي اعترفت فعلا بموت الدماغ أو تلك التي اعترفت هيئاتها الطبية بموت الدماغ.. وتغاضى القانون عن التعريفات الأخرى وأوكل فيها الموت إلى الأطباء.
ولكن هل يمكن إيقاف أجهزة الإنعاش في البلاد التي لم تعترف بعد بموت الدماغ ولا تزال تتمسك بتعريف موت القلب وتوقف الدورة الدموية والتنفس كعلامة على الموت؟
إن إيقاف هذه الأجهزة في مثل هذه القوانين قد يعتبر قتلا.. لأن القلب لا يزال ينبض وإذا أوقفت الأجهزة فان القلب سيتوقف والدورة الدموية ستتوقف والتنفس سيتوقف فمتى إذن توقف الأجهزة في مثل هذه البلاد التي لم تسمح بعد بتعريف موت الدماغ؟
يبدو الوضع شبيها بما كان عليه في الستينات والسبعينات من هذا القرن في بريطانيا (عام 1977عندما صدر قرار الكليات الملكية بتعريف موت الدماغ)
ففي ذلك الوقت كان الأطباء يتركون الأجهزة تعمل حتى يتوقف القلب تلقائيا رغم وجود الأجهزة وكما ذكرنا فان القلب يتوقف عن العمل بعد موت الدماغ إما ببضع ساعات أو بضعة أيام في معظم الحالات وان كانت هناك حالة موثقة أمكن ان يستمر القلب فيها بالضخ والعمل رغم موت الدماغ لمدة 68 يوم (مجلة نيو انجلند ميدكال جونارل العدد 306 ص14ـ 16 في 7 يناير 1982)
وقد وضع الدكتور أحمد شرف نقاشه على نقطة هي أن من أصيب بموت المراكز المخية العليا لا يتمتع بحياة إنسانية جديرة بالحماية.. ونحن لا نوافق على هذا التعبير.
فموت المخ Cerebrum ليس موتا للدماغ Brain فالمخ قد يموت أو تموت أجزاء كبيرة منه ويبقى الشخص يتنفس وقلبه ينبض تلقائيا بدون آلات كما حدث لآلاف الأشخاص المغمى عليهم والمصابين إصابات بالغة.. والتي تمثلها اصدق تمثيل قصة كارين آن كونيلان التي استمرت في غيبوبتها الطويلة أكثر من عشر سنوات مع موت المخ Cerebrumوبقاء جذع الدماغ حيا.. وكذلك قصة الفتاة الإيطالية سيسيليا بلاندى التي تهشم مخها في حادثة سيارة وبقيت على قيد الحياة في غيبوبة طويلة استمرت 12 عاما..
ورغم ان المخ في كلا الحالتين كان قد مات إلا أن جذع الدماغ لم يمت ولذلك فان هاتين الحالتين لم تعتبرا من الأموات الا بعد توقف القلب عن العمل تلقائيا وما تبعه من موت الدماغ..(2/308)
وقد ذكر الدكتور احمد شرف الدين ان (من توقف لديه عمل المراكز العصبية العليا التي تتحكم في وظائف الجسم لا يستطيع أن يتحكم في تعامله مع العالم الخارجي وتزول من ثم حياته الإنسانية ويصبح في حكم الأموات. ولما كان الإنعاش الصناعي لا يعيد للحياة الإنسانية مقوماتها، الإدراك والشعور والقدرة على الاتصال بالعالم الخارجي بعد ان ماتت خلايا المخ فلا يعد هذا العمل أيضًا جريمة قتل في حكم الشرع والقانون لان هذه الجريمة لا تقع إلا في محل هو حي بحسب تعبير الفقهاء أو في عبارة أخرى لان جريمة القتل تفترض وجود حياة إنسانية طبيعية)
وينتهي القول بأنه ليس في إيقاف عمل أجهزة الإنعاش الصناعي إذن بالنسبة لمن مات مخه ما يعتبر جريمة في حق الإنسانية، إذ أن موت المخ يعني انتهاء الحياة الإنسانية وانفصال هذه الحياة عن الحياة العضوية التي تحفظها هذه الأجهزة التي إذا أوقفت عن عملها فإن ما يحدث هو مجرد موت عضوي. فإذا ترك الطبيب أجهزة الإنعاش تعمل على جثة المريض بعد ذلك فإنه لا يفعل أكثر من إطالة الحياة العضوية بطريقة صناعية أي إطالة إحضاره وهذا ضرب من العبث طالما أنه لا فائدة منه لأحد يجب أن يتنزه عنه الطب. ويتعين من ثم فصل هذه الأجهزة لاستخدامها عند الأحياء. فهذا ما يقضى به القانون الإنساني الذي يعطى الأولوية لصالح الأحياء، لذلك فمن حق الأسرة من وجهة النظر الإنسانية أن تطلب إلى الطبيب إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي كما أن من حق الطبيب أن يوقف عملها فهذا ما يمليه عليه الواجب الإنساني ".
ونحن نوافق الدكتور شرف الدين فيما ذهب إليه لولا أن تعبير المخ ينبغي أن يستبدل بالدماغ إذ هناك فرق كبير بينهما. وكذلك تعبير الحياة الإنسانية من الإدراك والوعي والعقل. فإن هذه كلها قد تذهب كما في المجنون أو المغمي عليه ولا يقال لمثل هذا الشخص إنه ميت..
ولابد إذن من موت الدماغ بأكمله (الذي تنص عليه المدرسة الأمريكية) أو على الأقل موت جذع الدماغ (الذي تنص عليه المدرسة البريطانية) الذي به مراكز الحياة الأساسية والتي تتحكم في التنفس والدورة الدموية والقلب.
ولا يبدو لي أن الدكتور شرف الدين قد تنبه إلى هذه النقطة ولعله يعني بموت المخ موت الدماغ بأكمله كما تشير إلى ذلك بعض عباراته.(2/309)
وهناك اتجاه محدود لدى بعض الأطباء يرون فيه أن فقدان الحياة الإنسانية بمعنى الإدراك والتفكير والإحساس هو الموت ومن هؤلاء دكتور ستيوار بونجر ودكتور إدوارد بارليت في مقالهما الذي نشرته مجلة Annals. Of int. Medicine عام 1983 (1) (299 ص 252-258) وقد ركزا فيها على أن فقدان الوعي والمعرفة التي لا أمل في عودتهما أساس كاف لفقدان الحياة الإنسانية وبالتالي إصدار حكم الموت وهو تعريف يسبب مشاكل عويصة في الحالات التي ذكرنا أمثلة لها مثل حالة كارين آن كونيلان وسيسليا بلاندي حيث عاشت الأولى عشر سنوات والثانية اثني عشر عاما بعد فقدان كل مقومات الحياة الإنسانية..
لذا فإن الدوائر الطبية والقانونية ترفض مثل هذا التعريف للموت ولكنها تسمح بإيقاف أجهزة الإنعاش عن مثل هذه الحالات التي تفقد إلى الأبد كل مقومات الحياة الإنسانية ولذا فإن هذه الحالات لا تستوجب استمرار أجهزة الإنعاش فيها إلى الأبد وبذلك حكمت المحكمة العليا في الولايات المتحدة في قضية كارين آن كوينلان وأمرت الأطباء بإيقاف أجهزة الإنعاش وقد صدر الحكم في مارس 1976 ورفعت الأجهزة في مايو 1977 ومع هذا استمرت كارين في الحياة النباتية حتى عام 1985.
ويتحدث الدكتور شرف الدين من الوجهة القانونية والشرعية فيقول هل إيقاف أجهزة الإنعاش يعد قتلا؟ فيقول " لا صعوبة في القول بأن إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي يعد قتلا إذا تم الإيقاف قبل موت مخ المريض وأنه على العكس لا يعد قتلا إذا كان تركيب الأجهزة قد تم بعد موت المريض فحياته هنا كانت غير متحققة فإن الصعوبة في الحقيقة في حالة ما إذا كانت هذه الأجهزة قد علقت على المريض قبل موت مخه – أي في وقت كانت حياته محققه وأوقفت عن العمل بعد ثبوت موت مخه فالمريض في هذه الحالة وإن كان قد فقد الحياة الطبيعية في رأي الطب الا أنه مازال يتمتع بها في نظر الفقه والقانون (في الدول التي لا تعترف بموت الدماغ) طالما لم يتخذ الإجراءات الرسمية لإعلان وفاته "
وهذه النقطة الأخيرة قد أمكن التغليب عليها بإعلان موت المريض عندما يموت دماغه (المدرسة الأمريكية) أو عندما يموت جذع الدماغ (المدرسة البريطانية) وبعد إعلان الموت توقف الأجهزة أو تستمر لحين استقطاع الأعضاء المطلوبة إذا كان المصاب قد تبرع بها قبل وفاته أو أن أسرته تبرعت بها بعد وفاته.
هل إيقاف أجهزة الإنعاش الصناعي يعد قتلا بدافع الشفقة (قتل الرحمة Euthanasi) معاقبا عليه؟
إن تعريف قتل الرحمة يعني السماح لشخص بالموت بدون إسعافه وهو قتل الرحمة السلبي Passive Euthanansia إذا كان يعاني من آلام مبرحة وإطالة حياته تسبب له تعذيبا وقد يكون قتل الرحمة إيجابيا بإعطائه كمية زائدة من العقار فترديه.
وهذا الفعل معاقب عليه قانونا وشرعا.. ويعتبر قتلا مهما أطلق عليه من أسماء ورغم ان دافعه الشفقة فإن هذا الدافع مرفوض شرعا وقانونا.
__________
(1) Younger S. Bariette e. Human Doath and high technology the faiure of the whole Brain Formulation , Annals of int Med `983. 99: 252-358(2/310)
ولكن هذا الحكم لا ينطبق على حالات موت الدماغ. فهنا المصاب لا يشعر بأي آلام لفقدان الإحساس وهولا يتعذب ولا يوجد أي مبرر من هذه الناحية لإراحته.
ولذا فإن إيقاف أجهزة الإنعاش لا يدخل أبدا في مفهوم موت الرحمة.. وإيقاف الأجهزة ينبني على أن هذا الشخص قد مات دماغه وتوقفت خلايا هذا الدماغ أو على الأقل جذع الدماغ عن العمل البتة دون وجود أمل في عودتها لهذا فإن إعلان وفاة مثل هذا الشخص هو الإجراء السليم فإذا ما تم ذلك أمكن حينئذ إيقاف الأجهزة لأنها توقف عن شخص تم إعلان موته.
الفصل الثامن
الأسس العلمية التي ينبني عليها تشخيص موت الدماغ
منذ أن قدمت لجنة آدهوك عام 1968 (من جامعة هارفارد) مقترحاتها بتعريف موت الدماغ أخذت هذه القضية أبعادا عالمية. وقد قبلت معظم الولايات والمحاكم في الولايات المتحدة الأمريكية (33 ولاية حتى عام 1982) بتعريف هذه اللجنة لموت الدماغ كما أخذت به كثير من الدول التي اعترفت بموت الدماغ وعدلت دول أخرى هذه المقترحات قليلا ومن تلك الدول بريطانيا
العلامات الدالة على موت الدماغ (مجموعة هارفارد)
وتتخلص العلامات الدالة على موت الدماغ في تعريف مجموعة هارفارد (1) (2) فيما يلي:
1- الإغماء الكامل وعدم الاستجابة لأي مؤثرات لتنبيه المصاب مهما نبه ومهما كانت وسائل التنبيه قوية ومؤلمة ولو ظهرت من المصاب حركة ولو بسيطة أو موت ولو حشرجة دل ذلك على حياة المصاب.
2- عدم الحركة التلقائية أو نتيجة وخز المصاب وذلك لمدة ساعة كاملة على الأقل من الملاحظة التامة.
3- عدم التنفس لمدة ثلاث دقائق بعد إبعاد المنفسة ويشترط لإبعاد المنفسة أن يتنفس المصاب أوكسجين 95 % لمدة10 دقائق بواسطة المنفسة قبل إبعادها وبكمية 6 لترات في الدقيقة بواسطة قسطرة تدخل إلى القصبة الهوائية (الرغام) ويضاف إلى الأوكسجين 5 % ثاني أكسيد الكربون لها بحيث إن ذلك سيرفع مستوى ضغط ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى 40 مم زئبق وبما أن ثاني أكسيد الكربون يعتبر عاملا مهما في تنبيه مراكز التنفس فإن هذا الإجراء يعتبر ضروريا وقد اختلفت اللجان الطبية المختلفة في تقدير المدة المطلوبة بحيث لا يحدث تنفس رغم إبعاد المنفسة مجموعة هارفارد اقترحت ثلاث دقائق، مجموعة مينوسوتا اقترت أربع دقائق، أما المجموعة البريطانية فقد اقترحت عشر دقائق كاملة من الملاحظة بعد إيقاف التنفس بواسطة المنفسة (3)
4- عدم وجود أي من الأفعال المنعكسة وقد ركزت اللجنة على الأفعال المنعكسة عن منطقة جذع الدماغ Brain Stem reflexes التي سنذكرها بإيجاز فيما بعد.
5- عدم وجود أي نشاط كهربائي في رسم المخ isoelecteric E.E.G. (Flat) الكهربائي بعد إمراره بطريقة معينة متعارف عليها عند أهل هذا الفن..
ولا يعتبر هذا الشرط الأخير ضروريا إذ يمكن تشخيص موت الدماغ بوجود الأربعة الشروط الأولى فإذا استخدم هذا الجهاز فإنه يعتبر عاملا مؤكدا Confirmatory valueوينبغي أن تعاد جميع هذه الفحوصات بعد 24 ساعة ولا يظهر فيها أي تغيير.
__________
(1) Ad Hoc committed of the Harvard Medical School. A definition of lrreversible Coma JAMA 1968 ,2 5:85-88
(2) Pallis C. From Brain Death to Brain Stem Death. B.M.J 1982 , 285: 1486 – 149
(3) Pallis C.Diagnosis of Brain Stem Death ii, B.M.J 1982; 1641-1644(2/311)
مجموعة مينسوتا:
وقد وضع مجموعة من أخصائي جامعة مينسوتا (Minnesota Criteria) مواصفات مشابهة تختلف في التفاصيل عام 1971 وقد عرفت باسم مواصفات مينوستا هي كالتالي:
1- أن يكون السبب المؤدي إلى موت الدماغ معلوما وقد كانت 2 حالة من ال25 حالة التي وصفوها ناتجة عن حوادث أدت إلى تهشيم الدماغ تهشيما لا أمل في عودته إلى سابق عهده بينما كانت الحالات الخمس الأخرى تعاني من إصابات داخلية بالدماغ معلومة ومشخصة قبل إعلان موت الدماغ وسنظهر فائدة هذا الشرط عندما نعرف أن توقف الدماغ عن العمل بتاتا لفترة محدودة قد ينتج عن المنومات وبالذات الباربيتورات وغيرها من المهدئات
2- عدم وجود أي حركة ذاتية.
3- توقف التنفس بعد إيقاف المنفسة لمدة أربع دقائق بالشروط المذكورة سابقا.
4- عدم وجود أي أفعال منعكسة من منطقة جذع الدماغ وذلك يدل على موت جذع الدماغ.
5- كل هذه الشروط ينبغي أن لا تتغير خلال اثنتي عشرة ساعة.
6- رسم المخ غير ضروري.. ووجوده يعتبر عاملا ثانويا مساعدا ومؤكدا وينبغي أن يكون الرسم بدون أي نشاط كهربائي لخلايا المخ.
ومن المهم جدا والملاحظ أن عدم وجود الأفعال المنعكسة من منطقة جذع الدماغ لا يعني عدم وجودها من النخاع الشوكي. فمثلا الضرب على الأوتار في الأطراف العليا أو السفلي يؤدى إلى تحرك العضلات المرتبطة بهذا الفعل المنعكس فالضرب على وتر الرضفة (الركبة) يؤدي إلى تحرك عضلات الفخذ التي تغذيها الأعصاب القطنية (الثاني والثالث) 2,3 والضرب على وتر أخيل عند العقب يحرك عضلات سمانة الساق والضرب على وتر العضلة ذات الرأسين يحرك هذه العضلة في الذراع وذات الثلاثة رؤوس في العضد. وهكذا وإمرار المفتاح مثلا على راحة القدم بجعل الإبهام وأصابع القدم تتحرك..
ووجود هذه الأفعال المنعكسة جميعا أو بعضا منها يعنى أن النخاع الشوكي سليم ولكنه لا يعني أن الدماغ أو جذع الدماغ قد مات.(2/312)
وهذا أمر يبدوا عسيرا حتى على الأطباء فقد قامت المجموعة الفرنسية عام 1959باشتراط فقدان هذه الأفعال المنعكسة وكذلك فعلت مجموعة هارفارد (1) في أول الأمر ثم اتضح للأطباء أن العلاقة ليست ثابتة بين موت الدماغ أو جذع الدماغ وبين موت النخاع الشوكي فقد يكون جذع الدماغ حيا بينما النخاع الشوكي ميتا وفي هذه الحالة يعتبر الشخص مشلولا ولكنه حي أما في حالة موت الدماغ وبالذات جذع الدماغ فإنه يعتبر ميتا رغم بقاء الأفعال المنعكسة من النخاع الشوكي.
وقد أكدت الأبحاث المتكررة بواسطة تصوير شرايين الدماغ توقف الدورة الدموية في الدماغ رغم وجود الأفعال المنعكسة من النخاع الشوكي (2)
ومن المتفق عليه أن توقف الدورة الدموية في الدماغ يعتبر علامة أكيدة لا نزاع فيها على موت الدماغ.
والشيء المثير للجدل هو وجود بعض الذبذبات الخفيفة التي تدل على وجود خلايا حية في الدماغ فوق مستوى جذع الدماغ
فالمدرسة البريطانية ترى أن وجود مثل هذه الذبذبات والنشاط الكهربائي الضئيل حتى على فرض التأكد أنه صادر من خلايا الدماغ وليس من الأجهزة الكثيرة القريبة من المصاب ترى المدرسة البريطانية أن هذه الذبذبات لا تغير من تشخيص موت الدماغ طالما أن الفحوص الأخرى المتتالية تدل على موت جذع الدماغ.
__________
(1) c.Pallis: A.B.C Brain Stem Death, B.M.J.London 1983. P.G
(2) Pallis C.ABC Brain Stem Death P.G(2/313)
ويرى بعض الأطباء حرجا في مثل هذه الحالة.. ولذا يقترحون القيام بقياس الدورة الدموية الدماغ..
ويمكن معرفة ذلك بحقن شرايين الدماغ الأساسية الأربعة (شريانين سباتييد Carsted arteries وشريانين فقريين (Vertebral arteries) ورغم أن هذا الإجراء مجهد وقد يصعب إجراؤه في غرفة الإنعاش ويستدعي نقل المصاب إلى غرفة الأشعة فإن نتيجته قطعية بالموت أو الحياة.
وقد وجد الأطباء وسيلة أيسر وتؤدي نفس الغرض وذلك بحقن المصاب بمادة مشعةRadio nuclide ثم تصوير الدماغ وذكر مجموعة من الأطباء في بحثهم الذي نشرته مجلة JAMA الطبية الشهيرة (1) في 14 يناير 1983 أن استخدام مادة النيوكلايد المشعة ثم تصوير الدماغ تعطي معلومات دقيقة ووافية عن الدورة الدموية في الدماغ مما يتسنى بالحكم على موت الدماغ أو حياته وأن هذه الطريقة توازي طريقة حقن الأوعية الدموية للدماغ (الشرايين الأربعة) رغم ان الطريقة الأخيرة مجهدة ومن الصعب إجراؤها في غرفة الإنعاش بينما الطريقة التي تستخدم فيها المواد المشعة أسهل ولا تحتاج إلى نقل المريض إلى غرفة الإنعاش.
العلامات الدالة على موت الدماغ:
(المدرسة البريطانية) : قدمت لجنة الكليات الملكية البريطانية وكليات الطب مقترحاتها وتعريفاتها لموت الدماغ وذلك عام 1976 وعام 1979 وقد أكدت هذه التعريفات: أن موت جذع الدماغ يعني موت الدماغ عند وجود إصابة لا يمكن معالجتها بالدماغ (2) (3) وقد وصفت هذه المقترحات فحوصات إكلينيكية يمكن بواسطتها لأي طبيب أن يتأكد من وجود أو عدم وجود حياة في جذع الدماغ بشرط أن يكون الطبيب عارفا بتشخيص سبب فقدان الوعي والإغماء وأنه ليس ناتجا عن مجموعة من العقاقير أو نقص الأوكسجين.
وقد وصفت مذكرة 1979 موت جذع الدماغ وجعلته مساويا للموت (4) واعتبرت النقاط التالية:
1- أن فقدان وظائف جذع الدماغ فقدانا تاما لا رجعة فيها يساوي توقف القلب وموته بالتعريف القديم
2- أن فقدان وظائف جذع الدماغ يمكن معرفتها سريريا دون الحاجة إلى فحوصات معقدة مثل رسم المخ الكهربائي أو حقن شرايين الدماغ الأربعة أو المواد المشعة.
__________
(1) Schwartz JA: Radios nuclide Cerebral lmaging confiming Brain Death.JAMA 1983 ; 249; 246-247
(2) Confrence of Medical Royal Colleges and their Faculties in the U.K.Diagnosis or Death Br. Mad J. `976. (ii) : 1187-8.
(3) Pallis C., ABC Brain Stem death P.g
(4) Scjwartz JA etai: Radis nuclid Cerebral imaging confirming Brain Death. JAMA(2/314)
3- أن معرفة أن فقدان هذه الوظائف أمر دائم أو مؤقت يرجع إلى:
أ) إبعاد كل الأسباب التي تؤدي إلى التوقف المؤقت في وظائف جذع الدماغ مثل العقاقير المنومة والمهدئة ونقص الأوكسجين والتسمم بغاز أول أكسيد الكربون.. إلخ
ب) وجود سبب مادي واضح لإصابة الدماغ إصابة مميتة والتأكد من ذلك بوسائل الفحص المطلوبة مثل الأشعة وغيرها.
وهكذا اتضح الأمر لدى المدرسة البريطانية أن مفهوم الموت قد تحول من موت القلب إلى موت الدماغ (كل الدماغ) ثم من موت كل الدماغ إلى موت جذع الدماغ.
تكوين الدماغ: قبل أن نتحدث عن وظائف جذع الدماغ والفحوص التي تجرى عليها سنتحدث بإيجاز شديد عن الدماغ وتقسيماته حتى يتضح ما هو المقصود بموت الدماغ وجذع الدماغ.
يتكون الدماغ من ثلاثة أجزاء رئيسية وذلك حسب ظهورها في التكوين الجنيني.(2/315)
1- الدماغ المقدمي Fore Brain
ويشمل نصي المخ Cerebral hemispghenes وبكل نص مراكز هامة عديدة إذ يكونا مهد الفطنة والذكاء والعبقرية في الإنسان الذي يمتاز بوساطة المخ المقدمي على باقي المخلوقات إذ يحكم ويملك ويسيطر علاوة على وجود مراكز تتحكم في السيطرة على عضلات الجسم الإرادية وأخرى في السيطرة على الاحساسات المتباينة المختلفة وثالثة للحواس وضبط النفس ولكل مركز أو حاسة جزء خاص به " كما يقول الدكتور شفيق عبد الملك أستاذ التشريح بكلية الطب جامعة عين شمس (1) (القاهرة)
ولندخل في وظائف الدماغ المقدمي ولأقسامه المتعددة فهو خارج نطاق بحثنا هذا.
صورة للدماغ ويظهر فيه نصي المخ الأيمن وجزء من المخيخ والنخاع الشوكي
__________
(1) مبادئ علم التشريح ووظائف الأعضاء ص 313(2/316)
2- الدماغ المتوسط Mld Brain
ويشمل فخذي المخ إلى الأمام والأجسام التوأمية الأربعة إلى الخلف وتتوسطهما القناة المخية المائية وفخذا المخ Cerebral peduncles يربطان قنطرة فارول pous بنصي المخ من جهة وبالنخاع الشوكي من جهة أخرى وبالمخيخ من جهة ثالثة. وتحتوي على مجموعة من الأنوية منها النواة الحمراء وعلى الأجسام التوأمية الأربعة Corpora quadrigemina ويختفي الجسمان العلويان منها بالإبصار والجسمان السفليان منها بالسمع. (مركز ثافون) وتوجد بها أيضًا التكوين الشبكي Reticular formation الذي يمتد إلى الدماغ المقدمي في الجهة العليا وإلى القنطرة والنخاع المستطيل في الجهة السفلى.. وأهمية هذا التكوين الشبكي تأتي في أنه مسئول عن اليقظة والوعي. فإذا تعبت خلاياها حدث النوم وإذا أصيبت فقد الوعي.
3- الدماغ المؤخري Hind Brain
ويحتوي على:
أ- قنطرة فارول pous وهي تربط النخاع المستطيل بالمخ المتوسط والمخيخ وبها مجموعة من أنواء خاصة بها علاوة على أنواء الأعصاب المخية الخامس والسادس والسابع والثامن.
ب- النخاع المستطيلMedulla oblongata هو حلقة الاتصال بين النخاع الشوكي والدماغ وبه مراكز الحياة الأساسية التي تتحكم في التنفس والدورة الدموية والقلب.
ج- المخيخ Cerebellum ويتصل بالمخ المتوسط والنخاع المستطيل وقنطرة فارول وينحصر عمله في السيطرة على العضلات ويحفظ قوى اتزان الجسم وينظم الحركة العضلات الإرادية.
يسمى: الدماغ المتوسط
قنطرة جذع الدماغ
النخاع المستطيل
ويحتوي هذا الجذع على المراكز الحيوية وعلى جميع الأعصاب القحفية cranial nerves الأثنى عشر ولذا يسهل فحص الوظائف الحيوية.
الدماغ المتوسط Mid Brain
جذع الدماغ فخذا المخ crus crebri
النخاع المستطيل Meduilla oblongata
المخ المقدمي
المخ المتوسط
القنطرة
النخاع المستطيل
صورة توضح الأعصاب القحفية Caranial nerves
الاثنى عشر وجميعها تخرج من جذع الدماغ
Brain Stem ويسهل فحصها وبالتالي يمكن معرفة وظيفة جذع الدماغ.
مقطع إكليلي coronal في الدماغ يوضح اتصال جذع الدماغ بالمخ وعلاقته بالمخيخ ويتصل التكوين الشبكي Reticular formation(2/317)
الموجود بجذع الدماغ بذلك الموجود في المخ limbit system وخاصة المجموعة cerebrum الحوفية والتكوين الشبكي مسئول عن اليقظة.. وقد ثبت أن إصابة سقيفة جذع الدماغ Tegmentum (في الدماغ المتوسط) على الجانبين تسبب إغماء طويلا وفقدان للوعي يستمر أبدا بعيدا.. أن الوعي والإدراك هو من وظائف المخCerebrum ولكن بدون الإشارات الآتية من جذع الدماغ (التكوين الشبكي) فإن المخ لا يستطيع أن يعي أو يدرك.. وهو يشبه زر النور الذي تضغطه لتسرى الكهرباء وتضاء الغرفة.. فبدون هذا الزر ووضعه في موضعه المناسب (ON) فان التيار لا يسري رغم أن الأسلاك جيدة واللمبة سليمة والتيار موجود ولكنه غير موصل ولا تتم دورة الاتصال إلا بوضع الزر على وضع (on)
ومن حسن الحظ ان المراكز الهامة في جذع الدماغ قريبة من بعضها ويمكن فحصها إكلينيكيا (سريريا) بسهولة.. ويتحكم جذع الدماغ في الآتي من المراكز الحيوية:
1- التنفس
2- الدورة الدموية وضربات القلب
وتمر فيه المسارات العصبية الحركية النازلة من قشرة الدماغ إلى النخاع الشوكي والمسارات العصبية الحسية الصاعدة من النخاع الشوكي إلى قشرة الدماغ وأي إصابة في جذع الدماغ تؤثر على هذه المراكز والمسارات. كما أن إصابة جذع الدماغ تخفض خفضا شديدا الدورة الدموية في الدماغ كله كما أنها تخفض عمليات الأكسدة في المخ الضرورية للاستقلاب Cerebral oxidative metabolism(2/318)
ولذا فإن إصابة جذع الدماغ إصابة مميتة لا يوقف فحسب التنفس والدورة الدموية والمسارات العصيبة الحركية النازلة Descending motor tracts والمسارات العصيبة الحسية الصاعدة Ascending sensory tracts ولكنها أيضًا تسبب الموت للدماغ كله وإن كانت بعض خلايا المخ قد تكون حية لفترة محدودة بعد موت جذع الدماغ.
وكما ان موت القلب وتوقف الدورة الدموية وتوقف التنفس لا يعني موت كل خلية في الجسم في تلك اللحظة وإن كانت تلك الخلايا ستموت حتما إذا تركت في مكانها من الجسم فإن موت جذع الدماغ لا يعني أيضًا موت كل خلية في الدماغ على الفور وان كانت تلك الخلايا ستموت حتما خلال ساعات.
ولهذا تتجه المدرسة البريطانية إلى إعلان الموت عند موت جذع الدماغ رغم أن:
1-بعض خلايا الدماغ قد تكون حية آنذاك إلا أنها في طريقها إلى الموت سريعا ويستدل على وجود بعض الخلايا حية بوجود نشاط كهربائي ضئيل في جهاز رسم المخ الكهربائي E.E.C.
2- أن النخاع الشوكي Spinal Cord لا يزال به رمق حياة ولذا فان بعض الأفعال المنعكسة من النخاع الشوكي قد تكون موجودة مثل الأفعال المنعكسة من النخاع الشوكي قد تكون موجودة مثل الأفعال المنعكسة بضرب أوتار عضلات الطرف العلوي (العضلة ذات الرأسين والعضلة ذات الثلاث رؤوس) أو أوتار الطرف السفلي مثل وتر الرضفة Patellar terdon ووتر أخيل في العقب Tendoactillis
بينما نرى المدرسة الأمريكية (تقرير هارفارد عام 1968 Ad Hoc committee of the henvard Me. School. Adefinition of lrrev. coma. jAmA 1968 , 2 6 – 88. وعام 1984 Ad hoc committee of the Harvard Med. School: A Def. of lrrev. Coma. JAMA 1984. 252-677-679.
تصر على:
1- أن تكون جميع خلايا الدماغ ميتة عند إعلان الوفاة.. ولهذا فإن رسم المخ ينبغي أن لا يكون فيه أي نشاط آت من خلايا الدماغ.
2- أن تكون الأفعال المنعكسة جميعها مفقودة بما في ذلك الأفعال المنعكسة من النخاع الشوكي.
أسباب موت جذع الدماغ: إن أهم أسباب موت جذع الدماغ تتلخص في الآتي:
1- إصابات الحوادث والارتطام مثل حوادث المرور (السيارات) والطائرات والقطارات وحوادث العمل أو السقوط من حالق أو أثناء القفز من منط في مسبح أو في البحر حيث يقفز الشخص ويرتطم رأسه بحجر وهذه الحوادث تمثل 50 % من جميع الحالات تثمل التي شخص فيها موت الدماغ.(2/319)
2- نزف داخلي في الدماغ وعادة ما يكون ناتجا عن نزف تحت العنكبوتية Subarachnoid haemorrhage أو انفجار لأم الدم (انتفاخ في أحد الشرايين) Ruptured ameury sm وتمثل هذه الحالات 30 % من جميع حالات موت جذع الدماغ.
3- تمثل 20 % الباقية مجموعة من الأمراض مثل الأورام والتهاب الدماغ والسحايا خراج الدماغ..إلخ
ويعتبر توقف القلب أو التنفس الفجائيين ونقص تروية الدماغ بالدم أسبابا نادرة لموت جذع الدماغ، وان كانت تسبب في الغالب موت المخ Cerebrum بينما يبقى جذع الدماغ حيا مما يؤدي إلى حياة نباتية Vegetative life بحيث يبقى المصاب حيا لكنه فاقد الوعي والإحساس والإدراك وهو في غيبوبة تامة Complete Coma
ويعتبر الشنق سببا هاما وإن كان نادرا لموت جذع الدماغ وفي الشنق يموت جذع الدماغ قبل موت المخ وقبل موت النخاع الشوكي. ولذا فإن الشنق أو القتل بالمقصلة أو الضرب بالسيف أعلى العتق يمثل تمثيلا واضحا المقصود بموت جذع الدماغ. ففي هذه الحالات جميعا يموت جذع الدماغ أولا بينما المخ أو بعض خلايا المخ لا تزال حية. وكذلك خلايا النخاع الشوكي ولذا فإن المذبوح أو المشنوق يتحرك وهي حركة أسماها الفقهاء " حركة المذبوح " ولا تدل على وجود الحياة.
صورة توضح مزفا شديدا مميتا في جذع الدماغ.
نزف في جذع الدماغ المخيخ نزف وتهتك في الدماغ فيما بين القنطرة Pons والنخاع المستطيل medulla oblongata كما يحدث في حالات الشنق.
وفي الشنق رغم أن المعتقد هو أن الفقرية السنية (الفقرة العنقية الثانية)
Odontoid تنخلع فتضغط بذلك على المقطعين الأولين من النخاع الشوكي إلا أن الواقع الذي وصفه البروفيسور سيبمس (أخصائي الطب الشرعي والباثلوجي للداخلية البريطانية) يدل على أن سبب الموت في حالة الشنق هو تهتك وانفصام جذع الدماغ فيما بين القنطرة pons
وفي الشنق يتوقف التنفس فورا نتيجة انفصام وتهتك جذع الدماغ بينما تبقى في بعض الأحيان تروية الدماغ حيث إن الشريان السباتي Carotid a. أو الشريان الفقرى vertebral a يظل أحدهما أو كلاهما مفتوحا وقد يستمر القلب في الضخ والنبض لمدة عشرين دقيقة كاملة بعد توقف التنفس وموت جذع الدماغ. بل ان بعض خلايا الدماغ وخاصة في المخ Cerebrum تستمر في الحياة لعدة دقائق وإذا وضع رسم المخ الكهربائي في مثل تلك الحالة فإنه سيسجل نشاطا كهربائيا لعدة دقائق.
فهل مثل هذا الشخص يعتبر حيا في الوقت الذي لا يزال قلبه ينبض وبعض خلايا دماغه تعمل؟
هذا هو السؤال الذي وضعه الدكتور كريستوفر باليس في كتابة أبجديات موت جذع الدماغ للرد على المدرسة الأمريكية والأشخاص الذين يطالبون بموت جميع خلايا الدماغ لإعلان موت الدماغ.(2/320)
والواقع أن الفرق الزمني بين موت جذع الدماغ وبين موت كل الدماغ لا يعدو دقائق كما أن الفرق بين موت جذع الدماغ والنخاع الشوكي قد يصل إلى ساعة أو جزء من الساعة وكما أن القلب قد يستمر في العمل لعشرين دقيقة بعد الشنق وموت جذع الدماغ وذلك بدون أجهزة إنعاش فإن بعض خلايا الدماغ قد تستطيع الحياة لبضع دقائق بعد موت جذع الدماغ.. ولا تستطيع خلايا الدماغ المتبقية الحياة أكثر من ذلك لأن أجهزة الإنعاش تستطيع إبقاء هذه الخلايا حية بعد جذع الدماغ على عكس ما تفعله الأجهزة بالنسبة للقلب الذي تستطيع أجهزة الإنعاش في إبقائه بضعة أيام رغم موت جذع الدماغ (وفي الحالة الخاصة التي سجلت استمر القلب بنبض 68 يوما بعد موت الدماغ (1)
الفصل التاسع
تشخيص موت جذع الدماغ
يعتبر تشخيص موت جذع الدماغ أمرا أساسيا في تشخيص موت الدماغ حتى لدى المدرسة الأمريكية وغيرها من المدارس الطبية التي تطالب بموت كل الدماغ لإقرار موت الدماغ على عكس المدرسة البريطانية التي ترى أن موت جذع الدماغ كافيا لإصدار شهادة الوفاة كما قد بينا من قبل حيث أوردنا حجج كلا من الفريقين.
لهذا فإن تشخيص موت جذع الدماغ يعتبر حجر الزاوية في تشخيص موت الدماغ وبالتالي إعلان وفاة ذلك الشخص ومن ثم يتسنى إيقاف الأجهزة أو نزع الأعضاء الأساسية التي تبرع بها الشخص قبل وفاته أو وافق أهله وذويه على التبرع بها بعد وفاته.
ومن حسن الحظ أن تشخيص موت الدماغ أمر يسير نسبيا ولا يحتاج إلى أجهزة معقدة ويمكن لأي طبيب أن يشخص ذلك سريريا دون اللجوء إلى إجراء فحوصات معقدة.
الخطوات الأساسية لتشخيص موت الدماغ: وهناك ثلاث خطوات أساسية للوصول لتشخيص موت الدماغ هي:
أولا: الشروط المسبقة وتشمل الآتي:
1- وجود شخص مغمي عليه لا يتنفس إلا بواسطة المنفسة
2- وجود تشخيص لسبب الإغماء يوضح وجود مرض أو إصابة في جذع الدماغ لا يمكن معالجتها
ثانيا: عدم وجود سبب من أسباب الإغماء المؤقتة والناتجة عن:
(أ) الكحول والعقاقير.
(ب) انخفاض درجة حرارة الجسم.
ثالثا: الفحوصات السريرية التي تؤكد:
(أ) عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ.
(ب) عدم وجود تنفس من غير المنفسة.
وتعاد هذه الفحوصات بعد فترة زمنية..
وتجرى من قبل الطبيب المعالج وأخصائي الأمراض العصبية وبشرط أن لا يكون أحد هؤلاء الأطباء له علاقة بنقل عضو من أعضاء المصاب إلى شخص آخر.
وسنتحدث الآن عن هذه الثلاث الخطوات الأساسية بشيء من الإيجاز:
الشروط المسبقة: Pre – conditions
1- الإغماء الكامل: وعدم الاستجابة لأي مؤثرات خارجية مثل الصوت القوى أو الضوء القوي أو هز المصاب أو إيلامه بقرصه أو شكه بدبوس أو إبرة بحيث لا تظهر من المصاب أي حركة ولو بسيطة ولا أي صوت ولو حشرجة فإذا وجدت أي حركة ولو بسيطة أو صوت ولو حشرجة أو أنه فإنه ذلك يعني أن المصاب ليس ميتا 2- عدم الحركة التلقائية وتلاحظ هذه لمدة ساعة كاملة على الأقل من قبل الطبيب ولا يكتفي في ذلك قول هيئة التمريض (وهذا هو شرط مدرسة هارفارد الأمريكية) 3- تشخيص سبب الإغماء ووجود أدلة على إصابة بجذع الدماغ (تهتك أو نزف) ويحتاج تشخيص السبب إلى إجراء فحوصات مخبرية وأشعة وينبغي أن يكون السبب من النوع الذي لا يمكن علاجه ولا برؤه وهذا يعني أن الأسباب الطارئة مثل الاحتقان والوذمة Dodoma كلها قد عولجت بحيث تبقى الأسباب الدائمة وحدها.
__________
(1) Parisi J.E etal: Brain Death with prolonged Somatic Survival , New Eng. J. Medicine 1982 , 3 6 (1) : 14 – 16(2/321)
كما أن الأسباب الطارئة للإغماء مثل العقاقير والكحول التي قد يكون المصاب تعاطاها قد أزيل أثرها من الجسم إما تلقائيا بمرور الزمن أو بواسطة العلاج. كذلك من الأسباب الطارئة انخفاض حرارة الجسم Hypothermia التي قد تحدث لشخص أصيب أثناء التزحلق على الجليد ففقد الوعي نتيجة ارتطامه وفي نفس الوقت ظل جسمه في الجو القارس في الثلج فترة جعلت درجة حرارة جسمه تنخفض إلى ما تحت 35 درجة مئوية.. فإن الإغماء الموجود لدى مثل هذا المصاب قد يرجع إلى عدة أسباب (وهذا أمر كثير الحدوث) فقد يكون هذا الشخص تناول خمرا قبل التزحلق على الجليد (وهو أمر دائم الحدوث) ثم أصيب أثناء تزحلقه وارتطم رأسه وتهشمت جمجمته.. وكان مثل ذلك الشخص في منطقة معزولة فبقى مغمى عليه لعدة ساعات أو لبضعة أيام في الثلج قبل العثور عليه مما نتج عنه انخفاض في درجة حرارة جسمه.. فلابد في مثل هذه الحالة أن تزال الأسباب المؤقتة المؤدية إلى الإغماء وهي:
(1) شرب الخمر
(ب) برودة الجسم
وذلك يستدعى عدة إجراءات طبية بحيث تثبت المختبرات عدم وجود كحول في الدم وبحيث ترتفع درجة حرارة الجسم فيبقى آنذاك أثر الارتطام ومدى إصابة جذع الدماغ وحتى هذه فإن فيها أسبابا مؤقتة إضافية مثل الاحتقان والوذمة Congestion and oedoma وهذه ينبغي أيضًا أن تزال أولا للتأكد من بقاء الأسباب الدائمة فقط. كما ينبغي التأكد من الأسباب الأخرى التي يمكن أن تزال بإجراء عملية جراحية مثل تجمع الدم (من النرف) تحت أو خارج الأم الجافة Sub or extr dural Hematoma أو وجود ورم بالدماغ يمكن إزالته جراحيا ولهذا فان تشخيص السبب أمر في منتهى الأهمية وبالتالي تحديد هل هذا السبب من الأسباب المؤقتة التي يمكن أن تزال بإجراء طبي أو من الأسباب الدائمة التي لا يستطيع الطب حيالها شيئا.(2/322)
ولهذا ينبغي أن يكون السبب المؤدى إلى الإغماء ليس وظيفيا functional فقط بل ينبغي أن يكون السبب المؤدي إلى الإغماء تركيب مادي نسيجي Stractural وأن يكون السبب المادي التركيبي النسيجى من النوع الذي لا يمكن إزالته بوسائل الطب الموجودة لدينا.
وأما الأسباب الوظيفية Functional فلا تعد أبدا من أسباب الإغماء الدائم لأنها يمكن أن تزال ومن ذلك:
1- العقاقير وقائمتها طويلة وتشمل:
- الكحول.
- المنومات مثل الباربيتورات.
- المهدئات مثل الفاليوم والليبريم والنويريم والأتيفان.. إلخ.
- المخدرات المسكنات مثل الهيرويين والمورفين والبنقازوسين والبيثدين والميثادون.
- أدوية الصرع مثل الفينتون Pheniytion والكاربافزيبزين Carbanezepine
- الأدوية المضادة للكآبة مثل الايمبراين imipramine والتربتلين Tryptigline والنور تربتلين Nortyptyline
- المعقلات مثل الكلور برومازين.
- المسكنات مثل الأسبرين.
2- برودة الجسم.
3- نقص الهرمونات أو زيادتها في الجسم.
4- نقص السكر أو زيادته في الجسم.
5- زيادة البولينا في الجسم.
6- التسمم نتيجة الغازات السامة وغاز أول أكسيد الكربون.
ولهذا فإن أصعب نقطة في تشخيص موت جذع الدماغ هي الوصول لمعرفة السبب الحقيقي للإغماء ومعالجة من ثم الأسباب المؤقتة.
وهذا يستدعي عمل فريق طبي متكامل ومجهز بكثير من الأجهزة الحديثة.
وفي هذه الأثناء يظل المصاب تحت المنفسة والإنعاش الصناعي ولا يمكن حسب التعريف الطبي (البريطاني والأمريكي) أن يشخص موت الدماغ قبل ازالة الأسباب الوظيفية المؤقتة التي تؤدي إلى الإغماء ولعل أهم سبب في هذه المجموعة المؤقتة هو تناول العقاقير مثل الكحول والمخدرات والأدوية المنومة (المرقدة) والمهدئات. (ونقصد بالمخدرات الأفيون والمورفين ومشتقاته) ورغم أن الكحول هو أكثر هذه الأسباب شيوعا إلا أن أثره المؤدي إلى الإغماء لا يزيد في الغالب عن ثماني ساعات. ولذا فان إصابة شخص مخمور في رأسه تشكل عائقا أمام تشخيص موت الدماغ. ولكن أثر الكحول يزول في الغالب بعد ثماني ساعات ويبقى بذلك أثر الإصابة في الدماغ فقط.(2/323)
أما العقاقير الأخرى مثل الباربيتورات فقد تبقى في الدم بدرجة تركيز عالية مسببة للإغماء لعدة أيام.
