أن يطلعوا على حقيقة هذا التل منذ أزمنة كثيرة، فثبت الآن ثبوتاً جازماً انه بقايا الزقورة (أنر كدرمه) أي (دار العجب، أو المسكن الشهير) وهي الزقورة الراجعة إلى هيكل (إلبابا) اله الحرب وزوجته اشتر في كيش.
باشرت بعثة (اج ولد) (لأكسفورد) ومتحفة الميدان في شيكاغو كشف هذا الموقع الفسيح في آذار (مارس) سنة 1923. فأنعمت النظر بكل دقة في الزقورة والهيكل المسمى (إمت ارسج) القائم على جانبها. وبان تاريخ البناءين سريعاً، ذلك التاريخ الطويل المتغير؛ لان الملوك الأقدمين كانوا إذا جددوا أبنية مقدسة يذكرون من عادتهم أعمال تقواهم على آجر البناء. ولا لوم عليهم بافتخارهم هذا. وعثر المستر (مكي) مدير البعثة (بعثة الميدان) على مثل هذا الرقيم المسماري الذي يبين أن (شمشويلونا) (2024 - 1987ق. م) سابع ملوك بابل ومن سلالتها الأولى، رمم الهيكل والزقورة اللذين شيدهما سلفه (شمولا إلو) (2156
- 2122ق. م) كما نعلم أن (لحمرب) أيضاً. وهو سلف (شمشويلونا) السابق له، يداً في تعظيم الهيكل المذكور، ولكن مسحاة المنقب تدفعه إلى أن يمعن في التاريخ إلى زمن اقدم من هذا الزمن، إذ كشف جدار عظيم بعد عدة أقدام تحت ارض هيكل هؤلاء الملوك البابليين، فيقتضي انه كان قسماً من هيكل شمري سبق عهد بابل بزمن مديد.
ويظهر أن في سائر تاريخ كيش المديد المتلون، كان لعبادات هياكلها خشوع سرى إلى مدن هذه الديار جمعها. وفي التاريخ ما يدل على أن هناك ملوكا من سلالة كيش وسلالة إسن، وكان بعض ملوك آشورية نفسهم يقصدون إلى مدينة كيش وأختها (هرسجكالما) ويذبحون الذبائح في هياكلها. بيد انه نظهر أن الهياكل أضحت في ضيق شديد في أزمنة الحرب وحين غير النهر مجراه. ولما وصلت بابل إلى أوج مجدها في زمن نبو كدر اصر الثاني وأصبحت في أبان عظمتها تجددت هياكل كيش (وهرسجكالما) مرة ثانية، ومن ظريف المصادفة أن الرقيم المسماري المحفور في الآجر يثني على الملك لإعادة (إي سجيلا) هيكل الإله مردوك في بابل مناوئ إله كيش وهو احدث منه ولكن أتى هذا الاستهزاء من غير تعمد.(9/264)
أصل اليزيدية وتاريخهم
بمناسبة كتاب نصوص اليزيدية الدينية الذي نوهت به لغة العرب.
الكرد:
هنا حقيقة لا يمتري فيها، هي أن الكرد جيل قائم بنفسه، كان موجوداُ قبل الإسلام قال السمعاني: (طائفة بالعراق ينزلون الصحارى وقد سكن بعضهم القرى خصوصاً في جبال حلوان والنسبة إليهم الكردي). أهـ
أما انهم بدو الفرس وان الفرس القسم المتحضر منهم. أو انهم أمة برأسها ولا تزال في البداوة إلى ظهور الإسلام. . . فهذا موضع الآخذ والرد بين الكتاب والمؤرخين. . . ولا يشتبه في أن الكرد اليوم، هم من نسل أولئك وانهم بقوا محافظين على حالتهم الأولى بزيادة أو نقصان أو حضارة وخدموا الإسلامية خدمات جليلة.
ولا ينكر أيضاً انهم دخلتهم عناصر عربية اثر الفتح الإسلامي، وما يليه من العصور، خصوصاً في عهد الأمويين فانهم تولوا رياستهم أحياناً، أو قاموا بمشيختهم وتربيتهم الدينية، أو سياستهم.
الكرد واليزيدية:
من طالع كتاب الشرفنامة علم ما يؤيد ذلك. وهذا الكتاب عدد شعبهم من كرماج، ولر، وكلهر، وكوران، ثم قال:
(إن جميع طوائف الكرد شافعية المذهب، متابعة لشريعة الرسول (ص) ونهج الصحابة الكرام؛ والخلفاء العظام، وطاعة العلماء، وأداء الفرائض: من صلاة، وصوم، وحج، وزكاة، إلا أن بعض الطوائف التابعة للموصل والشام مثل طاسنى (وورد في موطن آخر بلفظ داسني وهو المشهور اليوم) وخالدي، وبسيان، وقسم من بختي، ومحمودي، ودنبلي، على المذهب اليزيدي.
ثم قال:(9/265)
وإن هؤلاء اليزيدية من جملة مريدي الشيخ عدي بن مسافر. وهو من حفدة المروانيين
وينتسب إليهم ومن اتباعهم. ومرقده في جبل لالش (وفي المعجم ليلش) من أعمال الموصل ومن اعتقادهم الباطل فيه انه قد تحمل عنهم صومهم، وصلاتهم، فيصلي عنهم، ويصوم بدلهم، ويقولون لولاه لعاقبنا الله، أو لعاتبنا فهو الذي يوصلنا إلى الجنة، ولهم كره، بل بغض، مستمر لا حد له لعلماء الظاهر.) أهـ
وقد علق الطابع لهذا الكتاب - (الطبعة المصرية) - بما نصه:
(اليزيدية من الوجهة العنصرية طائفة من الأكراد تقطن أنحاء جبل سنجار وجزيرة ابن عمر وحكاري (كذا. ووردت في الكتب العربية بلفظ هكار بفتح الهاء وتشديد الكاف) في الجنوبي من كردستان لا يزيد عددهم الآن عن مائتي ألف وهم مسلمون في الظاهر، إلاَّ أن لهم عقائد خاصة، تخالف عقائد الجمهور من المسلمين. وسموا (يزيدية) نسبة إلى يزيد بن معاوية، لأنهم كانوا من أنصار الأمويين. وعلى ما يفهم من نص الشرفنامة، ومن أقوال العارفين بتلك الجهات، وهؤلاء الناس، أن عدة من قبائل الأكراد المشهورين بالشجاعة والفروسية، هاجرت في عهد الأمويين إلى جهات الشام للالتحاق بخدمة الخلفاء، فاستوطنت هنالك مدة، ثم عادت إلى موطنها الأصلي، عند سقوط دولة الأمويين، واعتصامهم مع اتباعهم بالجبال والبلاد الحصينة. وهكذا المذهب السياسي أدى إلى مذهب ديني مخالف لدين جمهور المسلمين.) أهـ
تمحيص الأقوال عن اليزيدية:
إن هذه الأقوال وحدها لا يعول عليها، ما لم نجد ما يدعمها من النصوص القديمة، في اصل هذه الطائفة التي لا يزال الأوربيون يهتمون بها اهتماماً عظيماً ويحاولون بكتاباتهم أن يعدوها طائفة قائمة برأسها من حيث العقيدة، وان لا اصل لها في الإسلام، لغرض أن يبدوا مهارة في التدقيق، أو لأمر آخر سياسي، أو ديني، مما لا يخفى على المطالع.
نعم اختلفت الظنون في اصل اليزيدية، وتضاربت الآراء في حقيقة نحلتهم، فاستفد بعض الكتاب من هذا التشويش، ووافقهم بعض المسلمين أيضاً،(9/266)
فاختار أنهم مجوس، لغرض مخالفة في المعتقد. وكذا فعل صاحب (النصوص الدينية اليزيدية) فانه تابع أهل هذا الرأي، لموافقة اشتراك في بعض حروف اللفظ ليزيد ويزدان على خلاف ما قام به جهابذة الكتاب من المسلمين.
والموضوع دخل بساط البحث، فتناولته الآراء بنزعة أو بساطة، أو بما ماثل إحداهما. وتعداد الأقوال في هذا الباب يطول كما انه لا يجدي نفعاً. وليس القصد الاشتراك مع أحد دون الآخر. تعصباً لرأي تعصباً مجرداً. وإنما الغاية التوصل إلى الحقيقة، ودفع شيوع ما نعتقد خلافه، بالنظر إلى ما وصل إلينا من النصوص التاريخية في وقت لا نجد هناك نصوصاً تهدمها، فتستدعي ترك هذا المعتقد واعتناق غيره.
ونتائج ما تحققته انهم مسلمون. متزهدون. يعتقدون الأمانة في يزيد. وكونه على الحق. وتوارثوا تقاليد قومية، ودينية؛ صوفية. واعتيادات سياسية ممزوجة بتعصب للأمويين، مما أبعد شفة الخلاف بينهم وبين جمهور المسلمين، فادى إلى تقاليد خاصة أفسدت جوهر إسلاميتهم.
نشاهد هذا التفاوت تقريباً بين عقائد الإسلام الخالصة، المأخوذة من أمهات نصوصة الحقة، وما عليه اليوم (عرب البادية) من التقاليد الجاهلية، أو ما عليه غيرهم من أهل المدن الدخلاء في الإسلامية. نرى بعض الاعتيادات الموروثة ولا يسعنا أن نحكم انهم بقوا على تلك العادات بان يقال انهم تستروا بالإسلامية وأبطنوا غيرها.
وأيضاً دخلت هذه النحلة تقاليد جديدة لها أساس في الديانات المجاورة، وفي التصوف. ولا ننس أن العوام لا يعرفون سوى الشكل المادي والمراسم الظاهرة.
فالتشوش وقع لهم ممن دخل ومعه تقاليد جديدة، أو من رؤساء جهال، كما سيتبين، وإلا فالمؤرخون لم ينقلوا عن مجوسيتهم شيئاً، وإنما ذكروا تعصبهم ليزيد، كما تعصب غيرهم للإمام علي (رض) ولم يكونوا بدرجة النصيرية (ويعرفون عندنا بعلي اللهية) مع أن المؤرخين دونوا ديانات(9/267)
المجوس وأحوال الفرس، حتى انهم عرفوا بمن شاهدوه في عصرهم من الدعاة، ومنتحلي هذه الديانة.
وعلى كل حال، لا يحتمل انهم عريقون في المجوسية، ولا يعول على التقاليد الموروثة، باعتبارها ديناً قديماً لهم ولكن يصح أن يفسر ما وجد مخالفاً للإسلام، فيقال انه منقول ومأثور عن جاهليتهم الأولى، أما هم فلا يقولون بان ديانتهم مجوسية، كما أن بعض المسلمين، لو قلنا له: إن قسماً من تقاليدك جاهلية، أو وثنية، أو ما شابه ذلك، لأخذه الحنق، ولكذب كل ما يعزى إليه بأي وسيلة كانت.
أصل اليزيديدة في التاريخ:
لا يفوتنا أن اكثر الكتاب، تابعوا فكرة انتشرت، واشتغلوا بتفسيرها دون أن يكلفوا أنفسهم عناء البحث، أو العودة إلى النصوص التاريخية. ولا تحسب أيها القارئ إني سأعتمد على نسخ خطية قديمة. قد انفردت بحيازتها، وإنما غالب ما اذكره مشهور متداول. فأول من ذكر هؤلاء اليزيدية فيما اعلم (السمعاني) (المتوفى سنة 562هـ) في كتاب الأنساب، في مادة (يزيدية) فانه بعد أن عدد يزيديين محدثين قال:
(وجماعة كثيرة لقيتهم بالعراق، في جبال حلوان، ونواحيها من اليزيديية وهم يتزهدون في القرى التي في تلك الجبال، ويأكلون الحال (كذا) وقلما يخاطون الناس. ويعتقدون الأمانة في يزيد بن معاوية وكونه على الحق،(9/268)
ورأيت جماعة منهم في جامع المرح (كذا) وسمعت أن الأديب الحسن ابن بندار البروجردي، وكان فاضلا مسفاراً ينزل عليهم بسنجار (جاءت الكلمة بلفظ بخارا في الأصل ولعل سبب ذلك جهل الكاتب جبل سنجار واشتهار بخارا بين الأدباء)، ودخل مسجداً لهم، فسأله واحد من اليزيدية: (ما قولك في يزيد)؟ فقال: (أيش أقول فيمن ذكره الله في كتابه، في عدة مواضع، حيث قال: (يزيد في الخلق ما يشاء)، (ويزيد الله الذين اهتدوا هدى). قال: فأكرموني، وقدموا لي الطعام الكثير. . .) أهـ
هذا ما قاله السمعاني عن نفسه، وما نقله عن معاصر له. وانه رآهم في جامع المرج، ورأى محدثه مسجداً لهم، وعرف اعتقادهم؛ وقد نفى السمعاني في نفس هذه المادة، أن ينتسبوا إلى بزيد بن انيسة، وانما عده من الخوارج.
يؤيد فكرة انتسابهم إلى الامويين، أو انهم رؤساؤهم في الدين، وفي الإدارة، ما جاء في مادة (هكاري) من الأنساب أيضاً:
(هذه النسبة إلى هكار، وهي بلدة وناحية عند جبل، وقيل جبال، وقرى فوق الموصل من الجزيرة. والمشهور منها أبو الحسن علي بن أحمد ابن يوسف بن جعفر بن عرفة بن المأمون (لفظه مشوش) بن الديل (كذا) (ولعلها الدئل) بن الوليد بن القسم بن الوليد بن عتبة بن أبي سفيان صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف القرشي العبشمي الهكاري الملقب بشيخ الإسلام. تفرد بطاعة الله في الجبال وابتنى له أربع مواضع يأوي إليها(9/269)
الفقراء والصالحون، وكان كثير الخير والعبادة (وورد بلفظ عباد في المطبوع) إلى أن
يقول:
(سمع منه القدماء من الحفاظ. روى لنا عنه بمكة أبو زكريا يحيى بن عطاف الموصلي وببغداد عبد الله بن شاكر المقبري، وعبد الرحمن بن الحسن الفارسي، وأبو علي الحسن بن احمد المقبري، وصالح بن إسماعيل بن دوذين (كذا) الجيلي، وباصبهان أبو الخير شعبة ابن عمر الصباغ وأبو محمد الحسن بن محمد بن جعفر المهراني وغيرهم. وكانت ولادته سنة 409هـ ومات بالهكارية في أول المحرم سنة 84. وكان ببغداد في زماننا شاب صالح من الهكارية سمع معنا الحديث من أبي بكر محمد بن عبد الباقي الأنصاري وغيره.) أهـ
ومن هذا ترى العلاقة بين الأمويين واليزيدية وان بلاد هؤلاء الناس كانت مسلمة، وانهم يتزهدون فيها، منقطعين عن غيرهم بسبب أمثال هؤلاء الصلحاء، ولا علاقة لهٍم بالمجوسية. إذ لم يعرف فيهم غير المسلم وإذا كان هذا الشاب الصالح الذي درس مع السمعاني، هو غير عدي بن مسافر، كما هو ظاهر من الفرق بين العمرين عمر السمعاني وعمر عدي، فقد أنجبت تلك الأنحاء علماء وصلحاء كثيرين، ومن ثم تولد الزهد في القوم، ويؤسف لعدم تسمية ذاك الشاب.
ومن الغريب أن يورد الباحثون النقول من عدي فما يليه، ولا يتجاوزونه في القدم. وما أوردته يؤيد القدم. والأغرب أن ينتشر كتاب الأنساب ولا يزال (الفاضل الإيطالي) على فكرته مع أن صاحب لغة العرب نبهه على رسالة ابن تيمية حين كان في بغداد. وكان استطلع رأيي أيضاً في أصلهم فبينت لحضرته انهم مسلمون، استولى عليهم الجهل، وابتلوا برؤساء اختلقوا عليهم أشياء كثيرة فقبلوها منهم، وأرادوا إبعاد شقة الخلاف، خصوصاً بعد أن رأوا من إخوانهم المسلمين ما رأوا. وباقي القول أرجئه إلى المقال التالي. والله الموفق.
بغداد: 5 - 3 - 1931:
المحامي عباس العزاوي(9/270)
أليلى
أليلى ما لحزنك لا يجارى؟ ... فان لهيب عينيك استطارا
فان كنت امتلأت أسى وحزناً ... فقلبي مفعم مرضاً ونارا
تعالي نحتسب بالصبر حتى ... نزحزح عن مآربنا الستارا
عهدتك جلدة في كل خطب ... فمم أبنت آلاماً جهارا؟
ألا ليت الخطوب تعاف قوماً ... تمنوا: لو يموتون انتحارا
أليلى خففي الأحزان إني ... زميلك صرت انتظر الدمارا
عيون الحق قد نامت طويلا ... ولم توقظ ليال أو نهارا
لئن جحدوا حقوقك فارقبيهم ... فسوف ترين للظلم انهيارا
دعيني كي أحدثك حديثاً ... به طير الحقيقة نحوي طارا
ألم تري البلاد فقد أصيبت ... بقوم إربهم أضحى النصارا
أراهم عند خستهم صحاة ... وعند مرام موطنهم سكارى
لهم وجهان وجه نحو غدر ... ونجه يقنع لقوم الحيارى
فويلي أن أطالبهم بحق ... بذاك اعد متبعاً شرارا
أناس لم أجد فيهم رؤوفاً ... ولا شهماً رحيماً أو غيارى
أراهم اظهروا الإخلاص غشاً ... ويقترفون آثاماً كبارا
فهم ترك إذا حكمتك ترك ... وهم ظلم إذا الغربي جارا
أليلى كفكفي دمعاً سجيماً ... هل انحسرت لك العقبى انحسارا؟
أنحن أولي الحمية والتعالي ... نقاسي ظلم من في الغي سارا؟
فموطننا بموقفنا شهيد ... وقد عرف الألى لزموا الفرارا
فسل عنا (الفرات) بكل فخر ... إذا (استقلالنا) منه استنارا
وسل عنا (ديالى) عن حروب ... لنا من حين أن كنا صغارا
ثبتنا في مواقف محرجات ... ولاقينا مدافع وانفجارا
وذدنا عن حمى وطن ذليل ... ورمنا في معاركنا انتصارا(9/271)
وثرنا ثورة المسجون ظلماً ... ولم ترهب طعاناً أو حصارا
وهبنا الموت أرواحاً خفافاً ... إلى عز البلاد لكي ندارى
وشمنا في القنابل خير لهو ... وطقنا في لظى الحرب اصطبارا
وعمنا في المنايا لا نبالي ... نزيل الذل والعار الشنارا
لقد ساقوا أغرتنا حزيقاً ... إلى الموت الزؤام وليس عارا
مواقف تخلب الألباب خوفاً ... وتحتقر الإلى هربوا احتقارا
وقفنا وقفة الجبار نحمي ... عراقاً ود أن يحيا مجارا
سلوا عنا البنادق قاذفات ... تحدثكم لنا خبراً مطارا
بأنا الصابرون على لظاها ... وفي الهيجاء لم نبد اندحارا
لئن نادوا بإخلاص لقول ... أرادوا فيه للغش استتارا
فما الأقوال كالأفعال حاشى ... وما الرعديد مثل من استثارا
وما المفضال مثل فتى دنيء ... قد اتخذ الخداع له شعارا
على شرف البلاد لنا بنود ... وباغي الموت ما رام اشتهارا
أليلى ما لعيني قد أصيبت ... بآلام تزيد القلب نارا؟
رأيت بها مصير الشهم صبحاً ... فليت الصبح كان لها سرارا
رأيت دماءهم هدراً أريقت ... رأيت دماءهم صبراً توارى
شباب اعرسوا بالموت مرداً ... وكان رصاص قاتلهم نثارا
(وزغردت) البنادق في رجاهم ... وكان لهم طريق الناس دارا
وتابعهم كهول العرب زفاً ... فيا حزناً لمن تركوا الديارا؟
وظل نجيعهم ختماً بصك ... من العز الذي نالوا منارا
إذا ما قلت: ممن؟ قيل: عرب ... لذا بالعز تعلمهم جدارا
إذا الأعراب ماتوا أجل عز ... فما لبسوا به ثوباً معارا
مصطفى جواد(9/272)
نظمي وذووه
طلب في هذه المجلة (8: 530) صاحبها حضرة الأب أن اكتب ما يزيد في تراجم البيت الذي نمق عنه بعنوان (بيت عراقي قديم) الأستاذ عباس العزاوي بحثاً طويلا نشره في عدة أجزاء من المجلة في السنة الماضية فما لي إلاَّ أن انزل على رغبة حضرته لبيان النزر القليل الذي عثرت عليه بعد إبداء بعض الملاحظات إذ أني لا أرى بأساً في مجاذبة الأستاذ أطراف الحديث بهذا الشأن مع شكري إياه على سعيد المحمود في زيادة وقوفنا على أحوال هؤلاء الأفاضل.
الملاحظات
قال الأستاذ (ص 119): (أول ما عرفت (هذه الأسرة) - نظراً إلى ما وصل إلينا - من سفر ألفه أحد أفرادها وهو عهدي البغدادي ابن شمسي البغدادي. و (صاحب) هذا الكتاب عرفنا أباه وأقاربه ومكانة أسلافه وأزال الغشاوة عن ظنون كانت تحوم حول تحقيق امر، هو أمر اكبر مؤرخ عراقي أي مرتضى أفندي آل نظمي المعروف عند الترك بنظمي زاده فان هذا الكتاب أزال الإبهام عن مرتضى أفندي بتعريف نظمي أفندي واتصاله بهذا المؤلف فصحح كليمان هوار الفرنسي وأقوال الصديق يعقوب نعوم سركيس وغيرهما) أهـ
ثم قال (ص 275): (إن المؤرخين - نظراً لما عرف واشتهر من أحوال مرتضى المؤرخ العراقي - حاولوا إيضاح ما خفي من اصل أسرته فتضاربت آراؤهم في البحث عنه وكلها لم تتعد الحدس والتخمين فهي ظنون وأوهام.) أهـ
وقد أورد ترجمة نظمي عن نسخة (كلشن شعرا) التي بيده وأشار إلى أن نظمي متأخر عن عهدي فلا يمكن لكلشن شعرا - وهو لعهدي - أن يترجم نظمي فرأى (ص 123) أن في الكتاب مغمزاً - وقد صدق وسيجيء البحث عنه - لكنه ارتأى أن ما في كلشن شعرا صحيح وعلل ذلك.(9/273)
قلت: والتصحيح الذي قصده العزاوي هو أن اسم والد مرتضى ليس بالسيد علي (ص 279) وانه يظن أن مرتضى لم يذهب إلى الأستانة (ص 432) لسبب أورده أما ما كنت قد جئت به فأني أرجعته إلى مصدره (راجع 7: 523) وهو (ما وصل إلينا). ولي كلام
على والد مرتضى والسيد علي يأتي:
مما ألاحظه قول الأستاذ (ص 119): (وان كانت (هذه الأسرة) تسمى في الأول بآل شمسي البغدادي ثم بآل نظمي البغدادي. . .) لا يتفق مع الواقع إذ أن نظمي سبط لعهدي كما قال العزاوي (ص 275) فهما أسرتان فلا بد أن كلا منهما كانت تدعى باسمها وليس هذا ادعائي زعماً مجرداً فقد أورد الأستاذ خلال كلامه نساً يناقض ما سبق له فانه قال (347) نقلا عن تذكرة سالم الذي كان من رجال ذلك العصر: (إنهما - أي حسين أفندي ومرتضى أفندي - من أدباء بغداد. . . اشتهرا بنظمي زادة. . .) اتخذا اسمهما لقباً لهما. أهـ
فإذا كان حسين ومرتضى في زمان حياتهما مشتهرين بنظمي زاده، فلا نرى وجهاً لتلك التسمية أي أن بيتهما كان يدعى يوماً بآل شمسي في حين أن يدنا خالية مما تستند إليه في تأييد قول الأستاذ، وهذا كاف ليجعلنا في حل من الشك في صحة رده (ص 439) على عنوان المجد للحيدري من انه وقع في غلط لتمييزه بين (بيت نظمي زاده) و (بيت عبد الله أفندي المفتي بن مرتضى أفندي) إذ عدهما بيتين لا بيتاً واحداً. والظاهر أن دليل العزاوي أن عبد الله أفندي هو ابن مرتضى أفندي ابن نظمي هو القول الذي رآه منقولاً من نزهة المشتاق من أن (عبد الله أفندي هو ابن مرتضى أفندي) فحسب. أو لا يمكن أن يكون مرتضى هذا غير ذلك؟ وليس هناك ترجمة لمرتضى نظمي زاده تعرفنا بأولاده ولا نص يفصح عن أن عبد الله هو ابن مرتضى بن نظمي ليرتفع كل ريب وتزول كل شبه.
ومما قاله الأستاذ (ص 278 - 279) أن نظمي (لم يذهب إلى بلاد الأناضول) فآخذ هوار على ذلك. قلت: أما كلسن خلفا (الورقة 72)(9/274)
فانه يقول في كلامه عن هذه الأيام: (. . . أكثر أصحاب غيرت وأرباب ديانت اختيار هجر روم. .) ثم يقول: (بدر مرحوم دخى أول أيامده برقاج كون اختفا بعده ترك مال ومنال ومفارقت ديار وديار ايدوب. . . حافظ احمد باشا. . استخلاص بغداد ابجون عراقه تكرار عزيمت وامالهء عنان ايتدكده. . . (بدرم) اوردرو لرينه رهياب وملاقات شريفه لرى ايله مستطاب اولوب بو قصيدهء غرا ايله. . . حسب حاللرينى بيان ايتمشلردر.) أهـ. ثم يقول أيضاً (الورقه 73): (بعده باشاى مشار إليه (ايله) روم جنت رسومه هجرت واكرجه كرفتار آلام غربت اولمشلردر لكن نيجه وزرا
ومير ميرانه مقارنت ايله تحصيل سروسامان وتسليهء بخش دل بريشان لو لمشلردر.) أهـ. وملخص كلامه هو: (فاختار أرباب الغيرة والأتقياء الهجرة إلى الروم. (هنا بمعنى الأناضول) واختفى والدي في ذلك الزمن بعض الأيام ثم ترك ماله ومناله وفارق الأصدقاء وغادر الديار فسار إلى جيش حافظ احمد باشا وقد عاد إلى العراق لإنقاذ بغداد فطابت نفس والدي بملاقاته فانشد قصيدة غراء وبعده هاجر إلى الروم مع الباشا. وما اكثر الوزراء والميرميرانية الذين رافقهم. . .) أهـ. فكان أذن على هوار أن يقول أن نظمي سافر إلى آسية الصغرى وقد فعل فأصاب. إن إقامة نظمي في الرها لا تنفي سفره إلى الروم إذ يمكن انه بعد أن ذهب إلى هناك عاد إلى الرها فاستقر فيها. هذا وان كان يجوز - من باب الاحتمال - أن يقال لعل صاحب كلشن خلفا أراد بالروم توسعاً الرها وأنها من بلاد الجزيرة لكن لا تثريب على كل حال من الأحوال فقد قال كلشن خلفا (الروم) وقال هوار (آسية الصغرى) وهي الأناضول والكل واحد وهو اشهر من أن يذكر(9/275)
والكتب العربية لا تعرف اصطلاحاً آخر.
ومما قاله الأديب (ص 277) ما يلي: (فحمد (نظمي) الله على الرجوع مع أمه ولم يكن معهما أحد وكان هاجر عنه (هاجر من وطنه بغداد) بزي درويش ناسك ومن ثم صار له من الأهل والعيال والأولاد. . .) أهـ، ثم نقد كلام هوا بما قوله (ص 278): (وحين عودته (عودة نظمي) إلى بغداد لم يكن معه أولاد أو أحفاد نظراً للصراحة بذلك من انه رجع مع والدته فحسب وبهذا انتفى ما في تاريخ كليمان هوار.) أهـ.
قلت أن الذي عندي أن هوار كان مصيباً وقد قال كلشن خلفا (الورقة 80 وما يليها) في أخبار حسن باشا لولايته الثانية على بغداد (من سنة 1052 إلى سنة 1054 أي من 1642 إلى 1644) ما نصه:
(بدر مرحوم دخى تك وتنها ترك يار وديار محروسهء رهاده قرار ايتمش ايكن بو أيام خير انجامده - الحمد لله الملك الجواد - أولاد وأحفاد وفي الجملة برك وبار ونطام معتاد كيرو عودت بغداد ايدوب شاكر أو لمشدر) أهـ وهذا مضمون كلامه: (إذ كان والدي أيضاً قد ترك الأصدقاء وغادر الديار وحيداً منفرداً فأقام في الرها فانه هي هذه الأيام المنتهية بخير عاد راجعاً إلى بغداد ومعه أولاد وحفدة. . .) أهـ. فلم ينتف أذن كلام هوار بشأن
رجوع نظمي مع أولاد وحفدة، وإذ قد أنبأنا العزاوي بان نسخة كلشن شعرا التي عنده(9/276)
فيها مغمز فليس علينا أن نعتمد عليها كل الاعتماد ولا سيما أورد المؤدى ولم ينقل النص ولا التعريب الحرفي زيادة (في اطمئنان القلب). ومهما يكن من هذا الأمر علينا أن نرجح على مصدره حكاية كلشن خلفا. كيف لا ومؤلفه بلا ريب ابن نظمي نفسه وهو اعلم بأسرته من غيره من كل الوجوه مع دراية واسعة.
وقال العزاوي (275) عن نظمي انه محمد نظمي وقال (ص 219): (ولم يكن اسمه (اسم والد مرتضى) السيد علي بخلاف ما جاء في سجل عثماني عن مرتضى انه ابن السيد علي. فهذا غير صواب منه.) وأزيد على ذلك انه سيأتي ذكر لأحدهم اسمه نظمي - كان لحفدته وجاهة في بغداد - لم ننبأ بأنه(9/277)
سيد وزمنه يتفق مع زمن والد مرتضى فهل هو بذاته ونفسه؟ فان صح ذلك كان برهاناً جديداً على صحة قول العزاوي أن هذا البيت ليس بعلوي إنما لا يسعني أن لا التفت إلى سماع ما مر بنا من كلامي (7: 523) نقلا عن فهرست مخطوطات وعن (سجل عثماني) الذي يقول كان نظمي شاعراً بغدادياً. ثم يقول: (نظمي مرتضى أفندي (هكذا بدون (زاده) بين الاسمين) فهل سقطت الكلمة في الطبع؟ فان لم يكن فهل والد نظمي اسمه السيد علي فضاع الأمر فقيل أن السيد علي هو وال مرتضى؟ وينتج من هذا التردد فالتساؤل وجوب المثابرة على تحري حكماً يفرض بين الجانبين بصحة رأي أحدهما والذي اعتقده أن البت في الأمر لا تقوم به نسخة لكلشن شعراً فيها غميزة وذلك لا يجزم به ذكر نظمي جداً لحفدة قلنا لهم وجاهة في بغداد. ولست وحدي في هذه الشكوك فللأستاذ العزاوي أيضاً مثلها فانه رأى (ص 514) أن عبد الله أفندي المفتي - الذي قال عنه انه من هذا البيت - ينعث بسيد في (الحديقة) وفي مجموعة الآلوسي عن النزهة فأرجأ البت في أمره إلى (أن ينجلي المبهم) مع إبدائه رأياً.
جامع الخاصكي ونظمي وابنه مرتضى
ومما قاله الأديب أيضاً (ص 278) ما يلي: (وقد ذكر له (لنظمي) ابنه مرتضى تاريخاً منظوماً في جامع السلحدار محمد بك). أهـ وهو يريد بذلك جامع السلاحدار محمد باشا الذي شيده مع مئذنة له لكنه لم يتمه. وهذا الجامع هو الذي لا يزال معروفاً بجامع الخاصكي الواقع برأس القرية وقد ذكر كلشن خلفا (الورقة 87) الباشا بهذه الشهرة في مطلع أيام
ولادته.(9/278)
وإذ قد ورد في مباحث هذه السنين ذكر السلاحدار محمد باشا والسلاحشور محمد بك فلابد من الوقوف على تعيين من أراده العزاوي من هذين الرجلين ولا سيما أن لنظمي تاريخاً في الجامع المذكور وتاريخاً لابنه مرتضى. وهذا نص ما قاله كلشن خلفا (الورقة 90) في أخبار هذا الوالي: (تكليف آصفى ايله تاريخنه بو مصراع بلاغت نشان بدر مرحومك رقمزدهء كلك بيانلرى أو لمشدر: التاريخ: جامع نور سلحدار محمد باشا سنة 1069) أهـ (1658). ومعنى ذلك أن والدي قال هذا المصراع في تاريخ الجامع على تكليف الوالي. وقال مؤداه أن كلمة نور تشير إلى (أبي النور) كنية الباشا التي كان يكنى بها حينما والياً في مصر. وأما أبيات صاحب كلشن خلفا في إتمام الجامع حينما أنجزه السلاحشور المار الذكر فمنها ما هو هذا وفيه التاريخ:(9/279)
واصل رحمت رحمان محمد باشا ... والىء دار السلام أيكن أو ذات أعلا
سعى وإخلاص ايله بوجامعى قلدى بنا ... لكن اتمامنه جون ايتمدى عمرى ايفا
اوسلحشور شهنشاه محمد بك انك ... يعنى برورده سى خيراتنى قلدى احيا. . .
ومنها:
برادا ايله ديدي بيررفردتاريخن ... جامع النور أبو النور محمد باشا (1094 - 1682).
وملخص كلامه أن محمد باشا حينما كان والياً في دار السلام سعى فبنى هذا الجامع لكن عمره لم يمتد ليتمه فجاء محمد بك سلاحشور السلطان الذي هو صنيع الباشا فأحيا خيراته. . . وتاريخه (جامع النور أبو النور محمد باشا). أهـ ويظهر صريحاً من نتيجة ذلك أن الرجل الذي قيل فيه ذلك البيت الذي ذكره العزاوي هو السلاحدار محمد باشا ولم يكن إذ ذاك قد تدخل في أمر الجامع السلاحشور محمد بك الذي لم يشتهر الجامع به يوماً من الأيام. أذن ليس بين هذين الرجلين من هو السلاحدار محمد بك إنما هو السلاحدار محمد باشا وهناك صنيعه السلاحشور محمد بك. وقد خلد مرتضى صاحب كلشن خلفا في أبياته المذكورة اسمي المشيد ومحيي خيراته.
ديوان نظمي
وظن العزاوي (ص 279) مما نقلته عن هوار انه قال إبقاء الأيام لديوان نظمي وتمنى لو
انه اطلعنا على محل وجود نسخة منه. أما هوار فلم يقل بوقوفه على الديوان إنما قال كما ذكرته (7: 522): وتجد من نظمه (نظم نظمي) ما نقله ابنه مؤلفنا (مؤلف كلشن خلفا) عن ديوانه أو عن مجموعة قصائده. . .) أهـ. فذلك استخراج لهوار كما أن في كلشن خلفا (الورقة 73) قصيدة لنظمي جاء في ما يليها من الكلام بأنها مثبتة في ديوان قائلها وهناك غيرها.
والذي وقفت عليه في الفهرست لدى كردمانش في مخطوطات شيفر أن في الطبعة الإفرنجية لكشف الظنون (6: 574) ذكراً لديوان نظمي زاده مرتضى.(9/280)
ويبين لمن يراجع الكشف أن ذكر الديوان ليس في صميمه بل في الملحق المسمى (آثارنو) لحنيف زاده احمد طاهر المتوفى في سنة 1217 (1802) والصراحة لا تجوز لنا الشك في أن الديوان لغير مرتضى هذا ولا سيما انه ذكر سنة وفاته قريبة من التي ذكرها هامر ولكن هل في ذلك غلط صحيحه انه لنظمي كما غلط في أمر كتاب جامع الأنوار الذي سيجيء الكلام عليه. ومما جعلنا في الشك أن حنيف زاده لم ير نسخة من الديوان فانه لم يورد أوله كما جرى عليه اقتفاء بصاحب كشف الظنون في الكتب التي نظر فيها. وكما قلنا هل في نسبته للديوان إلى مرتضى غلط أيضاً وانه لنظمي؟
يعقوب نعوم سركيس(9/281)
كتاب نفيس في البلاغة مجهول المؤلف
وقع بيدي كتاب خط في البلاغة دونك وصفه، مبتدئاً بما استهل به المؤلف كتابه:
بسم الله الرحمن الرحيم
أطال الله في ظل أفياء السلامة بقاك وحجب عن غير نوائب الدهر نعماك وجعلك لمتوخى البلاغة معقلا ولا مال مؤمل الأفضال موئلا ومتعك بوفاء عهود أودائك وبلغك الغاية من تأويل ذوي المودة من أوليائك قرأت متعك الله بالسلامة وحياك بالزلفة والكرامة ما كتبت تشكوه إلينا من قلة الثقة بأصحابك وما تحمل من معناه تلون الصديق وسرعة ملل الرفيق وأنفة ذلك وشراسة خلق النديم وسألت أن اختار لك نديماً متأدباً كريماً وذلك لتستعين به على طوارق غمومك وتفجر به متكانف همومك وتفزع إليه من سهرك وتدعو به عند ضجرك وتعتمد عليه في أمورك ولتستمده لسرورك فرأيت استفراغ المجهود في طلب ذلك عذراً ووجدان من ارتضى خلائقه منادمتك عسراً وأحببت أن أخبرك بنديم يروقك منظره ويسرك مخبره وتطيب مشاهده وتكثر محامده وتقل ذنوبه وتفتقد عيوبه إذا دعوته أسرع وإذا حدثك أمتع وإذا سألته أجاب وإذا تكلم أصاب وإذا استرفقته رفق وإذا استنطقته نطق لا يرهقك عسراً ولا يحملك أصراً. فصنفت كتاباً في الفصاحة والإيجاز والبلاغة ضمنته موجزات الخطب ومنتخب بلاغات العرب مما حفظ من ملح كلامها ومختصر ألفاظها وموجز خطبها وبراعة أدبها ونادر خطابها ومسرع جوابها ومعجب قرائحها ومعجز بدائهها إلى شيء من بلاغة البلغاء وفصاحة الفصحاء وجواب الأدباء وإيجاز الخطباء ومحاورة الخلفاء وتهادي الظرفاء ومكاتبة الأمراء ونوادر الشعراء بفصاحة ذوي الألباب وثقافة أذهان الكتاب ورصانة عقول النساء وتكامل أدب الأدباء ونظمته بما انتظم من الحكم المحفوظة عن حكماء العجم ووصايا المحتضرين وحكم المجانين وقدمت ذكر براعة العرب على غيرها من الناس لتقدمها في الفضل على سائر الأجناس ولأن الله تعالى قد شرفها برسوله وفضلها بتنزيله وحضها بالخطاب(9/282)
المعجز واللفظ الموجز والسؤال الشافي ولا جواب الكافي فهم أمراء الكلام ومعادن العلوم والأحكام منهم ترد البلاغة واليهم ترجع البراعة ومنهم تؤخذ الفصاحة والناس بأئمتهم مقتدون ولآثارهم متبعون وترجمته بكتاب
(الفاضل) لفضله على كل كتاب كامل فأرسلت به إليك لا ممتناً به عليك لتجعله بدلا من الجليس وخلفاً من الأنيس وقد صدرت أمام ما ضمنته منك من ذلك فصلا ضمنته كلاماً جزلا في وصفه أمد البلاغة وفضل الفصاحة والبراعة فقف على ما فيه من فضله وانتفع من تبله لتعلم إذا أنعمت الاختيار أن شاء الله تعالى.
فهرست أبواب الكتاب
باب في صفة البلاغة وفضل الفصاحة والبراعة 1
باب البلاغة في الخطابة من أهل الفصاحة والدراية 2
باب من أدركه الحصر في خطبته فاحسن العبارة في حجته3
باب بلاغات الوفود في حسن البديهة والتسديد 4
باب البلاغة في احتجاج الأسارى وحسن قول الموثقين والحيارى 5
باب البلاغة من ذوي الرجاحة في حسن البيان والفصاحة 6
باب البلاغة من ذوي الألباب في حسن المعارضات في الجواب7
باب البلاغة من الأدباء يفي مخاطبة الخلفاء ومحاورة الأمراء 8
باب البلاغة في حسن الاعتذار وتجاوز ذوي المقدرة من الأحرار 9
باب البلاغة من البلغاء اللسن وطعنهم على النوكى اللكن 10
باب البلاغة في مكاتبات ذوي الألباب10
باب البلاغة من الحكماء والصفح من أهل المقدرة عن السفهاء12
باب البلاغة من خلفاء بني هاشم والمأثور عنهم من الآداب والمكارم13
باب البلاغة من ذوي المآرب في حسن التعزية عن المصائب 14
باب البلاغة ممن جمع بين تهنئة بعطية وبين تعزية15
باب البلاغة في من تعزى عن مصيبته وحسن صبره في رزيته16
باب البلاغة من وصايا المحتضرين ذوي الآراء والعقل الرزين 17(9/283)
باب البلاغة من العلماء في وصايا الأمراء 18
الجزء الثاني
باب البلاغة من ذوي الرشاد
باب البلاغة من الأمراء ذوي السداد وصايا الوكلاء والأجناد
باب البلاغة من الحكماء
باب البلاغة من الأعراب في شكوى الفقر وصفة الجدب
باب البلاغة من الأعراب في صفة القفار وصفة السحاب والأمطار
باب البلاغة من الأعراب في حسن السؤال وطلب المعروف والنوال
باب البلاغة من الأعراب في مدح الرجال ووصف ذوي المروءة والأفضال
باب البلاغة من الأعراب في ذم الرجال وذكر ذوي الجهالة والضلال
باب البلاغة من الأعراب في مدح قبائلهم ووصف بطونهم وعشائرهم
باب البلاغة من الأعراب في من اخلصوا له الدعاء وطلبوا له طول العمر والبقاء
باب البلاغة في ما سئلوا عنه من اللذات وتخيل طيب العيش والشهوات
باب البلاغة من الأعراب في صفة الأحباب
باب البلاغة من الأعراب في صفة رد الجواب
باب البلاغة من الأعراب في الحكمة أو سائر الأبواب
باب البلاغة من الأعراب في مواعظ الأخوان والأصحاب
باب البلاغة من الأعراب في الأتقياء في حسن الابتهال والدعاء
باب البلاغة من النساء ذوات الدراية والفصاحة
باب البلاغة من النساء المتأدبات في وصايا البنات
باب البلاغة من النساء في وفاتهن
باب البلاغة من الإماء المستظرفات في الخلوات
باب البلاغة من الغلمان ونادر براعة الصبيان(9/284)
باب البلاغة من الأكاسرة وحكماء الفرس والأساورة
باب البلاغة من العجم وما يؤثر عنهم من سائر آرائهم
باب البلاغة من المجانين ومأثور حكم المأثورين
كلامه في آخر الكتاب
وقد ذكرنا في كتابنا هذا من البلاغة والبراعة ما فيه لذوي الألباب افضل القناعة وما استوعبنا كل ما جاء في كل باب مخافة تطويل الكتاب ولأن مذهبنا في الاختصار والإيجاز والاقتصار ولو أردنا أن نسهب في الكلام ونزيد في الأبواب والنظام لهان ذلك علينا وإنما ذكرنا بعض ما نمي إلينا رغبة في الإيجاز والتخفيف والاختصار من التأليف أهـ.
أسماء بعض من يروي عنهم في تضاعيف الكتاب
اخبرني محمد بن إبراهيم الهمداني
اخبرني أبو جعفر القارئ
اخبرني أبو العيناء قال اخبرني منصور بن المهدي.
اخبرني محمد ابن إبراهيم القارئ عن الطائي.
اخبرني الحسن بن عليك الكوفي.
سمعت أبي يقول بإسناد ذكره.
اخبرني واخبرنا احمد بن عبيد عن الأصمعي.
حدثني أبو الفضل الربعي قال حدثني أبو بكر بن أبي مريم
حدثنا أبو محمد عبد الله بن أبي سعيد الوراق
اخبرني المعري عن الرياشي عن الأصمعي
حدثني أبو سعيد الشارحي
وأشار في آخر بعض الأبواب إلى أسماء كتب من مصنفاته تذكرها ذيلا لما كتبناه:
قال في آخر باب:
وهذا باب قد ذكرته في كتاب المرتضى في حسن عفو الأوداء عن هفوات الإجلاء.
وقال في آخر باب بلاغة خلفاء الهاشميين:(9/285)
ولما كانت أخبار بلغائهم كثيرة ذكرت منها يسيراً وتركت كثيراً وأفردت له كتاباً.
وفي آخر باب 16:
وهذه أخبار يطول أمدها ويكثر عددها وقد ذكرتها في غير هذا الكتاب في عدة أبواب من كتاب الابتهاج في الصبر المؤدي إلى جميل الراحة الانفراج الخ.
وفي آخر باب 18:
وهذا باب قد أفردت لمعناه كتاباً جليل القدر فأغنى ذلك عن التطويل.
وفي آخر باب بلاغة الإماء المستظرفات:
ولهذا الباب نظائر وقد ذكرنا في كتاب القلائد في أخبار متظرفات الولائد فأغنى ما في ذلك الكتاب عن التطويل هذا الباب
أبو عبد الله الزنجاني
(لغة العرب) هل من مطلع بصير يفيدنا عن اسم مؤلف هذا الكتاب الجليل؟
توضيحات
ذكر في 5: 233 من لغة العرب وصف صورة في معبد الإمام الرضا في مشهد. وأؤكد لكم أن لا وجود لتلك الصورة أو مثلها فيه، وهذا من قبيل ما ذكره خير الدين الزركلي في كتابه الأعلام (2: 674) قائلا: (وقد أقيم له تمثال (للإمام علي بن أبي طالب عليه السلام) في مدينة همذان سنة 1343هـ). وليس لهذا النصب اثر ما في بلد من بلاد الله والواسعة.
وجاء في لغة العرب (9: 121) اسم حبة الشرق في إيران وهو سالك. فأحببت أن اذكر أسماء هذه البثرة عند الإيرانيين فالمقيمون منهم في العراق يسمونها (زخم خرما) (أي قرحة التمر)، والسبزواريون يسمونها (لكة سال) (أي حبة السنة) والطهرانيون وغيرهم: (سالك) وهو في نظرنا منحوت من (سال لكة) بمعنى حبة السنة. ولعلي واهم.
محمد مهدي العلوي
(ل. ع) رأيكم اصح من رأينا. ونشكركم عليه.(9/286)
فوائد لغوية
نقد تاريخ الأدب العربي للأستاذ الزيات
(تلو)
ونقل في ص 145 قول بعضهم في الصاحب بن عباد (لو رأى سجعة تنحل بموقعها عروة الملك ويضطرب بها حبل الدولة لما هان عليه أن يتخلى عنها) وقال في ص 159 (ولنظرة عجلى في فهرس اليتيمة للثعالبي تكفيك لتعلم أثر ذلك التشعب السياسي في نهضة الشعراء) فكيف أنكر أولا من هذا الكتاب وغيره ما يدركه الآن بنظرة عجلى في فهرست اليتيمة؟ ونقل في ص 177 قول الأصمعي (إن شعر أبي العتاهية كساحة الملوك يقع فيها الجوهر والذهب والتراب والنوى) أفلا يدل هذا على تتبع منهم للشعر؟ ونقل في ص 174 قول الجاحظ في بشار بن برد (كان بشار خطيباً صاحب منظوم ومنثور ومزدوج وسجع ورسائل وهو من المطبوعين أصحاب الإبداع والاختراع المتفننين في الشعر القائلين في اكثر أجناسه وضروبه) وفي ص 181 قوله في أبي نواس (ما رأيت أحداً كان اعلم باللغة من أبي نواس ولا أفصح لهجة منه مع حلاوة ومجانبة استكراه، ولج أبواب الشعر كلها إلاَّ انه امتاز من كل الشعراء بفحش مجونه وصراحة قوله وصدقه في تصوير خليقته وبيئته ووصفه الخمر وصفاً لو سمعه الحسنان(9/287)
لهاجرا إليها وعكفا عليها) ونقل في ص 210، 211 قول الثعالبي في الشريف الرضي (وهو اشعر الطالبيين من مضى منهم ومن غبر على كثرة شعرائهم المفلقين ولو قلت انه اشعر قريش لم أبعد عن الصدق. . . ولست ادري في شعراء العصر أحسن تصرفاً في المراثي منه) فهذه المقتطفات التي وضعها الأستاذ الزيات غيض من فيض مما ذكره علماء العرب على تطور الثر والنظم ومراتب الكتاب والشعراء فيه، فلا يقال انهم لم يبينوا ما بين الشعراء والكتاب من علاقة في الصناعة والغرض والأسلوب ولم يذكرا ماغرا النظم والنثر من تحويل وتقليب، ولكن يقال: ذكروه مفرقاً مشتتاً.
5 - عصر انحطاط الأدب العربي
وقال الأستاذ في ص 3 مقسماً الأدب بحسب اعصره (3 - العصر العباسي ومبدأه قيام دولتهم ومنتهاه سقوط بغداد في يد التتار سنة (656) وأيد هذا القول في ص 123 بأن قال (ولكن العربة بقيت في حمى القرآن تدافع سيل الفارسية والتركية الجارف وقد عز النصير من أهلها حتى غلب التتار على بغداد فغلبت على أمرها وخضعت لقانون الطبيعة القاهر بعدما خلفت في تلك البلاد شرائع وعلوماً وآداباً لم تقو على محوها الأيام) ثم نقض رأيه هذا في ص 160 فقال: (حتى تجرم القرن الخامس للهجرة فذهب معه جمال الشعر العربي من الشرق وفقد تأثيره في النفوس لذهاب المعضدين له من بني بويه وقلة الراغبين فيه من آل سلجوق واستشعار النفوس لذل الغلبة القهر بتوالي الفتن والإحن) فأين بقي العصر الذي أشار إليه إذا كان جمال الشعر العربي قد انصرم بانصرام القرن الخامس؟ ولماذا جعل هذا القسم موافقاً للعصر السياسي مع أن له عصراً أدبياً أولى به من ذلك؟.
وما أدري كيف قال هذا وفي هذا العصر من الشعراء (الغزي الكلبي) و (شميم الحلي) و (مهذب الدين) و (ابن الآمدي) و (ابن السوادي) و (هبة الله بن الفضل) و (الطغرائي) (الذي قال هو فيه بصفحة (221) ما مثاله (شعر الطغرائي عامر الأبيات، متين القافية، مختار اللفظ) وفيه (ابن خياط الدمشقي) و (القاضي ابن الذروي) و (الابيوردي) و (ابن(9/288)
الهبارية) و (حيص بيص) و (ابن الدهان الموصلي) و (ابن القيسراني) و (الأبله البغدادي) و (ابن التعاويذي) و (ابن المعلم) و (موفق الدين الاربلي) و (المؤيد الآلوسي) و (نضر النميري) و (أبو الفتوح بن قلاقس) و (البديع الاسطرلابي) و (ابن سعيد المنبجي) و (الخطيب الحصفكي) و (أبو الجوائز الواسطي) و (دلال الكتب الحظيري) و (ابن حمديس الصقلي) و (الرصافي الأندلسي) و (ابن أبي الصلت الأندلسي) و (ابن الصائغ) و (أبو العرب الصقلي) و (أبو بكر القرطبي) و (جمال الدين) و (مهذب الدين) و (ابن الساعات) و (عمارة اليمني) و (ابن الحداد) و (القاضي الارجاني) و (الرشيد ابن الزبير الغساني) و (ابن سناء الملك) و (أبو بكر بن طفيل) و (علي بن حزمون) و (أيو بكر يحيى المرسي) و (شبل الدولة) وغيرهم من فحول الشعراء؟
فقد كان الشعر محبوباً إلى أهله حتى إلى النساء، قال أبو محمد الحسن ابن عسكر الصوفي الواسطي: كنت ببغداد في سنة إحدى وعشرين وخمسمائة جالساً على دكة بباب ابرز
للفرجة، إذ جاء ثلاث نسوة فجلسن إلى جانبي فأنشدت متمثلا:
هواء ولكنه جامد ... وماء ولكنه غير جار
وسكت، فقالت لي إحداهن: هل تحفظ لهذا البيت تماماً؟ فقلت: ما احفظ سواه، فقالت: إن أنشدك تمامه وما قبله فماذا تعطيه؟ فقلت: ليس لي شيء أعطيه ولكني أقبل فاه، فأنشدتني الأبيات المذكورة، وزادت بعد البيت الأول:
إذا ما تأملتها فهي في ... هـ تأملت نوراً محيطاً بنار
فهذا النهاية في الابيا ... ض وهذا النهاية في الاحمرار
يتبع
مصطفى جواد(9/289)
باب المكاتبة والمذاكرة
1 - رد تصحيحات
اعترض صديقنا النقاد، مصطفى جواد، (9: 297) على قول ابن فارس في مقالته في أسماء أعضاء الإنسان: (وفي البطن الصفاق وهي جلدة البطن التي تحت الجلدة الظاهرة) فقال: (فقد تنوعت الجلدات. . .) أقول لم يقصد ابن فارس كثرة أنواع الجلدات، وإنما عرف الصفاق هذا التعريف لان الصفاق - وهو الذي تسميه الأطباء البريطون أيضاً - غشاء رقيق مصلي يستبطن جدار البطن ويغشي الأحشاء ويمسكها وهو في رقته كالجلد بل ارق منه ولكنه في طبيعته واتساجه بعيد عن الجلد. فليس ثم من تنوع.
وقال في ص 218 انه لا يرى وجها لزيادة (وأوصهم) بعد كلمة أولادك في كلام الجاحظ في رسالة ذم القواد حين يقول: (فحذر يا أمير المؤمنين أولادك بان يتعلموا) ولكني أرى هذه الزيادة ضرورية لان فعل حذر لا يتعدى بالبناء.
وصحح (ص 219) (اكف (؟) عذارى الألباب) ب (اكتنف. . .) ولكني لا أجد معنى يرتاح إليه في (اكتنف عذارى الألباب). ولعل حاشية الأب بصاحب المجلة اقرب للصواب عند إصلاحها بكلمة (اكفأ)
وصحح كلمة (برود) الواردة في (واجل رمص الغفلة ببرود اليقظة) بكلمة (مرود). وهذا غير الصواب. لأن المرود لا يجلو الرمص إنما الذي يجلوه هو الدواء. وهناك ما جاء في بحر الجواهر: (البرود كل دواء مبرد. واكثر ما يستعمل في أدوية العين، إذا كان أكثرها من أشياء باردة، يقال: بردت عيني مخففاً كحلها بالبرود. . . ج برودات.
الدكتور: داود الجلبي(9/290)
2 - كتاب السموم لجنك
كلمت هنا في برلين الأستاذ (رسكا) بخصوص كتاب السموم فقال: إن آنسة اسمها الآنسة ستروس تهيئ نشر كتاب السموم لجنك، وتعتمد على نسختين خطيتين إحداهما من برلين والآخرة من الأستانة وغايتها الحصول على شهادة علامية (دكتوراه) من جامعة برلين،
وأظن أنها في مطالعاتها للبحث عن مطلبها وجدت تفاصيل في الآداب السنسكريتية عن النسخة الهندية الأصلية من هذا الكتاب.
ف. كرنكو
3 - كتاب الجماهر في معرفة الجواهر لأبي الريحاني
البيروني
أعني بنشر هذا الكتاب النفيس على نفقة المعهد لتاريخ العلوم الطبيعية في برلين. وكان لي تصاوير من النسخة التي في الأسكوريال (في أسبانية) ثم حصلت على نسخة مصورة من نسخة الأستانة. وقد سررت بحصولي على هذه النسخة لأن جميع ما تصورته من الروايات الصحيحة وجدتها في هذه النسخة الإستانبولية، إلاَّ أن النسختين رديئتان. وكان ناسخ الكتاب الذي في الأسكوريال يجهل اللغة العربية، وكلا المخطوطين طافح بالأوهام الغريبة المضحكة. واغلب هذا الضرر واقع في الإعلام العائدة إلى المدن غير المعروفة. والكتاب من اجل التصانيف لأن المؤلف نظم الحجارة الكريمة والمعادن بحسب ثقلها الخاص بها وهو أمر يجهله مؤلفو العرب بنوع عام. وحين يطبع الكتاب تكون معه ترجمته الإنكليزية ليعم نفعه أبناء العرب والغرب واللغة الإنكليزية معروفة في الشرق اكثر من الألمانية.
برلين:
ف. كرنكو
4 - الجزء الثامن من كتاب الإكليل
بلغنا إلى الصفحة المائة الثالثة من طبع الجزء الثاني من الإكليل. وبعد أن طبعنا اكثر من نصفه، قرأنا في معلمة الإسلام أن الأستاذ د. هـ. ملر سبقنا إلى طبعه. فتأسفنا لكوننا أضعنا وقتنا في أمر كنا في مندوحة عنه. فكتبنا إلى صديقنا الكريم الوفي الأستاذ الدكتور ف. كرنكو أن يفيدنا عما يعلم بخصوص(9/291)
طبعة الكتاب المذكور فكتب إلينا ما هذا بحروفه:
(لا يهولنكم أن يذهب تعبكم سدى، لكون غيركم سبقكم إلى نشر هذا الكتاب (أي الإكليل) قبل عدة سنوات، لأن ما نشر منه يبلغ زهاء عشرين صفحة تولى بثه بالطبع د. هـ. ملر
المرحوم وعنونه بالألمانية ما معناه: (محافد ومساند في ديار العرب الجنوبية) وقد كتبت إلى مكتبة آتو هراسوفتش في لايبسيك ليرى أمن الممكن الحصول على جزءي (أعمال محفى فينة) اللذين ظهر فيهما المقال المذكور. والذي يبدو لي أن الأمر بعيد المنال. أما نسختي فأنها لا تزال في الهند مع سائر كتبي. وليس في ما نشره الأستاذ ملر القصائد التي ترى في الإكليل. وان كان حفظي صادقاً فانه لم يدرج الطائية التي نشرتها لغة العرب (9: 18 إلى 30) وقد ضم إلى ما نشره من الإكليل ترجمته إلى الألمانية وتعاليق وفيها سلالات من الرقم السبإية التي تذكر بعض المواطن التي يدور عليها الجدال. وقد احدث هذا النشر في وقته نقداً حديداً بقلم المرحوم الكونت دي لندبرج. ويرى بعض هذا النقد في (النقديات العربية) التي نشرها الكونت المشار إليه في ليدن (هولندة) وقد اعتمد الأستاذ ملر على نسخة لندن واستشار أيضاً الجزء العاشر من الإكليل الباحث عن (حاشد وبكيل) المحفوظ في لندن أيضاً. ولم يكن ملر في نظري من كبار علماء العربية. فلما نشر ما نشره الكونت دي لندبرج ترك ما شرع فيه من طبع الإكليل). أهـ
ف. كرنكو
4 - نصيب العراق من المعلمة والمعجم الحديث
بينما كنت أطالع العدد 380 من جريدة (السياسة) البغدادية، عثرت على مقال للأستاذ رفائيل أفندي بطي عنوانه (مشروعات مصرية في سبيل وحدة البلاد العربية، المجمع والمعجم ودائرة المعارف، اقتراحات ونظرات)، فذكرني ذلك المقال ما كنت قد قرأته في المقتطف وفي غيره من المجلات العلمية، والصحف الإخبارية، عن ذلك المشروع العظيم.
قال صاحب المقال، في مطاوي بحثه: (ومن مهام المجمع أو اللجنة التي ستقوم بوضع المعجم الحديث، أن تدرس لهجات العوام الحالية في كل قطر من الأقطار العربية، لا لكي تهذبها، ليكتب بها أهلها - كما كان رأي الأستاذ(9/292)
لطفي بك السيد سابقاً، وهو رأي الأستاذ سلامه موسى اليوم - إنما ليستحيي من هذه اللهجات العامية ما يصلح للحياة في عالم الفصاحة وان توحد بينها ما أمكن إلى ذلك سبيلا. لكي تعين هذه الوحدة على الوحدة الفكرية، واللسانية العامة. وعلى هذا النمط لا يمضي وقت طويل حتى تتوحد لهجات الأقطار العربية كلها بلغة فصيحة نقية لا غبار عليها) أهـ.
ولما كنت أحد العراقيين الذين ارصد أوقاته للدرس والتدريس منذ عشرين سنة؛ رأيت من واجبي أن أقوم ببعض تلك الخدمة الأدبية؟ وانشر معجماً لمفردات العوام في العراق، وقد وضعته منذ نحو خمسة عشر عاماً؛ وكنت قد أدرجت طرقاً منه على صفحات هذه المجلة في سنيها الأول ليكون معواناً للقائمين بوضع القاموس العربي العصري.
وعسى أن تخصص حكومتنا العراقية شيئاً من الهبات تقدمه إلى فريق من أدباء هذه الديار، ليتمكنوا من مواصلة أبحاثهم التي تفيد المعلمة والمعجم، وجل أولئك الكتاب من الذي خدموا القضية العربية وجوا بغيابات السجون، ونفوا إلى ديار بعيدة، لا لذنب اقترفوه أو جناية ارتكبوها، بل بكونهم من محبي العرب والعربية. والشيء الغريب: إن فريقاً من المتصدرين أو الجالسين على أريكة المعارف، كانوا من المقاومين للنهضة العربية، فغدقت عليهم الحكومة أموالها فاخروا الثقافة في البلاد ونشروا أساليب تهذيب بالية وكتب بعضهم الفصول الطوال في الجرائد والمجلات منددين بذلك المنهج القديم؛ بيد أن رجال حكومتنا غضوا النظر عنهم، بحجة أن الكتاب يتحاملون عليهم، ويحطون من منزلتهم لأغراض في نفوسهم وحزازات في قلوبهم. وقد تحقق اليوم ما دونه أصحاب تلك المقالات بشهادة تقرير عصبة الأمم. أي أن أساليب الثقافة والتعليم في العراق قديمة بالية لا تلائم حاجة العصر، وعليه يجب إصلاحها.
فان تقاعست حكومتنا - الساهرة على مصلحة العراق - عن مهمتها، وسدت أذنيها عن سماع كلامنا هذا، ولم تساعد أدباء الرافدين بالمال، فسوف يكون نصيبنا ضئيلا جداً في تأليف المعلمة وتنسيقها وزيادة المعجم ويكون إذ ذاك اسم(9/293)
العراق في مؤخر البلاد العربية الناهضة، لان الأدباء ليسوا بأغنياء، ولا يقوون على القيام بنصيب وافر في نشر علمهم وادبهم، ما لم تساعدهم حكومتهم مساعدة تكفيهم مؤونة النصب في كسب معاشهم، وما يقوم بلوازم أسرهم.
ولا يتوهمن البعض بقولهم أن الحكومة المصرية - وعلى رأسها جلالة الملك فؤاد - غنية بالمال وبالرجال. نعم، قد تكون غنية بالمال وبالرجال أيضاً، ولكن المشروع الذي تريد معالجته لا يتسنى لها وحدها للقيام به. ويعجبني بل يروقني جداً ما جاء في مقال الأستاذ متي أفندي عقراوي مدير دار المعلمين بعنوان (توحيد الثقافة العربية) قوله: بيد أنني لا
أستطيع أن أتصور انه في طاقة أي قطر من الأقطار العربية أن يقوم بثقافة كاملة تبلغ منزلة رفيعة في الرقي والحضارة. كلا أنني لا أتصور انه في استطاعة العراق القيام بذلك وحده. ولا ربوع الشام منفردة، ولا مصر منفصلة، ولا الحجاز ونجد مبتعدتين؛ بل يجب أن تشترك جميع الأقطار العربية، وتتحد معاً فتتعاون وتتضافر، حتى تكون ثقافتها واحدة، قويمة الدعائم ثابتة الأركان) أهـ
إن واجبي المحتوم علي كعراقي مخلص لوطنه، يقوم بنشر المعجم العامي، ودرج مقالات في تاريخ العراق القديم والحديث، وتاريخ مدنه وعادات أهله، إلى غير ذلك من المباحث العصرية.
وعلى ذكر المعلمة العربية والمعجم العصري العربي، عثرت في العدد 276 من (كل شيء) على بحث ظريف بعنوان (نهضة العلم والتعليم ببلاد العراق) موضوعه حديث مع الدكتور قدري بك قنصل العراق بالقاهرة. وقد استهل الكاتب مقاله بقوله: أعرب جلالة ملك العراق في الأيام الأخيرة عن رغبته في إيجاد موسوعة عربية تكون مرجعاً عاماً لأبناء اللغة العربية، وقاموساً شاملا لكل ما يحتاج إليه المتكلمون بالضاد من اصطلاحات قديمة وحديثة حتى تتوحد الثقافة اللغوية بين الشعوب العربية، ويسهل التفاهم بينهم وتزداد هذه اللغة قوة وانتشاراً.
(وقد رأينا بهذه المناسبة أن نتحدث مع سعادة القنصل العراق بالقاهرة عن(9/294)
اهتمام جلالة الملك فيصل بإيجاد هذه الموسوعة، وعن سعيه المتواصل في سبيل نشر العلم والتعليم ببلاده فتفضل علينا بالحديث الآتي،) وهذا الحديث مدرج في الصفحة الخامسة من (كل شيء).
فيظهر من هذا التصريح أن جلالة ملكنا المحبوب قد صمم على أن يبذل النفس النفيس لتحقيق هذه الأمنية التي يجنى منها فوائد علمية، وفنية، وأدبية. وقد بات أرباب التحقيق التدقيق من أبناء لغة الضاد يتوقعون نشورها في أمد قريب.
رزوق عيسى
5 - كلام في مسجد قمرية
نقل الصديق الفاضل الأستاذ يعقوب نعوم سركيس في (9: 117) من لغة العرب (وكانوا
قد نصبوا من الجانب الذي من دجلة على مسناة دار العميد وبقرب القمرية منجنيقين عظيمين وهموا بنصب منجنيق آخر على الخان الذي بناه سرخك مقابل التاج) وذلك من حوادث سنة (551) وأستدل بهذا على اشتهار (قمرية) في منتصف القرن الخامس للهجرة على اقل تقدير.
ونحن نرى هذا الدليل ضعيفاً جداً لان الظاهر من (القمرية) أنها محرفة عن (القرية) المحلة المشهورة وهي على دجلة وقد قلنا في (8: 583) من لغة العرب (والقرية هذه يظهر لنا أنها تمتد على دجلة من غربي بغداد من فوق الجسر (كذا والأصوب من تحت) العتيق اليوم إلى ما فرق دار الندوة العراقية (وقد بدلت الآن)) أي فوق جامع قمرية الآن وقبالة النادي العسكري بالشرق ومما يؤيد ورود اسم القرية في هذا التاريخ قول ابن الأثير في حوادث السنة نفسها (وخرب الخليفة قصر عيسى والمربعة والقرية والمستجدة والتجمي) وقال ابن جبير الكناني في رحلته ص 204 طبعة مطبعة السعادة (فأما الجانب الغربي فقد عمه الخراب واستولى عليه وكان المعمور أولا. . . لكنه مع استيلاء الخراب عليه يحتوي على سبع عشرة محلة كل محلة منها مدينة مستقلة وفي كل واحدة منها الحمامان والثلاثة، والثماني منها(9/295)
بجوامع يصلي فيها الجمعة فأكبرها القرية وهي التي نزلنا فيها بربض منها يعرف بالمربعة على شاطئ دجلة بمقربة من الجسر (لنا مقالة في أجسر بغداد) فالأمر يحتاج إلى دليل غير هذا.
أما العميد المذكور فلم نعرفه بعد على التحقيق ففي (2: 184) من الوفيات ترجمة (محمد بن منصور عميد الملك) وزير البارسلان السلجوقي، وجاء في حوادث سنة (631) من الحوادث الجامعة وفاة أبي حفص عمر بن محمد الفرغاني وانه أقام برباط العميد مدة. فلعله عميد الدولة أبو منصور بن جهم (كذا) الوزير (كما جاء في ص 17) من مناقب بغداد و (ابن جهير) على رواية مختصر الدول ص 324 ورواية الوفيات (2: 179) وقال: بفتح الجيم وكسر الهاء وسكون الياء. . . وبعد راء كما في ص 183 وغلط السمعاني في ضم الجيم.
أما دخول (أل) على القمرية فتحقيقه كما ذكر الأب انستاس وقد ورد في ص 198 من عمدة الطالب: (وكان موسى بن عبد الله بنصيبين وله ولد لها وبغيرها فمن ولده جعفر
الأسود الملقب زنقاحاً ابن محمد بن موسى المذكور، من ولده معمر الضرير بن عبد الله بن زنقاح المذكور يعرف بابن القمرية وبهذا يعرف عقبه) بإدخال (أل) على (قمرية).
وفي ص 42 من مختصر الدول أن اللذين قتلا أبا الكرم صاعد بن توما الحكيم(9/296)
سنة (622) هما رجلان يعرفان بولدي (قمر الدين) من الأجناد الواسطية فبحث الناصر لدين الله عنهما فعرفا واخرجا إلى موضع قتل الحكيم فشع بطناهما وصلبا على باب المذبح المحاذي لباب الغلة، فالنسبة إلى قمر الدين (القمري) و (القمرية) أيضاً وان جاز على اصطلاح المتأخرين النسبة إلى المركب الإضافي كله كالخبز ارزي والنهر ملكي والنهر خالصي والحصفكي (نسبة إلى حصن كيفا) والنهر بيني (نسبة إلى نهر بين) ويقال (بيل) وكأن رشارد كوك نقل في ص 133 من كتابه (بغداد مدينة السلام) عن تاريخ مساجد بغداد وغيره فقد ذكر في كلامه على خلافة الظاهر العباسي ما نصه (وفي خلال هذا العهد بني المسجد الصغير البهيج مسجد قمرية (بفتح القاف) على الضفة الغربية فوق الجسر وهو كثيراً ما تخرب ولكنه باق إلى اليوم وقد احكم أمره ليكون اصح واحكم اتجاه إلى القبلة) قلنا: وأهل بغداد لا يزالون يسمون بقمرية (بضم القاف).
6 - في السنين
وورد في ص 118 منها (وفيها أي في سنة 647) والصواب (646) كما في الحوادث الجامعة، وجاء في الحاشية (سنة 659) والأصل (695) كما في الحوادث وفي ص 119 (وكان هذا الذكور) ولعله (المذكور) وفي الحاشية (سنة 615) والصواب (614) كما في تاريخ ابن الأثير وورد فيها (البغدادي) والأصل (للبغدادي).
وأوردنا في (8: 248) من لغة العرب (646) والأصل (649) وتكرر الخطأ في ص 243 وجاء فيها أيضاً (ص 245) والأصل (345)
وفي (9: 86) ورد (ررأيناه) والأصل (ورأيناه) وفي ص 88 (نريد بذلك أن يعلل) والأصل (إن لا يعلل).
7 - عميد الدولة بن جهير
هو عميد الدولة شرف الدين أبو منصور بن محمد بن محمد بن محمد الثعلبي قال فيه محمد
بن عبد الملك الهمذاني: انتشر عنه الوقار والهيبة والعفة وجودة الرأي وخدم ثلاثة من الخلفاء ووزر لاثنين منهم وكان عليه رسوم كثيرة وصلات جمة وكان نظام الملك يصفه دائماً بأوصاف عظيمة ويشاهده بعين الكافي الشهم ويأخذ(9/297)
برأيه في أهم الأمور ويقدمه على الكفاءة والصدور ولم يكن يعاب بأشد من الكبر الزائد فان كلماته كانت محفوظة مع ضنه بها. ومن كلمه بكلمة قامت عنده مقام بلوغ الأمل، فمن جملة ذلك ما قاله لولد الشيخ الإمام أبي نصر بن الصباغ: اشتغل وتأدب وإلا كنت صباغاً بغير أب، وذكره ابن السمعاني في كتاب الذيل ومدحه كثير من شعراء عصره وفيه يقول صردر بقصيدته العينية:
قد بان عذرك والخليط مودع ... وهوى النفوس مع الهوادج يرفع
لك حيثما سرت الركائب لفتة ... أترى البدور بكل واد تظلع
في الظاعنين من الحمى ظبي له ال ... أحشاء مرعى والمآقي مكرع
وكان حليماً فقد قصد إليه أبو يعلى بن الهبارية الشاعر والسابق بن أبي مهزول الشاعر المعري ببيتين فيهما تعريض له بنيلة الوزارة بزوجته فأعطاهما خمسين ديناراً، وجد ذلك مفصلا بخط أسامة بن منقذ.
وكان ينوب في وزارة المقتدي العباسي عن والده أبي نصر فخر الدولة محمد ابن محمد بن جهير فلا عزل والده خرج هو إلى نظام الملك أبي الحسن المذكور وزير ملكشاه بن البأرسلان السلجوقي واسترضاه واصلح حاله وعاد إلى بغداد وتولى الوزارة مكان أبيه، وزوجه نظام الملك ابنته (زبيدة) التي توفيت في شعبان سنة (470) وكان تزوجه لها سنة (462) ولما عزل عن الوزارة أعيد إليها بسبب هذه المصاهرة. ثم عزل عن الوزارة وحبس وقيد في شهر رمضان سنة (492) وتوفي في شوال من السنة
مصطفى جواد
8 - الزقزقة في إيران
الزقزقة معروفة في ديارنا الإيرانية، وتكون بإقحام بعض حروف الهجاء في كلم اللسان الفارسي، فإذا ادخل الفرس الزاي في كلامهم سموه: (زبان(9/298)
زركري) أي لغة الصياغة. ولعلهم سموها بهذا السم لان غرض المتكلم بها لا يبدو لكل سامع، إذ يجهل كثيرون هذه اللغة، كما أن عمل الصائغ لا يتجلى حسنه أو قبحه أو ما فيه من الخداع والتمويه لكل
واحد، اللهم إلاَّ لمن كان بصيراً في هذه المهنة. وهذه اللغة معروفة في إيران من نحو خمسين سنة واليك مثالا منها:
نقول مثلا في (ميخواهم آب بياشامم): مزي خزا هزم ازا بزي يزا شزام مزم.
وقد يدخلون حرف الراء المهملة والغين المعجمة معاً في كلامهم ويسمون هذه اللغة: (زبان مرغي أي لسان الطائر. وربما ادخلوا الشين المعجمة في كلامهم. أما لغة أدراج الزاي في الكلام، فأظنه معروفاً في كربلاء والكاظمية.
محمد مهدي العلوي
9 - قبر أبي يوسف صاحب أبي حنيفة في الكاظمية
قال المرحوم الأديب عبد الحميد عباده في هذه المجلة (6: 756): (والصحيح في مدفن أبي يوسف (رح) ما أسلفناه ذكره وحققنا عنه: أي انه لم يذكر له محل دفن معلوم. وبالختام أرجو من المؤرخين والباحثين أن يفيدوني بما لديهم من المعلومات في هذا الباب الخ). فكتب على اثر هذا المقال كاتبان جليلان في هذه المجلة أيضاً (7: 150 إلى 151 و 405 - 407) ما يؤيد صحة القول بان قبر أبي يوسف، في الكاظمية بجوار قبر الإمام موسى الكاظم عليه السلام، فاستحسنت أن اذكر كلام العلامة المؤرخ المتفنن، الميرزا محمد باقر الموسوي الخونساري المتوفى سنة 1313هـ. تعضيداً لرأي الفاضلين؛ قال رحمه الله في كتابه روضات الجنات (4: 226): (ومراده بابي يوسف المذكور هو القاضي أبو(9/299)
يوسف الفقيه المشهور المدفون في شرقي الصحن المطهر الكاظمي من ارض بغداد، واسمه يعقوب بن إبراهيم بن حبيب وكان من علماء دولة الرشيد). أهـ
محمد مهدي العلوي
10 - آصف الدولة الهتدي اللكنهوي
كنت قد ذكرت في المجلد الثامن من هذه المجلة شيئاً عن آصف الدولة المهراجا الهندي، وقد عثرت بعد ذلك على ترجمته في كتابين فارسيين: أحدهما الجزء الرابع من آثار الشيعة الإمامية ص 104، والآخر كتاب الجنة العالية للحاج الشيخ علي اكبر النهاوندي (ج 2 ص 37) فرأيت أن ألخص ترجمة بما يلي:
آصف الدولة يحيى خان بن شجاع الدولة بن صفد رجنك (بالكاف الفارسية)، كان من طائفة بيات، التي كان منها حكام نيسابور (نيشابور) منذ أيام الصفويين، وكان دخله السنوي كثيراً جداً ينفقه على مصالحه الشخصية، وفي منافع الناس، وعلى الغرباء والمساكين وذوي رحمه، وكانت البسته مألوفة لا تكلف فيها. توفي في عام 1310هـ (1893م) (على رواية الجواهري) أو في عام 1312هـ (1895م) (على ما رواه النهاوندي) ودفن بجنب دار العزاء الحسيني التي كان قد بناها، وخلف آثاراً تذكر فتشكر على ممر السنين منها:
1 - بناؤه رباطاً في لكهنو لزائري مشاهد الأئمة في العراق، ولهذا الرباط أوقاف كثيرة.
2 - حفره النهر المعروف بالهندية في أطراف الحلة لنقل الماء إلى النجف(9/300)
ولهذا النهر في الوقت الحاضر أهمية للأمور الزراعية في العراق.
3 - تشييده داراً كبيرة مهمة بقرب داره يقام فيها عزاء الإمام الحسين بن علي شهيد كربلا.
4 - أبنيته العالية في اكبر آباد وشاه جهان آباد (وكلاهما من تخوم الهند).
5 - كانت له خزانة كتب نفيسة فيها كتب خط عربية وفارسية في العلوم القديمة والعصرية وكان عدد كتبها. . . مائة وخمسة وعشرين كتاباً منها سبعمائة كتاب بخطوط مصنفيها.
كان هذا الأمير من المسلمين الشيعة وذكر الجواهري انه كان وزيراً للسلطان محمد شاه الهندي واكمل إدارة ملكه بمساعدة الحكومة البريطانية.
محمد مهدي العلوي
11 - في كلام الجاحظ
1 - ورد في (9: 175) بين كلام الجاحظ (أين كسرى وكسرى الملوك) والواو زائدة يجب حذفها لأن الثاني هو الأول وليستقيم الوزن.
2 - وفي ص 176 ورد من قول الجاحظ (فلم يأخذ ولية بعيره) والأصل (وليه) أي ذو أمره وخليفته.
3 - وفي ص 179 (وليستصغروا جميع ما صنع بهم (كذا)) والفعل (صنع) مبني
للمجهول فلا حاجة إلى التكذية ويراد به (ما يصنع بهم).
4 - وفيها (ثم يفتخرون بقتله اليهود (كذا) وهو صواب لأن اليهود فاعل مرفوع، وهذا التركيب جائز، قال الزمخشري في المفصل (ويعمل المصدر أعمال الفعل مفرداً كقولك: عجبت من ضرب زي عمراً، ومن ضرب عمر زيد، ومضافاً إلى الفاعل أو إلى المفعول كقولك: أعجبني ضرب الأمير اللص ودق القصار الثوب، وضرب اللص الأمير ودق الثوب القصار).
5 - وجاء في ص 180 (وفي خلق مهنة ومهينة وهو آدم وحواء) فعلق(9/301)
به المشهور: ميشه وميشانه) والأوليان مشهورتان أيضاً. قال ابن أبي الحديد عبد الحميد: (فتصور منهما بشران ذكر وأنثى وهما: ميشي وميشانة، وهما بمنزلة آدم وحواء عند المليين ويقال لهما أيضاً: وملهيانة، ويسميهما مجوس خوارزم: مرد ومردانة).
12 - في كلام الأدباء
1 - وجاء في ص 163 (وإلا يقتلونهم ويبيدونهم) والصواب (يقتلوهم) لأنه جواب الشرط المحذوف ومنه قول الشاعر:
فطلقها فلست لها بكفء ... و (إلا يفل) مفرقك الحسام
2 - وفيها (في جوابه على رسالة) والصواب (عن رسالة)
3 - وفي ص 164 (تعهدوا بالقيام به) أي عاهدوا وكافلوا، ولم نرفي كتب اللغة التي قرأنا فيها ما يجوز هذا الاستعمال في (تعهد) وخطأ الكاتب اسعد خليل داغر في ص 43 من تذكرته من قال هذا القول، غير أننا رأينا في ص 127 من كتاب عمدة الطالب لأبن عتبة المتوفى سنة (828) هـ ما نصه (ووعدوه النصر وتعهدوا له أن يحاربوا دونه) وهو مضمن معنى (كفلوا) و (تكفلوا) و (زعموا) و (ضمنوا) و (تحملوا) وكلها بمعنى واحد.
4 - وجاء في ص 168 (إلى التكتم) ونذكر أن أحد النقاد المعاصرين الجامدين لم يجوز (التكتم) واعتراضه بارد جداً فان التكتم مصدر (تكتم) المطاوع ل (كتمه تكتيماً) وروى المبرد في كامله:
ولي صاحب سري المكتم عنده ... مخاريق نيران بليل تحرق
5 - وورد في ص 199 (وبعد مشاهدة. . . وذلك بعد أن يحط) والصواب الاكتفاء على
(بعد) واحدة.
6 - وفيها (وذلك لسماحها إياي استعمالي) والفصيح (لسماحها لي باستعمالي).
7 - وفي ص 202 (بأزرق واخضر الزاهيين) والصواب (زاهيين) أو (بالأزرق والأخضر الزاهيين) لأن الموصوف نكرة والصفة معرفة.
مصطفى جواد(9/302)
باب المشارفة والانتقاد
46 - سوسنة وذبيحة (بالفرنسية)
هذا الكتاب الفرنسي يقع في زهاء 400 ص بقطع 12 وهو ترجمة الراهبة الكرملية جان ماري آنج ليسوع الطفل المولودة في سنة 1895 في توليت (من مدن فرنسة) والمتوفاة عند حضيض الكرمل (فلسطين) في سنة 1921 وهي آية في الطهر والعفة ومثال التضحية بالنفس وبكل عزيز حباً لله. والقارئ لا يطالع هذا السفر الجليل إلاَّ ويعترف بان له تعالى من جنده على الأرض ما ينسي أعمال النفوس الخبيثة ومنكراتها التي تحط بأصحابها إلى اسفل درك من الحيوانات.
47 - معجم أسماء النبات (هدية)
للدكتور احمد عيسى بك
في الجزء القادم نقد لهذا الديوان فنلفت إليه الأنظار
48 - قادة الآداب العربية العصرية
للأستاذ الدكتور ج. كامبفماير الألماني وقوف عظيم على الآداب العربية العصرية. وقد وضع رسالة في الإنكليزية والعربية وفي فيها الموضوع حقه، وقد عالجه مع الأستاذ طاهر الحميري مدرس العربية في جامعة همبرج في 82 ص بقطع الثمن وتكلم على الأساتذة علي عبد الرزاق ومصطفى عبد الرزاق وإيليا أبو ماضي والعقاد ومنصور فهمي وجبران والدكتور هيكل ومحمد عبد الله عنان ومي والمازني ومخائيل نعيمة وسلامه موسى والدكتور طه حسين، وفيها من الصور البديعة الصنع: الأستاذ كراتشقوفسكي والعقاد ومنصور فهمي وحسين هيكل وسلامه موسى وطه حسين وفي الرسالة من أقلام بعض المترجمين وقد قال الأستاذ كامبفماير في المقدمة كلاماً يبقى آية للعرب العصريين: (إن مجد الشرق(9/303)
لن يقام في المستقبل على الجديد أو القديم (كذا. لعله يريد: ولا على القديم)
وإنما على أساس الجيد مقترناً بالجيد من القديم، وما من جيد إلاَّ ما نفع الأمة وطابق الفطرة لتي جبلت عليها) أهـ.
49 - كتاب التسيير في القراءات السبع
تأليف الإمام أبي عمرو عثمن بن سعيد الداني
عني بتصحيحه أوتو برتزل من جمعية المستشرقين الألمانية
أستانبول: مطبعة الدولة 1930 في 228 ص بقطع الثمن
بينما نرى أبناء اللغة الضادية يعرضون عن تآليف السلف ولا سيما الدينية منها، نرى المستشرقين يحرصون عليها كل الحرص ويعنون بنشره عناية عجيبة لا مثيل لها. هذا الكتاب في القراءات السبع وقد اصلح الفساد الذي ادخله الناسخ وأعيد النص بجلائه وفوائده فجاء كتاباً كأنه الإبريز الذي يتفاخر به. والطبع بديع والورق ثخين فاخر فجاء من النفائس التي يضن بها.
50 - سلع وديار النبط (بالفرنسية)
(هدية)
تأليف أ. كامرير
سلع هي المدينة التي يسميها الإفرنج بترا (وسماها خطأ بعض المعربين البترآء وهذه غير بترا عند الغربيين. وقد وضع لتلك الديار أ. كامرير هذا الكتاب بحث فيه عن ديار العرب السلعية التي سماها بعضهم وهماً (الصخرية) وعرب الشمال في صلاتهم بسورية وفلسطين إلى ظهور الإسلام. ومطالعة هذا السفر الجليل من أمتع الأسفار لأنه يقفنا على حالة السلف قبل انتشار الدين الإسلامي وجميع تلك الحقائق والدقائق مبنية على الرقم والمدونات المختلفة وليس فيها من التخيلات والأخبار الموضوعة شيء البتة. فلا بد من هذا التأليف لمن يعنى بأحداث العرب.
51 - ديوان مهيار الديلمي
(الجزء الثالث)
منذ أن صارت دار الكتب المصرية إلى يد صاحب السعادة (محمد اسعد براده بك) نهضت
نهضة عجيبة واتجهت مطبوعاتها اتجاهاً بديعاً حتى اخذ جميع العلماء يفتخرون بما تبثه هذه الدار من فاخر الكتب. وقد أودع أمر تصحيح(9/304)
ما ينشر على يدها إلى محققين مدققين أكفاء قد لا يرى نظراؤهم في سائر الديار الناطقة باللغة الضادية. على أن الباحث البصير قد تخفى عليه أشياء وهي لا تخفى على من دونهم بصراً وفكراً. فهذا الجزء من ديوان مهيار بلغ الدرجة القصوى من التحقيق ومع ذلك يرى فيه بعض التوافه التي تحتاج إلى إصلاح، من ذلك: إن المحشي ذكر للفظ المقيل من هذا البيت:. . . وجدن حشاك للبلوى مقيلا (ص 5) معنى هو: (موضع القيلولة وهو المكان ينام فيه وقت الظهيرة) مع أن سياق العبارة يوجب أن يكون المعنى مطلقاً لا مقيداً. أي أن المقيل هنا محل للرحلة لا غير. فكان يحسن بالمحشي أن يشير إلى هذا الإطلاق.
وفي ص 11: (وناشرني (وداً) شككت لطيبه. . .) ونظن أن اللفظة الأصلية هي (عوداً) ليتسق المعنى والتعبير، - وفي حاشية 6 ص 15 التشازر: نظر القوم إلى بعضهم إلى بعضاً بمؤخر العين. ونظن أن هناك تقديما وتأخيراً في الكلم. والصواب نظر القوم بعضهم إلى بعض. . والتعبير السابق لا يجوز - وفي ح ص 18: (فلم نوفق فيه إلى ما تطمئن له النفس) وقد قلنا مراراً أن (وفق) لا يعدى بالى بل باللام (لغة العرب 5: 297 ثم 7: 574 و 878 و 896) وقد جاء هذا الغلط مراراً في الحواشي (منها ح 2 ص 24) - وفي ص 19 جاء هذا البيت:
لولا حظوظ في ذراك سمينة ... ما (جئت ملتحفاً) بجسم هزال
والذي عندنا أن صواب الرواية: ما (جئت مكتهفاً). . . ليصح اتساق المعنى، ومعنى مكتهفاً: لازماً الكهف فكأنه يقول: ما جئت لا لزم ذراك بجسم هزال، إلاَّ ليكون لي حظ مثل حظوظ أولئك الذين سمنوا في ذراك. أما (ملتحفاً) فبعيد لأن الإنسان لا يلتحف بالجسم الهزال. نعم قد يجوز هذا التعبير ببعض تعسف لكن التعبير القاصد هو ما أشرنا إليه - وفي ح 7 من ص 20:
العزالى: جمع عزلاة. . .) والذي نعرفه أن العزالى جمع عزلاء كصحراء وصحارى، أما عزلاة فلم نجدها في ديوان من دواوين اللغة. وهناك غير هذه الهفوات وكلها لا يؤبه لها.
52 - البستان
(الجزء الثاني) (هدية)
كنا نقدنا هذا المعجم في مجلتنا مراراً عديدة (6: 128 إلى 136 و 198(9/305)
و 285 و 291 و 427 و 429، وكذلك في السنتين التي تلتها) وكان يخيل إلينا أن المجلد الثاني من هذا المعجم يكون اصح نقلا، ولا يأخذ صاحبه كل ما جاء في محيط المحيط اخذ حاطب ليل. فإذا نقدنا لم يفده شيئاً. بل جاء هذا المجلد شراً من الأول. ومع ذلك تقرأ كلاماً لأسعد خليل داغر (المقتطف 78: 116 إلى 118) يجعلك تتوهم أن (البستان) وحي من الرحمان، فاضطر هذا المدح المكيل كيلا جزافاً إلى أن يشتري هذا المجلد أحد الأصدقاء ليهديه إلينا لننعم النظر فيه ولنرى رأينا فيه ونقول كلمة الصدق والأخلاص؛ فصرف لهذه الغاية 114 غرشاً مصرياً.
قلنا: إن هذا المجلد كصنوه البكر يحوي الأغلاط التي ركب متنها صاحب محيط المحيط بلا زيادة ولا نقصان. والظاهر أن صاحب البستان كان ينسخ الكتاب المذكور نسخاً بلا نقد ولا فكر ولا عقل ولا تدبر ولا ولا ولا. . . وأحسن دليل على ذلك أن الأوهام المدونة في معجم بطرس البستاني منسوخة نسخاً أعمى في هذا البستان. قال البستاني الأول في مادة غلطلاق: (الغلطلاق: ثوب يلبس فوق الثياب بلا كمين) وقال البستاني الثاني ما قال الأول بزيادة في الآخر هي: (دخيل). والذي نعلمه علماً يقيناً أن بطرس البستاني نقل الكلمة عن فريتغ. وهذا لم يضبط الكلمة. فجاء صاحب محيط المحيط وضبطها من عنده. وقد ذكر فريتغ مأخذ الكلمة وانه من نسخة ألف ليلة وليلة طبع (هابخت) وهابخت لم يذكر (غلطلاق) بل (غلطاق) وهذه الكلمة نفسها ليست صحيحة بل صحيحها (بغلطاق) بباء في الأول، وهي الرواية المثبتة في النسخ الخطية على ما أشار إليه المستشرق فليشر، إلاَّ أن بطرس البستاني لم ير هذا الكتاب فنقل عن فريتغ غلطه الذي هو تصحيف التصحيف، وزاد في جسارته أن ضبط اللفظ بضم الغين والطاء وفي كل هذا من الخلط والخبط، ما لا يخفى على الباحث. وصواب ضبط الكلمة فتح الباء والغين ثم لام ساكنة فطاء فألف فقاف. ويقال فيها أيضاً بغلتاق. وتخففان بحذف اللام فيقال فيهما: بفطاق وبفناق. والكلمة فارسية منحوتة من (بغل) و (طاق) أي قباء الإبط، أو الثوب الذي يغطى به الساعدان أو الذراعان. وقد سماه بعضهم (الفرجية) وهي ثوب(9/306)
بلا ردنين أو ردنين لكتهما قصيران.
وكان يسمى أيضاً (قباء سلاريا) وسمي كذلك لأنه شاع استعماله في أيام الملك الناصر على يد الأمير سلار. (راجع في ذلك كتاب الثياب لدوزي، وملحقه بالمعاجم. ومعجم فلرس الفارسي اللاتيني. والمعجم الفارسي الفرنسي لجان جاك بيير ديميزون والرهان القاطع).
هذا رأي اغلب المستشرقين والذي عندنا أن الكلمة تركية مغولية، لأن الذين اتخذوا هذا الثوب قوم من الترك والمغول والتتر المتتركين والكلمة بالتركية (باغلداق) أو باغرادق ومعناها القماط أو الثوب أو الردآء المتخذ بهيئة قماط أي بلا ردنين.
وعلى كل حال فالكلمة على ما رواها البستانيان غير معروفة في لغة من لغات خلق الله، وضبطها بضم الأولين زادها شناعة وقباحة وأبعداها عن الحقيقة بعداً لا تناله أفكار المحققين إلاَّ بشق الأنفس.
أتريد دليلا آخر؟ - قال في محيط المحيط: (التعن (بضمتين) الأشداء الواحد عتون وعانن) فقال صاحبنا الشيخ عبد الله كما قال نسيبه، إلاَّ انه ضبط عتون بضم العين مع أن نسيبه ضبطها بفتحها. فأنت ترى أن الشيخ عبد الله مفسد للغة لا مصلح لها، لأن الصواب فتح العين.
أتحب أن يكون لك دليل ثالث يفقأ العينين ويذر فيهما ملحاً وفلفلا ليزيد ألمهما؟ - هذه كلمة الفناة (من مادة ف ن و) فقد قال محيط المحيط في شرحها: (الفناة: البعرة). وليس في كتب اللغة جميعها: - حسنها وسيئها - هذا اللفظ بهذا المعنى. إنما الذي ذكروه: البقرة بقاف بين الباء والرآء. فجاء صاحبنا الشيخ عبد الله وأسرع في وضع معجمه بلا تدبر ونقل الكلمة علىعلاتها، ولم يغير من عبارة نسيبه حرفاً واحداً وبقيت البقرة بعرة في بستانه لتسمده. أفهذا يسمى معجماً؟ أفصاحبه ينعت بالعلامة اللغوي؟ أفهكذا تصنف دواوين اللغة؟ أن ذلك لداهية دهيآء. ثم يأتي اسعد خليل داغر. ويمدح المعجم وصاحبه بالقلم الضخم، ويكيل الثناء كيلا جزافاً بلاروية ولا فكر، فما يقول أسعدنا وخليلنا وداغرنا في الدفاع عن الشيخ (مفسد اللغة وناشر فسادها في كل ناد وواد)؟(9/307)
وعندنا من هذه الأغلاط ما يملا مائة صفحه من هذه المجلة ونحن لم نطالع هذا المعجم إلاَّ مطالعة عجلان. فما قول اسعد لو طالعنا الكتاب مطالعة تحقيق وتدقيق؟ فيا حضرة الأديب الفاضل لا يجوز لك أن تخدع الناس هذا المخدع، مراعاة للمطبعة التي لم تحسن إلى الآن
أن تسمي نفسها اسماً صحيحاً، (إذ لا تزال تسمي نفسها (بالاميركانية)) أو مراعاة لبعض الأصدقاء، فالغش كذب والكذب لا يجوز بأي وجه كان. فقولك: (أما المعجم الوافي بالحاجات المتقدم ذكرها، فظل ضالة المتأدبين في هذا العصر، ينشدونها ولا يجدونها، حتى أتيح لهم العثور عليها في (البستان) وهو المعجم النفيس الذي عني بوضعه للعلامة للغوي المرحوم الشيخ عبد الله البستاني) قول كذب محض.
ونحن نقول لك: إن هذا المعجم الفذ يشبه الفقنس (فيجب إحراقه) ليكون منه معجم آخر يفي بحاجات أهل العصر.
53 - حقائق ودقائق
الجزء الأول، بمطبعة العرفان الصيداوية 1349هـ 1931م
(وهو مختار من مجلدات العرفان العشرة الأوائل حاو لاثنتي عشرة مقالة من أهم المقالات التاريخية والاجتماعية في العرفان، ولقصيدتين من الشعر العالي، ولأربعة وعشرين رسماً لمشاهير العرب والمتصلين بهم من المعاصرين) وهو كتاب مفيد جداً لمن ليس عنده تلك المجلدات المختار منها، ونحن من المحتاجين إليه لكنه لم يبعث به إلينا لأننا لا ندفع قيمة المشاركة في العرفان إلاَّ قبيل انتهاء السنة، على أننا لم نعلم الفرق بين المزود للعرفان والمتزود منها، وغيرنا لما يدر حال أهل اليراع في عصر الإستعباد، وقد استعرنا إدارة لغة العرب إياه لنقتبس من فوائده فأعارتناه، ومما قرأنا فيه:
1 - قول العالم اللغوي الشرتوني سعيد صاحب اقرب الموارد كما في ص 73: (فيقولون عيونهم نائمة وما اجمل العيون الحوراء، ولم أجد من نبه على ذلك في ما وقفت عليه من كتب النحو والصرف) قلنا: إن العلماء أعطوا الصفة والخبر والحال حكم الفعل فإذا قيل: (عيونهم نامت) فيقال (نائمة). وأما(9/308)
(العيون الحوارء) فليس من كلام العرب - على ما ذكر المبرد في الكامل - والصواب (الحور). (راجع لغة العرب 7: 513 و 586 و 657 و 845 و 824)
2 - ومنع الشرتوني أيضاً في ص 76 أن يقال: (زيد بارع في صيد البر فضلا عن براعته في صيد البحر) وهو خطأ منه فراجع (9: 209) من لغة العرب.
3 - وورد في ص 79 قوله: (إن أحداً لا يستعمل إلاَّ بالجحد ما لم يضف. . . أو يقع
نعتاً)) وليس الأمر كذلك. قال تعالى: (وان فاتكم أحد من أزاوجكم) و (وان أحد من الشركين استجارك) وليس بمجحود ولا مضاف كما ترى، ويقال (أحد وعشرون) بالعطف.
4 - وفي ص 123 قول مجلة (ورلدورك) الأميركية: (ولما سئل شيخ عرب الحويطات عن سبب إعجاب العرب بالكولونيل لورنس أجاب: وحياة النبي انه يتقن الأعمال التي نعملها نحن اكثر منا) ولكن جاء في ص 172 من كلام لورنس نفسه: (ولم يكن المنحدر وعراً على الجمال ولكني وجدت صعوبة في انحداره لأني لست معتاداً فقاسيت تعباً شديداً. أما العرب فكانوا معتادين وكانوا يسيرون يميناً وشمالا غير مبالين ويطلقون الطلقات النارية عن ظهور خيلهم لأنهم مدربون على ذلك.) فأين بقي تمرن لورنس المزعوم. وهو ينكره على نفسه؟.
5 - وورد في ص 156 (وكان مجرى الوادي ملآناً (كذا) من خشب الأسل) وليس للأسل خشب، قال الزمخشري في أساس البلاغة: (وهو نبات دقيق الأغصان تتخذ منه الغرابيل بالعراق الواحدة أسلة) قنا: وينبت في مجاري المياه الراكدة غالباً وتسميه الناس في لواء ديالى من العراق (عسيل) بكسر العين وفتح العين مشددة وتسكين الياء وتصنع منه الحصر الجيدة والسلال الجميلة ورؤوس أغصانه كرؤوس المسامير، ولعل الأصل (الأثل)، أو (أغصان الأسل وعيدانه وقضبانه).
6 - وفي ص 199 قول اللغوي العلمي جبر صومط (تسامحك مع أصحابك) والصواب (على أصحابك) راجع (9: 208) من لغة العرب،(9/309)
ونحن نشكر لصاحب العرفان الشيخ احمد عارف الزين هذه الأعمال المستمرة المبرورة وخدمته للعرب والعربية، جزاه الله خير جزاء.
دلتاوه:
مصطفى جواد
54 - كتاب الفوائد في أصول البحر والقواعد (هدية)
تأليف رئيس علم البحر وفاضله. . . الشيخ شهب احمد بن ماجد السعدي
الإفرنج مولعون بنفض الغبار عن دفائن السلف، وإخراجها اجمل صورة واحسن جلاء. هذا الشيخ ابن ماجد من أبناء المائة الخامسة عشرة والسادسة عشرة للميلاد كان قائد
أسطول البرتغاليين في عهد فاسكودي غاما ومالندي إلى كاليكوت في سنة 1498 للميلاد. وكتابه هذا من أمتع الكتب والذي عني بإخراجه من مدفنه ووشيه هذا الوشي الجميل هو أحد مستشرقي الفرنسيين اسمه جبريل فران وفي هذا السفر الذي يزري بالدرر بل بالدراري 181 ورقة من احسن الورق وأمتنه وقد صور على النسخة المحفوظة في خزانة باريس الأهلية. ومن محتويات هذا المطبوع ما يأتي تعداده:
1 - حاوية اٌختصار، في أصول علم البحار.
2 - الأرجوزة المسماة بالمعربة التي عربت الخليج البربري وصحت قياسه.
3 - القبلة الإسلام (كذا) في جميع الدنيا.
4 - أرجوزة بر العرب في خليج فارس.
5 - أرجوزة في قسمة الجملة على انجم بنات نقش.
6 - الأرجوزة المسماة كنز المعالمة (جمع معلم البحر) وذخيرتهم في علم المجهولات في البحر والنجوم والبروج وأسمائها وأقطابها.
7 - أرجوزة أيضاً في النتخات لبر الهند وبر العرب.
8 - الأرجوزة المسماة بميمية الإبدال.
9 - أرجوزة مخمسة.
10 - أرجوزة في عدة اشهر الرومية.
11 - الأرجوزة المسماة بضريبة الضرائب.(9/310)
12 - الأرجوزة المنسوبة لأمير المؤمنين علي بن أي طالب في معرفة المنازل وحقيقتها في السماء وأشكالها وعددها على التمام والكمال.
13 - القصيدة المكية لتغزله فيها بأهل مكة.
14 - الأرجوزة المسماة نادرة الإبدال في الواقع وذبان العيوق.
15 - القصيدة البائية المسماة الذهبية في بحث المرق والمغزر. . .
16 - الأرجوزة المسماة بالفائقة في قياس المضفدع ويسمى فم الحوت اليماني.
17 - البليغة في قياس السهيل والرامح.
18 - في معرفة قياس المارزة.
يتبع ذلك فصول مختلفة عددها سبعة وكلها عائدة إلى علم الملاحة، فمن هذا البيان يرى القارئ أن هذا السفر من أبدع الكنوز التي جاءتنا من السلف، لأنه يزيد يقيننا أن العرب هم الذين علموا غيرهم خوض البحار على أصول محكمة مقررة، ويزيد لغتنا مصطلحات عربية في علم البحار وهي لا ترى في معاجمنا الحاوية لغة التفسير والحديث والشعر وبعض الأدب.
وفي نية الناشر أن ينقل هذا التصنيف البديع إلى لغته الفرنسية ويضع له مفتاحاً يفتح به مغلق الكلام ومصطلح البحريين، - ولظهر من عبارة ابن ماجد انه لم يحكم الكتابة، أو انه كان يكتب باللغة التي كان يتفاهم بها مع النوتية وكل ذلك ما يعلي كعب الناطين بالضاد. ويجعلهم في مصف علماء البحر ومعلميهم ويحرز لهم المكانة الأولى بين أندادهم. ذلك من فضل ربك المبدي المعيد.
55 - مصنفات الشيخين
المعلمين: سليمان المهري وشهاب الدين احمد بن ماجد (هدية)
نشره الوزير المفوض جبريل فران
هذا كتاب آخر، بل فريدة أخرى، تزيد كنز العرب خرائد ولآلئ. وهو يبحث عن علم خوض البحار، ويحوي الرسائل والمصنفات الآتية:
1 - رسالة تلاوة الشموس واستخراج قواعد الاسوس للمعلم سليمان البحري
2 - كتاب تحفة الفحول في تمهيد الأصول للمعلم المذكور.(9/311)
3 - العمدة المهرية في ضبط العلوم البحرية للمعلم المذكور.
4 - كتاب المنهاج الفاخر في علم البحر الزاخر للمعلم المذكور.
5 - الأرجوزة المسماة بالسبعية لان فيها سبعة علوم من علوم البحر غير الفراسة والإشارات للمعلم شهاب الدين احمد بن ماجد.
6 - القصيدة للمعلم ابن ماجد المذكور.
7 - القصيدة المسماة بالهدية للمعلم ابن ماجد المذكور.
8 - كتاب شرح تحفة الفحول في تمهيد الأصول تأليف الشيخ المصنف المعلم سليمان بن احمد بن سليمان المهري.
وهذا الكتاب على طراز الأول من جهة الطبع والورق والعناية بإخراجه درة فريدة وهو يقع في نحو مائتي صحيفة أي في نحو 400 صفحة كلها فوائد. وبذلك يتم طبع ما جاء عن علم البحر.
وقد رأينا عند صديقنا الفاضل الدكتور داود بك الجلبي كتاباً لابن ماجد غير ابن ماجد المذكور هنا، بل لواحد آخر من هذا البيت. اسمه، الشيخ شهاب الدين حاج الحرمين محمد بن ماجد بن عمر بن فضل بن يوسف بن دويك بن أبي البركات النجدي. (راجع مخطوطات الموصل ص 280 إلى 281)، وقد اطلعنا حضرته عليه فوجدناه ثالثة الأثر في للكتابين المطبوعين، وتفصيل وصفه في (مخطوطات الموصل) يغنينا عن وصفه هنا، وبعد هذا الكتاب الذي لم يذكر اسمه كتاب آخر اسمه: (فكرة الهموم والغموم، والعطر الشموم، في العلم المبارك المقسوم، في العلامات والمسافات والنجوم) (راجع ص 281 من كتاب مخطوطات الموصل). فعسى أن يهتم حضرة الدكتور داود بك بطبعه وإخراجه إلى العلماء ليستفيدوا منه ومن فوائده أو أن يصفه لنا وصفاً غير ما ذكره في مخطوطات الموصل.
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 12 -
وورد في ص 204 قول متمم بن نويرة:
فما وجد أظآر ثلاث روائم ... رأين مجراً من حوار ومصرعا(9/312)
فقال الأثري في تفسيره (الاظآر جمع ظئر وهي الناقة تعطف على الحوار أي ولدها فتألفه) وتصدى له أحد طرامذة الأدب في العدد 32 من جريدة صوت العراق قائلا (وحق العبارة أن يقال: (هي التي تعطف على ولدها والمراد بها هنا الناقة، حتى لا يظن القارئ أو التلميذ المحصل أنها مخصوصة بالنوق). أهـ قلنا: إن هذا تقعر وجور عن المعروف بالتغليب ففي جمهرة أشعار العرب ص 284 قال أبو زيد القرشي (الاظآر: جمع ظئر وهي الناقة التي تعطف على غير ولدها) فاختص الظئر بالناقة إلاَّ انه عد عطفها على غير ولدها، وقال المبرد في (3: 291) من الكامل (وقوله: فما وجد اظآر ثلاث روائم، أظآر جمع ظئر وهي النوق تعطف على الحوار فتألفه) فلا لوم على الأثري لذهابه ذلك المذهب
في التفسير لأنه جماع.
وجاء في ص 225 ايس ذؤيب الهذلي:
تعد به خوصاء يفصم جريها ... حلق الرحالة فهي رخو تمزع
فقال الأثري في تفسيره (رخو: لينة السير، تمزع: تسرع) فقال ذلك المتصدي العريض المختال الفخور (وإذا ترك الإنسان وذوقه السليم (كذا) أعطى البيت معنى غير المعنى الذي أعطاه إياه المؤلف وهو (كذا) أن تلك الفرس حين تعدو تفصم حلق السرج وتنفشه وتجعله رخواً فيكون الضمير هي عائداً إلى الرحالة لقربه منه ولملاءمة الذوق لا إلى الفرس كما فهمه المؤلف). أهـ قلنا: قال أبو زيد في جمهرته المذكورة ص 262 لتفسير هذا البيت (الخوصاء: الفرس التي تنظر بمؤخر عينيها نشاطاً، تمزع: أي تسرع، رخو: أي لينة السير) فلا داعي إلى نفش الحديد ولا إلى إرخائه ولا إلى اتخاذ ظهر الفرس مصهراً للحديد لان هذا مضحك للمرضى فينبغي استعماله في المستشفيات.
وفسر الأثري في ص 235 (الطاعم بالمطعوم) فقال هذا المتصدي (وهناك(9/313)
شناعة أخرى وهي (كذا) أن تأويل الطاعم بالمطعوم يؤول إلى أن الزبرقان الذي هجاه الشاعر شيء مأكول وهذا شيء تعافه الطبائع البشرية الراقية) قلنا: وهذا تعليل تعفه العقول البشرية الراقية، لان الأثري لو صح تفسيره لقول الشاعر. لما عافته الطبائع البشرية لان الاستعارة العربية أوسع من أن تحيط عليها أذهان الجامدين فقد قال الجوهري في (عقا) من المختار (وفي المثل: لا تكن حلواً فتسترط ولا مراً فتعقى) وقال الشاعر:
وأني لحلو تعتريني مرارة ... وأني لتراك لما لم أعود
وإذا لابس الإنسان شيئاً كني عنه به ففي (جرى) من المختار قول الرازي (قال الأزهري: قدم على النبي عليه الصلاة والسلام رهط بني عامر فقالوا: أنت والدنا وأنت سيدنا وأنت الجفنة الغراء) ثم قال (والعرب تدعو السيد المطعام جفنة لملابسته لها) وفي (حلس) من المختار (حلس البيت: كساء يبسط تحت حر الثياب وفي الحديث: كن حلس بيتك. أي لا تبرح) فتفسيره عند هذا المتبقر المتبحر (كن كساء ممتهناً) على ما ظهر لك من ضيق ذهنه، فالمطعوم أذن يطلق على المجرب لأنه قد ذيق مجازاً لا حقيقة.
- وقال الأثري في ص 250 عن أحوال عمر بن أبي ربيعة (وكان فوق ذلك يترصد
الحواج في المواسم ويترقب خروجهن للطواف فيصفهن طائفات محرمات. . . حتى زهدت سريات العقائل في فريضة الحج وضج أهل الورع والنسك) قلنا: (ليس كل ما قاله صواباً لان بعض سريات العقائل كن يرغبن في تشبيه وتعرضه لهن، فقد ذكر أبو الفرج في (2: 358) من الأغاني (إن بنتاً لعبد الملك بن مروان حجت، فكتب الحاج إلى عمر بن أبي ربيعة يتوعده أن ذكرها في شعره بك مكروه، وكانت تحب! أن يقول فيها شيئاً! وتتعرض لذلك! فلم يفعل خوفاً من الحجاج. فلما قضت حجها خرجت فمر بها رجل فقالت له: من أين أنت؟ قال: من أهل مكة، قالت: عليك وعلى أهل بلدك لعنة الله! قال: ولم ذاك؟ قالت: حججت فدخلت ومعي من الجواري ما لم تر الأعين مثلهن. فلم يستطع الفاسق أبن أبي ربيعة أن يزودنا من شعره أبياتاً نلهو بها في الطريق في سفرنا! فنقول للأثري: ما حجت؟ وما أحبت؟ ولمن تعرضت(9/314)
ومن لعنت؟ وأي زاد أرادت وأي سفر هذا؟ ففي (2: 124) من الكامل يقول عمر بن أبي ربيعة ذاكراً غمزاتهن في الطواف:
قالت لها أختها تعاتبها: ... لا تفسدن الطواف في عمر
قومي تصدي له ليبصرنا ... ثم أغمزيه يا أخت في خفر
قالت لها: قد غمزته فأبى ... ثم أسبطرت تشتد في أثري
وهذا يؤيد ما قلناه آنفاً، ثم قال الأثري عن شعره (وان كان جله طاهراً كل الطهر من الإثم) قلنا: فالحاجات أذن كن يتصدين له.
- وقال الأثري في ص 252 (وهو حديث مسهب يصف) والصواب (مسهب فيه) لأنه يقال (أسهب في الحديث) لا أسهبه.
- وقال في ص 269 عن الفرزدق (حتى أهاب بالفرزدق داعي الرشاد بآخره فكف ونزع عن القذف والفسق. وراجع طريقة الدين وان لم يكن منسلخاً منه جملة ولا مهملا لأمره أصلا) وقال الشريف المرتضى في (1: 45) من أماليه (وكان شيعياً مائلا إلى بني هاشم ونزع في آخر عمره عما كان عليه من القذف والفسق وراجع طريقة الدين على أنه لم يكن خلال فسقه منسلخاً من الدين جملة ولا مهملا لأمره أصلا) فليعارض القارئ بين الخبرين يدهما لقائل واحد غيران الأثرى حذف (وكان شيعياً مائلا إلى بني هاشم) على حسب الطريقة السلخية.
- وقال في ص 270 عن الفرزدق أيضاً (أما الرثاء فلا يدله فيه كصاحبه الاخطل) قلنا: ليس ما قاله الأثري بصواب ففي (3: 253) من الكامل ما نصه (وقال الفرزدق يرثي حدراء الشيبانية:
يقول ابن صفوان: بكيت ولم تكن ... على امرأة عيني أخال لتدمعا
يقولون زر حدراء والترب دونها ... وكيف بشيء عهده قد تقطعا
. . . الخ) وفي ص 264 منه قال المبرد (وقال الفرزدق وتتايع له بنون:
أسكان بطن الأرض لو يقبل الفدا ... فديتم وأعطينا بكم ساكني الظهر
فيا ليت من فيها عليها وليت من ... عليها ثوى فيها مقيما إلى الحشر
فماتوا كأن لم يعرف الموت غيرهم ... فشكل على ثكل وقبر على قبر الخ(9/315)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - سرقة الآثار في الحفريات معربة عن البغداد تايمس
للعالم العربي:
كتب المستر (فاتلين) من (كيش) يقول انه كان يود أن يتابع حفرياته لو لم يجد هناك مؤامرة منظمة واسعة النطاق لسرقة الآثار القديمة التي يعثر عليها العمال. ويقول أن سرقة الآثار جارية بلا انقطاع، ومن الصعب جداً منع العامل من إخفاء الأثر حال عثوره عليه. ويقترف اللصوص عملهم المنكر دون أن يقعوا تحت طائلة القصاص. فهم يعلمون أن سراق الآثار تحميهم محاكم الشرطة في العراق لأنه لا تعتبر القضية المقامة عليهم مثبتة ما لم يقبض عليهم في حال ارتكابهم الجريمة. وبالطبع أن موقف المحاكم هذا يشجعهم كل التشجيع على المثابرة على أعمالهم المنكرة. وفضلا عن ولع البدو بالسرقة التي تكاد تكون من طبعهم فان للتحريض الذي يقوم به دائماً مباشرة وبالواسطة بعض التجار البغداديين الذين يزورون كيش بالسيارات علاقة كبيرة بانتشار هذه الجرائم.
ويضيف المستر (فاتلين) إلى ذلك قوله: (ويسهل على المرء أن يفهم أن السلطات كثيراً ما يتعذر عليها منع بعض الحفريات الجارية خفية في خرائب لم تمتد إليها يد المنقبين بعد. إلاَّ أنني لا افهم لماذا لا تحمي البعثات الأثرية حماية افضل مثل هذه التجاوزات إذ كادت تصبح الآن عادة مألوفة. والتبعة لا تقع على عاتق المسؤولين عن إدارة المتحفة العراقية لأن المتحفة هي في الواقع أول من يخسر بسبب هذه السرقات للآثار التي تتسرب إلى أيدي التجار عوضا عن تسربها إلى المتحفة. أما ما يتعلق بكيش فقد اضطرب حبل الأعمال بسبب طردي للسراق بحيث إنني اضطررت إلى وقف العمل وقفاً تاما وهذا يعني خسارة هذه المنطقة 4000 ربية في الشهر. وبأقل من هذا المبلغ تستطيع السلطات المحلية أن تفهم الناس أن لا فائدة من السرقة(9/316)
وان ترغم تجار الآثار البغداديين على التمسك بجانب الاعتدال في تجارتهم).
2 - مقاومة العزوبة وتعداد النفوس في إيران
قدمت وزارة الداخلية قانونين خطيرين إلى لجنة كبار المشترعين يتعلق الأول بمقاومة العزوبة والثاني بتحرير النفوس.
وقد نص القانون الأول على أن كل إيراني بلغ الخامسة والعشرين من عمره وكل إيرانية بلغت العشرين من عمرها مجبوران أن يتزوجا وان كل من بلغ العمر المعين له في هذا القانون ولم يكن متزوجاً تفرض عليه ضريبة عشرة تومانات (أي ليرتان إنكليزيتان) إذا كان رجلا وخمسة تومانات إذا كان فتاة وذلك في السنة الأولى ويضاعف المبلغ في السنة الثانية وهكذا إلى أن يجبر العزاب على الزواج.
وقد استثنى القانون من ذلك الأشخاص المصابين بأمراض سارية معدية أو الذين لا تمكنهم حالتهم الصحية من الزواج.
وقد حدد القانون في الوقت نفسه مهر الزواج فقضى بان لا تتجاوز في أي حالة عشرة تومانات أي ليرتين إنكليزيتين وان كان طالب الزواج غنياً.
وحدد القانون الطلاق حيث قضى بمنع اعتبار حوادث الطلاق المنفردة أي انه لا يكفي أن يقول لرجل لامرأته (إنك طالق) ثم يشهد شاهدين فيضح الطلاق، بل عليه أن يذهب إلى المحكمة الشرعية ويبين هناك الأسباب التي تدعوه إلى الطلاق ثم تنظر المحكمة في إجابة طلبه أو رفضه.
وتعتقد الحكومة الإيرانية أنها ستتمكن بهذه الواسطة من تسوية مشاكل الطلاق أو تخفيف وطأتها على الأقل.
وينص هذا القانون على أن الأموال التي تؤخذ من العازبين تصرف في الوجوه التالية:
أولا - مساعدة الفقراء والفقيرات الذين لا تمكنهم حالتهم المالية من الزواج.
ثانيا - تخصيص جوائز مالية للأشخاص الذين لديهم أولاد يزيد عددهم عن خمسة لكي يتمكنوا من إعالة أنفسهم وأولادهم.
ثالثا - مقاومة الفساد بإنقاذ العاطلات وتزويجهن.
وقد تقرر تأسيس صندوق خاص(9/317)
لجزاءات العازبين.
وجاء في هذا القانون نص بأنه يطبق بعد إجراء تحرير النفوس ولهذا أودعت الحكومة القانونين معا والقانون الثاني مماثل لقانون الإحصاء الذي وضعه المسيو جاكار لتركية
واضع القانون الإيراني نفسه وبهذه الواسطة اصبح من الممكن إجراء تحرير النفوس في إيران في مدة 48 ساعة لا غير.
وعلى هذا الوجه يرى القراء أن حكومة إيران سائرة في تنفيذ قوانينها العديدة بطرق مدنية من غير أن تخل بقواعد الدين كما فعل الترك حينما اتبعوا القانون المدني.
3 - قضية النفط بيان رسمي (بحروفه)
كثر اللغط والقول بصدد التمديدات التي وافقت عليها بعض الوزارات، بشان المدد الواردة في المادة 5 و6 من امتياز النفط، وتنويراً للرأي العام ننشر البيان الآتي:
إن مدة الاثنين والثلاثين شهراً الواردة في المادة الخامسة من امتياز النفط، المؤرخ في 14 آذار سنة 1925 قد انتهت في 14 تشرين الثاني سنة 1927، ولكن الحكومة قبل هذا الانتهاء وافقت على تمديد المدة الذكورة إلى سنة أخرى. بموجب قرار أصدره مجلس الوزراء في جلستها المنعقدة في 20 آذار سنة 1927. التي ترأسها رشيد عالي بك الكيلاني واشترك بها فخامة ياسين باشا الهاشمي، وبسبب هذا القرار استفادت الشركة مهلة قدرها سنة كاملة.
وعند انتهاء السنة المذكورة مددت إلى 14 آذار سنة 1929 بموجب قرار صدر من مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في 13 تشرين الثاني سنة 1928، التي اشترك بها معالي يوسف بك غنيمة، ومع أن المأمول كان عدم الالتجاء إلى تمديد آخر، غير أن مجلس الوزراء وافق على تمديد ثالث بموجب قرارين صدر أحدهما في 6 تشرين الأول سنة 1929 والثاني في 12 تشرين الثاني سنة 1929 وجعلت المدة النهائية للانتقاء في 29 تشرين الثاني سنة 1929 وقد وافق على إصدار هذين القرارين فخامة ياسين باشا الهاشمي واشترك في هاتين الجلستين اللتين صدر فيهما القراران المذكوران.
ومما يجدر ألفات نظر الرأي العام إليه، أن الوزارات التي وافقت على التمديدات المذكورة كانت تشجع الشركة(9/318)
للتقدم بمقترحات جديدة تكون أساساً للمفاوضات لتعديل الامتياز القديم، ولم تشر تلك الوزارات أو أي وزير فيها إلى قضية بطلان التمديدات التي جرت الموافقة عليها، أو تتطرق إلى مسألة فسخ الامتياز أو إلغائه البتة.
ملاحظة مكتب المطبوعات
4 - إيرادات السكك الحديدية ومصروفاتها لربع السنة المنتهي
في 31 كانون الأول سنة 1930
بلغ مجموع مصروفات السكك الحديدية لربع السنة المنتهي في 31 كانون الأول سنة 1930 مبلغاً قدره 2. 182. 413 ربية. وبلغ مجموع الواردات خلال المدة المذكورة 2. 182. 423 ربية.
5 - أسعار سوق الموصل (في أواخر آذار)
ربية آنة بايدرهم آستانة حقة
6160 آستانة 10 حنطة
3 3آستانةشعير
1آستانةحمص
12 آستانةعدس
12 آستانةباقلاء
11آستانة (دهن) سمن
10 4 آستانةعفص عنباري
7 8 آستانةعفص ابيض
8آستانةقطن محلوج
1 8 آستانةقطن بلا حلج
ربية آنة الواحد
10 الواحد جلد الهرفي
3 الواحد جلد الطرحي
1 4 الواحد جلد الغنم
12 الواحد جلد المعزى
6 الواحد جلد الجدي
1الواحد جلد الحوار
1 4 الواحد جلد السختيان
6 - واردات حكومة العراق
يؤخذ من الإحصاءات الرسمي أن واردات الحكومة من ضرائب الحواصل الزراعية والطبيعية والحيوانية والمعدنية ودخل أملاك الحكومة كانت في ك1 (ديسنبر) 766. 735 ربية. وكانت إلى غاية الشهر المذكور 9. 777. 350 ربية.
وكان مجموع الدخل في دائرة المكوس من أول نيسان (أبريل) إلى غاية تشرين 2 (نوفنبر) من السنة الماضية 15. 632. 130 ربية.
ويؤخذ كذل من الإحصاءات الرسمية أن خلاصة دخل الحكومة إلى(9/319)
غاية ت 2 (نوفنبر) من السنة الماضية كانت 32. 443. 494 ربية. أما النفقات إلى غاية الشهر المذكور فقد كانت 31. 557. 704 ربيات.
7 - افتتاح البناية الجديدة لإدارة ميناء البصرة
برز نهر معقل (في البصرة) في 7 آذار (مارس) بحلة بديعة هي حلة العيد فحضر حفلة افتتاح بناية إدارة مينائها جلالة ملكنا المعظم ومعه الوزراء وبعض النواب والشيوخ وكان يوماً مشهوداً أبقى ذكرى حسنة في جميع من حضر الحفلة.
8 - الوفد العراقي إلى ديار العرب
سافر وفد عراقي في ال 25 من آذار (مارس) إلى ديار العرب برئاسة صاحب الفخامة نوري باشا السعيد رئيس الوزراء للقيام بوضع حلف عربي والدعاء إليه في جميع الربوع العربية. وأعضاء هذا الوفد موفق بك الآلوسي، مدير الأمور الخارجية العام والفريق طه باشا الهاشمي رئيس أركان الجيش في العراق واحمد أفندي المناصفي كتوم وزارة الدفاع، وقد طار الوفد بطيارة خاصة إلى عمان ومنها إلى القاهرة فالإسكندرية ومنها يبحر إلى جدة وهناك يجتمع جلالة عبد العزيز آل سعود ملك نجد والحجاز وملحقاتهما. وسيعرج بعض أعضاء الوفد إلى اليمن لدعاء الإمام يحيى إلى هذا الحلف. وعسى أن يتوفق الوفد إلى وضع حجر الأساس لهذا البناء الأدبي الضخم ذوداً عن وحدة العرب وجمعاً لشملهم وتحقيقاً للآمال التي أملها أحرارهم وشهداؤهم عند نهوضهم على من قاوموهم.(9/320)
العدد 90 - بتاريخ: 01 - 05 - 1931
معجم أسماء النبات
صنعة الدكتور أحمد عيسى بك
طبع بالمطبعة الأميرية بالقاهرة بقطع الربع في 291 صفحة
لكل كتاب حسنات وسيئات، وهذا المعجم لا يشذ عن إخوانه وأخواته. ولذا يحسن بنا أن نذكر ما أنضم عليه هذا السفر مما يؤخذ به وينبذ منه.
1. حسنات هذا الديوان أنه بديع الطبع والورق والحرف كسائر ما يطبع في المطبعة الأميرية المصرية، فان ما تخرجه يزري بالدر واللآلئ، ويكاد ينافس الدراري بفاخر ما تبثه من أنوار العرفان وأشعة أضواء العلم.
2. هذا الديوان يحوي في صلبه الكلم العلمية النباتية أي باللغة اللاتينية وبازاء كل كلمة ما يقابلها في لغتنا الضادية. وفي الآخر ثلاثة معاجم الواحد بالفرنسية، والثاني بالإنكليزية، والثالث بالعربية، فإذا عرفت أسم نبات في إحدى هذه اللغات الأربع وقعت عليه من غير ما عناء ولا نصب، ففي المعاجم الثلاثة الأخيرة يقفك المؤلف على موطن ورود اللفظة في معجمه ذاكراً لك رقم الصفحة ثم رقم الكلمة. ولهذا جاء هذا السفر من أنفع الأسفار العلمية. وهو صنعة(9/321)
رجل مارس التأليف وزاول مطالعة مدونان أبناء الغرب فهو (يضع الهناء موضع النقب).
3. ضبط الأوضاع النباتية بالشكل الكامل وهو أمر لابد منه في مثل هذا المقام، إذ الحركة الواحدة على حرف دون حرف، ووضع الحركة الواحدة بدل الأخرى، وزيادة حركات الكلمة الواحدة، كل واحد من هذه الأمور قد يخرج المعنى من واد إلى واد، ويحله نادياً دون ناد. إذن لقد أحسن الأستاذ الدكتور عيسى بك في كل هذه الأعمال وبارك الله في حياته.
أما السيئات فتربو على الحسنات وتنزل كفة الميزان إنزالاً حتى لتبلغ الحضيض ولا يمكنها أن تجاوزه، من ذلك: 1. إنه ساوى بين الفصيح والقبيح، بين العامي والصحيح، بين المعرب قديماً والمعرب حديثاً، بين ما وضعه من تلقاء نفسه وما وضعه من تقدمه، بين الوضع السالم والوضع العليل، بين ما سماه العرب وما صحفه الإفرنج أقبح تصحيف. ففي كل ذلك من الخلط والخبط ما لا يشاهد مثاله في سائر التأليف المطرزة بهذا الطراز.
والأمثلة على ما نقول لا تحصى، بل نؤكد لحضرته أنه لا تخلو صفحة واحدة من هذه المعايب، ولما كان سرد هذه الشواهد يوجب وضع كتاب برأسه على حد كتابه وقده نذكر شاهداً واحداً لكي لا نتهم بما نبرئ منه ذمتنا، ألا إننا عند حاجة الناس إليها نزيد هذا القدر.
أول صفحة وقع بصرنا عليها ص 117 فقد ذكر للنبات المسمى باللاتينية: هذه الألفاظ العربية الثلاثة: شنان (ككتاب). نفل (كقصب) نفله (كقصب). قلنا: فأما شنان فلا وجود له في العربية الفصيحة بمعنى ضرب من النبات، إنما هو جمع شن وهي القربة الخلق أو ما يضاهي هذا المعنى، وواد في الشام. وقيل صوابه شنار كساحب، إذن نقل المؤلف هذه الكلمة عن أحد المصنفات التي لا ثقة لنا فيها ولم يذكر منزلة هذا المعتمد. والكلمة بهذا المعنى مغربية لا غير. وقوله نفل بالتحريك هو شبه جمع نفله مثل شجر وشجرة فهو ليس لفظاً جديداً حتى يورده لنا. وكان يجب حذفه بتاتاً لان اللفظة اللاتينية التي نص(9/322)
عليها مفردة وكان ينبغي أن يذكر للمفرد مفرداً وللجمع جمعاً. فلم يميز بين هذين المنحيين. هذا فضلاً عن أنه ذكر للنفل عدة ألفاظ علمية منها: أما العلامة اوباك فقد ذكر في كتابه - ص 338 أن أهل سينا يسمون نفلة ما يعرفه العلماء باسم وحضرة الدكتور ذكر لهذا النبت: حندقوقي مر (كذا. والصواب مرة. لان حندقوقي مؤنثة على ما في لسان العرب) - رقراق - عشب الملك (بالجزائر الآن) (كذا. والعشب شبه جمع عشبة والصواب عشبة الملك، وان كان العوام لا يميزون بين المفرد والجمع) ريام، اهـ. ففي مثل هذه الكلمات المتراكمة المتراكبة كان يحسن أن يوضع لكل كلمة علمية كلمة (عربية واحدة) أو أن تترجم إلى لغتنا. فيقال للأولى: نفلة محددة تعريباً لقولهم والثانية نفلة هدبية، والثالثة نفلة حرشة، والرابعة نفلة ساحلية، والخامسة نفلة مأكولة والسادسة مفلة ظريفة، والسابعة نفلة هندية. وعلى هذا المنحى نكون في مأمن عن هذا الغرق، غرق الألفاظ الآخذة بالخناق.
نحن هنا لم نتعرض إلا لكلمة واحدة وردت في رأس ص 117 ولو أمعنا في التعرض لما ورد فيها لطال بنا النفس إلى كلام طويل عريض يقع في عدة صفحات من هذه المجلة.
2. ضعف نظر المؤلف في اللغة
الدكتور عيسى بك طبيب ماهر وجراح شهير، إلا أنَّ الإنسان قد يبرع في فن ولا يبرع في
آخر، والذي تحققناه أن حضرته ضعيف البصر في اللغة، فقد فسر بقوله: (نخل. (بالفتح) دقل (بالكسر) (عبرانية) ثمرها الغض بلح (كقصب) - وهمرها الجاف تمر (ولم يضبطها لشهرتها) وأعوادها - تسمى جريد وأوراقها الخوص وشوكها السل وطرف الجريد الذي يلي جسم النخلة قحف والعرجون قحف (بالفتح) والعرجون هي الشماريخ التي تحمل البلح والعزق هو الذي فيه الشماريخ وهو العردام وأصله في النخلة). أهـ نقله بحرفه. ففي هذه العبارة الصغيرة عشرون غلطاً ونحن(9/323)
نسردها هنا:
1. قوله نخل في غير موطنه والصواب نخلة، لان اللفظة العلمية مفردة. ويجب أن يذكر بازاء المفرد مفرداً. وبازاء الجمع جمعاً.
2. قوله دقل (عبرانية) يجب إهمالها بتاتاً. وما عمل العبرية في هذه اللغة. نعم في لغتنا الدقلة وجمعها الدقل (كقصبة وقصب) وهو أردأ التمر أو ما لم يكن أجناساً معروفة. بل جاء عند كثيرين من المؤلفين بمعنى النخل والنخلة. فالكلمة إذن عربية وعبرية في وقت واحد.
3. قوله: ثمرها الغض بلح لا يوافق مصطلح السلف. لان اللغة ذكرت لهذا المعنى: الرطب والواحدة رطبة. وهو بهذا الاسم معروف إلى يومنا هذا في ديارنا، أما البلح تحقيقاً فهو ما كان بين الخلال والبسر، نعم إننا لا ننكر أن إخواننا المصريين يسمون الرطب بلحاً لكن العامي شيء والفصيح شيء آخر. والعامي لا يقتل الفصيح أبداً ولا يمكن أن يقتله.
4. قوله: ثمرها الجاف تمر، غير معروف اليوم وان عرفه الفصحاء، أما المعروف اليوم، والفصيح معاً فهو القسب.
5. قوله: (أعوادها) أصح منها (عيدانها) لأنها جمع كثرة كما يقتضيه المقام أو الأعواد جمع قلة كما لا يخفى على أحد.
6. قوله: (تسمى جريدة) صوابه: جريداً بالنصب.
7. والجريد هنا في غير محلها. لان الجريد ما يجرد عنه الخوص، ولا يسمى كذلك ما دام عليه الخوص بل يسمى سعفاً. وهو الاسم المشهور في العراق كله كما أن الجريد مشهور بمعنى ما جرد عنه الخوص.
8. قوله: (أوراقها) غير فصيح والأحسن هنا ورقها لتدل على الكثرة.
9. قوله: (الخوص) لا يطرد مع قوله قبل ذلك: (وأعوادها تسمى جريداً) فجريداً غير محلاة بالتعريف فكان يجب أن ينحو هذا المنحى بالتنكير ويقول: (وأوراقها خوصاً.)
10. قوله: (وشكوكها السل) وربما كان (السل) في مصطلح عوام مصر لكن ليس ذلك بل بحجة غلط شنيع لا يغتفر. والصواب: (سلآء).(9/324)
11. قوله: (وطرف الجريد الذي يلي جسم النخلة) تعبير ضعيف. والمشهور بهذا المعنى (جذع النخلة).
12 و13. قوله: (قحف) فيه غلطان. الأول: قحفاً. والثاني أن القحف لم يأت بهذا المعنى إلا في اللغة العامية المصرية وكان يحسن به أن ينبه عليها. أما الفصيح فهو الكرب والواحدة كربة. والكرب معروف عندنا في العراق إلى يومنا هذا وهو كذلك في اللغة الفصحى.
14 و15 و16. قوله: والعرجون هي الشماريخ فيه ثلاثة أغلاط. والصواب: والعرجون هو (لأنه مذكر) أو أن يقال: والعراجين هي. والصحيح أن العرجون شيء والشمروخ شيء آخر. فالعرجون: العذق، أو إذا يبس واعوج، أو أصله، أو عود الكباسة الذي عليه الشماريخ، هذا هو المشهور لكن بعضهم قال أيضاً: هو الشمراخ وهو رأي غير مجمع عليه، والمجمع عليه ما قلنا وهو كذلك في لسان العراقيين.
17. قوله: التي تحمل البلح. هو من التعبير الإفرنجي، والعرب تقول في مثل هذا المعنى: الشماريخ التي عليها التمر أو البلح.
18. قوله: (العزق) (بالزاي) خطأ. والصواب: العذق بالذال المعجمة والأول مكسور وهو كذلك في اللغة الفصحى ولسان العراقيين.
19. قوله: (والعزق هو الذي فيه الشماريخ). تعبير إفرنجي ضعيف نحيف، ركيك، متفكك، والأحسن: والعذق: ما عليه الشماريخ.
20. قوله: (والعزق هو الذي فيه الشماريخ وهو العردام) لا يوافق اللغة. والمشهور أن العردام: العود فيه الشماريخ فهذه عشرون غلطة.
3. وضع الألفاظ في غير مواضعها
ذكر حضرة الدكتور في ص 138 بازاء اللاتينية هذه الحروف العدنانية: قصب (واحدته
قصبة) - غاب - بوص - قصب السياج - وكل نبات ساقه أنابيب وكعوب فهو قصب - يراع (كسحاب) - حجن (كسبب) (سوريا) - برسوم (العراق) - بنج ني (فارسية) (بنج(9/325)
بكسر الباء) - فرغميط (بفتح الأول والثاني) ناسطس (يونانية القصباء، جماعة القصب - تغنيمة - تنيمة (بربرية). أهـ
فلنا: وأغلب هذه الكلم في غير مواطنها. نعم أنه رآها في بعض الدواوين العلمية فتلقفها على علاتها من غير أن ينعم النظر في تصحيحها أو تعليلها، في جرحها أو تعديلها، وهذا لا يجوز لعالم أو باحث، لا سيما إذا أراد جعل كتابه مورداً أو مشرعاً ينتابه من يحتاج إلى ارتشاف زلاله. فكم من غلط في هذه العبارة! - وأول شيء علينا أن نعرفه أن اللفظة اللاتينية تعني ضرباً من القصب تتخذ منه المكانس ولذا يسمى قصب المكانس أو الحجن (بفتح وكسر) وسبب تسميته بذلك أن الحجن مأخوذ من الشعر الحجن وهو المتسلسل المسترسل الرجل الجعد الأطراف. وهذا القصب يمتاز بكل ذلك فغلبت الوصفية عليه فصار موصوفاً ومثل هذا كثير في لغتنا.
وإذ قد عرفنا ذلك لننظر إلى الألفاظ التي سردها حضرة الواضع. فقوله: قصب في غير موضعه لسببين: الأول: إن القصب جمع واللاتينية مفرد، والثاني: إن القصبة أسم عام يقابل لا أسم خاص.
ثالثاً: قوله: (غاب) في غير موطنه أيضاً لان الغاب شبه جمع غابة والغابة الأجمة من القصب تغيب فيها السباع ونحوها. فهي باللغة العلمية فأين الغابة من الحجنة؟.
رابعاً: قوله: (بوص) هو في اللغة العامية المصرية ويراد به كل قصب ولاسيما المصري منه وهذا لا صلة له بذاك من جهة التحقيق.
خامساً: قوله: (قصب السياج) في غير موطنه أيضاً، لأنه قد يتخذ للاسوجة غير هذا القصب.
سادساً: قوله: (وكل نبات ساقه أنابيب وكعوب فهو قصب) هو صحيح من جهة، لكنه غير صحيح من جهة المعنى الذي نتطلبه.
سابعاً وثامناً: قوله: (يراع) لا يوافق الموضوع، لان اليراع شبه جمع يراعة واليراعة القصبة أياً كانت من غير تخصيص فوقع في الكلام غلطان: غلط الجمع في حين أننا بنا
حاجة إلى المفرد وغلط وضع الشيء في غير محله.(9/326)
تاسعاً: قوله: (حجن) هو المسموع في سورية (لا سوريا كما كتبها) لكن اللغة تريد أن توجه الكلمة وجهاً صحيحاً مقبولاً لا تأباه أحكامها، فيجب أن يقال الحجن كحذر لان العوام تكره هذا الوزن ولا تأنس به، بل لا تعرفه.
عاشراً: قوله: (برسوم) (العراق) اليوم هذه الكلمة غير معروفة ولعلها كانت كذلك في الزمن السابق.
حادي عشر: قوله: (بنج (بكسر الباء) ني (فارسية) لا يوافق المطلوب لان معنى (بنج) عقدة و (ني) قصب، فيكون معنى الفارسية قصب العقدة. وعلى كل حال لا دخل للفارسية هنا، فالمعجم علمي عربي لا غير، اللهم إلا أن تكون الكلمة الفارسية عربت فذلك أمر آخر.
ثاني عشر: قوله: فرغميطس هو الاسم اليوناني فذكره هنا وعدم ذكره سيان، نعم، إن أبن البيطار أستعملها، فهل من حاجة في صدرنا إلى استعمالها؟
ثالث عشر: قوله: (ناسطس) ثم اردفها بالحرف الإفرنجي غير موافق للصواب لان ناسطس ضرب آخر من القصب ليس الفرغميطس منه والكلمة الإفرنجية لا تكتب كما كتبها بل هكذا بلا حرف الهاء الإفرنجي، وهناك غلط ثالث هو أن اليونانية هي لا وهذه الأخيرة هي صورة الكلمة العلمية أي اللاتينية لا اليونانية. فوصلنا إذن إلى الغلط الخامس عشر.
أما الغلط السادس عشر: فهو أنه أعتبر القصباء التي هي جماعة القصب داخلة في اللفظة العلمية المذكورة وهي بعيدة عنها كل البعد ولا صلة لها بها.
والغلط السابع عشر أنه ذكر البربرية: (تغنيمة، تاغانتمت. تنيمة) ولا نرى في نفسنا حاجة إلى ذكر ألفاظ اللغات كلها. فتزداد المادة بين يدي الباحث فيحار في انتقاء ما يوافقه وفي كل ذلك من إضاعة الوقت ما لا يخفى على البصير. ثم إن الكلمة البربرية تكتب هكذا (ثغانيمث) لا كما ذكرها وتجمع على ثغونام وهي لا تفيد إلا القصبة العادية المألوفة أي لا هذا الضرب من القصب الذي يجري عليه كلامنا.(9/327)
فأين هذا مما يجب أن يكون المعجم العلمي الذي نريده؟ فيجب على الباحث أن يلقي جميع
هذه الكلم في بحر النسيان ولا يتخذ منها سوى لفظة واحدة لا غير هي (الحجن) بفتح الحاء وكسر الجيم وفي الآخر نون، وان شئت فزد عليها قصبة المكانس ليفهم القارئ غير الخبير مؤداها بكلمتين ألفهما.
4. يخطئ أحياناً في ضبط الألفاظ
يجب أن يكون المعجم بعيداً عن كل خطأ بقدر ما يتمكن منه المؤلف. والذي لاحظناه في هذا الديوان تدفق أغلاط الضبط في كل صفحة أو يكاد، ففي ص 138 ضبط الحنبل (الذي هو كهدهد) بضم الحاء وفتح الباء، - وكتب في تلك الصفحة (فصولية) والمعروف فاصولية (معجم ديران كلكيان) والكلمة جاءتنا عن طريق الترك. - وفي تلك الصفحة ذكر الذنون والمعروف أنه الذؤنون، وتكررت الغلطة ثلاث مرات سطراً بعد سطر. - وضبط الترفاس بضم التاء والذي في محيط المحيط (والكلمة عامية سورية. وصاحب محيط المحيط سوري)، بكسر التاء - وفيها جاء: البرنوك بفتح الباء وهي بضمها. - وفيها: لم يضبط الزغبج وهي كجعفر. - وفيها: فيلورا والصواب: فلورية، بكسر الفاء وضم اللام المشددة.
5. كثيراً ما يتخذ النكرات أعلاماً
نحن لا نريد أن نخرج من الصفحة 138 لنري القارئ ما فيها من الأغلاط وليقيس عليها ما في سائر الصفحات. فقد ذكر أعلام أنبتة: زهيرة، وزيتوناً جبلياً ومغربية وأذنية وقصباً وغاباً وبوصاً ويراعاً وهي نكرات للجنس لا للنوع. والواجب في المعاجم ذكر الأعلام المقابلة للأعلام الإفرنجية.
6. تعريف الكلمة وتنكيرها في المادة الواحدة
وكثيراً ما يجمع في الرسم الواحد التعريف والتنكير. فلنعد إلى تلك الصفحة فانك تراه يقول فيها: (العتم - زيتون جبلي - الزغبج (ثمره وهو حب أسود) - فيلورا (يونانية) - الشحس) فكان ينبغي أن يقول: الزيتون الجبلي - الفيلورا (إن أردنا أن نوافقه على رسم الكلمة كما فعل) - وقد بينا كيف نكر الألفاظ مرة وعرفها مرة أخرى في كلامه على النخل وقال: قصب. . . القصباء. . .(9/328)
ولو مضى في وجهه تنكيراً أو تعريفاً لكان أصوب
وأصحز والأحسن التنكير في جميع الكلم لأننا تقابل الألفاظ الغربية المنكرة بحروف عربية منكرة.
7. كثيراً ما يعتمد على كتابة الكلمة بالصورة التي يرسمها
الإفرنج
ذكر مثلاً في ص 139 الكاكنج وذكر بجانبها صور هذه الكلمة على ما يرسمها بعض جهلة الإفرنج فجعل بجانب الأولى: ككنج وققنج. فما كان أغناه عن مثل هذه الكتابة المغلوط فيها!.
8. كثيراً ما يجمع في الرسم أو المادة الواحدة أسماء ليست
مترادفة
فقد ذكر مثلاً في ص 139 التنوب وجعل في جانبه ومرادفاً له ما يأتي: ((صنوبر أنثى صغير) - أرز - صنوبر صغير - كركر (فارسية) ثمره يسمى قضم قريش - الخضراء - فيطس - بيطس.) أهـ. فأين التنوب من الصنوبر، من الأرز، من قضم قريش، من الخضراء؟ فهذا ما يسمى خلطاً وخبطاً.
9. ربما قدم الأعجمي على العربي وهذا مخالف للإنصاف
قال حضرة المؤلف في ص 79 ناقلاً اللفظة العلمية ما هذا نقله بحروفه: (ما هو بداله (وتأويله بالفارسية القائم بنفسه أي أنه يقوم بنفسه في الإسهال) - ما هو دانه - حب الملوك - حب السلاطين (وسمي بذلك لسهولته على من يعاف الدواء أول أخذه) - شاب - لاثوريس (يونانية) - معشوق - سمكاً (سريانية أي سمك لان ورقها يشبه السمك الصغار) - طارطقة (بعجمية الأندلس وحبه يسمى حب الملوك وفلفل الاخوص وجوز الخمس - سيسبان (عند بعضهم في المغرب).) أهـ
قلنا: كان يحسن أن يقدم حب الملوك على الكلمة الفارسية، ولا سيما أنَّ الفارسية نفسها مركبة من كلمتين كالعربية، فلماذا قدم الدخيلة على الأصلية؟ فليس ذلك من الإنصاف في شيء.
وقوله: (وتأويله بالفارسية القائم بنفسه أي أنه يقوم بنفسه في الإسهال) كلام في منتهى الغرابة ومأخوذ عن ابن البيطار في كلامه عن الماهودانه، فأي فارسية يريد حضرته؟ والذي نعهده أن معنى (ماهو) أو (ماهوب) أو (ماهي) هنا: الزينة. و (دانه) الحب، فيكون محصل التركيب (حب الزينة)، كما(9/329)
قالوا: حب الملوك. وإلا فالتأويل لا يوافق اللغة الفارسية الشائعة، أو لعل المؤلف وقع على هذا التأويل في كتاب غير صحيح التأليف، فنقله على علاته، وهو كثيراً ما يعمل هذا العمل. فكان جديراً به أن يتحقق بالأمر قبل تدوينه.
وقوله بعد ذلك (ماهودانه) كان يحسن به أن يأتينا بجميع مرادفات الكلمة عند الفرس، بما أنه يضع لنا معجماً حاوياً لألفاظ جميع لغات الشرق والغرب ليعمي على الباحث الكلمة الحقيقية اللازمة له بينما يجب أن تكون واحدة لا غير بقدر الإمكان. وأما سائر الألفاظ فهي: ماهي دانه وطاريقه وباتو إلى غيرها. لكننا نقول أن هذه الألفاظ لا تدل على النبات بل على ما فيه من الحب أي ثمره وبلسان العلماء أفهذا هو التحقيق الذي يطلب من كل مؤلف لغوي؟
وقوله: (حب الملوك) هو للثمر أيضاً وليس للنبات، اللهم إلا أن يكون من باب تسمية الشجر باسم الثمر، وهو جائز في العربية وأمثاله كثيرة لكن ذلك لا يدخل في مدونات المعاجم، إذ ذلك يقلب المصطلحات رأساً على عقب، وإنما يجوز مثل هذا في المقالات غير العلمية لان العلم غير الشعر والأدب.
وقوله: (حب السلاطين (وسمي بذلك لسهولته على من يعاف الدواء أول أخذه)). أهـ. كل ذلك غريب. وأول فساد هذا القول أنَّ صاحب البرهان القاطع قال: (وحب الملوك غير حب السلاطين) أما حضرته فجعل الاثنين واحداً وهو غير صحيح عند الثقات. نعم أنَّ بعض المؤلفين (غير المحققين) نطقوا بمثل ذلك، بيد أن المحقق لا يلتفت إلى فاسد الآراء بل إلى صحيحها. وأما التعليل الذي ذكره، فتعليل لا يركن إليه البصير، والذي يظهر للمتروي أنه سمي كذلك لان حبته كبيرة بالنسبة إلى حبة الانبتة التي من صنفها، فهو كقولك: (شاه بلوط) وشاه أمرود وشاه بانك وشاهترج وشاهدانج وشاهسبرم وشاهبانك وشاهلوج وشاهنجير وشاهمرج إلى غيرها.
وكلها أضيفت إلى الشاه وهو الملك أو السلطان للعلة التي أشرنا إليها. - هذا فضلاً عن أن حب الملك أو الملوك وحب السلطان أو السلاطين وردا بمعنى(9/330)
آخر أي القراسية والخروع وكل ذلك يهدم مشرعة التحقيق والبلوغ إلى قلب التدقيق.
وقوله بعد ذلك: (شاب) فكلمة غريبة لم يضبط لنا باءها وهي الحرف الأخير. والظاهر أنها غير مشددة ولو كانت كذلك لضبطها لنا بالشد، والكلمة بهذا اللفظ ليست في لغة من لغات العالم، وصحيح الرواية شباب ككتاب والكلمة فارسية وتعني النبات نفسه لا الحب، وهي اللفظة المقابلة للاتينية.
وقوله بعد ذلك: (لاثوريس) (يونانية)، غير صحيح الرسم، والصواب (لاثورس) بحذف الياء السابقة للسين، لأنها في اليونانية غير ممدودة بل مقصورة أي أنها كسرة لا ياء، وهذا مما يجب الانتباه له، وان لا تنقل الألفاظ إلينا بصورة منكرة دميمة ذميمة.
وقول: (معشوق) غلط ظاهر. والصواب (مغموق) وذلك أن بعض العراقيين يأخذون حب هذا النبت قبل بلوغه بأيام قليلة، ويغمونه عندهم غماً كما يغم البسر ليدرك وينضج ويزعمون، أنه إذا أخذ قبل إدراكه وغم يكون أقوى فعلاً في المعدة من أخذه ناضجاً.
وقوله: (سمكاً (سريانية أي سمك لان ورقها يشبه السمك الصغار).) أهـ لا يوافق الصواب. وأول هذا الوهم أن سمكاً بالسريانية بمعنى السمك، أو السمكة لم يرد البتة، لكن المؤلف وجد هذا الكلام في مفردات ابن البيطار في ما هو دانه فأخذه بعلاته وحذافيره. أما اللفظة التي تعني السمكة فهي (نونا) عندهم، فأين (نونا) من (سمكا)؟ - أو لعله نقل هذا اللفظ عن بعض ضعفاء الكتبة وسخفاء متقوليهم ولم ينعم النظر فيه ولم يتثبت فيه.
وقوله: (طارطقة (بعجمية الأندلس) غير صحيح أيضاً، والصواب والمراد بعجمية الأندلس الأسبانية.
وقوله: (وحبه يسمى حب الملوك) تكرار لا معنى له سوى التهويل على الباحث ووضع كلمات لا تفيده.
وقوله: (وفلفل الاخوص) كلام يدل على أن المؤلف لا يتدبر ما يكتب. فما عمل الأخوص هنا والاخوص الغائر العين؟ أيتصور حضرته أن هذا الحب(9/331)
أو هذا الفلفل لا يفعل إلا في الخوص؟ أنَّ ذا لمن أغرب الغرائب! والصواب: (فلفل الخواص) كما سموه حب الملوك.
فليس للاخوص هنا أدنى عمل.
وقوله: (جوز الخمس) هو من باب وضع الشيء في غير موطنه. فجوز الخمس على ما قاله ابن البيطار: (جوز مدور هندي المنبت أكبر من البندق، أسود اللون، وفيه نكت تضرب إلى البياض، وهو مع ذلك أملس، وداخله حب يشبه القرطم البري، وهو حار يابس مسهل للطبع، ويستخرج الفضول البلغمية والاحتراق السوداوي، إذا شرب منه وزن درهمين بماء حار). أهـ. وزاد داود البصير: (ويقال أنه لا يوجد في الشجر أكثر من خمسة؟) فأين هذا من حب الملوك؟ - فبالحقيقة أنَّ في مطالعة هذا المعجم أضراراً عظيمة لا تقدر حتى أن المطالع ليتوهم أن صاحبه لا يعرف شيئاً من علم النبات، وهو مما نجله عن ذلك، فعسى أن لا ينقم علينا لهذا النقد النزيه.
وقوله: (سيسبان (بكسر فسكون) عند بعضهم في المغرب.) من الأقوال التي لا فائدة فيها. وأول عيب في هذا الكلام أنه ضبطه بكسر السين. والذي أجمع عليه النباتيون والشجارون والزراعون واللغويون أنه بفتح السين وإسكان الياء المثناة التحتية. والعيب الثاني أن الكلمة شاعت بمعنى فما معنى الاعتماد على كلام جماعة من الناس لا ثقة لها فيهم؟ وما كل ذلك إلا لأنه رأى هذا القول في مفردات ابن البيطار كما نقل عنه رأيه في تأويل ماهودانه فوقع تلك الوقعة الهائلة التي صرخ لهولها ملائكة السماء العليا، وسكان الأرضين السفلى. وهذا كلام ابن البيطار بحرفه: (ماهودانه، تأويله بالفارسية أي القائم بنفسه أي إنه يقوم بذاته في الاسهال، ويسميه عامة الأندلس طارطقة وبعضهم يسميه بالسيسبان أيضاً، ويعرف بحب الملوك أيضاً عند أطباء المشرق). أهـ
فأنت ترى من هذا أن الدكتور الأستاذ حاطب ليل ينقل كل ما يقع عليه من غير أن يتروى فيه، وليس هذا من شأن المؤلفين المتدبرين، فإنَّ ابن البيطار ضبط السيسبان بفتح السين أما هو فذكرها بكسرها نقلا عن لكلير، وإبن البيطار قال: (ويسميه عامة الأندلس طارطقة وبعضهم يسميه بالسيسبان أيضاً). فقال(9/332)
حضرته: (عند بعضهم في المغرب) وكان حقه أن يقول: عند بعض عامة الأندلس في سابق العهد. وما كان أغناه عن إثبات رأي جماعة من العوام لا شأن لهم ولا بال!.
ومن الغريب أنه مع حرصه على تدوين السفاسف والفسافس لم يذكر لغات الماهودانه التي
هي: الماهوبذانه والماهوذانة والماهوذانج.
وهناك مرجعات أخر منها: إن حضرة المؤلف جعل جميع تلك الألفاظ على مستوى واحد وإجحاف ظاهر بهذه اللغة التي نصعت ديباجتها، وأضاء نجم مجدها، وهي لا تريد أن يجعل بجانبها ضرائر لا شأن لها من العروبة ما لها. فكان يحسن به أن ينبه - بعلامات أو باصطلاحات أو برموز - إلى طبقة كل لفظة ومقامها من لساننا المبين، لئلا يختلط الحابل بالنابل، ويفسد علينا الصحيح والسالم، بل علينا أن نفعل ما يفعله الغربيون بدواوين لغاتهم فيميزون بالغثاء من الاتاء، ينبذون القبيح ويتمسكون بالفصيح، بالإشارات التي وضعوها لهذا الغاية.
ونقول بعد هذا: إننا ذكرنا لكل مغمز مثالاً واحدا، لأننا لو أردنا أن نعدد منها عشرات أو مئات لما صعب علينا الأمر، إلا أن الكلام يطول على غير جدوى. وعلى كل حال إننا مستعدون لان نبين في كل صفحة لا أقل من عشرة غلطات في أدنى تقدير، وذلك من باب المعادلة؛ وإلا فف بعضها ما ينوف على عشر، وفي بعضها قد يقل عنها.
ونختم هذا المقال بما بدأناه أي: إن في هذا المعجم حسنات وسيئات إلا أنَّ مساوئه تذهب بمحاسنه، لان هذا العمل ليس عمل رجل واحد، إنما هو عمل عدة رجالات يتمالؤون على الوضع، والنقل، والتنقيح، والتصحيح. والكمال لله وحدة.(9/333)
البيات
في بعض أرجاء إيران وفي ديار الكرد العراقية، طائفة مسلمة أسمها (البيات) وذكر لنا الأصدقاء أن قسماً منها يقيم في أذربيجان وهم ترك.
ومنها من جاور العراق، ويخيل إلينا أن أصلها من الترك ظعن فئام منها إلى بلاد الكرد في العراق، فتغيرت بهذا التغرب جنسية بعضهم فصاروا عرباً وكرداً وتركاً بموجب البيئة التي نشأوا فيها والأقوام التي اتصلوا بهم وخالطوهم بالزواج والمعاهدات.
وكان يحكم على نيسابور (نيشابور من بلاد خراسان في إيران) منذ عهد الصفويين (من ملوك إيران) حكام كانوا من هذه العشيرة الكبيرة، كما أن آصف الدولة المهراجا الوزير الهندي كان منها أيضاً.
وذكر الفيروز آبادي صاحب القاموس بلدة وكورة باسم بيات قرب واسط فلعل قسماً من هذه الطائفة كانت تقيم هناك فسمي المكان باسم ساكنيه، وعلى بُعد خمسة فراسخ من سبزوار قرية صغيرة تعرف ب (كلاتهء بيات) أي قرية بيات أو مزرعة بيات، ويحتمل أن يكون مؤسسها رجل من هذه القبيلة.
