فيه صاحب الحوادث الجامعة ص 11 من نسختنا (شبح فاضل عالم بالسير والأخبار كتب بخطه كثيراً وجمع عدة مجاميع واختصر كتاب الأغاني للأصفهاني وخدم في عدة أعمال منها كتابه المخزن وخزانة الغلات بباب المراتب وأشراف البلاد الحلية وغير ذلك وصنف كتاباً في علم الكتابة سماه (جواهر اللباب في كتابه الحساب) وذكر أنه توفي في خامس شوال سنة 629 الهجرية.
مصطفى جواد
87 - المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 8 -
68 - وقال في ص 211 (والأنصار الذين أغدق عليهم الأمويون الأموال) وكرر (أغدق) متعدياً بنفسه في ص 226 ولم نعثر على تعدية إلا أن القياس مطرد في تعدية الثلاثي اللازم بالهجرة أو التضعيف وغذ ورد (أغدق) لازما لا يبقى لنا إلا أن نعديه بالتضعيف فالصواب (غدق عليهم الأموال تغديقاً).
69 - وقال في ص 218 (فتقبلت مصارعهم صابرة محتسبة) ولم أعرف تقبلاً يستوجب الصبر لأنه فرع من الرضا والاختيار والصبر ضد الرضا والاختيار.
70 - وقال في ص 221 (النواصي جمع ناصية وهي شعر مقدم الرأس فوق الجبهة وجزها قطعها وكانت العرب تفعل بالرجل الشريف إذا أسروه وأرادوا إطلاقه) وفي ص 236 نقل عن منظور عن الأزهري (أن العرب كانوا إذا أسروا أسيرا خيروه بين التخلية
وجز الناصية والأسر. . .) فنقض اختصاص ذلك بالأشراف كدأب الذين لا يحسنون النقل وجاء في الكامل 1: 175 (قالوا: نواصي الفرسان الذين كان يمن عليهم) أي في تفسير قول الحطيئة (مجدا تليدا ونبلا غير انكاس).
71 - وقال في ص 22 (فوجد لها ضجيجاً كضجيج الجيج) ونحن ننصح له بان يتخذ هذه الجملة مثلاً حينما يعلم تلاميذه (تنافر الكلمات) المعادي للبلاغة العربية فهي أولى من مثلهم (في رفع عرش الشرع مثل يشرع) و (ليس قرب قبر حرب قبر).
مصطفى جواد(8/394)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - افتتاح ناظم البدعة
في صباح الخميس 10 أبريل ذهب صاحب الجلالة إلى ناظم البدعة في لواء المنتفق ومعه الركاب العالي وجرت حفلة افتتاح الناظم المذكور بحضور جم غفير من الأهلين وشيوخ القبائل والموظفين العراقيين والبريطانيين والوفود من البصرة وتلك الأنحاء واستقبل هناك جلالته استقبالا فخماً وافتتح جلالته الناظم بقطع الشريط الذي كان مربوطاً بالناظم وكان القطع بسكين من فضة هدية من وزارة الري إلى جلالته ووقع الافتتاح بين الخطب والأدعية الحارة.
2 - افتتاح بناية المتقن الطبي الجديد
في الخامس من شهر نيسان (أبريل) جرت حفلة جليلة هي حفلة البناية الجديدة للمتقن الطبي وذلك في الساعة العاشرة صباحاً. والبناية واقعة في المستشفى الملكي في المجيدية من محلات باب المعظم أو باب الشمال وقد حضر الحفلة جلالة ملكنا المحبوب وفخامة رئيس الوزراء وفخامة المعتمد السامي ويليهم الوزراء الحاليون والأسبقون وفخامة القائد روبرت بهام رئيس القوات الجوية البريطانية في العراق وحضرت ممثلي الدول وقناصلها وحضرات الرؤساء الروحيين ورؤساء الدوائر وأطباء المستشفى من عرب وأجانب والممرضات وأطباء الجيشين العراقي والبريطاني وغيرهم وكان مع بعض البريطانيين عقيلاتهم. أما طلبة الطب فكانوا في محل خاص.
وكان التدريس قبل هذا العهد يلقي في أحد البنية التي لم توضع لهذه الغاية ودام فيها سنتين.
وفي ذلك الافتتاح وزعت جوائز على الطلبة الذين استحقوها. فكان كل منهم يتقدم وينال الهدية من يد جلالة ملكنا الكريم المحبوب. ويصافحه جلالته مهنئاً إياه.
ثم تقدم أحد الطلاب وبيديه وسادة من حرير وعليها مفتاح من فضه مذهب فقدم الوسادة إلى معالي وزير الداخلية(8/395)
أخبار الشهر
(صورة) جلالة ملكنا المحبوب في حفلة افتتاح المتقن الطبي الجديد وعلى يمينه صاحب الفخامة المندوب السامي وعن يساره صاحب الفخامة رئيس الوزراء
فقدمها معاليه إلى جلالة ملكنا فاخذ المفتاح الذي عليها وسار جلالته يتبعه صاحب الفخامة رئيس الوزراء والمعتمد السامي ففتح جلالته بيده الكريمة باب المتقن. ثم تبعه الجمهور وفي تلك الأقسام والأروقة المختبرات العديدة في علم الحياة وعلم الأمراض وعلم المواليد والكيمياء وردهة التشريح والبضع وغرفتان للمحاضرات وهما مجهزتان بالمصباح السحري والخزانة الحاوية لمئات من المؤلفات النفسية ومعرض النماذج الطبيعية لأنواع الأمراض ومعرض الحيوانات والنباتات العراقية وغيرها.
وسر الجميع بما رأوه من النظام والترتيب وأدوات الفنون العصرية الراقية وأجهزة الفحص والدرس والخزع.
جوائز المتقن الطبي العراقي
وقف بعض المعاهد المالية في العراق جوائز مالية في كل سنة ودونك أسماء الذين جادوا بها:(8/396)
1 - (جائزة شركة النفط الإنكليزية الفارسية المحدودة) ومبلغها ثمانية جنيهات تمنح سنوياً للطالب فائق أصحاب في سنة الدراسة الأولى.
2 - (جائزة البنك الشرقي) ومبلغها عشرة جنيهات للأول في الكيمياء والطبيعيات.
3 - (جائزة البنك العثماني) ومبلغها عشرة جنيهات للأول في علم المواليد لسنة الدراسة الأولى.
4 - (جائزة البنك الشاهي) ومبلغها عشرة جنيهات للأول في التشريح لسنة الدراسة الثانية.
5 - (جائزة الجمعية الطبية) وهي كتب ونوط للأول في الصف الثاني.
6 - (جائزة شركة نفط العراق) وهي كتب ونوط للأول في علم الحياة في الصف الثاني.
وفي 15 من شهر نيسان خصصت (السيدة غي دافلين) أرملة المرحوم الدكتور سليمان بك
غزاله) جائزة لذكرى قرينها سمتها جائزة الدكتور سليمان بك غزاله وقد رغب الدكتور سندرسن عميد المتقن في أن تهدي إلى الطالب الناجح في درس الرمد للسنة الرابعة. وسيبتدئ منها في تشرين الأول (أكتوبر) من السنة المقبلة إلى نهاية حزيران (يونيو) من سنة 1931 فنثني على همه السيدة المؤلفة الكبيرة لتخليدها ذكرى قرينها المغفور له. ونتمنى أن يقتفي الكثيرون والكثيرات هذا العمل المبرور.
3 - بيان رسمي
بشأن اللغة الكردية في العراق (بحروفه) رأت الوزارة بعد لن تقلدت زمام الأمور أن تعني بما تراه هاما ومطمئناً لرغبات الشعب وأمانيه. من ذلك بعض قضايا تختص بقسم من سكان الألوية الشمالية. فقررت إحضار لائحة قانونية تعرض على مجلس الأمة عند اجتماعه القادم لجعل اللغة الكردية لغة رسمية في الأماكن الكردية استناداً على المادة السابعة عشرة من القانون الأساسي والحكومة على روح الوعود التي سبق لها أن وعدت بها الأكراد في العراق.
نوري السعيد
رئيس الوزراء ووزير الخارجية.
4 - الشيخ سالم الخيون
أذنت الحكومة للشيخ سالم الخيون رئيس عشائر بني أسد (بني سد) بان يقطن البلد العراقي الذي يختاره ما عدا ألوية العمارة والبصرة والمنتفق فنتمنى لحضرة الشيخ طيب الإقامة في البلدة التي يختارها.(8/397)
5 - الوفد العراقي للدفاع عن الشبان العرب المحكوم عليهم
بالإتلاف
أنشئ في المحاضرة في 12 نيسان (أبريل) وفد عراقي لمقابلة جلالة ملكنا المعظم وفخامة رئيس الوزراء، وطلب التوسط لإنجاء الشبان العرب الستة عشر الذين حكم عليهم بالإتلاف في فلسطين. فبلغ عدد أعضاء الوفد عشرين. وفي 13 ذهب الوفد فقابل جلالة ملكنا المحبوب فوعده بأن يبذل كل جهوده للتوسط في المطلوب، ثم انطلق إلى ديوان
رئاسة الوزراء فأجاب رئيس الديوان أنه يبذل كل جهده للتوسط بعرض شعور العراقيين على الحكومة الإنكليزية ثم طيرت برقيات إلى جلالة ملك بريطانية ورئيس وزراء إنكلترا والمندوب السامي في فلسطين والوفد الفلسطيني في لندن واللجنة التنفيذية العربية في القدس.
6 - وفاة عبد الرحمان باشا الحيدري
قضى عبد الرحمان باشا الحيدري نحبه في 12 نيسان (إبريل) عن عمر يناهز الخامسة والسبعين ودفن في الحضرة الكيلانية. وكان تولى رئاسة البلدية في العهد العثماني مراراً عديدة. ومن أعماله إجراء الماء في القسم الجنوبي من الحاضرة وتنظيم جادة ناظم باشا وكان عضواً في مجلس الاستئناف في العهد المذكور وكان في الوزارة النقيبية في عداد الوزارة غير العاملين. فنعزي أولاده بهذا المصاب ونطلب من الله الرحمة لنفسه.
7 - الطريق الجديد ين المدينة وحائل
اهتمت المحافل المختصة بالطريق الجديدة التي وجدتها حكومة نجد والحجاز بين المدينة وحائل. وقد جرت فيها سيارات الملك أبن سعود لأول مرة ويتوقع البصراء أن تسير السيارات بعد اليوم من النجف في العراق إلى حافل فالمدينة. فيعود إلى تلك البادية النشاط والحركة يوم كانت مسلك الألوف والألوف من الحجاج وقد صرح أحد النجدين الخبيرين بشؤون البادية أن طريق النجف إلى حائل إلى المدينة كثيرة الآبار وستؤثر تأثيراً كبيراً في طريف الصحراء بين دمشق الفيحاء وبغداد الزوراء.
8 - القوالون اليزيديون
القوالون هم من طائفة خدمة الدين اليزيدي وكان قد ذهب أحد عشر منهم إلى ديار روسية تذكيراً لليزيديين الروس أن لا ينسوا حسناتهم إلى رؤساء الدين(8/398)
فسجنهم الروس ثم توسطت الحكومة العراقية لفك أسرهم فأطلقوا من السجن فوصل منهم إلى الموصل خمسة وأما الستة الآخرون فماتوا في ديار الغربة.
9 - بلية الجراد
كان الجراد كثيراً في هذه السنة في ديار مصر وأرض الأردن والعراق وديار إيران في
كمران وبلوجستان وخوزستان وخراسان وقد وقف أرباب الأمر في الربوع المذكورة مبالغ طائلة لإبادة هذه الدويبات الفاتكة ولا بد من أن يقطع دابرها في مستقبل الزمن لتكاتف الدول على قتلها.
10 - اعتصاب طلبة جامعة آل البيت في الحاضرة
اعتصب هؤلاء الطلبة احتجاجاً على النظام الجديد الذي أدخل فيها حديثاً. ثم وعدوا خيراً فعادوا إلى مواطنهم وكان في العقد الأول من أبريل.
11 - مياه الفراتين (بيان رسمي)
كان معدل منسوب نهر دجلة خلال شهر آذار من هذه السنة أوطأ ما سجل خلال ال 24 سنة المنصرمة.
فمن هذا ومن درس السنين المذكورة السابقة يظهر الآن أن من المحتمل جداً أن يكون المنسوب الصيفي أيضاً واطئاً للغاية.
وأما من جهة نهر الفرات فأمر التكهن بالمنسوب الصيفي بالضبط يعد سابقاً لأوانه وكان معدل المنسوب في الرمادي خلال آذار هذه السنة في ال 22 السنة المنصرمة (906 - 1928).
ومن المشكوك فيه ما إذا كان سوف يصل المنسوب الصيفي إلى معدل الارتفاع لذلك الموسم كما حسب من مدة السنين المذكورة.
12 - الأمراض المعدية في بغداد
ظهر في جدول الأمراض المعدية في الأسبوع المنتهي في 5 - 4 - 1930 أنه وقع في الحاضرة ثلاث إصابات بالطاعون وثلاث وفيات وإصابة واحدة بالخناق ووفاة واحدة وثلاث إصابات بالحمى المحرقة وحدث في الكاظمية إصابتان بهذه الحمى.
13 - الطعام في الموصل وسامراء والكاظمية
يظهر أن مجموع ما في لواء الموصل من الحنطة 27. 000 طن ومن الشعير 15. 500 طن وفي سامراء 1194 طنً من الحنطة وألف طن الشعير. وفي الكاظمية 1. 500 طن من الحنطة و 1800 طن من الشعير.(8/399)
14 - دخل الحكومة العراقية لغاية شهر شباط
يؤخذ من الإحصاء الذي نشرته جريدة الوقائع العراقية في أحد أعدادها الأخيرة عن دخل الحكومة خلال شهر شباط المنصرم أن مجموع المبالغ التي حصلتها الحكومة خلال الشهر المذكور بلغ 794. 664 ربية يقابل ذلك 1. 080. 614 ربية مجموع دخلها في مثل هذا الشهر من العام الماضي. وقد بلغ مجموع الدخل من أول السنة المالية إلى آخر شهر شباط الماضي 15. 119. 052 ربية يقابل ذلك 17. 375. 854 مجموع دخلها في مثل هذه المدة من العام الماضي.
وقد بلغ دخلها خلال شهر شباط المنصرم 674. 408 ربيات من المحصولات الزراعية و 11. 059 ربية من سائر المحصولات الطبيعية و 76. 568 ربية من الحيوانات و 4. 033 ربية من المعادن و 28. 596 ربية من الاجارات ورسوم العبور.
15 - مؤتمر للعشائر العراقية
عقد في بئر سبع في اليوم الثاني من شهر نيسان (إبريل) مؤتمر عربي كبير الأهمية لتسوية المنازعات والضغائن بين القبائل ودعي إلى هذا المؤتمر زعماء قبائل شبه جزيرة سنا وجنوبي فلسطين وشرقي الأردن وكان الأمير شاكر رئيس المحكمين ومثل شبه جزيرة سينا الميجر جريفس مدير المديرية ومثل شرقي الأردن الكولونيل بيك باشا من فرقة متطوعي العرب ومثل فلسطين المستر مفروحوردانو حكمدار بوليس فلسطين وحضر ممثلو القبائل كلهم عن تلك المنطقة في الصحراء الواقعة بين غزة والعقبة حيث تلتقي البلدان الثلاثة المختصة وحيث يلجأ العرب الفارون من طائلة القانون إلى عبور حدود هذه البلدان للاعتصام فيها والتخلص من الاعتقال ودفع الغرامات.
ومؤتمر مثل هذا لا شك في أن وسيلة لراحة للقائل وإفراج صدورها ومعلوم أن العلاقات الودية بين مصر وفلسطين وشرقي الأردن هي علاقات وثيقة والتعاون بين حكومات هذه البلاد مضمون فالمجرمون الذين يتخطون الحدود لا يكونون في مأمن من طائلة القانون.
16 - الإفلاس في بغداد
توقف عن الدفع منذ تشرين الثاني (نوفنبر) الماضي إلى نيسان (أبريل) واحد وسبعون
تأجراً منهم 7 من تجار الفغفوري (الصيني) و 8 من تجار التبغ(8/400)
(الدخان) و 2 من البقالين و 21 من تجار الأقمشة و 15 من تجار السلع (الخردوات) و 1 من تجار الغزل و 5 من تجار العطارة و 2 من التجار بالعمالة (بالقومسيون) و 5 من الخياطين و 1 من أرباب المقاهي و 1 من النجارين و 1 من الصيارفة و 1 من الحدادين و 1 من الصبابين.
وكانت حوادث الإفلاس الرسمي في خلال هذه المدة تسعة عشر.
17 - صحة ملكنا المحبوب
اضطربت صحة ملكنا المبجل وكانت درجة الحرارة في خلال ليلة 22 نيسان (فريل) 37 ونصفاً من المقياس المئوي وهي الحرارة المألوفة فعسى أن تكون الصحة ملازمة لشخصه المحبوب، إذ جميع الناس يدعون له العافية التامة.
18 - ولي عهد الكويت
وصل إلى حاضرتنا سمو الأمير الشيخ عبد الله السالم ولي عهد أمارة الكويت وزار في 23 نيسان دار التحف العراقية والمستشفى الملكي وطاق كسرى في طيسفون (سلمان باك).
19 - مكافحة الجراد بالطائرات
يتفاقم خطر الجراد في العراق وسورية وفلسطين ومصر يوماً بعد يوم ويزداد قلق الناس ساعة بعد أخرى وقد أصبح القول بأن الحكومة مهتمة بمكافحة الجراد لا يشفي غلة ولا يفي بحاجة فقد ملأت أسرابه حزون البلاد وسهولها وتغلغلت في مواضع الحياة منها. في المساحات المزروعة التي في إنتاجها قوام حياة الفلاح وقوام خزينة الدولة فواجب حكومة وأهالي تلك الأقطار أن ينصرفوا إلى مكافحته بكل وسيلة ممكنة وقد طالعنا أخبار هذا الجراد الذي طغى من كل ناحية فوقفنا على كلمة لطيار في مصر خبير بأنواع مكافحة الحشرات الزراعية فأثرنا نقلها فيما يلي لعلها تهيب بولاة الأمر هنا إلى درس هذا الموضوع والاعتماد على هذه الواسطة فقد تكون خير الوسائل وأخصر طريق للخلاص من هذه الآفة. وهذه هي الكلمة:
قال الطيار: أنه وقف على حالة انتشار الجراد في صحراء سينا وصحراء فلسطين وأنه أسف كل الأسف أن تقوم السلطات المختلفة بمجهودات مضنية تكلفها الأموال الكثيرة
لمحاربة هذه الآفة دون أن تثمر هذه المجهودات ودون أن تأذن بالنجاح لأن أتساع الصحراء وترامي أطرافها يجعلان المكافحة بطريق السيارات من أشق الأمور.(8/401)
ثم قال: ولا أستطيع أن أفهم لماذا لا تفكر السلطات في المكافحة بواسطة الطيارات؟ فالغازات السامة في متناول اليد وسلاح الطيران موجود ونفقات استعماله لا تزيد عما سينفق على المكافحة الحالية فتستطيع طيارة واحدة أن تغادر المطار مزودة بالغازات القاتلة للجراد فتحلق فوق المناطق الأهلة بالأسراب فإذا تبينتها جيداً هبطت إلى العلو المطلوب وأحاطت المنطقة كلها بحائط من الدخان السام لا ينقشع إلا بعد إبادة كل ما في المنطقة من أسراب.
وتستطيع الطيارة أن تعود إلى مركزها حتى تنبئها السلطات تلفونياً بظهور أسراب أخرى واتجاهها أو بوجود مناطق وضع الجراد بها بيضة فتجري هذا العمل وتكرره حتى يتم تطهير الصحراء تطهيراً تاماً.
ونجاح هذا العمل متوقف على شيء بسيط جداً هو عقد مؤتمر كالذي عقد في العوجاء بالقرب من الحدود الفلسطينية المصرية من أيام واتفاق السلطات على استخدام الطيارات حتى يكون العمل المشترك كفيلاً بضمان التطهير التام). (عن الأوقات البغدادية بتصرف قليل).
20 - الاختلاسات في إيران
قرر مجلس النواب الإيراني محاكمة البرنس فيروز نصرة الدولة وزير المالية السابق ووزير الخارجية الأسبق لحكومة الملك أحمد قاجار عن الاختلاسات المعزوة إليه في مستودعات الدولة من الذخائر والحبوب ويعني الرأي العام عناية كبيرة بهذه المحاكمة التي لا تخلو من صبغة سياسية.
(تصحيحات)
ص 248 س 20 يصلح: مصلح - 252 س 25 جسامة البصرة: جسامة العشار - 253 س 25 معظمهم: بعضهم ص 257 س 21 مماملاتها: معاملاتها ص 275 س نياته: بيانه - ص 277 س 8 الفتح: الغنج - 363 س 1 لكث: لمكث - 363 س 8 بلويووسف بلو
ويوسف - 363 س 16 موطنة: موطنه - ص 363 س 21 لا بينة: ص 372 س 24 الشرع: الشرح بينة - 372 س 9 به: بها - ص 374 س 14 يسلموا: ليسلموا - ص 375 س 22 ما رواه: على ما رواه - ص 376 س 5 بغداد: ببغداد - ص 377 س 18 يفت: يفتى - ص 377 س 23 سورة: صورة.(8/402)
العدد 81 - بتاريخ: 01 - 06 - 1930
الألفاظ اليافثية أو الهندية الأوربية في العربية
-
1 - المقدمة
المراد بالألفاظ اليافثية: الكلم الهندية الأوربية أو كما يقوله العلماء قبل خمسين سنة: (الهندية الجرمنية أو الهندية الألمانية) أما اليوم فإن أغلب الباحثين غيروا هذه التسمية وأخذوا يقولون (اليافثية) اجتزاء بالكلمة الواحدة عن الكلمتين وباللفظ الوافي بالمعنى عن الناقص في مؤداه.
2 - نظرة عامة في الألفاظ العربية
وقد لاحظنا قبل أكثر من ثلاثين سنة أن ألفاظ لغتنا تقسم إلى ثلاثية ورباعية وخماسية وسداسية. وهي على تعددها ترجع إلى أصل واحد هو الثنائي وهو الوضع الطبيعي لكل لفظة عربية أو سامية، فيزاد على الثنائي حرف أو حرفان أو ثلاثة أو رباعياً أو خماسياً وربما زيد أربعة أحرف أو خمسة فتكون الكلمة سداسية أو سباعية.
وظهر لنا أن أغلب الألفاظ الثلاثية الأحرف عربية الوضع والسبك. إلا أن هناك نحو العشر منها دخيلة جاءتها في أغلب الأحيان من اليونانية أو الفارسية(8/403)
أو الرومانية (اللاتينية). والألفاظ الداخلية أكثر ما ترى في الرباعية والخماسية والسداسية وإذا كانت أبنية الكلم لأبنية لغتنا فلا جرم أنها دخيلة فيها.
على أنه ليس كل رباعي أو خماسي أو سداسي أو سباعي دخيل الوضع، بل هناك ما هو منحوت من كلم عدنانية فمثل سفر جل ليس دخيلاً في لغتنا إنما هو منحوت من سفر (أي صفر) و (جل) أي كبير. ومعناه الثمر الأصفر الجليل أي الكبير وهو كذلك في البلاد التي يكثر فيها الماء ويشتد فيها الحر.
3 - ألفاظ عربية الصيغة دخيلة الوضع
وفي لساننا ألفاظ وضعها وضع عربي محض وصيغتها صيغة عربية وحروفها حروف ضادية ولا يعن على بال أنها دخيلة الأصل وهي مع ذلك دخيلة في لغتنا. فهذه كلمة (الفحص) فمن يراها من قراء العربية أو يسمع بها من الناطقين بالضاد، لا يمر بخاطره
أنها من وضع الأجانب إذ ليس في صيغتها ما ينبه على أنها غير عربية. ومع ذلك ليست من أوضاع السلف قال ياقوت الحموي في المعنى الذي نذهب إلى عجمته: (بالمغرب من أرض الأندلس مواضع عدة تسمى (الفحص). وسألت بعض أهل الأندلس ما تعنون به؟ فقال: كل موضع يسكن سهلاً كان أم جبلاً بشرط أن يزرع نسميه فحصاً. ثم صار علماً لعدة مواضع فلما في لغة العرب فالفحص شدة الطلب خلال كل شيء) أه.
فأنت ترى من هذا التفسير الدقيق أن الفحص بمعنى شدة الطلب عربي فصيح صحيح لا غبار عليه وأما بمعنى السهل للزرع فهو دخيل والذي عندنا أنه من اللاتينية ومعناها كذلك وهي في لغتهم مشتقة من أي زرع وغرس وزارع ثم توسع في معناه العرب وأبناء الغرب فجاءت اللفظة عندنا وعندهم بهذه المعاني: البليدة والقرية والقضاء وأما أصل معناها فكان السهل والقراح ثم المرعى والحمى (كإلى) ومن هذا القيبل (الكيس) (وزان سيد) الذي معناها الظريف الخفيف المتوقد الذهن فهو من الرومية (أي اللاتينية) ومعناها مدني ومن كانت أخلاقه أخلاق أبناء المدن يغلب عليه الظرف والخفة وتوقد الذهن وحسن الأدب إلى غير هذه(8/404)
الصفات المشهورين بها سكان المدن والحواضر كما أن سكان القرى والجبال يعرفون بالغلظة والجفاوة والخرق وثقل الخلق ولا جرم أن اصل (كيس: كيوس) على اللفظ اللاتيني. ثم وقع فيها الإدغام كما وقع في سائر الكلم المصوغة هذه الصيغة.
ومثل هتين الكلمتين ألفاظ جمة تدل على السلف جاوروا الأغراب وأخذوا منهم ومن آدابهم شيئاً غير يسير: ولما كان جودهم اشهر من وجود غيرهم أمدوهم هنا أيضاً بألفاظ لا تحصى فكان عطاؤهم على مجاوريهم فيضاً وكان عطاء غيرهم عليهم قيضاً وليست الغاية من هذا المقال أن نقفه على هذا الموضوع إنما نريد اليوم أن نوجه أنظار العلماء والباحثين إلى أمر لم يذكره أحد من اللغويين الأقدمين والعصريين الأغراب أو الأعراب.
وهذا الأمر عجيب غاية العجب. هو أن ألفاظ اللغة تقسم إلى أربعة أقسام جليلة: قسم الألفاظ العربية الخاصة بها التي لا يرى مثلها في اللغات السامية ولا في اللغات اليافثية أو الحامية - وقسم فيه ما يشبه في اللغات السامية دون غيرها - وقسم فيه ما يشبهه في اللغات اليافثية وحدها وقسم رابع فيه ما يشبهه في اللغات الحامية فقط.
أما أن يكون في لغتنا ألفاظ تضارع ما في سائر اللغات السامية فهذا أشهر من أن يكون وقد أنتبه له الأقدمون منذ عصور تدوين اللغة. وكذلك قل عن المشابهة التي ترى بين الكلم العربية والكلم الحامية (أي المصرية ونحوها) فمخالطة العرب لساكني وادي النيل قديمة لا تخفي على أحد فإذا أقتبس قوم شيئاً من قوم خالطوهم منذ أقدم الأزمنة فلا عجب أيضاً. أما أن في لساننا ألفاظا تماثل الألفاظ اليافثية أي الهندية الأوربية فهذا منتهى العجب. على أننا ذكرنا في مقالتنا التي نشرناها في السنة الماضية وأزعجت كثيرين من الشعوبيين وعنوانها (فضل العربية على سائر اللغات) (7: 593 إلى 602) أن أجدادنا العرب اختلطوا مع أمم كثيرة في صعيد سقي البحر المتوسط في نحو الألف الثالث أو الثاني قبل المسيح (7: 598 و599) ولهذا اقتبس منا الأجانب ألفاظاً كثيرة وفي تتبعاتنا لدقائق اللغة وجدنا كلمات مختلفة المبنى مؤتلفة المعنى فهي من(8/405)
المترادفات، إلا أن فيها ما يشبه الألفاظ اليافثية في الصيغة الواحدة وينظر إلى الألفاظ السامية في مبناها الآخر. وهذا هو الأمر العجيب. ولا بد من أن نوضح ذلك بمثل مزدوج اللفظ مؤتلف المعنى ليظهر بمنتهى الجلاء.
4 - شاهد يثبت وجود ألفاظ يافثية في العربية وهي عربية لا
يافثية في نظرنا:
الصنو
يزعم لغويو الإفرنج الذين لا يودون أن يسمعوا مرة واحدة أن بين لغتنا ولغتهم بعض المشابهة أن لا صلة بين الكلمة الإنكليزية وبين العربية (أبن) وأن الإنكليزية هي من الصكصونية العالية وهذه من الهندية الفصحى (أي السنسكريتية) بمعناها. ولهذا لا يريدون أن يسمعوا منا أدنى حجة تشير - ولو من بعيد - إلى أن في لغتنا ألفاظاً غير الشائعة وهي تشابه كل المشابهة صكصونياتهم أو هندياتهم الأوربية الفصحى. وقد جمعنا منها طائفة جليلة ومن جملتها هذه اللفظة أي صنو.
فصنو (بكسر الأول) معناها الابن. وهي لا تبعد كثيراً عن لفظتهم الصكصونية العالية صنو (بضم الأول والثاني) أي كما لا تفترق كثيراً عن الهندية الفصحى (صونو
أما أن الصنو (بكسر الصاد) يعني الابن فهذا ما يرى مدوناً في جميع معاجمنا العربية ومن
جملة معانية العديدة قال في اللسان: (الصنو الأخ الشقيق والعم والابن والجمع أصناء وصنوان (بكسر الأول) والأنثى صنوة) أه.
وقد بحثنا في جميع الكتب اللغوية الإنكليزية التي تعني بمقابلة ألفاظها بألفاظ سائر اللغات المجانسة لها فرأينا أنها تذكر هكذا: هي بالإنكليزية وبالصكصونية العالية وكذلك بالصكصونية القديمة. وبالفريسية القديمة (هي غير الفرنسية القديمة) وبالهولندية أو الدجية وبالجرمنية السافلة وبالأسلندية أو وبالسويدية أو الاسوجية وبالدنيمركية أو الدانوية وبالقوطية (أو الغوطية أو الغططية) وبالجرمنية وباللغات المتصلة بالروسية وباللثوانية وبالسنسكريتية وختموا البحث كله بقولهم: والمادة مأخوذة(8/406)
من صو أي ولد أو صار انتهى. هذا ملخص ما جاء في دواوينهم اللغوية ولم يشيروا أدنى إشارة إلى وجود مناسبة بين ألفاظ تلك اللغات جميعها وبين العربية (صنو) مع وضوح هذا انسب كل الوضوح وتشابه الألفاظ بعضها لبعض من غير أدنى لبس.
ومعنى (الصنو) وسائر معانية ظاهرة للعيان في العربية أجلى من سائر اللغات بحيث يقر بها الكبير والصغير، الذي يفهم كيف تجري الولادة أو لا يفهم وذلك أن أصل الصنو هو للنخل كما قال صاحب التاج أو للشجر كما قال الزجاج وفي التاج (النخلتان زاد) ثلاث أو خمس أو ست يكن (في الأصل الواحد) وفروعهن شتى (كل واحد منهما) أي من النخلتين. والأولى كل واحدة منها: (صنو) بالكسر ويضم حكاة الزجاج (أو عام في جميع الشجر).
أذن الصنو هو فرخ الشجرة التي ينبت في الأصل الأم. فبنوته ظاهرة بخلاف بنوة الحيوان فأنها لا تبين إذا فارق الولد أمه لعدم لصوقه بها أما في النخل أو في الشجر فأن البنوة ظاهرة لظهور لصوق الفرخ بأمه. وإذا حمل الفرخ صار أخا لمن نشأ منها فصار الابن أخا. وإذا عظم وبلغ ضخم الأصل صار كأنه عم للأصل أي نشأ من هذا الفرع الثاني فرع ثالث وهكذا صار معنى (الصنو) الابن والأخ والعم والشجرة الواحدة قد تتفرع فروعاً كثيرة حتى تبلغ أرضاً واسعة ويصعب أن يعرف الأصل الأول بل قد تصبح الشجرة غابة واسعة. فأنظر كيف اللفظ العربي يوافق نشوء الطبيعة ويحتفظ بمختلف المعاني الأمر الذي لا يرى في سائر اللغات.
وقال العرب سلفنا: أصنى النخل: أنبث الصنوان عن أبن عرجي، فإذا كان يقال للخل يقال
أيضاً لسائر الشجر بل للبشر أيضاً. إذ لم تنشؤ عندنا معاني الصنو على اختلافها إلا اعتماداً على المبدأ الذي بسطناه قبيل هذا.
وليس للصنو شبيه في سائر اللغات السامية فهو خاص بلغتنا البديعة وحدها دون جميع أخواتها الساميات.
ولما كان بعض القبائل تجعل الصاد المهملة ضاداً معجمة في بعض الأحوال قالت في الصنو (الضنو). قال أبو عمرو: الضنو والضنو الولد بفتح الضاد(8/407)
وكسرها بلا همز. وقال الهروي والخطابي ضنت المرأة أي كثر أولادها يقال: امرأة ماشية وضانية وقد مشت وضنت أي كثر أولادها.
ثم أن بعض السلف كان يبدل النون راء قال بعضهم الضرو بالكسر أيضاً. وقالوا معناه (الضاري من أولاد الكلاب والأنثى ضروة بهاء) قلنا. الحق أن يقال ولد الكلب لا غير. لكن بعضهم لما رأى فيه مادة ضري ظن أن المواد بالضرو هنا الضاري من أولاد الكلاب. وكيف يكون ولد الكلب ضارياً وهو جرو. فالوهم ظاهر ولو قالوا: الولد من الكلاب الضارية لكان أنسب.
ونزيد على ما تقدم أن عرباً آخرين كانوا يهمزون الناقص في بعض الأحيان. ولهذا نرى اللغويين يقولون ضنت المرأة وضنأت وأضنأت: إذا كثر ولدها وقال أبو عمرو: الضنء الولد مهموز ساكن النون (مفتوح الأول) وقد يقال: الضنء (بكسر الأول). والضنى بضم الأول: الأولاد. انتهى.
ولما كان بعض العرب من أقدمين وعصريين يجعلون الضاد زاياً قال بعضهم: الزنية بكسر الأول: آخر أولاد الأسرة وليس لهذه اللفظة أدنى صلة بالزني كما يتبادر الذهن إليه. إنما الصلة هنا بالضنى لا بسواها.
وكذلك قل عن (الصنو) فقد نشأ منه (الصبي) إذ باؤه مقلوبة عن النون وأن كان يجوز أن يقال برأي آخر ليس هنا محل بسطه ويظهر أنه أرجح من ذاك الرأي على أن في عرض الآراء على المفكرين فائدة لا تنكر إذ شرار الحقائق لا ينقدح إلا عند احتكاك الرأي الواحد بالآخر.
أما الكلمة العربية التي لها أشباه ونظائر في اللغات الأخوات فهي أبن.
5 - الابن وأصله ونظيره في اللاتينية
أثبتنا (في نظرنا) أن الكلمة الصكصونية المأخوذة من الهندية الفصحى عربية النجار، أو لا أقل من أن يقال أن (الصنو) العربية وصنو الصكصونية العالية من مصدر واحد لا يمكن أن ينكره ناكر مهما حاول التشنيع علينا.
والآن نخطو خطوة ثابتة لنجرؤ أخرى ونقول: أن الكلمة اللاتينية فليوس عربية الوضع أيضا وأن كره الشعوبيون وهزؤوا منا؟
يقوم لغويوهم أن فليوس مشتقة من فعل (أي بلامين(8/408)
أو لام واحدة) ومعناه مص أو رضع فيكون أصل معنى (فيلوس) الماص أو الراضع ولا يكون كذلك في أغلب الأحيان إلا ولد الأم فالظاهر أن تسمية الولد أو الابن والبنت. ولا جرم أن الأصل كان (البل) بهجاء واحد ثم مد فصار كما رأيت.
أما أن أصل وضعه كان (البل) فهذا ظاهر من قول لغويبنا ودونك نص عبارتهم: (بلك الله تعالى أبنا وبلك به أي رزقكه وأعطاكه) أه. فلو لم يكن للبل معنى الولد لما ورد الفعل بهذا المعنى. وفضلاً عن ذلك ما ورد في لساننا من معنى آخر يؤيد ورود البل بمعنى الولد فقد جاء في كلام السلف قولهم: (بلو الأرض إذا بذروها بالبلل كصرد أي البذر أو البزر. وأنت تعلم أن المتكلمين باللغات الشرقية والغربية اعتبروا (البذر أو البزر) ولدا أيضاً تسمية له بما كان عليه في أول نشوءه.
فإذا علمت كل هذا اتضح لك أن فاء فليوس بدل من الباء. وورود هذا البدل أكثر من أن يحصى.
هذا فضلاً عن أن فقهاء لغات الغربيين اعترفوا به في أسفارهم. أما أن هذا الإبدال يرى في لغتنا فالشواهد عليه أكثر من أن يحصى.
هذا فضلاً عن أن فقهاء لغات الغربيين اعترفوا به في أسفارهم. أما أن هذا الإبدال يرى في لغتنا فالشواهد عليه أكثر من أن تحصى من ذلك وجف القلب ووجب. أكفحت الدابة وأكبحتها، زحف وزحب. الكفرة والكنبرة. ضف الناقة وضبها. فنش في الأمر تفنيشاً وبنش فيه تبنيشاً إلى غيرها.
والذي يؤيد رأينا أن اللاتينية مأخوذة من العربية أن ليس في اللغات القديمة من ديار
الإفرنج لفظة تقارب (فليوس) أما الأفرنسية فحديثة ومأخوذة من اللاتينية أما كل ما ذكر من الألفاظ في بعض اللغات الأوربية فقليل عددها ومجانستها اللاتينية أقل وكلها حديثة مأخوذة من هذه اللغة الأم.
6 - الابن وما جاء فيه من اللغات والمشتقات
رأيت أن اصل الابن هو (البل) بمعنى الولد وبمعنى البذر. ثم مد وسط الهجاء فصار (بول) للمذكر و (بولة) للمؤنث. ولما غلب معنى البول على السائل الذي تفرزه الكليتان، أنف الناس من أن يتخذوا اللفظيين المذكورين بمعنى الابن(8/409)
والابنة فعدلوا عن استعمالها بهذين المعنيين الأخيرين. ونقلوا (البل) إلى صورة (بن) والنون من أقرب الحروف إلى اللام. ومنهم من زادها ميماً في الآخر حتى لا يلتبس على السامع الحرف الواحد بالحرف الآخر فقال: (بنم) وقد ورد في بعض في بعض لغات القبائل، إلا أنهم زادوا في أول بن و (بنم) همزة وصل تمكنا من قطع دابر الالتباس في الأول وفي الآخر فقالوا أبن وابنم.
أما العبريون والأرميون فقالوا في (بل) (بر) بمعنى الابن وقد حفظ بعض السلف منا ذلك في قولهم: ما أدري أي البرنساء هو، وأي برنساء هو، وأي برنساء هو، أي الناس هو، أو بعبارة أدق: أي أبن الناس هو أو أي أبن الإنسان هو. ولم ينشأ من البل (البر) فقط، بل البذر والبزر بفتح الباء، وكلاهما يعني الولد كما تقدم الكلام عليهما.
ومن اللغات التي تنظر إلى لفظتنا (بر) بور بالفارسية وبثرا بالزندية وكذا بالهندية القديمة أي السنسكريتية.
وزاد السلف حاء على أول (بل) فصارت حبل والحبل هو ابتداء خلق الولد في بطن أمه وأبدلت باء الحبل من الميم فكان عندنا (الحمل) ففي كل من لحبل والحمل ثقل. وما يحمله الإنسان يكون عريزاً عليه وفي عزته شيء يشبه عزة الولد.
وإذا رجعنا إلى (بر) ودققنا النظر في ما أخرجت لنا من الألفاظ. رأينا للحال نشوء كلمة أبر يقال: أبر الرجل أبراراً: إذا كثر ولده وغبر القوم كثروا والبر ولد الثعلب - ومن بر نشأ (البرء) و (البرء: الخلق. ومن خلق شيئاً كان له كالولد بل والداً. وكان المخلوق مولوداً. فالبرء ناشئ من (بر) نشوءاً واضحاً جلياً.
وقد تجعل الهمزة في الصدر وتؤصل فيها فيقال: (أبر) وأبر النخل والزرع ألقحه وأصلحه
وابر كل شيء عمله (راجع لغة العرب 7: 839).
وقد تزاد الثاء المثلثة على (بر) فيقال ثبر بمعنى ولد. واللفظة مماتة بهذا المعنى إلا أنها حية في قولهم (المثبر) (كمسكن) ومعناه الموضع الذي تلد فيه المرأة أو الناقة. فهو اسم مكان من ثبر) وكما أنه لم يقولوا (مولد) إلا لوجود ولد، كذلك لم يكن عندنا المثبر إلا لوجود قبر في أول الامر ثم ماتت(8/410)
لإهمال الناس إياها. ومن البر: الذرء والذرية ولد الرجل وهي من الذرء أي الخلق.
وأبدلت باء (ثبر) من الميم فقيل (ثمر) وثمر الشجر صار فيه الثمر والثمر ولد الشجر لو جاز لنا هذا التعبير.
وقد تقلب مادة (بر) فيقال (رب) ورب النعمة زادها والرب خالق الكون وإذا زيد على آخر ألف قيل (ربا) وربا المال: زاد ونما، وإذا أبدلت من الألف غينا معجمة قلت (ربغ) ومنه ربغ القوم. إذا أقاموا في النعيم والخصب وقالوا: ربع بالمهملة فلان: إذا أخصب وأربعت الإبل: إذا سرحت في المرعى وأكلت كيف شاءت وشربت. وكذلك الرجل بالمكان. وتبدل العين من الحاء فيقال ربح. ومنه ربح الرجل. كسب والربح كالربع أي وزان صرد وهو الفصيل الصغير.
ومن هذه المادة الربل وقد زيد في آخرها اللام. قالوا: ربل القوم ربلا: كثرت أموالهم وأولادهم. ومن هذه المادة أيضاً (الربو) فقد قالوا: ربا المال: زاد ونما. وقد تبدل باء (بل) من النون فيقال (نل) ومنه أخذ (النجل) و (النسل) للولد والذرية.
وقد يبدل حرفاً (بل) جميعاً من حرفين قريبين منهما في المخرج فتبدل الباء فاء واللام راء ثم يمد ما بينهما فيقال (فار) ومنه قولهم فارت القدر أي جاشت وغلت وارتفع ما فيها. وفي هذا المعنى ما يفيد الزيادة لأنه جاش في ما في القدر بقوة الحرارة أو الغليان أو البخار زاد فالزيادة هنا نوع من الولادة أو النتاج وفار الماء نبع من الأرض كأنه ولد منها، إلى آخر معاني هذه المادة.
ويقال في فار يفور: ثار يثور:
ويزاد في آخر مادة (فر) خاء معجمة ومنه الفرخ وهو ولد الطائر وكل صغير من الحيوان والنبات.
وتبدل الخاء من العين فيكون منه الفرع، وهو كل ما ينشأ من الأصل فيكون أعم من الفرخ في معناه.
وقد تزاد اللام في آخره فيقال فرعل ومنه الفرعل لولد الضبع فان كان ذكراً قيل فرعلان وأن كان أنثى قيل فرعلة.(8/411)
ومثل الفرعل البرعل وهو ولد الضبع ولد الوبر من أبن آوى.
ولو أردنا أن نطيل البحث في هذا التفرع أو هذا النوع من الاشتقاق لامتد بنا النفس إلى إحراج النفس، وهو ما لا نريده إنما أتينا بما أتينا لنبين للقارئ محاسن هذه اللغة البديعة التي لا تعارض بلغة من لغات الأرض كلها بلا شاذ فهي أجملهن وأبدعهن وأقدمهن وهي الأم وما سواها بنات لها.
وما توسعنا قليلاً في (ابن) وما ورد فيه من الاختلافات والروايات والمشتقات إلا لنوضح للناس انه من وضع الناطقين بالضاد وليس من سواهم.
7 - ملخص المقالة
في لغتنا العدنانية ألفاظ لها نظائر في أشهر لغات العالم القديمة الكبرى أي لها أشباه في اللغات السامية والحامية واليافثية. والذي نريد أن نثبته لكل عاقل غير معاند أن في المترادفات التي تكثر في لغتنا كلمات تنظر إلى اليافثية أي إلى اللغات الهندية الأوربية. وهذا أمر أنكره علينا أبناء الغرب إلى يومنا. أما نحن الذين عالجنا هذا البحث منذ أكثر من خمسين سنة فقد وجدنا في لساننا أوضاعاً تجانس الألفاظ اليافثية وهي كثيرة لا تحصى. وقد أردنا أن نؤيد بهذا المقال أن هذا المدعي ليس خيالياً إنما هو حقيقي وأتينا بذكر شاهد وأحد بمنزلة مثال بين ظاهر وأضح لا ينكر يقاس عليه أمثلة كثيرة. وإلا فعندنا من هذا القبيل مئات من الأمثلة:
و (صنو) معناه أبن كما في الإنكليزية وهو كذلك في اللغة الهندية القديمة (السنسكريتية) و (ابن) هو في الأصل (بل) ثم نقل إلى صور مختلفة عديدة. ومن لغتنا عبر إلى اللغة اللاتينية (الرومية) ومن يشك في هذه الحقيقة فليأتنا بأدلة تنقض مدعانا ونحن أول من يرجع عن رأيه إذا تبلج له الحق على غي ما أبدا له في اجتهاده الخاص به. فالحق مبتغانا وهدفنا وإليه نرمي في جميع مباحثنا.(8/412)
لواء كركوك
لمحة تاريخية
(كركوك) بلدة قديمة تعلو سطح البحر بنحو (1160) ألف ومائة وستين قدماً واستيفاء البحث عن قدمها يكلف صاحبه كثيراً لعدم وجود مصادر تاريخية يصح الركون إليها. ومن الكتب التي جاء ذكرها فيها كتابان كلدانيان قديمان نقل أحدهما إلى اللغة التركية المطران أدي شير عام 1896م دون أن يذكر اسمه ولا تزال النسخة التركية مخطوطة ومحفوظة في كنيسة الكلدان في كركوك، والآخر (أسمه أخبار الشهداء) طبعة بلغته الأب بولس بيجان في لا يبسيك (ألمانية) ونسخة نادرة جداً وذكر في هذين السفرين الجليلين أن سردنابال ملك الآثوريين هو الذي أنشأ هذه المدينة وكان سبب إنشائها أن ضابطاً من الماذيين يدعى (ارباق) عصا حكومته ذات يوم فعزله سردنابال عن وظيفته وأمر بإنشاء مدينة هي التي سميت بعد ذلك (كركوك) في كورة (باجرمي) وجعل رجلاً أسمه (كرمي) حاكماً عليها ثم جلب ألف نسمة من الآثوريين وأسكنهم فيها فتوسعت عمارتها وعظم شأنها إلا أن (كرمي) أيضاً استقل بالولاية بعد حين فاصبح الحاكم المطلق على هاتيك الديار وكان مع ذلك يراجع الآثوريين أحياناً. ثم انتقل حكم العراق إلى (الاسكندر الكبير) فكانت (كركوك) في ضمن أجزاء مملكته ولما توفي الاسكندر وتقاسم ملكه قواده الثلاثة (بطليموس وسلوكس وانطيغونس) على النحو الذي يعرفه التاريخ، كانت (كركوك) من نصيب سلوكس فهدم مبانيها البالية وأقام سوراً فخماً جعل له 65 برجاً مهما ووسع عمارتها توسيعاً عظيماً وجعل لها بابين سمي الشمالي منهما (طوطي) باسم حاكمها يومئذ. ودعي شأن (كركوك) وصارت تسمى باسمه أي (كرخ سلوك) المنحوتة من (كرخا دبيث سلوك) أي (مدينة سلوكس) باللغة الأرمية ثم انتقلت إلى خلفائه من بعده وبقيت في حوزتهم زمناً طويلاً حتى انتقلت إلى(8/413)
البرثيين عام 256 ق. م في ضمن ما انتقل إليهم وبقيت بأيدي هؤلاء أيضاً ردحاً من الزمن حتى شق أردشير عصا الطاعة على البرثيين عام 227م فاستقل ب (كركوك) وبقيت تحت شوكة الفرس حتى استيلاء العرب على العراق وقد سماها بطليموس (كركورا) ودعاها استرابون (ديمترياس).
(لغة العرب) هذه اللمحة التاريخية هي أقرب إلى الخزافة منها إلى التاريخ فالملك سردنابال لم يوجد إلا في مخيلة بعض مؤرخي اليونانيين. وفضلاً عن ذلك أنهم لم يتفقوا في تعيين سني حياته. فمن قائل أنه أحرق نفسه مع حرمة وأمواله في سنة 759ق م (راجع بويه في سردنابال) ومنهم من ذهب إلى أنه ملك في سنة 836 ق م وأحرق نفسه في سنة 817 ق م. وعلى كل حال لم يكن ملك حتى لا ملك وهمي أو خيالي في سنة 800 ق م ليبني المدينة التي سميت بعد ذلك كركوك.
والمصنفات التي يشير إليها حضرة الكاتب هي تأليف موضوعه لا قيمة لها في نظر الأخباريين والمؤرخين. والذي يمكن أن يقال أن باني هذه المدينة غير معروف (لعدم وجود مصادر تاريخية يصح الركون إليها) إذن كل ما يقال من باب التاريخ هو تزوير محض أو نبأ مختلق. وما يروي من أخبارها من عهد الاسكندر مما لا يوثق به أيضاً لأنه مستند إلى موارد صحيحة.
وليسمح لنا القراء أن نذكر لهم أن المعلمة الإسلامية كتبت أسم كركوك بالحرف الإفرنجي هكذا أي بكسر الكافر الأولى وضم الثانية وهو مخالف للفظ العربي. نعم أن الترك يلفظونها بكسر الكاف الأولى لكن الكلمة ليست تركية حتى يتخذ هذا اللفظ اسماً صحيحاً، إنما الكلمة من نحت العرب لها فيجب أن يقال أو أما فخطا صريح وذكر في ذلك المقال أن جبال حمرين واقعة في الشمال الشرقي وضبط اسم هذه الجبال بفتح الحاء والصواب بضمها كما ضبطها ياقوت في مادة بارما والهمداني في صفة جزيرة العرب (ص 133) ولم نجد في كتب مؤرخي العرب من المسلمين من ذكر كركوك بهذا الاسم. أما النصاري فكانوا يسمونها الكرخ كما ذكر ذلك ايليا الدمشقي والأرميون ذكروها باسم (كرخا دبيث سلوك) وهكذا وردت في كتاب السينودكون (منذ سنة 410م).
مدخل البحث
هذا هو موجز تاريخ قلعة (كركوك) الحالية والمدينة تتقوم من قسمين مهمين يقال لأحدهما (القلعة) وما مر بك يتعلق بتاريخها والقلعة اليوم في حالة متوسطة العمران تطل بعض بيوتها على القسم الأسفل من البلد وفيها جامعان عظيمان يدعي الأول منهما جامع (مريمانه) ويسمى الثاني (جامع النبي دانيال) وسدانة كلا الجامعين بأيدي المسلمين وتدعي
النصارى أنهما كانا كنيستين لهم(8/414)
ويستشهدون على ذلك بوجود بعض الرسائل الدينية خطت لهتين الكنيستين خاصة. وفي الجامع الثاني ثلاثة قبور من الكبار هم (حنانيا وعزريا وميشائل) وتزعم اليهود أن (النبي دانيال) دفن في هذا الجامع وهو زعم لا يسنده دليل على الرغم من تأديتهم الفرائض الدينية له في كل سنة لأن النبي دانيال توفي في خوزستان على ما يقال ودفن في (ششتر) من أعمالها ولا يزال قبرة معروفاً هناك بموجب الرواية الشائعة.
وأما القسم الثاني من (كركوك) فيدعي (السهل) وهو حديث على ما يظهر للمتتبع إذ يؤكد الطاعنون في السن أن قد بدأت العمارة فيه عام 1144 هج (1729م) ولم نعثر في الكتب على تاريخ له سوى ما جاء عن قرية (قورية) التي هي إحدى محلات كركوك اليوم مع بعدها الشاسع عن قسم (القلعة) فقد ذكر أن طهماسب جاء إليها عام 1146 هج (1733م) فضرب سكانها ودمر منازلهم وأحرق خيامهم واضطربت القرية بمن فيها وهجرها سكانها فقصدوا قرية (بشير) التي تبعد عن كركوك 20 ميلا ولما رحل طهماسب عنها عاد السكان إلى المحلة التي كانت تعظم بالتدريج بالقرب من القلعة.
وكانت كركوك من المدن العراقية المهمة في العهد السابق وهي اليوم لا تقل أهمية عما كانت عليه والذي يجول فيها الآن يشعر بانشراح في الصدر وراحة في النفس لسعة شوارعها ونقاء هوائها وجمال منظرها وحسن عمارتها وكثرة ما فيها من وسائل الراحة وموارد العيش. يضاف إلى ذلك قربها من الجبال وارتباطها بالعاصمة بسكة حديد يبلغ طولها 203 أميال. وبيوت المدينة مبنية بالحجارة الكلسية لأن أرضها حجرية والتجارة فيها واسعة وتخترقها جادات مستقيمة صفت فيها الحوانيت صفاً بديعاً. ويمر بها نهر كبير يقال له (الخاصة) تتدفق فيه مياه الأمطار إذا كثرت أو فاضت مياه العيون الكثيرة. ويستقي السكان ماءهم من أربعة نهيرات تتفجر مياهها العذبة من جبل يبعد عن المدينة 30 ميلاً وهذه النهيرات هي (القورية والتسعين والزاوية والبيلاوة) وتقرب(8/415)
من المدينة عدة آبار نفطية تستغلها شركات أجنبية تدفع إلى الحكومة العراقية أربعة شلينات ذهبناً عن كل طن تستخرجه من الزيت وقفاً للمادة العاشرة من الامتياز الذي خولته. وهذه الآبار منحصرة في أربع مناطق مهمة وهي (بابا كركر) و (طوز خرماتو) و (جم جمال) و (التون كوبري)
وفي مراكز هذه المناطق بنايات فخمة وعمارات كثيرة ومكائن مختلفة وكلها للشركات صاحبات الامتياز النفطي وستتركها كلها للحكومة العراقية في عام 2000م وهو العام الذي ينتهي فيه أمد هذا الامتياز.
تنظيمات اللواء الإدارية
يتقوم لواء كركوك من ثلاثة أقضية (عدا النواحي المرتبطة بها) وسبع نواح وعدة قرى بين صغيرة وكبيرة. أما الأقضية الثلاثة فهي كفري وجم جمال (والجيمان فارسيان) وكيل (بالكاف الفارسية) وأما النواحي السبع فهي:
1 - كركوك. 2 - شوان. 3 - التون كوبري. 4 - ملحة. 5 - شبيجة. 6 - طاووق. 7 - قرة حسن. وأما القرى فيبلغ مجموعها 578 بعضها مرتبط بالأقضية وبعضها بالنواحي السبع الملحقة بمركز اللواء رأساً. وقد صعب علينا جمع أسماء هذه القرى ولا سيما الصغيرة منها ولهذا أرجأنا البحث عنها إلى فرصة أخرى وهانحن أولاء نبدأ بالكلام عن الأقضية والنواحي فنقول:
النواحي الملحقة بمركز اللواء سبع وهي:
1 - ناحية كركوك وهذه داخلية أي يقيم مديرها في مركز اللواء وتتبعها 57 قرية.
2 - ناحية شوان وتتقوم من 89 قرية ومركزها قرية (ريدار) التي تبعد عن الشمال الغربي لمدينة كركوك 25 ميلاً وهي متوسط العمران والسعة.
3 - ناحية التون كوبري وهي تتألف من 33 قرية مهمة ومركزها قصبة التون كوبري (أي قنطرة الذهب) التي تبعد عن شمالي كركوك 30 ميلاً وهي مهمة يخترقها نهر الزاب الصغير وفيها جسران مهمان أنشأتهما السلطة الاحتلالية بعد أن نسفت الحكومة البائدة قنطرتها الحجرية التي شيدها السلطان مراد الرابع عام 1048هـ عندما أراد أن يعبر الزاب الصغير المسمى يومئذ (زاب البو(8/416)
حمدان) وقد نسفتها بمقذوفاتها لتعطيل الحركات العسكرية على عدوها (وعدوها يومئذ الإنجليز والروس).
4 - ناحية ملحة وتتبعها 37 قرية ومركزها (تل علي) التي تبعد عن غربي كركوك 50 ميلاً وفيها الملح بكثرة.
5 - ناحية شبيجة (بالتصغير والجيم الفارسية ولفظها الصحيح شبيكة) وهذه تتألف من 25
قرية ومركزها القرية المسماة باسمها والتي تبعد عن الجنوب الغربي لكركوك 49 ميلاً وهذه القرية مبنية في أرض منخفضة تحيط بها هضاب وقد بنى فوق هذه الهضاب دواوين الحكومة ومراكزها المهمة. ويمر بها نهير يدعى باسمها وأغرب ما شهدته في هذه القرية كثرة المياه فأنك لا تستطيع أن تحفر في الأرض شبرين حتى يندفق الماء بغزارة.
6 - ناحية طاووق وهي واقعة في جنوب كركوك وعلى بعد 28 ميلاً عنها. وتشتمل على 29 قرية وأراضيها مخصبة للغاية ومركزها قرية طاووق المتوسطة العمران و (طاووق) كلمة تركية معناها (الدجاج) وربما سميت بهذا الاسم لكثرة هذا النوع من الطيور الداجنة فيها ويسير قطار بغداد إلى كركوك بالقرب منها فيعبر قنطرة حجرية يبلغ طولها ثلاثة أرباع الميل ويمر بها نهر (الخاصة) الذي تقدم ذكره ويقرب منها مزار للأمام زين العابدين (ع) فترى الناس يقصدونه من سائر الأطراف للتبرك به والاستشفاء مما ألم بهم وكثيراً ما يعودون إلى أوطانهم وهم على أتم صحة.
7 - ناحية (قرة حسن) ومركزها قرية (خالد بازيان) التي تبعد عن شرقي كركوك 25 ميلاً وهي متوسطة وقراها 52 قرية هذا وصف موجز للنواحي السبع المرتبطة بمركز اللواء ومعظم قراها عامرة وكلها آهلة بالسكان من العشائر الكردية التي تمتهن الزراعة وهي مدار العيش في جميع أنحاء العراق.
1 - قضاء كفري
كفري وزان (كرسي) اسم ثان للصلاحية في (الخالص) من ديار العراق(8/417)
وهي اليوم مركز القضاء المسمى باسمها وتبعد عن جنوبي كركوك 78 ميلاً ويربطها بالعاصمة الخط الحديدي (من بغداد إلى كركوك) وهي تقع إلى سفح الجبل المسمى (شهسواب). هواؤها جيد ومعتدل وماؤها عذب زلال إذ يتفجر في موضعين يقال لهما (سر قلعة وقوشة جايان) ويقرب من هذه القصبة بعض معادن يستخرج منها الفحم الحجري وقد استعملها الألمان مدة الحرب الكونية وبالقرب منها نوع من القار يقال له (الكفر) قال أبن شميل القير ثلاثة أضرب الكفر والقير والزفت فالكفر يذاب ثم يطلى به السفن والزفت يطلى به الزقاق (وهو الإسفلت عند الإفرنج). أه. والقصبة عامرة جداً وبيوتها جميلة وفيها متنزهات كثيرة وأسواقها متداخلة وتسير فيها الحركة العمرانية سيراً مطرداً وتجارتها حسنة وربما
أصبحت من أهم القصبات في هاتيك الجهات بعد زمن قليل.
للقضاء أربع نواح وهي كفري وطوز خرماتو وقره تبة وشيروانة. فناحية كفري داخلية وقد أبنا سابقا المقصود من الناحية الداخلية، وهي تتقوم من 119 قرية ويقيم مديرها في مركز القضاء أي (كفري).
وأما ناحية طوز خرماتو فصقع واسع من أغنى أصقاع العراق بنفطه الفاخر وتستغل هذا النفط شركة أجنبية أوضحنا سابقاً بعض ما يهمنا معرفته عنها. وتتقوم هذه الناحية من 162 قرية ما بين صغيرة وكبيرة ومركزها القصبة المسماة باسمها وهي في حالة متوسطة وتبعد عن جنوبي كركوك 48 ميلاً وتقرب منها منازل عمال الشركة النفطية ومعاهدها ومكائنها وسائر ما يقتضي لها ولأشغالها ويحيط بها جبال بعضها شاهق والبعض الآخر قليل الارتفاع ويقربها أودية كثيرة فيها لأشجار الباسقة والثمار اليانعة مما يزيد في بهجتها وبهاء منظرها ويمر بها نهر الخاصة والقطار يعبر هناك جسراً حجرياً طويلاً.
وأما ناحية (قره تبة) فتشتمل على 61 قرية متوسطة ومركزها البليدة الجميلة المسماة باسمها والتي تبعد عن الجنوب الغربي من مركز القضاء 21 ميلاً وقد سميت هذه القرية باسمها الحالي لوجود تل أسود بطرف من أطرافها ويأخذ الاهلون حاجتهم من الماء من نهير صغير يمر بقريتهم ودار الحكومة فيها يطل(8/418)
على هذا النهير والقرية مشهورة بجودة لبنها وكرومها. ولكثرة اللقالق فيها يدعونها الناس (أم اللقلق) وأما ناحية شيروانه فيبعد مركزها عن شرق كفري 25 ميلاً وهي متوسطة العمران بها 13 قرية وفي وسطها قلعة حصينة شيدت فوقها مراكز الحكومة المهمة ومعظم سكان الناحية من عشيرة الجاف الكردية.
2 - قضاء جم جمال
كان هذا القضاء تابعاً للواء السليمانية قبل الحرب وبعدها إلا أنه الحق بلواء كركوك في الأزمنة الأخيرة وهو يتقوم من مركزه ومن ناحيتين فقط يقال للأولى منهما ناحية (جم جمال) وهي داخلية وتسمى الثانية ناحية (أقجه لر) وهي تبعد عن الجهة الشرقية من مركز القضاء 25 ميلاً وليس أهمية تذكر غير أهميتها السياسية من وجهة الأمن. ومركزها قرية صغيرة قاعدة في وسط جبال شاهقة وعلى طول الطريق المؤدية إليها أشجار البلوط
البديعة وبيوتها مبنية بالحجارة الكلسية وللشرطة فيها عمارة فخمة جداً وقد غرست حولها أشجار الرمان والماء فيها عذب.
أما مركز القضاء فقرية واقعة وسط سهل مترامي الأطراف وهي تبعد عن شرقي كركوك 33 ميلاً وتسمى باسم القضاء والطريق بينها وبين كركوك وعر لكثرة الحفر والأخاديد التي فيه في حين أن الذي بين السليمانية وبينها معبد ومبلط وهذه القرية تقع في منتصف طريق (كركوك إلى السليمانية) وبالقرب منها منطقة نفطية غزيرة ولولا هذه المنطقة لما كان لهذا القضاء أهمية تذكر.
وقرية جم جمال متوسطة بين ألوية أربيل والسليمانية وكركوك وهي حقيرة جداً ويمر بالقرب منها نهير صغير ماؤه عذب وبارد للغاية وفي وسط القرية تل مرتفع تسكن الحكومة فوقه أما الآن فقد شيدت لها مركز متناسبة مع أهمية القرية والقضاء.
3 - قضاء كيل
(كيل) من المناطق الغزيرة النفط في لواء كركوك ونفطها من احسن الأصناف ونقي كل النقاء ويؤكد المختصصون أنه أفضل من النفط الروسي في الاحتراق. وقضاء كيل واسع وأن كانت نواحيه قليلة. ومركزه قرية صغيرة(8/419)
واقعة في سهل (روخانة) على بعد 51 ميلا من شرقي كركوك ويقال لها (قادر كرم) وتتبعه 67 قرية كلها آهلة بالسكان من عشيرة الداوودة والزنكنة أو الجنكنة وهما كرديتان.
للقضاء ناحيتان هما (كيل) (وسنكاو) أما ناحية كيل فمركزها قرية (قال قان لو) وهي حقيرة تبعد مركز القضاء (قادر كرم) عشرة أميال في غربيها الجنوبي. وأما ناحية سنكاو فمركزها (موك تبة) وهي قرية لا بأس بها وتبعد عن شرقي مركز القضاء 38 ميلاً وفيها حمامات نظيفة للغاية ويمر بها نهير عذب سريع الجري وصرح الحكومة فيها متناسب مع أهميتها.
السيد عبد الرزاق الحسني
مصطلحات حقوقية
سألنا بعض طلبة الحقوق في بيروت أن نذكر لهم في مجلتنا ما يقال هذه الألفاظ الفرنسية التي لم يجدوا لها مقابلات في المعاجم الإفرنجية العربية وهي هذه: 1 - 2 - 3 - .
وقبل ذكر ما في لغتنا من الأوضاع نفسرها لتتضح معانيها لغير الحقوقيين فالأولى معناها موطن يقرض فيه دراهم بفائض على وديعة يودعها المقترض وهذا يقابله عندنا المرهن بفتح الأول والثالث. وهو ظاهر المعنى.
والثانية معناها معاقبة أو مكافأة تمنع أو تعاقب من يخالف الشرائع وليؤكد تنفيذها. وهو (الزناج) على ما جاء في مستدرك تاج العروس.
والثالثة تعني (الوسيلة القصوى) وهي ظاهرة المعنى والاستعمال. وقد طالعنا مصطلحات (الموجز في علم الاقتصاد تأليف بول لروا بوليو وتعريب حافظ إبراهيم وخليل مطران) فلم نجد من هذه الألفاظ الثلاثة سوى الأولى وقد اصطلحا عليها بقولهما (مصارف الرهن المحتاز) وهو وضع أطول من يوم الصوم ولا يؤدي المعنى المطلوب فالمرهن أسد وأوفى بالمرام وأخف على اللسان والسمع وقد وجدنا أغلب أوضاع هذين الأديبين بعيدة عن مانوس الكلام فضلاً عن أنهما لم يلتفتا إلى ما وضعه من سقمها في هذا البحث.(8/420)
قبر راحيل
على يمين الجادة السابلة من بيت المقدس إلى مدينة خليل الرحمن وعلى بعد تسعة كيلو مترات من الأولى وبين الدور القور المستحدثة في ضاحية مدينة بيت لحم قبر السيدة راحيل زوج سيدنا يعقوب وأم ابنه يوسف الصديق عليهما السلام وهو تحت قبة كانت مكشوفة الجوانب فسدت بالشيد والحجارة ولم يترك لها غير باب واحد يدخل إليه من مصلى صغير ونافذتين في جانبيها.
وهذه القبة وهذا المصلى يقعان على جانب مقبرة لمسلمي بيت لحم التي شطرتها الجادة إلى شطرين فظل القليل منها عن اليسار والكثير في اليمين وفي كليهما أشجار باسقة من الزيتون.
وعلى الرغم من أن في الجانب الأيسر بعض وجبانة للدفن فان الأرض التي تضمنتهم قد بيعت من رجل مثر أسمه ناتان ستروس من محسني اليهود ليبني عليها دار ضيافة لليهود الذين يقصدون إلى زيارة قبر راحيل في موسم معلوم من السنة. ذلك لأن أوقاف المسلمين في كل قطر ومصر كانت ولا تزال نهبة الناهب وطعمة الطامع.
والغريب في أمر قبر راحيل أنه كان منذ الأزمنة المتطاولة في القدم في(8/421)
يد المسلمين يدلنا على ذلك ما رواه غرس الدين خليل بن شاهين الظاهري المتوفي سنة 872هـ 1467م من عمارة أبيه شاهين الظاهري قبة وصهريجا ومسقاة للسبيل في ذلك الضريح وما ذكره الأب مايسترمان في دليله من إقامة محمد باشا وإلى بيت المقدس سنة 968هـ 1560م الجدران الأربعة تحت أقواس القبة المكشوفة وبنائه قبراً تحتها بدلاً من الشكل الهرمي الذي كان فيها واتخاذها مزاراً للمسلمين وقد ظل هذا القبر بأيدي المسلمين إلى القرن الماضي فحصل السير موسى منتفوري من كبار اليهود البريطانيين على أذن من الدولة العثمانية صاحبة السلطان على الأرض المقدسة إذ ذاك بتسليم مفتاح القبة لليهود على أن يبني إلى جانبها مصلى للمسلمين فبنى لهم سنة 1257 هـ 1841م وجعل المحراب في وسطه هذا ما يقوله الأب مايسترمان في دليله.
والذي سمعته من شيوخ بيت لحم أن مفتاح قبة راحيل كان إلى الأيام الأخيرة في أيدي
المسلمين وأن قبيلة التعامرة الضاربة بجوار بيت لحم هي التي كانت قيمة عليها إلى أن أغري أحد شيوخهم بالمال فسلمة لليهود للقاء دراهم معدودة وكان فيه من الزاهدين. وأن المكان المعقود بجانب القبة والذي نستطيع أن نسميه مصلي قد بني في سنة 1322هـ 1904م.
ولإزالة اللبس بين الروايتين يجوز لنا أن نستنتج أن القبة أعطيت لليهود بأذن الحكومة ولكنهم لم يتمكنوا من القيام عليها ومحافظتها في تلك الأيام بدون حام يحميهم فاستعانوا بتلك القبيلة وائتمنوا شيخها على القبة والمفتاح إلى أن اشتد ساعدهم وقويت شوكتهم فأخذوا المفتاح نهائياً واستقلوا بالقبة.
أما بناء المكان فقد نعله بانهدام الذي بناه اليهود قبلاً وإعادة المسلمين له إذا صح أن الشرط الذي اشترطته الحكومة نفذ في حينه.(8/422)
فلما تمكن اليهود منه زخرفوا داخل القبة واتخذوا الشهر العبري الذي يوافق شهر أيلول - سبتمبر - من كل سنة موسماً خاصاً لزيارتها وأخذوا يفدون عليها في ذلك الشهر زرافات ووحدانا مشاة وركبانا يشمعلون حولها ويبكون ويعولون وهذه صورة القبة والمصلي:
(صورة) قبة راحيل والمصلى(8/423)
والظاهر أن اليهود الذين لم يكن بأيديهم قبل قبة راحيل أي موضع ديني أثري قد جعلوا منها محجاً يحجون إليه تقليداً للنصارى الذين يملكون في بيت المقدس كنيسة قمامة بتسمية المسلمين. والقيامة بتسمية النصارى وكنيسة ولادة السيد المسيح عليه السلام في بيت لحم وللمسلمين الذين يملكون المسجد الأقصى في بيت المقدس ومسجد إبراهيم عليه السلام في خليل الرحمن.
وإلا فأن قبر راحيل لم يكن معبداً لليهود ليعنوا به هذه العناية ولا شأن له عندهم كشأن حائط المبكي - وهو الجدار الغربي من سور المسجد الأقصى المعروف عند المسلمين بالبراق - الذي أثيرت بسببه الحفائظ وأريقت الدماء في الأرض المقدسة في السنة المنصرمة.
صفة القبر
تدخل إلى القبة من تحت قنطرة متجهة إلى القبلة فتصبح القبة عن يمينك والمصلي عن
شمالك. وللقبة بابا مغلق يتجه إلى الشرق فعندما تفتحه يقابلك القبر وهو يزيد ارتفاعه على المترين وقد طلي خارجه بطبقة من الرمل والشيد وليست عليه كتابه تاريخية قديمة أو حديثة ولكن على جدران القبة بعض ألواح حجرية كتب عليها باللغة العبرية وهي حجارة تذكارية خلفها بعض الزوار الذين يرغبون في تدوين أسمائهم. وقد رأينا أمثالها في كنيسة الأرمن المجاورة لكنيسة الولادة في بيت لحم وهي باللغة الأرمنية والتركية.
وعلى جدران القبة بعض الستائر الحريرية نقش عليها مجن داود أي مثلثات يتألف منها شبه نجم وهو شارة الصهيونيين اليوم بخطوط زرق على أرض بيضاء.
ما حول القبر
الأشجار التي حول المقبرة هناك - ومنها الشجرة الظاهرة في الصورة الشمسية إلى جانب القبر - هي من شجر فلسطين المبارك أي الزيتون.
وعلى مقربة من القبر أنقاض مسقاة ماء إلى جانب صهريج تجتمع فيه مياه الشتاء. ولعل تلك المسقاة وذلك الصهريج هما اللذان ذكرهما غرس الدين الظاهري في ما تقدم من كلامه.(8/424)
وبأخر المقبرة مقلع حجارة منه الناس ما يحتاجون إليه لبناء بيوتهم وقد علمت أن المتر الواحد يكسر في مثله من هذا المقلع قد بيع بجنية واحد مما يدل على وجودة نوعه ونقاء معدنه.
مدينة بيت لحم
قبر راحيل على ما ذكر في التوراة في طريق أفراثة التي هي بيت لحم وعلى قول الشريف الأدريسي الجغرافي العربي هو وسط الطريق بين بيت المقدس وبيت لحم وهو وهم لأن القبر يبعد عن الأول زهاء خمسة أميال بينا هو لا يبعد عن الثانية نحو ميل واحد.
وعلى رواية السائح الهروي في الطريق من القدس إلى مدينة الخليل. وعلى رأي غرس الدين الظاهري بأواخر كروم القدس.
أما على قول مجير الدين الحنيلي فهو بيزبيت المقدس وبيت لحم وكل هذه الأقوال
صحيحة فأن الطريق من بيت المقدس إلى مدينة الخليل (حبرون) كانت وما زالت تمر بقبة راحيل ثم تتفرع بعد ذلك إلى بيت لحم وبيت جالا ويتصل من الجادة الأصلية إلى خليل الرحمن.
أما اليوم فقد أصبح القبر محاطاً به عن أيمانه وشمائله بالدور الفخمة والقصور الشاهقة لأغنياء بيت لحم وأضحى جزءاً من المدينة. وأننا ننقل فيما يلي ما جاء في التوراة عنه ثم نردفه بأقوال جغرافيين العرب ورحالتهم وكذلك أقوال الأب مايسترمان التي نقلها عن رحالة الفرنجة.
قبر راحيل في التوراة
جاء في سفر التكوين في الإصحاح 35: 16 - 20 من طبعة جمعية التوراة البريطانية والأجنبية:
(16 ثم رحلوا (أي يعقوب عليه السلام ومن معه من بيت أيل ولما(8/425)
كان مسافة من الأرض بعد حتى يأتوا إلى أفراثه ولدت راحيل وتعسرت ولادتها (17) وحدث حين تعسرت ولادتها أن القابلة قالت لها لا تخافي لأن هذا أيضاً ابن لك (18) وكان عند خروج نفسها لأنها ماتت أنها دعت أسمه أبن أوني، وأما أبوه فدعاه بنيامين (19) فماتت راحيل ودفنت في طريق أفراثه التي هي بيت لحم (20) فنصب يعقوب عموداً على قبرها وهو عمود قبر راحيل إلى اليوم).
قبر راحيل عند جغرافيي العرب
وهذه أقوال جغرافيي العرب ورحالتهم عن قبر راحيل بحسب سنتي وفاتهم: قال المقدسي المتوفي بعد سنة 375هـ 985م.
(أقليم الشام جليل ديار النبيين ومركز الصالحين ومعدن البدلاء ومطلب الفضلاء به القبلة الأولى إلى أن يقول (وقبر مريم وراحيل).
وأورد الشريف الإدريسي بعد سنة 548هـ 1153م.
وأما بيت لحم وهو الموضع الذي ولد فيه المسيح بينه وبين القدس ستة أميال وفي وسط الطريق قبر راحيل أم يوسف وأم أبن يامين ولدي يعقوب عليهم السلام. وهو قبر عليه اثنا
عشر حجراً وفوقه قبة معقودة بالصخر).
وذكر بهاء الدين أبن عساكر المتوفي سنة 600هـ 1203م بين قبور إبراهيم وأسحق ويعقوب ويوسف قبر راحيل وقال عن تلك القبور أنها جميعاً(8/426)
ظاهرة بفلسطين.
وقال السائح الهروي المتوفي سنة 611هـ 1214م الطريق من القدس إلى مدينة الخليل عليه السلام. قبر راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام وعن يمين الطريق بيت لحم. وفي نسخة أخرى وهي أصح عبارة من الأولى.
(الطريق إلى مدينة إبراهيم الخليل عليه السلام، قبر راحيل أم يوسف الصديق عن يمين الطريق والله أعلم).
وقال أبن فضل الله العمري المتوفي سنة 748هـ 1347م: (قبر راحيل أم يوسف. عن يمين الطريق السالك من القدس إلى الخليل).
وقال سراج الدين أبن الوردي المتوفي نحو سنة 850هـ 1446م:
(وبينه (أي بين الموضع ولد فيه المسيح وبين بيت المقدس) ستة أميال وفي وسط الطريق قبر راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام).
وقال غرس الدين الظاهري المتوفي سنة 782هـ 1467م.
وبأواخر كرومها (أي كروم بيت المقدس) قبر السيدة راحيل أم يوسف الصديق عليه السلام. وأقام والدي المرحوم شاهين الظاهري قبة وصهريجاً ومسقاة للسبيل وبيمين الطريق بيت لحم.).
وقال مجير الدين الحنبلي المتوفي سنة 927هـ 1521م:
(وبين بيت المقدس وبيت لحم قبة راحيل والده سيدنا يوسف الصديق عليه السلام وهي إلى جانب الطريق بين بيت لحم وبيت جالا في قبة موجهة لجهة الصخرة(8/427)
وهي مشهورة تزار).
وقال القرماني المتوفي سنة 1019هـ 1610م: وبيت لحم قرية على فرسخين من بيت المقدس وبقرب هذه القرية قبر راحيل والدة يوسف الصديق عليه السلام).
وقال عبد الغني المتوفي سنة 1143هـ 1710م: (فمررنا على قبة راحيل وهي أم يوسف الصديق عليه السلام. فوقفنا عند ذلك القبر العظيم وقابلناه بالإجلال والتكريم وقرأنا الفاتحة
ودعونا الله بما تيسر لنا من الدعاء والله بصير بسعي من سعى).
قبر راحيل عند جغرافيي الإفرنجة
هذا ما أطلعنا عليه من أقوال العرب وقد نقل الأب مايسترمان في دليله أن المؤرخين الثلاثة أوريجانس واوسابييوس والقديس هيرونمس قالوا بوجود قبر راحيل بجوار بيت لحم. وأن الزائر البرديلي (نسبة إلى مدينة بردو بفرنسة الذي زار هذا القبر سنة 333 المسيحية أي قبل الهجرة المحمدية ب 289 عاماً يصف ذلك الأثر التذكاري المبني فوق ضريح يقع على مسافة أربعة أميال جنوبي بيت المقدس ونحو ميلين شمالي كنيسة ولادة السيد المسيح عليه السلام الكائنة في بيت لحم. وأن ثيودوسيس وجد حجراً تذكارياً فوقه سنة 530م أي قبل الهجرة باثنين وتسعين عاماً. وأن أركلف ذكر أن ذلك البناء كان في سنة 670م 48هـ على شكل هرم وأن كلا من ثيودوريك والرباني بنيامبن التطيلي والشريف الإدريسي يقول أن ذلك الهرم كان من أثني عشر حجراً يمثل أبناء يعقوب الاثنين عشر أي أسباط بني إسرائيل. وأن المؤرخين ذكروا أن الصليبيين بنوا فوقه مربعاً قائماً على أربعة أعمدة كل منها يتصل بالآخر بقنطرة(8/428)
ارتفاعها 21 قدماً وعرضها 12 قدماً وجعلوا فوق ذلك قبة. وأن الحجارة التي كان يتألف منها الهرم فقدت في القرنين الخامس عشر والسادس عشر للميلاد أي في القرنين التاسع والعاشر للهجرة.
وزاد الأب مايسترمان على ذلك بقوله أن ذلك الضريح جدد بناؤه غير مرة قلنا ويتضح من أقوال الأب مايسترمان أن أول قبة على قبر راحيل هي التي بنيت في زمن الصليبيين في حين أن غرس الدين بن شاهين الظاهري يقول أن الذي بناها والده كما تقدمت الإشارة إليه.
ويجوز أن تكون القبة التي بناها هؤلاء في زمن استيلائهم على بيت المقدس وما إليه - وكان ذلك من سنة 492هـ 1099م إلى سنة 583هـ 1187م - قد هدمت فأعاد شاهين الظاهري بناءها.
وهنا مجال لأن ننبه إلى دقة وصف الإدريسي فقد كان أول رحالة عربي ذكر أن قبر راحيل يتألف من أثني عشر حجرا كما اعترف له بذلك الأب مايسترمان.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
(لغة العرب: تتمة معربة عن معلمة التوراة لفيغورو 9:
926)
لما بلغ يعقوب إلى ديار كنعان توجه إلى ممرا ليلاقي فيها والدة إسحاق ولما غادر بيت أيل كان على مسافة محدودة من أفراثه ولما طلقت راحيل في المخاض سمعتها قابلتها فقالت لها أنها تلد أبناً. إلا أن راحيل كانت تحتضر وسمعت ابنها بن أوني (أي وجعني أو ابن أنيني) ثم صحفها يعقوب وقال: بنيمين (أي أبن اليمين) وقضت راحيل أنفاسها في مثيرها بالقرب من بيت لحم. فشاد يعقوب على قبرها بناية كانت تشاهد إلى العهد الذي كتبت هذه الآية من سفر الخلق.
أما اليوم فهو (في سنة 1922م) مقام مربع حسن عليه قبة بنين في سنة 1679 بذيل طويل ذاهب إلى الشرق بناه السر موزس منتفيوري والقبر في(8/429)
داخل المدفن. وهو بناء بهيئة مزدوج كسقف من سقوفنا (أي في ديار الإفرنجة) سمكة من ثلاثة إلى أربعة أمتار وقد غشني وجهه بالنقوش العربية وكلها بالستوق. والبناء حديث إلا أن موقعه يقابل كل المقابلة ما جاء في نص سفر الخلق. فقد ذكر هناك القبر كان موجوداً في عهد موسى الكليم. وبعد سبعة قرون ذكره سموئيل لشاول (1 - سفر الملوك 10: 2) والقديس هيرونمس ذكره مراراً عديدة ووصفه أركلف في المائة السابعة للميلاد وقال: عليه هرم ويذكر نصباً إقامة يعقوب والإدريسي العربي من وصاف البلدان في المائة الثانية عشرة يقول. على هذا القبر اثنا عشر حجراً وكلها وقوف ذكرى للأسباط الإثني عشر. فترى من هذا أن التواتر ثابت بين الناس من يهود ونصارى ومسلمين أن في ذلك الموضوع دفنت امرأة يعقوب الحسناء.
بيت عراقي قديم
مرتضى أفندي المؤرخ الشهير أبن نظمي البغدادي
5 - أن العراق من زمن العباسيين وإلى اليوم كتب عنه مؤرخون كثيرون. وحاولوا في كتاباتهم سلسلة حوادثه ووصلها بعضها ببعض بحيث يكمل الواحد ما قام به الآخر. ولكن نظر للطوارئ الكونية والحوادث الحربية والسياسية حصل انقطاع في بعض هذه الحوادث ولم يتيسر إيصالها بعضها ببعض ولا تسلسل حوادثها إلى اليوم. ولم يتيسر أن كتب أحد تاريخا مستقلاً للعراق تصل حوادثه إلى أيامنا سوى مترجمنا مرتضى أفندي آل نظمي. فهو بحق (مؤرخ العراق).
قد كتب عن أحوال العراق جماعة من رجال الأمم الأخرى التي استولت عليه أو المجاورة له في عصور تدوره هذه إلا أنها لم تدون من الوقائع إلا ما كان متعلقاً بحروب بين المجاورتين أو ماله مساسا بأمورنا الداخلية وعلاقته بنظامها فلم تذكر غير وقائع الفتح والفتن وحوادث الثورات على الحكومة. . . وأهملت(8/430)
أمر الأمة فلم يحرص على هذا المحيط وبيان أحواله الحقيقية والموسعة سوى أبنائه.
أن الذين كتبوا صاروا يراعون سياستهم وأغراضهم وقد قيل (الغرض مرض) لذا لم يتح ذلك إلا لمؤرخ عراقي معروف. ولكنه لا يزال باقياً في جهالة عن الكثيرين من أبناء قطرنا في حين أنه مشتهر لدى الترك والعلماء الغربيين. وله مكانته الممتازة عندهم. وللغة العرب الغراء وصديقنا يعقوب أفندي سركيس الفضل في التنويه عنه.
ولولا هذا المؤرخ الكبير لبقيت حوادث كثيرة مبهمة بل مجهولة عنا. فلا تجد صلة بيننا وبين ماضينا وقومنا على ما كانوا عليه من بؤس وشقاء أو نعيم وقتي وأن كان لا يستحق الاطراد وهذا المؤرخ سد فراغاً لم يستطيع أحد سده إلى زمنه فحفظ لنا وقائع هذا القطر وأنه شاهد عيان فيما كتبه عن زمنه. فهو ثقة وعارف بالمجرى التاريخي خصوصاً بعد أن نعلم أنه من موظفي الحكومة. أما غيره فيصح أن يطلق على أكثرهم لقب مداحين بل مداجين مرائين. وأن لم يخل هو نفسه من إطراء ومدح لحكومته وبعض ولاتها
المعاصرين ولكن على كل حال لم يزاحمه مزاحم ولا عارضة معارض إلى الآن. فله الفضل الكبير على العراق فيما مضى في عمله وسيأتي الكلام على تاريخه (كلشن خلفا) عند مؤلفاته.
وهنا أقول أنه أديب شاعر وناثر معاً كتب بعض البيورلديات (الأوامر السامية) للولاة المعاصرين وأدرجها وعهدت إليه كتابة الديوان. والظاهرة أنه خلف أباه في كتابة الديوان فضلاً عن أنه مؤرخ. وأن نفس مؤلفاته تدل على علو كعبة في الآداب واقتداره المكين فيها. أرتضع الأدب من أسرة عريقة فيه متأصلة في العلم. وهو أبن محمد نظمي البغدادي الذي هو أبن بنت عهدي البغدادي ولا يعول على ما جاء في السجل العثماني من أنه أبن السيد علي البغدادي بعد أن ذكر كلشن شعراء أنه أتخذ أسمه لقباله كما أن تذكرة سالم تؤيد أنه أبن نظمي، وكذا نفس أسرته تعتقد أنها لم تكن من نجار هاشمي أو قرشي كما تحققتة منهم. ولا يزالون يحفظون أنهم من أصل تركي. ولعل ما وقع فيه صاحب السجل من الغلط ناشئ من بعض أبيات قالها ابن مرتضى أفندي(8/431)
وهو عبد الله أفندي المفتي كما يأتي الكلام عليه.
وقد ذكر السجل أنه توفي سنة 1136 وأنه ولد في بغداد. أما ذهابه إلى الآستانة فلم يذكره سوى صاحب السجل. وأظن أنه ليس بصحيح. وإلا لذكر ذلك معاصره سالم أفندي قاضي العسكر الذي شاهد مؤلفه وهو (كلشن) ومؤلف أخيه (شرح وصاف) المار ذكره. ويظهر من تدقيق النظر في مؤلفاته أنه عاش بعد سنة 1130 ومن المتيقن أن الالتباس في تاريخ وفاته ناشئ من أن أخاه توفي سنة 1130 فحصل بسبب ذلك الاشتباه وعلى كل حال أن مرتضى أفندي شاعر وأبياته في مؤلفاته كثيرة وكاتب مجيد فهو من الكتاب القديرين وأن كتبه كلشن وذيل سيرنابي وتذكره الأولياء وتاريخ تيمور تدل على مهارة أدبية وقابلية كبيرة وقدرة على الإنشاء. وغاية ما يقال عنه أنه رجل اختصاصي في التاريخ العراقي والتاريخ الإسلامي الذي له علاقة به فالعراق بحق يفتخر به. وقد أطراه صاحب الدوحة اطراءاً وكذا صاحب مرآة الزوراء ووصفة بما يليق به.
مؤلفاته:
1 - تذكره الأولياء المسمى (جامع الأنوار في مناقب الأبرار)
أن مرتضى أفندي لم يكشف ببيان تاريخ هذا المحيط من الوجهة السياسية والحربية وتسلط الحكومات عليه بل أنه كتب التاريخ الإسلامي بتمامه تقريباً من نقطة علاقته بالعراق وموضحاً لجراه ولذا نراه قد ذيل سيرنابي وكتب كلشن خلفاء وترجم تيمور. ولكنه توسع من ناحية أخرى فذكر مشاهير رجال العراق المشهورين بالصلاح والتقوى. ويظهر لأول وهلة أنه ألفها بعد التاريخ إلا أن مراجعة نفس الأثر تبين أنه قبل سائر مؤلفاته المعروفة.
ذكر مشاهير رجال العراق في الصلاح والتقوى فبعد أن ذكر بعض الأنبياء مثل يوشع وذي الكفل عليهما السلام تقدم لبيان الأولياء والمشاهير من الفقهاء والمتصوفة والزهاد واعتمد على كتب معروفة كالنفحات للجامي وطبقات الشعراني وابن خلكان والصواعق وروضة الصفا إلى غيرها وعلى حكايات وروايات منقولة مما وصل إليه.
وفي هذا الكتاب كشف اللثام عن قسم مبهم لو لم يوضح عنه ولم يكتب لما(8/432)
كان تمكن أحد من الوقوف على أحوال الكثيرين ولبقبت أحوالهم في عماء عنا كتبه في بادئ الأمر مختصراً ومجملاً في زمن السلطان محمد خان العثماني للوالي ببغداد آنئذ وهو إبراهيم باشا الطويل (أوزون إبراهيم) سنة 1077 هـ. وكان هذا الوالي راغباً كثيراً في تحقيق الأولياء والأبرار فطلب من المؤلف أن يقوم بتأليف يوضح أحوالهم ويبين مناقبهم.
ثم أنه بعد ذلك ورد لبغداد وال آخر وهو إبراهيم باشا أيضاً فدخلها في جمادي الثانية سنة 1092 فاستطاع هذا أيضاً أخبار الأخبار فطلب من المؤلف إكمال الكتاب المذكور. وحينئذ راجع المؤلف المصادر المذكورة وغيرها فأكمل نقصه ونقح وذيل فأبرزه بشكله الموجود.
ومن هذا الأثر نسخة في مكتبة الأوقاف العامة ببغداد تحت رقم 2442 من موقوفات سليمان باشا على مدرسة السليمانية وقفها سنة 1198 وهي خطية سطور الصفحة منها 19 سطراً وطولها 21 سنتيمترا وعرضها 15 سنتيمترا وصحائفها 178 كتبت في 15 صفر سنة 1155 وأظن أنها الخطية الوحيدة فلم أعثر على غيرها. وأولها: أي دوست علم وأجب الوجود أو لان اسم جلال سرسورة أسماء جلال وجمال الخ. وقد كتب في أعلى الصفحة الأولى (كتاب تذكرة الأولياء ومراقد الأصفياء في أطراف بغداد دار السلام). أما المؤلف فأنه سماها في صلب مقدمة الكتاب (جامع الأنوار في مناقب الأخيار).
وهذه النسخة تنقد من جهة أن الإعلام كان يكتبها ناسخها أحمر ولكنه تركه أخيراً وتهاون
في الخط أيضاً. ومع كل هذا فهي مما يعول عليه. لأنها كتبت في وقت قريب من زمن المؤلف فهي ثمينة من هذه الجهة ولم تدخلها أغلاط النساخ العديدة.
ونظراً لأهمية هذا الأثر اضطر علماؤنا إلى نقله وتعريبه إلى لغة الضاد فكان ذلك نصيب اثنين لا يدري أحدهما بالآخر على ما يظهر وهما:
1 - السيد أحمد أفندي أبن السيد حامد آل الفخري الموصلي بإشارة من سعد الله بك نجل الوزير الحاج حسين باشا ترجمه عن التركية والأصل لمرتضى(8/433)
أفندي الشهير بنظمي زاده لما كان والياً على بغداد سنة 1092 وهي بخط المعرب (كذا) قال صاحب مخطوطات الموصل في الصحيفة 122 تحت عنوان (ترجمة أولياء بغداد) والحال أن المؤلف لم تعهد إليه ولاية بغداد فالقول بذلك غلط تاريخي لا يغتفر من الفخري. ومن هذا التعريب نسخة في المتحفة البريطانية أيضاً.
2 - عيسى صفاء الدين أفندي البندنيجي المتوفي ليلة الأحد 17 رجب سنة 1283 والأصل لمرتضى أفندي نظمي زاده أوله: الحمد لله الذي بذاته في منصة الأحدية الخ. وقد شاهدت نسخة منه خطية عند حفيدة صفاء الدين أفندي قبل بضعة أشهر وأخرى في مكتبة الأب انستاس الكرملي وصحائفها 606 ولم يبين مؤلفها تاريخ تعريبها إلا أنه يقول كان هذا التعريب إنما تم بالحاج من السيد محمود أفندي النقيب والسيد محمود أفندي الالوسي وكانا معاصرين له سوى أنه لم يذكر أنها لمرتضى أفندي وأظن أن النسخة الموجودة لدى الصديق لدى الصديق صفاء الدين أفندي شيخ التكية البندنيجية هي الأصل. وقد قال عنه المرحوم شكري الالوسي: أجاد فيه غاية الإجادة حتى شهد له بالفضل أهل العلم واستحسنه الأباء. انتهى.
نعم أن نقل هذا الكتاب إلى العربية كان نصيب اثنين لا يدري أحدهما بالآخر على أقوى احتمال سوى أن هاتين الترجمتين لم يجر تدقيق النظر فيهما لتحصل المقابلة بينهما فينتقي الأحسن وينبه على مواطن الغلط أو السهو في كل منهما. ومن السهل الحصول على النسختين المذكورتين لمن هو راغب في إذاعة الصحيح واختيار الأصلح بإضافة بعض التعليق لإتقان العمل وإكماله.
ويهمنا في هذا المقام بيان مكانة هذا الرجل الذي يكاد يكون قد وقف حياته الطويلة في
تدوين تاريخ العراق وإيضاح الكثير من صفحاته وغوامضه المبهمة.
2 - ذيل (درة التاج في سيرة صاحب المعراج)
أن درة التاج في سيرة الرسول (ص) معتبرة لدى الترك القدماء. وهي للمرحوم ويسي أفندي (أويس أفندي أبن محمد) المتوفي سنة 1037هـ حينما كان حاكما في أسكوب. وهو شاعر وناثر مشهورة بالهجو وكان أبوه قاضياً. وهو من قصيدة (الأشهر) بخلاف ما جاء في كشف الظنون كما نبه على ذلك في قاموس(8/434)
الإعلام. ولما توفي كان عمره 68 عاماً. تولى القضاء في أسكوب سبع مرات ولذا توهم صاحب الكشف أنه من أهليها. وهو أبن أخت (مقالي) الشاعر المتوفي سنة 992هـ وقد تحدى الأدباء تحريره مدة طويلة ونثره معتبر أكثر من نظمه إلا أنه لا يروق أهل هذه الأزمان لما فيه من التأنق واستخدام المحسنات اللفظية والتراكيب الصناعية مما أدى إلى تعقيده بحيث يحتاج فيه المرء إلى ترجمان ويقال لسيرته هذه (سيرة ويسي) أيضاً كما يقال لها (مكي ومدني) وله رسالة في الانتصار للجوهري على صاحب القاموس وأخرى في نوادر اللغة العربية.
صدر كتابه ببيتين فارسيين وفي أثناء تحريره غزوة بدر الكبرى عاجلته المنية وهذه السيرة مطبوعة في الآستانة وعندي منها نسخة خطية مجموعة مع ذيولها الآتية. وهي:
ذيل سير نابي: قد كتب يوسف نابي أفندي ذيلاً على هذه السيرة (درة التاج) المذكورة طبع في مصر في جمادي الثانية سنة 1240 وهذا المؤلف يعد من أعاظم الشعراء العثمانيين. وله ديوان مطبوع. وهو من أهل أرفا (أورفه أي الرها) وفي زمن السلطان محمد الرابع ذهب إلى الآستانة فتولى عدة مناصب وتوفي سنة 1124 ويحكى أنه قال قبيل الوفاة (نابي بحضور أمد) فصار تاريخاً لوفاته، وله هذه السيرة المعروفة (بذيل سيرنابي) أو (سيرحبيب اكرم).
(ذيل مرتضى أفندي): وهذا هو الذيل الثاني لسيرة ويسي. فرغ منه مؤلفه سنة 1121 كما صرح به في النسخة الخطية الموجودة عندي المحتوية على الأصل (درة التاج) وذيل سيرنابي (المذكورتين وهذه الثالثة أقدم على إكمالها مرتضى أفندي بعد أن أحجم كثيرون عن الجري وفق نهجها وقد أطرى مرتضى أفندي صاحب الأصل وصاحب الذيل الأول وذكر أنه ألقى دلوه في الدلاء وأن كان لا يدرك شأو من سبقه. ولما كانت بلسان أدبي
أحجم عن إكمالها غيره وتمت على يده. وهذا ينم عن مقدرة وتفوق وقال: أن هذا عمل شاق ووضع صعب بالنظر للأدب العصري في زمنه. وأما اليوم فقد تغير الوضع وتوجهت(8/435)
الاستقامة الأدبية إلى نهج جديد من مراعاة الترسل واتباع قاعدة التبليغ عن المرام بأسهل طريقة. ولم أجد ضرورة أجد تدعوا إلى وصف هذه النسخة لمبذولية هذا الأثر وشيوعه. وعندي نسخة أخرى مجدولة ومكتوب في صدرها (تأليف مرتضى جلبي نظمي زاده) وهي نسخة نفيسة لولا أنها مخرومة الصفحة الأخيرة وقد أكملت بخط آخر.
3 - كلشن خلفا
أن هذا المؤلف هو واسطة اشتهار مرتضى أفندي: أوله مطلع أنوار كلام قديم ميمنة أفزاي أمور جهان الخ وقد أحله الترك مكانة سامية وطبعوه في مقدمة الكتب التي نشروها في الآستانة في مطبعة إبراهيم متفرقة سنة 1143 وصحائفه 260 واشتهر عندهم وعرف أكثر مما عندنا والذين يقدرون عندنا هذا المؤلف قليلون. وأكبر مشجع للترك في طبعة هو أنه يروج سياستهم في الخارج وفي العراق ويجعل لهم المكانة العليا مما لم يحلم به الترك أنفسهم من بيان الدواعي والأسباب حتى أنه لم يقتصر على ترويجها عند ذكر العثمانيين فحسب بل روجها في جميع صفحات تاريخه حتى عند ذكر هلاكو وانتقال الخلافة إلى مصر، فنراه يندد بالخلفاء المتأخرين ويحط من سياستهم ويعد ظهور العثمانيين نعمة لحماية الخلاقة ويبتدئ تاريخه من أوائل العباسيين وينتهي في سنة 1130هـ.
كتب هذا التاريخ سنة 1100 هـ زمن الوالي عمر باشا السلحدار وذكر في نفس التاريخ لهذا الوالي أبياتا وعارضها بنظم له لطيف راجع (الورقة 107) من الكتاب وتسلسلت حوادثه إلى سنة 1130 وهو على اختصاره لا نجد في غيره من الحوادث ما يجلو عنها أو يكشف الستار عن حقائقها إلا قليلاً. فلولاه لما أمكن للناس الإطلاع التام على الحوادث كما ذكرها هو فأن كتابة يضم في مطاويه مباحث كبيرة عن حالة العراق وجباية أمواله والتبدل الحاصل فيها وذكر وزرائه وعماراته. وبالأخص أن تاريخ العثمانيين غامض من أوائل دخولهم العراق إلى زمن السلطان مراد الرابع وما يليه. فما وجد في غيره مقطوع غير موصل. وقد أثنى صاحب تذكرة سالم على هذا التاريخ إلا أنه(8/436)
نقده في أن تركية قديمة لا تأتلف هي واللغة الدارجة (في ذلك الزمن).
وهذا التاريخ اعتنى به المؤرخون العراقيون بعدة وإلى اليوم لكني لم أر له نسخة خطية سوى نسخة واحدة مخرومة الأول والآخر والمظنون أنها كتبت في زمان المؤلف. شاهدتها وهي من كتب الصديق الفاضل يعقوب أفندي سركيس ومن أهم الكتب التي ذيلت به (دوحة الوزراء) لرسول حاوي أفندي تتضمن حوادث أكثر من مائة سنة تبتدئ من حيث انتهى وتمتد إلى سنة 1237 الهجرية وفي هذا الذيل تفصيل أكثر وسعة في المباحث وسأفرد له مقالاً خاصاً.
وعلى هذا الذيل ذيل آخر وهو (مرآة الزوراء) مكمل للدوحة ومعقب لحوادثها. كتب بقلم أكبر العارفين بتاريخ هذا المحيط للمدة الأخيرة وهو (سليمان فائق بك) أبن الحاج طالب كهية ووالد حكمت بك سليمان ومحمود شوكت باشا، وسأفرد لهذا الفاضل أيضاً مقالاً أثر الكلام على صاحب الدوحة ومن الله المعونة.
ثم تقف الحوادث ولم توصل بذيل ولا بغير ذيل ولكن أوراق الحوادث (الجرائد) أخذت تنتشر فلم يبق خفاء. وقد بان المبهم ووضع الصبح لذي عينين فتكاثرت المباحث عن أحوال هذا المحيط.
ومع هذا فأن مجاهله الكثيرة لا تزال غامضة ولم يتكلم عنها أحد. وعلى أي الأحوال بقيت غوامض وفي الإطلاع عليها شوق وأن النفوس تتطلبها.
(لغة العرب: وصف كلشن خلفا والمخطوط الذي في خزانتنا).
ذكر حضرة الصديق العزيز الأستاذ عباس أفندي أنه لم يجد من (كلشن خلفا) سوى نسخة واحدة خطية مخرومة الأول والآخر وهي للصديق الفاضل يعقوب أفندي سركيس وعندنا نحن أيضاً نسخة خطية ودونك وصفها:
(طول الكتاب 32 سنتيمترا في عرض 19. وعدد صفحاته 250 ما عدا المقدمة التي في 11 صفحة وكلها مجولة بالأزرق جدولاً مزدوجاً تبتدئ بالهمزة وتنتهي بالكاف. ورق النسخة كله أزرق مسطر من أصل وضعه. وفي كل صفحة 25 سطراً دقيق الكتابة بخط الرقعة طول المكتوب منها 23 سنتيمترا في عرض 14. وتبتدئ المقدمة بقوله: (محامد ذاكيات أول مبدع كائنات وموجود مصنوعات جنابنك إتحاف كرده معلا. . . إلى آخر ما(8/437)
هناك. وفي صفحة ك نقش عربي أزرق. وفي ص 1 نقش آخر بالأخضر والأزرق
والأبيض والأحمر يمثل جنبذة حمراء وعن يمينها ويسارها غصنان أخضران من أغصان الورد. وعناوين الفصول موضوعه بين خطين مزدوجين أعلى وأسفل مرسومين بالأزرق وتنتهي النسخة بقول الناسخ ما هذه حروفه بنصها: (تم الكتاب بعون الملك الوهاب في عشرين رمضان المباركة سنة ثنين وتسعين بعد المائتين والألف على يد أفقر العباد آمين مصطفى البندتيجي) والسطر الأخير الذي يبتدئ: (بعد المائتين يختلف خطه عن خط سائر الكتاب والظاهر أن أسم الناسخ الصحيح محي بإمرار إصبع مبلولة على السطر الأخير وإبداله بهذا السطر الجديد وبوضع اسم غير الاسم الحقيقي. وهذا ما يجعل النسخة نفيسة في عينينا لأن هذا العمل يدل دلالة صريحة على أن هناك أناساً يريدون أن يبقى أسمهم معروفاً عند الأجيال الجديدة من غير أن يكلفوا نفوسهم عناء النسخ والكتابة اهـ. كلامنا.
4 - تاريخ تيمورلنك
هذا ترجمة مرتضى أفندي إذ نقل من اللغة العربية إلى اللغة التركية كتاب (عجائب المقدور في نوائب تيمور) لأحمد بن محمد بن عربشاه الحنفي المتوفي سنة 854هـ. وقد قال صاحب كشف الظنون: ترجمه الفاضل الأديب المرتضى المعروف بنظمي زاده البغدادي. وكان حياً سنة 1130 وهذا التاريخ كما يظهر من بيانات صاحب الكشف أنه هو المسمى (تيمور نامة) وهو النسخة الأولى التي ترجمها مرتضى أفندي بوضعها الأصلي وتسجيعها وبديع إنشائها أي نسخة طبق الأصل المنقولة عنه. وقد كتبت هذه النسخة وهي النسخة الأولى لوالي بغداد علي باشا سنة 1110هـ وأما هذه النسخة وهي (تاريخ تيمورلنك) فأنها كتبت للوزير الحاج إسماعيل باشا والي بغداد الذي تولى بغداد (سنة 1110: 1111) بعد تلك النسخة قال في سنة 1131 والظاهر أن هذا غلط من الناسخ وصحيحها سنة 1111 وبناء على طلبه جعلها خالية من السجع وبلسن اعتيادي خلاف النسخة الأولى كما أوضح ذلك في مقدمة هذه النسخة. وفيها زيادات عن أولاد تيمور ولوحق مهمة لا يستغني عنها. وقد ماتت النسخة الأولى فلم نجد لها خبراً وانتشرت الثانية وقد طبعت في الآستانة في مطبعة الجريدة سنة 1277 ولهذا التاريخ علاقة بحوادث العراق فلذا أقدم مترجمنا على نقله إلى(8/438)
التركية. أما الأصل وهو (عجائب المقدور) فقد طبع في أوربة ومصر مراراً عديدة واعتقد أن الأصل لا يغني عن الترجمة لمقابلة الإعلام بعضها ببعض والتوثق من
صحتها زيادة على ما مر بيانه وأول الترجمة لمرتضى أفندي: الحمد لله الذي يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد الخ.
والحاصل أن هذه الآثار التاريخية تبدو قيمتها لأول نظرة. ومن دقق النظر فيها قدر أتعاب الرجل وخدماته لهذا المحيط فهو من أكابر أبنائه البررة في العلم والفضل والأدب، وقد قال إبراهيم فصيح أفندي الحيدري في كتابه (عنوان المجد في بيان بغداد والبصرة ونجد): ومنها أي بيوت بغداد بيت نظمي زاده وهو من البيوت القديمة الرفيعة. وكانوا أصحاب قلم) اهـ إلا أنه لم يذكر أحداً من أفراد هذا البيت ومشاهيرهم (راجع: ص 124 من النسخة الخطية) حتى أنه لم يعلم أن عبد الله أفندي المفتي أبن مرتضى أفندي منهم ولذا ذكره بعنوان بيت مستقل ولم يشر إلى هذا (راجع ص 116) واعتقد أن الذي أوقعه في الغلط عدم معرفته البيوت وحقيقة شهرتها وإنما أخذ أنباءه من أناس مختلفين فدون ما سمعه دون ترو وتحقيق. وبمرتضى أفندي هذا انقطع الانتساب إلى نظمي زاده وغطت شهرة مرتضى أفندي كل من سبقه.
ومن معاصريه ومعاصري أخيه من أدباء الترك العراقيين:
1 - يوسف عزيز المؤرخ العراقي وهو من بغداد.
2 - الفتي. واسمه حسين أفندي كان يستخدم كاتباً لكهيات بغداد. وقد ائتلف مع الكتخدا لمصطفى باشا دال طبان وصحبه إلى الآستانة مغتراً بهذه الصحبة فلم ينل مرغوبه وعاش عيشة منغصة (راجع تذكرة سالم).
وأرى في هذا كفاية. والمقال الآتي يتعلق بمن يليه من أولاد مرتضى أفندي الذين هم من هذه الأسرة ومنه تعالى المعونة.
المحامي: عباس العزاوي
(لغة العرب) هذا البحث المفيد لصديقنا عباس أفندي العزاوي يتصل بالمقال الذي دبجه حضرة الأديب يعقوب أفندي نعوم سركيس في هذه المجلة (7: 518 إلى 527).(8/439)
محلة المأمونية وباب الأزج والمختارة
-
أن تعيين المحلات والاقرحة والشوارع والعقود والقصور القديمة في بغداد من أصعب تحقيقات التاريخ والجغرافية وأبعدها عن التثبت والإيمان غير أن التقريب والاسترجاح والاستدلال تخفف من هذه الصعوبة وتقرب من الإيقان أو نصف الإيمان، وما قول القارئ ونحن نريد أن نعين محلة المأمونية في الجانب الشرقي من بغداد وذلك بعد أحد عشر قرناً ونصف لتسميتها وإبتناء أولها؟.
كنا قد ذكرنا في مقالتنا عن قصر المأمون شيئاً من أخباره (8: 343) نقلاً عن مادة (التاج) من معجم البلدان وتصرفنا فيه رعاية للمراد والآن ننقل بعض النص لتعلقه بمحلة المأمونية قال ياقوت عن القصر: ثم انتقل إلى المأمون فكان من أحب المواضع إليه وأشهاها لديه وأقتطع جملة من البرية عملها ميداناً لركض الخيل واللعب بالصوالجة وحيزاً لجميع الوحوش وفتح له باباً شرقياً إلى جانب البرية وأجرى فيه نهراً ساقية من نهر المعلى وابتنى مثله قريباً منه منازل برسم خاصته وأصحابه سميت (المأمونية) وهي إلى الآن (الشارع الأعظم) في ما بين عقدي (المصطنع) و (الزرادين). فعقد الزرادين آخر المأمونية جنوباً على ما يأتي وقال ياقوت في مادة (المأمونية) من معجمه ما مثاله: (المأمونية منسوبة إلى المأمون أمير المؤمنين عبد الله بن هرون الرشيد وقد ذكرت سبب استحداث هذه المحلة في التاج والقصر الحسني وهي: محلة كبيرة طويلة عريضة ببغداد بين نهر المعلى وباب الأزج عامرة آهلة) قال أبن خلكان في وفياته (2: 355) عن ياقوت (وتوفي يوم الأحد العشرين من شهر رمضان سنة ست وعشرين وستمائة في الخان بظاهر مدينة حلب) فالمأمونية قبل وفاته عامرة وطالما دعا في معجمه لإطالة بقاء الناصر لدين الله.
قال ياقوت في مادة (الريان) ما عبارته والريان أيضاً محلة مشهورة ببغداد(8/440)
كبيرة عامرة إلى الآن بالجانب الشرقي بين (بابا الأزج) و (باب الحلبة) و (المأمونية) قلنا: وهذا التحديد كأنه يشمل اليوم غربي (الصدرية) ويشمل (العوينة) لأن المأمونية طويلة عريضة فيرجح انتهاؤها إلى (جامع شيخ سراج الدين) اليوم.
وقال في مادة (منظرة) ما نصه (منظرة الحلبة موضع مشرف ينظر منه وهي منظرة
محكمة البنيان في وسط السوق في آخر محلة المأمونية ببغداد قرب الحلبة كان أول من بناها المأمون وكانت في أيامه تشرف على البرية والآن فهي في وسط البلد ثم أمر المستنجد بالله بنقضها وتجديدها على ما هي اليوم، جعلت لمجلس (كذا أي ليجلس) فيها الخليفة ويستعرض الجيوش في أيام الأعياد) وقال في مادة (الحلبة) ما نقله: (والحلبة محلة كبيرة واسعة في شرقي بغداد عند باب الأزج وفي مواضع آخر) ولا يبعد من ذهن القارئ أنه ذكر أن منظرة الحلبة في وسط بغداد على عهده وعد وسط بغداد آخر محلة المأمونية ووسط بغداد لا يتجاوز محلة العوينة اليوم.
ويقرب من محلة (الريان) قطيعة العجم فقد قال ياقوت في مادة (قطيعة) ما صورته (قطيعة العجم ببغداد في طرف المدينة بين باب الحلبة وباب الأزج والريان محلة كبيرة عظيمة فيها أسواق كأنها مدينة برأسها). قلنا: ولكونها في طرف بغداد الشرقي يظهر أنها كانت بين الباب الشرقي الآن وباب الطلسم اليوم وشمال الريان قديماً كانت بموضع محلة الفناهرة اليوم إلى محلة الأرامنة التي استحدثوها في زماننا بين الباب الشرقي وبابا الطلسم مما خندق سور بغداد المهدم.
والذي يطالع تحديد ياقوت يصعب عليه المطابقة لأن تعظيمه المحلات مبالغة واقتصاره على حدود بعيدة قليلة يهز العقل هزاً عند التحقيق لأن ذلك الوصف يظهر المحلات متداخلة بعضها في بعض كل التداخل.
عقد المصطنع في شمال المأمونية
وقال ياقوت في مادة (قرح) ما عبارته (وذلك أنك تخرج من رحبة جامع القصر مشرقاً حتى تتجاوز عقد المصطنع وهو بابا عظيم في وسط(8/441)
المدينة، فهناك طريقان أحدهما ذات اليمين إلى ناحية المأمونية وباب الازج والآخر يأخذ ذات الشمال مقدار رمية سهم إلى درب يقال له درب النهر). وكأنه يشير إلى الطريق الذي يتجه اليوم من مركز الشرطة المذكور إلى (سوق حنون) شمال عقد المصطنع ولإثباتنا أن المأمونية جنوب عقد المصطنع وأن هذا العقد هو اليوم قرب عقد القشل من الشمال تكون محلة المأمونية من عقد القشل إلى الريان وبابا الأزج ويبطل قول المؤلف لكتاب عمران بغداد في ص 104 منه ما عبارته: (محلة المختارة أي عقد القشل الحالي). والعجب أنه ذهب إلى هذا مع قوله
في أول الصفحة المذكورة (ومن الأمور التي يجب الإشارة إليها في هذا الباب هي (كذا) اعترفنا بالعجز في تعيين المواضع الحقيقية لمحال بغداد السابقة وتطبيقها على المحلات الحالية) وذكر في ص 56 من الحوادث الجامعة تحارب أهل المأمونية وأهل باب الأزج ومن ذلك قوله (وكان ابتداء المصاف من عقد المصطنع).
باب الأزج
قال ياقوت في مادة (ازج) ما نصه: (باب الازج: محلة كبيرة ذات أسواق كثيرة ومحال كبار في شرقي بغداد فيها عدة محال كل واحدة منها تشبه أن تكون مدينة) وذكر العلامة (لسترنج) في خارطة ص 263 من كتابه تاريخ بغداد محلة (باب الازج) في ما يقابل اليوم مسجد السيد سلطان على ممتدة إلى ما يقابل القنصلية الإنجليزية ولكنه أبعدها عن دجلة. وذكر (المدرسة النظامية) قبر قصر النقيب على شاطئ دخلة بالباب الشرقي وهذا غريب منه لأمرين أولهما أن محلة باب الازج ممتدة إلى دجلة وثانيهما أن هذا الموضع ليس بموضع المدرسة(8/442)
النظامية وإنما يترجح أنه محل (مدرسة الأصحاب) فقد نقل أبن خلكان في (1: 245) من تاريخه عن علي بن محمد بن يحيى المعروف بثقة الدولة أبن الأنباري ما صورته: (كان من الأماثل والأعيان واختص بالإمام المقتفي لأمر الله وكان فيه أدب ويقول الشعر وبنى مدرسة لأصحاب الشافعي على شاطئ دجلة بباب الازج وإلى جانبها رباطا للصوفية ووقف عليها وقفاً حسناً وسمع الحديث).
وقال ابن العبري في ص 363 من تاريخه ما اصله: (وفي سنة أربع وخمسينئ (أراد بعد الخمسمائة) ثامن ربيع الآخر كثرت الزيادة في دجلة وخرج القروج فوق بغداد فامتلأت الصحاري وخندق البلد ووقع بعض السور فغرق بعض القطيعة وباب الازج والمأمونية ودب الماء إلى أماكن فوقعت) اهـ. قلنا: وقد وضع العلامة لسترنج (القطيعة) جنوب باب الحلبة الذي سمته العامة في هذا العهد (باب الطلسم) فصارت في شرق المأمونية وجعل في جنوب المأمونية (محلة الريان) وفي غربها دار الخلافة وفي داخل المأمونية قبر الشيخ عبد القادر الجيلي مع أن القبر في محلة باب الازج والمأمونية لا تصل إلى قبر الشيخ المذكور والدليل على ما قلنا ما ورد في ص 27 من نسختنا الخطية للحوادث الجامعة ونصه (وفيها (أراد وفي سنة 633) توفي أبو صالح نصر بن أبي بكر بن عبد الرزاق أبن أبي محمد
عبد القادر الجيلي الفقيه الحنبلي الواعظ شيخ وقته ومقدم مذهبه. ودرس في مدرسة جدة بباب الازج) وجد دفن في مدرسته. أما محلة الريان فقد حصرها ياقوت بين باب الازج وباب الحلبة ومحلة المأمونية وسيأتي ذكرها.
وورد في ص 98 من الحوادث عن الغرق: (وصلى أهل باب الازج في مصلى العيد بعقد الحلبة) وذكر في حوادث سنة 640 ما نصه: (في يوم الخميس خامس عشر رجب ركب المستعصم بالله في شبارة ومعه شرف الدين إقبال الشرابي وعز الدين مرشد الهندي المستعصي واصعد في دجلة إلى مشرعة الكرخ وعاد منحدراً إلى باب الازج ثم عاد إلى داره) وفي ص 56 منه (فجاء قوم من رجال المأمونية ليجتازوا في باب الازج فمنعهم أهل باب الازج أن يعبروا عليهم وسيوفهم مشهورة) وذكر في حوادث سنة 629هـ ما عبارته(8/443)
(وفيها جرت فتنة بين أهل باب الازج وأهل المختار وتراموا بالبندق والمقالع والأجر وتجالدوا بالسيوف فقتل من الفريقين وجرح جماعة فتقدم في عشية اليوم التالي بخروج الجند وكفهم عن ذلك فخرج نائب باب النوبي ومعه جماعة من الجند فكفهم وقبض على جماعة منهم فضربهم وقط أعصابهم وحبسهم فسكنت الفتنة واتصال الأزجيين بالمختاريين يستوجب الإيضاح.
المختارة
أما المختارة التي مر ذكرها جعلها العلامة لسترنج في خارطته المذكورة غرب باب الظفرية (أي الباب الوسطاني اليوم) ممتدة إلى السور في شرق باب السلطان (أي باب المعظم) فما أبعد المسافة بين باب المعظم وباب الشيخ فهذا يؤكد الغلط المرتكب في كتاب عمران بغداد من أن محلة المختارة هي (عقد القشل اليوم) ونحن لا نشك في أن أهل المحلتين تزاحفوا خارج السور من شرقي بغداد فتحاربوا وقد أوضح ياقوت الطريق من عقد المصطنع إلى المختارة في مادة (قراح) بقوله: (والآخر يأخذ ذات الشمال (أي شمال الماشي من جامع سوق الغزل إلى مركز شرطة قاضي الحاجات في هذا العصر) مقدار رمية سهم. . . ثم يمتد قليلاً ويشرق فحينئذ يقع في قراح (ابن رزين) فإذا صار في وسطه فعن يمينه درب النهر واللوزية وعن يساره المحلة المقتدية التي استحدثها المقتدي بالله ثم يمر في هذه المحلة (أعني قراح أبن رزين) نحو شوط فرس جيد فحينئذ ينتهي إلى عقد
هناك وباب فإذا خرج منه وجد طريقين أحدهما يأخذ ذات الشمال يفضي إلى المحلة المعروفة (بالمختارة) اهـ ويظهر لنا مما مضى أيضاً أن الواقف في وسط قراح أبن رزين يكون عن يمينه درب النهر واللوزية وقد تحققنا أن لسترنج وضع محل اللوزية بخريطته شرقي محلة قنبر علي وعباس(8/444)
أفندي اليوم.
وورد في حوادث سنة 640 من الحوادث الجامعة: (ويعقب ذلك وقوع فتنة أخرى بين أهل المختارة وسوق السلطان وقتل بينهما جماعة) وسوق السلطان على ذكره لسترنج هو سوق الثلاثاء ويمتد من باب المعظم إلى الجنوب مخترقاً ما يسمى اليوم (الميدان) فالمختارة في شرق محلة سوق السلطان والتباسها بمحلة القشل من أقابح الأغلاط وأفاظعها.
مصطفى جواد
أسرة الحاج الميرزا تقي السبزواري
الحاج الميرزا تقي هو أحد علماء الشيعة الأتقياء الذين قضوا أعمارهم في خدمة الدين والعلم. وهو أبن الميرزا كاظم أبن الميرزا أبي القاسم أبن الميرزا رضي أبن السيد محمد وينتهي نسبه إلى الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب.
الحاج الميرزا تقي من أسرة نبيلة كانت أقامتها في (باشتن) من قرى سبزوار ثم هاجر جده الأدنى الميرزا أبو القاسم إلى (فوشتك) من قرى سبزوار فكانت أسرته فيها إلا أن حفيده الحاج الميرزا تقي بعد أن ترعرع وشب تحول إلى سبزوار وأقام فيها مدة ليستقي العلوم من مدارسها ثم أرتحل إلى النجف في عهد الشيخ مرتضى الأنصاري فتتلمذ له برهة من الزمن.
لبث الحاج الميرزا تقي في النجف مدة ثلاثين عاماً ثم أقفل إلى سبزوار وقد أخذ نسيبه من العلوم ولم يزل دأبه خدمة الدين وشعاره التقوى حتى مات وكان بعد رجوعه من العراق إماماً في مسجد الجامع بسبزوار.
زار الحاج الميرزا تقي وقام برحلات عدة إلى العراق وفي عودته من رحلته الأخيرة (في سنة 1310هـ - 1893م أو في سنة 1311هـ 1894م) توفي بشاهرود ودفن فيها وله مؤلفات في علم أصول الفقه (تحوي محاضرات أستاذه الشيخ مرتضى الأنصاري) لم تزل مخطوطة.(8/445)
عميد هذه الأسرة اليوم هو الحاج الميرزا حسين المعروف بالصغير وهو من مشاهير المجتهدين والفقهاء وهو ختن السيد محمد مهدي العلوي (حموة).
ولد الحاج الميرزا حسين هذا أبن الحاج الميرزا تقي (المذكور آنفاً) في سبزوار في عام 1396هـ - 1879م وقرأ مبادئ العلم فيها وفي سنة 1308هـ 1891م سافر إلى العراق فتلقى فيها علمي الفقه والأصول من بعض أعلام النجف وفي سنة 1324هـ - 1906م آب إلى وطنه سبزوار ولم يزل مثابراً على الإمامة بمسجد الجامع بسبزوار والتدريس وخدمة الدين الحنيف حتى كتابه هذه السطور. حج أم القرى مرتين الأولى في عام 1338هـ - 1920م والثانية في عام 1341هـ - 1923م وهو الآن على أهبة السفر إليها للمرة الثالثة.
السيد خبير المازندراني
نسختنا الخطية لدوحة الوزراء
في خزانتنا نسخة خطية من هذا الكتاب مفتتحة بهذه العبارة (أشبو كتاب مستطاب ذيل كلشن خلفاء المسمى دوحة الوزراء تاريخ وقائع بغداد الزوراء أثر أديب كامل وتحرير فاضل كركوكلي الشيخ رسول أفندي عليه الرحمة (رحمة) المعيد المبدي.
وفي آخرها: قد تم وبالخير عم يوم الاثنين في 13 شوال سنة 1336 أو في 22 تموز سنة 1918م.
مكتوب بعد ذلك ما هذا بحرفة (قال الأب انستاس ماري الكرملي مستنسخ هذا الكتاب: نقلت هذه النسخة عن السفر الذي خط على نسخة المؤلف. وكانت محفوظة عند حضرة الشيخ الجليل محمود شكري الآلوسي فأعارني إياها على ما عهد فيه من حب العلم ونشر أعمال السلف ومؤلفاتهم وكانت هذه النسخة الآلوسية بحجم هذه ولهذا اخترت لها ورقاً بقدر ورقها وعدد سطورها كعدد هذه. وكذلك قل عن عدد الصفحات. ولله الحمد أولاً وأخراً.(8/446)
فوائد لغوية
الإنكار وأدواته ومرادفاته وأصلها
من أدوات الإنكار عندنا: (لا) وفي لغات الغرب - و (لا) من أدوات النهي أيضاً. وللنفي يستعمل في لغتنا (ما) تقول مثلاً: ما عندنا دراهم وأنت تريد أن تنفي وجودها عنك فما أصل هاتين الأداتين؟.
الذي عندنا أنهما من أصل واحد هو (نا) كما في اللغة اللاتينية وما تفرع منها. وكانت (نا) عندنا في قديم العهد تقوم مقام (لا) الناهية و (ما) النافية قم نقلها السلف في واغل القدم إلى صورتين متقاربتين في اللفظ والمعنى هما الأداتان اللتان ذكرناهما. والدليل على رأينا هذا أن الفرس جيراننا اتخذوا (نا) في لغتهم بهذا المعنى. والثاني أننا نحتنا منها أفعالاً تدل على نحن في صدده من ذلك:
(نفي) فأنها مركبة عندنا من النون المقطوعة من (نا) النافية والفيء الذي يعني تحول الظل من موطن إلى موطن والوجود في ظل الشمس أو مطلق الوجود كأنك تريد في قولك: نفيت فلاناً من البلد: إزالته عنه ولم يبق في فيئه.
و (نهى) منحوتة من النون المذكورة و (هو) التي أصلها (هوة يهوه) أي وجد يوجد. فالنهي أيضاً من هذا القبيل وهو الزجر عن إتيان الشيء والمنع عنه والأمر بما يخطر عمله. فإذا نهيت امرءواً عن كذا فأنك تمنعه عن إتيانه أو عن تحقيقه في حيز الوجود.
و (نكر) الشيء داخل في هذا الباب، وهو عندنا منحوت من نون الإزالة و (كر) الدالة على إعادة الشيء مراراً. فإذا أنكرت الدين الذي عليك لصاحبك فكأنك تقول له: نا، نا، نا (أي لا مكررة) أي لا دين لك علي وأنت تكرر عليه هذا الأمر. ومن الغريب أن نكر يشبه اللاتينية معنى ومبنى.(8/447)
وعلماؤهم يقولون أن الكلمة الرومانية مركبة من (أي لا أو ما أو (نا)) (أي عمل) فيكون معناها لا عمل أي لا تعمل، وتوجيهنا لها أوضح وأبين أي أن الكلمة مركبة من حرف الإزالة ومادة (كر) الدالة على إعادة أداة الإزالة مراراً عديدة.
و (نزع) مركبة من النون ومن مادة الزوع الدالة على الحركة فإذا نزعت حياة الأثيم فقد أزلت عنه حركة حياته.
وهناك أفعال عديدة تبتدئ بهذه وكلها تفيد الإزالة أو ما هو من هذا القبيل. ولا يمكن أن تؤول ويعرف معناها على التحقيق إلا من بعد أن نحللها هذا التحليل اللغوي. من ذلك:
(نبأ) أرتفع أي من بعد أن أزلته من مكانه الخفي (الباءة كالمباءة) وهي متبوئ الولد في رحم أمه. وهو من أخفى المواضع ثم توسعوا في معناه. ومنه التنبؤ لإخراج الأخبار عن مدافنها أو مخابئها.
(نبتت) الأرض: أخرجت ما كان مدفوناً في بطنها من الزرع الذي هو بمنزلة الزاد والجهاز والبتات هو الزاد. أي كأنك تقول: لم يبق في الأرض زادها أو متاعها إذ أخرجته إلى وجهها أو سطحها ولم تبقه مدفوناً في بطنها.
و (النيتل) (كجعفر) الصلب الشديد وهو مركب من النون النافية ومن البتل مخفف البتيلة وهي كل عضو مكتنز ولا يكون مكتنزاً إلا ويكون رخصاً فقولك نبتل كقولك (غير رخص).
و (نبث) البئر استخراج ترابها ومثلها (نبشها). وأصل الثاء شين، واللفظة مأخوذة من النون ومن البشيشة التي هي ملك اليد، فإذا نبشت البئر فكأنك لم تبق فيها ملكها وهو ترابها.
و (نبجت) القبجة خرجت من وكرها أو مكمنها، وهي من النون ومن البجيج الذي هو الزق أو ظرف الشيء فإذا قلت مثلا نبجت القبجة فكأنك قلت: لم تبق في مكمنها.
و (نبذ) الشيء إلقاء أو طرحه من يده كأنه يقول في نفسه. (لا بذ (أي لا مثل) له في قبحه يرميه من يده.(8/448)
و (نبر) رفعه كأنه في رفعه إياه يشير إلى أنه لم يبق في البر بل وضع على مرتفع حتى يتمكن من رؤيته كل امرئ.
ولا نريد أن نضجر القراء بأكثر من هذه الشواهد إذ هي لا تحصى وتطرد كلها على هذا القياس.
ومن أغرب ما يمر بخاطر الباحث اللغوي كلمة (نعم) وفيها لغات بالتحريك (وبإسكان الآخر) وبالفتح والكسر وبكسرتين وبالتحريك ومد الحركة الثانية و (نحم) بالحاء وبالتحريك أي يقال فيها: نعم ونعم ونعم ونعام ونحم. وهي عندنا مركبة من النون النافية و
(مين) أي كذب. أي لا كذب في ما أقول وبعبارة أخرى: لا جرم. ومن غريب الأمر أن هذه الكلمة يقابلها في اليونانية وفيها أيضاً لغات أخرى والحركة التي ترى بين الميم والنون في تدل على حرف خفيف محذوف أي مين، مما يثبت في نظرنا أن الأقدمين منا كانوا يقولون في أول الأمر (نامين) أي لا كذب ولا غش في ما أقول ثم حذف الحرفان الأخيران من الآخر لاعتبارهم إياهما كاسعتين والكواسع قد تحذف كما قد تزداد فصارت (نام) ثم فخموا الألف وجعلوها عينا على لغة شائعة بين ظهرانيهم فصارت كما ترى أي نعم.
ما بسطناه لك في هذا المقال دليل على أن لغتنا من إبداع لغات الدنيا وفيها من دفائن الأسرار وكنوزها ما لو وضعت في كفة ووضعت سائر اللغات في كفة أخرى لرجحت لغتنا وفاقتهن محاسن وعجائب ونفائس وغرائب وعسى أن لا ينالها ما يفسدها، وهو وحده الحافظ الواقي.
تصحيح أعلام وردت في مجلة الكلية
ذكرت مجلة الكلية في (16: 293) مدينة أوبس والصواب (هوفية) كما وردت في الرقم المسمارية. وذكرت ص 294 سبار (أبو حلبا) وكررت مراراً هذا الوهم والصواب أبو حبة (بفتح فتشديد) وذكرت أكتيزيفون والصواب طيسفون (راجع ياقوت الحموي) ووهمت مراراً لا تحصى في ذكر السومريين (ص 295) والصواب الشمريين (بضم الشين المعجمة وفتح الميم غير المشددة) وذكرت ص 296 بالينيوس والصواب بلينيوس إلى غيرها مما يطول ذكره.(8/449)
باب المكاتبة والمذاكرة
نظرة في الحاشوش
وقفت على ما جاء في (لغة العرب 8: 367) عن ليلة الحاشوش لجمعة الآلام أو لغيرها من الليالي وما نسبه بعض كتاب العرب في القرون الوسطى إلى النصارى في تلك الليلة من المنكرات، وعندي أن سبب نسبة هذه الأمور إليهم آتية من عادة دينية لأغلب المسيحيين الشرقيين هي أنهم كانوا يحيون تلك الليلة بالتهجد ولا يتخذون من الأنوار إلا شيئاً طفيفاً. وفريق منهم كانوا يطفئون تلك الأضواء الضئيلة ولا يبقون منها سوى شمعة واحدة. بل هذه الشمعة نفسها يخفونها مديدة ذكرى للحزن الذي شمل الطبيعة كلها حداداً على موت المسيح وإشارة إلى هرب تلاميذه والقبض على المسيح نفسه.
فهذه العادة الدينية هي التي دفعت بعض الجهلة أو غير المطلعين على حقائق الشعائر الدينية أو يعزوا تلك الفظائع إليهم - كما كان الوثنيون من يونان ورومان - ينسبون إلى المسيحيين أنفسهم أموراً في القرون الأولى أي أنهم كانوا يذبحون طفلاً في اجتماعاتهم ومجالسهم الدينية ويأكلونه.
وقد بنوا هذا الوهم على اجتماع النصارى الأولين على كسر الخبر المقدس وتناوله وهو الخبز الذي سماه العرب الأولون الشبر (راجع كتاب أخبار الكنيسة في القرون الأولى).
دير نرسيس صائغيان
معنى القوصوني
أطلعت على ما جاء في لغة العرب (8: 164 إلى 167) عن القوصوني وزدتم في الآخر ص167 قولهم: (لم نجد معنى لهذه النسبة في أي كتاب كان. وعلى كل حال فهي ليست منسوبة إلى مدينة قوصوة في يوغوسلافية في بلاد السرب القديمة وقد أصبتم في رأيكم هذا والذي عندي أن القوصوني منسوب إلى الأمير(8/450)
قوصون ولفظها التركي بواوين فرنسيتين أي والأمير قوصون هو أحد السلاطين الجراكسة في مصر وكان من مألوف العادة أن المماليك يتخذون اسامي مواليهم في النسبة وأظن أن هذا التأويل الوحيد الذي يرضى به
العقل. أما قوصون أسم فليس معروفاً.
جامعة عليكره (الهند): الدكتور ف كرنكو
(لغة العرب) نشكر لحضرة الأستاذ المحقق تأويله هذا بقي علينا أن نعلم معنى التركية لتتم الفائدة والذي يبدو لنا أن الكلمة مصحفة عن قوصغون أو قوزغون التي معناها الغراب وفي أعلام الترك أسماء رجال كثيرين هي في الأصل أسماء حيوانات.
جمع مفعول على مفاعيل
نقل المحقق الزيات حفظه الله كلام عصبة من حملة العلوم العربية في جمعهم مشهوراً على مشاهير (راجع هذه المجلة 7: 769 وما يليها) وقد وجدت نصوصا عديدة لفطاحل العلماء ولما استكثرتها عدلت عن إيرادها.
وهناك كلمات آخر على وزن مفعول مجموعة على مفاعيل من ذلك:
أ - مأثور ومآثير ومنه السيف المأثور وهو السيف الذي يقال أنه من عمل الجن، قال أبو تمام الطائي في (نفخ الأزهار ص 99):
قد كانت البيض المآثير في الوغى ... بواتر فهي الآن من بعده بتر
- مأكول ومأكيل في اصطلاح العامة بالعراق.
ج - مجروح ومجاريح (بمعنى الجريح في كلام العامة في العراق، وفي كتاب شريف أفندي العمري الموصلي المغتال سنة 1338هـ 1920م إلى الملك حسين بن علي ملك الحجاز سابقاً): (فطلبت المذاكرة مع القائد الإنكليزي لأجل أن نرفع المجاريح وندفن القتلى) (راجع تاريخ مقدرات العراق السياسية 1: 220).
- مجرور ومجارير في اللغة العامية المصرية بمعنى البالوعة.
ح - محبوب ومحابيب (كنز اللغة ص 255) وهو أسم مفعول من الحب.
د - مدلول ومداليل: مدلول اللفظ هو ما يفيده، قال السيد محمد باقر الموسوي(8/451)
الخونساري المتوفي سنة 1313هـ 1896م: (وتشخيص مداليك ما كانت هي الخ) (روضات الجنات في أحوال العلماء والسادات 4: 564).
ذ - مذبوح ومذابيح في كلام العامة في العراق.
ص - مصلوب ومصاليب (أي المقتول صلباً) في عرف العامة بالعراق.
ط - مطروح ومطاريح في اصطلاح العامة بالعراق وهو بمعنى الطريح.
- مطرود ومطاريد في كلام العامة في العراق وهو بمعنى المبعد.
ع - معذول ومعاذيل ذكره السيد محمود شكري الآلوسي في جواب الاستفتاء الوارد إليه (راجع لغة العرب 4: 14 وإعلام العراق ص 191): وهو بمعنى الملوم.
- معروف ومعاريف بمعنى المشهور: قال السيد محمد باقر الموسوي الخونساري: (بل أحبط ما أفرطوا فيه من تسمية الكتب المعاريف) (روضات الجنات (1: 1) وهذا الجمع شائع بين بعض فضلاء المستعربين ولا سيما عند عوام العراق.
ف - مفهوم ومفاهيم في اصطلاح علم المنطق وعلم أصول الفقه ويراد به ما يستفيده المرء من منطوق اللفظ، قال الشيخ جعفر بن خضر الجنابي النجفي المتوفي سنة 1243هـ 1827م في كتبه كشف الغطاء عن مبهمات الشريعة الغراء ص 28 (والمفاهيم كثيرة كما يظهر من أحوال المخاطبات في جميع اللغات).
ق - مقرود ومقاريد في كلام العامة في العراق إلا أنهم ينطقون بلقاف كافاً فارسية فيقولون مكرود ومكاريد، والمقرود المخدوع والمظلوم والمرزوء.
ك - مكبون ومكابين يقال للفرس القصير القوائم الرحيب الجوف الشخت العظام (القاموس في نادة كبن).
ن - منصور ومناصير علم رجل. قال الشريف الداودي في كتابه عمدة الطالب (ص 329 من طبعة لكنهو): (أما مالك بن الحسين بن المهنا فعقبه من عبد الواحد أبن مالك له عقب يقال لهم الوحاحدة وقد انقسموا على ساقين الحمزات ولد حمزة بن علي بن عبد الواحد المذكور والمناصير ولد منصور بن عبد الله بن عبد الواحد المذكور).(8/452)
وموقوت ومواقيت ذكره السيد محمود شكري الالوسي (راجع لغة العرب 4: 14 وأعلام العراق ص 191).
2 - ما يجمع على مفاعيل
أن مفعول (بالفتح) ومفعول (بالضم) ومفعال (بالكسر) ومفعال (بالفتح) ومفعيل (بالكسر) ومفعل ومفعل (بالتخفيف) ومفعل (بضم الميم وكسر العين) ومفعل (بكسر الميم وفتح العين) ومنفعل ومنفعيل ومفعلة (بفتح الميم وكسر العين) ومفعلة (بكسر الميم وفتح العين)
وفاعل ومفاعل وفعول وفعال ومفتعل ومفعلل كلها تكسر على مفاعيل كمشهور ومشاهير ومغثور ومغاثير ومصباح ومصابيح وميدان وميادين ومسكين ومساكين ومقيد ومقاييد ومسند ومسانيد ومضجر ومضاجير ومدقيس ومداقيس ومنسحق ومساحيق ومنجنيق ومجانيق ومعذرة ومعاذير وميضنة ومواضين وداعر ومداعير ومجالح ومجاليح ونسوف ومناسيف ومراد ومراريد ومؤتمر ومأمير ومقعس ومقاعيس.
وفي هذا المقدار كفاية لمن رزق الفهم والدراية.
سبزوار في 15 رمضان 1348:
محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) هذه القاعدة غير مطردة في جميع الأوزان المذكورة إنما مطردة في بعضها. ومسموعة في أوزان آخر وغير مقيسة في كثير منها، فما كان منها مقيساً يؤخذ به كان مسموعاً يبقى محصوراً في ما سمع منه. وما كان غير مقيس تراعي حقوقه.
نهر دجيل
ورد في (8: 325) من لغة العرب قول الأثري أرنست هرتسفلد: (لما تحولت دجلة عن مجراها في صدر خلافة المستنصر وغادرت مسيلها في أعيلي (حربي) لتجري في موطن نهر القاطول أبي الجند وهو مجرى دجلة اليوم شرع الخليفة في أعمال الكري ليسقي من جديد دياراً عطشى ومن أعماله نهر دجيل الحالي الذي حفره هو بلا أدنى شك وحفر أيضاً نهر المستنصر في أعلى حربي وبني القنطرة العظمى القريبة من حربي) اهـ. قلنا: أن قوله (دجيل الحالي) يفيد أن (دجيل القديم) غير دجيل الآن وبذلك يصح له أن ينسب حفرة إلى(8/453)
المستنصر بالله، غير أنه لم يذكر لنا مصدر هذا الحدث، والذي ذكره (ابن الطقطقي) في فخرية عن هذا الأمر قوله في المستنصر: (وله الآثار الجليلة مها - وهي أعظمها - المستنصرية وهي أعظم من أن توصف وشهرتها تغني عن وصفها ومنها خان حربي وقنطرتها وخان نهر سابس بأعمال واسط.
أما دجيل فنهر قديم وقد ورد في مادة (بغداد) من معجم ياقوت: (ومد المنصور قناة من نهر دجيل الأخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الأخذ من الفرات وجرهما إلى مدينته) وفي ص 11 من مناقب بغداد فقال (أي المنصور) تتخذ الساعة قني بالساج من باب خراسان حتى
تجيء إلى قصري، فمدت قناة من نهر دجيل الأخذ من دجلة وقناة من نهر كرخايا الأخذ من الفرات وجرهما (كذا) إلى المدينة) وفي ص 19 منه ما نصه: (وقد كان نهر يأتي من دجيل ويأتي إلى الحربية في قنوات) فهل من مطالع يميز لنا أحد الدجيلين المزعومين عن الآخر؟.
مصطفى جواد
أعلام (البستان)
علم الناس أن (البيتان) معجم الشيخ عبد الله البستاني معجم لغة، لكن ما معنى إدخاله فيه أعلام مدن ورجال ونساء. ثم لو فرضنا أن تدوينها في سفرة هو تنبيه الناس على ما يجب أن يعرفوه فلماذا أتخذ أسامي بعض الأعلام وترك أسامي أخرى؟ والذي نعلمه أن دواوين اللغة يجب أن لا تحوي إلا مفرداتها كما يفعل الغربيون. أما إذا أرادوا اتخاذ الأعلام فيفرزون لها ملحقاً خاصاً بها ويذكرون فيه سني الولادة والوفاة أو لا أقل من ذكر المائة التي طوى فيها الرجل أيامه وإذا ذكرت المدينة ينبه ثم على موقعها فلماذا لم يفعل المؤلف كل ذلك؟.
ب. ب. م
(لغة العرب) لا نعلم السبب وكان يجب عليكم أن تلقوا هذا السؤال على صاحبة حينما كان حياً لا علينا.(8/454)
أسئلة وأجوبة
الضامة والضونة
س - تبريز (إيران) - السيد. م ح. ك - هل كان العرب يتخذون ألقاب التعظيم للنساء والبنات وما كانت تلك الألقاب؟.
ج - كانت آداب العرب في منتهى السماحة وإذا كلموا رجلاً أو امرأة أرفع منهم مقاماً سموه باسمة مثلاً كانوا إذا كلموا ملكا من ملوكهم قالوا: يا نعمان (إذا كان اسمه نعمان) ويا حارث إذا كان أسمه الحرث إلى غير ذلك. وكذلك كانوا يفعلون إذا كلموا النساء والبنات. على أننا وجدنا في معاجم اللغة ألفاظاً تدل على ألقاب للتعظيم للرجال والنساء. أما للرجال فهي أكثر من أن تحصى. وأما للنساء فهي أقل منها. وقد رأينا بين هذه الألقاب ما يوافق مصطلح الإفرنج. فقد جاء في تاج العروس في مادة ض ي م: (ومما يستدرك عليه: الضامة: مخففة، الحاجة زنة ومعنى. ومنه المثل: (تأتي بك الضامة عريس الأسد، فسروها، بالحاجة وبالمرأة. وقالوا: هي من الضيم كما في أمثال الميداني، نقله شيخنا اهـ). والضامة بمعنى المرأة تظر إلى الفرنسية المعدلة عن اللاتينية والفرنسيون لم يستعملوها إلا بعد المائة الثالثة عشرة. أما قبل ذلك فكانوا يقولون والمثل العربي الذي ذكره التاج نقله عن الميداني. والميداني من أبناء المائة الثانية عشرة (إذ توفي 27 ت 1 سنة 1124م) أفأخذ الفرنسيون هذه اللفظة عن اللاتين (أي الرومان) أم أخذوها عن العرب لأن البروفنسيين (وهم أهالي جنوبي فرنسة) يقولون كالعرب والبزوفنسيون خالطوا العرب في تلك الأرجاء ردحاً من الزمن واقتبسوا منهم ألفاظاً كثيرة وعوائد شرقية فلا يبعد أن تكون هذه الكلمة من جملة تلك الأوضاع المستعارة من السلف.(8/455)
أما لقب الابنة فكان للعرب كلمة أخرى هي الضونة فقد جاء في العباب للصاغاني (ومثله في تاج العروس والقاموس وسائر كتب للغة): الضونة بفتح فسكون: الصبية الصغيرة، وهو يقابل الأسبانية أو ومعناها الآنسة أي والصاغاني ولد سنة 577هـ وتوفي في سنة 660 هـ فيرى من هذا أن استعمال السلف لهذين الحرفين بالمعنيين الشائعين اليوم في أوربة كان قبل استعمال الإفرنج لهما فإذا عاد الناطقون بالضاد إلى اتخاذهما فلا لوم عليهم ولا
تثريب إذ سبقوا سواهم في هذا الوضع ومراجعة الأمهات التي ذكرناها أثبت دليل على ما نقول.
إذن معنى الضامة ومعنى الضونة على أن الكلمتين العربيتين لا صلة لهما بالمواد العربية ولهذا نرجع أنهما من وضع الغربيين في الأصل ثم خففهما العرب عند تعريبهما ومن يخالف رأينا فليثبته لنا بالدليل البات الجازم ونشكره سلفاً على عمله.
ابن ماري أبو العباس
س - البصرة. م. ع - هل تعرفون شيئاً عن يحيى أبن المشهور بابن ماري أبي العباس؟.
ج - أحسن من ذكره أبن القفطي في كتاب تاريخ الحكماء إذ قال في (ص 360 وما يليها من طبعة الإفرنج): أبن ماري أبو العباس الطبيب النصراني المعروف بالمسيحي صاحب المقامات الستين، عالم بالطب والأدب، يطب بمدينة البصرة في زماننا أدركنا من روى عنه. فممن روى عنه في من أدركناه أبو حامد محمد أبن محمد بن حامد بن آلة الأصفهاني العماد رحمه الله. ورأينا من الرواة عنه البصري المعلم الحضي وكان يروي عنه مقاماته وكان للمسيحي هذا معرفة بالأدب صادقة وربما امتدح بالشعر أجلا الواردين على البصرة وكان أصله من (الطيب) من موضع يقال له (الدوير) وكان فاضلاً في علم الأوائل وعلم العربية والشعر يرتزق بالطب، وأنشأ وصنف المقامات الستين وأحسن فيها. وكان أبوه قد انتقل عن الدوير إلى البصرة وولد ولده هذا بها وتوفي أبو العباس يحيى بن سعيد بالبصرة لعشرة بقين من شهر رمضان سنة تسع وثمانين وخمسمائة(8/456)
(19 أيلول 1193م). ومن شعره في الشيب:
نفرت هند من طلائع شيبي ... واعترتها سآمة من وجومي
هكذا عادة الشياطين ينفر ... ن إذا ما بدت نجوم الرجوم أهـ
وذكرت لبن العبري في كتابه مختصر الدول (في ص 415 من طبعة بيروت) قال: وفي هذه السنة (أي سنة 589) توفي يحيى بن سعيد بن ماري الطبيب النصراني صاحب المقامات الستين، صنفها وأحسن فيها وكان فاضلاً في علوم الأوائل وعلم العربية والشعر يرتزق بالطب. ومن شعره في الشيب (البيتان).
وذكره ياقوت في كتابه إرشاد الأريب 7: 265 من طبعة مرغليوث فقال: يحيى بن يحيى
بن سعيد المعروف بابن ماري المسيحي من أهل البصرة كان كاتباً أديباً شاعراً عارفاً بالطب، عالماً بالنحو واللغة، متفنناً، وكان يتكسب بالكتابة والطب ويمتدح الأكابر والأعيان روى عنه جماعة من الأفاضل: منهم: أبو حامد المعروف بالعماد الكاتب الأصبهاني وغيره وصنف المقامات الستين أحسن فيها وأجاد وكانت وفاته بالبصرة في شهر رمضان سنة 589 ومن شعره:
نعم المعين على المروءة للفتى ... مال يصون عن التبذل نفسه. . .
وإذا رمته يد الزمان بسهمه ... غدت الدراهم دون ذلك ترسه
وله أيضاً:
لاموا على صب الدموع كأنهم ... لا يعرفون صبابتي وولوعي
كفوا فقد وعد الحبيب بزورة ... ولذا غسلت طريقة بدموعي
ثم ذكر البيتين اللذين ذكرهما أبن القفطي فكانا خاتمة كلامه عليه.
وقال أستاذنا محمود شكري الآلوسي حين أراد نشر هذه المقامات في مقدمة (أما بعد فقد أقدمت على نشر هذه المقامات وشرح الألفاظ الغريبة التي فيها لا قدمها لأخواني تذكاراً وأحياء لهذا الأثر النفيس الذي هو من احسن الكتب الدبية والطف الأسفار الفكرية العربية المسماة بالمقامات المسيحية لناسخ وشيها المفوف الزاهر، على منوال البلاغة وحائك بردها المطرف الباهر، بنير الفصاحة يحيى بن يحيى بن سعيد البصري الطبيب المسيحي أحد رجالات القرن السادس للهجرة ولا جرم فأن أحياء أثر الغابرين من احسن ما يتصدى له لما فيه(8/457)
من الفوائد التي ربما لا يجدها المستفيد في غيرها. فضلاً عن أهمية نشر الآداب وحسن تأثيرها على الأخلاق. لأنها قد تغرس حب الفضيلة بالنفوس وتطبع الرجولية في القلوب ولا سيما مثل هذا الأثر الذي طالما بحث عنه العلماء وبذلوا جهدهم وراء الحصول عليه فلم يسمح لهم الزمن برؤيته. وكنا نتمنى لو ظفرنا بنسخة من هذا الكتاب حتى عثرتا على الضالة المنشودة في إحدى خزائن الوقف في بغداد فأحببنا أن نتحف بها إخواننا لأنها من الطرائف النفسية والكنوز الثمينة. . .) اهـ.
وذكر أيضاً صاحب كشف الظنون قال: المقامات المسيحية لأبي العباس يحيى بن سعيد بن ماري النصراني البصري الطبيب. مات في رمضان سنة 589 نسج فيها من منوال
الحريري قال ياقوت: أجاد فيها. وقال الصفدي: ما أجاد ولا قارب الإجادة. أهـ
وكل من جاء بعد أبن القفطي نقل عنه عبارته باختصار والظاهر أن أبن القفطي نفسه يقف على المقامات بنفسه وكذلك قل عن أبن العبري وعن غيره ولو رأوها لذكروا منها شيئاً من شعره ونثره ولم يكتفوا بما روي عنه ودونك مقالاً من نثره (المقامة الخامسة والخمسون وتعرف بالسرنديبية أو ريحانة الناشق وسلوة العاشق حكى يحيى بن سلام قال: رحلت عن البصرة عام نحيت، براحلة ونحيت وفرس وجنيت، أقصد سرنديب، لأشيم أديب. فلم تزل تضمني الفلاة في ضميرها، وترضعني بظئرها، حتى علقت بنواصيها. وجريت في ميدان نواصيها، فمذ امتزجت بربربها توخيت دار الحاكم بها. فحين مثلت بحضرته، رشفت ضرب جدله ومناظرته، فبينما القاضي يرأب شعب الخصماء ويسد خلة الغرماء، ورد شيخ يعثر بخطاه قد أحد ودب مطاه وتلوه فتى قوي الشظاظ مشتعل الشواظ فما لبث الشيخ أن قال مقالة من أعال وعال) ودونك مثالاً من نظمه:
أفدي التي أسهر في حبها ... وجدا كما أسهرها حبي
تنهبها الأعين أني بدت ... فحجبها من خفيفة النهب
وسنانة الإلحاظ، معسولة ال ... ألفاظ تبدو نزهة القلب(8/458)
ما لاط بي كرب وضاق المدى ... إلا وكانت فرجة الكرب
صفحت فأضحى حبها خالصاً ... محض الصفا في البعد والقرب
فيرى من هذين المثالين أن ابن ماري كان يجيد الصناعتين وأن الذين قالوا: (ما أجاد ولا قارب الإجادة) لم يطلعوا على شيء مما وشته يراعته بل تكلموا عن سماع.
أما سبب (ماري) في نسبة فهو لأنه كان نسطورياً والنساطرة كثيراً ما اتخذوا اسم ماري لأولادهم تفاؤلاً باسم الرسول الذي بشر بالنصرانية في ديار العراق وكان تلميذاً للقديس أدي وأدي كان أحد تلاميذ المسيح الاثنين والسبعين.
وتلفظ ماري بفتح الميم يليها ألف فراء وياء مشدودة في الآخر. وصاحب كشف الظنون ذكره باسم هاري بهاء في الأول. وهو خطأ ظاهر.
هذا مجمل ما يقال في هذا الرجل. وربما عدنا في فرصة أخرى إلى وصف المقامات المسيحية مرة ثانية. التي عندنا منها نصف نسخة لا غير.
ترجمة التوراة إلى العربية نقل اليسوعيين
س - طنطا - ي م هل التوراة التي عني بتعريبها الأباء اليسوعيون في بيروت خالية من الغلط؟.