على أية حال لابد من فحص الدم المتكرر في مثل هذه الحالات حتى يتبين ذهاب أثر العقار على الدماغ.
ولكن إذا فرض أن المستشفي المذكور لا توجد به إمكانيات فحص العقاقير في الدم ولا يوجد بالقرب منه مركز لإجراء هذه الفحوصات فإن الأغلبية الساحقة من العقاقير يخبو أثرها بعد مرور ثلاثة أيام من الإغماء ولهذا ينبغي أن يبقى المصاب تحت المنفسة طوال هذه المدة قبل التفكير في موضوع موت الدماغ حتى وأن كانت كل الفحوص الأخرى تدل على أن الدماغ قد مات إذ أن هذه العقاقير تستطيع أن تسكت الدماغ لمدة ثلاثة أيام كاملة ويكون في أثناء ذلك رسم المخ الكهربائي سلبيا صامتا لا يتحرك بأدنى حركة.
ولهذا لا ينبغي إجراء الفحوصات الدالة على موت الدماغ قبل التأكد أولا من التشخيص وزوال الأسباب المؤقتة للإغماء.
بعض الأسباب المؤقتة للإغماء مع توقف التنفس ومدتها:
1- جراحة الدماغ الكبيرة اكثر من – 4 ساعات
2- أم الدماغ anewlysur في الدماغ نزف تحت
الأم العنكبوتية أكثر من – 6 ساعات
3- العقاقير: الاسبرين ربع – 3 ساعات
البارسيتامول (الباندول) 3 - 4 ساعات
داعينها يرامين (دواء حساسية) 4 - 10 ساعات
ايمبيرامين (دواء ضد الكآبة) 8 - 24 ساعة
مورفين 10- 60ساعة
نورتريتلكين (دواء ضد الكآبة) 15- 93 ساعة
دايزيبام (فاليوم) 24 - 96 ساعة
فينوباربيتال (منوم ضد الصرع) 50 - 140 ساعة
الكحول ساعة كل 10 مللتر من الكحول
4- نقص الأوكسجين للدماغ نتيجة عرق أو غازات
سامة أو توقف فجائي للقلب أكثر من 24 ساعة بعد التأكد من الشروط المسبقة وعدم وجود سبب من الأسباب المؤقتة للإغماء أو عند وجودها التأكد من ذهاب تأثيرها تبدأ المرحلة الثالثة والأخيرة وهي فحص وظائف جذع الدماغ.(2/324)
وتتلخص هذه في وجود الآتي:
1- إغماء
2- عدم وجود وضع جسماني معين غريب abnormal posture مثل:
أ) وضع مفصول المخ decerebrate
ب) وضع مفصول قشرة الدماغ decorticate
وهي أوضاع جسمية خاصة يأخذها من فصل مخه عن بقية دماغه أو فصلت قشرة مخه عن بقية دماغه بواسطة إصابة أو مرض مثل التهاب أو ورم.
3- عدم وجود أي هزات أو رجات صرعية No epiletic jerking
4- عدم وجود الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ.
5- عدم وجود تنفس تلقائي.
6- عدم وجود " حركة الدمية " "no dolling" يقف الطبيب خلف رأس المصاب ويقبض على رأس المريض ويضع إبهام كل يد على جفن وحاجب فيرفعه إلى أعلى ثم يحرك الرأس إلى جهة اليمين ويبقى كذلك لمدة ثلاث أو أربع ثوان ثم إلى جهة اليسار في الشخص الواعي تتحرك العين مع حركة الرأس في خلال أقل من ثانية.. وفي الشخص الميت (الجثة) تتحرك العين والرأس معا أما في الشخص المغمي عليه والذي لا يزال جذع دماغه حيا فإن العين تتحرك في الاتجاه المعاكس لحركة الرأس لمدة ثانية أو ثانيتين تتبعها عودة سريعة من مقلة العين إلى اتجاه حركة الرأس ونفس الشيء يحدث عندما يتحرك الرأس إلى الجهة المعاكسة.(2/325)
وهذا الفحص ببساطته ويسره يوفر وقتا طويلا فإذا فحص الطبيب المصاب ووجد أن الشخص المغمى عليه والموجود تحت أجهزة الإنعاش تتحرك مقلة عينه عكس حركة الرأس فإن ذلك يدل على أن جذع دماغه لا يزال حيا ولا داعي لإجراء مزيد من الفحوص.
فإذا كانت هذه الحركة المعاكسة غير موجودة والعين تتحرك مع حركة الرأس كما يحدث في الموتى فإن ذلك يستدعى إجراء الفحوصات التالية:
أ- الأفعال المنعكسة لجذع الدماغ: وتتلخص هذه في الآتي:
1- عدم حركة بؤبؤ العين للضوء الشديد. يكون بؤبؤ العين (حدقة العين) واسعا لا يتغير بالضوء. ومن المعلوم أن إلقاء الضوء على حدقة العين الحية يؤدى إلى تضيق الحدقة.
2- لا يرمش المصاب رغم وضع قطنه على قرنية العين.
3- لا تتحرك مقلة العين رغم إدخال ماء بارد في الإذن.
4- لا يقطب المصاب جبينه رغم الضغط الشديد على الجبين بالإبهام أو الضغط على أي منطقة في الجسم.
5- عدم التكعم أو الكحة عند لمس الحنك وباطن الحلق بملعقة (خشبية أو من الصلب) Catheerأو لمس الحنجرة والقصبة الهوائية بواسطة القنطرة إن هذه الفحوص سهلة ويستطيع أي طبيب أن يجريها ولا تحتاج إلى أجهزة معقدة.
ب- فحص عدم التنفس: لإجراء فحص عدم التنفس التلقائي يفصل المصاب عن المنفسة ولكن قبل فصله عنها يعطى أوكسجين 95 % مع 5 % ثاني أكسيد الكربون (حسب المدرسة البريطانية) أو يعطى هواء الغرفة (حسب المدرسة الأمريكية) لمدة 10 دقائق ويفصل المصاب عن الآلة لمدة تختلف حسب آراء المجموعات الطبية
1-3 دقائق لمجموعة هارفارد
2-4 دقائق لمجموعة منيسوتا
3-10 دقائق المدرسة البريطانية
ويشترط أن يصل ضغط ثاني أكسيد الكربون في الدم الشريان 40 مم من الزئبق على الأقل قبل فصل الآلة. وأن يرتفع إلى 50 مم من الزئبق بعد فصل الآلة (المدرسة البريطانية) .
ويمكن التأكد من ذلك بإجراء فحص الدم وقياس ضغط ثاني أكسيد الكربون في الدم الشرياني. وإذا لم يكن هذا الجهاز متوفرا لدى المستشفي (اصبح هذا الجهاز متوفرا في معظم مستشفيات المدن) فإن إعطاء المصاب 5 % غاز ثاني أكسيد الكربون قبل فصل الآلة لمدة عشر دقائق يضمن وصول ضغط ثاني أكسيد الكربون في الدم إلى 40 مم أو أكثر ويلاحظ المريض للمدة المقررة (3 دقائق في رأي مجموعة هارفارد وعشر دقائق في رأي المدرسة البريطانية) فإذا لم يحدث تنفس تلقائي خلال هذه المدة فإن ذلك يعني موت جذع الدماغ. ولكن قبل إعلان الموت لابد من:
1- إعادة فحص وظائف جذع الدماغ بأكملها بعد مرور عدة ساعات حددتها مجموعة هارفارد بـ 24 ساعة وحددتها المجموعة البريطانية بست ساعات.
2- أن يجرى الفحص فريق طبي ليس له علاقة بأخذ أعضاء من الجثة لزراعتها في شخص آخر(2/326)
الفصل العاشر
محاذير ومطبات في تشخيص موت الدماغ
أن الأخطاء التي وقعت وأثيرت بسببها ضجة كبرى في الصحافة عن أشخاص أعلن الأطباء وفاتهم ثم قاموا يمشون ناتجة عن الأسباب التالية:
1- عدم تحقق الشروط المسبقة وهي:
(1) وجود شخص مغمى عليه لا يتنفس الا بواسطة المنفسة.
(ب) وجود سبب عضوي لإصابة جذع الدماغ بحيث لا يمكن برؤه بالوسائل الطبية المتاحة.
ويعتبر هذا أهم سبب لحدوث الأخطاء فمعظم الحالات التي أعلن أنها عادت إلى الحياة بعد إعلان موت دماغهم كانت تعد لحالات فقدان الوعي والتنفس بسبب الكحول أو المخدرات (الهرويين المورفين أو مشتقاتها) أو المرقدات (الباربيتورات) أو المهدئات (الفاليوم الليبيريم) أو مضادات الكآبة (الايمبرايمن أو التربتلين) .
وهذه جميعها أسباب مؤقتة لفقدان الوعي والتنفس ويمكن بوسائل الإنعاش الحديثة إنقاذ مجموعة كبيرة منها..
وبما ان مفعول الفينوباريبتون قد يستمر 14 ساعة مسببا بذلك الإغماء العميق وعدم التنفس فإن الوفاة قبل مرور هذه المدة خطأ وإذا كانت الوسائل متاحة فلابد من إجراء فحص الدم للتأكد من زوال هذه المادة من الدم وبما ان زوال هذه المادة من الدماغ يسبق في الغالب زوالها من الدم فإن زوالها من الدم يعني بالتالي زوالها من الدماغ.
2- فحوص الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ قد يحدث خطأ من استخدام هذه الفحوص رغم بساطتها فمثلا إذا كان ضوء البطارية التي تسلط على العين لفحص حركة حدقة العين ضعيفا أو غير كاف فان الحدقة قد لا تتحرك رغم سلامة الأعصاب وجذع الدماغ.
وكذلك فإن الحدقة قد تكون متسعة ولا تتحرك لوجود دواء (قطرة الاتروبين مثلا في العين) أو أن الشخص تناول عقارا يسبب اتساع حدقة العين قبل حصول الإغماء كما يحدث في حالات التسمم لدى الأطفال عندما يأكلون خطأ ثمار شجرة البلادونا ست الحسن التي تشبه الكرز. أو كما يحدث عندما يتناول شخص ما عقار البلادونا أو مشتقاتها العديدة. أو الامنتيامين أو القات بكمية كبيرة ثم تحدث لمثل هذا الشخص حادثة تفقده الوعي.
وربما كان العصب المحرك لعضلة الحدقة مشلولا فيؤدي ذلك إلى اعتقاد الحدقة لا تتحرك بسبب موت جذع الدماغ.
وهكذا قل في بقية الفحوصات الأخرى التي ذكرناها وهي:
1- فحص القرنية وعدم الارماش.
2- عدم حركة مقلة العين عند صب الماء البارد على الإذن.
3- عدم التكعم Gag reflex عند لمس باطن الحلق وعدم الكحة عند لمس الحنجرة أو القصبة الهوائية بواسطة القنطرة.
4- عدم تقطيب الجبين Grimacing عند الضغط على الجبين أو أي موضع في الجسم ضغطا مؤلماَ.
ولكن من المستحيل ان تتحكم الأخطاء في هذه الفحوصات جميعا ويكون جذع الدماغ حيا إذا كان الطبيب الذي يجرى هذه الفحوصات مدربا عليها.
3- الخطأ في فحص عدم التنفس:
إن المصاب إذا أعطى 100 % أوكسجين قبل نزع الآلة المنفسة فإن ارتفاع نسبة الأوكسجين في الدم وطرد ثاني أكسيد الكربون بواسطة التنفس الصناعي يؤدى إلى توقف التنفس لدى الشخص الذي لا يزال حيا. ذلك لأن أهم محرك للتنفس هو زيادة مستوى ثاني أكسيد الكربون في الدم يليه انخفاض مستوى الأكسجين في الدم. لذلك ينبغي أن توضع هذه المحاذير وهي:
1- رفع مستوى ثاني أكسيد الكربون في الدم وذلك بإعطاء المصاب 5 % ثاني أكسيد الكربون لمدة 10 دقائق قبل فصل الجهاز مع إعطاء المريض 95 % أوكسجين.
2- الانتظار 10 دقائق كاملة حتى تعطي فرصة كاملة ليزيد مستوى ثاني أكسيد الكربون في الدم عن 50 مم زئبق وفي هذه الأثناء يعطى المصاب 100 % أوكسجين بواسطة قنطرة تدخل إلى القصبة الهوائية لكن دون تنفس بواسطة المنفسة.
وإذا أخذت هذه المحاذير بعين الاعتبار فإن توقف التنفس لمدة 10 دقائق مع عدم أي من الأفعال المنعكسة من جذع الدماغ لدى شخص مصاب بالإغماء وتحت المنفسة ومعلوم سبب إصابته بحيث لا توجد أسباب مؤقتة مثل التسمم بالعقاقير فان ذلك يعنى موت جذع الدماغ وموت جذع الدماغ يعنى موت الدماغ بالتالي موت الجسد بكامله.
ومع هذا لا ينبغي إعلان الموت قبل إعادة الفحص ويستحسن أن يجرى الفحص فريق طبي آخر وذلك:
1- لإبعاد أي مجال للخطأ في هذه الفحوص.
2- إثبات وجود الحالة كما كانت عليه أي عدم وجود تغيير فيها.
وينبغي أن لا يكون أحد من الأطباء الذين يجرون الفحص له علاقة بأخذ عضو أو أعضاء من المصاب لنقلها إلى مريض آخر حتى لا توجد شبه استفادة من الإعلان المبكر للوفاة.(2/327)
وأما الفترة بين الفحصين فقد كانت 24 ساعة (المدرسة الأمريكية) وأصبحت الآن بضع ساعات (المدرسة البريطانية والأوربية) ولكن لا يزال المفهوم الطبي حتى في بريطانيا يفضل إعادة الفحص بعد مرور 24 ساعة وأما رسم المخ الكهربائي فلا يعد ضروريا لا في المدرسة البريطانية ولا الأمريكية. ولكن يحبذ وجوده وخاصة لدى المدرسة الأمريكية. ويعتبر عدم وجود أي نشاط كهربائي للمخ علامة مؤكدة لموت الدماغ إذا لم تكن هناك أسباب مؤقتة مثل العقاقير. وكذلك لا حاجة لإجراء فحص الدورة الدموية بالدماغ والتي تجرى بواسطة:
1- المواد المشعة Radionuclide
2- حقن شرايين الدماغ الأربعة: الشريان السباتي (زوج) Carotid a. والشريان الفقري (زوج) Vertebral a.
وهذه الفحوص تجرى في ميدان البحث وكذلك يدعو إليها بعض الأطباء وخاصة أطباء الأطفال لصعوبة التحقق من موت الدماغ في الأطفال خاصة.
فإذا أخذت هذه المحاذير جميعا فإن موت جذع الدماغ أمر يمكن التحقق منه بالوسائل الطبية المتاحة.
وأما الأخطاء التي تحدث فتنتج غالبا عن عدم اتباع هذه الخطوات في التشخيص وفي الفحص..
المراجع العربية
التفاسير:
1- تفسير ابن كثير
2-تفسير الفخر الرازى (التفسير الكبير)
3-تفسير الشوكاني: فتح القدير
4-المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم لمحمد فؤاد عبد الباقي
الكتب الدينية العامة:
1- ابن القيم الروح
2- الغزالي (محمد بن محمد) إحياء علوم الدين
3-العيدروسي (عبد الله بن أبي بكر) الدرر والجوهر مخطوط
4- مرسين (إبراهيم محمد) النفس الإنسانية في القرآن الكريم
5- د. أحمد شرف الدين - الأحكام الشرعية للأعمال الطبية
تاريخ الطب:
د محمود دياب: الطب والأطباء(2/328)
أبو الفتوح التونسي: من أعلام الطب العربي محمود الحاج قاسم: الموجز لما أضافه في الطب والعلوم أبن أبي أصيبعة: عيون الأنبياء في طبقات الأطباء د يحيى الشريف: تاريخ الطب العربي الكتب الطبية:
ابن سينا (أبو على الحسين بن على) القانون في الطب
شفيق عبد الملك: مبادئ علم التشريح ووظائف الأعضاء
صحف ومجلات:
الشرق الأوسط 22\6\14 5هـ موافق 13/3/1985م
1- الشرق الأوسط 8/1 /14 5هـ موافق 25/6/1985م(2/329)
1- Pallis ABC Brain Stem Death. Articles from the Br. Med J.Br Med
2- J. London 1983paris ; JE et ai Brain Death with prolonged somatic Survival " New Engl. J. Med 1982,3 6: `4-16.
3- Korien J. "Diagnosis of Brain Death Br. Med J. 281:1424.
4- Mollaret.etal: coma de pass. Rev. Neurol. `959 1 1:3-15
5- Ad Hoc committee of the Hrvard school of medicine " A Definition of irreversible coma " JAMA 1968. 2 6:85-88.
6- Ad Hoc Committee of the Medicine " Adefinition of irrev. Coma" JAJA 1948 , 252: 677-679.
7- Conference of Medical Royal Colleges In U.K "Diag. Of Death " Br.Med J 1976 (2) 1187 – 8.
8- Confrence of Medical Royal colleges in UK "Diag. Of death "Br.Mod. J `976 (2) 332.
9- Joynet R."Anew look at death" JAMA 1984 , 252 (5) : 68 -682(2/330)
10- Walker A."Cerebral death " ed 2.Munich , Germany, Urban and Schwarzenberg 1981.
11- Yonger S.,Barlett E."Human Death and High Technology " the failure of the whole Brain Formulation " Annals of Int. Med , 1983 , 99: 252-258.
12- Schwartz j-a. Et al: "Radionuclide Cerebral imaging confirming Brain Death " JAMA 1983. 249 ; 246 – 247
13- Br. J.Clin. paych. 1984, May 23: 1 9-119.
14- Practitioner 1983 (March) (1377) : 451 – 454.
15- JAMA 1983 (Aug 5) 2 (5) : 612613.
16- Am. J Dis. Child 1983 (June) . 1376 (6) : 545-6-547-5.
17- P.M Arch. Int. Med 1983 (Jan) . 143 (1) : 121-3.(2/331)
الإنعاش
فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي
بسم الله الرحمن الرحيم
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما.
تفضل سيادة الأمين العام لمجمع الفقه الإسلامي رعاه الله بإحالة السؤال التالي في شكل عنوان حسب إعداد اللجنة التحضيرية. ولما لم يكن السؤال محددا فإني سأحاول بحثه من جوانب متعددة.
أولا: مفهوم الإنعاش
لا غنى للباحث عن تحديد مفهوم الإنعاش. وما يقصد الجهاز الطبي من هذا الإطلاق والإنعاش في عالم الطب يقصد به المعالجة المكثفة التي يقوم بها طبيب أو مجموعة من الأطباء ومساعدوهم لمساعدة الأجهزة الحياتية حتى تقوم بوظائفها، أو لتعويض بعض الأجهزة المعطلة قصد الوصول إلى تفاعل منسجم بينها.
والأجهزة الحياتية الأساسية للإنسان هي – المخ – القلب – التنفس – الكلي – الدم للتوازن بين الماء والأملاح
ثانيا:
يستنتج من هذا التعريف أن الإنعاش هو نوع من أنواع العلاج يقوم به الاختصاصي أو المجموعة لإنقاذ حياة المصاب الذي يكون في حالة ستفضي به حتما إلى الموت. إذا لم يتلق العناية التي تنتشله من وضعيته الخطيرة التي هو عليها.
ثالثا: حكم الإنعاش:
أنه بناء على هذا التحليل تكون وضعية المصاب هي كوضعية الغريق الذي يصارع الموج وهو لا يحسن السباحة، أو كوضعية من وقع تحت ركام من الهدم، فالإنقاذ واجب كفائي.(2/332)
وخاصية الواجب الكفائي أن الخطاب يتوجه إلى كل فرد من الأفراد المؤهلين للقيام بالعمل وإذا قام به البعض وتحققت المصلحة سقط الطلب وهذا يقتضي:
(أ) أن إعداد الاختصاصيين في الإنعاش واجب تأثم الأمة كلها إذا لم تعن بتخريج هذا النوع من الأطباء.
(ب) أن إعداد الأجهزة وأدوية الإنعاش بالقدر والممكن من الاستفادة منه هو واجب كفائي أيضًا. تتحمله الدولة أولا.
(جـ) أن واجب الاختصاصي أو المجموعة موالاة رقابة المصاب مراقبة تحقق الهدف من الإنعاش. وهناك يكون كل تقصير متعمد موجبا لتحمل المقصر مسئولية نتائج التقصير.
رابعا: الإنعاش والتداوي:
الإنعاش والتداوي شيئان وليسا أمرا واحدا. وبهذا فإن أحكامها مختلفة. فالتداوي قد وقف منه السلف موقفين مختلفين الواضح والراجح والمشهور أن التداوي واجب كلما كانت الحياة والعضو معرضا إلى الخطر. وأنه مرغب فيه إذا كان دون هذا المستوى من الحدة.
الموقف الثاني هو ما ذكره الغزالي أن بعض السلف رغب عن الدواء وذلك لغرض من الأغراض الستة التي فصلها في الإحياء.
أما الإنعاش فانه يبدو انه واجب ذلك انه لا تختلف حالة الإنعاش عن أية حالة من الحالات الاضطرار التي تقلب حتى حكم التحريم إلى الوجوب حفاظا على الحياة.
ثاني المقاصد الضرورية الخمسة على أن المصاب في كثير من حالات الإنعاش يكون فاقدا للوعي أو هو تحت تأثير وطأة الإصابة لا يتمكن من أخذ القرار المبنى على التأمل.
خامسا:
إذا تم إسعاف المصاب بوضعه تحت المعالجة المكثفة فمتى توقف عنه الإنعاش؟ الأحوال ثلاثة – يختلف الحكم في كل واحدة منها.
الحالة الأولى: أن تعود أجهزة المصاب إلى حالتها الطبيعية عودا يطمئن معه القائم على العلاج أن الخطر قد زال ولا يوجد ما يوجب استمرار مواصلته فهو البرء التام أو الأخذ في طريق النقاهة. وهنا يكون رأي الاختصاصي واجب الاحترام. وهو التوقف عن المواصلة.(2/333)
الحالة الثانية: أن تتعطل الأجهزة الحياتية ويحدث الموت فيتعطل الدماغ والقلب فلا يتحرك القلب للقبول والضخ. ولا يقبل المخ ما يرد إليه من غذاء.
ومع الموت لا فائدة من مواصلة العلاج المكثف.
الحالة الثالثة: أن يتوقف الدماغ عن قبول أي غذاء، وتستمر الأجهزة الأخرى في العمل بواسطة القيام بالمعالجة المكثفة فالآلة تحرك الرئتين والتعديل الدموي يقوم به المراقبون ويتبع هذا أن المصاب يجرى الدم في عروقه ويفرز افرازاته وقد تدوم هذه الحالة الشهر والشهرين فالحياة الذاتية قد ذهبت إلى غير رجعة وهي الحياة الحيوانية التي يقودها المخ توزيعا وتنظيما لان مركز القيادة قد دمر تدميرا كاملا وتبقى حياة صناعية أو نباتية كما يعبر عنها، وهذه الحالة التي هي بين عمل بعض الأجهزة الأساسية بواسطة الإنعاش. وتوقف بعضها توقفا كاملا لا أثر لتدخل الطبيب في إعادته إلى أي نوع من أنواع نشاطه على أي مستوى كان ولو ضعيفا هذه الحالة التي فيها بعض ظواهر الحياة وفاقدة للظواهر الأساسية قد عالجها الفقهاء من قبل.(2/334)
يرى الإمام مالك بن أنس رضى الله عنه أن المولود إذا لم يصرخ لا يعتبر حيا ولو تنفس أو بال وتحرك. ومعنى هذا أنه لا يحكم له بالحياة لمجرد التنفس حتى يقرن بها البكاء. وقال ابن الماجشون إن العطاس يكون من الروح والبول من استرخاء المواسك فما لم يكن الفعل إراديا استجابة لتنظيم الدماغ لا يعتبر أمارة حياة (الزرقاني على خليل ج2 ص112) .
حكم توقيف الإنعاش في هذه الحالة أن توقيف الإنعاش في هذه الحالة الثالثة لا يمكن في نظري أن نعطيه حكما مطلقا بل نقول:
1- إذا كانت أجهزة الإنعاش التي خصصت لهذا الذي مات مخه والتي أبقيناها على هذا الجسم قد ورد من هو في حاجة إليها فلا نتردد في فصلها وربطها بمن بقيت فيه الحياة كاملة.
2- إذا كانت النفقات التي يتطلبها مواصلة الإنعاش تلتهم من الرصيد المالي ما يعود بالضرر على مستوى العلاج بالنسبة لبقية المرضى كحالة الدول التي لا تملك قوة مالية فإنه يتحتم أيضًا فصلها وصرف العناية للمرضى من الأحياء.
3- إذا وفر المال وتوفرت الأجهزة والقائمون على الإنعاش فهل تستبقى الأجهزة ويستمر الجهاز الصحي في مواصلة العلاج المكثف إلى أن يحصل الدمار الكامل للأجهزة الأساسية كلها، أو ترفع العناية بمجرد تحقق الموت للمخ؟ يقول الأطباء إنه إذا رفض المخ قبول التغذية مات الإنسان وإذا أزلنا أجهزة الإنعاش فلن يستمر القلب في النبض والرئتان في الحركة أو الكلي في التصفية إلا مدة لا تتجاوز خمس دقائق على اكثر تقدير وبناء على ذلك فإن الذي يبدو أنه يمكن الإعلان عن الموت بمجرد ثبوت موت المخ. وما يترتب على الموت من أحكام تبدأ من هذا التاريخ والله اعلم.(2/335)
ملحق توضيحي حول الأجهزة الأساسية
1- المخ: التدخل لضمان تغذيته بالدم الحاوي لكل العناصر الضرورية ليقوم بوظائفه.
2- القلب: التدخل لتقوية عضلة القلب بالتمسيد المنشط لإرجاع القلب للعمل، أو لتحقيق غذاء عضلة القلب بالدم من الشرايين. أو الاعتماد على الأجهزة الكهربائية المساعدة له على القيام بعمله بصفة منتظمة لا اضطراب فيها.
3- التنفس: التدخل للتنفس الاصطناعي بواسطة جهاز كهربائي يرتبط بالرئتين ليغذيهما بالهواء الصالح أعنى المركب تركيبا يستجيب لما تكشف عنه التحاليل الدموية. كما يمكن أن يكون أتوماتيكيا.
4- الكلي: التدخل، أدوية قوية جداَ لتنشيط الكليتين للقيام بوظائفهما إذا كان الخلل عارضا. أما إذا كان نهائيا فالتدخل يتمثل في تصفية الدم آليا.
5- الدم: التدخل بتعويض ما نقص من الكمية الدموية اللازمة للجسم أو نقص بعض المكونات الأساسية للدم.
6- التوازن العام: التدخل إعطاء حقن تعيد للدم توازنه المختل عن طريق الجهاز الهضمي أو عن طريق الشرايين.
يتم التحقق من موت المخ بالتسجيل الكهربائي. ولا بد من إعادة الكشف بهذا التسجيل فلا يعطي الطبيب حكمه بموت المخ إلا بعد التأكد من ذلك. كما أنه لابد من التأكد مقدما أن الجهاز المستخدم للغرض جهاز سليم يقوم بوظائفه. فإذا تم التسجيل مكررا وكانت النتيجة سلبية فانه لابد من التأكد بواسطة تصوير الشرايين المغذية للمخ. ذلك أنه إذا مات المخ فان الشرايين المغذية تقف عند مدخل المخ ولا يمر شيء مما تحمله إلى المخ الميت.(2/336)
العرض والمناقشة
11/4/1406هـ - 23/12/1985 م
الساعة 40 ر17 – 30 ر19
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، به نبدأ وبه نستعين بعد حمد الله تعالى والثناء عليه بما هو أهله، ونصلى ونسلم على خاتم أنبيائه ورسله أما بعد،
فإن أمامنا على جدول الأعمال مبحث أجهزة الإنعاش وقد اعد فيه بحثان أولهما من الدكتور محمد على البار والثاني من فضيلة الشيخ محمد المختار السلامي، فنأمل من الدكتور البار أن يتفضل بإعطاء ملخص للبحث المذكور وأهم المعالم فيه.
الدكتور محمد على البار:
سماحة الرئيس، أصحاب الفضيلة العلماء الأجلاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/337)
كنت أود أن يكون في هذه الجلسة أكثر من طبيب لأن الفقهاء يختلفون وكذلك الأطباء يختلفون. وخاصة في هذا الموضوع الحساس الذي يسمى " أجهزة الإنعاش أو نهاية الحياة " "إعلان الموت" وبين يدي مناقشات ومداولات ندوة الحياة الإنسانية بدايتها ونهايتها في المفهوم الإسلامي، إصدار المنظمة الإسلامية للعلوم الطبية. واستغرق ذلك منهم قرابة سبعمائة صفحة. ولست أدري إن كنت أستطيع أن ألخص هذه المواقف العويصة كلها في موضوع عويص وفي بضع دقائق فأرجو أن تحتملوا مني بعض الإطالة قليلا لأن الموضوع صعب وشائك ومعقد وما لم تكن هناك صورة واضحة لهذا الموضوع المعقد الشائك سيكون الحكم دون ريب مهزوزا.
بسم الله الرحمن الرحيم. الموت والحياة لغز من الألغاز لم يدرك الإنسان كنههما رغم أنه شاهد هذه التجربة مرارا وجربها ملايين من البشر منذ خلق الله الإنسان على ظهر الأرض، ولم يكن الأمر يحتاج إلى طبيب ليعلن بدء الحياة أو نهايتها. الملايين من النساء أنجبن أطفالهن دون تدخل طبيب والملايين من البشر خرجوا من هذه الحياة دون الحاجة لشهادة من طبيب تثبت وفاتهم, وبدأت الحياة في التعقيد وتبين أن تحديد الحياة بدءا ونهاية أمر ليس بالسهولة التي يمكن ان تترك للقابلة أو للأشخاص المجريين، وكان إثبات الوفاة بالنسبة للقدماء أصعب ما يكون بالنسبة للمواليد وموضوع وفاة الجنين. وقد تحدث بعض الفقهاء في هذا الكلام واعتبروا أن الجنين ميت ما لم يستهل صارخا. واعتبر بعضهم أن الرضاعة ليست بدليل كاف على حياة الطفل بينما اعتبر آخرون العطاس دليلا كافيا على الحياة واستدلوا على ذلك بأن آدم عليه السلام لما نفخت فيه الروح عطس. وتعتبر نظرة الفقهاء الذين لم يكتفوا بالحركة كدليل على الحياة أو خروج بعض الإفرازات من مخارج الجسم مثل البول والغائط والمخاط من الأنف أو الزبد من الفم كدليل على الحياة، تعتبر نظرة هؤلاء الفقهاء موافقة للطب الحديث. فقد يتحرك المقتول أو المذبوح، ومن المشاهد ان الدجاجة تقفز وتتحرك بعنف بعد ذبحها، وكذلك بقية الحيوانات.(2/338)
وهناك صورة ليست موجودة هنا لكنها صورة لدجاجة ذبحت بحيث فصل رأسها ومع هذا ظلت تمشى وتتحرك وتتنفس لمدة أسبوع كامل. ذلك لأن موضع الذبح كان عاليا بحيث بقى جزء من النخاع المستطيل من جذع الدماغ حيا وهو الذي يتحكم في التنفس وكذلك نفس الصورة هذه بالنسبة للمشنوق أثناء عملية الشنق، يتم الشنق فيضغط العمود الفقري على أول النخاع المستطيل فيسبب موت جذع الدماغ فيكون مثل هذا الشخص بقية دماغه المخ لا يزال حيا واسفل من ذلك لا يزال حيا والقلب ينبض لا شك أن القلب ينبض لمدة دقائق قبل ان تنتهي حياة هذا الشخص الذي حكم عليه بالإعدام. كذلك هناك صورة أخرى، فالموت كان مفهومه ولا يزال توقف التنفس وتوقف القلب. لكن مع التقدم الطبي في السنوات الأخيرة يمكن في ال15 سنة الماضية بدأ هذا يتسع وبدأت المفاهيم تضطرب. يمكن الآن إيقاف القلب كما هو معلوم لديكم وخاصة في عمليات القلب المفتوح، أي طبيب قد حضر هذه العمليات يعرف أن القلب يوقف إيقافا تاما وكذلك يوقف التنفس توقفا تاما لمدة تزيد على الساعتين قد تصل إلى ثلاث أو أربع ساعات ويستبدل هذا القلب في هذه الفترة الحرجة. ليست هذه عملية نقل القلب لكن هذه عمليات الآن تجرى في كل مكان حتى في المملكة العربية السعودية هنا تجرى وقد شاهدتها عدة مرات للاطلاع على هذا الموضوع الشائك، العملية تجرى لإصلاح صمامات القلب ولإصلاح العيوب الخلقية وما أكثرها ولإعادة شرايين للقلب بدل الشرايين التالفة، وهذه العملية تجرى كل يوم، يعني هناك آلاف من هذه العمليات قد أجريت في المملكة العربية السعودية وفي غيرها من بلدان العالم، يعني في المملكة العربية السعودية قد أجريت عدة آلاف من هذه العمليات. فالحالة ليست جديدة كل الجدة وهي واردة. في مثل هذه الحالات جميعا يوقف القلب توقفا تاما ويوقف التنفس توقفا تاما لمدة بضع ساعات، يذهب الدم إلى مضخة والمضخة هذه تدفعه إلى رئتين صناعيتين تصفي القلب وتأخذ منه ثاني أكسيد الكربون وتعطيه الأوكسجين وتعيده مره أخرى إلى الشريان الاورطي " الشريان الأبهر" الذي كان بعض القدماء يسمونه " نياط القلب " وبعضهم يسميه " الوتين " فيذهب من الوتين أو الأبهر أو الشريان الأورطى إلى الدماغ. هذا الشخص بكل المقاييس حيى وتعود له الحياة احسن مما كانت قبل العملية. كثير من الأطفال الذين أجريت لهم عمليات عيوب خلقية أو صمامات تالفة عادوا إلى حياة طبيعية عادية تماما، ليست في باب الإنعاش، هذه عمليات ذكرتها لكم لأوضح أن القلب لم يعد في مفهوم الطب هو مصدر الحياة. وهناك فرق بين القلب المعنوي وبين القلب العضلي الصنوبري، قد فرق بينهما الإمام الغزالي كما تذكرون وفرق بينهم العلماء من زمان. القلب الصنوبري الموجود في الجانب الأيسر كما ذكر الإمام الغزالي في " الإحياء " في كتاب عجائب القلب " هذه عضلة موجودة لدى الحيوانات وليست متعلقة تعلقا مباشرا بالقلب المعنوي. هناك لها نوع تعلق، كذلك القلب المعنوي موضوع آخر ولا نستطيع الدخول في تفاصيله لصعوبة الموضوع. نحن الآن في موضوع " موت الدماغ ".(2/339)
هناك أسباب، يعني جميع الوفيات التي تحدث لا تزال حتى الآن تعتمد على التنفس والقلب. ولكن هناك حالات محدودة نسبيا وتزداد كل يوم. مثلا في بريطانيا يتوفى حوالي نصف مليون شخص، الآن حوالي 1 % من هؤلاء لا يدخلون في تعريف، يعنى عندما يعلم موتهم، يعلن موتهم نتيجة موت الدماغ. وكذلك الآن في معظم بلدان العالم. موت الدماغ يحدث نتيجة تهشيم في الغالب نتيجة حوادث سيارات أو ارتطام بالرأس أو أن الشخص يقفز من حالق أو في حمام سباحة أو أن هناك نزيف في الدماغ أدى إلى وفاة الدماغ أو ورم بالدماغ أدى إلى موت خلايا الدماغ في هذه الحالات جميعا يكون الدماغ قد مات. وهناك تعبير تسمية المخ، في الحقيقة ينبغي أن نفصل بين المخ والدماغ. الدماغ يشمل كل الدماغ بما فيه فصي المخ، وكذلك الدماغ المتوسط والدماغ المستطيل بأنواعه. المخ يطلق على فصي المخ فقط التي يعتقد أن فيها مراكز الإرادة والتفكير والإحساس. مراكز الوعي هي منبثة في جذع الدماغ فإذا تعبت هذه المراكز حصلت اليقظة، إذا زاد نشاطها حصل نوع يسمى الصرع، كلكم يعرفه، إذا حصل نشاط كهربائي زائد مصدره هذه المراكز الموجودة في جذع الدماغ يحصل صرع إذا توقف نشاطها تماما حصل إغماء قوي فهناك فرق بين النوم والإغماء ومختلف أنشطة جذع الدماغ. خلاصة هذا الموضوع أن هذه المناطق المخية المسئولة عن الوعي قد تتأثر إما بمرض شديد نتيجة إصابة تحطم الدماغ نفسه أو تهشمه في حادثة سيارة أو حادثة طائرة وغيرها من الحوادث أو أن هذه الحوادث التي تحدث، هناك نزف حصل، لم تكن هناك حادثة ولكن حصل نزف في داخل الدماغ أدى إلى موت الدماغ بالذات جذع الدماغ، أو أن هناك ورما في هذه المنطقة أدى إلى موت هذه الخلايا، هناك حوادث أخرى قد يكون فيها سبب إصابة القلب، أن يصاب القلب ويتوقف النبض، فإذا توقف القلب وتوقفت تروية الدماغ من دقيقتين إلى أربع دقائق يموت الدماغ.(2/340)
وهذا الذي أتى بالإشكالات المشهورة، هناك قصة كارين كونيلان وأظن أن كلكم يعرفها أغلبكم يعرفها، هذه فتاة أمريكية شربت خمرا ثم أخذت حبوب منومة " فاليوم " ثم قاءت وأثناء هذا القيء الطويل انقطع الدم عن الدماغ. حدثت هذه الحادثة سنة 1975م وأغمي عليها إغماء تاما، أخذت إلى المستشفي ووضعت تحت أجهزة الإنعاش، كان المخ قد مات ولكن جذع الدماغ لم يمت بعد حصل إشكال بين أبوي الفتاة والمستشفي حيث طلب الأبوان من الأطباء ان يوقفوا أجهزة الإنعاش وحكمت المحكمة العليا بعد ضجة كبرى في الولايات المتحدة في مارس 1976 بإيقاف أجهزة الإنعاش. فعاشت هذه الفتاة بعد إيقاف أجهزة الإنعاش تسع سنوات أخرى وتوفيت في يونية 1985 قبل ستة اشهر تقريبا. توفيت هذه الفتاة بعد ان قضت عشر سنوات كاملة في إغماء تام. فهذه الفتاة كانت في إغماء تام، لا تأكل ولاتشرب، لاتحس، لاتشعر، لا تفكر، كل علائم الحياة الإنسانية الواعية المدركة مفقودة. كذلك هناك قصة فتاة إيطالية صغيرة تسمى سيسليا بلاندي هذه الفتاة صدمت بسيارة فتهشم دماغها ومات الدماغ ما عدا جزع الدماغ وبقيت على قيد الحياة اثني عشر عاما هناك حالات كثيرة مسجلة في الطب عاشت فترة طويلة من الزمن. هذا هو الذي يسبب الالتباس أمام الناس، هل هذا الشخص حيى أم ميت؟ حصلت بعض الأخطاء من الأطباء قبل أن يحددوا مواصفات محددة شديدة لموت الدماغ، وأقربها حالة أذاعها التلفزيون البريطاني قناة (B.B.C) في 13 أكتوبر 1980 وفي هذه الحالة جاءت الفتاة إلى مقر التليفزيون وقصت قصتها، وهذه القصة أنها أخذت مجموعة من الحبوب المنومة للانتحار فأخذت هذه إلى المستشفي وتوقف تنفسها توقفا تاما وأعلن الأطباء في هذه الحالة أنها ميتة بعد أن رأوا رسم المخ الكهربائي متوقفا تماما عن العمل، وكل الفحوص تدل على موت الدماغ. فرفض أهل الفتاة هذا الحكم وأتوا بفرقة أخرى من الأطباء، في ذلك الوقت كان بدء تأثيرات حبوب المنوم تقل عن الدماغ وواصلوا أجهزة الإنعاش، وخرجت هذه المادة بواسطة الكلى وإفرازات الكلى من جسمها وعادت إلى الوعي بعد قرابة مائة وأربعين ساعة. انخفض تأثير المنوم وبدأت تعود تدريجيا إلى الوعي ثم ذهبت بعد ذلك إلى التليفزيون لتقص قصتها وتقول إنها لم تكن ميتة مع أن الأطباء أعلنوا وفاتها.(2/341)
لهذا صدرت أبحاث شديدة جدا وابتدأت هذه مجموعات الأطباء تدرس هذا الموضوع دراسة مكثفة جدا ووصلت إلى قرارات. هناك المدرسة الأمريكية وكل المدارس الآن تشترط وجود سبب عضوي لموت الدماغ وليس سببا وظيفيا، السبب الوظيفي مثل شخص شرب كحول ممكن أن يفقد الوعي، شخص أخذ حبوب مرقدة بكمية كبيرة كما يحدث كثيرا في الغرب لمحاولة الانتحار مثل هذا الشخص يتوقف دماغه فترة من الزمن وتكون كل العلائم بما في ذلك رسم المخ الكهربائي متوقفا عن النشاط. وجود شخص في البرد الشديد لاي ظرف من الظروف يجعل أجهزة الجسم تنخفض في نشاطها بما في ذلك الدماغ لدرجة يصعب معها أن يجد الطبيب أي نشاط كهربائي أو أي نشاط للدماغ، لكن هذه الأسباب المؤقتة يجب أن تزول أولا قبل إعلان موت الدماغ. ولابد أن يكون هناك تشخيص لسبب الحالة مثل أن يكون تهشيم في الدماغ ويكون ذلك واضحا من الناحية التشخيصية، وهناك أمور أصبحت واضحة أمام الأطباء لابد أن تكون موجودة قبل إعلان موت الدماغ. لو كان هذا الشخص قد شرب الكحول وأصيب في حادثة مثلا فإنهم يتوقفون أولا حتى يذهب كل اثر للكحول من الدم، لو هذا الشخص اخذ مواد مرقدة ثم أصيب بحادثة فلا بد من الانتظار أولا حتى ينتهي كل اثر لهذه المواد التي تستطيع ان تثبط نشاط المخ. فلابد أن يكون إعلان موت الدماغ، ان تكون الإصابة إصابة عضوية، تصيب العضو نفسه وتحطمه تحطيما لا عودة فيه، تصيب الأنسجة والخلايا بحيث لا يكون هناك أمل في عودتها بوسائلنا الطبية المتاحة. وأما الأسباب الوظيفية فهي مرفوضة في تشخيص موت الدماغ الآن وأصبحت من الدقة بحيث إن معظم بل كل في الحقيقة، فيه إحصاء هنا فيه حوالي ألف حالة لم يوجد بينها حالة واحدة حصل فيها خطأ بعد هذه الاحتياطات. فيه إحصاء عن ألف حالة في تشخيص موت الدماغ لم يحدث خطأ في واحدة من هذه الحالات الألف بعد التأكد من الشروط الجديدة التي وضعها الأطباء.(2/342)
إلى متى يستمر القلب في النبض والتنفس الصناعي بعد موت الدماغ؟
في الواقع أن هذا الاستمرار يكون أحيانا لبضع ساعات وأحيانا لبضعة أيام، وقد نشرت مجلة طبية " ميديكال جورنال " أن هناك حالة واحدة موثقة استمرت مدة 68 يوما، استمر القلب ينبض لمدة 68 يوما رغم أن الدماغ كان قد مات بكل المقاييس الطبية
لماذا نطلب إيقاف هذه الأجهزة؟
إيقاف هذه الأجهزة مطلوب لعدة أسباب:
أولا: ليس من مصلحة أحد أن تستمر الأجهزة لشخص قد توفي، وهذا مرهق للأطباء وأهل المريض، فلابد أن نضع حدا لتعريف الموت فإذا وصلنا إلى هذا التعريف يمكن قفل الجهاز وتحويله إلى شخص أكثر حاجة من هذا الشخص الذي انتقل إلى العالم الآخر.(2/343)
ثانيا: وهو أن تكاليف وسائل الإنعاش باهظة جدا وصرف ملايين الدولارات لجعل جثة تتنفس أمر ليس له معنى.