سبزوار (إيران):
محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) البيات كسحاب، وضبطها الإفرنج بتشديد الياء، كما فعل سبرنجر (في المجلة الألمانية الشرقية المجلد 13: 225) وكليمان هوار في (لمعة عن قبائل العرب في العراق ص 25) وغيرهما. وقد قال السيد جرجيس حمدي الذي ألف هذه اللمعة في سنة 1865 ونقلت إلى الفرنسية: (البيات يشبهون العزة إلا أنَّ عددهم يبلغ ثمانمائة بيت، والحكومة العثمانية تعين شيخهم ولا تمدهم بدراهم. وأسم شيخهم اليوم صلال وهم ينقادون لحاكم بغداد ويرون نازلين بين بغداد وكركوك.) أهـ كلام السيد جرجيس. وقد وعدنا صديقنا المحقق السيد محمد مهدي العلوي بتتبع البحث من كتب التاريخ.(9/334)
كره العرب للحياكة
أعجبني قولكم في (9: 223) من لغة العرب (لان أغلب النساجين فرس) فان العرب ولا سيما الحجازيين كانوا يكرهون الحوكة والحياكة وقد زادت هذه الكراهية بعد ظهور الإسلام بسببين: أولهما أن العرب أنفت من النزول بين أصحاب الصنائع وهي القوية القاهرة السيدة. وثانيهما ما روي في الحواك خاصة من الأخبار المنفرة عن الحياكة الذامة لهم، فقد روى الشيخ بهاء الملة والدين أنه دخل رجل إلى مسجد الكوفة وكان عبد الله بن عباس مع أمير المؤمنين على بن أبي طالب وهما يتذاكران العلم فلم يسلم الرجل عليهما وكان أصلع الرأس من أوحش خلق الله تعالى وخرج من المسجد ولم يسلم، فقال الإمام على - ع -: يا ابن عباس اتبع هذا الرجل واسأله ما حاجته؟ ومن أين وإلى أين؟ فأتاه وسأله، فقال: أنا من خراسان وأبي من القيروان وأمي من اصفهان. فقال له ابن عباس: وإلى أين تطلب؟ قال: البصرة في طلب العلم، قال ابن عباس: فضحكت من كلامه، فقلت له، يا هذا تترك علياً جالساً في المسجد وتذهب إلى البصرة في طلب العلم والنبي - ص - قال: أنا مدينة العلم وعلي بابها فمن أراد العلم فليأت المدينة من بابها. فسمعني علي - ع - وأنا أقول له ذلك، فقال: يا ابن عباس أسأله ما تكون صنعته؟ فسألته فقال: إني رجل حائك، فقال - ع -: صدق والله حبيبي رسول الله - ص - حيث قال: يا علي إياك والحاكة، فإن، الله نزع البركة من أرزاقهم في الدنيا وهم الارذلون، ثم قال: يا ابن عباس، أتدري ما فعل الحياك في الأنبياء والأوصياء من عهد آدم إلى يومنا هذا؟ فقال: الله ورسوله وابن عم رسوله أعلم. فقال علي - ع -: من أراد أن يسمع حديث الحائك فعليه بمعاشرة الديلم، ألا ومن مشى مع الحائك قتر عليه رزقه ومن أصبح به(9/335)
حفي (كذا) فقلت: يا أمير المؤمنين: ولم ذلك؟ قال: لأنهم سرقوا ذخيرة (نوح) وقدر (شعيب) ونعلي (شيت) وجبة (آدم) وقميص (حواء) ودرع (داود) وقميص (هود) ورداء (صالح) وشملة (إبراهيم) وتخوت (اسحق) وقدر (يقعوب) ومنطقة (يوشع) وسروال (زليخا) وإزار (أيوب) وحديد (داود) وخاتم (سليمان) وعمامة (إسماعيل) وغزل (سارة) ومغزل (هاجر) وفصيل ناقة (صالح) واطفأوا سراج (لوط) وألقوا الرمل في دقيق (شعيب) وسرقوا حمار (العزير) وعلقوه في السقف
وحلفوا أنه لا في الأرض ولا في السماء وسرقوا مرود (الخضر) ومصلى (زكريا) وقلنسوة (يحيى) وفوطة (يونس) وشاة (إسماعيل) وسيف (ذي القرنين) ومنطقة (أحمد) وعصا (موسى) وبرد (هرون) وقصعة (لقمان) ودلو (المسيح) واسترشدتهم (مريم) فدلوها على غير الطريق وسرقوا ركاب النبي - ص - وخطام الناقة ولجام فرسي وقرط (خديجة) وقرطي (فاطمة) ونعل (الحسن) ومنديل (الحسين) وقماط (إبراهيم) وخمار (فاطمة) وسراويل (أبي طالب) وقميص (العباس) وحصير (حمزة) ومصحف (ذي النون) ومقراض (إدريس) وبصقوا في الكعبة وبالوا في زمزم وطرحوا الشوك والعثار في طريق المسلمين وهم شعبة البلاء وسلاح الفتنة ونساج الغيبة وأنصار الخوارج والله تعالى نزع البركة من بين أيديهم يشور أعمالهم وهم الذين ذكرهم الله تعالى في محكم كتابه العزيز بقوله: وكان في المدينة تسعة رهط يفسدون في الأرض ولا يصلحون وهم الحاكة والحجام فلا تخالطوهم ولا تشاركوهم فقد نهى الله تعالى عنهم.(9/336)
والحياكة عند أهل اليمن أكثر منها عند غيرهم فالعصب والبرود التزيدية والحبرات والثياب السحولية لهم. وغالب ما كان يجلبه تجار مكة من المنسوج كان من نسجهم، وكانوا بعد الإسلام يعيرون بالحياكة، ألا ترى إنَّ الإمام علي - ع - لما قال له الأشعث بن قيس: (هذه عليك لا لك) قال له: (ما يدريك ما علي مما لي؟ عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين، حائك ابن حائك، منافق ابن كافر)، ومن كلام خالد بن صفوان على اليمانين: (ما أقول في قوم ليس فيهم إلا حائك برد أو دابغ جلد، أو سائس قرد، ملكتهم إمرأة، وأغرقتهم فأرة، ودل عليهم هدهد) فهذه الأخبار تؤيد الرواية الأولى.
مصطفى جواد
جنك أو جنكة أو صنكة لا منكة
صاحب كتاب السموم
كنت قد كتبت إليكم أنَّ صاحب كتاب السموم اسمه (جنك) وهو بالهندية (جنكة) وهو بالجيم الفارسية المثلثة فنقل الناطقون بالضاد هذه الجيم بالشين المنقطة بثلاث أو بالصاد.) أهـ.
برلين:
ف: كرنيكو
(ل. ع) والذي وجدناه في الرسائل التي وقعت في أيدينا أنَّ الاسم صحف بصورة (منكة) بميم في الأول. راجع كشف الظنون المطبوع في الأستانة في باب (كتاب 2: 281) في كلامه على كتاب السموم. فقد سماه (منكه الهندي) وكذلك جاء في النسخة المطبوعة في بولاق (في مصر) القاهرة وفي لندن على يد فلوجل، فمسخ الأعلام يرى في كل كتاب وكل لسان. ويجب على كل أديب ردها إلى صحاحها.
كتاب الفاضل في صفة الأدب الكامل
هو اسم الكتاب الذي نشرنا وصفه في الجزء السابق ودونك الآن وصف النسخة الخطية: طول هذا المخطوط 31 سنتيمتراً ونصف في عرض 21 وهو في جزءين وتبلغ صفحات كل جزء 92 وعدد سطور الصفحة 15 وليس فيه تاريخ الكتابة إلا أن أسلوب الخط يظهر أنه من الخطوط التي خطت بعد الألف الهجري، والنسخة المعروفة من هذا الكتاب ترى في خزانة العلامة الجليل الشيخ فضل الله الزنجاني (في زنجان من ديار إيران) وهو لا يضن باستنساخها.(9/337)
نظمي وذووه
اللقط الجديدة
تتمة
وبعد هذا كله أشير إلى نظمي في ما جاء في مجموعة تاريخية بالتركية عندي في ذهاب موسى باشا إلى كريد بالأسطول السلطاني وفي الوقائع التي جرت، وفي المجموعة أيضاً خمس وعشرون صفحة من النثر تروي ما حدث في بغداد في قسم من سنة 1057 و1058 للهجرة (1647 و1648) من أمر عصيان واليها إبراهيم باشا وقتله ودخول موسى باشا والياً فيها ما لا تجده في كلشن خلفاً من الإفاضة والاسترسال وتفصيل الوقائع وتسمية المواضع كميدان قنبر علي وآق شرعه (آق شريعة أي الشريعة البيضاء) وقوشلر قلعه سي (قلعة الطير) وهناك طائفة من الرجال كان لهم في الحوادث شأن ويد بينهم: شاهبندر بغداد (خوجة حسب الله). وقد دون صاحب المجموعة أيضاً المنازل التي أجتاز بها من الأستانة حتى قدم إلى الإمام موسى الكاظم (الكاظمية) في 16 من محرم سنة 1058 وقال في آخر ذلك ما تعريبه: (وإذ قد ولي بغداد ملك أحمد باشا الحافظ لديار بكر فقدم متسلمه إليها في 20 ذي الحجة سنة 1058 فتسلم الايالة عبرنا (إلى الجانب الغربي) - ومعنا (تعلقاتنا) (الأقرباء أو المنسوبون إلينا أو كلاهما معاً) و (الاوتاق) وخيامنا فنزلنا الموضع المسمى (المنطقة) أهـ.
والظاهر أن المدون كان من ذوي موسى باشا أو من الذين ينتمون إليه وان(9/338)
خروجه كان مع الباشا فان التاريخ الذي ذكره يوافق ما قاله كلشن خلفا من أن ولاية موسى باشا انتهت في 21 ذي الحجة سنة 1058. ثم يقول المدون في صدر جدول ذكر فيه المنازل ووجهته الموصل فشمالها: (إن التوقف في (المنطقة) عن المسير دام حتى قدوم (ملك أحمد باشا) فمرت أيام بلغت أربعة وعشرين).
وفي المجموعة ما عدا النثر قصيدة أبياتها خمسون فيه وصف ما جرى في بغداد من الحوادث المذكورة وهذا مطلعها:
ويلا لازم كلور ذكر ايلمك أحوالي (كذا) بغداد ... انكجونكه ظهور ايتدى انواعي (كذا) بي
آدي
والبيتان التاليان وردا قبل البيت الأخير من القصيدة وفي أحدهما التاريخ:
بو ذو قيله نوله كر تازه لنسه ذكر تاريخي ... جويكي فتح ايله دار الأمان اولدي اونك يادي
(1058)
سخن بولدي كمالن من بعد نظمي! سر أغاز ايت ... دعايي حضرت صاحب قران ملك
إرشادي. . .
وتعريب هذا البيت هو: لقد بلغ الكلام تمامه فمن بعد ذا؛ يا نظمي! اشرع بالدعاء لحضرة صاحب القران (كناية عن السلطان) ملك الإرشاد.
وفي صورة لوثيقة تأريخها (تاريخ الوثيقة) في 16 ذي الحجة سنة 1170 (1756) فيها من الشهود من كبار رجال ذلك العهد مثل مفتي بغداد الشيخ محمد أفندي ونقيب أشرافها السيد محمود أفندي وخطيب الإمام الأعظم الحاج السيد أحمد أفندي وأمثالهم الذين من هذه الطبقة وبينهم (زكريا جلبي أبن عبد الرحيم أفندي نظمي) و (صاري محمد أفندي ابن علي جلبي نظمي) و (الحاج زكريا ابن محمود أفندي نظمي) وهم الذين أشرت إليهم في صدر المقال. وإذ كان هؤلاء الرجال من أهل ذلك العصر كان جدهم نظمي من أهل القرن الحادي عشر فيوافق أن يكون نظميهم نظمينا الذي عليه وعلى بيته مدار البحث. فهل لأهل التحقيق والتدقيق أن يكشفوا الغامض ويأتونا بعلم جديد؟(9/339)
وقد وقفت على أن (لنظمي زادة بغدادي) شرحاً بالتركية لقصيدة الفرزدق الشهيرة ببيتها: (هذا الذي تعرف البطحاء وطأته.)
ولكني لا أعرف لأي فاضل من هذه الأسرة هو هذا الشرح.
ومن الغريب أن أوليا جلبي لم يذكر نظمي في رحلته مع أنه خص فيها (4: 421) قطعة بشيوخ بغداد وشعرائها يوم كان فيها في سنة 1066 هـ (1655 م) فقال: (ويعد من العلماء العاملين شيخ الإسلام مصطفى أفندي الكردي ومفتي الأنام زين العابدين أفندي وغراب أفندي وابنه محمود أفندي وفيها أربعون شاعراً فصيحاً بليغاً مشاهيرهم: شيخ زادة جلبي، بالي ضيايي جلبي ملا زادة، محمود أفندي الغرابي) أهـ. فهل كان هؤلاء أعلى ذروة من نظمي وأرقى كعباً وان لم تصلنا قصائدهم؟
هذا والحقيقة بنت البحث.
يعقوب نعوم سركيس
حاشية
تذكرة الأولياء أو جامع الأنوار
قلت في ما سبق أن صاحب كتاب (آثار نو) قد غلط في أمر كتاب جامع الأنوار وهو تذكرة الأولياء والآن أوضح ذلك: جاء في كشف الظنون من الطبعة الإفرنجية (6: 559) تحت عدد 14627: (تذكرة أولياء تركي لمؤلفه نظمي زادة مرتضى أفندي البغدادي تأليف حدود سنة عشرين ومائة وألف (1708 م)(9/340)
أوله: (حمد وثناي بي غايه وشكر وسباس بي نهايه الخ). وتحت عدد 14628 كذلك (تذكرة أوليا تركي سماه جامع الأنوار لمؤلفه أحد علماء الشيعة من بغداد تأليف سنة اثني وتسعين بعد الألف في شهر جمادى الآخرة أوله: (أي دوست علم واجب الوجود. . . الخ) أهـ. أما نسخة خزانة الأوقاف - وقد كنت ذكرتها (7: 518) ثم ذكرها العزاوي ونقل أولها (ص 433) - ففي أعلى الصفحة من مقدمتها ما يلي: (هذا كتاب تذكرة الأولياء ومراقد اصفيا (كذا) في أطراف بغداد دار السلام.) أهـ. وأول المقدمة هو كالذي ذكره آثارنو تحت عدد 14628. وقد حكى المؤلف في هذه المقدمة - ولم يشهر اسمه - سنة شروعه بتأليف الكتاب في سنة 1077 (1666) وتسميته إياه جامع الأنوار في مناقب الأبرار ثم أجالته القلم فيه في سنة 1092 (1681) - وكما قال - (فأتمه وأكمله ونقحه وذيله). وجاء في وصف النسخة المحفوظة في المتحفة البريطانية (فهرستها ص 74 - 75) عن مضمون مقدمتها مثل ما جاء في نسخة خزانة الأوقاف ومثل ما ورد في تعريب البندنيجي للمقدمة (7: 520).
قلت أن ما ذكره آثارنو عن كتاب تذكرة الأولياء الموسوم بعدد 14627 من أنه لنظمي زادة مرتضى وما رأيناه في نسخة خزانة الأوقاف ونسخة المتحفة وتعريب البندنيجي يلزمنا أن نقول أن هذا الكتاب هو جامع الأنوار بعينه وانَّ ذكر صاحب آثارنو تأليف ذلك الكتاب في حدود سنة 1120 (1708) وهي السنة التي عرفنا أن جامع الأنوار صنف فيها. وإذ لا تقول ذلك النسخ القديمة التي ذكرتها ولا تعريب البندنيجي بل توضح أن آخر
عهد المؤلف بكتابه كان في سنة 1092 أضحى صاحب آثارنو من الواهمين. وأما جوابنا على مخالفة مقدمة تذكرة الأولياء الموسومة بعدد 14627 لمقدمة تذكرة الأولياء الموسومة بعدد 14628 والمسماة اسماً آخر أي جامع الأنوار، هو - على ما يلوح لي - أن مقدمة 14627 هي مقدمة الكتاب عند أول تصنيفه قبل أن ينظر المؤلف فيه ثانية، وإذا أردنا البحث عن الكتاب الموسوم بعدد 14628 فأوله وسنة تأليفه يوافقان ما في نسخة الأوقاف ونسخة المتحفة فلا يكون هذا الكتاب إلا الذي نظر فيه صاحبه نظمي زاده مرتضى وتصرف فيه، فجامع الأنوار هو تذكرة الأولياء(9/341)
وكلاهما واحد، ولعل التصنيف الأول كان أسمه بادئ بدء تذكرة الأولياء فغلب عليه هذا الاسم وان سماه مؤلفه جامع الأنوار في مناقب الأبرار بعد التصرف فيه، ويجوز أن أحداً رأى أسمه الكامل طويلاً وإذا اقتضب واكتفي باسم جامع الأنوار لا يفيد مضمونه سماه تذكرة الأولياء فشاع ذلك وذاع وعم وبقي الأول كالمنسي.
هذا ولا عبرة في نسبة آثارنو لجامع الأنوار إلى أحد علماء الشيعة إذ إن من يطالعه يرى أنه من تآليف أبناء السنة فضلاً عما جاء لفخري زاده والبندنيجي معربي الكتاب أنه لنظمي زاده مرتضى كما مر بنا (7: 518). ومن عادة علماء الشيعة أن يكتبوا تأليفهم بالعربية أو الفارسية لا بالتركية.
يعقوب نعوم سركيس
الصابئة
قال الإمام العلامة ابن المطهر الحلي في كتابه المختلف المطبوع بإيران سنة 1323 (2: 82): والصحيح في الصابئة أنهم غير النصارى لأنهم يعبدون الكواكب. أهـ وقال الطبرسي في تفسيره مجمع البيان (1: 54 طبعة إيران سنة 1311 هـ): (فكان معنى الصابي التارك دينه الذي شرع له إلى دين غيره كما أن الصابي على القوم تارك لأرضه ومنتقل إلى سواها والدين الذي فارقوه هو تركم التوحيد إلى عبادة النجوم أو تعظيمها) أهـ. وذكر عطاء أمين في مجلة اللسان خلاصة مقال الشهرستاني في الملل والنحل عن الصابئة بما هذا نصه: (إنهم قوم كانوا على عهد إبراهيم الخليل وكانوا يقولون أنا نحتاج في معرفة الله تعالى ومعرفة طاعته وأمره وأحكامه جل شأنه إلى متوسط روحاني لا جسماني ومدار مذهبهم على التعصب للروحانيات وكانوا يعظمونها غاية التعظيم ويتقربون إليها، ولما لم يتيسر لهم التقرب إلى أعيانها والتلقي منها بذواتها فزعت جماعة منه إلى هياكلها وهي السبع السيارات وبعض الثوابت) أهـ. (راجع مجلة اللسان البغدادية م1 ج2 ص 53 سنة 1337 هـ). وقال الأب إنستاس ماري الكرملي: (والصابئية أي عبادة الأجرام النيرة) أهـ. (راجع لغة العرب م7 ج3 ص 196 سنة 1929 م).
العلوي(9/342)
مدن العراق القديمة
كيش (تل الاحيمر)
تابع:
وعلى من يزور كيش أن يصعد قبل كل شيء إلى الزقورة الخربة (تل الأحيمر) فيرى في وسطها المتخذ من اللين ما يدل على إن الزقورة العظيمة أحرقت برمتها، لان الملاط الصلصالي نفسه مشوي. وهناك نوافذ تخترق التل من جانب إلى جانب وقد أصبحت الآن مأوى الثعالب. ويرى بين طبقات الآجر طبقات الرماد الأبيض الدال إلى هذا اليوم على نوع الحصير المستعمل، وهو من جنس الحصير الذي يتخذه العرب في زمننا هذا ليعمروا به أكواخهم (راجع أيضاً ما يخص عقرقوف وبرسبا).
ويتضح عظم المدينة الواسعة الأرجاء لمن يجول بنظره وهو واقف فوق قمة برج الهيكل الذي يبلغ اليوم من الارتفاع نحو ستين قدماً. ولكنه كان في حينه أعلى من هذا بكثير. ويمكن اقتفاء أثر أهم مزايا البلدة بمراجعة الخريطة. وطول مدينة كيش زهاء خمسة أميال في عرض ميلين، ويظهر أنها كانت في بادئ أمرها مدينتين توأمتين واقعتين على ضفتي الفرات المتقابلتين، وكان يجري النهر من الفجوة التي ترى بين طائفتي الروابي الرئيستين. وكان هيكل إلبابا وزقورته قائمين على ضفة النهر على نيف ونصف ميل من باب المدينة الغربي. وفحصت الروابي الواقعة هنا وهناك بين ساحة الهيكل وبين موقع الباب فاتضح أنها بقايا دور سكنى، وكانت تتألق في الزمان الذي أعاد ملوك بابل العظام، ملوك السلالة الأولى، هيكل اله الحرب وزخرفوه.
ومن هناك يسير الزائر إلى أخربة قصر محصن واقع على مسافة نحو ميل شرقاً في وسط منطقة تجذب الأنظار لخلوها من التلول، ويظهر في أول وهلة أنه لا يتوقع شيء فيها. ومع ذلك بعد مرور يومين من هبوط الأمطار تبدو في الموقع نفسه عدة أبنية كبيرة بدواً جلياً فوق التراب. ويمكن إذ ذاك اقتفاء أثر(9/343)
الغرف والدهاليز حتى الأبواب والمنزويات، وذلك لما بين اللبن القديم والتربة المحيطة به من الفرق في الجفاف.
وإلى اليوم لم يكشف القصر كشفاً صادقاً إلا إنه يبدو جلياً أن هناك من الفائدة الخارقة العادة
ما لا يخفى على أحد، ولعل الزائر يخيب ظنه بعد الالتفاته الأولى لما يرى حواليه من الخراب الظاهر. ولكن لو نقب القسم الشرقي من البناء لكشف دهليزاً تحت الأرض يمتد على موازاة جدار الحصن في الخارج. وثخن ذلك الجدار أربع عشرة قدماً، ولعل تلك الأزقة أقدم أزقة تعرف من نوعها، وكأنها تبيح للمنفرج بمكنونات غابر عهدها، وما جرى فيها من الوقائع الخطرة، والحوادث الروائية، التي تروق الإنسان لما فيه من عواطف الأطفال. إذ أن هذه العواطف لا تبرح معظم البشر طول حياتهم. ولم يوقع بعد على أحد طرفي هذا الممر مع أنه حفر فيه ما طوله مائتا قدم، ويرى بين تلول تلك الأنقاض المملة ما تحتويه من أسس الأبراج المستديرة والبئر الواقعة في الفناء، والحمامات والبلاليع المقيرة وموائد الطعام وطبقات الرماد الدالة على أن القصر غزي واحرق غير مرة. وبإجهاد الفكر بعض الإجهاد، يمكننا أن نعيد إلى مخيلتنا ذلك البناء وقديم مجده وما طرأ عليه من الطوارئ الخيالية وما شهده من المحاربة والموت، وهو اليوم خراب غريب في موضع مهجور.
وعلى الزائر بعد ذلك أن يعرج نحو الجنوب ليرى الأبنية المحفورة في كتلة التلول المرتفعة التي يسميها العرب هنالك (عين غرا) وكان أسمها في القدم (هر سجكالما)، وترى في ذلك الموطن زقورتان (مفتولتان)، وهيكلان على أقل تقدير، وقصر محصن، وهناك أيضاً أبنية أخر لم يطلع على حقيقتها بعد. وأول شيء يستوجب كشفه هيكل عظيم، لم يحفر منه إلى الآن إلا قسم لا غير، ولا تزال بعض جدرانه قائمة في بعض الأماكن وارتفاعها ثماني عشرة قدماً. وجدد نبو كدراصر الثاني هذا الهيكل في القرن السادس ق. م. ويتضح أنه جرت فيه ترميمات غير مرة قبل ذلك الحين، وفي الحقيقة أن هناك ما يدل على أن الهيكل الأصلي يعود إلى زمن قديم جداً ولعله يرجع إلى سابق تاريخ(9/344)
الشمريين. وربما كان الهيكل (إهر سجكالما). والزقورة الكبيرة من الزقورتين يعودان إلى (انينة) معبودة الشمريين والصورة الأولى لاشتر، إلا انه لم يعثر إلى هذا الحين على برهان جازم يفصح عن الآلهة لمن كانت هياكل هرسجكالما مرصدة.
ويقتضي أن الزقورتين كانتا قائمتين في زمن مجد سرجون الأول ومملكة أكد، إذ أن قلبيها اتخذا من الآخر المسطح المقبب. وأهمل استعمال هذا النوع من الآجر بعد إخضاع
الساميين للشمريين. وقد ظهر أن الزقورة الكبيرة جددها سرجون نفسه وأعاد وجهها بالآخر المربع الضخم الذي كان يستحسنه.
وبعد أن يدور الزائر حول الزقورتين يأتي إلي بناء كان نقب فيه المسيو (دي جنوياك) سنة 1912. وتثبت أنواع الآجر المبنية به الجدران العالية. إنَّ هذا البناء جدد أيضاً عدة مرار، ويظن أنه جزء من هيكل (؟) (لانينة) وستنكشف حقيقته بعد تنقيب يمعن فيه، كما أنه يعتقد أن الهيكل الذي تعود إليه الزقورة الصغيرة واقع في رواب كبيرة مجاورة لها.
وفي جنوبي هذا الهيكل، وعلى قرب منه، يرى خليط من التلول هي أنقاض تدل على موضع القصر المحصن العجيب لملوك كيش، وربما كانوا من السلالة الثانية، وبني ذلك القصر وأضيف إلى بناءه فترك قبل 300 ق. م. وإذا جال الزائر بين الروابي وقف بغتة على فناء دار رحيب، أمام وجهه بناء يذهل الناظر إليه، وهنالك درج عريض ومنخفض ذو أربع عشرة مرقاة، ولم يبق منها شيء غير اللبن ولكن ينبغي أنها كانت في بادئ أمرها مكسوة بمادة أصلب، ولعل تلك المادة كانت النحاس الأحمر، إذ يظهر أنه كانت للشمريين كمية وافرة من ذلك المعدن، ولا ريب في أنه كان لصف العمد القائمة في أحد أطرفا الفناء منظر هائل حين ذاك، كما إنه لا يشك في أن تلك الأساطين الشامخة كانت مغشاة بالمعدن، أو يحتمل أنها كانت مرصعة بالصدف والمحار ومحفورة في الحجر الكلسي على شكل يرى في القطع التي عثر عليها في الغرف المجاورة لا، وتلك القطع على جانب عظيم من الرونق والإتقان تروق الألباب. (راجع المحفورات في تل العبيد).(9/345)
وينجلي كل الانجلاء للجوابة الخبير أن هذا القصر العظيم أكتسح وأحرق وربما حدث ذلك في سقوط السلالة التي أضافت إلى القصر جبهته القائمة على العمد. وهناك ما يدل دلالة لا ريب فيها على أن حماة الحصن دافعوا دفاع الأبطال وما زالوا يقاومون، الأعداء مدة طويلة ويتنقلون من غرفة إلى أخرى، وأقاموا الموانع هنا وهناك بسرعة بعد أن اقتحمت أسوار القصر المحكمة التحصين.
ووقع على صفيحة صغيرة من حجر الكلس في إحدى الغرف فيها من أقدم خط الشمريين المعروف، وهي محفوظة الآن في المتحفة في بغداد. وتعود رسومها الرمزية إلى زمن أقدم من زمن ذلك القصر، ويجوز إنها اذخرت كذكرى منقولة أو كمطرقة من حجر.
وقبل مغادرة هذا الموقع المفيد يجب زيارة مسكن النساخ المنهدم الواقع على ربع ميل من غربي القصر. فقد عثر على عدد كثير من الصفائح اللغوية والنحوية والدينية في دور متخربة من عصر (إسن) وعصر بابل الجديد. وكثير من تلك الصفائح مسطر على شكل دفاتر هذا اليوم. والبعض منها ملقى في الأزقة الضيقة، وفي ذلك ما يذكرنا بأن في تلك الأيام القديمة نفسها كان الأولاد الصغار يذهبون إلى الكتاب على رغم من إرادتهم.
وإلى ما وراء أبنية هيكل (هرسجاكالما) تنساب تلول واسعة الامتداد وتتصل بتخوم المدينة الشرقية. وربما كانت تلك الروابي بيوتاً عديدة للمأوى، وفيها ما يبين أنها سكنت إلى زمن الفرس وعصر الفرثيين. ولكن لم يقم أحد بتنقيب هذه المنطقة تنقيباً منظماً.
وقد استفيدت فائدة جليلة جمة من الحفريات التي قام بها في أخريات الأيام، الأستاذ (لنغدن) المدير العام لبعثة كيش، في محل يسمى (جمدة ناصر) على خمسة عشر ميلاً من الشمال الشرقي، ولا جرم أن هذه الأخربة ترجع إلى ما يسبق تاريخ الشمريين، والآجر هنالك قائم الزوايا. ولكنه يختلف كل الاختلاف عن الآجر الذي حل محل المسطح المقبب. والخزف المطلي يشبه نماذج الخزف القديمة جداً التي كشفت في السوس وميشان في عيلام.(9/346)
بابلو (بابل) - (هي بابل المذكورة في التوراة: سفر الملوك الثاني 17: 30 ودانيال 4: 30 الخ). وهي على مسافة 54 ميلاً من بغداد في السيارة. وأما من الحلة فعلى ثلاثة أميال.
يقال ساكن الأسد الوزغة حيث كان يعز جمشيد ويشرب. (بيت شعر فارسي) لا ترى مدينة من المدن يصح فيها قول الشاعر الفارسي كما يصح في بابل، لما يرى فيها من الخراب الهائل الموحش، واللبن الممل بوحدة لونه. فلقد أنقرض الأسد الآن من أرض الرافدين - إلا أن الحاكم التركي في الحلة أهدى إلى (لايرد) في نصف القرن المنصرم أسدين كانا آخر نوعهما في هذه الديار، بيد أن الضبع والثعلب يحلان محل الليث. وهناك أبارص صغيرة تسرح على الروابي التي يعلوها الغبار.
ولو خرقنا بفكرنا الستار الحالي، ستار الخراب السائد في هذه المدينة، وعبرنا تلك الأيام حين كانت بابل في أبان مجدها وذروة عظمتها في عصر نبو كدراصر الثاني، لرأينا مزايا عجيبة في أكوام اللبن المتراكمة وربما ظهر فيها بعض الرونق.
ومن ير بابل المرة الأولى يرتبك في منطقة الأخربة الفسيحة التي تكاد تتشابه في الحجم واللون، وعليه يشار على الباحث أن يباشر مشاهدة هذه المواطن القديم آخذاً بكويرش، وهي قرية صغيرة يسكنها الأعراب في يومنا هذا، وواقعة على ضفة النهر، وسكنها الأثري الألماني (الدكتور روبرت كولدواي) مدة تنقيبه الطويل الذي بدأ به في سنة 1899 وانتهى عند نشوب الحرب العظمى. ويقع تل القصر في شرقي القرية تواً، ويتضمن ذلك التل أهم أبنية المدينة الجليلة التي كاد يعيدها نبو كدارصر كلها لتكون آية لمجده وجلاله (دانيال 6: 30) وهناك طريق آثار أقدام تمتد من جانب التل الشمالي فتمر بالزاوية الشمالية الغربية من جدار المدينة الداخلي إلى أن تؤدي إلى أسد بابل الشهير الواقع على مرتفع صغير محاطاً بغدران مملوءة قصباً، وهذا الأسد متخذ من البصلد وهو كبير واقف فوق رجل مضطجع.
ويرى على قرب من ذلك الأسد الطريق المقدسة، وهي طريق مرتفعة(9/347)
معتدلة كانت في حينها مبلطة بقطع كبار من حجر الكلس، وكان يسار عليها بالآلهة في كل رأس سنة باحتفال جليل فتنقل إلى هيكل مردوك المسمى (إي ساجلا) أهم هياكل بابل.
وكان يقوم على جانبي الهيكل جدران فيها رسوم السباع الهائلة بحجم طبيعي وأسود وثيران وحيوانات خرافية محفورة حفراً تتألف فيه الألوان الزاهية ومصنوعة بإتقان فاق به الحذاق البابليين سواهم، وكان في الجانب الأيمن قصور وفي الجانب الأيسر هيكل (نن مخ) الآهة الأمهات، وكانت النساء تنذرن لها التماثيل بشكل والدة وأبنها لتمن عليهن بولد.
ويحسن بالزائر أن يلاحظ عند مروره بباب أشتر اقيسته الخارقة العادة. ذلك الباب الفخم الزاهي إلى هذا العهد مع أنه في حالة خربة. ولا جرم أن هذا الباب بابان لان جدار المدينة الداخلي كان مزدوجاً. ويحتوي ذلك الباب على ما يشبه فناء وسطاً ناشئاً من تشييد جدار في كل جانب منه يمر الواحد بالآخر. وارتأى بعض الثقات أنَّ دانيال حين القي في جب السباع كان هذا الجب الخندق الواقع بين الجدارين وكانت السباع فيه معتقلة (دانيال 6: 16). ولباب أشتر طبقان، وكانت الطريق المقدسة تمر بطبقته العليا المزخرفة بالحيوانات بحجمها المألوف ومنحوتة نحتاً محكماً والمدهونة بألوان بديعة. وأما الطبقة السفلى فكانت غرفاً وآزاجاً تحت الأرض، وكثيراً ما تشبه السراديب التي يسكنها أهل
العراق في عصرنا هذا، وهم يشيدون بعضها تحت الأرض هرباً من حر الشمس اللافح في القيظ، ويرى أيضاً في ذلك القسم من الباب حيوانات منحوتة ولكن يظهر أنها لم تلون قط.
وتل القصر كله الواقع في شمالي باب أشتر وجداره كتلة من الآزاج المتداخلة وكلها متهدمة، ويتعذر الوقوف على خطة البناء الأصلية. ولكن كانت تقوم في هذا التل قصور (نبوبلصر) وقصور نجله نبو كدراصر الثاني، الذي حاز من الشهرة ما يفوق شهرة والده.
وقد سعى الألمان ههنا سعياً محموداً حتى انجلت لهم رسوم الطبقة الأرضية من الأفنية الواحد بعد الآخر فضلاً عن رسوم عدة غرف محاطة به. ويدعون أن في(9/348)
هذا التل كانت (الجنان المعلقة) الشهيرة المعدودة من عجائب الدنيا السبع، وكان في التل أيضاً غرفة عرش نبو كدراصر التي ظهرت فيها لبلشصر اليد المنبئة الكاتبة على جدرانها (دانيال 5: 5) قبل احتلال كورش الفارسي تلك المدينة (539 ق. م) بيد أنه لا يرى فيه ما يفصح عن عظم بابل في سابق عهدها سوى عقود الأبنية التي كان عليها بناء ضخم فضلاً عن رسم ردهة انهدمت جدرانها منذ زمن طويل فأصبحت تراباً.
وتنحدر الطريق المقدسة إلى ما وراء القصر شيئاً فشيئاً فتمر بهيكل أشتر و (تل المركز)، وهو أخربة دور سكنت في عدة عصور، ويقع هذا التل على يسار القصر، ثم تنعرج الطريق انعراجاً قويماً فتتجه نحو (تل عمران).
وتمكن المنقبون الألمانيون من أن يقعوا هنالك على رسم الطبقة الأرضية (لأي سجلا) هيكل الإله القهار مردوك بين خليط كثير من اللبن والأنقاض. ولكن لم يبق شيء الآن ينطق بجليل مجد ذلك الهيكل الذي أمر حمرب أن تدون شرائعه فيه على صفيحة حجر عظيمة. وبعد سبعة عشر قرناً عقد فيه قواد الاسكندر مجلساً بعد وفاة زعيمهم، ويرى إلى شمالي الهيكل كل ما بقي من (أنتمن انكي) (دار حجر أساس السماء والأرض)، وهي برج بابل العظيم ذو الطبقات السبع الواقع الآن في حفرة كبيرة يغمر الماء قسماً منها في الشتاء، وهو من غريب الاتفاق.
ويمتد من هيكل مردوك ممر يؤدي إلى مركز الجسر الذي كان يجمع قسمي بابل أحدهم إلى الآخر وكلاهما راكب ضفتي النهر، ولا تزال أسس ادعمة الجسر ظاهرة في ثغور
عقيق النهر القديم وكان واقعاً في شمالي تل عمران على ما يرى اليوم وقوعاً قاصداً، ويتسنى للجوابة الواقف فوق هذا التل أن يطلع على وضع الأخربة العام، ومن ثم يسير إلى المسرح اليوناني المشيد قبل موت الاسكندر في بابل (323 ق. م) بنحو سنتين، ولسوء الحظ لم يبق من المسرح المتدرج شيء غير خطته الخارجية.
ويمكن اقتفاء أثر خطوط جدران المدينة من قمة (تل حميراء) القائم على شمال شرقي المسرح وبالقرب منه، ويبلغ محيط الجدار نحو عشرة أميال وكان(9/349)
محكماً إحكاماً خارق العادة، وفي الحقيقة كان عريضاً جداً، إذ نقل عن هيرودوتس أنه كان يتيسر لعجلة تجرها أربعة رؤوس خيل، أن تدور في الطريق الواقعة بين صفي أبنية ذات طبقة واحدة قائمة على حافتي سطح الجدار.
وعلى مسافة قصيرة من الاخربة الرئيسة وشمالها داخل الجدار الخارجي تواً، يرى تل بابل، وهو بقايا القصر المحصن الذي بناه نبو كدراصر لمحافظة المدينة حين يهاجمها عدو من الجانب الشمالي. ووضع نبو كدراصر نظام دفاع عظيم لأنه كان يخشى دائماً غزوات الماذيبن، ومن ضمن ذلك النظام سور منيع كبير ترى أخربته إلى هذا الحين على خمسة عشر ميلاً من جنوب شرقي سامراء، وهناك أيضاً حصن (سفر) وهو سور آخر يمتد نحو كيش، وفضلاً عن ذلك كانت لديه وسائل تمكنه من أن يغمر الأراضي ماء حوالي بابل فتحول دون العدو.
(راجع ما يخص أوبس وسفر).
ويتطلب تدوين تاريخ بابل مجلدات طوالاً، مع أن المدينة حديثة العهد بالنسبة إلى كثير من بلدان سهل شنعار المجاورة لها. ومعظم تاريخها حروب واضطرابات، وحربها لآشورية لم تنقطع البتة، وكانت آشورية خصم بابل في الشمال، وقد سلبت بابل مراراً واحرقت، واختطف الإله مردوك من هيكله (راجع ما يختص بآشور ونينوى). بيد أن بابل أصبحت في أزمنة الصلح مقر الديانة والعلم والفلسفة، فضلاً عن أنها كانت موئل التجار، وكانوا يؤمونها من ديار شاسعة، وتبرز ثلاثة أزمنة من تاريخ بابل بروزاً جليلاً وهي:
عرفت سلالة بابل الأولى بحكم حمرب العظيم. وله اليد البيضاء لما أوجد من الشرائع التي أنتفع بها العالم نفعاً جماً يقدر حق قدره.
عظم شأن بابل بعد ذلك حين حكمت سلالة (فاشي) (1169 - 1101 ق. م) فتلالا نجمها في أثناء سلطنة نبو كدراصر الأول. إذ أن هذا الملك فاق فوقاً عظيماً حكم ملوك كيش الخامل. لأنهم ملكوا في بابل زهاء ستة قرون ولم يتمكنوا من أن يقهروا جيرانهم الآشوريين القهارين في الشمال. ولكن سلالة (فاشي) دانت لعزم (تغلث فلاشر) الأول وقوته (راجع ما يختص بآشور) ورزحت المملكتان تحت حمل غزوات الآرميين في الشمال مدة تقارب القرنين.(9/350)
أصل اليزيدية وتاريخهم
2 - إن هذه الفرقة كانت ولا تزال متكتمة، منزوية، لا تختلط بأحد، ولا ترغب - كغيرها أمثالها - أن تنشر ديانتها، أو عقيدتها بين الأقوام المجاورين وهذا التكتم يدعو أحياناً إلى تقولات، وآونة إلى حب التطلع والبحث عن الخفايا والأمور المستورة أو إلى الاختلاق وسوء التفسير؛ ويكاد يكون غريزياً في الأقوام أن يكشف المبهم إذ الذين لا يهمهم شأن غيرهم، ولا يودون الاطلاع على سبب كل حادث، قليلون جداً، ولذا يصدق قول القائل:
منعت شيئاً فأكثرت الولوع به ... أعز شيء على الإنسان ما منعا
ويصح توجيه غرض الباحثين، وحرصهم على التطلع بهذا الوجه، إذ لم نر الأفكار قد اشتغلت بالملل والنحل في هذه الأيام، اشتغالها بالتحقيق عن هذه الفرقة بقصد التوصل إلى حقيقة هذا الكتمان وما وراءه، والبت في أمره، وعلى كل حال ينتهي البحث باستكمال الوثائق والتدوينات الكافية.
كان من رأي الأستاذ صاحب لغة العرب: (إنها (أي اليزيدية) بعد أن كانت تقرب من الإسلامية في عقائدها، وشعائرها، ورسومها، ابتعدت عنها.) (راجع المشرق 2: 32 و151 و 309 و395 و547 و731 و830). ولكن لا إلى المانوية.
وقد مر النقل عن السمعاني، أنها مسلمة متزهدة تعتقد الإمامة في يزيد وتتعصب له.
أما التصوف فهو معروف عنهم بالوجه المذكور. وقد ولدت منه عقائد جديدة منشأها غلاة هذه الطريقة، ودخول جماعة في زمرتهم من شواذ الأمم الآخر. وهذه الأمور حدثت متأخرة خصوصاً عقيدة الاحتراز من ذكر الشيطان، وسيأتي تفصيل هذا الإجمال بتطبيقه على عقائد هؤلاء.(9/351)
الاعتقاد في يزيد:
إنَّ الخلاف السياسي بين الأمويين والعلويين كان قديماً من زمن قتل عثمان (رض) وانتظام الحكومة الاموية، ولا نزال نرى آثار الحزبية فيه بادية إلى هذا الحين، ولكن بعد سقوط
الحكومة الأموية، خضدت شوكتهم وأصبح المناصرون لهم قليلين وان لم يخل عصر منهم، حتى في هذه الأيام، فقد رأينا - قبل بضع سنين - أن قد أوصى بعضهم صديقاً له عازماً على السفر إلى سورية بتبليغ سلامه إلى أثنين: أبي العلاء المعري، ويزيد بن معاوية باعتباره الأول مصحاً دينياً، وبزعمه في الثاني أنه مصلح سياسي ولم يجد أكبر منهما في نظره.!
مهما كانت المغالاة، فالتحزب للأمويين أثناء حكومتهم، وبعد امحائها كان ولا يزال وهذه أمور غير مستبعدة، خصوصاً من رؤساء اليزيدية الذين هم في مواطنهم الحاضرة، ويمتون إليهم نسباً ويوالونهم.
ولم تكن فرقة اليزيدية خاصة بقوم معينين، أو فئة قائمة بنفسها، وإنما تولد الخلاف بعد ذلك ومن جراء هذا صاروا على عكس أنصار العلويين؛ إلا أن رياسة الأمويين وتوليتهم الكرد جعل تكوّن هذه الفرقة قائمة برأسها.
عقيدة اليزيدية:
حكى ابن تيمية عقيدتهم الدينية قال: (وانتم. . . قد من الله عليكم الانتساب إلى الإسلام الذي هو دين الله. . . وعافاكم بانتسابكم إلى السنة من أكثر البدع المضلة. ولهذا كثر فيكم من أهل الصلاح والدين، وأهل القتال المجاهدين ما لا يوجد مثله في طوائف المبتدعين، وما زال في عساكر المسلمين المنصورة، وجنود الله المؤيدة، منكم من يؤيد به الدين، ويعز به المؤمنين وفي أهل الزهادة والعبادة منكم من له الأحوال الزكية، والطريقة المرضية، وله المكاشفات والتصرفات. وفيكم من أولياء الله المتقين، من له لسان صدق في العالمينز فإن قدماء المشايخ فيكم، مثل الملقب بشيخ الإسلام أبي الحسن علي بن أحمد بن يوسف القرشي الهكاري (قد نقل عن السمعاني القول عنه أيضاً) وبعده العارف القدوة عدي بن مسافر الأموي، ومن سلك سبيلهما، فيهم من الفضل والدين والصلاح والاتباع للسنة ما عظم الله به أقدارهم). (راجع المجموعة الكبرى ج1 ص 238).(9/352)
الغلو في يزيد:
ومن هذا يتبين أن عقيدتهم عقيدة أهل السنة قبل أن يدخلها الغلو. وبعد أن ذكر ابن تيمية
معتقد أهل السنة في الصحابة قال:
(ولم يكن أحد يتكلم في يزيد بن معاوية، ولا كان الكلام فيه من الدين، ثم حدثت بعد ذلك أشياء، فصار قوم يظهرون لعنه. . . فسمع بذلك قوم. . . فاعتقد أن يزيد كان من كبار الصالحين وأئمة الهدى. وصار الغلاة فيه على طرفي نقيض. هؤلاء يقولون أنه كافر زنديق، انه قتل ابن بنت رسول الله (ص) وقتل الأنصار وأبناءهم بالحرة، ليأخذ بثأر أهل بيته مثل جده لامه عتبة بن ربيعة، وخالد الوليد وغيرهما. ويذكرون عنه من الاشتهار بشرب الخمر، وإظهار الفواحش أشياء، وأقوام يعتقدون أنه كان إماماً عادلاً، هادياً، مهدياً، وأنه كان من الصحابة، وأنه كان من أولياء الله تعالى. وربما اعتقد بعضهم أنه كان من الأنبياء، ويقولون: من وقف في يزيد وقفه الله على نار جهنم، ويروون عن الشيخ حسن بن عدي أنه كان كذا وكذا ولياً وقفوا على النار لقولهم في يزيد.
(وفي زمن الشيخ حسن، زادوا أشياء باطلة نظماً ونثراً وغلواً في الشيخ عدي، وفي يزيد بأشياء مخالفة لما كان عليه الشيخ عدي الكبير قدس الله روحه. فان طريقته كانت سليمة ولم يكن فيها من هذه البدع وابتلوا بروافض عادوهم وقتلوا الشيخ حسناً، وجرت فتناً لا يحبها الله ولا رسوله. .) أهـ.
عقيدة ابن تيمية فيه:
والحاصل اختلفت العقيدة السياسية فيه. وقد لخص ابن تيمية قوله فيه: (إنه لم يدرك النبي (ص) ولا كان من الصحابة. . . ولا كان من المشهورين بالدين. . . ولا كان كافراً، ولا زنديقاً. وتولى بعد أبيه على كراهة من بعض المسلمين، ورضى من بعضهم، وكان فيه شجاعة وكرم، ولم يكن مظهراً للفواحش كما يحكي عنه خصومه). أهـ (ص 300)
معتقد أهل السنة فيه:
ونقل معتقد أهل السنة فيه فقال: (إنه لا يسب ولا يحب، ونقل عن صالح بن أحمد بن حنبل: قلت لأبي أن قوماً يقولون إنهم يحبون يزيد، قال:(9/353)
يا بني وهل يحب يزيد أحد يؤمن بالله واليوم الآخر؟ فقلت يا أبيت فلماذا لا تلعنه؟ قال: يا بني ومتى رأيت أباك يلعن أحداً؟. . . (إلى أن يقول): ومع هذا فطائفة من أهل السنة يجيزون لعنه، لأنهم يعتقدون أنه فعل
من الظلم ما يجوز لعنة فاعله، وطائفة أخرى ترى محبته، لأنه مسلم تولى على عهد الصحابة، وبايعه الصحابة، ويقولون لم يصح عنه ما نقل عنه، أو كان مجتهداً فيما فعله.
(والصواب هو ما عليه الأئمة من أنه لم يخص بمحبة ولا بلعن.) ونسب ابن تيمية في آخر بحثه هذا الجهل إلى من يعتقد في يزيد أنه من الصحابة وأنه من أكابر الصالحين، وأئمة العدل وقال: (وهو خطأ بين).
ومن هذا كله يرى معتقد أهل السنة فيه، ويظهر مبدأ الغلو، وأنه لمعاكسة كانت للعلويين، ومشادة بين الحزبين، ونقل أبن تيمية ما كان من الاعتقاد فيه، وهو يوافق النصوص التاريخية المعروفة.
وليس غرضنا الآن بيان تطور الاعتقاد في يزيد في جميع ادواره، وإنما نريد أن نتبين مجمل العقائد فيه، إلى ظهور عدي بن مسافر، ثم نعلم ما طرأ على هذه العقيدة، وإليك أيها القارئ ما يقوله الكرامية فيه:
يزيد والكرامية:
لم يكن اعتقاد إمامة يزيد مقصوراً على من ذكرنا من أهل السنة، واليزيدية وغلاتهم، بل هناك بعض الفرق الإسلامية المعروفة، وهي الكرامية، قالت بأحقية إمامته، فلم تخرج عن أحد الأقوال المارة، قال عبد القاهر البغدادي في كتاب الملل والنحل (راجع خزانه الأوقاف رقم 2746) ما نصه:
(زعموا أن يزيد بن معاوية كان هو الإمام في وقته وأن الحسين (ع) كان خارجاً عليه. ولم يكن في قتاله معذوراً.) أهـ
تخت ليزيد:
ومن هذا وما سبقه يفهم أن اليزيدية كان معهم من يقول بقولهم. ولكن الإمامة صارت أمانة، وجرت إلى غلو يزيد لحد النهاية بحيث نرى (تخت(9/354)
يزيد) من المزارات المعتبرة، والمستغلة إلى هذا اليوم، ويحصل من ذلك ريع كبير لأمراء هذه الفرقة.
ساق حب هؤلاء القوم ليزيد مؤخراً إلى الاعتقاد أن درجته تعلو صلحاء كثيرين، بل صاروا يعدونه فوق الشيخ عدي - بالنظر إلى اعتقاد بعضهم - أو دونه بدرجة كما هو
معتقد قسم آخر، ومنهم من يرجح يزيد بن معاوية على الأنبياء، أو يزعم الألوهية فيه والتصرفات.
والحاصل تطورت هذه العقيدة وتحولت تحولات سريعة فافرطوا في القول حتى صار يصدق عنهم كل ما يقال.
بغداد: 4 - 4 - 1931:
المحامي: عباس العزاوي
حب الكتب
ألا هل على العشاق للكتب من عتب ... إذا كان حب المرء فيضاً من القلب
فللصب معشوق فريد وان لي ... معاشيق شتى الصب ما بينها حبي
معاشيق ما مثل الضرائر عيشها ... ولكن على سلم حضوراً إلى غيب
تزودني جلو الأحاديث حرة ... فلا الخوف يعروها ولا دهش الصب
وتمنحني من قلبها كل لبه ... وأشفق حب جاد للصب باللب
تحادثني صمتاً وأهوى حديثها ... فأي صموت ناطق منطق الذرب؟
وأي حديث نابت العين أجله ... عن الأذن حاشى ذاك ذي الكلم العذب
لهن حروف تتبع العين رسمها ... كمغترب يمشي رويداً على الدرب
فتطلب معنى عند كل استراحة ... كعطشان يستسقي من الحر والتعب
قد أستبق القراء فيها بعقلهم ... على خطر صاغوه من سرعة الفهم
مصطفى جواد(9/355)
هيكل أدب
(تابع لما بله)
لقد انحدرنا من دكة دنجي إلى أساس هيكل الآجر المسنم 3 أمتار و85 سنتيمتراً فقط؛ بيد أننا رجعنا متقهقرين إلى الوراء بنحو ألف سنة فيجب علينا والحالة هذه أن ننزل إلى عمق 9 أمتار و40 سنتيمتراً من أساس الهيكل المشيد بالآجر المسنم أو ما ينيف على الثلاثين قدماً في قلب اثنتي عشرة طبقة قبل بلوغنا قعر الحفرة. فهنا تعترضنا مسألة وهي: كم من الزمن استغرقت أنقاض هذه الثلاثين قدماً؟ ذلك سؤال حير علماء تاريخ العراق القديم، ولم يستطيعوا أن يجيبوا عنه جواباً صحيحاً، لان عصر كل طبقة من الأطلال لا تقاس بعمقها ليخمن الزمن الذي وقعت فيه. بيد أنه من المحتمل أن يقال: إنه مضى على زمن تأسيس مباني ذلك الردم عشرة آلاف سنة، حينما كان الخليج الفارسي يكاد يتاخم بسمى وكانت في تلك البقعة قائمة مدينة وكان شعبها متحضراً، ومدنيتهم شبيهة بالمدنية الحديثة في صحاري العراق في هذا العهد.
وبعد أن يصل الباحث الدرك الأسفل من قلب الصحراء ويحاول تسلق أعلى الحفرة صعداً لدرس الأطلال المتراكمة بعضها فوق بعض قرناً بعد قرن عليه أن يلقي نظرة سريعة إلى المدن السفلى تحت مخابئ التراب، فهذه الصفائح الرقيقة وبقايا جدران اللبن (أي الطابوق المجفف بالشمس) وطبقات الرماد وآثار المباني المشيدة بالآجر والخشب، تدل على أن عوامل الطبيعة أثرت فيها تأثيراً عظيماً فجردتها من عظمتها وأزالت رونقها وبهاءها، وشقف الخزف لا تنبئ أبن آدم بعمران تلك البقعة في سالف العهد إلا قليلاً جداً، لان المنقبين لم يقفوا على كتابة في الشقف. فمن هنا يستدل الباحث المدقق على أن الكتابة لم تكن معروفة في ديار بابل، قبل عصر الآجر المسنم، فقد مرت ألوف من السنين، وأمم، وشعوب، وقبائل، لا يعرف عنها شيء، حطت رحالها في هذه البلاد(9/356)
وشيدت لها المنازل والدور ثم طوت أيام عزها وانضمت إلى الأمم البائدة، غير أن مدنها وعماراتها أصبحت على توالي الأجيال ركاماً من التلول الدوارس.
الشمريون في العراق
حل في القطر العراقي قبل المسيح بأربعة آلاف سنة، شعب غريب قدم من ديار مجهول، وكان أكثر حضارة من العراقيين الأولين، ولم يمض زمن على قدومه حتى أنتشر في بابل كلها، وقد عرف أبناء ذلك الشعب باسم الشمريين وقد صحفها بعضهم بصورة (الشنعاريين) ومعنى الأخير سكان بين النهرين، وبصور أخر لا تحصى نبهت عليها لغة العرب في مجلداتها السابقة.
كان الشمريون قصيري القامة، مجتمعي الأعضاء، سمر الألوان، مسترسلي الشعر، مستديري الرؤوس والوجوه، عيونهم منحرفة قليلاً أي مائلة تشبه عيون المغول، وظهر للأثريين والمنقبين أن هذا الشعب عريق في القدم، وقد تدرج في سلم المدنية، وكان له لغة وآداب خاصة به منتشرة في الربوع التي نزح منها، وكان يعرف النحت، فقد نحت التماثيل من الحجر، وزخرف الأواني بنقوش ورسوم بديعة، وحفر الحروف واستنبط الكتابة، ورصع الأوعية بالعاج، وركب في الختوم الأحجار الكريمة الشفافة ذات الألوان البهية.
وكان الشعب الشمري ورعاً، متعبداً، فالآثار التي خلفها في العراق تدل على شدة تدينه وتعلقه بآلهته، فانه لما أحتل مدينة (أدب) شيد لعبادته فيها هيكلاً من الآجر المسنم، ويذهب فريق من الأثريين إلى أن هذا الآجر أتخذ للبناء في ديار بابل لأول مرة، وإلى أن هيكلهم هذا يعد من أعظم وأنفس هياكل (أدب) القديمة، لان جميع الهياكل الحديثة التي أقيمت بعده، كانت ترميمات وإعادة بناء الهيكل الأول.
اختار الشمريون موقعاً لهيكلهم العظيم الرابية القديمة، وبعد أن مهدوا سطحها، شيدوا فوقه مصطبة من اللبن بلغت مساحتها المربعة 65 متراً وارتفاعها مترين ونصفاً وزواياها متجهة إلى الجهات الأربع وفي وسط المصطبة يرى الهيكل والبرج. وقد ذهب بعضهم إلى أن برج الهيكل لم يكن موجوداً في عصر الشمريين، أو قبل عهد أور أنجور، ولكن في ذلك الزمن نفسه كانت منزلة البرج في الهيكل(9/357)
عظيمة، ودرجته سامية، وضرورية في العبادة، وقد ارتأى الدكتور جمس بنكس النقاب الاميركي، أن الهيكل البابلي كان في أول نشأته برجاً صغيراً فوقه مذبح، وعلى توالي السنين ازداد البرج ارتفاعاً وشأناً فأصبح مقامه سامياً مقدساً عند أهله، وأخذوا يقيمون حول قاعدته المزارات للمتعبدين، والغرف
للكهنة وكان في البرج عهدئذ أربع طبقات.
وقد عثر النقابون على شقفة كبيرة من إناء مصنوع من الحجر الأزرق في هيكل (بسمى) ووجدوا منقوشاً عليها ثلاثة بروج وكل برج يتركب من أربع طبقات أحدها بجانب الآخر على دكة مبنية بالآجر. ومن المحتمل أن ذلك الرسم لا يمثل هيكل أدب كل التمثيل في ذلك العصر، وقد ذهب أهل البحث والتنقيب إلى أن الشمريين كانوا يشيدون لا أقل من أربع طبقات في كل برج.
رزوق عيسى
السيرة الحسنة
كن ثابت العزم والأخلاق والدأب ... وكن حريصاً على الآداب والكتب
ولا تحد عن طريق الحق أنملة ... ولا تعاشر لئيماً سيئ الأدب
وأبعد عن الكذب أنَّ الكذب مفسدة ... للدين مخبثة للطبع والحسب
واترك خرافات أهل الزيغ متبعاً ... طريق عقلك واستفهم عن السبب
وهذب العقل تهذيباً يؤهله ... للبحث والفحص والتمييز والرتب
ولا تكن حاكياً من غير تروئة ... كالفرد يحكي الذي يلقيه في العطب
واطلب حقائق لا أقوال مختلق ... ما في أحاديثه القبحي سوى الشغب
زواجنا
زواجنا أصبح أضحوكة ... كيف زواج من وراء الرتاج؟
لا تتزوج غير معشوقة ... فإنما العشق أساس الزواج
وان تمنعت تكن حائراً ... حتى ترى كالديك بين الدجاج
كلها لمصطفى جواد(9/358)
سبيل العز
قذفت نفسك في المحل الأرذل ... وتعاورتك صروف دهر حول
وبقيت مشرعة المصائب وادعاً ... ونحت عيشك من صميم الجندل
ولكم أراد بك النجاة مهذب ... عقل فكنت عن الاطاع بمزحل
وبغى عليك أولو السفاه نكاية ... وفشلت عن حق عظيم الموئل
قوم كأنهم الخراف مذلة ... ربوا لمذبحة وأكل معجل
أسفاً عليك وأنت تحيا خاضعاً ... مثل الأثافي ضيقت بالمرجل
آلى زمانك أن تكون مذللا ... أفلست في ردع الزمان بمؤتلي
فاقعس عن الإذعان إنك ملزم ... أن لا تطاوع أمر نذل أفسل
وذر العزائم ضبحاً محضيرة ... في سهل عزمك طلباً للأول
ودع الرؤوس إذا رأتك نواغضاً ... ترنو إليك بأعين المتهول
واشك الزمان إلى الآباء فانه ... قمن بنجحك والرقي الأمثل
أترى الأمور مطيعة لمسالم؟ ... لا، فاهجمن على الأمور وأقبل
وتقدمن شجاعة ومناعة ... وصناعة وبراعة المتأمل
وارفع إذا خفض الأنام رؤوسهم ... رأساً على هام الاباءة معتلي
وإذا بروا منك اليدين لعدلة ... تشتارها فاغضض عليها وأمل
هذي الحقوق يتيمة ومضاعة ... فكن الوصي لهذه ولتي الولي
وانبذ قشارات الحياة فأنها ... نحو الرياء البحث أسرع موصل
وذد القرون عن الأمون لأنها ... بئس الرفيق له وشر موكل(9/359)
وازهق إذا كان الزهوق منجياً ... للمرء من ذل الحياة المثقل
فالموت منجاة وأشرف مذهب ... عند انسداد مسالك المتحول
ولعل أبأس بائس من لم يكن ... يدري على أي المراقي يعتلي
لقد اجتزأت بالاصطبار لعزتي ... والعز مثراة الكريم الأمثل
وانجابت الآمال بعد شروقها ... واليأس مصدأة لقلب المعمل
حتى رماني الدهر كل رمائه ... ولقد حفظت بكل حزم مقتلي
ما لي وللدنيا تريد تملقاً ... مني ولست إلى الهوان بمنزل
حاشى لنفسي المستميتة أن ترى ... تواقة لمعيشة المتسفل
ومن استعف عن الحطام فسالم ... من كل دخل أو تسخر مرذل
لم يجتمع عز وبخل في فتى ... كيف اجتماع مشرف ومسفل
يضعون من فضلي فيمرق شامخاً ... كالنور يسطع أو كلمحة معجل
إن ينقموا مني العزازة فهي لي ... شرف وللأوغاد شر منكل
دلتاوة:
مصطفى جواد
الحدائق
هيا إلى الورد اللطيف الجميل ... ينمو بماء يشبه السلسبيل
إلى الحدائق التي أزهرت ... والطير فيها طربت بالهديل
والماء يجري بين أشجارها ... يلمع كالسيف اليماني الصقيل
فوردها مبرقش مزده ... ذو أرج ينعش نفس العليل
قد ضمخت أنحاؤها كلها ... من الأريج المستطير البليل
تزينها الريح بتلعابها ... فهي صديق ما له من مثيل
كأنها التيجان في سوقها ... فوق ملوك بالهوى تستميل(9/360)
آل الشاوي
سليمان بك الشاوي
(تتمة)
وقائعه السياسية
1 - من مقتل أبيه إلى وزارة سليمان باشا:
إنَّ خبر مقتل والده دعاه إلى أن ينهض على الحكومة بتاريخ 1183 هـ كما تقدم. وهذه أول معاناته للسياسة العدائية، وقيامه على الحكومة العثمانية، فاشترك أخوته معه، وبقيت نتائج هذا الحادث مجهوله، والظاهر أن المناوأة بقيت إلى أيام الطاعون عام 1186 هـ وما يليها، حتى تدهور هذا الوزير واختل أمره في كل صوب وكان الشاويون عليه أكبر من الطاعون، ودامت أيام الطاعون من أوائل شعبان سنة 1186 إلى أواخر المحرم من سنة 1187 هـ. (راجع دوحة الوزراء).
ثم وقعت حروب وفتن داخلية وغير داخلية أي مع العجم، زمن حكومة عبد الكريم خان الزند، أنست مصاب والده، ودعت إلى تقربه من الحكومة بعد أن زال الوالي وشفي غليلهم بقتله. وأخذت الحكومة نفسها تستعين به في الأخطار التي انتابتها من كل صوب، فقام في هذه الأحيان لمصلحة الحكومة بما كان يمدح عليه. فهو قوة على الناهضين للإفساد والشغب، مراعياً سياسة الإدارة وإرضاءها بما استطاع من حول، ورأى المصلحة الحقيقية تدعو إلى ذلك واخوته معه قوة لا يستهان بها.
ونظراً إلى ما كان له من نفوذ ومكانة، أستصرخه الببتوشي في وقعة العجم، واستيلائهم على البصرة، وحرضه على استعادتها، وقد أورد صاحب مطالع السعود ما مؤداه:
(إن البصرة كان قد حاصرها العجم بعد سنة 1188 هـ لمدة نحو سنتين، ثم استولوا عليها وأسروا متسلمها سليمان أغا. وفي أثناء بقائها بيد العجم،(9/361)
كتب الأديب الفاضل، عبد الله البيتوشي إلى سليمان بك الشاوي، كتاباً جمع إلى انسجام الألفاظ، جوامع المعاني، وكان سليمان بك إذ ذاك صدراً في العراق يستصرخه لنصرة البصرة وتخليصها مما فيها، ذاكراً
فيه ما للبصرة من الفضائل التي منها: إنها ربت جماعة من الفضلاء والكرماء فكيف تترك تحت أضراس العسف؟ إلى أن يقول:
ما كان من شيم الأكابر أنهم ... يدعون ما يحمون بالأسياف
والبصرة الفيحاء أولى ما حمى ... ملك وصانتها يد الأنصاف
أفتاركوها تحت أنياب السيو ... ف ذليلة الأشراف والأطراف
أم مطلقوها من أداهم ذلها ... فلكم دعت للفك من أشراف
نادت (هزبراً) حين أعيا أمرها ... فأجابها بشراك بالألطاف
ولم يذكر ابن سند كتابه بنصه وإنما لخصه تلخيصاً. وقال:
(ولما وصلت المألكة إلى سليمان بك، وقعت منه موقع السلسال من الغيمان، ورام النصرة فلم يكن له بها يدان. . .) ولذلك لما اضطرب من أحوال بغداد وما بلغ من سوء الحالة والنزاع على الوزارة والحزبية الداعية للفتن. وفي هذه الأثناء أيضاً تأهب الفرس لغزو المنتفق، وغاية ما يلاحظ هنا أن البيتوشي لم ير من يستفزعه لهذا الأمر الجلل سوى سليمان بك. ولذا خاطبه بكتابه الذي نوه به عثمان بن سند، وفي هذا الحين كان سليمان أغا متسلم البصرة في أسر العجم.
2 - من وزارة سليمان باشا إلى أواخر أيام المترجم:
ثم أنَّ سليمان أغا أطلق من أسر العجم، فولي متسلمية البصرة، وبعدها نال وزارة بغداد أيضاً فصار يدعي (سليمان باشا) وذلك سنة 1194 هـ، فصار إلى الزوراء وحينئذ استقبله إسماعيل كهية في طريقه، وكان وصل (العرجة) فقتله هناك ونفى من كان معه إلى البصرة، فذهب الوزير إلى كربلاء وعاد منها كما في دوحة الوزراء.
قال صاحب مطالع السعود في ص 68: (وعندما شارف الحلة، لقيه أحد الأكابر الجلة، أمير حمير سليمان بك لما بينهما من الخلة، فأكرمه وبجله، وأجله وعامله من اللطف بكل خلة. . .) وورد عن سليمان فائق بك، وصاحب الدوحة في بيان السبب: (لما أبداه من الصدق والإخلاص للحكومة من أول الأمر(9/362)
إلى آخره.) ومن ثم وصل الوزير المسعودي ولم يشأ أن يدخل بغداد حتى يقضي على بعض المناوئين، فعبر من ناحية (المنطقة) ومضى في عمله (دوحة الوزراء).
3 - وصف الحالة السياسية وآل الشاوي:
قبل هذا كان النفوذ محصوراً في أيدي المماليك، (أي الكولات، ولا تزال محلة الكولات في بغداد معروفة باسمهم) لزيادة الحرص والطمع في السلطة، وفي جباية الأموال. ولم يقربوا من الآهلين إلا بقدر ما تدعو إليه الحاجة والضرورة وذلك في المدينة طبعاً لا في الخارج ولا في العشائر ولم يقدموهم للمناصب في آخر الأمر إلا لعجز بدا منهم وسوء تدبير، مما دعا إلى التدخل والاستعانة، ولذا نرى حالات الاضطراب والفتن الأخيرة أهابت إلى أن يقوى نفوذ آل الشاوي في الإدارة الداخلية عدا العشائرية التي كانت في أيديهم دون سواهم بحيث صار يخشى بطشهم ويرتاب في توسع سطوتهم أكابر الأمراء وأرباب السلطة، والشعر لسان حال الوضع وهو جريدة ذلك الزمن.
وفي كل هذا الحين، أي إلى زمن حكومة سليمان باشا، لم ير من آل الشاوي ما يعاكس سياسة الحكومة وسلوكها، وإنما يشاهد منهم النصح الصادق، وحسن التدبير، والمقدرة على الإدارة، ولكن الأجنبي يتخوف من ظله ويحترز من الوطنيين احترازاً يحسب له حساب، فحدثت الرقابة وصار يخشى من توسع أمر الشاويين، فكان سليمان بك يعد من أماثل القطر وأكابر رجاله، وكان ممن لا يقعقع له بالشنان.
أما سليمان باشا الوزير فإنه أراد أن يعيد إلى المماليك سطوتهم الأولى، ونفوذهم السابق، وحاول أن يقضي على كل نفوذ لغيره من عشائر أو من أشخاص ويحصر السلطة بأيدي المماليك ولكنه حاذر أن يبطش بسليمان بك الشاوي رأساً وبلا تمهيد مقدمات لما حاق به من الأخطار الآخر فأبدى له حباً جماً، وأظهر مودة زائدة، وأستخدمه في أهم الأعمال، كل هذا ليمحو به نفوذ الآهلين من جهة، ويقلل تدخلات الحكومة المركزية من جهة أخرى بسبب ما يظهر في المماليك من الضعف بين آونة وأخرى، ثم يرجع إليه بعد ذلك ويفرغ له.(9/363)
وقد خبر هذا الوزير الحالتين: نفوذ المماليك الأول، وضعفهم الأخير. وشاهد بعينه مقدرة عبد الله بك الشاوي. ولعله هو الذي أسر الوزير عمر باشا بقتله فقتله. ولذا قرب الوزير سليمان باشا صاحب خاتمه (مهرداره) أحمد آغا الخربنده ولم يثق بغيره لمكاشفة سره، والاطلاع على طويته في هذا الامر، وذلك لأنه رباه من صغره، وعرف إخلاصه له،
واستقتاله في خدمته، فأعطاه من النفوذ والسلطة ما حسده عليهما أهل حاشيته، فمكنه لهذه الغاية ولم يخش منه قوة قبيلة أو نفوذاً يصح أن يستعمله عليه، بعد هذه المنحة من حول وطول.
أما سليمان بك، فإنه قام بخدمات جليلة لهذا الوزير، وأنقذه من ورطات عظيمة في جميع ما وقع من الأسفار والحروب. فأعماله نحو الوزير مبرورة خالصة وظاهرة للعيان، فنال وجاهة عند الوزير ولم يساو به أحداً في الظاهر؛ وان كان الوزير حسب خطته يضمر له نيات، على حد ما قيل (لا يجتمع سيفان في غمد، ولا فحلان في شول) خصوصاً أنه حصل على حب الآهلين ومدحه الشعراء، زد على ذلك أن في أصله نجابة وكرامة تدعوان إلى تساميه وفخاره على غيره.
وما قيل: إن الوزير كان قد ربى أبن الخربنده، وهو أحمد آغا المهردار من صغره، ورعاه رعاية كبيرة لما فيه من اعتدال قوام، وجمال خلق، وأدب جم، وموسيقى جذابة، وحسن تدبير، ومهارة في القيام بالأمور المودعة إليه، قول صدق قوى نفوذه لديه بحيث صار يد الوزير وسمعه وبصره، ومن هنا تولدت النفرة بينه وبين سليمان بك ووقعت المزاحمة، ولما كان الوزير يحب الاثنين أراد أن يوفق بينهما، فلم يتمكن مع عزة المهردار عند الوزير واستحقاقه التصدير لنباهته. كل هذا لم يكن السبب الحقيقي، وسليمان فائق بك المؤرخ الشهير لم يشأ أن يبدي السبب الحقيقي؛ لأنه من المماليك ويحب أن يستر نياتهم. وان كان أشار إلى تألم الوزير لمقتل ابن الخربنده وبيانه فان ذلك هدم لمشروعه وتشويش لما قرره، وكذا يقال عن صاحب المطالع فإنه أبدى أن حساده توصلوا إلى الوزير، وغرضهم أبعاده فأبلغوا عنه ما أرادوا إذ لو لم يبعدوه لما(9/364)
سادوا حتى قال: وإن من هذه الأسباب مخاصمته المهردار ومصارحته له بالعداوة مع عزة المهردار عند الوزير.
إنَّ هذا الأمر بيت ليلاً، وكان كلما أشتد النزاع والنضال بين الاثنين، أبدى الوزير أنه سعى للتوفيق بينهما توصلا للغرض فكتم الأمر غاية الكتمان، ولما رأى أن الوقت قد حان لتحقيق منهاجه اضطر - ظاهراً - إلى أن يرجح جانب المهردار، وأشاع عن سليمان بك تصلبه وخشونته فأمر أن لا يبقى في بغداد، وأن يذهب إلى حيث يشاء.
وقد يكون أبن الخربنده هو الذي أوغر صدر الوزير، وبلغه تبليغات عنه، لينال المكانة،
ولكن الوضع كان بخلاف ذلك، والإشارات والقرائن تؤيد الرأي الأول، وقد وجه سليمان فائق بك اللائمة إلى الشاوي من جهة عدم مماشاته للوزير، وفسحه المجال لابن الخربنده والظاهر ما ذكرت أن سليمان فائق بك يريد أن يكون ذليلاً، فنسب إليه الخشونة، على أن الحكومة ليست معبودة لهذا الحد، والأخلاق السليمة تأبى الخضوع لكل امرئ، وإنما يخضع الإنسان للحق ولا يخشى إلا الله، وتعست الحكومة التي هذا شأنها ولم تقف عند حدها، وقد كلفت الوزير هذه الخط كلفة كان في غنى عنها، وحركت عليه ساكناً آخر، لان تقدم أبن الخربنده أسخط أهل القدم والخدمات للحكومة، فأوجد مزاحمين آخرين غير أبن الشاوي، وما ذلك إلا لان الوزير لم يرغب في أن يطلع على دخيلة سره غيره، فكان في الحقيقة هو الذي قتل أبن الخربنده.
4 - خروج سليمان بك الشاوي من بغداد ووقائعه:
اضطر سليمان بك إلى أن يخرج من بغداد بأتباعه وحاشيته سنة 1200 هـ فأقام في الجهة القصوى من هور عقرقوف، وتابعته قبيلة العبيد، والقبائل الأخر المقيمة في تلك الأنحاء، فالتفت حوله. وبالحقيقة أنَّ العشائر لا تعرف غيره، وحينئذ أراد المهردار أن يقضي عليه أو يقصيه، فحرك عليه الوزير، فاستعد المهردار للهجوم عليه بجيش مع بعض أمراء الكرد، فأطلع سليمان بك بواسطة عيونه على كثرة جيوش عدوه، فترك أثقاله وظعن إلى جهة الخابور، ولم يظهر(9/365)
أنه هو البادي، فغنم الجيش أثقاله، فصارت هذه الحادثة للجيش (سمعة وسلامة).
وعند عودة أحمد آغا المهردار، منح منصب (الكتخدائية) المنصب الذي كان يعارض الشاوي في منحه إياه لخساسة أصله ولسابق مكانته الأولى التي نوه بها سليمان فائق بك وهذا المنصب أكبر الدرجات التي كان يمكن أن ينالها موظف في ذلك الحين. وهو مقدمة الوزارة لحكومة المماليك وقبل حكومة هؤلاء المماليك كان الوزير يأتي بالكتخدا معه من الأستانة وعند انفصاله يعود معه.
وهذا التعيين ولد الحسد والمزاحمة - كما تقدم - في أقرانه، بل في من هم أقدم منه في السبق. وكان المنصب المذكور مرجع الخاص والعام، وصاحبه في الحقيقة مالك السلطة الحقيقية. فكان تقليده هذا المنصب إغراء آخر من قبل الوزير على ابن الشاوي.
5 - 3 - 1931:
المحامي: عباس العزاوي
الحياة الصالحة
نريد حياة العلم يا أيها الشعب ... فقد بزنا الأغراب واستعبد الندب
نريد حياة بالصناعات غضة ... فلا ينهوي معها العراق ولا يكبو
نريد حياة لباساً للعراقي صنعه ... نريد جيوشاً تستحر بها الحرب
نريد حياة نفوذا صارماً في أمورنا ... فخيراتنا العظمى لكل الورى نهب
نريد حياة حياة حرة يعربية ... تؤيدها الأموال ينصرها العضب
نريد حياة حياة ذات بأس معظم ... تعززها الأعمال تسمو بها العرب
نريد طيور العلم في الجو عوماً ... وشبان علم في طريق العلى هبوا
فان الحياة اليوم علم وصنعة ... ومال عظيم يستعين به الشعب
مصطفى جواد(9/366)
فوائد لغوية
نقد تاريخ الأدب العربي
3 - قرأ الزيات الأستاذ المهذب ما كتبناه في نقد الطبعة الثانية من كتابه هذا فلم يسخط ولا أوجسنا منه شأن المستكبرين بل أهدى إلى إدارة لغة العرب نسخة من كتابه من الطبعة الخامسة المزيدة المنقحة بمطبعة الاعتماد بالقاهرة 1349 هـ 1930 م، وكأنه رأى في الطبعة الثانية ما يلوي بمجهوده الذي أودع الطبعة الأخيرة إياه، ومن أحرى بالحق من صاحبه؟ وأشرف من طالبه؟ ولم يبعث بالكتاب غفلاً بل أرسل به وبكتاب يبين عما أضطم عليه هو من نفس كريمة وأخلاق طاهرة وطبع هادئ، ومما كان في هذا الكتاب أنه لم يوافقنا على الفصاحة التي تنشأ من استعمال جمع القلة وجمع الكثرة في مواضعهما محتجاً بان ذلك القيد من قيود القدماء الركيكة، ولإيضاح الأمر نورد ما جاء في المصباح المنير. قال الفيومي: (وأما ثلاثة قروء فقال الأصمعي: هذه الإضافة على غير قياس والقياس ثلاثة إقراء لأنه جمع قلة مثل ثلاثة أفلس وثلاثة رجلة ولا يقال: ثلاثة فلوس ولا ثلاثة رجال، وقال النحويون: هو على التأويل والتقدير: ثلاثة من قروء لان العدد يضاف إلى مميزه وهو من ثلاثة إلى عشرة قليل والمميز هو المميز فلا يميز القليل بالكثير، قال: ويحتمل عندي أنه قد وضع أحد الجمعين موضع الآخر أتساعاً لفهم المعنى - هذا ما نقل عنه - وذهب بعضهم إلى أن مميز(9/367)
الثلاثة إلى العشرة يجوز أن يكون جمع كثرة من غير تأويل فيقال: خمسة كلاب وستة عبيد، ولا يجب عند هذا القائل أن يقال: خمسة أكلب ولا ستة أعبيد) أهـ. وهذا السبب الذي حملنا على أننا لم نخطئ الأستاذ الزيات ولكن لم نستفصح قوله، على أنه - حفظه الله - على بينة من تكلفات القدماء محق في دعواه، وقال المبرد في (2: 192) من الكامل توضيحاً لقول عمر بن أبي ربيعة:
فكان مجني دون من كنت أتقي ... ثلاث شخوص كاعبان ومعصر
ما صورته (وقوله ثلاث شخوص، والوجه ثلاثة أشخص): قلنا وكان المبرد قد قال - كما في (1: 60) من كامله (وتصير حروف المضارعة تابعة للياء) وقال فيها (وحروف الحلق
سنة الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء) ولم يقل (الوجه أن أقول: أحرف المضارعة وأحرف الحلق) فما أحراه بذلك!.
ظهور الإسلام واستقلال العدنانيين
وقال في ص 3 عند كلامه على اعصر الأدب (العصر الجاهلي ويبتدئ باستقلال العدنانيين عن اليمنيين في منتصف القرن الخامس للميلاد وينتهي بظهور الإسلام سنة 622 م) قلنا: ما نعلم حقيقة هذا الاستقلال ولم يذكر الزيات مصدر روايته وكل أمر تاريخي يذكر اليوم بلا مرواه لا يركن إليه ولا يوثق به، فإن كان الزيات على ثقة من أن العدنانيين استقلوا في القرن الخامس للميلاد فكيف يقول في ص 13 (فإن القحطانيين جلوا عن ديارهم بعد سيل العرم - وقد حدث عام 447 م كما حققه غلازر الألماني - وتفرقوا في شمال الجزيرة واستطاعوا بما لهم من قوة وما كانوا عليه من رقي أن يخضعوا العدنانيين لسلطانهم في العراق والشام كما أخضعوهم من قبل لسلطانهم في اليمن) وروى الواقدي في المغزي - كما في مج 3 ص 362) من شرح أبن أبي الحديد قول إياس بن أوس بن عتيك لرسول الله (ص) (وقد كنا يا رسول الله في جاهليتنا والعرب يأتوننا فلا يطمعون بهذا منا حتى نخرج إليهم بأسيافنا فنذبهم عنا، فنحن اليوم أحق إذ أمدنا الله بك). وفي ص 361 منه قول عبد الله بن أبي (يا رسول الله كنا نقاتل في الجاهلية في هذه المدينة (أي يثرب) ونجعل النساء والذراري في هذه الصياصي ونجعل معهم الحجارة، والله لربما مكث الولدان شهراً ينقلون الحجارة إعداداً لعدونا ونشبك المدينة بالبنيان فتكون كالحصن من كل(9/368)
ناحية وترمي المرأة والصبي من فوق الصياصي والآطام ونقاتل بأسيافنا في السكك، يا رسول الله أن مدينتنا عذراء ما فضت علينا قط، وما خرجنا إلى عدو قط منها، إلا أصاب منا، وما دخل علينا قط إلا أصبناه) ففي الحجاز كانت الحروب والغزوات حاملة أوزاها، والمدينة كانت للقحاطنة. أما مدة الجاهلية فهي (120) سنة ولم يذكر الزيات أسم القحطانيين المغلبين على عدنانيي الشام والعراق في هذا القرن المذكور، ولعله أراد الغساسنة واللخميين فاللخميون مبدأ ملكهم على العراق سنة (268 م) ويقاس زمن الغساسنة على زمنهم، وحينئذ لا يوافق زمن جلائهم وقت ملكهم فيلزم أن يكون الجلاء قبل ما نقله الأستاذ الزيات، وأما أن الإسلام ظهر في سنة (622 م) فغير مقبول، لان هذا زمن هجرة
الرسول - ص - من مكة إلى المدينة كما ذكر هو في ص 87 فقد قال: (فكانت هذه الهجرة المباركة مبدأ لعلو كلمته وانتشار دعوته وتمام نصرته) فالصواب أن يقول (وينتهي بالهجرة سنة 622 م) أو يستبد به ما يريد.
رحلة الحجازيين التجارية
وقال في ص 7 (إلا قريشا فتحضروا لقيامهم على البيت الحرام وإيلافهم رحلة اليمن والشام) ثم قال في ص 16 عن قريش أيضاً: (وإيلافهم رحلة الشتاء إلى اليمن ورحلة الصيف إلى حوران) قلنا: أما رحلتهم إلى الشام فجائزة الحكم لان مرتحلهم داخل في ما يشمله الشام وأما تخصيص الرحلة بحوران فنحن نشك في جوازه، قال الواقدي: (وحثني هشام بن عمارة بن أبي الحويرث، قال: كان لبني عبد مناف فيها (أي في العير) عشرة آلاف مثقال وكان متجرهم إلى غزة من ارض الشام) وقال الواقدي أيضاً: (فكانت العير ألف بعير وكان المال خمسين ألف دينار وكانوا يربحون في تجاراتهم بالدينار ديناراً وكان متجرهم من الشام غزة لا يعدونها إلا غيرها).
وقال أبن خلكان في ترجم إبراهيم الغزي: (ولد الغزي المذكور بغزة وبها(9/369)
قبر هاشم جد النبي - ع -. . . وغزة بفتح العين المعجمة وتشديد الزاي وبعدها هاء وهي البليلدة المعروفة في ساحل الشامي. . . من أعمال فلسطين على البحر الشامي بالقرب من عسقلان وهي في أوائل بلاد الشام من جهة الديار المصرية وهي إحدى الرحلتين المذكورتين في كتاب الله العزيز في قوله تعالى: (رحلة الشتاء والصيف)، واتفق أرباب التفاسير أن رحلة الشتاء بلاد اليمن ورحلة الصيف بلاد الشام فقد كانت قريش في متاجرها تأتي الشام في فصل الصيف لأجل طيب بلادها في هذا الفصل، وتأتي اليمن في فصل الشتاء لأنها بلاد حارة لا تستطيع الدخول إليها في فصل الصيف، قال أبو محمد عبد الملك بن هشام في أوائل سيرة رسول الله - ص -: أول من سن الرحلتين لقريش رحلة الشتاء والصيف هاشم جد النبي - ع - ثم ذكر بعد هذا بقليل، قال ابن إسحاق: (هلك هاشم بن عبد مناف بغزة من أرض الشام تاجراً) أهـ كلام ابن خلكان.
فقول الأستاذ الزيات يستلزم له مصدر ثقة، فان الواقدي ذكر أنهم لا يجاوزون غزة في متاجرهم.
الخصيص والخصيصة
وقال الأستاذ في الصفحة نفسها تعليقاً (إن البداوة خصيصة العرب في التاريخ القديم) وقد قال الفاضل أسعد خليل داغر في (ص 64، 65) من تذكرة الكاتب: (ولهم في هذه الأيام باستعمال كلمة: خصيص وخصيصة، ولع يفوق الوصف حتى أنك قلما تجد كاتباً يتجافى عن استعمالهما فتراهم يقولن: دعاني إليه خصيصاً وأقام له حفلة خصيصة وكان كلامه موجهاً إلي خصيصاً، وكأني بهم حذفوا من معاجم اللغة كلمة: مخصوص ومخصوصة وعلى الخصوص وخصوصاً وخاصة، واستغنوا عنها كلها بكلمة: خصيص وخصيصة، ولا يخفى أن صيغة فعيل بمعنى المفعول ليست من المقيسات بل هي مما يؤخذ بالسماع، ولم ينقل عن العرب: خصيص بمعنى مخصوص، نعم إنه سمع في بيتين قالهما أبو الرقمع ويخيل إليّ أن فقره الأدبي كان أشد من فقره المادي، وإلا لم يضطر إلى مخالفة(9/370)
المسموع في هذا الاستعمال وكان في استطاعته أن يقول: واتى إلي رسولهم مخصوصاً، ويتخلص من خصيص. . .) وتابعه على هذا الرأي الشيخ إبراهيم المنذر فقال في ص 44 من كتابه (كتب خصيصاً لهذه المجلة: كتب خصوصاً أو خاصة لهذه المجلة لان وزن فعيل لم يسمع فصيحاً من هذا الحرف وابن الرقمع (كذا) لا يعد حجة بقوله:
أصحابنا قصدوا الصبوح بسحرة ... واتى رسولهم إلي خصيصاً. . .) أهـ
قلنا: لا يرى اللغوي الأديب التحري ولا التدقيق في ما أجمع عليه هذان الفاضلان لان هذه الكلمة وأمثالها مما يبنى عليه أساس ترقي العربية في عصرنا. فينبغي لهما التوسع والتبسط في الكلام عليها، فالخصيصة أما بمعنى (الخصوص) كالجريرة والجريمة والرذيلة والشتيمة والسيئة والسوية والفضيلة والقذيعة والنقيصة والنميمة وهي أسماء مصادر، وإما بمعنى (خاصة) وأما بمعنى (مخصوصة) فالأولى كما في قول أبن أبي الحديد عن علي بن أبي طالب - ع - (فسبحان من خصه بالفضائل التي لا تنتهي ألسنة الفصحاء إلى وضعها وجعله أمام كل ذي علم، وقدوة كل صاحب خصيصة) وقال أبو جعفر الإسكافي - رض - (وهل ينتهي الواصف وان أطنب: والمادح وإن أسهب إلى الإبانة عن مقدار هذه الفضيلة والإيضاح بمزية هذه الخصيصة).
والثانية كما في قول الإمام علي - ع - في نهج البلاغة (أنا وضعت في الصغر بكلاكل
العرب، وكسرت نواجم قرون ربيعة ومضر، وقد علمتم موضعي من رسول الله - ص - بالقرابة القريبة، والمنزلة الخصيصة، وضعني في حجره) أي المنزلة الخاصة وهي ضد العامة، وأما الثالثة فهي كالذبيحة والنطيحة والبحيرة ففي مادة (ش ج1) من مختار الصحاح (ويقال: ويل للشجي من الخلي، قال المبرد: ياء الخلي مشددة وياء الشجي مخففة، قال: وقد شدد في الشعر وأنشد: نام الخليون عن ليل الشجيينا، فان جعلت الشجي فعيلا من شجاه الحزن فهو مشجو(9/371)
وشجي، كان بالتشديد لا غير) فهذا دليل على أن (فعيلا) بمعنى مفعول مقيس من كل فعل ثلاثي متعد ألا تراه يقول (فان جعلت) وقد أولعت العرب بفعيل بدلا من مفعول لخفته على اللسان وربما ألتبس بفاعل ولكنها لم تبال ذلك فقالت (البديع) لكليهما ومثله (الصريخ) للمغيث والمستغيث.
وأما الخصيص فثابت بحكم الخصيصة، قال ابن خلكان في ترجمة بهاء الدين زهير: (واخبرني جمال الدين أبو الحسن يحيى بن مطروح. . . قال: كتبت إليه - وكان خصيصاً به -) ونقل في ترجمة شهدة الكاتبة: (ثم علت درجته (أي درجة ثقة الدولة الانباري) إلى أن صار خصيصاً بالمقتفي) والقول للسمعاني وفي ص 45 من نسختنا للحوادث الجامعة (فكاتبا جماعة من الأتراك الخصيصين بالعادل محمد).
وتحويل (فاعل) إلى فعيل للمبالغة مطرد، قال ابن عقيل في شرح الألفية: (يصاغ للكثرة فعال ومفعال وفعول وفعيل وفعل فيعمل عمل الفعل) فماذا الذي يمنع (الخصيص) بمعنى الخاص من الموانع؟ وليس في العبارات التي ذكرها أسعد خليل داغر وإبراهيم المنذر ما يعين لفظ (الخصيص) للمخصوص لأنه يقبل المعنيين على تأويلين لا يخفيان على الأديب، فقول الأستاذ الزيات صواب سماعاً وقياساً وعقلا، وما تعرضنا له إلا لكونه معضلة لغوية عجز عنها الحالون على كبر دعواهم، ثم إننا نرى أن الخصائص جمع خصيصة لا خاصية كما رآه غيرنا.
دين شعيب بين العرب
وقال في ص 8 (وإنما كان بقية أثرية من دين إبراهيم جاءتهم من وراء القرون عن طريق الوراثة مشوهة) قلنا: بل كان من العرب من يدين بدين شعيب - ع - قال الحارث بن كعب المذحجي لبنيه لما حضره الموت: (يا بني قد أتى علي ستون ومائة سنة ما صافحت
بيميني يمين غادر، ولا قنعت نفسي بخلة فاجر، ولا صبوت بابنة عم ولا كنة، ولا طرحت عندي مومسة قناعها، ولا بحت لصديقي بسر، وأني لعلى دين شعيب النبي عليه السلام وما عليه أحد من العرب غيري وغير أحيد بن خزيمة وتميم بن مرة فاحفظوا وصيتي وموتوا على شريعتي. . .) ومن المؤكد أن بين دين إبراهيم ودين شعيب فرقاً بحسب تطور الإنسان وتبدل الزمان وتغير القرون وقانون الرسالة بل أن في الإسلام منسوخاً وناسخاً وهو دين رسول واحد.
م. جواد(9/372)
باب المكاتبة والمذاكرة
1 - في رد الدكتور الجلبي
1 - قال الدكتور الفاضل داود بك في (9: 290) ما صورته: أقول: لم يقصد ابن فارس كثرة أنواع الجلدات وإنما عرف الصفاق) ولم يفهم مرادنا الدكتور وسبب اعتراضنا أن ابن فارس ذكر أن باطن كل الجلد يسمى (أدمة) ثم ذكر أن جلدة البطن التي تحت الجلدة الظاهرة أسمها (الصفاق) فصارت الأدمة والصفاق من جنس واحد فهل يسمى الصفاق أدمة؟ والجواب (نعم) فكان الأولى لابن فارس أن يجمع بين قوليه ليظهر للقارئ أن الأدمة عامة والصفاق خاص.
2 - وقال في (حذرهم بأن يتعلموا) ما نصه: (لان هذه الزيادة ضرورية لان فعل حذر لا يتعدى بالباء) مع أن الباء ههنا ليست للتعدية بل هي للاستعانة والاعتمال.
3 - ولم يرتح لمعنى (اكتنف عذاري الألباب) بعد (راع كواعب الآداب) فعذاري الألباب تقابل كواعب الآداب والاكتناف يقابل الروع فان عد الروع من الحسن كان الاكتناف للحفظ وان اعتده من الإخافة كان الاكتناف للتعدي.
4 - عجبنا من قوله: (لان المرود لا يجلو الرمص إنما الذي يجلوه هو الدواء) وسح علينا قوله تعالى في سورة الكهف: (وكان الإنسان أكثر شيء جدلا) قال في المختار: (وبرد عينه بالبرود كحلها به) والرمص وسخ جامد في الموق فكيف يجلى بلا مرود؟ أو بما لا يعمل كعمله؟ بل كيف تكحل العين قبل تنظيفها؟ ومن أثبت أن كل عين رمصاء تحتاج إلى البرود؟.
فنحن لن نتعرض لما يخص الدكتور الفاضل أبداً إن كان يعتقد فينا المكابرة لا الاستصلاح. وسنفعل.
مصطفى جواد(9/373)
4 - الحال ومعناها
جاء ذكر (الحال) في ص 268 ج4 س9 نقلا عن أنساب السمعاني حيث قال عن
اليزيدية: (ويأكلون الحال). فبعد أن أشرتم في الحاشية إلى أن الحال في اللغة الطين والحمأة، قلتم أنكم ترون أن الكلمة هنا مصحفة القات وان القات نبت يكثر في بلاد اليمن وكردستان، أما أنا فلا أظن الكلمة مصحفة لان الحال عند الصوفية رقية وهي أن يرقي الشيخ شيئاً مما يؤكل ويطعمه من أراد أن لا تؤثر فيه لدغة الحية أو لسعة العقرب وما شاكلها. وهذا معروف ومشهور إلى الآن في الموصل ويعبرون عنه ب (شرب الحال)، حكى لي صديق أنه لما كان صبياً دعا له أبوه شيخاً ليسقيه (الحال) فناوله الشيخ قسبة قد شقها ونزع نواتها ووضع داخلها شيئاً من الملح بعد أن قرأ عليها وقال له كلها، فإنها تحرسك من ضرر العقرب والكلب الكلب والحيات ما عدا البتراء والعمياء، وهم يشترطون في ذلك أن يكون الشيخ بيده تسلومة (تسليمة) أي أن يكون قد أجازه شيخه وفوض إليه هذا العمل ونقله إليه عن مشايخه متسلسلا، وعلى ما أذكر أنهم يرجعون ذلك في الأصل إلى الشيخ أحمد الرفاعي.
واليزيدية في زماننا مشهورون بجرأتهم على مسك الحيات واللعب بها وينقلون عنهم حكايات خارقة عجيبة في هذا الباب.
وللحال معنى آخر عندهم نذكره إستطراداً، وهو أنهم يقولن عن الشي أو المريد إذا هاج في ذكر الله وأرعد وأزبد ثم سقط مغشياً عليه: (وقع في الحال)، وأظن أنهم يريدون بذلك وقع في حال (الغيبة).
أما أن القات يكثر في جبال كردستان فلا أعلمه ولا سمعت به.
الدكتور داود الجلبي
5 - الكرخ
جاء في (9: 258) من لغة العرب من كلام الكاتبة دوروثي مكي على بغداد ما نصه: (اتخذ هذا الموقع عاصم جديدة له وعمر فيه الكرخ (المدينة المستديرة) الذائعة الصيت) وهذا وهم من الكاتبة الفاضلة لأن الكرخ غير المدينة المستديرة وان كان لفظ الكرخ السرياني يدل على التدوير، فالكرخ كان قبل(9/374)
أن يبني المنصور مدينته وكذلك (سونايا) وهي التي سميت زمن العباسيين (العتيقة) لعتقها وقدمها وهي (المنطقة) اليوم وما حولها وكذلك (قطفتا) و (كرخايا) و (ملكا) و (كلواذا) و (كوثا) وكيف يعقل فيقبل أن المنصور
يبتدع لما أستجده اسماً ارمياً؟ ومن الأدلة النقلية على قدم الكرخ في أخبار شبيب الخارجي وصورته: (وأما شبيب فأقبل حتى قطع دجلة عند الكرخ وأخذ بأصحابه نحو الكوفة) وفي ص 13 من مناقب بغداد لابن الجوزي: (بناء الكرخ: لما فرغ المنصور من مدينته وصير الأسواق فيها من كل جانب قدم عليه وفد ملك الروم. . . فأمر المنصور حينئذ بإخراج الأسواق من المدينة إلى الكرخ) وفي ص 13 من مقدمة تاريخ الخطيب البغدادي: (وقبة على باب البصرة كانت مجلسه إذا أحب النظر إلى الكرخ ومن أقبل من تلك الناحية) وفي 10 من المناقب (وإذا أحب النظر إلى الكرخ جلس في قبة باب الكوفة) وفي ص 11 (وأجرى لأهل الكرخ أنهاراً) وفي ص 14، 15 (مدوا لي قناتين من دجلة واغرسوا لي العباسية وانقلوا الناس إلى الكرخ)، أما إطلاق الكرخ على بغداد الغربية بتعميم الجزء على الكل ففي باب آخر لا يجيزه قانون التحقيق في الابتداء بل في الوسط والانتهاء.
6 - نظرات
1 - جاء في ص 269 (هذه النسبة إلى هكار وهي بلدة وناحية عند جبل وقيل جبال وقرى فوق الموصل من الجزيرة) قلنا: ورد في ص 114 من بهجة الأسرار في ترجمة شمس الدين عبد العزيز بن عبد القادر الجيلي - رض - (رحل إلى جبال قرية من قرى سنجار واستوطنها) وما ندري صحتها.
2 - وجاء في ص 270 عن وفاة علي بن أحمد الأموي الهكاري: (ومات بالهكارية في أو المحرم سنة 84) أي بعد الأربعمائة، قلنا: قال ابن خلكان في (1: 377) ما نصه (وتوفي في أول المحرم سنة ست وثمانين وأربعمائة) فالفرق بينهما سنتان.
مصطفى جواد
(ل. ع) بحثنا في الكتب التي وصلت إليها أيدينا، لنتحقق صحة أسم هذه القرية التي نزل بها شمس الدين الجيلي أو كما يقول بعضهم الجيلاني، فلم(9/375)
نجدها في أي كتاب بلداني، وبعد أن قضينا ثلاثة أيام في البحث عنها أصبناها في تاج العروس في موطنين في مادة ش ر ش ق إذ يقول: (شرشيق بكسر الشينين لقب حسام الدين أبي الفضل محمد بن محمد عبد العزيز بن عبد القادر الجيلاني ويعرف بالحيالي، وولده: شمس الدين أبو الكرم محمد بن محمد بن شرشيق، عرف بالأكحل، شيخ بلاد الجزيرة. توفي سنة 739 بالحيال (بحاء
مهملة مكسورة) من أعمال سنجار ودفن عند أبيه وجده.) أهـ
وأردنا أن نتثبت من صحة الحيال وضبطها فنقرنا عنها في مادة ح ي ل، فقال: (حيال، ككتاب، بلدة من أعمال سنجار، نزل بها الإمام شمس الدين أبو بكر عبد العزيز ابن القطب سيدي عبد القادر الجيلاني قدس سره في سنة 508 فنسب ولده إليها. وبها ولد حفيده الزاهد شمس الدين أبو الكرم محمد بن شرشيق الحيالي، شيخ بلاد الجزيرة في سنة 651 وتوفي بها سنة 739) أهـ ما في التاج.
فاتضح لدينا إن الحيال (أو حيال) بحاء مهملة مكسورة فياء مثناة تحتية فألف فلام هي الرواية الصحيحة التي لا ريب فيها. وما سواها (أي جيال وجبال وخيال وخبال) من نوع التصحيفات القبيحة. ومن الواجب نبذها.
5 - طاق كسرى في كتب العرب
جاء في (9: 259و 260) من لغة العرب كلام الكاتبة دورروثي مكي على المدائن أي طفسونج وطيسفون ويسمى الإيوان الآن (طاق كسرى) قال أبو القاسم عبد الملك بن عبد الله بن بدرون الحضرمي البستي عن سابور ذي الأكتاف (وهو سابور الذي بنى الإيوان المعروف بإيوان كسرى إلى هذه الغاية، ويحكى أن الرشيد أراد هدم هذا الديوان فبعث إلى يحيى بن برمك فشاوره في ذلك) وكانت المشاورة بعد نكبة البرامكة لأنه كان قد ذكر له أن تحته مالاً عظيماً فأرسل إليه يحيى وهو في السجن: لا تفعل فإنَّ هدمه ليس برأي، فترك كلامه وعزم على هدمه فعجز عنه فأشار عليه القوم الذي أشاروا عليه أول مرة بهدمه أن يتركه، فأرسل إلى يحيى يستشيره في ذلك ويخبره أنه عجز عن هدمه فأمره يحيى أن يتمادى على هدمه، فقال للرسول: قل له: (ما هذا؟ أمرتني أولاً أن لا أهدمه(9/376)
فلما عجزت عنه أمرتني أن أهدمه!) فقال يحيى: قل لأمير المؤمنين: (إنما علي النصيحة. لما شاورني علمت أنه سيعجز عن هدمه، فلما شرع فيه أمرته أن يتمادى على هدمة وان لا يترك منه أثراً لأني أخاف أن يقول العجم: إن مللك الإسلام عجز عن هدم ما بناه ملك من ملوكنا؛ والهدم أسهل من البناء فأرى أن يتمادى على هدمه ولا يتركه قال ابن بدرون: (وقد حكيت هذه الحكاية عن خالد والد يحيى، وأنها جرت له مع المنصور حين أراد هدم قصور كسرى) وقال في ص 40 عن كسرى أنوشروان، (وهو الذي بنى الإيوان وسور الأبواب)
فتناقض قولاه. وفي مختار الصحاح: (والأوان والإيوان بكسر أولهما: الصفة العظيمة كالازج ومنه إيوان كسرى).
وقال ابن الجوزي في ص 35 من مناقب بغداد: (وأما الإيوان فبناه ذو الاكتناف واسمه سابور بن هرمز، فلما جاء سعد بن أبي وقاص وحارب أهل المدائن وخاض بالخيل إليهم. . . نزل سعد القصر الأبيض واتخذ الإيوان مصلى. . . وأخذ المسلمون ستر باب الإيوان فاحرقوه فخرج منه ألف ألف مثقال ذهباً).
ولما احتاج المنصور في بناء سور بغداد إلى الأنقاض قال لخالد بن برمك: ما ترى في نقض بناء قصر المدائن؟ فجرى بينهما من الحوار مثل ما تقدم إلا أن سبب كف المنصور عن الهدم وجد أنه ما يصرف على الهدم أكثر من ثمن الشيء الجديد وراجع معجم البلدان لياقوت في مادة (المدائن) و (التاج) تر زيادة حسنة.
6 - في كتاب (الفاضل) المجهول المؤلف
قرانا ما يخص هذا الكتاب في لغة العرب فلم نجد توفيقاً بين رجال السند ولا تعاصراً بينهم، ففيه: (أخبرني أبو العيناء قال: أخبرني المعري عن الرياشي. وأبو العيناء محمد بن القاسم ولد سنة (191) هـ وتوفي سنة (281) هـ وولد المعري سنة (363) هـ وتوفي سنة (447) هـ إلا أن يكون هذا المعري غير المعري أو أبو العيناء هذا غير أبي العيناء والرياشي قتل سنة (257) هـ في فتنة الزنج بالبصرة والمعري(9/377)
رحل إلى بغداد سنة (398) هـ فأين لقي الرياشي؟ وفيه حدثني (أبو سعيد الشارحي) وفي (1: 33) من البيان والتبيين للجاحظ: (حدثني أبو سعيد عبد الكريم بن روح قال:) وسجع المقدمة يدل على أنه ألف بعد زمن الجاحظ والمبرد.
م. جواد
7 - ماء السمرمر
كان أحد الأدباء سأل سؤالا عن هذا الماء أدرجناه في هذا المجلة (8: 620 و774 و775) وكان أحد المجيبين تأخر جوابه قليلاً فتأخرنا عن درجه في وقته. والآن نذكره، وهو هذا بعد حذف الزوائد:
لهذا الطائر بالعربية عدة أسماء منها: السمرمر والزرزور، وبالتركية - على ما قاله صاحب تحفة المؤمنين - (سقرجين) واسمه عند عوام المصريين الخليش أو الزرزور الخليج وله بالفارسية عدة أسماء أشهرها (سار). وكان هذا الاسم هو المعروف في أيام الصفويين لان مترجم القاموس إلى الفارسية، وصاحب تحفة المؤمنين، وصاحب زينة المجالس، وصاحب الاختيارات، كانوا في عهد الانبراطورية الصفوية ولم يذكروا له اسماً سوى (سار).
وماء الزرزور وماء السمرمر موجود في إيران في أماكن مختلفة ويسميه الفرس: (آب سار).
ودونك ذكر عيون لهذا الماء ورد خبرها في بطون الكتب أو كانت معروفة بين الناس:
1 - عين في وادي (آوه زراباد) بقرب قزوين.
2 - عين على بعد أربعة فراسخ من جومند في جهة ترشيز، والعينواقعة على سفح جبل.
3 - قال الملا محمد باقر المجلسي المتوفى سنة 1110هـ - 1699م في الفصل العشرين من كتابه الاختيارات ما تعريبه: (عين ملح مشهورة في رأس حد آشتيان أنى ذهبوا بمائها بشرط أن لا يضعوه في الطريق حتى الموضع الذي(9/378)
يبتغونه يأتي بقدرة الله الكاملة من ورائه خلق من الطير الصغير المسمى ب (سار) بكثرة يقتل الجراد الذي في الزرع وهو مجرب) انتهى كلام المجلسي، وقال الأمير شير على خان ابن علي أمجد خان اللودي الهندي في تذكرته المطبوعة ببنبيء ص 282 ما ترجمته: (في عراق العجم عين ماء: إذا جاء الجراد إلى بلدة، يحمل رجلان لم يشربا الخمر ولم يرتكبا الزنا، ماء من تلك العين، ويأخذان طريق تلك البلدة فتخرج طيور سود في أثر ذلك الماء فتدفع الجراد عن ذلك المكان. يزعمة، أن سليمان عليه السلام، أشترط ذات يوم على الجراد أن لا يضر الزرع وجعل تلك العين شاهدة وأمر تلك الطيور بمراقبة الجراد هذه القاعدة من ذلك اليوم) أهـ كلام الأمير شير علي. وقد أوجز في تعريف المكان الموجود فيه ماء السمرمر، ويحتمل أن يكون العين التي ذكرها المجلسي هي العين التي أشار إليها الأمير شير علي، فإنها واقعة في العراق العجمي.
4 - قال السيد مجد الدين محمد الحسيني المعاصر للشاه عباس الصفوي الكبير في كتابه
زينة المجالس ما معربه: في شميران من توابع لرستان عين ماء إذا ظهر في بلدة جراد، يذهب رجلان لم يشربا الخمر ولم يرتكبا الزنا إلى هذه العين ويحملان منها الماء ويأتيان به إلى البلدة التي وصل إليها الجراد فإذا وضعاه على الأرض تأتي في أثره طيور وتدفع الجراد، ويزعمون أن سليمان أشترك على الجراد أن لا يضر بعد وأشهد تلك العين على ذلك وأمر الزرازير بدفع الجراد إن أضر، والعلم عند الله تعالى أهـ. (راجع زينة المجالس المطبوع بطهران (إيران) في عام 1262 هـ ج 9 فصل 4).(9/379)
5 - عين في أرض (حاج بابا توكل) وهي بين سبزوار وقوجان وتبعد عن سبزوار نحو اثني عشر فرسخاً، وسبب تسمية هذا المكان بهذا الاسم أن فيه قبراً لأحد الشيوخ (على ما يقال) أسمه حاج بابا توكل (بصيغة الأمر من فعل توكل). وهذه العين معروفة في سبزوار.
6 - على بعد عشرين فرسخاً من سبزوار قبر ينسب إلى جرجيس النبي يقع في كورة (توران) وبجنبه عين ماء قيل لنا أنها عين ماء السمرمر.
من الغريب أن الدميري وهو من أكابر المحققين لم يتعرض لذكر هذا الماء كما لم يذكر قتل الزرزور للجراد وهو أشهر من قفا نبك (راجع كلامه في حياة الحيوان الكبرى طبعة المطبعة العامرة الشرفية بمصر سنة 1315 هـ ج2 ص 4).
محمد مهدي العلوي
7 - الصماد أو الكوفية والعقال
جاء في جريدة الأحوال (البيروتية) أن أحد الأدباء قصد (عالماً مؤرخاً) (ويا للأسف لم يذكر أسمه) ليعرف منه مبلغ زمن اتصال الكوفية والعقال بالعرب، وهل كانا من لباس رؤوسهم المعروف بهم منذ القدم، فدار بينهما الحديث الآتي:
الأديب، ما مبلغ صحة إسناد العقال والكوفية إلى العرب وهل كان جميعهم يلبسونها؟
ج. إنَّ العرب لا تعرف هذا اللباس منذ القدم في الجاهلية ولا منذ زمن قليل بعد الإسلام، بل كان العرب المسلمة، يلبسون في غزواتهم خوذاً، وفي مضاربهم وحضرهم يلبسون العمة المعروفة بالإسلام، وكانوا يضعونها فوق (اللبدة)، أو ما أشبهها. وما كان العقال والكوفية يوماً لباسهم منذ القدم.
س. في أي زمن ظهر العقال والكوفية بين العرب وكيف كان ظهورهما؟
ج. ظهر منذ غزا تيمورلنك بلاد العرب وفتحها، وكان شديد الوطأة قاسياً على الأمم التي يذلها، ولذا فرض على العرب لبس العقال والكوفية إذلالاً لهم، لأنه يشابه خمار المرأة من حيث ستر الوجه بالكوفية والعقال تشابه عصابة المرأة أيضاً. وكان قصده بهذا إذلالهم وتشبيههم بالنساء العاجزات وهذا يرجع عهده إلى(9/380)
ما يقرب من السبعمائة سنة. وبعد موت تيمورلنك، بقي قسم كبير من العرب سكان البوادي يحافظون على هذا اللباس لجملة أسباب، منها: إنه كان يتوفر لهم ذلك في باديتهم، إذ يضعون على رؤوسهم منديلاً أو شالاً أو كوفية، ويربطون فوقها عصابة، سواء أكانت عقالاً أو مما يربط الحطاطة (كذا) على الرأس. ومنها: إن هذا اللباس كان بعضهم يسترون به وجوههم عند مرورهم بين القبائل المعادية، أو التي بينها وبين قبائلهم ثأر وبهذه الواسطة لا يعرفون.
بناء على ذلك لا يكون العقال والكوفية شعار العرب منذ القدم، وما وجدا إلا للأسباب المار ذكرها. انتهى كلام الأديب مع العلامة المؤرخ المجهول الاسم.
قلنا: كل هذا حديث خرافة. وكنا سمعنا مثل هذه الحكاية من أدباء الشيعة في بغداد وكان ينسب ذلك إلى أحد ملوك الحبش الذي حارب العرب في عقر دارهم وأكرههم على اتخاذ الكوفية والعقال. ولما طالبناه بالأدلة النقلية، لم يستطع أن يدلنا على مؤرخ قال هذا القول، بل لم يتمكن من ذكر أسم الملك الذي أجبر اليمانين أو غيرهم على اتخاذ هذه العمرة.
والذي عندنا أن لبس العقال قديم جداً عند الساميين وقد كتبنا مقالاً طويلاً في هذا الموضوع (لغة العرب 8: 537 و540).
وأما الكوفية فلم يكن هذا أسمها في قديم الزمان، بل كان يسميها الأقدمون منا (الصماد) (وزان كتاب) واشتقوا منها فعلاً فقالوا: صمد تصميداً. قال في لسان العرب: (صمد رأسه تصميداً، وذلك إذا لف رأسه بخرفة أو ثوب (أي قماش بلساننا العامي العصري أية كانت مادته) أو منديل، ما خلا العمامة، وهي (الصماد). فهذا نص عربي صريح على أن العقال والصماد من عمرة الساميين خاصة، ولا سيما العرب. ومن قال الخلاف فقد جهل التاريخ والعرب ولسانهم، إلا أنه كان بعض العرب يكتفون بالصماد وحده، وآخرون يثبتونه بالعقل، على حد ما يرى اليوم من يفعل أحد الأمرين أو كلا الأمرين معا.
وكان من العار أن يسير الرجل مكشوف الرأس. وقد ظهر في الآثار التي وجدت في ديارنا
العراقية تصاوير وتماثيل منها بالعقال ومنها بالصماد وحده ومنها بالصماد(9/381)
المربوط عليه العقال، وعلى من يشك في كلامنا أن يزور دار تحفنا أو أي متحفة من متاحف ديار الغرب. أو أن يراجع بعض الكتب المصورة التاريخية التي تبحث عن فلسطين وسورية والعراق ففي ما يشاهده الغنية، إذ يرى بعيني رأسه (لا بأم رأسه كما يقول بعض الجهلة) تماثيل من عهد حمرب أي منذ زهاء خمسة آلاف سنة وفي رؤوسها العقال والصماد معاً أو الصماد وحدة أو العقال بلا صماد. فليتدبر ذلك المؤرخ البيروتي وحسناً فعل أنه أخفى أسمه، لأنه علم أن ما قاله لا حقيقة له في الكتب المدونة، إنما هي من أبخرة دماغه لا غير.
8 - كتاب (الجيم)
لأبي عمرو الشيباني و (معجم الشعراء) و (الجماهر)
اعني اليوم بوضع نسخة تامة مصححة من هذا الديوان اللغوي المسمى (كتاب الجيم. لأبي عمرو الشيباني. وفي خزانة الاسكوريال نسخة منه مزينة بالتعاليق النفيسة تتصل بما في النص ويبدو لي أن المؤلف لم ينته من تأليف كتابه إلا عند ختام حرف الجيم. وأما لسائر الحروف فلقد وجد لها روايتان: رواية قصيرة جداً وهي رواية أبي موسى الحامض. والثانية واسعة وهي النسخة التي أتخذ لها الناسخ كتاب أبي سعيد السكري. والإضافات التي زيدت على الرواية الثانية ترى تحت كل حرف كانا فصل ملحق بالنص لان القسم الأول واحد في النصين. والروايتان ابنتا أو واحدة نتجها أبو عمرو لأنها بخط يده. ولا أظن أن هذا الديوان ينشر يوماً، إلا أني أرى أنه من النافع أن تهيأ نسخة صحيحة سهلة القراءة حتى إذا جاء يوم البعث، يوم بعثها من مدفنها، يقول على هذه النسخة المتقنة في نصها، المحكمة في أصول ألفاظها، لان مخطوط الاسكوريال سائر إلى الاضمحلال لحبره السيئ ولحالة ورقه (وراجع لغة العرب 7: 857).
وأنا اليوم في سنت اوغستن في سياغبرج لند في ألمانية - واهتم بمراجعة أحد الأدباء لإصدار طبع (معجم الشعراء) للمرزباني (راجع لغة العرب 7: 216 و377 و566) في مجموعة المؤلفات العربية التي تعنى بنشرها (الشركة الشرقية الألمانية).(9/382)
وهنا في راحة وطمأنينة، وأطالع النسخة التي نسختها من (كتاب الجماهر في معرفة
الجواهر) للبيروني (راجع لغة العرب 8: 800) التي أعنى بشأنها عند ذهابي إلى إنكلترة عن قريب. وقد قيل لي أنه وجدت نسخة خطية ثالثة من هذا السفر الجليل المهم، فعسى أن تصدق الأحلام.
سنت اوغستن سياغبرج (ألمانية) ف. كرنكو
9 - مخطوط الإكليل، نسخة برلين
الظاهر أن مخطوط برلين يقرب كل العرب من مخطوط لندن، لان أغلب الأغلاط أو أغلب الروايات متشابهة في النسختين، وربما كان الناسخ من الجهلة البله، فإنه يرسم (هذا) أو (هذه) هكذا (هده) ضابطاً إياها بفتح الأول وتشديد الدال المهملة المفتوحة. وكثيراً ما يهمل الحروف المعجمة فتراه يكتب (غمدان) بفتح العين المهملة أي (عمدان) ثم يزيد هذا على الضبط عيناً صغيرة مهملة تحت العين الكبرى زيادة في اطمئنان البال، إنها مهملة لا معجمة، في حين أنها بالعكس، ولهذا لا يشار إلى هذه الاختلافات التافهة عند اشتهار العلم بالوجه الصحيح.
ومما يحسن الاطلاع عليه أن الأعلام المصدرة بكلمة (ذو) وردت في النسخ متشاكسة متعاكسة ومقاومة للأحكام العربية، ومن المحتمل أن النقلة اليمانين شوهوا الرواية الأصلية الحقيقية، كما أنه من المحتمل أن تكون تلك الرواية المشوهة هي الصحيحة لأنها لغة السبايين، إذ لا يخفى أن تلك الأعلام كانت مرسومة بالمسند بلا الخط القائم الفاصل الكلمة الواحدة عن الكلمة الأخرى وبلا الحرف العليل الممدود، فإنهم يكتبون ذ نواس. . . ذشناتر، لا ذو نواس. . ولا ذو شناتر. وفي الأعلام المضافة إلى أسماء الآباء، ترى (بن) مكتوبة دائماً من غير أن يتقدمها ألف، وعليه يبين أن (ذو) كانت تكتب بالذال المعجمة المضمومة بلا واو أي (ذ) وكانت جزءاً من الاسم.
أما صنعاء وتأسيسها فالمأثور في روايات العرب غير صحيح، لان آخر دار ملك لليمن كانت ظفار. أما صنعاء فكانت من تأسيس الحبشة، و (كلمة صنعاء) نفسها كلمة حبشية تقابل كلمة (مصنعة) عند عرب الجنوب ومعناهما (القلعة). له(9/383)
أسئلة وأجوبة
أصل الداوية
بغداد ب. م. م. قرأت في المشرق (29: 241 إلى 349) مقالة في أصل الداوية. وقد رجح صاحبها أنها من السريانية (؟) (دويا) وجمعها (دويي) (بالإمالة) ومعناها الفقير والفقراء. وذكر أيضاً رأياً لأحد المستشرقين فيه صبغة من الاحتمال وهو أن الداوية من اللاتينية وجمعها وشحن هذه المقالة هزءاً وسخرية وتهكماً، كأن الرجل أوحد زمانه وأنه أصاب أمراً يقلب العالم ظهراً لبطن. فهل يمكنكم أن تعللوا لنا سبب عقلية هذا الرجل الغريب الأطوار في كل ما يكتبه عنكم وعن مجلتكم؟
ج. ما قاله صاحب المقالة لا يخرج عن باب الاحتمال، ونحن نشك كل الشك في صحة ما يذكره، لان العرب لما قالوا الاسبتالية او الاسبتارية تلقوها رأساً عن الإفرنج ولم يتلقوها عن السريان. ولا يمكن أن يسمى رهبان إفرنج باسم سرياني. فنرجح على هذا الرأي رأي القائل أنها من الإفرنجية (أي اللاتينية أو الفرنسية) على أنها من السريانية كما يظهر لأدنى تدبر.
أما عبارات الرجل الدالة على التهكم فيجب أن تعذروه عليها. لأنه لما كان طالب علم في الموصل أصابه مرض عصبي مدة أشهر وكان يدفعه إلى أن ينطق بأمور غريبة ويأتي شؤوناً أغرب. وإنكم تعلمون أن الجسم إذا أصيب بضعف الأعصاب زعزعه فلا بد من أن يبقى فيه أثر، ولهذا لاحظتم فيه ما لاحظه غيركم. وهذا الروح الضعيف يبقى فيه إلى ما شاء الله أن يكون حياً. ولا نتوقع أبداً إصلاحاً لآدابه. وهكذا يكون كل من لا تؤثر فيه أحكام الدين ولا أصول الرهبانيات ولا ولا ولا. وفي الختام نجح الرأي أن الداوية مأخوذة مباشرة عن(9/384)
الفرنسية (تامبلية) ونبذ كل النبذ لرأي السخيف القائل بأنها. . . من؟ السريانية! ففي ترك أقرب لفظة إفرنجية إلى العربية شيء يتحقق فيه دون غيره قوله هذا: (يتصور بعض المتهورين (أو الذين أصيبوا بضعف الأعصاب) من أبناء اللغة العربية، أن تعليل أصل الكلم من الأمور الهينة، يكفي (كذا)، ولعله يريد أن يقول: ويكفي للقيام به إرخاء العنان للمخيلة الجامحة (أو لذي الأعصاب المتخلخلة)، فتهيم على وجهها في فيافي
الأوهام (السريانية) فتعود ظانة الفوز بالمرام. على أن الحقيقة خلاف ما يتوهمون. . . فهل يا ترى (داوية) تعريب (السريانية دويا؟) هذا ما توهمته إحدى المخيلات الطائفة في الفضاء (الخرافي) ودونك ما نزلت به من طبقات الهواء. . . وأحر بهذا الكلام أن يكون مثالاً حياً (للتهور في التخيل) (ولنهك الأعصاب) إلى آخر ما هذى وهذر ويهذي ويهذر الشبزق أو الممسوس.
وإذا كان مثل هذه الاقوال، في ذكر أصول الكلم، تجوز على بعض الناس فهي لا تجوز على من له أدنى إطلاع على اللغة، فالعنتريات والقعقعة بالشنان والطرمذات الصبيانية، والتهويلات، تجوز على من وهنت أعصابه أو كان فيه (عرق من الخبال) ولا تزد على هذا القدر.
وليعلم هذا المغرور المتبجح أن هذا الرأي ليس رأيه، بل سبقه إليه كثيرون قبل عقود من السنين، فكيف يأتينا في هذه السنة، سنة 1931، وينتحل لنفسه ما قاله القس يعقوب أوجين منا الكلداني في معجمه المسمى (دليل الراغبين في لغة الآراميين) المطبوع في الموصل سنة 1900 في ص 139 وهذه عبارته بحرفها: (دويا (وهي مرسومة بحرف ارمي وليس عندنا هذا الحرف) داوية. هيكليون، قوم من الرهبان الصليبيين.) أهـ. وكان قد سبقه إلى هذا القول العلامة ر. باين سميث في معجمه السرياني اللاتيني المطبعوع في أكسفرد سنة 1879 (أي قبل 52 سنة) إذ يقول في ص 829 ما هذا معناه بالعربية كلمة بكلمة (وكلام المؤلف بالسريانية واللاتينية): (دويا وجمعه دويى، لفظ مذكر، رهبانية فرسان. وبالعربية الداوية، وردت في تاريخ ابن العبري (السرياني اللفظ) في ص 408 و419(9/385)
و470 و490 إلى غيرها من الصفحات. وقد وردت أيضاً بوجه آخر أي أحى دويي، في ص 401. وقد كتب عنها مطولاً في رسم دويى، فيه ص 470 وقد كتبها دويى (بالإمالة المفخمة) - الفقراء مع برنشتين وروديجر في منتخباتهما أطلب في هذا الكتاب الكلمة المذكورة) أهـ.
ولما سألنا السائل عن أصل الكلمة الذي يدور عليها الكلام (راجع لغة العرب 8: 138 و139) طالعنا في المعجمين المذكورين الرأي الذي أوردناه هنا، فلم نلتفت إليه، لان المعجمين المذكورين يعتبران اللفظ عربي الأصل. ولهذا لم نستشهد بهما. وأما صاحبنا فلما
وقف عليه فيهما (وعنده هذان الديوانان وقد استعان بأحدهما) أخذ يزمر ويطبل، ويصغر ويحقر، ويشمخر ويثرثر، بل يعربد ويطرطر، حتى ظن في نفسه أنه هو الحلال للعقد، والرجل المنتظر، ولو أنصف لخجل من نفسه ونن هذه الشعوذة، ونسب إلى كل ذي حق حقه، ورجع عن هذه (الهوسة) التي لم يحلم بها غيره، فإلى متى هذا الانتحال؟ وهذا السلخ؟ وهذه المصالتة؟ فيحسن به أن يتأمل قول طرفة بن العبد:
ولا أغير على (الأقوال) أسرقها ... غنيت عنها وشر الناس من سرقا
ومما يزيدنا رسوخاً في رأينا هو أن رهبانية الهيكليين أسست سنة 1118 وأثبتت سنة 1128 والاسبتارية أنشئت في أورشليم بين 1125 و1153 فإذا كان يصح أن يسمى الأولون بالداوية أي الفقراء فالصحة تكون أعظم لتسمية رهبانية المضيفين (أو الاسبتارية) بالفقراء أو الداوية على رأيه. فلماذا عنت الداوية الهيكليين ولم تعن المضيفين؟ - وهل من الممكن أن يعرب أسم (الاسبتارية) من الفرنجية. ولا يعرب أسم (الداوية) من اللغة المذكورة؟ فكل ذلك يهدم البناء المشيد على الرمل ويظهر فساده، فلينصفنا العقلاء.
زد على ذلك أنَّ الذين ضبطوا الداوية، قيدوا ياءه بالتشديد إشارة إلى الاسم الإفرنجي الذي تنسب إليه وهي (تامبل) أي هيكل، فيكون معنى الداوية: الهيكليين وهو معنى الاسم الإفرنجي. أما لو كانت (الداوية) سريانية الأصل لبقيت بصيغتها الارمية وقيل (الداوية) بالتخفيف أي الطائفة الفقيرة أو الفقراء، كما قالوا الدامية والرامية والساعية والوافدة إلى ما شاء الله. إذن ضبط الياء(9/386)
بالتشديد بإجماع الكتاب دليل صريح على فساد من يقول بأرميتها.
وهناك دليل رابع هو أن الداوية لم ترد في جميع النسخ بهذه الصورة الوحيدة بل وردت بصور مختلفة عديدة. فلتراجع لغة العرب (8: 139) لتظهر الحقيقة بوجهها السافر. وعلى كل فنحن لا نكره أحداً على اتخاذ رأينا، لكن هي الحقيقة لابد من التصريح بها وان أزعجت بعض المغرورين المطرمذين المطرطرين.
كروب وأصلها ومعناها
س. بغداد. ش. أ. ما أصل كروب التي تجمع على كروبين ويجمعها بعضها على كاروبيم أو كاروبية؟
ج. كروب كلمة سامية الأصل من مادة كرب الأرض أي حرثها، فالكروب: حارث الأرض
ويراد به الثور الفحل الذي يتخذ لهذه الغاية. ولهذا جاء الكروب مرادفاً للفظ الكبير والقوي والقدير والعظيم. ثم نقل إلى قائد المائة. والعبريون اتخذوه بمعنى الملك أي الروح غير المنظور الذي قد يتخذ جسماً من الأجسام للظهور للبشر خدمة للقدرة الإلهية وقد كان يصور رمزاً إلى تلك القوة والسطوة والكلمة قديمة العهد م أيام الأكديين والشمريين، ثم نقلها عنه الأمم الذي جاوروهم.
وفي سفر حزقبال (1: 10): أما أشباه أوجهها (أوجه الحيوانات) فلأربعتها وجه بشر، وعن اليمين وجه أسد، ولأربعتها وجه كروب عن الشمال، ولأربعتها وجه نسر. والذين نقلوا التوراة إلى العربية قالوا في مكان (وجه كروب): (وجه ثور). وفي (10: 14) من السفر المذكور: (ولكل واحد أربعة أوجه، الوجه الأول. (وجه الكروب. . .) وترجمها بعضهم بقوله: (وجه الثور.) وهناك غير هذه الشواهد.
وأما الكروبون فجمع الكروب بالوجه العربي الفصيح، وأما (كاروبيم) فهو جمع كروب بالوجه العبري، إلا أنَّ الألف الزائدة بعد الكاف خطأ، إذ لا وجود لها في العبري، والكاروبية جمع كاروب (وهو غلط في كروب) على طريقة جمع اللفظ الأعجمي بالياء والهاء. كما قالوا: الأفندية والبارونية والداوية ونحوهما. والأفصح أن يقال الكروبون أو الكروبيون، ومنه في حديث أبي العالية: (الكروبيون: سادة الملائكة هم المقربون) قلنا: وفي رواية: الكروبون.(9/387)
باب المشارفة والانتقاد
56 - فهرس الكتب العربية الموجودة في الدار
الجزء الرابع والخامس:
يحتوي الجزء الرابع على القسم الثاني من فهرس آداب اللغة العربية: الروايات والقصص وملحق بالكتب العربية المذكورة فنونها بالجزء الثاني والجزء الثالث. من أول شهر يونية سنة 1926 لغاية شهر ديسمبر سنة 1928 م. وقع الجزء الرابع في 136 ص بقطع الثمن الكبير والملحق في 92 ص. وهو بديع الحرف والطبع والورق على طراز ما يبرز من هذه المطبعة العامرة، لكنه لا يخلو من وهم الطبع. من ذلك في ص 78 س16 عمود 2: يتخلها، وفي ص 79 س28 ع1: وما شاده. وفي س30 الأصقاع القفراء، وفي ع 2 س 7: الرزيلة إلى غيرها، والصواب يتخللها وما شاهده والأصقاع القفرة والرذيلة. إلى غيرها. ومن أصعب الأمور أن تكون كتبنا العربية خالية من مثل هذه الأوهام. - وفي ملحقه وقع مثل هذه الأوهام، ففي نحو آخر ص 5 من العمود الأول: الطربلسي. . بابن الاجداني. والصواب الطرابلسي. . . بابن الاجدابي.
والجزء الخامس يشبه أخاه الرابع بجميع الحسنات، ووقع فيه أيضاً أوهام طبع، من ذلك ص 118 س2 ع2: المطران عادائي شير أسقف بسرت بالكردستال وفي ص 9 عدائي، وفي ص 119 ع1 س2 هالبكرناسى وفي س13 طبع مطبعة القديس في بيروت. والصواب: المطران أدي شير أسقف سعرد بالكردستاني. وادي (كما أحسن رسم هذا الاسم في ص 103 إذ جاء هناك هكذا: الأسقف ادي شير رئيس أساقفة سعرد). وطبع بمطبعة القديس جاورجيوس في بيروت وهاليكرناس.(9/388)
57 - عيون الأخبار
تأليف أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276
المجلد الرابع:
يشتمل المجلد الرابع على كتاب النساء وفهارس الكتاب. وهما من طبع مطبعة دار الكتب
المصرية بالقاهرة. وكفى بذلك تعريفاً ليعرف القارئ أنهما من غرر المطبوعات بل من دررها. وقد طالعنا أن القائمين بنشر هذا المجلد الأخير قد صححوا ما أشرنا إليه من بعض الأغلاط (راجع تصحيحاتهم ص 305 و306 و304 و308 و309 إلى غيرها)، ولم ينبهوا إلى أنهم استفادوا هذه الفائدة من مجلتنا. وكنا نود أن يومئ إليها ليعود كل فضل إلى صاحبه من باب العدل والإنصاف. وفي صدر هذا المجلد وصف الكتاب، والنسخ التي أعتمد عليها الناشرون له وترجمة المؤلف وهي من أفخر ما جاء في هذا الموضوع وقعت في 29ص، يليها ستة أمثلة مصورة للنسخ التي نقلت عنها، وهذا المجلد مزين بعشرة فهارس للمجلدات الأربعة ودونك ترتيب تلك الفهارس: 1. فهرس رجال السند - 2. فهرس أسماء الشعراء - 3. فهرس الأعلام - 4. فهرس الأمم والقبائل والأرهاط والعشائر - 5. فهرس الأماكن - 6. فهرس الكتب - 7 فهرس الأمثال - 8. فهرس أيام العرب - 9. فهرس القوافي - 10. فهرس أنصفا الأبيات - 11. إصلاح الخطأ - 12. استدراكات.
ولم يبق في نفس كل أديب إلا وضع معجم في آخر هذا الكتاب يحوي الألفاظ التي لم ترد في معاجم اللغة أو الخاصة بالمؤلف نفسه. وقد ذكرنا أمثلة منها في مجلتنا (8: 711 إلى 716) فلتراجع، وقد ذكرنا هناك أغلاطاً لم تصحح في باب التصحيحات. وكل ذلك لا ينقص من هذه الدرة مقدار ذرة.
58 - الحاج شلبي وأقاصيص أخرى
لمحمود تيمور
وفي صدر الكتاب مقدمة بقلم أحد المستشرقين الألمانيين، طبع بعناية لجنة التأليف والترجمة والنشر في 260 في مصر.
التخصص من أحسن الأمور لنبوغ المرء. وقد تفرغ صاحب العزة محمود بك(9/389)
تيمور لوضع أقاصيص مصرية عصرية، فأفاد الأدب والعمران والأخلاق فوائد جمة لا تقدر. ويجوز لديار مصر أن تفتخر اليوم بنجلها هذا، لأنها أنجبته فامتاز بوضع الأقاصيص الخاصة بديارها، وأقاصيصه هذه أفادت المجتمع لأنه يحمل على مساوئ الآداب حملات دقيقة بديعة مصلحة ويشوق القارئ توخي الفضيلة بصورة جذابة لا تجارى. فنحن نستزيد
عزته من متابعة هذه الخطة التي أنتهجها. طالبين له العمر الهنيء الطويل.
59 - الإخاء
دخلت هذه المجلة المصرية في سنتها الثامنة وقد بذل صاحبها سليم قبعين من الجهود البينة ما أظهر أن تحسينها مطرد لغة وطبعاً وآراء وكثرة رسوم، فنتمنى لها الرواج النافق الذي تستحقه.
60 - حياة يوحنا بلديني
كتاب جميل الطبع أنيق الوضع بقطع الربع على ورق من حلفاء صرفة مع 20 صورة محكمة التمثيل ويباع في باريس في محل أوجين فغيار الناشر في باريس في متنزه مونبر ناس الرقم 166.
جان بلديني مصور إيطالي شهير، توفي سنة 1929 بعمر ناهز التسعين، وقد أشتهر بالتصاوير البديعة والألواح الحية، التي أنتجتها ريشته الماهرة، فجاء كردونا ونمق هذه الترجمة التي تبقي الذكرى الطيبة للمصور النابغة، وكل من يطالعها يظن أنه يطالع أقصوصة أو رواية خيالية، لتداخل سداها بلحمتها، وللوصف البديع الذي وصف به أناساً كانوا في أواخر انحطاط الانبراطورية الفرنسية إلى غداة الحرب الكبرى. والواقف على تاريخ الأحداث التي جرت بين هاتين الواقعتين يرى في مطاويها رجالاً ونساء من باريس بحيث لا يمكنه أن يتوهم في فراسته، إذ يرى بين أولئك المشاهير: أناساً كانوا يترددون إلى المتنزهات وعليه القوم وممثلين مضحكين ذوي شأن بعيد الشأو، وسيدات، وأوانس جليلات، وكلهم مروا أمام ريشته فسدد صورتهم بحيث أن الرائي لا يتردد أبداً في معرفتهم.
فنشكر كردونا على هديته هذه ونتمنى لها الرواج الذي تستحقه.(9/390)
61 - مجموعة المراثي النثرية والشعرية
التي قيلت في حفلة التأبين التي أقامتها الجمعية الخيرية للسريان الكاثوليك في الطاهرة (كنيسة في الموصل) وفي مواقف أخر لفقيد الطائفة وصاحب الأيادي البيض وأبي الفقراء
المرحوم نعوم أفندي عبد الكريم عبيدة
أحسن ذكرى لمن نفع أبناء قومه وأبقى له ولا مثاله أحسن مأثرة. ليتحدث بها الناس هي الإحسان إلى من يحتاج إلى المساعدة ليدفع بها نتائج الفقر والبأساء وهي ليست بقلال ولا بصغار. والمرحوم المذكور كان من صانعي البر.
62 - صدى التعاون
الكرخ من الجرائد الأسبوعية البغدادية النافعة. فوقفتها الحكومة لأمر لم تصرح به تصريحاً جلياً، فأصدر صاحبها في 8 نيسان بدلاًلها (صدى التعاون) ونحن نرحب بها ونرحب بقلم صاحبها المشهور (الملا عبود الكرخي) وبرئيس تحريرها (عبد الأمير الناهض) الذي تسيل يراعته عسلاً مشتاراً، وينطق لسانه بكل نصيحة نافعة. فكلاهما فخر العراق وبهما يفتخر.
63 - مباحث فلسفية دينية لبعض القدماء من علماء النصرانية
أنتخبها القس بولس سباط من خزانة كتبه الخطية وصححها وعلق عليها في 216 ص بقطع الثمن الصغير يباع بخمسة شلنات في مكتبة هـ. فريدريخ في القاهرة
هذه المباحث تشتمل على عشرين مقالة أو رسالة وهي:
1. مقالة في التثليث لأبي علي عيسى بن اسحق بن زرعة.
2. مقالة في المواضع التي فيها الخلاق بين اليهود والنصارى. له
3. مقالة في المواضع التي فيها الخلاف بين المسلمين والنصارى. له أيضاً
4. مقالة في أمر العقل وتمثيل الأب والابن والروح القدس بالعقل والعاقل والمعقول. له كذلك
5. مقالة في حدوث العالم ووحدانية الخالق وتثليث أقانيمه لإيليا مطران نصيبين.(9/391)
6. مقالة في وحدانية البارئ تعالى وتثليث أقانيمه لسمعان بن كليل.
7. مقالة في التثليث والاتحاد، لابن العسال.
8. مقالة في شرح أعمال السيد المسيح وتقسيمها. له
9. مقالة في الرد على قضايا شتى يجحدها الناس ويكثرون من البحث عنها. لعبد الله بن
الفضل الأنطاكي.
10. مقالة في وجود الخالق وكمالاته لدانيال بن الخطاب.
11. مقالة في البراهين على صحة الإنجيل لايشوعياب بن ملكة، مطران نصيبين.
12. مقالة في الأدلة على صحة الإنجيل. له
13. مقالة في رد من يتهم النصارى بعبادة الأصنام من أنهم يسجدون للصليب ويكرمون الصور. له أيضاً
14. مقالة في القيامة العامة. له كذلك
15. مقالة في صدق الإنجيل لأبي زكرياء يحيى بن عدي.
16. مقالة في اختلاف لفظ الأناجيل ومعانيها. له
17. مقالة في قولنا: تجسد من الروح القدس ومن مريم العذراء. له أيضاً
18. مقالة في المسلمين وإدحاض ما يفتئتون على النصارى من الاعتقاد بثلاثة آلهة، لأبي الخير بن الطيب.
19. مقالة في العلم والمعجز لأبي الفرج عبد الله بن الطيب.
20. مقالة في كيفية إدراك حقيقة الديانة لحنين بن أسحق وشرحها ليوحنا ابن مينا.
ويعقب هذه الرسائل ثلاثة فهارس: الأول للأسفار التي أستشهد بها أصحاب هذه المباحث. والثاني للرجال. والثالث للفرق.
وهذه المجموعة نفيسة لما حوت من متنوع المقالات والمعتقدات وتفنيد ما فسد منها. وكلها بعربية متينة وعبارة مأسورة تشهد لأصحابها الأولية وللواقف على طبعها أنهم من الفرسان المجلين في ميدان الفصاحة والبراعة والمنطق واللاهوت.
على أنه بدا لنا بعض أمور نعرضها على حضرة الناشر فقد ضبط في ص 78 س8(9/392)
يحير بياء مشددة مفتوحة - ولا يذيل المهموز الآخر المنصرف المنصوب بالف، فيقول مثلا: وتجعلها أجزاء (ص 79 س4) وإلى أن تصير كلها هواء (س6) وفي تلك الصفحة س6: للجسد خمسة حواس. ويحلي بال (غير) إذا جاءت مضافة إلى كلمة فيقول مثلا: (أمر الحيوان الغير الناطق (ص 80 س3) وقد تكرر مراراً لا تحصى وفي ص 81 س1 (لئلا يطير السم في جسمه)، وفيها س8 (فإنه يعلم من الزهر والماء شيئين جليلين) - ونظن أنه
لو قال: يحير (بكسر الياء المشددة) وأجزاءاً، وهواءاً، وخمس حواس وغير الناطق، ولئلا يسري أو يسير السم، ويعتمل من الزهر. . . لكان أقرب إلى الأصح، على أننا لا ننكر أن لما حرر أمثالاً كثيرة في الدواوين ولا سيما دواوين المحدثين. وعلى كل حال فهذه المجموعة من النفائس التي يحرص على اقتنائها.
64 - النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة
تأليف جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردي الاتابكي.
الجزء الأول والثاني:
عودتنا (مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة) نشر أحسن الكتب، بازهى وشي، وأبدع طبع، وأثمن ورق. فمنشوراتها تشوق الناس اقتناءها وتحبب لهم المطالعة. وكأن ذلك لا يكفي، فان الدار المذكورة قد وقفت لها رجالا أفذاذاً مطلعين أتم الاطلاع على آداب العرب وفنونهم وعلومهم وأوضاعهم ومصطلحاتهم مباني لغتهم فيعلقون بالحواشي أصح التعليق وأشبهها للحق والصواب. وهذان الجزءان من هذا السفر الفاخر جاءا على غرار مطبوعات الدار المذكورة فإذا هما كنزاً تأريخ وتحقيق وتدقيق. وقد تصفحنا كثيراً من وجوههما فوجدناها من أثمن مفاخر السلف وأبدع مآثر الأجداد.
على أننا رأينا في بعض السطور ما يثير الشك في الصدر بما يتعلق ببعض الكلم. فإن المقدمة تذكر كلمة (الموسوعات) ص 3 ولا وجه لها في اللغة للدلالة على معنى الكتب الحاوية لأنواع المعارف والفنون. وأحسن منها: المعلمات جمع معلمة بمعنى الكتاب الذي تكثر فيه ضروب العلوم - وجاءت (المتحف) في ص(9/393)
4 ولو كانت (المتحفة) لكانت هي المطلوبة، أو دار التحف - وذكر الفعل وفق (ص 7 س6) معدى بالى. وقد ذكرنا مراراً أنه باللام دون غيرها. - ورأينا من معتمداته المطبوعة (في ص 8) مروج الذهب للمسعودي. طبعة بولاق. ووفيات الأعيان لابن خلكان طبعة بولاق أيضاً. ونظن أن مروج الذهب المطبوع في باريس أصح وأتقن، ووفيات الأعيان المطبوع في إيران أضبط وأحسن من الطبعة البولاقية: وفي ص 13 س13: المشهور بابن قريج (بقاف وجيم مصغر) ولعل الصواب: بابن قريج (مصغراً وبالتصغير وبقاف وجيم). وكتبت (طبرزد) (في تلك الصفحة في س11) بالدال المهملة والمشهور بالذال المعجمة وفي ص 17 س3:
وله اليد الطولى في علم النغم والضروب والإيقاع والمعروف عند أهل الفن. و (الضرب) وفي ص 22 س6: بل ويذكر. والأصوب أن يستغني بإحدى اللفظتين لا اتخاذهما معاً. - وفي ص 25 س5: (وانتهت إليه رآسة هذا الشأن) وهذا غلط شاع في أخريات هذه السنين والصواب: رياسة أو رئاسة (أي بالياء أو بالهمزة المرسومة على صورة الياء). - وكثيراً ما نرى أصحاب الحواشي يقولون: الفرنساوي. وهو لفظ منسوب بالصورة العامية، ولا يجوز أن يؤخذ بها، إذ المعروف والخفيف على اللسان الفرنسي. (راجع حاشية ص 4و 5 من الجزء الأول من النص لا من المقدمة).
ومثل هذه التوافه لا تؤثر في حسن هذين الجزءين ولا تحرمهما الفوائد التي تزينهما. ومما يزيد الحرص على شراء كتب هذه الدار أنها مزينة بالفهارس العديدة المختلفة المواضيع. ففي هذين الجزءين من الفهارس ثمانية وهي:
1 - فهرس الولاة الذين تولوا مصر من سنة الفتح إلى السنة التي ينتهي بها الجزء. - 2 - فهرس الأعلام. - 3 - فهرس القبائل والأمم والبطون والعشائر والأرهاط. - 4 - فهرس أسماء البلاد والجبال والأودية والأنهار ويغر ذلك. - 5 - فهرس وفاء النيل. - 6 - فهرس الغزوات والوقائع والأيام المشهورة. - 7 - فهرس أسماء الكتب. - 8 - فهرس الموضوعات الواردة في الكتاب وهي التي كتبت على هوامش صحفه.(9/394)
وقد وقع الجزء الأول في 434 صفحة والثاني في 426ص. ومع كل هذه المحاسن التي قلما تجتمع في كتاب مطبوع في ديار الغرب أو في ربوع العرب ترى قيمة الجزء الواحد بخسة جداً إذ يكلف كل جزء منقولاً بالبريد وموصى عليه فيه ثلاث ربيات لا غير.
ونظن أنه لا يجوز لخزانة من خزائن الكتب أن تستغني عن مطبوعات الدار لما في هذه الكتب من المواد التاريخية الشاملة جميع البلاد. نعم أن عنوان هذا الكتاب يدل على أنه موقوف لتاريخ القاهرة وملوك مصر. أما الحقيقة فإنه نافع لجميع الأرجاء الناطقة بالضاد. وكفى ذلك شهادة لوجوب اقتناء هذا السفر العزيز.
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 13 -
وقال المبرد في ص 296: (وفي وكيع بن أبي الأسود يقول الفرزدق:
لقد رزئت بأساً وحزماً وسودداً ... تميم بن مر يوم مات وكيع
وما كان وقافاً وكيع إذا دنت ... سحائب موت وبلهن نجيع
إذا التقت الأبطال أبصرت لونه ... مضيئاً وأعناق الكماة خضوع
. . . الخ)
وقال المبرد في (1: 155) من الكامل: (وقال الفرزدق يرثي ابنيه:
بغي الشامتين الترب أن كان مسني ... رزية شبلي مخدر في الضراغم
وما أحد كان المنايا وراءه ... ولو عاش أياماً طوالا بسالم
أرى كل حي ما تزال طليعة ... عليه المنايا من ثنايا المخارم
. . . الخ)
من الرثاء العظيم التأثير الهائج للأحزان، فما قيمة قول الأثري في تاريخ الأدب العربي، بل في كل تاريخ؟ ولم لم يترو في حكمه البعيد عن الحقيقة؟
وقال في ص 276: (ولكن بعد أن أزودك بشيء من مختار شعر جرير) قلنا: إنه لقمن أن يزود نفسه تعدية (زود) إلى مفعولين بنفسه. فقد علم القارئ أن البنت العربية بنت عبد الملك قد عدته آنفاً إلى مفعوليه بنفسه في قولها (إن يزودنا من شعره أبياتاً) فما أفصح بنات العرب قديماً وما أكثر لحن أدبائنا!! حديثاً.
مصطفى جواد(9/395)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - ريح عادية
نقرأ في تاريخ الجاهلية أن الله أراد أن يعذب الكفرة في أيام هود فنشر لهم ثلاث غمامات: بيضاء وحمراء وسوداء ملتحفة غضبه، فخرجت الريح عليهم في اليوم الأول شهباء، لم تترك على وجه الأرض شيئاً إلا نسفته نسفاً. وفي اليوم الثاني، ريح صفراء فلم تدع شيئاً إلا اقتلعته ورفعته إلى الهواء، وفي اليوم الثالث، حمراء فما مرت على شيء إلا أهلكته.
وقد تذكرنا هذه السحابات الثلاث ثلاث مرات في هذه السنة: مرة في 18 و19 آذار (مارس) ومرة ثانية في 7 نيسان (افريل) ومرة ثالثة في 11 منه إلا أن غمامة 7 نيسان كانت الهائلة: احمرت السماء فجأة احمراراً نارنجياً في نحو الساعة الثالثة بعد الظهر ثم اصفرت ثم اسودت فنزل من الأعالي تراب دقيق أعمى الأبصار وولج في جميع الغرف، حتى الغرف الموصدة إيصاداً محكماً، وأصبحت تلك الغمامة تاريخية ذكرتنا الغمامات الثلاث العاديات. نعم أن مثل هذه السحب، سحب الغبار، تنشأ في كل سنة عند تبدل الفصول الأربعة وتذر منه شيئاً كثاراً. لكن لم يقع أننا رأينا مثل هذه الغمامة المثلثة الألوان. وسبب ذلك أن الأمطار قلت في هذه السنة فيبست الفلوات ولم يظهر فيها كلا ولا عشب فكان الرمل يمعن في التحليق عند وقوع العاصفة، وكانت الريح إذا هدأت هوت تلك الرمال الدقيقة. ونخلتها على الناس حتى أن كثيرين منهم توهموا قيام الساعة، وجماعات قيدتها في مذكراتهم لتنقل إلى الخلف.
2 - سرب الطيران العراقي
وصل سرب الطيران العراقي الأستانة في 17 نيسان (أفريل) فجرى له هناك احتفال شائق أشترك فيه الشعب وسلطات الحكومة، وأدب له نادي اتحاد الطيران التركي في 18 منه مأدبة عشاء فاخرة.(9/396)
وقد علمنا أن معالي وزير العراق المفوض في أنقرة رفع إلى حكومة تركية شكراً باسم الحكومة العراقية على احتفاء تركي بسرب الطيران العراقي ووصل إلى بغداد في 22
نيسان فاستقبل بكل أبهة واحتفال.
3 - أقماع حركات الشيخ محمود الكردي
تمكنت القوات العسكرية في لواء السليمانية من أقماع حركات الشيخ محمود الكردي الذي تمرد على الحكومة وخذله معظم أعوانه الذين اشتركوا معه في حركات العصيان فسلموا أنفسهم إلى الحكومة بلا قيد ولا شرط وطلبوا الدخالة وتمكن الشيخ المذكور من الفرار على ما يقال إلى الحدود الإيرانية مع نفر قيل من أعوانه.
4 - البعثة العلمية الفرنسية أو البعثة الصفراء
أدب جناب القائم بأعمال القنصلية الفرنسية في العاصمة في 18 نيسان مأدبة عشاء للبعثة العلمية الفرنسية أو البعثة الصفراء وكان من المدعوين بعض الرجال العراقيين الإجلاء وحظي أعضاء البعثة بالمثول بين يدي صاحب الجلالة الملك المعظم في 19 نيسان ثم غادروا عاصمتنا إلى طهران في 20 منه.
5 - وفاة قرينة صديق لنا
من أصدقائنا المخلصين المطبوعين على العلم وحسن الشمائل السيد محمد مهدي العلوي (في سبزوار). وقد فارقت هذه الحياة الدنيا زوجته الصالحة وكانت سيدة صديقة حسينية. ولدت في حدود سنة 1329 هـ (1911 م) من والدين شريفين يتصل نسبهما بالحسين بن علي بن أبي طالب، وأبوها الحاج الميرزا حسين العالم المترجم في مجلتنا (8: 446) وفي صبيحة 28 رمضان من هذه السنة (17 ك2 سنة 1931) أنتابها داء في الحمل على أثر ولادتها ولداً ذكراً ولم يؤثر فيها علاج طبيبها. فتوفيت في ليلة 14 شوال 1349 (4 آذار 1931) وقد جاوز عمرها العشرين سنة. ولم تعقب غير ولدها المذكور الذي سماه والده (محمداً حسناً) ومشى في تشييع جنازتها جم غفير من الناس. ولم يعهد مثل هذا التشييع في سبزوار إلا نادراً؛ ودفنت في قطعة أرض في خارج المدينة، في جهة باب سبريز (دروازهء سبريز). واثر موتها في قلوب سكنة سبزوار لمكارم أخلاقها وتواضعها وموتها في ريعان الشباب.
وكانت شيعية دينة فنعزي صديقنا الوفي.(9/397)
بهذا الفقد الجليل ونتمنى له طول العمر.
6 - تعد على مطران
كان بعض الأرمن غير الكاثوليك في بغداد ضربوا مطرانهم ضرباً مؤلماً في الأسبوع الأول من آذار من هذه السنة فاتهم سبعة بهذا التعدي فتدخلت الحكومة في الأمر وعقدت محكمة القضاء جلسات متعددة قررت في أثنائها الإفراج عن أربعة من المتهمين ومحاكمة الثلاثة الآخرين.
وكان اليوم ال 30 من آذار (مارس) البت في المسألة، فسمعت المحكمة شهود الدفاع وفي الآخر أصدرت المحكمة حكمها القاضي بحبس كل من الثلاثة ثلاثة أشهر حبساً شديداً مع توقيف تنفيذ العقوبة بحقهم بشرط أن يكفلوا أنفسهم بمبلغ قدره ألفا ربية ويتعهدون بحفظ السلام مدة ثلاث سنوات من تاريخ الحكم ولما دفع المكفولون المبلغ المذكور أطلق سراحهم وهم:
الدكتور أميرزا، وارام دوزيان، وكالوست خاجيك سورمانيان.
7 - واردات المكوس
بلغ مجموع تحصيلات المكوس من أول نيسان سنة 1929 إلى غاية 28 شباط سنة 1930 المبلغ الذي قدره 25. 533. 728 ربية و13 آنة. وبلغت المكوس عن شباط 1930 المبلغ الذي قدره 1. 922. 816 ربية و6 آنات. وبلغ مجموع هذه التحصيلات من أول نيسان سنة 1930 إلى 28 شباط 1931 ما قدره 21. 555. 012 ربية و15 آنة. وبلغت التحصيلات عن شباط سنة 1931 ما قدره 1. 639. 311 ربية و7 آنات.
8 - عصابة من اللصوص تهاجم زورقاً بخارياً في نهر عمر
(العراق)
إن 12 رجلا مدججاً بالأسلحة هاجموا صباح الأحد 12 نيسان زورقاً بخارياً قادماً من العمارة في نهر عمر.
كان الزورق المذكور راسياً في نهر عمر، ينتظر سكون العاصفة التي هبت عليه في اليوم عينه وإذ بقارب فيه 12 رجلا مدججاً بالأسلحة يظهرون فجأة بالقرب منه. ثم يطلق هؤلاء الذعار النار على الركاب بصورة هائلة حتى يقال أنهم أطلقوا 200 رصاصة. وقد جرح
ثلاثة من الركاب، وأصيب اثنان منهم بجروح خطرة.
وقد تمكنت الشرطة من القبض على ستة أشخاص حامت حولهم الشبهة،(9/398)
وعثرت في محل الحادثة على بندقية ولا تزال في تعقيب الجناة والقبض عليهم.
9 - أسعار المواد الغذائية في البصرة
ننشر فيما يلي قائمة أسعار المواد الغذائية الضرورية حسب سعرها اليومي في سوق البصرة:
ربية آنة
لحم غنم (الحقة الواحدة) 0 10
لحم بقر (الحقة الواحدة) 0 6
الدجاجة الواحدة 0 8
خيار 0 12
فاصوليا 0 4
باقلاء 0 1
بصل 0 3
بطاطة 0 5
طماطة 0 5
سمك 0 6
12 بيضة 0 4
10 - المفاوضات بين العراق والحجاز
(انتهت المفاوضات التي دارت بين الملك ابن السعود، ونوري باشا السعيد، رئيس الوزراء العراقية بنجاح تام، وحلت جميع المشاكل التي كانت معلقة بين البلادين منذ زمن طويل، حلا مرضياً للفريقين، ووقعت الاتفاقات الخاصة بهما وبذلك فتح عهد جديد للعلاقات بين الحجاز ونجد والعراق، ووضع أساس راهن للوفاق العربي العام، وقد أبحر نوري باشا في 13 نيسان على الباخرة (الطائف) عائداً إلى مصر، في طريقه إلى العراق. وسافر رفيقاه
طه باشا الهاشمي، رئيس أركان حرب الجيش العراقي، وموفق بك الآلوسي، المدير العام لوزارة الخارجية، إلى اليمن في أول باخرة لمثل الغرض الذي تحقق في الحجاز).
والمفهوم أن الاتفاق الذي تم بين المملكتين هو تجديد المعاهدة الجمركية، وتوقيع اتفاقية حسن الجوار، أو اتفاقية حسن الجوار، أو اتفاقية تسليم المجرمين التي وضع أساسها قبل سنتين، ثم لم يتم الاتفاق بشأنها بسبب الاختلاف على أن يكون حكم الاتفاقية شاملا للقبائل البدوية مع الحواضر أيضاً أم يقتصر على الحواضر فحسب.
(أما الحلف العربي بمعناه الصحيح وهو عقد معاهدة سياسية بين الطرفين تتعدى الأغراض السابقة إلى سواها أهم منها فالظاهر انه ظل مطوياً في(9/399)
حقيبة نوري باشا السعيد إلى زمن آخر) أهـ.
11 - أنهر العراق دلائل الأحوال في 18 نيسان
أخذت دجلة بالهبوط في الموصل وبغداد وحصلت زيادة طفيفة في بيشخابور الواقعة على الحدود الشمالية وكذلك في الزاب الكبير في أسكي كنك. وعمت الآن الزيادة لوائي الكوت والعمارة والغراف إلى درجة مستوى نهر عال.
إن الفرات يجر مقادير هائلة من المياه وقد أرتفع مستواه في عانة مقدار متر واحد وخمسة وثلاثين سنتيمتراً خلال الخمسة أيام الأخيرة وفي الرمادي بلغت المياه إلى درجة من الخطورة تجعل انكسار الاسداد في تلك الجهات محتمل الوقوع في كل لحظة.
واصبح الآن بحكم المقرر انه سيحصل فيضان عال في الفرات، لأنه أرتفع قبل نحو أسبوع إلى مستوى عال في جرابلس ودير الزور مهم أخذ بالهبوط في جرابلس في 17 الجاري (نيسان) ولكنه لا يزال مستمراً في الارتفاع في دير الزور.
وهناك من الدلائل ما يثبت سيل مقادير عظيمة من المياه في الفرات من نهر الخابور ووادي حوران.
فمن المحتمل أن تحدث بعض كسرات في الاسداد.(9/400)
العدد 91 - بتاريخ: 01 - 06 - 1931
أبناء ماجد النجديون
كنت أظن أن كتب ابن ماجد النجدي، وسليمان المهري. في فنون الملاحة التي عني بطبعها ونشرها وتعريفها والتعليق عليها العلامة الفرنسي (غبريال فران)، وبحث عنها في كتاب عنوانه ب
أقول كنت أظن أنها عين الكتب التي حوته مجموعتي البحرية المذكورة في كتابي (مخطوطات الموصل) (ص 280) إلى أن اطلعت على نسخة من كتاب غبريال فران عند الأب الجليل صاحب هذه المجلة، فإذا بالمتن العربي المنشور لا يحتوي على ما في مجموعتي من الكتب، لا كله ولا بعضه. فأيقنت أن لا قرابة بين ما نشر، وبين ما حوته مجموعتي الخطية، إلا ما سأذكره من قرابة بين المؤلفين وإليك البيان:
1 - مجموعتي صغيرة، طولها 17س وعرضها 10. 5 س. ورقها رقيق. عدد أوراقها الحاضرة 97. وقد سقطت ورقة من أولها، وبين هذه الأوراق السبع والتسعين، ثمان منها غفل (أي ليس عليها كتابة)، ومن(9/401)
المحتمل أنها أعدت لنقش بعض الصور ثم أهملت. وتقع الورقات الغفل بين نهاية كتاب وابتداء كتاب يليه في المجموعة.
أما الكتاب الذي نشره فران بالزنكو غراف فكبير الحجم يفع في مجلدين وسطين.
2 - تبتدئ مجموعتي بصور سفن شراعية قد صورت بألوان يرى فيها كيفية نصب الأشرعة. ويتخلل المجموعة صور آخر سنأتي على ذكرها.
أما الكتاب المنشور فخلو من الصور والرسوم والخرائط.
3 - مجموعتي تشتمل على أربعة كتب. بعضها جداول وبعضها كلام منثور وليس فيها شئ منظوم.