ج - ترجمة التوراة للأباء أليس وعيين حسنة الطبع والضبط والورق لكنها لا تخلو من أغلاط متنوعة وأحسن منها التوراة التي طبعها الأباء الدمنكيون في الموصل. ثم تليها في الجودة التوراة المطبوعة في رومة. وأما أسقم ما نشر منها فتوراة الأميركيين في بيروت فأنك لا تجد فيها عبارة صحيحة ولا تكاد تفهم منها شيئاً أن نظرت إلى ما فيها إذ هي خالية من مناحي العرب نعم يقال أن الشيخ يوسف الأسير والشيخ إبراهيم الأحدب والمعلم بطرس البستاني والشيخ ناصيف اليازجي عنوا بتصحيح عبارتها لكن ذلك كله لم يغير شيئاً من سقم البعارة وإغلاقها وفساد تركيبها وتعقيدها، ولا بد من أن نبسط ذلك في مقالة طويلة أن أتسع لنا المجال.(8/459)
باب المشارفة والانتقاد
كل من يشتري كتبا على نفقته ويهديها إلى مجلتنا طالباً نقدها فإننا نلبي تنبيه طلبة وإن أبى مؤلفوها لأن غاية النقد تفليه المطبوعات وتخليص ما فيها من الشوائب. وقد أهدى إلينا جماعة من الفضلاء تصانيف عديدة ننقدها شيئاً بعد شيء ونرمز إليها بقولنا (هدية) بجانب اسم الكتاب.
88 - كليلة ودمنة (هدية)
عني بضط غريبة وتفسير مشكلة وبيان ما فيه من أسماء الحيوان والطير محمد محسن نائل المرصفي طبع في مصر سنة 1927
أهدى إلينا أحد الأفاضل هذا التأليف القديم الحديث الطبع وطلب إلينا أن نقول عنه كلمة في مجلتنا.
قلنا: الكتاب جليل الفائدة وقد ألبس حلة بهية من الطبع إلا أن الذي يشوهه سوء تفسير بعض الألفاظ المتعلقة بالحيوان أو الطير جارياً فيها على الأسلوب القديم العقيم الذي لا بد من أن يدفن مع من دفن من أصحابه القائلين به فقد ذكر مثلاً ص 31 القبرة بقوله: على وزان سكرة: نوع من العصافير، فهذا تعريف لا يفيد فائدة ولا يعرفنا بهذا العصفور فلو قال مثلاً: (طويئر من مخروطات المناقير كثير الوجود في الحقول ولون ريشه أربد) لكان أبين.
وقال عن اليراعة (ص 145): (طائر صغير يكون كسائر الطيور إذا كان النهار إذا جاء الليل رايته كالشهاب الثاقب) يظهر من هذه العبارة أن الشارح لم ير هذا الخلق ولم يعرفه فاليراعة ذبابة تطير اسمها بالفرنسية: وهي من الغمدية الأجنحة (أي العجانس) يضيء مؤخرها في الظلام في فصل الربيع. - وقال عن الشعهر: (لم أعثر لهذا اللفظ على معنى، لا (كذا ويجب حذفها هنا) في معجمات اللغة ولا في معجمات الحيوان التي استطعت البحث فيها، غير أنني رأيت ما يقرب من ذلك ولعله الحقيقة ذلك هو لفظ الشغبر بشين مثلثة وغبن معجمه وباء موحدة بعدها راء ويفسره الثقاب بابن أوى (ص166 م) قلنا: أصاب حضرته في تعيين معنى اللفظ. والكلمة هي بالفهلوية أي الفارسية القديمة. ونقلها
بصورتها الأرميون. وجاءت مصحفة في بعض الكتب الخطة العربية وبصورة شعهر وشغبر وزغبر وأحسنها الأوليان. وهناك غير هذه الأوهام العلمية فاجتزأنا بما ذكرنا داعياً إلى أن يدفع الشارح هذه الأوضاع إلى من يعرف معانيها، ليكون كتابه خير أداة في أيدي الطلبة.
89 - جني الجنتين في تمييز لمثنيين (هدية)
تأليف محمد أمين بن فضل الله المحبي المتوفي في عام 1111هـ، عنيت بنشره مكتبة القدسي والبدير في دمشق.
كتاب بقطع الثمن طبع في مطبعة الترقي بدمشق عام 1348 في 172 ص وهذا السفر الجليل مطبوع عن نسخة المرحوم السيد عبد الباقي الحسني الجزائري مقابلة بثلاث نسخ من الخزانة التيمورية ومنها تعليقات مأخوذة من مقال للأستاذ المرحوم المحقق أحمد تيمور باشا في المثنيين (مجلة المجمع العربي 4: 4) وتعليقات منقولة من هوامش النسخ التيمورية وتعليقات موجزة زادتها المكتبة ناشرة (الجني) وأكثرها مأخوذ عن ياقوت الحمو يفي معجم البلدان فأنت ترى من هذا البسط أن الكتاب لغوي جليل لا يستغني عنه من يعني يمعرفة محاسن لغته العدنانية.(/)
90 - التطفيل (هدية)
وحكاية الطفيليين وأخبارهم ونوادر كلامهم وأشعارهم للحافظ المؤرخ، أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب البغدادي، المتوفي سنة 463هـ (طبع 1246 في 108 ص بقطع الثمن الصغير).
هذا الكتاب وأمثاله من أنفع الأسفار التي تطلعنا على عيشة الناس الذين قضوا أيامهم في عهد المصنف فهي أصفى مرآة تتجلى فيها حقائق الخلق والكتاب يزداد قيمة كلما كان واضعه من جلة الكتبة كما هو الأمر في (التطفيل) وهذه النسخة مأخوذة عن نسخة كانت للشيخ عبد القادر بدران وعورضت بنسخة أخرى مصورة ترى في الخزانة التيمورية الثمينة بكنوزها الأدبية النادرة.
91 - الطب الروحاني (هدية)
للعلامة الحافظ جمال الدين الفرج عبد الرحمن بن الجوزي، المتوفي في بغداد سنة 597هـ في 54 ص بقطع الثمن الصغير.
سعت بنشرة المكتبة السابقة الذكر وهي رسالة جليلة في تهذيب الأخلاق وسمعة صاحبها تكفي لدفع الناس إلى اقتنائها.
92 - أخبار الحمقى والمغفلين (هدية)
للعلامة ابن الجوزي المذكور آنفاً. نشر مكتبة القدسي والبدير، طبع في دمشق في 172 ص بقطع الثمن.
قوبلت هذه الطبعة بنسخة الخزانة الظاهرية وعورضت بنسخة الأمير شكيب أرسلان. وفي مقدمته محاضرة الأستاذ الشيخ عبد القادر المغربي عضو المجتمع العلمي العربي عن هذا الكتاب وهو جزيل المنفعة للسبب الذي ذكرناه عن كتاب التطفيل ومطالعته تشحذ الذهن وتجم النفس التعبة من الأشغال هذا فضلاً عن حسن سبك العبارة وإفراغها في قالب شائق بديع.
93 - أخبار الظراف والمتماجنين (هدية)
تأليف أبن الجوزي المذكور آنفاً، في 106ص بقطع الثمن الصغير ونشر مكتبة القدسي والبدير في دمشق الشام.
هذا من طرز كتاب التطفيل وأخبار الحمقى والمغفلين فالذي يقتني الكتابين الأولين يقتني بحكم الضرورة هذا التصنيف الذي هو صنو ذينك المؤلفين.
94 - الفرات (صحيفة بغدادية)
جريدة يومية سياسية عامة لصاحبها ورئيس تحريرها محمد مهدي الجواهري بدل الاشتراك فيها 25 ربية عن سنة كاملة ويضاف إليه أجرة البريد في الخارج
ظهر العدد الأول منها نهار الأربعاء 7 مايس من هذه السنة أي في 8 ذي الحجة من سنة 1248 ولما منشئها من أبناء العراق الغير أملنا فيه أن يعالج معسرات الأمور على أحسن وأقوام طريق وأسد أسلوب.
وفي ذيل الصفحة الأخيرة من هذه الجريدة تعريب كتاب كان وضعه الميجر صون عن
كردستان إلا أن أغلاط الأعلام وأوهام النقل تشوه محاسن هذه (المذكرات) فعسى أن يعتني بتصحيحها لتكون (أفخر طعام في أنظف صحن).
95 - إتحاف الفاضل بالفعل المبني لغير الفاعل (هدية)
لمحمد علي بن علان الصديقي المتوفي عام 1057هـ
هذا اسم كتاب لصاحبه الصديقي وقد عنيت بنشره مكتبة القدسي والبدير مع رسالة أخرى اسمها رسالة في الكلام على ألفاظ عشرة بكثر دورانها: فضلاً أيضاً. . . لعبد الرحمن بن أحمد الصناديقي الدمشقي المتوفي عام 1146هـ. والكتاب الأول في 43ص بقطع الثمن الصغير والرسالة في 7 صفحات بالقطع المذكور. ونحن نشكر للقدسي والبدير صاحبي المكتبة المسماة باسمهما عنايتهما بنشر كتب الأدب والتاريخ واللغة للأئمة الأقدمين.(/)
على أننا تحققنا ونتحقق أن لا يجوز طبع المؤلفات اللغوية ما لم يتول تصحيحها أناس متفرغون لتلك المباحث وإلا فأن عني بها كل ذي يراعة مرضوضة أو مكسورة فلا ينتظر من ذلك التعميم بالطبع إلا بث المفاسد في هذا اللسان البديع المحاسن.
وقد تبينا أيضاً أن صاحب الإتحاف نفسه لم يكن راسخ القدم في ما نفعله عن شيوخ اللغة فأن تصنيفه هذا مجموعة مضرة لما دسه فيها من الأغاليط الظاهرة لكي ذي عينيين.
ونحن لا نريد أن نضيع وقتنا في تفليتها صفحة صفحة لما يتطلب هذا العمل من المشقة والعناء إنما نوجه عنايتنا إلى صفحة من صفحاته وهي ص 21 ليتضح للقارئ أننا لا نتهم المؤلف بالباطل ولا الناشرين لرسالة بأمر فري.
وأول شيء يتبادر الذهن إليه أن الصديقي لم يدون في رسالته من الأفعال المبنية للمجهول إلا ثلاثة أما المزيد عليها فلم يذكر منها إلا شيئاً نزراً لا يكاد يعد شيئاً مذكوراً. مع أن الأفعال المزيد فيها المبنية على ما لم يسم فاعله كثيرة يتقوم من جمعها رسالة.
ثانياً: حينما يورد فعلاً بصيغة المجهول لا يذكر معانيه في أغلب الأحيان إلا مؤدي واحداً ويسكت عن سائر مدلولاته. مثال لك أنه نقل في ص 21 لردع مجهولاً معنيين وهما تغير لون الرجل ووجع جميع جسده. ونسي أن ينقل لنا معناه لآخر وهو الصرع فكان يحسن به أن يسرده لنا.
ثالثاً: لم يضبط لنا المؤلف بعض الكلم التي يحتاج القارئ إلى معرفة لفظها لا ضبط قلم
ولا ضبط كلام. فقد قال مثلاً في ص 21: وربع الإنسان كعتي إذا كان قده وسطاً فهو ربعة وربع ومربوع ولم يضبط لنا اللفظتين الأوليين فكان يحسن به أن يقول ربعة كقلعة وربع كمجد ويفتح الثاني فيقال فيه كجمل.
رابعاً: في بعض عباراته شيء من الإبهام أو العجمة فقد قال في تلك الصفحة: ربعت الأرض والقوم على بناء ما لم سما فاعله. صاروا في الربيع قلنا: فإلى من يرجع ضمير (صاروا) أفلو قال مثلاً: ربعت الأرض مطرت في الربيع والقوم. . . صاروا في الربيع. أما كان أوضح وأجلى؟.
خامساً: ذكر لنا الصديقي أفعالاً لا يعرفها أصحاب اللغة، فقد قال مثلاً في تلك الصفحة: (رجف الإنسان بالجيم والفاء كمني: لم يشعر بجنون عرض له: قاله أبن طريف وأبن القوطية) اهـ. ونحن لم نجد أحداً من أرباب المتون يصرح بهذا المعنى. وذكر لنا أيضاً في تلك الصفحة: رعر الرجل بالعين المهملة والراء كعني: غشي عليه اهـ. وهذا الفعل ليس بعربي ولا وجود له في أي لغة كانت. ولا جرم أن في روايته تصحيفاً والأصل رعن بنون في الآخر.
سادساً: وقع في الرسالة من التصحيف أنشنيع ما لا يخطر على بال. فقد قال في تلك الصفحة - ونحن لا نريد أن نخرج منها -: الرماع كغراب وهو وجع يعرض في ظهر الساق حتى يمنعه من السعي. فالظاهر من هذا التعبير أن لا غبار عليه ولا على معناه. والصحيح هو هذا: الرماع وهو وجع يعرض في ظهر الساقي حتى يمنعه من السقي. فأين هذا من ذاك.
سابعاً: من غرائب صاحبنا المؤلف أنه يفسر شيئاً بفعل من الأفعال وهو لا يتعرض له في موطنه. فقد قال مثلاً رجي بالجيم والمثناة التحتية كعني: أرتج عليه. وهو في حرف الراء هذا لا يذكر لنا ارتج عليه.(/)
ثامناً: ذكر المؤلف الأفعال المجهولة الصيغة وبوبها تبويباً حسناً وسردها فيها شيئاً بعد شيء. وينتظر من عمله هذا أنه ذكر في الحرف الواحد كل ما ورد من الأفعال المصوغة تلك الصيغة والمبتدئة بالحرف الذي عنون به الفصل أما الواقف على ما في المعاجم يجد قصورا في إيرادها إذ كثيراً ما يتحقق أن المؤلف نسي من تلك الأفعال. ونحن نذكر هنا ما
فاته من الأفعال في حرف الراء ليقيس عليه القارئ جميع ما ورد من هذا القبيل في سائر الحروف إذ كلها ناقصة تحتاج إلى إعادة النظر في ما عدد منها وكان يحسن بالناشرين أن يوسدوا العمل إلى لغوي ضليع ليسد الثملة التي تبدو كل مترو، فمن الأفعال المنسية وكلها مبنية للمجهول ما يأتي:
(رئيس) الرجل: شكا رأسه. (أرتب) العنب من بابا الأفعال مجهولاً طبخ حتى يكون ربا يوتدم به (ارتج) المتكلم من باب الأفعال و (ارتج) و (استرتج) وكلها مبنية لما لم يسم فاعله: أستغلق عليه الكلام كأنه أطبق عليه و (رتي) في ذرعة: فت في عضده. و (أرتث) من باب الافتعال: حمل من المعركة جريحاً وفيه رمق فهو مرتث. و (رثدت) القصعة بالثريد جمع بعضه إلى بعض وسوى. و (رحض) المحموم أخذته الرحضاء (أي العرق) فهو مرحوض و (أرجفت) الأرض: زلزلت (ورحمت) المرأة جاءت بصيغة المجهول في جميع كتب اللغة وأن لم يذكرها الصديقي، وذكر (ردت) المرأة بتشديد الدال وفسرها بقوله: طلقت قاله أبن القوطية. ولم يبين لنا معنى طلقت إذ لم تضبط بالشكل الكامل ولا بالكلام، والصواب أن معناها طلقت من الطلاق لا من الطلق و (ردم) الشيء مجهولاً لفق بعضه ببعض، (وأردي) الرجل أثقله المرض. و (رصدت الأرض أصابتها الرصدة وهي الدفعة من المطر فهي مرصودة. (ورصفت) أسنانه: تصافت في نبتها وانتظمت وأستوت. و (رضي) عنه: قبل وحصل ثوابه ومعيشته كانت راضية. ورطم) البعير: احتبس. و (ارعد) الرجل: أخذته الرعدة والكثيب أنهال فهو مرعد كمكرم. و (رعن) الرجل إذا غشي عليه فهو مرعون. و (رفع) له الشيء: أبصره من بعد (ورغثت) المرأة اشتكت رغثاءها. ورغت الرجال كثر عليه السؤال حتى نفد ما عنده فهو رغوث. و (رفه) عنه من الترفية: أزيل وازيح عنه الضيق والتعب. و (ارقف) الرجل من الارقاف: أرعد من البرد و (ركب) الرجل: شكا ركبته. و (ركض) الفرس فركض هو أي عدا فهو راكض وركوض و (أركت) الأرض من الاركاك: أصابها الرك وهو المطر القليل الضعيف، وكذلك (رككت) من التركيك. و (رمي) في جنازته: مات لأن الجنازة تصير مرمي فيها. (ورنح) عليه من الترنيح: غشي عليه أو اعتراه وهن في عظامه ورنح به: إذا أدير به كالمغشي عليه. و (ريع) فلان: فزع، و (روق) البيت من باب التفعيل جعل له رواق و (رين) به: مات ووقع
في غم وانقطع به ووقع في ما لا يطيق الخروج منه ولا طاقة لهبه.(/)
فالمؤلف ذكر لنا ستة عشر فعلاً مبنياً للمفعول في حرف الراء. ونحن زدنا عليها واحداً وثلاثين فعلاً ونحن لا ندعي بالإحاطة. فلا شك أن هناك غير هذه الأفعال التي لم تخطر ببالنا فمن هذه العجالة يرى القارئ أن الكتاب معيب من عدة وجوه فلا بد من تدقيق النظر في الدواوين اللغوية قبل أن تدفع إلى الطبع لتكون سالمة من العيب بقدر ما في الطاقة. ولا يكلف الله نفساً إلا وسعها.
96 - مباحث في فجر النحو (هدية)
-
أشترى لنا هذا الكتاب أحد الأدباء وطلب إلينا أن نقول كلمتنا فيه وهو يقع في 481 ص بقطع الثمن ومن الأسفار التي عنيت (شركة علم اللسان الباريسية) بنشرة وهو المجلد الرابع عشر مما أبرزته إلى اليوم وعبارته فرنسية يفيد كل من يريد أن يتفرغ لدرس الألسنة ومقابلتها باللغات الهندية الأوربية (اليافثية) والحامية السامية ومؤلفة مدرس اللغة اللاتينية ومعارض النحو بعضه ببعض في جامعة بردو (في فرنسة) وقد نال صاحب عليه (جائزة فلني) وكلله معهد العلماء في باريس وقد طبع بعناية ناشره في رصيف ملاكي وبالفرنسية 5. في باريس في سنة 1924.
ولم نطلع هذا المصحف بأسرة لكنا وقفنا على عدة صفحات منه فوجدنا المؤلف يسايرنا في كثير من آرائنا وأفكارنا بخصوص الوفاق الذي يرى بين العربية واليافثية في ألفاظ كثيرة وقد أشرنا قبل نحو من أربعين سنة إلى هذا الأمر فوجدنا هذا الأستاذ يوافقنا في كثير مما أبديناه وأن لم تكن مواقع آرائه أو مواقفها في الألفاظ والمصطلحات التي أوردناها. فقد عرف شيئاً ودرينا شيئاً آخر. إلا أن البارز في ما صرح به وهو ما جهزنا به مراراً أي أن بين العربية واليافثية (أو الهندية الأوربية) أشباها ونظاهر لا يمكن أن تنكر.
وكتابة هذا الجليل يقع في خمسة فصول نذكر هنا عنوان الفصلين الأولين منها: الفصل الأول: أسماء العدد وأسماء القربى في اللغات الهندية الأوربية والحامية السامية. الفصل الثاني: صيغة أسم العدد (أربعة) في المصرية القديمة وفي لغات آخر أفريقية وفي اللغات السامية. فيرى القارئ أن الرجل لا ينكر وجود المجانسة بين أسماء الأعداد في اللغات
اليافثية والسامية ولا سيما في العدد الدال على (أربعة) فأين بقي زعم من أنكر علينا هذه المجانسة الواضحة في ألفاظ كثيرة عثرنا عليها في تحقيقاتنا وأين بقيت مزاعم المرحوم جبر ضومط والأستاذ الباكوي ومن لف لفهما وأقاموا القيامة علينا لمحاولتنا إثبات هذه الحقيقة التي ذكر لها شواهد عديدة صاحب (فجر النحو).
أننا لا ندعي أن المؤلف أستمد شيئاً مما كتبناه قبل عشرات من السنين لأننا سبقنا فقلنا أن ما تعرض له من الأوضاع غير ما ذكرناه من الألفاظ وأن كانت النتيجة واحدة فهو اشتغل بطائفة منها ونحن عنيناً بفئة منها. فبلغنا كلانا الغرض من غير تواطؤ، إلا أننا سبقناه بعشرات من السنين وهو جاء بعدنا. ولعلنا في ما يأتي من المباحث اللغوية نستشهد أقواله لنثبت بها آراءنا إسكاتا لأولئك الشعوبيين الذين ينكرون على الناطقين بالضاد كل ما يمت بشيء من النسب إلى بعض الكلم في لغتنا.
على أننا نأخذ على المؤلف بعض أمور منها: أنه لم يذكر في كتابه ما اصطلحت عليه أفكاره من الحروف التي تصور بعض الأصوات السامية والفارسية والهندية والأوربية والمسألة مهمة لأن الذي يقتني تأليفه ولا يقتني غيره يرى نفسه في عالم غريب لا يعرف منه شيئاً.
ثانياً فيه تكرار بعض الآراء وكان يكفيه أن يشير إلها في الحواشي من(/)
غير أن يضخم تصنيفه.
ثالثا يستند إلى بعض المؤلفين الضعيفة في نقل بعض الألفاظ العربية. فقد قال مثلاً في ص 74 ما هذا معناه بحروفه: (وفي أسم آخر عربي فصيح من أسماء الأرملة: (أجالة) وفي الكلمة أصل هو (أجل) وقد فئم الثنائي (جل) بهمزة في الأول. ومعنى (جل) (جرد) (بالمجهول المضعف)) اهـ. قلنا: ليس في لغتنا العربية فصيحها وعاميها كلمة (أجال) (بتشديد الجيم) أو أجالة (بمعنى أرمل وأرمل) إنما الكلمة من بلاد البربر في بلاد المغرب فكيف جوز لنفسه أن يقول هذا القول؟. وأين وجد أن اجالة بمعنى أرملة فصيحة؟. وكيف خرجها بعد ذلك على وجه هو (الجل) وقال معناه التجريد؟ تلك أمور لا نفهمها ولا ندري من دهوره في هذه الهاوية البعيدة القعر.
رابعاً كثيراً ما يجهل الألفاظ العربية المقابلة للكلم اليافثية ففي ص 59 مثلاً يقول: (يرى
في الهندية الأوربية من الديار الشمالية الغربية كلمة ومعناها (السمكة) في معناها المطلق. . .) فلو درى العربيات المقابلة لها لذكر (الفسيخ) المولدة في لغتنا وتعني كل سمك صغير مملح. والكلمة معروفة في الثغور الحجازية إلى عهدنا هذا وكذلك في الثغور الشامية ولا جرم أنها من اللاتينية وعند العراقيين ضرب من السمك ضخم لا حسك فيه بل فيه عظام يكون في الفراتين وأسمه البز (بكسر الباء وتشديد الزاي) ويسميه الإفرنج عندنا أي سمك طوببا وهو من الرومية أيضاً أما الكلمة العربية المشابهة للاتينية فهي بياح (كشراع) وبياح (كشداد) وهو سمك صغار أمثال شبر وهو أطيب السمك والكلمة تنظر إلى الرومية المذكورة سمك أن الباء الموحدة التحتية كثيراً ما يكون بازائها في لغات الغربيين الباء المثلثة التحتية - والحرفان المزدوجان يقابلان في أغلب الأحيان الحاء ومثل هذا الجهل - جهل الألفاظ العربية المقابلة للكم الغربية - شيء كثير. مما يدل على أن الغربيين لم يوغلوا في درس لغتنا كل الإيغال وهم - على ما هم عليه من قلة هذه البضاعة العربية - لم ترسخ فيها أقدامهم إلا أننا نعتقد أن مداركة بحثهم في اللغات على أصول وأحكام وقواعد مقررة تسوقهم إلى وصولهم(8/468)
إلى الضالة المنشودة وهناك غير هذه المعايب يطول ذكرها.
على أن هذه الأمور لا تطعن بما في هذا السفر الجليل من الفوائد فلا جرم أنه من احسن ما يمكن أن يطالع في هذا الموضوع.
97 - التذكار المئوي لظهور الأيقونة العجائبية للمكرمة
كاترين لابورة راهبة المحبة (1830 - 1930)
تأليف الأب يوسف علوان اللعازري، طبع بالمطبعة الكاثوليكية في بيروت 1930 في 24 ص بقطع 12.
هذه لمعة تاريخية حسنة في هذه الأيقونة مسبوكة العبارة العربية كأنها الذهب البريز فنوصي المسيحيين باقتنائها ومطالعتها.
98 - الحث على التجارة والصناعة والعمل (هدية)
لأبي بكر أحمد بن محمد بن هرون الخلال المتوفي في عام 311هـ.
هذه الرسالة من منشورات مكتبة القدسي والبدير وهي 35 ص بقطع الثمن. ومفيدة لمن
يريد أن لا يتكل إلا على الله وحده ولا يريد أن يسعى بنفسه تبريرا لكسله.
99 - الفلك المشحون في أحوال محمد بن طولون (هدية)
لحافظ الشام ومؤرخة في القرن العاشر شمس الدين محمد بن علي بن أحمد بن طولون الصالحي الدمشقي الحنفي عام 953هـ.
رسالة في ترجمة أبن طولون وقد عني بطبعها القدسي والبدير منقولة عن مبيضة المؤلف وهي في 54 ص بقطع الثمن الصغير وقد نرجم أبن طولون نفسه وعدد مؤلفاته فذكرها على حروف المعجم فوقعت أسماؤها في 23 صفحة وعمت مواضيعها جميع العلوم والفنون وأنواع المعارف البشرية من قديمة وحديثة إلى زمن المؤلف ولو فرضنا أن كل صفحة حوت - على أقل تقدير - أسامي ثلاثين كتاباً من مصنفاته فيكون مجمل ما ألفه أبن طولون ما يناهز 700 كتاباً أو رسالة. ومع كل ذلك نرى في عبارته من السقم والركاكة ما يدل على مبلغ تلك المدونات. وعلى كل حال فالترجمة هذه مفيدة لمن يريد من العلماء العصريين درس عقلية بعض الرجال من الأقدمين.(8/469)
100 - الشمعة المضية في أخبار القلعة الدمشقية (هدية)
لابن طولون المذكورة ومن نشر مكتبة البدير والقدسي
وهي في 28 ص بقطع الثمن جزيلة الفائدة للوقوف على أخبار قلعة دمشق الشهيرة في التاريخ.
101 - المعزة فيما قيل في المزة (هدية)
لابن طولون المذكور ومن نشر القدسي والبدير أيضاً
المزة بكسر الأول وتشديد الزاي قرية من غوطة دمشق وهي من احسن قراها. وهذه الرسالة موقوفة على تعريفها وأخبارها وهي في 26 ص بقطع الثمن ومما لا يستغني عنها محبو تاريخ الشام.
102 - تبييض الطرس بما ورد في السمر ليالي العرس
(هدية)
لابن طولون المذكور ولناشريها القدسي والبدير
كراسة صغيرة في 7 صفحات بقطع 16 لا تخلو من فائدة لغوية وأدبية.
103 - خمسة أعوام في شرقي الأردن
بقلم الارشمندريت بولس سلمان، طبع بمطبعة القديس بولس في حريصا سنة 1929 في 286 ص بقطع الثمن.
آداب الأعراب وأخلاقهم واحدة في جميع الربوع التي يحتلونها. ومع وحدتها هذه لا ترى من كتابها الأقدمين والمعاصرين من بوب أبوابها لتسهل على من يراجعها الوقوف عليها ولا سيما لم نر من أجاد تنسيقها على المناحي العلمية العصرية وقد ألف حضرة الارشمندريت هذا السفر الجليل وأحكم فيه وصف أخلاق العرب وعاداتهم وآدابهم عجيباً ولهذا أصبح اقتناء كتابنا وأدائنا له من أفرض الفرائض لأن بلادنا هذه بلاد عربية وفيها عشائر كثيرة مختلفة السكنى ومن الواجب أن نعرف أساليبهم في الحل والترحال ومن مميزات هذا التأليف البديع أنه حوى مباحث أخلاقية وقضائية ودينية وزينة صاحبه بالتصاوير البديعة عبارته صياغة تحبب قراءته ثم بث في مطاوية قصصاً وحكايات وروايات مما جعله أنيساً لكل أديب وأديبة أيا كان تخصصه فعسى(8/470)
أن يقتنيه أبناء العراق على اختلاف طبقاتهم وأخص بينهم أصحاب الصحف والتاريخ والباحثين عن الأعراب إلى غيرهم. ومن أراد اقتناء فليراجع إدارة هذه المجلة أو حضرة الخوري مكسيموس حكيم في محلة الكنائس في بغداد وثمنه 3 ربيات.
104 - ميامر ثاودروس أبي قرة أسقف حران
أقدم تأليف عربي نصراني، عني بطبعه الخوري فسطنطين الباش أحد رهبان دير المخلص وطبع في بيروت.
يظن أن ثاودروس أبا قرة من أبناء المائة الثامنة للمسيح وأنه عرف القديس يوحنا الدمشقي وقد وضع هذا التأليف ليفند به آراء النساطرة واليعاقبة وموحدي الإرادة في المسيح، وهو من أجل التصانيف الدينية القديمة وعبارته محكمة السرد والحبك وكان بعض النساخ قد أفسدوه بما أدخلوا فه من بعض التراكيب التي لم يفهموها فأعادها إلى نصابها حضرة
الخوري قسطنطين الباشا وهو من الرهبان المعروفين بحرصهم على آثار السلف لمولعين بنشر ما لهم من المآثر الجليلة. ولهذا جاء طبعه لهذا السفر من احسن ما يخلد به ذكره. وقد وقع في 200 ص بقطع 12 فعسى أن يروج بين محبي آثار السلف ويقتنيه أدباء المسيحيين لما فيه من الآراء السديدة المطبوعة بطابع العلم والتحقيق.
105 - الثروة
جريدة تنشر في دمشق وتطبع بمطبعة الطرائف
لم يتيسر لنا أن نعرف أهي أسبوعية أم يومية والعدد الذي وصل إلينا هو السابع من السنة الأولى. وقد ظهر في شهر نيسان (ولم يعين اليوم منه) من سنة 1930 فعسى أن يكتب لها السلامة بعمر طويل.
106 - بيان قدامة بن جعفر
رسالة في 16 ص باللغة الروسية للمحقق الأستاذ أغناطيوس كراجكوفتسكي وقد بين فيها منزله الكاتب العربي ومقامه من البلاغة فهي من أنفس ما يعالج(8/471)
في هذا الموضوع.
107 - تبيين الكذب المفترى فيما إلى الإمام أبي الحسن
الأشعري
تصنيف أبن عساكر الدمشقي المتوفي سنة 571، عني بنشرة القدسي وهو في 458 ص بقطع الثمن.
طبعت هذه النسخة عن نسخة السيد عبد الباقي الحسني الجزائري ونسخة الخزانة الفيضية في الآستانة والنسخة النورية في القاهرة مع المقابلة بنسخة الخزانة التيمورية وفي آخر الكتاب فهارس أعلام الرجال وفي مطاويه تراجم عدة رجال من الأقدمين فهو سفر ثمين لما حوى من الفوائد التاريخية والحقائق الدينية وتراجم كثير من العلماء
108 - كتاب مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين (هدية)
تأليف الإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتوفي سنة 324، الجزء الأول في الجليل من اللام عني بتصحيحه ونشره: هـ. ريتر في 300 ص بقطع الثمن الكبير طبع في
استنبول بمطبعة الدولة سنة 1929.
كل من صنف في الأديان والفرق والمذاهب اعتمد كتاب الملل والنحل للشهرستاني. والشهرستاني هذا ورد هذه الشرعة في كل ما أجاد تفصيله عن الفرق الإسلامية ولا سيما الفرق القديمة ونسخة كتاب الاشعري أصبحت أندر من الكبريت الأحمر وقد وفق صديقنا هـ. ريتر للحصول على خمس نسخ منه في عدة مواطن وقابل الواحدة بالأخرى كما يرى ذلك من الحواشي المطرزة بها جميع صفحات هذا السفر الجليل فجاء من أفخر ما يقتني للوقوف على الفرق الدينية. وأبو الحسن الاشعري لم يتعرض إلا للبحث عن الفرق الإسلامية لا غير وهذا الجزء الأول يبحث عن (الجليل من الكلام) ويرصد الجزء الثاني (للدقيق من الكلام) وقد كابد الأمرين لإخراج هذا السفر بهذه الصورة البديعة، ولا جرم أن هذا الديوان الجليل يكون من أمس الأسفار لمن يريد أن يعالج موضوع المذاهب في الديار الإسلامية.(8/472)
109 - المتوكلي (هدية)
في ما ورد في القرآن بالحبشية والهندية والفارسية والتركية والزنجية والنبطية والقبطية والسريانية والعبرانية والرومية والبربرية وهي للسيوطي. وفي آخرها رسالة في أصول الكلمات في اللغة له أيضاً.
هذه رسالة لواحد من أكابر علماء الإسلام وهو يذكر ما في بعض الآيات من الألفاظ الداخلية، والوقوف عليها يفحم أولئك الذين ينكرون ورود كلم أعجمية في اللغة العدنانية فليراجعوها ليستفيدوا منها.
110 - نظام الغريب
إملاء الشيخ الأديب عيسى إبراهيم بن محمد الربيعي استخرجه وصححه الدكتور بولس برونلة، طبع بمطبعة هندية بالموسكي بمصر في 311 ص بقطع 12 مع فهرسين.
نشر كتب اللغة للأقدمين من أنفع الأعمال لأننا نرى بها سير اللغة مع الزمن لكن لا يتم نفعها إلا إذا تولى إصلاح ما أفسده النساخ رجال أكفاء جهابذة. أما إذا نشرها أناس غير واقفين على غريب اللغة فالضرر عظيم يصعب تلافيه بعد ذلك ولا يكتفي بطبع الكتاب
وحده بل يجب أن يذكر لنا تاريخ النسخة التي أخذ عنها واسم كاتبها - أو بعبارة وجيزة - أن يذكر لنا نسبها لو جاز لنا هذا التعبير ويوضح لنا ترجمة مؤلف السفر إلى غير هذه الأمور التي أصبحت اليوم من أمس حاجاتنا الأدبية.
وقد اشترى لنا هذا الكتاب أحد الفضلاء وطلب منا أن ننقده لكي يصح اعتماد عليه أم لا. وقد طالعناه فلم نر فيه شروط نشر كتب الأقدمين متوفرة فيه. فليس فيه كلام عن النسخة الأم. ولا عن النسخ الأخرى التي عارض بها النسخة الأولى ولا صرح لنا بملحمة عن ترجمة المؤلف ولا. . . ولا. . . ولا ولعل الناشر كتب ذلك في ولم الألمانية ولم نقف عليه على أنه كان من الواجب عليه أن يذكر لنا شيئاً في لغتنا وإلا لغتنا وإلا فأن هذا الكتاب يبخس في نظر القارئ العربي.
والمؤلف توفي في سنة 408 للهجرة وهو وحاظي الأصل (أي من وحاظة(8/473)
من ديار اليمن قال ياقوت في معجمه (6: 100) ولا أعرف حالة إلا أنه مصنف كتاب (نظام الغريب) في اللغة حذا فيه حذو كفاية المتحفظ، وأجاده وأهل اليمن مشتغلون به. اهـ.
وقد ذكر لنا الدكتور داود أفندي الجلبي أن في المكتبة الأحمدية نسخة منه إلا أنه مخروم من الأول والآخر ولهذا لم يهتد إلى أسمه وظن أنه رسالة في اللغة (راجع مخطوطات الموصل ص 35).
هذا من جهة التأليف نفسه والمؤلف. أما طبعة بالهيئة التي ظهر فيها فكثير السقط والوهم والخطأ والخطل. فكان يحسن بالناشر أن يعرض مسودته على أحد أبناء العرب الضلعاء قبل أن يبرزه بذلك الهدم المترقع.
نعم أننا لم نطالعه من أوله إلى آخره إذ هذا عمل شاق إلا أننا ألقينا عليه نظرات هنا وهناك وحيثما وقع بصرنا وقع بصرنا على غلط. فقد جاء مثلاً في ص 170 عقاب عبنقات. . . والضاري الصقر. . صئبان المطر. والصواب: عقاب عبنقاة. . . والمضرحي الصقر. . . صئبان المطر (بصاد مهملة جمع صؤاب وهذه جمع صؤابة) وفي ص 174 والغظاظ طائر يرد الماء سحرا قبل طلوع الفجر واحدتها غظاظة. . . قلنا: ليس في لغتنا غظاظ ولا غظاظة بل غظاظة بل غطاط وغطاطة أي بالطاء المشالة المهملة وفي ص 175: والبعر (كذا بباء موحدة تحتية) المعز قلنا: لا يصحف مثل هذا التصحيف
الشنيع إلا أجنبي وأي أجنبي. فيا حضرة الأستاذ كيف تريد أن يكون البعر معزا؟ إنما هو اليعر (بياء مثناة تحتية). وفي ص 173 والسبد طائر من طير الماء (كذا). . . إذا وقع عليه الماء ويبتل لشدة ملوسته. . . وهذا كلام يقرب من الهندية، والصواب طائر من طير المساء. . . إذا وقع عليه الماء لم يبتل (من الابتلال لا من الابتال كما ضبطها الناشر) وهذا الطائر يسمى بلسان العلم أي راضع المعز لأن الأقدمين كانوا يذهبون إلى أنه يرضع المعزي وهو يشبه الخطاف وأكثر ظهوره يكون عند المساء واسمه بالفرنسية أي بلاع الريح. وبالإنكليزية - أي راضع العنز أو - أي يوم السرخس لكثرة التجائه إلى السرخس.(8/474)
وفي ص 215 ذكر بين الرياحين: الأس (وضبطه بفتح الأول والثاني) والأبهر والأقحوان وهو الخزامي. . والتمام (وضبطها كسحاب) وقال هو السنبر (كذا) والنشرين (بفتح النون): المنثور والسفسج (بفتح السين الأول وكسر الثانية) والنينونر ويقال اللينوفر (بفتح النونان في الأول وبفتح اللام والنون والفاء في الثاني) والآذريون (وضبطها بفتح الهمزة وتشديد الذال وفتح الراء). . . والحوذان) والصواب في كل ذلك: الأس (نمد الهمزة) والعبهر (بالعين) والأقحوان والخزامي (لأنه هو الخزامي لأنه ليس به) والنمام (بالنون وبتشديد الميم) هو السيسنبر (بفتح السينين يتخللهما ياء ساكنة وفي الأخر راء يسبقها باء موحدة تحتية ونون وذكره بعض اللغويين في سبر وآخرون في سنبر وفريق في سيسنبر) والنسرين (بنون (مكسورة فسين مهملة. وذكرها اللغويون في نسر) وفي جعل المنثور بلا عاطف يتوهم القارئ أن النسرين هو المنثور وهو خطأ واضح فاضح والصواب (والمنثور) ليكون من عداد الرياحين من غير أن يكون ريحاناً. ولا وجود للسفسج والصواب والسمسق (بسينين مهملتين وزان جعفر وزبرج وقنفد وجندب أو السفسف كجعفر. أما السفسج فلا وجود له). وكأنه لم يكشف بهذا الخطأ فزاده خطأ آخر بأن وزن بفتح السين الأولى وكسر السين الثانية وهو وزن لا وجود له في لغتنا إنما عندنا أفعل بفتح الهمزة وكسر العين. وليس في سفسج همزة في الأول. ولم يذكر أحد النينونر (بثلاث نونات) ولا اللينوفر. إنما ذكروا بعد مادة ن ف ر: النيلوفر بفتح النون واللام والفاء ويقال النيوفر بقلب اللام نوناً (التاج) والأذريون (بعد الهمزة وفتح الذال المعجمة وإسكان الراء
وضم الياء المثناة التحتية يليها واوفنون) والحوذان بحاء مهملة.
فهذه أثنتا عشرة غلطة أو أزيد في صفحة واحدة. فهل يقال بعد هذا: أن هذا كتاب لغة يعتمد عليه؟ ألا يحق لمؤلفه لو بعث أن يتبرأ من ولده هذا الممسوخ؟. فأنا لله وأنا إليه راجعونّ فهل يجوز لمنتم إلى العروبة أن يشتري هذا الكتاب ويطالع فيه؟ ذلك ما نحكم فيه كل عاقل منصف ولو لم يكن من الناطقين بالضاد.(8/475)
هذا من جهة السقط في اللفظ والتصحيف والتحريف، وأما أغلاط الضبط فأكثر من أن تحصى. فعسى أن ينهض أحد أبناء عدنان ويعيد إلى هذا الديوان البديع نضارته وجماله ويسقط هذه النسخة السقيمة من الأسواق ثم تجمع وتحرق. راداً كل فضل إلى صاحبه، وكل ضرر إلى مسببه والله الميسر.
111 - كتاب التيجان في ملوك حمير
عن وهب بن منبه رواية أبن هشام
طبع بمطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانيين في
حيدر آباد الدكن
سنة 1347 في ص496 ص بقطع الثمن الصغير
كتب على مطبوعات حيدر أباد الدكن أن لا تماشي ترقي العصر في منشوراته وتفنناته في إلباس عرائس الأفكار من السلف الحلل الموشاة والحلي الموشاة بنفائس المجوهرات. جرت مطابع الهند في إخراج نتاج الأقدمين على سنن منذ نصف قرن وهي لا تزال تنحو ذلك المنحى بلا أدنى تغير.
نقول ذلك لأن صديقنا العلامة ف. كرنكو تولى طبع كتاب التيجان وهو من أفخر ذخر السلف بحلة أرث من حلل المكدين في العصور الوسطى. وليس فيه فهارس الأعلام ولا العناية اللازمة بضبط بعض تلك الأعلام من تاريخية أو بلدانية ولو علم أصحاب تلك المطبعة أن إبراز كتب الأقدمين بمجالي التحسين وتعديد الفهارس من مروجات بيعها لما
امتنعوا من الأقدام على هذا العمل المحمود. والظاهر أنهم يجهلون كل ذلك. هذا فضلاً عن أن حروف تلك المطبعة ليست من الحروف التي تروق العين وتشوق الناظر في المطالعة.
هذا من جهة مظاهر هذا السفر الجليل. أما سائر ما فيه فنحن لا نصدق جميع رواياته، إلا أن هذا التصنيف يبقى عريزاً في حد نفسه لأنه يصف لنا علم أبناء تلك العصور وما يخطر في رؤوسهم من الأفكار والآراء. أذن هذا ديوان بديع يحتاج إليه كل من يحب أن يقف على الحالة الفكرية التاريخية في صدر الإسلام.
فالنسخة الأم التي اعتمد عليها هي نسخة حيدر آباد المنقولة عن أصل محفوظ في صنعاء في أواخر القرن الحادي عشر للهجرة ثم عورضت بنسخة المتحفة البريطانية(8/476)
وهي نفسها منقولة عن النسخة الهندية بعينها وهناك نسخة ثالثة هي النسخة المحفوظة في خزانة الكتب العمومية في برلين وهي اقدم من النسختين المذكورتين مع اختلاف ونقصان وزيادات. ولهذا كان إخراج هذا الكتاب بصورته الحالية من أشق الأمور حتى زادت قيمته في عيون العلماء فعسى أن يوفق بعض الأدباء لأن يجد نسخة صحيحة قديمة ليقوم بها أود ما جاء في هذه النسخة المطبوعة وليس ذلك ببعيد على ذوي الهمم الشم.
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 9 -
72 - وقال ص 227 (ويروقك مدحه، ثم لا يبعث فيك النفرة هجاؤه) وقال في 228 (فأن الإسلام وأن جاء لمحو الشر قد يتخذ الشر أحيانا سلاحاً ماضياً دفعاً لشر أعظم يخشى تغلبه) ونحن نحاشي ديننا الحنفي أن يتخذ الشر للإصلاح لأن كل ما استوجب الإصلاح لا يسمى شراً ألا ترى أن تناول الشيء إذا كان بالاحتيال والغدر سمي سرقة لا اشتراءا وكلا الفعلين في الأصل واحد وورد في ص 230 هجاء لحسان أقذع لخصمه فيه بخلاف ما يعتقد المؤلف فتخلص بطريقة الطعن في ما لا يوافق بأن قال (وعندي أن هذا الشعر لا يبرأ من الوضع والتوليد) قلنا ويؤكد هجو حسان الشديد ما جاء في الشرح الحديدي خاصاً به (1: 111) ونصه (وقال الزمخشري في كتاب ربيع الإبرار: كان معاوية يعزى إلى أربعة: إلى مسافر بن أبي عمرو وإلى عمارة بن الوليد بن المغيرة وإلى العباس بن عبد المطلب وإلى الصباح مغن كان لعمارة بن الوليد. وقد كان أبو سفيان دميماً قصيراً وكان
الصباح عسيفاً لأبي سفيان شابا وسيما فدعته هند إلى نفسها فغشيها، وقالوا: أن عتبة أبن أبي سفيان من الصباح أيضاً. وقالوا: أنها كرهت أن تدعه في منزلها فخرجت إلى أجياد فوضعته هناك وفي هذا المعنى يقول حسان أيام المهاجاة بين المسلمين والمشركين في حياة رسول الله صلى الله عليه وآله قبل عام الفتح:
مصطفى جواد(8/477)
تاريخ وقائع الشهرية في العراق وما جاوره
1 - اجتماع الحزب الوطني
عقد الحزب الوطني اجتماعاً عاماً في 23 مايو حضره كثيرون من المنتمين إليه وعدد كبير من تلامذة المدارس فألقيت فيه الخطب ومن جملة من هز النفوس (الهاشمي باشا) وكان قد أبصره الجمهور بين الحضار واقفاً في الشرفة فطلب البعض إلى فخامته أن يخطب فيهم فرفض في أول الأمر إلا أن تمادى الجمهور في التصفيق اضطره إلى أن يقف فيهم خطيباً ويقول هذه الكلمة التي جمعت فأوعت. قال فخامته لا فض فوه:
(يظهر أننا برعنا في الأيام الأخيرة بصناعتين صناعة الكلام والوصف وصناعة التصفيق لكل متكلم وخطيب وأننا قد تخرجن في مدارس الوصف والتصوير وحزنا الدرجة العليا منها فبرعنا في رصف الكلمات ودفع الجمهور إلى التصفيق لنا.
لقد اعتدنا أن نصفق حتى للذين يطعنون بنا وللذين يطعنون بالعروبة والأولى صناعة باردة والثانية أبرد منها وكلتا الصناعتين لا تجدينا نفعاً ولقد جربناها أعواماً طويلة. فإذا كنا نريد أن نعمل حقيقة عملاً يفيدنا فلنتبع جهود الأمم التي كانت تحت نير الأجنبي ولنقتف آثارها ونسر في طرقها كي نصل إلى الغاية ولنترك جانباً الكلام الفارغ والتصفيق الممل. . .
2 - اهتمام الحكومة البريطانية باقتراح رئيس وزراء العراق
والعفو عن محكومي فلسطين
رد الدكتور داموند شيلس الوكيل البرلماني لوزارة المستعمرات مجيباً عن سؤال وجهه إليه بأنه لا علم له أن الحكومة الفرنسية تدخلت في مسألة المحكومين عليهم بالإتلاف في فلسطين ولكنه يعلم أن المندوب السامي البريطاني تلقى كتاباً من فخامة رئيس الوزراء العراقية يرجو فيه العفو عن المحكومين عليهم بالإتلاف من الفلسطينيين ويبسط فيه ما يتركه من آثار حسنة في نفوس العرب. وقال الدكتور داموند شيلس(8/478)
أن الحكومة البريطانية أعارت هذا الكتاب اهتماماً كبيراً
3 - جزيرة ابن عمر
جاءت أنباء في نحو أواخر نيسان أن الحكومة الفرنسية تلاقي أشد المصاعب في احتلال هذه المدينة (جزيرة أبن عمر) مع أنه قد تم الاتفاق بين فرنسة وتركية بخصوص هذا الاحتلال وقد وقعت معركة بين فصيلة من الجند الفرنسي والمتطوعين وبين العصابات المترأبلة أسفرت عن تكبد الفريقين خسائر لا يستهان بها. وقد تمت هجرة عشائر شمر التي في سورية إلى التخوم العراقية.
4 - الشيخ مشعل الفارس
قدم حاصرتنا حضرة الشيخ مشعل الفارس رئيس قبائل شمر في سورية وقد لجأ إلى العراق قبل شهرين وهو يراجع حكومتنا لتوطن قبائله العراق.
5 - هلتن يانغ
وصل إلى الحاضرة في 16 مايو السر هلتن ينغ الخبير المالي البريطاني الذي استقدمته الحكومة العراقية لاستشارته في الشؤون المالية.
6 - ملاحظ المطبوعات
عين الشاعر الدقيق الشعور وجذاب النفوس علي أفندي الخطيب المحامي ملاحظا للمطبوعات في العراق فباشر وظيفته في 20 أيار فنهنئه بهذا المنصب الذي يليق به عن استحقاق.
7 - وفاة أحمد باشا الصانع
نعي إلينا من البصرة في 22 أيار أحد كبار أعيانها وسراتها أحمد باشا الصانع عن عمر يناهز الثمانين تولى فيها أرفع المناصب ولا سيما في متصرفيه البصرة وهو والد النجلين الجليلين عبد الله بك الصانع متصرف لواء بغداد حالاً ومحمد بك الصانع سائلين المولى أن يلهمهما الصبر هما وجميع من يلوذ بهما ويتغمد الفقيد برحمته ومغفرته.
8 - النظام القضائي الجديد في العراق
تمت المفاوضات بين بريطانية والعراق بخصوص إحلال نظام قضائي واحد يتساوى بين
يديه جميع رعايا. الدول الأجنبية عوض النظام المعمول به بمقتضى الاتفاقية الحقوقية الملحقة بمعاهدة سنة 1922 التي وفق العراق لإلغائها. وسينشر النص النهائي للنظام الجديد الذي يصبح به القضاء العراقي محرراً من سلاسل الاتفاقية الحقوقية السابقة وكانت قد منحت رعايا بعض الدول امتيازات أمام المحاكم لم تمنحها رعايا الدول الآخر.(8/479)
9 - الشيخ سالم الخيون
قررت الوزارة منح الشيخ سالم الخيون رئيس عشائر بني أسد أراضي في اليوسفية أو غيرها لأعمارها بدلاً من أراضيه الواسعة التي أخذتها منه الحكومة. فعسى أن لا تنسى الوزارة خدم الشيخ سالم الخيون السابقة وما أداة للوطن وعرض حياته للذب عنه أن كان بنفسه وأن كان بنفوس قبائله هذا فضلاً عن أن الشيخ سالماً عربي قح كريم الخلق ندى اليدين يبذل المال بسخاء حاتمي في سبيل البر والإحسان فكل هذه الاعتبارات تدفع - ولاشك في ذلك - إلى أن يمنح أراضي واسعة لأعمارها، لا سيما وأن كثيراً من الأقرحة الأميرية هي اليوم بور لقلة الأيدي فإذا استغلها أبناء الوطن كان في هذا العمل أعظم خير.
10 - محل لشركة الكهرباء
صدقت وزارة الداخلية تملك بستان زوجة أمين خالص بك وشركائها في الصرافية والبستان غير بعيد من باب المعظم وذلك ليكون محلاً لشركة توليد الكهربية وهي شركة بلجكية حصلت على امتياز تسيير القداد (الترام) في المدينة وإنارة الحاضرة.
11 - إغلاق جامعة آل البيت البغدادية والتعويض عنها
كثر القال والقيا منذ مدة طويلة حول جامعة آل البيت وكانت منذ يوم افتتاحها حتى الآن موضع جدل عنيف بين المفكرين في البلاد وفي ردهات الندوة حتى أكد المسؤولون كل التأكيد أن هذه الجامعة بوضعها الحاضر لا تفيد الفائدة المطلوبة وأن المبالغ الطائلة التي تصرف عليها تذهب سدى ولهذا اعتزم مجلس الوزراء في اليوم ال 24 من إبريل سد الشعبية الدينية العالية التي فيها إلى أجل غير مسمى والاستعاضة عنها في الوقت الحاضر ببعثة تولف من نحو ثمانية عشر من طلبة العلوم الدينية يوفدون إلى معاهد مصر للتوسع في العلوم المختلفة فيها.
واقترح أن يعهد في تنظيم هذه البعثة وتقرير نفقاتها ومدة دراستها وأنواع دروسها وانتخاب أفرادها إلى دائرة الأوقاف على أن تقوم بذلك في أسرع ما يمكن وأن يرافق البعثة مراقب ليشرف على شؤون الطلبة ويخصص له راتب مناسب لمقامه.
12 - زي العلماء في كلية الإمام الأعظم
علمنا أن مديرية الأوقاف العامة(8/480)
أصدرت أوامر إلى إدارة كلية الإمام الأعظم بإلزام طلاب الكلية باتخاذ زي العلماء محافظة للطلبة على الصفة الدينية وأمرت فعلاً بشراء الجبب والعمائم اللازمة للطلاب على نفقة صندوق الوقف.
13 - تخفيض ضرائب النخيل والأشجار المثمرة
قرر مجلس الوزراء في 21 مايو تخفيض ضرائب النخيل والشجار المثمرة.
14 - خط جوي بين حلب وبغداد
تجري المفاوضات مع حكومتنا لإنشاء خط جوي بين حلب وبغداد ما عدا الخط الجوي بين بغداد والشام.
15 - اختلاسات في دواين الحكومة العرقية
لا يمضي شهر إلا وأنت تسمع باختلاسات في الديوان الفلاني أو الفلاني من دواوين حكومتنا العراقية. وقد ظهر في تحقيقات شهر مايو أن هناك ما ينوف على 17 ألف ربية اختلست بواسطة تزوير طوابع ورفعها من السجلات وعلى أثر ذلك شرعت اللجنة التفتيشية بتدقيق النظر في ما أتاه موظفو هذا الديوان لمعرفة المختلسين الحقيقيين والرؤساء الذين سببوا بإهمالهم تلك التلاعبات بأموال الأمة.
16 - الطيران في ديار أبن سعود
صرح الشيخ حافظ وهبة لمحدثيه من مراسلي الصحف أن حكومة الملك أبن سعود عازمة على تعزيز سلاح الطيران في ديارها لما جنته من الفوائد بالطيارات الأربع التي ابتاعتها من المصانع البريطانية وجعلت (دارين) قاعدة لها وأن في نية الملك ابتياع أربع طيارات آخر لاتخاذها في أسفاره وتنقلاته بين أرجاء مملكة الواسعة.
17 - خزانة كتب للمطالعة
عزم الشيخ عبد الرحمن القصيبي من مشاهير اللآالين في البحرين والهند ونزيل مكة اليوم تأسيس خزانة كتب عامة في مكة وسيشيد بناء خاصاً بها في أظهر مكان واحسن موطن من تلك الحاضرة.
18 - مستشفى بحرة
أتمت إدارة الصحة العامة في الحجاز تأثيث مستشفاها الجديد في بحرة الواقعة بين مكة وجدة وأقامت فيه طائفة من السرة وجهزته بالأدوات والآلات العصرية والأدوية اللازمة وشرعت بقبول المرضى فيه.
19 - مجلس اقتصادي في إيران
أنشئ مجلس اقتصادي عال أعضاؤه جماعة من الاختصاصيين الماليين والحقوقيين(8/481)
وقد ربط بوزارة المالية لتزويدها نظرياته وآراءه في المسائل المالية والتشريع طرح رسوم المكس وغيرها. وقد عقد جلسة خطيرة في الأسبوع الأول من مارت ترأسها جلالة الشاه بهلوي بنفسه ونفر من الاختصاصيين الألمان فقرر تحديد جلب البضائع المكملة للمعاش وتنظيم الصادرات الإيرانية إلى الخارج وحمايتها. وإصدار قانون اتخاذ الألبسة والمنسوجات الوطنية وقيام المصرف الوطني بالأشراف على ترويج النتاج الإيراني في بلاد الأجانب وقرر تمديد السكة الحديدية في الشمال والجنوب بقدر الإمكان. وسن خطة اقتصادية للموازنة بين الصادر والوارد وتثبيت النقود الإيرانية على أساس الذهب.
20 - دفن جثمان الشاه أحمد القاجاري
نقلت الباخرة شامبوليون الأفرنسية جثمان المغفور له مرفأ بيروت وفي يوم 17 نيسان أنزل الجثمان من الباخرة باحتفال مهيب إذ حضرت مفرزة من الدرك اللبناني قوامها 30 راكباً ومثلها من الشرطة واصطفت أمام مدخل دار المحجر (الكرنتينة) فحياه الدرك والشرطة ثم وضع في غرفة خاصة لنقله بالقطار إلى دمشق ومنها إلى بغداد.
ولم يكن من أقاربه ولا من الجالية الإيرانية سوى سمو الميرزا حسن خان خازن همايون والميرزا إسماعيل خان طبيبه الخاص. ويقال أن جلالة الشاه المتوفي أصر في وصيته
التي وضعها في المصرف الأميركي في باريس على أن ينقل جثمانه إلى كربلاء وأن لا تقام له حفلات وأن لا يرافق جثمانه أحد من أقاربه حتى والدته الموجودة في باريس ولا أخوته سغير الميرزا حسن الذي رباه وعمل بموجب هذه الوصية.
وفي 21 نيسان (أبريل) وصل الجثمان المذكور إلى بغداد وكان في استقباله جمهور كبير من الجالية الإيرانية وممثلي بعض القنصليات وبعض رجال العاصمة ثم حمل نعشه إلى كربلاء فدفن فيها حسب وصيته.
21 - توسيع دار الأيتام
قرر مجلس الوزراء توسع دار الأيتام بقدر ما تسمح به فضله الواردات المخصصة بالخيرات من قبل الأوقات على أن يتفق مع وزارة المعارف على التدريب الأيتام وتهذيبهم في بعض الصناعات الضرورية للبلاد.(8/482)
العدد 82 - بتاريخ: 01 - 07 - 1930
أحمد باشا تيمور
عاشرنا كثيرا من العلماء والأدباء والفضلاء من أبناء الشرق والغرب فلم نجد رجلا اجتمعت فيه الآداب العالية ومكارم الأخلاق والمواهب الطبيعية كما اجتمعت في احمد باشا تيمور الذي عرفناه في شخصنا مكاتبة ومواجهة. وكل ما نقوله لا(8/483)
يمثله بين أيدينا كما تمثله هذه الرواية.
عرفنا احمد باشا بالمكاتبة منذ سنين طوال لكنا لم نتلاق معه إلا في سنة 1921 وذلك أننا ذهبنا في شهر حزيران (يونيو) من تلك السنة إلى ديار الغرب لمباحث علمية وتاريخية. ولما وصلنا إلى الإسكندرية خطر ببالنا أن نذهب إلى القاهرة ونور فيها بعض الأحباب. ولما دخلنا عاصمة ديار النيل نزلنا في دار الصديق يوسف آليان سركيس الذي كنا نعرفه منذ سنة 1897 فأعزنا واكرم مثوانا وفي يوم حلولنا منزله العامر طلبنا إليه أن (يتلفن) إلى الباشا في أي ساعة يأذن لصديق له حديث القدوم إلى الحاضرة أن يزوره، فأجاب في الساعة الرابعة بعد الظهر.
وفي الساعة الثالثة بعد الظهر إذا باب سركيس يقرع، فلما فتح فإذا بالباشا قادم في سيارته الباب وهو يقول: لا شك أن نزيلكم هو الأب انستاس ماري الكرملي. ولم نكن قد أعلمنا بقدومنا أحد، إذ كانت فكرة دخولنا القاهرة فكرة جاءتنا على غفلة، فتعجبنا من هذا الإلهام الذي لم نفهمه. . .
وفي الساعة الرابعة أخذنا الباشا إلى داره العامرة في شارع شجرة الدر إذ قال: قد وعدتكم أن أواجهكم في داري في الساعة الرابعة، فقد حانت فهلموا الي، فركبنا سيارته ودخلنا داره فإذا هي من أنزه الدور وأجملها وقد وضع في بحبوحتها خزانته البديعة، فقضينا ثلاث ساعات في المراجعة ومطالعة بعض ما في ذلك الفلك المشحون كنوزاً وذخائر ونفائس.
وبعد أن مضى على هذه الملاقاة يومان دعانا إلى مواجهته في ذهبيته فجاء هو بنفسه إلى محلنا وأخذنا إلى ذهبيته فلما وصلنا إليها ألح علينا أن نبقى معه فيها شهراً للمذاكرة في العلوم والآداب والمراجعة، ولما كان الأمر مستبعداً إذ لم نتهيأ لذلك رضينا في الآخر أن نبقى معه أسبوعاً، فلما تم الاتفاق بيننا على قضاء تلك الأيام استدعى خدمه وكانوا ثلاثة
وقال لهم: أن صاحب هذه الذهبية هو هذا الأب انستاس ماري الكرملي وأنا هنا ضيف عنده فاعملوا بما يقوله لكم ولا تسمعوا مني شيئاً ما لم تتحققوا الأمر منه وبرخصته. . . إلى آخر ما قال.(8/484)
وكان الخجل استحوذ علينا وسد فمنا فلم نتمكن من أن ننطق بكلمة. ثم عين لنا غرفة في تلك الذهبية وأطلعننا على ما فيها من المواطن والمرافق وأخذنا بالمراجعة ومجاذبة أطراف الكلام كما اطلعنا على تأليفه وبينها الأمثال العامية المصرية ورد ما فيها من الألفاظ إلى أصولها من فصيحة ودخيلة فدهشنا لما رأينا فيه من التحقيق والتدقيق وما أودع ذلك الكتاب من الآراء النفيسة السديدة وكل ذلك بخطه كأنه الدر المنظوم.
ثم تراجعنا في أمور أخرى تاريخية وأدبية ولغوية ونحوية وبلدانية رأينا في عرضها وبسطها من الآراء البديعة ما دفعنا إلى أن نقدره حق قدره.
وبعد أن قضينا أسبوعاً على النيل أخذنا بسيارته إلى منزلنا فكان يزورنا كل يوم إلى ساعة مزاولتنا أم النيل فكان آخر مودع لنا بعد أن سايرت سيارته قطارنا مسافة بعيدة.
وفي جميع مكالماته ومفاوضاته كان ينطق بهدوء وسكينة وعلى وجهه أمارات الوقار والاحترام، وكان إذا رأى منا فكراً أصوب من فكره عدل للحال عما له ليتبع ما قلنا به. ولم نر فيه ما يشم منه المعاندة أو المكطابرة أو المباهاة أو الادعاء أو الترفع أو التكبر أو التجبر بل بالعكس رأينا فيه تواضعاً عظيماً، وحلماً يتلاشى بين يديه حلم الأحنف وعلماً وافراً ممزوجاً باستعداد للتسليم بآراء الغير إذا ما اتضح له انه في وهم. ولم نسمع منه كلمة تجرح الأدب أو حسن المعاشرة أو الصداقة أو عفاف النفس.
ووجدنا فيه من الحافظة قدراً عظيماً ولا سيما حفظه للكتب المطبوعة والمخطوطة فانه لا يكاد يصدق. وإذا كان التأليف مطبوعاً في عدة مدن من ديار الشرق والغرب أعلمك بها وربما ذكر لك السنين. وأمر المخطوطات أمر عجب إذ يعلم محل كل مخطوط نادر من أي علم كان ويذكر لك بعض الأحيان من أوصافه المختلفة ما يدهشك اعظم الدهش.
أما كرمه فحدث عنه ولا حرج: كنا في حاجة إلى نقل كتاب خط من كتبه وكنا قد طلبنا ذلك من صديقنا يوسف اليان سركيس، فلما درى انه لنا احضر له ناسخا وبعد أن أتمه بعث به إلينا من غير أن يقبل فلسا منا. والكتاب(8/485)
كان ضخما. فلما عرفنا ذلك وكنا في
حاجة إلى نقل تصانيف أخرى مصورة طلبنا من صديقنا المذكور أن يصور لنا بعض تلك المؤلفات من غير أن يذكر له اسمنا، فلم يأذن بذلك حتى عرف أنها لنا، فلما تم تصويرها بعث بها إلينا مجاناً ومثل هذا السخاء اضطرنا إلى أن لا ننسخ كتاباً أياً كان من خزانته واهدينا إليه مقابلا لتلك المصورات كتبا خطية تاريخية وأدبية ولغوية لم تكن عنده.
ومن عجيب سخائه أننا كنا في حاجة إلى مصنف نادر لا وجود له في العالم سوى نسخة واحدة هي في خزانته، فطلبنا إلى أحد الأصدقاء غير يوسف آليان سركيس أن يصوره لنا لكي لا يعلم انه لنا فلما علم انه لنا ابرد به إلينا مسجلا فلما وصل إلينا رددناه في ذلك البريد عينه خوفاً من ضياعه.
فهذه الأمور وأمثال أمثالها بالمئات جرت لغيرنا من الأدباء وكرمه أشهر من أن يذكر وأخلاقه حببته إلى جميع النفوس والى كل من دنا منه من أي أمة كان ومن أي دين، وكان رحمه الله متمسكاً بالدين الحنيف كل التمسك ولا يرضى بالمارقين منه ولا بمن يطعن فيه.
هذا هو أحمد باشا تيمور على ما عرفناه وهناك مكارم أخلاق وفضائل يطول شرحها فاجتزأنا بما ذكرنا من هذا البرض القليل.
أما سبب وفاته فكان ما أصابه بمرض ابنه محمد بك تيمور وما تكر عليه من أرزاء تتالت عليه وهي وفاة قرينته كريمة المرحوم أحمد باشا رشيد وزير المالية سابقاً لديار مصر، وأخته النابغة الداهية عائشة خانم تيمور.
قالت مجلة (كل شيء): وقد كان جزعه في هذه الكوارث عظيماً، غير أن كارثته في محمد بك كانت بمثابة حادث جسيم هد كيانه، واضعف أركانه وأسلمه إلى المرض الذي توفي به وذلك انه لما كان المرحوم محمد بك مريضا استدعى والده الدكتور هيس لمعالجته، فلما كشف عليه ورأى حالته، التفت إلى احمد باشا واخبره باللغة الفرنسية: أن الرجاء في نجله ضعيف. فما أتم الدكتور كلمته حتى أغمي على الباشا في ساعته وحملوه إلى مضجعه فاقد الشعور ومكث ثلاثة أيام على هذه الصورة، وتوفي محمد بك، وهو لم يدر بما حدث، ولم يجرؤ أحد على إخباره.(8/486)
ومن هذا الحين لزمه مرض النوبة القلبية التي كانت تعتريه من حين إلى حين ولا سيما في أوقات الانفعال، ولذلك تجنب في أواخر أيامه الاجتماع بالناس كثيراً حتى وافاه القدر
المحتوم بتلك النوبة القلبية في ليلة كان محتفظاً فيها بنشاطه وقطع جانبا منها مع بعض أصدقائه وعارفيه، فراح مبكياً عليه من عارفي فضله وأدبه، وخسرت اللغة العربية والتاريخ خسارة كبيرة، وفقد الشرق رجلا عاملا كان نعم الذخر والمرجع في المعضلات. . . اهـ كلام كل شيء).
وكان انتقاله من هذه الدار الفانية في 2 مايو (أيار). رحمه الله رحمة واسعة وعفا عن زلاته والهم الصبر ذويه.
نظرة في المجلة الألمانية ومجاوراتها الساميات
وقفنا على مقال في هذه المجلة (225: 7 إلى 258) ذكر فيها صاحبها الدكتور جورج غراف الألفاظ العربية النصرانية فجمع منها شيئا جليلا ورتبها على حروف المعجم فوصل فيها إلى آخر حرف الخاء وفاتته كلم كثيرة، ونحن نذكرها له على حروف الهجاء من غير أن نشرحها لوجودها في دواوين اللغة.
وأولها الابن إذ لم يذكره مع انه ذكر الأب، والابن هو الاقنوم الثاني من الثالوث المقدس.
ولم يذكر في آمين الفعل الذي اشتق منه فقد قالوا: أمن تأمينا أي قال آمين أما عرب الجاهلية فكانوا يقولون في مكان آمين: بسلا بسلا لان آمين كلمة عبرية وما كانوا يريدون أن ينطقوا بها.
إبليس
ارتسم أي رسم علامة الصليب على نفسه.
وذكر الاركدياقن ولم يذكر ما جاء فيه من اللغات المعربة خلافا لعادته ومن هذه اللغات: الارشدياقن والشدياق ومنه احمد فارس الشدياق، وفي الارخن لغة معروفة مشهورة هي الاركون. وذكر الارشي وفيه لغة أخرى وهي العرش بمعناها، ونسي ذكر الاسجاد (بمعنى اليهود والنصارى) وسمى بعضهم (أسفر حيا) سفر الأحياء.(8/487)
الأعراف هي ما يسميه بعضهم اللنبوس أو اللمبوس أو اليمبوس أو الينبوس
ونسي الافحوص بمعنى وفي الافخارستيا لغة أخرى هي الاوخارستيا وهو الشبر والقربان المقدس. وعرف كثيرون الاكاروزة بالكرازة. وذكر الاكراح أو الاكراخ بكسر الهمزة وهو لم يرد إلا بفتحها جمعاً لكرح أو كرخ بالضم أو الكسر وربما جاءت مصغرة بصورة اكيراح. والنصارى الأقدمون قالوا الليها ولم يقولوا الليويا وبعض المحدثين يقول هليلوي. وقالوا (الأمانة والهيمانوت لما يسميه الإفرنج وسمى العرب الباصلوت مصلى وصلاة ووالبرزخ لم يذكره وهو وبرهوت وهو موطن معروف
البسل، يقال بسله: لحاه ولامه وأعجله وأبسله لكذا أي أسلمه للهلكة والعذاب ويستعمله بعضهم بمعنى اللعن باسم الدين.
وفاته ذكر: (بطن محسر)
التاديبات الكنسية
الجابية محل من أرض الشام يعتقد بعضهم أن فيه أرواح المؤمنين وهو ما يقابل المطهر عند النصارى إلا أن المطهر لا يعرف وطنه.
الجعفلين: أسقف النصارى وكبيرهم (لسان العرب) وهو من
الجلجة: ضبطها كزلزلة والمشهور كجمجمة أي بضم الجيمين.
الحاشوش يم يذكره وذكر الحاش. راجع لغة العرب (368: 8 و450).
الحجاب أن تموت النفس وهي مشركة كأنها حجبت بالموت عن الإيمان
ولم يذكر التقليس والتكفير والتهويد(8/488)
تحققات تاريخية
1 - قبر الخلاني أي الخلال
إذا سار سائر اليوم ببغداد بجادة باب الشيخ عبد القادر الجيلي (رض) مبتدئاً من أولها الغربي المتصل بالشارع العام ثم قطع قراب نصفها فيرى عن يمينه دربا به قبر الرجل الزاهد الذي كتب في نص زيارته انه (محمد بن عثمان الخلاني) والتاريخ المرقوم فوق باب القبة التي على قبره هو (1301هـ) فهو تاريخ آخر عمارة له، ويزوره الشيعة والسنيون.
وقد ورد في ص190 من كتاب عمران بغداد في البحث عن مقابر بغداد (11 - سائر المقابر المهمة كمقابر النواب الأربعة المعروفين بوكلاء الناحية أيضاً وهم عثمان بن سعيد العمري الزيات من أصحاب الإمامين الحسن العسكري وأبيه علي الهادي (ع) وابنه محمد بن عثمان وأبو القاسم الحسين بن روح وأبو الحسن علي بن محمد السيمري وكلها تقع في الجانب الشرقي) فهو يريد بمحمد بن عثمان صاحب القبر المذكور آنفا واجتزأ عن تعيين القبر بأنه في الجانب الشرقي فقط.
قلنا: ظهر لنا بعد تحقق وتتبع أن صاحب القبر ليس بمحمد بن عثمان فقد قال ياقوت في مادة (باب الخاصة) من معجمه للبلدان ما نصه: (باب الخاصة كان أحد أبواب دار لخلافة المعظمة ببغداد أحدثه الطائع لله تجاه دار الفيل وباب كلواذي واتخذ عليه منظرة تشرف على دار الفيل وبراح واسع واتفق أن كان الطائع يوما في هذه المنظرة، فجوزت عليه جنازة أبي بكر عبد العزيز بن جعفر الزاهد المعروف بغلام الخلال، فرأى الطائع منها ما أعجبه فتقدم بدفنه في ذلك البراح الذي تجاه النظرة وجعل دار الفيل وقفا عليه ووسع به (كذا) في تلك المقبرة وهي الآن على ذلك إلا أن الباب لا اثر له اليوم ويتلو هذا الباب من دار الخلافة باب المراتب).(8/489)
قلنا: وقبر الخلاني اليوم قرب (الدبخانة) وهي بقية باب كلواذى ولا تزال مرامي السهام ظاهرة في برجها المنخفض اليوم كثيراً والبرج قبالة طريق السيارات المتجهة نحو الكرادة والهنيدي، وقد صار هو واصل السور كنية للبرتستان الآن. وفي مادة (قنطرة البردان) من
معجم ياقوت (روى عنه غلام الخلال عبد العزيز ابن جعفر الحنبلي) وتوفي سنة 363 على ما ذكره ابن الأثير (476: 8) وجادة باب الشيخ اليوم من محلة باب الازج قديماً على ما ذكرنا في تعيين هذه المحلة سابقاً (441: 2 إلى 444) ويؤيد هذا ما ذكره ياقوت في مادة قصر الكوفة ونصه:
(قصر الكوفة: ينسب إليه عبد الخالق بن محمد بن المبارك الهاشمي أبو جعفر ابن أبي هاشم بن أبي القاسم القصري الكوفي، ذكره أبو قاسم تميم بن احمد البندنيجي في تعلقه فقال: القصري من قصر الكوفة مولده سنة 513. . . قال تميم: ومات ببغداد سنة 589 في ثاني رجب ودفن بباب الازج عند ابن الخلال) اهـ قلنا: أي عند عبد العزيز بن جعفر الذي تعرفه العامة اليوم بالخلاني.
وورد في ص 101 من الحوادث الجامعة عن نتائج احتلال هولاكو لبغداد ما عبارته: (ثم عين على بعض الأمراء فدخل بغداد ومعه جماعة ونائب أستاذ الدار ابن الجوزي وجاءوا إلى أعمام الخليفة وأنسابه الذين كانوا في دار الصخر ودار الشجرة فكانوا يطلبون واحداً بعد آخر فيخرج بأولاده وجواريه فيحمل إلى مقبرة الخلال التي تجاه المنظرة فيقتل فقتلوا جميعهم عن أخرهم، وخلاصة الكلام أن الخلاني اليوم ببغداد وهو أبو بكر عبد العزيز بن جعفر الزاهد فهل من مدع غير هذا؟
2 - المنطقة اليوم ليست بمسجد براثا القديم
ورد في ص 121 من تاريخ مساجد بغداد ما صورته (مسجد براثا أو المنطقة هو من مساجد بغداد القديمة العهد يتبرك به الشيعة إلى اليوم لما ثبت عندهم أن الإمام عليا كرم الله وجهه بعد فراغه من واقعة النهروان ورجوعه عبر دجلة وصلى بأصحابه عند دير راهب كان قريبا منها فاتخذ شيعته مصلاه مسجداً).(8/490)
وفي ص 122 منه (وهذا المسجد اليوم يسمى المنطقة وهو على نحو ميل أو اكثر غربي الجانب الغربي من بغداد بين بغداد وبين الكاظمية عن يسار الذاهب من بغداد إلى الكاظمية وحوله مقبرة لموتى الشيعة).
وورد في ص14 من (مناقب بغداد) وفي سوق العتيقة مسجد تغشاه الشيعة وتزعم أن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام صلى هناك) وقد علق به محمد بهجة مهذبه ما
عبارته (يسمى مسجد براثا ويعرف الآن بالمنطقة) والذي غر محمداً المذكور ما ورد في ص21 من المناقب نفسه ونصه (وكانفي براثا مسجد يجتمع فيه قوم من الشيعة وربما ذكروا الصحابة بأمر فأمر بكبسه عليهم فأخذوا وعوقبوا وحبسوا وهدم المسجد وعفي أثره إلى سن ثمان وعشرين وثلاثمائة فأمر الأمير بحكم بإعادة بنائه فبني بالآجر والجص وسقف بالساج المنقوش ووسع فيه وكتب في صدره اسم الراضي بالله ثم أمر المتقي بالله بنصب منبر فيه وأقيمت الجمعة في سنة تسع وعشرين وثلاثمائة) وليس في هذا دليل على أن مسجد براثا هو مسجد العتيقة وأين براثا من العتيقة؟
وتابع إلى هذا مؤلف عمران بغداد ففي ص (190 - 191) من كتابه ذلك قال (وكان في براثا مسجد جامع يجتمع فيه الشيعة يسمى بمسجد براثا، وكان الشيخ المفيد (ر هـ) يعقد فيه حلقة درسه ويقيم فيه صلاة الجمعة وهو يقع اليوم في منتصف طريق بغداد - الكاظمية وحوله المقابر الكثيرة) اهـ. قلنا: وليس قوله بشيء على ما ستراه وقد كرر المرحوم السيد محمود شكري الآلوسي الوهم فقال في ص137 (سقاية نجيب باشا أنشأها في المنطقة أو مسجد براثا).
بيان موضع براثا وان براثا غير العتيقة
قال ياقوت في مادة (براثا) ما صورته براثا بالثاء المثلثة والقصر: محلة كانت في طرف بغداد في قبلة الكرخ وجنوبي باب محول وكان لها(8/491)
جامع مفرد تصلي فيه الشيعة وقد خرب عن آخره وكذلك المحلة لم يبق لها أثر فأما الجامع فأدركت أنا بقايا من حيطانه وقد خربت في عصرنا واستعملت في الأبنية. . . وكانت براثا قبل بناء بغداد قرية يزعمون أن عليا مر بها لما خرج لقتال الحرورية بالنهروان وصلى في موضع من الجامع المذكور وذكر انه دخل حماما كان في هذه القرية) اهـ وليس في هذا الكلام ما يدل على أن براثا هي العتيقة واستمر ياقوت على كلامه مميزاً (براثا) عن (العتيقة) قائلاً: (وقيل بل الحمام التي دخلها كانت بالعتيقة، محلة بغداد وخربت أيضاً) فهذا تصريح ظاهر كل الظهور بان العتيقة غير براثا وان المنطقة هي مسجد العتيقة لبعدها العظيم عن براثا ولان الشيعة لا يزالون يقبرون موتاهم فيها ولان مسجد براثا لم يبق له اثر عامر منذ الربع الأول منذ القرن السابع الهجري.
وذكر العلامة لسترنج في خريطة ص15 من تاريخه لبغداد محلة العتيقة في شرق مدينة المنصور والمنطقة اليوم في شرق مدينة المنصور إلا انه اخطأ في موضعها إذ وضعها في ما يقابل اليوم القلعة والخطأ ظاهر ووضع براثا في غرب مدينة المنصور وذكر باب محول في جنوب باب الكوفة فكأنها بين جسر الخر اليوم ومقبرة الست زبيدة أما بلدة المحول (لا محلة الباب المسمى بها) فقد وضعها في غرب محلة براثا وكلاهما على نهر عيسى (الخر اليوم) وقال ياقوت عنها في مادة المحول أيضاً) ما صورته (المحول: اشتقاقه واضح من حولت الشيء. . . بلدة حسنة طيبة نزهة كثيرة البساتين والفواكه والأسواق والمياه بينها وبين بغداد فرسخ اهـ. وفي أخبار المستعصم بالله في الحوادث الجامعة انه ركب إلى محلة باب محول وتعهدها لبعدها عن بغداد إذ ذاك.
وقال ياقوت في كرخ زمانه أي الكاظمية وتوابعها: (وعن يسار قبلتها محلة تعرف بباب المحول وأهلها سنية وفي قبلتها نهر الصراة وفي شرقيها نصب بغداد ومحال كثيرة وأهل الكرخ كلهم إمامية لا يوجد فيهم سني البتة) قلنا واسم الكرخ في آخر الدولة العباسية يعني الكاظمية بدون شك.(8/492)
3 - شارع المنصور ودرب أبي خلف وقطيعة الربيع
ورد في ص59 من تاريخ مساجد بغداد عن جامع القبلانية المقابل للمدرسة المستنصرية من الشرق ما نصه: (وفي هذا المسجد مرقد أبي الحسين بن احمد القدوري الفقيه الحنفي الشهير وكان من رؤساء المذهب توفي سنة ثمان وعشرين وأربعمائة ودفن في بيته ثم نقل منه ودفن في جوار الفقيه أبي بكر الخوارزمي الحنفي في شارع المنصور في جانب الرصافة وهو اليوم في هذا المسجد ومعه جمع من قبور بعض الصالحين) اهـ.
قلنا: أن عوام الشيعة يدعون أن المدفون في جامع القبلانية هو علي بن محمد الصيمري الذي مر ذكره في البحث عن قبر الخلاني آنفاً وتجد ذكره في ترجمة محمد بن يعقوب الكليني الرازي من كتاب (روضات الجنات) أما القدوري المذكور فقد قال عنه ابن خلكان في (22: 1) من تاريخه: (ودفن من يومه بداره في درب أبي خلف ثم نقل إلى تربة في شارع المنصور ودفن هناك إلى جانب أبي بكر الخوارزمي الفقيه الحنفي) وهو مثل ما ذكره السيد محمود شكري الآلوسي إلا أن الآلوسي زاد (في جانب الرصافة) ولا دليل له
على أن شارع المنصور بالرصافة وإنما الذهن يبادر إلى أن شارع المنصور بمدينة المنصور أي في ما بين كرخ بغداد اليوم وجنوبي الكاظمية فضلا عن أن الرصافة زمن المنصور فوق البلاط الملكي اليوم إلى قبر أبي حنيفة (رض) على ما يأتي وجامعة آل البيت اليوم في موضع الرصافة القديمة ويلي الرصافة من الشرق الجنوبي محلة المخرم ثم بغداد الحالية فأين القبلانية من الرصافة زمن المنصور حتى يسمى شارعه شارع المنصور؟.
أما درب أبي خلف ففي كرخ بغداد، نقل ابن خلكان في (199: 1) عن دعلج السجستاني ما اصله: (وكان يقول: ليس في الدنيا مثل داري وذاك انه ليس في الدنيا مثل بغداد ولا ببغداد مثل القطيعة ولا في القطيعة مثل درب أبي خلف وليس في الدرب مثل داري. . . قال: توفي دعلج المذكور يوم الجمعة لإحدى عشرة بقيت من جمادى الآخرة سنة إحدى وخمسين وثلاثمائة وقيل لعشر بقين من جمادى) وقال ابن خلكان في (319: 1) مترجما للداركي عبد العزيز بن عبد الله الفقيه الشافعي ما نصه: (وكان يدرس ببغداد في مسجد دعلح بن احمد(8/493)
بدرب أبي خلف من قطيعة الربيع. . . توفي ببغداد يوم الجمعة لثلاث عشرة ليلة خلت من شوال سنة خمس وسبعين وثلاثمائة) اهـ. قلنا: ولا شك في أن قطيعة الربيع بالكرخ فقد قال ياقوت في مادة (قطيعة) ما عبارته:
(قطيعة الربيع وهي منسوبة إلى الربيع بن يونس حاجب المنصور ومولاه وهو والد الفضل وزير المنصور، وكانت قطيعة الربيع بالكرخ مزارع الناس من قرية يقال لها بياوري من أعمال بادوريا وهما قطيعتان خارجة وداخلة فالداخلة اقطعه إياها المنصور والخارجة اقطعه إياها المهدي وكل التجار يسكنونها حتى صارت ملكا لهم دون ولد الربيع).
وفي (193: 1 و194) من وفيات ابن خلكان (قال احمد بن الحسين سمعت أبا عبد الله بن المحاملي يقول: صليت العيد يوم فطر في جامع المدينة فلما انصرفت قلت في نفسي: أدخل على داود بن علي أهنئه وكان ينزل في قطيعة الربيع، قال: فجئته وقرعت عليه الباب فأذن لي فدخلت عليه). ونقل في ترجمة أبي حامد احمد الاسفرائيني (وقال الخطيب في تاريخ بغداد. . . ورايته غير مرة وحضرت تدريسه في مسجد عبد الله بن المبارك
وهو المسجد الذي في صدر قطيعة الربيع) وقال في ترجمة الربيع ما اصله: (وقطيعة الربيع منسوبة إليه وهي محلة كبيرة مشهورة ببغداد وإنما قيل لها قطيعة الربيع لان المنصور اقطعه إياها). وورد في ص22 من مناقب بغداد: (وما زالت الجمع تقام في جامع المدينة وجامع الرصافة وجامع القصر ومسجد براثا ومسجد القطيعة ومسجد الحربية إلى أن تبطلت من مسجد براثا بعد الخمسين والأربعمائة). قلنا: وأراد بمسجد القطيعة: مسجد قطيعة الربيع. والظاهر لنا أن قطيعة الربيع بين الجعيفر اليوم والمنطقة لان الحريم الظاهري كان بين الكاظمية اليوم وغرب مدينة المنصور أي جنوب الكاظمية الغربي على ما في خارطة ص107 من لسترنج والظاهر انه كان متصلا إلى دجلة ففي ص27 من مناقب بغداد: (ولم يكن للدار العزية مثل دار بلدرك والحريم الطاهري ودوره الشاظئية وسوره الدائر وبابه الحديد. . . ووراء الحريم شارع دار رقيق محلة كبيرة كثيرة المنازل العجيبة ثم درب سليمان والمارستان وسوقه العجيب ثم دار النقابة الشاطئية) وقال ياقوت(8/494)
عن مقابر قريش: (وهي مقبرة مشهورة ومحلة فيها خلق كثير وعليها سور بين الحربية ومقبرة احمد بن حنبل (رض) والحريم الطاهري) وقال ابن خلكان في (288: 1) عن عبد الله بن نناقيا الأديب: (هو من أهل الحريم الطاهري وهي محلة ببغداد). وقرب الحريم الطاهري (قطيعة زهير) قال ياقوت في مادة (قطيعة) ما صورته: (قطيعة زهير: قرب حريم بني طاهر خربت بالجانب الغربي) فهي تقرب من الحريم من جهة الغرب لا من الشرق لان وراء الحريم كما ذكرنا شارع دار الرقيق ودرب سليمان والمارستان وسوقه، وتتصل بقطيعة زهير (قطيعة أبي النجم) قال ياقوت: قطيعة أبي النجم: ببغداد أيضاً بالجانب الغربي. . . وهذه القطيعة متصلة بقطيعة زهير قرب الحريم الطاهري وهي الآن خراب) ويقرب من هاتين قطيعة ريسانة قال ياقوت: (قطيعة ريسانة: بفتح الراء ثم بياء مثناة من تحت وسين مهملة وبعد الألف نون أظنها من قهارمة المنصور: محلة كانت بقرب مسجد ابن رغبان قرب باب الشعير من غربي بغداد) وقال عن باب الشعير (باب الشعير: محلة ببغداد فوق مدينة المنصور. . . قالوا: كانت ترفأ إليها سفن الموصل والبصرة، والمحلة التي ببغداد اليوم وتعرف بباب الشعير هي بعيدة من دجلة بينها وبين دجلة خراب كثير والحريم وسوق المارستان) اهـ.
ومن الجنوب قطيعة العكي قال ياقوت: (قطيعة العكي: وهو مقاتل بن حكيم. . . أحد قواد أبي جعفر المنصور. . . كانت قطيعة ببغداد بين باب البصرة وباب الكوفة من مدينة أبي جعفر المنصور وقد مر ذكره في طاقات العكي) وأما غربي الكرخ فقد ذكر فيه لسترنج على حسب خارطة ص136 (الضاحية الخطابية) تحت الحريم الطاهري ثم الجزيرة العباسية جنوبها ثم الضاحية الياسرية وهي بشرق براثا التي ذكرناها وبشرقها ضاحية حميد وبشرق هذه ضاحية هيلانة قبالة باب الكوفة والغريب انه ذكر الضاحية الزهيرية بين باب الكوفة وباب البصرة أي بموضع قطيعة العكي.
ولم يبق لنا من حريم مدينة المنصور سوى مت هو من الجعيفر إلى المنطقة فهو قطيعة الربيع المذكورة، وخلاصة البحث أن القول بان القدوري مدفون في(8/495)
جامع القبلانية بعيد عن الصواب.
4 - جامع الصفوية بالكاظمية وشيء عن المشهد
ورد في ص117 من مساجد بغداد ما نصه: (ولما استولى الشاه إسماعيل الصفوي على العراق سنة 914هـ نقض المشهد والقبة وأعاد بناءها على وضع بديع وغشيت الجدران بالذهب الخالص داخلا وخارجا (كذا) وعلقت النفائس والتحف) قلنا: لم يغش إلا ما حول باب المراد أي الشرقي وعلى غشائه الذهبي كتب: السلطان ابن السلطان ناصر الدين شاه قاجار) فهو المذهب للباب لا إسماعيل الصفوي، وإلا ما حول باب القبلة وبعض ما على غشائه الذهبي (السلطان ابن السلطان وخاقان. . . محمد شاه قاجار خلد الله ملكه وأثار برهانه وأفاض على العالمين بره وإحسانه) فهو المذهب له لا غيره. وإلا أحواض المناور فما فوقها والقبتين من الخارج إلى رؤوسهن أما داخل الجدران فليس فيه إلا قطعات ذهب قلائل.
وورد في هذه الصفحة نفسها: (ولما استرد العراق السلطان العادل الغازي سليم خان العثماني وجاء بنفسه إلى بغداد وذلك في سنة 941هـ أمر حينئذ بإكمال تلك العمارة وانشأ حولها جامعاً عظيماً تقام فيه الجمع والجماعات وهو إلى اليوم على رصانته ووضعه). فزاد محمد بهجة مهذبه عليه: (وبنى منارة في الركن الذي بين الشرق والشمال وهي أول منارة هناك).
قلنا: أن الذي اشتهر بين الناس انه جامع الصفوية) لا (جامع السلطان سليم) وان المنارة أتمها السلطان سليم لا أنشأها والتصريح بالإتمام دون الإنشاء ظاهر من البيت الذي في أبياتها عند باب الدرج الأسفل وصخرتها مرتفعة عن الأرض قراب مترين وتسعة سنتيمترات وطولها قراب 90 سنتيمتراً وعرضها قراب 50 سنتيمتراً والبيت:
قلدي إمداد أمر عالي أيله ... ويردى حق بو مناره (إتمام)(8/496)
والناس الخبراء يقولون أن سلطان الأتراك أمر بدرزه (والدرز عندهم: ملء فراغ ما بين السوف) ويقولون انه أمر ببناء المنبر الحجري فقط داخل الجامع وهو الصحيح فقد رأينا المنبر ملصقاً لا مفرعاً تفريعاً وطابوقه أصفر وطابوق الجامع مائل إلى البياض وفي أعلى باب الخطيب منه ما نصه: (تم في تاريخ محرم الحرام لسنة ست وخمسين وتسعمائة) وهي محصورة في خلافة سليمان الأول القانوني من (926 إلى 974هـ) وقال المهذب محمد بهجة في ص146 ما نصه:
(فان الذي استرد العراق من الصفويين إنما هو سليمان القانوني فبقي في العبارة ليس لا يزول إلا بجعل سليم سليمان كما كان أولا ولعل هذا هو الصحيح وان لم يترجح لدى أحد الأمرين حتى الآن (كذا) وإذا صح قول المؤلف باني الجامع (كذا) هو سليمان القانوني بقي عندنا أمر المنارة ولا ريب أن ورود اسم السلطان سليم في الأبيات يدل على انه هو الذي أمر ببنائها وان لم يدخل بغداد على أنني قد عددت قول الشاعر التركي في تاريخها (أولدي بوجا نفرا مناره إتمام) فوجدت بين بنائها وبين زمن سليم الثاني بونا شاسعا وقد وردت لو يتسع لي نطاق الوقت فاحل هذه العقدة فأنني ما زلت متحيرا في ذلك على ما بذلت من الجهد في مراجعة عشرات المؤلفات التاريخية في التركية والعربية ولعل بعض الوقفين يرشدنا إلى الحقيقة أن شاء الله) اهـ.
قلنا: قد طلب أثراً بعد عين لان تحت الأبيات المذكورة تاريخ (978) محفوراً في الرخامة وخلافة سليم الثاني من (974 إلى 982) هـ فهي متمة في زمانه بدون شك ولا حاجة إلى هذه الجولة العنترية والصولة القوية فكأنها قعقعة شنان.
مصطفى جواد(8/497)
القمامة أو كنيسة القيامة
القمامة: من اقدم كنائس النصارى في بيت المقدس، وقد اختلف المؤلفون والكتبة والاخباريون في سبب هذه التسمية قال صاحب تاج العروس في مادة ق م م. وفي نصه مدمج كلام الفيروزابادي وهو المحصور بين هلالين ما هذا بحروفه:
(قمامة (نصرانية بنت ديراً بالقدس فسمي باسمها) والصحيح انه سمي باسم ما يلقى من قماش البيت، وذلك أن السلطان صلاح الدين يوسف بن أيوب رحمه الله تعالى لما فتح بيت المقدس أي المسجد الأقصى مهجورا فأمر بكنسه وتنظيفه وإخراج قمامته وطرحها في هذا الدير فسمي به لذلك، وهذه النصرانية اسمها هيلانة وهي أم قسطنطين الملك، وهي قد بنت عدة ديور في أيام ملك ولدها منها بالرها وغيرها، فتأمل ذلك. وقد رأيت هذا الدير الذي ببيت المقدس وقد يعظمه النصارى على اختلاف مللهم كثيرا ما عدا طائفة الإفرنج) انتهى كلام السيد مرتضى.
فهذا الكلام يشعر بان الكنيسة المذكورة لم تسم باسم قمامة إلا بعد أن أمر صلاح الدين بإلقاء قمامة المسجد الأقصى فيها أو في الدير تبعا لعبارته. والذي نعلمه أن صلاح الدين الأيوبي توفي سنة 1193م واسم قمامة (أو القمامة) كان معروفا قبل ذلك العهد. إذ ذكره المسعودي في كتابه مروج الذهب (111: 1 من طبعة الإفرنج) حين يقول: (وابتدأ سليمان (الحكيم) بناء بيت المقدس وهو المسجد الأقصى الذي بارك الله حوله، فلما استتم بناؤه ابتنى لنفسه بيتا وهو الذي يسمى في وقتنا (كنيسة القمامة) وهي الكنيسة العظمى في بيت المقدس عند النصارى) اهـ كلامه. والحال إننا نعلم أن المسعودي توفي سنة 957م أي بأكثر من مائتي سنة قبل صلاح الدين، إذن فكلام المرتضى في غير محله.(8/498)
وذكر ابن الأثير بعد المسعودي هذه الكنيسة أيضا، (وابن الأثير ولد في الجزيرة في 555هـ 1160م، وتوفي في الموصل في سنة 630هـ 1234م) فقال: (114: 1 من طبعة المطبعة الكبرى سنة 1290) فسارت (هيلانا) إلى البيت المقدس وأخرجت الخشبة التي تزعم النصارى أن المسيح صلب عليها وجعلت ذلك اليوم عيداً فهو (عيد الصليب) وبنت الكنيسة المعروفة (بقمامة) وتسمى (القيامة) وهي إلى وقتنا هذا يحجها أنواع النصارى) اهـ.
وفي كلام كل م المجد الفيروزابادي والسيد مرتضى الزبيدي وهم آخر هو انهما لم يدخلا أداة التعريف على (قمامة) وجميع المؤرخون يذكرونها محلاة بها.
ولعل ثم وهم ثالثا هو أن (القمامة) اسم الكنيسة لا الدير، وان كان يلاصقها دير هو دون البيعة خطورة وشأناً.
وممن ذكر القمامة ابن خلدون (المولود سنة 1332م والمتوفى سنة 1406م قال: (149: 1) وكانت أمه (أم قسطنطين) هيلان صالحة فأخذت بدين المسيح لثنتين وعشرين سنة من ملك قسطنطين ابنها، وجاءت إلى مكان الصليب فوقفت عليه وترحمت وسألت عن الخشبة التي صلب عليها بزعمهم فأخبرت بما فعل اليهود فيها. وانهم دفنوها وجعلوا مكانها مطرحا للقمامة والنجاسة والجيف والقاذورات فاستعظمت ذلك واستخرجت تلك الخشبة التي صلب عليها بزعمهم. وقيل من علامتها أن يمسها ذو العاهة فيعافى لوقته. فطهرتها وطيبتها وغشتها بالذهب والحرير ورفعتها عندها للتبريك بها وأمرت ببناء كنيسة هائلة بمكان الخشبة تزعم إنها قبره. وهي التي تسمى لهذا العهد (قمامة) وخربت مسجد بني إسرائيل وأمرت بان تلقى القاذورات والكناسات على الصخرة التي كانت عليها القبة التي قبلة اليهود إلى أن أزال ذلك عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه عند فتح المقدس) اهـ.
وقد نشر الأب لويس شيخو اليسوعي هذه القطعة المتعلقة بالقمامة في الجزء الثاني من مجاني الأدب ص308 وهذا نص ما أورده. ذيالك النص الذي قال(8/499)
في ختامه: رواه ابن خلدون عن ابن الراهب.
(ثم شخصت هيلانة أم قسطنطين لزيارة بيت المقدس فسألت عن موضع الصليب فاخبرها مقاريوس الأسقف أن اليهود أهالوا عليه التراب والزبل، ثم استخرجت ثلاثة من الخشب وسألت أيتها خشبة المسيح، فقال لها الأسقف: علامتها أن الميت يحيا بمسيسها، فصدقت ذلك بتجربتها، واتخذ النصارى ذلك اليوم عيداً لوجود الصليب. وبنت على الموضع كنيسة القمامة وأمرت مقاريوس الأسقف ببناء الكنائس. اهـ ما نقله الأب رحمه الله، فأين النقل من الأصل؟ وكتبه كلها على هذا الطراز.
وقد أنكر بعض النصارى أن يكون اسم الكنيسة (قمامة) لان هذا اللفظ مما يحقرها، وليست رواية مسألة إلقاء القمامة في ذلك الموضع إلا حديث خرافة. قلنا: أما أن القمامة كانت تلقى
هناك، فليست رواية إسلامية حديثة بل رواية قديمة كما أشرنا إليها، وهي ليست إسلامية فقط بل نصرانية أيضاً على ما تشهد به جميع مدونات الأخبار التي ألفها أحبار النصرانية في أي لغة كانت، وقد ألف المعلم لومون الفرنسي سفراً في التاريخ استخرجه إلى العربية الخوري يوسف داود وطبعه في الموصل سنة 1873 وسماه مختصر تواريخ الكنيسة ودونك ما جاء فيه في ص135 وما يليها:
(وكانت أمه هيلانة الملكة تعادله في توقير القدس الشريف، فانطلقت إلى بلاد فلسطين ولو أنها كانت في نحو عمر الثمانين سنة، فلما بلغت إلى أورشليم (بيت المقدس) أخذها شوق عظيم إلى وجود عود الصليب الذي صلب عليه مخلص العالم، وكان وجوده صعباً جداً، لان الوثنيين رغبة انم يمحوا ذكر قيامة المسيح من العالم، كانوا قد كوموا تراباً كثيراً على موضع قبره، ثم سطحوه، وبنوا فوقه هيكلاً لواحدة من الاهاتهم ليحملوا النصارى على أن يغفلوا عن زيارة ذلك الموضع، ولكن هيلانة لم تفشل، بل شاورت في هذا الأمر شيوخ أورشليم، فقالوا لها: (إن أمكنك أن تجدي قبر المسيح، فهناك صليبه وسائر الأدوات التي عذب بها). وقد كان عند اليهود عادة أن يدفنوا مع الميت المقتول بأمر الحاكم الأداة التي بها قتل.(8/500)
(فأمرت الملكة أن يهدموا الهيكل الصنمي المبني على موضع قبر المخلص ثم نظفوا الموضع وشرعوا يحفرون حتى وجدوا المغارة التي كان فيها مدفن المسيح، ووجدوا عند المدفن ثلاثة صلبان والكتابة التي كانت قد وضعت على صليب المسيح مفصولة عنه والمسامير التي سمر بها جسده فبقي الأمر أن يعرفوا أي من الثلاثة هو صليب المسيح، فأشار مقاريوس أسقف أورشليم إلى الملكة أن يقربوا الصلبان الثلاثة إلى رجل طريح بمرض عضال، فشرعوا يصلون ووضعوا على رأس المريض الصلبان الثلاثة الواحدة بعد الآخر. وكانت الملكة حاضرة وهي خاشعة متحرمة وأهل المدينة كلهم ينظرون نهاية الأمر، أما الصليب الأول والثاني فلم يظهر منهما شيء، وأما الصليب الثالث فلما أدنوه من المريض شفي المريض لساعته وقام متعافيا، وحكى سوزومنس (من أبناء القرن الخامس للميلاد) المؤرخ أن ذلك الصليب الثالث وضعوه أيضاً على ميت فرجع إلى الحياة وروى أيضاً بولينس (من أبناء أواخر المائة الخامسة للميلاد)، فلما اطلعت هيلانة الملكة على
صليب المسيح الحقيقي، ارتقشت فرحاً (كذا، أي ابتهجت فرحاً) وأخذت جزءاً من ذلك العود المقدس لتذهب به إلى ابنها قسطنطين، وأما الباقي فوضعته في صندوق من فضة ودفعته إلى أسقف أورشليم، ليوضع في الكنيسة التي كان قسطنطين أمر أن تشيد على محل قبر المخلص) انتهى كلام لومون الفرنسي المترجم إلى العربية.
ونحن لا نريد أن نتوسع في هذا الموضوع اكثر من هذا، إنما الكلام على أن القمامة أو قمامة أو القيامة أو قيامة المسيح مما قد جرى على السن الكتبة والإخباريين والمؤرخين وليس في قول القائل: (القمامة) أدنى تحقير لأنها تشير إلى ما كانت عليه قبل البناية لا إلى ما بعدها إذ نصوص المؤرخين والإخباريين صريحة على ما أوردنا بعضا منها، أما بعد بناية الكنيسة فتسمى كنيسة القيامة أو العامة(8/501)
لان العامة وردت بها المعنى فلتحفظ، وأما بالفرنسية فيقال:
البرثنون في كتب العرب
كنا قد ذكرنا في هذه المجلة (202: 6) أن البرثنون سماه بعض السلف (فرتني) وقلنا انه ورد كذلك في أحد الكتب المطبوعة ولم نجده إلى الآن إلا أننا ظفرنا بمن سماه (برثنون) وهو ابن النديم في كتابه الفهرست إذ يقول في ص246 س30 ما هذا مثاله: (وكان أبوه (أبو ارسطو طاليس) نيقوماخس متطيباً لفيلبس أبي الاسكندر وهو من تلاميذ أفلاطون، قال بطليموس: أن إسلامه إلى أفلاطون كان بوحي من الله تعالى في هيكل بوثيون (كذا). . .) اهـ.
وقد ذكر ناشره غستاف فلوجل ما جاء من اختلاف الروايات في النسخ الخطية من كتب الفهرست فقال: وقد ورد هذا العلم بصور مختلفة منها: يويشون ونوسون ونونثون ونوشون ونوثون وبوثيون وثونون وذكره ابن أبي اصيبعة في (54: 1) بوثيون ويرى فلوجل أن الأصل اليوناني هو بتقدير وهو هيكل افلون الفوتي في فوثون أي دلفي المعروفة اليوم باسم كستري من مدن فوقيدة على المنحدر الجنوبي الغربي من الفرناس، وكل ذلك لا يوافق الهيكل الذي قيل عنه أن فيه أوحي إلى افلاطن إسلام ارسطو إليه بل يوافق البزثنون أو الفرثنون أو فرتني وتفضيل صحة هذه التسمية يطول نبسطها لمن يعاند في قبول هذا الرأي.(8/502)
العمارة والكوت
1 - العمارة
قال الفاضل الأديب عبد الرزاق الحسيني في هذه المجلة (ص168 من سنتنا الحاضرة) ما خلاصته عن سبب تسمية العمارة باسمها هذا انه كان على اثر تمرد عشائر تلك الأنحاء في سنة 1276 (1809م) فقهر الحكومة للعشائر وإنشائها (عمارة) يرابط فيها جيشها. وكان قد قال الأستاذ المتفنن الشيخ علي الشرقي (لغة العرب 536: 5) أن العمارة من أشاء القرن الثالث عشر (للهجرة) وأتم كلامه بما يلي: (ثم اطمأن إليها الناس. . . فانشئوا هناك عمارة ضخمة وأطلق عليها اسم العمارة) اهـ.
قلت: أن الذي يثبته التاريخ هو أن اسم العمارة في تلك الأصقاع لا يعود إلى الحادث والتاريخ اللذين أشير أليهما فلا يرجع إلى العمارة التي ذكرها الكاتبان بل الاسم معروف في تلك الجهات قبل الزمن الذي أنبئنا به ما يزيد على أجيال. وقد ذكرت في مصنفين لأديبين قبل ما يقرب من أربعة قرون. وذكر اسم (العمارة) و (نهر العمارة) و (شط العمارة) و (كوت العمارة) في عدة مؤلفات قديمة لا تقل عن الخمسة عشر بين مخطوط ومطبوع فيها العربي والتركي والفارسي والفرنسي والإنكليزي والإيطالي نذكر منها ما يلي معرباً عن أصولها ونورد بعض النصوص للتأكيد مبتدئين بالأقدم:
جاء في (مرآة الممالك) بالتركية للرئيس سيدي علي في أخبار سنة 961هـ (1553م) في النص 16 من الأصل المطبوع في الآستانة في سنة 1313هـ بعد انحداره من بغداد ما نصه: (سلماس فارس (سلمان فارسي) زيارات اولنوب عمارة بوغازي كجيلوب واسط يوليله زكيه يه واريلوب مقابله سنده عزير نب يعليه السلام زيارت اولنوب. . .) وتعريبه:
(فزرنا سلمان الفارسي ومررنا بفوهة العمارة ثم قدمنا إلى (زكية) بطريق(8/503)
واسط وزرنا النبي العزير عليه السلام المقابل لها) اهـ.
وجاء في رحلة كاسبارو بالبي في قسمها المترجم إلى الإنكليزية الملحق برحلة سوينس كوبر (ص477) ما قوله. . . (وفي 13 آذار سنة 1580 (988هـ) سافرنا من بغداد
قاصدين البصرة وكان سفرنا بطريق دجلة. . . وفي يقسم النهر (دجلة) إلى قسمين أحدهما يجري نحو الفرات والآخر نحو البصرة) اهـ ولا بد انه يريد العمارة كما جاء في (مرآة الممالك) وكما يأتي ولا بد أن تكون الكلمة مغلوطاً فيها أما لسوء السماع فالخطأ في تصويرها وأما لغيره فالغلط في قراءتها أو طبعها.
وقال بولاي لوكوز في النص 315 من رحلته وهو يسير من البصرة إلى بغداد صاعدا دجلة في سنة 1649 (1059هـ): (وفي اليوم الثاني عشر قدمنا إلى قلعة صغيرة تعود إلى بكلر بكي بغداد فدفع عشرة ايكوات عن دانكنا. . .) اهـ. وقد جعل بازاء كلامه في الحاشية كلمة فهو يبحث عنها.
ونجد في إحدى رحلات تافرنيه (240: 1) انه قد اجتاز ببغداد في(8/504)
سنة 1652 (1063هـ) ثم غادرها قاصداً البصرة فقال: (وينقسم النهر (دجلة) تحت بغداد إلى قسمين أحدهما يجري على طول بلاد كلدية القديمة والآخر نحو النقطة التي ينتهي بها ما بين النهرين. . . أما نحن فقد سرنا في القسم الذي يتجه نحو بلاد كلديه. . . وهذه أسماء القرى التي وجدناها على هذا الفرع من دجلة: حيث فيها قلعة مبنية من اللبن. . .) اهـ.
وممن ذكر العمارة الأب جوزيه الكرملي (ثم الأسقف سبستياني) في رحلته الأولى المطبوعة في سنة 1666م (1077هـ) إذ قال (ص55): وذلك بانحداره إلى البصرة من بغداد. وذكرها بصورة في رحلته الثانية بعودته من الهند إلى بغداد (219 - 220). وهي المطبوعة في 1672م (1083هـ).
واخبرنا الأب فيشنتسو الكرملي في رحلته المطبوعة في سنة 1672 (1083هـ) (ص88) قدومه إلى مدينة اسمها وهو يصف رحلته راكباً (دانكا) يجري في دجلة بين بغداد والبصرة.
وعندي مخطوط بالتركية (ذكرته في هذه المجلة 23: 5) دون فيه صاحبه المعاصر لذلك الزمن إخباراً يومية عن الولاة والحكومة الخص منه ما يمس الموضوع وهو أن الباشا غادر البصرة في 18 صفر سنة 1126 (1748م) فضرب خيامه في باب الرباط وسار نهراً بطريق الفرات فقدم إلى الخان فالسعدية فالدير فنهر عنتر فنهر صالح فدار بني أسد فأبو شوارب فالمنصورية ثم قال: (بغداد شطي، عمارده (عماره ده) ايكي شق اولوب
نصفي قورنه ده ونصفي دخى بو منزلده مراد شطنه (يقصد الفرات) متصل اولور) اهـ وتعريبه: (أن شط بغداد ينقسم في العمار (يريد العمارة بدليل ما يأتي بكتابته للعمارة) اهـ. ثم قال في موضع آخر: (ورد الخبر أن الحرم المحترم (حرم الباشا) غادر البصرة يوم الاثنين(8/505)
الموافق اليوم الثالث من المحرم (1163هـ 1749م) فتوجه للقائهم الداماد (الصهر) احمد باشا يوم الخميس الواقع في اليوم السادس عشر من الشهر وذلك على أمر حضرة ولي النعم (الباشا) فوصل إلى العمارة (عماريه (عماره يه) واصل. . .) في اليوم الثالث والعشرين منه الموافق يوم الخميس فوصل كذلك الحرم المحترم إلى المحل المذكور بطريق شط العمارة (عمارة شطي أيله) اهـ.
ومما جاء في تذكرة شوشتر للسيد عبد الله ابن السيد نور الدين ابن السيد نعمة الله الحسيني الششتري المتخلص بفقير المتوفى في سنة 1173 هـ 1759م) انه قال في ال ص68 (. . . وأعراب راكه بسمت رود عمارة رفته بوند. . .) اهـ.
وقال دانفيل في كتابه (الفرات ودجلة) المطبوع في سنة 1779 (1193هـ) في ال ص146:
(موقع يرضينا كل الرضى لان نلحق خريطة الصابئة ونتمتع بفوائدها.
ثم قال (ص147): (وتعرف فتحة (هذه البطائح) في خريطة الصابئة من موضع اسمه حي بني ليث بازاء ولاصق بالضفة اليمنى من الشط وبعدها حالا الأكراد أو قلعة الأكراد.
وبتوجيه النظر إلى الخريطة التي ألحقها المؤلف بكتابه نرى انه يعين موقع جبل (بضم فتشديد) ثم يليها النعمانية فالجوازر ففم الصلح فواسط فالعمارة(8/506)
(على الضفة اليسرى) وبازائها) (على الضفة اليمنى) فرع متشعب من دجلة، وألاحظ استطرادا أن في هذا التسلسل غلطاً ليس اليوم من موضعي نقده.
وجاء عن دجلة كلام شبيه بكلام دانفيل في كتاب جغرافية بوشنك المطبوع في سنة 1780 (5 - 1194) في الص 386 بعد أن تكلم عن واسط قال قرية تسكنها الأعراب فيها قلعة وتحت ذلك تنقسم دجلة إلى قسمين أحدهما وهو الأيمن يتصل بالفرات والثاني وهو الأيسر مع هذا النهر (القسم الأيمن) تتألف جزيرة قرب القرنة.) اهـ ودانفيل وبوشنك مؤلفان وليسا بصاحبي رحلة. وقد رحل سستيني من بغداد إلى البصرة سنة 1781 وهو يقول في رحلته
من الترجمة الفرنسية (ص182):
(قدمنا إلى التي يقال إنها في منتصف الطريق بين بغداد والبصرة. . . واشترينا في دجاجاً. . .
وبازاء جدول حفرته يد الإنسان ينشئ جزيرة كبيرة اسمها (جزائر) فانه يوصل مياه دجلة بمياه الفرات.) اهـ وفي كتاب صفة باشوية بغداد لروسو المطبوع في سنة 1809 (1224) ما قوله:
(وبإرجاع كلامنا إلى ضفاف دجلة تقع أنظارنا أولا على وهي موضع يقع على اليمين (والصحيح على الضفة اليسرى) وهناك يتشعب من النهر (أي دجلة) جدول يصب بالفرات قليلا فوق (يريد به كوت المعمر بفتح الميم الثانية المشددة) اهـ والظاهر انه يريد بالعمارة كوت العمارة إذ انه لم ينوه به في كتابه بينما كان الكوت قائما كما سنرى.
وابن كتاب جهاننما اكاتب جلبي المطبوع في سنة 1145 (ص6 - 455) أن للمسافر من البصرة إلى بغداد ثلاث طرق وذكر منازلها وقال عن الطريق(8/507)
الوسطى: (من البصرة إلى القرنة إلى هدير (؟) فعبرة أمير المؤمنين فآل حسين (؟) فالفتحية فنهر السبع فجديدة عفراد (؟) فعبدورقا (؟) فالمنصورية فالإسكندري فشط الحمار (بتشديد الميم) فالقلعة الجديدة فالدكة فقلعة القصر فالجوازر فصدر عمار (مدر العمارة؟) فاللقمانية فبغداد) قلت أخال أن في عدد المنازل نقصاً بعد صدر العمار إذ ليس من المعقول أن يكون بين صدر العمارة وبغداد منزل واحد وان اعتبرنا صدر العمارة في اقرب موضع من بغداد أي في الموضع الحالي للكوت. لعله يريد النعمانية وليس اللقمانية. وجهاننما مشحون بأغلاط الطبع تنقش فيه نقشاناً ولا سيما الأعلام. وعندي نسخة من مخطوط فارسي في تاريخ المشعشعين جاء في مقدمته انه لنور الدين بن نعمة الله الموسوي وفي آخره أن المؤلف أتمه في سنة 1234هـ (1818م) ومما فيه قوله (ص42) (سيد مبارك بكنار نهر عمارة رفت) وفي ص97 (بعد از أن زكيه بكنار عمارة وأبو سدرة. . .) وفي 176: (سباه بغداد بعمارة وسيده) اهو كان السيد مبارك من رجال صدر القرن الحادي عشر للهجرة.
وإذ لا ترضينا شهادات هؤلاء الغرباء ولا سيما لإمكان القول أن الإفرنج لا يفرقون بين عمارة وأمارة قلنا لنا شاهد صميم العروبة هو مختصر طالع السعود في كلامه عن سليمان
باشا والي بغداد (والد واليها أيضاً سعيد باشا) المتوفى في سنة 1217 (1802م) (ص29) فانه قال: (وعمر كوت العمارة وسوره). وكانت وفاة ابن سند مؤلف مطالع السعود على رواية في سنة 1240هـ (1824م) وهي غلط وعلى رواية أرخى في سنة 1242 (1829م) وعلى رواية غيرها في سنة 1250هـ (1834م) ومهما يكن من أمر وفاة ابن سند فإنها متقدمة على سنة 1276 فلم تكن تسمية العمارة باسمها هذا لسبب العمارة التي حكي إحداثها بل هي اسم على مسمى اقدم من الزمن المعين في المقالين ويا ليت العماريين يكتبون لنا ما يقصه عليهم رواتهم ليأخذ الباحث عنهم السمين ويرمي الغث بعد التمحيص والتدقيق.
يعقوب نعوم سركيس(8/508)
(عن جريدة البلاد)
أقامت جمعية الشبان المسلمين) في حاضرتنا حفلة جليلة في مساء 5 يونية (حزيران) تكريما لذكرى فقيد العربية ومصر بل فقيد الشرق كله فاشترك في هذه الحفلة وجوه الأماثل والعلماء ورجال الحكم والفضلاء والمحامون والصحفيون على اختلاف الملل والمحل مما دل على أن الرزء أصاب جميع هؤلاء الناس وكل من ضاهاهم أو كانوا ممثلين لهم.(8/509)
بيت عراقي قديم
الشيخ ياسين المفتي ابن حسين أفندي
شيخ العراق
6 - قد عثر صدفة في أثناء مطالعة حديقة الزوراء على نبذة وجيزة عن المترجم وهي مهمة لأنها تنبئ عن مكانة بعض أفراد هذه الآسرة فأحببت اطلاع القراء الكرام عليها قبل الكلام على عبد الله أفندي ابن مرتضى أفندي للعلاقة النسبية والصلة العلمية بين الاثنين ولتلازم بحثيهما من نقطة توجه الاختصاص إلى وجهة جديدة ودخولهما في ناحية من العلم لم تكن مألوفة لآبائهما وأجدادهما. اللهم إلا حسين آل نظمي فانه هو الذي بذرها ولعل الاثنين خريجا معرفته وتدريبه. وقد نال المترجم مكانة سامية رتبة علية. قال صاحب الحديقة:
(لما بلغ الأمر - مغلوبية الوزير احمد باشا والي بغداد في حرب الأفغان - إلى أمير المؤمنين أرسل يسلس الوزير عن هذا الأمر الخطير ووعده بالعساكر الكثيرة العدد المتواصلة المدد وقرأ الفرمان النمس (شيخ الإسلام). (المفتي ببلد السلام) العالم العلامة. الحبر الفهامة (شيخ العراق) على الإطلاق، (ذو التحرير المبين) مولانا الشيخ ياسين رحمه الله رحمة تدفقت حياضها وأنقت رياضها من والدي حفظه الله تعالى أن ينشئ له كتاباً لحضرة هذا الوزير مشتملا على التسلية وجامعاً أصناف التهنئة، فانشأ كتاباً هو السحر الحلال، تضرب له نواقيس الأمثال إلا انه لطول العهد لم يبق في ذكري منه شيء يعهد.) انتهى ما جاء في ص182 عند الكلام على وقائع سنة 1139.
ويفهم منه أن المترجم توفي قبل تحرير الحديقة أي قبل وفاة احمد باشا الوزير وقد اطلعت على مجموع خطي في خزانة الأوقاف في بغداد تحت رقم 1491 كان تملكها المترجم فكتب على غلافها (ثم انتقل بالشراء الشرعي إلى الفقير ياسين ابن حسين المفتي بدار السلام سنة 1135) انتهى مما يدل على انه كان مفتياً في السنة المذكورة(8/510)
ويقطع بأنه تولى الإفتاء حينما كان عبد الله أفندي ابن مرتضى أمين الفتوى وسيأتي ذكره.
هذا وان المنصب لا يكسب المرء فخاراً، وغاية ما هنالك أن صاحب الحديقة ذكره عرضاً فأبان منزلته وفضله.
ومما يسترعي الأنظار أن هذه الأسرة لا تزال تسمي أبناءها بهذا الاسم فان أحد أولاد طاهر جلبي اسمه ياسين. . . وما ذلك إلا لان هذا المترجم نال شهرة فائقة.
عبد الله أفندي المفتي بن مرتضى أفندي
هذا هو ابن مرتضى أفندي، وقد أسس شهرة جديدة بسبب انه عهدت إليه مهمة الإفتاء ونعت بالمفتي، فقيل لأولاده وأحفاده: (آل المفتي)، ومن ثم غطت شهرته على سابقيه، فلازمتهم صفة الإفتاء إلى مدة، وقد أطرى الحيدري صاحب (تاريخ عنوان المجد) هذا البيت فقال:
(ومنهم (من بيوت بغداد) بيت الفاضل العلامة عبد الله بن مرتضى المفتي (المفتي هنا نعت لعبد الله أفندي) وهو بيت علم وفضل، وقد اخذ عن جدنا العلامة التحرير السيد صبغة الله الحيدري، وكان لعبد الله المفتي المذكور ولد فقيه يسمى (عبد الفتاح) الفقيه، وكان افقه أهل عصره، ويدعى بابي يوسف الثاني، وله أخ (الضمير يعود إلى عبد الفتاح) يسمى الحاج احمد نائب بغداد، وآخر من أدركت من رجال هذا البيت. . . الكامل الفقيه درويش النائب نجل احمد النائب، ولم يبق منهم أحد سوى بعض العصبة من أهل الكسب، وهم من أهالي بهرز من قرى بغداد) اهـ. (راجع ص116).
كان المترجم في زمن الوالي حسن باشا وابنه احمد باشا أمين الفتوى حينما كان يس أفندي مفتياً في المذهب الحنفي وقد رثى الوزير حسن باشا بمقامه سماها (المقامة الحسنية) ومدح الوزير احمد باشا بقصائد كثيرة تتضمن وقائع تاريخية وبيانات مهمة. وان صاحب الحديقة أوردها كوثائق تاريخية ومدائح للوزير وهذه يعول عليها لوصف زمنه دون الذين تصرفوا فيها. وبهذه اكمل تاريخ والده من حيث لا يقصد، ولذا اقتبسها المؤرخون وأصحاب المجاميع واستدلوا(8/511)
بها كنصوص تاريخية.
ثم أن المرحوم نعمان أفندي الآلوسي وقف أيضاً عند عبد الله أفندي ابن مرتضى أفندي في التعريف به لعلاقة القربى بينهما في مجموعته والظاهر أن نظمي أفندي نسي تماماً ولم يعرف بعد ذلك ولذا لم ينبه عليه. وإنما ذكر انه عثر في الآستانة على (كتاب نزهة
المشتاق في علماء العراق) لأبي البركات الشيخ محمد الرحبي الذي فرغ منه مؤلفه سنة 1175هـ وجده في خزانة راغب باشا حينما ذهب إليها. فنقل ترجمته من هناك كما أن مجلة (اليقين) ذكرت بعض مقتبسات من الكتاب المذكور ولكن الآلوسي بعد أن دون هذه الترجمة بنصها علق عليها بان المترجم جد ولده المرحوم حسام الدين أفندي الآلوسي لامه وذلك أن أمه آسيه (زوجة نعمان أفندي) بنت المرحوم درويش أفندي ابن احمد أفندي المفتي ابن عبد الله أفندي المذكور.
وهذه المجموعة - مجموعة الآلوسي - هي التي رقمها 3298 في خزانة الأوقاف ببغداد ومنها نقل المرحوم شكري أفندي الآلوسي ترجمته مع تعليق نعمان أفندي عليها في كتابه المسك الاذفر المطبوع في بغداد سنة 1348هـ (1930) وزاد شكري أفندي أن هذه الترجمة مجرد أسجاع منحطة في حين إنها تحتوي مطالب مهمة وقد ذكرها في الكتاب المذكور وفي المجموعة المنوه بها فلم نر في نفسنا حاجة إلى تكرار القول عنها.
فالرحبي معاصر له وعارف بأحواله، وفي هذا ما يكفي للدلالة على طول باعه وتضلعه من العلوم، فالأسجاع - بمقتضى ذلك الزمن - لا تمنع من النفوذ إلى ما وراءها من حقائق بارزة للعيان. . . فهو نابغة أيضاً كأسلافه وأجداده إلا انه غير وجهته فصار تحصيله عربياً بحتاً كما أن ابن عمه يس أفندي كذلك، وقد اخذ عن عمه حسين أفندي هو وجماعة من علماء العراق وعلى كل حال هو فقيه ومحدث وأصولي بالوجه المبسوط في ترجمته الآنفة الذكر كما انه أديب ناثر وشاعر في العربية مع التمكن من اللغة التركية ولكن العربية هي الغالبة عليه.
وله في النثر - مما أبقته الأيام - مقامة سماها (المقامة الحسنية) كتبها باللغة الفصحى وقدم عليها مقدمة تركية قال ما مؤداه:(8/512)
(أن الوزير صاحب السعادة حسن باشا تولى ولاية بغداد لمدة 31 سنة في خلالها عاش العراق بأمن وطمأنينة. ثم تولى الإمارة الكبرى في الحرب الإيرانية فتوجه بالجيوش الإسلامية إلى ديار العجم ووصل قرمسين (كزمنشاه) وهناك وافاه الأجل فقضى نحبه، وان أهل الرأي من الأمراء هناك لم يستصوبوا دفن جسده المبارك في تلك الديار ورأوا نقل نعشه إلى دار السلام فسيروا نعشه مع احمد آغا كهية الباب فنقله.
وحينئذ خرج لاستقباله العلماء والأعيان وسائر الآهلين ببلد السلام، وليس من المستطاع وصف البكاء والعويل الذي حدث في ذلك اليوم.
ولما علم الطغاة وأهل البغي بموته ابتدءوا بقطع الطرق فانقطعت المبرة والسوابل وانتزعت الشفقة والرأفة من القلوب واختل النظام الذي قام به وتشوشت الحالة. والحاصل أن أشراط الساعة قد ظهرت بوادرها بموته وشوهدت علاماتها. . .
وان هذا الفقير الحقير - يعني نفسه - قد شاهد ليالي القدر الأولى في زمانه قد تبدلت بليال سود، ولذا استغرق في بحر لجي من الحيرة والاضطراب لما رآه من تغير الحالة، وإظهاراً لهذا الأسف والحزن عزم على تدوين مقامة تتضمن رثاءه موهماً ومورياً بسور القرآن العظيم في بيان شجاعته التي أبداها خلال حكمه مع كشف أوصافه الحميدة وخلاله الكريمة.
قال واثر المشروع في تسويد هذه المقامة تأملت الأمر وفكرت فيه ملياً فحصل لي انه يستحيل تصحيح هذه الأحوال وإعادتها إلى نصابها ما لم يتصد نجله المكرم فيقضي على هذا الخلل ويعيد النظام إلى نصابه، وحينما وصلت إلى سورة والمرسلات ألهمت النطق بسعادة نجله فرجوت من الله تعالى أن يدفع به ما ألم بنا من هذا الخطب الجلل والمعضل الصعب.
استجاب الله تعالى دعائنا - ولله الحمد - ولم تمض إلا مدة يسيرة حتى جاءت البشرى من جانب الحكومة العلية بتوليته الوزارة على ولايتنا وعلى إدارة كافة شؤون الأقاليم الآخر ففوضت إليه، وكان آنئذ والياً على البصرة فحسب.
وهذه المقامة نظراً لغرابة وضعها قد نالت رغبة من اكثر أرباب العرفان(8/513)
فكتبوها وسارت إلى الأقطار الأخرى مثل مصر والآستانة وغيرهما) اهـ.
وعنوان هذه المقامة:
(المقامة الحسنية في رثاء ذي السجايا المرضية المرحوم حسن باشا والي ولاية بغداد المحمية).
وأولها: الحمد لمن له الأمانة والإحياء الخ، وفي آخرها يقول: فرحم الله الذي مات وأبقى الخلف. . . انتهى هذا نص ما في المجموعة الموجودة عندي موافقاً لما جاء في حديقة
الزوراء. والنسخة كتبت في أواخر القرن الثاني عشر تقريباً. وليس فيها تاريخ. ولا محل لوصفها الآن سوى أني أقول أنها تحتوي على جملة صالحة من شعر المترجم، منها ما هو مذكور في الحديقة وأكثره يشير إلى تهنئة احمد باشا بالولاية والى حروبه للعجم والعشائر المناوئة. والكل ذو علاقة بتاريخ العراق في زمن احمد باشا وقد عول عليه صاحب الحديقة في ما ذكره عن الوقائع والحوادث الأخرى كتعمير الحضرة القادرية وغيرها. . .
وهنا لا يفوتنا أن نشير إلى أن صاحب الحديقة نعته بالسيد عبد الله المفتي وكذا صاحب المجموعة المتأخرة عن تاريخ نزهة المشتاق والظاهر أن هؤلاء استدلوا على ذلك من نسبته إلى سبط الشيخ عبد القادر الجيلي. ولذا يستبعد أن يكون ذلك شخصاُ آخر غير عبد الله أفندي المفتي. ومع هذا ننقل ذلك بتحفظ إلى أن ينجلي المبهم تماماً سوى أننا نقول: أن من المعلوم أن النسبة تكون للأب وقد علمت أيها القارئ سلسلة نسبه وان أقاربه اليوم ينفون أن يكونوا علويين.
ولعل منشأ هذه الشهرة تكرار أشعاره في اتصاله بلحمة نسبه الكيلاني، ومن ذلك يستفاد أن أمه زوجة مرتضى أفندي من الأسرة الكيلانية، وفي ذلك الزمن كان التعلق بالآل مفيد ولو بسبب ضعيف. وإلا فإشعاره لا تشير إلى سيادة. وقد وقع صاحب الحديقة في الخطأ كما وقع صاحبه سجل عثماني استنتاجاً من شعره بعلاقة انه سبط الشيخ وقد ذكر له صاحب الحديقة من الأشعار إلى حوادث سنة 1156 تقريباً وكان معاصراً لوالده.
واليك أيها القارئ بعض مختارات شعره التي كثيراً ما أوردها صاحب الحديقة قال من مطلع قصيدة:(8/514)
أهلا وسهلا بطويل النجاد ... وناصر الدين كثير الجهاد
بغداد من نورك قد أشرقت ... وأورقت قضبان عود الفؤاد
حييت يا مولاي من قادم ... قدومه قد كان عين المراد
قد ذهب الروع وزال العنا ... وأنقمع البغي وأهل الفساد
بغداد فيكم قد سمت رتبة ... وأمنها قد فاق آمن البلاد
إلى أن يقول:
فحيثما سرت فسر آمناً ... فلا كبا بك فرس يا جواد
قد قال ذا سبط الولي الشهير ... قطب الورى الحامي لدار السداد
العبد لله سمى بالأمين (كذا) ... في خدمة المولى القوي العماد
وقال:
الكون ضاء سناء منه ديجور ... والوقت رق صفاء منه مكدور
والبشر والأمن والأفراح قد ملأت ... قطر العراق فللأرواح تبشير
والدهر أبدى علامات أسر بها ... كأنما هو في ذا الفعل مأمور
إلى أن يقول:
حسان مدحك عبد الله من قدم ... على مديحك مجبول ومقصور
فدم سعيداً بإقبال يلازمه ... فتح ونصر وإقبال وتدبير
وقال حينما أمر الوزير بتعمير صفة الحضرة القادرية:
إن فحل الرجال قطب سديد ... وعليه رحى الأنام تدور
وكراماته مدى الدهر تتلى ... ولهام العدى لها تكسير
قد وهت صفة له وتداعت ... لسقوط والسقط كاد يطير
بقيت برهة من الدهر هذا ... شأنها والعقول فيها تحير
إلى أن يقول:
مذ رآها الضرغام قال اعمروها ... فبنا الأمر للبناء يتور
تم تعميرها وقرت عيون ... وقلوب سرت وزاد حبور
فإذا قيل هل جزاء لهذا ... قال سبط الولي اجر كبير
للمكافاة افصح التاريخ ... الجزا بالجنات قصر وحور(8/515)
وأمثال هذه الأشعار كثير فلا نطيل القول بإيراد اكر من هذا.
أولاده:
1 - عبد الفتاح أفندي. وقد مر الكلام عليه في صدر هذا المقال. وقد اطلعت على شهادة له في وقفية مؤرخة غرة شعبان المبارك لسنة 1212 تتعلق بوقف مدرسة جامع الصياغ وفيها (الملا عبد الفتاح ابن المرحوم عبد الله أفندي المفتي في بغداد) مع ختمه (عبد الفتاح). ولم يترك ذرية.
2 - الملا طه. وهذا ترك أربعة أبناء ياسين ومرتضى ومصطفى ومحمد راضي (الملا راضي). وهذا الأخير - محمد راضي - أعقب محمد سليم جلبي والد طاهر جلبي وعبد الله جلبي. أما طاهر جلبي فقد تقدم الكلام عليه في أول مقال ذكرناه عن هذه الأسرة. ومن أولاده ياسين وإسماعيل وغيرهما. وأما عبد الله جلبي فانه توفي فخلفه ابنه محمد بك وقد مر الكلام عليه أيضاً. وباقي أولاد ملا طه ماتوا بلا عقب.
3 - احمد أفندي المفتي ببغداد. قد شاهدت له فنوى في أعلام وقف مؤرخ في 28 محرم سنة 1225 ونصها: (ول استحق بعض شائع لم يبطل الوقف في الباقي عند أبي يوسف كذا في المفتي (اسم كتاب) وبه اخذ مشايخ بخاري وعليه الفتوى) انتهى. وقد ذكرت شهادته في الأعلام بصورة (فخر العلماء الكرام مفتي الحنفية حالا المفتي احمد أفندي) ونقش ختمه (شفاعت داردز محمد احمد) أي احمد الراجي الشفاعة من محمد (ص). ورأيت وقفية أخرى مؤرخة في 7 شوال سنة 1228 تتضمن وقف داود أفندي الدفتري (هو الوزير داود باشا) ومن الحاضرين في تسجيلها فضيلة مفتي الحنفية حالا احمد أفندي وهو الخطيب في الحضرة القادرية أيضاً. وقد توفي احمد أفندي قبل سنة 1245 كما يستفاد من وثيقة اطلعت عليها تتضمن التخارج مع زوجته نائلة بنت إبراهيم ومن جملة شهود هذه الوثيقة ياسين ابن الملا طه مفتي زاده ومرتضى ابن الملا طه مفتي زاده وآخرون غيرهما. وقد ترك زوجته المذكورة وبنته فاطمة خانم وابنه محمد درويش أفندي النائب، وهذا توفي بتاريخ 20 من شهر ربيع الأول سنة 1271 زمن القاضي عثمان أفندي زاده محمد أمين أفندي القاضي ببغداد.(8/516)
وكان مع القاضي نائب دائماً منذ تأسيس القضاء ببغداد زمن الحكومة التركية وقد شاهدت وثيقة بتاريخ 1175 تؤيد ذلك، وكان يسمى القاضي ببغداد قاضياً إلى زمن تنظيم نيابة المركز (مركز نائبي) وهو عوض القاضي. ثم صار يسمى القاضي نائباً. وأما نائبه فصار يسمى (نائب الباب) (باب نائبي). وللبحث عن القضاء وتقلباته موطن آخر.
أما محمد درويش أفندي فقد مر كلام الحيدري عنه. وقد شاهدت له بعض الأحكام في سنة 1269 وقد ترك زوجة من آل جميل وخمس بنات إحداهن والدة طاهر جلبي والأخرى زوجة نعمان أفندي الالوسي وعصبته أولاد الملا طه فآلت العصوبة إلى طاهر جلبي
وأخيه عبد الله جلبي. ومن معاصري أولاد عبد الله أفندي المفتي:
السيد رمضان أفندي نقيب الأشراف
مفتي الشافعية الحاج اسعد أفندي
عبد القادر أفندي الصبغة
قاضي الاوردي محمد حسن أفندي
فخر المدرسين رسول أفندي
سويدي زاده عبد الرحيم أفندي
فخر المدرسين محمد أمين أفندي
الحاج عبد الغني أفندي جميل زاده
محمد سعيد أفندي مفتي الحلة
عمر أفندي الراوي
وغير هؤلاء كثيرون.
وارى في هذا كفاية للتعريف بهذه الأسرة التي نالت مكانة سامية وخدمت هذا القطر خدمات تاريخية وأدبية وإرشادية وتعليمية وفقهية. . . والله اعلم.
المحامي: عباس العزاوي
(لغة العرب) تم كلام حضرة صديقنا الكاتب عباس أفندي العزاوي على هذه الأسرة الجليلة وقد وافاها حقها من البحث والتحقيق. وإذا كان لأحد القراء ما يخالف هذا المقال أو ينقده فإن حضرة المحامي نفسه وإدارة هذه المجلة ترحبان به كل الترحيب بشرط أن يكون بعبارة مؤدبة مهذبة ليس فيها ما يشم رائحة القدح أو الطعن ونحن نشكر سلفاً كل من يجود علينا بتحقيقاته.(8/517)
ألفاظ يافثية عربية الأصل
(لغة العرب) كتب إلينا الأديب الفاضل رزوق أفندي عيسى ما هذا نصه: (استحسن غاية الاستحسان طائفة من الكتاب الذين يعالجون المواضيع اللغوية مقالتكم (الألفاظ اليافثية) لما فيها من الحقائق الراهنة التي لم يسبقكم إلى وضع مثلها أو القول بما فيها أحد اللغويين على ما اعهد. وعليه جئت التمس منكم أن تزيدوا علما عشاق اللغة العربية فتطرقوا هذا الموضوع الجليل مراراً عديدة. فتحقيقاتكم في اللفظتين (صنو) العربية الإنكليزية أخرست كل من يتقول عليكم وعلى آرائكم المبتكرة.
فالرجاء أن تبحثوا في أصل كلمة السري العربية التي تفيد معنى كبير القوم وسر الإنكليزية التي معناها السيد والوجيه على طوار بحثكم عن اللفظتين اللتين اتبعتم الكلام عنها وما زلتم سيدي علماً للحق ونوراً يستضاء به.
3 حزيران سنة 1930
نريد أن نبسط في هذا الفصل ألفاظاً هندية أوربية أو يافثية وهي من أصل عربي في نظرنا، وإنما نقول في نظرنا لان هذا الرأي خاص بنا، ولأننا لم نره في كتاب سابق ولأننا لا نكره أحداً من الأدباء على اتباعه، ونحن نعرضه عرضا على من يتفرغ لدرس اللغات وأصولها فيحكم حكمه فيها.
1 - الحوي أو الخوي (بمعنى الولد)
وأول شيء نريد أن نوجه إليه الأنظار ما يتمم بحث (الصنو) و (الابن) وهو لفظة الابن عند اليونانيين الأقدمين الذين يسمونه وقالوا في تعليلها أنها تناسب قولهم وتنظر إلى وجاء في الرقم الاتيكية منذ المائة السادسة قبل المسيح إلى آخر ما قالوا محاولين اشتقاقها من أصل هندي قديم - كل ذلك قد يمكن حدوثه ووقوعه، لكننا إذا استشرنا (مفتاح اللغات) وجدنا الحل فيها أوفى بالمراد من كل لغة سواها.(8/518)
فالذي عندنا أن اليونانية من حوى بالحاء المهملة أو خوى بالخاء المعجمة. والفعيل من حوى هو الحوي (بتشديد الياء) وهو ما يحويه البطن من الخلق فيكون ابناً أو ابنة (أن
أنثت اللفظة فقلت حوية). وان شئت قلت الخوي بالخاء: وخويت المرأة وخوت تخوي خواء (كسحاب): ولدت فخلا بطنها وخويت أجود من خوت (اللغويون) فالخوي المولود والخوية المولودة وسقوط حرف الحلق عند نقله إلى اللغات الغربية أشهر من أن يذكر ولم ينكره إلى اليوم أحد من الواقفين على اللغات فضلا عن فقهائها.
فاشتقاق اللفظة اليونانية التي تعني الابن من لغتنا العربية أوضح من اشتقاقها من أي لغة كانت؟ وان كان هناك معترض فليعزز إنكاره بالبرهان والدليل، وإلا فالقول بالنفي من باب الإنكار المحض لا يسمن ولا يغني من جوع.
2 - مائة وهند
لا تثبت الحقيقة بشاهد أو شاهدين بل بعدة شواهد، وكنا قد قلنا أن في لغتنا العربية ألفاظاً كثيرة تجانس ما عند أصحاب اللغات اليافثية من الكلم، فضلا عما فيها من الأوضاع المجانسة لسائر اللغات السامية، فالمائة حرف عربي سامي يقابله بالارمية (ماتا) أي عشر عشرات أو مائة.
وعندنا أيضاً (الهند) وقد خصها بعضهم بالمائة من الإبل وهو تخصيص لا محا له، ودونك نص صاحب التاج وفيه نص صاحب القاموس: (هند) بالكسر (اسم للمائة من الإبل) خاصة (كهنيدة) بالتصغير. قال جرير:
أعطوا هنيدة تحدوها ثمانية ... ما في عطائهم من ولا سرف
وقال أبو عبيدة: هي اسم لكل مائة من الإبل وغيرها. وانشد مسلمة بن الخرشب الانماري:
ونصر بن دهمان الهنيدة عاشها ... وتسعين عاماً ثم قوم فإنصاتا
وانشده الزمخشري: وخمسين عاماً. وقال أراد مائة سنة وهو مجاز (أو) اسم (لما فوقها ودونها للمائتين) ونص عبارة المحكم: وقيل: هي اسم للمائة ولما دوينها ولما فويقها. وقيل هي المائتان. حكاه ابن جني عن الزيادي. قال ولم اسمعه من غيره. قال: والهنيدة: مائة سنة. والهند: مائتان. حكي عن(8/519)
ثعلب. ومثله في الأساس، وفي التهذيب: هنيدة مائة من الإبل معرفة لا تنصرف ولا تدخلها الألف واللام ولا تجمع ولا واحد لها من جنسها. قال أبو ذخرة:
(فيهم) جياد وأخطار مؤبلة ... من هند هند وازدياد على الهند
انتهى كلام التاج، وقد أورد صاحب اللسان هذا البيت:
(فيهم) جياد وأخطار (مؤثلة) ... من هند هند (وإرباء) على الهند
قلنا: نستصوب من هذه الأقوال رأي أبي عبيدة وهو من أكبر اللغويين وأقدمهم وهو القائل هند: أسم لكل مائة من الإبل وغيرها. لأنه يوافق ما جاء من أمثالها في اللغات اليافثية منها الإنكليزية الصكصونية والأسلندية والدينمركية والدجية والجرمنية وكلها ناشئة من (أي هند) مكسوعة بالأحرف وما يضارعها. وما هند إلا اللاتينية والهندية الفصحى وأما الكاسعة فتتصل بالإنكليزية والقوطية ومعناها حسب. فيكون المعنى: (حساب مائة).
وأما هنيدة المصغرة في صيغتها وبنائها فيناسب أن يكون معناها (اسم لما دوين المائة فويقها) ويقابل كل المقابلة الكلمة الفرنسية فأنها تعني هذا المعنى بلا أدنى فرق. وليس في اللغات الأعجمية وما يفيد معنى الفرنسية والعربية (هنيدة) بمعنى ما دوين المائة وما فويقها) فأنت ترى من هذا أن لغتنا تعلو سائر اللغات بما دفن فيها من كنوز المعاني ودقائق المباني بحيث أنك لا تجد ما يضارعها في سائر اللغات مهما بلغت من درجة سامية في الرقي.
3 - النار والنحاس والوري
النار هي نتاج احتراق بعض المواد فتولد حرارة ونوراً معاً واسمها العربي أشهر من أن يذكر. ومنه المثل كنار على علم. وهي بالارمية (نورا) ومادة اللفظ تكاد تكون واحدة لأن أحرف العلة لا تعتبر في علم مقابلة اللغات فالنار إذن سامية.
إلا أن في لغتنا كلماً عديدة تعني النار ومن جملتها (النحاس) التي نقلها عنا غير الساميين بصورة التي هي كلمة رومية (لاتينية). وقبل أن ننقل ما يجانس اللاتينية من ألفاظ سائر اللغات نورد هنا ما قاله اللغويون عن(8/520)
النحاس بغير معناه الشائع الذي هو المعدن المشهور.
قال ابن فارس: (النحاس: النار) قال البعيث:
دعوا الناس أني سوف تنتهي مخافتي ... شياطين يرمى بالنحاس رجيما
وقال أبو عبيدة: النحاس: (وما سقط من شرار الصفر أو (من شرار (الحديد إذا طرق) أي ضرب بالمطرقة، وما قوله تعالى: (يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس) فقيل: هو الدخان. قال الفراء وأنشد قول الجعدي:
يضيء كضوء سراج السليط ... لم يجعل الله فيه نحاسا
قال الأزهري وهو قول جميع المفسرين وقيل: هو الدخان الذي لا لهب فيه. وقال أبو حنيفة رحمه الله: النحاس: الدخان الذي يعلو وتضعف حرارته ويخلص من اللهب. وقال ابن بزرج: يقولون: النحاس: الصفر نفسه وبالكسر دخانه. وغيره يقول: الدخان نحاس. والعجب من المصنف كيف أسقط معنى الدخان الذي فسرت به الآية. وحكى الجوهري ذلك. وانشد قول الجعدي.
وحكى الأزهري اتفاق المفسرين عليه فأن لم يكن سقط من النساخ فهو قصور عظيم) كلام تاج العروس.
إذن: أول ما عرف العرب معنى النحاس كان النار: وأما أنه يوافق لفظ اللاتين (أي الروم) فهذا واضح من مقابلة لغوي الغرب هذه الكلمة بسائر الكلم عند ذكرهم اللفظة وما يجانسها في سائر اللغات. فقد قالوا أن الرومية مأخوذة من الهندية العالية - وباللثوانية وفي الهندية الجرمنية وكلها تعني (النار).
ومن معاني اللفظة الرومية المذكورة ما يأتي: النار واللهب والحريق والبرق والصاعقة والمشعل والخشب المشتعل والطبخ (مصدر طبخ بمعنى شوى) والحرارة أو الضياء والنجم واللمعان وشدة الشوق والغرام والعشق والمعشوق.
ومن غريب ما في لغتنا أنك أن لفظت الرومية لفظاً يقارب لفظ الرومان الحاليين قلت: (إنيس) بكسر الأول والثاني. وهو يقارب قولنا (الأنيس) ككريم ومعناه أيضاً النار. وقد أنثها بعضهم بالهاء فقال: الأنيسة وهي كالأنيس بالمعنى أي النار.(8/521)
وليس لليونانيين لفظ يجانس اللاتينية إنما عندهم وأنت تعلم أن ما يبتدئ عند الغربيين بالحرف يقابله عندنا الفاء أو الثاء أو الواو أو الباء وهذا ما نراه في لغتنا. فقد قالوا مثلا: فارت القدر بمعنى غلت. والثور: حمرة الشفة الثائرة وثور الشفق: انتشاره وثورانه. والبؤرة موقد النار. وورى الزند وريا (بالفتح) ووريا (بالضم) ورية (كعدة) خرجت ناره. ووريت الزناد تورى: اتقدت. عن أبي الهيثم. فالنار ظاهرة في جميع الألفاظ التي تبتدئ بما يقابل حرف الباء المثلث النقط من تحت. وقد ذكر الغوي بواساك كلماً مختلفة بازاء اليونانية وبعض تلك الكلم تبتدئ بالباء الفارسية. فئة منها بالفاء وطائفة بالهاء ومنها بالفاء
المثلثة. ومن الغريب أن جمع من المعاني في تلك الكلم المتقاربة لفظاً ومبنى ما يذكرنا بمدلولات ألفاظنا العربية هذه التي ذكرناها ومن أراد التوسع فعليه بمعجم بواساك اليوناني الفرنسي ومقابلته بألفاظ سائر اللغات.
4 - العنان والغيم
العنان هو السحاب وهو يكاد يكون كذلك في اللغات السامية كلها أي في العبرية والارمية والصابئية (المندائية) وما تفرع منها.
أما الكلمة التي نقلها أصحاب اللغات الأوربية فهي الغيم فقد قال اليونانيون فمعناها عندهم عاصفة الشتاء والشتاء وإذا صيغت اللفظة صيغة النعت أي إذا قيل فمعناها مطر (بفتح وكسر) أو ماطر وقد ذهب فقهاء اللغة عندهم أن اللفظة تقارب الهندية الفصيحة أي أم الشتاء - أي الشتاء - أي برد الشتاء - أي ثلج أي برد. وباللاتينية - أي شتاء ولو أردنا أن نستقصي ذكر جميع الحروف التي وردت في الألسنة الغريبة الدالة على معنى الشتاء أو ما يقاربه لوقع الكلام في عدة صفحات فاجتزأنا بما ذكرنا.
والذي عندنا أن هذه الأوضاع كلها مأخوذة من (الغيم) العربية بمعنى السحاب. وأنت تعلم أن الغيم لا يكون في بلاد الشرق الأدنى إلا في أيام الشتاء ولما كان أصل كل ثلاثي ثنائياً وكان أصل كل مجوف خلوة من حرف العلة في أصل وضعه كان أصل الغيم: الغم. وغم الشيء غما: غطاه وستره والسحاب يغطي السماء ويسترها. ومنه الغمام بمعنى الغيم. ولا يمكنك أن تقول الغيم(8/522)
أو الغمام إلا وتتصور ما فيه من الماء وهل يكون غيم بلا ماء مهما ابيض ورق وإذا قالت العرب: غيم مغم أنهم يعنون كثير الماء كما ذكره جميع اللغويين ويقال في الغيم: الغين بنون في الأخر وهي لغة بعضهم.
ولما كانت الغين المعجمة حديثة بالنسبة إلى العين المهملة كان أصل غم: عم لأن الغيم ينتشر في السماء فيستر الجانب الأعظم منها. هذا فضلا عن أنهم أبقوا في قولهم عم المطر الأرض بمعنى شملها ما يدل على أن في هذه المادة معنى المطر الذي لا يكون في بلاد الشرق الأدنى إلا في فصل الشتاء.
ويشبه الغمام (بالفتح) الهمام (بالضم) وهو من الثلج ما سال من مائة وتشبه مادة عم أو غم: مادة همي ومنه همي الماء: سال لا يثنيه شيء. وهكذا إذا تنبعث المادة بأصولها وفروعها
دلت على أمور تقع في أيام الشتاء الباردة وهذا أمتن دليل على أن المادة عربية الوضع لتشعب ما يتقوم عليها.
وعندنا أن العنان نفسه لغة في الغمام لا غير من باب وجود لغتين (أو روايتين) في الكلمة الواحدة أي أن الغين نقلت إلى العين أو أن الغين إلى أصلها والميم في الأخر تحولت إلى نون. وهو أيضاً كثير في لغتنا الضادية.
أما وجود لغتين في كلمة واحدة (أي إبدال حرفين من حرفين آخرين) فهو أيضاً جم الأمثلة في لساننا. من ذلك: الكتر والقدر (وكلاهما بفتح فسكون) سما وشمخ. ختره وخدعه. آب يؤوب وعاد يعود. الدهاء والذكاء (محركة) المطلحب كالمسلئب. ارس وحرث. تكافش وتغافس. شحاح وسخاخ. نكث العهد ونقضه. وعوام بغداد يقولون المعجان (بجيم فارسية) وهم يريدون المعكام وهو المقلاع لأن الضارب به يعكم الحجر به أي يشده به وعندنا غير هذه الحروف من فصيحة وغيرها وهي كلها تشهد على أن بعض المتكلمين منا يغير حرفاً أو حرفين في الكلمة الواحدة فيكون منها لغة أو لغتان. وقد يكون هذا الإبدال المزدوج أو المثلث في المعربات نفسها مثال ذلك جاوة (اسم الجزيرة الشهير) فقد قالوا منذ القديم زابج ثم صحفوها تصحيفات لا تعد فقالوا فيها: زباج ورباح وزيبج وسيبج وسابج وزباد ورانج ورابخ وزانج إلى غريها حتى يمكن أن يقال أن كل مؤلف وكل ناسخ ذكرها بوجه من الوجوه.(8/523)
في مجلة المجمع العلمي العربي
كنا قد ألحقنا آراءنا في تعاليق مجلة المجمع العلمي العربي على ما نشرته من كتاب نشوار المحاضرة بتعاليق الأب أنستاس ماري الكرملي ولنا الآن آراء في تعاليقها على ما نشرته من الكتاب المذكور في الجزء الثالث والرابع من أجزاء سنة 1930م وها هي ذة:
1 - في ج3 ص141 س14 نقل المؤلف قول القائل (فلما كان من الغد جاءني رجل متكهل في زي الجند) وعلقوا (بالمتكهل) ما نصه لعله (مكتهل) ولم نعلم سبب هذا التوقيع الذي أفادته (لعل) ففي مادة (كهل) من أساس البلاغة (واكتهل النبات: تم طوله وتكهل) وقد جعل هذا من المجاز فالحقيقة إذن أولى به. فضلاً عن أنه يقال (كهله الله تعالى تكهيلا) ومطاوعه (تكهل تكهلاً) وفي ج1 ص458 من شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد قول أبي حمزة المختار بن عوق الازدي: (يا أهل المدينة وهل كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وآله إلا شباباً أحداثا؟ نعم والله أن أصحابي لشباب متكهلون في شبابهم) وفي ص60 منه (أنهم لشباب يتكهلون في شبابهم غضيضة عن الشر أعينهم)
2 - وفي ص143 س13 - 14 (قد حرد الوزير علي بن الفرات) والصواب (علي ابن الفرات) وفي ص144 (بسليمان ابن وهب) والصواب: حذف همزة (أبن) وفيها (فجاوءا) والصواب: (فجاءوا) وفي ص148: (مع حامد ابن العباس) والجواب كما تقدم في سليمان.
3 - وفي ص145 (وارد أن يسلم المنكوب سلوك المذهب الناس قديماً) والصواب (سلوكاً لمذهب الناس) أي اتباعا له وتأثراً.
4 - وفي ص146 س4 - 5 (فقال: وقع بتقليد إسحاق بن إبراهيم جميع أعمال المعاون بالسواد جزاء له على ما نبهه عليك من تكرمتك يا أبا محمد)(8/524)
فعلق العلامة مرجليوث بقوله (عليك) ما صورته (لعله: عليه) والصواب ما ورد في الأصل لأن (ما المصدرية) ونبه مؤولان بمصدر مجرور (على) والتقدير (جزاء له على تنبيهه عليك) وقد بين التنبيه بقوله (من تكرمته) وكيفية ذلك أن إسحاق بن إبراهيم بن مصعب نبه المأمون على أبي محمد الحسن بن سهل وكان المأمون غافلاً عنه فالعدول عن هذا الأصل معدول عنه.