ثالثا: أن هناك الآن موضوع زرع الأعضاء. فكما تعلمون جميعا أن في اللحظات التي تكلمت فيها معكم، يقدر في الدقيقة الواحدة يخلق الله ويميت وحوالي مائة مليون خلية في كل دقيقة. في كرات الدم الحمراء يخلق الله ويميت في كل دقيقة 2 مليون كرة دم حمراء وأكثر منها من خلايا الجلد وأكثر منها من خلايا الجهاز الهضمي، كل الخلايا ماعدا خلايا الجهاز العصبي يخلقها الله ويمتها في كل لحظة وآن. وعملية الخلق والأماتة والإحياء مستمرة في كل واحد فينا باستمرار. لكن الموت يكون موت الإنسان ككل وخروج الروح، وهذه لا نعلم عنها شيئا، لكن نعلم أن توقف الأجهزة الأساسية، الدماغ أساسا، أو جذع الدماغ الذي يتحكم في القلب، ثم بعد ذلك توقف القلب ثم توقف التنفس يؤدي إلى موت الإنسان ككل. هذه الأعضاء لا تموت بمجرد الموت، إذا مات الإنسان موتا كاملا ككل فإن هذه الأعضاء تبقى لدقائق حية وتختلف طبعا من عضو إلى آخر، العظم ممكن أن يبقى حوالي 24 ساعة بينما القلب ممكن أن يبقى دقائق، دقائق حيا في درجة حرارة عادية، لهذا بالذات في عمليات نقل القلب أو الكلى أو الأعضاء الحساسة، يفضل الأطباء أن تكون مستمرة بالتروية بالدم، مستمرة ترويتها بالدم حتى قبل أن تقفل وسائل الإنعاش، تؤخذ هذه الأعضاء وهي بحالة جيدة، لأنه لا معنى لأخذ قلب قد ابتدأ فيه الفساد وبدأ يموت ثم نأخذه وننقله إلى شخص آخر، هذه الحالة أنت تنقل قلبا لا يستطيع الصمود أبدا وتصبح العملية نوعا من العبث. ففي هذه الحالات، عمليات نقل القلب، يفضل الأطباء المختصون بعد إعلان موت الدماغ وأن الشخص هذا ميت ولكن قلبه لا يزال ينبض فتستمر الدورة مستمرة ويؤخذ القلب وهو لا يزال حيا كعضو ومعلوم لديكم أن العضلات أو ذبح الشاه لا تزال عضلاتها تنبض وتتحرك حتى بعد سلخها.(2/344)
كلكم شاهد ذلك، والذي قام بالذبح يستطيع ان يدرك هذا بسهولة. إن موت الأنسجة وموت الخلايا ليس مرتبطا بموت الكل، لكن ممكن أن تموت الخلايا والإنسان لا يزال يعيش وبالعكس ممكن أن يموت الإنسان ككل وتبقى خلاياه أو أعضاؤه حية، وهذا ما يحدث الآن بالفعل وهذه هي من الأسباب الهامة التي تجعل مفهوم موت الدماغ مفهوما مهما في الطب وذلك لاستخدامه أيضًا في موضوع زرع الأعضاء. ولذلك من المحاذير التي وضعت ألا يكون الأطباء الذين يعلنون موت الدماغ لهم علاقة بعملية نقل الأعضاء.
وينبغي أن يكون فريق آخر وليس له أي مصلحة من أي نوع كان في إعلان وفاة مثل هذا الشخص.
أظن بهذه العجالة وضعت صورة قد تكون ضبابية ولكنها قد تساعدكم في فهم هذا الموضوع الشائك المعقد. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الرئيس:
شكرا أرجو من الدكتور محمد على البار، معلوم أن غرف الإنعاش منتشرة ومعنى هذا أن أجهزة الإنعاش لا تعنى غرف الإنعاش، هل هذا المفهوم صحيح أم لا.(2/345)
الدكتور محمد على البار:
أجهزة الإنعاش كثيرة تبدأ بجهاز التنفس وجهاز ذبذبات القلب وأدوية وعقاقير ومنظم ضربات القلب هذه منتشرة لكن ليس شرطا أن معناها. وهي منتشرة بحمد الله.
الرئيس:
لا أنا قصدي أقول سلمك الله أقول على المستوى العام مثلا على أرض المملكة العربية السعودية مثلا، غرف الإنعاش منتشرة في جميع أنواع المستشفيات الحكومية والخاصة وهذا واضح، لكن الذي يظهر من عرضكم أن أجهزة الإنعاش أنها عملية دقيقة خاصة لا تعني كل ما تدخله غرفة الإنعاش.
الدكتور محمد على البار:
هو في غرفة الإنعاش هذه الأجهزة ستكون موجودة، ففي هذه القضية الأجهزة ستكون موجودة استعدادا لأي طارئ يحدث وقد تستخدم في إنقاذ المريض، إذا لم تكن موجودة فلا داعي لها، ولا تسمى أجهزة إنعاش ولا تسمى هذه غرف إنعاش.
الرئيس:
قصدي سلمك الله أن غرف الإنعاش منتشرة ويدخلها عشرات البشر ويخرجون بنجاح لكن هؤلاء الذين يدخلون غرف الإنعاش هم الذين ينسحب عليهم ما هو موجود لدينا في بحث أجهزة الإنعاش.
الدكتور محمد على البار:
لاينسحب عليهم.(2/346)
الرئيس:
نفهم من كلامكم كأن الذي ينسحب عليهم تحت أجهزة الإنعاش هم الذين يصابون في الأجهزة الرئيسة كالدماغ والقلب والدم والكلى والتنفس. هذه هي الأجهزة الرئيسية التي يصابون فيها. لكن أنا أريد أن تتفضلوا بإيضاح، هل من إشكال لدى الأطباء في هذا حلا وحرمة؟ وهل أتى إليكم أحد أو سمعتم على أحد مرتادي المستشفيات من يستشكل هذا حلا وحرمة؟ ثم هل يقع عند الأطباء تردد في أن تكون هذه الأجهزة ضارة ومؤثرة على حياته أو أن الأصل الإسعاف والإنقاذ بأي سبيل من سبل الإسعاف والإنقاذ؟
الدكتور محمد على البار:
هذه النقطة، أولا هذه الأجهزة لا تستخدم إلا للإنقاذ والإسعاف. أما موضوع الحل والحرمة فهذه نقطة شائكة وأدت إلى نقاش طويل ومجادلات في المجال الطبي ولم يتوصلوا فيها إلى هذه النقطة المحددة إلا بعد مرور عشرين سنة تقريبا، لأن المدرسة الفرنسية ابتدأت في ذكر هذا الموضوع عام 1959 " موضوع موت الدماغ " ولم يستطع الأطباء أن يتوصلوا إلى مفهوم محدد إلا في بداية الثمانينات في سنة 1977 كانت الصورة تتضح بصورة واضحة لدى أغلب الأطباء، لكن لا شك أنها أثارت قضايا في المواقف القانونية في تلك البلاد لأن تعريف الموت عندهم أيضًا مثل ما هو عندنا، توقف القلب. القاموس القانوني " قاموس بلاك " هذا قاموس قانوني عندهم من القواميس المشهورة يحدد الوفاة بأنه وفاة توقف القلب وتوقف التنفس وكما هو معروف توقف الدورة الدموية لم يتحدث أبدا عن موت الدماغ. لكن موت الدماغ أمر طارئ وأضطرت الدول التي حدث فيها أن تناقشه من الناحية الدينية ومن الناحية القانونية ومن الناحية الطبية.(2/347)
في الولايات المتحدة إلى الآن لم توافق كل الولايات على مفهوم موت الدماغ. يعني الآن معظم الولايات وافقت لكن حتى عام 83 كانت 33 ولاية فقط هي التي وافقت على تعريف موت الدماغ من الناحية القانونية.
الرئيس:
على كل حال أنا أهدف من وراء هذا، نحن الآن سنرفع الجلسة لأداء صلاة المغرب ثم تستأنف الجلسة بإذن الله، لكن أنا أريد من وراء هذا أن يحصل تأمل أصحاب الفضيلة. هل هناك ما يدعو إلى بحث الموضوع وترتيب حكم شرعي فيه أم أن الموضوع ليس هناك ما يدعو إلى إصدار قرار فيه من المجمع؟
الدكتور محمد البار:
فضيلتكم، هذا الموضوع في منتهى الحساسية لأنه قد حدث بالفعل في الرياض، شخص أعلن موت دماغه وأخذت منه كليتاه نتيجة تعريف موت الدماغ. يعني نفذ هذا بالفعل وقد كان الدكتور حسان رفا كاد أن يأخذ جثة شخص أصيب في حادثة سيارة ليعمل عملية نقل قلب. هذه واردة وحادثة بالفعل. أما نقل الكلى من شخص توفي نتيجة حادثة سيارة فقد حدثت هذه الحادثة بالفعل.(2/348)
الرئيس:
لكن هذا الحدوث هل هو على سبيل الندرة أو أنه على سبيل التكاثر؟
الدكتور محمد على البار:
لاشك أنه سيزداد.
الرئيس:
إن قصدي في الوقت الحاضر هل هو على سبيل الندرة أو على سبيل التكاثر.
الدكتور محمد على البار:
هذه الحالات لابد مع وجود الإنعاش في كل مستشفي كما ذكرتم وعلمتم فلاشك أنه سيدخل فيها مجموعة من الحوادث التي تندرج تحت هذا التعريف بشكل أو آخر، لابد من الوصول إلى حكم. هل هذا الشخص ميت أو حي سواء لنقل أعضائه أو لغير نقل الأعضاء، إلى متى نستمر في الأجهزة هذه، هي تعمل عليه وكل يوم تكلف مبالغ طائلة والشخص هذا ميت، وخاصة أن المستشفيات الخاصة طبعا تكاليفها باهظة جدا كما تعلمون. إلى متى يستمر هذا الشخص يكون تحت أجهزة الإنعاش وهي متوفرة الآن في جميع المستشفيات، شخص أصيب بحادثة سيارة وحوادث السيارات عندنا طبعا اكبر رقم في العالم بالنسبة لعدد السكان كما تعلمون أكبر رقم في العالم هو في المملكة وفي منطقة الخليج. طبعا إصابات الشباب يكون قلبه سليما ويتهشم دماغه وبيوضع تحت أجهزة الإنعاش فإلى متى يستمر. هل يتوقف؟ هل يستمر؟ لابد من وجود حد فاصل بين الحياة والموت. أما أننا ننتظر، طبعا ممكن أن ننتظر خمسة أيام أو أسبوع أو 68 يوما كما حدثت الحادثة التي ذكرتها وهي أطول حادثة ذكرتها المجلات الطبية موثقة 68 يوما استمر القلب ينبض بعد موت الدماغ. لكن 68 يوم في كل يوم على الأقل 10 آلاف ريال مبلغ خيالي سيطالب به المستشفي.(2/349)
الرئيس:
شكرا وترفع الجلسة حتى نعود من الصلاة إن شاء الله تعالى
(بعد صلاة المغرب)
الرئيس:
بسم الله الرحمن الرحيم، نأمل من فضيلة الشيخ السلامي أن يعرض ما لديه حول هذا الموضوع.
الشيخ المختار السلامي:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما,
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
لما أحال لي سيادة الأمين العام هذا السؤال وجدت نفس لا افهم المقصود به ولذلك عمدت إلى جمع أساتذة أطباء من أفضل ما يوجد في بلدي في تونس. جمعت أستاذا في الجراحة وأستاذ في الإنعاش وأستاذا في التصوير. وشكر الله لهم لبوا طلبي وأخذت أسألهم واستمع إليهم إلى أن حصل لي تصور، هو هذا الذي سأعرضه عليكم.
فأول أمر هو مفهوم الإنعاش ذلك أنه لا غنى للباحث عن تحديد مفهوم الإنعاش، وما يقصد الجهاز الطبي من هذا الإطلاق والإنعاش في عالم الطب يقصد به المعالجة المكثفة التي يقوم بها طبيب أو مجموعة من الأطباء ومساعدوهم لمساعدة الأجهزة الحياتية حتى تقوم بوظائفها، أو لتعويض بعض الأجهزة المعطلة قصد الوصول إلى تفاعل منسجم بينها. والأجهزة الحياتية الأساسية للإنسان هي: المخ، القلب، التنفس، الكلى، الدم الضامن للتوازن بين الماء والأملاح.
يستنتج من هذا التعريف أن الإنعاش هو نوع من أنواع العلاج يقوم به الاختصاصي أو المجموعة لإنقاذ حياة المصاب الذي سيكون في حالة تفضي به حتما إلى الموت، إذا لم يتلق العناية التي تنتشله من وضعيته الخطيرة التي هو عليها.(2/350)
وإذ تبين وتصورنا المفهوم فما هو حكم الإنعاش؟
إنه بناء على هذا التحليل تكن وضعية المصاب هي كوضعية الغريق الذي يصارع الموج وهو لا يحسن السباحة، أو كوضعية من وقع تحت ركام من الهدم، فالإنقاذ واجب كفائي، وخاصية الواجب الكفائي أن الخطاب يتوجه إلى كل فرد من الأفراد المؤهلين للقيام بالعمل وإذا قام به البعض وتحققت المصلحة سقط الطلب. وهذا يقتضي أمورا:
أولا: أن إعداد الاختصاصيين في الإنعاش واجب تأثم الأمة كلها إذا لم تعن بتخريج هذا النوع من الأطباء.
ثانيا: أن إعداد الأجهزة وأدوية الإنعاش بالقدر الممكن من الاستفادة منه هو واجب كفائي أيضًا تتحمله الدولة أولا.
ثالثا: أن واجب الاختصاصي أو المجموعة هو موالاة رقابة المصاب مراقبة تحقق الهدف من الإنعاش. وهنا يكون كل تقصير متعمد موجبا لتحمل المقصر مسئولية نتائج التقصير.
الإنعاش والتداوي: الإنعاش والتداوي شيئان وليسا أمرا واحدا، وبهذا فإن أحكامهما مختلفة فالتداوي قد وقف منه السلف موقفين مختلفين: الواضح والراجح، والمشهور أن التداوي واجب كلما كانت الحياة أو العضو معرضا إلى الخطر، وأنه مرغب فيه، إذا كان دون هذا المستوى من الحدة. الموقف الثاني، هو ما ذكره الغزالي أن بعض السلف رغب عن الدواء وذلك لغرض من الأغراض الستة التي فصلها في الإحياء(2/351)
أما الإنعاش فإنه يبدو لي أنه واجب، ذلك أنه لا تختلف حالة الإنعاش عن أية حالة من حالات الاضطراب التي تقلب حكم التحريم إلى الوجوب حفاظا على الحياة، وثاني المقاصد الضرورية الخمسة، على أن المصاب في كثير من الحالات الإنعاش يكون فاقدا للوعي أو هو تحت تأثير وطأة الإصابة، لا يتمكن من أخذ القرار المبنى على التأمل.
خامسا: إذا تم إسعاف المصاب بوضعه تحت المعالجة المكثفة فمتى توقف عنه الإنعاش؟ الأحول ثلاثة يختلف الحكم في كل واحدة منها:
الحالة الأولى: أن تعود أجهزة المصاب إلى حالتها الطبيعية عودا يطمئن معه القائم على العلاج أن الخطر قد زال ولا يوجد ما يوجب استمرار مواصلته فهو البرء التام أو الأخذ في طريق النقاهة. وهنا يكون رأي الاختصاصي واجب الاحترام، وهو التوقف عن المواصلة للاستغناء.
الحالة الثانية: أن تتعطل الأجهزة الحياتية ويحدث الموت فيتعطل الدماغ والقلب فلا يتحرك القلب للقبول والضخ، ولا يقبل المخ ما يرد إليه من غذاء. ومع الموت لا فائدة من مواصلة العلاج المكثف.
الحالة الثالثة: أن يتوقف الدماغ عن قبول أي غذاء، وتوقف القلب عن قبول أي غذاء يكون بأمرين معا ولابد منهما:
أولا: بواسطة الراديو " التصوير" الذبذبات ولابد من التأكد لا أقل من مرتين في هذا.(2/352)
ثانيا: بحقن الدم وبعثه إلى الدماغ مرتين ولا يصل. لأن المخ إذا مات لا يتقبل شيئاَ من الدم المغذي والمخ لا يبقى إلا ثلاث دقائق على ما قيل لي بدون غذاء ثم يندمل.
أن يتوقف الدماغ عن قبول أي غذاء، وتستمر الأجهزة الأخرى في العمل بواسطة القيام بالمعالجة المكثفة فالآلة تحرك الرئتين والتعديل الدموي يقوم به المراقبون ويتبع هذا أن المصاب يجرى الدم في عروقه ويفرز إفرازاته وقد تدوم هذه الحالة الشهر والشهرين فالحياة الذاتية قد ذهبت إلى غير رجعة، وهي الحياة الحيوانية التي يقودها المخ توزيعا وتنظيما. لأن مركز القيادة قد دمر تدميرا كاملا وتبقى حياة صناعية أو نباتية كما يعبر عنها. وهذه الحالة التي هي بين عمل بعض الأجهزة الأساسية بواسطة الإنعاش وتوقف بعضها توقفا كاملا لا اثر لتدخل الطبيب في إعادته إلى أي نوع من أنواع نشاطه على أي مستوى كان ولو ضعيفا. هذه الحالة التي فيها بعض ظواهر الحياة وفاقدة للظواهر الأساسية قد عالجها الفقهاء من قبل.
يرى الإمام مالك بن أنس رضى الله عنه أن المولود إذا لم يصرخ لا يعتبر حيا ولو تنفس أو بال وتحرك. ومعنى هذا أنه لا يحكم له بالحياة لمجرد التنفس حتى يقرن به البكاء. وقال ابن المايجشون إن العطاس يكون من الريح ويكون البول من استرخاء المواسك، فما لم يكن الفعل إراديا استجابة لتنظيم الدماغ لا يعتبر أمارة حياة.(2/353)
حكم توقيف الإنعاش في هذه الحالة: أن توقيف الإنعاش في هذه الحالة الثالثة لا يمكن في نظري أن نعطيه حكما مطلقا بل أقترح:
أولا: إذا كانت أجهزة الإنعاش التي خصصت لهذا الذي مات مخه والتي أبقيناها على هذا الجسم قد ورد من هو في حاجة إليها فلا نتردد في فصلها وربطها بمن بقيت فيه الحياة كاملة.
ثانيا: إذا كانت النفقات التي يتطلبها مواصلة الإنعاش تلتهم من الرصيد المالي مايعد بالضرر على مستوى العلاج بالنسبة لبقية المرضى كحالة الدول التي لا تملك قوة مالية فإنه يتحتم أيضًا فصلها وصرف العناية للمرضى من الأحياء.
ثالثا: إذا توفر المال وتوفرت الأجهزة والقائمون على الإنعاش فهل تستبقى الأجهزة ويستمر الجهاز الصحي في مواصلة العلاج المكثف إلى أن يحصل الدمار الكامل للأجهزة الأساسية كلها، أو ترفع العناية بمجرد تحقق الموت للمخ؟ يقول الأطباء أنه إذا رفض المخ قبول التغذية مات الإنسان وإذا أزلنا أجهزة الإنعاش فلن يستمر القلب في النبض والرئتان في الحركة أو الكلى في التصفية إلا مدة لا تتجاوز خمس دقائق على أكثر تقدير وإذا بقى أكثر من هذا فمعنى ذلك أن المخ ما يزال حيا، وبناء على ذلك فإن الذي يبدو أنه يمكن الإعلان عن الموت بمجرد ثبوت موت المخ وما يترتب على الموت من أحكام تبدأ من هذا التاريخ، أي من ميراث ومن عدة، إلخ والله أعلم.(2/354)
الشيخ عبد الله البسام:
بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد،
أرى أننا نستمر في بحث هذا الموضوع حتى إن شاء الله ننتهي منه بخير، لأن الموضوع هذا أصبح الآن موجودا، وموجودا الآن في جميع المستشفيات، فكل مستشفي من المستشفيات يوجد فيه غرفة للإنعاش وتركيز العناية. والمرضى والمصابون بالحوادث كثيراَ ما يدخلون فيه منهم من يخرج سليما ومنهم من ينتهي أجله بهذا نعرف أن أجهزة الإنعاش هذه أصبحت لها فائدة وفائدة واضحة. وبناء عليه فإني أرى أن نستمر فيه وحتى ننتهي منه إلى شيء، هذه نقطة.
النقطة الأخرى: أن أجهزة الإنعاش هذه والحمد لله ونحن مسلمون نعلم أنها لا تقدم الحياة ولا تؤخر فما هي إلا سبب من الأسباب كالأدوية. فكوننا وضعنا أجهزة الإنعاش وامتد مثلا المريض في حياته أشهرا أو سنين أو أياما ليس معناه ان حياته انتهت بوجود الحادث الذي صار عليه أو بوجود الجلطة التي أصابته وإنما معناه أن الله سبحانه وتعالى قدر له هذه الحياة التي لا نعلم متى تنتهي بوجود هذه الأسباب، فخالق الأسباب خالق المسببات. والله تبارك وتعالى قال: {فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ (84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ (85) فَلَوْلَا إِنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (86) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} لكن هذا أنا لا أعرف كلام الأطباء في تقدم موت المخ على القلب أو تقدم موت القلب على المخ وبقى يضخ ساعات أو دقائق أو أياما ولكنني أعرف أن الموت شرعا هو مفارقة الروح للجسد، هذا هو الموت الشرعي، الموت الشرعي أن الروح التي لا نعلم كنهها، الله يعلمها سبحانه وتعالى مفارقتها للجسد هو الموت الحقيقي، وهذا الموت هو الذي تترتب عليه الأحكام الشرعية.(2/355)
من أنه يورث ومن انقطاع علاقات الزوجية ونحو ذلك. وقلبه مادام في هذه الحالة، حالة الإنعاش فهو في حكم الأحياء فزوجته لا تزال باقية في عصمته ولو تقدم على موته موت قريب له لورثه ولو اعتدى عليه اعتبر الاعتداء على حي، فبناء عليه أنه في حالة معدود في حكم الأحياء، سواء كانت حياته ميئوس منها أو سواء كانت مرجوة، بقى بعد هذا، إذا علمنا هذا فكيف أننا مثلا نجهز عليه ونقضي على حياته بسحب هذه الأجهزة. فما سحب هذه الأجهزة إلا كترك غريق في لجة البحر أو كترك حريق يحترق في النار، لا فرق بين هذا وهذا كلهم قابل للحياة. ثم إذا نظرنا إليها من الناحية الدينية والناحية الإيمانية لا ننظر إليها نظرة مادية بحتة، ننظر إلى هذه الحياة على أنها حياة رائحة وفانية، وأن أمامنا أموراَ أعظم منها، ننظر بأن هذا مأجور وأن الله سبحانه وتعالى ربما ما مد في حياته في هذه الحالة لتكفير عن سيئاته، رفع في درجاته، وكذلك نفس الممرضين من أصحابه وأقاربه وذويه هم أيضًا مأجورون على هذه العناية وعلى هذا التمريض ومأجورون على الإنفاق.
من هذا كله أنا أخلص إلى أجهزة الإنعاش، أرى أنها تبقى في المريض مهما كانت حالته ومهما كان مرضه، تبقى فيه حتى تنتهي حياته نهاية طبيعية وشكرا.(2/356)
الرئيس:
في الواقع أن الاستشكال الذي كنت أوردته في أعقاب كلمة الدكتور محمد على البار نفسه كان موجودا لدى فضيلة الشيخ المختار السلامي لأنه قال في صدر بحثه " ولما لم يكن السؤال محددا " في أول الأمر هل كان الإشكال قائما هل السؤال عن حكم رفع أجهزة الإنعاش؟ فأنا الآن أرجو من فضيلة الشيخ المختار ومن فضيلة الشيخ عبد الله أن يحددوا لنا السؤال الذي يتعين طرحه بالتحديد في هذه القضية وإن كان يبدو أن المراد أن السؤال هو ما حكم رفع أجهزة الإنعاش عن المتلبس بهذه الحالة.
الشيخ عبد الله البسام:
أنا أعتقد أنه يوجد حالات يقرر الأطباء فيها يأسا من الحياة لكن أنا حتى في هذه حالة أرى عدم رفع أجهزة الإنعاش حتى في هذه الحالة.
الرئيس:
كأن السؤال الوارد الآن ما حكم رفع أجهزة الإنعاش؟
الشيخ عبد الله البسام:
ما حكم رفع أجهزة الإنعاش مطلقا سواء كانت الحياة مرجوة أو ميئوسة؟
الرئيس:
يعنى في حالاتها.(2/357)
الشيخ عبد الله البسام:
أنا أحكي لكم في أمر رأيته. أجهزة الإنعاش هذه تختلف. أنا رأيت إنسانا أصيب بجلطة في الدماغ، هذه الجلطة أفقدته الإحساس كليا إلا أنه لا يتحرك ولا يتكلم ولا ينطق، هذا توقف عنه النزيف، نزيف الجلطة وقف وسلم منها وسلم من الموت إلا أنه بقى من أجهزة الإنعاش، هو انه يدخل أنبوب من الأنف إلى المعدة لإطعامه ويسحب منه البول. فهذا الرجل الذي أصيب ومكث اكثر من ثلاثة أشهر لو سحبنا عنه آلة الإطعام وآلة البروستاتا لكان مات من عدم التغذية أو من توقف البولينا مات من هذا ولم يمت من الجلطة التي أصابته، يعني أننا قتلناه ولم نحسن القتلة.
الرئيس:
يعنى من المفهوم أن السؤال المحدد ما حكم رفع أجهزة الإنعاش؟
الشيخ المختار السلامي:
شكرا على التوضيح المطلوب، وأعتقد أن ما جاء من إثارة فضيلة الشيخ عبد الله البسام هو غير وارد أصلا. لأنه إذا بقيت الحياة فلا يجوز رفع أجهزة الإنعاش أصلا. قال الشيخ عبد الله البسام إن نهاية الحياة هي ذهاب الروح لكن الروح من أمر ربي وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وذهابها له إمارات، فما هي الأمارة الحقيقية الدالة على أن الروح قد ذهبت؟ ها هنا يقول الأطباء ويجمعون وقلت إنهم من خيرة الأساتذة أنه إذا توقفت التغذية عن المخ فإن المخ لا يستطيع أن يبقى إلى دقائق ويدمر تدميرا كاملا ويتحلل، القلب يستطيع أن يبقى مدة أكثر بدون تغذية الرئتان كذلك، أجهزة الكلى كذلك، اختلاط الدم كذلك، المادة الوحيدة أو الجهاز الوحيد في الإنسان الذي يدمر بمجرد ما تنتهي عنه التغذية هو الدماغ. فإذا دمر فلن يستطيع أحد أن يعيده إليه لأن القلب يمكن تنشيطه فيعود، التنفس يمكن إعطاؤه أجهزة، فعندما يدمر المخ ماذا يبقى؟ تبقى آلة تنفخ الرئتين وتجذب منها الهواء وآلة أخرى تبعث الدم تأخذه وأطباء يوازنون في الكميات الموجودة من الدم لا اكثر من ذلك.(2/358)
فهو صناعة يتحرك، لكن لا يتحرك إنسانيا أو حيوانيا. هذا المفهوم الذي فهمته من الأطباء. الأمر الثاني السؤال، السؤال وقلت في أمرين الأمر الأول بينت أن حكم إيجاد هذه الأجهزة له حكم شرعي. وأن حكم إعطاء هذه الأجهزة أو تمكين المصاب من المداواة، له حكم شرعي وبينته، ثم أن هذه الأجهزة التي وصلناها بالمصاب حتى نضمن له الحياة، متى نرفعها عنه؟ نرفعها عنه إذا وقعت تعطل كل شيء.
الرئيس:
إذن يا شيخ مختار كأن الموضوع ذو شقين أو ذو مسألتين: الأولى في حكم توفير هذه الأجهزة للإنقاذ، والثانية في حكم رفع الأجهزة في مثل الحالات المستعصية أو على جميع أحوالها.
الدكتور محمد على البار:
يبدو أن هذا الموضوع معقد لدرجة أو أن شرحي كان غير واضح لدرجة أن الشيخ عبد الله البسام لم يفهم ما كنت أقصده. الحالة التي ذكرها الشيخ عبد الله البسام شخص أصيب بجلطة ويتنفس تنفساَ طبيعيا ولا يحتاج سوى إدخال أنبوب بسيط لإطعامه وأنبوب آخر لإخراج البول منه، هذه لا تدخل حتى في باب الإنعاش، هذا أصلا تعتبر حالة طبيعية جداَ، وكل طبيب يعرفها وكل طبيب جرب عشرات الحالات مثل هذا النوع. هذه أصلا خارج موضوع البحث أساسا.(2/359)
الرئيس:
ولهذا يا دكتور محمد أنا أوردت سؤالا وقلت لكم ما هو الفرق بين ما هو منتشر كانتشار الأطباء من غرف الإنعاش وما هو الفرق بين أجهزة الإنعاش هذه المكثفة، لأن مثل التي ذكرها الشيخ عبد الله قد تكون لا تدخل في غرف الإنعاش.
الدكتور محمد على البار:
هذه ممكن تكون في الغرفة العادية البسيطة لا تحتاج إلى جهاز التنفس ولا جهاز ضربات القلب ولا متابعة ضربات القلب، هذا أمر عادي وبسيط جداَ. وممكن أن يكون في المنزل بدون حاجة إلى النقل إلى المستشفي مطلقا. مثل هذه الحالة ممكن ان تمرض في المنزل. وهذه حالة بسيطة جدا لا تدخل ولا تندرج أبدا تحت باب أجهزة الإنعاش. لأنه ممكن أن تمرض مثل هذه الحالة في المنزل ويبقى هذا الشخص له قسطرة وتأتي ممرضة أو ممرض وممكن لا يحتاج إلى طبيب. يمكن الآن، ممكن أن تدربهم على أنهم يحقنوا الأكل المعمول على هيأة سوائل يعطى هذا المريض بحقنه بأنبوب بسيط يدخله الطبيب إلى المرىء وإلى المعدة، ثم يستمر هذا في المنزل أشهرا وسنين. وقد ذكرت لكم حالات متعددة التي عاشت سنين وهي اعقد من هذه. يعني حالات اكثر تعقيدا من هذه وعاشت سنين، وحالة أخرى اكثر تعقيدا من هذه: امرأة أصيبت، كانت حاملا وأصيبت بحادثة سيارة ونقلت إلى المستشفي بقيت تحت أجهزة الإنعاش وهي حامل واستمر حملها حتى بلغ ستة أشهر ثم ولدت ولادة طبيعية وهى فاقدة لكل أثر من آثار الحياة وهي تحت أجهزة الإنعاش. الأطباء لا يناقشون في هذا. طالما كان هناك رمق من حياة فالأطباء أحرص الناس على إبقاء هذه الحياة وليسوا مستعجلين لإعلان الوفاة يعني كلما كانت الحالات ميئوسا منها لا نعتبرها حالة وفاة، والذي تحدث عنها الشيخ البسام أو حتى التي تكون أكثر تعقيدا منها، هذه تدخل تحت باب آخر يسمى قتل الرحمة. يعني الحالات المعقدة الشديدة مثل الحالات التي وصفتها لكم حالة سيسليا بلاندي أو كارين انكويلان، مغمي عليها إغماء تاما وفاقدة لكل أثر من آثار الحياة تماما ما عدا لا يزال التنفس، أحيانا تتنفس بغير الآلة وأحيانا تحتاج إلى الآلة مؤقتا، لا يزال جذع الدماغ مجودا.
طالما أن جذع الدماغ موجود لا يطلق على مثل هذا الشخص ميت حتى ولو بقى سنين طويلة، مثل هذه الحالات ما كان يمكن من سابق أن تبقى سنين طويلة، عشر سنين أو 12 سنة أو 15 سنة وهي في إغماء تام وتغذى تغذية صناعية بالأنابيب يفرز منها أيضًا بالأنابيب، مثل هذه الحالات في السابق كانت تتوفي لعدم وجود الرعاية الطبية والإمكانيات الكافية لكن الآن مثل هذه الحالات لا تدخل تحت باب موضوعنا الذي نتحدث عنه.
موضوعنا التي نتحدث عنه هو إذا مات الشخص بالفعل هذا الشخص مات بالفعل، توقف دماغه كلية، ليس جزءا من دماغه، الدماغ شيء كبير جدا هناك المخ.
الرئيس:
يا دكتور محمد الموضوع الذي نحن نتحدث عنه وأنت الآن وصلت إلى بيت القصيد، هل هو ذو صور أو صورة واحدة(2/360)
الدكتور محمد على البار:
لا أنه له صور متعددة لكن الصورة التي نريد أن نصل إليها هي الصورة: أن هذا الشخص مات كل دماغه، أو على الأقل جذعه الأساسي، مات كل الدماغ بما فيه الجذع الذي فيه المراكز الحيوية، إذا مات كل الدماغ وبقى الجذع فهو لا يزال حيا بجميع التعريفات الطبية، إذا بقى جذع الدماغ حيا فهو لا يزال حيا وأمثلته كثيرة موجودة الآن، وهذا سبب الأخطاء، ثم الدماغ كله ممكن أن يتوقف وظيفيا كما أخبرتكم بسبب العقاقير القوية، أو شخص تعرض في الثلج وبقى تحت الثلج فترة طويلة من الزمن، ممكن أن يتوقف الدماغ كلية. ولكن هذا التوقف يسمى توقف وظيفي، وهذا التوقف الوظيفي لا يعطينا الحق في إعلان الوفاة، لابد أن يكون التوقف توقف أنسجة، نسيجى، جميع الأنسجة الموجودة بما في ذلك جذع الدماغ الذي يتحكم في القلب والدورة الدموية والتنفس. هذه إذا انتهت وماتت عندئذ يأتي موضوع إعلان موت الدماغ ونضطر لذلك في هذا الإعلان لعدة أسباب:
أولا: أن القلب ممكن أن يستمر بالأجهزة لعدة ساعات أو أحيانا لعدة أيام أو أحيانا وهي حالة نادرة سجلت 68 يوما، يرى الأطباء أن هذا نوع من العبث إن أنفق هذه الآموال كلها وهذه الجهود على جثة، هم يحددون أن هذه الجثة ميتة ليس لها من الحياة رمق ليست ميئوسا منها، ليس موضوع ميئوسا منها، أما الميئوس منه فلا يجوز قتله حتى يسمى " قتل الرحمة السلبي " يعنى توقف عنه الأدوية وتوقف عنه العقاقير وتوقف عنه أجهزة الإنعاش هذا غير مقبول في الدوائر الطبية كلها، هناك يسمى قتل رحمة إيجابي وقتل رحمة سلبي، جميع وسائل قتل الرحمة سواء كانت سلبية بإيقاف علاج معين أو إيجابية بإعطاء المريض حقنة بكمية زيادة من دواء حتى تقضى عليه، هذه مرفوضة تماما في جميع الدوائر الطبية، مرفوضة تماما لا أحد يتحدث عنها لأنها مرفوضة الآن في جميع الدوائر الطبية.(2/361)
يبقى أمامنا شخص انتهت حياته وتوفي إلى رحمة الله متى يعلن وفاته؟ هل ننتظر حتى يقف القلب أو أننا نوقف الأجهزة هذه ونعلن وفاته لأن هذا الدماغ قد مات وبالتالي مات قلبه، ولا بد من إجراء الفحوص، من هذه الفحوص أن هذه المنفسة والأجهزة توقف دقائق وينتظر الطبيب هل هناك أمل في عودة التنفس ويعاد هذا الفحص مرات يعني مرتين على الأقل بفريقين مختلفين من الأطباء مع مجموعة أخرى من الفحوص مذكورين هنا في صلب البحث مفصلة لكم. فهذه الأنواع المختلفة من الفحوصات تؤكد أن هذا الدماغ وجذع الدماغ قد انتقل إلى العالم الآخر، قد مات. فإذا مات هذا الشخص فهل يجب أن ننفخ في جثة هامدة لمدة أسبوع أو مدة أيام أو مدة كذا، هو السؤال الآن مطروح بين أيديكم.
الشيخ المختار ولد أباه:
محاولة لإجابة السؤال الذي طرحته أريد أن أخبر السادة المشايخ، أنني قبل شهر كنت قد التقيت بأحد الأطباء المسلمين المختصين بأمراض القلب واسمه داود جوف من السنغال وطرح على مجموعة من الأسئلة تخص هذه الحالة التي نتحدث عنها الآن. منها الوقت الذي يجوز فيه للطبيب أن ينزع أجهزة الإنعاش عن المريض ويحدد ذلك هو بعد توقف الدماغ وبعد أن يكون الرسم الدماغي يبين أن الدماغ قد مات تماما، طبعا هذا السؤال هو الذي تناوله أستاذنا وصديقنا محمد المختار السلامي وأعتقد أنه شفي فيه الغليل.
السؤال الثاني: في الفترة بين موت الدماغ وبين الوفاة الكاملة لجميع الأعضاء، هذا الطبيب يسأل، هل يجوز نزع عضو من المصاب قبل توقف القلب مثلا. إذا كان، كالقلب أو الكلى أو البنكرياس إلى غير ذلك، إذا كان هذا جائز هل يتوقف على إذن من المصاب نفسه قبل وفاته. إذا كان المصاب لا يستطيع أن يعطى إذنا لأنه كان مصابا في حادثة سيارة، هل يجوز لوليه أن يعطى هذا الإذن، لاستئصال هذا العضو لزرعه في جسم آخر. إذا لم يإذن الولي أو المصاب قبل وفاته هل يجوز للطبيب في حالات استثنائية خاصة أن يتصرف بنفسه وأن يبادر في استئصال العضو الصحيح ليزرعه في جسم آخر لمريض قد ينقذ به، هذه أسئلة أربعة وشكرا.(2/362)
الشيخ محمد عمر الزبير:
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
السؤال المطروح حقيقة، متى تحقق الوفاة، وهل القرار، قرار يصدر من الأطباء الذي يحكمون على أساس الوفاة، فهذه هي موطن ثقة وتحال القضايا التي من اختصاصهم إليهم لأنهم أهل الاختصاص وأهل الخبرة في هذا الفن. فإذا تحقق أن الوفاة – معنى الوفاة هو موت الدماغ مع بقاء الحياة الظاهرة الشكلية من تنفس وضخ للدم – فهذا التحديد وهذا التعريف من قبل الخبراء يكفي لنا أو يكفي للفقهاء أنهم يكيفون الحكم الشرعي على هذا الأساس. وفي اعتقادي والله اعلم يمكن أن يكون القياس على أساس قضية الإجهاض أيضًا. لأن أنواع الحياة ثلاثة، الحياة الكاملة التي هي الحياة النباتية، والحياة الحيوانية، والحياة الروحية العقلية. وفي الواقع أن مناط التكليف هو العقل ولكن تبقى إنسانية الإنسان قائمة محترمة معتبرة شرعا حتى بالحياة الحيوانية. لأنه قد يفقد الإنسان عقله ويبقى أيضًا ليس مسئولا بالتكليف ولكن يبقى على أساس أنه إنسان: تصان حياته، الحياة الحيوانية، لكن الحياة النباتية، حياة النمو في الواقع فقط نمو، ونمو اصطناعي أو قد يكون نموا لا إرادي الدكتور يستطيع أن يصحح لي تصوري، الحياة النباتية هي قد تظهر علامات النمو حتى في الحالات الميتة التي أسعفت بالأجهزة الإسعافية أن تظهر بوادر النمو، مثلا يظهر الشعر إذا حلقنا شعرا ينمو الشعر والله أعلم لا أدرى، السؤال موجه إلى الأساتذة إلى الدكاترة ولكن حتى مع ظهور هذا النمو لا يكفي لإعطاء معنى الحياة الشرعي لهذا النوع من الحياة لأن هذا معناه قابلية وإمكان. وفي قضية الإجهاض إذا فكر الفقهاء في ذلك أنه في الفترة الأولى أو الـ40 يوما يمكن أن يحدث الإجهاض مع وجود هذه القابلية، قابلية النمو فهناك في الفقه حالات مشابهة لهذه القضية الواقع أن الحالتين اللتين ذكرهما الأستاذ المختار ليستا مجالا للنقاش لأنه واجب كفائي أن نسعف في جميع الحالات، هذا واحد، وواجب أيضًا أن ننزع الأجهزة في حالة التحقق من الوفاة. والمقارنة يجب ألا تكون أيضًا في حالتين، حالة الاضطرار، أن ننزع هذه الأجهزة لأجل قضية إسعاف آخر وإعطاء أولويات ولكن حتى بعدم وجود هذه الضرورة لابد أن يصدر حكم شرعي بقضية الوفاة. هل تتحقق الوفاة بمجرد موت الدماغ مع وجود الظواهر الحياتية النباتية وأقولها النباتية وليست الحيوانية وليست الحياة بكاملها.(2/363)
الشيخ عبد الله البسام:
احب أن اوجه إلى سعادة الدكتور محمد على البار حين حدد لنا الوفاة وقال الوفاة هي موت المخ موت الدماغ كاملا، وأنه إذا لم يبق إلا نبض القلب وحركات الخلايا وأنه في هذه الحالة يعتبر من عداد الأموات وأنه في هذه الحال تنزع منه أجهزة الإنعاش. أحب أن أسأل لو بقيت أجهزة الإنعاش في هذه الحالة فهل أعراض الموت التي ذكرها العلماء توجد مع وجود الأجهزة، مثلا ارتخاء المفاصل وتغير الرائحة وميلان الأنف، وما قالوا عن ذلك وسكوت النبض. فهل يصل إلى هذه الدرجة؟ إذا كان وصل إلى هذه فهذا هو الموت الشرعي وهذا هو الذي تتعلق عليه الأحكام الشرعية. أما مادام أجهزة الإنعاش يمكن أن تبقى أياما أو اكثر من أيام وهو في هذه الحالة ومع هذا جسمه في عداد الأحياء فأنا أعتقد وأرى أنه من الناحية الشرعية أن هذا لا يزال يعتبر حيا وأن له حكم الأحياء، فأنا أحب من سعادة الدكتور أن يوضح هذه النقطة.
الدكتور محمد على البار:
بسم الله الرحمن الرحيم. الحقيقة ما كان يعتبره الفقهاء علامات الموت قد لا يعتبره الأطباء علامات الموت، يمكن تكون القضية معكوسة ما تعتبرونه ارتخاء أعضاء وكذا يعتبره الأطباء، أن هذا الشخص لا يزال حيا ولا شك أن هناك أخطاء لو تركنا تشخيص الموت للشخص العادي، نحن واثقون تماما أن الشخص العادي ممكن أن يخطئ في تشخيص موت شخص ويعتبره ميتا إذا لم تكن لديه خبرة كافية كطبيب متمرس. لا شك أن كثيراَ من الأشخاص ستعلن وفاتهم وهم أحياء. النقطة الحقيقية بعكس ما تقولون وأن الوضع عكس ما تقولون تماما.