أما كتب احمد بن ماجد المنشورة فجلها منظوم أراجيز.
4 - جاء في أول صفحة من الكتاب الأول في مجموعتي ما نصه بحروفه: (هذا الميل المشهور مصنفه شيخنا العالم العلامة البحر الفهامة. الشيخ شهاب الدين حاج الحرمين، أستاذنا الشيخ محمد بن ماجد بن عمر بن فصل بن يوسف بن دويك ابن أبي البركان النجدي). أما الكتب الثلاثة الباقية فلم يذكر مؤلفها.
أما مؤلف الكتاب الذي نشره فران فقد جاء اسمه في ظهر الورقة ال 88 من الكتاب هكذا: (أسد البحر الزخار، شهاب الدين احمد بن ماجد بن محمد بن عمرة بن فضل بن دويك بن أبي الركائب النجدي). وفي وجه الورقة ال 128: (المعلم شهاب الدين رابع الثلاثة احمد بن عمرو بن فضل بن دويك ابن يوسف بن حسن بن حسين بن أبي معلق السعدي ابن أبي الركاب). وفي وجه الورقة ال 137 (ناظم القبلتين مكة وبيت المقدس حاج الحرمين الشريفين خلف الليوث احمد. . . .). وفي ظهر الورقة ال 145 (حاج الحرمين الشريفين راتع الليوث احمد بن ماجد بن محمد). وفي وجه الورقة ال 165 (حاج الحرمين خلف الليوث شهاب الدين احمد بن ماجد ين عمرو). وفي المجلد الثاني في الورقة ال 93 (شهاب الدين احمد بن ماجد بن عمر السعدي). ومثله في ظهر الورقة ال 109 من المجلد عينه.(9/402)
يلخص من ذلك أن مؤلف كتاب (الميل) في مجموعتي مشتهر بابن ماجد النجدي ومؤلف الكتاب المنشور مشتهر بعين الشهرة. ولكن اسم الأول محمد بن ماجد ين عمر بن فضل. واسم الثاني احمد بن محمد بن عمر بن فضل. فيظهر من ذلك أن ذلك مؤلف كتاب (الميل) هو أبو مؤلف الأراجيز وغيرها في الكتاب المنشور. يتقى هناك اختلاف طفيف بين (عمر) و (عمرو) ولا بد من أنه عمر وخالفهما المجلد الأول. واختلاف طفيف آخر بين (. . . ابن فضل بن يوسف بن دويك) وبين (. . . ابن فضل بن دويك بن يوسف). وهذا تقديم وتأخير في النسب. أما الاختلاف بين (بركات) و (ركاب) و (ركائب) فلابد من أنه من النساخ لتقارب رسم الأحرف.
وفي نعت احمد بن ماجد بأسد البحر الزخار ثم نعته في محل آخر بخلف الليوث دليل على أن احمد الماهر في الملاحة سليل ملاحين ماهرين ميله.
ولم يفت ذلك غبريال فران. فقد أشار إليه في ج3 ص 221 من كتابه المار الذكر.
وهذه بعض العبارات الواردة في كتاب احمد بن ماجد النجدي المنشور الدالة على أن أباه وجده أيضا كانا معلمين واشتغلا في الفنون البحرية. وفيها يصرح احمد أن أباه نظم وألف فيها:
في وجه الورقة ال 78 عند كلامه على بحر القلزم يقول: (وقد كان جدي عليه الرحمة
محقق فيه ومدقق ولم يفر لأحد فيه وزاد عليه الوالد وحمة الله عليه بالتجريب والتكرار وفاق علمه علم أبيه).
وفي ظهر الورقة عينها يقول: (وكان الوالد عليه الرحمة يسمونه الربابين(9/403)
ربان البرين ونظم الأرجوزة المشهورة الحجازية فوق ألف بيت ومع ذلك كله قد أصلحنا له منها ما رأينا فيه الخلل ورتبنا ما لم يكن فيها).
وفي ظهر الورقة ال 86: (وقد ذكرنا في الأرجوزة السبعية جميع القياسات التي يليق بهذا البر المجودة ولم نترك شيئاً. والوالد عليه الرحمة والغفران، ذكرها بحسن (كذا) طرق الباحة، وبر العجم، وبر العرب، والأوساط بين الجزر، ولم يدع شعب ولا جزيرة إلا وذكره. ومع كل ذلك ختم أرجوزته وقال فيها في شعره من الأرجوزة شعراً:
وقد فرغ القرطاس والمداد ... وما بلغت من العشر أعداد
وفي وجه الورقة ال 87: (. . . وبعدهم المرما وظهرته. فظهرته. كان والدي يربط فيها فأنها مكوز وهي رأس الخريق. لم يكن شاميها شيء. فسموها اكثر أهل ذلك الزمان ظهرة ماجد).
الكتاب الأول
وهاك الآن نموذجاً من كتاب (الميل) لمحمد بن ماجد النجدي كما جاء في صفحته الأولى في مجموعتي:
الحمل الأولالثور الأولالجوزة الأول
روز درجات دقايق روز درجات دقايق روز درجات دقايق
01 00 24 01 12 01 01 20 30
02 00 47 02 12 21 02 20 42
03 01 11 03 12 41 03 20 53
04 01 35 04 13 01 04 21 04
05 01 58 05 13 20 05 21 14
06 02 22 06 13 39 06 21 25
07 02 45 07 13 58 07 21 34
08 03 09 08 14 16 08 21 44
09 03 32 09 14 36 09 21 53
10 03 56 10 14 55 10 22 02(9/404)
وهكذا تتسلسل الأرقام تحت حقل (روز) إلى 31 مع ما يقابلها من الدرجات والدقائق في كل صفحة. وبعد انتهاء البروج الاثني عشر تتكرر من جديد باسم الحمل الثاني، الثور الثاني، الجوزة (الجوزاء) الثاني، السرطان الثاني. . . الخ. ثم الحمل الثالث. . . الخ. ثم الحمل الرابع. . . الخ.
يعقب ذلك صفحة عليها صور ثماني سفن ملونة. وضعت لاراءة كيفية اخذ ميل قرص الشمس بأوضاع شتى.
تأتي بعد ذلك جداول بالأرقام وقعت في 46 صفحة. عنوان الحقول في أعلاها: (مساج)، (عرض)، (طول).
ثم تأتي وردة الرياح ملونة بألوان. سمي فيها الشمال (الجاه)، والجنوب (القطب)، والشرق (المطلع)، والغرب (المغيب). وسميت الجهات الفرعية بأسماء كواكب. وهي من الشمال (الجاه) إلى الشرق والجنوب كما يلي: الفرقد، النعش، الناقة، العيوق، السماك، الثريا، المطلع (الشرق) الجوزة، التير، الإكليل، العقرب، الحماران، سهيل، السنبار، القطب (أي الجنوب). هذا لمطالعها في الشرق. ويقابلها مثلها في الغرب لمغايبها.
يعقب ذلك جدول في صفحة واحدة عينت فيه أيام النوروز في سني الهجرة من 1280 إلى 1309 وما يقابلها من السنين الميلادية من 1863 إلى 1892.
الكتاب الثاني
أما الكتاب الثاني من المجموعة فقد خطط على أول صفحة منه شبه إطار لكتابة اسم الكتاب ومؤلفه ولكنه ترك ابيض واكتفي بكتابة (يا حي يا قيوم) في أعلى الإطار و (ارحم من لا يدوم) في أسفله. والكتاب مجموع جداول وقعت في 24 صفحة، وفي كل صفحة حقلان. ذكر فيها ما يصادف الملاح على الساحل أو قربه من بنادر وانهار ورؤوس وجزر وأخوار وجبال وبلاد وقرى ومراس وقلاع وخرائب وأصنام ودندات وغير ذلك. وعلى يمين كل اسم من هذه المواقع ويسارها أرقام درجات العرض والطول. وكلما آتى اسم بندر
مهم كتبه بالحبر الأحمر.
وهاأنا ذا ذاكر بعض هذه الأسماء صارفاً النظر عن أرقام الطول والعرض:(9/405)
(بندر البصرة المبارك، نهر المناوي، نهر السراجي، نهر السبيليات، نهر فرتادير، رأس أبو الخصيب، غبة سيحان، رأس طريق البحرين، رأس مركز، جزيرة مرخص، خور هابلي، خور ياطني، بندر ساري، رأس التنور، بندر القطيف. . جزيرة البحرين. . جزيرة قاعرابية، جبل سلار، خور قطر، جزيرة دانس، جزيرة حالول، صير أبو نعير، جزيرة بينونة، بندر أبو ظبي، خور أبو موسى، بندر الشارجة. . . بلد الرمس، بلد شعم، بلد بخه، بلد خصب، جزيرة الغنم، رأس المسندم. . جزر بنات سلامة. . جزيرة أم الفيارين، غبة غزيرة. . بندر سحار، بلد صحم، بلد الديل. . جزيرة حابوث. . بلد الغبرة، خوير وعوير وزوير. . . قرية اربق، بندر مطرح، مسقط الأرزاق - بلد قريات، بلد دغمر، بلد ضباب. . صور الفتنة. . رأس الحد. . رأس أبو رصاص. . جزيرة جبلي. . بندر مرباط، بندر طاقة. بندر ظفار. . حصويرالمهرة. بندر صيحوت - بندر الشحر سمعون، بندر المكلا يعقوب - بلد عدن - جبل الفانوس، باب سكندر. . بندر المخا الشادلي. . بندر الحديدة الصديق - السبع الجزر قادحات النار، جزيرة كمران، بندر الحية، بيت الفقيه، بندر جيزان جزيرة العنابين، جزيرة فرسان، خرابة فرسان، جبل النقم أجارنا الله - بندر القنفذة. . جزيرة دقوادي - مرس آدم عليه السلام - جزيرة مسماري - بندر الحرمين جدة. . بندر حنين، رأس جنبع (ينبع)، بندر ربقا، بر الحبش - بندر سواد. . بندرمساس، بندر طرفان، جزيرة سواكن - رأس العقيق - بندر مصوع - جزيرة أبو ربية. . بندر زيلع. . سقطرة. . جزر الصابونيات. . رأس حافون. . بندر مقدشوه - أم الحواوين، جزيرة قيامة. . ملندري. . بندر محبس ممباسة - بندر زنجبار - سفالة، خور سفاله سيكوه، جزيرة فيقيه، جزيرة مافيه، بندر هديلان. . رأس الكاب والكلب، بندر سنكاره. . جزيرة الشيخ رم - دس كافري، دس سكري - بندر طوياس - جزيرة مسنبيج - سفاله معمورة، بمدر نوف. . رأس هيني، كاب أبو الفراس). وهنا انقطاع يليه في الصفحة التالية:(9/406)
(بندر البصرة الفيحاء، جزيرة بلقيس - بندر المحمرة - جزيرة سيحان، دوحه عبادان -
خور أبو موسى - خرابة كوجك - رأس شط بني تميم، بندر أبو شهر - بندر كنقون - بلد بسيتينة - باغ الفرنجي - جزيرة جيس - بندر لنجه - جزيرة هنجام. . جزيرة هرموز، بندر العباس. بندر إبراهيم، بندر كوستك - بندر جاش. . خرابة شهبار، رأس جيونه. . رأس جبل جميل، بندر جوادر. . بندر سورميان. . جزيرة جرنه، جبل مناره، بندر كراشي. . دندة دبة - جزر انكوره 3 - بندر مدى كش. . إسلام نكرجر - دندة رضوي، جبل رضوي - خرابة بهال - جزيرة بيت عكة - شعب كوترنوان - بندر خورميان - صنم ريره كولي نار - جزيرة الديو. . خرابة حويره، سلطان بور، مقام خضر بور. . دندة كهان شمالي، دندة كهان جنوبي، بندر سورت - بندر منبي (بمبي)، كلابه المناره - خرابة كوه مباري. . قلعة سرندوه. . جزيرة دندة واسي، قلعة ديري. . خور بندر قوة جزيرة ازاديو - قلعة مرديس - صنم سورج، بندر منقرور الموره، صنم سومبر. . بندر كالكوت، كاليكوت القديمة. . خرابة كريه، بندر كابل بتن، بندر كلنب سيلان - طوطا جام سيلان، جبل سرنديب - محمود بندر - بندر فلجيري. بندر مدراس - كركندي - جكرنات بور، اسحق بتن - بندر قنجام. . جكرنات شمالي صنم، جكرنات جنوبي صنم - الغريز المركب أبو قنديل - بندر كلكته بنقاله. . خور اكراسي). وهنا انقطاع يعقبه في الصفحة التالية ما يلي:
(فال كان شمالي - جزيرة شتلاكم - جزيرة أميني - اندون، جزيرة كورتي - جزيرة مكيلي، جزيرة كيلاي). . وبها ينتهي الكتاب الثاني.
الكتاب الثالث
الكتاب الثالث وقع في 29 صفحة. كتب في صدره: (وهذا ابتداء مجرات بر الهند ولون مناتخ جباله وعلايمه وصفته ومجاريه ودوابه ويتلوه أيضاً مجرات بر العرب والسواحل ولونه وعبراته بمن الله تعالى). وفي آخر الكتاب ما حرفه: (تم الكتاب بأذن العزيز الوهاب صبح الجمعة وقد مضى من بعد الشروق ساعة 1 دقيقه 12 ولعله في 27 شهر جمادى الآخر وفي 7 شهر كانون الأول من اشهر الرومية وفي 13 منزلة الدبران وفي 19 يوماً في دزنمبر من أشهر الفرنجية وفي 27(9/407)
القوس وفي 117 يوماُ من النوروز وسنة 1279 من الهجرة النبوية وسنة 1864 من الهجرة المسيحية (كذا) على يد اقل عباد الله راشد ين
صالح ولد حريرة بيده). (الكلمتان الأخيرتان مشوشتان).
قد قسم الكتاب إلى خمسة أبواب:
الباب الأول في منتخ بر الهند وعلائمه ومجاريه وجباله ودوابه. في 11 صفحة.
الباب الثاني في مجرات بر العرب. في 15 صفحة.
الباب الثالث في معرفة مجرات التدبيرة وصفة الباطلي وما يحتاج في الزيادة والنقصان. في صفحة واحدة وخمسة اسطر.
الباب الرابع في استخراج المجرا من الدائرة في صفحتين. ضمنهما وردة الرياح يقابل شعبها أرقام.
الباب الخامس في مقدمة البر بالاختصار. في 9 صفحات.
أول الباب الأول: (افهم أخي أيها الطالب لذلك إذا نتخت شمالي كراشي تنتخ جبل ميز، وهو جبل على سيف البحر رأسه الغربي أعلى من رأسه الشرقي وهو مسلوب الطرفين وفي وسطه هزع وعلى رأسه الغربي جزيرة جرنة جزيرة صغيرة على هيئة القبوس هكذا صفتهما. (وهنا يصور الجبل والجزيرة وهكذا كلما ذكر جبلا أو جزيرة صورهما كما يبدوان للناظر. وفي الكتاب 35 صورة من هذا القبيل. ولنداوم على النقل قال): فإذا كنت عن هذا الجبل إلى جهة المغيب تنظره منقطعاُ عن البر كأنه جزيرة ومعترضاً مطلع ومغيب فإذا كان مرادك سورميان اجعل الجزيرة المذكورة بحريك تكون تظرب في القطب فإذا ضربت فيه أقبظ الحاه تظرب خور سورميان وهي من الجزيرة تحت الجاه زام هكذا وان مرادك كراشي إذا خلف عنك جبل ميز اقبظ الجوزة يظهر لك جبل صغير مثل الدائرة وهو جبل كراشي الذي عليه السراج وإذا ظهرت لك القلعة اقبظ جنوبيها قليل ولا تقارب الرأس الشرقي أن فيه مرقة خارجة منه إلى جهة المطلع. ومطلع هذه المرقة جزراً صغار ثلاث أو أربع فأحذر تسفل إليهن. وفي هذا العصر ملكها الانقريز وجعل لمدخلها علايم بوجات. (من هما يفهم أن هذا الكتاب(9/408)
ألف بعد دخول الإنكليز الهند. نداوم). وأما البحر إذا كنت من كراشي لنحو المغيب يجيك اسود وان كنت من كراشي لنحو المطلع يجيك البحر اغبث إلى الجكت ثم يخظر إلى أن تعداه ثم يسود على هذه الصفة. وإذا سافرت من كراشي وخرجت من الخور اقبظ إلى أن تصل بحر باع 12 ثم ارجع في مطلع العقرب
والحمارين. وهذا البحر تجيك دندت دبه قدر نصف زام وهي ظاهرة. فإذا قبضت بحر باع 10 يضرب بك رأسها المغيبي وبحر الثمانية تظرب رأسها الشرقي وهي التي خارجة للبحر، وباقي الدندات في البر عنها وهذه صفتها). (وهنا صورة كنها دكة. فيفهم أنه يريد بالدندة الصخرة في البحر وهي ما يسميها الفرنسيون وويقول في مكان آخر: (وأما إذا كنت مقبلا من جهة المغيب أحذر أن تقرب البحر في ستة وسبعة أبواع خوفاُ من الشعب الذي في تلك الأماكن عليهن البحر ربع باع ونصف باع). فيفهم من ذلك أنه إذا كانت الصخره قريبة من وجه البحر ولكن ماء البجر يغطيها فانه يسميها شعباً وإذا كانت ظاهرة فوق سطح الماء يسميها دندنة. ولاشك أن هذه الكلمة مأخوذة من الفارسية دند بمعنى سن.
وهاك كلاماً من أول الباب الثاني: (بندي من صور. الأول إذا خرجت من خور صور اقبظ مغيب النعش إلى عدال رصاغ ثم اقبظ الناقه والعيوق إلى أبو داود وأرجع في مغيب الواقع إلى الخيران واقبظ السماك يضرب بك صيرت مسقط. . . الخ). هكذا يصف ساحل خليج فارس العربي والساحل الجنوبي لجزيرة العرب وساحلي البحر الأحمر وساحل أفريقية الشرقي إلى ما دون زنجبار. ويذكر هناك أسماء جزر كثيرة.
وجاء في الباب الثالث: (إذا حصل مساج دقيقة 50 فزد خمس وعلى الميئة عشر وذلك في وقت معلوم مثل أيام التدبيرة إذا قربت من الجزائر تقوى المايه وترمي إلى نحو الجاه خصوصاُ نوروز 280 فتصير المايه والموجه والريح جميعاً إلى نحو الجاه ويصير الجري قايم قوي الحركة والاصطلاب في الباطلي. . . الخ).
وجاء في الباب الرابع: (في استخراج المجرا من الدائرة. أولا نأخذ(9/409)
فاضل الطولين وفاضل العرضين أن كانا في جهة واحدة من شمال الأصلي أو فاضل الطولين وجملة العرضين إذا كانا مختلفين الجهة إذا كان الباب في الشمال وأنت في الجنوب وتظرب كل في نفسه وتجمع الجميع ثم جزره والذي يخرج من الجزر هو المسافة ثم اخذ العرض واضربه في قاعدت بعد الجاه وهو ستة وثمانون ونصف والجملة اقسمها على نصف والجملة اقسمها على نصف الطول والمسافة فما خرج انقصه من التسعين والباقي كل خن أحد عشر درجة وربع فما وقع في الخن أو بين الخنين فهو المجرا. . . الخ).
وجاء في أول الباب الخامس: (في مقدمة البر بالاختصار، اعلم أرشدنا الله وإياك
والمسلمين لطريق الهدى والصواب. الأول نبدي أن شاء الله تعالى من رأس الحد ويسمونه رأس الجمجم لأنه جمجمة بر العرب اقرب ما يكون لبر الهند من بر العرب وهو رأس رمل ابيض ولساناً ممدوداً لداغ مخالط البحر في ظلمات الليل يتغلق البحر أيام الخريف من جنوبيه ولم يتغلق من شماليه في أي وقت يكون من الأوقات والأزمان. الأول من رأس الحد إلى مصيرة هذا البر يسما بر الاطراح ومن مصيرة إلى رأس فرتك هذا البر يسما بر الأحقاف ومن فرتك إلى عدن يسما بر الحرز إلى حدود الباب وأما من الباب وهو المندم يسمونه باب سكندر منه إلى حلي بن يعقوب. فهذه تهايم اليمن ومن حلي إلى جبل رضوة هذه تهايم الحجاز ومن جبل رضوة إلى بطن السويس فهذه تهيم الشام ثم رجع البر بميله نحو القصير وهو أول جهة الحبشة الغربية ثم انقاد البر إلى أرض النوبة وسنار والدهالك والدنا كل إلى أن يصل الباب الكبير المتقدم ذكره. . . الخ).
وعلى هذا النمط يصف ساحل أفريقية الشرقي إلى الكاب ثم الغربي إلى الزقاق (مضيق سبتة) وهنا يذكر أمريكا بقوله: (. . . وهو البحر المحيط بالدنيا فانقطع بر ثاني عند مغرب الشمس وهو بر المريكان وقيل برا قليل المجاوزة فيه لأن العرض والطول كيس (كلمة مشوشة) في كتب العرب والتواريخ). ثم يصف البحر المتوسط. ثم يذكر بر الترك والأرس (الروس) ويأجوج ومأجوج والصين ويذكر البحر سنجافورة وساحلي السنجال ثم ساحل الهند الغربي وساحل إيران(9/410)
إلى البصرة وينعطف إلى الساحل العربي من خليج فارس ويصف بلاده وبقاعه وجزره وقبائله إلى أن يصل إلى رأس الحد نقطة مبدأه.
الكتاب الرابع
الكتاب الرابع يبدأ بقوله. (بسم الله الرحمن الرحيم أما بعد فهذا الكتاب المسما فكرة الهموم والغموم، والعطر المشموم، في العلم المبارك المقسوم، في العلامات والمسافات والنجوم، على جميع الأقطار والأماكن والجهات ليزداد فيه الطالب نبهة وفكرة، ويتنبه الغافل من كل سكره، هذا العلم شواهده مذكورة مشهورة، وفوائده بينة مسرورة، يدلك مع التوفيق، بجوادك في اللجج والطريق أن شربت منه بهنيك، وإن رغبت فيه يكفيك، وان توكلت على مولاك يهديك، فتفترع منه علوماُ كثيرة لا يحصها إلاًّ الله تعالى، فيه معروفة السنين القمرية والشمسية والكبائس وعلم المجاري والنجوم ومنازل القمر وحلول الشمس في البروج وعلم
الأيام والساعات والدقائق وزيادة الليل والنهار والأخذ من بعضهن بعض في الميل الأعظم وحساب الفصول الأربعة. الشتاء والربيع والصيف والخريف ومعرفت الجهات المربعات. الشمال والجنوب والشرق والغرب وأربع الجهات المنحوية شمالي شرقي وشمالي غربي وجنوبي غربي وجنوبي شرقي لأن حلول الشمس في البروج على حساب النوروز اقرب تناولا وأليق بأهل البحر من غيره وان كان يحيل على طول الزمان. . . الخ).
في الصفحة الثامنة شكل مستطيل ملون بلون ترابي قد قسم ثمانية أقسام وكتبت عليه أسماء البروج ثلاثة ثلاثة بشكل حرف مقلوب مائل وعلى يمين المستطيل وشمالية أرقام من 1 إلى 360 وفي أعلاه وأسفله من 10 إلى 90.
وفي الصفحة التاسعة يقول: (الثاني من الفروع في تفصيل الديرة. نعم أخي إن الديرة أربعة أرباع. . الخ). يريد بالديرة الحق أي
وفي الصفحة 13و 14 صور مختلفة للسفن مع أوضاع الشمس. يعقبها خمس صفحات بيض يأتي بعدها ذكر قواعد لتعين الطول في 9 صفحات. يأتي بعدها صفحه عليها جدول عناوينها: (هذا مساج)، (هذا طول)، (هذا عرض)، (هذا صافي المجرا). يليها في الصفحة التي بعدها: (فصل في معرفة استخراج(9/411)
المجرى والعرض والطول والمسافة بالربيع المجيب. إذا كان عندك مساج وخن المجرى وتريد عرض وطول فيحتاج أن تضع الخيط أو الفركال على الستين وعلمه بقدر المساج الذي معك من الباطلي أو غيره ثم انقله إلى خن المجرى الذي عندك واخرج به من الستين فما حصل فهو العرض المطلوب. . . الخ). وعلى وجه الورقة التي تليه صفة الربع المجيب بشكل ملون متقن وعلى ظهرها صورة سفينة قد مدت جميع أشرعتها وقد صورت تصويراُ بديعاً بألوان.
تأتي بعد ذلك الإيعازات التي يوعز بها الربان للنوتية عند تسيير السفينة كما ذكرتها في كتابي (مخطوطات الموصل) ص 282، وغير ذلك. وينتهي الكتاب بخريطة جزيرة سقطرة.
إن هذا الكتاب الأخير خلو من اسم المؤلف وليس في آخره كتابة أو تاريخ. وفي صدره إطار لم يكتب فيه شيء. عدد صفحاته 34 ما عدا الصفحات الخمس البيض. أظن أن الناسخ كان ونوي أن يصور على هذه الصفحات صور سفن أو غيرها ولكنه لم ينجز
علمه.
الدكتور داود الجلبي
تحية العلم العراقي
(للصف الرابع الابتدائي):
علمي إليك تحيتي وسلامي ... فاطلب من العلياء خير مقام
علمي أرى قلبي يسر بمنظر ... لشعار امتنا العزيز السامي
فذا الاحمرار علامة لأمية ... تلك التي هلكت بشر حسام
أما بنو العباس فالشية التي ... اسودت شعارهم بكل مقام
والفاطميون البياض شعارهم ... حتى أصيب زمانهم بنيام
مصطفى جواد(9/412)
من دفائن رسائل الجاحظ
وصل إلينا قبل نحو شهرين مغلف ناقص الأجرة من إيران. ومن عادتنا أن نرفض كل ما سرد إلينا ناقص الإيراد. ويتفق أن يقع لنا مثل هذا الأمر مراراً عديدة في الشهر الواحد؛ إلا أننا هذه المرة خافنا عادتنا، فقبلنا المغلف وأدينا ما وجب أداؤه من إتمام الأجرة لظننا أنه من صديق عزيز لنا في فارس. وأما فضضناه، اسقط في يدنا، لأننا رأينا فيه رسالة دقيقة الحروف وليس بين كلمة وكلمة مغرز نقطة واحدة. وليس في الرسالة (رأس سطر) فأنها من أولها إلى آخرها متراصة الحروف والسطور لا تقرأ إلا بالمنظار. فألقيناها بين المهملات وندمنا على أننا أدينا عنها إتمام الابراد.
ومن بعد مضي شهر عليها أو اكثر، عدنا إلى مطالعتها لنرى موضوعها فرأينا أنها تحوي رسالتين للجاحظ: أولهما (في تفضيل بني هاشم على من سواهم) وآخرتهما (في إثبات إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام) ونطلب إلى القراء أن يفيدونا عما يعرفون من نسخهما.
وقد وهم الناسخ في رسم كثير من الكلم حتى أنه افسد بذلك بعض المعاني. ففي بعض المواطن أمكننا أن نرجع إلى مورد نعرفه فوردناه، فأصلحنا الخطأ، وأما المواطن التي صعبت علينا معرفتها، فأبقيناها على علاتها، تاركين التبعة على الناقل، وهو الشيخ فضل الله الزنجاني، الذي يلقي التبعة على ناقل النسخة التي ظفر بها.
وحضرة الكاتب الأديب لم يقل لنا أين وجد هاتين الرسالتين ولم يصف النسخة التي نقل عنها. ولا سنة كتابتها. والظاهر أن حضرته غير واقف على أصول النقل ولا على أحكام النسخ وطبع المخطوطات، والإفادة التي أفادنا إياها حضرته هي أنه:
(نقل هاتين الرسالتين علي بن عيسى الاربلي، من أفاضل علماء القرن السابع في كتابه. ولولا نقله لهما، لضاعتا كما ضاع أمثالهما. فللموصليين: المتقدم(9/413)
(علي بن عيسى) والمتأخر (الدكتور داود بك الجلبي). الفضل الكبير في حفظ آثار الجاحظ الخالد).
انتهى كلام الشيخ الأديب.
رسالة للجاحظ في تفصيل بني هاشم على من سواهم
بسم الله الرحمن الرحيم
اعلم حفظك الله، أن أصول الخصومات معروفة بينة وأبوابها مشهورة، كالخصومة بين الشعوبية والعرب، والكوفي والبصري، والعدناني والقحطاني، فهذه الأبواب الثلاثة انقض للعقول السليمة وافسد للأخلاق الحسنة، من المنازعة في القدر والتشبيه، وفي الوعد والوعيد، وفي الأسماء والأحكام، وفي الآثار وتصحيح الأخبار. وانقض من هذه للعقول تمييز الرجال، وترتيب الطبقات. وذكر تقديم علي وأبي بكر رضوان الله عليهما.
فأولى الأشياء بك القصد، وترك الهوى، فان اليهود نازعت النصارى في المسيح، فلج بهما القول حتى قالت اليهود أنه ابن يوسف النجار، وأنه لغير رشدة، وأنه صاحب نيرنج، وخدع، ومخاريق، ناصب شرك، وصياد سمك، وصاحب شص وشبك، فما يبلغ من عقل صياد، وربيب نجار؟
وزعمت النصارى أنه رب العالمين، وخالق السموات والأرضين، واله الأولين والآخرين. فلو وجدت اليهود أسوأ من ذلك القول لقالته فيه. ولو وجدت النصارى ارفع من ذلك القول لقالته فيه. وعلى هذا قال علي عليه السلام يهلك في رجلان: محب مفرط، ومبغض مفرط. والرأي كل الرأي، أن لا يدعوك حب الصحابة إلى بخس عترة الرسول. - صلى الله عليه وسلم -، حقوقهم وحظوظهم فان عمر، لما كتبوا الدواوين، وقدموا ذكره، أنكر ذلك وقال: ابدءوا بطرفي رسول الله صلى الله عليه وآله، وضعوا آل الخطاب، حيث وضعهم الله. قالوا: فأنت أمير المؤمنين؟ فأبى إلا تقديم بني هاشم، وتأخير نفسه فلم يشكر عليه منكر، وصوبوا رأيه وعدوا ذلك من مناقبه
واعلم أن الله أراد أن يسوي بين بني هاشم وبين الناس، لما أبانهم بسهم ذوي القربى، ولما قال: وانذر عشيرتك الأقربين؛ وقال تعالى: وانه لذكر لك ولقومك، وإذا كان لقومه في ذلك ما ليس لغيرهم، فكل من كان اقرب كان ارفع ولو سواهم بالناس لما حرم عليهم الصدقة؛ وما هذا التحريم إلا لإكرامهم(9/414)
على الله. ولذلك قال للعباس حيث طلب ولاية الصدقات قال لا أوليك غسالات خطايا الناس وأوزارهم، بل أوليك سقاية الحاج والإنفاق على زوار الله. ولذا كان رباه أول ربا وضع. ودم ربيعة بن حارث أول دم أهدر، لأنهما القدوة في النفس والمال. ولهذا قال علي عليه السلام على منبر الجماعة: (نحن أهل بيت لا يقاس بنا أحد)
وصدق صلوات الله عليه كيف يقاس بقوم منهم رسول الله، والأطيبان علي وفاطمة، والسبطان الحسن والحسين، والشهيدان أسد الله حمزة وذو الجناحين، جعفر وسيد الوادي عبد المطلب، وساقي الحجيج العباس وحليم البطحاء والنجدة والخير فيهم والأنصار أنصارهم والمهاجر من هاجر إليهم ومعهم. والصديق من صدقهم، والفاروق من فرق بين الحق والباطل فيهم، والحواري حواريهم وذو الشهادتين لأنه شهد لهم ولا خير إلا فيهم، ولهم، ومنهم، ومعهم، وقال عليه السلام، فيما أبان به أهل بيته: إني تارك فيكم الخليفتين: أحدهما اكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض. وعترتي أهل بيتي نبأني اللطيف الخبير، انهما لن يفترقا، حتى يردا علي الحوض، ولو كانوا كغيرهم، لما قال عمر حين طلب مصاهرة علي: أن سمعت رسول الله (ص) يقول كل سبب ونسب منقطع يوم القيامة، إلا سببي ونسبي.
واعلم أن الرجل قد يتنازع في تفضيل ماء دجلة على ماء الفرات، فان لم يحتفظ، وجد في قلبه على شارب ماء دجلة رقة لم يكن يجدها، ووجد في قلبه غلظة على شارب ماء الفرات، لم يكن يجدها فالحمد لله الذي جعلنا لا نفرق بين أبناء نبينا ورسلنا نحكم لجميع المرسلين بالتصديق، ولجميع السلف بالولاية. ونخص بني هاشم بالمحبة ونعطي كل امرئ قسطه من المنزلة.
فأما علي ين أبي طالب عليه السلام، فلو أفردنا لأيامه الشريفة ومقاماته الكريمة، ومناقبه السنية، كلاماً، لأفنينا في ذلك الطوامير الطوال. العرق صحيح، والمنشأ كريم، والشأن عظيم، والعلم جسيم كثير، والبيان عجيب، واللسان خطيب، والصدر رحيب، فأخلاقه وفق أعراقه، وحديثه يشهد لقديمه، وليس في وصف مثله، إلا ذكر جمل قدره دون استقصاء جميع حقه.(9/415)
فإذا كان كتابنا لا يحتمل تفسير جميع أمره، ففي هذه الجملة بلاغ لمن أراد معرفة فضله. وأما الحسن والحسين عليهما السلام، فمثلهما مثل الشمس والقمر، فمن أعطى ما في الشمس والقمر من المنافع العامة، والنعم الشاملة التامة؟ ولو لم يكونا لبني علي من فاطمة عليها السلام، ورفعت من وهمك كل رواية وكل سبب توجيه القرابة، لكنت لا تقرن بهما أحداً من جلة أولاد المهاجرين والصحابة، إلا أراك فيهما الإنصاف من تصديق قول النبي (ص)
انهما سيدا شباب أهل الجنة، وجميع من هما ساوته سادة. والجنة لا تدخل إلا بالصدق والصبر، وإلا بالحلم والعلم، وإلا بالطهارة والزهد، وإلا بالعبادة، والطاعة الكثيرة، والأعمال الشريفة، والاجتهاد، والأثرة، والإخلاص في النية.
فدل على أن حظهما في الأعمال المرضية، والمذاهب الزكية فوق كل حظ.
وأما محمد بن الحنيفة، فقد اقر الصادر والوارد، والحاضر والبادي انه كان واحد دهره ورجل عصره، وكان أتم الناس تماماً وكمالا.
وأما علي بن الحسين عليه السلام. فالناس على اختلاف مذاهبهم، مجمعون عليه لا يمتري أحد في تدبيره، ولا يشك أحد في تقديمه. وكان أهل الحجاز يقولون: لم نر ثلثة في دهر، يرجعون إلى أب قريب كلهم يسمى علياً، وكلهم يصلح للخلافة، لتكامل خصال الخير فيهم، يعنون علي بن الحسين بن علي عليهم السلام، وعلي بن عبد الله بن جعفر، وعلي بن عبد الله بن العباس رضي اله عنهم، ولو عزونا بكتابنا هذا ترتيبهم، لذكرنا رجال أولاد علي لصلبه، وولد الحسين وعلي بن الحسين، ومحمد بن عبد الله بن جعفر، ومحمد بن علي عبد الله بن العباس. إلا أنا ذكرنا جملة من القول فيهم، فاقتصرنا من الكثير على القليل.
فأما النجدة، فقد علم أصحاب الأخبار، وحمال الآثار، انهم لم يسمعوا بمثل نجدة علي بن أبي طالب عليه السلام وحمزة رضي الله عنه؛ ولا بصبر جعفر الطيار، رضوان الله عليه. وليس في الأرض قوم، اثبت جناناً، ولا اكثر مقتولا تحت ظلال السيوف، ولا اجدر أن يقاتلوا، وقد فرت الأخيار، وذهبت الصنائع، وحام ذوو البصيرة؛ وجاد أهل النجدة من رجالات بني هاشم وهم كما قيل:(9/416)
(شعر)
وخام الكمي وطاح اللواء ... ولا تأكل الحرب إلا سمينا
وكذلك قال دغفل، حين وصفهم: أنجاد، ذوو السنة حداد. وكذلك قال علي، عليه السلام، حين سئل عن بني هاشم وبني أمية: نحن انجد، وامجد، وأجود، وهم أنكر، وامكر، وأغدر. وقال أيضاً: نحن أطعم للطعام، واضرب للهام، وقد عرفت جفاء المكيين، وطيش المدنيين، وأعراق بني هاشم مكية، ومناسبهم مدنية.
ثم ليس في الأرض احسن أخلاقاً، ولا اطهر بشراً، ولا أدوم دمائه، ولا ألين عريكة، ولا
أطيب عشيرة، ولا ابعد من كبر منهم، والحدة لا يكاد يعدمها الحجازي، والتهامي، إلا أن حليمهم لا يشق غباره، وذلك في الخاص والجمهور، على خلاف ذلك، حتى تصير إلى بني هاشم، فالحلم في جمهورهم، وذلك يوجد في الناس كافة، ولكنا نضمن انهم أتم الناس فضلا، واقلهم نقصاً، وحسن الخلق في البخيل اسرع، وفي الذليل أوجد، وفيهم مع فرط جودهم، وظهور عزهم، من البشر الحسن، والاحتمال، وكرم التفاضل، ما لا يوجد مع البخيل الموسر، والذليل المكثر، اللذين يجعلان البشر وقاية دون المال. وليس في الأرض خصلة تدعو إلى الطغيان، والتهاون بالأمور، وتفسد العقول، وتورث السكر، إلا وهي تعتريهم، وتعرض لهم، دون غيرهم. إذ قد جمعوا من الشرف العالي، والمغرس الكريم العز والمنعة، مع إبقاء الناس عليهم، والهيبة لهم. وهم في كل أوقاتهم، وجميع اعصارهم، فوق من هم، على مثل ميلادهم في الهيئة الحسنة، والمروة الظاهرة، والأخلاق المرضية.
وقد عرف الحدث الغرير من فتيانهم، وذوو العرامة من شبانهم، انه أن افتري، لم يفتر عليه، وان ضرب، لم يضرب. ثم لا تجده إلا قوي الشهوة بعيد الهمة، كثير المعرفة، مع خفة ذات اليد، وتعذر الأمور. ثم لا تجد عند أفسدهم شيئاً من المنكر، إلا رأيت في غيره من الناس اكثر منه، من مشايخ القبائل، وجمهور العشائر. وإذا كان فاضلهم فوق كل فاضل. وناقصهم انقص من كل ناقص، فأي دليل أدل، وأي برهان أوضح مما قلته. وقد علمت أن الرجل منهم ينعت بالتعظيم، والرواية في دخول الجنة بغير حساب. ويتأول(9/417)
القرآن له: ويزداد في طمعه بكل حيله، وينقص من خوفه، ويحتج له بان النار لا تمسه؛ وانه ليشفع في مثل ربيعه ومضر. وأنت تجد لهم مع ذلك العدد الكثير من الصوام، والمصلين، والمتألهين، الذين لا يجاريهم أحد، ولا يقاربهم.
كان أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب، يصلي في كل ليله ألف ركعة وكذا علي بن الحسين بن علي، وعلي بن عبد الله بن جعفر، وعلي بن عبد الله بن العباس عليهم السلام، مع الحلم والعلم. وكظم الغيظ، والصفح الجميل، والاجتهاد المبرز. فلو أن خصلة من هذه الخصال، أو داعيه من هذه الدواعي عرضت لغيرهم لهلك وأهلك.
واعلم انهم لم يمتحنوا بهذه المحن. ولم يتحملوا هذه البلوى، إلاَّ لما قدموا من العزائم التامة، والأدوات الممكنة، ولم يكن الله ليزيدهم في المحنة إلاَّ وهم يزدادون على شدة المحن خبراً،
وعلى التكشف تهذيباً.
وجملة أخرى مما لعلي بن أبي طالب عليه السلام، خاصة الأب أبو طالب والجد عبد المطلب بن هاشم، والأم فاطمة بنت أسد بن هاشم، والزوجة فاطمة بنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سيدة نساء أهل الجنة، والولد الحسن والحسين سيد شباب أهل الجنة، والأخ جعفر الطيار في الجنة، والعم العباس؛ وحمزة سيدا شهداء في الجنة؛ والعمة صفية بنت عبد المطلب، وابن العم رسول الله صلى الله عليه وآله؛ وأول هاشمي بين هاشميين كان في الأرض، ولد أبي طالب. والأعمال التي يستحق بها الخير أربعة: التقدم في الإسلام، والذب عن رسول الله صلى الله عليه وآله وعن الدين، والفقه في الحلال والحرام، والزهد في الدنيا. وهي مجتمعة في علي بن أبي طالب متفرقة في الصحابة. وفي قول أسد بن رقيم يحرض عليه قريشاً، وانه قد باغ منهم على حداثة سنه، ما لم يبلغه ذوو الأسنان:
في كل مجمع غاية أخزاكم ... جذع ابر على المذاكي القرح
لله دركم ألما تنكروا ... قد ينكر الضيم الكريم ويستحي
هذا ابن فاطمة الذي أفناكم ... ذبحاً ويمشي آمنا لم يجرح(9/418)
أين الكهول وأين كل دعامة ... للمعضلات وأين زين الأبطح
أفناهم ضرباً بكل مهند ... صلب وحد غرارة لم يصفح
وأما الجود فليس على ظهر الأرض جواد جاهلي، ولا إسلامي، ولا عربي ولا عجمي، إلا وجوده يكاد يصير بخلا إذا ذكر جود علي بن أبي طالب، وعبد الله بن جعفر، وعبد الله بن عباس، والمذكورون بالجودة منهم كثير، لكنا اقنصرنا، ثم ليس في الأرض قوم انطق خطيباً ولا اكثر بليغاً من غير تكلف ولا تكسب من بني هاشم. وقال أبو سفيان بن الحرث: (شعر)
لقد علمت قريش غير فخر ... بانا نحن أجودهم حصاناً
وأكثرهم دروعاً سابغات ... وأمضاهم إذا طعنوا سنانا
وادفعهم عن الضرآء فيهم ... وأثبتهم إذا نطقوا لساناً
ومما يضم إلى جملة القول في فضل علي بن أبي طالب عليه السلام، انه أطاع الله قبلهم، ومعهم، وبعدهم؛ وامتحن بما لم يمتحن به ذو عزم؛ وابتلي بما لم يبتل به ذو صبر. وأما
جملة القول في ولد علي عليهم السلام؛ فان الناس لا يعظمون أحداً من الناس إلا بعد أن يصيبوا منهم؛ وينالوا من فضلهم وإلا بعد أن تظهر قدرتهم؛ وهم معظمون قبل الاختيار؛ وهم بذلك واثقون، وبه موقنون؛ فلولا أن هناك سراً كريماً؛ وخيماً عجيباً؛ وفضلاًمبيناً، وعرقاً نامياً، لاكتفوا بذلك التعظيم؛ ولم يعانوا تلك التكاليف الشداد؛ والمحن الغلاظ.
وأما المنطق والخطب فقد علم الناس كيف كان علي بن أبي طالب عند التفكير والتحبير؛ وعند الارتجال والبديهة، وعند الإطناب والإيجاز في وقتيهما؛ وكيف كان كلامه قاعداً وقائماً، وفي الجماعات، ومنفرداً مع الخبرة بالأحكام، والعلم بالحلال والحرام، وكيف كان عبد الله بن العباس رضوان الله عليه، الذي كان يقال له (الحبر والبحر). ومثل عمر بن الخطاب يقول له: غص يا غواص وشنشنة أعرافها من اخزم، قلب عقول ولسان قؤول. ولو لم يكن لجماعتهم إلا لسان زيد بن علي بن الحسين، وعبد الله بن معاوية بن جعفر؛ لقرعوا بهما جميع البلغاء؛ وعلوا بهما على جميع الخطباء. ولذلك قالوا أجواد، أمجاد،(9/419)
ذوو السنة حداد.
وقد ألقيت إليك جملا من ذكر آل الرسول، يستدل بالقليل منها على الكثير والبعض على الكل، والبغية في ذكرهم، انك متى عرفت منازلهم، ومنازل طاعتهم، ومراتب أعمالهم، وأقدار أفعالهم، وشدة محنتهم، وأضفت ذلك إلى حق القرابة، كان أدنى ما يجب علينا وعليك الاحتجاج لهم، وجعلت بدل التوقف في أمرهم؛ الرد على من أضاف إليهم ما لا يليق بهم، وقد تقدم من قولنا فيهم متفرقاً ومجملاً ما أغنى عن الاستقصاء في هذا الكتاب.
إلى كاتب المشرق الناكر الإحسان
جاء في الأمثال العائرة: (من علمني حرفاً، كنت له عبداً) وعسى انك لا تنسى أننا علمناك مدة ثلاث سنوات، لا حرفاً أو حرفين، بل مئات من الحروف ولا زالت مسودات بعض مقالاتك محفوظة عندنا. تشهد شهادة صدق بأننا كابدنا الأمرين لتلقينك شيئاً من العربية التي عدت إلى جهل قواعدها وأحكامها منذ أن ران على قلبك الهوى ونكران الجميل. وان كنت قد نسيت متاعبنا معك، تلك التي يعرفها من كان يتردد إلينا وقت تعليمنا إياك، ولا ينساها من تعود الاختلاف إلينا إلى عهدنا هذا، فادفع أجرة طبع تلك المسودات حفراً على المعدن، ونحن ننشرها هنا.
ثم انك تأتينا في هذه الأيام وتنشر في المشرق (29: 332 إلى 340) مقالة وسمتها (طريقة في العلم معيبة) ونسيت نفسك، إذ كل ما نشرته كأصل الحواري والداوية إلى غيرهما مسروق برمته من كتب الأدباء أذن:
لا تنه عن خلق وتأتي مثله ... عار عليك إذا فعلت عظيم
وفي مقالك من التبصبص للبعض والتذبذب لهم ما لا مثيل له، فتباً لمثل هذه الشنائع! وعليه: سددنا بوجهك كل باب في الرد عليك، إلى أن تستعذر منا، وتسير بموجب آداب النقد النزيهة. أما لغة العرب فلا تكتب بعد الآن شيئاً في حقك خيراً ولا شراً، ولا تقبل من أحد كلمة بهذا المعنى. والسلام.(9/420)
مدن العراق القديمة
فنسان م. ماريني
تابع
وأسس (نبوبلصر) الكلداني مملكة بابل الحديثة سنة 625ق. م. وبلغت ذروة عظمتها حين اتفق الماذيون والكلدانيون وهجموا على نينوى فسقطت سنة (606 ق. م) وكاد نبو كدراصر الثاني حفيد نبوبلصر يعيد بابل كلها. ولكن من الأسف على طموح هذا الملك ومدينته؛ لان خلفاءه سلكوا في طرق أخر، حتى آكل الترف والسيئات قلب المملكة التي أقامها بنو كدراصر بنشاط مدهش، إذ كان في منهاج هذا الملك الاستعمار الخارجي وتجديد مدينته وإعادة هيكل الآلهة على طول القطر وعرضه. وكان نبو كدراصر الثاني الملك الذي غزا أورشليم الإسرائيليين فاعتقلهم (586 ق. م).
وامتاز عصر نبونيد، ذلك العصر الذي غلب فيه حب الدنيا - ونبونيد آخر ملوك مملكة بابل الحديثة - بمزايا ظاهرة، مع أن هذا الملك لم يكن محراباً ولا سياسياً، بل كان رجلا كثير الولوع بالآثار القديمة، فضلاً عن انه كان مؤرخاً وعالماً أديباً. وكان يدون تواريخه حين أخذت قوة الفرس بالنهوض، بدلا من أن يعيرها التفاته، وقد انتفع الباحث عن آثار آشورية في هذا اليوم كل الانتقال بتلك التواريخ. ويذكر نبونيد مفتخراً كيفية عثوره على الاسطوانات الأساسية لنرأم سن ملك أكد تحت زوايا هيكل (إي ببر) الذي إقامة هذا الملك (نرأم سن) في (سفر) قبل ذلك الزمن بنيف وألفي سنة (راجع ما يخص (سفر) (وأكد) وكان ابنه بلشصر لاهياً بالأكل والشرب عير مكترث لليد الكاتبة فوق الجدار حين كان أبوه يدون الأخبار. وبقيت بابل بعد احتلال الفرس موئلا كبيراً للتجارة كما كانت مركزاً للعلم فتألقت بغناها في عهد حكم الفرس العادل حتى سنة 331ق. م، فظهر الاسكندر من الغرب واخضع دارا ملك الفرس في محاربة اربل. فضعفت شوكة بابل بعد(9/421)
وفاة الاسكندر سنة 323ق. م. واضمحلت كل الاضمحلال بالنظر إلى ما كانت عليه. وبالتالي لما بنى سلوقس قصبة جديدة له على ضفة دجلة حلت تلك المدينة أي سلوقية محل بابل (راجع ما يخص سلوقية).
برسبا (برس نمرود) على مسافة نصف ساعة من الحلة
بالسيارة
كان يعرف تل برس نمرود، استناداً إلى الحديث المأثور، ببرج بابل وذلك مذ زيارة الحاخام الجوابة بنيامين التطليلي سنة 1173م. وهذا التل مكلل بكتلة بناء ضخمة. ويسرد العرب هنالك روايات ظريفة منقولة عن أسلافهم تتعلق بنمرود وإبراهيم، كما أنها تدل على أن البرق الذي سل الرب سيفه به في غضبه حول البناء المتخذ من الآجر زجاجاً. ولكن لا يشك أبداً في أن برج بابل الحقيقي هو الزقورة المسماة (انتمن انكي) - (دار حجر أساس السماء والأرض) التابعة لهيكل مردوك العظيم في بابل (راجع ما يختص ببابل). على أن مرور الزمان وسارق الآجر لم يبقيا في برج بابل من الأدلة إلا شيئاً قليلا وعليه يتيسر إدراك سهو بنيامين المذكور حين قصد تلك الأصقاع.
ويرى حوالي أساس الزقورة المتخربة في برس نمرود أنقاض هيكل (نبو) اله العلوم والآداب، وكانت تنقل صورته باحتفال جليل في كل رأس سنة ليؤدي فرضه إلى أبيه القهار الإله مردوك في هيكله (إي سجلا) في بابل. وكان المضيف يشايع ضيفه مسافة من الطريق في العودة كما هي العادة عند العرب في هذا اليوم.
وقد قام (جول أوبر) وغيره من الأثريين بالحفر في برس نمرود في أوقات شتى. ولكن حفرياتهم لم تتصل بعضها ببعض. مع أن (رولنصن) لما نقب هنالك عثر على اسطوانات متخذة من الصلصال المشوي في أساس الزقورة. ودل الرقيم في تلك الاسطوانات على أنها تعود إلى عهد نبو كدراصر الثاني ويتضح منها أيضاً أن ذلك الملك الهمام تمكن من أن يبدي كل ما في سعيه العجيب فانه أعاد هياكل الآلهة. كما يتجلى من النوافذ المربعة المعرضة لمرور الهواء في البناء الضخم في زقورات كيش (تل الاحيمر) وعقرقوف. ولا ريب في أن البرج(9/422)
احرق برمته وكانت الحرارة شديدة جداً بحيث أن الآجر لم يشو فحسب بل صار زجاجاً. وكان للزقورة منظر عجيب جداً حين التهابها في ذلك السهل الواسع (راجع أيضاً ما يخص كيش وعقرقوف).
والأماكن الآخر التي تزاور وأنت تذهب من الحلة هي: النجف وكربلاء وسدة الهندية.
من الديوانية:
يقدمها الجوابة راكباً السيارة من الديوانية إلى (عفك) (عفج) والمسافة 23 ميلا، ثم يقطع الأربعة الأميال الباقية بالقارب وعلى ظهر الحصان.
تقع اخربة (نفر) الهائلة على الضفة اليمنى من عقيق الفرات الأقدام، وعلى الضفة الشرقية من شط النيل القديم. ويتضح أن المدينة كانت سيدة سهل شنعار بأسره من جهة الدين، وذلك منذ الأيام الأول حتى احتلال الفرس. مع أنها لم تتخذ داراً لملوك السلالات المتسيطرة. ويظهر أنها لم تزاحم مجاوراتها العديدات من المدن والممالك في السياسة أو لعلها شاركتهن في السياسة بعض المشاركة. وكان القوم الشمري والقوم البابلي كلاهما يقدم إلى هيكل تلك المدينة الهدايا، وكان هذا الهيكل مرصداً (لانلل) اله الأرض ولزوجته (ننل). وكل ملك عندما حاز إمرة الديار في حينه، بغض النظر عن دولته، كان يرمم هذا الهيكل القديم وزقورته (إي كور): ونعلم أن (أور ننه) ملك لجش، اعاد هذين البناءين منذ أول فجر سنة 2900 ق. م، كما أن (نرأم سن) و (أور نمو) و (آشور بنيبل) جددوها في أوقات بعد ذلك التاريخ. وعليه أضحت قيود الهيكل والنذور التي قدمت إلى الإله والتي حفرت في (نفر) أدلة نفيسة تفصح عن تاريخ سها بابل. وقد عثرت بعثة جامعة (بنسلفانية) (لنفر) على ما يقارب الثلاثة والعشرين ألف صفيحة من سنة 2700 إلى 2100 ق. م وكانت تلك الصفائح محفوظة في خزانة الهيكل.
حفر (و. ن. لفتس) في (نفر) مدة وجيزة سنة 1852. ولكننا حصلنا على نحو جميع أنبائنا الخاصة بهذه المدنية مما كشفته البعثة الأميركية التي(9/423)
حفرت هنالك حفراً فسيحاً في مدات مختلفة من سنة 1887 وما تعدها.
اسن (اشان تحريات)
لم يكشف موقع هذه البلدة إلا منذ الحرب العظمى، وهي واقعة في تل على مسافة ثمانية عشر ميلا جنوبي (نفر). ولا يعرف شيء من تاريخها قبل سلالة أور الثالثة، وكان من حظها أن حلت محل أور حينما فتحها العيلميون (سنة 2301 ق. م). وحييت سلالة ملوك إسن حياة كلها وقائع مختلفة حتى أبادها الفاتحون العيلميون، وهم من سلالة مدينة (لارسا)
التي كانت تنافس (إسن) ومن ثم أصبحت المدينتان من البلدان التي أذعنت لمملكة بابل الأولى. وتاريخ هذه المدينة بعد ذلك الحين غامض لم يكشف بعد، إلا أن الأستاذ (لنغدن) في زيارة لها قريبه العهد عثر ما يدل على أن نبو كدراصر (بخت نصر) الثاني أعاد بعض الأبنية في إسن في عصر بابل الحديث.
مردة (ونه وسدوم)
يمر خط القطار القائم من بغداد إلى البصرة بهذا الموقع على ثلاثة عشر ميلا شمالي الديوانية وميلين من محطة خان جدول.
تمتد الروابي إلى نحو ميلين من الشرق إلى الغرب وإلى نصف ميل من الشمال إلى الجنوب. ويظهر أن نبوكدراصر أعاد الهيكل والزقورة؛ ولا يعرف من تاريخ هذه المدينة إلاَّ شيء قليل فضلا عن أنها مذكورة في مسلة (منشتوسو) التي وقع عليها (دي مرغان) في (السوس). ولا يمكن معرفة ما تحت الكتل العظيمة الواقعة فوق الروابي والمتركبة من أنقاض عصر بابل الحديث وزمن الفرس إلاًّ بتنقيب دقيق منظم.
أدب (بسمايا أي بسمى)
تقع أخربة هذه المدينة في فلاة على خمسة وعشرين ميلا من جنوب غربي (نفر) وعلى مثل هذه المسافة في غربي شط الحي. ونقب (أي. ج. بنكس) في ذلك الموطن تنقيباً عظيماً سنة 1903 إلى 1904 بالرغم من الصعوبات التي تلقاها هنالك. وكان (بنكس) المذكور قنصلا أميركياً في بغداد في السابق.
ونالت حيناً تلك المدينة المملكة (أي في سنة 3000 ق. م) مجداً لم(9/424)
يدم طويلا، وذلك حين حازت سلالة ملوك من أدب إمرة سهل شنعار. وأعاد ملوك أكد هيكل هذا البلد المسمى (إي مهك) المرصد لعبادة (أرورو) (ننلل ننخر سج) وقد جدده بعدهم الملك (أورنمو) ومن تبعه من سلالة أور الثالثة. وزقورة ذلك المعبد ذات الأربع الطبقات من اقدم زقورات شمر.
من السماوة
أرك (الوركاء) - (أرك المذكور في التوراة: سفر الخلق 10: 10)
ترى اخربة هذه المدينة، وهي من مدن نمرود، على الضفة الغربية من عقيق الفرات
القديم، وتشتمل على ثلاثة أتل كبيرة، ورواب أخر اصغر حجماً، كما ترى أسوار الملك (أور منو) الهائلة، مؤسس سلالة أور الثالثة، تلك الأسوار التي يبلغ محيطها ستة أميال، وهي على شكل دائرة، وتكاد ترى على حالها الأصلي، ويتخلل آجرها الحصر من حين إلى آخر. وتقع بقايا الهيكل وزقورته في شرقي المدينة. ويعتبر تل (وسوس) المرتفع القائم على يسار المعبد. موضع قصر الملوك، وهم سابقون للملوك السرجونيين في هذه المدينة المملكة، وكانوا أيضاً كهنتها وقضاتها المعروفين (بالفاتشيين).
وقيل أن أرك سيطرت، خمس مرات، في أزمنة مختلفة على جاراتها. في سهل شنعار. بيد أن سلالة أرك الأولى التي ترد في التواريخ القديمة تحتوي على اسم (جلجمش) البطل الشمري، و (تموز) ابن (أينني) (اشتر) الذي ولد ولادة سرية، ولكن تلك الرواية لا تصدق إلا بمنزلة رواية خرافية. وكانت هذه المدينة تحترم احتراماً تاماً في كل زمن، لأنها مقر عبادة اله السماء (انو) والآلة (إينني) ولتلك الآلهة علاقة أيضاً بالهيكل (إي هر سجكلما) في كيش (راجع ما يخص كيش). ولا ريب في انه لو ينقب في (إي أنا) - (دار السماء) - هيكل (انو) في أرك ليعثر فيه على نتائج مفيدة. ولم يفحص هذا الموقع فحصاً منظماً وان (لفتس) حفر فيه مدة قصيرة سنة 1854.
لرسا (سنكرة)
لم ترو أنباء كثيرة من تاريخ لرسا القديم، الني تقع آخربتها على الضفة الغربية من عقيق الفرات الأول، وهي على خمسة عشر ميلا من جنوب شرقي(9/425)
أرك. ولم يحفر هنالك حفر مرتب على أن (لا يرد) و (لفتس) زراها في نصف القرن المنصرم. ومن سوء الحظ أن هذه المدينة، واراك، ولجش، وكثير من أمثالها من المدن الشمرية يقصدها دائماً أعراب ناهبون يبحثون عن (العنتيكات) أي العاديات، وهذا لاشك فبه.
ونشأت المدينة حوالي (إي ببر) هيكل اله الشمس (ببر) رب العدل والعرافة، وهو ابن اله القمر في أور. (راجع أيضاً ما يختص بسفر). وقد عثر (لأيرد) في اخربة الهيكل على آجر فيه اسم (أور نمو) مؤسس سلالة أور الثالثة. فيظهر انه أعاد ذلك المعبد. ومن غريب الاتفاق أننا لا نعلم شيئاً عن مصير هذه البلدة في المدة التي كانت أور تتألق بعظمتها. غير ما سبق ذكره تلك البلدة التي حلت محل أور بعد أن قصير. ولما سقطت أور سنة 2301
ق. م أتت (لرسا) على عصر عز ومجد، إذ أصبحت مقر سلالة ملوك حكموا هنالك بأتم الاتفاق مع سلالة أخرى في إسن نحو قرن كامل. وبعد زمن من حروب قامت بين المدن بعضها لبعض. تلك الحروب التي نشأت منها سلالة بابل الأولى احتل الفاتحون العيلميون مدينة لرسا. وجعلوها مقراً يهجمون منه على (إسن) وبالتالي دانت المدينتان لمملكة بابل الأولى (راجع ما يخص إسن).
شوروبك (فارة)
ورد عنها في نص بابلي. إنها نشأت قبل الطوفان، ول (شوروبك) اصل عريق جداً. وفي الحقيقة كانت هذه المدينة الموطن المأثور عنه للبطل الوارد اسمه في رواية الطوفان للشمريين، كما أنها الموضع الذي بنيت فيه سفينة نوح. وتقع (شوروبك) الآن في فلاة على ثلاثين ميلا من شمال شرقي أرك. وكانت المدينة قائمة على ضفة الفرات قبل أن يغير مجراه.
وحفر (كلدواي) و (اندرى) و (نلدكى) في هذه المدينة بعض الحفر سنة 1902 إلى 1903 فحصلوا على نتائج هامة.
أما (جوخا)
يظن أن تاريخ هذه البلدة كان ذا حوادث، مع أنها مدينة صغيرة لا يتجاوز طول اخربتها الممتدة شرقاً إلى غرب ثلاثة أرباع الميل. فيظهر أن(9/426)
(أما) قاومت دائماً ري (لجش) المدينة الكبرى، التي كان يجري الماء إليها في القناة الناشئة من الفرات القديم. الذي سمي بعد ذلك (شط الكار). وعليه نشبت الحروب بين المدينتين، وعقبت الغزوات الواحدة بعد الأخرى، حتى انه في القرن التاسع والعشرين قبل الميلاد أصبحت الحالة في غاية الخطورة، فعاقب (أيناتم) هذه البليدة المتمردة عقاباً شديداً، وأقام حجراً فاصلاً بين تخوم المدينتين وقد اشتهر ذلك الحجر اليوم وعرف (بنصب النسور). وفضلا عن ذلك حفر (أيناتم) قناة أخرى. ولكن نعلم أن ابن أخيه (انتمنا) لما رأى ما يتكبده من جاره المضجر، عزم على جلب الماء من دجلة، بدلا من أن يجليه من الفرات، لكي لا تعتريه مشقات جمة. ولعل لهذا الملك المفكر على العراق فضل وجود (شك الحي) فيه اليوم.
ولكن روح (أما) لن تخمد، كل ما لديها من الجند وهجمت على لجش بقيادة الفاتشي (الكاهن القاضي) هجمة فجائية وسلبتها. وملك لجش حين ذاك (أور كاجنة) فيظهر انه لم يكن محراباً مقداماً مع انه بناء كبير ومهذب في الاجتماعيات. وفي مدة سنة أضحى (لجل زجسي) ملكا في ديار شمر الجنوبية واتخذ (ارك) مقراً له. وحكم فيها خمسة وعشرين عاماً. وضايق في خلالها مدينة كيش، حتى قهره سرجون ملك أكد (سنة 2752 ق. م).
ومن المفيد أن يعرف أن اشتياق (أما) لا كثر مما تستحقه من الماء هنالك اثر في انتخابها آلهاً لها. إذ أن هيكل البلدة ل (شارة) اله النبات ولزوجته (نيدبة) (ننورة) آلهة الحبوب، وأعاد هذا الهيكل (أور نمو) من سلالة أور الثالثة في زمن تال.
وزار (لفتس) هذا الموطن سنة 1854، كما أن (بترس) و (ورد) من بعثة متحفة (بنسلفانية) زاراه في العام عينه. وقصده أيضاً الأثري الألماني (اندرى) في موسم سنة 1902 - 1903. بيد انه لم يحفر في ذلك المحل حفر متتابع إلى هذا الحين.(9/427)
من محطة أور
أور (المقير) - (أور الكلدانيين المذكورة في التوراة؛ سفر الخلق 11: 28) هي على مسير نحو عشرين دقيقة من محطة أور.
كانت زقورة أور الحمراء الكبيرة، تجلب أنظار محبي البحث منذ غابر الأيام، وهذه الزقورة من احسن زقورات سهل شنعار حفظاً، تلك الزقورات المنتشرة في سائر أنحاء هذا السهل. وقد حفر (لفتس) مدة في أور سنة 1852. وفي السنة التالية، وقع (ج. أي. تيلر) نائب القنصل البريطاني في البصرة على اسطوانات فيها من الرقيم المسماري من عهد نبونيد آخر ملوك بابل، وذلك في الزوايا الأربع من طبقة البرج الثانية، فواصل الحفر. وزار أور أعضاء بعثة جامعة (بنسلفانية) في أوقات بعد ذلك الحين، ثم أرسلت المتحفة البريطانية إلى تلك البلدة المستر (ر. كمبل ثومسن) سنة 1918 والدكتور (هل) سنة 1919.
وفي سنة 1922 باشرت العمل البعثة التي اشتركت فيها المتحفة البريطانية ومتحفة جامعة (بنسلفانية). وكان العمل على قياس كبير، ورئيس البعثة المستر (س. ل. (وولي)، واقتفى سريعاً اثر الجدار المقدس العظيم، وهو الجدار الذي أقامه نبو كدراصر ليحيط به منطقة
الهيكل المسمى (أي جش شرجل) أي دار لنور. كما أن المنقبين وقعوا هنالك على هيكل اله القمر (ننر).
ومن يزر أور، ويصعد إلى الزقورة التي لا تزال طبقتان من طبقاتها الأربع قائمتين، يتيسر له الاطلاع على الأبنية الداخلة بعضها ببعض، والتي حفرت في خلال الأربعة المواسم الماضية. وبنيت هذه الزقورة وزواياها الأربع متجهة نحو الجهات الرئيسة، كما كانت العادة زمنئذ؛ وترى إلى هذا الحين بقايا الدرج في وجه الزقورة الشمالي الغربي. ويظهر أن برج الهيكل احرق برمنة، على ما اتضح من الأبنية الأخر (راجع ما يختص بكيش وعقرقوف) ويظن أن الفاتحين العيلميين احرقوها قبل زمن (أور نمو) مؤسس سلالة أور الثالثة الذي أعاد بناء تلك الزقورة. ولما جددها نبونيد يظهر انه زخرفها بالزليج أي (الآجر المدهون بالطلاء ذو الألوان المتألقة)، ويقتضي أن منظرها في ذلك السهل الفسيح المنبسط كان على جانب عظيم من البهاء.(9/428)
أصل اليزيدية وتاريخهم
3 - نقول مختلفة عن نحلة اليزيدية:
كان صاحب كتاب النسطوريين بين عن اليزيدية ووصف حالتهم فأبدع الوصف. وذلك في المجلد الأول. وكانت عن مشاهدات قبل عام 1850م وفي ذلك العام نفسه.
ولا نتطلب من هذا السائح وأمثاله منهم اكثر من وصف الحالة. لذا يؤاخذ على بيان علاقة الماضي بالحاضر. فانه أبعد المرمى، وجعل اليزيديين بالإسلام، مداراً للاعتذار، وخوفاً من شرور المسلمين. وهذا فسر وجود الآيات القرآنية على أضرحة مشاهيرهم، بأنها ذر رماد في عيون المسلمين لدفع الغوائل عنهم. وذهب إلى أنهم من عباد يزدان، استناداً إلى قولهم نحن نعبد الله. والذي دفعه إلى هذا القول، ما تحققه منهم بصورة باتة أنهم نسوا الأسس التي تستند إليها ديانتهم.
وقبل نحو ثلاث سنوات، نشرت جريدة (العراق) في عددها المؤرخ في 25 كانون الأول سنة 1928 في عددها ال 2645 كلاماً للسر ريتشارد تمبل على اليزيدية، وبين أنهم مسلمون في الظاهر، ولكنهم من الغلاة في الباطن، وهم يؤمنون بالله وبآلهة صغيرة. . . إلى أن يقول: وهؤلاء الآلهة ليسوا واضحي الإلهية. وهم أشبه شئ بالقديسين عند النصارى، والأولياء عند المسلمين، لأنهم يعبدون الله، ولكنهم يراعون هذه الآلهة الصغرى. والتفاوت بين القولين كبير كما لا يخفى.
وهنا قول آخر، وهو لصاحب (دبستان مذاهب) بعنوان في(9/429)
الأمويين واليزيديين وهذا نصه معرباً:
(هؤلاء يكونون في جبال المشرق في موقع يقال له (شوكنة) ويحكمهم(9/430)
ملك يسمى يعقوب، يدعي انه من اصل أموي، وينتسب إلى خال المؤمنين معاوية بن أبي سفيان، وهم مشهورون بالشجاعة ومحرابون. ويواظبون على الصلوات. وأهل تقوى. ولديهم تفاسير كثيرة، ومؤلفات دين وفقه. يعتقدون بنبوة محمد (ص)، وإمامة الشيخين، ذي النورين، وخال المؤمنين معاوية. ويطعنون بعلي (ع) ويقولون انه ادعى الألوهية كاتباعه من الغلاة، وانه كان يدعوهم إلى ذلك وينسبون إليه هذه الخطبة:
(أنا الله، وأنا الرحمن، وأنا الرحيم، وأنا العلي، وأنا الخالق، وأنا الرزاق، وأنا الحنان، وأنا المنان، وأنا مصور النطفة في الأرحام). وأمثال ذلك. وهذا يشبه قول فرعون ونمرود وإضرابهما. ونظائر هذه الخطبة في كلامه كثير. وكان قاسي القلب، سفاكا. سلك مع الرسول (ص) سلوكاً مخالفاً للآداب. وذلك انه كان يأكل تمراً، فرمى الرسول (ص) النوى ووضعه أمامه فقال له الرسول (ص): يا علي أكلت تمراً كثيراً. لأن النوى متجمع أمامك، فأجابه علي (رض): إنك أكلت التمر مع النوى. ويزعمون انه نزلت في حقه هذه الآية: (ومن الناس من يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام). ويحبذون عمل أبن ملجم، ويقولون أن هذه الآية نزلت فيه: (من الناس من يشتري نفسه ابتغاء مرضاة الله). ويقولون أن الحسنين ليسا من نسلي رسول الله (ص) بحجة قوله تعالى: (ما كان محمد أبا أحد من رجالكم، ولكن رسول الله وخاتم النبيين). ويقولون أن يزيد لم يقتل الحسين (ع) في بيته، وإنما عزم على الرحيل إلى العراق بقصد تسخير الملك فقتل. ويظهرون في العاشر من المحرم في ميدان وسيع خارج البلد، وهم فرسان ويصنعون صوراً من القتلى، والموتى، كلها من الطين، فيسيرون عليها ويسحقونها بأرجلهم، انتهاكا لأجساد شهداء كربلا. وعندهم هذا اليوم من الأيام المباركة، ويبدون فيه من الفرح والسرور ما يزيد على أفراح العيدين، لأن أمام الوقت يزيد، ظفر بعدوه فقتله، وفي يوم الجمعة وأيام الأعياد يطعنون بعلي(9/431)
وأولاده على المنابر.
وهؤلاء أكثرهم أكراد. وفيهم جماعة تقف مصلتة السيوف وتلعن علناً علياً وأولاده. يقال لهم (السيافة). ويعتقدون في الأنبياء والأولياء التصرف فانهم يقولون انهم قادرون على الإحياء، والإماتة، ولا أن يجاد، والإفناء وعلى ما شاءوا فعله. ولا يليق باتباعهم أن يقتلوا حيواناً أو يذبحوه. لأنهم غير قادرين على أحيائه. ويعتقدون أن الأنبياء كانوا يتزوجون بأي امرأة ذات زوج متى شاءوا لأن الدنيا خلقت لجلهم، ولكن لا يجوز لأحد اتباعهم أن يتزوج بامرأة أحد. لأن الدنيا خلقت لأجلهم، وعندهم لزوم الاهتمام بأمر الجهاد، وغزو من يخالف الدين، ويعاديه حفظاً لبيضته. وهؤلاء لا يذبحون في شكونه (جبلهم) حيواناً ويكتفون بأكل العسل، والسمن، ولا يشربون المسكرات بتاتاً، حتى الأفيون والجوز. ولما سئل أحدهم عن المسكرات وأنها لو كانت حراماً لما شربها الأنبياء السالفون وبعض خلفاء
الأمويين، قال: كان لهؤلاء الأنبياء والخلفاء عقل كامل، بحيث أن المسكر ما كان يؤثر في عقولهم ولكننا لسنا مثلهم أو بدرجتهم. وكذا سألهم عن القدرة التي ينسبونها إلى الأنبياء والخلفاء الذين يتمكنون من أيجاد معدوم أو إفناء موجود ولماذا لم يجعلوا ألسنة الرافضين خرساً؟ فأجابه: إن بعض الأمراء قدم إلى أمير المؤمنين عمر (رض) زجاجة فيها سم زعاف ليفني بها عدوه. فقال لله الخليفة: إن اكبر أعدائي نفسي الأمارة، فتجرعها ولم يصب جسده المقدس ضرر.
فالحكيم الذي يتمكن من تجرع السم، بحيث لا يصيبه ضرر ما منه، كيف يتأذى من سماع طعن الأذلاء بحقه؟ وقس على ذلك سائر الصحابة.) أهـ تعريباً ما جاء في (دبستان مذاهب). وقال شهاب الدين احمد بن حجر الهيتمي المتوفى سنة 932هـ في كتابه(9/432)
المطبوع بهامش الصواعق سنة 1324 المسمى (تطهير الجنان واللسان عن الخوض والتفوه بثلب سيدنا بن أبي سفيان) ما نصه:
(لان طائفة يسمون اليزيدية يبالغون في مدح يزيد، ويحتجون وممسكا عنان القلم أن يسترسل في سعة هذا الميدان. لأن من منح هداية، يكفيه أدنى برهان. . .) (راجع ص 5).
واخالني غير مبالغ إذا قلت أن المتتبعين وقفوا عند حد لم يتجاوزوه. ولذا لم يدققوا النظر في طريقة الشيخ عدي ولم يقفوا على روحها. وغاية ما رأينا انهم خلطوا بعض النتف التاريخية بأوهام ومشاهدات فظنوا انهم استكملوا العدة، في تحليل العقيدة والوقائع. وعلى كل حال أن الذي عندنا انه لم يدون التاريخ العلاقات السياسية، ولم يتعرض لديانة الجماعات وطرائقها ألا قليلا واستطراداً، أو بصورة الغرض والتضليل. والحال لدينا ما يفسر هذه الحقيقة وينطق يما يكشف عن أسرارها. ولكن يلاحظ هنا أن تاريخ العقائد في تحولاته بطئي السير لأن التبدل الروحي في الأقوام، قليل، وتطور العقدة لا يسجل يومياً بل في عصور متطاولة، وأزمان متفاوتة جداً، قد لا نرى الصلة بينها لبعد العهد. والأمل الوقوف على هذا التاريخ باستنطاق الكثيرين من المؤرخين وعلماء الكلام لتبدو صفحات مختلفة يتحقق من مجموعها (العقيدة).
والحاصل أن عقيدة هؤلاء القوم واضحة وبارزة للعيان بالرغم مما نراه من تكتم أهلها،
والإبهام الذي أبدوه مؤخراً، وغالبه ناشئ من الجهل والنسيان بسبب الوقائع المؤلمة. إلا أن نسيان الأساسات لم يكن عاماً في جميعهم فهم غير متساوين في قبول الخرافات بدليل النص المنقول أعلاه عن (دبستان مذاهب).
وأياً كان الأمر، فالعقيدة واضحة في الماضي، وفي الحاضر، ولكن (من شدة الظهور الخفاء). فلا غموض في التطور وهو متجل عيوننا. ومع هذا نسعى وراء المجهول، فكأننا نحاول فتح مغلق الغاز أو منهم طلسمات! وترجمة الشيخ عدي توضح نوعا ما قلته. فدونكها:
ترجمة الشيخ عدي:
هو شيخ (الطريقة العدوية). اشتهر في عصره أيام حياته بالتفوق(9/433)
وتابعه كثيرون وشهد في حقه وجال الطرائق الأخرى المعروفون بالفضل والمكانة إلى اليوم، وهو ابن مسافر الشيخ الصالح. المشهور في زمنه، أبن إسماعيل ين موسى بن مروان (إلى هنا اتفق المؤرخون على نسبه بهذه الصورة) بن الحسن (وفي بهجة الأسرار ابن الحكم لا الحسن) ابن مروان (قال ابن خلكان: كذا أملي نسبه بعض ذوي قرابته. ووافقه عليه صاحب القلائد في سرد النسب بهذه الصورة. وزاد العليمي انه) بن إبراهيم ابن الوليد بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن العاص بن عثمان ين عفان بن ربيعة بن عبد شمس بن زهرة بن عبد مناف (وقد تابع صاحب الشر فنامة هذا النقل أو كاد).
ولد في (بيت فار) من أعمال بعلبك، وعلى رواية بعضهم، أن بيت فار من البقاع، قاله ابن كثير في القلائد وهي بقاع العزيز بين بعلبك والشام، ولا تفاوت بين القولين إذا كانت بقاع العزيز من أعمال بعلبك قال ابن خلكان والبيت الذي ولد فيه يزار للآن.
عاش 90 عاماً، أو نحو ذلك، وتوفي سنة 557هـ على الرواية التي رجحها ابن خلكان، وقيل عام 555هـ. ويطعن بصحة هذه الرواية ما جاء في البهجة من أن الشيخ أبا محمد يوسف العاقولي قال: (قصدت زيارة الشيخ عدي في أوائل سنة 556) وانه تحادث مع الشيخ عدي، وهذه الرواية مما يطعن بصحة الرواية الأخرى، ويروي صاحب البهجة انه توفي في أوائل المحرم سنة 558 هـ. والتفاوت قليل بين وراية ابن خلكان وهذه الرواية تفسر بوصول الخبر. وقد أيد صاحب الكواكب الدرية أن وفاته كانت سنة 558هـ.
والكل متفقون على انه أموي من صميم الأمويين. وبذلك يفسر حب اتباعه ومن خلفه ليزيد والتعصب له، وينفي قول القائلين بأنهم يزدانيون. ومن يراجع الشرفنامة ير أن الكثيرين من أمراء الكرد أمويون ويتحقق أن الأمويين لجئوا إلى الجبال بعد ضياع حكمهم، فتولوا رياسة القبائل الكثيرة من الكرد.(9/434)
نعته:
وقد نعته مظفر الدين صاحب اربل - كما نقل عن ابن المستوفي بأنه شيخ ربعة - اسمر اللون. . . (ابن خلكان) ج1 ص 316.
حادثة حمله وفصاله:
إن أباه رجل صالح كما تقدم. ويحكى انه دخل غابة ومكث فيها يتعبد منقطعاً عن الناس نحو 40 عاماً (راجع قلائد الجواهر ص 88) وروى صاحب جامع كرامات الأولياء، انه سكن الغابة نحو 30 سنة ثم انه رأى رؤيا مؤداها أن قائلا يقول له: (أخرج من هذه الغابة. واذهب إلى زوجك، واتصل بها يأتيك الله تعالى ولياً يذيع ذكره، وينتشر فضله في الخافقين).
ولما أتى زوجته، قالت: لا افعل حتى تصعد المنارة، وتنادي بأهل هذا البلد انك قدمت، فنادى: (يا أهل هذه البلد أنا مسافر قدمت، وقد أمرت أن اعلم فرسي، فمن علا فرسه أتاه ولي).
فولد لأجله 313 ولياً. وذكر لحمله خوارق كتسليم الأولياء عليه وهو في بطن أمه وجوابه بعد ولادته وأيام طفولته (راجع قلائد الجواهر ص 88) فلا نطيل القول فيها.
والرجل العظيم يفسر صغره وولادته وحمله بأمور خارقة، خصوصاً من كان شيخ طريقة، أو عظيماً دينياً، مما لا يعلق عليه أهمية كبيرة بدرجة سلوكه ونهجه وذلك لا يزيد في عظمته، ولا مما يصح وزنه بميزان العقل اكثر من انه رجل كبير، ظهرت مواهبه في انقطاعه، وخلوته، فنالت طريقته مكانة ورسوخاً في الأذهان، اللهم إلا في نظر من لا يعلق قيمة إلا للخوارق أو لا يكاد يؤمن إلا بها.
كيف جاهد:
إن الرجل العظيم قد لا يرى في محيطه من يبرد غلة تعطشه، أو انه لم يتحقق من صحة مبدأه. أو يشتبه من نهجه الذي ينوي القيام به، أو انه يتجول للأخذ عن أكابر من ينوي السلوك بموجبهم والأخذ منهم لينكشف له طريقه(9/435)
ويتقن من الصحة. وهذا بمقام اختبار آراء أكابر الرجال. وفي ذلك الأوان كانت بغداد كعبة القصاد لكل صنف من أصحاب البضائع العلمية والأدبية. . . وفيها البغية لكل متطلب، فمن لم يأخذ عن أكابر رجالها لا يعد شيئاً، أو أن هؤلاء وأمثالهم من المشاهير قدوة الناس، ومحل اعتمادهم، وموطن ثقتهم، ويجب أن يحصل على رضاهم والإجازة بالأخذ عنهم.
لذلك كله أو بعضه تجول مترجمنا للأخذ، فحط ركابه في بغداد وأخذ عن أعاظم فضلائها، ونال شهرة فائقة في مجاهداته. وحسن اخذه، فلم يبق له بعد الدرس إلا الانقطاع، والتفرغ، لما أهب نفسه للقيام به، ولكنه لم يعد إلى موطنه الأصلي، وأراد العزلة عن الناس والتباعد عن الضوضاء في محل هادئ، فاختار الانقطاع إلى جبال هكار كأسلافه من بعض صلحاء الأمويين ممن بقدم ذكرهم وآوى في أول أمره إلى المغارات والجبال والصحارى مجرداً سائحاً بأخذ نفسه بأنواع المجاهدات مدداً مديدة. وقد نال في المجاهدة طوراً صعب المرتقى عزيز المنال تعذر على كثير من المشايخ سلوكه.
ومن ثم حصلت له المتابعة والانقياد التام لنهج زهده وسلوكه، فصارت تلك المواطن مأهولة به، وعم فيها الصلاح بسبب إرشاده، فقصده الناس بالزيارة من كل قطر، واجمع المشايخ وغيرهم في عصره على تبجيله والاعتراف بمكانته. فهو أحد من تصدر لتربية المريدين الصادقين ببلاد الشرق، وانتهى إليه تسليكهم، وكشف لهم مشكلات أحوالهم وتتلمذ له خلق من الأولياء وتخرج بصحبته غير واحد من ذوي الأحوال الفاخرة.
(راجع قلائد الجواهر ص 88 و85 وبهجة الأسرار ص 150).
العصر الذي وجد فيه:
إن هذا العصر طافح بأعاظم الرجال المشهورين بالصلاح والتقوى، مثل الشيخ عبد القادر الجبلي، والشيخ احمد الرفاعي، والشيخ على الهيتي، وعلي ابن وهب السنجاري وقضيب البان، وشعيب أبي مدين وغيرهم. جمع النوابغ في الزهد بحيث لم يظهر في غيره من
العصور التالية مثل هذه العصبة ثقافة وتقوى. ويصلح أن يقال أن هؤلاء خلاصة من سبقهم، وجماع مسالك القوم، ونتاج أصول(9/436)
تربيتهم، ومن راجع كتاب سير السلف، والكواكب الدرية وسائر كتب الطبقات في التصوف وراعى تطور العصور الإسلامية. ينكشف له بوضوح طريق القوم، ويعلم يقيناً أن هؤلاء هم (الصفوة).
وكل ما وصل إلينا من هؤلاء انهم أرادوا تهذيب نفوسهم، وتجريدها من العوارض الدنيوية، مما يستدعي انشغال البال، والتفكر في أحوال المعاش. وبذلك تمكنوا من توجيه الناس إلى الطريقة التي حصلوا عليها، وصرفوا الناس عن أمور كانت شغلهم الشاغل وهمهم الوحيد مثل المقارعات الكلامية، والمجادلات الدينية إلى نحوها، وحضوهم على العمل بعد أن تيقنوا أن الجدل قد يفسد المنطق، ويسوق الناس إلى المماحكات، وان أتقنوا ترتيب أشكال القياس وليس هذا موطن تفصيل هذه الأمور.
وهذا العصر انجب مثل مترجمنا الشيخ عدي، تجول وسار في الأقطار، حتى بلغ المكانة المرضية بمجاهداته؛ لتحقيق منطوق الآية (والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا). فشاع أمر المترجم في الآفاق وقصدنا بالزيارة في حياته؛ وهو الذي غطت شهرته سائر الزهاد في الأنحاء التي اختار العزلة فيها، مثل علي بن وهب السنجاري، ومن تقدم الكلام عليهم ومثل جاكير الكردي. فلم يزاحمه ويكفيه فخراً ومكانة شهادة الشيخ عبد القادر الجيلي في حقه إذ قال: (لو كانت النبوة تنال بالمجاهدة، لنالها عدي بن مسافر). ولذا اضربنا عن ذكر شهادات الآخرين بعده.
عقيدته:
لم يبتدع جديدة. وإنما هي عقيدة أهل السنة. وقد أوضحها في رسالة له. ونقل عنها ابن تيمية في رسالته المارة قبلا. وقد عثر عليها الدكتور رولدف فرانك في مكتبة الترك في برلين، وفيها يقول ما مؤداه: إنه ليس في العالم حادث خارج الإرادة الإلهية، وان العمل جزء من الإيمان، وانه يقبل (الزيادة والنقصان). وأورد في تلك الرسالة حديث افتراق الأمة، وان أهل السنة، هم الفرقة الناجية، ويندد الشيعية. ويلتزم جانب معاوية بن أبي سفيان ويناضل عنه. وهو على أهل البدع ممن يخالف أهل السنة. ويعتبر نفسه من(9/437)
أهل الحديث، ويحمل على المعتزلة ويضللهم، ويذكر أحوال الآخرة من جنة وجهنم والنضال
عن سب معاوية قد قام به جماعة من أهل السنة وكتب ابن حجر رسالته المذكورة. وفيها إيضاحات وافية لمتطلب التوسع في هذه المباحث. وكذا في الصواعق بعض المباحث. ولا يهمنا التوسع في موضوعها، إذ الغرض هنا بيان العلاقة لا غير. وله في باب توحيد البارئ عز وجل قول مأثور:
(لا تجري ماهية في مقال. ولا تخطر كيفيته ببال، جل عن الأمثال والأشكال، صفاته قديمه كذاته، ليس بجسم في صفاته، جل أن يشبه بمبتدعاته وان يضاف إلى مخترعاته. ليس كمثله شئ. وهو السميع البصير. لا سمي له في أرضه وسماواته. ولا عديل له في حكمه وإراداته، حرام على العقول أن تمثل الله تعالى. وعلى الأوهام أن تحده. وعلى الظنون أن تقطع، وعلى الضمائر أن تعمق، وعلى النفوس أن تفكر. وعلى الفكر أن تحيط، وعلى العقول أن تتصور. إلا ما وصف به ذاته في كتابه العزيز، أو على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم.) (بهجة الأسرار ص 151) وقال في باب القضاء والقدر:
(لا يخلو أخذك وتركك أن يكون بالله، أو له. فان كان به، فهو يباديك بالعطاء، وان كان له، فأسترزقه بأمره. وأحذر ما فيه الخلق، فمتى كنت معهم استعبدوك، ومتى كنت مع الله عز وجل حفظك، ومتى كنت مع الأسباب فاطلب رزقك من الأرض، وإذا كنت مع التوكل، فان طلبت بهمتك لن يعطيك وان أزلت همتك أعطاك، وإذا كنت واقفاً مع الله عز وجل، صارت الأكوان خالية لك من المواطن، وأنت في القبضة فان، والكون كله فيك ولك.) أهـ عنها ص 150.
آداب سلوكه:
أن المترجم تولى إرشاد الكرد الجبليين، فجاء إلى هكار، فانتصب للإرشاد في زاويته في لالش (ليلش) حتى تمكن من إدخالهم في طريقته والظاهر أن طريقته هذه لم تؤثر في(9/438)
من ذكرهم صاحب (دبستان المذاهب) أو لم يقفوا عليها. وله مؤلفات في السلوك غير الرسالة المذكورة وهي:
1 - رسالة في آداب النفس. 2 - أخرى في وصاياه للخليفة. 3 - وصاياه لمريده (قائد).
وفي الأولى منها يقول: إن الدعوى تطفئ سراج المعرفة، ويحث على مراعاة عشر خصال. منها: تلاوة القرآن الكريم للصلحاء، ولزوم ترك المعاصي. . . . ويرغب في
المجاهدات.
وفي الثانية: يوصي بالتباعد عمن تظهر منه الكرامات، إذا لم يوفق بين أعماله وسلوكه وبين أوامر الشرع ويزدجر عن نواهيه. ولا يسوغ التساهل من أحد ولو صدرت منه بدعة طفيفة.
وفي الثالثة: يخاطب (قائداً) وهو أحد مريديه قائلاً: (يا (قائد) أوصيك بمراعاة الأحكام الشرعية، فلا تتجاوزها، والتزم الشرع، وراع التقوى، وجانب من يركض وراء الدنيا). وقال: (الجوع مفتاح الزهد، وحياة القلب كما أن عيسى قال لحوارييه: سيرون الله تعالى إذا أجعتم بطونكم، وأظمأتم كبودكم، وخلعتم اللباس).
قال محمد شرف الدين بك: إن تصوفه قريب جداً من نهج الغزالي فيه، وهذه الرسائل موجودة في مكتبة الترك في برلين نقلاً عن الدكتور الموما إليه وذكر أن في المتحفة البريطانية قصيدتين في مجموعة، مطلع إحداهما:
تفردت في حب الذي كنت أهواه ... واصبح عندي اشتياق للقياه
وأصبحت نشواناً بكأس شربته ... ولم يعلم الناس من أين محياه
وكان نديمي اشرف الرسل احمد ... مليح التثني تخجل الصب عيناه
وهنا يستدرك على الفاضل محمد شرف الدين بك انه بعد أن ذكر ذلك، قال: (إن اليزيديين قد ضلوا في زمن ابنه حسن، أي ابن الشيخ عدي). وبهذا يكون قد قصد عدياً ابن أبي البركات لا المترجم. ولما لم يفرق بينهما ينبغي التحرز(9/439)
من حقيقة نسبة الأبيات المذكورة إليه. والظاهر أنها لابن ابن أخيه عدي الثاني.
ومن أقواله في آداب السلوك: 1 - الشيخ من جمعك في حضوره وحفظك في مغيبه، وهذبك بأخلاقه، وأدبك بإطراقه، وأنار باطنك بإشراقه.
2 - المريد من أنار نوره مع الفقراء بالأنس والانبساط، ومع الصوفية بالأدب والانحطاط، وحسن الخلق والتواضع في كل شئ، ومع العلماء (رض) بحسن الاستماع، ومع أهل المعرفة بالسكون، ومع أهل المقامات بالتوحيد.
3 - يا هذا! البدلاء ما صاروا بدلاء، بالأكل والشرب والنوم والطعن والضرب، وإنما بلغوا ذلك بالمجاهدات والرياضات. لأن من يموت لا يعيش ومن كان لله تلفه كان على الله
تعالى خلفه. ومن تقرب لله تعالى بإتلاف نفسه اخلف الله عليه نفسه. (راجع قلائد الجواهر ص 84 - 85).
4 - من لم يأخذ أدبه من المتأدبين افسد كل من تبعه.
5 - من اكتفى بالكلام من غير عمل انقطع عن الله، ومن اكتفى بالتعبد من غير فقه، خرج من الدين (كان شافعي المذهب وكذلك جميع الكرد الشماليين - معجم البلدان وغيره)، ومن اكتفى بالفقه من دون ورع اغتر بالله، ومن قام بما عليه من الأحكام نجا.
6 - أول ما على سالك طريقنا ترك الدعاوي الكاذبة، وإخفاء المعاني الصادقة (وهذا يوافق ما جاء في رسالته الأولى من رسائل آداب السلوك وحينئذ نقطع بأنها له).
7 - إذا رأيتم الرجل تظهر له الكرامات الخوارق، فلا تعبئوا به، حتى تنظروه عند الأمر والنهي. فان جمعاً من الكفار اظهروا خوارق وعجائب وهم كفار (وهذا القول أيضاً يؤيد صحة الرسالة الثانية من آداب سلوكه.) (راجع الكواكب الدرية).
8 - من كان فيه أدنى بدعة، فأحذر مجالسته، لئلا يعود عليك شؤمها ولو بعد حين. (بهجة الأسرار ص 150).(9/440)
طريقته الصوفية - مقاطعة اللعن:
إن آداب سلوكه وأقواله هي مجموع طريقته، ولكن أوضح شئ في طريقته هذه (مقاطعة اللعن) وهي بسيطة جداً، ويسهل تناولها على كل أحد، وتلخص في انه حذر من اللعن، (حتى لعن الشيطان) خوفاً من الاتصال بشائبة السب.
ومن هذا تولد لزوم الاشتغال بالعبادة والصلاح، ومراعاة أحوال الزهد والتقوى، وأساسها الاشتغال بأمر إصلاح النفس. فلا كره هنا بل حب لله. ولرسوله، وللمؤمنين، واتباع أوامر الشرع، واجتناب زواجره؛ ومراعاة الأخلاق الفاضلة. بالوجه المار في السلوك والعقيدة ويترتب على هذه:
أ - زوال الكره، ومراعاة الإخاء.
ب - تأمين الوحدة بان لا يشذ أحد عن المبدأ العام.
ج - اتباع العقيدة.
د - تنقية اللسان من البذاءة.
هـ - رفع الحزبية الشخصية.
فلا ينكر الزهد أحد ولا تثريب على من يراعي الأحكام الشرعية وان يقوم المرء بما استطاع من عبادة: (واتقوا الله ما استطعتم).
وأما مقاطعة اللعن فأنها سلوك بسيط بالنظر إلى العوام ولا تحتاج إلى دراسة ولا حفظ فهو ترك، لا عمل، أو انه من المنبهات كما أنها معالجة قضية اجتماعية هامة. فهي بسيطة وسلبية اكثر منها إيجابية.
أن هذا الشيخ أختط هذه الخطة بعد أن عالجها مدة طويلة، واعتقد أنها الناجحة.
وقد اشتهرت طريقته (سلوكها وآدابها) في سورية، مصر، وذاع صيتها وقد أوضح المرحوم احمد باشا تيمور التكية العدوية في مصر في كتابه اليزيدية وقد لعبت الأيدي مؤخراً في هذه الطريقة، وتطورت كثيراً وسيأتي الكلام على أخلاقه وعلى هذا التحول والغلو فيه.
المحامي عباس العزاوي(9/441)
في ضرورة معرفة طب البيت
قال راسبايل: (يدخل يوماً في أنظار حسن التربية، أن تطلع الشابات، أية كانت مراتبهن، اطلاعاً وافياً على الفنين: طبخ الاطعمة، وتهيئة الادوية؛ ولا بد من أن يندمج هذان الفنان، آجلا أم عاجلا، فيصبحا واحداً. وعلى الشابات أن يعرفن مبادئ حفظ الصحة، أو إعادتها إلى حالتها الأولى. لأن الطب سائر إلى البساطة، وإلى أن يكون قريب المنال على الجميع، وحينئذ لا تظل الأدوية عديدة، ولا مركبة، بل لا يبقى ثم سر غامض لاتخاذها). وإليك الآن في هذا الموضوع عينه، رأي سيدة كتبت كثيراً عن التهذيب.
قالت السيدة دي جلنس: (من المستحسن أن تتعلم الشابات ما يتعلق بالعقاقير واعدادها، لا الطب ولا تطبيقها، وعليهن أيضاً معرفة اتخاذها، واختيار الترياقات، والادوية التي تسبق وقوع النتائج المشؤومة. المتولدة من الزرنيخ والزنجارة، والرصاص وغيرها. والأدوية التي تؤخذ بمقدار فاحش، وليس دون ذلك أهمية تعلمهن وضع الآلة الأولى على جرح أو رض. وهذان تضميدان مختلفان سهلا الممارسة؛ إلا انهما يتطلبان مهارة وتعوداً).
(فما اكثر المنافع الجليلة، التي تنتج من هذه الدروس المفيدة العائدة الحسنة وهكذا تدرب الشابات على أن يتغلبن على كل اشمئزاز وكل تقزز تفيض به البشرية فإذا عودن أناملهن البارة الطاهرة، القيام بمثل هذه الوظائف المقدسة. ينتهي بهن الأمر إلى معرفة خطورة هذا الواجب الطيب، والمنزه معاً، تلك المعرفة المهمة كل الأهمية، وهذا الواجب هو البحث عن الوسائل التي تجعلهن مفيدات للغير. منتهزات تلك الأسباب، فيتمكن يوماً من تقدمة الإسعافات الفعالة كل الفعل والضرورية كل الضرورة في جميع تلك الوقائع الكثيرة الحدوث لسوء الحظ! فما أكثر الناس، لاسيما الأولاد، الذين هلكوا في السفر، أو في الريف، لنقصان تلك المساعدات. والمرأة التي تستطيع أن تقوم بمثل هذه الشؤون، تنجي يوماً ولدها من الموت!.)(9/442)
وعلى رأي الدكتور سافرى: (يشمل تهذيب النساء. المساعي التي تبذل للمرضى والمساعدات المستعجلة عند وقوع الحوادث. ومعرفة صحيحة لمبادئ طب البيت).
تعريب ميل رزق الله رسام في مدرسة الراهبات المركزية في بغداد
(لغة العرب) وجدنا رئيس مدرسة الراهبات المركزية في بغداد - وهي الأم توما دروزبر - تعني كل العناية بتعليم العربية للبنات اللواتي سلمن إلى عنايتها. وقد عرضنا على بعضهن نقل نبذة من الفرنسية إلى العربية. فأجادت نقلها الآنسة مركريت بشارة والآنسة ميل رزق الله رسام. وقد أدرجنا هنا ترجمة الآنسة ميلي وفي فرصة أخرى ننشر ما تكتبه الآنسة مركريت رفيقتها. فنهنئ الأم الرئيسة توما بالفوز الذي نالته أو تناله تلميذاتها. وعسى أن هذا النجاح يطرد رقياً.
إرشاد
حياة الفرد لا تحظى بعز ... إذا لم يضح مقداماً مخيفا
فلا يأمل من الدنيا علواً ... إذا لم يبق مفضالاً شريفا
إلاَّ أن الفضائل خير مجد ... وان ألفيتها نصباً طفيفا
وما هذي الحياة سوى سباق ... فكن في الجري مسراعاً خفيفا
وسجل في حياتك كل فخر ... وكن للناس معواناً رؤوفا
وسوف ترى المصائب هاجمات ... فعارضها تكن بطلا حصيفا
فإنك من بني الأحرار فرد ... فكن من كأس عزتهم رشيفا
وان الناس قد سبقوك شوطاً ... طويلا فاركض الركض العنيفا
تمر بك السنون وأنت راضٍ ... بعيش لم يول يبدو كسيفا
أريت الناس ما حفظوا ضعيفاً ... بل اغتالوا الذي أمسى ضعيفا
فلا تخضع لأنذال طغاة ... وحكم عند ظلمهم السيوفا
لعمري اليوم إنك في زمان ... به الآلات تحتاج الصفوفا
وبأس المرء يحفظه بقسر ... ولا يجدي الضعاف ولو ألوفا
مصطفى جواد(9/443)
الطيارون العراقيون
قصيدة ألقاها الأستاذ الحاج عبد الحسين جلبي الأزري في الحفلة التكريمية للطيارين العراقيين، تلك الحفلة التي أقامتها لهم جمعية متخرجي الجامعة الأمريكية في بغداد وذلك في 11 أيار 1931.
أتراهم من وحشة الأرض طاروا ... أم من الظلم بالسماء استجاروا؟
لم يذوقوا صفو الحياة، فراموا ... عيشة لا تشوبها الأكدار
أم رأوا أن يجاوروا الشهب فيها؟ ... وجوار الأقمار نعم الجوار
أم على رحبها البسيطة ضاقت ... فاستقلوا عنها وشط المزار؟
أم دعاهم للاختيار فلبوا ... رائد العلم والحياة اختبار؟
ركبوا من صنائع الفن ما لم ... تمتلكه النسور والأطيار
آية للزمان جاءت إلى النا ... س فحارت بشأنها الأفكار
حكت الطير غير أن خوافي ... ها حديد واللولب المنقار
منية لم يجد بها الفن قب ... لا لنفوس قد شفها الانتظار
كم تمنت أن تستعير من الط ... ير جناحاً والطبع لا يستعار
صيرتها الأطماع آله حرب ... تتقيها الأرواح والأمصار
فهي في السلم نعمة وأمان ... وهي في الحرب نقمة ودمار
أطلقوها فوق البسيطة أسر ... اباً، كما تطلق العتاق المهار
بات منها بكل جو رفيف ... وإليها بكل صقع مطار
وتعالت تستخدم الريح الجو ... كما استخدم النفوس النظار
حاملات من القذائف ما تندك ... فيها القلاع والأسوار
سيطر الأقوياء فيها على الأر ... ض فما للضعيف منها فرار(9/444)
ويح قطر وأهله، أن عليه ... سيق منهن فيلق جرار
أيها الشعب كيف أنت وما ... فيك عليهن قوة واقتدار
كنت جربتها وليس بعيداً ... ما جنى من بلائها الثوار
لست تدري ماذا به سيوافي ... الدهر يوماً وتحكم الأقدار
لا تصان الأوطان بالبؤس ... والجهل ولا بالأعزل يحمي الذمار
فتعهد بنيك بالعلم وأحذر ... إنما أول الحريق شرار
حبة منه انبتت خير زهر ... قد أقرت بطيبه الأغيار
وانجلى عن بسالة وذكاء ... واعتزام لم تروه الأسفار
وشباب أمضى من السيف عزماً ... منه هانت عليهم الأخطار
لك هم أن أردت رغيداً ... قدوة فاتبعهم ومنار
يا نسوراً إليهم في حنايا ... كل قلب من قومهم أوكار
عدتم والوجوه تطفح بالبشر ... إليكم وتشخص الأبصار
أنا فيكم لمعجب وجدير ... إن يجد الإعجاب والإكبار
وجدير أن يحتفي القطر فيكم ... وجدير أن تنثر الأزهار
اعذروني فان عصتني القوافي ... فلكم من عواطفي أشعار
الهولة
يذكر القراء الكرام، سلسلة المقالات التي نشرها في السنة الرابعة من هذه المجلة (لغة العرب) (1926 - 1927) بعنوان (الألفاظ الارمية، في اللغة العامية العراقية) ومما جاء فيها أن عدداً من الألفاظ الزراعية في العراق ارمية الأصل منها: (اشكارة) و (دريخ) و (حويجة أو حويكة) و (نابور) و (سكم أو سقم وتسقام) و (شرش أو هرش) و (شلب) و (شتل) و (ترعوزي أو تعروزي) وغيرها.(9/445)
ولم أكن قد سمعت يومئذ بلفظ (الهولة) (بضم الهاء وإسكان الواو وفتح اللام وفي آخر هاء). ويقصد به طائفة من الاتن تجمع لدوس سنابل الحنطة أو الشعير سحقاً بقوائمها. وأول ما طرق سمعي هذا اللفظ، ذهبت إلى انه ارمي الأصل. فبحثت عنه في (معجم دليل الراغبين في لغة الآراميين) فوجدته يقول في ص 166: (هـ ب ل ا) (والباء تقرأ واواً فيكون لفظه هولا) بمعنى الإبل والقطار والقافلة من الجمال. ومثله كلمة (هـ ب ل ت ا) الباء تقرأ كذلك واواً. (هولتا) بالمعنى الأول أو قطيع الخنازير.
وعليه فأصل الكلمة (هولة) أو (هولا) المستعملة عند زراع العراق بمعناها الذي ذكرناه من الآرمية وتدل على قافلة من الجمال أو القطيع الخنازير أو من باب التوسع على القافلة من الحمير كما يراد بها اليوم عند زراع العراق. (يوسف غنيمة).
(ل. ع) مادة هيل الآرمية تقابل مادة ابل العربية، ومنها الإبل بمعنى الجمال. على ما هو مدون في دواوين اللغة. والذي ينعم النظر في هذه المادة يرى أن الإبل لم تأت في قديم الزمن بمعنى الجمال فقط، بل أيضاً بمعنى جماعة من الحيوانات كالجمال مثلا والشاء إلى غيرها. ومنه الإبل للحاذق في مصلحة الإبل و (الشاء). ومنها الإبول بكسر الهمزة وتشديد الباء المفتوحة. وهي الجماعة أو القطعة من (الطير) و (الخيل) و (الإبل) والمتتابعة منها (اللغويون) أما عدم ذكر لغوي العرب سائر المعاني فمن باب الاكتفاء بذكر الكبير عن ذكر الصغير أو بذكر الأهم عن ذكر المهم. فالابول تعني أيضاً القطعة من الشاء والخنازير والبقر والمعزى على حد ما جاءت اللفظة الآرمية (هولا) أو (هولتا).
أما قراءة باء (هبلا) واواً، معهود في الآرمية كما في العربية. وفي الآرمية اشهر. من ذلك
قولهم: (آوا) و (اورا) مثلا، وتكتبان: (آبا) و (ابرا) أي آب وابن إلى غيرهما. وذلك اشهر من أن يذكر. وأما في العربية فهذا الإبدال غير مجهول أيضاً، فيقولون: الشعبذة والشعوذة، جارية بكباكة ووكواكة أي سمينة. ومثلها كباكبة وكوكاة (واصلها كوكوة فقلبت الواو ألفاً لتحركها وانفتاح ما قبلها). البزمة والوزمة وهي الوجبة من الطعام. قال أبو سعيد: (يقال: ما له حبربر ولا حورور). والباشق والواشق. إلى غير هذا. وهو كثير لا يحصى وراجع ما كتبناه في هذه المجلة 8: 113.(9/446)
صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة
أول شرقي (عراقي) إلى أميركة
كان الأب إنطوان رباط نشر في أجزاء السنة الثامنة من المشرق (سنة 1905) رحلة بعنوان (رحلة أول شرقي إلى أميركة) ابتدأ بها من بغداد في سنة 1668 صاحبها الخوري إلياس ابن القسيس حنا الكلداني الموصلي من بيت عمون ثم نشر له أيضاً في السنة التاسعة من المشرق نبذة في تاريخ البيرو ونبذة غيرها. وبعد ذلك ضم الأب كل ما في تلك المجلة في سفر طبعه في سنة 1906. وهذه الرحلة هي التي ابحث الآن عن أخبار صاحبها. وبعيد هذا عثر الناشر على نبذة عن المؤلف وردت في آخر كتاب يحوي مجموع صلوات كان قد وصفه المستشرق شنورر في فهرسته للمطبوعات العربية في سنة 1811 فسر الأب ذلك سروراً جماً أبداه في المشرق (9 (1906): 471) مع نشره ما وجده. وهو هذا بحروفه مع بعض الطي الذي أعوض عنه بالنقط فانه لا يمس الموضوع.
(قد طبع هذا الكتاب المبارك في مدينة رومية العظما في أيام رياسة. . . بابا مارايننوسنيوس الثاني عشر. قد طبعه من ماله ورزقه القسيس ايلياس باسم خوري البغدادي ابن قسيس حنا الموصلي من نسل البطاركة المشرقين من طائفة الكلدانيين من عيلة بيت عمون الذي قبل مواهب من الكرسي الرسولي (كذا)(9/447)
الاوله: (اركدياقون على كنيسة بغداد. والثانية: روتونوطاريو أبو سطوليكو والثالثة: حامل صليب مار بطرس والرابعة: كونته ده بالاتينو
والخامسة: كاهن كنيسة ملك إسبانية. . .(9/448)
وقد وقف على طبع هذا الكتاب المبارك أحقر عبيد الله اندوراس من مدينة حلب باسم كوالير ابن مقدسي عبد الله الكلداني الموصلي. . .
انطبع في مجمع انتشار الإيمان المقدس في مدينة رومية سنة 1692. . .) أهـ.
وقبل أن يبلغ خبر طبعة هذه الرحلة إلى سلامة موسى رأى أن يصف في المقتطف (35 (1909): 860) نسخة في خزانة ديوان الهند في لندن فطلب المقتطف من مشتركيه في بغداد أن يعلموه بما يعرفونه عن صاحب الرحلة وفي الوقت نفسه طلب من الواصف أن
يخبره بحجم الكتاب - ولابد أن ذلك كان استعداداً لطبعه - فأجاب موسى ملتمسه (المقتطف 35 (1909): 1112) ثم قال أن صاحب فهرست الخزانة يقول أن نسخها منقولة في الشرق لكنه لم يذكر الموضع، وحينذاك أوقف المقتطف على خبر الطبعة. وفي تلك الغضون أشار المشرق (12 (1909) 798) إلى المقتطف انه سبق فنشر الرحلة قبل وصف سلامة موسى.
وذكر الرحلة في المشرق صاحبه في كتابه المسمى المخطوطات العربية للمكتبة النصرانية الذي كان بدأ نشره (20 (1922): 58) ثم عاد فاخبرنا (22 (1924): 355) أن القس الفاضل بولس سباط السرياني وصف في (مجلة الشرق المسيحي) نسخة من هذه الرحلة وانه قد اتضح له من وصف القس أنها النسخة التي نقل عنها الأب رباط نسخة طبعته. وذكر القس سباط المار الذكر نسخته في كتابه بالفرنسية المسمى خزانة مخطوطات بولس سباط السرياني الحلبي، المطبوع بمصر في سنة 1928 (ص 62) بعد أن كان نشره في تلك المجلة الفرنسية. ولكتاب المخطوطات العربية للمكتبة النصرانية طبعه على حده بعد أن تم ننشره في المشرق.
وإذ قد سر الأب رباط بما قف عليه من خبر صاحب الرحلة وأبدى المقتطف رغبة في الحصول على معلومات من مشتركيه البغداديين عن صاحب الرحلة كما(9/449)
رأينا أحببت - وان مر زمن طويل على ذلك - أن اجمع ما وقفت عليه في إثناء مطالعتي وفي إلقاء نظرات على كتاب بالإيطالية من نتف عن الرحالة وأسرته وغير ذلك معتقداً أن بعض القراء الكرام يلتذون بهذه الأخبار ويحدو ببعضهم الأمر إلى التتبع والبحث عن صاحب الرحلة وما يتعلق به.
نسخة ديوان الهند
لفت نظر سلامة موسى قول صاحب فهرست الخزانة. خزانة ديوان الهند (فهرستها ص 207 عدد 719) أن نسختها مكتوبة في الشرق لكنه موضع النسخ. والظاهر أن صاحب الفهرست لم يجد صراحة في ذلك وان (سلامة) رغب في الوقوف على الأمر. ولو رأى عراقي النسخة وانعم النظر فيها لعله يستخرج محل نسخها من إمارة يجدها فيها. مع أن النسخة بعيدة فلا يسعني إلا أقول عنها استنبطها من الوصف.
قال (سلامة في المقتطف (35: 1112). (إن في النسخة قوله: دفع شماس كوركيس لشماس حنا عشرين بغدادية ثمن نسخ هذا الكتاب) أهـ. ومن يراجع (الفهرست) ير فيه خاتمة للكتاب عد سلامة نفسه في غنى عن نقلها برمتها ولذا اقتضب الفقرة التي أورد نقلها. وهاأنا ذا انقل ذلك لا قابل الخاتمة خاتمة نسخة الدكتور الجلبي، التي سيأتي الكلام عليها وسيظهر قدم هذه على نسخة خزانة الديوان ويستنتج محل كتابتها مما فيها.
وهذه هي الخاتمة بحروفها: (قد تكمل هذا الكتاب بعون الله الوهاب في بورط صانتا ماريا التي هي لمينة كادس على يد الحقير الكوالير اندوراس ابن مقدسي عبد الله الكلداني في أول شهر آذار المبارك سنة ألف وستمائة وتسعة وتسعين مسيحية في أول نساخته.
ونساخته الثانية في شهر كانون الأول عشرين يوم في سنة 1751 مسيحية(9/450)
والمجد لله دائماً.) أه
ثم قال الفهرست ما تعريبه وقد أبقى بالعربية الألفاظ التي أضعها بين قويسات: (والصفحات الثلاث الأخيرة تحوي مضامين الكتاب، وفي الأخر تعليق لشماس كوركيس) فيه انه دفع إلى (مقدسي شماس حنا) لنسخ الكتاب تسعة وعشرين (بغدادية) أي ثلاث بغداديات ونصف بغدادية عن كل كراسة وفي صدر الكتاب تعليق عن مشتراه في تاريخ سنة 1786. وهناك كتابة بالخط الأسطرنجيلي وهي: (بسم الله تيمناً وتبارك بذكره القديم.) أهـ
ولكي نعرف محل كتابة هذه النسخة على وجه التقريب انقل ما قاله القس خدر الكلداني في رحلته (المشرق 13 (1910): 659) في تاريخ سنة 1728 وهذا كلامه: (. . . قرش اسكوت روماني. وكل اسكوت عشر جوليات. والجولية هي البغدادية السالكة في الموصل.) أهـ. ويتضح من جنس هذه(9/451)
النقود المدفوعة أجرة أن كتابة النسخة كانت في مدينة تدرج فيها البغدادية ولا بد أنها بغداد أو الموصل. ويرجح الورتبيد الفاضل نرسيس صائغيان أنها بغداد لأنه يظن أن المستنسخ هو الشماس كوركيس ابن الشماس عيسى غنيمة من أهل بغداد وسكانها لعادته اقتناء الكتب ولمعاصرته رجلا اسمه المقدسي حنا من سكنة بغداد أيضاً.
نسختان غير المحكي عنهما
1 - نسخة الدكتور الجلبي
رأينا أنه لم يتيسر لناشر الرحلة أن يقف حين طبعها إلا على نسخة واحدة ولم يصل إليه إذ ذاك خبر نسخة ديوان الهند وقد جاءنا في السنوات الأخيرة كتاب مخطوطات الموصل للأستاذ الدكتور داود بك الجلبي (ص 269) بوصف نسخة عند صاحبه ينقص منها ورقتان في الأول وفي آخرها مثل ما في نسخة خزانة الديوان إلا قوله: (في أول نساخته) فأنها كما أنه عوض في هذه النسخة عن قول نسخة الديوان (ونساخته الثانية. . .) بما يلي: (وقد صار الفراغ منه يوم الخميس في ستة وعشرين من شهور (كذا) تموز سنة 1748 مسيحية.) أهـ فيتضح من هذا أن نسخة الدكتور اقدم بثلاث سنوات من النسخة التي في ديوان ويبين من اتفاق ما فيهم في الآخر أن نسخة الديوان منقولة من نسخة الدكتور أو أن كلا منهما منقولة من أم واحدة لأن كلمة (ادار) وردت في كلتيهما بدال مهملة.(9/452)
2 - نسختي
هذا ما كان من نسخة الدكتور وكان للمنقب في أخبار السلف من المسيحيين الورتبيد نرسيس صائغيان نسخة اقتناها قبل نحو عقدين من السنين فأهداها إلي قبل بضع سنين وهذا وصفها وأنا آسف لنقصها.
طولها 22 سنتمتراً وعرضها 16 وفي كل صفحة 17 سطراً صفحاتها 196 خطها فصيح لكنه ليس بالمتقن ومداده اسود باهت وورقها ثخين وجنسه يحملنا على قول بان عمرها يتجاوز قرناً ونصف قرن على الارجح، وكانت مسلوخة من جلدها فصحفتها وليس على أوراقها أرقام إنما معلم على أول صفحة من كل كراس رقمه وكذلك على آخر كل صفحة منه وهو يحوي 16 صفحة ونقصها في الأول كبير فأنه ثلاثة كراريس ونصف وفي وسطها نقص آخر من الكراس التاسع والعاشر قدره 16 صفحة. وفي الفصل العاشر دائرة ضمنها صورة مظهر من مظاهر السماء الذي مما لم ير الناشر حاجة إلى طبعه وقد اكتفى بنشر نبذتين تاريخيتين. والصورة من صنع يد لا تحسن الرسم كيد صبي من الصبيان كما انك تجد في الفصل الحادي عشر صورة أحرف جاء عنها في المطبوع (ص 77ح) أن الأصل غفل منها.
وآخر فصل في مخطوطي هو الفصل السادس عشر وينتهي الموجود منه برواية الأعجوبة الرابعة للعذراء مريم عليها السلام. وجملته الأخيرة هي: (فهكذا يا اخوة عملت مريم البتول عجائب كثيرة في كل المسكونة وهي ظاهرة للناس.) فالنقص ما بقي من هذا الفصل مع الفصل السابع عشر الذي به يتم الكتاب.
وفي ضمن الدائرة الحاوية صورة مظهر السماء أدخلت يد حديثة قوله: (هذا الكتاب مال يوسف ابن بحو.) أهـ.
(مطالعة): ومما نستفيده من هذه النسخة أنها أفصحت عن كلمة لم يحسن(9/453)
قراءتها ناشر الرحلة. كنت قرأت في النص 35 من المطبوعة كلمة (برنج) ثم جمعها (برانج) وفي حاشية للناشر أن الكلمة فارسية ومعناها النحاس وهو يظن أنها بمعنى خابية أو برنية فرأيت أن القراءة غير صحيحة ولا بد أن تكون (برنخ) وهي كلمة معروفة في بغداد والموصل يراد بها أنبوب من خزف قطره واسع حسب حاجة صاحبه إليه ويكون طوله نحو نصف متر، وإذا أراد أحدهم أن يتخذ مدخنة أو مسيلا ينحدر من علو، صف واحداً راكباً في رأس واحد. وسياق الكلام في الرحلة يقضي أن تكون الكلمة (برنخ) وجمعها (برانخ) كما أن النسخة التي عندي تصورها على هذا الوجه. ويقال في المفرد (بربق) بإبدال الخاء قافاً. وقد بان لي أن على الكلمة مسحة آرامية فسألت عن ذلك حضرة الأب صاحب المجلة فقال: (البربخ) وجمعها البرابخ مأخوذة من الارمية (لا من المصرية كما في اللسان والتاج) وهي من (بربوعا) ويقال فيها أيضاً (بربوقا) بمعناها وبمعنى الكراز أو القرقار أو الكوز أو الدبة أو الزجاجة.
(عن دليل الراغبين في لغة الآراميين).
نسخة أسرة المؤلف
كان القس بطرس قد ألف كتاباً اسمه ذخيرة الأذهان في تواريخ المشارفة والمغاربة من السريان طبع جزءه الأول في مطبعة الأباء الدمنكيين بالموصل في سنة 1905 وشرع في طبع جزءه الثاني هنالك أيضاً في سنة 1913 ثم حدث ما أوقفه عن الطبع بعد أن أنجز منه 448 صفحة فذكر فيه رحالتنا مع اقتباس من المشرق. ومما فيه (2: 359) قوله عن الرحلة: (رؤي هذا الكتاب عند نعمان الحلبي). وسيأتي الكلام على نعمان أنه من بيت
كاتب الرحلة.
تذكرت هذه الرواية حينما زرت الموصل في خريف 1921 ترويحاً للنفس فجمعتني الصداقة القديمة بالوجيه الكريم يوسف أفندي نعمان آل الحلبي فأخذنا يوماً نتجاذب أطراف الكلام عن أسرته الطيبة الأرومة فسألته عن هذه(9/454)
النسخة التي كانت لوالده أنه كان وجدها في تركة أبيه وكانت في داره عند مغادرته الحدباء وقت نزوحه منها قبل ثمان وثلاثين سنة قاصداً الناصرية قاعدة لواء المنتفق بوظيفة مدير البرق والبريد وأنه لم يرها عند رجوعه وقد فقد معها ما كان إرثاً من والده من نفائس الأوراق، فقد حرمتنا الأيام الوقوف على هذه النسخة التي ربما من التعاليق عن أسرته ما ليس في غيرها. ويوسف أفندي هو وحيد بيته الحلبي اليوم.
أسفار صاحب الرحلة
اخبرنا القس نصري (2: 358) خلال كلامه على مساعدة بيت الحلبي للمرسلين الدمنكيين والذب عنهم ما جاء في آخر كتاب مطبوع عن صاحب الرحلة واصله وهو كآخر الكتاب الموصوف في المشرق نقلا عن شنورر والمطبوع في سنة 1692 مع زيادة تعريف أنه من نسل (البطاركة والعشيرة الأبوية وأنه قصد رومية سنة 1659) إلا أن القس نصري قال أن ما ذكره جاء في آخر كتاب الصلوات المسمى (الحيوة) الذي طبعه الخوري ايليا في سنة 1693 في رومة. ثم قال (2: 359): (يظهر أن الخوري الموما إليه قد سافر إلى رومية مرتين لأنه في هذه السياحة (أي المطبوعة) ذكر أيضاً أنه رحل من بغداد سنة 1668 وأنه كان ابن أخ اسمه يونان أنجز دروسه في عاصمة الكثلكة سنة 1670 فينتج أن ما خلا سفرته التي فيها طبع كتاب (بستان الحياة) قصد رومية مرة أخرى لزيارة ابن أخيه يونان الآخر) أهـ. ويظهر لي أن الكتاب الذي سماه القس نصري (الحيوة) المطبوع في رومة سنة 1693 والكتاب الذي سماه (بستان الحياة) هو واحد، والذي يظهر لي أيضاً كأن هذا الكتاب هو غير المطبوع في سنة 1692 الذي قال عنه المشرق لا اسم له بالعربية. والذي يسوقني إلى هذا الظن أي أنهما إثناء اختلاف الاسم وسنة الطبع والأسماء العربية للمراتب(9/455)
التي حازها الخوري - إن لم يكن التعريب للقس نصري كما قلت في قلت في حاشية سبقت - ولا سيما العثور على سفر صاحب الرحلة إلى رومة في سنة 1659
وهو سفر لم يروه المشرق مما يدل على أن لصاحب الرحلة طبع كتابين جاء في الذي تكلم عليه القس نصري خبر سفر صاحب الرحلة إلى رومة في سنة 1659 وإلا فمت أين أتى القس بهذا التاريخ وهو لا يذكر مصدراً غير ذلك الكتاب؟ فان صح أن لصاحب الرحلة طبع كتابين يكون القس وقف على كتاب لم يطلع عليه الأب رباط. والذي يفهم من عبارة القس نصري أن لصاحب الرحلة سفرة طبع فيها الكتاب - أو الكتابين - وسفرة غيرها لا ثالثة لهما، وإذا صح أنه كان في رومة في سنة 1692 أو 1693 حين طيع الكتاب يكون قدم إلى رومة ثلاث مرات: الأولى في سنة 1659 والثانية في سنة 1670 والثالثة في سنة 1692 أو 1693 أو قبلها. هذا إذا كان في رومة في زمن الطبع، إذ أن أمر الطبع لا يستلزم وجوده في المكان فضلا عما رأينا أن الواقف على الطبع هو اندراوس فإذا كان هنالك فلعله لم يعد إلى العراق بعد رجوعه من أمريكة. ولقد صدق القس نصري في أن لصاحب الرحلة سفرة إلى رومة في سنة 1659. وسأورد ما عرفته عن هذه السفرة، وفي ذلك أخبار عنه وعن أخوين له مع ذكر أسميهما.
يعقوب نعوم سركيس
شباب العراق
شباب العراق استشعروا والعزما ... واحيوا عراقاً ضيع المجد والحزما
تعلقت الآمال فيكم وأنكم ... ستضحون شعباً ينشر الخير والعلما
ألا فانهضوا بالعلم نهضة مصلح ... وداووا عراقاً كابد العسر والغما
فأنكم أهل البلاد وعونها ... وقد كلمتها نائبات العدى كلما
عليكم صروح الفوز باتت مقامة ... فان تهملوها تلق دون العلا هدما
ألا ألفوا بين القلوب وسارعوا ... إلى منهج الأعمال واستعملوا الفهما
تأخرتم في الناس أي تأخر ... فقاسيتم من ذلك الفقر والهما
ألا يا شباب العرب حتام ننتهي ... عن الكسل المردي ونكتسح الوهما؟
فكونوا شباباً مستحقين للعلا ... وهيوا ارجموا من خان من بيننا رجما
وقوموا بأعمال تظل عظيمة ... وحوطوا العراق اليوم كي يغلب الخصما
مصطفى جواد(9/456)
فوائد لغوية
نقد تاريخ الأدب العربي
4 - (الطلاق في الجاهلية)
وقال في ص 9 عن العرب (وللرجل وحده حق الطلاق ما لم يشترط عند العقد خلاف ذلك) قلنا: هذا هو الظاهر لكن السيد نعمة الله الجزائري قال في ص 87 من زهر الربيع: (وروي أن الطلاق في الجاهلية كان إلى النساء وكان طلاقهن للرجال أن يغيرن أبواب البيوت من المشرق إلى المغرب) ثم أورد حكاية لكيفية إجراء الطلاق، وجاء في مادة (ج د د) من المصباح المنير (والاسم منه الجد بالكسر أيضاً، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: ثلاث جدهن جد وهزلهن جد، لأن الرجل كان في الجاهلية يطلق أو يعتق أو ينكح ثم يقول: كنت لاعباً ويرجع. فأنزل الله تعالى قوله: ولا تتخذوا آيات الله هزوا، وقال النبي - ص - ثلاث جدهن جد، إبطالا لأمر الجاهلية وتقريراً للأحكام الشرعية) وقال الطريحي النجفي في مادة (هزأ) لتفسير الآية المذكورة: (قيل كان الرجل في الجاهلية يطلق أو يعتق أو ينكح ثم يقول: كنت لاعباً. فانزل الله تعالى: لا تتخذوا آيات الله هزواً) وكلامه مقتبس من المصباح على ما ظهر لنا.
وقال أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي (قيل كان طلاق الجاهلية أن يسل الرجل ثوبه (وفي نسخة: ثيابه) عن امرأته) تفسيراً لقول امرئ القيس (وسلي ثيابي من ثيابك تنسل) وفي ص 317، 318 من كشف الطرة(9/457)
عن الغرة عن أبي عبيدة أن عمرو بن عدس بن زيد التميمي كانت تحته دختنوس بنت لقيط بن زرارة - وكان ذا مال كثير إلا أنه كبير السن فقلته فلم تزل تسأله الطلاق حتى فعل) فهذا الخبر يؤيد أن الطلاق كان إلى الرجل في الجاهلية والأمر بقي معي علينا وليس عندنا (بلوغ الأرب في أحوال العرب) فنبلغ أربنا منه على ما يدل عليه اسمه.
انصر أخاك ظالماً أو مظلوما
وقال فيها (أما علاقة أبناء الأسرة بأبناء القبيلة فجماعها مدلول هذه الحكمة الجاهلية (انصر
أخاك ظالماً أو مظلوماً) على ما بين أبناء العم من تنافس وتباغض) قلنا: ذكر هذا الرأي أبو هلال الحسن بن عبد الله العسكري في (ص 15) من جمهور الأمثال. ثم قال (وقد روي هذا الكلام عن النبي - ص - فان كان صحيحاً إسناده فمعناه: انصر أخاك مظلوماً وكفه عن ظلمه إن كان ظالماً فقد نصرته إذا خلصته من الإثم لأن النبي - ص - لا يأمر الظالم. . .)
ورأينا هذا القول وهذا الرأي في تاريخ المرحوم الشيخ محمد الخضري كما في (1: 13) من الطبعة الثانية وتاريخه ليس بثبت ولا معتمد لأنه - عفا الله عنه - أهمل المصادر التي يجب ذكرها على المؤرخين فاسقط كتابه وطرق عليه الطاعنين وفاز جورجي زيدان بالمرجعية والشهرة، وقد خلط الرواة بين(9/458)
حديث القدماء والحديث النبوي فعسر التميز، ثم أن تفسير أبي الهلال لو كان مرجعاً لكان المألوف يقضي أن يقال: (ظالماً ومظلوماً) بالواو ولا محل للإباحة فيكون على غرار قوله تعالى (الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً وعلى جنوبهم) فنحن نرى أن المراد ب (ظالماً) ظالم لنفسه وقد قال تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون) فهم الظالمون لأنفسهم والمراد بالمظلوم معروف فاللازم نصره أن لم يكن مظلوماً فهو ظالم لنفسه محتاج إلى النصر من هذه الجهة، فهذا القول إسلامياً اكثر منه جاهلياً، والمراد بالنفس ههنا الأجساد لأن النفس إمارة بالسوء.
العجعجة والكشكشة والغمغمة
وذكر في ص 13 بعض لغات العرب فقال (كجعجعة قضاعة. . . وكشكشة أسد) وعلق به: (العجعجة: قلب الياء جيماً بعد العين وبعد الياء المشدودة فيقولون في الراعي: راعج: وفي كرسي: كرسج). والكشكشة، جعل الكاف شيئاً في خطاب المؤنث). - قلنا: ليست ياء الراعي مشدودة فيصح التمثيل بها، ثم أنه ذكر في حاشية (ص 16) عن العقد الفريد (إن معاوية قال يوماً لجلسائه: أي الناس افصح؟ فقال رجل من السماط يا أمير المؤمنين: قوم قد ارتفعوا عن رتة العراق وتياسروا عن كشكشة بكر وتيامنوا عن فشفشة تغلب، ليس منهم غمغمة قضاعة. . .) فحصل بين نقلي الأستاذ الزيات تعارض لأن العجعجة كانت لقضاعة فصارت لهم الغمغمة، وكانت الكشكشة لأسد فنسبت هنا إلى بكر، وهذه النادرة ربما نقلها ابن عبد ربه عن كامل المبرد (راجع 8: 50 من لغة العرب) وتكلمنا على
الطمطمانية والغمغمه (راجع 7: 577) وق اختلف في تخصيص هذه اللغات بأصحابها ففي (1: 133) من المزهر ما نصه: (ومن ذلك العجعجة في لغة قضاعة يجعلون الباء المشددة جيماً بقولون في تميمي: تميمج) وفي ص 134 منه (وإبدال الياء جيماً في الإضافة نحو غلامج. وفي النسب نحو بصرج وكوفج) مما يدل على النقل العمومي والقمشي، فيجب موافقة قول الزيات المذكور في العجعجة لهذين القولين المنقولين عن المزهر أو حصوله على نص في العجعجة بأنها قلب كل ياء متطرفة جيماً ليصح(9/459)
قوله السابق المنتقد.
اتصال العرب بالتجارة والدين
وقال في ص 13 (فان الهرب كانوا أميين لا تربطهم تجارة ولا إمارة ولا دين) مع انه كان قد قال في ص 8 (وهذه الوثنية كانت دين الكثرة من العرب) فلا تتأتى الكثرة الدينية إلا من شدة اتصالهم بعضهم ببعض، ثم قال عن الشعب العدناني والقحطاني في ص 14 (فكان أذن بين الشعبين اتصال سياسي وتجاري يقرب بين اللغتين الألفاظ ويجانس بين اللهجتين في المنطق) فاثبت الاتصال الاماري والتجاري إذن لم يبق على شيء، مما اعتمده أولا، والرأي الأخير هو الصواب لأنه حالهم في اغلب عصورهم، وقصدهم إلى البيت الحرام في الجاهلية دليل ناطق على اتحادهم في الدين وقد أشار الله تعالى إلى صلاتهم فقال: (وما كان صلاتهم عند البيت إلا مكاء وتصدية فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون) وقال هو في ص 15 (إلا عكاظ فأنهم كانوا يتوافون إليها من كل فج لأنها متوجههم إلى الحج ولأنها تقام في الأشهر الحرم) وأما التجارة فلا تحتاج إلى برهان.
المعاهدات واللهو في أسواق العرب
وقال في ص 14 عن الأسواق (وكان العرب يقيمونها في أشهر السنة للبياعات والتسوق) قلنا: وللمعاهدات واللهو والسرف والترف ألا ترى الحارث ابن حلزة يقول:
واذكروا حلف ذي المجاز وما ق ... دم فيه العهود والكفلاء
واعلوا أننا وإياكم في ... ما اشترطنا يوم اختلفنا سواء
وقال الواقدي في أخبار نفير قريش (وقال أبو جهل: والله لا نرجع حتى نرد بدراً - وكانت بدر موسماً من مواسم العرب في الجاهلية يجتمعون بها وفيها سوق - تسمع بنا
العرب وبمسيرنا فنقيم على بدر ثلاثاً ننحر الجزر ونطعم الطعام ونشرب الخمر وتعزف علينا القيان فلن تزال العرب تهابنا أبداً) وقال الواقدي (فلما أفلت أبو سفيان بالعير ورأى أن قد أحرزها وأمن عليها أرسل إلى قريش بن امرئ القيس وكان مع أصحاب العير خرج معهم من مكة(9/460)
فأرسله أبو سفيان يأمرهم بالرجوع ويقول: قد نجت عيركم وأموالكم فلا تحرزوا أنفسكم أهل يثرب فلا حاجة لكم فيما وراء ذلك، إنما خرجتم لتمنعوا عيركم وأموالكم وقد نجاها الله. فان أبوا عليك فلا يأبون خصلة واحدة: يردون القيان، فعالج قيس ابن امرئ القيس قريشاً فأبت الرجوع، قالوا: أما القيان فسنردهن - فردوهن من الجحفة -). قال ابن أبي الحديد: (لا اعلم مراد أبي سفيان وهو الذي أخرجهن مع الجيش يوم أحد؛ يحرضن قريشاً على أدراك الثار، ويغنين ويضربن الدفوف، فكيف نهى عن ذلك في بدر وفعله في أحد؟) أقول: لا يخفى السبب على ذي بصيرة مثل ابن أبي الحديد، فان القيان إذا رجعن إلى مكة، لم يبق لا غلبهم رغبة في المكوث ببدر، لأنهم لهاؤون قصافون، فتكون نهاية أمرهم العودة، وقال الواقدي في المطعمين في بدر من المشركين: (المتفق عليه ولا خلاف بينهم فيه تسعة فمن بني عبد مناف (الحرث بن عامر نوفل بن عبد مناف) و (عتبة وشيبة ابنا ربيعة بن عبد شمس) ومن بني أسد بن عبد العزى (زمعة بن الأسود بن المطلب بن أسد) و (نوفل بن خويلد المعروف بابن العدوية) ومن بني جمح (أمية بن خلف) ومن بني سهم (نبيه ومنبه ابنا الحجاج) فهؤلاء تسعة) وروى محمد بن اسحق أن العباس بن عبد المطلب كان من المطعمين في بدر وكذلك طعيمة بن عدي بن نوفل كان يتعقب هو وحكيم والحارث بن عامر بن نوفل وكان أبو البختري يتعقب هو وحكيم بن حزام في الإطعام وكان النضر بن الحارث بن كلدة ابن علقمة بن عبد مناف بن عبد الدار من المطعمين فهذه الأنباء كافية للدلالة على ما قدمنا من دعوى أن العرب كان تعاهد وتكافل وتلهو وتقصف في مواسمها وأسواقها.
لغة قريش وباقي اللغات
وقال في ص 14 عن العدنانيين (ففرضوا لغتهم وأدبهم على حمير الذليلة(9/461)
المغلوبة ثم جاء الإسلام فساعد العوامل المتقدمة (وقد قدم العوامل) على محو اللهجات الجنوبية وذهاب القومية اليمانية فاندثرت لغة حمير وآدابهم وأخبارهم حتى اليوم) ثم قال في ص 81 (لم
يكن امتزاج اللغات ولا اتحاد اللهجات تاماً من كل وجه عند انبثاق نور الإسلام. وإنما بقي على نواحي الألسنة لحون مختلفة كالفتح والإمالة. .) قلنا: وكذلك لغة حمير فأنها لبعدها من لغة العدنانيين كانت أطول احتضاراً وأبطأ انقراضاً فلا يقال أنها وآدابها اندثرت، وكيف تنسى طمطمانية حمير ووتم اليمن وشنشنتهم ولخلخانية الشحر وعمان وغيرها، وكتب اللغة كثيراً ما احتوت على ألفاظ يمانية، وإنما ذكرنا غير لغة حمير لتأييد بقاء اللغة الضعيفة لسبب من الأسباب الحيوية؛ ومن راجع كتاب الإكليل للهمداني - وقد اطلعنا على قسم منه - علم كثرة الألفاظ اليمنية في العصور الإسلامية لأن اصطلاحات البناء والري والصنائع والفنون لا يمكن الاستغناء عنها بتة.
(السدى) بالفتح لضد اللحمة
وقال في ص 18 (الخطابة كالسعر لحملتها الخيال وسداها البلاغة) بضم السين من (سدى) والصواب فتحة، قال في مختار الصحاح (السدى بفتح السين ضد اللحمة. . . والسدى بالضم: المهمل) وفي المصباح (السدى وزان الحصى من الثوب خلاف اللحمة وهو ما يمد طولا في النسج) وهذه رأيناها في الطبعة الثانية كما في ص 9 منها فلم تصحح في هذه الطبعة يا أسفا كنا اصلح غيرها من مضبوطات القلم.
مصطفى جواد(9/462)
باب المكاتبة والمذاكرة
حكومة الأدارسة في عسير
أسست سنة 1327هـ - 1909 م
أسس هذه الحكومة السيد محمد بن علي بن محمد ابن شيخ الطريقة الشهير، السيد احمد بن إدريس. وكان تأسيسها في حين ثورته على الترك العثمانيين في سنة 1327هـ؛ ولم يدع بالحكم قبله أحد من آبائه ولا من أجداده في عسير.
ونعد وفاته تولى الحكم ابنه السيد علي المقيم الآن بمكة. ثم ثارت عليه البلاد فاخرج من عسير إلى عدن، فتولى قيادة الإمارة بعده عمه السيد حسن، شقيق السيد محمد المؤسس للحكومة.
ومن طالع كتب الأخبار والتواريخ مثل رحلة الشريف الحسين بن علي إلى بلاد عسير، تأليف الشريف شرف. وتاريخ اليمن للواسعي. وتاريخ سيناء وبلاد العرب لنعوم بك شقير، يظهر صحة ما قلناه. وما جاء في ص 238 من الجزء الثالث من لغة العرب في سنتها التاسعة، نقلا عن (رائد العلم المسيحي) يعد من خطأ بعض الكتبة الإفرنج في تاريخ البلاد العربية.
وقد ترجم السيد محمد بن علي الإدريسي صاحب حكومة صبيا وما جاورها من بلاد عسير، المؤرخ نعوم بك شقير في كتابه (تاريخ سيناء وبلاد العرب) في ص 665 و666. وذكر الأب لويس شيخو عسير والادرسي في المشرق 18: 425 إلى 429. فلخص كلامه على عسير معتمداً على معلمة الإسلام في مادة عسير وترجم الادريسي نقلا عن نعوم بك شقير وعن معلمة الإسلام في رسم (الادريسي) (2: 479 من الترجمة الفرنسية) ومن عدة مواطن أخر.
ومما يجب التمسك به أن (عسير) لا تدخلها أداة التعريف. ومن حلاها(9/463)
بها فقد شط عن والصواب.
جدة (الحجاز) في 29 ذي القعدة 1349 الموافق افريل 1931.
محمد نصيف
(ل. ع) نشكر للشيخ الجليل محمد نصيف تحقيقه هذا. ونحن لا نشك في غزارة المعروف بها. وإفادته من اثمن الإفادات ويجب على كل أديب أن يأخذ بها أتباعاً للحق الذي لا ريب فيه.
كتاب النبي العربي إلى النجاشي ملك الحبشة
أوفدت مجلو (الالستراسيون) الفرنسية المعروفة مندوبها الكونت دي سيانلي دي سيران إلى بعض أنحاء الشرق، ومنها بلاد الحبشة بوجه خاص ليجمع لها المعلومات والمستندات والرسوم والوثائق الهامة المتعلقة بتاريخ الحبشة القديم، والحديث لتنشره في عدد خاص ممتاز.
واتصل بالمندوب. - وهو اليوم نزيل بيروت - أن الأمير سليم نجل السلطان عبد الحميد، يملك الرسالة التي وجهها النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - إلى نجاشي الحبشة مكتوبة على رق غزال، فاهتم كل الاهتمام بان يراها ويقتنيها إذا قدر له. فتوجه إلى جونية يقطن الأمير. فاطلعه هذا على الرسالة وقد حفظها في محافظ من الحرير الأخضر المذهب، واعلمه أن إحدى المؤسسات في مصر قد فاوضته على أن يبيعها إياها بمائتي ألف جنيه فأبى إجابة الطلب.
فقال مندوب الالستراسيون أن إدارة مجلته تدفع مليونين ونصف مليون فرنك ثمناً للرسالة على أن تحافظ عليها إذا اقتنتها حفظها للمقدسات، فرفض الأمير ذلك.
وفيما يلي صورة الرسالة:
السنة السابعة للهجرة.
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى النجاشي ملك الحبشة.
أما بعد فإنني أحمد إليك الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن واشهد أن عيسى بن مريم من روح الله وكلمته ألقاها إلى البتول الطاهرة(9/464)
المطهرة الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخه كما خلق آدم بيده وإني أدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته فان تابعتني وتؤمن بالذي جاءني فأني رسول الله وأني أدعوك وجنودك إلى الله تعالى، وقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي. وقد بعثت إليك ابن عمي جعفراً ومعه نفر من المسلمين. والسلام على من اتبع الهدى.
وقد قابل هذه النسخة حضرت الأستاذ مصطفى أفندي جواد على نسخة الطبري (طبعة الإفرنج) فإذا نصها كما يأتي:
السنة السادسة (الطبري ج1 ص 1560 والكتاب في ص 1569).
بسم الله الرحمن الرحيم
من محمد رسول الله إلى النجاشي الاصحم ملك الحبشة:
سلم أنت فأني احمد إليك الله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن واشهد أن عيسى بن مريم روح الله وكلمته ألقاها إلى مريم البتول الطيبة الحصينة فحملت بعيسى فخلقه الله من روحه ونفخة كما خلق آدم بيده ونفخه وأني أيدعوك إلى الله وحده لا شريك له والموالاة على طاعته وان تتبعني وتؤمن بالذي جاءني فأني رسول الله، وقد بعثت ابن عمي جعفراً ونفراً معه من المسلمين، فإذا جاءك فاقرهم ودع التجبر، فأني أدعوك وجنودك إلى الله، فقد بلغت ونصحت فاقبلوا نصحي، والسلام على من اتبع الهدى.
مصطفى جواد
سلوقية هي رومية المدائن
جاء في 9 ص 260 من لغة العرب كلام على سلوقية، وهي عندنا، رومية المدائن التي قتل فيها أبو مسلم عبد الرحمن أو عثمان الخراساني. قال ابن خلكان (وهي بليدة بالقرب من الانبار، على دجلة، بالجانب الغربي ممدودة من مدائن كسرى، تحت بغداد بينهما سبعة فراسخ، بناها الاسكندر ذو القرنين على صورة إنطاكية لما أقام بالمدائن وكان قد طاف الأرض شرقاً وغرباً لما اخبر البارئ تعالى في القرآن الكريم ولم يختر منها منزلا إلا المدائن فنزلها، وبنى رومية المذكورة إذ ذاك). وقال ابن الجوزي: (ولما كانت المدائن قريبة من بغداد، بينهما(9/465)
بعض يوم، وكانت كالمتصلة بها، حسن أن يذكرها، وإنما سميت المدائن، لكثرة ما بني فيها من الأماكن، في أيام الملوك والأكاسرة، واثروا فيها الآثار. وهي مدينتان شرقية وتسمى العتيقة، وفيها القصر الأبيض الذي لا يدرى من بناه. . . ومدينة غربية تسمى بهرسير ويقال: إن الاسكندر الذي يقال له ذو القرنين المذكور في الكتاب العزيز بناها. . . وبنى بها مدينة عظيمة وجعل لها سوراً أثره باق إلى الآن (وإلى الآن) وبنى المدينة التي تسمى (الرومية) في جانب دجلة الشرقي (كذا) فأقام بها إلى أن مات بها
وحمل إلى أمه بالإسكندرية) قلنا: إن قوله (جانب دجلة الشرقي) غلظ إما منه وأما من الناسخ لأنها في الجانب الغربي من دجلة على الحقيقة، وعلى ما ذكر ابن خلكان، وفي القاموس (رومية بلد بالمدائن خرب).
مصطفى جواد
(لغة العرب) نحن لا نوافق حضرة الأستاذ على رأيه، لأن المدائن كانت سبع مدن. قال حمزة: (اسم المدائن بالفارسية توسوفون، وعربوه على الطيسفون والطيسفونج. وإنما سمتها العرب المدائن، لأنها سبع مدائن، بين كل مدينة إلى أخرى، مسافة قريبة أو بعيدة، وآثارها وأسماؤها باقية، وهي: اسافابور، ووه اردشير، وهنبوشافور، ودرزنيدان، ووه جنديوخسره، ونونيفاذ، وكردافاذ، فعرب اسفابورعلى اسفاندر، وعرب وه اردشير على بهرسير، وعرب هنبوشافور على جنديسابور، وعرب درزنيدان علىدرزيجان، وعرب وه جندخسره على رومية، وعرب السادس والسابع على اللفظ).
(عن ياقوت في المدائن).
والذي ذكره ج. ب. شابو في (مجموعة المجاميع النسطورية) ص 682 أن سلوقية مدينة دار إمارة الساسانيين على بعد نحو 30 كيلو متراً تحت بغداد على ضفة دجلة اليمنى بازاء طيسفون التي كانت على عدوته اليسرى وتعرف المدينة أيضاً باسم المجوزة أو المدائن. ومن أسماءها الرسمية (وه اردشير) وكثيراً ما تذكر مع طيسفون. وقد اشتهرت كنيسة (كوخى) في سلوقية وكانت بيعة البطريرك) (أو الجاثليق). أهـ.
وأما رومية المدائن فقد قال عنها في ص 676: (محوزا حدثاً، وبالعربية المحوزة الجديد هي نيابلس ومن المألوف أن هذا الاسم يدل على المدينة التي شادها كسرى(9/466)
انو شروان على مثال إنطاكية وسماها العرب الرومية (راجع كتاب هوفمان الرقم 834). أهـ كلام الأبيل شابو.
قلنا: فيؤخذ من هذا أن رومية المدائن أو محوزة الجديدة أو الحديثة (وهذا معنى نابلس اليونانية) وإنطاكية المدائن والرومية شيء واحد. وسلوقية هي المدينة التي كانت بازاء طيسفون المعروفة في يومنا هذا باسم سلمان باك أي سلمان الطاهر وهو سلمان الفارسي المدفون فيها.
النصيرية والقزلباشية
جاء في 9: 267 من لغة العرب (ولم يكونوا بدرجة النصيرية، ويعرفون عندنا بعلي اللهية) وعلق به ما صورته: (الذي عندنا أن العلي اللاهية غير النصيرية إنما هم القزلباشية) قلنا: والذي عندنا أن القزلباشية كانوا من السنية، ولكون هذه البدعة ابتدعت في إيران، سمى الترك الإيرانيين (قزلباش) وسموا بلاد إيران بلاد القزل باش. وخلاصة أمرهم أن الشيخ صفي الدين ابن اسحق الاردبيلي، جد شاه إسماعيل ابن الشيخ حيدر (وإليه تنسب الأولاد. فيقال لهم: صفوية) كان صاحب زاوية في أردبيل، وله سلسلة في المشايخ، واخذ عن الشيخ زاهد الجيلاني، وتنتهي إجازته بوسائط إلى احمد الغزالي وهو سني مشهور، وتوفي الشيخ صفي الدين في سنة (735) هـ، وهو أول من ظهر من هذه الأسرة بطريق المشيخة والتصوف، وأول من اختار السكنى في أردبيل.
وجلس بعد موته في مكانه أبنه الشيخ صدر الدين موسى، وكانت السلاطين تعتقد فيه الولوية. وتزوره، وممن زاره: (تمور الأعرج) وذلك لما عاد من الروم أي آسية الصغرى، وطلب إليه أن يسأله ما يريد من الحاجات فقال: (واطلب منك أن تطلق كل من أخذته من بلاد الروم سركنا) فأجابه إلى سؤاله وطلق السركن جميعهم، فصار أهل الروم يعتقدون الشيخ صدر الدين وجميع الاردبيليين من ذريته.(9/467)
وحج ابنه بالسلطان خواجا علي بن موسى، وزار النبي - ص - وتوجه إلى بيت المقدس للزيارة، فتوفي هناك، وقبره معروف في القرن العاشر الهجري، وكانت ممن يعتقد فيه الصلاح ميرزا (شاه رخ بن تيمور الأعرج). فلما جلس الشيخ (جنيد بن خواجا بن علي) في الزاوية باردبيل كثر مريدوه واتباعه فخشيه صاحب آذربيجان السلطان (جهان شاه قرا يوسف) التركماني من طائفة (قراقوينلو) أي الخروف الأسود فأخرجهم من اردبيل فتوجه الشيخ جنيد مع بعض مريديه إلى ديار بكر وتفرق عنه الباقون، فالتجأ إلى طائفة (آق قوينلو) أي الخروف الأبيض فصاهره (أوزن حسن بك) وزوجه بنته (خديجه بينكم) فولدت له الشيخ (حيدراً) ولما استولى أوزن حسن على البلاد وطرد عنها ملوك (قراقوينلو) وأضعفهم عاد الشيخ جنيد مع ابنه الشيخ حيدر إلى اردبيل وكثر مريدوه واتباعه وتقوى باوزن حسن بك لأنه صهره فلما توفي حسن المذكور ولي موضعه السلطان خليل ستة
اشهر، ثم ابنه الثاني السلطان يعقوب فزوج بنته (حليمة بيكم) فولدت له شاه إسماعيل في يوم الثلاثاء الخامس والعشرين من رجب سنة اثنتين وتشعين وثمانمائة.
وكان الشيخ جنيد جمع طائفة من مريديه وقصد قتال كرجستان ليكون من المجاهدين في سبيل الله فتوهم منه شراً سلطان (سرنيوان) فخرج إلى قتاله فانكسر الشيخ جنيد وقتل وتفرق مريدوه، ثم اجتمعوا بعد مدة على الشيخ حيدر المذكور وحسنوا له الجهاد والغزو في حدود كرجستان وجعلوا لهم رماحاً من عيدان الشجر وركبوا في كل عود سناناً من حديد وتسلحوا بذلك وألبسهم الشيخ حيدر تيجاناً حمراً من الجوخ فسماهم الناس (قزلباش). وهو أول من البس اتباعه التيجان الحمر، فاجتمع إليه خلق كثير فأرسل (شروان شاه) إلى السلطان يعقوب بن أوزن حسن يخوفه خروج حيدر على هذه الضفة فأرسل أميراً من اسمه (سلمان) بأربعة آلاف نفر من العسكر وأمر أن يمنعهم من هذه الجمعية فما أطاعه حيدر فاتفق يعقوب مع شروان شاه وقاتلا(9/468)
الشيخ حيدراً فقتلاه واسر ابنه شاه إسمعيل وهو طفل وأسر معه أخوته وجماعة وجاء بهم سليمان بك إلى السلطان يعقوب فأرسل بهم إلى قاسم بك الغرناك حاكم شيراز إذ ذاك وأمره أن يحبسهم في قلعة اصطخر واستمروا في الحبس إلى أن توفي السلطان يعقوب في سنة (876) هـ.
وكان الشاه إسمعيل في (لاهجان) في بيت صائغ يقال له: (نجم زركر) وبلاد لاهجان فيها كثير من الفرق، كالرافضة والحرورية والزيدية وغيرهن، فتعلم منهم شاه إسمعيل في صغره مذهب الرفض فأن آباءه كان شعارهم مذهب السنة ولم يظهر الرفض غيره. فالقزلباشية كانوا من السنة لا من الرافضة، وبقي على إخلافهم هذا الاسم كما قدمنا. قال مؤلف كتاب الأعلام بأعلام بيت الله الحرام قطب الدين الحنفي في (ص 5 من الكتاب): (الباب السابع في ذكر ملوك آل عثمان. . . وذكر نبذة من أخبار شاه إسمعيل القزلباش). وقال في (ص 129) عن السلطان سليم الأول (فأنه كان قد اصرف في هذين السفرين وهما السفر إلى بلاد قزلباش والسفر إلى إقليم مصر). وقال في (ص 130): فلما أراد سفراً ثالثاً لقطع جادرة طائفة القزلباش، وكررها في ص 145 وص 148 وكثير من الناس يبتلون بألقاب آبائهم بحكم العرف والشيوع.
وحدثني جماعة من ارناووط نواحي اشقودرة بشمال بلاد اليونان أن القزلباشية على كثرة
في جبل (درسم) وقد تبلغ عدتهم مليوناً، وذكروا أنهم على أحوال مختلفة، فمنهم من يقوم بالعبادات الإسلامية ومنهم من يغفلها جملة وأنهم لا يزاوجون غيرهم من الفرق. وإذا طلب إليهم مخالفهم حاجة عبثوا بها قبل إعطائهم إياها، فالمستسقي مثلا يبصقون في مائه، وكانوا من المستعصين على الدولة التركية العثمانية لا يرضخون لها ضربية ولا يطيعون لها أمراً.
ومن مواطن القزلباسية (تيسين) قرب كركوك وطاووق (دقوقا) ومندلي ويسمون (قلم حاجية) وقراتبة، وقد سألت أحدهم عن عقيدته في الإمام علي بن أبي طالب فقال (معناه: (إنه رازق خالق ينوب عن الله كل أعماله) وسبب إطالة شواربهم - على زعمهم - أن الإمام علياً لما غسل جسد(9/469)
الرسول - ص - بقي في سرته نطفة، فعبها بقمه، وتعلقت قطرات بشعرات شاربه الدنيا، فهي مقدسة، يحرم أخذها، مع أن رسولي (بأذان) والي اليمن لكسرى في عهد النبوة لما دخلا على الرسول - ص - وقد حلقا لحاهما، وأعفبا شواربهما، كره النظر إليهما، ثم اقبل عليهما فقال: (ويلكما من أمركما بهذا) قالا: (أمرنا بهذا ربنا) يعنيان كسرى. فقال رسول الله: (لكن ربي قد أمرني بإعفاء لحيتي وقص شاربي).
وتوفي أحدهم في دلتاوة، وكنت قد قلت له في وقت مرضه: (من ربك؟) فتمنع علي أولا، ثم قال بعد الحاحي عليه: (أما تعرفه؟ أنه موسى ابن جعفر).
ويشاع عن هؤلاء أنهم لا يغتسلون أبداً لأن نظرهم إلى الماء عندهم جازئ عن تطهرهم بصبه على أجسامهم، ونرى أن اكثر هؤلاء من التركمان الشيعة الذين كثروا في زمان الإمام الناصر لدين الله أبي العباس احمد بن المستضيء (575 - 622) لأنه كان شيعياً محضاً. وتشيع في زمانه اكثر الأمراء والجند وغالب الجند إذ ذاك من الأتراك والأكراد. والناس - كما قيل - (على دين ملوكهم). ألا ترى أن صاحب المخزن (أي وزارة المالية) في خلافة الناصر لدين الله لما اعسف رجلا من أهل بعقوبا بعلة الخراج اخذ ذاك يسبه فسمع بخبره صاحب المخزن وأمر بإحضاره وقال له: لم تسبني؟ فقال له: أنتم تسبون أبا بكر وعمر لأخذهما فدك من فاطمة عليها السلام، وهي عشر نخلات، وأنتم تأخذون مني ألف نخلة، ولا أسبكم فعفا عنه فانظر إلى تشيع الأمراء إذ ذاك فلولا أن حقيقة لأنكر عليه
قوله وعزره، ولكن هو ما قلت لك.
أما النصيرية فهم شيعة محمد بن نصير النميري والحسين بن حمدان الحضيني الجنبلاني أبي عبد الله وقال في الثاني الحسن بن يوسف بن علي بن مطهر الحلي الشيعي الإمامي الاثني عشري في (ص 102) من كتابه (كشف المقال في معرفة الرجال): (كان فاسد المذهب كذاباً صاحب مقالة ملعونة لا يلتفت إليه)(9/470)
وقال محمد الباقر بن محمد تقي المجلسي المتوفى سنة (1111) هـ في كتابه (الرجال) وهو الرسالة الوجيزة: (وابن حمدان الحضيني ضعيف) أي ضعيف الإسناد. وابن مطهر الحلي أدرى من المجلسي في التوثيق والتجريح، وكان الحسين بن حمدان بث دعوته في جهات بغداد والبصرة فصادف عثرات جمة، واضطهده الحكام حتى اضطر إلى الفرار إلى سورية، فقدم دمشق واستأنف التبشير بمذهبه، فلم يوافق روح القوة الحاكمة هنالك، فالقوه في غيابة السجن وبقي مدة طويلة ثم تمكن من أغراء السجان بعقيدته فاستماله إلى مذهبه وفرا كلاهما إلى حلب. وكان ملكها سيف الدولة بن حمدان فلم يمهله إلاَّ قليلا حتى قبض عليه وسجنه، ثم عفا عنه واختصه لنفسه فألف له كتاب (الهداية) ومن مذهبه واوابده جواز ترك الحجوعدم جواز الصلاة إلاَّ وراء أحد من أبناء علي، واحدث تعاليم سرية يلقنها شيعته، ولا يباحون ذكرها لأحد غيرهم، وحرم اطلاع النساء على شيء من أوامر الدين ونواهيه.
توفي هذا الرجل في حلب بعد أن انتشر مذهبه انتشاراً هائلا خصوصاً في جبال حماة واللاذقية المسماة بجبال الكليبة وجبل العلويين وكان له اتباع في دمشق والشام ومدينة حماة وحلب والعراق، ولم يمت إلاَّ بعد أن قال بمقالته من يزيد عددهم على (300) ألف إنسان. ولم تمت دعوته. بل بقيت إلى يومنا هذا.
والمعتقدون لمذهبه الآن في سورية وكبلكية زهاء نصف مليون نسمة وأما العلي اللهية فهم القلم حاجية والكاكائية، قال لي أحد المشتغلين بينهم في (طوز خورماتو): إنهم يرسلون شعورهم فلا يحلقونها ولا يقصرونها، وإذا ضنت عليهم السماء خرجوا للاستسقاء جميعاً بصرنايهم وطبولهم إلى الجبل وهناك(9/471)
يتضرعون، ويصلون مصطفين عاضين على حبل رافعين إحدى أرجلهم ويستحلون الخمر ويشربونها غالباً قبل شروق الشمس وقبل غروبها، ولا يأكلون في يوم عاشوراء اللحم على أنهم يتعاطون الخمر.