5 - وفيها (فقال الشيخ للخارجي وهو لا يعرفه وقدر أنه يريد الجامع: إلى أين تمضي يا
شيخ وقد صلى الناس وفاتتك الصلاة) والصواب وقد رآه يريد الجامع) لأن (قدر أنه) لا تجيز له هذا القول المثبت الحكم).
6 - وبعد ذاك الكلام: (فقال الخارجي: يا أبله إنما فاتت من أدركها يريدان التجمع معهم لا يسقط الفرض الذي هو الظهر) قلنا: لا فائدة في ذكر التجمع ههنا ولا (إذ) فصواب الكلمة الأولى (التجميع) قال في مختار الصحاح. (وجمع القوم تجميعاً: شهدوا الجمعة وقضوا الصلاة فيها) وهو المراد، وصاب الكلمة الثانية (إن) الشرطية لأن الخارجي لم يجمع مع المجمعين ولأن (إذ) تفيد تجميعه فيمون في الكلام تناقض عند اجتماعها.
7 - وفي ص149 (أن هذه الأملاك أملاكه يوم مات ولا طريق إلى انتزاعها من وارثه إلا ببينة بالمال) قلنا: والأولى (وارثه) جمع وارث) لأنهم أطفال أيتام (على ما تقدم من الحديث) لا وارث واحد.
8 - وفي ج4 ص302 س3 (يا ابن مائة ألف كر خردل مضروبة في مائة مثلها) بجر (خردل) وقد قال ابن عقيل في باب التمييز من شرحه للألفية (فان أضيف الدال على مقدار إلى غير التمييز وجب نصب التمييز نحو: ما في السماء قدر راحة سحاباً ومنه قوله تعالى: فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهباً) وفي (124: 2) من شرح ابن أبي الحديد قول عبد الله بن العباس (فكانت هذه الثلاثة أحب إلي من ثلاث بدرات ياقوتاً فالصواب إذن (خردلاً) بالنصب.
9 - وورد في ص204 س13 (فلما كثر ذلك على حامد قال له يوماً عقيب سفه جرى عليه) وعلق به المجمعيون ما نصه (كذا في الأصل وفي المصباح، قولهم(8/525)
عقيب بالياء لا وجه له فليراجع) قلنا: ورد في 139: 2) من الشرح الحديدي المذكور: (ويؤكد كونه مراداً قوله عقيبه: ما اختلف عليه دهر) وفي 136: 3) من كامل المبرد قوله: (فإذا ذكر العشي فقد دل على عقيب العبشي) فهذا دليل السماع ويبقى علينا دليل العقل وهو الذي لا ينكره إلا الحول القلب. فحجة المصباح قوله: (وأما عقيب مثال كريم قاسم فاعل من قولهم عاقبة معاقبة) وقال بعد هذا (فقول الفقهاء: يفعل ذلك عقيب الصلاة ونحوه بالياء لا وجه له إلا على تقدير محذوف والمعنى: في وقت عقيب وقت الصلاة) فهو لم يكن يمنعه كما فهم من تعليق المجمعين المبتور الذيل. أما حصره الجواز في ذلك التقدير فليس بشيء لأن اسم
الفاعل يقبل الظرفية فقد قيل (سار هاجرة ووقف داخل البيت وانتظرته خارجه) وفي (43: 2) من الشرح الحديدي نقلاً عن أبي الفرج الأصفهاني قال أبو الفرج: فدعت لهم بحرير فعصبت به صدورهم وتقلدوا سيوفهم ومضوا فجلسوا مقابل السدة) وجعل مقابلا ظرفاً والوجه الثالث يعد (عقيب) حالا نحو (جاء فلان عقيب فلان) أي معاقباً له والمعاقبة تقتضي التأخير أياً كان مقداره وفي (123: 1) من وفيات ابن خلكان) قول أبي الفضل جعفر بن شمس الخلافة الشاعر الشهير:
هي شدة يأتي الرخاء (عقيبها) ... وأسى يبشر بالسرور العاجل
10 - وورد في ص208 س7 (ولا أحسب الرجال يطاوعوني على حربه فعلق به المجمعيون ما نصه (حذف النون من هذا الفعل وأمثاله للتخفيف وقد تكرر في مواضع كثيرة) وهذا لا يعد تخفيفاً بل إدغاما أي تسكين النون الأولى لأنه مما يجوز فيه الإدغام نحو قوله تعالى في سورة يوسف - ع - آية 11 (يا أبانا مالك لا تأمنا على يوسف وأنا له لناصحون؟) والأصل (تأمننا) بالفك وبعد آية قال تعالى (قال ليحزنني أن تذهبوا به) وبالإدغام (يحزني) أما الأول(8/526)
فقد ورد فيه الوجهان الإدغام والفك. قال الطريحي في مجمع البحرين ومطلع النيرين (وقرء: ما لك لا تأمنا على يوسف. بين الإدغام والإظهار، وعن الأخفش الإدغام أحسن) وكيف يجهل المجمعيون هذا الأمر اليسير وقد ورد في القرآن المجيد؟ ففي سورة الزمر: (قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون؟) بإدغام النون (تأمروني) وورد الفك في قوله تعالى بسورة الأعراف أتجادلونني في أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم؟) فيا للعجب من أبناء العرب!
11 - وورد في هذه الصفحة أيضاً فاخترنا للرسل (صاعد بن مخلد) فعلقوا ب (الرسل) ما عبارته (الأولى: للتراسل والرسالة) وعلق الأستاذ مرجليوث (لعله للترسل) قلنا: والراجح (للرسال) مصدر (راسله) فهو كالمراسلة ويؤيد دعوانا قولهم قبل الرسال (يجب أن نقدم المراسلة بيننا وبينه) فهذا واضح بحمد الله.
12 - وورد في ص209 (وكان عبيد الله بن سليمان وأبوه - وهما مقيمان بحضرة الموفق يقصداني ويريثان المال علي فاحفظني ذلك عليها) فعلق به المجمعيون (لعله: يرتبان) قلنا: لا وجاهة في هذا التعليق لأن القائل للقول المذكور (راشد صاحب جيش الموفق) وقد رتب
عليه المال (الموفق) نفسه لا هذان، ويظهر لك ذلك من قوله: (فاعتمد الموفق علي في ذلك. . . فأفقرني ذاك) فالأصل (يريثان علي المال) هو الصواب الأبلج ومعناه (يؤخران علي المال ولا يدعاني أتقاضى ما أنفقته على الجيش) ويزيد الأصل صحة قوله (فكنت أحتاج إلى أن أرهن سيوفي وسروجي وأدخل كل مدخل حتى أقيم الإنزال) وقعا لي في بعض الأيام إلى جهبذهما (ليث) بمال من مال الإنزال) فلا شك في الأصل.
13 - وورد في ص210 (وجاء سليمان وعبيد الله من غد للخدمة على الرسم فشوغلا في الدار) فعلقوا ب (شوغلا) ما نصه: (كذا في الأصل ولعله: شغلا) قلنا أن (شغلا) لا يؤدي معناها شوغلا) لأن الثاني يدل على المبالغة زيادة على المراوغة ووزن (فاعل) يفيد المبالغة في هذا الموضع ففي (278: 2) من خزانة الأدب البغدادي (قال أبو زيد في كتاب المصادر: بكر بكوراً(8/527)
وغدا غدواً، هذا من أول النهار، فإذا نقل إلى فاعل للمغالبة تعدى إلى مفعول واحد) فأفاد أن (المفاعلة) تأتي للمغالبة. وفي هذه الصفحة أيضاً: فإذا كان باكر من باب المغالبة كان للتكثير في البكور إلى الحاجة نحو: ضاعفت الشيء بمعنى كثرت أضعافه) قلنا: فالتكثير هو من المبالغة وانقلبت المغالبة مبالغة لفظاً ومعنى والمبالغة شيء سائغ أوردت أم لم ترد.
14 - وورد فيها: (فكانت تلك أحد ما قوى طمع الموفق) فانشبوا (أحد) ما حروفه: (الأظهر: أحدى، لتطابق تلك) قلنا: لا حاجة إلى هذا الإصلاح ففي المصباح المنير (واحد أصله: وحد، فأبدلت الواو همزة. ويقع على الذكر والأنثى وفي التنزيل يا نساء النبي لستن كأحد من النساء) فالأصل صواب،
15 - وورد في ص211: (والتطرق عليه وعلى أملاكه (فعلقوا عليه: قال في اللسان: تطرق إلى الأمر، ابتغى إليه طريقاً) قلنا: أن حرف الجر يتبدل مع أمثال (التطرق والسعي والذهاب والتسرب والمضي) بحسب المعاني فأن (تطرق عليه) يفيد الشدة والاستحواذ، قال الشريف المرتضى علم الهدى في (25: 2) من أماليه الدرر والغرر: (وللعرب في هذا مذهب طريف لأنهم لا يستعملون لفظة (على) في مثل هذا الموضع إلا في الشر والأمر المكروه ويستعملون (اللام وغيرها) في خلاف ذلك. ألا ترى أنهم لا يقولون: عمرت على فلان ضيعته، بدلا من قولهم خربته عليه ضيعته ولا: ولدت عليه جاريته بل يقولون:
عمرت له ضيعته وولدت له جاريته) فقول علم الهدى علم في بابه وقد نفذ هذه القضية بقوله في (106: 4) من أماليه: (ما كان هذا معروفاً منك ولا والدك ممن يفعل القبيح ولا يتطرق عليه الريب) فدليلنا سماعي قياسي من صميم العربية.
16 - وقالوا في حاشية تلك الصفحة: لم يكن عنده مال يفي منه تلك الأموال والصواب (بتلك الأموال) أو (يوفي منه تلك الأموال) قال في مختار الصحاح: (وفى بعهده. . . وأوفاه حقه ووفاه توفية بمعنى أعطاه وافياً)
17 - وورد في ص212 (يسعى علي فيها أقبح سعاية) وارتبط به المجمعيون ما نصه (المعروف: سعى به إلى الوالي: وشى به أو ضمنه معنى (نم) فعداه(8/528)
بعلى) قلنا: قد ذكرنا تبدل حروف الجر مع فعل واحد وان (على) تفيد الشر في مثل هذا الموضع. فسعى عليه بهذا المعنى لم يذكروه كما لم يذكروا: (سعى عليه بمعنى طاف عليه ففي ص186 من جمهرة أشعار العرب قول طرفة بن العبد:
فظل الإماء يمتللن حوارها ... ويسعى علينا بالسديف المسرهد
فالأصل من المطرد.
18 - وورد في ص214: قال رأيت في منامي يعني بعد إسلامه - علياً عليه السلام وكأنه جالس) قلنا: يجب أن تكون هكذا: (قال رأيت في منامي - يعني بعد إسلامه - علياً عليه السلام) لتبين كل البيان الجملة المعترضة.
19 - وورد في ص216: (وعرف تقلب (الأمور) رأي المقتدر فرأى أن يحسن إلى الحسن) فالظاهر أن (الأمور) من زيادة مرجليوث العلامة، وعلق بذاك المجمعيون (هكذا في الأصل ولعل الأصل: ورأى المقتدر) قلنا: الصواب حذف الأمور والاقتصار على: (وعرف تقلب رأي المقتدر) فأن تقلبه مسبب لتقلب أمور ذلك المتوقع العارف، هذا مرادنا وبقيت أشياء يسيرة جاوزناها خيفة الإطالة.
مصطفى جواد
(لغة العرب) ونحن نزيد على ما تقدم أنه ورد في ص139 س3: لما انفذ أبي إلى مضر اجتديت البحتري) فقالت المجلة: (لعلها محرفة عند اجتبيت) قلنا: والذي عندنا أنها محرفة عن: اجتذبت. وسياق الكلام الوارد بعد تلك العبارة يوضح أن المطلوب هو الاجتذاب.
وفي ص140 س4: (وضربت الأيام ضربها) فعلق عليها أخطاء المجمع: (المعروف ضرب الدهر ضرباته ومن ضرباته ومن ضربه (هذا التعليق لا محل له من الأعراب. لأن قول المؤلف: ضربت الأيام ضربها كقول الأقدمين ضرب الدهر ضربه. لأن ما ينسب إلى الأيام ينسب إلى الدهر وبالعكس إذ كلاهما شيء واحد في المؤدى. ومنه في اللسان: ضرب ببلية: رمى بها.)
وفي ص143 س3: (فقال إذا نشرت الدواوين ووضعت الموازين أأسئل عن ذنوبي؟. . .) والأصوب: أأسأل بالمجهول وعليه تكتب الهمزة على الألف.
(له بقية)(8/529)
فوائد لغوية
1 - نقول منتقل كما نقول: معتلف
قال ابن أبي الحديد في 46: 1 (: وأما قوله: وانتقل إلى منتقله ففيه مضاف محذوف تقديره: إلى موضع منتقله) قلت ليس في الكلام مضاف محذوف أبداً لأن (المنتقل) أن لم يكن اسم مكان سماعاً فهو قياسي لا محالة. والغريب أنه نقض قوله بقوله من دون أن يشعر فقد قال في الصفحة 66 من ذلك المجلد: (والمعتلف موضع العلف) فإذا جاز له أن يجعل (المعتلف موضع العلف) فلم منع نفسه أن يجعل (المنتقل موضع الانتقال)؟ هذا من غريب التناقض.
2 - لا يقال خصوبة
قال بعضهم: (خصوبة الأرض وخصوبة الدماغ) وليست الخصوبة عربية مسموعة فالصواب (الخصب) على وزن (الشبر).
3 - أرسلنا طيه
وقالوا (أرسلنا طية) و (تجودن طيه كذا) وذلك خطأ وصوابه (أرسلنا في طيه) و (تجدون في طيه كذا) قال في مختار الصحاح (وأنفذته ضمن كتابي أي في طيه) ولم يقل (أي طيه)
4 - موقت ومعناه
وقالوا (جريدة أدبية تصدر في الأسبوع موقتاً) وأرى هذه الوظيفة موقتاً) مريدين (من دون وقت محدد) مع أن الموقت هو الذي يكون في وقت معين معلوم فالصواب (تصدر بلا أجل مسمى) أو (غير موقتة)
5 - تحرج الموقف
قال أحد المخطئين: (تحرج الموقف) يريد (حرج الموقف) ولكن التحرج هو انكشاف الحرج وزواله فمعنى القول المنقود (انكشاف الموقف).
مصطفى جواد(8/530)
باب المكاتبة والمذاكرة
حول مقال العربية مفتاح اللغات وما يليها الألفاظ اليافثية في
العربية
قرأت في الجزء الماضي من لغة العرب التحقيقات المهمة والتدقيقات اللاذة مما دعاني إلى إعجابي بمباحثكم ولكنني وددت أن أبدي لحضرتكم ملحوظة طبق ما جاء في مقترحكم من أنكم تقبلون بكل حقيقة ناصعة حول هذا المقال. . . مما أعده مبرراً لإبداء ما في خاطري وزيادة على ما أعلمه فيكم من حب البحث العلمي الخالص. فأقول:
كنتم أوردتم جملة صالحة من الكلمات العربية التي تشترك مع اللاتينية في أصول حروفها. وجعلتم العربية مفتاح اللغات. ولكم الحق في البحث ولا نزاع في هذا الموضوع. فأني مع تسليمي به وموافقتي لرأيكم في ما رأيتم أبدي أن التمثيل الذي مثلتم به من لفظ (فليوس) اللاتينية وأن العرب حوروها وما زالوا ينحتون فيها ويقلبون حروفها حتى جعلوها (ابنا) بعد أن صارت (بلا) ثم صارت (بنا) (فأبنا) (فابنما). . . لا يأتلف مع ما أعلمه للأسباب الآتية:
1 - أن لفظتي فلان وفلانة معروفتان عند العرب والأصل فيهما (فلو) وهو الولد الصغير منهما. والعرب تقول: الزيادة في الحروف تدل على زيادة في المعنى. فصارتا بعد الزيادة تطلقان على الرجل والمرأة.
2 - قول القامو وصاحب اللسان والجوهري أن الفلو الجحش والمهر إذا فطم أو أنه المهر إذا بلغ السنة ففيه نظر كما يستفاد من الأمثلة التي أوردوها فقد أطلق على ابن الآدمي أيضاً فضلاً عما يستفاد من فلان وفلانة قال مجاشع بن دارم:
جرول يا فلو بني الهمام ... فأين عنك القهر بالحسام
فقد ورد الفلو في الأمرين ولد الإنسان والحيوان وكثرة الاستعمال تخصيص(8/531)
متأخر وتقييد للمطلق فكما أن الأول وارد في اللغة كذلك الثاني منقول عنها بكثرة والمجاز حاصل ومتحقق في أحد الاثنين وتخصيصه الحقيقية في الآخر لا دليل يدعمه فهو الابن ومعناه
معناه. والأصل القديم غير متعين.
3 - أن هذا اللفظ نقل إلى اللاتينية فقالوا عنه (فليوس) دون أن نتكبد التأويلات البعيدة والتوجيهات الواحد بعد الآخر وأياً كان معناها سواء الابن لحيوان معين أو الابن المطلق أو الابن المطلق مجازاً بعد أن كان مقيداً لا يخرج ذلك عن كونها عربية الأصل ونقلت إلى اللاتينية. . . ولا يزال أعراب البادية يطلقون اللفظة أي (فلو) على الاثنين من ولد الفرس وولد الإنسان فيقولون عندما ينخون ولدهم لأمر (فلوي! وين فلوي!).
4 - عندنا قضية مهمة وهي عدم معرفة تاريخ اللغات وتقلبات الأولى علمياً وليس في وسعنا أن نقطع بأن اللاتينية من العربية أو العربية من اللاتينية أو أيهما أصل أو أقدم من غيرها في حين أننا نعلم أن العربية لحقتها تقلبات وتطورات كبيرة حتى نالت شكل الفصحى واعتقد أن أول تدوين لحقها هو تدوين السريانية وهي عربية دونت قبل أن ينالها التطور الأخير فاكتسبت شكلاً ثابتاً بهذا التسجيل والتقييد. ثم طرأ عليها تغير آخر دعا لتدوينها بشكل العبرية وهي مقلوب عربية لا من عبريم كما يزعم اليهود، ثم نالها التغير الأخير زمن القرآن الكريم وقبيله فحصلت على طراز جديد تدعى (بالفصحى) وكذا اللاتينية اعتقد أنها اعترتها استحالات كثيرة حتى اكتسبت شكلها الثابت.
فما لم يثبت قدم اللفظ في لغة وأسبقيته له في اللغة الأخرى لا نجزم بالأخذ وإنما نقول بالاشتراك.
وعلى كل حال اللفظ - كما أعتقد - عربي. وإذا كان الآخر شاركه به فلا مانع. وزيادة السين في آخره بمقتضى لغة القوم لا يخرجه عن كونه عربياً ويوافق مقياسكم الذي ارتأيتموه - ولم الفضل في ذلك - من أن اللغة العربية أم اللغات ومفتاحها. هذا ودمتم باحترام.
المحامي: عباس العزاوي
(لغة العرب) لا نقول كلمة رداً على هذا الرأي. إذ القارئ المطلع على(8/532)
سير اللغات في هذا العصر وعلى علم مقابلة الألسنة بعضها ببعض يرى ما فيه من الضعف والوهن. أن صديقنا المحامي عباس أفندي العزاوي من خيرة محامينا العراقيين لكن ذلك لا يجعله من صفوة اللغويين أو البارعين في الوقوف على أسرار اللغات فعلم الحقوق شيء وعلم فلسفة
اللغات شيء آخر. وقد يبرع المرء في علم ولا يبرع في علم آخر وما أدرجناه هنا أحسن شاهد على ما نقول.
السيد نعمة الله الجزائري وشهاب الدين السهروردي
قال السيد نعمة الله الجزائري في ص356 من كتابه (زهر الربيع) ما نصه (أبو الفتوح شهاب الدين المقتول بحلب السهروردي. اسمه يحيى كان ماهراً في ملكه وحكمه الاشراقيين والمشائيين وله كتاب حكمة الأشراف (كذا) أفتى بقتله فقهاء حلب. واختلف الناس في حقه فبعضهم نسبه إلى الإلحاد والزندقة، وبعضهم نسبه إلى الكرامات. قيل: حبس وخنق. وقيل: منع من الأكل باختياره وذلك من أنواع القتل ومات جوعاً. أقول هذا الرجل ضم إلى اعتقاد الحكماء الزندقة والكفر ومع ذلك فقبره الآن يزوره الناس ويتبركون به) كلام السيد نعمة الله عفا الله عنه. قلنا قد وهم السيد نعمة الله الجزائري في دعواه أن قبره ببغداد لأن شهاب الدين المدفون ببغداد المعروف بالشيخ عمر، هو غير شهاب الدين قتيل حلب، وأين هذا من ذاك بعد قوله (اسمه يحيى) فالذي دفن ببغداد قال عنه ابن خلكان في (414: 1) ما عبارته (أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عمويه. . . الملقب شهاب الدين السهروردي) وقال عنه في ص415: (وتوفي في مستهل المحرم سنة اثنين وثلاثين وستمائة ببغداد. رحمه الله تعالى. ودفن من الغد بالوردية). والوردية مقبرة الشيخ عمر اليوم.
وقال عنه مؤلف الحوادث الجامعة في ص22 من نسختنا في حوادث سنة 631هـ: (وفيها توفي الشيخ شهاب الدين أبو حفص عمر بن محمد بن عبد الله السهروردي الصوفي الواعظ. ولد (بسهرورد) ونشأ بها وقدم بغداد واستوطنها وهو ابن أخي الشيخ أبي النجيب السهروردي، صحبه كثيراً وعنه أخذ علم الصوفية والوعظ ومعرفة الحقيقة والطريقة وصنف في شرح أحوال الصوفية(8/533)
كتاباً حسناً وتكلم في الوعظ (بباب بدر) ومدرسة عمه (أبي النجيب)، وتولى عدة ربط للصوفية، منها (رباط الزوزني) و (رباط المأمونية) وبنى له الخليفة الناصر لدين الله رباطاً (بالمرزبانية) على نهر عيسى وبنى له جنبه داراً واسعة وحماماً وبستاناً يسكنها بأهله ونفذه الخليفة رسولا إلى عدة جهات. وكان الملوك الذين يرد عليهم يبالغون في إكرامه، وتعظيمه، واحترامه، اعتقاداً فيه وتبركا به ودفن في (الوردية)
في تربة عملت له هناك جادة سور الظفرية ومات عن اثنتين وتسعين سنة. ولم يخلف شيئاً من عروض الدنيا. بعد أن حصل له منها الشيء الكثير فأخرجه جميعه لأنه كان كريم النفس، وكان مهيب الشكل طيب الأخلاق كثير العبادة.
وكان مؤلف الحوادث الجامعة قال في ص15 بحوادث سنة 630هـ: (وفيها توفي أبو محمد عبد الله بن الشيخ أبي النجيب السهروردي. من بيت التصوف. وأولاد المشايخ. ذكر أنه خرج عن جميع ما له ووقفه. فلما قدم الشيخ (شهاب الدين عمر السهروردي) قدم على غاية الفقر مجرداً من الدنيا، فضاق صدر الشيخ أبي النجيب. كيف لم يرضخ له. فسأل ولده أن يعطيه شيئاً من نصيبه، فلم يوافق فقال الشيخ أبو النجيب وقد احتد: والله لتحتاجن إليه. ومضى على ذلك برهة فتقدم الشيخ شهاب الدين وأثرت حاله، وفتحت عليه الدنيا، فاحتاج عبد الله هذا إليه، واسترفده فأرفده. وما زال يواصله حتى مات).
أما يحيى الذي وهم في تعيين قبره السيد نعمة الله الجزائري فقد قال عنه ابن خلكان في (412: 2) من وفياته: (وكان شافعي المذهب، ويلقب بالمؤيد بالملكوت، وكان يتهم بانحلال العقيدة والتعطيل ويعتقد مذهب الحكماء المتقدمين واشتهر ذلك عنه فلما وصل إلى حلب أفتى علماؤنا بإباحة قتله بسبب اعتقاده.(8/534)
وما ظهر لهم من سوء مذهبه. . . ويقال: أنه لما تحقق القتل كان كثيراً ما ينشد:
أرى قدمي أراق دمي ... وهان دمي فها ندمي
. . . وكان ذلك في دولة الملك الظاهر. صاحب حلب، ابن السلطان صلاح الدين رحمه الله فحبسه ثم خنقه بإشارة والده السلطان صلاح الدين رحمه الله. وكان ذلك في خامس رجب سنة سبع وثمانين وخمسمائة بقلعة حلب وعمره ثمان وثلاثون سنة. . . قلت: وأقمت بحلب سنين للاشتغال بالعلم الشريف ورأيت أهلها مختلفين في أمره. وكل واحد يتكلم على قدر هواه، فمنهم من ينسبه إلى الزندقة والإلحاد، ومنهم من يعتقد فيه الصلاح، وأنه من أهل الكرامات ويقولون: ظهر له بعد قتله يا يشهد له بذلك) فالجملة الأخيرة تدل على أنه دفن بحلب لظهور كراماته المزعومة على بعض الحلبيين، فضلاً عن أنه لم يجمع الناس على فضل له بسبب نقله إلى بلد مقدس.
ونحن نأسف من جزم بعض العلماء المتأخرين والمعاصرين بأقوال تاريخية ولا سيما في
القبور المجهولة أسماء أصحابها من دون تحقق ولا توثق ولا حجة ولا دليل. وما يتقادع في هذه الأوهام إلا الجاهلون للتاريخ، النابصون في مجلسه بالجهالات. وفقنا الله للحق والصدق وأبعدنا عن إفساد التاريخ والأقوال الباردة البائدة.
مصطفى جواد
أربية لا أرنمة ولا أرنبة
إني ممن يعجب بأشغال المستشرقين وعنايتهم بلغاتنا الشرقية علة اختلافها: لكني أراهم بعض الأحيان يهوون هوياً غريباً في حين أنهم لو أنعموا النظر قليلاً في ما يكتبون لانتعشوا من سقوطهم. ذكر دوزي في 19: 1 من معجمه العربي الأرنمة وقال أنها الأرنبة. بمعنى ولو فكر قليلاً لعرف أنها الأربية لا غير.
بغداد: ب. م. م(8/535)
أسئلة وأجوبة
السمرمر
س - برلين - ب. م: ألتمس منكم أن تطلعوا على ما عثرت عليه في كتاب أعلام النبلاء بتاريخ حلب الشهباء ج3 ص54 وتفيدوني عن اسم الوادي المذكور بعيد هذا وتبينوا لي موقعه وهذا نص ما جاء هناك:
وصول السمرمر إلى حلب
(قال أبو ذر: وفي سابع عشر جمادي الأولى (سنة 860) وصل ماء السمرمر إلى حلب وخرج الناس إلى لقيه بالذكر والدعاء فأخرجوه إلى القلعة وعلقوه بمئذنة جامعها ووقفت على كتاب قديم كتب إلى الممالك الشرقية بسبب إحضاره (وساق هنا الكتاب ولم أجد كبير فائدة في ذكره فأضربت عنه ثم قال) وهذا الماء هو كائن في بلاد العجم أخبرني من أحضره بأنه في واد على مكانه خدمة والسمرمر طائر يعادي الجراد ويقتله ويكون بينهما مقتلة عظيمة يحمل كل منهما على الآخر ويقر الجراد بين يديه).
(أقول من خواص هذا الماء على ما زعموا أنه يكون سبباً لجلب طير السمرمر من الأماكن القاصية إلى هذه الديار فيدفع عنهم جيوش الجراد الجرارة.)
ج - العراقيون يسمون هذا الطائر سمرمد أيضاً بإبدال في الآخر وكذلك جاء في معجم باين سميث ص2012. والظاهر أنه مقيم ي ديار مادي في واد من أودية الأهواز المعروف بوادي المسرقان (بفتح الميم وإسكان السين وضم الراء وفتح القاف يليها ألف وفي الآخر نون) وسبب هذا القول هو أن اسم السمرمر بالأرمية (صفر ماذي) الذي معناه (طائر ماذي) والأرميون إذا قالوا ماذي أرادوا بها في أغلب الأحيان (جبال الأهواز وما والاها) (راجع معجم باين سميث الارمي اللاتيني ص2012) وقد اشتهر في الأهواز) واديان(8/536)
أحدهما هو الذي ذكرناه هنا أي (وادي المسرقان) والثاني الوادي الأعظم وهناك يكثر هذا الطير إلى عهدنا هذا ومن ذاك القطر يأتي إلى العراق إذا ظهر فيه الجراد وقد اختلف في أسم الطائر بلسان العلم فمنهم من ذكره باسم وفريق باسم وطائفة باسم وهو
السلكوت بالعربية والأصح أو وبالفرنسية أو وبالإنكليزية وسماها الدكتور محمد بم شرف (آكل التوت) ولم نجد هذا الاسم في كتاب لغة إنما وجدنا السمرمر والسمرمد (ومن أسمائه بالفارسية: (سار صوران (بضم الصاد). كاو نسك (بكاف فارسية وبكسر النون). زرزن (بضم الزايين) واسمه باليونانية ونطلب إلى العلماء قراء هذه المجلة. ولا سيما علماء إيران أن يفيدونا عن اسم هذا الوادي ألم يكن اسمه (وادي المسرقان) أو (الوادي الأعظم) الذي هو ماء تستر ويمر على جانب الأهواز.
عقال الرأس عند العرب وتاريخه
س - تبريز (إيران) - السيد م. ن. ك. المشهور عن العرب أنهم كانوا يعتمون (أي يلبسون العمائم) حتى اشتهر عنه هذا الكلام: (العمائم تيجان العرب) أي ملابسها التي تزدان بها. واليوم نرى أغلب أهل البادية يتخذون العقل (جمع عقال) حتى أنهم يقولون: تعقل فلان أو اعتقل بمعنى شد العقال برأسه. وقد بحثت في معاجم اللغة عن استعمال العقال للرأس فلم أجده. فهل قرأتم شيئاً في كتب الأدب شيئاً عن العقال. وهل عرفه العرب في زمن الجاهلية. وهل اتخذوه في القدم. وهل له ذكر في بعض مؤلفات الأقدمين؟ ولقد سألت كثيرين عن ذلك وجميعهم ألحوا علي أن القي السؤال عليكم فهل لكم أن تفيدوني بشيء عن العقال؟
ج - أصل استعمال العقال للبعير وهو حبل يشد به في وسط ذراعه يمنعه السير ولا سيما إذا كان صاحبه في البيداء وطال ركوبه إياه وحاول النزول عنه طلباً للراحة، فأنه لابد من أن يربطه بهذا الحبل. إذن من الضروري أن يكون معه هذا الرباط أينما رحل وحل لأنه لم يكن عنده، فقد يشرد البعير(8/537)
منه، وحينئذ يموت صاحبه في الفلاة. فإذا كان لابد من العقال فهو به حاجة إلى أن يكون معه دائماً، ولا يمكنه أن يضعه في جيبه لثقله وسقوطه في أثناء الركوب: ولا يتنطق به لأنه لا يحتاج إلى حبل بطول العقال. فلم يبق له إلا أن يشده برأسه مرتين أو ثلاثاً فيقضي به حاجتين في الوقت عينه: اتخاذه لتمكين ما يضعه على رأسه من كسفه، وعقل بعيره به حين النزول عنه.
هذا الذي يتبادر الذهن إليه في سبب اتخاذ هذا العقال للرأس وللبعير معاً.
على أن أحد أهل البادية ذكر لنا شيئاً غريباً ما كان يخطر ببالنا أبداً: كنا نقطع بادية الشام
في أواخر حزيران من سنة 1905 وعند وصولنا إلى نحو من وسطها، عطشنا أشد العطش فلاقينا في طريقنا بدوياً راكبا ذلولا ومعه شكوة لبن رائب. فطلبنا منه أن يبيعنا قليلاً منه فأبى أن يأخذ منا دراهم. فأعطانا ما كفانا حاجتنا، فشكرناه أعظم الشكر، وحاولنا أن نكلمه على موضوع يستطيع أن يندرئ فيه فقلنا له: لماذا يتخذ أهل البادية جميعهم العقل عمرة لرؤوسهم؟ فقال: الذي سمعته من أبي أنه قال أن جده ذكر له أن سبب اتخاذ البدو العقال هو الخضوع لله، تقرباً منه لكي لا يسلط علينا أجنبياً يذلنا ويسومنا الخسف والظلم. فقلنا له: وأي صلة بين العقال وبين التقرب من الله. قال: لأن العقال يتخذ لربط الدواب لا لربط رؤوس البشر. فتعجبنا من هذا الجواب الغريب في باب، إذ لم نكن نتوقعه من هذا البدوي الكهل.
وكلامه هذا ذكرنا بأن العقال قديم الاستعمال في ديار الشرق، إذ هو معروف قبل المسيح بنحو ألف سنة. أو أكثر أي منذ عهد (اليسع) النبي (أو اليشاع). فقد جاء في سفر الملوك الثالث في الإصحاح العشرين في الآية ال 27 ما هذا نصه: (فنزل هؤلاء (أي بنو إسرائيل) بازاء هؤلاء (أي الارمين) سبعة أيام، ولما كان اليوم السابع التحمت الحرب فقتل بنو إسرائيل من الارمين مائة ألف راجل في يوم واحد. وفر الباقون إلى (أفيق) إلى المدينة فسقط السور على السبعة والعشرين ألف رجل، الذين بقوا، وفر بنهدر، ودخل المدينة إلى مخدع في بطن مخدع. فقال له عبيدة: أننا سمعنا، أن ملوك بني إسرائيل ملوك رحمة: فلنشد الآن مسوحاً على متوننا، (ولنشد عقلاً (جمع عقال) على(8/538)
رؤوسنا، ونخرج إلى ملك إسرائيل لعله يستبقي نفسك. فشدوا مسوحاً على حقائهم، وعقلا رؤوسهم وجاءوا ملك إسرائيل. وقالوا: أن عبدك بنهدد يقول: أناشدك أن تبقي نفسي حية. فقال: أوحي بعد؟ إنما هو أخي فاستبشر القوم وبادروا فتلقفوا الكلمة من فيه، وقالوا: أخوك بنهدد فقال: هلموا فخذوه. فخرج إليه بنهدد فأصعده على المركبة. . .)
فهذا نص صريح يؤيد استعمال الأقدمين للعقال وأنهم كانوا يتخذونه تذللا وتقشفاً في يوم البلية ليفرجها الله عليهم فصدق إذن البدوي القائل: أن أجداده اتخذوا العقال تقرباً منه تعالى. لكي لا يسلط على الناطقين بالضاد أجنبياً يذلهم في عقر دارهم (جزيرة العرب) ويسومهم الذل والخسف. إذ مضت ألوف من الأعوام والعرب أحرار في ديارهم. والذين
تسلطوا عليهم لم يكن ذلك لمدة طويلة إذ خرجوا منها أذلاء مهانين يلعنون اليوم الذي دخلوها فيه فكان فرحهم بخروجهم من ربوع العرب أكثر من فرحهم في دخولهم إياها.
وأنت تعلم أن الارمين كانوا في أيام بنهدد قوماً رحل كأهل بادية العرب فكانت عاداتهم وأخلاقهم وآدابهم كعادات الأعراب وأخلاقهم وآدابهم كعادات الأعراب وأخلاقهم وآدابهم. وكذا قل عن أكلهم وشربهم ولبسهم ومقامهم وحلهم وترحالهم فهذا كله كان متشابهاً بين القبيلين، لأن الطبيعة كانت تدفعهم إلى اتخاذ تلك الأمور جميعها بصورة واحدة.
إذن اتخذ العرب العقال كما اتخذه الارميون وكلاهما سامي الرس.
أما عدم تعرض كتب الأدب واللغة والأخبار للعقال فلأن الاسم لا يختلف بين العقالين واتخاذه للرأس أمر مبتذل بين الجميع في كل عصر. وقد ذكره أبو فراس الحمداني (المتوفي سنة 357هـ - 968م) بقوله (في ص105 من ديوانه):
لما أجلت المهر فوق رؤوسهم ... نسجت له حمر الشعور عقالا
فهذا صريح لا يبقي ريباً في أن العرب كانوا يستعملون العقال ولفظه لما يشد بالرأس.
وقال دوزي في كتاب الألسنة (ص304): (العقال (وضبطها كسحاب وهو غلط واضح فاضح) هذه الكلمة غير واردة في معاجم اللغة. وفي كتاب(8/539)
لبرخرد (تعليقات عن البدو والوهابيين ص27) ما هذا نصه: (العنزة يتخذون عمرة لهم الكوفية ويشدون عليها عقالاً وهو حبل يتخذ من الوبر. وقال م. ب. فرازر (رحلة في كردستان والعراق إلى غيرهما: ج288: 1) كما قال برخرد في كلامه على أعراب بغداد وكوفيتهم: ويلفون على رؤوسهم لفتين أو ثلاثة لفات حبلاً يتخذ من الوبر الأربد اللون وقد أبرم بعضه.) انتهى تعريبه.
ومن الغريب أن أصحاب معلمة الإسلام ذكرت العقال في باب (أي العين المفتوحة) وقالت العقال: أو (لفظ عربي) حبل من شعر المعزى يكون لونه في الغالب أسود يلف على الرأس مرتين ليثبت الكفية (الكوفية أطلب هذه الكلمة في المعلمة) ويتخذه بوجه عام أهل البادية وعند وزي (في ملحق المعاجم العربية 154: 2) تكتب الكلمة باللغة الفصحى عقال (بكسر العين) أما اللفظ الحديث فهو كما كتبناه في أول المادة.) اهـ.
قلنا: هذا منتهى علم أصحاب هذه المعلمة فقد أخطئوا في ضبط اللفظة لأن اللفظ الحديث هو بإسكان العين أما القاف فتلفظ كافاً فارسية أو جيماً مصرية فكان يجب عليهم أن يكتبوا
أو أما إذا أرادوا أن يراعوا اللغة الفصيحة - وهو ما يجب أن يكون في هذه المعلمة وأمثالها وفي المعاجم. فهو عقال بكسر الأول وتلفظ القاف لفظاً صريحاً: وأمثال هذه العثرات في هذا الديوان (أي معلمة الإسلام) أكثر من أن تحصى. ولهذا لا يمكن أن يعتمد عليها في كل ما جاء فيها. وبهذا القدر كفاية في هذا الموضوع.
الألفاظ النصرانية
س: كلكتة (الهند) السيد محمد س. ك هل تعرفون كتاباً عربياً يحوي مصطلحات النصرانية وأين مطبوع؟
ج. لا نعرف كتاباً في هذا الموضوع. والذي نعهده أن الأب لويس شيخو اليسوعي وضع مصنفاً في جزء سماه: (النصرانية وآدابها بين عرب الجاهلية) وذكر أوضاعاً نصرانية جمة من عهد الجاهلية ولم يتعرض لذكر ما أحدث بعد تعريباً ووضعاً. هذا فضلاً عن أنه فاته شيء جليل من أوضاعهم في الجاهلية. وقد ذكرنا بعضاً منها في هذه المجلة (487: 8) إلا أن أحد(8/540)
مستشرقي الألمان نشر في (مجلة الساميات والديار المجاورة لها) المصطلحات النصرانية التي وضعت بعد الإسلام من معربة وعربية. ولم يتصد لذكر ما وضع منها قبل ذلك فهذا أيضاً نقص ونقص عظيم وكان عليه أن يصرح بما كان منها في الجاهلية وما وضع بعدها وجامع هذه الأوضاع الدكتور جورج غراف وقد اعتمد في كل ما وضعه على الكتب العشرة الآتية وهي:
الخولاجي المطبوع في مصر في سنة 1902 - والجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة لابن السباع - ومنارة الأقداس لاسطفان الدويهي وبطاركة المشرق والمجدل لماري وعمرو بن متي وصليبا - والمصباح الهادي إلى الخلاص لابن حريز - وتأليف أ. رينورد وكاونية - وكوترية - وبومشترك وكتاب القوانين الذي جمعه الشيخ الصفي العالم المعروف بابن العسال.
وقد ذكرنا في ص487 من هذا الجزء بعض ما فاته ونحن لم نذكر كل ما جاء في أبواب تلك الحروف من الكلم إنما ذكرنا بعضها على سبيل المثال والتذكير لنبين للقوم أن الأب شيخو المرحوم لم يذكر جميع ما كان معروفاً من تلك المصطلحات النصرانية في الجاهلية بل عرف بعضاً منها وجهل شيئاً كثيراً ولنبين أيضاً أن الدكتور جورج غراف لم يوفق في
مجموعه أحسن مما وفق الأب شيخو إذ ذهل عن أوضاع كثيرة تبلغ ضعف ما ذكره في معجمه هذا. إذن من المستحب أن يأتي ثالث ويجمع ما ذكره الفاضلان المذكوران ويزيد عليه ما فاتهما.
هذا وفي دواوين المسلمين أوضاع كثيرة نصرانية ذكروها في مصنفاتهم منذ صدر الإسلام غفل عنها النصارى المحدثون وهذه سيئة ظاهرة في أدب مسيحي العرب ولابد من أن يزيلوها عنهم بمطالعة الكتب المذكورة وانتزاع تلك الألفاظ منها وشرحها حفظاً لها من الضياع واحتفاظاً بما كان متعارفاً عندهم ووقوفاً على ما كان يدور في مجالسهم الدينية في صدر الإسلام من عهد الراشدين إلى آخر عهد الأمويين في الأندلس. ولابد من تدوينها في كتب اللغة لأن هناك أناساً كثيرين لا يعرفون معانيها لجهلهم أصولها وانتقالها إلى لغتنا الضادية وهي من لغات مختلفة كالحبشة واليونانية والأرمية والفارسية واللاتينية والقبطية إلى غيرها.(8/541)
باب المشارفة والانتقاد
112 - تاريخ الشام (سنة 1720 - 1782)
للخوري ميخائيل بريك الدمشقي
هذا كتاب يحوي 160 ص بقطع الثمن وهو القسم الثاني من الوثائق التاريخية التي تنشرها مجلة (المسرة) القيمة. وهذا الجزء يتضمن تاريخ الشام وفلسطين ولبنان سياسياً دينياً وفيه أيضاً بعض أخبار تتعلق بالعراق وبالعرب الذين كانوا يقيمون بين الشام وديارنا. ونشره الخوري قسطنطين الباشا الراهب المخلصي وأبقاه بثوبه الأصلي أي بلغته العامية فجاء مزدوج المنفعة لغة وتاريخاً وفي الفهرس غلطان معنويان ليسا في الأصل وهو قول الناشر في (ص153) حربه مع الأمير ملحم شهاب. وحربه يرجع إلى سليمان باشا العظيم وهذا الباشا لم يحارب مع الأمير بل حارب الأمير فكان يجب أن يقال: حربه للأمير ملحم. وقد تكرر هذا الغلط في ص158 إذ قال: حروب المسكوب مع اليونانيين. ويكاد يكون مثله ما جاء في ص155 عند قوله: (قتال الأمير ملحم شهاب مع المتاولة) والصواب للمتاولة). والكتاب حجر متين يوضع في أساس التاريخ والأخبار في المستقبل.
113 - هبة الدين الشهرستاني
للسيد مهدي العلوي
يكتب العصريون تراجم بعض الرجال الأحياء فيجلونهم حتى أنهم يرفعونهم إلى ما وراء الثريا. كل ذلك لغايات في النفس. أما هذه الترجمة الواقعة في 80 ص بقطع 12 فأن محررها هو السيد العلوي شيخ الإسلام زاده من مشاهير إيران المجيدين العربية والفارسية كل الإجادة فما نسقه وزنه بميزان الحق والصدق وذكر ما للشهرستاني العلامة المجتهد الشهير ما له وما عليه فجاءت هذه الترجمة من أحسن التراجم العصرية فنهنئ بها المقرظ والمقرظ وعسى أن يدرج على(8/542)
هذا المنحى كل من يدون تراجم العصريين.
114 - مفتاح اللغة المصرية القديمة (هدية)
لواضعه انطوان زكري
هو في 152 ص بقطع الثمن وفيه أنواع خطوط مصر القديمة وأهم إشاراتها ومبادئ اللغتين القبطية والعبرية وفي ص17 منه بقول المؤلف: (وفسر الطبيب العربي ابنيفي في كتابه (علوم قدماء المصرين) الحرف. . .) قلنا: ليس بين العرب من اسمه ابنيفي والذي نظنه أنه ابن النفيس المتوفي في مصر سنة 687 للهجرة وكان له ثمانون سنة واسمه علي ابن أبي الحزم الدمشقي الصالحي شيخ الأطباء له تصانيف جيدة ولا جرم أن صاحب (المفتاح) نقل من مصنف فرنسي فلم يهتد إلى حقيقة الاسم العربي.
115 - كفاية المتحفظ (هدية)
للشيخ الإمام اللغوي أبي إسحاق إبراهيم بن إسماعيل المعروف بالاجدابي، عني بتصحيحه مصطفى احمد الزرقا وطبع في حلب سنة 1345.
طبع كتب الأقدمين في اللغة من أطيب الأعمال تمجيداً للسلف وتكريماً لمساعيهم حينما كانوا على الأرض. وذلك بشرط أن يتولى نشر مصنفاتهم رجال جهاذبة أكفاء وإلا انقلبت تلك المآثر الطيبة مساوئ تزيد في إفساد هذه اللغة الكريمة. وكانت كفاية المتحفظ طبعت في بيروت في سنة 1305 وكان قد قال ناشرها: (قد طبعت وصححت بالدقة والاعتناء على نسخة صحيحة منقولة عن نسخة العلامة اللغوي الشهير الشيخ نصر الهوريني المصري مكتوبة بخطه مضبوطة بقلمه وعند الاشتباه في بعض الألفاظ وقع الاعتماد على كتب اللغة الشهيرة كقاموس الفيروز ابادي، وصحاح الجوهري، وغيرهما بمعرفة ملتزم طبعها ومصححها الفقير احمد عباس الأزهري) اهـ. وقال معيد نشرها اليوم عن النسخة التي اعتمد عليها: (كتاب كفاية المتحفظ. . . وهو محرر بخط إسماعيل ابن محمود بن آدم الغزنوي الحنفي الشهير، فرغ من كتابه بدمشق سنة 578).
ولما طالعنا هذه النسخة المطبوعة وجدناها عين النسخة المطبوعة التي طبعت في بيروت(8/543)
والدليل إعادة الأخطاء تسأم منها النفس. ولم يكلف الناشر نفسه أعمال الفكرة لتفلية تلك الطبعة من أغلاطها، لا بل زادها سقماً إذ دس فيها أوهاماً لم تكن في طبعة بيروت. ونحن نؤيد كلامنا هذا بالبرهان.
ذكرت طبعة بيروت السميدع في ص3 بذال معجمة فأعادتها الطبعة الحلبية في ص3 وقد أثبتنا أنها بدال مهملة (راجع لغة العرب 519: 5 و138: 6 و139) وفي ص4: (الاملود
(المرأة) الناعمة والرود (وضبطها كقول) مثلها) وعلق عليها في الحاشية: (كذا في نسخ الأصل، لكن لم نجد فيما لدينا من مشاهير كتب اللغة كالقاموس وشرحه تاج العروس، ولسان العرب، أن (الرود) تطلق على المرأة الناعمة. وإنما في تاج العروس عن أبي علي أنها تطلق على المرأة الطوافة على جاراتها. وذكر في القاموس وغيره أن (الرود) الريح اللينة الهبوب، فلعل ما هنا من إطلاقها على المرأة الناعمة مجاز تشبيهاً لها بالنسيم اللين الهبوب) انتهى كلام المحشي.
فكم من غلط في هذه الكلمة وشرحها! وأول هذه الأوهام أنه تابع الطبعة البيروتية في الخطل. لأنها ضبطتها كالقول أي بفتح راء رود وإسكان الواو. وهذا أول أوهام النسختين والصواب الرؤد بضم الراء وهمز الواو الساكنة. والكلمة مشتقة من الرأد لا من الرود وهذا هو الخطأ الثاني. قال شارح القاموس في رأد: (الرأد بالفتح والرؤد بالضم والرأدة والرؤدة بهاء فيهما فهي أربع لغات: الشابة الناعمة الحسنة السريعة الشباب مع حسن حذاء (كذا) والجمع (أراد) فأين بقيت تلك التأويل الفارغة وأين صارت تلك النقول الخارجة عن مواطنها؟ وبينما نحن نخطئ النسخة الحلبية نرى نسخة التاج تخطيء في النقل وتقول: (مع حسن حذاء) وهو كلام لا معنى له. والصواب (مع حسن غذاء) كما هو ظاهر المعنى. وهكذا لا نعرف كيف نتصفح دواوين اللغة إذ لا تخلو من العثرات التي أقامها فيها ناشروها وأصحابها براء منها.
ثم أن مصحح النسخة الحلبية استشهد في الحواشي بكلام أقرب الموارد والناس يعلمون أن هذا الديوان ليس من أمهات كتب اللغة فكيف أجاز لنفسه الاستشهاد بكلامه؟(8/544)
وعلق في ص7 على قول ابن الاجدابي: (وأربعة أنياب) ما هذا نقله: الناب مؤنثة. ومقتضى ذلك أن يقال: أربع لا أربعة ولكن المعدود إذا لم يكن مذكوراً على طريق التمييز أو الإضافة، يجوز في العدد التذكير والتأنيث فيقال: رجال أربعة أو أربع (كذا: لعلها أو (أربع) مثلاً وهنا كذلك. فلله دره من محقق! وهنا أيضاً تسارعت الأوهام تحت قلم المحشي. أولها أن صاحب اللسان قال في مادة ن ي ب: الناب مذكر الأسنان. ابن سيدة: الناب هي السن التي خلف الرباعية وهي أنثى) اهـ. وفي حاشية هذه المادة هذه العبارة (قول الناب (مذكر) مثله في التهذيب والمصباح اهـ مصححه قلنا: إذن الناب مذكر عن قوم
ومؤنثة عند قوم آخرين. فان ذكرت، قدرت فيه (العضو) وأن أنثت أردت بها (السن) والغلط الثاني له ذكر قاعدة في الصرف لم يذكرها ثقة من الثقات إذ قال: وأن لم يكن المعدود مذكوراً على طريق التمييز أو الإضافة يجوز في العدد التذكير والتأنيث) فمن قال ذلك؟ وإذا كان هناك من قاله فليس بحجة. فليراجع ما جاء في المصباح المنير في ص886 من طبعة بولاق في سنة 1906 ففيه ما يناقض هذا الكلام مناقضة بينة ولا نريد أن نذكر كلام الفيومي لطوله. والغلط الثالث أنه أخطأ في إيراد المثل والغلط الرابع أنه زل في التوفيق بينه وبين قول الأجدابي فأن هذا قال وأربعة أنياب ولم يقل أنياب أربعة ليصح نقده له والتوفيق بيم ما أورده من القاعدة وبين كلام المؤلف أفهكذا تنشر الكتب اللغوية وهكذا يعلق عليها؟
أما الهفوات الخاصة بالطبعة الحلبية فهي ما ورد في بعض الشروح أو الحواشي وقد أشرنا إليها. ومما ينطوي على هذا الغر ما جاء في حاشية 57 إذ يقول شارحا (الصرام أو جداد النخل وهو الجرام أيضاً) ما هذا حرفه: أي اجتناه ثمره إذا أدرك وصار تمراً) قلنا: ليس الأمر كذلك فالصرام أو الجداد أو الجرام هو قطع العذوق أو الكبائس فصرم وجد وجرم كلها بمعنى واحد وهو ما قلناه.
وأما ما أشار إليه فهو الشمل واللقط (بالفتح) وكل هذه الألفاظ يعرفها العراقيون. وبهذا القدر كفاية لإظهار ما في هذه الطبعة من المغامز.(8/545)
116 - مختصر كتاب الوجوه في اللغة (هدية)
للإمام محمد ابن احمد الخوارزمي
وهو ملحق بالكتاب الأول المذكور وفيه 112ص وهو بقطعة وطبع بمطبعته
ولهذه الطبعة هنوات كثيرة أيضاً كأن الناشر غير متضلع من اللغة ففي ص2 تكملة العين للخاز زنجي وفي كشف الظنون المطبوع في الآستانة للخادزنجي وكلاهما غلط والصواب للخارزنجي (براء فزاي) وقد تكرر هذا الغلط. ويكتب اسم الفاعل الثلاثي بالياء فيقول مثلا ساير (ص2) والصايغ (ص56) والحايك (ص64) وهو كثير لا يحصى والصحيح سائر وصائغ وحائك (بالهمزة) وفي ص64: ما شخص عن ظهر القدم وفيها ضبط صيصية بتشديد الياء الثانية والمعروف بتخفيفها. وهكذا لا تخلو صفحة من خطأ إلا أن الذي يشفع
له هو الحواشي التي زادها على تلك الوجوه. وهي كثيرة ونفيسة.
117 - ثلاث رسائل للجاحظ (هدية)
أول هذه الرسائل في الرد على النصارى - والثانية في ذم أخلاق الكتاب - والثالثة في القيان. سعى لنشرها يوشع فنسكل. لاشك في نسبة هذه الرسائل إلى صاحبها الجاحظ. لكن الذي عني بطبعها لم يكن راسخ القدم فيما أقدم عليه. فقد ذكر في صفحة العنوان: سعى في نشره. مع أنه ذكر في أول الأمر (ثلاث رسائل) فكان يجب عليه أن يقول سعى (لنشرها) لا في (نشره) والنص ممسوخ بألفاظ غريبة لم يهتد إلى تصحيحها. فقد قال في ص20 شيء من كتاب المثانية بقوله: كذا في الأصل. ولعله البنانية) وهم من الغلاة القائلين بإلهية أمير المؤمنين. . . والصواب (من كتب المنانية بدليل ردفها بالديصانية: - وفي تلك الصفحة: المرقونية والمشهور المرقيونية. وفيها: الفلانية) وعلق عليها: كذا في الأصل: ولعله العليائية والصواب اليلانية أو الليانية. والجاحظ كان يعرف هذه الفرق الدينية المجاورة بعضها لبعض لكن الناشر جهلها كل الجهل وذهب يفتش عنها في المذاهب الإسلامية التي لا اتصال لها بالفرق النصرانية المشهورة(8/546)
في القرون الأولى من الديانة المسيحية. وهناك من الأغلاط ما لو وضع منها تحت الجبال الراسخة لنسفتها. والرسائل كلها في 76 صفحة بقطع الثمن. وإذا أريد تصحيحها وشرح ما فيها من الأوهام فلابد من أرصاد ثمانين صفحة بلوغاً إلى الأمنية فهذا هو علم يوشع فنكل حفظه الله ترقية للغة وآدابها!
118 - كتاب المذكر والمؤنث (هدية)
للقراء
ملحق بالكتابين السابقين وبقطعهما وطبع بمطبعتهما وهو في 47 ص
ذكر الناشر (الزايدة (ص) وقايمة (ص3) إلى غيرهما بالياء وكلها بالهمزة. وهذا الكتاب معتنى به أكثر من صنويه. وهذا مفيد لكل من يتبعه أمر التذكير والتأنيث.
119 - قصص الأنبياء (هدية)
لمحمد بن عبد الله الكسائي تصحيح أسحق بن شاؤول ايزنبرغ
طبع في مجلدين في 309ص بقطع الثمن الصغير في ليدن (هولندا) سنة 1922
صاحب قصص الأنبياء هذه لم يعرف إلى اليوم. أهو الكسائي أم رجل آخر؟ وفي أي مائة عاش؟ كل هذه الأسئلة لم تنجلي أجوبتها انجلاء بيناً وعلماء الغرب أنفسهم لم يقولوا فيها فصل الخطاب. والمظنون أنه كان من المائة الخامسة وليس بالكسائي النحوي المشهور بل رجل آخر. هذا كل ما يمكن أن يقال عن صاحب (قصص الأنبياء) هذه وقد نشر هذا الكتاب مرارا إلا أن هذه النشرة أحسن مما تقدمها. ولهذا السفر نسخ عديدة في جميع البلدان واختلافات رواياتها كثيرة. وقد زاد بعضهم فيها وبعضهم حذف منها. والقصص التي فيها مسندة إلى كعب الأحبار ووهب بن منبه وعبد الله بن سلام وقد قال عنهم ابن خلدون: تساهل المفسرون في مثل ذلك (أي النقل عن هؤلاء اليهود الذين أسلموا) وملئوا كتب التفسير بهذه المنقولات. وأصلها كما قلنا عن أهل التوراة الذين يسكنون البادية ولا تحقيق عندهم بمعرفة ما ينقلونه من ذلك. . .) المقدمة ص439 و440 من طبعة بيروت المشكلة.(8/547)
ومع ذلك فالكتاب نافع لمن يريد الوقوف على تطور الآراء وتحولها. وليس في طبع هذه النسخة تحقيقات علمية ولا فهارس ولا عزل الألفاظ الخاصة بالمؤلف عن سواها في معجم خاص بها ولا مقابلة النسخ بعضها ببعض ولا عناية تستحق الذكر فالطبعة هذه طبعة تجار لا طبعة علماء فلتقص عنا ولتضمحل من بين أيدينا ولا سيما لأنها كثيرة الأغلاط لا محل هنا لتفصيلها هنا لكثرتها وشناعتها.
وهنا نلتمس من أصحاب التراجم من أبناء الشرق أن يبينوا بالأدلة السديدة من هو الكسائي صاحب قصص الأنبياء. وفي أي عصر قضى عمره. ومن هو الكسائي النحوي المشهور. والذي عندنا أن الواحد غير الآخر لأن عبارة القصص دون عبارة النحوي وهل من مخطئ لنا بالبراهين السديدة.؟
120 - تهذيب الأخلاق
لأبي زكريا يحيى بن عدي
عني بنشره وتعليق حواشيه مراد فؤاد حقي في 60ص بقطع الثمن
طبع في دير مار مرقس للسريان بالقدس سنة 1930
حسب هذا الكتاب شرفاً أنه نسب إلى عدة علماء وفلاسفة. وهذه الطبعة تمتاز عن غيرها
بحسن الحروف والكاغد والحواشي المختلفة مع ذكر الروايات المتعددة. ويسوءنا أن نرى في مقدمته بعض الأغلاط منها (في ص1): في عصر قد اتسعت فيه نطاق المعارف. . . اتساعاً هائلاً. . . هبوطاً مريعاً. . . إلى حد بات فيه العقلاء يخشون معه. . . (وفي ص2) وهي حلية كل إنسان مهما كان مقامه، لا يغني عنها مال أو جاه (وفي ص3) مبعثرة في بعض مكاتب أوربة. . . وفي وسع كل فرد مهما كانت حرفته. . . ويكاد المطالع لا يجد فيه. . . إلى غيرها والصواب: اتسع في نطاق. . . اتساعاً عجيباً. . . هبوطاً رائعاً. . . يخشون فيه. . . أياً كان مقامه. . . مال ولا جاه. . . خزائن أوربة. . . أياً كانت حرفته. . . ولا يكاد المطالع يجد فيه وأملنا أنها تنقح في طبعة قريبة.
121 - مسعانا لدرس حبة الشرق
(أخت بغداد) في العراق - في 100 بقطع الثمن وهي بالافرنسية
الدكتور أدور يوسف بصمجيان بغدادي درس الطب في منبلية (فرنسة)(8/548)
وتلقى الشهادة من متقن باريس الطبي وقد وضع تأليفاً في الأخت (أي حبة بغداد) التي اصطلح علة تسميتها علماء العصر في ديار الغرب باسم (شمانيوز هو أطروحة لينال بها تفوقه في صناعة اسكلاب. وقد عالج الموضوع من جميع أطرافه حتى أنه لم يغادر فيه صغيرة ولا كبيرة إلا ذكرها. وقد استشهد بالمؤلفات التي راجعها فإذا هي 46 لكنه نسي ذكر رسالة لأخينا الدكتور نابليون ماريني نشرها في المشرق (354: 4 و653: 7 و693) وقد استنتج الدكتور بصمجيان: (أن المعالجة متعددة وأحسنها ما كان فعلها في الداء تواً) (ص100) ونحن نعرض لحضرته ولجميع الأطباء وصفاً لهذا الداء أنتج أحسن النتائج: خذ زبيباً أحمر وشقه واستخرج منه العجم الذي فيه والصفة على الحبة بحيث يغطي باطن الزبيب المفتوح كل الحبة فقد يكتفي بالزبيبة الواحدة في بعض الأحيان إذا كانت الحبة صغيرة. وقد يحتاج إلى غير واحدة إذا كانت الأخت كبيرة. ويجدد هذا الزبيب مرتين في النهار صباحاً ومساءاً فإذا مضت عشرة أيام على هذا العلاج زالت الأخت ولم تبق أثراً. وذكر تلميذ لنا تلميذنا وصديقنا يوسف أفندي هرمز دواء يستعمله في معالجة هذه الأخت ولا يريد وصفه إلا بعد أن يعالج عشرات من الناس وينجح ولعل ذلك يكون عن قريب لتوفر الشفاء على يديه بواسطة هذا العلاج.
وذكر لنا الدكتور داود بك الجلبي أن أحد الأدباء في الموصل وصف لأحد المصابين بحبة بغداد أن يدلكها بالنسغ الخارج من عود الطرفاء أو الأثل. والطرفاء كثيرة في العراق. فإذا أخذ الواحد عوداً منها وأدخل طرفه الواحد في النار خرج من طرفه الآخر ماء هو النسغ (بضم الأول) فإذا دلكت الحبة به صباحاً ومساءاً مقدار ثمانية أيام أو نحو ذلك زالت الحبة. فليجرب أطباؤنا هذه المعالجات وليثبتوها أو يرذلوها حسبما يتراءى لهم الأمر من صحة أو سقم.
مطبوعات إيران
(لغة العرب) يسألنا من علماء الغرب والشرق عن المصنفات المطبوعة(8/549)
في ديار غيران فيكون جوابنا: أننا نجهل ما فيها من المطبوعات لأننا لم نعثر على قوائم نذكرها ولا نذكر أثمانها وهكذا يحرم العلماء أنفسهم مشترى تلك المؤلفات كما أن أصحاب المطابع لا يستفيدون كثيراً مما أصدروه فتكون الخسارة في الطرفين وقد التمسنا من حضرة صديقنا العزيز سعيد نفيسي أحد علماء إيران المشاهير أن يكتب لنا ما يعرف من تلك المطبوعات مع أسماء مؤلفيها وسني طبعها فأقام لنا قائمة مختصرة في هذا المعنى: لكنها جزيلة الفوائد. وهانحن أولاء نطبعها هنا ليستفيد منها حضنة العلم ويجلبوها لأنفسهم أن شاءوا فدونكها:
1 - كتب الدين والحكمة والعرفان
أجوبة المسائل - للحاج السيد كاظم الرشتي - طهران 1276.
الاحتراز - للحاج الشيخ محمد الخالصي طهران 1340.
إحقاق الحق - للقاضي نور الله الحسيني المرعشي الشوشتري - طهران 1312.
أسرار التنزيل - للإمام فخر الدين الرازي - طهران 1300.
الأسفار - للحاج الملا هادي السبزواري طهران
أنوار التنزيل - للقاضي ناصر الدين عبد الله البيضاوي - طهران 1282.
تفسير التبيان - لأبي البقاء النحوي الرازي - 1276.
تفسير الجلالين - لجلال الدين السيوطي وجلال الدين الحلي - طهران 1276.
تفسير سورة الواقعة - لصدر الدين الشيرازي - طهران
تفسير - صدر الدين الشيرازي - طهران.
التفسير الكبير - للإمام فخر الدين الرازي - في 8 مجلدات 1309.
تنزيه الأنبياء - للسيد مرتضى علم الهدى - تبريز 1290.
جوامع الكلم - للشيخ احمد الأحسائي تبريز.
جواهر القرآن - للإمام محمد الغزالي الطوسي - طهرن
جواهر القرآن - لمحمود بن محمد العلوي الحافظ التبريزي - تبريز 1287.
الجوشن الكبير - للحاج الملا هادي السبزواري - 1281.
رسائل - صدر الدين الشيرازي - وطهران 1302.(8/550)
الرق المنشور في تفسير آية النور - لحسين بن مرتضى اليزدي - تبريز 1300.
رموز العرفان - لعلي اللاهيجي الحائري اصفهان 1329.
الشافي - للسيد مرتضى علم الهدى - طهران 1301.
شرح آية الكرسي - للسيد كاظم الرشتي - تبريز 1271.
شرح التجريد - لعلاء الدين القوشجي طهران 1274.
شرح العمرشية - للشيخ أحمد الاحسائي تبريز 1279
شرح العمرشية - لصدر الدين الشيرازي - طهران 1271.
شرح فصوص الحكم - لداود بن محمود القيصري - طهران 1299.
شرح القصيدة - للسيد كاظم الرشتي طهران 1270.
شرح منازل السائرين - لعبد الرزاق الكاشاني - طهران 1315.
شرح المنظومة - للحاج الملا هادي السبزواري - طهران.
الشمس المضيئة - للحاج الملا هادي السبزواري - طهران
شوارق الإلمام - لعبد الرزاق اللاهيجي طهران 1280و1299
الصافي في التفسير - لمحمد حسن الكاشاني المدعو بفيض - طهران 1266و1286.
مجلى مرآة المنجي - لمحمد بن أبي جمهور الأحسائي - طهران 1329.
مجمع البيان - لأبي علي الطبرسي - طهران 1268و1276.
مصباح الأنس - لصدر الدين محمد بن إسحاق القونيوي - طهران 1323.
نافع يوم المحشر - لنصير الدين محمد الطوسي - تبريز 1294.
2 - كتب الأخبار والأحاديث
إثبات الوصية - لعلي بن حسين المسعودي - طهران 1320.
أربعين - لمحمد باقر بن محمد تقي المجلسي - طهران 1308.
أربعين - لمحمد باقر بن محمد تقي المجلسي - طهران 1308
إرشاد - للشيخ المفيد - طهران 1320.
الإرشاد - للشيخ أبي عبد الله محمد ابن محمد النعمان المفيد - طهران.
إرشاد العوام - للحاج محمد كريم خان الكرماني - تبريز 1271.
أسرار الشهادة - للحاج الملا محمد.(8/551)
الأشر في - طهران 1322.
أصول - للشيخ مرتضى الأنصاري طهران.
أصول الكافي - لأبي جعفر محمد ابن يعقوب - طهران 1274
آلفين - لحسن بن يوسف بن مطهر الحلي - طهران 1294.
آمالي للشيخ أبي جعفر الصدوق - طهران 1287.
أنوار النعمانية - للسيد نعمة الله الجزائري - طهران 1271و1280.
بحار الأنوار - لمحمد باقر بن محمد تقي المجلسي في 28 مجلداً - طهران 1275 إلى 1304.
تذكرة الخواص - ليوسف غزاغلي ابن عبد الرحمن الجوزي - طهران 1285.
التوحيد - للشيخ الصدوق - تبريز.
جامع الأخبار - لمحمد بن محمد الشعيري - تبريز 1294.
جواهر الأخبار - لنجفقلي بن محمد رضا الزنوزي التبريزي - تبريز.
خزائن الأحكام - لفاضل الدربندي 1245.
دور البحار - لنور الدين محمد بن مرتضى - 1301
الدرة النجفية - لإبراهيم بن حسين ابن علي الدنبلي الخوئي - تبريز 1292.
رسالة الاجتهاد - لمحمد بن حسن الطوسي - طهران 1317.
رسائل الشيعة - لمحمد بن حسن الحر العاملي في 3 مجلدات - طهران 1323و1326.
روضة الأمثال - لأحمد بن عبد الله كوزة كناني - 1324.
شرح أصول الكافي - لصدر الدين الشيرازي - طهران.
شرح خطبة الطتنجية - للسيد كاظم الرشتي 1270.
شرح نهج البلاغة - لعز الدين عبد الحميد بن أبي الحديد المعتزلي - طهران 1271.
شرح نهج البلاغة - لكمال الدين ميتم بن علي البحراني - طهران 1276.
صلوة - للشيخ مرتضى الأنصاري - 1305.
الطهارة - للشيخ مرتضى الأنصاري - 1317.
عدة الأصول - للشيخ الطوسي 1314.
عيون أخبار الرضا - لعلي بن بابويه القمي 1270.
غاية المرام - للسيد هاشم البحراني(8/552)
- طهران 1272.
الغيبة - لمحمد إبراهيم بن عبد الله النعماني - طهران 1318.
فروع الكافي - لأبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني الرازي - طهران 1315.
فصل الخطاب - للحاج محمد كريم خان الكرماني - طهران 1302.
فصل الخطاب - للحاج ميرزا حسين النوري - طهران 1298.
الفصول المهمة - لنور الدين علي بن محمد أحمد المالكي 1302
فضائل الأئمة - للشيخ محمد تقي الأصفهاني 1305.
قاعد العقائد - لنصير الدين محمد الطوسي 1303.
الكافي - للشيخ أبي جعفر محمد بن يعقوب الكليني 1281.
كمال الدين - للشيخ الصدوق 1310.
اللهوف - لعلي بن موسى بن جعفر ابن محمد بن الطاوس الحسيني 1321.
المبين - للحاج محمد كريم خان الكرماني.
المتاجر - للشيخ مرتضى الأنصاري 1310.
مجموعة رسائل - لأبي الحسين ورام ابن أبي فراس المالكي 1309.
مخزن الفوائد لطي بن مهدي اللاهيجي 1316.
مدينة المعاجز - للسيد هاشم بن سليمان البحراني - طهران 1290.
مرآة العقول - لمحمد باقر المجلسي طهران 1321.
مشارق الشموس - لآقا حسين الخونساري 1311.
مطالب السؤل - لكمال الدين محمد بن طلحة الشافعي - طهران 1287.
مكارم الأخلاق - لحسن بن فضل بن حسن الطبرسي - 1305و1311.
المنيف - للشيخ تقي الدين السمني 1273.
3 - كتب الفقه والأحكام
إفادات - للشيخ زين الدين الشهيد 1313.
الأنوار الرضوية - للسيد رضا بن إسماعيل الشيرازي - طهران.
تذكرة الفقهاء - لحسن بن يوسف
ابن المطهر الحلي - طهران 1272.
جامع القاصد - لعلي بن عبد العال كركي - طهران.
جوامع الفقه - من بعض علماء الشيعة - طهران 1276.(8/553)
جواهر الكلام - للشيخ محمد حسن بن محمد باقر الأصفهاني - طهران 1271 إلى 1275 و1286 و1287 و1317.
حاشية علي شرح اللمعة - لآقا جمال الخوانساري - طهران 1272.
حاشية علي شرح اللمعة - لحسين الحسيني خليفة سلطان - طهران.
الدروس الشرعية - لمحمد بن مكي الشهيد - طهران 1269.
ذكرى - لمحمد بن مكي الشهيد - طهران 1271.
رسالة في تداخل الاغسال - للشيخ مهدي الخالصي - مشهد 1342.
رسائل الشيعة - لمحمد بن حسن الحر العاملي في 3 مجلدات - طهران 1323و1324.
الروضة البهية - لمحمد بن مكي الشهيد - تبريز 1271 وطهران 1276 و1277 و1285.
سرائر الحاوي في تحرير الفتاوي - لمحمد بن أحمد إدريس العجلي الحلي طهران 1270.
شرائع الإسلام - لأبي القاسم نجم الدين بن حسن الحلي - تبريز 1275 وطهران 1272 و1294.
شرح رياض المسائل - للسيد علي الطباطبائي في مجلدين - طهران 1267 و1275 و1281 و1282 و1288 و1292.
شرح شرائع الإسلام - للشيخ مرتضى الأنصاري 1298
فقه الرضوي - لعلي بن موسى الرضا - طهران 1274.
القاعد الفقهية - للشيخ مهدي الخالصي مشهد 1343.
كشف اللثام - لحسن بن يوسف ابن المطهر الحلي في مجلدين - طهران 1271و1274.
المبسوط - للشيخ الطوسي - طهران 1271.
مجمع فائدة البرهان - لمقدس الأردبيلي طهران 1272.
مجموعة الهداية - لمحمد تقي بن محمد باقر الشريف اليزدي - يزد 1277.
مدارك الأحكام - للسيد شمس الدين محمد بن علي الموسوي - طهران 1286
مسالك الإفهام - للشيخ زين الدين الشهيد في مجلدين - طهران 1262 و1267 و1268 و1273 و1282.
مستند الشيعة لأحمد بن محمد مهدي التراقي في مجلدين - طهران.(8/554)
مصباح - لتقي الدين الكفعمي 1312.
المعتبر - للشيخ نجم الدين المحقق طهران.
مفتاح النجاح - لمحمد مومن الخراساني 1273 و1291.
المكاسب - للشيخ مرتضى الأنصاري طهران 1280 و1286.
المواهب السنية - لحاج ميرزا محمود البروجردي في مجلدين - طهران 1280 - 1288
النافع - للشيخ نجم الدين المحقق طهران.
نهج اليقين - للشيخ علاء الدين محمد بن أبي تراب 1302.
4 - كتب الأصول
إشارات الأصول - للحاج محمد إبراهيم الكرباسي - طهران 1245
بحر الفوائد - للحاج ميرزا محمد حسن الأشتياني - طهران 1315.
خزائن الأصول - لفاضل الدربندي طهران.
رسالة في الاجتهاد - للشيخ محمد تقي الأصفهاني - طهران 1296.
ضوابط الأصول - للسيد إبراهيم القزويني - 1270 و1271.
علم اليقين - للحاج محمد كريم خان الكرماني 1304.
عوائد الأيام - لأحمد بن مهدي بن أبي ذر التراقي 1266.
فوائد الأصول - للشيخ مرتضى الأنصاري - طهران 1295 و1323.
الفصول الغروية - للشيخ محمد حسين ابن محمد رحيم - طهران 1282 و1299 و1304 وتبريز 1275
مباني الأصول - لمحمد هاشم الخوانساري 1317.
معالم الدين - لحسن بن زيد الدين الشهيد طهران 1277 و1289 و1297 وتبريز 1280.
مناهج الأحكام - لأحمد بن مهدي أبن أبي ذر النراقي 1269.
هداية المسترشدين - لمحمد تقي بن محمد رحيم الأصفهاني - طهران 1273.
وسيلة الوسائل للسيد محمد باقر اليزدي تبريز 1291.
لها بقية
طهران: سعيد نفيسي(8/555)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاورها
1 - سفر جلالة ملكنا المعظم
سافر جلالة ملكنا المعظم طائراً إلى أوربة الاستشفاء ذاهباً إليها على طريق عمان وذلك في الساعة الخامسة صباحاً من اليوم 24 من شهر حزيران (يونيو) وقد ودعه في ميدان الطيران رئيس الوزارة والوزراء ورئيسا مجلس الأمة ورجال البلاط الملكي وكبار الموظفين إلى غيرهم من العراقيين ومن البريطانيين المعتمد السامي وقائد القوات الجوية وبعض كبار دار الاعتماد والمستشارين إلى أمثالهم.
ورافق جلالة ملكنا المحبوب رستم بك حيدر وتحسين بك قدري. وعند الظهر وصل جلالته إلى الرطبة وعند المغرب إلى عمان.
2 - إرادة ملكية
(بحروفها)
أصدرت إرادتي الملكية
نحن ملك العراق
بعد الاطلاع على المادة 23 المعدلة من القانون الأساسي وبموافقة مجلس الوزراء أمرنا بما هو آت:
أولاً - أن يكون ولدنا الأمير غازي نائباً عنا في المدة المتخللة بين مغادرتنا العراق ومواصلة جلالة أخينا علي بن الحسين العراق. وله أن يقوم بجميع حقوق الملك باستثناء قبول استقالة رئيس الوزراء ودعوة مجلس الأمة وحله وتصديق المعاهدات.
ثانياً - عند وصول جلالة أخينا علي بن الحسين تنتهي وظيفة ولدنا ويكون أخونا المشار إليه نائباً عنا مدة غيبوبتنا وله أن يقوم بجميع حقوق الملك النصوص عليها في القانون الأساسي باستثناء قبول استقالة رئيس الوزراء واختيار جديد وتصديق المعاهدات إلا بعد استحصال موافقتنا.
ثالثاً - على جميع وزرائنا تنفيذ أحكام هذه الإرادة.
كتب ببغداد في اليوم التاسع عشر من شهر حزيران 1930 واليوم الثالث والعشرين من شهر محرم 1349
تواقيع الوزراء
فيصل(8/556)
3 - عمر سمو الأمير غازي
أن تولد نائب جلالة الملك سمو الأمير غازي يقع في 12 مارت من سنة 1912م وكان ذلك في مكة المكرمة.
4 - وصول جلالة الملك علي
اتخذ قائد قوات الطيران الترتيبات اللازمة لاستقبال جلالة الملك علي في جاني الكرخ في الساعة الأولى والنصف من بعد الظهر من ال 25 حزيران فذهب لاستقباله سمو ولي العهد وفخامة المندوب السامي ومفتش الشرطة العام إلى غيرهم من المرحبين به.
5 - عجز الميزانية العراقية
بلغ العجز في الميزانية العراقية في هذه السنة المالية خمسة ملايين ربية من الأصل الذي هو 57 مليوناً من الربيات.
وقد كانت ميزانية الدولة في سنة 1922 ما قدره 70 مليوناً ربية. فتتخذ الحكومة كل الوسائل اللازمة لتخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية وتتلافى هذا العجز الهائل. أما أسباب هذا العجز فهبوط أسعار الحبوب من جهة وقلة الدخل من الكمرك من جهة أخرى.
6 - إنكليزي يهرب عاديات العراق
المستر كوك كان مستشاراً لديوان الأوقاف منذ سنة 1918 وبقي فيه إحدى عشرة سنة ثم استغني عن خدمه وفي 31 أيار (مايو) من هذه السنة عثر مدير كمرك الرمادي على صندوق لا علامة عليه ولا كتابة وكان فيه عاديات عراقية لتهرب. ولما سئل سائق السيارة التي حملت هذا الصندوق عن صاحبه قال: هو للمستر كوك. واخرج من جيبه بطاقة عليها اسمه وانه يسلم هذا الصندوق في دمشق لرجل آخر يعرض عليه بطاقة تشبه البطاقة المذكورة. فأرسل بهنام أفندي سلمان مدير كمرك الرمادي بهذه الآثار إلى بغداد فنقلت من
كمرك بغداد إلى دار التحف في العاصمة.
وهي كثيرة ثمينة بينها خناجر ذهبية ونحاسية بأشكال مختلفة واسطوانات صغيرة من الحجر المانع إلى غيرها.
وتقدر أثمانها بعشرة آلاف ليرة إنكليزية ويقال أنها مسروقة من آثار أور.
وقبل أن يبعث بهذه العاديات كان المستر كوك طلب إجازة بإخراج آثار إلى ما وراء الديار العراقية فلم يؤذن له لأنها كانت مما لا يجوز لأحد المتاجرة بها وإخراجها من البلاد. فضلاً عن أن المستر كوك غير مجاز لأن يتاجر بمثل تلك العاديات.
وقد اتصل بجريدة العراق (9 حزيران(8/557)
1930) بأن العادة الجارية في حفظ حصة العراق من الآثار القديمة أن توضع في المتحفة من غير أن يكون لها دفتر خاص تسجل فيه - وهذا في حين كان المستر كوك مستشاراً للأوقاف ومديراً فخرياً لتلك المتحفة - ولما تعين المستر سدني سميث مديراً لها أنشأ لتلك العاديات سجلاً يدون فيه كل ما يدخل دار التحف.
فيستدل من هذا أن قبل تعين المستر سدني سميث كانت العاديات غير مضبوطة وكان من الهين أخذها والتصرف فيها. فبقيت مسألة هي: هل هذه العاديات التي حاول المستر كوك تهريبها كانت من الآثار الراجعة إلى المتحفة العراقية أو لا وعلى كل حال: لا يفهم الناس كيف حصل المستر كوك على القدر العظيم من الآثار النفيسة.
إلا أن حضرة ملاحظ المطبوعات نشر في جرائد المدينة تكذيباً لذلك وهذا نقله بحرفه: نشرت في بعض الصحف بعض أخبار مغلوطة (كذا) حول قضية الآثار القديمة التي حاول المستر كوك إخراجها من العراق لذلك رأت الحكومة أن توضح هذه القضية للرأي العام فيما يلي:
قبل مدة عرض سائق سيارة تابع لإحدى شركات النقل ما ينقله من الأمتعة على مأمور الكمرك في الرمادي ومعها بعض أمتعة تعود إلى المستر كوك مفتش الأوقاف السابق.
ولدى الفحص وجدت في أحد الصناديق بعض آثار قديمة، فطلب مأمور الكمرك من السائق إبراز الإجازة القانونية بإخراج هذه الآثار فبين له السائق أنه لا يعلم شيئاً من الآثار وأن كل ما لديه هو بطاقة أوصاه المستر كوك بأن يسلمها مع الأغراض إلى شخص في دمشق. فحجز مأمور الكمرك الصندوق المحتوي على الآثار وسمح للسائق بنقل باقي الأمتعة وقد
جلب الصندوق إلى بغداد وظهر أن فيه آثاراً خمن ثمنها بألف وخمسمائة روبية (كذا) وقد ظهر أيضاً أن القضية مخالفة للقانون بعدم حصول المستر كوك على إجازة قانونية بالتصدير. لذلك فقد صودرت الآثار المذكورة. ولما كان المستر كوك قد حصل على بعد انتهاء خدمته في الحكومة العراقية على وكالة للمتاجرة بالآثار القديمة في العراق. رأت ضرورة إخراجه من العراق نظراً إلى المنصب الذي كان يشغله في الحومة فأوعزت إليه بمغادرة العراق على الفور(8/558)
وقد علمت الحكومة قبل مغادرته العراق أن لديه آثاراً أخرى اشتراها من الأهالي فطلبتها منه لفحصها. وهذه الآثار قيد الفحص الآن في دائرة الآثار وبهذه المناسبة رأت الحكومة أن تدرس مسألة إيجاد لجنة وطنية لمراقبة المتحف العراقي بصورة مطمئنة. . .
7 - آثار نفيسة لا يعرف مصيرها
ذكرت البلاد في 10 حزيران 1930: أن إحدى شركات التنقيب في العراق كشفت قبل مديدة عجلة من ذهب فيها تمثال من ذهب لملك جالس عليها ويجر هذه العجلة حصان من نضار وعثرت أيضاً على غزلان من ذهب ترعى في مرج عشبه من عسجد. وكل هذه العاديات النفيسة لا يعرف الآن مصيرها. ويقول العارفون شركة الحفر في خرستاباذ (خورصاباد) أخرجت من العراق مائتي صندوق (كذا) مشحون عاديات عراقية نفيسة ولكنهم لا يعرفون ما كانت حصة ديارنا من هذه الثروة الهائلة.
ويشاهد زائرو المتحفة العراقية آلافاً من العاديات مطروحة على الحضيض في سرداب تلك الدار.
8 - ممثل فرنسة في العراق
في 19 حزيران قدم حضرة صاحب السعادة المسيو (ليبسة) أوراق اعتماده إلى فخامة رئيس الوزراء ووزير الخارجية بصدد ترقيته إلى درجة (متولي أعمال) فرنسة في العراق
9 - بيان رسمي من وزارة الري والزراعة
نلفت بهذا أنظر الجمهور إلى حالة مستوى الماء في أنهر دجلة والفرات وديالى وإلى حالتها المتوقعة خلال أشهر الصيف.
مازال متوسط مستوى دجلة منذ أول آذار أوطأ مما سجل للمدة عينها خلال أية سنة من ال 24 سنة المنصرمة ويمكن التأكيد الآن بأنه سوف يكون مستوى موسم الصيف أيضاً أوطأ فعلاً بل أنه من المحتمل جداً أن يكون أوطأ فعلا من أي مستوى قد سجل سابقاً لمثل تلك المدة كما أنه يتوقع أن يكون بالفعل مستوى موسم الصيف أيضاً واطئاً جداً.
هذا ولا يمكن الجزم في شيء حول نهر ديالى نظراً للنقص الموجود في السجلات ومع ذلك فمن درس هذه يظهر أن من المحتمل أن يكون مستوى(8/559)
موسم الصيف العمومي أعلى بقليل من مستوى 1929 إذ أن مستوى السنة الأخيرة كان واطئاً جداً.
10 - السائح العراقي
قالت جريدة الموصل ما هذا بحروفه:
عاد من رحلته العالمية السيد يونس بحري السائح العراقي الذي غادر الموصل في نهاية كانون الأول 1929 ورجع إلى مسقط رأسه في الموصل في 21 أيار 1930
زار سائحنا العراق وبلاد العجم وتركستان والأفغان والهند والصين واستراليا وأفريقيا الجنوبية وأمريكا الجنوبية وأمريكا الشمالية وإنكلترا وبلجيكا وهولندا ودانمرك واسوج ونروج وفيلاندة وروسيا وبولونيا وألمانيا والنمسا وجيكوسلافاكيا والمجر ورومانيا وبلغاريا واليونان وسوريا وفلسطين وإيطاليا وسويسرا وفرنسة وأسبانيا وغيرها من البلدان فطاف هذه السنوات الأربع ثلثي المعمور.
وقد أقيمت للسائح العراقي مآدب متنوعة في بلاد كثيرة لاسيما في البلاد المصرية حيث انتمى إلى جمعية الرابطة الشرقية.
11 - فخامة السر فرنسيس هنري همفريز
صدرت البراءة الملكية المؤرخة في 18 مايس سنة 1918 بتعيين السر فرنسيس هنري همفريز جي. سي. في. او. - كي. سي. ام. جي. ئي. بي. أي. سي. بي. أي. قنصلاً عاماً لدولة بريطانيا العظمى في العراق.
12 - كشف جمعية سرية في الآستانة
كشفت جمعية سرية في الآستانة اسمها (جمعية أصدقاء تركستان) وغايتها إثارة الفتن
والاضطرابات في البلاد. وقبض على زعيمها (صلاح الدين) مع ستة من معاونيه. وقد صرح صلاح الدين بأنه تلقى لهذه الغاية إعانات من أحد القواد الإنكليز.
13 - الشيخ جوي اللازم
حضر العاصمة الشيخ جوي اللازم من شيخ بني لام وقد جاء بمائة وخمسة عشر بعيراً وثلاثين بقرة وألف رأس غنم ليبيعها في الأسواق ويدفع ضرائب الحكومة.
14 - أملاك أمير الكويت وأمير المحمرة
وافقت الحكومة البريطانية على استيفاء الضرائب من أملاك الأميرين أمير الكويت وأمير المحمرة السابق تلك الأملاك الواقعة في البصرة فألغي بذلك آخر امتياز كان يتمتع به هذان الأميران وسيضمن هذا الإلغاء للحكومة العراقية مورداً جليلاً. لأن دخل سمو الشيخ(8/560)
أحمد الجابر الصباح يبلغ 70 ألف جنيه إنكليزي في السنة وريع سمو الشيخ خزعل خان أمير المحمرة السابق يبلغ نحو 35 ألف ليرة إنكليزية فيكون مجموع الريعين في العراق نحو 105 آلاف ليرة إنكليزية في السنة.
15 - وصية الشاه أحمد القاجاري
أوصى احمد شاه القاجاري بما يأتي - وقد قدمت وصيته إلى حكومتنا لأن أمواله هي في ديارنا - بأن يخصص راتب سنوي قدره 1200 جنيه لأخيه البرنس محمد حسن خان ويعين له دخل إضافي لعشر سنوات لتعليم نجلي هذا الأمير، ويبقى لوالدته جميع ممتلكاته في ربوع إيران مع نصف جواهره وسدس سنداته. وتقسم بقية أمواله بين نجله الوحيد البرنس فريدون وكريماته الأميرات: مريان وإيوان وهمايون وأوصى لكل من أزواجه الثماني براتب سنوي قدره مائتا جنيه وبمبلغ إضافي قدره 120 جنيهاً في السنة لكل ولد من أولاده حتى يبلغ العشرين من عمره.
16 - محلة النزيزة تعتبر محلة بغدادية جديدة
اتسعت المحلة المعروفة (بمحلة النزيزة) وهي الواقعة في غربي بغداد خلف السور القديم وكثرت الدور التي أنشئت فيها فقرر مجلس أمانة العاصمة في 3 أيار تعيين جلوب احمد الدليمي مختاراً لهذه المحلة. وقدم أهاليها إلى لجنة إسالة الماء طلباً لتمد أنابيب الماء التي
يتكبدونها للحصول على الماء واهتمت دائرة الحراسة بتعيين الحرس الكافي لهذه المحلة.
17 - الإيرانيون يعودون إلى مسألة إبدال حروفهم
تجددت في شهر حزيران (يونيو) الدعاية إلى إبدال الحروف العربية بحروف أخرى. وأنصار هذه الفكرة يقسمون إلى قسمين حزب يدعو إلى الحروف الزندية (الفارسية القديمة) وفريق يسعى إلى اتخاذ الحروف الرومانية ونحن نقبح رأي الحزبين ونود أن لا يخرج الإيرانيون عن الحروف العربية التي أبقى بها أجدادهم المؤلفات العديدة.
18 - ولادة عجيبة
علمت جريدة النهضة (في عددها 544) أن امرأة اسمها (جاملك بهنت دوس علي) من عشائر موسى في بشت كوة) (من الجبال المجاورة للعمارة) ولدت أربعة أولاد في بطن واحدة وكل توأمين منهم ملتصق أحدهما بأخيه. وقد جاء زوجها إلى العاصمة طالباً طبيباً ماهراً لحل(8/561)
عقدة الاتصال!
19 - الأمراض السارية
جاء في الجدول الأسبوعي الأخير المنتهي في ال 14 من حزيران أنه حدث في بغداد 4 إصابات بالطاعون و3 وفيات وفي الكاظمية إصابة واحدة. وبالحمى التيفوئيدية 4 إصابات في بغداد وبالسعال الديكي 3 إصابات.
20 - 10000 مقاتل تركي
يقاتل 10000 جندي تركي الأكراد الثائرين الذين تحصنوا في جبال أراراط.
21 - الشكوى من بريد العراق
كتبت العرفان في الجزء الأول من مجلدها العشرين تقول:. . . ومما لاحظناه أن بريد العراق مختل جداً فيجب على الحكومة العراقية ملاقاته وعلى الصحف التنبيه لهذا الأمر المهم. وكتب إلينا من ذكر أن أكثر الصحف التي ترسل لهناك لاتصل لأصحابها بل يبيعها موزعو البريد السود بحبة كولا فلمن الشكوى ولماذا تسكت الصحف السورية على التنبيه والتنديد) اهـ.
قلنا: ليس عندنا من موزعي البريد السود إنما جميعهم بيض وعراقيون ولا نظن بينهم من يدمن أخذ حبة الكولا فلم نفهم هذا الكلام أيريد صاحبه الرمز والإشارة أم الحقيقة والتاريخ. أما الشكاوى من بريد العراق فلا تنقطع من مشتركينا الكرام في ديار مصر إذ لا يمضي شهر إلا وتأتينا شكوى من عدم وصول الجزء الفلاني أو الفلاني من لغة العرب. فنضطر إلى إيراد الأجزاء المسجلة وهذا ما يكلفنا أثماناً باهظة فعسى أن تقبض الحكومة العراقية بيد من حديد على من يجرؤ فيسرق الأجزاء المبعوث بها إلى أصحابها في الخارج.
تصحيحات
ص364 س22 ص366 س7: 1772: 1773 - ص367 س14: جاقر: جان - ص394 س25: مثل: مثلك - ص408 س3 قال: ولذا قال - ص410 س15 عريزاً: عزيزاً - ص431 س15 مؤلفاته: ذكر مؤلفاته - ص487 س9 المجلة الألمانية ومجاوراتها السامية: المجلة الألمانية للساميات ومجاوراتها - ص492 س18: لبساتين: البساتين - ص501 س22: على ما أوردنا بعضاً منها: على ما أوردنا منها - ص717 س3: عوض: معاون - ص521 س3: رجيماً: رجيمها - ص522 س19: أن: في - ص530: التناقض: التناقص.(8/562)
العدد 83 - بتاريخ: 01 - 08 - 1930
دار المسناة
بقاياها الإيوان الذي بالقلعة
كان الكاتب المحقق مصطفى جواد قد قال في هذه المجلة (7 (1929): 488) ما يلي: وإذ كانت قصور الخليفة بين شريعة المربعة أو نحوها وشريعة المصبغة أي على ما أدعى الصديق. . . (يعنيني بكلامه) فكيف يتفق الأمر وقول أبن جبير ص 206 عن الناصر لدين الله: (وقد أنحدر عنها صاعداً في الزورق إلى قصره بأعلى الجانب الشرقي على الشط) فهل كان أعلى الجانب الشرقي المصبغة؟) انتهى كلام صاحب المقالة الذي يستشف من استفهامه أنه أنكر علي تعيين موضع قصور الخليفة. وكان قد سبق وقال عني في الص 487 ما يأتي: (وهناك اضطراب ظاهر في قوله (يعنيني): (يحتمل أن تكون قصور الخليفة فوق دار ابن الجوزي أو تحتها) ثم قوله (كذلك يعنيني) ولعل الأرجح أن تكون تلك القصور(8/563)
فوق الدار) انتهى ما نقله ورأى أن (أو) الشكية زائدة فنقدني عليها ولم أكن إذ ذاك في بغداد لتكون الأجزاء السابقة تحت يدي لأجيبه على كلامه.
وبعد ذلك بأشهر كتب أيضاً في هذه المجلة في الص 343 من هذه السنة مقالة بعنوان: (القصر الذي بالقلعة) نفي فيها أن تكون الإطلال قصر المأمون وأخيراً دبج قلمه مقالة أخرى عنوانها: (قصر الناصر لدين الله العباسي بالقلعة) نشرها في جريدة العراق (البغدادية) في عددها المرقم 3094 والمؤرخ في 10 حزيران 1930 أورد فيها من الأدلة والبراهين ما ينفي نسبة القصر بقاياه بالقلعة إلى المأمون وهو محق في ذلك.
وإذ كان لنقده إياي ولسؤاله الذي وجهه إلى صلة بالقصر الذي كتب عنه المقالتين عن لي أن أكتب شيئاً عن ذلك وأفصح عن بقايا القصر المنوه به - وهي الإيوان الذي بقاياه بالقلعة - حتى يجيء اليوم نعرف فيه بأني القصر وسنة تشييده واسمه وهل كان له أسم غير الذي سنعرفه في السطور التالية.
وليسمح لي الكاتب الأديب المجاهل أن أقول له أني لا أرى منافاة في ما حققته عن موضع قصور الخليفة وعلى اصطلاح آخر دور الخليفة وعلى غيره من الاصطلاحات دار الخلافة ما استوجب الاستفهام. وهل من البعيد أن يكون للناصر قصر غير قصوره التي دار
الخلافة ولا شك أن الجواب هو: كلا أن ذلك ليس من البعيد.
وبعد أن أقر الكاتب الفاضل في استفهامه بأني قلت أن قصور الخليفة بين شريعة المربعة أو نحوها وشريعة المصبغة فلا أرى أن له وجهاً في مناقشتي في (أو) الشبكة إذ أن في من يراجع مقالتي (قبر أبن الجوزي) و (قصور الخليفة) (هذه المجلة 7: 372) التي نقل منها للنقد ير أن ما قلته فيها هو ما استخرجته من رحلة أبن جبير قبل أن استرسل في البحث الذي عينت في نتيجته موضع قصور الخليفة في مقالتي المذكورة كما كنت قد عينت قبل ذلك موضع حريم دار الخلافة وفيه دار الخلافة في هذه المجلة (5: 449) وفضلاً عن إقرار الفاضل الأديب في استفهامه بأتي كنت عينت موضع قصور الخليفة فأنه قد قال أخيراً ما يأتي في جريدة العراق في عددها المذكور آنفاً.(8/564)
(نقل صديقنا. . . يعقوب نعوم سركيس في المجلد الخامس من مجلة لغة العرب ص 453 أن المدرسة المستنصرية (أي الكمرك اليوم) مما يلي شمالي دار الخلافة العباسية ومصدره ج 3 ص 170 من تاريخ أبي الفداء. . .) ثم قال: (وإذ علمت أن قصر المأمون في دار الخلافة (وكانوا قد جددوه) وأن دار الخلافة من قهوة المصبغة إلى جامع السيد سلطان علي وشريعة المربعة اليوم أدركت كل الإدراك غلط من ينسب قصر القلعة - المتهدم أكثره اليوم - إلى المأمون) اهـ.
فيظهر مما تقدم بإقرار الكاتب بأني كنت على حق في ما قلته عن موضع قصور الخليفة فلا تناقض بين كلامي وكلام أبن جبير لتستوجب الحال الاستفهام. وكان حكيي عن قصور الخليفة التي في حريم دار الخلافة وحكي صاحب الرحلة عن قصر للخليفة غير قصورة التي في الحريم.
الإيوان
أما القصر الذي حكى عنه أبن جبير فبقاياه الإيوان وغيره مما في القلعة وكلها بقايا قصر نسبه كاتب المقالتين إلى الخليفة وأني لمعتقد اعتقاده أنها بقايا القصر الذي عناه ابن جبير وهو الذي سئلت بمناسبته أن أوفق بين كلامي وكلام أبن جبير ولم يكن ما قلته مخالفاً لأبن جبير على ما بان لك في ما تقدم. وما هذا القصر إلا الذي جاء الكلام عليه في كتاب الحوادث الجامعة باسم (دار المسناة) إذ أن موقع الإيوان الماثل اليوم يوافق موضع القصر
الذي ذكره صاحب الرحلة أما باني القصر فقد يكون الناص وقد يكون غيره قبله إذ ليس لدي ما ينبئني بأنه من بنائه. وهذا ما وجدته عن القصر في كتاب الحوادث:(8/565)
(سنة 635هـ - 1237م) ثم تقدم بعمارة سور بغداد وقسم بين أرباب الدولة فسلم إلى نواب ديوان الأبنية منه قطعة مما يلي دار المسناة. . .).
(وفيها (أي في سنة 641 هـ - 1243م) زادت دجلة زيادة مفرطة غرقت مواضع كثيرة ونبع الماء في المدرسة النظامية ودخل بيوتها وكذلك ما جاورها وخرب محلة كان استجدها الغرباء من الجند بظاهر سوق السلطان وراء جامع المدينة وانتقل أهلها إلى وراء السكر وصليت الجمعة على طرف الخندق مما يلي دار المسناة وأنزعج الناس. . .).
(سنة 646هـ - 1248م). . . ثم زادت (دجلة) في ذي الحجة زيادة مفرطة أعظم من الأولى فانفتحت في القروج فتحة وصاحب الديوان فخر الدين أبن الدامغاني هناك فنجا بنفسه مسرعاً ودخل البلد وانفتحت أخرى إلى جانب دار المسناة وأحاط الماء ببغداد. . .).
(وفي هذه السنة (أي سنة 680هـ - 1281م). . . وقبض السلطان على علاء الدين صاحب الديوان وأصحابه ونوابه وإتباعه. . . ودوشخ وألقي تحت دار المسناة التي بأعلى بغداد على شاطئ دجلة. . .).
(سنة 696هـ - 1296م) ثم أمر (السلطان) بقتل مظفر الدين علي أبن علاء الدين صاحب الديوان فنفذ إلى بغداد من قبض عليه واعتقله أياماً ثم قتل ودفن في دار المسناة التي بأعلى بغداد وعملت الدار رباطاً ثم نقل منها ودفن عند والدته في الرباط المجاور للعصمتية). اهـ.
وبعد تعريف الحوادث الجامعة بموضع دار المسناة وهو ما ينطبق على موضع القصر الذي رأى جبير الخليفة الناصر لدين الله صاعداً إليه وكذلك ما ينطبق على موضع الإيوان الذي بالقلعة لم يبق شك في أن هذا الإيوان هو أثر باق من دار المسناة لكنا لا نعرف بانيها وسنة تشييدها وهل كان لها اسم غير هذا،(8/566)
ولعل كتاب مرآة الزمان لسبط أبن الجوزي - ولا سيما مجلدة الأخير - يميط اللثام عما جهلناه فحقيق بالباحث أن يرجع إليه منقباً ومدققاً.
بغداد في 13 حزيران
يعقوب نعوم سركيس
(لغة العرب) أشار حضرة المحقق يعقوب أفندي نعوم سركيس إلى مقالة المهندس الفرنسي. هـ. فيله ولما كانت نادرة الوجود. ولا يعرفها أغلب القراء من أبناء لغتنا ننقلها إليهم إتماماً للفائدة ولكي يقف عليها أصحاب الفن فيتعلموا وصف مثل هذه الأبنية القديمة.
وصف إيوان القلعة
قال المسيو هـ. فيوله وكان مهندساً في بغداد في مجلة العريقيات في سنة 1913 ما هذا نقله في لغتنا: (جميع أبنية ذلك العصر (في القرن الثالث عشر للميلاد أو المائة السادسة والسابعة للهجرة) بنيت على مبادئ واحدة وبمواد واحدة ويجوز لنا أن نقول: أن طراز اتخاذ هذه المعدات وحسن الاشتغال بها هما اللذان يكيفان فن البناء ويطبعانه بطابع خاص.
أن أبنية المائة الثالثة عشرة للميلاد متقومة من طاباق صنع أحسن صنع وانتفع أستاذ أحسن انتفاع بتك المواد التي لا تغني من جوع في حد نفسها ويعب أن يزين بها كما يزين بالحجر. وقد اتخذ قطعاً من الصلصال المشوي أفرغها في قوالب رسمها في الأول قبل شيها فإذا اجتمع بعضها إلى بعض تقوم منها تزويق عجيب بديع ليس فيه شيء من ذلك الجمود الذي لا يرى فيه سوى(8/567)
الخطوط المستقيمة الخاصة بالآجر. وقد أظهر التحقيق الفني لتلك الأفكار المتولدة في صاحبها شيئاً في منتهى اللطافة والدقة كما يشاهد ذلك في العصور التي قلناها في الأصل وزينا بها مقالنا (وهنا طبع ناشر المقالة سبعة رسوم أخذها عن إيوان القلعة ورسوماً أخرى أخذها عن المدرسة المستنصرية).
ففي الصورة الأولى قسم من عقد الإيوان في قلعة المدفعية وهو إيوان قديم والأثر الوحيد الباقي من قصر بديع لأحد الخلفاء والآن تراه غارقاً في بنية القلعة وله ميزة خاصة به. وهذه القلعة تبين جلياً أسلوب تحقيق فكرة لبناء في ذلك العهد ويوقفنا على مبدأ التزويق في ذيالك الحين. وكل ذرو من عمل البناء هو مكعب من مشوي الصلصال ومفرغ في قالب خاص به. وهو يفارق جارة بنوع عام بأجرة قليلة الثخن موضوعة في جانبها.
وجميع هذه القطع المتجاورة الوضع تذكرك لعبة السرنج إذ تتجه جميعها وجهه مدبرة جارية على خطوط تحقيق فكرة الصانع الأستاذ فإذا تمت بدأ لك رسم بديع في مجملة ويهون عليك حينئذ وجود الخطوط الهندسية فيه. . .).
وإلى اليوم ترى في بغداد (اسطوات) (أساتذة في البناء) يدفع واحدهم إلى الآخر خلفه
نماذج من ألاعيب الآجر لا يصعب عليهم إتمامها. وليس من صاحب منزل يبني شيئاً في (دار الخلفاء) إلا ويزين أعلى وجه الباب بتلك التزاويق تزاويق الآجر بيد أنها غير مصبوبة صباً في قوالب لأنهم أضاعوا طريقة الأقدمين ولذا تراعا منحوتة نحتاً بموجب ما يراد وليس فيها تزاويق.
وهذه التزيينات إذا أحكم وضعها تبدي لرائيتها أقصى الغاية من وضع التزويق وتتخذ لتجميل العقود والسقوف وأعالي الأبواب وما بين الشبابيك أو الكوي وعمد الحيطان فيحنئذ يخيل إلى الرائي أنه يشاهد في تلك المواطن طنافس أو زلالي (زوالي) أو تخاريم عقلت عليها.
وتتخذ أيضاً قطع ناتئة وغائرة جارية على تلك الافانين وقد وضعت وضعاً يعلي لك كعب تلك التعاريج والتلاوي تعارج الخطوط البنائية وتطوف تطاريز حول العقود عند أسافل العمد من جهة وفي أعاليها من جهة أخرى فتظهر متوجة(8/568)
أحسن تتويج.
بل ترى أزيد من هذا، ترى عرية الحيطان نفسها مزينة تزييناً بسيطاً وهذه البساطة تفعل في نفسك مفاعيل تبعث فيها السعادة والأنس، ترى مربعات من الآجر مصبوبة فيها النقوش طباً يتخللها طاباق عادي فتظهر لك كأن هناك رقعاً من الدمة (الضامة) أو الشطرنج.
وعلى أعراف هذه الحيطان تطرد اطراد التخاريم رقم تكللها تكليلاً زاهياً وتنطق تلك الحجارة الصامتة لأنها زينتها الزاهرة.
ومنذ صدر الإسلام تجلت الحروف الكوفية تجلياً باهراً، كان لها في الزينة المقام الأعلى وهنا يحق لنا أن نتأسف على أن أساتذتنا في القرون الوسطى تركوا هذه الطريقة. طريقة التزيين والتزويق في الريازة. بعد أن عالجوها معالجة تخوفوا فيها ولو ساروا في طريقهم سيراً حثيثاً لانتفعوا بها انتفاعاً عجيباً.
(وهنا تكلم الكاتب الفرنسي عن المدرسة المستنصرية ثم انتقل إلى الكلام على ما في قلعة الميدان من البناء فقال): والصورة 11 (وقد أتقن رسمها حتى بانت جميع محاسنها) تمثل عقد الإيوان المشرف على فناء الدار من جهة الشرق فينشئ لك فكرة ما هي عليه من الزينة.
ولكي نبين كل التبيين هذا الجنس من البناء نصور للقارئ بعض تصاوير الأبنية المشيدة
في عهد المستنصرية لتنجلي لك درجة الكمال التي بلغ إليها هذا الفن المكين والدقيق الصنع معاً.
أرأيت شيئاً في الريازة أبهى من ذلك التزويق الذي يرى على العمد داخل البناء وهو المصور في الشكل 12؟ فان هذا التزويق الحافل بالغنى والمحصور بين إطارين هندسيين هو ذوسمت لا غبار عليه وإلى موازاة هذا المزدوج عولج الإطار الذي يحول دون التزيين الجليل الذي في الشكل الأول معالجة غير ما يرى في أخيه. وقد عني رأسه عناية عظيمة ليظهر ما هناك من المقابلات والمضادات والمخالفات.؟ أنك ترى بياضاً بقيت فيه خطوط البناء ظاهرة وقد خفف ما فيها(8/569)
من اليبوسة بآخر مطبوع وضع بهيئة متعارضة.
وتزيين البناء وخطوطه تتألف تألفاً صميماً هي وهيئة أعالي الباب إذ تتوائم كلها بنوع دقيق وكل ذلك مما يعطف النظر إليه. والجرصونات التي تقوم عليها منظرة (بلكون) (خان أورتمه) في بغداد تبدو ثقيلة قليلاً فهي لم تخفف بهذه الخواص التي ترى في هذا التزيين، خواص تلطف ما في عري الحيطان من الخشونة وتظهر أهم خطوط الدوائر.
لا شك في أن اتخاذ الأجر المطبوعة فيه نقوش كان بدء الأمر لتزين داخل الأبنية ومن يراها أبواب الخشب المنقوشة نقشاً بديعاً في ديار مصر يعجب من المشابهة التي بينها وبين هذه الأبواب.
فهذه النقوش الخشبية تقسم أقسام الأجر الذي نتكلم عنه أي يرى فيها المربع والكثير الزوايا والنجوم والأشكال العديدة الجوانب ويفرق ما بينها حواش مزينة بغصون وورق وتتحد منضمة بعضها إلى بعض بخطوط متقنة الصنع.
وأن لم ينعم الرائي نظرة في المواد التي يشاهدها لا يمكن أن يحكم بين الطريقتين اللتين اتخذتا، إذ الظواهر تبدو واحدة في ما هو خشب وفي ما هو آجر. قابل ذلك بما يرى في صدر إيوان قلعة بغداد تر العجب.
فما أصل هذا الفن الخصوصي الذي انتشر بسرعة البرق في أول ظهوره؟. ويرى من آثاره في بلاد العراق كلها، من ذلك منارة سوق الغزل وخان أورتمة وقبر الست زبيدة وإيوان قلعة الميدان إلى غيرها وهذه كلها في بغداد. وفي الشمال في خان خزنينة وقبر لولو في الموصل وفي الجنوب منارة الكفل وباب جامع الكوفة الأكبر إلى غيرها. . .
والظاهر أن في بدء المائة الثالثة عشرة للميلاد ظهر لأول مرة طرز هذا البناء في العراق. وهو يشبه كثيراً طرز الأبنية الإيرانية في عهد السلاجقة. إلا أن الخاص بالأبنية القائمة على ضفف الرافدين في ذلك العصر لم يكن للون منزلة في التزيين فالمعمارة لم يحاول في ما بناه سوى ألاعيب الظل والنور ليس إلا.(8/570)
أن بياضاً عظيماً يطيف بما هو رمادي ناشئ من الزينة المنبسطة وهي كل زينة تلك المباني.
فهناك تتلاعب بكل طيبة خاطر الغصون والأزاهير ثم تتفقق تلك الغصون والأزاهير فينشأ منها منعرجات جديدة تتوالى على الدوام وتتفشى طالما ننظر إليها بنوع لم تنتظره ولا يمكنك أن تميز بعضها إلا بعناية عظيمة وانتباه لا يعرف الملل.
وهذه الآثار تستحق أن تدرس صادقاً وبكل تيقظ. فإذا عرفت عرف معها بعض مزايا ذكرت في التزايين المتخذة من الستوق في القرن العاشر والحادي عشر. وعرف معها أيضاً التزيين العربي الحقيقي مع جميع حدوده المشتهر بخطوطه المتلابسة ذلك التزيين المعروف بالمتشابك انتهى كلام المهندس الفرنسي.
ونقول في الختام: أن أحد الأدباء كتب مقالة عريضة في جريدة (العراق) وقعت في عدة أعداد منها راجع مثلاً العدد ال 3099 الصادر في 16 حزيران (يونية من هذه السنة 1930) بعنوان: (ليس قصر القلعة قصر الناصر لدين الله ولا قصر المأمون العباسيين، بل قصر أم حبيب العباسية) (؟ كذا) وفي العدد 3104 الصادر في 21 حزيران، وفي العدد 3105 الصادر في 23 حزيران والعدد 2109 المنشور في 27 حزيران والعدد 3110 البارز في 28 منه إلى غيرها. وإذا ما وقف عليها أصغر التلامذة يتحقق للحال أن لا قيمة لها البتة من أي وجه كان. إذ ليس فيها رائحة تاريخ ولا وقوف لصاحبها على محلات بغداد ولا أدرك مواطنها ولا رسومها وهو لا يخالف الغير في كل ما خطته يداه إلا ليقال أن فلاناً كتب كذا وكذا وأنه من المخالفين.
ونزيد على ما تقدم أن الأستاذ مصطفى أفندي جواد متفق كل متفق كل الاتفاق مع المحقق يعقوب أفندي نعوم سركيس على أن هذه البقايا هي إطلال القصر الذي كان يتردد إليه الخليفة الناصر لدين الله فكشف يعقوب أفندي سركيس عن أسمه أي (دار المسناة) فجاءنا
بشيء مبتكر قائم على أدلة راهنة مكينة تاريخية لم يقف عليها من سبقه من محققي أبناء العرب والغرب. ولهذا من خالف رأي هذين المحققين فقد خالف الحق وأنكر الشمس في رائعة النهار.(8/571)
رسالة لأبي عثمان
عمرو بن بحر الجاحظ كتب بها إلى أبي الفرج بن نجاح
الكاتب
-
بسم الله الرحمن الرحيم وبه نستعين
في الموصل (في مدرسة الحجيات) مجموعة خطية ومن جملة ما احتوت عليه رسائل للجاحظ ذكرها الدكتور داود بك الجلبي في كتاب مخطوطات الموصل (ص 100) وكان قد أرسل إلينا منها ب (رسالة النابتة) بعد أن صحح فيها ما صحح فدرجناها في لغة العرب (8: 32) والآن أرسل إلينا بالرسالة الآتية وقد علق عليها وصحح أغلاطها فجاءت درة من درر الجاحظ الكاتب المحقق المدقق الذي لا يباريه أحد (لغة العرب).
جعلت فداك، وأطال الله بقاك، وأعزك وأكرمك. وأتم نعمته عليك وأيدك، قد نسخت لك أعزك الله في صدر هذا الكتاب، قصيدة قيلت في أبي الفرج، أدام (دام) عزه ذكروا أن قائلها رجل يكنى أبا عثمان، ولا أدري أهو أبو عثمن هشام بن المغيرة، أم أبو عثمان بن أبي العاص، ولا أدري أهو أبو عثمان عنبسة بن أبي سفيان، أم أبو عثمان سعيد بن عثمان: ولا أدري أهو عثمان الهندي عبد الرحمن بم مليك، أم أبو عثمن ربيعة الراي أبن أبي عبد الرحمن، ولا أدري أهو أبو عثمان سعيد بن خالد بن أسيد، أم أبو عثمان أسحق بن الأشعث بن قيس، ولا أدري أهو أبو عثمان المنذر بن الزبير بن العوام، أم أبو عثمان عبد الواحد بن سايمان بن عبد الملك، ولا أدري أهو أبو عثمن عبد بن خالد بن أسيد، أم أبو عثمان أبو العاص بن عبد دهمان وهو اسمه، ولا أدري أهو أبو عثمن عبد الله بن عامر بن كريز ولا أدري أهو أبو عثمان سعيد بن أسعد أمام المسجد الجامع الأعظم، أم عثمان عمرو بن(8/572)
عبيد بن ماب (مآب)، ولا أدري أهو أبو عثمن فيروز بن حصن الغبري، أم أبو عثمان بن عمرو بن أبي عثمن المري، ولا أدري أهو أبو عثمن عمر بن الحرث الجمحي، أم أبو عثمان البقطري: ولا أدري أهو أبو عثمن خالد بن الحرث بن سليمن الهجيمي أم أبو عثمان أبو العاص بن عبد الوهاب الثقفي، ولا أدري أهو أبو عثمن سعيد
بن وهب الشاعر، أم أبو عثمن عمرو الأعور الخاركي، ولا أدري أهو أبو عثمان الحكم بن صخر الثقفي أم أبو عثمان عمر بن بكر المازني، ولا أدري أهو أبو عثمان الأعور النحوي، أم أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ والذي لا اشك فيه أنه لم يقرظها أبو عثمان بن عمرو بن حرزة ولا أبو عثمان عمرو المخلخل ولا أبو عثمن إبراهيم بن يزيد المتطبب، ولا أبو عثمن سعيد بن حيان البزاز.
وقد بلغني عن أبي عثمان هذا المجهول موضعه المغمور نسبه أنه قال ما راكب الأسد الأسود، والبحر الأخضر، والصبور على السيف الحسام، بأحق بجهد البلاء وشماتة الأعداء. ممن يعرض (تعرض) للمتصفحين، وتحكك بالعيابين، وحكم في عرضه للحسدة المغتابين، فأن سلم فبحس (فبحسن) النية، ولأنه مدح كريماً، ووصف حليماً، والكريم صفوح والحليم متغافل. وأن ابتلى. فبذنب وما عفى (عفو) الله عنه أكبر. وقال: اللهم، أجعل هذا القول حسناً في عينه، خفيفاً على سمعه، وألهمه حسن الظن به وبسط العذر له، أنك سميع الدعاء، رحيم بالضعفاء. والقصيدة هي قوله:
أقام بدر الخفض راض بحظه ... وذو الحرص يسري حين لا أحد يسري
يظن الرضا بالقسم شيئاً مهوناً ... ودون الرضا كاس أمر من الصبر
جزعت فلم أعتب فلو كنت حجي ... لقنعت نفسي بالقليل من الوقر
أظن (نظن) غني القوم أرغد عيشة ... وأجذل في حال اليسارة والعسر
تمر به الأحداث ترعد مرة ... وتبرق أخرى بالخطوب وما ندري
سواء على الأيام صاحب حنكة (حنكة) ... وآخر كاب لا يريش ولا يبري
فلو شاري (شاعربي) لم أكن ذا حفيظة ... طلوباً لغايات المكارم والفخر
خضعت لبعض القوم أرجو نواله ... وقد كنت لا أعطى (أرضى) الآنية بالقسر(8/573)
فلما رأيت المرء يعدل (يبذل) بشره ... ويجعل حسن البشر واقعية البتر
ركبت على ضلعي وراجعت منزلي ... فصرت حليفاً للدراسة والفكر
وشاورت أخواني فقال حكيمهم ... عليك الفتى المري ذا الخلق الغمر
فتى لم يقف في الدهر موقف ظنة ... فيحتاج فيه للتنصل والعذر
أعيذك بالرحمن من قول شامت: ... أبو فرج المأمون يزهد في عمرو
ولو كان فيه راغباً لرأيته ... كما كان دهراً في الرخاء وفي الرخاء وفي اليسر
أيرضى (أترضى) فدتك اليوم نفسي وأسرتي ... بتأخير أرزاقي وأنت تلي أمري
إلا يا فتى الكتاب والعسكر الذي ... تأزر بالحسنى وأيد بالنصر
أخاف عليك العين أو نفس وامق ... وذوا (وذو) الود منحوب (منخوب) الفؤاد من الذعر
وعهدي به والله يرشد أمره ... ويحفظه في القاطنين وفي السفر
مطلا على التدبير ما يستفزه (تستفزه) ... مكايد محتال عقاربه تسري
برأي يزيل الطرد عن مستقره ... وأوضح عند الخصم من وضح الفجر
وعزم كغرب المشرفي مصمم ... وقلب ربيط الجأش منثلج الصدر
فيابن نجاح أنجح الله سعيكم ... وأيدكم بالنصر والعد والدثر
قعدت فلم أطلب وجلت فلم أصب ... خليلاً يؤاسيني ويرغب في شكري
وأن أخفقت كفي وقد علقتكم ... فقد قال (فال) رأي (رأيي) واستملت إلى شعري
أعيذك بالرحمن أن تشمت العدى ... فللفقر خير من شماتة ذي العمر (الغمر)
فان ترع ودي بالقبول فأهله ... ولا يعرف الأقدار غير ذوي القدر
وحسبك بي أن شئت وداً وخله ... وحسبك بي يوم النزاهة والصبر(8/574)
ألا رب شكر داثر الرسم دارس ... وشكر كنقش الحمرية (الحميرية) في الصخر
(قال) أبو عثمان المجهول: إذا كان الممدوح ظاهر المحاسن، كثير المناقب، فلم (ولم) يجد الشاعر، كان ألوم، ونعوذ بالله أن يكون فيكم ما (لا) يستدعي الألفاظ الشريفة والمعاني النفيسة، ولكون (ولكن) التقصير مني، وكيف ما تصرفت بي الحال، فأني لم أخرج من جهد المجتهدين الراغبين المخلصين، فان وقعت هذه القصيدة، والتي قدمنا قبلها، بالموافقة، فالحمد لله، وأن خالفت، فنستغفر الله، وأن شيعتم (شفعتم) ضعفها بقوة كرمكم، وقومتم أودها بفضل حلمكم، كان في ذلك بلاغ لما أملنا، والله الموفق للصواب، وإليه المرجع والمآب.
تمت الرسالة بعون الله، ومنه وتوفيقه، والحمد لله أولاً وأخراً، وصلاته على سيدنا محمد نبيه، وعلى آله الطيبين، الطاهرين، وسلم تسليماً إلى يوم الدين آمين، آمين، آمين.
قرى السليفانية
قرأت في مجلتكم (5: 474) مقالة أعجبتني كثيراً هي مقالة السلبفانية، ولم أتذكر أني قرأت شيئاً في هذا المعنى في كتاب قديم أو حديث لأبناء العرب أو أبناء الغرب. لكنكم لم تذكروا لنا ما سكنون من القرى فدونكم أسماءها إتماماً للفائدة: كرمافا (أي الماء النابع حاراً) كيفيلاً كانيسبي كريكور كواشا قرقورة بات القوس - آسي (أو عاصي بالعربية)، مالياسنا باطرشي كراش تركيجان كرشين باصطكي مروني تل زيت سيد ظاهر (عليا وسفلى)، بيكبلي واسم شيخهم عبدي غزالة.
ب. م. م(8/575)
تحققات تاريخية
5 - الفردوس قصر لا نهر
ورد في ص 13 - 14 من كتاب عمران بغداد: (ونهر المعلي وكان يجري في أعظم محلة ببغداد أي محلة الخلفاء ودواوينهم ويستمد مائه (كذا) من نهر الخالص وقد سمي بالفردوس) قلنا: أن الفردوس قصر لا نهر ففي ص 19 من مناقب بغداد: (وكان في الجانب الشرقي نهر (موسى) يأخذ من نهر (بين) إلى أن يصل إلى قصر المعتضد المعروف (بالثريا) ثم يخرج فينقسم ثلاثة أنهار فيدخل أحدها إلى بستان الزاهر فيسقيه ويمضي الثاني إلى باب بيبرز فيدخل البلد ويسمى نهر المعلي ويمر بين الدور باب سوق الثلاثاء ثم يدخل قصر الخلافة المسمى بالفردوس فيدور فيه ويصب إلى دجلة) وقال ياقوت: (نهر المعلي وهو اليوم أشهر وأعظم محلة ببغداد وفيها دار الخلافة المعظمة وهو نهر يدخل من باب (بين) (كذا ولعلها بيبرز) وهو باق إلى الآن مستمدة من الخالص فيسير تحت الأرض حتى يدخل دار الخلافة وهو المسمى بالفردوس. . .) وقد أراد ب (هو) دار الخلافة والدار يجوز تذكيرها فظن مؤلف عمران بغداد أنه عني (المعلي) وقال الخطيب في ص 70: (ثم يمر النهر الثاني من المقسم إلى باب بيبرز فيدخل البلد من هناك ويسمى نهر معلي ويمر بين الدور إلى باب سوق الثلاثاء ثم يدخل قصر الخلافة المسمى بالفردوس فيدور فيه ويصب في دجلة).
6 - نهر المعلي وباب بيبرز والتاجية
لقد تكرر آنفاً أن نهر المعلي يدخل بغداد المسورة الشرقية من باب بيبرز، فلذلك تجب معرفة هذا الباب، قال ياقوت في مادة بيبرز: (بيبرز: بكسر أوله وفتح ثانيه وسكون الباء وفتح الراء وزاي، محلة ببغداد وهي اليوم مقبرة بين عمارات البلد وأبنية من جهة محلة الظفرية والمقتدية بها قبور جماعة من الأئمة منهم أبو أسحق إبراهيم بن علي الفيروزابادي الفقيه الإمام ومنهم من يسميها: باب أبرز) قلنا في غرب مقبرة الوردية (أي مقبرة الشيخ عمر السهروردي اليوم)(8/576)
قبر عليه قبة ساذجة البناء على كتف باب أنه مرقد إبراهيم بن
موسى الكاظم (ع) وفي صحن المشهد الكاظمي اليوم قبر إبراهيم بن موسى الكاظم وأهل مكة أدرى بشعبها من غيرهم، وقد قال السيد محمود شكري الآلوسي في ص 118 من كتاب مساجد بغداد.
(وفي صحن الكاظمية حجرة صغيرة فيها قبر إبراهيم وقبر أخيه جعفر أبني موسى الكاظم، وقد عمرها سليم باشا الفريق وشاد القبة التي عليهما وذكر ذلك عبد الباقي الفاروقي بأبيات نذكر منها شطر التاريخ وهو قوله: شاد سليم مرقد الفرقدين) فان كان إبراهيم المدفون في قرب مقبرة الشيخ عمر هو الفيروزابادي فمدفنه من مقبرة باب أبرز.
وجاء في ترجمة شهده من تاريخ أبن خلكان: (وكانت وفاتها يوم الأحد بعد العصر ثالث عشر المحرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة ودفنت بباب أبرز وقد نيفت على تسعين سنة من عمرها رحمها الله تعالى) ثم قال: (ومات والدها أبو نصر أحمد في يوم السبت الثالث والعشرين من جمادي الأولى سنة ست وخمسمائة رحمة الله تعالى، وكانت وفاته ببغداد ودفن بباب أبرز) ثم أخذ في تعريف ثقة الدولة علي بن محمد الأنباري قائلاً: (قال السمعاني: كان يخدم أبا نصر أحمد أبن الفرج الإبري وزوجة بنته شهدة الكاتبة ثم علت درجنه إلى أن صار خصيصاً بالمقتفي، مولده سنة خمس وسبعين وأربعمائة وتوفي يوم الثلاثاء سادس عشر شعبان سنة تسع وأربعين وخمسمائة ودفن في داره برحبة الجامع ثم نقل بعد موت زوجته فدفنا بباب أبرز قريباً من المدرسة الناحية (كذا بنسختنا والصواب: التاجية) في محرم سنة أربع وسبعين وخمسمائة) اهـ.
وقال أبن خلكان في ترجمة محمد بن بختيار المعروف بالأبله البغدادي: (وكانت وفاته على ما قاله أبن الجوزي في تاريخه في جمادي الآخرة سنة تسع وسبعين وقال سنة ثمانيين وخمسمائة ببغداد ودفن في باب أبرز محاذي الناحية (كذا) رحمة الله تعالى) اهـ.
وقال ياقوت: (التاجية منسوبة: اسم مدرسة ببغداد ملاصق قبر الشيخ أبي أسحق الفيروزابادي نسبت إليها محلة هناك ومقبرة والمدرسة منسوبة إلى(8/577)
تاج الملك أبي الغنائم المرزبان بن خسرو فيروز المتولي دولة ملكشاه بعد الوزير نظام الملك).
وقال ياقوت في مادة (قراح) وقد ذكرناه سابقاً: (وذلك أنك تخرج من رحبة جامع القصر مشرقاً حتى تتجاوز عقد المصطنع وهو باب عظيم في وسط المدينة فهناك طريقان. .
والآخر يأخذ ذات الشمال مقدار رمية سهم إلى درب يقال له درب النهر عن يمين القاصد إلى قراح أبن رزين ثم يمتد قليلاً ويشرق فحينئذ يقع في قراح أبن رزين فإذا صار في وسطه فعن يمينه درب النهر واللوزية وعن يساره محلة المقتدية التي استحدثها المقتدي بالله ثم يمر في هذه المحلة أعني قراح أبن رزين شوط فرس جيد فحينئذ ينتهي إلى عقد هناك وباب فإذا خرج منه وجد طريقين أحدهما يأخذ ذات الشمال يفضي إلى المحلة المعروفة بالمختارة فيتجاوزها إلى مقبرة باب بيرز (كذا في الطبعة المصرية والصواب بيبرز) بطولها طالباً للشمال فإذا انتهت المحلة وقع في محلة تعرف بقراح ظفر) اهـ.
فيعلم من هذا أن مقبرة باب أبرز داخله في عمارة بغداد طويلة ممتدة إلى شمالي بغداد. وقد وضع لسترنج على خارطة ص 63 باب أبرز في غرب مقبرة الشيخ عمر اليوم أي محلة خان الروند اليوم ووضع المدرسة التاجية قرب محلة العزة اليوم أي بين محلة السور وخان الوند، ولكنه لم يذكر قراح ظفر فهو أذن محلة العزة والسور اليوم، غير أن لسترنج ذكر في خارطة ص 107 باب أبرز شرقي ثكنة الخيالة اليوم وجعل نهر المعلي يمر منذ لك الموضع في شمال بغداد حتى أدخله بغداد من شرقي باب المعظم اليوم ماداً إياه إلى الجنوب حتى يوصله إلى الفردوس قصر الخلافة. وبعض ما حمله على ذلك قول المؤرخين أن نهر المعلي يمر بين الدور إلى باب سوق الثلاثاء فذهب رأيه إلى باب المعظم لأنه نهاية سوق الثلاثاء أي شارع الميدان اليوم ويظهر أن مجراه كان مما يقرب من المستنصرية. ألا ترى عبد الحميد بن أبي الحديد يمدح المستنصرية قائلاً.
مخيمة على نهر المعلي ... فدجلة لا المنيفة فالضمار(8/578)
وورد أن هذا البيت كما في ص 93 من تاريخ مساجد بغداد لشارح نهج البلاغة عبد الحميد، فعلق محمد بهجة بالمعلي ما نصه: (محلة اليوم بالرصافة يسمى سبع أبكار) ولكن أين الدليل والاستدلال؟ فالشاعر يقول أن المستنصرية مخيمة على نهر المعلي والمهذب يقول محله كذا فما أبعد ما بين المستنصرية وسبع أبكار. وقال ياقوت عن محلة المأمونية: (بين نهر المعلي وباب الأزج) وعن المخرم: (بين الرصافة ونهر المعلي).
7 - الرصافة الأصلية
وضع العلامة لسترنج الرصافة الأصلية من شمال قبر حنيفة (رض) إلى كرادة المعظم
الحالية ووضع في شرق قبره تربة الخلفاء العباسيين التي حسب محمود شكري الآلوسي أنها قرب المستنصرية. وجنوب القبر بقليل جامع الرصافة وجنوب هذا بقليل قصر المهدي بالرصافة في جنوبه تكون دجلة مائلة من الشرق إلى الغرب وفي مبدأ ميلها (باب الطاق (ويلائم اليوم محل كرادة المعظم وتحت هذه بستان الزاهر وشرق الزاهر تبدأ محلة المخرم بطرف البلاط الملكي اليوم من الزاهر إذ ذاك.
والمؤرخون إذا أطلقوا لفظ كان المراد هذه المواضع وما جاورها لا بغداد الشرقية اليوم ولذلك يقال تحارب أهل الرصافة وأهل كذا من بغداد لأنها صارت محلة مستقلة أخيراً.
8 - باب الطاق
ذكرنا سابقاً أن محلة باب الطاق كانت بموضع كراده المعظم اليوم والكرادة هذه متصلة بشمالي حديقة البلاط الملكي والآن نورد ما ذكره بعض المؤرخين في وصفها وتحديدها: ففي ص 25 من مناقب بغداد: (وقال أبو الوفاء أبن عقيل: سألني صدر من صدور طريق خراسان عن بغداد وما أدركت بها، فقلت: لا أذكر لك أمراً تكاد تستبعد فاذكر لك محلتي وهي واحدة من عشر محال، كل محلة كبلد من بلاد الشام وهي المعروفة بباب الطاق، أما شوارعها فشارع مما يلي دجلة من أحد جانبيه قصور على دجلة طراز ممتد من عند الجسر إلى أوائل(8/579)
الزاهر وهو بستان للملك محو مأتي جريب، وجانبه الآخر مساجد أرباب القصور ومساكن غلمانهم وفي ذلك اصطلابهم، ثم يليه من يمنته عند الجسر سوق يحيى، الجامعة بين دور الوزراء والأمراء مما يلي الشط كدار شادي والربيب، وأبن الأوحد، وقصر الوافي الذي كان عليق دوابه كل يوم ألف مخلاة، ثم في آخر هذا السوق دار فرج مساكن التقاة والرؤساء. ومن الجانب الغربي - أعني جانب سوق يحيى - الدكاكين العالية، والدروب العامرة من دقاقين وخبازين وحلاويين، ثم نهاية الدور الشاطئية، دار معز الدولة ذات المسناة التي عرضها مائة أجرة وكان لها الروشن البديع فهذا طراز باب الطاق الشاطئي فأما دواخلها فأوائلها العرصة التي هي رحبة الجسر وتنقسم رحبة الجسر إلى شارعين عظيمين: أحدهما للاساكفة ثم سوق الطير وهو سوق يجمع الرياحين وفي حواشيها الصيارف الظراف وأصحاب الطيالس وفاخر الملابس ثم سوق المأكول للخبازين والقصابين وسوق الصاغة لم يشاهد أحسن منه بناء شاهق وأساطين ساج عليها غرفة
مشرفة، ثم الوراقين سوق كبيرة وهي مجالس العلماء والشعراء ثم سوق الرصافة عظيمة جامعة ثم سارع الترب) انتهى.
قلنا: وقد وصل في وصفه إلى الرصافة فقطعنا عليه حديثه اللذيذ ووصفه المنسجم البديع الذي تشاق العيون إلى رؤية موصوفه كل الاشتياق، وأراد بشارع الترب (شارع ترب الخلفاء العباسيين).
ونقل في ص 27 منه عن واصف باب الطاق المار ذكره: (ولقد نزلت كثيراً في سميرية منحدراً فما أزال أسمع هذه الأنغام من شرعة الجسر بباب الطاق إلى باب المراتب). وفي ص28 منه (وكانت أسواق الكرخ وباب(8/580)
الطاق لا يختلط العطارون بأرباب الزهائم والروائح المنكرة ولا أرباب الأنماط بأرباب الإسقاط).
قلت: وكانت دار أبي طاهر محمد بن بقية الوزير بباب الطاق. قال عنه أبن خلكان في (2: 176) من وفياته: (ولما حضرت الحرب بين عز الدولة وابن عمه عضد الدولة قبض عز الدولة عليه وسمله وحمله إلى عضد الدولة مسمولا فشهره عضد الدولة وعلى رأسه برنس، ثم طرحه للفيلة فقتلته ثم صلبه عند داره بباب الطاق). وقال ياقوت في (باب الطاق) وما نصه: (باب الطاق: محلة كبيرة ببغداد بالجانب الشرقي تعرف بطاق أسماء وقد ذكرت في موضعها، واجتاز عبد الله بن طاهر بها فرأى قمرية تنوح، فأمر بشرائها وإطلاقها فامتنع صاحبها أن يبيعها بأقل من خمسمائة درهم فاشتراها بذلك وأطلقها وأنشد يقول:
ناحت مطوقة بباب الطاق ... فجرت سوابق دمعي المهراق. . .)
قال مؤلف عمران بغداد في 102 (محلة باب الطاق: كانت محلة كبيرة بالجانب الشرقي وتعرف بطاق أسماء أيضاً) وهنا يصح قول علي (ع) حينما حث العراقيين على الجهاد فقام إليه رجل وأخاه فقط: (وأين تقعان مما أريد؟).
9 - مشهد عبد الله أي قبر النذور
ذكرنا سابقاً أن جامع الرصافة قريب من قبر أبي حنيفة جداً، من جهة الجنوب، وكأن موضعه مجاور لجامعة آل البيت اليوم، وفي ص 30 من مناقب بغداد ما نصه: (وقريب من جامع الرصافة قبر فيه بعض أولاد بعض علي (ع) يتبرك به يقال: أنه قبر عبيد الله
بن محمد بن عمر بن الحسين) قلنا: ويسمى أيضاً) قبر النذور) ففي مادة (قبر) من معجم البلدان ما عبارته: (قبر النذور: مشهد بظاهر بغداد على نصف ميل من السور (كذا وفي المسافة خطأ تقديري وشك) يزار وينذر له، قال التنوخي: كنت مع عضد الدولة وقد أراد الخروج إلى همدان فوقع نظره على البناء الذي على قبر النذور فقال: يا قاضي ما هذا البناء؟ قلت: أطال الله بقاء مولانا هذا مشهد النذور ولم أقل: قبر، لعلمي بتطيره من دون هذا، فاستحسن اللفظ وقال: قد علمت أنه قبر النذور وإنما أردت شرح أمر، فقلت له: هذا قبر عبيد الله بن محمد بن عمر بن علي بن(8/581)
أبي طالب رضي الله عنه وكان بعض الخلفاء أراد قتله فجعل هناك زبية وستر علها وهو لا يعلم فوقع فيها وهيل عليه التراب حياً، وشهر بالنذور لأنه لا يكاد ينذر له شيء إلا ويصح ويبلغ الناذر ما يريد وأنا أحد من نذر له وصح مراراً لا أحصيها، فلم يقبل هذا القول وتكلم. بما دل على أن هذا وقع اتفاقاً فتسوق العوام بأضعاف ذلك ويروون الأحاديث الباطلة، فأمسكت، فلما كان بعد أيام يسيرة ونحن معسكرون في موضعنا استدعاني وذكر أنه جربه لأمر عظيم ونذر له وصح نذره في قصة طويلة) اهـ.
وإذ علمت أن مشهد عبيد الله قرب جامع الرصافة فلا تركن إلى ما نقل مؤلف عمران بغداد في ص 188 عن المرشد (3: 319) لعبد الحميد عبادة ونصه (فلا يبعد أن يكون محل المشهد المذكور قرب ثكنة الخيالة خارج باب المعظم وكان هذا المشهد يشتمل على قبر عبيد الله بن محمد من أحفاد الحسن (كذا) بن علي (ع) الذي يكنى بأبي النذور) لأن بين الثكنة والرصافة القديمة: باب الطاق والزاهر البستان الفسيح وقسماً من محلة المخرم. والعجب أن المؤلف المذكور نقل في ص 152 من كتابه عن المدرسة العصمية: (وكانت هذه المدرسة تجاور مشهد عبيد الله بن محمد العلوي المعروف بأبي النذور الذي يقع بالقرب من جامع الرصافة في الجانب الشرقي ولا يبعد أن يكون محل المشهد المذكور قرب ثكنة الخيالة الحالية خارج باب المعظم) وكثير من كتابه مكرر بلا فائدة.
10 - القرية وقطفتا
قال في ص 105 من كتاب عمران بغداد: (وأما القرية فهي بضم القاف وفتح الراء وتشديد الياء، محلتان كبيرتان. . . والأخرى كانت محلة كبيرة أيضاً بالجانب الغربي مقابل
مشرعة مدرسة النظامية أي مقاهي المصبغة وما هو عن شرقها اهـ. وقد نقل هذا التعيين عن محمد صالح السهرودي بالمرشد (3: 348). وهذا يحرف التاريخ عن مواضعه ففي معجم البلدان: (والقرية محلة كبيرة جداً كالمدينة من الجانب الغربي من بغداد مقابل مشرعة سوقها، أما أن مشرعة النظامية) إذن، ليست مقابل المدرسة النظامية بل مقابل مشرعة سوقها، أما أن مشرعة النظامية هي مقاهي المصبغة اليوم فيصعب تصديقه لأن اللازم تعيين موضع المدرسة(8/582)
ثم معرفة سوقها ثم مشرعته.
والقرية هذه يظهر لنا أنها تمتد على دجلة من غربي بغداد من فوق الجسر العتيق اليوم إلى ما فوق دار الندوة العراقية (المجلس النيابي) لأنها كانت متصلة بمحلة قطفتا وهذه تشمل العمارات التي قرب مقبرة معروف الكرخي (رض) من الشرق والشمال فالفلاحات والفحامة وسوق حمادة والحصانة اليوم كانت من قطفتا. ففي 2: 396 من نسختنا لوفيات أبن خلكان ما صورته عن أبي المظفر عون الدين: (يحكون أن عون الدين قال: كان سبب ولايتي المخزن أنني ضاق ما بيدي حتى فقدت القوت أياماً فأشار علي بعض أهلي أن أمضي إلى قبر معروف الكرخي (رض) فأسأل الله تعالى عنده فأن الدعاء عنده مستجاب، قال: فأتيت قبر معروف فصليت عنده ودعوت ثم خرجت لقصد البلد (يعني بغداد) فاجتزت بعطفاء (كذا) قلت:
- وهي محلة من محال بغداد - قال: فرأيت مسجداً مهجوراً اهـ. قلنا: والصواب أنها (قطفتا) لا عطفاء، ولم يزد أبن خلكان في إيضاحه على قوله: محله من محال بغداد. وقول ياقوت: قطفتا بالفتح ثم الضم والفاء ساكنة وتاء مثناة من فوق والقصر: كلمة أعجمية لا أصل لها في العربية في علمي وهي محلة كبيرة ذات أسواق بالجانب الغربي من بغداد مجاورة لمقبرة الدير التي فيها قبر الشيخ معروف الكرخي (رض) بينها وبين دجلة أقل من ميل وهي مشرفة على نهر عيسى إلا أن العمارة بها متصلة إلى دجلة بينهما القرية محلة معروفة) اهـ.
فمن هذا لا تستبعد ما ذكرناه لك، وأكثر الفتن المذهبية في آخر الدولة العباسية وقعت بين القطفتيين والكرخيين أي أهل الكاظمية قديماً.
مصطفى جواد
(لغة العرب) كل ما يوشيه الأستاذ المحقق مصطفى أفندي جواد مطبوع بطابع التدقيق والعلم الصادق، وهو لا يخطو خطوة في اللغة ولا في التاريخ إلا من بعد أن يتثبت أن يضع قدمه من منبسط الحقيقة: وكل من قرأ مقالاته في هذه المجلة يحكم له بالقدح المعلي. ومن شك في تحقيقاته فليأتنا بيناته.(8/583)
الفلحس
أو شيخ المشايخ عند قدماء العرب
كان للرومان في أيام عزهم قطعة من بلاد العرب ضموا إليها ديار حوران واصطلحوا عليها (بالكورة الرومانية العربية) فامتدت في عهد انبساطها من حوران إلى بصيري (تصغير بصري) في عربة. وكان في هذه الكورة، أو هذا الإقليم، جماعات من أمم مختلفة من عرب ويونان ورومان وسريان ونبط إلى غيرهم. إلا أن الجماعة الغالبة كانت للعرب وكانوا ينقسمون إلى قبائل وأفخاذ ويعيشون عيشة أهل البادية. وكثيراً ما كان يندفق سيلهم من أراضيهم فيغزون ربوع الرومان وغيرهم وكان يسميهم اليونان والرومان (أهل الخيم) ومنها الكلمة الفرنسية ولما كان أغلبهم من الشراة أطلقوا عليهم جميعاً اسم الشرويبن أكانوا من الشراة أم لم يكونوا، وباللاتينية
وأقام الرومان على أبناء عدنان وقحطان رؤساء من جنسهم سموا الواحد منهم (فلرخس) أي ومعناها شيخ القبيلة. وكان الشيخ مسؤولاً أمام حكومة الرومان عن كل ما يجري من الغزوات أو من الأضرار في تلك القبيلة. وقد تم هذا النظام في المائة السادسة للميلاد. وأول (شيخ أعظم) أو (شيخ مشايخ العرب) إقامة الرومان كان شيخ قبيلة غسان، وكان هؤلاء الرومان مراراً وضع أساليب مختلفة ليتفقوا مع العرب فلم ينجح معهم إلا الأسلوب المذكور أسلوب (شيخ القبيلة) أو شيخ المشايخ وكانوا(8/584)
قبل ذلك اعترفوا بين ظاهر ومقدر بعدة رؤساء عرفوا بلقب (شيخ) حتى قر رأيهم على جعل الأمارة الكبرى في قبيلة غسان. وقد ذكر مؤرخو الرومان واليونان عدة شيوخ لعدة قبائل وفي واحد وكل ذلك قبل إقرار لقب (الأمارة الكبرى لغسان) القبيلة النصرانية العربية المشهورة.
وكثيراً ما كان الرومان يستنهضون العرب وشيوخهم للقيام على أعدائهم - وكانوا الفرس في أغلب الحيان - فكان يثور الشيخ ومعه جيش عظيم وهم في أبلهم في بعض المواقع وعلى جيادهم في مواقع أخرى وهذا إذا كان دفع الخطر مما يجب أن يكون بسرعة عظيمة. أما إذا ذهبوا غازين فكانوا يذهبون راكبين هجانهم.
وكان الشيخ إذا انحطت حالته لضعف ألم به أو لقيام شيخ آخر أدهى منه واشد بأساً كان
الضعيف يبقى في عقر داره ويطلب مطالب جليلة مغتراً بما كان له من العز والأباء حينما كان في سابق العهد آمراً ناهياً ومعترفاً بإمارته. وكذلك كان يفعل أبناؤه.
ولا بد من أن اللقب اليوناني (فلرخس) أتخذه أيضاً الرومان بلفظة في لسانهم. ونظن أن السلف منا جاروا القومين المذكورين وأدخلوه في لسانهم
والذي عندنا أنهم خففوه ليحملوه على وزن عربي فقالوا فيه (فلحس) (كجعفر) بحذف الراء. أما حرف الروم فكثيراً ما نقله الناطقون بالضاد تارة إلى الخاء وطوراً إلى الحاء المهملة. وقد ذكرنا لذلك شواهد فلا حاجة لنا إلى العودة إليها. (راجع لغة العرب 8: 190 و 191) أذن نقلوه هنا إلى الحاء المهملة وهذا اللقب كان معروفاً عندهم في زمن الجاهلية.
ومن غريب ما بلغ إلينا من هذا القبيل المثل القديم الشائع عند كثير من الأدباء والمؤرخين واللغويين وهو: (أسأل من فلحس) قال الميداني في مجمع أمثاله (1: 305 من طبعه بولاق الأولى): أسأل من فلحس، ويروى أعظم في نفسه من فلحس. وهو رجل من بني شيبان كان سيداً عزيزاً يسأل سهماً في الجيش وهو في بيته فيعطى لغزه. فإذا أعطيه، سأل لامرأته فإذا أعطيه سأل لبعيره. قال الجاحظ: كان لفلحس أبن يقال له زاهر بن فلحس. مر به(8/585)
غزي من بني شيبان فاعترضهم، وقال: إلى أين؟ - قالوا: نريد غزو بني فلان قال: فاجعلوا لي سهماً في الجيش. قالوا: قد فعلنا. قال: ولامرأتي. قالوا: لك ذلك. قال: ولناقتي. قالوا: أما ناقتك فلا: قال: فأني جار لكل من طلعت عليه الشمس ومانعة منكم. فرجعوا عن وجههم ذلك خائبين. ولم يغزوا عامهم ذلك. وقال أبو عبيد: معنى قولهم: (أسأل من فلحس) أنه الذي يتحين طعام الناس. يقال: أتانا فلان يتفلحس، كما يقال في المثل الآخر: (جاءنا يتطفل) ففلحس عنده طفيل). انتهى كلام الميدان بمبناه.
قلنا: وهذا ما يؤيد رأينا في أصل كلمة الفلحس ويثبت قدمنا فيه ويقوي رأينا أن الكلمة دخيلة في لغتنا. فتنحصر أذن الأدلة في ما يأتي:
1 - الفلحس ليس في أصله اسم علم إنما كان لقباً.
2 - ليس في مادة ف ل ح س ما يؤيد معنى هذا العلم لو كان في أصل وضعه علما.
3 - أن الأعلام كثيراً ما يكون أصلها نكرة ثم يسمي بها أناس أو تغلب على أناس ومن جملتها هذا.
4 - يظهر من كثرة سؤال فلحس أنه كان في الأصل شيخاً عزيزاً مطالعاً وقد وجد شيخ كثيرة في بني شيبان اعترف بهم الرومان ولعل هذا واحد منه. وشيبان كانت مصافية لبني الأصفر.
5 - إعطاء بني شيبان اسمها لفلحس لم يكن إلا عملاً بخضوعهم لإمارته عليهم وإلا جاز لهم أن يردوه أو أن لا يغزوا لكي لا يجيبوا طلبه.
6 - أن عمل زاهر أبنه يشبه عمل أبيه ويثبت ما نقله التاريخ عن تحكم شيوخ القبائل وأبنائهم في من ينتسبون إليهم من الأمراء.
7 - أن توسع اللغويين في معنى فلحس كتوسعهم في معنى طفيل وتطفل فتصرفوا في الكلام المعرب كما تصرفوا في غيره. ألم يقولوا نيرز من النيروز وتفلسف من الفلسفة إلى غيرهما مما لا يحصى؟.
8 - ذكر اللغويون الفلحس مرة بأداة التعريف ومرة بدونها وهذا يلمح إلى أن أصل وصفها كالحسن والحسين والفضل ونحوها.(8/586)
9 - أننا في رأينا هذا لا نريد أن نكره أحداً على متابعته، إنما نبوح بما وقع في صدورنا بهذا الخصوص وكنا قد عرضنا هذا الرأي قبل نحو عشر سنين على الأستاذ الدكتور أرنست هر تسفلد فصوبه واستحسنه وكتب إلينا رسالة نحفظها في سجلاتنا.
10 - فسر أبن دريد في كتاب الاشتقاق جميع أعلام الرجال والنساء من العرب ولم يتعرض لتفسير الفلحس ونظن أن ذلك لاعتباره أعجمياً.
11 - أن الفلحس من الألقاب القديمة أو أعلام الجاهلية ولم نره علماً لواحد من الإسلاميين.
12 - لا يمكننا أن نتصور عدم وجود لفظة في لغتنا تعني شيخ المشايخ أو رئيس القبيلة أو الأمير الأكبر للقبيلة. ونرى أن هذه الكلمة هي التي كانت تعرف عندنا قبل الإسلام، إلا أنها دثرت مع ما دثر من الألفاظ القديمة التي مات من كان يعرف معانيها، فقد قال أبن فارس: (أن لغة العرب لم تنته إلينا بكلبتها وأن الذي جاءنا عن العرب قليل من كثير وأن كثيراً وأن كثيراً من الكلام ذهب بذهاب أهله. وذهب علماؤنا أو أكثرهم إلى أن الذي انتهى إلينا من كلام العرب هو الأقل. ولو جاءنا جميع ما قالوا لجاءنا شعر كثير وكلام كثير.
وأحر بهذا القول أن يكون صحيحاً، لأنا نرى علماء اللغة يختلفون في كثير مما قالته العرب فلا يكاد واحد منهم يخبر عن حقيقة ما خولف فيه، بل بسلك طريق الاحتمال والإمكان). (راجع فقه اللغة طبع بولاق 1: 34).
13 - لو فرضنا أن كل هذا المقال مبني على خيال صرف لوجدنا في نفوسنا حاجة إلى لفظة تعني معنى (شيخ المشايخ أو أمير المشايخ) وأحسن كلمة تقوم بهذا الغرض (الفلحس) لاجتماع القوميين المتمدنين منذ القدم على اتخاذه ولا يمكننا أن نقول (فلرخس) لثقله بل نقول (فلحس) إفراغاً له في قالب عربي خفيف على الذوق وعلى السمع معاً.
النتيجة
فلحس كلمة قديمة أصل معناها (شيخ القبائل) ومنصبة يعرف بالفلحسة أي(8/587)
صفحة من مؤرخي العراق
مؤرخ عراقي
يوسف الملقب بعزيز المولوي صاحب تاريخ قويم
قال أبو الطيب:
وإنما الناس بالملوك وما ... تفلح عرب ملوكها عجم
صدق المتنبي، فأن الأجانب أثروا في ثقافتنا فاقتنصوا منا جماعة خدموا آدابهم وراعوا سياستهم فصاروا يعدون منهم. ومترجمنا أحدهم وهو يوسف أفندي المولوي الملقب بعزيز. من شيوخ هذه الطريقة، ومؤرخ عراقي كبير، وأديب يعد من بلغاء الأتراك في لغتهم، استهواه العثمانيون وجذبوه إليهم، فخدم آدابهم وسياستهم، وراعى طرائقهم وصار يعد من كبار رجالهم. . .
له انتساب إلى الوزير حسن باشا فاتح همذان ووالي بغداد المتوفي سنة 1136هـ (ولا أدري درجة هذا الانتساب وماهيته) ومن زمن والده (ولم يذكر المؤرخ الموما إليه اسم والده) وأيام أخيه أسعد المرحومين (ولم يعرفنا بهذا أيضاً ولا تمكنا من العثور على أحوالهما في التراجم التي بأيدينا) ذكر هذا وقال:
أنني واقف على سيرة هذا الوزير حسن باشا، وعالم بها كما هي حقها.
وهذه الدعوى قد أيدها فعلاً وقام بالبرهنة عليها حقيقة. فأنه يذكر وطنه الأصلي وتقلباته في المناصب إلى أن وجهت إليه وزارة بغداد. . . وما يلي ذلك من حوادث زمنه.
أن مترجمنا تنوسي أمره ولم يعرف مدة في حين أنه جلا صفحة غامضة من تاريخ العراق لمدة تزيد على ربع قرن أي من سنة 1100 إلى سنة 1126هـ وفصل القول عنها بإسهاب بحيث لم يفعل عن أشخاص الوقائع ولا عن تصوير الحوادث فكشف مخبآت زمن نحن في ضرورة إلى إظهار ما طوته عنا الأيام من خفاياها.
فالإشارة في مثل هذه المواطن لا تكفي، والكتابة لا تفوق التصريح ولا(8/588)
يغنينا الإبهام. فالواقع نتائج ما قبلها وتمهيد لما يؤول إليها الزمن من حوادث بعدها. فهي مرآة أظهرت
صور ذلك العصر. . .
هذا المؤرخ رسم لنا بل وصف حالة العصر قبل زمن هذا الوالي والتبدل الذي أجراه في مدة حكومته. فقد بذر البذرة الأولى لتأسيس حكومة المماليك في العراق وقوى يد الترك ومكنهم في هذا المحيط وأمات الروح الوطنية أو أنه قضى على قدرة الأهلين على اختلاف صنوفهم. ولولاه لنال حظاً من الإدارة الاستقلالية.