النقطة الأساسية أنكم تعتبرون مثلا شخصا ارتخت أعضاؤه، هذه ليس لها قيمة عندنا ممكن ترتخي أعضاؤه وتحرك رجله ترتمي وليس لها قيمة أصلا لأنه ممكن أن تسمع نبضات قلبه بإذنك العادية أن ترى أو تسمع هذه النبضات أو تضع يدك على النبض ولا تحس هذا النبض. نحن تعدينا هذه المرحلة. يعني ما كان يحكم به أن هذا الشخص ميت كثير من الأحكام الذي بنى عليها الفقهاء أن فلانا ميت أن هذا الطفل يعطس، حتى الرضاعة اختلفوا فيها. هذه لاشك أنهم حكموا بموت آلاف الأشخاص بينما كانوا أحياء، الطب تقدم في هذا الميدان إلا أننا نقول لكم أنتم ما تعتبرونه علامات موت مؤكدة هو في الواقع ليس علامات موت مؤكدة هو في الواقع ليس علامات موت مؤكدة.(2/364)
لكن إذا أخذنا باب الأجهزة ونحن عندما قلنا إذا مات دماغ هذا الشخص كاملا بما فيه جذع الدماغ وتوقف تنفسه إذا تركنا الجهاز وأخذنا الجهاز، توقف التنفس، توقف القلب وأصبح هذا الشخص ميتا، بجميع الاعتبارات، هذا الشخص ميت، فلماذا نقول انه حي وانه ميت أما إذا كان تنفسه مستمرا بدون الجهاز أو عندما توقف الجهاز، هذا لاشك أنه حي وهذا ما يحدث وهو أحد شروط الفحوص التي يعملها الأطباء وبشروط أخرى مؤكدة لابد أن يعطوه كمية من الأكسجين 100 % أوكسجين يتنفسه في فترة ثم يعطى ثاني أكسيد الكربون لتنبيه مراكز الدماغ المسئولة في جذع الدماغ عن التنفس لابد من تنبيهها بأقصى ما يمكن رغم هذا التنبيه المستمر يصبح القلب غير قادر على الحركة والتنفس غير قادر على الحركة مع شرط ألا يكون ذلك ناتجا عن أدوية أو عقاقير، لا بد أن يذهب لو عملنا هذه الفحوص والشخص أخذ مجموعة من العقاقير مثلا " بارفيترين " أو غيرها أو كحول أو غيرها من الأدوية هذه أو كان في الثلج هذا توقف وظيفي يسمى، هذه الفحوص تعتبر كلها لاغية غير مطلوبة وليس من حق الطبيب ان يجرى هذه الفحوص في مثل هذه الحالة، لأنه لو أجراها لأعلن موت الدماغ وإنما لابد وان تجرى بعد أن تزال الأسباب الوقتية التي ممكن أن تذهب، فإذا أزيلت جميع الأسباب الوقتية كان لدينا تشخيص محدد بسبب وفاة الدماغ مثلا تهشم هذا الدماغ، وعندنا صور لها شعاعية كاملة، وأن الدورة الدموية لا تسرى فيه وأن الدماغ قد مات بجميع الفحوصات الموجودة والمذكورة في التفاصيل في هذا البحث أمامكم، إذ انتهينا من هذه التفاصيل العلمية كلها بالشروط العلمية وبالاحتياطات التي يتخذها الأطباء الآن فإن موت الدماغ يعنى موت الجسم ككل.(2/365)
والفرق بينهما هو إما أن يكون دقائق أو ساعات. إذا أوقف هذا الجهاز فإن القلب سيتوقف خلال دقائق لاشك في ذلك والتنفس سيتوقف لا شك في ذلك. لكن المشكلة هل نبقى مستمرين بهذا الجهاز حتى يستمر التنفس فإذا استمرينا بالجهاز رغم موت الدماغ لابد أن يقف القلب أيضًا ويقف التنفس رغم كل الأجهزة. لا تتصورا أن بعد موت الدماغ يستمر القلب وتستمر الأجهزة تعمل. الأجهزة ستتوف، سيتوقف التنفس رغم كل الأجهزة التي لدينا. الفرق فيها أن هناك فترة زمنية قد تطول حتى تصبح شهرين كما حدث في حالة نادرة وقد تبقى بضعة أيام، في هذه الأيام مادام الشخص ميتا لماذا نستمر في نفخ رئتي شخص ميت، هذا هو السؤال فقط. شخص ميت لماذا نستمر في نفخ رجل قد مات وانتقل إلى العالم الآخر. في هذا مشقات كثيرة، مشقة على الأهل، مشقة على الأطباء، مشقة على أهل التمريض، ثم الفائدة الأخرى التي ترجى هي في موضوع نقل الأعضاء كما ذكرها الشيخ. إذا عرفنا ان الأعضاء هذه تتلف إذا توقفت عنها الدورة الدموية فترة فإن هذه الأعضاء ينبغي أن نأخذها وخاصة مثل القلب، الأعضاء الحيوية الهامة، هذه الأعضاء نحتاج لأخذها وهي لا تزال كعضو به خلاياها لا تزال حية. إذا ماتت هذه الخلايا لا فائدة ترجى منها أصلا في النقل، فمن هنا يأتي هذا المفهوم أن نؤخذ هذه الأعضاء وهي لا تزال قابلة للعمل، هي لا تزال قابلة للحياة كأعضاء. فإذا انتهت حياتها كأعضاء فلا فائدة ترجى منها.(2/366)
الشيخ محمد على تسخيرى:
بعد هذه التوضيحات الضافية التي أعطانا إياها الدكتور البار ونحن في مقام الحكم الشرعى، بالنسبة للسؤالين اللذين طرحهما الأستاذ السلامي، السؤال الأول واضح لا يحتاج إلى بحث: هل يجب علينا أن نجهز أجهزة الإنعاش أم لا؟ هذا أمر لا ريب فيه ولاشك فيه ولا يحتاج إلى بحث. المسألة في حكم رفع هذه الأجهزة وحكم رفعها يتم بعد حصول الموت. الموت مفهوم شرعي موضوع جاء في النصوص الإسلامية ورتبت على هذا الموضوع أحكام. هذا الموضوع يجب أن نتأكد من تحققه عرفا حتى نرتب عليه أحكامه. كيف يمكن التأكد من حصول هذا الموضوع للحكم أو الأحكام المترتبة عليه. الواقع الذي أعتقده أن هناك أمرين يجب أن يلحظا في تحقق موضوع الحكم الأمر الأول، هو ما يقوله العلم، وقد رأينا أن الدكتور البار بر بتوضيحاته، وأوضح أن العلم يقول بأن موت الدماغ موتا كليا أو موت الجذع هو الموت الذي لا يحتملون معه أي احتمال ضعيف في عودة حياة أو سلامتها فهذا هو العلم، العلم واضح في هذا المعنى. لكن لكي نتأكد من تحقق الموضوع العرفي حتى يترتب الحكم، نحتاج إلى إضافة في هذا المعنى هذه الإضافة أيضًا نأخذها من العرف بعد أن نوقف هذه الأجهزة أو نفترض الإيقاف حتى نتأكد، إذا افترضنا ان هذه الأجهزة أوقفت فهل ستطرف عين أو تتحرك رجل أو يتحرك قلب أم لا؟ هذه العلامات التي أشار إليها والتي جاءت أيضًا في بعض الروايات التي يستدل بها العلماء في مجال مفهوم الشرط عندما يريدون أن يعرفوا أن هذه النطيحة التي نطحت أو الحيوانات التي سقطت من شاهق هل بقيت حية حتى تذبح وأم لا؟ يقولون إذا طرفت العين أو تحركت الرجل وما إلى ذلك. نفترض أننا أوقفنا أجهزة الإنعاش فهل يتحرك البدن أم لا؟ إذا كانت الحركة في البدن مازالت موجودة، العرف هنا مازال يفترض عدم تحقق موضوع الموت.(2/367)
أما إذا افترضنا أننا أوقفنا هذه الأجهزة لم تطرف عين ولم تتحرك رجل ولم ينبض قلب بشكل طبيعي لا بتحريك من أجهزة الإنعاش. حينئذ الذي أعتقده أن موضوع الحكم قد تحقق لدى العرف، وحين إذن بشكل كامل تترتب كل الأحكام، يمكننا أن نرفع أجهزة الإنعاش وما إلى ذلك، يعني هذه الإضافة احتياط عرفي للتأكد من تحقق الموضوع. وشكرا
الأمين العام: الشيخ الحبيب ابن الخوجة
شكرا سيدي الرئيس ما سمعته من حديث حول هذا الموضوع الذي طال النقاش فيه قد اطمأنيت إلى حقائق علمية لابد من أخذها بعين الاعتبار. فإن التفصيل الذي ذكره الدكتور البار جزاه الله خيرا والحديث الذي أفضى به إلينا الشيخ مختار السلامي ثم المناقشات كلها انتهت بنا إلى تحديد الموضوع المستفسر عنه شرعا. وهذا هو الذي يتناقض أو يتعارض مع ما تفضل به فضيلة الشيخ محمد على تسخيرى(2/368)
قضية الموت الحقيقي والموت العرفي هو محل النزاع. الذي اضطررنا إلى البحث فيه هو أن نقل العضو من جسد ميت وهو موت حقيقي لكن به بقية آثار أو حركة تدل على أنه لم يمت عرفا هو الذي نحتاج فيه إلى النقل، لأننا إذا استللنا هذه الأجهزة، أجهزة الإنعاش فسوف يموت، لا تبقى حركة. وإذا نحن لم نقم بنقل العضو الذي نريده إلى جسد أخر يعيش به فإننا إذا ترقبنا الموت النهائي ووقوف القلب لا تكون الأعضاء التي ننقلها صالحة، لأن الجسد كله يموت. إذا مات الدماغ، قبل كل شيء أريد أن أذكر بأن الموضوع طرح في مؤتمر كامل شارك فيه علماء شرعيون كما شارك فيه الأطباء في العام الماضي بالكويت تحت مظلة وزارة الصحة. فهذا الموضوع تحديد الموت عند الفقهاء عند الأطباء جميعا هل هو موت الدماغ، لا عبرة لهذه الآثار الأخرى التي لا يمكن أن تستمر أم لا بد من أن يكون موت الدماغ متبوعا بهذه الحالة العرفية التي سميتموها عرفاء؟ الظاهر من الناحية الشرعية أو العلمية، أن المقصود من الموت، موت الدماغ حتى يتسنى بعد ذلك أن ننقل الأعضاء، لأن هذا هو بيت القصيد، نقل الأعضاء من جسد الميت حقيقة وعلما إلى جسد يحتاج إلى تلك الأعضاء في وقت مناسب وإلا فإن العضو لا فائدة من نقله، قد تفضل الدكتور البار بالكشف عن هذه الحقيقة وشكرا(2/369)
الشيخ عبد السلام العبادي:
بسم الله الرحمن الرحيم كنت طلبت الحديث في الواقع قبل قليل من أجل لما كان الحديث يدور حول تحديد المسألة المطروحة للبحث، الواقع جاء اللبس من اختيار العنوان " أجهزة الإنعاش"، في الواقع عنوان موهم في هذه المسألة، الموضوع ليس موضوع أجهزة الإنعاش، الموضوع هو هل يعتبر الإنسان بما يسمى موت خلايا وأجهزة الدماغ هل يعتبر ميتا أم لا؟ هذا الموضوع بحث بالتفصيل كما أشار وتفضل معالي الأمين العام في الكويت، عقدت ندوة ومؤتمر في عمان أيضًا قبل أشهر وبحث هذا الموضوع بالتفصيل. مدار النقاش كله حول قضية مدى القطع الطبي في هذا المجال. الفقهاء حذرون في هذا الأمر من أجل الاستيثاق من هذه النقطة حتى الدكتور البار في أول كلامه تمنى أن يكون معه عدد من الأطباء وألحق هذه الكلمة بعبارة " لأننا في المجال الطبي مختلفون كما أنتم في مجال الفقه قد تختلفون "
لذلك في ندوة الكويت أو في مؤتمر الكويت قدمت أبحاث كما تفضل هو وأشار هناك حوالي 700 صفحة في هذا الموضوع وحوله تقريبا. وانتهى إذا أردت أن تصنف ما قيل في هذه المسألة تجد أن بعض الفقهاء منع رغم التفصيل الذي قدمه الأطباء في هذا المجال. لابد ان نسمع وجهة نظرهم ونرى ما الذي جعلهم يتمسكون بما سماه الشيخ على الموت العرفي. بعضهم يفصل بين الأحكام الطبية والأحكام الشرعية الأخرى. قال للأغراض الطبية، أنا أعتبر موت الدماغ لكن للأغراض الشرعية الأخرى فيما يتعلق بالعدة الزوجية والإرث وغيرها، لا أنا أتمسك بالموت العرفي. وله وجهة نظر وأتى بأدلة بعضهم حكم بالوفاة كاملا ورتب جميع الأحكام إن كانت طبية أو شرعية على ما سمى بموت الدماغ. فلذلك في ظني هذا المجمع لم توفر له في هذه الجلسة كل هذه المعلومات الضرورية، لابد في الواقع من عدد من الأطباء ليس خبيرا واحدا لابد من مجموعة من الخبراء، حتى يزداد الوثوق في قضية القطع الطبي في هذا المجال، لابد من أن تكون هناك أبحاث شرعية بين أيدينا تعرض وجهات النظر المختلفة ومن ثم تتاح لنا فرصة الحكم بهذا. إذا كان جهات علمية خصصت لهذا الموضوع ندوات مستقلة ولم تبت فيه بشكل قاطع ونهائي، فلا يمكن في جلسة واحدة وأمام هذه المعلومات القليلة في هذا المجال وهذا النقص إن كان في مجال الخبرة أو في مجال البحوث الشرعية أن ينتهي المجمع إلى قرار في هذا المجال. لذلك أقترح بشكل محدد أن تكلف الأمانة العامة باستجماع كل هذه المعلومات وأن يكون إحدى الموضوعات الكبرى الأساسية التي تبحث في دورة المجمع القادمة إن شاء الله. شكراَ(2/370)
الرئيس:
عندي عدد من كلمات المشايخ الأعضاء ولكن إذا سمحتم لي أن نصل إلى نهاية أرجو أن تكون مرضية للجميع. وهذه النهاية هي نهاية الاستقطاب واستكمال التصور. وقبل هذا إنني أدعو لجنة التخطيط إذا وضعت موضوعا من المواضيع التي ترى طرحها على هذا المجمع أن تحدد نقطة السؤال بصياغة أهل العلم. أما أن يكون الجدول المدرج أجهزة الإنعاش فهذا سؤال موهم. ولهذا نفس الباحثين وفي مقدمتهم الشيخ المختار السلامي استشكل هذا ولكنه أعمل نفسه حتى تصل إلى ما توصل إليه مما أعطانا تجلية لجانبين من الموضوع إضافة إلى التصورات الطبية التي أضفاها الدكتور البار ثم تحصل لدينا مبحث ثالث أثاره الشيخ محمد المختار فصار أمامنا الآن ربما نفترض ثلاثة أسئلة
السؤال الأول: حكم توفير أجهزة الإنعاش وهذا أمره ميسور.
الثاني: حكم رفع أجهزة الإنعاش، هذا يستدعى تحديد الصورة على لسان الطب بما يقبله الفقيه بمعنى ان تكون بصفة معتصرة بأسطر معينة حتى يكون التصوير واضحا وجليا أمامنا.(2/371)
ثم يأتي سؤال ثالث حكم نزع عضو من المصاب وهو تحت الإنعاش والحالة هذه هذا شئ
الأمر الثاني تجلى أمامنا من المناقشة ومن خلال المداولة ان هذه المسالة بحثت موسعة تحت مظلة وزارة الصحة في دولة الكويت في محفل حضره جمع من الأطباء ومن العلماء فصار في هذا محاضر وقرارات ووجهات نظر وأبحاث. ولهذا فإذا رأيتم أن اعرض على أنظاركم الوجهة التالية وهى التثنية على ما ذكره الشيخ عبد السلام من ان يطلب من الأمانة أن تستحصل على ما تم بحثه في الكويت مع ما هو موجود لدينا من بحوث قدمت إلينا مع ما يمكن استقطابه والوصول إليه سواء من جهة الأطباء أو من جهة الفقهاء، ثم بعد ذلك يوضع في فقرات معينة مرتبة سواء من حيث التصور الطبي أو من حيث ترتيب الحكم الشرعي ويوزع البحث حتى يكون أمامنا بحث يحصل فيه تمام التصور وأنتم ترون الآن أن التصورات اختلفت فيما بين الأعضاء وبين الدكتور الطبيب وبين بعض معدي البحوث وهكذا، بل أن البعض ومنهم بصراحة العبد الفقير لم يحصل لي تمام التصور لا في موضع السؤال أولا وإن كان تجلى أخيرا، ولا في نفس الصورة التي يعنيها السؤال وهي هي أم البحث الصورة التي يعنيها السؤال وهي رفع أجهزة الإنعاش.(2/372)
ولهذا أرجوأن تتقبلوا وجهة النظر هذه بأن يعهد إلى الأمانة باستحضار ما لدى وزارة الصحة في الكويت مع البحوث الموجودة هنا مع ما يمكن الحصول عليه ومن هنا نستطيع أن ننطلق انطلاقة أهل العلم باستكمال التصور مع ترتيب المبحث الفقهي وعليه يمكننا باطمئنان بحول الله أن نرتب الحكم الشرعي لهذه النازلة وبالله التوفيق.
الرئيس:
إذن كأنني أرى موافقة
الشيخ محمد عبد اللطيف فرفور:
شكراَ سيادة الرئيس أود من الصديق العزيز الدكتور البار كطبيب أن يتفضل فيوضح لنا قضية سمعتها في دمشق من أستاذ في كلية الطب بجامعة دمشق وهو صديق لي سألته قبل مجيئي إلى هذا المجمع الموقر عن العلامة الرئيسية أو الرئيسة بالفصحى عن الموت، عن الوفاة. وتعلمون حضراتكم أن الموت لا يعرف، ماهيته، لا يمكن تعريفها إطلاقا. إنما له أسباب منه موت الدماغ ومنها موت القلب ومنها موتهما معا وكل ذلك أسباب كما أشار الشاعر " تعددت الأسباب والموت واحد ". أما العلامة القاطعة عند الأطباء على هذا هو وجود مادة تظهر على جلد الميت الذي انتهى أجله قطعا مائة بالمائة في خلال غضون اقل من 24 ساعة أثبتها الطب الشرعي وتسمى التوثف أو التغير الجيفي، لا ترى بالعين المجردة وإنما ترى عن طريق المجهر، الميكروسكوب ويظهر بعض آثارها من الصفرة وما شابه ذلك على الميت ومن خلالها يتعرف الطبيب الشرعي على مدة الوفاة من متى توفي هذا الإنسان؟ هذه المسألة تتعلق بجوهر الطب، وددت من صديقنا الدكتور البار حفظه الله وهو بار بدينه وبعلمه أن يوضح لنا هذه القضية فقد أخذتها من مصدر موثوق وهو أستاذ في علم التشريح في جامعة دمشق وعالم فاضل متدين حافظ لكتاب الله، وعلى هذا الأساس فقد انتهى النقاش في هذه المسألة بالنسبة لقضية الموت. متى وجدت هذه المادة، فقد مات الإنسان سواء مات دماغه أو مات قلبه ودماغه معا، فقد انتهى زيته من الدنيا وبدأت حياته الأخروية. أما قضية زرع الأعضاء فمسالة أخرى تترب على هذه المسألة وبينهما تداخل ولكن ما أظن الآن الوقت يتسع لها. وشكرا
الرئيس:
شكراَ وبهذا على وجهة النظر التي أبديتها وقد لمست موافقة أصحاب الفضيلة ترفع الجلسة وأرجو من الأمانة الاهتمام في هذا الموضوع كعادتها. وشكرا. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته(2/373)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم النبيين وعلى آله وصحبه.
قرار رقم 7
بشان
أجهزة الإنعاش
أما بعد:
فان مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي في دورة انعقاد مؤتمره الثاني من 10 -16 ربيع الثاني 1406 هـ / 22 – 28 ديسمبر 1985م
بعد أن نظر فيما قدم من دراسات فقهية وطبية في موضوع " أجهزة الإنعاش "
وبعد المناقشات المستفيضة، وإثارة متنوع الأسئلة، وخاصة حول الحياة والموت نظراَ لارتباط فك أجهزة الإنعاش بانتهاء حياة المنعش.
ونظرا لعدم وضوح كثير من الجوانب.
ونظرا لما قامت به جمعية الطب الإسلامي في الكويت من دراسة وافية لهذا الموضوع، يكون من الضروري الرجوع إليها.
قرر:
أولا: تأخير البت في هذا الموضوع إلى الدورة القادمة للمجمع.
ثانيا: تكليف الأمانة العامة بجمع دراسات وقرارات مؤتمر الإسلامي في الكويت وموافاة الأعضاء بخلاصة محددة واضحة له.
والله أعلم(2/374)
التأمين وإعادة التأمين
فضيلة الدكتور وهبة الزحيلي
تعريف عقد التأمين:
عرف القانون المصري (م747) والقانون السورى (م713) وغيرهما التأمين بأنه "عقد يلتزم المؤمن بمقتضاه أن يؤدي إلي المؤمن له المستأمن أو إلي المستفيد الذي اشترط التأمين لصالحه مبلغا من المال، أو إيرادا مرتبا، أو أي عوض مالى آخر في حالة وقوع الحادث، أو تحقق خطر مبين في العقد، وذلك في مقابل قسط، أو أية دفعة أخرى يؤديها المؤمن له إلي المؤمن".
يظهر من هذا التعريف اتجاهه إلي بيان عقد التأمين التجاري التبادلي الذي يقوم به عاقدين: المؤمن وهو شركة التأمين. والمستأمن وهو المتعامل مع الشركة، مقابل قسط ثابت هو قسط التأمين، وأخذ عوض هو عوض التأمين عند حصول الخطر أو الحادث المؤمن عليه، وهو من العقود الاحتمالية وعقود المعاوضات المالية، لكن لا يلزم في العقد الاحتمالي الحصول على العوض أحيانا، وليس العوض تبرعا من المؤمن.
ويتبين من التعريف أيضا أن التأمين من عقود الغرر، إذ لا يعرف وقت العقد مقدار ما يعطى كل واحد من العاقدين أو يأخذ، فقد يدفع المستأمن قسطا واحدا من الأقساط، ثم يقع الحادث، وقد يدفع جميع الأقساط، ولا يقع الحادث.
وهو كذلك عقد من عقود التراضي، وملزم للطرفين، ومن عقود المدة، فلا بد من زمن لتنفيذ التزامات الطرفين، وعقد من عقود الاذعان، لأن المستأمن يخضع لشروط وقيود محددة سلفا من قبل شركات التأمين.(2/375)
أنواع التأمين:
التأمين من حيث الشكل نوعان:
1- تأمين تعاوني: وهو أن يشترك مجموعة من الأشخاص بدفع مبلغ معين، ثم يؤدى من الاشتراكات تعويض لمن يصيبه ضرر.
2- تأمين تجاري أو التأمين ذو القسط الثابت، وهو المراد عادة عند إطلاق كلمة التأمين، وفيه يلتزم المستأمن بدفع قسط معين إلي شركة التأمين القائمة على المساهمة، على أن يتحمل المؤمن (الشركة) تعويض الضرر الذي يصيب المؤمن له أو المستأمن. فإن لم يقع الحادث فقد المستأمن حقه في الأقساط، وصارت حقا للمؤمن.
وهذا النوع ينقسم من حيث موضوعه إلي:
1- تأمين الأضرار: وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في ذمة المؤمن له، لتعويضه عن الخسارة التي تلحقه. وهذا يشمل:
التأمين من المسؤولية: وهو ضمان المؤمن له ضد مسؤوليته عن الغير الذي أصيب بضرر، مثل حوادث السير، والعمل.
والتأمين على الأشياء: وهو تعويض المؤمن له عن الخسارة التي تلحقه في ماله، بسبب السرقة أو الحريق، أو الفيضان، أو الآفات الزراعية ونحو ذلك.
2- وتأمين الأشخاص: وهو يشمل:
التأمين على الحياة: وهو أن يلتزم المؤمن بدفع مبلغ لشخص المتسأمن أو للورثة عند الوفاة، أو الشيخوخة، أو المرض أو العاهة، حسب مقدار الإصابة.
والتأمين من الحوادث الجسمانية: وهو أن يلتزم المؤمن بدفع مبلغ معين إلي المؤمن له في حالة إصابته أثناء المدة المؤمن فيها بحادث جسماني، أو إلي مستفيد آخر إذا مات المستأمن.
والتأمين من حيث العموم والخصوص ينقسم إلي قسمين:
1- تأمين خاص أو فردي: وهو التأمين الخاص بشخص المستأمن من خطر معين.
2- تأمين اجتماعي أو عام: وهو الذي يشمل مجموعة من الأفراد يعتمدون على كسب عملهم، من أخطار معينة كالمرض والشيخوخة والبطالة والعجز.
وهذا في الغالب يكون اجباريا، ومنه التأمينات الاجتماعية، والصحية والتقاعدية.(2/376)
موقف الفقه الإسلامي من التأمي:
لا شك في جواز التأمين التعاوني في منظار الفقهاء المسلمين المعاصرين، لأنه يدخل في عقود التبرعات، ومن قبيل التعاون والمطلوب شرعا على البر والخير لتفتيت الأخطار، والاشتراك في تخفيض الضرر عند وقوع الحوادث، لأن كل مشترك يدفع اشتراكه بطيب النفس، لتخفيف آثار المخاطر، وترميم الأضرار التي تصيب أحد المشتركين، أيا كان نوع الضرر، سواء في التأمين على الحياة، أو الحوادث الجسمانية، أو على الأشياء بسبب الحريق أو السرقة أو موت الحيوان، أو ضد المسؤولية من حوادث السيارات، أو حوادث العمل، ولأنه لا يستهدف تحقيق الأرباح، وإنما المراد توزيع الأخطار والمساهمة في تحمل الضرر.
وعلى هذا الأساس نشأت شركات التأمين التعاوني في السودان وغيره، ونجحت في مهامها وأعمالها، بالرغم من وصف القانونيين لها بأنها بدائية محضة.
كذلك يجوز التأمين الإجباري أو الألزامى الذي تفرضه الدولة، لأنه بمثابة دفع ضريبة للدولة، كالتأمين المفروض على السيارات ضد الغير.
ولا مانع من جواز التأمين الاجتماعي ضد الطوارئ: العجز والشيخوخة والمرض والبطالة والتقاعد عن العمل الوظيفي، لأن الدولة مطالبة برعاية رعاياها، ومسؤولة عنهم في مثل هذه الأحوال، ولخلوه من الربا، والغرر، والمقامرة.
وقد أجاز مؤتمر علماء المسلمين الثاني في القاهرة عام 1385 هـ /1965م، ومؤتمر علماء المسلمين السابع عام 1392هـ/1972م كلا من التأمين الاجتماعي والتأمين التعاوني، وهو ما قرره مجمع الفقه الإسلامي في مكة المكرمة عام 1398هـ/1978م.(2/377)
أما التأمين التجاري أو التأمين ذو القسط الثابت: فهو غير جائز شرعا، وهو رأى أكثر الفقهاء في العصر الحاضر، وهو ما قرره المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي في مكة المكرمة عام 1396هـ/1976م، والسبب في عدم الجواز يكاد ينحصر في أمرين: هما الغرر والربا.
أما الربا: فلا يستطيع أحد إنكاره، لأن عوض التأمين ناشيء عن مصدر مشبوه قطعا، لأن كل شركات التأمين تستثمر أموالها في الربا، وقد تعطي المستأمن (المؤمن له) في التأمين على الحياة جزءا من الفائدة، والربا حرام قطعا في الإسلام.
والقائلون بجواز عقد التأمين يرفضون صراحة استثمار شركات التأمين في معاملات ربوية، ولا يقرون للمستأمن أن يقبض شيئا من الفوائد التي تدفعها شركة التأمين.
والربا واضح بين العاقدين: المؤمن والمستأمن، لأنه لا تعادل ولا مساواة بين أقساط التأمين وعوض التأمين، فما تدفعه الشركة قد يكون أقل أو أكثر، أو مساويا للاقساط، وهذا نادر. والدفع متأخر في المستقبل، فإن كان التعويض أكثر من الأقساط، كان فيه ربا فضل وربا نسيئة، وإن كان مساويا ففيه ربا نسيئة، وكلاهما حرام.
فإن قيل: أن التأمين التعاقدى قائم على أساس التعاون لجبر الضرر، وترميم الأضرار والمصائب، فلا يكون فيه ربا أو شبهة ربا، أجيب: بأن المستأمن يستهدف أحيانا المراباة، ويبقى الربا قائما في عوض التأمين، لأنه حصيلة الفوائد والمعاملات الربوية.
أما الغرر: فواضح في التأمين، لأنه من عقود الغرر: وهي العقود الاحتمالية المترددة بين وجود المعقود عليه وعدمه، وقد ثبت في السنة حديث صحيح، رواه الثقات عن جمع من الصحابة: "إن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر " (1) .
__________
(1) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة رضي الله عنه(2/378)
ويقاس على البيع عقود المعاوضات المالية، فيؤثر الغرر فيها، كما يؤثر في عقد البيع.
وعقد التأمين مع الشركات من عقود المعاوضات المالية، لا التبرعات، فيؤثر فيه الغرر، كما يؤثر في سائر عقود المعاوضات المالية، وقد وضعه رجال القانون تحت عنوان "عقود الغرر" لأن التأمين لا يكون إلا من حادث مستقبل غير محقق الوقوع، أو غير معروف وقوعه، فالغرر عنصر لازم لعقد التأمين.
والغرر في التأمين في الواقع كثير، لا يسير، ولا متوسط، لأن من أركان التأمين: الخطر، والخطر حادث محتمل لا يتوقف على إرادة العاقدين، والمؤمن له لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطي أو يأخذ، فقد يدفع قسطا واحد ويقع الخطر، فيستحق جميع ما التزم به المؤمن، وقد يدفع جميع الأقساط، ولا يقع الخطر، فلا يأخذ شيئا.
وكذلك حال المؤمن، لا يعرف عند العقد مقدار ما يأخذ، أو ما يعطي، وإن كان يستطيع إلي حد كبير معرفة كل ذلك بالنسبة لجميع المؤمن لهم، بالاستعانة بقواعد الإحصاء الدقيقة، وبحث الأحوال الاجتماعية لشخص المستأمن وظروفه وأوضاعه.
وما قد يقال من اعتماد شركة التأمين على حسابات دقيقة تنتفي معها صفة الاحتمال والغرر والغبن في الظروف العادية، لا يبيح التأمين، لأن انتفاء الغرر بالنسبة للمؤمن وحده لا يكفى لانتفاء الغرر من عقد التأمين، فلا بد من انتفائه بالنسبة للمستأمن أيضا، والفقه الإسلامي لا ينظر إلي مجموع العقود التي تبرمها شركات التأمين، وإنما ينظر في الحكم على العقد صحة وفسادا إلي كل عقد على حدة.
والقول بأنه لا غرر ولا احتمال بالنسبة للمستأمن، لأن محل العقد في التأمين هو الأمان دون توقف على الخطر، وقد حصل عليه عند دفع القسط الأول، هو قول باطل، لأن الأمان هو الباعث على عقد التأمين، وليس هو محل العقد، ومحل العقد: هو ما يدفعه كل من العاقدين: المؤمن والمستأمن، أو ما يدفعه أحدهما. وقلنا: أن الأمان هو المحل، لكان عقد التأمين باطلا، لأن المحل يلزم أن يكون ممكنا غير مستحيل، والأمان يستحيل الالتزام به، ومحل عقد المعاوضة، كما تدل الأحاديث الناهية عن بيع الثمرة حتى يبدو صلاحها، وتأمن العاهة، يجب أن يكون موجودا وقت التعاقد، وأن يكون في حال يمكن معها الانتفاع منه على وجه المقصود في العقد أو المعتاد, فإن لم يكن كذلك ,أو كان معدوما ,ولو محتمل الوجود في المستقبل, فلا يجوز شرعا، ومحل التأمين احتمالي الوجود، إذ هو ما يدفعه كلا العاقدين، أو ما يدفعه أحدهما كالتعويض الذي يدفعه المؤمن (شركات التأمين) حين وقوع الضرر أو الموت حسب شروط العقد.
والحاجة التي من أجلها يجوز العقد المشتمل على الغرر، ولو كان كثيرا: (وهي أن يشترط فيها أن تكون عامة أو خاصة، وأن تكون متعينة.(2/379)
أما الحاجة العامة: فهي ما يكون الاحتياج فيها شاملا لجميع الناس. وأما الحاجة الخاصة: فهي ما يكون الاحتياج فيها خاصا بطائفة من الناس كأهل بلد أو حرفة، ومعنى كون الحاجة متعينة: أن تنسد جميع الطرق المشروعة للوصول إلي الغرض، سوى ذلك العقد الذي فيه الغرر.
ولو سلمنا بوجود الحاجة للتأمين في الوقت الحاضر، فإن الحاجة إليه غير متعينة، إذ يمكن تحقيق الهدف منه بطريق التأمين التعاوني القائم على التبرع، وإلغاء الوسيط المستغل لحاجة الناس، والذي يسعي إلي الربح، وهو شركة الضمان، فيكون التأمين عقد معاوضة مشتملا على غرر كثير من غير حاجة متعينة في الإسلام، فيمنع.
وإذا سلمنا بكون الحاجة متعينة، جاز التأمين بالقدر الذي يزيل الحاجة فقط، عملا بالقاعدة الشرعية: الحاجة تقدر بقدرها.
ومما يدل على فساد التأمين: أن الغرر المفسد للعقد يشترط فيه أن يكون المعقود عليه أصالة وهذا متحقق في عقد التأمين التجاري.
ويفهم من اشتمال التأمين على الغرر اشتماله أيضا على الجهالة، والجهالة في البدلين بارزة في التأمين، وهي جهالة مقدار ما يدفعه كل من طرفي العقد (المؤمن والمستأمن) للآخر، وهو قابل للكثرة والقلة، بل أن ما يدفعه المؤمن بدلا أو عوضا عن الضرر أو الهلاك على خطر الوجود، والخطر الذي هو مسوغ العقد قد يقع وقد لا يقع، وكل هذا يجعل الجهالة فاحشة كثيرة تؤدي إلي إبطال العقد.
ويكون عقد التأمين ممنوعا شرعا لاشتماله على فاحش الغرر والجهالة، ولا يؤبه بالعلم بمبلغ كل قسط عند حلول ميعاده، فهو صحيح انه مبلغ معلوم، لكن كمية الأقساط هي التي فيها الجهالة، ورضا المؤمن بدفع التعويض عند وفاة المستأمن أو حدوث حادث له، ضمن مدة محددة بالعقد، مهما بلغ عدد الأقساط قلة وكثرة، لا قيمة له، لأنه رضا مخالف لقواعد الشرع ونصوصه المانعة من الغرر، كالرضا في القمار أو الزنا، لا يحل واحد منهما، لأن الحرام لا ينقلب مباحا باتفاق الناس عليه أو رضاهم به.
وكون الجهالة فاحشة فإنها تؤثر في العقد وتبطله، ولو لم تفض إلي المنازعة، أما الجهالة اليسيرة غير المفضية إلي النزاع عادة فهي المغتفرة، والجهالة في التأمين أفحش مما صوره الفقهاء للجهالة الفاحشة المفضية إلي النزاع وإفساد عقد البيع مثلا، كبيع الفجل والجزر في الأرض، فهذان موجودان في الأرض، لكنهما مجهولان على طريق الظهور والعلم، أما في التأمين فبدل الهلاك أو عوض التأمين مرجوح الوجود، قد يحدث وقد لا يحدث، وهذا احتمال يضعف مشروعية العقد.
لكل ما سبق وغيره من الموانع لا يحل للتاجر وغيره من المستأمنين أخذ بدل الهالك من مال "السوكرة" أو التأمين، لأنه مال لا يلزم من التزم به، كما ذكر ابن عابدين، ولأن اشتراط الضمان عل الأمين باطل كما قرر فقهاء الحنفية.(2/380)
إعادة التأمين أو التأمين المركب:
إن مبدأ التعاون في التأمين يحقق بتحزئة المصائب وتوزيع نتائجها على اكبر عدد ممكن، فبقدر ما يزداد عدد المستأمنين تزداد تجزئة الأضرار وتوزيعها، فهى عملية تفتيت وتشتيت للأضرار المؤمن منها، ولهذا التشتيت وسائل كثيرة، منها ما يسمى بإعادة التأمين أو التأمين المركب، حيث تلجأ شركة التأمين نفسها إلي التأمين مما يلحقها من تعويضات لدى الشركات عالمية كبرى.
وإعادة التأمين له حكم أصل التأمين، فيجوز لشركات التأمين التعاوني التأمين لدى شركات تعاونية أخرى. أما إعادة التأمين التجاري فتطبق عليه أحكام التأمين التجاري ذاته؛ فهو عقد تأمين تجاري يكون المستأمن فيه شركات التأمين بدلا من الأفراد.
وضوابط الغرر المؤثر والمفسد للعقد (وهي كون الغرر في عقد معاوضة، وكونه كثيرا، وكون المعقود عليه أصالة، وألا تدعو إلي العقد حاجة) تقتضى بمنع إعادة التأمين، إلا إذا دعت إليه الحاجة المتعينة، كما ذكرت هيئة الرقابة الشرعية لبنك فيصل الإسلامي في السودان في الفتوى رقم 16و17، أي هل تكون شركات التأمين في مشقة وحرج إذا لم تتعامل مع شركات إعادة التأمين؟
ترى هذه الهيئة وأؤيدها في فتواها جواز إعادة التأمين، لوجود الحاجة المتعينة كما قدر خبراء البنك، بالشروط التالية التي سموها بالملحوظات والتحفظات:
1- أن يقلل ما يدفع لشركة اعادة التأمين إلي أدني حد ممكن (وهو القدر الذي يزيل الحاجة) عملا بقاعدة الحاجة تقدر بقدرها. وتقدير ما يزيل الحاجة متروك لخبراء البنك.
2- ألا تتقاضي شركة التأمين التعاوني عمولة أرباح، ولا أية عمولة أخرى من شركة إعادة التأمين.
3- ألا تحتفظ شركة التأمين التعاوني بأي احتياطات عن الأخطار السماوية، لأن حفظها يترتب عليه دفع فائدة ربوية لشركة إعادة التأمين.
4- ألا تدخل شركة التأمين التعاوني في طريقة استثمار شركة إعادة التأمين لأقساط إعادة التأمين المدفوعة لها، وألا تطالب بنصيب في عائد استثماراتها، وألا تسأل عن الخسارة التي تتعرض لها.(2/381)
5- أن يكون الاتفاق مع شركة إعادة التأمين لأقصر مدة ممكنة.
6- أن تعمل شركة التأمين التعاوني على إنشاء شركة إعادة تأمين تعاوني، تغنيه عن التعامل مع شركات إعادة التأمين التجاري.
هذا ما أدين الله عليه، وما أزال أستغرب وأستهجن كلام القائلين بمشروعية التأمين التجاري، ولم أجد حاجة لتفنيد أدلتهم، فقد كثر الرد عليها في المجالات والمؤلفات والبحوث والمؤتمرات، بدءا من أسبوع الفقه الإسلامي بدمشق من 1 إلي 6 نيسان 1961، وانتهاء بقرار مجمع الفقه الإسلامي في دورته الأولي المنعقدة في 10 شعبان 1398 هـ بمكة المكرمة، بمقر رابطة العالم الإسلامي، ومن أراد الطمأنينة القلبية لحرمة التأمين، وإبطال حجج القائلين بالجواز، فليرجع إلي بحوث الأسبوع المذكور في دمشق، وإلى قرار مجمع الفقه بمكة المكرمة، والله يهدينا سواء السبيل.(2/382)
التأمين وإعادة التأمين
فضيلة الشيخ رجب التميمى
عقد التأمين – حكمه
بنوعيه التجاري والتامين على الحياة
عقد التأمين من العقود التي لا يوجد لها أحكام خاصة في الشريعة الإسلامية ولم يبحثه الفقهاء المسلمون المتقدمون لأن نظام التأمين نظام حديث نقل إلينا من الغرب مع ما نقل من أنظمة وقوانين.
وأول من كتب عن هذا النظام من الفقهاء المسلمين ابن عابدين رحمه الله فقد ذكر ابن عابدين في كتاب المستأمن من كتاب الجهاد أحكام التجار الأجانب الذين يدخلون دار الإسلام مستأمنين فذكر ما يلي:
جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربى يدفعون له أجرته ويدفعون له أيضا مالا معلوما لرجل منهم يقيم في بلاده يسمى ذلك مال (سوكره) على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم وله وكيل عنه مستأمن في دارنا يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن السلطان يقبض من التجار (مال السوكره) وإذا هلك من مالهم في البحر شيء يؤدي ذلك المستأمن للتجار بدله تماما، ثم قال ابن عابدين: والذي يظهر له انه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأن هذا التزام ما لا يلزم.
وابن عابدين بتعليله أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله لأنه التزام ما لا يلزم. أي أن المؤمن الذي أسماه (صاحب السوكرة) وهو المعروف الآن بشركات التأمين قد ألزم نفسه بدفع ماله تعويضا للتاجر الخاسر بأنه التزام لم يلزمه الشرع بذلك وما لا يلزم الشرع به لا يحل أخذه.
وقد اعتبر ابن عابدين مسألة التأمين كالوديع أو المستعير أو المستأجر إذا اشترط عليهم في عقد هذا الإيداع أو الإعارة أو الإجارة ضمان قيمة الوديعة أو العارية أو المأجور إذا هلك قضاء وقدرا دون قصد ولا تقصير فإن هذا الضمان لا يصح كما هو في المذهب الحنفي.
وابن عابدين تحدث عن التأمين البحري لأنه كان أول تأمين ظهر في البلاد الإسلامية بسبب النشاط التجاري بين الغرب والبلاد الإسلامية، وهذا ينطبق تماما على التأمين التجاري والمالي في الوقت الحاضر.
وقد ذكر الشيخ محمد بخيت المطيعي مفتى الديار المصرية الأسبق المتوفى سنة 1935 رحمه الله في التأمين ما يلى:
إن المقرر شرعا أن ضمان الأموال إما أن يكون بطرق الكفالة أو بطريق التعدى أو الإتلاف، أما الضمان بطريق عقد الكفالة فليس متحققا هنا لأن شرطه أن يكون المكفول به وبنا صحيحا لا يسقط إلا بالأداء أو الإبراء أو عينا مضمونة بنفسها بل يجب على المكفول عنه تسليمها بعينها للمكفول له فإن هلكت ضمن مثلها في المثليات وقيمتها في القيميات والأصل في ذلك قوله تعالى: {وَلِمَنْ جَاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَأَنَا بِهِ زَعِيمٌ} أي كفيل.(2/383)
وعلى ذلك لابد من كفيل يجب عليه الضمان ومن مكفول له يجب تسليم المال المضمون إليه ومكفول عنه يجب تسليم المال عليه ومن مكفول به يجب تسليمه للمكفول له وبدون ذلك لا يتحقق عقد الكفالة والتأمين لا تنطبق عليه شروط الكفالة.
وأما الضمان بطريق التعدي أو لإتلاف فالأصل فيه قوله تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} وشركات التأمين لم يتعد واحد منهم على ذلك المال ولم يتلفه ولم يتعرض له بأدنى ضرر بل أن المال الهالك هلك بالقضاء والقدر ولو فرض وجود متعد أو متلف فالضمان عليه دون غيره فلا وجه حينئذ لضمان شركات التأمين من هذا الطريق أيضا.
ويتبين من ذلك أن الضمان لا يجب على أحد إلا عند وجوب سبب يقتضي وجوبه شرعا ولم يوجد هنا سبب يوجب الضمان على شركات التأمين لأن هلاك المال المؤمن عليه لا يكون بتعد من شركة التأمين فلا مجال لإيجاب الضمان عليه إذا هلك المال المؤمن عليه لعدم توفر أسباب الضمان شرعا.
وعلى ذلك فإن عقد التأمين عقد فاسد شرعا وذلك لأنه معلق على حظ تارة يقع وتارة لا يقع فهو قمار فلا يحل للمؤمن شرعا أن يأخذ بدل المال الهالك فهو حرام شرعا.