مصطفى جواد
كلمات كردية فارسية الأصل
مقالة نفيسة بعنوان (الكلمات الكردية في العربية الموصلية) أدرجت في لغة العرب (3: 482 - 485) اطلعت عليها فرأيت في كلماتها الكردية ما هي فارسية وأخذها الأكراد عن نفوس وهاهي ذي تلك الألفاظ: آري (بمعنى نعم). برو (بمعنى اذهب) به هردو (على الاثنين) بير (بمعنى الشيخ والكبير والهرم) جانم (بمعنى روحي) خدا (بمعنى الله) ومنه الكلمة الإنكليزية بمعناه جال (بمعنى الحفيرة) جراغ (السراج) دار (العود) درمان (الدواء).
دشت (الصحراء) دوست (الحبيب والصديق) راحتي (الراحة) سر (الرأس) ومنه الإنكليزية بمعنى رأس القوم والسيد، كلاه (نوع من ملابيس الرأس الفارسية) ومنه (كلاو) المستعمل في العربية العامية في العراق، كرم (الحار) نان (الخبز)، نرم (اللين الناعم)، هم (أيضاً)؛ هذه هي الألفاظ التي أخذها الكرد عن الفرس بدون أن يغيروها وهناك ألفاظ كردية آخر ذكرت في المقال المذكور وهي من اصل فارسي ودونكها: نزانم وفي الفارسية ندانم أي لا اعلم والمصدر دانستن. كيخوه من كدخدا الفارسية بمعنى رئيس القرية أو الرئيس مطلقاً. كشتار: من كشتن الفارسية بمعنى القتل، وعبارة فعلت بهردو أظنها: نعلت بهردو. ونعلت مأخوذة من اللغة العربية، وعبارة (حقيمن بدا حقيتو سهله) إذا ترجمت إلى الفارسية تكون: حق من بده حق تو سهله؛ فألفاظ العبارة الكردية مأخوذة من الفارسية إلا أن (حق) أخذه الفرس عن العرب.
سبزوار (بلاد إيران):
محمد مهدي العلوي(9/472)
أسئلة وأجوبة
السرقات الأدبية
بغداد. ت. م. م. قرأت في المشرق 29: 333 مقالة عنوانها: (طريقة في العلم معيبة) حمل فيها النفاخ المشهور، حملة شعواء عليكم، وقسمها ثلاثة أقسام: ذكر في القسم الأول منها تمهيداً لما يريد أن ينفث فيه سم غيظه وعجزه. وفي الثاني، بعض مقالكم في ترجمات التوراة. وفي الثالث نقل آيات قرآنية ظنها من الكلام المخطوء فيه. والذي حققناه فيه. ولا نزال نتثبت فيه عبارات المتبجج مكسرة مهشمة لا يستقيم لها وجه. ولا يكاد القارئ يفهم منها مراده إلا بعد لأي. ثم بدا لنا أن القسم الذي حمل فيه على الآيات القرآنية مستل من كتاب الهداية الذي نشره البروتستان الأميركيون في مصر، وذلك في الجزء 4: 36 إلى 38. وفي ص 107 و108. فكيف جاز له أن ينسب السرقة إلى غيره ويتبرأ من كل عيب، في الوقت الذي يرى القارئ كلامكم تعريباً واضحاً. ويرى نقله مسخاً لكلام الغير. أفيجوز أن ينسب النزاهة إلى نفسه وينسب إلى من سواه جميع معايبه؟.
ج. ما يكتبه المتبجح وينقله عمن تقدمه، يعده صاحبه (من توارد الخواطر، كوقوع الحافر على الحافر). وما بأتي به غيره اجتهاداً ومعالجة وتدبيراً وتعريباً يعده في نظره (طرقة في العلم معينة). وقد كتبنا في ص 420 من هذا الجزء أننا عدلنا عن مجاوبة هذا المغرور بنفسه الذي يجهل أوائل أصول البحث وآداب الجدل، ومع كل ادعائه الفارغ لم يتمكن إلى الآن من تعبير ما في فكرة بعبارة عربية سليمة صحيحة فصيحة صريحة. ولهذا نوصد كل باب في وجه هذا العود ريثما يلقح، ولا نقبل سؤالا من أي كان، وليهنأ بعد ذلك:
يا لك من قبرة بمعمر ... خلا لك الجو فبيضي واصفري(9/473)
باب المشارفة والانتقاد
65 - نوابغ السريان في اللغة العربية الفصحى
هي مقالة للسيد سويريوس افرام مطران سورية ولبنان على السريان. كانت نشرتها مجلة الكلية في آذار سنة 1931 ثم نشرت على حدة. وقد اظهر سيادة منشئها من عجيب الاطلاع على تراجم النصارى الأقدمين ما لا نظير له. فقد رأيناه ذكر كثيرين لم ينوه بهم الأب المرحوم لويس شيخو في التأليف التي وقفها على هذا الموضوع. فنشكر سيادته على تحفته هذه وعسى أن يتابع مباحثه الجليلة القدر.
66 - أورشليم (هدية)
مباحث خطط وعريقيات وتاريخ (بالفرنسية)، في ثلاثة مجلدات بقطع الثمن الكبير.
أهدى إلينا حضرة صديقنا الوفي الورتبيد صائغيان هذا الكتاب النفيس، بالأول من وضع الأب هوغ فبسان الدمنكي وهو في أورشليم القديمة. والثاني والثالث للأبوين الدمنكيين هوغ فنسان وف. م. آبيل وهما في القدس الشريف. وقد جاء في هذه المجلدات احسن تحقيق في مواطن أورشيلم (القدس) التاريخية منذ اقدم الأزمنة إلى عهدنا هذا. وكذلك الآثار الباقية منها والأخبار المدونة. وقد نزعت تلك الأنباء من مؤلفات عديدة من قديمة وحديثة من مطبوعة وخطية، حتى اصبح هذا السفر الجليل أوثق سند يعتمد عليه؛ ولنفاسته شارك في نشره محفى الرقم والآداب الفتانة في باريس. وأما الصور والخرائط فقد جاءت بأحسن هيئة ممكنة. فنشكر سيادة الورتبيد على تحفته هذه التي نقدرها بل هي من اجل ما جاد به علينا.(9/474)
67 - كتاب الموسيقى العربية (هدية)
وصلاتها بالموسيقى اليونانية والغناء الغريغوري
وضعه في الفرنسية ف. سلفادور دانيال
أكثر الإفرنج لا يستطيبون الموسيقى العربية. والعرب لا يلتذون بالغناء الإفرنجي، إلا أن المغني سلفادور دانيال اظهر أن في الإيقاع الشرقي ولا سيما العربي، من احسن الذوق،
وأسرار الصناعة المطربة. ما لا مثيل له في الأنغام والحبرات الغربية. وقد نشره أولا في المجلة الأفريقية فاستحسنه كل عالم حاذق وألح عليه كثيرون أن يخرجه كتاباً قائماً بنفسه لحاجة الأدباء والمغنين إليه لمراجعة موضوعاته فجاء في 181 صفحة بقطع 12، ولولا كثرة ما عندنا من المقالات المتراكمة عندنا منذ أربع سنوات أو اكثر لنقلنا منه شيئاً غير يسير، ولعلنا نفعل ذلك إذا اتسع لنا المقام.
68 - كتاب علم قراءة اليد (هدية)
لجامعه وناقله عن اللغات الأجنبية تجيب أفندي كتابه.
لا يزال في بعض الناس عقول جامدة يعتقدون بعض الخرافات. وجامع هذا التصنيف أو ناقله من اللغات الغربية هو من هذا القبيل. إذ يظن أن في اليد علامات تدل على أخلاق الإنسان، فإذا كانت هذه الأمائر تصدق في أمور قليلة حقيرة فهي تكذب كل الكذب في الأمور الجليلة. فهذا التأليف يدفع القارئ إلى إضاعة وقته سدى فضلا عن إضاعة دراهمه. إذ يضعها في غبر موطنها.
69 - التقرير السنوي
عن سير المعارف (في العراق) لسنة 1929 - 1930
أهدت إلينا وزارة المعارف تقريرها السنوي فوقع في 20 ص بقطع الربع وأنبأنا أن المدارس الابتدائية للبنين والأولية للبنين والبنات بلغ عددها 291 ولها 1196 معلماً وفيها 888ر30 تلميذا. وقد زاد الطلبة في اغلب الألوية إلا في لواء المنتفق ولواء البصرة نقص عددهم. وهذا مما يؤسف له.(9/475)
ومما يفرح له كل عراقي صادق الوطنية أن مدارس الإناث زادت زيادة لا تنكر. فقد كانت سابقاً 39 مدرسة بين ابتدائية وأولية وعدد معلماتها 207 وتلميذاها 5036. أما اليوم فعدد تلك المدارس 44 ومعلماتها 237 وتلميذاتها 6003 فهذا يدل دلالة واضحة على تقدم ظاهر.
وبلغ عدد المدارس الثانوية والمتوسطة 14 وفيها 1388 طالباً. أما في السنة التي قبلها فكانت 13 وهكذا التقرير تحسناً بيناً في المدارس والعلوم والرقي.
على أننا نأخذ على هذا التقرير عدم الاعتناء بضبط الأعلام فأنه يقول مثلا: المنتفك وأربيل (ص 1) وتل بللي (بلامين) وخوساباد ونينوا وواركا، وتللو (بلامين) ص 20 والصواب: المنتفق. واربل، وتل بلي (بلام واحد مشددة) وخرستاباذ، (كما في ياقوت) ونينوى، والوركاء، وتلو (بلام واحدة مشددة) وان لم تكن وزارة المعارف في رأس حركة إصلاح اللغة والأعلام والعلم، فمن ذا الذي يكون؟ ويحسن بها أن لا تلتفت أبداً إلى ما يأتي في الصحف اليومية التي ليس لها وقت للتوفر على تحقيق الألفاظ.
70 - التحفة العامية في قصة فنيانوس
تأليف شكري الخوري
بالمطبعة الكاثوليكية في بيروت 1929
شكري الخوري هو مدير جريدة أبي الهول في سان باولو (البرازيل) وقد وضع هذه القصة بلغة سورية العامية فجاءت من ألذ ما يطلع في هذا المعنى. وعبارتها تتدفق سلاسة وعذوبة والقارئ يأتي من أولها إلى آخرها ولا يشعر بالوقت الذي يصرفه فيها. ومما زادها قيمة أنه الحق في آخرها (مفتاح المغلق) من الكلام وشرحه بالفرنسية وحصر كل قطعة من قطعها برقم، شرح فيها كل ما ورد من الكلام الذي لا يفهمه غير الشامي. فجاءت القصة مزدوجة الفائدة فعسى أن يتبعها بأمثالها.
على أننا لم نر المؤلف بحث عن العلم (فنيانوس واصله، ونظن أن اصله(9/476)
(ايفانيوس) فصحف بعد أن حذف منه (أبي) من أوله.
71 - رواية يا حسرتي عليك يا زعيتر
للمؤلف المذكور وقد نشر منها قسم في جريدة (أبو الهول) سنة 1907 في سان بالو (البرازيل)
هي من الروايات المفيدة المصلحة للآداب والعقول مكتوبة بعبارة عامية شامية كأختها (قصة فينانوس) وفيها من حسن السبك في الأسلوب ما يجب قراءتها إلى الجميع، وتدل على أن صاحبها قابض على عنان القلم قبضاً قلما يجارية أحد من أبناء وطنه. ولا جرم أن هذه الرواية تخلد اسمه لأنها تشف عن آداب وأخلاق أبناء لبنان في عصر يجب أن تدون
لئلا تلفت مع الزمان مغير الدنيا وما فيها. فنشكر الشكر الصميم على هذه الهدية.
72 - عجائب الله
في حياة القديس جيرارد ما جليه من رهبانية المخلصين 1726 - 1755
نقلها إلى العربية القس عمانوئيل رسام مدير المدرسة الكهنوتية للبطريركية الكلدانية في الموصل الموصل بالمطبعة الكلدانية سنة 1931 في 108 ص بقطع الثمن
سررنا بإخراج هذا الكتاب إلى لغتنا الضادية، في حين أن المترجم لا يعرف في بلادنا مع اشتهاره في بلاد الغرب ونقل حياته إلى جميع لغات تلك الأرجاء. وكان سرورنا عظيماً لان صاحب الغبطة بطريك بابل مار يوسف عمانوئيل كان صاحب الفكرة لنقله إلى لغتنا. وتضاعف سرورنا لان غبطته اختار لنقله أحد كهنته الواقفين على أسرار اللغة الفرنسية كوقوفه على لغتنا العربية ولهذا جاءت هذه الترجمة من احسن المنقولات ويطالعها المسيحي بكل لذة وفائدة. فعسى أن تكثر مثل هذه المطبوعات في ديارنا وتكون في أيدي شباننا. لان مثل هذه التصانيف تدفعهم إلى رقي الآداب والأفكار وتجعلهم مفيدين للوطن وللأمة.
أما سائر الروايات الخلاعية فتضرهم وتؤدي بهم إلى الخلاعة وسوء الآداب والاستهتار وتكون النتيجة أنهم يمسون ضربة للوطن. وقانا الله شرها.(9/477)
73 - الحركة الفلسفية العصرية في سورية ومصر
(بالفرنسية)
من قلم. ج. لوسرف
لا ينكر أن في الشرق اليوم حركة فكرية ظاهرة في البلاد العربية اللسان. ولا سيما في مصر. فان الديار أصبحت رأس الربوع الناطقة بالضاد وقد وضع ج. لوسوف مقالة حسنة في الحركة الفلسفية. وذهب إلى أن أول من آثارها الأستاذ محمد عبده. والمشهور أن قائد هذه الحركة المباركة هو السيد جمال الدين الأفغاني. وكان الأستاذ محمد عبده صنوه وعنه اخذ تلك الهمة في إنهاض المسلمين. وكان يحسن بالكتاب أن يطالع ما أتى هذا الرجل من
الخدمة الصادقة لتنبيهه ذوق الفلسفة في جميع أبناء عدنان.
وكنا نود أن لا يكون الموضوع محصوراً في السوريين والمصريين وحدهم بل أن يضم إليهم العراقيين، إذ لا يجهل أحد اسم (جميل صدقي الزهاوي) فيلسوف العراق على الاتفاق، وهذه مجلات المقتطف والهلال وغيرهما من الصحف المصرية والسورية تشهد على أن للأستاذ الزهاوي صدق نظر في الفلسفة العصرية، وهو كبار حملة ألويتها في الأستانة وبغداد وسورية ومصر. ولا سيما لأن المؤلف ذكر الأستاذ ساطع بك الحصري (والصواب بإسكان الصاد لا بفتحها كما فعل) ونوه باسم مجلته التربية والتعليم وبالحركة العلمية الظاهرة لكل ذي عينين في خطة العراق، فكان من البديهي أن يزاد في العنوان اسم بلادنا.
وعلى كل حال أن هذه المقالة جليلة القدر لأنه أول رسالة وضعت في هذا المعنى ولم يسبقه إليه أحد من كتبة الغرب والشرق.
74 - معجم الأدباء
لياقوت الحموي الجزء السادس الطبعة الثانية
وصل إلينا هذا الجزء عند بلوغنا هذا الموطن من المجلة فأجلنا نقدنا له إلى الجزء القادم من المجلة.(9/478)
تاريخ وقائع الشهر في العراق ومجاورة
1 - تسليم الشيخ محمود نفسه إلى الحكومة
سلم الشيخ محمود نفسه إلى الحكومة بموجب الشروط التي أمليت عليه، ويقيم الآن مع أهل بيته موضع هو ناصرية المنتفق.
2 - الإرادة الملكية بانتهاء الندوة
أعلن رئيس مجلس النواب الإرادة الملوكية، فتلا معالي وزير العدلية نص تلك الإرادة، وكان النواب جميعهم وقوفاً وهكذا انتهى اجتماع المجلس في 19 أيار من هذه السنة.
3 - الشيخ علي آل كاشف الغطاء
نعي إلينا من النجف صديقنا القديم العلامة المجتهد الشيخ علي آل كاشف الغطاء عن عمر ناهز التسعين، على اثر سكته في القلب في صباح الثلاثاء 19 أيار. وله تأليف عديدة وله خزانة كتب بديعة فيها المخطوطات الكثيرة العديدة النادرة، وقد أقفلت الأسواق وعطلت وشيع النعش جميع العلماء والأهالي، وفي مقدمتهم نجله العلامة الأستاذ الشيخ محمد الحسين الذي هو أحد كبار مجتهدي العصر ودفن في مقبرتهم الخاصة بهم.
4 - أيام العطلة الرسمية
وافق مجلس الأمة على أيام العطلة الرسمية التي يعفى فيها الموظفون عن الاشتغال في دوائر وهي:
1 - ثلاثة أيام الفطر - من 1 إلى 3 شوال.
2 - أربعة أيام عيد الضحية: من 10 إلى 13 ذي الحجة.
3 - يوم المولد النبوي: 12 ربيع الأول
4 - يوم عاشوراء: 10 المحرم.
5 - عيد النهضة: 9 شعبان.
6 - يوم ولادة الملك: 20 أيار.
7 - يوم تتويج الملك: 23 آب.
8 - وتستثنى من ذلك الدوائر التي بإرادة ملكية. وقد عين القانون المذكور الأيام الآتية أيام عطلة رسمية للموسويين:
1 - يوم رأس السنة الموسوية.(9/479)
2 - يوم الكفارة.
3 - أربعة أيام عيد المظال (العرازيل).
4 - أربعة أيام عيد الفصح.
والأيام الآتية أيام عطلة رسمية للمسيحيين:
1 - يوم رأس السنة: 1 كانون 2.
2 - يوما العيد الكبير.
3 - يوما عيد الميلاد 25 أو و26. كانون الأول.
5 - عيد ولادة جلالة ملكنا المعظم.
اعلم ملاحظ المطبوعات أبناء العراق ما يأتي بحروفه: (بناء على مصادفة يوم ميلاد جلالة الملك المعظم في الأيام العشرة الأولى من شهر محرم الحرام التي تقام فيها المأتم وتعم فيها الأحزان أنحاء البلاد العراقية، فقد صدرت الإرادة الملكية المطاعة بعدم الاحتفال رسمياً بالعيد المذكور البلاط الملكي هذه السنة. وكذلك سوف لا يعد سجل خاص في دائرة التشريفات في البلاط الملكي لتوقيع المهنئين عليه. أهـ
6 - المتعرفون
يهر من الإحصاء المضبوطة أن الذين تعرفوا (أي تجنسوا بالجنسية العراقية) ومنحوا شهادة التعرق من بدء سنة 1928 إلى ختام سنة 1930 بلغوا 1070 نفساً ومعظمهم ممن كان عثمانياً أو إيرانياً.
7 - نفقات تبليط الشوارع
بلغ مجموع النفقات لتبليط الشوارع في العاصمة من سنة 1926 إلى أوائل أيار مليوناً ولكاً وأربعة عشر ألف ربية.(9/480)
العدد 92 - بتاريخ: 01 - 07 - 1931
البزغالبندية
كتب صاحب هذه المجلة مقالا عن الليلة المعروف عند عوام العراق بالكفشة (لغة العرب 8: 369 وما يليها): فذكرني بفرقة دينية خفية المعتقد، قليلة العدد، وهذا ما نعرفه عنها:
في بعض القرى الواقعة بين نيسابور ومشهد الرضا فرقة تعرف ب (بزغاله بند) والظاهر أنها من الفرق الخفية، التي لم يطلع الناس على معتقداتها، فقد ذكر لنا رجل ثقة: إن هذه الطائفة تدعي أنها إسماعيلية.
والقرى التي يسكنونها هي: قرية علي كوري وقرية ديزبادبالا - وقرية قاسم آباد -
ويعزى إلى هذه الطائفة حكاية، وهي أنهم يربون جدياً في أيام الخريف. فإذا حانت ليلة الأربعين من فصل الشتاء المعروفة عند الفرس ب (شب يلدا) (بفتح الياء وسكون اللام) اجتمعوا في غرفة، ووضعوا فيها ألبسة النساء المنتميات إلى هذه النحلة، ورطوا الجدي بالمصباح الموقد في الغرفة، وعند حركة ينقلب المصباح فينطفئ - طبعاً - فيأخذ كل رجل في ذلك الظلام(9/481)
الدامس لباساً من تلك الألبسة فتكون صاحبته في تلك الليلة. وهذه الحكاية المنسوبة إليهم مشهورة في سبزوار ونيسابور. ونحن لا نستبعد هذه الرواية فلعل الزنا (وان كان محرماً عندهم) يجوز في تلك الليلة، ولعلها أيضاً عبد كبير من أعيادهم، فالإمامية الجعفرية يحرمون الغناء أما في الأعراس فجاز عندهم والصابئة المستوطنة العراق تحرم الملاهي كالضرب على الدف والعود والأغاني إلا في أيام الأعراس. وكذلك قل عن جميع الأديان التي ترى أموراً من المحرمات في حالة، وفي أوقات مخصوصة تباح عندهم: لكن هذا الاجتماع الذي يعتقده أبناء هذه الطائفة (إن صح) فهو من العادات الجاهلية التي كانت ترى عند البابليين في عصور الوحشة والهمجية. وإلا فالأديان السماوية جميعها حرمت من فروع القرامطة المتشعبة من الإسمعيلية، ومثل هذه النسبة التي رويناها كانت تعزى في الأزمنة الماضية إلى القرامطة نفسها.
سيزوار (إيران):
محمد مهدي العلوي
حاجات البلاد
لا يرتقي ما لم يرتق الأدب ... ولم تكن عنده الأجناد والنشب
فالمال روح رقي الناس قاطبة ... ومن يكن أرملا يظفر به العطب
والجند عز إذا ما الضيم هاجمنا ... وناهدت قومنا الأعداد والكرب
وإنما الأدب العالي ضياء علا ... بنشره تنجلي الظلمات والنصب
فكن أديباً أبا ابن العرب منكمشاً ... في كل أعمالك الحسنى التي تجب
وكن شفيقاً على هذا العراق ولا ... توقن بأنك بالعدوان تنتصب
الحق فالحق ما أحلاه دونكه ... ولوعرت دونه الآلام والحجب
أن العراق لفي بؤس ومخسرة ... يسعى وليس له من سعيه أرب
فالفقر والجهل والإفساد عابثة ... به وقد زادها الأجناب والوصب
قم أد ما ريم لا فظاً ولا كلا ... فمنك نجح بلاد العرب يطلب
مصطفى جواد(9/482)
كتاب السموم
لجنك أم لشاناق؟
قرأت في لغة الغرب المحبوبة (9: 291)، عبارة الأستاذ المجد العامل ف. كرنكو، عن كتاب السموم، الذي أخذت الآنسة ستروس تعده للنشر، ولكني توقفت عند نسبته الكتاب إلى جنك، والذي اعرفه انه لشاناق، الحكيم الهندي نسخة منه منقولة عن نسخة خزائنية، محفوظة بخزانة الكتب الخالدية في بيت المقدس، جاء أولها بماء الذهب:
(لخزانة كتب المولى، الملك العالم؛ العادل، المؤيد، المظفر، المنصور، المجاهد، نور الدين، ركن الإسلام، ظهير الإمام، مغيث الأنام، صفوة الخلافة، محيي العدل. قسيم الدولة، قوام الملة، مجير الأمة، فخر الملوك والسلاطين، قاهر المتمردين، قامع الكفرة والمشركين، نصرة المجاهدين، غياث الجيوش، حامي ثغور بلاد المسلمين، أمير العراقين، فلك المعالي، ملك أمراء الشرق والغرب، شهريار الشام، بهلوان جهان خسروا إيران. أخ (كذا. لعلها أخي) ارسلان، ألب غازي، اينانح (؟)، قبلغ، طغرلبك، أبو (كذا. لعلها أبي) الحرث. ارسلان شاه، بن مسعود، بن مودود، بن زنكي، بن أفسنقر، اتابك، ناصر أمير المؤمنين، اعز الله أنصاره، وضاعف جلالة واقتداره.)
وهذا المولى لم يدع ناقل النسخة، يحيى بن إسماعيل الربيعي، نعتاً من النعوت الجليلة، ولا صفة من الصفات الطبية إلا وصفها به، هو صاحب الموصل، المعروف باتابك. الملقب بالملك العادل، نور الدين الذي ملك الموصل بعد وفاة أبيه، وكان شهماً، عارفاً بالأمور، توفي ليلة الأحد التاسع والعشرين(9/483)
من رجب 607 في شبارة بالشط، ظاهر الموصل، كما ذكره ابن خلكان في وفيات الأعيان: (1: 77 من طبعة بولاق).
وهذا ما كتب في أول صفحة من الكتاب بالحرف:
(كتاب شاناق، في المنون والترياق)
وهو أسرار حكماء الهند، وكانت الملوك تصون هذا الكتاب في خزائنهم عن أولاهم، وخاصتهم، وهو كتاب جليل القدر، عظيم الخطر، يشمل على معرفة المسمومات، بمجرد النظر إليها، وصفة مجسها، وما يعرض للإنسان من ذوقها، ومن حصولها في المعدة،
وعلامات الاطعمة، والاشربه المسمومة، وغيرها مما يتناوله الإنسان من الفواكه الرطبة، واليابسة، وعلامات الأشياء المسمومة من الثياب. والبسط، والفرش؛ وما يلامس الجسد من الغسول والأدهان، والأكحال المسمومة، وصفة السموم الموجبة، والسموم المضاعفة القوى، المسمى (سم ساعة) وترياقها، وذكر ترياق لجميع السموم، والأفاعي كلها، لا يضر من يستعمله شيء من جميع السموم والحيات؛ وذكر الأدوية الممرضة، والمرقدات، والمبنجات، وحلها، وصلى الله على خاتم النبيين وسيد المرسلين محمد وآله الطاهرين:)
أما المقدمة فهي:
(بسم الله الرحمن الرحيم)
(الحمد لله كثيراً كما هو أهله وصلى الله على محمد، وعلى آله الطيبين الأخيار، وسلم تسليماً).
(كتاب شاناق في السموم المستنبطة)
كان شاناق عظيماً في الهند، رفيع القدر عند أهل دهره. فوضع هذا الكتاب فذكر فيه السموم المستخرجة بالحيل، والدلالة على ما يضادها وينفيها، ويدفع(9/484)
ضررها بأذن الله. (فسره من اللسان الفارسي، منكه الهندية، وكان المتولي لنقلة بالخط الفارسي، رجل يعرف بأبي حاتم البلخي، فسره ليحيى بن خالد بن برمك. ثم نقل للمأمون على يدي العباس بن سعيد الجوهري، مولاه، وكان هو المتولي لقراءته على المأمون.)
قال العباس ين سعيد الجوهري: قال شاناق عظيم الهند في أول كتابه هذا بعد أن حمد الله، وأثنى عليه، وحلف بعظيم البد إن النعم الظاهرة الفاشية زراعة للحسد في القلوب، والحسد مفتاح البغضاء، والبغضاء تنتجها العداوة. بضمر المضمار، والمضمار ينقسم قسمين، فأحد القسمين: سر مكتوم، والآخر جهار منظور، فالجهار هو المباداة في المطالبة، للتلف كعقد الولاية، وتعبية العساكر، ونضد الصفوف، وزحف الرايات، وخفق الطبول، والتدرع، والأهبة بالسلاح، وإعلان ما تسره الأفئدة والقلوب، من جليل الآفة، وعظيم البلاء، ومراقبة التمكن من التراب، ومن هذا يكون الحذر ويتنبه المطلوب من سنة الغفلة.
والقسم الآخر من المضار المكتوم، هو مردة الأعداء بظاهر حسن الشاهد في اللقاء، وترصد المخاتلة لهم بالبلاء؛ وهذا ابلغ الوجهين، في عموم المضرة وأسرعه في تهتك
الملاءمة، فشبهه سم بسم، يحلل الأنفس من أبدانها، في أسرع الأوقات؛ فأخفى سلاح القواتل، وابلغها مرادا، وأقربها مأخذاً، في تلف العدو السم الوحي، وهو ينقسم أقساماً: فمنه الطبيعي من الحيوان، مما تسره الهوام القاتلة، في جوف أنيابها، وحمم أذنابها، وغير ذلك، من دون البحر والبر من مأكول وملبوس، ومنه من النبات من عروقه، وورقه، ونوره، وبزره،(9/485)
وثمره، ومنه معدني، وهو من أنواع حجارة الأرض، ومنه ما هو ظاهر مكشوف، مما استخرجه الحكماء من جوهر الحدبد، كالسيوف القواطع، والأسنة، والحراب، والرمي بالنشاب، وما أشبه ذلك من العدة مما به تكاملت القرنافي (؟) إلى علتين: أحدهما مواجهة المواقع لها، مما فيها من البلاء الكامن، تحتاج إلى ملاقاة ضدين، لأنه ربما كان فيها مانع، فلا تعمل بالوحدة، إلا عند ملاقاة الضد؛ لأنه ربما كان لذلك المانع كيفية زائدة في الحر، فيحتاج إلى كيفية زائدة في البرد، أو مانع من اليبس، فيحتاج إلى كيفية زائدة من الرطوبة؛ والحاجة العظمى هو حين تركيبها، وأحكام تأليفها، حتى يتم ما يراد منها، ولذلك نظير لما نجده حساً من حكنا خشب الصندل على الصندل مثله، والصندل بارد، فيظهر منه حراً والنورة والزرنيخ، يحدث منهما إحراقاً.
والوجه الآخر أن لا يكون قواها خارجة إلى الفعل إلا على الاجتماع والازدواج بينها؛ ومقدار ما يؤخذ منها في الوقت الملائم لذلك. نظيراً لما نجد أيضاً، أن الرجل منا، يضعف عن رفع حجر، فيحتاج إلى معونة رجل آخر مثله. على رفع ذلك الحجر. . .) الخ.
وقد قسم الكتاب إلى ثلاث مقالات: الأولى في الطعام المسموم، والشراب، والثمار، والملابس، والأكحال.
والمقال الثانية في الأدوية المضادة لتلك السموم.
والثالثة، في الأدوية المضادة لسموم العطور، والادهان، والغسولات.(9/486)
والكتاب صغير الحجم لا يزيد على خمسين صفحة من القطع الصغير جاء في آخره:
(قال شاناق الحكيم: وكانت الأوائل من علماء الهند تسمي هذا الكتاب: (اليتيم) لأنه واحد في معناه.)
قال العباس بن سعيد الجوهري: قال المأمون: ينبغي أن يسقط من هذا الكتاب نعت الجارية المسمومة، لان هذا فعل الجاهلية من الهند، ولا حاجة بنا إليه، لأنه يتلف فيه ألف طفل،
من قبل أن يسلم واحد، فاسقط ذلك من هذا الكتاب، وليتق الله من صار إليه هذا الكتاب؛ ويصنه، ويعالج به من ابتلي بشيء مما في باطنه، فان اجره عظيم، ولا حول ولا قوة إلاَّ بالله.) انتهى.
وبعد فان النسخة التي نقلنا عنها لم تنفرد بنسبة الكتاب إلى شاناق، بل أن النسخة التي بخزانة المغفور له احمد تيمور باشا المتوفى سنة 1348هـ 1930م في القاهرة نسبت إليه أيضاً بإسقاط الألف بين الشين والنون، وقد كان ذكر ذلك المرحوم بمقال نشره في مجلة الهلال (28: 326) عن نوادر المخطوطات.
وقد ترجم ابن أبي أصيبعة لشاناق وقال: (إن كتابه في السموم، خمس مقالات، وان له من التواليف: كتاب البيطرة، وكتاب في علم النجوم وكتاب منتحل الجوهر).
وقال ملا كاتب جلبي: (كتاب السموم لشاناق الهندي، خمس مقالات فسره من الهندي إلى الفارسي، منكة الهندي)، إلى آخر العبارة الواردة في مقدمة الكتاب.
فهل يصح بعد هذا كله؛ أن ننسب الكتاب إلى (جنك) الذي قد يكون هو الاسم الصحيح، في لغة الأرديةللمؤلف بعد أن أطلق عليه العرب(9/487)
اسم (شاناق)، أو نقلوه إلى لغتهم على أوزانها بتلك الصورة.
عبد الله مخلص
(لغة العرب) لا جرم أن الكتاب لشاناق الهندي. والذي نقله من اللسان الهندي إلى الفارسي هو جنكه الذي هو هندي أيضاً. فمن نسب الكتاب إلى شاناق فقد نسبه إلى صاحبه ومؤلفه الحقيقي، ومن نماه إلى جنكه أو صنكه فقد عزاه إلى ناقله إلى الفارسية، ومن قال بأنه لأبي حاتم البلخي فقد عاد فيه إلى معربه. والكل مصيب، إذ قد يجوز هذا جماعة من الأدباء من باب التوسع. أما الصحيح الذي لا ريب فيه فهو لشاناق،
وعند صديقنا العزيز المحامي عباس أفندي العزاوي نسخه من هذا الكتاب، ولديه كتاب آخر في السموم لزنطاح الحكيم.
وقد كتب إلينا حضرة الخل الوفي الأستاذ الدكتور فريتس كرنكو أن في خزانة برلين العمومية نسخة من كتاب السموم لشاناق الهندي. ورقمها 6411 من مجموعة اهلورد. ودونك أوله: (كتاب شاناق الهندي في علامات الأشياء المسمومة، وبماذا تسم، وعلامات
من شرب بعضها وما يلحقه من العلل ومداواتها. كان شاناق الهندي عظيماً عند أهل زمانه، حكيماً). . . إلى آخر ما هناك
وبعد أن وصل تعليقنا إلى هنا بلغ إلينا كتاب تاريخ الآداب العربية لبروكلمن وقد وجدنا في المجلد 1: 242 أن في ليدن (هولندة) نسخة من كتاب السموم والترياقات رقمها 1284 وفي المتحف البريطانية نسخة رقمها 1357. وفهرس كتاب بروكلمن هذا من أسوأ مارتب، فانه يجري في ترتيب أسماء الكتب على الهجاء العربي، وبالطريقة العربية، مع أن الحروف حروف إفرنجية، وهو في نهاية الاضطراب حتى ليصعب على الباحث أن يجد ضالته، اللهم إلاَّ أن يكون ذلك نبهاً. فما اسخف واسقم هذه الطريقة!.(9/488)
مدن العراق القديمة
فنسان م. ماريني
تابع
ومن حسن حظ البعثة أنها تمكنت من أن تطلع على مجمل تاريخ المدينة، لمدة نحو ثلاثة آلاف سنة، وذلك في موضع على بضعة أمتار من اوجه الزقورة الغربية، في المحل الذي ينزل الزائر منه من الزقورة. وقد جد الأثريون هنالك وأزاحوا طبقات أنقاض البناء الواحدة بعد الأخرى، وهم يصورون كل واحدة في حينها، ويرسمونها حتى أتوا على آخر التاريخ من أزمنة الفرس، إلى فجر التمدن والعمران، حين شيد أول هيكل لإله القمر. وكان هذا البناء من الآجر المسطح المقبب، والمنظم نظاماً مائلا يشبه عظام الطريخ (نوع من السمك) وفوقه هذا البناء الذي يرجع إلى عصر سلالات أور الأول: اكتشف المنقبون الجدار المائل إلى الوراء الذي أنشأه (أور نمو) مؤسس السلالة الثالثة، ليسند السطح الكبير المعروف ب (إي تمن ني إل) أي دار المصطبة التي أقامها، ذلك السطح الذي كانت الزقورة الهائلة قائمة عليه. ويرى إلى هذا اليوم ذلك الجدار الذي شيده (أور نمو) وكان من لبن، وحلاه بدعامات صغيرة. واثبت الآجر في الجدار من آن إلى آخر. إثباتاً مخروط الشكل، وذكر فيه اسم الملك وبنى (أور نمو) في شمال غربي الزقوره في محل يبلع عرض السطح نيفاً ومائة قدم دار ننر (هو سن، ابن اله الأرض انلل في نفر. وأخو نرجل رب العالم الأدنى) اله القمر ورب الحكمة.
ولما سما مجد سلالة إسن ولرسا بعد العيلميين (1: 23 ق. م) مدينة أور، جدد أحد ملوك لرسا وجه السطح، واتخذ الآجر لبنائه. كما أنه أعاد دار (ننر) وشيدها على بعد قليل من موضعها الأول وفي غربيه. وهناك ملك آخر اسمه (ورد سن) من السلالة نفسها، ولكنه احدث عهداً من الملك السابق الذكر، شيد برجاً كبيراً ذا درج ينحدر إلى طبقة الأرض السفلى وراء السطح.(9/489)
وضعت شوكة أور مرة أخرى. وربما كان ذلك من جراء ثورتها على مملكة بابل الأولى؛ وخرب (شمشويلونه) نجل (حمرب) قسماً من البلدة فظل هيكل اله القمر خرباً زمناً طويلا.
ثم أعاده الملك الكشي (كوريجلزو) - ولعل سبباً سياسياً دفعة إلى هذا العمل - فأقيم الجدار الساند (إي تمن ني إل) مرة ثانية، ولكنه بني أيضاً على بعد من أساس البرج، وكذلك جدد الهيكل بيد أنه لم يدم طويلا، إذ معظم اساساته. أقيم على أنقاض مبان. وكاد نبو كدر أصر الثاني، لا يرى شيئاً من معبد اله القمر وزقورته قائماً غير الدمار وما ورد عنها في الحديث المأثور، مع أنه يظهر أن (سنبلتسو إكبي) حاكم البلدة الآشوري، رممهما في نصف القرن السابع ق: م. .
وباشر العمل معمار الهياكل هذا، على قياس عظيم جليل، وكان ذلك من عادة حميته، وشمل جداره المقدس الهائل منطقة أوسع مما كانت عليها في بادئ أمرها. وكان ذلك الجدار مزدوجاً، وتتخلل الجدارين غرف، وهناك أيضاً دعامات في طرفي الجدار: الطرف الخارجي منه، والطرف الداخلي منه. وفضلا عن ذلك، نقل معبد الإله إلى القسم الشمالي الشرقي من الزقورة، وضم إليه الفناء الرحب الفسيح، الذي يظن أنه كان في السابق خاناً، تتسلم فيه واردات الهيكل من البضاعة وغيرها، وذلك لتشيد منها دار أخرى كبيرة ل (ننر)، واسم تلك الدار (إي نن مخ).
وظهر تاريخ المدينة مجملا أيضاً، لما حفرت المباني الكبيرة الأخر الواقعة في المنطقة المقدسة المسماة (أي جش شرجل) أي المنطقة التي تشتمل على (جج فراسج) هيكل (نن جل) زوجة اله القمر، و (إي دبلل مخ) ردهة العدل. وكذلك أخذت صور هذه الأبنية ورسمت طبقة بعد طبقة، واكتسح القسم الأعلى منها قليلاً قليلا حتى أتي على القسم الأدنى.
واكتشف معبد (نن جل) الذي يرجع إلى العصر البابلي الحديث، إزاء وجه الزقورة الجنوبي الشرقي، فأزيح الهيكل كله. ولا جرم أن ذلك الهيكل شيده (سنبلتسو إكبي) حاكم أور الآشوري في القرن السابق لذلك العصر. ثم أعاد(9/490)
(نبونيد) أقساماً منه. ولما المنقبون هيكل (نن جل) عثروا في الثرى تحت طبقات السفلى على بعض عاديات مفيدة جداً، منها صحائف الأسس ل (جودياء) الفاتشي في (لجش) نحو سنة 2600 ق. م. وصحائف (وردسن) ملك (لرسا) وصحائف (كوريجلزو) الكشي. وبنى (كوريجلزو) الهيكل الواقع دون (نن جل) فوق أساسات بماء اقدم منه. ربما كان من عصر (لرسا). وكان الهيكل الذي أقامه (كوريجلزو) تحت مستوى سطح (إي تمن ني إل) وله بابان يطلان على طريق
مبلطة تمتد مؤازية للوجه الجنوبي من الزقورة، وتؤدي إلى فناء (أي دبلل مخ) ردهة العدل.
وأزيح أيضاً هيكل (كوريجلزو) فظهر تحته (جج فر اسج) الدار الهائلة لمعبودة القمر التي بناها (برسن) ثالث ملك من ملوك بلك السلالة العظيمة. وأعاد هذا المعبد ابن من ملوك (أسن). وكانت هذه الدار بناءاً مربعاً كبيراً يبلغ كل طرف من أطرافه ثمانين يرداً. وهو محصن بأبراج وأسوار ثخنها خمس وعشرون قدماً. وفي الحقيقة كان هذا البناء الواسع يحتوي عل هيكلين تحول دونهما طائفة من معابد اصغر منهما، وكان أحد المعابد مرصداً (لبرسن) نفسه. ومن هذين الهيكلين: هيكل (نن جل) الذي كان أبهى رونقاً. ومن ظريف ما عثر عليه من العاديات وراء محراب مطبخ الهياكل، كل العدة اللازمة للطبخ، من مواقد، وأوعية، ومقال، وحياض مقيرة، وارحية، والجميع موضوع في محله. وكانت هناك أيضاً حلقة من الشبه، أثبتت في الرصيف بالقرب من البئر المبنية حولها بالآجر، وكان يربط برشاء الدلو. ووقع على كثير من العاديات المفيدة الاطلاع في أنحاء الهيكل غية ما سبق ذكره، ولكن يتضح أن أهم هذه العروض النفيسة سلبت أو انكسرت لما فتح أور جند (شمشويلونة) البابليون.
ولكن كان ل (نن جل) معبد قبل ما يشيد (ب سن) هيكله لهذه المعبودة بمدة طويلة، لأنه عثر بين أنقاض تلك الدار على هدية نذر، قدمتها ابنة (سرجون) ملك (أكد). وهناك أيضاً صحيفة من حجر الكلس، هي اقدم من عصر (سرجون)، تصف كيف كان يصب الماء أمام الملك وكيف في(9/491)
باب هيكل.
واهم المباني التي حفرت في (أور) المبنى الواقع في شرقي هيكل (نن جل) وتحت الزاوية الشرقية من المسطبة المسماة (إي تمن ني إل) وتاريخ (إي دبلل مخ) الذي كان ردهة العدل وهيكل اله القمر في آن واحد، اقتفي أثره في جميع الأزمنة التي ذكر فيها اسم الجدار الساند ل (إي تمن ني أل) واسم هيكل معبودة القمر. ويظهر هذا البناء في يومنا هذا، كأنه كان دار عبادة، أقامها أحد ملوك (لرسا) على أساس مباني الملك (برسن) فأعادها (كوريجلزو) وفحصت الأرض تحت أبنية (برسن) فدلت نتيجة الحفر. على أنه كان هناك آجر سابقاً لزمان ذلك الملك. و (إي دبلل مخ) مركب من ردهتين: الردهة الداخلية منهما
أعلى من الخارجية، وهي في الحقيقة قائمة فوق مسطبة (إي تمن ني إل) ولا ريب في أن هذا المعبد كان في أول أمره ممراً يؤدي من البناء الأسفل إلى هيكل اله القمر الذي فوقه، على أن المعبد المذكور مغلق من ورائه الآن. وكانت هناك الذبائح إلى الاله؛ ويفرز الحق عن الباطل، وكان ذلك من عادات السلف في القدم. ولكن لما فتح باب جديد لفناء (إي دبلل مخ) حجب الباب الأول. لأنه أقيم في وجهه جداران يتقاطعان، فاصبح معبداً مألوفاً فيه حجرتان حجرة خارجية، وأخرى داخلية يؤدي إليهما درج. ومن ظريف ما أعاده (كوريجلزو) الطيقان التي في جوانب الردهة الخارجية، ولا يزال أحدها قائماً على حاله، وهو اقدم طاق آجر شيد في وجه بناء على ما يعرف.
وكان يقع أمام الهيكل فناء فسيح، تحيط به مساكن الكهنة وأبنية أخر لشؤون الإدارة؛ ولهذا الفناء بابان فيهما غرف للحراس. وكان يؤدي أحدهما إلى ما كان يسمى (طريق الاحتفال) في الشمال الشرقي، والآخر إلى الطريق التي تمر بهيكل (نن جل) في الجنوب الغربي.
ووقع في هذا الفناء على شقف نصب من حجر الكلس، وعرض النصب خمس أقدام؛ في طول خمس عشرة قدماً؛ وهو من احسن مصنوعات الشمريين المعروفة. ويرى فيه الملك (أورنمو) متسلماً أوامر الإله لبناء برج الهيكل؛ ويظهر الملك في رسم آخر، مائلا مثولا صادقاً حاملاً أدوات لبناء برج الهيكل(9/492)
وهناك صور أخر تري بسالته في الحرب، وما قام به من حفر القني. ولكن ألف الرسوم الملائكة المجنحة المحلقة فوق رأسٍ الملك. ولا ريب في أن ذلك النصب كسر في غابر الأيام، وربما كسره أحد الفاتحين العيلميين الذين أبادوا هذه السلالة الجليلة التي أسسها (أور نمو).
وحفظ هذا المعبد في أيام (نبونيد) وأعيد على نحو خطته القديمة. ولكن وضعت رسوم غرف (إي جج فر) وفنائه على خلاف ما كانت عليها، وكان (أي جج فر) دير (بل شلتي ننر) ابنة (نبونيد) والكاهنة العليا في (ننر) وأزيحت تلك الأبنية لما تم تدوين تاريخها لكي يظهر (إي دبلل مخ) هيكل (كوريجلزو) الواقع تحتها. واهم ما يعرف عن الصومعة التي ارصدها (نبونيد) لسكني ابنته على ما اتضح في البناء للوسائل التي اتخذتها لتسلي نفسها بها، وتنسي وقتها حين سآمة نفسها. وكان والدها نصحها خير نصيحة، ورشدها في حياتها الجديدة في مستقبلها. ويظهر أن ابنة (نبونيد) جدت في التثقيف والتهذيب، لأنه عثر هنالك
على صفائح صلصال. فيها خط التلامذة، وصفائح أخر بمربعات كانت لتعلم الحساب، أو للعبة تشبه لعبة الدمة. وفضلا عن ذلك وقع في إحدى الغرف على هذه أشياء، يختلف تاريخ الواحد منها عن الآخر كل الاختلاف، فلا يقبل لذلك تعليل سوى أن الكاهنة العليا ورثت عن والدها حب الآثار القديمة، فاتخذت لها متحفة صغيرة. وكانت مجموعة (بل شلتي ننر) تحتوي على مخاريط مكتوب عليها بالخط المسماري، وأشكال صغيرة، ورؤوس صوالجة منذورة، وحجر التخم ومواد شتى، فضلا عما استنسخ من العاديات التي اكتشفت في (أور) في القرن السابق لذلك العصر وكان مخطوطاً عليها بالخط المسماري. وورد في تلك النسخ أنها صنعت (ليتعجب منها العالم).
وهناك أيضاً بناء آخر تستحسن معرفته، هو قصر (دنجي) المسمى (إي هر سج) أي (دار الجبل) يقع في مسطبة كبيرة من صنع اليد في الزاوية الجنوبية من المنطقة المقدسة. واصل هذه الدار اقدم من زمن (دنجي) وعثر فيها في إثناء التنقيب على عروض كثيرة مفيدة جداً من زمن عريق.(9/493)
(تل العبيد)
هو على مسافة أربعة أميال من (أور) بالسيارة، وفي الغرب الشمالي الغربي منها.
اكتشف الدكتور (هل) من المتحفة البريطانية هذا التل سنة 1919 وفيه فائدة جزيلة وان كان صغيراً. وحفر (هل) بعضاً منه، فاستخرج عدداً كثيراً من مصنوعات نحاسية، واسود، رؤوس، وما يشبه ذلك. وكانت هذه العاديات جزءاً من بناء بارز الشكل أقيم للزخرفة.
وأتم المستر (س. ل. وولي) تنقيب هذا الهيكل المهم في موسم سنة 1923 - 1924 نيابة عن المتحفة البريطانية ومتحفة جامعة (بنسلفانية) المشتركتين في هذا البحث، واظهر الأثري الآنف الذكر، أن هذا المعبد أعيد في ثلاثة أزمنة مختلفة، زكم حسن الحظ أنه عثر هنالك على صفيحة رخام مخطوط عليها بالخط المسماري ما يلي: (ننخرسج، بنى أأنيبده) ملك أور وابن (مس أنيبده) ملك أور هيكلا ل (ننخرسج).
ويدل كلا التاريخين على أن البناء الأصلي يرجع إلى سلالة أور الأولى، كما أنهما يذكر أن المعبودة التي كان الهيكل مرصداً لها. وكان هناك أيضاً جعل من ذهب فيه اسم (أأنيبده) فيحتمل أنه كان جزءاً من مستودع الأساس. ولا يعرف شيء عن المعمار الثاني
لهذا الموطن؛ سوى أنه اتخذ للبناء آجراً كبيراً مربعاً مطبوعة عليه أصابع الصانع، ولكن لم ير في أي آجرة منه الخط المسماري. والملك الثالث؛ وهو الأخير الذي أقام البناء في ذلك المكان، هو (دنجي) ثاني ملوك (أور) ومن سلالتها الثالثة.
واعجب مزية هيكل (تل العبيد) زخرفة المعبد الاقدم، إذ هو آية في صنع الحفر والإتقان، ويظهر فيه الحيوان منحوتاً في حجر الكلس والمحار، وتبرز الحيوانات منه بروزاً، وعيونها مرصعة بالنحاس الأحمر، وترى الأزهار موضوعة في أصص. وشرفاتها من حجر الكلس، ويتخللها حجر الرمل الأحمر والمعجون الأسود، فضلا عن الأعمدة المزينة بالمكعبات المصنوعة من جحر الرمل والصدف والمعجون، فاصبح الكل بدعة في الزينة، تألق بها معبد الآلهة أيما تألق. ومن ظريف ما رسم في إفريز حجر الكلس، الحيوانات التي فيها صورة حلب اللبن،(9/494)
لأن هذه الصورة تمثل الحياة البيتية في تلك الأيام. ويرى معظم بلك العاديات المستخرجة من (تل العبيد) في متحفة بغداد (راجع ما يخص (كسش) وما فيها من الآثار الشبيهة بها).
وظهرت في المقابر المجاورة للهيكل جثث مدفونة منذ قديم الأيام، حين كان الناس يستعملون الخزف الملون المصنوع باليد، وسكاكين الصوان، والمناجل الخزفية حتى العصر الكيشي، وفي الحقيقية يحتمل أن الربة (ممر خرسج) كانت لها علاقة ما بالاعتقاد أن الإنسان يولد مرة ثانية في حياة أخرى.
اريدو (أبو شهرين)
تبعد عن أور أربعة عشر ميلا بالسيارة، وهي في الجنوب الغربي منها، ولكن الطريق وعرة، ولا ماء في هذا الموقع
أن هذه المدينة اقدس مدن شمر القديمة بعد (نفر)، فقد ورد في حديث الشمريين المأثور، إن (أريدو) أقيمت قبل الطوفان، والخزف الملون، وسكاكين الصوان، والجرار ذوات البلبل، ومناجل الخزف التي اكتشفت في الطبقة السفلى من البلدة تدل دلالة لا ريب فيها على قديم اصل (أريدو).
وعمت عبادة (أيا) (انكي) في أنحاء القطر كافة، و (أيا) اسم معبود (اريدو) رب الماء الأعظم، ويتضح أن (ننجرسو) اله الري في (لجش) وزوجته (ننه) ملكة المياه، وهي أيضاً
ابنة (أنكي) كان في عبادتهما بعض رموز لها علاقة (أنكي) حتى أنه كانت كأس كبيرة مزينة بالذهب في (إي سجلا) معبد (مردوك) بن (أنكي) واله البابليين (راجع ما يختص ب (لجش) و (بابل) وفي الحقيقة يظهر أن لعبادة (أنكي) دخلا في عبادة كل مدينة في تلك الديار، مع أن البلدة التي تأسست فيها هذه العبادة هجرت بعد حكم حمرب على ما يبين. وأعاد هيكل الرب (أيا) المسمى (إي ابزو) أي (دار البحر الأدنى) كلا الملكين: (أور نمو) من سلالة أور الثالثة، و (نور ادد) ملك (لريا). ولكن ملوك كيش وآشورية، وملوك بابل الحديثة، الذين اهتموا كل الاهتمام بترميم هياكل أور. أهملوا بالمرة هذا المعبد الأصلي، مع أنهم لم يربحوا عبادة ربه. وعليه لا يشك في أن (اريدو)(9/495)
أصبحت غير قابلة للسكنى بعد أن غير (رم سن) ملك (لرسا) مجرى الفرات من غربي (أور) إلى شرقيها؛ ويقتضي أنه كادت (اريدو) تترك فلاة.
ومن الواضح أن (اريدو) كانت متصلة بالبحر حيناً ما، إلا أن اعلم الهلك يدلنا على أنها لم تكن على ساحل البحر. بل ربما كانت قائمة في مستنقع كان ينفذ إلى البحر.
وكانت ل (اريدو) رواية خيالية على حد ما كان يروى لسائر أخواتها من مدن شمر القديمة. وورد في رواية لها عن خطيئة الرجل الأول اسم (ادفة) السماك الحكيم، وكان بطل تلك الحكاية، وقيل أن (ادفة) أستدعى أمام (انو) رب السماء، لكسره جناحي الريح الجنوبية التي مزقت قلع زورقه. ولكن (تموز) و (جشزدة) تضرعا إلى رب السماء، ودافعا عن السماك ببلاغة فصيحة، فسكنا غضب هذا الرب. وقيل أنه عرض على (ادفة) خبزاً وماءاً تكون في تناولها حياة خالدة. بيد أنه من سوء طالع السماك، كان هناك الإله (إيا). وكان قد من عيه بالحكمة، فسمع بذلك وحسد (انو) وانذر (ادفة) بان يرفض الطعام والشراب، ولذا بقي السماك أنساناً عرضة للموت.
وحفر (لفتس) في (1852) في (اريدو) وكذلك حفر فيها (تلير) (1855) و (كمبل ثرمسن) سنة 1918 والدكتور (هل) من سنة 1919 إلى 1920، ولكنهم لم ينقبوا فيها تنقيباً طويلا؛ كما أنه لم تكشف بعد خزانة هيكل (إي ابزو).(9/496)
من دفائن رسائل الجاحظ
رسالة في إثبات إمامة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه
السلام
للجاحظ
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا الكتاب من اعتزل الشك، والظن، والدعوى، والاهواء، وأخذ باليقين والثقة من طاعة الله، وطاعة رسوله، - صلى الله عليه وسلم -، وبإجماع الأمة بعد نبيها عليه السلام، مما تضمنه الكتاب والسنة، وترك القول بالآراء، فأنها تخطئ وتصيب، لان الأمة أجمعت أن النبي صلى الله عليه وآله، شاور أصحابه في الأسرى ببدر، واتفق رأيهم على قبول الفداء منهم، فأنزل الله تعالى: (ما كان لنبي حتى يكون له أسرى) الآية.
فقد بان لك أن الرأي يخطئ ويصيب، ولا يعطي اليقين، وإنما الحجة الطاعة لله ولرسوله، وما أجمعت عليه الأمة من كتاب الله، وسنة نبيها، ونحن لم ندرك النبي، ولا أحداً من أصحابه الذين اختلفت الأمة في حقهم، فتعلم أيهم أولى، ونكون معهم كما قال تعالى: وكونوا مع الصادقين ونعلم أيهم على الباطل فنجنبهم، وكما قال تعالى: والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئاً. حتى أدركنا العلم فطلبنا معرفة الدين واهله، واهل الصدق، والحق، فوجدنا الناس مختلفين يبرأ بعضهم من بعض، ويجمعهم في حال اختلافهم فريقان؛ أحدهما قالوا أن النبي صلى الله عليه وآله، مات ولم يستخلف احداً، وجعل ذلك إلى المسلمين يختارونه، فاختاروا أبا بكر. والآخرون قالوا: إن النبي صلى اله عليه وآله، استخلف علياً فجعله إماماً للمسلمين بعده. وادعى كل فريق منهم الحق.
فلما رأينا ذلك، وقفنا الفريقين لنبحث ونعلم المحق من المبطل، فسألناهم جميعاً: هل للناس بد من وال يقيم أعيادهم، ويجبي زكواتهم. ويفرقها على مستحقيها، ويقضي بينهم، ويأخذ لضعفهم من قويهم، ويقيم حدودهم،(9/497)
فقالوا لابد من ذلك، فقلنا: هل لأحد أن يختار أحداً فيوليه بغير نظر في كتاب الله، وسنة نبيه - صلى الله عليه وسلم -؟ فقالوا: لا يجوز ذلك إلا بالنظر. فسألناهم
جميعاً عن الإسلام الذي أمر الله به. فقالوا: إنه الشهادتان، والإقرار بما جاء من عند اله، والصلوة، والصوم، والحج بشرط الاستطاعة، والعمل بالقرآن يحل حلاله ويحرم حرامه. فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم. ثم سألناهم جميعاً: هل لله خيرة من خلقه اصطفاهم واختارهم؟ فقالوا نعم: فقلنا: ما برهانكم؟ فقالوا: قوله تعالى: ربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم، فسألناهم من الخيرة؟ فقالوا: هم المتقون. قلنا ما برهانكم؟ قالوا: قوله تعالى. إن أكرمكم عند الله اتقاكم فقلنا هل لله خيرة من المتقين؟ قالوا نعم، المجاهدون، بدليل قوله تعالى: فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة فقلنا: هل لله خيرة من المجاهدين؟ قالوا جميعاً، نعم السابقون من المهاجرين إلى الجهاد. بدليل قوله تعالى: لا يستوي منكم من قبل الفتح وقاتل. الآية. فقبلنا ذلك منهم لإجماعهم عليه؛ وعلمنا أن خيرة الله من خلقه؛ المجاهدون السابقون إلى الجهاد. ثم قلنا: هل لله منهم خيرة؟ قالوا: نعم. قلنا: من هم؟ قالوا: أكثرهم عناء في الجهاد، وطعناً وضرباً وقتلا في سبيل الله، بدليل قوله تعالى: ومن يعمل مثقال ذرة خيراً يره. وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله. فقبلنا ذلك منهم، وعلمناه وعرفنا أن خيرة الخيرة أكثرهم في الجهاد عناء. وأبذلهم لنفسه في طاعة الله، واقتلهم لعدوه. فسألناهم عن هذين الرجلين: علي بن أبي طالب عليه السلام، وأبي بكر، أيهما كان اكثر عناء في الحرب، واحسن بلاء في سبيل الله؟ فاجمع الفريقان علي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، أنه كان اكثر طعناً، وضرباً، واشد قتالا وأذب عن ديك الله ورسوله.
فثبت بما ذكرناه من إجماع الفرقين، ودلالة الكتاب والسنة، أن علياً عليه السلام افضل. وسألناهم ثانياً عن خيرته من المتقين، فقالوا هم الخاشعون بدليل قوله تعالى: وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب. وقال تعالى: أعدت للمتقين الذين يخشون ربهم.(9/498)
ثم سألناهم: من هم الخاشعون. قالوا: هم العلماء. لقوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء. ثم سألناهم جميعاً: من اعلم الناس؟ قالوا أعلمهم بالقول وأهداهم إلى الحق وأحقهم أن يكون متبوعاً ولا يكون تابعاً، بدليل قوله تعالى: يحكم به ذوا عدل منكم. فجعل الحكومة إلى أهل العدل. فقبلنا ذلك منهم، ثم سألناهم عن اعلم الناس بالعدل من هو؟ قالوا: ادلهم عليه. قلنا: فمن أدل الناس عليه؟ قالوا أهداهم إلى الحق،
وأحقهم أن يكون متبوعاً، ولا يكون تابعاً، بدليل قوله تعالى: أفمن يهدي إلى الحق أن يتبع. الآية.
فدل كتاب الله وسنة نبييه عليه السلام، والإجماع أن افضل الأمة بعد نبييها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، لأنه إذا كان أكثرهم جهاداً، كان اتقاهم، وإذا كان اتقاهم كان أخشاهم، وإذا كان أخشاهم كان أعلمهم، وإذا كان أعلمهم، كان أدل على العدل، وإذا كان أدل على العدل، كان أهدى الأمة إلى الحق، وإذا كان أهدى، كان أولى أن يكون متبوعاً، وان يكون حاكما. لا تابعاً ولا محكوماً عليه.
وأجمعت الأمة بعد نبييها أنه خلف كتاب الله تعالى ذكره، وأمرهم بالرجوع إليه إذا نابهم أمر، وإلى سنة نبيه - صلى الله عليه وسلم - فيتدبرونهما ويستنبطون منهما ما يزول به الاشتباه. فإذا قرأ قارئهم: وربك يخلق ما يشاء ويختار. فيقال له أثبتها. ثم يقرأ أن أكرمكم عند الله اتقاكم، وفي قراءة ابن مسعود أن خيركم عند الله أتقاكم. ثم يقرأ وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب. فدلت هذه الآية على أن المتقين هم الخاشعون. ثم يقرأ حتى إذا بلغ إلى قوله تعالى: إنما يخشى الله من عباده العلماء، فيقال لم: اقرأ حتى ننظر، هل العلماء افضل من غيرهم أم لا؟ حتى إذا بلغ إلى قوله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم، والذين أوتوا العلم درجات، قيل قد دلت الآية على أن الله تعالى قد اختار العلماء وفضلهم ورفعهم درجات، وقد أجمعت الأمة على أن العلماء من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، الذين يؤخذ عنهم العلم، كانوا أربعة: علي بن أبي طالب عليه السلام، وعبد الله بن العباس، وابن مسعود، وزيد بن ثابت رضي الله عنهم.(9/499)
وقالت طائفة عمر بن الخطاب رضه: فسألنا الأمة من أولى الناس بالتقديم، إذا حضرت الصلوة؟ فقالوا أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: يؤم بالقوم أقرأهم، ثم أجمعوا أن الأربعة كانوا أقرأ لكتاب الله تعالى من عمر؛ فسقط عمر. ثم سألنا الأمة: أي هؤلاء الأربعة اقرأ لكتاب الله وافقه لدينه، فاختلفوا، فوقفناهم حتى نعلم، ثم سألناهم: أيهم أولى بالإمامة، فاجمعوا على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: الأئمة من قريش. فسقط ابن مسعود وزيد بن ثابت، وبقي الإمام علي بن أبي طالب وابن عباس، فسألنا أيهما أولى بالإمامة: فاجمعوا على أن النبي صلى الله عليه وآله، قال: إذا كان عالمين فقيهين قرشيين، فأكبرهما سناً، وأقدمهما هجرة. فسقط عبد الله
بن العباس، وبقي أمير المؤمنين، علي بن أبي طالب، صلوات الله عليه. فيكون أحق بالإمامة لما أجمعت عليه الأمة، ولدلالة الكتاب والسنة عليه.
هذا آخر رسالة أبي عثمان عمر بن بحر الجاحظ.
فضل الله الزنجاني
كلمة في هذه الرسالة الجاحظية
نحن لا نستغرب مقالة الجاحظ في تفضيل علي - ع - على غيره من الخلفاء الراشدين لأنه كن يصح عليه قول الشاعر: (واقذف بنفسك حيث ترجو الدرهما) على أن الذي يقرأ شيئاً من كتابه العثمانية يظهر له تفضيله وتقدينه إسلام أبي بكر - رض - على إسلام (الإمام علي) - ع - ونقضه فضائل علي - ع - واستهوانه أفعاله للإسلام. وقد قال أبو جعفر الإسكافي المعتزلي فيه وفي مقالاته بكتابه نقض العثمانية. أما القول فممكن والدعوى سهلة سيما على مثل الجاحظ فأنه ليس على لسانه من دينه وعقله رقيب وهو من دعوى الباطل غير بعيد فمعناه نزر وقوله لغو ومطلبه سجع، وكلامه لعب ولهو. يقول الشيء وخلافة، ويحسن القول وضده، ليس له من نفسه واعظ ولا لدعواه حد قائم. وقال: (إن مثل الجاحظ مع فضله وعلمه لا يخفى كذب هذه الدعوى (هي عدم اعتراف علي لنفسه بالتقدم في الإسلام) وفسادها، ولكنه يقول ما يقوله تعصباً وعناداً). وعناه أبو جعفر - على ما ظهر لنا - (ومعتزلي قد نقض في الكلام وابصر في الاختلاف وعرف الشبه وموضع الطعن وضروب التأويل قد التمس الحيل في إبطال مناقبه (أي مناقب علي - ع -) وتأويل مشهور فضائله فمرة يتأولها بما لا يحتمل(9/500)
ومرة يقصد أن يضع من قدرها بقياس منتقص). وقال: (ينبغي أن ينظر أهل الإنصاف ويقفوا على قول الجاحظ والأصم في نصرة العثمانية واجتهادها في القصد إلى فضائل هذا الرجل وتهجينها، فمرة يبطلان معناها ومرة يتوصلان إلى حط قدرها فلينظر في كل باب اعتراضاً فيه. أين بلغت حيلتهما. وما صنعا في احتيالهما في قصصهما وسجعهما. أليس إذا تأملتها علمت أنها ألفاظ ملفقة بلا معنى وأنها عليها شجار وبلاء). وقال: (لا اشك أن الباطل خان أبا عثمان، والخطأ اقعده، والخذلان أصاره إلى الحيرة، فكا علم وعرف حتى قال ما قال). وقال أبو جعفر في قول للجاحظ: (هذا هو الكذب الصراح والتحريف والإدخال في الرواية ما ليس منها). وقال:
(إن أبا عثمان يجر على نفسه ما لا طاقة له به من مطاعن الشيعة). وقال في كلام له: (هذا الكلام وهجر السكران سواء في تقارب المخرج واضطراب المعنى). وقال: (نعجب من مذهب أبي عثمان، أن المعارف ضرورة وأنها تقع طباعاً. وفي قوله بالتولد وحركة الحجر بالطبع حتى رأينا من قوله ما هو اعجب منه، فزعم أنه ربما يكون جهاد علي - ع - وقتله المشركين لا ثواب فيه لأنه فعله طبعاً. وهذا أطرف من قوله في المعرفة وفي التولد). وقال: (لقد أعطي أبو عثمان مقولا وحرم معقولا أن كان يقول هذا على اعتقاد وجد، ولم يذهب به مذهب اللعب والهزل أو على طريق التفاصح والتشادق وإظهار القوة والسلاطة وذلاقة اللسان وحده الخاطر والقوة على جدال الخصوم). قلنا: وقد بلي الجاحظ من أبي جعفر الإسكافي بحجيج ذي مرة وحجج راسية.
مصطفى جواد(9/501)
كره العرب للحياكة
- 2 -
ذكرنا في ما تقدم (9: 533) أن مريم البتول، استرشدت الحاكة، فدلوها على غير الطريق، روى علي بن إبراهيم بن هاشم أبو الحسن القمي أن مريم حملت بعيسى تسع ساعات جعل الله الأشهر ساعات لها. ثم ناداها جبريل: (وهزي إليك بجذع النخلة) أي النخلة اليابسة. فخرجت تريد النخلة اليابسة، وكان ذلك اليوم سوقاً، فاستقبلها الحاكة - وكانت الحاكة احسن حالا وكسباً في ذلك الزمان - فاقبلوا على بغال شهب، فقالت لهم مريم - ع -: أين النخلة اليابسة؟ فأستهزأوا بها وزجروها فقالت لهم: جع الله كسبكم قليلا. وجعلكم في الناس عاراً؛ ثم استقبلها قوم من التجار، فدلوها على النخلة اليابسة، فقالت لهم: جعل الله البركة في كسبكم وأحوج الناس إليكم.
ولما تولى محمد بن عبد الرحمن المستكفي بالأندلس، وذلك سنة (414هـ) وزر له رجل حائك، يعرف بأحمد بن خالد، وهو كان المدير لأمره. والمدير لدولته، وأردئ بدولة يديرها حائك؛ ولم يزل كذلك إلى أن خلع وقتل وزير المذكور في داره، فقد دخل عليه أهل قرطبة نهاراً فتولوه بالحديد إلى أن برد.
ثم قال نعمة الله الموسوي: (وأما الذي صنعوه إلى مريم. إنما كان من نقصان عقولهم، كما قال - ع - (وهو الإمام موسى بن جعفر كما ذكر هو في ص 159). عقل أربعين معلماً عقل حائك، وعقل امرأة، والمرأة(9/502)
لا عقل لها، وفي الحديث: (لا تستشيروا المعلمين ولا الحوكة، فأن الله سلبهم عقولهم) وفي القاموس بمادة (درز): (وأولاد درزة: السفلة والخياطون والحاكة) وفي أساس البلاغة: (وهم أولاد درزة للسفلة والخياطين. قال حبيب ابن جدرة الهلالي:
يا با حسين والجديد إلى بلى ... أولاد درزة أسلموك وطاروا
يريد زيد بن علي - رض -، وقال محمد بن يزيد المبرد: (وقال حبيب ابن جدرة) بالتحريك (ويقال جدرة بالضم وهي السلعة) الهلالي وهو من الخوارج يعني زيد بن علي:
يا با حسين لو شراة عصابة ... صبحوك كان لوردهم إصدار
يا با حسين والجديد إلى بلى ... أولاد درزة أسلموك وطاروا
تقول العرب للسفلة والسقاط: (أولاد درزة). وقال أبو هلال العسكري (وابن درزة: السفلة الساقط. قال الشاعر: (أولاد درزة أسموك وطاروا) ولم يذكروا الحاكة. أما صاحب القاموس فقد ادخل الحاكة في السفلة ولو كانوا علموا بذلك لسرقوا قاموسه وعدمناه.
وأني كثيراً ما جالست الحوكة، فرأيت أغلبهم مغتابين، طعانين، قليلي العقول، قبحاء الكلام، يتنابزون بالألقاب، ويتقاذعون بفاحش الأقوال، ويتلاحون برديء المزاح، ويتناقصون في الحياء. واعرف واحداً منهم يقوم بالفروض الدينية حق القيام، لكنه وقاع في الناس، بهات لهم، حسود، عنود، يتكلم على صاحبات المحوكات والنسائج (كالفوط) بالفشار، والقذع، وطالما ذكر لي انه لم يبلغ مكسبه وقتاً من مائة ربية، بل ما أمسكت يداه مائة ربيه ولو أمانة.
وان ما قدمناه من الأخبار في الحوكة والحياكة، يجب أن يكون مقيداً بزمان مخصوص أو إنسان مخصوص أو بكليهما، لان إطلاق الحكم في مثل هذه الأمور لا يجوز شرعاً،(9/503)
ولا نقلا. ولا عقلا. فان النهي عن الحياكة إماتة لها، وإماتتها تعطيل للصناعات، وإعدام للحاجات، ولا يأتي إصلاح الدين من حيث الإفساد بل تنقض دعوى من رجح التعميم، بان كثيراً من الحوكة أثروا إثراءً فاحشاً وكثيراً أذواء دين متين وبصيرة منيرة.
وورد في معجم ما استجعم (ص 16) لأبي عبيد البكري - كما في (1: 189) من خزانة الأدب - في الكلام على جزيرة العرب، عندما ذكر تفرق كلمة العرب ووقوع الحرب بينهم، وتشتتهم، ألا تزيد تنوخ، وهي تزيد قضاعة، قال: (وخرجت فرقة من بني حلوان بن عمران بن الحاف بن قضاعة ورئيسهم عمرو بن مالك التزيدي، فنزلوا (عبقر) من أرض الجزيرة، فنسج نساؤهم الصوف وعملوا منه الزرابي، فهي التي يقال لها (العبقرية) وعملوا البرود، وهي التي يقال لها (التزيدية) وأغارت عليهم الترك، فأصابتهم وسبت منهم، فذلك قول عمرو بن مالك بن زهير:
ألا لله ليل لم أنمه ... على ذات الحصاب مجنبينا
واقبل الحارث بن قرد البهرائي. . . ومضت بهراء حتى لحقت بالترك. فهزموهم واستنقذوا ما بأيديهم من بني تزيد) والله اعلم بصحة هذه الغزوة وروى أبو مخنف في
أخبار ما قبل أيام الجمل. قال: (بعث علي - ع - من الربذة. . . عبد الله بن عباس، ومحمد بن أبي بكر إلى أبي موسى الأشعري، وكتب معهما: (من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس. أما بعد يا ابن الحائك، يا عاض. . . أبيه فوالله أني كنت لأرى أن بعدك من هذا الأمر -(9/504)
الذي لم يجعلك الله له أهلا، ولا جعل لك فيه نصيباً - سيمنعك من رد أمري والانتزاء علي، وقد بعثت إليك ابن عباس، وابن أبي بكر، فخلهما والمصر وأهله، واعتزل عملنا مذؤوماً، مدحوراً. فان فعلت وإلا فأني أمرتهما أن ينابذاك على سواء. إن الله لا يهدي كيد الخائنين، فإذا ظهرا عليك قطعاك أرباً أربأ. والسلام على من شكر النعمة، ووفى بالبيعة، وعمل برجاء العاقبة).
وإنما قال له: (يا ابن الحائك) لأنه من قبيلة (أشعر) اليمانية، واليمانون يعيرون بالحياكة، كما تقدم من بحثتا. والله المعين.
مصطفى جواد
الأعمال
خلوا المقال وقدموا الأعمالا ... وتعجلوا لعراقنا استقلالا
وتبصروا غيث الأمور لتأمنوا ... خسرانها وتؤكدوا الآمالا
وامشوا إلى غر الفضائل حزماً ... وتجنبوا التبنيس والأقلالا
يا أيها النشء الكرام عليكم ... يبني العراق العلم والأفعالا
أن العراق بلادكم ومهادكم ... فاستنقذوه وحسنوا الأحوالا
وتعاونوا وتكاتفوا وتقدموا ... ليذوق أعداء العراق وبالا
وخذوا الإخاء شعاركم وتحصنوا ... بالحق واتخذوا النجاح مآلا
وإلى الشجاعة والأباء تساندوا ... أن المحرر لا يخاف قتالا
مصطفى جواد(9/505)
صاحب رحلة أول شرقي إلى أميركة
أول شرقي (عراقي) إلى أميركة
(تتمة)
بيت الحلبي من بيت صاحب الرحلة
يقفنا القس نصري في كتابه (2: 359) على اصل بين الحلبي وسبب تسميته في قوله:
(وكان للخوري إيليا (صاحب الرحلة) ابن أخ يدعى اسحق فقصد هذا عمه إلى رومية فأجلسه في إحدى مدارس أوربة الشهيرة فنجح اسحق وصار ترجماناً لسفارة دولة إسبانياً في رومية ونال رتباً جليلة، ثم عاد إلى الموصل بعد أن حج إلى القدس الشريف، ولما رأى أن عائلته قد قرضت تزوج بمريم من بيت طربوش التي كانت أختها زوجة عيسى الرسام، ثم قصد حلب بآله، ومن ثم يعرف وصفه بآل بيت الحلبي.) 1هـ
بيت الحلبي في الموصل
وقال القس نصري (2: 360): (وولد لأسحق ابن سماه الياس باسم عمه الخوري ايليا وابن آخر سماه يوسف. وهذان عادا إلى الموصل في أثناء عود الحاج باشا حسين باشا من آل عبد الجليل من مأموريته في حلب إلى الموصل إذ اختار الياس الحلبي المذكور صرافاً واشتريا البيت المعروف إلى يومنا هذا ببيت الحلبي وتناسبا مع بيت الرسام، فسعيا في نشر الكثلكة) أهـ. وروى القس انعامات الكرسي الرسولي على هذا البيت ووفاة جدهم اسحق وهو مسافر بحراً إلى أوربا على ما نقل.(9/506)
وذكر القس نصري مرراً بيت الحلبي منتصراً للعقيدة الكاثوليكية وموالياً للأباء الدمنكيين من ذلك ذكره لالياس (2: 372) رئيساً لأحد حزبي الطائفة وكانت قد انقسمت بعضها على بعض لأمور طقسية وأمثالها.
وذكرت الياس رحلة سيستيني في سنة 1781 (ص 142) صيرفياً عند والي الموصل سليمان باشا الذي هو من أسرة موصلية (ص 146) (قلت: وهي أسرة عبد الجليل) وقالت الرحلة (145): ودعانا الصيرفي الياس إلى غداء الظهر لكنا رجحنا العشاء عنده. ثم قالت
(ص 146): (وكان عشاؤنا عند الصيرفي الياس ومسكنه دار أنيقة مرتبة وفقاً لذوق أهل ديار بكر، فكانت لنا فرصة نرى فيها النساء داخل بيتهن). ثم وف لبسهن ووضعهن، ثم قال (ص 147): (إن أسرة السنيور الياس حلبية كاثوليكية وهو يتكلم الإيطالية. وله صلة متينة بالمرسلين (الدمنكيين، وكان قد ذكرهم) وكان العشاء على غاية ما يرام من خدمة ومأكل). أهـ
وقال (هويل) في رحلته (ص 53) ما تعريبه:
(وغادرنا قره قوش في 2 نيسان (1788) صباحاً في الساعة السادسة فوصلنا إلى الموصل نحو الساعة التاسعة. . .
فبلغ الخواجا الياس - وهو تاجر قديم ارمني (وهم في ذلك فأنه كلداني) - خبر قدوم ثلاثة رجال أفاضل من الإنكليز، فدعانا أن نذهب عليه وأوفد إلينا خيلا لهذا الغرض فوجدناه في دار بنيت حديثاً وهي نظيفة أنيقة وألم تكن موافقة للذوق الأوربي. . .
وفي 5 نيسان بدأت أخاف أن الدار التي ابتناها حديثاً الخواجا الياس والتي نسكنها تزيد مرض الميجر كا كلود وكان لا يزال متوعكا.
وفي 6 نيسان استأذنا مضيفنا المحبوب الخواجا الياس وغادرنا الموصل. . .) أهـ وللبطريرك يوحنا هرمز المتوفى في سنة 1840 ترجمة لنفسه وقد نقلت(9/507)
إلى الإنكليزية في كتاب المرسل البروتستاني بادجر المسمى (النساطرة وكتب طقوسهم. . .) (1: 155) وفيها ذكر الياس الحلبي.
وفي كتاب الآثار الجلية في الحوادث الأرضية لياسين بن خير الله العمري الذي كانت ولادته في سنة 1158هـ (1745م) تهكم لصاحبه (بيوسف الحلبي التاجر) وغيره مع استهزاء وتنديد وقذف اليم في أخبار سنة 1192هـ (1779م) وسبب ذلك اختلاف الكلدان بينهم لأمور طقسية وغيرها خاصة بهم وسعي يوسف في تأييد الحزب المسمى حزب المسيحيين. وفي ذخيرة الأذهان للقس نصري في جزءه الثاني عن هذا الاختلاف.
وفي خزانة ديوان الهند (فهرستها ص 211 عدد 730) نسخة من كتاب يتضمن (علم المعرفة الحقيقة. . .) تعريباً من السريانية للراهب السرياني عبد النور الامدي وفي آخر النسخة قوله: (وقد اهتم بكتابة هذه النسخة الأخ المكرم. . . والمسيحي القاثوليقي. . .
الخواجا المبجل القاروي (كذا) الممثل الخواجا جرجيس بن المومن المرحوم الخواجا يوسف الحلبي. . . وقد صار تحريره بيد الضعيف شماس ايليا بن قسيس عبد الأحد الموصلي سنة 1821 في أوائل شهر آذار (الموافقة) هاجرية (كذا) 1236) أهـ
بيت صاحب الرحلة بغدادي الأصل
رأينا في ما ذكره القس نصري أن صاحب الرحلة من نسل البطاركة النساطرة والعشيرة الأبوية وسيبين من نصوص أوردها بشأن نصوص صاحب الرحلة صحة ذلك. أما قول القس عنه انه من نسل البطاركة فهو يريد من نسل بيتهم إذ أن البطاركة لا يتزوجون.(9/508)
وقال القس (2: 358ح): (إن العائلة الأبوية كانت قاطنة بغداد قبل انتقالها إلى تلحش والقوش) وقال (2: 82): (وكان بطاركة المشارقة بعد الغوائل والحروب التي ثارت في المشرق قد هجروا بغداد وأقام ما يابالاها كرسيه في دير ما يوحنا الذي عمره في مراغة. وبعد خراب الدير اخذوا ينتقلون من مكان إلى مكان إلى أن وصلوا إلى بلاد ما بين النهرين. وأقام بعضهم في دير الربان هرمزد وبعضهم في الموصل وغيرهم في دير ماراوجين. . .) أهـ
وإذ قال يابالاها الذي عمر دير مار يوحنا في مراغة، فهو أذن يابالاها الثالث المتوفى في سنة 1317م وترجمته في كتاب أخبار فطاركة كرسي المشرق من كتاب المجدل المطبوع في رومة في سنة 1896 (2: 122).
وقال القس نصري (2: 75): (خلف يابالاها في الرئاسة العليا على النساطرة طيماثاوس. . . ولما توفي يابالاها اختير طيماثاوس بعد أن فرغ الكرسي ثلاثة اشهر ونودي به جاثليقا سنة 1318م وهو الثاني بهذه الاسم). أهـ
وقال القس أيضاً (2: 83): (المراد بعشيرة الأب (العائلة) أو السلالة التي كان يخرج منها الجاثليق أو البطريرك أبو الآباء للطائفة النسطورية. . . وأول من سيم جاثليقاً من هذه العائلة هو طيماثاوس خليفة يابالاها اليغوري وكان خلفاؤه أيضاً من قرابته العمومية إلى زمان شمعون المعروف بالباصيدي الذي جلس 1480. وسن شمعون الباصيدي هذه العادة بنوع قطعي. . . فعين شمعون المذكور أول مرة خلفاً له من عشيرته وأسامه رئيس أساقفة لكي يتخلفه بعد موته. وقد حذا حذوه كل الجثالقة الذين خلفوه.) أهـ
وقال أيضاً (2: 84): (واقر الجثاقة المشارقة كرسيهم بعد أن رحلوا من بغداد في مراكز شتى ولو كانوا يعودون أحياناً إليها. . . وأخيراً أتوا القوش نحو سنة 1436. وبعد مبادئ الجيل (القرن) السادس عشر كانوا يقيمون غالباً في دير مار هرمزد القريب من القوش. . .) أهـ
وراح القس نصري يروي (2: 88 و148 و150 و153 و176 و186(9/509)
و194) تبوءوا أبناء هذا البيت للكرسي البطريركي وأنبأنا بأخبارهم حتى أتى إلى زمن صاحب الرحلة ووفاة ايليا الثامن نسطوريا في 8 حزيران سنة 1660 وهو عم صاحب الرحلة، ثم ذكر (2: 223) البطريرك الذي قام مقامه من هذا البيت أيضاً.
ويا ليت القس مصري صرح بمصدره في بغدادية هذا البيت.(9/510)
ذكر القسيس في رحلة الأب جوزية (يوسف)
وبعد أن بحثت عن صاحب الرحلة في كتب مطبوعة في عصرنا الحاضر وفي ما استخرج من كتاب - أو كتابين - طبعه صاحب الرحلة المار الذكر أرى أن نستطلع كاتباً معاصراً له شافهه فدون بحثاً عنه في كتابين كان طبعهما في زمن كان كل منهما في قيد الحياة.
رحل من رومة الأب جوزيه دي سانتا ماريا من الأباء الكرمليين الحفاة (الذي سقف بعدئذ فعاد إليه اسم بيته سبستياني) قاصداً بلاد ملبار في الهند في سنة 1656 وعاد منها فاجتاز ببغداد فقدم إلى رومة في سنة 1659 فكتب رحلته الأولى وقد جاءت فيها (الص 241) السطور التالية وهذا تعريبها عن الأصل الإيطالي:
(وهذا ما حملني على ترك طريق ما بين النهرين وعلى السير مع دليل البر برفقة الجند ومملوكين اثنين وقسيس اسمه الياس كان نسطورياً ثم تكثلك وهو ابن أخي البطريرك لهذه الطائفة النسطورية. وكان القسيس يقصد السفر إلى رومة تبركا) أهـ.
وفي الطريق قبل وصولهم إلى حلب ذكره الأب جوزيه في سياق الكلام (الص 244 و248) وليس في ذلك كبير أمر وعاد إلى ذكره (الص 275) فقال:(9/511)
(وكان القسيس الياس من جملة الفقراء على مائدة قداسة يوم خميس الفصح وقد تأثر جداً من هذا المثال لنائب المسيح، وقال انه يريد أن يذيع خبر هذا العمل بين هراقطة بلاده
جميعهم وينقله أيضاً إلى البطريك عمه. ونال القسيس لأخيه عبد المسيح اركدياقونية كنيسة بغداد وحظي أيضاً بمعاونة نقدية إلى بيته من المجمع المقدس) أهـ.(9/512)
وقفل الأب - وقد صار أسقفاً - راجعاً إلى الهند في سنة 1660 عن طريق الموصل، وعند قدومه إليها روى لنا ملاقاته أخاً للقسيس، وهذا(9/513)
ما دونه في رحلته الثانية (ص 22 - 23):
(. . . وقدم إلينا الأخ الصغير للقسيس الياس بعض المبردات. وكان القسيس قد رحل معي قبلا من بغداد إلى حلب وكنت أعنته في رومة إعانة جزيلة وأراد أخو القسيس أن يذهب بنا إلى مكان قريب واقع في جبال الكرد يسمى القوش (وهو وطن النبي ناحوم المسمى الكشكو بقصد زيارة ابن عمه بطريرك النساطرة وهو خلف لسلف عمه المتوفى في ضلاله قبل في مدة قصيرة. وكانت وفاته بعد أن كان قد بلغ من العمر عتياً. ولم يكن قد انثنى عن زيغه وان كان القسيس الياس بعد رجوعه من رومة قد أقنعه بغلطه وحرضه على الخضوع للحبر الأعظم وكان تحرضه بلا جدوى لخوفه الذي لا معنى له من قول القائلين انه إفرنجي. وكان عمر البطريرك الجديد - وهو ابن عم(9/516)
القسيس - أربع عشرة سنة وقد سقف قبل سنة ذلك بسنةكهن بعد أن كان راهباً في رهبانية باسيليوس سنتين. فهكذا يكون مجرى الأمور حينما تقلد المراتب الكنسية بالوراثة لأسرة واحدة حيث لا يحفظ الإيمان خالصاً من الشوائب. وكان يؤمل عبد الله أخو القسيس أن زيارتي للبطريرك ابن عمه تحركه على الطاعة الواجبة للحبر الأعظم. ونما أني كنت في كل دقيقة أترقب السفر أبيت الذهاب إلى القوش. وفضلا عن هذه الحال فأن الأب جيو تاديو كان مريضاً مرضاً عضالاً؛ فلم يسعني أن اتركه وحيداً.) أهـ
غادر الأسقف الكرملي الموصل منحدراً كاسكاً على دجلة إلى بغداد فقص علينا ما يلي (ص 25):
(عند قدومي إلى بغداد رأيت على ضفة دجلة القسيس الياس وكان ينتظرني هناك كل يوم إذ قد بلغة الخبر بسفري إلى هنا. وبمعاونته ومعاونه الآباء المذكورين قبيل هذا (أي الكبوشيين) ركبت دانقاً ووجهتي البصرة. . .) أهـ(9/517)
ومن هناك أبحر إلى الهند زائرها الكرملي، ثم قدم منها عائداً إلى البصرة في سنة 1664
وصعد دجلة ثم قال (ص 227): (وصلت إلى بغداد فرأيت فيها قافلة كبيرة على وشك السفر، ومن المسافرين معها أخوان اثنان للقسيس الياس، وقد سبق ذكري إياه غير مرة فراقتني الفرصة في ما يخص بالرحلة ولا سيما السرعة في الرحيل لأني كنت ألاحظ جداً حلول زمن البرد والأمطار فصممت على أن أواصل المسير حالا. . .) أهـ
وقال صاحب الرحلة (ص 228) - وهو يسير بين بغداد والموصل - (إنه كان يظن أن عبد الله أخا القسيس الياس يعرف شيئاً من الإيطالية وقد بان له أن ما يحسنه لا يزيد على كلمتين). دعنا نرى أخيراً زائر الهند في حلب متخلياً من وعثاء السفر في هذه البلاد الشاسعة. وهذا ما قاله حين سفره من الموصل إلى حلب الشهباء (ص 230):
(بقي في نينوى عبد المسيح الأخ الكبير للقسيس الياس ورافقنا الأخ الصغير واسمه عبد الله فأشار علينا أن نأخذ معنا زقاً خمراً فحملناه معنا في كيس. . . ولقد أفادنا لأننا كنا نقاسي البرد أناء الليل.) أهـ
وآخر عهدنا بالخوري صاحب الرحلة في سنة 1692 على ما جاء في الكتاب الموصوف في المشرق وفي سنة 1693 على ما جاء في الكتاب الذي ذكره القس نصري إذا صح قوله. وأملي أن يرى المتتبع شيئاً عن هذا الرحالة الباسل وبيته في مدونات ذلك الزمن الغابر فيكشف لنا غطاء آخر عن أمره المنسي أجيالاً.
في 25 نيسان 1931:
يعقوب نعوم سركيس
مطالعة
رأينا في الرحلة أن لصاحبها ابن أخ اسمه يونان وفي ذخيرة الأذهان(9/518)
للقس نصري أن له ابن أخ اسمه اسحق نشأ منه البيت الذي سمي بيت الحلبي ولم يذكر الكتابان اسم والد يونان واسحق إنما رأينا في رحلة الكرملي أن لصاحب الرحلة أخوين، كبيرهما اسمه عبد المسيح والآخر اسمه عبد الله لكنا لا نزال نجهل أيهما والد اسحق. هذا أن لم يكن اسحق ابناً لأخ ثالث غيرهما.
وأما ما سمعه القس نصري فرواه (2: 358ح) بقوله: (روي انه كان يوماً ثلاثة اخوة من العائلة الأبوية. . . وان الأخ الأصغر هو جد بيت آل الحلبي. ولعله كان يدعى اسحق
الذي اسحق جدهم الآخر. . .) فانه غير صحيح وسبب ذلك انه كان قد قال - كما رأينا - (2: 359) أن اسحق الذي نشأ منه بيت الحلبي هو ابن أخي صاحب الرحلة. وإذ قد أرانا صاحبها فيها أن اسم والده هو حنا، فجد اسحق الذي قال عنه القس نصري انه جد بيت الحلبي يجب أن يكون حنا وليس اسحق. وإذا كان فيهم من هو بهذا الاسم فهو ابعد من هذا الحد.
حديقة النصائح
حديقتي جميلة إذ بها ... قد غرست أعلى شؤون الحياة
وصية فيها لأهل الحجا ... تهدي الآلي حياتهم كالممات
ونصها يا قوم إخلاصكم ... ينقذكم حقاً ويوهي الطغاة
جنيتم الأثمار من دون أن ... تحموا البساتين وترووا النبات
إن يبست أشجاركم فاعلموا ... بأنكم لم تعملوا بالوصاة
هذا هو الورد ذابل ... قد لازمته البلابل
ما أمرها بغريب ... فكم هوت في الحبائل
وان دهري عجيب ... بأتي بحق وباطل
يا عندليباً لم يزل شادياً ... على أناس لم يؤدوا الفروض
أغرك الورد الذي حولهم؟ ... فأنه ذاو ومأوى البعوض
تنح فالبوم أتى دورها ... باطلها لا يعتريه الغموض
وقف على غصنك حراً ولا ... ترض عصاً قد فسدتهم الرضوض
فان تغريدك لا ينبغي ... إلا لقوم إربهم في النهوض
م. جواد(9/519)
أصل اليزيدية وتاريخهم
4 - أخلاف عدي
جمود العصور التالية:
لم تقف العصور الإسلامية التالية لعدي بن مسافر في جمودها عند أخلافه وحدهم، بل نراها - على اختلاف نزعاتها - قد اكتسبت أوضاعاً خاصة، وأشكالا معروفة من الجمود لم تخرج بها عن التقليد في كل شيء.
ولم يكتفوا بتقليد الرأي، بل صاروا يقلدون الغير في العمل؛ فعقمت العصور المذكورة عن أن تلد إلا أفذاذا قليلين، لم يتمكنوا من أن يحركوا هذا الجماد، بل الصخرة الصماء.
اشتغلوا بالعجائب، ونسبوا الخوارق لمقلديهم، ونقلوا عنهم لينالوا مكانتهم و (بهجة الأسرار) و (جامع كرامات الأولياء) و (القلائد) و (الكواكب الدرية) وغيرها من كتب مشحونة أمثال ذلك؛ فنقلت أموراً خارقة عن عدي. وهي لمن وسم بالعلو والمشيخة، بحيث لا يدعنا ذاك أن نستغرب ما يقال عن اليزيدية. فإذا كان أولئك لم يدركوا حقيقة طرائق القوم. فمن الأولى أن لا يدركها أميون، يقضي محيطهم، وتدعو بيئتهم قسراً إلى أن يلازموا تلك الأمية الموافقة، أو المقاربة للامية. ولعلها السبب في تحريم القراءة والكتابة.
ولا عجب أن يدخل الغلو بين ظهرانيهم، وقد دب بين جماعاتنا قبلهم، أو بصورة مساوقة. ومنشأ ذلك الجمود العام. فلا يوجه اللوم إلى صنف دون نف. اللهم إلا تفاوتاً في الدرجات، (ظلمات بعضها فوق بعض) فعلة الجمود وبيلة استولت على الكل فلم يسلم منها قوم أو مذهب، وهي منشأ الغلو الأخير.
وعلى كل حال أن الجمود في التصوف خاصة، كان متأخراً عن الفقه، والكلام، واللغة. وذلك لان ظهوره كان متأخراً لما شعر الناس بالحاجة إليه. ثم ناله ما نال غيره.(9/520)
أخلاف عدي وإمامتهم:
قبل أن يستولي الجمود التام على أهل هذه الطريقة، خلف عدياً جماعة، قاموا مقامه، وتأثروا بمبدئه؛ وكانوا ممن يصلح للإرشاد، بخلاف ما هم عليه اليوم، فان الإمامة صارت
اليوم ارثية، وشملت الولاية الدينية والمدنية. يعتقد القوم في أمرائهم الرياسة العامة، ويعتبرونهم كأئمة، وهذه الرياسة أشبه بالخلافة والإمامة عند سائر الفرق الإسلامية، وقد حصل أميرهم سعيد بك ابن علي بك في هذه الأيام على تولية أوقاف الشيخ عدي وأقرنت بالإرادة الملكية المطاعة بتاريخ 15 آذار سنة 1931 الموافق 6 ذي القعدة سنة 1349 (راجع العدد 964) بتاريخ 2 نيسان سنة 1931 من الوقائع العراقية). وذلك بعد منازعة وقعت بينه وبين إسماعيل بك من أمرائهم أيضاً. وقد أوضح صاحب تاريخ الموصل الفاضل سليمان الصائغ هذه الرياسة، ولكنه أكب الإمارة شكلا والرياسة الدينية شكلا آخر؛ والصحيح أنهما في واحد ولكنها على ما يظهر تخويل في بادئ الأمر فانحصرت في بيت وهذا نص ما قاله بحروفه:
(يرأس الأمة اليزيدية جمعاء، أمير من شيعتهم، يسمونه أمير الشيخان الواقعة في شمال شرقي الموصل، على مسافة 45 كيلو متراً، وأهم قرى الشيخان؛ قرية بيت عذري، الشهيرة في تاريخ الكلدان، حيث يقيم أميرهم. ولهذا الأمير سلطة مطلقة على اليزيدية، وتحت أمره أمراء ثانويون، يخضعون له، ويبلغون أوامره إلى جميع النواحي، ورئيسهم الديني الأعلى، هو الشيخ الأكبر، ويدعونه (بابا شيخ) وتحت يده جملة من الشيوخ يتلقون أوامره في متعلقات الدين، ينفذونها في الشعب كل في مركزه وناحيته وللشيخ الأكبر فقط حق التشريع في الأمور الدينية كتحديد الصوم والصلوات والتحريم إلى غير ذلك (كذا). ومن يتعد على أوامر الأمير الأكبر أو الشيخ الأكبر، يعرض نفسه إلى اشد القصاصات، وهو استباحة بيته وأمواله. وهاتان الرتبتان: الإمارة والمشيخة محصورتان في عائلتين، يتقلدها السلف عن(9/521)
الخلف أهـ
1 - أبو البركات صخر بن صخر:
هذا هو ابن عدي بن مسافر، وفي اكثر المواطن يذكر بكنتيه إلا في صحيفة 11 من البهجة فأنه ذكر باسمه صخر، وكذا صاحب القلائد ذكره باسمه وافي جبال هكار، حيث كان يسكن عمه وتعرف به، فأوضح له درجة قرابته منه. جاءه من المواطن الذي ولد فيه عدي. وهو بيت فأر من أرض بقاع العزيز. في سفح جبل لبنان (راجع ص 215 و217 من البهجة).
ولما تحقق منه الصلاح والتقوى. والمقدرة على الإرشاد. قال: أبو البركات يخلفني (215
منها). وهذه الإشارة كانت السبب لانتقال الإمارة والإمامة معاً إلى أولاده وحفدته. ومثل هذه الأمور لا تحتاج إلى سبب قوي ولا إلى ن صريح. والعمدة التأكيد والوثوق من الأمر. أما اليوم فالأهلية التي توسمها الشيخ عدي لا تراعي البتة. ولعل هذا هو العامل المهم لضياع طريقة الشيخ بتولي إخلاف أضاعوا طريقته وأثروا في التغيير، إما لجهل وأما لتقوية الخلاف وحفظاً لإثبات شخصية بارزة.
تمكن هذا وأمثاله من تثبيت العقيدة والطريقة وتمكينهما، فأذعن لهم القوم وبدا لهم صلاحهم على تتالي الأيام. وهذا يعد عاملا آخر لاعتبار الوراثة في الولاية وعلى هذا جرى اليزيدية إلى الآن.
ما قيل عنه:
هو من إجلاء مشايخ المشرق، ونبلاء العارفين، وأركان هذا الشأن، وأئمة الدعاة إليه، واعيان العلماء بسبله علماً وعملا، وزهداً وتحقيقاً، صحب(9/522)
عمه وهاجر إليه، وإليه كان ينتمي وخلفه - بعد وفاته - في المشيخة بزاويته في لالش بجل هكار. وكان عمه يثني عليه ويقدمه. ويعد من إبدال الدهر.
لقي غير واحد من المشايخ، وانتهت إليه رياسة هذا الأمر في وقته، في تربية المريدين السالكين، وكشف مشكلات احوالهم، وتبيين مهمات أمورهم وتخرج عليه غير واحد من الصلحاء.) أهـ (البهجة ص 215 والقلائد ص 106 و107).
وزادوا، انه أحد من أظهره الله تعالى إلى الوجود. وصرفه في الكون، وملكه الأسرار ومكنه من الأحوال، وظهر على يديه الخوارق، وانطقه بالمغيبات. إلى آخر ما هنالك.
ومن ثم لا يلام هؤلاء اليزيدية إذا اعتقدوا اكبر منها ونسبوا التصرفات الأخرى والخوارق الواسعة النطاق.
صفته:
قال في البهجة: (كان كامل الآداب، حسن الأخلاق، ظريف الشمائل، ذا سمت وبهاء، وصمت وحياء، محباً لأهل الدين، مكرماً لأهل العلم، وافر العقل، كثير الكرم، شديد التواضع. . .) أهـ وقد حكى في البهجة حادثة زواجه، فلا نرى فائدة في ذكرها.
اعتقاده:
وله أقوال في التنزيه والصفات قال:
1 - من رأيته يدعي مع الله حالا أو مقاماً، وهو يجوز في اعتقاده على الله عز وجل تشبيهاً أو تمثيلا، أو تحديداً، فاعلم انه كاذب.
2 - كما أن الله تعالى لا يجوز في حقه تحديد، ولا تشبيه، كذلك صفاته ولو لم يرد الشرع بذلك، لكان العقل يوجبه بالضرورة وينفي ما سواه.
3 - كما أن الزيادة على الحق كفر، كذلك النقص منه، وكما أن التشبيه جحود، كذلك التعطيل، وكما أن الزيادة على معالم السنة بدعة.
كذلك التأويل في صفات الله سبحانه، إلا بما ورد به النص أو الجأ إليه البرهان.(9/523)
4 - العروة الوثقى الوقوف عندما جاء الله تعالى ورسوله (ص) من غير زيادة ولا نقص.
وقد اجمل ذلك بقوله: وما رأيت أحداً من المشايخ الذين يقتدي بهم إلا على هذا السبيل. (البهجة 215)
كلامه على لسان أهل الحقائق:
للصوفية درر كلمات هي العمدة في السلوك، والمعول عليها في مناهج الحياة، وقد يكون القول الواحد صالحاً لان يسلك المرء بموجبه. وقد قصر هؤلاء حياتهم على النظر في الحكمة من طريق العزلة والانقطاع. ولا يعول على سند صحيح وصل إلينا عنهم أقوى من الحكم التي نطقوا بها، فهو نتائج تجاربهم ومجاهداتهم، وملخص آدابهم، وصفوة طريقتهم. وكل أحد يؤخذ بقوله ويرد إلا الأنبياء (ع). وإليك أيها القارئ اشهر أقوال المترجم على لسان أهل الحقائق:
1 - من سكر بكأس المحبة، لا يصحو إلا بمشاهدة محبوبه، فان السكر ليلة صباحه المشاهدة، كما أن الصدق ثمرها المجاهدة.
2 - أصول المحبة في ثلاثة أشياء (كذا في القلائد، وفي البهجة أصول الأصول في ثلاثة): الوفاء، والأدب، والمروءة. فالوفاء انفراد القلب بفردانيته والثبات على مشاهدته والمؤانسة بنور أزليته. وأما الأدب، فمراعاة الخطرات، وحفظ الاوقات، والانقطاع عن
المقاطعات. وأما المروءة، فالقيام على الذكر بالصفاء قولا وفعلا، والسر عن الأغيار ظاهراً وباطناً، وحفظ الأوقات لرعاية ما هو آت، واستدراك الأوقات، فإذا وجدت هذه الخصال في العبد، وجد لذة الوصال، وخاف حرقة البين، وهاج في سره نار الاشتياق.
3 - إذا احكم العبد أساسه في الرضا، وصل إلى درجات المقربين.
4 - براهينه:
أ - برهان العابدين زكاة أعمالهم.
ب - وبرهان العارفين صفاء أحوالهم.
ج - وبرهان المحبين بقاء أنفاسهم.(9/524)
د - وبرهان العالمين نشر عجائب قدرة في أسرارهم.
هـ - وبرهان المقربين إجابة الأكوان لدعائهم بأخبارهم عن مولاهم.
5 - المحبة: وله، وسكر، وخمود، وذكر، واستغراق، وفكر، وحيرة، وذعر فمن ادعى المحبة فبرهانه نضح الفؤاد، وتقطيع الأكباد، وإعدام الأشباح، وبذل الأرواح. . .
6 - القلب الجزوع، هلوع، والسر الممنوع فجوع.
أقواله الأخرى:
نكتفي هنا بذكر جوهرة فريدة له قال:
1 - الحق أقوى من أن يقوى باطل. (راجع. بهجة الأسرار ص 214)
وهذا القول ينبغي أن يسير بموجبه كل صاحب مبدأ، ويجعله نصب عينيه بخلاف ما نراه من أصحاب النحل، والمبادئ الأخرى، وما يتخذونه من الوسائل والدعايات وطرق نشرها، خصوصاً نسبة الخوارق والكرامات العديدة لهم للتفاخر والمزاحمة. ومن كان همه معرفة حقيقة الرجل من أقواله وآثاره فلا يعدو ذلك وينتظر ما سواه.
معاصروه والآخذون عنه:
أشهر المعاصرين الآخذين عنه:
1 - عمر بن المعدني. 2 - الشيخ أبو محمد عبد الله الدمشقي. 3 - أبو الفتح نصر بن رضوان بن مروان الداراني (وفي البهجة ورد نروان عوض مروان) - 4 - علي
الحميدي الشيباني (وفي القلائد ذكر المعاصر الشيخ نصر الله بن علي الحميدي لا أبوه) - 5 - أبو البركات بن معدان العراقي. 6 - الشيخ أبو العشائر. - 7 - أبو الفضل معالي بن نبهان التميمي الموصلي (البهجة والقلائد).
وفاته:
لم يعين صاحب البهجة ولا صاحب القلائد تاريخ وفاته. وإنما جاء في القلائد (ص 108) انه سكن لالش وبقي إلى أن مات بها مسناً، ودفن عند عمه وقبره بها ظاهر يزار رضي الله عنه. أهـ(9/525)
2 - أبو المفاخر عدي بن أبي البركات:
وهذا أيضاً مشهور بالصلاح والتقوى كوالده واخذ عنه، وكان ممن أثنى عليه ابن تيمية. ترجمة صاحب القلائد وافرده بالذكر ونعته بقوله:
(الشيخ الأصيل. . . كان من أعيان مشايخ العراق المعتبرين، صاحب كرامات وأحوال. . . إلى أن يقول: صحب والده، واخذ عنه، ولقي غير واحد من المشايخ المشرق (رض). وانتهت إليه الرياسة في وقته في تربية المريدين، بجبل الهكار وما يليه. وتخرج بصحبته غير واحد.
وكان كريماً ظريفاً، ذا سمت وحياء، ومحباً لأهل الدين، مكرماً لأهل العلم وافر العقل، شديد التواضع، واجمع العلماء والمشايخ على تبجيله، واحترامه، وقصد بالزيارات، واشتهر ذكره في الآفاق (رض) ولم اقف على تاريخ مولده، ولا وفاته. أهـ
فيرى من هذا انه نعته بما نعت به والده. فكأنه حذا حذوه، ولم يزد عليه، أو أن ما قاله مما ينعت به أمثاله (راجع النعوت لباقي المشايخ في القلائد).
لم نتمكن من العثور على قول له. وهذا هو خاتمة أكابر الرجال من آل عدي وأقاربه. وأما من جاء بعد هؤلاء فلم يحصل على شهرتهم، ولا نال مكانتهم ولكنهم على كل حال أسسوا الزعامة لكرد تلك الأنحاء كنا تقدم بحيث لم يستطع أن يزاحمهم غيرهم. وبسبب هذا الاعتماد والوثوق، رسخت الرياسة في حفدتهم إلى يومنا هذا. وغاية ما يقال عن المترجم أن وقف عندما تلقى من اسلافه، وراعى وصاياهم بقدر ما تمكن عليه، وقد نقلت عنه
بعض الأقوال عام 618هـ.
3 - الشيخ حسن بن أبي المفاخر عدي:
ذكره ابن تيمية في وصيته الكبرى (ج1 ص 300) من مجموع رسائله فقال: (وفي زمن الشيخ حسن زادوا أشياء باطلة نظماً ونثراً وغلواً في الشيخ عدي وفي يزيد بأشياء مخافة لما كان عليه الشيخ عدي الكبير. . . (إلى أن قال) وابتلوا بروافض عادوهم وقتلوا الشيخ حسناً. وجرت فتن لا يحبها الله(9/526)
ولا رسوله. . .) أهـ
ولعله إلى هذه الفتن أشار التاريخ المجهول المنسوب للفوطي قال:
(في هذه السنة (سنة 652هـ) جرت بين أصحاب الشيخ عدي بن مسافر وأصحاب بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل محاربة كان سببها أن بدر الدين كان كثير التثقيل على أولاد الشيخ عدي ويكلفهم مالا على وجه المساعدة فأطلقوا ألسنتهم فيه فأرسل طائفة من عسكره إليهم فقاتلوهم قالا شديداً فانهزمت الأكراد العدوية وقتل منهم جماعة كثيرة واسروا منهم جماعة فصلب بدر الدين منهم مائة وذبح مائة وأمر بتقطيع أعضاء أميرهم وتعليقها على أبواب الموصل وأرسل من نبش الشيخ عدياً من ضريحه واحرق عظامه) أهـ
ومن المستبعد أن يمون هذا الأمير هو الشيخ حسن وان كانت حوادث هذا التاريخ متسلسلة إلا انه لم يصرح باسم الأمير، لان السخاوي قال في تحفة الأحباب موافقاً لما جاء في فوات الوفيات: (وتخلف من بعده أخوه صخر (صحيحها ابن أخيه) وتفرق أولاده (أولاد ابن الأخ) في البلاد واقبل إليهم العباد فنزل منهم بالموصل الشيخ شمس الدين الحسن بن أبي المفاخر عدي بن أبي البركات. . . الملقب بتاج العارفين أبي محمد شيخ الأكراد. . . كان من رجال العالم دهاءً ورأياً وحزماً وله فضل وأدب (وزاد في الفوات: وشعر وتصانيف في التصوف) وله اتباع ومريدون يبالغون فيه، توفي شهيداً في سنة 644هـ (قال في الفوات: خاف منه بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل فقبض عليه وحبسه ثم خنقه بوتر بقلعة الموصل خوفاً من الأكراد لأنهم يشنون الغارات على بلاده فخشي أن يأمرهم بأدنى إشارة فيخربون بلاد الموصل. وفي الأكراد طوائف إلى الآن يعتقدون أن الشيخ لا بد أن يرجع. . . وينتظرون خروجه. وما يعتقدون انه قتل. وكانت قتلته سنة 644هـ) وله من العمر 53 سنة. . .
وزاد أحمد باشا تيمور نقلا عن ذخائر القصر في تراجم نبلاء العصر (ص 20) انه اختلى ست سنوات صنف فيها كتاب الجلوة لأرباب الخلوة وانشد من الشعر:(9/527)
وصرت فرداً بلا ثان أقوم به ... واصبح الكل والأكوان تفخر بي
وكل معناي معناها وصورتها ... كصورتي وهي تدعى ابنتي وأبي
وفيها ما يدل على الروح الصوفية وطريقة وحدة الوجود. وذكر له صاحب الفوات أبياتاً أخرى. . .
ولما كان الغلو بدأ في زمن المترجم فسندقق النظر في هذا الغلو وتطوره. ونأتي على بقية الذرية قدر ما وصل إلينا اجتهادنا.
المحامي عباس العزاوي
آداب المائدة
-
في المجتمع عادات، يتحتم علينا مراعاتها، وكثيراً ما تكون هذه العادات مخالفة لجماحنا، ونود أن نتلخص منها، إلا أنه لابد لنا من أن نذعن لها، شئنا أم أبينا، إذا أردنا أن نكون من أبناء الأدب، ولو لم يكن ثم قواعد لآداب الاجتماع، لنتج من ذلك تراخ لا يبطئ من أن يجر وراءه انحطاطاً في التفوق وتسفلا في حسن السلوك، وتدن في التهيب، وإذا كان هناك ما يزعج أذواقنا في بعض الأحيان، فالترفع عن خسائس الأمور، يمون العوض الذي لا يقدر ولا يقابل بشىء؛ ومن بعد أن مهدنا الموضوع بهذه الكلمة، نحصر كلامنا في آداب الطعام، وكيفية السلوك بموجبها.
يحسن بالإنسان، أن يجري في أكله، كما لن كان مع رفاق، وان كان يأكل في بيته، وفي دخيلته؛ لأن العادة الرديئة إذا تأصلت في النفس، يصعب على صاحبها أن يتخلص منها. ومن منا لم يشاهد حيرة رجل من أهل البادية، إذا دعي إلى وليمة؟ فأنه يشعر باضطراب في نفسه، وكأنه قد قيد بقيد؛ إذ يعلم كل العلم أن هناك عيوناً تراقبه وتترصد؛ ولا يود إلا شيئاً واحداً، هو أن ينتهي عذابه، مع أن أمر الأكل هين؛ لكن آدابه تتطلب أصولا يجب مراعاتها إذ من الضروري أن يتصرف الآكل احسن التصرف في الملعقة، والشوكة،(9/528)
والسكين. ويجب عليه أن يقبض بيده اليمنى على كل من الملعقة والشوكة؛ والسكين؛ اللهم إلا إذا كأن بيد الآكل لحم يقطعه، فيجب عليه حينئذ أن يدير الشوكة في اليد اليسرى، والسكين في اليد اليمنى، ثم يترك السكين، ويعود إلى اخذ الشوكة باليد اليمنى، ليضع اللقمة في الفم. وإذا كان الآكل لا يريد أن يلقي الشوكة من يده، فليدفع الأكل بالسكين، ليضعه على الشوكة التي بيده اليسرى، ويدخل اللقمة في فمه، وهذه العادة كانت جارية في شمالي أوربة فقط، أما الآن فإنها أخذت تسري وتنتشر في فرنسة، وفي غيرها من الديار المتمدنة، والإنكليز إذا احتاجوا مسح سكينهم، مسحوه بخبزهم، ولا ينكر على الغير مجاراتهم في عملهم هذا. وربات البيوت لا يشكين من هذا الأمر. وتمش الأصابع بالمشوش الذي بيد كل آكل، ولا تمش أبداً بالسفرة، ويتخذ المشوش أيضاً لمش الشفتين، ويبسط بطوله على الركبتين. وبعد نهاية الطعام يلقى إلقاءً على المائدة من غير أن يطوى أبداً، ولا يحسن
بالرجال أن يعلقوه بعروة الثوب. وبعض النساء، ولا سيما أولئك اللواتي يقطعن اللحم، يثبتنه بدبوس على أحد جانبي صدرهن.
حضرت جدة ذات يوم طعاماً، كان دعي إليه كثيرون، مختلفو الأعمار والطبقات، فتبسمت الجدة في اليوم الثاني، وتشكت من أن الناس لا يأكلون كما كانوا يأكلون (في زمانها) وقالت: (إن نفراً) فقط من المدعون احترموا العادات المقبولة، لدى الأدباء الفضلاء. - فقال لها حفيداها: (يا جدة، أننا لم نطلع على شيء يؤاخذ عليه، فعلمينا بالعجل أي شئ خالف كل مدعو آداب اللياقة، لكي نستفيد من نصائحك، ونعدك وعداً صادقاً، بأننا نحافظ على السر محافظة مطلقة - فأخذت الجدة بقول:
(مد الفاضل ع. مراراً عديدة زجاجة جارته ليطلب أن يصب لها ما تشربه، وذلك منه إفراط في اللطف، والظرف، وطلب إليها أن تقاسمه فاكهة، فهذه مباسطات سيئة الذوق؛ ويجب اجتنابها، غير انه قد يتفق أن لا تكون فاكهة صحيحة كافية لجميع المدعوين، فيجوز حينئذ لامرأة أن تقطع الثمرة قطعتين، وتقدم الأكبر منهما إلى امرأة أخرى.(9/529)
(ولا جرم أن الفاضل أ. ظن في نفسه أنه في خان فمسح بكل عناية زجاجته وصحنه قبل أن يستعملهما، فهذا عمل يدل على انه يتحذر من نظافة البيت وهو الذي طلب أيضاً (لحم بقر) وسماه (مسلوقاً) و (لحم دجاج) وسماه (طيراً) و (خمر شنبانية، وخمر بردو) وسماهما (شنبانية وبدرو). يا لله! ما اشد ما كان تحسري على جارات هذا المدعو المنشرح الصدر! فقد كان كثير الحركات بيديه. ويتكلم بصوت عال، وكان يدفع بمرفقيه هذا وذاك، يميناً ويساراً، وكان يدعو الخادم فيقول له: (يا صبي) وهذه كلمة لا تستعمل إلا في مطعم.)
وكانت السيدة ق. قدمت إلى الدعوى قبل الوقت بنصف ساعة، فهذا قدوم قبل الأوان بكثير والسيدة ز. جاءت متأخرة عن الوقت بعشرين دقيقة فهذا إفراط في التعوق، إذ من الحسن أن يأتي الإنسان بعشر دقائق، بل بخمس دقائق، قبل الوقت المعين في رقعة الدعوة. - ولما نهضت السيدة ب. من المائدة كان قد بقي في زجاجتها شئ من الخمر، وبجانب صحنها شيء من الخبز: فطلب المرء مأكولا، أو مشروباً، فوق ما يحتاج إليه، يعد إسرافاً وتبذيراً؛ فلا يحسن أن تكون العينان أوسع من (المعدة!).
والآنسة ف. كانت منحرفة المزاح، وكان يحسن بها أن تقرع البيضة البرشت، قرعات
صغيرة بالملعقة الصغيرة، أو بشوكتها لا بالسكين. وكان عليها أيضاً أن تسحق القيض بدل أن تبقيه على حاله. وقبل أن تنهض من المائدة غلطت في أنها طوت مشوشها، والمشوش لا يطويه إلا صاحب البيت في بيته، أو في بيت الغير، إذا كان المدعو يعود إلى البيت مراراً كثيرة، الكرة بعد الكرة.)
وكان لطالب العلم هـ. مشتهى هيجه المشي. فكان يأكل بجشع عظيم؛ ويتكلم في حين كان فنه مملوءاً طعاماً، وكان يسمع صوتاً بشفتيه. وكان على ملبوس جارته آثار قله نباهته، وقلة نظافته. وظهر لي أيضاً انه كان يتخير بدقة احسن اللقم التي كانت في الصحن الذي كان يطاف به على المدعويين. وادخل(9/530)
إصبعه مراراً عديدة في المملحة ليقبض منها ملحاً. وكان يحسن به أن يأخذ الملح برأس شفرة سكينه، بعد أن يكون مسحه مسحاً نعماً، إذا لم يكن وقتئذ ملعقة صغيرة.)
وكان للآنسة اللطيفة ر. هيئة بدل على تغاض، فكانت تترجح، أو تعتمد على متكأ كرسيها، وتأكل بأطراف شفتيها، كأن هذا العمل يقرب كل القرب من المادة؛ بل رأيتها مرة أو مرتين، تظهر حركات تدل على احتقار، حينما كان يقرب إليها بعض الألوان. والآداب تمنع الناس من أن يقولوا، أو يظهروا ما يجول في خاطرهم، بخصوص طعام سيئ أو لا يوافق الذوق، وقد عجبت كل العجب من أني رأيتها (تجمع) مرق صحنها بقطعة خبز، ولو كانت امتنعت من هذا الفعل، لكان ذلك أعلى قدراً لها. وما كان يجدر بها أيضاً أن تقطع خبزها بالسكين، بل بانامالها، أو أن تجذبه قطعاً ببنانها، إما إذا كان الخبز بائتاً وكان الأكل في البيت، فيجوز قطعة بالسكين.
(وكان يجمل بصديقتكما الآنسة لورة. أن يبرد حساؤها قبل أن تأكله ولا تنفخ عليه، وكذلك ما كان يحسن بها أن تمد حلوى على خبزها، إذ لا يمد على هذا النحو إلا الزبد عند شرب الشاي.)
(وكان المزارع الفاضل م. س. حائراً في أمر العظام التي كانت تتراكم في صحنه، ولا احلف بأنه كثيراً ما أراد التخلص منها بان دسها مراراً عديدة تحت المائدة. كما كان يفعل في بيته. وقد اخذ من الصحن الطعام بشوكته الخاصة به. عوض أن يأخذ منه بواسطة شوكة الصحون. وقد اخذ حساء بالملعقة والشوكة، والشوكة هنا زائدة، ووضع على المائدة
بدل زنديه طلباً لراحته، وصب من فنجانه قهوة في الصحفة بحجة تبريدها؛ وهذه عادة شائنة. وفي الآخر، قبل أن يغادر المائدة ملا جيوبه (مصقولا) و (معجنات) ولا جرم انه يعطبها ابنته الصغيرة، فهذا عمل يدل على حسن قلبه، لكنه يدل أيضاً على سوء أدب في نهاية القبح.)
وقد أنست الآنسة ج. بكسر نوى الأثمار إظهاراً لحسن أسنانها. وهذا عيب، لأنه لا يجوز كسر نواة، كما لا يجوز اخذ الخبز بالأسنان، ولا(9/531)
الكمثراة ولا التفاحة، وكان يجب عليها أن تستعجل قليلا في أكلها، لان صاحبة البيت انتظرت أن تفرغ من أكلها، لكي ينهض الجميع، وتعطي إشارة ترك المائدة.)
والسيدة ت. جلست إلى المائدة في محل لم يعين لها. وذهبت بعد الطعام بعشر دقائق، وهكذا أخلت بالأدب مرتين، لان صاحبة البيت هي التي تعين موطن الجلوس لكل واحد. ومن اللائق أن يبقى الإنسان لا اقل من ساعة مع المدعون قبل أن يغادر البيت).
تعريب ماركريت بشارة في مدرسة الراهبات المركزية في بغداد
برج عجيب في أدب
بينما كان المنقبون جادين في تنقيباتهم وقفوا على برج مساحته ثمانية أمتار قائم على أطلال حديثة ولا يزال شاخصاً من طبقته السفلى قدر متر ونصف؛ ولما حفروا منفذاً تحت الأرض من أحد أطرافه، وجدوا جداراً سمكه نحو متر وهو مبني معترضاً بالكلس والآجر المسنم. أما داخل، فكان مشيداً باللبن، وفي الزاوية الشرقية من دكة البرج السفلى، كان عرض الفسحة هناك مترين، وطولها ثمانية أمتار، ولم يتيسر للمنقبين أن يمعنوا في التنقيب ويدرسوا الغرض من تلك الفسحة، وكان سطحها الأعلى مغشى بطبقة من الخمر، وعندما أزالوا تلك الطبقة وجدوا تحتها شقفة صغيرة محفوراً عليها اسم بركي - ملك كيش، وأصابوا في زوايا البرج وبين أطرافه نخاريب صغاراً عماقاً متخذة من الآجر. ثم أزالوا ما فيها من الرمل المتراكم طمعاً في أن يجدوا فيها اسطوانات مكتوبة؛ فخاب أملهم، إذ لم يقفوا إلا على شقفة من إناء حجري بسيط كان في أحدها. بيد أنهم عثروا في إنقاص هذا الهيكل على آثار آخر نفيسة جداً، وكان عددها عظيماً، بحيث يقع وصفها في فصل قائم(9/532)
برأسه. وهذه اللقى الثمينة عرضت عن الاسطوانات المنشودة. ومما يجدر ذكره أن تمثال الملك دا أودو (داود) المعدود من اقدم التماثيل في العالم، وجد هناك فضلا عن شظايا تماثيل أخر وكانت خزانة ذلك الهيكل القديم مملوءة كنوزا تعد من انفس الآثار من تلك الآثار التي كشفت النقاب عن تاريخ هذه البلاد، وأهلت المنقب للاطلاع على صنائع سكانها الأقدمين وآدابهم وفنونهم وصنائعهم.
لم يكن البرج قائماً وحده على مصطبة الهيكل، بل وجد على جانبه كثير من المباني مشيدة بالآجر، لم تزل جدرانها منتصبة إلى علو بضع اقدام؛ ولما أزال المنقبون النفايات من الغرف، لم يجدوا أثراً ينبئهم عن الغرض من بنائها وقد ساد على ظنهم أنها بنيت في عصور متأخرة لغايات دينية.
أصاب الباحثون غرفتين في طرف مصطبة الهيكل القائم إلى جنوبي الزاوية، وكانتا من شكل وحجم واحد، وكلتاهما اتخذتا لغرض واحد في أزمنة مختلفة. ويهب معظم الأثريين إلى أن إحراق جثث الموتى لم يكن عادة شائعة عند البابليين القدماء، بيد أني اذهب إلى أن
هاتين الغرفتين اتخذتا لهذه الغاية، ولم تتخذ أبداً لإحراق جثث الحيوانات وتقديمها إلى الآلهة قرباناً وضحية على ما يزعم بعضهم.
كانت أول الغرف الخارجية قائمة الزوايا، وقيس طولها فكان ستة أمتار و 30 سنتيمتراً في عرض أربعة أمتار و20 سنتيمتراً. وكان عمقها تحت سطح دكة الهيكل متراً و9 سنتيمترات، وفي داخل هذه الغرفة غرفة أخرى بيضية الشكل، وكان سمك جدارها 60 سنتيمتراً، وهي مشيدة بالآجر المسنم وإلى الطرف الجنوبي الشرقي من هذه الغرفة البيضية كانت دكة اهليليجية طولها متران و 3 سنتيمترات في عرض متر و 7 سنتيمترات مفروشة بالآجر، وفي هذه الغرفة حفر مقيرة.
وكان متصلا بالطرف الجنوبي الشرقي غرفة مربعة وأرضها أوطأ من مستوى الدكة الاهليليجية بقليل وفيها أتون ومدخنة يؤديان إلى الدكة المذكورة. وقد دل آجرها على أن الحرارة بلغت اشدها وكانت الجثة المهيأة للإحراق تنقل إلى(9/533)
مسلك ضيق فتوضع على الدكة البيضية فيجتاز لهب الأتون المدخنة فتحرق الجثة وتصيرها رماداً، وكان الدخان يخرج متصاعداً من منفذ في أعلى السطح المعقود بالأجر. ورماد الجثة بعيد عن رماد الحطب، فلا يختلطان، فيرفع الأول ويوضع في قوارير كبيرة بمنزلة مدفن لها، كما ذكر في أمر الخابئتين، فإن لم يدفن الرماد بهذه الصورة يلقى حينئذ في الحفرة السفلى، فيحفظ فيها بمنزلة رفات. وقد أزال النقابون من إحدى تلك المحارق الرماد المتكدس منذ قرون.
الريازة عند الشمريين
ذهب فريق من الأثريين منذ زمن طويل إلى أن العقد والقبة مأخوذان من الرومان. ولكن عثور المنقبين على عقود كاملة البناء من الآجر المسنم في فارة. وتلو، ونفر يقضي على ذلك المذهب قضاءاً مبرماً، إذ أن الغرفة البيضية الشكل المعدة لإحراق الجثث وجدت معقودة بالآجر، ولم تزل آثارها ظاهرة للعيان حتى اليوم في هيكل بسمى. والمكشوفات التي توصل إليها علماء الآثار في بابل وقفتهم على فن هندسة البابليين القدماء، وأنبأتهم بأنهم كانوا مشغوفين ببناء العقود والقباب منذ ستة آلاف سنة كما هو العادة اليوم في بناء الدور والسردايب في العراق وفي سائر ديار الشرق.
لما نقل الحفارة، ما في حفرة المحرقة الأولى ظهر بضع قطع من التماثيل الحجرية
البيض. أما نفس ما وجد في حفرة المحرقة الثانية فرأس تمثال مصنوع من المستماز الأسود، طوله من العنق المقطوعة إلى أعلى الرأس 15 سنتمتراً وقد محي وجهه وملامحه بضربة أصابته من آلة قاطعة حادة ذهبت بمحاسنه، بيد أن رأسه المستدير الأصلع كان كاملا، وهذا الرأس يماثل في المادة والشكل والصناعة تماثيل جودياء في تلو (تل هوارة).
خصائص ملوك عصر الآجر المسنم
خلف ملوك عصر الهيكل المشيد بالآجر المنسم، خمسة عشر ملكاً أو اكثر وهم الملوك الذين اتخذوا في عمارتهم الآجر الرقيق المخدد المستطيل. وكان اسم أحدهم بركي، ملك كيش المار ذكره، واغلب أولئك الملوك كانوا يعيدون بناء الهيكل القديم أو يرممونه. وقد شيدوا بعض الغرف على طول الجهة الشمالية(9/534)
الشرقية من الدكة، وفرشوا أرضها بالآجر المخدد، وأقاموا على سطحها القني والمجاري، ورمموا ظاهر المحرقة.
واشهر الملوك الذين اهتموا بتجديد الهيكل، وعنوا بتشييد مباني أخر كان الملك علم الآجر بثلاثة أخاديد متآزية. ولم يزل اسم ذلك البناء العظيم مجهولا. إذ لم يتيسر لأحد النقابين العثور على عادية تميط اللثام عن وجه هذه المسالة.
ووجد الحفارون بالقرب من الطرف الجنوبي الشرقي من الدكة. مدخل باب غرفة قديم، وبقي منه قطعتان منحوتتان من حجر، لونهما وردي خفيف وفوقهما قائم ثغرة باب. وفي نقرة مدار الباب عضادة من خشب تدار فتتحرك وقد صنع مفصل هذا الباب (نرماذجته) بغاية الإتقان، وصقل وركب في الثغرة ولا اثر للكتابة فيه ويحتمل أنها اندرست لطول عهدها.
شرع سرجون ونرام سن في بناء الهيكل بعد البنائين الأولين، وقاما بترميمه وتوسيعه. يثبت ذلك ثبوتاً بيناً، آجر سرجون الكبير المربع، وذهب نرام سن إلى أن الترميمات التي قام بها هو وسرجون كانت طفيفة جداً، ويكاد يكون لا اثر لتجديد المباني في عصريهما، لأن الملك أور ننجور، استأصل كل ما قاما به من ترميم وتجديد، لما تبوأ عرش الملكة، ويعد آنجور ودنجي من اعظم الملوك همة في تشييد المباني والهياكل، والمعابد في ديار بابل؛ فان الآجر المنسوب إليهما يكاد يرى في معظم أنقاض المباني القديمة. كما أن آجر نبو كدر اصر مبثوث بين بقايا المدن والقصور والعمارات التي قام بتشييدها في عصره.
إن هذين الملكين لما أعادا المباني في أدب لم يتعرضا لتغيير الدكة الواسعة الأطراف بل صانها وأبقياها على حالها الأول على حد ما شيدها البناؤون القدماء غير انهما وسعا ساحة البرج المبنية بالآجر المسنم، توسيعاً كبيراً. فانهما جعلا عرض كل من جوانبها 20 متراً، بعد إن كان 8 أمتار؛ وقد حافظا على هيئة بناء البرج القديم، فكان جداره الظاهر مشيداً بالآجر؛ أما باطنه فكان باللبن، وسقط بعض الآجر من طبقة البرج العليا في الزاوية الجنوبية، وهذه الآجرات وقفت الأثريين على عدد طبقات البرج ومبلغ ارتفاعه، والآجر(9/535)
المكتوب المشيد في وجه الجدار، كشف الغطاء عن أسماء البنائين، وفرق بين عمل الواحد وعمل الأخر وميزها بفروق ظاهرة.
ووجدت قساطل مربعة مصنوعة من الآجر بقرب الزاويتين الواقعتين في الشمال والجنوب، ولا اثر فيها للكتابة وهي مغشاة بالجمر، وقد اتخذت قنيات لجر ماء المطر من أرض طبقة البرج الأولى. ويرى في الزاوية الغربية غرفة صغيرة مكتظة بالقساطل، فعثر فيها النقابون على شقف عديدة من إناء بهيئة زورق.
ولقد محت الطوارئ الطبيعية كالمطر والشمس والرياح آثار مجددي بناء الهيكل ومرمميه في القرون الأخيرة. ولم تترك أثراً شاخصاً يستدل به على أولئك الملوك البنائين. فقد ورد في الرقم المسمارية التي كشفت مع شريعة حمرب، هذا أن الملك بنى الهيكل والمدينة، ولعل المراد بذلك ترميمها أو إعادة بعض المباني فيهما. لان النقابين لم يعثروا في هيكل أدب على صحيفة آجر تؤيد ما ادعاه الملك حمرب، ولعل التنقيبات المقبلة في أنقاض (بسمى) تكشف النقاب وتزيل الاتهام عن هذه المسألة المهمة في نظر الباحثين المحققين.
أما الآجر المنسوب إلى الملك كوريجلزو الذي كشف في أنقاض أخربة أخر فيشير إلى انه أحد بنائي الهيكل. ويظهر أن مدينة أدب فقدت بعدئذ مركزها الديني والأدبي الأول، فأهملها الملوك، ولم يعودوا إلى الاهتمام بأمرها فأصبحت نسياً منسيا، إذ أن الملكين العظيمين: آشور بنيبل ونبو كدراصر كانا من المولعين بإعادة بناء الهياكل القديمة في الجنوب، وذلك لم يكترثا مدينة أدب ولم يلتفتا إلى هيكلها، ولا إلى مقام المعبودة نن هرسج (سيدة رأس الجبل).
لقد أصبحت هذه المدينة بعد أن تخلى عنها الملوك الأشداء، مأوى لبنات آوى، ومسرحاً
للذئاب. ومربضاً لسائر الأوابد بل هجرها أعراب البادية، لأنها أمست قفراً اجر، ولا اثر للماء والحياة فيها.
رزوق عيسى(9/536)
فوائد لغوية
نقد تاريخ الأدب العربي
- 5 -
تاريخ (أما بعد)
ونقل في ص 19 بترجمة قس بن ساعدة (ويقال أنه أول من خطب على شرف واتكأ على سيف وقال في خطبه: أما بعد) قلنا: وكذلك نقل عبد القادر البغدادي من كتاب المعمرين لأبي حاتم السجستاني انه أول من آمن بالبعث من أهل الجاهلية، وأول من توكأ على عصاً وأول من قال: أما بعد، وأول من كتب: من فلان ابن فلان (ولكن نقل السيوطي من آمالي ثعلب (حدثنا عمر ابن شيبة، حدثنا إبراهيم، حدثنا عبد العزيز بن أبي ثابت، حدثنا محمد بن عبد العزيز عن أبيه عن أبي سلمة ابن عبد الرحمن قال: أول من قال (أما بعد) كعب بن لؤي وهو أول من سمى يوم الجمعة الجمعة وكان يقال له العروبة.) فهذه الرواية أقوى من تلك، وكعب بن لؤي اقدم من قس كثيراً وهو الجد السابع لرسول الله - ص - فهو ابن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي ابن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي وإذا تعارضت روايتان في مثل هذا فالقدم أولى من الحداثة.
أمن شعر قس هذا؟
وقال في ترجمة قس بن ساعدة المذكور بصفحة 20 (ومن شعره قوله يرثي أخوين له وقف على قبريهما بدير سمعان:
خليلي هبا طالما قد رقدتما ... أجدكما لا تقضيان كراكما
ألم تعلما أني بسمعان مفرد ... وما لي فيه من حبيب سواكما(9/537)
أقيم على قبريكما لست بارحاً ... طوال الليالي أو يجيب صداكما
جرى الموت مجرى اللحم والعظم منكما ... كأن الذي يسقي العقار سقاكما
فلو جعلت نفس لنفس وقاية ... لجدت بنفسي أن تكون فداكما
سأبكيكما طول الليالي وما الذي ... يرد على ذي عولة أن بكاكما؟
ووردت نسبته كذلك إلى قس في (1: 369) من خزانة الأدب، ثم قال في ص 373 (أورد أبو تمام في الحماسة هذه الأبيات على غير هذا النمط وقال: ذكروا أن رجلين من بني أسد خرجا إلى أصبهان فآخيا بها دهقاناً في موضع يقال له (راوند) فملت أحدهما، وبقي الآخر، والدهقان، يندمان قبره ويشربان كأسين ويصبان على قبره كأساً فمات الدهقان؛ فكان الأسدي ينادم قبريهما ويشرب قدحاً ويصب على قبريهما قدحين ويترنم بهذا الشعر: خليلي هبا طالما. . . وروى الأصبهاني بسنده إلى يعقوب بن السكيت أن هذا الشعر لعيسى بن قدامة الأسدي، قدم قاشان وله نديمان فماتا، فكان يجلس عند قبريهما، وهما براوند، بموضع يقال له (خزاق) فيشرب، ويصب، على القبرين، حتى يقضي وطره، ثم ينصرف وينشد، وهو يشرب، وروى ما رواه أبو تمام وزاد عليه) فالذي رواه أبو تمام:
ألم تعلما ما لي براوند كلها ... ولا بخزاق من صديق سواكما؟
أصب على قبريكما من مدامة ... فإلا تنالاها تروجناكما
جرى النوم بين الجلد واللحم منكما ... كأنكما ساقي العقار سقاكما
وزيادة الاصبهاني:
تحمل من يبقي العقول وغاروا ... أخالكما أشجاه ما قد شجاكما(9/538)
وأي أخ يجفو أخاً بعد موته؟ ... فلست الذي من بعد موت جفاكما
أناديكما كيما تجيبا وتنطقا ... وليس مجاباً صوته من دعاكما
قضيت باني لا محالة هالك ... وأني سيعروني الذي قد عراكما
قال عبد القادر: (وروى الاصبهاني أيضاً بسنده إلى عبد الله ين صالح البجلي أنه قال: بلغني أن ثلاثة نفر من أهل الكوفة كانوا في الجيش الذي وجهه الحجاج إلى الدليم وكانوا يتنادمون ولا يخالطون غيرهم وانهم لعلى ذلك إذ مات أحدهم فدفنه صاحباه فكانا يشربان عند قبره فإذا بلغه الكأس هرق على قبره وبكيا ثم أن الثاني مات فدفنه الباقي إلى جنب صاحبه وكان يجلس عند قبريهما فيشرب ويصب كأسين عليهما ويبكي ويقول - ثم ذكر الأبيات التي تقدم ذكرها - وقال: خزاق مكان براوند بقزوين، قال: وقبورهم هناك تعرف بقبور الندماء، قال الاصبهاني: وذكر العتبي عن أبيه أن الشعر للحزين بن الحرث أحد بني عامر بن صعصعة وكان أحد نديميه من بني أسد والآخر من بني حنيفة، فلما مات
أحدهما كان يشرب ويصب على قبره ويقول:
لا تصر دهامة من كأسها ... واسقه الخمر وان كان قبر
كان حراً فهوى في من هوى ... كل عود ذي شعوب ينكسر
ثم مات الآخر فكان يشرب على قبريهما ويقول: خليلي هبا. . . وأما أبو عبيدة في معجم ما أستعجم وياقوت في معجم البلدان فقد نسبا هذه الأبيات للأسدي (أي عيسى بن قدامة المتقدم الذكر) وذكرا حكايته كابي تمام. ثم قال ياقوت: وقال بعضهم: إن هذا الشعر لقس بن ساعدة في خليلين كانا وماتا. وقال آخرون: هذا الشعر لنصر بن غالب يرثي به أوس بن خالد وزاد في الأبيات ونقص. . .) أهـ كلام البغدادي - رحمه الله - وهو غاية في التحقيق، فإسناد الأبيات إلى قس على طريقة الإيمان والإيقان ليس على شيء من التحري في الرواية ولا على شفاً من التمحيص ولا بعد الفتن، فالأولى للأستاذ الزيات أن يذكر هذه الأبيات في معرض اضطراب الرواية للشعر العربي واختلاف الرواة لا غير.
دين عمرو بن معد يكرب الزبيدي
وقال في ص 21 بترجمة عمرو بن معد يكرب الزبيدي وهو يعني عمراً(9/539)
(ولكن قلباً شاب في الجاهلية الجهلاء؛ ورتع في الدماء والاشلاء، واستهتر في اللهو والصهباء، لا يقبل على الدين بإخلاص وصدق فارتد بعد إسلامه، ثم رجع إلى الحق وجاهد في الله حق جهاده). ونحن لا نرى لهذا التعليل وجاهة لان كثيراً من أصحاب الرسول الصالحين كانوا قد شابوا في الجاهلية الجهلاء، واستهتروا باللهو والصهباء، وألفوا الدماء والاشلاء، أفلم يقبلوا على الإسلام بإخلاص ولا بصدق؟ فالزيات نفسه قال عنه: (لقي النبي - ص - لدى منصرفه من تبوك سنة تسع من الهجرة فاسلم هو وقومه) فهو قد دخل في الإسلام مختاراً لا مضطراً، ويظهر لنا انه كان في وفد مذحج على النبي - ص - وكان سيد الوفد ظبيان بن حداد في سراة بني مذحج ولم يرتد هو وحده حتى يصح في حاله ذلك التأويل وإنما ارتدت مذحج وهو فرد منها. وذلك أن رسول الله - ص - أمر على مذحج فروة بن مسيك المرادي فأساء السير ونابذ عمراً هذا ففارقه في كثير من قبائل مذحج، فاستجاش فروة رسول الله - ص - وعليه وعليهم، فأرسل خالد بن سعيد بن العاص وخالد بن الوليد بعده في سرية وفي سرية ثانية وعلي بن أبي طالب - ع - في سرية ثالثة وكتب إليهم: (كل
واحد منكم أمير من معه فإذا اجتمعتم فعلي أمير الكل) فاجمعوا بموضع من أرض اليمن يقال له (كسر) فاقتتلوا هناك وصمد عمرو بن معد يكرب لعلي - ع - وكان يظن انه لا يثبت له أحد من شجعان العرب فثبت له علي - ع - وعلا عليه ورأى عمرو منه ما لم يكن يحتسبه فأقلت من يده بجريعة الذقن وفر هارباً ناجياً بنفسه بعد أن كاد علي يقتله وفر معه رؤساء مذحج وفرسانهم وغنم المسلمون أموالهم وسبيت ذلك اليوم ريحانة بنت معد يكرب أخت عمرو فأدى خالد بن سعيد بن العاص فداءها من ماله.
مصطفى جواد(9/540)
باب المكاتبة والمذاكر
أنظرات أم كبوات؟
صديقنا الفاضل مصطفى جواد مغرم بالنقد. ما يصدر جزء من مجلة لغة ما يصدر جزء من مجلة لغة العرب الغراء. إلا وهو طافح بطائفة من نقوده. فهو من المجاهدين في سبيل اللغة والنحو، وقد استل سيف نقده يميناً وشمالاً. والحق يقال انه كثير الإصابة في ما يعود على اللغة والنحو، وقد يخطئ أحياناً، فيعود فيستغفر الله، ويصحح خطأه بنفسه؛ وقد يصححه له الأب الجليل، صاحب هذه المجلة فيقبله شاكراً كما وقع له في (ألقت) و (الفث)، والجهاد فضيلة، والاعتراف بالخطأ فضيلة مثله، ولكن غرام النقد، قد يسوقه إلى نقد ما هو خارج عن اختصاصه. ولا بد من زلل المرء، إذا تصدى للبحث في ما لا وقوف له عليه. صحح في مقالة (ذم القواد) التي نشرتها في الجزء الأول من السنة التاسعة من هذه المجلة، بضع كلمات، رأيناه مصيباً فيها فشكرناه عليها، ووجدناه بعيداً عن الإصابة في بعضها، فأبى إلا أن يرفضها علينا فرضاً. وكتب في (9: 373) كلاماً في ذلك ينم على ضيق صدر.
تمثل بالآية الكريمة: (وكان الإنسان اكثر شئ جدلا) عند رفضي تبديل كلمة (برود) الواردة في عبارة: (واجل رمص الغفلة ببرود اليقظة) بكلمة (مرود)، وينسى أن قسماً كبيراُ من أجزاء لغة العرب مملوء بجدله، وبألف استشهاد بابن أبي الحديد، ومن لطف المولى، أن الذين يصوب إليهم سهام جدله، لا يلتفتون إلى أقواله، ولو أجابوه عليها لضاقت المجلة بالجدل، ولاقتضى تسميتها (مجلة الجدل). أما أنا فلسوء حظي أراني مضطراً إلى أن أبين له مرة ثانية. إن ما من عاقل ولا مجنون يزيل الرمص بالمرود. إنما يزال بمحلول مطهر، أولا اقل من أن يغسل بالماء، وأم القصد من جلاء الرمص.(9/541)
جلاء العين الرمضاء، حتى تشفى، فلا يعاودها الرمص، وإن الجلاء اصطلاح طبي، أراد به الأطباء القدماء خاصة من خواص بعض الأدوية. هذا ابن سينا في الجزء أول من قانونه (طبعة دار الطباعة المصرية ص 232 فما بعدها) يذكر أفعال الأدوية فيقول: (الدواء الملطف، والمحلل، و (الجالي)، والمخشن، والمفتح، والمرخي، والمنضح،
والهاضم، وكاسر الرياح، والمقطع، والجاذب، واللاذع، والمحمر. . .) الخ. فترى انه ذكر بين الأدوية الدواء الجالي. وهذا علي بن العباس المجوسي، يذكر في كتابه كامل الصناعة الطبية (ج2 ص 596 دار الطباعة المصرية) صفة كحل ويقول (برود جلاء مقو للعين. يؤخذ نشادر أربعة دراهم صمغ عربي، درهمان أسفيداج الرصاص، وإقليميا الفضة، وأثمد من كل واحد درهم، يدق الجميع ناعماً وينخل بحريرة، ويرفع في إناء ويستعمل عند الحاجة) أهـ أفبعد هذا يسوغ لمدع أن ينسب الجلاء للمرود؟ ولا ننس أن المقال في الرسالة المذكورة ورد على لسان كحال. وقال المصطفى عن ابن فارس ما مؤداه: لماذا قال كذا في تعريف الصفاق ولم يقل كذا، إن قوله ينطبق على حالة كانت، ولا تزال جارية في مدارس الجوامع، حيث يقعد المدرس على الحصير وحوله طلابه، بأيديهم الشروح، والحواشي؛ وحواشي الحواشي، والتعليقات على الحواشي. واكثر شروحهم يقال أقول على تعبيرهم، وفيها الشيء الكثير من الاعتراض على عبارة المتن؛ فيقولون لماذا قال كذا، ولم يقل كذا، ولو كان المعنى مفهوماً. فيصرفون أوقاتهم بهذه الاعتراضات الفارغة التي ليس من ورائها سوى إضاعة الوقت.
ولكن صاحبنا مغرم بالنقد. كما أسلفنا. راجع أجزاء المجلة، تجده متعرضاً لهذا وذاك، ومستشهداً دوماً بابن أبي الحديد، حتى كأنه قد استظهر كتابه، ولكنه من الجهة الأخرى ينسى ما هو نصب عينيه كل يوم. ينسى أن العلم العراقي علم دولته، وشعار أمته، مؤلف من أربعة ألوان. فيعمد لنظم أبيات يسميها (تحية العلم العراقي) بقصد تعليمها (للصف الرابع الابتدائي) كما ذكر وينشرها في هذه المجلة (9 - 412). يذكر فيها من ألوان العلم العراقي: الأحمر والأسود(9/542)
والأبيض وينسى الأخضر. وليس هذا خطأه المضحك المبكي الوحيد في هذه الأبيات فانه نسب الألوان إلى غير من تنسب إليهم. نسب الأحمر لبني أمية حال كون شعارهم الأبيض؛ ونسب للفاطميين البياض، حال كون شعارهم الأخضر. أهكذا تعلم الصبيان؟ ألم يرقع رأسه يوماً من الأيام ويرى ألوان العلم العراقي الذي يرفرف فوق المدرسة الابتدائية التي يدرس فيها؟ فان قال قائل انه لم يذكر الأخضر لان الوزن والقافية لم ينقادا له لحداثة عهده بالنظم. قلنا: أما كان الأجدر به حين ذاك أن يمزق ما كتبه، ويتحاشى نشره في الصحف السيارة، وتلقينه للصبيان. ثم ماذا نقول عن نسبته الألوان
لغير أهلها؟
على أننا نكبر في صديقنا المصطفى، جده، واجتهاده، وكثرة مطالعته، وتنقيبه. ولكن الجواد قد يكبو، اللهم سدد خطانا واهدنا صراط الصواب.
الدكتور داود الجلبي
بعض مستندات عبد الحميد بن أبي الحديد في شرحه لنهج
البلاغة
هذا الشرح محتو على (2177) صفحة بقطع الربع الكبير، أكثرها بالحرف الدقيق جداً، وهذه بعض مستنداته:
شرح نهج البلاغة لسعيد بن هبة الله المعروف بالقطب الراوندي، فضائل الإمام علي - ع - لأحمد بن حنبل - رض - الصحاح الستة واكثر كتب الفقه في المذاهب، تاريخ الأشراف للبلاذري، المقالات لأبي القاسم البلخي، شرح المقالات لقاضي القضاة أبي الحسن عبد الجبار بن احمد البصري، كتاب (ايسطا) لزردشت، وقعة الجمل لأبي مخنف لوط بن يحيى، كتاب صفين لنصر بن مزاحم، الكفاية في علم الكلام لابن متوبه، مقاتل الطالبيين والأغاني الكبير(9/543)
للاصفهاني، حيلة الأولياء للفضل بن دكين أبي نعيم، كتاب الإنصاف لأبي جعفر بن قبة. الاستيعاب في معرفة الصحاب لابن عبد البر، المنتظم لأبي الفرج عبد الرحمن بن علي الجوزي، تاريخ أبي الحسين الصابئ، تاريخ غرس النعمة ابنه، كتاب المعتبر لأبي البركات بن ملكا البغدادي، كتاب الآراء والديانات للحسن بن موسى النوبختي، آمالي محمد بن حبيب، جمهرة النسب لابن الكلبي، المعارف لابن قتيبة، غريب الحديث له، عيون الأخبار له، أدب الكاتب له، كتاب الغارات لإبراهيم بن هلال الثقفي، كتاب المثالب لأبي عبيدة، كتاب المقالات لأبن الهيصم، كتاب التصفح لأبي الحسين الخياط، كتاب صفين لابن ديزيل إبراهيم، كتاب صفين للواقدى، كتاب التاج لابن الراوندي، تاريخ أبي جعفر محمد بن جرير الطبري المجتهد، كتاب الأوائل لأبي هلال العسكري الخراج لقدامة بن جعفر، تكملة الدرر والغرر للمرتضى. ربيع الأبرار للزمخري، الكشاف له، صحاح الجوهري، العين للخليل، تنزيه الأنبياء والأئمة للمرتضى،
الشافي له، تفضيل علي لأبي جعفر الإسكافي، الأمثال للمدائني. آمالي أبي احمد العسكري، المثل السائر لابن الأثير الجزري، الفلك الدائر على المثل السائر للشارح نفسه، العبقري الحسان له، الأمثال لمؤرخ بن عمرو السدوسي، البيان والتبيين للجاحظ، العثمانية له، العباسية له، الحيوان له، مفاخرات قريش له؛ المغني لقاضي القضاة عبد الجبار المذكور، أمالي أبي بكر بن دريد، كتاب فلسفة محمد بن زكريا الرازي، خطب ابن نباتة، خطب ابن الشخباء العسقلاني؛ التاج لأبي عبيدة، المستبشر لمحمد بن جرير الطبري الشيعي لا المجتهد، الكامل للمبرد، الكامل لابن الأثير علي، الموفقيات للزبير بن(9/544)
بكار السقيفة لأبي بكر احمد بن عبد العزيز الجوهري، تاريخ أبي بكر بن كامل الرسالة المقنعة للمفيد محمد بن النعمان؛ الإرشاد له، التكملة لأبي علي المغازي للواقدي، المغازي لمحمد بن اسحق، التذييل على نهج البلاغة لعبد الله بن إسمعيل الحلبي المنهاج لابن جزلة الطيب، حلية العلماء للشاشي، الغرر لأبي الحسين الخياط، اليتيمة لابن المقفع، تاريخ احمد بن طاهر، غريب الحديث لأبي عبيد القاسم بن سلام، رسائل الصابئ، آراء العرب ودياناتها لأبي عبد الله الحسين بن محمد بن جعفر الخالع. الإكمال لابن ما كولا، ملح الممالحة لابن ناقيا، إحياء العلوم للغزالي طبقات الشعراء لمحمد بن سلام الجمحي، طبقات ابن اسعد، أخبار عمر لابن الجوزي صاحب المنتظم، كلام على لابن العباس يعقوب ابن أبي احمد الصيمري طبقات الشجعان ومقاتل الفرسان لأبي عبيدة، الاشارات الإلهية لابن سينا الإشارات الإلهية لأبي حيان، تقريط الجاحظ له، الحاوي للماوردي، نقض العثمانية لأبي جعفر الإسكافي، تاريخ ابن عرفة نفطويه، مثالب العرب للهيثم ابن عدي، الرسالة للقشيري، البصائر له، الأحداث للمدائني، شرح المزني لطاهر الطبري، أمالي أبي بكر بن الانباري، الأنساب لأبي عبيدة؛ زيادات كتاب السقيفة للجوهري صاحب السقيفة نقض السفيانية على الجاحظ لأبي عبد الله البصري، نشوار المحاضرة للقاضي التنوخي، (وقد ذكره صاحب لغة العرب 8: 351 إلى 355 و767 إلى 773) أدعية الصحيفة، ديوان الشريف الرضي، الحماسة لأبي تمام، نثر الدر في التاريخ للابي، الشورى للواقدي، النكت للنظام المتكلم، الشفاء لابن سينا، الاصحوبة له، الذريعة للمرتضى، مروج الذهب للمسعودي،، الآثار الباقسة للبيروني، المونق للمرزباني، أخبار صفين لابن الكلبي، تفسير
القرآن للثعلبي، كتاب العالمين لأبي جعفر محمد بن الحسين(9/545)
الصنعاني صاحب زيج الصفائح، طبقات المعتزلة لقاضي القضاة، آمالي ثعلب؛ مقتل عثمان للمدائني، تواريخ الأمم لحمزة بن الحسن الأصفهاني.
مصطفى جواد
(لغة العرب) اعتبرنا دائماً شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد من أنفس الأسفار العربية، فهو ديوان شعر ونثر وأدب وأخبار وتاريخ وتراجم وبلدان، فهو وحدة خزانة قائمة بنفسها، يستغني به عن كتب عدة لا تحصى.
رومية المدائن هي سلوقية
إن كلامكم المنقول في (9: 466 467) من المجلة يؤيد أن رومية هي سلوقية، والغريب فيه قول ياقوت: (وعرب: وه جنديو خسره على رومية) فهذا قول مضحك جداً، يبين عن مبالغة المتكلفين لاحتمال التعريب والحقيقية أن العرب ظنوا أن الاسكندر بناها وهم يعدونه من الروم لا من اليونان، قال الجوهري في المختار: (وذو القرنين لقب اسكندر الرومي). فسموا المدينة (رومية) نسبة إلى الذي عدوه من الروم.
ورومية تسمى اليوم (تل عمر) وقد حفرت عن آثارها (جماعة متأثرة) رئيسهم المستر (واترمان) من أساتذة جامعة ميشيغان، فعثروا في سنة 1928 على مبان يونانية تدل على مدخل المدينة شلوقية، ووجدوا كتابة يونانية أيضاً. ومشاعل؛ وكان الحفر في الجانب الغربي من الهور المقابل لسلمان باك، وكان الهور مجرى دجلة القديم. والمدخل الذي كشفوا عنه، هو أحد أبواب سلوقية وهذه الكتابة اليونانية المشار إليها نفت زعم البعثة الألمانية - الجاثية إلى تل عمر، سنة 1918، ورئيسها يوليوس يوردان واوسكار رويتر - إن دجلة مرت بين أطلال طيسفون، فانقسمت إلى قسمين: قسم في الضفة اليمنى: والآخر في اليسرى، وظن الناس أن القسم الغربي هو أطلال سلوقية.
مصطفى جواد(9/546)
طبع الإكليل (الجزء الثامن)
أتممنا طبع الجزء الثامن من هذا الإكليل الذي يزري بكل ثمين من الكتب وطبعنا من
فهارسه (خمسة عشر) والآن عقدنا النية على أن نزيدها ثلاثة أخرى فنبلغ بها ثمانية عشر. وعلى هذا الوجه يقرب هذا السفر ومحتوياته من كل أديب حتى يكون على حبل ذراعه.
وقد قرأنا في جريدة (حضرموت) التي تصدر في سور أبليا (جاوة) مقالة الاستهلال بتاريخ 14 مايو في عددها 287، فنقتطف منها ما يتعلق بالإكليل. قال الأمير الكبير شكيب ارسلان من كلام له: (مولانا (السيد علي باعبود العلوي) يذكر الهمداني في موضوع محافد اليمن، فهو يشير إذاً إلى كتاب الإكليل النادر الوجود. فهل عنده هذا الكتاب؟ - أما أنا فقد اطلعت على جزءين منه: الثامن والعاشر. وذلك بهذه المدة في خزانة الكتب الملوكية في برلين، وأخذت صورتهما بالفوتوغرافيا، ولقد علمت أن نسخة من الثامن هي في مكتبة دار الفنون بالأستانة. وان الأب الكرملي الفاضل يباشر طبع هذا الجزء في بغداد معتمداً على خمس نسخ.
وكنت سمعت أن منه نسخة كاملة الأجزاء العشرة في اليمن، فسألت عن ذلك سمو الأمير سيف الإسلام محمداُ، أمير الحديدة، فاجابني بأنه لا يعلم بوجود شيء عندهم من هذا الكتاب غير جزءين. فعسى أن يكون في حضرموت أو عند الحضارم نسخة تامة) أهـ كلام الأمير.
قلنا: وكنا قد سألنا أحد أصدقائنا الأخصاء عن الأجزاء العشرة لهذا الكتاب وكان يعرف خزائن حضرموت واليمن معرفته لأمور بيته، فقال لا وجود إلا للثامن والعاشر ولا تزد. وأما سائر المجلدات فلا وجود لها؛ فأما أنها كانت في فكرة المؤلف ولم تخرج إلى عالم التدوين؛ وأما أن أعداء المؤلف - كانوا كثيرين - أتلفوها قبل انتشارها على أيدي النساخ. أما الموجودان منها فقاوما الضياع لنسخ الناس إياها وانتشارها بينهم بسرعة هائلة.
الأكاليل (نسخة الفاتيكان، أو نسخة رومة)
كنا قد أرسلنا إلى صديقنا الأستاذ جورجيو ليفي لافيدا أحد علماء الجامعة(9/547)
الرومانية بنسخة تامة مطبوعة من الجزء الثامن من الإكليل، وطلبنا إليه أن يعرضها بنسخة الفاتيكان (رومة). فكتب إلينا بتاريخ 22 مايو ما هذا إعادة نصه:
(لقد انتهيت من معارضة نسختك المطبوعة من الإكليل بنسخة الفاتيكان وكلفني الأمر وقتاً اكثر مما توهمته في أول الأمر. وأخشى أن لا تكون الفائدة عظيمة. نسخة الفاتيكان سيئة وهي حديثة وقد نقلها رجل لا يفهم ما يكتب إلا أن خطورتها قائمة على أن النسخة المنقولة
عنها كانت صحيحة. والروايات التي تراها تدنيها من النسختين اللتين أشرت إليهما في إكليلك المطبوع بحرف (ك) و (خ) لكنها ليست بهما. والنص الذي يشابهها كل المشابهة هو نص نسخة فينة (النمسة) التي اعتمد عليها د. هـ. ملر في ما نشره من هذا الجزء. والحال أننا نعلم أن نسخة فينة خطت في سنة 1874 على نسخة صنعاء، ولهذا يخيل إلي أنها نفس النسخة التي زبرت عليها مخطوطة الفاتيكان. ولا اعلم هل نسخة (ك) و (خ) أخذتا عنها.