ومن الغريب أن يهمل شأن هذا المؤرخ الطويل الباع في تفصيل الحوادث وفي لفتاته القومية، فتاريخه (قويم) بمعنى الكلمة. ومن حسن الصدف العثور على هذا المؤلف الذي بسببه توضحت الوقائع في الرابع الأول من القرن الثاني عشر: وبهذه الصورة صححت صفحة من التاريخ وانجلى عنها المبهم فلم نجد لها مصدراً تاريخياً أعظم من هذا المؤلف الجليل.
ولعل دواعي أهماله، واكتفاء أبناء يعرب بمجمل ذكراه فقط واضحة، أما من غيرهم - أعني الترك - فذنب لا يغتفر مع أننا نراه يروج سياستهم أو بالتعبير الأصح لا يعرف سياسة غيرها، ولذا يعد أكبر داعية لهم وأن كان لا يقصر في الإيضاح والتفصيل عن وقائع هذا القطر والإطناب فيها. وزيادة على ذلك نراه يخذل سياسة العجم ويحبب إدارة الترك.
الوزير والمترجم
أن المؤلف يصف الوالي بأنه جامع لمزايا أخلاقية نبيلة ومشهورة بالعدل والأنصاف والشجاعة والإدارة الحكيمة، ويبدي عن نفسه أنه صادق في كل ما قاله عن هذا الوزير فلم يراع الإحساس ولا الإطراء الفارغ، ولا الغلو في المدح. . . ذلك لأنه مولوي وأنه يبغض الكذب ويجانب مركبه، ويتحاشى الرياء وسلوكه. . . وإنما دون ما رآه ولم يخرج إلى طريق الغلو.
وفي الحقيقة يذكر انتصاراته، ولم يتنكب عن بيان مخذولياته ومغلوبياته فالواقعة يقصها أياً كانت نتائجها ولا يبالي، ولكن بأسلوب جميل وبحكمة من البلاغة لا تخفى. . .
وقد أوضح أنه غني عن أي مخلوق. ولا أمل له في ماله قل أو كثر. . .(8/589)
وأنه يرجو من الله تعالى اللطف وأن لا يحوجه إلى سواه. فهو النافع الضار والمعطي المانع. والحي
القيوم المعين. . . إلى أن يقول:
نعم أنني رأيت كرماً وافراً من الوزير ولكنني لم أرتكب الرياء بوقت. فإذا كنت وصفته فالأنصاف يقضي بذلك. ولا غرابة أن يذكر المحسن بإحسان. وعلى كل حال اللسان قاصر عن أداء الشكر خصوصاً ما نالته بغداد في زمنه من الراحة والطمأنينة والعمارة وقضائه على أهل البغي والفساد، ومجاهداته العظمى. . . اهـ
التحريات عن ترجمته في كتب المعاصرين
حاولت الإطلاع عليه في كتب المؤرخين والمعاصرين له فلم أتمكن من زيادة تكشف عن حياة هذا الرجل الكبير. والمؤرخ القدير، إلا نتفه يسيرة في تذكرة سالم أفندي قاضي العسكر، فأنه كان معاصراً له، أو أنه ذاع ديوانه وانتشر فوصل إليه لما نال من شهرة كما يتضح من ترجمته التي قصها. . . قال:
(نشأ في بغداد دار السلام. ثم تجول في بلاد الروم لتلقي (طريقة المولوية) ترك وطنه وساح للأخذ بها من أكابر رجالها فدامت تجولاته زمناً طويلاً وصرفت في سبيل قصده عناءاً عظيماً.
ولما أكمل طريقته وأتمها على أشهر رجالها في الزهد والتقوى، وأنهى مجاهداته فبلغت حدها وغايتها عكف قافلاً إلى وطنه الذي ألفه بغداد دار السلام فرجع إليها وكانت نتيجة هذه المجاهدات أن عهدت إليه مشيخة المولوية في بغداد. فبقي ملازماً تكيتها يتولى الإرشاد. وهو رئيس الحلقة المولوية. فصارت تؤخذ منه وتتلقى عنه، باعتباره شيخها والجالس على سجادتها. . .
وله قدرة تامة على قرض الشعر في الفارسية والتركية ويعد من أعاظم الشعراء الناطقين بالصدق والصادعين بالحق. وأن المقطوعة التالية من أشعاره تدل على قوة نظمه ودرجته:
يأبه قدر كي درك ايتمكه عارج أوله مز ... قيلسه سلم اكر انديشه بونه إيواني
نعمت ياك شه كونينه نه ممكنكة عزيز ...(8/590)
ويره سن خامه ادركك أيله باياني) اهـ.
ولا تزال التكية أو الخانقاه المسماة للآن (بالمولى خانه) التي كان إتباعه يقصدونها ويلازمون فيها السلوك معروفة بهذا الاسم. وهي جامع رأس الجسر العتيق من جانب بغداد الشرقية. ويقال له (جامع الآصفية) أيضاً. والعوام لا يعرفونه إلا بجامع المولى خانه كما
أنهم يسمون السوق المتصل به (سوق المولى خانه) لحد اليوم.
وهذه الطريقة - وأن كانت بأصنافها الثلاثة من جلبية. وددوية، وقلندرية موجودة ببغداد - لم تستطع أن تتغلب على الطريقة القادرية، ولا على النقشبندية حتى لم تتغلب على الرفاعية. ومع هذا فأن الطرائق المذكورة - ما عدا القادرية - أخذ ظلهن يتقلص بفقدان الرجال القائمين بهن. فلم نر مثل الشيخ خالد ولا مثل الشيخ داود. . . ولا محل للإطناب في هذا الموضوع الآن.
ومن الغريب أن لا نجد للمترجم - بصفته التاريخية ولا من نقطة طريقته ولا غيرهما - بياناً من العراقيين عنه حتى أن صاحب التذكرة اكتفى ببيانه المذكور أعلاه يتعرض لمؤلفه الجليل في التاريخ.
وعلى كل حال أن مؤلف المرء يكشف عن مكنون صاحبه ويبين حسن اختياره ومقدرته. فالكتاب الذي دون وهو (قويم) في تاريخ حسن باشا ينطق بنفسية الرجل وزيادة. وهناك أيها القارئ وصفه:
وصف الكتاب
أن هذا الكتاب يتضمن سيرة الوزير حسن باشا والي بغداد كما تقدم وهو منظوم. وعدد أبياته 2817 ولم يترك شاردة ولا واردة من حسناته إلا قصها كما أنه اشتمل على حروبه للعشائر وغيرهم من مناوئيه حتى استقرت له الأمور واكتسبت نظاماً. وتمكن من السيطرة على العراق وتقوية سلطة الترك عليه وبحث فيه عن شمائل هذا الوزير وزاد في إطرائه وأول هذه المنقبة:
حمد بي حد وشكر لا يحصى ... بيعدد منت وسباس وثنا. الخ
أما النسخة الخطية التي بأيدينا فكل صفحة منها تحتوي على خمسة عشر سطراً أو بيتاً طولها عشرون سنتيمتراً في عرض أحد عشر ومعها في هذه المجموعة مقامة(8/591)
في مدح الوزير حسن باشا لصاحبها عبد الله أفندي المفتي وقد مر الكلام عليها في مقال سبق وأبيات عربية وقائع أحمد باشا أبن الوزير المذكور وأخرى في مدح وزراء آخرين تالين لهما.
اسم الكتاب وسبب نظمه وتعريف مؤلفه
أن المترجم عقد فصلا أبدى فيه سبب النظم وعرف نفسه وتسمية كتابه فقال: (ذلك العبد الذي هو من تراب أقدام زمرة الفقراء. المعتق من دار مولانا (يعني بهاء الدين النقشبندي الذي تنسب إليه الفرقة البهائية من النقشية، وهي غير فرقة البهائية المعروفة في هذه الأيام فأنها محدثة وتلك قديمة) المستجير في جميع أموره بالحق سبحانه، المولوي يوسف الشهير بعزيز. يقول: لما كانت هذه الديار (بغداد وأنحاؤها من أرض العراق) برج الأولياء، وذات الآثار المخلدة، والمدينة التي لا عديل لها ولامثيل ودار الفيوض أعني دار السلام وهي أشبه بالجنان تجري من تحتها الأنهار، وهي مدفن رابع الخلفاء (ع)، ومشهد سيد الشهداء (ع)، وفيها مقام الفارسي وحذيفة بن اليمان العبسي (رض) ورأس المجتهدين حضرة النعمان الكوفي، وفيها الجيلي، والجنيد والشبلي، والشيخ الطائي، والشيخ العاقولي، ومعروف الكرخي، والسهروردي، وشيخ الشيوخ أبو الحارث الوارث الأول لعلوم الحقائق، وفيها من كمل رجال الدين المبين وأكثر الأئمة. . . فهذه الديار محط رحال هؤلاء الأولياء الكرام والبررة الفخام.
(وفي الأيام الأخيرة قبل الألف والمائة اختلت أمورها واضطربت أحوالها فصارت مستقر أهل الزيغ والفساد، وموطن الأشرار والفساق فتولاها الخلط والخبط وتناولتها أيدي السفهاء. ولم تكن حالة بغداد بأرفة أو أرغد من حالة خارجها. مطرها متساوي (؟) والمصيبة عامة فضجت الناس اعتراها وصرخت لمولاها خصوصاً مما انتابها من خيول الأعراب الذين نشروا العطب والشر. . . وبهمة هذا الوزير حييت، وأعاد لها النظام وقهر أهل البغي والعتو. فمآثره هذه تستحق التدوين. وأقتضي تتبع مناقبه بصحة نقل حتى أخلاقه ومنشأه وسبب تسنمه منصب الوزارة فنظمت (ألف بيت) وسميتها: (قويم الفرج بعد الشدة لبغداد)، ولم أنقل أي خبر إلا على وجه الصحة من حسن بين وجميل(8/592)
صنع، ورفع بدع، وإزالة جور، وببان شجاعة فيه. . . فذكرته ليقرأ كل يوم فيكرر ذكره ويكون باعث الخير ومذكراً به، ولينطق بالدعاء له من قرأه. .) اهـ.
والظاهر من مطالعة هذا الكتاب وعدد أبياته أنه كان ختمه في ما يزيد على الألف بقليل ثم أضاف إليه مقداراً وافراً حتى بلغت أبياته ما ذكر في أول البحث.
مقابلات مجملة بتواريخ عراقية
أن هذا الكتاب يمتاز بكثرة المادة والتوسع في الوقائع مع إيضاح الماضي والنظرات العامة وتنوع الفصول والتشريعات الوافية عن حالة العشائر وتدوين سجاياها وإيراد أسماء شيوخها بإسهاب فالفرق بينه وبين كلشن خلفاء أنه يفصل وكلشن يجمل وأن كان يرمي كل منهما إلى عين الغرض في التعليل وفي ترويج السياسة فكلاهما مشى على خطة واحدة كأن لا يوجد غيرها. وكانت السياسة محدودة طبعاً وكتوبة في الغالب لا يبوح بها عارفها إلا لمن أوتمن منه أو نال مركزاً رفيعاً فينجلي له الأمر بوضوح. . . وهكذا مشى على هذه السياسة صاحب الدوحة وصاحب مرآة الزوراء. .
أما حديقة الزوراء فكأنها مأخوذة منه عيناً وباختصار كبير لولا أنها تزيد أكثر فيما يولد شقة الخلاف بين الحكومة والعجم ويروج ذلك بين الأهلين بمقتضى حالة ذلك الزمن إلا أنها لم تشر إلى أنها أخذت منه. وعلى كل حال يصلح هذا التاريخ لتصحيح أعلام الحديقة وتثبيتها وذكر ما أهملته ويفيد لإصلاح السهو والغلط فيها وهو أوسع منها بكثير. وكل ما يقال الآن أنها قصرت عنه باعاً وإطلاعاً. . .
ومن العجب أن لا يطلع صاحب الدوحة على هذا التاريخ فلم يتعرض لذكره وأن كان أشار إلى أنه كتبت في مناقب بعض الوزراء كتباً ورسائل كثيرة والظاهر أن صاحب كلشن أيضاً لم يطلع عليه ولو كان ذاك لناقشه في مواضعه أو أنه أجمل ما بسطه بمقتضى أسلوبه والخطة التي مشى عليها وأنه شاهد حوادث ذلك أساساً فلم يجد معارضة منه ليقارعه ولا رأى ضرورة للنقل عنه وأن كان بدأ بتاريخه قبل صاحب قويم. . .
ولا يعاب إلا من جهة أنه كتب في اللغة التركية وأنه منظوم، وهذا يدل(8/593)
على مقدرة أدبية ومهارة وتسلط على الموضوع وله نظاهر في كتب المناقب إلا أن دائرة الشعر ضيقة ومركبة صعب. . . وعلى الرغم من ذلك كله لا نستغني عن مثل هذا التاريخ لتوضيح أحوال المحيط فهو درة ثمينة بل جوهرة مصونة سمح الزمان بها فظهرت للوجود بعد الإهمال والنسيان. . . فهي أحب إلينا من حمر النعم.،!
مواضيعه
إن هذا التاريخ مواضيعه متعددة وكثيرة جداً وبعضها متكرر العنوان نظراً لتكرار الوقائع.
قدم عليه مقدمات متوالية ثم ذكر له المواضيع التالية:
(وقائع بغداد، سبب اختلال دار السلام، أحوال خطة بغداد، عشائر العربان، آل غرير وغزوهم، سفر بني لام ووقائع أخرى معهم، الخزاعل، شمر، غزية (حوادث عنهم)، بنو حمد وشيخهم، جموع زبيد وغزوات لهم، مانع المنتفقي، ضبطه البصرة، خان الحويزة، مغامس وحروب أخرى له، حروب البلباس، وغير ذلك من فصول عديدة) اهـ.
إهداء الكتاب
بعد أن أتمه مؤلفه ودعا بالخير للوزير وابنه أحمد بك (لم يكن آنئذ باشا) قدمه للوزير وأهداه له بهذين للبيتين:
أهداي حضور أصفي أولمق ايجون ... نظم أو لدى بو آثار حقيقت أنشا
بوبنده كبي قصوري جوقدر كرجه ... عفو أيله قبو لين أيلوم أستدعا
هذا ولا أطيل القول بذكر بعض فصول الكتاب خشية الإملال فاكتفي بهذا والله أعلم.
(لغة العرب) صديقنا الوفي الأستاذ المحامي عباس أفندي العزاوي هو أول من نشر ترجمة ليوسف عزيز المولوي، بيد أنه لم يتمكن من أن يعرف بوجه أكيد يوم ولادته ولا يوم وفاته فأن كان أحد من القراء يستطيع أن يذكر لنا هذين اليومين الأول والآخر من حياة المؤرخ العراقي فأنه يكسب شكر جميع الناطقين بالضاد ولا سيما العراقيون منهم ولعل بين الأدباء غير العراقيين من له وقوف تام على مشاهير هذه الديار وتراجم أصحابها فيأتينا بالخبر اليقين.(8/594)
القرب في اللغة
قربة (بالكسر) - وقرب منه وإليه - قرباً (بالضم) وقرباناً، دنا. وكذلك أرن (بالفتح) زيد أرونا إذا دنا للحج، وأزف الترحل (بكسر ففتح) - أزفاً (بالتحريك) وأزوفاً يقال ساءني أزوف رحيلهم، وتأزف القوم: تداني بعضهم من بعض - والرجل: تقارب خطوة، وأزيت الشمس تأزي (بكسرتين) أزياً: دنت للمغيب وتآزى القوم: تدانوا في الجلوس خاصة، وأفد يافد (بكسر ففتح) الترحل: أزف ومثله استأفد وأني الشيء يأني آنياً (بكسر ففتح) وأني (بكسر) فهو أني. حان وأدرك وخص بعضهم به النبات وفي حديث الهجرة: (هل أني الرحيل) (أي حان وقته)، وآن يئين أينك أو أنك أي حان حينك ومثله آن أونك، وبلغ المكان: قرب منه، وأجحف به، قاربه ودنا منه ولم يخالطه، وجم الأمر (بفتح وكسر أو ضم جماً: دنا وجم قدوم فلان: حان وكذا أجمت الحاجة وجم الفراق: أزف وحضر، وجهن (بفتح وضم) جهوناً وحبج (بفتح وكسر) حبجاً واحبج الشيء وحبا يحبو حبواً، فهو حاب يقال: حبا الخمسين ولها أي دنا منها، وحرقص في الخطى أو الكلام: قارب: وحافزه: داناه، وحلق الإناء من الشراب: قارب الملء أي امتلاء إلا قليلاً كأن ما فيه من الماء انتهى إلى حلقة، وأحم قدوم المسافر: دنا - والحاجة: قربت وأهمت - والأمر: حان وقته قالت الكلابية: أحم رحيلنا فنحن سائرون غداً، وحام (بتشديد الميم) الشيء محامة: قاربه. قال لبيد بن ربيعة.
لتذودهن وأيقنت أن لم تذد ... أن قد أحم من الحتوم حمامها(8/595)
وحان حينه يحبن حبناً وحينونة: قرب وقته قالت بثينة صاحبة جميل:
وأن سلوى عن جميل لساعة ... من الدهر ما حانت ولا حان حينها
وحان أن يفعل كذا: آن أن يفعله - والسنبل: يبس فآن حصاده - والصلاة: دنت، وأحينت الإبل: حان لها أن تحلب - وحان لها أن يعكم عليها - والقوم حان لهم أن يبلغوا ما أملوه، وحياً (بتشديد الياء) الشيخ الثمانين من عمره: دنا منها، وخنق زيد الأربعين تخنيقاً: كاد يبلغها، ودنف الأمر (بكسر ففتح) دنفاً: دنا - والشمس دنت من الغروب - والمريض: ثقل وأشفى على الموت. ومثله أدنفت الشمس، ودنا منه وإليه وله يدنو دناوة دونواً: قرب فهو
دان (ج) دناة وهي دانية (ج) دوان قال المهلهل:
ولقد مضى عنها أبن حية مدبراً ... تحت العجاجة والحتوف دوان
وقال الحريري:
فدنت فديت وحنت وحيت ... مغضباً مغضباً يود يود
وداني الأمر: قاربه، وتداني القوم: دنا بعضهم من بعض، وأدنى (من باب الافتعال) أدناه: اقترب قال المتنبئ:
وكأنه غرته عينة فأدنى ... لا يبصر الخطب الجليل جليلاً
وقال عنترة:
وما دانيت شخص الموت إَّلا ... كما يدنو الشجاع من الجبان
وأرب منه: دنا ومثله رزف الأمر (بفتح وكسر) رزيفاً، وأركب المهر: حان له أن يركب، وأرمأ إليه أرماء: دناء وكذا رهق شخوص فلان رهقاً (بكسر ففتح) - وفلاناً دنا منه سواء أخذه أم لم يأخذه وراهاة مراهاة: قاربه واجتمع معه، ورايف للظنة مرايفة: قارفها وطنف لها، وزحب إليه (بفتحتين) - زحباً: دنا، وزحك منه (بفتحتين) زحكا، وزاحم الستين، وزرف إليه (بفتح وضم) زروفاً وزريفاً، وزاكنه يقال هذا جيش يزاكن ألفاً أي يقاربه. وبنو فلان يزاكنون أولئك القوم أي يدانونهم ويجالسونهم، وزنأ الظل: دنا بعضه من بعض - وغليه يزنأ زنأ وزنوءاً: لجأ ودنا، وزاهمة في البيع والشراء وفي السير وغير ذلك: قاربه، وانزوى القوم بعضهم إلى بعض: تدانوا وتضاموا(8/596)
وأسعف الشيء: دنا - والحاجة: حانت و - بالرجل: دنا منه - والدار بفلان: أصبت، وأسف الأمر إسفافاً: قاربه - والسحابة: دنت من الأرض - والطائر دنا من الأرض في طيرانه حتى كادت رجلاه تصيبانها يقال الطائر يسف: إذا طار على وجه الأرض، وسقبت الدار سقوباً (بكسر ففتح) واسقبت أي قربت وتساقبت الأبيات: تقاربت: وسند الرجل للخمسين (كنصر) قاربها، وساف السائفة سوفاً: دنا منها، وشرع زيد علينا (كفتح) دنا وأشرف، وشارف الشيء واشرف عليه: دنا منه، وشفر الرجل على الأمر تشفيراً، أشفى - والشمس كادت تغيب، وشافه البلد: داناه، وأشفى عليه: اشرف ومنه أشفى المريض على الموت، واشمت الريح النقا إشماماً: دنت منه، وأشاف عليه مثل أشفى عليه أو هو مقلوبة، وصقبت الدار تصقب
- صقباً (بكسر ففتح) مثل سقبت، واصقب فلاناً الصيد: دنا منه وأمكنه رمية، واصقبت الدار: قربت، وصاقبة: قاربة، واصهر الجيش للجيش: دنا بعضه من بعض، ويقولون فلان على صير من الأمر: إذا كان على أشراف من قضائه تقول للرجل: ما صنعت في حاجتك؟. فيقول أنا على صير من قضائها أي على أشراف منه واضب على المطلوب أضباباً: اشرف أن يظفر به وكذا أضبى عليه أضباء، وضارح فلاناً: قاربه وقابله، واضر السحاب من الأرض أضراراً: دنا ويقال أضرني إذا دنا مني دنواً شديداً وفي الأساس: اضربه: دنا منه دنواً شديداً ولصق به وضرع السبع من الشيء ضروعاً (بفتح فضم): دنا منه - والشمس دنت للمغيب ومثله ضرعت الشمس تضريعاً وضارعت مضارعة، وأضاف عليه: اشرف وطف منه طفاً (بفتح فكسر): دنا. تقول: خذ ما طف لك أي ما ارتفع لك وأمكن ودناً منك، وطففت الشمس تطفيفاً: دنت للغروب، وأطف عليه أطفافاً: طف. ومثله استطف. وأطلع على الشيء إطلاعاً واستطل عليه استطلالاً وأطل عليه أطلالاً، تطنفت إليه تطنفاً تقول ما تطنفت نفسي إلى هذا أي ما أشفت، وطنف للأمر تطنيفاً قارفه. وطار به يطور طوراً وطورناً: قربة يقال: أبا لا أطور بفلان أي لا أحوم حوله ولا أدنو منه قال أبو الحسن علي بن محمد:
ما بال قبرك لا يثني به أحد ... ولا يطور به من بينهم رجل(8/597)
واعترس السير: دنا - وفلان السير: دنا مسيرة وغارقه كذا: داناه وشارفة تقول غارقتني المنية، وغازل فلان الأربعين: دنا منها، وفاتك الأمر: داناة، وأفصل المولود: حان له أن يفعل أي يفطم ومثله أفطم وقحم إليه: دنا، وقدعت لي الخمسون (بكسر ففتح): دنت مني، وكذا أقرأ أمره إقراء. واقرب المهر والفصيل: دنا للإثناء وتقارب الزرع: دنا أدراكه، واقترب الوعد: قرب، وقرف فلان المرض قرفاً (بكسر ففتح): داناه يقال أخشى عليك القرف (بالتحريك) وكذا قارفه مقارفة - والجرب البعير: داناه شيء منه. وأقرف له: داناه وخالطه - والرجل وغيره: دانى الهجنة تقول أقرف الهجنة إذا قاربها، وقارب يقول قوباً: (كنصر) قرب، وكثب الصيد فلاناً (بفتح: فضم): قرب منه وأمكنه من كاثبته يقال كشبك الصيد فارمه: ومكاثبهم مكاثبة: دنا منهم ومثله أكثب الرجل والأمر وغليه وله ومنه إكثاباً تقول أكثب إلى الجبل، وأكثبك الصيد فارمه، وكذا اكثف منه، وأكثم الصيد فلاناً، وكاثمه
مكاثمة: قاربه وخالطه، وكرب الشيء كروباً: دنا - والشمس دنت للغروب - وحياة النار: قرب انطفاؤها، وكاربه مكاربة وكراباً: قاربه، وأكرب المر: أشتد قربه وكاد يقع - والإناء: قارب ملأه، وكنع الأمر كمنع: قرب ومثله أكنع أو الاكناع دنو ذلة، وقد امتنع فلان مني أي دنا مني، ولحم رجل من العدو: قرب منه حتى لصق به، ولطف الشيء (بفتح فضم): دنا وألم الغلام إلماماً: قارب البلوغ - والنخلة قاربت الأرطاب - والشيء: قرب وربما استعملت منه أفعال المقاربة بمعنى كاد يقال ألم يفعل كذا أي كاد، ومنح الخميس: قاربها وكذا متخ الخميس وأنجد زيد: قرب من أهله، وتناصى الطلح والسيال: تقرباً وتقابلاً حتى يعلق هذا بهذا عند هبوب الريح، وناظر الجيش ألفاً:(8/598)
قاربه وكذا ناغاه مناغاة هذا الجبل يناغي السماء أي يدانيها لطوله، ونكظ الرحيل (بكسر ففتح): أفد، ونهدت القرية (بفتحين أو بفتح فضم): قربت من الامتلاء، ونهز الشيء (بفتحين): قرب - والطفل للفطام -: قرب وناهزه ومناهزة: داناه يقال ناهز الصبي البلوغ، وناهز الرجل الخمسين، وناهز المولود للفطام، وأنهضت القربة: دنت من ملئها، ويقال نال له أن يفعل كذا أي حان، وهدف للخمسين: قاربها وكذا أهدف لها - ومنه: دنا. ويقال أهدف لك الصيد فارمه، مثل قولهم: أكثب لك وأغرض لك. ووحف منه يحف وحفاً وودق إلى الشيء يدق ودقاً وودوقاً. ومنه (مارسنا بني فلان) فما ودقوا لنا بشيء أي ما قربوا لنا شيئاً من مأكول ولا مشروب، وتوازف القوم: دنا بعضهم من بعض، وأوفد عليه: أشرف. وكذا أوفى عليه. وواقع الأمور: داناها، ووهف فلان بهف وهفاً ووهيفاً: دنا - والشيء إلى كذا: طف ومثل أوهف الشيء إلى كذا وولاه يليه ولياً: دنا منه تقول: جلست مما يليه أي يقاربه.
قرب الولادة
أقربت الحامل: دنا دنا ولادها فهي مقرب: وكذلك أونت الأتان تأويناً وأتمت المرأة إتماماً فهي متم هو كذلك الناقة، وأجحت السبعة والكلبة: إذا حملت فأقربت وعظم بطنها، وأدنت الفرس: دنا نتاجها فهي مدن، وربت الشاه قرب (بالضم) رباباً (بالكسر): قرب عهد ولادتها. وكذا أرجأت الحامل وأرجت المرأة فهي مرج ومرجية. وزهيت الشاة إذا اضرعت ودنا ولادها، وأشهرت المرأة دخلت شهر وصليت الناقة تصلي صلى: وقع ولدها في صلاها - واسترخى صلاها لقرب نتاجها. وأفكت وتفككت: أقربت فاسترخى صلواها
وعظم ضرعها. ومحمحت المرأة: دنا وضعها. وكلك أمنحت الناقة فهي ممنح وانتجت الفرس وذات الحافر: استبان حملها وحان نتاجها فهي نتوج على خلاف القياس، وشككت الأنثى كعلمت: أقربت فاسترخى صلواها وعظم ضرعها مثل تفككت. وتهجهجت الناقة، واوكفت المرأة وأولدت.
والمقرب ج مقارب ومقارب وعشار ملابئ دنا: نتاجها وقد ذانبت الفرس(8/599)
مذابنة إذا وقع ولدها القحقح ودنا خروج السقي. وراخت المرأة: أقربت وأصلت الفرس استرخي صلواها لقرب نتاجها.
قرب النسب
اشتبكت بينهم الأرحام: توشجت ولحت القرابة - لحاً: لصقت. تقول هو أبن عمي لحاً (بالفتح) أي لاصق النسب. وهو أبن عم لح وكذلك المؤنث والاثنان والجمع فأن لم يكن لحاً وكان رجلاً من العشيرة قلت هو أبن عم الكلالة ومست بك رحم فلان: إذا كانت بينكما قرابة قريبة، ووشجت بك قرابته تشج وشجاً: اشتبكت، ووشج الله قرابته بكم توشيجاً: شبكها. والواشجة الرحم المشتبكة المتصلة. والشيج اشتباك القرابة، ورحم وشيجة: مشتبكة متصلة، وتقول هو ابن عم دنيا أي هو أبن عم لحاً. والأدنون: أقرب العشرية نسباً. يقال هم أدانيه وعشيرته الإدنون وهو أبن عمي، قصرة وقصرة (بالفتح وبالضم) أي دنية ورجل قعيد النسب أي قريب الآباء من الجد الأكبر ومثله الأقعد النسب. تقول أنت أقعد منه نسباً أي أقرب إلى الأب الأكبر، وكذلك القعدد والقعدود وهو كبرتهم (بالكسر) أي أقعدهم في النسب وأقربهم. وكذلك هو كبرهم (كعتل) وكبرتهم (كعفرة) وأكبرتهم (بكسر الهمزة والباء وفتح المشدودة - يستوي فيه الواحد والجمع والمؤنث)، وآلة فلان (كعدة): الذين يأل إليهم وهم أهلة دنيا هؤلاء التك، وعبارة الأزهري: آلة الرجل أهل بيته الذين يأل إليهم وهم أهله دنيا يقال هؤلاء التك، وعبارة الأزهري: آلة الرجل أهل بيته الذين يأل إليهم واصله وئلة.
قرب السفر
طيسل الرجل: سافر قريباً فكثر ماله.
والزحفة: الراحل إلى قرب ولا يسيح في البلاد، والسرية، السفر القريب والضافط المسافر لا يبعد السفر، وسفر قاصد: سهل قريب.
تقريب
تبلصق الرجل: تقرب من الناس، وتدنى تدنياً: دنا قليلاً يقال بعيد(8/600)
يتدنى خير من قريب يتبعد، وزلف (كنصر) زلفاً (بالفتح) وزليفاً وزلفاً. (بالتحريك) تقرب وتقدم. ومثله تزلف وأزدلف، وتضرع منه: تقرب في ورغان، وأكرب: تقرب. ووسل إلى الله يسل وسيلة: رغب وتقرب فهو واسل ومثله وسل إلى الله بوسيلة وتوسل أي عمل عملاً تقرب به إليه تعالى ويقال توسل إلى فلان بكذا أي قرب تقرب إليه بحرمة أصره تعطفه عليه.
التقريب
قربه تقريباً أدناه، ومثله قاربه مقاربة، يقال قارب الفرس الخطو أي أدناه وأقرب المستقي الإناء: قربه للامتلاء ودرج فلاناً تدريجاً إلى كذا: أدناه منه على التدرج. واستدرج الشيء إلى الشيء: أدناه منه، وأدنف الشيء: أدناه ودانى بين الأمرين: قارب) ودناه تدنية: قربه. وكذا أدنى الشيء إليه. ورفأ السفينة: أدناها من الجد أي الشط. ومثله أرفاها - والشيء إليه: قربه، وكذا أزلف الشيء. وازدلف فرناً: أدناه إلى هلكة، وأزهف إليه الطعنة أزهافاً: أدناهاً واسقبه أسقاباً: قربه، ومشافهة فلاناً مشافهة: أدنى شفته إلى شفته - والبلد: داناه واصقبه أصقاباً: قربه، وطوى الله البعد لنا: قربه يقال كان الأرض تطوى له، وقتر المتاع وغيره تقتيراً: أدنى بعضه إلى بعض - وبين الأشياء: قارب وقدمه إلى الحائط تقديماً: قربه وقطر الإبل (كنصر) قطراً: قرب بعضها إلى بعض على نسق، يقال قطر البعير إلى البعير، وقفص الشيء (ككسر) - قرب بعضه من بعض، وقمط الإبل (كنصر): قطرها وأكنع الإبل اكناعاً: أدناها ولاهاه ملاهاة: قاربه - والشيء: داناه، وورى الأمر يدي ودياً: فربه ووطوط فلان: قارب كلامه.
(لها بقية)
النبك (سورية): سالم خليل رزق
(لغة العرب) أحسن حضرة الأستاذ اللغوي في تخليه عن الاستشهاد بالمعاجم اللغوية
الحديثة وبأبيات الشعراء المعاصرين لأن هذا كله لا يفيد إثبات كلام الناطقين بالضاد من الأقدمين. على أن هناك أمراً هو أنه لم يجمع كل ما جاء في الأبواب التي تعرض لذكرها، إنما اكتفى بما هو مستفيض منها في الكلام. فوجب التنبيه عليه.(8/601)
لواء أربل
نظرة عامة
تقع أراضي هذا اللواء في سهل واسع منحصر بين وادي الزابين (الزاب الكبير والزاب الصغير) ويحده من الشمال: تركية ومن الجنوب لواء السليمانية وكركوك ومن الشرق بلاد إيران. وشيء من لواء السليمانية، ومن الغرب لواء الموصل.
وتنمو فيه أفخر الحبوب، واحسن الفواكه، وكثيراً ما يصدر كميات كبيرة من هذه الحبوب، والأثمار، إلى سائر الألوية:
ومعظم أهاليه كرد، بينهم من ينتمي إلى عشيرة (بالك) الراوندوزية الأصل، وبينهم من ينتمي إلى عشيرة الجاف المبثوثة في لواء كركوك ولواء السليمانية، وبينهم من عشائر سورجي، وكردي، وماموندي، وهركي، وده زي، وفيه من العشائر العربية طئ والجبور وغيرها.
وتقدر نفوس اللواء ب (102. 493) نسمة.
نبذة تاريخية عن مركز اللواء
مركزاً لواء أربل، مدينة أربل (بالكسر ثم السكون وباء موحدة مكسورة تليها لأم) الواغلة في القدم، ويكتبها ويلفظها بعضهم خطأ (أربيل أو أرويل) وهي من أمهات المدن العراقية، أن في الماضي وأن في الحاضر، وهي بؤرة التجارة في كردستان العراقية، ومحط رجالها، وتقدر نفوسها ب 13. 400 نسمة جلهم من الكرد.
وتنقسم من حيث العمران إلى قسمين يقال لأحدهما (القلعة) وهو ما كان منها مبنياً على الهضاب، والثاني (السهل) وهو ما كان بخلاف ذلك على حد ما تنقسم إليه مدينة كركوك.
أما قسم القلعة ففيه بيوت الشرفاء. ومضايف الأغوات ومساكن الموظفين الكبار، وجامع كبير، تقام فيه الصلاة، وبيوت كثيرة لا بأس بعمرانها.(8/602)
وأما قسم السهل ففيه أسواق البلد وقيسارياته، ودور الأهلين على الإطلاق وصرح الحكومة الفخم، ومركز الشرطة، وفندق بديع شيد في الآونة الأخيرة. ومستشفى جميل، ومدرسة أميرية بديعة المنظر، ودائرة
للبرق والبريد حسنة العمران، وأخرى للبلدية. وقسم القلعة يعلو قسم السهل بنحو 35 متراً وليس له سوى مرتقيين وفي نهاية كل منهما باب، إذا أوصد استقلت القلعة بمن فيها. وفي نهاية أحدهما. برج عظيم، يدل منظره على أنه كان حصناً للقلعة. وفي ربض السهل، مدينة كبيرة طويلة يحاذيها شارع عام فسيح مبلط وتخترقها أسواق متداخلة، وقيساريات لطيفة، ومقاة كثيرة ولغة الأهلين التركية والكردية على الإطلاق، وبعضهم يحسن التكلم باللغة العربية فيتفاهم بها مع الغرباء.
وقد كانت (اربل) في جميع الأدوار التي مرت عليها، ميداناً لحروب عديدة بين مختلف الأمم، وقد دخلها التتر عام 628 هـ فنهبوا بيوتها وخربوا قراها، وقتلوا من ظفروا به من أهلها، فبرز لمحاربتهم، (مظفر الدين كوكبري بن زين الدين كوجك علي) فوجدهم قد رحلوا عنها، فأقام فيها زمناً طويلاً، جدد في خلاله عمارتها، وأقام فيها الأسواق الخالدة، والدور الفاخرة والجنان الغن وصارت له هيبة وقاوم الملوك ونابذهم، حتى هابوه فحفظت بذلك المدينة من شرور الطامعين فيها وقصدها الغرباء. وقطنها كثير منهم حتى صارت مصراً كبيراً. والظاهر أن أكبر حرب حدثت فيها كانت الواقعة التي جرت بين الإسكندر الكبير ودارا مالك الفرس عام 231 ق. م في سهل جوجماليس المعروف اليوم بكرمليس ونواحيها حيث فر ملك الفرس هارباً فاعترضته بسس أحد قواد الإسكندر وقتله فعرفت الحادثة بواقعة أربل وكانت يومئذ من مدن أشور المشهورة.
ومع سعة هذه المدينة، وأهميتها التجارية وعظمة ثروة أشرافها، فبنيانها وطباعها أشبه بالقرى منها بالمدن واكثر أهلها كرد أستعرب بعضهم وبقي الآخر محافظاً على عنصره ولغته. وجميع سكان رساتيقها وفلاحيها، وما يضاف إليهم كرد، وليس حول المدينة بستان، ولا فيها نهر جار على وجه الأرض، واكثر زروعها وأهلها على الكهاريز المستنبطة تحت الأرض. ومياه هذه الكهاريز عذبة طيبة لا فرق بينها وبين ماء دجلة في العذوبة والخفة ويبلغ عدد الكهاريز فيها(8/603)
نحو 350.
وتجلب إلى أربل الفواكه من الجبال من الجبال والقرى المجاورة لها، ويأتيها العنب الفاخر من قرية شقلاوة التي تبعد عنها 30 ميلاً ومن سائر القرى، والمدينة تبعد عن الجنوب الشرقي لمدينة الموصل 40 ميلاً، والطريق بينها وبين الحدباء اليوم معبدة وصالحة لسير
السيارات فيها.
وينسب إليها جماعة من أهل الفضل والورع والتقى منهم: أبو البركات شرف الدين بن أبي الفتح أحمد الأربلي المعروف بابن المستوفي وعيل بن عيسى الأربلي وأبو أحمد القاسم بن المظفر الشهرزوري الأربلي وغيرهم ممن لا تحضرنا أسماؤهم.
وقلعة اربل شبيهة بقلعة حلب إلا أنها أكبر وأوسع رفعة، وقد مدحها كثيراً ثم هجاها طويلاً نوشروان البغدادي الضرير المعروف بشيطان العراق وليس هنا موضع الاستشهاد بشعره وبالقرب منها منارة قديمة مقطوعة الرأس.
تنظيمات اللواء الإدارية
يتقوم لواء أربل من أربعة اقضية، تتبعها تسع نواح، ومن ناحيتين ملحقتين بمركز اللواء رأساً. أما اقضيته فهي مخمور، وكوي سنجق، ورانية وراوندوز. وأما الناحيتان الملحقتان بمركز اللواء فهما: شقلاوة، وقوش تبه والناحية الأولى من أجمل وإبدع النواحي المشهورة في العراق، ومركزها: قرية شقلاوة الجبلية الجميلة، وهي تبعد عن شمالي اربل 30 ميلاً، وقد عبدت الحكومة الطريق بينها وبين مركز اللواء، والهمة مبذولة اليوم لإنشاء فندق فيها، فإذا تم فستكون أهم مصيف في ديارنا وربما يغني العراقيين عن الاصطياف في ربوع لبنان ومجاهل إيران.
أما الناحية الثانية (أي ناحية قوش تبه) فولقعة في سهل اربل وتبعد عنة جنوبي مركز اللواء 14 ميلاً. وتقطن في الناحية الأولى عشيرة (خوشناو) أما الثانية فتقطن فيها عشيرة ديزي (ده زي) وكلتا العشيرتين من أمهات العشائر الكردية القاطنة في شمال العراق.(8/604)
1 - قضاء مخمور
تنحصر أراضي هذا القضاء بين الجهة الجنوبية الشرقية لرمز اللواء وسلسلة قره جوق، ومركز قرية مخمور التي تنتهي عندها حدود اللواء بوادي دجلة وتبعد عن الغرب الجنوبي لأربل زهاء 48 ميلاً. وعمارتها متوسطة وفيها بعض البيوت اللطيفة التي شيدت في زمن الترك لإدارة أملاك السنية.
وتتبع القضاء ثلاث نواح، هي: مخمور والكوير (بالتصغير والكاف الفارسية) وكنديناوة.
فالناحية الأولى داخلية، والثانية مركزها قرية الكوير الواقعة على العدوة اليسرى من الزاب الكبير، في موضع يبعد عن مخمور 24 ميلاً وعن أربل 36 ميلاً وهي مجموعة بيوت من لبن وأكواخ للفلاحين مع صرح للحكومة ومركز للشرطة لا بأس بعمارتيهما. أما ناحية كنديناوة، فأراضيها محصورة بين وادي الزاب الصغير ودجلة، وهي مشهورة بخصب التربة وطلاقة الهواء، ويبعد مركز الناحية عن مركز القضاء 19 ميلاً.
2 - قضاء كوي سنجق
كوي سنجق، بلدة قديمة مبنية على سفح جبل السلطان أيوب، (ويقال لهذا الجبل هيبت سلطان) يمر بها نهر صغير غزير الماء، وفيها عمارات فاخرة ومساكن، وبساتين كثيرة، ومياه معدنية، يستفيد منها الأهلون كثيراً وسكانها كرد، بينهم طائفة من النصارى، وأخرى من اليهود ومهنة أهلها الزراعة وغرس الكروم. وأراضي هذا القضاء جبلية بشجر البلوط، والجوز وأهم حاصلاته التبغ، والحبوب. وحدائقه وبساتينه مشهورة بجودة الأثمار ولا سيما العنب لذ ينقل إلى أسواق المدن الأخرى ليباع فيها. وقد أحصت الحكومة نفوس القضاء في عام 1929 فكانوا (19. 798) نسمة عدا العشائر التابعة له. ونبعد قصبة (كوي سنجق) عن شرقي أربل 50 ميلاً، وهي مركز القضاء المذكور، وإذا نظرت إليها عن بعد بانت لك جميلة جداً، ولا سيما في أيام الربيع، حين تكسو الخضرة تلك الأطراف الشاسعة: وتشرق الشمس على جبل السلطان أيوب، فتجعل للثلوج المتراكمة فوق قممه منظراً خلاباً ومشهداً بديعاً يأخذ بمجامع القلوب.(8/605)
للقضاء ناحيتان: الأولى داخلية، وتسمى ناحية كوي سنجق، والثانية يقال لها (طاق طاق) وهي واقعة على الساحل اليمن لوادي الزاب الصغير، وتبعد عن جنوبي مركز القضاء 17 ميلاً. ونظراً لوقوع مركز الناحية (أي قرية طاق طاق) في طريق كوي سنجق إلى كركوك، وحيث أنها الممر الوحيد لهذا الطريق، فقد أصبحت لها أهمية عظيمة، ولا سيما في نظر الحكومة، ولهذا ترى فيها الآن بناية فخمة للشرطة. والطريق بين كوي سنجق وأربل معبد وصالح للسير وأن كان وعراً في حد نفسه.
3 - قضاء رانية
تقع قرية رانية، التي هي مركز هذا القضاء في سهل (بتوين) وتبعد عن شرقي مركز اللواء 67 ميلاً، وهواؤها رديء جداً لكثرة ما يحيط بها من المستنقعات ومزارع الأرز. وماؤها كدر غير صالح للشرب ولولا الهمة التي تبذل لجلب الماء إليها من جهات بعيدة لما استطاع الناس أن يسكنوا فيها.
وهذه القرية خطيرة بموقعها الجغرافي فهي على الحدود الإيرانية العراقية. والطريق إليها غير سهل وأن كان بعضه معبداً وقد أحصت الحكومة نفوس القضاء في الآونة الأخيرة فكانوا (9137) نسمة. هذا عدا العشائر الساكنة في القرى الكثيرة. المبثوثة في أطراف القضاء.
لقضاء رانية ناحيتان هما جنازان (بالجيم الفارسية المثلثة أي وناودشت ومركز الأولى قرية (جناران) الواقعة في غربي مركز القضاء وعلى بعد زهاء 23 ميلاً عنه، وهي متوسطة العمران كشأن بقية القرى. وأما ناحية ناودشت، فمركزها قرية سنك - الواقعة على وادي الزاب الصغير في مضيق رانية، وتبعد مركز القضاء ما يقارب تسعة أميال.
قضاء رواندوز
أحصت الحكومة نفوس هذا القضاء في عام 1929 فكانت - عدا العشائر القاطنة في أطرافه - (13. 469) نسمة.
والقضاء جبلي، وطرقه وعرة جداً وقد بذلت وزارة الأشغال العراقية جهوداً صادقة لتسهيل السير فيه. فلم تفلح ولهذا لا تصل السيارات في الوقت الحاضر(8/606)
إلى مركز القضاء.
مركز قصبة رواندوز وهي لطيفة ومنظرها جميل جداً لأن البيوت فيها مبنية الواحد فوق الآخر، وقد تهدم معظم عمارتها في الحرب الكونية حيث أشغلتها عدة قوى. احتلها الترك والروس والكرد واحتلها الإنكليز في آخر المر ثم انتقلت إلى الحكومة العراقية وهي في حالة يرثى لها. وتعد هذه القصبة مركزاً مهماً لتجارة الجبال، وهي الحد الفاصل بين العراق وتبعد عن شمالي مركز اللواء 72 ميلاً.
فيها نهر يجري في واد عميق ملاصق لرابية مستطيلة وتجاورها بساتين وحدائق كثيرة وهواؤها عذب وشتاؤها قارس. ولغة أهلها الكردية إلا أن أعيانها وأشرافها يتكلمون
بالتركية.
للقضاء ثلاث نواح مهمة وهي دير حرير، وبالك، وبراودشت، ويدير هذه النواحي مديرون يراجعون القضاء في أشغالهم، وتبعد الناحية الأولى عن الجنوب الغربي لمركز القضاء 54 ميلاً، وعن الشمال الغربي لمركز اللواء 22 ميلاً.
أما الناحية الثانية (أي ناحية بالك فجبلية ومركزها قرية (كاتي رش) المتاخمة للحدود التركية والتي تبعد عن شرقي مركز القضاء 32 ميلاً ونظراً لأهمية هذه القرية من وجهة الأمن العام، ولوقوعها على الحدود، شيدت الحكومة فيها صرحاً فخماً. وأما الناحية الثالثة فهي (براودشت) ومركزها قرية (باتاس) التي تبعد عن جنوبي مركز القضاء 22 ميلاً وهي لا تختلف عن بقية القرى من حيث النظافة وطرز البناء.
مياه اللواء
ليس في اللواء أنهار عظيمة غير الزاب الكبير الذي هو الحد الطبيعي الفاصل لواء أربل عن لواء الموصل. إلا أن فيه أنهاراً صغيرة كثيرة تتفجر مياهها في الجبال التي تكثر في اللواء فتنشئ مجاري صغيرة بعضها في الأنهار العامة والبعض الآخر يجري إلى الكهاريز التي يأخذ منها الأهلون مياههم. والكهاريز آبار يتصل إحداها بالأخرى بمجرى تحت الأرض يستوعب عرضها رجلاً. وهذه الآبار محفورة تحت الأرض إلى عمق يتراوح بين الستين والثمانين قدماً(8/607)
وتبعد الواحدة عن الأخرى مائة قدم أو أكثر والكهاريز قديمة وليس اليوم من يتقن عملها وهي في اتجاه واحد.
وفي ناحية شقلاوة وقضاء راوندوز وكوي سنجق أنهار صغيرة تنشأ من الينابيع الجميلة التي تكثر هناك وفي قضاء راوندوز شلال يقال له (بي خال) ويقع في مضيق راوندوز، وينحدر الماء منه على ارتفاع ستة أمتار إلى سبعة، فيسيل في واد جميل جداً بمنظره الطبيعي. وفي قضاء رانية نحو 18 نهيراً يتكون ماؤها على النحو الذي ألمعنا إليه آنفاً.
عشائر القضاء
عشائر لواء إربل كثيرة. وقد أحصت الحكومة نفوس بعضها وبقي البعض الآخر بلا إحصاء وربما كانت معظم هذه العشائر من أصل كردي، ونحن نذكر أسماءها هنا اعتماداً
على المصادر الرسمية فعشائر اللواء الآن هي:
ديزي (أو ده زي) - (طي - سنبس) وهما عربيتان - نرمك - يولي - بابولي - هركي - سورجي - خوشناو - خيلاني - زراري - مندمره - بيران - أكو - منكور - كردي - لك - سيان - مامه سي - فقي خلي - بالكي - شيوه زور.
نتاج اللواء
مزروعات لواء أربل كثيرة ومتنوعة، أهمها: الحنطة، الشعير، الأرز العدس، الماش، القطن، الحمص، التبغ، الخضراوات التي تنمو في بقية الألوية. وينمو فيه البلوط والفستق والجوز والعفن بأنواعه، ويصدر قدراً من هذه الغلات لتباع في بقية الأسواق العراقية، كما أنه يصدر بكثرة الصوف والجبن والسمن والجلود على اختلاف أنواعها ولا سيما جلود الحيوانات الوحشية وكذلك الخشب.
ويستورد الثياب (الأقمشة) والشاي، والسكر، والبن وسائر الضروريات التي يحتاج إليها العراقيون. وتقدر واردات الحكومة بمليون ونصف مليون ربية فقط.
السيد عبد الرزاق الحسني
(لغة العرب) تعرف اربل في الرقم المسمارية البابلية الآشورية باسم أربا ايلو(8/608)
(أي مدينة الربعة الآلهة). وذكرتها الرقم الفارسية القديمة باسم (أربيرة) وقد جاء ذكرها في الأسانيد التاريخية الآشورية منذ المائة التاسعة قبل المسيح ولم يكن لها ذكر سياسي خاص أبداً إنما كانت خطورتها متوقعة على وجود مقدس شهير فيها على أسم المعبودة (اشتر) وذلك قبيل عهد الكيانيين. فكانت أربل من هذا القبيل مثل ذلفس في الآشورية القديمة وكان تفوق أربل على ذلفس بموقعها لأنها كانت ملتقى طرق القوافل ولهذا حفظت اسمها بحالته إلى يومنا هذا لأنه كان على السنة التجار والمكارين والرحالين، بينما أن سائر أسامي مدن أشور اضمحلت شيئاً بعد شيء (راجع معلمة الإسلام في مادة اربل
ونوجه الأبصار هنا إلى أن معلمة الإسلام هذه غريبة في ذكرها للألفاظ العربية، فمرة تجدها بموجب اللفظ العامي ومرة بحسب اللفظ الفصيح وتضبط بعض الكلم العربية ضبطاً يوافق لسان الترك كما فعلت في كركوك إذ ذكرتها في مادة كركوك بكسر الكاف الأولى أي ومرة تضبطها العوام لها كما فعلت في ضبط العقال (راجع ما كتبناه في مجلتنا 8: 540)
إلى غير ذلك من الغرائب التي لا يهتدي إلى حقائقها إلا بشق النفس، وكان الأجدر بها أن تجري على أسلوب واحد مطرد هو الأسلوب الفصيح.
أما لفظ العوام الحالي لاربل فهو (ارويل) (بفتح الهمزة بعدها راء ساكنة فواو مكسورة يليها ياء مثناة تحتية ساكنة وفي الآخر لام) وبعضهم يقول: (أربيل).
ومما كان يحسن بها أيضاً أن تذكر في المادة التي هي مظنتها الفصيحة إشارة إلى أن المادة الفلانية ترى في مادة كذا حتى لا يضيع الوقت على من ينقر على ضالته من الألفاظ. ومن غريب المر أنك إذا بحثت عن وهو أسم أربل عند الإفرنج جميعاً لا تراها في مظنتها، فيخيل إليك أن المعلمة لم تبحث عنها. والحال أنك تجدها في وهذا عيب - لو يعلمون - كبير فذكرهم به فلعلهم. يرعوون! فينبهون عليه في الملحق الذي ينشر في آخر السفر المذكور.(8/609)
اللغة العامية العراقية
6 - الصفة المشبهة باسم الفاعل
تشتق الصفة المشبهة عند العامة من الفعل الثلاثي ولها أمور خاصة بها:
1 - أنها أن كانت على فعلان، تؤنث بالتاء فلا يقولون في مؤنث العطشان (عطشى) بل يقولون (عطشانة) فالشذوذ الذي أشار إليه الفصحاء في مثل (أدمانة) و (كسلانة) اتخذته العامة قاعدة مطردة مثل نعسانة وفرحانة وزعلانة.
2 - أنها تصاغ على فعلان وفعلانة وان لم توافق القياس الفصيح، فيقال: (وهمان وهمانة)، و (تعبان تعبانة)، و (عميان عميانة)، و (غلطان غلطانة)، و (خربان خربانة)، أي خرب وخربة و (وجعان وجعانة)، و (كبران كبرانة)، و (صغران صغرانة) الخ. . . وهم في الحقيقة لم يخرجوا عن الذوق العربي. ففي الفصيح (فرح فرحان) و (كسل كسلان) و (زعل زعلان) و (لهف لهفان). وفي المثل: (إلى أمة يلهف اللهفان). و (عطش عطشان) و (سهر سهران)، وما لا يحصى وفيه توهن لقصر العلماء الأوزان على معان دون آخر، وعلى ذلك أكثر السوريين فأنهم يقولون (شربان وشربانة) وقد سرت هذه الكلمة في العراق.
3 - أنها لا تصاغ عندهم على (فعلة) بفتح الفاء وكسر العين معاً للمؤنث بل بتسكين العين مثل (هرمة وعرمة) وجسرة والعجب أنهم لا يقولون للمذكر: (هرم) ولا (عرم)، ولكنهم يقولون (جسر (بفتح الجيم وكسر السين) وهذا من الاستعمالات المقيدة.
4 - أن الصفة على وزن أفعل مثل اسود، وأحمر، واغبر، وأثول، وأعمى تؤنث عندهم بالتاء فيقال (سودة وحمرة وغبرة وثولة وعمية) ويقولون في الحبلى (حبلة)(8/610)
بكسر الحاء لاستثقالهم الضمة أو من جراء التحريف.
وكل أسم فاعل واسم مفعول من الثلاثي وغيره ينوب عن الصفة المشبهة أن جرد من الزمان الملحوظ في الحدث مثل (عاقل، عالم، كاتب، فاهم، محبوب، معزوز، مكتول، مكرود، امبغل (بكسر الغين المشدودة)، وأمكسر (بفتح السين المشدودة). والعجيب أن العامة إذا وصفت جمعاً، بالصفة المشبهة من وزن (أفعل، وفعلاء): فتجمع الصفة على
قاعدة العرب نحو (طيور صفر) و (بيارق حمر) و (ثياب بيض) وهلم جرا، بينما ترى المتفاصحين من أبناء عصرنا يتابعون في مخالفة هذه الفصاحة، فما ضرهم لو اقتدوا بالعامة؟.
7 - اسم التفضيل
ليس في استعمالهم اسم التفضيل ما يستوجب الكلام، سوى أنهم يفضلون مما صفته على وزن أفعل، فيقولون: (هذا أسود من ذاك)، و (ذاك أبيض من غيه) وقد وافقوا الكوفيين في السواد والبياض وجاوزوا فقالوا: (أحمر من هذا) ولكنه قليل ومؤنث اسم التفضيل لا يستعملونه وقد يجمعونه فيقولون: الأكابر.
8 - النسبة
إذا أرادوا النسبة إلى اسم، ألحقوا بآخره ياءاً مخففة، لا مشددة، مع تغييرات في الغالب هي:
1 - أنهم إذا استقلوا أحرف الكلمة واستخفوها حذفوا الزيادة وحولوه إلى وزن (فعلاوي) فيقولن: (حنطاوي) للحنطى، و (بصراوي) للبصري و (مصلاوي) للموصلي)، و (كظماوي) للكاظمي، منسوباً إلى الكاظمية أو الكاظم، وأما (بهرزاوي) للبهرزي فلم يحذفوا منه و (عزاوي) للعزي منسوباً إلى العزة (بفتح العين) وشركاوي) للشرقي، و (مكاوي) للمكي، فإذا لم يستخفوا الكلمة مثل: (بغداد) و (الكرادة) رجعوا إلى الأصل فقالوا: (بغداد) و (كرادي). واقتبسوا من الترك إقحام اللام فقالوا: (شاملي وحلبي واستنبوللي وأرضروملي وكركوكلي) والإقحام الآن مائل إلى الموت. ومما شذ عن قاعدتهم ورجع إلى الفصيح قولهم (عربي) بضم العين و (عجمي) بكسر العين وهذه النسبة في الأسماء الجامدة عدا المصدر.(8/611)
2 - إذا أرادوا النسبة إلى مصدر الفعل الثلاثي كالوقوف، والركض، والقعود، وأتوا باسم فاعله للمبالغة على وزن (فعال) كشداد والصقوا به الياء. فيقولون: (وكافي، وركاضي، وكعادي) وهو من غرائب النسبة.
3 - وقد ينسبون المذكر إلى المؤنث فيقولون: عمياوي) و (خضراوي) و (حمراوي) وقد يصغرون الاسم لأجل النسبة.
4 - وإذا نسبوا إلى (أفعل) من الألوان زاده ألفاً ونوناً فقالوا (اسمراني وأبيضاني، وأحمراني، وأصفراني).
وكثيراً ما يستغنون عن النسبة بقولهم (من أهل كذا) فيقولون للكركوكي (من أهل كركوك)، وللحلي (من أهل الحلة)، وللدلتاوي (من أهل دلتاوة) ولم اسمع العامة يقولون: (دلتاوي).
مصطفى جواد
(لغة العرب) بهذا الفصل تم كتاب القواعد والأحكام المتعلقة بلغة العوام العراق. فقد جمع ووعى. وكان قد سبق الألمان والفرنسيون أبناء وطننا في وضع كتب لهذه اللغة العامية العراقية، لكنهم لم يجمعوا فيها ما جمع أبناء العراق كالأستاذ الرصافي ولا سيما ما قيده الأستاذ مصطفى جواد، فأن ما سجله الصديق الأخير أحوى للمطلوب وأجمع له. فنشكر لهما أياديهما البيض على ما نمقا وحوراً واقدم تصنيف وضع عن اللغة العامية في ما بدأ لنا هو كتاب تقويم المفسد والمزال عن جهة معنى كلام العرب لأبي حاتم المتوفي بين سنة 248 وسنة 255 وقد ذكره التاج في مادة شغل ومن العجب أن الحاج خليفة لم يذكره في كشف ظنونه ومما يجدر ذكره هنا ما ورد في معجم ياقوت البلداني في مادة أربل. قال: (وقد كان اشتهر شعر أنوشروان البغدادي المعروف ب (شيطان العراق الضرير) فيها (في اربل) سالكاً طريق الهزل راكباً سنن الفكاهة مورداً ألفاظ البغداديين والأكراد: ثم إقلاعه عن ذلك والرجوع عنه ومدحه لأربل وتكذيبه نفسه. . . ثم سرد شيئاً من تلك القصيدة وفيها كلم عامية عراقية بلفظها الحالي ومعها ألفاظ كردية مضحكة ومن أحب الوقوف فليراجعها في مادة اربل من معجم البلدان.(8/612)
فوائد لغوية
العربة وأصلها
ليسمح لنا القراء أن نعود إلى هذا البحث، لا لخطورته، بل لنبين لهم ما يعمل الهوى في النفس إذا ران على القلب، فإنه يعمي ويصم ولا يفيد في صاحبه الرقي، ولا التغريم، ولا الإصلاح، ولا التنبيه.
ذكرنا في مجلتنا (8: 286) أن العربة تركية الأصل، وهي في هذه اللغة (أرابه، أو أربه، أو أره به) أو نحوها. ولم يكن هذا الرأي رأينا الخاص بنا، بل رأي لغويي الترك على اختلاف منابتهم، والمستشرقين على اختلاف أقوامهم بل رأى كل أديب عني باللسان التركي. والظاهر (أن الأب جرجس منش لم يرقه ذلك فعاد في مجلة المجمع العلمي العربي يؤكد أن العربة. . . سريانية الأصل) (؟ كذا) (راجع مجلة المجمع 10: 371 إلى 377) زاعماً أنه لا يقول بهذا الرأي عناداً ولا مكابرة ولا إصراراً بل (إخلاصاً للقصد (؟) ووفاء للأمانة حقها (؟) في بيان الحقيقة) (كذا). . . (ص 377).
على أن فساد هذا المقال ظاهر لكل ذي عينين. وأن كانتا قائمتين، لعدة أسباب منها:
1 - كانت الأربة (العربية) معروفة في ديار الترك قبل أن يتصلوا بأمة من أمم الأرض لأن بناءها في غاية السذاجة والبساطة إذ تتقوم من خشبات موضوعة على عجلتين (دولابين) يجرها ثور أو دابة أياً كان. ويحمل علها الأحمال المختلفة. ووجود هذه الأربة (العربة) في ديارهم من الضروريات لطبيعة الأرض التي خلقوا عليها، ولأن تربية الثور عندهم من اسهل الأمور عليهم وأوفقها لمعيشتهم.
2 - ما كان أغنى الأب منش عن أن يكلمنا على تاريخ اتصال الترك بالسريان (؟ كذا أي بالأرميين) في حين أن لا فائدة في ذلك البسط الطويل العريض(8/613)
الممل، ولو كلمنا على بدء خلق الترك منذ عهد آدم وحواء ثم من عهد نوح ثم من عهد يأجوج ومأجوج لكانت الفائدة أعظم وأوفى بالمقصود (!!!).
3 - استشهد بكلام أحمد وفيق باشا وهو عليه لا له. أن الباشا المذكور ذهب إلى أن الكلمة تركية أنصاب ويجب أن تكتسب (أربه أو أرابه) أي بلا عين لأن ليس في حروف هجاء
الترك عين، فاستنتج حضرته من هذا: (أن أحمد وفيق باشا لما رأى لفظة (عربة) مدونة في اللغة التركية بها الرسم، قال: عربة خطأ محض وعلل ذلك مبرهناً عليه بقوله: لأن حرف العين لا وجود له في اللغة التركية فلفظ عربة غير تركي لأنه مبدوء بحرف العين الذي لا أثر له في التركية) (مجلة المجمع 10: 376)، فيا حضرة الأب: أن هذا الكلام معناه (أن ترسم العربة بالهمزة أي أربه أو أرابه أو أره به) خطأ لأنها تركية وليس للترك عين فكيف استنتجت العكس والعبارة واضحة لا أمت فيها ولا أود ولا عوج فلله درك ودر علمك!.
وهذا الرأي وهو القول بأن أربة (عربة) تركية رأي جميع لغويي الترك. قال أسعد أفندي شيخ الإسلام في ديوانه (كتاب لهجة اللغات في التركية والعربية والفارسية المطبوع في الآستانة 1216هـ في ص 53: (أره به عربس عين مهملة جيمك لامك فتحة لري آخره هاء وقف أيله عجله در).
وقال شمس الدين سامي فراشري في كتابه (قاموس تركي) المطبوع في دار السعادة سنة 1317 ج1: 26 (أرابه اسم (عربة) صور تندة تجريري غلط فاحشدر).
وفي (لغات علمية وفنية) لمؤلفيه نجيب عاصم وحسن تحسين المطبوعة في دار السعادة في سنة 1308 في ج 1: 145: أرابه غلط أوله رق (عربه) دخى يا زلمقده در).
وفي (رسملى قاموس عثماني لصاحبه علي سيدي المطبوع في الآستانة سنة 1327 ص 682: (عربه (تركجة اسم) أرابا، أرابه. (أرابه كلمة سي تركجة أولوب، تركي الفباده أيسه عين أو لمديغندن بوني الفله يا زمق لازمدر) ومعناه: أرابه كلمة تركية ولما كانت حروف الهجاء التركية خالية من العين(8/614)
وجب رسم الكلمة بالألف (أي بالهمزة) اهـ.
وفي عثمانليجه دن فرانسزجه يه جيب لغاتي لمؤلفه سعيد نصرت حلمي المطبوع في استنانبول سنة 1887 ص 637 ومعنى أن اللفظة عربة تركية ولا نريد أن نزيد على هذه الشهادات فأنها أكثر من أن تحصى وكلها موشاة هذا الوشي بلا أدنى اختلاف. هذا من جهة شهادات الترك أنفسهم.
وأما شهادة المستشرقين فمنها: كتاب الدر العمانية في لغت العثمانية وهو ملحق بالمعجم التركية لمؤلفه بربيه دي مينار طبع باريس في سنة 1881 ويباع عند أرنست لرو
الناشر. في الجزء 1: 30 ما معناه: أرابه ويكتبها العوام خطأ عربه هي العجلة).
وفي المعجم التركي العربي الفارسي لمؤلفه جول ثيودور زنكر طبع لبسيك 1866 ج1: 23 أرابه كلمة وتكتب أره به وقد تكتب خطأ عربه هي العجلة اهـ.
وفي معجم فلرس الفارسي اللاتيني المطبوع في بون سنة 1864 ج 2: 564 عربه وعرابة كلمة تركية استعملها الفرس وذكرها مننسكي في معجمه المطبوع في فينة في سنة 1780م.
وفي معجم اشتنجاس المطبوع في لندن في 1892 في ص 32 أرابه تركية بمعنى عجلة وهذه الشهادات لا نهاية لها وكلها تدق على وتر واحد لتسمعك نغماً واحداً ثم راجع معجم كيلكيان التركي الفرنسي إلى غيره.
ودونك شهادة أحد أبناء لغتنا: قال محمد علي الأنسي باشكاتب محكمة بداية بيروت في كتابه الدراري اللامعات في منتخبات اللغات المطبوع في بيروت في سنة 1318 في ص 14: أرابه عجلة (عربة) قلنا: والمؤلف ينبه على فارسية اللفظ فيكتب (فا) إذا كانت فارسية. ويكتب إذا كانت عربية. أما إذا كانت تركية الأصل فلا ينبه عليها بحرف. فنتج من هذا أن الكلمة تركية في نظرة. ونجتزئ بهذه الشواهد. وإذا كان لأحد نص يذكر بأن الكلمة غير تركية أو عربية أو أرمية فلينبهنا وعلى اسم المؤلف وكتابة والصفحة الواردة فيها ونص العبارة وإلا فأن الاستنتاج الشبيه باستنتاج الأب منش عقيم مردود من(8/615)
كل جهة إذ (هو عيير وحده).
من المسلم عند علماء اللغة وفقائها وفلاسفتها أن الكلمة إذا انتقلت من لغة إلى لغة تنقل بمعناها الأصلي أولاً، وقد يضع لها من أدخلها لغته معنى جديداً غير معروف في اللغة الأصلية. ولذلك شواهد كثيرة نذكر منها البهرام والجوهر واللجين إلى غيرها. فقول حضرة الأب منش: (فلا يستغرب إذا اقتبس الترك مثل لفظة (عربة) عن السريان (؟!!) العراقيين وقد كانت على حبل ذراعهم. . . (ص 374) وكما توسع بها العرب ونقلوها من معنى السفينة بالماء (؟ كذا) إلى معنى سفينة البر (كذا) التي تقل الركاب، تصرف بها الترك أيضاً فنقلوها من معنى الرحى بالماء (كذا) إلى معنى المركبة) (ص 376) قول باطل فيا حضرة الأب أن العرب المولدين نقلوا العربة عن (أرابه أو آرابه أو أره به)
بمعنى العجلة من الترك ولم ينقلوها عن الأرميين (الذين تسميهم ظلماً وخطأ السريان) فالذي استزلك هو مشابهة أربه وعربه لعربات، فهويت من دركة إلى دركة إلى أسفل الدركات!.
5 - لو فرضنا (فرضاً محالاً) أن (أرابه) غير تركية لكان الترك أخذوها عن العرب لا عن الأرميين، لأن اتصال العرب بالترك وبالعكس كان أكثر من اتصالهم بالأرميين وبالعكس. فأين بقي المنطق يا حفظك الله ورعاك أولم تعلم أن العرب اتصلوا بالترك منذ أقدم الأزمنة؟.
6 - أن عربة بهذا الرسم (أي بالعين) لا تمث إلى أصل تركي بنسب إنما تمت بإرابة. ومعاجم الترك غير مبنية على الأصول والمواد. إنما مبنية على أفراد الكلم. هذا فضلاً عن أنهم لم يضعوا دواوين واسعة مفصلة على مثال دواويننا اللغوية حتى يظهر النسب بين صيغة وصيغة، وإذا فرضنا فرضاً محالاً أن الإرابة أرمية الأصل فكيف تؤيد هذه المادة المعنى الشائع عنها أي معنى العجلة.
7 - لو فرضنا أن الترك اتصلوا بالأرميين وأخذوا منهم ألفاظاً، وهو أمر قد لا يستغرب - لأخذوا الألفاظ بالأسماء الدالة على الأشياء نفسها. والمعروف أن العجلة تسمى بالرمية (عجلتا) والمركبة (مركبتا) فلماذا لم يتلقوهما عنهم وكانت جاريتين على السنة أصحابهما وفضلوا عليهما (العربة) التي لم يستعملوها(8/616)
بمعناها الحقيقي الذي وضعت له بل معنى ثانياً وأدخلوها بهذا المدلول في لسانهم ففي كل ذلك من التمحلات والتقولات والتنطعات والتشدقات ما لا يخفى على أعمى فكيف على بصير؟.
هذا ولا يزيد أن نزيد على هذه الأدلة، أدلة أخرى، إذ لا تحصى الشهادات على صدق أتباعنا أراء العلماء الأكابر من ترك وغربيين وعرب وهل يجوز لنا أن تتبع رأي الأب جرحبس منش وهو لا يتبع من الأقوال إلا نفاياتها ومن العبارات إلا المعفوط فيها. فقد نبهناه مثلاً أن العتاد لا يجمع على أعتاد فجاء هو وذكر لنا شهادة لسان العرب بقوله:. . . قال الدارقطني: قال أحمد بن حنبل: قال علي بن حفص: (واعتاده) وأخطأ فيه وصحف وإنما هو أعتدة) ومع ذلك تراه مصراً على إدخال أعتاد هذا الجمع المخطوء فيه والمجروح والمطعون فيه، ويجسر فيختم كلامه بقوله: (وهذا كاف لإثبات أن (اعتاد) جمع كثرة للعتاد
(كذا. اسمعوا يا ناس أن أعتاداً (جمع كثرة!) فهل بعد هذا الكفر النحوي آخر؟ وهل بعد هذا الجهل جهل آخر؟. أين رأيت يا هذا أن الأعتاد جمع كثرة. وكيف أمكن لأصابعك أن تخلط هذا الخطأ الطويل العريض الذي يفني الزرع والضرع؟. وكيف لم تعلق عليه مجلة المجمع كلمة على هذا الخطب الجلل؟) ثم تزيده تشويهاً وتقو: (وأنه جاء في كلام القوم من أقدم الأيام. ولا أبالي بعدة سائر ما جاء به الأب انستاس من هذا النمط. . .) فالحق يقال: أتمنى أن لا تبالي كلامي ولا أعيره عيناً ولا أذناً ولا لساناً ولا ولا ولا. . . خدمة للأدب (!!!).
كيف يريد حضرة الأب أن نتبعه وهو لا يستعمل في كلامه إلا التعابير المشوهة والجمل المكسرة فضلاً عن اتخاذه مجروح الألفاظ والمطعون فيها. أما المجروح من الكلم فلقد ذكرنا لك منه مثلاً كالاعتماد وجمع ما جاء على أفعال الذي يعتبره جمع كثيرة (!!!) مع أن (أفعال) من جموع القلة المشهورة.
وأما التعابير المشوهة كقوله (في ص 371) أتساءل عما إذا كان أبن بطوطة. . . والمعروف المشهور أن يقال مثلاً: أسأل هل كان أبن. . . أو أسائل هل كان. . . ويسمي اللغة الأرمية: السريانية وهي تسمية كانت جائزة في عصر سابق لا في عصر التحقيق كما هو عهدنا هذا. وقال في ص 374 حينما عول العباسيون على تجنيدهم: ومراده من عول: عزم. فأين هذا من ذاك؟ وقال(8/617)
في تلك الصفحة: فكان الروم والبربر تبعاً لهم ومندرجين فيهم. ومراده من ذلك: مندمجين فيهم. فحضرة الأب منش يشبه من يقول أن آكل الشعير كآكل البعير لما بين اللفظيين من المشابهة والمجانسة! وقال في تلك الصفحة: فكان الروم والبربر تبعاً لهم ومندرجين فيهم. ومراده من ذلك: مندمجين فيهم. فحضرة الأب منش يشبه من يقول أن أكل الشعير كأكل البعير لما بين اللفظيين من المشابهة والمجانسة! وقال في تلك الصفحة: فلا تقضي لها مئات أو آلاف من السنين هكذا بصيغة اللازم (يقتضي) والصواب يقتضي بصيغة ما لم يسم فاعله. وقال: (من السنين) مع أنهم صرحوا في كتبهم أن تمييز العدد لا يجر ب (من). وقال: بل لا يستغرب إذا ذكرها محمود. . . وهو تركيب ركيك. فأين نائب الفاعل؟. و (إذا) ظرف غير متصرف ولا يقبل النيابة وكرر الخطأ في ص 375 إذ قال: (فليس بمستغرب أن اقتبسوا. . . والصواب: (بل لا يستغرب أن
ذكرها. . . فليس بمستغرب إذا اقتبسوا. . . وفي ص 375 كتب كوه قاف: قوه قاف وهو غلط ظاهر. وقال في ص 375 فإذا كان الأتراك القدماء. . . والصواب: الترك لأن الأتراك جمع قلة خلافاً لمدعاة. وهذا كله وأمثاله - إذ لا نريد أن نأتي على كل ما نفث به قلمه من الأوهام - يدل على أن حضرته غير راسخ القدم في ميدان القلم.
على أن البلية الدهماء هي سوء فهمه الكلام فإذا قرأ كلمة (أسود) فهم معناها (أبيض) وإذا وقع بصره على كلمة (قصير) قال معناها: (طويل) إلى غير ذلك. وهذا ما يبدو لك عند وقوفك على تأويل عبارة أحمد وفيق باشا وقلب معنى عبارتنا رأساً على عقب فقد قال الباشا أن كلمة (أربه) تركية ولا يجوز كتابتها بالعين (أي عربة) لأن ليس في حروف الهجاء التركية عين. فأخذ يصرخ ويقول: يا ناس هذا معناه أن الكلمة سريانية! فبارك الله بهذا الفهم.
وقلنا: (في حاشية ص 286 من هذه السنة الثامنة): (عفارم) وفي التركية (أفرين) إلى غيرها من الألفاظ التي يرى فيها العين في الأول أو الوسط أو الآخر وهي مع ذلك ليست بعربية) ثم استنتجنا فقلت: (افينكر أصلها الغريب الخالي من العين لأننا نقلناها في لغتنا بهذا الحرف الحلقي؟ أفتعرفون ماذا استنتج من هذا الكلام حضرة (الخوري جرجس منش عضو. . (؟) المجتمع. . . (؟) العلمي (!) وهو قول جميل جداً ولكنه لا يعد حجة للأب بل حجة عليه يؤيد به قول أحمد وفيق باشا السابق الذكر حيث قال: أن حرف العين لا وجود له(8/618)
في التركية. فقال العرب (عفارم) بالعين وقال الترك (أفرين) بالألف. وعليه لا ينكر أصل اللفظ الغريب الخالي من العين، لأننا نقلناه في لغتنا العربية بهذا الحرف الحلقي، ولكنه ينكر في اللغة التركية لأن العين لا وجود لها في هذه اللغة مما لا يختلف فيه اثنان) انتهى كلام حضرة الخوري.
ومن كانت تجارته بالعلم هذه البضاعة فخير لمن كان بازائه أن يقال له: (أكسر قلمك واسحقه سحقاً ولا تجادل رجلاً هذه هي درجة فهمه وإدراكه) والسلام.
أوهام لبعض الكتاب
1 - قال بعضهم (الخضراوات والسوداوات والبيضاوات) مريدين: (الخضر والسود والبيض) وهم مخطئون في قولهم عند الفصحاء لأن (فعلاء) صفحة إذا كان مذكرها على
وزن (أفعل) مثل أخضر واسود وأبيض فلا تجمع جمع مؤنث سالماً بل جمع تكسير وأن المذكر لا يجمع جمع مذكر سالماً بل جمع تكسير فالصواب ما قلناه وأيدناه.
2 - وقالوا (بصفتي نائباً وبصفتي وزيراً وبصفتي مديراً) بجعل المصدر مضافاً إلى مفعوله (ياء المتكلم) وجعل الحال (نائياً ووزيراً ومديراً) وما ذلك إلا غلط فظيع فاحش قد تداولته الألسنة التي لم تعتد فصاحة العرب إذ يقال: (مدحني الناس بأن وصفت نائباً) فأنا (ممدوح بصفتي نائباً) أي بوصفي نائياً. ومن هذا يظهر الغلط الفاحش للمدرك أسرار العربية فالصواب: (لكوني نائباً ولكوني وزيراً ولكوني مديراً).
3 - وقال واحد (الأصول الفني) معتقداً أن الأصول مفرد كالحصول وما هو إلا جمع (أصل) موازن (قصر) فالصواب: (الأصول الفنية) أما القول عن المفرد فهو (الأصل الفني).
4 - وقال أحد الناس: (كلا فلان وفلان) والصواب (كلا الرجلين) لأن (كلا) لا تضاف إلا إلى (المثنى) لفظاً أو معنى أو ضميره مثل (حضر الرجلان (كلاهما) ومثلها (كلتا).
مصطفى جواد(8/619)
باب المكاتبة والمذاكرة
ماء السمرمر
كان أحد علماء الألمان في برلين سألنا أن نفيده عما نعرف من أمر ماء السمرمر الذي رأى ذكره في كتاب تاريخ حلب للطباخ (راجع لغة العرب 8: 539) فذكرنا ما كنا نعرفه في هذا الباب، وفي اليوم الذي كتبنا الجواب سألنا ثلاثة من علماء إيران أن يفيدونا عما لهم من الإطلاع في هذا الموضوع. فجاءنا جواب أحدهم وهو العلامة الجليل سعيد نفسي وقد كتب إلينا ما هذا تعريبه:
(أن ماء السمرمر الذي ذكر في السؤال هو ماء معدني يعرف في إيران باسم: (آب مرغان) أي ماء الطيور، وفي الفارسية العصرية: (آب سار) أي ماء السمرمر. ويزعم أن هذا الماء يجلب الطائر المعروف في فارس باسم (سار، شار شارك، شارو، ساري) وهذه الألفاظ تعني الزرزور بالعربية وبالفرنسية وباللاتينية وهذا الطائر حريص على الجراد وهو عدوه الأزرق ويتلف منه شيئاً كثاراً. والفلاحون الإيرانيون يعرفون هذه الحقيقة منذ القرون المتباعدة في القدم ولهذا يرشون منه في الأرضين التي يظن أنها مرعى للجراد وذلك ليجلبوا إليها هذا الطائر المعادي لذلك الضيف الثقيل الوطأة. وماء السمرمر ماء معدني يحوي مواد تجلب إليها الزرزور. وفي إيران عدة عيون منها:
1 - أقدم عين معروفة عين سميرم أو شميرم (بالسين المهملة أو المعجمة) في أرض لرستان وقد ذكرها زكرياء بن محمد بن محمود القزويني صاحب كتاب عجائب المخلوقات وطبع على هامش حياة الحيوان الكبرى للدميري. راجع هذا الكتاب النسخة المطبوعة في القاهرة في سنة 1311: 260 و261 وذونك عبارته بنصها: (عين شميرم وهي ناحية بين أصفهان وشيراز، بها مياه مشهورة(8/620)
وهي من عجائب الدنيا. وذلك، أن الجراد إذا وقع بأرض يحمل من ذلك الماء إليها بشرط أن لا يوضع الظرف الذي فيه ذلك الماء على الأرض، ولا يلتفت حامله إلى ورائه فيتبع ذلك الماء من الطير السود، (قلنا: هو السوادية لا الطير الأسود لأن السوادية هي الزرزور) عدد لا يحصى، ويقتل الجراد. وهذا مجرب ولقد وقع بأرض قزوين جراد كثير، وأكل جميع زرعها، وباض فبعث أهل قزوين لطلب
هذا الماء فجاءوا به، فجاء الطير خلفه وأكل الجراد جميعه) اهـ. كلام القزويني.
ومن المصنفين الذين ذكروا هذا الماء حمد لله المستوفي القزويني في كتابه نزهة القلوب. قال: (راجع نزهة القلوب. طبعة جب سنة 1913 ص 280):
(في سميرم، من أعمال لرستان، عين في مائها خاصة عجيبة وذلك أن الجراد إذا نزل بأرض يذهب اثنان من الرجال لم يشرب أحدهما مسكراً والثاني لم يزن ويأخذان ماء من تلك العين ويأتيان به إلى مرعى الجراد بشرط أن لا يوضع الإناء في الأرض. فتتبع الزرازير ذلك الماء وتهجم على الجراد. وهذا الأمر معروف في كل مكان. ويزعم أن سليمان الحكيم تحدي الجراد الفساد لأنه أخذ ماء من هذه العين أمام شاهد وأمر الزرازير أن تتلف الجراد إذا حاول هذا الضرر بموطن ومن ذيالك الحين عرفت خاصية هذا الماء) اه كلام المستوفي.
والعين الأخرى التي ذكرها الكتبة هي التي ترى بجوار شيراز.
والثالثة هي الموجودة في قهستان.
والرابعة هي الموجودة في جوار قزوين. وهي التي يذهب إليها الناس في هذا العهد. والبائن أن الناس لم يعرفوها منذ القدم لأن القزويني والمستوفي (وكان هذا أيضاً من قزوين)، لم يذكراها البتة.
وهذه العيون الأربع ترى في الأودية
هذا ما عن لي وأنا في مصيفي بعيداً عن كتبي. وفيه المجزأة.
قلهك طهران (إيران) في تموز 1930.
سعيد نفسي
(لغة العرب) نشكر الأستاذ نفسي زاده على تفضل به علينا. ولا شك في أنه أصاب المرمى ولعل الماء الذي ذكرناه في الأهواز النابط من عين هناك هو من هذا القبيل. لأن الثقة اخبرنا بذلك وهو ممن يعتد على كلامه.(8/621)
الحكومة العراقية والمخطوطات
كتب إلينا أحد علماء المستشرقين الإيطاليين في رومة وهو الأستاذ جورجيو ليفي دلافيدا يقول: (أود أن أرى يوماً الحكومة العراقية تحقق أمنية تجول في خاطري وخاطر كل محب للعرب ولغتهم وهي أن تخلد لها اسماً نابهاً بأن تأمر وتجمع في كتابهم عام اسامي جميع المخطوطات التي ترى في مدنها سواء أكانت تلك المخطوطات عامة أم خاصة من غير أن تنزعها من أصحابها أو من مواطنها من مدارس أو جوامع أو بيوت خاصة فإذا تم العمل يرى كل أديب ما للناطقين بالضاد من الفضل على العلم والفن والرقي في سابق العهد ويتبين له ما في دولة الملك فيصل الأول من الكنوز العلمية المدفونة بين دفات المهارق، فضلاً عن الكنوز المخفية في بواطن أراضيه. وبهذه الصورة يتحلب العلماء وأهل التحصيل إلى العراق ويشدون إليه الرجال، لتكون هذه المخطوطات مجلبة للأجانب فينتفع بأسفارهم أهل العراق أنفسهم. وبهذه الصورة أيضاً يكون العراق داراً للعلماء من غربيين وشرقيين. وأن لم يتمكنوا من السفر إلى ديار أكد وشمر القديمة يستنسخون تلك المخطوطات نسخاً أو تصويراً فيكون هذا الأمر مرتزقاً آخر لبعض أهل الأقلام أو التصوير من العراقيين.
فعسى أن نسمع عن قريب بنهوض العراق وأخذه بهذه المهمة الأدبية التي تبقى الأثر الحميد الملك العراق ولحكومته وينفتح باب جديد لرزق بعضهم ويعود العراق إلى مجده السابق أي يجلب إليه العلم من كل حدب وصوب فعسى أن تتحقق هذه الأحلام.
رومة في 29 أيار سنة 1930
جورجيو ليفي دلافيدا أستاذ اللغات الشرقية في جامعة رومة العظمى
التصوف وأصل اشتقاق اللفظة
قرأت في معلمة الإسلام الفرنسية العبارة كلاماً للعلامة لويس ماسنيون ذاهباً إلى أن التصوف مصدر تصوف بمعنى لبس الصوف. وقال: (لتنبذ سائر الآراء في أصل هذا الاشتقاق)، ونحن لا نرى رأيه لأنه مخالف لمزايا لغتنا ونرى أن الأصل مشتق من اليونانية كما رأيتم. أما أن السين اليونانية لا تقلب صاداً عربية فأمر مضحك. فما قوله في الصابون والأصطبل والمصطكي والبغلصون وعشرات غيرها)؟.
ب. م. م(8/622)
أسئلة وأجوبة
نصيبين أو نزيب
س - المنصورة - سيد علي مدير شركة التعاون بالمنصورة: أرجوكم أن تفيدوني عن حقيقة اسم البلدة المعروفة في كتب الإفرنج باسم (نزيب) التي تقع في غريب بيره جك (البيرة)، الواقعة على الضفة اليمنى من الفرات أفهي التي تسمى في صيح اللغة (نصيبين)؟ الواقعة في الجزيرة، أم أن (نزيب) مدينة أخرى؟.
ج - ليس هناك أدنى شك في أن نصيبين الواقعة في الجزيرة هي نفس (نزيت) عند الإفرنج. فأنك إذا ذهبت الآن إليها تسمع الإفرنج يسمونها: (نزيب) والعرب يسمونها (نصيبين) ومن البلاء أن بعض الموظفين العرب في سكة حديد البليدة أخذوا الآن يسمونها أيضاً (نزيب) تشبهاً بالإفرنج كما أن بعض البصريين يسمون المحلة القديمة المعروفة بنهر معقل (ماركيل) وما ذلك إلا لأن رحالات الإنكليز سمعوا أهل البلاد يقولون معقل (بفتح الميم وكسر القاف) ولم يتمكنوا من لفظ العين فقالوا (مركل) ثم جاء بعدهم من قال ماركل أو ماركيل. وهكذا جرت اللفظة على الألسن وكلاهما من أقبح التصحيف فيجب أن يقال (نصيبين) و (معقل).
ونصيبين تكتب بالفرنسية واسمها عند الرومان: أنطوكيا مغدونيس وذكرت في التوراة باسم (صوبه) أو (صوبى) (سفر الملوك الثاني 8: 3) وهي واقعة في جنوب طور عبدين المسمى عند الغربيين مازيوس ويذهب أهلها إلى أن مؤسسها كان نمرود.
وكان لوقلس انتزعها من ديجران وأصبحت بعد ديوقلطيانس إلى عهد(8/623)
يوفنيانس من أحصن قلاع الرومان في الشرق الأدنى ثم سلمها يوفنيانس إلى الفرس. والمدينة واقعة على الفرات واشتهرت في سنة 1893 بانتصار إبراهيم باشا على الترك.
وكانت نصيبين في صدر عهد العباسيين وقبيلة حاضرة (بيت عربايا) ولها في التاريخ شهرة عظيمة. أما ضبط الكلمة عندنا نحن العرب فهو - على ما جاء في معجم ياقوت - (بفتح النون وكسر الصاد يليها ياء ساكنة بعدها باء موحدة تحتية مكسورة وياء مثناة تحتية ساكنة فنون في الآخر) وذكرها مستفاض في كتب أخبار العرب والإفرنج وهي اليوم نقطة
سكة الحديد تجمع بر الأناضول إلى العراق وقد دخلناها وسمعنا هناك باسمها الإفرنجي نزيب من العرب والإفرنج وسمعنا به من العرب الأقحاح: نصيبين.
حبة الشرق أو حبة بغداد أو اللشمانيوز
س - سملا (الهند) الدكتور س. هـ. ولسن - قرأت ما كتبتموه عن حبة بغداد في مجلتكم لغة العرب (8: 449) ومن العجب أنكم خالفتم هذه المرة ما عودتمونا إياه من ذكركم للاسم الفصيح بجانب الاسم الشائع. فما اسم هذه الحبة عند قدماء العرب - وهل كانت موجودة في ديار العراق في عهد الآشوريين أو البابليين؟.
ج - نظن أن لهذه الحبة أسماء عديدة في العربية الفصحى. من ذلك العد (بضم فتشديد) وهو شبه جمع والواحدة عدة، قال في التاج: (والعد والعدة بضمهما بثر) يكون في الوجه. عن أبن جني وقيل: هما بثر (يخرج في) وفي بعض النسخ على (وجوه الملاح). يقال: قد استكمت العد فأقبحه أي أبيض رأسه فأكسره. هكذا فسروه اهـ.
ومن أسمائها الوحص. قال في التاج: (الوحص: البثرة تخرج في وجه الجارية المليحة) عن ابن الأعرجي اهـ. وربما هناك غير هذين اللفظيين.
أما وجودها في العراق منذ أقدم الأزمنة فقد نقل في كتاب: رفائع عن السحرة والمنجمين في الرقم 25 25. ما هذا تعريبه: (أما ما يتعلق بداء الجلد فأن الملك لم يكلمني عنه صريحاً، فهذا الداء يدوم سنة واحدة وكل من يصاب به يشفى منه. وعليه فقد شاع الآن أن الحبة تدوم سنة واحدة) اهـ.(8/624)
باب المشارفة والانتقاد
مطبوعات إيران
(تتمة)
5 - كتب الأدب واللغة العربية
ألفية - ابن مالك - طهران 1288.
أنوار الربيع - لصدر الدين المدني - طهران 1304.
البهجة المرضية في شرح الألفية - لجلال الدين السيوطي - تبريز 1286.
التصريح في شرح التوضيح - لخالد أبن عبد الله الأزهري - طهران.
جامع الشواهد - لمحمد باقر بن علي رضا - طهران 1279.
جامع المقدمات - طهران 1280 و1297 و1298.
حاشية على شرح السيوطي - لميرزا أبي طالب الأصفهاني - طهران 1273 و1275.
حاشية علي مختصر التلخيص - لحامد الخطائي - طهران.
السامي في الإسامي - لأبي الفضل أحمد بن محمد الميداني - طهران
سوانح الفكر - للدكتور سليمان غزاله - طهران 1915.
سوانح الكلم - للدكتور سليمان غزالة - طهران 1915.
شرح الأنموذج - لحمد بن عبد الغني التبريزي - تبريز 1296 وطهران 1272.
شرح التجريد - لمحمد الفرسي - تبريز 1301.
شرح الديوان لعلي بن أبي طالب - للقاضي الميبدي 1285
شرح الشمسية - لمير سيد شريف الجرجاني 1247.
شرح الصمدية - لميرزا علي خان الشيرازي - طهران 1276 و1307.
شرح الصمدية - لصدر الدين الهمذاني 1276.
شرح القوانين - لمحمد حسين القمي - طهران 1303.
شرح الكافية - للشيخ رضى الأسترابادي(8/625)
طهران 1271.
شرح المطالع - لمحمد بن محمد الرازي - طهران 1314.
صحاح اللغة - لأبي نصر اسمعيل أبن محمد الجوهري - طهران 1276.
قاموس اللغة - لمجد الدين محمد بن يعقوب الفيروز آبادي - تبريز 1289 وطهران 1246.
مجمع الأمثال - لأبي الفضل أحمد أبن محمد الميداني - طهران 1290.
مجمع الأمثال - لحسين بن أبي بكر طهران 1290.
مجمع البحرين - لفخر الدين بن محمد علي النجفي - طهران 1244 وتبريز 1276 و1296.
مجموعة رسائل في الأدب - طهران 1273 مصباح الميزان - لمحمد الطهراني طهران 1267.
المطول - لسعد الدين التفتازاني - تبريز 1272 وطهران 1272 و1275 و1285 و1310.
المعلقات السبع - لأبي عبد الله حسين أبن أحمد الزوزني - 1273.
مغني اللبيب - لأبي عبد الله محمد بن عبد الله الأنصاري - تبريز 1274 وطهران 1273 و1293.
مقامات - لبديع الزمان الهمذاني 1293 و1294.
مقامات - جلال الدين السيوطي - طهران 1284.
مقامات الحريري - تبريز 1248 و1306 وطهران 1273 و1282.
المقدمة في النحو - لأبي الحسن علي أبن محمد الضريري 1242.
المنصف في الكلام - لتقي الدين أبي العباس أحمد بن محمد - طهران 1273.
نهج البلاغة - للسيد الرضي - طهران 1289 وتبريز 1247.
6 - الكتب العلمية
بحر الجواهر - لمحمد بن يوسف الهروي - طهران 1288.
تحرير أقليدس - لبهاء الدين محمد العاملي - طهران 1298.
خلاصة الحساب - لبهاء الدين محمد العاملي - طهران 1273 و1275 و1283 وتبريز
1274.
السبيل الاقصد - الدكتور سليمان غزاله - طهران 1917.
شرح فصول ابقراط - طهران 1301.(8/626)
شرح الجغميني - لموسى بن محمد قاضي زاده - طهران.
شرح الجغميني - لغياث الدين جمشيد - 1284.
الشفاء - للشيخ الرئيس أبن سينا - طهران 1303.
طب المنبي - لأبي العباس جعفر أبن محمد المستغفري - طهران 1293.
القانون في الطب - للشيخ الرئيس ابن سينا - طهران 1286.
الوجيزة النيرية في الطب - لميرزا اسمعيل قوام الحكماء - مشهد 1332.
7 - كتب التراجم والتاريخ والبلدان
رسالة في مناقب آل النبي - لأبي الفضل سديد الدين شاذان بن جبرئيل - طهران 1596.
روضات الجنات في أصول العلماء والسادات - لمحمد باقر الموسوي الخواناري طهران 1304.
كتاب صفين - لنصر بن مزاحم - طهران 1300.
مجمع النورين للحاج أبي المحسن النجفي - تبريز 1328.
مراصد الإطلاع - لياقوت الحموي - طهران 1310.
نفس الرحمن في أحوال السلمان - للحاج ميرزا حسين النوري طهران 1285.
نقد الرجال - لمير مصطفى التفرشي طهران 1318.
وفيات الأعيان - لابن خلكان - في مجلدين تبريز 1286.
112 - حرب العراق
الجزء الثاني (معركة سلمان باك وقتال أم الطبول)، تأليف الفريق طه الهاشمي طبع بمطبعة دار لسلام في بغداد سنة 1930، في 115 ص بقطع الثمن ومزينة بست خرائط وأربعة جداول.
إذا فتشت في العراق كله من شماليه إلى جنوبيه ومن شرقيه إلى غربيه طالباً رجلاً أفاد
العراق منذ سنة 1914 لما وجدت امرءواً أفاد البلاد بتصانيفه وعلمه وحبه لوطنه مثل صاحب المعالي الفريق طه باشا الهاشمي رئيس أركان حرب جيش العراق، فأنه يكد ليلاً ونهاراً ليتخذ أقرب الوسائل وأنفعها لترقية هذه الديار. ولقد نشر إلى الآن خمسة عشر كتاباً وجاء هذا النتاج في آخر ما أبرزه فكره الخصب وهذا الجزء وهو صنو الأول في كثرة التدقيق وذكر الوقائع على ما جرت(8/627)
وفي المقدمة التي جعلها بين يدي الكتاب نفسه لخص كل ما جاء في مطاويه وفيه من بعد النظر في الفلسفة الحربية مالا تجده إلا في المطولات لأصحاب الفن ونحن نستحسن كل الاستحسان الطريقة التي أتخذها معاليه فأنه يروي ما للترك وما عليهم. وكذلك يفعل مع البريطانيين فهو غير متحزب لقوم على قوم. ولهذا أصبحت تأليفه سنداً يعتمد عليه من يريد أن يدون حقائق عن هذه الحرب في هذه الديار. ويعول عليه أرباب فن الحرب لما حوى من النصائح الكبرى في هذا الموضوع.
113 - أطلس العراق للمدارس المتوسطة ودور المعلمين
لمؤلفه الفريق طه الهاشمي وثمنه ربية وأننتان
هذا الأطلس لا ينفع المدارس المتوسطة ودور المعلمين فقط. كما كتب على صدره بل لازم لجميع البيوت العراقية، بل لجميع المدارس العربية اللسان التي تريد أن تعرف مدن العرقا وما فيه من المياه والجزر والقبائل والأمم والمعادن والغلات إلى ما ضاهى ذلك. ففي هذا الأطلس الخرائط الآتية: - 1 - (خارطة تقدم أرض العراق نحو خليج فارس. - 2 - وضع العراق الجغرافي. - 3 - خارطة جزيرة العرب. - 4 - خارطة العراق الجوية. - 5 - خارطة كثافة النفوس. - 6 - الأمطار واتجاه الرياح. - 7 - الإقليم في مدينة بغداد. - 8 - درجة الحرارة. - 9 - القوميات في العراق. - 10 - أنهار العراق. - 11 - الري في العراق الأوسط. - 12 - جبال العراق. - 13 - طرق المواصلات. - 14 - العراق الزراعي. - 15 - ألوية العراق الجنوبية. - 16 - ألوية العراق الشمالية. - 17 - مدينة بغداد. - 18 - البصرة. - 19 - الموصل. - 20 - السليمانية. - 21 - كركوك. - 22 - النجف. - 23 - الديوانية. - 24 - الناصرية. - 25 - الكوت. - 26 - العمارة. - 27 - الحلة. - 28 - كربلاء. - 29 - الرمادي. - 30 - اقتصاديات العراق. - 31 - قبائل العراق. - 32 - انسحاب البحر في الزمن القديم. - 33 -
العراق القديم. - 34 - جواز بغداد. - 35 - جواز سامراء. - 36 - العراق في زمن العباسيين -. فهذه الأسماء وحدها كافية لأن تبين لك منافع هذا الأطلس الذي حوى كل ما يهوى الباحث أن يعرفه عن ديارنا(8/628)
ووحدها كافية لأن توضح أن شراءه لازم على كل ناطق بالضاد.
114 - أربع خرائط عراقية لصاحب المعالي الفريق طه باشا
الهاشمي.
كان صاحب المعالي أخرج كتاباً جليلاً للناطقين بالضاد، ولا سيما العراقيين منهم أسماءه (مفصل جغرافية العراق) ووضع له 13 خريطة أصدر منها بالطبع تسعاً وبقي منها أربع، واليوم برزت هذه العرائس من أخدارهن وإذا بهن مائسات بأبهى الحلل وأنفس الثياب، فالأولى منهن (وهي السابعة بحسب الترتيب الذي وضعه معاليه) خارطة العراق الاقتصادية والثانية (الثامنة) لقبائل العراق والثالثة (التاسعة للعراق القديم. والرابعة (العاشرة) للعراق في العصر العباسي. وقد صنعت كلها في مديرية المساحة العامة في بغداد فجاءت متقنة كل الإتقان). ولا عيب فيها سوى أن الأعلام لم تراع مراعاة صحيحة فصيحة مثال ذلك في خريطة القبائل: الخزرج، إبراهيم، الأزيرج، أبو سيود، جبور. . . وعندنا لو يقال: الخسرج (لأن هؤلاء لا صلة لهم بالخزرج الذين كانوا في الحجاز) الإبراهيم، الأزيرق البو اسيود، الجبور. . . وخريطة الاقتصاديات خالية من كل عيب أما خريطة العراق في زمن العباسيين ففيها: أرمنية أذربيجان، أهواز كوفة داقوقة، موصل، سيمساط. . والمشهورة في الكتب التاريخية والبلدانية ارمينية، آذربيجان، الأهواز، الكوفة، دقوقاء، اتلموصل، سميساط. . . وجاء في خارطة العراق القديم: بلاد مديه، داوق، نهر الملكا، بسميه، نيفر جوخه. أرخ. . والمعروف: بلاد ماذي، دقوقاء، نهر ملكا أو نهر الملك بسمى، نفر، جوخئ الوركاء. . وما عدا هذه الهنوات فالخرائط جيدة يحتاج إليها كل عراقي.
115 - برنامج الجمعية الخيرية المارونية
تحت حماية سيدة مونليجون بحلب
هو خلاصة دخل وخرج هذه الجمعية المارونية عن سنة 1928 و1929 وقد بلغ الدخل في سنة 1929 ما قدره 4139 غرشاً ذهباً والخرج ما قدره 2770(8/629)
غرشاً ذهباً فتكون النفقات نحو سبعة أضعاف الدخل ومع ذلك ترى الجمعية ماضيه في وجه البر، فبارك الله فيها وفي مساعيها.
116 - المنتجات العصرية لدرس الآداب العربية
الجزء الثاني وهو قاموس المفردات في 182 ص بقطع الثمن، اعتنت بجمعها وترتيبها كلثوم نصر عوده فاسيليفا معلمة اللغة العربية في الكلية الشرقية في لينينغراد، وعليها مقدمة لمراقب نشرها، اغناطيوس كراتشقوفسكي أستاذ تاريخ الآداب العربية في الكلية المذكورة.
كنا قد تكلمنا على الجزء الأول من هذه المنتخبات (6: 382) وقد أهدت إلينا حضرة المعلمة جزئها الثاني، فإذا هو معجم حاو لجميع الألفاظ الواردة في القسم الأول وقد شرحتها شرحاً وافياً. ولما كان المعجم هو الينبوع الذي يرده الطلبة كان من الضروري أن يكون ماؤه عذباً سائغاً لا كدورة فيه لكننا وجدنا بعض الشوائب نعرضها على حضرة المؤلفة لعلها تبين وجه استعمالها لمل ذكرت من الكلم، ذكرت في ص1 (إبليس) و (إدريس) (ص 2) ونونت أخريهما والمشهورة أنهما غير مصروفين. وفي ص 3 قالت: أحدهم إحدى) ونحن لا نعرف ذلك. فان (أحد) كلمة تقع على المذكور والمؤنث. أما إحدى فلا تكون مؤنث أحد إلا إذا كانت مع غيرها. تقول: إحدى عشرة امرأة وإحدى وعشرون كاتبة. وفي تلك الصفحة: (آخر، أخير ج أواخر) فالأواخر جمع (آخر) لغير العاقل أو (آخره) للعاقلة. وجمع الخير: الأخيرون وضبطت الأرثوذكس (ص 3) بفتح الهمزة والمعروف ضمها وفي تلك الصفحة (ارضروم) وضبطت بضم الضاد والصواب بفتحها لأنها محولة عن ارزن الروم والزاي فيها مفتوحة. والضاد هنا مقلوبة عن الزاي أو لا أقل من أن تضبط بإسكان الضاد وإشمام هذه الضاد فتحاً أي وضبطت ارمانوسة بتشديد السين المفتوحة والصواب: إهمال الشد. وضبطت أرمينية بفتح الهمزة والعرب لم يعرفوها إلا بكسرها. وهي بتشديد الياء وتنقيط الهاء. وضبطت الآستانة بكسر الهمزة وإسكان السين. وهو اللفظ الشائع عند(8/630)
العرب والصحيح الآستانة بمد الهمزة وكسر السين. والكلمة فارسية الأصل معناها العتبة
ولا يلفظها الترك إلا كما ذكرنا.
ونحن لا نريد أن نتبع حضرة الكتابة في كل ما وهمت فيه فلا تكاد صفحة تخلو من غلطين أو أكثر وكل ذلك في الضبط. ولعل الخطأ ناشئ من المطبعة وعلى كل حال أننا لا ننسى أن مؤلفه هذا المعجم سيده ونحن نرى بين الأدباء السادة من إذا تعرض لمثل هذا التأليف عثر عثرات هائلة، فلا عجب بعد هذا إذا زلت السيدات وهفوت هفوات فذلك مما يستحسن فيهن فقد قال أسماء القزاري:
منطق رائع وتلحن أحيا ... ناً وخير الحديث ما كان لحناً
117 - من عرابي إلى زغلول
بقلم نقولا الحداد مجلة السيدات والرجال في 144 ص بقطع الثمن.
السيد نقولا الحداد مشهور بوضع الروايات الكثير السابحة بين الحقيقة والخيال وهذه الحاضرة التي بأيدينا هي من أبلغ درس في الوطنية على يد الحب الطاهر. وقد أدمج فيها أساليب التحكم الاستعماري في عهد الاحتلال الإنكليزي لمصر من عهد الثورة العرابية إلى عهد النهضة الوطنية على يد مصطفى كامل باشا فإلى عهد الوطنية الأخيرة على يد الوفد المصري برئاسة سعد باشا زغلول.
فالرواية أذن مما يفيد العراقيين إذ الحالة في مصر وديارنا تكاد تكون واحدة.
118 - حولية العالم الإسلامي (الفرنسية)
وهي حولية إحصائية تاريخية اقتصادية (الطبعة الثالثة لسنة 1929)، تأليف لويس ماسنيون.
ما من عربي إلا ويعرف العلامة المستشرق الفرنسي لويس ماسنيون إذ له تآليف عديدة مختلفة المواضيع، تدل على توغل في الآداب العربية والإسلامية، ولو لم يكن له إلا هذا التصنيف لكفى أن يكون أدل دليل على أشتهر عنه وهذه الحولية أوسع الحوليتين السابقتين. وقد عقدت على ستة أبواب. أما طبعة سنة 1923 فأنها لم تكن تحوي إلا خمسة وطبعة سنة 1926 كانت واقفة(8/631)
على بابين. ودونك ترتيب تلك العقود.
1 - عموميات. 2 - فهرس عام يحوي جميع مطبوعات العالم الإسلامي. 3 - أسامي مراكز الدروس الإسلامية. 4 - فوائد شتى. 5 - معجم اصطلاحي إسلامي. 6 - كتب إسلامية (ما ظهر مننا بين سنة 1927 و1928).
وقد وقع هذا التصنيف البديع الجامع لأنواع الأنباء الإسلامية في 482 ص بقطع 12 وبحرف دقيق. ونحن لم نجد سفراً حاوياً لكل ما يتعلق بالعرب والإسلام مثل هذه الحولية فانك لا تحلم بشيء في هذا الموضوع إلا وتراه فيه. والمنافع التي يجنيها منه المطالع لا تعد ولا تقدر. وإذا أثنينا على هذا الكتاب وعلى صاحبة فليس معنى ذلك أن لا عيب في الحولية، إذ الكمال لله وحده. فمن مغامزها أن المؤلف جمع في باب الجرائد العربية ما قد احتجب منها وما هو حي (ص 54) ولم يشر إلى ذلك فلقد ذكر مثلاً من الصحف التي تبرز في بغداد ما يأتي: الوقائع العراقية. بغداد تايمس. الاستقلال. (المفيد). العراق. العالم العربي. (نداء الشعب) (التلميذ العراقي). الكرخ. النهضة العراقية. المجلة الطبية. (الوطن). (الزمان). مجلة التربية والتعليم. (الحرية) (المعرض). المرشد. (المنير). (حجا الرومي). (اليقين). نشرة الأحد. (شط العرب). لغة العرب فهذه 23 نشرة موقوتة من جريدة ومجلة. والمحتجب منها ما حصرناه بين هلالين وعدده إحدى عشرة موقوتة وفاته ذكر جريدة البلاد (يومية) (التقدم) (يومية) و (الرصافة) (أسبوعية) والنور (أسبوعية) و (البرهان) (أسبوعية). ونسي بين المجلات (المجلة العسكرية).
وفي باب مراكز العلم والتدريس العالي (ص 82) ذكر بغداد ووضع بجانبها بين هلالين (تركية) بهذا الرسم. أي أن بغداد من ديار تركية وهو غلط لا يغفر له. وذكر هناك بين خزائن كتب حاضرتنا: خزانة جامع زند، وكان عليه أن يذكرها بخزانة جامع الكهية ونسي ذكر خزانة الأوقاف التي وضع فيها جميع كتب الجوامع، والمكتبة العامة بازاء النادي العسكري ففيها من المصنفات أكثر من خزانة الأوقاف وجامع مرجان وخزانة يعقوب أفندي نعوم سركيس.
ثم أن حضرة المؤلف لم يجر على وجه واحد في ضبط الإعلام بالحرف(8/632)
الإفرنجي فمرة يقتدي بالأقدمين وأخرى بالمحدثين. وتارة يجرى وراء العرب، وطوراً وراء الإفرنج. ولو لزم خطة واحدة لكان أحسن: فكتب الموصل وبغداد وغيرهما (ص 423) على الأسلوب
الأفرنسي القديم وضبط البصرة وأربل والطون كبري ونحوها على الطريقة الجديدة. وقد يجري بوجهه غير متبع طريقة من الطرائق المتبعة فأنه كتب مشهد حسين والسليمانية والجبور ونحوها على طرز خاص به. وربما أتخذ جمع اللفظة على الأسلوب الفرنسي كما فعل في ضبطة للشيعيين والأماميين واليزيدية. وربما عدل عن ذلك إلى جمعها على الطريقة العربية فقال: الأصوليون والاخباريون والشيخية إلى نحوها وفي كل ذلك من الاضطراب ما لا يخفى على القارئ، فكان يحسن به أن ينحو منحى واحداً لا يميل فيه إلى ذات اليمين ولا إلى ذات الشمال.
وذكر بين مراكز اليزيدية موطناً سماه: (يدري) وهو اسم لا وجود له والصواب باعذري. وهذا من نتائج كتب الإعلام العربية بحروف لاتينية التي من خصائصها تشويه الأعلام الشرقية تشويهاً شنيعاً.
وذكر حضرته (ص 425) أن الهوسة (بضم الهاء والصواب الهوسة بالهاء المفتوحة) من أغاني الهجاء. وليس كذلك إنما هي من أغاني الحماسة. وقال: التهويس رقص الحرب، مع أن التهويس هو اتخاذ الهوسة. رقص المهوسون أم لم يرقصوا.
وهناك غير هذه الزلات التي لا تضر هذا التصنيف البديع بشيء يذكر، إنما هي من قبيل الخال في وجه الحسناء.
199 - مكتبة العرب
لصاحبها الشيخ يوسف توما البستاني بشارع الفجالة رقم 49 بمصر القاهرة.
في هذه القائمة 180 ص بقطع 12 وفي كل صفحة ذكر نحو عشرين كتاباً للبيع. والكتب مطبوعة في ديار مختلفة من مصرية وفلسطينية وعراقية فيكون مجموع ما يبيع البستاني نحواً من أربعة آلاف وهو مستعد لأن يبعث بقائمة (مجاناً) إلى كل من يطلبها منه.(8/633)
120 - مكتبة يوسف آليان سركيس وأولاده
شارع الفجالة رقم 53 في مصر القاهرة
هذه قائمة أخرى فيها 34 ص بقطع 12 وفي كل ص نحو 23 سطراً فيكون مجموع ما يباع فيها نحو ألف كتاب من قديم وحديث في جميع الفنون ويرسل أصحابها بقائمتهم مجاناً
إلى كل من يطلبها منهم.
121 - تمدن قديم
تأليف فوستل دوكلانج ترجمة نصر الله فلسفي، بانضمام فهرست مطالب وفرهنك أعلام واصطلاحات، طهران سنة 1309 في 518 ص بقطع 12.
في إيران نهضة علمية عظيمة وقد قام شبان الإيرانيين وأخذوا ينقلون إلى لغتهم البديعة غر الكتب الإفرنجية. ومن الجملة هذا السفر الدرة. وعبارة الترجمة من أبدع ما وصلت إليه لغة سعدي والواقف عليه يتصور أنه يقرأ كلام سعدي نفسه. والأستاذ نصر الله فلسفي من أكابر كتبة هذا العصر في ديار فارس وواقف أحسن وقوف على اللغة الفرنسية لأنه لم يخل أبداً بالمعنى الذي نقله إلى لسان آبائه. فنتمنى أن يطبع سائر ما نمقته أنامله خدمة لوطنه العزيز وخدمة للشرق الأقصى.
122 - مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين
للإمام أبي الحسن علي بن إسماعيل الأشعري المتوفي 324، الجزء الثاني في الدقيق من الكلام، عني بتصحيحه هـ. ريتر طبع في استنبول بمطبعة الدولة سنة 1930 في 615 ص بقطع الثمن.
أهدى إلينا حضرة صديقنا الأستاذ هـ. ريتر العلامة الألماني الجزء الأول والثاني من هذا السفر الجليل وقد تكلمنا على الجزء الأول في هذه المجلة 8: 472 والآن بيدنا الجزء الثاني وهو طافح بالفوائد الجليلة كصنوة. وقد اعتنى ناشره كل العناية بمقابلة النص على النسخ الخمس التي عثر عليها ثم على ما ظفر به في الكتب الدينية التي ورد ذكر شيء يشبه ما جاء في هذا التصنيف الجليل،(8/634)
وكتب الأقدمين في هذا الموضوع قد فقدت وهذه أحدها وقد بعثه من مدفنه حضرة الأستاذ فاستحق بعمله هذا شكر العلماء والأدباء من عرب وغيرهم.
124 - الإسلام
بقلم هنري ماس
-
هذا كتاب صغير الجرم، عظيم الفائدة. صفحاته لا تزيد على 221 بقطع 16 وعنيت بنشره مكتبة أرمان كولن في باريس. ونحن لم نطالع كتاباً جمع العلم الصادق إلى تقرير الحقائق على ما هي عليه مثل هذا المختصر المفيد فانك تجد فيه الحركة السياسية الإسلامية والحركة الدينية موضوعتين على طرف الثمام، بحيث إذا بدأت بمطالعة الكتاب لا تود أن ترميه يديك إلا بعد الوقوف عليه كله، لأن مؤلفه بسط لك نشوء الإسلام وانتشاره في العالم بعبارة جلية منطقية فلسفية. وهناك فصلان عقد فيهما ما يجب أن يستوعبه القارئ من معرفة أصول الشريعة الإسلامية والمعتقد والعبادة والأوامر والنواهي والفرائض. هذا في الفصل الواحد وفي الفصل الآخر يقف على مختلفات عقائد الفرق الإسلامية ماسي على أخبار الإسلام الذي امتد من ديار المغرب إلى طرف الشرق الأقصى ومن الجاهلية إلى الأيام الحاضرة. نعم أن هذه الخلاصة وجيزة العبارة لصغر حجم الكتاب إلا أن صيغتها البديعة تطلعك على أمور لم تدر في خلدك وبسرعة البرق الخاطف. فهو بالجمالة أحسن خلاصة لنا في هذه الأيام الأخيرة إذ يجد فيها القارئ كل ما يهمه معرفته في هذا الموضوع وبعبارة جلية طيبة سلسلة تتدفق حياة ونشاطاً والكتاب رخيص جداً إذ ثمنه عشرة غروش صحيحة أو عشرة فرنكات ونصف لا غير وبذلك يستغني عن كتب كثيرة ضخمة لاتباع اليوم في الأسواق فعسى أن ينقله إلى العربية أحد الأدباء ليستفيد منه الجميع.(8/635)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - نص المعاهدة العراقية البريطانية (بحروفها)
صاحب الجلالة ملك العراق
وصاحب الجلالة ملك بريطانية العظمى وأيرلندة والممتلكات البريطانية وراء البحار وانبراطور الهند.
لما كانا راغبين في توثيق أواصر الصداقة والاحتفاظ بصلات حسن التفاهم وأدامتها ما بين بلاديهما،
ولما كان صاحب الجلالة البريطانية قد تعهد في معاهدة التحالف الموقع عليها في بغداد في اليوم الثالث عشر من شهر كانون الثاني سنة ست وعشرين وتسعمائة بعد الآلف الميلادية الموافق لليوم الثامن والعشرين من شهر جمادي الآخر، سنة أربع وأربعين وثلاثمائة بعد الألف الهجرية بان ينظر نظراً فعلياً في فترات متتالية مدة كل منها أربع سنوات في هل في استطاعته الإلحاح على إدخال العراق جمعية الأمم.
ولما كانت حكومة جلالته في بريطانية العظمى وأيرلندة الشمالية قد أعلمت الحكومة العراقية بلا قيد ولا شرط في اليوم الرابع عشر من شهر أيلول سنة تسع وعشرين وتسعمائة بعد الألف أنها مستعدة لعضد ترشيح العراق لدخول عصبة الأمم سنة اثنتين وثلاثين وتسعمائة بعد الألف وأعلنت لمجلس العصبة في اليوم الرابع عشر من شهر كانون الأول سنة تسع وعشرين وتسعمائة بعد الألف أن هذه هي نيتها.
ولما كانت المسؤوليات الانتدابية التي قبلها صاحب الجلالة البريطانية فيما يتعلق بالعراق ستنتهي من تلقاء نفسها عند إدخال العراق عصبة الأمم.
ولما كان صاحب جلالة ملك العراق وصاحب الجلالة البريطانية يريان أن الصلات التي ستقوم بينهما بصفة كونهما ملكين مستقلين ينبغي تحديدها بعقد معاهدة تحالف وصداقة.
فقد اتفقا على عقد معاهدة جديدة لبلوغ هذه الغاية على قواعد الحرية والمساواة التامتين والاستقلال التام تصبح نافذة عند دخول العراق عصبة(8/636)
الأمم وقد عينا عنهما مندوبين مفوضين وهما عن جلالة ملك العراق:
نوري باشا السعيد
رئيس الوزراء الخارجية حامل وسامي النهضة والاستقلال من الصنف الثاني سي. أم. جي. دي. أس. أو.
وعن جلالة ملك بريطانية العظمى وأيرلندة والممتلكات البريطانية وراء البحار وانبراطور الهند عن بريطانية العظمى وأيرلندة الشمالية.
اللفتنت كرنل السر فرنسيس هنري همفريز جي. سي. ف. أو. كي. سي. ام. جي. كي. بي. أي. سي. آي. أي.
المعتمد السامي لصاحب الجلالة البريطانية في العراق.
اللذان بعد تبادلا وثائق تفويضهما فوجداها صحيحة قد اتفقا على ما يلي:
المادة الأولى - يسود سلم وصداقة دائمين بين صاحب الجلالة ملك العراق وبين صاحب الجلالة البريطانية ويؤسس بين الفريقين الساميين المتعاقدين تحالف وثيق توطيداً لصداقتهما وتفاهمها وصلاتهما الحسنة. وتجري بينهما مشاورة تامة وصريحة في جميع شؤون السياسة الخارجية مما قد يكون له مساس بمصالحهما المشتركة
ويتعهد كل من الفريقين الساميين المتعاقدين بان لا يقف في البلاد الأجنبية موقفاً لا يتفق وهذا التحالف أو قد يخلق مصاعب للفريق الآخر.
المادة الثانية - يمثل كلا من الفريقين السامين المتعاقدين لدى بلاط الفريق السامي المتعاقد الآخر ممثل سياسي (ديبلو ماتيكي) يعتمد وفقاً للأصول المرعية.
المادة الثالثة - إذا أدى أي نزاع بين العراق وبين دولة ثالثة إلى حالة يترتب عليها خطر قطع العلاقات بتلك الدولة، يوحد حينئذ الفريقان الساميان المتعاقدان مساعيهما لتسوية ذلك النزاع بالوسائل السلمية وفقاً لأحكام ميثاق عصبة ألمم ووفقاً لأي تعهدات دولية أخرى يمكن تطبيقها على تلك الحالة.
المادة الرابعة - إذا اشتبك أحد الفريقين الساميين المتعاقدين في حرب رغم أحكام المادة الثالثة أعلاه يبادر حينئذ الفريق السامي المتعاقد الآخر فوراً إلى معونته بصفة كونه حليفاً وذلك دائماً وفق أحكام المادة التاسعة(8/637)
أدناه.
وفي حالة خطر حرب محدق يبادر الفريقان الساميان المتعاقدان فوراً إلى توحيد المساعي
في اتخاذ تدابير الدفاع المقتضية.
أن معونة صاحب الجلالة ملك العراق في حالة حرب أو خطر حرب محدق تنصر في أن يقدم إلى صاحب الجلالة البريطانية في الأراضي العراقية جميع ما في وسعه أن يقدمه من التسهيلات والمساعدات ومن ذلك استخدام السكك الحديدية والأنهر والمواني والمطارات ووسائل المواصلات.
المادة الخامسة - من المفهوم بين الفريقين الساميين المتعاقدين أن مسؤولية حفظ الأمن الداخلي في العراق وأيضاً - بشرط مراعاة أحكام المادة الرابعة أعلاه - مسؤولية الدفاع عن العراق إزاء الاعتداء الخارجي تنحصر أن في صاحب الجلالة ملك العراق.
مع ذلك يعترف جلالة ملك العراق بأن حفظ وحماية مواصلات صاحب الجلالة البريطانية الأساسية بصورة دائمة في جميع الأحوال هما من صالح الفريقين الساميين المتعاقدين المشترك.
فمن أجل ذلك وتسهيلاً لقيام بتعهدات صاحب الجلالة البريطانية وفقاً للمادة الرابعة أعلاه يتعهد جلالة ملك العراق بأن يمنح صاحب الجلالة البريطانية في البصرة أو في جوارها وموقعاً واحداً لقاعدة جوية ينتقيها صاحب الجلالة البريطانية في غرب نهر الفرات.
وكذلك يأذن جلالة ملك العراق لصاحب الجلالة البريطانية في أن يقيم قوات في الأراضي العراقية في الأماكن الآنفة الذكر وفقاً لأحكام ملحق هذه المعاهدة على أن يكون مفهوماً أن وجود هذه القوات لن يعتبر بوجه من الوجوه احتلال ولن يمس على الإطلاق حقوق سيادة العراق.
المادة السادسة - يعتبر ملحق هذه المعاهدة جزءاً لا يتجزأ منها.
المادة السابعة - تحل هذه المعاهدة محل معاهدتي التحالف الموقع عليها في بغداد في اليوم العاشر من شهر تشرين الأول لسنة اثنتين وعشرين وتسعمائة بعد الألف الميلادية الموافق لليوم التاسع عشر من شهر صفر لسنة إحدى وأربعين وثلاثمائة بعد الألف الهجرية وفي اليوم(8/638)
الثالث عشر من كانون الثاني لسنة ست وعشرين وتسعمائة بعد الألف الميلادية الموافق لليوم الثامن والعشرين جمادي الآخر لسنة أربع وأربعين وثلاثمائة بعد الألف الهجرية مع الاتفاقات الفرعية الملحقة بهما التي تمسي ملغاة عند دول هذه المعاهدة حيز
التنفيذ.
وتوضع هذه المعاهدة في نسختين في كل من اللغتين العربية والإنكليزية ويعتبر النص الأخير النص المعول عليه.
المادة الثامنة - يعترف الفريقان الساميان المتعاقدان بأنه عند الشروع في تنفيذ هذه المعاهدة تنتهي من تلقاء نفسها وبصورة نهائية جميع المسؤوليات المترتبة على صاحب الجلالة البريطانية فيما يتعلق بالعراق وفقاً للمعاهدات والاتفاقات المشار إليها في المادة السابعة من هذه المعاهدة وذلك فيما يختص بجلالته البريطانية. وبأنه إذا بقي شيء من المسؤوليات فيترتب على صاحب الجلالة ملك العراق وحده.
ومن المعترف به أيضاً أن كل ما يبقى من المسؤوليات المترتبة على صاحب الجلالة البريطانية فيما يتعلق بالعراق وفقاً لأي وثيقة دولية أخرى ينبغي أن يترتب كذلك على جلالة ملك العراق وعلى الفريقين الساميين المتعاقدين أن يبادرا فوراً إلى اتخاذ الوسائل المقتضية لتأمين نقل هذه المسؤوليات إلى صاحب الجلالة ملك العراق.
المادة التاسعة - ليس في هذه المعاهدة ما يرمي بوجه من الوجوه إلى الإخلال أو يخل بالحقوق والتعهدات المترتبة أو التي قد تترتب لأحد الفريقين الساميين المتعاقدين أو علية وفقاً لميثاق عصبة الأمم أو معاهدة تحريم الحرب الموقع عليها في باريس في اليوم السابع والعشرين من شهر آب لسنة ثماني وعشرين وتسعمائة بعد الألف الميلادية.
المادة العاشرة - إذا نشأ خلاف ما يتعلق بتطبيق هذه المعاهدة أو بتفسيرها فلم يوفق الفريقان الساميان المتعاقدان إلى الفصل فيه بالمفاوضة رأساً بينهما يعالج الخلاف حينئذ وفقاً لأحكام ميثاق عصبة الأمم.
المادة الحادية عشرة - تبرم هذه المعاهدة ويتم تبادل الإبرام بأسرع ما يمكن ثم يجري تنفيذها عند قبول العراق عضواً في عصبة الأمم وتظل هذه المعاهدة نافذة مدة خمس وعشرين سنة ابتداءً من تاريخ تنفيذها. وفي أي وقت كان بعد عشرين سنة من تاريخ الشروع في(8/639)
تنفيذ هذه المعاهدة على الفريقين الساميين المتعاقدين أن يقوما بناء على طلب أحدهما بعقد معاهدة ينص فيها على الاستمرار على حفظ وحماية مواصلات صاحب الأحوال. وعند الخلاف في هذا الشأن يعرض ذلك الخلاف على مجلس عصبة الأمم.
وإقراراً لما تقدم قد وقع كل من المندوبين المفوضين على هذه المعاهدة وختمها بختمه.
كتب في بغداد في نسختين في اليوم الثلاثين من شهر حزيران لسنة ثلاثين وتسعمائة بعد الألف الميلادية الموافق لليوم الثاني من شهر صفر لسنة تسع وأربعين وثلاثمائة بعد الألف الهجرية.
التوقيع: نوري السعيد
التوقيع: ف. هـ. همفريز
الملحق
1 - يعين صاحب الجلالة البريطانية من حين إلى آخر مقدار القوات التي يقيمها جلالته في العراق وفقاً لأحكام المادة الخامسة من هذه المعاهدة وذلك بعد مشاورة صاحب الجلالة ملك العراق في الأمر.
ويقيم صاحب الجلالة البريطانية قوات في الهنيدي لمدة خمس سنوات بعد الشروع في تنفيذ هذه المعاهدة وذلك لكي يمكن صاحب الجلالة ملك العراق من تنظيم القوات المقتضية للحلول محل تلك القوات وعند انقضاء تلك المدة تكون قوات صاحب الجلالة البريطانية قد انسحبت من الهنيدي. ولصاحب الجلالة البريطانية أيضاً أن يقيم قوات في الموصل لمدة حدها الأعظم خمس سنوات تبتدئ من تاريخ الشروع في تنفيذ هذه المعاهدة. وبعد ذلك لصاحب الجلالة البريطانية أن يضع قواته في الأماكن المذكورة في المادة الخامسة من هذه المعاهدة. ويؤجر صاحب ملك العراق مدة هذا التحالف صاحب الجلالة البريطانية المواقع المقتضية لإسكان قوات صاحب الجلالة البريطانية في تلك الأماكن.
2 - بشرط مراعاة أي تعديلات قد يتفق الفريقان الساميان المتعاقدان على أحداثها في المستقبل تظل الحصانات والامتيازات في شؤون القضاء والعائدات الأميرية (وفي ذلك الإعفاء من الضرائب) التي تتمتع بها القوات البريطانية في العراق شاملة القوات المشار إليها في الفقرة الأولى أعلاه وتشمل أيضاً قوات الجلالة البريطانية من جميع الصنوف وهي القوات التي يحتمل وجودها في العراق عملاً بأحكام هذه المعاهدة وملحقها أو وفقاً لاتفاق يتم عقده بين الفريقين الساميين وأيضاً يواصل العمل بأحكام أي تشريع محلي له مساس بقوات صاحب الجلالة البريطانية المسلحة وتتخذ الحكومة العراقة التدابير المقتضية
للتثبت من كون الشروط المتبدلة لا تجعل موقف القوات البريطانية فيما يتعلق بالحصانات والامتيازات أقل ملائمة بوجع من الوجوه من الموقف الذي تتمتع به هذه القوات في تاريخ الشروع في تنفيذ هذه المعاهدة.
3 - يوافق جلالة ملك العراق على القيام بجميع التسهيلات الممكنة لتنقل القوات المذكورة(8/640)
في الفقرة الأولى من هذا الملحق وتدريبها وعالتها وعلى منحها عين تسهيلات استعمال التلغراف اللاسلكي التي تتمتع بها عند الشروع في تنفيذ هذه المعاهدة.
4 - يتعهد صاحب الجلالة ملك العراق بأن يقدم بناءً على طلب صاحب الجلالة البريطانية وعلى نفقة صاحب الجلالة البريطانية ووفقاً للشروط التي يتفق عليها الفريقان الساميان المتعاقدان حرساً خاصاً من قوات صاحب الجلالة ملك العراق لحماية القواعد الجوية مما قد تشمله قوات جلالته البريطانية وفقاً لأحكام هذه المعاهدة وأن يؤمن سن القوانين التشريعية التي قد يقتضيها تنفيذ الشروط الآنفة الذكر.
5 - يتعهد صاحب الجلالة البريطانية بأن يقوم عند كل طلب يطلبه الجلالة ملك العراق بجميع التسهيلات الممكنة في الأمور التالية وذلك على نفقة جلالة ملك العراق:
1: تعليم الضباط العراقيين الفنون البحرية والعسكرية والجوية في المملكة المتحدة.
2: تقديم الأسلحة والعتاد والتجهيزات والسفن والطيارات من أحدث طراز متيسر إلى القوات جلالة ملك العراق.
3: تقديم ضباط بريطانيين بحريين وعسكريين وجويين للخدمة بصفة استشارية في قوات جلالة ملك العراق.
6 - لما كان من المرغوب فيه توحيد التدريب والأساليب في الجيش العراقي والبريطاني يتعهد جلالة ملك العراق بأنه إذا رأى ضرورة الالتجاء إلى مدربين عسكريين أجانب فأنهم يختارون من الرعايا البريطانيين
ويتعهد أيضاً بأن أي أشخاص من قواته من الذين قد يوفدون إلى الخارج للتدريب العسكري يرسلون إلى مدارس وكليات ودور تدريب عسكرية في بلاد جلالته البريطانية بشرط أن لا يمنع ذلك صاحب الجلالة ملك العراق من إرسال الأشخاص الذين لا يمكن قبولهم في المعاهد ودور التدريب المذكورة إلى أي قطر آخر كان.
ويتعهد أيضاً بان التجهيزات الأساسية لقوات جلالته وأسلحتها لا تختلف في نوعها عن أسلحة قوات صاحب الجلالة البريطانية وتجهيزاتها.
7 - يوافق جلالة ملك العراق على أن يقدم عند طلب صاحب الجلالة البريطانية ذلك بجميع التسهيلات الممكنة لمرور قوات صاحب الجلالة البريطانية من جميع الصنوف العسكرية عبر العراق ولنقل وخزن جميع المؤن والتجهيزات التي قد يحتاج إليها هذه القوات في أثناء مرورها في العراق. ونتناول هذه التسهيلات استخدام طرق العراق وسككه الحديدية وطرقه المائية وموانئه ومطاراته. ويؤذن لسفن صاحب الجلالة البريطانية إذناً عاماً في زيارة شط العرب بشرط إعلان جلالة ملك العراق قبل القيام لتلك الزيارة للموانئ العراقية.
ن. س
ف. هـ. هـ
2 - ذبح شنيع في النجف
في مساء الأحد من اليوم 13 من يولية (تموز) تقدم المسمى (الشيخ علي القمي) بعد أن انتهت فريضة المغرب قفز قفزة النمر إلى السيد حسن بن السيد أبي الأصفهاني وقبض على رأسه بيده اليسرى وبيده اليمنى حز رقبته بسكين حاد ثلاث حزات وانهزم(8/641)
فوقع السيد حسن مضرجاً بدمائه لا حراك له. ثم قبض على الأثيم وزج بالسجن ويقال: أن سبب هذا الذبح أن أبا الذبيح قلل النفقة التي كان يجوز بها على الذابح بعد طلاقه امرأته فأضمر له السوء بهذه الصورة الشنيعة الوحشية.
3 - سفر الزعيم أمين بك المعلوف
غادر حاضرننا في 7 تموز (يولية) إلى سورية حضرة الزعيم أمين بك معلوف. وكان قد جاءها في سنة 1921 فعين مدير الأمور الطبية في 25 آذار (مارس) من السنة المذكورة، وخدم العراق خدمة صادقة ما وراءها خدمة. فكان يأتي ديوان شغله مبكراً قبل الكل ويفارقه آخر الكل. وكان مثالاً حياً للشغل والهمة والغيرة وإرضاء الجميع وهو الذي أدخل في وزارة الدفاع المصطلحات العربية العسكرية وأحياء ألفاظاً كثرة، وقد أحيل على
الاستراحة ففارقنا في النفوس أحسن الذكرى فنشكر له أياديه البيض متمنين له العمر الطويل الهنيء وتحقيق أمانيه في طبع المعجم الإنكليزي العربي العظيم الذي يؤلفه.
4 - شكاوي من بريد العراق
لا تنقطع الشكاوي من بريد العراق فقد جاءتنا في هذا الشهر ثلاث شكاو من ديار مصر ونحن حيارى في أمر عدم وصول بعض الأجزاء إلى أصحابها مع أننا لا نؤخر البعث بها أبداً فعسى أن ينتبه إلى هذه الشكوى المتكررة.
(تصحيحات)
ص 491 س 19 المنطفة: المنطقة - ص 500 س 2 لزبارة: لزيارة - ص 508 س 4 مدر: صدر - 540 س 14 يكتبواه: يكتبوه - ص 546 س 15 فنسكل: فنكل - ص 549 س 2 شمانيور: لشمانيوز - ص 564 س 2 على: عن - ص 572 س 11 الجاحط: الجاحظ - ص 573 س 16 عفو: عفا - ص 573 س 21 الوقر: الوفر - ص 573 س 16 الآنية: الدنية - ص 574 س 16 والعد: والعدد - ص 579 س 13 بطرف البلاط، فالبلاط - ص 595 س 24 إذا الكلام: إذا كان الكلام - 607 س 2 مركز: مركزه - ص 617 س 25 لم تعلق عليه مجلة: لم تعلق مجلة - 618 س 9 أن اقتبسوا: إذا اقتبسوا - 618 س 10 اقتبسوا - ص 624 س 23 وربما هناك: وربما كان هناك.(8/642)
العدد 84 - بتاريخ: 01 - 09 - 1930
نقد لسان العرب
-
أهدى إلينا صديقنا العزيز الدكتور الأستاذ فريتس كرنكو الجزء الأول من هذا المعجم مطبوعاً في المطبعة السلفية، وكان ينتظر أن تكون هذه الطبعة جامعة لأنواع المحاسن خالية من المعايب، ولا سيما الكبرى منها، فحينما القينا نظرة عامة على الصفحات وجدنا هذه الطبعة دون الطبعة الأولى. وأما قول الناشرين له انه (اعظم معجم جمع شتات اللغة العربية بشواهدها) فغير صحيح عندنا لأننا نظن أن تاج العروس أوسع من لسان العرب وفي التاج من الدرر واللآلئ اللفظية ما لا وجود له في منبسط اللسان.
ومما يرى رؤية مجملة أن دواوين اللغة التي صنفها الأقدمون خالية من النظام والباحث قد لا يصل إلى ضالته المنشودة إلا بعد شق النفس أو بعد أن يطالع المادة كلها وهذا ما اتفق لنا مراراً. زد على ذلك أن ابن مكرم جمع خمسة دواوين عظيمة: تهذيب اللغة، والمحكم، والصحاح، وأمالي الصحاح، والنهاية، من غير أن يرتبها ترتيباً يمنعه إعادة الألفاظ بمعانيها في المادة الواحدة فوقع فيه حشو غير قليل وتكرار ممل مزعج. وربما كان هذا التكرار على غير طائل وهو في نحو(8/643)
آخر المادة بعد أن بحث عنها في أولها أو في ما يقاربها. وعلى كل حال لم يزد شيئاً من عنده على ما طالعه في المعاجم الخمسة المذكورة. بخلاف صاحب التاج فانه زاد شيئاً كثيراً إلى غلى ما وجده في القاموس واللسان إياه من مصنفات عديدة كانت في يديه: وهكذا أصبح التاج أوسع من اللسان. ولما رأى القراء أن الأستاذ مصطفى أفندي جواد من المحققين والمدققين في اللغة ومفرداتها ولا يبخس حقهم ويفند الأوهام بعبارة ماؤها الأدب والظرف، طلبنا إليه أن ينقد هذا الجزء الأول ويذكر ما يراه فيه من الاود، فلبى طلبنا وكتب لنا هذا النقد الذي يدل على صدق نظر في لساننا الضادي، وانه من أهل النبوغ في هذا الموضوع، ولابد أن كل غيور على هذه اللغة البديعة يشكره على حسن صنيعه. وإذا كان ناشرو هذا السفر الجليل اللغوي حرصاً على لساننا فلا بد من أن ينشروا مطالعات الأستاذ المصطفى في الجزء الذي ينشر في آخر الأجزاء ليكون علماً وهدى لمن يتصفح بعد هذا (لسان العرب) الذي نود أن يكون منزهاً عن كل شائبة ليكون أداة تحقيق بيد النشء المقبل ودونك الآن نص ما وشته أنامل مؤازرنا
الجليل في هذا المجلة.
(لغة العرب)
نقد لسان العرب
تأليف أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم الأنصاري (630 - 711) هـ وطبع: المطبعة السافية وعنيت بنشره هي ومكتبتها وإدارة الطباعة المنبرية، وقد هذب بإصلاحات المرحوم العلامة احمد باشا تيمور والمحقق عبد العزيز الميمني الراجكوتي الأستاذ والألمعي ف.
كرنكو المستشرق العلام ومصحح الطبعة الأولى البولاقية وغيرهم.
قطعة قطع الربع الصغير، وقوامه 432 صفحة، عدا التصدير، وترجمة المؤلف، وكل صفحة طران، غير أن الأغلاط المطبعية فيه كثير جداً، واستنتال الحروف من مصافها متكرر، فضلا عن الحروف المزايلة، ولاتعرف ما هي؟ وهذه النقائص لا تمنع استفادة فوائده. ولا التقاط فوائده، ولا قدرنا مساعي الطامعين حق قدرها.
قرأنا في هذا الجزء حتى جاوزنا نصفه، ولم نمعن فيه بعد ذاك، لان قرآن المعاجم يورث الملال فالكلال، ولكن لم نعدم الاطلاع على الحواشي البواقي وقد تيسر لنا من ذاك ما نبسطه الآن لأولي العرفان:(8/644)
1 - ورد في ص 7 (وروى عكرمة عن ابن عباس: الر والم وحم حروف معرفة أي بنيت معرفة) قال مصحح الطبعة الأولى: (لعل الأولى، مفرقة) قلنا: كيف يكون هذا أولى ولا معنى له! فالصواب (معرفة) كما في الأصل. ولكونها معرفة جاز النطق بها مفرقة ويؤيد أن المراد القول بتعريفها قول الزجاج في ص 10 عن ابن عباس (إن (ألم) أنا الله أعلم (المص) أنا الله اعلم وافصل و (المر) أنا الله اعلم ورأى) فهي معرفة بكونها إعلاماً لجمل معلومة.
2 - وجاء في ص 11: (فقوله: آلم الله لا إله إلا هو الحي القيوم، يدل على أن (ألم). رافع لها على قوله) والصواب (رافع لها) لان المراد جعل (ألم) مبتدأ والجملة خبراً فهو رافع لها مرفوع بالمبتدأ وفي ص 15 (ملايمة لها) والصواب (ملائمة لها).
3 - وفي ص 20 (واختلف العلماء بأي صورة تكون الهمزة فقالت طائفة نكتبها بحركة ما
قبلها وهم الجماعة. وقال أصحاب القياس: نكتبها بحركة نفسها) قلنا: فعلى أي وجه كتب طابعو اللسان الرؤوس في ص 28 وفي 118 هكذا (رؤس وفي ص 64 هكذا (الرؤس والفؤوس وفي ص 79 هكذا بفؤس)؟ فقد نسوا المشيتين.
4 - وورد في ص 23: (وعامة كلام العرب في يرى وترى وارى ونرى على التخفيف لم تزد على أن ألقت الهمزة من الكلمة وجعلت حركتها بالضم على الحرف الساكن قبلها). قالوا (في الهامش الطبعة الأولى: لعله بالفتح) قلنا: ليس هناك ما يستوجب الإصلاح لان مراده بقوله (بالضم) يفيد (بالإضافة) وكل شيء ضممته إلى آخر أضفته إليه ولو كان قد أراد الضم المعروف اصطلاحاً لما جاز هذا التعبير الذي بنى عليه الإصلاح ولقال: (وضمت العرب الحرف الساكن قبلها 99 فلا تغفل عن هذا.
5 - وجاء في ص 27 جمع (الاباءة) كعباءة على (أباء) ولم يضبطوا الجمع وهذا ممتنع القراءة عند غير العلماء وان من لم يمر بهذا الجمع مضبوطاً يجوز(8/645)
أن يحمله على (فعالل) نحو قشاعم، وهو مقيس في (فعللة) والمقيس في اعتبار غير اعتبار المسموع لان المراد الرواية ههنا.
6 - وورد في ص 29 (أصك مصلم الأذنين أجني) وفي ص 73 (أصك مصلم الأذنين اجنا) ولم يلتفتوا إلى هذا التخالف، قال العلامة المصحح في ص 73 (هذا صدر بيت لزهير بن أبي سلمى وعجزه كما في ديوانه: له بالسى (كذا) تنوم وآء) قلنا: قد ورد في ص 29 باسم صاحبه فلا حاجة إلى هذا التعب فنتاجه تحصيل حاصل أو من طريقة صيد الطير بالطير، والصواب (السي) على اصطلاحهم.
7 - وجاء في مادة أوأ (ويقال من ذلك أؤته) كذا بهمزة على الواو وهذا خطأ والصواب حذفها فقد توالت همزتان ثانيتها ساكنة فيجب قلب الساكنة حرفاً من جنس حركة الأولى أي واواً فيكون الفعل (أوته).
8 - وورد في ص 31 قوله الراجز (قد فاقت البؤبؤ البوئيبية) ولعل الأصل ولعل الأصل (والبؤيبية) ليستقيم الوزن.
9 - وورد في ص 33 (وحكى اللحياني: كان ذلك في بدأتنا بالقصر والمد) والمد يقتضي أن تكتب هكذا (بداءتنا).
10 - وقال العلامة عبد العزيز الميمني في حاشية ص 34: (وقفت من الصحاح على نسخة معارضة على نسخة ابن الجواليقي) ولم نعهد هذا التعبير في تعابير العرب لان (من) البيانية لا تتقدم المبين (بفتح الياء) إلا عند الشاعر المضطر فالفصيح: (وقفت على نسخة من الصحاح) على غرار قول الشاعر:
فيا راكباً أما عرضت فبلغاً ... بني عمنا (من عبد شمس وهاشم)
وقول عبد يغوث اليمنى:
فيا راكباً أما عرضت فبلغاً ... نداماي (من نجران) أن لا تلاقيا
وقول ذي الرمة:
تداعين باسم الشيب في متثلم ... جوانبه (من بصرة وسلام)
أما قوله: (معارضة على نسخه) قال في المختار (وعارض الكتاب بالكتاب أي قابله) وقد كرر في ص 11 وص 75.
11 - وورد في ص 37 (يقول خمس وعشرون ذراعاً حواليها حريمها(8/646)
بنصب الحريم فقال عبد العزيز الميمني الأستاذ (كذا والصواب: حريمها، بالضم أو لحريمها) قلنا: لو أبان السبب لأطفأ اللهب، فالأصل صواب لان حريماً حال من العدد فان احتج علينا بكونه مضافاً إلى معرفة قلنا له انظر إلى ص 35 ففيها (ويقال رجح عوده على بدئه) وقد نصبوا (عوداً) على الحالية وهو مضاف إلى الضمير وان ادعى أن ذلك غير مطرد قلنا: إلا انه في مثل (الحريم) مطرد لأنه مشتق وحكم المشتق غير حكم الجامد مثل (عود) ففي (عرض) من المختار (هذا عارض ممطرنا. أي ممطر لنا لأنه معرفة يجوز أن يكون صفة لعارض وهو نكرة والعرب إنما تفعل هذا في الأسماء المشتقة من الأفعال دون غيرها فلا يجوز أن تقول (هذا رجل غلامنا) ونقلنا حكم الصفة المشتقة لأنها كالحال تقول: (هذا حقي المجحود) و (هذا حقي مجحوداً).
12 - وورد في ص 38 (قال طرفة بن العبد) بإسكان الراء والصواب فتحها.
13 - وجاء في ص 39 (قال أبو محمد الأموري: التلزئة حسن الرعية والمستهنئ الطالب والبديء العجيب) تفسيراً لقول الشاعر:
الزيء مستهنئاً في البدىء ... فيرمأ فيه ولا يبذؤه
قلنا: إذن ليس المراد بالبديء العجيب بمعنى العجيب) بل أول العشب كما قال الطرماح بن حكيم الطائي.
مثل عير الفلاة شاخس فاه ... طول ندم الغضى وطول العضاض
صنتع الحاجبين حرطة البق ... ل بدياً قبل استكاك الرياض
واستكاك الرياض اجتماع عشبها ووفرته
14 - وأورد صاحب اللسان في ص 43 ادعاء ابن بري أن (براءاً) بضم الباء مفرد في قول زهير (إليكم إننا قوم براء) فعلق به كرنكو العلامة (صوابه براء بكسر الراء وصدره: وأما أن تقول بنو مصاد) ولاحق للأستاذ كرنكو في ذلك لان من حفظ حجة على من لم يحفظ فالصواب المزعوم غير صواب، وفي (2: 53) من المزهر (كل فعيل جائز فيه ثلاث لغات: فعيل وفعال وفعال رجل طويل فإذا زاد طوله قلت: طوال، فإذا زاد طوله قلت: طوال) فتأمله زيادة في السماع.(8/647)
15 - وورد في ص46 (وما أبطأ بك وبطأ بك عنا بمعنى أي ما أبطأ. . .) قالوا: بياض بالأصل. قلنا: لا شك في كونه (أبطأ) لأنه تأكيد لان (بطأ تبطئه) مثل أبطأ أبطاءاً.
16 - وورد في ص48 قول الشاعر:
وقد بهأت بالحاجلات افالها ... وسيف كريم لا يزال يصوعها
ونحسب أن البيت قد خولف بين شطريه وان الشطر الأول (وسيف كريم لا يزال يصوعها) والثاني (وقد بهأت بالحاجلات افالها).
17 - وورد في ص30 (وكذلك يا أبتا معناه: يا أبتي) وتكررت (أبتي) بالياء أيضاً وقد قال ابن هشام في شرح قطر الندى ص77 (إذا كان المنادى المضاف (أباً) أو (أماً) جاز فيه عشر لغات الست المذكورة ولغات أربع إحداها إبدال الياء تاءاً مكسورة. . . الثانية إبدالها تاءاً مفتوحة. . . الثالثة: يا أبتا بالتاء والألف. . . الرابعة: يا ابتي بالتاء والياء وهاتان اللغتان قبيحتان والأخيرة أقبح من التي قبلها وينبغي أن لا تجوز إلا في ضرورة الشعر) اهـ.
18 - وحاء في ص52 (يقال: باءت عرار بكحل) قال الأستاذ عبد العزيز الميمني: (كحل أظنه منعه الصواب كما شكلوه. . . وقال المصنف في كحل نقلا عن ابن بري أن كحل
يصرف ولا يصرف وشاهد الصرف لا اسلم به. . . ومعلوم أن منع المصروف لا يجوز نثراً ولا نظماً) اهـ. قلنا: ليس ما جاء بثبت لان العلم المؤنث الثلاثي الساكن الوسط العربي غير المنقول من مذكر يجوز صرفه مثل هند ودعد قال الشاعر باللغتين:
لم تتلفع بفضل مئزرها ... دعد ولم تسق دعد في العلب
و (كحل) علم عربي ثلاثي ساكن الوسط ليس بمنقول من مذكر فيجوز فيه الوجهان. وأما دعواه أن منع المصروف لا يجوز نثراً ولا نظماً فباطلة قال البغدادي في 102: 1 من خزانة الأدب (وأما الكوفيون فهم يجيزون ترك الصرف للضرورة مطلقاً في الإعلام وغيرها) فلا تغتر.
19 - وورد في ص53 قول جابر بن حني التغلبي:
ألا تنتهي عنا ملوك وتتقي ... محارمنا لا يباء الدم بالدم(8/648)
برفع (يبأه) والوجه عندنا جزمه ثم كسر الهمزة خوف تلاقي الساكنين واسبب ما قاله ابن هشام في شرح القطر ص37 ونصه: (فالجازم لفعل لواحد خمسة أمور أحدها الطلب وذلك انه إذ تقدم لنا لفظ دال على أمر أو نهي أو استفهام أو غير ذلك من أنواع الطلب وجاء بعده فعل مضارع مجرد من الفاء وقصد به الجزاء فانه يكون مجزوماً بذلك الطلب لما فيه من معنى الشرط ونعني بقصد الجزاء انك تقدره مسبباً عن ذلك كما أن جزاء الشرط مسبب عن فعل الشرط) اهـ. قلنا: و (ألا) في البيت حرف تحضيض والتحضيض نوع من جنس الطلب و (يبأء) فعل مضارع، ودعوانا نيرة بحمد الله.
20 - وفي ص55 (الفراء: باء بوزن باع إذا تكبر كأنه مقلوب من بأي كما قالوا أرى ورأى) قلنا: التصحيف ظاهر فيه وصوابه: (كما قالوا رأى وراء) لأن (راء) مقلوب (رأى) ولا صحة لغير ما ذكرناه فتدبره.
21 - وجاء في ص55 أيضاً عن النفيئة (وقال الزمخشري: لو كانت تفعله لكانت على وزن تهيئة) وفي ص192: (قال الزمخشري. . فلو كانت التفيئة تفعله من الفيء لخرجت على وزن تهنئة) وقد حصل خلاف في التعبير ومرادنا أن التهنئة أشهر من التهيئة فهي الأصل ولا فرق بينهما في الوزن.
22 - وفي ص60 (والجب: الكمأة الحمراء) والصواب (الحمر) لان اسم الجمع والجمع
سواء في استحقاقهما جمع (فعلاء) أو مذكرها (افعل) عند الوصف والأخبار والحالية والبدلية. ويؤيد ذلك قوله بعد ذلك (الكمأة السود).
23 - وورد في ص68 قول حضرمي بن عامر لجزء الذي غبطه بميراث بعد مصيبة:
إن كنت أزنتني بها كذباً ... جزء فلاقيت مثلها عجلا
بفتح الجيم من (عجل) والصواب (كسرها) لأنها صفة مشبهة والتقدير (لاقيت مثلها لقاءاً عجلا) وبعد قوله:
افرح أن ارزأ الكرام وان ... أورث ذوداً شصائصاً نبلا
قال في اللسان: (يريد أأفرح؟ فحذف الهمزة وهو على طريق الإنكار) قلنا:(8/649)
في 49: 1) من الكامل (أغبط أن ارزأ الكرام وان).
24 - وفي ص70 قول العجاج:
أحراس ناس جشئوا وملت ... أرضاً وأحوال الجبان اهولت
قال (واهولت: اشتد هولها) بفتح الهمزة وتخفيف اللام من (اهولت) والصواب تسكين الهمزة وتشديد اللام ومصدره (الاهولال) وان لم يكن مسموعاً فهو مقيس على (ازور ازوراراً) من غير الألوان ومجيئه من الألوان معروف.
25 - وجاء في ص78 (فأنى بالجموح وأم بكر) برفع أم والصواب جره لأنه معطوف على الجموح ويؤيد ذلك قوله: (ودولح فاعلموا حجئ ضنين) فهو حريص على الجموح وأم بكر ودولح.
26 - واعترض العلامة عبد العزيز الميمني في ص81 على القائل أن (الهبالة) اسم ناقة وقال: (ولو كان اسماً للناقة لم تدخل عليه أل). قلنا: يعوزه نظرة في ص120 من اللسان ففيه (والرأراء أخت تميم بن مر وادخلوا الألف واللام لأنهم جعلوها السيئ بعينه كالحارث والعباس) فبهذا تبوخ حماسته ومن هذا قوله تعالى (كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة).
27 - وجاء في ص92 قول الشاعر:
ولا يرهب ابن العم مني صولة ... ولا اختتي من صولة المتهدد
وأني وان أوعدته أو وعدته ... لمخلف ميعادي ومنجز موعدي
وفي ص148 من كشف الطرة عن الغرة (ما عشت صولتي) بدلا من (مني صولة) و (أختشي) بموضع (أختتي) أما (ميعادي) في اللسان فهو خطأ ظاهر والصواب: (أيعادي) حتى يقابل (أوعدته) أما (موعدي) فمقابل ل (وعدته) فالميعاد والموعد سواء ومخلف الميعاد لا ينجز الموعد أبداً والإيعاد للشر والموعد للخير وكذلك ورد في (وعد) من المصباح وفي ص148 من كتاب كشف الطرة المذكور فلا تتوهم.
28 - وجاء في ص95 (وقال ابن أبي اسحق لبكير بن حبيب: ما ألحن في شيء. فقال: لا تفعل (كذا بالجزم والصواب الرفع) فقال: فخذ علي كلمة (بتنوين كلمة). فقال: هذه واحدة قل: كلمة (بتسكين الهاء)) قال عبد(8/650)
العزيز الميمني صواب العبارة والله اعلم: كلمة. . قل كلمة) ونصب الكلمتين وهذا وهم عجيب فالأصل صحيح لأنه خطأه لكونه الحق التنوين ب (كلمة) وهو موضع وقف يستلزم حذف التنوين والحركة أما رفعنا (لا تفعل) فلان المراد ب (لا تسلم من اللحن) ولا تحوز فيه صيغة النهي البتة لئلا يفسد معناه.