أما التأمين على الحياة أيضا فهو حرام شرعا وهو عقد فاسد فيه مخاطرة ومقامرة وربا لأن المؤمن له قد يموت قبل إيفاء جميع الأقساط وقد يموت بعد دفع بعض الأقساط أو قسط واحد منها، وقد يكون المبلغ الباقي عظيما جدا لأن مبلغ التأمين موكل تقديره إلي طرفى العقد على ما هو معلوم فإذا أدت شركة التأمين المبلغ المتفق عليه كاملا لورثته أو لمن جعل له المؤمن له ولاية قبض ما التزمت به الشركة بعد موته ففي مقابل أي شيء دفعت الشركة هذا المبلغ؟ أليس هذا مخاطرة وقمارا؟ وإذا لم يكن هذا مقامرة ففي أي شيء تكون المقامرة. على أن المقامرة حاصلة من ناحية أخرى فإن المؤمن له بعد أن يوفى جميع ما التزمه من الأقساط فإنه يأخذ المبلغ الذي دفعه كاملا مع الأرباح الربوية أليس هذا مقامرة وربا؟ وإذا مات قبل أن يوفيها كلها يكون لورثته المبلغ المتفق عليه بين الشركة والمؤمن له. أليس هذا قمارا ومخاطرة؟ حيث لا علم له ولا للشركة بما سيكون من الأمرين على التعيين.(2/384)
فعقد التأمين على الحياة أيضا عقد فاسد شرعا لأنه كما ذكرت عن مقامرة وربا ومخاطرة لأن تعاملها على مجهول فالمؤمن يدفع المبلغ المتفق عليه بعد موت المؤمن له لورثته والمؤمن له يكون له ما دفعه من الأرباح الربوية أن أدى جميع الأقساط وإن مات قبل أن يوفيها تدفع الشركة المبلغ المؤمن عليه لورثته. فالأمر الأول مخاطرة وقمار وربا، والأمر الثاني مخاطرة وقمار.
فعقد التأمين بنوعيه: التأمين المالي التجاري والتأمين على الحياة من العقود الاحتمالية لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين أو أحدهما وقت إبرام عقد التأمين معرفة مدى ما يأخذ أو ما يعطي ولا يعرف إلا في المستقبل نتيجة لأمر غير محقق الحصول أصلا ولا يعرف وقت حصوله أن حصل.
فعقد التأمين عقد غرر والمصادفة تلعب دورها في التزام كل من المؤمن والمؤمن له لجهالة وقوع الخطر وتاريخه فكلا الطرفين معرض للربح والخسارة على أساس احتمالي وعلى غير نسبة معقولة فهو عقد غرر. وهذا الغرر كثير وفاحش والغرر الكثير يكون مفسدا للعقد.
على أن عقد التأمين كثيرا ما يؤدي إلي النزاع لأن الغالب عندما تحصل الحادثة فإن المؤمن يتهم المؤمن له عن أسبابها وافتعالها لكي يحصل على المبلغ المؤمن له ومن الحوادث التي أدت إلي النزاع ما ذكرته جريدة الجمهورية القاهرية في عددها الصادر يوم الأحد 24 من يناير 1960 من أن البوليس الأمريكي قبض على الدكتور روبرت سيرص 65 سنة وكان الاعتقاد السائد أنه قتل منذ شهرين في حادث طائرة. كان الطبيب قد حجر لنفسه مكانا في هذه الطائرة ولكنه أقنع في آخر لحظة صديقا له بالسفر بدلا منه.
واختفى وسقطت الطائرة وقتل ركابها جميعا وعددهم 42 وتبين أنه كان قد أمن على حياته بمبلغ 37700 دولار لصالح أولاده قبل سقوط الطائرة بعشرة أسابيع اتهمه البوليس بنسف الطائرة للحصول على التأمين. كيف رأيت أن عقد التأمين يؤدي إلي ارتكاب الجرائم في بعض الأحيان وأي ضرر أشد على المجتمع من هذه الضرر وسد الذرائع مقدم على جلب المصالح، على أن النزاع مستمر بين شركات التأمين والمؤمن له ومن أراد أن يتأكد من آثار هذا العقد الفاسد في النزاعات والخلاف فليطلع على سجلات المحاكم في كل مكان.
لذلك كان عقد التأمين عقدا فاسدا بنوعيه والمال المأخوذ مال حرام لا يجوز أخذه شرعا. والله أسال أن يهدينا سبيل الرشاد ويوفقنا لمرضاته إنه سميع الدعاء.(2/385)
خلاصة في التأمين
الشيخ محمد علي التسخيري
أنواع التأمين:
للتأمين أنواع:
فمنه التأمين التجاري المتداول حيث تقوم شركات التأمين بالتأمين على الحياة والمال وأمثال ذلك.
ومنه التأمين التعاوني حيث تتفق مجموعة على وضع رؤوس أموالها في صندوق تعاوني مشترك لجبران الخسارة الواردة عليها.
والذي وقع مورد الاعتراض هو التأمين التجاري دون التعاوني، وكذلك دون التأمين التجاري الذي تقوم به الدولة باعتبار أنه يعود بالتالي لمصلحة المجتمع.
الاعتراضات التي تذكر على عقد التأمين التجاري:
أولا – الغرر:
إذا المستأمن لا يستطيع أن يعرف وقت العقد مقدار ما يعطى أو يأخذ فقد يدفع قسطا أو قسطين ثم تقع الكارثة فيستحق ما التزم به المؤمن، وقد لا تقع الكارثة.
وقد نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر (رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه عن أبي هريرة) .
ويقاس على البيع عقود المعاوضات المالية فيؤثر الغرر فيها وقد صنفه علماء القانون في (عقود الغرر) .
والخطر حادث محتمل لا يتوقف على إرادة العاقدين.
والغرر المفسد للعقد يشترط فيه أن يكون المعقود عليه أصالة وهذا متحقق في عقد التأمين التجاري.
ويفهم من الغرر اشتماله على الجهالة في البدلين ولا قيمة لرضا أي من الطرفين لأنه مخالف لقواعد الشرع.
وقد قيل أن الغرر هنا فاحش مؤد إلي النزاع.
والجواب:
تارة على مبنى الشيعة بعدم التعميم لاعتبار عدم الغرر لعدم صحة القياس وحينئذ فلا تبقى مشكلة مستعصية.
وأخرى على مبنى التعميم من خلال القياس أو من خلال ما روي عن نهيه صلى الله عليه وسلم عن الغرر مطلقا وحينئذ أجاب عنه.(2/386)
1- الدكتور الزرقاء بما ملخصه:
"الغرر هو الخطر والمراد به أن يكون البيع قائما على مخاطرة أشبه بالقمار والرهان بحيث تكون نتائجه ليست معاوضة محققه للطرفين بل ربحا لواحد وخسارة لآخر بحسب المصادفة وإذا نظرنا لتطبيقات النبي صلى الله عليه وسلم للغرر من النهي عن بيع الملاقيح (ما ستنتجه إناث الإبل الأصلية) وضربة القانص (ما ستخرجه شبكة الصياد من سمك أو حيوان) وبيع الثمار على الأشجار في بداية انعقادها.
كما قدر الفقهاء عدم صحة بيع الأشياء غير مقدورة التسليم كبيع طائر في الهواء هذا من جهة.
ومن جهة أخرى فإن عنصر المقامرة والاحتمال حالة طبيعية مشروعة في التجارة والزراعة والكفالة، وهناك عقد الإحالة على المعاش قبله الفقهاء مع اشتماله على الغرر وحينئذ نستنتج أن الغرر المنهي عنه هو نوع فاحش متجاوز للحدود الطبيعية بحيث يجعل العقد كالقمار المحض وهذا لا ينطبق على التأمين. فهو عقد له غاية محدودة محققة النتيجة فور عقده.
والتامين فيه عنصر احتمالي بالنسبة للمؤمن من حيث وقوع الخطر ثم أن هذا العنصر يزول بملاحظة مجموع عقود التأمين، أما المستأمن فلا خطر محتمل لديه إذ لو لم يقع الخطر واضح وإلا فالتعويض فالمعاوضة قائمة بن الأمان والأقساط ثم راح يوضح أن عنصر الاحتمال قد قبله فقهاؤنا في الكفالة فلو قال (تعامل مع فلان وما يثبت لك عليه من حقوق فأنا كفيل به "صحت الكفالة ولو صرح بالخطر" أن فلس مدينك فلان فأنا كفيله) .
وعليه فمع وقوع الغرر فهو غرر غير ممنوع شرعا.
وأيده في أن الغرر هنا لا يمنع الشيخ على الخفيف لأنه لا يؤدي إلي النزاع ورد عليه البعض بأنه أدى في بعض الحالات إلا أن الجواب واضح فإن المراد الحديث عن نوع الغرر هنا.
ثم أكد أنه على فرض وجود الغرر الكثير فإن الحاجة قائمة فيه وأجابهم الآخر بأن التأمين التعاوني بديل لرفع الحاجة.(2/387)
وأجابه الآخرون! فماذا تقولون في البلاد التي ليس فيها تأمين تعاوني وذكرت هنا بعض النصوص لذلك.
وأجاب البعض بأن الغرر هو الجهالة والممنوع منها هو جهالة المعاملة كعدم معلومية العوض لا مطلق الجهل وإلا لشمل المزارعة والمساقاة والشركة وكذلك استئجار الأجير للخدمة في البيت مع عدم معلوميتها إذ قد لا يرد الضيف ثم قد يندفع الغرر بالمشاهدة كبيع الصوف على ظهر الغنم ويقول الإمام: أن الظاهر من النهي عن بيع الغرر هو ما كان الغرر في نفس ما تقع المبادلة عليه أي ذات الثمن وذات المبيع. (البيع ص351 ج3)
وهنا يقال: إننا نشترط شروط الإمام في ذلك.
يضاف إلي ذلك. أنكم جميعا قبلتم التأمين في الشركة التعاونية والتأمين الحكومى وهو مشتمل بلا ريب على الغرر فما الفرق بينهما؟
وهذا ما قرره الدكتور الزرقاء وهو صحيح. فأما أن نقول بتحريم التعاوني أو نسوى بينه وبين التجاري.
ثانيا – الربا:
ويبدو أن التركيز فيه على التأمين على الحياة بافتراض أنه يدفع للشركة مالا على أن تدفع للمستأمن أو لورثته أو للمستفيد أكثر مما دفعه فهو ربا الفضل والنسيئة وإذا دفعت المساوى فهو من ربا النسيئة أو يقال أن شركات التأمين تستثمر احتياطي أموالها بطريق الربا وأن المستأمن في التأمين على الحياة إذا بقى حيا بعد انقضاء المدة يسترد الأقساط مع فائدتها، وهذا حرام. أما الشبهة الأولي فقد دفعت من قبل الدكتور الزرقاء؛ بأن التأمين على الحياة لو كان بنحو أقساط يدفعها أحدهم على انه إذا توفى خلال مدة معينة التزمت الشركة بدفع مبلغ المعونة وإلا انتهي العقد ولا ترد الأقساط فلا شبهة ربا فيه.
وهناك صورة التأمين الادخاري المختلط.
ويداخل معظم صوره الربا كأن يدفع المستأمن مبلغا شهريا أو سنويا محددا فيدخر له فإن ظل حيا أخذه وفوائده، وإذا توفى تدفع الشركة لأسرته جميع ما كانت ستعيده إليه خلال مجموع المدة والشركة تربح الفرق بين الفوائد المدفوعة للأسرة والفوائد التي تقرض بها ذلك المال وهذا حرام.
إلا أن كل هذا مبنى على جعل التأمين عملية إقراض ولا يأتي في الهبة المعوضة أو الضمان بعوض.(2/388)
ثالثا – المقامرة:
وذلك لما فيه من المخاطرة في معاوضات مالية، ومن الغرم بلا جناية أو تسبب فيها ومن الغنم بلا مقابل أو مقابل غير مكافئ وإذا استحكمت فيه الجهالة كان قمار ودخل في عموم النهى عن الميسر المنهي عنهم أجاب عنه الزرقاء: أن القمار آفة خلقية وشل للقدرة المنتجة ولا يقاس بالتأمين وهو عملية تجارية تعطى للمستأمن طمأنينة من نتائج الأخطار وهو معاوضة مفيدة وليس في القمار معاوضة.
رابعا – الرهان:
وهو رهان مرفوض شرعا. إلا أن الجواب أن الرهان يعتمد على الحظ والمصادفات وليس في الرهان ترميم للأضرار.
خامسا:
أخذ مال الغير بلا مقابل، وهذا أمر غريب فكيف ينظر فيه إلي عدم العوضية مع أن العوضية فيه واضحة، ثم أن كونه بلا مقابل على الأقل مشكوك فلا يشمله عموم أكل المال بالباطل لأنه من التمسك بالعام في الشبهات المصداقية.(2/389)
سادسا:
الإلزام بما لا يلزم شرعا، أو بتعبير آخر يعبر عن ضمان ما لم يجب. فالمؤمن لم يحدث الخطر ولم يتسبب في حدوثه. وأجيب عنه: بأن الأمور الاعتبارية قوامها باعتبار العقلاء وقد جرى بناؤهم على صحة الضمان.
وقد أفتوا بضمان الدرك ونفوذه في ضمن المعاملة لو ظهر أحد العوضين مستحقا للغير ولو كان الضامن للدرك غير المتعاملين تبرعا أو بأجرة وإن رفض البعض ذلك ومنهم الإمام.
قد يقال إنه تعهد ابتدائي غير ملزم. ولكن يجاب بأنه تعهد معامل مستقل.
سابعا:
وهو ما أضافه الأستاذ أبو زهرة:
الصرف الباطل: لأنه بيع دين بدين إذ هو شراء ألف مقسطة بألف غير مقسطة والصرف لا بد فيه من التقابض. ويرد الدكتور الزرقاء بأنه ليس من عقود الصرف الذي موضوع مبادلة نقود بنقود. والواقع انه من الخطأ أن يقال إنه عقد صرف أو بيع دين بدين.
ثامنا:
إن التأمين يؤدي إلي تعطيل سهم الغارمين، وهذا غريب، ذلك أن وجود هذا السهم لا يعني تشجيع الناس على ترك الاعتماد على أنفسهم وإنما يعني التخفيف عن كاهل الزكاة التي يؤخذ بها في الدرجة الأولي لسد حاجة الفقراء.(2/390)
أساليب التصحيح
الأسلوب الأول:
أنه عقد مستقل عقلاني مشمول لقوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} يلزم الوفاء به. فإن الآية القرآنية تشمل كل عقد عرفي ما لم يتناف مع الحدود التي منع الشرع من الاقتراب إليها فكل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل. وهو مبنى الإمام وغيره من الفقهاء وهذا الأسلوب أكد عليه الدكتور الزرقاء.
وليس الناس محصورين في العقود المعروفة. وقد قدر المذهب الحنفي على أن الأصل الإباحة شرعا في العقود الجديدة وقد مر أن الشبهات التي ذكرت كلها باطلة.
الأسلوب الثاني:
الهبة المعوضة، فهو أسلوب صحيح وتكون الهبة حينئذ لازمة لا يمكن الرجوع فيها إلا أن المتعارف غير هذا الأسلوب.
الأسلوب الثالث:
الصلح، ولا يرد عليه مسألة الغرر بكل وضوح إلا انه أيضا غير متعارف.
الأسلوب الرابع:
الضمان المعوض فهو عقد ضمان يلتزم فيه أحد الطرفين بجبران الخسارة لقاء التزام الآخر بعوض.
وهذا الأسلوب محتمل، إلا انه يلزم منه القول بجواز ضمان الأجنبي وهو جائز في رأى بعض العلماء وغير جائز في رأى آخرين.
كما يجب الالتزام بأنه لا يشترط في الضمان أن يضمن الدين في الذمة بل يمكن ضمان الأعيان حتى لو كانت عند أصحابها.
ويستشكل عليه بأنه من قبيل ضمان ما لا يجب، وقد أجبنا عليه من قبل. هذا وقد أفتى بعض الفقهاء بجواز ضمان الدرك ونفوذه في المعاملة لو ظهر أن أحد العوضين مستحق للغير ولو كان الضامن غير المتعاملين وقد تردد صاحب جواهر الكلام في ذلك من جهة عدم ورود النص ولم ينجزه الإمام.
وعلى فرض عدم صحة الضمان فما المانع من أن يقدم المؤمن تعهدا فعليا لأداء مال على تقدير التلف فإن اشتراط الفعل في الماليات يوجب تعلق حق للمشروط له على المشروط عليه بحيث لو مات يتعلق بتركته.(2/391)
ويختلف هذا الضمان بأنه تعهد بالنتيجة وهذا تعهد بالفعل قد يعترض على هذا فيقال: بأنه شرط ابتدائي لا تشمله قاعدة المؤمنون عند شروطهم؛ ولكن يجاب بأن التأمين تعهد معاملى مستقل، وحتى لو كان ابتدائيا فإنه يمكن اشتراطه في ضمن مصالحة بمال ورغم أن القياس مرفوض عندنا؛ إلا أن البعض حاول أن يستأنس لصحة هذا العقد بضمان الجريرة في الإرث بعد حذف الفارق الجوهري بينهما.
وفرق البعض بينهما بأن الهدف هنا الاسترباح وهناك التعاون ولكنه غير جوهري.
هذا وقد حول الكثيرون قياس هذا العقد على ضمان الجريرة، والوعد الملزم، وضمان المجهول، وضمان ما لم يجب، وضمان خطر الطريق، ونظام التقاعد، ونظام العاقلة، وعقود الحراسة.
ورغم عدم إيماننا بالقياس فإنها تصح نقضا على الإشكالات التي أوردها على التأمين من الغرر والجهالة وغير ذلك، حاول البعض الاستدلال بالضرورة وغير ذلك إلا أنها ليست بحجة، وكذا الاستدلال بالعرف فليس هو من الأدلة وإنما يبني عليه من فهم صاحبه، وبالنسبة للربح تكون هناك نسبة مئوية.(2/392)
شروط صحة عقد الضمان بنظر الإمام:
1- يشترط في الموجب والقابل كل ما يشترط فيهما في سائر العقود.
2- يشترط:
- تعيين المؤمن عليه من شخص أو مال أو مرض.
- تعيين طرفي العقد المؤمن والمستأمن.
- تعيين المبلغ المدفوع من قبل المؤمن.
- تعيين الخط الموجب للخسارة.
- تعيين المبلغ الذي يدفعه المستأمن.
- تعيين زمان التأمين ابتداء وانتهاء.
تصحيح التأمين التعاوني:
وهذا العقد يمكن تصحيحه بالطرق المذكورة ومنها جعله عقد ضمان "بأن يضمن كل خسارة شركائه بالنسبة في مقابل ضمانهم لخسارته ويكون الأداء من المال المشترك".
ولكن الإمام يستظهر فيه الالتزام بجبر الخسارة في مقابل جبرهم للخسارة بنسبة ماله في المال المشترك وهو عقد لازم.
ويحتمل أن يكون عقد شركة التزم كل في ضمنه خسارة كل واحد منهم وحينئذ يكون جائزا.(2/393)
عقود التأمين وإعادة التأمين في الفقه الإسلامي
دراسة مقارنة بالفقه الغربي
فضيلة الدكتور محمد عبد اللطيف الفرفور
بسم الله الرحمن الرحيم
في صراع الحضارات، واختلاف أنماط الحياة، وتوزع الفكر، وتشوش الرؤية، يقف المسلم في مفترق الطرق حائرا لا يدري أين يتجه، وما هو الذي سيؤدي به لشاطئ الأمن، وفي اختلاف المذاهب والآراء تضيع الخاصة من الناس المثقفين بالثقافة العامة فكيف العامة؟ وهنا تظهر مسؤولية أهل العلم لدرس النوازل والوقائع وبيان حكم الشريعة فيها شأن العلماء السابقين سلفنا الطاهر رضوان الله عليهم.
وصحيح ما ينادى به بعض الأفاضل من ضرورة الاجتهاد الجماعي ولا سيما الآن، ولكن حتى يحصل هذا المطلوب الكبير لا يجوز لنا أن نقف مكتوفي الأيدي أمام ما يجد من الحوادث، فلكل حادثة حكم شرعي هو حكم الله تعالى فيها علمه من علمه وجهله من جهله.
وأهم ما يقف بوجهنا الآن من شؤون الحضارة الحديثة ومشكلاتها (عقود التأمين وإعادة التأمين) ولقد سئلت عن هذا الأمر من جهات متعددة وإنني الآن أعرض ما ظهر لي بعد الدراسة والتمحيص في مراجع الفقه الإسلامي والفقه الغربي ولا أدعي أن ذلك حكم الله تعالى في الأمر بل هو رأيي ورضى الله تعالى عن الإمام أبي حنيفية القائل "علمنا هذا رأيي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه". وينبغي أن يكون ذلك دستور العلماء ...
والعلماء قد يختلفون وقد يتفقون، ولكن كل واحد منهم يقدر الآخر حق قدره، ويمنحه خالص الود والاحترام، فقديما قالوا: "الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية" فالغرض الرئيسي من هذه الكتابة وأمثالها بيان وجه الحق فقط، فمتي ظهرت أمارات الحق وتحققت المصلحة فثم شرع الله ...
وقد عقدت هذه الدراسة على ثلاثة فصول.. كل فصل على حدة ... وخاتمة في البديل الإسلامي، والله يقول الحق وهو يهدى السبيل.
مدينة دمشق الشام.(2/394)
الفصل الأول
عقد التأمين بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي
(التصور)
مدخل:
أولا: تصور الموضوع وتحرير محل الخلاف فيه.
ثانيا: أقاويل الفقهاء الإسلاميين في عقد التأمين ونقل خلافهم فيه.
مدخل
الأمن في اللغة
المادة الثلاثية (أم ن) هي مادة واحدة، وإن تعددت صور الاشتقاق؛ فالأمن: ضد الخوف ونقيضه في التنزيل {وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} {أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ} قرآن كريم.
والأمانة؛ ضد الخيانة.
والإيمان ضد الكفر، وهو بمعنى التصديق: ضد التكذيب.
وأمن فلان يأمن أمنا وأمنا وأمانا فهو أمن والأمنة الأمن، ومنه {أَمَنَةً نُعَاسًا} ؛ وتقول (اوتمن فلان) صار مؤتمنا، و (استؤمن إليه) وظل في أمانة، و (استأمنني فلان فأمنته أومنه إيمانا) أي طلب الأمان. وفي الحديث ((المؤذن مؤتمن)) . ومؤتمن القوم الذي يثقونه ويتخذونه أمينا حافظا) ، والأمين هو الحافظ الحارس الذي يتولى رقابة شيء وقالوا: (أعطيت فلانا من أمن مالي) ، أي من خالص مالي.
وقالوا: ما أمن أمنتك وإمنك: أي دينك وخلقك.
وفي التنزيل {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} أي الآمن والمراد مكة المكرمة.
وقوله {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ} أي في أمن من الغير.
وقوله {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ (3) الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَآَمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ} وفي الحديث عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رجلا أتي النبي صلى الله عليه وسلم فسأله عن المسلم والمجاهد والحاج، ثم سأله عن المؤمن فقال عليه السلام: ((المؤمن من ائتمنه الناس على أموالهم وأنفسهم)) .
وفي الحديث الذي رواه أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((المؤمن من أمنه الناس والمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده، والمهاجر من هاجر السوء. والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه)) .
وفي حديث جابر مرفوعا ((ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع)) .
قال ثعلب: أن معنى الحديث: ما آمن شديد الإيمان ... وذلك مخافة أن يحمل القول على نفي الإيمان نفيا تاما عنه.
وقال ابن الأثير عند الكلام عن اسم الله تعالى (المؤمن) : هو الذي يصدق عباده وعده؛ فهو من الإيمان والتصديق، أو يؤمنه في القيامة من عذابه فهو من الأمان ضد الخوف.
قلت؛ وفي هذا من الربط بين الإيمان وبين التراحم بين الناس ما يرق فوق كل شيء، فالأمن والائتمان والاستئمان وكل صور الاشتقاق راجعة كما ترى إلي الإيمان.
- لسان العرب ج13 ص 21 وما بعدها.
- النهاية في غريب الحديث لابن الأثير الجزرى.
- مفردات القرآن لراغب الأصفهاني.
- تاج العروس شرح القاموس؛ للزبيدى.(2/395)
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا: تصور الموضوع وتحرير محل الخلاف فيه:
تصور موضوع التأمين:
نظام التأمين وفقا لنظريته العامة في نظر الاقتصاد هو (نظام تعاقدى يقوم على أساس المعاوضة، غايته التعاون على ترميم أضرار المخاطر الطارئة بوساطة هيئات منظمة تزاول عقوده بصورة فنية قائمة على أسس وقواعد إحصائية) (1) وجاء في المادة 713 من القانون المدني المصري القديم و747 من القانون المدني المصري الجديد مع بعض تحوير في الصياغة أن عقد التأمين؛ (هو عقد بين طرفين أحدهما يسمى المؤمن والثاني المؤمن له (أو المستأمن) يلتزم فيه المؤمن بأن يؤدي إلي المؤمن لمصلحته مبلغا من المال أو إيرادا مرتبا أو أي عوض مالي آخر في حالة وقوع حادث أو تحقق خطر مبين في العقد، وذلك في مقابل قسط أو أية دفعة مالية أخرى يؤديها المؤمن له إلي المؤمن) (2) .
وفي العصر الحاضر لا يقوم بالتأمين فرد نحو فرد بل تقوم به شركات مساهمة كبيرة يتعامل معها عدد ضخم من المستأمن، فيجتمع لها مبالغ كبيرة من أقساط التأمين، وتؤدي من هذه الأقساط المجتمعة ما يستحق عليها من تعويضات عند وقوع الحوادث المؤمن منها، ويبقى رأس مالها سندا احتياطيا، ويتكون ربحها من الفرق بين ما تجمعه من أقساط وما تدفعه من تعويضات.
والتأمين بمعناه الحقيقي المتعارف عليه عقد حديث النشأة في العالم فهو لم يظهر إلا في القرن الرابع عشر الميلادي في إيطاليا حيث وجد بعض الأشخاص الذين يتعهدون بتحمل جميع الأخطار البحرية التي تتعرض لها السفن أو حمولتها نظير مبلغ معين (التأمين البحري) ، ثم ظهر بعده التأمين من الحريق ثم التأمين على الحياة، ثم انتشر بعد ذلك التأمين وتنوع حتى شمل جميع نواحى الحياة فأضحت شركات التأمين تؤمن الأفراد من كل خطر يتعرضون له في أشخاصهم وأموالهم ومسؤولياتهم بل أضحت بعض الحكومات تجبر رعاياها على بعض أنواع التأمين (3) .
__________
(1) عقد التأمين: الزرقاء ص12
(2) عقد التأمين: الزرقاء ص12
(3) التأمين: د. البدراوي ص30(2/396)
- أنواع التأمين:
(أ) ينقسم التأمين من حيث شكله إلي تأمين تعاوني، أو تأمين بالاكتتاب، وتأمين بقسط ثابت:
1- التأمين التعاوني (أو التبادلي) (أو بالاكتتاب) :
في هذا النوع من التأمين يجتمع عدة أشخاص معرضين لأخطار متشابهة فيدفع كل منهم اشتراكا معينا، وتخصص هذه الاشتراكات لأداء التعويض المستحق لمن يصيبه الضرر، وإذا زادت الاشتراكات على ما صرف من تعويض كان للأعضاء حق استردادها، وإذا نقصت طولب الأعضاء باشتراك إضافي لتغطية العجز، أو أنقصت التعويضات المستحقة بنسبة العجز، وأعضاء شركة التأمين التعاوني لا يسعون إلي تحقيق ربح، بل إلي تخفيف الخسائر التي تلحق بعض الأعضاء، فهم يتعاقدون ليتعاونوا على تحمل مصيبة قد تحل ببعضهم، وتدار الشركة بوساطة أعضائها، فكل واحد منهم يكون مؤمنا ومؤمنا له.(2/397)
2- التأمين بقسط ثابت:
في هذا النوع من التأمين: وهو النوع السائد الآن الذي تنصرف إليه كلمة التأمين لدى إطلاقها، يلتزم المؤمن له بدفع قسط محدد إلي المؤمن، وهو الشركة التي يتكون أفرادها من مساهمين آخرين غير المؤمن لهم، وهؤلاء المساهمون هم المستفيدون بأرباح الشركة، ففي التأمين بقسط ثابت يكون المؤمن له غير المؤمن الذي يسعى دائما إلي الربح، بخلاف التأمين التعاوني الذي لا يسعي إلي الربح أبدا، وإنما غاية أفراده التعاون على تحمل المخاطر، وهذا الهدف الإنساني النبيل لا يوجد إلا في التأمين التعاوني ولا يوجد البتة في التأمين بقسط ثابت ولو قال بذلك بعض رجال القانون كالدكتور السنهوري وغيره، فالفكرة الاسترباحية البحتة هي الأساس هنا والفكرة التعاونية غلاف براق لها فقط.
(ب) وينقسم التأمين من حيث موضوعه إلي قسمين رئيسيين:
1- تأمين الأضرار:
وهو يتناول المخاطر التي تؤثر في ذمة المؤمن له، والغرض منه تعويض الخسارة التي تلحق المؤمن له بسبب الحادث وهو ينقسم إلي قسمين:
- التأمين على الأشياء؛ ويراد به تعويض المؤمن له من الخسارة التي تلحقه في ماله كالتأمين من الحريق والسرقة.
- والتأمين من المسؤولية؛ ويراد به ضمان المؤمن له ضد الرجوع الذي قد يتعرض له من جانب الغير بسبب ما أصابهم من ضرر يسأل عن التعويض عنه، وأهم صوره تأمين المسؤولية الناشئة من حوادث السيارات أو من حوادث العمل.
وفي تأمين الأضرار يلتزم المؤمن بتعويض المؤمن له عند حدوث الكارثة في حدود مبلغ التأمين، أي أن المؤمن يدفع للمؤمن له أقل المبلغين؛ المبلغ المؤمن به، والمبلغ الذي يغطي الضرر الناشئ عن الحادثة، وليس للمؤمن له أن يجمع بين مبلغ التأمين ودعوى التعويض ضد الآخرين المسؤولين عن الحادث، وإنما يحل المؤمن محل المؤمن له في الدعاوى الكائنة له ضد من تسبب في الضرر.(2/398)
2- تأمين الأشخاص:
وهو يتناول كل أنواع التأمين المتعلقة بشخص المؤمن له، ويقصد به دفع مبلغ معين للإنسان في وجوده أو سلامته، يحدده المؤمن باتفاق بينهما، ولا يتأثر بالضرر الذي يصيب المؤمن له، وللمؤمن له الجمع بين مبلغ التأمين من المؤمن والتعويض ممن تسبب في الضرر، فالمؤمن هنا لا يحل محل المؤمن له.
ويشمل تأمين الأشخاص نوعين أساسيين:
1- التأمين على الحياة، وله صورة متعددة أهمها:
(أ) التأمين لحالة الوفاة وقد يكون عمريا وقد يكون مؤقتا وقد يكون تأمين البقيا حسب الاشتراط.
(ب) التأمين لحال البقاء أو لحال الحياة؛ ومن أمثلته التأمين المضاد.
(ج) التأمين المختلط البسيط: وهو أن يلتزم فيه المؤمن بأداء المبلغ المؤمن إما في تاريخ معين للمؤمن له نفسه إذا ظل حيا في هذا التاريخ، وإما إلي المستفيد المعين أو إلي ورثة المؤمن له إذا مات قبل التاريخ، ويكون القسط في هذا النوع اكبر من النوعين السابقين، وهذا النوع هو أكثر شيوعا في التأمين على الحياة.
2- التأمين من الحوادث الجسمانية: وهو النوع الثاني من نوعي التأمين على الأشخاص، ويلتزم فيه المؤمن بدفع مبلغ من المال إلي المؤمن في حالة ما إذا أصابه في أثناء المدة المؤمن فيها حادث جسماني، أو إلي المستفيد المعين إذا مات المؤمن له.(2/399)
(ج) التقسيم الثالث: تأمين خاص وتأمين اجتماعي:
1- فالتأمين الخاص هو ما يعقده المؤمن على نفسه من خطر معين، ويكون الدافع إليه هو الصالح الشخصي.
2- والتأمين الاجتماعي هو ما كان الغرض منه تأمين الأفراد الذين يعتمدون في معاشهم على كسب عملهم من بعض الأخطار التي يتعرضون لها فتعجزهم عن العمل كالمرض والشيخوخة والبطالة والعجز. وهو يقوم على فكرة (التضامن الاجتماعي) ويشترك في دفع القسط مع المستفيد أصحاب العمل والدولة التي تتحمل هنا العبء الأكبر.
(د) التقسيم الرابع: تأمين إجباري وتأمين اختياري:
1- فالأول ما ألزمت به الدولة في قطر رعاياها كالتأمين الاجتماعي مار الذكر والتأمين على السيارات.
2- الثاني ما كان خلاف ذلك (1) .
وبعد: فيظهر مما تقدم كله ما يلي:
1- أن عقد التأمين عقد معاوضة في غير التأمين التعاوني. لأن كلا من طرفي العقد يحصل على مقابل لما يؤديه مشروط في العقد.
2- انه عقد احتمالي (2) ، وعقد غرر؛ لأن الغرض منه تحمل خطر غير محقق الوقوع، والاحتمال قد يكون في تاريخ وقوع الحادثة لا في وقوعها أو عدمه؛ أي أن الحادثة قد تكون محققة الوقوع ولكن لا يدري متى تقع كالتأمين على الحياة في حال الوفاة.
وقد ذكر القانون المصري والسوري عقد التأمين في ضمن عقود الغرر.
إلا أن الدكتور السنهوري يرى في عقد التأمين رأيا آخر.
فهو يرى أن تعريف القانون المصري لعقد التأمين الذي أسلفناه قاصر لأنه أهمل جانبا رئيسيا من جوانب العقد الفنية ألا وهو جانب الجماعة المتعاونين (مجموع المؤمن لهم) فيما لم ينظر إلي هذا الجانب بعين العناية من قبل المشرعين يكون العقد كله داخلا في المقامرة والرهان الباطل، هذه نقطة.
والنقطة الأخرى انه لم يجعل في شرحه الوسيط عقد التأمين من عقود الغرر لأنه يقف من هذا العقد موقفين متناقضين معا في الوسيط شرح القانون المدني المصري:
تعريف جامع مانع ولعل أدق التعريفات وأوفرها حظا من التوفيق عند علماء الاقتصاد ذلك التعريف الذي أورده الأستاذ (هيمار) بكتابه في شرح التأمين فقد عرف التأمين على الوجه التالي:
(التأمين عملية يحصل بمقتضاها أحد الطرفين وهو المؤمن له نظير دفع قسط على تعهد لصالحه أو لصالح الغير من الطرف الآخر وهو المؤمن على تعهد بمقتضاه يدفع هذا الأخير أداء معينا عند تحقيق خطر معين وذلك عن طريق تجميع مجموعة من المخاطر وإجراء المعاوضة وفقا لقوانين الإحصاء) .
__________
(1) العقد الاحتمالي (هو العقد الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين أو أحدهما وقت العقد معرفة قدر ما يعطي أو يأخذ من العقد)
(2) العقد الاحتمالي (هو العقد الذي لا يستطيع فيه كل من المتعاقدين أو أحدهما وقت العقد معرفة قدر ما يعطي أو يأخذ من العقد)(2/400)
أركان التأمين: 1- الخطر. 2- القسط. 3- العوض المالي. 4- المصلحة في التأمين.
1- فالخطر: هو الحادث المستقبل الوقوع ولا يتوقف تحققه على محض إرادة المؤمن، أي يقع دون إرادته.
2- القسط: هو المبلغ الذي يؤديه المؤمن له شهريا أو سنويا حسب الاتفاق لتقوم الشركة بمقتضاه بتحمل بقية المخاطر المؤمن ضدها، فالقسط في التأمين بمثابة الثمن في البيع أو الأجرة في الإيجار، فالتأمين التجاري يقوم على بيع الأمن، والأمن لا يباع ولا يشري.. ويشمل القسط ما يوازى قيمة الخطر بالإضافة إلي المصاريف التي تتكلفها الشركة وكذا الأرباح، ويسمى القسط في مجموعه بـ (القسط التجاري) .
3-لعوض المالي وهو إما أن يكون تعويضا يقدر بحسب قيمة الخسارة الناتجة عن تحقق الخطر المؤمن ضده، وإما أن يكون مبلغا محددا نص عليه في عقد التأمين بالعوض يدفع حسبما اتفق عليه بين المؤمن والمؤمن له.
4- المصلحة في التأمين: يكون محلا للتأمين كل مصلحة اقتصادية مشروعة وجدية تعود على الشخص من عدم وقوع خطر التأمين فقد تعرض لوجود الغرر في عقد التأمين في موضعين من كتابه (الوسيط) فبدا في أحد الموضعين وكأنه يسلم بوجود الغرر في عقد التأمين ولكنه يجوزه للضرورة، أي في الموضع الآخر فقد نفى الغرر عن التأمين ولكن نفيه عنه كان منصبا على الجانب الفني من التأمين لا على الجانب القانوني وسنناقش هذا الرأي والذي قبله فيما بعد إن شاء الله (1) .
__________
(1) الوسيط 7: 1089، و7: 1140(2/401)
شبهته وردها:
يرى البعض من الفقهاء المعاصرين أن اختلاف مفهوم نظام التأمين لدى علماء الشريعة وعلماء القانون هو السبب الرئيسي في اختلاف حكمهم عليه، فالماثل في أذهان علماء القانون تعاونية العقد وتضامنيته وانضباطه تحت قواعد العدل والحق، وفقهاء الشريعة الإسلامية يرون انه عقد ربوى قائم على الرهان والميسر (1) .
والحق أن هذا غير صحيح لأن مفهوم العقد هذا واحد عند الجميع، حيث لا يتصور فقهاء الشريعة هذا العقد إلا كما يصوره لهم فقهاء القانون لأنه نشأ عندهم وفي ظل تشريعهم الوضعى. لكن فقهاءنا القدامى كابن عابدين ومن جاء بعده تكلموا في بعض أنواع عقود التأمين كالتأمين البحري والسنجة، حيث لم يكن آنئذ وجد من هذه العقود غيرها؛ والواقع أن عقود التأمينات كلها تنبع من مشكاة واحدة وتصور بعضها تصور للجميع والحكم على هذا البعض حكم على الجميع باستثناء التأمين التعاوني كما سيأتي فهو لم يدخل في هذا المسمى إلا تجوزا.
فمن المحتم أن يكون هناك مصلحة واضحة للمستأمن وإلا لزادت نسبة المخاطر التي يمهد لها المستأمن سبل وقوعها غير آبه بانعدام الشيء محل التأمين لانعدام مصلحته في المحافظة عليه.
ومن علماء القانون من اقتصر على ثلاثة: التراضي بين المتعاقدين، ومحل العقد والسبب الذي يقوم عليه العقد.
__________
(1) عقد التأمين للأستاذ الزرقاء ص25 وما بعدها(2/402)
خصائص عقد التأمين: هو عقد رضائي وملزم للجانبين، ومن عقود المعاوضة، والعقود الاحتمالية (الغرر) ومن العقود الزمنية، ومن عقود الإذعان.
1- أما انه عقد من عقود التراضي، فباعتبار أن الإيجاب والقبول ضروريان فيه فينعقد بمجرد توافق الإيجاب والقبول، لكنه لا يثبت عادة إلا بوثيقة تأمين (بوليصة) يوقع عليها المؤمن، وأصبح في مشروع الحكومة عقدا شكليا.
2- وهو عقد ملزم للجانبين؛ حيث إنه ينشئ التزامات متقابلة في ذمة كل طرف من طرفيه قبل الآخر؛ وتنشأ هذه الالتزامات من اللحظة التي يتم فيها العقد بركنيه الإيجاب والقبول.
3- وهو عقد احتمالي؛ لأنه خسارة أو ربح كل من طرفي العقد غير معروف وقت العقد وهو من المسمى لدى علماء القانون بـ (عقود الغرر) .
4- وهو عقد زمني (أي مستمر) حيث لا يتم الوفاء بالالتزام المترتب عليه بصفة فورية، وإنما يستغرق الوفاء بهذا الالتزام مدة من الزمن هي مدة نفاذ العقد.
5- وهو عقد إذعان: حيث يتولى أحد طرفي العقد وضع الشروط التي يريدها ويوضعها على الطرف الآخر فإن قبلها دون مناقشة أو تعديل أبرم العقد وإلا فلا.
6- وهو عقد معاوضة من حيث أن كل واحد من طرفيه يأخذ مقابلا لما يعطي.
7- وهو عقد مسمى: والعقود المسماة هي التي تخضع للأحكام العامة من حيث انعقادها، وللقواعد التي تقررها الأحكام القانونية فيما يتعلق بالتفصيل.(2/403)
8- وهو عقد من عقود حسن النية: إذ أن حسن النية صفة لازمة لكل عقود التراضي، بمعنى أنه يجب على كلا الطرفين التصرف بأمانة وإخلاص مع وجوب إعطاء البيانات المطلوبة للطرف الآخر حول العقد.
والستة الأولي من الخصائص نص عليها الدكتور السنهوري في الوسيط (1) . والسابعة والثامنة ذكرها بعض الكاتبين من العلماء (2) .
ثانيا: أقاويل الفقهاء الإسلاميين في عقد التأمين ونقل خلافهم فيه:
ذهب فقهاء الشريعة الإسلامية في حكم عقد التأمين مذاهب ثلاثة؛ التحريم مطلقا، والحل مطلقا. والتردد والانتقاء.
(أ) مذهب المحرمين مطلقا:
1- وعلى رأسهم فقيه الحنفية الكبير العلامة ابن عابدين في كتابين من كتبه؛ حاشية رد المحتار، ومجموع الرسائل.
(أ) فعبارته في حاشية المحتار على الرد المختار (وربما قررناه يظهر جواب ما كثر السؤال عنه في زماننا وهو أنه جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبا من حربي يدفعون له أجرته ويدفعون أيضا مالا معلوما لرجل حربي مقيم في بلاده يسمى ذلك المال (سوكرة) على أنه مهما هلك من المال الذي في المركب بحرق أو غرق أو نهب أو غيره فذلك الرجل ضامن له بمقابلة ما يأخذه منهم، وله وكيل عنه مستأمن في دارنا يقيم في بلاد السواحل الإسلامية بإذن السلطان يقبض من التجار مال السوكرة (أي قسط التأمين) وإذا هلك من مالهم في البحر شيء يؤدى ذلك المستأمن للتجار بدله تماما، والذي يظهر لي أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك من ماله، لأن هذا التزام ما لا يلزم. اهـ.
__________
(1) الوسيط ج7 ص1138 وما بعدها
(2) العقود الشرعية الحاكمة ص133 وما بعدها(2/404)
وقصد ابن عابدين في تعليقه (بأن التزام ما لا يلزم) أي الؤمن الذي أسماه (صاحب السوكرة) قد التزم بعقدها أن يوضح للتاجر عند هلاك ماله تعويضا عنه لا يلزمه الشرع بدفعه، فلا يجوز أخذه منه بناء على ما بينه قبلا منه أنه لا يجوز أن يؤخذ من المستأمن في دار الإسلام ما لا يلزمه أداؤه وإن جرت به العادة كالعوائد التي تؤخذ من زوار بيت المقدس آنئذ.
وهذا هو المبني الذي علل به ابن عابدين بعدم جواز تعويض التأمين من المؤمن بناء على أن المؤمن قد التزم بهذا العقد ما لا يلزمه، فهو كالوديع أو المستعير أو المستأجر إذا اشترط عليهما في العقد ضمان قيمة الوديعة أو العارية أو العين المأجورة إذا هلكت بلا تعد ولا تقصير فمثل هذا الشرط في قواعد المذهب الحنفي لا يلزمهم بشيء فلا يجوز أخذ هذا الضمان منهم.