ومهما يكن من الأمر، فان اغلب الروايات التي دونتها (وقد أهملت منها ما يتعلق بالرسم فقط) لا شأن لها، بيد إن بينها حسنة. ودونك بعضها ففي ص 156 س 1و2 ذي بحرى وليست حلتي هما ورايتان صحيحتان. وكذلك في ص 188 في السطر الذي يسبق الأخير والسطر الأخير أيضاً: (الشيب) و (الذي) مما يجب الاحتفاظ يهما حفظاً للبحر الخفيف، وفي ص 190 س 11 خويلد ابن خديجة على ما في النص المطبوع والصواب خويلد والد خديجة. وفي ص 195 س2 و3 ما يبين أن نص نسخة الفاتيكان وحده صحيح دون غيره من النسخ الخمس. وقد ضممت إلى نسخة الإكليل المطبوعة التي أعيدها إليك. وصف نسخة الفاتيكان وتحليتها، فعسى أن يكون فيها الفائدة) أهـ.
كتاب الجيم
راجع كتاب لغة العرب (7: 857 و9: 382)
أتممت نسخ كتاب الجيم ويقع في 550 صفحة وفي كل صفحة من 30 إلى 36 سطراً، وقد أتم الناسخ - وهو من الأقدمين - نسخته من غير أن يصلح(9/548)
فيها خطأ واحداً؛ إلا انه يورد الروايات المختلفة التي ترى بين النسختين اللتين بين يديه. وكلتاهما منقولة عن النسخة الأصلية التي خطها مؤلفها، وخط النسخة الواحدة أبو سعيد السكري والثانية أبو موسى الحامض. ولا جرم أن النسخة التي كانت بيد السكري أتم من الآخرة. وفيها زيادات لا ترى في الأم التي أخذت عنها. ومن الجهة الثانية ضاع من النسخة الآخرة ورقتان من حرف الفاء وورقتان من حرف الميم. والظاهر أن أبا عمرو لم يضع نصاً كاملا للكتب العشرة إلا للأول الذي ينتهي بحرف الجيم ولعل الكتاب سمي بهذا الاسم الغريب (كتاب الجيم) لهذه العلة، وفضلا عن ذلك يظهر أن أبا عمرو جمع في هذا الكتاب فوائد لغوية في
مطاوي جمعه قصائد القبائل العربية المنوه بها في دواوين التراجم.
سنت اوغستن. سياغبرج (ألمانية) ف. كرنكو
الكريف وأصلها
قرأت في تعليقاتك على الإكليل ص 307 أن الكريف من اليونانية وأنها دخلت اليمن بدخول الحبشة إياها، ورأيي - الذي أبوح به بكل تحفظ - أن دخول الألفاظ اليونانية ربوع اليمن، كان قبل احتلال الحبش إياها؛ لأننا نعلم كل العلم أنه كان في نحو المائة الرابعة للميلاد كنيسة مطرانية في نجران (وتلفظ الجيم معطشة نطعية) تحت إمرة بطريك الإسكندرية، ولا أشك في أن الكهنة والمرسلين الذين كانوا يهبطون تلك الديار كانوا مسيحيين يونانيين. وقد لاشى ذو نواس تلك الجماعة النصرانية قبل المائة الخامسة للميلاد. ولما كانت الدولة اليونانية بعيدة غاية البعد عن اليمن لتثأر من أعمال ذي نواس. أمر بطريرك الإسكندرية الحبش ليزيحوا إليها. ولعل البحث يفضي بالمنقبين إلى العثور على رقم في نجران فيها ذكر أسماء الكنائس التي شيدت فيها سالفاً. وأني لمتأكد أيضاً أن وجود أولئك الناس في الأرجاء المذكورة كان داعياً إلى ذلك التدين الشديد في جزيرة العرب، ذلك التدين الذي بدا لعيون الجميع في المائة لسادسة من تاريخ الميلاد فكان فراشاً وثيراً لتمكن الإسلام في تلك الربوع.
سنت اوغستن (سياغبرج) ألمانية. ف. كرنكو(9/549)
أسئلة وأجوبة
الكبش والقذاقة والمنجنيق
س: الزقازيق (مصر) م. م. ن. للأقدمين آله حرب يهدمون بها الأسوار ويسميها الإنكليز وبحثت عنها في المعاجم الإنكليزية العربية فوجدت فيها مقابلا لها بالعربية (منجنيق) كما في الياس انطوان الياس وغيره. ووجدته يقول في منجنيق. وفي يقول: (آلة حربية قديمة تقذف الأحجار). والمشهور أن هذه الآلة هي التي تسمى منجنيقاً. أفليس في لغتنا ألفاظ مقابلة لهذه الكلمات الإنكليزيات فلقد سئمنا من مطالعة معجم انطوان الياس انطوان المشحون أوهاماً وأغلاطاً. وما أسماء هذه الآلات بالفرنسية؟ وأملنا فيكم عظيم لان كثيرون من الأدباء أشاروا علينا أن تراجعكم في هذا الموضوع، فقد أصبحتم في الأوضاع الاصطلاحية الحجة السند.
ج. نشكر حسن ظنكم فينا. ونود أن نحققه كل التحقيق وهيهات. . .!
اللفظة الإنكليزية الأولى يقابلها بالفرنسية وبالعربية (الكبش) وتجمع على كباش وكبوش وأكباش. والكبش خشبه كبيرة كسارية السفينة في أحد طرفيها شئ ذو قرنين من حديد يشبه قرني الكبش. يربط من وسطه بالحبال ويعلق حتى يتدلى كقب الميزان. وقد ورد ذكره في تاريخ ابن خلدون 5: 325: (ثم عمل الإفرنج دبابات وكباشاً وزحفوا بها (إلى عكاء) فاحرق المسلمون بعضها واخذوا بعضها) وفي تاج العروس: (ومن المجاز بنوا سوراً حصيناً ووثقوه بالكبوش (في مادة كبش). وفي مادة فصل: (يقال: وثقوا سور المدينة بكباش وفصيل). وفي مؤرخي العصور الوسطى نصوص لا تحصى.
والكلمة الثانية الإنكليزية يقابلها بالفرنسية وفي العربية القذافة(9/550)
أو القذاف، قال في التاج: (قال أبو خيرة: القذاف: الذي يرمى به الشيء فيبعد الواحدة قذافة. . . وانشد:
(لما آتاني الثقفي الفتان، فنصبوا قذافة بل ثنتان.) أهـ
والثالثة يقابلها في الفرنسية وبالعربية (منجنيق) فهي والفرنسية من اصل يوناني، كما لا يخفى على البصير.
وأما معجم الياس انطوان الياس فهو كسائر الكتب التي يتاجر بها خالية من التدقيق في
النظر ولا يمكن أن تتخذ سنداً يعتمد عليه.
المشوش
س. حلب. أ. س. ن. سألت بعض الأدباء أي لفظة صحيحة تقابل الفرنسية وهي قطعة ثوب تتخذ في وقت الأكل لتسمح بها الشفتان. قال بعضهم: منديل: آخرون؛ منشفة، وفريق فوطة: وجماعة: محرمة. وبالإنكليزية: فمن المصيب في اصطلاحه؟
ج. لم يصب أحد منهم فجميعهم اخذوا أوضاعهم من كتب اللغة الأجنبية العربية التي في أيدي طلبة المدارس المطبوعة في بيروت ومصر وديار الإفرنج أو أميركة. وليس في العربية إلا لفظة واحدة هي (المشوش). والبغداديون العصريون يسمونه (الشكير) بناء مثلثة فارسية في الأول. والكلمة منقولة عن الفرس، أما صحة لفظنا فتتضح من كلام صاحب لسان العرب. قال: (مش يده يمشها (بالضم). مسحها بشيء. وفي المحكم: بالشيء الخشن ليذهب به غمرها وينظفها. قال امرؤ القيس:
نمش بأعراق الجياد أكفنا، ... إذا نحن قمنا عن شواء مضهب.
والمشوش: المنديل الذي يمسح يده به. . . يقولون: أعطني مشوشاً امش به يدي. يريد منديلا أو شيئاً يمسح به يده. والمش: مسح اليدين بالمشوش وهو المنديل الخشن. . . الأصمعي: المش: مسح اليد بالشيء الخشن ليقلع الدسم. . .). والمش معروفة إلى عهدنا هذا عند عوام العراق. أهـ ما أريد إثباته في هذا الغرض.(9/551)
باب المشارفة والانتقاد
إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
الجزء السادس لياقوت الرومي الحموي
اعتنى بنسخة وتصحيحه د. س. مرجليوث العلام الشهير. الطبعة الثانية بمطبعة هندية أيضاً بالموسكي من مصر سنة 1930.
ملاك هذا الجزء (523) صفحة بقطع الثمن ما عدا فهرس أسماء البشر وأسماء الكتب من الكاغد الأبيض الصقيل ويحتوي من تراجم الأدباء على ذكر من اسمه عمارة إلى محمد بن حسن (ع - م) وقد قرأنا تراجم من تبتدئ أسماؤهم (العينات) فلم نجد ما عاهد ياقوت نفسه عليه فانه قال في (1: 6 و7) من الجزء الأول ما صورته (وأفردت في آخر كل حرف فصلا اذكر فيه من اشتهر بلقبه على ذلك الحرف من غير أن أورد شيئاً من أخباره فيه، إنما أدل على اسمه واسم أبيه لتطلبه في موضوعه). وشارفنا الجزء الثاني فلم نجد ياقوتاً قد وفى بوعده لأنه أنتقل من تراجم ذوي الهمزات إلى تراجم ذوي الباءات ولم يذكر بينهما فصلا مما أشار إلى نوعه. وأنا لا تدري أأنتبه غيرنا إلى هذا النسيان من ياقوت أم لا؟.
قرأنا الجزء السادس المذكور في أوقات الاستراحة بمدة قراب أسبوع ومن يسرق أوقات الراحة للقراءة لا يؤمل من قراءته فائدة تامة ولا نظرة لامة، ولكننا مع تلك الحال نعرض ما استوقفنا في هذه القراءة فلعل فيه ما يستحق الوقوف والعلاج فنقول:
(الباقي للآتي)
مصطفى جواد(9/552)
57 - المصطلحات العلمية حول نقد معجم أسماء النبات
بقلم الدكتور محمد شرف
76 - مصطلحات النبات ونقد معجم الدكتور احمد عيسى بك
للدكتور المذكور
كل عربي يشهد للدكتور محمد شرف بك تفوقه في الوقوف على الأوضاع العلمية، ولا
سيما ما يتعلق منها بالطب، والعلوم الطبيعية، والكيمياء. وقد أراد الدكتور احمد عيسى بك أن يجاريه في هذا المضمار، فظهر قصوره فيه. واحسن دليل على ذلك، هفواته بل عثراته لا بل سقطاته الهائلة. ويجدر بالدكتور احمد عيسى بك أن يشكر ناقده على ما عاناه من المشقات، لتخليص ديوانه من المعايب والشوائب. فإذا كان قد قصر في هذا الباب. فنحن نمحصه الثناء وكالة عن المنتقد. إذ بعد هذا يستطيع صاحب (معجم أسماء النبات) أن يصوغ كتابه صوغاً جديداً حرياً بكل ثناء وحمد.
77 - أرغن الأقدمين
على ما جاء في الأصول الشرقية (بالإنكليزية)، من وضع جرجيس فارمر، وثمنه 15 شلناً ونصف.
هنري جرجيس فأمر من المولعين بتأليف الكتب الباحثة عن الغناء الشرقي وآلاته وأوضاعه. من اجل تصانيفه في هذا الموضوع: 1 - تأثير العرب في نظرية الموسيقى. 2 - المخطوطات العربية الموسيقية في الخزانة البدلانية. 3 - تأثير الموسيقى على ما جاء في المصادر العربية. 4 - تاريخ الموسيقى العربية إلى المائة الثالثة عشرة. 5 - أحداث تاريخية في تأثير الموس7يقى العربية. 6 - مباحث عن الآلات الموسيقى الشرقية. وهذا يدلك على أن الرجل قد تفرغ لهذا الموضوع اكثر من سواه. هذا فضلا عن أنه واقف على اللغات العبرية(9/553)
والآرمية والعربية وقوفاً يقرب له أباعد هذا الفن. فن الإيقاع والغناء.
وقد عقد ديوانه هذا على ثمانية عقود أو فصول. وتوطئة ومقدمة وثلاثة ملحقات. ودونك عناوينها: الفصل الأول في الأرغن - الثاني في اختراع الأرغن - الثالث الأرغن على ما جاء في الأصول العبرية - الرابع الأرغن على ما جاء في المصادر السريانية - الخامس الأرغن على ما ورد في الموارد العربية (أرغن النفخ) - السادس الأرغن على ما ذكر في الأسانيد العربية (أرغن الماء) السابع الأرغن على ما نقل في الدواوين العربية (الأرغن البوقي) - الثامن أرغن العرب في ديار الغرب.
وبعد هذه الفصول ملحق أول في الأقيسة العربية المستعملة في هذا الكتاب - ملحق ثان في
أرغن هيرون - ملحق ثالث في أرغن كرشر - أسامي الكتب التي اعتمد عليها في وضع الكتاب - فهرس.
فهذا كاف ليدلك ما عليه هذا الديوان البديع. وقد زينه صاحبه بسبعة عشر رسماً إيضاحاً للمواضيع. والرسم الأول مزين بالألوان الزاهية. وقد أبدع المؤلف في الاهتداء إلى الأوضاع العلمية العربية فأنه لم يغلط فأنه لم يغلط في واحد منها:
مما يفهمك أن الرجل صادق الوقوف على كل ما في فن الغناء من المصطلحات ونحن لا نشك في أن هذا السفر يروج رواجاً عظيماً بين ظهراني أبناء العلم والأدب والتحقيق.
على أننا كنا نود أن لا نرى على غلاف جلد الكتاب وهماً شنيعاً. فقد طبع هناك ما هذا بحروفه: (الأرغن الأوايل من أصول عبراني وسورني وعربي لهنري جرجيس فارمر) ولعله يريد أن يقول: (أرغن الأوائل على ما في الأصول العبرانية والسوريانية والعربية لهنري جرجيس فارمر.) أو مما يقرب من هذه الألفاظ.
وكنا نود أيضاً أن نعرف وضع الكتاب قبل إخراجه إلى عالم الطبع لندل صاحبه على ثلاث نسخ من كتبنا في هذا الموضوع وهي: الفتحية لمحمد بن عبد الحميد اللاذقي - والموسيقى الشرقية وهي بالفارسية وفيه العود رسماً بديعاً(9/554)
بألوان زاهية وتفاصيل دقيقة - وكتاب ثالث لم يحضرنا الآن اسمه، وهو جليل في بابه أيضاً. وعسى انه يستفيد من هذه المخطوطات حين يؤلف كتاباً آخر في الغناء الشرقي ولا سيما العربي منه.
78 - الأصول العراقية (بالإنكليزية)
أو السكان الأصليون الذين في الشرق الأدنى، تأليف افرائيم أ. سبايزر الأستاذ المساعد في الساميات، في جامعة بنسلفانية (أمريكة).
أهدى إلينا أحد الأوداء هذا السفر التاريخي في اصل الشعوب التي أوت إلى ديار العراق من شماليه إلى جنوبيه ومن شرقيه إلى غربيه فبحث أولا في خطة كتابه ثم انتقل إلى ذكر العيلميين والشمريين وفي الفصل الثالث تكلم على اقدم حضارة وجدت في الشرق الأدنى ومنه انتقل إلى الفصل الرابع وفصل الكلام على اللولو والكوتي فرجح أنهما اللور والكرد. ثم جاء إلى الفصل الخامس فأطال البحث عن الكشيين والهريين، وختم الكتاب بالمماسات التي وجد فيها أولئك الأقدمون فاستنتج استنتاجات معقولة كلها مصوغة في قالب العلم
والتدبر مما يدل على سمو مدارك المؤلف وعدم إيناسه إلى الأقوال الفارغة والخرافات المزوقة ولا جرم أن هذا السفر التاريخي ضروري لكل عراقي يريد الوقوف على ما كان أهل هذه الربوع من الأصول والرسوس. وان لم يكن في هذا التأليف الكلام الفصل في الموضوع الذي عالجه، إلا أنه مهد له تمهيداً حسناً. لكفى،
88 - مذكرات لجنة المستشرقين (بالروسية)
المجلد الخامس في 836 ص بقطع الثمن
في كل مدة تصدر هذه اللجنة مجلداً حاوياً مقالات جليلة لأعظم مستشرقي ديار الغرب وهي كلها مكتوبة بالروسية ومن موضوعات هذا السفر: علماء النهضة الإسلامية - مخطوط في التاريخ لا يعرف صاحبه وهو في تاريخ الخلفاء الراشدين وآثار الملوك من بني أمية - أبيات عربية للشاعر فضولي - وهو تركي من اصل كردي بغدادي المولد - الألفاظ العربية في اللغة المغولية - النص الأصلي للترجمة اللاتينية التي نقل إليها (لاهوت ارسطو طاليس) (كتاب اثولوجيا)(9/555)
الحروف الحقلية العربية وتصوير مخارجها (بثلاث صور) - الأصول العربية في اللغة البشكيرية - قدح ساساني غير معروف وعليه كتابة فهلوية (بلوحين وثلاث صور) - قصة عربية عامية ومؤازيتها باللغة الروسية - خاتم للخليفة الفاطمي الظاهر (بأربع صور) - محتذيات القرآن في بشكين ومصدرها - تأثير التركية في العربية - المرأة العربية الحديثة في الأحدوثة (نوفيل) - كأولية (نور) القريم - الأعلام والأولوية عند العرب - المطر والماء والأنبتة في مدافن عرب الجاهلية - مواد فرينل المتعلقة بلغية أحكلى في جنوب جزيرة العرب - إبليس المغني - الخرمي الشاعر العربي الصفدي الأصل - زيادة أنباء في نقود الخلفاء - روايات عربية وعبرية لرسالة الفلسفة المنسوبة إلى داود ابن مروان المقمص - مأثورات إسلامية تتعلق بالأنبياء - اللغة العربية الشائعة في قشلاقات ازبكستان - اصل أسماء الأرقام العربية - اسم البحر الأسود في فارس قبل الإسلام - زيادة أنباء على لسان البلوص (البلوج) وأخلاق قومهم - أربعة كاب خطية من مجموعة أ. كراتشكوفسكي - اسامي مؤلفات أ. كراتشكوفسكي.
هذا بعض ما في هذه المجموعة النفيسة وهناك مقالات آخر تتعلق بالترك والفرس وسائر أمم الشرق وكلها نفائس ودرر لا تقدر أثمانها.
89 - مار انطوان التكريتي
بقلم مارسويريوس أفرام برصم مطران سورية ولبنان على السريان
هذه رسالة في 7 صفحات تطلعنا على رجل من أعاظم رجال السريان الذين عنوا بمعالجة التصانيف باللغة السريانية فاشتهر ببديع إنشائه وسمو أفكاره. وهذه الرسالة من احسن ما وضع في هذا الموضوع. على أننا نود أن ينقح صاحب السيادة نفسه مسودات الطبع ليزيل من رونقها بعض الأدران ففي ص (1 الآرامية (بمد الألف) وفي ص 2 واضطلاعه من اللغات. وفي حاشية (للرهاء) وإماماً مرتاضا بالعلوم. - والمعروف عند العرب الآرامية (وزان سحاب منسوبة ومؤنثة) واضطلاعه باللغات (المجد الفيروزي أبادي وغيره) وللرها (بالألف بلا مد) ومرتاضاً في العلوم (بإبدال باء الاستعانة (في) كما لا يخفى على الفطن. على أن هذه الشوائب تعد شامات في وجه الحسناء، لان عبارة سيادته متينة تأخذ بالعقول فضلا عن الألباب.(9/556)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - وفاة الملك حسين بن علي
اهتزت أسلاك البرق في 4 حزيران ناعية ملك العرب الأكبر، والد جلالة ملكنا المعظم وقد وقعت الوفاة في 4 من الشهر المذكور (يونية) في عمان حاضرة شرقي الأردن اثر نزلة صدرية وافدة متعرقلة بذات الجنب الأيسر فانتهى جهاد الأعظم في سبيل تحرير العرب من اسر الخضوع للغريب، والكل يعلم أن السلطان عبد الحميد، ذيالك السياسي الداهية، كان يخاف هذا العدناني الجليل لكبر نفسه وطموحها إلى الحرية العظمى. فدعاه إلى الأستانة هو وأهل بيته فبقي فيها والعيون مبثوثة عليه لتترصد حركاته، إلى أن انقلبت حكومة السلطان ظهراً لبطن في سنة 1912 وكان من اجل العاملين في قلب تلك الحكومة.
ولما كانت الحرب العظمى الطاحنة سنحت له الفرصة لتحقيق أمنيته فأعلن الثورة العربية في سنة 1916 بعد مفاوضات طويلة للسلطة الإنكليزية، ثم نودي به ملك الحجاز وبعد حين اخذ إلى قبرس على غرة. وبعد إقامته فيها حيناً هبط عمان بجانب ابنه الأمير عبد الله وهناك قضى نحبه ودفن بكل تجلة في الجامع الأقصى في القدس الشريف.
فنقدم إلى جلالة ملكنا المعظم وسائر اخوته مع كل من ينتمي إلى البيت الهاشمي، ونرفع إليهم تعازينا ونشاطرهم الأسى. وفي حياة الخلف احسن سلوان على هذا المصاب الجلل.
2 - تعزية قداسة البابا لملكنا المعظم
في ال 6 من حزيران (يونيه) ورد نبأ برقي من الفاتيكان إلى الموصل على يد سيادة القاصد الرسولي. انطونين درابية يعزي بها قداسة البابا ملكنا المعظم، فأطارها بالبرق سعادة متصرف الموصل إلى أربل حيث كان جلالة مليكنا المحبوب وهذا نصها المترجم:
مدينة الفاتيكان في 6 - 6 - 31
إلى سيادة درابية في الموصل
قداسة البابا تأسف جداً لوفاة والد(9/557)
ملك العراق. ويكلف سيادتكم أن تقدموا تعازيه الصميم إلى جلالة ملك العراق وأسرته الملوكية وأمته النبيلة.
الكردنال فاسيلي
3 - جواب جلالة الملك
اربل 7 - 6 - 31
الموصل: القاصد الرسولي
إن تعزية قداسته كانت التسلية العظمى لي ولعائلتي. الرجاء إبلاغ شكري لمقامه
فيصل
4 - لجنة النقود العراقية
صدرت الإرادة الملوكية بتعيين لجنة النقود العراقية وتأليفها من هؤلاء الأعضاء وهم:
1: السر أدورد هلتن ينغ رئيساً
2: جعفر باشا العسكري عضواً
3: السر برترام هورنسبي عضواً
4: المستر جاكب سيلاس هاسكيل عضواً
5: الفيكونت غوشين عضواُ
5 - حرائق شهر أيار (مايو)
يؤخذ من رفيعة مصلحة الإطفاء الشهري انه حدث في العاصمة في شهر أيار الماضي ثلاثة عشر حريقاً. وبلغت الخسائر نحو 24 ألف ربية. ومعظم المحلات التي وقعت فيها النار كانت مضمونة لدى شركات الضمان المختلفة.
6 - تعين المحامي طاهر أفندي القيسي حاكما
صدرت الإرادة الملكية بتعيين حضرة المحامي القدير والقانوني الشهير طاهر أفندي القيسي حاكماً في محاكم مدينة العراق. وقد عرفنا الأستاذ القيسي منذ نحو عشر سنوات، فوجدناه علي الأخلاق شهماً، أبياً. وله وقوف واسع على الحقوق العراقية. ولذا كان تعيينه في محله. فنتمنى له الرقي الدائم لأنه أهل له. ونشكره على ما أداه من الأيادي البيض إلى إرادة هذه المجلة، ولا جرم أن الجميع يشكرون له معنا حسن صنيعه
7 - تعيين مناطق المحاكم الكبرى في العراق
صدرت الإرادة الملكية بتعيين مناطق المحاكم الكبرى في العراق على الوجه الآتي:
منطقة - بغداد
منطقة البصرة، وفي ضمنها العمارة والمنتفق.
منطقة الحلة؛ وفي داخلها الديوانية وكربلاء.
منطقة ديالى.
منطقة الموصل.
منطقة كركوك، وفي محتواها السليمانية واربل.(9/558)
8 - إلغاء بعض الأقضية التالية:
عزمت حكومتنا على إلغاء الأقضية التالية:
في لواء الحلة: القاسم والخواص.
في لواء المنتفق: الكبائش والمديناوية.
في لواء الموصل: ناحية مركز الموصل وباعشيقا والشيخان.
في لواء البصرة: الشافي والهارثة.
في لواء الديوانية: الحمزة والفوار والبدير.
في لواء كركوك. ناحية مركز كركوك الشبيكة.
في لواء الكوت: جصان.
في لواء الدليم.: الرحالية.
في لواء ديالى: شهرابان.
9 - شروط الإجازة للمتاجرة بالآثار القديمة
وضعت وزارة المعارف صورة الإجازة التي يجب أن تعطى المتاجرين بالآثار القديمة واهم شروط هذه الإجازة تكون كما يلي: (بحروفها الأصلية)
1 - تكون المدة التي يسري بها مفعول هذه الإجازة سنة واحدة.
2 - على صاحب الإجازة أن بعلق على باب محل أشغاله لوحة يكتب فيها (مرخص للمتاجرة بالآثار القديمة).
3 - على صاحب الإجازة أن يقتني القيود الآتية: -
(1) قيد للمخزن يبين جميع الآثار القديمة التي حصل عليها والمصدر الذي أستحصلها منه.
(2) قيد يبين بيع الآثار يومياً.
(3) على صاحب الإجازة أن يخبر مدير الآثار القديمة عن أية عادية يستحصلها، كما أن صاحب الإجازة للمتاجرة في بغداد أن يعرض على المدير المذكور كل اثر لأجل الفحص.
(4) على صاحب الإجازة أن يحفظ جميع المواد الأثرية التي في حوزته في محلات تكون فيها هيئة للتفتيش من قبل الشخص الذي يفتش محل اشتغاله: وفقاً للمادة الثانية عشرة من قانون الآثار القديمة.
(5) إذا ما حصل صاحب الإجازة أو اشترى، أو باع آثاراً قديمة. أو حاول إستحصال، أو شراء، أو بيع آثار قديمة بنفسه كان ذلك، أو بواسطة عامل، وذلك خارج بلدة. فيعتبر مخالفاً لشروط هذه الإجازة.
(6) لوزير المعارف، الحق بإبطال الإجازة الممنوحة بناء على طلب مدير الآثار القديمة عند مخافة صاحبها لأي شرط من شروطها، أو أي شرط من شروط القانون المذكرة.(9/559)
(7) لا تخول هذه الإجازة صاحب الإجازة تصدير أي اثر قديم إلا بالصورة التي تتفق والمادة الثالثة عشرة من القانون المذكور.
وعلى جميع حاملي الإجازات حتى تاريخ هذا البلاغ، أن يقدموا إجازتهم فوراً إلى مدير الآثار القديمة الذي سيصدر إجازات جديدة بدلا منها، وتعتبر حتى صدور الإجازات السارية المفعول لآن معدلة بصورة تتفق وشكل الإجازة المارة الذكر، على أن تستعمل فقط للمدينة التي فيها لصاحب الإجازة محل اشتغال.
10 - خزان ماء كبير في الكرخ
بعد أن عم أجراء الماء المصفى معظم محال العاصمة. رأت لجنة أجراء الماء انه من الضروري أن تقيم خزاناُ كبيراً في الكرخ بدلا من الخزان الحالي وتكون سعته ألف غالون. ولهذا تأهبت لهذا السعي وباشرت العمل في أوائل أيار. وقد تم الآن وهو بديع الصنع محكمه.
11 - سيارات اللاسلكي في الحجاز
وصلت في الأسبوع الثاني من شهر أيار الشحنة الأولى من أدوات اللاسلكي التي كانت أوصت بها الحكومة الحجازية في لندن، ومع هذه الشحنة أربع سيارات عليها مكتبات لاسلكية خصوصية.(9/560)
العدد 93
الخنساء
- (؟ - 670م)
توطئة
غير خاف، أن النساء بلغن في الشعر أوجاً عالياً، وأصبن منه حظاً وافياً، وأتين فيه بعقائل الأبيات، وجلائل المرثيات. ففي كل عصر لهن نصيب، وفي كل مكان حماهن خصيب، وكتب العرب تفيض بتراجم الشواعر النابغات، اللائى صادقتهن غر القوافي، وعنت لهن جوامع القريض، ففاضت جوارحهن عقود شعر، وسالت أنفسهن قلائد أبيات، ولا غرو، فقلوبهن بالإحساس فياضة، وهي في الأحزان قيثارة الآلام. وفي الحبور نغمات السرور. وقد نالت بينهن خطر الأسبقية، خنساء المراثي وذلفاء القصيد، التي تمخضت بها الجاهلية، واحتفى بها الإسلام، شاعرة فذة. من مواهبها الشعر بأعزه، وحباها النطق حلل الرثاء صاغرة. ففاقت الرجال في مواطن البكاء، وبزت النساء في الندب وإثارة الشجون. فهي بحق اشعر الشواعر، وشعرها في غاية الإبداع والانسجام. فكم من مرة جالسناها، نستأنس اشعارها، ونلتقط درر الكلام منها، ونأنس إليها إذا السآمة حلت بنا، والملل تطرق علينا. ففيها نعم المفرج، والصديق الأنيس.(9/561)
المرأة نشأتها
من الخنساء هذه التي طالما أشار إليها الشعراء، وتغنى بها الأدباء، وحث على مصاحبتها العلماء؟ هلم نستفسر الكتب - يحدثنا الرواة أنها تماضر بنت عمرو ابن الحرث بن الشريد بن الرياح من بني سليم، ويخبروننا أن لقبها الخنساء - ولعلهم أرادوا بذلك مشابهتها للظباء؛ فالخنساء صفة الظبية. والخنس تأخر الأنف عن مستواه مع ارتفاع في أر نبته - استقبلت الحياة، في القرن السابع للمسيح. وشبت في بني سليم. وروت الشعر فتاة، ولم تؤت بلاغة وسحراً حلالا، إلا حين نفذ سهم القتل في أخويها، فعندها خر لها القريض، واسلمها قياده طائعاً. فرثتهما رثاء والهة مفجوعة، وبكتهما عويلا وندباً حتى المنية.
في الجاهلية زواجها - مصابها
كانت الخنساء بلا شك جميلة، حتى كثر خطابها، وأزواجها، ويقول القصاص، أن ممن راد
حولها وهم بجعلها حليلة له فارس هوازن، دريد بن الصمة وهو إذ ذاك شيخ كبير، قد لفحته الأيام، وقد انشأ فيها شعره المشهور:
حيوا تماضر واربعوا صحبي! ... وقفوا فان وقوفكم حسبي!
أخنساس؟ قد هام الفؤاد بكم ... وأصابه تبل من الحب. . .
وكان من رفضها إياه ما كان، ثم خطبها رواحه بن عبد العزيز السلمي. ومات، فتزوجها عبد الله بن العزى، من بني خفاف. واتت منه بعبد الله بن عبد العزى. ثم خلف عليها بعده. مرداس بن أبي عامر السلمي. فاتت منه بولد اربعة، استشهدوا كلهم في الإسلام، وقد نسب إليها صاحب الاغاني، أن العباس ابن مرداس الفارس الشاعر، من ولدها، وأبى هذا الزعم الكلبي. ولو سلمنا فرضاً بأمومتها له، لما همد جميع كتاب العرب عن ذكره، فنحن نعلم ما كان للعباس من مكانة لدى النبي محمد. وما له أيضا من مقام في الإسلام. فهو أحد فرسانه الفحول، وأبطاله العظام، ثم نعرف ما للخنساء أيضاً من حرمة ومنزلة، وذا يكفي لان تغص بطون الكتب بنسبه إليها، لدى ذكرها. فالعرب في نحو(9/562)
هذا، تثور عن شأنها في الاقتضاب. وتنسى عادتها، فتذكره - ولعلها تتبسط في ذكره، لو كان الكاتب مكثاراً - وتنسج حوله الأقاصيص، وتحوطه بالأشعار والأخبار المنحولة. شأنها في أمثاله. . . إذاً هذا مما يرفضه العقل؛ ويأباه البحث النزيه، ولا بد أن العباس، من ولد امرأة أخرى لمرداس.
لما كان داء العرب البادية: الغزو، كان لا بد لأخوي الخنساء منه. فهيأ معاوية ذلوله، واستقل البيداء مع فرسان قلائل. وغزوا بني مرة، وثار بعضهم على بعض. وتناهبوا بالسلاح، وسقط معاوية صريع سنان هاشم بن حرملة، وأثنى عليه بالسيف أخ لهاشم. ففاظ في يوم حورة الأول (حورة على الفرات تتوسط الرقة وبالس). . . فحن موطن الشعر، وأفاق عند أخته الخنساء، فرثته رثاءاً أليما. ثم أن هبت بصخر رياح المعاش، وصارخته الحاجة، فساق غزواً على بني اسد، فارتدع بطعنه ربيعة بن ثور في جنبه، فرجع إلى داره يساند نفسه. تعاوره الداء حولا، حتى مله أهله، وزاد بلاؤه، أن احب الناس إليه سئمته، ابنة عمه وهي زوجته سلمى، تأمل حالته، وقد أتاه قومه يعودونه، وسألوها (كيف اصبح صخر اليوم؟) فقالت: (اصبح لا حياً فيرجى ولا ميتاً فينسى) أليس يحفظ هذا صخراُ وقد
طرقه؟ إي احفظه، وقد رأى من وهب لها قلبه تجفوه، وتبغي موته، لتذهبه من الذاكرة، وقيل، انه يئس من الحياة، فعلقها بعمود الفسطاط حتى ماتت. ثم نكس هو من بعدها، ومات من كان وحده سلوة ورجاء الخنساء، ففاض إذ ذاك معين الشعر، ونبعت أبحر القريض، فبكته أمر بكاء، وحبته قلائد الرثاء.
في الإسلام - إسلامها - محنتها
ظهر النبي محمد. ودعا للإسلام، فتوافدت عليه قبائل العرب، ومنها سليم ومنهم الخنساء، فأسلمت. وروت الرواة أنها مع إسلامها، لم تدع تسلبها على أخويها، ولا عادات أخر نهي عنها. وظلت تندت أهلها، وتخص صخراً بأكثر لوعتها وتفجعها، وحدثونا أيضاً أن قومها حاولوا كفها، فلم تقلع، وجفاها البصر، وقرحت مآقيها، فذهب نفر منهم عمر بن الخطاب، وهو إذ ذاك خليفة(9/563)
المسلمين، وسألوه أن يعمد بحكمته ودرايته، فينهاها، فأجاب سؤلهم واتاها فقال: (ما قرح مآقي عينيك يا خنساء؟) قالت: (بكائي على السدات من مضر) قال: (حتى متى يا خنساء؟ اتقي الله! إن الذي تصنعين، ليس من صنع الإسلام وانه لو خلد احد، لخلد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وإن الذي تبكين هلكوا في الجاهلية، وهم أعضاء اللهب، وحشو جهنم.) قالت: (ذك أطول لعويلي عليهم.) قال: (فأنشديني مما قلت). قالت: (أما أني لا أنشدك مما قلت اليوم، ولكن أنشدك مما قلت الساعة: وقالت:
سقى جثاً، أكناف غمرة دونه ... من الغيث، ديمات الربيع ووابله
. . الخ
فأشفق عليها عمر، ورأف بها، وقال: (لا ألومك يا خنساء في البكاء عليهما، خلوا سبيل عجوزكم، لا أبا لكم، فكل امرئ يبكي شجوه). لقد ذهبت محاولته عبثاً، ورق لها، وفك سبيلها، وقد سواه كثير ردعها، فلم يفلحوا، ومنهم أم المؤمنين عائشة.
انظر إليها. لما ضرب على المسلمين، البعث والجهاد لافتتاح الأقطار وامتلاك الأمصار. وكانت القادسية المشهورة (16هـ - 637م) كيف أقبلت بأولادها تحضهم وتحثهم على القتال، والاستشهاد في سبيل الإسلام، وإعلاء منارة وبأداتهم بقولها النصوح: (يا بني أنكم أسلمتم طائعين، وهاجرتم مختارين. والله الذي إلا إله إلا هو، أنكم لبنو رجل واحد، كما أنكم بنو امرأة واحدة؛ وما خنت أباكم، ولا فضحت خالكم، ولا هجنت حسبكم، ولا غيرت
نسبكم وقد تعلمون ما اعد الله للمسلمين من الثواب الجزيل في حرب الكافرين، واعلموا أن الدار الباقية، خير من الدار الفانية. يقول الله عز وجل: (يا أيها الذين أمنوا، اصبروا، وصابروا ورابطوا، واتقوا الله لعلكم تفلحون.) فإذا أصبحتم غدا إن شاء الله تعالى سالمين. فاغدوا إلى قتال عدوكم مستبصرين، وبالله(9/564)
على أعدائه مستنصرين، فإذا رأيتم الحرب قد شمرت من ساقها، واضطرمت ناراً على سباقها. وحللت لظى على أوراقها، فتيمموا وطيسها، وجالدوا رئيسها عند احتدتم خميسها. تظفروا بالمغنم والكرامة في دار الخلود والمقامة). نعم القول والتحريض والتعديل، وانم من البيان لسحراً! ولا بدع أن بادر أبناؤها إلى المعمعة، ويمموا وطيسها، وجالدوا حتى سقطوا في حومتها. ونعم لقول أجابتها عند إبلاغها الخبر: (الحمد لله الذي شرفني بقتلهم، وأرجو من ربي أن يجمعني بهم مستقر رحمته).
وفي موتهم تداركتها المحنه الثانية، فقد مات أخواها في الجاهلية قتلا وكذاك بنوها في الإسلام، ولكنها كانت كما يبدو لنا، أكثر تأثراً واشد ولهاً وحزناً على أخويها منها عليهم. فقد تعزت عنهم بموتهم في نصرة الدين. وقد أجرى عليها كرم عمر بن الخطاب ارزق أولادها الأربعة.
يد الرواة في شعرها
تغلغل الرواة وأمعن القصاص. انتحالا واختلاقاً في حياة شاعرتنا، شأنهم في سائر الأخبار الجاهلة وخضرمتها، فلا نعرف من نسيج أعمالها سوى ما حاكته أيدي الصناع المنتحلة. فهم يدعون أن ولدها أربعة. وهم: يزيد ومعاوية وعمر وسراقه. وتارة يحذفون أحدهم؛ ويدعون أن العباس بن مرداس من ولدها، فهم يتنافرون في حياتها، تنافرهم في شعرها. فنراهم يروون لها شعراً رواه بعضهم لشاعر آخر، هاك هذه القصيدة التي يروونها في صخر أخيها، ومطلعها:
لعمري! وما عمري علي بهين ... لنعم الفتى أرديت آل خثعما. . .
هنا العجب العجاب، أن قتلة صخر لم يكونا كن نعلم من خثعم والشعر واضح الانتحال، بينه، ويرويه أبو عبيدة لريطة بنت عباس الأصم الارعل. في أبيها قتبل خثعم، هناك موقف آخر، تناول هذه الأبيات:
من لامني في حب كرز وذكره ... فلاقى الذي ألقيت إذ حفر الرجم
فيا حبذا كرز إذا الخيل أدبرت ... وثار غبار في الدهاس وفي ألاكم
فنعم الفتى تعشو إلى ضوء ناره ... كريز بن صخر لليلة الريح والظلم(9/565)
إذا البازل الكوماء ضنت برفدها ... ولاذت لواذاً بالمدرين بالسلم
فقد حان من أناس ورفدهم ... بكفي غلام، لا خلوف ولا برم
أنها تندب ابن أخيها كرزاً، تلك التي لم ترث بنيها بما يجب على أم والهة ثكلى - نعم! وان وجدت إلى الصبر والعزلة سبيلا لموتهم في نصرة الإسلام - فلها قلب الوالدة. وهل من والدة لا تبكي أولادها؟ فكيف حل لها أن تبكى كرزاً وتتناساهم؟ ألعلها نادبته لبنوته لصخر؟ لعمري أي الرواة نذاهب؟ ألست تشعر بوطأة القصاص بهذا الشعر، أو لست تشعر باضطراب وشك، إذ ينسبه بعضهم إلى العباس بن مرداس؟ إذاً نرفض نسبة هذه الأبيات. ولكن لماذا نرى ديوانها يكاد يكون جله أو كله في اخويها، بينما تخص زوجها وبنيها ببعض ساقط شعرها ومنبوذه. قد نجد بعض الرد المقنع عن زوجها، انه كان مقامراً متلافاً للارزاق، خسيساً فلذا لم ترثه، ولعلها حمدت الله على إفلاتها منه. أما بنوها والبنون من الوالدة في موضع الضعف والإحساس، ولاسيما في مثل شعور ورقة الخنساء - فلم لم تقم بواجبها نحوهم؟ هنا نجدنا أمام معضلة. فقد أثبت الرواة لها في أخويها. أبدع القصائد واطرب الأبيات، فهل كانت تكره أولادها؟ أولادها من هم فلذ كبدها. وقطعة من روحها حتى تجافت عن ذكرهم. هذا محال وبعيد الوقوع. إلا فما حضتهم على طلب الآخرة. ثم تشرفت بقتلهم! حقاً أن هنا لناحية تعنت، وسهو، وتخليط من الرواة في اختصاصهم رواية شعرها بأخويها، أم هناك تلاعب وغش كبير؟ الحالة تدعونا أن نشك حينما أدرنا الطرف. وفي شعر انتقيت، أحسست به اضطراباً ولو بشيء. هنا وقفة لا تقل عن سوابقها، غرابة وحظاً فاسداً. يحدثنا (أبن العربي) أن أمير المؤمنين عمر ابن الخطاب أتاها يكفها عن العويل والبكاء. ولما أن سألها شعراً، قالت: (أما أني لا أنشدك مما قلت اليوم، ولكن أنشدك ما قلت الساعة). وأنشأت تقول:
سقى جدثاً أكفاف غمرة دونه ... من الغيث ديمات الربيع ووابله
أعيرهم سمعي إذ ذكر الأسى ... وفي القلب منه زفرة ما تزايله
وكنت أعير الدمع قبلك من بكى ... فأنت على من مات بعدك شاغله. . .(9/566)
وتحدثنا الرواة أيضاً أنها أنشدته أيضاً قصيدتها التي مطلعها:
هريقي من دموعك واستفيقي ... وصبراً إن أطقت ولم تطيقي
. . . الخ
يحدثونا أن جميع ذلك أنشأته لحظة حديثها، وبدون ترو ومهلة، ولعلهم أرادوا مداراة الانتحال بصبها في هذا القالب. ولم يدروا أن هذا ادعى إلى الشك واحمل على الرفض. ناهيك بان ليس من بيت في كلتيهما روي في صورة واحدة، فلابد من اختلاف وتناقض مقاطع وكلمات، بل في المعاني أيضاً، مما يثبت أن الرواة كانوا يعمدون إلى قصائد المتقدمين، فلا يفتأون يغيرون فيها ويكيفونها ويثقفون ما اعوج ويجددون ما بلي من ألفاظها على حسب ذوقهم حتى تستقيم على وزن عصرهم، ويحلو نغمها فيدونونها، وقد يعمد أيضاً آخرون إلى مدوناتهم فيقومونها بمطلبهم، فإذا ما وصلتنا مخطوطاتهم جميعاً وتلقفتها فاحصين ما وجدناها إلا سوى طائفة أخلاط لا تستقيم على وزن، وهي مبعدة لنا منفرة من الركون والإيمان بما لدينا من أمثالها الأشتات الخرافية.
هل لشعرها من قيمة؟ ما هي؟
إذا جئنا نبحث عما لأشعار الخنساء من قيمة تاريخية عثرنا عليها بما أوردناه وهي ابعد من أن تؤدي أي فائدة لهاته الوجهة، سوى أن ترجح فينا الشك وتقوي فينا عامل الرفض لكل الأشعار المنسوبة للمتقدمين، وتدغم فينا دافع قذفها إلى الحضيض، لكننا أن وددنا معرفة قيمتها لغوياً وأدبياً، وتغاضينا عن انتحالها، وهل من إفادة للمتأدبين؟ - وجدناها في مكان عظيم، وكنزاً لا يفنى ففيها من سمو الخيال وعلو المعنى ورقة الافتتان، وحسن السبك ما هو في أعلى منزلة واجل مكانة. وقد شاء قصاصها بذكر ما كان للخنساء من إكرام واعتبار في الجاهلية وعزة في الإسلام. وكيف كانت الشعراء الفحول تتسابق إليها وتشد لها بالتفوق. وكفى أن تعلم أن النبي كان يكرمها ويستشهدها. واتفق أن وافاه عدي بن حاتم وفخر عليه بقوله: (يا رسول الله. إن فينا اشعر الناس وأسخى الناس، وأفرس الناس) فقال: (سمهم) قال: (أما اشعر الناس فامرؤ القيس بن حجر وأما أسخى الناس، فحاتم بن سعد (يعني أباه). وأما أفرس الناس، فعمرو بن(9/567)
معد يكرب) فقال: (ليس كما قلت يا عدي،
أما اشعر الناس، فالخنساء بنت عمرو. وأما أسخى الناس فمحمد (يعني نفسه). وأما أفرس الناس، فعلي بن أبي طالب). فهنا نالت مديحاً وافراً وخصها بقوله: (اشعر الناس) ولا بد أن شعرها كان سامياً جداً حتى ينال ذلك الإطراء. والرواة أذن قد تعدوا عليه وارتكبوا جريرة بعبثهم بالتراث ولعله كان اجل وأسمى بكثير مما هو عليه الآن وفعلتهم به كعمل من يتناول أشعار المعري. أو الخيام، أو ابن الفارض، ويسهل ألفاظها ومبناها، ويملأها بذكر الطيارات والسيارات والدبابات، وأمثال هذه الآلات. ويتناسى قديمها مدعياً أن الأشعار بهذا التغيير والتكييف اقرب وأوفى بمقتضيات، ولغة هذا العصر. فأي مهزأة بل أي جرم هذا؟.
كثير من القصاص والكتاب يقدمون الخنساء على سائر الشعراء. فالمبرد وليلى الأخيلية يقدمنها على كثير من فحول الشعر. والحصري يصفها بأشعر نساء العرب طرأ وغيرها كثير. وليس من شك أن ما يحويه شعرها. لهو اجل ما تضمنه العربية من إثارة الكوامن النفسية، وتنبيه الشجون. وان في الاقتباس منه فائدة لا تنكر. . . نذكر أننا كنا نحادث المرحوم (الأب لويس شيخو) واتفق أن ذكرنا له عرضاً شغفنا بالخنساء أشعارها، واستطلعنا رأيه، فأجابنا رحمه الله بما مؤداه: (إن كثيراً من الأدباء يبخسونها حقها بدعوى أنها امرأة، أو لجهلهم أشعارها المتينة. بينما هي حقاً تتفوق على كثير مما لدينا من أشعار المتقدمين والمتأخرين من رجال ونساء، ولاسيما في معرض الحزن والتفجع، فهي جديرة وجوباً أن تلحظ عطفاً من جميع المتأدبين ومن شبابهم خاصة).
مما هو حري بالذكر أن في شعرها الجليل الكثير من التفنن والسهولة، ما يجعله داني القطوف، شهي السماع. وان المتأدبين ليجدون ذلك فيه، مع ما ناله من تمزيق وإهانة من الرواة، معيناً عظيماً في تملكهم ناصية العربية. ونماماً يفضح أسرارها ويقرب غموضها إليهم. ومن محاسنه قولها:
يؤرقني التذكر حين أمسي ... فيردعني مع الأحزان نكسي
على صخر وأي فتى كصخر؟ ... ليوم كريهة، وطعان خلس
فلم اسمع به رزاً لجن ... ولم اسمع به رزءأً لانس(9/568)
اشد على صروف الدهر آداً ... أفضل في الخطوب بغير لبس
واكرم عند ضر الناس جهداً ... لجا أو لجار أو لعرس
وضيف طارق أو مستجير ... يروع قلبه من كل جرس
فأكرمه وآمنه فأمسى ... خلياً باله من كل بؤس
ألا يا صخرُ لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشق رمسي
يذكرني طلوع الشمس صخراً ... واذكره لكل غروب شمس
فلولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي
ولكن لا أزال أرى عجولا ... ونائحة تنوح ليوم نحس
هما كلتاهما تبكي أخاها ... عشية رزئه أو غب أمس
وما يبكين مثل أخي ولكن ... اسلي النفس عنه بالتأسي
فقد ودعت يوم فراق صخر ... أبى حسان لذاتي وانسي
فيا لهفتي عليه ولهف أمي! ... أيصبح في الضريح وفيه يمسي؟
ومما يستحسن من شعرها أيضاً. قولها:
ألا يا صخر أن أبكيت عيني ... فقد أضحكتني دهراً طويلا
بكيتك في نساء معولات ... وكنت أحق من أبدى العويلا
دفعت بك الجليل وأنت حي ... فمن ذا يدفع الخطب الجليلا
إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا
فأنت ترى من هذا رقة وبياناً، وتجد أن فاخر شعرها قالته في صخر. وقيل أن سبب ذلك ما أتاه لها من ضروب الإحسان، يوم كان زوجها متلافاً للأموال. فكان صخر لا ينفك من إعانتها ما وجد لذلك من سبيل، وبكته هذه البكاء الذي لم يرو التاريخ مثيله في شقيق، وانظر إليها تنتقل من غرض إلى غرض، ومن معنى إلى معنى. فبينما تجدها تتأسى عنه إذ تملكها الجزع فتندبه. خذها في المطلع تذكره:
يؤرقني التذكر حين أمسي ... فيردعني مع الأحزان نكسي
ثم يغريها الحزن فتثور باكية حين تقول:
ألا يا صخر لا أنساك حتى ... أفارق مهجتي ويشق رمسي!(9/569)
يذكرني طلوع الشمس صخراً ... واذكره لكل غروب شمس
ثم لا تراها إلا وقد عادت سكينتها تلتمس العزاء من وراء سجف الموازنة بين مصيبتها ومصيبة سواها من النوائح. فتقول:
وما يبكين مثل أخي، ولكن ... اسلي النفس عنه بالتأسي
فإذا هي تعود فتذكره تحت التراب موسداً، لا يأنسه صباح ولا مساء فتضطرب وتثور معولة. باكية مسائلة:
فيا لهفي عليه! ولهف أمي! ... أيصبح في الضريح وفيه يمسي؟
من الله رحمة وشفقة للملهوف المحزون! فهو أبداً يذكر مصيبة ووطأة حزنه، ويضطرب. لا يقر له ولا يهدأ على حال! انظر إليها كيف تذكره إذ كان يضحكها ويسليها ويجلو همها. ثم اعكف وتمثل ما تفيض به الأبيات التالية من عبرات ولهفات وحسرات:
ألا يا صخر إن أبكيت عيني ... فقد أضحكتني دهراً طويلاً
بكيتك في نساء معولات ... وكنت أحق من أجرى العويلا
ثم تتمثل حماه للحي، وذوده عن الحياض. وقد عمدت الآن نصيراً ومناصراً فتجد أن بكاءه وندبه حلال واجب، ولو كره المقبحون:
دفعت بك الجليل وأنت حي ... فمن ذا يدفع الخطب الجليلا
إذا قبح البكاء على قتيل ... رأيت بكاءك الحسن الجميلا!
هكذا تعبث بها الهموم وتتقاذفها العواطف، وهي تجر الأحزان، ففي كل بيت جميل معنى، وعظيم مغزى. وفي كل بيت خيال رائع، وجمال ذائع:
أبت عيني وعاودها قذاها ... بعوار فما تقضي كراها
على صخر وأي فتى كصخر؟ ... إذا ما تاب لم ترأم طلاها
حلفت برب صهب معملات ... إلى البيت الحرام منتهاها
لئن جزعت بنو عمرو عليه ... لقد رزئت بنو عمرو فتاها
فتى الفتيان ما بلغوا مداه ... ولا يكدي إذا بلغت كداها(9/570)
له كف يشد بها وكف ... تجود فما يجف ثرى نداها
فمن للضيف أن هبت شمال ... مزعزعة تناوحها صباها
والجأ بردها الاشوال حدباً ... إلى الحجرات بادية كلاها
أحاميكم ورافدكم تركتم؟ ... لدى غبراء منهدم رجاها؟
فلم أملك غداة نعي صخر ... سوابق عبرة جلبت صراها
ترى الشم الغطارف من سليم ... يبل ندى مدامعها لحاها
على رجل كريم الخيم أضحى ... ببطن حفيرة صخب صداها
ليبك الخير صخراً من معد ... ذوو أحلامها وذوو نهاها
ويبك عليك قومك لليتامى ... وللهجاء أنك ما عناها
ليبكوا تشتجر العوالي ... بكأس الموت ساعة مصطلاها
فقد فقدتك طلقة فاستراحت ... فليت الخيل فارسها براها
وكنت إذا أردت بها سبيلا ... فعلت ولم يتممها هواها
فأنت ترى مما أوردناه. تشعب الأغراض وتناقل الأخبار دون تنافر المعاني وكم وكم في طيات ديوانها وشوارد أبياتها من معنى دقيق وخيال رائع، وجمال فاتن، وأذن فأنت لا شك توافق أنها نعم الخليل واصدق رفيق. وأوفى صديق وأنت تحكم أن في مصاحبتها غنى في الألفاظ وسمواً في التعبير وتأصلا في الاطلاع ونستطيع أيضاً أن نقول في غير حرج ولا خوف لائم. إنها تفوق أشعار معاصريها الجاهليين - إذ إن منبع الشعر عند الخنساء فاضت ثائرته في انصرام الجاهلية قبل انبثاق الإسلام. لذا يعد شعرها جاهلياً - في تربية الأفكار وتغذيتها. أفيحسب القارئ العزيز أننا نجد في الجاهلية افضل من هذه ذوقاً، ومعنى وجلاء:
كنا كأنجم ليل وسطها قمر ... يجلو الدجى فهوى من بيننا القمر
يا صخر ما كنت في قوم أسربهم ... إلا وانك بين القوم مشتهر
فاذهب حميداً على ما كان من حدث ... فقد سلكت سبيلا فيه معتبر!
لعلي أراك بعين بصيرتي، تلحظي لحظاً شديداً، وتمر على شفتيك بسمة تهكم، وتقول لي بشدة وحدة: (هلا علمت أن هذه الأبيات تروى لصفية الباهلية وان بيتها الأول يروي لمريم بنت طارق ووو. . . وألا ترى فيها كذا وكذا من(9/571)
تنعت وافتئات القصاص، وان الكثير من أمثاله يروى لغيرها وان عدة أبيات قد وردت في ديوانها، شطرها الأول يستهل بهذه:
(على صخر، وأي فتى كصخر. . .)
ترى كل هذا، ثم تأتي تحدثنا بفضل هذا الشعر، وهو كله مصنوع. . . لا أعارضك في
كونه منتحلا، ولكن على رسلك ياصاح، فنحن لو وددنا أن نبحث عن شعر صحيح الرواية لضاع تعبنا سدى، وأنفقنا العمر هباء منثوراً، ولما وفقنا لاستخلاص بيت الصحيح واحد من أشعار الجاهلين ومخضرميهم ونحن نعلم ما يعترضنا من العقبات الجسام، وما يكثر في طريقنا من المهاوي العميقة. ولو أردنا أن لا نتكسب الشعر إلا من معين صحيحه لوجوب أذن نفقد آدابنا أوفر كنز، واعز طرفها من المتقدمين، ولاضطررنا أن نترها أهم أعضائها.
أذن فأنت إمام أمر بارز، لا مماطلة ولا تلون فيه. هو أن في اجتناء أشعار المتقدمين فائدة عظيمة. وأذن لا لوم ولا حرج علينا إذا ما وصفناها بأنها تحفة مفيدة ثمينة لمن يقتنيها. ونخص شعر الخنساء في المقدمة:
فكأن الألفاظ فيه وجوه ... والمعاني ركبن فيه عيوناً
بركات في 2 ديسمبر سنة 1928م
ميشيل سليم كميد
تحية العلم
(للصف الخامس)
يا أيها العلم الأعلى نحييكا ... فدم رفيعاً مطاعاً أمر داعيكا
كن مطمئناً وفوق العز مرتكزاً ... وأعلم بانا بسيف الشعب نحميكا
أنا بني العرب لا نخشى إذا اضطرمت ... نار الحروب وبالأرواح نفديكا
سوى علوك لا نرضى ومأربنا ... ألا ينال لك الأعداء تحريكا
حماك فرض علينا لا نخل به ... فنحن بالحرب والأجبار نوفيكا
وخذ علينا عهوداً أن تكون لنا ... عزاً ومجداً ومأوى فخرنا فيكا
فدم لقوم ذوي سعي تليق بهم ... رمواً شريفاً يردوا بأس راميكا
أحيوك بعد جهاد قد أحاط به ... كل المصائب فاستكبر بمحييكا
مصطفى جواد(9/572)
الراية واللواء وأمثالها
الراية هي العلم ويقال فيها (الغاية) كما في قول عنترة العبسي بمعلقته:
ربذ يداه بالقداح إذا شتا ... هتاك (غايات) التجار ملوم
قال أبو زيد محمد بن أبي الخطاب القرشي الراوي لهذا البيت: (ربذ: أي خفيف والغايات: الرايات، والتجار: أهل الخمر، ملوم: الذي يكثر لوامه على أنفاق ماله) وقيل: (الغاية: الراية المنصوبة). ونحن نعتقد أن اصلها خرقه تجعل على قصبة، وتنصب في آخر المدى الذي تنتهي إليه المسابقة؛ ومن ذلك ما في قول الإمام علي - ع - يصف الإسلام: (رفيع الغاية، جامع الحلبة) ويقال للراية أيضاً: (الحقيقة). كما في قول عنترة:
ومشك سابغة هتكت فروجها ... بالسيف عن حامي الحقيقة معلم
قال أبو زيد القرشي: (المشك: المسمار، والحقيقة: الراية) وكذلك ما في مختار الصحاح. ويقال أن الراية في الأصل مهموزة، لكن العرب آثرت ترك الهمز تخفيفاً ومنهم من ينكر هذا القول ويقول: لم يسمع الهمز ومن ينعم النظر في بيت عنترة الأول يعلم أن الخمارين في الجاهلية كانوا يضعون لتجارتهم رايات، وكان للبغي الرقحاء في الجاهلية راية أيضاً، قال معاوية بن أبي سفيان لأبي يزيد عقيل بن أبي طالب - رح - (يا أبا يزيد فما تقول في؟). قال (دعني من هذا) قال معاوية (لتقولن) قال: (أتعرف حمامة؟) قال (ومن حمامة يا أبا يزيد؟) قال: (قد أخبرتك) ثم قام فمضى، فأرسل معاوية إلى النسابة فدعاه، فقال له: (من حمامة؟) قال النسابة (ولي الأمان) قال: (نعم) قال (حمامة: جدتك أم أبي سفيان كانت بغياً في الجاهلية صاحبة راية). فقال: معاوية لجلسائة: (قد ساويتكم وزدت عليكم فلا تغضبوا)، وكان عقيل قد ثلب أنسابهم واحداً واحداً لبادرة سيئة بدرت منهم إليه وكان نسابة علماً.
قال الطرحي في مجمع البحرين: (الراية: هي التي يتولاها صاحب الحرب(9/573)
ويقاتل عليها واليها تميل المقاتلة، واللواء علامة كبكبة الأمير تدور معه حيث دار) قلنا: ويجوز إطلاق اسم أحدهما على الآخر، وإذا أريد التخصيص قيل (اللواء الأعظم) ويطلق على الراية أيضاً (البند) وهو العلم الكبير في الأصل ولفظه فارسي معرب، فهو وان كان مقيداً بالكبر فيجوز تسمية الراية به.
رايات الدول الإسلامية
راية الجيش ملاذ له عند التفريق والاضطراب ومجمعة لقلوبه وعلامة لتمييزه عن غيره ومفخرة له حيث التقدم واحمرار البأس بالموت الأحمر ومهيجة للنفس ومشجعة للقلوب، فكأين من جيش أنهزم لسقوط رايته وكم خميس تشتت بقتل صاحب لوائه، لذلك كان القائد والأمير والملك والخليفة لا يسلم رايته إلاَّ إلى رجل وثيق أيد شجاع يتقدم بها إلى عدوه بقلب صبور وعزم غيور ويرى الموت سلماً إلى الفخر وشامخ الذكر، على أن منهم من كان يحمل الراية ابتغاء وجه الله وطمعاً في الآجر. قال الحصين بن المنذر: (أعطاني علي - ع - ذلك اليوم (يوم صفين) راية ربيعة وقال: باسم الله سر يا حصين وأعلم أنه لا تخفق على رأسك راية مثلها أبداً، هذه راية رسول الله - ص -) قال: (فجاء أبو عرفاء جبلة بن عطية الذهلي إلى الحصين وقال: (هل لك أن تعطيني الراية أحملها لك فيكون لك ذكرها ويكون لي أجرها؟) فقال الحصين: (وما غناي يا عم عن أجرها مع ذكرها) قال أبو عرفاء: (إنه لا غنى بك عن ذلك، ولكن أعرها عمك ساعة فما أسرع ما ترجع إليك) قال الحصين: فقلت أنه قد أستقتل وأنه يريد أن يموت مجاهداً. فقلت له خذها. . . فشد وشدوا معه فقاتلوا قتالاً شديداً فقتل أبو عرفاء - رح - وشدت ربيعة بعده شدة عظيمة على صفوف أهل الشام فنقضتها.
وقال الإمام علي - ع - في صفين لأصحابه: (ورايتكم فلا تميلوها ولا تزيلوها ولا تجعلوها إلاَّ بأيدي شجعانكم المانعي الذمار والصبر عند نزول الحقائق أهل الحفاظ الذين يحفزون برايتكم ويكشفونها. يضربون خلفها وأمامها ولا يضيعونها).(9/574)
والرايات في زمن النبي محمد - ص - لم تكن ذات لون واحد فمنها (العقاب) وهي راية سوداء لها حظ من أسمها، ففي يوم فتح مكة أقبل رسول الله - ص - معتجراً ببرد حبرة وعليه عمامة سوداء ورايته سوداء ولواؤه أسود حتى وقف بذي طوى وأمر بركز اللواء عند الركن وفي زاوية عند الحجون والعقاب هي الراية التي دفعها علي - ع - إلى أبنه محمد بن الحنفية يوم الجمل، وقال لحسن وحسين - ع - إنما دفعت الراية إلى أخيكما وتركتكما لمكانكما من رسول الله - ص - وكان النبي - ص - في الرايات إلى السواد أميل. ففي صفر من سنة (37) بحرب صفين رفع عمرو بن العاص شقة خميصة سوداء
في رأس رمح فقال ناس: هذا لواء عقده له رسول الله - ص - فلم يزالوا يتحدثون حتى وصل ذلك إلى علي - ع - فقال: أتدرون ما أمر هذا اللواء؟ إن عدو الله عمراً أخرج له رسول الله - ص - هذه الشقة فقال: من يأخذها بما فيها؟ فقال عمرو: وما فيها يا رسول الله؟ قال: أن لا تقاتل بها مسلماً ولا تقربها من كافر، فأخذها، فقد والله قربها من المشركين وقاتل بها اليوم المسلمين.
وفي حرب صفين كانت راية الإمام علي - ع - سوداء أيضاً. ولما دفعها إلى هاشم بن عتبة بن أبي وقاص المرقال وأخذ مالك الأشتر النخعي يحرضه على الحرب وهاشم يتقدم قال عمرو بن العاص (إني لأرى لصاحب الراية السوداء عملاً لئن دام على هذا لتفنين العرب اليوم فلعل هذه الراية هي العقاب أيضاً، ويؤيد احتمالي هذا قول الأشتر إذ ذاك لأصحاب علي - ع - (وأعلموا أنكم على الحق وأن القوم على الباطل، إنما تقاتلون معاوية وأنتم مع البدريين قريب من مائة بدري سوى من حولكم من أصحاب محمد، أكثر ما معكم رايات قد كانت مع رسول الله (تقدم خبر راية ربيعة) ومعاوية مع رايات قد كانت مع المشركين على رسول الله. . .).
على أن رسول الله - ص - لما جهز جيش مؤتة جعل الراية بيضاء وفيها(9/575)
يقول كعب بن مالك الأنصاري:
ساروا أمام المسلمين كأنهم ... طود يقودهم الهزبر المشبل
إذ يهتدون بجعفر ولواؤه ... قدام أولهم ونهم الأول
وكانت راية ربيعه المذكورة (حمراء) قال نصر بن مزاجم (وحدثنا عمرو أبن شمر قال: أقبل الحصين بن المنذر (تقدم ذكره) يومئذ وهو غلام يزحف براية ربيعه - وكانت حمراء - فأعجب علياً - ع - زحفه وثباته فقال:
لمن راية حمراء يخفق ظلها ... إذا قيل: قدمها (حصين) تقدماً؟
ويدنو بها في الصف حتى يديرها ... حمام المنايا تقطر الموت والدما
وقرأت في شهر حزيران سنة (1931) في كتاب مذكرات المستشرقين بصفحة 343 ما صورته: (وبراية بني أمية البيضاء وأعلام بني العباس السود) فعلمت أني مخطئ في قولي ب (9: 421) من لغة العرب:
فذا الاحمرار علامة لأمية ... تلك التي هلكت بشر حسام
وسبب اعتقادي أن الحمرة شعار الأمويين قول المبرد (ويروى أن معاوية أبن أبي سفيان لما نصب يزيد لولاية العهد أقعده في قبة حمراء فجعل الناس يسلمون على معاوية ثم يميلون إلى يزيد. . .) وبهذا وهمت إلى ذلك، على أني كنت قرأت في ص 100 من صناعة الإنشاء لعز الدين علم الدين الشامي سنة (1927 - 1345) قوله (إن العلم العربي المربع الألوان هو رمز للتاريخ العربي والحضارة ذلك لأن اللون الأبيض يذكرنا بالدولة والحضارة العربية الأموية والأسود بالدولة والحضارة العباسية والأخضر بالدولتين والحضارتين الأندلسية والفاطمية والأحمر بالدول المغربية والهاشمية) فلم ألتفت إلى قوله لخلو كتابه من المسند التاريخي، ولخطأ في قوله، فالصواب أن أقول: (فذا الابيضاض علامة لأمية) والحكمة في مخالفة الألوان هي الدلالة على مخالفة القلوب والتباين في الحروب،(9/576)
وإذ كانت الدولة الراشدية العلوية شعارها السواد أتخذ معاوية البياض وكان معاوية في صفين يجلس في قبة بيضاء وإياها يعني الإمام علي - ع - بقوله كما في نهج البلاغة: (وعليكم بهذا السواد الأعظم والرواق المطنب فأضربوا ثبجه فأن الشيطان كامن في كسره وقد قدم للوثبة يداً وأخر للنكوص رجلاً، فصمداً صمداً حتى ينجلي لكم عمود الحق (وأنتم الاعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم) الأخير من القرآن.
وكان حريث بن جابر في صفين نازلاً بين الصفين في قبة له حمراء يسقي أهل العراق اللبن والماء والسويق ويطعمهم اللحم والثريد فمن شاء أكل ومن شاء شرب.
وكانت علامات جند العراق (الصوف الأبيض) وعلامات جند الشام (الخرق الصفر) وعلامات بعض الخيالة في عسكر معاوية الخضرة.
أما سبب اتخاذ العباسيين السواد شعاراً فما جاء في الحديث النبوي من طرق مختلفة وبصور متعددة من طلوع الرايات السود من قبل المشرق وبها لمهدي صاحب الزمان الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً. ولما أشرف عبد الله بن علي العباسي يوم الزاب في المسودة وفي أوائلهم البنود السود تحملها الرجال على الجمال البخت وقد جعل لها خشب الصفصاف والغرب بدلاً من القنا، قال مروان الحمار لمن حوله: (أما ترون رماحهم كأنها النخل غلظاً أما ترون أعلامهم فوق هذه الإبل كأنها قطع الغمام السود؟) وكان
العباسيون يظهرون للناس أن تمكنهم من الدولة الجديدة يكون باباً لحكم المهدي صاحب الأمر وذلك مسايرة لاعتقادات سواد الناس واحتيالاً للبحبحة، ولا أرى للمنصور سبباً حمله على تلقيبه أبنه محمداً ب (المهدي) سوى قطع ذلك الاعتقاد واثبات أن أبنه هذا هو المهدي الموعود وما أسرع ما قتل الشريف محمد بن عبد الله المحض النفس الزكية الملقب المهدي وإبراهيم أخاه لاحتكار المهدوية لأبنه ولتصفية الخلافة من هذا العكر المشفي بها على الفساد (على اعتقاده).(9/577)
ويروي أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني قول أحد الأئمة الاثني عشر عن عبد الله المذكور (هذا مهدينا أهل البيت).
وتعصب الخلفاء العبابسة للسواد تعصباً شديداً فقد روى الأصمعي أن أبا أسحق إبراهيم بن محمد الفزاري دخل على هارون الرشيد. وأبو يوسف القاضي جالس إلى يساره فقال (السلام عليك يا أمير المؤمنين ورحمة الله وبركاته) فقال الرشيد: (لا سلم الله عليك ولا قرب دارك ولا حيا مزارك) قال: لم يا أمير المؤمنين؟ قال: أنت الذي تحرم السواد. قال: يا أمير المؤمنين. . . ووالله ما حرمت السواد. فقال الرشيد: فسلم الله عليك وقرب دارك وحيا مزارك أجلس أبا أسحق، يا مسرور ثلاثة آلاف دينار لأبي أسحق، فأتى بها فوضعت في يده فأنصرف وكان السواد واجباً في ألبسة رجال الدولة حتى الكتاب.
ولم يكن استشعار العبابسة للسواد مانعاً لبعضهم من اتخاذ الحمرة في الرايات فقد رئيت أعلام حمر في جيش المعتمد على الله المحارب للناجم علي بن محمد صاحب الزنج الدعي المفسد في أرض الله، قال أبو جعفر محمد بن جرير الطبري: (حدثني محمد بن سمعان قال: كنت في تلك الحال (حال إجراء الزنج لسفن الغنائم وغرق بعضها وسلامة بعض) واقفاً مع يحيى (بن محمد البحراني) على القنطرة، وقد أقبل متعجباً من شدة جرية الماء وشدة ما يلقى أصحابه من تلقيه بالسفن (كذا لعلها تقليبه للسفن). فقال أرأيت لو هجم علينا عدو في هذه الحال؟ من كان يكون أسوأ حالاً منا؟ فوا الله ما انقضى كلامه حتى وافاهم (كاشهم) التركي في جيش قد أنفذه معه أبو أحمد (طلحة الموفق بن المتوكل) عند رجوعه من الأبله إلى نهر أبي الأسد يتلقى به يحيى فوقعت الصيحة واضطربت الزنج فنهضت متشوفاً للنظر فإذا (الأعلام الحمر) قد أقبلت في الجانب الغربي من نهر العباس ويحيى به
فلما رآها الزنج ألقوا أنفسهم جملة في الماء فعبروا إلى الجانب الشرقي.(9/578)
وأتخذ الأمويون بالأندلس البياض مخالفة للعباسيين، وكان في كل أمورهم حتى في الحزن على الميت وقد أستسن الأندلسيون ذلك من عهد الأمويين وفي ذلك يقول أبو الحسن علي بن عبد الغني الفهري الحصري المعروف بالقيرواني المتوفى سنة (484) بطنجة.
إذا كان البياض لباس حزن ... بأندلس وذاك من الصواب
ألم ترني لبست بياض شيبي ... لأني قد حزنت على شبابي
ولمخالفة السواد والبياض أتخذ المأمون الخضرة شعاراً عند مبايعته الإمام علي أبن موسى الرضا - ع - بولاية عهده وقيل: بل لأنه لباس أهل الجنة فلم تطل أيامه حتى سمه العباسيون بائتمارهم أو بأمر المأمون نفسه وقد اتفقت في الشعار هذا مخالفته غيره ومشابهته للباس أهل الجنة، ولعلهم استدلوا على ذلك بقوله تعالى في سورة الإنسان (وجزاهم بما صبروا جنة وحريراً. . . عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شراباً طهورا) وبقوله - جل من قائل - في سورة الرحمن (متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان) وقوله تعالى في سورة الكهف (أولئك لهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثياباً خضراً من سندس وإستبرق متكئين فيها على الأرائك. . .) وفي الحديث النبوي (إن أرواح الشهداء في حواصل طير خضر تعلق من ثمار الجنة) وفي رواية (من ثمر) فالخضرة عمت من في الجنة حتى ما فيها من الطيور - على ما ذكروه -.
أما خضرة العلائم لأكثر العلويين الفاطميين فليست من الكتاب ولا من السنة ولا معروفة لهم من القديم وإنما حدثت في مصر سنة (773) أحدثها الملك الأشرف شعبان من دولة الأتراك. وخضرة العمائم أحدثها السيد محمد الشريف المتولي، باشا مصر، سنة (1004) وذلك لما دار بكسوة الكعبة والمقام وأمر الأشراف أن يمشوا أمامه وكل واحد منهم على رأسه عمامة خضراء وإنما(9/579)
اختيرت العلامة الخضراء للأشراف لأن الأسود شعار بني العباس والأصفر شعار اليهود والأزرق شعار النصارى والأحمر مختلف فيه فقال في ذلك جابر بن عبد الله الأندلسي الأعمى صاحب شرح الألفية:
جعلوا لأبناء الرسول علامة ... إن العلامة شأن من لم يشهر
نور النبوة في وسيم وجوههم ... يغني الشريف عن الطراز الأخضر
وقال الأديب شمس الدين محمد بن إبراهيم الدمشقي:
أطراف تيجان أتت من سندس ... خضر بأعلام على الأشراف؟
والأشرف السلطان خصهم بها ... شرفاً ليعرفهم من الأطراف
ولما أستحوذ العباسيون على الخلافة واستبدوا بها دون العلويين وأخذوا يقتلون بعضهم ويسجنون بعضاً، ثأر أهل الحفاظ منهم وذوو العزة والشمم الباذخ فاتخذوا البياض شعارهم في كل قطر ومصر وبلد تمكنوا منه ولذلك سموا (المبيضة) وفي القاموس: (والمبيضة كمحدثة فرقة من الثنوية لتبييضهم ثيابهم مخالفة للمسودة من العباسيين) وهذا غلط محض فأن كانت السياسة الشوهاء ارتكبته فلا يجوز للعلم أن يتحمل خطأها معها وإلاَّ فمتى كان أبناء رسول الله - ص - حملة السنة ومعدن الإسلام (ثنوية)؟ قال المبرد (وقال عبد الله (بن أبي عيينة) لعلي (الخارصي) بن محمد (الديباج لحسنه ويلقب المأمون) بن جعفر (الصادق) بن محمد (الباقر) بن علي (زين العابدين) بن الحسين (الشهيد) بن علي (المرتضى) بن أبي طالب (شيخ الأبطح) وكان دعاه إلى نصرته حين ظهرت المبيضة فلم يجبه فتوعده، فقال عبد الله:
أعلي إنك جاهل مغرور ... لا ظلمة لك لا ولا لك نور(9/580)
أكتبت توعدني إن استبطأتني ... إني بحربك ما حييت جدير
فدع الوعيد فما وعيدك ضائر ... أطنين أجنحة البعوض يضير؟
وإذا ارتحلت فأن نصري للالى ... أبواهم المهدي والمنصور
نبتت عليه لحومنا ودماؤنا ... وعليه قدر سعينا المشكور
ولعمري أن لهذا الشاعر الكاذب لمندوحة عن هذه التهمة الباطلة السافلة ولكن بماذا كان يتقرب إلى العبابسة؟ فبفساد الملك تفسد الرعية وبسوق الباطل تعرض البواطل ولعن الله السياسة وحب الرياسة.
وللأديب المؤرخ أحمد بن عبيد الله الثقفي المتوفى سنة (314) كتاب (المبيضة) وهو مقاتل الطالبيين، ذكر أبن زنجي أنه كان يجيئه ويقيم عنده وسمع منه أخبار المبيضة وغيرها ولما استولى جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله الفاطمي على مصر وطرد
الأخاشدة حضر رسوله ومعه (بند أبيض) وطاف على الناس يؤمنهم ويمنع من النهب. فهدأ البلد وفتحت الأسواق وسكن الناس كأن لم تكن فتنة. فدخل جوهر بعد العصر وطبوله وبنوده بين يديه وشق مصر ونزل في مناخة (موضع القاهرة اليوم) وأختط موضع القاهرة وقطع خطبة بني العباس عن منابر الديار المصرية وكذلك اسمهم من السكة وعوض عن ذلك باسم مولاه المعز وأزال الشعار الأسود وألبس الخطباء (الثياب البيض) وجعل يجلس بنفسه كل يوم سبت للمظالم وأذن المؤذنون ب (حي على خير العمل) وكان عمر بن الخطاب - رض - قد أسقطها من الأذان لاجتهاد رأى فيه صلاحاً للمسلمين.
وكان من شعار سلاطين الشراكسة بمصر عمامة ملفوفة بصنائع مكلفة (كذا في الأعلام، ولعلها: بصبائغ مكففة) يجعلون في مقدمها ويمينها ويسارها شكل ستة قرون بارزة من نفس العمامة ملفوفة من نفس الشاش يلبسها السلطان في مواكبه وديوانه ويلبس قفطاناً من فاخر الثياب على كتفه اليمنى طراز مزركش بالذهب وكذلك على كتفه اليسرى ويحمل على رأسه قبة لطيفة وفي(9/581)
وسطها طير صغير يظلل السلطان بتلك القبة وهذه النبذة وأن لم تكن من موضوع مقالنا فهي إليه أقرب وبه أمس.
ومذ نشأت حكاية واقعة الطف وقتل الإمام الحسين بن علي - ع - أخذ عوام الفرس في إيران وعوام الشيعة بالعراق يحملون في مناحاتهم السيارة أعلاماً سوداً للدلالة على الحزن وقد تكون حمراً وخضراً ويطرزون فيها جملاً دينية أو عاطفية مثل (أشهد أن لا آله إلاَّ الله. . .) و (يا شهيد كربلاء) و (يا أيها الحسين الشهيد المظلوم) و (يا قمر بني هاشم أبا الفضل العباس) و (يا الله، يا محمد، يا علي، يا فاطمة، يا حسن، يا حسين) ومن الأعلام ما نقش عليه (كف مقطوعة) أو تكون الكف من الشبه في رأس القناة إشارة إلى قطع جيش يزيد لكفي العباس بن علي حتى حمل القربة بفمه، ويجعلون ذلك أقوى مشبة للأحزان، وفي يوم عاشوراء حين ينقسم (الحاكون) قسمين: جيش يزيد وجماعة الحسين، يحمل جيش يزيد الأعلام الحمر ويلبس لباساً أحمر خيالته ورجالته، وجماعة الحسين تلبس لباساً أخضر وتحمل رايات سوداً لكي تمتاز الفرقتان إحداهما عن الأخرى، وفي مقارىء مقتل الحسين للرجال تنصب أعلام سود رمزاً للكآبة من فقده - كما قدمنا)، ولا زال المداحون (وهم ثلة عاطلة تتكسب بمدح الأئمة الاثني عشر وذكر مصائبهم) يحملون في القرى أعلاماً وعلى
رؤوس عصيها أو قباها كف العباس من الشبه أيضاً.
وللأحباش في البصرة أيام معلومة عندهم يحتفلون فيها بعادة اعتادوها ثم يخرجون في الجواد والطرقات يضربون بآلات الطرب الهمجية وينشدون أناشيدهم باللغة الحبشية ومعهم الأعلام المختلفة الألوان، ونحن نعرف أن للحبشة رقصة اسمها (الدركلة) وهي لبني أرفدة منهم وقد قال لهم رسول الله - ص - حينما رآهم يرقصونها (جدوا يا بني أرفدة لكي تعلم اليهود والنصارى أن في ديننا فسحة) ولكن هذه غير تلك وأحسبها باقية عندهم من زمن خروج الناجم علي بن محمد المذكور) بالبصرة واتخاذه أكثر جيشه من الزنج حتى سميت الواقعة (حرب الزنج) وهي أول مطالبة للسود بحقوقهم البشرية والله المستعان.(9/582)
مدن العراق القديمة
فنسان م. ماريني
- تابع -
من الناصرية لجش شربولا (تل اللوح)
يذهب الزائر إلى الناصرية بقطار ينعرج عن محطة أور، ثم يواصل السفر بقارب مسافة ثلاثين ميلاً.
يرى هذا الموقع المهم جداً في الضفة الشرقية من شط الحي على نحو ثلثي طوله من دجلة إلى الفرات. وتحيط الروابي هنالك بمنطقة طولها نحو ميلين ونصف في عرض ميل وربع، ويمتد محور التلول من الشمال إلى الجنوب، وحول التلول سور حفر بعضه، وهو القسم الواقع في غربي تل الهيكل والباب الغربي المحصن.
ويرى تل (جرسو) وهو القسم الأقدم من المدينة في وسط التلول، ووقع (دي سارزيك) القنصل الفرنسي في البصرة هنالك على مذخر (أور ننة) الشهير (2900 ق. م) الذي كان أقدم بناء دنيوي يعرف في شمر حتى حفر القصر الشمري في كيش. ونقب (دي سارزيك) في (لجش) من حين إلى آخر من سنة 1877 إلى 1891: وكانت الحكومة الفرنسية تعضده، و (أور ننة) أقدم ملك في (لجش)، إذ ظهرت أخبار معاصرة له، بيد أن أصل المدينة يرجع إلى قبل زمن ذلك الملك، لأنه ظهرت شقف الخزف الملون في الطبقات الأول من تل (جرسو).
ويقع هيكل (تنجر سو) آله الري، وزوجته (ننة) ملكة المياه تحت(9/583)
التل الشمالي، ويبتدئ تاريخ هذا المعبد منذ زمن (أور باو) الفاتشي في (لجش) في أثناء مملكة (أكد) (2700 ق. م). ووقع المنقبون الأهلون الذين حفروا في غياب (دي سارزيك) في تل خزانة كتب الهيكل بالقرب من (جرسو) وفي الجنوب الشرقي منه على ما يقارب ال 35. 000 صفيحة مشوية من عهد (انتمنا) (2800 ق. م) وبعده.
وقد أمست (لجش) من أنفع مواضع (شمر) و (أكد) ومن أكثرها نتاجاً. ولم يستخرج (دي
سارزيك) عدداً كثيراً من تماثيل المستماز الكبيرة للفاتشين (القضاة الكهنة) القدماء فحسب، بل وقع على نصب النسور الشهير، الذي أقامه (ايناتم) في نحو أوائل القرن التاسع والعشرين ق. م، كعلامة فارقه بين تخوم (لجش) وتخوم (أما) (راجع أيضاً ما يخص (أما). وكذلك عثر (دي سارزيك) على أخبار أعمال (جودياء) الجليلة: المدونة بالخط المسماري على مواشير من صلصال مشوي. وكان معظم (الفاتشين) في لجش (رجالاً مهرة، مع أنهم لم يحوزوا على سيادة سهل شنعار بأجمعه، اللهم إلا واحداً منهم. وقيل أن (ايناتم) قهر (كيش) و (أكشك) (أوفس) و (ماير)، و (أيناتم) وأيناتم هو الذي حفر قناة ليفصل أراضي (لجش) عن أراضي (أما)، كما أنه أقام نصب النسور، ذيالك الحجر الفاصل بين تخوم المملكتين. على أن هذه الانتصارات لم تدم طويلاً وأن كانت الرواية عنها صحيحة. ويتضح أن أبن أخيه المسمى (انتمنا) كان ذا مساع جليلة. إذ رأى أن (لجش) لن تنجح ولن يتمهد لها سبيل الرخاء ما دامت تعتمد في ريها على إحسان جار طموح ثابت العزم. وعليه صمم على أن يجلب الماء إلى مدينته من دجلة بدلاً من الفرات. ولهذا الفاتشي فضل على العراق لسديد رأيه ولإنشاء (شط الحي) فيه، وعقب (انتمنا) أربعة من الفاتشين. ثم قام رجل أسمه (أركاجنة) ويظهر أنه أتخذ لنفسه لقب ملك، ولكن يبين من سوء حظه أنه مال إلى البناء، وتقويم الحالة الاجتماعية أكثر مما مال إلى الحرب. وبينما هو في حين غرة من أمره إذا (لجل زجسي) ورجاله هجموا ذات يوم على(9/584)
(لجش) وفتحوها، وكان (لجلزجسي) الفاتشي في (أما) (2778 ق. م) امرؤاً قديراً كثير المطامع، ظفر بالنصر في معارك آخر واثبت نفسه فاصبح ملكاً في (شمر) (سلالة (أرك) الثالثة).
ولما أفضت إمرة (لجش) من (أرك) جارها الفتاك إلى مملكة (أكد) التي عقبتها، ومنها إلى حكم سلالة (جوتيوم) (لعله من الحثيين؟) الدمث قام هناك فاتشي آخر اسمه (جودياء) (2600 ق. م) ونال سمعة بعيدة، ويظهر أنه تفرغ لآداب اللغة وفن البناء، واثر كل التأثير في ديانة (شمر) حتى أن الغير تحدوه بعد وفاته، ولم تحز (لجش) مجداً يذكر بعد ذلك الحين بيد أنها هجرت بالمرة بعد عصر (حمرب) وتركت اخربتها حتى حكم السلوقيين في القرن الثاني قبل الميلاد.
وحفر (كلدواي) بعض الحفر في مدينتين واقعتين في ضواحي (لجش) سنة 1887، هما
(ننة) (زرعل) و (اور ازجا) (الحبة) وتقعان على نحو ثلاثين ميلاً عن (لجش) وفي الشمال الشرقي منها، ولكنهما أحرقتا وأخربتا فأصبحتا مقربتين كبيرتين.
مواقع آشورية القديمة
من سامراء:
اكشك، أو في (تل أبير) - (في اليونانية اوفس)
لم ترد إلينا إلاَّ أنباء قليلة عن (اوفس) التي عثر عليها في (تل أبير) مؤخراً ويقع هذا التل على اثنين وعشرين ميلا من جنوب شرقي سامراء. واهم ما يعرف عن (اوفس) علاقتها العسكرية بالحصون التي شيدها (نبو كدراصر) ليرد بها غزوات الماذيين. ويتيسر اقتفاء اثر أطلال الجدار الماذي ل (نبو كدراصر) وأنت واقف في (اوفس) فترى تلك الأطلال في جوار المدينة. ويجتاز القطار بهذا الجدار في موضع يقع على خمسة عشر ميلا من جنوب شرقي سامراء.
وكانت (اكشك) مقر سلالة متقومة من ستة ملوك، وكانت سلالة (اكشك) معاصرة لسلالة (أرك) الثانية ولسلالة (كيش) الثالثة، ويتضح أن هتين الدولتين قهرتا (اكشك) في الحرب. كما أن (ايناتم) ملك لجش يدعي(9/585)
أنه أخضعها في نحو ذلك الزمن.
ولا يعرف من أخبار (اكشك) في أواخر عصرها سوى أنباء قليلة، إلاَّ أن (استرابون) ومؤلفين آخرين ذكروها في كتبهم، وكانت (اكشك) قائمة بين (بابل) و (آشورية). وكان موقعها هذا حرجاً من وجهة موطنها، ويقتضي أنه طرأ عليها كثير من التقلبات لما قام بين آشورية وبابل من الحروب الطويلة طلب كل منهما لسيادة القطر.
وقد ظفر (كورش) العظيم بجيش (بلشصر) بن (نبونيد) في (اوفس) سنة 539 ق. م. فتم بذلك ما أنذرته اليد الكاتبة على الجدار (دانيال 5: 5) ومر (زينفون) بهذه المدينة لما تقهقر بعد محاربة (كناسة) ووفاة (كورش) الأصغر (400 ق. م).
من قلعة شرقاط:
آشور (قلعة شرقاط أي شهر قرد)
هي على أربعة أميال بالسيارة من قلعة شرقاط
ذاعت شهرة آشور وعرفت بأول قصبة لمملكة آشورية، ولكن يرجع تاريخ المدينة إلى فجر عصر شمر. إذ أنه اكتشف هنالك عدد غير قليل من التماثيل من زمن (أور ننة) الفاتشي في لجش (2900 ق. م). ولا جرم أن مدن آشورية بناها (آشور) بن (سام) الذي هاجر من سهل شنعار في أثناء حكم قريبه (نمرود) وذلك على ما ورد في التوراة (سفر الخلق 1: 10).
وكانت (آشور) قائمة على حيد من حيود جبل حمرين، وفي سفحه بحيرة نشأت من خزن مياه دجلة هنالك. فتألقت في أيام عزها أيما تألق. ولو وقفت فوق الزقورة (إي خر سجكركرة) أي (الجبل الأكبر، ودار البلاد جميعها) لتمكنت من قنفاء رسم البلدة وحوض البحيرة، وكتل الصخر المبعثرة بين أطلال الشوارع والبيوت، وفي أطراف الهياكل والمحصنات والمسنيات، تذكر الزائر أنه ترك سهل شنعار، وتريه أن الآشوريين كانت لديهم مواد غير اللبن لإقامة أبنيتهم.
وقد فحص (السر هنري لايرد) هذا الموطن سنة 1846، كما أن (رسام)(9/586)
مساعدة الهمام حفر فيه سنة 1853 و1878، ولكننا آخذنا اكثر أخبارنا عن تلك المدينة من الجمعية الألمانية في الشرق التي ابتدأت بالعمل هنالك برئاسة (اندري) سنة 1902. وقد اقتفي اثر الشارع الرئيس فضلا عن خطة القصور والهياكل. وعثر في رصيف الشارع المبلط على عدد كثير من أنصاب صخر ظراف الشكل، وخطت عليها بالخط المسماري أخبار ملوك آشور وزعمائها في أيامها الأول، تلك الأيام التي كانت آشور تخاف فيها دائماً الغزوات. وتتوق في الوقت عينه إلى خلع نير بابل عن عاتقها ذيالك النير الممقوت، فأخذت تتمرن في فن المحاربة، الفن الذي استعملته بعدئذ بكل قساوة وعنف.
وطرأت على هيكل (آشور) رب الحرب الأعظم وزوجته (إشتر) المحراب تقلبات عديدة في خلال تاريخ آشورية المترجرج، واخذ اسم المدينة من اسم هذا الإله، وأعاد (سرجون) ملك (أكد) ذلك الهيكل، وكذلك (فوزور آشور) ملك آشورية بعده، وهو الذي حاط (المدينة الجديدة) بسور منيع كبير سنة 1500 ق. م. وتلك المدينة قسم (آشور) الجنوبي، وبنى (شلمن اصر) الأول المعبد مرة أخرى بقرنين بعد ذلك الزمن (1276 إلى 1257 ق. م)
لان البناء الأول احرق في إحدى الغزوات، ودون ذلك الملك أخبار الهيكل القديم بالخط المسماري على نصب هيصمي (رخام أبيض شفاف)، ولكنه نقل عاصمته واتخذ (كالح) مقراً له، وشيد فيها قصراً هائلاً، أقامه في موضع يسهل الدفاع عنه.
واشتدت شوكة آشور في ذيالك الزمان فاستعدت لتظهر بأسها؛ فحمل (شلمن اصر) حملات متتابعة على الارميين الزاحفين إليه وكبح جماحهم، واحتل (كركمش) و (كبادوكية) وقام (تكلتي ننرته) الأول الذي عقب (شلمن اصر) ودوخ بابل وسبى تمثال الرب (مردوك) من الهيكل (إي سجلاً) (راجع ما يخص بابل). ولذا انقرضت سلالة الملوك الكشيين الطويلة المتقومة من ستة وثلاثين ملكاً، ولكن نصر آشورية لم يدم كثيراً، إذ نشأت سلالة جديدة في بابل (1169 ق. م) وكان (نبو كدراصر) الأول اشهر ملوكها (1146 إلى 1123 ق. م) وكان الحظ متبادلاً بين المملكتين المتزاحمين حتى(9/587)
قهر (تغلث فلاشر) الأول (1100 إلى 1060 ق. م) بابل مرة أخرى، وكان ذلك الملك محراباً جليلاً. وقد زحف في البلاد حتى وصل إلى سواحل بحر الروم وجدد آشور وأعادها إلى سابق مجدها واتخذها مقراً لمملكته، ووقع (رسام) في اسفل الزقورة على اسطوانات مخطوط عليها اسم هذا الملك بالخط المسماري ولكن لما توفي (تغلث فلاشر) أذعنت آشورية وبابل لبطش الارميين الذين استفحل آمرهم، ولم ترد إلاَّ أخبار قليلة من مصير آشورية بعد ذلك الوقت حتى بان اسمها حيناً آخر في القرن التاسع ق. م.
ومن ضمن المخطوطات اللطاف العداد التي اكتشفت في آشور، نسخة فيها اسم (امرأة القصر)، (سموراماة)، وتظهر أنها كانت امرأة جليلة القدر، ذات صولة نافذة، ولعلها الصورة الأصلية لروايات اليونان الخيالية المتعلقة ب (سمير أمس) الفتانة القديرة، المرأة التي أسست بابل وأثبتت نفسها سيدة العالم المتمدن.
وعثر الألمان في آشور على لحود غير قليلة من ملوك آشورية. وكانت نواويسهم المتخذة من الصخر الضخم، موضوعة في سراديب مبنية بالآجر تحت أرض القصر.
حضرة (الحضر)
تبعد عن قلعة شرقاط بنحو خمسة وعشرين ميلاً وهي في شمال غربيها، ويصعب الوقوف عليها
من الواضح أن أخبار (حضرة) الأول لا تزال مجهولة. ولعل (حضرة) كانت في الصحراء بلدة مألوفة في أيام مملكة آشور وبعدها. ولكن لما ظهر الفرثيون اتخذوها حصناً لهم لحماية التخوم الغربية من غزوات الرومانيين، فحفروا حواليها خندقاً، وأداروا عليها سوراً منيعاً محصناً ثخين البناء، وتصفح المباني العامة هنالك عن إحكام بناء، ومتانة إتقان، ولكنها لا تنطق ببهاء ما، كما انه لا يرى فيها أي زخرف سوى طائفة بديعة من طيور منحوتة وعنقاوات وثيران برؤوس بشرية تألقت بها الجدران في إحدى الردهات، وربما كانت تلك الردهة القصر نفسه، وتؤثر هذه الآخرية تأثيراً عجيباً في من يزورها، مع أنها منفردة(9/588)
كل الانفراد، ومجردة من جميع مزاياها.
ولما قهرت سلالة الفرس الساسانية مواليها الفرثيين سنة 226م أبيدت (حضرة) وهجرت بالمرة.
من الموصل:
نينوى (قويونجق، نبي يونس)
(نينوى الوارد ذكرها في التوراة: يونان 1: 2)
ترى على ضفة دجلة المحاذية للموصل، وعلى مسافة قريبة من تلك الضفة رواب وتلول طويلة الامتداد واطئة، وهي كل ما بقي من نينوى العظيمة وسورها الهائل الذي كان يطوقها، وقد بلغت دائرته اثني عشر ميلاً. وكانت نينوى القصبة الرابعة لمملكة آشور، وهي الأخيرة وبلغت المملكة أوج علاها في تلك المدينة، وأصبحت دار آثام وفساد، فأرسل الله إليها النبي يونان ليوعظ في سكانها، والقصور الكبار المحصنة التي شيدها كل من الملوك الثلاثة: (سنحاريب) و (اسرحدون) و (آشور بنيبل) تقع تحت التلين الرئيسين، الفاصل بينهما النهير المسمى (خوسر).
وحفر حفر كبير في شمالي (تل قويونجق) قبيل نصف القرن الماضي. وأول من نقب هنالك (بوتا) وكيل القنصل الفرنسي في الموصل سنة 1842 وواصل الحفر بعده (السر هنري لايرد) و (رسام) و (لفتس) و (سمث) في مواقيت شتى، ونقب في ذلك الموطن زمناً قصيراً سنة 1904 (ل. و، كنك) رحمه الله، واكتشف قصر (سنحاريب) في شمالي التل،
وأما قصر (آشور بنيبل) في جنوبيه، ولا يرى من هذه الحفريات الآن غير بعض النقر والخنادق ودفن المنقبون مرة ثانية ما لم يستطيعوا حمله، إذ أن أعراب تلك الأصقاع كثيراً ما يرغبون في المرمر المنحوت طالبين كسره وإحراقه ليحصلوا على البورق أو النورة، كما أن الطبيعة أعانت دفن هذه العروض دفناً ثانياً.
ولا ريب في أن هذه القصور الآشورية، كانت على جانب عظيم من البهاء وكان منظرها مدهشاً من جهة الصناعة، لما كان فيها من أبواب مثلثة الطيقان وبجانبها ثيران عظام مجنحة برؤوس بشرية؛ والكل يلصف بالزليج. فضلاً عن الجدران(9/589)
المنحوت أسفلها نحتاً، مرسوماً فيه مواقع الملك في الصيد. وبطشة في الحرب. ويظهر أن المملكة جمعت كل مواردها من أدوات وحذاق، لتقوم بهذا العمل. ولم يغفل ملوك آشورية عن الغنى الطبيعي في البلاد التي قهروها، ولا عن أي مورد فيها، على انهم كانوا يغضون النظر عن إثبات أر كان حكمهم في تلك المستعمرات، غير انهم كانوا ينفون قهراً عدداً كثيراً من السكان المغلوبين، وفي الحقيقة لم تكن حروبهم سوى غزوات عظيمة، يقومون بها بمهارة عسكرية عجيبة، وكان يقع فيها مظاهر مروعة. حتى انهم يغتصبون من المقهورين اغتصاباً قاسياً مجموعات من الحيوان والنبات النفيس والأشجار، ويعودون بها بمنزلة جزية لهم. وقد رسم ذلك في المنحوتات، وبينها صور الحرب والصيد وأتقنوا حفر تلك الصور اتقاناً بارعاً يفصح عن رشاقة ولباقة لا تريان في رسومهم للإنسان. ويرى في اسطوانة صلصال مشوي، محفور عليها بالخط المسماري. إن (سنحاريب) لم يفاخر بأعماله في الحرب وبقصره فحسب، بل يروي عن حدائقه النباتية، حتى انه زرع فيها القطن الذي أتى به من الهند ويقول: (والأشجار التي حملت صوفاً جزوها، ومشطوا الصوف فاتخذوا منه ملابس).
وكان (سنحاريب) يترك مملكته دائماً ليقوم بحملاته العسكرية. فقد حمل على سورية سنة 701 ق. م، بعد أن اخمد ثورة قامت في بابل. ودوخ مدن (فنيقية)، ثم استأنف سيرة واتى إلى فلسطين ودوخ (عسقلان) و (لا كيش) وبلداناً كثاراً آخر، ثم عمد إلى (أورشليم) فاستولى الجزع على (حزقيا) ودفع إليه كل ما في بيت الرب من ذهب وفضة بمثابة جزية له. (2 سفر الملوك 18: 14 إلى 16). ولكن لما زحف إلى مصر رجع القهقري لأن الطاعون انتشر في جنده (2 سفر الملوك 19: 35). ثم زار (سنحاريب) (مردوخ بلدان)
الملك في بابل، وغلبه في معركة قامت في (كيش) فسبى الآشوريين بابل (686 ق. م) وشارك العيلميون نصيب البابليين المقهورين.(9/590)
مراث وأشعار قديمة مخطوطة
مراث وأشعار إلى غير ذلك، وأخبار ولغة عن أبي عبد الله محمد بن العباس اليزيدي عن أبي حبيب، وعن عمه الفضل عن اسحق بن إبراهيم الموصلي وغيره وقد سمعت ذلك اجمع من أبي عبد الله، هممت والحمد لله، وفيه جميع ما سمعه أبو عبد الله بن أبي حرب المهلبي، وعدة قصائد في اختيار الفضل والاصمعي، ذكر ذلك أبو عبد الله بن مقلة، ونقلته من اصله بخطه وكتب محمد بن أسد بن علي القارئ سنة ثمان وستين وثلاثمائة.
وفي الحاشية ما حروفه: بخط أبي أسد شيخ ابن البواب، ويلي ذلك تعاليق لعدة رجال، والأسانيد منسوبة إلى أصحابها. أما محتويات هذه المخطوطات فهي:
1 - قصيدة زياد بن سليمان الاعجم، ويكنى أبا إمامة الخ، يمدح المغيرة بن المهلب. وقال الأصمعي أنها للصلتان العبدي. قال أبو عبد الله: حضرت عمي وهو يقرؤها على ابن حبيب وأنا اسمع. أولها:
قل للقوافل والغزي إذا غزوا ... والباكرين وللمجد الرائح.
وهي 77 بيتاً.
2 - قصيدة لأبي زبيد الطائي واسمه حرملة بن المنذر، وكان نصرانياً يرثي ابن أخيه اللجلاج. (والقصيدة مشهورة وترى في جمهرة الأشعار) وهي في 59 بيتاً:
3 - قصيدة أعشى باهلة؛ وهو عامر بن الحرث، ويكنى أبا قحفان، ويقال أنها للدعجاء أخت المنتشر ترثي أخاها (وهي مشهورة أيضاً) وهي في 33 بيتاً. ثم زاد هذا الخبر:
قال أبو عبد الله اليزيدي: قال لنا ابن حبيب المنتشر الذي رثاه أعشى بأهلة، قتله هند بن أسماء بن زنباع من بني الحرث بن كعب، وكان المنتشر أسره فسأله أن يفدي نفسه فأبطأ بالفداء، فنذر المنتشر ألا يأتي عليه هلال إلاَّ قطع منه أنملة أو يفدي نفسه فأبطأ عليه فقطع أنملة. ثم أبطأ فقطع أخرى؛ فخرج المنتشر(9/591)
يريد ذا الخلصة، صنماً يحج إليه، فأسرته بنو الحرث. ثم آمنوه، فقال هند ابن أسماء: أتؤمون مقطعاً، وإلاَّ هي لا أومنه، ثم قتله وغلمته.
4 - قصيدة متمم بن نويرة التميمي يرثي أخاه مالكاً وقتل في الردة (والقصيدة مشهورة في المفضليات) وهي في 52 بيتاً. ثم زاد خبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه مع متمم.
5 - قصيدة أبيرد بن المعذر الرياحي يرثي أخاه بريداً، أولها:
تطاول ليلي لم أنمه تقلباً ... كأن فراشي حال من دونه الجمر
(وأورد القالي هذه المرثية في أول الجزء الثالث من أماليه) وهي في 47 بيتاً وهذه القصائد كلها مشروحة.
6 - وقرأ عليه عمي الفضل وأنا اسمع:
نعى ناعياً ليلى عشياً فراعني ... وللقلب روعات لها القلب خافق
وهي في 9 أبيات.
7 - وقرأ عمي على أبي حبيب أيضاً وأنا اسمع:
معاوي أن تلق الذي كنت لاقياً ... وتمس بك الدنيا مضت فتولت
وهي في 4 أبيات.
8 - قرأ عمي الفضل بم محمد على أبي جعفر محمد بن حبيب، وأنا اسمع لبعض طيء.
بوادر دمعك ما تنزف ... كأنك من جمة تغرف.
- وهي 28 بيتاً.
ثم أورد فوائد لغوية، ثم قال: أنشدنا أبو جعفر: قال أنشدنا ابن الأعرابي لسمعان بن مسيكة:
لقد رزئت كعب بن عوف وربما ... فتى لم يكن يرضى بشيء يضيمها
وهي في 4 أبيات.
9 - وأنشدنا أبو جعفر لزبان بن سيار الفزاري:
ولسنا كعوم محدثين سيادة ... يرى مالها ولا يحس فعالها
بيتان. ثم يأتي بنبذ من الأشعار، فيها بيتان لاوس بن حجر، ثم قال:(9/592)
وأنشدنا الشمردل ببن شريك، يرثي أخاه وائلاً وهي مختارة من الاصمعيات (قلنا: ولا وجود لها في الأصمعيات المطبوعة)، أولها:
لعمري لئن غالت أخي دار فرقة ... وآب إلينا سيفه وحمائله
وهي في 43 بيتاً.
10 - وأنشدنا ابن حبيب لدريد بن الصمة الخ. يرثي أخاه عبد الله قتلته بنو عبس، وهي
من مختارة الأصمعي (قلنا: وهي موجودة في المطبوعة) أولها:
أرث جديد الحبل من أم معبد ... بعاقبة وأخلفت كل موعد
وهي في 31 بيتاً.
11 - قصيدة بن الريب، يرثي نفسه: (أولها) وهي مشهورة
ألا ليت شعري هل أبيتن ليلة ... بجنب الغضا أزجي القلاص النواجيا
وهي في 53 بيتاً.
12 - انشد ابن الأعرابي ليرثن الصموتي:
يعيب أبو البويب أظل نابي ... وما نقب بمنسمها بعاب.
وهي في 5 أبيات.
13 - قصيدة لمحمد بن يحيى بن منصور الذهلي، أولها:
بني مطر أفني رجالكم الدهر ... ففي كل ثغر من كهولكم قبر
وهي في 5 أبيات.
14 - أنشد محمد بن حبيب لطريف ببن المخلوق العبسي، أولها:
فان الذي تبكين قد حال دونه ... تراب وزوراء المقام دحول
وهي في 6 أبيات.
15 - قرأ عمي الفضل على ابن حبيب، وأنا اسمع للشمردل، يرثي أخاه. أولها:
أخ لي لو دعوت أجاب صوتي ... وكنت مجيبه أنى دعاني
وهي في 7 أبيات.
16 - قال يربوع بن حنظلة، يرثي أخاه مازن بن مالك بن عمرو بن تميم وكان أخاه لأمه، أولها:
كيف بقاء المرء بعد ابن أمه ... إذا برقت أوصاله كالمحاجن(9/593)
وهي في 3 أبيات:
17 - وقرأ عمي الفضل على أبن حبيب، وأنا اسمع للنهيب:
بكيت أبن ليلى وابنه ورأيتني ... أحق الآلي كانوا معي ببكاهما
وهي في 4 أبيات:
18 - وقرأ عمي الخ. لرجل من بني نهشل:
لعمري لئن أمسى يزيد بن نهشل ... حشا جدت تسفي عليه الروائح
وهي في 5 أبيات.
19 - وقرأ عمي أيضاً على ابن حبيب، وأنا اسمع لمضرس بن سليط:
ابكي على زفر إن كنت باكية ... وصاحبيه بكاء المثبت الوجع
وهما بيتان.
. . . قال أبو جعفر: أبو سعد أحد وفد عاد الذين قدموا إلى مكة يستسقون فنزلوا على معاوية بن بكر العمليقي، فأقاموا أشهراً يشربون، تغنيهم الجرادتان، وهما جاريتاه قينتاه، ثم مضوا إلى الكعبة، فقال لهم: إنكم لن تسقوا حتى تؤمنوا بهود، صلى الله عليه. وكان أبو سعد يكتم دينه وأيمانه، فقالوا لمعاوية أبن بكر: أحبس عنا أبا سعد، فأنه قد صبا (أي صبأ) إلى هود فتبعهم. فلما استسقوا نودوا: إن اختاروا، ونشأت ثلاث سحائب، بيضاء، وحمراء، وسوداء. فقالوا: أما الحمراء، فأنه لا شئ فيها. وأما البيضاء فربما أخلفت، ولكن السوداء فنودوا: اخترتم رماداً رمدداً، لا تبقي من عاد أحداً، لا والداً، ولا ولداً، فتمنوا لأنفسكم. فقال قيل: أتمنى أن يصيبني ما يصيب قومنا، فقال لقمان بن عاد: أتمنى عمر سبعة أنسر. فأعطي ذلك، وأما قيل فصب عليه حجر، فقتله، وأما أبو سعد فتمنى الصدق والوفاء فأعطيهما، فمات مؤمناً. . .
ثم يأتي بفوائد لغوية، وأنشد أثناءها رجزاً لحكيم بن معية (بالتصغير) أحد بني المجر (كمنبر) بن ربيعة الجوع، ثم رجزاً لعقيل بن علفة (وزان قبرة) المري أبن أخي نابغة (كذا) الذبياني، ثم جاء بأربعة أبيات للخنساء أولها:
أنا باك عليك للمعروف ... ولكر الكماة بين الصفوف
ثم قال: أنشدنا أبن حبيب لنهشل بن حري (وزان بري) يرثي أخاه مالكاً،(9/594)
وكان معه لواء بني حنظلة، مع علي رضي الله عنه يوم صفين، فقتل. أولها:
أرقت ونام الاخلياء وعادني ... مع الليل هم في الفؤاد وجيع
وهي في أحد عشر بيتاً.
ثم بعدها فوائد لغوية. وأورد غبراً للفرزدق مع خالد بن عبد الله القسري فخر فيه الفرزدق
بمضر على اليمن.
سنت أوغستن (سياغبرج) ألمانية. ف. كرنكو
الزهور
كأن جماعات الزهور بنبتها ... حزيق بنيات خرجن لتعييد
زهور تغذي النفس بالحسن كلما ... رنوت إليها واستمعت لتغريد
وتشبه تيجان الملوك إذا اعتلوا ... عروشهم والدر يزهو بتنضيد
وأن لاعبتها الريح حتى تعانقت ... حكت غيباً عادوا إلى الأهل بالعيد
فلا تحرم النفس التنزه بينها ... فأن عذاب النفس ليس بمحمود
جمال وعطر واخضرار وحمرة ... إلى صفرة أو شهبة ذات توريد
مصطفى جواد
الحر حر
دأب الشريف سياسة الإيضاح ... وتبحث الإخلاص والإصلاح
وعزازة في نفسه مزدانة ... بجميل تضحية لنيل نجاح
إن أسكتوا منه اللسان فإنما ... يحيون فيه بطشة السفاح
ما غير الأقطار مثل تنابذ ... يقضي على النذل الخؤون الماحي
إذ قيمة الإصلاح في ثوراته ... متطوراً متدرج الإصباح
يا ثلة بجحت بخدمة موطني ... مع أنها مفقودة الإصلاح
تتهافتون على الفساد كأنه ... طهر لأنفسكم وريح أقاحي
مصطفى جواد(9/595)
الرضم في شمالي العراق
مقدمة
في جبال الكرد في الجهة الشرقية الشمالية من العراق يلقى السائح من حين إلى حين مناظر طبيعية خلابة تأخذ بمجامع القلوب. فهناك تتكلل رؤوس الجبال الشامخة بالثلوج شتاء وتبقى آثار الثلوج إلى أواسط الصيف. وهناك في الجبال البعيدة عن البليدات والقرى ترى الجبال مكسوة أشجار العفص والبلوط وأشجار الفواكه والأثمار التي غرستها بد القدرة من زعرور وكمثرى وجوز ولوز وبطم وسماق وغيرها وأشجار أخر غير مثمرة تصلح للنجارة والوقود قد ظللت مجاميع من الأعشاب والأزهار مختلفاً ألوانها. وهناك أودية ومنحدرات تنساب فيها المياه صافية كاللجين، وتكون أحياناً شلالات صغيرة لطيفة يطرب خريرها. أضف إلى ذلك أنواعاً من الطيور. كل تلك المناظر البديعة التي لا يختفي بعضها عن عين المسافر إلاَّ ويظهر له غيرها تجعله لا يمل السفر في الربيع وأوائل الصيف ولا يحس بالتعب فيلازم طريقه جذلاً مستنشقاً هواءاً صافياً لا بل عبيراً منعشاً.
ولكن ما منحته الطبيعة هذه البقعة المباركة لا يتناسب معه ما قامت به يد البشر من العمران. فليس هناك من طرق معبدة إلاَّ في اتجاهات معينة والى مدى محدود. وليس هناك من مدن حديثة وقرى أنيقة ومنازل جمعت وسائل الراحة والرفاهية. بل جل ما هناك بليدات من الطراز القديم وقرى حقيرة وأكواخ بائسة.
على أن السائح الباحث يجد في كثير من المواقع آثار مهمة تاريخية، لا بل آثار ما قبل التاريخ. يجد هنا وهناك كثيراً من خرائب القلاع وغرفاً ومساكن وصهاريج منقورة في الصخر، وبعض آثار الآشوريين والفرس وغيرهم وأخرى أقرب عهداً، وهذه الآثار كثيرة لا تقع تحت حصر، والبحث عنها يستغرق زماناً طويلاً ويستلزم تأليف مجلدات عدة.
موضوع البحث
غير أني أقصد في هذه العجالة ذكر آثار عادية عجيبة صادفتها في بعض أسفاري، وهي عبارة عن أبنية منفردة أقيمت في سفوح بعض الجبال لم يستعمل(9/596)
فيها شيء من مواد البناء
سوى صخور عظيمة لا يكفي لرفع الواحدة منها عن الأرض أقل من عشرة رجال شداد أو أكثر. وقد أحكم رصفها وتطبيق بعضها على بعض بحيث لا تتجاوز الواحدة الأخرى خارج البناء ولا داخله. ولم يعط للصخور التي فيها شكل هندسي، بل تركت كل صخرة على حالها بعد حذف ما يزيد عن المطلوب منها. ولكن جعل القسم الذي أقل ثخناً من الصخرة يقابله القسم الاثخن من التي تحتها والقسم المحدب من الصخرة الواحدة يلاقيه القسم المقعر من الأخرى. وقد حبكت هذه الصخور بحيث يؤلف المجموع جدراناً أربعة تحيط بفضاء على شكل غرفة كبيرة مربعة مستطيلة. ولا بد أنه كان لهذه الغرف أبواب ضيقة وسقوف من خشب وأغصان الشجر فوقها تراب كما هو الحال في ريازة مساكن الكرد الحالية. وقد سقط بعض الصخور من أعالي الجدران إلى داخل الغرفة وخارجها، وذلك أما من عمل الأعداء أو عبث العابثين أو من تأثير الزلازل العظيمة ولا أعلم الغاية من هذه الأبنية العجيبة، هل كانت مسكناً للرؤساء الأقوياء الجبابرة أم محلاً للأصنام أو مذبحاً لتقديم الأضحية للآلهة.
تسمي الكرد هذه الماديات (دهر كافره) بكسرات ثلاث في دهر وبكسر الفاء في كافره، ومعناه دير الكافر أو حصن الكافر. وتسميه نصارى قرية (برسفة) أو برسبا (أي بئر السبع بلغة عوام السريانيين) الواقعة شرقي زاخو وأهل شارنش نصارى في شماليها ب (قصر سطانا) أي قصر الشيطان. ولا يعرفون عنها شيئاً مطلقاً غير أنهم يعتقودن أنها قديمة جداً جداً.
رأيت واحداً من هذه الأبنية في الشمال الغربي من قرية برسفة يبعد عنها نحو كيلو مترين أو ثلاثة. وآخر في سفح رابية مرتفعة في الجهة الشمالية من قرية (شرانش نصارى) (لأنهما قريتان غير بعيدة إحداهما عن الأخرى، يسكن السفلى منهما كرد وتسمى (شارنش إسلام) والأخرى أعلى وهي (شارنش نصارى) هذه). ورأيت أثنين منها: الواحد قرب الآخر في سفح جبيل في شرقي (مارسيس). وهي قرية في واد بين جبال شاهقة تقع شمالي شارنش وكل هذه القرى داخلة في حدود العراق.
إن وقوع هذه الأبنية في سفوح الجبال خصيصاً تدل على أنهم كانوا يعمدون(9/597)
إلى صخور السفح فيزلمونها أي فيشذبون منها الأطراف الناتئة والزائدة عن المقدار المطلوب ويقلبونها
على الأرض إلى أسفل حتى إذا بلغوا بها المكان المطلوب وضعوه عليه وأتوا بالثانية والثالثة الخ. حتى إذا أرتفع بهم البناء دمساً جعلوا حوله وداخله تراباً كي تسهل عليهم دحرجة صخور أخرى ووضعها في المكان المطلوب. وهكذا يضعون التراب أطراف البناء كلما أرتفع حتى ينتهوا من عملهم. ثم يزيلون التراب فيبرز البناء.
لا بد من القول أن العرب عرفوا هذه الأبنية أو شيئاً من قبيلها. فقد ورد في مادة رضم في تاج العروس ما نصه: (والرضم بالفتح ويحرك وككتاب وأقتصر الجوهري على الأولى والأخيرة صخور عظام يرضم بعضها فوق بعض في الأبنية. الواحدة رضمة). وجاء فيه: (الرضيم والمرضوم البناء بالصخر) وفيه: (ذات الرضم من نواحي وادي القرى وتيماء، وذو الرضم موضع حجازي) وفيه: (رضم عليه رضماً: وضع الحجارة بعضها فوق بعض ورضم المتاع فارتضم مثل نضده فأنتضد). ويقرب من الرضام لفظاً ومعنى الركام. جاء في القرآن الكريم (ثم يجعله ركاماً) يعني السحاب أي يجمع بعضه فوق بعض. ويقرب منهما لفظ الرخام أي المرمر لأنهم يقدون منه قطعاً يجعلون بعضها فوق بعض.
إن ما تسميه الإفرنج بالأبنية الدرويدية نسبة إلى الدرويد وهو كاهن القاطيبن قبل المسيحية في غربي أوروبا والتي منها ما هو على شكل خوان عظيم مؤلف من صخرة منبسطة قائمة على صخرتين أو أربع وتسمى بال (دلمن ومنها ما هو عبارة عن صخور ركزت عمودياً وصفت بشكل محيط دائرة، أقول أن الأبنية الدرويدية وأن كانت من الأعمال الرضامية أيضاً فهي بسيطة نسبة إلى هذه الرضم (قصور الشيطان).
لا بد أن الرضم لا تقتصر على ما ذكرت ولا بد أن منها ما هو في سائر أنحاء كردستان داخل حدود العراق وخارجه وفي أراض جبلية أخرى في سائر أنحاء آسيا وأوربا وغيرهما، ولا بد أن علماء الإفرنج بحثوا عنها. ولكني لم أطلع على ما كتبوه عنها ولا أعلم بماذا أسموها. فارجوا ممن له إطلاع أن يتحفنا بمعلومات أوفى وأتم عنها وأحث السياح ومحبي البحث على مشاهدتها.
الدكتور داود الجلبي(9/598)
نظمي وذووه
جواب ووثائق جديدة
إن القضايا التاريخية يطلب فيها صحة النقل: وقدم المصدر عند تعدد النقول وخوف الزيادة والنقص، أو عند تضارب الوقائق واضطراب سندها، أو إزالة أوهام علقت بالأذهان. وفي كل هذا لا يعارض النقل إلاَّ بما يقارب الزمن المطلوب الكلام عليه، أو بما هو أقرب إليه مع التحوطات الأخرى بالوجه الذي عينه العلماء في الطريقة التاريخية.
وبعد أن تقرر هذا الأساس، وبعد أن طلبنا من القراء أن يأتوا بما لديهم عن هذه الأسرة نرجع إلى أصل النقد الذي أورده الفاضل يعقوب أفندي سركيس في الجزء الرابع والخامس من هذه السنة عما كتبته في العام الماضي. وكل ما علم من مقاله، التشكيك في النصوص التي بينتها، دون أن يبت في حكم. وهذا مما لا يعول عليه في نظر الباحثين.
ذلك ما دعاني إلى أن أناقش الفاضل ولكن بلا مجاذبة ولا مشادة؛ مجيباً عن أقواله، ومورداً الوثائق الجديدة التي عثرت عليها، إذا لم أجد مبرراً لالتزامه هذه الطريقة في الرد. ولعل التأثر من بياناتي عما جاء في مقاله، ساقه إلى هذا فصار لا يفكر في قوة الوثائق التي قدمتها.
1 - الصلة النسبية:
من المعلوم أن الصلة العلمية تثبت بالتلقي والأخذ عن أستاذ. فإذا كانت مقرونة بلحمة نسبية قويت وصارت ارثية. وقد قلت أن نظمي هو أبن بنت عهدي (8: 275) كما أني قلت أن هذا الكتاب (كلش شعراء) أزال الإبهام عن مرتضى أفندي بالتعريف في نظمي أفندي واتصاله بهذا المؤلف (عهدي البغدادي) (8: 119) والآن أقول ألم يكن كذلك؟ وإلاَّ ليس قولي بتطور الأسرة بحيث أستقل الحفدة بأسماء جديدة.
نعم قد يختلف الحفدة في القوة وحق الإرث، فيقدم من هو أقوى قرابة،(9/599)
وأقرب درجة. ولكن العلم ينتقل غير مراع هذين الشرطين في القرابة. لذا نرى الإوزيين في تحقيق تراجم الأشخاص وتدوينها، يلاحظون أدنى صلة نسبية لانتقال الإرث العلمي. ومع هذا قد
أوضحت المجمل وفصلت المبهم فبينت أن نظمي أبن بنت عهدي، وهذا صار رأس بيت قائم بنفسه. قلت: (وبعد ذلك يسدل الستار عن أولاد شمسي وأحفاده وسائر أقاربه، ويظهر للوجود نظمي وهو أبن بنت عهدي والوارث لآداب أجداده لأمه) (8: 187).
وأما اتصال مرتضى أفندي بنظمي، فيؤيده كلشن خلفاء، وكل مؤلفات مرتضى، كما أن ارتباط عبد الله أفندي بمرتضى أفندي ثابت بتاريخ (نزهة المشتاق) وبما قصه كل من الأستاذين نعمان أفندي الآلوسي ومحمود شكري أفندي الآلوسي، فانهما أوضحا الصلة التي بينهما. وقد بسطت الأدلة اللازمة عن العلاقات بقدر ما وصل إليه تحقيقي حتى أني نوهت بالختم الموقع في كلشن شعراء وذكرت أنه لمرتضى أفندي.
فللتشكيك حد والناس حرصاء على الاحتفاظ بأنسابهم، إلاَّ في مواطن لا تخلو من شائبة. أفهذا من نوعها؟
وعلى كل حال يقبل أن يأتي بما لديه من الوثائق أن كان عنده شيء من ذلك. فالنصوص التي أوردتها لا تبعد عن مرتضى، كما أن صاحب النزهة معاصر أو قريب العهد بعبد الله أفندي. والقاعدة المرعية في هذا هي: (إن كنت ناقلاً فالصحة) فلم يتعرض الناقد لهدم دليل مع أن الحق يقضي بمقارعة الحجة بالحجة، فكان الواجب عليه أن ينسب مرتضى لنظمي آخر ويحقق وجود ذلك، أو يلحق عبد الله أفندي بغير مرتضى المبحوث عنه، ويبرهن على صحة ما عول عليه.
أما قوله: (هذا ما وصلنا) فلا يبرر أن نسكت عن النقد والتمحيص وترجيح النصوص. فما وصله من الوثائق متأخر وخال عن السند. ومصدري قديم وثابت في زمن لم يزاحمه فيه نص ولم يعارضه دليل، ولذا وجهت النقد.
2 - مرتضى أفندي أكبر مؤرخ عراقي:
أني أوضحت أعمال هذا الرجل التاريخية، وطبعاً يقدر المرء بقيمة مؤلفاته(9/600)
وقد أنعمت النظر في نفس المؤلفات ولم أراجع في الأغلب ما قيل عنها بلا بينة ولا فكرت بدماغ غيري، بحيث إذا وجدت نقلاً نطقت، وأن لم أجد سكت فعندي مؤلفات
الرجل خير ترجمة له. وهذه تصلح لأن تكون مخصصاً لمكانته ودرجة علمه. وهي من اثمن النصوص التاريخية.
وهنا اسأل حضرة الفاضل: قد مضى ما يزيد على مائتي سنة على تاريخه وسائر مؤلفاته؛ فهل رأى مثله في عظمته خلال هذه المدة، وهل وجد أكبر منه أو هل وجد مؤرخاً عراقياً بلغ درجته منذ ستمائة سنة إلى اليوم؟
أن هذا المؤرخ لم يكتف بوقائع العثمانيين في عصره كما يقول الفاضل، وإنما أرخ بغداد من حين بنائها إلى زمنه وذكر أولياءها ووقائع القطر التاريخية الاخرى، واكمل سيرة الرسول (ص) وقد بينت جميع مؤلفاته، وهي تثبت ما نفاه. وأن أكثر من كتب في التاريخ عالة عليه، فلقد قدم لهم ثروة تاريخية لا يزالون يتقلبون في نعيمها. ومن راجع ما ذكرته من مؤلفاته يظهر له صحة ما قلته. وأن غمط حق هذا المؤرخ لا ينقص من قيمته وفضله.
بلغ المؤرخ جهده وبذل وسعه ولم يتصد أحد للآن من هدم أقواله في حين أنه من الميسور هدم أقوال غيره لأول حملة. فهو أكبر مؤرخ عراقي بحق وصدق ولم ينازعه من أيامه إلى اليوم منازع.
3 - ما كتب وما كتبت:
من طالع ما كتبه الفاضل قبل هذا عن كلشن خلفاء وجده مقصوراً على وصف الكتاب المعروف والمطبوع قبل أكثر من مائتي سنة، وعلى ما يمكن استنتاجه منه أو ما قيل عنه بطريق الاستدلال، ولم يبد بياناته عن أسرة المؤلف ومبدأها، ومكانتها العلمية والأدبية، بل لم يستقص مؤلفات الرجل، ولا عرف بشيء عنها وليس له وقوف عليها جميعها، فكانت المحاولات - كما قلت - لم تتعد الحدس والتخمين. وقد أشير إلى مقالة أيضاً لتسهل المقابلة.
قصدت التعريف بالأسرة، وتاريخها، وعلاقتها ببيوت أخرى علمية، وأدبية وعرفت بمعاصريهم بقدر ما رأيته لازماً، ولم يقتصر البحث على تصحيح(9/601)
التسمية، بل الغرض بيان جهات أغلفتها غيري، فالمقايسة بين القولين تعين صحة ما قلته.
4 - مغمز كلشن شعراء:
كنت قلت أن في كلشن شعراء مغمزاً أي أنه ذكرت فيه ترجمة نظمي وينبغي أن لا تذكر فيه، ولكنني بينت أنه - نظراً لقدم خطة - يظهر أنه كتب في زمن مرتضى أفندي،
وحسين أفندي آل نظمي. وذكرت أنها أدخلت مؤخراً في صلب المتن، وأن ختم مرتضى فيها، فرجحت أن تكون لأحد أولاد نظمي ثم قلت وصلت هذه النسخة إلى مرتضى.
فهل يمحو هذا المغمز قيمة هذه الترجمة، وهل تقابل وتعارض بنص متخلف عنها بنحو مائتي سنة. وأن مترجمه في كلشن شعراء لم يقف عند إيضاح المترجم واتصاله بآل شمسي، وإنما بين تفصيلاً عنه، وأستدل بأشعاره، وما عاناه في غربته وما رثاه به المعاصرون حين وفاته. وقد أوردت أبياتاً منها، فأين المغمز في هذه، وهل يصح نبذ هذه الترجمة المؤيدة بأشعاره وأشعار غيره المعاصرين له.
فنقد النسخة يوجه من جهة إضافة الترجمة إلى كلشن شعراء لا غير، والملحوظ أنه قصد منها حفظها في هذه المجموعة الموضحة لتراجم الكثيرين من أفراد هذه الأسرة ومن لهم علاقة نسبية بهم. وليس في نفس الترجمة طعن.
وكنت آمل أن يجري النقد توصلاً للحقيقة، لا أن يكون لمجرد النقد توسلاً باحتمالات بعيدة عن الواقع بمراحل.
5 - نزهة المشتاق:
إن نزهة المشتاق توضح الصلة. لا من طريق تسمية الأب وحده، بل الغرض منها بيانها عن المترجم عبد الله أفندي مرتضى، أنه من أسرة عريقة في الفضل والعلم. ومن عرف كلا من شمسي، وعهدي، ونظمي، وحسين، ومرتضى وغيرهم ممن ذكرناهم يقطع بأنها عريقة في الفضل، ولكنني لم أنشر ما قيل عنه هناك اكتفاء بما ذكره الأستاذ المرحوم شكري أفندي الآلوسي في المسك الاذفر، وبما قرره نعمان أفندي قبله في مجموعته.
وهذا لا يهدمه قول: (أو لا يمكن أن يكون مرتضى هذا غير ذاك، وليس(9/602)
لنا ترجمة بأولاد مرتضى نظمي زاده، ولا نص يفصح عن أن عبد الله هو أبن مرتضى بن نظمي ليرتفع كل ريب وتزول كل شبهة.) أهـ
وأقول لا عبرة بالتوهم البين خطأه. وأن هذا الاحتمال لا يهدم الثابت المؤيد بالقرائن، ونفس الترجمة، والزمان، والمكان، والصفة. ومن طالع ما كتبته تظهر له حقيقة المترجمين بوضوح. كما أن المسألة ليست ارثية لتحصر فيها الأولاد كافة، بل يذكر في مواطن كهذه، من ينال مكانة ويحصل على ميزة.
هذا وأن الوثائق والنصوص التي أوردها الفاضل، جاءت مؤيدة لما ذكرته وكذا الوثائق التي سأوردها مما قوى التأكد وولد عقيدة.
ولعل حضرة الفاضل يرى ضرورة لوجود اعلامات لكل طبقة في حصرهم واتصالهم. وهذا لم يسبق له نظير في كثير من البيوت المعروفة.
6 - تاريخ الحيدري:
إن الحيدري لم يبين الصلة بين البيوت. واشتقاق بعضها من بعض. أما أنا فبينت العلاقة ووجهت اللوم عليه من هذه الناحية أي عدم العلم، وإلاَّ فإنه ذكر الاثنين، أما الشهرة التي نوه بها الفاضل؛ فإنها كانت في حياة حسين أفندي، ومرتضى أفندي نظمي زاده؛ فهل من مانع أن تغطي شهرة مرتضى غيرها، ويستقل أولاده ببيت آل مرتضى، وهو هو، فتؤسس الأسرة من جديد ويكون هو مبدأ نسبه بأن علت شهرته على شهرة سابقيه. وخير الأسر من تسابق تاليها من تقدمه في الفضائل، خصوصاً نرى أن أولاد نظمي تكاثروا بحيث وقف بعضهم عند النسبة الأولى، ولهذا نظائر، فإن الفخذ الواحد قد يتفرع ويبقى قسماً منه محافظاً على اسمه الأول، وتشتهر الفروع الأخرى بأسمائها. وأمثلة هذا أكثر من أن تحصى، فغلب على أولئك آل نظمي وعلى هؤلاء آل مرتضى.
7 - وثائق جديدة عن أسرة نظمي:
ليس أسرة غير هذه الأسرة مسماة بهذا الاسم. ولو كانت لبانت ولحصل التفريق بينهما. وعندي مجموعة خطية ظفرت بها مؤخراً، وهي تحتوي على مختارات عربية، وتركية، وفارسية، من منظوم، ومنثور، وفيها بعض المنتخبات من شرح وصاف لحسين أفندي نظمي زاده، وأبيات تركية وعربية أخرى.(9/603)
وفيها بعض التواريخ، منها ما هو في تعمير ضريح الإمام علي (رض). وقد دون فيها بعض المبرات والخيرات إلى (الحاجة مريم بنت الحاج محمود نظمي البغدادي) و (رقية بنت الحاج مرتضى نظمي زاده البغدادي) وفي مكان آخر منها يذكرها بلفظ (الحاجة مريم بنت محمود النظمي المرحومة).
والظاهر من هذه المجموعة أنها تعود إلى أحد أولاد الحاجة مريم، أو رقية. ويقول في موطن منها: (والده مرحومة دار فنادن دار عقبليه انتقال ايلدى في 21 صفر سنة 1128)
ولكننا لم نتمكن أن نعرف أيهما أراد.
ومن الأسماء المدرجة بقرب الأسماء المارة: الحاج إسماعيل مالك أبن الحاج خليفة البغدادي، والحاج علي البغدادي، ولعل الأول منهما مالك المجموعة. وفيها اسم (محمود أفندي نظمي). وهذا يوافق ما جاء في وثيقة الفاضل يعقوب أفندي، وهذه المجموعة تذكر من آل نظمي (أحمد جلبي نظمي زاده) وأنه استعار كتاباً من صاحب هذه المجموعة يسمى (كنعانية) وقال عنه (كنعانية بزم نظمي زاده أحمد جلبي مزده في 25 جا سنة 1125.
وممن استعار كتباً مختلفة من قراء ذلك الزمن.
1 - محمد جلبي 2 - عمر أفندي 3 - الحاج حسن قليجي 4 - طه أفندي 5 - محمد صالح أفندي 6 - سليمان أفندي 7 - شيخ سلطان 8 - محمد جلبي جادرجي زاده 9 - مصطفى آغا 10 - يس أفندي 11 - عثمان آغا قرنداشمر 12 - كاتب حسن جلبي 13 - خواجه (لم يسمه) 14 - جادرجي زاده ملا محمد 15 - ملا أويس خواجه سراي 16 - عبد الله آغا أبن يوسف آغا 17 - عبد الله ولد خليل جلوش 18 - عبد الرحمن آغا أبن يوسف آغا 19 - عثمان زاده نعمة الله 20 - صاجلي زاده إبراهيم جلبي 21 - ملا سليمان مشقر 22 - ملا محمد جادرجي 23 - عبد الرحمن آغا قرنداشمر 24 - ملا صالح بصري 25 - ملا عبد القادر 26 - علاقبند زاده ملا محمد.
وأعتقد أن هذه الموافقة القطعية لا تبقي شكاً للفاضل في أن من ذكرهم من آل نظمي كلهم من أسرة واحدة، وأن آل مرتضى استقلوا بشهرة والدهم، وبوسع حضرته أن يشاهد المجموعة متى شاء.(9/604)
ولما كان الفاضل يقطع في أن الأبيات التي أوردها هي لنظمي، فلا مانع من أن تضاف إلى منظوماته، خصوصاً لأنها توافق زمن حياته، وكذا الوقائع التي نوه بها. وقد وجد في الوثيقة التي ذكرها بعض من ينتسب لمترجمنا. فهذه كلها مؤيدات جديدة لما جاء في مقالاتي السابقة.
وأن عدم مشاهدة أوليا جلبي له لا ينفي وجوده، وإنما هو في هذه الآونة أو ما يقاربها، اعتزل الأمور، وزهد، وأنقطع كما ذكر في ترجمة حاله. وعدم ذكر مرتضى وقائع السنتين، يفسر التزامه الاختصار، وعدم الأهمية لذكرها والضرورة الداعية. وقد فات
مرتضى أفق تفصيلات كثيرة لمراعاته الإيجاز. وهذه لا تدل على أنها لغير نظمي.
وهنا يذكر الفاضل بمراجعة كلشن خلفاء ويقابل بين القصيدة التي قدمها نظمي إلى حافظ أحمد باشا، والقصيدة التي أوردها كلشن شعراء، فيجد المطابقة الحرفية وأنهما قصيدة واحدة، ولكن لغة العرب لم تدرج المطلع، واكتفت بالتنويه والإشارة ولم تورد البيت لعجز المرتبين عن قراءة اللغة التركية. فهل يصح الاشتباه في أن نظمي غير والد مرتضى المذكور في كلشن خلفاء.
8 - الذهاب إلى الرها أو الروم:
أن الترجمة المنقولة أثر وفاته، تصرح بأنه ذهب إلى الرها. وأن صاحب كلشن خلفاء أيد هذه الجهة. والروم هنا يقصد منها البلاد التي تحت حكم الروم أي الترك، وهذا لا يحدد بمنطقة دون أخرى، حتى أن العرف اللغوي يقطع بأن المراد بالروم الترك. وأن صاحب كلشن كرر لفظ روم في صحائف متعددة ويقصد منها الترك (راجع ص 1 الورقة 73 وص 2 الورقة 74 وص 2 الورقة 72) وفي هذه الأخيرة قال:
(إن أكثر أصحاب الغيرة وأرباب الديانة - نظراً للأحوال التي سردها - اختاروا الهجرة إلى الروم، وأنهم رتعوا في النعم السلطانية. وكثير منهم نال المناصب الشريفة. . .) أهـ
ثم ذكر عن أبيه أنه اختفى بضعة أيام، ثم ترك سبده ولبده، وعاف أصحابه ودياره، وأبدل زيه، فاكتسى بكسوة درويش، مكشوف الرأس، وحافي القدم،(9/605)
ونال أنواع المشاق وبقي مكسور الجناح، ومعه أمه المشفقة، فأقام في كربلا والحلة بضعة أيام، ثم امتطى الغربة وجول في البراري والقفار، متحيراً لا يدري أين يتوجه (وقصده هنا تصوير غربته) ولم يتعرض لذهابه إلى الروم.
وفي هذه الأثناء ورد حافظ أحمد باشا للمرة الأخرى، وتوجه إليه لسابق معرفة. وهذا مما يدل على أنه لم يخرج من العراق. والحاصل توجع لوالده بما اوتيه من بيان وصور ما أصابه ليدلي بتعلقه بحكومته.
أما كلشن شعراء فأنه أعطى الإيضاحات اللازمة عن هذه، فأزال الإبهام المستفاد من الاختصار الوارد في كلشن خلفاء. والظن بأن سابق المعرفة تدل على أنه كان معه في بلاد الروم لم يدعمه دليل، مع أن حافظ أحمد باشا كان قد جاء قبل هذه المرة في أيام بكر
صوباشي. والمعرفة من هنا حصلت فلم يكن ذهب إلى الروم (الأناضول) حتى مجيء حافظ أحمد باشا. وذهابه كان في أواخر سنة 1035 أو أوائل سنة 1036. وقد هدم الفاضل نقده في كلامه الأخير خشية أن يسد عليه الطرق، فأورد احتماله قال: (إنه يمكن أنه بعد أن ذهب إلى هناك عاد إلى الرها. هذا وأن كان يجوز - من باب الاحتمال - أن يقال لعل صاحب كلشن خلفاء أراد بالروم توسعاً الرها. . .) أهـ. ولكنه لم يلتفت إلى مدلول لفظ الروم مع أنه نقل عن كلشن خلفاء: (بدر مرحوم تك وتنها ترك يار وديار محروسه، رهاده قرار أيتمش أيكن، بو أيام خير انجامده الحمد لله الملك الجواد أولاد وأحفاد وفي الجملة برك وبار ونظام معتاد أيله كيرو عودت بغداد أيدوب شاكر أو لمشدر) أهـ. والمعنى أن الوالد هاجر وحيداً، وأقام في الرها، وفي هذه الأيام - ولله الحمد - شكر الله على الأولاد والأحفاد والعودة بنعيم ونظام معتاد أي أن الله تعالى من عليه بالعودة، وعوضه بالأموال والبنين.
ويفهم من مجمل اللفظ أنه بعد أن ناله ما ناله، رجع وعوضه الله تعالى. وهذا لا يقتضي الملازمة. وحرف العطف المضمر في الصيغة العطفية (أيدوب) لا يدل على المقارنة ولا الترتيب، حتى أن (أيله) تدل على وجود جملة فعلية سابقة لها. ولو قيل أنه ذهب مجرداً وعاد بأموال وبنين لكان المعنى أنه صار له.
وإلاَّ فكيف يعقل أن يعود بأولاد وأحفاد، وتاريخ ذهابه وعودته معروفان(9/606)
وأن كلشن خلفاء لم يطعن به، ولكن النص مجمل، فلا مخالفة وأن التأويل صرف كلشن عن المعنى الصحيح. وأما ما ورد في كلشن شعراء فسوف أعربه عند سنوح الفرصة. وغاية ما أقول هنا لا يهمنا أن يأتي بأمه، أو يأتي بجماعة من أهل وعيال، إنما الغرض بيان ترجمته، وأن هذا مما لا يعلق عليه أهمية كبيرة.
9 - بين البك والباشا:
إن الفاضل لم ينظر إلى التاريخ، ولا إلى النقل، فأتخذ الغلط المطبعي، أو سهو القلم وسيلة لنقد ما هو معلوم، فأورد الترديد فالتصحيح ليبدي مهارة وهذا ما جعلني أن أعتقد أنه يحاول اتخاذ الوسائل لتأمين الغالبية، ولو من طريق واه، وإلاَّ فبعد توضح التاريخ وقائله، وذكر الاسم هل يبقى ارتياب؟ وبهذه المناسبة أراد أن يخرج عن الصدد ليتكلم عن جامع
الخاصكي، وأن كان هذا الخروج لا وجه له. وكذا يقال عن كل استطراداته. وقد لا يعود بعدها إلى المطلوب.
10 - جامع الأنوار:
قال: (ذكرته ثم ذكره العزاوي). ويريد بذلك أني أخذت ذلك عنه، ولم أنبه عليه. والحال أني كتبت مسودة سجل الأوقاف بيدي، ومن نسختي نقلت أساس الكتب إلى دفتر الأساس، وأنا وصفت المؤلفات، ونبهت عليها، قبل أن يطلع عليها هو وغيره. ومن قوله هذا تعرف درجة حرصه، وهب أنه نبه عليه، فلقد دققت النظر فيه وبينت رأيي عليه، فهل هذا من الحقوق الأدبية التي يجب الاحتفاظ بها؟ أو ممنوع أن يدقق مرة أخرى. ومن راجع ما قاله وما قلته يتبين له الفرق.
فالفاضل لم يدر أن العلم مشاع ومبذول لكل طالب، وأن ذكره لأسم الكتاب لا يمنع أن يصفه آخر حسبما يتراءى، فالتفاخر لا يأتلف هو وصفة العلم.
وهنا لا يفوتني أن أنوه بفضل الأوربيين في بث العلم. وتمكين كل طالب منه بحيث جعلوه مشاعاً. وقد طلبت مراراً تصوير نسخ خطية من المتحفة البريطانية فوردت إلي بكل سرعة، مع أن النسخ التي طلبت لا نظير لها سواها، أو لا يتيسر الحصول عليها من موطنها المعروف وجودها فيه.(9/607)
11 - الاشتراك في الشكوك:
قال: (ولست وحدي في هذه الشكوك. فالأستاذ العزاوي أيضاً مثلها. فأنه رأى أن عبد الله أفندي المفتي ينعت (بسيد) في الحديقة). وأجيب عن هذا أن ما قلته إنما كان في نسبة الأبيات إلى عبد الله أفندي آل مرتضى ونعته بسيد. والتشكيك ليس في المترجم ونسبته، بل في الصفة المعطاة له، أو في نسبة الأبيات إليه أو إلى غيره. فنظراً إلى أنه قد صرح في الأبيات أنه سبط الشيخ عبد القادر، قلت من المحتمل أنها له وأن يكون والده صاهر القادرية فصار يدعي سيداً لهذا السبب. وإلاَّ فلم أشتبه في أن عبد الله أفندي هو أبن مرتضى المؤرخ أو أبن غيره.
وعلى كل حال أشكر الفاضل على اعتنائه واهتمامه بهذه الأسرة، وبنقله الوثيقة وبعض
الأبيات، ولكنني أعتب عليه في اشتباهه بصحة ما كتبت، وفي الوقت نفسه دعت كتابته إلى بياناتي الأخيرة عن المجموعة الخطية. هذا وأكتفي بذلك.
المحامي عباس العزاوي
التركمان
التركمان جيل من الترك من العنصر التوراني يلي بلادهم بلاد خراسان في إيران وتمتد إلى خوارزم في ما وراء النهر. ولغتهم التركية وتختلف عن لغة (بلاد تركية) وديانتهم الإسلامية على المذهب الحنفي، وقسم منهم يقيم في أراضي (كركان وتسمى تركمنستان ويدعوها العرب جرجان) من إيران وهذه الأراضي خصبة وهم مولعون بشرب الشاي وأكثرهم يشتغلون بالزراعة وتربية الأغنام وكان هذا القسم منهم يغيرون على بلاد خراسان التي تجاورهم بين آونة وأخرى منذ أيام الملك ناصر الدين شاه القاجاري (في القرن الثالث عشر) غير أن جان محمد خان الذي كان قائداً للجيش المقيم في شرقي إيران في حدود سنة 1345هـ تمكن من قهرهم فخضعوا لأوامر الانبراطورية البهلوية بفضل ملكها الباسل وقد عادت السكينة إلى نصابها الذي كانت عليه قبل قرن أو أقل أو ما يزيد عليه. وفي العراق قبيلة اسمها اليعافرة تقيم في أراضي تل أعفر (تلعفر) في لواء الموصل أصلها من هؤلاء التركمان.
محمد مهدي العلوي(9/608)
فَوائد لُغَوية
نقد تاريخ الأدب العربي
- 6 -
والذي حمل عمراً على الارتداد جبروته لا ضعف إيمانه. ألا ترى أن سليمان أبن ربيعه الباهلي لما عرض جنده بأرمينية - وكان لا يقبل من الخيل إلاَّ عتيقاً - رأى عمرو بن معد يكرب على فرص غليظ، فرده وقال له: هذا هجين، فقال عمرو: إنه ليس بهجين ولكنه غليظ، قال سليمان: بل هو هجين، فقال عمرو: إن الهجين ليعرف الهجين، فكتب سليمان بكلمته التي قالها إلى عمر بن الخطاب - رض - فكتب إليه عمر: (أما بعد يا أبن معد يكرب أنك القائل لأميرك ما قلت، فأنه بلغني أن عندك سيفاً تسميه الصمصامة وأن عندي سيفاً أسميه مصمماً، وأقسم بالله لئن وضعته بين أذنيك لا يقلع حتى يبلغ قحفك) وكتب إلى سليمان بن ربيعه يلومه على حلمه عن عمرو، فلما قرأ عمرو الكتاب قال لأصحابه: (من ترونه يعني؟) قالوا: (أنت أعلم) قال: (هددني بعلي والله) وروى أبو عبيدة معمر بن المثنى في كتاب مقاتل الفرسان قال: (كتب عمر إلى سليمان بن ربيعة الباهلي أو إلى النعمان بن مقرن: إن في جندك رجلين من العرب عمرو بن معد يكرب وطليحة بن خويلد فأحضرهما لناس وأدبهما وشاورهما في الحرب وابعثهما في الطلائع ولا تولهما عملاً من أعمال المسلمين وإذا وضعت الحرب أوزارها فضعهما حيث وضعا أنفسهما. قال: وكان عمرو أرتد (كما تقدم) وطليحة تنبأ) فيستبين مما قدمنا أن جبروت عمرو غلب على عقله وأن نفسه كانت طموحاً وثوباً ولولا تهديد عمر بن الخطاب - رض - له بعلي - ع - لأحدث ثغرة في صفوف المسلمين. وحسبك من شدته أن عمر الصارم(9/609)
كان يتخوفه ويتأثر حركاته بعزم شديد وحزم مديد.
(هلع) على وزن طرب
وضبط في ص 22 قول عمرو بن معد يكرب (ما أن جزعت ولا هلعت) بفتح اللام من (هلع) والصواب: الكسر ففي المختار (الهلع أفحش الجزع وبابه طرب) وفي المصباح:
(هلع هلعاً من باب تعب: جزع) وأصل الفعل ربما كان على وزن (ولي يلي) لكن حرف الحلق في المضارع فتح العين. قال المبرد في (1: 60) من الكامل (تقول: ولغ يلغ فهذا فعل يفعل، والأصل يفعل (بالكسر) ولكن فتحته الغين لأن حروف الحلق تفتح ما كان على يفعل (بالكسر) ويفعل (بالضم) ولولا ذلك لم تقع فعل يفعل (بالفتح) وحروف الحلق ستة: الهمزة والهاء والعين والغين والحاء والخاء. وهن يفتحن إذا كن في موضع العين واللام، فأما العين فنحو سأل يسأل وذهب يذهب، وأما اللام فمثل قرأ يقرأ وصنع يصنع وسائر هذا الباب على ما وصفت لك) ويمكن أن يرد هذا الرأي الذي أحتمل بأن فعل يفعل (بالكسر والفتح) أصل في التغيرات برأسه وبابه أوسع من باب (ولي يلي) كثيراً.
أول من بكى على الديار
وقال في ص 26 بالحاشية: (ومما يدل على أن الشعر قديم العهد، قول امرئ القيس:
عوجا على الطلل القديم لعلنا ... نبكي الديار كما بكى ابن حزام
ثم نقل في ص 46 بترجمة امرئ القيس: (فقالوا أنه أول من وقف على الأطلال وبكى على الديار). فكيف لم يتنبه على أنه يستحيل التوفيق بين هذين القولين. لأن امرأ القيس يصرح في بيته المتقدم ذكره: إنه رغب في بكاء الأطلال اقتداءً بابن خذام الذي هو أقدم منه. ووقع في هذا الوهم مؤلفاً (الوسيط في الأدب العربي وتاريخ) الشيخ أحمد الإسكندري والشيخ مصطفى عناني فقالا في (ص 48) من الطبعة الأولى: (حتى ليظن أنه المبتكر لذلك) وكأنا قد ذكرا هذا البيت المبطل للدعوى (في ص 37) وأوله: (عوجا على الطلل المحيل لأننا)(9/610)
على رواية أخرى، وهذا مما يدل على أن التقليد في تاريخ الأدب العربي ما زال شاباً، فأن أبا عبد الله محمد بن سلام الجمحي البصري المتوفى سنة (232) هـ صاحب الطبقات ذكر البيت السابق كما في ص 21 من طبعة مطبعة السعادة بمصر، ثم نقل في ص 27 أنه سبق العرب إلى أشياء أبتدعها، منها: استيقاف الصحب البكاء على الديار فقلدوه، ثم أن بكاء الديار شيء طبيعي قد كان مذ عرف البكاء ونشأت الأحزان.
مصطفى جواد
المجمل في تاريخ الأدب العربي
14 - الخاتمة
وقال في ص 282: (وبعضها راويه كذاب أشر لا يوثق بحديثه كابن الكلبي) قلنا: ليس للتعصب محل في التاريخ فأن أبن الكلبي مصدر كثير من تاريخ العرب والإسلام وكتبه التي جاوزت المائتين تشهد بإقبال الناس أنفسهم مؤلفاته خاصة ولما ندر الغلط الذي غلطه؟ حتى ينصب به الأثري هذا النصب؟ وأن كان في حديثه كذب فلا يبلغ ما أختلقه (عروة بن الزبير) الذي قال عنه الأثري في ص 303 من كتابه (وروي أن عروة بن الزبير بن العوام (23 - 94) وهو من كبار محدثي المدينة وفقهائها كان أقدم من ألف في سيرة رسول الله ص) فنحن نروي أقوال بعض المؤرخين في عروة وإفساده تاريخ الإسلام. قال أبن أبي الحديد في (1: 358) من شرحه: (وذكر شيخنا أبو جعفر الإسكافي رحمه الله. . . أن معاوية وضع قوماً من الصحابة وقوماً من التابعين على رواية أخبار قبيحة في علي عليه السلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه وجعل لهم على ذلك جعلاً يرغب في مثله فاختلقوا ما أرضاه، منهم أبو هريرة وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة ومن التابعين عروة بن الزبير!!! روى الزهري أن عروة بن الزبير حدثه، قال: حدثتني عائشة قالت: كنت عند رسول الله إذ أقبل - العباس وعلي - فقال: يا عائشة إن هذين يموتان على غير ملتي أو قال: ديني!!! وروى عبد الرزاق بن(9/611)
معمر قال: كان عند الزهري حديثان عن عروة! عن عائشة في علي عليه السلام فسألته عنهما يوماً فقال: ما تصنع بهما وبحديثهما، الله أعلم بهما لأني أتهمهما في بني هاشم، قال: أما الحديث الأول - (أي حديث تكفير العباس وعلي) - فقد ذكرناه، وأما الحديث الثاني فهو أن عروة!! زعم أن عائشة حدثته قالت: كنت عند النبي - ص - إذ أقبل العباس وعلي فقال: يا عائشة أن سرك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار!! فانظري إلى هذين قد طلعا، فنظرت فإذا العباس وعلي أبن أبي طالب!!) فلعل الأثري آثر عروة بن الزبير على غيره من أجل الأحاديث العظيمة!! وقال أبن أبي الحديد في ص 360 (قال: وقد تظاهرت الرواية عن عروة بن الزبير أنه كان يأخذه الرمع عند ذكر علي عليه السلام فيسبه!! ويضرب بإحدى يديه على الأخرى ويقول: وما يغني أنه لم يخالف إلى ما نهي عنه وقد أراق من دماء المسلمين ما أراق!!) ونحن كلما
رأينا ما خطه الأثري زادت ثقتنا بقولنا: إن مرجع الدين هو الروح لا العقل. أما كون النفس أمارة بالسوء فأمر مجرب، وقل من محص دينه بعقله لأن النفس لا تدع لذلك مجالاً، وخرف وخلط من قال: إن العقلاء المهذبين براء من التعصب وهو لا يعرف مصدر الدين، أجل أن العقلاء يتفننون في كتم تعصبهم لا غير، فلو كان الدين بالعقل لا جمع العقلاء على دين واحد من متباين الشعوب. ههنا البلية العظمى والطامة الكبرى. فأنا لله وأنا إليه لراجعون ومنه نتطلب المعون.
مصطفى جواد
البخص
يظن بعض الشعوبية أن العربية قاصرة عن تأدية بعض المعاني العصرية. قال لي أحدهم: (عند الإفرنج لفظة يريدون بها تبييت اللحم الذي يراد أكله بحيث يأخذ بشيء من الانحلال. وكثيراً ما يفعلون ذلك بالتدرج. وإذا فات عليه الانحلال فقد يسم منه آكله ولا سيما في البلاد الحارة، ولم نر للعرب لفظة تؤدي هذا المعنى أي قلنا: هو البخص (بالتحريك ويجمع على أبخاص) ومنه قول المؤرخين: (مات الخليفة المهدي من أكله أبخاصاً) (راجع النجوم الزاهرة 2: 58).(9/612)
بابُ المُكَاتَبَة والمْذاكَرة
زمن ارتحال عبد العزيز بن عبد القادر
نقلتم في (9: 376) من لغة العرب عن التاج أن عبد العزيز عبد القادر الجيلي - رض - نزل بحيال من سنجار سنة (508) هـ. ولما قرأنا هذا التاريخ لم تستسغه ملكتنا التاريخية لأن أبا عبد الله عبد الرحمن بن عبد القادر - وهو أسن ولد الشيخ - كان قد ولد سنة (508) ففي التاريخ المذكور تحريف بين ولو قيل أنه نزل سنة (580) هـ لكان أقرب إلى الإمكان ولعله هو الصحيح فالمرجو منكم تحقيق هذه القضية التاريخية.
(ل. ع) أنكم مصيبون
قبر الشيخ محمد الأزهري
جاء في (9: 278) من لغة العرب عن جامع الخاصكي أنه بقرب مرقد الشيخ محمد الأزهري، قلنا: وهو مدمج في الجامع وعلى جدار حجرته من جهة الطريق ما صورته: (ألا أن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، هذا قبر المرحوم الشيخ محمد الأزهري عليه. . . وإلى روحه الفاتحة، تجدد 1310) وورد في ص 108 من بهجة الأسرار في الشيخ عبد القادر (والشيخ الفاضل أبو البقاء محمد الأزهري الصريفيني تاج العلماء والشيخ أبو أحمد يحيى بن بركة بن محفوظ الديبقي البابصري جمال العراق انتميا إليه وتحملا عنه العلم وسمعا منه في ما أخبرني الفقيه أبو نصر غانم بن غنائم بن فتح بن يوسف الهاشمي الكرخي، قال: أخبرنا الشريف أبو القاسم هبة الله بن المنصوري الخطيب فذكر ذلك وفي ص 118 من البهجة أيضاً (أخبرنا الشريف أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي(9/613)
عبد الله محمد بن أبي الغنائم الأزهري الحسيني قال سمعت والدي والشيخ الصالح بقية السلف أبا الثناء محمود الجيلاني قال: سمت الشيخ القدوة أبا الحسن علياً أبن الهيتي. . .) فهذان محمدان أزهريان. فأن عد لقب (الأزهري الحسيني) لأحمد كان صاحب القبر محمد الأزهري الأول.
البيات من سنة 629هـ
ورد في حوادث سنة (629) من الحوادث الجامعة في استعداد المستنصر بالله للتتر: (فتقدم الخليفة بخروج العساكر فبرزوا إلى ظاهر البلد وتجهزوا وساروا ومقدمهم جمال الدين قشتمر الناصري ومعه الأمراء شمس الدين قيران وعلاء الدين أيلدكز وبهاء الدين ارغش وفلك الدين زعيم البيات فساروا قاصدين مظفر الدين كوكبري صاحب أربل فالتقوا به في موضع قريب من الكرخينى (وأخطأ من قال: كرخيتا) فأقاموا هناك بقية شهر رجب وشعبان. . .) ولعل فلكاً هذا هو فلك الدين محمد بن سنقر الطويل أخو علي بن سنقر الطويل وكلاهما أمير إذ ذاك. وورد في حوادث سنة (643) (وخرج الشرابي إلى مخيمه بظاهر السور فوصل إليه رسول من الأمير فلك الدين محمد بن سنقر يزكاً يخبره بوصول المغول ومحاذاتهم له فركب في الحال وعين على من يتوجه لمساعدة فلك الدين المذكور) وفي حوادث سنة (644) جاء عنه (وفيها توفي الأمير محمد بن سنقر الطويل صاحب دقوقا).
وجاء في حوادث سنة (648) عن البيات (وفيها توفي فخر الدين عمر بن اسحق الدورقي كان يتولى أشغال زعماء البيات وينوب عنهم وكان ذا مال كثير فائض وجاء عريض بنى بشرقي مدينة واسط جامعاً كان قد دثر يعرف بجامع أبن رقاقاً وعمر إلى جانبه رباطاً وأسكنه جماعة من الفقراء ورتب فيه من يلقن القرآن المجيد ويسمع الحديث وأجرى عليهم الجرايات اليومية والشهرية، ثم(9/614)
أنشأ قريباً من مدرسة الشرابي (شرف الدين إقبال) التي بشرقي واسط رباطاً آخر على شاطئ دجلة وتربة يدفن فيها ووقف عليها وقوفاً سنية وكان قد تجاوز السبعين من عمره).