29 - وفي ص99 (قال الأصل في خطايا كان خطايؤاً) كذا بضم الياء وهو من إصلاح الطابعين على الظاهر لأنهم اصلحوا كتابة الهمزات في ما ادعوا (وأسقطنا دعواهم) وهذا الضبط مغلوط فيه، إذ ليس في العربية جمع تكسير مضموم ما قبل الآخر حتى يضموا الياء فالصواب: (كان خطايئاً).
30 - وجاء في ص112 (ابل مدفأة) بضم الميم وتشديد الدال وفتح الفاء وفيه خطأ وصوابه كسر الفاء لأنه اسم فاعل من (أدفأت الإبل) ولا يقال (ادفأ فلان الإبل إدفاءاً) ولا سيما أن (ادفأ) مطاوع فعل متعد إلى مفعول واحد يقال (ادفأ الإبل فأدفأت) ومطاوع المتعدي إلى واحد لا ينصب المفعول به. وان احتج بأنه مأخوذ من (دفئ) الثلاثي. قلنا: وهو لازم أيضاً فضلا عن برودة الاحتجاج لوجود الفرق المعنوي بين الصيغتين.
31 - وورد في ص118 قول الراجزابي محمد الفقعسي (مقوساً قد ذرئت مجاليه) بفتح الواو من (مقوس) والصواب الكسر فانه من باب (دنر مدنر وقعب مقعب وخدد مخدد ومشط ممشط وبغل مبغل وهلل مهلل) وهو (تضعيف التشبيه) فالمقوس اسم فاعل لا اسم مفعول.
32 - وفي ص127 (والرطئ على وزن فعيل) وفي ص128 (والاتفاق) بهمزة قطع.
فصواب الأولى (الرطيء) وصواب الثانية (والاتفاق) بهمزة وصل لأنها مصدر فعل خماسي.
33 - وجاء في ص134 قول قيس بن عاصم المنقري عبد ترقيص ابنه حكيم (أشبه أبا أمك أو أشبه حمل) قال مصحح الطبعة الأولى (وأورده المؤلف في مادة عمل بالعين المهملة) قلنا: قال الشريف المرتضى في 196: 4 من أماليه (يريد عملي) وقال الشيخ احمد بن الأمين الشنقيطي مهذب الأمالي (قال في(8/651)
اللسان: وعمل اسم رجل وانشد الرجز وفي نوادر أبي زيد: وزعموا أن قيس بن عاصم اخذ ابنه حكيماً. . . فرقصه وقال. . . أبو حاتم وأبو عثمان: عمل وهو اسم رجل).
34 - وجاء في هذه الصفحة أيضاً قول الاخطل (وإذا قذفت إلى زناء قعرها) وفي 192: 4 من آمالي المرتضى (فإذا دفعت).
35 - وفي ص136 (تضرب بكف مخابط السلم) بجعل (مخابط) اسم فاعل من خابط مخابطة ولم نعثر عليه بله عدم ظهور معناه والراجح عندنا (مخبط السلم) أي موضع خبطه.
36 - وأوردوا في ص 140 (علقمة بن عبدة) بإسكان الباء من عبدة وفي ص191 بفتحها وهو الصواب.
37 - وجاء في ص140 (رجل سندأوة وسندأو: خفيف وقيل: هو الجريء المقدم وقيل: هو القصير وقيل: هو الرقيق الجسم مع عرض رأس) قال مصحح الطبعة الأولى: (وفي شرح القاموس على قوله: الدقيق، قال: وفي بعض النسخ الرقيق) قلنا: لا يلائم الرقيق السندأو، ففي ص78 (والحنتأو: القصير الصغير) وفي ص84 (رجل حنظأو: قصير) وفي ص90 (والحنطأو والحنطأوة: العظيم البطن والحنطأو: القصير وقيل العظيم) وفي ص193 والقندأو: الصغير العنق الشديد الرأس وقيل: العظيم الرأس) وهذه كلها عندنا بمعنى وليس فيها من الرقة شيء فالقول بأنه (الرقيق) غير رقيق.
38 - وفي ص140 أيضاً (وفي الحديث في صفة الجبان: كأنما يضرب جلده بالسلاء وهي شوكة النخلة. . .) ولعل الأصل: (بالسلاءة) لأنه قال: (وهي شوكة) وقال (والجمع سلاء بوزن جمار) فتأمله.
39 - وفي ص144 يقال: (سوءة لفلان، نصب لأنه شتم ودعاء) وقد ضبطوا (نصباً) بفتح فسكون فضم والأولى أم يكون فعلا مبنياً للمجهول إذ لا وجه لهذا الضبط.
لها بقية
مصطفى جواد(8/652)
العمارة والكوت
2 - الكوت
اعترض على حضرة السيد الحسني القائل (السنة الحاضرة من هذه المجلة) في ص42 (أنشئت الكوت عام 1227هـ (1812م) بطلب من الحكومة العثمانية أنشأها رجل اسمه سبع بن خميس رئيس تلك الأطراف من مياح بطن من ربيعة وكانت قل ذلك غابات. ولا تزال الكوت تسمى بكوت سبع نسبة إلى مؤسسها) اهـ.
وكذلك لي ملاحظة على مقال الأستاذ الشرقي وهو المقال الذي نشرته جريدة (البلاد) البغدادية في عددها المرقم 125 المؤرخ في 7 نيسان 1930 بعنوان الغراف وفيه: (وكان في موضع الكوت نابه من النابهين في قبيلة طي يقال له الشيخ سبع، وفي سنة 1227هـ كانت ولاية بغداد في عهدة الإداري نامق باشا للدفعة الأولى التي ولي فيها العراق فحاول نقل مركز الحكومة من بادرايا وأسس قلعة على الضفة اليسرى من دجلة أطلق عليها اسم الكوت) اهـ.(8/653)
ولي مثل هذه الملاحظة بشأن مقالة الأستاذ الشيخ كاظم الدجيلي المثبتة في المقتطف (50 (1917) 481) التي صدرها بعنوان (حول الكوت) وكان تنميقها تصحيحاً لما كتبه الأديب الفاضل محمد الهاشمي في تلك المجلة في الجزء الثاني من المجلد 48 فقد قال الأستاذ في الحاشية: (الأمارة جميع أمير وهم رؤساء عشائر ربيعة وإنما نسب إليهم لأنهم أول من سكنه وأسسه. وقد يتوهم بعضهم فيضيف الكوت إلى العمارة البلدة الواقعة فيما بينها وبين البصرة وهو غلط فاضح فلينتبه إليه) اهـ.
وأذ كنت مخالفاً لبعض ما جاء في المقالات الثلاث ولا سيما أمر تاريخ أحداث الكوت ونسبة تأسيسه إلى الإمارة وتسميته كوت الإمارة وذلك السبب ما اطلعت عليه رأيت أن أبدي ما وقفت عليه عن أمر الكوت تبياناً للحقيقة وقد أخطي، وقد يزل غيري، وللكتاب عذر في ما أخذوه عن الرواة بنقلهم التاريخ(8/654)
وقد قيل فيهم: وما آفة الأخبار إلا رواتها.
وأول ما أقوله هو انه ليس اليوم من يسميه (كوت سبع) كما ادعاه الحسني حتى أن الأستاذ الشرقي قال في بحثه: (والذي أراه أن اصدق اسم يطلق عليه هو كوت سبع) اهـ فهي
رغبة. وإذا قلنا كان يقول كوت سبع بعضهم - ولا سيما بعض الأعراب - في ما مضى فلا ينطق الآن بذلك أحدا بتاتاً إذ يكتفي بكلمة كوت ولا كوت غيره في هذه الأنحاء فلا التباس ولا سيما أن اسمه قد شاع وذاع وتسنم ذروة الاكوات لإرساء المراكب البخارية جميعها فيها الجارية بين بغداد والبصرة صعوداً وانحداراً وذلك لنقل المسافرين منه واليه وتزويد من يريد البصرة أو بغداد منهم ولنقل الأموال التجارية الصادرة منه والواردة إليه ولأخذ المراكب من مذخره الفحم الحجري لوقودها ولوقوعه بازاء صدر الغراف. وليس لي وثيقة تقول كوت سبع بل جيمس فيلكس جونس (البريطاني) نفسه - وقد رافقه (صديقه الشيخ سبع) في حله وترحاله في سنة 1848م (1265هـ) - بينما كان يطوف في تلك الأرجاء لكشف النهروان وما والاه من الأرضيين يقول (ص56 و57 و59 من مجموعة تقاريره) كما أن جسني الذي كان في العراق في سنة 37 - 1835 (53 - 1251) يقول(8/655)
كتابه المسمى أخبار بعثة الفرات (ص307 وغيرها) - وكذلك ذكره فونتانيه في رحلته بصورة - (314: 1) وقد جاءه مع جسني.
سبب تسميته كوت العمارة
وقفنا على صراحة لا غموض فيها في كلامنا عن العمارة نقلا عن مختصر مطالع السعود أن اسم هذه القصبة هو كوت العمارة والآن اذكر السبب وهو أن دجلة المنسلة من هذا الموضع فما تحت تسمى شط العمارة. ويكتفي بان يقال العمارة بإهمال المضاف - وذلك عند وجود القرينة - كما يعرفه حتى الآن سكان تلك الأصقاع أو بعضهم وهم يرمون إلى العمارة القديمة الحالية التي تبهجهم مناظرها ومبانيها المرتفعة على قراهم وقصباتهم أن في الانتظام وان في البناء والاتساع فلا يفقه هؤلاء المراد والمرمى.
ولم تفت الفرنسي ريموند أن يدون أن هذا القسم من دجلة يسمى شط العمارة في الملاحظات التي أبداها على رحلة المستر ريج إلى بابل والإضافات التي زادها عليها فانه قال في كتابه المطبوع في سنة 1818 (1234) (ص203 ح): (يسمي الأعراب دجلة من الكوت إلى القرنة نهر العمارة اهـ فلا شك إنها هي التي رأينا ذكرها في كلامنا المتقدم في بحثنا عنها.
وبما أن موضع الكوت هو في صدر شط العمارة فأما أن تكون نسبة الكوت إلى هذا الشط
المنسوب إلى العمارة (كقولك شط الحي وشط الشطرة) وأما أن تكون نسبة هذا الكوت مباشرة إلى العمارة وسبب شكي هو انه يظهر لي كان دانفيل الذي أوردت عنه كلاماً في بحث العمارة يريد تعيين محل العمارة في المحل الحالي للكوت لكنه يخبط فإذا قبلنا منه تعيين محل العمارة في محل الكوت تضحي نسبة الشط إلى هذه العمارة وكذلك الكوت إليها ومن ثم أمكننا أن نقول أن اسم العمارة كان قد بقي عليها حتى جاء سليمان باشا وبنى فيها ما بناه وسورها(8/656)
فقيل في بنائه كوت. وإذ لا بد من نسبته وإضافته قيل له كوت العمارة لتمييزه من غيره من الاكوات ولا سيما أن اسمه كان حديثاً غير شائع ولا أبت في أن تلك العمارة كانت في المحل الحالي للكوت إذ ربما كانت في غير موضعه هذا وقد رأينا تافرنيه يقول انقسام دجلة إلى قسمين ويحكي لنا سيره في أحدهما (وهو الشرقي) ثم ينوه بأنه وجد على هذا الفرع فلم تكن العمارة إذن على صدر شط العمارة في الموضع الحالي للكوت بل تحته إذا صدق في ما قال ويكون الكوت حديثاً ونسبته إلى الشط لوقوعه على صدره.
يعارضني سستيني إذ نفهم من كلامه انه يعين محل العمارة في الموضع الحالي للكوت إذ يقول انبثق جدول بازائه. وما هذا الجدول على الظاهر إلا الغراف وما تلك العمارة إلا التي هي الآن الكوت. والأمر في تعيين محل العمارة يحتاج إلى إعادة النظر والدرس العميق ولا سيما أن بالبي يذهب هذا المذهب.
وليس لي دليل على أن اسم كوت العمارة متقدم على زمن سليمان باشا إذ إننا لم نجد اسم كوت العمارة قبل أن يخبرنا به مختصر المطالع وقبل أن تذكره رحلة أيروين التي سيأتي النقل منها وكانت رحلة أيروين بعد مبدأ ولاية سليمان باشا بثلاث سنوات فقط.
وزبدة الكلام انه لا مجال للقول عن اسم الكوت إلا كوت العمارة إذا أردنا اتباع الوضع الأصلي وللقائل كوت الإمارة اليوم وجه ليس للعقل السليم أن يرده لولا أن التاريخ أتانا بغيره كما بان لنا ويبين. وهذا الوجه هو نزول أمراء (تلفظ الناس اليوم إمارة جمعاً لأمير) ربيعة في الأراضي الواقعة في جهة(8/657)
الكوت الشمالية على ضفتي دجلة حتى صدر الغراف المقابل للكوت في الجانب الغربي وفي الجانب الشرقي إلى ما فوق الكوت ببضعة كيلومترات تلك الأراضي التي يزرعها الأمارة ويفلحونها عميرتي قريش وبني عمير (والعلمان بالتصغير) المربوطتين مباشرة بالأمارة المار ذكرهم وغيرهم من العشائر.
ومن الأمر البين أن ما يسهل قبول تسمية هذه الكوت بكوت الأمارة قرب لفظة عمارة من أمارة فشاع الاسم الأخير وتنوسي الأول وتغوفل عنه وكثيراً ما اختصر فقيل (كوت) جاء في رحلة هود التي نقل منها الأب صاحب المجلة تعليقاً عن كلام الحسني وفي غيرهما كما سيأتي.
ويزيدني رسوخاً في القول انه كوت العمارة وليس كوت الأمارة أن الأمارة (الزعماء) لم يكونوا في عهدي سيدي علي وبعده في هذه الأراضي إنما كان نزولهم إياها بعده بأجيال عدية وليس لدي من الوثائق ما ينبئنا بسني نزولهم إنما استخرج من روايات الأعراب أن نزولهم هذه الديار لا يتجاوز أوائل القرن الماضي، وقد قال الأستاذ الشرقي في (البلاد): (وقد كان مركز الحكومة في تلك الجهات قبل إنشاء الكوت في بادرايا وكانت تلك الأنحاء تخضع لراية طي (بني لام) ولم تكن ربيعة ولا إمارتها تنزل في جهات الكوت يوم كانت الرايات العربية تتوزع الأنحاء العراقية) اهـ. ثم قال: (وفي عهد الوالي علي باشا السلاحدار نزلت الأمارة حوالي الكوت في الإقطاعية المعروفة بأم الهيل) اهـ (بالتصغير المشدد(8/658)
الياء فوق الكوت). أم سالنامة بغداد فلا تذكر والياً عليها اسمه علي شهيراً بالسلاحدار، والظاهر أن الأستاذ يريد به ما سمته السالنامة حافظ علي باشا الذي كان خلفاً لسليمان باشا بوفاته في سنة 1217هـ فان زمانه يوافق العهد الذي يعنيه الشيخ الأستاذ وأخالني مصيباً في هذا الظن. فإذا كان ذلك أضحى واحداً كلام كل منا عن زمن نزول الأمارة لهذه الأراضي. ويؤيدني ما سنراه في رحلة أيروين من أن الكوت كان يقيم فيها شيخ بني لام في سنة 1781م (1196هـ) وما سنراه أيضاً في رحلة كيبل من أمر إقامة الشيخ فيه في سنة 1824م (1240هـ). هذا إذا صح قولهما فلم تكن ربيعة إذ ذاك في هذه الجهات على الظاهر وان كانت فيها فأنها لم تكن متحشدة مسئولية عليها كما هي عليه اليوم. ويؤيد نزول ربيعة غير هذه الأنحاء ما يروى لنا عن أن سقي شط الكار كان(8/659)
من ديار ربيعة وهو ما يعرفه الأعراب بالجوازر إذا جاء ذكر التاريخ، ومصداقاً للرواية عن ديار ربيعة انقل ما داء في مختصر مطالع السعود ص21 فانه قال في أخبار سنة 1212هـ (1797م).
(وفيها غزا علي بيك الكتخدا آل سعيد من زبيد لعصيانهم وفي غزوة ذاك وصل إلى
الجوازر من ديار ربيعة فولى عليهم شيخاً يأمر وينهي تبعاً للوزير) اهـ.
وذكرت أيضاً دوحة الوزراء التركية غزوته هذه لزبيد فلا حاجة لنا إلى أعادتها.
قدم الكوت
أدلى الأب صاحب المجلة بكلام هود تعليقاً على مقالة الحسني ليثبت قدم الكوت على الزمن الذي ذكره الحسني، وأذ كان اجتياز هود بعد الزمن الذي عينه الحسني بخمس سنوات جاز له أن لا يقنع بهذا الدليل المحتاج إلى تأييد(8/660)
وأخاله يرضى بمختصر مطالع السعود الذي حكى لنا - كما رأينا - أن سليمان باشا المتوفى في عام 1217 بنى كوت العمارة وسوره، وهذا شاهد معاصر غير ابن سند مؤلف مطالع السعود يدلنا على قدمها قبل السنة 1227 التي ذكرها الشيخ الشرقي والحسني وهو نعمة الله بن يوسف. . . الخوري عبود. فانه قد ترك دفتراً صغيراً - هو عندي - دون فيه مغادرته البصرة في 25 صفر سنة 1225 (1810م) ليقدم إلى بغداد، وكانت سفرته نهراً بطريق شط العرب فالفرات فالغراف فاجتاز الحي وبعد ذلك (بالكوت) فجاء بغداد.
وهذا ميخائيل أخو نعمة الله يشهد لنا هذه الشهادة بتدوينه سفره إلى البصرة في تقويم له كنت ذكرته في هذه المجلة (564: 3 و565 (1914): 20 - 21) وهذا قوله بتاريخ 9 كانون الثاني الغربي عام 1811 الموافق 14 ذي الحجة وقال هذا نصه بأغلاطه:
(مساء طلعت من بغداد متوجهاً إلى البصرة برفقة جناب محمود آغا أخو عبد الله آغا متسلم البصرة سابقاً في سفينة زغيرة (صغيرة) تسمى طرادة) اهـ وقال بتاريخ 16 من شهر كانون المذكور: (وصلنا الكوت مال العمارة) اهـ.
وذكر الكوت كيبل في رحلته (112: 1) من البصرة إلى بغداد في سنة 1824 (1240هـ) فقلب: (الكوت قرية صغيرة حقيرة مبنية من الطين يحميها سور ارتفاعه لا يتجاوز ستة أقدام (نحو مترين) وهي الموقع الوحيد الثابت الذي رأيناه بعد القرنة وفيه يقيم شيخ بني لام القوي الذي يمتد نفوذه من القرنة إلى بغداد) اهـ.
وفضلا عن ذلك إننا نرى ذكر الكوت بل كوت العمارة قبل تأريخ 1227 باثنتين وثلاثين سنة فانه جاء في رحلة ايليس أيروين الذي اجتاز بهذه القصبة(8/661)
منحدراً إلى البصرة في 25 نيسان سنة 1781 (1196هـ) (358: 2) ما تعريبه:
(وفي (الساعة) الثامنة مررنا بمدينة حيث يقيم شيخ بني لام) اهـ. وأذ كان ابتداء ولاية سليمان باشا في سنة 1193 (1779م) وكان ذكر أيروين للكوت في سنة 1781 (1196) لم يكن قد مر إذ ذاك على ابتداء ولاية سليمان باشا إلا ثلاث سنوات لا غير.
وبعد أن آتينا بكل هذه الشواهد حق لنا كل الحق لان نقول أن تسمية (كوت) لا ترجع إلى زمن نامق باشا لولايته الأولى على بغداد التي كانت في سنة 1227هـ كما جاء سهواً في مقالة (البلاد) وهي السنة التي ذكر الحسني أيضاً أن الكوت تأسس فيها. وبما انه اتضح لنا جلياً أن الكوت كانت ماثلة في سنة 1296 فهي اقدم من زمن ولاية نامق باشا الأولى بما يزيد عن سبعين سنة إذ أن هذه الولاية كانت في سنة 1267 على ما في السالنامة وغيرها فلم تكن الكوت من إنشاء سنة 1227 كما ذهبت إليه المقالتان.
اسمه كوت العمارة
رأينا في ما مر أن اسمه كوت العمارة وقد بقي معروفاً بهذه النسبة والإضافة إلى ما بعد ذلك ولم يعتره تغيير فان لدي مجموعة لصور مكاتيب تجارية لنعمة الله ابن فتح الله سمي جده نعمة الله يوسف. . . الخوري عبود المار الذكر فيها صورة مكتوب مؤرخ في 17 شوال 1273 (1856م) في صدره انه كتب إلى كوت العمارة.
ونرى في سالنامة الآستانة لسنة 1276هـ (1859م) محافظاً (للواء بدرة وجسان) (جصان) اللواء (أمير اللواء) محمد باشا. وهي تذكر في موضع آخر بدرة لواء وتعد اقضيته وبينها قضاء (كوت العمارة). وفي الزوراء الجديدة الرسمية لبغداد في عددها المرقم 47 المؤرخ 5 مايس 1286 (16 صفر 1287) اسم هذه القصبة كوت العمارة.(8/662)
أما سالنامة بغداد لسنة 1294هـ (1877) فأنها تذكر القصبة باسم (كوت) فقط.
وأول تغيير في الاسم رأيناه هو في سالنامة بغداد لسنة 1299 (1881) حيث تذكره باسم كوت الأمارة وتذكر قائم مقامه علي أفندي، ولم تذكره السالنامات الواحدة بعد الأخرى إلا بهذا الرسم الجديد. فليس فيها ما قالته مقالة (البلاد) (إن القائمقام علي أفندي حرف الاسم ترضية لآل سبع فأطلق على المدينة اسم كوت العمارة) اهـ بعد أن قالت ما مؤاده أن القائم مقام فتح الله بك أطلق على الكوت اسم كوت الأمارة في زمن الوالي عاكف باشا (ولايته في سنة 1293هـ 1286م).
ولا صلة لاسم الكوت بربط مدحت باشا إياه قضاء ملحقاً بلواء العمارة كما ادعاه الحسني (ص42) على فرض صحة ربطه المذكور الذي لا أثبته ولا انفيه لأني لا اعلمه.
الخلاصة
الكوت اقدم من سنة 1227هـ (1812) فقد كان في زمن ولاية سليمان باشا الممتدة من سنة 1193هـ إلى سنة 1217هـ (1779 - 1802م) كما جاء في السالنامة ومختصر مطالع السعود بل كان ماثلا في أوائل ولاية الباشا فانه كان في سنة 1196 (1781م) كما رواه أيروين.
اسمه كوت العمارة كما جاء في مختصر المطالع وميخائيل عبود وسالنامة الآستانة والزوراء وحذف المضاف إليه منه قديم كما رأيناه في هود ونعمة الله يوسف عبود وكيبل وإحدى سالنامات بغداد.
كان الشيخ سبع عائشاً في سنة 1848 (1265) على ما في جونس فلعله في السنة 1781م (1196) التي مر فيها أيروين بالكوت لم يكن مولوداً أو كان طفلا إذ أن المدة بين التاريخين ثمان وستون سنة فهل كان مولوداً في نحو سنة 1760 (1174) على اقل تقدير ليكون له عشرون سنة ولينشئ الكوت فيتسنى أن يكون الكوت ماثلا في مرور أيروين به؟ فان كان ذلك فيجب أن يكون(8/663)
قد عاش سبعاً وثمانين سنة عل اقل تقدير.
وفضلا عن هذا نرى (بزوناً) عماً لسبع على ما قال جونس ورئيساً في أهل الكوت في سنة 1252هـ (1136م) على ما قاله الدجيلي - إذا صح ما روي له عن رئاسة بزون وعن السنة - فيكون نبوغ سبع واشتهاره بعد عمه أي بعد سنة 1252.
تقدم وجود ذكر العمارة في تلك الأنحاء على ما جاء في سيدي علي ومن بعده قبل نزول الأمارة في هذه الأنحاء بأجيال عديدة فلم يكن سببا لنسبته إليهم وقد نزلوا في أنحائه بعد ذلك.
كان تغيير اسمه من كوت العمارة إلى كوت الأمارة في رسميات الحكومة في سنة لا أعينها بصورة قطعية إنما كان وقوعها بين سنة 1287 وسنة 1299 (1870 - 1881) ولعل الرسميات لم تجر جميعها في تسميته على سياق واحد في هذه السنين.
أهم سبب للقلب قرب لفظ الواحد من الآخر ونزول الأمارة بقربه فهذان السببان روجا
القلب. فصحيح رواية هذا الاسم هو كوت العمارة (بالعين) لا كوت الأمارة (بالهمز) إذا أردنا الرجوع إلى أصل التسمية. والعفو عند الكرام إذا أخطأت.
يعقوب نعوم سركيس
من أين أتتنا كلمة الحواري؟
يذهب نولنكي إلى أن (الحواري) من الحبشية (حواريا) بتخفيف الياء، ومعناها الرسول وقد كتب أحد المتطفلين في سنة 1929 مقالة أطول من يوم الجوع في إحدى المجلات البيروتية منتحلا هذا الرأي. فاستغرب الأدباء هذه الجسارة، وعدوها تعدياً على حضنة العلم ومعززيه، على أن هناك رأياً هو أن (الحواري) لغة في (الحوالي) نسبة إلى الحوالة، ومعناها: المحول على الجهلة ليعلمهم الآداب والدين، فاختر أنت أحد الرأيين، ألم تقبل أحد آراء الأقدمين المتعددة الواردة في دواوين اللغة على اختلاف حجومها.(8/664)
ترجمات التوراة
(لغة العرب) اقترح علينا حضرة الصديق العلامة جرجي أفندي يني صاحب مجلة (المباحث) الجليلة التي تظهر في طرابلس لبنان، أن نضع مقالة في ترجمة التوراة بعهديها القديم والجديد، غير ما نقله الأميركيون ثم اليسوعيون فوضعنا هذه المقالة تلبية لطلبه، وعالجنا الموضوع من وجهته الأدبية فعسى أن يكون فيها بعض الفائدة لمن يهمه هذا البحث.
للتوراة (بقسميها العهد القديم والعهد الجديد) نقول إلى العربية من خطية ومطبوعة.
الترجمات الخطية
لا جرم أن التوراة ترجمت إلى العربية منذ القرون الأولى للنصرانية لكن أحداث الزمان والحروب والبلايا بأنواعها لم تبق منها ولم تذر شيئاً، يشهد على أنها كانت معروفة في المائة السادسة للميلاد نشوء الفرقة المعروفة بالحنفية، وكان منها أمية بن أبي الصلت، وورقة بن نوفل، وزيد بن عمرو، ومن جاراهم، فانهم لم يكونوا يهوداً ولا نصارى، إنما كانوا على التوحيد في أهون شرائعه، فهؤلاء كانوا عرفوا ما في التوراة والإنجيل ومن يطالع أقوالهم وأشعارهم وما نقل عنهم من الأخبار ير جلياً انهم كانوا قد وقفوا على محتوياتهما من دون أدنى شك.
أما انهم كانوا نصارى - على ما ذهب إليه الأب لويس شيخو - فوهم ظاهر لان الرواة ميزوا بين النصرانية والحنيفية وصرحوا تصريحاً مبيناً بأنهم لم يكونوا على دين المسيح بن مريم إنما كانوا حنفاء، إذن من جعلهم منا فقد افسد التاريخ وتعصب في مقاله تعصباً أعمى لا اختلاف فيه.
ومن النقول العربية القديمة الترجمة التي أمر بعملها يوحنا أسقف اشبيلة فتمت في سنة 717 للميلاد ولم تبلغ إلينا.
وكل ما وصل إلينا من النقول العربية حديث الوضع، لان اغلب الكنائس(8/665)
الشرقية كانت تتلو صلواتها باليونانية أو الرومية أو الارمية أو الأرمنية أو القبطية أو غيرهن من اللغات المستعملات في الشرق الأدنى وترك النصارى ألسنة أجدادهم، مست الحاجة إلى نقل
الكتب المنزلة إلى اللغة الضادية، فنقل علماء اليهود توراتهم إليها وجاراهم المسيحيون في الإنجيل فظهرت الترجمات بين القرن الثامن والعاشر من الميلاد، والمخطوطات التي اتخذت لهذه الغاية كانت في الكنس والكنائس، وكانت روايات النصوص مختلفة لان النساخ كانوا قد مسخوا اغلبها مسخاً في كتابتهم إياها فكان أعلب عناية المترجمين في رد النص إلى اصله الصحيح الفصيح وما كانوا يبالون كثيراً تقريب المعاني من إفهام العوام إذ كانوا يجردون النص من الظلمات التي أحاطت به.
زد على ذلك أن اليهود ما كانوا يقرءون في كنسهم جميع أسفار التوراة ومثل ذلك قل عن المسيحيين فانهم ما كانوا يقرءون جميع أسفار العهد الجديد، أما أسفار العهد القديم فكانوا يطالعون منها الزبور والأنبياء، ولهذا حامت الخواطر حول ما يتلى من تلك الصحف، وأما ما كان في سائر المصاحف فكانوا ينقلون إلى العربية ما ورد من آياتها في الصلوات والأدعية والشعائر الدينية. ولهذا لا يرى في لغتنا نقل كامل للعهدين، ولما حاول بعضهم الحصول على ترجمة كاملة تستوعب جميع الأسفار الإلهية عمدوا إلى الأجزاء المعربة - وكانت لعدة مترجمين ومن عدة لغات - وادمجوا فيها ما عربوه بأنفسهم، وهكذا جاءت الترجمات بعبارات مختلفة السبك والصحة كأنها الثياب القلمونية أو مرقعات الدراويش، إذ ترى في تلك النقول مزايا كل لغة ترجمت منها. ففيها خصائص الارمية والقبطية والعبرية واليونانية والرومية. واحسن مثال لما نقوله مخطوط بريف ولهذا لا يعتمد على النسخ العربية المترجمة إذ نصوصها مترجرجة ورخوة لا قوام لها. على أن النقدة الخبيرين يرون فيها بعض الأحيان نوراً يسطع منها ليضيء لهم في مدلهمات الرواية الارمية المعروفة (بالبسيطة). ومهما يقل عنها، فان لها منزلتها في تاريخ التوراة.
واقدم ترجمة عربية نقلت من العبرية وعرفها علماء العصر هي ترجمة سعديا(8/666)
الفيومي (891 إلى 941م) من ديار مصر وكان في زمنه مدير المدرسة التلمودية في سورة والترجمة تداني كثيراً الحشو الترجومي فهي انفع للتفسير منها لنقد النص. والمخطوطات الباقية من هذا لنقل يظهر أن الأيدي قد لعبت به كل لعب. ومسألة معرفة هل أن هذه الترجمة كانت تشمل التوراة كلها أو لا، باقية في ميدان الجدال إلى هذا العهد. على أن المؤكد أنها كانت تشمل أسفار موسى الخمسة ونبوءة اشعياء. ويذهب جماعة إلى أن سعديا
عرب أيضاً سفر أيوب والأنبياء الصغار والزبور. وهذا يكاد يكون رأي عموم الذين عنوا بهذا الأمر. ولهذه الترجمة عدة مخطوطات أهمها سبعة. وعدة مطبوعات أشهرها تسعة. وليس هنا محل تفصيلها.
ومن المعربات ما نقل من اللغة الارمية (السريانية) من النسخة المعروفة بالبسيطة (أي فشيطتا) والمعرب منها أسفار مختلفة لا التوراة كلها بحذافيرها وهذه النقول وقعت في المائة الثالثة عشر والرابعة عشر على أيدي النصارى ومن هذه المعربات نسخ خطية ومطبوعة يطول ذكرها.
وهناك ترجمات من النسخة السبعينية منها مخطوطة ومنها مطبوعة. وكذلك قل عن الترجمات المنقولة عن الرواية اللاتينية المعروفة بالفلفاتا (أي العامية أو الشائعة).
والخلاصة أن البحث في هذا الموضوع طويل عريض كثير الشعب لا يوافيه حقه إلا كتاب قائم برأسه.
الترجمات المطبوعة
أما الترجمات المعروفة في الشرق الأدنى فهي التي نقلت عن النسخة اللاتينية المقبولة في الكنيسة الكاثوليكية فطبعت في مجمع انتشار الإيمان في ثلاثة مجلدات بالقطع الكامل في سنة 1671 ثم جاء البروتستنيان (لي وماك بريد) ونزعا من الترجمة الكاثوليكية المقدمة والأسفار القانونية الثانية والنص اللاتيني وطبعاها على نفقة (شركة التوراة) في لندن سنة 1822 بقطع الثمن، ثم تتابعت الترجمات والطبعات وكلها تعتمد في أهم عملها على الترجمة المطبوعة في رومة فهي إذن أم لجميع النسخ المطبوعة في الشرق المبثوثة في مدنه. من ذلك النسخة الدمنكية الموصلية (سنة 1875) والنسخة اليسوعية البيروتية (سنة 1876)(8/667)
والنسخة البروتستانية البيرويتة (سنة 1856). وقد وقف على إصلاح عبارة هذه الترجمات أشهر أدباء بيروت وعلمائها كفارس الشدياق وبطرس البستاني والشيخ ناصيف اليازجي والشيخ يوسف الأسير والشيخ إبراهيم الأحدب والشيخ إبراهيم اليازجي إلى غيرهم. واحسن هذه الترجمات عبارة الترجمة الدمنكية فاليسوعية فالبروتستانية. وليس في الترجمة البروتستانية من العربية سوى الحروف والكلم. أما العبارة أو صياغتها فليستا من لغتنا بشيء. واحسن منها الترجمة اليوسوعية وافضل الترجمات هي النسخة المطبوعة في
الموصل وكان ناقلها الخوري يوسف داود زبوني الذي سقف بعد ذلك على دمشق فصار المطران اقليمس يوسف وترجمة الزبور اليسوعية من أسوأ الترجمات فأنها تبتعد كل البعد عن النص العبري، حتى أن اليسوعيين أنفسهم اضطروا إلى اتخاذ نص الزبور القديم المطبوع في رومة مع إصلاح في عبارته والى نشره على حدة في كتاب خاص ليستعمله الشرقيون في صلواتهم وأدعيتهم.
والمشهور عند المسيحيين أن الترجمة اليسوعية هي احسن الترجمات لغة وأمتنها عبارة لان الشيخ إبراهيم اليازجي تولى تصحيحها بعد أن كان ينقلها من العبرية واليونانية الأب اوغسطين اليسوعي ويصدق ترجمتها أربعة أساتذة يسوعيين متضلعين من العلوم الدينية ومعرفة اللغات الشرقية حتى جاء في مقدمة هذه الطبعة في ص7 ما هذا نصابه: (فقد جاءت هذه الترجمة والحمد لله وافية بالمرغوب. كافلة بالمنى. ولم يبق معها عذر في إيثار نسخة الهراطقة. وحق على الجميع الانقياد للرؤساء في مثل هذا الأمر المهم الذي يتعلق عليه إخلاص النفوس) اهـ.
أما أن في هذه الطبعة اليسوعية أغلاطاً شتى فمما لا شبهة فيه عندنا. ونحن نذكر شيئاً منها لكي لا نرمى بالتهمة. من ذلك الآيات التي فيها (ها هوذا) وما تصرف منها. فإنها سقيمة التعبير فقد جاء في سفر الخلق (22: 1) هوذا آدم قد صار كواحد منا - وفيه (16: 9) ها أنا مقيم عهدي - وفيه (6: 11) هو ذا هم (كذا) شعب واحد - وفيه (3: 15) فهوذا ربيب بيتي هو يرثني وفيه (2: 16) هوذا قد حبسني الرب - وفيه (34: 20) فلما كان الغد قالت الكبرى للصغرى: هاءنذا. . . - وفيه (42: 27) هوذا عيسو أخوك.(8/668)
وفيه (15: 28) وها أنا معك. . . وفيه (13: 37) فقال إسرائيل ليوسف هو ذا اخوتك يرعون عند شيكم وفيه (42: 38) وهاهي حامل. . . وفيه (8: 39) هو ذا مولاي لا يعرف. . . وفيه (1: 47) وهاهم في أرض جلسان. . . وفيه (2: 48) هوذا ابنك يوسف.
والصواب أن يقال: هاهو ذا آدم. هاءنذا مقيم. هاهم أولاء شعب واحد. فها هو ذا ربيب. هاهو ذا حبسني. هاءنذي أو ها أنا ذه. هاهو ذا عيسو. وها أنا ذا معك. هاهم أولاء اخوتك. وهاهي ذي أو هاهي ذه حامل. هاهو ذا مولاي. وهاهم أولاء. - على انه جاء في نص الفصحاء قولهم هوذا آدم. بحذف (ها) المتقدمة عليها. وكذلك القول في ما ضاهى هذا
التركيب وان كان منعه النحاة والبلغاء الاقحاح. أما أن بعضهم قال مثل: هو ذا هم شعب. وهاءنذا (في المؤنث المتكلم) وهاهم في أرض جلسان فلم يرد أبداً. لان هذا التركيب هو من الساقط كل السقوط في نظر المتشددين في النحو والمتساهلين فيه. فهو من افحش الغلط ومن اشده تشويهاً للكلام. زد على ذلك أن كلمة (ها هوذا) وما تصرف منها وردت في النص الأصلي اثنتين وأربعين مرة في سفر الخلق فلم ينقل منها المعربون إلا بعضاً وتركوا كثيراً منها، أما إهمالا، وأما إبدالا لها بما يقوم مقامها. وهذا ليس من حسن الأمانة. أما ورودها في التوراة كلها فكان ألفاً واثنتين وخمسين مرة: فلو توسعنا في الفرض وقلنا أن المترجمين احسنوا ترجمتها في نصف مقدارها فيكونون قد اخطئوا خمسمائة وستة وعشرين غلطاً. وهو ليس بالقدر الذي يستهان به، فتأمل.
وهناك أوهام أخرى لا تعد ولا يمكننا أن نأتي عليها، إذ يجب أن يرصد لها كتاب قائم برأسه، إلا أننا نذكر بعضاً منها على سبيل المثال، وفي ذكرنا إياها لا نتبع طريقاً أو نهجاً، بل نتصفح صفحات على عجل بغير نظام وما يقع عليه بصرنا نذكره.
وأول شيء يتجه إليه نظرنا هو أن الناشرين لهذه الترجمة لم يضبطوا الأعلام على وجه مقبول ومعقول. فمرة يجرون على أسلوب العرب كما فعلوا في ضبط موسى وداود وسليمان. ومرة جروا وراء العبريين في لفظهم كما فعلوا في آدم(8/669)
وهابيل ويقطان. وأحيانا لم يجروا على وجه من الوجوه. فقد ذكروا مرة جبل الكرمل بفتح الكاف والميم. والعبريون يلفظونه بفتح الكاف وإمالة الميم. والإمالة تنقل إلى العربية بكسرة أو بفتحة إذا كانت مقصورة وبالياء أو الألف إذا كانت ممدودة. فقالوا مثلا هابيل وشيت بالياء والأصل العبري بالإمالة الممدودة. وقالوا عدن وإيزابيل والأصل فيهما بإمالة العين والدال في الأولى وبإمالة الباء في الثانية وكلتا الامالتين مقصورة. وإذا كان الأمر على هذا المنحى فكان يحسن بالمعربين أن يخرجوا الأعلام على وزن يوافق لغة العرب وذوقهم فكان عليهم أن يقولوا: الكرمل بكسر الكاف والميم كزبرج على حد ما ضبطه العرب في كتبهم على حد ما يتلفظ به أهل الديار أنفسهم إلى يومنا هذا.
وقد ضبطوا صهيون مراراً لا تحصى بكسر الصاد وضم الياء ومثل هذا الوزن لا وجود له في لغتنا. وكان الأحسن أن يضبط على هذين الوجهين أما بكسر الصاد وفتح الياء
ليشابه بزبون وحرذون وجردحل وقنذفل. وأما بفتح الأول وضم الياء ليحمل على مثل ليمون وزيتون وبينون وسعدون. وأما ضبطهم فلا يوافق لفظ العبريين ولا لفظ السلف. فضبط الأعلام يغلب عليه هذا السقم فهو عيب لا يخفى على كل من له أدنى ذوق. ونحن لا نعترض له لوروده بالمئات لا بالعشرات. وكثيراً ما يرد العلم الواحد بصورتين أو اكثر، وهذا أيضاً بلاء آخر. فان القارئ يظن أن الواحد غير الآخر. ففي سفر الملوك الثاني (9: 16) ابيشاي. وفي سفر أخبار الأيام الأول أبشاي (بلا ياء مثناة بعد الباء الموحدة التحتية) - وجاءت سموئيل بالصاد أي صموئيل وهو مخالف لما سمع عن السلف ولأصل اشتقاق اللفظ. وصموئيل بالصاد من أغلاط العوام ومسخ الأعلام مسخاً جائراً. وضبطت يؤاب ومآب هكذا: يوآب وموآب وكلاهما خطأ. لكن ما شاننا ورسم الأعلام فهذا بحث لا يستقصي لان الترجمة المذكورة شوهت اغلبها أقح تشويه، اللهم إلا الأعلام التي اشتهرت على السنة الفصحاء فإنها لم تصب بأذى والحمد لله.
وكثيراً ما جاء المصطلح الأعجمي بدلا من المصطلح العربي الفصيح فقد جاء مثلا في سفر الملوك الأول (13: 18) ولكنت أنت قمت ضدي. والعرب(8/670)
لا تعرف هذا التعبير والمشهور عندهم: قمت علي، والإصحاح السابع الآية الرابعة من ذلك السفر ما يأتي: (فأزال بنو إسرائيل عنهم البعليم والعشتاروت وعبدوا الرب وحده) ولو قالوا: البعول وعشتروت لكان أصوب، لا البعليم الذي هو في اللغة العبرية لا في لغتنا. وعشتروت لا يدخلها اللام ولا تكتب بألف بعد التاء. إنما ذلك من أوهام العوام، وما كان يحسن أن يجاورهم فيها ولا في أمثالها. وجاء في السفر المذكور 3: 8: ولم يسلك ابناه في سبله. . . فاجتمع شيوخ إسرائيل كافة. . . وقالوا له: انك أنت قد شخت وبنوك لا يسلكون في سبلك). وكان الواجب أن يقال: (وابناك لا يسلكان لأنه لم يكن له سوى ابنين على ما ذكر في الإصحاح نفسه وعلى ما أوردناه من النص. وفي سفر الملوك 10: 14: 3 (فقال لها الملك: من تكلم في شأنك فأتيني به، فلا يعود يتعرض لك من بعد.) والصواب حذف (يعود) لأنه ليس في الأصل ولا في النسخة اللاتينية العامة. وهي كثيراً ما زيدت في بعض الآيات على غير جدوى. فلا حاجة إلى ذكرها كلها لكثرتها. ولو قال: (فلا يتعرض لك من بعد) لكان الكلام أوفى بالمرام وأخصر وأوفق. وفي سفر الملوك المذكور 22: 24:
(هو ذا البقر للمحرقة والنوارج وأدوات البقر تكون حطباً) ولو قيل: (ها هوذا البقر للمحرقة والنوارج. . . تكون خشباً أو جزلا لكان أقوم تعبيراً. لان الحطب: ما اعد من الشجر شبوباً للنار. ولا يكون إلا غير غليظ. وأما الغليظ منه كالذي يتخذ للنورج وأدوات البقر فلا يكون إلا (جزلا) وهو الغليظ العظيم من الحطب. أو (خشباً) وهو كالجزل، أي ما غلظ من العيدان. وفي سفر الملوك الأول 16: 9 (غداً في مثل هذه الساعة أرسل إليك رجلا من أرض بنيامين فامسحه قائدا على شعبي إسرائيل) فقول الآية: قائداً على شعبي من افحش الكلام وأبذأه. بل من الكلام الذي يجب إصلاحه في الحال من غير إبطاء البتة. فلينظر الناشرون لهذه الترجمة ما معنى قاد على فلان أو فلانة. والصواب أن يقال: قائداً لشعبي إسرائيل) وليراجعوا ما كتبوه في سفر الملوك ك2: 5: 1 (وأنت تكون قائداً لإسرائيل) فهو التعبير الصحيح الذي لا غبار عليه. ومن الغريب انهم عادوا إلى هذا الغلط الفاحش الفظيع في سفر الملوك الثالث في 35: 1 (واصعدوا وراءه فيجيء ويجلس على(8/671)
عرشي وهو يملك مكاني، فانه هو الذي أوصيت أن يكون قائداً على إسرائيل ويهوذا) ثم عادوا فاصلحوا هذا الغلط في سفر الملوك الثالث في 16: 2 (من اجل أني رفعتك عن التراب وجعلتك قائداً لشعبي إسرائيل. . .) وكذلك أصابوا في قولهم: (ارجع وقل لحزقيا قائد شعبي) (سفر الملوك 4: 20: 5) وإذا راجع الباحث الآيات التي فيها كلمة (قائد) يراها مرة معداة بعلى ومرة غير معداة. ولهذا لا يمكننا أن نأتي على ذكر جميع الآيات المذكورة فيها كلمة (قائد) فلتحفظ هنا هذه الفائدة.
وجاء في سفر الملوك الأول 18: 13: (ولكنت أنت قمت ضدي). وهذا تعبير لا تعرفه فصحاء العرب، إنما هو من قبيح المعرب: لان من المعرب ما هو حسن ويؤخذ به، ومنه ما هو قبيح فينبذ نبذ النوى، وهذا الكلام هو من هذه البضاعة المزجاة. والصواب أن يقال: (ولكنت أنت قمت علي) ويشبه هذا الغلط قولهم في سفر الملوك الثالث في 14: 1 (أن قلب الملك مال نحو ابشالوم. . .) قلنا: أن قولهم: (مال نحو) قد يجوز، لكن الفصحاء في مثل هذه الآية يقولون: (مال ابشالوم) وتعديه مال بالى هو الفصيح والمعروف وأما تعديته بنحو. فليس من عتيق الكلام ولا من حرة ولا من منسوبة. وكثيراً ما يغلطون في تعدية الأفعال ومتابعة هذا الوهم شاق جداً. فتراهم يقولون مثلا في سفر الملوك الثالث 14: 17
(فعند دخولها على عتبة الباب مات الغلام) ولو قالوا (فعند دخولها عتبة الباب أو في عتبة الدار) لكان كلامهم احسن وأقوم وهو المتبع. ومن هذا الباب ما جاء في سفر يهوديت 7: 1 (وفي اليوم الثاني أمر اليفانا جميع عسكره أن يزحفوا على بيت فلوى) فقول الترجمة (أن يرحفوا على بيت لوى) انهم جعلوا تحتهم أو تحت سوقهم بيت فلوى (المدينة) ليزحفوا عليها. وهو معنى شنيع، إنما المعنى السير إلى بيت فلوى. فكان يجب أن يقال: (أن يزحفوا إلى بيت فلوى) وجميع الكتاب العصريين يزلون هذا الزلل ولم نر راعى صحة هذا التعبير وهو أمر في منتهى الغرابة. مع انك لو استقريت جميع أقوال الإخباريين والمؤرخين تراهم يقولون (زحف إلى) لا (زحف على) الذي معناه غير المعنى الأول (راجع(8/672)
لغة العرب 7: 341 و 6: 614 و 5: 208). على أن الناقلين كثيراً ما اظهروا انهم غير قابضين على أعنة العربي الفصيح. ففي سفر الملوك الثالث 18: 26: (وكانوا (أي أنبياء البعل) يرقصون حول المذبح الذي صنعوا. . . وجعل حول المذبح قناة تسع مكيالين من الحي، فجرى الماء حول المذبح دائراً وامتلأت القناة أيضاً ماء. . .) والظاهر من هذا الكلام انهم غير واقفين على صحة معنى هذه الألفاظ: المذبح والقناة وجرى دائراً). . . وكان الاصوب أن يقال: وكانوا يرقصون حول (الأنصاب) التي أقاموها. . . ونأى حول المنسك نؤياً) ومن الأغلاط المعنوية التي ترى في هذه الترجمة اليسوعية البيروتية قول المعربين في سفر الملوك الثاني 21: 18 (وكانت أيضاً بعد ذلك حرب في جوب مع الفلسطينيين فقتل حينئذ سبكاي الحوشي سفاً أحد بني الجبابرة. ثم كانت أيضاً حرب في جوب مع الفلسطينيين. . .) فمعنى قولهم حرب مع الفلسطينيين أن بني إسرائيل حاربوا الفلسطينيين، لكن نص العبارة يدل على أن الفلسطينيين انضموا إليهم ليحاربوا (معهم) عدواً آخر. وهو دون قول الفصحاء: (وكانت بعد ذلك حرب الفلسطينيين أيضاً في جوب) في كلتا العبارتين. ووجب وضع (أيضاً) بعد حرب الفلسطينيين لا بعد كانت، لإفادة تكرار الحرب، لا تكراراً للكون المطلق وفي كل ذلك معنى دقيق لا يخفى على الفطن، وهذا الغلط يقع كل يوم ما يكتبه أدباء مصر وفلسطين وسورية ولم ينتبه إليه أحد مع انه وهم ظاهر يخالف ظاهرة معناه. وقد تكرر هذا الخطأ مراراً في هذه الترجمة ولا حاجة لنا إلى تتبعه في كل ما ورد من النصوص، لان الغاية من هذه السطور التذكير ليس إلا. أما أن
قولنا هو الصحيح وقول المترجمين هو الخطأ فظاهر من أقوال الفصحاء جمعهم لم نستحدث شيئاً، إنما نحن تبع. فقد جاء في كلام البلغاء (أنا حرب لمن حاربني) و (فلان حرب فلان) ولم يقولوا أبداً (أنا حرب مع من حاربني) ولا (فلان حرب مع فلان) إذ كل هذا خلاف لما في الصدر.
وتتبع كل ما هناك من الهنوات والزلات والهفوات أمر يطول ويستلزم وضع كتاب ضخم قائم بنفسه بين فيه سبب تصحيح تلك المعلومات أو تلك(8/673)
المفاسد وليس ذلك الآن من غايتنا.
وهناك ضرب آخر من المآخذ على الترجمة اليسوعية وعلى سائر المنقولات التي جاءت على غرارها، وهو أنها تراع في النقل الاحتفاظ بالألفاظ العربية المجانسة للعبرية الواردة في النص الأصلي وهذا لا تكاد تخلو منه آية، ونحن نذكر هنا بعض الشواهد - جاء مثلا في سفر الخروج 3: 7 هذه الآية: (فقال الرب أني قد نظرت إلى مذلة شعبي الذين بمصر وسميت صراخهم من قبل مسخريهم وعلمت بكربهم). وفي الآية 17: (فقلت أني أخرجكم من مذلة المصريين إلى أرض الكنعانيين. . .) فاتلكلمة العبرية الدالة على (المدلة) في النص الأصلي هو (عني) الذي معناه العناء. فلو قال النقلة: (أني قد نظرت إلى عناء شعبي. . . أني أخرجكم من عناء المصريين) لكان احسن. نعم أن المعنيين واحد، لان معنى عنا له يعنو عناء: خضع وذل فهو عان وعني. فيكون العناء والمذلة بمعنى واحد. إلا أن هناك فرقاً هو أن (العناء) وارد في النص العبري بخلاف المذلة فأنها لم ترد. زد على ذلك أن (العناء) أخف وزناً ولفظاً من (المذلة) وهناك قولهم: (وسمعت صراخهم من قبل مسخريهم). ولو قيل: (وسمعت صراخهم لقساوة الوهناء عليهم) لكان هو المطلوب.
وفي سفر الخلق 35: 5 (فدفنها يعقوب تحت البطمة) وفي النص العبير (تحت الالاءة) والالاءة هنا احسن وهي في العربية كما في العبرية: شجرة ورقها وحملها دباغ وهي حسنة المنظر مرة الطعم لا تزال خضراء شتاء وصيفاً (عن التاج).
وفي لسان العرب: (قال أبو زيد: هي شجرة تشبه الآس لا تتغير في القيظ ولها ثمرة تشبه سنبل الذرة ومنبتها الرمل والأودية. قال: والسلامان نحو الآلاء غير أنها أصغر منها تتخذ منها المساويك، وثمرتها مثل ثمرتها ومنبتها الأودية والصحاري) اهـ. - أما البطمة فشجرة الحبة الخضراء وهي غير الآلاء ومن أراد التحقيق فليرجع إلى الأمهات. وإبدال كلمة من
كلمة أخرى تقاربها من غير أن تكون اياها، كثير الأمثلة. فقد جاء مثلا في نبوءة زكريا 1: 8 (لان من يمسكم يمس حدقة عينه) والكلمة العبرية هي (بينة)(8/674)
(وزن عنبة) أي بؤبؤ. ونحن لا نرى هنا إبدالها الحدقة لان الواحدة غير الآخرة ولا سيما لان كادة (ب أب أ) ومادة (ح د ق) معروفتان في اللغتين العبرية والعربية. وهذا الخطأ يظهر شنيعاً في الألفاظ العلمية الاصطلاحية فان النسخة اليسوعية لم تحقق أسامي الطيور الواردة في سفر اللاويين الذي سموه سفر الأحبار، فقد جاء مثلا في الإصحاح الحادي عشر في الآية 17 وما بعدها: واليوم والزمج والباشق والشاهين والقوق والرخم واللقلق والبغاء بأصنافه والهدهد والخفاش) وهذه الأسماء لا توافق ما جاء في النسخة العبرية الأم ولا ما في النسخة اللاتينية الشائعة، ولا سائر النقول السامية اللغة، فان المعربين أليس وعيين قد انفردوا بهذه الترجمة انفراداً عزاهم عن جميع الناقلين والرواة وأظهرهم من المخطئين بين كل من ترجم وفسر وأول. أما التعريب الصحيح فيكون هكذا: (والمصاص (نوع من البوم) والغواص والحبيس (هو أبو حنش أيضاً) والتم والقوق والزمت والبلشون والطيطوي بأصنافه والهدهد والخفاش) أهـ. فأين هذا من ذاك؟ أما إظهار فساد الترجمة اليسوعية فيطول بسطه لما يتركب على هذا العمل ذكر اللفظة العبرية ومعناها وسوء معنى الكلمة التي ذكرها اليسوعيون المترجمون وسبب تفضيل ما ذكرناه من أسماء الطير على أسماء طيرهم على أننا لا نتلكأ عن إظهار ما في نقلنا من الصحة إذا ما اكرهنا أناس على تبيينها عند حاجتهم أليها.
وسوء نقل الألفاظ الاصطلاحية في كل ما جاء في هذه الترجمة يطول طولا يخرجنا عن موضوع المجلة ويدفعنا إلى معالجة ما ليس من مباحثها فاجتز أنا بهذه الإشارة.
فيلعم من هذا البسط المجمل أننا فينا حاجة ماسة إلى نسخة توراة عربية صحيحة العبارة. وان هذه الأمنية لم تتحقق إلى اليوم. أما نسخة الموصل فهي في نظرنا احسن من نسخة بيروت وان كانت دون هذه حسناً في الطبع والضبط والورق. وأما النسخة العربية التي عني بطبعها البروتستان فلا يمكن أن تمسك بالأيدي للغتها الأعجمية وفساد تركيب عبارتها المكتوبة بحروف عربية وهي عن العربية بعيدة بعد الصينية عنها. وعسى أن لا يحمل كلامنا إلا على الغيرة وعلى الاهابة بأرباب الدين إلى وضع ترجمة صحيحة لا غبار
عليها. وهو الموفق لسواء السبيل.(8/675)
بيت الشاوي
1 - بيوت بغداد
إن العصور المتأخرة قلت من شأن بغداد، وجعلتها في الدرجة الدنيا عن سائر الأقطار والبلدان، لان العراق أضاع مركزه السياسي، والعلمي، وفقد السيطرة على الممالك الآخر وعلى عقول الجماعات، من أمد بعيد، ومدة طويلة جداً، ولكنه مع هذا، لم يفقد خصائصه، وعلميته، ومكانته الممتازة بالنظر إلى أطرافه المجاورة، وبالنظر إلى عقلية أهليه، ومزاياهم الطبيعية.
لذا نرى فيه صنوفا قد امتازوا على غيرهم، واشتهروا بخصائص علمية، وسلوكية. جعلتهم بمكانة سامية وأرقى من غيرهم وهذا ما دعا أن يعرف منهم كثيرون، ويشتهرون بالعلم أو المشيخة، أو الرياسة القبائلية وما ماثل ذلك.
كتبت بعض الرسائل، والكتب، عن بيوتات عراقية، ونشر بعضها، وان النفوس تتطلع إلى مثل هذه المباحث، والكل منا يود أن يكشف اللثام، عما كان لها من مكانة ماضية، ومنزلة رفيعة، ومن تأثيرات عملت فيها، وعلاقة اتصل أهلوها بها، وأواصر ربطتهم بها.
وغالب ما رأينا لا يخلو من إذاعة، ونشرة، ولا يسلم من مناقشة ولا يقوي على حجة، وكل ما هنالك المدح الفارغ أو الثناء العاطر الصرف. ولن نعلق أهمية كبيرة بمثل هذه الأمور، اللهم إلا إيضاحاً لمبدأ الأسرة (العائلة) أو أوائل أحوالها، اعتماداً على محفوظات الأسر عن اصلها الغامض، أو عراقة النجار.
وعلى هذا عزمت أن أتكلم على بعض البيوت (العائلات) التي خدمت هذا المحيط، أو أقامت في قيادته وأدارته مدة. بأن قامت بأعمال كبيرة متصلة بوقائعه أو خدمة تعليمية، أو طريقة إصلاحية، سواء أكان محصوراً في شخص أم توالى في اشخاص، وهكذا جرياً على سنن الحق والصدق.
وعلى الرغم من قلة المصادر وندرتها، أو حرص أهليها على الاحتفاظ بها(8/676)
من دون اطلاع أحد عليها، لن نذخر وسعاً في البحث، بياناً لحقيقة رجالاتنا السابقين، وأكابر علمائنا ومشايخنا، وما أحدثوه من اثر في الجماعة، دون الإشادة بالمفاخر الكاذبة. ومعتمدنا الوثائق
العلمية، والأدبية والمجاميع المتعددة.
وهنا يلاحظ انه لم يكن في العائلات المشهورة جميعها أفذاذ وبصورة مستمرة متوالية، فقد يكون هناك متوالون أو متعاصرون، فإذا تحقق في بعضها فهو لا يتحقق في الأخرى، وهكذا المحيط لا ينجب إلا أحيانا بل قد يلد العصر فذاً واحداً، أو عدة أفذاذ. وقد تمر بنا عدة عصور إسلامية فلا نجد فيها كلها نوابغ بلا لا نقدر أن نقول: أن جميع أكابرهم نوابغ، فالوحيدون قليلون على حد ما قيل:
ما كل من طلب المعالي نافذاً ... فيها ولا كل الرجال فحول
وهذه أسرة نبيلة من الايلات البغدادية التي كان لها مكانة تاريخية ومركز ممتاز بين بيوتات بغداد المعروفة وقد توالى رجالها الواحد بعد الآخر فاقدم البحث عنها للقراء وهي: (بيت الشاوي).
2 - آل شاوي
تمهيد
أن الحكومة العثمانية حكمت العراق من زمن بعيد أي من سنة 941هـ ثم تداولته الأيدي بين ترك وعجم حتى استقر للترك. وخلص لهم. اللهم إلا في بعض أزمان فقد حدث في خلالها قلاقل واضطرابات داخلية، ومنافرات خارجية دولية أدت إلى الاستيلاء على بعض أجزائه، ثم استعادت السلطة نفوذها.
وفي كل هذه الأيام كانت الحكومة بين عوامل كثيرة، تهدد كيانها وتدعو إلى الوقيعة بها، إلى تشويشها
وهذه الأحوال ساقتها إلى أن تتخذ الوسائل للنجاة من هذه المآزق والأخطار فركنت إلى تدابير من شانها أن تكون وافية لمواقفها الداخلية ومقاومة غوائلها الخارجية. وقد علمتها التجارب العديدة هذا السلوك، سواء من وقائع مؤلمة، أم من حوادث نافعة، ناجعة كانت قد راعتها، وسعت للتوقي من نتائجها.
وليس في وسعنا الآن بسط القول في جميع هذه الوسائط التي مشت علها لحفظ كيانها، إذ ذلك يطول فلا نخرج عن الصدد الموضوع لأجله هذا المقال،(8/677)
إنما غاية ما نريده في هذا البحث، بيان مكانة هذه الأسرة في تاريخ العراق، وما لقيته من الأدوار واهم أمر قامت به
أن الحكومة استخدمتها لأجراء النفوذ على القبائل من طريقهم للتفاهم معهم، أو للسيطرة عليهم بتقوية النفوذ على القسم المناوئ، واستعمالهم آلة قوية تجاه العشائر الآخر من عربية وغير عربية كما أن الحكومة استخدمت لنفسها أقواماً آخرين لمقاومة العرب، ولا يهمها تطاحن القبيلين، أو تأسس العداء بينهما، بل توليد البغضاء هو الأمر المبتغى.
إن الوقائع التي جرت، والتطورات التي لحقت هذه الأسرة، ونفوذها والتبدلات من هذا النوع، تؤيد ما قلته وتوضح بجلاء هذا الغرض فإنها لما لم يبق لها أمل في الاستفادة من هذا البيت، وغضبت عليه، وعلى اهله، وقومه قربت غيره وجازفت معه، فبذلت له كل مرتخص وغال، بل كل ما استطاعت لنيل الغرض، حتى أن الحكومة لم تكتف بكل ذلك بل أسكنتهم مساكن هذا البيت.
والأمر لا يقتصر على هذا البيت، أو ذاك للقضاء على مقدرات هذا القطر بل هناك عوامل آخر توسلت بها الحكومة التركية من تقوية المذاهب المتخالفة والطرائق المتباينة والأقوام المتنوعة، وهكذا كلما أحست بقوة عملت لتوهينها مما ننتظر الفرصة عنه لتدقيق النظر في مباحثه.
وعلى كل حال أن اعظم خصيصة هذا البيت تعاطي (أمور السياسة العشائرية) وعلاقة الحكومة بها فقد اتخذته الحكومة عقد التفاهم وواسطة المعرفة والاطلاع ثم امتد نطاق نفوذ هذا البيت إلى ما وراء ذلك.
أما الحكومة فأنها مشت على هذه الخطة من أوائلها إلى أمد غير بعيد منا، ولكن لم تستطيع من التغلب على هذه السياسة، ومراعاة أوضاعها: في جميع ادوارها، اما لجهل بعض الولاة، أو لروح نزاعة في العشائر، نية إليها ضعف الحكومة، أو سياسة وزرائها الخرقاء. بسبب الشذوذ عن الأداة الحكيمة التي ينبغي أن تسير بموجبها، أو غوائل أخرى فتحت العيون للقيام. . . الخ ممالا يكاد يستوفي الكلام على جميع وسائله بنظرة سريعة. ومن طالع التاريخ بأنعام النظر تجلت له هذه الحقيقة بحذافيرها، ناصعة لا غاشية عليها.(8/678)
3 - أصل هذا بيت
هذه الأسرة من قبيلة عربية بحتة كريمة المحتد، ونبيلة، من قبائل حمير القحطانية. وهي (قبيلة العبيد) وهذه القبيلة نالت مكانة وشهرة بهذا البيت، إذ أن القبيلة التي ليس لها احتكاك
ما بالحكومة لا تشتهر شهرة تطبق الأفاق، ويكون لها دوي في التاريخ. . . وبسبب موالاة هذا البيت للحكومة ورضخه الطاعة لمطالبها، وتمشية لنفوذها، والتزامه لجانبها، بحيث تحارب من حاربته وتصاحب من والته. برهنت فعلا على خدمتها الصادقة وأيدت إخلاصها.
ومن جهة أخرى أن رجال هذا البيت صاروا واسطة تفاهم بين الحكومة والعشائر الآخر، فهم (عقد النظام)، كلما طرأ خلل، بادروا إلى رتقه، فقربوا النافر، وخدعوا الغافل، وناوءوا المحارب، وهكذا حتى آمنت الحكومة شر غوائل عديدة، ولولا هذه السياسة لما استطاعت تأمينها.
4 - رأس هذا البيت (شاوي بك)
لنا بحث مستوفي عن قبيلة العبيد التي منها هذا البيت وليس هنا محل بسط الكلام عنها، والذي أقوله هنا أن رياسة قبيلة العبيد كانت ولا تزال في (فرقة البو شاهر) فهم بيت الرياسة. وان أول رئيس منهم أقام في بغداد هو (شاوي بن نصيف) ولم تقطع علاقته بالقبيلة بل أن نفوذه كان بسبب سيطرته على هذه القبيلة، فتمكن أن يؤلف القبائل التي تمت إليه بسبب القرابة والاخوة القبائلية حتى صاروا يميلون إليه لأنه منهم ويركنون إلى مقدرته ونفوذه لدى الحكومة فيقضي على أكبر عوائلهم، وينهي حاجاتهم وسائر مهماتهم.
ولذا كان مسموع الكلمة، وله الصولة والشرف لدى الحكومة، يعز العشائر ويعتز بهم. ويكفيه فخراً أن تسمى هذا البيت باسمه. ولم تنقطع تلك العلاقة القبائلية. لهذا البيت إلى الآن. فالعبيديون لا يزالون إلى زمن المرحوم عبد المجيد بك الشاوي، يركنون إلى هذا البيت ويستعينون به إلا أن النفوذ لم يبق الآن على القبيلة ولا على العشائر الآخر. ومع هذا لم يستغن عن رأيهم في توجبه بعض الأمور العشائرية إلى أواخر أيام عبد المجيد بك الموما إليه.
والأمل لم يعدم من النفوس فان رجالهم يتحفزون للتسامي والوثوب(8/679)
إلى أعلى مكانة ولهم منزلتهم المعروفة.
هذا وان شاوي بك لم يعرف عنه شيء كثير. وعلى اكثر احتمال انه كان تقربه من الحكومة زمن الوزير حسن باشا في أوائل القرن الثاني عشر. وليس لدينا تاريخ توطنه
بغداد بالضبط ولا ملازمته للحكومة ولا ائتماره بأوامرها ولا عرفنا تاريخ وفاته. . . مما بأيدينا من الوثائق. وخير وثيقة تاريخية عثرنا عليها ما جاء في حديقة الوزراء في حوادث 1152هـ (1739م) بعد أن قص حادثة لأحمد باشا مع عشيرة القشعم حينما هاجم بنفسه وبخدمه ولم يكن معه أحد قال: (وهذه عادة لأبيه فانه فل مقدمة زبيدة بأربعة فوارس. وذلك كما حدثنيه والدي عن أبي عبد الله بك شاوي انه قال كنت مع الوزير الحسن في غزوته زبيد، وكان معنا أيضاً فارسان آخران مع الوزير يسير أمام العسكر، فاشغلنا بالصحبة، وأملينا أحاديث المحبة، حتى بعدنا عن العسكر، بحيث لا يدركنا البصر. ولم نزل سائرين، حتى أشرفنا على كثيب من رمل ممتد أمامنا. فلما صرنا فوقه، أبصرنا مقدمة الأعداء خلفه جائية وجموعهم وراءها عادية. فألويت عنان فرسي، فزجرني الوزير. وأغرنا على المقدمة، إغارة من يظن به أن قومه قريب منه فشتتنا جمعيه المقدمة بعد أن كانت مجموعة ملتئمة، واشتغل بيننا الأسمر، وجرى منهم الدم الأحمر، ولم تتلاءم الأعداء بعضها على بعض. إلا والعسكر أدركهم. ففرق شملهم بعد الاجتماع، وتركهم صرعى في تلك البقاع) اهـ. (راجع ص 302 و 303) ومنها تعلم منزلته ويوافق تاريخ هذه الواقعة سنة 1119 هـ 1707م.
واليك أيها القارئ ما قيل عن هذا البيت في تاريخ عنوان المجد وهذا نصه:
(ومنهم (من بيوت بغداد) بيت المجد، آل شاوي، العبيدي، الحميري، وهو بيت علم، وشجاعة، وكرم، ورئاسة، ونجابة، وأدب، وحسب، ونسب. وكانت لهم الكلمة النافذة في جميع قبائل عبر العراق: ورياسة العرب لدى وزراء بغداد، كالنعمان بن المنذر عند كسرى.
(وقد حازوا العلم، والسيف، والقلم، وسائر المفاخر. وكان يعيش في كنفهم خلق كثير ومن كل صنف، ولهم الصولة القاهرة بين القبائل) اهـ.(8/680)
أن شاوي هذا جدهم الأعلى، وهو أول من عرف منهم في بغداد، وهو الذي سالم الحكومة وعزم على موافقتها في خطتها، وقاوم بنفسه، وبقبيلته، العشائر المعادية، كما أشير إلى ذلك. ولا يذكر له من الأوصاف اكثر مما يوجد في رئيس قبيلة من كرم طباع، وذكاء عربي خالص، ونفوذ نظر للأمور وسرعة حل، وحسن تدبير وحلم، مما تعرف في رئيس
حاذق، عارف، ولذا نجد أخباره المدنية، وأعماله القومية ليست بالغربية.
واهم ما فيه مما أفاق به أقرانه أن تمكن من وفاقه للحكومة، والرضى بمقترحاتها. وأقام ببغداد تنفيذاً لهذه المطالب، والحكومة آنئذ بيد المماليك تقريباً، فراعى طراز إدارتهم وماشي سياستهم.
ولعل حكومة المركز لم تنتبه لمثل هذه الأمور، لبعدها عن العراق لولا حكومة بغداد، واطلاعها على حقيقة الإدارة. واكتسابها أخيراً من السطوة والنشاط ما لا يوصف بهذا الوزير حسن باشا. ومع هذا كانت حكومة العراق بين عاملين: بين تسكين الداخل والتأهب لطوارئ الخارج.
في هذا الحين طبعاً تحتاج الحكومة إلى مناصرة ومؤازرة من بعض القبائل وكان من السياسة قضاء حاجات العربان، والتساهل عليهم، على يد أميرهم (شاوي بك) والتوسط لهم بينهم وبين الآهلين للتفاهم وإزالة الخلاف.
وبهذه الصورة حاز المومأ إليه كل قوة مقدرة. فالحكومة لا تعرف غيره والعشائر لا يفاوضون سواه، ولا يتفاهمون مع غيره، ولا يلجئون إلى امرئ عداه.
وتتوضح هذه الحقيقة بجلاء من مراجعة الوقائع التي دونها التاريخ في زمن اختلال الحكم، واضطراب الأحوال بين أمراء المماليك، وبين وزراء الدولة أو بالتعبير الصحيح وبين حكومة المركز (الآستانة) أو بينهم وبين العشائر.
ومن ذلك الحين تيسر له أن يربي ولده عبد الله بك ويدربه على مثل هذا المسلك. فقويت شوكته بعده، وهو مجهز بوسائل معروفة أقوى واتصال بالداخل والخارج. واترك الكلام على عبد الله بك هذا إلى المقال التالي من الله المعونة.
المحامي عباس العزاوي(8/681)
في مجلة المجمع العلمي العربي
تتمة ما نشر في الجزء 7 من هذا السنة
وفي ص 144 - 145 وقد صح وهو فيقال فينا كيف يحفظها ولا الأموال فصححت هذه العبارة المطلسمة بقول الأستاذ مرجليوث: لعله يحفظون الأموال ورأت مجلة المجمع أن تصلحها بقولها: لعل الأصل بحفظ هؤلاء) قلنا: وكل ذلك لا يقوم أود المعنى. فان العبارة مبتورة وليس لها معنى مع كل ما وصف لها من الأدوية المعنوية.
وفي ص 145 س 5 وكان نبطياً. فأصلحتها المجلة قول الكاتب نبطياً بقولها: لعله قبطياً لان الحادثة وقعت في مصر. اهـ. قلنا: وهل من البعيد أن يعرف أهل مصر النبطية (الارمية أي السريانية) والنصارى اغلبهم كانوا يعرفون تلك اللغة في عصر الخلفاء في العراق وسورية ومصر إلى غيرها من ربوع الشرق. ومن الغريب أن المجلة أصلحت: وكان نبطياً بقولها: وكان قبطياً ولم تصلح ما ورد في تلك الصفحة عينها في السطر 7 وكان احسن بالنبطية فقالت: لعل الباء زائدة أو سقط لفظ المتكلم أو نحوه. أهـ. ولم تصلح النبطية بقولها: القبطية والذي عندنا أن النبطية في محلها ولا يحسن أن نبدل بالقبطية كما لا يحسن أن يبدل النبطي بالقبطي.
وفي ص 146 س 15 ماس الهوينا. فأصلحتها المجلة بقواها: والصواب الهويني. قلنا: لا أصوب هناك وإنما ذلك من تواطؤ الصرفيين وإلا فإننا قد أشرنا إلى أن جماعة من النجاة قد أجازوا ذلك (لغة العرب 8: 352) وقد وردت كتابة الهوينا بالألف القائمة والقصر في لسان العرب (17: 330: 23) وكذلك في نهاية ابن الاثير، إذ يقول: وفي رواية كان يمشي الهوينا (بالألف المقصورة) تصغير الهوني (بالياء المهملة). اهـ.
وفي ص 148 س 13: كنا مع حامد ابن العباس في ولايته يوماً جلوساً في(8/682)
الخيش بواسط. . .) والخيش: ثبات في نسجها تخلخل وخيوطها غلاظ من مشاقة الكتان. . . فقوله: (جلوساً في هذه الثياب) لا يستقيم معناه والذي نراه نحن أن الأصل هو (جلوساً في الحش) والحش البستان. والعراقيون يختلفون إلى البساتين في أيام القبط هرباً من شدة الحر.
وفيها س 16: سايدة الوسطي صوابها سائدة ولا يجوز تنقيط صورة الهمزة في المصوغ للفاعل.
وفي 150 س 13: قد تعريت عنها صوابها: منها.
وفي ص 201 س 12 فلقيه في الطريق أهل سمطيا. فعلق عليها الأستاذ مرجليوث: لعلها سمطيا. فضمت المجلة إلى هذا الكلام قولها: الذي قي ياقوت سبسطية. . ولم نجد بالميم إلا سمسطا قرية بصعيد مصر. اهـ. قلنا: ورد في تاريخ الطبري 1236: 2 (ثم دخلت سنة 93 فمما كان فيها من ذلك غزوة العباس بن الوليد أرض الروم ففتح الله على يديه سمسطية) هكذا بالميم وقد ذكر الناشر لهذا التاريخ روايات أخرى وردت في نسخ خطية منها: شمشيطية وشمشطية وسميسطة وسبسطية وسمسطة، إذن قول المؤلف سمطيا محرف عن سمسمطية والمدينة التي يجري الكلام عليها هنا: هي التي في أعلى الفرات وفي ديار الروم لا التي في فلسطين ولا التي في مصر.
وفيها س 16: فقلت زدتنا نذقه يا سيدي) (قال الأستاذ مرجليوث: كذا في الأصل ولعله نزقة. اهـ. ونظن أن العبارة توجب علينا أن نقول: زدتنا ثقة.
وفي ص 203 س 16 وكان أبوه من قبله مضموماً إليه. اهـ. والصواب من قبله. .
وفي ص 204 س 11 فيتناظران في أمر المال فيحتفيه علي بن عيسى بالحجة فيعول هو به إلى السبب والسفه. اهـ. والذي عندنا أن صحيح العبارة فيجتفيه بالجيم أي فيزيله عن مكانه بالحجة.
وفي ص 207 س 16 أعمالآ (بمد الألف الأخير) والصواب: أعمالا (بفتحتين في الآخر).(8/683)
وفي ص 211 س 12 وما في جيبه ومعايبه. ولعل الصواب: وعيابه جمع عيبة ليتفق مع قوله: في جيبه.
وفي ص 214 س 5: فإلى أن يستدعي لي والصواب فآلى بمد الألف. وفيها س 3: وقد نصبت له سبنية. فعلقت المجلة على السبنية ما هذا نصابه: السبنية: ضرب من الثياب تتخذ من ميثاق الكتان اغلظ يكون. وثياب من حرير فيها أمثال الاترج منسوبة إلى سبن موضع بناحية المغرب اهـ. قلنا: السبنية بمعنى الثياب المتخذة من مشاقة الكتان كانت تصنع في سبن (كسبب) قرية من قرى بغداد. وأما كانت تتخذ من الحرير فكانت تجلب من
ديار المغرب.
فالثوب السبني الذي نصب للموفق كان من حرير من بلاد المغرب لا من مشاقة الكتان. إذن ما كان يحسن أن تذكر هذه الأخيرة هنا بل الأولى فقط وكذلك نقول اضطرب زائد لا معنى له بعد شرحها (فخبط) بقولها: يقال: خبطه الشيطان وتخبطه مسه بأذى وأفسده إذ الواجب على الشارح أن يذكر المعنى المطلوب في النص لا ذكر جميع معاني اللفظة الواحدة فهذا العمل يخرجنا عن الغاية الموقوف لها الشرح. انتهى كلام لغة العرب.
عودة إلى نقد الأستاذ مصطفى أفندي جواد
1 - ورد في ص 291 س 7 (ورد معه من الزواريق والجمال التي تحمل أثقاله شيء كثير) فعالق المجمعون بلفظ الزواريق ما صورته (لم نجد الزواريق ولعلها الزوارق جمع زورق وهو القارب) قلنا: قال الفيومي في مصباحه عن (الدانق) ما نصه: (وجمع المكسور: دوانق وجمع المفتوح: دوانيق. بزيادة ياء قاله الأزهري، وقيل: كل جمع على فواعل ومفاعل يجوز أن يمد بالباء فيقال: فواعيل ومفاعيل) اهـ. وبهذا يعد من التضييق قول المؤلفين لقواعد اللغة العربية لمدارس مصر الثانوية ص 46 من الطبعة العاشرة: (وكل اسم حذف منه شيء لتصحيح صيغة فعالل وشبهها يجوز أن يزاد قبل آخر جمعة ياء كسفاريج جمع سفر وزعافير جمع زعفران) لان الزيادة غير مقصورة عليه، أما الياء المزيدة فهي متولدة من إشباع كسرة الجمع، قال المبرد في 1: 176(8/684)
من كاملة (وقوله: (الجلاعيد، يريد الشداد الصلاب واحدهم: جلعد وزاد الياء للحاجة. وهذا جمع يجيء كثيراً وذلك انه موضع تلزمه الكسرة فتشبع فتصير ياءاً يقال في خاتم: خواتيم، وفي دانق دوانيق وفي طابق طوابيق. قال الفرزدق:
تنفي يداها الحصى في كل هاجر ... نفي الدراهيم تنقاد الصياريف
اه
وتظهر صحة قول المبرد من قولهم: (مرسل مراسيل، ومجرع مجاريع، ومنكر مناكير وموسر مياسير، ومطفل نطافيل، ومعنق معانيق، ومحبض محابيض، ومخرط مخاريط، وعنكبوت عناكيب، وقشعم قشاعيهم، ومقضبة مقاضيب، ومقعنسس مقاعيس، ومقيد مقايبد، وكعسم كعاسيم، وملوث ملاويث ومؤخر مأخير، ومنجنيق مجانيق، وهجنف هجانيف،
وهدهد هداهيد، ومومس مواميس، وموتم مياتيم، وجوسق جواسيق، وحوجلة حواجيل، وسلم سلاليم، وزمجرة زماجير، ومسند مانيد، ومعصر معاصير، ومعضل معاضيل، وسجسج سجاسيج، وغذمرة غذامير، ومفلس مفاليس، ومقدم مقاديم، ومقرب مقاريب، ومنجح مناجيح). وما لا نحصيه: فالياء فيها ناشئة من إشباع الكسرة.
2 - وورد في ص 292 س 12: (وجسمه في دار ابن طاهر والزم سبعين ألف دينار يؤديها فكان يصححها - أي المعتضد - على جميل وهو يوكل به من قبل المعتضد في دار ابن طاهر). فعلقوا بلفظ (يصحح) ما عبارته (كذا في الأصل، وفي التاج: صحح الحساب أصلحه) قلنا: قد قرءوا من النشوار في الجزء الأول من المجلد العاشر لمجلتهم ص 77: (واخذ خطة لتصحيحها. فصحح خمسمائة وأربعين) فيحسن بهم تدبر مستعملات المؤلف، لان المراد بالتصحيح عنده، اثباتها، وتوكيدها لا إصلاحها، وإلا فالحساب مصلح متقن، ولم يعلقوا بدار ابن طاهر شيئاً وهي في مجلة الحريم الطاهري من كرخ بغداد والحريم بين مقبرة قريش (الكاظمية) ومدينة المنصور المدورة.
فلتراجع ص 165 و 178 من خلاص المذهب المسبوك.
له بقيه
مصطفى جواد(8/685)
رسالة إلى أبي عبد الله
احمد بن أبي دؤاد الايادي، من كلام أبي عثمن عمرو بن بحر
الجاحظ
كتبها إليه يخبره فيه (فيها) بكتاب الفتيا
(لغة العرب) هذه تتمة الرسائل التي ذكرها حضرة الدكتور داود بك الجلبي ووضعها، وهي من عين المجموعة المذكورة سابقاً.
بسم الله الرحمن الرحيم
أطال الله بقاك (بقاءك)، واعزك، واصلح على يديك. كان يقال: السلطان سوق، وإنما يجلب (يجلب) إلى كل سوق ما ينفق فيها. وأنت أيها العالم، معلم الخير، وطالبه والداعي إليه، وحامل الناس عليه، من السلطان بأرفع المكان. لان من جعل الله إليه مظالم العباد ومصالح البلاد وجعله متصحفا (متفحصاً) على العصاة. وعباد (عتادا؟) على الولاة. ثم جعله الله منزع العلماء ومفزع الضعفاء، ومستراح الحكماء فقد وضعه بأرفع المنازل، واسني المراتب. وقد قال أهل العلم، وأهل التجربة والفهم: لما يزع الله بالسلطان، اكثر مما يزع بالقرآن. وقد كان يقال شيئان متباينان، أن صلح أحدهما صلح الآخر: السلطان والرعية. فقد صلح السلطان، وعلى الله تمام النعمة في صلاح الرعية حتى يحقق الاثر، ونصدق الشهادة في الخبر، فنسئل (فنسأل) الله الذي منحك حسن الرعاية، أن يمنحنا حسن الطاعة. وقد نظرت في التجارة التي اخترتها والسوق السوق التي أقمتها، فلم أر فيها شيئاً ينفق إلا العلم والبيان عنه، وإلا العمل الصالح، والدعاء إليه، وإلا التعاون على مصلحة العباد ونفي الفساد عن البلاد. وأنا مد الله في عمرك، رجل من أهل النظر، ومن حمال الأثر، ولا اكمل لكل ذلك ولا أفي إلا في سبيل أهله وعلى منهاج أصحابه. والمرء مع من احب، وله ما اكتسب.
وعندي أبقاك الله كتاب جامع لاختلاف الناس في أصول الفتيا، التي عليها(8/686)
اختلفت الفروع. وتضادت الأحكام. وقد جمعت فيه الدعوى مع جميع العلل. وليس يكون الكتاب تاماً، ولحاجة الناس إليه جامعاً، حتى يجنح لكل قول، بما لا يصاب (يعاب) عنده صاحبه،
ولا يبلغه (ينقصه) أهله (أمله)، وحتى لا يرضى بكشف قناع الباطل، دون تجريده، ولا بتوهينه، دون أبطاله وقد قال رسول رب العالمين، وخاتم النبيين، محمد صلى الله عليه وسلم: تهادوا تحابوا. فحث على الهدية، وان كان كراعاً و (أو) شيئاً يسيراً. وإذا دعا إلى اليسير الحقير، فهو إلى الثمين الخطير أدعا (ادعى) وبه أرضى. ولا اعلم شيئاً ادعى إلى التجارب، وأوجب في التهادي، وأعلا (أعلى) منزلة، واشرف مرتبة، من العلم الذي جعل الله العمل له تبعاً والجنة له ثواباً.
ولا عذر لمن كتب كتاباً، وقد غاب عنه خصمه، وقد تكفل بالأخبار (بالأخبار) عنه، في ترك الحيطة له، والقيام بكل ما احتمله قوله، كما انه لا عذر له في التقصير عن فساد كل قول خالف عليه، وضاد مذهبه عند من قرأ كتابه، وتفهم إدخاله. لان اقل ما يريد (يؤيد) عذره. ويزيح علته، أن قول خصمه قد استهدف لخصمه (لخصمه) واصجر (واصحر) للسانه، ومكنه من نفسه، وسلطة على إظهار عورته. فإذا استراح واضع الكتاب من شغب خصمه، ومداراة جليسه، فلم يبق إلا أن يقوي على كثير (كسر) الباطل، أو يعجز عنه. وعن شكر المعرفة، بمغاوي الناس، ومراشدهم، ومضاربهم، ومنافعهم أن يحتمل ثقل مئونتهم في تعريفهم، وان يتوخى ارشادهم، وان جهلوا فضل ما يسدي إليهم. ولم يصن العلم بمثل بذله، ولم يستبق بمثل نشره. على أن قراءة الكتب، ابلغ في إرشادهم من تلاقيهم، إذا كان مع التلاقي يكثر التظالم، وتفرط النصرة، وتشتد الحمية، وعند المواجهة تفرط حب الغلبة وشهوة المباهاة، والرياسة مع الاستحياء من الرجوع والآنفة من الخضوع وعند جمع ذلك يحدث (تحدث) الضغائن، ويظهر التباين. وإذا كانت القلوب على هذه الصفة، وهذه الحيلة (الحالة)، امتنعت من الغرقة (المعرفة) وعميت عن الدلالة. وليست في الكتب علة، يمتنع (تمنع) من درك البغية، وإصابة الحجة (المحجة). لان المتوحد بقراءتها، والمتفرد يفهم معانيها، لا يباهي نفسه(8/687)
ولا يغالب عقله.
والكتاب قد يفضل صاحبه. ويرجح على واضعه بأمور. منها: انه يؤخذ مع كل زمان على تفاوت الإعصار، وبعد ما بين الأمصار، وذلك أمر يستحيل في واضع الكتاب، والمنازع بالمسئلة (المسألة) والجواب. وقد يذهب العالم ويبقى (وتبقى) كتبه، ويفنى العقب، ويبقى أثره، ولولا ما رسمت لنا الأوائل في كتبها، وخلدت من عجيب حكمها، ودونت من أنواع
سيرها حتى شاهدنا بها ما غاب عنا، وفتحنا بها المستغلق علينا، فجمعنا إلى قليلنا كثيرهم، وأدركنا ما لم نكن ندركه إلا بهم.
لقد خس حظنا من الحكمة، وانقطع سببنا من المعرفة، وقصرت الهمة، وضعفت النية، فاعتقم الرأي وماتت الخواطر، ونبا العقل. واكثر من كتبهم نفعاً، واحسن ما (مما) تكلموا به موقعاً، كتب الله التي فيها الهدى والرحمة والأخبار عن كل شيء (و) عبرة وتصريف كل سيئة وحسنة.
فينبغي أن يكون سلبياً ممن (في من) بعدنا كسبيل من قبلنا فينا. على إنا قد وجدنا من العبرة اكثر مما وجدوا، كما أن من بعدنا يجد في العبرة اكثر مما وجدنا. فما ينتظره العالم بإظهار ما عنده، والناس (والناسي؟) للحق من القيام بما يلزمه فقد أمكن القول، وصلح الدهر، وخوى نجم التقية وهبت ريح العلماء وكسد الجهل والعمى، وقامت سوق العلم والبيان.
وهذا الكتاب، أرشدك الله، وان حسن في عيني، وحلا في صدري فلست آمن أن يعتريني فيه من الغلط، ما يعتري الأب في ابنه. والشاعر في قريضه والذي دعاني إلى وضعه، مع إشفاقي منه، وهيبتي لتصفحك له أني حين علمت أن الغالب على ارادتك، والمستولي على مذهبك، تقريب العالم، وإقصاء الجاهل وانك متى قرأت كتاباً، أو سمعت كلاماً، كنت من وراء ما فيه من نقص أو فضل، باتساع الفهم، وصحة العلم، وانك متى رأيت زللا غفرته وقومت صاحبه ولم تقرعه به، ولم تخرمه (؟) له. ومتى رأيت صواباً أعلنته ورعيته فدعوت إليه، وأثنيت عليه، ولاني حين آمنت عقاب الاسآة (الإساءة) وثقت بثواب الإحسان، كان ذلك موجباً لوضعه. ولم استكره نفسي عليه وصار(8/688)
ذلك موجباً لنظمه، وموجباً للتقرب به، والسبب أحق بالتفضيل من المسبب، لان الفعل محمول على سببه ومضاف إليه وعيال عليه ومضمن (مضمون) به وإحساني مد الله في عمرك في كتابي هذا - أن كنت محسناً - صغير في جنب إحسانك، إذ كنت المثير له من مراقبة. والباعث له من مراقده. فلذلك صار أوفر النصيبين لك، وامتن السببين مضافا إليك. وان كنت قد قصرت عن الغاية فأنا المضايع دونك. وان كنت قد بلغتها ففضلك (ففضلك) اظهر وحظك أوفر، لأني لم انشط له إلا بك، ولا اعتمد فيه إلا عليك.
ولولا سوقك التي لا ينفق فيها إلا إقامة السنة، وإماتة البدعة ودفع الظلامة والنظر في صلاح الأمة لكانت هذه السلعة بائرة وهذا الجلب مدفوعاً وهذا العلق خسيساً فالحمد لله الذي عمر الدنيا بك واخذ لمظلومها على يديك وأريد هذا الملك بيمينك وصدق فراسة الإمام فيك وأية منزلة ارفع حالة احمد ممن ليس على ظهرها إلا وهو يحس (يحن) إليه أو قد رحل إليه أو قد صار إلى كنفه وتحت جناحه. وليس على ظهرها ظالم إلا وهو بنفيه (يتقيه) ولا مظلوم إلا وهو يساعديه ومن يقف على ثواب من هذا قدره وهذه حاله؟ وعندي مد الله في عمرك كتب سوى هذا الكتاب، وليس يمنعني أمن (من) أن اهديها إليك معاً، ألا ما اعرف من كثرة شغلك، وكثرة ما يلزمك من التدبير في ليلك ونهارك.
والعلم، وان كان حياة العقل كما أن العقل حياة الروح والروح حياة البدن فان حكمه حكم الماء، وجميع الغذاء الذي إذا فضل عن مقدار الحاجة عاد ذلك ضرراً. وإنما يسوغ الشراب ويستمرئ الطعام. الأول فالأول، فكذلك العلم يجير مجراه ويذهب مذهبه. ومن شأن النفوس الملالة لما طال عليها وكثر عندها. فليس لنا أن نكون من الأعوان على ذلك ومن الجاهلين بما عليه طبائع البشر، فان أقواهم ضعيف، وأنشطهم شؤوم (سؤوم) وان كانت خلاتهم (خلاتهم) متفاوتة، فان الضغف لهم شامل، وعليهم غالب.
فإذا قرئ عليك، أيدك الله هذا الكتاب التمسا أوقات الحمام (الجمام) وساعات الفراغ بقدر ما يمكن من ذلك ونتهيأ (ويتهيأ) والله الموفق والمهيأ له. ثم اتبعها كل كتاب بما يليه أن شاء الله. وليست بحمد الله من باب الظفرة(8/689)
(الطفرة؟) والمداخلة، ولا من باب الجوهر والغرض بل كلها في الكتاب والسنة، وبجميع الأمة إليها اعظم الحاجة ثم نسئل (نسأل) الذي عرفنا فضلك أن يصل حبلنا وان يجعلنا من صالحي أعوانك المستمعين منك والناظرين معك وان يحسن في عينك، ويزين في سمعك، ما يقربنا به إليك والتمسنا الدنو منك انه قريب مجيب فعال لما يريد. أطال الله بقاءك وأتم نعمته عليك وكرمته لك في الدنيا والآخرة.
تمت الرسالة بعون الله تعالى ومنه وتوفيقه والله الهادي والمرفق للصواب والحمد الله أولا وأخرا، وصلواته على سيدنا محمد نبيه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين وسلم تسليما كثيراً إلى يوم الدين آمين آمين آمين.
القيالة عند العرب
كان لملوك اليمن في العهد السابق الإسلام بسطة عظيمة وامتداد لملكتهم عظمه بعض الإخباريين بعد ذلك حتى أخرجوه عن حقيقة اتساعه وكان لملكهم الكبير سطوة على جميع ملوك المخاليف والمحاجر أي انه كان في الديار اليمانية ملك عظيم هو الأعلى وتحت أمره ملوك صغار يعرفون بالاقيال واحدهم (القيل) وتعرف إمارته (بالقيالة). ولما انتقلت إلى ربوع الشام ولخم إلى أرجاء العراق لم تفارق القيالة رؤساءهم فان غسان دانت لملوك الرومان ولخم لاكاسرة الفرس إلا انم أبوا أن يتسموا بالقيول لما في هذا اللقب من معنى الخضوع لملك اعظم منهم. ولذا تسموا بالملوك - أما انهم لم يقبلوا لأنفسهم أن يتسموا بالقيول فظاهر من كلام جميع الإخباريين الذين لم يلقبوهم بهذا اللقب مرة واحدة إذ كان ذلك من باب الحط من قدرهم. وأما انهم عرفوا بالملوك فظاهر من نصوص جميع المؤرخين كبيرهم وصغيرهم. على أن الرومان والفرس لم يعترفوا لم بالملوكية، إذ لا نرى لذلك أثراً في ما وصل إلينا من أنبائهم المدونة والذي كانوا يعترفون به لهم (الملوكية الثانوية) أي القيالة وهي ملوكيتهم على العرب دون غيرهم ممن كان في البلاد التي كانت في إدارتهم ومن كان يعرف عند الفرنسيين باسم(8/690)
فوائد لغوية
القرب في اللغة
مقاربة الخطو (تتمة)
اتل يأتل اتلا (بالكسر) واتلاناً: قارب الخطو في غضب قال الشاعر:
أراني لا آتيك إلا كأنما ... أسأت وإلا أنت غضبان تاتل
وتأزف الرجل: تقارب خطوة، وبرقط: خطا خطواً متقارباً، وجذفت المرأة والظبية (ككسرت) قصرت الخطو ومثله اجذفتا، والحبوكر والحبوكل: الرجل المتقارب الخطو النحيف، وحتك (ككسر) حتكا وحتكاناً: مشى وقارب خطوة مسرعاً ومثله وقيل التحتك شبه الرتكان في المشي، إلا أن الرتكان لا يستعمل لغير الإبل. وقال ابن سيدة: التحتك في الناس أن يمشي الرجل مشية يحرك فيها أخطاءه ويقارب خطوة. وحذف الرجل (ككسر): تداني خطوة، وحرقص في الخطى: قارب وكذلك في الكلام، واحصف الرجل احصافاً: مشى مشياً فيه تقارب خطو وهو من ذلك سريع ومثله حوقل، وخبعج خبعجة ومشى مشية متقاربة كمشية المريب، وختع الفحل خلف الإبل إذا قارب في مشيه، وحذف الرجل (ككسر) مشى سريعاً وقارب الخطو، ودخدخ: قارب الخطو، ودرم الأرنب والقنفذ ونحوهما والشيخ والصبي (ككسر) درما ودرماناً ودرامة ودرما (بفتح فكسر) ودرماً (بالتحريك) قارب الخطى عجلا. ومثله رعوم الرجل. ودغنج: مشى مشياً متقارباً: ودلث (ككسر) دليثا. قارب خطوة. ودلف الشيخ والمقيد (ككسر). دلفا ودلفا (بالتحريك) ودلوفاً ودليفاً ودلفاناً مشى مقارباً الخطو - وقيل مشى مشياً فوق الدبيب كما تدلف الكتيبة نحو الكتيبة في الحرب والشيخ دالف والعجائز دالف ويقال جاء يدلف بحملة الثقيل. ودهمج الشيخ: مشى مشي المقيد، وذحذح الرجل: تقارب خطوة مع سرعة(8/691)
وذاف يذوف ذوفاً، مشى في تقارب
خطو وتفحج، ورتأ البعير رتآناً قارب خطوه، ورتك (ككير) عدا في مقتربة خطو. ورتكان البعير مقاربة خطوه في رملانه، ورسف الرجل (ككسر ونصر). رسفاً ورسيفاً ورسفاناً: مشى مشي المقيد، والبعير: قارب الخطو وأسرع الإجارة وهي رفع القوائم ووضعها، وزكزك الشيخ: مر يقارب خطوه ضعفاً. ومثله زك (كفر) زكا وزكيكا وزككا ويقال مشي زكيك أي مقرط، وسعسع الرجل وتسعسع أي قارب الخطو وهذا طابق المقيد مطابقة، والمقز تقارب دبيب الذرة وما أشبهها وفعله ممتك، وفرتك الرجل: مشى مشية متقاربة ومثله فرتن، وفرثر: أسرع وقارب الخطو، وفلفل: قارب بين خطواته وكذا تفلفل، وقد مد في المشي: قارب بين قدميه مثل قرمط ورجل قرمطيط: متقارب الخطو وقرفط الرجل: قرمط وكذلك قمصل،، وتفطقط فلان: قارب الخطو وأسرع: وقطا الماشي قطواً: قارب ي مشيه أو مع نشاط تقول مر يقطو في مشيه ومثله اقطوطى، والقطوان والقطوان (بالفتح والتحريك) والقطوطي، المتقارب الخطو في مشيه أو مع نشاط، وقعفز في المشي: مشى مشية ضيقة، وقهد في مشيه: أي قارب في خطوه ولم ينبسط في مشيه، وكت (كمد) كتيتاً، قارب الخطو في سرعة ومثله كتكت وتكتكت. وتكتل فلان ي مشيه إنما قارب في خطوه كأنه يتدحرج، وكتا يكتو كتواً: قارب الخطو، والكرتمة: مشية فيها تقارب ودرجان، والكرداح: المتقارب المشي، وكردس مشى في تقارب خطو كالمقيد ومثله كرفس وكزن (كمدت) خطاه: تقاربت، وكسمل الرجل مشى في تقارب خطو وكذلك كمتر وقيل الكمترة هي من عدو القصير المتقارب الخطى المجتهد في عدوه، ووذف الرجل توذيفاً وتوذف توذفاً. قارب الخطو في مشيه وحرك منكبيه متبختراً أو أسرع ووزوز زيد: مشى مقاربا للخطو مع تحريك الجسد. ووكت: قرمط في مشيه والوكات (كشداد) المقارب الخطو في ثقل وقبح مشي.
مقاربة الموت
يقال بلغت روحه التراقي أي قارب الموت، وتلى الرجل تتلية: صار بآخر(8/692)
رمق من عمره، وتاق الرجل بنفسه توقاً توقانا: جاد بها، وهو يجرض بنفسه أي يكاد يقضي، واجزر الشيخ: حان له أن يموت وذلك إذا أسن ودنا فناؤه كما يجزر النخل، (كان فتيان يقولون لشيخ: (اجزرت يا شيخ) أي حان لك أن تموت. فقال أي بني وتختضرون أي تموتون
شباباً. وجاد المريض بنفسه يجود جوداً وجؤودا أي سمح بها وكاد يقضي، والعرب تقول، (اللهم اغفر لي قبل حشك النفس واز العروق أي قبل اجتهادها في النزع الشديد، وحضر الموت فلاناً: جاءه وقد حضر المريض (مبنياً للمفعول): دنا موته أو نزل به الموت فهو محضور، ودنق للموت تدنيقاً دنا منه، وذرف فلان الموت تذريفاً: أي أشرف به عليه، ورنقت المنية ترنيقاً: دنا وقوعها، وراق المريض بنفسه: ريوقاً: جاد بها عند الموت سوقاً وسياقاً وسيق (مجهولا) شرع في نزع الروح، ويقال للإنسان عند جؤوده بنفسه: (ما بقي منه إلا شفاً). وعسف البعير عسفاً وعسوفاً: أشرف على الموت من الغدة فجعل يتنفس فترجف حنجرته، ويقال تركناهم عمى (بضم فتشديد مفتوح) أي أشرفوا على الموت، وغرغر زيد: جاد بنفسه عند الموت، وفاظ فوظاً: حان فوظه أي موته. ومن سجعات الأساس: (من قاظ بتهامة فقد فاظ). وفاق الرجل فواقاً وفؤوقاً: أشرفت نفسه على الخروج أو جاد بها أو مات والفواق ما يأخذ المحتضر عند الموت، وقص الموت فلاناً: دنا منه. ويقال ضربه حتى قصه على الموت أي دنا منه، ويقال ضربه حتى قصه على الموت أي دنا منه، ومثله أقص الموت فلاناً وضربه حتى أقصه على الموت أو منه، ونزع المريض: أشرف على الموت، ونازع نزاعاً: جاد بنفسه ويقال بلغ منه نسيسه أي كاد يموت، والناسم المريض الذي أشفى على الموت ونشع الرجل نشوعاً: كرب من الموت ثم نجا.
القرب
القرب ضد البعد يستعمل في المكان والزمان والنسبة والخطوة والرعاية والقدرة. والأولان معنيان أصليان له وكذلك: الأمم، تقول أخذته من أمم. قال المتنبي:(8/693)
ما كان اخلقنا منكم بتكرمة ... لو أن أمركم من أمرنا أمم
والحضر والحضرة (ويقال لقيته عند حاق المسجد (بتشديد القاف) وعند بابه أي بقربه والزقب (بالتحريك) يقال رميته من زقب، والشمم. وقالوا حلواً في مكان كذا أو شيعه أي قربه، والصقب بالتحريك) ونزل من القوم على صمات أي على قرب وفلان على صمات الأمر (كرقاد) إذا أشرف على قضائه وكذا أنا على صمادة (بالكسر) من أمري، والفقرة: القرب يقال مني فقرة القابلة، والقراب (كسحاب) تقول أفعل ذلك بقراب أي بقرب، والكثب (كسبب) يقال رماه عن كثب ومن كثب أي من قرب وتمكن وكذلك الكثم، واللام، والتنحيب
وهو شدة القرب للماء. قال ذو الرمة:
ورب مفازة قذف جموح ... تغول منتحب القرب اغتيالا
والنوب (بالفتح): القرب، وكذا الولاء (كسحاب) والولي (بالفتح) يقال تباعدنا بعد ولي، والولية والتولي.
والقربة (بالضم): القرب وقيل القرب في المكان وهي أيضاً القرب في المنزلة وكذلك الدناوة يقال بينهما دناوة. والزلف (كسبب) تقول له زلف منه. ومن سجعات الأساس: احتمل فلان الكلف حتى نال الزلف والزلفة ج زلف ولفات (كغرف وغرفات) والزلفة. والواسلة والوسيلة وهما ما يتقرب به إلى الغير يقال لي إليه وسيلة ووسائل ووسيل ووسل (بضمتين).
القرب
القريب خلاف البعيد للواحد والجمع يقال هو قريب وهم قريب وقال الفراء: إذا كان القريب في المسافة يذكر ويؤنث وإذا كان في معنى النسب يؤنث بلا اختلاف بينهم تقول هذه المرأة قريبتي أي ذات قرابتي، وقالوا بيننا وبينهم جذبة ونبذة أي هم منا قريب، والجنش (بالفتح) القريب ومثله الجنش (لحذر) والجانش تقول هذا مكان جنش، والحقق (بضمات): القريبو العهد بالأمور خيرها وشرها، ويقولون: هو مني دعوة الرجل لقولهم هو مني مزجر الكلب ورمية السهم أي هو قريب مني والدمنة الموضع القريب من الدار. والدني: القريب، ورزافات البلد (بتشديد الزاي): ما دنا منه، وداري زمم داره أي قريبة منها وأمر القوم زمم أي(8/694)
متقارب كما يقال أمرهم أمم. والمساعف: القريب يقال مكان مساعف وصديق مساعف. وكذلك الساقب، والسقب يقال منزل سقب، ومسقب تقول منزل مسقب، ومنساق، وشارع، وصقب، وصقب: يقال مكان صقب. وفي الحديث (الجار أحق بصقبه) أي أن الجار أحق بالشفعة من الذي ليس بجار) ومضر وعضد (كحذر) (وهو من دنا من عضدي الحوض). وتقول هاهو عرض عين. وهو مني عين عنة أي قريب، وقراب. قريب وقالوا هو مني مقعد الخاتن ومقعد القابلة أي شديد القرب مني وذلك إذا لصق به من بين يديه. والقمن القريب، وكذا الكارب والمكامع (وهذا القريب إليك الذي لا يخفى عليه شيء من أمرك) واللوذ تقول هو لوذة أي قريب منه، والنجيح: المكان اقريب،
والنزق يقال مكان نزق. وقالوا ما زلت منك موارقاً أي قريبا دانياً، والوشيك القريب وكذا المولى ودار ولية: قريبة.
وقراب الشيء: ما قارب قدره وكذلك القرابة للشيء ويقال هذه أبل خمسون أو كربها أي نحوها أو قربها، وكان ذلك من شهر ولممه أي قراب شهر، ولي من الدراهم ألف أو لواذه أي قرابته.
ورجل متآزي الخلق: تدانى بعضه إلى بعض، وشعر أصير متقارب ملتف ونسج محرقص: متقارب ومثله خرز محرقص، ورجل قصير الشبر: متقارب الخلق، والكانع الذي تدانى وتصاغر وتقارب بعضه من بعض والوأبة: المقاربة الخلق، والمزاهم الذي ليس منك ببعيد ولا قريب واستقرب الشيء ضده استبعده(8/695)
قال المتنبي:
أتى مرعشاً يستقرب البعد مقبلا ... وأدبر إذا أقبلت يستبعد القربا
واستدناه: طلب منه الدنو.
النبك (سورية): سالم خليل رزق
باب المكاتبة والمذاكرة
كلام على قصر الخلفاء في بغداد
1 - قال الصديق الجليل المحقق يعقوب نعوم سركيس في (565: 8) من لغة العرب يقصدني (فيظهر مما تقدم بإقرار الكاتب بأني كنت على حق في ما قلته عن موضع قصور الخليفة فلا تناقض بين كلامي وكلام ابن جبير لتستوجب الحال الاستفهام) فأقول: أن الصديق صادق في ما جاء به، ولكن تعقيبه متأخر عن زمانه فأن رجوعي عن خطأي الأول خروج عن الخطأ قبل أن ينبهني عليه أحد.
2 - أما قوله (يحتمل أن تكون قصور الخليفة فوق دار ابن الجوزي أو تحتها) ففيه شك لا مسبب له. وقال (لعل الأرجح أن تكون القصور فوق الدار) فذهبنا إلى أن الأرجح هو الصواب وما عداه فخطأ لأن القصور فوق الدار وليس في كلام ابن جبير ما يوجب الشك ونصه (ثم شاهدنا صبيحة يوم السبت بعده مجلس الشيخ الفقيه الإمام الأوحد جمال الدين أبي الفضائل بن علي الجوزي بازاء داره على الشط بالجانب الشرقي وبمقربة من باب البصلية آخر أبواب الجانب الشرقي) وقال (وحضرنا له مجلساً ثالثاً يوم السبت الثالث عشر لصفر بالموضع المذكور بازاء داره على الشط الشرقي) ومعنى الازاء المقابل، روى نصر بن مزاحم في حرب صفين كما في 270: 2 من شرح النهج لابن أبي الحديد (فكان بازاء هاشم وعمار: أبو الأعور السلمي)(8/696)
أي قبالتهما. وفي ص275 (فقال علي (ع) أن بازائك ذا الكلاع وعنده الموت الأحمر (فلاشك في كون دار ابن الجوزي تحت القصور المذكورة.
كتب التنبيه عن اللحن
2 - وورد في ص612 من مجلد هذه السنة (وأقدم تصنيف وضع عن اللغة العامية في ما بدا لنا هو كتاب تقويم المفسد والمزال عن جهة معنى كلام العرب لأبي حاتم المتوفي بين سنة 248 وسنة 255) والذي تحققته أن أقدم مصنف في هذا الباب لعلي بن حمزة الكسائي أوله (بسم الله الرحمن الرحيم، اللهم صل على محمد وآله الطاهرين، هذا كتاب ما تلحن
فيه العوام مما وضعه علي بن حمزة للرشيد هرون ولابد لأهل الفصاحة من معرفته)، قال السيوطي في 288: 2 من مزهره (الكسائي مات بالري سنة تسع وثمانين ومائة جزم به أبو الطيب وقيل سنة اثنتين وثمانين وقيل سنة ثلاث وثمانين وقيل سنة اثنتين وتسعين) وقال ابن خلكان (وتوفي في سنة تسع وثمانين ومائة بالري وكان قد خرج إليها صحبه هرون الرشيد) وذكر رواية أخرى.
ومن الذين ألفوا قبل أبي حاتم في إصلاح لحن العامة (احمد بن حاتم الباهلي) قال عنه ياقوت الحموي في معجم الأدباء (أحمد بن حاتم أبو نصر الباهلي صاحب الأصمعي روى عن الأصمعي كتبه) ثم قال (ومات في ما ذكره هو وأبو عبد الله ابن الأعرابي وعمرو ابن أبي عمرو الشيباني سنة 231 وقد نيف على السبعين) ثم قال (ولأبي نصر من التصانيف: كتاب الشجر والنبات. . . كتاب ما يلحن فيه العامة. . .)
في الأمالي اللغوية
3 - وورد في ص404 من هذه السنة من لغة العرب (ثم عين على بعض الأمراء فدخل (هولاكو) بغداد ومعه جماعة) وزيادته لفظ (هولاكو) غير واجبة ولا مستحسنة لأن فاعل (دخل) هو ضمير بعض الأمراء أي أحدهم وما دخل هولاكو بغداد غذ ذاك ويراد به (عين عليه) انتدب وأمر، وعلى ذلك لا لزوم لوضع (كذا) في 417: 6 من لغة العرب بعد (عين عليه).
4 - وورد أيضاً في (15: 6) منها ووصل فراعا (قرابوقا) بعد(8/697)
ذلك إلى بغداد وعين عماد الدين عمر بن محمد القزويني نائباً عنه) وفي ص497 من تاريخ مختصر الدول (قرابوغا) وكلاهما صحيح، ولكنه ما لبث أن قال في ص18 (وعمر عماد الدين عمر القزويني الذي كان نصبه الأمير قرتاي نائباً عنه) ولم يلتفت إلى أن الصواب (قرابوغا) فليصحح ذلك.
5 - وورد في ص96 من فهرس هذا المجلد (جامع السلطان أو جامع المدينة) والظاهر أنه أريد ب (أو) التساوي وإلا فلا معنى للتعبير غير أن جامع السلطان بالمخرم من بغداد الشرقية وجامع المدينة جامع المنصور في مدينة المنصور المدورة من كرخ بغداد فوجب التعقيب والتنبيه.
6 - وأورد يعقوب أفندي نعوم سركيس في ص357 أن وفاة ابن النجار المؤرخ كانت سنة 643 الهجرية ثم أورد في ص415 أن وفاته حدثت سنة 342 الهجرية وحسن التنبيه وأن لم يكن هو المسبب
7 - وقلت أنا في ص431: (قبر حذيفة اليماني) والصواب (حذيفة بن اليمان) نقل ابن أبي الحديد في 427: 2 من شرحه أن عمر بن الخطاب (رض) كتب إلى النعمان بن مقرن وهو بالبصرة (سر إلى نهاوند فقد وليتك حرب الفيروزان (وكان المقدم على جيوش كسرى) فأن حدث بك حدث فعلى الناس حذيفة بن اليمان ثم قال (وزلق بالنعمان فرسه فصرع وأصيب وتناول الراية نعيم أخوه فأتى حذيفة لها فدفعها إليه وكتم المسلمون مصاب أميرهم).
له بقية
مصطفى جواد
القوصوني
كنت قرأت ما كتبه الدكتور داود بك الجلبي في لغة العرب (164: 8) عن القوصونيين الأب والابن في حينه، ثم قرأت الآن (في ص450) تعليق الأستاذ الدكتور فريتس كرنكو أو سالم الكرنكوي كما وضع توقيعه على رسالة بعث بها إلي. وفريتس الألمانية تعرب بسالم. فرأيت أن أدلي بدلوي بين الدلاء فأقول:
قال ابن اياس المتوفي سنة 930هـ 1532م في تاريخه عن حوادث شهر شعبان سنة 902هـ 1497م (وفيه أمر السلطان بأن تقطع الحيات التي(8/698)
تصنع في البيمارستان بحضرته حتى يتفرج عليها، فأحضروها بين يديه بقاعة البحرة فقطعت بحضرته، وهو ينظر إليها. وخلع على رئيس الطب شمس الدين القوصوني وولده، والحاوي الذي أحضر الحيات وآخرين معهم).
فنفهم من هذا أن القوصوني الأب كان رئيس الأطباء.
وذكر ابن اياس القوصوني في ترجمة الملك المظفر سليمان بن الملك المظفر سليم شاه بن عثمان المتوفي سنة 975هـ 1567م ونقل عن كتاب لم يسمه أخبار جلوس السلطان سليمان المذكور على سرير الملك وكان ذلك سنة 926هـ 1520م.
والظاهر أن القوصوني هذا هو بدر الدين محمد بن شمس الدين محمد المتقدم ذكره الذي استدعاه السلطان سليمان لمعالجته وقدم عليه سنة 955هـ 1548م كما جاء في ترجمته المدونة بآخر مقالته في الحمام.
إلا أن الذي يدعو إلى الاستغراب في هذا الأمر هو أن يخلع الملك الناصر محمد بن قايتباي على ابن شمس الدين سنة 902هـ 1497 في حين أن مولد بدر الدين كان في سنة 920هـ 1514م.
لذلك يترجح لنا أنه كان لشمس الدين ابن آخر لم يذكروا لنا اسمه كان يشاركه في عمله الطبي قبل أن يولد بدر الدين بنحو ثمانية عشر عاماً.
ثم خلف بدر الدين والده شمس الدين في شهرته الطبية.
أما القوصوني - ومن عادة خطاطي القرن السابع أن لا يعجموا أداة النسب سواء أكانت هذه الأداة متصلة بالياء. أم منفصلة عنها. مثل: اللحياني والعلاءي والاشنانداني وغيرها ولكنهم كانوا يمدون في رأس الياء إذا كان قبلها حرف فيأخذها القارئ بالقرينة - فقد تقرأ القوصوي كما وقع لبعض النساخ والقراء.
أما هذه النسبة فكما قال الدكتور سالم ترجح أن تكون إلى قوصون الرجل أحد أمراء دولة المماليك لا من سلاطينها كما زل به قلم الدكتور الجلبي العلامة.
ولعل قوصون هذا هو الذي جعله الملك المنصور سيف الدين قلاون اتابك العساكر فخان مولاه وعمل على خلعه وقتله في سنة 742هـ 1341م ثم على تولية أخيه(8/699)
الملك الأشرف علاء الدين بن الملك الناصر محمد بن قلاون وهو في السابعة من عمره. واستولى بعد ذلك على نيابة السلطنة واتابكية العساكر وتصرف في أمور المملكة كما شاء وشاءت له الأهواء إلى أن قبض عليه وصودرت أمواله وزج بأعماق السجن في السنة المذكورة وكان لقوصون عصبة كبيرة من الأمراء والخاصكية قد يكون جد القوصوني أحدهم.
هذا ما قصدنا إلى بيانه استتماماً للموضوع والله أعلم بحقائق الأمور
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
1 - الدرر الكامنة
تم طبع الجزء الأول من الدرر الكامنة في مطبعة حيدر أباد الدكن. ويتوقع أن تضبط ألفاظ
الجزء الثاني أكثر مما ضبطت أعلام الجزء الأول.
2 - تنقيح المناظر
كمل أيضاً طبع تنقيح المناظر لابن هيثم ولم يبق منه إلا ما فيه من التصاوير الرياضية التي ستصور وتطبع على ما هي عليه في أصلها. وهذا الولد (ولد فكري وأتعابي) كلفني متاعب ومشاق وذلك أن النسخ المخطوطة التي أعدت النظر فيها مراراً وأعملت فيها الفكرة هي في نهاية السقم والخطأ. والأوهام فيها من كل ضرب ولون: أوهام في اللغة وأوهام في الحساب وأوهام في تصوير الألفاظ وأوهام في ضبطها إلى ما ضاهاها.
3 - كتاب الجماهر في معرفة الجواهر
أني الآن في موضع من ديار الهند وليس معي معجم أحقق فيه ما أريد أن أتثبت منه ومشغول بتهيئة كتاب الجماهر في معرفة الجواهر للبيروني بحسب النسخة المحفوظة في خزانة الاسكوريال والتي خطها احمد الحنفي. وكان رجلاً لا يتقن العربية ولا يحسن الفارسية ولا الهندية البكريت. ومحتويات هذا التصنيف من أهم ما يكون لعلم الجواهر وإعادة النص إلى أصله من أصعب الأمور وأشقها على الأديب. فعسى أن أوفق في سعيي وأنا لا أبغي من متاعبي ثناء ولا شكوراً.
في 28 تموز 1930
مصوري (الهند): الدكتور ف. كرنكو(8/700)
أسئلة وأجوبة
الاجمري والرويبضة
س - بغداد - ي. ر. غ: قد علق بذهني أن الكلمة الفرنسية اليونانية الأصل والمنحوتة من أي شعب وقائد تطلق على من يظهر مساعدة الشعب وقصده كسب أمياله ويقابله في لغتنا (الاجامرة) في الجمع. والاجامرة فئة كانت في عهد العباسيين اتبعت هذه السياسة عينها وهي من السياسات الممقوتة، إلا أني لا أتذكر كيف توصلت إلى معرفة هذه الكلمة العربية. فأرجو منكم أن تبينوا لي في مجلتكم منزلة هذه الترجمة من الصحة وتذكروا لي ما تعرفونه عن الاجامرة، وفي أي وقت وجدوا، وما مفردها، أهو أجامري؟ - وكيف تترجم الكلمة الافرنسية والنعت
ج - الاجامرة ومفردها الاجمري لا الاجماري، مشتقة من الجمر، يقال جمر القوم على الأمر: تجمعوا وانضموا. وذلك ظاهر من أن غاية هذه الفئة أن يجمعوا الناس على بعض الأمور ويحملونهم عليها: والأحسن أن يقال من جمره أي أعطاه جمراً. لأن الاجامرة كانوا متقدين غيرة، ويلقون نيران الوطنية في قلوب الجماعات بنية أن يستميلوها إليهم ليتصرفوا فيها كما يشاءون ويحملوهم على بغض أكابر القوم وشرفائهم.
وكانوا في عصر العباسيين يوافقون من نسميهم اليوم بالثوار أو الثوريين أو أصحاب الفتن ولم يكونوا (الديماغوغ) فهؤلاء كانوا رجالا يخطبون في الناس وفي منطقهم من التعبير ما يهز الجماعات ويحمسها ويوغر صدورها على غير ما يرى في الاجامرة في عهد العباسيين.
أما في أي عهد كان هؤلاء الاجامرة فالجواب عليه أنهم كانوا ويكونون(8/701)
في زمن تضعضع أركان كل دولة وقد اشتد هذا الأمر في خلافة المستعصم بالله فقد قال عنه الأخباريون: (أنه لم ينزه سمعه عن سماع المحرم، فأنه كان مغرماً بسماع الملاهي. محباً للهو واللعب: يبلغه أن مغنيه أو صاحب طرب في بلد من البلاد. فيراسل سلطان ذلك البلد في طلبه. ثم وكل أموره الكليات إلى غير الأكفاء. وأهمل ما يجب عليه حفظه والنظر فيه. . .).
وقد ذكر الاجامرة فضل الله رشيد أو رشيد الدين بن عماد الدولة في تاريخه إذ قال: (وفي
أثناء تلك البلية العظمى (غرق بغداد في صيف 654هـ 1256م) قام الزناطرة والاجامرة من أوباش البلد وأخذوا يتطاولون على الأهالي ويستولون على ما بأيديهم ويتعرضون كل يوم لأناس أبرياء) وذكرهم أيضاً صاحب كتاب الروضتين بمثل هذا الكلام. وقد استعمل لفظة الاجامرة أخباريو الفرس والترك بعد عهد المستعصم وانتشرت في تواريخهم واستعمال صيغة (أفعل) منسوبة بدأ من عهد انحلال العربية في آخر عهد العباسيين فقد قالوا مثلا: (الأوحدي والأجلي (صبح الأعشى 133: 6) والأكملي (139) إلى غيرها جرياً على قول الأقدمين: الألمعي وهو من اللمع، والأريحي من الراحة أو الارتياح. والأجنبي من الجنب إلى غيرها.
فترون من هذا البسط أن الاجامرة لا توافق (الديماغوغ) ولم يذكرها أحد من اللغويين بل دوزي نفسه لم يقيدها في ملحقه أو في ديوانه. وقد ذكرنا أن أحسن كلمة عربية توافق الإفرنجية ديماغوغ هي (الرويبضة) (لغة العرب 450: 6) وعملة الروبضة (كصومعة) أي وإذا نسبت إلى الرويبضة قلت: الرويبضي، أما إذا نسبت إلى الروبضة فهو الروبضي.
ونلاحظ في الختام أن الكلمة اليونانية المنحوتة من حرفين يقابلهما عندنا حرفان من مادتهما فاليونانية هي العربية (دهماء) وبمعناها.
واليونانية يجانسها عندنا حاج (مثل داع) ومعناها قائد وسائق. فتدبر.(8/702)
باب المشارفة والانتقاد
125 - أقرأ وفكر
بقلم الارشمندريت انطونيوس بشير
عني بنشره وتصحيحه الشيخ يوسف توما البستاني صاحب مكتبة العرب بالفجالة بمصر في سنة 1930 في 272ص بقطع 12 وثمنه 10 غروش مصرية
في هذا الكتاب فصول مختلفة العناوين والمعاني والكلام فيها عن أمور تقع كل يوم يحتاج فيها الإنسان إلى أن يتبصر فيها لئلا يقع في مهالك تقضي عليه صحة وأدباً وفكراً. فهذا التأليف من هذه الوجهة حسن للشبان والشابات فعسى أن يروج بينهم!
126 - الآداب العربية
محل آتو هراسوفتس في لايبسيك (ألمانية) من أشهر المحلات التي تنشر المطبوعات الشرقية وتعمم فوائدها بين الغربيين والشرقيين. وقد جاءت إلينا كراسة شهر تموز يطلب فيها صاحبها أن نذكر الذين يهمهم الأمر أن مؤتمر المستشرقين الدولي ال 18 ينعقد في هذه السنة في ليدن (هولندة) في الأسبوع الذي يبتدئ في 7 أيلول وينتهي في 17 منه في سنة 1931 فعسى أن نرى ممثلاً لحكومتنا العراقية لكي لا تتأخر عن سائر الأمم في أمر يخص العراق أكثر من سواه لمنزلته العلمية في سابق العهد وفي هذا العهد أيضاً.
127 - مخطوط بيروتي
كتاب ايروتاوس لاسطيفان بن سريلي وضعه جوزبه فرلاني
عرفنا الأستاذ الجليل جوزبه فرلاني الإيطالي في ربيع هذه السنة 1930 إذ جاء إلى بغداد ليطلع على الحالة التي صارت إليها. وقد بعث إلينا الآن بهذا الوصف وصف كتاب خطي يرى في خزانة الأباء اليسوعيين في بيروت فوصفه لنا أحسن(8/703)
وصف بخمس صفحات بقطع الثمن. فنشكره عليه.
128 - الانخيريديون
ليعقوب الرهاوي بنصه السرياني في 28ص بقطع الثمن
هذه رسالة ثانية للأستاذ ج. فرلاني وهي وصف دقيق للانخيريديون (المنسوب إلى يعقوب الرهاوي). والأستاذ مغرم بالآداب السريانية. قد ظهر وصفه لهذه التأليف أنه قابض على أزمة اللغة الارمية أحسن قبض فنؤمل أن ينشر من دفائنها الكنوز المنسية ولا سيما التي يذكر فيها للعرب من الفضل في العصور التي كان الارميون يساعدون السلف في بث ذرائع العرفان.
129 - اللسان والرس في آسية المتقدمة القديمة
للأستاذ ج. فرلاني في 11ص بقطع الثمن الصغير.
الأستاذ فرلاني في جامعة فلورنسة لا يعنى باللغات الشرقية فقط بل يبحث أيضاً عن أخبارهم القديمة في الأزمنة الواغلة في القدم. وقد جاءت رسالته هذه أحسن دليل على وقوفه التام في هذا البحث الجليل.
130 - فكرة البطولة في ديار بابل
هذا دليل آخر على توغل الأستاذ ج. فرلاني في الأخبار في الأخبار العتيقة الشرقية فقد وضع حضرته رسالة في 12ص بقطع الثمن ليبين مزايا البطولة والشجاعة التي ترى في أخبار الرومان واليونان ترى بحذافيرها في أنباء العراق وقد كتب الأستاذ هذه الرسائل الأربع بالإيطالية اللذيذة ووفى المباحث حقها فنشكره أصدق الشكر على هداياه هذه الأربع.
131 - اعتراف تولستوي
بقلم الارشمندريت أنطونيوس بشير صاحب مجلة الخالدات
عني بنشره وتصحيحه الشيخ يوسف توما البستاني بمصر في 122ص بقطع 12 وثمنه 5 قروش مصرية
هذا الكتاب يحوي (اعتراف تولستوي وفلسفته) أي إنكاره الدين(8/704)
وما نتج من هذا الإنكار من الأعمال السيئة التي دلت على أن صاحبها لم يأت بما أتى من الموبقات إلا من بعد ما نزع الدين من نفسه. فالكتاب ينفع أولئك الذين يعتقدون أن لا فائدة في الدين فإذا وقفوا على ما في هذه الصفحات يعلمون أن الدين إذا نزع من صدر الإنسان لم يبق فيه نفع بل
تبقى فيه المادة الحيوانية الفاسدة المضرة لنفسه ولغيره.
132 - الحاصد
صحيفة جامعة تصدر صباح كل خميس في 20ص بقطع الربع صاحبه ورئيس تحريرها: أنور شاؤل
تلقينا الأعداد الأولى من هذه الصحيفة فوجدناها من أنفع الصحف لمطالعيها. ولقد صدق صاحبها في تسميتها بالحاصد. فأن الواقف عليها يعود بحزم من أنواع الفوائد ويشكر (صاحبها) على ما يتحف به قراءه. فنتمنى له النجاح في ما ندب نفسه إليه.
133 - صدى العهد
جريدة يومية سياسية تصدر في بغداد كل يوم عدا يوم السبت وصاحبها ومديرها المسؤول: عبد الرزاق الحصان
وصلت غلينا في الأعداد الأولى من هذه الجريدة وقد صدر أولها في 7 آب من هذه السنة فرأيناها من المستحسنات لخطة الحكومة. فعسى أن تصادف رواجاً في البلاد وتعيش عمراً طويلاً.
134 - حولية المحفى الملكي الإيطالي
هذه الحولية واقعة في 410ص بقطع الثمن الكبير، وورقها من أفخر الكاغد، وموضوعها تراجم أخطاء المحفى الملكي الإيطالي وعددهم الآن أربعون مع صورهم ونصابهم الحقيقي ستون وقد طبعت أحسن طبع مع تعداد ذكر تأليفهم وأعمالهم. هذا فضلاً عن صور منشئ المحفى والقصر الذي يجتمع فيه الاحفياء مع صور الردهات والخزانة والمجالس. والكتاب مثال بديع يحتذي عليه في طبع الحوليات وما إليها(8/705)
ويباع في رومة وقيمته 25 فرنكاً إيطالياً (أو 25 ليرة إيطالية) فنتمنى لهذا المحفى الرقي الدائم والفلاح في ما يتوخاه.
135 - قناصة الملوك أو كيف تصير الفتاة أميرة
عنيت بطبعها مجلة الإخاء وطبعت في 152ص بقطع الثمن
هذه رواية مقتبسة من رواية شكسبير بقلم حنا خباز وأغلب روايات عصرنا هذا موضوعة للكسب والتجارة وأغلب مباحثها الفجور والترغيب فيه وتحبيب الرذائل بضروب مختلفة. أما هذه الرواية فتزين لك الفضيلة بمحاسنها وتدفعك إلى احتقار كل ما جاء في سبيل الاحتفاظ بمكارم الأخلاق فهي من أحسن الروايات.
136 - الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ
تأليف شمس الدين السخاوي المتوفي عام 902
عني بنشره القدسي وطبع في مطبعة الترقي سنة 1349
هذا الكتاب بقطع الثمن في 175ص وهو يفند أحسن تفنيد أقوال أولئك الذين يحتقرون أخبار التواريخ ويجعلونها من باب الخرافات التي لا خطورة لها ويدعون أنها ألفت للتسلية وقضاء الوقت قضاء لا أثم فيه ولا حرج. وهذا التصنيف للحافظ المؤرخ الحجة يبين لك فضل التاريخ ومحاسن الوقوف على ما دون فيه وقيمته 6 غروش مصرية ويباع في مكتبة القدسي وصندوق البريد 207 في دمشق (الشام).
137 - الرابطة الشرقية
مجلة تصدرها جمعية الرابطة الشرقية في القاهرة في الخامس عشر من كل شهر
حوى الجزء الثامن من السنة الثانية من هذه المجلة وهو الذي صدر في 15 مايو 1930 المقالات الآتية: مشكلة العلائق بين مصر والعراق - المسألة الفلسطينية على بساط البحث - في جاوة وسنغافورة - نظرات في مختلف الشؤون والأنباء - حوادث الحبشة - سفير لأفغانستان في مصر - عودة الحرب الأهلية إلى الصين - ويتلو ذلك: رسائل الشرق - صحيفة الباحثين والأدباء - وثائق(8/706)
وأخبار تتعلق بمصر وفلسطين وسورية ولبنان وتركية والعراق وإيران وأفغانستان والهند والصين - فالمجلة تجمع الشرق بعضه إلى بعض وتوصل أخباره من أقصاه إلى أقصاه بحيث لا تحتاج إلى أن تطالع جرائد كثيرة لتطلعك على ما هناك من الأنباء والأحداث.
138 - لسان العرب
طبعة المطبعة السلفية
راجع هذا الجزء من هذه السنة 643: 8
139 - نماذج الأشغال اليدوية
لفتحي صفوة مدرس الأشغال اليدوية بدار المعلمين في بغداد سنة 1928
طبعت في المطبعة الإنكليزية في بغداد سنة 1928
دفتر في 14ص يحوي صور قطع من المقوى لتدريب الطلبة على اتخاذها قواعد في أشغال أيديهم. وقد قررت وزارة المعارف استعمال هذه النماذج في المدارس الابتدائية. وقيمة هذا الجزء الأول خمس آنات (غرشان مصريان ونصف).
140 - كتاب في السريريات والمداواة الطبية
لمؤلفيه الحكماء ترابو ومرشد خاطر وشوكة موفق الشطي
الجزء الثاني طبع في دمشق في سنة 1930 في 1040ص بقطع الثمن
كنا قد تكلمنا على الجزء الأول من هذا السفر الجليل في (265: 7) واليوم أهدى إلينا الدكتور مرشد خاطر أحد مؤلفيه،، الجزء الثاني فإذا هو صنو لأخيه وربما يجوز لنا أن نقول أنه أحسن منه. لا من جهة التحقيق، فأن السفر مطبوع بخاتم التحقيق، الذي وصل إليه علم اسكولابيوس إلى هذا العهد بل من جهة حسن الترجمة. والأداء، والنقل إلى لغتنا بأحسن الألفاظ وأعذبها وأسوغها على الذوق العربي. فجاء من أحسن الكتب التي أخرجها إلينا أهل هذا العصر من الناطقين بالضاد، حتى أن من يطالعه يخيل إليه أنه يقرأ كتاباً صنف في عصر المأمون.(8/707)
هذه نظرة عامة في هذا الجزء البديع: إذن بين يدي القارئ آخر كلمة نطق بها الطب، وأحسن كلمة نطق بها أبناء هذا العصر بلغتنا العدنانية الغنية.
على أن هناك هفوات طفيفة كنا نود أن لا تكون فيه. وأغلبها واقع في بعض الألفاظ من جهة القواعد العربية. فقد جاء مثلا في ص3: النوبة البردائية. وهذا لا يصح لأن الهمزة في البرداء زائدة فكان يجب أن يقال: البرداوية (راجع كتاب سيبويه المطبوع في بولاق 79: 3) وفي تلك الصفحة (وتتعاقب فيها الأدوار الثلاثة الوصفية ونظن أنه لو نقل اللفظ الإفرنجي إلى قولنا (المألوفة) لكانت هي المطلوبة هنا. وفي ص4 بالارتفاع التدريجي.
وهو كلام لا غبار عليه، إلا أن الفصحاء يهربون من النسبة في حين أنهم يستغنون عنها، فلو قيل: بالارتفاع المتدرج لكان أطيب للذوق.
وهنا نذكر بعض ما نراه خطأ ونشفعه بالصحيح بين قويسين: ص8: قد أوضح فلم يعد من سبيل إلى الالتباس: (فلم يبق سبيل إلى الالتباس) 160 ومسمار بسكرا: بسكرة (عن ياقوت) - فيها: مسمار عفسا (قفصة) (عن ياقوت) - فيها: تتغطى بتوسفات دقيقة: (تتوسف توسفات دقيقة) - فيها ويؤلف قشرة مصفرة:) تتقشر وقشرتها مصفرة - فيها: حوافيها: (حافاتها) أو (حيفها) - وفي ص233: في الحصف الجربي المضيق - قلنا: الذي يسميه العراقيون الحصف هو بالفرنسية أما الابتيجو فاسمه النضح (بفتح فسكون) عندهم. وعند الفصحاء هو النتق بالتحريك، وأما فهو الرفغ بالعربية لأن الكلمة الفرنسية لاتينية في الأصل أي السقاء الرقيق المقارب وهذا هو الرفغ بالعربية وهكذا جاء في كتب الطب العربية. فمن الحكمة أن نأخذ بمصطلح الأقدمين إذا كان يوافق العلم واللغة - وفي ص236 جاء العد بمعنى والاكنة أشهر من أن تذكر وهي التفاطير أو النفاطير المعروفة عند العوام بحب الشباب أما العد فهو حب الشرق (راجع لغة العرب 624: 8) وذكر في تلك الصفحة الغلسرين أو الغليسرين ونحن نرى الجري على تسمية واحدة وصورة واحدة خيراً من تعديد اللغات. والأحسن أن يقال: الجلسرين لأن الكلمة الفرنسية مأخوذة من اليونانية أي الحلو وهي نفس العربية الجلس الذي معناه الغليظ من العسل(8/708)
وهذا لا يكون إلا حلواً - وفي ص244 كريات الدم البيضاء، وهذا لا يجوز في العربية والصواب: كريات الدم البيض. وقد تكرر مثل ذلك عشرات، من ذلك في ص247 صفيحات جافة بيضاء. وفيها: صفيحات دهنية زيتية صفراء وفي ص248 لطخات صفراء. وفيها: وهذا اللطخات صفراء معصفرة أو شقراء وفيها: ويمتاز ببقع صفراء والصواب بيض وصفر وشقر.
وفي ص245: داء السمك أو الغضاب، ونحن لم نجد الغضاب وارداً في هذا المعنى. قال في التاج: (الغضاب: بالكسر وبالضم: القذى في العين. . . وداء آخر يخرج بالجلد وليس بالجدري يقال منه: غضب فلان: إذا انتفخ من الغضاب أي ما حوله أو هو الجدري: ويقال للمجدور: المغضوب وفعله كسمع وعني. والثاني أكثر. . .) فأين هذا من داء السمك؟
وكان يجوز له أن يسميه التفلس أو التسمك وان لم يسمع تفعل من الفلس والسمك إلا من الوضع يحمله على مثل هذا الاشتقاق قياساً على التحجر والتصلب وكما جاء في التقرن في الكتاب نفسه وفي تلك الصفحة نفسها فهي من هذا المعين المعنوي. وفي ص246: شبيهة بجلد الضرب (دلدل، شيهم). وكان الأحسن أن يقال: الدلدل أو الشيهم بالتعريف كالمفسر. ثم أن الضرب بهذا المعنى من مصطلح (عوام أهل أفريقية) وقد أشار إلى ذلك أبن البيطار وليس لها أصل في اللغة الفصحى فأي حاجة في صدرنا إلى أن نعمم ألفاظاً عامية لا وجود لها في دواويننا؟ وفي ص247 غسول كبريتية قلنا: ما كان على فعول من أسماء الأدوية كلها مذكرة كالسنون والنطول والذرور إلى غيرها. وفي تلك الصفحة: بولي سولفور فكان يحسن أن كتب (سلفور) لأن الحرف الإفرنجي بعد السين مقصور لا ممدود. وإذا كان كذلك فيكتب بالحركة لا بالحرف. . وكل مرة جاء اسم الكحول موصوفاً أنث الصفة ولا نعلم سبب هذا التأنيث في حين أن الكحول مذكر وهو مد لفظ الكحل لا غير.
وفي ص274 ذكر المرض المسمى بالفرنسية باسم المهق. وليس ذلك صحيحاً. والمشهور عند العرب الحسبة. وكنا قد أوضحنا ذلك قبل 32 سنة في مجلة المشرق (253: 1 وما يليها) فلتراجع. ثم تبعنا فيها غيرنا.(8/709)
وفي ص297 تكرير لقوله سحائب بيضاء والحطاطات السمراء أي بيض والسمر. لكن هناك غلط طبع فاحش لم نجد له إصلاحاً في موطن من المواطن وهو قوله: الحطاطات الديناروية. ولو لم يكن بجانبها الإفرنجية لما أمكننا فهمها، لما وقع فيها من الوهم. والصواب (الدينارية) بحذف الواو التي ترى بعد الراء أو (المدنرة) وهو الفصيح المتبع. ونحن نخير عليها الكلمة العربية القديمة وهي النمية) (بضم النون وكسر الميم المشددة وتشديد الياء المثناة التحتية المفتوحة) والكلمة موجودة في كتب اللغة فضلا عن كتب الأدب والتاريخ والأخبار. ونقف هنا لأننا لا نريد أن نذكر كل ما وقع من الهفوات والزلات في هذا السفر الجليل. وهل من تصنيف أو تأليف أو نقل خال من عيب؟ جل من لا عيب فيه وعلا.
والذي تتجه إليه أنظارنا في هذا المجلد الضخم المصطلحات الجديدة التي وضعها الدكاترة فأنها لا تكاد تحصى. نعم أننا لا نوافقهم في كل ما تواطئوا على وضعه إلا أن في الغالب
مما يستحسن إذ جروا على مصطلح الأقدمين ولغتهم الفصحى ورموا بعيداً عنهم كل لفظ لا يتألف وذوق العرب. وهذه الحروف تعد بالعشرات بل المئات وهي خدمة يعترف لهم بها كل غيور على هذه اللغة التي جمعت فيها محاسن سائر الألسنة وبزتها فيها. وهذا اعظم دليل على أنها من خير أدوات العلم والفن والأدب وأنها تسابق أخواتها وضراتها وتبقى المليحة الحسناء الغانية التي يشار إليها بالبنان.
141 - الأمة العربية
مجلة فرنسية شهرية سياسية أدبية اقتصادية اجتماعية، وهي لسان حال الوفد السوري الفلسطيني لدى لجنة الأمم وخادمة منافع الأمة العربية والشرق، لصاحبيها الأمير شكيب ارسلان وإحسان بك الجابري، وتظهر في جنيف (سويسرة) بقطع الثمن في 48ص.
ما من عربي يجهل الأمير شكيب ارسلان صاحب القلم العسال الذي يفيض باللغتين العربية والفرنسية وهو أحسن محام عن حقوق الناطقين بالضاد ولا سيما(8/710)
أبناء سورية وفلسطين. وهذه المجلة أحسن دليل على ما يتوخاه الأمير والبك فنتوقع لها مساعدات عظيمة واشتراكات عديدة ليقوم الكاتبان بما وقفا نفسيهما عليه خدمة لأبناء ديار الشرق.
142 - الخليل وكتاب العين (بالألمانية)
من قلم أ. براونلخ (في غريفسولد)
رسالة في 48ص بقطع الثمن اثبت فيها صاحبها أم ما ينسبه بعضهم إلى أن الخليل هو مؤلف كتاب العين (وهو أول معجم وضع في اللغة العربية (وهو غير صحيح، واثبت أن مؤلفه الحقيقي هو الليث تلميذ الخليل. وقد أتى بأدلة عديدة، وهذا ما كنا قد استنتجناه نحن أيضاً في الجزء الثاني من المجلد الرابع من لغة العرب في ص57 منه وهو الجزء الذي لم ندخله في السنة الرابعة التي ابتدأنا بها بعد الحرب. وقد كنا قد قلنا في الصفحة المذكورة: (أما رأينا الخاص فهو أن مدون نص العين هو الليث). ولا بد من أننا نعود إلى نشر ما كنا قد أبرزنا من المقلات في الجزأين الأولين اللذين صدرا قبل الحرب فقضيه عليهما بلا رحمة. وكل آت قريب.
143 - كتاب عيون الأخبار
لأبي محمد عبد الله بن قتيبة الدينوري المتوفي سنة 276هـ
المجلد الثالث
كتاب الأخوان - كتاب الحوائج - كتاب الطعام
مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة
كنا قد تكلمنا على الجزء الأول في مجلتنا (734: 7) وعلى الجزء الثاني (659: 7) وقد جاء إلينا الجزء الثالث وإذا هو كصنويه الأولين طافح بالفوائد وطبعه بديع كطبع جميع ما يبرز من (مطبعة دار الكتب المصرية) ومطرز بحواش تزيد منافع هذا السفر الجليل، إذ يعيد الناظر في إخراجه إلى عالم النشور كل ما كان عليه من المحاسن قبل أن يمسخه النساخ. والظاهر من(8/711)
تلك التحقيقات أن المعتني بتصحيحه راسخ القدم في العربية قابض على أعنتها ولهذا يستحق الثناء من جميع الناطقين بالضاد.
على أن الجواد قد يكبو والصارم قد ينبو. وقد بدا لنا بعض أمور في أثناء المطالعة نعرض بعضا منها على حضرة المدقق فقد جاء في ص270 س20 (قال: نبيذ الدقل في الصيف ونبيذ العسل في الشتاء). وقد شرح الدقل بما هذا نقله: (الدقل (بالتحريك): أردأ التمر وضرب من النخل تمره صغير الجرم كبير النوى) نعم هذا الذي في كتب اللغة. إلا أن المعنى لا يتسق وعبارة القائل والدقل عندنا في العراق كل ما لم يكن أجناساً معروفة من التمر. فقد تكون هذه الأجناس حسنة وقد تكون رديئة. والمراد هنا الجنس الحسن منها. وراجع المخصص في باب التمر.
وفي ص271 س3: (عن علي رضي الله عنه. أنه قال: من ابتدأ غذاءه بالملح أذهب الله عنه سبعين نوعاً من البلاء) وقد ضبطت (غذاءه) بكسر الأول وفتح الذال المعجمة والذي عندنا أن الكلام هنا على الغداء (بالدال المهملة) لا على الغذاء (بالمعجمة)
وفي الصفحة في س8: (والسمك يذيب الجسد، وقراءة القرآن والسواك يذهب البلغم) وفي الحاشية: (كذا في الأصل والعبارة غير واضحة ولعلها محرفة) والذي عندنا أن أصل النص كان هكذا: والسواك بقرامة الأفران يذهب البلغم) وأنت تعلم أن القرامة: ما التزق من الخبز بالتنور (القاموس) والأفران جمع فرن وهو المخبز (القاموس) وإذا سحقت القرامة سحقاً نعما واستكت بها كان أحسن سنون لك وأذهب البلغم من صدرك وقد جربناه
فكان أحسن سواك.
وفي تلك الصفحة س11: (قيل لرجل: أنك لحسن السحنة. فقال: آكل لباب البر بصغار المعز. وأدهن بحام البنفسج. وألبس الكتان) وجاء في الحاشية: كذا بالأصل، ولعلها: (بحم البنفسج) والحم ما أذيب أهالته. والمراد به دهن البنفسج وهو زيته الذي يستخرج منه). والذي عندنا أن الأصل هو (بخام البنفسج) والخام جمع خامة وهي الطاقة الغضة منه والمراد به الادهان أو الاطلاء بهذا الخام.(8/712)
وفي ص274 س5 (ابقراط) وضبطت بتشديد القاف المضمومة. ولم نجد من ضبط هذا العلم بهذه الصورة، نعم أن ذلك يوافق اللفظ اليوناني والغربي لكن العرب لم تنطق به إنما قالت: (بقراط) بضم الأول هذا الذي يرى في جميع الكتب كابن القفطي وابن خلكان والدميري وغيرهم. ونص صاحب البرهان القاطع صريح لا غبار عليه أنه بضم الباء وإسكان القاف.
وفي ص276 س5: كان لي ظبي فمر بعجين قد هيئ للخشكنان) ولم تضبط الكاف وهي بالضم على ما في لسان العرب في مادة كعك.
وفي ص280 س7 ضبطت السكنجبين بفتح السين والكاف والجيم والذي ذكره صاحب البرهان القاطع أنه بكسر السين وبالفتحتين المذكورتين ثم قال: وهكذا تنطق به العرب، فتبعه في ذلك فلرس في معجمه وفريتغ وصاحب محيط المحيط، وقول المحشي تفسيراً للسكنجبين (س20): (شراب من خل وعسل ويراد به كل لو حامض) هو قول صاحب محيط المحيط وأقرب الموارد والبستان. وفي هذه العبارة إبهام وإيهام: ولو قالوا: (ويراد به كل مزيج حلو بحامض) لكان أشبه. أما قولهم (كل حلو وحامض) فمعناه: كل حلو يسمى سكنجبيناً وكل حامض يسمى سكنجبيناً. وهو غير صحيح.
وكل مرة جاء ذكر الكرنب ضبطت ضبط القنفذ أي بضم الأول والثالث راجع ص282 س10 وص286 مراراً عديدة وفي ص287 وهذا لم نجده في أي كتاب لغة. والمشهور بضم الأول والثاني. أو بفتح الأول والثاني، إلا أن الأول هو الأفضل وهو المنصوص عليه في دواوين اللغة.
وفي ص285 س22: (الشرى بثور بعضها غار وبعضها كبار حكاكة مكربة. . .) ومكربة
بمعنى كاربة لم ترد في كلام الفصحاء وأن وردت في القاموس في مادة شرى.
وفي ص288 س13: (والسلق أن دق مع أصله وعصر ماؤه وغسل به الرأس ذهب بالأتربة وأطال الشعر) اهـ. ولا معنى للأتربة، لأننا لو فرضنا أنها هنا جمع تراب لاكتفينا بغسله بالماء القراح أو بالصابون، إنما هنا: (ذهب بالتبرية وهي نخالة الرأس ويقال لها أيضاً الهبرية. وربما قال بعضهم. الابرية(8/713)
على لغة من يجعل الهاء همزة. وهو كثير المثل في كلامهم. وراجع المزهر 223: 1 من طبعة بولاق.
وفي ص289 س10: وتزعم الروم أن مادة (ماء الجرجير) ينفع من عضة ابن عرس). وجاء في الحاشية. . . وفي الأصل وردت هذه اللفظة هكذا: (عضة ابن مقرص) وهو تحريف). قلنا: فإذا كان في الأصل ابن مقرص فيجب أن تكون اللفظة: (ابن مقرض) لا (ابن عرس) وابن مقرض دويبة يقال لها بالفارسية دله وهو قتال الحمام كما في الصحاح. وضبطه هكذا كمنبر، وفي التهذيب: قال الليث: ابن مقرض ذو القوائم الأربع الطويل الظهر قتال الحمام. ونقل في العباب أيضاً مثله. وزاد في الأساس: أخاذ بحلوقها وهو نوع من الفيران (كذا)؟ (عن تاج العروس) ونحن نعلم اليوم أن ابن مقرض ليس من الفئران في شيء لأنه المسمى بالفرنسية وبلسان العلم ويعرف أيضاً بالدلق والقاقم وهو كثير الشبه بابن عرس لكنه ليس به وابن عرس هو المسمى بالفرنسية
وفي ص297 س6: (واحمد التمور الهيرون) وفي الحاشية: (الهيرون البري من التمر والرطب) وهي عبارة محيط المحيط وأقرب الموارد ومن نقل عنهما. قلنا: هذا اللفظ وهذا التعريف لا يتفقان وما جاء في التاج. فقد قال السيد مرتضى شارح القاموس: (الهيرون تمر معروف هكذا نقله الصاغاني عن أبي حنيفة، والذي نقله الأئمة عن أبي حنيفة هيرون بالكسر وضم النون من غير ألف ولام. . . ثم أن أبي قتيبة الدينوري يصفه بقوله: (واحمد التمور) فكيف يكون البري من التمر. ثم: أوجد تمر بري حتى يكون هذا منه؟ وكيف يجوز لكاتب عصري أن ينقل اللغة من محيط المحيط أو نسخته الثانية (اقرب الموارد) أو عن نسخته الثالثة (البستان)؟ فمحيط المحيط نسخة ممسوخة من معجم فريتغ، واقرب الموارد نسخة مشوهة من محيط المحيط والبستان نسخة شنيعة من أقرب الموارد. ولهذا لا يجوز أبداً أن تؤخذ اللغة عن هذه الدواوين الفاسدة المفسودة ولا عن كل معجم مختصر أو
أقرب الموارد كمعجم الطالب والمنجد والمعتمد فهذه مجموعات(8/714)
لغوية تضر بكل من ينقل عنها. وقد ذكرنا مراراً في مجلتنا، والآن نقول: لو أعطي لنا أن نحرق هذه المعاجم - وفي رأسها محيط المحيط مسبب جميع بلايا اللغة - لأحرقناها جميعاً (بنار جهنم) حتى لا يبقى منها رماد، لأن (نار الأرض الدنيا) تبقي شيئاً منها. ونظن أن صحيح كرم محيط المحيط هو هكذا: الهيرون البرني (بنون مكسورة قبل الياء المشددة وبفتح الأول) من الثمر والرطب فيستقيم المعنى لأن هيرون (لا الهيرون ألف ولام والكلمة فارسية) من أفخر التمر واحمده. فهو كالبرني الذي يعد من أحسن التمر.
وفي تلك الصفحة وذلك السطر: (واحمد البسور الجيسران) وجاء في الحاشية: (الجسيران جنس من أفخر النخل معرب، وفي الأصل (جيسوان) وهو تحريف). قلنا: وهذا الوهم أيضاً من نتاج النقل عن محيط المحيط. هذا الديوان الفاسد المفسود أو من أقرب الموارد فأنها يقولان: (الجيسران جنس من أفخر النخل معرب كيسران بالفارسية ومعناه الذوائب) والذي ذكره اللغويون المحققون الجيسوان بالواو لا (بالراء) بعد السين. قال في المخصص (133: 11): الجيسوان سمي بذلك لطول شماريخه شبه بالذوائب واصلها فارسي والذؤابة يقال لها بالفارسية كيسوان) وقال في تاج العروس في مادة ج ي س: (قال الدينوري: الجيسوان تمر من أفخر التمر، له بسر جيد واحدته جيسوانة وهو معرب كيسوان ومعناه الذوائب وأصله فارسي. نقله الصاغاني.) وممن صحف هذه الكلمة البشاري في كتابه أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم الذي عني بطبعه دي خوية في ليدن سنة 1906 في ص130 حين عدد ضروب التمر فقال: (الجيشوان وفي نسخة الخيشوان. قلنا وكلتا الروايتين خطأ. والصواب: جيسوان كما ذكرناه. وكذلك أحسن نقلها كل من فريتغ ودوزي في معجمهما. وهذه من النوادر.
وجاء في تلك الصفحة في السطر 7: (وخير السمك. الشبوط والبناني والمياح) وفي الحاشية شرح لنا الواقف على طبعه الشبوط فأحسن، ولم يشرح البناني وهي جمع البني ككرسي، وقد ذكره اللغويون في كتبهم. ولم يشرح لنا المياح، إنما ضبطه لنا بشد الياء لا غير. واللغويون لم يذكروا المياح.(8/715)
والذي في علمنا أن المياح لغة في البياح من باب إبدال الباء ميماً. والبياح وزان كتاب وجبار. قال شارح القاموس في ب وح: البياح ككتاب
وكتان ضرب من السمك صغار أمثال شبر وهو أطيب السمك. قال
يا رب شيخ من بني رباح ... إذا امتلأ البطن من البياح.
وفي الحديث: أيما أحب إليك كذا أو كذا أو بياح مربب أي معمول بالصباغ. وقيل: الكلمة غير عربية) اهـ وذكره أيضاً صاحب اللسان في مادة ب ي ح لا كما فعل المجد والشارح.
وفي تلك الصفحة س9: (وشر السمك كباره السماريس) ثم شرح السماريس ناقلاً كلام ابن البيطار، لكنه لم يصلح هذا القول: (وشر السمك كباره السماريس) وصواب النص الحقيقي: وشر السمك كنازه السماريس) وسبب هذا التصحيح هو أن السماريس ليس من كبار السمك بل من صغاره الكناز لأن الواحدة لا تبلغ أكثر من ثلاثين سنتمتراً. وثانياً لأن كثيراً من كبار السمك طيب وحسن، إذن قوله: كباره غير صحيح. أما كنازه من شره فظاهر من أن معنى الكناز المجتمع اللحم الصلبة. وهذا السمك يعيش في الوحل والحشائش وهو طيب الأكل إذا كان غير مكتنز اللحم أما إذا كان كنازه فيسوء طعمه للوحل الذي يتمرغ فيه أو للحشائش الرديئة التي يقضي فيها حياته. وكذا يقال عن كل سمك كناز.