ثم أورد (1) ابن عابدين رحمه الله على عدم الجواز مسألتين منصوصا عليهما في المذهب قد يشعر قياس كل منهما بالجواز وهما:
1- مسألة الوديع بأجر حيث يضمن الوديعة إذا هلكت.
2- مسألة ضمان خطر الطريق التي ينص عليها فقهاء الحنفية في كتاب الكفالة:
(وهى ما لو قال لآخر "اسلك هذا الطريق فإنه آمن، وإن أخذ فيه مالك فأنا ضامن" حيث يضمن القائل ما يصيب مال السالك في هذا الطريق) .
ويعلل فقهاء المذهب بأن هذا القول تغرير من القائل مع التعهد فيضمن للمغرر به. وكذلك أجاب ابن عابدين عن دلالة هذه المسألة الثانية (مسألة ضمان خطر الطريق) بأن بينها وبين قضية السوكرة فرقا لا يصح من قياسها عليها.
__________
(1) حاشية المختار على الدر المختار للعلامة ابن عابدين ج3 ص249 وما بعدها(2/405)
ويميز ابن عابدين رحمه الله بين أن يكون عقد التأمين معقودا في دار الحرب مع المؤمن الذي يسميه (صاحب السوكرة) وأن يكون معقودا في دار الإسلام؛ فعدم جواز اخذ التعويض مقصور على الحالة الثانية التي يعقد فيها السوكرة في دار الإسلام حيث تطبق عليه أحكام الإسلام، أما إذا كان التأمين معقودا في دار الحرب وأرسل صاحب السوكرة بعد هلاك البضاعة مبلغ التعويض إلي صاحبها التاجر الذي في دار الإسلام فإن أخذه عندئذ حلال لأنه أخذ لمال حربى برضاه دون غدر ولا خيانة وليس بعقد فاسد معقود في دار الإسلام حتى يكون خاضعا لأحكام ديننا.
وقال ابن عابدين أيضا "إن كان العقد في بلادنا والقبض في بلادهم، فالظاهر أنه لا يحل أخذه ولو برضا الحربي لابتنائه على العقد الفاسد الصادر في بلاد الإسلام، فيعتبر حكمه".
فابن عابدين يرى أن عقد التأمين البحري الذي كثر السؤال عنه في زمانه لا حكم له إذا عقد في بلد غير إسلامي عقده مسلم أو غيره. وإذا عقد في بلد إسلامي كان عقد معاوضة فاسدا لا يلزم الضمان به لأنه التزام ما لا يلزم شرعا، وفساد العقد كان للفساد في أحد بدليه لأنه لا سبب للضمان شرعا، وله في حل أخذ مال البدل بمقتضي هذا العقد التفصيل السابق، وإذا كان ابن عابدين لم يكن له رأي إلا في التأمين البحري. فان مذهبه فيه يقضى حتما بأن يكون هذا حكم سائر أنواع التأمين لأنه لا يوجد فيها سبب شرعي للضمان فيكون التزام ما لا يلزم، ويكون العقد في هذه الأنواع عقدا فاسدا إذا عقد في دار الإسلام بين مستأمنين، أو ذميين أو مسلمين، أو اختلط طرفاه. ولا يحل لمسلم أخذ البدل بمقتضاه، وإذا عقد في بلد غير إسلامي لم يكن له حكم، ويحل للمسلم اخذ البدل بالرضا لا بالتقاضي.
(ب) في مجموع الرسائل؛ في رسالة (أجوبة محققة عن اسئلة مفرقة) للعلامة محمد ابن عابدين صاحب الحاشية، جاء في هذه الرسالة (1) ما نصه: (وسئلت؛ في رمضان سنة أربعين ومائتين وألف عما إذا جرت العادة بين التجار أنهم يستأجرون مركبا من مراكب أهل الحرب لحمل بضائعهم وتجارتهم ويدفعون للمراكبي الحربي الأجرة المشروطة وتارة يدفعون له مبلغا زائدا على الأجرة لحفظ البضائع بشرط ضمان ما يأخذه أهل الحرب منها، وانه أن اخذوا منه شيئا فهو ضامن لصاحبها جميع قيمة ذلك، فاستأجر رجل من التجار رجلا حربيا كذلك ودفع له مبلغا تراضيا عليه على انه أن أخذ أهل الحرب منه شيئا من تلك البضاعة يكون ضامن من الجميع ما يأخذونه، فسافر بمركبه فأخذه منه بعض القطاع في البحر من أهل الحرب فهل يلزمه ضمان ما التزم حفظه وضمانه بالعوض؟ أم لا؛ فأجبت، الذي يظهر من كلامهم عدم لزوم الضمان.. الخ وذكر ما ذكر في حاشية المختار في قرابة صفحتين وبعض الثالثة فلا حاجة إلي التكرار.
__________
(1) مجموع الرسائل ج2ص177 وما بعدها، وابن عابدين وأثره في الفقه الدكتور الفرفور ك. تب البحث ج2 ص250 وما بعدها(2/406)
2- والفقيه الثاني من رؤوس المحرمين العلامة الشيخ محمد بخيت المطيعي، فقيه عصره ومفتى الديار المصرية:
أصدر هذا العالم رسالة سماها (أحكام السكورتاه) من استنباطه تقع في قرابة ثلاث عشرة صفحة من القطع المتوسط طبعت في مطبعة النيل سنة 1906 ثم طبعت بعد ذلك مرة أخرى؛ وخلاصة القول فيها؛ أن بعض علماء سلانيك كتب إليه يسأله:
(عن المسلم يضع ماله تحت ضمانة أهل "قومبانية" تسمى "قومبانية السوكورتاه" أصحابها مسلمون أو ذميون أو مستأمنون. ويدفع لهم في نظير ذلك مبلغا معينا من الدراهم. حتى إذا هلك ماله الذي وضعه تحت ضمانهم يضمنونه له بمبلغ مقرر بينهم من الدراهم. فهل له أن يضمنهم ماله المذكور إذا هلك؟ وهل يحل له أخذ دارهمهم إذا ضمنوا؟ وهل يشترط كل أخذه تلك الدراهم أن يكون العقد والأخذ في غير دار الإسلام؟ أو يكفى أن يكون العقد في غير دار الإسلام؟ وإن كان الأخذ في دار الإسلام؟ وهل يحل لأحد الشركاء أن يباشر العقد عن الجميع ويأخذ البدل بغير دار الإسلام ثم يعطي الباقين حصصهم؟ وقال المستفتي: وإن هذا مما عمت به البلوى في دياره. وانه راجع كتب المذهب فلم يجد بها شيئا يطمئن به) ..
فأجاب المفتى المطيعي رحمه الله؛ بما خلاصته:
(إن هذا العقد ليس بملزم لأحد طرفيه، فالمال الملتزم بدفعه للقومبانية دفعه غير لازم، ولمن دفعه أن يسترده، لأنه دفع ما لا يلزمه على ظن انه يلزمه؛ ولا يلزم أهل القومبانية الضمانة، لأنه التزام معلق على هلاك المال، وتارة يهلك وتارة لا يهلك ولا نعرف متى يهلك لو سلمنا بالهلاك، فهو عقد معلق على الخطر وما فيه من معاني القمار) . واستدل إليه بأن ضمان الأموال إما بطريق الكفالة أو بطريق التعدي أو الإتلاف: وليس عقد التأمين بواحد من هذه الثلاثة وليس بمفاد بمضاربة أيضا ثم قال:
1- (إن كان العقد وأخذ البدل في دار الإسلام: لا يحل الأخذ ويكون المأخوذ مالا خبيثا.
2- وإن كان العقد والأخذ في غير دار الإسلام؛ حل الأخذ وكان المأخوذ مالا طيبا لمن أخذه.
3- وإن كان العقد في غير دار الإسلام والأخذ فيها لا يحل أخذ البدل.
4- وإن كان العقد في دار الإسلام والأخذ في غيرها حرم إجراء العقد ومباشرته، ولكن مع ذلك يحل أخذ بدل المال الهالك متى كان الأخذ في غير دار الإسلام وبرضاهم) .
وقال (إنه لا يضر متي كان الأخذ حلالا لا يضر بعد ذلك أن يعود به إلي دار الإسلام أو يبعث إليها) (1) .
__________
(1) رسالة أحكام السيكورتاه؛ مواضع متعددة ...(2/407)
ويلاحظ انه هو وابن عابدين كان كل منهما يستنبط الحكم مما قرره فقهاء الحنفية، وأن ابن عابدين لم يذكر سببا لفساد العقد إذا عقد في دار الإسلام إلا انه التزام ما لا يلزم، ولكن المطيعي لم يعتمد في فساده على ذلك بل اعتمد على قيلته على الخطر وما فيه من معنى القمار. وهما متفقان في الأحكام إلا في حل أخذ البدل في دار الإسلام بغير مخاصمة إذا كان العقد في غير دار الإسلام، فابن عابدين يرى حله؛ لأن العقد في غير دار الإسلام لا حكم له، والأخذ كان بالرضا، والمطيعي يرى: أن الأخذ في دار الإسلام لا يحل مطلقا. لأن المسلم لا يحل له أن يأخذ في دار الإسلام من المستأمن إلا ما يلزمه شرعا. ومال البدل لم يلزمه شرعا.
3- الفقيه الشيخ عبد الرحمن قراعة: مفتى الديار المصرية:
وفتواه سنة 1925 ليست إلا ترديدا لما جاء في رسالة (السكورتاه) للشيخ المطيعي، فهو مثله رأيه: أن التأمين لا يجوز في الحريق نصا ولا يجوز في سائر أنواع التأمين اقتضاء يشبه الصريح.
ومن العلماء المحرمين المعاصرين أو قبل المعاصرين بقليل، 1- الشيخ محمد علي الساير 2- الشيخ طه الديناري 3- الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي 4- المرحوم الشيخ أحمد إبراهيم إبراهيم؛ الفقيه أستاذ الفقه بمدرسة القضاء الشرعي وكلية الحقوق بجامعة القاهرة، في مقال بمجلة الشباب المسلمين سنة 1941م 5- الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير، رئيس قسم الشريعة الإسلامية بجامعة الخرطوم في كتابه (الغرر وأثره في العقود) 6- الشيخ عبد الله التعلقيلي؛ مفتي الأدرن في تقولة له في أسبوع الفقه الإسلامي سنة 1964. 7- الشيخ محمد علي البولاقي، عضو هيئة التحرير في موسوعة الفقه الإسلامي في الكويت والمدرس في معهد الدراسات العليا في مصر في رسالة خاصة نشرها بعض الكاتبين. 8- المرحوم الدكتور محمد أبو اليسر عابدين المفتي العام للجمهورية العربية السورية سابقا، وأستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة دمشق سابقا.
فقد سألته (وإني أحد تلاميذه) في مجلس خاص عن حكم هذا العقد فقال؛ الكراهة التحريمية كما قال ابن عابدين الجد.
وذلك عام 1970م قبيل وفاته بحوالى عشر سنين رحمه الله تعالى، وممن أخذ بالتحريم المطلق من المعاصرين الدكتور عيسى عبده في كتابين له ... والمرحوم عارف الجوي الدمشقي في رسالة له والأستاذ عبد الله علوان من سوريا والاستاذ الشيخ عبد الستار السيد والشيخ فخر الدين الحسني:
هذا ومن أراد التوسع فليرجع إلي مبحث في التأمينات للشيخ محمد أحمد فرج السنهوري عضو مجمع البحوث الإسلامية في الأزهر الشريف في مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية العدد السابع ج2.(2/408)
(ب) مذهب المحللين مطلقا:
وقد كانوا قلة فأصبحوا كثرا اليوم ويقف على رأس هؤلاء جميعا:
1- الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء، أستاذ الشريعة الإسلامية في كلية الحقوق بجامعة دمشق وأستاذ في كلية الشريعة بها سابقا ووزير سابق، في المقال الذي كتبه في أسبوع الفقه الإسلامي بمهرجان ابن تيمية بدمشق 1961 ثم جرده وطبعه بكتاب سماه (عقد التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه) (السوكرة) في حوالى مائة صفحة وتزيد.
2- الأستاذ علي الخفيف؛ أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة في بحثه الذي يقدمه للجنة الخبراء فقد ذهب إلي إباحة أنواع التأمين جميعها ولكن الأستاذ محمد أحمد فرج السنهوري فهم منه شفويا أنه يميل إلي منع التأمين على الحياة.
3- الدكتور محمد سلام مدكور أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة ببحث مستقل (1) نشره في مجلة العربي.
4- الأستاذ محمد بن الحسن الحجوي الثعالبي؛ أستاذ العلوم العالية بالقرويين؛ في ذلك كتابه الفكر السامي.
5- المرحوم الدكتور يوسف موسى: أستاذ الشريعة بكلية الحقوق بجامعة القاهرة ثم بكلية الحقوق بجامعة عين شمس: قال أن التأمين بكل أنواعه ضرب من ضروب التعاون شرعا لا باس به إذا خلا من الربا.
6- المرحوم الشيخ عبد الرحمن عيسى؛ مدير تفتيش العلوم الدينية والوثنية بالأزهر: ذهب لجواز التأمين بجميع أنواعه.
7- المرحوم الشيخ الطيب حسن النجار عضو جماعة كبار العلماء.
8- المرحوم الشيخ عيسوى أحمد عيسوى، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق جامعة عين شمس، في مقال نشرته مجلة العلوم القانونية والاقتصادية بجامعة عين شمس يوليو سنة 1962 ذهب فيه إلي إباحته بكل أنواعه.
9- الدكتور محمد البهي، عضو مجمع البحوث ووزير الأوقاف وشؤون الأزهر سابقا: في كتابه (نظام التأمين في هدى أحكام الإسلام وضرورات المجتمع المعاصر) ذهب فيه إلي جواز عقد التأمين بجميع أنواعه بل أوجب على الدولة حمل الناس عليه إلزاميا أخذا من كلام ابن خلدون.
10- المرحوم الشيخ عبد الله صيام من العلماء الأزهريين المتخصصين كتب كلمة في مجلة المحاماة الشرعية مايو 1932 فكان صوته أول صوت شرعي جري بمصر ذهب إلي إلحاق التأمين بالموالاة فهو جائز مثله.
(ج) مذهب المترددين أصحاب فكرة الانتقاء والتخير لكنهم إلي المنع أقرب:
1- وعلى رأسهم يقف أستاذنا العلامة المرحوم الشيخ محمد أبو زهرة أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة وعضو لجنة الخبراء وذلك فيما كتب في الاهرام الاقتصادي سنة 1961 وممن شهدوا مؤتمر الفقه الثاني بدمشق سنة 1961، وكانت له تعليقات على المحاضرات التي ألقيت في مسألة التأمين، ورأيه في كل ما أبدى في تلك الأوقات تجمعه مذكرته باللجنة على وجه منسق مرتب انتهى فيه إلي أن هذا العقد غير جائز في الفقه الإسلامي بل فاسد يكرهه الإسلام لكنه أباح في مقال آخر له التأمين على السيارات (2) فقط من أنواع التأمين ولا ندري وجه الفرق؟!
2- المرحوم الشيخ عبد الوهاب خلاف أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق بجامعة القاهرة: في مقال له في صحيفة لواء الإسلام فذهب فيه إلي جواز عقد التأمين على الحياة فقط من أنواع التأمين ولم يتطرق لغيره.
__________
(1) مجلة العربي الكويتية عدد 192 و195 – ولغير الكتاب المذكور حول التأمين على الحياة
(2) عقد التأمين؛ الزرقا ص 21 نقلا عن الاهرام الاقتصادي لعدد 132/15 شباط 1961(2/409)
3- الأستاذ أحمد السنوسى
في مقالين له في مجلة الأزهر أكتوبر ونوفمبر سنة 1953 نشرت بحثا له في التأمين من المسؤولية ذهب إلي جواز هذا النوع قياسا له على عقد الموالاة الذي ذهب إلي مشروعيتة عدد من كبار فقهاء الصحابة والأمصار وبقائه مشروعا. ولم يتجاوز تأمين المسؤولية إلي غيره من أنواع التأمينات لأنه استند إلي عقد الموالاة. وهو لا يكاد ينفيه على طريقته في الأنواع الأخرى.
4- الشيخ الشرباصي الرائد العام لجمعية الشبان المسلمين
يستفاد من جوابه على السؤال المذكور في الاهرام الاقتصادى أن نظام التأمين إذا قام على أساس ربوى فهو محرم ولا سيما في التأمين من عنصر الجهالة والفوضى بحيث يكون غبنا للفرد غالبا وغنما متضخما متكررا لشركات التأمين، وإذا لم يكن التخلص من النظام الربوي ومنه في نظرة التأمين) اعتبر ضرورة فيعمل به مؤقتا مع وجوب العمل على التخلص منه.
5- محمد أحمد فرج السنهوري؛ عضو مجمع البحوث الإسلامية ولجنة الخبراء
يرى إباحة أنواع التأمين عدا التأمين على الحياة من أجل مستفيد غيره وعدا ما يسمونه تأمينا ادخاريا فهو في حقيقته معاملة ربوية وفي تسميته تأمينا كثير التجوز.
6- الشيخ محمد مبروك؛ خبير اللجنة المالكي
افتي بفساد عقد التأمين على الحياة لاشتماله على الربا والمقامرة والمخاطرة، وأما عقد التأمين على الأضرار فهو عقد سليم خال من الربا والغرر والجهالة.
وهنالك من علماء القانون من ذهب إلي جواز عقد التأمين في الشريعة الإسلامية وعلى رأسهم الدكتور السنهوري في كتابه الوسيط ج7 ص1089 ومن أراد التوسع في معرفة آراء الفقهاء فليرجع إلي:
1- أسبوع الفقه الإسلامي – مهرجان ابن تيمية (عقد التأمين) .
2- مؤتمر البحوث الإسلامية العدد السابع.
3- الوسيط للدكتور السنهوري.
4- عقد التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه للأستاذ الزرقاء.(2/410)
خاتمة: قصة تاريخ فتوى الشيخ محمد عبده "مفتي الديار المصرية":
المستردهور رسلى، مدير شركة ميوتوال ليف الأمريكية استفتي دار الافتاء بمصر: (في رجل يريد أن يتعاقد مع جماعة (قومبانية) مثلا على أن يدفع لهم مالا من ماله الخاص على أقساط معينة ليعملوا فيها بالتجارة، واشترط عليهم؛ أنه إذا قام بما ذكر وانتهى الاتفاق المعين بانتهاء الأقساط المعينة، وكانوا قد عملوا في ذلك المال، وكان حيا؛ أخذ ما يكون له من المال مع ما يخصه من الأرباح، وإذا مات في أثناء تلك المدة يكون لورثته، أو لمن له حق الولاية في ماله، أن يأخذوا المبلغ. تعلق مورثهم مع الأرباح، فهل مثل هذا التعاقد – الذي يكون مفيدا لأربابه، بما ينتجه لهم من الربح – جائز شرعا. نرجو التكرم بالإفادة) .
فأجاب الأستاذ الشيخ محمد عبده في شهر صفر سنة 1321 هـ ابريل 1903م بقوله:
"لو صدر مثل هذا التعاقد بين ذلك الرجل وهؤلاء الجماعة على الصفة المذكورة كان ذلك جائزا شرعا، ويجوز لذلك الرجل بعد انتهاء الأقساط، والعمل في المال وحصول الربح أن يأخذ لو كان حيا – ما يكون له من المال، مع ما خصه من الربح، وكذا يجوز لمن يوجد بعد موته من ورثته أو من له ولاية التصرف في ماله بعد موته أن يأخذ ما يكون له من المال، مع ما أنتجه من الربح والله أعلم".(2/411)
قلت: استفتى – رحمه الله عن صورة مضاربة صميمة متفق على صحتها فأفتي فيها بالجواز، في هذا؟ وما صلته بالتأمين على الحياة؟
ولكن الدعاية المضللة للتأمين على الحياة أشاعت وأذاعت أن الأستاذ المفتي الشيخ محمد عبده أفتى بجواز التأمين على الحياة، كما استغل ذلك في الترويج للإيداع بصندوق التوفير للبريد بفائدة معينة وكثرت الأكاذيب في هذه الدعايات حتى علقت بأذهان العالم والجاهل وعرض بعض معاصريه من العلماء بفتواه. وإن يعلم أن الشيخ لبرئ مما يفترون، ولكن ماذا عليه لو امتنع عن إفتاء هذا الرجل وهو يعلم أنه مدير شركة تأمين على الحياة وحمى نفسه من هذا الافتراء، ووقانا شر هذا الصداع الدائم حتى اليوم (1) .
وبعد فالأستاذ المفتى الشيخ محمد عبده ليست له فتوى ولا رأى معروف في أي نوع من أنواع التأمين، يؤيد ذلك موقف الشيوخ الكبار في مجلس الأوقاف الأعلى الذين كان المفتي واحدا منهم وهم المغفور لهم العلماء سليم البشري شيخ الأزهر، حسونة النواوي شيخ الأزهر، محمد عبده المفتي، بكرى عاشور الصرفي المفتي، محمد بخلق مفتى.
__________
(1) مؤتمر مجمع البحوث الإسلامية العدد السابع ص 156 وما بعدها(2/412)
الفصل الثاني
عقد التأمين بين الفقه الإسلامي والفقه الغربي
(التصديق)
أولا: وجوه استدلال الفقهاء ومناقشتهم.
ثانيا: الموازنة.
ثالثا: رأينا في عقود التأمين.
أولا: وجوه استدلال الفقهاء ومناقشتهم
(أ) أدلة المحرمين مطلقا:
1- أولا: أن عقود التأمين الحالية نوع من الميسر (القمار) الذي حرمه الإسلام لصدق تعريفه عليه، والميسر كما عرفه الفقهاء (هو كل عقد يكون فيه أحد العاقدين عرضة للخسارة بلا مقابل يناله من العاقد الآخر الرابح) . قال صاحب الكليات (الميسر، كل شيء فيه خطر فهو من الميسر) (1) وقال صاحب المغرب (الميسر: قمار العرب بالأزلام) (2) وقال مثله صاحب التعريفات.
ولو ذهبنا ننظر فيما دفعه المؤمن إلي شركة التأمين على حياته أو تجارته لوجدنا أنه لم يستفد شيئا إذا لم يصب فيهما أو في أحدهما، وقد يمر العمر كله ولم يمسه سوء ولم ينزل به ضرر، فلا يحل هذا المدفوع إلي الشركة لمنوط عن عوض مالي مقابل، كما لا وجه لحل ما يأخذه هو أو ورثته من الشركة بتقدير ضرره، إذ ليس للشركة أي يد في إيذائه، على أن طمع بعض الورثة بمورثهم قد يحملهم على قتله من غير مباشرة لسبب القتل استعجالا للحصول على المال من شركة التأمين، وقد يبقى الائتمان على المورث المقتول مستورا عن الناس ...
__________
(1) الكليات للكفوي ج4 ص182
(2) المغرب للمطرزي ج2 ص397(2/413)
2- ثانيا: أن عقود التأمين الحالية نوع من (عقود الغرر) .
والغرر: بفتحتين لغة الخطر، واصطلاحا (ما يكون مستور العاقبة) (1) ، ومعناه بيع الأشياء الاحتمالية الذي لا تدري عاقبته هل تحصل أم لا، وقد جاء تحريم الغرر في أحاديث كثيرة منها حديث مسلم مرفوعا (ونهي عن بيع الغرر) .
3- أن عقود التأمين في حقيقتها تقوم على الرهان والمجازفة:
لأن التزام الشركة معلق على خطر قد يقع وقد لا يقع، فإن وقع التزمت الشركة بأداء مبلغ التأمين أو بالتعويض، وإن لم يقع لم تلتزم الشركة بشيء من ذلك، ولا يقصد من ذلك إلا تحقيق الربح الاحتكاري والاثراء الفاحش بلا سبب. وتضخم المال بلا جهد. وهذا قول بعض رجال الاقتصاد في الغرب والشرق:
(أ) يقول (اللورد ما نسفيله) ؛ " عقد التأمين قائم على المجازفة، ولذلك يصعب في بعض الحالات أن نفرق بينه وبين عملية المراهنة على مبالغ نقدية من حيث الأصل الذي عليه العقد"، ولقد استشهد بهذا القول بعض شراح القانون التجاري في انكلترا في كتاب (ستيفنس) الصادر سنة 1920 عن الناشر (باتروث) وشركاه في لندن.
(ب) يقول (سلوتر) شارح القانون التجاري في انجلترا (التأمين هو شراء الأمن ... ذلك أن المستأمن – مدفوعا بالرغبة في حماية نفسه ضد خطر ما – فإنه يشترى من المؤمن (الشركة) حق التعويض أن وقع الضرر بسبب ذلك الخطر، ويقال لثمن الشراء (جعل) أو (قسط) ، وغالبا ما يكون دفعة سنوية، ويندرج وعد المؤمن بالتعويض "في حالة وقوع الحادثة المؤمن ضدها فيما يقال له (البوليصة) وهل البوليصة إلا المجازفة والإثراء الفاحش بلا سبب.
__________
(1) المبسوط 13: 194 والغرر ص27 و34(2/414)
(ج) يقول الدكتور عيسى عبده في كتابه (التأمين.... الأصيل والبديل) (1) (إن بعض الشركات المتواضعة والناشطة في ميدان التأمين قد حققت في عام 1968 وحده ربحا صافيا يقرب من ربع رأس المال، وهذا الربح الصافى وفقا للقانون يذهب إلي المساهمين أصحاب الشركة ولا يذهب إلي المستأمنين) .
4- أن عقود التأمين في واقعها تقوم على التعامل الربوى الذي حرمه الإسلام، وهب أن القائلين بالحل قالوا لنا: إننا نشترط عدم وجود الربا في عقد التأمين نقول لهم: وهل الواقع يصدقكم؟ فهاتوا لنا حالة واحدة في العالم خلا عقد التأمين فيها عن الربا والفائدة؟
5- أن عقود التأمين قائمة في المبدأ والغاية على بيع الأمن نظير ثمن يتفق عليه ويقال له وسط. ولكن هذا الأمن المباع هو خدمة اجتماعية يجب أن تقوم بها الدولة وهي محاسبة ومسؤولة أن قصرت في تحقيقها، فلا يجوز لفرد أو شركة أن تستغل هذه الخدمة لابتزاز الأموال والربح الذاتي، لأن هذه الخدمة تدخل في مضمون الخدمات التي هي من اختصاص الدولة كإقامة العدل ودفع الظلم وتحقيق الأمن وتأمين الحق لكل مواطن في العيش الضروري كتأمين المواد التموينية، فهي من اختصاصات الدولة فقط وهي مسؤولة عن تأمينها أولا وآخرا فإذا قصرت في تأمينها أو غضت الطرف عنها فإنها محاسبة أمام الله، ومسؤولة أمام الأمة.
__________
(1) ص 41(2/415)
تلكم أحد أدلة من ذهب إلي أن عقود التأمين محرمة في الشريعة الإسلامية وأنها تتنافي في نظرهم مع مقاصدها العامة وقواعدها الأساسية.
(ب) أدلة المبيحين لعقود التأمين:
الأدلة التي أوردها كل من هؤلاء العلماء المبيحين للتأمين مطلقا متداخلة متشابهة، وسأقتصر في تبيان هذه الأدلة على ما ذكره الأستاذ الزرقاء باعتبارها الأكثر شمولا والأقوى حجة ودلالة من حجج ودلالة الآخرين الذاهبين معه إلي الجواز، وذلك ملخص من كتابه (عقد التأمين) .
المستندات القياسية التي استند إليها الأستاذ حفظه الله في جواز عقد التأمين،
1- عقد الموالاة
ويتلخص هذا العقد في أن يقول شخص مجهول النسب للعربي "أنت وليي تعقل (1) عنى إذا جنيت، وترثني إذا مت" وهذا العقد اخذ به كبار فقهاء الصحابة كعمر وابن مسعود وأخذ به من فقهاء الأمصار الإمام أبو حنيفة وأصحابه.
فعقد المولاة هذا صورة حية من صور عقد التأمين حيث الولي يتحمل مسؤولية مجهول النسب من لا عاقلة له. في كل ما يصدر منه من أضرار، فوجه المشابهة بين عقد الموالاة وعقد التأمين هو تحمل المسؤولية من غير تبعة لا غير.
2- ضمان خطر الطريق عند الحنفية
وخلاصته: انه إذا قال شخص لآخر (اسلك هذا الطريق فإنه آمن، وإن أصابك شيء فأنا ضامن) فسلكه فأصابه شيء فعوضه ما خسره لأنه ضامن فهو نص استثنائي قوى في جواز التأمين على الأموال من الأخطار.
3- قاعدة الالتزامات والوعد الملزم عند المالكية
وخلاصته: (أنه إذا وعد شخص غيره عدة بقرض أو بتحمل وضيعة (خسارة) أو إعارة أو نحو ذلك مما ليس بواجب عليه في الأصل، فهل يصبح بالوعد ملزما؟ ويقضي عليه بموجبه إن لم يف به أو لا يكون ملزما به) .
اختلف المالكية في ذلك على أربعة آراء: من جملتها (يقضي بالعدة "أي الموعد" مطلقا، أي أنها ملزمة له.
فإذا أخذنا بالمذهب الأوسع في هذه القضية فإننا نجد في قاعدة الالتزامات هذه متسعا لتخريج عقد التأمين على أساس انه التزام من المؤمن للمستأمنين. ولو بلا مقابل على سبيل الوعد بأن يتحمل عنهم أضرار الحادث الخطر الذي يتعرض له احدهم؛ أي أن يعوض عنه الخسائر.
4- نظام العواقل في الإسلام
ويتلخص في انه إذا جنى أحد جناية قتل غير عمد بحيث يكون موجبها الأصلي الدية لا القصاص، فإن دية النفس توزع على أفراد عاقلة الذين يحصل بينه وبينهم التناصر عادة، وهم الرجال البالغون من أهله وعشيرته، وكل من يتناصر بهم ويعد هو واحدا منهم، كانت في الجاهلية وأقرها الإسلام لما فيها من معنى التعاون على البر والتقوى.
فما المانع من أن يفتح باب لتنظيم هذا التعاون على ترميم الكوارث المالية بجعله مكونا بطريقة التعاقد والإرادة الحرة كما جعله الشرع إلزاميا دون تعاقد في نظام العواقل.
__________
(1) العقل؛ هو دفع التعويض المالي في جناية القتل الخطأ، وهو ما يسمى بدية القتل الخطأ(2/416)
5- التأمين الاجتماعي الجائز شرعا
فما الفرق بين نظام التقاعد والمعاش لموظفي الدولة وهو تأمين اجتماعي أجازه علماء الشريعة كافة بلا نكير وبين التأمين على الحياة؟
والخلاصة أن نظام التأمين بوجه عام عند هؤلاء تشهد لجوازه جميع الدلائل الشرعية في الشريعة الإسلامية وفقهها ولا ينهض في وجهه دليل شرعي على التحريم – لديهم – ولا شبهة من شبهة القائلين بالتحريم.
هذا ملخص الأدلة التي أوردها زعيم القائلين بالحل الأستاذ مصطفى أحمد الزرقاء في جواز التأمين في مؤتمر أسبوع الفقه الإسلامي الذي أقيم في دمشق سنة 1961 ثم أفرده بكتاب (عقد التأمين وموقف الشريعة الإسلامية منه) .
وقد استدل بعض الذاهبين (1) إلي التحليل بدليلين آخرين: (الأستاذ الخفيف)
1-الأول أن الغرر المسلم في عقد التأمين غير مؤشر فلا يمنع من صحته، فهنالك عقود جوزها كثير من الفقهاء مع أن ما فيها من الغرر أكثر من الغرر الذي في عقد التأمين كبيع ما في الصندوق وعلم المشتري ما فيه وبيع الثمر قبل بدء صلاحه ... الخ.
2-واستشهد هؤلاء الأفاضل على جواز التأمين برأى بعض المالكية في البيع بالنفقة على المشتري مدة حياته فقد قال الأستاذ الخفيف ما نصه (وعلى هذا يرى أن منع التأمين لما فيه من الغرر أو الجهالة لا يقوم على أساس ويؤيد، أننا قد وجدنا من فقهاء المالكية من يجيز اتفاقا يشبه عقد التأمين تمام الشبه ويحوى كثيرا من الغرر لا يحويه عقد التأمين، فقد جاء في شرح المنتقي على موطأ مالك للباجى (42: 5) "وقد دفع إلي جل داره علما أن ينفق عليه حياته. روى ابن المواز عن أشهب قال: لا أحب ذلك ولا أفسخه أن وقع، وقال أصبغ: هو حرام؛ لأن حياته مجهولة ويفسخ. وقال ابن القاسم عن مالك؛ لا يجوز إذا قال: على أن ينفق عليه حياته" فنرى أن أشهب أجاز هذا الاتفاق مع الكراهة، وأن مالكا قيد عدم جوازه بجهالة مدة الإنفاق وهي مدة الحياة، ومقتضى ذلك انه إذا تم الاتفاق على أن ينفق عليه مدة معينة صح عنده مع ما في ذلك من الغرر، وعليه فلو عرض عقد التأمين على مالك لذهب إلي تجويزه بناء على ذلك) ، واستدل الأستاذ الزرقاء كذلك بعقد جائز شرعا:
__________
(1) الأستاذ الخفيف في كتاب الغرر ص658 للصديق محمد الأمين (الدكتور)(2/417)
في كتابه (مصادر الحق في الفقه الإسلامي) يرى الدكتور السنهورى أن هنالك تطورا ملحوظا في الفقه الإسلامي في هذه المسألة وأن أكثر المذاهب تطورا فيها هو مذهب مالك، وقد بين ابن رشد في عبارة جليلة الأصل عند مالك فقال؛ [والأصل عنده – أي مالك – أن من الغرر ما يجوز لموضع الضرورة] (1) .
هذا هو أظهر ما استدل به زعماء الذاهبين إلي إباحة عقد التأمين ومن اتبعهم. هذا؛ ولقد رجعت إلي ما كتبه الدكتور محمد سلام مدكور (2) في مقال نشره بمجلة العربي الكويتية في عددين اثنين، فرايته في ما كتب لم يخرج عن دائرة المبيحين لعقود التأمين كلها في الفقه الإسلامي مبتدئيا شريطة خلوها من عنصر الربا، وأن يطوعها فقهاء الشريعة الإسلامية ليتلافوا ما يصاحبها من مفسدات العقود وموجبات ذلك الفساد الطارئ عليها (3) ، وقد جعل من مقاله الأول شبه مدخل للمقصد الذي أراده في مقاله الثاني، كما تطرق إلي هذه العقود التأمينية لدى فقهاء القانون بما لا يخرج عما ذكرنا، وإن كان في ما كتب في هذه النقطة بالذات يحتاج إلي مزيد من التثبت والرجوع للمصادر القانونية لأنه فرق بين التأمين التبادلي والتعاوني وهذا تفريق لا يعرفه فقهاء القانون، وارجع إلي الوسيط للدكتور السنهوري تجد بعدا بينما ذكره واضع القانون وشارحه وبينما ذكره الأستاذ كاتب المقال!!
__________
(1) مصادر الحق في الفقه الإسلامي ج3 ص32-33
(2) في مجلة العربي الكويتية مقالات ثلاث عن عقود التأمين، مقال في العدد 66 وعنوان (عقد التأمين على الحياة ليس حراما..) وهو خاص بالتأمين على الحياة لذا لم أتعرض له بل لما هو أعم وأشمل، ومقالان اثنان للدكتور محمد سلام مدكور رئيسا قسم الشريعة الإسلامية بكلية حقوق جامعة القاهرة وأستاذ الفقه والأصول بجامعة الكويت آنئذ الأول منهما كالمدخل الثاني، وعنوانه (عقود التأمين وموقف الفقه منها) العدد 192 من ص20 إلي ص25، والثاني عنوانه (عقود التأمين ما حكهما في الفقه الإسلامي) العدد 195 من ص 24، وهو بيت القصد لخص فيه ما ذهب إليه الفقهاء الإسلاميون القدامي والمعاصرون باختصار شديد ثم تكلم في أدلته وعقب ذلك برد شبه الخصم، ثم ختم بحثه بمنافع التأمين واقتراح بالاجتهاد الجماعي في هذا الموضوع وحاجة المسلمين إليه
(3) العربي العدد 195 ص24 حيث قال (والذي نراه بعد ذلك أن عقد التأمين في جوهره وأصل فكرته مساير لمصالح الناس الذين اقبلوا عليه دون ترتب نزاع بسبب وأصل العقد كما انه لم يرد في التشريع الإسلامي نص يمنعه ويبطله، كما أنه لا يتنافي مع قواعد الشرع العامة، ثم قال في ذات الصفحة (ونقترح أخيرا أن يجتمع فريق من كبار المسلمين المخلصين لدينا ويتدارسوا عقود التأمين بجميع أنواعها وما يتصل بها من شروط ويطوعوا الناشز منها ليكون متمشيا مع قواعد ديننا الإسلامي) آهـ(2/418)
ولقد ذهب في قضية فتح باب التعاقد بعقود مستحدثة في الفقه الإسلامي شأن الأستاذ الزرقاء والفقهاء المبيحين للعقود التأمينية بإطلاق لا ينافي ذلك الفقه الحنبلي بعامة والشيخ ابن تيمية بخاصته (1) .
أما أدلته التي استند إليها في ما ذهب إليه فترجع في مجموعها إلي ما ذهب إليه الأستاذ الزرقاء ومن تبعه فجعل كلا من الغرر والجهالة التي في عقود التأمين مفتخرًا فسلم بوجود الغرر والجهالة ولكن لم يجعل منهما مفسدا للعقد أو مانعا من إباحته استنادا إلي أن كتب الفقه الإسلامي تكاد تكون ممتلئة من العقود التي أقرها الفقهاء مع أن فيها من الغرر ما لا تقل عن نظيره في عقود التأمين مثل دية القتل الخطأ والقسامة، والعمرى، والوصية بمرتب مدى الحياة وعقد الموالاة الذي أجازه كبار الصحابة والمذهب الحنفي.
ثم أردف ذلك بتنفيذ أدلة الخصم الذاهبين إلي المنع والتحريم وسمى أدلتهم تلك (شبها) ولخص تلك الشبه!! بست:
1-أنها تقوم على الجهالة والغرر وهما يمنعان من صحة العقد شرعا، لنهي الشارع عن الغرر.
2-وأن الضمان فيه من قبيل البر والخير ولا يجوز أخذ العوض عنه.
3-وأنه ضمان لشيء معدوم وقت العقد وإن كان على خطر الوجود.
4-وهذا قمار ممنوع شرعا أيضا.
__________
(1) كتاب (العقود) للشيخ ابن تيمية رحمه الله تعالى ص226 حيث قال (وقد بينا في غير موضع أن الأصل في العقود الإباحة، فلا يحرم منها إلا ما حرمه الله ورسوله) . أ. هـ. قلت: وقد طبع هذا الكتاب تحت اسم (نظرية العقد) سنة 1949م فلينظر!!(2/419)
5-وأنها أكل لأموال الناس بالباطل.
6-وأنها لا تخلو بحال عن الربا.
ورد على هذه الشبه الست ردا تجد مضمونه في ثنايا ما ذكرت وما سأذكر من تفنيد الأدلة ومناقشتها. إلا أني أتوقف عند الشبهة الأولي في زعم صاحب المقال ورده عليها وهي قضية الجهالة والغرر لأنها أهم نقطة في البحث كله وأجدر شيء في هذا المقال بالاهتمام، فجعل الغرر والجهالة في عقود التأمين مما لا يمنع من صحة العقد وإباحة للأمور التالية:
1- لأن عقودًا كثيرة فيها غرر أجازها الفقهاء كما ذكر آنفا وضرب لذلك أمثلة أخرى لكنه استشهد على ما ذهب إليه بمقولة لابن تيمية الفقيه الحنبلي رحمه الله تعالى؛ "إنه يرضى فيما تدعو إليه الحاجة مما أفسده الغرر، وكان مذهب مالك أوسع المذاهب في هذا، إذ تجوز مع الغرر في كل ما تدعو إليه الحاجة، وما كان الغرر فيه محتملا لا يؤدي إلي نزاع" ثم بقوله "لا يصح أن يقاس كل عقد فيه غرر على بيع الغرر في عدم الجواز".
لم يذكر كاتب المقال أين قال ابن تيمية هذا القول: سوى أن عزا ذلك إليه أقول: ولعله في كتابه (العقود) الذي طبع تحت اسم (نظرية العقد) ومثل هذا يحتاج إلي مزيد توقف ونظر؛ فهل يقبل الدكتور المذكور مثل هذا العزو إلي مؤلف دون ذكر كتاب ولا صفحة ولا مجلد من أحد تلاميذه الذين يناقشهم في رحاب الجامعة في رسالة جامعية كالماجستير أو الدكتوراة!!(2/420)
2- ثم عقب ذلك بقوله: (فما ألفه الناس تعارفوا عليه دون ترتب نزاع يكون غير منهى عنه) .
ولا يفسد العقد كعقد الموالاة ... برغم وضوح الغرر والجهالة فيه.
وضرب لذلك مثلا بصحة الصلح على جميع الحقوق المجهولة لشخص على آخر نظير عوض مالي معين، دون صحة الصلح على بعضها دون الآخر مع جهالة المصالح عليه، وجواز الكفالة بمجهول القدر ثم قال (فجهالة مقدار ما يرتفع به الغرر الناجم عن وقوع الخطر عند إنشاء عقد التأمين جهالة لا تمنع من التنفيذ ولا تنتج نزاعا بسبب هذه الجهالة) .
أقول:
لقد سلم الدكتور بوجه الغرر والجهالة في عقود التأمين وبأنه غرر معتبر لدى الفقهاء غير يسير، لكنه دفع هذا التعليل لمنع عقود التأمين بأمرين اثنين:
1- بأنهما مما تدعو إليه الحاجة مما فيه غرر مفسد إذا كان محتملا لا يؤدي إلي نزاع، مستندا إلي قول الشيخ ابن تيمية سابق الذكر.
أقول:
أما الحاجة هنا فليست معتبرة شرعا لأنها حاجة عامة لكنها غير متعينة إذ لا يمكن وجود البديل عن هذه العقود الفاسدة كما ذكر علماء أصول الفقه في كتبهم وهو مقرر لديهم، هذه واحدة.
والثانية انه غرر غير مفض إلي نزاع، ومن قال هذا؟ هب أن حربا عالمية اشتعل أوارها أو محلية لكنها حرب خطيرة شاملة فهل تؤدي شركات التأمين تعهداتها وتفي بعقودها؟ أم تسحب أذيالها راجعة القهقرى معلنة (ظروف طارئة) متسترة بهذه العبارة المطاطة للهرب والتملص من كل ما سبق أن تعهدت به؟! أليس هذا يفضى إلي نزاع بين شركات التأمين وعملائها؟ اللهم نعم، ولدى كل العقلاء؛ نعم.(2/421)
2- وقوله (فما ألفه الناس وتعارفوا عليه) وإني أتساءل؛ متى كان العرف يعارض النهى فيلغيه؟ وقد نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الغرر....؟
أما استدلاله بعقد الموالاة وقياسه هذه العقود عليه فهو قياس مع الفارق واستدلال في غيره محله ... فأين عقد الموالاة وما ذكر من الصلح من جميع الحقوق والكفالة لما في الذمة وغير ذلك مما نحن فيه. تلك عقود يغلب عليها معنى التبرع والإيثار وحب الخير وهذه عقود يغلب عليها معنى الاسترباح والاستغلال وعلى الأقل معنى المعاوضة، فهل يصح هذا القياس؟ اللهم لا ...
وبعد فهذه مناقشة وجيزة أحببت أن أختم بها هذا الحديث لم أوف فيها على الغاية، ولكنها أضواء على الموضوع وعسى أن يكون في قادمات الأيام إن شاء الله تعالى لنا لقاء علمى مع الكاتب المذكور.