وكانت في لواء ديالى قرية اسمها (بيات) وموضعها في الجنوب الشرقي من البندنيجين (مندلي) ذكرها المستوصفي في رحلته وذكر أن النهر الذي يجتاز منها بعد أن ينبع من الجبال تغور مياهه في السهل قبل وصولها دجلة. وأكثر البيات اليوم بين كفري وطاووق (دقوقا) وكثير من أهل طاووق وقراتبة ومندلي من البيات ومنهم بيوت ببغداد وبدلتاوة وغيرهما.
وقد شاع بين الناس من الخرافات المدغمة في الحقائق أنهم إنما سموا البيات لأن جماعة منهم باتوا بماشيتهم بعد ارتيادهم مرتعاً وجاء القبيلة - وهي بمرابعها - غزو مفاجئ
فأهلكهم قاطبة ولم يبق من القبيلة سوى أولئك المنتجعين البائتين فسموا بياتاً، ولا شك في أنهم من قبائل التركمان فكلامهم التركية وأشكالهم من الجنس الأصفر ومنهم من تمذهب بالعلي اللاهية ومن أنتقل منها إلى الإمامية الاثنا عشرية لأنها تفضل عليا - ع - على كل الصحابة الأبرار وللخلاط شأن في ذلك.
خراب واسط
انتهى تحقيق الصديق الفاضل المحقق يعقوب أفندي نعوم سركيس في جريان دجلة من جهة واسط إلى سنة (961) هـ كما في (9: 6) من لغة العرب، فنقول أن (واسط) دخلت سنة (941) هـ بحكم السلطان سليمان وذلك أنه عزم على غزو بلاد العجم فأرسل قبل سفره الوزير إبراهيم باشا بعسكر عظيم وكان ذلك بعد ليلتين من شهر ربيع الأول سنة (941) ووصل إلى حلب وشتى بها هو ومن معه من العسكر وبرز عقبه الاوطاق السلطاني السليماني إلى أسكودار آخر ذي القعدة من السنة المذكورة وأستمر على السير لقمع طوائف الرافضة حتى وصل إلى (ميلاق أوجان) قرب تبريز وجاء إلى تبريز وجاء إلى استقباله إبراهيم باشا بمن معه من العسكر وتوجها جميعاً للحرب فلما وصل الركاب السلطان إلى قصبة (أبهر)(9/615)
هرب من طائفة القزلباش محمد خان ذو الفقار والتجأ إلى السلطان سليمان فحصل له التشريف والأنعام، ثم استولى البرد القارس على الجيش ونزل الثلج الكثيف وهرب الجيش العجمي ولم يقابل فلزم التوجه إلى بغداد، فلما سمع وصول العسكر السلطاني حافظ بغداد لقزلباش محمد خان، هرب وترك بغداد ومن بها من الرعية فجاءوا بمفاتيحها إلى الاوطاق السلطاني فنزل بغداد بعسكره وصارت من مضافات الممالك العثمانية وكذلك ما حولها من البلاد والبقاع والحصون والقلاع، وكذلك المشعشع والجزائر وواسط وأمر السلطان بتحصين قلعة بغداد (القعلة اليوم) وحفظها.
وقال السيد نعمة الله الجزائري كما في ص 129 من زهر الربيع (ذكر صاحب القاموس أن كسكر قصبة واسط كانت تزرع فيها الأقلام، وأقلامها حسنة جداً وينقلها التجار والمترددون إلى أقطار العالم وأطراف البلاد وكان خراجها ذلك الوقت اثني عشر ألف ألف مثقال من الذهب فيكون اثني عشر لكاً من الدنانير، يقول مؤلف الكتاب عفي عنه: واسط محسوبة من بلادنا - أعني الجزيرة - وقبل خروجنا منها كنا نكتب في أقلامها وهذه
الأعوام ذهبت منها الأقلام لفقد أهلها وعامريها وصارت الأقلام منحصرة في بلدة تستر - حرسها الله تعالى من آفات الزمان - ونحن الآن من قاطنيها) وقال في ص 319: (لما صارت الواقعة العظمى بين أهل بلادنا وهي الجزيرة وبين جنود السلطان محمد (أي محمد الرابع 1058 - 1099هـ) خرجنا منها وتوطنا البلدة المحروسة شوشتر لكن يف كل سنة يطلبنا سلطان الجزيرة لأنه كان من أهل العلم والأدب) وكان قد قال في ص 51 عن رجل صاد سباعاً وهو مجيد للرمي (وهو من أهل بلادنا(9/616)
الجزيرة وكان اغلبهم ممن له مثل هذه الحالة وقاتلوا عسكر السلطان (أي محمد المذكور) مراراً وكان الظفر لهم مع قلتهم وأما الوقعة الأخيرة بينهم وبين السلطان فقد كنت أنا حاضرها وجرى فيها من العظائم ما لا يمكن نقله ولا تسع الأوراق سطره) وقال في ص 261 (أقول: حدثني في عام تأليفي هذا الكتاب في شهر رمضان المبارك من السنة السابعة بعد المائة والآلف من أثق به. . .) فواسط فقدت أهلها وعامريها قبل سنة (1107) هـ بقليل جداً.
في الكوفية والعقال
أشرتم في (9: 381) إلى خرافة ملك الحبشة الذي زعم انه اجبر العرب على لبس الكوفية والعقال فنقول: ورد في ص 81، 82 من زهر الربيع أن هرمز ملك العجم لما دنت وفاته وامرأته حامل عقد التاج على بطنها وأمر الوزراء بتدبير المملكة حتى ولد له ولد فتملك وأغار العرب على نواحي فارس في صباه فلما أدرك ركب وانتخب من أهل النجدة فرساناً وأغار على العرب فنهكهم بالقتل، ثم خلع أكتاف سبعين ألفاً فسمي ذا الأكتاف وأمر العرب بإرخاء الشعور ولبس المصبغات وان يسكنوا بيوت الشعر وان لا يركبوا الخيل إلاَّ عراة، وورد في ص 42 من شرح قصيدة ابن عبدون انه أوقع بهم وعمهم بالقتل وما افلت منهم إلاَّ نفر لحقوا بأرض الروم وخلع أكتاف كثير منهم فسمي لذلك سابور ذا الأكتاف وأخبار سابور هذه وردت في المستطرف (1: 190) والاغاني، وليس في هذا ما يدل على تلك الخرافة مع كونه من المبالغ فيه جداً.
مقدمة شرح المقامات للمطرزي
وصفتم في (1: 268) من لغة العرب شرح مقامات المطرزي وقد وقعت إلينا مقدمة هذا
الشرح وهي في البلاغة والفصاحة والبديع والمعاني والبيان طولها (19) سنتيمتراً في عرض (14) وملاكها (47) صفحة وأكثرها بخط جميل واقلها وهو الثلاث الصفحات والنصف الأخيرة بخط عادي، أولها: (بسم الله الرحمن الرحيم يقول عبد الله الفقير إليه ناصر بن أبي المكارم المطرزي تجاوز الله عنه:(9/617)
الحمد لله المحمود على جميع الآلاء المشكور بحسن البلاء المعبود في الأرض والسماء. . .) وفي ص 44 قال: (وان عسى شذ عني من هذا الجنس ما له مثال في المقامات فاعتمادي انه يوجد في (مجموعي المحيط بجميع أقسام البديع) فان أردت أن تظفر بها محصلة فعليك به ترها فيه مفصلة أن شاء الله) فهل لهذا التأليف حظ من البقاء؟
مصطفى جواد
نظرات
في ص 458 قال الأديب يعقوب نعوم سركيس: (وتسمى اليوم التكية الخالدية نسبة إلى الشيخ خالد النقشبندي).
قال الآلوسي أنه عاد من البلاد الهندية في سنة 1231هـ (1805م) 510) والظاهر انه لم يقف على أزيد مما ذكره عن الشيخ خالد فرأيت أن أدلي بمختصر من ترجمته:
الشيخ خالد بن احمد بن الحسين النقشبندي (نسبة إلى الطريقة النقشبندية إحدى طرائق الصوفية) والمشهور انه من ذرية عثمان بن عفان، ولد في قصبة قره طاغ من بلاد شهرزور ومن اكبر سناجق بابان. سنة 1190هـ - 1776م وهاجر إلى بغداد في صباه، ورحل رحلات عديدة، وجاب بعض البلاد، فمن رحلاته رحلة إلى مكة والمدينة، ورحلة إلى الهند، وفي أيام داود باشا (والي العراق) قام برحلة إلى الشام، وتوفي في جلق في سنة 1242هـ - 1826م، وجمعت رسائله في كتاب سمي (بغية الواجد في مكتوبات مولانا خالد - مطبوع) وله مؤلفات لم تطبع - انتهت الترجمة ملخصة عن فيض الوارد للآلوسي والأعلام للزركلي.
وفي ص 470 س4: (ولان الله فرض فيه الصوم كله (؟) على المسلمين) وكلمة كله زائدة.
محمد مهدي العلوي(9/618)
أسئلة وأجوبة
جمع افعل فعلاء على فعل
الزقازيق (مصر) م. م. م. ذكرتم مراراً في لغة العرب (راجع مثلا 7: 573 و 586 و 657 و 745 و 824) أن افعل فعلاء الدال على عيب أو لون أو حلية لا تكون فعلاء صفة لموصوف مجموع أي لا يقال مثلا: ثياب خضراء بل خضر. والحال أننا وجدنا جماعة من الأقدمين يجرون على ما يخالف القاعدة التي أشرتم إليها. ودونكم شواهد على ذلك: قال في تاج العروس في مادة عجف: (وفي الأساس: نزلوا في بلاد عجفاء أي غير ممطورة) أهـ. ولم يقل في بلاد عجف. - وفي القاموس للفيروز أبادي (في مادة ك ل ي). . . (وغنم حمراء الكلى مهازيل.) ولم يقل حمر، وفي مختار الصحاح في مادة ل وب: اللوبة والنوبة بوزن الكوفة فيهما: الحرة الملبسة حجارة سوداء ومنه قيل للأسود لوبي ونوبي). ولم يقل حجارة سود. فكيف تجمعون بين ضابطتكم وبين ما نقل عن أصحاب هذه المعاجم الثلاثة: القاموس، ومختار الصحاح. وتاج العروس؟
ج. ما جاء في تاج العروس مخطوء في نقله أو في إيراده. وتتحققون الأمر من مراجعة الأساس المطبوع في مصر، فقد جاء في أول مادة ع ج ف: (نزلوا في بلاد عجاف أي غير ممطورة.) وعجاف هنا جمع عجف لا أعجف. ذكر هذا المفرد وجمعه لسان العرب. وقد يجوز أن يكون عجاف جمعاً لا عجف لكنها شاذة. قال الأزهري: وليس في كلام العرب افعل فعلاء جمعاً على فعال غير أعجف وعجفاء وهي شاذة حملوها على لفظ سمان فقالوا: سمان وعجاف. وزاد الجوهري: والعرب قد تبني الشيء على ضده كما قالوا: (عدوة) بناء على (صديقة) وفعول إذا كان بمعنى فاعل لا تدخله الهاء. . .) أهـ. وعلى كل حال فقول تاج(9/619)
العروس (في بلاد عجفاء) خطأ ظاهر. ولا نظنه من المؤلف نفسه بل من الناسخ أو من الطابع، إذ وجدنا في هذا الديوان من أغلاط الطبع شيئاً هائلاً.
وقول القاموس: (وغنم حمراء الكلى) بمعنى مهازيل غلط من الناسخ فأنه نقل (ألف) (أ) لكلى إلى ما قبلها أي إلى الراء فصير (حمر الكلى: حمراء الكلى). أما إذا كانت جميع النسخ الخطية متفقة على إيراد (حمرآء الكلى)، فلا جرم أن الغلط من المؤلف إذ لا يجوز
ذلك بل يقال: حمر الكلى، ومن العجيب أن القاموس طبع مراراً، ونقد دفعات ولم نجد أحداً نبه على الوهم الواضح. أما معزى اللغويين: أي أصحاب (محيط المحيط وأقرب الموارد والبستان) فليست بحجج. وأما بهم اللغويين (أي أصحاب معجم الطالب والمنجد والمعتمد) فأضل من معزاهم. فأنظر بعد هذا كيف يجب أن يكون اللغوي ضليعاً لكي يقول كلمته الصحيحة الصادقة في لغتنا.
وما نقلتموه من عبارة مختار الصحاح وهي (الملبسة حجارة سوداء) فصريح أنه من خطأ الناسخ، أو لا أقل من أن يكون من خطأ الطبع، لأن المؤلف نفسه يقول في مادة ح ر ر: (الحرة: أرض ذات حجارة سود نخرة كأنها أحرقت بالنار) ولم يقل حجارة سوداء. أما الذي استزل الناسخ أو الطابع في الكلام الأول فهو أصل العبارة إذ هو: (الملبسة حجارة سوداً بنصب الدال. فقرأها المسكين (سودآء) أي بالمد. فبعد هذا البسط (صرح الحق عن محضه).
تحذيف الشابورتين
س. برلين (ألمانية) قرأت في مجموعة الرسائل المسماة: (ثلاث رسائل لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفى سنة 255هـ) التي سعى بنشرها يوشع فنكل وطبعها في القاهرة سنة 1344 في المطبعة السلفية في ص 42 ما هذا نصه: (يتوهم الواحد منهم إذا عرض جبته، وطول ذيله، وعقص على خده صدغه وتحذف الشابورتين على وجهه أنه المتبوع ليس التابع والمليك فوق المالك. . .) فما معنى (تحذف الشابورتين؟ - إذ الظاهر أن ناشر تلك الرسائل لم يفهم معناها بدليل قوله في الحاشية: (كذا الأصل) ثم نقرت في دواوين اللغة على معنى اللفظتين فلم أوفق للعثور على معناهما. فهل لكم إلى أن ترشدوني إليهما؟(9/620)
ج. كل من يتولى نشر كتاب من مصنفات الأقدمين ولا يكون واقفاً على أسرار اللغة وألفاظها يشوه ذلك الكتاب كل التشويه. ويوشع فنكل هذا مسخ هذا الأثر الجليل للجاحظ إذ أظهر أنه غير مضطلع بأوضاع الأقدمين فجاءت تلك الرسائل مشحونة أغلاطاً شوهت محاسنها. ومن الجملة ما جاء في العبارة التي أشرتم إليها. إذ صحيح روايتها: (وحذف (بتشديد الذال المعجمة) الشابورتين. ومعنى (حذف تحذيفاً) معروف. يقال: حذف شعره: طرره وسواه وهو أن يأخذ من نواحيه حتى يستوي فتحسن صورة الرجل بهذا الصنع. أما
الشابورتان فمثنى الشابورة التي لم يذكر معناها أحد من اللغويين من أقدمين ومعاصرين وعرب ومستشرقين. والذي عندنا أنها من الأرمية (شافيروتا) ومعناها: حسن وجمال وظرافة وهي ضرب من قص الشعر على هيئة الرقم 7 العربي تسيل فيها القصة على وسط الحاجب. ولما كان للإنسان حاجبان كان من المحتوم أن يتخذ لنفسه شابورتين، ثم وحدها بعضهم وجعلها واحدة تسيل بين الحاجبين وأكثر ما كان يتخذها كبار الرجال في عهد العباسيين. وقد ذكر الشابورة أبو الفداء في تقويم البلدان في كلامه على البحار (ص 19 من الطبعة الباريسية): (ولأصحاب جفرافيا اصطلاح في تعريف البحور فيقولون: يمتد كالقوارة وكالشابورة وكالطيلسان ونحو ذلك. وقد صورنا ذلك وكتبنا الأسماء التي أصطلح عليها أهل الصناعة، وهي هذه. . .) أهـ. وقد صور الشابورة هنا بصورة الرقم العربي 7 صورة كبيرة. والطيلسان بصورة خابئة واسعة الأسفل عريضته. والقوارة بصورة تنور مقلوب الأسفل إلى فوق. ومن أراد التحقق فليرجع إلى الأصل الذي أشرنا إليه.
هذا ما نعلمه، ومن يعرف غير ما ذكرناه فليتفضل به علينا ونشكره سلفاً.
البانكة
بغداد. ب. م. م قبل الاحتلال الإنكليزي للعراق كان الوطنيون يتخذون للترويج في أيام الصيف مروحة كبيرة يعلقونها بسقف البيت وفي وسطها حلقة يعقد بها حبل تجر به ذهاباً وإياباً فيسير الهواء في المكان ويتجدد على الدوام، ويسمونها (البانكة فبأي لغة هذه الكلمة. وهل عرفها السلف في العراق. وما كانوا يسمونها؟(9/621)
ج. البانكة كلمة فارسية الأصل محرفة عن (بادفر) بمعناها. وكان العراقيون يتخذونها في جميع مدن العراق وكانوا يسمونها باد كار ويجمعونها على باذ كارات. قال محمد بن حازم الباهلي في (عمر كسكر) (معجم البلدان لياقوت الحموي 3: 725).
بعمر كسكر طلب اللهو واللعب ... والباذ كارات والأدوار والنخب
وقد جاءت الكلمة مصحفة في طبعة الإفرنج المذكورة بصورة باز كارات، وهو خطأ ظاهر. ويقال فيها أيضاً باد كارات بالدال المهملة. وهي من بادكر أو بادكرد الفارسية. - ومن أسمائها بالفارسية بادسوار، وخشت باد - وسماها الحريري مروحة الخيش هرباً من اتخاذ كلمة فارسية لم يستسغها. والغز فيها قائلا: (في المقامة النجرانية في ص 474 من
طبعة الإفرنج):
وجارية في سيرها مشمعلة ... ولكن على أثر المسير قفولها
لها سائق من جنسها يستحثها ... على أنه في الاحتثاث رسيلها
ترى في أوان القيظ تنطف بالندى ... ويبدو إذا ولى المصيف قحولها
قال الشريشي في تفسيرها: الخيش ثوب من الكتان غليظ. وهذه المروحة تستعمل في بلاد العراق تكون شبه الشراع للسفينة وتعلق من سقف البيت ويشد فيها حبل يدبر بها مشيها وتبل بالماء وترش بماء الورد، فإذا أراد الرجل في القائلة أو الليل أن ينام، جذبها بحبلها فتذهب بطول البيت وتجيء، فيهب على الرجل منها نسيم طيب الريح بارد فيذهب عنه أذى الحر ويستطيب به النوم، وهي فوقه ذاهبة جائية ولذلك سماها (جارية) لجريها كما أرسلت في سيرها مشمعلة أي مسرعة.
وللسري الموصلي في وصفها وصفاً شعرياً:
وخيش كما أنجزت ذيول غلائل ... مصندلة تختال فيها الكواعب
وقد اطلعت الشمائل وانثنت ... مقيدة عن جانبيها الجوانب
فقد سماها (خيشاً) كما رأيت فاستغنى بها عن المضاف. وقال أيضاً:
قد ضربت خيمة الغمام لنا ... ورش خيش النسيم بالمطر(9/622)
وقال آخر:
ومروحة تروح كل هم ... ثلثة اشهر لا بد منها
حزيران وتموز وآب ... وفي أيلول يغني الله عنها
سفر الخلق لا سفر التكوين
بيروت. س. ل كنتم تقولون في السابق (سفر التكوين) والآن أراكم عدلتم إلى القول (سفر الخلق) فأيهما الأصح؟
ج. كنا في السابق نتابع مصطلح من تقدمنا الدين يقولون جميعهم: (سفر التكوين)، ولما أنعمنا النظر في هذه التسمية من باب الاجتهاد وجدنا القول: (سفر التكوين) خطأ أو ما يقاربه. أما بعد الآن فلا نقول إلاَّ (سفر الخلق) والسبب هو: إن الأقدمين كانوا يسمون كتبهم بأول لفظة بارزة ترى في صدر الكتاب، ولقد أتفق جميعهم. حتى من سمى أول سفر
التوراة باسم سفر التكوين - على أن يقولوا في مستهل الآية الأولى من الكتاب الأول: في البدء خلق الله. . . ولم يقولوا: كون الله. . .
ولهذا حسن أن يقال: (سفر الخلق) كما قيل سورة البقرة وسورة النملة وسورة مريم إلى غيرها. - والسبب الثاني أن كون وخلق بمعنى واحد، إلاَّ أن (خلق) أشيع على الألسنة من (كون) إذ أكثر ما يقال: الخالق والخلاق والمخلوق، وقلما يقال: المكون (بكسر الواو المشددة) والمكون (بفتحها) والكائنات - والسبب الثالث: إن فعل (خلق) خاص بإخراج شيء من العدم، أما (كون) فقد يكون إخراج شيء من شيء آخر. فلهذه الأسباب ولأسباب أخر، عدلنا عن التسمية الأولى (سفر التكوين) إلى التسمية الثانية (سفر الخلق)، على أننا ندع الأقدمين ومن كانوا على آرائهم يكتبون ما يشاؤون، أما نحن فلا نقول بعد هذا إلاَّ (سفر الخلق). ولله في خلقه شؤون.
اختلاف لغات العرب
س. بعقوبا. ط. ق. ما سبب الاختلافات التي ترى في اللغات واللهجات(9/623)
العربية المنتشرة في الديار العربية كمصر وفلسطين وسورية والعراق؟ بل المنتشرة في المدينة الواحدة من تلك الديار؟ وهل ترون أن سبب ذلك الاختلاف اختلاط العرب بالأعاجم على تباين عناصر. أم ماذا؟
ج. لهذا الاختلاف أسباب عديدة، منها اختلاف القبائل، إذ لكل منها ما يميزها عن سواها، أما بلفظ الحرف. وأما بلفظ الحركة، وأما باختلاف النبرة، أو بكلم خاصة بهم دون سواهم، وكل ذلك راجع إلى الاختلاط بأقوام أخر، أو إلى البيئة أو إلى الهواء، وقد تجتمع جميع تلك الأسباب فتزيد الفروق فروعاً إلى فروع آخر، إلى فروع لا تحصى.
وأما اختلاف لغة المدينة الواحدة باختلاف محلاتها أو جهاتها. فعائد إلى القبائل التي ينتسبون إليها. فقد يكون أصحاب الحي الواحد ينتمون إلى قبيلة وسكان الحي الآخر ينتمون إلى قبيلة ثانية. قال ياقوت في معجمه في مادة (الحيرة). . . في الحيرة من جميع القبائل من مذحج، وحمير، وطيئ، وكلب، وتميم، ونزل كثير من تنوخ الأنبار والحيرة إلى طف الفرات وغربيه. . .) وهكذا يقال عن كل محلة من محلات المدن العربية، بل لم تسم المحلة (حياً) إلاَّ لنزول (حي) من أحياء العرب جانباً من تلك المدينة. فما يسمى (محلة) في
بعض المدن، يسمى (حياً) في البعض الآخر.
وأما تأثير الهواء على اللغة فواضح من أن أصحاب البلاد الباردة كثيرو الحروف الصفيرية والشفوية واللسانية والاسلية. كأن البرد يمنعهم من فتح أفواههم وحلوقهم لينطقوا بالحروف الحلقية، أو كأنهم يخافون فتح أفواههم لئلا يدخل الهواء البارد حلوقهم فيتأذون منه، بخلاف أهل البلاد الحارة أو المعتدلة فانهم يمتازون بالتكلم الحلقية الحرف كالهاء والحاء والخاء والعين والغين.
وأما تأثير البيئة في المتكلم فواضح أيضاً من الحيوانات التي يسمع أصواتها فان الإبل تكاد تنطق بالعين نطقاً فصيحاً وكذلك الضأن، وهكذا قل عن سائر الحروف فأن بعض الحيوانات تمتاز بلفظ بعضها. ولهذا كثرت الحروف الحلقية في اللغات السامية وندرت أو عدمت في لغات سائر الأمم التي حرموا هذه الدواب الناطقة بحروف الحلق.(9/624)
بابُ المُشَارفَةَ والانِتِقادِ
آدابهم وآدابنا عند النقد
بين آداب الغربيين وآدابنا نحن الشرقيين فروق كثيرة. نذكر منها هنا ما يتعلق بأمر النقد. إننا كلما نقدنا كتاباً لأحد أدبائنا وأبنا بعض أوهامه، انهال علينا سباً وشتماً وطعناً وأهانة، في حين أننا لم نذكر إلاَّ بعض تلك الأغلاط. فما قوله لو ذكرنا عيوبه كلها وعددنا مخازيه ومنكراته؟ أما أبناء الغرب فمعاملتهم إيانا غير هذه المعاملة الشائنة. كنا نقدنا رسالة الحركة الفلسفية العصرية في سورية ومصر (9: 478) فكتب إلينا صاحبها يقول:
(أشكر لكم يدكم البيضاء على ما تلطفتم به علي من نقدكم لرسالتي والإرشادات الثمينة التي أودعتموها لإصلاح ما آباد من قلمي. وكان بعض تلك الفوائد معروفاً لدي البعض الآخر مجهولاً. أما ما يتعلق بالفكرة العراقية الفلسفية فأني أعتذر إليك لجهلي إياها، أو قل لعلمي إياها علماً رحرحانياً لا يفيد فائدة جليلة. وأني أتوقع أن اعتاض عن تلك الثغرة بما يسدها بأقرب فرصة أتمكن منها. وأرجو منك أن تقبل عبارة ودادي لك وإعجابي بآدابك، وتهذيبك بعض الناس.)
كتبه جان لوسرف
81 - ديناران نرمنديان من دنانير المهدية (بالفرنسية)
هذه رسالة في أربع صفحات وضعها حسن حسني عبد الوهاب عامل المهدية في تونس وهي مفيدة غاية لأنها تشرف بنا على جانب من تاريخ أنحاء تونس يجهله كثير من الناس. ويقفنا على أن ملوك صقلية النرمنديين، ولا سيما رجار الثاني وغليلم الأول ضربا نقوداً في مدينة المهدية. فلقد وجد على أحد الدينارين ما هذا خصه: (ضرب بأمر الملك المعظم رجار المعتز بالله بمدينة المهدية سنة(9/625)
ثلاث أربعين خمسمائة) (كذا. بحذف حرفي العطف في هذه السنة هي سنة 1151م) وعلى الثاني: (ضرب بأمر الهادي بأمر الله الملك غليالم بمدينة المهدية سنة تسع أربعين خمسمائة) (كذا) (أي سنة 1157م) فأفادنا هذان الديناران فائدتين: فائدة تاريخية لضربهما الدينار في المهدية. والفائدة الثانية: فائدة ضبط أسم رجار.
فهو هكذا بضم الرآء وفتح الجيم بعدها ألف ورآء. وعليه فليصلح طابعو مقدمة أبن خلدون غلطهم، فأن طبعة بولاق ذكرته باسم زجار (بالزاي في الأول في ص 40 و 43) وذكرته طبعة بيروت المشكلة التي أصدرتها المطبعة الأدبية في سنة 1900 باسم زخار (ص 48 و52) ولو طبعته هذه المطبعة مرة رابعة لزادته نقطة ثالثة وقالت (زخاز) بزايين الواحدة في الأول والآخرة في الآخر أو لزادته شناعة أخرى.
وهكذا يزيد النساخون والطباعون أغلاطاً على أغلاط ولا يحققون ضبط الألفاظ لأن هذا العمل يكلفهم عناء ومشقة، فعسى أن يهتدوا إلى صراط الحق القويم.
82 - نظرة في رسالة للجاحظ
كان حضرة الدكتور داود بك الجلبي نشر في مجلتنا ثلاث رسائل للجاحظ، (راجع 8: 32 إلى 35 و572 و 575 و 686 إلى 690) وقد بين الأستاذ الإيطالي جرجيو ليفي دلافيدا أن رسالة (النابتة) قد نشرها سابقاً فان فلوتن، والرسالة الثانية التي كتب بها الجاحظ إلى أبي الفرج بن نجاح الكاتب جاءت مصحفة في بعض حروفها وأعلامها، فأصلح منها شيئاً كثيراً وأحال النظر على بعض المؤلفات لتصحيح بعض الأعلام، فجاءت هذه المقالة التي نشرها في (مجلة المباحث الشرقية) الإيطالية، وأستل منها سلالة على حدة - من المقالات الطافحة بالفوائد لأنها تصلح شيئاً غير يسير من هذه الرسالة، فنشكره عليها أصدق الشكر.
83 - أجزاء الإكليل المفقودة
قرأنا في جريدة (حضرموت) الصادرة في سور ابايا (جاوة) في عددها ال 289 الصادر في 29 مايو من هذه السنة الحالية. إن العلامة محمد بن عقيل بن يحيى العلوي كتب من عدن بتاريخ 22 صفر 1349 إلى حضرة العلامة علي(9/626)
باعبود العلوي أن في خزانته الخاصة الجزء الأول من الإكليل، وان عند الأستاذ المحقق علوي بن طاهر الحداد الجزء السادس - (على ما يتذكر) وكان قد استعاره منه الوزير المرحوم السيد حسين بن حامد المحضار العلوي) أهـ معنى النص - قلنا: فعسى أن تصح هذه الأقوال فينشر الجزءان ويبعثا من مدفنهما، ليستفيد منهما أبناء هذه اللغة فيقدر الأجانب وأبناء الوطن علوم السلف. وليس ذلك ببعيد على ذوي الهمم الصادقة - على أننا نرى - والحق يقال أن في هذه
الرواية سوء فهم فعسى أن لا يصح رأينا.
84 - حولية المحفى الملكي الإيطالي (بالإيطالية)
المجلد الثاني
السنة الثانية عن عام 1929 - 1930
تبقى إيطالية أم الفنون الفتانة، ومعلمتها لجميع الأمم، وهذه (حولية المحفى الملكي تشهد على أسبقيتها على غيرها في ما تطبعه وتصوره. فأنك تجد في هذا المجلد ترجمة كل عضو من الاحفياء وصورته وتحتها أسمه بخط يده وفي الآخر عناوين تأليفه. وكل ذلك بمهارة لا يضاهيها مهارة. والمجلد وقع في 530 صفحة بقطع الثمن فاخر الورق، وقيمته 25 فرنكاً إيطالياً أي نحو أربع ربيات بنقودنا العراقية الهندية.
85 - تعلم اللغة العربية الصحيحة في ثلاثة أشهر وبلا معلم
(بالفرنسية)
يعلم قراء هذه المجلة أن الأب يوسف علوان اللعازري في بيروت، يحسن اللغتين العربية والفرنسية، ويتصرف فيهما أحسن التصرف، وينشئ فيهما الكتب بسهولة عظيمة، ولا تمضي سنة إلاَّ يتحفنا بتصنيف في إحدى هاتين اللغتين.
وقد أهدى إلينا في هذا الأيام كتاباً فرنسي العبارة وقع في 520 بقطع 16 وغايته تعليم الإفرنج لغتنا العربية ويضعها لهم على طرف الثمام. وقد طالعنا أكثر فصوله فوجدناه من خير ما ألف في هذا الموضوع، ولا نعجب بعد هذا إذا رأينا الكتاب ينتشر بسرعة بين متعلمي لغتنا من أبناء الغرب.(9/627)
86 - إلى أين تذهب سورية (بالفرنسية)
بقلم روبر دي بوبلان
كثير من الناس يؤلفون التأليف المختلفة في البلاد من غير أن يكلفوا أنفسهم الذهاب إليها فيهفون هفوات تضحك الثكلى. أما صاحب هذا التأليف (وهو في 220 ص بقطع 12) فقد
ذهب إلى مصر وسورية وكلم أناساً كثيرين في الموضوع الذي عالجه، فجاء لكلامه وقع حسن. وقد أقام عقوده على 21 فصلاً ولكل فصل عنوان جذاب. وهذا التصنيف يفيد السوريين كما يفيد كل من كان في بلاد عليها دولة مهيمنة. وقد وجدنا مقدمته من أحسن ما يطالع لأنه جمع فيها مختصر تأليفه. فلله دره!
87 - الألفاظ التركية في لغة دمشق العربية (بالفرنسية)
تأليف أ. صوصه
في جلق معهد فرنسي يعنى بإصدار (كشكول) أدبي يكتب فيه جماعة من جلة الأدباء. وقد أهدى إلينا الفاضل أ. صوصة رسالة له أدرجها في الكشكول المذكور، ثم طبعها على حدة فقدم إلينا منها نسخة، وقد طالعناها فرأينا صاحبها قد تعب في وضعها وعانى عناء عظيماً، فجاءت من أحسن التحف. والبحث يفيد جميع الديار التي كان فيها الترك فأثرت لغتهم فيها، أذن سررنا بهذه الهدية، ووجدناها حسنة. على أننا لا نوافق صاحبها في عدة مواطن، منها رأيه أن في التركية أحرفاً لا وجود لها في العربية الفصحى (راجع ص 13) منها الياء المثلثة النقط والفاء المثلثة والجيم المثلثة والكاف المثلثة فهو يظن أنها غريبة في اللغة الفصحى إذ لا وجود لها فيها. وهو وهم ظاهر وهمه كل من كتب في هذا المعنى. والذي نعلمه أن كل هذه الأحرف وغيرها كانت معروفة في عهد الجاهلية (راجع كتاب سيبويه 2: 452 إلى 455 من طبعة باريس) وكذلك قل عن أحرف العلة الممدودة والمقصورة التي ترى في التركية واللغات الأوربية مثل الفرنسيات فأنها كانت معروفة في أيام الجاهلية. وما على الباحث إلاَّ أن يأخذ بيده كتاباً في التجويد ليرى كل هذه الأحرف التي(9/628)
ينكرها من لم يقف على الاهجية العربية في قديم عهدها.
هذا من جهة بعض الأحرف وضروبها والتلفظ بها من صحيحة ومعلولة. وأما من جهة أصل بعض الكلم فأن المؤلف أصاب في كثير منها، وأخطأ في بعضها. فقد قال مثلاً أن البردقان تركية. مع أنها من البرتقال لأنهم جلبوه من تلك الديار (ص 10 و 29) ومن عادة العرب أن يحذفوا ياء النسبة في بعض الأحيان تخفيفاً مثل جهرمي وجهرم، رباحي ورباح، جهوري وجهور إلى غيرها (راجع لغة العرب 6: 72 و 73 والمزهر 2: 132 من طبعة بولاق) - وذكر في ص 12 - إن فعل شال يشيل بمعنى رفع يرفع من التركية
من جالمق (كذا) بمعنى ضرب وقلب ورفع. ونحن لا نوافقه، لأن شال يشيل لغة عامية في شال يشول قال الأساس. أشال الميزان: ارتفعت إحدى كفتيه. . . وشالت الناقة: إذا رفعت ذنبها للقاح، وهي شائلة وهن شول (كسكر)، وشالت: إذا أرتفع لبنها وهي شائل وهن شول (بالفتح) أو شالت العقرب بذنبها، وشالت القربة والزق: ارتفعت قوائمها عند الملء أو النفخ أهـ إلى آخر ما هناك. وقال أن البكرة من التركية مكرة (22) وهذا لا يقبله عقل ولا نقل. والمشهور أن الترك تلقوا كلمتهم هذا عن العرب فهي أقدم من وجود الترك على وجه الأرض. وقال أن الباقة من الفرنسية وعندنا أنها أقدم من اتصال العرب بالإفرنج. - وقال أن الزنبرك من الفارسية ولو قال من العربية والفارسية معاً لكان أصح، لأن الزنبرك قصر لفظ الزنبورك من الزنبور والكاف للتصغير(9/629)
أو للتكبير (راجع أصل هذه اللفظة في لغة العرب 6: 55 إلى 57).
وهناك عشرات وعشرات من الألفاظ التي لا نسلم بأنها تركية الأصل ولا بفارسيته بل عربيته. والمقام لا يسمح سردها. ولعلنا نعود إلى هذا البحث إذا سنحت لنا فرصة.
88 - إرشاد الأريب إلى معرفة الأريب
(تتمة)
1 - ورد في ص 20 عن أبي غانم محمد أبن أبي جراده قوله: (سمعت والدي يذكر فيما تأثره عن سلفه أن جدنا قدم من البصرة) ولم نجد ل (تأثر) محلاً هيناً لأن (التاء) طلبية كالسين ومثلها تاء (تخبر وتسقط وتقمم وتكسب) ومعناه (تطلب الآثار) وما ينقل عن السلف حكاية فلا تطلب آثاره لأن آثاره معلومة فالصواب (في ما يأثره) و (في ما أثره) من باب قتل وضرب أي (ينقله ونقله) فهو مأثور، قال في المختار: (ومنه حديث مأثور أي ينقله خلف عن سلف).
1 - وجاء في ص 28 قول القاضي هبة الله أحمد بن يحيى يذكر أباه ويفتخر:
أنا أبن مستنبط القضايا ... وموضح المشكلات حلا
وأبن المحازيب لم تعطل ... من الكتاب العزيز تتلى
والصواب (المحاريب) بالراء المهملة جمع محراب، والإضافة تجوز بادق ارتباط بين المتضايفين ولذلك صح قول من قال (سرت في طريقي) وهو طريق الأمة فأين المحاريب
من هذا الباب بل لا مانع من كون الكلام على تقدير مضاف محذوف وأصله (وأبن أهل المحاريب).
3 - وورد في ص 42: (وحسن أخلاقك الآي خصصت بها) والصواب (اللائى) بلامين.
4 - وجاء في ص 71: (وتهادوا أربه وافتخروا بالانتساب إليه) والصواب (أدبه) إذ لا معنى لتهادي أربه ههنا. وقد تقدم في ص 19 من الجزء الأول قول عبد الملك (ما الناس إلى شيء من العلوم أحوج منهم إلى إقامة ألسنتهم(9/630)
التي بها يتحاورون ويتهادون الحكم).
5 - وورد في ص 14 ما صورته: (قال أبو الحسين علي بن سليمان الأخفس) وإنما هو (أبو الحسن) وفي هذا القضية نقص ثان هو أن العلامة مر كليوث لم يشر إلى ورود هذا الاسم في هذا الصفحة من فهرس البشر.
6 - ووقع في ص 94: (حدث الهيثم بن عدي قال: كنت عند عبد الله أبن عياش الهمداني. وعنده عوانة بن الحكم فذاكروا أمر النساء) والصواب: (فتذاكرا) و (فتذاكروا) لأن المفاعلة لا تستوجب المقابلة (راجع مقالتنا في تفانى من لغة العرب).
7 - وجاء في ص 109 في أبن دأب والشوكري: (إنما يروي لهؤلاء من يقول: قالت ستي ويدعو ربه من دفتر ويسبح بالحصى ويحلف محيت المصحف) فنقول لعل الأصل: (ويحلف بحياة المصحف) كناية عن حماقته وبلادته لأن القرآن لا حياة له حقيقة، ومما يؤكد أن مراده حماقة الراوي أن عبد الملك بن هلال كان عنده زنبيل مملوء حصى للتسبيح فكان يسبح بواحدة واحدة فإذا مل طرح اثنتين اثنتين، ثم ثلاثاً ثلاثاً فإذا أزداد ملله قبض قبضة وقال: سبحان الله عددك، فإذا ضجر أخذ بعرا الزنبيل وقلبه وقال: سبحان الله بعدد هذا.
8 - وجاء في ص 110: (إلى أن تداني الموت غير مذمم) والأصل (تدانى) ماضي (يتدانى).
9 - وورد في ص 122 قول أبي علي البصير:
سمعت بأشعار الملوك فكلها ... إذا عض متنيه الثقات تأودوا
والصواب: (الثقاف) وهو ما تعالج به القناة لتعتدل وتسمح، ولم نر من أجاز فيه التاء على الإبدال من الفاء.
10 - وفي ص 124 ورد بترجمة الفتح أبن خاقان الأشبيلي: (مات في حدود سنة 503) فعلق به العلامة مر كليوث (لعله يريد 533 أو أنه ولد في سنة 503) قلنا: أما الولادة المتكلفة فلا محل لها بعد (مات) وأما أنه أراد (533)(9/631)
فتراجع لأجله كتب التراجم، ففي الوفيات لأبن خلكان أنه قتل سنة (535) أو (529).
11 - وفي ص 126: (ونظم تتمناه اللبات والنحور وتدعيه - مع نفاسة جوهرها - البحور) فعلق ب (تدعيع) ما حكايته: (لعله: لا تدعيه) قلنا: إن الأصل هو الصواب لأن إضافة (لا) النافية تستوجب ابتذاله، والمقام مقام مدح لا قدح والتفصيل (إن البحور (وهي ذات الجوهر النفيس) تدعي هذا النظم لنفاسته).
12 - وورد في ص 129: (وقنعني الزمان فلست آس) والصواب (آسى) مضارع (أسيت) بوزن فرحت.
13 - وجاء في ص 136 قول الشاعر (ماذا تفكره في رزقه بعد غد) والصواب (في رزق بعد غد) بحذف الهاء لأن القافية مكسورة والأصل (في رزق ما بعد غد) لكن الشاعر مضطر.
14 - وورد في ص 137: (مسخه كلباً وردنا حرباً) والأصل: (ردعنا حرباً) وقد تقدم مثله في تلك الصفحة.
15 - وورد في ص 142: (وحدث أبن ناقيا في كتاب ملح الممالحة) ولم تذكر هذه الكنية في الفهرست ولا أشار مر كليوث إلى أسمه في الحاشية - كعادته - فهو عبد الله (راجع لغة العرب 8: 233، 495) وقيل عبد الباقي وكلاهما في الوفيات لأبن خلكان).
16 - وفي ص 148: (فانحازا عنه. . . وبعثا إلى أبي الحسن. . . وكان يتولى إمارة نيسابور يستجديانه ويستعينانه) قلنا: والصواب (يستنجدانه) من النجدة لا من الجدوى، وما انبى هذا الموضوع بالاستجداء!
17 - وجاء في ص 161: (ومجلساً بطراحة سوداء إلى جانبه) ومن المعروف في اللباس (طرحة) بوزن (طلحة) وهي الطيلسان للمدرسين، ورد في حوادث رجب من سنة 626 من الحوادث الجامعة (وفيه أستدعي شهاب الدين محمود بن أحمد الزنجاني(9/632)
مدرس النظامية إلى دار الوزارة فأخذ وهو على السدة يذكر الدروس، وعزل وتوجه إلى داره بغير طرحة)
وفي حوادث سنة 638 منها ما نصه: (وفيها رتب القاضي أبو محمد عبد الله البادرائي مدرساً بالمدرسة النظامية وخلع عليه وأقر على خزن الكتب بخزانة الخليفة وأذن له أن يدخل المدرسة بطرحة أسوة بالمدرسين).
18 - وفي ص 168: (ديوان السلطان وهو منغص بذوي الفضل) والمعروف (مغتص) أسم فاعل من (أغتص) بمعنى ضاق.
19 - وفي ص 77: (واستشيار الشهيد) فعل الأصل: (واشتيار الشهد) مصدر اشتار الشهد أي جناه.
20 - وفي ص 181: (بما يمثل له عقيدتي، ويطلعه على تخيله مودتي) فعلق به (لعله: يطلع) ولا نرى التعليق مناسباً له بل فيه فساد العبارة بحيث لا يمكن توجيهها أبداً، فالصواب الأصل والمراد به: (ويقدره على تصوره مودتي ويمكنه منه) وهذا هو معنى الاطلاع هنا.
مصطفى جواد
89 - كلمة تتعلق برسالتي الجاحظ
نقل رسالة تفضيل بني هاشم، والرسالة الأخرى في إثبات إمامة أمير المؤمنين عليه السلام، علي بن عيسى بن أبي الفتح الأربلي في كتابه كشف الغمة في معرفة الأئمة. وقد طبع هذا الكتاب في طهران في سنة 1294هـ.
وقد ذكر علي بن عيسى في آخر رسالة تفضيل بني هاشم: (تمت الرسالة وهي بخط عبد الله بن حسن الطبري).
وقال في الرسالة الثانية ما نصه: (ووقع إلى رسالة أخرى من كلامه (الجاحظ) أيضاً في التفضيل أثبتهما أيضاً مختصراً ألفاظهما وترجمتهما:
(رسالة أبي عثمن عمرو بن بحر الجاحظ في الترجيح والتفضيل، نسخت من مجموع للأمير أبي محمد بن عيسى بن المقتدر بالله.)
قال: هذا كتاب من أعتزل الشك والشن إلى آخر عباراته في الرسالة الثانية وفي آخره هذا آخر رسالة أبي عثمن عمرو بن بحر الجاحظ.
زنجان (إيران):
فضل الله الزنجاني(9/633)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - محاضرات في الاجتماعيات الإسلامية
وصل إلينا من كلية فرنسة المعروفة باسم (كوليج دفرانس) منهج الدروس الاجتماعية الإسلامية التي تدرس منذ 11 شباط 931 فإذا هو كما يأتي:
1 - دروس نهار السبت في الساعة 10 وربع (في ردهة 5)
منهج الدروس الخمسة عشر
الشيعة خلال القرون: منزلتها المذهبية والاجتماعية منزلة أقلية الشرعية
1 - دروس الافتتاح (نهار الأربعاء).
2 - تقسيم البلدان بالنظر إلى مراكز الشيعة
3 - أسس كتب الشيعة.
4 - جدول تاريخي لفروع الشيعة.
5 - إلى 8 الأصول النفيسة: تدبر وتروي الجماعة.
أ - في حقوق أمير المؤمنين علي بن أبي طالب للخلافة.
ب - في فاجعة كربلاء.
ج - فوز العدل في آخر الأمر وحركة القرامطة.
9 إلى 13 المبتدعات المذهبية ومشاهير الشيعة من الزيديين إلى الإخباريين والأصوليين.
14 و16 مديح الشيعة الحاليين.
2 - دروس نهار الأربعاء في الساعة 10 ونصف (في ردهة 5).
منهج الدروس الخمسة عشر
مماسة ومشادة الصوفية وحب المجاملة في تاريخ الفكرة الإسلامية.
1 - مدخل البحث والكتب المعتمد عليها.
2 - محاولة النظر في التصوف وعباراتها العشيقة ورذلها لاعتبارها مانوية.
3 - أثر الرواية الخيالية البادية في نظم الشعراء المدنيين.
4 - فكرة أبي حمزة في الحب الشهواني وتهدئة الأفكار بها وأنها مكملة للنفس الواقفة
لخدمة الله.(9/634)
5 إلى 8. تحليل كتاب الزهرة لابن داود وهو مصحف الحب المجامل الإسلامي (مستل من نصوصنا غير المطبوعة سنة 1929 من ص 232 إلى ص 240) كراهية صاحبها للحب الصوفي الحلاجي).
9 - محاولة الجمع بينه وبين الفلسفة المنتمية إلى ابن سينا.
10 - الموضوع الشعري المؤتم الذي يوحد الغيبة الإلهية والسكر الدنيوي في الآداب الإسلامية.
11 - نظرية آسن بلاثيوس في التأثير في الأدب الخيالي: دنته وابن عربي.
12 - الصدق التقوي والرموز الإسلامية عند ابن الفارض وحافظ.
13 - كره فكره المسلمين المعاصرين للرموز الصوفية في الشعر وهذا الكره لا يزال في نمو.
2 - الإنعام بوسام الرافدين على السر ساسون أفندي حسقيل
أدب جلالة ملكنا المعظم مأدبة للنواب والأعيان عند انتهاء اجتماع مجلس الأمة، وفي نهايتها انعم جلالته على معالي السر ساسون أفندي حسقيل وزير المالية السابق ونائب بغداد الآن بوسام الرافدين من الدرجة الثانية ومن النوع المدني ولساسون أفندي مكانة سامية في البلاد لما تحلى به من الأخلاق الطيبة وما أظهره من المقدرة الكبيرة في الشؤون التي تقلد إدارتها، وما له من سعة الاطلاع على آداب الشرقيين والغربيين ولغاتهم.
3 - مدير الداخلية العام
صدرت الإرادة الملكية بتعيين سعادة عبد الله بك الصانع لوظيفة مديرية الأمور الداخلية العامة التي كان يشغلها سعادته بالوكالة، فنهنئه بهذا الرقي الذي يستحقه.
4 - ملاحظ مكتب المطبوعات
صدر أمر وزارة الداخلية بنقل الأستاذ الفاضل علي أفندي الخطيب إلى رئاسة كتاب ديوان مجلس الوزراء بدلا من الأستاذ الفاضل إبراهيم حلمي أفندي العمر الذي عين ملاحظاً لمكتب المطبوعات وبقدر ما نأسف لفراق الأستاذ الخطيب نستقبل الأديب إبراهيم حلمي
أفندي بالترحيب اللائق بأدبه. فإننا نعرف مقدرته العلمية والأدبية والسياسية منذ سنة 1910.
ونحن نذكر للأستاذ الخطيب خدماته نافعة للصحافة العراقية، ونأمل من خلفه أن يجري على منواله ولا سيما(9/635)
انه من رجال الصحافة المشهود لهم بطول الباع.
5 - اعتصاب البغداديين مدة أربعة عشر يوماً
جددت الحكومة الضرائب التي كان قد وضعها الحاكم العسكري بلفور في أيام الاحتلال، إلاَّ أن الحكومة العراقية خفضتها، لكي لا تكون عبئاً ثقيلاً على الأهالي. بيد أن أصحاب المهن والحرف احتجوا عليها فأغلقوا دكاكينهم وحوانيتهم ومخازنهم - حتى الأجانب أنفسهم - مدة أربعة عشر يوماً. وبعد تلك المدة قدم رئيس الوزراء من رحلته إلى أوربة واعمل الفكرة في تلك الضرائب ورأى أن البيئة الحالية لا تحتمل هذا الإرهاق فأزال كثيراً منها وخفف أخر ووضع بعض أحكام تردع المخالفين، فزال ذلك الكابوس عن الصدور بعد أن كلف هذا الإضراب خسارة نحو نصف مليون ربية في كل يوم للحكومة وللأهالي معاً. وذلك في نظر بعض العارفين والبصراء في أمور الاقتصاد والتوفير وعسى أن لا ترى بلادنا مثل هذه الخسائر الساحقة.
نعم في ديار الإفرنج يرى مثل هذا الأعتصاب أو الإضراب، لكن هناك نقابات وشركات تدفع إلى كل عامل ربحه اليومي، أما عندنا فالأمر غير معروف. ولهذا كانت الأضرار هائلة النتاج للحكومة وللأهالي. على أننا نقول بحق وصدق أن الذين أداروا هذا الأمر اظهروا من المقدرة والقوة والذكاء وحفظ السلم والأمن ما شهد لهم الإفرنج العائشون في هذا البلد الأمين واقروا بما لهذه الرؤوس من الدهاء وحسن السياسة ما لا مثيل لهم في سائر ديار الشرق.
6 - تسليم محمود خان دزلي واعتقاله في بغداد
من القبائل القوية الشكيمة الدائمة على التمرد والعصيان في إيران، عشيرة هورامان. ويسمي زعماؤها أنفسهم بالسلاطين، ومن هؤلاء السلاطين (محمود خان) زعيم عشيرة دزلي، التي هي فرع من قبيلة الهورامان. وهذا السلطان كباقي سلاطين هذه القبيلة، دائم
التمرد والعصيان على الحكومة الإيرانية التي شمرت ساعدها في هذه الآونة للقضاء عليه. فأرسلت قواتها إلى منطقته فضايقته وسدت في وجهه السبل، ولما وجد أن لا مناص له من الفرار حاول اجتياز الحدود العراقية الإيرانية ولكن(9/636)
تصدى له الجيش العراقي وسد عليه منافذ المرور، فاضطر السلطان محمود خان إلى التسليم إلى الجيش العراقي من غير قيد ولا شرط، فنقل إلى السليمانية ومنها إلى كركوك، فإلى بغداد وقد وصل إليها في مساء أول حزيران.
7 - التنكيل بسلطان آخر من سلاطين هورامان
وافت الأنباء تفيد أن قوات الحكومة الإيرانية تثابر على أعمالها العسكرية للقضاء على حركة العصيان في قبيلة هورامان، فضيقت الخناق على سلطان آخر من سلاطين هذه القبيلة هو (جعفر سلطان) رئيس عشيرة (لهون) التابعة لقبيلة هورامان وتمكنت تلك القوات من محاصرة عاصمته (توسوت) لكنه تمكن من الهرب، وحاول اجتياز الحدود العراقية، إلاَّ أن الجيش العراقي المرابط في تلك الجهات سد عليه السبل فظل شريداً في تلك الاصقاع، ويتوقع أن يكون نصيبه نصيب محمود خان سلطان عشيرة دزلي.
8 - قناصل عامون للعراق في الدول الأجنبية
لما كانت المفوضيات العراقية الملكية في لندن وأنقرة وطهران تقوم في نفس الوقت بالشؤون القنصلية فقد خول وزير الخارجية أصحاب الفخامة والمعالي جعفر باشا العسكري المندوب فوق العادة الوزير المفوض في لندن وناجي شوكت بك المندوب فوق العادة الوزير المفوض في أنقرة وتوفيق بك السويدي المندوب فوق العادة الوزير المفوض في طهران القيام بمهام قناصل عامين للعراق في إنكلترة وتركية وإيران علاوة على وظائفهم الأصلية.
9 - قائم مقام قضاء سنجار
عين جميل أفندي عبد الكريم مفتش الطابو السابق قائم مقام لقضاء سنجار في لواء الموصل وتسلم أعمال وظيفته في 1 (أيار) مايو 931 قبل الظهر.
10 - مدير ناحية اليوسفية
عين احمد أفندي الشويش مديراً لناحية اليوسفية في لواء بغداد بدلا عن مصطفى أفندي الطرابلسي (المسحوب اليد) وقد تسلم أعمال وظيفته في 11 نيسان سنة 1931 قبل الظهر.
11 - فوز الجيش العراقي في المنطقة الشمالية
سلمت جميع العشائر التي كانت موالية للشيخ محمود وغيره تلك العشائر التي كان دأبها الذعارة وتعكير صفو الأمن والسكينة في المنطقة الشمالية(9/637)
في العراق إلى الجيش العراقي من غير قيد ولا شرط فقطعت الحكومة بذلك دابر نظام الأفدان في كردستان.
12 - البعثة العلمية العراقية
تهتم الحكومة الآن بانتقاء أعضاء البعثة العلمية لهذه السنة وقد قررت أن يكون عدد أعضائها 75 طالباً يتخصصون في مختلف الفروع العلمية بحسب احتياج الدوائر الرسمية. وقد عنيت مختلف الوزارات العدد الذي يصيبها من هذه البعثة وقد بلغنا أن وزارة الاقتصاد والمواصلات جعلت عدد مبعوثيها لهذه السنة 17 طالباً ولم يتصل بنا العدد المعين لكل وزارة ولكن علمنا أن العدد الأكبر يصيب وزارة المعارف وستنتهي الحكومة من أعداد هذه البعثة في شهر آب الحالي وستخصص لها المال الكافي من مدخول النفط.
13 - قدم الحضارة في أور وآثارها
لما جاء المستر وولي عائداً من أور كان معه ثلاثون صندوقاً كبيراً فياه آجر مكتوب عليه بالخط المسماري حوادث وأنباء تاريخها يعود إلى قبل 4000 سنة. وبين هذه الألواح كتب مدرسية وحسابات للتجار ورسائل غرامية. ويتوقع أن يعرف كلها في هذه الألواح وحقيقة سكان تلك الحاضرة العظمى وما كانوا يعالجونه بلوغاً إلى أمور معيشتهم. ويأمل أن يكون في وسعه وضع تصنيف يبحث نعم البحث عن تلك الحاضرة وتاريخها منذ أن غادرها أصحابها قبل المسيح بألفي سنة، وقد أصاب ألفي لوح من هذا الجنس في مدرسة قديمة كان يديرها أحد الرهبان وقد انجلى أنه كان لرئيس هذه المدرسة 12 طالباً يدرسون الرياضيات ويحررون مواضيع أدبية. وكانت هذه المنتخبات تدون على ألواح مستديرة. أما سائر الدروس فكانت تدون على ألواح مستطيلة. وكان طول بعض هذه الدواوين
المدرسية 18 إصبعاً وسيحاول تبويب تلك الكتب وتصنيفها على ما كانت العادة متبعة فيه عندئذ.
وقد وجد في دار أخرى أن صاحبها كان حناطاً (يتاجر بالحبوب والقطاني) ويسلف الدراهم ويبيع الألبسة المهيأة.
والقي في تلك الدار رسالة إلى ذلك الحناط وارده إليه من تاجر سائح في بلد بعيد يتذمر فيها لأنه لم يتلق جواباً لرسائله الخمس الباقية.
ويقول المستر وولي أنه لم يتسن له درس تلك العادات درساً محكماً.(9/638)
ومن المحتمل أنه يصيب أشياء غيرها ثمينة جداً. وقد أخذت جميع هذه الألواح إلى إنكلترا لأنعام النظر فيها وفي محتوياتها. وبعد ذلك يعاد نصفها إلى المتحفة العراقية في بغداد والربع الثالث يبقى في دار التحف البريطانية والربع الرابع يرسل إلى بنسلفانية في أمريكا.
ولا يقام معرض للآثار العراقية الأوربية في لندن في هذه السنة. لأن المستر وولي به حاجة إلى تدقيق النظر في الآجر والألواح التي وفق للعثور عليها قبل عودته إلى أور.
(ملخصة عن بغداد تيمس)
14 - كثرة الحرائق في بغداد
كثرت الحرائق في بغداد ولا سيما في شهر تموز من أوله إلى آخره. وأغلب هذه الحرائق وقعت في الأملاك المضمونة. ففندق مود الذي هو على الجهة اليمنى من دجلة مضمون ومؤمن عليه وتبلغ خسائره زهاء ستين ألف ربية.
وخان مخزوم أو (أبو النخلة) هو بقرب جامع مرجان وقد احترق في 21 تموز (يوليو) وتقدر خسائره بمائة وعشرين ألف ربية. واكثر ما فيه مؤمن عليه. وقد قبضت الشرطة على حارس الخان المدعو (حسين خدايار) ويقال أن هذا الخان مضمون بمائة وأربعين ألف ربية لدى شركة لمزدن كرين وكذلك يقال عن فندق مود أنه مضمون عند هذه الشركة.
15 - دخل المكوس في شهر أيار
بلغ مجموع دخل دائرة الكمرك خلال شهر أيار الماضي (سنة 1931) مبلغاً قدره 1. 957. 862 ربية و3 آنات (هذه الآنات تدل على ما في هذه الدائرة من الضبط الذي ما وراءه دقة).
وكان مجموع دخل هذا الشهر من السنة الماضية ما قدره 1. 870. 317 و13 آنة.
16 - استخراج النفط من البحرين
بدأت الشركة الإنكليزية الإيرانية استخراج النفط من (جبل الدخان) في جزيرة البحرين، وقد فتحت إلى الآن ثلاث آبار غزيرة المادة.
17 - التلفون الجديد في العاصمة
كانت مديرية البرق والبريد تعنى بإصلاح التلفون في العاصمة وإبدال أجهزته البالية بأدوات فاخرة حديثة الصنع، وقد تم هذا المسعى وأسست المديرية المذكورة مركزاً لتبادل التلفون(9/639)
والبناء فخم يليق بالحكومة وهو بازاء بناية دائرة المكس. وقد كان يضطر الواحد من المتلفنين أن يطلب مركز السراي (دار الحكومة أو الصرح) ليكلم صاحبه فيفتح هذا المركز الخط على الجهة المطلوبة، وبهذه الطريقة المعيبة الملتوية كانت تجري المخاطبة بالتلفون وهي كما ترى طريقة مرتبكة مضيعة للوقت والراحة.
أما بعد الآن فأن التلفون الحديث أزال كل هذه الصعوبات وحصر التفاهم في مركز واحد.(9/640)
العدد 94 - بتاريخ: 01 - 09 - 1931
المشعشعيون ومهديهم
المشعشعيون
ما أكثر الذين كتبوا عن تاريخ العراق وملوكه وخلفائه ودوله! لكن ما أقل الذين أحاطوا بهذا الموضوع ووفوه حقه من التحقيق والتدقيق. فلقد ألف الأجانب كتباً عديدة وضخمة ومع ذلك لم يذكروا فيها كلمة واحدة تتعلق بالمشعشعين مع أنهم كانوا من الذين نبه ذكرهم مدة مائتي سنة في قسم من أرض البطائح الذي سمي بعد ذلك باسم (المشعشع) أي أرض المشعشع.
وقد بحثنا في المؤلفات الإفرنجية التاريخية التي تعني بديار الرافدين فلم نجد فيها أدنى ذكر لدولة المشعشعين. وكذلك قل عن الكتب التي صنفها أبناء الناطقين بالضاد في هذا القرن الأخير.
ولا نشك في أن الفرس والترك عالجوا هذا البحث ووفوه حقه من السعة والصحة، إلا أن هذه المؤلفات ليست بين أيدينا، فطلبنا إلى صديقنا الوفي الأستاذ مصطفى جواد أن يكتب مقالاً عن هذا الموضوع، فدفعه إلينا على ما يأتي بعد أن اقترحناه عليه باثنتي عشر ساعة فنمحضه الشكر والثناء على ما أتحفنا به، ولعل بين القراء من يتمم البحث فنسدي إليه كذلك الشكر والثناء. (لغة العرب)
إن للمهدوية في تاريخ الإسلام لشأناً كبيراً وتأثيراً بعيد الغور وقد ذكرنا في مقالة الرايات (9: 573 وما يليها) أنه قد روي عن رسول الله محمد - ص - بطرق مختلفة خروج واحد من ولده يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلما(9/641)
وجورا. وتصرف الناس في هذا الحديث وغيره مما يؤيده، ألا ترى الحافظ السني أبا نعيم الفضل دكين أخرج عن ثوبان قول النبي - ص -: (إذا رأيتم الرايات السود قد أقبلت من خراسان، فأتوها ولو حبواُ على الثلج، فأن فيها خليفة الله المهدي) ولكن الناظر بعين الإنصاف، والمتبصر ببصيرة التحقيق يرى أن هذا الحديث من مولدات العباسيين. لا يجاب معونتهم على الناس لأن قوله: (حبواً على الثلج) يفرض عليهم استفراغ الطاقة، واستنفاد المجهود في النصرة والمسارعة، وإلا فقد جاءت راياتهم السود وانقرضت دولتهم. واخرج الروياني والطبراني وغيرهما:
(المهدي من ولدي، وجهه كالكوب الدري، اللون لون عربي، والجسم جسم إسرائيلي (أي طويل)، يملأ الأرض عدلاً كما ملئت جورا. وعن ابن شيرويه: (كالقمر الدري) وزيادة (يرضى بخلافته أخل السموات والأرض، والطير في الجو، يملك عشر سنين).
والتعميم الغالب في هذه الأحاديث، قد فتح باب اجتهاد لكثير من السادة العلوية وأدعياء النسب العلوي في الثورة على دولة زمانهم، وحجة كل ثائر أنه صاحب الزمان، والقائم المنتظر، فاختلط الصادق بالكاذب، وافسد الكثير من أرض الله، بدالة المهدوية، وافتيات المصلحية. ومن هؤلاء هذا المهدي المشعشع وخلفاؤه ولكنه ليس بمهدي.
والمشعشعيون الذين علونا مقالتنا باسمهم منسوب إلى (المشعشع) اسم فاعل من (شعشع نوره) أي انتشر وسطع وهو مبالغة من (شع) أي انتشر واتسع، والعامة بالعراق اليوم تطلق لفظ (المشعشع) على كل خفيف ومتحرك غر، للاحتقار والاستخفاف، ولكنهم يلفظونه باسم المفعول، يقولن ذلك كما يقولون لكل كريم جواد (برمكي) ولكل نظيف وضاء (نازوكي) نسبة إلى البرامكة ونازوك. ولعله لقب بالمشعشع موافقة لما في الحديث المتقدم من أن وجهه كالكوكب الدري، فمن صفات المهدي الشعشعة.
وذكر محمد باقر الخونساري في ترجمة الشيخ احمد بن فهد الحلي المتوفى سنة (841) أن من تلامذته السيد محمد بن فلاح بن محمد الموسوي الحسيني. وهو(9/642)
من أجداد السيد خلف بن عبد المطلب الشوشتري الحويزي المشعشي، ثم قال: (وقد كان هذا السيد محمد الملقب بالمهدي مشتهرا بمعرفة العلوم الغربية. وأنه أخذ ذلك من أستاذه ابن فهد الحلي المذكور)، وقال في ترجمة خلف المذكور (ابن السيد عبد المطلب بن السيد حيدر بن السيد محسن بن السيد محمد الملقب بالمهدي ابن فلاح الموسوي الحويزي المشعشي. قيل أن المشعشي هو من ألقاب علي ابن محمد بن فلاح الذي كان حاكما بالجزائر (جزيرة واسط وما جاورها) والبصرة ونهب المشهدين المقدسين (مشهد الحسين وأبيه - ع -) وقتل أهلهما قتلا ذريعاً وأسر من بقي منهم إلى داري ملكه البصرة والجزائر في صفر سنة ثمان وخمسمائة (كذا والصواب سنة 857) والمشهور أن طائفة من المشعشعين الغاليين يأكلون السيوف - كما في الرياض قال -: (وقد جاء واحد من جماعتهم في عصرنا (أول القرن الثاني عشر للهجرة) إلى حضرة السلطان وفعل ذلك بحضرة من المتصلين بخدمته، ولم ادر ما معنى
هذا الكلام.)
قلنا: أما أكلهم السيوف فظاهره أنه الشعبذة بإدخالها في اجوافهم من أفواههم - كما رأينا من المشعوذين - وأما لقب المشعشع فتحقيقه أنه لمحمد بن فلاح ثم أنتقل إلى ابنه السيد سلطان علي المذكور فقد وجدناه في مقدمة التاريخ الغياثي ما صورته: (في ظهور السيد محمد بن فلاح المعروف بالمشعشع وعددهم أربعة نفر ومدة حكمهم في الجزائر إلى غاية سنة إحدى وتسعمائة) وقال في التقسيم: (الفصل السادس في ذكر السيد محمد المشتهر بالمشعشع) ولكنا لم نجد هذا الفصل لأن(9/643)
النسخة ناقصة. فالمشعشع لقب محمد بن فلاح أولا.
ونقل في ص 21 من روضات الجنات عن محمد المشعشع قول بعضهم: (وقد ألف ابن فهد المذكور له (لمحمد المشعشع) رسالة. . . ذكر فيها وصايا له ومن جملة ما ذكر فيها أنه سيظهر الشاه إسماعيل الصفوي حيث أخبر أمير المؤمنين يوم حرب صفين بعد ما قتل عمار بن ياسر ببعض الملاحم من خروج جنكيز خان وظهور الشاه إسماعيل الماضي، ولذلك قد وصى ابن فهد في تلك الرسالة بلزوم إطاعة ولاة الحويزة ممن أدرك زمن الشاه إسماعيل المذكور لذلك السلطان لظهور حقيقته وبهور غلبته).
قلنا: وهذه الوصية - إن صح تفصيلها في الأسماء - من الأسباب التي السيد محمد بن فلاح على أن يكون مهدياً إيثاراً لنفسه على غيره وكثيراً ما ينتبه النائمون بأخف أيقاظ ولا سيما اليقظة التي تشعشع بالدين وتمزج بالعقيدة أياً كانت. وأني لم أعثر على زمن خروج محمد بن فلاح المشعشع، وقد تقدم أن وفاة أستاذه محمد بن فهد سنة (841).
لكن ذكر الغياث عبد الله بن فتح الله في تاريخه أنه بعد سنة (842) هـ رجع أسبان (بن قرا يوسف التركماني) من اربل إلى بغداد وكان قد ظهر المشعشع واخذ الجزائر، فتوجه أسبان إلى الغراف وفيها غلة عظيمة فأكلوها وبنوا قلعة (بندوان) على فم (المجنبية) ونقل أسبان الغلة على كل فارس حمل فادخلوها القلعة وترك الأمير (محمد بن شي لله) والأمير الحاج مبارك بتلك القلعة وتوجه إلى (واسط) ومن واسط إلى بغداد. فسار المشعشع على قلعة بندوان وحاصرها وخرج إليه الحاج مبارك وعسكره بثلاثمائة فارس فقتل منهم مقتلة عظيمة فانكسروا وراحوا إلى الجزائر. ثم توجه المشعشع مرة أخرى بعسكر عظيم ما كان(9/644)
لهم به طاقة ففروا وتركوا القلعة وتوجهوا إلى واسط فساروا خلفهم، فخرج إليهم عيسى بك
والحاج مبارك ومحمد بن شي الله وقتلوا فيهم مقتلة عظيمة وأرسلوا بالرؤوس إلى بغداد وطلبوا (أسبان) إليهم فتوجه إلى واسط وأقام بها شهرين وكان هرب مع المشعشع عشرون ألف بيت ودوابهم حوالي واسط فوقع فيهم الوباء فلم يغادر منهم أحداً ثم أرسل أسبان عيسى بك إلى الجزيرة لينظر أخبار المشعشع فرآه قد حط على (الوزيرة) يحاصرها وبينما هو في بعض المواضع إذ رأى شخصين من الحويزة فلما رأياه قالا: (قد جئنا إلى أسبان بمفاتيح الحويزة ليجيء فيملكها ويخلصنا من هذا الكافر) فجاء بهما إلى واسط عند أسبان وقص له الأمر فعزم أسبان على الذهاب إلى الحويزة لما فيها من الأموال وكان واليها يسمى (أبا الخير) وقد تركها وأنهزم ورعاياها تحصنوا بالأسوار ليمنعوا المشعشع عن أنفسهم فلما وصل أسبان الحويزة دخل المشعشع الدوب (وهو موضع ذو قصب ومياه لا يقدر عليه) وجاء أكابر الحويزة إلى أسبان بمفاتيح البلد.
فدخل أسبان المدينة وأخذ من أهلها (مال الأموال) أي أجرة حمايتهم حتى لم يبق شيئا من المال عند أحد ورحل عن الحويزة ورحل أهلها جميعاً معه وعبر (شط العرب) وحط على (الركية) وفي رواية الزكية بزاي في الأول من البصرة ثم قبضوا على شخص قد أرسله المشعشع إلى البصرة برسالة في يده مكتوبة إلى غانم بن يحيى حاكم البصرة فيها (أنت من ذلك الطرف وأنا من هذا الطرف نأخذ أسبان في الوسط ونقتله في الحال). قال الغياث: (لم يكذب أسبان الخبر وقتل ذلك القاصد ورحل على طريق مشهد علي وكان طريقاً صعباً ووقع فيهم الجوع وقلة الطعام فمات من الجوع والعطش والتعب خلق كثير من أهل الحويزة ووصل أسبان إلى بغداد فمكث مدة ستة أشهر ومرض مرضاَ شديداً. . . فمات سنة (ثمان وأربعون وثمانمائة) فكان مدة حكمه ببغداد اثنتي عشر سنة، ودفن داخل المدينة على جانب دجلة بباغجة عيش خانة وكان قد بنى القبة قبل تاريخ موته بقليل وزرع جميع تلك الباغ (أي جميع ذلك البستان)(9/645)
عنباً وسمياً إلى هذا التاريخ).
وبعدما دخل بير بوداق بن جهان شاه بغداد وذلك نهار السبت 11 رمضان سنة (852) بستة أشهر خرج الوند بن أسكندر بن قرا يوسف التركماني من قلعة فولاذ يريد الاتصال بالمشعشع فأرسل إليه بير بوداق عسكر فلم يظفروا به وانضم إلى المشعشع
السيد سلطان علي بن محمد بن فلاح المشعشع
ثم نرى عبد الله بن فتح يصرح باسم المهدي الجديد ويسميه (السلطان علي) فهو ابن محمد بن فلاح المشعشع الأول قال: (فلما كان موسم الحاج والحاج قد توجه من بغداد وحط بالمشهد الشريف الغروي وذلك يوم السبت غرة ذي القعدة سنة (857) خرج عليهم (السلطان علي) بعساكره فأحاط بهم وقتلهم إلى أخرهم ونهب أموالهم ودوابهم وجمالهم وأخذ (المحمل) والآية المذهبة والقماش ونجا ناس قلائل وكانوا قد سبقوا ودخلوا المشهد وحاصر السادة في حطيم المشهد فأرسلوا يتضرعون إليه فطلب منهم القناديل والسيوف وكانت خزائن السيوف من سبعمائة سنة تجتمع فيها السيوف جميع سيوف الصحابة والسلاطين، كما مات سلطان أو خليفة بالعراق يحمل سيفه إليها فأرسلوا إليه مائة وخمسين سيفاً واثني عشر قنديلاً. ستة منها ذهب وستة قناديل فضة. فأرسلوا إليه من بغداد عسكراً (كان والي بغداد السيد محمود من قبل بير بوداق) مقدمهم (دوه بك) وأنضم إليه (بسطام) حاكم الحلة بأجاود عساكر بغداد، فبما وصلوا إليه وكانوا النسبة إلى عسكره قليلين فانضم عليهم عسكره فلم يخرج منهم سوى (دوه) فانه لما أحاطوا به قبض على الفرس. فقام رجل من الرجالة(9/646)
وضرب بالسيف أرجل فرسه يريد أن يعرقبه فلم يقطع السيف وفز الفرس من حر الضرب فأخرجه منهم فمر هارباً، فلما كسر العسكر وقتلهم توجه إلى (الحلة) فانكسرت أهل الحلة وتوجه إلى (بسطام) شحنة الحلة وجميع أهل الحلة إلى بغداد، الذي قدر على مركوب ركب والباقي رجالة، الرجال والنساء والأطفال بحيث هلك منهم خلق كثير من التزاحم على العبور من شط الحلة وبعضهم في الطريق من التعب والجوع والعطش فانهم قد خرجوا بغير زاد ولكن من لطف الله على عباده أنه كان الفصل بارداً فانه كان 3 تشرين الثاني فلو كان حرا ما نجا منهم إلا القليل، والذي تخلف في الحلة قتل، ودخل السلطان على الحلة بتاريخ خامس الشهر (ذي القعدة) ونقل أموال الحلة والمشهدين إلى البصرة. وأحرق الحلة، وأخربها وقتل من تبقى فيها من الناس، مكث فيها ثمانية عشر يوماً، ورحل يوم الأحد 23 ذي القعدة إلى المشهد الغروي والحائري ففتحوا له الأبواب ودخل؛ فأخذ ما تبقى من القناديل والسيوف ورونق المشاهد جميعها من الطوس والأعتاب والفضة والستور والزلالي وغير ذلك ودخل بالفرس إلى داخل الضريح وأمر بكسر الصندوق، وإحراقه، فكسر وأحرق (يا له من سيد علوي) ونقل أهل المشهدين من السادات
وغيرهم ببيوتهم) وقد قدمنا أنه نقلهم إلى البصرة والجزائر.
وفي سنة (860) توجه السلطان علي المشعشع هذا إلى (مهروذ) وطريق خراسان من ولاية بغداد ونهب وقتل الذراري والنساء وأحرق الغلات وكان ذلك يوم الأربعاء 20 جمادى الآخرة من السنة المذكورة ومكث تسعة أيام: ثلاثة أيام ببعقوبا، وثلاثة أيام من بعقوبا إلى (سلمان الفارسي) وثلاثة(9/647)
أيام بسلمان الفارسي، وقتل مشايخ سلمان الفارسي وأسر الباقين، وفي هذه الوقعة غرق (عمر سر خان) (ورد أيضاً سورغان) فأنه كان لا يعرف السباحة وكان معه شخص يقال له (مقصود باشا) يعرف السباحة فلما ادركتهم الخيالة وقدامهم شط ديالى ومن ورائهم الرماح ألقوا بأنفسهم إلى ديالى فغرق عمر سرخان وخرج فرسه حياً ونجا مقصود وهلك فرسه، ورحل المشعشع بعد ثلاثة أيام (كما تقدم) ولم يعبر ديالى ولم يخرج إليه أحد من بغداد ولما سمع (جهان شاه) بذلك أرسل (علي شكر) إلى أطراف ولاية العراق بعساكر عظيمة فوصل يوم الأربعاء 16 محرم سنة 861 فمكث مدة ورحل.
وفي سنة (861 هـ) أيضاً استولى (علي المشعشع) على (الرماحية) وبنى قربها حصناً للحماية، ذكر ذلك بعض مؤرخي الدولة الأيلخانية في العراق وحكاه التستري صاحب مجالس المؤمنين بالفارسية.
ثم سار المشعشع وحاصر (بهبهان) وكان ذات يوم يسبح مع ثلاثة أمراء في النهر الذي تحت القلعة تحت سدرة فنزل شخص من القلعة وهم لا يرونه يسمى (محمود بهرام) فوقف عنهم قريباً فسلم عليهم فقالوا: من أنت؟ قال: إني هارب من القلعة وأريد الانضمام إلى معسكر السلطان. ووقف حتى خرجوا من الماء فرأى الثلاثة يخدمون الرابع فتحقق أنه السلطان فمد قوس ورماه به (ياسيج؟) فخرقه من حالبه إلى وركه ومر هارباً وصعد القلعة، فحمل المشعشع وليس به حراك ووضع في الخيمة وهو في حال رديئة، وفي تلك الحال راحت الأخبار إلى (بير بوداق) بأن السلطان علي المشعشع مجروح ومحاصر لقلعة بهبهان فتوجه إليه فلما تراءى عسكر بير بوداق لهم ورأوا غباره أخبروا السلطان علي بذلك فقال: (وجوههم) فركبوا إليهم وهجموا على بير بوداق فكسروه أول مرة، ولكن وصل (بير قلي) إليه بعسكره فكسروا المشعشعيين وقتلوهم إلى الحويزة ووصل شخص إلى خيمة
السلطان علي المشعشع فرآه نائماً فحز رأسه لم يعلم من هو. وكان وزيره (ابن دلامة) مأسوراً فعرف رأس المشعشع وفتشوا عن الجثة فحصلوها، وسلخوها وحشوها تبناً وأرسلوا بهذا البو البشري(9/648)
إلى بغداد وبالرأس إلى جهان شاه، ودخل جلدة بغداد في 16 جمادى الآخرة سنة (861).
وقال الغياث في ترجمة بير محمد التواجي والي بغداد من قبل جهان شاه المتوفى سنة (873) الحاكم ببغداد من سنة (870) ما صورته: (وفي أيامه تملكوا (كذا) المشعشعون الحلة). قلنا: ثم أخذت منهم الحلة على ما دلت عليه الحوادث لان حسن علي بن زينل والي بغداد بعد (بير محمد التواجي) أعطى الحلة ابن قرا موسى، ذكر ذلك الغياث أيضاً.
فالمشعشعيون بعد تلك الانكسارة ترأس عليهم مشعشع ثالث فهو الذي استولى على الحلة.
وفي غرة جمادى الأولى سنة (880) أرسل حسن بك الطويل بن علي بك التركماني جماعة ليقبضوا على والي الحلة (خليل بك محمد بن عثمان قرا أيلوك التركماني) وهو أبن عمه فأنهزم من الحلة إلى (المشعشع) وتفرقت عساكره عنه وتبعه القليل. وفي 7 جمادى الأولى أقام بالقائم حتى ينظر الأخبار وفي ثاني جمادى الآخرة أرسل المشعشع إليه سفناً وحملوه إليه، ودوابه سيروها بالبر، ومكث الخليل عند المشعشع سنة وثمانية أشهر حتى رضي عنه حسن بك بشفاعة والدته فأنها خالته، فأرسل في طلبه فتوجه إليه من المشعشع بتاريخ شهر ذي الحجة سنة (881)، ثم توفي حسن بك بتاريخ 27 رمضان سنة (882) وسمع المشعشع بموته فتوجه إلى بغداد، وفي أول الأمر جاء نائب (الرماحية) من قبله إلى (جحيش) وآل جودر في طلب جماعة من الذين هربوا ونهبهم وقتلهم ونهب جميع الدائرة ووصل إلى (قنا قيا) من قرى الحلة، ثم رجع بتاريخ يوم الأربعاء 19 جمادى الآخرة سنة (883) وجاء إلى نواحي بغداد حتى دخل أراضي ديالى إلى الخالص ونهب وقتل واسر، ثم أرتحل يوم الأربعاء 26 جمادى الآخرة وكان مكثه ثمانية أيام، وفي 28 جمادى المذكور قتل (كلابي) والي بغداد الحاج (ناصر الدين القتباني) وحصبوا غلامه (شعبان) بسبب أنه أتهم بقصة المشعشع ومخامرته.(9/649)
وقد قدما إشارة الغياث إلى أن ملوك المشعشعين أربعة ونهاية ملكهم سنة (901) ولكن صاحب الرياض قال في ترجمة (علي خان) بن السيد خلف المشعشعي المذكور آنفاً (من
أكابر العلماء وكان له ميل إلى التصوف توفي في عصرنا وخلف أولاداً كثيرة وقد أخذ حكومة البلاد من أولاده واحداً بعد واحد إلى هذا اليوم وهو عام سبعة عشر ومائة بعد الألف. . . وقد أستشهد طائفة غزيرة غريرة من أولاده وأحفاده وأقربائه في قضية المحاربة التي صارت بين أعراب تلك البلاد وبين بعض أولاده الذي هو الآن حاكم بها) وقال في أبيه: (وبالجملة فهذا الرجل الجليل من أجداد حكام تلك الناحية ومواليها المشعشعين المعروفين، فالظاهر أنه يريد الحويزة وما جاورها.
وقدمنا في (9: 616) من لغة العرب أن السلطان سليمان استولى على واسط وبلاد المشعشع فيستبين أن جزيرة أحمد الرفاعي وما حول واسط سميت ببلاد المشعشع، وفي سنة 994 كان أمير عرب البصرة (أبن عليان) قد أفسد في بلاد المشعشع فأمر السلطان سليم الثاني اسكندر باشا والي بغداد بمحاربته فقهر ابن عليان ونهب أمواله وقتل رجاله.
وقال السيد ضامن بن شدقم في ترجمة الشاه إسمعيل الصفوي (ثم توجه إلى الأهواز وخوزستان وشوشتر ودزفول وقتل من فيها من المشعشعين والغلاة والنصيرية وأستاسر منهم خلقاً كثيراً، ثم في سنة 914 توجه إلى شيراز) وقال عن الشاه صاحب طهماسب (ورجع من شيروان إلى تبريز إلى دزفول والحويزة وشوشتر وبلاد خوزستان فقتل من كان بها من المشعشعين وملكها ورجع يوم السبت غرة ذي القعدة وفي سنة 950 وصل السلطان. . .) وقال عن الشاه عباس: (وفي سنة 1032 ركب الشاه بذاته على عراق العرب ففتحه وفي سنة كذا أطاعه سلطان الحويزة والأهواز السيد مبارك ابن المطلب بن حيدر المشعشعي الموسوي الحسيني - على المداهنة - وأرسل أبنه ناصراً رهينة عنه إلا أنه خطب ودعا له وسلم الأمر إليه).
إلى هنا انتهينا بالتحقيق والمطالعة زيادة التدقيق ومن الله التوفيق.
م. جواد(9/650)
بدرة وجسان
أو بادرايا وباكسايا
جاء في (معلمة الإسلام) التي ينشرها جماعة من المستشرقين بثلاث لغات متفرقة الألمانية والإنكليزية والفرنسية ما هذا تعريبه بحرفه:
(بادرايا، موضع وصقع من ديار العراق في شرق دجلة عند بدء منحدر سلسلة جبل الطاق (وهو المعروف بالإفرنجية باسم زجرس وهي تعرف اليوم باسم بدرة وواقعة فويق الدرجة 33 من العرض الشمالي وتحت الدرجة 46 من الطول الشرقي من غرينويش. ووصاف البلاد من كتاب العرب يضمون بادرايا إلى باكسايا ويشيرون إلى البندنيجين (مندلي) إشارتهم إلى حاضرتهما جميعاً. وأهم ما يصدر منها من القصب (كذا) الشهير الذي ييبس فيها. وقد نقل كسرى أنو شروان إلى هذا القطر طائفة من سكان إنطاكية بعد أن دمر هذه المدينة. وقد جاء ذكر بادرايا في كتب السريان بصورة (بيت درايا) ولا شك أنه ورد ذكرها أيضاً في التلمود بصورة (بي دراي) اللهم إلا أن تكون رواية في (باد وريا). وقد ذكر ياقوت في معجمه 1: 555 بر درايا (قابل أيضاً ما في مراصد الإطلاع 1: 141) فلا جرم أنها تصحيف بادرايا. ومعنى درايا كمعنى كسايا في باكسايا أي قبيلة سكنتها في سابق العصور. قابل أيضاً ماذرايا اسم موضع فوق واسط.) أهـ كلام الكاتب.
حدود بدرة
يحد هذا القضاء من جهة الغرب قضاء العزيزية الواقع في ضفاف دجلة، ومن جهة الشرق فارس والتخم هو جبل حمرين المستقل به حاكم عجمي معروف (بابن حسين قلي خان) ويحده من جهة الشمال (مندلي) البندنيجين ومن الجنوب لواء العمارة وقضاء كوت الأمارة.(9/651)
مزارعها
فيها من الزراعيين العرب نحو ثلاثة آلاف بيت يسكنون مزارع تقدر بخمسة آلاف وأربعمائة دونم.
حيواناتها
في القضاء كله نحو خمسمائة من البقر، وفيها ثلاثة وتسعون ألف وثلاثة عشر من الغنم ونحو مائة وثلاثين من الجاموس وليس في قرية بدرة جاموس وفيها نحو ثمانمائة وتسعين من الجمال إلا في قرية بدرة، وفيها نحو ألف ومائتين وخمسين حماراً ومائتين وتسعين بغلاً، والمستعمل في حمل أثقالهم البغال في الغالب.
بقولها وحبوبها
من بقولها المشهورة: القثاء والبطيخ الأصفر والأسود و. . . الدماطة و. . . البامياء والباذنجان والسلجم والشمندر والفجل والتين والرمان والليمون والبرتقال والنارنج والاترج والكمثري والخوخ والمشمش والأجاص والعنب والزيتون والفلفل الدراز (دارا) وغير ذلك من البقول. وأما حبوبها فالقمح والشعير والذرة والأرز والهرطمان، ولا يزرع الماش عندهم ولا العدس، وعندهم السمسم والباقلا. والحمص والجلجل كثير عندهم، والحبة الخضراء والجوز واللوز تجلب إليهم من بلاد فارس، وعندهم حبوب وبقول آخر لا أذكرها.
موقعها السياسي والتجاري والطبيعي
بدرة تبعد يوماً وبعض يوم عن نفس قضاء كوت الأمارة فالمسافر قبلا من الكوت يقلع صباحاً ويصل جسان عشياً ويبيت في جسان وبكرة يقلع منها إلى بدرة فيصلها الضحوة الكبرى وبين (البغيلة) وبدرة يومان ونصف بسير البغال والذاهب من البغيلة إلى بدرة كالذاهب من الكوت إلى بدرة لأن المدة متساوية إذ بين الكوت والبغيلة يوم واحد في الغالب وبين بدرة والبندنيجين يومان وهذا طريق البريد بين بدرة وبغداد، ويقول البدرين أن بين بغداد وبدرة طريقاً قريباً جداً ومسافته يوم واحد إلا أنه غير مسلوك لعدم وجود الماء فيه وهو طريق مخوف، وقد زعموا أن أحدهم سلكه فوصل بغداد في يوم واحد، ولقد يكون هذا صحيحاً لآن البغداديين يرون الجبل المقارب لبدرة (وهو جبل حمرين) كالغمام(9/652)
العارض إذا صعدوا إلى مكان مرتفع ولو أن الحكومة اهتمت بهذا القضاء المهم وفتحت له الطريق المذكور لعمر عمراناً باهراً وازدادت وارداته أضعاف أضعاف ما هي عليه اليوم. وبدرة ثغر مهم، إذ أنها الحد الفاصل بيننا وبين إيران، ولما رأت الحكومة التركية أهميته حشدت
إليه ثلة من العسكر ترابط فيه والعسكر لا يزال مقيماً هناك، وهذا القضاء ترد إليه البضائع التجارية من فارس والكوت والبندنيجين، وهي قليلة جداً، فلهذا تراها تباع بضعفي ما تباع في بغداد، وبينه وبين فارس مواصلة في التجارة أكثر مما بينه وبين بقية البلاد.
زراعتها
أراض واسعة ورجال قليلون ولا يزرع إلا معشار ما هناك من الأراضي والماء لا يكفي إلا ما يزرع منها، والماء يتوجه إلى حيث يشاء الزراعي المستقي، وفدادينها تزيد على. . . . فداناً، ولو كان لهذه الأراضي مصلح لجنى منها الذهب والفضة ولوفر منها خزائنه بالمال لأنها واسعة جداً، ولا آسف على مثلها فأني رأيت على ضفاف دجلة أراضي واسعة جداً إلا أنها خالية من الرجال والحكومة تشكو الفقر والإعدام، وهذه بلادها مهملة عجاف تجري مياهها ضياعاً.
تقسيمات
يحتوي هذا القضاء على ثلاث قرى: بدرة. وجسان. وزرباطية. وكلها يقرب بعضها من بعض، فجسان تقرب من بدرة، وبينهما ثلاث ساعات، وبدرة تقرب من زرباطية وبينهما ساعة ونصف وفي بدرة محل الحكومة ومحطة الهيئة الشرعية للقضاء، والقضاء كله ينقسم إلى ست مقاطعات: الأولى مقاطعة جسان ويقال جصان بالصاد والسين كما ينطق بها أهلها، وتمسح بسبع ساعات طولاً ويسقيها نهر جسان الذي يمر منحدرا من بدرة إلى جسان ونهر الشعير ونهر الشاخة وغيرهما. والماء لا يروي مزارعها، وأهلها يتشاكون ويتضجرون من قلة المياه والمقاطعة تنقسم إلى ثلاث ضياع: ضيعة جسان وضيعة الشاخة وضيعة نهر الشعير، والمقاطعة الثانية، مقاطعة بدرة وتمسح بست ساعات طولاً، وتنقسم إلى ست ضياع: ضيعة (ميرزاباد) أو (ميرزه آباد) وضيعة (قيراي) وضيعة (الشيحة) بكسر أوله وضيعة (الإمام الرضا) أو (إمام رزا) على حسب(9/653)
رطانتهم، وضيعة (أم الروف) وضيعة (نهر الشعير). ويجري بهذه المقاطعة نهر ميرزآباد، وقيراي، وشيحة، و (إمام رزا) وأم الروف. والمقاطعة الثالثة: زرباطية وتمسح بخمس ساعات طولاً، ويرويها نهر زرباطية، وفيها ضيعة ورمزيار (بفتح أولها وهو الراء وكسر الميم وسكون الزاي).
والمقاطعة الرابعة هور جسان ويمسح بست ساعات طولاً. والمقاطعة الخامسة (غريبة) بسكون أوله وفتح ثانيه وتمسح بعشر ساعات. والمقاطعة السادسة (ترسخ) بكسر أوله وسكون ثانيه وضم ثالثه، كذا ينطقون به، وفي دفاتر الحكومة (ترساق) وبقية أراضي أخر تدعى أراضي سيد حسن وأراضي (بكسايا) بفتح أوله، وفي هذه الأراضي (جبل حمرين) الذي هو شعبة من جبال (بشت كوه) الفارسية، وأهل القضاء مقسمون إلى عرب وكرد وبعض فرس والعرب هم الاغلبون فيه، ونفس قرية بدرة تنقسم إلى جانبين: الجانب الشرقي وهو الذي فيه محل الحكومة وبيوت بدرة. والجانب الآخر: الجانب الغربي وليس فيه سوى حقول ومزارع وحدائق، وفي هذه الأيام أسس فيه (ثكنة) عسكرية يقيم فيها العسكر المرابط هناك.
حالتها الطبيعية
طقسها: معتدل جداً سالم من كل ضرر لو كانت القرية في درجة من النظافة. أما أهلها فيغلب على ألوانهما الاصفرار كأنهم مرضى مزمنين لأنهم يكثرون استعمال التنباك إكثاراً بالغاً، وقوتهم الذي يقوتون به أنفسهم وعيالهم وأبناءهم (الشاي) فهم مثابرون على شربه ويغتنون به عن بقية المآكل بكرة وعشياً، في الصيف والشتاء كما هي حالة الفرس اليوم، وقلما تجدهم يأكلون التمر على كثرته وتنوعه عندهم، والذي هو أضر من ذلك أنهم يوغلون (في الحشيشة والأفيون) ويكثرون الجنوح إليهما. لذلك تراهم ضعافاً هزالا على رقة هوائهم؛ وهذه عادات بلغت إليهم من الأعاجم.
والقرية تطل على نهر صغير يسمونه (الكلال) و (كلال) بالكاف الفارسية ويشق البلدة جدول صغير أيضاً أقل غزارة من (الكلال) فيجري من خلال أكثر البيوت وبعض البساتين. وهي على تلعة عالية قليلاً عن سطح الأرض وعلى(9/654)
ضفة الكلال الأخرى حقول ومزارع وبساتين ونخلها أكثر من نخل الضفة الأخرى من جهة الشرق، وقد أحاطت بالقرية البساتين من جميع جهاتها، وعلى مقربة منها (جبل حمرين) والمسافة بينه وبينها خمس ساعات للراكب، وهذا الجبل هو التخم الفاصل من هذه القطعة بين البلاد العراقية والبلاد الفارسية. وفيه حاكم مستقل عجمي ويكثر عنده النهب والسلب لأن الأشقياء فيه كثيرون وقد أصبح ملجأ لقاطعي الطرق من أعراب وأعجام.
وماء القرية ملح أجاج ثقيل جداً لأنه يجري على الصخور والجلاميد ويمر على أرض مملحة فهو شديد المرارة، وفي الصيف تقل المياه فلا تكفي القريتين: بدرة وجصان، ولا يصل إلى جسان إلا الطين والكدر، وإذا نزل المطر على تلك الأودية تحول مياهها إلى فساد في الرائحة واللون والطعم، فلا تقدر أن تتجرعها ولا تكاد تسيغها (والكلال) حينئذ يفيض ويطغي حتى يكاد يكون كدجلة في عرضه إلا أن طغيانه يفتر بعد ساعات فيرجع إلى القلة في الماء ويبقى متغيراً طعمه إلى أيام، والسبب في فساد الماء من المطر أن ما يستمده الكلال من المهامه والفيافي من الماء هو غسالة تجرف كل ملح من سباخ الأرض وكل وسخ يحيل الماء إلى غير حالته الطبيعية، وفي بدرة ينبوع ماء فرات يبعد عنها ساعة، ولو مروره على الملح لبقي فراتاً إلى منتهى جريانه، وبعض خواص القرية يشترونه بقيمة غبن.
وصف القرى الثلاث جملة
كل هذه القرى متشابهات بعضها لبعض، والبيوت هناك تبنى بالطين واللبن، وأفنية دورهم يجللونها بالطين، ولا يكاد يعرفون الآجر. والطين هناك ذو صلابة وقوة تقارب صلابة الجص، وبعض البيوت يبقى إلى مائتي سنة أو أكثر، وجسان تنفرد عن القريتين بسعة طرفها وأفنية بيوتها. أما القريتان الباقيتان فأنهما متشابهتان من جميع الجهات، وبيوت بدرة ليست موافقة للصحة أصلاً لأنها لا منافذ للرياح فيها، فهي مظلمة بالسطوح التي تغطيها، وسقوفها من الجذوع وكذلك أبواب دورهم، والبيوت مختلفة المباني متصالية السطوح والجدر. وبدرة مبنية على تل عالية قليلاً، وما فيها إلا طريق واحد عام(9/655)
تتشعب منه بنات الطريق، وطرقها غاصة بالقمامات والكناسات، وأبناء بدرة لا يعرفون الحشوش ولا البلاليع ولا الآبار. وهذه القرى تمثل الوحشية والخراب فضربوا بها الأمثال، وفي بدرة نفسها خمسمائة بيت (خانة) من تلك البيوت التي أشبه بمقابر الموتى لا تعرف فيها الريح إن هبت وان سكنت كأنما يوم القيظ أتأتين، وفيها خان واحد للغرباء، وفيها مسجدان صغيران وحمام، وفيها إدارة للبرق والبريد. ومكتب أولي. وفيها نحو ست (قهوة خانات) وفيها نحو خمس وعشرين (رحى ماء) تطحن البر والشعير والذرة ونحوها طحناً دقيقاً وربما أكتب مقالة في وصف (أرحاء الماء) وانشرها في هذه المجلة، وفي بدرة ما يزيد
على سبعين حانوتاً تباع فيه الأقمشة والأطعمة على اختلاف أنواعها وفي جسان نحو مائتي وستين بيتاً وعشرين حانوتاً، وفيها خان وحمام ومسجدان والحمام يشترك فيه الرجال والنساء، فكل منهما له وقت معلوم كالحالة في بدرة، وجسان تحيط بها المزارع والجنان من جميع جهاتها. وأما زرباطية ففيها نحو مائة وستين بيتاً وثلاثة عشر حانوتاً، وفيها خان واحد (وشايخانة) اثنان، وتحيط بها البساتين أيضاً وكل القرى والضياع تسقى من ماء واحد ينبع من ينابيع بعضها في شغف حمرين وبقاعه، وبعضها في سفحه وحضيضه والتي تجري من سفحه أعذب. وإذا أردت أن تعيش عيش الوحوش في البيد المقفرة فاركن إلى مثل هذه القرى.
أبناؤها
هم قوم من العرب تغلب عليهم العجمية فانقلبوا يتكلمون بها، ويدلنا على ذلك أنهم يعرفون العربية ويتكلمون بها، وان رطانتهم مزيج من ثلاث لغات. الفارسية وهي الغالبة، وتليها في الغلبة التركية ثم العربية. وفارسيتهم فاسدة ومذهبهم المذهب الجعفري، قيل وكانوا قبل خمسين سنة أو أكثر من أهل السنة والجماعة، إلا أنهم جنحوا أخيراً إلى اعتناق المذهب الجعفري لكثرة تردد المجتهدين من الجعفرية إلى بلادهم، ومما يصحح هذا القول أن هناك أوقافاً جمة ترجع وارداتها إلى الأمام أبي حنيفة رضي الله عنه، ويدلنا على صحته أيضاً أنهم قليلو المنفرة عن أهل السنة، ولا يتعصبون في مذهبهم تعصب بعض الشيعة(9/656)
في بقية مواضع العراق، لأن العريق في المذهب أشد تعسفاً من الحديث به. على أنا وجدنا أعراباً شيعة يهربون من السني، ويسبونه ويلعنونه، وربما يقتلونه أن تمكنوا منه، وأبناء بدرة بعيدون عن كل تعصب وتعسف، وقد اتخذوا أكثر عادات الأعجام، فلا يقرون الضيف، ولا يدعون دعوة. وعندهم شيء من النفاق والكذب. ولا بدع فذلك عادة في ضعفاء العراقيين خاصتهم وعامتهم. وفيهم الجبن والخوف والأحجام في الأمور. وكلهم همج رعاع ألقى عليهم الجهل غمرته فهم في ظلمات من الجهل بعضها فوق بعض والشريف فيهم من ملك ضيعة من الأرض أو ضيعتين، ولم أجد فيهم عالماً ولا متعلماً إلا ما كان من حضرة السيد محمد تقي المجتهد هناك، فأني رأيت منه، دام ظله، عالماً كبيراً وبحراً غزيراً، وقد حضرت مجلسه مراراً، ودار بينه وبين أخي المفتي هناك (السيد عبد المجيد) جدال ينم
عن غزارة مادة الرجل، وكان الجدال بينهما سجالاً، كل واحد يأخذ ويعطي.
ثم أن أبناء بدرة في غاية الكسل والخمول. وكل مهنة عندهم تعد عاراً وعيباً، ومن كانت له خمسون نخلة منهم يتكل عليها طول عامه، فلا يتشبث بشيء سواها (فهل موت بعد هذا الموت يا رجال الحياة). (وهل فقر بعد هذا الفقر يا رجال الإثراء). وعاداتهم في النكاح أن يجعلوا صداق البنت نخلاً فيعطيها على حسب جمالها وشرفها (وأين منها الجمال والشرف؟) ونساؤهم لا يبارحن بيوتهن، وبعضهن يشتغلن مع أزواجهن في البساتين إن كان للزوج بستان، ولا يعلمن من الطبخ شيئاً إلا (تسخين الشاي) لأنه قوت تلك القرية، ولا يعلمن قراءة ولا كتابة ولا تدبير منزل.
النبات والشجر في بدرة
يغلب النخل على بقية الأشجار التي تنبت في تلك القرى، وقد يبلغ النخل فيها زهاء ألف إلف، وهو هناك على ما أظن أحسن من النخل في البلاد العراقية، وجذوعه غليظة جداً حتى يكاد يكون الجذع كثلاثة جذوع من جذوع نخل بغداد. وللتمر عندهم أنواع كثيرة، أشهرها (الأشرسي) الذي لا مثيل له في بغداد من جهة الحلاوة والمقدار، وهو كثير مبذول عندهم (والخستاوي) وهو نوعان: (الأزرق) وهذا القسم المعتبر عندهم، والعادي الذي هو انزل(9/657)
من الأول. ومن التمور (الخضراوي) يشبه الخستاوي لوناً وحجماً، و (ألبدارية) أو (البيدرايي) كأنه منسوب إلى بدرة، وهو تمر لا أرى مثله في بغداد في الحجم والطعم، لكني أسمع بمحماة. (والمكتوم) يبيعونه بلحاً وفضيخاً و (القيتوني) ولم أر له في بغداد نظيراً، (وجمال الدين) كذلك لم أجد له نظيراً، وأحسن منه (دقل قيطاز) فهو الفريد عندهم. وقيطاز اسم محلة من محلات بدرة، أضيف إليها الدقل المذكور، و (الزهدي) و (القسب) لا يأكلونه لأنهم في غنية عنه. وإنما يحملونه إلى بغداد وعندهم (الأشرسي المكبوس) وغير ذلك مما يطول شرحه ويقتضي تطويلاً.
وكل ما ينبت في العراق ينبت في تلك البلاد، ولا شأن عندهم للزيتون فهو مهمل بينهم يثمر، فلا يجنون ثمره ولا يعنون به. ويكثر عندهم (النرجس) الزهر المشهور الذي تلاعبت في وصفه أقلام الشعراء لطيب رائحته ودقة عرفه المنشور و (الفرصاد) و (التوت) لا يكادان يذكران عندهم. وكذلك (الكمأة) فأنهم محرموها ويكثر عندهم (الرمان) و
(التين) و (الأعناب) قليلة عندهم. والبطيخ الأحمر) و (الأصفر) لا يكادان يذكران عندهم. والخوخ والأجاص عندهم أحسن من خوخ بغداد واجاصها والباذنجان والشلجم والشمندور من جملة ما يزرعونه. وبالجملة فكل ما ينبت في العراق ينبت في بدرة إلا قليلاً. ولولا خراب تلك القرى وتأخرها لأصبحت تلك البيوت قصوراً تحف بها المروج والحدائق فتكون كجنات عدن.
أخلاقهم وعاداتهم
هم قليلو التمسك بالدين، وأغلب خواصهم يؤدون ما عليهم من الفروض الإسلامية ومساجدهم لا تكاد ترى فيها أحداً إلا قليلا. والكل ضارب في إطنابه، وإذا تخاصم اثنان منهم في أمر يتقاضيان عند القاضي الرسمي أو عند بعض الأشراف. والمنكر يحلف بإمام مدفون هناك يسمى (علي اليثربي)، كما رأيته مكتوباً على قبره. ويبعد عن نفس القرية نحو ساعة ونصف، وينطقون باسمه (على أثره) وهم لا يحلفون به كذبا أبداً فأن المنكر عنده ما نكره أقر. وهكذا يفعلون بمن ظنوا به أنه سارق، فأنه يقر ويرجع ما سرقه إلى المسروق منه.(9/658)
وهم يتزاورون فيما بينهم في مجالسهم، وقلما يزورون من ليس من أبناء قريتهم.
وعاداتهم عادات الشيعة في بغداد يقرؤون التعزية ويضربون صدورهم ووجوههم في العشر الأولى من المحرم، ويعظمون السيد تعظيما فائقاً، ويقتلون الزاني والزانية كما هي عادات بعض أعراب العراق. وهم يحقرون اليهودي والنصراني، وليس في بدرة إلا بيتان من اليهود، وغناؤهم على حسب رطناتهم الأعجمية. وليس عندهم إلا الطبل والمزمار والدفوف الصغار.
بعض الآثار في بدرة
على مقربة من بدرة آثار عافية يسمونها (العقر) وهي كقلاع ممتدة، ويقول أبناء بدرة أن هذه الآثار هي بدرة القديمة، أصابها مطر غزير فتهدمت بيوتها. ودثرت رسومها، وبدرة الحالية هي غير بدرة القديمة التي نراها اليوم آثاراً هامدة، وهذه الآثار تبعد عن القرية نصف ساعة، ويقيم فيها بعض الأعراب، وإذا أمطرت يبدو منها قطع من الخزف والزجاج
القديم وبعض (الخرز) والفخار، وقد وجد فيها بعض قطع الذهب. والأعراب يعتنون بما يجدونه من آثارها اعتناءً بالغاً، وكلما يقع في أيديهم تعلقه نساؤهم في رؤوسهم بعد ثقبه وتحسينه بالحك. ويسمون ذلك المعلق (اللولاح) أو (اللولح) أو (الدلاعة) وتجد في (اللولح) الأنواع المختلفة من الصخر والزجاج والعظام وغيرها.
وبقايا الآثار المبنية تعلو إلى نحو خمسة عشر متراً. وقد زارها بعض المستشرقين في السنين الأخيرة.
هذا أهم ما يذكر عن هذه الآثار، وهو الذي تواتر عن البدرين تواتراً صحيحاً. والله أعلم.
م. ر
(لغة العرب) كتبت هذه المقالة في سنة 1911، فأبقيناها بحلتها المذكورة من غير أن نبدل منها شيئاً، فهي مزوجة الفائدة من جهة وصف المدينتين المذكورتين قبل عشرين سنة، ومن جهة إفهام بعض الكتاب أن بيدنا مقالات قديمة العهد منذ أن أسست هذه المجلة، فإذا تأخر نشرها فلا يحمل ذلك على سوء نية بل على تراكم المواد لا غير.(9/659)
مدن العراق القديمة
فنسان م. ماريني
تابع
وقتل (سنحاريب) سنة 681 ق. م. فعقبه أبنه (اسرحدون) وأهم مآثره في الحرب فتحه الوجه البحري من مصر سنة 672 ق. م. واحتلاله (منف) ولعل المحفورات التي تمثل بسالة الملك في الحرب لن تنكشف. إذ أنه يقوم فوق قصره الواقع في (تل النبي يونس) مسجد للمسلمين، ولا شك في أنهم ينفرون من نبش هذا البناء. ومن غريب الاتفاق أن هذا الجامع كان في أول أمره، كنيسة للمسيحيين، ويزعم بعضهم أنها قبر (يونان) الشهير، أما الحقيقة فهي أن ذلك الموطن كان مدفن بطريرك نسطوري اسمه (حنا الأعرج).
وقد وقف في القصر العظيم ل (أشور بنيبل) بن (اسرحدون) على عاديات هي من أجمل ما أكتشفه الأثريون وأغربه. إذ أن خزانة كتب هذا الملك نفيسة لا يقدر ثمنها حق قدره، وفيها زهاء خمسة وعشرون ألف من المخطوطات الباحثة عن الدين والفن والآداب، وترى تلك التحف الآن في المتحفة البريطانية وكان البابليون الذين ثقفوا الملك وهذبوه بثوا في صدره حب العلم، فتقدم إلى نساخه بأن يجمعوا الصفائح المخطوطة أو ينقلوها حيثما عثروا عليها. وأمر أن تنقل المخطوطات الشمرية إلى الآشورية. ونحن لخزانة كتبه مدينون لنشيد الحماسة الشمري للبطل (جلجمش)، ولرواية خلق العالم، ومثل ذلك قل عن النص البابلي لرواية الطوفان.
وفاق (أشور بنيبل) سلفاءه في حملاته العسكرية، فأتى بلاداً لم تطأها أقدامهم. فقد وصل إلى (طيوة) في صعيد مصر سنة 666 ق. م. وسبى(9/660)
(السوس) (سنة 640 ق. م)، فدوخ (عيلام) بأسرها. ولكن آشورية حازت مرتبة فاقت طاقتها، ولذا لم تحافظ عليها، فأطرت إلى أن تحشد الفلاحين أنفسهم، حتى تسد احتياج جيوشها التي أخذت تتوسع يوماً فيوماً. وعليه أبيدت الزراعة في قطرها، وتولى الآرميون مصانعها. فتشتت شمل إدارة جندها فانقرضت. وبينما كان (أشور بنيبل) يطفئ نيران ثورة في بابل، تملصت مصر من نفوذه. وأتحد الماذيون والبابليون بعد وفاة هذا الملك بقليل سنة 626 ق. م، وهجموا على نينوى
فسقطت (تلك المدينة الجليلة)، وكان ملكها الآشوري أودع نفسه وزوجاته وأولاده خشب المحرقة الذي أعد لحفلة دفنهم. وبعد أن مضى على ذلك قرنان مر (زينفون) وجنده العشرة الآلاف ب (نينوى) فلم يعرفوها.
كالح (نمرود)
هي على مسافة عشرين ميلا من الموصل بالسيارة
يرى في المتحفة البريطانية حيوانان هائلان مجنحان، ذوا حجم عظيم، ولهما رأسان بشريان، أحدهما أسد وثانيهما ثور، واثناهما مغشيا بالرقم المسمارية وبروايات خيالية. وقد عثر عليهما (لايرد) في روابي نمرود، وتاريخ اكتشافهما ونقلهما من أجل ما ورد عن أعمال الباحثين عن الآثار القديمة، إذ أنه داهمت ذلك المنقب صعوبات كثيرة، ومضت عليه أوقات أثلجت صدره فرحاً وفزعاً معاً في حمله التمثالين إلى الكلكين اللذين نقلاهما إلى البصرة ليوضعا في الباخرة، وكان كلا الكلكين يطوف على ستمائة جراب منفوخ.
وترى الثيران المجنحة إلى هذا الحين مبعثرة بن تلول نمرود، وفي خنادق تلك الأرجاء، وتدل تلك العاديات على المواضع التي حفر فيها (لايرد) و (رسام) أي أن هذين الفاضلين نقبا في جانبي أبواب المباني. كما أن هناك شكلاً ضخماً جداً لملك أو لإله، تسميه الأعراب هنالك (ملك نمرود) ونصف ذلك التمثال مدفون في أنقاض مدينته، لأن المنقبين أنفسهم دفنوا النفائس التي لم يتمكنوا من حملها فحفظوها في موطنها، وأعانهم ويعينهم على ذلك مرور الزمان، كما جاء فيما يخص نينوى. والطبيعة تأتي في الربيع فتعير التلول برود أزاهير زاهية،(9/661)
تتألق وتتلألأ أياماً ثم تذبل، كأنها رمز إلى المدينة التي تحتها، وقد تباهت بمجدها زمناً فزالت.
وجاء في التوراة أن (كالح) أسسها (أشور) بن (سام) الذي خرج من سهل شنعار في أثناء حكم نسيبه نمرود (سفر الخلق 10: 11) وأتجه نحو الشمال فطاف وجه الأرض. وربما كانت هذه البلدة عريقة الأصل، بيد أنه لم تحصل أنباء عنها قبل (شلمن أصر) الأول الذي بنى له فيها قصبة جديدة، وقد هجر أشور لصعوبة الدفاع عنها. على أن (تغلت فلاشر) الأول (1100 إلى 1060 ق. م) أعاد أشور إلى سابق مجدها، ويكاد لا يعرف شيء عن (كالح) في القرنين التاليين اللذين مضيا على آشورية، وهي خاملة الذكر آنئذ.
ولما خرجت آشورية من عصرها المظلم، عصر نير الأرميين، عادت (كالح) إلى سابق عزها، ورد (أشور ناصر بل) (885 إلى 860 ق. م) الغزاة الأرميين وغزا بنفسه (فينقية) وسورية، وشيد له داراً ملكية فخمة وهيكلاً وأقامهما على اخربة أبنية (شلمن أصر) التي تعرف اليوم بالقصر الشمالي الغربي، وحصل من هنالك على مجموعة عجيبة، فيها محفورات وحيوانات وعروض وعاج وشبه (برونز) منقوش عليها نقشاً جميلاً.
ووردت رواية حملات (شلمن أصر) الثاني المحراب ابن (أشور ناصر بل) في مسلة الرخام الأسود التي ترى في هذا اليوم في المتحفة لبريطانية، ووقف على تلك المسلة في القصر الأوسط ل (شلمن أصر) المذكور في نمرود، ويتضح أنه أفنى الأرميين المتمردين إفناءً تاماً، فأصبح سيد بابل. بيد أن فتحه دمشق لم يكن أمراً يسيراً، ولا ظفراً سهلاً كما يصفه، بل ربما أستغرق ذلك وقتاً طويلاً، وحمل حملات عديدة. ومن ألطف الصور التي رسمت على هذه المسلة، صورة (يا هو) بن (عمري) ملك إسرائيل ممتثلاً بين يديه.
ويظهر أن شوكة أشور ضعفت مرة أخرى. حتى قام (تغلث فلاشر) الثالث (745 إلى 727ق. م) وأعاد المملكة إلى نفوذها الأول، ووسع أركان حكمه حتى امتدت إلى تخوم مصر نفسها، وقد بعث إليه (أحاز) ملك اليهودية بفضة وذهب من دار الرب بمثابة هدية له حتى ينجيه من عتو ملك سورية (2 سفر(9/662)
الملوك 16: 7 إلى 8) فحمل ملك آشورية على سورية ومر بعض الإسرائيليين. ولما نقب في القصر الفخم ل (تغلث فلاشر) في نمرود، أصيب عدد غير قليل من صور هذه الحملات، ويعرف ذلك البناء بالقصر الجنوبي الغربي، وتتضمن تلك الرسوم سسكش من تلك الكبوش التي كان يتخذها الآشوريون لهم جدران للبر فأبلوا بها أيما بلاء.
ولكن إسرائيل لم يبق خاضعاً لآشورية مدة طويلة، بل أتفق ملك إسرائيل عند وفاة (تغلث فلاشر) مع مصر لكي يخلعا عن عاتقهما نير الآشوريين، فحلا إذ ذاك (شلمن أصر) الرابع ملك آشورية، مدينة (السامرة) (سنة ق. م) فقاومته ثلاث سنوات، ولكن بالتالي فتحها (سرجون) وهو الملك الذي أغتصب عرش آشورية من ملكها في إحدى ثوراتها.
ونقل سرجون مقره إلى (دور شروكين) (مدينة سرجون) لتوؤه العرش. و (دور شروكين) مدينة جديدة بناها على عشر أميال عن نينوى وفي شمال شرقيها.
دور شروكين (خرساباد)
هي على بعد خمسة عشر ميلا بالسيارة من الموصل
يقع تل (خرساباد) المرتفع في ضفة (خوسر) اليمنى و (خوسر) هو النهر الجاري بين تلي نينوى الرئيسين، ورابية (خرساباد) تمثل مثولا صادقاً العادة التي أتخذها الآشوريون لتشييد قصورهم وهياكلهم فوق مسطبة يبلغ ارتفاعها نحو ثلاثين أو أربعين قدماً عن مستوى البلدة. وقد بنيت مسطبة القصر في خرساباد من اللبن، وغشيت جميع أطرافها بكتل صخر محكمة القطع (مخدومة) وكانت المسطبة على شكل مهراس (أي آ) مرتفع، وبعضها داخل سور المدينة، والبعض الآخر خارج عنه. ولا ريب في أن باب القصر ذا المنافذ الثلاثة كان جميل المنظر مهيباً. إذ كان يرى في جانبيه ثيران فخمة ضخمة مزخرفة بالزليج وهي قائمة أمام الدرج المؤدي من البلدة إلى مسطبة القصر التي هي فوقها.(9/663)
وباشر (بوتا) وكيل القنصل الفرنسي في الموصل في التنقيب في (خرساباد) سنة 1843، وواصل (بلاس) الحفر بعده. وكشفت الغرفة بعد الأخرى، فظهر أن جميع جدرانها مزينة بالهيصمي المحفور، ودلت دلالة عجيبة على العادات العسكرية في الجيش الآشوري ل (سرجون) الثاني وأعمالهم المخيفة. وأغتصب هذا الملك العرش من (شلمن أصر) الثاني في أثناء ثورة فاز بها المتمردون، وكان (شلمن أصر) آنئذ مشتغلا بمحاصرة مدينة (السامرة). ولما فتح تلك المدينة سنة 722 ق. م. أسر الإسرائيليين وأعتقلهم في عدة بلدان في آشورية، وأحل محلهم في (السامرة) والأراضي المجاورة لها أناساً غرباء من (كوثى) وغيرها (2 سفر الملوك 17، 24 إلى 30). (راجع أيضاً ما يخص كوثى).
ويتضح أن (سرجون) الثاني آثر أن يبني له عاصمة جديدة على أن يتخذ مدينة سلفه مقراً له، ويظهر أنه أتخذ اسمه من (سرجون) الأول الذي عرف بهذه الخصلة (راجع ما يخص أكد).
وفرض (سرجون) الثاني على جميع مدن مملكته أن يمدوه بمواد بناء وبعملة بمثابة جزية حتى يقيم قصره بكل بهاء يليق بعظمته وجلالته. ولما خرب القصر احترقت جميع المحفورات التي كانت داخل الغرف حين سقط عليها السقف الملتهب، فلم يستصوب نقل أية محفورة كانت، هذا أمر يؤسف له. وأما المحفورات التي خارج الجدران فحملت إلى
(اللفر). وهناك رسوم كثيرة نفيسة جداً، تري حالات الآشوريين في الحرب والولائم والقنص والدين، ولولا الرسام (فلاندن) الفرنسي الذي نقلها، لفقدت برمتها. ويتضح أن الآشوريين كانوا كثيري الولع بالحرب. وقد أتقنوا فنونها أتقانا بارعاً، ولا سيما أنهم تعلموا من الحثيين اتخاذ الحديد. وقيل أنه عثر في غرفة واحدة في (خرساباد) على مائتي طن أسلحة حديد.
اربلا (اربل)
تبعد عن الموصل بالسيارة نحو ثلاثين ميلا
هذه المدينة هي الوحيدة من مدن آشورية التي لا تزال آهلة وتعرف باسمها(9/664)
الأول. وأهم ما اشتهرت به أن بقربها سهلاً كافح فيه (دارا) ملك الفرس، كفاحه الأخير في محاربته الاسكندر (سنة 330 ق. م) والتل الذي شيدت عليه البلدة الجديدة يشمل القلعة الخربة التي ترك (دارا) كنزه فيها فهرب، ولكن أتباعه قتلوه.
والمواطن الأخر التي تزار هي: جبل سنجار (مقر اليزيدية)، و (تلكيف) و (دير القوش) و (دير ربان هرمز)، و (دير مار متي).
جدول التواريخ
سلالة كيش الأولى: كانت كيش على ما ورد في أنباء شمر (موشور (ولد بلندل) أول عاصمة في البلاد بعد الطوفان وحكم ملوك هذه السلالة الثلاثة والعشرون 24510 سنة.
سلالة أرك الأولى: نحو ثمانية ملوك، مع تموز و (جلجمش).
سلالة أور الأولى: 3200 ق. م.
1 - (مس انيبدة):
2 - أ (أنيبدة): الرقيم المسماري وجعل الذهب في (تل العبيد) الخ.
سلالة أوان: وسلالة أخرى لكيش (لعلها سلالة خيالية) وسلالة همزي (وقد قهره (اوتج) فاتشي في كيش) ربما كانت هذه السلالة معاصرة لسلالات كانت قبلها أو بعدها وهي تتالى في موشور ولد بلندل.
سلالة كيش الثانية: 3300 إلى 3200 ق. م.
(مسلم) (؟): يرد اسمه في رؤوس الصوالجة وأوعية الأزهار. ولكنه لم يذكر في موشور ولد بلندل.
(اور زج آد): في وعاء أزهار فيه الرقيم المسماري.(9/665)
(لجل ترسي): في صفحة لازورد.
(أنبي اشدر): غلبة (انشجهشنا) ملك أرك.
سلالة أرك الثانية:
الخ انشجهشنا.
سلالة أور الثانية: سلالة اكشك سلالتا أدب وماير.
(اوفس) 2943 إلى 2849 ق. م فاتشي لجش
معاصرة: ل (انخجل).
سلالة كيش الثانية: اورننة (2900 ق. م).
كج باو: ايناتم (دوخ كيش واكشك).
سلالة كيش الرابعة: ايناناتم الأول 2850ق. م.
جمل سن انتمنا
اور البابا الخ.
ننيجة
سلالة أرك الثالثة: 2777 ق. م.
لجل زجسي: كان في أول أمره فاتشي أما، ثم دوخ لجش (اورو كجنا) وكيش (ننيجة).
مملكة أكد 2752 إلى 2696 ق. م.
سرجون الأول (دوخ كيش وارك)
ريموش فاتشي لجش
منشتوزو أورباو (2700 ق. م)
نرأم سن (حفيد)
الخ(9/666)
سلالة أرك الرابعة (2600 ق. م) وسلالة جوتيوم (لعلها حثيه).
سلالة أرك الخامسة فاتشي لجش، جوديا (معاصر لسلالة جوتيوم) اور ننجر سو.
نهضة المملكة الآشورية الأولى (2500 ق. م)
سلالة اور الثالثة: 2409 إلى 2301 ق. م
اور نمو (اور أنجو)
دنجي
برسن
جمل سن
أبي سن (اعتقله العيلميون)
سلالة آسن: 2301 ق. م سلالة لرسا: 2301 ق. م
سلالة بابل الأولى:
2169 ق. م
16 ملكا سمو أبو 17 ملكا
سمولا الو
(آخر السلالة 2075 ق. م) (ثلاثة ملوك) سلالة الملوك البحريين
حمرب
2067 إلى 2025 ق. م
شمشويلونة (11 ملكا)
الخ
(آخر السلالة 1870 ق. م)
سلالة كيش (بابل) 1746 ق. م
مملكة أشور الأولى 2500 ق. م(9/667)
(69 ملكا) (36 ملكا)
فوزور أشور الرابع 1486 إلى 1460 ق. م كوريجلزو
شلمن أصر الأول 1276 إلى 1257 ق. م
تكلتي ننورتة الأول (آخر السلالة 1169 ق. م)
1256 إلى 1233 ق. م (؟)
سلالة فاشة في بابل
1169 ق. م
نبو كدر أصر الأول
1146 إلى 1123 ق. م
تغلث فلاشر الأول 1100 إلى 1060 ق. م (؟) الزمن الذي كان تاريخ السلالة غامضا من جراء غزوات المأذيين مملكة آشورية الثانية
ق. م
889 إلى 884
تكلتي ننب الثاني
884 إلى 859أشور ناصر بل
859 إلى 824شلمن أصر الثالث
745 إلى 727تغلث فلاستر الثالث
727 إلى 722شلمن أصر الخامس
722 إلى 705سرجون الثاني
705 إلى 681سنحاريب
681 إلى 668اسر حدون
668 إلى 626أشور بني بل (في اليونانية سردنابالس)(9/668)
مملكة بابل الحديثة
(آخر مملكة آشورية 606ق. م)
(كلدانيون)
625 إلى 604 ق. منبو بل أصر
604 إلى 561 ق. منبو كدر أصر الثاني
555 إلى 539 ق. منبو نيد
539 إلى 331مملكة الفرس (سلالة الكيانيين)
559 إلى 529كورش قهر بابل (539 ق. م) وأجاز اليهود أن يرجعوا إلى فلسطين
529 إلى 522قنبوزيا دوخ مصر.
522 إلى 485دارا العظيم. تمت إعادة بناء الهيكل في أورشليم. محاربة ماراثون.
485 إلى 465ارتخششتا محاربة سلامس.
400قدوم زينفون واليونان العشرة الآلاف.
331دارا الثالث قهره الاسكندر في معركة اربل (جو جميلا).
331 إلى 323مملكة المكذونيين.
323وفاة الاسكندر في بابل.
312 إلى 140مملكة السلوقيين.
312اصبح سلوقس ملك أرض الرافدين وسورية وإيران.
140احتل الفرنسيون سلوقية.
140 ق. م إلى 226 مملكة الفرثيين.
117 مغلب ترايانس انبرطور روما الفرنسيين وزار بابل.
162 مآباد لقيوس ويرس قائد الرومان سلوقية.
226 مقهر اردشير الفرثيين.(9/669)
226 إلى 641 مملكة الفرس (سلالة الساسانيين).
265حاصر أذينة ملك تدمر طيسفون ولكنه أضطر إلى أن يرجع القهقرى.
363احتلال يليانس إمبراطور روما بعد أن أقتحم أسوار طيسفون ثم رجع.
627غلب هرقل الإنبراطور كسرى الثاني في نينوى.
641غزا المسلمون الفاتحون طيسفون، فسقطت مملكة الفرس.
اليقظة
مذ أشرقت شمس التمدن في الورى ... بزغت أشعت علمها تتعالى
وبنورها ضاءت شعوب فارتقت ... أوج العلى وأجدت الترحالا
وابن العراق فكان عنها نائياً ... حجبته غيمه جهلت أجيالا
فعرته بعد النوم يقظة غافل ... فرأى ثياب فخاره أسمالا
عض الأنامل حرقة وتفجعاً ... وبغى إلى ذاك الشعاع مآلا
نصيحة
أمل الخير وكل الأمال ... لا ينالان بغير العمل
أيها السارون في نهج العلى ... حملوا الآمال زاد النقل
أرأيتم أمة راقية ... في المعالي ضربت بالمثل؟
نالت العز وفيها ثلة ... نذله معروفة بالكسل؟
حكم
الكبر شؤم للنعيم مبيد ... ويضر صاحبه وليس يفيد
أن السعادة لا تظن لمن طغى ... بل من تواضع أنه لسعيد
والحق فانصر أنه شرف الفتى ... وفضيلة عنها الجبان بعيد
والصدق عز لا يزال لأهله ... والكذب شؤم والكذوب طريد
والحلم فخر فاتبع سبل الهدى ... ذو العقل ليسس عن الرشاد يحيد
وبالاقتصاد تنال خيراً دائماً ... أن المبذر لرفاه فقيد
والجهل داء فاتك ودواؤه ... علم إلى حيث الرفاه يقود
وعليك بالعلياء فأطلبها فلا ... ترقى البلاد بدونها وتسود
م. جواد(9/670)
أمثلة من كتاب الجماهر للبيروني
(لغة العرب) كنا قد تكلمنا مرارا عن هذا التصنيف الجليل (راجع مثلا: 9: 291) وقد أهدى إلينا حضرة الأستاذ الدكتور ف. كرنكو بعض الأمثلة من أبوابه، ليحكم القارئ على ما فيه من الفوائد الجلية والمصطلحات العلمية الواردة في ذلك الحين، وهو أمر جليل، لأنه يطلعنا على أن لغتنا هذه البديعة هي كالعجين بيد العجان تتقلب بين أصابعه وتطيعه كل الإطاعة، لكنها تتطلب من يعرف التصرف فيها، ودونك شيئاً من تلك الأمثلة:
قال في باب (أخبار في اليواقيت والجواهر) (من نسخة الاسكوريال ص 51)
في كتاب أخبار الخلفاء: إن المتوكل جلس يوماً لهدايا النوروز، فقدم إليه كل علق نفيس، وكل ظريف فاخر، وان طبيبه بختيشوع بن جبريل، دخل وكان يأنس به فقال له: ما ترى في هذا اليوم؟ قال: مثل خرباشات الشحاذين إذ ليس لها قدر. وأقبل على ما معي. ثم أخرج من كمه درج آبنوس، مضبباً بالذهب وفتحه عن حرير أخضر، أنكشف عن ملعقة كبيرة فيها جوهر، لمع منها شهاب، ووضعها بين يديه. فرأى المتوكل ما لا عهد له بمثله، وقال: من أين لك هذه؟ قال: من الناس الكرام. ثم حدث أنه صار إلى أبي من أم جعفر زبيدة في ثلاث مرات، ثلاث مائة ألف دينار، بثلاث شكايات عالجها فيها: إحداها أنها شكت عارضاً في حلقها منذراً بالخناق، فأشار عليها بالفصد، والتطفئة، والتغدي بحسو، فأحضر على سفتجة في عضادة (كذا. والصواب في غضارة) صينية عجيبة الصفة، وفيها هذه الملعقة. فغمزني أبي على رفعها ففعلت ولففتها في طيلساني، وجاذبنيها الخادم، فقالت: لاطفه ومره بردها وعوضه منها عشرة آلاف دينار، فامتنعت وقال أبي: يا ستي أن أبني لم يسرق قط، فلا تفضحيه في أول كراته لئلا ينكسر قلبه، فضحكت ووهبتها.
هذا وان لم يكن في الخبر نسيج الملعقة، فلمعان الشعاع في الحكاية، يدل على أن الياقوت أحمر. وسأل عن الآخرتين، فقال: إنها شكت إليه تغير النكهة بأخبار إحدى بطانتها إياها، وذكرت أن الموت أسهل عليها من ذلك. فجوعها إلى العصر، وأطعمها سمكاً ممقوراً، وسقاها دردي نبيذ دقل بإكراه، فأغثت(9/671)
نفسها وقذفت، فكرر عليها ثلاثة أيام، ثم قال لها: تنكهي في وجه من أخبرك بذلك واستخبريه هل زال. والثالث أنها أشرفت على التلف من
فواق شديد كان يسمع من خارج الحجرة، فأمر الخدم باصعاد خوابئ إلى سطح الصحن وتصفيفها حوله على الشفير، وملئها ماء، وجلوس خادم خلف كل جب (كذا. لعلها حب) حتى إذا صفق بيده على الأخرى دفعوها دفعة في وسط الدار. ففعلوا وارتفع لذلك صوت شديد أرعبها فوثبت وزايلها الفواق.
(من ص 59)
إن (الجبل) المشهور الذي ينتحل اسمه لغيره فأنه (كذا. ونظنه من زوائد النساخ) كان فصاً من ياقوت أحمر على أقصى النهاية في النقاء. ذكر إبراهيم بن المهدي أنه اشتري لأبيه بثلاثمائة ألف دينار، وكانت أكياسها نضد بعضها على بعض كالجبل، وأنه وهبه للهادي. ووهب الرشيد الخاتم المعروف (بإسمعيل) (لعله بالإسماعيلي) من زمردة لم ير مثلها اسماً (كذا. ولعلها ماءة) وفيها ثقبة، وطلب لها سنين ما يشابهها ليسد تلك الثقبة به حتى وجده بعد حين، وعمل له ما يهندم عليها، وأحضر الصواغ، وصاغوا بين يديه خاتماً، وطلى المنحوت بمصطكي ليركبه في ثقبة الفص فوضعه الرشيد على كفه فتعلقت ذبابة، وتعلق برجلها، وطارت وذهبت به فقال الرشيد، صدق الله تعالى في قوله. (ضعف الطالب والمطلوب). ولما أستخلف الهادي ودخل عليه الرشيد ورأى (الإسمعيلي) في يده حسده عليه، وأراد أن يقترن (بالجبل). وحين خرج من عنده أتبعه الفضل بن الربيع مع إسمعيل الأسود بأن يبعث (الإسمعيلي) إليه وأن لم يفعل، فجئني برأسه. ولحقه الربيع وأخبره بالقصة فقال: والله لا أعطيه إلا بيدي. فرجع معه إلى أن بلغنا الجسر فأخرجه من إصبعه وقال: يا فضل أهو (الإسمعيلي؟). قال: نعم. فرمة به في دجلة. فطلبوه، فلم يوجد إلى أن استخلف الرشيد ومضت من خلافته سنة وكان بالخلد يذكر ما عامله به موسى فتذكر الخاتم. وأمر الفضل بالغوص لطلبه فقال: يا سيدي قد طلب مراراً، وأني لأظن أن قد علاه أكثر من أربع أذرع من الطين لتطاول المدة. ثم مضى الفضل مع الغواصين فقال له أحدهم: قف موقف الرشيد وارم بمدرة في قدر الخاتم كما رمى به. ففعل وأول ما غاص الغواص(9/672)
في مسقط المدرة بعد أن قدر ما يميل الماء به إلى أن يبلغ القرار، أخرج الخاتم بعينه كما هو. وقرنه الرشيد بالجبل كما أراد الهادي، ولم يكن أن تبلغه المقادير ما أراد. وذكر نصر: إنه كان بهرماناً معصفراً صافياً يتزن ثلاثة مثاقيل غير دانق وقيمته مائة ألف
دينار.
(وفي ص 264)
حكاية في عدم الاسرب في بلاد الصين
ولعزة الاسرب في أرض الصين يستعمل الرصاص القلعي بدله فيما يحتاج إليه منه، ولهذا يحمل إليها في البضائع. قال بعض تجار الحرب: إن من رسمنا أن نحمل للضعفاء بضائع، ويتبرك بذلك، وأنا كنا في بعض المرات بالابلة قد أصلحنا شأن السفن إلى الصين، إذ وقف علي شيخ وقال: إن لي حاجة قصدت بها غيرك، فخيبني فيها، وقصدتك واثقاً منك بأنك لا تفعل فعلهم. قال: وما هي؟ قال: قال لا أقول حتى تضمن قضاءها، ففعلت وأحضر وصلة أسرب نحو المائة مناً. ثم قال: حاجتي أن تأمر بحملها حتى إذا بلغت اللجة الفلانية أمرت بطرحها في البحر. قلت: لا أفعل. قال: وأين الضمان؟ وما زال بي حتى أخذتها وكتبتها في الروزنامجة باسمه وداره في البصرة. فلما توسطنا تلك اللجة إنساناً الله عز وجل بعصوف الرياح أنفسنا فضلا عن تلك الرصاصة، وبلغنا القصد، وبعنا ما معنا، فحضر رجل يطلب أسرباً فأجبته: إني ما حملت منه شيئاً. وذكرني الغلام تلك البضاعة فقلت: خالف الآن الضمان وما علي بيعها. فاشتراها الرجل بمائة وثلاثين ديناراً، وابتعت لصاحبها طرائف من الصين، وانصرفنا ولم يأتني الشيخ، فصعدت داره وسألت عنه فقيل: إنه توفي. فقلت: هل خلف أحداً. فقالوا: إن له ابن أخ في بعض نواحي البحر، وأن داره موقوفة في يد أمين القاضي. فتحيرت ورجعت إلى الأبله وبعت تلك البضاعة بسبع مائة دينار. وبينا أنا ذات يوم (كذا) إذ وقف رجل على رأسي وقال لي: أنت فلان؟ قلت: نعم. قال: كنت خرجت إلى الصين وبعت بها وصلة عام أول. قلت: نعم. قال: أنا اشتريتها، وقد قطعتها للاستعمال فوجدتها مجوفة وفيها اثنا عشر ألف دينار. وقد جئت بها إليك فخذها. قلت له: زدت ويحك(9/673)
في البلية وقصصت القصة عليه فتبسم متعجباً وقال: أتعرف الشيخ؟ قلت: لا إلا بما حكيت. قال: هو عمي وليس له وارث غيري، وكان يفرط في بعنائي حتى اضطررت إلى الهرب من البصرة منذ سبع عشر سنة، وأراد أن يزوي المال عني، فأبى الله إلا ما ترى على رغمه، فأعطيته السبع مائة دينار وذهب إلى البصرة
وأستوطن دار عمه في أوسع نعمة وأرغدها.
ف. كرنكو
تصحيحات
بعد السلام والاحترام. نسيت في مكتوبي الأخير تصحيح بعض الهفوات في الجزء السابع من مجلتكم:
ورد في ص 544 س1: (حلية الأولياء للفضل بن دكين أبي نعيم). قلنا: ليس الفضل بن دكين صاحب الحلية، لأن بين الفضل هذا وأحمد بن عبد الله صاحب الحلية نحو من مائة سنة. فالفضل اقدم من أحمد وهو شيخ شيوخ أحمد.
وجاء في 544 س13: (الأمثال للمدائني). قلنا: لا نعرف للمدائني كتاباً بهذا الاسم، إنما كتاب الأمثال للميداني، على ما هو مشهور.
وفي ص 545 س8: (طبقات ابن أسعد) والصواب: (طبقات أبن سعد) بغير ألف، ويقال: طبقات محمد بن سعد) وتصنيفه مشهور مطبوع. (ل. ع) اسعد من غلظ الطبع.
في 28 تموز سنة 1931 وستكليف اون سي (إنكلترة):
المخلص ف. كرنك
صاحب كتاب الفاضل في صفة الأدب الكامل
بعد أن طالعنا كتباً عديدة لنتبين اسم صاحب هذا الكتاب أصبنا أنه: (محمد ابن اسحق بن يحيى النحوي المعروف بالوشاء). قال: ناشر تاريخ بغداد للخطيب البغدادي (1: 254) في الحاشية ما هذا نصه: (قلت: له من المؤلفات كتاب الموشى المعروف بكتاب الظرف والظرفاء طبعه الخانجي (وقد سبقه الإفرنج إلى طبعه سنة 1886) وله كتاب الفاضل من الأدب الكامل، توجد منه نسخة بمكتبة مجلس بلدية الإسكندرية ونسخة قديمة في المكتبة الخالدية بالقدس. وأبو الطيب الوشاء حدث عن أبي العباس ثعلب والمبرد وطبقتهما كما في تاريخ الخطيب.
مصطفى جواد(9/674)
أصل اليزيدية وتاريخهم
- 5 -
الغلو في العقائد والعوائد
1 - قبل عدي:
إن هؤلاء قبل مجيء عدي إليهم، كانوا يتعصبون ليزيد. ولكن دخول الشيخ يزيد بين ظهرانيهم، خفف نوعاً من غلوائهم، فدعاهم للإصلاح، فمالوا إليه كل الميل وأطاعوه طاعة عمياء، ليس وراءها طاعة، فصار لا يرد له قول.
2 - عدي لا يأكل ولا يشرب:
وهذه المتابعة أدت إلى أن اعتقدوا فيه اعتقاد المغالين، وهو في قيد الحياة، فقالوا عنه أنه لا يأكل ولا يشرب. ولما سمع بذلك برز إليهم وصار يأكل ويشرب بمشاهدة منهم، وأبدى أنه بشر يحتاج إلى ما يحتاجون إليه، بلا فرق من تعاطي ضروريات الحياة، وأنه لا غنى له عنها. (راجع: ص 89 من القلائد نقلا عن الذهبي.)
3 - الغلو بعد وفاة عدي:
وأهم ما جرى من الغلو بعد وفاته، ما أشار إليه (ابن تيمية) في وصبته الكبرى. وكذا ما أورده صاحب البهجة وهو معاصر لأبن تيمية. فقد نقل عن الشيخ عدي خوارق لا تزال آثارها مرعية إلى اليوم. وأيدها صاحب القلائد بالمنقول عن مؤرخين عديدين مثل الذهبي، وابن كثير، والعليمي.
وإني ذاكر ما يوضح الموجود اليوم ضارباً صفحاً عما أندثر، أو لم يعثر عليه في عقائدهم الموجودة.
وهنا أكرر القول أن المتعلمين إذا نقلوا في كتبهم أمثال هذه، فمن الأولى أن لا يستغرب نقل اليزيدين عن كبارهم وأن يحمل ذلك على جهلهم. فإذا انتبهوا وزال الجهل عادوا إلى صفوة العقيدة، ونفذوا إلى روحها. والرجوع إلى الأصل، كما حصل شذوذ في المبدأ، شأن
العقلاء الذين لم تكن نياتهم سيئة.(9/675)
4 - الخطة أي الدارة:
هذه من أقدم العوائد المنقولة. يقال أن عدياً كان لا يخرج من زاويته إلا وبيده عكازته. وهي من الخشب اليسر. فخيط بها (دارة). وهي المعروفة اليوم (بالخطة) يراقب فيها. وكان يجلس من أراد فيها من أكابر أصحابه ليسمع كلام الشيخ عبد القادر الجيلي في بغداد.
وأما الشيخ عبد القادر فكان يقول حينئذ لأهل مجلسه: عين الشيخ عدي ترمقكم فدخل يوما الدارة، فحنى عنقه حتى كاد رأسه ينال الأرض، وأخذه وجد عظيم، وتكلم بكلام حسن لطيف، بين فيه حال الأولياء فسئل عن ذلك فقال: قد قال الشيخ عبد القادر ببغداد في هذا اليوم: (قدمي هذه على رقبة كل ولي) في الوقت الذي أرخناه. (ر: القلائد والبهجة)
ومهما كانت درجة صحة هذا النقل فأن تاريخه يصل إلى عام 618هـ أي بعد وفاة عدي بمدة ومنه يعلم درجة ارتباطهم (بالخطة) بحيث أننا نشاهدهم الآن لا يجوزون خرقها، أو انتهاك حرمتها، بحيث لا يحلف أحدهم بها كذباً، وإذا خطت حوله، لا يتمكن من الخروج منها ولا خرقها بيده، ولو أدت إلى هلاكه (ر: أوليا جلبي ج 4 ص 69 وغيره)، ومن هذا الأمر عم الشمول وتولد ليزيد خطة كما لعدي. ومن أيمانهم المعروفة ما جرى حين حسم قضية إدارية بين يزيديين فأحيلت إلى مجلس التحكيم فقرر لزوم تحليف أحد المتنازعين بما صورته:
(أخرج من خطة يزيد، وأدخل خطة العجم، أن كنت فعلت كذا وكذا.) ومن شكل اليمين هذه يفهم درجة ارتباط اليزيدي بالخطة، وفي الوقت نفسه يعرف عداؤهم المتمكن للعجم.
ثم أن الغلو في هذه الخطة، بلغ حده إلى درجة أن المخالفين لهم نرى أطفالهم يتخذون من اليزيديين بعض المهزئ للنكاية، أو لاستجلاب نفع طفيف بأن يتربصوا الفرصة لاتخاذ خطة حول أحدهم. وحينئذ لا يرفعونها إلا بعد الالتماس والرجاء الكثير، أو أخذ دريهمات، أو حصول من يمر ويشاهد هذه الحالة فينقذ من أجريت الدارة حوله.(9/676)
هذا مبدأ هذه العقيدة أو الاعتياد، وهذا تطورنا إلى هذا اليوم.! وما يعطف لها من الأهمية.
وعندنا نظيرها تقريباً، ومعروفة في إنحائنا. ولكن الأمة المتكتمة تسجل كل حركاتها وسكناتها باعتبارها كلها غرائب وعجائب. ولو دونا كل معروف عندنا لفتحنا فتحاً عزيزاً
من الخرافات والأساطير التي لم يعثر عليها من قرأ كتبنا الدينية ومدوناتنا.
5 - مقاطعة اللعن:
إن مقاطعة اللعن كانت نصحاً صوفياً قويماً، أختاره الشيخ عدي بن مسافر، ويراد به الانصراف إلى العبادة والتقوى، دون التفات إلى ما لا يعني من الأمور الشخصية، مما يولد الشحناء بين المسلمين. بالوجه الذي أشير إليه فيما سبق. وأساس ذلك آية (ولا تنابزوا بالألقاب) وحديث (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) و (المسلم من سلم الناس من يده ولسانه) الخ. ولكن قد يتولد من المبدأ الحق عكس الغرض المطلوب الذي هو إزالة البغضاء بين العناصر الإسلامية.
لم تمض مدة إلا وقد طبق الموضوع بتمامه وروعي حرفياً، وقاوموا اللعن بشدة. وما زالوا عليها ولا يزالون. سوى أنه حصل منهم ما يدعوا إلى التمسك بالألفاظ وقلب الغرض. إن ترك المبدأ الأصلي وعد هذا النصح ديناً.
ومن غلهم في أمر اللعن وشدة تمسكهم باللفظ أنهم حرموا:
1 - اللعن وما أشتق منه فلا يجوز لأحدهم أن ينطق بذلك.
2 - نعل. وهو مقلوب لعن، ونعل الدابة يسمونه (صول) و (نعلبد) المألوف عندنا (صولبند).
3 - نيل. وهذا تحتوي ألفاظه على أكثر حروف اللعن، فهذا أيضاً من المحرمات، خوفاً من أن يجر إلى اللعن.
4 - الصبغ بالنيل. لأنه يجر إلى تسميته.
5 - خسأ الذي هو بمعنى لعن أو ما يقاربه.
6 - الخس. منعوا التلفظ به وأكله للسبب المار ذكره في النيل وذلك(9/677)
لقربه من أخسأ (فعل الأمر).
7 - التفل (البصاق). وذلك لأنه يستعمل للإهانة والسب. فالأفعال التي يشوبها التحقير والقذف محرمة أيضاً. أما إذا دعت الضرورة أن يبصق المرء فيجب عليه أن يمسح فمه للدلالة على أنه لم يقصد النكاية أو الإهانة بأحد، وإنما أراد البصاق المجرد. ومثلها يقال عن أفعال الشتم كالإشارة باليد وسائر الأعضاء.
8 - الشيطان وإبليس. لأن المادة تدل على الذم. كذا مشتقاتهما. ولذا عبروا عنه (بطاووس ملك).
9 - النطق بأكثر حروف الشيطان في كلمات تردد ذكرها مثل:
1: شط - 2: شخاط - 3: طشت - 4: مشط.
10 - لا يأكلون التمر ويطرحون النوى إلى جهة الخلف لأنه يؤدب معنى الرجم.
ولم يكتف هؤلاء بهذه الأمور، ولا وقفوا عندها. إذ أدت إلى عقائد جديدة وغلوا آخر، وحصل لهم من آمال فكرتهم إلى لزوم احترام (طاووس ملك). وأن عدم لعن يزيد منبعث عن اعتباره بدرجة رفيعة بحيث صار ذلك ديناً لهم، وترك (الدين الأصلي). وصار الشيطان ويزيد يعدان في المكانة العليا المحترمة المبجلة، فسول لهم بعض المغرضين، بأن قالوا لو لم يكن هؤلاء محترمين لما كف أجدادكم عن سبهم ولعنهم.
وبلغ من غلوهم في العقيدة أن صاروا يضعون الشمع على لفظ (الشيطان) في القرآن الكريم، فصاروا لا ينطقون به تجنباً لذكر اسمه، والمعروف المنقول عن الثقات أن القوم يسمعون القرآن الكريم ويقرئونه. والفرق بيننا وبينهم - كما يقولون - (كسر الجرة) أي أننا في نظرهم نكسر الجرة ونخرق قاعدة (تحريم اللعن وذكر الشيطان) بالنطق بالألفاظ الممنوعة عندهم. وأن المثل عندنا (فلان كسر جرة) أي خالف معتقد اليزيدية وخرقه معروف، مشهور.
ومن ثم يظهر رسوخ (قضية مقاطعة اللعن) وما تولد منها من نتائج مما ذكر وما يأتي. وهكذا يقال في كثير أمثالها مما دخلته العقلية المغلوط فيها(9/678)
أو الفكرة الزائفة.
6 - عقيدة الشيطان عند اليزيدية:
المشهور أن اليزيدية عبدة إبليس. وهذه لم تكن في الحقيقة عبادة، وإنما هي من نتائج مقاطعة اللعن، فانجرت إلى احترام للشيطان، وعده طاووس الملائكة بسبب تحريم ذكره لا بخير ولا بشر. وبهذا تراهم قد شذوا عن عقائد الأمم جميعها مع بعض الأقوام فلا نجد من يعظم الشيطان (أو يحترمه) سواهم. ولذا دعت هذه العقيدة إلى تقولات عنهم عديدة. فصار يخبط في القول بعض الكتاب، ويسحب أنه أتم البحث وبت فيه بتاً حاسماً.
ولما كانت هذه القضية من أهم ما زاوله الكتاب، ولها مكانتها من البحث نظراً لما دعت
إليه من التقولات والظنون. فأقدم نفسي إلى القراء في بسط القول عنها لإزالة ما علق أو يكاد يعلق بالأذهان مما هو غير صحيح. ولبيان حقيقة تولد هذا المعتقد أقول:
لما كانت اليزيدية من أهل السنة، وعقيدتهم في الخير والشر كعقيدة (خيره وشره من الله تعالى) فلا يرون سلطة لأحد في التدخل في شؤون الكون لا للشيطان ولا لغيره إلا أنهم لما كانوا صوفية غلب عليهم التفويض وبالغوا في التوقي من نسبه أي فعل لأي مخلوق تنزيهاً للبارئ تعالى من شائبة الشركة. ومن الضروري أن ننظر أن هذه العقيدة كانت عندهم كذلك في الأصل.
وحينئذ يعرض لنا سؤال: متى داخلتهم (عبادة الشيطان)؟
لا أقطع في تاريخ تبدل العقيدة وتحولها، وهو كما ترى غير دقيق، لأن هكذا قضايا لا تتبع في تدوينها الوقائع اليومية. وإنما يكون تبدلها تدريجياً. والتبدل المحسوس المنقول بصورة واضحة ظهر في نحو القرن الثاني عشر الهجري. والصحيح أن هذه العقيدة كانت قبل ذلك التاريخ بكثير وأما صاحب (دبستان مذاهب) - وأن كان لم يذكرها - فأن مؤرخي الموصل - ذكروها بصورة متأخرة، إلا أن الاعتقاد قد سبق التدوين بلا شك، ولم يشعر بها الخارج إلا بعد مضي وقت طويل.
والأمر الذي يستوقف الأنظار أنهم من أين داخلتهم؟(9/679)
لننظر إلى المجاورين:
أننا لا نرى أمامنا من العقائد المجاورة سوى المسلمين، وبغض فرق النصارى من أرمن ونسطوريين ويعاقبة. ممن موطنهم الأصلي مجاور لهم، أو مختلط بهم، ولو راجعنا مدونات المسلمين، فلا نرى في عقائد النصارى عن الشيطان ما يماثل عقيدة اليزيدية، وإنما نشاهد النص التالي:
قال في (كتاب الفرق):
(. . . - هذا ما جمعوا عليه - أما الذين انفردوا (من فرق النصرانية) فأن فريقاً منهم قال أن الله لما رأى الشيطان قد علا شأنه، وعجل (كذا) أمره وعجزت الأنبياء عن مناوأته وجه أبناً له أزلياً قديماً منفرداً، يخلق الخلائق كلها فدخل في بطن امرأة، ثم ولد منها ونشأ وناهض الشيطان فأخذه الشيطان فقتله ثم صلبه بين يدي شرذمته من إخوانه. . . الخ) أهـ.
هذا ما قص صاحب كتاب الفرق. ولم أعثر على ذكر لهذه النحلة في غيره.
ولعل هذه العقيدة النصرانية الشاذة دخلت هؤلاء القوم وحذرتهم من الشيطان فصاروا يرهبونه ويتقون شره ويخشون ذكر اسمه. واللعن محظور في مذهبهم في الأصل فلا يذكر هو ولا غيره بسوء.
ولما لم يجد سند قطعي في هذا الصدد يعول عليه لم نقطع بالأخذ من هؤلاء. ولكننا على كل حال لا نفكر بوجود عقيدة نصرانية شاذة إلا في تلك الديار أو ما جاورها، خصوصاً أننا نرى أكثر كتاب الغربيين يقولون بالاقتباس من عوائد النصارى كما عليه الفاضل الإيطالي وصاحب كتاب النسطوريين وغيرهما.
وقد ذكرت المعلمة الإسلامية تحت لفظ (شيطان) معتقد اليهود والنصارى فيه، وعددت النصوص المعتبرة للإحالة والمراجعة. وكذا دائرة المعارف للبستاني بينت نصوصاً للمراجعة، وعينت كتباً تاريخية ذكرت قضية إبليس، ونتفاً عن(9/680)
اليزيدية لم تتعد بها من سبقها. وأيضاً كل التواريخ الإسلامية التي تتكلم على الخليقة تبحث عن قصة إبليس. ومما يلفت الأنظار فيها ما ذكره صاحب (الجدول الصفي من البحر الوفي) نقلا عن وهب بن منبه وغيره عن خلقة العالم وخلقة الإنسان فليراجع فأنه يصلح أن يكون موضحاً لعقائد كثيرين بسبب انتشار هذه الأقوال، خصوصاً في إبليس.
ومن (الجدول الصفي) هذا نسخة مصورة في مكتبة الأوقاف العامة.
7 - عقيدة المتصوفة في الشيطان:
وعلى كل حال يجب أن لا نقف عند هذا الحد بل نتجاوز هذه الناحية من التحقيق وأن كان لها تأثير، فنراجع مصدر آخر أقوى يصلح للأخذ فتكون عقيدة اليزيدية شكلاً موسعاً لها ولما تقدم ذلك:
إن بعض غلاة الصوفية ممن انتشرت طريقتهم في هذه الأنحاء مثل الحلاج ومحيي الدين بن عربي، والقنوي، وابن سبعين. قد أحدثت طرائقهم دوياً وأثرت في متصوفة كثيرين بسبب ما رأوه من المناصرة. وأني أنقل للقراء:
1 - عقيدة الحلاج في الشيطان. قال في الطواسين:
(ما صحت الدعاوى لأحد، إلا لإبليس وأحمد (ص)، غير أن إبليس سقط عن العين، وأحمد
(ص) كشف له عن عين للعين. . .) الخ ما جاء في هذا الفصل والفصول الأخرى فيبرر له الامتناع والسجود. ويجعله في منزلة لم ينلها أحد. وبين أن أساتذته إبليس وفرعون. وفيه ذكر اشتقاق إبليس وعزا زيل. وفيه أيضاً:
(قال الحسين بن منصور لما قيل لإبليس: أسجد لآدم! خاطب الحق. أرفع شرف السجود عني إلاك حتى أسجد له. إن كنت أمرتني فقد نهيتني! قال فأني معذبك عذاب الأبد فقال: أولست تراني في عذابك لي قال: بلى. فقال: فرؤيتك لي تحملني على رؤية العذاب، أفعل بي ما شئت. فقال: أجعلك رجيماً. قال إبليس: أليس لك بحامد. أفعل بي ما شئت. وأورد:
جحودي لك تقديس ... وعقلي فيك تهويس
فمن آدم إلاك ... ومن في البين إبليس(9/681)
ومبدأ ذلك هو ركون اليزيديين، بل رؤسائهم إلى غلاة المتصوفة. فقالوا عن إبليس (طاووس الملائكة) كما قال المتصوفة، وأنه وجب عليه أن يمضي بمقتضى ما قدر عليه. وأساساً قد داخلهم الغلو بشهادة مؤرخين كثيرين.
2 - قول أحمد الغزالي:
قد توجع له أحمد الغزالي (أخو حجة الإسلام محمد الغزالي) حينما سئل عن إبليس في قصة إبائه عن السجود قال:
- لم يدرك المسكين أن أظافر القضاء إذا حكمت أدمت، وقسي القدر إذا رمت أصمت. وأنشد:
وكنا وليلى في صعود من الهوى ... فلما توالينا ثبت وزلت
قال صاحب الكواكب الدرية: وقد رمي الغزالي المذكور بأشياء من ابن طاهر وابن الجوزي، على عادة المحدثين، والفقهاء مع الصوفية (راجع الكواكب الدرية ج2) و (اليزيدية لأحمد تيمور ص 46 نقلا عن شرح نهج البلاغة لأبن أبي الحديد).
3 - نقول أخرى:
قال السيد محمود شهاب الدين الآلوسي في تفسيره عند ذكر آية (وإذ قلنا للملائكة أسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس).
(إن القوم - يعني الصوفية - يفيدون أن جميع المخلوقات علويها وسفليها سعيدها وشقيها،
مخلوق من الحقيقة المحمدية (يريدون أن يغشوا العوام بهذه الكلمة). إلا أن الملائكة العلويين خلقوا منه (ص) من حيث الجمال، وإبليس من حيث الجلال.
ويؤول هذا بالآخرة إلى أن إبليس مظهر جلال الله تعالى. ولهذا كان ما كان ولم يجزع، ولم يندم، ولم يطلب المغفرة لعلمه أن الله يفعل ما يريده، وان ما يريده هو ما تقتضيه الحقائق. فلا سبيل لتغييرها وتبديلها. وأستشعر ذلك من ندائه بإبليس ولم يكن اسمه من قبل، بل كان اسمه عزازيل، أو الحارث، وكنيته أبا مرة. ووراء ذلك ما لا يمكن كشفه. والله تعالى يقول الحق وهو يهدي السبيل.) أهـ.(9/682)
ثم أورد الآلوسي ما أورد أحمد الغزالي وقال:
(وكم أرقت هذه القصة جفوناً، وأراقت من العيون عيوناً. فأن إبليس كان مدة في دلال طاعته، يختال في رداء مرافقته، ثم صار إلى ما ترى، وجرى به القلم ما جرى.)
وعلق على آية (فأزلهما الشيطان) أنه قيل أرسل بعض أتباعه إليهما، وقيل بينما هما يتفرجان في الجنة إذ راعهما طاووس تحلى لهما على سور الجنة، فدنت حواء منه وتبعها آدم فوسوس لهما من وراء الجدار، وقيل توسل بحية تسورت الجنة. إلى آخر ما جاء في قضية الازلال والاضلال.
وهذا الإجمال من الآلوسي، بصورة عامة يوضح درجة حب المتصوفة له وتعصبهم نحوه. ومن ثم ندري كيف تعبر الأمة الجاهلة عن جهلها. وتبين عن درجة تعلقها به، ومغالاتها فيه إلى درجة إنها تضع على لفظه من القرآن الكريم الشمع. ويقال - على ما هو الشائع عند اليزيديين - أنه كانت له سبعة تماثيل من معدن نفيس لا مثيل له فيما يرونه من المعادن. ولكنها رفعت أو غابت من البين. والموجود الآن من التماثيل قد أتخذه القوالون للارتزاق. وهذه تمثل الحمام أو الدجاج.