وفي ص300 س5: (بينا أنا في صحارى الأعراب في يوم شديد البرد والريح وإذا بأعرابي قاعد على أجمة. . .) قلنا: الأجمة بالتحريك كما ضبطت الشجر الكثير الملتف. والجمع أجم بالضم وبضمتين ولا يمكن أن يجلس الأعرابي على الشجر. أما إذا قيل أن معنى الأجمة هنا: كل بيت مربع مسطح. فنقول: إذن لا يقال أجمة بل أجم بفتح وبلا هاء. والذي يحسن القول في هذه العبارة: الأكمة بالتحريك وهي التل من القف أو نحوه. ليتسق مع قوله في الصحارى. هذا الذي نراه هنا موافقاً للمقال.
وفي هذا الكتاب غير هذه الهفوات والهنوات وهي أمور لا يخلو منها مطبوع. الكمال لله وحده.(8/716)
144 - الخطابة (ملحق بالهلال)
تأليف الدكتور نقولا فياض عضو المجمع العلمي العربي في الشام
عنيت بنشره إدارة الهلال بمصر في سنة 1930 في 248ص بقطع 12
اللغة العربية في حاجة إلى التصنيف وأمثاله، لأنك ترى أشباه هذا الكتاب في جميع الألسنة وعند جميع الأقوام، أما عندنا فليس منها شيء. إذن أحسن صاحبا الهلال بإتحاف قراء
مجلتهما بهذا التأليف وأحسن الدكتور الفياض بما أفاض به علينا من ذوب دماغه وقلبه. على أننا رأينا فيه مغامز: أولها أن خطأ الطبع كثير لا تخلو منه صفحة ففي ص5: بها آثار سولون وفي ص6 ومن بواعث. . . وانتشرت أثوار. . . لم تؤهلهم المدارس إلى تعلم الخطابة في غيرها. والصواب: أثار. . . بواعث. . . أنوار. . . لتعلم الخطابة.
2 - في بعض أقواله غرابة فقد جاء في ص5: (ولولاها (الخطابة) لما سحرت الأديان عقول البشر ولا كان لها أبطال وشهداء في بدو ولا حضر) فهذا كلام لا يوافق عليه أصحاب الدين لسخفه.
3 - أنه نسي من خطباء العرب سحبان بن وائل وقس بن ساعدة اللذين يضرب بهما المثل.
4 - أن ما عربه من كلام خطباء الإفرنج ركبك ضعيف لا يتماسك.
5 - كان يحسن به أن لا ينشر صور نفسه للدلالة بيانه من مواقف الخطابة والأداء بل صور غيره. وإذا نشر تلك الصور فكان يجمل به أن لا يضع اسمه تحتها بل يشير إلى (خطيب) لا غير. وكل ذلك من باب الأدب الغض ومحاسن الوقار والرزانة. وما عدا هذه الألفاظ فالكتاب حافل بالفوائد والعوائد لا يقف عليها القارئ إلا ويزداد علماً لهذه الصناعة الساحرة الفنانة.
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 10 -
لمن الصبي بجانب البطحاء ... في الترب ملقى غير ذي مهد(8/717)
نجلت به بيضاء آنسة ... من عبد شمس صلبة الخد
وروى بن أبي الحديد أيضاً في شرحه 387: 3 أن حسان بن ثابت لما أنشده عمر بن الخطاب (رض) بعض ارتجاز هند بني عتبة يوم أحد قال: حسان يهجوها:
أشرت لكاع وكان عادتها ... لؤماً إذا أشرت مع الكفر
أخرجت مرقصة إلى أحد ... في القوم مقتبة على بكر
وروى ابن أبي الحديد في هذه الصفحة عن محمد بن إسحاق في كتاب المغازي وقال أيضاً يهجوها:
لمن سواقط ولدان مطروحة ... باتت تفحص في بطحاء أجياد
باتت تفحص لم تشهد قوابلها ... إلا الوحوش وإلاّ جنة الوادي
يظل يرجمه الصبيان منعفراً ... وخاله وأبوه سيد النادي
في أبيات كرهت ذكرها لفحشها) انتهى نقل الحديدي واستبان المراد وبينت الحجة.
73 - وورد في ص229 هجو حسان لأبي سفيان ومنه (فشركما لخير كما الفداء) فقال الأثري: (ولست أعرف في الهجاء اشرف من هذا الهجاء) قلنا: وليس هذا الحكم من ثمار عقله ففي ص76 من شرح الطرة ما نصه (وحكى أبو القاسم الزجاجي أن حسان بن ثابت رضي الله عنه لما أنشد النبي صلى الله تعالى عليه وسلم قوله:
أتهجوه ولست له بكفء ... فشر كما لخير كما لفداء
قالت الصحابة: يا رسول الله هذا أنصف بيت قالته العرب) اهـ. فالصحابة أصحاب الرأي الرصيف.
74 - وقال في ص233 (الحطيئة: هو جرول بن أوس جاهلي إسلامي يندر وجود شبيه له في شواذ المخلوقات جمع الله فيه قبح المنظر سوء المخبر وإلى ضعة النسب سفه النفس ولؤم الغريزة وشرة اللسان. . .) وما أدري أتاريخ هذا أم سب واقتراع؟ وأن كان الجامع لهذه الصفات فيه هو فلا ذنب للحطيئة ولا عدل لمن ينعى عليه ما أودعه الله - حاشى الله -.
مصطفى جواد(8/718)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - نتائج رفيعة السر هلتن يانغ
أنتجت رفيعة السر هلتن يانغ نتاجاً اضر بزراعة العراق ضرراً عظيماً. فقد كادت تقضي على المديرية الزراعية قضاء لا عود فيه إلى الحياة. وألغت مشروع الحرير ووقفت الأعمال الزراعية في الرستمية وقضت على المتقن الزراعي وأبقي من مكافحي الجراد عشرة أو خمسة عشر وألغيت وظائف مأموري الزراعة في الألوية ومديري المناطق الزراعية. وبهذا الأمر فقد العراقيون كل مرجع فني للزراعة أو بعبارة أخرى فقدوا مصدر الثروة والرفاهية والتقدم والنجاح.
2 - حسم دعاوى العشائر في المتصرفية
بلغ مجموع الدعوى المحولة من حزيران والمقامة في شهر تموز من هذه السنة 86 دعوى تخص العشائر، فحسمت منها المتصرفية في الشهر المنصرم (تموز) 41 دعوى وحولت 45 إلى الشهر آب (أوغسطس).
3 - نزول مياه دجلة
نسبة نزول مياه دجلة في هذه السنة كانت أدنى نسبة انحطت إليها المياه منذ سنة 1906 وقد كانت أدنى نسبة وصلت إليها المياه بالهبوط منذ تلك السنة. ولكن في عامنا الحالي كان النقصان أحط من نقصان 1925 بقدم واحدة وكانت درجة القياس لدجلة في اليوم ال12 من أوغسطس 28 متراً و25 سنتمتراً.
4 - الجراد
عاد الجراد في أوائل الأسبوع الثاني من أوغسطس إلى منطقة لواء ديالى ومن أخبار هذا اللواء أنه أضر بالنباتات ولكنه لم يقم في اللواء أكثر من يومين ثم نهض متوجهاً إلى ناحية أخرى وأخبر القادمون من سلمان باك (طيسفون) أن الجراد هجم بكثرة على تلك الجهات.
5 - صنع ورق الطباعة من الحلفاء
الحلفاء كثيرة في العراق بل كثيرة في ديار الشرق الأدنى. وقد توفق الإنكليز والفرنسيون لاتخاذ الكاغد(8/719)
منها. ومن بعد أن كان النباتيون يصرفون المبالغ الطائلة لاستئصال شأفة هذه الحشيشة المضرة للزراعة أعظم ضرر، أصبحت اليوم من الأنبتة النافعة. وكان الأسبانيون قد تعلموا من عرب مراكش اتخاذ الخيوط والحبال والسلاسل من الحلفاء. أم اليوم فاتخاذ الورق منها يبشرنا بمستقبل حسن لهذا النبت الكثير الفشو في أراضي العراق كلها، فنتمنى أن تنهض شركة لجمعه وبيعه في ديار الغرب أو تنهض شركة تصنع منها الورق في بلادنا فلا نضطر إلى شرائه من تلك البلاد بأثمان باهضة في حين أن مادته غزيرة ومتوفرة عندنا وتضر أرض الزراعة لما ينتشر فيها ويؤذيها إذ الحلفاء كثيراً ما تقتل سائر الأنبتة التي تجاورها.
6 - اشتداد الحر في العراق
اشتد الحر في العراق من الرابع من آب (أوغسطس) إلى الحادي عشر منه حتى زادت الوفيات في بغداد 80 في الأسبوع عن مستوى مألوفها. ومات في البصرة 75 شخصاً رعناً (بضربة الشمس) وبلغ الحر في بغداد 47 درجة في الظل وتقول جريدة (صدى العهد) في عددها ال6 الصادر في 13 آب (أن درجة الحرارة بلغت 55 (كذا) درجة سانتيغراد في لواء الموصل) (كذا بحرفه فليتدبر الكتاب ما يكتبونه)
7 - عمال شركة النفط
دل إحصاء المستخدمين في شركة النفط على ما يأتي:
الجنسيةالعدد في أيارالعدد في حزيران
عراقي24712710
إيراني 156 157
أوربي115119
هندي75 75
أميركي 51 48
روسي 9 7
المجموع2877 3116
8 - الورتبيت نرسيس صائغيان
الابيل نرسيس صائغيان أحد أخطاء لجنة التحرير في إدارة مجلة لغة العرب وقد أدى خدماً عديدة للبغداديين والمسيحيين على اختلاف طبقاتهم مدة تربي على ثلاثين سنة وله مقالات في هذه المجلة تشهد له بطول الباع في أخبار البيوت المسيحية وتاريخها ونسبها في ديار العراق وله مقالات كثيرة في الجرائد والمجلات الأرمنية التي تصدر في أوربة ويعرف من اللغات العربية والأرمنية والفرنسية والارمية واللاتينية وله وقوف تام على(8/720)
تواريخ وآداب اللغات المذكورة. ولما رأى رؤساؤه تلك الخدم وما أفاد بعلمه كل من دنا منه رقوه في 17 آب إلى درجة الورتبيت أو الخوري الأسقفي فنهنئه بهذه الرتبة، متمنين له العمر الطويل الهنيء. وشاكرين له ما أدى لهذه المجلة من المساعي والأتعاب التي لا يمكننا أن نكافئه عليها مهما بذلنا له من طيب الثناء.
9 - طريق أنابيب النفط العراقي
صرحت (الجورنال) قائلة: قبل أن يقبل العراق في عصبة الأمم يجب عليه الإصغاء إلى مطاليب فرنسة التي تريد أن تمر الأنابيب بطريق سورية إلى طرابلس.
أما بريطانية العظمى فترغب في أن تمر الأنابيب بطريق شرقي الأردن وفلسطين.
10 - حزب جديد في تركية
استقال فتحي بك السفير التركي في باريس ليترأس حزباً جديداً في تركية مناهضاً لسياسة عصمت باشا وبغية هذا الحزب الجديد التآزر مع دولة الاتحاد البلقاني.
11 - كركوك الجديدة
باشرت شركة النفط العراقية إنشاء بلدة جديدة في غربي كركوك على طريق بابا كركر باسم كركوك الجديدة. وقد شيدت بيوتاً ومنازل للموظفين والعمال ومعامل لإصلاح المكائن والسيارات ومباني لدوائر الشركة. وشيدت المخازن والمستودعات والخوينات (الكانتينات) والمقاهي وتنفق الشركة على هذه الأعمال في الشهر ما لا يقل عن ثلاثة الكاك ربية.
12 - الخلاف على الحدود العراقية
بين الوفد العراقي والوفد الفرنسي خلاف يتعلق بأمر تحديد التخوم بين العراق وسوريا. والخلاف واقع حول أمرين: الأول يتعلق بالمنطقة المؤدية إلى سفح جبل سنجار على مسافة ثمانية كيلومترات والثاني يتعلق بالطريق المؤدية إلى الصحراء.
13 - الثورة الكردية في تركية
جهزت الحكومة التركية قوة جديدة قوامها خمسون ألف جندي وعهدت بقيادتها إلى كمال الدين سامي باشا. ووجهتها إلى الولايات الشرقية للقيام بحملة عمومية على الحدود. لتأديب العصاة. ويستدل من الأخبار الرسمية التي نشرتها الحكومة التركية أن معركة شبت بين قوة متقومة من 700 ثائر وقوات الجند في شمدين على الحدود التركية العراقية فأسفرت عن فرار(8/721)
العصاة بعد أم منوا بخسارة 350 رجلاً وقد شرعت قوات الجند في هذه المنطقة بتأديب العصاة.
وقد صمم الكرد الثائرون على الاستماتة في النضال حتى النفس الأخير ليقينهم أنهم إذا أخفقوا في هذه المرة فأن تركية تذيقهم من العذاب والاضطهاد ألوانا وأشكالا ولذلك يبذلون ما لديهم من جهود في المقاومة ولا تبرح النجدات الكردية تصل إليهم وقد وردت إليهم مجهزة بالذخائر والأسلحة وتقول الأنباء الصادرة من أنقرة نفسها أن الجيوش التركية استطاعت أن تنال من هذه النجدات وتشتت شمل البعض منها وأنها واقفة للثائرين بالمرصاد.
14 - مؤامرة شيوعية في تركية
اكتشفت الحكومة التركية مؤامرة شيوعية فقبضت على ستين متهماً.
15 - الثورة الكردية بين تركية وإيران
يروى أن الحكومة الإيرانية رفضت طلب الحكومة التركية في مؤازرتها مؤازرة فعالة على الحدود لصد القبائل الكردية الثائرة. ولذا ترى السلطات التركية العسكرية أن الضرورة قد تلجئها في آخر الأمر إلى تعقيب تلك القبائل ومطاردتهم في إيران وراء الحدود الفاصلة تركية عن إيران.
16 - الجزء ال11 وال12
كان كثيرون طلبوا منا أن نقلل الفهارس وأن نصدر جزءاً حادي عشر ففعلنا والآن ألح علينا فريق أن نعيد الفهارس إلى حالتها الأولى فسوف نفعل.
(تصحيحات)
ص573 س13 للمتصفحين: للمتصفحين (للمتفحصين) - 574س2 ركبت على ضلعي: (ربعت على ضلعي) - 574س4 أبو فرج: أبو الفرج - ص616 س26 وكانت: وكانتا - 646 س1 فعالل نحن قشاعم وهو مقيس في فعللة: فعائل نحو قسائم وهو مقيس في فعالة - ص656 س27 لبعد: لما بعد - 660س13 حاولوا: جاولوا - ص676 س1 وأقامت: أو قامت - ص686 س12 (متفحصاً): (متفصحاً) - ص686 س13 العصاة: القضاة - ص686 س18 ونصدق: وتصدق - ص687 س12 عن فساد: عن (إظهار) فساد - 687س21 تفرط: يفرط - ص687 س23 جمع: جميع - ص687 س26 يفهم: بفهم - ص690 س23 لم: لهم.(8/722)
العدد 85
إلى شبيبة العراق
يا ناشئة العراق ونابتته الغضة! كل من حولنا ناهض، منتبه، يجتهد، ونحن نيام، فيجب علينا أن نستيقظ، وننظر في سبب هذا الكلام:
نسمع كل يوم بإنشاء أعمال جديدة، مفيدة، وبتأسيس مدارس، وتعبيد شوارع، وإقامة كليات، وتشييد مستشفيات، ولكن هل من مشيد للألعاب الرياضية؟ نرى الناس في هرج ومرج يصبحون ويمسون منهمكين بشؤون شتى محورها كسب المال، ولكنهم صرفوا النظر بالمرة عن كسب الصحة، أو حفظها، وهم غافلون عن أن غنى المرء بحسن صحته. وأصبحت المقاهي. اللهوة الوحيدة. وتراها منبثة في جميع أنحاء العاصمة، مصفوفة الواحد بجانب الآخر على طول الشوارع، تحف بالجسور، وتحيط بأماكن المرور. وهناك أيضاً أندية أخذ فيها بعض الشبان يبرعون في الرقص مع النساء. أننا في سبات عميق، لأننا نعرض صحتنا هدفاً للأمراض، والآفات، ونترك الأراضي الفسيحة ومياه دجلة المنعشة للطير والسمك، وهي تنادي الشبيبة العراقية: إلى الألعاب الرياضية. إلى الألعاب الرياضة، وإلى الألعاب الرياضية!.(8/723)
كان للألعاب الرياضية مقام جليل منذ القدم، وعهد التاريخ بها من قرون قبل الميلاد، وانتشرت عند المصريين القدماء ونالت أسمى حظوة عند الرومانيين حتى أنهم أسسوا لها الجامعات لتدريب المتروضين وأقاموا الأبنية الشامخة المدرجة المسماة عندهم (بالانفيتياتر) لمشاهدة تلك الألعاب المروضة للأبدان.
فلنبحث الآن عن شأن الألعاب في عصرنا هذا ونجل النظر في الفسحة الممتدة من الشرق إلى الغرب، فلماذا نرى؟ نرى إخواننا شبان مصر مجتهدين، ساعين كل السعي، وقد اشتركوا في الألعاب (الأولمبية) حتى فاز شاب منهم ببطولة العالم في حمل الأثقال، ثم ترى في كل بلدة ذات شأن من بلاد الهند ميداناً متسعاً معموراً مختصاً بالألعاب.
وقد جعل الغربيون للألعاب الرياضية منزلة، لا تقل عن منزلة العلوم، وفي كل مدرسة، أو جامعة في أميركة، يرى اختصاصيون في الألعاب الرياضية، تدفع إليهم المبالغ الطائلة، التي تربو في بعض الأحيان على عشرة آلاف (دولار) في السنة لتدريب الطلاب فيها.
وألفت حكومة فرنسة بعد الحرب العظمى ديواناً خاصاً بالألعاب وألحقته بنظارة وزارتي الصحة والمعارف، ثم ارتفع شأن هذا الديوان، فأصبح وزارة مستقلة تعد لكل رجل أو امرأة، ما يطلبه أو تطلبه من الألعاب الرياضية.
وأما الألعاب الرياضية عند الأمة الإنكليزية، فهي من لوازم الحياة عندهم نرى الإنكليزي يتمرن من طفولته حتى كهولته، وبرعت هذه الأمة في الألعاب الرياضية، وفازت فيها، فابتكرت ألعاباً متنوعة، ولها يوم عطله عام أطلق عليه اسم (يوم الملاكمة) وهو يوافق ال 26 من كانون الأول (دليسنبر).
ولننظر الآن في منافع الألعاب الرياضية، فهي تحسن الصحة، وتقوي البدن، وتثبت روح الرياضة أي أنها تمنع الضغينة عند الانكسار، وتوسع الكرامة عند الانتصار، وتدرب الشاب على الشجاعة، والمهارة، والاعتماد على النفس، بحيث لا ييأس إذا غلب ولا يغتر إذا ظفر.
أيتها الشبيبة، دعينا ننهض، ونطلب إلى سادة الأمة، أن تمن علينا بوسائل للرياضة، فيكون للتلميذ في المدرسة مدرب يدربه على هذا المنحى، وبعد إكمال(8/724)
دراسته، يلتحق بالأندية التي قد أعدتها الحكومة لهذا الشأن، فيقل فينا المرض ويخف سكان السجون، لأن العقل السليم في الجسم السليم، يساعدنا على درس الفنون. وأن ساد أجدادنا قبل قرون فساسوا العالم في عهدهم، فننا أحفادهم قد ورثناهم روح الانتصار، فلا غرو إذا أصبحنا بعد ذلك سادة العالم الرياضي.
بغداد: فنسان م. ماريني
المائن أو الممخرق
لاقاني أحد الوطنين الأدباء من المتفرنجين، وقال لي: أنك تدعي أن لغتنا غنية، وفيها من الألفاظ ما يقوم بحاج العصر، فهل تظن أنك تجد في لغتنا، ما يؤدي معنى كلمتهم (شرلطان)؟ - قلت: وما مرادك من هذا الحرف؟. قال: معناه الطبيب الدجال، الجالس على قارعة الطريق، وهو ينادي على ما بيده أنه نافع للداء الفلاني، والفلاني، الفلاني، إلى ما لا نهاية له. فيوقن به السذج. ويشترون منه دواءه المزور، وهو لا يفيد شيئاً.
قلت له: هذا ما سماه السلف، في عصر العباسيين، بالمائن. أما قرأت في التاريخ ما جاء عن هرون الرشيد؟. فقد ذكر أن منكة الطبيب الهندي الذي استدعاه هرون الرشيد من دياره، ليطيبه. مر ذات يوم (في الخلد، وإذا هو برجل من (المائنين) قد بسط كساءه، وألقى عليه عقاقير كثيرة: وقام يصف دواء عنده معجوناً. فقال في صفته: هذا دواء للحمى الدائمة وحمى الغب، وحمى الربع: ولوجع الظهر والركبتين، والجلسام والبواسير، والرياح، ووجع المفاصل ولوجع العينين، ووجع البطن، والصداع، والشقيقة، ولتقطير البول والفالج والارتعاش ولم يدع علة في البدن إلا ذكر أن ذلك الدواء شفاؤها.
فقال منكه لترجمانه: ما يقول هذا؟ فترجم له ما سمع وتبسم منكه، وقال: على كل حال ملك العرب جاهل. وذلك أنه أن كان الأمر على ما قال هذا فلم حملني من لدي وقطعني عن أهلي. وتكلف الغليظ من مئونتي، وهو يجد هذا نصب(8/725)
عينه، وبازائه؟ - وأن كان الأمر ليس كما يقول هذا، فلم لا يقتله؟ فأن الشريعة، قد أباحت دم هذا ومن أشبهه، لأنه أن قتل، ما هي إلا نفس تحيا بفنائها أنفس خلق كثير، وأن ترك وهذا الجهل، قتل في كل يوم نفساً وبالحري أن يقتل أثنين وثلاثة وأربعة في كل يوم، وهذا فساد في الدين، ووهن في المملكة) (راجع عيون الأنباء لأبن أبي اصيبعه 2: 33 و 34).
قال المتفرنج: والمائن هو الكاذب لا غير. فأين هذا مما نريده؟. قلت: أن المائن الكاذب أو الكذاب عينه: لكن ألا تعلم أن الكلمة العامة قد تخصص بمعنى دون معنى من باب التواطؤ، فالكلمة الإفرنجية معناها في أصل وضعها من الإيطالية والإيطالية من فعل ومعناه ثرثر وتشدق ثم خصصوه بهذا الذي تعنيه. وهذا ما تراه جميع اللغات، لا تخلوا
واحدة منها وفي لغتنا أكثر مما في سواها.
وأن لم ترضك هذه اللفظة، فلنا لفظة تقوم مقامها هي (الممخرق) قال في اللسان: الممخرق: المموه. وهي المخرقة مأخوذة من مخاريق الصبيان أه. وقال عن المخاريق وأحدها مخراق: ما تلعب به الصبيان من الخرق المفتولة. قال عمرو بن كلثوم:
كأن سيوفنا منا ومنهم ... مخاريق بأيدي لاعبينا
ابن سيدة: والمخراق: منديل أو نحوه يلوى فيضرب به أو يلف فيفزع به، وهو لعبة يلعب به الصبيان، قال:
أجالدهم يوم الحديقة حاسراً ... كأن يدي بالسيف مخراق لعب
وهو عربي صحيح. وفي حديث علي (ع) قال: البرق: مخاريق الملائكة وانسد بيت عمرو بن كلثوم، وقال: هو جمع مخراق، وهو في الأصل عند العرب ثوب يلف ويضرب به الصبيان بعضهم بعضاً. أراد أنها آلة تزجر به الملائكة السحاب وتوقه. ويفسره حديث أبن عباس: البرق سوط من نور تزجر به الملائكة السحاب. . .) أه كلام ابن مكرم.
فأنت ترى من هذا أن لغتنا غنية بما في مذخرها من فوائد المفردات.(8/726)
آلتون كوبري في التاريخ
آلتون كوبري ويجوز كتابتها بصورة (التون كبري) قصبة في لواء كركوك واقعة بين جسرين قائمين على فرعي الزاب الصغير الذي يقال له أيضاً الزاب الأصغر وبتعبير آخر الزاب الأسفل ويقال للفرع آلتون صو وتعريبه الحرفي (الماء الذهب) ومعناه (نهر الذهب). ومعنى التون كوبري جسر الذهب ولا بد أن القائل آلتون كوبري أراد أن يقول آلتون صو كوبريسي أي جسر نهر الذهب فاستطال الجملة فاختصرها. وقد ذهب إلى القول بهذا الاختصار معلمة الإسلام وكذلك حضرة الأب صاحب هذه المجلة (5 (1927 - 28): 362) ورجعت معلمة الإسلام قولها على قول من ينسب الاسم إلى وفرة الدخل الذي يؤخذ عن العبور. وبعض العراقيين منا يعرب آلتون كوبري مع اختصاره فيقول (القنطرة) كما قال الأب في كلامه الذي أشرت إليه أما الحكومة فتكتبها في ما تصدره من الرسميات بصورة التون كوبري.
ويروى بعض الناس عن سبب تسمية آلتون كوبري أن للسلطان مراد الرابع حينما جاء بغداد في سنة 1048 هـ (1638م) أمر بتشييد جسر هنالك فإبان من أمر بذلك حاجته إلى مال كثير فتقدم إليه الشروع وان تبلغ النفقات ثقل الجسر ذهباً ولا يمكننا أن نقبل هذا السبب للتسمية - على فرض صحة الأمر بالبناء وتداول الكلام عن النفقات - لوجود نهر هناك اسمه التون صو قبل مجيء السلطان مراد إلى بغداد فضلاً عن اسم آلتون كوبري كان معروفاً قبل زمن السلطان المار الذكر بنحو ثلاثة قرون على اقل تقدير. وقد سمع أيضاً حضرة(8/727)
الأب صاحب المجلة أن باني القنطرتين اللتين في آلتون كوبري هو السلطان كما أن سالنامة الموصل لسنة 1325هـ (1907م) (ص 215) كانت قد قالت ما تعريبه: (إن هذا الجسر العظيم أسس في عصر مراد خان الرابع ولا يزال حافظاً صلابته ومتانته) اهـ. أما التاريخ فانه يخطئ صاحب السالنامة إذ انه يبين لنا أن الجسر كان قد خرب وانه بعد الألف والمائة من الهجرة كما سيجيء فلم يكن الجسر القائم في زمن وضع السالنامة ذلك الجسر الذي ينسب بناؤه إلى السلطان مراد أن صحيحاً وان غلطاً.
وهاءنذا أروي لك ما وجدته عن قدم اسم التون كوبري مقتبسا الكلام من بضعة مصنفات
فيها العربي والتركي والفارسي والبرتغالي مبتدئاً بما هو اقرب عهداً فصاعداً:
ذكر آلتون كوبري كتاب (فذلكه كاتب جلبي) (بالتركية) (2: 66) المتوفي في سنة 1067هـ (1656م) في حوادث سنة 1034هـ (1924 م) وذلك في قوله الذي أعربه كما يلي: (كان بكلربكي قرمان وهو جركس حسن باشا قد شتى في جهات الجزيرة وحسن كيف (حصن كيفا) فشاع تجمع الأعداء في التون كوبري وكركوك فار إليهم. . .) اهـ.
وذكره كتاب (شرفنامه) بالفارسية (2: 440) ومؤلفه شرف خان وقد أتمه سنة 1005هـ (1596م).
وكذلك ذكره بصورة مسترة أفونسو البرتغالي في رحلته (ص 220) وقد ابتدأ بها في سنة 565 م (973هـ).
وجاء بذكره أيضاً رستم باشا في تاريخه المترجم إلى الألمانية (ص 86) وكانت وفاة الباشا المؤرخ في سنة 968هـ (1560م).
ومن الذين ذكروا آلتون كوبري قديماً - حتى قبل مجيء السلطان سليمان إلى بغداد في سنة 941هـ (1534م) - عبد الله بن فتح الله البغدادي الملقب بالغياث في كتابه المسمى التاريخ الغياثي إذ قال: (ثم أسبان ترك أمير محمد بن(8/728)
شيء الله بجصان ورحل إلى كركوك فأخذها واخذ آلتون كوبري) وقال: (فلما سمع الوند بموت أسبان وانهم سلطنوا بولاد وليس لهم فيه إرادة. . . توجه إلى كركوك - وكانت اولكته - وتوجه منها إلى اربل والتون موبري والموصل فأخذها.) وكذلك قال: (وكان كور خليل ومقصود بيك ابن حسن بيك بالموصل فتوجهوا إلى كركوك ودقوق والتون كوبري) اهـ وكان المؤلف عائشاً في أواخر القرن التاسع للهجرة على ما كان بينه حضرة الأب صاحب المجلة فيها وبينته فيها أيضاً في مقالة العمارة والكوت.
واقدم عهداً من كل ذلك ما جاء في كتاب (ظفرنامه) بالفارسية لشرف الدين علي اليزدي الذي كان من رجال النصف الاول من القرن التاسع للهجرة وقد أنجز كتابه في سنة 828 هـ (1424م) على ما في قاموس الأعلام. فانه قال ما معناه: (فتوجه العلم الذي شعاره النصر بضمان الله وحفظه وتأييده إلى بغداد بطريق آلتون كوبري) اهـ.
والظاهر أن الجسر لم يكن صالحاً للعبور عليه في سنة 1038هـ (29 - 1628م) فقد جاء
في كلشن خلفا مل ملخصه (ص 75 من المطبوع) أن خسرو باشا هيأ في الموصل ظروفاً لعبور التون فعبره وخيم العسكر المنصور في شهرزور. فيجوز أن الباشا أراد العبرة في موضع غير موضع الجسر فاحتاج إلى ظروف (للاكلاك) وإذا فرضنا أن عبرته كانت في موضع الجسر فيمكن أن يقال أن السلطان مراد حينما جاء إلى بغداد - وذلك عبرة الباشا ببضع سنوات - رأى الجسر منهدماً فأمر ببنائه.
فهمنا سماع الأب أن قنطرتي (التون كوبري) من أبنية السلطان مراد وكذلك قالت سالنامة الموصل وقد روت كلامها بصيغة لا تبقي مجالا للشك في أن الجسر من أبنية السلطان المار كأن ذلك حقيقة تاريخية راهنة مع أن كلشن أيضاً (ص 129 من المطبوع) يخبرنا في حوادث سنة 1129هـ (1716م) أي بعد مجيء السلطان مراد إلى بغداد بنحو ثمانين سنة بما تعريبه ملخصاً:
(فصل: ومما وفق له الوزير المشار إليه (حسن باشا والي بغداد) من عمل الخيرات الكثيرة انه عرض على الدولة أن الجسر القائم على النهر المعروف(8/729)
المشهور ب (التون صو) الواقع بين الموصل وكركوك قد خرب فتعسر المرور والعبور هناك وطلب من الدولة تجديده فقبل السلطان بذلك وأمر بأن ينفق عليه من مال الدولة فشرع الوزير بتجديده فكان الجسر بسعيه محكماً طولاً وعرضاً ومتيناً في عمارته وعين عليه أميراً فأضحى مأوى لجميع الرعايا ومأمناً لأبناء السبيل مع سهولة المرور) اهـ. وهذا الكلام لا يبقى ريباً في أن الباشا جدده تجديداً ولو كان فعله فيه ترميماً لما احتاج إلى مراجعة الآستانة لصرف نفقات لابد أنها كانت طائلة. فكلام السالنامة ليس بصحيح يخطئه هذا المؤرخ المعاصر.
وجاء مثل ذلك التعبير واستعمال الألفاظ نفسها في حديقة الوزراء للشيخ عبد الرحمن السويدي وفي مختصرها لسليمان الدخيل فانه قال: (فصل: ولم يزل الوزير (حسن باشا) له توفيق لعمل الخيرات والمبرات وبناء المساجد والرباطات فقد عمر قنطرة الطون صويى بعد خرابها. وهذا الماء بحدة بين الموصل وكركوك. وجعل فيها عمارتها مأوى لأبناء السيل وعين من الرعية الجمع الكثير لما يقوم ببعض حاجات العابرين هناك) اهـ ولا بد أن الشيخ السويدي نقل عن كلشن خلفا إذ أن البناء كان في سنة 1129هـ على رأينا ولم يكن عمر الشيخ السويدي إذ ذاك إلا بضع سنوات فان ولادته كانت في سنة 1134هـ (1721م)
على ما في هذه المجلة (2 (12 - 1913): 278) وغيرها.
ويدعي ايفس في رحلته (ص 315) - وقد مر بالتون كوبري في حزيران سنة 1758م (1172هـ) - انه روي له أن الجسر من أبنية النصارى القدماء الذين كانت المدينة تعود إليهم ومع أني لا اعتقد صحة ما رواه فإني ارجع أن الجسر من الأبنية المتقدمة على زمن السلطان مراد إذ لو كان له لما نسب إلى غيره في زمن ايفس ولم يكن قد مر إلا نيف وقرن واحد على زمن السلطان فلم يكن قد نسي بانيه ويجوز انه للسلطان مراد وألم يذكر التاريخ بناءه إياه. ولا أقول في عجالتي هذه أني استقصيت البحث إذ لا بد للمنقب أن يجد غير ما أوردته.
يعقوب نعوم سركيس(8/730)
لواء السليمانية
1 - توطئه
ليس بين العراقيين من لا يتذكر المآسي والحروب الدامية التي وقعت في هذا اللواء في السنوات الماضية: بين الجيش العراقي والعصاة الذين كانوا يحاربونه، ويعادونه اشد العداء، ويهاجمونه من حين إلى آخر، بتأثير الدسائس الأجنبية. وليس بيننا اليوم من ينسى حالة السكان يومئذ، وحالة المدن والقرى فان الشيخ محموداً كان قد سلبهم هناءهم، ومظالمة أقضت مضاجعهم، وخربت ديارهم، ولكن الجيش العراقي الباسل، تمكن في الأخير من تمزيق شمل العصاة الطغاة الذين كدروا الأمن في هاتيك الديار مدة من الزمن، وقضت الحومة على جميع الحركات والتمردات، وباشرت تنظيم الإدارة في هذا اللواء، وإقامة قسطاس العدل بن الاهلين، وهي اليوم جادة في تعمير القرى والمدن، التي خربت أو اضمحلت. بنتيجة تلك الاضطرابات. وعساها أن توفق لإعادة العمران إلى ما كان عليه سابقاً.
وأراضي هذا اللواء صخرية إلا أنها خصبة جداً، وثم عدة جبال بين صغيرة وكبيرة، وتتخلل مدنه وقراه الكثيرة، انهار ونهيرات عديدة، تتفجر مياهها من العيون المبثوثة في جميع أنحاء اللواء، وإذا جاء الربيع كسا السهول والجبال والوديان حلة خضراء فلا جميلة فلا تقع العين إلا على منظر سندسي ومروج نضرة غن.
وهواء اللواء في الشتاء بارد قارس، وفي الصيف معتدل لطيف، وتتساقط الثلوج فوق الجبال أيام الشتاء فيذخر الاهلون بعضها للصيف، وعندئذ يكونون في غنى عن الثلج المصنوع المستعمل للتبريد.
2 - تنظيمات اللواء الإدارية
يتقوم لواء السليمانة من قضاءين مهمين هما 1 - قضاء حلبجة و 2 - قضاء شهربازار ومن سبع نواح مرتبطة بمركز اللواء رأساً.
أما مركزه فبلدة السليمانية ذات المناظر الطبيعية الخلابة والأشجار الخضر(8/731)
والمروج الغن
وذات المركز التجاري الخطير. وليس في ديار الكرد في العراق بلدة تماثلها، بكثرة الحاصلات، وسعة التجارة، وخطورة المركز وبداعة المنظر. والمشهور أن سليمان باشا البابان هو الذي أمر بإنشائها في عام 1197هـ 1782م إذ جعلها إمارته، إلا أن معلمة الإسلام تذكر بان إبراهيم باشا هو الذي أمر ببناء هذه المدينة، عام 1199هـ 1784م. إكراماً لوالي بغداد. عام 1780 إلى 1784، وهو بيوك سليمان باشا، فنسب إلى الوالي، وكانت السليمانية في بادئ الأمر قرية صغيرة حقيرة فلما شرع الباشا يقيم فيها المباني الشاهقة والصروح الفخمة. تبعة الاهلون في ذلك فلم تزل في تقدم حتى بلغت درجة عنيت بها الحكومة وجعلتها متصرفية. وهي اليوم بلدة جسيمة فيها صروح عالية. وثكنات عسكرية كبيرة، وجادات مبلطة، ودور حسنة وأسواق تناسب أهميتها، ومتنزهات بديعة جداً، ومجالس انس تأخذ بمجاميع القلوب، وجوامع كبيرة وتكايا كثيرة تقام فيها الصلاة والطرائق الدينية المعروفة في هاتيك الديار.
3 - موقعها وهواؤها ولغة أهاليها
وتقع بلدة السليمانية في وسط سلسلة من الجبال، متصل بعضها ببعض وهي تبعد عن شرقي كركوك 76 ميلاً. وهواؤها جيد جداً إلا انه يشتد في موسم الشتاء حين تكسو الثلوج قمم الجبال المحيطة بجميع أطرافها. ويقاوم الاهلون البرودة بمواقد مقفلة، يشغلون فيها الخشب الذي يكثر في هذا اللواء. أما في الصيف فالهواء لطيف معتدل. والمياه اجري فيها منحدرة من الجبال والعيون منتشرة هنا وهناك.
ولغة البلدة الكردية بالطبع، إلا أن فيها جماعة كبيرة تحسن التكلم بالعربية لاختلاطها بالمدن العربية، وتعاطيها البيع والشراء مع الأعراب. وقد نبغ فيها جماعة من العلماء الاعلام، والشعراء الكبراء والفقهاء الإجلاء، واللغويين المقتدرين، والقواد العظام، حتى تدرج بعضهم إلى مناصب الحكومة الرفيعة. واكتفى بعض المتدينين بما حصل عليه من ورع وتقى.
4 - حاصلات المدينة
وحاصلات المدينة وضواحيها اكثر من أن تعد لان معظم سكانها مولع(8/732)
بالزراعة والفلاحة،
ورعاية الماشية وجميع بساتينها مملوءة بالأشجار الكثيرة: ذات الفواكه والأثمار اليانعة. ومما يؤسف منه أن الزراعة في اللواء لا تزال على الطريقة القديمة، ومع ذلك ترى غلاته مما يفتخر بجودتها، وزراعة التبغ مقدمة فيها وصادراتها كثيرة جداً. أما حاصلاتها الجبلية فهي: العنب، الرمان الفستق، التين، الجوز، اللوز، البلوط، الكمثري الفاخر، وغير ذلك من المحاصيل الجبلية المعروفة. وأما العسل الذي يجنى في هذه البلدة وفي القرى المجاورة لها، فلا نظير له في الدنيا. وسكانها يعملون للنحل خلايا صناعية (كوائر) يركن إليها النحل ويصنع فيها الشهد فإذا صار الشتاء باشر الناس جمعه على الطرق الفنية المتبعة عندهم وهي غريبة لم تألفها الأمم المتمدنة.
وسكان السليمانية المسلمون شديدو التمسك بطريقتين معروفتين في العراق هما: الطريقة النقشبندية (نسبة إلى الشيخ خالد النقشبندي) والطريقة القادرية (نسبة إلى الشيخ عبد القادر الجيلي) وقد أخذوهما عن الشيخ كاكا احمد المعروف ولهاتين الطرقتين قوانين وآداب لا يتعدونها.
وفي البلدة شرذمة من اليهود تتعاطى التجارة والصياغة، وفيها طائفة مسيحية قليلة العدد. والصناعة هناك خاملة إلا أن سكانها ينحتون من الخشب ملاعق وصحوناً وأواني لطيفة جداً. ويتعاطى بعضهم صناعة الأدوات الحربية لاحتياجهم الشديد اليها، بحكم بلدهم الجغرافي، وليس في البلد ماء يجري على وجه الأرض، لأن كثرة العيون والكهاريز فيها تغني أهلها عن الأنهر الجارية. وقد سبق تعريف الكهاريز في بحثنا عن لواء اربل. فليرجع إليه من احب ذلك.
5 - نواحي مركز اللواء
قلنا فويق هذا أن النواحي الملحقة بمركز لواء السليمانية سبع، والى القارئ تأتي أسماؤها مع أبناء مختصرة عنها:
1 - ناحية بازيان ومركز قرية تاينال التي تبعد عن غربي السليماينة 22 ميلاً وهي قرية متوسطة فيها مركز للشرطة ودار إمارة.
2 - ناحية قرة طاغ ومركزها القرية المسماة باسمها والتي تبعد عن جنوبي مركز اللواء 26 ميلاً وهي عامرة وفيها بنايات مهمة، وصرح جليل للحكومة،(8/733)
وادؤر لا باس بعمرانها.
3 - ناحية سورداش شمالي ومركزها قرية سورداش التي تبعد عن الشمال الغربي لبلدة السليمانية 37 ميلاً وهي متوسطة.
4 - ناحية سورداش جنوبي ومركزها قرية قرة جتان الواقعة في اسفل جبل بيرة مكرون والتي تبعد عن الشمال الغربي لمركز اللواء 23 ميلاً، وهي قرية كبيرة، فيها مبان عامرة، ودار إمارة جسيمة، وحوانيت مهمة كثيرة ومخفر للشرطة محكم.
5 - ناحية تنجرو، ومركزها قرية (عربد) التي تبعد عن مركز اللواء 20 ميلاً في شرقية الجنوبي وهي قرية كبيرة أيضاً لا تقل عن قرية قرة جتان من حيث الأهمية والعمران.
6 - ناحية سرجنار، ومركزها قرية (بابا كيلدي) - وهذا لفظ تركي معناه جاء أبي - التي تبعد عن الغرب الشمالي للسليمانية ستة أميال، وهي قرية صغيرة. فيها مخفر للشرطة، وبالقرب منها شلالات مائية عظيمة، وجنائن بديعة. فيها المروج الخضر، والأثمار اليانعة، وهي من متنزهات السليماينة، ومن الطف مصايفها، وقراها وكثيراً ما يصطاف فيها الناس.
7 - ناحية سروجك، ومركزها قيرة (كيل دره) التي تبعد عن شرقي مركز اللواء 32 ميلاً، وهي قرية متوسطة، فيها مبان قليلة.
وتقرب منها قرية جسيمة يقال لها (برزنجة)، وقد كانت دار علم مشهورة في ديار الكرد. وينسب إليها بعض الأفاضل. وفي كل ناحية من هذه النواحي السبع، دار إمارة مناسبة لأهميتها، إلا مركز ناحية (سروجك) فان صرح الحكومة فيها فخم جداً لأهميتها الجغرافية. وتتبع كل من هذه النواحي قرى عديدة، بين كبيرة وصغيرة. وسكان هذه القرى يمتهنون الزراعة والفلاحة وتربية الماشية. والطرق بينها جيدة نوعاً ما ولبعضها مناظر طبيعية تأخذ بمجامع القلوب.
6 - قضاء حلبجة
(حلبجة) قصبة واسعة، واقعة في سهل مترامي الأطراف، ويقيم فيها(8/734)
رئيس قبائل الجاف الكردية، وهي تبعد عن الشرق الجنوبي لبلدة السليمانية 56 ميلاً. وفيها بيوت عديدة لا يختلف طرز بناءها عن بقية القصبات المبثوثة في كردستان، إلا أن بعضها حديث الانشاء، وموافق للصحة، ومعظمها مبني باللبن وما بقي منها مشيد بالحجارة. والطريق
إليها وعرة. وتقرب منها قرية جميلة يقال لها: (قرية غيابيلي) وهي كلمة مخففة من (أبي عبيدة) وأبو عبيدة هذا هو أبو عبيدة الجراح المشهور. وقد كان هذا القضاء منعوتاً بقضاء كل عنبر (بالكاف الفارسية) وهو اليوم موطن لعشائر الجاف الكبيرة المشهورة.
للقضاء أربع نواح وهي: 1 - حلبجة - 2 - خورمال - 3 - بنجوين - 4 - دار ماوة. فالناحية الأولى مركزية أي يقيم مديرها في مركز القضاء، وتراجعه فيه العشائر التابعة لهذه الناحية.
والناحية الثانية تبعد عن مركز القضاء ستة أميال إلى شرقية الشمالي ومركزها القرية المسماة باسمها.
والناحية الثالثة بنجوين (بالباء المثلثة التحتيتة) وقد كانت حصن الشيخ محمود المنيع لأنها جبلية ومحكمة وقد دارت فيها معارك هائلة بين الجيش العراقي الباسل واتباع الشيخ المذكور وقد احتلها الجيش العراقي في 23 نيسان 1927 بعد أن سلم الشيخ محمود نفسه إلى الحكومة. وهذه القرية مركز لناحية بنجوين وتبعد عن شرقي مركز القضاء 28 ميلاً. وفيها قصر فخم جداً للحكومة. وأما الناحية الرابعة فهي دار ماوة ومركزها قرية (جبتة) التي تبعد عن غربي حلبجة 19 ميلاً.
وجميع هذه النواحي والقرى التابعة لها، لا تختلف عن بعضها من حيث هندسة البناء وعدد النفوس. ومهنة السكان، ويديرها مديرون تعينهم وزارة الداخلية، أما رأساً وأما باقتراح من المتصرف المختص بتلك الديار.
7 - قضاء شهر بازار
تقع قرية (جوارتا) (بجيم فارسية) التي هي مركز هذا القضاء، إلى(8/735)
الشمال الشرقي لمركز اللواء 28 ميلاً، وهي جالسة على سفح جبل (جوارتا) الذي يعلو سطح البحر 4. 200 قدم. وفيها صرح فخم للحكومة، وعدة بيوت ومقاة وتقرب منها قرية تاريخية يقال لها (قلعة جولان) وقد كانت مركزاً للحكم الباباني، قبل أن تعرف السليمانية: وقبل أن يتركها سليمان باشا بابان. وقضاء شهر بازار قضاء خامل الذكر. والذي يعرف عن سكانه انهم يعنون بزراعة الكرم، والأرز، والتبغ، والأشجار المثمرة. وله ناحية واحدة يقال لها ناحية (ماوت) (بفتح الواو فتحاً بآماله) وهي تبعد عن غربي جوارتا 18 ميلاً وعمرانها أوسع من عمران
مركز القضاء.
8 - معلومات عامة عن اللواء
1 - (الجبال) تحيط بلواء السليمانية سلسلة جبال اشهرها: جبل (بيرة مكرون) (والكاف فارسية) المنعزل، والذي يعلو عن سطح البحر بنحو 9. 000 قدم. ويليه في الأهمية جبال (سورداش) و (بشدر) و (كويز) (بالتصغير والتأنيث والكاف الفارسية) ثم جبل (هاورمان) وجبال (بنجوين) وجبل (قرة داغ) (أي الجبل الأسود) وجبل (سكرمة) (بالكاف الفارسية) الذي يفصل لواء كركوك عن لواء السليمانية وتخزن الثلوج طول الشتاء - في جبل (بيرة مكرون) (الباء والكاف فارسيتان) وهي ارفع جبال تلك الأرجاء - لتستعمل في الصيف.
2 - (الأنهار) تجري في هذا اللواء انهار كثيرة بين صغيرة وكبيرة، وتتكون مياهها من الينابيع العديدة المتفجرة في الجبال والوديان. واشهرها وادي تاينال الذي ينشأ منه طاووق جاي، ثم نهر (تانجرو) الذي هو أحد فروع ديالى ونهر (قشان) أحد فروع الزاب الصغير ونهر (الظلم) الذي ينبع من قرية تعرف باسمه. ويجري باستقامة في صحراء واقعة في جنوبي شهرزور ثم نهر (ديوانه) الذي يتفجر في جبل (سكرمة) المار ذكره وهو من فروع ديالى أيضاً.
3 - (العشائر) أهم العشائر في لواء السليمانية: الجاف، والهماوند،(8/736)
والهاورمان، والقسم الأخير قسم من الهماوند ولفظة الهماوند ومنحوتة من (هماوي لوند) الفارسيتين ومعناها: الجند الملكي وهذا يدل على انهم كانوا في الأصل جنوداً ثم خرجوا على دولتهم فطردتهم.
4 - (الحاصلات) أهم نتاج هذا اللواء الجبلي: التبغ فانه ينمو بكثرة وهو مدار العيش في تلك الربوع بعد الحبوب، ويليه في الدرجة والأهمية الحبوب بأنواعها، فالعفص، فالكثيراء، فمن السماء، فالصمغ، فالجوز، فاللوز، فالبندق، فالرمال، فالعنب، فالعسل، وغير ذلك من المحاصيل الجبلية المعروفة.
السيد عبد الرزاق الحسني
أرض السليمانية في التاريخ القديم
(لغة العرب) نزيد على ما تقدم من الفوائد ما جاء في معلمة الإسلام في مادة (السليمانية) ما هذا معناه:
(كانت أنحاء السليمانية معروفة منذ اقدم الأزمنة ولا بد أن يكون جبل نصر (بكسرتين) (وفي اللغة الليلة: كنبة) (بكسرتين) الجبل الذي وقف عليه سفينة جلجمش في عهد الطوفان على رواية العلواء البابلية واسم هذا الجبل اليوم (بير عمر كدرون) (بباء وكاف فارسيتين) وأنحاء السليمانية تنظر إلى ما كان يسميه الأقدمون ديار زموة التي كان سكانها القوم المسمى للو (بضم اللام الأولى وتشديد اللام الثانية المضمومة أيضاً) وكانت تخومها من جهة الجنوب في المختنق البابي (المسمى اليوم بازيان) وفي سنة 880 قبل الميلاد اخضع (أشرنا صربل) جميع ملوك زموة وكان في دربند كور (في شمال قرة طاغ) نصب يظهر انه اثر من ملك للوي. ويذكر برزوزوسكي لوحاً محفوراً قديماً عند مدخل مضيق الدربند حيث يفتح الزاب الأصغر لنفسه في أقصى الشمال الغربي من ارض السليمانية. ويذكر هرتسفلد أخربة في سينك في قضاء سيروجيك. وفي سنة 754 ق. م نقل تجلب فلسر الثالث ارميين إلى مزموة (مات زموة) وكانت سكناهم في شمالي الجزيرة. ومنذ العهد الساساني يرى في الطرف الجنوبي الشرقي من ارض السليمانية الأثر الشهير المعروف باسم (باي كولي) (بالباء المثلثة التحتية) وفي تاريخ الكنيسة السريانية (كذا والصواب الارمية) كانت(8/737)
أنحاء السليمانية جزءاً من ابرشية بيت جرماي.
وتاريخ ارض السليمانية في العهد الإسلامي يختلط بأرض شهرزور واستقلال السليمانية استقلالا بين التام وغير التام دام من المائة الحادية عشرة إلى المائة السابعة عشرة أي إلى سنة 1267 للهجرة أو 1850 للميلاد.
تذنيب في تخطئة معلمة الإسلام
كثيراً ما خطأنا هذه المعلمة في ضبط الأعلام. ومن الأوهام التي وهمتها في هذه المقالة (مقالة السليمانية) ضبطها ديالى بتشديد الياء أي والصواب بتخفيفها أي وضبط العظيم (المصغر وبالتعريف) هكذا: أي بحرف منقوطاً من تحت الإشارة انه (عضيم) بفتح العين والضاد وبلا أداة التعريف. وهو لا يوافق وزناً من الأوزان العربية فهو إذن غلط واضح. والصواب ولم نجد أحداً من الترك أو الغربيين أصاب في كتابة اسم هذا النهر إذ الكل وهم فيه. ومن غريب ما تصرف الغربيون في كتابته أن كثيرين منهم كتبوه أو رسموه هكذا فلما قام الترك ورسموا الخرائط لديارهم ومن جملتها العراق نقلوا اسامي المدن عن خرائط الإفرنج من غير أن يحققوا بأنفسهم تلك الاسامي. فكتبوا العظيم هكذا: (الأدهم) جرياً على قراءة الاسم بالصورة الإفرنجية. ولما وقعت الحرب لم يجدوا هذا النهر ولا من يسميه بالأدهم، فعرف العراقيون بعد ذلك أن قواد الترك يريدون (العظيم) بالتصغير وبالظاء المشالة المعجمة.
ومن غيوب معلمة الإسلام الشائعة أن أصحابها لا يجرون على وجه واحد في رسم ياء النسبة والياء المشددة والياء الخفيفة والمكسورة ما قبلها. فقد خبطوا في ضبط هذه الأعلام خبطاً يجل عن الوصف. ولو رسموا بجانب الحرف الإفرنجي اسمه بالحرف العربي لما وقعوا في تلك المهاوي العديد.
فعسى أن ينتبهوا إلى هذا الأمر المهم. ويصلحوا ذلك في آخر المعلمة وهو الهاوي إلى الحق.(8/738)
نظرة في المقاومات العراقية
(لغة العرب) ننشر المقالة التالية لحضرة الورتبيت نرسيس صائغيان، وقد اقتبس معظم ما فيها من الإفادات من والده المرحوم يوسف انطون يغيا، الذي ترجمناه في مجلتنا (7: 753)، ولم نتمكن يومئذ من أن نجد رسمه، وإذ عثرنا عليه ننشره اليوم في آخر هذا المقال بصدد هذا الموضوع.
توطئة
كان الغناء في أيام جاهلية العرب، وقبل اختلاطهم بالروم والفرس واليونانيين في منتهى السموحة والسذاجة. وكذلك قل عن أدوات اللهو فأنها كانت هي أيضاً قليلة وبسيطة. أما بعد الإسلام فان السلف اتخذوا أصول الغناء من الأمم المذكورة التي كانت تخالطهم وتمازجهم، فارتقى فن الإيقاع فبلغ اوجه في بغداد في عهد العباسيين، حتى أن الترك اقتبسوا ألحانهم الشجية من المواضيع الموسيقية التي وضعها إسحاق بن إبراهيم المغني الشهير في عهد المهدي والرشيد.
وقد بقيت هذه الصناعة، صناعة الغناء في بغداد، حتى أيام التتر ثم انتقلت إلى حلب، ومنها إلى ديار مصر. أما في ربوع العراق فان نظامها ارتبك بعد(8/739)
ذاك، لأنه دخلها كثير من الألحان الفارسية والتركية. فامتزجت بها، وهي التي تسمع اليوم غالباً.
الغناء العراقي العصري
إن النوبة - وتسمى في العراق: الجالغي والجاغلي المحرفة عن التركية جالغي - تتقوم من قارئ (أي أستاذ في الغناء) وسنطور، وكمانة (كنجه) ودف ودنبك (دربكة) ومن مدة غير بعيدة، اخذ البغداديون يستعملون (قانون) بدلا من النطور أو بطريق المناوبة.
وبعض الأحيان يرافق (القارئ) مغن أو مغنيان للمساعدة.
وكان (الجاغلي) يبتدئ بلحن يسمونه (بجرو) والكلمة مصحفة عن (بيش رو) الفارسية ومعناها (المقدمة أو الفاتحة) وبعد البيش رو يبتدئ (القارئ بالقراءة) (أي المغني الأستاذ بالغناء الفني).
وأول مقام يبتدئ به يكون عادة (البيات) والترك يسمونه (بياتي). والأرجح أن الكلمة مأخوذة من العشيرة المسماة بهذا الاسم وهي خليط من ترك وكرد وعرب. أو من الأرض التي يسكنونها وهي واقعة في أنحاء جبل حمرين في العراق. وقد اشتهر هؤلاء الناس بصوتهم الرخيم وبغنائهم. وكان منهم في العهد الأخير (شلتاغ) و (احمد زيدان) وفي ختام كل مقام ينشد المغنون أغنية يسمونها (بستة) والكلمات فارسية. وكلام البستة تركي أو عربي وبعد البيات يقرأ المقام المدعو (ناري) وبعد الناري غيره من الالحان، نعددها الآن بقدر ما تحضرنا:
3 - محمودي. ولعله مسمى باسم واضعه.(8/740)
4 - سيكاه (بالكاف الفارسية) والكلمة فارسية مأخوذة من النغمة الثالثة من الديوان الموسيقي.
5 - إبراهيمي، ولعله منسوب إلى إبراهيم بن ماهان الموصلي المغني الشهير في عهد العباسيين أو إلى غيره ممن كان اسمه إبراهيم.
6 - راست. والكلمة فارسية معناها المستقيم، وكان الفرس يبتدئون ديوانهم براست ويندمج فيه مقام آخر اسمه بنجكاه. والكلمة فارسية أيضاً ظاهرة المعنى أي الخامس في مقامه والعراقيون يلفظون الراست: (رست) أي بلا ألف.
7 - منصوري. ولعله منسوب إلى منصور بن جعفر المغني الشهير، وكان بغدادياً في أيام العباسيين أو لعله نسب إلى غيره وكان منصوراً ممن اشتهر بغناء. والترك يسمون هذا المقام منصور بحذف ياء النسبة.
8 - نوى وهو اسم معرب، وقد ذكرته الكتب الموسيقية.
9 - شرقي دوكاه. ودوكاه فارسية معناها الثاني في مقامه.
10 - شرقي اصبهان (بفتح الهمزة والباء).
11 - مخالف. بفتح اللام ونجهل سبب تسميته.
12 - عريبون عجم (بفتح العين وفتح الراء وسكون الياء يليها باء مضمومة فواو ساكنة فنون) والترك يسمونه أعربون عجم بزيادة ألف في الاول.
13 - عريبون عرب والترك يسمونه اعربون عرب.
14 - صبا وهو اشهر من أن يذكر.(8/741)
15 - كلكلي (بكافين فارسيتين مضمومتين واللام الأولى ساكنة والثانية مكسورة) والكلمة تركية معناها وردي.
16 - دشت (بفتح الراء وسكون الشين المعجمة وفي الآخر تاء) والكلمة فارسية (5).
17 - عجم عشيران (وعشيران بالتصغير).
18 - مثنوي، ولعلها منسوبة إلى المثنى (5).
19 - جركاء (وهي الجيم المثلثة الفارسية والكاف الفارسية) وهي تصحيف أو تخفيف جهاركاه أي الرابع في مقامه.
20 - ماهور، وبعضهم يقول خطأ (ياهو).
21 - أوج وهو مذكور في كتب الفن.
22 - حسيني (التغير والنسبة).
23 - حجاز ديوان.
24 - حجاز آجغ (آجق بالتركية أي صريح).
25 - حجاز شيطاني.
26 - بهرزاوي. وهو منسوب نسبة عالية إلى بهرز من قرة بغداد.
27 - حديدي وهو منسوب إلى بيت الحديد الشهير في بغداد على ما يرجح لي.
28 - حكيمي وقد وضعه أحد أفراد بيت السيد عبد الباقي الحكيم البغدادي وكان أهل هذا البيت يزاولون الطبابة والموسيقى في القرن الماضي وكانوا يصفون الطرب واللهو لمداو عدة أمراض.(8/742)
29 - خراباتي. عبارة هذا المقام فارسية.
30 - راشدي. لعل اللفظة رشتي ورشت من مدن ديار إيران. .
31 - حليلاوي (بالتصغير والنسبة) ولعلها منسوبة إلى الحلة المصغرة. وهذه النسبة على الطريقة العامية العراقية العصرية. إذ يقولون حلاوي وبصراوي ومكاوي في النسبة إلى الحلة والبصرة ومكة.
32 - باجلان. ولعله منسوب إلى باجروان من قرى العراق أو إلى أهلها بعد أن صحف
الكلمة.
33 - خلوتي هو مقام صوفي منسوب إلى أهل الخلوة من المتصوفة وعبارته دينية.
34 - طاهر أو زنكنة (بفتح الزاي والكاف والنون والكاف فارسية) ولعل الزنكنة تسحيف زركولاه وهو أحد المقامات المعروفة في الموسيقى العربية السورية ولعله الذي يسميه الترك زير كوله والعرب المولدون زنكولة.
35 - كاول. هو فارسي العبارة.
36 - جبوري. ربما كل منسوباً إلى عشيرة في نواحي بغداد. وكتبه أ. كاظم. (أجبوري) بألف في الاول وهو غلط.
37 - اوشار (والهمزة مضمومة ضماً مفخماً مهماً).
38 - تبريزي. لعله منسوب إلى تبريز من مدن إيران.
39 - سعيدي. لعله منسوب إلى أحد الرجال المعروفين بغنائهم.
40 - عمر كلي (وعمر كزفر، وكلي بكاف فارسية مضمومة ولام مكسورة) وهو مستعمل في الموصل.
41 - بختيار. مقام مستعمل في كردستان والموصل وبغداد.
42 - مقابل (الباء مفتوحة). واكثر استعماله في الموصل. هذا فضلاً عن بعض مقامات تركية أو فارسية أو كردية، نذكر منها:
43 - خوريات وهو مستعمل في كركوك.
44 - بشيري. لعله منسوب إلى قرية بشير في العراق.(8/743)
45 - أرفا. وهو من اسم المدينة المشهورة المعروفة سابقاً بالرها، ولعله المسمى عند الغير بالرهاوي وعند الفصحاء بالراهوي.
46 - آيدين. وهو من أسماء مدن ديار الأناضول.
47 - قطر (بالتحريك) وهو مقام كردي. إلى غير ذلك مما لا تحضرنا أسماؤه. ودونك الآن تلك المقامات مرتبة على حروف الهجاء:
آيدين - إبراهيمي - أرفا - أوج - اوشا - باجلان - بختيار - بشيري - بهرزاوي - بيات - تبريزي - جبوري - جركاه - حجاز آجغ - حجاز - شيطان - حديدي -
حسيني - حكيمي - حليلاوي - خراباتي - خلوتي - خوريات - راست - راشدي - زنكنة وهو طاهر - سعيدي - سيكاه - شرقي اصبهان - شرقي دوكاه - صبا - طاهر وهو زنكة - عجم عرب - عجم عشيران - عريبون عرب - عمر كلي - قطر كابول - كلكلي - ماهور - مثنوي - محمودي - مخالف - مقابل - منصور - ناري - نوى.
وبين هذه المقامات ما هي أصلية وتسمع في عدة بلدان من البلاد الشرقية أي في ديار العرب والفرس والترك، وهي: الرست، والصبا، والأوج، والعجم، والنوى، والبيات، والماهور، والحسيني، والسيكاه، والحجاز.
وما عددناه من غير ما ذكرناه هنا، هو في الغالب من وضع العراقيين أو من الأقوام المجاورة لهم. وكل ما تينا عليه هنا هو بمنزلة (فكرة) لا بمنزلة مقالة كاملة العدة. ولذا نرجو ممن يطلع عليها وله خبرة بهذا البحث أن يضع ما يكلمها أو يصلح أودها وقد كتب بعضهم في صحف بغداد ما يتعلق بهذا الموضوع، إلا انهم لم يتموه أو لم يوفوه حقه من التفصيل، والتدقيق، والتحقيق.
الورتبيت نرسيس صائغيان(8/744)
نقد لسان العرب
- 2 -
38 - وقال عبد العزيز الميمني في ص 149: (وقال أبو محمد الأموي: شطأت البعير بالحمل: أثقله وهذا خلاف ما هنا). قلنا: لم ندرك سر هذا التعليق فق قال في اللسان (وشطأه بالحمل شطئاً: أثقله) والضمير بمكان البعير.
39 - وفي ص 151 ورد: (حتى كأنه قال المثناء: المبغض، وصيغة المفعول لا يعبر بها عن صيغة الفاعل) قبل مصحح الطبعة الأولى: (لعل المناسب: لا يعبر عنها بصيغة الفاعل) قلنا: ليس هذا بمناسب بل هو خطأ لان المعبر عنه (المثناء) فاعل الشنآن والمعبر به (المبغض) مفعول من الإبغاض فلا يجوز أن يعبر بصيغة لمفعول (مبغض) عن صيغة الفاعل (مثناء) وقد عثر من لم يتدبر.
أما الاعتراض فواقع على أن (مفعالا) صيغة للفاعل فلا ينبغي أن تستعمل للمفعول، هكذا ادعى العلماء وتحقيقاً أن (مفعالاً) قد يكون بمعنى (ذي كنا) لا بمعنى فاعل دائماً كالمحواج ذي الحاجة والمذكار ذات الذكر والمئناث ذات الاناث، ولذلك يأتي بمعنى (المفعول) كالمحلال أي المحلول والميتاء أي المأتي والمثناء أي المثنوء كما أن فعولا أتى للمفعول كالشروب للمشروب والركوب للمركوب وغير ذلك.
40 - وورد في ص 156: (واجمع البصريون أن تصغير أصدقاء أن كانت للمؤنث: صديقات (كذا بتسكين المخففة) وأن كان للمذكر صديقون (كذا بتسكين الياء المخففة) مع أن تصغير (فعيل) على (فعيل) بياء مشددة مكسورة ما لم يكن مثل (علي) و (عدو) إذن فالصواب: أن تشدد الياء وتكسر في (صديقات) و (صديقين) وليس المراد تصغير الترخيم حتى يستصوب المضبوط غلطاً.
41 - وجاء في ص 164 (قال الجوهري: هو مقلوب صأى يصئي مثل(8/746)
رمى يرمي) قال مصحح الطبعة الأولى: كذا في نهاية والذي في الصحاح مثل سعى يسعى وكذا في التهذيب والقاموس) قلنا: قد ورد في ص 166 (صأى يصأى) أيضاً وكلاهما جائز لان من فتح عين المضارع راعى حرف الحلق ومن كسرها راعى الوزن الغالب على الأصوات أي
كسر العين، فشبه الهمزة بالألف كما شبهوا الألف بالهمزة في (أبي يأبى).
42 - وورد في ص 167 قول قتيلة بنت النضر: (أمحمد ولانت ضن نجيبة) وفي الأغاني (1: 19) نسل نجيبة وفي وفيات ابن خلكان (1: 412) نجل نجيبة. والشاهد (الضن) فلا شاهد في روايتهما.
43 - وورد في ص 170: (وهم الطراء (كحكام) والطراء (كغبار)) كلاهما جمع طارئ والأخير صوابه: (طراء) كعقلاء والجموع التي على وزن (غبار) معروفة جاء في (2: 46 - 47) من المزهر منها (تؤام ورباب وظؤار وعراق ورخال وفرار ونذال وثناء وبساط وعرام وبراء وجمال وكباب) ومما لم يذكره (حذاق وأكال وقساء) ونت ترى أن (الطراء) ليس منها ولا مروياً. (ل. ع جمعنا منها 36 كلمة).
44 - وورد وراء تلك وراء تلك الجملة (ويقال للغرباء: الطراء وهم الذين يأتون من مكان بعيد أبو منصور: واصله الهمز من طرأ يطرأ) قلنا: هو (طراة) إذن لا (طراء) وإلا لم ينبه أبو منصور على انه من المهموز. فالطراة مثل (الصباة) جمع صاب والأصل الهمز، ويزيد قولنا حقاً قوله في ص 171 (وقد يترك الهمز فيه فيقال: طرا يطرو طرواً) وهذا ظاهر لأولي البصائر.
45 - وقال في ص 171: (إذا غلب الدسم على قلب الآكل فأتخم قيل طسى يطسأ طسئاً وطساء) قال مصحح الطبعة الأولى عن (الطساء) انه (على وزن فعال (بالفتح) في النسخ وعبارة شارح القاموس على قوله (وطسأ) أي بزنة الفرح، وفي نسخة كسحاب، لكن الذي في النسخ هو الذي في المحكم). قلنا: كلاهما مقيس كثير فالطسأ كفرح لا يحتاج إلى الدليل وأما (الطساء) كسحاب فمثل (أمن أماناً) و (بقي بقاءاً) و (بلي بلاءاً) و (بهي بهاءاً) و (خبل خبالاً) و (خسر خساراً) و (خفي خفاءاً) و (دهي دهاءاً) و (دفئ دفاءاً) و (رضع(8/747)
رضاعاً) و (سمع سماءاً) و (سئم سأماً) و (سفه سفاهاً) و (سقم سقاماً) و (شقي شقاءاً) وضري ضراءاً) و (ضمن ضماناً) و (طري طراءاً) و (طعم طعاماً) و (عني عناءاً) و (عيي عياءاً) و (فرغ فراغاً) و (فني فناءاً) و (مل ملالا) و (نفد نفاداً) وما يصعب استقصاؤه فكلاهما جائز.
46 - وورد في ص 172 قول الشاعر:
وبآمر وأخيه مؤتمر ... وممل وبمطفئ الجمر
فقال العلامة كرنكو (هذا البيت من شعر ينازع فيه نسبه صاحب اللسان مادة أمر إلى شبل الأعرابي ولعله هو الصواب) قلنا: ورد في مادة (ع ج ز) من مختار الصحاح قول الجوهري (وأيام العجوز عند العرب خمسة أيام: صن وصنبر وأخيهما وبر ومطفئ الجمر ومكفئ الظعن. وقال أبو الغوث: هي سبعة أيام وأنشدني لابن احمر:
كسع الشتاء بسبعة غبر ... أيام شهلننا من الشهر
فإذا انقضت أيامها ومضت ... صن وصنبر مع الوبر
وبآمر وأخيه مؤتمر ... ومعلل وبمطفي الجمر
ذهب الشتاء مولياً عجلاً ... وأتتك واقدة من النجر
فالبيت الذي نسبه في اللسان إلى أبي شبل الأعرابي منسوب إلى ابن احمر عند الجوهري، والبيت الاول من هذه الأربعة نسب في اللسان بمادة (ك س أ) إلى أبي شبل أيضاً، أما ابن احمر فالظاهر لنا انه (عمرو بن احمر) من أصحاب المشوبات في جمهرة أشعار العرب فلا تغفل.
47 - وجاء في ص 174 (وهو اقل الدواب صبراً من العطش) والصواب (على العطش) لان العطش مما يصبر عليه لا مما يصبر عنه.
48 - وجاء في ص 175 عن المسقوي والمظمئي (مهما منسوبان إلى المظمئ والمسقى مصدري أسقى ولظمأ) والصواب: مصدري سقي وظمي) ولو كانا كذلك لضمت الميم من (المقوي والمظمئ) وفاقاً للقاعدة العربية أن اشتقاق المصدر الميمي من الفعل غير الثلاثي على وزن اسم مفعوله.
49 - وورد فيها: (ولا تعرض إلى ذكر تخفيفه) والصواب (لذكر تخفيفه(8/748)
إذ يقال: (تعرض له) ولا وجه لوضع (إلى) وضع اللام) ألا ترى انه لا يقال (قال إليه) ولا (نصح إليه) ولا (اكترث إليه) ولكن يقال: (نسب له) و (دعاه له) بوضع اللام موضع (إلى) للتخفيف.
50 - وورد في ص 182 (وحضر الأصمعي وأبو عمرو الشيباني عند أبي السمراء فانشده الأصمعي:
بضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كتشهاق العفا هم بالنهق
ثم ضرب بيده إلى فرو كان بقربه، ويوهم أن الشاعر أراد فرواً، فقال أبو عمرو أراد الفرو، فقال الأصمعي: هكذا روايتكم) اهـ. قلنا: أن هذه الحكاية غير متسقة وفيها تكلف وقد نقلها السيوطي في (2: 224) من مزهره على هذا الأسلوب ولكنه نقل في ص 225 (ولعله لم يدر) ما نصه: وفي شرح المعلقات لأبي جعفر النحاس روى أن أبا عمرو الشيباني سأل الأصمعي كيف تروى هذا البيت؟. فقال: تنتر، فقال له أبو عمرو: صحفت إنما هو: تعتر. فقيل لأبي عمرو: تحرز من الأصمعي فانك قد ظفرت به. فقال له الأصمعي ما معنى هذا البيت؟.
وضرب كآذان الفراء فضوله ... وطعن كإيزاغ المخاض تبورها
ما يريد بالفراء ههنا؟ وكانوا جلوساً على فروة، فقال له أبو عمرو:: يريد ما نحن عليه. فقال له الأصمعي: أخطأت وإنما الفراء ههنا فرأ وهو الحمار الوحشي) اهـ. وأنت ترى الخلاف في الشطر الأخير بين الروايتين ورواه المبرد في 1: 225 من كامله مثل رواية في 2: 225 السيوطي فقف على ذلك.
51 - وجاء في ص 186 قوله:
بهجل من قساً ذفر الخزامي ... تهادي الجربياء به الحنينا
قال مصحح الطبعة الأولى: (بهجل: سيأتي في (قساً) عن المحكم: بجو) قلنا: كذلك في 3: 21 من كامل المبرد ففيه (بجور وفيه أيضاً (تداعى) بدلاً من (تهاوى).
52 - وورد في ص 189 قول الشاعر: (فلئن بليت فقد عمرت كأنني) والصواب: (لقد) لأن جملة (قد عمرت) جواب القسم لا جواب الشرط(8/749)
فيمتنع تصديرها بالفاء قال تعالى في سورة هود: (ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن) والقاعدة هي أنها إذا اجتمع شرط وقسم فالجواب للسابق منهما ما لم يتقدمها شيء محتاج إلى خبر فان تقدم فيجوز إذ ذاك الوجهان. ولينظروا إلى ص 422 من اللسان ففيه:
لعمري لئن ريح المودة أصبحت ... شمالاً (لقد بدلت وهي جنوب)
53 - وجاء في ص 189 (في الأربعة اشهر) والصواب: (أربعة الأشهر) أو (الأربعة الأشهر) قال الجوهري في مادة (خ م س) من مختار الصحاح: (وتقول خمسة الأشياء وخمس القدور فتعرف الثاني في المذكر والمؤنث وتقول: هذه الخمسة الدراهم بجر الدراهم
وان شئت رفعتها وأجريتها مجرى النعت وكذا إلى العشرة) وفيه رد على من يمنع الوصف بالجواهر من الجواهر ويؤيده قول الشاعر: (من هؤليائكن الضال والسمر) قال البغدادي في 1: 67 من الخزانة: (الضال: صفة اسم الإشارة أو عطف بيان) وقد جاز الوصف بالشجر فكيف لا يقال: (السكة الحديد)؟.
54 - وفي ص 193 (أنزله على نبيه - ص - كتاباً وقرأناً) بفتح القاف والوجه الضم.
55 - وجاء في ص 195 (وقال سيبويه: قرأ واقترأ بمعنى بمنزلة علاقرنه واستعلاه) والصواب (اعتلاه) ليقابل (اقترأ) وكلاهما على وزن (افتعل) وإلا لم تصح المماثلة.
56 - وورد في ص 196 (وجمع القراء: قراؤون وقرائي) فعلق به انه في القاموس قوارئ) وفي المحكم (قرارئ براءين بزنة فعاعل) قلنا: والصواب ما في المحكم إلا أن وزنه (فعاعيل) مثل (خفاش خفافيش) و (وضاء وضاضيء).
57 - وورد فيها (القراء يكون من القراءة جمع قارئ ولا يكون من التنسك) قال مصحح الطبعة الأولى أيضاً: (وعبارة المحكم في غير نسخة: ويكون من التنسك بدون لا) ولم يزيدوا على هذا. والصواب الذي لا ريب فيه ما رواه في اللسان لان المراد بيان أن (القراء) جمع قارئ هو غير (القراء) المفرد بمعنى المتنسك المتأله وجمعه (قراؤون وقرري) وقراء الكفر قد يطلق عليهم(8/750)
اسم القراء (جمعاً) ولكن القراء المفرد يكون من التنسك فقط. فالحظ ذلك تعرفه ويتأكد لك صدق دعوانا.
58 - وجاء في ص 200 (اعتمت قراك أم أقرأته؟) بتسكين العين وتخفيف التاء المفتوحة وتشديد الميم المفتوحة وتسكين التاء من (عتمت) فجاء الوزن ثامن عجائب الدنيا. والصواب: (اعتمت تعتيماً؟) أي أخرت تأخيراً؟.
59 - وورد في ص 207 قول الشاعر (قعقعت بالخيل خلخلها) وفي 1: 33 من خزانة الأدب: (بالرمح خلخالها) وفي الصفحة نفسها: (تأتي السحاب وتأتالها) وفي الخزانة: (ترمي السحاب ويرمى لها) وفي هذه الصفحة من اللسان تخالف بين بيت الخنساء وبيت عامر بن جوين الطائي، وفي الخزانة توفق بينهما أورث الشك في صحة العزو إلى أحدهما.
60 - وورد في ص 220 قول الأخطل للاستشهاد على (كلوء):
ومهمة مقفر تخشى غوائله ... قطعتة بكلوء العين مسفار
وفي ص 238 من جمهرة أشعار العرب: (ومهمة طلسم) و (قطعته بأزج العين مسفار) فلا شاهد فيه.
61 - وجاء في ص 221: (وفي الحديث من عرض عرضنا له ومن مشى على الكلاء القياه في النهر) قلنا: وفي مادة (ع ر ض) من القاموس: (وقول سمرة: من عرض عرضنا له ومن مشى على الكلا قذفناه في النهر) فأي الحديث أراد صاحب اللسان؟.
62 - وورد في ص 223 (الكلأ يجمع النصي والصليان والحلمة والشيح والعرفج وضروب العرا، كلها داخلة في الكلأ) وقد نصبوا (ضروباً) ورفعوا (كلها) فأخطئوا لان الجملة استئنافية بالواو فالصواب (وضروب العرا كلها داخلة في الكلا) برفع (ضروب) بالابتداء وتوكيده ب (كلها) ورفع (داخلة) بالمبتدأ على الخبرية. ولو كان المراد عطف (ضروب) على ما قبلها لكان قوله: (داخلة في الكلأ) لغواً، بعد قوله: (الكلأ يجمع النصي و. . .) فضبطهم يحتاج إلى ضبط.
63 - ورأينا العلامة كرنكو يقول في ص 168 و 225: (وهو موجود في(8/751)
شعره) وليس هذا بفصيح فان العرب تحذف كل خبر مثل هذا قال تعالى: (ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى) والبلاغة إجاعة الفظ وإشباع المعنى وتفهيم المخاطب بأسهل أسلوب.
64 - وورد في ص 226 قول عبد الله بن قيس الرقيات (لا عبيد الله كما ذكر العلامة كرنكو): (لم تخنها مثاقب اللآل) وفي 1: 213 من الأغاني: (لم تنلها مثاقب اللآل) وفي هذه الصفحة من اللسان قول ابن احمر (مارية لؤلؤان للون أوردها) وفي ص 315 من جمهرة أشعار العرب (أودها) (بتشديد الواو).
65 - وجاء في ص 227 (واكثر ما يكون ثلاث حلبات) (بتسكين اللام) والصواب الفتح لان الحلبات غير صفة وشذ من هذه القاعدة (ربعات) بفتح الباء، قال الجوهري في (ر ب ع) من المختار عن الربعة للمؤنث والمذكر (وجمعهما جميعاً: ربعات وهو شاذ لان فعله إذا كانت صفة لا تحرك في الجمع وإنما تحرك إذا كانت اسماً ولم يكن موضع العين واو ولا ياء) قلنا: ومصدر المرء كالاسم لجواز تعدده وكثرته واختصاصه بعد عموم اصله.
66 - وورد في ص 256 قول الشاعر: (سقوني النسء ثم تكنفوني) للاستشهاد على
(النسء) وفي (3: 7) من كامل المبرد و 1: 147 من آمالي الشريف المرتضى: (سقوني الخمر ثم تكنفوني) فلا شاهد في روايتهما وقد عثرنا على هذا في اللسان لمحاً لأننا لم نجاوز بقراءتنا ص 233 منه فإصلاحه ضرب من الأمراض علينا لكننا تكلفنا النظر إلى بعض البيوت والحواشي ومما أخذنا عليهم فيه:
67 - قول الشاعر في ص 321 (وقذفتني بين عيص مؤتشب) بفتحهم الشين وجاء بعد شطره الثاني (المؤتشب: الملتف) وفتحوا الشين أيضاً والصواب: كسر الشين لأنه اسم فاعل من (ائتشب) بمعنى: (تآشب) قياساً ومثله لا يكون متعدياً فضلاً عن انه لم يسمع تعديه على ما حققنا.
68 - وورد في ص 329 قول كعب بن زهير:(8/752)
أوب يدي ناقة شمطاء معولة ... ناحت وجاوبها نكد مثاكيل
وفي ص 299 من جمهرة أشعار العرب:
شد النهار ذراعا عيطل نصف ... قامت فجاوبها ورق مثاكيل
69 - وقال في 344 (والتراب: اصل ذراع الشاة نثى وبه فسر شمر قول علي - ك -: لئن وليت بني أمية لانفضنهم نفض القصاب التراب الوذمة، قال: وعنى بالقصاب هنا: السبع) ثم قل قائل (ليس هو هكذا إنما هو: نفض القصاب الوذام التربة، وهي قد سقطت في التراب) قلنا: هذا الحديث ورد في نهج البلاغة كما في 2: 63 من شرح ابن أبي الحديد له ونصه: (إن بني أمية ليفوقونني تراث محمد صلى الله عليه وآله تفويقاً، والله لئن بقيت لهم لأنفضنهم نفض اللحام الوذام التربة. قال الرضي رحمه الله: ويروى التراب الوذمة. وهو على القلب، وقوله عليه السلام: ليفوقوني أي يعطوني من المال قليلا قليلا كفواقالناقة، وهو الحلبة الواحدة من لينها، والوذام التربة جمع وذمة وهي الحزة من الكرش أو الكبد تقع في التراب فتنفض) اهـ. كلام الرضي. أما رواية (التراب الوذمة) فقد نقل فيها ابن أبي الحديد في هذه الصفحة عن أبي الفرج الأصفهاني ذي الأغاني أنها خطأ، وان سعيد بن العاص لما كان أمير الكوفة بعث مع ابن أبي عائشة مولاخ إلى علي بن أبي طالب (ع) بصلة فقال علي (ع): والله لا يزال غلام من غلمان بني أمية يبعث إلينا مما أفاء الله على رسول بمثل قوت الأرملة، والله لئن بقيت لانفضنها نفض القصاب الوذام
التربة) اهـ. قال في اللسان: (ومعنى الحديث: لئن وليتهم لأطهرنهم من الدنس ولأطيبنهم بعد الخبث) فاطلع على هذا الاضطراب واستخلص منه ما تحب.
70 - وورد في ص 407 (والتجلب: التماس المرعي ما كان رطباً من الكلأ رواه بالجيم كأنه معنى أنحائه) ولعل الأصل: (في ما كان رطباً. . . كأنه معنى اجتنائه) قلنا ذلك لان معنى (جلب عليه) جنى عليه. فمعنى (تجلبه) اجتناه والتجلب الاجتناه. أما انه يريد الأحناء فمن قبيح الوهم أو التصحيف أو الخطأ، وهذا موقفنا من النقد الخاص بمتن الكتاب وحواشيه ولولا كرامة العلم(8/753)
لم نتعب هذا التعب.
أغلاط المصدر والمترجم
71 - قال في صفحة طريقة المراجعة (واطلب الكلمة في موضعها الطبيعي) والصواب: (موضعها الاصطلاحي) فلا طبيعة هناك ولا طبيعي.
72 - وقال في هذه الصفحة (ولما كان آخرها باء فانك تطلبها) والصواب (تطلبها) و (طلبتها) لان جواب (لما) لا يكون جملة اسمية.
73 - وقال فيها: (الحروف الزائدة على مدتها الأصلية) والفصيح: (الأحرف) لأنها لا تتجاوز الأربعة كما في لفظ (استفهام) فلها إذن جمع القلة ولينظر إلى أول سطر من ص 8 ففيه قول أبي العالية (هذه الأحرف الثلاثة).
74 - وقال في ص (ج) ولم يكتب الجيم (قبل التاريخ بمئات العصور) ظاناً أن العصر بمعنى القرن الدهر مطلقاً وأما قوله (مئات العصور) فليس بشيء لان المئات من الثلاث إلى التسع لها عدد وان جاوزت هذا الحد كانت ألفاً أو اكثر فما الذي اضطره إلى تعبير الناس الفقيرة لغايتها؟ وهو القائل (نباهي بمادتها الأصلية لغات العالم بلا استثناء)؟ وقال في ص (ي): من مئات الكتب بخطة فكرر الوهم.
75 - وقال في ص (د) ما نصه: (لقد صقلت السنة العرب هذه اللغة في ألوف من السنين) وقد جر السنين ب (من) والعدد المميز لا يجوز جر تمييزه ب (من) قال ابن عقيل في شرح الألفية (يجوز جر التمييز بمن أن لم يكن فاعلاً في المعنى ولا مميز العدد فتقول: عندي شبر من ارض وقفيز من بر ومنوان من عسل وغرست الأرض من شجر ولا تقول: طاب زيد من نفس ولا عندي عشرون من درهم) فتنبه على هذا واترك غير
الفصيح.
76 - وقال في ص (هـ) ما صورته: (فأرسل إلينا تعليقاته) والمعروف عند الفصحاء أن يقال: (بتعليقاته) لأنها لا تنبعث بنفسها.
77 - وقال في (و) ما عبارته: (نحن مدينون لابن منظور نفسه. . في سرد نسبه. . . فقد استطرد لذلك في مادة جرب) والعرب تقول مثلاً (ابن منظور جدير أو خليق أو قمين أو حري أو أهل حري أو قمن أن نسرد(8/754)
نسبه) فما هذا الدين؟ ومتى ثبت؟ وان كان ابن منظور سرد نسبه في مادة ج ر ب، فكيف يكون سرده ديناً، وهو نقد لا نسيئة ولا وعد؟ والأشياء التي ذكرها في الترجمة مكرر أكثرها، قال في ص (ط): ويكفي أن تعلم الآن انه ترك كتباً من تأليفه واختصاره وتهذيبه بلغت خمسمائة مجلد) وفي الصفحة التي تليها: (وله المكتبة العربية بخطة الأنيق اللطيف نحو خمسمائة مجلد من تأليفه).
78 - وقال فيها: (متغيباً عن القاهرة. . أثناء ولايته القضاء) ولو قال: (زمن ولايته) أو: (في زمن ولايته) لأصحاب لان الأثناء اسم لا ظرف ففي ص 64 من هذا يرى: (ومات في أثناء السنة الثالثة والستين) وفي ص 83: (وقال الأزهري في أثناء ترجمه طحا) وفي ص 181 قول الشاعر:
كأنه إذ فاجأه افتجاؤه ... أثناء ليل مغدف إثناؤه
ولا يختص الثني بالزمن إلا إذا أضيف إليه فتقول (جئته ثني الليل وتغيب أثناء زمن الولاية أو في أثنائه).
79 - وقال في ص (يا): (فلا يتفرق الذهن بين البنائي والمضاعف والمقلوب) وقد صحح عبد العزيز الميمني الأستاذ في ص 3 (البنائي) ب (الثنائي) ولم ينتفع بالتصحيح.
80 - وقال في ص (يب): (كانت مجزأة. . كما ذكر ذلك مترجموه) والصواب: كما ذكره مترجموه) و (كما ذكر مترجموه) لان العائد إلى الاسم الموصل لا يكون ظاهراً بل ضميراً ويجوز ذكره وحذفه كما رأيت.
من الأغلاط المطبعية التي أفسدت الكتاب
لتسهيل الأمر نذكر رقم صفحة الغلط فالغلط فالصواب (ص 12 حروف: حروف) (ص 28 إهاب مألى: مألي) (ارض مالاة: مألاة) حاشية ص 31 يلعنبر: بلعنبر) (حاشية ص
32 بؤيؤ: بؤبؤ) (ص 62 والخط: والخطر) (ص 37 وبدؤه: وبدؤهم) (ص 40 الدريئة: الذريئة) (ص43 برئيات: بريئات) (ص 44 الشيباتي: الشيباني) (حتى نحيض: تحيض) (ص 45 يبسا بسا: يبسأ بسأ) (ص 47 محلوب: محلوب) (بكأت الناقة تبكأ بضم التاء(8/755)
والصواب الفتح) (حاشية ص 59 أيكى: ابكي) (60 بجابئة: بجأبئة بتسكين الألف) (ص 62 آري: أربى) (حاشية ص 65 المرزوفى: المرزوقي) (ص 67 لم يعمه: لم يقمه) (جزءاٍ: جزءاً بحذف الكسرتين (اللتين تحت الهمزة) (ص 68 ارض جاسنة: ارض جاسئة) (69 جشوءاً (بفتحتين على الهمزة): جشوءاً) بحذف الفتحتين عن الهمزة (ص 72 جلأ. . يجلا: يجلأ) (حاشية ص 76 مهموز: مهموز) (ص 78 الموس: الموسى) (ص 82 أدروها: ادرؤوها) (ص 87 مش: مشي) (ص 91 تتمثل يهذا: بهذا) (ص 94 استخذات: استخذأت) (ص 95 عنني) (ص 98 اخطا: اخطأ) (حاشية ص 101 لطفل الغنوي: لطفيل) (ص 103 الرأداء: الدأداء) (ص 111 عبيد العدوى: العدوي) (ص 112 مدفتة: مدفئة) (ص 113 يتتفع: ينتفع) (فلان بكسر الفاء: ضمها) (الهروى: الهروي) (حاشية ص 117 وقيها: وفيها) (ص 119 قسدت: فسدت) (للح: للحم) (ص 122 وأرتأ: وأرتبأ) (ص 123 ايماثهم: إيمانهم) (126 حديث: حديث) (ص129 المرقاة: المرقأة) (حاشيتها نيه: نبه) (ص 131 يمضى: يمض) (حاشية ص 134 وأخذه للمؤلف: المؤلف) (ص 138 لمقيس: بلقيس) (139 ش: شتى) (يتسبون: ينسبون) (ص 140 مبوب: مربوب) (ص 143 المكر السي: السيئ) (ص 147 شاش: شأشأ) ((147 جء: جأ) (والم دة في 147 شسأ والتفسير شاس وشئس) (ص 150 بابي حانم: حاتم) (ص 153 شسؤا: شنؤا) على اصطلاحهم (ص 155 وأتها غير مجراة: وإنها) (ص 155 لا تسأوا: لا تسألوا) مكرر (فاستثقل: فاستثقل) (ص 156 واصله اشأ: اشائي بياء مشددة) (ص 159 فقحما: فقحنا) (ص 160 الصئصاه، الصئصاء) (نقل: تقبل) (ي عمون: يزعمون) (ص 165 عن: عنه) (ص 170 طؤطئ بفتح الطاء الأولى: ضمها) (ص 175 يسا عليها: يسلم) (ص176 يكتنز بسكون الزار: فتحها) (ص 178 ضؤءها: ضوءها) (حاشيتها كبجهة الشيخ: كجبهة الشيخ) (ص 180 لا تزال نذكره: تذكره) (ص 183 خثلة: خثلته) (ص 183 تشفأ إخوان الثقاب: تفشأ) (ص 186 ولا هي بققئ فتشرق: فتشرق(8/756)
بالنصب) (حاشية ص 187 فافتيقئه: فافتقئيه) (يسندرك: يستدرك) (افتقاته: افتقأته) (ص 189 لابس: لابس) (ص 192 لان: لأنه) (ص 196 نقسه: نفسه) (ص 200 قروئها وأقرانها: إقرائها) (ص 205 مالك: مالكم) (حاشية ص 206 ضيطت: ضبطت) (ص211 فروى عنه: فروي) (ص 216 ط دها: طردها) (ص 223 كثر كلوها: كلؤها) (ص 231 لف: لفأ) (حاشية 232 جمرة: جمهرة).
هذا بعض أغلاط الطع في 232 صفحة وهي أول الجزء وهذا الجزء أول الأجزاء فترحموا على لغة العرب.
بغداد: مصطفى جواد
الأسناية ومعناها
جاء في نشوار المحاضرة، وهو الكتاب الذي ينشر في مجلة المجمع العلمي العربي في سنتها العاشرة، في ص 432 ما هذا نصه: (هذه اسناية الخيزران ومنها يشرب المبارك بأسره وبعض الصلح، وكان إقطاعاً لام الرشيد الخيزران، فحفرت لها هذه الاسناية، وكانت تغلها غلة عظيمة، وقد تعطلع الان، وخرب الصلح والمبارك كله. . .) اهـ المقصودة من إيراده.
وقد علق أحد أعضاء المجمع على الاسناية ما هذا حرفه: (لم أجد هذه الكلمة فيما عندي من القواميس ويظهر أنها مشتقة من السنو أي السقي) انتهى قلنا: الاسناية في نظرنا من الارمية اسوانا) وبالصابئية (اسنايا) وهي رحى الماء أو البئر يحرك آلتها أجنحة في الهواء (راجع دليل الراغبين في لغة الآراميين للقس يعقوب أوجين منا الكلداني ص 33) وكانت تدفع ماءها في حوض عظيم ليذخر فيه إلى حين حاجة الزراع إليه وعند ركوع الريح وسكون أجنحة الرحى عن الحركة. وكان يسقي بها مزارع عديدة، وكثيراً ما كانت تقام في جوار الفراتين أو ما يتشعب منهما. وكان الإنكليز قد أقاموا اسناية مثل هذه في المقبرة الخاصة بهم في بغداد ثم أتلفت بعد نحو عشرين سنة لعدم تعهدهم إياها ولإيداعهم إياها رجلاً جاهلاً لكل أمر.(8/757)
قبر العازر
من الخصائص الممتازة التي اختص الله بها سيدنا عيسى عليه السلام، معجزة إحياء الميت، وقد جاء ذكر ذلك في عدة آيات من القرآن المجيد. وإنا لنجد في الأناجيل الأربعة التي يعتمدها النصارى، ذكراً لرجل، إحياء سيدنا عيسى بعد موته ودفنه بأربعة ايام، اسمه العازر ويسميه بعضهم اليعازر.
ويقولون أن قبر هذا الرجل الذي شرفه الله بمعجزة نبيه ومتعه بنعمة الحياة، وهو في قرية العازرية (بيت عنيا) في ضاحية بيت المقدس، وهو على قارعة الطريق المؤدية إلى أريحا.
لذلك، فإننا سنتولى بهذه العجالة، وصف ذلك القبر وسرد تاريخه على طريقة الإيجاز.
1 - العازرية في الإنجيل
اسمها في الإنجيل بيت عنيا، وهي وطن العازر، ومرثا، مريم، إحياء السيد المسيح، ووطن سمعان الأبرص الذي أضافه.
وكان السيد المسيح يختلف إليها كثيراً، وفيها أحيا العازر من الموت، وتفصيل ذلك في أناجيل: متي، ومرقس، ولوقا، ويوحنا.
وتسمى اليوم العازرية، على بعد ميلين، شرقي بيت المقدس، في سفح جبل الزيتون الذي يسميه المسلمون طور زيتا.
وهناك برج قديم، يقال انه بيت العازر، ومغارة يقال أنها قبره.
2 - العازرية وجغرافيو العرب
قال الشريف الإدريسي المتوفي سنة 548 هـ 1153م:
(وفي هذا الجبل (جبل الزيتون) في شرقية منحرفاً قليلاً إلى الجنوب،(8/758)
قبر العازر، الذي أحياه المسيح وعلى ميلين من جبل الزيتون، القرية التي حمل منها الأتان، لركوب السيد المسيح، عند دخوله إلى أورشليم، وهي الآن خراب لا ساكن بها وعلى قبر العازار، يأخذ طريق وادي الأردن).
وقال ياقوت الحموي، المتوفي سنة 626 هـ 1228م: (العازرية قرية بالبيت المقدس بها قبر العازر).
وقال عمر بن الوردي المتوفي نحو سنة 850هـ 1446م:
(وهناك (أي في بيت المقدس) جبل، يقال له جبل الزيتون، وبهذا الجبل، قبر العازر، الذي أحياه الله للمسيح عليه السلام، وعلى الميامن من جبل الزيتون، قرية منها جلب حمار المسيح، وقريب من قبر مدينة أريحا.
وقال مجبر الدين الحنبلي المتوفي سنة 927هـ 1521م:
(ومن الأنبياء المشهورين حول بيت المقدس، السيد عازر، ولعله العيزار ابن هارون عليهما السلام. قبره بقرية العازرية بظاهر القدس، ومن جهة الشرق، بالقرب من طور زيتا، على طريق المار إلى سيدنا موسى الكليم عليه السلام. وهو ظاهر في مشهد بالقرية، يقصد للزيارة، ويقال أن العيزار بن هارون إنما هو بقرية عورتا، من أعمال نابلس وقيل انه عازر الذي أحياه المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام. والله اعلم.
وقال عبد الغني النابلسي، سنة 1143هـ 1730م:
(فمررنا في الطريق على قرية العيزرية، ودخلنا إلى ذلك المقام والأرجاء البهية، ونزلنا إلى الجامع بنحو من الخمس الدرجات، فوجدنا قبراً عليه جلالة ومهابة، في ناحية من تلك الجهات، يقال لها قبر عيزرا النبي عليه السلام، فوقفنا وقرأنا الفاتحة بكمال التعظيم والاحتشام، ثم صلينا الظهر في ذلك الجامع المنير إماماً بجماعتنا من صغير وكبير، ودعونا الله تعالى بما تيسر من الدعاء فانه كريم لا يخيب من سعى).(8/759)
3 - صورة قبر العازر
وهذه صورة للباب التي ينزل منه إلى قبر العازر، وتجد على جوانبه بعض القرويين من سكان العازرية
4 - صفة القبر
مدخل القبر منقور في حجر في مغارة مربعة على ثلاثة أمتار كأنها العتبة ومنها تنحدر في ثلاث درجات إلى مغارة أخرى، مكعبة على مترين هي القبر.
وعلى باب هذا القبر كان الحجر الذي أمر سيدنا عيسى عليه السلام برفعه والدموع ملء جفونه.
وقد جعلت المغارتان معبدين منذ أوائل النصرانية. ولذلك أزيل من المغارة الصغرى مصطبة القبر، واستدعت لين الصخر، تقويتها ودعمها بالجدران(8/760)
والأقبية التي عقدت عليها في القرن السادس للهجرة والثاني عشر للميلاد لبناء كنيسة فوقهما. وكان مدخلهما من الكنيسة، التي كانت بيد رهبان الأرض المقدسة، إلى القرن العاشر للهجرة، والسادس عشر للميلاد، فحول فيه المسلمون الكنيسة إلى مسجد واضطر الرهبان إلى خرق الباب الحالي على قارعة الطريق، بعد أن حصلوا على إذن من الباب العالي سنة 1024هـ (1615م) وأضحى السلم على أربع وعشرين درجة كما يشاهد الآن.
5 - العازر في الشعر العربي
عرض المتنبي ببيتين من الشعر مدح بهما ابن زريق، بقصة إحياء العازر من قبل سيدنا عيسى عليه السلام، بإذن الله. إذ قال:
بشر تصور غاية في آية ... تنفي الظنون وتفسد التقديسا
لو كان صادف رأس عازر سيفه ... في يوم معركة لاعيا عيسى
وذكر العازر، والعازرية. التي هي بيت عنيا، المطران سليمان الغزي، في آبيات ذكر فيها كنائس الأرض المقدسة، فقال عنهما:
ومنه إلى كنيسة عنيا ... دخلت مجرداً مثل الحسام
لأسمع صوت من رهبان فيها (كذا) ... والثم قبر عازر في الرخام
6 - العازرية اليوم
عندما يقصد المسافر من بيت المقدس إلى اريحا، ينحدر قليلاً إلى وادي قدرون، ثم يأخذ بالصعود، فيصل إلى قرية العازرية، التي اصبحت في ضاحية بيت المقدس، ويعوج بها في طريقة، ثم يهبط ويستمر في هبوط إلى أريحا حيث نهر الأردن والبحر الميت. وعند سكان العازرية ليوم 515 نسمة.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
(ل. ع) من يطلع على ما توشيه أنامل الصديق المخلص يتحقق أمراً هو انه واقف أتم الوقوف على جميع الآثار القديمة الفلسطينية وإذا قابلنا ما كتبه بما يكتبه الإفرنج عن ديار فلسطين نرى بوناً عظيماً بين الطرفين. فنشكر له يده البيضاء على هذه المجلة.(8/761)
كوت العمارة
-
أدرجنا مقالة لحضرة المحقق يعقوب أفندي نعوم سركيس استجادها كل من وقف عليها من أرباب الأخبار والتاريخ عندنا وعند المستشرقين، على أن فضله لا يظهر ظهوراً لامعاً إلا من بعد أن نعرب ما جاء في معلمة الإسلام في مادة كوت العمارة - ودونكه:
(كوت العمارة موضع في العراق على الشاطئ الأيسر من دجلة بين بغداد والعمارة على بعد 157 كيلو متراً من الجنوب الشرقي من الزوراء على خط مستقيم و (كوت) كلمة هندستانية معناها (القلعة) واللفظة ترى مستعملة إلى الآن في عدة أسماء مدن في العراق كقولهم: كوت المعمر. وكثيراً ما جاء (الكوت) غير مضاف إلى العمارة. والكوت واقعة بازاء فم شط الحي المعروف بالغراف أيضاً وهو النهر القديم الذي يصل دجله بالفرات وله عدة فوهات تنفتح في الفرات منها مندفق في الناصرية وآخر في سوق الشيوخ. والسهول الواقعة في شمال الكوت آهلة ببني ربيعة وهم فخذ من بني لام. وليست الكوت من المواطن القديمة وقد حاول بعضهم أن يردوها إلى موطن المذار الذي ذكرها ياقوت (4: 275 وراجع لسترانج أراضي الخلافة الشرقية ص 38 وراجع هـ. هـ شيدر في الإسلام 14: 17) في منبلج المائة 19 والى سنة 1860 كانت الكوت قرية فقيرة مطوفة (أي محاطة بسور من الطين) (كيبل في سنة 1824 بحسب ريتر وراجع بترمان المطبوع في ليبسيك 1860 في 2: 150) لكن منذ أن حصلت شركة لنج على امتياز خط بواخر بين بغداد والبصرة في سنة 1869 أصبحت الكوت موضعاً نهرياً مهماً إليه أناساً كثيرين. وفي الموقف الأخير من الإدارة التركية (التي تدوم اليوم على يد الحكومة العراقية الحديثة) كانت الكوت قصبة قضاء باسمها في لواء بغداد. وفي نحو سنة 1890 قدر السكان بزهاء 4115 نفساً (كوينه) واغلبهم شيعة (نحو 100 سني و 100 يهودي)(8/762)
ويمتد الفضاء في الشمال إلى جبال لرستان. ويسقي السهل الممتد بين أيدي تلك الجبال نهر الكلال وفيه عدة قرى يتخاصم عليها والإيرانيون. ثم عاد الاهلون إلى القضاء بعد سنة 1860 وكان فيه في نحو سنة 1890 ما يقارب ال 30. 000 نسمة وكلهم من السنة اللهم إلا سكان الكوت نفسها فانهم من الشيعة.
وللكوت موقع حربي مهم. ولهذا كان له شان خطير في الحرب العظمى. ففي الدفعة الأولى من هجوم الإنكليز على الترك احتل القائد طاونشند الكوت في أيلول من سنة 1915 وبعد برهة أصبحت نقطة لزحفهم إلى بغداد ذيالك الزحف الذي انتهى برجعة الجيوش الإنكليزية إليها. تلاه محاصرة الترك لها في 8 ك1 (ديسمبر) 1915 ولما لم تنجح مساعدة الإنكليز لإخوانهم أخذت الكوت في 29 نيسان من سنة 1916 فتحض فيها الترك إلى أن وقعت من جديد في أيدي الإنكليز لتضم في سنة 1920 إلى مملكة العراق الجديد) اهـ. وهنا ذكر صاحب المقالة وهو ج. هـ. كراموس الكتب التي اعتمد عليها فلا حاجة إلى ذكرها.
(ل. ع) فأنت ترى من هذا النقل أن تحقيقات كاتبنا ومؤازرنا يعقوب أفندي نعوم سركيس أدق أنباء واصدق وابعد إمعاناً من سواه في الموضوعات التي يعالجها فعسى أن يواظب على خطته هذه التي يشهد له بها القريب والبعيد، أبناء الوطن الأجانب.
ومما نذكره هنا مع الأسف: أن كثيرين من معالجي الكتابة في صحف الحاضرة ينقلون شيئاً كثيراً من مباحث مجلتنا لغة العرب، ولا سيما مباحث الصديق المحقق: يعقوب أفندي نعوم سركيس ولا يشيرون إلى المأخذ ولا إلى الرجل المدقق: الذي يعاني الأمرين، في تفلية تاريخ العراق، وأخباره. والتثبت في أعمال رجاله المشاهير. وهناك ما هو أمر وأدهى من ذلك: أن بعضهم ألف بعض الرسائل أو الكتب، واقتبس حقائق جمة من هذه المجلة ومحرريها، ونسبوا تلك الأمور إلى أنفسهم. أفمن دناءة اعظم من هذه الدناءة؟. اللهم أنر عقولهم واهدهم إلى الصراط المستقيم.(8/763)
فوائد لغوية
أوهام مجلة المجمع العلمي العربي
تتمة نقد الأستاذ مصطفى أفندي جواد
3 - وورد في ص 295 س 2: (فتعودت منهم أن يطيعوا نفوسهم إلى مضايقة خدمهم في هذا القدر وما هو اقل منه، وقد علق المجمعيون بهذه العبارة ما نصه: (الأظهر: في مضايقة خدمهم إلى. . .) ولم يذكروا سبب الأظهر وعندنا بأظهر، لان (القدر) المذكور، قدر مال لا قدر معنوي، فلا يجوز معه استعمال (إلى) ألا ترى انك تقول: (ضايقتك في عشرين ديناراً) ولا تقول أن كنت عربياً صميماً. (ضايقتك إلى عشرين ديناراً). فالأصل لا بد منه حفاظاً على الذوق العربي.
وعلق الأستاذ مرجليوث (اقل) ما صورته: (بالأصل: أفنه) قلنا: فيحتمل أن الأصل (اتفه) اسم تفضيل من التفه.
4 - وورد في ص 265 أيضاً س 7: (كل علق حسن غيب مثمن من فرش ديباج) فعلن المجمعيون ب (المثمن) ما اصله: (ذي ثمن) ولا وجاهة لهذا التعليق، بل لو تركوا اللفظ سالماً، وسألوا عن حقيقته أهل العلم لأحسنوا ولما وقعوا في هذه الورطة لان القائل قد أراد بالمثمن: (الثمين)، وإلا فالمعنى فاسد. قال ابن بري على ما في ص 381 من كشف الطرة عن الغرة: (وان يصح حمل على: أثمنته في متاعه، إذا غاليت ورفعت السوم، فيكون على هذا: شيء مثمن، بمعنى مغالي فيه، ومرفوع سومه، ويكون ثمن ومثمن مثل عتيد ومعتد، وحبيس ومحبس، وبهيم ومبهم) ثم قال الشارح: (وكون المثمن بمعنى غالي الثمن، ذكره في عمدة الحفاظ، وأهمله غيره. وقال السرقسطي في أفعاله: أثمنت له متاعه، وأثمنته: غاليت به. فيصح أن يقال لما كثر ثمنه:(8/764)
مثمن بالفتح، والشخص مثمن بالكسر، وللمتاع أيضاً على التشبيه أو المجاز). ما هكذا تورد يا سعد الإبل.
5 - وورد في ص 296 س 2: (حتى يكمل به مال قانون فارس كان متقدماً). ونظن أن الأصل: (متقدماً به) أي مأموراً به، ففي المصباح: (وتقدمت إليه بكذا: أمرته به). ومن استعماله قول مؤلف الحوادث الجامعة ص 24: (وفي ثامن عشر شعبان تقدم إلى أبي الفرج عبد الرحمن بن الجوزي بالجلوس في الرباط المجاور لمعروف الكرخي).
6 - وجاء في ص 298 س 9: أن كان المهدي شرط شرطاً لمصلحة في الحال أو عناء اعتناه أهل البلاد في جدب أو غيرها) فعلقوا ب (اعتناه) ما نصه: (هكذا في الأصل ولعل اصله: أو عناه اعتناه بأهل البلاد الخ أي أهمه اعتناء بأمرهم. أو الأصل: عناء تعناه أي قاساه). قلنا: والتكلف ظاهر في هذا التعليق، والأصل مستقيم عند الفصحاء. فمعنى: (أو عناء اعتناه) مشقة لاقاها، فما سبب التعليق؟ أن كان سببه عندهم الهاء في (اعتناه) وهو لازم فليسوا على شيء، لان الهاء ليست مفعولاً به. بل مفعولاً مطلقاً كما في قوله تعالى: (فإني أعذبه عذاباً لا أعذبه أحداً من العالمين) فالهاء في (لا أعذبه) مفعول مطلق و (أحداً) مفعول به للفعل. فتدبر هذا ولا تستدرجك الترهات قال ابن عقيل في شرح الألفية: (وينوب عن المصدر ضميره نحو: ضربته زيداً، أي ضربت الضرب، ومنه قوله تعالى: لا أعذبه أحداً من العالمين، أي لا أعذب العذاب)، ونرد على ابن عقيل أن العذاب ليس بمصدر، بل اسم مصدر فالصواب أن يقول: (وينوب على المصدر واسمه ضميرهما). أما الأغلاط المطبعية فلم نذكرها. ومن الله التوفيق للتحقيق.
مصطفى جواد
(ل. ع) ونحن نذكر هنا بعض ما فات الأستاذ الجواد من ذلك:
في ص 291 س 6 إذ جاء: (إن أبا احمد هذا قد بسط في الأعمال) فعلقت عليه مجلة المجمع: لعله تبسط أو بسط يده. قلنا: لا غبار على كلام النص لان معنى بسط: بسط يده وقد يحذف المفعول لأنه فضله في مثل هذا المقام.(8/765)
وفي تلك الصفحة عينها في السطر التاسع: (إلى أبي القلم) وهو من خطأ الطبع. والصواب: إلى أبي القاسم.
وفي ص 293 في آخر سطر: (فقلد لي أعمال السيب الأسفل وقسين وحبيلا) فعلقت المجلة بجبيلا ما هذا نصه: (جبيل اسم لا مكان كثيرة منها: جبل قرب فيد، وفيد بليدة في
نصف طريق مكة من الكوفة. ولعلها محرفة عن جبل بفتح الجيم وضم الباء المشددة) وهي بلدة بين النعمانية وواسط) اهـ. قلنا: الذي سمعناه في الكوفة في أيلول 1895 أن (جبيلا) بالتصغير من نواحي الكوفة من غربيها.
وفي ص 294 س 5: (فقلت له الأرز خافور وما بلغ أن يجوز) فعلقت عليه المجلة: (الخافور نبت كالزوان ولعله يريد أن الأرز في حالته الحاضرة كالخافور) اهـ. قلنا: الخافور هو الحفراة وهي نبت ينبت في الرمل لا يزال اخضر غضاً. فلقد صدقت إذن المجلة المجمعية بقولها: أن الأرز في حالته الحاضرة كالخافور) أي أن الأرز غض.
وفي ص 295 س 14: (وتشستجة) ولم تفسر لنا الكلمة. ولا وردت في دواوين اللغة ولا ذكرها دوزي في ملحقه بالمعاجم العربية والشستج أو الشستجة كلمة فارسية من فعل شستن أي غسل ونظف ومسح وطهر والشستجة هي المنديل والمنشفة وما يسميه الشاميون بالمحرمة في هذا العهد. وقد استعملت هذه اللفظة استعمالاً مستفاضاً فيه في عهد العباسيين وجاءت بصور شتى ولغات مختلفة وتصحيفات لا تحصى. قال في كتاب البلدان لابن الفقيه (ص 254 من طبع أوربة): ولأهل طبرستان والديلم وقزوين حظ من عمل الأكسية الرويانية والآملية واتخاذ الشستانك والمناديل فجاءت مصحفة في نسخ عديدة من هذا الكتاب: ششتانك (بشينين معجمتين) وشتانك، وشبشتاوتك، وقالوا شستكة أيضاً. قال ابن القفطي (في ص 121 من طبعة الإفرنج): واخرج من شسشكة في كمة دواء) وذكرها باين سميث في معجمة الارمي اللاتيني ص 3183 وقال: معناها منديل يتمسح به أو منديل الكم وذكر لها لغة ثانية هي الشستج وذكرها صاحب تاج العروس بصورة شستقه نقلا عن غيره من(8/766)
اللغويين وذلك في مادة ش وع في معنى المشواع.
وفي ص 298 س1: في والصواب في.
وفي تلك الصفحة س 12: (أليس لأنه إمام رأي ليس فيه مضرة، والصواب: (رأي رأياً).
وفي تلك الصفحة س 9: (إن كان المهدي شرط شرطاً لمصلحة في الحال لو عناء اعتناه أهل البلاد في جذب أو غيرها) فعلقت المجلة على (جدب أو غيرها): (الظاهر: أو غيره) قلنا: كلا. والصواب ما في النص أي: (أو غيرها) ومعنى الجذب هنا سنة القحط والمحل. كما فسره في الناج.
وفي ص 299 في آخر سطر: وللورى نافعاً. قال في الحاشية: بالأصل رافعاً. قلنا: وبقية الكلام توجب أن يكون المتن: (رافعاً) لا (نافعاً).
وفي ص301 س 8: (على طسوق توضع لهم مخففة) قلنا: الطسوق جمع جمع طسق بالفتح والكلمة تعريب اليونانية ومعناها في اصل وضعها الترتيب والنظام ثم أطلقوا على الضريبة منها الفرنسية بمعناها.
وفي تلك الصفحة س 12 وجعل با مسلم والصواب: أبا مسلم.
وفي ص 302 س 8: فضاته. والصواب: قضاته.
وفي تلك الصفحة س 9: (ما أوجبه الله تعالى فيه من حقوقه على ما تقرر معهم من وضائعه) فعلقت مجلة المجمع على وضائعه قولها: (جمع وضيعة وهي ما يأخذه السلطان من الخراج والعشور) اهـ. قلنا: الوضيعة تعريب معنوي اللاتينية المشتقة من فعل بمعنى وضع. ومنها الفرنسية بمعناها.
وفي ص 303 س 8: (قم فاكتب له بكلما يريده) والمشهور أن (ما) إذا كانت اسم موصول لا أداة زائدة تفصل عن كل. فتكتب (بكل ما يريده) هذا ما عن لنا ولعل هناك أشياء فاتت الأستاذ المصطفى وفاتتنا أيضاً.
نقد النشرة السادسة والسابعة من نشوار المحاضرة
1 - جاء في الجزء السابع 241 قول المهدي بن المنصور عن يعقوب ابن داود: (ولقد كنت احبه من أجرائي إياه مجرى الوالد منذ خدمني اجتهد(8/767)
به أن يدعوني إلى داره) فعلق العلامة مرجليوث بقوله: (من أجرائي) ما صورته: (لعله: مع) فنقول: لكون ما في الأصل مستقياً ولان (معاً) تغير المعنى المراد. لا نرى حاجة إلى ترجيح مرجليوث الاستاذ، وتحقيق ذلك: أن (من) قو قول المهدي للتعليل والسببية. فكأنه قال: (احبه بسبب أجرائي إياه مجرى الوالد) ومن هذا الباب قوله تعالى: (مما خطيئاتهم اغرقوا) أي اغرقوا بعلة خطيئاتهم، و (مع) لا تفيدنا هذا التعليل، ونزيد على هذا أن التعبير لا يسير بلا (واو) قبل منذ، لان الجملة مبتدئة مستأنفة فالتصحيح (ومنذ خدمني اجتهد) وعلى هذا يستقيم الكلام.
2 - وورد في ص 423: (يهودي ساحر محذق) فناط به المجمعيون: (كذا في الأصل والظاهر انه ممخرق أي مموه مشعوذ. وفي ياقوت: حاذق) قلنا: ولكن في الطبعة الأوربية:
(محذق) 4: 848 فهذه الطبعة أحوى للأصل من غيرها وورد في 424، فخاتل الرجل والغلام وأخذ بأعينهما بسحره) فالصق به المجمعيون: (كذا هنا وفي ياقوت: باعينهما) فنقول: (كذا في مجلتهم وفي الطبعة الأوربية وردت كما في النشوار) ولم يضبطوا (اخذ) فان مصدره التأخيذ أي السحر.
3 - ومر في ص 426: فما سمع برقعة أولى منها وهي في غاية الحسن) فعلق العلامة مرجليوث ب (أولى منها) ما صورته: (لعله سقط: بان تحفظ) وفي هذا من التكلف ما لا يخفى على العرب لان منحها الأولوية بالحفظ لا يقوم على حق ولا على استرجاح، والظاهر أن المواد ب (أولى) ههنا: اكثر عائدة من قولهم: (هو أولى للمعروف وما أولاه للمعروف! (والدليل على ما قلنا قوله في المنصب الديواني الذي نيل بهذه الرقعة (وبقي يتوارثونه مرة رياسة ومرة خلافة فما سمع برقعة أولى منها) وقبل هذا (وصار كالمتقلد له من قبل الوزير لكثرة استخدامه له فيه وكانت هذه الرقعة سبب ذلك).
4 - وجاء في ص 427: (بين وحشي الكلام فأنيسه) فقال المجمعيون: (في معجم الأدباء وانيسة، ولعله: وانسيه) قلنا: إذا جازت الوحشية على الكلام جازت المؤانسة كما جازت على الكتاب المجالسة في قوله: (وخير جليس(8/768)
في الزمان كتاب) فإنه لم يكن خير جليس إلا بأنه احسن أنيس.
5 - وورد في ص 429 قول الشاعر: (يا هرل سو شيخ الوسخ) فقال مرجليوث الأستاذ: (قال في محيط المحيط: الهرل ولد المرأة من زوجها الاول) قلنا: لإضافة الشاعر (الهرل) إلى رابه أي مربيه ينبغي أن يفسر ب (الربيب) قال في المختار (وريب الرجل ابن امرأته من غيره وهو بمعنى مربوب والأنثى ربيبة) فحمد بن أبي بكر (رض) مثلا ربيب الإمام علي (ع).
6 - وجاء في ص 531: (ولا آمن أن يقع علي حيلة في ديني فاهلك) فعلق مرجليوث ب (حيلة) ما نصه: (لعله: خلل) وهذا وان كان له وجه في ذاته فانه لا يلائم الحاجة لان هذا القاضي صاحب القول لم يخف من الخلل الظاهر بل من الخلل المغطى بالحيلة فهو يشعر بالخلل فيتجنبه وقد لا يشعر بالحيلة فيهلك على ما اعتقد هو.
7 - وفي ص 432: (وجميع ما فر خزانتي ثلاثون ألف دينار عيناً وهذا لا يقع مني) قال
مرجليوث: (يريد لا اعتد به) قلنا: ليس هذا بشيء فانه يعتد به لكنه لا يسد حاجته فليس كل قليل لا يعتد به، وقد روى المبرد في 1: 16 من كامله أن علياً (ع) لما خطب العراقيين بالنخيلة يحثهم على النفور إلى الحرب قام إليه رجل ومعه أخوه فقال: (يا أمير المؤمنين أنا وأخي هذا كما قال اله تعالى: رب أني لا املك إلا نفسي وأخي، فمرنا بأمرك فوالله لننتهين إليه حال بيننا وبينه جمر الغضا وشوك القتاد) فدعا لهما ثم قال لهما: (وأين تقعان مما أريد) فهنا اصل التعبير ثم تحول إلى ذلك الطور.
8 - وورد في ص 433: فحصل الثمن ستة وثلاثون ألف دينار عيناً) فناط المجمعيون ب (ثلاثون) ما صورته: (كذا في الأصل). لا اقل ولا اكثر وهذا التعبير ليس عندنا بالوجه لان (ثلاثون) يجب نصبه على انه حال من الثمن وفعله أما من الحصول وأما من التحصيل أي التعديد ومنه قول إبراهيم بن المهدي على ما في 1: 269 من الأغاني: (فالصوتان واحد لا ينبغي أن نعدهما اثنين عند التحصيل منا لغنائه) أي عد أصواته، وكان يعدها حقاً.
9 - وجاء في ص 434 (فيلبسه من غد في دخوله إلى الخليفة قبل الخلع(8/769)
فيتركه هناك ويلبس الخلع فوقه) فعلق المجمعيون ب (فيتركه) ما قوامه: (ولعل اصله: يركب أي في المركب) فبقولهم (في الموكب) فسروا ماذا؟. بله أن ما ذهبوا إليه مما وراء العقل فالصحيح انه فعل التبريك والخليفة إذ ذاك ولي التبريك على زعمهم، فلا غرابة في أن يبرك الخليفة ومن اللطائف أن العراقيين اليوم يقولون لللابس لباساً جديداً (مبارك) أي مبارك.
10 - وفي ص 434: على غير تواطئ) وهذا الرسم يستوجب كسر الطاء ولكنه لم يسمع ولا إجازة قياس لان التفاعل لا تكسر عينه بل تضم وشذ من ذلك (التفاوت) قال في المختار (وتفاوت الشيئان تباعد ما بينهما تفاوتاً بضم الواو، ونقل فتح الواو وكسرها على غير قياس) فالصواب (تواطؤ).
11 - وجاء في ص 435: (قال: لما ظلم الناس بواسطة أبو عبد الله احمد ابن علي بن سعيد الكوفي وهو إذ ذاك يتقلدها لناصر الدولة. . كنت أحد من ظلم) فعلق مرجليوث ب (ظلم) ما أصله (بالأصل: تظلم) فاتبعه المجمعيون قولهم: (وتظلم صحيح أيضاً ومعناه
شكي (كذا) الظلم) قلنا: ما أصاب مرجليوث في عزوفه عن الأصل ولا توفق المجمعيون في تفسيرهم لان (تظلم) هنا بمعنى (تهضم) قال في المختار (وتظلمه: أي ظلمه ماله) فالفعل إذن مبني للمجهول على هذا الوجه.
12 - وجاء في ص 437: (حتى انتهى إلى موضع معسكر سيف الدولة وكان نازلا في المأصر بواسطة) فعلق مرجليوث بسيف الدولة ما صورته: (لعله: ابن) ولم نعلم سبب هذا الترجيح فقد قال ابن خلكان في 1: 402 من الوفيات: (وكان سيف الدولة قبل ذلك مالك واسط وتلك النواحي) فلا وهم في أن يكون معسكره بواسط ونؤيد هذا بقوله في ص 438 (فلما رأى سيف الدولة الصورة استهولها مع صياح الملاح) وما استهوله سيأتي في المادة 13 وعلق المجمعيون ب (الناصر) ما يفيد انه آلة، والصواب أن يكون اسم مكان كما يرى العربي قال في القاموس: (والمآصر كمجلس ومرقد: المحبس جمعة مآصر. والعامة تقول: معاصر) فسيف الدولة لم يكن نازلاً بالحبل المانع للسفن كما زعم المجمعيون بل بمكان الاصر.(8/770)
13 - ومر في ص 438: (وقد احترق جوانب الزورق وظلاله واكثر آلته). فقال مرجليوث: (لعله: إطلاله بالطاء المهملة جمع طلل وهو جل السفينة أي شراعها وجمعه جلول وإجلال). قلنا: والأولى بالإثبات ما في الأصل لأنه جمع ظلة كنقطة وهي ما يستظل به ويستذري. أما جمع جل السفينة على إجلال فلا نعرف مسمعه فهل لأحد أن يكفينا تعب الوجدان؟.
14 - وفي هذه الصفحة: (وانتفع ببقية خشبه وحديده ووصل التجار إلى ما سلم من المتاع) والصواب: (ووصل إلى التجار) من الوصول أو التوصيل فوصل معطوف على (انتفع وفاعله إذا ضوعف ضمير الملاح.
15 - وورد في ص 476: (إلى أن وثب حاجب عبيد الله بهم) فقال المجمعيون: (كذا في الأصل والمعروف: وثب عليه) قلنا: ولكنهما عند العرب معروفان كلاهما والمجهول عندهم كان يتكلم به عبيد الله بن عباس (رض) فقد كتب من اليمن إلى علي (ع) كما في 1: 116 من شرح النهج للحديدي: (أما بعد فإنا نخبر أمير المؤمنين عليه السلام أن شيعة عثمان وثبوا بنا واظهروا أن معاوية قد شيد أمره واتسق له اكثر الناس) بل المجهول عندهم
معروف عند الإمام علي (ع) فان عبد الله بن قعين الأزدي لما قال لعلي (ع) في الخريت بن راشد الناجي الخارجي: (فل ملا تأخذه الآن فتستوثق منه؟. قال له كما في: 1: 265 من ذلك الشرح: (إنا لو فعلنا هذا بكل من يتهم من الناس ملأنا السجون منهم ولا أراني يسعني الوثوب بالناس والحبس لهم وعقوبتهم حتى يظهروا لي الخلاف) وقد قطعت قول كل خطيب فوثب مثل (سطا) يقال: سطا به وسطا عليه.
16 - وجاء في ص 476 أيضاً: (فأحضرني وأنا مع ذلك أتولى له ديوان ضياعه) فعلق مرجليوث بعد ذلك ما نصه: (لعله: حينئذ) قلنا: والتعليق مقطوع العلاقة لان (مع ذلك) بمعنى (حينئذ) زيادة على أفادتها المصاحبة والمعية فظرفيتها ههنا زمانية ومن ذلك قول المبرد كما في 3: 200 من كامله و 1: 391 من شرح الحديدي: (وكان رجل من أصحاب عتاب يقال له شريح ويكنى أبا هريرة إذا تحاجز القوم مع المساء نادي بالخوارج والزبير) وكرر(8/771)
هذا الاستعمال كما في ص 230 وهو مستفيض.
17 - وورد في ص 478: (ولم يتصرف في أيام عبيد الله إلى أن مات وهو يتصدق) فعلق به المجمعيون: (تصدق: بمعنى سأل وبمعنى أعطى وأنكر الأصمعي وغيره كونها بمعنى سأل) قلنا: لم يبق من اوجه ما اختلف الرواة فيه إلا وجه العقل فمعنى تصدق هنا: تطلب الصدقات نحو (تأثر: تتبع الآثار و (تخبر: تبحث الأخبار) و (تسقط: تأثر السقطات) و (تقم: تطلب القمام) و (تكسب: تتبع المكاسب) و (توقع: انتظر الوقوع) وغير ذلك كثيراً جداً، فإنكار الأصمعي المسموع المقيس على كلام العرب يستلزم الإنكار.
18 - وجاء في ص 479: (فحين رآني قام إلى قياماً تاماً رجليه وقلت قيلني الوزير أطال الله بقاءه وليس هذا محلي) فعلق المجمعيون ب (قيلني) ما صورته: (ولم نجد في معاني قيل ما يلائم هذا المقام ولعلها محرفة عن قيد من قولهم قيده بإحسانه) قلنا: والأولى أن يكون (ليقلني الوزير) أي (ليعفني) فكأنه قال: (اقلني أيها الوزير) والأول ارق واقرب إلى آداب المجالس.
19 - وورد في ص 481 (: انهم كانوا كلما احتفروا تحته ليتمكنوا من قلبه هوى) فقال مرجليوث: (لعله: لأنه كان) ولا حاجة بالأصل إلى هذا الإصلاح فان ضمير الجمع يعود إلى الفعلة وان لم يذكروا أما التعليل فتكفيه الفاء بأن يقال (فانهم) وهي للتفريع.
20 - وجاء في ص 482: (واثبتا رجالا كثيرة للحماية) فانشب فيه المجمعيون: (كذا في الأصل ولعله بثا أي فرقا ونشرا) وما ادري ما الذي صدف بهم عن الاصل؟ فمعناه: وضعا رجالا، وخلاك ذم.
21 - وورد في ص 486: (فعرقب فرسه وذبحه واشتوى من لحمه وأوقده حتى اصطلى به الضيف) ولم ندر علام تعود الهاء في (أوقده) فلعل الأصل (وأوقد رمحه) على حد قول الشاعر في ص 487:
اصدع صدر الرمح في صدر فارس ... وأوقد ما يبقى من الرمح للضيف.
22 - وقال المجمعيون في ص 489: (الوحف: الشعير الكثير الحسن الأسود)، ولعله (الشعر) فان المقام مقام غزل لا علف دواب.(8/772)
23 - وجاء في ص 490: (قالت أنا سعدي تبدلت بيننا) وهو مخروم وبحره الطويل، ولا وجه لهذا الخرم، وإذ تقدم على هذا: (فأبدت على اللبات وحفاً كأنه) لزم أن يقال: (وقالت).
24 - وورد في ص 490 أيضاً: (هوى المطايا مخرماً ثم مخرماً) فقالوا (جمع مخرم وهو الطريق في الجبل) وليس في الشعر جمع لمخرم وإنما فيه مخرم بالافراد، وورد في ص491: (سوى مخلصات تترك الهام أقعما) بتذكير الهام لا تأنيثه كلاهما جائز إلا أن أبا بكر بن الانباري قال في قول الفرزدق: (يفلقن هاماً لم تنله سيوفاً) كما في 1: 343 من المزهر ما عبارته: (فاحتجب عليه بقوله (لم تنله) وقلت لو أراد الهام لقال: تنلها. لان الهام مؤنثة لم يؤثر عن العرب فيها تذكير ولم يقل أحد منهم: الهام فلقته كما قالوا: النخل قطعته والتذكير والتأنيث لا يعمل قياساً إنما يبنى فيه على السماع واتباع الأثر) اهـ. قلنا: قد نص العلماء على أن كل جمع ليس بينه وبين واحد إلا الهاء يجوز تذكيره وتأنيثه ونعجب من جهل ابن الانباري لهذا وكونه لم يسمع رجز عمار بن ياسر في حرب صفين ومنه قوله يخاطبهم في أمر القرآن الكريم:
واليوم نضربكم على تأويله ... ضرباً يزيل الهام عن مقيله
وناهيك بعمار صحابياً فصيحاً وبرجز شهيراً مستفيضاً. هذا ما تمكنا منه وتركنا الأغلاط المطبعة.
مصطفى جواد
(لغة العرب) لنا مطالعات على ما جاء في الجزأين السابع والثامن من المجلد العاشر من مجلة المجمع العلمي غير ما ذكره حضرة الأستاذ مصطفى أفندي جواد، إلا أن ازدحام المقالات في جزأنا هذا وهو الجزء الأخير من هذه السنة، لان الجزأين الحادي عشر والثاني عشر موقوفان للفهارس، حملنا على أن نجعل الكلام ونقول: أن أوهام الطبع كثيرة في نص نشوار المحاضرة في هذه المرة. وان ما ذكر عن تسمية النهروان مضحك للغاية وكان يجب على مقومي أود النشوار أن يعلقوا عليه بقولهم: هذا وهم ظاهر والصواب أن النهروان مركب من نهر الإيوان لا غير ونجلب نظر المحررين والمصححين أن يراجعوا في جزأنا هذا في ص 757 ما كتبناه عن الاسناية ليتضح معناها.(8/773)
باب المكاتبة والمذاكرة
ماء السمرمر
جواباً عن كتابكم الكريم المؤرخ في 8 - 6 - 1930 وفيه السؤال عن (ماء السمرمر). أقول قال صاحب (مرآة البلدان) 4: 229 و 230 ما هذا تعريب نصه: (زعم بعض المؤرخين والكتبة أن اثر ماء هذه العين هو دفع الجراد بواسطة طير السار (السمرمر). قيل أن في قرب جبل (دنا) وهو من الجبال المشهورة جبلا شامخاً بين (فارس) والعراق العجمي وهذا الجبل بوضعه الطبيعي يشبه قنطرة وقعت على عمودين ويجر من سفحه نهر كبير وتنبع عين من جبل (دنا) وتجري على الجبل (أي على القنطرة المذكورة) ومن طرفيه يتصل إلى النهر، ومتى انتشر الجراد وخيف من فساده يأتي إليها رجل ويأخذ إناء من ماءها وشرط هذا العمل: - 1 - أن ينوي رش الماء على الأرض التي ظهر فيها الجراد ويقول بلفظه أريد أن يأتي (السار) إلى هذه الأرض والناحية - 2 - وان لا يضع الإناء على الأرض) اهـ.
(أقول وهذا السبب في تعليقه بمئذنة جامع حلب كما في تاريخها. وإذا فعل ذلك يأتي على أثره طير السار وهو طير صغير يدفع الجراد). وقال صاحب مرآة البلدان وفي سنة 1066هـ زار الشاه عباس الصفوي هذه العين وعين ماء أخرى في ناحية قزوين اهـ.
أقول: يسمى مكانها (برغان) وما جاء في معجم سميث ص 212 والظاهر انه مقيم في ديار ماذي في واد من أودية جبال الأهواز المعروف بوادي المسرقان (بفتح الميم وإسكان السين وضم الراء وفتح القاف وفي الآخر نون) لعله تحريف حدث من تشابه كلمة (برغان) التي تكتب بالقاف أيضاً (بمسرقان)(8/774)
إذا قلنا أن طير السار يقيم على الأغلب في جوار العين التي فيها ماؤه.
ولما ورد إلى كتابك الكريم، اتفق أن زارني الدكتور (أمير) اعلم عضو البرلمان الفارسي واحد متخرجي جامعة (باريس) الكبرى وهو عائد من درس أسباب الزلزلة التي حدثت في سلمان، ومعه دكتران من أصحابه، وفخامة حاكم زنجان، ميرزا جعفر خان نوري موفق الدولة. ولما كان قصدي أن اسند الجواب إلى المصادر الصحيحة، دار البحث معه أولا من
ناحية وجود سبب طبيعي لجلب هذا الماء طير السمرمر إليه وكشفه، فانتهى البحث أن تحقق أولا هل تحقق هذا الإثر لهذا الماء، وهل جربه الثقاب أم لا. فبعث فخامة حاكم زنجان بكتاب إلى حاكم قزوين وطلب منه تحقيق الأمر من ثقاب قزوين وهاك نص تعريب الجواب الواصل من قزوين بقلم بعض الثقاب وقد جرب بنفسه تأثير هذا الماء:
فخامة حاكم قزوين!
جواباً عن كتابم في شأن (ماء السار) أي السمرمر أقول: وان توفقت في خاصية ماء هذه العين مع ما شاهدت من الآثار، فإني أبين لكم ما جربته بنفس:
في سنة 1348هـ لما هجم الجراد على قوى قزوين الجنوبية استقر رأي جماعة من الأشراف أن يدفع بماء السار) والعين واقعة في جنوب قزوين الغربي ولأجل ذلك توجهت أنا وحاكم قزوين السابق ورئيس البلدية إلى (سكرتاب) والعين واقعة ميل منها ثم انتخبنا جماعة من شيوخ القرية الصالحين فذهبوا وملئوا إناءين من مائها وجئنا بهما بالشروط المقررة من عدم نظر حاملهما إلى الوراء وعدم وضع الإناء على الأرض، وصينا ماء أحد الإناءين على حوض دار الحكومة وبعد ثلاثة أيام ورد طير السار أسراباً.
وماء الإناء الآخر رش على مزارع قرية (قاقزان) وبعد أربعة أيام ورد الطير وافترس الجواد عن آخره.
خادم الدين صدر الإسلام
ثم نوجه نظركم الدقيق إلى أن قول باين سميث في ص 2012 في معجمه (والارميون إذا قالوا ماذي أرادوا بها في اغلب الأحيان جبال الأهواز وما(8/775)
والاها) اشتباه على ارجح في نظرنا لان مملكة ماذي المشهورة في اصطلاح جغرافيي العرب كابن حوقل والمقدسي وغيرهما بالجبل أو بلاد الجبال هي العراق العجمي وليست جبال الأهواز.
ويدل عليه قول (استرابون) الجغرافي اليوناني الشهير أن ميديا أو ماذي تقسم إلى ماذي الكبيرة وعاصمتها (اكباتان) أي (همذان) وذكر حدود تلك المملكة (أي ماذي الكبيرة) بما يحصل منها اليوم إنها تحد من طرف الشمال (بجيلان) و (مازندران) ومن الشرق ببلاد (اري) طبرستان ومن الجنوب بجبال كرند ولرستان الحالية ومن المغرب ببلاد الأرمن وأما (ماذي الصغيرة) فهي على ما ذكر تنطبق حدودها على أذربيجان وكانت تسمى
(تروباتين) وقد فضل القول فيها (استرابون) في كتابه في الجغرافية وقد ذكرها (بلينوس) الحكيم الطبيعي المعروف في كتب العرب باسم (سلساس) المصحف الذي هو صاحب التأليف في علم الطبيعة والنجوم والجغرافية وغيرها وهو أيضاً ذكر أن حدها الجنوبي (فارس وخوزستان) والثانية معروفة ب (سوزيانة) في لسان قدماء الجغرافيين.
وكان تعريب كلام زكريا بن محمد بن محمود القزوبني صاحب كتاب عجائب المخلوقات وتعريب كلام حمد الله المستوفي في القزويني منقولاً في مقالتنا ثم ورد الجزء الثامن من لغة العرب ورأينا في جواب الأستاذ النفيسي غنى عنه.
زنجان: أبو عبد الله الزنجاني
نزيب ونصيبين
جاء في مجلتكم (ج 8 ص 624 لهذه السنة) عند البحث نصيبين ونزيب أن نصيبين: (. . . واقعة على الفرات واشتهرت في سنة 1893 بانتصار إبراهيم باشا على الترك). وهذا سهو ظاهر. إذ أن البليدة التي انتصر قربها جيش إبراهيم هي (نزيب) وهي قرب عينتاب (كذا. لعله يريد عين تاب) في الشمال الشرقي من حلب. وأما نصيبين فاشهر من أن تذكر من بلاد الجزيرة في الشمال الغربي من الموصل والجنوب الشرقي من ماردين بعيدة عن الفرات بعداً شاسعاً.
الدكتور داود الجلبي(8/776)
(ل. ع) كان علينا أن نذكر أن العرب عرفوا ثلاث مدن باسم نصيبين كما قال ياقوت: إحداهما في الجزيرة وهي أشهرهن. والثانية نصيبين الفرات أو نصيبين الروم. والثالثة نصيبين سورية وهي التي يسميها الترك نصيب وبعضهم يجاري الإفرنج فيقول نزيب وبيدنا أطلس عثماني طبع في استنبول سنة 1323 واسمه: (ممالك عثمانية جبب اطلاسي) لصاحبه (تجار زاده إبراهيم حلمي) وقد جاء في الخريطة الخاصة بجلب (الخريطة 30) اسم (نصيب) وهذا يدل دلالة صريحة على أن الترك كانوا يقولون (نصيب) تميزاً لها من (نصيبين) وأما (نزيب) فهو اقبح الأسماء لأنه مأخوذ عن الإفرنج وهذا لا يجوز لنا وكيف يجوز أن نسمي بلادنا باسامي نأخذها عن الإفرنج أو الترك أو غيرهم من الامم؟ فنحن لا نوافق حضرة الدكتور على هذا العمل لأنه يطمس فؤاد قوميتنا اهـ.
حبة الشرق هي البلجية
وجاء في الصفحة نفسها (اعني ج 8 ص 624) وتكرر في (ج 9 ص 708) أن حبة الشرق تسمى بالعربية (العد) و (الوحص). وليس كذلك. فالعد والوحص والتقطير أو النفاطير كلها تعني حب الشباب، ويقابلها باصطلاح الإفرنج أو وهي بثور. أما حبة الشرق فهي قرحة في معظم أدوارها والفرق بين البثرة والقرحة معلوم عند أربابه (كدا) وسميت حبة الشرق (البلحية) أو (القرحة البلحية) نسبة إلى البلح بالتحريك وهو لغة تمر النخل بين الخلال والبسر، وفي بعض البلدان كمصر هو التمر بعينه. ومن المعلوم أن هذه القرحة تكثر في اغلب البقاع التي يكثر فيها النخل فتوهموا وجود ملازمة بينهما وبين التمر. ومن (القرحة البلحية) اخذ الترك تسميتهم فقالوا: (خرما جيباني) ومعناه دمل التمر.
(ل. ع) لم يذكر حضرة الدكتور سنده في أن (العد) و (الوحص) و (التفاطير) شيء واحد. وعندنا أن الذي أستزله هو أن الترك ذكروا في معاجم الطبية مقابلا لا كنة، الفرنسية هذه الألفاظ: (عد، اركنلك، حب البلوغ (يموزده ظهور أيدن سيولجه لر) (عن لغات طب، فرانسزجه دن تركجه يه - اثر جميت طبيهء عثمانية - ص 11) ثم جاءت سائر المعاجم ونقلت عن هذا المعجم ما فيه المفردات الطبية. ونحن نعلم أن الترك غي ثقة في كلامنا. وكيف يكون (العد): (اكنة). والعد على ما في اللسان: بثريكون في الوجه، عن ابن جني. وقيل: العد والعدة: البثر يخرج على وجوه الملاح. قال: قد استكمت العد، فأقبحه، أي ابيض رأسه من القيح فافضحه حتى تمسح عنه قيحه. قال: والقيح، بالباء: الكسر اهـ. فأنت ترى من هذا التفصيل أن العد ليس بالتفاطير بل حبه الشرق. وهناك لهذه التسمية وهو أن العد (بضم الاول) معناه المعدود كما(8/777)
أن جلب الرحل (بضم الجيم) معناه حنو أو ما انحنى منه المحني منه (راجع المخصص 15: 75 إلى 99) وسمي عداً لان أيامه معدودة أي سنة يسميه كثيرون حب السنة والفرس سالك وهي منحوتة من (سال يك) أي سنة واحدة.
وأما سبب تسمية هذه الحبة بالوحص، فلأن الوحص لغة في الوهص والوحص والوهص والوهس والوهز واحد، وهو شدة الغمز على ما ذكره صاحب اللسان، وسبب هذه التسمية واضح لان هذه الحبة تبقى أثراً في الجلد على ما هو مشهور عنها. أما النفاطير أو التفاطير فقد صرح الشارح بقوله: (هي البثر الذي يخرج في وجه الغلام والجارية. قال
الشاعر:
نفاطير الجنون بوجه سلمى ... قديماً لا تفاطير الشباب
والبثر عند الأقدمين من السلف لم يكن محصوراً بمعنى التنفط، بل ورد عندهم بمعنى الورم والدمل والخراج والقرح، أي أن معناه كان واسعاً. وعندنا شواهد على ذلك وإنما أهملناها لشهرتها وحرصاً على الوقت وتوفيراً للمكان في المجلة.
أما أن حبة الشرق (تكثر في اغلب البقاع التي يكثر فيها النخل) فينقضه وجودها في بلاد ليس فيها نخيل كدلهي وأصفهان وبنجاب وحلب إلى غيرها من الديار. وهناك ما هو بالعكس فان البصرة وثغور خليج فارس كثيرة النخل والحبة فيها مجهولة.
وتسمية الترك لهذه الحبة (خرما جيباني) بمعنى دمل التمر هو حديث الوضع. والدليل أن معجم الجمعية الطبية التركية الذي ذكرناه فويق هذا يقول (ص 117): (حلب جيباني ياخود حبه السنة) ولم يذكر ما ذكر حضرته. وفي المعجم الفرنسي التركي لا ندون ب. طنغر وكرقور سنابيان في المادة المذكورة: (قمعولهء حلب، حلب جيباني) ولم نجد من قال خرما جيباني ولعل ذلك في كلام بعض عوام الترك في الموصل وكركوك والسليمانية وأنحائها.
والبلحية بالحاء المهملة لا وجود لها في الكتب الطبية، فضلا عن كتب اللغة والأدب ووجودها في قانون ابن سينا من خطأ الطبع بلا أدنى شك إذ مطبوعات مصر مشهورة بكثرة السقط والوهم بخلاف ما يطبع اليوم. وابن سينا لم يعش في بلاد كان فيها التمر أو البلد حتى يرى الصلة الوهمية بين الحبة وما توهم إنها البلحية، إنما أبوه كان من بلخ ثم انتقل منها إلى بخاري. وبلخ يومئذ مشهورة بقرحة تعرف باسمها أي بلخية (بالباء الموحدة واللام والخاء المعجمة) فتسميته القرحة باسم المدينة التي كان يسمع عنها من أبيه شيئاً كثيراً هي اقرب إلى الحق من تسميتها بالبلحية ثم لو فرضنا أن ابن سينا وضع من عنده البلحية لسماها عوام مصر. ومثل ابن سينا لا يضع ألفاظاً يأخذها من السنة عوام مصر!!! على إننا نظن أن البلحية (بالحاء المهملة) خطأ بلا ريب، لان الناشر كان يفهم البلحية بالمهملة وما كان يفهم البلخية بالمعجمة. ولهذا طبعها بالصورة التي يعرفها ويسمعها. أما البلخية بالمعجمة التي هي اللفظ الصحيحة والتي لا غبار عليها كما تقف عليها في جوابنا
هذا فذكرها العرب وعلماؤهم منصوصاً عليها بالخاء المعجمة فأين النص الصريح من الاستنتاج(8/778)
الوهمي. ثم هيهات أن تكون البلحية دملة الشرق، إذ وصفها لا يتفق أبداً ووصف حبة بلادنا، فهي ليست بها ونحن نستبعد أن تكون إياها وان لم نكن من أبناء اسكولابيوس ولعل البلخية هي دملة الحلاف المعروفة عند الإفرنج باسم هذا رأينا نعرضه على الأطباء فلعلهم يجلون هذه القرحة البلخية المنسوبة إلى مدينة بلخ لا إلى البلح بمعنى التمر. (ولا يجوز أن يترك المنقول إلى ما ليس بمنقول) (ابن أبي الحديد 382: 3) اهـ.
وقد ورد ذكر البلحية في قانون ابن سينا (طبعة المطبعة العامرة ج 3 ص 288) حيث قيل: (والبلحية من جنس السعفة الرديئة وربما كان سببها لسعاً مثل البعوض الخبيث). حيى (كذا. لعلها حيا) الله ابن سينا وإضرابه. فقد أيد فن الطب الحديث قولهم إذ تحقق أن سب البلحية لسع نوع من البعوض.
(ل. ع) وجود البلخية بالمعجمة لهذه الحبة لو صحت لا ينفي وجود سائر لسمائها وهل يجهل حضرة الدكتور كثرة المرادفات في لساننا؟.
وجاء تعريف البلحية في المعلمة الطبية العربية الموسومة ببحر الجواهر للهروي هكذا: (البلحية هي قروح مع بثور وخشكريشات وسيلان صديد وهي متولدة من عض بق البلح. ولذا سميت به). أن هذا الوصف ينطبق تمام الانطباق على حبة الشرق ولا يدع مجالا للشك (كذا) غير أن بحر الجواهر هذا لم يطبع إلى الآن على ما اعلم سوى في الهند (كذا. لعله يريد في سوى الهند) وفي هذه الطبعة الهندية وردت كلمتا البلحية والبلح بصورة البلخية والبلخ بخاء معجمة. ويظهر أن هذا من جهل النسلخ. فالتبس من هنا البلح أي التمر ببلخ إحدى مدن تركستان وهي ضمن مدن أفغانستان الآن.
يظهر أن هذا الالتباس قديم وقد تمكن في الكتب وفي أدمغة الأطباء القدماء الذين أتوا بعد عصر ابن سينا وأبعدهم عن حقيقة المراد بهذا المرض وجعلهم يخبطون في تعرفه خبط عشواء. ففي شرح الأسباب لنفيس بن عوض ما نصه: (البلخية سميت بها لكثرة حدوثها في بلد بلخ. وهي قروح مع بثور وخشكريشات وسيلان صديد. وهي من جنس السعفة الردية. ولذلك تأكل ما حولها بالفساد ويحدث معها الخفقان والغشي لوصول خبثها وعفونتها بطريق الشرايين إلى القلب. وربما كان سببها لسع دويبة مثل البعوض الخبيث والرتيلاء.
وعلاجها علاج السعفة الرديئة. وينفعها خاصة أن تطلى بالطين والخل دائماً حتى يجففها قشراً(8/779)
قشراً وينتهي إلى العظم الصحيح). يرى أن المؤلف اخذ كلام ابن سينا القائل: (البلحية من جنس السعفة الرديئة وربما كان سببها لسعاً مثل البعوض الخبيث) فأضاف عليه (كذا) وحشاه ونسب المرض إلى أن بلخ مسوقاً بنقطة الخاء.
ومنه اخذ داود الانطاكي مع تحوير (كذا). فقد جاء في تذكرته (طبعة مصر ج 2 ص 38): (وأما البلخية وهي بثور وجدت أولا ببلخ ثم تقلت كالحب الذي وجد بالفرنجة فسمي فسببها حرارة غريبة دفعتها الغريزية عن القلب فقرحت ما حولها من غشاء الأضلاع والصدور ومن ثم يصحبها غشي وخففان وقد يتآكل منها حجاب الصدر فتقتل فمتى اسود الخارج أو احمر فلا علاج) اهـ.
إن هذين التعريفين مضطربان جداً لا يمكن أن يميز الطبيب ما أراد بهما صاحباهما أراد القرح الحلاقية (قروح السفليس) أم تسوس الأضلاع (من عصية كوخ) أم الجمرة الحميدة أم الجمرة الخبيثة.
ولا يمكنني الآن اكثر من مراجعة سائر الكتب الطبية التي تركها لنا السلف لأني في بغداد وكتبي في الموصل. ومن المحتمل إننا إذا أكثرنا المراجعة نجدهم قد كتبوها (بلخية) بالخاء المعجمة. لان الالتباس قد وقع قديماً. ولكن هذا لا يعني أن البلخية هي الصحيحة. وأني ارجح (البلحية) بالتحريك وبحاء مهملة للأسباب الآتية:
أولا - أن حبة الشرق تكون في الغالب في البلاد ذات النخيل فيظهر انهم توهموا مناسبة بين البلح (التمر) وبين هذه القرحة فسموها بالقرحة البلحية أو لأنهم علموا إنها متولدة من عض بق عرفوه باسم (بق البلح) كما جاء في تعريف بحر الجواهر أعلاه إذ قال: (. . . وهي متولدة من عض بق البلح ولذا سميت به).
(ل. ع) راجع ما كتبناه في دفع هذا الوهم إذ هناك بلاد كثيرة النخل وليس فيها هذه الحبة.(8/780)
ثانيا - لو أراد صاحب بحر الجواهر بلده بلخ لما قال (بق البلخ) بل قال (بق بلخ) لان بلخ لا تدخلها الألف واللام.
(ل. ع) أن الأعاجم كثيراً ما يدخلون (آل) على الأعلام الخالية منها فليراجع هذه المجلة 8: 382 وعمران بغداد للسيد محمد صادق الحسيني (في ص 5 و 9 إلى غيرها)
ثالثا - عرف ابن سينا البلحية بأنها من جنس السعفة الرديئة. ومعلوم انهم يقصدون بالسعفة أمراض جلد الرأس والوجه. وحبة الشرق أو الأخت، كما يسميها العراقيون، تظهر في الوجه على الأغلب.
(ل. ع) السعفة في كتب الطب: قروح في أصول شعر الهدب تجعله محرقاً كأصول سعف النخل تذكرة داود) وفي اللسان: السعفة: قروح في رأس الصبي. وقيل: هي قروح تخرج بالرأس، ولم يخص به رأس صبي ولا غيره. وقال كراع: داء يخرج بالرأس ولم يعنيه. وقد سعف (على المجهول) فهو مسعوف. وقال أبو حاتم: السعفة يقال لها داء الثعلب تورث القرع. والثعالب يصيبها هذا الداء فلذلك نسب إليها) فأين السعفة من حبة الشرق؟.
رابعاً - أن ابن سناتركي عاش في تركستان وتجول فيها وفي إيران كثيراً فهو اعرف الأطباء ببلاده سيما (كذا) ما يخص الأمراض. فلو كانت هذه القرحة منسوبة لبلخ لما تأخر عن ذكر ذلك.
(ل. ع) ونحن نقول: أن حبة الشرق معروفة في العراق منذ اقدم الازمنة، واشتهر في العراق أطباء لا يحصون لكثرتهم ولم نجد من قال إنها معروفة فيه أو سماها باسم اشتهرت به. أفهذا دليل ينقض جودها في سابق الزمن؟ ولم نجد من سماها بحبة حلب سوى الإفرنج. فما يقول حضرته؟ ونحن لا نظن أن كلمة (بلحية) صحيحة ولو كانت كذلك لذكر ابن سينا منسوبة إلى البلح لوجودها في البلاد التي يكثر فيها البلح. وإنما نفضل رأي من يقول أنها بلخية لان جماعة من الأطباء ذكروا أنها منسوبة إلى بلخ المدينة المشهورة بنص صريح. ولم يصرح أحد أنها منسوبة إلى البلخ بمعنى التمر فالنص يقتل الوهم والاستنتاج(8/781)
والتخريج وما كان من هذا القبيل.
خامساً - يفهم من تعريف نفيس بن عوض وداود الانطاكي لبلخيتهما انهما أرادا أما الصموغ والقروح الحلاقية (الإفرنجية) أو تسوس الأضلاع أو الجمرة الحميدة أو الجمرة الخبيثة. وهذه كلها أمراض منتشرة في جميع العالم منذ القدم لا يمكن حصرها ونسبتها لبلدة بلخ.
(ل. ع) لكن قد ينسب شيء إلى بلد دون بلد آخر لعله نجهلها فقد ذكر العرب: طواعين الشام، وطحال البحرين، وحمى خيبر، وعرق مكة، ووباء مصر، وبرسام العراق، والنار
الفارسية إلى غيرها. وهي موجودة في بلاد أخرى. اهـ.
سادساً - لم نسمع في زماننا بقرحة خاصة ببلخ ولم نقرأ في كتب الطب الحديث شيئاً من هذا القبيل. مع أن أطباء هذا العصر ذكروا أمراضاً خاصة ببعض بقع من أواسط أفريقيا (كذا) وأقصى الشرق والغرب كالفرمبوازية وقدم مادورا والبري بري وغيرها وغيرها مما لم يذكره الأقدمون.