ثانيا: الموازنة
الذي يبدو من ظواهر الأدلة التي احتج بها الفريقان أن أدلة من ذهبوا إلي تحريم عقود التأمين هي أقوى استنباطا وأتم دلالة وأمتن احتجاجا وأرسخ ارتباطا بنصوص الشريعة ومقاصدها وقواعدها العامة وذلك للأمور التالية:
1-المجوزون للتأمين اعتمدوا في أدلتهم استنادات قياسية استنبطوها من استنتاج الفقهاء المجتهدين بينما القائلون بحرمته استندوا على نصوص تشريعية وقواعد أساسية أجمع المجتهدون على الأخذ بها والعمل بمقتضاها والفرق واضح بين الاستدلالين.
2-المجوزون للتأمين اعتمدوا على تعليلات وتأويلات في الجواز أقل ما يقال فيها أن فيها معنى الغرر المحرم، بينما اعتمد القائلون بالحرمة نصوصا مطبعية تحرم الغرر وفرق كبير بين الأمرين.
3-من القواعد المقررة شرعا (إذا تعارض المحرم والمبيح قدم المحرم، وإذا تعارض المانع والمقتضى قدم المانع) (1) لذا نأخذ بجانب الحرمة بعقود التأمين باعتبار أنه يتعارض مع الجانب المبيح على افتراض وجود التعارض ولا تعارض لظهور أدلة المحرمين.
4-رد القائلون بالتحريم على المبيحين في مسألة القياس على نظام العواقل ونظام التقاعد والمعاش وعقد الموالاة بأنها عقود تعتمد على التبرع والدافع الذاتي والمساهمة في أوجه الخير ولا كذلك نظام التأمين التجاري القائم على الاسترباح والاستغلال وابتزاز الأموال.
__________
(1) ج2 المعارضة والترجيح(2/422)
5-وكذلك رد القائلون بالتحريم على المبيحين في استدلالهم (بالاتفاق بمرتب عمري) عند المالكية بأن أشهب قال (أكره ذلك) وهو عند المالكية اصطلاح في المنع لا في الإباحة كما قالوا؛ لذا فإنه يصلح دليلا للمحرمين لا عليهم. واستدلالهم بقول مالك رضي الله عنه لا يفيدهم لأن مدة الإنفاق معينة هناك وفي عقد التأمين مجهولة فلا يصح.
6-وكذلك ردوا على المبيحين في استدلالهم بضمان خطر الطريق عند الحنفية بأن هذا تغرير لا غرر، وفي التغرير يضمن.
7-وردوا على قاعدة الالتزامات عند المالكية بأن ذلك المحتمل معلوم وهذا المحتمل في عقد التأمين غير معلوم فحصل الغرر فبطل القياس.
8-وكذلك ردوا على المبيحين بأن الغرر غير مؤثر بقولهم أن الغرر هنا مؤثر في صحة العقد لأنه ينبني عليه أكل مال كثير بالباطل في جمهور غفير من الناس ليربح أناس ربحا فائضا على أكتاف الآخرين بلا سبب مشروع..
9-وأما عقد الاستئجار على الحراسة فلا يجوز القياس عليه هنا لأنه قياس مع الفارق، فهناك العقد القائم على عمل وهو الحراسة وبذل الجهد واليقظة، وليس في عقد التأمين أي عمل تقوم به الشركة لقاء دفع الخطر عن المؤمنين المساكين.
10-أما قول الدكتور السنهوري أن الضرورة تبيح التأمين للضرورة مع الغرر كما ذهب إليه مالك فإن المحرمين قالوا؛ لا نسلم بالضرورة هنا ولا بالحاجة مطلقا.
لأن الأمة الإسلامية تستطيع أن تتخلص من هذا النظام الاستغلالي إلي تأمين من صنع الشريعة الإسلامية ومن قواعدها وليس في ذلك أي حرج ولا مشقة فيما إذا أراد المسلمون بصدق أن يحكموا شريعة ربهم (1) .
__________
(1) الغرر ص661(2/423)
ثالثا: رأينا في عقود التأمين
"نهي الرسول صلى الله عليه وسلم عن بيع الحصاة وعن بيع الغرر " (1)
هل في عقد التأمين غرر؟
الجواب: نعم، وليس غير الغرر في نظرى دليلا ظاهرا يناطح الخصم ويظهر عليه، ويشهد لذلك علماء القانون الذين عدوا بالإجماع هذا العقد من عقود الغرر، وقدر أنه من العقود الاحتمالية في خصائصه.
والغرر إذا استطاع المبيحون أن ينفوه عن أحد طرفي العقد (المؤمن) فلا بد من أن ينتفي الغرر بالنسبة للمستأمن أيضا وهو ما لم يستطع المبيحون (2) أن يثبتوه بوجه؛ ثم هل الغرر في التأمين كثير مانع أم لا؟
ضابط الغرر الكثير لدي الفقهاء (هو ما غلب على العقد حتى صار العقد يوصف به) وأري مع الأخ الدكتور الصديق محمد الأمين الضرير في كتابه القيم (الغرر وأثره في الفقه الإسلامي) أن هذا الضابط ينطبق على عقد التأمين، فإن من أركان عقد التأمين التي لا يوجد دونها (الخطر) والخطر هو حادثة محتملة لا تتوقف على إرادة أحد الطرفين، ولذا لا يجوز قانونا التأمين إلا من حادث مستقبل غير محقق الوقوع، فالغرر عنصر لازم لعقد التأمين ومن الخصائص التي تتميز بها، ومما يدل على أن الغرر تمكن من عقد التأمين وأصبح صفة لازمة له أن كثيرا من القوانين تذكره تحت عنوان (عقود الغرر) ثم هل هناك حاجة أو ضرورة لعقد التأمين تجعل الغرر الذي في عقد التأمين غير مؤثر.
__________
(1) رواه مسلم في كتاب البيوع وأبو داود في كتاب البيوع والترمذي في كتاب البيوع والنسائي كذلك في كتاب البيوع وابن ماجة في التجارات والدارمي في البيوع وأحمد في مواضع متعددة
(2) أسبوع الفقه الإسلامي 403 انظر الغرر ص651 وما بعدها(2/424)
من المعلوم أن الحاجة أدني من الضرورة منزلة إذ يلزم بلزومها الحرج والضيق، ويشترط أن تكون الحاجة لاعتبار الغرر غير مؤثر أن تكون عامة أو خاصة، وأن يكون ذلك العقد متعينا لسد تلك الحاجة بحيث لو أمكن سد الحاجة عن طريق عقد لا غرر فيه فلا يصح اللجوء إلي العقد الذي فيه غرر.
والذي يبدو لي أن الحاجة عامة لعموم البلوى، ولكن عقود التأمين بقسط ثابت ليست متعينة لسد تلك الحاجة.
فالذي تقتضيه قواعد الفقه الإسلامي منع هذا العقد بما فيه من غرر كثير من غير حاجة ملجئة إذ من الممكن أن يحتفظ بعقد التأمين في جوهره ونستفيد بكل مزاياه مع التمسك بقواعد الفقه الإسلامي وذلك بإبعاد الوسيط الذي يوالي الربح وجعل التأمين كله تأمينا تعاونيا خيريا بحتا تتولاه الحكومات في البلاد الإسلامية بكافة أنواعه فتجعل له منظمة تشرف عليه على أن يكون المعنى التعاوني بارزا فيه بروزا واضحا وذلك بالنص صراحة في عقد التأمين حينئذ على أن المبالغ التي يدفعها المشترك تكون تبرعا منه للشركة يعان منها من يحتاج إلي المعونة من المشتركين حسب النظام المتفق عليه.
فالخلاصة (إني أكره تحريما كل عقود التأمين التبادلي والتجاري لما فيها من الغرر ولعدم الحاجة إليها) .
(وحكم التأمين التجاري كعقد، الفساد لتمكن الغرر منه وفكرة الاسترباح "ولزوم ما لا يلزم شرعا"، وحكم عقد التأمين التبادلي الجواز مع الإثم) (علما بأن كل عقد فاسد شرعا عقد ربوي) هذا كله في التأمين التجاري والتعاوني (التبادلي) فقط.
أما التأمين الاجتماعي الذي تقوم به الحكومات فهو جائز شريطة خلوه من الربا نهائيا.
وأما صور التأمين الأخرى الجديدة التي ابتدعها الغرب ولم نصل إلي معرفة حقيقتها بعد بشكل مفصل فهي تحت مجهر البحث العلمي، ولكل عقد منها حكمه الشرعي حسبما تقتضيه طبيعته وخصائصه.
والله يقول الحق وهو يهدي السبيل..(2/425)
الفصل الثالث
إعادة التأمين
بين الفقه الغربي والفقه الإسلامي
أولًا: إعادة التأمين في الفقه الغربي.
ثانيًا: إعادة التأمين في الفقه الإسلامي كما توصلنا إليه.
أولًا: إعادة التأمين في الفقه الغربي
(أ) فكرة عامة
تقوم عملية التأمين على تقدير الاحتمالات طبقًا لقوانين الإحصاء وعلى قانون الكثرة، وشركة التأمين تعمل كل ما في وسعها حتى يأتى حسابها مضبوطًا. ولكن الشركة لا تستطيع أن تطمئن إلى هذا التقدير اطمئنانًا كاملًا في مواجهة التزاماتها. فيجب عليها أن تدخل في حسابها أن هذا التقدير إنما هو تقريبى قد يخطئ، وهذا الخطأ يقل كلما كثر عدد المؤمَّن لهم طبقًا لقانون الكثرة، ولكن احتمال الخطأ مهما قلّ يبقى قائمًا. فيجب على الشركة إذن أن تواجه احتمال الخطأ هذا وما ينجم عنه من فروق في الحساب حتى تطمئن اطمئنانًا معقولًا إلى قدرتها على مواجهة التزاماتها للمؤمَّن لهم، وحتى يطمئن هؤلاء هم أيضا إلى ملاءة الشركة وإلى أن حقوقهم في ذمتها مكفولة، وذلك عن طريق إعادة التأمين، وهنالك صور أخرى كالتأمين المجزأ أو التأمين بالاكتتاب إلا أن المؤمِّن يفضل طريقة إعادة التأمين لكونها أضمن له في عمله التجاري من منافسة زملائه له في عملائه، وإعادة التأمين هى العملية الأساسية في الموضوع.
وقد تكون إعادة التأمين إجبارية بموجب القانون، وقد تكون اختيارية وهى منتشرة في التأمين البحرى بوجه خاص وأهم صورها أربع؛ 1- إعادة التأمين بالمحاصة. 2- وإعادة التأمين فيما جاوز حد الطاقة. 3- وإعادة التأمين فيما جاوز حدًا معينًا من الكوارث. 4- وإعادة التأمين فيما جاوز حدًا معينًا من الخسارة، وهى أحدث الصور ظهورًا وأكثرها انتشارًا، ومزيتها التبسيط الشديد في إجراءات المحاسبات والمراسلات.
وهكذا نرى أن المؤمن يكون طرفًا مع المؤمَّن له في عقد التأمين، وطرفًا مع المؤمِّن المعين في عقد إعادة التأمين.
وإعادة التأمين تزاول عادة على صعيد دولى فتكون المقاصة في المخاطر لا فحسب بين الفروع المتعددة في البلد الواحد بل أيضا بين البلاد المتعددة، وانتشار إعادة التأمين على هذا الصعيد الدولى هو الذي يمكن لهذه العملية ويقيمها على أسس ثابتة مستقرة لدى فقهاء القانون، فكلما اتسعت دائرة المقاصة في المخاطر كلما كان تقدير احتمالات وقوع المخاطر أقرب للحقيقة.(2/426)
وحظ إعادة التأمين من الدراسة القانونية غير كبير فهى حديثة النشأة، ولم تبدأ إلا بعد انتشار التأمين انتشارًا واسعًا في العالم، وهى لا تعنى جمهور عملاء التأمين، إذ تقتصر العلاقة فيما بين المؤمّن والمؤمن المعيد، ومن هنا بقيت مجهولةً من الجمهور، والكثرة الغالبة من قضاياها تحل عن طريق التحكيم، وليس من السهل العثور على وثائق التحكيم لأنها لا تنشر.
التكييف القانونى لإعادة التأمين:
اختلف فقهاء القانون في هذا الشأن والذى استقر عليه القضاء والفقه في فرنسا على أن عقد إعادة التأمين ما بين المؤمّن والمؤمن المعيد ليس إلاّ عقد تأمين، يصبح فيه المؤمن مؤمنًا له، ويصبح فيه المؤمن المعيد مومِّنا، فهو في جميع الأحوال عقد تأمين تسرى عليه المبادئ العامة لعقود التأمين. ولا يجوز فيه أن يلتزم المؤمن المعيد نحو المؤمن بأكثر مما يلتزم نحو المؤمن له. ويجب أن يلاحظ أن إعادة التأمين عقد تأمين بين المؤمن والمؤمن المعيد، ولا شأن للمؤمن له به فهو أجنبى عنه لا يكسب منه حقًا ولا يحتمل التزامًا، ويبقى المؤمن وحده هو المسؤول نحو المؤمن له بموجب عقد التأمين الأصلى المبرم بينهما.
وإذا كان شأن إعادة التأمين كذلك إلا أنه عقد يتميز بقواعد خاصة به فيما يتعلق بالآثار المترتبة عليه، وقد استمدت هذه القواعد من اتفاقات إعادة التأمين المألوفة، واستقرت الشروط التى تتضمنها هذه الاتفاقات حتى أصبحت عرفًا ثابتًا، فهو عقد ملزم للجانبين وعقد رضائى ومن عقود المعاوضة، وهو كسائر عقود التأمين عقد زمنى وعقد احتمالى ومن عقود حسن النية، ويختلف عن عقد التأمين المباشر في أنه لا يعدُّ من عقود الإذعان، إذ كل من طرفيه – المؤمن والمؤمن المفيد محترف ذو خبرة ولا تفاوت بينهما من ناحية المركز الاقتصادى ويستطيع كل منهما أن يناقش في حرية وعن خبرة مهنية شروط الاتفاق. وأما المبدآن الرئيسيان اللذان يخضع لهما عقد إعادة التأمين فهما؛ مبدأ حسن النية ومبدأ وحدة المصير، فالطرفان أقرب إلى أن يكونا شريكين، ومن مقتضيات ذلك وجوب تقديم البيانات الصادقة ممن يجب عليه ذلك للطرف الآخر (1) .
__________
(1) الوسيط للدكتور السنهورى ج 7 مواضع متعددة(2/427)
ثانيًا: إعادة التأمين في الفقه الإسلامى
كما توصلنا إليه
رأينا من تعرض لعقد التأمين المباشر من الفقهاء الإسلاميين وأدلى بدلوه في هذه القضية، ولكنا لم نر من تكلم في هذه المسألة المتفرعة عن عقد التأمين المباشر. ألا وهى عقد إعادة التأمين من الفقهاء الإسلاميين القدامى ولا المعاصرين. والذى يبدو لنظرى والله تعالى أعلم أن هذا العقد الفرعى هو كعقد التأمين المباشر يسرى عليه ما يسرى على الأصل من الأحكام الرئيسية كما ذكر علماء القانون في التكييف الفقهى له. لذا فإنه يأخذ الحكم الشرعى الذي يتناول عقد التأمين المباشر بقسط ثابت كما مر آنفًا.
ولا يتصوَّر هنا في إعادة التأمين وجود عقدٍ تعاونى ذى هدف إنسانى محض حتى نقول بجوازه، فلا عقد إعادة تأمين تعاونيًا في القانون، لذا فلا حكم له في الشرع.
وعلى هذا؛ فالقائلون بالإباحة المطلقة لعقد التأمين المباشر يقولون بمثل ذلك لعقد إعادة التأمين.
والقائلون بالمنع المطلق للأصل يقولون بمثل ذلك للعقد المتفرع عنه.
والقائلون بالانتقاء يقولون بمثل ذلك لكل ما يشمل التأمين المباشر وإعادة التأمين.
والقائلون بالكراهة للتأمين المباشر يقولون بمثل ذلك لعقد إعادة التأمين.
أمَّا ما يبدو لنا فهو ما ذكرناه من القول بالكراهة لكل عقد تأمين مباشر بقسط ثابت وما يتفرع عنه من عقد إعادة التأمين في جميع صوره وأشكاله تبعًا للأصل.
والكراهة هنا تحريمية؛ وقد قلنا بها تأدبًا مع الشريعة المطهَّرة بأن لا يقال حرام إلا لما جاء تحريمه بالنص القطعي فقها وما عدا ذلك فقد اعتاد العلماء من قبل أن يقولوا (نكره كذا) لما يرون تحريمه، ونحن نقول نكره العقد الأصلى التعاوضى، وما يتفرع عنه من عقد إعادة التأمين.
… قلت: هذا ما ظهر للعبد الفقير إليه تعالى، والله تعالى أعلم..(2/428)
الفصل الرابع
الطريق إلى تأمين يبيحه الفقه الإسلامى
بمذاهبه الكبرى
(1) الحلول التى ارتآها الآخرون
1- اقتراح الدكتور عيسى عبده في كتيّب أصدره بعنوان (التأمين: الأصيل والبديل) حلًا لمشكلة التأمين ينبع من جوهر الشريعة الإسلامية يرجع إلى مبادئ التكافل الاجتماعى في الشريعة الإسلامية فليرجع إليه.
2- وكذلك اقترح الأستاذ عبد الله علوان حلًا شبيهًا بالمذكور في كتيب أصدره بعنوان (حكم الإسلام في التأمين السوكرة) لا يخرج عما ذكره الدكتور عبده في أغلب نقاطه.
ولكن صاحبى كلا الاقتراحين تصوّرا وجود الدولة الإسلامية وقيامها قبل كتابة اقتراحهما وأن هذه الدولة الإسلامية الوليدة قد جاءت إليهما بمسئوليها تطالبهم بالحل الذي يرونه ليطبقه القائمون على الأمر من الإسلاميين المخلصين.
ولكن الأمر غير ذلك كليَّا.
فنحن في ظل وضع غاب عنه الإسلام غيابًا كاملًا في الأمة العربية جمعاء. اللهم إلا ما بقى منه من ظلال العقيدة والعبادة، أما الفقه الإسلامى فلا وجود له في المجتمع لا في الأفراد ولا في الجماعة، إلا في القليل النادر. وفى هذا الوضع وجب أن نبحث الأمر على غير ما بحثه الفقيهان السابقان.
وجب أن نضع مؤقتًا تأمينًا عمليًا تسمح الدول والحكومات بالعمل به ثم حين تقوم الدولة الإسلامية بنظامها الإسلامى الجديد يُزداد على هذا التأمين ما اقترحه الفاضلان ويعدَّل حسب الظروف آنذاك.
أقول: إننا الآن أمام تأمين إسلامى مؤقَّت فلننظر.(2/429)
(2) نظام التأمين الإسلامى الذي نراه
نرى أن يكون هذا النظام المقترح على ثلاث درجات:
1- الدرجة الأولى: إنشاء مصرف تنمية إسلامى على الوجه الذي اقترحه على المسلمين المعاصرون ولا سيما الدكتور رفيق المصرى في كتابه القيِّم تجتمع فيه أموال المسلمين فقط وتُشغّل بالأسلوب المذكور مع اشتراط المصرف على المشترك بتعهد خطى أن تكون زكاة ماله عائدة إلى صندوق الزكاة وعمل الخير في المصرف المذكور.
2- الدرجة الثانية: إنشاء صندوق الزكاة من أموال المصرف المذكور، وبدلًا من إعطائها للفقراء مباشرة كما هى العادة يتكون منها رأس مال تجاري يقوم عليها موظفون يعملون بأجر معتدل، وهنا تأتى الدرجة الثالثة وهى النتيجة.
3- الدرجة الثالثة: أن يكتتب طالبو التأمين بمبالغ خيرية تبرعًا منهم لصندوق الزكاة وعمل الخير في المصرف المذكور وليس لهم حق إعادتها، ثم إذا جاءت الأرباح بعد عشر سنين أو خمسة وفينا الفقراء حقهم من رأس مال الصندوق وأبقينا الأرباح مع التبرعات الخيرية للاستثمار ويتكون من هذا الصندوق الجديد المنبثق عن صندوق الزكاة وعمل الخير.(2/430)
"صندوق عمل الخير" وهو التأمين الإسلامى الذي نراه صالحًا لإنقاذ حياة الفقراء والمساكين والمعوزين والمتضررين من المكتتبين وغيرهم وإن كانت الأفضلية في رأينا للمكتتبين في صندوق عمل الخير فقط دون المكتتبين في مصرف التنمية الأساسى لأن أرباحهم كافية لهم.
ولا بأس بأن نشترط هنا ما اشترطه الفقيه الدكتور عيسى عبده على المؤسسات التعاونية التكافلية وهى:
1- أن يدفع الفرد المساهم نصيبه المفروض عليه في ماله على وجه التبرع قياما بحق الأخوة.
2- إذا أريد استغلال هذا المال المدَّخر فبالوسائل المشروعة وحدها.
3- لا يجوز لفرد أن يتبرع بشيء على أساس أن يعوَّض بمبلغ معين إذا حلَّ به حادث. ولكن يعطى من مال الجماعة بقدر ما يعوّض في خسارته أو بعضها على حسب ما تسمح به حال الجماعة.
4- التبرع هبة، والرجوع فيها ممنوع شرعًا كراهةً أو تحريمًا (1) .
وبعد؛
فالذى دعانى إلى إقامة صندوق عمل الخير (التأمين الخيرى) على أساس الزكاة ثم على أساس مصرف التنمية، ما نراه ونعلمه من استبعاد فكرة إقامة التأمين الخيرى هذا فورًا على أساس خيرى بحت، وهب أنه قام وتنادى إليه موسروا المسلمين فكيف يتم صرفه وتشغيل أمواله ومن هم أولئك المستفيدون منه وهل نضمن سلامة قيام هذه المؤسسة دون استغلال؟.
أما فيما ذكرت فلو أن الناس لم يتبرعوا لصندوق عمل الخير، وبقيت أموال الزكاة فقط فاستثمرت بيد أناس عاملين عليها ثم رُدّ رأس مال الصندوق وهو محض الزكاة للفقراء وأخذت الأرباح لصندوق عمل الخير لكان كافيًا. ولا ضرر في تأخير إعطاء الفقير الزكاة ولا في استثمارها على أساس الضمان لا الأمانة كى لا يضيع حق الفقير في رأس المال.
والذى يجلب لنا فائضًا من الزكاة هذه صندوق التنمية الأساسى الذي يستثمر أموال الناس بما يشبه شركة المضاربة في الفقه الإسلامى، فكلما كثرت أموال الناس في مصرف التنمية كثرت الزكاة، ومن ثم كثرت أرباح الزكاة ثم وجدت ذلك كله في صندوق عمل الخير.
وهذه نظريتنا وهذا تعليلها فيما نرى والله تعالى أعلم.
والحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات..
__________
(1) أنظر كتاب (التأمين الأصيل والبديل) للدكتور عيسى عبده(2/431)
مسرد المراجع
(أ) المراجع القديمة:
ابن الأثير (الجزرى) : النهاية في غريب الحديث
الأتاسى (خالد) : شرح المجلة. ط حمص
ابن تيمية (أحمد بن عبد الحليم) : العقود باسم (نظرية العقد) ط القاهرة سنة1949م
الباجى (أبو الوليد المالكى) : المنتقى شرح الموطأ
الرافعى (عبد القادر) : تقريرات على رد المحتار ط بولاق
الراغب الأصفهانى: مفردات غريب القرآن
الشريف (على الجرجانى) : التعريفات
الزَّبيدى (محمد مرتضى) : تاج العروس شرح القاموس
السرخسى (شمس الأئمة) : المبسوط شرح الكافى
الطحاوى (أحمد) : حاشية على الدر المختار في أربع مجلدات
ابن عابدين (محمد أمين) : حاشية رد المحتار على الدر المختار ط بولاق سنة1272هـ
مجموع الرسائل العابدينية ط الآستانة سنة325هـ
عبيد الله بن مسعود (صدر الشريعة) : التوضيح لحل غوامض التنقيح بحاشية التلويح
للسعد ط البابى الحلبى
الفيومى (محمد بن أحمد) : المصباح المنير
الكفوى (أبو البقاء) : الكليات
المطرّزى (الخوارزمى الحنفى) : المُغرب (محققًا في سورية)
ابن منظور (أبو المكرّم) : لسان العرب
محمد بن الحسن (الإمام) شرح السِّير الكبير
المطيعى (محمد بخيت) رسالة (أحكام السيوكورتاه)
النسفى (أبو جعفر عمر بن محمد المتوفى سنة 587هـ) طِلَبَةُ الطَّلَبَةِ(2/432)
(ب) المراجع الحديثة:
البدراوى (د. عبد المنعم) : عقد البيع – القاهرة 1958
الحجوى (محمد الحسن الثعالبى) : الفكر السامى في تاريخ الفقه الإسلامى
الجويجاتى (عارف) : كلمة حق في عقد التأمين (رسالة)
الزرقاء (مصطفى أحمد) : (عقد التأمين وموقف الشريعة منه) كتاب ط مطبعة جامعة دمشق
السنهورى (الدكتور عبد الرزاق) : الوسيط شرح القانون المدنى مصادر الحق في الفقه الإسلامى عقد الإيجار
السنهورى (محمد أحمد فرج) : مؤتمر البحوث الإسلامية العدد السابع (التأمينات)
الصديق (الدكتور محمد الأمين الضرير) : الغرر وأثره في الفقه الإسلامى رسالة دكتوراه (عقد التأمين) بحث في أسبوع الفقه الإسلامى
عبده (الدكتور عيسى) التأمين بين الحل والتحريم (كتاب) بسلسلة (من مكتبة الاقتصاد الإسلامى) ط دار الاعتصام التأمين الأصيل والبديل (رسالة) العقود الشرعية الحاكمة للمعاملات المالية المعاصرة (كتاب)
علوان (عبد الله) : عقد التأمين في الشريعة الإسلامية (رسالة)
الفرفور (الدكتور محمد عبد اللطيف) : ابن عابدين وأثره في الفقه رسالة دكتوراه
المجلس الأعلى للعلوم: أسبوع الفقه الإسلامى مهرجان ابن تيمية سنة1961
مرسى (محمد كامل) : (العقود المسماة) الجزء السادس عقد البيع والمتابعة
المصرى (د. رفيق) : مصرف التنمية الإسلامى رسالة دكتوراه(2/433)
التأمين وَإعادة التأمين
الشَيخ مصطفى أحمد الزرقاء
رسالة إلى فضيلة الأمين العام للمجمع
حول التأمين وإعادة التأمين
السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته،
فى اجتماع شعبة التخطيط (22_25/8/1405هـ) أحلتم إلى عهدتى تقديم بحث واف عن نظام التأمين وعقوده وحكمه بالنظر الشرعى في الإسلام، وهو من أهم قضايا الساعة التى اختلفت فيها أنظار الفقهاء المعاصرين.
وأفيد فضيلتكم أننى أصدرت في هذا الموضوع كتابًا جديدًا نشر في العام الماضى عنوانه: (نظام التأمين – حقيقته، والرأى الشرعى فيه) . مضافًا إليه نظرات في الموضوع من زوايا جديدة. وسبعة ملحقات في القسم الأخير منه، عرضت فيها جميع الشبهات التى أثيرت حول التأمين بعد صدور كتابى الأول، وناقشت هذه الشبهات جميعًا ورددت عليها بالتفصيل، وبخاصة شبهة الغرر التى هى أقوى وأهم الشبهات التى يتذرع بها المنادون بتحريم التأمين.
وخلاصة رأيى في الموضوع أن نظام التأمين في ذاته مقبول، بل مستحب في ظل الشريعة الإسلامية، بأنواعه الثلاثة: (التأمين على الأشياء من مختلف الأخطار، والتأمين من المسئولية الذي يسمونه تأمينًا ضد الضرر. والتأمين على معونة أسرة المستأمن بعد موته. وهو الذي يسمونه خطًا: تأمينًا على الحياة) .
فالتأمين، بجميع أنواعه الثلاثة، فيه تعاون نافع على تفتيت المصائب وإزاحتها عن رأس من تقع عليه، وتوزيعها على أكبر عدد ممكن من المتعاونين وهو مجموع المستأمنين. فلا يعقل قبول فكرة تحريم هذا التعاون شرعًا.
وحجة القائلين بالتحريم أن هذا التعاون قد أصبح تجارة تديرها شركات مستغلة وتحفها مسالك منحرفة عن الطريق الشرعى. وفيه غرر، ويؤخذ فيه قسط مالى دون مقابل إذا لم يقع الخطر، كما يأخذ المستأمن أضعافًا كثيرة زيادة عن قسط التأمين إذا وقع الخطر، مما يجعله كالمقامرة أو الربا، علاوة على أن شركات التأمين قد تشترط في التأمين على الحياة شروطًا ربوية، وهى دائمًا تستثمر احتياطى أموالها لدى المصارف الربوية.(2/434)
وقد رددت في كتابى الأول والثانى على هذه الشبهات بما فيه الكفاية، وأوضحت ضرورة التمييز بين نظام التأمين في ذاته إذا خلا عقده من شروط منافية لقواعد الشريعة في التعاقد، وبين ما يشترط في عقوده التطبيقية من شروط غير مقبولة شرعا، ربوية أو سواها. فحينئذ نحكم بتحريم ذلك العقد بخصوصه، لا بتحريم نظام التأمين كليًا. وذلك كالبيع الذي أحله الله تعالى نظاما لتبادل الأموال وفاء لحاجة الناس، فإذا تضمن بعض عقوده التطبيقية شرطا ربويًا فإننا نحكم بحرمة هذا العقد لا بحرمة نظام البيع كليًا، وتبادل الأموال بوجه عام.
أما التمييز بين تأمين تعاونى يباح، وتأمين تجاري يحرم، فقد أوضحت خطأه في مخالفتى لقرار المجمع الفقهى بمكة المكرمة الذي ذهب إلى هذا التمييز، ومخالفتى هذه المشار إليها مثبتة بنصها مع قرار المجمع المؤقر، ومنشورة في كتابى الجديد المشار إليه الصفحات/151_153.
وأما شبهة الغرر- وهى الشبهة الوحيدة الجديرة بالوقوف عندها للنظر والتمحيص فقد بين لى، بحمد الله تعالى، أنها شبهة داحضة لا ناهضة، وأوضحت في عقد التأمين تخريجًا فقهيًا وتكييفًا ينفيان وجود الغرر فيه. ثم عرضت آراء المذاهب الفقهية في الغرر، بما يكفئ لإقناع من همه البحث عن الحقيقة العلمية بتجرد، أنه لا ينبغى أن يكون للغرر المزعوم في عقد التأمين تأثير مانع على فرض وجود غرر فيه. (ينظر تفصيل ذلك في كتابى الجديد تحت كلمة (غرر) في حرف الغين من الفهرس الهجائى، في المواطن المحال عليها فيه) .
هذا، وقد بدا لى أن كتابة بحث الآن عن التأمين، وبيان وجهة نظرى فيه بعد صدور كتابى الجديد المذكور، لن يكون سوى تكرار لبعض ما استوفيته فيه، أو اختصار تغيب فيه قوة الحجة ونصاعتها، ولن يغنى عن الرجوع إلى الكتاب لاستيعاب التفصيل حول كل نقطة من نقاط الموضوع ليتسنى تكوين فتوى نيرة صادرة عن بصيرة.(2/435)
لذا رأيت أن أكتفى بتقديم نسخة منه مع هذه الكلمة التوضيحية لتروا ما تستحسنون من تصوير نسخ عنها توزعونها على الأعضاء الكرام. أو طلب العدد اللازم لهم من نسخ الكتاب من دار النشر التى نشرته في مدينة عمان، وهى دار البشير بمنطقة العبدلى في عمان من المملكة الأردنية.
وأرسل الآن نسخة من الكتاب المذكور بالبريد المسجل الجوى إلى فضيلتكم في وقت واحد مع هذه الرسالة.
ويرى في آخر الكتاب، بعد فهرس المراجع فهرس هجائى مستوعب للألفاظ العنوانية وللأعلام المذكورة فيه بمناسبة آراء منقولة عن أحدهم، ثم فهرس موضوعى تفصيلى، فيستطيع الباحث أن يرجع بواسطتها إلى أية فكرة أو ناحية عولجت أو نوقشت في الكتاب، فيرى التفصيل فيها بمنتهى السهولة.
وأختم بالتحيات الطيبات مشفوعة بمزيد الاحترام لفضيلتكم، ومد الله تعالى في أثركم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.(2/436)
وثائق مقدمَة للمؤتَمر
التأمين وَإعادة التأمين
الشَيخ عبٌد الله بن زيد آل مَحمُود
شركات التأمين
اعلم أنها لَما كثرت الخيرات واتسعت التجارات وفاض المال على الناس من جميع الجهات، اخترع الناس لهم فنونًا من المعاملات والشركات لم تكن معروفة في سالف السنين ولم يقع لها ذكر عند الفقهاء المتقدمين.
من ذلك شركات التأمين على اختلاف أنواعها، وهى قضية ذات أهمية وليدة هذا العصر، وقد راجت بين العالم وصارت حديث القوم في سمرهم ومجالسهم، وأخذ بعض الناس يموج في بعض في موضوعها بالتجهيل والتضليل وبالتحريم والتحليل.
وأسبق من رأيناه طرق موضوع الكلام فيها من علماء المسلمين هو الشيخ ابن عابدين المتوفى عام (1252) فقد ذكرها في كتابه "الرد المختار" ونصه:
قال: "إنها جرت العادة أن التجار إذا استأجروا مركبًا من حربى يدفعون له أجرته ثم يدفعون أيضا مالًا معلومًا لرجل مقيم فى بلاده يسمى ذلك المال (سوكره) على أنه مهما هلك المال الذي في المركب بغرق أو حرق أو نهب أو غيره، فذلك الرجل ضامن له بثمنه في مقابلة ما يأخذه منهم، فإذا هلك من مالهم شيء يؤدى ذلك المستأمن للتجار بدله تمامًا.. قال: والذى يظهر لى أنه لا يحل للتاجر أخذ بدل الهالك، لأن هذا التزام ما لا يلزم. انتهى".(2/437)
ويظهر أن مبدأ عملية التأمين هو الخوف من الحوادث والكوارث الشديدة التى تفاجئهم فتجحف بذهاب أنفسهم وأموالهم، فأراد بعض التجار بهذا التأمين التحفظ على ضمان أموالهم كما أراد الآخرون التأمين على بدل حياتهم، وهذا كله لم يكن معروفًا في بلدان المسلمين قبل هذه السنين.
ثم أخذ علماء هذا العصر يتكلمون في موضوعها، حيث دعت الحاجة والضرورة إلى البحث فيها، لأن "لكل حادث حديث ولكل مقام مقال".
فمنهم من قال بتحريم عقد التأمين بكل أنواعه، ومنهم من أباحه بكل أنواعه، ومنهم من توسط فيه فقال بإباحة شيء ومنع شيء منه، ولسنا من المجازفين القائلين بإباحته بكل أنواعه ولا من الجافين القائلين بتحريمه بكل أنواعه.
وإنما موقفنا منه موقف التفصيل لأحكامه، ثم التمييز بين حلاله وحرامه. والذى ترجح عندنا هو أن التأمين على حوادث السيارات والطائرات والسفن والمصانع والمتاجر أنه مباح لا محظور فيه، إذ هو من باب ضمان المجهول وما لا يجب وقد نص الإمام أحمد ومالك وأبو حنيفة على جوازه.
وهذا نوع منه يقاس عليه لإلحاق النظير بنظيره، كما سيأتى بيانه.
أما التأمين على الحياة، فإنه غير صحيح ولا مباح لأننا لم نجد له محملًا من الصحة لأن وسائل البطلان محيطة به من جميع جهاته، فهو نوع من القمار ويدخل في بيع الغرر كبيع الآبق الذي لا يدرى أيقدر على تحصيله أم لا، ويدخل في مسمى الربا الذي هو شراء دراهم بدراهم مؤجلة، ويدخل في بيع الدين بالدين، حيث إن المؤمن يدفع قيمة التأمين مقسطة في سبيل الحصول على دراهم أكثر منها مؤجلة، أضف إلى أنها لا تقتضيه الضرورة ولا توجيه المصلحة، كما سيأتى بيانه قريبًا إن شاء الله.(2/438)
التأمين على السيارات:
إن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيّه بيّن الحلال والحرام بيانًا واضحًا فقال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} ، وقال: {وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ} ، وقال: {أَرَأَيْتُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَرَامًا وَحَلَالًا قُلْ آَللَّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللَّهِ تَفْتَرُونَ} .
وفى البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن كثير من الناس فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعى يرعى حول الحمى يوشك أن يقع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهى القلب)) .
فأخبر النبى صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث أن الحلال المحض بيّن واضح لا مجال للشك فيه وأن الحرام المحض بيّن لا يختلج في القلب الجهل به ولكن بينهما أمور مشتبهات لا يعلم أكثر الناس حقيقة الحكم فيها، هل هى من الحلال أو من الحرام. ومفهوم الحديث أن القليل من الناس وهم أهل العلم والمعرفة يعرفون حكم الله في هذه المشتبهات فيلحقون الحلال بنظيره من الحلال، والحرام بنظيره من الحرام.
فالذين يخاف عليهم من الوقوع في الحرام عند مقاربتهم للمشتبهات هم العوام الذين تخفى عليهم غوامض الأحكام ويتجاسرون على الأشياء المشتبهات بدون سؤال عن الحلال والحرام، كما أن العلماء ينبغى أن يتركوا المشتبهات عندما يخفى عليهم طريق الحكم فيها، لحديث: ((دع ما يريبك إلى ما لا يريبك)) .(2/439)
ثم أن هذه المشتبهات تقع في العقود والشروط والمبايعات والأنكحة والأطعمة والرضاع، وقد ترجم لها البخاري في صحيحه، فقال: "باب تفسير المشتبهات"، ثم ساق بسنده عن عقبة بن الحارث أنه تزوج أم يحيى بنت أبي إهاب، فجاءت امرأة سوداء فقالت: إنى قد أرضعتكما، فسأل النبى صلى الله عليه وسلم فقال: كيف وقد قيل، ففارقها عقبة ونكحت زوجًا غيره. ثم ذكر حديث عبد الله بن زمعة مع عتبة بن أبي وقاص، حيث قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الولد لك يا عبد الله بن زمعة واحتجبى منه يا سودة)) . فأمر سودة أن تحتجب عنه مع أنه محكوم بكونه أخاها، لكن لمّا رأى قرب شبهة بعتبة بن أبي وقاص أمرها أن تحتجب عنه وهو من باب اتقاء الشبهات.
فمن هذه المشتبهات ما يقع مشكلًا مشتبهًا في وقت إلى أن يتصدى له من يخرجه من حيز الاشتباه والغموض إلى حيز التجلى والظهور حتى يصير واضحًا جليًا لا مجال فيه للاشتباه.
فمن هذا النوع قضية التأمين على السيارات، فهى وإن أشكل على الكثير من الناس حكمها من أجل تجدد حدوثها وغموض أمرها وعدم سبق الحكم من الفقهاء فيها باسمها، فإن لها في الفقه الإسلامى أشباها ونظائر ينبغى أن ترد إليها ويؤخذ قياسها منها، كما يرد الفرع إلى أصله والنظير إلى نظيره.
وهذا يعد من القياس الصحيح الذي نزل به الكتاب والسنة وعمل به الصحابة –رضى الله عنهم- فإنهم كانوا يمثلون الوقائع بنظائرها ويشبونها بأمثالها، ويردون بعضها إلى بعض في أحكامها ففتحوا للعلماء باب الاجتهاد ونهجوا لهم طريقة وبينوا لهم سنة تحقيقه وتطبيقه. كما سيأتى بيانه.(2/440)
الأصل في العقود الإباحة حتى يقوم دليل التحريم
ذهب الإمام أبو حنيفة –رحمه الله- إلى أن الأصل في العقود والشروط الحظر إلى أن يقوم دليل الإباحة وهذا هو مذهب الظاهرية وعليه تدل نصوص الإمام الشافعى وأصوله.
وذهب الإمام مالك إلى أن الأصل في العقود الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه وعليه تدل نصوص الإمام أحمد وأصوله وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية –رحمه الله-.
فقد قال شيخ الإسلام –رحمه الله- "إن الأصل في العقود الصحة والجواز ولا يحرم ويبطل منها إلا ما دل الشرع على إبطاله وتحريمه بنص صحيح أو قياس صريح". قال: "وأصول الإمام أحمد المنصوصة عنه تجرى على هذا القول، ومالك قريب منه" (1) انتهى.
وقد نهج هذا المنهج العلامة ابن القيم –رحمة الله- قال في الأعلام:
"الخطأ الرابع: فساد اعتقاد من قال أن عقود المسلمين وشروطهم ومعاملتهم على البطلان حتى يقوم دليل الصحة، فإذا لم يقم عندهم دليل على صحة عقد أو شرط أو معاملة، استصحبوا بطلانه فأفسدوا بذلك عقودًا كثيرة من معاملات الناس وشروطهم بلا برهان من الله بناء على هذا الأصل وجمهور الفقهاء على خلافه وأن الأصل في العقود والشروط الصحة حتى يقوم الدليل على البطلان، وهذا القول هو الصحيح، فإنه لا حرام إلا ما حرم الله ورسوله، كما أنه لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ولا دين إلا ما شرعه الله ورسوله".. انتهى (2) .
إذا ثبت هذا، فإن صفة عقد التأمين على حوادث السيارات، وهو أن يتفق الشخص الذي يريد التأمين على سيارته مع شركة التأمين، سواء كان التأمين كاملًا أو ضد الغير، فيدفع قدرًا يسيرًا من المال على تأمينها مدة معلومة من الزمان، كعام كامل بشروط وقيود والتزامات معروفة عند الجميع. من أهمها: كون السائق يحمل رخصة سياقة، فمهما أصيبت هذه السيارة أو أصابت غيرها بشيء من الأضرار في الأنفس والأموال خلال المدة المحدودة، فإن الشركة ملزمة بضمانه بالغًا ما بلغ.
__________
(1) ج 2 من الفتاوى القديمة ص 326
(2) ج 2 ص 34(2/441)
ويستفيد المؤمن على سيارته حصول الأمان والاطمئنان على نفسه وعلى سيارته التى يسوقها بنفسه أو يسوقها رجل فقير لا مال له ولا عاقلة، فيستفيد عدم المطالبة والمخاصمة في سائر الحوادث التى تقع بالسيارة متى كان التأمين كاملًا، وتقوم شركة التأمين بإصلاحها عند حدوث شيء من الأضرار بها. ومثل هذا الأمان والاطمئنان يستحق أن يبذل في حصوله نفيس الأثمان.
وليس فيه المحذور سوى الجهالة بالأضرار التى قد تعظم في بعض الأحوال فتقضى بهلاك بعض النفوس والأموال وقد لا تقع بحال.
وهذه الجهالة مغتفرة فيه كنظائره من سائر الضمانات. فقد ذكر الفقهاء صحة الضمان عن المجهول وعما لا يجب!.
قال في "المغنى": ويصح ضمان الجنايات، سواء كانت نقودًا كقيم المتلفات أو نفوسًا كالديّات، لأن جهل ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع جوازه بالالتزام. قال: ولا يشترط معرفة الضامن للمضمون عنه ولا علمه بالمضمون به لصحة ضمان ما لم يجب.. انتهى.
وهذه هى نفس قضية التأمين على ضمان حوادث السيارات، ثم إن هذه الجهالة في عقد التأمين لا تفضى إلى نزاع أبدًا، لتوطين الشركة أمرها في عقدها على التزام الضمان بالغًا ما بلغ، فلا تحس بدفع ما يلزمها من الغرامة في جنب ما تتحصل عليه من الأرباح الهائلة.
وقد دعت إليها الحاجة والضرورة في أكثر البلدان العربية، بحيث لا يمنح السائق رخصة سياقة إلا في سيارة مؤمنة وإلا اعتبروه مخالفًا لنظام سير البلد، وهذه مما يزول بها شبهة الشك في إباحتها وتتمخض للجواز بلا إشكال.