8 - زبدة البحث:
إن منشأ هذه العقيدة في الأصل أن الخير والشر من الله تعالى، فلا يسند إلى غيره تصرف، وان اللعن مذموم، فحصل من آمالهم إلى أنه ما ترك لعن إبليس إلا لمكانته وحرمته، واستفادوا من سلوك الصوفية في التعصب له، وهو منهم فداخلهم غلاتهم وشوشوا معتقدهم. وقد ساعد على ذلك المنقولات القصصية الخرافية من أنه:
1: كان أعبد الملائكة - 2: وكان يحمل العرش وحده ستة آلاف سنة - 3: وكان طاووس الملائكة - 4: وما ترك في السماء رقعة؛ ولا في الأرض بقعة إلا وله فيها سجدة وركعة؟
وهذه وأمثالها لم يثبت بالنقل الصادق ورودها، وليس في القرآن شيء(9/683)
من ذلك، ولا جاء خبر صحيح عن النبي (ص) بإسناد صحيح، ولا ضعيف. فلا يحتاج بها في أصول الدين. فأن كان قد قالها الوعاظ أو المصنفون في الرقائق أو بعض من ينقل في التفسير من الإسرائيليات مما لا اصل له، فلا يعتبر ذلك ولا يحتج به. فإذا أضيف إلى ذلك ما تستر به غلاة المتصوفة وزنادقة الإسلام كان ما تمكنوا به إفساد عقيدتهم بالتسويلات المذكورة، وبالجهل. وقد صرح ابن تيمية أن هذه العقيدة منقولة عن الأكراد بسبب الجهل ويقصد بالأكراد هنا اليزيدية. (راجع: ج 2 من منهاج السنة) وإلا فالآيات المعارضة كثيرة منها:
1: كان من الجن ففسق - 2: إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين - 3: اخرج منها فإنك رجيم - 4: وان عليك لعنتي إلى يوم الدين.
إلى آخر ما جاء منها.
9 - عقيدة المعتزلة والقدرية (الفرقة الشيطانية):
ولا يعلق بالأذهان أن هؤلاء اليزيدية قد اقتبسوا عقيدتهم من المعتزلة والقدرية: لما يشاهد من النصوص الموهمة، لأن هؤلاء صوفية لا ينكرون في شيء فعل لغير الله تعالى، فهم أقرب إلى الجبر والتفويض بخلاف أولئك.
قال في (التمهيد):
(قالت المعتزلة والقدرية: إن الخير من الله والشر من العباد. وقال بعضهم أن الله خلق إبليس وإبليس خلق البشر. وقال بعضهم أن الله تعالى خلق العباد والعبد خلق الشر. وقال بعضهم: إن الله ما خلق إبليس، لأنا لو قلنا بأن الله تعالى خلق إبليس يؤدي إلى إثبات الشر من الله تعالى. لأن إبليس خلق الكفر والشر، والله خلق إبليس فصار كأنه خلق الشر وأراده. وهذا لا يجوز.
وهؤلاء القوم من القدرية تسمى (الشيطانية). وهذا هو المذهب عند المجوس بعينه. وهذا كفر. ولهذا المعنى قال النبي (ص): القدرية مجوس أمتي. لأن إبليس لو لم يكن مخلوقاً لكان قديماً، فيكون في إثبات الشركة مع الله، وهذا كفر. . .) أهـ.
وهذا النص وأمثاله كثير يؤيد أن لا علاقة لهؤلاء اليزيدية به. وأصل العقيدة هو الموضح للتقلبات والتطورات.(9/684)
(ملحوظة). وهناك عقائد للباطنية تخالف كل العقائد المارة في الشيطان، ولكن ليس لها صلة بهذا الموضوع. ولذا اضربنا عن ذكرها، إذ ليس الغرض بيان كل العقائد فيه.
10 - المجرة عند اليزيدية:
قال عبد الرحمن العمري الموصلي في مجموعته التاريخية المكتوبة بخطه عام 1246هـ وعندي النسخة الأصلية وأظنها الوحيدة،
(- بعد أن ذكر عدياً - قال: وقد ابتلاه الله بعبدة الشيطان الدنادية والشيخان والموسسان، يزعمون أنه الإله وهو (رض) بريء منهم.
ومن اعتقادهم الفاسد: إنهم يزعمون أن الله سبحانه وتعالى دعا الشيخ عدي (كذا وصوابه عدياً) إلى الضيافة، ورقاه إلى السماء، ومعه مريديه على الخيل فأطعمهم وسقاهم ولم يكن عنده شعير ولا تبن. فأرسل الشيخ عدي أحد مريديه إلى الأرض وحمل له شعير وتبن (كذا) من زرع الشيخ عدي وعرجوا به إلى السماء وجروه. فصار محل الجر ابيض. وهو نهر المجرة المعروف بين العامة بمسحل الكبش. وكثير من هذا الكفر المحض.
ويبدلون لفظ الشيطان من القرآن، ولا يذكرون بكلامهم شط، ولا نعل وأمثال ذلك.) أهـ بحروفه. وفيه نصوص تصلح لتأييد الكلام عليه.
وعقيدة المجرة مما لا يعول عليه وهي أساطيرية، ومنشأها الجهل والنقل عن القصص، فلا يؤمل أن يرى القارئ في هؤلاء البدو عقيدة نقية عن الزيغ. ولغتهم غير لغة الدين الذي يتمسكون به. وعندنا تسمى المجرة (بمسحال الكبش. وهذه منقولة عن قصص مشهورة ومتداولة. ويقال لها أيضاً: درب التبانة). ومن ثم ترى المقاربة.
المحامي عباس العزاوي(9/685)
الراية واللواء وأمثالهما
- 2 -
وذكر صاحب مسالك الأبصار عن ابن القويع أن سلطان مملكة تونس له (علم أبيض) يسمى (العلم المنصور) يحمل معه في المواكب، وذكر أن الأعلام التي تحمل معه في المواكب سبعة أعلام: الأوسط أبيض، وإلى جانبه أحمر، وأصفر، وأخضر. قال: ولا أتحقق كيف ترتيبها وذلك غير أعلام القبائل التي تسير معه فلكل قبيلة علم تمتاز بما عليه من الكتابة مثل (لا أله إلا الله) أو (الملك لله) وما أشبه ذلك (راجع صبح الأعشى لأحمد القلقشندي ج 5 ص 143).
ويقال أن دولة (قرا قوينلو) أي الخروف الأسود إنما سميت بهذا الاسم لاتخاذها في أعلامها رسم خروف اسود. ودولة (أق قوينلو) كانت ترسم على راياتها (خرافاً بيضاً) وكلتاهما من التركمان. أما التركمان السارلو، فالظاهر إنهم اتخذوا الرايات الصفر لأن معنى (ساري) اصفر، ومعاصرتهم لتينك الدولتين اقتضت مخالفتهم لهما.
وكان الشيخ حيدر أبو الشاه إسماعيل الصفوي الأول قد أجتمع ناس إليه وحسنوا له الجهاد والغزو في حدود كرجستان (جورجية) فجعلوا لأنفسهم رماحاً من أعواد الشجر، وألبس كلاً منهم تاجاً أحمر من الجوخ فسماهم الناس (قزلباش)، ويقال أن حيدراً أول من ألبس أتباعه التاج الأحمر.
تبييض الأمويين على عهد العباسيين
في سنة (132هـ) بيض حبيب بن مره المري وكان من قواد مروان الحمار وفرسانه، وسبب تبيضه خوفه على نفسه وقومه فبايعته قيس وغيرهم ممن يلهم من أهل تلك الكور، البثنية، وحوران، فقاتله عبد الله بن علي العباسي بأرض البلقاء والبثنية وحوران وحصلت من الفئتين واقعات. ثم صالحه عبد الله(9/686)
ابن علي وآمنة ومن معه وخرج متوجهاً نحو (قنسرين) للقاء أبي الورد مجزأة ابن الكوثر بن زفر بن الحارث الكلابي وهو من أصحاب مروان أيضاً وقوداه وفرسانه، وتفصيل أمره أن مروان لما هزم كان أبو الورد بقنسرين فقدمها عبد الله بن علي فبايعه أبو الورد ودخل في ما دخل فيه جنده، وكان ولده مسلمة بن
عبد الملك مجاورين له ببالس والناعورة، فقدم بالس قائد من قواد عبد الله بي علي في مائة وخمسين فارساً، وعبث بولده مسلمة بن عبد الملك ونسائهم فشكا بعضهم ذلك إلى أبي الورد فخرج من مزرعة له يقال لها (زراعه بني زفر) ويقال لها (خساف) في عترة من أهل بيته حتى هجم على ذلك القائد وهو نازل في حصن مسلمة فقاتله حتى قتله ومن معه وأظهر التبييض والخلع لعبد الله بن علي، ودعا أهل قنسرين إلى ذلك فبيضوا جميعهم، وأبو العباس يومئذ بالحيرة. فلذلك توجه عبه الله بن علي لقتال أبي الورد، فمر بدمشق وخلف فيها أبا غانم عبد الحميد بن ربعي الطائي في أربعة آلاف رجل من جنده. وكان يومئذ بدمشق امرأة عبد الله بن علي (أم البنين) بنت محمد بن عبد المطلب النوفلية أخت عمرو بن محمد، ومعها أمهات أولاد لعبد الله أيضاً وثقل له.
فلما قدم عبد الله (حمص) في وجهه إلى قنسرين أنتقض عليه أهل دمشق و (بيضوا) ونهضوا مع عثمان بن عبد الأعلى بن سراقة الأزدي، ولقوا أبا غانم ومن معه فهزموه وقتلوا من أصحابه مقتلة عظيمة وانتهوا ما كان عبد الله بن علي خلفه من ثقله ومتاعه في دمشق ولم يتعرضوا لأهله.
وكان قد تجمع مع أبي الورد جماعة من أهل قنسرين، وكاتبوا من يلهم من أهل حمص وتدمر، وقدم إليهم ألوف عليهم (أبو محمد عبد الله بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان، فرأسوا على أنفسهم أبا محمد المذكور ودعوا إليه وقالوا هو (السفياني) الذي كان يذكر، وكانوا نحو من أربعين ألفاً فتحاربوا غير(9/687)
مرة وقتل أبو الورد في نحو من خمسمائة من أهل بيته وقومه وهرب أبو محمد السفياني ومن معه من الكلبية إلى تدمر، وآمن عبد الله بن علي أهل (قنسرين) و (سودوا) وبايعوه في طاعته ثم أنصرف راجعاً إلى دمشق لما كان من تبييضهم وهزيمتهم أبا غانم، وفي هذه السنة بيض أهل الجزيرة وخلعوا أبا العباس) وتتمة الخبر في الأصل.
في السواد أيضاً
أول من لبس السواد من العلويين مظاهرة للعباسين (الحسن بن زيد بن الحسن ابن علي بن أبي طالب - ع -)، يكنى أبي محمد وكان أمير المدينة قبل المنصور الدوانيقي وعمل له على غير المدينة، وكان معاوناً للعباسين على بني عمه (الحسن المثنى بن الحسن) وبلغ
من السن ثمانين سنة وتوفي - على ما قال أبن الخداع - بالحجاز سنة ثمان وستين ومائة وأدرك زمن الرشيد ولا عقب لزيد أبن الحسن إلا منه، وكان أحمد بن عبد الله بن موسى الجون الحسني يلقب (المسود) لأنه كان يعلم في الحرب بسواد يلبسه.
وكان على أبواب المقصورة من جامع المدينة التي بناها المنصور بوابون بثياب سود يمنعون من دخول أحد إليها إلا من كان من الخواص المتميزين بالأقبية السود، ومن لم يتقب بسواد يردوه وكان هذا رسماً جارياً مأخوذاً به في سائر مقاصير الجوامع ثم بطل ذلك فلا يلبس السواد والقباء سوى الخطيب والمؤذنين. ويهود اليمن اليوم يلبسون السواد وطاقية سوداء من قطن ورئيسهم الديني يلف منديلاً أسود على الطاقية، وق ذكرنا فيما تقدم راية رسول الله
- ص - يوم الفتح وفاتنا أن نذكر ما جاء في كتاب الأعلام ونصه: (ومنها (أي من المساجد المباركة) مسجد الراية فيه مئذنة ذات دورين تهدم رأسها الآن. . . ويقال أن النبي - ص - ركز رايته يوم الفتح في هذا المسجد) كذا والصواب (في موضع هذا المسجد).(9/688)
الصفرة للدولة الأيوبية
إن الدولة الأيوبية لما محقت الدولة الفاطمية لم يكن لها بد من مخالفتها في شعارها وغيره فطرحت البياض شعار الفاطميين واتخذت (الصفرة) شعاراً لها مقلدة بذلك الدولة الاتابكية. فالرايات كانت عندهم عدة، منها راية عظيمة من حرير أصفر مطرزة بالذهب عليها ألقاب السلطان واسمه، وتسمى (العصابة) ومنها راية عظيمة في رأس خصلة من الشعر تسمى (الجاليش) ورايات صفر تسمى (السناجق). قال السلطان عماد الدين أبو الفداء صاحب حماة في تاريخه: وأول من حمل السنجق على رأسه من الملوك في ركوبه (سيف الدين) غازي بن (عماد الدين) زنكي) (راجع صبح الأعشى ج 4 ص 8).
تحقيق
قد ذكرنا في ما تقدم أن أعلام بني أمية كانت بيضاً نقلا من مجموعة المستشرقين واستدركنا ما مضى منا في مضادة ذلك، ثم رأينا الدكتور الفاضل داود جلبي ينبهنا على ذلك الغلط بأسلوب أوعر من أسلوبنا (9: 542، 543) فخالفنا إلى أعظم ما نهانا عنه، فأن
كان قولنا خطأً مؤكداً ففي أقوال بعض الأقدمين ما يدغم الشك في تأكده، فهذا الحسن بن عبد الله العباسي يقول في ص 102 من كتابه: (آثار الأول في الترتيب الدول) الذي أبتدأ تأليفه سنة (708) ما صورته: (وكانت للنبي - ص - راية من صوف أسود، وكانت له راية سوداء تسمى (العقاب. . .) وكان له عليه السلام ألوية بيض (وكانت أعلام بني أمية حمراً) وكل من دعا إلى الدولة العلوية فعلمه أبيض، ومن دعا إلى بني العباس فعلمه أسود) أهـ.
ونقل هذا الفصل جرجي زيدان في تاريخ التمدن الإسلامي.
أما تخطئته إيانا في ذكرنا البياض شعاراً للفاطميين، وان شعارهم الخضرة فهي خطأ مؤكد، وأما إغفالنا الخضرة في محفوظات الصبيان، فلا بد منه لأن سرد أخبارها صعب عليهم، وقيمة كل امرئ ما يحسن وفقه الله وإيانا للحق.
مصطفى جواد
(لغة العرب): (بعد أن أطلعنا على ما نمقه حضرة الكاتب المحقق في الأعلام حاولنا أن نزيد القراء فائدة فراجعنا عدة مؤلفات تبحث عن هذا الموضوع فلم(9/689)
نزدد علما، ومن ذلك ما جاء في معلمة الإسلام في مادة (علم) قال:
(العلم كلمة عربية وتجمع على أعلام وهو في الأصل العماد يهتدي به والراية، وفي هذا المعنى الأخير أتخذ في اللغة العربية الضادية (اللواء والراية) وكان لكل قبيلة بدوية قبل الإسلام علم خاص يميزها عن سائر القبائل بلونه، وكان يناط العلم برمح ويدفع إلى الرئيس الذي كان يأخذه إلى الحرب بوجه عام، وكان للنبي علم خاض اسماه (العقاب) ويقال أنه كان اسود ويروي النقلة أنه كان له أيضاً أعلام بيض، وفي عهد العباسيين أتخذ اللون الأسود، أما الأمويين فاتخذوا اللون الأبيض والعلميون اللون الأخضر (كذا) ويرى في مقامات الحريري الخطية التي في باريس تصوير بديع (راجع نقل هذه الصورة في كتاب الصناعة الإسلامية لميجون - 2: 3 - ) ففيه صورة علم العباسيين الأسود.
وقد جارى الفرس والترك العرب فاتخذوا أعلاماً (راجع في هذه المعلمة مادة بيرق ودرفش وسنجق).
وللأعلام مكان رفيع لا في الحرب فقط، بل في الحياة الإسلامية الدينية فللمسلمين في مثل
هذه الحالة أعلام مختلفة الأشكال مع آيات مطرزة وأغلب هذه الآيات تتعلق بإيمان المسلمين وتعلق برماح مزينة وفي الطوافات الدينية، ولا سيما في أيام عاشوراء يحمل عدد عديد من هذه الأعلام في إيران وفي الهند (كذا واغفل العراق) وفوق الرماح صورة كف إنسان مفتوحة وهي مما تجلب الأنظار إليها ومن العادة الجارية أيضاً أنه في صلاة الجمعة يركز علمان عن يمين المنبر ويساره) أهـ وممن أجرى قلمه في وادي هذا المعنى جرجي زيدان قال: في (1: 166) من تاريخ التمدن الإسلامي ما نصه:
(لا نعرف ما كانت ألوان الرايات في الجاهلية سوى راية (العقاب) فقد تقدم إنها كانت سوداء وكذلك كانت راية النبي، وذكر صاحب آثار الأول أنه كانت له أيضاً ألوية بيضاء (كذا والصواب بيض) أما الرايات الإسلامية فقد كانت ألوانها تختلف باختلاف الدول فكانت أعلام بني أمية حمراء (كذا والصواب حمراً) وكل من دعا إلى الدولة العلوية فعلمه أبيض ومن دعا إلى بني عباس فعلمه أسود، والسواد شعار العباسيين على الإطلاق اتخذوه حزناً على شهدائهم من بني(9/690)
هاشم ونعياً على بني أمية في قتلهم (كذا) ولهذا سموا (المسودة) ولما أفترق الهاشميون وخرج الطالبيون عن العباسيين في كل جهة وعصر ذهبوا إلى مخالفتهم في ذلك فاتخذوا الرايات بيضاء (كذا) فسموا (المبيضة) والظاهر إن شعار دعاة بني هاشم من الشيعة كان الخضرة لأن المأمون لما بايع لعلي بن موسى بولاية العهد، أمر جنده بطرح السواد ولبس الثياب الخضر حتى إذا رجع عن البيعة عاد إلى السواد.) أهـ
فمن راجع هذه النصوص يتحقق أن الكتبة خلطوا البحث خلطاً شنيعاً ووجدنا حضرة الأستاذ المصطفى هو المصيب في كل ما وشته أنامله ولهذا نشكره على تحقيقه ونتمنى أن يجري على أثره كل من يكتب في مجلتنا.
تراجم المشعشعيين
كنا قد اقترحنا على حضرة مؤازرنا المحقق الأستاذ مصطفى أفندي جواد أن يضع لنا مقالاً في المشعشعيين فوشى لنا برداً بديعاً يقدره حق قدره كل من يعني بشؤون التاريخ، ولا سيما ما كان منها غير معروف. ثم دفع إلينا بعد ذلك فصلاً ثانياً في الموضوع نفسه، إلا أنه حصره في تراجم أولئك السلاطين، بعد أن قيد البحث الأول في أحداث أولئك الرؤساء ووقائعهما. ولما كان هذا الفصل الثاني يقارب في طوله صنوه الأول. أخرناه للجزء القادم
لنحلي نحره بهذه القلادة الثمينة.
لا ضمير بلا دين
قد قيل سعي المرء يبلغه المنى ... ولطالما السعي الحثيث ونى به
من منقذ شخصاً ألم به الأذى ... مذ شج من فتك الزمان ونابه
أن الجهود هي الذنوب ولم يفد ... في النجح من ساع يجد ونابه
قل للخطوب دعي القسوة جانباً ... وإذا هجمت فقي الضعاف ونابهي
أني صديقك يا فتى ... ويهمني ما أنت به
ولقد نصحتك دائماً ... فتقول لي: ما أنتبه
مصطفى جواد(9/691)
كنوز هيكل أدب
أعظم مصدر لهذه الأنباء كتاب (بسمايا أو مدينة أدب المفقودة) لصاحبه الدكتور جمس بنكس النقاب الأمريكي وبعض كتب إنكليزية أثرية.
كان في حروب العصور القديمة يفتك بالشعب المغلوب فتك ذريع، فيقتل الرجال وتسبي النساء وتهتك العذارى وتذبح الشيوخ والأطفال بدون رحمة وتدك القلاع والأسوار وتهدم الهياكل والقصور وتقلع المباني والدور بعد سلب ما فيها من الأحجار الكريمة والذهب والفضة والأثاث النفيس والتحف النادرة.
وقد حدث لمدينة أدب ما حدث لغيرها من المدن الكبيرة التي دكت أسسها إلى الحضيض فأصبحت قاعاً صفصفاً بعد أن أستأصل العدو من ربوعها الحضارة والعمران فان آثار الدمار والخراب لا تزال ظاهرة كل الظهور في أطراف هذه العاصمة العظيمة فقد عثر المنقبون في هيكلها الكبير على تماثيل مبتورة الرؤوس مهشمة الأعضاء وعلى بضعة آلاف شقفة وشظية لأوان حجرية وصلصالية وخزفية وكلها تنبئنا بأن الجيش المنتصر لما استولى على هذه المدينة أخذ يسلب ما في قصورها وهياكلها ودورها من الجواهر واللآلئ بعد أن مثل بملكها وأمرائها وقوادها وأبطالها شر تمثيل وأغتال كهنتها ورؤسائها واستباح دماء الضعفاء العاجزين عن مقاومته.
كانت العادة قديما في ديار شمر أن تصف على أحد أطراف قاعدة الهيكل تماثيل الملوك والملكات وأنصاب آلهة المدينة المقامة لحراستها من الطوارئ والنوائب فكان من أول واجبات الجيش الظافر أن يستأصل تلك الآلهة بقطع رؤوسها وبتر أذرعها وإنزالها من فوق قواعدها اعتقادا منه أن ذلك مما يزيل عنها قوة الألوهية التي فيها، ويحط من عظمتها وجبروتها، وبعد أن يتم لهم قطع أعناق الآلهة والملوك يقبلون على الهيكل فينزعون صفائح الذهب الملصق على جدرانه ويجمعون الآنية الفضية والنحاسية والأوعية المصنوعة من الجزع والهيصمي واللازورد وسائر ضروب الأحجار الكريمة فيحملونها إلى ديارهم(9/692)
علامة للظفر والانتصار على عدوهم الأزرق باستيلائهم على تحف هياكله المقدسة ومجوهراته كما حدث للعبرانيين بعد ذلك بقرون. فأن نبوكد نصر الملك العظيم لما
قهر الأمة الإسرائيلية حمل آنيتهم المقدسة المصنوعة من الذهب والفضة من هيكل أورشليم إلى بلاد بابل وقد خف لاستقباله الكهنة وشيوخ المدينة مستبشرين متهللين بفوزه المبين.
أما المحفورات والأواني الخزفية والمصابيح والقناديل وما يضارعها من أدوات الزينة التي تحطمت كسراً عديدة حينما هجم الجيش الغالب على الهيكل للسلب والنهب؛ ولم تكن تصلح لشيء ما فألقيت في النفايات وطرحت في الزوايا ومنها دفن في أنقاض المباني فشيدت فوقها الأسس وقامت عليها العمارات ولم يحفل بها لأنها عدت في ذلك الحين من سقط الديار، فتلك العروض التي نبذها الفاتحون نبذ النواة ورموا بها عرض الحائط كشيء خسيس تافه أصبح في نظر الأثريين لا نظير له، بل لا يقاس بثمن لأنها وقفتهم على حياة أبناء تلك القرون وأنبأتهم بأساليب عيشتهم وصور عباداتهم وفنون حروبهم وضروب من شن غاراتهم.
إن عثور المنقبين على تمثال (دا او ود) بين أنقاض قاعدة هيكل أور أنجور وعلى قطع تماثيل أخرى وشظايا أوان حجرية. (وقد وجدت مبعثرة تحت طبقات الأرض) تثبت قولنا كل الإثبات وتؤيد ما كتبه رجال التحقيق والتدقيق في مصنفاتهم وخلاصة قولهم: إن الأمة المغلوبة على أمرها كانت تسلم الذل والمسكنة وتمسي صاغرة لا حول لها ولا طول، فينزع من هياكلها وقصور ملوكها كل التحف والآثار النفيسة قسراً.
إني رأيت أولاً أن أبحث في التماثيل التي زينت هياكل أدب لأن أهميتها في نظر الباحثين تفوق سائر التحف، ومنها تمثال الملك (دا او ود) إذ أن منزلته عظيمة عند الأثريين. وقد قال بعضهم أنه أقدم تمثال في العالم وعليه سأفرد له مقالا قائما برأسه وأنشره على صفحات هذه المجلة في فرصة أخرى.
لقد عثر المنقبون على رؤوس تماثيل واذرع وأقدام وملابس ليست من الهيكل فقط، بل من جميع أطراف خرائب بسمى، فبعد أن أتموا جمعها وأكملوا تنسيقها ألفوا أن حجمها لم يكن واحدا فبينها الصغير والمتوسط والكبير، ومنها(9/693)
أكبر من تمثال (دا او ود) وكان معظمها مصنوعاً من حجر يشبه حجر الرخام الأبيض، وبعضها مصنوع من الهيصمي ومن المستماز، وقد وجد الأثريون أن سبعة تماثيل كانت من طراز وعصر تمثال الملك (دا او ود) وثلاثة من رؤوس التماثيل كانت صحيحة، وهي سالمة من التشويه والتمثيل بها، غير
أن بعض التماثيل كانت ناقصة الأعضاء فلو أهتم النقابون اهتماما صادقاً بالحفر والتنقيب لكانوا عثروا على القطع المفقودة وأعادوا تلك التماثيل الصحيحة كما كانت في أول أمرها بهيئتها ومنظرها.
كشف النقابون أكبر رأس تمثال بالقرب من سطح احدور قائم إلى جنوبي الرابية السادسة وقد حمل من الهيكل وألقي هناك وهو من نوع تمثال الملك (دا او ود)، ومن حجمه بيد أن حجره أبيض مرن، وقد تشوه منظره على أثر إلقائه بقوة على الأرض وسحقه كرها له، فأعلى رأس التمثال مكسور، وكان وجهه عريضاً بصورة خارقة للعادة، وأنفه منبسطا، ومحاجر عينيه واسعة جدا ويعلوها أثناء ومطاو فارغة، وقد أزيلت تلك المادة التي كانت تركب فتمثل الحواجب، ويظهر أن إحدى المقلتين قلعت عمداً، هذا وان أغلب رؤوس تماثيل الشمريين مكتشفة، بيد أن على هذا التمثال أثناءاً قليلة الغور متوازية سائرة من طرفي الرأس إلى أعلاه. وهي تمثال شعرا منسدلا على الكتفين.
وعثر الحفارون على رأس تمثال أصفر من الأول، وعلى هامته شعر طويل منسدل على المنكبين بصورة ضفائر، وقد كشفوا رأس هذا التمثال مع رأس تمثال الملك (دا او ود) بالقرب من الزاوية الشمالية القائمة على قاعدة الهيكل وكان علوه سبعة سنتيمترات في عرض ستة سنتيمترات ونصف سنتيمتر، ويلوح للناظر انه رأس امرأة، بيد أن المحققين من الأثريين ذهبوا إلى أنه رأس تمثال رجل وهو منحوت من حجر رخو، ولم يطرأ عليه ما يشوه رونقه، ويذهب بحسن تقاطيعه. على أن مادة الترصيع التي مثلت الحاجبين والمقلتين قد أزيلت.
كان الرأس الثالث أصغر من الرأسين المتقدمين، وحجمه لا يزيد على حجم برتقالة، وهو مستدير، ونوعه وهيئته يشبهان رؤوس التماثيل التي اكتشفت في أنقاض المدن الشمرية، ولم يصبه أدنى عطب، وقد حفظ رونقه من التشويه(9/694)
لأن الحجر الأبيض الذي نحت منه كان أصلب وأشد من غيره، وقد جدع أنفه وصلحت أطراف أذنه، وكان رأسه أملس ورأسه أصلع، وهو يشبه تماثيل رؤوس الشمرين، غير أن نقر الحواجب ومحاجر العينين كانت فارغة.
كانت شظايا رؤوس التماثيل الأخرى مشوهة تشويها عظيماً، ومقطعة قطعا يصعب تلفيقها
وتركيبها بحيث لا ينطبق عليها وصف كاتب، وعندي أحسن وصف لها عرض رسومها على نظر المطالع لتثبت صورها في ذهنه. فمنها ما كان مكسورا كسرا عديدا يصعب تركيبها، ومنها ما كان يظهر طرفا من الوجه الأيمن، ومنها كان يبين الطرف الأعلى من الأذن اليسرى، ومنها كان يشاهد منه قحف رأس يمثل شعره خطوطاً متعرجة تشبه الموج، وكانت هذه أحسن وأكبر رؤوس التماثيل المحطمة التي عثر عليها المنقبون. أما سواها فلا تستحق الذكر لأنها كانت كسرا صغيرا من الحجر المحطم بالمطارق والفؤوس. وقد كان من بينها قطع من قدم محفورة حفراً بديعاً وهي واقفة على قاعدة عمود، وأيضاً شظية طرف من العضد اليمنى مع الكتف مصنوعة من الهيصمي وفيها كتابة تكاد أن تكون آثارها طامسة لطول عهدها.
أن معظم هذه الرؤوس كان متماثلا. بيد أن أحدها كان يختلف في شكله اختلافاً عظيماً، ويعد من أبدع واحسن الآثار التي وجدت في الأنقاض، وقد أكتشف هذا الأثر أحد رؤساء الفعلة بينما كان يزيل النفايات من غرفة صغيرة تبعد ثمانية أمتار عن الزاوية الغربية من برج الهيكل، وهنا عثر أيضاً على قطعة من أناء مثلم مصنوع من حجر أزرق وفيه بقايا أطراف كتابة لثلاثة اسطر.
كان رأس ذلك التمثال مصنوعاً من الهيصمي الأبيض الناصع، وكان طوله من جبهته إلى أطراف لحيته عشرة سنتيمترات، وعلى رأسه غطاء ووجهه نحيف ذو أسل أي مثلج، وأنفه طويل، وهيئته تدل على أنه سامي النجار، وهو لا يشبه بوجه من الوجوه الرؤوس الشمرية، وكانت مقلتاه من العاج، وقد ألصقتا في محجريها بالقار الصلب، ولما كشفتا للنور سقطتا، لأن القار تكسر كسراً عديدة وقد أعادهما النقاب الأمريكي (جمس بنكس) إلى موضعيهما وألصقهما بغراء الزجاج، بيد أن بؤبؤي العينين كانا مفقودين، وقد بالغ في البحث عنهما(9/695)
بين تلك الأنقاض ولكن بلا جدوى، إذ يحتمل أنهما كانا مصنوعين من حجر كريم نادر الوجود، وقد قلعا حينما نهبت كنوز الهيكل، وقد اكتشفت في الهيكل صور حيوانات مصنوعة من الهيصمي، وعيونها مرصعة بالحجر اللازوردي فيغلب على الظن أن ذينك البؤبؤين كانا من الحجر الأزرق.
إن من يقابل هذا الرأس بالرؤوس الأخرى، فمن أول وهلة يرى أنه يمثل رجلا من سلالة
غريبة، ومما لا ريب فيه أنه من عنصر سامي يرتقي إلى عصر سرجون الأول أو إلى الفاتحين الساميين الأشداء الذين اجتاحوا هذه البلاد واستولوا على المدينة ودمروا هيكلها ونهبوا ما فيه من الكنوز النفيسة، وهذا الرأس يمثل أقدم تمثال لملك سامي عرف حتى اليوم.
وقد كشف النقابون تمثالا صغيراً منحوتاً من الحجر الأبيض ارتفاعه ثمانية سنتيمترات ونصف سنتيمتر، وهو يمثل صورة آلهة جالسة، وهذه الآلهة كان مقامها الأول في الهيكل، على أنها وجدت ملقاة تحت وجه الأرض بنحو متر ونصف متر في الرابية الثالثة بين أنقاض المنازل القائمة في محلة الساميين ولهذه الآلهة شعر طويل، ويداها مضمومتان، ورداؤها يشبه تنورة ذات طيات متعددة، وهي جالسة على قاعدة عمود منخفض. وقد عثر المنقبون على جملة تماثيل صغيرة من الخزف لهذه المعبودة القائمة في أطراف عديدة من الأنقاض وكلها تمثل (لن هرسج) آلهة ذلك المحل.
كان ردم الهياكل القديم ومحل النفايات أعظم مكتشفات (بسمى) أهمية في عالم الآثار، لأن الكهنة كانوا يلقون هناك الأواني المحطمة والمصابيح المكسرة وسائر أدوات زينة معبدهم التي لم تكن تفيدهم شيئاً في أجراء شعائرهم ومراسيم دينهم. وقد وجدت هذه اللقى في الطرف الشمال الغربي من دكة الهيكل في الزاوية المنعطفة أي الجانحة إلى السهل. وكان هذا الاكتشاف نبهاً، فبينما كان أحد الفعلة يزيل التراب المتلبد والأوساخ المتراكمة من أساس الدكة لكي يقاس ارتفاعها إذ عثر على شظية من أناء حجري، ثم أخرى فأخرى، وفي لحظة كشف بقعة مملوءة من شظيات وشقف وقطع من آنية مختلفة الأشكال والأنواع، وفي نهاية ذلك النهار نقل بضع سلاسل مملوءة قطع آنية مصنوعة من الهيصمي والجزع وحجر(9/696)
البرفير والرخام وغيرها.
كان معظم تلك الشظايا بسيطاً وكثير منها منقوشاً وبينها عدد قليل مكتوب وكان عمق خزانة الردم نحو قدمين. وهي تمتد إلى قاعد الهيكل؛ وهذه الخزانة حوت قطع آنية من هيئات وأشكال شتى منحوتة من أحجار متنوعة، فبعضها كان من الهيصمي وغيرها من حجر البرفير وأخرى من الجزع، ومنها من حجر البلاط والرمل والرخام والحجر المسمى بالصلبي، فكل شظايا هذه الأواني كانت مصقولة، بيد أن منها ما هو منقوش نقشاً بسيطاً،
وبعضها مزينة ومزخرفة زخرفة بديعة برسوم رجال وحيوانات، وقليل منها كان مرصعاً بالعاج وبأحجار لامعة براقة، وأخرى كان مكتوباً عليها اسم الملك أو الهيكل، ومما يؤسف منه أن أغلب تلك الأواني كان محطماً، غير أن بعض المصابيح كانت صحيحة. وقد بذل النقابون غاية جهدهم في غسل وتنظيف وإزالة التراب المتلبد، وحك ملح البارود (الشورة) منها، ثم جلاء تلك الأواني وتركيب قطعها معا لإعادة رونقها وبهائها الأولين.
كان من السهل تعيين عصر خزانة ردم الهيكل لأنه وجد بين النفايات قطع من الآجر المسنم، وأسماء الملوك المسطرة على بعض تلك الآنية لم تكن معروفة، وصور حروف الكتابة وقطع الآجر تنبئ بأن الزاوية الصغيرة القائمة في السهل المنعطف لم تكن قد أصبحت خزانة الردم قبل عصر سرجون وعصر الآجر الرابع.
والأمر الذي لم يجزم بصحة جوابه علماء الآثار هو من أين أحضر سكان السهل الغريلي الخالي من الحجر مواد تلك الأواني الحجرية البديعة المختلفة الأشكال والأنواع، فقد صرح الملك جودياء أن المستماز الذي صنعت منه تماثيل (أدب) جلبه من مجان. ولعلها شبه جزيرة سينا، فأن الرحالين الذين قطعوا السهل العربي المرتفع، أو تبعوا مجرى الفرات أو رحلوا إلى جبال أرمينية وحطوا رحالهم في بلاد فارس، وجدوا في هذا الموطن ضروباً وأشكالا متعددة من الحجر.(9/697)
هذا وأن سرجون الأول سار بجحافله إلى البحر المتوسط، وهجم بجيوشه الجرارة على بلاد جبليه. فحمل شيئاً كثيراً من حجارها الكريمة. ونحت منها تماثيل وآنية كثيرة. وأعراب العراق اليوم النازلون في البوادي البعيدة عن العمران يقطعون حجاراً عظيمة من الجبال الكثيرة المنبثة حول مكة لينحتوا منها هواوين واجراناً لسحق البن وطحنه.
فيظهر من هذا أن قدماء هذه الديار لم يبتعدوا كثيراً في طلب الأحجار، ففي منطقة الفرات بالقرب من الدير هضبة من الحجر الأبيض الرخو الشبيه بالرخام وفي الصحراء الواقعة في أطراف حائل صخور كثيرة من المستماز. وفي الجبال القائمة في شمال وشرق العراق أنواع مختلفة من الحجر الذي يضارع حجر تلك الأواني كل المضارعة ويمثلها تمثيلاً
صادقاً.
إن المسألة التي حيرت عقول علماء الآشورية هي جواب (كيف استطاع قدماء هذه الديار
أن يصوروا آنيتهم ويشكلوها بأشكال متنوعة؟) فان اغلب الأواني كانت مستديرة ومنها مستطيلة ومربعة ومقعرة. هذا وانحناء الدائرة المناسب كل المناسبة يدل على إن عمل الإناء تم بواسطة المخرطة في صناعة اسطوانات الخواتم أيضاً.
كان الحجر الآنية المستديرة مصقولا صقلا نعما بحيث لم يبق للمخرطة اثر فيه. بيد أن المصابيح الصدفية لا تزال آثار الأزميل ظاهرة فيها برغم الصقل المجود وكانت الأدوات القاطعة من النحاس. لان الشبه والحديد لم يكونا معروفين في ذلك الحين. وعليه فقد استعمل النحاس لقطع اصلب الأحجار وأمتنها.
من أين جاء الشمريون بأشكال آنيتهم البديعة إلى هذه الأقطار؟ فهذا السؤال ليس بسهل أن يجيب عنه الأثريون جواباً شافياً. فقد ظهر لهم من تتبعهم آثار الشمريين. إن هذا الشعب قدم العراق وهو حامل في حقائبه بذور حضارة قديمة من بلاد مجهولة. واخذ بنشر الفن والعلم والصناعة التي زاولها في دياره الأصلية حتى عم انتشارها. واخذ السكان الأولون يقلدونهم ويحاكونهم محاكاة عجيبة أدت إلى توالي السنين إلى اتحادهم بالتحالف والتعاضد. ثم بالاقتران والمصاهرة حتى اصبحوا أمة واحدة.
رزوق عيسى(9/698)
فوائد لغوية
نقد معجم الأدباء
- 3 -
21 - وفي ص 192 (وارتدت عشية كملابس العرس حللا سنيه) والصواب (وارتدى عشيه) و (ارتدت عشبه) بالباء.
22 - وفي ص 216 (فانخزل وما أحار جواباً) وإنما هو (فانخذل) بالذال أي فارتدع وفشل.
23 - وفي ص 224 (فأخذت بيده وأدخلته رماده) ولعل الأصل (وأدخلتها رماده) لموضع التأنيث من اليد.
24 - وجاء في ص 226 عن اسحق بن راهويه (قال سألت رافع بن الليث ابن المظفر عن قول النبي - ص -: كل مسكر حرام) فعلق به مرجليوت الأستاذ (الصواب: سكر) وهو ليس بصواب فالأصل صحيح، قال الطريحي في مجمع البحرين (وفي الحديث: كل مسكر حرام هو بضم الميم وكسر الكاف. ما اسكر أزال العقل) وفي المصباح بمادة س ك ر (يروى ما اسكر كثيره فقليله حرام. . . وقد صرح به في الحديث فقال: كل مسكر حرام).
25 - وفي ص 228 (المبارك. . . أبو الفرج المؤدب كان يسكن قراح بني رزين من بغداد) فعلق عليه الأستاذ المذكور (أرض على حيالها من منابت النخيل وهو اسم لمكان) فنقول: إنه قراح بن رزين كما نقلناه في (8: 444، 578) من لغة العرب، وقوله: (اسم لمكان، قول مطلق فيجب تقييده ب (معين) أو غيره مثل (عينه) قال المبرد في أول الكامل (وكان يقال لنهر بعينه: الثرثار وإنما سمي به لكثرة مائه) وفي المختار (والقراح بالفتح: المزرعة التي ليس عليها بناء ولا فيها شجر والجمع اقرحة) والمراد بالشجر هنا غير النجم، ففي(9/699)
(1: 158، 159) من معجم الأدباء ورد قراح قثاء، وفي (مج 4 ص 132) من شرح ابن أبي الحديد ما صورته: (أتي ابن شبرمه بقوم يشهدون على قراح نخل فشهدوا - وكانوا عدولا - فامتحنهم فقال: كم في القراح من نخلة؟ قالوا: لا نعلم. فقال
أحدهم: أنت أيها القاضي تقضي في هذا المسجد منذ ثلاثين سنة فأعلمنا، كم فيه من اسطوانة؟ فسكت وأجازهم). وفي ص 459 من هذا الكتاب المنقود (فجاء بنا إلى قراح باقلي) وبه يعرف أن لفظ القراح قد تطور معناه وان اشترط مرجليوث كون النخيل حياله ليس بلازم.
26 - وجاء في ترجمة المبارك ابن الدهان الوجيه كما في ص 232 (ومولده في سنة 502) والصواب (532)،
27 - وفي ص 232 (والأعمال التي كانت مفوضة قبله إلى ابن ناصر) قلنا: إن ناصر هذا هو ابن المهدي العلوي وزير الناصر لدين الله العباسي، وكان ابنه (صاحب المخزن).
28 - وفي ص 236 (لو تسألوا كيف حالي بعد بعدكم) والصواب (لم).
29 - ورد في ص 247 والضمير راجع إلى قصيدة عمرو بن كلثوم.
يفاخرون بها مذ كان أولهم ... يا للرجال لفخر غير مشؤوم
والصواب: (مسؤوم) لأن الشاعر أنكر عليهم تماديهم في الافتخار بها واستغاث من هذا الفخر غير المملول.
30 - وجاء في ص 250 (فيك ووجدي فسال مكتهل) شطر بيت فقال (كذا بالأصل) ونحن نرجح إن الأصل (فينان مكتهل) فالفينان يراد به التام على الاستعارة والمكتهل من اكتهل النبت إذا نمى وائتشب وتم.
31 - وجاء في ص 262 قول المحسن التنوخي (أما اصطناع الملك لي فأنا معترف به. وأما الفساد على دولته فما علمت إنني فعلته. ومع ذلك فقد كنت مستوراً فهتكتني ومتصوناً ففضحتني وأدخلني من الشرب والمنادمة بما قدح في)(9/700)
فعلق الأستاذ ب (أدخلني) ما صورته: (لعله: وأدخلتني) قلنا: ولم يفطن لهذا الفن من لغة العرب فعلق ما علق. لأن التفاته من الغيبة (اصطناع الملك لي) إلى الخطاب (فهتكتني) والتفاته من الخطاب (ففضحتني) إلى الغيبة (وأدخلني) باب كبير من أبواب (علم البيان) ومنه قوله تعالى: (الحمد لله رب العالمين) ثم انتقل إلى الخطاب: (إياك نعبد) وقوله: (هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك. ثم التفت إلى الغيبة فقال: (وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها. . . الآية) ومنه قول الإمام علي - ع - في نهج البلاغة: (ومن مات فإليه
منقلبه. لم ترك العيون فتخبر عنك) وقوله في وصيته: (هذا ما أمر به عبد الله علي بن أبي طالب أمير المؤمنين في ماله ابتغاء وجه الله. ليولجني به الجنة ويعطيني به الآمنة) وأسباب الالتفات: (أ) الأهمية (ب) وتوكيد الحجة (ج) وتوكيد التنبيه (د) ومراعاة الأدب. ففي قوله: (وأدخلني من الشرب والمنادمة بما قدح في) أدب اكثر من (أدخلتني) لان التصريح بالشرب صعب دون غيره من التعابير العامة مثل (هتكتني) فهذا واضح.
32 - وجاء في ص 265 (فعلمت انه اتهمني به وبأن خرجت بذلك الحديث فعلق على (بأن) ما صورته: (لعله: وبأني) مع أن العبارة لا تحتاج إلى تعدي اصلها لأن قوليه (بأن خرجت) و (بأني خرجت) سواء و (أن وأن) كلاهما مصدريان.
33 - وورد في ص 277 (قباطياً عن قريب سوف تستكب) والصواب (تستلب) من الاستلاب ويقصد بالقباطي أغشية الطعام الموصوف فهو لا يؤكل إلا باستلاب الأغشية.
34 - ورد في ص 285 (كتاب عيار الشعر) لمحمد بن أحمد ابن طباطبا وفي ص 153 من عمدة الطالب (كتاب نقد الشعر) وكلاهما بمعنى.
35 - وفي ص 289 (لو واصل به عطاء الباني لها) قال في الحاشية (لعله: له) قلنا والصواب ما في الأصل لأن الضمير يعود إلى القصيدة أفلم يره قد قال: (خذها الغداة أبا الحسين قصيدة)؟.
36 - وجاء في ص 294 (متى تلق ذا أو تلق ذاك لحادث. . . تلاقى مهيناً. . .)(9/701)
والراجح (تلاق) بالجزم جواباً للشرط بعد متى.
37 - وورد في ص 298 قول الأزهري اللغوي: (ودخلت داره غيره فألفيته) قال مرجليوث: (لعله: مرة) قلنا: وهو عين الصواب فقد ورد في ص 486 على صورة (غير مرة).
38 - وفي ص 299 قول الأزهري أيضاً: (ولا يكاد (يكون) في منطقهم لحن أو خطأ فاحش) فيظهر أن المعضود بالعضادتين من زيادة التوجيه والإقامة من الناشر وفي (2: 78) من الوفيات (ولا يكاد يوجد. . .).
39 - وجاء فيها (كتاب تفسير السبع الطول) فعلق به (لعله: الطوال) قلنا: ولا مانع من أن تكون (الطول) جمع طولى ووزن (فعل) كزفر مطرد في مؤنث أفعل التفضيل مثل (العلى
والأخر والدنا والكبر) وفي ص 358 من هذا الجزء قول أبي إسمعيل الطغرائي:
هبني بلغت من الأعمار أطولها ... أو انتهيت إلى آمالي الكبر
40 - وجاء في ص 307 عنه (وكانت له ابنة بقيت إلى سنة 40 وباعت كتبه) والأولى (سنة 400) لأنه مات 349 فيكون مبقاها بعده (51) سنة وهو غير مستحيل.
41 - وفي ص 317 (وذكراك ما يريم فؤادي) والصواب: (تريم) للتأنيث.
42 - وفي ص 319 (قد قدم العجب على الرويس) بفتح القاف وكسر الدال من (قدم) والمرجح (قدم) بضم القاف وتشديد الدال المكسورة وليس في معاني (قدم) الأولى ما يفيد الثانية ههنا، ولعل الهمزة سقطت طبعاً من (الرؤيس).
43 - وجاء في ص 323 من ترجمة المفجع محمد بن احمد البصري الكاتب الشاعر (وكانت وفاته قبل وفاة والدي بأيام يسيرة ومات والدي يوم السبت لعشر خلون من شعبان سنة 327 وفيها مات الحراوري الشاعر) قال الأستاذ مرجليوث (لعله الخروري وعند الذهبي أن الخروري الشاعر توفي بعد ال 400) قلنا: إن في تباين سنتي الوفاتين لقرينة مانعة للأستاذ المصلح الغيور من هذا(9/702)
التعليق، والصواب (الخبزأرزي) قال: قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان في (2: 285) من ترجمته (والخبزأرزي: بضم الخاء المعجمة وسكون الباء الموحدة وفتح الزاي وبعدها همزة ثم راء ثم زاي (وفتح الهمزة وضمها وتشديد الزاي وتخفيفها في الأرز يختلف باختلاف اللغات في هذه الكلمة) وفيها ست لغات) وقال: (وكان يخبز خبز الأرز: بمربد البصرة في دكان وكان ينشد أشعاره المقصورة على الغزل والناس يزدحمون عليه ويتطرفون باستماع شعره ويتعجبون من حاله وأمره) قال: (وكان أمياً لا يتهجى ولا يكتب) وأسمه نصر وكنيته أبو القاسم. قال (وتوفي سنة سبع عشر وثلاثمائة) - رح - وتاريخ وفاته فيه نظر. لأن الخطيب ذكر في تاريخه أن احمد بن منصور النوشري المذكور سمع منه سنة خمس وعشرين وثلاثمائة) قلنا: فما في معجم الأدباء يزيل النظر والشك بأنه توفي سنة (327) قال ياقوت في (7: 208) من معجم الأدباء (توفي نصر بن احمد الخبز أرزي سنة 327).
44 - وورد في ص 327 قول محمد بن أحمد بن أشرس:
كأنما الأغصان لما علا ... فروعها قطر الندى قطرا
ولاحت الشمس عليها ضحى ... زبرجداً قد أثمر الدرا
والصواب (زبرجد) بالرفع لأنه خبر الأغصان) وفي ص 383 من شرح الطرة (قطر الندى نثراً) بدلاً من تلك الرواية وهي ألوليا لأنه شبه قطر الندى المتناثر على الفروع بالزبرجد الحامل لؤلؤاً.
45 - وجاء في ص 326 من ترجمته (ويختلف إلى أبي بكر الخوارزمي فلما نزف ما عنده ارتحل إلى مدينة السلام) فعلق ب (نزف) ما اصله (بمعنى فرغ ولعل الصواب: نفذ) قلنا: وهذا الصواب المحتمل مرجوح لان (نزل) ههنا من بديع المجاز ومعناه (استخرج ما عنده من العلم كله) فهو متعد بهذه العبارة وفي المختار (وقوله تعالى: ولا ينزفون. أي لا يسكرون، يريد لا تنزف عقولهم) فاستعمل النزف في غير الجواهر ومنه (نزف روحه أي زهق) وفي ص 84 من جمهرة الأمثال (فجعل يقول: وما غناء اثنين بين عشرة ويضرط حتى نزف روحه ومات) في صفة جبان.
مصطفى جواد(9/703)
أسئلة وأجوبة
العروسان
بيروت. ي. س. قرأت في إنجيل متي (25: 1) من ترجمة الآباء اليسوعيين ما هذا نصه: (حينئذ يشبه ملكوت السماوات عشر عذارى أخذن مصابيحهن وخرجن للقاء العروسين.) وفي ترجمة الآباء الدمنكيين: (. . . للقاء العريس) وفي الترجمة البروتستانية. . . للقاء العريس.) وفي ترجمة مجمع انتشار الإيمان (سنة 1671). . . للقاء العريس والعروس.) فأي هذه الترجمات هي الصحيحة.
ج. قل أن نجيب على سؤالكم علينا أن نعلم أن لفظة (العروس) تأتي في لغتنا للرجل الحديث الزواج أو الرجل مادام في أعراسه. وللمرأة كذلك. فصيغة فعول هنا واردة للمذكر والمؤنث معاً. تقول: رجل عروس وامرأة عروس وان لم يذكر بجانب اللفظة ما يزيل الالتباس. قيل عروس للمذكر وعروسة للمؤنث. تقول رأيت عروساً وأنت تريد رجلاً عروساً. ورأيت عروسة (بالهاء) وأنت تريد امرأة في أعراسها.
فإذا عرفنا هذا نقول: إن العوام تزيل الالتباس بين المؤنث والمذكر بقولها في المذكر: (عريس) وزان قديس، أو وزان كريم، كما هو الشائع في العراق. فالذي على وزن قديس في لغة المسلمين، والذي على وزن كريم في لغة النصارى. وبوزن كريم وردت في كلام المولدين منذ اكثر من أربعمائة سنة. فترجمة الموصل أو الترجمة الدمنكية وترجمة البروتستان موافقتان للنص اليوناني حيث لا يذكر إلا (للقاء العروس) (للمذكر أي العريس بلغة المولدين). - وترجمة مجمع انتشار الإيمان موافقة لنص الترجمة العامية (أي الفلغاتا) ونص هذه التوراة هو المعتمد عليه في الكنيسة الكاثوليكية كلها.(9/704)
وأما الترجمة اليسوعية فلا توافق نصاً من النصوص المأخوذة بها. فقولها: (العروسين) يحتمل: العروسين الذكرين. والعروسين الانثيين، والعروسين الذكر والأنثى. فمترجم هذه الآية لما رأى أن الأصل الفلغاتي هو: (العروس والعروسة) قال في نفسه: أذن هما (عروسان). ولنقل: (العروسين) وهو صحيح من جهة. وغير صحيح من جهتين كما رأيت:
أذن الترجمة اليسوعية غير صحيحة فهي مغلوطة فيها، أشاء المكابرون أم أبوا قنعوا أم لم يقنعوا. وما سوى هذه الترجمة فيوافق أصلاً من الأصول التي ترجمت إلى لغتنا. فلينتبه المكابرون.
أمن نبات اسمه أبو برجيس
بغداد. ب. م. م. قرأت في المشرق (29: 381) عن نبتة سماها صاحبها (من النوع المعروف بأبو برجيس ونقرت عنها ف المعاجم التي بيدي فلم أظفر بها. فما هذه الكلمة ومن أين جاءتنا؟
ج. ليس في العربية الصحيحة. ولا في المعربات الفصحى نبت بهذا الاسم. والمعروف في معنى الإفرنجية هو انوبريخيس، والكلمة من اليونانية فصحفها الجهلة تصحيفات مختلفة شنيعة وغير شنيعة، فمن الأخيرة: اونوبروخيش وانوبروخيس وانوبرخيس وانوبرخيش. ومن القبيحة ابوبرحبيس. وهي واردة في معجم الأب بلو الفرنسي العربي الكبير. وصاحبه أعجمي ضعيف النظر في الألفاظ العلمية. يشهد عليه بذلك ديوانه من أوله إلى آخره، فإنك لا تكاد ترى فيه كلمة علمية صحيحة الوضع، مقابلة اللغة الإفرنجية. وأما انوبروخيس بالسين المهملة، فقد ذكرها ابن البيطار (في النص المطبوع في باريس) وانوبروخيش بالشين المعجمة في الآخر، (ذكرت في النص المطبوع في مصر. وفي معجم شرف اونوبريخيس. وفي معجم الدكتور عيسى انوبريخس وانوبروخيس. وهذه الأخيرة وردت أيضاً في معجم دوزي ومعجم باين سميث الارمي اللاتيني).
والعرب لم يذكروا له اسماً خاصاً به لأنه ليس من انبتة ديارهم.(9/705)
باب المكاتبة والمذاكرة
حول رسائل الجاحظ
جاء في مجلتكم الغراء (9 - 626) حول رسائل الجاحظ التي نشرتها قولكم: (. . . والرسالة الثانية التي كتب بها الجاحظ إلى أبي الفرج بن نجاح الكاتب جاءت مصحفة في بعض حروفها وأعلامها فأصلح (جرجيو ليفي دلافيدا) منها شيئاً كثيراً وأجال النظر على بعض المؤلفات لتصحيح بعض الأعلام فجاءت هذه المقالة التي نشرها في مجلة المباحث الشرقية الإيطالية، واستل منها سلالة على حدة، من المقالات الطافحة بالفوائد لأنها تصلح شيئاً غير يسير من هذه الرسالة. . .).
أقول أن الأستاذ الإيطالي (دلافيدا) أهدى إلي نسخة من السلالة المذكورة وإني أشكره على عنايته وهديته، وقد كلفت أحد الأفاضل العارفين باللغة الإيطالية بترجمتها فوجدت أن الأستاذ عني فيها بوصف طرز كتابة الجاحظ لهذه الرسالة ولخصها ولخص الأبيات المدرجة فيها. وترجم ابن نجاح وقص نكبته ومقتله. ولم يصلح شيئاً من حروفها خلافاً لما ظننتم، ولعلها أتت خالية من كل تصحيف على ما يظهر. وأما الأعلام فقد أصلح في حواش في مقالته ثلاثة منها فقط. فقال: (عبد الرحمن بن مل النهدي) عوض عبد الرحمن بن مليك الهندي) و (عمرو بن عبيد بن باب) عوض (ابن مآب) و (فيروز بن حصين) عوض (فيروز بن حصن). أصلح ذلك بمراجعة بعض أمهات الكتب العربية فاستحق الشكر والثناء.
كلمة على التركمان
وجاء في مجلتكم أيضاً (9: 608) في الكلام على التركمان: (. . . وفي العراق قبيلة اسمها اليعافرة، تقيم في أراضي تل أعفر. . أصلها من هؤلاء التركمان).(9/706)
أقول أن أهل الموصل وحواليها يسمون قطان تل عفر خاصة (أعافرة) الواحد أعفري. ولم يسمهم أحد (يعافرة). وهم ليسوا قبيلة برأسها. بل خليط من تركمان وعرب وغيرهم، تغلبت عليهم الأكثرية التركمانية بمرور الزمان. منهم من هو سني وآخرون شيعيون،
وعدد قليل من النصيرية. وهم يجهلون تماماً منشأهم وتاريخ وكيفية قدومهم إلى هذه الديار، ويتكلمون بلغة تركية غريبة يستقبحها ابن أستانبول جداً، ولا يكاد يفهمها.
(نظرات)
1 - جاء في ص 341 من هذا المجلد: (وقدم له فرس بمركب ذهباً ومشد ورفع وراءه سنجقان مذهبان وخرج من الباب القائمي المعروف بباب التمر بالمشرعة) فقال الصديق الوديع يعقوب نعوم سركيس: (أظنها شريعة خان التمر الحالية. . .) وهو الذي قال في (6: 359) من لغة العرب عن باب الغربة: (وهو أول أبواب الجريم من جهة الغرب أي انه حده الأعلى) وهذا يمنع أن يكون بين دجلة وباب الغربة باب آخر. فأين يكون الباب القائمي أي باب التمر؟ وقال قبلاً في (5: 453) منها (باب الغربة هو في المشرعة التي نسميها اليوم بشريعة المصبغة، وان عندها يبدأ حريم دار الخلافة). قلنا: أما المخلوع عليه المقام له إقامة فهو فارس، فمن أين خرج أن كان الباب القائمي أي باب التمر بشريعة خان التمر؟ ثم انه نقل في (5: 451) أن الباب الثاني شرق باب الغربة (باب سوق التمر باب شاهق البناء) ثم قال: (ولا منافاة بين القولين، إذ الظاهر أنهما بابان أحدهما بالمشرعة وثانيهما يخرج منه إلى المدينة، ولعلهما سميا بالإضافة إلى كلمة واحدة لإفضاء أحدهما إلى الثاني بأقرب مسافة) وتعيينه مضطرب كل الاضطراب فضلاً عما أوردناه من القرائن المحيلة له. على أن العلامة لسترنج وضعه في خريطة ص 263 من تاريخه قرب جامع مرجان اليوم، وذلك أقرب إلى الصواب وأوفق لكل النصوص التاريخية ومكانه قريب من المشرعة.(9/707)
2 - وقال محمود الملاح في ص 764: (لأن طائفة المرجئة تقول: الإيمان لا يزيد ولا ينقص) قلنا: وكذلك الإمام أبو حنيفة النعمان (رض) ففي حوادث سنة 617 من الحوادث الجامعة قال مؤلفه: (وفيها كتب إنسان فتيا مضمونها: هل الإيمان يزيد وينقص أم لا؟ وعرضت على جماعة فلم يكتبوا فيها، فكتب ابن وضاح الحنبلي وعبد العزيز القحيطي وبالغا في ذم من يقول: إن الإيمان لا يزيد ولا ينقص، ثم سلمت إلى فقيه حنفي فحبسها عنده ولم يكتب فيها، فانتهى حديثها إلى الديوان وتألم الحنفية من ذلك وقالوا: هذا يعرض بذم أبي حنيفة فتقدم بإخراج ابن وضاح من المدرسة المستنصرية، ونفي ابن القحيطي عن
بغداد فحمل إلى الحديثة والزم المقام بها) قال ابن أبي الحديد في (2: 114) من شرحه: (وقال شيخنا أبو عبد الله: أول من قال بالإرجاء المحض معاوية وعمرو بن العاص كانا يزعمان انه لا يضر مع الإيمان معصية، ولذلك قال معاوية لمن قال له: حاربت من تعلم وارتكبت ما تعلم فقال: وثقت بقوله تعالى: إن الله يغفر الذنوب جميعاً، وإلى هذا المعنى أشار عمرو بقوله لابنه: تركت أفضل من ذلك: شهادة أن لا إله إلا الله) ثم قال في 249: (لأن ظاهر هذا القول يشعر بمذهب المرجئة الخلص وهم أصحاب مقاتل ابن سليمان القائلون انه لا يضر مع الشهادتين معصية أصلاً وانه لا يدخل النار من في قلبه ذرة من الإيمان، ولهم على ذلك احتجاج قد ذكرناه في كتبنا الكلامية) ثم فرع في ص 251 وقال: (وكذلك اكثر الناس يتوهمون أن عذاب النار يكون أياماً وينقضي كما يذهب إليه المرجئة أو انه لا عذاب بالنار لمسلم أصلاً كما هو قول الخلص من المرجئة أو أن أهل النار يألفون عذابها فلا يستضرون به إذا تطاول الأمد عليهم) وقال في ص 465: (لأنه قسم الجزاء إلى قسمين، أما العذاب أبداً أو النعيم أبداً، وفي هذا بطلان قول المرجئة أن ناساً يخرجون من النار فيدخلون الجنة لأن هذا لو صح لكان قسماً ثالثاً) وجاء فيه غير ذلك.
3 - وأنكر الملاح في ص 765 ورود السن في (إنك لو عمرت سن الحسل) وفي (2: 155) من كامل المبرد (قال أبو العباس: وحدثني غير واحد من أصحابنا قال: قيل لرؤية ما قولك لو إنني عمرت سن الحسل. . .) فالرواية واردة.(9/708)
4 - وورد في (7: 128) من لغة العرب قول المرحوم عبد الحميد عبادة: (اليوم النادي العسكري الواقع أمامه رباط أبي النجيب السهروردي). وهذا خطأ فقد قال ابن خلكان في (1: 324) من وفياته عن أبي النجيب: (وبنى رباطاً على الشط من الجانب الغربي ببغداد) والنادي العسكري بالجانب الشرقي. وما هو أمامه فمعه لأن بابه نحو الشرق، ولعله أراد ذلك فخانه التعبير.
5 - وقال هو في ص 129: (فهذه المحلات كلها في الجانب الشرقي من بغداد جانب الرصافة) وأين الرصافة من المحلات التي كانت قبل قرن أو أكثر؟ وهو الذي نقل في ص 218 عن أبن جبير في وصف بغداد (وللشرقية أربعة أبواب) فإنه لم يقل: الرصافة لأنها قرب قبر أبي حنيفة كما ذكرنا وذكر يعقوب نعم سركيس المحقق المفضال، وقد وهمت أنا
أيضاً في مقالة قصر القلعة والمدرسة الشرابية.
مصطفى جواد.
من الدكتور هنري جورج فارمر إلى الأب انستاس ماري
الكرملي
صاحب مجلة لغة العرب في بغداد
سيدي: وقفت قبل هنيهة على مجلتك التي تذكر فيها آخر كتبي: (أرغن الأقدمين) (9: 553) ولاحظت يا أسفاً إنك انتقدت ورقة الغلاف التي عليها العنوان وهي من (الناشرين الذين في لندن) لا مني (ولندن بعيدة عني نحو أكثر من 400 ميل).
ولك ملء الحرية في نقد أي قسم من كتابي أو من مؤلفاتي لكني أرجو منك أن لا تنسب (إلي) ما يرجع إلى (الناشرين) أي الغلاف الذي وضعوه هم أنفسهم.
هذا وإني لأطيب خاطراً إذا نشرت هذه المطالعة في أول جزء يصدر من لغة العرب بعد وصولها إليك.
غلاسكو (اسكتلندة) في 12 - 8 - 1931:
صديقك الودود هنري جورج فارمر(9/709)
باب المشارفة والانتقاد
90 - الكتاب الأقدس
من شرع ميرزا حسين علي الملقب ببهاء الله مع مقدمة لناشره: خدوري الياس عناية، طبع بمطبعة الآداب ببغداد سنة 1349هـ - 1931م.
هذا الكتاب والمقدمة بقطع الثمن وقوام الأول (53) صفحة وملاك الثانية (26) وجهاً، والورق جيد والطبع سيئ، ولكن الكتاب كان وجدانه على شيء من الصعوبة ولا سيما في العراق لأن أهله متكتمون في مذهبهم الجديد حرصاً على إخفاء الكتاب كل الحرص، ولذلك قال الناشر عنه في ص (ب) ما صورته: (ذاك الكتاب الذي بالجهد الجهيد حصلت عليه في مدة الثلاثين سنة التي قضيتها في العجم مناضلاً (كذا) ومجادلاً ومباحثاً مع هذه (كذا: والصواب لهذه) الفرقة البهائية في تبريز ومرند ومرغة ومياندواب وميانج وزنجان وهمدان (كذا أي همذان) وسرآب وأردبيل وأطرافهم جميعاً وذلك بروح المحبة والإخلاص إلى أن سهل الله عز وجل وحصلت عليه وذلك في سنة 1937 (كذا وأراد 1927) حيث كنت سافرت. . . .) ولكن لو درى إن في خزانة كتب المرسلين الكرمليين ببغداد نسخة خطية من الكتاب الأقدس ما قلمى هذا النصب المستمر ولا كابد البحث المسئم، وأياً كان تعب المؤلف فهو لا يناسب مبالغته في الكلام، بيد أن عمله مقرون إلى الشكر وحسن الذكر، وقد عدد الآيات بأرقام للتسهيل. ولغة المقدمة ركيكة جداً مملوءة لحناً فاحشاً والكتاب الأقدس أقل منها وهماً، والأعلام كثيراً ما تصحفت، ولذلك قد اعتذر الناشر إلى القراء من هفواته فقال في ص (لو) ما عبارته: (وفي الختام اطلب من أصحاب العلم والأدب أن يغضوا النظر عن الأغلاط التي يروها (ومنها: يروها هذه أي يرونها)(9/710)
في هذه المقدمة وذلك لقصر باعي في الإنشاء والإملاء (والنحو واللغة) والعفو من شيم الكرام والسلام) ولو كان الناشر يعرف للكلم مواقعها ما قال أولاً: (مناضلاً) ثم قال ثانية (بروح المحبة والإخلاص) فالمناضلة لا محل لها مع المحبة والإخلاص.
والمقدمة مقصورة على نقد المؤلف شيئاً من (الكتاب الأقدس) منه آية 12 وهي: (لا تحسبن أنا نزلنا لكم الأحكام بل فتحنا ختم الرحيق المختوم بأصابع القدرة والاقتدار) فقال
في ص (و) ما نصه: (يفهم من هذه الكلمات انه لم يأت بأحكام، وهذا القول هو ضد الحقيقة لأنه قد شحن كتابه بالأوامر والنواهي التي هي أحكام ظاهره للعيان شاملة للأصول والفروع وغير قابلة التأويل والتفسير كالصلاة والصوم و. . .) وعلى هذه الشبهة بنى قوله في ص (لج): (وإذا كنت مسلماً أيها القارئ وكنت من الذين ينتظرون ظهور المهدي، فما أظنك تؤمن أن المهدي يأتي بكتاب أو بشريعة جديدة وينفي الكتب السماوية بأسرها ويحكم على الذين يتبعوها) كذا) بالضلالة، بل بموجب معرفتي عن عقيدتك هي (كذا) أن المهدي سيظهر لكي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً بعدما ملئت ظلماً وجوراً).
وإذا عرف الناشر إن كل دين سماوي مبني على سابقه مكمل له في ما يخص تطور الإنسان وتبدل الزمان. فبذلك يفهم المراد بقوله: (لا تحسبن أنا نزلنا لك الأحكام) أما ما يخص المسلمين من قوله المذكور فهو على رواية دون أخرى ولمعالجة الأمر من جانب التاريخ نقول:
أن الأخبار التي رويت بكتب أصحابنا الإمامية في ما يجئ به المهدي هي كما يأتي: جاء في ص 119، 120 من كتاب بشارة الإسلام عن غيبة النعماني والمهدي (إذا خرج يقوم بأمر جدي وكتاب جديد وسنة جديدة وقضاء جديد على العرب شديد وليس شأنه إلا القتل لا يستبقي أحداً ولا تأخذه في الله لومة لائم) وجاء في ص 124 من البشارة (فو الله لكأني انظر إليه بين الركن والمقام(9/711)
يبايع الناس بأمر جديد وكتاب جديد وسلطان جديد من السماء، أما انه لا ترد له راية حتى يموت) وفي ص 143 (يقوم بأمر جديد وسنة جديدة وقضاء جديد على العرب شديد ليس شأنه إلا القتل. . .) وهي كالأولى، وفي ص 158 (يبايع الناس عن كتاب جديد على العرب شديد وقال: ويل للعرب منشر قد اقترب (وفي ص 292 عن البحار للمجلسي (فيكون أول من يضرب على يده ويبايعه جبرائيل وميكائيل ويقوم معهما رسول الله وأمير المؤمنين فيدفعان إليه كتاباً جديداً هو على العرب شديد) وفي ص 303 عن المفيد في الإرشاد (إذا قام القائم - ع - جاء بأمر جديد كما دعا رسول الله - ص - في بدو الإسلام إلى أمر جديد) وفي ص 305 عن النعماني في غيبته أيضاً (عن ابن عبد الله جعفر ابن محمد - ع - انه قال: كيف انتم لو ضرب أصحاب القائم الفساطيط في مسجد كوفان ثم يخرج إليهم المثال المستأنف أمر جديد على العرب شديد). وفي ص
309 عن الطوسي في غيبته: (إذا قام القائم جاء بأمر جديد).
وفي الكتاب نفسه
ما ورد في ص 297 (فيصبح بمكة فيدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه - ص -) وفيها: (يدعو الناس إلى كتاب الله وسنة نبيه والولاية لعلي بن أبي طالب - ع - والبراءة من أعدائه) وفي ص 315 ما صورته: (وإنما سمي المهدي لأنه يهدي إلى أمر خفي يستخرج التوراة وسائر كتب الله عز وجل من غار بإنطاكية ويحكم بين أهل التوراة بالتوراة وبين أهل الإنجيل بالإنجيل وبين أهل الزبور بالزبور وبين أهل القرآن بالقرآن ويجتمع إليه أموال الدنيا. . .) وفي ص 360 ورد من أخبار أهل السنة عن عقد الدرر (عن أبن الحسن بن هرون بياع الأنماط قال: كنت عند أبي عبيد الله - ع - (أي جعفر الصادق) فسأله المعلى بن خنيس: أيسير المهدي - ع - إذا خرج بخلاف سيرة علي - ع -؟ قال: نعم. . .).
فقد بدا الصريح من الرغوة وصرح الحق عن محضه، أعن صبوح ترقق؟ وتسر حسواً في ارتغاء؟ يداك أو كتا وفوك نفخ، والله من ورائهم محيط.
مصطفى جواد(9/712)
91 - الإكليل
المجلد 8
طبعنا من هذا المجلد الثامن 474 صفحة ولم يبق لنا منه إلا طبع نحو عشر صفحات لا غير وما كاد ينتشر العزم على طبعه حتى جاءتنا الاشتراكات من كل ناد وواد، وكادت تنفذ هذه الطبعة الأولى لكثرة الإقبال عليها. وقد كلفنا نشره مبالغ طائلة لم نكن نفكر فيها، وكان الاشتراك فيه دون أجرة الطبع. فجعلنا الآن ثمنه جنيهاً مصرياً أو 14 ربية ماعدا أجرة البريد المسجل الذي يبلغ أما ربية وأما ثلاثة شلنات. فالمرجو ممن يطلبه بعد أول هذا الشهر أن يبعث إلينا بخمس عشرة ربية أو 23 شلناً إن كان في خارج بغداد و 14 ربية أو 21 شلناً إن كان يشتريه منا مباشرة.
وهذا الكتاب يحوي ثمانية عشر فهرساً. وإليك ترتيبها ومحتوياتها:
فهرس أول للفصول
فهرس ثان للقواعد العرب
فهرس ثالث للمعمرين من العرب
فهرس رابع للشعراء
فهرس خامس للقوافي
فهرس سادس للمحدثين والرواة
فهرس سابع عمراني
فهرس ثامن للاسداد
فهرس تاسع للقبور والمدافن
فهرس عاشر للجبال
فهرس حادي عشر للحصون والقلاع
فهرس ثاني عشر للقصور وحدها
فهرس ثالث عشر للألفاظ العربية وما يقابلها عند الفرنسيين ويصعب الحصول عليها في المعاجم العربية الفرنسية.
فهرس رابع عشر يحوي التأليف والمطبوعات الوارد ذكرها في المتن والحاشية.
فهرس خامس عشر أو مفتاح المغلق ويحوي الألفاظ الخاصة بالمؤلف وهي ما حصرت بين قوسين، والألفاظ التي يجب المطالع أن يعرف إنها أيضاً في هذا الكتاب للوقوف عليها عند حاجته إليها.
فهرس سادس عشر للأمثال والأقوال المأثورة.
فهرس سابع عشر يحوي أسماء المواضع على اختلاف أنواعها.(9/713)
فهرس ثامن عشر يحوي أسماء الرجال وآبائهم وأجدادهم خلافاً لما في سائر الفهارس التي من هذا القبيل والتي لا تحوي إلا أسماء الأبناء من الرجال دون آبائهم.
فأنت ترى من هذه الفهارس ما في هذا الكنز من الدرر واللآلئ وما حوى من النفائس التي تغني معاجمنا البلدانية والتاريخية واللغوية إلى غير ذلك.
ولسوء الحظ وقع أوهام طبع كثيرة وحصلنا على رواية نسخة برلين ورومة (الفاتيكان)
ولهذا قصدنا أن نضع له ذيلاً يحتوي على إصلاح ما ورد في مطاوي الطبع من الخلل وذكر النسخ المختلفة ومعارضة بعضها ببعض وترجيح رواية على رواية. ويكون ثمنه ثلاثة شلنات.
ولكون نسخ الإكليل محدودة وقليلة سوف نضاعف الثمن المذكور هنا بعد ستة أشهر ويبقى ثمن الملحق ثلاثة شلنات أو ربيتين.
92 - لذكرى الأب سيستيان شيل الدمنكي (بالفرنسية)
الأب سبستيان شيل هو أخو العلامة الشهير الأب فنسان شيل وكان قد جاء إلى الموصل قبل نحو خمس وأربعين سنة وأخرج تلاميذ يعدون من كبار الفضلاء الذين نفعوا بلادنا العراقية هذه ولا يزالون يستقتلون للوطن ولإعلاء شأنه. وتوفي الأب سبستيان في 25 شباط من سنة 1929. وهذه الرسالة وقعت في نحو 62 صفحة بقطع 16 تخليداً لذكراه. فنعزي الأب فنسان أخاه بهذا الفقد الجلل ونطلب للراحل الرحمة والراحة الأبدية.
93 - الرس الشمري (بالفرنسية)
هذه مقالة في 10 صفحات لصاحبها صديقنا العلامة الفريد بواسيه وهي خلاصة تحقيق من تقدمه من الباحثين في هذا الموضوع مع آراء خاصة به. ومن جملة ما قاله: (إن العراقيين الحاليين الذين يرون في كلدية المنخفضة (جنوبي العراق) هم صلب الشمريين، كما أن المصريين الحاليين منحدرون من مصريي الأهرام)، وإذا اتسع لنا المقام نعربها لقرائنا الكرام لأنها زبدة ما قيل في هذا الموضوع.(9/714)
94 - قانون المطبوعات رقم (82) لسنة 1931.
أصدرت حكومتنا الجليلة قانوناً جديداً للمطبوعات وقع في 17 صفحة بقطع 16 فألغي بنشره القانون السابق الذي كان على صورة قانون المطبوعات التركية.
95 - مدن العراق القديمة
انتهينا من طبع كتاب (مدن العراق القديمة) واستللنا منه سلالة في مائة نسخة، عدد صفحاتها 56 بحجم هذه المجلة. وثمن النسخة ربية. والنسخة الإنكليزية تباع بأكثر من ربيتين.
96 - قطعة من مأثورة (أترم خسس)
(أترم خسس) عند البابليين يقابل (نوح) التوراة. وقد أصاب العلماء صفيحة من صلصال مشوي فيها ثمانية أعمدة والسطور مصفوفة عشرة عشرة والكتابة تهدي الباحثين إلى إن قصص (أترم خسس) كان محفوراً على ثلاث صفائح الأولى منها لم يعثر عليها. ولم يظفر العلماء إلا بقطع من الثانية والثالثة، وقد نقل نصوص هذه القطع صديقنا العلامة الفريد بواسيه بصورها وحروفها. وترجمها إلى الفرنسية ونشرها في (مجلة المباحث الآشورية) لصاحبها الأب فنسان شيل وف. ثورو دانجين. والرواية تلذ لكل من يعنى بالمواضيع المتعلقة بالتوراة والقصص القديمة. فنشكر الصديق على هديتيه الكريمتين.
97 - المروج والصحارى
تأليف مراد ميخائيل، هدية الحاصد لمشتركيه في 56 ص بقطع 16
محتوى هذا الكتيب خيال عال. ووميض أفكار مختلفة، تتألق فيه الأنوار البديعة من آفاقه العديدة، فهو ينثر على نفس القارئ أزاهير متنوعة الألوان والعبير، تنسيه ما يحيط به من الجو الراكد المألوف، وتنقله إلى جنان السلم والاطمئنان، فهو حقيقة تسلية (للحاصد) بعد أن يكون قد تعب في معاناة أشغال الحصاد. فنعم الكتاب ونعم الهدية.(9/715)
98 - الإخاء الوطني
جريدة يومية سياسية جامعة تصدر ببغداد بست صفحات
للمحامي رفائيل أفندي بطي صفحة مجيدة في تاريخ الصحافة العراقية، لأنك ترى مكتوباً في أعلى صدرها: (رفائيل بطي كاتب جريء يتقحم الغمرات، غير هياب ولا وجل، يضرب على كفه اليمنى، فيمد اليسرى؛ وإذا شلت اليسرى، هاجم برجله اليمنى، وإذا قطعت هذه، قاوم محاربيه برجله اليسرى، وهو في كل الأحوال: هجام، هدام، مقدام، لا يروعه نار ولا بتار.
أنشأ في 25 أكتوبر سنة 1929 صحيفة (البلاد) ثم انتابتها الأرزاء فظهرت لنا بأسماء أخر بعد أن سدت مراراً بعد كل أسم. وفي 2 آب (أوغسطس) من هذه السنة (1931) أصدر تلك الجريدة باسم (الإخاء الوطني) وأصبح صاحب امتيازها علي جودت. ومديرها
المسؤول عبد الإله حافظ. أما إنشاؤها فبقي بيد هذا الصحفي الجسور. فنتمنى أن تكون هذه الجرأة مقرونة بحكمة وفطنة حتى لا يحرم قراءة مقالاته الوطنية المتلهبة غيرة وقومية.
99 - قصص الأنبياء
للشيخ الإمام العالم العلامة محمد بن عبد الله الكسائي، تصحيح اسحق بن ساؤول ايزنبرغ.
أهدي إلينا أحد مستشرقي النمسيين هذا الكتاب وطلب إلينا أن ننقده. ولحسن الحظ وجدنا في خزانتنا نسخة منه خطية. ولما قابلنا تلك المطبوعة بنسختنا الأصلية. وجدنا الفرق بينهما عظيماً. وقد لاحظنا أن الآيات المذكورة في هذه القصص وردت محرفة ومصحفة. والشواهد كثيرة، دع عنك الاختلافات في الروايتين مما يتطلب مقالة طويلة، فنرجئ البحث فيها إلى وقت آخر إن اتسع لنا المجال.(9/716)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - انتهاء قضية المخفر بين العراق وإيران (رسمي
وبحروفه)
في أواخر حزيران (يونيو) الماضي بدأت الشرطة الإيرانية تشيد مخفر الشرطة في موقع (جيغار سورخ) الكائن داخل الحدود العراقية، ولما اتصل الخبر بالحكومة العراقية، فاتحت الحكومة الإيرانية بالأمر، وبفضل سياسة التفاهم وما يسود صلات الطرفين من الود والولاء، انتهت المفاوضات بين الحكومتين حول هذه القضية التي نشأت من اشتباه موظفي الحدود في تعيين الموقع، وعليه أصدرت الحكومة الإيرانية أمرها بإرجاع جنود الشرطة إلى ما وراء الحدود وإخلاء الأرض التي كان يجري فيها تشييد المخفر، وتم ذلك بالفعل وهكذا انتهت الحادثة.
في 5 أوغسطس:
ملاحظ مكتب المطبوعات
2 - الجيش العراقي في الزيبار
حل الجيش العراقي محل الجيش المعروف (بالليفي) في منطقة (بلة) الواقعة في قضاء الزيبار، وقد تم ذلك بعد ما تم القرار بين حكومتنا والدولة الحليفة على تسريح جيش (الليفي) وكان قوام هؤلاء الجند الآشوريين المتعرقين والآشوريين العثمانيين الذين اصبحوا بحكم المعاهدات الدولية عراقيين أيضاً.
وقد كان تسريح هذا الجيش ضرورياً لتوحيد نظام الجندية في البلاد وتوحيد قيادتها ومراجعها الخاصة وجميع ما يتعلق بها.
3 - تقويم الحكومة الرسمي
عزمت الحكومة على إصدار تقويم سنوي ورسمي لدواوينها وشؤون دولتها ورجالها وحالتها العلمية والاقتصادية والبلدانية وكنوز العراق الطبيعية ومساعي الري فيه إلى غير
ذلك مما يجري مثله في سائر الدول الراقية. فعسى أن تنتدب لهذا العمل رجالاً أكفاء.(9/717)
4 - المياه والمعادن في الحجاز
كان يظن أن ليس في ديار الحجاز مياه ولا معادن وقد ظهر المستر توكشل المهندس الأميركي ما يخالف هذا الرأي برفائع كثيرة الفوائد.
5 - وفاة المحامي عبد الله ثنيان
عبد الله ثنيان من خيرة رجالنا الحقوقيين العراقيين. وله منزلته الرفيعة في معشره، وقد فاجأته المنية وهو ذاهب بسيارته من الكرادة (جنوبي بغداد) إلى العاصمة ليستشير طبيبه حينما أحس بألم في داخله في صباح 4 آب وما كادت السيارة تجاوز الدار حتى أسلم الروح وهو في نحو الخامسة والأربعين من عمره.
وكان قبل عدة أسابيع أصيب بوفاة أخيه نجيب في البصرة بمثل هذه الوفاة الفجائية. وبوفاة قرينته قبل نحو بضعة أشهر. كل ذلك أثر في قلبه فأسكته فجأة. والفقيد هو ابن أخي صديقنا العزيز عبد اللطيف ثنيان. فنعزيه بهذا الفقد العظيم ونطلب لروح الراحل الرحمة الواسعة.
6 - الحبوب الصادرة من البصرة
يؤخذ من الإحصاءات الرسمية إن مقادير الحبوب والبقول التي شحنت من البصرة إلى الخارج ابتداء من نيسان إلى نهاية تموز سنة 1931 كانت كما يلي:
الشعير
شحن من الشعير إلى المملكة المتحدة 59. 615 طناً بمليون و 825 ألف ربية. وإلى بلاد العرب 59 طناً بألفي ربية وإلى بلجكة 30. 785 طناً ب 199 ألف ربية. وإلى ألمانية 1067 طناً ب 34 ألف ربية، وإلى هولندة 3300 وطنان ب 98 ألف ربية.
الحنطة
شحن من الحنطة إلى المملكة المتحدة 10. 168 طناً ب 437 ألف ربية، وإلى بلاد العرب 1. 971 طناً ب 100 ألف ربية.
الأرز
شحن من الأرز إلى بلاد العرب 168 طناً ب 14 ألف ربية، وإلى ألمانية 1. 446 طناً ب 72 ألف ربية وإلى هولندة 559 طناً ب 28 ألف ربية.
دقيق الحنطة
شحن من دقيق الحنطة إلى بلاد العرب 637 طناً ب 51 ألف ربية.
الدخن
شحن من الدخن إلى المملكة المتحدة 254 طناً ب 8 آلاف ربية، وإلى بلجكة(9/718)
100 وطنان ب 4 آلاف ربية، وإلى ألمانية 966 طناً ب 37 ألف ربية، وإلى هولندة 25 طناً بألف ربية.
ذرة بيضاء
شحن من الذرة البيضاء إلى المملكة المتحدة 305 أطنان ب 20 ألف ربية، وإلى ألمانية 4. 369 طناً ب 284 ألف ربية.
الماش
شحن من الماش إلى الهند 408 أطنان ب 32 ألف ربية؛ وإلى بلاد العرب 12 طناً بألف ربية.
الباقلاء
شحن من الباقلاء إلى الهند أربعة أطنان بقيمتها الاعتيادية، وإلى بلاد العرب 52 طناً بألف ربية، وإلى هولندة 51 طناً بثلاثة آلاف ربية.
رة صفراء
شحن من الذرة الصفراء إلى المملكة المتحدة 100 وطنان بأربعة آلاف ربية.
البقول
شحن من البقول إلى الهند خمسة أطنان بقيمتها الاعتيادية، وإلى بلاد العرب طنان.
7 - الهيضة في البصرة
ظهرت الهيضة في البصرة فجأة في 8 آب (اوغسطس) فارتاعت لها القلوب فجدت الحكومة بردعها أشد ردع. ودونك جدول الإصابات والوفيات الرسمي أول ظهورها:
التاريخ الإصابات الوفيات
8 آب 9 8
9 آب 12 6
10 آب 32 18
11 آب 27 20
12 آب 44 14
13 آب 49 27
14 آب 58 39
15 آب 41 16
16 آب 56 16
17 آب 29 28
18 آب 39 17
19 آب 33 19
20 آب 4 3
ويرى من هذا الجدول إن التناقص في الوفيات بدأ منذ 15 آب أي بعد أن بذلت الحكومة كل سعيها لتطعيم مصل هذا الداء الفتاك. وفي مدة أسبوع لا أكثر طعم من الأهالي ما يزيد على ستين ألفاً. وهو رقم يظهر ما بذلت(9/719)
الحكومة من الهمة العالية رداً لهجمات هذا العدو الهائل الفتك. فالشكر لحكومتنا على ما سعت ولا تزال تسعي له.
8 - عواطف قداسة البابا نحو معالي مزاحم بك الباجه جي
وزير داخلية العراق
عرف صاحب المعالي مزاحم بك وزير داخلية العراق برقة الأسلوب ودقة الفكرة، والمهارة
والحنكة. وقد لاحظ كل هذه الأمور سيادة القاصد الرسولي السيد أنطونين درابيه رئيس أساقفة بغداد وهو من الرهبان الدمنكيين وكتب إلى الكردنال سنشيرو ليذكره بهذه المزايا الجليلة فأنعم عليه قداسة الحبر الأعظم بنوط (بمدالية) جليل هو نوط مدينة الفاتيكان. وسوف يأتي سيادة القاصد في نحو أوسط أيلول (أي أواسط هذا الشهر) ليقلده صاحب المعالي مزاحم بك لأن القاصد هو اليوم في الموصل وتؤذيه شدة حرارة بغداد وهو نحيف المزاج. فنهنئ معاليه بهذا الامتياز الجليل ونتمنى له الرقي المتواصل ونشكر سيادة القاصد الجزيل الاحترام على سهره على وظيفته وتقدير الناس حق قدرهم من دون محاباة.(9/720)
العدد 95 - بتاريخ: 01 - 10 - 1931
المشعشعيون ومهديهم
- 2 -
أما المولى كمال الدين خلف المشعشعي المذكور، فقد كان عالماً فاضلاً، ومتكلماً وأديباً وشاعراً ومحدثاً ومحققاً جليل المنزلة، وكان من معاصري الشيخ البهائي المشهور، وله مصنفات منها: (فخر الشيعة) و (سيف الشيعة) في الحديث و (حق اليقين) في الكلام، و (برهان الشيعة) في الإمامة و (الحجة البالغة) في الكلام أيضاً. وكتاب كبير في المنطق والكلام أسمه (الحق المبين) ورسالة في النحو اسمها (سبيل الرشاد) ومنظومة فيه. و (سفينة النجاة) و (المودة في القربى) و (النهج القويم) ورسالة (الاثنا عشرية) و (دليل النجاح) و (شرح دعاء عرفة) للحسين (ع) و (ديوان شعر) عربي وآخر فارسي وغير ذلك - كما في الأمل - وجاء في الرياض أن السيد خلفاً المذكور اجتمع مع الشيخ ميرزا محمد الاسترابادي صاحب (الرجال) في سفر الحج. وكان دعاء (الحسين) - ع - عند ميرزا محمد، فدعوا به في الموقف فقال له خلف: (يا مولانا هذا الدعاء قابل للشرح وينبغي أن تشرحه) فقال ميرزا محمد له: (أنا التمسه منك)(9/721)
فقال خلف هضماً لنفسه: (وأنا لست بفارس هذا الميدان) فقال: (بل أنت أحق الناس به) قال السيد خلف: (فقبلت التماسه، ولما رجعت إلى الوطن (الحويزة) لم يكن لي هم إلا ذلك) ثم شرحه ولما أتمه بعث بنسخة منه إليه فأعجب بها كل الإعجاب وكانت عنده في خزانته إلى أن توفي، فانتقلت إلى ورثته وقد طلبت نسختها الأكابر إلى السيد خلف وانتسخوها وأسم الشرح: (مظهر الغرائب).
وقد سلب البصر بجفاء أخيه وازداد نور بصيرته، وكان زاهداً مرتاضاً يأكل الجشب ويلبس الخشن اقتداءاً بسيرة آبائه، وكانت عبادته يضرب بها المثل وكان كثير الصيام لم يفته صوم، ولا صلاة نافلة، ولا ختم كلام الله في ليالي الجمعات (قبل أيام عماه) ومع هذا كان من أشجع أهل زمانه وأشدهم بأساً وأسدهم عزماً وأقواهم قلباً. وبعدما توفي رثاه السيد شهاب الدين ابن معتوق (المتوفى بالفالج يوم الأحد 14 شوال سنة 1087 هـ وله (62) سنة) بقصيدة رائية صارع بها قصيدة أبي تمام في (محمد بن حميد الطائي) وكانت وفاته سنة (1074) هـ ومن مرثيته:
مضى خلف الأبرار والسيد الطهر ... فصدر العلى من قلبه بعده صفر
وغيب منه في الثرى نير الهدى ... فغارت ذكاء الدين وأنكسف البدر
هو الماجد الوهاب ما في يمينه ... هو العابد الأواب والشفع والوتر
هو الحر يوم الحرب تثني حرابه ... عليه وفي المحراب يعرفه الذكر
فتى يورد الهندي وهو حديدة ... ويصدق فيه وهو من علق تبر
يعز على المختار والصنو رزؤه ... لعلمهما في انه الولد البر
أجل بني المهدي، لو انه ادعى ... وقال: أنا المهدي وأزره الخضر
فمن لليتامى والأرامل بعده ... وممن نرجي النفع أن مسنا الضر
لئن سلمت أبناؤه وبنوهم ... فويل العدى وليفرح الذئب والنسر
كأن (علياً) بينهم بدر أربع ... وعشر أضاءت حوله أنجم زهر(9/722)
إذا ما (علي) كان في المجد والعلى ... سليماً فلا زيد يقول ولا عمرو
ومن أولاد المولى خلف (المولى علي خان) المشعشعي المذكور ومن أجله جمع (معتوق بن شهاب الدين الموسوي) ديوان أبيه، فقد قال في مقدمته:
(وهو المولى النسيب النجيب الحسيب ذو الأصل الطاهر والفضل الباهر الظاهر. الجامع بين فضيلتي السيف والقلم حامل لواء الشريعة المحمدية، ومؤيد دين الملة الحنيفية (أبو الحسين السيد علي خان) ابن المولى كمال الدين خلف الموسوي) وكان فاضلاً عالماً شاعراً أديباً جليل القدر له مؤلفات في الأصول والإمامة وغيرها منها: (النور المبين) في الحديث أربعة مجلدات وموضوعه النص على إمامة علي - ع - و (خير المقال) في الأدب والنبوة وغيرهما و (شرح قصيدته المقصورة) أربعة مجلدات و (تفسير القرآن) أربعة مجلدات و (نكت البيان) في ذلك قال شهاب الدين ابن معتوق سنة (1087) هـ، ص 190.
أيدت دين الحق بعد تأوه ... وسددت بالأحكام كل فجاجة
وشفيت علته بكتب قد غدت ... مثل الطبائع لاعتدال مزاجه
أسفار صدق كل خصم مبطل ... منها سيعلم كاذبات حجاجه
(نور مبين) قد أنار دجى الهوى ... ظلم الضلالة في ضياء سراجه
و (غدير ختم) بعدما لعبت به ... ريح الشكوك وآض من لجاجه
أمطرته بسحابة سميتها ... (خير المقال) وضاق في أمواجه
وأنبت في (نكت البيان) عن الهدى ... فأريننا المطموس من منهاجه
وكذاك (منتخب) من التفسير لم ... تنسج يدا أحد على منساجه
للاعرجان وان بدت شرفاته ... لن يبلغا المعشار من معراجه
وهذا التفسير (منتخب التفاسير) وطريقته فيه أن يذكر أولاً كلام المفسرين الذين كانت تفاسيرهم عنده من النيسابوري والكشاف والقاضي ومجمع البيان وتفسير العياشي وعلي بن إبراهيم، ثم يذكر من فوائد نفسه رداً لكلامهم(9/723)
أو تنبيهاً على ما لم يفطنوا له، وكان ابتداؤه به في جمادى الآخرة سنة (1086) هـ ووصل في شهر ربيع الأول سنة (1087) إلى تفسير سورة الرحمن، وأما نكت البيان فهو مشتمل على أبواب: (الأول) في تفسير الآيات القرآنيات وتكلم فيه فيما أغفله المفسرون و (الثاني) في شرح الأحاديث المشكلة التي تكلمت العلماء في شرحها والتي لم يتكلموا قبل شرحها، وفي شرح حديث الأسماء و (الثالث) في ذكر ما تكلم فيه مع العلماء السابقين والمعاصرين له في مسائل شتى وباقي الأبواب في إيراد كلمات حكيمة عن الأنبياء والأئمة وأهل الفضل والصوفية، وفي فنون الأدب من الكلام على الشعراء والإيراد عليهم والانتصار لهم، ثم يورد أقسام فنون الشعر من غزل وتشبيب ومديح وفخر ورثاء إلى غير ذلك من الحكايات المستطرفة، وكانت مدة تأليفه خمسة أشهر من سنة (1084). وقيل إن أكثر فوائد السيد نعمة الله الشوشتري الجزائري مأخوذة من تصانيف هذا السيد الوالي وكتب المولى علي خان رسائل إلى الشيخ (علي) سبط الشهيد الثاني في اصفهان يفصل بعض فوائد نفسه وترجمة أحواله وأحوال والده السيد خلف ومنها نقل صاحب الرياض اجتماع المولى خلف مع ميرزا محمد الاسترابادي المذكور، ونقلنا قول صاحب الرياض عن السيد خلف (وأما ولده هذا السيد (علي خان) فقد توفي في عصرنا وخلف أولاداً كثيرة، وقد أخذ حكومة تلك البلاد من أولاده واحداً بعد واحد إلى هذا اليوم وهو عام (سبعة عشر ومائة بعد الألف، وكان بعض أولاده مشتغلاَ بتحصيل العلوم في الجملة)، وقد ذكره صاحب السلافة وأثنى عليه، وأورد له أشعاراً، وقد مدحه شعراء عصره من أهل بلاده وغيرهم، وله ديوان شعر بالفارسية، وديوان شعر بالعربية اسمه: (خير جليس ونعم أنيس) ومن شعره قوله في قصيدة:
ولولا حسام المرتضى أصبح الورى ... وما فيهم من يعبد الله مسلما
وأبناؤه الغر الكرام الآلي بهم ... أنار من الإسلام ما كان مظلما
وأقسم لو قال الأنام بحبهم ... لما خلق الرب الكريم جهنما
وما منهم إلا إمام مسود ... حسام سطا بحرطما عارض همى
وقال صاحب الرياض: (ومن مؤلفاته أيضاً مجموعة مشتملة على طرائف(9/724)
المطالب التي أوردها في مؤلفاته الأربعة المذكورة، وقد انتخبها منها مع جم من لطائف سائر المقاصد وأرسلها (كذا) هدية للشيخ (علي) سبط الشهيد الثاني إلى اصبهان، وقد رأيتها في جملة كتبه قدس سره وهي حسنة الفوائد جليلة المطالب).
والسيد (علي خان) هو ممدوح ابن معتوق في أكثر ديوانه ففي ص 62 (وقال يمدحه ويهنئه أيضاً بعيد الفطر سنة 1063) وفي ص 66: (وقال يهنئه بعيد النحر سنة 1064) وآخر مدحه له سنة (1087) لأنها سنة وفاة ابن معتوق - كما قدمنا - وفي ص 50: (وقال يمدح المؤيد بالرحمن السيد علي خان ويذكر وقعته مع الأعراب والكرخ ويهنئه بالظفر) ومنها:
فلله يوم الكرخ موقفه ضحى ... وقد سالت الأعراب بالجحفل المجري
أتوه يمدون الرقاب تطاولا ... فأضحوا ومنهم ذلك المد للجزر
رموه بحرب كلما قام ساقها ... ركض المنايا في القلوب من الذعر
سطوا وسطا كالليث يقدم فتية ... يرون عوان الحرب في صورة البكر
ليهنئك نصر عزه يخذل العدى ... وفتح يفل المغلقات من الأمر
وفي ص 100 (وقال يمدحه وأولاده ويهنئه بالظفر على الأعراب) ومنها:
واهزمت أحزاب الضلال ولو ونوا ... لألحقتهم في أثر سيدهم عمرو
وأخرجتهم في زعمهم عن ديارهم ... وما اعتقدوا هذا إلى أول الحشر
وألقوا حبال المنكرات وخيلوا ... فعارضتهم في آية السيف لا السحر
أبا السبعة الأطهار لازلت ناظماً ... بهم عقد جيد المجد بالأنجم الزهر
وفي ص 106: (وقال يمدح السيد علي خان ويهنئه بعيد الفطر سنة 1074) هـ ومنها:
لولا ورودك للجزيرة ما زهت ... وجنات جنات لها بورود
فارقتها فخشيت بعدك أنها ... تضحي كما أضحت ديار ثمود(9/725)
أنقذت أهليها ولو لم تأتهم ... ما قوم لوط منهم بسعيد
وفي ص 113: وقال يمدحه ويهنئه بعيد الفطر سنة 1077) هـ ومنها:
لو لم تعد لم للخوز بهجته ... ولا تورد يوماً خده الترب
لولا وجودك فيه أهله هلكوا ... كذاك يهلك بعد الوابل العشب
لو كنت مولى تجازيهم بما اقترفوا ... من الذنوب أذن بادوا بما كسبوا
كسرت جبتهم بالسيف فاجتمعوا ... عليك أحزاب ذك الجبت واغتصبوا
هموا بإطفاء نور المجد منك فلا ... فتم فيك ويأبى الله ما طلبوا
وفي ص 1043: (وقال يمدحه ويذكر وقعته مع الأعراب ويهنئه بالفطر سنة (1079 هـ) ومنها:
ولم أنس في المنيات يوم تجمعت ... قبائل أحزاب العدى والعشائر
عصائب بدو أخطأوا بادئ الهوى ... فراموه بالخذلان والله ناصر
أصروا على العصيان سراً واظهروا ... له طاعة والكل بالعهد غادر
وقد جحدوا نعمى (علي) وأنكروا ... كما جحدوا نص القدير وكابروا
توالوا على عزل الوصي ضلالة ... وقد حسنوا الشورى وفيها تشاوروا
فلما التقى الجمعان وانكشف الغطا ... وقد غاب ذهن المرء والموت حاضر
فلم يخل منهم هارب من جراحة ... فان قيل فيهم سالم فهو نادر
تولوا وخلوا غانيات خدورهم ... مبرقعة بالذل وهي سوافر
تنادي ولا فيهم سميع يجيبها ... فتلطم حزناً والرؤوس حواسر
فرد عليها سترها بعد هتكه ... وبشرها بالأمن مما تحاذر
ألا فأسمعوا يا حاضرون نصيحة ... تصدقها إعرابكم والحواضر
عظيم ملوك الفرس تعرف قدره ... وتغبطهم فيه وفيك القياصر
وفي ص 148: (وقال يمدحه ويذكر وقعته مع الأعراب في شهره يهنئه بالظفر) ومنها:
ويوم مثل يوم الحشر فيه ... تميد الراسيات من الجبال(9/726)
به الأعلام كالآرام تسري ... فتشتبه الرعال مع الرعال
به اجتمعت (بنو لام) جميعاً ... تستر جانب الطرف الشمالي
ولاذوا بالحصون فما استفادوا ... نجاة بالجدار ولا الجدال
غواة قام بينهم غوي ... يمينهم بأنواع المحال
أما علموا بأنك يا (علي) ... لباري قوسها يوم النزال
ملأت الرحب حولهم جيوشاً ... تكاثر عد حبات الرمال
تركت سراتهم صرعى غداة ... وحزت الحمد في ستر العيال
ألا يا معشر الأعراب كفوا ... وتوبوا عن خبيثات الفعال
وفي ص 151: (وقال يمدحه ويهنئه بعيد الفطر سنة (1081) هـ ومنها:
فيكم من نهر سابور تأتى ... له نصر كيوم النهروان
وكم في التابعين لآل حرب ... له من فتكة بكر عوان
وأشرف ما له في الدهر يوم ... قضى يوم الصفوف بشهر كان
ومن شعر المولى علي خان بن السيد خلف:
وإني لأخفي لوعتي عن محدثي ... وفي القلب ما ينهى الجفون عن الغمض
فلولا رضا الرحمن والصبر والحجى ... لما كان بعض القلب يصبر عن بعض
تسيل دموعي من جفوني ولم أقل ... مقالا يفيت الأجر مني ولا يرضي
ومن المشعشعيين الذين جاء ذكرهم في ديوان ابن معتوق: (المولى السيد منصور خان بن السيد عبد المطلب الحيدري المذكور) أخو العلامة السيد خلف الماضي ذكره.
ففي ص 19: (وقال يمدح المولى السيد منصور خان بن السيد عبد المطلب الحيدري) ومنها:
كم غزا الصبر باللحاظ كما قد ... قد غزت الشوس أنصل (المنصور)
يوم غازت جياده (آل فضل) ... بلهام على الكماة قدير
سار وهناً عليهم وأقامت ... خيله بالنهار حتى العصير(9/727)
وأتى منهل (الدويرق) ليلاً ... وسرى من معينه في سحير
وأتى (الطيب) و (الدجيل) نهاراً ... تقتفيه الأسود فوق النسور
وغدا يطوي القفار إلى أن ... نشرت خيله ثراء الثغور
وغدت عوماً بدجلة حتى ... صار لجي مائها كالأسير
وأتى بالضحى (الجزيرة) تردى ... بأسود تروعها بالزئير
فرماها بها هناك فأضحوا ... ما لهم غير عفوه من نصير
اسلموا المال والعيال وولوا ... هرباً في النفوس في كل غور
سفهاً منهم عصوه وتبهاً ... وضلالاً رماهم بالغرور
وجاء في ص 40: إن للسيد منصور ابناً اسمه (راشد). وفي ص 30 أن له آخر اسمه (بركة) ونص العنوان: (وقال يمدح السيد بركة خان ابن السيد منصور ويهنئه بعيد الفطر). ومثله في ص 33 ومن هذه التهنئة:
قاض بأحكام الشريعة عالم ... بقواعد الإرشاد والتبيين
عدل تحكم في البلاد فقام في ... مفروض دين الله والمسنون
بلغ الكمال وما تجاوز عمره ... عشراً وحاز الملك بالعشرين
مولى يلوذ المذنبون بعفوه ... ويفك قيد المجرم المسجون
فبهذا نستدل على أن السيد (بركة) تسلطن على (الحويزة) بعد أبيه (منصور) وفي ص 39 و 46 جاء فيه:
تملك (الخوز) فلتهرب ثعالبه ... فقد تكفل جيش الملك قسوره
تولى دولة المهدي فأحيا ... مناقبه وقد عفت العظام
وجاء في ص 160 إن للسيد (بركة) سبطين من صهره: للسيد حسن وذكر تهنئة بختنهما سنة (1083).
وجاء في ص 26: (وقال يمدح السيد علي خان بن السيد منصور خان عند قدومه من عند الشاه طغى (كذا) في سنة 1055 ومنها:
لولا إيابك للجزيرة ما صفت ... فيها مشارع أمنها المتكدر
لم ألق أطيب بهجة من نشرها ... إلا البشارة في إياب الحيدري(9/728)
ولعل (علياً) هذا كان رهينة عند الشاة من سلطان الحويزة.
ومنهم السيد عبد الله بن السيد علي خان بن خلف المشعشعي كما في ص 179 من الديوان وابنه نصر الله المختون سنة (1085). ومنهم السيد حسين بن السيد علي خان المذكور.
وقد توفي سنة (1080هـ) ورثاه ابن معتوق كما في ص 219 ومنها:
فلو لم يتم الله نور الهدى لنا ... بوالده عشنا بسود الغياهب
جواد بأرض الكرختين مقامه ... ومعروفه يسري إلى كل طالب
ومنهم السيد محسن بن السيد علي خان وله ابن اسمه (ناصر) كما في ص 222 من الديوان، وقد توفي ناصر سنة (1084 هـ) ورثاه صاحب الديوان وفيها يقول:
فحق لملك (الخوز) يشكو فراقه ... فعن غابة قد غاب خير بني الأسد
وحق لعين الحرب تبكي له دماً ... فقد فقدت في فقده سيفها الهندي
وجاء في ص 101: (وقال يمدح السيد حيدر خان عند إيابه من عند الشاة). وفي ص 131: (وقال يمدح السيد حيدر خان ويهنئه بعيد الفطر سنة (1079هـ) ففي الإياب يقول:
ما الخوز بعد نداك إلا مقلة ... مطروفة فدموعها لا تهجع
ورجعت مسروراً فقرت باللقا ... عيناً وقر فؤادها المتفزع
ناداك من نور عليها دوحة ... صفو به أزكى الأصول واينع
فوطأت أشرف بقعة قد قدست ... ولبست خلعة أن نعلك يخلع
وخصصت بالرؤيا هناك وفزت في ... شرف الخطاب ولذ منك المسمع
ونقلنا في (9: 616) من لغة العرب قول نعمة الله الجزائري (لما صارت الواقعة العظمى بين أهل بلادنا وهي الجزيرة وبين جنود السلطان محمد خرجنا منها وتوطنا البلدة المحروسة شوشتر، لكن في كل سنة يطلبنا(9/729)
سلطان (الحويزة) لأنه كان من أهل العلم والأدب) وتتمة الحديث كما في ص 319 من زهر الربيع: (وكان في تلك الولايات من الأعراب سكان الصحارى وغيرهم من أهل السنة، والخلاف، ما لا يحصى عددهم. فمن الله علينا بالمواعظ لهم والإرشاد لجهالهم حتى دخلوا في دين أمير المؤمنين وصاروا من الشيعة الإمامية). ونقلنا هناك أيضاً قوله: (كتب إلي سلطان (الحويزة) أبياتاً يستحثني على المجيء إليه وأنا يومئذ في شوشتر) والأبيات هي كما في ص 210، 211 من زهر الربيع:
يا أخا بشرنا تأخرت عنا ... قد أسأنا ببعد عندك ظنا
كم تمنيت لي صديقاً صدوقاً ... فإذا أنت ذلك المتمنى
فبغصن الصبا لما تثنى ... وبعهد الصبا وان بان عنا
كن جوابي لكي ترد شبابي ... لا تقل للرسول: كنا وكنا
فحكم أبناء المشعشع بقي في الحويزة إلى ما بعد القرن الحادي عشر للهجرة - كما تقدم - ونحن ما نعرف أسم سلطان الحويزة الذي ذكره السيد الجزائري بيد إننا رأينا في التاريخ أن (علي باشا) والي بغداد استعد سنة (1111) لمحاربة قشعم وسار إليهم فحاصرهم، ثم صالحوه على مال وكان المتسلم للبصرة داود خان فخرج من البصرة وتسلمها واليها السابق حسين باشا، وكان في الحويزة (فرج الله خان) فلم يتعرض له الوالي. وفي السنة (1112) أرسل فرج الله خان إلى دالدبان مصطفى باشا والي بغداد الجديد يطلب إليه الأمان ويبذل له تسليم الحويزة، وذلك لأن مصطفى باشا كان قد وصل إلى البصرة وهرب منه أمير قشعم، ثم استأمن إليه على مال فعفا عنه وعاد إلى بغداد. هذا مرادنا وعلى الله اعتمادنا.
مصطفى جواد
(لغة العرب) لم يدر الشرتوني أن في جنوبي العراق وبلاد العرب مواضع ومدناً منها: السوس والخوز والحويزة والطف وغدير خم، فقلبها بالصورة الآتية: الشوس والجزيرة والحوز والصف وغدير ختم، وهذه كلها لا معاني لها تتفق والمعنى، فلتصحح على ما ذكره هنا حضرة الأستاذ المصطفى المدقق المحقق.(9/730)
موقع هوفة
اوبس
(لغة العرب) من المدن العراقية القديمة التي لم يعرف إلى الآن موقعها (هوفة) فإن الباحثين لا يزالون ينقرون عن موضعها، ولما يهتدوا إليها، وفي ما يأتي فصل معرب عن الإنكليزية لأحد هؤلاء العلماء ومن كلامه يتبين عدم قرار فكرهم في هذا الموضوع.
اكثر المشاكل البابلية متعلقة بتحقيق موقع هوفة (اوبس) الصحيح، وعليه أصبحت معرفة حقيقة هذه المدينة القديمة، معرفة صادقة باتة، من أهم الأمور المختصة بالبلدانيات، والتاريخيات، وعلم الآثار القديمة.
وعلينا قبل أن نشرع بتعيين موقع (هوفة) الحقيقي، أن نراجع ما بينه الثقات من مواقعها العديدة، ويجدر بنا أن نخصص قبل كل أمر، الزمن الذي زهت فيه.
وأول تنويه بهوفة يرى هو في رقيم من عصر (انشاغوشنا) مؤسس السلالة الملكية الثانية، في (أرك) في نحو سنة 3488ق. م. بحيث يقال إن أحد الملوك الشمريين القدماء ظفر بملك هوفة وملك كيش.
وذكرت هوفة أيضاً في رقيم (اناتم) ملك لجش، الذي حكم في سنة 2900 ق. م. وروى (أناتم) في رقيمه هذا، كيف تعقب (زوزو) ملك هوفة فقهره، فيمكننا أن نستنتج مما بينوه أن (هوفة) كانت قصبة مملكة قبل نيف و 5000 سنة. وكثيراً ما أشار (استرابون) إلى هوفة في كتبه في سنة 24 ق. م. وبالتالي إذا كان تاريخ سنة 3488 صحيحاً، فنعلم إنها كانت مدينة ذائعة الصيت إلى مدة لا تقل عن 3500 سنة.
وقد تعطف علينا الدكتور (لنغدن) وأحاطنا علماً بأن الاسمين القديمين: أحدهما يوناني وهو (أوبس) والثاني بابلي وهو (هوفة) وكانا يطلقان على (اكشك) ثم حل الاسم (هوفة) محل (أكشك) في أثناء عصر الكشيين، ولكن لم يعلم المؤلف سبب هذا التغيير في الأسماء، كما انه لا يعلم أعثر على الدليل الحقيقي في الرقيم المسماري توجيهاً لذلك التغيير أم لا. ولكن يحتمل أن تغيير الاسم نتج من تغير موقع المدينة الذي حدث بتبدل في عقيق نهر دجلة(9/731)
وإذا تمكنا من أن نتحقق معرفة أوبس اليونانية وهوفة البابلية، فلا يكون ذلك أمراً واقعاً
حالاً.
فلندرس الآن الإفادات التي تخص هوفة وأوبس والتي نراها أيضاً في رقم البابليين وفي كتب اليونانيين والرومانيين التاريخية.
وأول إفادة موضعية ذات أهمية؛ ترى في رقم سنحاريب وهي على الثور رقم 2 في سنة 694 أو 693 ق. م. فاقتبسنا منها ما يلي:
(رجال أرض الحثيين وهم من مغلوبي قوسي، أسكنتهم نينوى، سفناً عظيمة من شغل بلادهم صنعوا بمهارة، بحارة من صور وصيدا وبلاد اليونان من مقهوري يدي أمرتهم، على دجلة نزلوا بصعوبة في أرض يابسة تمتد إلى هوفة، ومن هوفة نقلوها (أي نقلوا السفن) على البر على مدحرجات (؟) فسحبوها حتى (المدينة؟. . .) وفي قناة ارحتو وضعوها.)
يطلعنا نبو كدر أصر الثاني على الحلقة الثانية من سلسلة الأدلة الموضعية، ويسلم ذلك الملك العظيم إلى أعقابه النبأ التالي:
(شيدت سداً من تراب ارتفاعه 5 (بروات) فوق هضبة هوفة والى وسط (سفر) ومن شاطئ دجلة حتى الفرات، وجمعت حوالي المدينة على بعد 20 (برواً) مياهاً كثيرة تشابه سيل البحر، وحكمت السد بالملاط والآجر، ليحفظ من أي ضرر كان يأتي به الفيضان).
ونرى إشارة أخرى بارزة في تاريخ هوفة في سنة 555 إلى 538 ق. م. في تاريخ كورش نبو نئيد وفيها الرفيعة الآتية:
(قهر كورش سكان أكد حين حارب جيشها في شهر تموز في هوفة على ضفة دجلة) ويذكر زينفون هوفة في سنة 401 ق. م. عند رجوع العشرة آلاف يوناني، ذيالك الرجوع التاريخي، وكان بعد المحاربة القاضية في كناسة، ويروي ما يأتي بعد أن مر بستاكة:
(قطعوا من دجلة في مدة أربعة أيام مسافة 20 فرسخاً فوصلوا إلى نهر فسقس الذي عرضه مائة قدم، وعليه جسر، وكانت ترى هنالك مدينة كبيرة آهلة بالسكان تسمى هوفة).(9/732)
ولا نزال نسمع بعد 75 سنة أي في 325 ق. م. بأن أوبس مدينة عارمة ويخبرنا عنها (أريان) بما يلي:
(ركب الاسكندر في أول أمره نهر (أولاوس) إلى البحر فاجتاز الخليج الفارسي ودخل دجلة
حتى وصل معسكره، وكان (هيفائستيون) ينتظر رجوعه هناك، وتحت إمرته جيش، ثم واصل الاسكندر سفره إلى أوبس وهي مدينة واقعة على نهر دجلة وأمر برفع جميع الموانع والسدود التي تحول دون طريقه وبفتح جميع القني).
ويروي لنا استرابون في كتابه في السنة ال 24 ق. م. ذاكراً دليلاً فيه بعض الخطورة الموضعية إذ يقول نقلاً عن (أيراتستنس) ما يأتي:
(بعد أن يقترب الفرات شيئاً فشيئاً من دجلة بقرب سور سميرام وقرية تسمى أوبس، وبعد أن يجري في وسط بابل يفيض في الخليج الفارسي).
ويروي هذا المؤلف عند وصفه سير مجرى دجلة ما يلي:
(بعد أن تجري دجلة جرياناً طويلاً تحت الأرض، تظهر ثانية في (خالونيتس) وتجري إلى أوبس فسور سميرام على ما يسمى، ثم تغادر (كردياي) وكل أرض العراق إلى يمناها).
ويخبرنا أيضاً (استرابون) في وصفه لآشور:
(إن الأراضي يتخللها أنهار عديدة أكبرها الفرات ودجلة. وتصلح دجلة لسير السفن وذلك من فوهتها، والى فوق، حتى أوبس، واوبس قرية فيها سوق للأماكن المجاورة لها).
والمؤرخ الآتي ذكره الذي نتوقع منه ذكراً لاوبس هو (بلينيوس) ولكن مؤلفاته لا تنوه تنويهاً صريحاً بوجود هذه المدينة ولا يجوز أن يكون سبب إهماله هذا واقعاً من باب المصادفة، ولا من وهم منه، ولاسيما إنه ذكر في مؤلفاته أسماء بلدان ربما كانت أقدم من سواها، وقد أهمل ذكرها نظراؤه من المؤرخين. أفلا يعقل أن تكون إحدى المدن التي وصفها (بلينيوس) بأسماء يونانية هي بالحقيقية أوبس؟ وذكر لانبريير الفائدة التالية بخصوص اوبس في معجمه التاريخي:
(مدينة واقعة على دجلة سميت بعد ذلك إنطاكية).(9/733)
فهذه الإفادة تؤكد لنا تأكيداً لا ريب فيه لما ذكر. وإذا اعتمدنا على أن (لانبريير) أسند روايته إلى أمر واقع، وتمكنا من معرفة موقع إنطاكية من دون معارضة، نتمكن حين ذاك من أن نشير إلى طائفة خاصة من الروابي ونقول للباحث عن الآثار القديمة: امسك بيدك المعول والمجرفة وباشر العمل، ولكن لم يتمكن المؤلف من سوء الحظ أن يحصل في أثناء بحثه أو بمعونة العلماء الشهيرين، على أي برهان يثبت ما بينه (لانبريير)؛ وان يحتمل أن
يكون حدس (لانبريير) صحيحاً. وإذا زدنا على ذلك أننا إذا تمكنا من أن نتحقق بصورة مقنعة موقع باقي البلدان التي ذكرها (بلينيوس) والمؤرخون القدماء، فيمكننا أن نصل بطريقة الانتقاء، إلى افتراض يرضي بعض الإرضاء من الوجهة الموضعية، ويسوغ لنا مقابلته بالإفادات التي وصلت إلينا من الأساتذة القدماء.
وإذا بينا الآن بالتفصيل موقع إنطاكية نقلاً عن بيان (بلينيوس)، فيكون ذاك في محله. ويذكر هذا المؤرخ في بيانه عن أرض العراق ما يلي:
(كانت تعود جميع أراضي العراق في السابق إلى الآشوريين، وكان لا يكسوها غير القرى، اللهم إلا بابل ونينوى، فجمع المكذونيون هذه الجماعات ومصروا مواطنهم تمصيراً، والذي أهاب بهم إلى ذلك العمل كثرة خصب الأراضي. وفي أرض العراق مدينة (سلوقية) و (لاذقية) و (آرمية) فضلاً عن المدينتين المذكورتين. وفي جزيرة العرب أناس يسمون (الأوريون) و (المردنيون) ما عدا إنطاكية التي أسسها نيقانور حاكم أرض العراق فسميت (عربية)).
ويوضح بلينيوس في فقرة أخرى في شرحه عن موقع (إنطاكية عربية) توضيحاً صريحاً فنقرأ ما يأتي:
(إن بين هذه الأقوام وميشان تقع (ستاكة) وتعرف أيضاً باسم اربيلية وفلسطين. ومدينتها ستاكة من أصل يوناني. وتقع تلك المدينة ومدينة سبداتة في الشرق وترى إنطاكية في الغرب بين النهرين (دجلة) و (ترنادوتس) الذي أطلق عليه أيضاً انطيوخس اسم (افامية) وهو اسم والدته).(9/734)
يأتي بنا البحث أخيراً إلى مؤلفات هيرودوتس في سنة 430 ق. م. ويذكر فيها حوادث زحفه كورش إلى بابل فيروي ما يلي:
(مر كورش بضفة نهر جندس حينما كان زاحفاً إلى بابل، وجندس نهر ينشأ في جبال متانية ويجري خلال أراضي الدردنيين ثم يصب في نهر دجلة. وأما دجلة فبعد أن يصب فيه نهر جندس، يجري ماراً بمدينة أوبس فيفيض في بحر اريثرة. وعند وصول كورش إلى هذا النهر (أي إلى جندس) - ذلك النهر الذي لا يمكن اجتيازه إلا بزوارق - أقبل بعض الخيل البيض المقدسة على الماء، وهي خيل تتدفق فيها القوة والنشاط، وحاول أن
يقطع النهر وحده ولكن جره التيار وأغرقه في أغواره).
وأما معرفة حقيقة جندس فيأتينا (هيرودتس) في فقرة أخرى بإفادة متقنة كل الإتقان، وفي وصفه الطريق الملكية المؤدية من سردس إلى السوس يذكر ما يلي:
(إن عدد مواقع الاستراحة في أرمينية خمسة عشر والمسافة 56 فرسخاً ونصف فرسخ. . . ويتخلل هذه المنطقة أربعة أنهار كبيرة توجب على الإنسان أن يعبرها بواسطة زورق أولها دجلة، والثاني والثالث يسميان باسم واحد مع انهما نهران مختلفان وكل واحد منهما يجري في موقع ممتاز عن موقع صاحبه لأن النهر الذي سميته الأول ينشأ في أرمينية بينما إن الثاني يجري خارجاً من بلاد المتانية والنهر الرابع يعرف بجندس وهو النهر الذي حفر له كورش ثلاثمائة وستين فرعاً ففرقه.
من كتاب (معضلات بابل)
تأليف اللفتنت كرنل و. هـ. لين من الجيش الهندي سابقاً تعريب
فنسان م. ماريني
(ل. ع) قد تنتقل بعض أسماء المواضع من موطن إلى موطن آخر ربما كان بعيداً جداً. ذلك ما حدث في القديم ويحدث إلى اليوم. فاسم بغداد معروف في أميركة مثلاً، ودار السلام معروف في أفريقية. ونظن أن هوفة محفوظة في العراق نفسه باسم (الهفة) (راجع ياقوت) وان لم تكن في موقع هوفة المذكورة هنا.(9/735)
في المتحفة العراقية
افتتح جلالة نائب الملك في صباح أول أيلول (سبتمبر) المعرض الموسمي للمتحفة العراقية، وقد شرف جلالته المتحفة في الساعة الثامنة، وحضر الوزراء ورؤساء الدوائر، ورجال السلك السياسي، والقنصلي، وبعض البريطانيين، فطاف الجميع في الغرفة التي وضعت فيها الآثار التي نبشت في هذا العام.
وأكثر هذه الآثار حديثة تعود إلى العهد الفرثي. وفيها قليل من الآثار الشمرية وآثار أور القديمة. وهناك تحف نادرة ثمينة بينها:
آثار إصابتها في أور البعثة المشتركة للمتحفة البريطانية وجامعة بنسلفانية بينها حلي جميلة، وخرز وأدوات زينة مختلفة، تدل على مبلغ عناية الأوريات القديمات بالتأنق، والظهور بمظهر خلاب، تعادلهن فيه نساء (تل عمر) الذي أصاب فيه الدكتور (واترمن) جواهر نادرة كانت تتخذ للزينة.
أما تأنق رجال أور فقد أبقت ذكراه لهذا العهد، تلك المقابض الجميلة التي كانوا يضعونها على عروض كثيرة حتى على رؤوس (دبابيسهم). وبينها أشكال مختلفة تدل على عنايتهم الفائقة بهذا السلاح، الذي يبدو أنهم كانوا يتخذونه أينما ذهبوا.
وبين آثار أور، صفائح مكتوبة، ولم يكن أهل أور لينسون موتاهم من الزينة، ففي المتحفة خرز استخرج من المقابر، بعضها بديع جداً، وهناك أختام أورية أيضاً بالغ أصحابها في نقشها والتفنن بها وقد يكاد المرء يعتقد أن التأنق حصر في سكان العراق الأسفل في ذلك العهد، لولا بعض الآثار التي أصابها في نينوى (كمبيل تومس) من المنتمين إلى المتحفة البريطانية، فعرضت في هذا المعرض ودلت على عناية السكان في شمالي العراق، بأثاثهم آن ذلك ولاسيما بالقسم الخاص بالمأكولات والزيوت منها، فالآثار الباقية من عهد نينوى بديعة، فيها أوان فخارية لا تزال باقية على لونها الذي لونت به وهو لون براق اجتمع فيه الحسن إلى الهندسة فجعل منها تحفة، لها قيمتها من حيث النفاسة كما هي من حيث القدم.(9/736)
ولعل أثمن ما في المعرض، رأس نحاسي بالحجم الطبيعي، أصيب في نينوى وهو يعود إلى 3000 سنة قبل المسيح، وملامحه الدقيقة تدل على أن سكان الشمال كانوا يصورون
في المعادن تصوير سكان الجنوب في الكلس والطين.
وهناك في زاوية من المعرض اجانة من (تل بلة) في الشمال، وجدتها بعثة جامعة شيكاغو، التي على رأسها الدكتور سبايزر، ولعلها من الآنية التي كانت تقدم بها العطور إلى الآلهة والأصنام. ويحملها الأمراء وكبار الكهان تقرباً إليها.
ويبدو أن مدينة (تل عمر) كانت ذات مركز كبير في عالم الفنون، وخاصة في العهد اليوناني، فقد عرضت من آثاره تماثيل من حجر متقنة النحت بعضها كاملة، وبعضها ناقصة وكلها صنعت بتناسق لا نتصور أن التماثيل الحديثة تفوقها فيه إذ جسمت فيها أعضاء الجسم الإنساني، أحسن تجسيم، ولم ينبغ الفنان في (تل عمر) بصنع التماثيل وحدها، بل إن هذه الأواني الخزفية المزججة. وبعض المسارج التي عرضت معها مسارج آخر، من (كيش) تدل على إن يده كانت تستطيع تصوير الجمال في كل ما تمسه أن من الطين، أم من الحجر، أم من المعدن، والظاهر إن الأغنياء، والأمراء والكهان، كانوا يشجعون هؤلاء الفنانين، باستخدامهم في منازلهم لصنع الدعائم الجميلة، ونقشها بالأزاهير، وصور الحيوانات. ففي المعرض من هذه أنواع مختلفة، نقشت عليها تماثيل جميلة لبشر، وحيوانات. وهي تعود إلى العهد الفرثي. ومن بقايا آثار (تل عمر) تمثال صغير مقطوع الرأس صاحبه ولد جالس جلوساً طبيعياً، ولعله ابن أحد الأمراء، فكوفئ صانعه مكافأة عظيمة عليه. ومما يلاحظ إن هذه التماثيل الآتية من (تل عمر) مصنوعة كلها من نوع واحد من الأحجار الشمعية اللون وربما جيء بهذه الأحجار من محل بعيد لصنع التماثيل والأصنام في (تل عمر).
وهنالك تمثال أسد أصيب في (تلو) وهو يكاد يكون بالحجم الطبيعي. وقد يكون هذا التمثال، مما اتخذ زينة لقصر الأمير، ليدل به على قوته وجبروته، تشبهاً بأمراء الشمال، الذين كان من عادتهم الذهاب لصيد الأسود وجرها وراءهم في المدينة، افتخاراً ولكن أمير (تلو) اكتفى من الأسد بتمثاله، فزين به باب قصره، أما أور فقد تركت لهذا المعرض عدداً كبيراً من التماثيل الصغيرة والكبيرة،(9/737)
ففيه صور متنوعة من طين، وآخر حجرية مختلفة الأشكال، تمثل رجالاً ونساء بمواقف مختلفة، وفيها صور لبعض الآلهة، ومن تماثيلها الكبيرة تمثال كلسي من عهد الأسرة الثالثة، تبدو على شكله الدمامة، وليست فيه رشاقة
تماثيل (تل عمر) وهنالك تمثال أوري آخر، أعلاه إنسان، وأسفله ثور، ولحيته ورأسه آثوريان، وهنالك نصب تبدو عليه آثار نقوش بارزة تحيط بأطرافه.
وفي المتحفة رؤوس لتماثيل شمرية، بعضها من حجر، وبعضها من طين، والآخر من كلس، وكلها جميلة متقنة قريبة بدقتها من تماثيل (تل عمر) مع أنها من عهد طفولة فن النحت وصنع التماثيل.
وفي المعرض رأسا تمثالين، متوسطا الحجم، صنعا من الجبس، وأصيبا في كيش، وهما متشابهان يكاد الواحد يكون نسخة الآخر، ولولا تأكيد بعضهم انهما من كيش، لخلناهما تمثالين لرجلين فرنسيين من عهد الثورة الكبرى، فشكل الشعر الموجود على رأسهما، شبيه بالشعر الذي نراه في صور (مارا) و (دانتون) وتقاطيع الوجه لا تبدو عليها السحنة المغولية المشهورة في بعض التماثيل الأخرى مثلاً.
وثم تصميم لمعبد (اشتر) والظاهر أن المعماري أراد أن يظهر فيه فنه كله فقد رغب في أن يجعله مربع الشكل، ومن ثلاث طبقات، وعند نهاية كل واحدة وبداية الآخرة، تعاريش ونقوش بارزة وفي كل جانب وفي كل طبقة باب أو شباك، زينت أطرافه زينة بديعة، ولا يدرى أتمكن هذا المعماري التركلاني من بناء العبد لمعبودته، أم أن الأيام لم تساعده، فاكتفى بهذا التصميم، فكان يضعه في داره كل ليلة عيد، وينير فيه الشموع والمسارج ويحتاطه هو وأهلوه، فيتعبدون له، وقد يكون لهذا التصميم شأن آخر، إذ ربما صنعه المعماري وقدمه للأمير فعجز هذا عن تقويم المعبد واكتفى بالتصميم تحفة نفيسة وضعها نصب عينيه، يريها لكل زائر، ويقول سأبني، ثم ذهب، ولم يعمل وبقي التصميم في خزائن قصره.
وفي المعرض زينات من (الحضر) و (كيِش) بعضها نقوش أزاهير ونباتات والأخرى تماثيل بشر: حيوانات ناتئة، وأبدع ما فيها مدمر (تمثال نصفي)(9/738)
من الرخام وجد في (الحضر) وهو من العهد الفرثي، وصورة أخرى من (الحضر) تمثل أسداً يصرع جاموساً.
وليس كل هذه التماثيل مما جاءت به البعثات الأثرية، ففيها ما عثر عليه لدى المهربين، وأخذ منهم بعد إقامة الدعاوي في المحاكم، والحكم بالمصادرة، وقد عرضت دار المتحفة صورة هذه التماثيل للبيع، وسيبقى هذا المعرض مفتوحاً كباقي غرف المتحفة.
(عن جريدة العالم العربي العدد ال 35، الصادر في 1 أيلول سنة 1931 ببعض تصرف في الكلام.)
تعصب الجهلاء
داء التعصب يهلك الأقطارا ... ويصير أحجى العالمين حمارا
ولكم على وضم التعصب قطعوا ... أمل العزيز ليأخذوا الأوضارا
أعماهم عن خوض كل حقيقة ... وأخالهم أهل الهدى أشرارا
أنى لعمي أن يروا سنن الهدى ... سنناً يفيض صوى ويشرع نارا
خاضوا الغواية والعماية وأنثنوا ... يكسون أنفسهم جهاراً عارا
فأولاك هم شر البرية مقصداً ... وأخس أبناء الورى أوطارا
لا يأمنون مخالفاً في شرعة ... أو مذهب وتوهموا الأخطارا
هاهم أولاء رؤوسهم قد أينعت ... فمن القطوف لها ليدرك ثأرا؟
حلوا من الإفساد دار إقامة ... ولبئس للفئة الغوية دارا
يبقى العراق مذللاً ما دام في ... حكم التعصب يدمغ الأحرارا
ماذا يعزي النفس عن حوجائها ... يحل دار الظالمين بوارا؟
بل أي عصر أبلج متوهج ... يذر التعصب في العراق مبارا؟
مصطفى جواد(9/739)
كنوز هيكل أدب
(تتمة)
وقد سأل بعضهم ما الغرض من وجود تلك الآنية والأمتعة في الهيكل؟ قلنا: الجواب الوحيد هو أن الكهنة وسدنة الهيكل اتخذوها للزينة وللإنارة في معابدهم كما اتخذ كهنة بني إسرائيل المصابيح المنيرة، والقناديل المتقدة دائماً في مجامعهم، وهياكلهم، بل في الدور أيضاً للصلاة أو للعبادة، وبعض تلك الظروف والسرج والمناور، اتخذت لمجرد الزينة، فكان باطنها رحراحاً صغيراً لا يسع إلا بعض قطرات من الزيت وكان ظاهر بعض تلك الأوعية رقيقاً جداً، ويكاد يفنى ويتلاشى من كثرة الاستعمال؛ ويحتمل أن هذه الأقداح كانت مشارب ماء، أما الأوعية الكبيرة، فكانت تتخذ أجراناً لحفظ الماء، وخزن زيت المصابيح. ومنها كانت تستعمل مجامر للبان، وصحوناً يوضع فيها خبز التقدمة وغيره من الأطعمة أمام تماثيل الآلهة، لتحل بركتها عليها قبل تناولها ومنها ما كانت تقوم مقام أباريق للوضوء والتطهير من الأوساخ والأدران، وكان باطن معظم هذه الآنية مغشى بغشاء مادة سوداء، ومنها ما كان نظيفاً جداً وأياً كان الغرض من ذلك الغشاء، فإننا نعلم إنها استعملت لأغراض دينية في الهيكل. وقد دام استعمال هذه الأواني المقدسة إلى عصر البابليين الأخير؛ وكانت منزلتها سامية في معابدهم، إذ كان مفروضاً عليه اتخاذها عروضاً للزينة والزخرف ليزيدوا بذلك هياكلهم رونقاً وبهاءً، حتى قيل إن الرومان واليونان لم يفوقوهم في زخرفة هياكلهم.
أن أهمية الأقداح والقناني، والمشارب، والقدور، والصحون، والأوعية، والمصابيح المنقوش عليها كتابات، كانت أكثر من شقف الأواني الحجرية الخالية من الكتابة؛ لأن الأولى وقفت الأثريين على تاريخ الهيكل والمدينة في أوائل عهدهما، وقد اكتشف النقابون خمساً وثلاثين شظية مكتوبة لا يختلف حجمها وشكلها ومادتها عن الشظايا الخالية من الكتابة.(9/740)
وكانت بعض تلك الكتابات محفورة حفراً غير متقن على ظاهر الإناء، ومنها ما كان قد اعتني بكتابته اعتناءً فائقاً. كالإناء المصنوع من حجر الفرفير، فانه آية في الإبداع
والإتقان، وعلى ظاهره وفي باطنه نقوش كتابة بديعة. وقد حفر على كثير من تلك الظروف والأوعية كلمة واحدة هي (إي سار). وفي بعضها وردت كلمة هيكل بعدها لفظة أخرى معناها: (وقف لآي سار).
ولم يرد ذكر اسم آلهة المحل على شظايا الآنية، بيد أن اسم (دنجير مخ) أحد الآلهة الذي عبد في بسمى ظهر على صفائح الشظايا ووجدت طائفة من الأوعية مخطوطاً عليها كتابة أطول من الأولى كان قدمها للهيكل (بركي) ملك كيش.
كانت الشظايا المحفورة كثيرة جداً، وكانت صورها بديعة وعديدة، وشكلها أبسط من الشظايا الآنفة الذكر المكتوبة، والخالية من الكتابة، والحجر الذي نحتت منه كان رخواً وبينها وجدت شظية عليها صورة برج هيكل، وتعد فريدة في نوعها وقد سبق وصفها. وأخرى من حجر أزرق كان عليها صور تنانين وغيرها عليها صورة أوراق شجر غضة موضونة أي قائمة الواحدة منها فوق الأخرى. وملتفة التفافاً يظنها الناظر إليها ورقة واحدة. ومن الأواني ما كان عليها خطوط متوازية وأحدها قطع من إناء ملصق بالقار وهو ذو شكل بديع.
إن أنفس شظايا الأوعية التي أصابها النقابون في خزانة ردم الهيكل، كان منقوشاً ومرصعاً بنقوش بديعة مبهجة، والإناء الذي يستحق أن يصف في مصاف أعلى وأثمن كنوز الآثار المكتشفة في تلك الخزانة الإناء الحجري الأزرق الذي يكاد يكون قائماً وقد بلغ اثنين وعشرين سنتيمتراً في قطر دائرته. أما ارتفاعه لم يتحقق لأن شظاياه كانت مثلمة الأطراف، وقد ركبت شظيتان من شظاياه فظهر عليهما نقش بارز يمثل عشر صور: خمس منها تري موكباً على طرف جبل، وكانت تلك الصور مكشوفة في أعلى صدرها إلى حقويها ويستر عوراتها نقبة (تنورة) تبلغ الركبتين.(9/741)
وضفائرها منسدلة على كتفيها وعلى رؤوسها قبعات مزركشة تشبه الخوذ، وفي إحدى القبعات ثلاث أرياش بارزة، ووراءها صبيان صغيران، وفي قبعة كل منهما ريشة واحدة.
إن تلك الأرياش تدل على أن أصحابها من سلالة الملوك، ويظهر أن صاحب الأرياش الثلاث هو الملك، وكل من صاحبي الريشة الواحدة ولده أو ولي عهده. أما الرجلان السائران في مقدمة الموكب، فهما عوادان يوقعان على عودين ليشنفا بنغمهما أسماع أتباع
الملك وحاشيته وللعود إطار من خشب وعلى وجهه سبعة أوتار ممدودة، بيد أن الأوتار أطول من الإطار، وقد تدلت إلى الإمام وكان العوادان يوقعان باليد اليسرى، وهذا خلاف ما نعهده في عصرنا فإن(9/742)
الموقعين على آلات الطرب يضربون بيدهم اليمنى.
وقد جاءت صورة أحدهم بهيئة رجل يسرع إلى لقاء الموكب وهو مرتد نقبة متخذة من العاج، مركبة تركيباً دقيقاً في شق صنع لهذه الغاية. أما سائر الصور فكانت في أول أمرها مرتدية نقباً (تنورات) عاجية، غير أنها نزعت منها بصورة من الصور، ولم تحافظ على حشمتها ووقارها. إلا صورة ذلك الرجل الذي خف للقاء الموكب الحافل بالملك وولديه.
كانت جميع الخوذ، والضفائر، والأسورة، والأحذية، والعيون، وأوراق الأشجار الغضة، القائمة على بعد من الموكب، مرصعة ترصيعاً بديعاً، وكانت لم تزل إحدى قطع اللازورد معلقة بأحد الأغصان، أن وجوه هذه الصور كانت تكاد غريبة المنظر، لكبر أنوف ذويها؛ ولم يعثر المنقبون في كل ديار بابل على ما يضاهيها. ومما لا ريب فيه أن أصحابها كانوا من الشمريين الأولين الذين سكنوا ديار الرافدين.
إن حذاقة الفن ومهارة الصناعة في هذا الإناء من أبدع ما يتصوره الفنان في هذا العصر. وبعد هذا الإناء من أقدم العروض وأنفس الآثار التي كشفت في بسمى. ويذهب الدكتور جمس بنكس إلى أن صورة هذا الموكب ناقصة. وعليه أقول: إنه لو أتيح لأحد النقابين العثور على ما تخلف منها في الأنقاض، لظهرت بقيتها تمثل موكب ملك ظافر، أمامه العوادون ووراءه الأميران الصغيران، يتبعهما الأعيان والقواد، وجماهير من الأسرى، ويحيط بهم جنود الملك، ويفصل بينهم وبين أفراد الشعب الذين خرجوا للقاء ملكهم الظافر، الكهنة وهم مرتدون ملابس الهيكل، وفي أيديهم السعف علامة الانتصار والغلبة على الأعداء وهم ينشدون الأناشيد الدينية الحماسية، وبأيدي الرجال الغنائم والأسلاب، وهم جذلون والنساء يهللن فرحات مغتبطات بفوز ملك البلاد العظيم.
وقد وجد في نفايات خزانة الهيكل، شظايا آنية أخرى، ومنها شظية إناء من الحجر الأزرق مرصعة، وأطرافها قائمة، علوها نحو ثمانية سنتيمترات وقطر دائرتها ستون سنتيمتراً، ويطوق أطراف الإناء ثعبانان عظيمان مكوران معاً، وجسماهما مرصعان بأحجار براقة لامعة، وعلى جسميهما الطويلين زرود(9/743)
مرصعة بأحجار براقة؛ ولم يبق من تلك الزرود
سوى زردين في أحدهما تسعة ثقوب لتعليق الأحجار، وفي الآخر ثمانية، بيد أن تلك الأحجار قد فقدت ويظهر أن هذا الإناء الكبير كان قد اتخذ في الهيكل، أما للزينة وأما لطرد الأرواح الخبيثة.
وقد عثر المنقبون على شظية أخرى مرصعة، وهي تمثل صورة بقرة ترضع عجلها وأصابوا أيضاً شظية من الحجر الأزرق الأصيفر الرخو طولها اثنا عشر سنتيمتراً ونصف في عرض ستة سنتيمترات؛ وهي منقوشة ومرصعة من الظاهر، أما باطنها فكان محفوراً عليه اسم (بركي ملك كيش) وكان النقش يمثل رأس ثعبان أو تنين، وعينه مرصعة بحجر كريم. هذا وبعض أوان مصنوعة من حجر أبيض، وعليها نقوش مشتبكة التركيب، معقدة الشكل مزينة بأخاديد مملوءة بالحمر، ملصقاً بها حجر اللازورد، ولا يزال في بعض تلك الخطوط المحفورة مواد الترصيع ثابتة في مواضعها.
إن منزلة المصابيح والقناديل والسرج التي وجدت في خزانة نفايات الهيكل منزلة أثرية عظيمة، فضلاً عن إنها سالمة من العطب وبديعة للغاية، وقد ظهر إنها مصنوعة من أصداف البحر. وبعض تلك المصابيح الصدفية كانت صغيرة الحجم، وقد اسودت لتقاوم عهد استعمالها، ووجد مصباح بهيئة صدفة، وقد قطع وصقل فتحول قنديلاً كاملاً، وحفرة صمامها في القعر ناتئة تصلح لأن تكون مغرزاً للفتيلة، طوله ستة عشر سنتيمتراً، وارتفاعه ستة عشر سنتيمترات وعرضه تسعة سنتيمترات. وقد كشف المنقبون أيضاً مصباحاً آخر مصنوعاً من الحجر بالحجم والشكل المار ذكرهما. بيد إن ظاهره مخدد أخاديد متوازية، ووجدوا مصباحاً ثالثاً عليه خطوط مشتبكة ورابعاً عليه صورة رأس كبش وقد برزت من فمه الفتيلة، وأصابوا شظية سراج يختلف عن البقية، فيكاد يكون بيضي الشكل مستوى القعر. علوه ثمانية سنتيمترات، وتكاد تكون أطرافه قائمة، بلبله طويل دقيق بارز، ينتهي طرفه برأس كبش، وفي قعره دعامة تشبه مقبض إبريق مربع، وقد عثر النقابون أيضاً على بعض مصابيح من طين وهي أحدث عهداً من المار ذكرها؛ وعصرها يرتقي إلى زمن استنباط دهان(9/744)
الخزف في بابل. وشكل القنديل المصنوع من الطين في ديار بابل؛ كان شائعاً في فلسطين ومصر وبلاد اليونان والرومان وشبيهاً بالقناديل الصدفية، وقد صنع على مثالها.
قال الدكتور جمس بنكس النقابة الأميركي: إني لما كنت في بغداد اقتنيت طائفة صالحة من القناديل والسرج الصغيرة المصنوعة من الصلصال، وقد استخرجت من بين أنقاض إحدى المدن من عهد خلفاء العرب، ولا يزيد حجمها عن صحون الزبد، وكان باطنها مدهوناً بدهان أزرق، وظاهرها خالياً من ذلك الدهان. وهو غير مصقول، ولكل منها بلبل. ونوع هذه المصابيح من عهد علاء الدين، وقد تصور أمام مخيلتي فعل مصباح علاء الدين السحري العجيب. فقلت في نفسي: لعله بينها قلت هذا؛ وفركت بإصبعي أحدها. فخاب ظني إذ لم يظهر أمامي مارد ولا جان، ليدلني على كنوز مطمورة، أو يحضر لي من عالم الخفاء أميرة حسناء.
لقد عثر المنقبون في خزانة نفايات الهيكل القديم على قطع من صور بقرات صغار مصنوعة من الهيصمي ذات أشكال بديعة وهي رابضة على الأرض تجتر. ولا تزال عيونها العاجية وحدقها اللازوردية ثابتة في المحاجر، وعلى ظهور تلك البقرات الحجرية آثار بينة تدل على أن الغرض منها كان تعليقها على جدران الهيكل للزينة، أو إلصاقها بإناء كبير على سبيل التجمل والظهور بمظهر حسن جذاب؛ ووقع في أيدي النقابين أيضاً صفيحة من المرمر عرضها سبعة سنتيمترات، وعلوها خمسة سنتيمترات، وعليها صورة إنسان عريان محفورة حفراً خشناً، وهو يسوق ثوراً وآثار القار والطلاء الأحمر لا تزال ظاهرة فيها، تدل على إنها كانت في حين مطلية بطلاء زاه لم تقو يد الطبيعة على محوه.
ووجد في تلك الخزانة سمك من العاج أسود وأبيض؛ طول الواحدة منها أحد عشر سنتيمتراً. وهيئتها منحنية كأنها تسبح في الماء، بيد إنها مثقوبة من رأسها حتى ذنبها، وهذا يدل على إن أبناء ذلك الجيل القديم كانوا يعلقونها على صدورهم، أو يربطونها بأذرعهم كعوذة لطرد الأرواح الخبيثة عنهم، ووجد أمثال هذه السمكات مصنوعة من الصدف لكنها عديمة الإتقان. ومن تلك اللقى:(9/745)
قطط وحيوانات آخر وكلها مصنوعة من العاج، ومنها عقدة شريط وردية من العاج، عرضها سنتيمتران وقد حفر عليها رسم نجم ومرصعة بحجر كريم، لكنه فقد. ووجدت عقدة شريط وردية أخرى أكبر من الأولى، قطر دائرتها خمسة سنتيمترات وهي مصنوعة من الصدف (عرق اللؤلؤ) وعليها رسم نجم أيضاً، ولا أثر للأحجار الكريمة التي رصعت بها في أول عهدها، ويحتمل أن عقود الشريط الوردية
وسائر التحف المصنوعة من العاج والصدف كانت تعلق على ملابس تماثيل الملوك لمجرد الزينة، وأبدع بل أنفس تحفة منحوتة من العاج صورة وعل يرتع فوق شجرة.
لم يعثر النقابون في خزانة نفايات الهيكل على تحف مصنوعة من الذهب والفضة، بل وجدوا قطعاً قليلة من صحون نحاسية منبسطة، وقد علاها الصدأ فتآكلت كل التآكل حتى إنها لم تقو على رؤية النور والهواء؛ ولما رفعها الفعلة من بين الأنقاض تكسرت كسراً عديدة قبل أن تمسها أيدي المنقبين فتفتتت وتحولت تراباً ومما أصابوه مسامير من النحاس عند قاعدة الهيكل. وفي رواقه كشف أسد وصفائح نحاسية من عصور متأخرة في داخلها ثلاث فؤوس من النحاس، طول الواحدة منها أربعة عشر سنتيمتراً ونصف في عرض خمسة سنتيمترات ونصف وعليها كتابة باسم الملك (أي شي أل فا أد دو)، وقد ظهرت هذه الكتابة على صفائح النحاس وعلى ألواح المرمر أيضاً، في وسط صفائح النحاس ثقوب ادخل فيها مسامير كبيرة طول الواحد منها سبعة سنتيمتراً وفي أطرافها خطوط محفورة لكي تثبت في الجدار حينما تنفذ فيه.
أما الأدوات المصنوعة من الحمر فقد وجد في خزانة نفايات الهيكل إناء كبير هو المذكور آنفاً، ووجد أيضاً رأس كبش قياسه أربعة عشر سنتيمتراً عرضاً. وثلاثة سنتيمترات وربع بروزاً، وله قرنان معقوفان ممثلان أحسن تمثيل، وعينان كانتا مرصعتين، وفي فمه ثقب مستدير يصل إلى ظهره المجوف. ويظهر أن ذلك الثقب كان يتخذ منفذاً لمجرى ماء من ينبوع. وفي ظهره ثقوب أيضاً لهذه الغاية. فلعلها كانت فوارة ماء كما هو جار الآن في بعض بيوتات بغداد.(9/746)
إذ في وسط أفنية دورها شاذروان ينبجس الماء منه فيندفع إلى فوق ثم يتناثر لآلئ ودرراً.
كانت كنوز الهيكل وخزانة نفاياته ثمينة جداً في نظر الأثريين والمؤرخين، وقد حاول النقاب الأميركي جمس بنكس أن يعثر على كتب الهيكل لكن ذهبت أتعابه أدراج الرياح، فقد كان من عادة البابليين أن يفردوا محلاً خاصاً بخزائن كتبهم. نعم عثر النقابون على صفيحتين مكتبوبتين وقعتا عرضاً من أصحابهما في رابية الهيكل ولكن عند إزالة ما عليها من الملح تفتتت كسراً ولم يوقف على ما فيها من الأنباء.
هذا آخر ما وصلت إليه معاول النقابين في ذلك الهيكل القديم الذي يعد من أنفس الآثار.
وأملنا أن القائمين بشؤون المتحفة العراقية يصونون ذلك الأثر القديم من طوارئ الزمان؛ فقد بات بعد التنقيب فيه ملجأ للصوص ومكمناً لقطاع الطرق. ويجدر بحكومتنا الساهرة على تقدم العراق أن تهتم كل الاهتمام بصيانة آثار البلاد وحفظها من الدثور والطموس.
رزوق عيسى
نظرات
ورد في هذه المجلة 6: 29 س 25: (27 رجب هو الأيام المعتبرة لدى الطائفة الجعفرية)، قلنا: لأنه يوم بعث فيه محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم بالنبوة.
وفي ص 32 س 8 (وإذا ذكر صاحب الزمان يقوم الناس على أقدامهم ويقولون: (عجل بالظهور يا صاحب الزمان)) (كذا)، والصواب: وإذا ذكر صاحب الزمان واسمه (القائم) يقوم الناس على أقدامهم وربما قال بعضهم: (عجل بالظهور يا صاحب الزمان) أو ما يقارب معناه.
وفي ص 91 س 1: (أكر خسته جاني) الخ ثم فسر الكاتب هذه العبارة بقوله: إذا كنت مريضاً (كذا). وخسته جان ليس بمعنى المريض بل هو الضجر لأن (خسته) بالفارسية معناه التعبان وجان معناه الروح فيكون المراد تعب الروح وهو غير المريض.
محمد مهدي العلوي(9/747)
أصل اليزيدية وتاريخهم
11 - الديك - ديك العرش
لليزيدية تماثيل يطوفون بها في أيام أعيادهم، والتماثيل المعروفة ليست في الحقيقة إلا تماثيل (حمام)، أو (ديك) كما تقدم ولها أصل أساطيري محكي عن عدي بن مسافر. وذلك أن الحادي أو القوال (وردا في البهجة والقلائد بهذين اللفظيين) كان ينشد القصائد الدينية على طريقة الصوفية، وقد أخذ القوم الحال، ونسوا أنفسهم، على ما يشاهد لديهم في أكثر الأحيان إلى اليوم، إذ نادى المنادي بالأذان. فلما سمع الشيخ عدي ذلك، تألم وعاتب المؤذن قائلاً له: (أنزلتنا من العرش إلى الفرش).
وأوضح معنى ذلك. إن ديك العرش كان يصيح بالأذان، فلما أذن المؤذن، غاب عنه صوته، فلم يسمعه بعد.
ويقال أن بعض مريديه طلب إلى الشيخ أن يسمع ديك العرش، فلما بلغ إلى أذنه كاد يموت، وبقي بضعة أيام لا يشعر لما أصابه من الاندهاش.
وحينئذ حصل لهم من صوره لهم؛ وانه رآه فتمكن من إقناعهم وغشهم وصاروا يسمون ذلك المثال (السنجاق) أي العلم أو اللواء. وقد وصفه كثيرون تمام الوصف، ولكن لم يقفوا على أصل المعتقد وتاريخ نشوئه. (راجع كتاب النساطرة وشعائرهم تأليف ج. ب. بادجر).
وما هذا المعتقد إلا قصة خرافية لبس شكلاً مادياً. وهذه القصة لا تزال آثارها عندنا إلى اليوم. وذلك أن الأهلين في الأكثر يقتنون الديك الأبيض، الأفرق العرف، الأزرق الرجلين ليوقظهم للصلاة، ويزعمون انه يصيح كلما صاح ديك العرش، وانه بركة في البيت، كما أن الديك الذي (يقيق) (يصيح) كالدجاجة مشؤوم. ولذا يبادرون إلى ذبحه ولا يبقونه لاعتقادهم أن الأول يطرد الروح الخبيث، وهذا يأتي بما يكره.(9/748)
ولا يعلق بهذه الخرافات أكثر من أنها قصص محفوظة لحقها التغير والتبدل فنالت أوضاعاً مختلفة.
المحامي عباس العزاوي
الطاووس
(لغة العرب) لم يتفق الرواة في وصف هذا الطائر الذي له تمثال من معدن، فمنهم من قال انه يشبه (الطاووس) ولهذا يسميه بعضهم (طاووس ملك) ومنهم من يقول انه بصورة ديك غير واضح الشكل. وعلى كل حال أن في أحاديث الصوفية ما يحمل على الظن أن اليزيدية تلقوا معتقدهم عن سلفهم فالذين يظنون أن صورة ذلك (السنجق) تمثل الطاووس، يجدون ما يدعم رأيهم في كتاب قصص الأنبياء للكسائي فقد جاء ما هذا نصه:
((حديث الطاووس ومحاورة إبليس له) قال: فلما سمع إبليس بذلك (بإسكان الله آدم وحواء الجنة) فرح وقال: لأخرجنهما من ذلك الملكوت بعد أن أمرا ونهيا، ثم مر مستخفياً في طرق السماوات حتى وقف على باب الجنة فإذا بالطاووس قد خرج من الجنة وله جناحان إذا نشرهما غطى بهما سدرة المنتهى، وله ذنب من الزمرد الأخضر؛ وعلى كل ريشة منه جوهرة بيضاء لها ضوء كضوء الشمس، ومنقاره من جوهرة بيضاء، وعيناه من ياقوتة، وهو أطيب طيور الجنة صوتاً وتغريداً، وأحسنها ألحاناً بالتسبيح. وكان يخرج كل وقت ويمر في صفح السماوات السبع ويتبختر في مشيته، ويرجع في تسبيحه إلى الجنة، فلما رآه إبليس دنا منه وكلمه بكلام لين):
(أيها الطير العجيب الخلق، الحسن الألوان، الطيب الصوت، أي طائر أنت من طيور الجنة؟
- فقال له طاووس الجنة: فما لك أيها الشخص كأنك مرعوب، أو كأنك تخاف طالباً يطلبك؟(9/749)
- فقال له إبليس: أنا ملك من ملائكة الصفح الأعلى من زمرة الكروبيين الذين لا يفترون عن التسبيح ساعة واحدة. انظر إلى الجنة والى ما أعد الله فيها لأهلها. فهل لك أن تدخلني الجنة، ولك علي أن أعلمك ثلاث كلمات، من قالهن، لم يهرم، ولم يسقم، ولم يمت.
- فقال الطاووس: ويحك! أيها الشخص! أو أهل الجنة يموتون؟
- قال نعم. يموتون ويهرمون ويسقمون، إلا من كانت عنده هذه الكلمات وحلف له على ذلك. فوثق به الطاووس؛ ولم يظن أن أحداً يحلف بالله كاذباً.
- فقال الطاووس: أيها الشخص، ما أحوجني إلى هذه الكلمات، غير أني أخاف من رضوان أن يستخبرني، ولكن أبعث إليك بالحية سيدة دواب الجنة، فإنها تدخلك الجنة).
(وهنا جاء ذكر حديث الحية وهو طويل)
وبعد ذلك ذكر حديث إخراج الطاووس والحية من الجنة فقال: (ثم أتي بالطاووس وقد معطته الملائكة حتى انتفض ريشه وجبريل يجره ويقول له: أخرج من الجنة خروج الأبد فانك مشؤوم أبداً ما بقيت. وسلب تاجه، ونتفت أجنحته، ثم جيء بالحية، وقد جذبتها الملائكة جذباً شديداً، فإذا ممسوخة مبطوحة على بطنها، لا قوائم لها، وصارت ممدودة، مشوهة الخلقة، ومنعت النطق، وصارت خرساء، مشقوقة اللسان. فقالت لها الملائكة: لا رحمك الله ولا رحم من يرحمك ومروا بها على آدم. . .) أهـ.
قلنا والذي علمناه من اليزيدية انهم يجلون الحية لأنهم يزعمون: إن سفينة نوح صدمت أنف جبل وهي طافية على الماء، فثقب صدرها، فجاءت الحية وتحوت في الثقب ومنعت من دخول الماء في السفينة. وهكذا نفعت أهل الفلك فنجوا من طامة الغرق. ولهذا تراهم يحترمون الحية إلى عهدنا هذا. وهذا يوافق احترامهم (لطاووس الملك) و (الحية) معاً.
حديث الديك:
أما الذين يزعمون أن اليزيدية يجلون الديك لا الطاووس، فهذا الزعم أيضاً مبني على رواية للأقدمين من المتصوفة. قال الكسائي المذكور في كتابه قصص(9/750)
الأنبياء في ص 26 من نسختنا:
(وكان آدم ربما اشتغل بأمر معيشته، فغفل عن الصلاة والتسبيح حتى لا يعرف الأوقات، فأعطاه الله ديكاً ودجاجة، وكان الديك أبيض، أفرق، أصفر الرجلين كالثور الكبير، يضرب بجناحيه عند أوقات الصلاة ويقول: سبحان من يسبحه كل شيء، سبحان الله العلي العظيم، وبحمده يا آدم الصلاة، يرحمك الله. فكان آدم يقوم عند صوته إلى الوضوء ويصلي صلاته، وكان ذلك الديك على باب منزله، فإذا خرج آدم إلى حرثه وزرعه، يسبح الله ويقدسه وصوت الديك على إبليس أشد من الصواعق.
(قال ابن عباس: أحب الطيور إلى إبليس اللعين، الطاووس؛ وأبغضها إليه الديك. فأكثروا في بيوتكم الديك، لأن الشيطان لا يدخل إلى بيت فيه ديك. وقال كعب الأحبار: إذا صاح الديك وقت الأسحار، نادى مناد في السماء من المخاطب في درجة الرضى: أين الخاشعون؟ أين الراكعون الساجدون؟ أين الحامدون الشاكرون؟ أين الموحدون المستغفرون
بالأسحار؟ - فأول من يسمع ذلك ملك من السماء على صورة الديك له زغب وريش، ورأسه أبيض تحت باب الرحمة، ورجلاه في تخوم الأرض السابعة السفلى؛ وجناحه منشور.
(فإذا سمع النداء من الجنة. يضرب بجناحيه ضربة ويقول: سبحان من خلق الرحمة التي وسعت كل شيء. من الذي يشتاق إلى الجنة، جنتك يا إلهي، دار النعيم؟. . .