(ل. ع) ذكر السيوطي في كتابه الكنز المدفون والفلك المشحون المطبوع في المطبعة العثمانية في مصر في سنة 1303 ص 128 في عرض كلامه على ما خص به كل بلد: (قروح بلخ) بعد أن ذكر قبيل ذلك (دمامل الجزيرة) التي هي عندنا ما نسميها بالأخوات والوحص والعد فاشتهار بلخ بقروحها نسف ما بناه الدكتور من أوله إلى آخره من غير أن يبقى منه أثراً.
سابعاً - كثرة تكرار الغلط في النسخ لا يكون دليلا على صحته. فأنك لا تكاد تجد نسخة من كتب الطب القديم إلا وفيها كلمة (قرانيطس) بالقاف و (شقاقلوس) بقافين حين أن الصحيح هو (فرانيطس) بالفاء، وشفاقلوس) بفاء بعد الشين. لأنهما كلمتان يونانيتان
و (ل. ع) وبهذا الدليل ننكر عليه عدم وجود البلخية ولا نسلم له بأنها البلحية. وهذه أن وجدت بهذا اللفظ والضبط ليست أبداً بحبة الشرق في شيء أي أن البلحية غير البلخية وغير دمامل الجزيرة.(8/782)
ثامناً - تسمية الترك لحبة الشرق (خرما جيباني) يدل على انهم ترجموا (القرحة البلحية) ترجمة من القديم.
(ل. ع) بينا ضعف هذا القول قبل هذا فليراجع. اهـ.
هذا ما عن لي في هذا الباب. وأني أرجو من المطالعين أن يأيدوني (كذا) في هذا الرأي إذا استحسنوه وجدوه صحيحاً أو يرشدونا للصحيح.
الدكتور داود الجلبي
رد تهمة وقعت من غير قصد
كان الدكتور ف. كرنكو قد كتب في هذه المجلة (8: 450) كلاماً حول ترجمة القوصونيين التي كنت نشرتها في مجلة عينها جاء فيه: (إن القوصوني منسوب إلى الأمير قوصون. .
وهو أحد السلاطين الجراكسة في مصر، وكان من مألوف العادة أن المماليك يتخذون اسامي مواليهم في النسبة).
فأراد الفاضل عبد الله مخلص أن يصحح كلمة جاءت في هذا الكلام فقال: (في ج 9 ص 699 من هذه السنة) ما نصه: (أما هذه النسبة فكمأ قال الدكتور سالم (يريد الدكتور فريتس كرنكو) ترجح أن يكون إلى قوصون الرجل أحد أمراء دولة المماليك لا من سلاطينها كما زل به قلم الدكتور الجلبي. . .) فيظهر أن حضرة الكاتب كتب ما كتب ولم تكن أمامه المجلة وخانته ذا كرته فنسب إلى كلام غيري وبرأ قائله.
أما أنا فكنت نقلت القوصونيين ولم أتصد لتعريف قوصون. فليراجع كلامي.
على أني اشكر الفاضل عبد الله مخلص على تتبعاته وإتحافنا بفقرات من تاريخ ابن اياس تخص الموضوع وتزيده إيضاحاً. بارك الله فيه.
الدكتور داود الجلبي
الأب انستاس ولحن الحديث
جاء في لغة العرب (8: 631): (ونحن نرى بين الأدباء السادة من إذا تعرض لمثل هذا التأليف، عثر عثرات هائلة، فلا عجب بعد هذا، إذا زلت السيدات، وهفون هفوات. فذلك مما يستحسن فيهن، فقد قال أسماء(8/783)
الفزاري (كذا):
منطق رائع وتلحن أحيا ... ناً وخير الحديث ما كان لحناً)
فيرى الأب صاحب المجلة أن المقصود من هذا البيت اللحن الذي هو الغلط في الكلام، ولكن أساتذة الأدب نبهوا على هذا البيت، واللحن المستحسن من المرأة هو الظرف، والفطنة، والكناية، واللغز، لا اللحن الذي هو خلاف الصواب. وأول من أشار إلى هذا المعنى في تأليفه السيد المرتضى:
قال يحيى بن علي المنجم: قال: حدثني أبي قال: قلت للجاحظ: أني قرأت في فصل من كتابك المسمى بكتاب البيان والتبيين (1: 82 من طبعة المطبعة السلفية) إنما يستحسن من النساء اللحن في الكلام، واستشهد ببيتي مالك بن أسماء الفزاري:
وحديث ألذه هو مما ... ينعت الناعتون يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا ... ناً وأحلى الحديث ما كان لحنا
قال هو كذلك فقلت: أما سمعت بخبر هند ابنة أسماء بن خارجة مع زوجها الحجاج، حين لحنت في كلامها، وهي عنده. فقال تلحنين وأنت شريفة في بيت قيس؟ قالت: أما سمعت قول أخي مالك لامرأته الأنصارية؟ قال: ما هو؟ قالت: قال:
وحديث. . . الخ
قال لها الحجاج: إنما عنى أخوك: أن المرأة فطنة، فهي تلحن بالكلام إلى غير الظاهر بالمعنى، لتستر معناه، وتوري عنه وتفهمه من أرادت بالتعريض كما قال الله عز وجل: (ولتعرفنهم في لحن القول) ولم يرد أخوك الخطأ من الكلام، والخطأ لا يستحسن من أحد. فوجم الجاحظ ساعة، ثم قال: لو سقط إلي هذا الخبر اولا، قلت ما تقدم. فقلت له: فأصلحه. فقال الآن، وقد سار به الكتاب في الآفاق.
وفي الحديث: (لعل أحدكم يكون ألحن بحجة من بعض) أي افطن لها وأغوص بها، إنما يسمى التعريض لحنا، لأنه ذهاب بالكلام إلى خرف جهته.
فهذا خلاصة هذا الفصل ومن أراد التوسع فعليه بكتب الأدب، فلا عتب(8/784)
على الأب بعد هذا فقد سبقه إليه أمام البيان الجاحظ.
الشطرة: ر. ش
(لغة العرب) كنا قرأنا كل ذلك في كتب الأدب. ولكن المقام الذي وجدنا فيه مقام يوجب علينا اتخاذ أحد المعنيين المذكورين في كتب الأدب دون الآخر. وقد ذكر الجاحظ في البيان والتبيين (في 1: 82 من طبعة المطبعة السلفية)
كلاماً طويلاً ترسل فيه ترسلا، بين فيه أن اللحن واللثغة وبعض كتاب الصبيان تستحسن في البنات في بعض الأحوال وتستقبح في أحوال أخرى. إذن فالتمسك بمعنى دون معنى يعد من سقط المتاع وما كان في نيتنا أن ندرج هذا الاعتراض لضعفه، إلا أن وقوع مثله ونظائره في خلد بعضهم أهاب بنا إلى درجة ورده خوفاً من أن يسري هذا الوهم وأشباهه إلى قوم لا يتبصرون في ما يقرءون، ولا يميزون ما يطالعون.
كوت العمارة وليس كوت الإمارة
ليعقوب أفندي نعوم سركيس جلد في تتبع الاخبار، وتمحيص الحوادث، ومن حسنات يراعته انه إذا تناول مبحثاً من المباحث، يوفيه حقه من التهذيب والتحقيق بصورة لا يترك
معها مجالا لمدقق، ولا قولا لباحث، وهذا ما يشكر عليه.
ومن مباحثه الحديثة الشائقة: (العمارة وكوت العمارة)، وقد أصاب كبد الحقيقة بقوله: (كوت العمارة وليس كوت الإمارة). ولما كنت أحد الكتاب الذين تتبعوا هذا البحث، ودونوا عنه نتفاً من وصف ومشاهدات كبار الرحالين والمؤرخين، في القرن الماضي. رأيت أن اذكر ما فات حضرة الكاتب المدق:
جاء في كتاب بين النهرن وآشور لمؤلفه فرازر ص 29 - 30 الطبعة الثانية، في مدينة ادنبرج عام 1842 ما تعريبه:
(بعد أن يجري دجلة بين خرائب طيسفون وسلوقية يندفق في ارض غريلية عميقة ويصب في مستنقع أيضاً. ولا تختلف ضفتاه عن ضفتي الفرات. وهناك على طول النهر تلال ورواب تمثل مساكن الأقدمين، ويتخللها مضارب العرب،(8/785)
وأكواخهم، وعدة قرى كبيرة، وأعظمها كوت العمارة وقد أطلق اسمها (أب البلدة) على ذلك النهر حتى القرنة حيث يقترن النهران العظيمان ويتألف منهما شط العرب).
بغداد: رزوق عيسى
في الأمالي اللغوية
3 - قال السيوطي في 2: 199 من المزهر: (أردت أن أجدد إملاء اللغة واحييه بعد دثوره فأمليت مجلساً واحداً (في سنة 872 كما ظهر لنا) فلم أجد له حملة ولا من يرغب فيه فتركته وآخر من علمته أملي على طريقة اللغويين أبو القاسم الزجاجي له أمال كثيرة في مجلد ضخم وكانت وفاته سنة تسع وثلاثين وثلاثمائة ولم اقف على آمال لا حد بعده) قلنا: أملي بعد الزجاجي الشريف المرتضى وفي آخر أماليه: (هذا آخر مجلس أملاه الشريف المرتضى علم الهدى ذو المجدين أبو القاسم علي بن الحسين الموسوي رضي الله عنه ثم تشاغل بأمور الحج) وقال ابن خلكان في 1: 365) من وفياته عنه. (وله الكتاب الذي سماه الدرر والغرر وهي مجالس أملاها تشتمل على فنون من معاني الأدب تكلم فيها على النحو واللغة وغير ذلك وهو كتاب ممتع يدل على فضل كبير وتوسع في الاطلاع على العلوم) ثم قال: (وكانت ولادته في سنة سنة خمس وخمسين وثلاثمائة وتوفي يوم الأحد الخامس والعشرين من شهر ربيع الاول سنة ست وثلاثين وأربعمائة ببغداد ودفن في داره عشية
ذلك النهار) قلنا: ثم نقل قبره إلى كربلاء.
4 - وورد في (5: 95) من لغة العرب قول الرصافي: (وأما آخره كالسالم) والصواب: (فكالسالم) لان جواب (أما) يربط بالفاء كائناً ما كان وورد في ص 347 قوله: (الفعل المضارع هو ما دل على حدث مقترن بزمان الحال أو الاستقبال) والصواب أن يقول: (مقترن بزمن الماضي مثل: لم يذهب ولما يذهب أو الحال مثل: ما يذهب وأنني لأذهب. أو الاستقبال نحو: سأذهب ولن يذهب أو كلا الأخيرين نحو: اذهب) فهذا هو الصحيح. وفي ج 1 ص 217 من المزهر: والمضارع كذلك وهو مشترك بين الحال والاستقبال) ولم يذكر مشاركة الماضي فيه ولكن تعريفه مقارب.
مصطفى جواد(8/786)
أسئلة وأجوبة
تفاني
س - مرسيلية - ي. م: أوردتم غير مرة أن لفظ (تفاني) غير عربي فهل تعنون حضرتكم أن أهل العربية قد نهوا عن بناء صيغة (تفاعل) من ذلك من مادة فني فلا يستقيم لنا إلا أن ننتهي بنهيهم؟ أم تريدون انه لم يسمع منهم إفراغ ذلك اللفظ في هذه الصيغة فيلزمنا الوقوف عندما قالوه؟ فان كان مرادكم الوجه الاول فما احرانا بالسؤال: هل لاح لنذركم الغرض الذي أداهم إلى تجريد تلك المادة من رشاقة (تفاعل) ورميها بمثل هذا الهجر والاهمال؟ ام تريدون أن لغتنا إنما اختصتها حكمة الواضع بمزية الاشتقاق وعلى أثره نشط المؤيدون بالبصيرة من ذويها لاستقراء أبنية المشتقات وتحقق أحكامها والتوفر على استبطان صيغ للخروج وما يتعاورها من ضروب المعاني ووجوه الاستعمال قصد تمهيد السبل للخروج باللغة من طور الحكاية والتقليد إلى طور الصناعة والنظر، وذلك باتخاذ أوضاعها المرتجلة أصلا يرجع إليه كل ما دعت الحال إلى الأحداث ويستنبط منه ما يراد من الأغراض والمطالب التي تحتملها معنى ولفظاً، فتعقيم هذه الصيغة في تلك المادة (مادة فني) ألا يعد من موجبات الاستغراب والاستنكار؟ وإلا فلماذا (تضافروا) على صوغ تعاطي، تباهي، تحاشي، تواري، تعافي، إلى غير ذلك مما يتجاوز حد الحصر، و (تناكصوا) عن بناء تفاني؟ وان كان قصدكم الوجه الثاني فما كان يستتب لمنكر أن ينكر عليكم ذلك لو كان أرباب اللغة قد نطقوا بجميع الصيغ والتصاريف التي تحتملها كل لفظة، لكنكم إذ كنتم في مقدمة القائلين بخلاف هذا الأمر لأنه محال، فيكون ما تأولناه من كلامكم غير منطبق على مقصودكم ولذلك نترجى أن تكاشفونا بما تراءى لحضرتكم من هذه المسألة تمحيصاً للحقيقة وإرشاداً للبصيرة.(8/787)
ثم قد وردت عنهم أيضاً أشياء آخر ليست بأقل غرابة مما ذكرنا وذلك كتصويرهم لفظ (الهوينا) بالألف القائمة بينما كان حقها أن ترسم بالألف الجالسة على ما هو القياس. فهل استوضحتم علة مخالفة تصوير الهوينا بالياء؟ أو ليس أن ما ظهر ثبوت القياس فيه أن في الوضع وان في الرسم حقيق بان ينزل على حكمه وان لم يطرد في المنقول ولا ينتظم في
نسق ما تناهي إلينا من الرسوم؟ وإلا لم يبق للقياس معنى. بلى أن لبعض القواعد شذوذاً مصرحاً بها ومصطلحات شائعة لم يكن بد من مشايعة سننهم فيها للتميز بين حال وحال فيرتفع به اللبس والأشكال، لكن ما لم يرد تصريح بشذوذه فلا يشذ وكذا القول في حصر قواعد الاصطلاح أو مالا يستقيم تعليله سديداً. إذن أليس من مقتضاه أن يوسم بميسم الخطل والتحريف اللذين هما للنسخ والنقل اظهر أليف وحليف؟.
ج - يحق علي قبل جوابي أن اشكر للأب الجليل صاحب لغة العرب ثقته بي وتوجيهه بالسؤال ألي وأنا في بلد ليس فيه معي من الكتب المسهلة للتحقيق سوى مجلدين من شرح ابن أبي الحديد والمنجد الذي لا ينجد. وهذا لا يمنع من الاستضاءة بالعقل ولا من الاستنجاد بالحق والجواب الذي أجيبه يشتمل على أمور:
1 - أم كان السؤال عن وجود صيغة (تفاني) فما اسهل الإجابة عنه بان (تفاني) من الأفعال الواردة المشهورة فقد قيل: (تفانيا) أي أفنى أحدهما الآخر. و (تفانوا) بمعنى أفنى بعضهم بعضاً واحفظ قول زهير: (تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم) ونقل ابن أبي الحديد في (2: 286) من شرحه قول شيخ من حضرموت شهد مع علي (ع) صفين (فتجالدوا بالسيوف وعمد الحديد لا يسمع إلا ضرب الهامات كوقع المطارق على السنادين ومرت الصلوات كلهم فلم يصل أحد إلا تكبيراً عند مواقيت الصلاة حتى تفانوا) أي اهلك بعضهم بعضاً، فهذا جواب وجه اوجه السؤال.
2 - أن كانت المسألة عن وجود (تفاني) بمعنى (تهالك) كأن يقال: (تفاني فلان في عمله) فالجواب عنها عندي إنكار هذا التعبير لان التفاني يستلزم متضادين فاكثر وقد يصح التفاني في الإنسان الواحد إذا أصابه مرض فالجراثيم(8/788)
(فالمكروبات) فيه يفني بعضها بعضاً فيقال (تفاني فلان) أي تفانت الجراثيم (المكاريب) فيه. وهذا خارج عن المراد.
3 - أن احتجاج السائل بتعاطي وتحاشى وتوارى لا وجه له لان تعاطى مطاوع (عاطاه). وتحاشى مطاوع (حاشاه). وتوارى مطاوع (واراه)، فعلى هذا يكون (تفاني) المزعوم مطاوعاً ل (أفناه) ولا أحسه وارداً لان (فاعله) بمعنى (افعله) أو (فعله تفعيلا) شاذ ولان (فاعله) وجهه أن يكون لأحد المتفاعلين لفظاً أو معنى، ولم يصب اللغويون في عدهم (المفاعلة) كالتفاعل لان التفاعل يقتضي التشارك ولا تقتضيه المفاعلة ويدل على ذلك
قولك: (ظاهرته فلم يظاهرني) وقول الشاعر:
فلأياً قصرت الطرف عنهم بجسرة ... أمون إذا (واكلتها لا تواكل)
وان (تفاني) لو عد مطاوعاً ل (فاناه) المنكر ما جازت عليه المطاوعة لأنه لا يقبل اثر الفعل كما لا يجوز أن يقال (انقتل) مطاعاً ل (قتله).
أجل يجوز (فاناه) بمعنى حمله على التفاني بينهما.
4 - أن تمثيله ب (تعمي) ليس بالوجه لأنه بمعنى اظهر العمى. وليس به فهذه الصيغة من صيغ الرياء، وتعلقه بها تنبيه على أرادته (تفاني) بمعنى (تماوت) وهو مخالف لتعاطي وأشباهه فاختلاف الأمثال يدل على اضطراب الحال في هذا السؤال.
5 - أن الحاجة لا تدعونا إلى صوغ (تفاني) بالمعنى الذي يريده السائل على ما استبان لي وشرط الاشتقاق الاحتياج إليه وبهذا يسقط كل ما جاء به السائل من شبهات الحجج ومدخول الأدلة.
6 - قرأت في خزانة الأدب أن (تفاعل) يأتي للمبالغة كتباعد وإذ علمت انه مطاوع ل (باعده) كتقارب مطاوع (قاربه) وان فاعله) لغير أحد المتشاركين شاذ لم يبق محل لحلول المبالغة في (تفاني) المعلق وجوده بوجود (فاناه) بمعنى (أفناه) لان الفناء لا مبالغة فيه على الحقيقة.
7 - لا ننكر أن (تفاعل) قد ورد لمعان كثيرة إلا أنها نادرة مثل (تعاظمته وتدارسته) و (تهالك وتطال) و (تطاير وتناثر) ولكن القياس كما قلنا(8/789)
سابقاً معلق بالاحتياج وأوقن أن هذا مذهب صاحب المجلة أيضاً. وفقنا الله جميعاً للنجاح والفلاح.
دلتاوة 20 - 8 - 1930
مصطفى جواد
(لغة العرب) كل ما قال حضرة الأستاذ المصطفى هو عين الصواب. أما كتابة الهوينا فمن خطأ محيط ومن نقل عنه. والصواب الهويني بالقصر وبالياء لا بالألف القائمة ولا بالمد.
نشوار المحاضرة في شرح نهج البلاغة
س - بغداد - ب. م. م: هل عرف ابن أبي الحديد صاحب شرح نهج البلاغة: كتاب نشوار المحاضرة للقاضي التوخي وهل ذكره في كتابه؟.
ج - صاحب شرح نهج البلاغة من أكابر العلماء الواقفين على مئات من الأسفار الجليلة ولا جرم انه وقف على نشوار المحاضرة. وقد استشهد به مرارا في شرحه، لكن طبعه مشحون أغلاطاً فظيعة لان متولي نشرة لم يرموا به إلى تعميم الأدب بل الكسب والمتاجرة فجاءت النسخة مشوهة أشنع تشويه وقد خيل إلينا أن اسم نشوار المحاضرة لم يأت على وجه على وجه واحد سوي، بل جاء في كل موطن بصورة مختلفة عن الصورة السابقة. ونحن نتذكر إننا قرأنا في الجزء الثاني من هذا الشرح للنهج في ص 360 قوله: (ذكر ذلك التنوخي في شواذ المحاضرة) وليس للقاضي تصنيف بهذا الاسم، هذا فضلا عن أن معنى لقولهم: (شواذ المحاضرة) والقاضي التنوخي اختار لاسم كتابة لفظة أعجمية غير مألوفة عند إنما كانت مألوفة عند فضلاء عصره ثم ماتت ولهذا صحف هذا الاسم بوجوه عديدة منها: نشوان المحاضرة، وشواذ المحاضرة وشوارد المحاضرة. ونشادر المحاضر، ونشادر المحاضرة، وقنوان المحاضرة، إلى مالا يحصى.
سبق لسان وسبق قلم
س - القاهرة - أحد الأدباء: ما يقابل اللفظتين وفان ما وجدته في المعاجم الإفرنجية العربية لم يرضني:
ج - يقابل الأولى (سبق لسان) والثانية (سبق قلم) وهما المشهورتان في كتب السلف الأدبية.(8/790)
باب المشارفة والانتقاد
145 - الفيلسوف الفارسي الكبير صدر الدين الشيرازي
حياته وشخصيته واهم أصول فلسفته
أطروحة بقلم أبي عبد الله الزنجاني عضو المجمع العلمي العربي في دمشق
طبع بمطبعة المفيد في دمشق في 56 ص بقطع الثمن الكبير
صديقنا العلامة الجليل والمجتهد الشهير الشيخ أبو عبد الله الزنجاني من أعلام إيران الذين يشار إليهم بالبنان. وقد عين عضواً في المحفى العربي في دمشق وطلب إليه أن ينشئ أطروحة في ما يختاره من المباحث، فوضع هذا التأليف الذي لا صنو له في لغتنا الضادية. وكان ادرج أولا في مجلة المجمع ثم أراد أن يعمم فوائد بين الناس فطبعه على حدة، فأفاد فائدتين جليلتين في وقت واحد لأنه رفع ذكر أحد علماء الفرس الحديثين ووقف قراء لغتنا على فيلسوف شهير يعرفه أبناء الغرب ولا يعرفه أهل الشرق الأدنى. فنشكر صاحب الفضيلة على هديته هذه ونتمنى لها رواجاً عظيماً بين القراء.
146 - كتاب صورة الأرض (هدية)
من المدن والجبال والبحار والجزائر والأنهار
استخرجه أبو جعفر محمد بن موسى الخوارزمي من كتاب جغرافيا الذي ألفه بطلميوس القاوذي وقد اعتنى بنسخة وتصحيحه هانس فون مزيك، طبع في مدينة فينا الجليلة بمطبعة آدولف هولز هورن سنة 1345هـ وسنة 1926م في 164 ص بقطع الثمن مع خمس خرائط مصورة على الأصل وصورة صفحة واحدة من النسخة الخطية وكلها بالتصوير الشمسي.
كانت نسخة هذا التصنيف الخطية أو نظيرتها عرضت علينا قبل الحرب(8/791)
للشراء فدفعنا بها خمسين ذهباً عثمانياً فأبى صاحبها أن يبيعها بهذا الثمن، ثم سمعنا أن أحد الألمان اقتناها بخمسة وسبعين ذهباً. ولم نتأسف لأننا علمنا أن أحد مستشرقيهم يعني بنشرها وتعميم فوائدها فلم يكذب ظننا وها أن هذا السفر الجليل اصبح شرعة لكل وارد وهو من اجل
الأسفار الباحثة عن وصف ما يعلو وجه الأرض من أقسام اليبس والماء فهو من أمهات الكتب التي يعتمد عليها. وقد قدم عليه ناشره مقدمة بالألمانية واصفا فيها النسخة الأصلية. وفي نيته أن ينقله إلى لغته الألمانية فعسى أن تصح العزيمة.
147 - كتاب عجائب الأقاليم السبعة إلى نهاية العمارة (هدية)
وكيف هيئة المدن وإحاطة البحار بها وتشقق أنهارها ومعرفة جبالها وجميع ما وراء خط الاستواء والطول والعرض بالمسطرة والحساب والعدد والبحث على جميع ما ذكر. تصنيف سهراب وقد اعتنى بنسخة وتصحيحه هانس فون مزيك، طبع في مدينة فينا الجليلة بمطبعة آدولف هولز هوزن سنة 1347هـ وهي 1929م، في 200 ص بقطع الثمن.
هذا كتاب لا غنى عنه لكل عربي يريد الوقوف على ما أبقاه لنا السلف لأنه يحوي وصف ما على حضيض ديارنا من مدن وبحار وأنها إلى غيرها من الفوائد التي لا تحصى. وهو يفيد خاصة العرقيين لأنه فيه وصفاً دقيقاً للرافدين ولدار السلام ولسائر ما في عراقنا العزيز من مدن وديار وذلك في عصر العباسيين، وقد احسن المصحح في إظهار مواطن الوهن من هذه النسخة إلا انه لم يصحح ما ورد فيها من الخطأ في ص 100 إذ ذكر جبل حمرن والصواب جبل حمرين كما هو مشهور به إلى الآن وكما كان معروفاً في عهد بني العباس. وكذلك اخطأ في ص 98 إذ ذكر (جبل ارما في جزيرة) والصواب: (جبل بارما في الجزيرة) (راجع معجم البلدان لياقوت في مادة (بارما) وتصحيح الأعلام من اشق الأمور على العلماء لمسخ النساخ لها أسوأ المسخ ومع ذلك نرى المصنف قد أجاد في ما صحح في اغلب المواطن. وقد صمم المؤلف على نقله إلى الألمانية(8/792)
أيضاً فحسناً يعمل. ولم نجد لهذا الكتاب ولا لأخيه السابق فهارس الأعلام وهذا يفقده شأناً واعتباراً. فعسى أن توضع بعد هذا!
148 - سكان عربة الأقدمون وصلات ديانتهم بدين موسى
(هدية)
لمؤلفه فرنسيس خبير كرتليتز من رهبانية البريمنتريين
هذا كتاب لاتيني العبارة وقد وضعه صاحبه في 113 ص بقطع الثمن وبحث فيه عن العرب الاول منذ اقدم العهد إلى صدر الإسلام وقد راجع في هذا الموضوع كل ما جاء عنهم في الآثار القديمة مما دون على الآجر والرخام والمهارق وما كتبه الآشوريون والمصريون والحثيون والعبريون واليونانيون والرومانيون والعرب أنفسهم. فكان هذا الكتاب على صغر حجمه وقلة صفحاته من احسن ما صنف في هذا الموضوع لأنه جلي التقسيم والفصول ومنظم احسن تنظيم. على إننا لا نريد أن ننزهه من الأغلاط. وأول مغامزه انه لا يجري على أسلوب واحد في رسم الحروف العربية ومنها انه قال أن الأقدمين كانوا يسمون مكة: بكة. وغير العرب يسمونها مكروبا (ص 15) وقال في الحاشية: (ذهب أ. غلاسر أن الاسم الذي يسمي به بطلميوس مكة تصحيف للمحراب (وهو الهيكل) اهـ. ونحن لا نوافق هذين الأديبين على رأيهما إذ أين الثريا من الثرى وأين مكوربا من محراب. والذي عندنا أن مكوربا هي (مكة ربى) أي مكة العظمى. واصل معنى مكة باللغة الآشورية (وكذا في العربية القديمة) الحظيرة. ومثلها قول العرب الحيرة وهي حاضرة العرب في العراق واصل معناها الحظيرة. وهناك غير هذه الأوهام فاكتفينا بما ذكرنا، إلا أن ذلك لا ينزع ما في هذا التصنيف من الفوائد الجليلة التي لا ترى في أمثاله.(8/793)
149 - كتاب الوزراء والكتاب (هدية)
تصنيف أبي عبد الله محمد بن عبدوس الجهشياري
طبع مطابقاً للأصل خطاً وصورة عن نسخته المحفوظة في دار الكتب الوطنية بمدينة فينا وهي وحيدة لا يعرف غيرها في بلد من البلاد وقد أضاف إليه الناشر مقدمة وفهرساً وبين ما يحتوي عليه أبوابه باللغة الألمانية موجزاً طبع في مدينة فينا الجليلة بمطبعتي ماكس يافي وادولف هولزهورن سنة 1345هـ وهي سنة 1926 م في 479 ص عربية بقطع الثمن و 40 ص ألمانية.
يعرف المستشرقون من أين تؤكل الكتف ولهذا تراهم يعنون كل العناية بإخراج احسن كتب السلف إلى عالم المطبوعات. وهذا التأليف جليل جداً للأخبار التي تتعلق بأوائل الإسلام إلى آخر عهد المأمون. والجهشياري لا يتعرض في كل ما ذكره إلا للكتاب والوزراء. وهذا السفر مصور من أوله إلى آخره ومطالعته اصعب من مطالعة الأسفار المطبوعة بالحرف الجلي المتخذ في المطابع ولهذا يفضل كثيرون مطالعة مثل هذه المصنفات على المصنفات المأخوذة عن أصولها المخطوطة سواء أكانت بخط مؤلفيها أم ناسخيها، على أن الاحتفاظ بمثل هذه الأسفار على ما هي أمتع للعلماء لأنهم لا يتمكنون من درس الأصول الأمهات على ما هي، لا على ما أوصلها إلينا ناشروها. وعلى كل حال إننا نشكر للناشر نشر هذه المآثر وبثها بين الجمهور لما يتوقف عليها من معرفة آثار السلف ودروسها وإكتناه ما في بطونها من الدر واللآلئ.
150 - أخبار عبيد بن شرية الجرهمي في أخبار اليمن
وأشعارها وأنسابها
كنا قد ذكرنا كتاب (التيجان) في مجلتنا (8: 476) وفاتنا أن نذكر أن فيه كتاباً آخر ليس دون الاول فائدة وهو (أخبار عبيد بن شرية الجرهمي) وقد دونت في عهد معاوية بن سفيان، فهي إذن من اقدم الأنباء التي أودعت المهارق في صدر الإسلام وهذا السفر على قطع كتاب التيجان وبحرفه ويقع في 185 ص وقد تولى نشره الأستاذ الدكتور ف. كرنكو. وفيه قصائد قديمة وبينها طويلة مما يوقع الشك في صدر قارئها بأنها أنشدت في الجاهلية. وعلى كل(8/794)
حال فهذه الأخبار مما يجب التهالك عليها لأنها مرآة آداب العصر الأموي على اقل تقدير. ويؤخذ على طبعه أن حروفه غير حسنة ومكسرة في مواطن عديدة وليس في آخره فهارس وهو مما يسقط ثمنه ويقلل نفعه ويزهد الرغبة في اقتنائه. فعسى أن تنشط هذه المطبعة من عقالها البالي وتأتم بأعمال المستشرقين والمصريين وتجاريهم في الطبع ووضع الفهارس وحسن الورق. فإلى متى تبقى على تلك الحالة التي كانت عليها قبل نصف قرن؟.
151 - موجز تاريخ البلدان العراقية
بقلم السيد عبد الرزاق الحسني
مختصر في تاريخ البلدان العراقية في 184 ص بقطع 12 وقد كان صاحبه ادرج اغلب ما فيه في بعض المجلات ولا سيما في (لغة العرب) ولما كان هذا الكتاب مختصراً كان من المناسب أن لا يودعه بعض الخرافات التي هي من خصائص الأسفار المطولة. فالكلام الذي دونه عن تاريخ كركوك (ص 160 إلى 161) من العوابث بالأخبار الصحيحة، فكان يحسن بحضرة السيد أن يضرب بها عرض الحائط أو أن يلمح إليها عن بعد. ومع ذلك نجد هذا المختصر من احسن ما جاء في موضوعه.
152 - الإرشادات الروحية في عبادة قلب يسوع الأقدس
العصرية
الجزء الثالث والأخير في 542 ص بقطع 12، طبع بالمطبعة السريانية الكاثوليكية في بغداد سنة 1930.
كتب التقى والزهد والدين كثيرة، وإذا أراد أن يطالع فيها أحد الأدباء الأتقياء ينفر منها وكثيراً ما يلقيها من يده لأنها سقيمة العبارة، جمة السقط. وحجة أصحاب تلك التأليف: (أن الكتابة وسيلة لا غاية) وهو عذر اقبح من ذنب. فهذا يشبه صنع من يضع الأطعمة الفاخرة في آنية وسخة قذرة، بحجة أن الآكل يأكل الطعام لا الوعاء. وجهلوا أن الكلام الخارج على آداب اللغة، وأصولها، وقواعدها، تقذفه النفس العربية الحسنة الذوق، وتستقبحه(8/795)
وتكرهها على أن ترمي الكتاب من يدها. فكتاب (الإرشادات) من احسن ما طالعناه (فكرة ومعتقداً وعبارة) على إننا نلوم صاحبه على إهماله اسمه منه واسمه هو (المنسنيور عبد الأحد جرجي) من احسن المروجات لهذا التأليف القيم ولسائر مصنفاته فنهنئه بهذا النتاج الخالد ونوصي جميع المسيحيين بمطالعة فانه درة فريدة بين أمثالها.
153 - تأثيرات سياحة
وصف عام لما شاهدناه في البرتقال وأسبانية وفرنسة وسورية ولبنان وفلسطين ومصر (بقطع 16)، بقلم موسى كريم صاحب مجلة الشرق في سان باولو (البرازيل) صفحاته 592 وصورة تقارب المائة والثمانين.
يطالع القارئ هذا الكتاب بلذة وطيبة خاطر لان عبارته خفيفة سلسلة، ووصفه للرجال والديار والأحداث تجسمها لك تجسيماً، حتى كأنها تقع تحت مشاعرك. على إننا رأينا فيه من سقط الطبع شيئاً غير قليل. وكذلك رأينا في عبارته الحلوة ذرواً من المرارة في بعض الأحيان. ولعله فعل ذلك تحقيقاً للقائل: (وبضدها تتميز الأشياء). ومن اغرب التعبير قوله في ص 570: (والسيد المصون (كذا) قرينته) ومثلها في ص 574: (لتحية والدته المصون) وقد تكرر هذا الوهم ولم نهتد إلى سبيل النطق به وعدوله عن القول: (السيدة المصونة) أما قوله في خاتمة الكتاب: (إن الكتابة وسيلة لا غاية) اعتذاراً لما ورد فيه من الزلل والخلل، فهذا كلام لا يبرر مساقط الوهم التي وردت فيه ومثل هذا القول لا ينطق به أحد من أبناء الغرب، مبلغاً ما بلغ درك انحطاطه.
154 - تعليم المرأة
كتاب اجتماعي يبحث عن أهمية المرأة ومكانتها في الهيئات الاجتماعية ووجوب تعليم المرأة العراقية في العصر الحاضر، طبع بمطبعة الشعب في بغداد سنة 1930 في 100 ص بقطع 12، بقلم جعفر حسين.
كل أمة هذبت ابنتها ارتقت، وكل قوم أهمل تهذيب ابنته انحط إلى(8/796)
مهاوي الذل والخمول والتقهقر. وهل من طائر يطير بجناح واحد؟ إذن لا أمة تحلق في سماء الحضارة بلا أنثى. وهذا الكتاب من احسن ما كتب في موضوعه وقد قاسى المؤلف كل صعب في إخراجه بصورة تقنع المعائد، وتساعد العالم على اتباع خطته. فنتمنى لوطنينا الصادق أن يمضي في وجهه سراعاً تحقيقاً لأمنيته التي هي أمنية كل عربي صادق العروبة. على إننا كنا نتمنى أن يورد في تضاعيف كلامه ما نظمه شعراؤنا العراقيون في تهذيب المرأة ليكون احسن ترجمان لآراء أفراد القوم وجماعتهم. ولا جرم انه فاعل أن شاء الله في طبعة الكتاب الثانية إذ نتوقع نفادها عن قرب. وهو ولي التوفيق.
155 - الروايات الخيالية التاريخية في الأدب العربي الحديث
(بالألمانية)
وضعها بالروسية اغناطيوس كراتشكو فسكر ونقلها إلى الألمانية جرهرد فون مندي هذه
مقالة بل رسالة جمعت فوعت كل ما ألف في هذا الموضوع والأستاذ كراتشكوفسكي حجة ثقة في ما يكتب. وقد طالع لهذه الغاية مئات من الكتب ووقف على جميع الانتقادات التي وضعها الأدباء في هذا السبيل. وقد رأينا في ص 72 أن صاحب هذه المقالة البديعة اشرف على ما كتبناه في لغة العرب (1: 392 و 397 ثم 2: 52 إلى 62 و 139 إلى 146 و 205 إلى 209 ثم 4: 82 إلى 90 من السنة التي أهملناها) فهذا هو العلم الحقيقي لا ما يكتبه بعض المتبجحين الذين لا نرى من بضاعتهم سوى الادعاء الفارغ والطرمذة. وكنا نود أن نرى هذه الرسالة في لغتنا العربية وعسى أن يقوم بهذا الشأن أحد الغير على هذه اللغة الضادية.
مطبوعات شتى يؤخر نقدها
بهذا الجزء العاشر تنتهي سنة مجلتنا في سنتها الثامنة. والجزءان الحادي عشر والثاني عشر يحويان فهارس مفصلة لما جاء في أجزائها المذكورة. وبقي عندنا كتب كثيرة للنقد تبلغ الخمسين، فاضطررنا إلى نقدها إلى أجزاء السنة القادمة التي هي السنة التاسعة للمجلة.(8/797)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاروه
1 - أقدم معجم لغوي في العالم وجد في سورية
عثر الفرنسيون على صفائح مجهولة الكتابة لا يقل عهدها عن سنة 1400 ق. م وفيه ست لغات
اكتشف الدكتور (ف. أ. شفر) من أهل مدينة (استراسبورج) وهو رئيس البعثة الفرنسية للآثار القديمة في جنوبي سورية، معجماً يدل على انه اقدم معجم في الدنيا كلها، وتلا هذا الدكتور أمام محفى الرقم والآداب الفتانة في (باريس) بيان اكتشافاته.
ونقل الدكتور (شفر) قبل سنة خبر اكتشاف مدينة بقرب اللاذقية، الواقعة على ساحل بحر الروم وكانت تزهو بين سنة 2000 و 300 ق. م بتجارتها بالنحاس الاحمر، المستخرج من مناجم قبرص. هذا فضلا عن منتوجات آسية التي كان يرسل بها إلى مصر. وبلاد الهلين السابقة لليونان. والى جميع الربوع الواقعة في غربي بحر الروم. واسم تلك المدينة (زفونة) وكانت مسكن تجار أغنياء كل الغنى.
واظهر تنقيب السنة الماضية أن أسرة ملكية، كانت تحكم هذه المدينة أبان مجدها، وأما هذه السنة فوجه البحث إلى الإطلاع على قصر هؤلاء الامراء، ولا سيما خزانتهم، فوقع النقابون على صفائح من الآجر ظهرت فيها كتابة مجهولة، مخطوطة بلغة يقدر عهدها بأربعة عشر قرناً، قبل العصر المسيحي، على اقل تقدير. وقد دونت اللغة منسقة على الحروف الهجائية فأيدت كشوف ربيع هذه السنة. مكشوفات السنة الماضية.
كان القصر مقر النساخ
اتضح أن الخزانة كانت بناء عظيماً، يحتوي على غرف وآزاج عديدة، هي مقر أولئك اللغويين الأقدمين ومقام مساعيهم الجليلة. وعليه دلت الكشوف على أن هناك مدرسة للنساخ، اتخذوا من القصر مقراً لهم.
ولم يكن مسعاهم أمراً يسيراً، لأن من واجب العالم الخبير في (زفونة) أن يتقن ست لغات، بحيث يستطيع(8/798)
الترجمة والكتابة فيها. ونعلم أن تلك المدينة كانت تزاحم الدنيا بتجارته قد
عثر على آثار عمل في اللغات الست مما يدل على أن المدينة كان لها منطقة واسعة في التجارة.
وبين الدكتور (شفر) أن (زفونة) كانت تتخذ اللغة البابلية في الأمور السياسية مع الدول المجاورة لها ويظهر أن الوزراء، المختصين بالشؤون الخارجية لفراعنة مصر، اختاروا لهم تلك اللغة ايضاً، ومما يثبت هذه الحقيقة، وجود صورة معاهدة تشبه في زمانها معاهدة (فرسايل) العصرية وتنص على تعديل حدود ثلاث مدن مهمة في فينيقية القديمة.
وكان سكان (زفونة) نفسها والمرابع التي تحيط بها، يتكلمون لغة (سامية) ويكتبونها بحسب الكتابة التي اكتشفتها البعثة. أما العلماء والكهنة، فكانوا آثروا التكلم (بالشمرية) وهي لغة خشنة من اصل عراقي عريق في القديم وكانت هذه اللغة في زمانها، كاللاتينية عند علمائنا في عهدنا هذا.
كان عندهم جدول مرادفات
وأما اللغة الرابعة التي اتخذت في (زفونة) فكانت المصرية وكان ينطق بها الموظفون في زمن سيادة الفراعنة واللغة الخامسة كانت (الميتنية) وهي لغة سكان سورية الشمالية.
واللغة السادسة (الحثية) التي جاء بها التجار من آسية الصغرى، قبل احتلال الجيوش (لزفونة) تلك الجيوش التي أفنت المدينة عن آخرها. وذلك في نحو سنة 1200 ق. م فلم يقم لها قائم بعد ذلك.
وكان من وظائف نساخ هذه الخزانة خزانة قصر الأمراء، الترجمة من لغة إلى لغة أخرى في الألسنة الستة المذكورة ووضعوا لهم معاجم متقومة من صفائح كبيرة من الاجر، فيها حقول الكلمات ليتسنى لهم أمر الترجمة، وكانت في الأغلب ترجمة الكلم في حقل ثان من هذه الصفائح. ووجد في صفيحة منها، جدول المرادفات، حتى لا يكرر النقلة الكلمة عينها عدة مرار. وقد عثرت البعثة على بعض صفائح تبين أن هناك طلاباً حديثي السن، كانوا ينقلون الكلمة نفسها مرات عديدة. فكانوا يشبهون تلاميذ عصرنا هذا، يخطون اكثر في الأحيان أما فوق السطر، وأما تحته. وقلما تراهم يكتبون على طول السطر. وكان عملهم هذا دون عمل اللغويين بكثير.(8/799)
ورئي قسم من الصفائح، ربما يدل على الأعمال الدينية في ذاك الزمان وقسم آخر يبين
تاريخ أهل (زفونة). وسوف تترجم تلك الصفائح في الخريف والشتاء المقبلين، ويحتمل أن تسفر النتيجة عن أخبار تزيدنا أبناء عن تاريخ الشرق الأدنى القديم، الذي زال بمدة مديدة. قبل نشأة اليونان.
عربها عن الإنكليزية: فنسان م. ماريني
2 - حل المجلس النيابي
صدرت الإدارة الملكية في 1 تموز (يوليو) بحل مجلس النواب والبدء بانتخاب مجلس جديد. فبدئ به في العقد الاول من شهر أيلول.
3 - البصرة قاعدة جوية بريطانية
تقوم السلطات العسكرية البريطانية بتوسيع المقر العام لجيش الاحتلال والطيارات البريطانية في (نهر معقل) من ضواحي البصرة على شط العرب، وذلك تواطئه لاتخاذ البصرة قاعدة جوية بريطانية بدلا من بغداد والمفهوم أن الغرض من هذه الأعمال أن تكون المطارات البريطانية في العراق والساحل العربي من خليج فارس متقاربة بعضها من بعض كل التقارب وهذا بعد أن تتخلى بريطانية عن الجزر الصغيرة في خليج فارس في منفعة إيران. وإيران تطالب بتلك الجزر منذ زمن مديد.
4 - الحكم على ذابح
كنا قد ذكرنا في مجلتنا (8: 641) أن الشيخ علي القمي ذبح السيد حسن بن السيد أبي الأصفهاني فسمعت المحكمة الكبرى في النجف أقوال الشهود واعتراف الجاني بجرمه الشنيع فأصدرت قراراً تلي علناً في 15 أيلول (سبتمبر) وحكمت عليه بالحبس المؤبد مع الأشغال الشاقة حكماً قابلاً للتمييز.
5 - إلى (يقظان) الناعس التاعس
سوف نطفف مكيالك في الجزء القادم لان خلطك أو اختلاطك صدر في 24 أيلول عند تهيئة أخبار الشهر، وهذرك ليس من هذا الباب، بل واقع في (الآية الخامسة من سورة الجمعة).
6 - بيان رسمي (بحروفه)
حادثة السليمانية في 6 أيلول 1930
بناء على انتشار كثير من الإشاعات الكاذبة عن الحادث المؤسف الذي وقع في السليمانية في اليوم السادس من الشهر الحالي، من قبل اشخاص، غايتهم بث الرعب واليأس في القلوب رأت الحكومة نشر البيان التالي عما حدث:
بناء على اطلاع وكيل المتصرف، على(8/800)
رغبة عد كبير من الأشراف والتجار في أجراء الانتخاب، أذاع في 5 أيلول اتخاذ التدابير لأجل انتخاب الهيئة التفتيشية في اليوم التالي ولما كان قد اتصل به أن عدداً صغيراً من الأشراف مال إلى المقاطعة. لعلهم بان الانتخابات حرة، وليس هناك من يجبرهم على الاشتراك: أن لم يرغبوا في ذلك، كما انه لا حق لأحد، أن يمنع الراغبين من الاستعمال حريتهم، سواء كان بالقوة، أو الارهاب، أو التهديد. وإبان وكيل المتصرف، أن فعلا كهذا يعد جرماً خطيرا ومن واجب الحكومة حماية المنتخبين منه.
وفي صبيحة اليوم السادس من شهر أيلول أرسلت بطاقات الدعوة إلى نحو 30 من الأشراف، الذين يمثلون كافة محلات البلدة لأجل حضورهم سراي الحكومة لإجراء الانتخاب، وقد حضروا ليلاً واجتمعوا برئاسة رئيس البلدية.
وبعد ذلك جاءت الأخبار بان ما يقارب ال 50 من تلاميذ المدارس والرعاع اخذوا يجتمعون في السوق ويكرهون أصحاب الحوانيت على غلقها ويجمعون الناس، وتقدموا بعد ذلك نحو سراي الحكومة حيث منعهم من التجمع صف من الشرطة. ونظراً لازدياد المتجمهرين وخروجهم على النظام، اتضحت ضرورة إحضار النجدة، فطلب إلى قائد حامية الجيش العراقي إرسال 100 جندي، غير مسلح لمساعدة أفراد الشرطة.
إن حراجة الموقف كانت آخذة بالازدياد، وشوهد عدد من المتجمهرين يستعمل كراسي المقاهي كسلاح ضد أفراد الشرطة، الذين جرح بعضهم، وعلى ذلك ظهر لزوم لوجود قوة، فعدل الطلب الاول بان طلبت سرية مسلحة.
وقد اقتحم المتجمهرون إذ ذاك صفوف الشرطة القليلي العدد، وبدءوا يرشقون الشرطة
وسراي الحكومة، بالحجارة فطلب إلى قائد الحامية إرسال فوج لأجل تعزيز السرية التي كانت في طريقها إلى السراي.
وقد اشتد رشق الحجارة وازدادت الهراوات والعصي لدى المتجمهرين، وما فتئ أن وقف سيل الحجارة عند وصول سرية المشاة المسلحة السراي. ومع أن قسماً من المجتمعين اخذوا بالانسحاب، فقد قلت أكثريتهم في(8/801)
محلتها فأوعز إلى الجند تشتيتهم، وبدءوا بذلك سائرين في الشارع متفرقين وذلك شوهد المشاغبون متفرقين ولذلك شوهد المشاغبون يهجمون على الجنود بهراواتهم الكبيرة ويرشقونهم بالحجارة المعدة للتبليط، والكراسي، وغيرها كلما تقدم الجنود ببطء.
وفي هذه الآونة دوت رصاصة وخر جندي عراقي قتلا، وتلا ذلك عدة طلقات من المسدسات.، وجرح جنديان فأطلق الجنود الرصاص فوراً، وتفرق المتجمهرون. وفي تلك الساعة، وصل الفوج، وتولى مراقبة البلدة واستتب الأمن.
الإصابات
تكبدت الشرطة قبل وصول الجنود عشر إصابات، وقد جرح 9 منهم بالحجارة والعصي، والآخر بالخنجر وكذلك كسرت 153 من نوافذ السراي و 17 من مصابيح الشوارع.
الجيش العراقي
جندي واحد قتيل، جنديان جريحان جندي واحد جريح بحجارة.
الاهلون
13 قتيلا و 23 جريحاً.
المقبوض عليهم
وقد قبض على الأشخاص التالي بعد الشغب:
الشيخ قادر أخو الشيخ محمود، ميرزا توفيق، رمزي أفندي. حمه آغا، عزمي بك بابان، عزت بك عثمان باشا. عبد الرحمن آغا احمد باشا، محمد صالح بك. مجيد أفندي كاي إسكان، فائق بك بابان. شيخ محمد كلاي.
وقد أخذت الشرطة بالقبض على الأشخاص المسؤولين عن الاضطراب وبلغ عدد الذين
قبض عليهم حتى الآن نحو ال (100).
ويتضح من هذا التقرير أن السلطات أكرهت على استعمال القوة في تشتيت الرعاع المتمردين، الذين كانت غايتهم تعكير صفو الأمن، كما أن سبب هذا الاضطراب ناشئ عن عزم بعض الأشخاص المخدوعين، على استعمال طرق الإرهاب ضد المواطنين المطيعين للقانون والذين أرادوا الاشتراك في الانتخابات.
ملاحظ مكتب المطبوعات
7 - تصحيحات
ص 724 س 20 دليسنبر: ديسنبر - ص 741 س 8 جعفر: جعيفر - ص 757 س 15 تعطلع: تعطل - ص 786 س 8 أملي: أملى.(8/802)
العدد 86 - بتاريخ: 01 - 01 - 1931
سنتنا التاسعة
بلغنا - والحمد لله - السنة التاسعة من مجلتنا؛ وكان كثيرون يتجافون عن الاشتراك فيها؛ خوفاً من أن تغير مباحثها فجأة في أثناء الأيام فتبدل خطتها خطة جديدة، غير معهودة في أول أمرها، فلا يبقى فيها تلك المزايا الأول المفيدة. ولما رأوا أن المنهاج بقي على سننه الذي عرفت به مجلتنا هذه، جاءتنا الاشتراكات من كل حدب وصوب. وإن كان الحاصل منها لا يفي بالنفقات إلى الآن. على أن أملنا عظيم في أن أرباب الفضل والكرم يضافروننا بكل ما في مكنتهم من الوسائل، لتبقى هذه الموقوتة سائرة في وجهها المألوف، خدمة لهذه اللغة الكريمة، وأبنائها، والمتكلمين بها، ولكل من ينتمي إليها عن قرب أو بعد. والله من وراء القصد.
تلو أي تل هوارة
كانت العطلة لمدرسة الآباء الكرمليين في بغداد، تبتدئ في نصف أيلول، في زمن تلمذتي فيها وفي ذلك الشهر من سنة 1891 كنت في الشهر الأول من السنة السادسة عشرة من عمري، فرغبت في زيارة والدي في الشطرة على الغراف من بلاد المنتفق، فأذن لي بذلك فذهبت إليه بطريق الكوت، وبعد إقامتي عنده نحو ثلاثة أسابيع، حان وقت الإياب، فطلبت إليه أن يسمح لي، في عودتي، بأن أحيد بضعة كيلومترات، عن الطريق التي سلكتها، في المجيء لأتفقد (تلو) لما كنت أسمع عن الآثار التي بعثت من مدافنها فيها. وكان لي من والدي ما أردته، فمررت بهذه الخرائب التاريخية فعلوتها اسرح الطرف فيها، وقد استغرب سمعي منذئذ هذا الاسم الغريب: (تلو)! (تلو)!
وبعد ذلك، كثيراً ما سألت إعراب تلك الإنحاء عن اسم التل لعلهم يعرفون أصلا له، فاعترفوا بجهلهم، وبأن علمهم لا يزيد على سماءهم من سلفهم انه (تلو). وهكذا سلفهم ينقل عن الذي قبله إلى أمد لا يعرفون له حداً. فلم ينبثق من علمهم بصيص من النور اهتدي به. أما ما عرفته من معلمة لاروس المسماة (الجديدة المصورة) وغيرها من الكتب أن (تلو) مشتق من (تل لوح) المخفف من (تل اللوح) فلم اقنع بصحته، لعلمي أن أهل الغراف - حضرهم وإعرابهم - لم يلفظوا الكلمة ولا يلفظونها أبداً على هذا المنهج والمنحى. ولا سيما أني لم اسمعهم قالوا: (لوحاً) للصفيحة المكتوبة من الآجر التي تكون في التلول بل يقولون لها: (عنتيك) (بالعين) أي:(9/1)
فالظاهر أن الصفائح التي وجدت في (تلو) غرت ذهن الباحث - وهو يفتش عن معنى هذا الاسم وأصله - فقال إن (تلو) منحوتة من (تل اللوح) لما وجده من التوافق بينهما.
وفي هذه الأيام الأخيرة وردت إلي كراسة من معلمة الإسلام وفيها مادة (تلو)(9/2)
وقد ذكر فيها أن المستشرق شيفر قال: (هكذا مكتوبة) مشتقة من (تل اللوح) وإذ كانت وفاة هذا المستشرق في سنة 1898 يجوز أن يقال انه ذهب إلى هذا الرأي بعد عثور الأعراب على خزانة الصفائح. وكان وجودها بعد انتهاء موسم التنقيب في ربيع سنة 1894 فحدا ذلك بشيفر إلى قوله الذي ذكرته كما يجوز انه كان قالها قبل ذلك التأريخ إذ لا اعلم سنة قوله.
وكيفما كان الأمر فان هذا الاشتقاق كما بينته آنفاً لم يجذبني إليه فاسلم بصحته. فالكلمة - على ما اعتقده - ما هي إلاِّ بنت من بنات أفكار المستشرق العارف بالعربية فظن أن له صلتين: صلة لفظية، وصلة معنوية. وهذه الصلة الأخيرة لوجود الألواح (الصفائح) هناك.
كان لرأي شيفر وقع هيج في ما هو كامن في صدري من حب الوقوف على أصل الكلمة فتذكرت إن للأديب الفاضل رزوق عيسى في هذه المجلة الغراء مقالة في المدن القديمة في العراق وأن فيها بحثاً عن (تلو) فرجعت إليها وهي المعنونة بسمي القديمة المدروجة في سنة (1930) (8: 81) لأقابل ما فيها بقول شيفر فوقفت على البحث وللكاتب عليه تعليق ومأخذه كتاب (بين النهرين) لبارفت. وبحثه هو هذا:
(حفر أعراب البادية في خرائب (تلو) (أي لجش) وهي شربر لا القديمة فوجدوا صفائح آجر كثيرة جداً بحيث اخذ يبيع الحفارون ملء قارب(9/3)
من العاديات بخمسة قروش صحيحة وبهذه المناسبة أطلق على أنقاض الخرائب (تل اللوح) أي تل الصفائح وقد قدر عدد تلك العاديات الأستاذ بارفت بثلاثين ألف آجرة) اهـ.
والذي يظهر من هذا البحث أن اسم (تل اللوح) لم يرد إلاِّ بعد وجود خزانة الصفائح، وكان الثور عليها - كما قلت آنفاً - في ربيع سنة 1894 وكنت في الغراف في حزيران من تلك السنة. ولأن اسم (تل اللوح) يروق الذين وقفوا على بعض ما كتب عن تلو وآثارها - دون بعض المتوغلين منهم - فبوسع هؤلاء أن يظنوا أن اسمه هذا اكتشاف قائم على مستندات أركانها قويمة وليس اختراعاً وأن هذا الاسم هو القديم الذي يجب أن يعول عليه وان (تلو) اقتضاب للأعراب. فيفوتهم أنه وضع جديد، صوره الخيال. إن بعد وجود خزانة الصفائح؛ على ما في النبذة؛ وان قبل ذلك. والغالب على الظن انه كان بعد وجود الخزانة. أما أهل الغراف سكان حواضره وإعرابه. على حد سواء؛ فانهم لم يقولوا ولا يقولون إلى الآن إلاِّ (تلو) ولم تصلهم الكلمة المغلوط فيها.
يمكن لغيري أيضاً أن يرد قول من يقول أن (تلو) هو (تل اللوح)، سارداً البراهين. لكن أنى له أن يعرفنا بأصل الكلمة فان ذلك كان من نصيبي، إذ أن المصادفة هي التي أوقعتني علية. وكم من صدفة حلت مشكلا معقداً!
رصافة واسط والآثار القديمة التي بجوارها
لم يمر على وقوفي على ما قالته معلمة الإسلام اكثر من خمس أيام. حتى وقع بيدي الجزء السابع والثامن من مجلة المجمع العلمي العربي الزاهرة من سنة(9/4)
1930 فكنت أطالع القسم الذي فيه من كتاب نشوار المحاضرة للتنوخي. المتوفى في سنة 384هـ (994 م) آملا الاستفادة منه عن زمن العصر العباسي، وإذا إمامي النبذة في النص 480 وهذا نصها:
(ومن عجائب الدنيا وآياتها أشياء في سواد واسط:
(حدثني جماعة منهم رجل يعرف بابن السراج وغيره ومنهم محمد بن عبد الله. . . الواسطي. . . فاثبت ذلك بخطه محمد بن عبد الله عقيب هذا الكلام شاهدت على نحو من فرسخ وكسر من رصافة الميمون قرية من قرى النبط والاكاسر (كذا) وتعرف بالحراوقلة فيها آثار قديمة من بنايا جير وجص. وفيها قبة - قائمة كالهيكل كانت قديمة - وتمثال رجل من حجر اسود أملس عظيم الخلق يعرف عند أهل ذلك الصقع بأبي اسحق لأنة يتعاطى قوم من أهل القوة شيله فيسحقهم ويكسر عظامهم وقد قتل وازمن خلقاً. فيذكر أهل الموضع انهم سمعوا أشياخهم يدعونه بذلك على قديم الأيام. وهذه القرية خراب لا يذكر فيها عمارة. قد كان احتمل هذا الحجر رجل يعرف بالجلندي كان على حماية المأمون فعمد إليه وشد فيه الحبال وجره بالبقر إلى أن بلغ به موضعاً من الصحراء. . . ثم احتمله بعد ذلك رجل آخر من أهل الرصافة على خلق من الحمالين يتناوبون عليه حتى أدخله الرصافة فحضر أهل ذلك الصقع الذي كان فيه. . . فحملوه ثانية حتى ردوه إلى موضعه. . . وكان على صدره وعلى ظهره وكتفيه كتابة محفورة قديمة لا يدري بأي قلم هي) اهـ.
فذكر واسط والرصافة وحكاية التمثال مما يكون لنا عوناً ما سنرى على معرفة الاسم الذي نحت فصار (تلو) وعلى تعيين موضعها. وتمهيداً للوصول إلى الغاية لا بد من تعيين مواقع بعض ما ذكر من المواضع مع بيان بعد بعضها عن بض فلذلك أقول:
واسط: في جنوب بغداد. واقدر المسافة بينها وبين بغداد بنحو مائتين وعشرة(9/5)
كيلومترات. وخرائبها ظاهرة للعيان. ذكرتها عرضاً في هذه المجلة (6: 424 ح) ويسميها الأعراب (المنارة) ولعل سبب هذه التسمية شخوص اثر فيها - لا يزال قائماً - يقال أنه بقايا باب وعلى رأي آخر بقايا منارة. ولم أر هذه الأطلال. وهي - كما كنت قد قلت - واقعة على دجلة المندرسة التي نسميها اليوم (الدجيلة) (بالتصغير). وكانت دجلة هذه تجري في هذا
العقيق في سنة 961هـ (1553م) بدليل أن الرئيس التركي (سيدي علي) ذهب منحدراً راكباً النهر من بغداد إلى البصرة في السنة المذكورة بطريق واسط ثم (زكية) على ما جاء في كتابه (مرآت الممالك) (ص 16). ولو لم تكن واسط التي مر بها واسطاً (المنارة) لما كانت تفضي به الطريق إلى (زكية) وهي على دجلة كما نعرف من رحلات عديدة. وقد ذكرها ياقوت وذكر أيضاً كلشن خلفا وغيره زكية ونهرها ولو كان مرور سيدي علي بواسط (القرية) التي على شط الأعمى لأفضت به الطريق إلى الفرات أو مياهه. وموقع المنارة على بعد خمسة وعشرين كيلومتراً من الحي في شرقه. فهي الآن - بين الغراف ودجلة - بعيدة عن كل نهما.
رصافة الميمون: جاء في معجم البلدان: (رصافة واسط هي قرية بالعراق من أعمال واسط بينهما عشرة فراسخ. . .) أهـ. وقد هدتنا مجلة المجمع إلى الميمون في المشترك لياقوت فوجدت فيه: (الميمون نهر من أعمال واسط قصبته الرصافة.) وهي معروفة حتى اليوم بالرصافة بدون نسبة إذ لا رصافة غيرها في أنحائها. وموقعها بين الغراف ودجلة في ما يسمى اليوم (بجزيرة السيد أحمد الرفاعي) وهي في جنوب (المنارة) (واسط) بخط مستقيم نحو(9/6)
خمسة وأربعين كيلومتراً بميل نحو ستة كيلومترات إلى جهة الشرق في الجانب الغربي من النهر المندرس المسمى الأخضر (بفتح الخاء والضاد) على بعد نحو سبعة كيلومترات منه ولعل الخضر هو دجلة نفسها وهي في شرق قلعة سكر تبعد عنها نحو تسعة وعشرين كيلومتراً على خط مستقيم بميل نحو سبعة كيلومترات إلى الجنوب.
الحراوقلة. لا اعرف عنها شيئا ولعلها محرفة. وقد جاء في مجلة المجمع في الحاشية قولة: كذا بالأصل: ولعلة بالجير أو قلة) فلم تحل الحاشية غموضا وعسى أن يعود الناشر فينعم النظر في المخطوط لعله يهتدي إلى الرواية الصحيحة فيهدينا.
ومن نفائس ما جاء في تلك الحكاية هذا الكلام: (تمثال رجل من حجر اسود أملس عظيم الخلق. . . كان على صدره وظهره وكتفيه كتابة محفورة قديمة لا يدري بأي قلم هي) أهـ. فهذا الوصف ينطبق على التماثيل التي وجدت في (تلو) لكودئا وبالأخص ما وجده فيه دي سارزيك في أول سني حفرة فنقلة إلى متحفة لوفر في باريس حيث يعرض على الأنظار. فعلى الأثري المنقب أن يرجع إلى التلول الواقعة على قرب بضع كيلومترات من
الرصافة فأنها قد لا تخلو مما يستأهل النفقات والتعب والنصب ألم يكن قد نقل هذا التمثال من تلو فأنة مذخر التماثيل وغيرها من العاديات القيمة.
تل هوارة
كان حد علمنا في ما تقدم تعيين موضع مدينة وقرية هما واسط والرصافة ووجود تمثال على بعد فرسخ وكسر من الرصافة ومع هذا فقد أدنانا ذلك من(9/7)
حل العقدة. والحكاية التالية التابعة للأولى في نشوار المحاضرة هي التي تفضها (ص481) وهاأنا ذا انقلها للقارئ الكريم:
(وفي هذه البلاد (بلاد سواد واسط كما رأينا) قرية تعرف بقصبة نهر الفضل - وهي تلهوار - بنحو فرسخين (من) تل يعرف بتل ريحا من البلاد القديمة فيها آثار. وفيه حجر عظيم مربع له سمك كثير. وهو كالسرير طوله تسعة (كذا) أذرع في أذرع (وفي حاشية مجلة المجمع: كذا في الأصل) وقد غاب في الأرض أكثره وعليه تماثيل ونقش. وكان صاحب تلهوار أحمد بن خاقان أراد اقلاب هذا الحجر لينظر ما تحته فاحتفر حوله واجتهد أن يقدر على قلبه فلم يقدر على ذلك أنهم كانوا كلما احتفروا تحته ليتمكنوا من قلبه هوى إلى الحفرة فاستغرق فيها فلما أعياه ذلك تركه على حاله) أهـ.
ولنعد إلى تعيين المواضع كما فعلنا آنفاً:
نهر الفضل. ذكره ياقوت انه من نواحي واسط كما قالته مجلة المجمع وذكره كتاب تجارب الأمم لمسكويه (6: 268 و 347) وأنه في أسافل واسط.(9/8)
تل هوارة. ذكرته مجلة المجمع عن ياقوت فراجعته وفيه: (بفتح الهاء من قرى العراق. قال أبو سعد: ما سمعت بهذه المدينة إلاَّ في كتاب النسوي. قال أبو بكر أحمد بن محمد بن عبدوس النسوي حدثنا أبو الحسين علي بن جامع الديباجي الخطيب بتل هوارة: حدثنا إسماعيل بن محمد الوراق) اهـ. وجاء في مراصد الإطلاع (طبعة الإفرنج) أن تل هوازة (بالزاي المنقوطة) من قرى العراق غير معروف ثم أورد الناشر في المجلد بعض الروايات انه تل هوارة فلا اعتبار للرواية التي بالزاي.
تل ريحا. لم أقف عليه ولا أدري أفيه تحريف عن تل ريما مثلا لتشابه الحاء والميم في رسميهما في الوسط أم لا ومع هذا فأني لم اطلع على موضع اسمه تل ريما.
سمعنا شهادة أبي سعد - بل أبي سعيد السمعاني كما قلناه في الحاشية - عن النسوي عن الديباجي الخطيب بتل هوارة وجود قرية اسمها تل هوارة وفي تل ريحا ذلك الحجر الذي عليه تماثيل ونقش فهو أذن من العاديات وإذا كانت الرصافة من بلاد سواد واسط كانت تل هوارة في السواد. والرصافة لا تبعد عن (تلو) إلا بنحو ثلاثين كيلو متراً وهو في شمالها الغربي ولا بد أن تكون تل هوارة هي التي نعرفها اليوم باسم (تلو) بعد تخفيف الاسم لتلهوار - كما جاء في نشوار المحاضرة - أو تل هوارة - كما جاء في ياقوت والسمعاني - ثم (تلهو) مثلا - ولثقل اللفظ - قالوا (تلو). وهل يمكننا بعد هذه القرائن مع(9/9)
قرب اللفظ أن لا نقول غير هذا القول؟
والظاهر أن هذا التخفيف قديم جداً بدليل السمعاني المتوفى في سنة 562هـ (1166م) الذي استشهده ياقوت قال أنه لم يسمع بهذه المدينة إلاَّ في كتب النسوي، المتوفى في سنة 346هـ، على ما ذكرته في إحدى الحواشي، ومن ثم إن اسم تل هوارة كان قد اندثر في زمن السمعاني وهذا يحملنا على القول أنه لعل شيوع اسم (تلو) كان قد بدأ منذ ذلك الزمن البعيد فضاع الأمر على السمعاني وعلى ياقوت.
ومع أن القرائن تفصح بأن تل هوارة هو (تلو) يحق لمعترض أن يقول أن تلو مدينة عريقة في القدم لم يسكنها المسلمون بدليل أن الآثار التي وجدت هناك لم يعثر فيها على اثر واحد إسلامي مع إننا رأينا الديباجي خطيباً في تل هوارة. فهذه القصبة ليست (بتلو). قلت أن التوفيق هين جداً فالبصرة كانت في غير موضعها الحالي ثم نقلت وبقيت دوارسها وقيل للمنقولة أيضاً البصرة حتى أن المدينة الحالية أخذت تتنقل بالتدريج إلى ربضها المسمى العشار وربما يقال له يوماً البصرة كما أن الذي يريد الآن العشار وهو في بغداد مثلا بغير نية الدخول إلى مدينة البصرة نفسها يقول: أريد البصرة. ومما نعرفه أيضاً عن القصبات المؤسسة. في أواخر القرن الماضي والمنقولة في هذا القرن الصويرة(9/10)
والعزيزية الواقعتان على دجلة بين بغداد والكوت إلى موضعين قريبين من محليهما السابقين ونقلت الشطرة من بلاد المنتفق الواقعة إذ ذاك على جدول يسمى (الخليلية) المتشعب من الغراف إلى موقع على عمود الغراف نفسه على ما هي عليه اليوم ومع هذا النقل حافظت على اسمها، وإن أريد في ذلك العهد أن تسمى (الفالحية). وهذه واسط (التي قلنا أن خرائبها الآن
تسمى المنارة) وقد اندرست منذ أجيال كثيرة فقد قامت باسمها قصبة تنقلت إلى بضعة مواضع كما سيجيء وكانت الأخيرة قرية واقعة على شط الأعمى في الغراف وقد اندرست باندراس هذا الفرع الذي كانت عليه قبل ثلاثين عاماً أو أقل. ويعرف موضعها الآن بواسط أو خرائب واسط وكان اسم واسط قد بقي عليها حتى تشتت أهلها. وبعد هذا ألا يحق لنا أن نقول: لم لا يكون أن قصبة إسلامية كانت بجوار (تل هوارة) وكانت تسمى باسمها؟
وإذ لم تكن تل هوارة الإسلامية إلاّ َقصبة شأن قليل لا بنيتها التي لا تلفت إليها الأبصار لم تبق أثراً بارزاً ورسما بيناً يحفظ اسمها، احتفظ الناس باسم (تل هوارة) لخرائب المدينة القديمة غير الإسلامية، كما جرى في واسط، إذ بقيت القديمة معروفة برسومها، والجديدة لم يبق منها إلاَّ رسم غير ذي بال، لا يعرفه إلاَّ القليلون الذين بجوارها من الأعراب وغيرهم كبعض(9/11)
سكان قلعة سكر والكرادي لبناء جدرانها بالطين وبيوتها مثل ذلك أو كانت صرائف من البواري أو أشباه هذه البيوت وستكون نسياً منسياً قد لا يذكرها التاريخ، حتى إن المروي أن واسط هذه المندثرة في عهدنا كنت السابعة بعد خراب واسط (المنارة) على ما روى الراوي ومما قاله أن كلا منها كان على شط الأعمى في الغراف وعين مواقعها بأسماء الأرض أو النهر الذي بجوارها وهو يعترف أنه ليس من يقول واسطاً اليوم لأحد هذه المواضع والعهدة عليه في كل ما رواه ولا سيما أني لم أسمع من غيره هذه التفصيلات. والظاهر إن واسطاً الأخيرة ليست بالتي قامت بعد تلك التي تسمى اليوم (المنارة) إذ لا أثر ينبئ عن قدمها فلا بد أنه كانت غيرها قد قامت بين الأولى (أي المنارة) وبين هذه الأخيرة.
ومن المعلوم أن في العراق، ولا سيما في شماله ووسطه، قصبات ومواضع حفظت إلى اليوم أسماءها الآرامية. وقد ورد بعضها في معجم البلدان، نذكر بعضاً مما في وسط العراق، فمن القصبات العامرة: بعقوبا. ومن الآثار: عبرتا على النهروان في الجنوب الشرقي من بغداد - رأيتها في ربيع سنة 1927 - ومن القصبات ما حورت أسماؤها فجعلت عربية كأبوصيدة (باصيدا) وأبو جسرة (باجسرا) وبدرة (بادرايا). ومنها من الآثار أبو زوفر (بفتح الأول والثالث) (وأصلها بزوفر) في أنحاء البغيلة التي غدونا نسميها النعمانية(9/12)
لقربها من النعمانية المندرسة ومن المعلوم أيضاً أن من الخرائب ما أهملت
أسماؤها القديمة التي كانت في عهد الكلدانيين وغيرهم فوضعت لها في العربية أسماء تناسبها وصفاً لها أو لغير ذلك - ومن أشهر هذه الآثار الأحيمر (بالتصغير) (وهي قديما كيش بكسر الأول) والمقير (بضم الميم وفتح القاف والياء المشددة) (وهي أور). وما أكثر التلول والخرائب - من كلدانية وغيرها - التي تسمى بأسماء عربية لعدم الوقوف على أسمائها القديمة التي كانت تعرف بها زمن عمرانها، ففي الغراف على ضفته اليمنى من الخرائب غير المشهورة لدى الأثريين - إذ لم ينقبوا فيها بعد - بأسمائها العربية أم الطحيم والمدينة وأم العقارب والناصرية إلى غيرها وهي كثيرة فلا بد أن القوم(9/13)
الذي وضع الأسماء الآرامية كالتي ذكرتها فويق هذا كان قد نهج منهجنا - نحن الذين أتينا بعده - فوضع لها أسماء بلغته لاندثار أسمائها القديمة أو لتشاؤمه منها أو لغير علة من العلل فتراءى له أن يطلق اسم (تل هوارة) على الخرائب التي نسميها (تلو).
وإذا كانت (هوارة) كلمة ليست بالعربية وإذ لا يزال بعض القصبات والآثار تسمى بأسمائها الآرامية أن على صحة وضعها وان محرفة أو مقربة من العربية كما رأينا جاز لي الظن أن كلمة هوارة آرامية ولاسيما انتهاؤها بتاء مربوطة قلباً للألف كما يقلب كثير منا ألف بعقوبا تاء مربوطة أو هاء فراجعت حضرة الأب صاحب المجلة أستنيره في الأمر فأطلعني على أنّ (هوارا) معناها في الآرامية الصابئية الأبيض والجير والجص والحوارى فكأنّهم سموا الخرائب المحكي عنها (تلو) كما سمينا (كيش) (الاحيمر) (واور) (المقير).
الخلاصة
ونتيجة كل هذا البحث أنّ كلمة (تلو) مخففه من (تل الهوارة) أي (التل الأبيض) أو التل الحواري كما قلنا: أما عن قدمها فأقول: بما أنّ السمعاني المتوفى في سنة 562 هـ (1166م) لم يسمع بتل هوارة إلاَّ عن النسوي فالظاهر أن التخفيف كان قد جرى منذ ذلك العهد البعيد أي قبل زمن السمعاني أما إذا كان هذا قد سمع بتلو فانه لم ينتبه للأمر ولو انتبه له لعرفنا به ولم يسكت في كلامه عن تل هوارة، وإن صح ما قلته تضحي كلمة (تلو) قديمة جدا لا يقل عمرها عن ثمانية قرون. وفوق كل ذي علم عليم.
بغداد في 21 تشرن الأول 1930:
يعقوب نعوم سركيس(9/14)
هيكل أدب
كنت قد نشرت في الجزء الثاني من المجلد الثامن مقالة بعنوان (خزائن بسمى القديمة) واليوم أشفعها بمقالة ثانية تتناول هيكل أدب وآثاره.
شرع الفعلة في اليوم السادس والعشرين من ك1 عام 1903 يحفرون في أطراف الهيكل، من أربع جهاته ليزيلوا عنة النفايات، فعثروا على برج ساقط، يحيط به سور مربع مبني بالآجر والملاط. وكان سمكه نحو المتر. ووجد المنقبون في كل آجرة، آجرة واحدة عليها كتابة، لدنجي ملك أور، يرتقي عهدها إلى سنة 2350 ق م. ومما يؤسف له إنه لم يرد في تلك الكتابة، اسم المدينة القديمة، التي كان المنقبون يبحثون عنها. ويظهر إن البنائين البابليين لم يعنوا بذكر اسم المدينة لشهرتها الواسعة في عصرهم. ولذا اكتفوا بتدوين اسم الآلهة المعبودة في ذلك الهيكل والى المطالع ما جاء في تلك الكتابة:
(أن دنجي البطل العظيم ملك أور، وملك شمر وأكد. أرصد هذا البناء الذي يهواه ويجل مقامه إلى إلاهته (نن هرسج) ولهذه الكتابة منزلة رفيعة عند الأثريين، لأنها تدلهم على شعب قطن في هذه المدينة، في العصور الغابرة، وعبد تلك المعبودة التي لم تكن من الآلهة العظيمة؛ بيد إن بعض الأثريين يذهبون إلى أن (بلت) إلهة نبر (نفر) في الأزمنة المنصرمة تحول اسمها فاصبح (نن هرسج) فتكون إذ ذاك زوجة الإله (بل) العظيم عند البابليين الذي زهت عبادته غفي بابل إلى انقراضها. وتطلعنا تلك الكتابة أيضاً على حضارة تلك المدينة في أواخر أيامها، وعلى ما كانت عليه من العادات والتقاليد.
وقد عثر المنقبون على أنقاض قبر فتحه اللصوص سابقاً وسرقوا ما فيه من الكنوز، بيد أنهم تركوا بعض الأثاث التي لم يرق عيونهم. منها أوان خزفية وقطع من حلى مصنوعة من الشبه، وحجر أزرق بهيئة مسن وصفيحة صغيرة(9/15)
من الآجر.
وفي التاسع والعشرين من كانون الأول، كشف النقابون الزاوية الغربية من برج الهيكل، فوجدوا في الطرف الشمالي الشرقي من دكته جملة شظايا من تماثيل الخزف، وفي القرب من زاوية البرج الغريبة وقعوا على قطعة متقنة الصنع والشكل متخذة من الرخام الأبيض وكان يظن إن لا وجود البتة لهذا الرخام في ديار بابل، ووجدوا في الطرف الشمالي
الشرقي من البرج قائمة غرفة مربعة صغيرة ليس فيها أثر للباب، وقد فتحها سابقاً أحد اللصوص، فثلم جدرانها ليتسنى له نهب محتوياتها، فوجد الحافرون فيها قبراً مشيداً باللبن، أهليلجي الشكل، مملوءاً رملا لتقادم الزمن عليه. وعلى عمق تسعين سنتيمتراً شاهدوا جثة تحولت طبقة رقيقة سوداء من التراب لطول عهدها، ولم يبق منها سوى نصف سن وقطعة صغيرة من الخشب المنخور فاستدلوا على أن المقبور كان من الأمراء أو من الكهنة.
وقد عثر الأثريون في الجنوب الشرقي من زاوية برج الهيكل على تمثال صغير مقطوع رأسه متخذ من الحجر الأبيض، ويعد هذا الأثر من أبدع الآثار النفيسة لزي لباسه ويرى بيده إناء وكان بالقرب منه قطعة صغيرة من الحجر الأبيض المرن، الشبيه بالرخام، وقد كساها التراب حتى بان في أول الأمر كأن لا هيئة لها ولا شكل؛ ولكن بعد أن أزيل عنها التراب المتلبد عليها ظهر عليها رأسا تمثالين صغيرين، وبعد قليل من الزمن عثروا على ثلاث عشرة قطعة أخرى فركبت هذه القطع فتقوم منها إناء بديع الشكل، طوله عشرون سنتيمتراً. في علو أربعة عشر في عرض ثمانية. وظهر أن هذا الإناء يمثل زورقاً فيه تمثالان، يمثل أحدهما رجلا مجرد الرأس والذراعين وهو يدفع الزورق بمقذافه، وكان في الطرف الواحد من الزورق؛ وأما في الطرف الآخر فكانت امرأة ويحتمل إنها زوجة ذلك المتوفى، وقد رفعت يديها إلى وجهها كأنها تبتهل إلى الآلهة لكي تنقذها من الغرق المحدق بها وهيئتها تدل على العبادة والتقوى وقد ضفرت شعرها وأخفت طرفاً منه بعصابة رأس صغيرة وفي عنقها قلادة عديدة الثنايا.
بغداد:
(لها بقية)
رزوق عيسى(9/16)
طبع كتاب الإكليل
إذا كان للعرب كتاب يرفع رؤوسهم إلى عنان السماء فهو كتاب الإكليل لا سواه ذلك الكتاب الذي واسطته الجزء الثامن الذي شرعنا في طبعه قبل أيام معدودة. ففي هذا السفر البديع ذكر قصور حمير وأصحابها ومواطنها مع ذكر بناتها والمدن التي أسست فيها ودواوينها وما حفظ من نظم الأقدمين فيها ولا سيما شعر علقمة والمراثي والمساند. وعبارة المؤلف محكمة رصينة مأسورة أسراً وهو يطلعنا على ألفاظ موضوعة للريازة والبناء لا أثر لها في دواوين اللغة. هذا فضلا عن أعلام اقيال ورجال ومدن لم تذكر في مصنف من المصنفات.
ومما يزيد ثمن هذا الكتاب أنه ذكر لنا أسماء محافد (قصور) عديدة لم نكن نعرفها لولا تعداده إياه. واصفاً إياها وصفاً عجيباً، مرة مجملا وأخرى مفصلاً، وتلك التحلية تقفنا على أن السلف كانوا قد بلغوا من العلوم والفنون أبعد شأو ممكن، لأن تشييد مثل تلكم المحافد الجليلة يدل على أن أصحابها كانوا قد قبضوا على أعنة الرياضيات والهندسة وعلم الحيل ونحت التماثيل الدقيقة الحفر وصنع الآلات التي تماثل الحيوان والطير والإنسان التي تتحرك بحركات مختلفة عند هبوب الأرواح فيها. وكل هذه الأمور لم يصل إليها أهل الحضارة العصرية إلاَّ بعد عصور عديدة وانتفاعهم بعلوم وفنون من تقدموهم.
وسوف نعقد باباً جليلا لهذا الكتاب نوفيه حقه من الوصف.
إلاَّ إننا نكتفي اليوم بتقديم مثال من صفحاته ليحكم القراء على ما فيه من الكنوز والدفائن.
وقد اعتمدنا في ذكر المتن على اقدم نسخة وقعت بايدينا، وذكرنا في الحواشي روايات أربع نسخ أخر، واحدة للأستاذ كرنكو مخطوطة على نسخة لندن ورمزنا إليها ب (ك) وثانية من الأستانة (س) وثالثة من خوي (خ) ورابعة من شكري الفضلي (ل).(9/17)
على كرف من تحتها ومصانع ... لها بسقوف السطح ليس وفائطا
تخال حنين الريح في نزعاتها ... إذا اخترقت بين الزئير برابطا
كأن رفعت عنها البناة اكفها ... بأول يوم قيل أَمسك فارطا
ترى كل تمثال عليه وصورة ... سباعاً ووحشاً في الصفاح خلائطا
بجانب ما تنفك تنظر قابضا ... لإحدى يديه في الحبال وباسطا
ومستفعات من عقاب واجدل ... على أرنب وهم وأفراخ وقامطا
وسرب ظباء قد نهلن بمخنق ... وغضفِ ضراءٍ قد تطلقن باسطا
وذا عقدة بين الجياد مواكبا ... وسامي هادٍ للركاب مواخطا
وكان به رقشان تحمي جنابه ... له أرض مصر والفرات فسالطا
فلم ينجه من حادث الدهر حصنه ... ولا مقرباتٌ كن فيه ربائطا(9/18)
وكان على نائي الذؤابة شاهق ... تحامي عتاق الطير منه اللطائطا
وكان إليه الوفد تترى نقيرة ... من الأرض جمعاً ذا ارتعاب وخالطا
تخال حباك الفلك في طرقاته ... إذا طببت نحو الشراع البواسطا
محافد كانت للملوك محلةً ... ولم تخو هيناً بالعطيف وقاسطا
ولم توق ساوياً ورب هجيمة ... ولاذا وطاب يسلوا لشمس آقطا
اصبح مسلوب العصارة خاويا ... وأي وساج لا يصادف كاشطا
فلا من أجال الطرف ينظر غاديا ... ولا من أصاخ السمع يسمع لاعطا
ما زال صرف الدهر في كل ما أرى ... واسمعه للخير والشر سامطا
أيّ امرئٍ يرضى عن الدهر يومه ... فاصبح إلاَّ مظهر العيب ساخطا
لو أن أسباب الردى هاب معشراً ... لهاب بني الصوّار حضراً وشاحطا(9/19)
أولئك كانوا للبرية كلها ... نظاماً وما بين النظيمة واسطا
وكانت بنو المنتاب عنها بنجوة ... تفاخر ذا لمسٍ علوماً ولامطا
وقال يذكره هو وغيره من قصور اليمن شعراً:
أين الذين بنوا غمدان واحتفدوا ... ضهراً وناعطاً السامي الذرى شاس
من دون كاهلهِ بيض الأنوق فلم ... يلمَّ ذو حيدٍ منه بقرناس
ومن بني إرماً ذات العماد ومن ... راقش ومعين رب قنعاس
وتلفماً لو سألناه يخبرنا ... كم قد عفاه من أبواس وأبواس
وأين ساكن بينون وعامرها ... أمسوا ودائع صفاح وأرماس
لم تغن حمير عنهم وهي عاصية ... خلف الرماح بأرماح وأقواس
وأي ذي بطشة في الملك قاهرة ... فات الحمام بخدام وحراس(9/20)
أو ما حلٍ ظلت الأيام مسرحة ... ورحن منه بأخفاف وابلاس
وقال يذكر ما بين ناعط وتلفم
قصر ريدة
لئن قرع الناعي قلوباً فصدعه ... وغار عيوناً بالبكاء وأدمعا
غداة دعا من رأس تلفم ناعياً ... أَلا يرحم الرحمن سلم بن صعصعا
وجاوبه من رأس ناعط هاتفٌ ... فرنَّ له الطودان صوتاً ورجعا
وزاد فزادا في الصُدَيّ بريدةٍ ... فأبلغ همدان النسآء واسمعا
وقال علقمة بن ذي جدن:
ولميس كنت في ذؤابة ناعط ... يجبى إليها الخرج صاحب بربرِ(9/21)
والسامح الملك المتوج بعلها ... ذو التاج حمن يلوثه والمنبرِ
وقال أيضاً:
وناعط أوحشت ونادت ... فهل لذي فروة فلاح
وقال أيضاً:
عيني فابكي ناعطاً واستعبري ... عثر الدهر عليهم فعثر
كان فيها ألف عون ذهبوا ... فما أن تلق فيها من بشر
درج الدهر على آثارهم ... فعفا ممن ثوى فيها الأثر
فإذا أبصرت أثاراً لهم ... غشيتني زفرةٌ فيها عبر
فأبيت الليل منها ساهراً ... بئس زاداً لأخي العيش السهر
وقال أبو نواس:
ونحن أرباب ناعطٍ ولنا ... صنعآء والمسك في محاربها
وقال مرقش:
وملوك ناعط قد رأيت مكانهم ... طرقوا بقاصمة الظهور رداح(9/22)
وقال علقمة:
وكأن رأينا من بهار ومنظر ... ومفتاح قفل للأسير المقتر
وفجعن بالحراب فارس قومه ... ولو هاجهم جاؤوا بنصرٍ مؤَزر
وأفنى ثبات الدهر أبناء ناعطٍ ... بمستمع دون السماء ومبصر
وأعوص بالدومي من رأس حصنه ... وأنزلن بالأسباب رب المشقَّر
يريد بالدومي يزيد بن شرحبيل الناعطي، الملك من همدان، وقد يظنه من يجهل ملوك
العرب يريد اكيدر دومة، وهو سويد بن شبيب بن مالك بن كعب بن عليم الكلبي وبني ناعظ آية آية لا يلدغ بها حيوان ولا مما شرف عليه مما دار بها، وما لم يشرف عليه ناعط، وجبل ثلين فالحمة به تقتل، إذا لدغ في هذه المواضع أحد لم تضره وقد لدغ في منزل يريده بعض البناة فلم يضره شيء. وقد كانت الضربة ماكنة. وقال البلخي: إذا لدغ إنسان ما قارب ناعط، وصاح: (ناعط)، لم تحسه، وهذا شيء عجيب، ما أعرف له شبيها سوى ما أذكره إذا(9/23)
أكل بعير باليمن شجرة العقر فيقربه إنسان فيصيح به: (هو عقر هو عقر) قيل فإن لم يفطن له حتى تعمل عيه حمته، طبخت له شاة حتى تهرأ ثم تضرب اللحم بالمرق حتى ينحل هبره، ثم أنجع ذلك جميعه فربما أَبل إذا أكل منه قليلا. وهذا من أعجب العجب أن لا تضر حمة الأفاعي فيما أشرف عليه ناعط أو كان منه بمنظرٍ. وهذه مشاكلة الحكم الكسوف، فأنه لا يقطع إلا في البلد الذي يرى فيها، وما لا يرى فلا حكومة فيه ولا بان له نفع ويرون ناعط محوياً.
وكذلك باب المصراع بصنعاء كان فيه حديدتان مصدوحتان بطلسمين، فظفر القرامطة بواحدة، فطمسوها فكثرت الأفاعي بصنعاء، ولم تضر لبقاء الثانية، ولو ظفر بها لضرت. فهذا قول من يقول إنها محوية.
وأما مذهب علماء صنعاء فهم يرون أن قلة مضرتها من طباع البلد كما من طباع رأس حضور ورأس تخلى أنه لا يكون فيهما قشة أصلا.(9/24)
يرى من هذا المثال أن هذا الكتاب جليل القدر لا يعادله سفر آخر من مصنفات الأقدمين، لأنه يزيح لنا الستار عن أهم مسألة حامت حولها الأفكار، هي مسألة حضارة الأقدمين من السلف الناطق بالضاد.
فان كثيرين من أبناء الغرب، ولا سيما المتعصبون منهم، ينكرون على أبناء عدنان وقحطان أية حضارة كانت. فوجود تلك القصور الشاهقة، ذات الطباق المتعددة، وانيثاثها في ديار مختلفة من ربوع اليمن، تدل دلالة واضحة على أن أجدادنا بلغوا في عهد الجاهلية، مبلغاً بعيداً في التمدن إذ زينوا تلك المحافد بالصور والتماثيل والنقوش وفاخر النجاد والرياش والفراش ما يجاري نظائرها عند أبناء هذا العصر المدعي بمدنية لم تقايسها مدنية سابقة. فهذا الكتاب الزاري بنفائس القلائد وفرائد الدرر واللآلئ يستحق كل
تعظيم ويحق إن يفاخر به كل عربي ويذخره عنده ليطالع فيه ويفاخر بمحتوياته ويقف عليه كل شعوبي أو عربي يحتقر العرب أو يهينهم أو يتعدى عليهم.
وقد شرعنا في طبعه وهو يقع في نحو 550 صفحة من هذا القطع وهذا النموذج. وقد فتحنا باباً للاشتراك فيه وجعلنا قيمته قبل الفراغ من طبعه نصف جنيه مصري أو سبع ربيات (وفي الخارج يضاف إليه أجرة البريد) وبعد الفراغ من طبعه يكون ثمنه ثلاثة أرباع الجنيه المصري أو عشر ربيات ونصفاً.
ولا حاجة لنا إلى القول أن هذا السفر البديع يزين بعدة فهارس تضاف إليه مع معجم تحل فيه غوامض الألفاظ الغريبة التي وردت في تضاعيفه، مما تفرد بها هذا الديوان دون غيره ويزيد ثروتنا اللغوية لا سيما المصطلحات الخاصة بالبناء.
ومن أعجب هذه المصطلحات ما لا وجه لاشتقاقه في لغتنا العدنانية، فيظهر أن أهل اليمن تناقلوها عن أجدادهم منذ أقدم العهد واحتفظوا بها. إذ لم نجد له مقابلا في اللغة المضرية. وكل ذلك يشهد إن هذا الجزء من الإكليل من أفخر ما جاء في لساننا ولهذا يبقى بيدنا أحسن ذخر من السلف، فعسى أن نقدر قدره ونباهي به الأمم الغربية.(9/25)
رسالة ذم القواد
هذه رسالة لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في ذم القواد وفي كتاب (كتاب) صناعاتهم وطبائعهم وما نظموه على مقتضى ملذوذات طبائعهم ومناسباتهم لأفعالهم:
- بسم الله الرحمن الرحيم -
أرشدك الله للصواب. وعرف فضل أولي الألباب. ووهب لك جميل الآداب. وجعلك ممن يعرف عز الأدب، كما يعرف زوايد (زوائل) الغنى. قال أبو عثمان عمر (عمرو) بن بحر الجاحظ: دخلت على أمير المؤمنين المعتصم بالله. فقلت يا أمير المؤمنين. في اللسان عشر خصال. أداة يظهر بها البيان وشاهد يخبر عن الضمير. وحاكم يفصل بين الخطاب. وناطق يرد به الجواب وشافع تدرك به الحاجة. وواصف يعرف (تعرف) به الأشياء. وواعظ يعرف به القبيح. ومعز يرد (ترد) به الأحزان. وخاصة تذهب بالصنيعة وملهي (مله) يونق الأسماع. وقال الحسن البصري أن الله تعالى رفع درجة اللسان. فليس من الأعضاء شيء ينطق بذكره غيره. وقال بعض العلماء أفضل شيء للرجل عقل يولد معه فإن فاته ذلك فمال يعظم به فان فاته ذلك فعلم يعيش (يستعين) به. فان فاته ذلك فموت يجتث أصله. وقال خالد بن صفوان. ما الإنسان لولا اللسان إلا ضالة مهملة، أو بهيمة مرسلة، أو صورة ممثلة، وذكر الصمت والمنطق عند الأحنف. فقال رجل الصمت أفصل وأحمد. فقال صاحب الصمت لا يتعداه نفعة، وصاحب المنطق ينتفع به غيره. والمنطق الصواب أفضل. وروي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم (أنه قال) رحم الله امرء (امرأ)(9/26)
اصلح من لسانه. قال (قيل) وسمع عمر بن عبد العزيز رض رجلا يتكلم فابلغ في حاجته. فقال عمر: هذا والله السحر الحلال. وقال مسلمة بن عبد الملك أن الرجل ليسلني (ليسألني) الحاجة فتسجيب (فتستجيب) له نفسي بها. فإذا لحن انصرفت نفسي عنها. وتقدم رجل إلى زياد فقال أصلح الله الأمير. إن أبينا هلك: وإن أخونا غصبنا ميراثه. فقال زياد الذي ضيعت من لسانك أكثر مما ضيعت من مالك. وقال بعض الحكماء لأولاده يا بني أصلحوا من ألسنتكم فإن الرجل لتنوبه النائبة فيستعير الدابة والثياب. ولا يقدر أن يستعير اللسان. وقال شبيب بن شبة، ورأى رجلا يتكلم فأساء القول. فقال: يا ابن أخي الأدب
الصالح خير من المال المضاعف. وقال الشاعر:
وكاين (وكائن) ترى من صامت لك معجب ... زيادته أو نقصه في التكلم
لسان الفتى نصف ونصف فؤاده ... فلم يبق إلا صورة اللحم والدم
فحذر يا أمير المؤمنين أولادك (وأوصهم) بأن يتعلموا من كل الأدب فإنك أن أفردتهم بشيء واحد ثم سئلوا عن غيره لم يجيبوا. وذلك أني لقيت حزاماً حين قدم أمير المؤمنين من بلاد الروم فسألته عن الحرب كيف كانت هناك فقال لقيناهم في مقدار صحن الأصطبل، فما كان بقدر ما يحس الرجل دابته حتى تركناهم في أضيق من ممرغة (مراغة) وقتلناهم فجعلناهم كأنهم انابير سرجين. فلو طرحت روثة ما سقطت إلا على ذنب دابة. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
أن يهدم الصد من حمي (جسمي) معالفه ... فان قلبي بقت الوجد معمور
أني امرأ في وثاق الحب يكبحه ... لجام هجر على الأسقام معذور(9/27)
علل بجل نبيل من وصالك أو ... حس الرقاد فان النوم ماسور
أصاب حبل شكال الوصل يوم بدا ... ومبضع الصد في كفيه مشهور
ليست برقع هجر بعد ذلك في ... اصطبل ود فروث الحب منثور
قال وسألت بختيوشع (بختيشوع) عن مثل ذلك فقال لقيناهم في مقدار صحن البيمارستان. فما كان بقدر ما يختلف الرجل مقعدين حتى تركنا (تركناهم) في أضيق من محقنة، فقتلناهم. فلو طرحت مبضعاً ما سقط إلاَّ على اكحل رجل. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
شرب الوصل دستج الهجر فاستط ... لمق بطن الوصال بالإسهال
ورماني حبي بقولنج بين ... مذهل عن ملامة العذال
ففؤاد الحبيب بنملة (ينحله) السل ... وقلبي معدب (معذب) بالملال
وفؤادي مبرسم ذو سقام ... يابن ماسوه (ماسويه) ضل عني احتيالي
لو ببقراط كان ما بي وجالينو ... س باتا منه بأكف بال
قال وسألت جعفر الخياط عن مثل ذلك فقال لقيناهم في مقدار سوق الخلقان فما كان بقدر ما يخيط الرجل درزاً حتى قتلناهم وتركناهم في أضيق من جربان. فلو طرحت إبرة ما سقطت إلاَّ على رجل. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
فتقت بالهجر دروز الهوى ... إذ وخزتني إبرة الصد(9/28)
فالقلب من ضيق سراويله ... يغتر (يعثر) في بايكة (ذائلة) الجهد
جشمتني يا طيلسان النوى ... منك على شوزكتي وجد
أزرار عيني فيك موصولة ... بعروة لدمع على خدي
يا كستبان (كشتبان) القلب يا زيقه ... عذبني التذكار بالوعد
قد قص ما يعهد من وصله ... مقراض بين مرهف الحد
يا حزة النفس ويا ذيلها ... ما لي من وصلك من بد
ويا جربان سروري ويا ... حبيب حياتي حلت عن عهدي
قال وسألت اسحق بن إبراهيم عن مثل ذلك وكان زراعاً. فقال لقيناهم في مقدار جريبن (جريب) من الأرض فما كان بقدر ما يسقي الرجل مساره (مشارة) حتى قتلناهم فتركناهم في أضيق من باب وكأنهم أنابير سنبل. فلو طرح فدان ما سقط إلاَّ على ظهر ثور. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
زرعت هواه في كراب من الصفا ... واسقيه (وأسقيته) ماء الدوام على العهد
وسرجنته بالوصل لم آل جاهداً ... ليحرزه السرجين من آفة الصد
فلما تعالى النبت واخضر يانعاً ... جرى يرقان البين في سنبل الود
قال وسألت فرجاً الرحجي (الرخجي) عن مثل ذلك وكان خبازاً. فقال لقيناهم في مقدار بيت التنور. فما كان بقدر ما يخبز الرجل خمسة أرغفة حتى تركناهم في أضيق من حجر (جحر) تنور. فلو سقطت جمرة ما وقعت إلاَّ في جفنة خباز. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
قد عجن الهجر دقيق الهوى ... في جفنة من خشب الصد
واختمر البين فنار الهوى ... تذكى بسرجين من البعد
واقبل الهجر بمحراكه ... يفحص عن أرغفة الوجد
جرادق الموعد مشمومة (مهشومة) ... مثروددة (مثرودة) في قصعة الجهد
قال وسألت عبد الله بن عبد الصمد بن أبي داود مثل ذلك وكان مؤدباً.(9/29)
فقال لقيناهم في مقدار صحن الكتاب. فما كان بقدر ما يقرأ الصبي أمامه حتى ألجأناهم إلى
أضيق من رقم فقتلناهم، فلو سقطت دواة ما وقعت إلاِّ في حجر صبي. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
قد أمات الهجر أن صبيان قلبي ... ففؤادي معذب في خبال
كسر البين لوح كبدي فما اط ... مع ممن هويته في وصال
رفع الرقم من حياتي وقد أط ... لق مولاي حبله من حبالي
مشق الحب في فؤادي لوحي ... ن فأغرى جوانحي بالسلال
لاق قلبي بيانه (ببينه؟) فمداد الع ... ين من هجر مالكي في انهمال
كرسف البين سود الوجه م ... ن وصلي فقلبي بالبين في اشتعال
قال وسألت علي بن الجهم بن يزيد وكان صاحب حمام عن مثل ذلك فقال لقيناهم في مقدار بيت الانبار. فما كان إلاَّ بقدر ما يغسل الرجل رأسه حتى تركناهم في أضيق من باب الأتون. فلو طرحت ليفة ما وقعت إلاَّ على رأس رجل. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
يا نورة الهجر حلقت الصفا ... لما بدت لي ليفة الصد
يا مئزر الأسقام حتى متى ... تنقع في حوض من الجهد
أوقد أتون الوصل لي مرة ... منك بزنبيل من الود
فالبين مذ أوقد حمامه ... قد هاج قلبي سلخ (مشلح) الوجد
افد (افسد) خطمي الصفا والهوى ... نخاله (نخالة) الناقص (الناقض) للعهد
قال وسألت الحسن بن أبي قماسة عن مثل ذلك وكان كناساً فقال لقيناهم في مقدار سطح الإيوان. فما كان إلاَّ بقدر ما يكنس الرجل زنبيلا حتى تركناهم في أضيق من حجر (جحر) المخرج ثم قتلناهم بقدر ما يشارط الرجل على كنس كنيف. فلو رميت بابنة وردانة ما سقطت إلاَّ على فم فالوعة (بالوعة). وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:(9/30)
أصبح قلبي بربخاً للهوى ... تسلح فيه فقحة الهجر
بنات وردان الهوى للبلى ... أصبر من ذا الوجد في صدري
خنافس الهجران أثكلنني ... يوم تولى معرضاً صبري
أسقم ديدان الهوى مهجتي ... إذ سلح البين على عمري
قال وسألت الشرابي أحمد عن مثل بذلك فقال لقيناهم في مقدار صحن بيت الشراب. فما
كان بقدر ما يصفي الرجل دناً حتى تركناهم في أضيق من رطلية فقتلناهم. فلو رميت تفاحة ما وقعت إلاَّ على أنف سكران. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
شربت بكأس للهوى نبذة معا ... ورقرقت خمر الوصل في قدح الهجر
فمالت دنان البين يدفعها الصبى ... فكسرن قرابات حزني على صدري
وكان مزاج الكأس غله (علة) لوعة ... ودورق هجران وقنينتي عدر (غدر)
قال وسألت عبد الله بن طاهر عن مثل ذلك وكان طباخاً، فقال لقيناهم في مقدار صحن المطبخ فما كان بقدر ما يشوي الرجل حملا حتى تركناهم في أضيق من موقد نار فقتلناهم فلو سقطت مغرفة ما وقعت إلاَّ في قدر. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
يا شبيه الفالوذج في حمرة الخدم ... ولوزينج النفوس الظماء
أنت جوزينج القلوب وفي اللين ... كلين الخبيصة البيضاء
عدت مستهتراً بكسباج (بسكباج) ود ... بعد جوذابة بجنب شواء
يا نسيم القدور في يوم عرس ... وشبيهاً بشهدة صفراء
أنت أشهى إلى القلوب من الزبد مع الز ... سبان (النرسيان) بعد الغداء
أطعم الحاسدون ألوان غم ... في قصاع الأحزان والأدواء
قد غلا (غلى) القلب مذ نأت عنك ... داري غليان القدور عند السلاء
هام قلبي لما كسرن غضارات ... سروري مغارف الشحناء(9/31)
فتفضل على العميد بيوم ... جد بوصل يكبت به أعدائي
وتفضل على الكئيب ببزماورد ... م وصل تشفي (يشف) من الأدواء
قال وسألت أطال الله بقاك (بقاءك) محمد بن داود الطوسي عن مثل ذلك وكان فراشاً فقال لقيناهم في مقدار صحن بساط. فما كان بقدر ما يفرش الرجل بيتاً حتى تركناهم في أضيق من منصة فقتلناهم. فلو سقطت مخدة، ما وقعت إلاَّ على رأس رجل. ثم عمل أبياتاً في الغزل فكانت:
كسر الهجر ساحة الوصل لما ... غير البين في وجوه الصفاء
وجرى البين في مرافق ريش ... هي مذخورة ليوم اللقاء
فرش الهجر لي بيوت هموم ... تحت رأسي وسادة البرحاء
حين هيأت بيت خيش من الوصل ... لأبوابه ستور البهاء
فرش الهجر لي بيوت مسوح ... متكآتها من الحصباء
رق للصب من براغيث وجد ... يعتري جلده صباح مساء
قال فضحك المعتصم حتى استلقى على قفاه. ثم دعا مؤدب ولده فأمره أن يأخذهم بتعليم جميع العلوم.
تم كتاب الجاحظ وكلامه مع المعتصم بالله. والحمد لله والصلوة على محمد رسول الله وعلى آله وأصحابه الذين بذلو (بذلوا) نفوسهم في المجاهدة في سبيل الله وسلم.
ونقل عن بعض المحدثين أنه قال سألت بعضهم عن مثل سؤال الجاحظ وكان صواغاً فقال لقيناهم في مقدار سطح الكور. فما كان مقدار ما يجلو الرجل خاتماً حتى تركناهم في أضيق من بوطقة. ثم قتلناهم فلو رميت بدفش (برفش) ما سقط إلاَّ على رأس رجل. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:(9/32)
أيها الناس هل سمعتم بصب ... مات من حب مبغضيه سوائي
دمج الحب كور قلبي بصد ... حشوه من قشور جهد البلاء
ترك الحب دفش (رفش) قلبي كئيباً ... ثم ثنى من بعد بالمبشاء (بالميناء)
ليس يقوى سندان صبري على ذا ... عظمت يا حبيبتي بلوائي
وسألت آخر عن مثل ذلك وكان نجاراً. فقال لقيناهم في مقدار ملبن فما كان إلاَّ بقدر ما يشد الرجل اجين حتى تركناهم في أضيق من جسرية فلو رميت بفاس ما سقط إلاَّ على كتف رجل. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
صد عني الحبيب صد ملال ... فرثا (فرثى) لي العدو من سوء حالي
فجساري السقام بين مناشير ... فؤادي كمثل وقع الذبال
حاف (حاق) كاتشكن (؟) الصدود بقلبي ... ففؤادي لرندج البين قال
إن فاس الصدود ينحر (ينجر) قلبي ... ومناشيره بطول المطال
وسألت آخر عن مثل ذلك وكان حائكا. فقال لقيناهم في مقدار ثوب ثماني (يماني) فما كان إلاَّ بقدر ما يسقي الرجل باشيرا (؟) حتى تركناهم في أضيق من بهلق (يلمق؟) ثم قتلناهم. فلو رميت بحار (؟) ما سقط إلاَّ بين إصبعي رجل. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
صد عني الحبيب صد جفاء ... وطواه مشنوث وصل الإخاء
ورماني منه باستيح (باستيج) بين ... عجزت عنه نيرجات الغراء (العزاء)(9/33)
زادكون (زركون) الفؤاد يشكوا (يشكو) إلي ... الحف الذي يلتقي من البلواء
أنت والله ثلح قلبي يا ... نير فؤادي وغاية المنتهاء
وسالت آخر عن مثل ذلك وكان طحاناً. فقال لقيناهم في مقدار المسطاح فما كان إلاَّ بقدر ما ينقي الرجل قفيزين حتى تركناهم في أضيق من الدوارة (الدورة). ثم قتلناهم فلو طرحت مكوكاً ما سقط إلاَّ على رأس رخل (رجل). وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
طحنت بأحجار الهوى حب مهجتي ... فروحي على قطب الرحاء تدور
وألقيتني بالهجر في دلو فكره (فكرة) ... ومنسف أحزان هناك عسير
مدار الهوى وقد بقلب مدله ... عليه مكاكيك الصدود تحور
وسألت آخر عن مثل ذلك وكان حجاماً. فقال لقيناهم في مثل المدار. فما كان إلاَّ بقدر ما يأخذ واحد شعره (شعرة) حتى الجينا (ألجأناهم) إلى أضيق من محجمة. ثم قتلناهم. فلو رميت بمشراط ما سقط إلاَّ على رأس رجل. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
شرطت قلبي بمشراط الصدود فقد ... حلقت شعر رجائي منك باليأس
فالبين يعمل (تعمل) في قلبي حرارته ... كمثل ما تعمل الأجلام في الرأس
قد كان تخريق (تمزيق) أيام الوصال بدا ... فرده الهجر كالمحموم (كالمحجوم) في الغاس
(الفأس)(9/34)
فان تجد بالرضا تشفي (تشف) أخا دنف ... حليف هم وتذكار ووسواس
وسألت آخر عن مثل ذلك وكان وراقاً. فقال لقيناهم في مقدار جلد. فما كان إلاَّ بقدر ما يكتب الرجل صفحاً (صفحة) حتى تركناهم في أضيق من محبرة. ثم قتلناهم. فلو رميت بقلم ما سقط إلاَّ على رأس رجل. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
كتبت هواه في سطور من الوفا ... بحبر من الإخلاص في ورق الصدق
وصمغته بالحب حتى إذا نمى ... وقلت استقام السطر زاغ عن الحق
فكحت سطور الوصل سكين غدره ... ومل إلى الهجر أن بالجهل والحمق
فكيف التسلي والهوى يلزم الحشى ... بملزام فكر يترك القلب كالرق
وسألت آخر عن مثل ذلك وكان ملاحاً. فقال لقيناهم في مقدار صحن الزورق. فما كان إلاَّ بقدر ما يمد الرجل كهره حتى الجيناهم (ألجأناهم) إلى أضيق من مجلس الكوثل وقتلناهم. فلو رميت بحالس ما سقط إلاَّ على رأس ملاح. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
جنحت زواريق الوصال وأقبلت ... سفن الصدود قلوسها الهجران
فالقلب بحنده حواليش الرجا ... ويرده من يأسه سكان
إن القمايا شاهد لي بالهوى ... وكذا الكشيا عنده برهان
أطلال قلبك عارفات أنني ... صب الفؤاد متيم حيران(9/35)
فامنن بمردي من وصالك أنني ... فيما (في ما) أرى ستضمني الأكفان
وسألت آخر عن مثل ذلك وكان اسكافاً. فقال لقيناهم في مقدار طاق أديم فما كان إلاَّ بقدر ما يخرز الرجل تشتيكا حتى تركناهم في أضيق من أسوابخ (؟) ثم قتلناهم. فلو رميت باخواهل (؟) ما سقط إلاَّ على رأس رجل. وعمل أبياتاً في الغزل فكانت:
يا شفرة البين قد أغريت بي سقماً ... وقالب الحب قد أورثتني ندما
ملكت قلبي فأنت الدهر تنشره (تبشره) ... قد صرت في الحب يا مستعبدي علما
أيدي الضمانات ما تنفك تعركني ... من حامل لبين عنه مهمى نما (كذا؟)
تم ما قد جاء في هذا المعنى والله الموفق للصواب.
ذكر ما قال أهل الصنائع في تركيب الكلام على ما يفهموه
(يفهمونه) من صنائعهم ومألوفاتهم
أجتمع قوم ن أهل الصناعات فتواصفو (فتواصفوا) البلاغة. فقال الصائغ: خير الكلام ما أحميته بكير الفكر وسبكته بمشاعل النظر وحططته (وخلصته) من خبث الإطناب فبرز بروز الأبريز في معنى وجيز. وقال الحداد: أحسن الكلام ما نصبت عليه منفخة الروية وأشعلت فيه نار البصيرة ثم أخرجته من فحم الإفحام ورقعته (ورفعته) بغطيس (بمغناطيس) الإفهام، وقال النجار: الطف الكلام ما كرم نجر معناه فنحته بقدوم التقدير ونشرته بمنشار التدبير فصار باباً لبيت البيان وعارضة لسقف اللسان. وقال النجاد: أحسن الكلام ما لطفت رفارف ألفاظه وحسنت مطارح معانيه فتنزهت في زرابي محاسنه عيون
الناظرين وأصاحت (وأصاخت) لنمارق بهجاته آذان السامعين وقال(9/36)
العطار: أطيب الكلام نظاماً ما عجن عنبر ألفاظه بمسك معانيه فقاح (ففاح) نسيم نسقه وسطعت رايحة عبقه فتعطرت به الرواه (الرواة) وتعلقت به السراه (السراة). وقال الجوهري: أملح الكلام ما ثقبته الفكرة ونظمته الفطنة ووصل (واتصلت) جواهر معانيه في سموط الفاظه، فاحتملته نحور الرواة. وقال الماتح: آثر الكلام، ما علقت وذم ألفاظه، ثم أرسلته في قليب، الفطن، فأمتحت به شغا (شفى؟) الشبهات، واستنبطت فيه معنى يروي من ظمأ المشكلات. وقال الخياط: البلاغة قميص، فجربانه البيان. وجيبه المعرفة، وكماه الوجازة، وتخارصه (وتخاريصه) الإفهام، ودروزه الحلاوة، ولابسه جسد اللفظ، وروح المعنى، وقال الصباغ: آنق الكلام، ما لم تبض (تنصل) مهجة (بهجة) إيجازه، ولم يكتنف (تنكفئ) صبغة الفاظه، قد صقلته يد الروية من كمود الأشكال، فراع كواعب الآداب واكف (؟) عذارى الألباب. وقال الصيرفي: أجود الكلام ما نقدته يد البصيرة، وجلته عين الروية، ووزنه معيار الفصاحة. فلا نظر يزيفه، ولا سماع بهرجه (يبهرجه). وقال البزاز: أحسن الكلام ما صدق رقم ألفاظه، وحسن نشر معانيه، فلم تستعجم عند نشر، ولم تستبهم عند طي. وقال الحائك: أحسن الكلام ما اتصلت لحمة ألفاظه بسدى معانيه، فخرج مفوفاً منبراً (منمراً) وموشى محبراً. وقال الرائض: خير الكلام ما لم يخرج من(9/37)
حد التخليع إلى منزلة التقريب إلاَّ بعد الرياضة، وكان كالمهر الذي أطمع أول رياضته في تمام ثقافته. وقال الجمال: البليغ من أخذ بخطام كلامه، فأناخه في منزل المعنى، ثم جعل الاختصار له عقلا، والإيجاز له مجالا، فلم يند عن الأذهان، ولم يشذ عن الآذان. وقال المخنث: أحسن الكلام ما تكسرت أطرافه، وتثنت أعطافه، وكان لفظه حله (حلة)، ومعناه حلبه (حلية). وقال الخمار: أبلغ الكلام ما طبخته مراجل العلم، وضمنته دنان الحكمة، وصفاه راووق الفهم، فتمشت في المفاصل عذوبته. وفي الأفكار رقته، وفي العقول حدته. وقال الفقاعي: أطيب الكلام ما دوخت (دوحت؟) ألفاظه غباوة الشك، ودفعت دقته فظاظة الجهل، فطاب جشأ نظمه، وعذب مص جرعه. وقال الطبيب خير الكلام (ما) إذا باشر دواء بيانه سقم الشبهة استطلقت طبيعة الغباوة، فشفى من سوء التفهم، وأورث صحة التوهم. وقال الكحال: كما أن الرمد قذى الأبصار، فكذا الشبهة قذى البصائر، فاكحل عين اللكنة بميل البلاغة، واجل
رمض (رمص) الغفلة ببرود اليقظة، (قال ثم أجمعوا) (على) أن أبلغ الكلام ما إذا أشرقت شمسه انكسفت (انكشف) لبسه، وإذا صدقت أنواؤه، اخضرت احماؤه.
تم كلامهم بعون الله ومنه وتوفيقه، والصلوة على الهادي إلى أقوم طريقة، وعلى آله وأصحابه، سيما فاروقه وصديقه.
الدكتور داود الجلبي
(لغة العرب)
إننا نشكر حضرة الدكتور داود بك لجلبي على نشره رسالة الجاحظ، ولسائر الرسائل التي بعدها فهي من أنفس ما كتب في موضوع المصطلحات الصناعية، إلاَّ أن في بعض الألفاظ صعوبة عظيمة لمعرفتها حق المعرفة فلعل بعض القراء يساعدنا على تصحيحها فنشكر له يده سلفاً.(9/38)
آل الشاوي
2 - عبد الله بك الشاوي المتوفى سنة 1183هـ 1769م
فخر هذه الأسرة وباني مجدها الحقيقي ورافع دعائمها هو عبد الله بك وان كان شاوي بك هو المؤسس لهذا البيت الكريم فالأسرة لا تزال تتمتع بأوقافه وتميل إليها عند الضنك والحاجة. . .
تكاثرت الوثائق التاريخية والأدبية في زمنه لقرب عهده منا ولذا نجد له أخباراً جمة. وإن كانت مبتورة غير متصل بعضها ببعض ولقد أطراه الأدباء، وبالغ في وصفه المؤرخون فعد من أكابر رجال (السياسة العشائرية).
والحق يقال أن سياسة العشائر من أعوص الأمور، وقد بذل العلماء الجهود لمعرفة أحواله، وصرف السياسيون مساعي أكثر للوقوف على طريق إدارتهم إدارة حكيمة ولا يزالون في خبط من الأمر وتشوش منه، ولعلهم إلى الآن في دور التجربة. فكل خطل توحيه الأهواء يحسبونه الحكمة في حسن الإدارة ولكنهم يعززونه بالقوة. فهم والعشائر على حد المثل البدوي: (هذه القنا وأنت تعرف) أو كما يقولون: (الحق بالسيف، والعاجز يريد شهود) فالحق عندهم للقوة.
إن هذه الأسرة دبرت أمر العشائر - بالنظر إلى الحكومة وإجابة لرغبتها - ونهجت فيه خير نهج. واحسن تدبير حسب الظروف والأحوال التي اكتنفت الإدارة حين ذاك. ومن المقرر أن خير طريقة للإدارة العشائرية ما وافقت روحية القوم، لا ما تصوره بعضهم من المثل الأعلى. فلا يريدون إلاَّ ما ألفوه ولا يرغبون إلاَّ في ما اعتادوه.
كان عبد الله بك يعد من أكابر الرجال في هذه الإدارة. ولذا وصفه صاحب عنوان المجد بقوله: (كان لشاوي بك ولد يسمى عبد الله بك وهو أحنف زمانه، كانت له الرياسة الكبرى، والصولة العظمى، وله من الخيرات والكرم(9/39)
ما لا تحصيه الأقلام.) أهـ.
هذا كلام مجمل ينبئ عن مقدرة ويشير إلى مهارة كما هو الغالب في أبناء البادية فإذا انضم إلى ذلك مناصرة من الحكومة، وطاعة من القبائل، وكرم نفس، واعتزاز بقبيلة، وحلم عظيم، فهناك الذكر الجميل، والصيت الذائع، والفخر الكامل. ومن ثم ابنتي (بيت العز)
وشيد المجد الخالد.
فعبد الله بك أمير العرب المسيطر على إدارة الحكومة - في خارج المدن وفي القبائل - وهذا تابع لنفوذ الحكومة وامتداد سلطتها. وآنئذ لم يكن للحكومة جيش مرابط ما هو الأمر في هذه الأيام. وإنما كان لها ما يشبه الإدارة العشائرية العامة الواسعة النطاق. وكان للحكومة بضعة أناس من الينكجرية (الإنكشارية) ومن المماليك والعثمانيين يقومون أودها ومع هذا يستخدمون سياسة الخديعة والحيلة، وسحق البعض بالبعض شأن كل ضعيف، بل شأن كل قوي لا يريد أن يجازف بقوته.
قام المترجم فأحرز منزلة علية، ونال ما نال، واحكم أمر العشائر ولسان حاله ينشد:
نبني كما كانت أوائلنا ... تبني ونفعل فوق ما فعلوا
أن الوقائع التاريخية والعشائرية في ذلك العصر كانت غامضة جداً. ولذا نرى صاحب (الدوحة) لم يذكر للوزير عمر باشا من الحوادث عن سنين متعددة سوى بعض الوقائع التي تداولتها الألسن، واغفل غيرها، وقال: لم تحدث في زمنه سوى وقعة الخزاعل، ووقعة المنتفق، وأشار إلى باقي السنين أنها مضت بسكون وهدوء. هذا عدا حادثة الطاعون.
لذا لم يبق لنا أمل في العثور على وقائع المترجم: التابعة لوقائع الوزير المشار إليه. ولا لمن من سبقه. . . فاقتضى الرجوع إلى الدواوين والمجاميع. وهذه كثيرة. وتكاد تكون قد قصرت مدوناتها على مدح المترجم ومدح أولاده والثناء عليهم، مما يدل على علو المكانة. وإليك البيان:
ممن أفرد التصنيف لمدحه وإطرائه مع أولاده أبو المحامد الشيخ أحمد ابن أبي البركات الشيخ عبد الله السويدي المتوفى سنة 1210هـ (1807م) في(9/40)
ديوانه المسمى (فحام المناوي في فضائل آل الشاوي) ويقول في مقدمته ما هذا بحروفه:
(لما من الله سبحانه على الزوراء، وتفضل على من تولاها في عصرنا من الوزراء بمن نصب نفسه النفيسة لمصالح المسلمين، المسلمين أمورهم لرب العالمين، ولقضاء الحوائج، ودفع الجوائح، عن المؤمنين المؤمنين، لدعاء رب العالمين، وألزمها إكرام الملهوف، وإطعام الضيوف، فأفنى بيوت المال، وأقنى ذوي الأقلام، ورفع أعلام العلماء، وأصلح أحوال العلماء، وساء في الناس سيرة يحمدها الموال والمخاصم، ويشكرها المحارب
والمسالم، حتى أنه بلغ من الكمال غايته. ومن الإجلال نهايته، ومن المناقب أعلاها، ومن المناصب والمراتب أرفعها وأعلاها، (إلى أن يقول) كيف وقد سما بظاهر فضله، ونما بظاهر أصله، فلم يترك فضلا لمفاضل ومناوي، مولانا الأكرم عبد الله بك ابن المرحوم شاوي. الخ. . .) انتهى.
وفيها إشارة إلى أن هنالك من ينكر فضله ويندد به، وكنا نود الاطلاع على ذلك لمعرفة حقيقة الرجل وعظمته. وقد بدأ لديوان بقصيدة طويلة يثني بها على المترجم بمناسبة رجوعه من أسفاره العديدة لإصلاح أحول البصرة وفيها يبين التنكيل بسلمان، والظهر أنه شيخ كعب وهو سلمان العثمان، وكان قد ساق عليه جمعاً الوزير علي باشا في أوائل وزارته سنة (1175هـ 1761م) فسالمه وطلب العفو منه فعفا عنه.
ولا نرى في صدرنا حاجة إلى إيراد هذه القصيدة بحذافيرها ولكننا اخترنا منها بعض الأبيات وهي:
ما للزمان يود قرب فنائي ... فأشن غارة جيشه بفنائي
أو ما دراني أنني متحصن ... من كل حادثة وكل بلاء
بالشهم عبد الله ذي الفضل الذي ... ما ناله أحد من الأمراء
ومنها: (يشير إلى وقعة مع سلمان)
ولقد طغى سلمان ثاني عطفه ... يعثو الفساد بساحة الفيحاء
فأمال رأيته وأهمز خبثه ... فغدا مثالا أجوف الأحشاء(9/41)
معتل قلب غير سلمان من ... الإعلال والتعريف والاسواء
ومنها: (يعدد أوصافه)
هو قطب دائرة لكمال ومركز ... التقوى وقوس الدولة العلياء
ذو محتد ما الشمس عند ضيائه ... إلاَّ كحالك ليلة ليلاء
من آل حمير من سلالة تبع ... من آل عمرو صنو ماء سماء
آل العبيد به سموا وكذلك ... الأنباء قد تربو على الآباء
يرمي الغيوب بفكرة وقادة ... فتلوح أوجهها له بصفاء
ومدبر صعب الخطوب كأنما ... يدري صباحاً حادثات مساء. . .
ومختار هذه القصيدة يذكر له أوصافاً تعبر عن مقدرة وذكاء وشجاعة وكرم، وقد تركنا الكثير منها، وفيها جمع ناظمها مصطلحات العلوم ن صرف ونحو وكلام وفقه وحكمة بطريق المدح. ثم أثنى على أولاده وعددهم
وله قصيدة أخرى في هذا الديوان يهنئه فيها بعيد النحر قال:
شهم كأن السحاب الجون راحته ... لكنها هطلت بالبيض والصفر
إلى أن يقول:
تبارك الله ما هذا الفتى بشراً ... لكنه ملك في صورة البشر
لقد سمعنا ندى معن بن زائدة ... لكنه قيل ليس العين كالخبر
تورث الفضل من آبائه فغدا ... يسير في نهج التقوى على اثر
يدبر الخطب والأفكار قاصرة ... فيرجع الخطب خيراً غير ذي خطر
هذا والديوان كله من نظمه.
وللشيخ عبد الرحمن أفندي السويدي المتوفى سنة 1200هـ (1786م) مطلعها:
الله أكبر زاد فيك يقيني ... بك اسأل المولى الكريم يقيني
ويقول في آخرها:
لازلت محروس الجناب موفقاً ... في حفظ دنيانا وحفظ الدين
وللسيد محمد (ولم أتمكن ن معرفة هذا الرجل) قصيدة في مدحه يقول فيها:
سلكت من العلى نهجاً سوياً ... فما لسواك من نهج سوي. . .
ومنها:
نشرت لواء فضل دان كل ... لديه من دني أو قصي(9/42)
أحاديث الندى طويت لطي ... وأنت نشرتها من بعد طي
إلى أن يقول:
تغشانا من الأهوال ليل ... فكنت عليه كالصبح السني
فدم واهناً بطيب العيش ما قد ... حباك الله (بالصدر العلي)
وعش بهجاً على رغم الأعادي ... تتيه بثوب مفخرك البهي
ومن أحسن ما مدح به قصيدة لحسين أفندي العشاري المتوفى في حدود سنة 1200
محتوية على أوصاف له لم تتضح في شعر غيره، قال:
عليك أبا الغر الكرام سلام ... فأنت لكل الخائفين سلام
ألم ترهم عن مدح غيرك أمسكوا ... كما أنهم عن زاد غيرك صاموا
فأنت لهم غيث إذا شح غيثهم ... وأنت إذا زال الغمام غمام
وأنت لهم هاد إذا ضلت النهى ... ولولاك في وادي الضلال لهاموا
بك انتظم الملك الرفيع وحكمه ... ولولاك لم يظهر عليه نظام
تنور من آرائك البيض خطبه ... كأنك نور والخطوب ظلام
وان جمح الأمر الخطير رددته ... لأنك للأمر الخطير لجام
فكل إمام أنت عيبة سره ... وأنت له في الحادثات ترام
سبقت الأولى فازوا بكل كريمة ... فأنت لكل السابقين إمام
عليك الورى أثنت وعن غيرك انثنت ... فان شذ فرد ما عليه ملام
تزاحم أقوام لإدراك شأوكم ... فقصر عنه غارب وسنام. . .
أبوك الذي قد زين البيت حمير ... وعمك كهلان وجدك سام. . .
وأولادك البيض البهاليل فتية ... كرام فمنهم سادة وكرام
فهم تحفة المحتاج لله درهم ... ومنهاجهم لا يعتريه ظلام. . .
فلا البصرة الفيحاء لولاك بصرة ... ولولاك ما دار السلام سلام
قدمت فيا فخر الورى خير مقدم ... بك الحيف يجلى والكتاب يقام
إلى أن يقول:
فلا خلت الزوراء منك مدى ... فكأنها في بحر جودك عاموا
ولا برحت أقمار مجدك ترتقي ... إلى فلك الأفلاك وهي تمام(9/43)
وفيها إشارة إلى ذهابه إلى البصرة في سنة 1181، كما يستفاد من قصيدة للسيد درويش الرفاعي البصري كان مدحه بها بمناسبة قدومه مرحباً به وتاريخها في السنة المذكورة، وهو أحد نقباء البصرة على ما يظهر.
ومدحه شعراء آخرون مثل خليل بكتاش والشيخ أحمد النحوي، وقد جمع حسين أفندي العشاري مجموعة في فضائل آل الشاوي واختار ما قيل فيهم من شعر شعراء كثيرين
وأكثر من مدحه الشيخ عبد الرحمن أفندي السويدي والشيخ أحمد السويدي ولكن فحل الشعراء الشيخ كاظم الأزري فأنه حاز قصب السبق على غيره ومدحه بقصائد رنانة أبدع فيها وأجاد الوصف، وبين شمائل المترجم، فهو في الحقيقة متنبي هذا البيت وقد قصر عنه معاصروه من الشعراء بمراحل شاسعة.
ولم نتمكن من بيان وقائع المترجم اليومية. وحوادثه العظمى التي سببت انقياد الرأي العام له وتهافت الشعراء عليه لقلة المصادر إلاَّ إن نظرة سريعة إلى هذه الأشعار المقولة فيه تنبئ عن كفاية أحدثت دوياً.
ولا ينكر على المترجم أن كان له مواهب سليمة فخبر البادية، وعرف الحضارة، فسيطر على الوجهتين وتمكن من إدارة شؤون الاثنتين، فحصل على شهرة فائقة بما أبداه من مزايا فطرية مقرونة بالعلم والشجاعة والقوة. ولا يضيره سكوت الترك عن حوادثه، إذ لم يرووا عنه شيئاً مفصلا ولا بينوا عن أعماله ولا عن أعمال أبيه ما يذكر في حين أننا نراهم قصروا في تاريخ وزرائهم وتاريخ إدارتهم في العراق.
ولولا شدة الوقائع وتوترها بين الحكومة وبينه وبين ابنه سليمان بك، لما عرفنا ما يستحق الذكر؛ ولكن هذه الأشعار تشير إلى منزلة وتدل على ما وراءها فكأن الشعراء قصروا نظيمهم على مدح هذا البيت.
وأني أكتفي - خوف الإطالة - بإيراد مطالع القصائد التي نظمها الأزري في عبد الله بك مع بعض الأبيات مما بعد من قبيل بيت القصيد وأذكر موطنها من الديوان المطبوع في بومبي سنة 1320هـ قال من قصيدة ذكرت في الص 29 من ديوانه ومطلعها:(9/44)
هي الهجائن والقب السراحيب ... فاطلب بها المجد إن المجد مطلوب. . .
واعلم الناس بالعلياء مطلبه ... من حنكته بها منه التجاريب
وإن تكن جاهلا في نهج مطلبها ... فذاك نهج بعبد الله ملحوب. . .
فقل لمن بالعلى أمسى يطاوله ... لا تستوي الأكم والشم الأخاشيب
فليهنه من سماء المجد منزلة ... لها على النسر تأييد وتطييب
فساق من ماردين الماردين وقد ... ولى رجوماً عليها ساقها الحوب
وحلها بعد ما عاد الخلاف بها ... واليوم يسرح فيها الشاة والذيب
يشير إلى وقعة حدثت في ماردين. وكنت أظن لأول وهلة إنها وقعة ماردين المشهورة مع سليمان بك وان الناظم ذكرها في حقه إلاَّ أني رأيت اسمه مذكوراً فيها. والظاهر أنها عشائرية أو أنها تتعلق بالحكومة ولكن صاحب الدوحة أغفلها فلم يعلم عنها شيئاً. ولهذا لا نعرف عن هذه الوقعة تفصيلات مهمة. ولعلها حدثت قبل زمن عمر باشا الوزير وعلى كل لم نر إشارة إليها.
وله قصيدة أخرى ذكرت في الصحيفة 146 من ديوانه وفيها يشير إلى مقارعة وقد انطوت على حكم وآداب جمة، ومطلعها:
حي المدام مدام بيض الانصل ... فلكم سكرت بريقهن السلسل. . .
نعم المطية للفتى ظهر العلى ... وإذا امتطته اسافل فترجل. . .
بالمرهفات أنال إدراك المنى ... وعلى أبي الهيحاء كل معولي
ثم أطنب في مدحه وانتصاراته على أعدائه وذكر أولاده وكرامة نسبه الخ وشعره في هذه الأسرة من أطيب الشعر.
وصفوة القول انه عمر طويلا وهذا ما يظهر من الإشارة التي ذكرها صاحب الحديقة في سنة 1152هـ ومن الوقفية المؤرخة في 15 جمادى الأولى سنة 1172 مع تعديلاتها المؤرخات في 2 شعبان 1173 و 15 منه و24 ربيع الثاني سنة 1177 الصادرة في زمن القاضي محمد أمين أفندي ابن إبراهيم ونائبه مصطفى أفندي، ومن تاريخ وفاته التي وقعت في سنة 1183هـ وبقي في إمارة العشائر وإدارتهم من زمن الوالي احمد باشا ومن تلاه من الوزراء إلى أواسط أيام عمر باشا.
وقد رثاه الشعراء بقصائد عديدة ومن جملتهم الأزري فإنه رثاه بقصيدتين(9/45)
ذكرتا في ديوانه في الص 78 و93 ومطلع إحداهما:
لعمري خلت تلك الديار ولم تزل ... مطالع سعد أو مطارح جود
وأرخ وفاته بقوله:
ولما نزلت الخلد قلتُ مؤرخاً ... مقامك عبد الله دار خلود 1188
والصحيح إن المترجم ذهب إلى البصرة سنة 1181 ثم عاد وفي أثرها أي في سنة 1182 حدثت وقعة المنتفق فقتله الوزير عمر باشا سنة 1183 وذلك موافق لما جاء في الدوحة
التي تذكر إنها وقعت سنة 1182 والظاهر إن التأهبات للسفر جرت في هذا التاريخ، وموافق لما جاء في مجموعة الشاعر الأديب عمر فندي رمضان الذي ذكر انه توفي سنة 1183
وفي هذه القصيدة للازري غرر الأبيات إذ يصف فيها حالة القبيلة - قبيلة المترجم - ويستنهضها بتحريض. . . وهكذا.
وأما القصيدة الأخرى فإنها لا تقل أهمية عن سابقتها. أما القصيدة المذكورة في الص 186 من الديوان فإنها لا تخص المترجم وإن كان الناشر ذكرها سهواً بعنوان رثاء المرحوم عبد الله بك الشاوي.
أسباب قتل المترجم
وقبل إنهاء الكلام أود بيان أسباب قتله فأقول:
إن الوزير عمر باشا كان قد وزر في أواسط عام 1177هـ. وفي السنة التالية، قام بحرب الخزاعل ورئيسهم آنئذ الشيخ حمد المحمود، فأنتصر عليه وبذلك أمن غوائل آخر، وهذه طريقة يتوسل بها الوزراء حينما يتسنمون كراسي الحكم بقصد التأثير على العشائر الأخر. وفي تلك الإثناء وقعت نفرة بين متسلم البصرة وهو سليمان آغا وبين الشيخ عبد الله بن محمد المانع زعيم المنتفق فأرسل الوزير عمر باشا عبد الله بك الشاوي لينصحه فيعدل عن خطته، وقد مرت الإشارة إلى ذلك - فوصل البصرة سنة 1181 هـ وجمع الخصمين في قصبة الزبير (رض) فأبدى الشيخ انتصاحه وبهذه الصورة وفق بينهما فرجع وقد مرت(9/46)
القصائد المقولة عند رجوعه، إلاّ إن متسلم البصرة - كما وصفه صاحب الدوحة - كان سريع الغضب ونعت الشيخ عبد الله بأنه كان معانداً، (واعتقد أن هذا مبالغة لأنه تقرب للصلح) ولذا لم تدم الألفة بينهما. وهذا ما دعا الوزير إلى إن يقوم بحرب المنتفق.
فجهز جيشاً وذهب بنفسه حتى وصل إلى محل يسمى: (أُم الحنطة) من أراضي العرجاء. وحينئذ رأى الشيخ عبد الله المنتفقي أن لا قدرة له في المقاومة فضرب في البادية.
أما الوزير فإنه كان يخشى نفوذ عبد الله بك واتساع شهرته إذ رأى الشعراء يلهجون به، وتحقق تزايد نفوذه وقوة أمره حتى ظهرت الحالة جلية. .، ولكنه لم يجد طريقاً إلى الوقيعة به حذراً من حدوث ما لا تحمد عقباه، وأولاده عصبة قوية فكتم ذلك. ثم أتخذ الموافقة على
الصلح ونكث حبله من قبل شيخ المنتفق، وما أبلغه أعداء عبد الله بك الشاوي عنه - وهم كثيرون والوزير أكبرهم خطراً وأشدهم نكاية - وسيلة إلى تحقيق أُمنية. فأبدى أن قد تم أمر بين الشاوي وبين الشيخ عبد الله فدبراه ليلاً على الحكومة للقيام عليها، وإن عبد الله بك هو الذي أوعز إلى الشيخ عبد الله المنتفقي بالفرار من وجه الوزير.
وجد الوزير كل ذلك من المبررات واظهر القسم الأخير من مدعاة كل الإظهار واعتبر إن هناك خيانة ولا بد من معاقبة الخائن فاعتمد على جيشه ليحافظ على مكانته، ونفوذ حكومته. ولما رأى أن شيخ المنتفق لم يستطع مقارعته قبض على عبد الله بك الشاوي فقتله في (أُم الحنطة). . وقد ذكر صاحب الدوحة هذه الوقعة في حوادث سنة 1182 وهي - على ما يظهر لنا سنة التعبئة أو أن الخبر يرد لم إلاَّ في سنة 1183.
ولا ينكر من صاحب الدوحة أن ينسب الخيانة إلى عبد الله بك الشاوي تبريراً لعمل الوزير، ومراعاة لسياسة الحكومة، وجرياً على خطتها، وهو أمر معهود في مؤرخي الحكومة آنئذ، إذ لم يروا إدارة حازمة سوى إدارتها(9/47)
وهذا مما يجب أن لا يغفل التنبيه عليه.
وفي هذه الأثناء ورد إلى بغداد خبر قتل الموما إليه، فنهض من أولاده الحاج سليمان بك، وسلطان بك، وجميع أبناء عشيرة العبيد وقاموا في وجه الحكومة أخذاً بالثار واحتشدوا في دجيل ورتبوا وسائل الاضطراب والاختلال. قال صاحب الدوحة: أنهم قطعوا السوابل، وسلكوا طريق النهب، وأزعجوا راحة العباد.
وحينئذ سارع الوزير إلى العودة إلى بغداد فقطع مسافة عشرين مرحلة في سبع أو ثمان للخطر الذي داهمه من جراء هذه الحادثة، فوصل بغداد على حين غرة ونزل (المنطقة) في جانب الكرخ، وفاجأ المتجمهرين ففرقهم وأحمد عائلتهم، ولكن سليمان بك تمكن من الهرب والنجاة. أما سلطان بك فقبض عليه وجيء به إلى الوزير فهجم عليه وسل خنجره فضربه به، ومن ثم قتل.
هذا ولا يعول على ما قصه صاحب غاية المرام عن حوادث هذه السنة أي سنة 1183 فقد ذهب إلى أن عرب كعب الخزاعل عصوا على الحكومة فحاربهما عمر باشا، ولما عاد منصوراً ظهرت له خيانة من عبد الله بك الشاوي فقتله وقتل ولده سلطان بك، وأقام مكان
عبد الله بك ولده الحاج سليمان بك الخ. . فهذا غير صحيح وان كانت السنة صحيحة فالواقعة مغلوط فيها لبعد الكاتب عن بغداد، وأما إقامة ابنه سليمان بك مقامه فهذا غير مستبعد ولك الظاهر أن ذلك تم بعد هذه الواقعة بسنين، وبعد انتهاء أمدها والعفو عمن غضب عليهم.
قلنا. ومن معاصري عبد الله بك: الشعراء الذين أشرت إلى أسمائهم في صدر هذا المقال وهؤلاء الآتية أسماؤهم ممن كانوا شهود الوقفية:
1 - الحاج محمد ابن الحاج عمر الراوي - 2 - والملا علي بن حسين الشواف - 3 - والسيد يونس الآلوسي - 4 - وعبوس العبد القادر الشاوي - 5 - والملا أحمد بن تمر الجبوري - 6 - وحمد سعيد أفندي السويدي - 7 - وعبد الرحمن أفندي السويدي - 8 - وعبد الله أفندي السويدي - 9 - ومصطفى ابن الحاج محمد خليل. وغيرهم كثيرون، وقد ترك المترجم أولاداً نرجئ الكلام عليهم إلى مقال آخر. والله الموفق.
المحامي: عباس العزاوي(9/48)
فوائد لغويةٌ
في مجلة المجمع العلمي العربي
آراء في إصلاح نشوار المحاضرة وفي غيره
1 - ورد في ص 605 من الجزء العاشر لسنة 1930 (ولا يا أبا بكر - أعزك الله - هذا قول من (؟) من المسلمين تقدمكم) قال الأب أنستاس ماري الكرملي (لا حاجة للكاتب أن يضع هذه العلامة هنا، والمعنى ظاهر وهو: قول من من المسلمين، وهو صحيح فصيح) وقد أراد الأب أن (من) الأول: اسم موصول وان (من) الثانية: حرف جر، وذلك هو الوجه الذي جهله المجمعيون وغيرهم، إلاَّ أنه يكثر مجيئه مع الاستفهام. كقوله تعالى في سورة يونس: (قل: هل من شركائكم من يهدي إلى الحق؟) بتقدم الجار على الفعل ومع التقليل والتبعيض، كقوله تعالى: (ومنهم من يؤمن به ومنهم من لا يؤمن به وربك أعلم بالمفسدين) فالأولى في تعبير النشوار: (قول من تقدمكم من المسلمين).
2 - وجاء في ص 605 أيضاً: (وإنه لمن إحدى المناقب إذ كنت أقول فيه) والصواب (أن كنت أقول فيه) لأن (أن) المصدرية والفعل بعدها مؤولان بمصدر مرفوع بالابتداء مبتدأ متأخر، والجار والمجرور خبر متقدم (على أحسن القولين المشهورين).
3 - وورد في ص 607 (لما وقف من كتاب صاحب الخبر (على) أن أم سليمان ماتت ببغداد) فظهر لنا أن العلامة الجليل (مرجليوث) زاد في الجملة (على) وحصرها بين قوسين ولا حاجة بالعبارة إلى هذه الزيادة، لأن حذف الجار قبل (أن) بتشديد النون وفتحها جائز.(9/49)
وقد كتبنا تعليل هذا القول في هذه المجلة 7: 167 وفي مواطن أخر عديدة من السنة المذكورة والمجلدات السابقة.
4 - وجاء فيها أيضاً (وسعى لابن عبد الحميد كاتب السيدة بالوزارة). قال الأب انستاس: (لعلها: كانت السدة) قلنا: والأولى (كاتب السلة) وتطلق عند المولدين على مجمع المسودات، قال ابن خلكان في ترجمة طاهر بن احمد بن بابشاذ النحوي من الوفيات:
(وجمع في حال انقطاعه سلة كبيرة في النحو، قيل إنها لو بيضت قاربت خمس عشرة مجلدة) وقد ورد تعبير (كاتب السلة) في تاريخ الحوادث الجامعة غير مرة، فليراجع.
5 - وردت في هذه الصفحة بعينها: (فاغتنم لذلك وبدأ فكتب إليه). فعلق المجمعيون ب (بدا) ما صورته: (لعل الأصل: بدا له) قلنا: والأوفق الأولى (وندم) لان المقام مقام حزن وأسف وندم.
6 - وورد في ص 608 (فتقضي لبانات وتشفي حسائك) والصواب (فتقضي لبانات وتشفى حسائك) على حسب قاعدتهم أي بإهمال تنقيط ياءي فتفضى وتشفى.
7 - وفيها أيضاً (عزمت عليك يا أبا العباس ما رجعت) وما ادري كيف قرأ المجمعيون والعلامة مرجليوث هذه العبارة؛ فأبقوها على حالها التي ترى. لانّ ذوق العربي يأبى إلا أنْ يقال (لما رجعت)؛ لان الجملة شبه جواب قسم. قال ابن هشام في شرح قطر الندى: (وأما) (الما) فإنها في العربية على ثلاثة أقسام، نافية. . . وإيجابية بمنزلة إلا، نحو قولهم: عزمت عليك لما فعلت كذا أي إلا فعلت كذا أي ما اطلب منك ألا فعل كذا) فهذا برهان ما قدمنا من الإصلاح.
8 - وجاء في ص 611 (فقالوا. . . ليس بها من يكون هذا عنده إلا العامل)، والصواب: (ليس بنا)
لأنهم كانوا يتكلمون على أنفسهم، ولا مرجع للهاء في (بها) حتى يتخرج به وجه لذلك التعبير الذي تقدم.
9 - وفيها: (وسلم أبو علي من صلاته فقال لنا: لا يهوسكم) فالحق به العلامة مرجليوث: (لعله. لا يهولنكم) وليس الأمر على ما أرتآه لأن الأصل صواب ومعناه: (لا يحملكم على الهوس) أي الحيرة والاضطراب، لأنهم رأوا(9/50)
الطعام الموصوف في الحديث صعب المنال، فكيف ناله واحد منهم مثلهم وهم لا ينالونه. ولا يجوز الاستبدال بالأصل إذا تخرج على وجه مقبول.
10 - وورد في ص 612: (فانحدرت إليه وسألته عن منزله، فأرشدت فدخلت إليه وإذا هو جالس). فعلق به المجمعيون (كذا في الأصل، والظاهر: (إليها وسألته) فهم - وفقهم الله - أصلحوا الصواب واستصلحوا الخطأ، ذلك لأن الهاء في (إليه) لا يجب رجوعها إلى
البلد فيجوز عودها إلى الإنسان، ولآن الهاء في (سألته) زائدة ظاهرة الزيادة جداً، فالباحث المذكور عن الجاحظ ليراه كيف يسأله عن منزله ثم يرشد فيجد الجاحظ جالساً فيكلمه، ولا يستقيم المعنى أبداً إلاَّ بما ذكرنا. ولولاه لبقي الكلام مضحكا ظاهر التصحيف.
11 - وفيها: (فقد اشتملت على خصائل أربع). فقال المجمعيون: (كذا في الأصل ولم نجد خصائل بهذا المعنى فالظاهر، خصال كما في ياقوت) قال الأب انستاس: (فعلة على فعائل وارد) قلنا: ومما شابه الخصلة في الجمع هذا (حاجة حوائج)، (وحافة حوائف، ورخصة رخائص) و (شبة شبائب). (وضرة ضرائر) و (كنة كنائن). وغير المفتوح العين كثير منه: المرة والحرة.
12 - وجاء في ص 612: (إن ملوك الهند يغالون في الأفيلة) فقال المجمعيون أيضاً: (جمع الفيل: أفيال وفيول وفيلة، ولا يقال أفيلة). قلنا: إن علمهم علم ساعة كما إن في السموم سم ساعة، وقد اعتمدوا في قولهم هذا على مثل قول المختار: (الفيل معروف والجمع أفيال وفيول وفيلة بوزن عنبة ولا بقل: أفيلة)؛ ولكنه قال في مادة ق ف ا (القفا مقصور: مؤخر العنق يذكر ويؤنث، والجمع قفي بالضم واقفاء وأقفية وهو على غير قياس لأنه جمع الممدود كأكسية) وقال في مادة: ن د ي (والندى: المطر والبلل وجمعه أنداء وقد جمع على أندية وهو شاذ لأنه جمع الممدود كأكسية) فتراه لم يقل): ولا تقل أقفية وأندية). والتحقيق عند أهل العلم أن (فيلا على أفيلة) صوب لأنه مقيس ففي (2: 213) من المزهر ما نصه (وقال في الجمهرة: جمع فعل على أفعلة في المعتل أجازه النحويون ولم تتكلم به العرب مثل رحى وأرحية،(9/51)
وندى وأندية، وقفا واقفية، قال أبو عثمان: سألت الأخفش (لم جمعت ندى على أندية؟ فقال: ندى على وزن فعل وجمل في وزن فعل فجمعت جملا جمالا فصار في وزن نداء فجمعت نداء أندية) قلنا: فالفيل وان لم يكن مفتوح العين فهو محمول على هذا الباب لاعتلاله، فضلا عن إن الأخفش بقوله هذا أجاز قاعدة (جمع الجمع والجمع بالحمل عليها) فاحفظه، وتأويل ذلك إن (فيلا) هناك جمع على (فيال) نحو (زق زقاق) و (وشبل شبال) و (عجل عجال) و (عطف عطاف) و (ظل ظلال) و (فعل فعال) و (فلو فلاء) و (قدح قداح) و (قط قطاط) و (قطع قطاع) و (قطف قطاف) و (قلع قلاع) و (كعم كعام) و (ملح للاح) و (لئم لئام) و (لهب لهاب) و (مطو مطاء) و (نبر نبار) و (نيق نياق)
ثم جمع (الفيال) المقيس على (أفيلة) وهذا لا يعرف بعلم ساعة بل بعلم دائم يستضيء بالعقل أن أعجزه النقل. هذا فصلا عن أن دوزي ذكر أن الأفيلة وردت في كليلة ودمنة للمقفع، وفي الأصول العبرية لأبي الوليد مروان بن جانة، وفي مختصر الدول لابن العبري وغيرهم.
13 - وجاء في ص 612 (يتغرب فيه الفيل) والصواب (يتقرب) فهو المراد.
14 - وجاء في ص 614 (ويرعيان في موضع فيالها والفيالون مختبون) قال العلامة مرجليوث (لعله: وفيالها) قلنا: وأين يبقى (الفيالون)؟ وكيف يظهر فيال واحد والفيالون مختبئون شهراً؟ وما المراد بهذا الاختباء سوى استئناس الفيل الوحشي بأن لا يرى بشراً؟ فالصواب (فيألفها) وتوضح هذا بقوله بعد ذلك (باستحكام الألفة) وما عداه فخطأ محض لا يمكن توجيهه.(9/52)
15 - وفيها: فإذا كان بعد شهر أقل أو أكثر) قال المجمعيون: (لعله أو أقل) قلنا: قد فهمنا المراد بالإصلاح ولكن لم نعرف انه يشمل حذف كلمات بلا سبب فان الأصل عين الصواب، لأن المدة أن كانت مرة تجاوز الشهر وطوراً تقل عنه قيل (شهر أو كثر) فليحفظ.
16 - وفيها: (فإذا رأى الناس بعر فيرجع إليه فيرده). قال المجمعيون (كذا بالأصل والجملة محرفه) قلنا: ليس لها وجه سوى أنّ يكون (نفر) (من النفور) بدلا من (بعر).
17 - وفيها: (ويقيمونه الفيالون أياماّ كذلك) وقد علق به المجمعيون: (الظاهر: ويقيم) فنقول لهم وما الظاهر في قوله تعالى: (واسروا النجوى الذين ظلموا)، وقوله (ثم عموا وصموا كثير منهم) فان كان في القران جائزاّ جاز في غيره ولا يجب العكس وهذه اللغة لغة طيئ ومن تكلم على لغة لا تجوز تخطئته فتنبه على سعة العربية ولنا أن نقيس شعرنا على شعر القدماء ومنثورنا على منثورهم.
18 - وجاء في ص 615: (ولا أن يطرح ثقله على شيء ليساوي أحرانه في التقييد إليها) فقال المجمعيون: (الظاهر: أجرامه. جمع جرم بمعنى الجسم وجمع كأنه صير كل جزء جرماً) فنقول لهم: وما معناه بعد إصلاحكم المتكلف فان المصلح يجب أن يحافظ على المعنى أولا وعلى اللفظ ثانياً، فبالمعنى يستخرج اللفظ أكثر مما يستخرج المعني به،
ولكوني فاهماً معنى الجملة، عرفت إن الأصل (لتساوي أجزائه) لا (ليساوي أجرامه) وتلخيص الأمر وشرحه إن الفيل الوحشي إذا وقفه الفيالون بين الأوتاد الأربعة وقيدوه إليها لا يمكنه أن يطرح ثقله على وتد منها فيحطمه لأنه متساوي الأجزاء في التقييد إليها، فهو مربوط ربطاً هندسياً لا يدعه يميل.
19 - وفيها: (فأطعموه إياه بأن يرموا إليه من بعد فللجوع (ما) يأكله ولا يزالون) وإضافة (ما) قد أفسدت المعنى والتعبير؛ فما ندري كيف أضافها مرجليوث العلامة ولا نعلم ما الذي حمله على إضافتها. والأصل صواب وما عداه فخطأ ولو كان الأمر مشكلا، لأعذر الواهم، ولكنه واضح جد الوضوح،(9/53)
فقوله (للجوع) يدل على أنه يأكله، والذي أوقع مرجليوث في هذا الوهم، هو ما جاء بعد هذا ونصه: (حتى يأكله من أيديهم. مع أن الفرق ظاهر بين أن يأكله من بعد، وان يأكله من أيديهم، وأكله إياه من أيدهم لا ينفي أكله من بعد أول الأمر، فالزيادة أذن زائدة والحق مبين للمنصف.
20 - وورد في ص 616: (وهم فوقه فيمشي ويصرفونه بحسب ما يصرفونه عليه). فعلق المجمعيون ب (يصرفونه) ما نصه: (كذا في الأصل) وهذا دليل أنهم رأوا خللا في التعبير، والعربي الذوق لا يرى فيه خللا بل يراه كلاماً عربياً ناصعاً، لأنه من (صرفه تصريفاً) بمعنى حركه وجهه. قال تعالى في الماء بسورة الفرقان: (ولقد صرفاه ينهم ليذكروا فأبى أكثر الناس إلا كفورا) وقال في سورة الأحقاف: (ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى، وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون). وقال في سورة البقرة: (وتصريف الرياح والسحاب المسخر بين السماء والأرض). والأمر واضح.
21 - وجاء فيها (الفضل بن باهماد أفي السير بها) ولعل الأصل (السيرافي بها) أي بسيراف.
22 - وورد في ص 618 (فقلت: استعملني باجرة تعطنيها) بجزم الفعل (تعطي) وهو خطأ لأنه لم يرد به الجزاء ولا يجوز أن يراد به، قال الزمخشري في المفصل: (وإن لم تقصد الجزاء فرفعت كان المرفوع على أحد ثلاثة أوجه أما صفة كقوله تعالى: (فهب لي من لدنك ولياً يرثني) أو حالا كقوله تعالى: (ونذرهم في طغيانهم يعمهون) أو قطعاً واستئنافاً كقولك: (لا تذهب به تغلب عليه) و (قم يدعوك) ومنه بيت الكتاب: (وقال رائدهم
ارسوا نزاولها) والوجه في قول النشوار الوصف لأن الجمل بعد النكرات صفات لها فالفعل مرفوع.
23 - وفي ص 619 (ابن ذلك المتوفي) والصواب المتوفى بإهمال الياء والله المتوفي والموت يقال فيه (المتوفي) أيضاً كما جاء في القرآن المجيد.
24 - وفي ص 620 (مما تتوهمه واستشعره) والصواب (توهمه) فكلاهما متعاطف وكلاهما ماض مسند إلى غائب.
مصطفى جواد(9/54)
باب المكاتبة والمذاكرة
خيالات الصراف!