وفى هذا التأمين مصلحة كبيرة أيضا وهى أن المتصرفين بقيادة السيارات هم غالبًا يكونون من الفقراء الذين ليس لهم مال ولا عاقلة، فمتى ذهبت أرواح بعض الناس بسببهم وبسوء تصرفهم فلن تذهب معها دياتهم لورثتهم، بل يجب أن تكون مضمونة بهذه الطريقة.
إذ من المعلوم أن حوادث السيارات تقع دائمًا باستمرار وأن الحادثة الواحدة تجتاح هلاك العدد الكثير من الناس ومن الحزم وفعل أولى العزم ملاحظة حفظ دماء الناس وأموالهم.
وهذا التأمين وإن كان يراه الفقير أنه من الشيء الثقيل في نفسه ويعده غرامة مالية عليه حال دفعه لكنه يتحمل عنه عبئًا ثقيلًا من خطر الحوادث، مما يدخل تحت عهدته ومما يتلاشى معها ما يحس به من الغرامة لكون المضار الجزئية تغتفر في ضمن المصالح العمومية.. والله أعلم.(2/442)
إزالة الشبهات اللاحقة لتأمين السيارات
إن العقود والشروط والشركات والمبايعات كلها مبنية على جلب المصلحة ودرء المفسدة، بخلاف العبادات، فإنها مبنية على التشريع والاتباع لا على الاستحسان والابتداع.
والفرق بينهما هو أن العبادات حق الله، يؤخذ فيها بنصوص الكتاب والسنة. أما المعاملات، فإنها مبنية على جلب المصلحة ودرء المفسدة، إذ هى من حقوق الآدميين بعضهم مع بعض. بحيث يتعامل بها المسلم مع المسلم والمسلم مع الكافر.
فمتى كان الأمر بهذه الصفة، فإنه ليس عندنا نص صحيح ولا قياس صريح يقتضى تحريم هذا التأمين يعارض به أصل الإباحة أو يعارض به عموم المصلحة المعلومة بالقطع.
إذ العقود والشروط عفو حتى يثبت تحريمها بالنص أو بالقياس الصحيح.
والتحريم هو حكم الله المقتضى للترك اقتضاء جازمًا كما حققه أهل الأصول وهذه الشركة المنعقدة للتأمين أن رأت في نفسها، من مقاصدها أو رآها الناس أنها تجارية استغلالية.
لكن حقيقة الأمر فيها والواقع منها أنه يتحصل منها اجتماع المنتفعين منفعتها في نفسها في حصول الأرباح لها ومنفعة الناس بها، فهى شركة تعاونية محلية اجتماعية تشبه شركة الكهرباء والأسمنت وغيرهما، فكل هذه الشركات تدخل في مسمى التعاون بين الناس، لأن الشخص غنى بإخوانه قوى بأعوانه ويد الله مع الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فهى من جنس المشاركة بالوجوه ومشاركة الأبدان ومشاركة المفاوضة. وقد حصل الخلاف قديمًا بين الفقهاء في جواز هذه المشاركات، فمنهم من قال بجوازها، ومنهم من قال بمنعها، كما حصل الخلاف في شركة التأمين على حد سواء ثم زال الخلاف عن هذه الشركات كلها واستقر الأمر على إباحتها على اختلاف أنواعها.
ووجه الإشكال دعوى دخولها في مسمى الجهالة والغرر الذي نهى عنه الشارع.
كما روى مسلم في صحيحه، قال: "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن بيع الغرر ".(2/443)
وفسر هذا الغرر المنهى عنه بثلاثة أمور:
(أحدها) المعدوم: كبيع حبل الحبلة وبيع ما في بطون الأنعام وبيع ما ليس عندك ونحوه.
(الثانى) بيع المعجوز عن تسليمه: كبيع الآبق.
(الثالث) المجهول المطلق: كبعتك عبدًا من عبيدى أو ما في بيتى، ومنه بيع الحصاة وبيع الملامسة والمنابذة وضربة الغائص وبيع الحظ والنصيب المسمى باليانصيب فكل هذه داخلة في بيع الغرر المنهى عنه شرعًا، لكونها يقع فيها النزاع غالبًا نظير ما يقع في القمار، فإن هذا العبد الآبق إنما يبيعه صاحبه بدون ثمن مثله مخاطرة، فإن تحصل عليه قال البائع: غبنتنى، فإن لم يجده قال المشترى: غبنتنى ردّ علىّ ثمنى.
وهذا المعنى منتف في هذه المشاركة التى مبناها على التعاون الاجتماعى الصادر عن طريق الرضا والاختيار بدون غرر ولا خداع.
فجواز المشاركة هذه أشبه بأصول الشريعة وأبعد عن كل محذور، إذ هى مصلحة محضة للناس بلا فساد.
غير أن فيها تسليم شيء من النقود اليسيرة في توطيد تأمين السيارة ومن السهل أن يختصرها الشخص من زائد نفقته كذبيحة يذبحها لأدنى سبب أو بلا سبب، لأن كل عمل كهذا فإنه يحتاج بداعى الضرورة إلى مال ينظمه ويقوم بالتزام لوازمه، وليس عندنا ما يمنع بذل المال في التزام الضمان. كما قالوا بجواز: اقترض لى ألفًا ولك منه مائة، وأنه جائز، ومنه ضمان الحارس بأجرة.(2/444)
فصحة هذا الضمان والتزام لوازمه يتمشى على نصوص الإمام أحمد وأصوله.
قال في المغنى: "دلت مسألة الخرقى على ضمان المجهول كقوله: ما أعطيته فهو على وهذا مجهول، فمتى قال: أنا ضامن لك ما على فلان، أو ما يقضى به عليه أو ما تقوم به البيّنة أو ما يقّر به لك أو ما يخرجه الحساب، صح الضمان بهذا كله وبهذا قال أبو حنيفة ومالك ".
قال: "وفيه صحة ضمان ما لم يجب وصحة الضمان عن كل من وجب عليه حق وفيه صحة الضمان في كل حق من الحقوق المالية الواجبة أو التى تؤول إلى الوجوب ".. انتهى.
وقال في المغنى أيضًا:
"ويصح ضمان الجنايات، سواء كانت نقودًا كقيم المتلفات أو نفوسًا كالديات، لأن جهل ذلك لا يمنع وجوبه بالإتلاف فلم يمنع جوازه بالالتزام". قال: "ولا يشترط معرفة الضامن للمضمون عنه ولا العلم بالمضمون به".
وهذه هى نفس قضية ضمان التأمين على السيارات، فإن شركة التأمين تلتزم ضمان الديات وأروش الجنايات وقيم المتلفات كما ذكر جوازه صاحب المغنى والشرح الكبير والإقناع. ولا يقدح في صحته جهل الضامن للمضمون به ولا المضمون عنه. فنصوص الإمام أحمد وأصوله تتسع لقبولها كنظائرها من الضمانات، وكذلك الإمام مالك وأبو حنيفة كما ذكرنا موافقتهما على ذلك.(2/445)
غير أن الإمام أحمد أكثر تصحيحًا للعقود والشروط من سائر الأئمة، ونصوص مذهبه تساير التطور في العقود المستحدثة.
وإنما وقع اللبس فيها على من قال بتحريمها من علماء هذا العصر، كابن عابدين وغيره من جهة أنهم اعتقدوها قمارًا أو جهالة أو غررًا، أو التزام ما لا يلزم أو كونها على عمل مجهول قد يفضى إلى غرامات باهظة.
ويتمسكون بما بلغهم من العمومات اللفظية والقياسات الفقهية التى اعتقدوا شمولها لمثل هذا العقد يظنونها عامة أو مطلقة وهى لا تنطبق في الدلالة والمعنى على ما ذكروا.
أو يعللون بطلان مثل هذا بكونه لم يرد به أثر ولا قياس.
والله سبحانه قد أمر عباده بالوفاء بالعقود في قوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} وهو شامل لكل عقد يتعاقده الناس فما بينهم ويلتزمون الوفاء به، ولم يكن قمارًا ولا ربا ولا خديعة.
إذ الأصل في العقود الصحة والإباحة إلا ما قام الدليل على تحريمه، لكون العقود والشروط والمشاركات من باب الأفعال العادية التى يفعلها المسلم مع الكافر وليست من العبادات الشرعية التى تفتقر إلى دليل التشريع.
فمن أعطى الشركة مالًا على حساب التزام ضمان سيارته بطيب نفس منه والتزمت الشركة لوازمه، فإن مقتضى الشرع يحكم بصحة هذا الضمان، أخذًا من قوله تعالى: {أَوْفُوا بِالْعُقُودِ} . ومن قوله: {لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ، وفى الحديث ((لا يحل مال أمرئ مسلم إلا عن طيب نفس منه)) . وهذا العوض قد خرج عن طيب نفس من مالك السيارة ومن الشركة، فثبت بذلك إباحته وقواعد الشرع لا تمنعه لأنه عمل مقصود للناس يحتاجون إليه وربما يجبرون بطريق النظام عليه، إذ لولا حاجتهم إليه لما فعلوه. لأن المال عزيز على النفوس لا تسخو ببذله إلا في سبيل منفعتها، وفى هذا المقام هو في حاجة إلى تأمين سيارته لحصول الاطمئنان والأمان عما عسى أن ينجم عنها من حوادث الزمان.(2/446)
وبما أن هذه الشركة هى من ضمن العقود التى أمر الله بالوفاء بها، ومن جنس التجارة الواقعة بين الناس بالتراضى، ومن جنس المشاركة بالأبدان والوجوه والمفاوضة، فإنها أيضا من جنس الصلح الجائز بين المسلمين، لما روى أبو داود والدارقطنى من حديث سليمان بن بلال، حدثنا كثير بن زيد عن الوليد بن رباح عن أبي هريرة، قال: "قال رسول الله: صلى الله عليه وسلم ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا والمسلمون على شروطهم)) وكثير بن زيد قال يحيى بن معين: هو ثقة وضعفه في موضع آخر، وروى الترمذى من حديث كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزنى عن أبيه عن جده. أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ((الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحًا حرم حلالًا أو أحل حرامًا والمسلمون على شروطهم إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا)) قال الترمذى: حديث حسن صحيح، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: أن هذا الحديث يترقى إلى الصحة بتعدد طرقه، مع العمل عليه بإجماع أهل العلم.
فهذا الاشتراك الاجتماعى الأهلى المنعقد للضمان في تأمين حوادث السيارات يعتبر من التعاون المباح وما ينتج عنه من الأرباح فحلال لا شبهة فيه، أشبه بشركات الكهرباء والأسمنت ونحوها، ويدخل في عموم الصلح الجائز بين المسلمين وإباحته تتمشى على ظاهر نصوص مذهب الإمام أحمد.
قال في الإقناع (1) : ويصح ضمان أروش الجنايات نقودًا كانت كقيم المتلفات أو حيوانًا كالديّات، لأنها واجبة أو تؤول إلى الوجوب.. انتهى. وسبق قول صاحب المغنى.
__________
(1) هو من الكتب المعتمدة عند الحنابلة لمؤلفه موسى الحجاوى(2/447)
وهذه تشبه قضية ضمان التأمين على السيارات، حيث تلتزم الشركة ضمان الديات وأروش الجنايات وقيم المتلفات، كأضرار السيارات ونحوها من كل ما هو واجب بالضمان أو يؤول إلى الوجوب ولا يشترط معرفة المضمون عنه ولا المضمون به.
ولا يقدح في صحة هذا الضمان كون المؤمن على سيارته يدفع شيئًا من المال، فإن هذا لا يقدح في صحته الضمان والحالة هذه، إذ ليس عندنا ما يمنعه.
ولا يقدح في صحة هذا الضمان تبرع الشركة بدفع الديّات وقيم الأضرار والمتلفات بدون رجوع فيه إلى أحد، فإن هذا كله جائز على قواعد المذهب، إذ من المعلوم شرعًا وعرفًا أن الجناية تتعلق بالجانى المباشر لها في خاصة العمد وعلى العاقلة في قتل الخطأ فيما زاد على الثلث من الديّة، غير أن التزام الشركة بضمان هذه الجنايات وإن عظم أمرها وعدم الرجوع منها على أحد في غرمها أنه صحيح جائز، وهو مما يجعل الجانى الذي لم يتعمد وكذا عاقلته في راحة عن المطالبة والغرامة وهو خير من كونهم يتكففون الناس في سؤال هذه الغرامة أعطوهم أو منعوهم.
وغاية ما يدركون عليها هو الجهالة عن قدر الغرامة، وهى مغتفرة فيها كسائر أمثالها من الضمانات والشركات التى لا تخلو من الجهالة كشركة الأبدان والوجوه والمفاوضة، فإن فيها كلها شيئًا من الجهالة. وقد تكلم بعض الفقهاء المتقدمين بعدم جوازها من أجله ثم استقر الأمر على أن مثل هذه الحالة مغتفرة.
قال في الإقناع: "ويصح ضمان ما لم يجب وضمان المجهول كضمان السوق، وهو أن يضمن ما يجب على التاجر للناس من الديون وهو جائز عند أكثر أهل العلم كمالك وأبى حنيفة وأحمد " انتهى.
وقال في الاختيارات: "ويصح ضمان المجهول ومنه ضمان السوق وهو أن يضمن ما يلزم التاجر من دين وما يقبضه من عين مضمونة وتجوز كتابته والشهادة به لمن لم ير جوازه، لأن ذلك محل اجتهاد" انتهى.
فهذه المشاركات وما يترتب عليها من الالتزامات التى هى بمعنى الضمانات كلها من الأشباه والأمثال والنظائر التى يجب أن يقاس بعضها على بعض في الإباحة كشركة الأبدان وشركة الوجوه وشركة المفاوضة، ومثله شركة الكهرباء والأسمنت، ولأن حمل معاملة الناس وعقودهم وشروطهم على الصحة حسب الإمكان أولى من حملها على البطلان بدون دليل ولا برهان.. والله أعلم.(2/448)
تسامح مذهب الحنابلة في تقبل التأمين على السيارات
وكثير من العقود والشروط والمعاملات
إن كل مختص في فهم فقه الأئمة الأربعة، فإنه سيعرف تمام المعرفة أن نصوص الإمام أحمد وأصوله تستصحب الحكم بصحة عقد التأمين على السيارات وأن جوازها يتمشى على مذهبه، كما يوافقه مذهب الإمام مالك وأبى حنيفة.
ولا نعنى بذلك أن الحنابلة ذكروا هذا العقد باسمه وصفته في كتبهم، بل ولا غيرهم من سائر المذاهب لكونها حديثة الاختراع ولكل حادث حديث.
وإنما نعنى أن نصوص الإمام أحمد، تتسع لقبولها كسائر نظائرها من الشركات والضمانات وبيع أسهم الشركات.
لكون الإمام أحمد أكثر تصحيحًا للعقود والشروط من سائر الأئمة، ونصوص مذهبه تساير التطّور في العقود المستحدثة.
لأن نصوصه وإن لم تنص على كل عقد أو شرط باسمه لكنها كافية لحل جميع مشاكل العقود والشروط والشركات بالنص أو الاقتضاء أو التضمن، غير أنها تحتاج إلى فهم ثاقب وتطبيق سليم وتبحر في فقه النصوص والعقود.(2/449)
وقد اشَتهر عند المتأخرين تسامح مذهب الإمام أبي حنيفة في مسايرة التطّور في العقود المستحدثة، من أجل أن أصحابه نشروا عنه ذلك وهو صحيح. غير أن مذهب الإمام أحمد يمتاز عليه في كثير من المسائل التى تقتضيها الحاجة وتوجبها المصلحة، من ذلك أن نصوص الإمام أحمد وأصوله تدل على أن الأصل في العقود والشروط الصحة إلا ما دل الدليل على التحريم خلاف ما ذهب إليه الإمام أبو حنيفة من أن الأصل في العقود والشروط الحظر إلا ما دل على الإباحة وهو قول الظاهرية. وهو مذهب الشافعى.
ومنها عقد المساقاة على النخل والشجر بالثلث أو النصف أو بشيء مما يخرج منها أو من غيرها أو بالنقود.
فقد أنكرها الإمام أبو حنيفة والإمام الشافعى وقالا: إنها بيع ما لم يخلق وأنها من الإجارة المجهولة وتفضى إلى الغرر.
أما الإمام أحمد فقد أجازها عملًا بحديث خيبر وكما أن الضرورة والحاجة وعموم المصلحة تقتضى ذلك وعليه العمل في هذا الزمان.
ومنها شركة المفاوضة، وهى أن يفّوض كل واحد منهما إلى شريكه التصرف في ماله مع حضور صاحبه وغيبته، فقد قال الإمام الشافعى لا يجوز. واتفق الإمام أحمد ومالك وأبو حنيفة على جوازها.
ومنها شركة الأبدان، فقد قال الإمام الشافعى بمنعها، واشترط الإمام مالك لصحتها اتحاد الصنعة بين الشريكين.
أمام الإمام أحمد، فقد أجازها مع اختلاف الصنعة واتفاقها، كما أجاز الاشتراك على الدابة له نصف وللدابة النصف الثانى.
ومنها شركة الوجوه. فقد قال الإمام مالك والشافعى ببطلانها لكون الاشتراك الصحيح يتعلق على المال وعلى العمل وكلاهما معدومان في هذه المشاركة مع ما فيه من الغرر، لأن كل واحد منهما عاوض صاحبه بكسب غير محدود لا بصناعة ولا بعمل مخصوص. هذا حجة من قال بمنعها كمالك والشافعى.(2/450)
أما الإمام أحمد، فقد قال بجوازها لأنها عمل من الإعمال فجاز انعقاد الاشر عليها.
وهذا هو الظاهر من مذهب الإمام أبي حنيفة وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية.
ومنها شرط الخيار في البيع، فقد قال الإمام مالك والشافعى وأبو حنيفة: لا يجوز الخيار فوق ثلاثة أيام إلا أن الإمام مالكًا قال لا يزاد الخيار على ثلاثة أيام إلا بقدر الحاجة، كأن يصل إلى البلد وهو لا يصل إليها إلا فوق ثلاثة أيام.
أمام الإمام أحمد، فإنه قال بجواز شرط الخيار على ما يتفقان عليه زادت المدة أو قصرت حتى ولو زاد على الشهر، لأنه حق ثابت بالشرع فرجع في تقديره إلى مشترطه كالأجل ويحكم بالملك في مدة الخيار للمشترى له غنمه وعليه غرمه.
ومنها إذا باع شيئًا واستثنى نفعه المباح مدة معلومة غير الوطء، ودواعيه، كما لو باع بيتًا واستثنى سكناه حولًا أو أكثر.
فقد قال الإمام أبو حنيفة والشافعى: لا يصح هذا الشرط، لأنه ينافى مقتضى البيع، أشبه ما لو اشترط أن لا يسلمه إليه.
أمام الإمام أحمد، فقد قال بصحة هذا الشرط ولزوم ما يترتب عليه، لقصة جابر حين باع بعيره على النبى صلى الله عليه وسلم واستثنى حملانه إلى المدينة.
وتأخير تسليم المبيع إلى المدة المحدودة لا ينفى صحة البيع كالدار المؤجرة فإنه يصح البيع فيها مع تأخير تسليمها.
ومنها بيع التلجئة وهى إذا خشى إنسان سلطانًا أو ظالمًا أن ينتزع ملكه منه قهرًا فاتفق مع إنسان بأن يظهر للناس أنه اشتراه منه ليحتمى بذلك من هذا الظالم ولا يريد بيعه على الحقيقة، فإن هذا يسمى بيع تلجئة.
وقد قال الإمام أبو حنيفة والشافعى هو بيع صحيح، تم بأركانه وشروطه فلزم العقد فيه.(2/451)
أما الإمام أحمد، فقد قال بعدم لزوم البيع لأنهما لم يقصدا البيع الحقيقى الذي هو انتقال المبيع إلى المشترى فلم يصح بناء على ما اتفقا عليه قبل العقد، لكون العقود محمولة على القصود.
ومنها بيع العربون وهو أن يشترى شيئًا فيسلم بعض ثمنه ويقول أن جئتك ببقية الثمن وإلا فالعربون لك.
فقد قال مالك والشافعى وأبو حنيفة: هذا لا يصلح لأنه بمثابة الخيار المجهول.
أما الإمام أحمد، فقد قال: لا بأس به وفعله عمر وأجازه ابن عمر، وضعّف حديث النهى عن بيع العربون.
ومنها لو اشترطت الزوجة في صلب العقد بأن لا يتزوج عليها أو أن لا يتسرى عليها أو أن لا يخرجها من دار أهلها أو بلدها ونحو ذلك.
فقد قال أبو حنيفة ومالك والشافعى: هذا شرط باطل لحديث ((كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ولو كان مائة شرط)) . وحديث ((إلا شرطًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا)) ، وهذا الشرط يقتضى تحريم الحلال من التزوج بغيرها أو التسرى أو السفر.
أما الإمام أحمد، فقد قال بصحة هذا الشرط ولزومه، وأنه أن لم يف به فلها الخيار بين البقاء أو فسخ النكاح، لما روى البخاري أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((إن أحق الشروط أن توافوا به ما استحللتم به الفروج)) ، وحديث ((المسلمون على شروطهم)) .
والقول بصحة هذا الشرط لزومه يروى عن عمر وسعد بن أبي وقاص ومعاوية وعمرو بن العاص ولا يعرف لهم مخالف في عصرهم فكان إجماعًا.
وتزوج رجل بامرأة واشترطت عليه دارها فأراد نقلها بغير اختيارها، فخاصموه إلى عمر، فقال: لها شرطها. فقال الرجل: إذا يطلقننا يا أمير المؤمنين. فقال عمر: مقاطع الحقوق عند الشروط.(2/452)
فهذه العقود والمشاركات والشروط وما يترتب عليها من الالتزامات والضمانات كلها من الأشباه والأمثال والنظائر التى يقاس بعضها على بعض في الإباحة لملاءمتها للمعاملات المستحدثة في هذا العصر والتى لا توجد عند غيره من الأئمة.
وكل ما يصححه من العقود والشروط، فإن لديه دليلًا خاصًا من أثر أو قياس لكونه يستنبط دلائل مذهبه من مسنده وقد بلغه في العقود والشروط من الآثار عن النبى صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة ما لم يبلغ غيره من الأئمة فقال به.
فهذا الاشتراك الاجتماعى الأهلى المنعقد لضمان تأمين السيارات والطائرات والسفن ونحوها، يعتبر من التعاون المباح ويدخل في حدود التعامل الجائز، وما ينتج عنه من الأرباح فحلال لا شبهة فيه، أشبه شركة الكهرباء والأسمنت ونحوهما.
لأن حمل معاملة الناس على الصحة، حسب الإمكان أولى من حملها على البطلان بدون دليل ولا برهان لكون العقد الصحيح عند أهل الأصول هو ما يتعلق به النفوذ من بلوغ المقصود ويعتد به. والباطل بخلافه وهو ما لا يتعلق به النفوذ ولا يعتد به، وهذا الاشتراك وما يترتب عليه مستكمل لشروط الصحة شرعًا.(2/453)
ومن تأمل هذا تبين له أن جواز هذا الاشتراك وإباحة ما يترتب عليه من الربح أنه أشبه بأصول الشريعة وأبعد عن كل محذور.
لكون الأصل في العقود والشروط الإباحة إلا ما دل الدليل على تحريمه وأصول الإمام أحمد ونصوصه وقواعد مذهبه تقبل مثل هذا العقد وتنافى تحريمه.
لكن بعض العلماء في هذا العصر القائلين بمنعه إنما أخذوه من العموميات اللفظية والقياسات الفقهية التى اعتقدوا شمولها لمثل هذا العقد ظنًا منهم أنه جهالة أو غرر، وما عارضوا به لم يصح عن الشارع القول بموجبه ولم يدخل في عموم المنهى عنه في أصل الشرع ولا في نصوص أحمد وأصوله، لكون الجهالة فيه مغتفرة وليست من الغرر المنهى عنه، بل هى من النوع الجائز كسائر أمثاله من الضمانات والشركات.
وبهذا تندفع الاعتراضات وتبقى الأدلة الشرعية كافية للإقناع العلمى الذي تزول به الشكوك والشبهات.
لهذا يجوز للقاضى الشرعى أن يحكم بصحة هذا العقد ولزوم ما يترتب عليه من الضمان.
ومتى صدر الأمر به من الحكومة يتمحض للحتم والإلزام.
وهو يدخل في ضمن عقد الضمان الذي ذكره الفقهاء من الحنابلة والمالكية والأحناف، حيث قالوا بصحة ضمان ما لم يجب وضمان المجهول وضمان أروش الجنايات، سواء كانت نقودًا أو ديات وكونه لا يشترط لصحة مثل هذا الضمان معرفة الضامن للمضمون عنه ولا قدر المضمون به فمتى قابل العاقل بين هذا الضمان الموصوف بما ذكر وبين ضمان التأمين على السيارات وجده منطبقًا عليه بجميع صفاته وإن اختلفت مسمياته وقواعد الشرع تعطى الشيء حكم نظيره. والله أعلم.(2/454)
التأمين على الحياة
وبيان بطلانه بالبراهين والبيّنات
أن الله سبحانه في كتابه وعلى لسان نبيّه نصب أعلامًا وحدودًا للحلال يعرف بها الحلال، وأعلامًا وحدودا للحرام يعرف بها الحرام، فقال: {تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} وحدود الله محرماته، وقال: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} .
وقد أنزل الله الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط، فالكتاب هو الهادى إلى الحق، والميزان هو الذي توزن به أعمال الخلق فيعرف عدلها من عائلها، وصحيحها من فاسدها، فترد الفروع إلى أصولها ويلحق النظير بنظيره ويعطى حكمه في الجواز والمنع كما في رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأشعرى –رضى الله عنهما- حيث قال: "ثم الفهم الفهم فيما أدلى إليك مما ورد عليك مما لم يكن في كتاب ولا سنة، ثم اعرف الأشباه والأمثال والنظائر وقس الأمور عند ذلك، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق" انتهى.(2/455)
لهذا يعتبر من الجور وعدم العدل إلحاق الحرام بالحلال، وكذا عكسه بحجة رواجه بين الناس أو مسايرته للتطور الجديد أو حكم الأنظمة بموجبه {وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ} .
لأن كل تعامل أو اشتراك أو اشتراط ينافيه الشرع فهو باطل وإن كان مائة شرط.
إن التأمين على اختلاف أنواعه لا ينبغى أن ينظر إليه بنظرات سلبية سطحية ليس لها غرض إلا في المادة والحصول على المادة والتشجيع على كسب المادة بشتى الطرق الملتوية والحيل المنحرفة عن المكاسب الصحيحة إلى المكاسب الخبيثة.
وربما تحاملوا بالملام والإنحاء بالمذام على ما قال في الحرام هو حرام، كأنهم يريدون توسيع الطرق لكسب المال من حلال أو من حرام، كما في البخاري أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((يأتى على الناس زمان لا يبالى الرجل من أين أخذ المال أمن حلال أو من حرام)) .(2/456)
صفة عقد التأمين على الحياة
هو أن يأتى من يريد التأمين على حياته إلى شركة التأمين، فيتفق معها على تأمين حياته عشرين عامًا أو أقل أو أكثر، في مقابلة شيء معلوم من النقود، كأربعة آلاف أو أقل أو أكثر، يدفعها مقسطة بين عشر سنين كل سنة يدفع مثلًا أربعمائة ريال، على أنه أن مات في خلال هذه المدة المحدودة، فإن شركة التأمين ملزمة بدفع أربعين ألفًا أو خمسين ألفًا، على حساب ما يتفقان عليه، حتى ولو لم يكمل دفع الأقساط كلها.
فإن دفع بعض الأقساط ثم عجز عن دفع الباقى ذهب عليه كل ما دفعه. وفيه شروط ومصطلحات بينهما، منها كون الشركة تشترط على نفسها أن تدفع ربحًا خمسة في المائة في حالة استمرار عقد التأمين.
ولا شك أن هذا العقد بهذه الصفة باطل قطعًا، ولن تجد له محملًا من الصحة وإن حذلقة من يحتال لإباحته فإن وسائل البطلان محيطة به من جميع جهاته.(2/457)
منها أنها تسليم دراهم مقسطة في دراهم أكثر منها مؤجلة قد يتحصل عليها وقد تفوت عليه في حالة عجزه عن بعض الأقساط فحقيقتها أنها شراء دين بدين وشراء دراهم بدراهم أكثر منها وتشبه بيع الآبق المنهى عنه في حالة جهالة الحصول على العوض المشروط وقد يفوت عليه مع رأس ماله ومع ما فيه من الربا وسائر وسائل البطلان، فإنها لا تقضيه الحاجة ولا توجبه المصلحة ويمجه العقل فضلًا عن المشرع.
والحاصل أن قضية التأمين على الحياة هى من المعاملات المستحدثة الفاسدة لمشابهتها لعقد الميسر حقيقة ومعنى من باب اجتماع الفرع بالأصل ومساواته له في المعنى والحكم، لأن الصحابة –رضى الله عنهم- كانوا يمثلون الوقائع بنظائرها ويشبهونها بأمثالها ويردون بعضها إلى بعض في أحكامها.
لأنه بمقتضى تحقيق النظر في حكم هذا العقد. ثم في تطبيقه على ما يشاكله من نظائره، ثم الحكم فيه بالميزان العادل غير العائل على ضوء النصوص الصحيحة المبنية على حفظ الدين والنفس والمال.(2/458)
بدراسة عميقة سليمة من الأهواء النفسية والأغراض الشخصية دراسة تبين الأحكام وعللها وشمول مصالحها وترد الأشياء إلى أصولها بدون اطراد عرفى ولا اقتضاء عقلى، فإنه حينئذ يتبين بذلك فساد هذا العقد وخروجه عن حدود ميزان العدل والحق.
لأن الحلال هو ما أحله الله ورسوله والحرام ما حرمه الله ورسوله {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} ، وإنما حرم الله الميسر من أجل أنه أكل للمال بغير حق، مع كونه يورث العداوة والبغضاء على أثر سلب المال بغير حق. والله يقول: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} .
والنبى صلى الله عليه وسلم قد فصّل ما أجمله الله في كتابه من شئون تحريم بعض العقود والمعاملات صيانة للأموال عن التلاعب بها بغير حق، فنهى عن بيع الغرر وهو المجهول العاقبة وغير الموثوق بالحصول عليه، كبيع الآبق، وبيع ما في بطون الأنعام، وبيع حبل الحبلة، وبيع الحصاة والملامسة والمنابذة وضربة الغائص، وبيع ما ليس عندك، كما حرم الربا والميسر وهو القمار، وكما حرم الخمر شربه وبيعه وأكل ثمنه، كما حرم الخداع والغش والكذب.
كل هذه حرمها الشاعر في أجل أنها تفضى إلى مفسدة الميسر الذي يثير العداوة والبغضاء بين الناس والذى هو أكل أموال الناس بالباطل.(2/459)
وقد أخذ الناس تتجارى بهم الأهواء في تأمين الحياة حتى أخذوا يؤمنون على أعضاء الإنسان، فبعضهم يؤمن على يده، وبعضهم يؤمن على رجله، وبعضهم يؤمن على صوته (1) وحيث قلنا ببطلان التأمين على الحياة من أصله، فإنه مفض للبطلان في أبعاضه من باب الأولى والأحرى، كما قلنا ببطلان الميسر بكل أنواعه.
وقضية عقد التأمين على الحياة هى من نوع ذلك بمقتضى المطابقة والتضمن. فإن المؤمن على حياته يدفع نقودًا قليلة مقسطة في نقود كثيرة مؤجلة وغير موثوق بالحصول عليها، فقد تفوت عليه بعجزه عن دفع بقية الأقساط، وقد يفوت عليه معظمها ببقائه حيًا إلى نهاية المدة المحدودة.
والفرق بينه وبين التأمين على السيارات والطائرات ونحوهما واضح جدًا، فإن المؤمن على سيارته لا يريد بتأمينها الحصول على نقود أكثر مما دفع ولا أقل لا في حياته ولا بعد مماته، وإنما يريد الأمان والاطمئنان عن الحوادث منها أو عليها، بحيث تتكفل الشركة بضمان ما وقع عليها فقط وهذا الأمان والاطمئنان هو مما يستوجب أن يدفع فيه نفيس الأثمان والضامن غارم كما ثبت بذلك الحديث بقوله: ((الزعيم غارم والعارية مؤداة)) .
__________
(1) إن شركة التأمين على الحياة في حالة إبرام العقد مع من يريد تأمين حياته تقوم بعملية الفحص على صحته وسلامته، فإن كان جسمه غير سليم امتنعوا عن التعاقد معه، أو على تأمين حياته، لعلمهم أن إدمان السكر يقصم العمر قبل انتهاء العمر المعتاد، ومن صفة الخمر أنها لقصر الأعمار وتولد في الجسم أنواع المضار(2/460)
فدعوى المبيحين له بأن عقد التأمين على الحياة يقع بالتراضى وأن شركة التأمين تدفع العوض المتفق عليه بحالة الاختيار بدون إجبار وأنه لن يثير العداوة والبغضاء كما يثيرها القمار وأنه قد يخلف هذا المال لأولاده الضعاف الذين قد تحيط بهم الحاجة والفقر بعد موته. فهذا ليس على إطلاقه ولا يبرر انعقاده.
فدعوى انعقاده بالتراضى يبطله كون العقود المحرمة كلها تقع بالتراضى ولا يحللها رضى المتعاقدين، وقد سبق حكم الله بتحريمها وبطلانها.
وأما دفع الشركة للعوض بمقتضى الرضا بدون أن يقع فيه عداوة ولا بغضاء فهذا ليس على إطلاقة، فمتى أردت أن تعرف عدم صحته فافرض أن رجلًا اتفق مع شخص آخر على تأمين حياته لكون عقد التأمين على الحياة يصح من الفرد مع الفرد كما يصح مع الشركة، إذ الحكم واحد. فاتفق معه على أن يدفع المؤمّن على حياته قدر أربعة آلاف أو أقل أو أكثر مقسطة، بحيث يدفع في كل سنة جزءًا منها على حساب تأمين حياته عشرين سنة أو عشر سنين. أن مات في خلال هذه المدة المضروبة لزم الملتزم للضمان خمسون ألفًا أو أربعون على حسب ما يتفقان عليه، بحيث يدفعها إلى ورثة المؤمّن لحياته، فبعد إبرام العقد ودفع أول الأقساط توفى المؤمّن لحياته أفتراه يدفع هذا القدر الذي التزمه أي أربعين أو خمسين ألفًا إلى الورثة بطريق الرضى والاختيار، أم تراه يتهرب عن الدفع ويعمل ألف حيلة في الامتناع وعدم السماح بالدفع وعلى أثره يقع النزاع بينه وبين خصمه في حالة امتناعه، ثم تنعقد بينهما العداوة والبغضاء أعظم مما يقع بين أهل القمار؟!.
وفى حالة الاصرار على الامتناع تستدعيهما الحاجة والضرورة إلى الترافع إلى قاضى الشرع ليقطع عنهما النزاع ويريحهم من مشقة الخصام بالحكم بالعدل. أفترى هذا القاضى يحكم بالتزام الملتزم بدفع ما التزم به على نفسه، سواء كان أربعين أو خمسين ألفًا إلى ورثة المؤمّن على حياته، أم تراه يرد الأشياء إلى أصولها والفروع إلى نصوصها، فيحكم بإرجاع ما قبضه كل واحد منهما، ثم التحاسب فيما لكل واحد منهما أو عليه لا وكس ولا شطط، عملًا بقوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} .(2/461)
وكيف ننسى في مثل هذه القضية حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم وقضاءه في وجوب رد المال على صاحبه عند تعذر أخذ عوضه.
كما روى مسلم في صحيحه عن جابر، أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: ((لو بعت على أخيك ثمرًا فأصابته جائحة فلا يحل لك أن تأخذ منه شيئًا بم تأخذ مال أخيك بغير حق)) .
فهذا حكم رسول الله في مثل هذا العقد الواقع صحيحًا في بداية الأمر وبطريق الرضى والاختيار من كل منهما، ولكنه لمّا لم يقبض عوض ما اشتراه القبض التام الذي يحصل به الانتفاع حكم رسول الله برد الثمن على صاحبه، وكونه لا يحل للبائع أن يأكل مال أخيه بغير حق والذى لا يحل هو الحرام لكون الأموال محترمة لا يحل أخذها إلا عن طريق الحق.
أفترى شرع الإسلام المبنى على مصالح الخاص والعام وعلى حفظ الدماء والأموال، أفتراه يحكم بفسخ هذا العقد ووجوب رد الثمن على المشترى كاملًا لمّا لم يتحصل على قبض ما اشتراه، ثم يبيح أخذ هذا المال الكثير بدون مقابل من العوض ما عدا الالتزام على نفسه به فلا يقول بصحة هذا العقد وإباحة ما يترتب عليه من العوض إلا من يقول بصحة عقد الميسر، أي القمار وإباحة ما يترتب عليه من المال، إذ هما في الحكم سواء والكل واقع بالتراضى بينهما.(2/462)
ثم أن العقود المحرمة مقرون بها الشؤم والفشل ومحق الرزق وانتزاع البركة يقود بعضها إلى بعض في الشر كما قيل من أن المعاصى بريد الكفر.
لهذا يظهر من مساوئ مثل هذا العقد أن الورثة من الأولاد والزوجة متى عرفوا من موروثهم تأمين حياته بهذا المال العظيم، أي قدر خمسين ألفًا أو أربعين وخشوا فوات هذا المال بطول حياته وتجاوزه للمدة المحدودة، فإنهم سيعملون عملهم مباشرة أو بالتسبب بالقضاء على حياته حرصًا على الحصول على هذا المال وحذرًا من فواته بطول حياته، لكون المال مغناطيس النفوس يسيل لعابها على حبه والتحيل على فنون كسبه، مع العلم أن الناس قد ساءت طباعهم وفسدت أوضاعهم وضعف إيمانهم وفاض الغدر والخيانة بينهم.
وقد قص الله علينا خبر من كان قبلنا ليكون لنا بمثابة العظة والعبرة، وخير الناس من وعظ بغيره.
فقال تعالى: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادَّارَأْتُمْ فِيهَا وَاللَّهُ مُخْرِجٌ مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِهَا كَذَلِكَ يُحْيِي اللَّهُ الْمَوْتَى وَيُرِيكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (73) } ، فمعنى ادَّارأتم، أي: تدافعتم في الخصام.
وذكر ابن كثير في التفسير عن ابن أبي حاتم، حدثنا الحسن بن محمد بن الصباح، حدثنا يزيد بن هارون، أنبأنا هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن عبيدة السلمانى، قال: كان رجل من بنى إسرائيل عقيمًا لا يولد له وكان له مال كثير وكان ابن أخيه هو وارثه فاستبطأ موته فقتله ثم حمله فوضعه ليلًا على باب رجل منهم ثم أصبح يدعيه عليهم ويقول: أنتم قتلتم عمى حتى تسلحوا وركب بعضهم على بعض، فقال عقلاؤهم وذوو الرأى منهم: علام يقتل بعضكم بعضًا وهذا نبى الله موسى فيكم فاسألوه، قال: فأتوا نبى الله موسى –عليه السلام- فذكروا ذلك له فأمرهم أن يذبحوا بقرة وأن يضربوه ببعضها ففعلوا ذلك فبعثه الله حيًا سويًا، فقال: قتلنى ابن أخى فلان فلم يورث قاتل من قتله بعد ذلك. ورواه ابن جرير بنحوه.(2/463)
وتاريخ هذا العصر يحكى عن مثله، وهو أن رجلًا أمَّن حياة والدته لدى شركة التأمين، فبعد إبرام العقد وتسليم بعض الأقساط صنع له قنبلة ووضعها تحت كرسى ثم أمر والدته أن تجلس على الكرسى فثارث بها القنبلة حتى جعلتها قطعًا فذهب إلى شركة التأمين يطالبهم بعوض حياة والدته، فبعد إجراء البحث والتفتيش عرفوا تمام المعرفة أنها خيانة ومكيدة من الولد على والدته حرصًا منه على الحصول على عوض حياتها، وقد اعترف لهم بذلك بعد تحديه بالأمارات والدلائل. وأما قولهم: إنه قد يخلف هذا المال لأولاده الضعاف فإن حسن المقاصد لا يبيح المحرمات {إِنْ يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا} فكم من غنى خلف أموالًا كثيرة فاجتاحتها أيدى الظلمة وأجلسوهم على حصير الفقر أو صار هذا المال سببًا في فسقهم وفسادهم. وكم من رجل نشأ فقيرًا فرزقه الله مالًا كثيرًا، وفى الحديث ((من أحب أن يحفظ في عقبه وعقب عقبه فليتق الله)) فاحفظ الله يحفظك أي في دينك ودنياك وفى أهلك وعيالك.
ثم أن القائلين بإباحة التأمين على الحياة لّما لم يجدوا نصًا يعتمدون عليه ولا قياسًا يستندون إليه، أخذوا يركبون التعاسيف في الصدر والورود ويستدلون بما يعد بعيدًا عن المقصود، شأن العاجز المبهوت يتمسك في استدلاله بما هو أوهى من سلك العنكبوت، اشبه من يحاول اقتباس ضوئه من نار الحباحب والتماس ريه من السراب الكاذب، من ذلك استدلالهم ببيع الوفاء، وهو أجنبى عن البحث في الحقيقة والمعنى فلا يمت إليه بصفة ولا صلة.(2/464)
وصفته عند الأحناف هو أن يضع الرجل عقاره الذي تساوى قيمته ألفًا أو ألفين فيضعه عند رجل في خمسمائة أو أكثر ويكتب عليه بيع وفاء يريدون من هذه التسمية أن يستحل المرتهن غلته هذا لعقار ما دام باقيًا في يده بدون أن يرجع عليه مالكه في شيء من قيمة غلته في مقابلة ما ينتفع صاحبه بالدراهم، وإذا تحصل صاحب العقار على النقود استرجع عقاره بدون منازعة لاعتقاد الجميع بأنه باق على ملك صاحبه.
وقد حدث هذا التعامل بهذه الصفة في بلدان فارس. قبل في القرن الخامس وأفتى الكثير من الفقهاء بكونه رهنًا لا ينصرف إلى غيره وإن سموه بيعًا لكون الاعتبار في العقود بالمقاصد وهما لم يقصدا التبايع الحقيقى وهذا هو الصحيح، لأنهما إنما قصدا بهذه التسمية محض التوثقة واستباحة الغلة فقط. والأسماء لا تغير الأشياء عن حقائقها.
ثم إنه على فرض صحة ما ذكروا من أنه بيع مستقل بحالته وعلى صفته، فإنه مخالف للقياس في صيغ البيوع الصحيحة وما خالف القياس لا يقاس عليه عند أهل الأصول. مع كونه بعيدًا في القياس عن مشابهة التأمين على الحياة (1) .
__________
(1) نقل مصطفى الزرقاء في كتاب "التأمين" عن محمد يوسف موسى، ص 29، قال ولا أجد في تاريخ الفقه الإسلامى واقعة أشبه بواقعة التأمين من بيع الوفاء في أول ظهوره وقال أيضا ص 22: أن التأمين بكل أنواعه ضرب من ضروب التعاون التى تفيد المجتمع. قال: والتأمين على الحياة يفيد المؤمّن كما يفيد الشركة. قال: وأرى شرعًا أنه لا بأس به إذا خلا من الربا. انتهى. وأخذ الشيخ مصطفى الزرقاء يصوب استجادة هذا الاستنباط وكأنه رآه عين الصواب والسداد وجعله بمثابة العدة والعمدة في القياس والاستناد ولا شك أن مشابهة التأمين على الحياة ببيع الوفاء أنه بعيد جدًا فلا مداناة فضلًا عن المساواة وكيف يقول إنه لا بأس بالتأمين على الحياة إذا خلا من الربا وهو غارق في الربا إلى الآذان لكون وسائل الربا والبطلان محيطة به من جميع جهاته(2/465)