(قال قتادة: أكثر طيور الجنة الديك، وإن الله تعالى خلق ديكاً إذا سبح تسبح الديوك كلها التي في الأرض، فيهرب منها الشيطان ويبطل كيده، فمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يشتم الديك. . .) أهـ.
قلنا: يرى من هذا ما يحمل على الظن: إن اليزيدية - وأصلهم من المتصوفة بلا أدنى ريب على ما أوضحه حضرة الأستاذ العزاوي - كانوا يجلون الديك في أول أمرهم، تبعاً لعدي بن مسافر، ثم لما رأوا ما بين الشيطان والطاووس من الارتباط، عدلوا عن إكرام الديك وإجلاله إلى إكرام الطاووس. ونظن أن هذا التأويل وحده يجمع بين آرائهم الأولى، آراء سلفهم(9/751)
إلى آرائهم في هذا العهد الذي يجلون فيه الطاووس لا الديك، على ما أكده لنا كثيرون من اليزيدية.
هذا رأينا نعرضه على القراء بكل تحفظ. وعلمه فوق كل ذي علم.
على إننا لا نجهل أن بعض المستشرقين ذهبوا إلى أن معنى (طاووس ملك): (الملك الإله) مدعين إن (طاووس) كلمة يونانية معناها: (الإله) على أننا لا نوافقهم على هذا الرأي؛ لأن هذا مخالف لمعتقدهم، فضلاً عن أن ليس منهم من قال هذا القول الغريب. نعم أن المستشرقين كثيراً ما ينخدعون بظواهر الألفاظ فيذهبون مذاهب شتى لمجرد مجانسة بين كلم وكلم؛ مع أن ذلك لا يكفي ألم يكن هناك من الأدلة ما يدعم ذلك الرأي. وكيف نقبل هذا الخاطر وثم من البراهين ما يحملنا على القول، أن الطاووس الممثل عندهم بتماثيل مختلفة؛ والذي يذكرونه في مجالسهم ومجتمعاتهم هو هذا الطائر المعهود، فضلاً عن أن رواية المتصوفة تؤيد زعمهم هذا. أذن ليسمح لنا أولو البحث أن نقول أن (الطاووس) هنا لا يعني أبداً (الله) بل الطائر المختال، لا غير. فلينتبه إليه.(9/752)
عبدة الشمس
1 - تسمية العرب والفرس لهم
كانوا العرب يعرفون عبادة الشمس بالمجوس (راجع لغة العرب 3: 309 ح) والفرس يسمونهم (خورشيد برستان - بالباء التحتية المثلثة الفارسية).
2 - عبادة الشمس عند الأمم
كان الشنغاريون أي البابليون والكلدانيون القدماء والفنيقيون والكنعانيون يعبدون (في القرون الخالية) الشمس والقمر؛ فكان البعل عندهم الإله الشمس وعشتروت الإلهة القمر (راجع لغة العرب 2: 549 - 550) وكان المصريون الذين عاشوا في عهد بعض فراعنة مصر يعبدون الآلهة الكثيرة وكان أكبر آلهتهم الإله الشمس (راجع مجلة اليقين البغدادية 2: 31 - 32) وكان بعض الملوك الاشكانيين في إيران يعبدون الشمس عند طلوعها باسم (مترأ) (راجع دورة تاريخ عمومي لميرزا عباس خان إقبال آشتياني). وفي القرآن: (وجدتها (أي بلقيس ملكة اليمن) وقومها يسجدون للشمس من دون الله) وكانت بلقيس من حمير (بطن من قحطان كان يقيم في ربوع اليمن) وحمير(9/753)
كانت تعبد الشمس وكان في الهند جماعات تسجد للشمس كما سيأتي بيانه ولعل في الهند الآن بقية من تلك الفئام وقد قيل أن رعايا الملوك الأشكانيين كانوا يدينون بما كان يدين به ملوكهم على حد ما جاء في المثل السائر: (الناس على دين ملوكهم). وقد نقل عن بعض المؤرخين انه قال: (إن ديار فارس لم تكن تعرف عبارة الشمس قبل الاشكان) فالظاهر أن هذه العقيدة دخلت إيران في حدود سنة 250 قبل الميلاد.
3 - تاريخ عبادة الشمس
عندنا أن العقيدة الفيدية الهندية هي التي سبقت الجميع إلى عبادة الشمس ودونك ما ذكره الشيخ محمد الخالصي في كتاب المعارف المحمدية عن هذه الديانة قال: (ونحن نذكر إشارة إجمالية إلى بعض العقائد الوثنية الهندية. . . وكانت قبل المسيح بعشرات القرون. (تعاليم (الفيدا) ولقد تكلم عنها (مالفير) في كتابه المطبوع في باريس سنة 1895 م بما يلي:
(ذكر في الكتب الهندية الدينية القديمة التي ترجمت إلى اللغة الإنكليزية في مدينة كلكتا في سنة 1840م وفي كتاب الأناشيد الذي ترجمه (لانجلواه) إلى اللغة الأفرنسية في سنة 1848م وسنة 1850م ما هو آت:
(إن آنى (النار) مولدها من سافيسترى (الشمس) الأب السماوي فتكونت في أحشاء مايا (العذراء) فولدتها وأب (كذا) النار الأرضي تواستى (النجار) الذي يشتغل في صناعة سواستيكا (الخشب) وسواستيكا هي عبارة عن عودين وبوسطهما تجويف يشتمل على مايا أي المادة القابلة للاشتعال مثل الزناد والصوان والصوفان وهذا هو قانون إيمان المذهب الفيديكي.
نؤمن بسافيسترى (الشمس) إله واحد أب ضابط الكل خالق السماء والأرض وأبنه الوحيد آنى (النار) نور من نور مولود غير مخلوق مساو للأب(9/754)
في الجوهر تجسد من فايو (الروح) في بطن مايا (العذراء) ونؤمن بفايو الروح المحيي المنبثق من الأب والابن الذي هو مع الأب والابن يسجد له وبمجده) أهـ. ثم قال الخالصي: فالثالوث القديم وهو سافيستري (الشمس) أي الأب السماوي أو آنى (النار) أي الابن وهو النار المنبعثة من الشمس وفايو (نفخة الهواء) في الروح هو أساس المذاهب عند الشعوب الأربانية أي الهنود القدماء) انتهى (المعارف المحمدية 1: 43 - 44).
فأرى أن عبادة الشمس التي كانت ترى عند بعض الصابئين هي وليدة الديانة الفيدية، أما إن عبادة الشمس كانت عند بعض فرق الصابئين فلا ريب في ذلك، قال محمد بن عبد الكريم الشهرستاني المتوفى سنة 528هـ: (ومنهم (أي من الصابئة) من جعل الشمس إله الآلهة ورب الأرباب) (الملل والنحل ص 154 من طبعة إيران). وقال لاروس نقلاً عن موسى بن ميمون الفيلسوف اليهودي: إن في الدين الصابئي عقيدتين: الأولى هي الاعتقاد بالقدرة البالغة للشمس. والثانية هي كالاعتراف بوجود جوهرين أصليين في النجوم الخ (راجع مجلة اللسان البغدادية 1: 79). وعندنا أن عباد الشمس الذين ظهروا في إيران اقتبسوا دينهم من البابليين أيضاً إذ الديانة البابلية أثرت كل التأثير في سكان الممالك الأخرى الذين كانوا يبطنون عبادة الأصنام والأوثان؛ وذكر الشهرستاني النحلة الشمسية في الهند فقال: (عبدة الكواكب: ولم ينقل للهند مذهب في عبادة الكواكب إلا فرقتان توجهتا إلى
النيرين الشمس والقمر. . . من تلك عبدة الشمس: زعموا أن الشمس ملك من الملائكة ولها نفس وعقل ومنها نور الكواكب وضياء العالم وتكون الموجودات السفلية وهي ملك الفلك تستحق التعظيم والسجود والتبخير والدعاء وهؤلاء يسمون الدينكيتية أي عباد الشمس ومن سنتهم أن اتخذوا لها صنماً بيده جوهر على لون النار وله بيت خاص بنوه باسمه ووقفوا عليه ضياعاً وقرايا (كذا أي قرى) وله سدنة وقوام فيأتون البيت ويصلون ويدعون ويستشفعون به) (الملل والنحل ص 284) ويخيل إلينا أن هؤلاء الشمسيين لم يكونوا من الهنود القدماء بل كانوا متأخرين عن أصحاب العقيدة الفيدية بقرون وهذه النحلة الشمسية التي تعرض لها الشهرستاني وليدة الصابئية(9/755)
الهندية التي أخذت مبادئها وأفكارها عن الصابئة العراقية. قال السيد هبة الدين الشهرستاني: إن الصابئة الهندية هي بنت الصابئة العراقية ونشريات رسل المسيحيين تؤيد الحفريات الأثرية في أن الصابئة العراقية هي أقدم عهداً وأرقى عصراً من صابئة الهند ومن دياناتها الأخرى وقد شادت في العراق هياكلها وأبراجها لعبادة الدراري والنجوم منذ ستة آلاف سنة أو أكثر (مجلة المرشد البغدادية 1: 133).
أما إن الصائبية العراقية تقدمت العقيدة البابلية في عبادة الشمس أو إنها تأخرت عنها فذلك أمر لم يقم عليه دليل قطعي، ولعل الشمسيين الذين وصفهم العلامة الكرملي في المجلد السابع من لغة العرب هم من بقايا الصابئة العراقية القديمة.
4 - هل في الديانة الزرادشتية عبادة الشمس
قال محمد بهجة الأثري البغدادي في كتابه أعلام العراق ص 128: (ولكن جماعة من بعض تلك الأمم التي كانت تدين بمذهب زرادشت وعبادة (أهريمان) و (هرموز) وكذا وتسجد للشمس الخ) ولعل الأثري اعتمد في ما كتبه على الشهرستاني فهذا يقول: (ومن المجوس الزرادشتية صنف يقال لهم السيسانية والبهافريدية رئيسهم رجل من رستاق نيسابور يقال له خواف خرج أيام أبي مسلم صاحب الدولة وكان زمزمياً في الأصل يعبد النيران ثم ترك ذلك ودعا المجوس إلى ترك الزمزمة ورفض عبادة النيران ووضع لهم كتاباً وأمرهم فيه بإرسال الشعور وحرم الأمهات والبنات والأخوات وحرم عليهم الخمر وأمرهم باستقبال الشمس عند السجود على ركبة واحدة. أهـ) (الملل والنحل ص 116).
والحقيقة أن الديانة الزرادشتية التي سبقت الإسلام بقرون عديدة لم تكن تعرف عبادة الشمس قطعاً والظاهر أن هذا الرجل مصلح المجوسية الذي أمر مريديه باستقبال الشمس حين السجود لم يكن يعبد الشمس وإنما جعل الشمس قبلته عند السجود كما جعل المسلمون الكعبة قبلة لهم في صلواتهم وما كتبه(9/756)
العلامة صديقنا الشيخ أبو عبد الله الزنجاني عن اتباع زرادشت هو أحسن وصف ينطبق عليهم قال: (أما المجوس فهم أتباع (زرادشت) الحكيم المؤسس لشريعة المجوس التي كانت ديانة أغلب الفرس في زمان ملوك بني ساسان وأصل من المحتمل من إقليم (آذربيجان) وزمان حياته في أوائل القرن السابع وأواخر السادس قبل المسيح على رأي (جكسن) الأمريكائي (أي الأميركي) و (وست) الإنجليزي اللذين بحثا عن حياته وشريعته بحثاً دقيقاً مستقصى. يعتقدون أن النور أو إله الخير (أهرمزد) والظلمة أو إله الشر (أهريمن) اصلان متضادان وهما مبدأ كل موجودات العالم لا يزالان يتضادان إلى انتهاء الدهور أي مدة (1200) سنة فحينئذ يغلب أصل الخير على أصل الشر).
(والذي يظهر بالتتبع أن زرادشت موحد في مذهبه ولكنه وضع مذهبه الثنوي لإرشاد الناس إلى أن العالم ممزوج بالشرور فينبغي أن يتبع الإنسان مبدأ الخير للصلاح العام وقوله: يغلب إله الخير على إله الشر، لعله يرشد به إلى رقي العالم الإنساني وإبطال الشرور بسعي معلمي الإنسانية وهم الأنبياء عليهم السلام والأولياء والحكماء. انتهى) (طهارة أهل الكتاب ص 13 - 14).
5 - ليست المانوية من عبدة الشمس
قال السيد عبد الرزاق الحسني: (والمانوية تفرض على معتنقيها تقديم العبادة للشمس وللشيطان الذي هو مصدر الشرور كلها) أهـ. (رسالة اليزيدية أو عبدة الشيطان ص 9). والمانوية لا تفرض عبادة الشمس كما هو بين لكل من اطلع على عقائد المانوية وأسرارها، والمانوية ظهرت بعد المسيح فاعتقدت نبوته (راجع الملل والنحل للشهرستاني ص 120 طبعة إيران وص 188 من طبعة الإفرنج).
سيزوار في 16 ذي الحجة سنة 1349:
محمد مهدي العلوي
(ل. ع) إن استشهاد حضرة الكاتب بأقوال المعاصرين غير (المتفرغين للبحوث العلمية) لا يبقي لمقالته قيمة تذكر. وهناك عيب آخر مهم هو أن حضرة الكاتب خرج عن الموضوع الأصلي لأنه تعرض لعبادة الشمس بمنزلة فرع دين من الأديان، لا بمنزلة أصل هو عبادة الشمس دون شيء سواها.
أما المنوية فإنهم خرجوا من النصرانية لكنهم لم يعتقدوا نبوة المسيح البتة وما قاله الشهرستاني غير صحيح. وكم من الأوهام في كتابه بخصوص النصرانية وغيرها!(9/757)
نخل نجد وتمرها
مقدمة
لم يكتب إلى اليوم أحد عن نخل نجد ولا عن تمرها، لا أبناء الناطقين بالضاد، ولا غيرهم. والآن وفقت لان أحقق أماني الراغبين في هذا الموضوع فاعدد لهم ما هناك من هذه الضروب، وهي:
1 - أحيمصية
هي نخلة اكثر ما يكون تمرها صغيراً اصغر من سائر التمور وان كان بعض الأحيان يجيء كبيراَ إذا اعتني بتسميد نخلة صادقة وتمرتها صفراء.
وتلفظ بفتح الهمزة يليها حاء مهملة محركة حركة مختلسة ممالة يليها ياء وميم ساكنتان ثم صاد مكسورة يليها ياء مشددة مفتوحة وفي الآخر هاء.
2 - أشقر
اسم نخل أحمر اللون واصلها من البصرة. ومن هناك أتي بها. وحمرتها غير صميم.
3 - أصابع العروس
تمرها طويلة وحمراء بطول البلوط.
4 - أم الأصابع
هي نخلة حمراء البسر طويلة كالأصابع إلا أنها دون أصابع العروس طعماَ العروس طعماً وحلاوة.
5 - أم البيض صفرا
هي نخلة متينة الجذع عريضة الكرب شديدة السعف، لها تمر ضخم ولهذا سميت أم البيض.
6 - أم حمام بيضا
هي كالسابقة إلا أن صفرتها أجلى من الأولى.
7 - أم حمام صفرا
سميت بهذا الاسم لأنها تبشر آكلها بكل خير وتمرتها صفراء فاقعة.
8 - أم الخشب
هي نخلة حمراء البسرة. ولثقل عذوقها تسند بالخشب ومن هذا اسمها.(9/758)
9 - أم رحيم
تمرة صفراء. وتلفظ رحيم بإسكان الراء وفتح الحاء فتحاً ممالا وياء ساكنة فميم. ورحيم تصغير رحمة تصغيراً مرخماً. وسميت كذلك لأنها رحمة على الفقراء لكثرتها.
10 - أم كبار
هي نخلة صفراء الخال كبيرته ومن ذلك اسمها وتلفظ كبار بإسكان الكاف وفتح الباء يليها ألف ثم راء.
11 - أم النحاوة
هي نخلة صفراء البسرة علكتها ململمة. والنحاوة في لغة أهل في القصيم جمع نحو (بضم فسكون فواو) وهو النحي عند الفصحاء. وهو ظرف السمن أو الدهن. وسميت التمرة كذلك لأنها تذخر في تلك الظروف. وتلفظ النحاوة بفتح النون بعدها حاء ويليها ألف فواو فهاء في الآخر.
12 - برحية
هي نخلة صفراء التمر أتي بها إلى القصيم من البصرة حيث هي معروفة بهذا الاسم.
13 - بريمة
هي من نخيل البصرة نقلت قبل نحو مائتي سنة فكانت أحسن من بريمة البصرة.
14 - بيدجانة حمرا
البيدجانة في لغة أهل القصيم (وتلفظ بباء مفتوحة فتحاً ممالا وياء مثناة تحتية ساكنة ودال مهملة محركة مختلسة وجيم ثم ألف فنون فهاء في الآخر) هي الباذنجانة. وسميت هذه التمرة بها للونها ولضخامتها. وليست حلاوتها عظيمة.
15 - تناجيب
هذه نخلة صفراء الخلالة. واصل الكلمة هو طن عاجف. والطن رطب معروف في سابق الزمن شديد الحلاوة، وهذا الطن مضاف إلى عاجف موضع في شق بني تميم.(9/759)
16 - خصى البغل
هو تمر خشن أحمر اللون هو أكبر ما يكون لكن طعمه قليل الحلاوة والناس المتأنقون في أكلهم لا يذوقونه. وتلفظ الخاء بحركة مبهمة يليها صاد مفتوحة بعدها ألف لا تظهر في اللفظ وكذلك لا تظهر الألف التي تليها. يليها لام ساكنة بعدها باء مفتوحة وغين مفتوحة كذلك وفي الآخر لام.
17 - الجامدة
اسم نخلة بسرها قليل أصفر اللون وإذا حفظت تمرتها للأكل أسرع إليها الشراث وهو نغف أو دود يكون في التمر اليابس القليل الصقر. وتلفظ الجامدة بفتح الجيم يليها ألف فميم ساكنة ثم دال مهملة وهاء.
18 - جوزة حمرا
سميت كذلك لأنه مدورة كالجوزة وبحجمها. وضم الجيم فيها غير صميم.
19 - جوزة صفرا
هو شكل الجزوة الحمرا إلا أن خلالتها صفراء وأحلى من الحمراء.
20 - جيب غراب
حمراء البسرة. وأضيفت إلى الغراب كأن هذا الطائر هو الذي أتى منها إلى القصيم وهي غير لذيذة ولا يرغب الناس في أكلها. وتلفظ بجيم مفتوحة فتحاً ممالا فياء مثناه تحتية
ساكنة ثم باء تحتية موحدة. وغراب بسكون الغين وفتح الراء بعدها ألف ثم باء ساكنة.
21 - حساوية
اصلها من الاحساء أو الحسا وحسن غرسها وتمرها في القصيم. وهي صفراء الخلال.
22 - حلوة البسر
هي حمراء الخلالة حلوتها. وكثيراً ما تؤكل قبل النضج ولهذا سميت حلوة البسر. وتلفظ البسر بباء موحدة تحتية وسين مهملة محركتين بحركة مبهمة وفي الآخر راء.
23 - حلوة صفرا
هي كحلوة عرينية حلاوة وقدراً إلا أن لونها أصفر.(9/760)
24 - حلوة عربية
هي كحلوة عرينية حمراء البسر. إلا أنها دونها حلاوة واخشن منها. واصل تسميتها مأخوذ من أن الأم كانت في بيت أعرابية فاعتنت بها، ومن تالها أخذ الغير يغرسها في غيطانهم.
25 - حلوة عرينية
حمراء التمرة نادرة الوجود. وهي لذيذة الطعم صادقة الحلاوة. وعرينية اسم رجل أهتم كل الاهتمام باستنباتها فنجح في سعيه. ويلفظ الاسم بإسكان العين وفتح الراء فتحاً ممالا يليها ياء ساكنة ثم نون مكسورة فياء مشدودة وفي الآخر هاء.
26 - حلوة المدينة
أتى بهذه النخلة من مدينة الرسول (يثرب) وبسرها حمراء.
27 - حلوة واسط
حمراء البسرة مضافة إلى واسط اسم موضع وهم يلفظون السين كالضاد لا فرق. ويقال أن هذا الموضع هو اسم البلدة الشهيرة في العراق، لكن التمارين لا يقبلون هذا الرأي.
28 - حمرة المذنب
هي نخلة حمراء البسرة. والمذنب اسم قرية من قرى القصيم. (ومذنب بفتح الأول).
29 - حميلية
هي نخلة كثيرة الحمل وتلفظ بحاء ساكنة وميم مفتوحة فتحاً ممالا وياء ساكنة يليها لام مكسورة فياء مشددة وهاء في الآخر.
30 - خصية (بالتصغير)
صفراء البسرة. ومعنى خصية الخصية الصغيرة التي هي بيضة الرجل. وتلفظ بخاء معجمة ساكنة ثم صاد مفتوحة فياء مشددة فهاء في الآخر، وسميت كذلك لأنها بقدر خصية الولد.
31 - خضيرية حمرا
هذه النخلة تكثر في السدير والوشم وحوطة بني تميم. وهي رقيقة اللحم(9/761)
ومن هذا اسمها. وتلفظ بخاء محركة مختلسة مبهمة وضاد معجمة ساكنة وراء مكسورة وياء مشددة ثم هاء.
32 - خنزير
هو من أدنى أجناس التمر في نظر أهل البلاد ولا يأكله إلا الفقراء. وسمي كذلك لأنه لا يليق آكله إلا بالخنازير. ويلفظ الخنزير بإسكان الخاء وفتح النون فتحاً ممالا وياء ساكنة وزاي مكسورة ثم ياء وفي الآخر راء.
33 - الخوخة
نخلة صفراء البسرة كأنها الخوخ الأصفر. وتلفظ بخاء معجمة مضمومة ضماً غير صريح يليها واو ساكنة بعدها خاء ثانية وفي الآخر هاء.
34 - الذاوية
نخلة حمراء البسر أصل منبتها السدير وهي بفتح الذال المعجمة يليها ألف ثم واو فياء وهاء ومعناها ذات القشرة الرقيقة.
35 - رزيري
هذا التمر وزين ومن ذلك أسمه لأنه منسوب إلى الرزاز مصفراً والرزاز هو الرصاص،
ويلفظ الرزيزي بإسكان الراء وفتح الزاي فتحاً ممالا ثم ياء ساكنة فزاي مكسورة وفي الآخر ياء مشددة.
36 - رسينية صفرا
تمرة لذيذة الطعم علكة شديد الحلاوة. أول من عني بها رجل أسمه رسيني وتلفظ براء ساكنة وسين مفتوحة فتحاً ممالا وياء ساكنة يليها نون ثم ياء مشددة في الآخر.
37 - رشودية
هي نخلة تنسب إلى رشود، وتلفظ بإسكان الراء وضم الشين المعجمة يليها واو ساكنة ثم دال مهملة مكسورة بعدها ياء مشددة وفي الآخر هاء. ورشود اسم أرض ببريدة. لان هذه النخلة حسن نبتها في تلك الأرض. وتمرة هذه النخلة صفراء اللون.
38 - روثانة بيضا
هي كالسابقة إلا أن صفرتها غير محضة ودون الأولى حلاوة.(9/762)
39 - روثانة صفرا
الروثانة تمرة طويلة الأنف والأنف مستدق التمرة وهي مأخوذة من الروثة التي هي طرف الأنف. وتلفظ بضم الراء ضماً غير صريح وراء ساكنة وتاء مثلثة يليها ألف فنون فهاء. وخلالتها صفراء فاقعة.
40 - شقرا حمرا
نخلة بسرها بين الحمرة والصفرة وليست بكثيرة الحلاوة. وتلفظ قاف شقرا كالجيم المصرية.
41 - زلفية حمرا
نسبة إلى زلفة وهي قرية بين السدير والقصيم، وتلفظ الزلفية بزاي مفتوحة أو مكسورة كسراً غير بين يليها لام ساكنة ففاء مكسورة وياء مشددة ثم هاء. وبسرة هذه النخلة حمراء.
42 - سالمية
صفراء البسر وسالمية في الأصل اسم بستان معروف في عنيزة نسب إلى صاحبه سالم. وتلفظ سالمية بفتح السين بعدها ألف فلام ساكنة فميم مكسورة فياء مشددة مفتوحة وفي الآخر هاء.
43 - سداوية
هي نخلة حمراء البسر أصل منبتها السدير (مصغرة) إلا أن النجدين يلفظونها بإسكان السين وفتح الدال فتحاً ممالا وراء.
44 - سكرية القرعا
هي سكرية مضافة إلى القرعاء مؤنثة الأقرع. وهي اسم قرية لا اسم امرأة. وهي معروفة هناك كثيرة الوجود فيها. وتلفظ قاف القرعاء كالجيم المصرية وبسرتها صفراء.
45 - سكرية الجمعة
الجمعة اسم القرية التي اشتهرت بها، وتمرها أصفر حار صادق الحلاوة كالسكر ولهذا سميت كذلك. وتجمع على سكري.
46 - سكرية زعاق
تمرتها حمراء بديعة وهي منسوبة إلى زعاق. وهو بيت معروف في القصيم(9/763)
عني باستنبات نوى السكرية المأخوذ من قرية الجمعة فجاء من أفخر الضرب من السكري. وتلفظ زعاق بإسكان الزاي يليها عين ثم ألف وفي الآخر قاف تلفظ كالجيم المصرية.
47 - سكرية القدهي
لون رطبها أحمر. وتلفظ قاف القدهي كالجيم المصرية. والقدهي بيت معروف من عنيزة اعتنى أبناؤه بهذا النخل فجاء من أفخر نوعه.
48 - سكرية المذنب
وخلالتها حمراء طيبة لذيذة. والمذنب من قرى القصيم.
49 - سلجة
سجلة مبهمة الحركة بعدها لام ساكنة فجيم مفتوحة وفي الآخر هاء مأخوذة من معنى الطعام السلج أي الطيب الذي يبتلع بلا عسر. وخلالتها صفراء.
50 - صبيحية حمرا
نخلة حمراء البسر إلا أن هذه الحمرة تذكرك لون الفجر. ولهذه سميت صبيحية مصغر صبح مضافة ومؤنثة والفظ بإسكان الصاد وفتح الباء الموحدة فتحاً غير صريح وكسر الحاء وياء مشددة ثم هاء.
51 - صقعية
هي نخلة صفراء الخلال منسوبة إلى صقع، رجل اعتنى بغرسها واستثمارها وتلفظ بصاد محركة حركة مبهمة مختلسة وقاف ساكنة وعين مكسورة يليها ياء مشددة ثم هاء. وقيل أن الصقعية منسوبة إلى الأصيقع وهو موضع في القصيم ويلفظون قافها جيماً.
52 - طيارة
هي نخلة خفيفة التمرة صفراؤها لا يرغب فيها كثيراً.
53 - غريبية
منسوبة إلى غريب رجل معروف. وتلفظ بإسكان الغين المعجمة وفتح الراء فتحاً ممالا يليها ياء ساكنة ثم باء مكسورة فياء مشددة وفي الآخر هاء. وبسرها صفراء.
54 - الفحلة
هذه النخلة تختلف عن سائر النخل وتمتاز عنه بسعف خشن كز كأنه سعف(9/764)
الفحال وبسرتها صفراء ضخمة. وتلفظ الكلمة إذا دخلتها أداة التعريف بفتح الهمزة وبلام محركة حركة مبهمة مختلسة ففاء ساكنة يليها حاء ولام مفتوحان وفي الآخر هاء.
55 - قطارة حمرا
تمرة هذه النخلة من أفخر ما يكون حتى أن دبسها ليقطر قطراً إذا نضجت وتلفظ القاف كالجيم المصرية وطاء مشددة بعد ألف وراء وهاء.
56 - قنطارة
صفراء البسرة اصلها من البصرة وتلفظ بقاف تشبه الجيم المصرية محركة بحركة مبهمة يليها نون ساكنة؛ فطاء فألف فراء فهاء. واصل اللفظ قطارة أي يقطر الدبس منها ويتصبب.
57 - قهارة
هي نخلة تطول أكثر من النخل وتكون متينة الجذع واصلها من نواحي الأحساء، وتلفظ بقاف مفتوحة يليها هاء مشددة فألف فراء فهاء.
58 - كل وأشكر
هذه تمرة صفراء البسرة وسميت كذلك لان حلاوتها تدفعك إلى أن تشكر الله إذا أكلتها. ولهذا قيل: (كل) أمر من فعل آكل. (وأشكر) أمر من فعل شكر.
59 - كل والتذ
تمرتها صفراء وهي إذا أكلتها التذذت بها. ولهذا سموها (كل) أمر من أكل (وألتذ) أمر من التذ.
60 - لاحمية صفرا
نسبة إلى اللاحم بكسر الحاء كسراً غير صريح. وهم جماعة من العرب من أهل القصيم اعتنت بغرس هذا الضرب من النخل. وتلفظ لاحمية بفتح اللام يليها ألف وحاء ساكنة خلافاً لكلمة اللاحم التي تلفظ كما قلنا. يليها الحاء ميم مكسورة ثم ياء مشددة فهاء.
61 - متروثنة
هي نخلة تشبه الروثانة؛ صفراء البسرة. وتلفظ الكلمة بميم محركة(9/765)
حركة مبهمة يليها تاء مثناة ساكنة يعقبها راء مضمومة ضماً غير صريح يليها واو وثاء مثلثة ساكنتان فنون مفتوحة وفي الآخر هاء.
62 - مسكانية
هي تمرة صفراء اللون وتلفظ بميم مبهمة الحركة وسين ساكنة وكاف تلفظ كالجيم الفارسية المثلثة النقط بعدها ألف يليها نون مكسورة فياء مشددة مفتوحة وفي الآخر هاء. ومسكانية منسوبة إلى مسكة؛ وهي قرية من قرى القصيم.
63 - المصياف
هذه النخلة تمرتها حمراء ولا تنضج إلا في أواخر الصيف ومن ذلك أسمها وتلفظ بفتح الميم فتحاً مبهماً خفيفاً يليها صاد ساكنة بعدها ياء فألف وفي الآخر فاء.
64 - مفرحة
بميم وفاء محركتين بحركة مبهمة ثم راء ساكنة يليها حاء مفتوحة ثم هاء. وهي صفراء البسرة، وسميت كذلك لأنها تفرح من يراها بحسن لونها وطعمها وشكلها.
65 - مكتومية
المكتومية هي المسماة بالمكتوم في ديار العراق، والمكتومية نجد أحلى من مكتوم العراق وأحسن وأحر فعلا، كثيرة السكر طيبة علكة متماسكة اللحم. والمكتوم اصلها المكوم لأثر يظهر على ظاهرها كأنها آثار كدم. وبسرها صفراء.
66 - منيعية حمرا
منسوبة إلى ابن منيع، وهو رجل شهير من أهل القصيم. وتلفظ منيعية بإسكان الميم وفتح النون فتحاً ممالا وياء ساكنة يليها عين مكسورة بعدها ياء مشددة ثم هاء. وخلالة هذه النخلة حمراء.
67 - منيعية صفرا
هي كالسابقة إلا أن بسرها صفراء.
68 - نبتة ابن راشد
صفر الخلال نسبت إلى الرجل الذي اعتنى بغرسها.(9/766)
69 - نبتة الحصان
هي النخلة عني بغرسها حصان أي بائع أحصنة، كان يتاجر بها بين نجد والبصرة. وبسرتها صفراء.
70 - نبتة حوشان
حوشان اسم بيت معروف أضيفت النبتة إليهم. وتلفظ حوشان بحاء مضمومة ضماً غير صريح يليها واو ساكنة فشين معجمة مفتوحة ثم ألف فنون وبسرها صفراء.
71 - نبتة السعيد
السعيد اسم بيت اعتنى بهذه النخلة فأضيفت إليهم. وتلفظ بلام محركة حركة مبهمة مختلسة يليها سين ساكنة بعدها عين مهملة مكسورة فياء ساكنة وفي الآخر دال مهملة. وبسرة هذه النخلة صفراء.
72 - نبتة سيف
نخلة تمرها أصفر وهي منسوبة إلى رجل غرسها واعتنى بها ورباها.
73 - نبتة شما
شما اسم امرأة ربت النخلة فسميت باسمها.
74 - نبتة الصرينح
هي نخلة صفراء الخلالة منسوبة إلى رجل اسمه الصرينح وتلفظ بصاد محركة حركة مبهمة مختلسة وراء محركة بتلك الحركة يليها ياء ساكنة بعدها نون محركة حركة مبهمة مختلسة وفي الآخر حاء مهملة.
75 - نبتة العقيلي
معنى النبتة النخلة التي اعتنى بغرسها من تنسب إليه. والعقيلي أحد بني عقيل بالتصغير لإعراب معروفين إلا أن العقيلي هنا كان في قرية المذنب، وتلفظ العقيلي باسكن العين وفتح القاف فتحاً ممالا وتلفظ القاف كالجيم الفارسية يليها ياء ساكنة فلام مكسورة وفي الآخر ياء مشددة. تمرة هذه النخلة صفراء اللون.
76 - نبتة عيد
هي نخلة صفراء التمر اعتنى بغرسها وتربيتها رجل من نجد أسمه عيد.(9/767)
77 - نبتة محمد
صفراء البسرة إلى من عني بغرسها.
78 - نبتة مزعل
حمراء البسرة منسوبة إلى الذي أنجبها، ومزعل تلفظ بميم محركة بحركة متهمة وزاي ساكنة ثم عين محركة بحركة مبهمة وفي الآخر لام ساكنة.
79 - نبتة منيف
نخلة صفراء الرطب وهي من غرس منيف أحد مشاهير الرجال في القصيم في سابق العهد. وتلفظ بإسكان الميم وفتح النون وتشديد الياء المحركة بحركة مختلسة وفي الآخر فاء.
80 - نبتة يوسف
هي صفراء البسرة؛ مضافة إلى رجل أنجبها فعرفت به.
81 - ونانة حمرا
يقال أن سبب تسميتها هو أن آكلها يتذكرها طول عمره حتى أنه ليئن (وبلسانهم يون) لكونه لا يجد مثل حلاوتها في ثمر من أثمار الأشجار. والونان: الانان.
ب. م. م
البحر الأحمر لا بحر القلزم
في سفر الخروج (10: 19) فرد الرب ريحاً غربية شديدة فحملت الجراد وطرحته في البحر الأحمر. . .) هكذا في نسخ التوراة العربية المعروفة. أما في النسخة اليسوعية فورد: (في بحر القلزم) وهو غلط صريح لأن (القلزم) هو السد باليونانية. وسميت بالقلزم مدينة ذكرها البلدانيون من عرب وغير عرب.
لكن هذه البلدة لم تكن في عهد يشوع بن نون حتى يسمى البحر بها. إنما العرب أطلقوا هذا الاسم على (البحر الأحمر) بعد بناء المدينة بكثير. فيجب أن يصحح هذا اللفظ في جميع المواطن التي ورد فيها اسم (البحر الأحمر) ويهمل ذكر اسم (بحر قلزم) وهي نحو 35 موطناً لا يسعنا ذكرها هنا.(9/768)
ذييل في المشعشعيين
قال أبو العباس أحمد بن يوسف الدمشقي الفرماني في كتابه أخبار الدول وآثار الأول في تاريخ (ص 337، 338) ما صورته: (وفي سنة تسع وثمانين وثمانمائة بعث يعقوب شاه (بن حسين التركماني) عسكراً كثيراً إلى بلاد المشعشع فكسروه كسراً شنيعاً وكان المشعشع يعد نفسه علوياً ثم تعالى حتى قال: انتقلت روح علي بن أبي طالب - رض - إلي، واستفحل أمره واستولى على بلاد ابن علان).
وجاء في لغة العرب (6: 277) في الحويزة: (ولم يكن للحويزة شأن كبير من أول نهوضها إلى القرن الثامن للهجرة ولكن في غضون القرن التاسع برزت وظهر شأنها وذلك بواسطة المشعشع المتمهدي الذي اختار الحويزة عاصمة لإمارته على البطائح لما رأى فيها من المناعة والمناسبة للموقع، وقد كانت تابعة لحكومة شيراز فواقع المتمهدي، الأمير الشيرازي عدة مواقعات على أبواب الحويزة فشل في بعضها، ونجح في الأخيرة منها فاحتل الحويزة وجعلها قاعدة إمارته فعمرت وتوسعت وهكذا بقيت زاهية في كل زمان إمارة المالي وسقط شأنها بسقوطهم وذلك في القرن الرابع عشر للميلاد فقد انحازت البطائح إلى حكومة العراق وأصبحت إمارة خوزستان في بيت الشيخ جابر أمير المحمرة. فنهضت المحمرة وسقطت الحويزة وهي اليوم قرية واهية تريد أن تنقض وفيها بقية للموالي وبقية لنفوذهم الأدبي قلت:
وحدثني أحد المعاصرين أنه رآهم مرة قد وفدوا على الشيخ خزعل الذي كان أمير خوزستان يستوفون رواتبهم وفي رؤوسهم الصمادات (اليشاميغ) الزرق تعقلها العقل.
وذكرنا في (9: 65) السيد مبارك المشعشعي، ثم رأينا في ص 129 من مختصر تاريخ البصرة (ولم تمض إلى أمر افراسياب أشهر حتى قوي أمره(9/769)
وخافه الأمراء وكان أهلا للإمارة فأحبه الناس لسيرته الحسنة ثم استولى على أكثر الجزائر ومنع ما كان يأخذه من البصرة حاكم الحويزة السيد مبارك خان من الجزائر السنوية التي كانت أشبه بالجزية وكذلك من أخذ شيء من جهة شط العرب الشرقية) وفي الحاشية (يقول المؤرخين (؟) أن السيد مبارك (كذا والصواب: مباركا) هذا هجم بجموعه سنة 1006هـ على قرى البصرة
فقتل ونهب فوجهت الدولة العثمانية ايالة بغداد للوزير حسن باشا وأودعت إليه قيادة جيوش العراق وضمت إليه شهرزور على أن يقمع الفتن التي يثيرها السيد مبارك في جهات البصرة والظاهر أن المؤرخ اخطأ في التاريخ وان الحادثة كانت قبل بيع إمارة البصرة إلى افراسياب). قلت: ولكنه لم يذكر اسم المؤرخ ولا تاريخه ولا دليله على هذا الظاهر.
وجاء في ص 140 عن فرج الله خان الذي قدمنا ذكره: (وبقي الشيخ مانع أميراً على البصرة. إلى سنة (1109) هـ منفرداَ بالحكم والدولة العثمانية لا تبدي حراكا لضعفها وكانت النتيجة أن خدع حاكم الحويزة فرج الله خان مانعاً واستعمل عليه الحيل والدسائس حتى أخرجه من البصرة فاستولى عليها.
استولى فرج الله خان حاكم الحويزة على البصرة كما ذكرها، فلما استتب أمره فيها أستخلف عليها أحد رجاله المدعو داود خان فدخلت البصرة تحت سيادة الفرس (كذا) وبلغ خبر استيلاء فرج الله على البصرة إلى السلطان فلم يشأ أن يتركها له وهو من ولاة الفرس المستقلين في تلك الجهات فوجه ولاية البصرة والي حلب علي باشا وأمره بجمع العساكر من البلاد لقتاله وإخراجه من البصرة. فاجتمعت الجيوش من حلب وديار بكر والموصل وسيواس وبغداد حتى بلغ عدد الجيش نحو الخمسين ألفا - على ما نقل - فسار علي باشا بالجيوش حتى القورنة (كذا والصواب القرنة) في سنة (1111) هـ فسمع داود خان بقدوم هذا الجيش الكبير فانهزم من البصرة (تقدم هذا الخبر) فدخلها علي باشا بدون قتال فدانت له المدينة وما يتبعها من القرى والقبائل فساد الأمن والسكون وعادت البصرة إلى الدولة العثمانية بعد أن ملكها حاكم الحويزة(9/770)
الفارسي (كذا) نحواً من سنتين.
وعند الصديق العزيز المحقق يعقوب سركيس مخطوط بالفارسية في تاريخ المشعشعيين لنور الدين بن نعمة الله الموسوي (راجع 8: 508) من لغة العرب، ولعلي باشا كتاب ألفه في غزواته من بغداد إلى سجاد، ومشعشع، في سنة 992 وهو كتاب مختصر في مجلد سماه ظفر نامة راجع (5: 303، 304) من لغة العرب.
مصطفى جواد
الدوالي أو العريش
كتب إلينا أحد علماء الفرس في سلطان آباد واسمه ميرزا حمد الله الحسيني أنه وجد في مصنف طبي قديم للداء المعروف بالدوالي باسم آخر، هو (العريش) وطلب إلينا أن تفيده عن ورود هذه الكلمة العلمية واللغوية التي في الأيدي وهل هي عربية الأصل. - قلنا: لقد بحثنا ما بلغت إليه تحقيقاتنا فلم نجد من ذكر هذه اللفظة بمعنى الدوالي للداء المذكور، إنما وردت بمعنى (ما ينصب للكرم ليتعلق يه) ومن باب التوسع الكرم نفسه، أي الدوالي ومفردها الدالية من مادة دلا - يدلو. فتكون (العريش) عندنا معرب اللاتنية أو أن اللاتينية مأخوذة من العربية، لان الغربيين يظنون أن اللاتينية مشتقة من أي الملوي إلى الداخل، أو الملوي من باب الإطلاق. على أننا لو قلنا أنها من العربية لكان المعنى أنسب للداء، إذ نعلم أن الدوالي العروق انتفاخاً دائماً، فتظهر تلك العروق بشكل دالية متفرعة ذاهبة في أنحاء مختلفة. وأنت تعلم أن حرف الإفرنجي يقابل حرفاً حلقياً في اللغات السامية والحرف كثيراً ما يأتي بازاء (ش) العربي. نعم أن هذا الحرف تقابله أحرف أخرى في لغتنا كالكاف والقاف والحاء والخاء إلى غيرها؛ إلا أنه هنا يقابل الشين على ما ذكرناه لك. وهناك كلم أخرى قوبلت فيها ال الإفرنجية بالشين أيضاً، لكن لا محل لذكرها الآن. ولعلنا نذكرها في فرصة أخرى. وعلى كل حال فالمسألة تستحق التأمل.(9/771)
فوائد لغوية
نقد معجم الأدباء
- 4 -
46 - وفي ص 331 (سيف المشيب على المفارق منتضا) والصواب (منتضى).
47 - وجاء في ص 337 عن فأرتين (وجعلا يلعبان. . . وكانت بيدي طلبية فأكببتها عليها فجاءت صاحبتها فدخل سربه). قال العلامة مرجليوث في الحاشية (الضمائر الواردة بعد ذلك كلها بالتذكير خلافاً لما يقتضيه السياق المتقدم ولعل الأصل كل فيه: ودخل صاحبها سربه) قلنا: ليس السياق بمقتض للتأنيث ولا للتذكير إنما يجوز فيه الوجهان لان تاء (الفأرة) للأفراد لا للتأنيث كتاء البقرة والحمامة والبطة والدجاجة ويفرق بين الذكر والأنثى
عند اجتماعهما (بهذا) و (هذي) و (الذي) و (التي) و (ذكر) و (أنثى) كأن يقال (خرجت الفأرة الذكر) ولا حاظر في العربية من استعمال ذي الوجهين المستويين بوجهيه في عبارة واحدة ومنه قول الإمام علي - ع - في نهج البلاغة (إنه لا غناء في كثرة عددهم مع قلة اجتماع قلوبكم، لقد حملتكم على الطريق الواضح التي لا يهلك عليها إلا هالك، من استقام فإلى الجنة ومن زل فإلى النار) وقد ذكر (الطريق) وأنثه في تعبير واحد لجواز الوجهين فيه، ومنه قول سيبويه (حاشى: حرف يخفض ما بعده كما تخفض حتى وفيها معنى الاستثناء، فذهب في تذكير (حاشى) إلى الحرف وفي التأنيث إلى الكلمة.
48 - وجاء في ص 349 (ولا يرقبون في مؤمن إلا) قال مرجليوث (يعني يرعون) قلنا: (والصواب (لا يرعون) لأنه بقوله (يعني) اسند(9/772)
الفعل إلى صاحبه فاستوجب النفي، ولو كان قد قال (معنى يرقبون: يرعون) لصح:
49 - وفي ص 358 (انشدي أبو اسحق يحيى بن إسماعيل المنشئ الطغرائي قال: سمعت والدي ينشد لنفسه مرثياً للابيوردي) قلنا فهو إذن (ابن أبي إسماعيل) لا (ابن إسماعيل) قال صاحب الوفيات (العميد فخر الكتاب أبو إسمعيل الحسين بن علي. . . المنشئ المعروف بالطغرائي) وفي ص 182 من الجزء هذا (وكتب إلى المؤيد أبي إسمعيل الطغرائي).
50 - وفي ص 362 (يا ابن الآلي جادوا وقد بخل الملا) والصواب: الآلى بإهمال الياء.
51 - وجاء في ص 363 من ترجمة (محمد ابن جيا شرف الكتاب) ما صورته (ومن كلامه في جواب رسالة لابن الحريري كتبها إلى سديد الدولة ابن الانباري يشكره) فعلق به (راجع صفحة 182) والصواب أن يقول (راجع ص 174) ففيها (وكتب ابن الحريري إلى سد يد الدولة محمد بن عبد الكريم الانباري كتاباً).
52 - وفي ص 368 قول الشافعي (ولدت باليمن فخافت أمي على الضيعة فحملتني إلى مكة) ولعل الأصل (علي) أي بجر ياء المتكلم.
53 - وورد في ص 373 (طعنك. . . إن كنت أردت رجلا واحداً. . .) فعلق به (لعله سقط: به) قلنا هذا مما لا يستوجب التعليق لان حذف الضمير في مثل هذا جائز ألا ترى إلى قوله تعالى (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا) والتقدير (فانتهوا عنه) ومنه قول عتبة بن ربيعة ابن عبد شمس كما في (3: 462) من شرح النهج (الذي هجاهم في غير(9/773)
ذنب اجترموا إليه) والتقدير (اجترموه) ومنه قوله تعالى في سورة البقرة بآية (47) (واتقوا يوماً لا يجزي نفس عن نفس شيئاً) والتقدير (لا تجزي فيه. . .).
54 - وجاء في ص 395 (وأمر فتيان فضرب بالسياط وطيف به على جمل) والصواب (بفتيان) لأنه المضروب يقال (أمر بفلان كذا) أي (الزم بفلان أن يفعل به كذا) وليس في الفعل (أمر) استعداد لنصب ثلاثة مفاعيل (راجع لغة العرب 9: 253، 254) ولكنك تقول (أمرتك الخير) لاشتراك الكاف والخير في المفعولية.
55 - وورد في ص 407 لأبي النضر محمد النحوي المصري:
فلو تراني إذا انتشيت وقد ... حركت كفي بها من الطرب
قال مرجليوث معلقاً ب (انتشيت) ما نصه (في الأصل: انتشأت) قلنا فلينظر إلى ص 256 فقد ورد هكذا:
فلو رآني إذا اتكأت وقد ... مددت كفي للهو وللطرب
وفيها (من لازورد يشف من ذهب) وفي ص 256 (يشف عن ذهب) وهو الصواب.
56 - وجاء في ص 420 عن محمد بن زيد الداعي (وهو الذي كان أبو مسلم محمد بن بحر الأصفهاني. . . قد صار عامل أصبهان و. . . يكتب له ويتولى أمره) والصواب (وقد
صار. .) لان الجملة اعتراضيه مسبوقة بواو الاستئناف ولان خبر (كان) هو جملة (يكتب) من الفعل والفاعل لا جملة (قد صار. . .).
57 - وجاء في ص 423 (علام ما مشكل مستبهم) فقال في الحاشية (لعله: علامة) قلنا فيكون الشطر (علامة ما مشكل مستبهم) وليس على شيء من أسلوب العرب والراجح (علام ما هو مشكل مستبهم) لان الصلة من اسم الفاعل واسم المفعول والصفة المشبهة وافعل التفضيل المجردات من (أل الموصولة) لا تستقيم به ضمير فتقول (أقض ما أنت قاض) و (أفعل ما هو محمود)(9/774)
و (صادق من هو وفي) و (لا تحتقر من هو أضعف منك) والأفصح بال الموصولة ولكن الشاعر مضطراً.
58 - وفي ص 435 (قال له أبو جعفر: هذا خطأ من جهة كذا ومثلي لا يذاكر به فيخجل وينقطع) قال مرجليوث (في الأصل اضطراب ويظهر أنه قد سقطت جملة) ونحن لا نرى اضطراباً فيه ولا يظهر لنا سقوط جملة منه فأنه مستقيم.
59 - وفي ص 442 عن الطبري (وعجبت من ذلك مع قراءته لحمزة وتجويد له) قال بالحاشية (لعله: لها) والصواب الأصل فالضمير يعود إلى (حمزة) والتجويد معطوف على (القراءة) وجاره كجارها.
60 - وجاء في ص 460 عن الطبري أيضاً (وكان أبو القاسم سليمان بن فهد الموصلي يهدي له العسل، ويقبله منه، فلما مات وجد عنده إحدى عشرة جرة عسلا ومنها ما قد نقص منه) قلنا: والراجح أنه (وما منها ما قد نقص منه) لأنه كان يكره العسل ألا ترى إلى قوله في ص 459 في السمسم والشهد (إنهما يفسدان المعدة ويغيران النكهة).
61 - وجاء في ص 463 قول محمد بن جعفر الصيدلاني:
وقينة أن تشأ غنتك من طرب ... (ودع هريرة أن الركب مراحل)
فقال مرجليوث (راجع الأغاني 8: 99) قلنا: هو من أصوات معبد الخمسة وقد أشار إليهن المبرد في الكامل قبل صاحب الأغاني فراجع (2: 203) من الكامل طبعة المطبعة الأزهرية.
62 - وفي ص 477 (إذا ردع النفس الهدى سطاها) والراجح (إذا ردع النفس الهدي شطاها) ليستقيم الوزن ويتكون المعنى فالهدي بمعنى المهدية و (شطاها) مخفف (شطأها)
المهموزاي قهرها وانكصها.
63 - وفي ص 481 (لاحت خلفها) والمعروف (مخايل) بالياء جمع (مخيلة) وتشبيه الأصلي بالزائد ليس مطرداً فنعدها من باب (مصائب ومنائر) جمع مصيبة ومنارة. ولكن ابن جني يقول في التصريف الملوكي (إذا كان قبل إلف التكسير وبعدها (حرفا علة) وجاور ما بعد الألف (الطرف)(9/775)
قلبت الحرف الآخر من المعتل همزة وذلك نحو (أوائل) اصلها (اواول) فلما اكتشفت الألف (الواوان) وقربت الأخرى من (الطرف) قبلت همزة وكذلك (عيل وعيائل ووسيقة وسيائق) هذا مذهب صاحب الكتاب، وأبو الحسن يخالفه فلا يهمز إلا في الواوين جميعاً خاصة فان تراخى (الطرف) بحاجز صح في القولين جميعاً وذلك نحو طواويس ونواريس).
وقد عرف أن (كل واو انضمت لغير علة جاز همزها وتركها على حالها (والعلة أن تكون ضمتها أعراباً مثل (هذا غزو) و (تلك دلو) أو خوفاً من التقاء ساكنين مثل (اخشوا الرجل، ولتبلون في أموالكم)) وبهذه القاعدة جاز أن تقول (أدور وأدؤر) و (القوول والقؤول) و (وجوه وأجوه) و (وقتت وأقتت).
وقال الفراء (ربما خرجت بهم فصاحتهم إلى همز ما ليس بمهموز قالوا: لبأ بالحج وحلأ السويق ورثأ الميت فالإنسان يحير.
64 - وجاء في ص 483 من ترجمة أبي بكر محمد بن دريد (مات. . . سنة 321 وفي هذا اليوم مات أبو هاشم عبد السلام بن محمد فقيل مات علم اللغة والكلام) فعلق به الأستاذ مرجلبوث (لعله: علما) قلنا: إن الأصل صحيح وقد ورد في (2: 76) من وفيات ابن خلكان، على أن ما رجا الأستاذ في التعبير أن يكونه هو الأفصح (راجع لغة العرب 7: 635) أما الوجه العقلي لصحة هذا التعبير وأمثاله فهو أن المضاف لاشتهاره وعمومه وعدم التباسه بغير جاز حذفه بعد واو العطف فلم يتكرر لان الأصل (علم اللغة وعلم الكلام) ومنه قوله في (ب خ ل) من المختار (بخل بكذا من باب فهم وطرب) وفي (ب ط ش) قال: (وقد بطش به من باب ضرب ونصر) وقلنا في المادة الأولى (في ما أثره باب قتل وضرب).
65 - وفي ص 484 من ترجمة ابن دريد أيضاً (ثم صار إلى عمان فأقام(9/776)
بها مدة (12
سنة في الوفيات) ثم صار إلى جزيرة ابن عمارة ثم صار إلى فارس) فعلق به (لعله يزيد: عمر) ونحن نستغرب هذا التعليق كل الاستغراب لان المراد بهذه الجزيرة جزيرة بحر لا الجزيرة. أفلم ير في الصفحة نفسها (وحدث أبو بكر ابن علي قال: أبو بكر ابن دريد: بصري المولد ونشأ بعمان وتنقل في جزائر البحر والبصرة وفارس)؟
66 - وجاء في ص 490: (حدثني أبو العباس الميكالي قال: أملى علي أبو بكر الدريدي كتاب الجمهرة من أوله إلى آخره حفظاً في سنة 297 فما رأيته استعان عليه بالنظر في شيء من الكتب إلا في باب الهمزة واللفيف) قال مرجلوث في اللفيف (لعله: الألف) ونحن ما نعرف الصارف للأستاذ عن اللفيف إلى الألف، ففي (1: 58) من المزهر: (وقال بعضهم: أملي ابن دريد الجمهرة في فارس ثم أملاها بالبصرة وببغداد من حفظه ولم يستعن عليها بالنظر في شيء من الكتب إلا في الهمزة واللفيف. . .) وأراد باللفيف (ما كنت فاؤه ولامة حرفي علة وما عينه ولامه حرفا علة فالأول المفروق نحو (وعى، وفى، ونى) والثاني المقرون نحو (عوى، وغوى، وهوى) وسبب ذلك أن ابن دريد لم يكن صرفياً ولذلك قال ابن جني في الخصائص - على ما في (1: 57) من المزهر: (وأما كتاب الجمهرة ففيه أيضاً من اضطراب التصنيف وفساد التصريف ما أعذر واضعه فيه لبعده عن معرفة هذا الأمر) أي التصريف: فأما الألف فلجهله مواضع زيادتها وأصالتها، وأما اللفيف فمثل (ارعوى يرعوي) أيوضع في مادة (رعى) أم في غيرها؟
67 - وفي ص 497 (صانك الله عن مقام الدنات) والصواب (الدناة).
68 - وفي ص 507 (إذا كان بعض الناس سيف لدولة) والصواب (سيفاً) وهذا موقفنا وقد بقي شيء كثير أهملناه سأما من نصب النقد.
خاتمة تاريخية
جاء في ص 523: (فرغ من نقله وما قبله من الأجزاء الفقير إلى عفو الله ومسامحة لؤلؤ بن عبد عتيق السعيد الشهيد شرف الدين أبي الفضل محمد بن موسى بن جعفر بن احمد بن محمد الطاوس العلوي الحسني في أواخر(9/777)
صفر ختم بالخير من سنة تسع وسبعين وستمائة هلالية (كذا) ببغداد) قلنا: ووصفة بالشهيد لان هولاكو لما استحوذ على بغداد سنة 656 أمر بقتله، قال في الحوادث الجامعة: (ثم قتل مجاهد الدين أيبك الدويدار الصغير. .
والنقيب الطاهر شمس الدين علي بن مختار وشرف الدين محمد ابن طاوس) وفي عمدة الطالب ص 168 (ومنهم أبو عبد الله محمد الطاوس بن اسحق المذكور لقب بالطاوس لحسن وجهه وجماله، وولده كانوا بسوارء المدينة ثم انتقلوا إلى بغداد والحلة وهم سادات وعلماء ونقباء معظمون؛ منهم السيد الزاهد سعد الدين أبو إبراهيم موسى بن جعفر بن محمد بن احمد (ورد في معجم الأدباء: محمد) بن محمد بن احمد ابن محمد الطاوس، كان له أربعة بنين شرف الدين محمد. . . أما شرف الدين محمد فدرج. . .) وفي الحاشية (كانت وفاة السيد عز الدين الحسم سنة (أربع وخمسين وستمائة)، وأما شرف الدين محمد فقتل ببغداد في غلبة التتار في سنة ست وخمسين وستمائة).
من عيوب الفهرس
1 - قد مر شيء منها وقد وضع (جمال الدين أبا غانم محمد المذكور في صفحة 19 بين أبي (جرادة) و (الجرمي) ثم ذكره بعد ابن (جلباب) لصفحة 33 وكلاهما واحد.
2 - هشام بن معاوية الضرير ذكر في ص 83 بسطر (11) وهو في سطر (12).
مصطفى جواد(9/778)
باب المكاتبة والمذاكرة
البانكة
سيدي الفاضل منشئ مجلة العرب المحترم.
إني من المعجبين بما تخطه براعتكم من التحقيق والتدقيق، ولهذا تراني أطالع مجلتكم من أولها إلى آخرها، قصد اقتباس الفوائد من خلال سطورها.
ورد إلي الجزء الثامن من السنة التاسعة. فأخذت أطالعه كعادتي. ولفت نظري ما جاء في ص 621 - 623 بعنوان (البانكة) فقد ذهبتم إلى أن هذه اللفظة فارسية الأصل، محرفة عن (بادفر) بمعناها؛ غير أنى أرى أن هذه الكلمة هندية النجار، ومعناها المروحة؛ وقد راجعت المعاجم الإنكليزية التي بيدي، فوجدتها كلها أجمعت على ذلك، وصورتها هكذا
ووولزيادة البيان أقول: جاء في معجم جمبرس الإنكليزي الذي اسمه القرن العشرون؛ لمؤلفه القس توماس دافسن المطبوع في لندن عام 1908 ما ترجمته:
(البانكة: مروحة كبيرة يبرد بها هواء الدار الهندية وهي إطار دقيق مغشى بنسيج يعلق بسقف الغرفة ويجر بحبل أو بآلة. والكلمة هندية معناها المروحة.)
ومن أسماء المروحة بالفارسية (بادكش) و (بادبان) والأخيرة وردت بمعنى المروحة والشراع.
أما باذكار فجمعها باذكارات، فهي من بادكر أو بادكرد الفارسية ومعناها مسبب أو محرك الهواء وتفيد المروحة أيضاً. واليوم يستعمل البغداديون (البادكير) (للبادهنج) في عصر العباسين وهو المنفذ الذي يجيء منه الريح.
بغداد:
رزوق عيسى(9/779)
كلمة ياسج
جاء في هذه المجلة في عددها السابق (9: 648) لفظة (ياسج) عند الكلام عن جرح
المشعشع السيد السلطان علي بن محمد من قبل رجل نزل من قلعة بهبهان لما كان محاصراً لها، حيث قيل: (. . . فمد القوس ورماه ب (ياسج؟) فخرقه من حالبه إلى وركه. . .). بحثت عن هذه الكلمة فوجدتها في معجم (فرنسيس جنسن) الفارسي العربي الإنكليزي المطبوع في لندن سنة 1852. وهذا ما قيل هناك بحرفه:
ياسج ياسج وهذه ترجمة:
ف (أي فارسي) ياسج (بكسر السين وبجيم عربية) (أو ياسج) (بضم السين وبجيم فارسية مثلثة) سهم محدد الطرف. سهم عليه اسم ملك.
والذي يوافق سياق الكلام هنا السهم المحدد. فتكون الياء في (ياسج) الواردة في المتن زائدة، أو يقال أن نقطتي الياء ونقطة الجيم هي غلط في النقط الثلاث للجيم الفارسية. ويقابل الياسج في العربية الفصحى: السهم المؤلل، والمذلق، والرهيش، والمحذلق.
الدكتور داود الجلبي
نظرات
جاء في 6 ص 92 س9 (احمد بن الحسن بن الحر العاملي) والصواب احمد ابن الحسن الحر العاملي. فأسرة الحر من الأسر الشيعية في جبل عامل بسورية يعرف كل من أبنائها بالحر ويقال أنها تمت بنسبها العريق إلى الحر بن يزيد الرياحي شهيد الطف فحينئذ لا يصح أن نقول: الحسن بن الحر إذ أن الحسن هو ابن علي ابن محمد وليس بابن الحر.
وفي 6ص 96 س9 (خزانة كتب النجف آبادي) والنجف آبادي هو الحاج الملا علي محمد النجف آبادي وخزانة كتبه معروفة ب (الحسينية) (عن مجلة المرشد 4: 283). وفي الصفحة المذكورة س25: (ايالة كردستان الإيرانية) وليس في إيران سوى أربع ايالات: (1) ايالة آذربيجان (2) ايالة خراسان (3) ايالة فارس (4) ايالة كرمان. أما كردستان فهي ولاية (انظر كتاب أصول علم جغرافيا للميرزا عبد الرزاق خان السرتيب ص 50 والكتاب مطبوع في طهران في سنة 1328هـ).
محمد مهدي العلوي(9/780)
أسئلة وأجوبة
القطارة أو الساعة المائية
س. الله آباد (الهند) السيد. م. م الحسني. ما كانت الساعة التي أهداها هرون الرشيد إلى شرلمان؟ وما تسمى في العربية؟ وكيف كان صنعها؟ وهل ورد ذكرها في التاريخ؟ وهل عرف العرب اتخاذ تلك الساعات قبل زمن العباسيين؟
ج. المشهور أن الساعة التي أهداها هرون الرشيد كانت ساعة مائية على ما نقل لنا مؤرخو الإفرنج وأخبار يوهم في كتب التاريخ.
واسمها عند الإفرنج وسماها بعض كتبة العرب الساعة المائية، واسمها الحقيقي في لغتنا: (القطارة). وفي معجم لاروس الذي يرى في المدارس: (أهدى هرون الرشيد إلى شرلمان قطارة بديعة). والكلمة الإفرنجية من اصل يوناني من أي أخفى أي ماء فيكون محصلها (مخية الماء. وقد ذكر لاروس في معجمه الوسط أن فتروف يعزو اختراعها إلى كتيسبيوس الحيلي المشهور، وكان عائشاً في مصر في نحو سنة 124ق. م. إلا أنه يخالفه بقوله أن القطارة كانت مستعملة في الصين وديار مصر. وكان الغالبون (وهم الفرنسيون الأقدمون) عرفوها قبل قدوم قيصر إليها إذ دهش لوجودها في غالية.
أما أن العرب عرفوها في الجاهلية فظاهر مما ذكره الهمداني في كتابه الإكليل في الجزء الثامن منه الذي أتممنا الآن نشره من مدفنه (في ص 16 من طبعتنا) عند وصفه غمدان مأرب، قال:
. . . وبكل ركن رأس نسر طائر ... أو رأس ليث من نحاس يزأر
متضمناً في صدره (قطارة) ... لحساب أجزاء النهار تقطر. . .(9/781)
فهذا نص واضح على وجود القطارة في صدر القصر على حد ما يرى في ديار الغرب، إذ كثيراً ما تقام الساعات الكبار في صدور الابنية، ولا سيما أبنية الحكومة. نعم أن (القطارة) اسم عام يشمل كل آلة تقطر الماء، على أن تخصيصها هنا بالساعة المائية أمر لا ينكر.
وصنعها يختلف في الشكل والهيئة والجرم والطول والعرض، إلا أن المبدأ الذي توضع عليه واحد. وقد وصف الغزالي صنع ساعة قطارة للصلاة. قال: (إن صندوق الساعات
التي بها نتعرف أوقات الصلوات يتركب من آلة على شكل اسطوانة، تحتوي مقداراً من الماء معلوماً. وآلة أخرى مجوفة موضوعة فبها فوق الماء، وخيط مشدود أحد طرفيه في هذه الآلة المجوفة، وطرفه الآخر في اسفل ظرف صغير موضوع فوق الآلة المجوفة، وفيه كرة، وتحته طاس، بحيث لو سقطت الكرة وقعت في الطاس وسمع طنينها. ثم يثقب اسفل الآلة الأسطوانية ثقباً بقدر معلوم ينزل الماء منه قليلا قليلا، فإذا انخفض الماء انخفضت الآلة المجوفة الموضوعة على وجه الماء، فامتد الخيط المشدود بها، فحرك الظرف الذي فيه الكرة تحريكا يقربه من الانتكاس إلى أن ينتكس، فتتدحرج منه الكرة وتقع في الطاس، وتطن، وعند انقضاء كل ساعة تقع واحدة.
وإنما يتقدر الفصل بين الوقتين خروج الماء وانخفاضه، وذلك بتقدير سعة الثقب الذي يخرج منه الماء. ويعرف ذلك بطريق الحساب فيكون نزول الماء بمقدار معلوم، بسبب تقدير سعة الثقب معلوم، ويكون أعلى الماء بذلك المقدار، ويتقدر به انخفاض الآلة المجوفة وانجرار الخيط المشدود بها. ويولد الحركة في الظرف الذي في الكرة. وكل ذلك يتقدر بتقدر سعته لا يزيد ولا ينقص. ويمكن أن يجعل وقوع الكرة في الطاس سبباً لحركة أخرى وتكون الحركة الأخرى سبباً لحركة ثالثة، وهكذا إلى درجات كثيرة حتى يتولد منها حركات عجيبة مقدرة بمقادير محدودة. وسببها الأول نزول الماء بقدر معلوم.) أهـ
ولم نجد مؤرخا عربياً قديماً ذكر هدية هرون الرشيد لقارله (هكذا اسمي المسعودي وابن الأثير وغيرهما شرلمان أي شارل الكبير أو قارله العظيم)(9/782)
وسبب سكوت إخباريينا عن التصريح هو أن السلف كبار النفوس أباه لا يذكرون الهدايا إذا ما جادوا بها بل يسكتون عنها، لان من أمثالهم قولهم: (المن يبطل المن) أما الذين ذكروها في المائة المنصرمة وهذه المائة فقد أخذوا الخبر عن الغربيين لا عن كتبتنا.
وصنع هذه الساعات المائية معروف في جزيرة العرب قبل أن يصنعها إخوانهم العراقيون. وما نقلناه من كلام الهمداني في صدر جوابنا هذا دليل واضح على أن اليمانين كان يحكمون صنع أشياء أخرى. أشار إليها الهمداني في كتابه الإكليل المذكور.
الخص
بغداد: ت. م. م. من مبادئكم اللغوية: إن ما كان من الكلم اليونانية والرومية مثنى الهجاء له
صلة بالعربية. وهذه كلمة اللاتينية فبأي كلمة عربية تتصل؟
ج. معنى اللاتينية البيت من القصب والكوخ والبيت الحقير، وهو يتصل (بالخص العربية (بالضم) قال المجد الفيروز ابادي: (الخص، بالضم: البيت من القصب أو البيت يسقف بخشبة كالازج.) أهـ
الكاسة والمكناسة
ومنه: يسمي بعض البغداديين الغضارة: الكاسة آخرون (المنكاسة) فمن أين جاءتنا هتان اللفظتان؟
ج. الذي عندنا أن الكاسة جاءتنا عن طريق الترك الذين يخففون كل حرف عربي فخم. واصلها (القصعة) أي ق - ك. وص - س. وع - أ. - وفيها قدمت الألف على الصاد من باب القلب المكاني. وأما (المنكاسة فنظنها تصحيف ميكاسة من (مي) الفارسية أي خمر، وكاسة أي القصعة، فيكون معناها (الباطية) أو قصعة الخمر، لان توضع فيها.(9/783)
باب المشارفة والانتقاد
100 - كتاب فرق الشيعة
تأليف أبي محمد الحسن بن موسى النوبختي، عني بتصحيحه هملت ريتر، طبع في استانبول بمطبعة الدولة سنة 1931.
لجمعية المستشرقين الألمانية أياد بيض على إحياء آثار السلف. فهي تعنى بنشر أحاسن المؤلفات العربية وأطايبها، وقد عنونتها ب (النشريات الإسلامية) وقد جادت علينا هذه الجمعية بثلاثة مصنفات نشرتها في هذا العام وهي: كتاب فرق الشيعة، والوافي بالوفيات (الجزء الأول منه) وبدائع الزهور لابن اياس (الجزء الرابع منه) فنتعرض هنا لذكر (فرق الشيعة).
هذا الكتاب نادر النسخ. وهو جليل لأنه يطلعنا على أنواع المقالات التي قال بها الشيعة منذ نشأتها إلى عهد المؤلف الذي طوى أيامه بين أواسط القرن الثالث ورأس المائة الرابعة. والوقوف على المذاهب وتاريخها من ألذ المباحث واجلها في هذه السنين، إذ انصرف هم الناس إليها. إن في ديار العرب وان في ديار الغرب.
ومما يزيد في ثمن هذا السفر أن الأستاذ هبة الدين الشهرستاني وضع ترجمة لمؤلفه وقعت في 13 صفحة، وأجاد فيها كل الإجادة. هذا فضلا عن مقدمة الناشر صديقنا الدكتور هملت ريتر. وعن الحواشي التي طرز بها الكتاب.
وفي مطاوي مطالعتنا لصفحاته عثرنا على بعض ألفاظ شككنا في صحتها، نذكرها هنا مع ما يبدو لنا في تصحيحها بغض النظر عما ورد من هذا القبيل في الصفحات المحصورة بين ص (هـ) وص (كز).
ص7 س
8
وجميع الكلمة: وجمع الكلمة
11 4 فيكلفم: فيكلفهم(9/784)
19 6 اللتان ينتحلان:. . . تنتحلان
24 13 فلما توفي محمد بن الحنفية بالمدينة: في الطبري انه توفي بالطائف وفي نسب أمه خولة اختلاف عظيم عما في الطبري إذ ورد فيه: ابن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدول ابن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر (راجع: 3472)
25 13 فشدهم في إطناب القصب: في إطناب القصب؛ إذ لا إطناب للقصب حتى يشد فيها. أما الإطناب فجمع طن وطن جمع طنة وهي حزمة القصب
26 4 تغذوه الاماري (؟): تغذوه الارواي جمع أروية.
31 6 فامرر لأصحاب (؟) عبد الله: فاتزر لأصحاب عبد الله (من الوزر).
35 11 في كل عصر وزمانة: وزمان
43 11 زيد منات: زيد مناة
43 11 تيم الله: تيم اللات
54 1 وانه قتل (؟): وانه نقل
59 8 والسكاكين كانت بعضهم جعلوا القصب مكان الرماح: والسكاكين كانت لبعضهم وجعلوا القصب مكان الرماح.
65 4 بشبهني يشبهني
67 9 سمه في رطب وعنب بعث بها إليه. بعث بهما إليه (وان كان لذلك القول وجه)
77 13 خلين من رجب: خلون. . . وكذلك في ص 79: 10
79 16 عشره: عشرة
وجاء رسم الهمزة في هذا الكتاب مخالفا لما تواضع عليه الكتاب وكان الأوجه أن يتبع المنهج الذي اتفق عليه أهل العصر والتحقيق، وينبذ المنهج القديم وان ورد الرسم موافقاً للأصل.(9/785)
101 - كتاب بدائع الزهور في وقائع الدهور
لمحمد بن احمد بن اياس الحنفي، الجزء الرابع من سنة 906 إلى سنة 921، باعتناء باول كاله ومحمد مصطفى ومورتس سوبر نهيم، طبع في استانبول في مطبعة الدولة سنة 1931 في 502 ص بقطع الثمن.
قال أحد ناشري هذا الكتاب وهو باول كاله: (تاريخ ابن اياس المسمى بدائع الزهور، في
وقائع الدهور، طبع سنة 1312 هجرية (الهجرية) بمطبعة بولاق الأميرية، على ذمة الكتبخانة الخديوية عن نسخة خطية انتهت كتابتها سنة 1295 هجرية (الهجرية) موجودة الآن بدار الكتب المذكورة. ولا يخفى أن تاريخ السنوات 906 - 921هـ لم يذكر في هذه النسخة، وذلك لنقصانه في النسخ الخطية الموجودة في مصر وفي اغلب النسخ الأوربية. وهذا الجزء من التاريخ يوجد فقط في نسختين منسوختين عن نسخة المؤلف في سنة 1127 أحدهما في باريس (في الخزانة الأهلية 1824) وتشمل على سنة 891 - 912هـ والأخرى في لنينجراد (دار التحف الآسيوية. روزن 46) وتشمل على سنة 912 - 921 هجرية (الهجرية).
(وعندما فكرت في نشر هذا الجزء من التاريخ في (النشريات الإسلامية) مع محمد مصطفى مدرس اللغة العربية بجامعة (بن) قدم لنا الأستاذ موريتس سوبر نهيم نسخة كان قد استكتبها عن هاتين النسختين لنفسه. وبحصولها على نسخة لنينجراد وعلى نسخو مصورة عن نسخة باريس اطلعنا على نسخة سوبر نهيم وقابلناهما بهما. ثم أرسلناها إلى استانبول (ثم أرسلنا بها إلى استانبول) حيث طبعت في مطبعة الدولة وجرى تصحيح ملازمها بمساعدة هـ. ريتر. وقد اطلع سوبر تهيم أيضاً على الملازم المطبوعة وكتب لنا عنها عدة ملحوظات تختص بجدول الخطأ والصواب وبمعجم الكلمات المستغربة الذي عند انتهائنا من طبع التاريخ.) أهـ كلام الناشر.
وبين هذه الصفحة كلام وقع في 29 صفحة وكله بالألمانية وكنا نتمنى أن يكون بالعربية ليستفيد منه قراء هذا السفر الجليل.(9/786)
ونزيد على كل ما قيل أن الكتاب حسن الورق والطبع وقد بذل أقصى الجهد لإخراجه بأحسن صورة ممكنة.
على أننا لاحظنا في النص أغلاطا عديدة لا نعلم أهي من النسخة الأصلية أم من المنضد. نذكر لذلك ما ورد في ص 4 س6 فيمن يولوه، فكتب القاضي الحنبلي صورة محضراً. . (س 7) بأنه سفاكا (س 13). . . نايم. . . (س 18) وجلس على سرير الملك والباقي للزوال نحواً من خمسة وعشرين درجة. والصواب: في من يولونه. . . صورة محضر. . . بأنه سفاك. . . نائم. . . نحو من خمس وعشرين درجة. وهكذا كل صفحة لا تخلو من
عدة أوهام. - قلنا: فإذا كانت هذه الزلات من المؤلف نقسه فيحسن أن ينبه عليها في الحاشية، أو لا اقل من أن يردف الغلط بكلمة (كذا) لينتبه المطالع. أما إذا كان الخلاف، فكان يحسن تصحيحها.
على أن الإخباري الذي يتطلب حقائق الوقائع لا يهمه هذه المزالق الطفيفة، إذ غايته القصوى التقاط الأخبار من معادنها الثمينة لا غير.
102 - كتاب الوافي بالوفيات
لصلاح الدين خليل بن ايبك الصفدي، الجزء الأول وعدد صفحاته 385 بقطع الثمن، (يبتدئ بترجمة محمد بن محمد وينتهي بترجمة محمد بن إبراهيم بن عبد الرحمن)، باعتناء هـ. ريتر، طبع في أستانبول بمطبعة الدولة سنة 1931.
الوافي بالوفيات من أوسع الكتب في التراجم يدخل في نحو ثلاثين مجلداً لكنها لا ترى مجموعة في خزانة من خزائن الكتب المعروفة في الشرق والغرب.
بل ترى مبثوثة في مواطن عديدة من أمصار العالم (راجع مقدمة الناشر ص (أ)).
ولا جرم أن جمعية المستشرقين الألمانية تخدم العالم خدمة جليلة بإخراج هذا الكنز من مدافنه المختلفة وتخدم العرب خدمة أخص بوضع هذا النور الجديد على منار بحار العرفان، ليستضئ بسناه كل من يهمه أدب الشرق وفضله على المنتمين إلى الحضارة العصرية.
هذا المجلد مطبوع بخاتم التحقيق والتدقيق في كل صفحة من صفحاته على(9/787)
غرار ما توشيه العصابة الألمانية من مطبوعاتها. وما من أحد يجهل الدكتور هملت ريتر، ولا سيما البغداديون فانهم يعرفونه كل المعرفة منذ سني الحرب فكان يجول من بيت إلى بيت ومن خزانة إلى خزانة باحثاً عن غرر التصانيف، بل درها، لا بل دراريها. وقد حصل على شيء كثار لا يستهان به. وفي كل سنة نراه يخرج لنا أثرا من متاعبه، وهذا الكتاب من اجل ما يستفيد منه عالم الأدب.
وقد ترجم صاحبه في هذا الجزء فقط 246 رجلا. وجميعهم تبتدئ اسأميهم بمحمد، وهو لن ينته من ذكرهم، بل لا بد له من أن يتابع المحمدين في الجزء الثاني.
وفي بعض الصفحات تعاليق في غاية الفائدة. ومن جملة أصحاب هذه الطرر (المعلم رفعت
بك) الذي استنسخ النسخة الأصلية على وجه الصحة، وعلق على المتن من التعليقات المفيدة ما يحق للناظر في هذا الكتاب أن يشكره عليه (راجع المقدمة ص (و)) وقد رمز إلى هذه الهوامش بحرف (م). وقد أنعمنا النظر في كثير منه فوجدناها على أتم وجه من الصحة والإتقان.
على أننا وجدنا بعض هنيهات كنا نود أن لا تكون في السفر الجليل، منها أنه جاء في ص (و): (ولد (الصفدي) سنة 6 أو 797 تقريباً وتعانى صناعة الرسم) والمشهور أن الصفدي ولد سنة 696 أو 697 وقوله: (تعانى) لعلها: (عانى). وفي ص 11 يقول المؤلف: (. . . وبين ذي القرنين إلى عامنا هذا وهو سنة إحدى وسبعين وستمائة للهجرة فبلغ من آدم عليه السلام إلى الآن ستة آلاف سنة وسبعماية (كذا) وتسعاً وسبعين سنة على ابلغ ما يمكن من التحرير) - قلنا: ولم تفهم معنى (سنة إحدى وسبعين وستمائة) والصفدي لم يكن في الخلق يومئذ. أفي هذا التعبير يا ترى غلط أم وهم؟ -
ومن غريب ما رأيناه في هذا المجلد أن المؤلف قد نبه في ص 37 على رسم الهمزة. قال: (وان كان ما قبلها متحركا، فان كان مضموماً أو مفتوحاً أو مكسوراً. فالمضموم تكتب همزته المفتوحة والمضمومة واواً. نحو جؤن وذؤوب. والمفتوح تكتب همزته على جنس حركة نفسها نحو لؤم وسأل وسم (كذا بياء منقطة باثنتين من تحت وعليها همزة)، والمكسورة تكتب(9/788)
همزته ياء نحو سل (وضبطت بضم السين وبالياء المنقوطة من تحت بنقطتين وعليها همزة أيضاً).) أهـ. قلنا: وهذا مخالف لما قرره من أمر القاعدة. فقد تقدم أن ما قبل الهمزة مكسور وهنا مضموم وتقرر أيضاً أن ترسم على جنس حركة نفسها، ويراد بها الياء غير المنقوطة، وهنا قد نقطها. ولهذا نظن أن الكلمة هنا ليست (سئل) بصيغة ما لم يسم فاعله من فعل (سأل)، بل (شتم) جمع شئمة (بكسر فهمزة ساكنة) بمعنى شيمة أي طبيعة. وعلى هذا المثال يكون رسم همزة (مائة) على صورة الياء غير النقطة. وترى المؤلف قد خالف قاعدته هذه في كتابه كله من أوله إلى آخره. فهو رسم (مائة) أما (ماية) وأما (مامة)، ولم يرسمها مرة واحدة كما يجب أي (مائة) وقد جاءت الكلمة مراراً عديدة. وإذا رجعت إلى خط المؤلف على ما أخذت منه صفحتان يظهر أنه لا يحسن رسم الهمزة في مواطنها ولا يميز بين الياء ولا بين الهمزة فيرسم (بصائرنا) جمع بصيرة بالياء أي
يرسمها (بصايرنا) ومثلها يرسم (فوائدها) أي أنه يكتبها (فوايدها) بالياء الصريحة. وهكذا يكتب (فنائهم) المجرورة فيرسمها (فنايهم) بالياء وهذا كله مخالف لما قرره الكتاب والصرفيون والنحاة، فيجب أن يعدل عن هذا الرسم المرغوب عنه إلى الرسم المشهور الذي اتفق عليه الأقدمون والمحدثون والعصريون في جميع الديار العربية، أفيمكن أن نخطئ جمهور البصراء والباحثين لتسير على قاعدة يرسمها لنا كاتب واحد. وان كان متضلعاً من بعض العلوم؟ - كلا، إن هذا لا يجوز (راجع هنا ص 775).
وقد وقع في بعض الأعلام تصحيفات أو لغيات وكان الأحسن أن يرجح عليها اللغات الفصحى. فقد ذكر مثلا في ص 12 (ازدشير) بالزاي وهي لغة فاسدة ذكرها بعض النساخ والصواب (اردشير) بالراء. وكان يحسن بالناشر أن ينبه على هذا الخطأ المشهور.
وفي ص 56: (ناحور بن ساروح ين راعو بن فالخ بن عيبر بن شلخ بن ارفخشد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشلخ بن خنوخ.) والمشهور في نسخ التوراة: (ناحور بن سروج (بالجيم) بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن(9/789)
ارفخشد. . . بن متولشلح بن اخنوخ.) وجاء بعده: يرد بن مهليل بن قينين بن يانش بن شيث) والمشهور في التوراة: (يارد مهللئيل (بلامين) بن قينان بن انوش بن شيث.)
وقد ورد بعض الأحيان كلام يناقض بعضه بعضاً أو لا معنى له. فمن الأولى قوله في ص 26: (وإذا نسبت إلى المؤنث ولم يكن على هذا الوزن (وزن جهينة) حذفت التاء أين وقعت فتقول: طلجي ومكي وبصري. . . نسبة إلى الطلحة ومكة والبصرة.) - قلنا: وذكره (البصري) هنا في النسبة إلى البصرة في غير موطنها، لان النسبة إليها يكون بحذف الهاء وبكسر الياء كما ذكر ذلك في ص 19، فكان الأحسن أن ينبه على ذلك في الحاشية. - ومن الثاني قوله في ص 30: وقالوا (في النسبة إلى) الربيع والخريف: ربعي وخرفي. بسكون الرائين والباء والخاء.) فهذا كلام لا يفهم. وكان الأولى أن يقال: (بكسر الأولين وسكون الثانيين.) وهناك غير هذه الأوهام الطفيفة. وهذا لا يضر بشيء لان الكمال لله وحده.
103 - قصص وأدب وفكاهة
عنيت بنشرة إدارة الهلال بمصر سنة 1931
كتاب يحوي قصصاً موضوعة من القصص المترجمة عن الإنكليزية والفرنسية والفارسية والصينية. وعن المصرية القديمة أيضاً. واغلب هذه القصص مصورة وقد وقع الكتاب في 144 ص بقطع الربع الصغير.
104 - قاموس الرجال
كتاب تاريخي سياسي جامع يبحث عن النهضة العراقية وأسبابها ومقدماتها وتطوراتها ورجالها ويصدر كراسات لمؤلفة محمد الجزائري.
صدر منه الكراس الأول في 26 ص بقطع 12. وهو لا يحوي إلا الكلام على مدحت باشا وفيه 15 صورة من رجال النهضة في تركية. وثمن كل كراس ثلاث آنات. ولم تجده مرتباً ترتيب القواميس (أي المعاجم).(9/790)
105 - منشور عام
أصدره غبطة الجليل يوسف عمانوئيل الثاني بطريك بابل على الكلدان في فرصة تذكار المائة الخامة عشرة بمجمع افسس المسكوني الثالث طبع بالمطبعة الكلدانية في الموصل سنة 1931.
106 - منشور بطريركي
في التذكار المئوي الخامس عشر لانعقاد المجمع الافسسي، وجهه غبطة السيد الياس بطرس الحويك، بطريرك إنطاكية وسائر المشرق إلى أبناء بطريركيته، طبع بمطبعة المرسلين اللبنانيين في جونية 1931.
107 - الذكرى
الجزء الأول من ديوان إبراهيم العريض، طبع بمطبعة النجاح في بغداد سنة 1350 في 116 ص بقطع 16.
هذا ديوان صغير الحجم، بديع الوضع، محكم النظم؛ مدهش بمعانيه، إذ انك لا ترى فيه باباً مطروقاً معبداً، بل مسلكا مبتكراً. تتحقق ذلك من أبوابه فالباب الأول في الطبيعيات - والباب الثاني في العاطفيات - والباب الثالث في الوصفيات - والباب الرابع في الاجتماعيات. ونحن نتوسم في شاعرنا الشاب البحراني النبوغ في الشعر؛ فهو سائر إليه لا
محالة.
108 - خريطة العراق الشمالي
رسمها حضرة صاحب الفخامة الفريق طه باشا الهاشمي.
عودنا حضرة طه باشا الهاشمي أن يهدي إلينا والى جميع العراقيين أثراً طيباً من آثار يراعته البديعة في كل سنة. وفي هذه الأيام أطرفنا خريطة عربية فاخرة طولها 78 سنتيمتراً في عرض 66 تحوي شمالي العراق أي من بغداد وأنت ذاهب صعداً إلى أعاليها. وكل منا يستطيع أن يحكم على ما عانى فخامته من الكد والنصب بالوقوف(9/791)
على ما فيها، فهي تشتمل على مراكز المتصرفيات، ومراكز الاقضية، ومراكز النواحي، والقرى وحدود المملكة وسكك الحديد والطرق الصالحة لسير السيارات، والأودية الجافة، والأراضي المعرضة للغرق، والبلدان القديمة والجسور ومضايق الجبال والعبارات والنفاطات (محلات النفط) وارتفاع الجبال بالأقدام. وقد اصطلح على كل هذه المواطن بالإشارات اللازمة وبثلاثة أنواع من الحبر: بالأسود والأحمر والأزرق. وأما القبائل والعشائر المحتلة تلك الأرضين فقد عني بها عناية خاصة لا مزيد عليها.
فلا جرم أن هذه الخريطة من أحسن الخرائط التي أنشئت لهذه الغاية.
109 - مباحث في فجر التصوف في الشرق الأدنى والأوسط
(بالإنجليزية)
تأليف مرغريت سميث معلمة في الآداب ودكتورة في الفلسفة، قيمة الكتاب ستة شلنات ونصف.
عرف القراء هذه الآنسة الإنكليزية من كتابها (رابعة المتصوفة (المعروفة في أخبار العرب برابعة العدوية) واتباعها الأولياء في الإسلام (راجع لغة العرب 7: 263)، ثم وضعت كتاباً آخر سمته (مقدمة في إخبار التصوف) واليوم تبعث إلينا بمصنف جديد هو الذي ذكرنا اسمه فويق هذا. وتحصر مواضيعه في الكلام على التصوف منذ نشوءه إلى تبسيطه في فجر النصرانية في الشرق الأدنى والأوسط، إلى المائة السابعة للميلاد. ويتلوه انتشاره في الإسلام مع تفاصيل عن اتصاله بالتصوف النصراني مع ذكر أول أخباره عند
المسلمين.
فأنت ترى من هذه النظرة المجملة أن الآنسة الدكتورة تتابع المجرى المتدفق اليوم في ديار الغرب، ذلك المجرى الذي مادته التحدث عن علم السلوك والسالكين، وارتقاء النفس إلى الخالق من منزلة إلى منزلة ارفع، وقد وضع الغربيون لهذه المباحث الطيبة. مجلات وكتباً تمعن في هذا المعنى إمعاناً بعيداً، كل أمة في لغتها والآنسة الذكية أتقنت لغتنا كل الإتقان، وأخذت تستقي لأبناء لغتها ماء نميراً من معين لغتنا، وتفيضه على المتكلمين بلغتها بعبارة سلسة، واضحة، فصيحة،(9/792)
تحبب للقارئ مطالعة ما توشيه يراعتها البديعة. وقد طالعنا عدة فصول من هذا التصنيف فوجدناه حاوياً لباب التصوف في النصرانية والإسلام.
على أننا رأينا المؤلفة تكتفي في بعض الأحيان بالوشل عن الفيض، فقد ذكرت مثلا في ص 106 بعض القبائل البدوية النصرانية وسمت (بني تنوخ وقالت عنهم انهم كانوا يقيمون في جوار حلب، وبني سليح، والجرامجة (وضبطتها بضم الجيم. وكررت هذا الضبط في ص 109) وقالت عن هؤلاء انهم كانوا يقيمون في جوار إنطاكية. وذكرت بين تلك القبائل النصرانية بني بهراء ولخم وجذام. ثم ذكرت انتشار النصرانية في ديار الرافدين وامتدادها إلى خليج فارس).
قلنا: لم نجد من صرح بمقام بني تنوخ حلب والذي وجدناه في ابن خلكان (ص 49 من طبعة الإفرنج) أن (تنوخ اسم لعدة قبائل اجتمعوا قديماً بالبحرين (لا بحلب) وتحالفوا على التناصر. وأقاموا هناك، وسموا تنوخاً. وتنوخ إحدى القبائل الثلاث التي هي من نصارى العرب، وهم: بهراء وتنوخ، ةتغلب.) أهـ - وصحة الجراجمة بفتح الأول لأنه جمع وفعالة جمعاً لا يكون إلا مفتوح الصدر. - ونسيت الكتابة قبائل كثيرة كانت على النصرانية. ولا غرو في إنها لم تعددها جميعها لكثرتها، لكننا نعجب من أنها نسيت (تغلب) وهي من اشهر تلك القبائل ديناً، ودنيا، وعزة، وإباء، ونوهت بيابلاها الناسك وسمته: (جابلاها) (ص 30) وعكست الأمر في(9/793)
(الجزية) وذكرتها باسم (اليزية) (ص 109) إلا أنها ذكرتها بعد ذلك (ص 111) بلفظها الحقيقي.
وقد قسمت كتابها البديع إلى عشرة فصول وخاتمة، خصت الفصول الخمسة الأولى بالتصوف النصراني، والفصول الخمسة الآخر بالتصوف الإسلامي، وجعلت الخاتمة عقداً
يجمع بين التصوفين ويطلعنا على مختصر ما مر به نظر المطالع.
وقد طالعت الكتابة لهذه الغاية ستة وتسعين كتاباً أوربي اللغة، بين إنكليزي وفرنسي وألماني ولاتيني ويوناني، وثمانية وأربعين كتاباً بين عربي وفارسي وسرياني، ويرى في الآخر فهرسان: فهرس للأعلام على اختلاف أنواعها، وفهرس للمصطلحات العلمية. فوقع الكتاب في 276 ص بقطع 12 فجاء تحفة من التحف تدل على تضلع من العرفان في صاحبتها؛ وكنزاً يزيد في ثروة التصوف. فنهنئ الكاتبة بما نمقته وفازته من ثقة العلماء والقراء.
110 - وصف البناء الساساني في بيكلي وتصويره
لمؤلفة الدكتور ارنست هرتسفلد، وهو رسالة من رسائل المجمع العلمي الملكي البروسي، طبع في برلين في سنة 1914 في 29 ص، وفيه خريطتان و 5 تصاوير.
في هذا الكتاب وصف السفرة التي سافرها المؤلف مع صديقه ورفيقه الشيخ كاظم الدجيلي من بغداد إلى بيكلي ذاهبين إليها من بغداد ومارين بسامراء ودستكرد خرسو، وقصر شيرين، وبيكلي، والسليمانية، وكركوك، وسامراء. وفي هذه الصفحات ذكر المشاكل والصعوبات التي قاساها المسافران المتآخيان في ديار الكرد وبعد ذلك وصف خربة البناء الساساني وهدد الأحجار المكتوب عليها وقد صورت احسن تصوير وليس فيها معنى تلك الكتابات.
أميل شبروته
(لغة العرب) ما كتبه البحاثة شبروته كان في سنة 1914 قبيل الحرب بأيام. فنفينا إلى قيصرية (المعروفة الآن بقيصري) وسافر شبروته على الحرب بمنزلة ضابط ولم يأتنا منه خبر. أما الدكتور هرتسفلد فقد نشر بعد ذلك هذه الرقم ومعانيها بالإنكليزية ونسخ الكتاب عزيزة، غالية. فحقق الدكتور ما تمناه الكاتب الألماني.(9/794)
111 - ابن مسرة وطائفته
لمؤلفه ميكيل آسين بالاثيوس، طبع في مدريد في سنة 1914 في 164 ص.
قسم المؤلف هذا التصنيف ثمانية أقسام: (القسم الأول) الأفكار الإسلامية في الشرق في
المائة الأولى والثانية والثالثة. ونفوذ الأفكار الغربية فيها (القسم الثاني) الأفكار الإسلامية في ديار الأندلس في المثلث الثلاث المذكورات (القسم الثالث) ترجمة ابن مسرة وفيها ذكر تأثير أفكار المعتزلة في عهد تربيته ثم تأسيس الطائفة الباطنبة، واتهامه بالكفر والزندقة وفراره إلى المدينة، ثم عودته إلى قرطبة، وإعادة تأسيس طائفة وذكر تآليفه، وطرد أهل الدين إياه ثم موته. (القسم الرابع) ذكر تعاليمه ومبادئه وهي محصورة في سبعة عشر مبدأ وهي: 1 - الفلسفة افضل الأفكار وأشرفها. - 2 - أول شروط التقدم في الفلسفة: معرفة أحكام الروح. - 3 - لمعرفة النفس ينبغي أن تكون نفية من ادران الأهواء: - 4 - النفس بسيطة وخالدة. - 5 - الكائن الأول هو أيضاً بسيط وخالد. - 6 - لا يمكن معرفة الكائن الأول معرفة صادقة ولا إيضاح كيفية. - 7 - للكائن الأول حالان: الحركة والسكون. - 8 - الكائن الأول هو خالق العالم وإخراجه من نفسه (من قدرته). - 9 - أذن العالم موجود بعد الكائن الأول. - 10 - المخلوقات من الكائن الأول هي: الهيولى (المادة الأصلية أو الأولى) والعقل والنفس. - 11 - للهيولى حالان: الحب والكراهية. - 12 - أهم أوصاف النفس: المحبة. وهم أوصاف الطبيعيات الكراهة. - 13 - المخلوقات الأصلية هي: الهيلولى، العقل، والنفس، والطبيعة، والمادة الثانية وهن مختلطات بعضهن ببعض. - 14 - الأرواح الخاصة مخلوقة من روح العالم. - 15 - تلك الأرواح متنوعات. - 16 - لكل جنس من المواد الأولى أوصاف خاصة بها. وتلك الأوصاف خالدة. - 17 - غاية وجود البشر في هذه الدنيا أن يوقنوا تفاهتها وعدم قيمتها. وكل من يصل إلى درجة ذلك التحقيق يستحق الخلود في العالم الروحاني أي اللاهوتي وليس صورته في قدرة أهل(9/795)
هذه الدنيا الدنية. (القسم الخامس) تقريظ هذه الآراء الفلسفية والبحث عما فيها من تعاليم أنبيد قلس اليوناني. (القسم السادس) تعليم ابن مسرة الدينية والمهم فيها نصيحة الزهد وإمكان البلوغ إلى القدرة النبوية لكل واحد، وإنكار المكافآت والعقاب لأعمال البشر. (القسم السابع) تاريخ الطائفة المسرية ومزايلة إسماعيل الروائي إياها. (القسم الثامن) تراجع صدى تعاليم ابن مسرة في الشرق وعند بعض فلاسفة ديار الغرب.
هذا مجمل ما يقال عن هذا التأليف ومن أراد التفصيل والتحليل فعليه بمراجعته.
أميل شبروته
112 - بحث عن الأصل العربي لمحاورة الحمار والراهب
انسلموا طرميده لمؤلفه ميكيل آسين بلاثيوس، طبع في مدريد في سنة 1914 في 55 ص.
أنسملو طرميده رجل إسباني، ولد في جزيرة ميورقة في نصف القرن الرابع عشر للميلاد، وترهب في إسباينة، ثم انتقل إلى تونس وهناك أسلم، وتسمى (عبد الله)، وبقي هناك في خدمة السلطان أبي العباس احمد، وبعده في خدمة ابنه أبي فارس عبد العزيز. وفي تلك الغضون كان يعنى بتصنيف الكتب، منها باللغة العربية، ومنها باللغة القطلانية. ومما وضعه في هذه اللغة الأخيرة: (المحاورة بين الحمار وبين الراهب أنسلمو).
ومن الغريب أن هذا الرجل يعتبر ولياً عند أهل تونس، فانهم إلى اليوم يزورون قبره ويتبركون به.
أما المحاورة فتدور على هذا المحور: حضر ذات يوم الراهب انسلمو مجلس الحيوانات من غير أن تشعر به. ثم وقفت على وجوده بينها فطلبت إلى ملكها الأسد أن يصدر حكمه عليه، لا سيما لأنه حط من شرف الحيوانات، إذ قال مرة: (إن الإنسان أحسن الحيوانات واعزها قدراً، وأدقها فكراً، وأفضلها منزلة.) واخذ يؤيد رأيه أمام مجلس تلك المخلوقات، فطلب الحاضرون من(9/796)
الحمار أن يفند آراءه القائلة في نظرها. فقام الحمار ورد مزاعم الراهب في جميع مدعياته. ومن جملة ما قاله ما يأتي: (إن ما يسمى فضائل عند البشر ليست بها على الحقيقة، وإنما هي أوهام خيالية). وفي الآخر قام الراهب انسلمو ونزع آخر سهم كان في جعبته فقال: (لو كان الحيوان اشرف من الإنسان، لما تأنس المسيح، ولا تخذ صورة الحيوان.) سمعت الحيوانات هذا القول فسلمت له وخذل الحمار.
وبعد أن فصل الكاتب هذه المحاورة تفصيلا تاماً ووفى البحث حقه، انتقل إلى مأخذ هذه الحكاية، فاثبت أنها منتحلة من إحدى رسائل أخوان الصفا في البصرة، وكانوا فيها في نحو السنة ال 400 من الهجرة، فأنهم وضعوا إحدى وخمسين رسالة، ليبسطوا فيها آراءهم في جميع المواضيع والمباحث العلمية والدينية: وفي جملة تلك الرسائل، رسالة فحواها مطابق لما وضعه أو اقتبسه الراهب انسلمو. وهي الرسالة الحادية والعشرون، وملخصها: إن الإنسان يستحق التقدم على الحيوان فقط، إذا سار بحسب الأحكام الأدبية والأصول الدينية
بلوغاً إلى الله الغاية القصوى وذلك مباشرة بلا واسطة.
فمشابهة حكاية أخوان الصفا لمحاورة انسلمو طرميدة، تظهر أن هذا الرجل قلد تقليداً أعمى لمن سبقه. وليس له فيها فكر جديد طريف، بل بالعكس أنه حرم الحكاية الأصلية رونقها اللغوي؛ ومعناها الأدبي، ولم يبلغ أبدا إلى محاسن الأصل الجليل، وليس فيها تلك الآخذة بالألباب، وذلك ما يتحققه كل من يقف على الروايتين.
أميل شبروته
113 - بلاد الزنج أو ساحل أفريقية الشرقي في العصور
الوسطى
بقلم ل. مارسل دفيك.
أمامنا هذا الكتاب صاحبه يبحث عن بلاد الساحل الشرقي الأفريقي وأخلاق أهاليها وما ينتج فيها وما ذكر عن حيواناتها الخرافية، كل ذلك نقلا عن كتب الناطقين بالضاد. ولحسنه أجاز معهد العلم في فرنسة مؤلفه. وقد وجدناه حقيقية من الدواوين الحافلة بالفوائد والجديرة بالمطالعة والانتفاع بها.(9/797)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - شكر على تعزية
نشكر لجميع الذين شاطرونا بوفاة أخينا الكبير. مارين ميكائيل ماريني؛ سواءاً أكان ذلك بحضورهم أم برسائلهم، أم ببرقياتهم؛ أم بأي وسيلة كانت. ونطلب من الله أن لا ينكبهم بمصيبة فوق طاقتهم، وان يسليهم في أرزائهم.
ويشترك معنا في هذا الشكر جميع أعضاء بيت الأخ الفقيد من كبيرهم إلى صغيرهم.
(كانت ولادة أخينا في 2 شباط 1858 وتوفي في 26 آب (أوغسطس) ودفن في مقبرة الباب الشرقي. رحمه الله رحمة واسعة).
2 - الهجرة إلى إيران
لجأ إلى الديار الإيرانية زهاء خمسة آلاف بيت من فلاحي تركستان الروسية، فراراً من تشديد السوفييت وتدرس الحكومة الإيرانية مسعى لإسكانهم في الربوع الخالية لتعميرها واستثمارها.
3 - الولادات والوفيات في العاصمة
ولد في آب (أوغسطس) 398 ذكراً و337 أنثى وتوفي 309 ذكراً و 263 أنثى. وكان المتوفون بالسل اربعين، وبالزهري واحداً، وخمسة بالزحار وواحداً بالبطاحي (الملارية) وأربعة بالسرطان وامرأة بحمى النفاس.
4 - بين إيران والعراق
قررت الحكومات الإيرانية والعراقية الاحتفال في أكتوبر (ت1) القادم بتدشين الطريق التجارية العظيمة بين بغداد وراوندوز وتبريز. واتخذت الحكومة الإيرانية تدابير حازمة لوصول هذه الطريق بطريق طرابزون. وبذلك يتسنى للعراق الاتصال بثغور البحر الأسود على أهون سبيل، وأقل كلفة، وتتقوى العلاقات الاقتصادية بين العراق وشمالي الأناضول (ديار الروم) وتتمكن إيران من تحطيم السيطرة السوفيتية على تجارة الشمال.(9/798)
5 - طوابع بريد عراقية جديدة
وضعت حكومتنا الموقرة طوابع بريد مناسبة للنقود العراقية الجديدة التي تثبت في السنة القادمة:
والطوابع وقعت في 15 شكلا وقيمتها بالفلوس كما يأتي: 3 فلوس و5 و8 و10 و15 و20 25 و30 و40 و50 و75 و100 و200
بالدنانير، نصف دينار ودينار.
أما ألوانها وحجومها فتختلف. وفي كل طابع صورة جلالة ملكنا المحبوب وقيمة الطابع مذكورة باللغتين العربية والإنكليزية.
6 - نفقات العراقيين في الاصطياف
يؤكد البصراء من أهل الاقتصاد أن ما صرفه العراقيون للاصطياف في الخارج يبلغ مائة ألف ليرة إنكليزية وهو مبلغ عظيم تفقده هذه الديار في كل سنة.
7 - قنصل عام لجمهورية بولونية في بغداد
صدرت البراءة الملوكية إلى حضرة الدكتور زدزسلاف كورنكو فسكي يا كوبي بتخويله القيام بمهام قنصل عام لجمهورية بولونية في العراق.
8 - (كفر زي) تحارب جنداً تركياً
بجوار (مدياة) في ديار الترك، قرية اسمها (كفر زي) سكانها يعاقبة. فجاءها جند ترك يوماً وفرضوا عليها غرامة ألف ليرة ذهباً وقدراً من الأسلحة لوجود جندي مقتول في جوارها.
وفي 23 آب، وهو اليوم المعين لاستيفاء هذه الغرامة، وافها الجند ولم يجدوا فيها دياراً وكان سكانها سبعين نسمة، وفروا لأنه لا قبيل لهم على دفع المبلغ، فاتخذوا سلاحهم وهجروا لقرية إلى الحدود السورية. وحينما صدرت الأوامر بمطاردتهم قبل أن يجاوزها الحدود. لا قوهم على بعد 7 كيلو مترات من التخوم الشامية وبادروهم بإطلاق الرصاص فقابلهم الهاربون بالمثل ودارت معركة شديدة دامت خمس ساعات، قتل فيها خمسة من الجند وعشرة من الأهالي وتمكن الباقون من الفرار والالتجاء إلى (قامشلي) البلدة السورية الجديدة، وهناك سلموا أنفسهم بأسلحتهم إلى ضابط الاستخبارات في 28 آب.
9 - عودة ملكنا المحبوب
كان ملكنا المحبوب سافر إلى(9/799)
اوربة مع كتومه الخاص وزير المالية صاحب الفخامة رستم حيدر وذلك في العقد الأول من حزيران (يونيو) ووصل إلى حاضرته العراقية في 29 أيلول (سبتنبر) وفي كل رحلته هذه لم يكن همه سوى ترقية شؤون بلادة وطلب الرفاهية لها، مخاطباً أكابر الساسة ومراجعاً أعاظم الدول. ولما تثبت أبناؤه من جهده وسعيه أقاموا له احتفالاً لم يكن له مثيل في السابق العهد، فنهنئه بقدومه هذا ونتمنى له الصحة والعافية ليتابع مساعيه الجليلة.
10 - الجزءان ال 11 و12
يصدر الجزاءان الآخرين وليس فيهما سوى فهارس السنة كمألوف عادتنا وأما الهدايا التي أرسل بها إلينا في هذه المدة الأخيرة فنتكلم عليها في الأجزاء التالية لها.
11 - لطفي أفندي المحامي
انتقل حضرة مديرنا المسؤول لطفي أفندي المحامي إلى الشرطة ودخل دورة ضابطها، فنرجو له كل التوفيق ونشكره على مديريته في طول مدة الأشهر الستة.(9/800)
(مطالعة)
سيدي العزيز
اطلعت على تذييلكم لمقالتي عبدة الشمس، ووقفت على انتقادكم لها، فأردت أن أبين لكم أن كثيراً مما نقلته في تلك المقالة منقول عن الملل والنحل للشهرستاني، وهو كتاب له منزله كبيرة عند المشارقة والمغاربة وهو من الكتب القديمة التي اعتمد عليها العلماء والباحثون. وموسى بن ميمون الذي نقلنا كلامه عن لاروس صاحب المعجم الفرنسي المشهور، هو أيضاً من القدماء الذين يعتد بكلامهم، ويعتمد عليهم، والمعاصرون الذين أوردت بعض أبحاثهم هم من العلماء الذين نهكهم الدرس الطويل، والبحوث العلمية كالسيد هبة الدين الشهرستاني، والشيخ أبي عبد الله الزنجاني.
نذكر هنا ما قاله البحاثة المدقق الأثرى الدكتور ارنست هرتسفلد الألماني عن زرادشت وهذا الكلام يؤيد ما نقلناه في مقالنا المشار إليه عن الزنجاني. قال الدكتور في محاضرة له
في طهران ما تعريبه:
(الديانة الزردشتية (في الحقيقة) أول ديانة عرفت كنه التوحيد وأرشدت الناس إلى الله الأحد المجرد المنزه عن المادة وبينت لهم نظام العالم (المبني على الحقيقة والصحة) والمعاد والحياة الآخرة والمجازاة والمكافأة والجنة والنار) انتهى وبعد أشكركم على نقدكم الشريف المنزه عن شوائب الأهواء وعن التخيلات الشيطانية.
محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) الظاهر من هذا الكلام أننا لم نحسن التعبير عن فكرنا، فكتبنا شيئاً، وفهم حضرة الشيخ الصديق شيئاً آخر. فليراجع القولان، ليكون الحق فاصلاً بيننا.
ذكرى المائة الثانية من قدوم الكرمليين إلى بغداد
أحتفل الأباء الكرمليون بذكرى قدومهم إلى بغداد، بعد أن أذاعوا هذا النبأ في صحف العاصمة كلها، وفي اليوم المضروب ميعاده، والساعة المعينة، أي في الساعة الرابعة ونصف، من اليوم 18 من تشرين الأول، (أكتوبر)، حضر المدعوون، وهم التلاميذ الأقدمون مع بعض عيالهم، يتقدمهم متولي أشغال فرنسة، المسيو ليبسية، وقرينته السيدة المحترمة، ويحف به من جهة رئيس أساقفة السريان. السيد بهنام قليان، ومن الجهة الأخرى، السيدة قرينة المتولي الفرنسي، مع طبقات الاكليرس، على اختلاف المذاهب، ومئات من أجلة القوم في بغداد، من الموظفين في الحكومة وغير الموظفين فيها، وبينهم ممثلو الصحف الخمس الكبرى في الحاضرة، وهي: (العراق)، و (العالم العربي)، و (صدى العهد)، و (الإخاء الوطني)، و (بغداد تايمس).
ولما حانت الساعة، علا المصطبة، صاحب هذه المجلة، ورحب بالحاضرين، وقدم إليهم كل خطيب يعلو منصة الخطابة؛ وكان أولهم، الشاب المهذب، أميل أفندي لورنس، وكلم الحضور على حالة المدرسة الكرملية، قبيل الحرب، وحينها، وبعيدها، وبسط فكرته هذه بعبارة جلية، بينة؛ ثم عقبه أدورد أفندي سيزار وخطب بالإنكليزية خطبة أنيقة بديعة دامت نحواً من نصف ساعة عرض فيها تاريخ تشييد المبعث منذ أوله إلى أيام الأب يوسف؛
رئيس المبعث، ومؤسس الدير، والكنيسة، والمدرسة بأبنيتها الحالية.(/)
ثم علا المنبر الأب صاحب هذه المجلة، وبين بتفصيل، المستشرقين من الكرمليين الذين قدموا إلى البصرة وبغداد وأنحائها. وذكر مشاهيرهم وتأليفهم واللغات التي أتقنوها كالعربية، والفارسية، والتركية، والرحلات التي دونوها، فكان هؤلاء العلماء كثيرين يقضى العجب من تبحرهم في لغات هذه الديار.
وبعده تقدم الأب انوصان رئيس الدير، واطلع الحاضرين على تاريخ الرسالة باللغة الفرنسية، والراهب بلجكي فلمنكي، فادهش الحضور بسعة وقوفه على ما عبر من أخبار المبعث إلى عهدنا هذا. وكيف قاسى المرسلون الأهوال العظيمة في الذب عن مبادئهم المؤسسة على حب القوم العراقي، والإحسان إليه، وبذل ما في الإمكان لنجاحه وتقدمه ورقيه سلم الفوز والفلاح.
ما كاد ينتهي من كلامه حتى علا صهوة المنبر الخوري باسيل بشوري السرياني وشرح بعبارة عربية فصيحة، أخبار المبعوثين إلى بغداد، وأفهم السامعين، أنهم أتوا من البصرة قبل قدومهم إلى حاضرة العراق ومنبعث نوره.
وفي الأخير قام الأب اوغسطين، رئيس المبعث وشكر الحاضرين بأحسن عبارة، وعدد الشكر لكل طبقة من طبقاتهم، من المحسنين الأقدمين إلى المحسنين الحاضرين، كما شكر المعلمين والتلاميذ، أن قدماء وان أحداثاً.
وبين خطبة وأخرى كانت تدار أطباق الحلوى، والمرطبات والمدخنات. وهكذا مضت برهة أكثر من ثلاث ساعات في الوقوف على اصح الأخبار وأوثقها في هذا الموضوع.
وكانت ساحة المدرسة مزدانة بالأعلام العراقية، والإنكليزية، والفرنسية، والبابوية، والسعف الغض يبهج الناظرين بخضرته وكان مركوزاً على الحيطان والكراسي مئات مئات. والنور الكهربي حول الليل نهاراً، وبعد ذلك انتثر عقد الجمع وهم شاكرين الآباء على إخلاص عملهم وخدمة الوطن العراقي وترقية لغته. وكان في مقدمتهم المسيو ليبسيه، حفظه الله ورعاه.
خطبة أميل أفندي لورنس
أيها الرئيس الوقور - أيها الأباء الأفاضل - سادتي الكرام(/)
قبل الشروع في إلقاء كلمتي الوجيزة، بصدد الحفلة التذكارية التي نقيمها اليوم، تخليداً لذكرى مرور قرنين كاملين على وطء أقدام المرسلين الكرمليين عاصمة الرشيد، أرى من واجبي أن ارفع آيات الشكر الجزيل إلى رؤساء المبعث الكرملي في بغداد، على ما أولوني من الشرف الرفيع، بدعوتي إلى إلقاء كلمة في هذه الحفلة الخطيرة وتهيئة هذه الفرصة الثمينة لي لاقف خطيباً بين حضراتكم، وأعبر عما يكنه فؤادي، من عواطف الود، والإقرار بالجميل، نحو هذه الرسالة، بالأخص مؤسستها العلمية التي تلقيت فيها تعاليمي، وهي تعد بحق من أسمى الأعمال شادتها أيدي المرسلين الأفاضل، وأجلها قدراً، وبما أنى لا أعلم الشيء الكثير عن مختلف الأدوار التي مرت على مؤسسات الكرمل في العراق، منذ أول عهدها إلى هذا اليوم، أرى ممن الأفضل أن أترك بيانها لمن هو أكثر مني وقوفاً على تاريخها وأعلم مني بالحوادث التي طرأت عليها مدة القرنين الغابرين، ولذا أكتفي بسرد بعض الذكريات الشخصية، عن الأدوار التي اجتازتها مدرستنا في غضون المدة التي قضيتها ضمن هذه الجدران، والجهود التي كان الأباء يبذلونها ولا يزالون يبذلونها، في سبيل نشر لواء العلم والفضيلة في بلادنا العزيزة، راجياً من حضراتكم الصفح عما يبدر مني من زلل في التعبير، نظراً لحداثة عهدي في الخطابة.
من الحقائق التي لا مراء فيها، أن الشعب المسيحي في بغداد مدين أعظم دين للرسالة الكرملية التي قامت بإعمال جليلة الشأن في مضمار التعليم الديني والدنيوي وفي إدارة المشاريع الخيرية، والتخفيف من ويلات البشرية المعذبة، وذلك منذ أول نشأتها إلى هذا اليوم، وبين تلك الأعمال ما يعلمه الخاص والعام ويقدره حق قدره، ومنها ما لا يعلمه سوى الرسالة نفسها ومن أسديت إليهم تلك الأعمال وشملتهم المساعدات المتنوعة، التي لم يضن بها الأباء الأفاضل يوماً من الأيام. ومع أم الطائفة اللاتينية في بغداد لا تتمتع بالتمثيل النيابي في مجلس الرسالة لكونه مجلساً رهبانياً محضاً. فهناك من الدواعي الكبرى ما يحملنا على الاعتقاد أن ما تقوم به هذه الرسالة سراً إلا يقل شأناً عما تقوم به علانية. وأراني في غنى عن أيراد الأدلة على صدق ما أقول. لان مجرد التفكير فيما تستهدفه الرسالة من الغايات الشريفة في أعمال البر والإصلاح يغنيني عن التفتيش عن أدلة ملموسة لدعم صدق مدعاي.(/)
ترى ما هي الغايات التي يطمح إليها أبناء الكرمل في ما يتطوعون للقيام به من الأعمال نحو الإنسانية، وما يكابدونه من التبعات أمام الله والناس في عملهم العظيم؟ أليست خدمة الله جل جلاله على هذه الأرض، وإرشاد بني البشر إلى افضل الطرق التي يحسن لهم سلوكها، لبلوغ هدفهم الاسمى، وغايتهم القصوى، هل من خدمة أنبل من هذه، وهل في إمكان أي إنسان أن ينكر عليهم هذا الفضل العظيم؟ - نشأت، في أحضان هذا المبعث وترعرعت في كنفه، فشاهدت ما شاهدت، وشعرت بما شعرت، من العطف الأبوي، والعناية الفائقة التي بذلتها أيادي المرسلين في سبيل تثقيف الناشئة، وتغذية أذهانهم بالنافع الجليل من التعاليم العلمية والروحية، غارسين في نفوسهم بذور المبادئ القديمة، ومدربيهم على ممارسة الفضائل واتخاذها عادات ثابتة، تلازمهم أول حياتهم، أينما حلوا ورحلوا. رأيت كيف نهض الأباء في أول سني الحرب العظمى، لما مزق الاضطراب أوصال هذه المدرسة بنتيجة أبعاد أساتذتها الذين كان جلهم من الأجانب عن هذه الديار. أجل رأيت كيف اهتموا بالأمر، ذلك الاهتمام العظيم فجمعوا أشتات التلاميذ في تلك الظروف العصيبة، وجعلوهم تحت حمايتهم في محلات وقتيه خوفاً عليهم من التشرد، وحرصاً على أخلاقهم من التدهور المروع الذي كان يتهددها، ودرءاً لضياع وقتهم الثمين - وقت الدراسة - فيما لا طائل تحته.
رأيت كذلك ما بذلوه من الهمة القعساء في استئناف عمل التهذيب. حالا بعد الاحتلال، فجاءوا بأقدر الأساتذة لتهيئة الطلاب للفئة الجديدة التي نشأت بعد الحرب، ولم يدخروا وسعاً في توفيق الأساليب العصرية الراقية، في مختلف شؤون التدريس والرياضة، فكان النجاح حليفهم بدليل أن مدرستهم لها اليوم صوت يسمع في معظم دوائر العمل المهمة في العراق، وبين خريجيها العدد الوفير من المبرزين في المهن الحرة وأرباب المناصب العالية في مؤسسات الحكومة والتجارة وغيرها، وإليهم يرجع الفخر في توفر المزايا الأخلاقية فيمن تعهدوهم برعايتهم وشملوهم بعنايتهم، وإليهم يعود الفضل في انتشال العدد العظيم، من وهدة الجهل والأمية. فلقد ساروا بهذه المدرسة سيراً حثيثاً في مضمار التقدم والرقي، إذ نظموا مناهج الدراسة تبعاً لمقتضيات الحال، وجعلوا للحركة الرياضية مركزاً بارزاً الشأن في المدرسة.
فأني اذكر الفخر والسرور ذلك اليوم المشهود الذي خفقت فيه راية الفرقة اللاتينية تيهاً وعجباً، لما فاز طلبة مدرسة القديس يوسف على جميع طلبة العاصمة في مباراة كرة القدم، وظفروا بالدرع التي قدمتها دائرة المعارف في سنة 1920.
واذكر مع مزيد الإعجاب الروايات الشائقة التي مثلها طلبتها عند ختام سني الدراسة فنالت إعجاب الجمهور العراقي والأجنبي على السواء وخلبت ألبابه.(/)
واذكر بالأخص إحدى الروايات الغنائية التي مثلت بنجاح فائق في أول سني الاحتلال، فأدهشت جمهور الأوربيين أيما دهش وأخذت بمجامع قلوبهم، بحيث لم تستطع عقيلة مدير المعارف العام كتمان سرورها وإعجابها العظيمين فنهضت وفاهت بهذه الكلمة التي لا أزال اذكرها وهي: (لو أغمضت عيني إغماضه وتناسيت المحل الذي أنا فيه، لقلت أني الآن في قلب إنكلترة). والمدهش في هذه الحفلات الروائية أنه كان فيها قطع تمثيلية وغنائية في اللغات الثلاث العربية والإنكليزية والفرنسية؛ فأثار هذا الأمر أحد الوجوه الأجانب وأدى به الأمر إلى التصريح على صفحات صحيفة إنكليزية: (إن هذا الأمر يندر وقوعه في مدارس أرقى الأمم، ويستحق الشيء من الثناء والتقدير).
غير أن المساعي الجليلة التي بذلت في سبيل رفع مستوى المدرسة إلى مصف الكليات الراقية لم يقدر لها - مع مزيد الأسف - النجاح المنشود ولا يعزى ذلك إلا إلى سبب واحد لم يكن في وسع السلطات المدرسية تلافيه، ألا وهو خروج الطلاب المبكر من المدرسة وتهافتهم على الوظائف في تلك السنين التي ندر فيها الموظفون الأكفاء، وكان حظ المتعلم بينهم راجحاً غانماً، فما كان اعظم التضحيات بالمال التي كابدتها المدرسة في سبيل الاحتفاظ بالصفوف العليا على الرغم من ضآلة عدد الطلاب الموجودين فيها! لعمري! كادت تكون تلك التضحية في هذا الوجه ابعد ما يستطيعه الإنسان، مهما اخلص الخدمة لبني البشر. وذلك أن المدرسة فتحت لثلاثة أو أربعة طلاب فقط صفوفاً عالية وألقيت الدروس في جميع الفروع، كما لو كان في الصف 20 أو 30 طالباً! فهل من دليل اعظم من هذا على عظم الجهود التي بذلها الآباء؟ ألأم نر الجناح الفخم من البناء الحالي قد بذلت فيه الأموال الطائلة على إنشائه وكانت المدرسة الضيق، والعسر المالي. رغبة في إكمال مرافقها والحصول على ما تفتقر إليه من الغرف العديدة للخزانة والمختبر الكيموي الواسع
والمعروضات الخلقية وردها الراحة وغرف المدرسين وما إلى ذلك من المغالق الواجب تيسيرها في عمارة كهذه.
أفلا يجدر أن تسجل هذه الأعمال بحروف خالدة في نفوس ذلك الشباب الذي يلتذذ اليوم ويتذوق الثمار اليانعة التي غرست أشجارها أياديهم اللبقة، ويتمتع بحياة منظمة، حسب المبادئ التي اختيرت له في أثناء دراسته، وحبب إليه التثقف للسير بمقتضاة، بمختلف الوسائل الميسورة، لقوم خبروا الأولاد، وعجموا عودتهم، وبرعوا في استكناه كوامن نفوسهم، وإرشادهم إلى افضل السبل المؤدية بهم إلى المثل العليا، روحية كانت أم جسدية. فإذا لم تسعدهم الأيام في بلوغ مدرستهم أسمى درجات الرقي العلمي فليس ذلك ذنبهم. ولقد عوضت عن ذلك بما كان ويكون لتربيتهم الروحية أي تربية الأخلاق من الأثر العميق، في نفوس رجال الغد، وما ينجم من تحلي الطلاب بسمو الآداب من الخير العميم على المجتمع.(/)
قال رجل مصر الأوحد سعد زغلول باسا يوماً: إننا في حاجة إلى أخلاق اكثر من حاجتنا إلى علم! وما اصح هذا القول، يا سادتي لان العلم الراقي غير مطلوب من الجميع، أما الأخلاق الحميدة فيحتم توفرها في جميع خلق الله، فهي أسس الممالك وعليها تشاد صروح الأمم الشامخة. نعم أخلاق الشعب هي التي تنهض به إلى ذروة المجد، والسؤدد، والاستقامة، وهي التي تسود على الأخص نفوس الشباب إذ لابد من أن يكون لها احمد النتائج في إعلاء شأن المجتمع العراقي والنهوض به إلى مصاف الأمم العريقة في المدينة والعمران فيحق أذن لأبناء الكرمل أن يبتهجوا اليوم بهذه الذكرى السعيدة، ولهم أن يفاخروا بمآثر أسلافهم، وفعال المعاصرين منهم.
هذا والشعب العراقي الممتاز بمعرفة الجميل. وتقدير الإحسان، يشاطرهم هذا الفرح العظيم، بفؤاد ممتلئ، سروراً وغبطة، لاهج بالشكر، والثناء، ونفس متغنية بألمع الآمال في مواصلة الجهود لإنماء مشاريع الكرمل الجليلة، واطراد العمل الحيوي في سبيل الخير العام.
خطبة تاريخية ملوكية
لم نعتد أدراج خطبة من الخطب، مهما كانت منزلتها من صحة الموضوع وعظم قدره، إلا أن جلالة ملكنا المعظم نطق بخطبة في عشاء اليوم الثاني من تشرين الأول (أكتوبر)، بخصوص المأدبة التي قيمت إكراماً للوفود العراقية، ففعلت في نفوس الحاضرين فعلا عظيماً حتى أنهم انتشوا بسلسبيلها من غير أن يذوقوا قطرة من الرحيق، واظهر جلالته للجميع أنه من بلغاء الخطباء العصريين فضلا عن حكمته في إدارة سكان المملكة، واجتذاب جميع القلوب إليه. وهانحن أولاء ندرج هنا هذا النص الشائق لأنه يقفنا أيضاً على أمر آخر هو تاريخ العراق منذ أن اعتلى جلالته عرش الخلافة العباسية، إذ هذا النص منهل صاف لوراد الأخبار ومنها يستسقي من يريد أن يكتب شيئاً عن العراق.
(لغة العرب)
افتتح كلمتي هذه بالترحيب بكم جميعاً وبالرجاء إلى الصحفيين أن لا يحاسبوني على اللفظ لأنني لست من الخطباء، ولا من علماء الأعراب، بل أرجو منكم جميعاً والصحفيين خاصة، أن تنقلوا كلامي هذا بمعناه الصحيح، إلى جميع أفراد الشعب، لا لأنه بحث عن تاريخ العراق السياسي في الماضي القريب، بل لما له من أهمية عظمى، وصلة وثقى، بحالة البلاد الراهنة ومستقبل الأمة، التي أحمل مهمة السير بها في مجال التقدم والارتقاء.
كثيراً ما كنت أصبو إلى حلول الوقت، وأتحين الفرص كي أصارح الأمة بالخطة التي مازلت سائراً بها في مضمار التقدم، نحو الهدف الذي نصبته لامانيها، آمالها، وها أنني وجدت من الاجتماع بكم ممثلي الأمة ومن رافقكم من وجوه البلاد بعد عودتي من رحلتي الأخيرة، تلك الفرصة التي كنت أتمناها. وها أني باسط أمامكم بصورة موجزة تاريخ قضية البلاد السياسية، في أدوارها المتعددة وأملي كثير بأنكم ستتمكنون من الاطلاع على تفاصيل ذلك بصورة كتاب، يحتوي على تاريخ التطور السياسي لهذا البلد، منذ الهدنة إلى الآن، كي تتمكنوا من القياس والحكم على مقدار التقدم الذي أدركته البلاد.(/)
كان العراق بعد الهدنة، كسائر الأقطار العربية، في ارتباك، شديد وقلق مستمر، على مستقبله لما كان يحيط به من خطر المطامع الاستعمارية، وخطر الضعف، في الدفاع عن حقوقه، وكان ذلك، أيام كانت الدول الغالبة لا تزال تحت سيطرة الروح العسكرية تنظر إلى العراق، وكافة البلاد، التي انسلخت عن السلطنة العثمانية بنظر البلاد المقهورة، بالرغم
عما كان قد قطع من العهود والوعود من قبل تلك الدول العظمى للبلاد العربية، وتلك العهود لم تكن لتنفع بلادنا إذ ذاك ونحن غير قادرين على تحقيقها. لأننا لم نتمكن بها من الضغط على الدولة الغالبة، كي تقوم بتنفيذ ما قطعته لنا من عهود، من حقوق في أيام محنتها.
نعم لقد اعترف بحقوق العراق والبلاد العربية اسمياً، أيام محنة الحلفاء، غير أن ظروف الحرب، كانت غير ظروف الهدنة، وكانت لا تساعد على تأييد ذلك الاعتراف الاسمي، بالنظر إلى الروح العسكرية المسيطرة وقتئذ؛ وهي التي على العكس من ذلك كانت تجنح إلى نبذ ذلك الاعتراف، وتنفيذ مبادئ الفتح، غير أن كلمة الاستعمار كانت قد أصبحت ممقوتة في نظر الشعوب الغالبة والمغلوبة، ومن اجل التوفيق بين الاعتراف الاسمي بحقوق البلدان المنسلخة عن تركية وتنفيذ مبادئ الفتح ابتدع أسلوب جديد سمي بالانتداب ليستر من جهة الفاتح ويؤمل من جهة أخرى المغلوب بإمكان الحصول على استقلاله.
هناك في باريس اجتمع الحلفاء لعقد الصلح، وتقرير مصير البلاد المقهورة ذهبت من قبل المرحوم والدي مندوباً عن العرب، إلى مؤتمر فرساي وشهدت بنفسي موقف الدول العظمى، وكنت واقفاً على حقيقة حالة البلاد العربية ولا أخفي عنكم ما تسرب إلى نفسي من اليأس، حينما أطالب بحقوقنا المعرب عنها صراحة، من قبل حلفائنا، ولم أجد إذنا تصغي، وكم كان ذهولي عظيماً لما أدركت بنتيجة مراجعاتي وتشبثاتي أن الضيف لا شأن له في مراجعة القوي بطلب حق إذا لم تكن هناك سلطة عامة كبرى تشرف على علاقة الطرفين معا وقد كان هذا الشرط ناطقاً في مؤتمر فرساي ولم أجد نفسي إلا اعزل أطالب أمما مسلحة بحقوق تحتاج إلى قوى عظيمة تسندها. في ذلك الجو وتحت تأثير ذلك المحيط تجادلت ولم أشاء أن اترك المؤتمر واترك بلادي بلا مدافع ولا نصير وأخذت أسعى هنا وهناك حتى وجدت البريطانيين وغيرهم من الأجانب ممن يهزهم الحق ويتمسكون بشرف القول فاتخذتنهم أنصاراً وكان لي والحق يقال من تأييدهم ومعاصرتهم ما زاد في قواي ودفع بي إلى متابعة الجهود والمطالبة بالحقوق التي كنت آتيت إلى باريس من اجل نيلها والعودة بها إلى الأمة التي انتدبني والدي عنها وكنت كمن يسعى فوق اليأس وكان المناصرون لي غير قادرين تماما على تذليل العقابات الكاداء الناتجة عن تغلغل الروح(/)
العسكرية والمطامع الاستعمارية المتشابكة بين الدول والتي كانت من شأنها أن لا تسمح لدولة بان تتنازل عن مطامعها في جهة ما خوفا من حلول غيرها محلها. وكان ذلك السابق بين الدول على تأييد نفوذها طوعا أم كرها يحول دون إنصاف الضعيف والاعتراف بالحقوق التي نادى بها القوي. ولم يكن لمساعي ومساعي من ذكرت من المناصرين سوى نتيجة واحدة كنت اعلق عليها آمالي بالفوز المبين هي إرسال بعثة للتحقيق عن مطالب أهالي البلدان العربية.
عدت إلى سوريا وجاءت اللجنة يوم كان معظم رجال العراق الذين أكثرهم حاضرا هنا، وبعضهم غير حاضر وكان جلهم إذ ذاك في مناصب الدولة في الجيش وفي الإدارة وهم شهود على ما أقول وفحصت اللجنة مطالب السوريين وفحصت مطالب الذوات العراقيين وتعذرونني إذ امتنعت عن ذكر المطالب التي عرضت باسم العراق وقتئذ واشكر الله على بقاء أولئك الذوات أحياء يشهدون ما وصل إليه العراق من تقدم منذ ذلك التاريخ إلى الآن. كان ذلك قبل الثورة العراقية. ثم كانت الثورة وبذلت الأرواح الطاهرة والدماء الزكية وقدمت إذ ذاك مطالب أوسع من تلك التي قدمت إلى لجنة التحقيق إلا أن انتهاء الثورة اجبر بعض رجال الثورة وزعماء العراق على أن يتنازلوا عن مطالبهم ويكتموا بما يتعذر علي ذكره من حقوق.
ثم جئت هذه البلاد التي كانت من ضمن منهاج أعمال الثورة العربية الكبرى مصحوباً باختبارات شتى. ذكرت لكم بعضها وكنت رغم تلك الاختبارات لا أزال تحت تأثير المبادئ السامية التي من اجلها خضنا غمار الحرب وتحت تأثير صور الدماء التي أريقت في ساحة الجهاد القومي بل تحت تأثير ضميري الشخصي وتقاليد آبائي وأجدادي وشرفهم. نعم تحت تلك العوامل كلها أتيت إلى هذا الوطن المحبوب لأعمل والشعب العراقي على نيل ما كانت روح الأمة تطمح إليه إذ أن اختباراتي الشخصية دلتني على أنه إذا كان هناك أمة تريد الحياة فلا شيء يحول دونها وعلمتني وجوب انتهاز الفرص أما الظروف الراهنة المحيطة بوضع أمة من الأمم ومطمحها فيجب مداراتها ومصانعتها إلى أن تتبدل تلك الظروف شيئاً فشيئاً وتنقشع السحب وتنجي الحياة المطلوبة.
دخلت البلاد ووجدت القوم على آمال وأمان تقصر عن تحقيقها ظروفهم واستعداداتهم
وقواهم القصوى وكنت ومازلت اذكر بوضوح كلي ما جرى لنا في سورية يوم أراد أخوان السوريون رغم نصائحي أن نسوق وضعنا إلى أكثر ما كانت به ظروفنا أو بعبارة ثانية عدم تناسب أمانينا مع ما لدينا من قوة لتحقيقها فاعتمدت على العمل في هذه البلاد على مبدأ الصبر واغتنام الفرص وها أني أهنئ نفسي ألان بان أمتي هذه التي سارت معي بالصبر والتؤدة كان سيرها أسرع بكثير من السير السريع الذي سارت به سوريا في ابتداء حياتها القومية ويجدر بي أن أبشركم أن الاختيار الذي حصل لي في سوريا أفاد هذه الأمة فائدة كبرى كما أن الاختبار الذي في هذا البلد بمعاضدتكم وطول أناتكم خدم القضية السورية خدمة كبرى.(/)
أذكر لكم على سبيل المثال أنه كان في سورية من رجال الحكم فيها من لا يرضى عن وجود فرد افرنسي واحد في بلاده ويقول أن إسكافيا افرنسيا واحدا يستطيع استعمار سورية ولكن ماذا حصل بعد ذلك؟ دخل دمشق ما يربو على ثلاثين ألف جندي وبقى نهر بردي يجري وجبال سورية هي بل أن الشخص الذي فاه بما ذكرت أعلاه بقي أيضاً في دمشق ولكن الذي زال مع الأسف هو الحكم الوطني وتأخرت سورية في مضمار تقدمها ما لا يقل عن عشرين سنة والذي اعتقده هو أن ذلك كان بنتيجة طلبنا تسيير الوضع أكثر مما كانت تسمح لنا به ظروفه. بينما الصبر الذي تمسكنا به في هذه البلاد لمقارعة الخطوب واغتنام الفرص ساعدنا على النيل ما نغبط عليه ألان في كثير من الأقطار. وأني أشكر شعبي المحبوب على مشاركته إياي المصائب والملمات ومشاطرتي خطتي التي سرت بها وإياه فأثبتنا عن مقدرة وجدارة بانتا أهل لان نحكم أنفسنا بأنفسنا وقد شهدت لنا بذلك الأمم. ومن العدل والإنصاف أن نذكر في هذا المقام ما كان للنصيحة البريطانية من النصب الوافر في عملنا هذا.
عند قدومي عاصمتي منذ بضعة أيام لاقيت من الحفاوة التي أشكر الشعب عليها بأجمعه ما ذكرني بقدومي الأول إليها والحفاوة الكبرى التي لاقيتها يومئذ. ومع أن ابتهاجي في هذه المرة لم يقل عنه في المرة الأولى غير أن اغتباطي يزيد في هذه المرة عنه في المرة الماضية بمقدار عظيم ذلك لأني في المرة الأولى دخلت على ترحيب من الشعب وراءه آمال يعقدها على قيادتي بخلاصة من الظروف كان يتخبط فيها واضعاً ثقته بي فكنت رغم
ابتهاجي بترحيب الشعب أحس بشيء من القلق باحتفاء الشعب وأنا محقق تلك الآمال التي كان قد عقدها على نصرتي ومعاضدتي والمدة بين الحادثين نحو من عشر سنين.
أذكر ولا بد أن الكثير منكم يذكر ما كانت عليه البلاد يوم دخلت البصرة لأول مرة وليس بخاف على أحد منكم ما كانت عليه الحلة وباقي وادي الفرات أما المنطقة الشمالية فحديثها معلوم وكان ذلك منذ عشر سنين. أما ألان فالبلاد نالت وحدتها واعترف بها رسميا من قبل دول عديدة وأصبحت ذات وضع سياسي دولي عام وقريباً إن شاء الله تبلغون بقرار عصبة الأمم عن الانتداب الذي سيلغى وفقا لرغباتكم إلغاء باتا نهائياً وليس المستقبل ببعيد.(/)
هناك نقطة مهمة جداً في حياتنا القومية تتعلق بنفسية الشعب وروحيته يجب بحثها ومعالجتها بصورة حاسمة هي ثقة أمة بنفسها واعتمادها على ذاتها وتقديرها إرادتها. أخذت منذ مجيئي لهذا الوطن المحبوب أشعر بأن الشعب قد ألف البكاء والعويل تنخر فيه روح الاستسلام والتواكل يفر من مجابهة الحقائق ويتمسك بأشباح الماضي البعيد جدا ولا يقوى على مقاومة الوهم وقد لاحظت فوق ذلك أن زعماءه سوى النفر القليل رغم اقتدارهم على إدراك الحقائق لا يجرأون عن الخروج من الجو الذي يحيط المجموع ويتقدمون بالشعب إلى الحقيقة ويرشدونه إلى كيفية معالجتها على الزعيم الحقيقي ليس من يهوس لقومه وذويه بما لا يستطيعون الحصول عليه مهما كان شأنه عظيما في عالم النظريات بل أن الزعامة الحقيقة تنحصر في قيادة الأمة إلى إيجاد الطرق الإيجابية العملية التي تؤدي بها إلى النفع والمصلحة دون أن تكترث بالأوهام والخيالات البالية. إن معرفة الأمر الواقع واعتراف الزعيم به واجب عليه من الواجبات المقدسة.
الشعب وديعة الله في يد زعمائه يحسنون ائتمانها بقدر ما يكلفونه بحسب طاقته على الاستفادة من الظروف الراهنة والفرص متى عرضت. وأحب أن أضع الصحافيين في صف الزعماء واطلب إليهم أن يتقوا الله في الواجب المقدس الذي يتحتم عليهم القيام به ولا يتاجروا بمقدرات الأمة لترويج صحفهم وكذلك الأحزاب السياسية في البلاد والجمعيات على اختلاف أغراضها لا تخرج من نطاق مسؤولية ذلك الواجب المقدس.
إذا أخذنا حالة الراهنة وقسناها بماضي العراق القريب وبمطالب الشعب السابقة نر الفرق عظيماً والبون شاسعاً وشتان ما بين مشرق ومغرب. إن البلاد اليوم أعظم شأناً مما تظنون(/)
فهي حرة مستقلة طليقة واستقلالها تام كاستقلال الدول المعتزة بنفسها غير أنه ويا للأسف ينقصنا الحس بهذا الاستقلال والجرأة على ممارسته فنحن كمن فقد شيئاً ثم وجده ولا يجسر على ادعائه وهذا النقص البارز في روحنا جعلنا نحس بأن الأجنبي أيا كان ماثل أمامنا يهددنا حتى في تفكيرنا فلا نستطيع أن نفكر بذاتنا لذاتنا فيا لهول ذلك من كارثة. إن تلك الحالة النفسية حالة الاستضعاف ورثناها قديماً بنتيجة سيطرة الأجنبي علينا عصوراً طوالا وخضعنا لحكمه منذ ستة قرون هو علة انحطاطنا وتقهقرنا وأصبحنا لا نقدر على التفكير بحقوقنا مستقلين ولا نرى حقاً لنا في الحياة ولهذا السبب كنا في السنوات العشر الحالية كلما خطونا خطوة إلى الأمام لا نصدق أنفسنا بل ننكر على ذاتنا الجهود التي بذلناها في خطوتنا تلك وكم منا يستطيع أن يعزي التقدم الذي قطعته هذه البلاد إلى الأمة ويصرح لها بذلك. نحن في وطننا والبلاد بلادنا وحقنا في الحياة حق طبيعي يجب أن نمارسه حتى إذا كان هناك من لا يعترف لنا به. كذلك بأيدينا صكوك ومعاهدات إذا التبس علينا شيء من نصوصها فعلينا كأمة شعرت بحقها في الحياة كاملا أن نسعى لتفسير ذلك الالتباس بما هو في مصلحتنا. أما أن نترك الحق ونهمله ونلتجئ إلى البكاء والعويل فذلك شأن العاجز. وكثيراً ما وجد أن الجبان إذا هاله أمر اخذ ينظر إليه بأكثر من حقيقية أما الشجاع فإذا جابه أمراً نظر إليه بأقل من حقيقية يعنى أن الجبان يرى الخطر خطرين فأكثر والشجاع يراه أقل من خطر فالشخص الذي يحسن السباحة إذا تسربت روح الخوف إليه وهو في لجة اليم يئس وغرق واليأس مرض نفساني ضرره اشد من أشنع الأمراض الفتاكة فإذا تسرب إلى أمة فهو نذير بهلاكها ودمارها بينما الأمل منشأ العمل والنشاط فان المريض إذا دب به الأمل تمكن من مصارعة مرضه مهما كان قتالا.
أحب أن اكرر عليكم أن العراق حر طليق لا سيد عليه غير إرادته وحليفتنا بريطانيا ليس لها في هذه البلاد سوى شيء واحد هو الخط الجوي. نعم ليس لبريطانيا في بلادنا غير هذا الأمر وفيما سوى ذلك فإننا أحرار مستقلون واطلب إلى الصحفيين أن يكتبوا ذلك إلى الشعر بأحرف بارزة.
لقد حالفنا بريطانيا وكان ذلك في مصلحتنا ويجب أن نقدر حقيقة هذا التحالف وفوائده العظمى وهل من أمة في العالم تستطيع أن تعيش بعزلة عن الأمم الأخرى لوحدها دون
تبادل المصالح مع غيرها. إن من يفكر بإمكانية ذلك هو كمن يفكر بان في مقدور الفرد أن يعيش بعزلة عن المجموع. وإذا سلمنا نظرياً بالمستحيل فنقول ما هي الفائدة من مثل تلك الحياة.
أما من خصوص عقد المعاهدات مع الدول الأجنبية كافة فكما إننا تعهدنا لبريطانيا بان لا تعقد معاهدة مع غيرها من شانها أن تضر بها فأنها قد تعهدت لنا بالمقابلة بمثل ذلك وهذا العقد المستكمل الحقوق والواجبات بين الفريقين يلزم كل منهما التقيد بمصلحة الآخر ليس في ذلك أي غبن كان.(/)
إن الذي يؤسف له هو أن يكون من بين رجال الأمة من يدرك حقيقية ما بينته لكن ولا يجرأ على مصارحتكم به حتى اضطررت أن أصارحكم بالأمر بذاتي. ولو كانت القضية تقف عند ذلك الحد لكان الأمر هينا لكن هناك أمر في غاية الخطورة احب أن أدلكم عليه لتحذروه وتتجنبوه هو أن البعض ممن يعلمون حقيقة ما قلت يتظاهرون أمامكم بعكس ما يفقهون وذلك من اجل أن يصفق لهم الجمهور في الأزقة والشوارع وفي ذلك أثم لا يفتقر فالذي يقول لكم لا أحالف ولا أعطي شيئاً ولا أبادل لا يكون قد خانكم فحسب بل أنه خائب لنفسه وضميره ووجدانه فليتقوا الله فيما يقولون وتبصروا في الأمور. ولا خير في من يخون نفسه وفكره ورأيه. اذهبوا بين إخوانكم وانشروا علهم كلماتي هذه ولا تضلوا وتضلوا وبلغوا الشعب كافة أنني وبلادي مستقلان لا شريك لنا في مصالحنا ولا رقيب علينا بعد دخولنا عصبة الأمم إلا الله. نعم أننا لا نزال الآن من الوجهة الحقوقية بنظر الغربية تحت الانتداب الذي لم نتعرف به ولم نقرهم عليه غير أن ذلك لا يمنعنا من أن نمارس أعمالنا كدولة مستقلة تماماً ونهاية تلك الوجهة الحقوقية قريبة فما عليكم سوى الصبر والتجالد وتهيئة أنفسكم للعمل.
هل كان بالإمكان لهذه البلاد أن تسير على غير الطريق التي سلكتها وإياكم.
لقد مشت تركيا في سبيل الاستقلال على غير طريق المعاهدات وجمعية الأمم غير أنه لما نادى الغازي شعبه لخلاص بلاده لباه القوم عن بكرة أبيهم ومشوا وراءه بالنفس والمال والسلاح رجالا ونساءاً وأحداثا لذلك لم يحتج الترك في ذلك الوقت إلى أوربا فهل كان من الحكمة أن نتخذ مثل تلك الطريق بالنظر إلى ظروفنا اترك الجواب على ذلك لوجدانكم
وللتاريخ والأجيال المقبلة.
لقد تمكنا بالصبر وطويل الأناة والمثابرة والاجتهاد من أن نثبت للعالم أننا أمة هادئة تتطلب الحياة من طريق السلم والمسالمة ولم يكن هذا العمل اقل مشقة من استعمال القوة والعنف وأني مؤمن والله يشهد علي بان ما فزنا به عن هذه الطريق لهو اعظم بكثير مما كان بالإمكان أن يحل بنا فيما لو سلكنا طريقاً غيرها.
نعم في عشر سنين كنا نتقدم ونتأخر ونعطي ونأخذ نساوم ونبادل وهانحن الآن إذا دققنا الحساب نجد أننا فزنا بأشياء كثيرة وخطونا خطوات واسعة ولم يبق أمامنا إلا بضعة أشهر وننال حقوقنا الكاملة غير منقوصة. نحتاج فقط إلى استعداد كاف فينا لممارساتها والاستفادة منها وها أني أصارحكم بما في ضميري وأقول أنني بعد أن وصلت بكم إلى هذه المرحلة لا أخشى الموت إذ أموت قرير العين مطمئناً على مستقبلكم ذلك كان الباعث لمجيئي إلى هذه البلاد وقد حققت لكم أمانيكم والله شهيد على ما أقول.
إخواني: -
لا احب أن اختم كلمتي هذه قبل أن أوضح لكم موقفي تجاه سياسة الدول وإدارة شؤونها بما فيها من مصالح ومؤسسات وهيئات رسمية وغير رسمية وعلاقات داخلية وخارجية. للدول سياسة عليا تتعلق بسلامتها وسيرها إلى التقدم ولها سياسة داخلية تتعلق بإدارة مصالح الأفراد فالأولى لخطورتها ومسؤولياتها مناطة بي أشرف على توجهها إشرافا مباشراُ مستمراً والثانية لا أتدخل في أمرها بشيء إلا بقدر ما تعترض سير السياسة العليا.(/)
للأحزاب السياسية في البلاد الديموقراطية التي أرغب لبلادي أن تسير في طرق مماثلة لها مناهج بارزة تميزها وتفرقها عن بعضها وتجعل من كل واحد منها ذاتية مستقلة عن غيرها في مناحي سياسة البلاد وكيفية أدارتها وتوزيع ضرائبها وغير ذلك من الأمور وبهذه الحال تفسح المجال للأمة أن تأخذ من وقت إلى آخر بسياسة بعضها دون الأخرى حسبما تتطلبه الظروف من سياسة ومالية وتعليمية وغيرها وهذا ما جعل الأحزاب في بلاد الغرب تتناوب الحكم وتتسابق إلى الظفر بميل الأمة والتفوق على بعضها البعض في هذه الناحية الوطنية. أما هنا فشهدت تأليف أحزاب عديدة كانت كلها متشابهة ومتماثلة في مناهجها ومراميها ولا تختلف في شيء عن بعضها إلا باختلاف أهواء من يقوم بتشكيلها. فلهذا
أصبحت الأحزاب عندنا شخصية اكثر منها عامة بخلاف ما هي الحالة عند غيرنا وبذلك صارت مهمة الأمة شاقة في انحيازها إلى الأحزاب والكتل وعضدها أو الابتعاد عنها لان إمكان لمس الفروق والمميزات بينها من الصعوبة بمكان عظيم. والأحزاب السياسية حرة تجتهد كما تشاء وتسعى لاكتساب ثقة أكبر عدد منكم ولا شأن لي في الحزبية والأحزاب فإذا قام حزب منكم يطلب فرض ضريبة على التمر مثلا وقام حزب آخر يطلب فرض الضريبة على البرتقال فالأمر لكم في تأييد من تشاءون إذ أن ذلك لا علاقة له بسياسة الدولة العليا وأني أنظر على حد سواء نظر الوالد لبنيه ولا تظنوا باني أحابي حزبا دون آخر وأنا شاعر بأمانة الوديعة المقدسة التي هي بين يدي.
قلت أن الملك مسؤول عن سياسة الدولة العليا وهو بهذا الاعتبار مع تأييده الحزب الذي يعضده الشعب من أجل اجتهاده في الأمور الداخلية عليه أن يوجه أعمال وزارته إلى ما فيه سلامة الدولة ورقيها متماديا. جرت الانتخابات قبل سنة تقريباً وكانت آراء القوم متضاربة ففريق يقول أن المعاهدة غير نافعة والشعب لا يقبلها وفريق يقول أنها نافعة والشعب يقبلها ويقرها ولم آت بهذا الفريق من الخارج فهل من عجب إذا أوليت الحكم من كان اجتهادهم يتفق واجتهادي في سياسة الدولة العليا. وهل يعد تأييدي هذا محاباة لفريق دون آخر. سياستي هي أن نبلغ الهدف عن أقصر الطرق السلمية ونلغي الانتداب المشؤوم. وهذا ما سيتم قريباً وإذا أيدت من أيد سياستي العليا وعمل على سبيل خلاصكم فلا ملام ولا عتاب. ومع ذلك فليعلم الجميع بأنني صديق الكل وأب الكل أجل الجميع ونحن كلنا خدام للوطن العزيز.
أخواني: -
بقي أمران أريد التحدث إليكم عنهما الأول وهو مركز العراق بين الأمم وثقتها به لقد سمعت أذناي أنين الأمم العريقة بالغنى والثروة من الضائقة الاقتصادية وشدة وطأتها. إن العراق له الحمد يتمتع اليوم بحالة هي أحسن بكثير من أحوال تلك الأمم وسوف ترون عن قريب عدة شركات تصل إلى العراق لتفاوضكم في أمر استثمار أموالها بينما هي لا تجرأ على الذهاب إلى ممالك أقرب إليها وأدنى ولماذا؟ في العراق ثلاث ميزات الأولى العدل في المحاكم. تعلمون أن الأجنبي لا يستثمر أمواله إلا في بلاد يسودها العدل وأشد ما يخافه ظلم(/)
المحاكم الوطنية وتوطئها عليه والعراق مشمول بالعدل وقضاته بوجه عام يعترف الأجنبي بإنصافهم وعدالتهم. والثانية السكينة والطمأنينة وهما ركنا استثمار الثروة. والأجنبي يستطيع أن يعمل ويشتغل ولا يخشى خطراً وعدواناً. والثالثة عدم وجود دين ما على العراق لأحد وأرباب رؤوس الأموال ينفرون من استثمار أموالهم في بلاد ينقلها الدين. وأطمنكم أنكم سوف لا ترون أي تسامح أو تساهل في المفاوضة مع الأجنبي لا يبرره المعقول والمصلحة العامة وليكن معلوماً إننا سوف لا نقبل أموالا أجنبية تستغل في بلادنا إلا إذا اقتنعنا أن معظم المنفعة سوف يعود لنا، أن الأمن والسكينة هما أساس الرقي والتقدم وهما اقدس ما تحتاج إليه البلاد.
وأن من يعبث بهما يكون خائناً وللخائن جزاؤه أن سكون البلاد في عشر سنوات خلت قد أبلغنا أمانينا ونحن في المرحلة الأخيرة إلى حريتنا الكاملة واستقلالنا الصحيح. وهذه السياسة التي مشينا عليها. سياسة التؤدة وانتهاز الفرص قد أنقذتنا ونأمل أن ننقذ البلاد العربية الأخرى.
ثانياً أن الأزمة الاقتصادية التي يئن سائر العالم منها نئن نحن منها أيضاً ولكن أملي عظيم بأن ما أمتاز به شعبي من جلد وصبر على النكبات وفي مغالبة الطواري سيذلل العقبات وسنخرج البلاد من ضائقتها بأقل ضرر. لدينا كنوز عظيمة ورجال أقوياء ولا يعوزنا ألا السعي والعمل المثمر الجدي والمستمر والأخذ بسياسة اقتصادية حكيمة عن طريق الاستغناء عن كل ما يرد علينا من الخارج سلعاً ومنتجات بقدر إمكاننا وصنع ما نحتاج إليه في بلادنا. بذلك نصون ثروتنا وننقذ أنفسنا إذ أقول الحق أن لا استقلال لبلاد غير مؤسسة اقتصادياتها على أسس ثابتة. ومثل ذلك كالبنيان المشاد على الرمل وعلى جرف مهدد بالانهيار. وفي الختام اطلب إلى شعبي المحبوب أن يؤازرني في بناء مستقبلنا الاقتصادي كما آزرني في الجهة السياسية والباري يأخذ بيد الجميع هذا والله ولي التوفيق.
(أصدراه ملاحظية المطبوعات)
كنا قد نقدنا كتاب بدائع الدهور، فكتب إلينا ناشره ما يأتي:
(لغة العرب)
(كتاب بدايع الزهور في وقايع الدهور)
تأليف محمد بن احمد بن اياس الحنفي (الجزء الرابع)
استانبول 1931
متن الكتاب(/)
عند الاطلاع على النسخ الأصلية التي كتبها المؤلف بنفسه يتبين لنا أسلوب ابن اياس في الكتابة. إذ أنه يتضح لنا أن اللغة العربية التي كتبها ذات خواص غريبة لا يمكننا المرور عليها بدون انتقاد. فإذا قيل أن ابن اياس أصله أجنبي، فهذا ليس له ذكر، فأبوه وجده عاشا في مصر، كذلك جد أبيه كان أحد كبار الموظفين بمصر؛ وهو ولد وربي في مصر ودرس على جلال الدين السيوطي، ولا شك أنه كان في استطاعته التعبير عن آرائه بعبارة صحيحة باللغة العربية في ذلك الوقت. ولا يخفى أن اللغة العامية تأثيراً واضحاً اختص باللغة العربية في ذلك الوقت. وعلاوة على ذلك تحتوي لغة ابن اياس العربية على خواص تظهر لنا لأول وهلة كغلطات لغوية. فإذا تبينت لنا هذه الخواص في أسلوب المؤلف. فربما كان ذلك لأننا قلما نعرف نسخاً أخرى من ذلك الوقت مكتوبة بخط مؤلفيها. وكلما وجدنا غلطات لغوية يمكننا أن نرجعها إلى ناسخ من ناسخي هذه النسخة الأصلية، فنحن نميل طبعاً إلى تصحيحها مع وثوقنا بأن المؤلف نفسه كان يعبر عن آرائه بلغة صحيحة وان هذه الغلطات تقيد في حساب ذلك الناسخ. ونسخ أبن اياس، وبالأخص طبعة بولاق، تشهد بأنها صححت كثيراً.
ونحن لدينا ألان النسخ الأصلية للجزء الأكبر من التاريخ، أعني الأصل الذي كتبه المؤلف بنفسه كما هو. وانه لمن النفع الكبير أن نرى كيف كان يكتب العربية أحد المتعلمين في ذلك الوقت. فلذلك نرى أنه من الأصح إذا نشرنا تاريخ أبن اياس أن ننشر الأجزاء المحتفظة عليها في النسخ الأصلية كما هي تماماً على قدر الإمكان. طبعاً يقابل هذه الطريقة صعوبات. فإذا أبقينا في النشر الهمزة مثلا كما هي عليه في الأصل أصبحت قراءة المتن صعبة. وكذلك الخواص الأخرى اللغوية ثم أن أبن اياس نفسه لا يدقق في هذه الأشياء. وعلى العموم فان كل من يريد أن يدرس خواص أبن اياس في الكتابة فهو مضطر أن يطلع على نسخ أبن اياس الأصلية أو صورها.
وعلى كل حال فانه من المناسب أن نقتصر عند نشر النسخ الأصلية على تصحيح الغلطات التي نرى أنها وقعت سهواً من المؤلف وعلى أن نضع علامات الشكل حيث نرى أنه يلزم وضعها. وأني أرى أنه ليس من واجبنا أن نصحح الغلطات النحوية التي تقابلنا، مثال ذلك الضمائر الخطأ أو وضع النصب محل الرفع أو أداة التعريف الخطأ مثل البرهان الدين الخ. مورتس سوبر نهيم كان قد طلب تصحيح ذلك تصحيحاً مطلقاً.
عند طبع هذا الجزء كان لدينا كمسودة نسختان منسوختان عن الأصل تتمم إحداهما الأخرى. وطبعاً ليست هاتان النسختان كالأصل بعينه ورغماً عن أنهما نسخنا في سنة واحدة فهما تختلفان في أسلوبها.
فنسخة باريس مكتوبة بالنسبة للنسخ الأخرى، بلغة صحيحة حتى أنها تفوق على الأصل أحياناً في صحتها. وفيها تنقص كل علامات الشكل. وقد تمكن لنا طبع متن هذه النسخة كما هو إلا بعض غلطات سهوية صححناها - وقد نبهنا عنها في الحاشية - وأحياناً وضعنا بعض علامات الشكل لتسهيل القراءة.
وأما نسخة لنبنجراد فهي تعتمد في حد ذاتها على الأصل كمسودة لها. غير إنها نسخت على يد ناسخ لم يتكلم العربية كلفته ولم يفهمها أحياناً كما يظهر لنا.(/)
وهذا يفسر سبب خلط بعض الحروف في بعضها مثال ذاك ح، خ وض، ظ ود، ذ وع، غ. وقد وضعنا في مثل هذه المواضع الصيغ العربية الواجبة، وهذا يفسر أيضاً سبب وضع بعض الملحوظات في مواضع لا توافقها من مجرى الكلام. ونحن نرى أن هذه مواضع كتاب المؤلف فيها في الأصل ملحوظات على الهامش، كما يتبين ذلك من كثرة ورود مثل هذه الملحوظات في نسخ الأصل التي لدينا. وغالباً ما ادخل الناسخ. في مثل هذه الأحوال، هذه الملحوظات في مواضع لا توافقها من مجرى الكلام. وتشكيل هذه النسخة غريب جداً. فكل ما يجده القارئ من علامات الشكل في هذا الجزء وضعناه بدون التفات إلى ما في النسخة من ذلك. وقد تركنا فقط علامات الشكل في أسماء الأعلام، التي رأينا أنها تتفق بدرجة ما مع الأصل، على ما هي عليه. ثم أننا وضعنا نقط تاء التأنيث المربوطة بينما هي في النسخة موضوعة بدون انتظام. وكذلك الهمزة على الياء بعد الألف، وقد كتبت هذه في النسخة بدون همزة وبتنقيط الياء.
وسننشر فهرساً لأسماء الأعلام والأماكن وكذا معجماً للكلمات الغربية الواردة في هذا الجزء في الجزء التالي.(/)