جاء في (صدى الوطن) الجريدة البغدادية الجريئة في عددها أل 18 الصادر في 15 ك 1 سنه 1930 ما هذا نصه بحروفه:
(بالرغم مما عرف به احمد حامد الصراف من سعة الخيال وكثرة الاختلاق فلم يكن معروفاً عنه بلوغ هذه الدرجة في تصوير حوادث ليس لها اثر إلا في مخيلات الروائيين والقصصيين ونحسب أنّ الصراف منهم، إنّ لم يكن يفوتهم في متانة (الرتوش)، الذي يضعه على القصة، فيخرجها حقيقة واقعة تنطلي على الذين لا يعرفون من أخلاق الصراف إلا حديث الحلو. وابتسامته المصطنعة، كما انطلى على أدباء القدس، (ومحرري جريدة الحياة) حديث خرافة، لا ندري إذا كان وقع في العراق في هذا العصر، أو أنه يرجع بذاكرته إلى العصور السابقة ونحن ننشر هذه القطعة (للفن) الذي فيها، ذلك الفن الذي عرف به الصراف وإليكها:
(نظمت عقدنا جلسة أدبية وكنا أربعة: أديب العربية أستاذنا النشاشيبي، والأديب العراقي أحمد حامد الصراف، والأستاذ تيسير الدوجي، وكاتب هذه السطور. فكانت هناك خبرتان: بيان النشاشيبي، وأديب العراق. وما لنا من سكرين من بد. وتحدث الأستاذ الصراف عن أبي نواس والزهاوي بلهجته العراقية الجميلة، راوياً لنا هذه القصة الرائعة. قال أمتعنا الله بأدبه: بينما كان أحد الحفارين ينقب في ضاحية من ضواحي بغداد، إذا به يعثر على حجر رخامي طويل، أزال ما كان عالقاً عليه من التراب، فرأى عليها خطاً كوفياً فقرأ الرؤساء الكتابة، وإذا هي: (هذا قبر الحسن بن هانئ المشهور بأبي نواس).(9/55)
فاخبروا أولي الأمر فأمر هؤلاء بالاحتفاظ بهذا الكنز الثمين، حتى يقوموا بإحياء ذكرى أبي نواس العزيزة، ذكرى المرح، والهوى، والشعر، والشباب.
وما سمع الزهاوي شيخ الشعراء وفيلسوفهم، بهذا النبأ حتى دوى صوته في أجواء بغداد فرددته النوادي الأدبية العراقية، وإذا بأربعين شخصاً بين أديب وشاعر، يلتفون حول شيخهم، فتقدمهم قائلا: (يجب أن نحج إلى قبر النواسي على الأقدام). وزحف هذا الجمع،
وعلى رأسهم بلبل الرافدين وشيخ الصناعتين، وهو الشيخ الوقور الجليل، الذي رمى الزمان رجله بالشلل، بعد ما غمره بالارزاء، فما لين منه قناة صليبة، ولا صوح الألم والشجن نفسه، فهي ما برحت غضة ريانة (كذا) بالأحلام والأماني، كنفس فتى في ريعان الشباب، وفجر الحياة.
وكان هذا الزحف المجيد، أقدس تعظيم، وأكبر تمجيد، فإذا اعتور الزهاوي نصب، جدد نشاطه، وقوته المحطمة، ولم شبابه المتهدم، باستراحته على كرسي محمول مع القوم؛ ثم عاود المسير مع الجمع، وما أن بلغوا المقام حتى وقف السفر المحتشد حوالي القبر خشعاً أبصارهم، وشعروا كأن عطر المكان، أفعم نواحي نفوسهم رقة، وحناناً، وخيل إليهم أن شعر النواسي لم يزل ينفح عطراً وأريجاً دونه عطر العرائس، وأريج الأزهار.
وانتصب فيلسوف العراق، وشاعرها الكبير. واقفاً على حافة الرمس منشداً شعره الحي، مهتاجاً موصياً أن يدفن والنواسي جنباً إلى جنب، وكان يلمح الراؤون حينذاك، في غضون طلعته البهية، صور الهوى العافي، ورؤى الشباب الدائر، ومتسع الماضي الزائل).
وانتهى أستاذنا الصراف من قصته الممتعة، وغرقنا في لذة ونشو، وأرسلنا تحية الإجلال، والحب، إلى الزهاوي، شيخ الشعراء، وفيلسوف الشعراء) أهـ.
إلى (يقظان)
ابتلينا برجل كانت مهنة آبائه نقر الرخام فاستصعبها فعدل عنها إلى معالجة الأدب، ولم يحتفظ من تلك الصناعة إلاَّ بالنقر، نقر الناس، حيثما صادفهم، وقد أغرم بمطالعة مجلتنا إذ يقف على كل ما يكتب فيها مفلياً كل عبارة من(9/56)
عباراتها، فإذا رأى فيها ما ينقر، نقره، لا بمنقار الطائر، بل بمنقار الرخام (المعروف عند العوام المتتركين بالمرمرجي). وقد عالج مراراً ردوداً على هذه المجلة فانقلبت عليه ويلا وثبوراً، فكانت كل نقرة ردت إليه آذته لأنها ردت إلى صدره من باب الارتكاس. فكان ينتبه من غفلته، أو نومته، فيسكت قابعاً زمناً في مكمنه. وقد عاد في 24 أيلول إلى النقر مرة أخرى، وخيل إليه هذه الدفعة أن نقرته هذه تفلق صفاتنا وتظهر غلبته وفوزه، إذ يدعي إن البحث الذي يتعرض له هذه الكرة هو من خصائصه التي تفرد بها دون غيره ولهذا وقع رده بقوله: (يقظان). فما وقع نظرنا على العنوان الذي وسم به مقاله وهو (كلمة (توراة) وشطط بعضهم) حتى عرفنا
صاحبه، ولما رأينا في ذيله (يقظان) قلنا: هذا صاحبنا النكرة إذ ليس في بلادنا، من المتبجحين، المتصلفين، المعجبين بأنفسهم سوى هذا الرجل المطرمذ، ولما وقفنا على كلامه، قلنا: قد برز الثعيلب من مكمنه:
عنون هذا الرجل مقاله بما يشم منه رائحة جهل الغير وعلمه الشهير، وذيله بما يشعر انه هو (اليقظان) ومن سواه غافل نائم. فهل بعد هذا الادعاء الفارغ ادعاء افرغ منه؟
قال الرجل النكرة عن مقالتنا (ترجمات التوراة) (لغة العرب 8: 665 وما يليها): (للمقال عنوان عربي وهو: (ترجمات التوراة) وعنوان فرنسي وهو: فقد جاء العنوان الفرنجي صحيحاً. . . وظهر العنوان العربي بعيداً عن الصواب لكونه أوسع من الموضوع. فان عبارة (ترجمات التوراة) لا تعني الترجمات العربية بل جميع الترجمات إلى مختلف اللغات. . . وهذا من الغرابة بمكان في من يدعي (الإمامة والعصمة في اللغة العربية). . . ثم هناك شطط آخر، بل ظلال (كذا) علمي (كذا) أقبح وهو (كذا) أن كلمة (توراة) أطلقت في المقال بنوع لا تنطبق معه على المسمى المراد ولا تقابل لفظة. . توراة تعني. . . كتب موسى الخمسة وأحياناً من باب الإطلاق على (كذا) جميع كتب (اليهود) المنزلة، أما عند المسيحيين فالأسفار الإلهية مقسومة إلى قسمين كبيرين. . . العهد القديم. والعهد الجديد. . ويطلق(9/57)
على (العهدين معاً) اسم شامل هو (الكتاب) أو (الكتاب المقدس) أو (الكتب المقدسة). وعند الغربيين يقال: أو
هذا ملخص ما جاء في كلام النقار النفاج وقد حذفنا منه عبارات السب والشتم والادعاء الباطل والصلف والعجب تاركيها لنفسه. فنقول:
قوله (التوراة) غير (الكتاب) وهذا غير تلك يكذبه جميع علماء العرب (غير ملتفتين إلى علماء اليهود والغربيين والآراميين) إذ هذا الأمر يخرجنا عن موضوعنا، ونحن نذكر هنا الشواهد مفصلة، لا كما يفعل هو إذ ينكر الأمور ولا يستشهد عالماً ولا كاتباً ولا ولا ولا.
أما إن التوراة هي الكتاب والكتاب هو التوراة خلافاً لما زعم، فصريح الورود في كتب التفسير. قال ابن جرير الطبري المتوفى سنه 310هـ (922م) في كتابه جامع البيان 3: 145 من طبعة بولاق الأميرية في سنه 1324م في تأويل هذه الآية: (ألم تر إلى الذين أوتوا نصيباً من الكتاب يدعون إلى كتاب الله ليحكم بينهم ثم يتولى فريق منهم وهم
معرضون). . . أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصواب أن يقال أن الله جل ثناؤه أخبر عن طائفة من اليهود الذين كانوا بين ظهراني مهاجر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في عهده ممن قد أوتي علماً بالتوراة أنهم دعوا إلى (كتاب الله) الذين يقرون أنه من عند الله وهو (التوراة) في بعض ما تنازعوا فيه. هم ورسول الله - صلى الله عليه وسلم -. . . وإنما قلنا أن ذلك الكتاب هو التوراة لأنهم كانوا بالقرآن مكذبين وبالتوراة بزعمهم مصدقين. . .) أهـ وقد كرر مثل هذا التعبير مراراً لا تحصى مسمياً الكتاب التوراة والتوراة الكتاب. - وقال قبل ذلك تفسيراً لهذه الآية: (إن الذين يكفرون بآيات الله ويقتلون النبيين بغير حق) يعني بذلك جل ثناؤه: إن الذين يكفرون بآيات الله أي يجحدون حجج الله وأعلامه فيكذبون بها من أهل الكتابين التوراة والإنجيل) أهـ (3: 144).
فقد رأيت من هذا النص الجلي إن التوراة هي الكتاب والإنجيل هو الكتاب. فالكتاب اسم جامع يطلق على كل من العهدين القديم والجديد. كما أن لفظة (التوراة) وحدها تعني ذلك عند النصارى على ما في دائرة المعارف للبستاني.
فالطبري مسلم من أهل المائة الرابعة للهجرة (والنكرة) من أبناء(9/58)
النصارى في المائة العشرين. المسلم عرف اصطلاح اليهود والنصارى. والمسيحي جهل مصطلح آبائه وأجداده. فماذا يحكم في رجل يتعرض لمما لا يعنيه. أليس من الحق أن نقول له: ليس هذا بعشك فادرجي، وأن أنفك في السماء وا. . . في الماء؟
هذا في نظر أهل التفسير والتأويل من الأقدمين. وأما اللغويون من (العرب) (لا من الدخلاء الشعوبية) فلا يقولون: إلاَّ قولهم. جاء في تاج العروس في مادة ك ت ب: (الكتاب: التوراة. وكذا في القاموس وجميع كتب اللغة لأصحابها المسلمين. وكذا يقال عن النصارى. قال في محيط المحيط في مادة ت ور: التوراة والتورية: أسفار موسى الخمسة معرب ثوره بالعبرانية ومعناها شريعة ووصية ج توراة (كذا) وتوريات. ويطلق على العهد القديم كله وربما أطلقت على مجموع العهدين. أهـ
وفي الفرائد الدرية في اللغتين الفرنسية والعربية للأب بلو اليسوعي جاءت كلمة منقولة إلى العربية هكذا: التوراة، الكتاب المقدس، أهـ ومثل هذه الشواهد لا تعد ولا تحصى، وإنما اجتزأنا بما ذكرنا تخفيفاً لهذا العبء على المطالع، فمن أنت يا أيها النكرة بعد هؤلاء
العلماء والأعلام؟ ولو كان لك أدنى غيرة على شرفك وشرف الرتبة التي تنتسب إليها لكسرت قلمك إلى أبد الدهر ولعدت إلى مهنة آبائك الأولى التي لا تزال تعطف عليها بالفطرة التي فطرت عليها، ولما عالجت بحثاً لست أنت من أهله في شيء كما اتضح سابقاً مما تعرضت له من الموضوعات، وما تعرضت له الآن فانكشفت عيوبك للجميع وبان ما أنت عليه من الجهل والاختلاط. إذن ليس هذا بعشك فادرجي).
فما كان أغناك عن هذه الفضيحة التي فضحت بها نفسك عند قدومك إلى زورائنا فشابهت بعملك هذا عمل الظربان في الغنم.
وأما مخالفتنا بين العنوانين العربي والإفرنجي في ما نحرره ويحرره غيرنا، فلان العنوان العربي للعرب الذين يفهمون من أدنى إشارة، والعنوان الإفرنجي هو لأبناء الغرب ولمن كان غليظ الفهم. والعربي يفهم إذا قلنا له: أترجم لك كلام هذا الأجنبي. إذ معناه: أنقله لك بلسان عدنان. فلا حاجة لنا بعد ذلك(9/59)
إلى أن نزيده إيضاحاً فنقول له: أترجم لك كلام هذا الأجنبي إلى اللسان العربي، لكن هذا الأمر وأمثاله تفوت هذا الشعوبي، الغريب العنصر، والدم، واللسان، فلا عتب علينا بعد هذا إن قلنا:
ولو أني بليت بهاشمي ... خؤولته بنو عبد المدان
لهان عليّ ما ألقى ولكن ... تعالوا وانظروا بمن ابتلاني
الخلاصة
جاءت التوراة عند اليهود بمعنى أسفار موسى الخمسة، ثم أطلقوها بعد ذلك على أسفار الأنبياء وجميع الكتب المنزلة عندهم، ولما جاء النصارى أطلقوها على أسفارهم أيضاً، لأنهم يعتبرون أسفار اليهود كتاباً واحداً مقسوماً إلى عهدين قديم وجديد. وهذا رأي علماء المسلمين وعلماء النصارى، إذ عرفوا التوراة بالكتاب والكتاب بالتوراة. ومن كان جاهلا هذا الأمور التمهيدية فهو ابتر لا غير.
في 24 أيلول 1930.
نظرات
بينما كنت أطالع بعض المجلدات من لغة العرب وقع ناظري على هنوات، أذكرها في ما
يلي مع تصحيحها؛ كما أورد بعض الفوائد أيضاً:
ذكر في 5: 334 أسماء مطابع بغداد ولم يذكر في ضمنها: الآداب، والعصرية.
(ل. ع) لم تكونا يومئذ وكانتا اتخذتا أسمين آخرين فلا معنى لهذه الملاحظة.
وفي ص 365 س 18: (ولكن كيف تأتي أن يهابه أناس لم يعاصروه)، هذه العبارة سقيمة ولم يتحصل منها معنى مقبول.
(ل. ع) العبارة خالية من كل غبار ولا نعلم وجه الاعتراض إذ معناها كيف اتفق أن يهابه أناس لم يعاصروه.
وفي السطر العشرين من الصفحة المذكورة: (وما علاقة ذلك في البلاغة) والفصيح: وما علاقة ذلك بالبلاغة.
(ل. ع) هذا الغلط مصحح في باب التصويبات ص 142 من الفهارس.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي(9/60)
أسئلة وأجوبة
النقود العراقية الجديدة
س - بغداد - أ. ل. طالعنا في صحف العاصمة أن ستضرب حكومتنا نقوداً جديدة وأسماؤها: دينار ودرهم ودانق وقرش أو غرش وفلس. أهذه ألفاظ عربية؟ - وان لم تكن عربية فأي ألفاظ كان يحسن أن تتخذ بدلها؟
ج - الدينار من اللاتينية والدرهم من اليونانية والدانق من الفارسية دانه، والقرش أو الغرش من الألمانية والفلس من اليونانية وكان الأحسن أن يوضع للنقود الجديدة أسماء عربية كأن يسمى الدينار (فيصلياً) والدرهم (غازياً أو غازوياً) وهلم جرا، باتخاذ أسماء من في بيت ملكنا المعظم، أو أن يوضع لها أسماء المدن الكبرى العراقية باتباع رفعة شأنها، فيسمى الدينار (بغدادياً) والدرهم (بصرياً) والدانق (نجفياً) والقرش (موصلياً) والفلس (كربلياً) أو (كربلاوياً) إلى ما ضاهى هذا الوضع على ما جاء من هذا القبيل في صدر الإسلام إذ سموا (هرقلية) و (قوقية) (والصواب فوقية بفاء في الأول) الدراهم المضروبة في عهد (هرقل وقوق أو فوقا). والدراهم البغلية منسوبة إلى رجل اسمه رأس البغل. وذكر في صدر الإسلام: (الأصبهبذية) لنوع من دراهم العراق. ومنها (الغطريفية) قال ياقوت في مادة بخارا: وكان لهم درهم يسمونها الغطريفية من حديد وصفر وآنك وغير ذلك من جواهر مختلفة. وقد ركبت، فلا تجوز هذه الدراهم إلا في بخارا ونواحيها وحدها. وكان سكتها تصاوير وهي من ضرب الإسلام. وكانت لهم دراهم أخر تسمى (المسسيبية) و (المحمدية) جميعها من ضرب الإسلام) أهـ.
أذن لنغير بلك الأسماء الأعجمية ولنا سعة في الوقت لاستدراك ما فاتنا.(9/61)
باب المشارفة والانتقاد
1 - ذكرى السويدي
مثل يوسف السويدي لا يستحق أن يخلد اسمه في كتاب، بل يستحق أن يقام له أيضاً نصب لما عانى من الرزايا في حب وطنه والدفاع عنه في كل حين. ولذا فإننا نشكر الجمعية التي عنيت بنشر هذه المهارق وأملنا أن يأتي يوم فيقام له نصب بجوار داره يكون مشرفاً على دجلة تشجيعاً لأبناء الوطن في أن يتبعوا خطواته.
2 - المجمع المصري للثقافة العلمية
الكتاب السنوي
مجلد فيه 232 ص بقطع الثمن الصغير وقد نسقت فيه مقالات أعضاء هذا المجمع الجليل فجاء درراً بل دراري في سماء التحقيق والتدقيق. ونتوقع أن يعمر هذا المجمع فيشذ عن سائر المجامع التي أنشئت عندنا فأشبهت الشهب الثاقبة تظهر فجأة وتزول وشيكا.
3 - في زوايا بيروت
رواية في 48 صفحة تحبب الفضيلة وتشنع الرذيلة وهي من الروايات الجزيلة الفائدة ويحسن بأبناء الوطن بان يقفوا على ما فيها لما حوت من العظات.
4 - تربية النحل للمدارس الأولية والابتدائية وضعه أحمد
زكي أبو شادي
من الناس من رزقوا حظاً وافراً من مواهب الطبيعة. وهذا الكتاب المزين بنحو ثلاثمائة صورة يدني علم النحالة ويضعه على حبل الذراع ويغرس في ذهن المطالع محبة هذه الصناعة المفيدة فائدة مزدوجة: فائدة المال وفائدة الرقي العقلي(9/62)
وجعل صاحبه العلامة المتخصص في هذه التربية المسلية مائة مليم أي 25 آنة بالنقود الهندية وهو ثمن بخس لا يعد شيئاً بجانب ما فيه من الفوائد الجمة.
5 - فضيلة الطهارة في عالم الدعارة
تأليف الأب ج. كيبر اليسوعي تعريب المنسنيور عبد الأحد جرجي
كتاب صغير الحجم عظيم النفع ينفع كل شاب وشابة من أي عمر كان. ومن أي دين، ومن أي طبقة، وهو متين العبارة، حسن السبك. والخلاصة هو زمردة مركبة في أبدع خاتم.
6 - مهرجان الأستاذ عقل الجر
طبعته مجلة الشرق في سان باولو ووزعته هدية على مشتركيها. وإكرام العلماء هو من أفعل الأعمال في النفوس لترقية العلم في أبناء شرقنا العزيز.
7 - الروضة الطبية
لعبيد الله بن جبرائيل بن بختيشوع
حضرة القس بولس سباط مغرم بعلمائنا الأقدمين وبمؤلفاتهم فقد نشر هذا الكتاب الواقع في 73 ص وحرره من أغلاط النساخ فجاء سبيكة من الذهب الإبريز، ونتمنى له الرواج لما فيه من حسن السبك والألفاظ التي نحن في حاجة إلى معرفتها ليتقدم الأدب العربي في ديارنا وينسينا أوضاع الخلف الفاسدة. وقيمته شلنان أي ربية بنقود الهند.
8 - الدهور
مجلة انتقادية في العلم والفلسفة والأدب لصاحبها ومحررها إبراهيم حداد.
هذه مجلة وقع جزءها الأول في 128 ص وقد عالج فيه صاحبها أصناف الموضوعات، جامعاً أنواع الآراء الحديثة بعضها إلى جانب بعض من غير أن يبدي تفضيله أحدها على الآخر. وإذا أبدى شيئاً من هذا القبيل آثر المفكرين الماديين والدهريين على المفكرين الروحيين المتمسكين بالأديان. ولذا كانت هذه المجلة لمن يقول بمثل هذه الآراء ولا تصلح للجميع:(9/63)
وخطأ الطبع وسوء كتابة الألفاظ بالحروف الإفرنجية شيء لا يغتفر ولا يحصى. فقد كتب كلمة (الدهور) بالأحرف الإفرنجية هكذا: - والصواب: - أو - وهذه على طريقة المستشرقين. وكتب: والصواب: هذه الأغلاط وحدها على غلاف المجلة. وأما ما في باطنها فيجب عليك أن تحضر لك حاسباً ليحسبها، إذ يمتنع ذلك عليك إن كنت وحدك.
فعسى أن يتخذ لها صاحبها سنناً لا حبا قويماً لتكون هدى لقارئيها.
9 - معجم المطبوعات العربية
تكلمنا مراراً على هذا المعجم الفذ الذي وضعه الاختصاصي يوسف اليان سركيس (لغة العرب 7: 264 و 583 و 8: 291 و 567) وقد تم الآن الجزء الأخير الحاوي فهرس أسماء الكتب التي ذكرت في تضاعيف السفر فجاءت صفحاته في أكثر من ألفي عمود بقطع الربع الكبير وهو أنفع ديوان يكون في المدارس والخزائن والمكاتب ودور الأدب إذ لا يمكن لأحد من الأدباء أن يستغني عنه.
10 - نداء العمال
صحيفة اجتماعية انتقادية أدبية نصف شهرية مصورة تصدر في بغداد، لصاحبها عباس حسين آل الجلبي ومديرها المسؤول المحامي توفيق الفكيكي.
ظهر العدد الأول من هذه الصحيفة المفيدة في 23 ت2 سنة 1930 وغايتها خدمة العمال في جميع البلدان العربية، فنرحب بها أعظم الترحيب ونتمنى لها الرواج الدائم والعمر الطويل. وهي من الصحف التي نحن بحاجة إليها لأن عمران الشعوب يشاد على سواعد العمال وبنهضتهم تزال قيود الظلم، وأغلال الضلالة. وتنشر ضلالة العدل والحضارة.
11 - مختارات المقتطف
أحسن كل الإحسان الكاتب الجليل فؤاد بك صروف في قطف ما في جنات المقتطف من أطايب الثمر وأزاهير الرياحين المبثوثة في تلك المجلة وجعلها إضامة واحدة يستنشق أريجها كل من يود الوقوف على رقي العلوم العصرية(9/64)
رقياً قائماً على أسس ثابتة. ففي هذه المختارات منتخبات بديعة يدور محورها على العلوم الطبيعية والكيمياء والفلك والكهرببة والأشعة وطبقات الأرض (علم الهلك) وعلم النبات والحيوان والآثار القديمة. وقد جعل هذا المجلد الحاوي 288 ص هدية المقتطف لسنة 1930 فاكرم بها من هدية تشوق الناس الاشتراك فيه. وترغب غير المشتركين في اقتنائه.
12 - شرح الأرجوزة بالرجز
نظم نجيب فرج الله فياض، طبع الجزء الأول والثاني في المطبعة الكاثوليكية في بيروت.
يقول بعضهم: لم يبق في عهدنا شعراء ينظمون المنظومات الطوال. وهذا الشرح لأرجوزة الشيخ اليازجي جاء مكذباً لما يدعي أولئك الملفقون فهذا الشرح يفيض عفواً من قريحة (النجيب الفياض) وعبارته في غاية السلامة والسهولة؛ وأملنا عظيم في أن يتخذه أرباب المدارس في الرجز من سرعة الحفظ والبقاء الدائم في الذاكرة.
13 - خمسة في سيارة
وهي حديث رحلة إلى جزء غير صغير من غرب أوربة، تأليف سامي الجريديني المحامي.
إن أحببت أن تستفيد من المطالعة ولا تضيع دراهمك فعليك بما تكتبه يراعة سامي الجريديني المحامي الشهير في مصر القاهرة. فأنه لا يخط كلمة إلا ويعلم ما لها من الأثر في النفس وكل مرة قرأنا مقالة من آثار قلمه أو كتاباً من فيض قلبه وذوب دماغه انتفعنا من تلك المطالعة وهذا الكتاب من هذا السيل الأدبي الطافح بالفوائد والفرائد واللذائذ.
14 - المثال الصحيح لكاهل المسيح في حياة القديس يوحنا
ماري فياناي خوري ارس
تأليف الأب يوسف علوان المرسل اللعازري، طبعة ثانية منقحة - الألف الرابع - بيروت 1930.
أحسن دليل على إن هذا الكتاب من حسن الكتب المصنفة في تراجم أولياء(9/65)
الله، هو إن طبعته الأولى نفذت وهذه الطبعة الثانية التي بلغ عددها الألف الرابع جاءت رافلة في افخر لباس لغوي وتاريخي وتحقيقي: فنوصي المسيحيين الشرقيين باقتناء هذا التصنيف البديع، والإقبال على مطالعته لأنهم يجدون فيه غذاء لنفوسهم وسلواناً في زمن المحنة ونوراً في ظلمات التجارب.
15 - لأجل الاتحاد
بقلم الأب الياس اندراوس البولسي، مطبعة القديس بولس في حريصا (لبنان).
كتاب بقطع 16 فيه 285 ص وهو مجموع محاضرات ألقيت في كاتدرائية بيروت ودمشق للروم الكاثوليك، والأدلة مقنعة محكمة الوضع والتنسيق مفحمة لمن يخالف رأي الخطيب
وليس فيها ما يجرح الخواطر أو ينفر الخصم. فيجدر بالروم الأرثوذكس إن يطالعوها من أولها إلى آخرها ليعرفوا كيف يتكلم من ليس على رأي المتكلم وكيف يجادله، والأمل أن ينتفع به الارشمندريت ديبو المعلوف ومن كان من حزبه أو رأيه.
16 - تركية منذ الحرب العظمى
نشر الأستاذ ج. يشكي تقويماً باللغة الألمانية يذكر فيه شهراً بشهر ويوماً بيوم كل ما وقع من الأحداث في تركية منذ سنة 1918 إلى سنة 1928 أي وقائع عشرة أعوام. وهذا التقويم مفيد جداً لمن يريد أن يقف بنظرة واحدة على ما حدث في تركية الجديدة. وكل الأمل أن يضع المؤلف مجلداً مفصلا لتلك الوقائع إذ هو ابن بجدتها.
17 - قطعة فلكية
فيها زيادة فائدة مستلة من الجنزة
نشر ريتشرد غوثيل نصاً عبرياً وجده في الجنزة وصوره ثم نقله بحروف عبرية مألوفة وترجمة إلى الإنكليزية فوقع طبعه في 15 ص بقطع 12 فنشكره على هذه الهدية الثمينة وحسن نقلها إلى الإنكليزية وتعليق الحواشي عليها(9/66)
مما دل على توغله في العلوم الشرقية.
18 - صنين
جريدة لبنانية جامعة تصدر في بسكنتا (لبنان) مرة في الأسبوع
صحيفة جمعت شيئاً كثيراً من أخبار ديار الشرق وتبادلها كثير من الجرائد الأسبوعية العربية.
19 - قطع
تبحث عن الطب منقولة عن جزة القاهرة
هذه هدية ثانية للأستاذ المذكور المدرس في جامعة كولنبية (في أميركة) وقد أستشهد بكثير من كتبه العرب فجاءت هذه المقالة التي وقعت في 12 ص بقطع الثمن من أنفس المقالات ولا بد من إن علماء الطب عندنا يقفون على محتوياتها فنشكر له يده البيضاء شكراً جزيلاً.
20 - الحرم الشريف لعبد الغني النابلسي
هي رحلة لعبد الغني النابلسي وصف فيها حرم القدس وصفاً لا نظير له في مؤلفات السلف. طبعها على الحجر ونشرها أحد مستشرقي الألمان وخطها داود سجعان عيد في مدينة فرانكفورت (نهر الماين) وطبعها بمطبعة كارل شتو كيكت في مدينة سالفلد (على نهر ساله) في سنة 1918 فوقعت في 87 ص بقطع الثمن الصغير وليس فيها فهارس الفصول ولا الأبحاث ولا أي فهرس كان. وهي مشوهة بأغلاط لا تحصى لا نعلم أهي من المؤلف أم من الناشر أم من الخطاط عامل الله الجميع بالرحمة والشفقة.
21 - العدل لهنكارية (المجر)
أو أوهام تريانون القاسية
نشر الدكتور لغرادي أوتو المنشئ الأول في جريدة (بشتي هرلاب) التي تنشر في عاصمة المجر (بودا بشتة) كتاباً ثميناً من جميع(9/67)
الوجوه؛ بصدد بلوغ جريدته السنة الخمسين من بروزها إلى عالم الصحافة، والتي يعني بإصدارها الأخوة لغرادي. والغاية من هذا الدفاع أن تعطي هنكارية حقوقها في عالم الخلق. وقد زين المؤلف هذا الكتاب الدرة بأكثر من مائتي تصوير من أتقن ما يمكن أن يتصوره أهل الطباعة منها بألوان مختلفة، ومنها بلون واحد. والكل متقن أعظم إتقان. وقد عانى الدكتور مسألة إعطاء المجر حقوقها من عدة نقاط تاريخية، ومنها بلدانية، ومنها موقعية، وبعضها عقلية، وأخرى نقلية، وجميعها متسلسلة الوضع بحيث لا يمكن إن ينكرها إلا من أعتمه الغايات، وغرض المؤلف أن تعاد إلى هنكارية أرضها القديمة وان لا تغدر هذا الغدر العظيم.
وفي مطاوي هذه البحوث الجليلة المفيدة أظهر المؤلف ما امتازت به هنكارية من المزايا التي تفردت بها فقد أنجبت رجالا أعاظم في كل فن من الفنون والعلوم، والمهن، والصنائع حتى انه وضع تلك الحقائق على حبل الذراع، بل من لا يفهم الإنكليزية يستطيع أن يفهم محتوى هذا الكتاب لحسن وضعه وأحكام تصاويره. وقد وقع في 164 صفحة بقطع الربع فاخر الورق والتصحيف فعسى أن يصنف المجريون فيعطوا ما يحق لهم من أراضيهم المسلوبة ليعاد مجدهم إلى سابق عهده وسامق عزه.
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 11 -
73 - وورد في ص 229 هجو حسان لأبي سفيان ومنه: (فشركما لخيركما الفداء) فقال: الأثري (ولست أعرف في الهجاء اشرف من هذا الهجاء) قلنا: ليس هذا الحكم من ثمار عقله ففي ص 76 من شرح الطرة ما نصه: (وحكى أبو القاسم الزجاجي أن حسان بن ثابت رضي الله تعالى عنه لما أنشد النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قوله:
أتهجوه ولست له بكفء ... فشركما لخيركما الفداء(9/68)
قالت الصحابة: (يا رسول الله هذا أنصف بيت قالته العرب) أهـ فالصحابة أصحاب الرأي الرصيف.
74 - ولم يذكر من عادات حسان (رض) وطباعه ما يزيد ترجمته وضوحاً فقد كان يخضب لحيته بالحمرة على ما رواه المبرد في الكامل وكان جباناً جداً. روى شهاب الدين الأبشيهي في كتابه (المستطرف) ج1 ص 206 المطبعة المليحية قال: (وكان حسان بن ثابت رضي الله عنه من الجبناء) روي عن أبي الزبير أنه قال: كان حسان في قاع اطم مع النساء يوم الخندق فأتاهم في ذلك اليوم يهودي يطوف بالحصن، فقالت صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها: يا حسان إن هذا اليهودي كما ترى يطوف بالحصن وإني والله ما آمنه أن يدل على عوراتنا من وراءه من اليهود فانزل إليه فاقتله، فقال: يغفر الله لك يا بنت عبد المطلب لقد عرفت ما أنا بصاحب هذا، قال: فاعتجرت صفية ثم أخذت عموداً ونزلت من الحصن فضربته بالعمود حتى قتلته ورجعت إلى الحصن فقالت: يا حسان قم إليه فاسلبه فإنه ما منعني من سلبه إلاَّ أنه رجل. فقال: (ما لي بسلبه من حاجة) أهـ وفي الشرح الحديدي 3: 318 (وروى الواقدي عن صفية بنت عبد المطلب قالت: كنا قد رفعنا يوم أحد في الاطام ومعنا حسان بن ثابت وكان من اجبن الناس، ونحن في رفاع (كذا وقال قبله قارع وبعده فارع)، فجاء نفر من اليهود يرومون الاطم فقلت: دونك يا ابن القريعة، فقال: لا والله لا أستطيع القتال - ويصعد يهودي إلى الاطم - فقلت: شد على يدي السيف ثم برئت، ففعل فضربت عنق اليهودي ورميت برأسه إليهم فلما رأوه انكشفوا) فرحم الله حسان فما أحبه للعافية والسلم.
75 - وورد في ص 235 (فأنت الطاعم الكاسي) ففسره ب (المطعوم والمكسو) والمشهور (المطعم والمكتسي) أو (ذو الطعام والأكسية) على غرار قولهم: (لابن وتامر).
76 - وقال في ص 252 (وهو حديث مسهب يصف) فذكرنا قوله بقوله أنيس القدسي أستاذ الأدب العربي بجامعة بيروت الأميركية في المقتطف (أكتوبر 1929 ص 286) (في رسالة مسهبة نشرها، ولم نجد أسهب متعدياً بنفسه(9/69)
فالصواب (مسهب فيه) و (مسهب فيها).
77 - وقال في ص 263 (وكان من البدع في أيامه - أي أيام كثير - أن تكون لكل شاعر خليلة يشبب بها فأراد أن تكون له خليلة فشبب بعزة بنت حميد:) قلنا: لم يكن اتخاذ الخليلة شرطاً عاماً كما زعم الأثري، ودليلنا على ذلك ما جاء في الأغاني (3: 289) ونصف: (،. . قال حدثني عبد الملك بن عبد العزيز قال: خرجت أنا وأبو السائب المخزومي وعبيد الله بن مسلم بن جندب وابن المولى واصبغ بن عبد العزيز بن مروان إلى قباء وابن المولى متنكب قوساً عربية فانشد ابن المولى لنفسه:
وأبكي فلا ليلى بكت من صبابة ... إلي ولا ليلى لذي الود تبذل
واخنع بالعتبي إذا كنت مذنباً ... وإن أذنبت كنت التي أتنصل
فقال له: أبو السائب وعبيد الله بن مسلم بن جندب: من ليلى هذه؟ حتى نقودها إليك؟ فقال لهما ابن المولى: ما هي والله إلاَّ قوسي هذه سميتها ليلى) أهـ وفي ص 291 (عن عمرو بن أبي عمرو قال: بلغني أن الحسن بن زيد دعا بابن المولى فاغلظ له وقال: أتشبب بحرم المسلمين وتنشد ذلك في مسجد رسول الله (ص) وفي الأسواق والمحافل ظاهراً. فحلف له بالطلاق أنه ما تعرض لمحرم قط ولا شبب بامرأة مسلم ولا معاهد قط. قال: فمن ليلى هذه التي تذكرها في شعرك؟ فقال له امرأتي طالق إن كانت إلا قوسي سميتها ليلى لأذكرها في شعري. .)
وفي ص 301 منه (فالتفت عبد الملك إليه وابن المولى علي نجيب متنكباً قوساً عربية - إلى أن قال عبد الملك له -: أخبرني عن ليلى التي تقول فيها (وأبكي. . .) والله لئن كانت ليلى حرة لأزوجنكها - حتى قال ابن المولى - والله ما ليلى إلاَّ قوسي هذه سميتها ليل لا شبب بها وان الشاعر لا يستطاب إذا لم يتشبب) وفي شرح ابن أبي الحديد 4: 525 ما يشابه هذه القصة فليراجعه من أراد التوسع.
مصطفى جواد(9/70)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - الأستاذ رفائيل بطي وجرائده والصحف العراقية
كنا ذكرنا في لغة العرب (8: 67) أن الأستاذ المحامي، رفائيل أفندي بطي أنشأ في 25 ت1 (أكتوبر سنة 1929) جريدة سماها (البلاد) فلم يمض على بروزها تسعة أيام حتى نشرت مقالة للشاعر الشهير معروف الرصافي فحكم على صاحب (البلاد) بأداء جزاء قدره خمسمائة ربية (نحو أربعين ليرة إنكليزية) وبعد ذلك ظهر في الصحيفة المذكورة مقالات لجماعة من الأدباء حاكمته عليها الحكومة في أوقات مختلفة وأغلقت جريدته فأصدرها باسم (صوت العراق) في 10 أيار وبعد ذلك عادت جريدته إلى الظهور باسم (البلاد)، ثم حجبت مرة ثانية فظهرت باسم (التقدم) في 23 تموز (يوليو) 1930 و (بالجهاد) في 27 منه و (بالشعب) في 27 آب (أوغسطس) و (بالزمان) في 31 منه و (بنداء الشعب) في 2ت2 (نوفنبر) وقبل أن تبرز (نداء الشعب) كانت الحكومة قد حكمت على الأستاذ بطي بالحبس إلى مدة ستة أشهر بتهمة الطعن بصاحب الجلالة ملكنا المعظم، ثم أنقصت محكمة الاستئناف تلك المدة وأنزلتها إلى شهرين. وفي 14 ك1 (ديسنبر) ذكرت (نداء الشعب) أن محكمة التمييز قررت في جلستها المنعقدة نهار السبت 13 ديسنبر بإجماع الآراء تبرئة سماحة الأستاذ وإلغاء قرار التجريم فخرج من السجن عصر اليوم المذكور فنهنئه بالفوز والسلامة والتبرئة.
ومن الجرائد التي حكم عليها بالاحتجاب (الرافدان) و (الاستقلال) و (صوت الشعب) و (صدى الاستقلال) إلى غيرها، وكل ذلك في المدة التي لم تصدر مجلتنا بأخبارها بسبب وضع الفهارس، فعسى أن تكون هذه السنة الجديدة سنة إطلاق الحرية للصحف والآراء غير الضارة بالمجتمع ولا بالأديان ولا بمنفعة الحكومة.
2 - قدوم مستشرقين
قدم إلى حاضرتنا الدكتور فيشل الألماني في العقد الثاني من ت1 (أكتوبر)(9/71)
من السنة الماضية. وهبطها أيضاً الأستاذ لويس ماسنيون الفرنسي في 16 ك1 (ديسنبر) من السنة
المذكورة وحاضر الأخير أدباء العاصمة في 17 منه في موضوع: (توجيه مساعي المفكرين لإنهاض الأمة العربية) وفي 18 من الشهر المذكور رجع إلى وطنه على طريق الشام.
3 - ترجمة جسيمة
تجري في مدينة ابرنستن (أميركة) مجموعة (غارت) النفيسة تحتوي على 3000 كتاب مخطوط من انفس المخطوطات الشرقية وأغلبها فريدة.
أن من أجل الأعمال التي حاولت (لغة أجنبية) القيام به إلى الآن هو تصنيف تلك الكتب المخطوطة وتنقيحها ونشرها وترجمة البعض منها وأخذت جامعة (أبرنستن) هذا العمل على عاتقها ذلك العمل الذي يتوقع منه انقلاب في بعض وجوه المعلومات العصرية المتعلقة بالمخطوطات الشرقية والعربية.
أن في مجموعة (غارت) 3000 كتاب مخطوط ويتوقع من هذا المشروع ما يزودنا من تاريخ فكر البشر تزويداً هاماً.
ومجموعة (غارت) مؤلفة من مخطوطات (هوتسمة) على ما عرفت بها، وكتب (لتمن) المخطوطة، ومجموعة برودي، ومجموعات عديدة لكنها اقل عدداً من تلك المجموعات وكتب مفردة. إنّ (روبرت غارت) يطوف في الشرق الأدنى الآنّ جامعاً لهذه المجموعة كتباً مخطوطة أخر.
واغلب الكتب المخطوطة هي بالعربية ولكن البعض منها بالعبرية والسريانية والتركية، والفارسية، والأرمنية، والمالوية، والجاوية، والسنسكريتية. ومن ضمن هذه المجموعة كتب عديدة مخطوطة بلغات غربية أهمها اليونانية، واللاتينية، والهولندية، والفرنسية، والإيطالية. وهذه المجموعة تحتوي على مؤلفات اعظم مؤلفي الإسلام والقسم الأكثر من تلك المخطوطات نفيس ثمين كما انه فريد لا نظير له واغلبه لم يطبع بعد.
أن تصنيف هذه الكتب المخطوطة وتنقيحها وترجمتها يعتبر عملا يستغرق وقت أجيال وقد أنشئت لجنة في (ابرنستن) لمراقبة العمل، وعين جيمز ثابرغرولد أمين خزانة الجامعة عضواً عاملا لهذه اللجنة. وأما مسؤولية العمل العلمية(9/72)
فترجع إلى شعب الجامعة المتخصصة لذلك العلم.
ويؤمل من بعض ما تحتويه تلك الكتب المخطوطة انه يحدث انقلاب في بعض وجوه الأنباء العصرية المختصة بالقرون الوسطى وتاريخ البلدان والكيمياء والرياضيات وعلم الفلك. قال الأستاذ (بندر) في ما يخص هذا العمل: (من النادر أن يكشف من الآثار القديمة ما ياعدل هذه المجموعة من وجهة خطورتها في تاريخ فكر البشر).
تعريب: فنسان. م ماريني
4 - الاضطراب في كردستان
(بلاغ رسمي) بحروفه:
في البلاغ السابق كانت القوة (أ) في منطقة (جوارتة) والقوة (ب) في منطقة (بنجوين) وكانتا تقومان بمسرات مظاهرة من هذين المعسكرين.
وفي 11 ت2 (نوفنبر)، سارت القوة (ب) في الجبال من بنجوين إلى منطقة جوارتة، وفي 13 منه عسكرتا القوتان معاً على مقربة من (بايانان) على ضفاف نهر (سويمل).
وفي ليلة 14 تشرين الثاني تصيد الأشقياء هذا المعسكر تصيداً أسفر عن جرح جندي واحد جرحاً خفيفاً.
وفي 15 منه. تحرك رتل من بايانان إلى قرى (مرانة) و (سوينك) و (بويرة) على اثر ورود خبر بوجود الشيخ محمود فيها مع بعض اتباعه الأشقياء. فلم يعثر لأحد منهم على اثر. وقد احرق بيتان من بيوت أحد عمال الشيخ محمود المعلومين، ثم عاد الرتل إلى بايانان. وكان سرب من طيارات القوة الجوية الملكية يتعاون مع الرتلين طيلة هذه المدة.
وقد سارت القطعات في جميع المناطق التي حاول الشيخ محمود إثارة الخواطر فيها على الحكومة؛ ولم يحاول الأشقياء الموجودون هناك مجابهة القطعات، بل كان همهم مهاجمة مخافر الشرطة، وتصيد المعسكرات ليلا. وعليه انسحبت القطعات إلى (السليمانية) في 18 منه، وعاد قسم منها الآن إلى بغداد.
وفي صباح 30 تشرين الثاني، هبطت على السليمانية أنباء تفيد إن الأشقياء هاجموا مخفر شرطة (سرداش) على مسافة 36 ميلاً تقريباً إلى الشمال الغربي من السليمانية.
وقد قام سرب من القوة الجوية المرابطة في (الموصل) بحركة ضد(9/73)
الأشقياء المحيطين بالمخفر وكان عددهم نحو ثلاثمائة.
وفي 1 ك1) ديسنبر) سار رتل صغير من قطعات الجيش العراقي من (السليمانية) مزوداً بأوامر تقضي بانجاد قوة الشرطة في المخفر الذي كان محاطاً بالأشقياء، كما إن رفاً من الطيارات القوة الجوية أوفد للقيام بالاستطلاع القريب والتعاون مع الرتل.
وفي صباح 3 كانون الأول قاومت الرتل قوة من الأشقياء يتراوح عددها من 350 إلى 500، وكانت هذه متحصنة في مضيق (حاجي آوه). ويقع هذا المضيق على مسافة ستة أميال إلى جنوبي (سرداش)، وكان الأشقياء هدموا جسراً على مقربة من المضيق في طريق (السليمانية سرادش) على نهر (جم تاربين). وبعد قتال دام أربع ساعات ونصف ساعة أبلى في خلالها رف الطيارات من القوة الجوية بلاء حسناً دمرت القطعات قوة الأشقياء التي كانت متحصنة في الجبال المشرفة على كلا جانبي المضيق، وبذلك أصبح من المستطاع قطع معبر النهر، فتقدم الرتل من مسيره، وبات تلك الليلة معسكراً على مسافة ميلين إلى جنوب مخفر شرطة سرداش، وقد انسحب أيضاً العصاة من تلك النقطة في أول الليل.
وفي الساعة الثامنة من صباح 4 منه دخلت طليعة الرتل سرداش، ووقف الرتل قرب ذلك المكان ليعسكر هناك.
وفي عصر ذلك اليوم زحف قسم من الرتل مع رف من الطيارات يعاونه إلى قرية (حاسنة) الواقعة على مسافة خمسة أميال إلى غربي (سرداشت).
ولما كان بعض الأشقياء الذين اشتركوا في الهجوم على مخفر الشرطة، من سكان هذه القرية، خربت القطعات بعض البيوت ثم عادت إلى معسكرها.
ولقد بلغت خسارة القطعات في 3 و4 ك1 جريحان اثنان (أي جريحين اثنين) من الضباط وأربعة قتلى من الجنود وخمسة جنود جرحى، أما خسارة العدو فتتراوح من ثمانية قتلى إلى 41 قتيلا وجريحاً، إنما لم نقف حتى الآن على أرقام يعتمد عليها.
والمفهوم أن عدد توابع (أي تابعي) الشيخ محمود من العصاة قد نزل بعد حركات يومي 3 و4 كانون الأول إلى مائة وخمسين.
5 - البريد بين العراق وسورية
كان نقل البريد في السيارات بين(9/74)
العراق وسورية، في يد شركة نون، وكانت أجرة الكيلو
ثلاث ربيات، وبعد انقضاء مدة الالتزام، تقدم الحاج ياسين جلبي الخضيري، فعرض قبول الالتزام بخفض الربيات الثلاث إلى 7 آنات.
وتقدم حييم أفندي نثنائيل فأنزلها إلى 6 آنات ونصف، واخذ الالتزام لمدة سنتين.
وقد انقضت السنتان الآن فتقدم ثانية كل من الحاج ياسين جلبي الخضيري ودانيال أفندي اسكندر فانزلا المبلغ إلى 4 آنات ونصف، وأما حييم أفندي نثنائيل فلم يرض إلاَّ ب5 آنات والمزاحمة قائمة بينهم.
6 - بعثات الآثار القديمة في العراق
بلغ عدد البعثات الأثرية المشتغلة في العراق في سنة 30 - 1931 اثنتي عشرة: خمس منها أميركية، واثنتان أميركية إنكليزية وواحدة إنكليزية وثلاث ألمانيات وواحدة فرنسية. ودونك مواطن حفرها:
في لواء الموصل
تل بلي - بعثة أميركية تشتغل لحساب متحفة جامعة بنسلفانية، ومديرها الدكتور سبايسر في خرستاباذ (خورساباد) - بعثة تشتغل لحساب المعهد الشرقي لمدينة شيكاغو، ومديرها الدكتور فرانكفرت، نينوى - بعثة بريطانية تشتغل لحساب المتحفة البريطانية، ومديرها الدكتور كامبل طمسون.
لواء كركوك
تركلان - بعثة أميركية تشتغل لحساب جامعة هارفرد، ومديرها مجهول.
لواء بغداد
سامراء - بعثة ألمانية يدير أمورها البروفسور هرتسفلد.
تل عمر - بعثة أميركية تشتغل لحساب جامعة ميشيغان ومديرها البروفسور واترمان.
لواء ديالى
التل الأسمر وتل خفاجي - بعثة أميركية تشتغل لحساب المعهد الشرقي لمدينة شيكاغو ومديرها الدكتور فرانكفرت.
لواء الحلة
كيش - بعثة أميركية إنكليزية تشتغل لحساب المتحفة السيارة لمدينة شيكاغو ومديرها المسيو واتيلين.
لواء الديوانية
الوركاء - بعثة ألمانية ومديرها الدكتور جردان.
لواء المنتفق
أور - بعثة أميركية إنكليزية تشتغل(9/75)
لحساب متحفة جمعة بنسلفانية والمتحفة البريطانية ومديرها المستر وولي.
تلو - بعثة أميركية تشتغل لحساب الحكومة الفرنسية ومديرها الأب دي جنوياك.
أما الشركة الألمانية التي أتت حديثاً لتنقر على حسابها فلم نعلم إلى الآن موطن شغلها.
7 - وفاة الحاج علي الزين
توفي الحاج علي الزين والد صاحب مجلة العرفان أحمد عارف، بعد أن قضى عمره في الخير والمبرات، ولد رحمه الله في صيدا سنة 1853م وقضى نحبه فيها في سنة 1930، فنعزي أولاده ولا سيما حضرة الزميل بهذا الفقد الجليل، وعسى ن تكون هذه الرزية آخر الرزايا التي يصاب بها بيت الزين.
8 - الوفيات والمواليد في العاصمة
لإدارة الصحة عن شهر ت 2 سنة 1930
المواليد
المحل الذكور الإناث المجموع ت1 ت2
الرصافة 266 208 474 481 391
الكرخ 93 73 170 166 140
المجموع 363 271 644 647 531
الوفيات
الرصافة 172 173 309 302 358
الكرخ 81 77 158 145 117
الجموع 253 214 467 447 475(9/76)
و10 بالسل و10 بالحمرة و4 بالبلهرزية و8 بالخناق و3 بالتهاب النكفة و3 بالبارا تيفوئيد و2 بالجمرة الخبيثة و1 بالزحار و1 بالتهاب السحايا.
11 - إمضاء المعاهدة الجديدة (بحورفها)
اتفق المفاوضون العراقيون والبريطانيون فأمضوا معاهدة تحالف وصداقة يشرع في تنفيذها عند قبول العراق عضواً في عصبة الأمم.
أما أسس المعاهدة فهي:
1 - الاعتراف باستقلال العراق التام وبتوليه منفرداً مسؤولية إدارة جميع شؤونه وأخذه على عاتقه الأمن الداخلي والدفاع وفقاً للتحالف ضد الاعتداء الخارجي.
2 - إلغاء المعاهدات والاتفاقيات المنعقدة بين العراق وبريطانية العظمى.
3 - اعتراف حكومة صاحب الجلالة البريطانية بانتهاء المسؤوليات الانتدابية التي قبلها صاحب الجلالة البريطانية فيما يتعلق بالعراق من تلقاء ذاتها بمجرد دخول المعاهدة في حيز التنفيذ.
4 - جلاء جميع القوات البريطانية عن الهنيدي والموصل في خلال مدة لا تتجاوز الخمس سنوات من تاريخ تنفيذ المعاهدة وإيجار الحكومة العراقية حكومة صاحب الجلالة البريطانية ثلاث قاعدات جوية غربي الفرات وشط العرب على أن يقوم بحراسة هذه القاعدات حرس خاص من قوات صاحب الجلالة البريطانية الخاصة.
5 - مدة المعاهدة خمس وعشرون سنة.
ويشترط فيها انه في أي وقت كان بعد مرور عشرين سنة من تاريخ الشروع في تنفيذها يدخل في المفاوضة بناء على طلب أحد الفريقين المتعاقدين لعقد معاهدة جديدة لتأمين المواصلات الانبراطورية الجوية الأساسية، وإذا اختلف في ذلك يحال الخلاف إلى مجلس عصبة الأمم.
6 - يمثل كلا من الفريقين لدى بلاط الفريق الآخر ممثل سياسي (دبلوماتيكي) يعتمد وفقاً للأصول المرعية بين الدول المستقلة.
30 - 6 - 1930 ملاحظ مكتب المطبوعات
بيان رسمي
1 - غادر صاحب الفخامة نوري باشا السعيد رئيس وزراء العراق إلى بريطانية العظمى في أول تموز (يوليو) سنة(9/77)
1930 لحل المسائل المعلقة.
ولما كانت نية الحكومة العراقية قد صحت على تقديم طلب إلى عصبة الأمم قبل السنة 1932 لقبول العراق عضواً فيها فاغتنم فخامته هذه الفرصة للنظر في التاريخ الملائم لتقديم الطلب المذكور.
2 - تلقى فخامة رئيس الوزراء في 1 تموز كتاباً من فخامة المعتمد السامي يخبره فيه بان الحكومة البريطانية ستتحمل ابتداء من أول السنة المالية المقبلة جميع نفقات دار الاعتماد في العراق وبناء على ذلك أن تدفع الحكومة العراقية بعد هذا المبلغ الذي كانت تدفعه سنوياَ لقاء مصروفات دار الاعتماد وفقاً للمعاهدة المرعية.
وبارح الحاضرة صاحب الفخامة المعتمد السامي في 2 تموز ذاهباً إلى لندن ثم عاد منها بعد قضاء شؤونه.
12 - إصلاح في سجن بغداد
كانت حالة السجن في بغداد من أسوأ ما يذكر ويشاهد، حتى أن رصافينا نظم قصيدة في وصفه خلدت ذكر ذلك السجن إلى أبد الآباد. مطلعها:
سكناً ولم يسكن حراك التبدد ... مواطن فيها اليوم ايمن من الغد
ومنها:
مقابر بالأحياء غصت لحودها ... بخمس مئين انفس أو بأزيد
هذا ما كان عليه السجن في عهد الترك، أما اليوم فان حكومتنا أصلحت فيه أموراً عديدة منها:
أن هذا السجن كان قد هدمت منه جانباً عظيماً مياه دجلة، واليوم أعيد بناؤه على طرز
احسن مما كان عليه في أمسه.
ومنها: أن إدارة السجن جلبت أساتذة لعمل الطنافس فعلموا صناعتهم أولئك المنكوبين. وكان عدد الأنوال أي الجوم ثلاثين في أول الأمر أما اليوم فقد اصبح عددها مائة بل اكثر.
ومنها: إنّ معمل النسيج الذي أنشئ فيه يخرج اليوم احسن الأستار وأجملها كما أن معمل الدثارات يصنع فيها ما يضارع بمتانتها أحسن دثارات الغرب وبقدر يسد حاجة الشرطة في العراق(9/78)
وقد اعتاض معمل الكنبار المتخذ من ليف النخل عن القنبار المتخذ من ليف النار جيل الهندي فينسج منه السجنى أنواع الحصران وتمكن من تقديم ما احتاجت إليه في الشتاء دوائر الحكومة أو دواوينها وذلك بثمن زهيد لا يزيد في اثنتي عشرة آنة لليرد الواحد.
ومنها أن معمل الحدادين قد نظم تنظيماً بديعاً حتى أنه ليتمكن اليوم من إصلاح كثير من الأدوات الدقيقة المتعلقة بالسيارات وآلات الخياطة والطباعات وغيرها.
وقد وسع معمل التجليد وجلبت لهذه الغاية جميع الأدوات اللازمة له والآن يجاري بتجليده ما يقوم به صحافو البلدة أحسن قيام وينافسونهم في اشغلهم.
13 - النفطخانة
(النفطخانة) اسم لمحل قرب خانقين وفيه عين يخرج منها هذا السائل النفيس وقد أنشئت هناك شركة باسم (شركة نفط خانقين) وهي فرع من (شركة النفط الإنكليزية الفارسية)، وقد نصبت هذه الشركة الآلات اللازمة لاستخراج النفط وتصفيته. وأقامت أحواض الزيت الكبرى، مع انه لم يمض على ذلك كله سوى ثلاثة اشهر فقط.
وتمكنت هذه الشركة من عرض مستخرجاتها من النقط والبنزين على أسواق بغداد منذ أوائل سنة 1727 والعمل لا يزال جارياً بسرعة مدهشة لمد الأنابيب اللازمة وإقامة الأبنية والعمائر والدواوين في عدة أماكن منها ما في خانقين والكهريز (والكريز).
ومنها ما يقام بالقرب من بغداد وعلى خط سامراء.
وقد أتم المهندسون والرزاة (المعماريون) الذين في الشركة الكبرى المذكورة في المحمرة وبغداد وخانقين رسم التخطيطات لتحقيق فكرة جر النفط إلى الجهات القريبة من العاصمة. ولا شك في أن هذه الأعمال الجليلة تفتح باب السعي والكد والدأب في وجه عدد جم من
طلاب الأشغال والمقاولات.
وفي هذا الصدد نذكر أن شركة(9/79)
النفط العراقية تدأب في العمل لتحقيق فكرة مد القساطل إلى حيفا من سواحل البحر المتوسط في فلسطين، ثم يمد بجانبها خط حديدي يربطها بفلسطين. فلا يبقى بيننا وذاك البحر الشهير في التاريخ إلاَّ ساعات تصبح بغداد كأنها ثغر بحر لا ثغر نهر. زد على ذلك أن الطيارات الكبرى بدأت تنقل البريد والركاب والبضائع الخفيفة منذ شهر ك2 (يناير) 1927 فلا يبقى بعد هذا مسافة ولا بر ولا بحر!
14 - آخر أسعار السوق في بغداد
بلغ سعر الوزنة من الحنطة الكردية من خمس ربيات إلى خمس وأربع آنات. وسعر الوزنة من الحنطة العراقية المتعابرة (المألوفة) من ثلاث ربيات وثماني آنات إلى ثلاث ربيات واثنتي عشرة آنة وبلغ سعر الطغار من الشعير 34 ريبة.
وبلغ سعر الوزنة من الرز (التمن) العنبربوه الذي من الهندية وهو خام 26 ريبة والوزنة من الرز الخضراوي من الهندية 13 ريبة. والوزنة من الوسط من الهندية 11 ريبة والوزنة من السائر من الهندية تسع ريبات وثماني آنات.
وبلغ سعر الطغار من الأذرة (الذرة) البيضاء ستين ريبة والطغار من الأذرة الصفراء 45 ريبة.(9/80)
العدد 87 - بتاريخ: 01 - 02 - 1931
كيفية إصلاح العربية
1 - نظرة عامة في اللغة ومفرداتها
لسنا في زمن سعادة العرب وعظمتهم، فيكون حفظ كلمة شاذة مفيداً لحافظها، رزق سنة أو سنين، ولا في عهد خلفائها، وملوكها، وأمرائها، الذين مدت الحياة الطيبة إليهم يدها، وعرضت الدنيا عليهم كنوزها، فنقضي الأوقات بنوادر العربية، وأساطيرها، استعداداً للمحاورة، والمحاضرة، والملاغاة، والمكابرة.
أجل أن استجماع أسباب السعادة، ووفرة الثراء، وازدياد النعم، واشتداد السلطان، تصرف اللغة إلى التلهي بقشور الدنيا، ولهوها، وقشارات لغتها وغثها ونوادها لان الناس إذا تساوت في معرفة الأصول تفاضلت في عرافان الشاذ، والإغراق في غمراته؛ الولوع الشديد بالإغراق، يبعد عن الأصول ويتعب العقول.
ولقد مر على العربية دهور تنازع فيها العلماء في الرئاسة اللغوية، وزعامة الرواية، والتجلية في الحفظ، فولدت هذه الأمور الإصرار على ما ذهبوا إليه فإذا غلط أحدهم خصمه في شيء مقيس أدرع بإنكار قياسه وانه سماعي، وإذا غلط احداً، اقفل عنه أبواب العربية على سعتها، فعل ذلك كثير فضلا عن انهم(9/81)
تعمدوا الكذب، والتوليد على القدماء، لحرج ما أصابهم أو شهرة تطلبوها، والكذب والتوليد أن استحل يسيرهما، ارتكب كبيرهما.
وكثيراً ما اقر بعضهم بالكذب الذي كذبه، أو رجع عن الخطأ الذي أصر عليه تورعاً، وتدينا، وندماً، وتوبة، وقد عقد السيوطي باباً في مزهره لمن قال قولا ورجع عنه، قال البغدادي في 1: 36 من خزانته: (روي أن أبا العباس المبرد ورد الدينور زائراً لعيسى بن ماهان، فأول ما دخل عليه وقضى سلامه قال له عيسى: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة التي نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن أكل لحمها؟ فقال: هي الشاة القليلة اللبن مثل اللجبة، فقال: هل من شاهد؟ قال نعم قول الراجز:
لم يبق من آل الحميد نسمه ... إلا عنيز لجبة مجثمه
فإذا الحاجب يستأذن لأبي حنيفة الدينوري، فلما دخل عليه قال: أيها الشيخ، ما الشاة المجثمة التي نهينا عن أكل لحمها؟ فقال: هي التي جثمت على ركبها وذبحت من خلف
قفاها، فقال: كيف تقول وهذا شيخ أهل العراق يقول: هي مثل اللجبة؟ وانشده الشعر. فقال أبو حنيفة: إيمان البيعة تلزمه إن كان هذا التفسير سمعه هذا الشيخ أو قرأه وان كان الشعر إلا لساعته هذه. فقال أبو العباس: صدق الشيخ، فأنني أنفت أن أرد عليك من العراق، وذكري ما قد شاع، فأول ما تسألني عنه لا اعرفه. فاستحسن منه هذا القرار). أهـ فالمبرد على بسطته في العلم، وتنسكه المشهور، اضطر إلى الكذب والتوليد، فكيف غيره؟ وهو القائل كما في (2: 203) من المزهر برواية أبي الحسن الأخفش عنه: (سمعت أبا العباس المبرد يقول: إن الذي يغلط ثم يرجع لا يعد ذلك خطأ. لأنه قد خرج منه برجوعه عنه، وإنما الخطأ البين الذي يصر على خطأه ولا يرجع عنه فذاك يعد كذاباً معلوناً) كذا والصواب: (ملعوناً) ولولا اعتقاده هذا ما رجع عن كذبته قي الشاة المجثمة.
وان كثرة اضطراب العلماء وتسرعهم في تقدير منازل أنفسهم، ودعواهم التبريز، جعلت بعضهم يؤلفون كتباً ينقض بعضها بعضاً، لغة، أو نحواً أو أخبارا فضلا عن أن بعضهم لم يتقن إلاَّ فن الجمع، والقرش، فجمع الغث والسمين(9/82)
وهو
لا يدري وربما درى أنه لا يدري.
والجدال في العربية يدور غالباً على أمور منها أن المجادلة فيه: - 1 - مقيس أو سماعي - 2 - مسموع أو غير مسموع - 3 - مروي في شعر العرب القديم أو غير مروي - 4 - فصيح أو غير فصيح - 5 - فصيح أو أفصح - 6 - فصيح أو رديء - 7 - رديء أو قبيح - 8 - مستعمل أو متروك ومهجور - 9 - مجمع عليه أو مختلف فيه - 10 - عربي أو معرب، عدا اختلاف اللهجات والتذكير والتأنيث، وهذه الأمور جعلت اللغة مباءة للتخليط، والعبث، والتصادم، والتناقض، فواحد منهم يثبت شيئاً، وآخر ينقضه وينكره، وهذا يستفصح كلمة، وذاك يستقبحها؛ بل تجد إنساناً بعينه يبيح لنفسه القياس في أمر ويحرمه على آخر في وقت آخر، وهو هو، بله أن العلماء لم يجمعوا على تحديد الفصاحة، ولا اتفقوا على حقيقتها، فان كانت فصاحة الكلمة مستندة إلى:
1 - كثرة الاستعمال فأنا نرى العلماء يمنعون من استعمال الكلمات المبتذلة المتداولة كثيراً، قال ابن درستويه كما في 1: 125 من المزهر: (وليست الفصاحة في كثرة الاستعمال ولا قلته). أو كانت مستندة إلى:
2 - كثرة استعمال العرب لها فمردود أيضاً بتعدد لهجات العرب. مثلا أهل الحجاز يقولون: (هلم) للواحد، والمثنى، والجمع، والمذكر، والمؤنث. وأهل نجد يصرفونه بحسب المخاطب. فيقولون: هلم، وهلمي، وهلما، وهلموا وهلممن، وقالوا: الأول أفصح لوروده في القرآن الكريم. أو استندت إلى:
3 - كونها مقيسة فأنا نرى أكثرهم يتركون القياس ويستعملون الشاذ كما جرى في الفعل (أخال) قال المخطيبي في شرح التلخيص كما في 1: 113 من المزهر: (أما إذا كانت مخالفة القياس لدليل فلا يخرج عن كونه فصيحاً) وقال أبن درستويه بعد قوله المذكور آنفاً: (وقد يلهج العرب الفصحاء بالكلمة الشاذة عن القياس، البعيدة من الصواب، حتى لا يتكلموا بغيرها، ويدعوا المنقاس، المطرد المختار) أو إلى:
4 - سهولتها على اللسان فلا يقر ذلك العقل لوجود كلمات ثقيلة كثيرة مستعملة والخفيف بمعناها مهمل مثل: (الباذنجان، وتجشم وجشم، وتقهقر(9/83)
والأوتومبيل والشمندفر والذريعة وليست افرنقع أصعب من تشتت ولا أضطر أخف من الجأ وحمل، ولا جشمه أخف من كلفه، فلكل دهر ناس وألفاظ، أو إلى:
5 - عربية الكلمة فهذا الباذنجان ولأنب والقسطاس والميزان والسخت والدشت والإستبرق والمارستان والبريد، وقد خصص السيوطي في مزهره باباً بالمعرب وله اسم في لغة العرب، ونقل أن الإبريق: التامورة، والهاون: المنجاز والمهرس. والطادن: المقلى، والأشنان: الحرض، والميزاب: المثعب والمسك: المشموم، والباذنجان: الحدج، والرصاص: الصرفان، والياسمين: السمسق والسجلاط وغير ذلك. أو إلى:
6 - قلة أحرفها فهذه. أنقذ واستنقذ، وتثبت واستثبت، وأوصى وأستوصى ومر واستمر، وقر واستقر، وتقدم واستقدم، وهزم وأستهزم، وغلظ وأستغلظ، وبان وأستبان، ويئس واستيأس، ويبس واستيبس، ويقظ واستيقظ، وغلق واغلق، وطلق واطلق، ووفى وأوفى، تدل على أن الأمر ذوقي اختياري وقد نقل السيوطي في 1: 121 من المزهر عن عروس الأفراح ما صورته: (وحيث كان للمعنى الواحد كلمتان ثلاثية ورباعية، ولا مرجح لإحداهما على الأخرى، كان العدول إلى الرباعية عدولا عن الأفصح، ولم يوجد هذا في القرآن الكريم) أهـ ونرد عليه بأنه ورد في القرآن المجيد: (أوفى) ولم يرد: (وفى) وجاء
(أوحى) ولم يجيء (وحى)، وورد (تبع واتبع) بمعنى: و (سقى وأسقى) بمعنى؛ فحجته ساقطة. أو استندت الفصاحة إلى:
7 - المحافظة على الأصل فهذا باب الوهم، والتضمين، والتشبيه، وحمل النظير على نظيره، والنقيض على نقيضه، يمنع ذلك ويدكه، وليست الفصاحة عندنا إلا كثرة الاستعمال، والتداول - وان أنكرها بعض العلماء - لأن المراد تفهيم الغير بأسهل أسلوب.
2 - دجاجلة إصلاح العربية
يقال: إن الغربيين المتلبسين بالعربية، ينعون عليها كتبها الصفر وتفرعاتها السقيمة المبهمة، وقيودها الناهكة، وشواذها المتوافورة، وعجزها عن متابعة(9/84)
هذا الدهر، وفقدانها المرونة والاتساع، بل أن أبناء العرب، والمستعربين الجهلة كثيراً ما تبرموا بالعربية، وقذفوها بالجمود واستحقروها، واستحبوا عليها اللغات الأجنبية لأنها لا تسمنهم اليوم، ولا تغنيهم من جوع؛ فأما الغربيون فالحق في جانب من قولهم لأن التفاريع، والشروح والتمحلات والتعاليل المريضة، جعلت العربية مستحكمة السور كاستحكام دول الحلفاء اليوم.
ورأينا بعض المغفلين يقترح لإصلاح العربية أشياء أقل قباحتها أن تحرم المتعلم الجديد التمتع بما خلفته العرب من العلم، والأدب، والشعر، فهذا اختراع لغة تخليطية، لا اقتراح إصلاح، فمن إصلاحه المزعوم إهمال أعراب المثنى، وما أدري إذا أهمله كيف يعرف الجارح مثلا في قول القائل: (جرح الشرطيين السارقين) فان ترك الأعراب يلجئ إلى استعمال قرينة من اللغة العامية ولعامة كل قطر عربي لغة، فضلا عن أن العامية كثيرة القرائن، فعوامنا يقولون بدلا من (جرح الشرطيين اللصان): البليسية الاثنين جرحهم الحرامية اثنينهم. وفي ذلك من الحشو البارد والإطالة الفاسدة ما يسمى ألمي الأكبر بل اقترح أن يزال استواء المذكر والمؤنث في (فعول) و (فعيل). ولعمري ليس هذا من الإصلاح. فالإصلاح يبنى على ما تقدم من اللغة لا ينقصه كله، والعرب ساوت بين المذكر والمؤنث في (فعول) لفائدة عظيمة لا يدركها الطافون على اليعاليل لأنها إذا قالت للمؤنث (فعولة) انصرف الذهن إلى أنها بمعنى مفعولة مثل: (ركوبة أي مركوبة) و (حلوبة أي محلوبة) و (حمولة أي محمولة) أو إلى أن الهاء للمبالغة لا للتأنيث مثل ترجل ملولة،
فروقة، وامرأة ملولة، فروقة.
أما فعيل فلا يستويان فيه إلا قليلا مثل: (جددت العباءة فهي جديد أي مجدودة، وتقول جديدة) ومثل (عتقت القنطرة فهي عتيقة) بمعنى عاتقة،(9/85)
قال الجوهري في (ع ت ق) ما نصه: (وإنما قيل قنطرة عيقة بالهاء وقنطرة جديد، بلا هاء لان العتيقة بمعنى الفاعلة والجديد بمعنى المفعولة ليفرق بين ما له الفعل وبين ما لفعل واقع عليه) فتأمله.
فالإصلاح يجب أن تنظر عواقبه. وتزول معايبه، وما شكا طلاب العربية كشكايتهم من شواذها، والنواد عن مطرداتها، فأول رأي نراه لإصلاحها:
3 - تعميم القياس في القاعدة
ونريد بهذا التعميم تطبيق القاعدة على الشواذ أيضاً لتكون في حكم المقيس وهذا يقتضي تغيير شيء في شروط المقيسات، وأن استبدالنا كلمة بكلمة اسهل وأخف من حفظ خمسين كلمة فما فوقها، فاسم التفضيل مثلا لا تحصى شواذه إذا عرف بتعريف القدماء، من انه يصاغ من الفعل الثلاثي بشرط أن يكون: 1 - تاماً - 2 - مثبتاً - 3 - مبنياً للمعلوم - 4 - لم يجئ الوصف منه على افعل - 5 - للفاعل لا للمفعول - 6 - متصرفاً لا جامداً - 7 - قابلا للتفاوت. فهذه الشروط يصعب مراعاتها. فضلا عن أن الشذوذ دكها دكاً، والذي رأيناه نشرناه قبل هذا إن:
اسم التفضيل: يصاغ من (المصدر الثلاثي أو الاسم مطلقاً) فالأفهم من الفهم، والآدى من الأداء، والأوفق من الوفق، والأشبه من الشبه، والأشهى من الشهوة، والأخلف من الخلف، والأشغل من الشغل، والاحوط من الحيطة، والأجدى من الجدوى، والأعطى من العطاء، والأشهر من الشهرة، والأتقن من التقن، والأعقد من العقدة، والأبر من البر، والأعذر من العذر، ولولا تعريفنا المذكور لبقيت هذه كلها شاذة أما غيرها الشاذ فاكثر رأينا قبل هذا أن:
اسم الآلة: يشتق من (المصدر أو الاسم مطلقاً أيضاً). فالمروحة من الريح، والمصباح من الصباح، والمهدى من الهدية، والمسيعة من السياع والمئذنة من الأذان، والمذوب من الذوب، ولا يشترط فيه أن يعالج الفعل به كله بل يكفي بعضه أو شيء له اتصال فالمطر لا يمطر به كما إن المفتاح يفتح به، ولكن له اتصال بالمطر، والمنفاض ليس آلة ينفض بها بل متصلا بالنفض، فأدنى ملابسة بين الفعل واسم الآلة تجيز صيغة اسم الآلة.
وإذا نظرت إلى تعريفنا السابق لاسم الآلة بطل عندك اشتراطهم التعدي في(9/86)
الفعل الذي يصاغ منه هذه الاسم، ففي العربية: (المثفد والمذوب، والمربأ، والمرقاق، والمروحة، والمئذنة، والمصباح، والمرساة، والمئزر، والمسيعة، والمحراك والمنضاج وغيرها) وهي مخالفة لقياسهم شاذة عنه داخلة في قياسنا.
ذكرنا هذه الأمور ليتبين للقارئ أن التعاريف، وشروط القياس مستوجبة للإصلاح. وإذا ما تطرقنا إلى كل تعريف ننفي عنه الخبث ونحو إليه الشواذ النواد، بطل تتبعها، وتأثرها، وإضاعة الأوقات من أجلها، فان الحياة اليوم ما فيها فسحة لقضاء الوقت بلا طائل، ولا العقول متفرغة للغوص في اللجج، على الحجج، فضلا عن أن العرب اليوم غير العرب بالأمس لضعف القريحة ومرض السليقة العربية، وكثرة التداول للألفاظ الأجنبية، ولهذه الأسباب الضاغطة نرى أن من إصلاح العربية:
4 - عد كل مقيس فصيحاً وجواز استعماله
نقلنا قبل هذا عن ابن درستويه أن العرب الفصحاء قد تلهج بالكلمة الشاذة المخافة للصواب ولا تستعمل غيرها من المطرد المختار: ثم قال بعد ذلك كما في (1: 126) من المزهر: (ثم لا يجب لذلك أن يقال: هذا أفصح من المتروك) وقال في (2: 30) منه: إنما أهمل استعمال ودع ووذر، لأن في أولهما واواً وهو حرف مستثقل، فاستغني عنهما بما خلا منه وهو ترك قال: واستعمال ما أهملوا من هذا جائز صواب وهو الأصل بل هو في القياس الوجه) وفي 1: 37 من المزهر: (قال أبو علي في ما حكاه ابن جني: يجوز لنا أن نقيس منثورنا على منثورهم وشعرنا على شعرهم) وفي ص 71 (وروي عن رؤبة وأبيه أنهما كانا يرتجلان ألفاظاً لم يسمعاها ولا سبقا إليها وعلى ذلك قال المازني: ما قيس على كلام العرب فهو من كلامهم وأيضا (فالأصمعي كان منسوباً إلى الخلاعة ومشهوراً بأنه كان يزيد في اللغة ما لم يكن منها). وقال ابن درستويه أيضاً في ص 126: (وليس كل ما ترك الفصحاء استعماله بخطأ فقد يتركون استعمال الفصيح لاستغنائهم بفصيح آخر أو لعلة غير ذلك) وجاء في ص 148 (فان الأعرابي إذا قويت فصاحته وسمت طبيعته تصرف وارتجل ما لم يسبق إليه). وقال الجوهري في مادة س ج د: (وسمعنا المسجد والمسجد والمطلع والمطلع والفتح في كله جائز وإن لم نسمعه). وقال ابن الأنباري كما في (ص و
ع) من المصباح: (لأنه وإن كان غير(9/87)
مسموع من العرب لكنه قياس ما نقل عنهم). وقال الفيومي في (خ ل ف) من مصباحه: (وخدم السماع يقتضي عدم الاطراد مع وجود القياس).
وقد ألفنا بين هذه الأقوال إثباتاً لأن نعد كل مقيس فصيحاً. فاستعماله جائز لا مطعن فيه ولا مغمز، ولا عيب على غير المتبحرين الراسخين في العربية إذا لم يحفظ الشواذ، وجروا على القياس اللاحب. ومن كثرة إباحة العلماء: التساهل في العربية أنهم لم يخطئوا من تكلم بلغة من لغات العرب، ففي (1: 153) من المزهر: (قال ابن جني في الخصائص: اللغات على اختلافها كلها حجة ألا ترى أن لغة الحجاز في أعمال (ما) ولغة تميم في تركه كل منهما يقبله القياس فليس لك أن ترد إحدى اللغتين بصاحبتها لأنها ليست أحق بذلك من الأخرى؛ لمن غاية ما لك في ذلك أن تتخير إحداهما فتقويها على أختها وتعتقد أن أقوى القياسين أقبل لها واشد نسباً بها) ثم قال: (فان الناطق على قياس لغة من لغات العرب، مصيب غير مخطئ، لكنه مخطئ لا جود اللغتين). وفي هذه الصفحة: (قال أبو حيان في شرح التسهيل: كل ما كان لغة لقبيلة قيس عليه). وإذا لاحظ الإنسان تصرف العرب في لغتهم، تعجب من تلك الأذواق المتوثبة، والطباع المترقرقة. روى الفيومي في مادة ك ت ب من مصباخه ما عبارته: (قال أبو عمرو: سمعت إعرابياً يمانياً يقول: فلان لغوب، جاءته كتابي فاحتقرها. فقلت: أتقول: جاءته كتابي؟ فقال أليس بصحيفة؟ قلت: ما اللغوب؟ قال: الأحمق) ومثل هذا كثير، وأرى من إصلاح العربية:
5 - ترك تعليل الإعراب في النحويات
نريد بذلك أن يعلل رفع الفاعل، ونائبه ونصب المفعول، وللتمييز مثلا، فان ذلك لا تعليل له على الحقيقة وكل ما جيء به تكلفات وتفيهقات تدل على أن القوم رغبوا في إضاعة أعمارهم، وجهد أذهانهم، بلا جدوى ولا طائل. فالفاعل مثلا سمع مرفوعاً والمفعول سمع منصوباً فأي علة لشيء حصل قبل العلة وأي سبب لشيء كان قبل السبب؟ قال ابن خلكان في (1: 143) عن وفياته في ترجمة أبي علي الفارسي: (ويحكى أنه كان يوماً في ميدان شيراز يساو عضد الدولة فقال له: لم انصب المستثنى في قولانا: قم أقوم إلاَّ زيداً؟ فقال الشيخ: بفعل مقدر، فقال: كيف تقديره؟ فقال: نستثني زيداً، فقال له(9/88)
عضد الدولة: هلا
رفعته وقدرت الفعل، امتنع زيد! فانقطع الشيخ) فهذه الحكاية تؤيد دعوانا أن تعليلهم الأعراب تكلف محض واختلاق صرف، والاشتغال بمثل هذه الأمور معسر لفهم القواعد العربية زيادة على إفساده القاعدة، ومن ذلك أنهم زعموا أن كل منادى منصوب، وقدروا له فعلا ناصباً هو (أدعو) أو جعلوا أحرف النداء بمكان (أدعو) فيقولون في: (يا الله) مبني على الضم في محل نصب، وفي (يا عليون) مبني على الواو في محل نصب؛ وما ندري كيف تكون علامة الرفع بمكان البناء والنصب، وما فائدة نصبك اسماً بالتقدير والتصور وأنت تراه وتسمعه وتلفظه مرفوعاً؟ فذلك جهل مركب، والحقيقة إن المنادى ورد عن العرب بنوعين نوع منصوب، ونوع مرفوع، كالمستثنى بالا فمنه المرفوع أيضاً، وان جاء منه المنصوب. فالمنادى المنصوب (1) المضاف نحو يا خالق العالم (2) والتشبيه به مثل يا خالقاً كل البشر (3) والنكرة غير المقصودة نحو يا حاكما انصف، والمنادى المرفوع (1) العلم غير المركب مثل يا علي ويا عليان ويا عليون (2) والنكرة المقصودة نحو يا رجل ويا رجلان ويا مؤمنون (3) وحرف النداء هو أيها أو أيتها أو اسم الإشارة مثل يا أيها النبي، ويا أيتها النفس المطمئنة. ويا هذا الإنسان؛ ويبقى أن العلم غير المركب يبنى لحذف تنوينه أم تكون الضمة علامة رفع؟ والأول أن تكون الضمة علامة رفع ويعد حذف التنوين من هذا المنادى شيئاً مسموعاً ولا فائدة في تغييره أبداً.
بسطنا هذا الإيضاح لبيان أن تعليل الأعراب قد يجر المعلل إلى ما لا تحمد مغبته، ولا تقبل، ولا يصح نتاجه. أضف هذا إلى إن أقل اعتراض على المعلل، يربكه، ويورطه في ورطة كبيرة فلا ينجو منها؛ ونرى أن من إصلاح العربية.
6 - تمهيد أسلوب تدريسها والتأليف بها
عددنا هذا التمهيد إصلاحاً لأن التدريس في كل علم يجب أن يسير على سنة التدرج في الارتقاء، فإذا تعلم الطالب بطريقة وعرة أو وعثة، مل العلم، واستصعبه، ويئس من إدراكه، وأول ظلام الخسران، اليأس، والمعلم الذي يعلم تلميذه بأسلوب شكس يكون كمن يحمل الطفل الحابي على العدو، والجري، فتنقطع به الأسباب، لأنه طلب المحال،
وإدراك المحال لا ينال.(9/89)
قضيت في تدريس العربية ست سنين: وطالما رأيت التلاميذ يتضجرون، ويشتكون من
العربية، ويعدون فهماها والنجاح فيها من المعجزات؛ وما ذلك إلاَّ لعدم وجدانهم كتباً تناسب عقولهم، وتسير في تقديم البحوث على أسلوب قويم ومنهج مستقيم، وإلى الآن ما وجدت كتاباً في القواعد العربية مبنياً على التجربة، وأساليب التعليم الفنية؛ ونقائص هذه الكتب لا تبدو إلاَّ لمجرب مرب متضلع من العربية، فان حرم أحد هذه الثلاثة لم يفطن لها، فمن تلك النقائص:
(1) التخليط في التعاريف كأن يعرف أحد المؤلفين الاسم بقوله: (الاسم: كلمة تذكر لتسمية شخص أو حيوان أو شيء) ولا يعلم أن الشخص والحيوان شيئان، فيعتقد الطلاب هذا الاعتقاد، ولكنه هو نفسه إذا عرف اسم الاستفهام قال: (اسم الاستفهام: هو ما يسأل به عن شيء) فهذا يستوجب عند التلميذ أن لا يسأل به عن إنسان، ولا عن حيوان، لأن الشيء عندهم قد صار لا يتعدى الجماد، فتأمل هذا الاضطراب. ويعد من باب الخطأ في التعريف (التورط في التفهيم) كأن يقول أحدهم للتلميذ: (إذا قلت: نفتح الباب، نفهم أن الحدث يجري الآن) ثم يقول: (أما إذا قلنا: يقرا الولد درسه) فأننا نفهم أنه لا يزال يقرأ في وقت التكلم وسيستمر على القراءة بعد التكلم) وأنت تعلم أن لا فرق بين (نفتح) و (يقرأ) من حيث الزمان، فيشتبه الأمران على التلميذ ولا يكون علمه متحققاً عنده.
(2) التعابير المغلوط فيها، لأن المؤلف لكتاب في القواعد العربية يجب عليه أن يكون سلس التعبير، طاهر العبارة، متين الجمل، محكم البحث: وإلا ففساد كتابه اكثر نصحه، ومن ذلك قولهم للتلميذ: (على كل إنسان أن يحب وطنه، ويفدي دونه كل نفيس) فالفداء حصل ل (كل نفيس)، لا للوطن، ومصدر هذا الخطأ خاصة قول الرصافي الأستاذ في أحد أناشيده:
نبذل الأرواح نف ... ديها لإحياء الوطن
فالفداء صار للأرواح لا للوطن، فصواب الخطأ الأول (ويفديه بكل نفيس) وصحيح الغلط الثاني ونفدي بها أحياء الوطن).
(3) فساد السؤال كأن يقول أحدهم لتلميذ لم يتعلم إلاَّ لتعريف الكلام،(9/90)
وأنواع الكلمة: (أدخل هذه الأحرف في جمل مفيدة: في. لم. من. إلى. ثم. عن.) فهذا من الأسئلة العقيمة، لأن التلميذ قبل أن يستعمل الحرف يلزمه أن يعرف عمله، ومعناه، وموضع استعماله، وهذا لا
يعرف بالاتفاق والتصادف، فضلا عن أنه مضيعة للأوقات، وأسلوب وعر.
(4) جهل المؤلفين، وهنا الطامة الكبرى، فو الله لقد تقدم إلى التأليف من لا يميزون بين اسم الإشارة والاسم الموصول كقولهم: (أدخل أسماء الإشارة الآتية في جمل مفيدة: ذا، تان (التي) هذا، (اللتان)، (اللذين) تانك) فالتي، واللتيان، واللذان، أسماء موصولة لا أسماء إشارة، وإذا فهم أحدهم تعريف الفاعل، والمفعول، عرض نفسه لأن يؤلف، ومن ألف فقد استهدف ويكون كتابه مفسدة للعربية من أوله إلى آخره، وبرز للتأليف من لا يعلم أن فعل الأمر لا يصاغ للغائب فيقول للتلميذ: (ما هو مضارع وأمر هذه الأفعال شكر. استحسن. انتقد. . .) وهلم جرا في المواضي المختصة بالغائب: وما ادري كيف يؤمر الغائب بدون لام الأمر؟ فعلي الرواية وعلي العجب.
(5) التلبيس على المتعلم، وذلك كأن يذكر له أن (سأل) ينصب مفعولين ولا يبين له المراد ب (سأل) الناصب للمفعولين، مع أن سأله عن كذا) شيء، و (سأله كذا) آخر؛ ومن سوء هذا التدريس وجدت بعضهم يكتبون (سألت المدرس قضية) يريدون (عن قضية) وهناك مثل هذا التلبيس ما لا يحصى كثرة، ولا يستقصي عداً.
(6) عدم مراعاة سنة العلم العامة، كأن يقول أحدهم للدارس: (فرق بين المذكر والمؤنث مما يأتي: فريدة، حمام، أفعى، بطن. . . حرب. . . دكان. . دار.) فالفريدة بها علامة تأنيث، وما بقي لا يعرف تأنيثه، ولا تذكيره، إلا بالسماع، ومعجم العربية، فكيف يسأل عنه طالب لم يراجعه في كتاب ولا سمعه من نفر، فضلا عن أن البطن بطنان بطن ضد الظهر، وهو مذكر، وعن أبي عبيده أن تأنيثه لغة، وبطن دون القبيلة وهي مؤنثة وتذكر إن أريد بها الحي. فتأمل هذا السؤال الذي لا يسأله إلاَّ عقيم التدريس، عظيم التلبيس، متنكب لسنة العلم العامة، والبلية العظمى السؤال عن (الحمام) أمؤنث هو أم(9/91)
مذكر؟ ولا شك عندي في أن السائل لا يعرف الجواب عنه.
(7) والابتسار في التدريس وهو تدريس الشيء قبل أوانه كأن يقول للتلميذ: (إذا كان الكلام تاماً منفياً فيجوز نصب المستثنى بإلا، على الاستثناء. وإتباعه على البدلية) والتلميذ لا يعرف البدل ولا البدلية، ولو ظل هذا المعلم المبتسر ينفخ في الشبور لتفهيم الدرس، لما فهم التلميذ من هذه المعميات شيئاً. ومن الابتسار، تدريس تثنية الاسم قبل تعليم أنواع
إعرابه، لان المثنى يضيف إلى المفرد ألفاً ونوناً عند الرفع، وياءاً ونوناً عند النصب والجر؛ وإذا انعكس الأمر ضاعت الفائدة، وطال الطريق.
ومنه تقديم تعليم المبني على المعرب، لان المتعلم إذا درس المعرب، ورأى تغير آخره، سهل عليه معرفة ضد المتغير الآخر أي المبني، ولان المعلم إذا علم المعرب، أبان حقيقة التغير وكشف عن تطور المعربات، فضلا عن انه إذا ضرب مثلا للمعرب، المرفوع ليقابله بالمبني المرفوع، كأن الطالب عارفاً للرفع والمرفوع، فلا يكل ذهنه، ولا تخمد قريحته، ولا يدرس شيئاً مفاجئاً لذهنه، غريباً عن كل ما في عقله.
ومنه تدريس النداء في خصائص الاسم قبل تعليم النداء والمنادى.
ومنه تعليم الفاعل لشبه الفعل المعلوم ونائب الفاعل لشبه الفعل المجهول، قبل تعليم عمل اسم الفاعل، والصفة المشبهة، واسم التفضيل، واسم المفعول والاسم المنسوب إليه.
ومنه طلب إصلاح شيء قبل أن يدرس قاعدة إصلاحه كأن يقول: (اصلح لمساعدة أبوك خالداً) وهو لم يدرس البدل ولا عطف البيان. فيصلح هذه الجملة، وأمثلة الابتسار كثيرة.
(8) الأسئلة المكسلة أو الملقنة للجواب؛ فان الكتاب إذا أشتمل على أسئلة لا تعمل أفكار التلامذة، ولا تهيج قرائحهم؛ بل تعلمهم التواكل والكسل أو تحتوي على الجواب، فيكون عديم الفائدة، ميت العائدة، زيادة على ضرره من حيث التربية المهذبة، وكيفية هذه الأسئلة كأن يقول في الكتاب: (ما فاء كلمة (وجل) وهل قلبت إلى حرف آخر في صيغة الأمر؟) فالجزء الأخير من(9/92)
السؤال فهم التلاميذ أن الواو تقلب إلى حرف آخر في صيغة الامر، فضلا عن انهم يجيبون ب (لا) أو (نعم) وهو الغالب لان فيه راحة ومكسلة، فلا أعمال فكر فيه، ولا جهد قريحة. ومثله أن يقال للتلاميذ (ألا ترون أن جميع هذه الكلمات التي تدل على الجمع، تزيد عن مفردها لفظاً بالواو والنون؟) فالجواب (نعم). ولا ينجو من هذا العيب التدريسي إلاَّ ذو حظ عظيم.
(9) وارتباك المؤلفين لاعتمادهم على قلة علمهم، فيضربون مثلا للفعل اللازم: (صبر، واستقل، وجاء) ولا يعلمون انه يقال: (صبره صبراً، واستقله، وجاءه) فشغل أذهان المتعلمين بالأشياء المشتركة وتوريط المؤلف نفسه في ما لم يتحققه مفسدة للعلم والكتاب ومخسرة لأعمار المتعلمين.
(10) تفكيك الدروس بعضها عن بعض لان العلم يجب أن يتألف من مفرداته صفوف متصلة بعضها ببعض حتى إذا عرضها صاحبها، مرت كالجنود المجندة وإذا تفرقت وتقطعت كانت كالجيش المتشرد لا قوة له ولا استعداد، فيجب ربط الدروس بعضها ببعض. ومثل عدم الربط تدريس علامات نصب الاسم بعد الاسم المنصوب، يفصل بينهما المرفوع وتدريس الفعل المتعدي بعد المفعول به مثلا.
(11) الإكثار من الدروس كأن يدرس المتعلم في ستة اشهر (120) درساً وليس له في الأسبوع إلاَّ درسان وهي تسعة وثلاثون أسبوعاً يستغرقها ثمانية وسبعون درساً جديداً. فمتى يكون الامتحان الشهري وغيره وفي أي فرصة تعاد. وتزاد الدروس التي درسها التلميذ في السنة الماضية عملاً بأن تكون الدروس متوسعة بالتدرج كتوسع حركة الأرجوحة فإنها تتردد إلى مركز الحركة لا تمتد بمرة واحدة. فإتباع الإكثار على هذه الصورة قبيح في تأليف الكتب. ومن جنس هذا النقص تكليف عقل المتعلم فهم معلومات كثيرة في وقت واحد فذاك أسوأ التعليم.
واعلم إني لو تأثرت نقائص المؤلفات والمؤلفين. وأساليب تدريس العربية الوعرة، لجئتك بشيء كثير. هو الذي صعّب العربية على المتعلمين وكرهها إليهم وجعل فهمها من المعجزات.
مصطفى جواد(9/93)
هيكل أدب
(تابع لما قبله)
أما لباسها ففي غاية البساطة والحشمة. بخلاف ما ذهب إليه فريق من المؤرخين في تهتك المرأة البابلية في الهياكل وعلى أبواب المعابد. وفي اسفل الإناء خطوط متمعجة تشبه الموج وهي تمثل الماء أو الغمر.
وفي الجهة اليمنى من مقدم الزورق كتابة مؤداها: إن اورين بن اور أهدى هذا الإناء إلى إلهته لكي تحفظ حياته. وبعض تلك الكتابة مسطور بخطوط مستقيمة. وبعضها بصورة مسمارية ترتقي إلى عهد دنجي. وفي طرفي الإناء ثقبان صغيران يسلك فيهما خيط لتعليق ذلك الإناء في الهيكل. ويظهر إن هذا الزورق قدّمه أحد النوتية هدية للهيكل عربون حمد وشكر على نجاته وزوجته من الغرق كما وقع مثل ذلك في أيامنا لجماعة من الملاحين فعلّقوا بعد نجاتهم رسم السفينة الغارقة ووضعوه في كنيسة مرسيلية الكبرى.
وقد ورد في الجزء الثالث من كتاب رويال ريدر ص 156 - 160 بعنوان (زورق فرسي) أي مصنوع من الخيش ما وقع لسبعة من النوبية الإنكليز قبل نحو مائتي سنة. فان نفراً من لصوص البحر (القرصان) أسروهم وحملوهم إلى الجزائر من بلاد المغرب في أفريقية فقضى أولئك المنكودو الطالع في الأسر مدة خمس سنوات قاسوا في خلالها من صنوف العذاب والهوان ما حملهم على أن يفضلوا الموت على حياة الذل والمسكنة. وفي الأخير عقدوا النية على مغادرة الجزائر مهما كلفهم ذلك من الأخطار والمشاق، فصنعوا سراً قارباً من الخيش وطلوه بالزفت والقار، ثم أنزلوه في الماء ليلا وهموا بالهرب. وما كان اشد أسفهم لما حققوا انه لا يسع سوى خمسة منهم، فالقوا القرعة وتخلف اثنان منهم بعد وداع تتفطر له الأكباد حزناً، وينقطع نياط القلوب جزعاً، ثم أبحروا(9/94)
ووجهتهم بلاد أسبانية. وكان زادهم قليلا من الخبز وقنينتين من الماء العذب وبعد سفر دام بضعة أيام، كابدوا في أثنائها من الأهوال والنكبات ما يعجز القلم عن وصفه. وصلوا جزائر مينرقة وهم إلى آخر رمق من الحياة لشدة ما أصابهم من الجوع والعطش والتعب. فاكرم مثواهم الإسبانيون ورثوا لحالهم وأمدوهم في الحال بطعام وشراب ولباس وزودوهم بكل ما يقوم
بأودهم ثم وضعوهم في إحدى سفن ملكهم ووجهوهم إلى إنكلترا بلادهم وقد حفظ سكان جزيرة مينرقة ذلك الزورق المصنوع من الخيش، ووضعوه في كنيستهم الكبرى ذكرى لنجاة أولئك الملاحين الإنكليز الذين نجوا بأعجوبة من أهوال البحار بذلك القارب الصغير. وقد، حفظت أضلاعه وقاعدته من التلف مدة من الزمن، واخذ الرحالون يؤمون تلك الأصقاع لمشاهدة صقل ذلك الزورق القديم بعد الحادثة بأكثر من مائة سنة، فهذه الواقعة تؤيد بأجلى بيان ما حدث للملاح البابلي وزوجته التقية وإيداع رسم زورقهما أحد هياكل أدب.
وفي الخامس من كانون الثاني سنة 1904 استؤنف الحفر بعد أن توقف بضعة أيام من جراء النزاع القائم بين شيوخ تلك المنطقة. فكان كل منهم يدعي أن موقع بسمى ملكه. وقد عثر النقابون في ذلك اليوم في الطرف الشمالي الغربي من قاعدة الهيكل على رأس تمثال صغير منحوت من الحجر الأبيض يماثل التماثيل المكتشفة في تلو ونفر وكان رأس ذلك التمثال اصلع. ووجهه مستديراً أمرد ويرتقي عهده إلى الشمريين، ولا يتخطى عصر جودياء ملك تلو. ووجد المنقبون في اليوم التالي 65 صفيحة من الآجر وبينها قطع وطائفة من الجرار الصحيحة وكل هذه الآثار اكتشفت في ارض الطبقة السفلى من الهيكل.
هذا وفي ذات يوم بينما كان أحد المعمارين يبحث عن آجر للبناء عثر نبهاً على بئرين بالقرب من سفح الرابية الرابعة. وكانت أعضاد إحداهما مطوية بالآجر المربع (الطابوق السلطاني) وعلى كثير منها اسم اور انجور وكتاباته. وكانت البئر الأخرى مطوية بالآجر المسنم، ويحيط بها دكة مبنية بالآجر أيضاً، ووجد الحفارون في الرابية الأولى بناء عظيماً. وفي أنقاضه صفائح من(9/95)
الآجر وتماثيل وآنية من الخزف. والذي ابهر أنظارهم وأفاد المؤرخين فائدة تذكر، عثورهم في الهيكل على قطعة صغيرة متجمدة من المعدن الأصفر، وبعد أن نظفت وصقلت عادت إلى رونقها الأول، فظهرت عليها كتابة بديعة طولها أربعة عشر سنتيمتراً في عرض خمسة سنتيمترات، تشتمل على ستة اسطر، وتبدأ بهذه الكلمات: (نرام سن ملك أكد).
كان نرام سن بن سرجون العظيم، أحد الملوك الذين أعادوا بناء هذا الهيكل؛ وقد وجدت تلك الشذرة الذهبية بجوار قبر قائم في غرفة صغيرة مربعة الشكل. ويرتئي فريق من
الأثريين أن نرام سن دفن في الهيكل؛ وذلك الموطن موضع قبره. وقد فتحه لصوص الآثار وسلبوا كل محتوياته، ولم يهتدوا إلى هذه الكتابة المسطورة على تلك الصفيحة الذهبية المقطوعة من صفيحة أكبر منها؛ لأن أطرافها غير المستوية تدل على أنها نزعت بعنف من تمثال كانت معلقة عليه لتدل على اسم صاحبه، أو لعلها كانت بمثابة مئزر أو رداء، يستر ظاهر جسم ذلك التمثال.
وبعد أيام قلائل رأى الفعلة قريباً من ذلك المدفن قطعة أخرى من الذهب أتمت طرفاً آخر من الكتابة. وكان مطبوعاً عليها بضعة أسطر بخطوط متآزية وهي تشير إلى أنها كانت قد اتخذت لغرض التجمل والزينة.
وقد صادف المنقبون كثيراً من الحلي الذهبية والحجارة الكريمة في قبور البابليين، ومدافن ملوكهم ولكن معظمها - إلم أقل كلها - كان غفلا خالياً من الكتابة. أما هذه فتعد فريدة في مادتها، وحيدة في نوعها. نعم وجد الأثريون في خرائب خرستاباذ (خرساباد) قطعاً من الذهب، عليها كتابات ونقوش ولكن ليس في بابل.
ووجد أحد الفعلة من البنائين - حينما كان يحث عن آجر للبناء في السهل الواقع في آسفل الرابية السادسة - خابئتين كبيرتين (راقودين) من الخزف ولكل منهما جوف واسع، وعنق صغيرة جداً بصورة غير مألوفة.
وكانت الخابئتان قائمتين الواحدة بجنب الأخرى؛ ومثبتتين في الأرض وإحداهما اصغر من الأخرى قليلا. وكان من الأمر الهين وقعهما وإفراغ ما فيهما(9/96)
ولكن حينما رفعت إحداهما من موضعها تكسرت كسراً عديدة وفي الخابئة الصغيرة كان رماد جثث محرقة، وقطع من العظام الدقيقة واثنا عشر صحناً صغيراً عميقا ذا شكل قديم جداً وقطعة من الآجر.
وقد ظهر بعد التحري والتدقيق، أن هاتين الخابئتين الضخمتين اتخذتا مدفناً لرماد الجثث المحرقة للآسر النبيلة، ووجد أيضاً في تلك الصحون العميقة رماد جثث محرقة لإفراد ممتازين. فمن هنا يتبين أجلى تبين أن عادة إحراق جثث الموتى، كانت مألوفة وشائعة عند سكان العراق في ذلك الزمن البعيد. والمر الذي استرعى الانتباه بنوع خاص وجود جثث محرقة في موضع آخر وقد نسقت الواحدة بجنب الأخرى وذلك تحت سطع الأرض.
وصادف المستر وولي الأثري منذ نحو سنتين مدفن ملك نفي أور، ووجد تسعاً وخمسين
جثة من رجال ونساء، دفنوا أحياء بإرادتهم، ليرافقوا ملكهم في العالم الآخر، ويصبحوا أفراد حاشيته في مملكته الجديدة، كما كانوا على الأرض. (راجع لغة العرب 8: 78)
وصف الهيكل
كان الهيكل يعد عند الشمريين، والبابليين، والآشوريين، بؤرة حضارتهم وقبلة خاصتهم، وعامتهم. وكان الناس على اختلاف درجاتهم، وتفاوت مشاريعهم، يحجون المعابد، والمساجد، والهياكل، المرصودة لعبادة الآلهة، ويقدمون إليها هداياهم النفيسة، وآثارهم الثمينة، ففي هذه الأماكن المقدسة كانوا ينصبون تماثيل ملوكهم، ويجرون الحفلات الدينية، ويشيدون حولها قصورهم، ودور أغنيائهم، ويقيمون أسواقهم ومخازنهم، وبيوت تجارتهم واهراء غلاتهم، لما لها من الدرجة السامية في نظر الكهنة والأشراف، وسائر المتعبدين من السوقة.
وكان الهيكل كثيراً ما يقام على ضفة نهر، أو مصب ترعة، لان الفروض الدينية، تلزم أحياناً رؤساء الهيكل أن ينقلوا تماثيل الآلهة الضخمة على أكلاك أو أطواف من مدينة إلى أخرى، ويطوفوا بها حينما تنتشر في البلاد(9/97)
أمراض شديدة الوطأة، تحصد نفوس السكان، وتفتك بهم فتكاً ذريعاً لا تهاب بطش ملك، ولا تخشى رقية كاهن، ولا ترحم شاباً أو شابة وان غض أهابها.
أنبأتنا الآثار المكتشفة حديثاً بان تخطيط الهياكل وهندسة بنائها يكاد يكون واحداً. فالمنقبون عثروا على طائفة صالحة منها، وكلها مشيدة على طرز متماثل، فإنها تشتمل على برج يتألف من ثلاث أو سبع طبقات أو لفات تشبه مصطبات مربعة تقوم الواحدة فوق الأخرى. وفي قاعدة البرج، أي في طرفه الأسفل يقوم موضع تماثيل الآلهة المقدسة، ومخادع الكهنة وهذا الوصف ينطبق بنوع خاص على هيكل أدب قبل أن عملت في أنقاضه معاول الحفارين.
الهيكل القائم في الرابية الخامسة
ذكرنا في فصول متقدمة، وصف بعض هياكل بسمى؛ عثر عليها الأثريون نبهاً في الروابي التي نقبوا فيها. وأما الآن فنبحث عن بضعة هياكل، نقب فيها المنقبون، فوجدوها قائمة
بعضها على بعض، والواحد على الآخر؛ وقد وضعوا عمارتها وتاريخ تأسيسها، والكنوز المذخورة فيها، وبعضها أنشئ في فجر التاريخ.
اكتشف الأثريون في تنقيباتهم التي قاموا بها عدة هياكل، وكان أولها قائماً على ذروة رابية، ولما أزاحوا ما كان من الإنقاص رأوا برج هيكل، ووجدوا الآجر الذي غشى وجه الجدار منقوشاً عليه اسم دنجي ملك أور (2350 ق. م) ولما أزالوا هذه الآجر عن موضعة، القوا تحته آجراً آخر، مسطوراً عليه اسم اور انجور، وهو والد دنجي (2400 ق. م) ولما أمعنوا في الحفر، عثروا على شذرات ذهبية ترتقي إلى عهد نرام سن (2600 ق. م) وعلى آجر مربع الشكل من عهد (سرجاني سري)، وهو سرجون الأول (2650 ق. م) وعلى هذا المنوال وضح وضوح الشمس في رابعة النهار؛ أن الرابية التي نحن بصددها، كانت تضم طبقات متعاقبة من الأنقاض، لأن المنقبين كانوا كلما أوغلوا في التنقيب، عثروا على أنقاض متناهية في القدم.
حفر النقابون في وسط الرابية التي تعلو نحو خمسين قدماً عن مستوى سطح الصحراء فشاهدوا بئراً قطرها نحو ثماني أقدام مربعة في طبقات عديدة من الأنقاض، ولما توغلوا في الخفر، اكتشفوا الجدران، وشظايا من الخزف(9/98)
وغير ذلك من الآثار القديمة التي وقفتهم على تاريخ تلك الرابية، حينما كان يقطن فيها السكان الأولون، حتى عصرها الأخير، حين هجرها أهلها وأصبحت أثراً بعد عين.
أن البئر التي حفرها النقابون، أفصحت كل الإفصاح عن الطبقات المتعددة وتاريخ بنائها، وأسماء طائفة من الذين بذلوا جهد استطاعتهم في تشييد معالمها؛ وإليك البيان:
وجد النقابون تحت آجر دنجي، واور نجور، وذهب نرام سن، وآجر سرجون خمس عشرة آجرة، طويلة مخططة؛ أنبأتهم أن ملوكاً كثيرين عاشوا قبلي عصر سرجون؛ وقد عادوا بناء الهيكل عدة مرات.
وكشق الحفارون تحت تلك الآجرات، هيكلا مشيداً بالآجر الصغير الحجم، المسنم، يرتقي إلى زمن أقدم من بناء الهيكل الأول، وقد تخلل الهياكل أنقاض كثيرة، فان الفعلة - بعد أن نبشوا بضع أقدام - وجدوا أكثر من أربعين قدماً من الردم تحت معاولهم، ولما شرعوا في حفر الهيكل المسنم الحجارة ألفوا طبقة من التراب، وأخرى من الرماد، وبدا لهم أن الرماد
يدل على هيكل كان مبنياً من الخشب، فالتهمته النيران. وعثروا بعد ذلك على جدار مبني بالطين ولما توغلوا في الحفر، وجدوا قطعاً من حجر الكلس، تشبه حجر البناء؛ ويظهر إنها بقايا هيكل كان مشيداً بالحجارة. وشاهدوا بين الأحجار مسماراً كبيراً من النحاس الأحمر طوله ثمانية وأربعون سنتيمتراً، وطرفه الغليظ ينتهي بصورة أسد رابض ورأسه قائم، أي مستقر على يديه، وذيله ممتد على المسمار، إلى جهة طرفه الدقيق، وقد اخضر النحاس ومادته باليه ولا اثر للكتابة فيه. ويحتمل أن الكتابة محيت لطول عهدها. وقد سكب هذا الأسد أحد فناني شمر وكان آية في الإبداع والرونق.
ويذهب النقاب الأميركي بنكس، إلى هذا المسمار البديع يرتقي زمنه إلى ما بعد بناء الهيكل المسنم الآجر؛ وقد دفن اتفاقاً في الأنقاض حينما كان البناءون يرممون الهيكل، أو يعيدون بناءه؛ وذلك بأزمنة قديمة جداً. ولا يعرف على التحقيق الغرض من ذلك الأسد المصنوع بهذه الصورة الغريبة؛(9/99)
ويغلب على الظن أن طرفه الرفيع أن يثبت في آجر الجدار، والأسد يظهر بصورة بارزة ويتخذ كدعامة؛ ويحتمل أنه كان يوضع في الهيكل لمجرد الزينة.
وبعد أن توغل النقابون في الحفر عثروا على قارورتين من الخزف واقفة الواحدة بجنب الثانية، وأحدهما أصغر من الأخرى قليلا، وشكلاهما واحد وهما منبسطتان وقطراهما كبيران جداً وعنقاهما صغيرتان بالنسبة إلى ضخامتهما وكان حولهما دكة صغيرة مشيدة بالآجر المسنم؛ وقد دفنتا في الأرض ولا يظهر منهما سوى عنقيهما؛ وكانتا مملوئتين رماداً. والآجر يدل على العصر الذي أحرقت فيه تلك الجثث وأودعت هاتين الخابئتين. وكان كل ذلك في عصر الهيكل المشيد بالآجر المسنم؛ فحفرت حفرة عميقة في هذه البقعة لهذه الغاية وقد ملئت تلك الحفرة تراباً لطول الأمد.
هذه وقد تضاربت آراء المنقبين في من أودع هذين الراقودين، فذهب بعضهم إلى أنه رماد جثث كهنة الهيكل وسدنته، وقال آخرون رفات جثث نبلاء البلاد وعظمائها، وارتأى غيرهم أنه رماد بقايا الملوك والملكات أو الأمراء والأميرات، أو رماد رجال ونساء ضحوا بحياتهم على قبر أحد ملوكهم. وهذه كله حدس وتخمين لأنه لم يقف أحد على صفائح منقوشاً عليها أبناء تينك الخابئتين. ويحتمل أنهما أقيمتا مقام مدفن مقدس للأولياء أو الأنبياء الذين نالوا شهرة واسعة في ذلك العهد القديم، كما اشتهر في العراق بعض مراقد الأئمة.
وبات الناس يدفنون موتاهم بجانبهم للتبرك برفاتهم.
وبعد أن أمعن الحفارون في التنقيب في تلك الحفرة عثروا على إناء مركب من كسر؛ بيد أنه أصغر حجماً من الخابئتين المار ذكرهما؛ وفي عنقه شفتان مثقوبتان وضعتا للتعليق وتحت ذلك الإناء كان وعاء آخر صغير ويشبه الخابئتين المذكورتين، وأخيراً بلغت معاول النقابين إلى رمل الصحراء الخالص من الشوائب والأنقاض على عمق 13 متراً و20 سنتيمتراً أي تحت آجر هيكل دنحي بثلاث وأربعين قدماً.
ولما بلغ الحفارون مستوى الصحراء لم يعثروا على شظايا وشقف من آنية مكسورة، لأن يد الإنسان الأول لم تصل هناك لتخلف آثاراً تدل على صاحبها(9/100)
في ذلك العهد القديم؛ وعليه آثر النقابون أن يكشفوا هيكلا بعد هيكل، وجداراً بعد جدار، فوجدوا على سطحها وقممها أنقاضاً وعاديات مسطوراً عليها أنباء قديمة، وفي أنقاض هذه الهياكل اقدم الآثار التي خلفها ابن آدم العريق في الحضارة والعمران. فقد كانت الأرض الواقعة تحت الردم مستورة بكسر خزفية واغلبها كبيرة جداً حتى استطاع النقابون أن يعيدوا تركيب بعضها ويظهر أن الصلصال الفاخر وضع باعتناء عظيم في قالب، وألقي في دولاب خزاف، وشوي، فأصبح آية في الإتقان والإبداع، وصفائح تلك الأوعية رقيقة ولونها ضارب إلى الحمرة الغامقة وهو لون الطين الطبيعي.
وقد حاول النقابون عبثاً أن يبحثوا وينقبوا في طبقات أرض الصحراء، للوقوف على عاديات تنبئهم عن شعوب تلك الأزمنة العريقة في القدم، فرجعوا بخفي حنين، غير أنه رسخ في أذهانهم أن صانعي تلك الأواني لم يكونوا أقواماً متوحشين، بل بالعكس كانوا أمة متمدنة استطاعت بسمو مداركها أن تخترع دولابً لصنع الخزف، وأدوات لتنميق الصلصال، ووضعه في أشكال ظريفة، ونقشه وتزويقه، ثم شيه في أتون ليصلب كالحجارة. وفي وسع ابن القرن العشرين أن يحكم حكماً قاطعاً على أن شعباً يتقن صناعته إلى هذه الدرجة قد بلغ إلى أسمى منزلة في علم العمران، واستنبط أموراً كثيرة غير هذه.
إذا رغبنا في أن نقف وقوفاً تاماً على عصر الخزف، ومعرفة الشعوب والأقوام التي سكنت وجه الصحراء، قبل أن مصرت وشيدت فوقها المباني والهياكل، علينا أن نصعد أولا إلى قمة الحفرة وندرس طبقات الأنقاض المختلفة درساً دقيقاً لكي نكشف النقاب عن وجه
الحقيقة، ونتحقق الزمن الذي مرت فيه الأجيال قبل بلوغنا إلى قلب الصحراء.
أن الآجر العائد إلى دنجي، واور أنجور، في الطبقتين المرتفعتين يعين زمن بناء قمة الرابية في نحو 2450 - 2300 ق. م. ثم أن ذهب نرم سن وآجر سرجون القائمين تحت الطبقتين يرجع بنا إلى قبل ذلك التاريخ بمائتي سنة والآجر المحدد المستطيل المنتمي إلى خمسة عشر حاكماً وأكثر، فإنه سابق لعصر سرجون ويتجاوز عصر الهيكل المشيد بالآجر المسنم وتمثال الملك دا أو دو (داود) بعدة قرون.
رزوق عيسى(9/101)
الزقزفة أو لسان العصافير
كنت في الشهور الثمانية الأول من سنة 1925 في دير المحرقة الواقع في جبل الكرمل، قرب حيفا في فلسين، وفي 7 أيار (مايو) وكنت أتمشى أمام بناية الدير لفحص بعض الأمور المتعلقة به، فجاء إلي درزنيان من دالية الكرمل، (وهي من قرى جبل الكرمل)، وأخذا يتكلمان بكلام لم أفهم منه كلمة، وبعد ذلك وجه أحدهما خطابه إلي، سائلا بعض الأسئلة عن تاريخ العمر (الدير) إلى أسئلة آخر، فقلت لأحدهما: وبأي لغة كنت تكلم صاحبك قبل هنيهة؟ قال: بلسان لعصافير -. وما هذا اللسان؟ - هو ما تزقزق به تلك الطويئرات. إلى كلام طويل لم أستطع أن أحصل منه شيئاً، أقف به على حقيقة الأمر.
ثم قلت لهما: أو يفهم هذا اللسان غيركما؟ - قالا: نعم، ويفهمه أهل دالية الكرمل، وعسفيا (قرية أخرى من الجبل المذكور)، وأم الزينات (قرية ثالثة) وأهل حيفا إلى غيرهم من الأهالي، وينطقون به عند وجودهم بين يدي غريب عن الوطن ويريدون أن لا يفهم الكلام الأجنبي الذي ينطقون أمامه.
قلت: أو يفهم هذا اللسان غير الدروز وغير الرجال؟ قالا: ينطق به الرجال والنساء، البنون والبنات، الكبار والصغار؛ سكان الكرمل وجميع أهل فلسطين، وربما يحسن هذا اللسان كل ناطق بالعربية.
فأدهشني هذا الجواب وأنا لم أسمع به قبل ذلك اليوم، مع أن عمري كان يومئذ 59 سنة.
فلما غادراني ذهبت إلى عسفيا التي هي على بعد ساعة وربع عني سيراً على القدم، لأسأل أحد النصارى هل يعرف هذه اللغة المسماة (لسان العصافير) أو كما قال الدرزيان: (الزقزقة). فقال لي: هذه لغة يعرفها الجميع ولا تخفى على أحد منا، صغيراً كان أم كبيراً. - فقلت له: ألا تنطق لي بعبارة لأرى أيشبه ما تتكلم به ما سمعته من الدرزيين. فاخذ يتدفق في كلامه كالسيل الجارف. وتأكدت(9/102)
ما قاله لي الدرزيان.
وللحال أردت أن أتعلم هذه اللغة، فقلت لصاحبي: أرجو منك أن تنقل لي بهذه اللغة العبارات الآتية: وأنا أذكر هنا كل عبارة بالعربية وبالزقزقة ليطلع عليها القارئ:
1 - أين رائح؟ - ازين ريزايزح؟
2 - رائح إلى المحرقة. - رزايزح ازي لزا ازل المزح رزا قزا
3 - كيف حالك؟ - كزيف سزا يزح تزك؟
4 - صحتي طيبة - صزح حتي طزي بزه.
5 - أريد أروح إلى حيفا - أزا رزيد أزا رزوح أزي لزا حزيفزا.
6 - مشان أشتري أكل - مزن سزان أزستزا رزي ازاكزل.
7 - وبعده أروح إلى الكنيسة. - وزا بزع هزر ازا رزوح ازي لزا ازل كزا كزي سزه.
8 - ومن هناك أروح إلى المدرسة. - وزا مزن هزو نزا ازي لزا ازل مزدرزا سزه.
9 - وادرس جميع علوم الفلك. - وزا ازد رزس سزا مزيع ازل عزيل لزوم ازل فزا لزك.
فلما سمعت هذه الكلم علمت أنهم يدرجون في وسط كل هجاء زاياً فتخرج الكلمة غريبة وتشبه زقزقة العصافير، ومنه اسم هذه اللغة، فتحليل قولك: (أين رائح). يكون هكذا: يكون هكذا: أ (ز) ين ر (ز) اي (ز) ح إلى آخر تلك الألفاظ.
وقد قال لي صاحبي: إن بعض المتكلمين بهذه اللغة قد يقحمون أي حرف من حروف الهجاء بدل الزاي.
ولم أجد لهذه اللغة أثراً في كتب العربية، على أني وجدت في تاج العروس في مادة ز ق ق ما هذا إعادة نصه: (الزقزقة: لغة لكلب (قبيلة من العرب) كأنها في سرعة كلامهم واتباع بعضه بعضاً) أهـ، فلعله يشير إلى هذه، وفي لسان العرب: (الزقزقة: حكاية صوت الطائر) ولم يذكر اللغة التي لكلب. فهل من مفيد يزيدنا فائدة على ما ذكرنا؟ ومن هو يا ترى؟. وعلى كل فإننا نشكر له يده سلفاً.(9/103)
آل الشاوي
3 - الحاج سليمان بك الشاوي
المتوفى عام 1209هـ (1794م)
أولاد عبد الله بك الشاوي:
لعبد الله بك أولاد. قال الحيدري انهم (اثنا عشر ولداً كل منهم أمير، عالم، فاضل، كريم، شجاع، شاعر، أديب كانوا ملجأ الخواص والعوام في بغداد؛ وصدقاتهم وعطاياهم للعلماء، والشعراء، والفقراء، كعطايا البرامكة، وهم أهل الحل والعقد، وإليهم تنتهي الأمور، وأجلهم قدراً، وأعظمهم فخراً، العلامة النحرير، والأسد الغضنفر، الكريم الشهير، الأمير الحاج سليمان بك الشاوي الحميري.) أهـ.
وقد عد الشيخ أحمد السويدي منهم في قصيدته الهمزية الآتية أسماؤهم:
1 - الحاج سليمان بك. 2 - سلطان بك. 3 - حبيب بك. 4 - علي بك 5 - محمد بك. 6 - عبد العزيز بك. 7 - إبراهيم بك. 8 - عبد الغني بك. 9 - أحمد بك. وهو غير احمد بك ابن سليمان بك، كما يطهر من قصيدة السويدي. وقد رأيت بعض الأبيات قيلت فيه وفي تضاعيفها أولاد عبد الله بك.
والآن أتكلم على أولهم فأقول:
الحاج سليمان بك.
هذا هو أكبر أنجال عبد الله بك. فاق والده بخصائص علمية وأدبية، والعصر الذي وجد فيه، مفعم بالحوادث العظيمة، والاضطرابات في كل صوب مما يدعو إلى الاعتبار. وفي مثل هذه الأحوال تظهر مواهب المرء وسجاياه الكامنة.(9/104)
حياته الأولى.
تنتهي بوفاة والده في سنة 1183هـ (1769م). ولم نتمكن من العثور على تاريخ ولادته. ولكن المقطوع به أنه نشأ في بغداد. وان حياته الحقيقية - حسبما وصلت إلينا - ابتدأت بالظهور من سنة 1172هـ (1758م) على ما في تاريخ الوقفية التي حضر في تسجيلها،
ولعل لحل هذه المشكلة يبين من الاستدلال ببعض الحوادث من باب التقريب. وذلك أن المترجم كان أطلق سراح لحيته في سنة 1175هـ، كما يستفاد من قصيدة للشيخ احمد السويدي، وفي هذا الحين يحتمل أن يكون عمره بين خمس وثلاثين سنة وبين الأربعين، فلا يبعد أن تكون ولادته في العقد الرابع بعد المائة والألف الهجري (أي بعد 1140 سنة). وهذا جل ما كان الوقوف عليه. والمشهور عند أفراد أسرته أنه عمر نحو المائة والعشرين سنة. وهذا لا يعول عليه إلاَّ أن يكون قرأ على كبر لأن شيخه ولد سنة 1134هـ، فلم نجد ما يؤيد هذا القول.
ومعلوم أن أكبر أيام الرجل وأهمها، ما قام به، أو عهد إليه من الأعمال، وما ترتب عليها من الحوادث، والشؤون التي تركت دوياً في المجتمع، وهذه هي الحياء الحقيقية، وهي المحك لمعرفة موطنه بالنظر إلى مجريات العصر.
والمحفوظ عن أفراد أسرته، أنه من صغره أبدى بعض النباهة، وسرعة البديهة مما يدل على انه يؤمل فيه النبوغ.
وغاية ما يعرف عن حياته الأولى في صغره، أنها كادت تكو بدوية، إلاَّ أنني أقول هنا: إننا لم تعتد أن ندون أحوال رجالنا في الغالب؛ ولذا لا غرابة أن لا نسجل أعمالهم اليومية، وغرائب صغرهم، حتى بعد نبوغهم، وظهورهم كأعاظم. فبقيت هذه الأمور مهملة، إلاَّ ما يذكر إجمالا، أو أن نقله وتدوينه في بطون الدفاتر يؤثر في إحساس الغير.
ودرس العلم على أشهر علماء العرب في ذلك الحين، وعلى الأخص تلقى علمه من الشيخ عبد الرحمن أفندي السويدي. وأهم من كل ذلك نباهته، واكبابه على التحصيل، حتى صار يعد من العلماء، وينعت بالعالم العامل، والبحر الخضم.(9/105)
الدواوين والمجالس البغدادية.
دعم هذه الحياة المدرسية، بحياة أخرى تخللت الدرس، وخلفته هي (المجالس الأدبية) التي لا تقف عند علوم الجادة. فأدباء ذلك الزمن وفضلاؤه كانوا ينتابون مجلس والده، فهذا يورد المختار من المنظوم والمنثور، وذاك ينشد شيئاً من نظمه، وغيرهما يقص الأخبار، وهكذا تمضي المجالس بين وقائع، ونوادر، وغرائب، فهي (ديوان الأدب الحي) على حد ما كان يجري في قديم الزمن. فتلك المجالس هي المهذب الحقيقي، والمدرب الصحيح، بحيث لا
ترى المجلس يخلو من صاحب نزعة، أو ذي بضاعة يحاول بها إظهار مزية، أو صناعة أدبية بديعة، أو مضحكة، أو رواية، وهكذا إلى ما سواها.
رأينا بقايا هذه المجالس بعيني رأسنا. فكان يؤمها الناس من كل صوب ويطرق فيها كل موضوع، ويبحث فيها عن شؤون جمة، من قضايا علمية، ووقائع تاريخية، ومقطوعات شعرية، ومختارات أدبية، ونكات هزلية، وتدقيقات بيتية، فتنشر وتذيع.
والحاصل أن تلك المجالس كانت موطن اقتباس التجارب، ولا تعوض عنها مدرسة. أو تفوقها مؤسسة علمية ولا أدبية في ذلك الحين. إذ كل امرئ كان يقدم فيها بضاعة، أو يبدي مكنون سره أو حزبه، أو نتائج تتبعه، وسائر أغراضه الاجتماعية والأدبية. وهناك هناك كانت المباراة. ومن ثم لا يقبل غير المفيد، ولا يختار إلا الأصلح. وحينئذ تنتشر (المجاميع) وهي المختار مما يجري في المجلس، المجالس محك الرجال. وموطن اختبار مواهبهم وهي ميدان الامتحان وسوق البضاعة ومسرح السياسة.
فهذه المجالس هي التي قوت الروح الأدبية في المترجم، ومكنت مادته العلمية، ولذا تراها ظاهرة في مؤلفاته مثل شرحه للامية العرب، ونظم القطر، لأنها ترى اظهر في شرحه للامية العرب ومختاراته فيها. وكذا شعره.
وهذه (المجالس) أيضاً كانت البذور النافعة لغرس الأدب الناضج ولتدقيق النظر في المناحي العلمية في مختلف المواضيع: فراجت سوق الأدب، وتزاحم الناس فيها. فظهرت بشائره في أواخر القرن القاني عشر، وأوائل القرن الثالث عشر.(9/106)
والشعراء والأدباء المشاهير، مثل الازري، والبيتوشي، والتميمي، وعمر رمضان. لم يظهروا إلاَّ في هذا الوقت، وما يليه، وحينئذ أخذت السياسة تستخدم بعضهم وتنكب عن آخرين، ثم مشى على طريق هؤلاء ثلة من الأدباء.
وهذا الوقت يعد طليعة النهضة العلمية والأدبية في العراق.
وعلى كل أن هذا البيت موطن العلماء، والأدباء، وساسة البلاد. نتج علاقات متينة ومحكمة بين قوم وقوم. وان المترجم كان في الحقيقة خريج هذا الديوان في مباحث علمه، ونهج معرفته، وطريق أدبه، وانه لم يترك مزاولة الآداب حتى في أيام نكبته.
مؤلفاته.
في هذا الدور من حياته وضع بعض المؤلفات، وكان ذلك قبل مزاولته السياسة، وتحمله أعباءها. فمما وصل إلينا منها:
1 - نظم القطر. الأصل (قطر الندى) لابن هشام: وهو متن نحوي مشهور، يقرا في كتب الجادة (أي الكتب المعتادة قراءتها بالترتيب). فالمترجم نظم بصورة أرجوزة على نمط ألفية ابن مالك. وعرفت هذه المنظومة (بالمنظومة السليمانية). وقد شاهدت هذه المنظومة مشروحة وأولها:
قال سليمان بن عبد الله ... الحمد لله بلا تناهي
مصلياً على النبي احمدا ... وآله وصحبه أهل الهدى
وبعد فالشيخ إمام العصر ... أمرني بنظم متن القطر الخ
ولا أرى في صدري حاجة إلى بيان الموضوع، بعد أن يكون متن القطر مطبوعاً ومعروفاً. وقد شرح هذه المنظومة العلامة الشيخ يوسف بن أحمد بن يوسف العبادي البغدادي. هكذا وصف نفسه في عنوان الكتاب، وأول الشرح (الحمد لله الذي انطق لسان حال الوجود بالإقرار بوحدانيته الخ) ونعت المترجم بالكريم ابن الكريم، ملك حمير على الإطلاق، وملجأ الأفاضل إذا ضاق الخناق، إلى أن يقول: ووجدته قد نظم مقدمة ابن هشام في النحو، المسماة بقطر الندى، فأردت أن أعمل لها شرحاً يبين مراده، ويعمم مفاده، واجعله هدية لسدته العلية، وكعبته السنية (إلى أن قال): وسميته (بالجمانة السنية، في شرح(9/107)
المنظومة السليمانية).
والمهم في المنظومة، أهما ليست موضوعاً جديداً إلاَّ أن فيها تسهيلا للطلاب وتنوعاً في التفهيم حسب الرغبات، وأنها مبنية على اقتراح أستاذه، وهو الشيخ عبد الرحمن أفندي السويدي. وقد جاء في الشرح بيان ترجمته، وتعداد مؤلفاته ولا محل هنا للإطالة فيها، وقد سماه الناظم: إمام العصر ونعته الشارح بأنه خاتمة المؤلفين المحققين في هذا الزمان. قال: ولم نعثر على أفضل منه فيما رأينا. وقال عن الناظم: إنه من كثرة تواضعه وأدبه حفظه الله كما هو دأب التلميذ مع الشيخ مع علو شأنه وكبر بأسه قال: (أمرني بنظم متن القطر الخ).
وكان تأليف الشرح بتاريخ 1199هـ والنسخة - كما يظهر - بخط المؤلف. وقد تداولتها أيد
متعددة. وصحائفها 328 وكل صحيفة في 15 سطراً وطول الصحيفة 5 - 21 سنتيمتراً وعرضها 5 - 15 سنتيمتراً وطول السطر 5 - 9 سنتيمترات.
2 - شرح لامية العرب المسمى (سكب الأدب، على لامية العرب)، ومن هذه نسخة في خزانة الأوقاف العامة برقم 1955 من كتب الخزانة الخالدية. أولها: (الحمد لله الذي أدب من اختاره بآدابه الخ). وفي مقدمتها يذكر المؤلف أن لامية العرب للشنفرى خالد ابن ثابت الأزدي، من غرر القصائد على الإطلاق. وأهداها لطريقة الكرماء بالاتفاق، وانه رآها محتاجة إلى شرح يبين مغازيها، ويوضح معانيها، ويبين رموز فوائدها، ويكشف عن وجود خرائدها ويرفع عنها حجب الدقة والإغلاق، وأنه كان يخطر بباله، ويجول في فكره أن يشرحها ثم أحجم عن ذلك، حتى اجتمع بشيخه عبد الرحمن الشهير بالسويدي. فأمره بشرحها، فامتثل، لاسيما وقد وافق ما كان يتردد ين فكره وخياله، فجاء شرحاً لم ينسج على نواله، سماه (سكب الأدب، على لامية العرب).
وراعى في شرحها اللغة فالأعراب فالمعنى وفي خلال ذلك الاستشهاد بمنتخب القصائد، والمقطوعات لأكابر الشعراء، وحسن اختياره وشرحه يدلان على مقدرة، وينمان على موهبة كاملة في النفوذ إلى دقيق المعاني. ومنها(9/108)
يعرف أحسن ما كان شائعاً من الدواوين، وما هو متداول ين الأدباء وما تحتويه خزانته من الشعر.
أتم تأليف هذه النسخة في 29 من شهر ربيع الثاني من سنة 1178هـ. والنسخة الموجودة كتبت على نسخة المصنف الشارح في سنة التصنيف، بقلم حسين بن عبد الكريم، وصحائفها 340، وطول الصحيفة 21 سنتيمتراً وعرضها 12 سنتيمتراً وطول السطر 5 - 6 من السنتيمترات، وسطورها 21، وتقاريظها 16 صحيفة عدا الصحائف الأصلية. وقد شاهدت نسخة أخرى كتبت سنة 1242 وممن قرظها:
حسين بن علي العشاري الشافعي، وأبو البركات الأبي محمد الرضي المدرس، وأبو المحامد شهاب الدين أحمد بن عبد الله السويدي.
أما بقية حياته فسنأتي عليها في مقال آخر والله الموفق.
المحامي: عباس العزاوي
معنى تدمر
ذهب علماء العرب في سبب تسمية مدينة تدمر بهذا الاسم انه اسم بانيتها وهي تدمر بنت حسان بن اذبنة وفيها قبرها وذهب بعضهم إلى أن الاسم ارمي أي (تدمرتا) ومعناه الأعجوبة والمعجزة لان بناء هذه المدينة معجزة من المعجزات حتى أن اليهود والعرب ذهبوا إلى أن البناة كانوا من الجن. والذي عندنا أن الاسم مأخوذ من (التمر) ومعناه في القديم النخل. وسميت بذلك لكثرة وجوده في سابق العهد. يشهد على ذلك أن اسمها عند اليونان والرومان الذي معناه النخيل.
هذا وقد ذهب إليه محققو علماء الغرب فضلا عن أن العقل يسلم به لما هناك من صدق الرأي. فليحفظ.(9/109)
مقاله في أسماء أعضاء الإنسان
لابن فارس
(لغة العرب) حضرة الزعيم داود بك الجلبي من مشاهير أبناء العراق المعروفين بتتبع آثار الأقدمين منا. وقد نشر في هذه المجلة رسائل للجاحظ، كادت تضمحل لولاه. والآن يعنى بنشر مقالة لابن فارس اللغوي الشهير الذي طوى بساط أيامه في المائة الرابعة للهجرة (من 329 إلى 390) وقد قال عنه الصاحب بن عباد قولا بقي حياً بين الفضلاء هو: (رزق ابن فارس التصنيف، وأمن من التصحيف).
والرسالة الآتية ترى في مجموعة وصفها الدكتور نفسه في كتابه (مخطوطات الموصل) ص 33 وهي من مخطوطات المدرسة الاحمدية. ونفاسة هذه المقالة ظاهرة من أن ابن فارس ذكر معاني الألفاظ على ما تحققها ونفضها من غبار التوقف والارتياب وأخرجها بصورها الحقيقية على ما عرفها السلف الصالح فهي من أثمن الهدايا اللغوية ويحسن بالأديب أن يطالعها مراراً ليعلم كيف يتقن ألفاظ اللغة ومعانيها.
وقد صحح الدكتور جميع الألفاظ التي أفسدها النساخ، فدونكها:
الحمد لله رب العامين، وصلى الله وسلم على سيد المرسلين.
بسم الله الرحمن الرحيم
مقالة في أسماء أعضاء الإنسان
قال أبو الحسين احمد بن فارس رحمه الله تعالى: هذا ما يجب على المرء حفظه من خلق الإنسان. فقد نرى من تعمق في غريب الكلام ووحشية، وإذا أراد الإخبار عن عضو من أعضائه، بوجع يعتريه فيه، أومأ إليه باليد، قصوراً عن معرفة اسمه. وهذا قبيح.
ثم اعلم أن الله تعالى خلق آدم عليه السلام من الطين أبيضه وأحمره وأسوده فلذلك اختلفت ألوان ولده؛ ومن الماء عذبه ومره وملحه، فلذلك اختلفت الأخلاق.
فأول أعضاء الإنسان من جهة العلو رأسه. وهو مذكر، وأول ما في الرأس الشعر، وهو جمع، واحدة: شعرة كتمر وتمرة. ومن ذلك الفودان: وهما(9/110)
شعر ناحيتي الرأس. فإذا ضفرا فهما: الضفيرتان، والغدائر، والذوائب، والواحدة غديرة، وإذا قل شعر الرأس فهو: زعر.
فإذا تم ووفر فهو: أفرع. وشعر سبط ورسل: إذا لم يكن جعداً قططاً. والجعد: هو الاحجن المنعقف. فإذا كان أسود فهو: حالك، وغربيب فان علا الشعر بياض بحمرة فهو: أصبح. فان كان البياض خلقة لا من شيب فهو: املح وجملة عظم الرأس: الجمجمة. والشعب: الذي يجمع بين كل قبيلتين شأن، وجمعه شؤون. والشأن: الذي يخرج منه الدمع. والهامة: وسط الرأس. والقرنان: فرعا الهامة عن يمين وشمال. واليافوخ: ما أهل عنهما مما يلي الوجه، وهو ملتقى القبيلة المتقدمة للمؤخرة. وهي من الصبي المولود رماعته لاضطرابها. والصدغ: ما بين قصاص الشعر والأذن. وهو الذي يتحرك عند مضغ الأكل. والقمحدوة: هي المشرفة على نقرة القفا. والقذالان عن يمين القمحدوة وشمالها. وهما جماع مؤخر الرأس، والفهقة: موصل الرأس في العنق ظاهراً. وباطنه الفائق والعظم الناتئ خلف الأذن: خششاء. وجلدة الرأس هي: الفروة. فظاهرها: البشرة وباطنها: الأدمة. وذلك في الجلد كله. والجلدة التي تجمع الدماغ وتغشاه هي: أم الدماغ. واللغدان: عرقان أسفل الأذنين.
والجبهة: ما استقبلك من مقدم الرأس مما لا شعر عليه. والجبينان: هما عن جانبي الجبهة، من كل جانب جبين. والأسرار: الخطوط في الجبهة. واحدة سر.
والحجاج: هو الذي ينبت عليه شعر الحاجب. والحاجب: هو الشعر الذي ينبت على الحجاج. والحاجب الأبلج: الذي لم يقترن. والاقرن: الذي اقترن. والأزج: كأنه خط بالزجاجة لاستوائه؛ وإذا كان مقوساً فهو مطوق. والأهلب: الرجل الكثير الشعر على الحاجبين. فإذا كان قليل شعر الحاجبين فهو امرط. والمحجر: العظم الذي حول العين. والجفن: الجلدة التي تغطي العين فوق وتحت. والشفر: هو منبت الشعر. والهدب: الشعر الذي على الشفر. وموق العين: الحرف الذي يلي الأنف. والحرف الذي يلي الأذن:(9/111)
اللحاظ. وجملة العين سوادها، وبياضها هي المقلة. والسواد منها الحدقة. والنكتة السوداء في الحدقة: إنسان العين وناظرها. وقيل أن الناظرين: عرقان يسقيان إنسان العين. والعين النجلاء: الواسعة الحسنة. والمرأة الحوراء: المليحة سواد العين وقيل المليحة بياض العين. والجاحظة: هي الخارجة الناتئة، وهي قبيحة. والحوصاء: الضيقة كأنها شقت شقاً، والخوصاء: لتغميض صاحبها إياها. والسجراء: الحمراء. والمقهاء: التي تبيض حماليقها واشفارها. والحولاء: المنقلبة الحدقة. والقبلاء: التي تنظر قبل الأنف.
وفي الأنف القصبة: وهي العظم. والمارن: مآلان من اسفل القصبة. والأرنبة: طرف الأنف. والخنابتان حرفا المنخرين عن يمين وشمال. والوترة: الحاجز بين المنخرين. والخيشوم: أعلى الأنف. والعرنين: معظم الأنف، وهو الخطم. والسم: خرق الأنف. والأنف الأشم: المشرف التام. والأقنى: الذي نتأ وسط انفه مشرفاً على طرفيه. والأدلف: القصير غير العريض. والأخنس: أقصر من الأدلف يتأخر عن الشفة. والافطس: المتطامن الوسط. والأكشم المقطوع الأنف. والأخرم: المشنق الوترة. والأسلت المقطوع أنفه كله.
وجمع الشفة شفاه. والإطار: طرف الشفة عند ملتقى الجلد واللحم. الشدقان: ملتقى الشفتين وهما الملغمان. والشفة الحماء: هي التي إلى السواد ما هي. والشفة الظمياء: هي الذبلة اللطيفة. والعلماء: هي المنشقة من أعلاها. والفلحاء: هي المنشقة من أسفلها. والواردة: الطويلة تغطي الأسنان. والأدلة: المسترخي الشفتين. والباثع: الذي تنقلب شفتاه إذا ضحك.
وجمع الفم أفواه. واللهاة: اللحمة المتدلية من الحنك الأعلى. والنطع: النقرة في الحنك الأعلى. وجلدة النطع: الخليقاء واللغانين: ما لصق باللهاة من لحم الحلق. وهي النغانغ. والشدق: سعة الشدقين والضزز: لصوق الحنك الأعلى بالأسفل. والفقم: إن يكون الحنك الأسفل على الأعلى. والذوط: قصر الذقن. والأفوه: الواسع الفم. واللسان هو: المقول. وطرفه العذبة. والأسلة: مستدقة والعكدة اصله. والصردان: عرقان. أخضران في ناحيتيه.(9/112)
واللحيان: الفكان واحدة: لحي وهما العظمان اللذان فيهما الأسنان من فوق واسفل فأما الأسنان، فأربع ثنايا، وأربع رباعيات، وأربع أنياب، وأربع ضواحك، واثنتا عشرة رحى ثلاث في كل شق، وأربع نواجذ: وهي في أقصاها. والعظم الناتئ في اصل اللحى هو الرأد. والفنيك طرف للحيين عند العنفقة. ويقال بل هو اصل اللحي المركب في الرأس. والصبي مستدق اللحي. ومجتمع اللحيين هو الذقن. وملتقى الصبيبن الشجر.
ثم الحلق. يقال لما اقبل على الصدر: الجران. والنكفتان: غدتان في اصل اللغد كاللوزتين والحلقوم: متصل بالرئة، وهو مخرج الريح. والمريء: مجرى الطعام من الحلق. وأعلاه متصل بعكدة اللسان. والحنجرة: ما غلظ من أعلى الحلقوم. واسفل للسان الغلصمة.
والعنفقه: الشعر تحت الشفة السفلى. والذي على العليا: الشارب. والتفرة: الهزمة على الشفة العليا. واللحية للرجل، والجمع لحى. والسناط: الذي ليس في عارضيه من الشعر إلاَّ
قليل. فإذا لم يكن في وجهه شعر، فهو: اثط ولحية كثة: إذا كثف اصلها. وسنة الإنسان وجهه. وهي قسمته. والمسنون الوجه القليل اللحم والمكلثم المستدير. والريان كثير الماء الحسن البشرة. والاخيل الذي فيه خيلان.
والانثيان: الأذنان. والفرع من الأذن: أعلاها حيث تنثني غضونها. وما صلب من أعلاها: غضروف. والمحارة: هي الصدفة. والوتد: هو الشاخص في مقدمتها بينها وبين الوجه. والصماخ خرق الأذن الذي فيه السم وهو ثقبها. وما تدلى من أسفلها هي: الشحمة. والخربة. الثقب الذي يعلق فيه القرط. والحتار. حرف أعلاها. والأذن الخذواء: المسترخية. والشرفاء: الضخمة. والصمعاء: الصغيرة اللطيفة. والصكاء؛ أصغر منها.
وعنق الإنسان هو: الهادي. والقصرة: اصل العنق المركب في الكاهل. والصليفان: ناحيتا العنق. واللبب: ما خلف مذبذب القرط. والسالفتان: صفحتا مقدم العنق يميناً وشمالا. والدأيات: فقار العنق. والعلباوان: عصبتان صفراوان تأخذان من اصل الفقر إلى الكاهل، بينهما أخدود. والاخدع:(9/113)
عرق في عرض العنق. والوداجان: العرقان الذي يقطعهما الذابح. وحبل العاتق: العصبة الممتدة من العنق إلى المنكب. والعنق مذكر ومؤنث. والاجيد: الطويل العنق. والاوقص: القصير العنق.
والمنكب: رأس الكتف والعضد. والعاتق: موضع الرداء. والعضد: ما بين الكتف إلى الذراع. والعضلة: لحمة العضد. وباطن العضد مما يلي الجنبين وهما: الضبعان. ورأس العضد الذي يلتقي مع رأس الذراع هو: القبيح. ورأس الذراع الذي يلي العضد: الإبرة. والساعد والذراع واحد. والزندان: العظمان اللذان اجتمعا فصارا ذراعاً. ورأس الذي يلي الخنصر يقال له: الكوع. ورأس الزند الذي يلي الإبهام هو: الكرسوع. وقيل بل هو على القلب. والأسلة: مستدق الذراع. والمعصم: موضع السوار. والنواشر: عصب باطن الذراع والكف. والمرفق: مجتمع رأس العضد من الذراع. وطرف الذراع المحدد هو الزج.
ثم الكف وفيها الاشاجع وهو مغرز الأصابع. وفيها الرواجب: وهي عصب ظاهر الكف. والإبهام: اقصر الأصابع وأغلظها. ثم المسبحة، ثم الوسطى ثم البنصر، ثم الخنصر، وفي كل إصبع ثلاث قصبات، غير الإبهام، فان فيها قصبتين ويقال لكل قصبة منها سلامي. والجمع سلاميات. والرواجب: بطون عقد الأصابع. والبراجم: ظهور عقد الأصابع.
والأنامل: أطراف الأصابع، وهي القصبة العليا. والحتار: ما أحاط بالظفر. والفسيط: ما يقلم من الظفر؛ والنمش: البياض في ظهور الأظفار: وما بين الأصابع: خلل. والقلت: النقرة في اصل الإبهام. والضرة: اللحمة التي تحت الخنصر من باطن. والتي تحت الإبهام إلية. والخط الذي بينهما هو: الناق. والأسرار: خطوط في الراحة. والراحة: باطن الكف. والبنان: الأصابع كلها، الواحدة بنانة.
وصدر الإنسان هو: البرك. والبلدة وسط الصدر. والنقرة التي في الصدر هي البهرة. والترقوتان: العظمان اللذان بينهما ثغرة النحر. والحاقنة: نقرة الترقوة، والترائب: عظام الصدر. والثدي: ثدي المرأة التي تسقي منه اللبن. ورأس الثدي: الحلمة. والسعدانة: كالدرهم اشد حمرة من لون الثدي.(9/114)
والثندؤة: الحلمة التي حول الثدي. وفي الصدر اثنتا عشرة ضلعاً، وهي الجوانح. والشراسيف: مقاط الأضلاع مما يشرف على البطن، الواحد شرسوف. والمسربة: الشعر النابت وسط الصدر سائلا على البطن. والجنب: مجتمع الضلوع. واسفل الضلوع مما بلي البطن يقال له: الخلف وهي أيضاً القصيرى. والخاصرة عند ذلك.
وفي البطن الصفاق، وهي جلدة البطن التي تحت الجلدة الظاهرة. والحشوة في البطن: مما ضمت عليه الضلوع، وهي الحشا. ومن الحشا الحجاب، وهو جلد له لحم يحجز بين الصدر والبطن. والفؤاد القلب، وغشاؤه: الخلب. والنياط: عرقه الذي يعلق به. وحبته سويداؤه، وهي علقة في جوفه. ويقال للكبد والرئة والفؤاد: سواد البطن وفي البطن: الشاكلتان، وهما الطفطفتان. والثنة: ما بين السرة إلى العانة. والاعفاج والمصارين: الأمعاء. والمعدة: موضع الطعام للإنسان. المثانة: مجتمع البول.
والمطا: الظهر. وفي الظهر الصلب: وهو عظم في وسط الظهر. وهي أربع وعشرون فقرة، والفقرة، والجمع فقار؛ العظام المستديرة ينضم بعضها إلى بعض. والمتنان: اللحمتان اللتان فوقهما العصب، ورؤوس الفقار هي السناسن. والقطن: ما بين الوركين إلى عجب الذنب. وفي جوف الصاب خيط ابيض يقال له النخاع. والشاخص في وسط الكتف هو: العير. والغضروف: طرف الكتف اللين والعجز مؤنثة، يقال هذه عجز، وتسمى العجيزة الكفل. وفي العجز الصلوان وهما مكتنفاً العجز. والعجب اصل الذنب. والورك: الكفل.
والغرابان: رأساً الوركين. والرانفتان: طرفا الآليتين. والمذروان أعلى الآليتين.
ثم الفخذ. والحاذان: لحم ظاهر الفخذين. والربلتان: اللحمتان تقبلان على الركب من باطن الفخذين. والرفغان: ما بين العانة وأصول الفخذين، وهي المغابن. والنسا: عرق الورك. والحالبان: عرقان أبيضان في الرفغ. والساق: ما بين الركبة والقدم. والظنبوب: عظم الساق الظاهر. والشظية: العظم الرقيق بين العظمين. والركبة: ما بين الفخذ والساق. والمأبضان: بطون الركبتين. والداغصة: عظم في أعلى الركبة، وهي الرضفة. وعينا الركبة يقال لهما: القلتان. والحماة: لحمة الساق. واللحمة التي في معظمها هي؛ العضلة(9/115)
والايبس من الساق: موضع القيد. والعرقوب: العصبة التي بين المقيد والكعب، والكعبان: هما الناتئان عن يمين وشمال، وفي القدم عقبها، وهي مؤخرها، والبخصة: لحم القدم في أسفلها، وعير القدم الحدبة التي في وسطها، والنعامة: خط اسفل القدم، وانسي القدم: ما اقبل منها، ووحشيها: ما خالف ذلك.
ويقال لعضو الرجل عوفه، وما دونه: الخصيتين والصفن: وعاؤهما، وما يكون للمرأة دون الرجل: الفرج والجهاز.
ويقال لشخص الإنسان: شبحه، وظله وسواده.
ويكون ابن آدم طفلاً رضيعاً ثم فطيماً، ثم يافعاً، ثم حالماً حين يحتلم، ثم طاراً إذا طر شاربه، ثم مجتمعاً، ثم كهلاً، ثم شيخاً، ثم دالفاً، إذا قارب الخطو.
هذا أوجز ما يقال في خلق الإنسان. والله اعلم بالصواب.
الدكتور: داود الجلبي
قمرية أم القمرية
-
عود على بدء
كنت ساءلت في هذه المجلة عن القمرية التي ينسب إليها الجامع المعروف في بغداد، وعدت إلى السؤال فيها (7: 614)، والآن أجيب نفسي: إن قمرية هذه، ليست من أهل بيت الناصر لدين الله الخليفة العباسي، المعاصرين له وليست من جواري الناصر؛ وقد قال عنها كتاب المساجد: لعلها من بيت الناصر، أو إحدى حظاياه من الجواري، وسبب نفي كونها امرأة من نساء زمن الناصر، هو: إني وقفت الآن على أن الاسم اقدم من زمن خلافته (575 - 622 هـ أي 1179 - 1225م)؛ وفضلاً عن ذلك أن وقوفي الجديد يدلني على أن الاسم هو (القمرية) بالتعريف خلافاً لما جاء في كتاب الحوادث الجامعة، الذي صور الكلمة بدون تعريف كلما أوردها؛ وكنت نقلت عنه،(9/116)
واعتمدت عليه، والذي وقفت عليه الآن، هو ما في كتاب تواريخ آل سلجوق لعماد الدين الأصفهاني، المتوفى في سنة 597هـ (1200م)، (اختصار البنداري) فقد جاء فيه اسم (القمرية)، لموضع في الجانب الغربي في أخبار سنة 551هـ (1156م)؛ فكان ذكرها قبل بناء الجامع المنسوب إليها (لان الجامع تم بناءه في سنة 626هـ)، أي قبل ولادة الناصر، إذ كانت هذه الولادة في سنة 553هـ (1158م) وهذا ما في الكتاب: (ص 249 من طبعة الإفرنج - ص 228 من طبعة مصر):
(وكانوا قد نصبوا من الجانب الذي من دجلة، على مسناة دار العميد، وبقرب القمرية، منجنيقين عظيمين، وهموا بنصب منجنيق لآخر، على الخان الذي بناه سرخك، مقابل التاج.) أهـ
وفي حاشية طبعة الإفرنج أن قاف (القمرية) مفتوحة في إحدى النسخ. وفي نسخة غيرها: مضمومة مع إسكان الميم في كل من النسختين. فبأي من المؤرخين يؤخذ من جهة التعريف وعدمه؟ وبأي من الروايتين من جهة الضبط يعمل؟.
ومع أن هذا الكتاب أوقعنا في اضطراب، فقد مكنا أن ننتج: إن الاسم ليس لإحدى النساء المعاصرات للخليفة الناصر لدين الله؛ ولعل الاسم هو الذي نسب إليه أبو منصور الحسن
بن نوح القمري، المعاصر لابن سينا الذي ذكرته في هذه المجلة (7: 230) فيكون الاسم قديماً، يرتقي إلى منتصف القرن الخامس للهجرة على اقل تقدير.
يعقوب نعوم سركيس
(لغة العرب) الذي عندنا انه يقال: جامع قمرية والقمرية لأنه منقول عن اسم الطائر المشهور؛ فهو كالحسن والحسين والعباس ونحوها، فقد تقال بال وبلا أل، فتقال بال للمح الصفة وبلا أل لنقلها إلى العلمية؛ وأما فتح القاف فعندنا من الخطأ الظاهر والمعروف الضم كما ضبطها صاحب تاج العروس إذ قال: وعبد الكريم بن منصور القمري بالضم حدث عن أصحاب الارموي وله شعر وكان يقرئ بمسجد قمرية غربي مدينة السلام فنسب إليها، انتهى.(9/117)
السعاة
بركة ومعتوق وعلي بن الاربلي
أطلعني الأب صاحب المجلة على كتاب اللمعات البرقية في النكت التاريخية لشمس الدين محمد بن طولون المطبوع حديثاً بدمشق فوقع نظري على خبرين (ص 25) عن بركة الساعي نقلا عن تاريخ الأسدي الذي روى أحد الخبرين عن الذهبي وثانيهما عن ابن البزوري، وفي اللمعات أيضاً خبر آخر مسند إلى الذهبي بشأن الساعي معتوق الموصلي المعروف بالكوز (كذا) فخطر لي فوراً أني كنت قرأت عن الساعيين شيئاً في المخطوط الذي عرفته بالحوادث الجامعة فرجعت إليه وفيه ما يأتي:
(وفيها (أي في سنة 628هـ - 1230م) توفي بركة بن محمود الساعي المشهور بالسعي والعدو. كان من أهل الحربية سعى من واسط إلى بغداد في يوم وليلة ومن تكريت إلى بغداد في يوم واحد وحصل له بسبب ذلك مال كثير وجاه عريض واتصل بخدمة الخليفة الناصر لدين الله وجعله أخيراً مقدماً لرجال باب الغربة، فكن على ذلك إلى أن توفي). أهـ
(وفيها أي في سنة (647هـ - 1249م) سعى علي بن الأربلي من دقوق إلى بغداد فوصل بعد العصر وفضل على معتوق الموصلي المعروف بالكوثر نصف ساعة. ودار حول الكشك شوطاً وخرج إلى التفرج عليه الخليفة المستعصم(9/118)
بالله وأولاده وجلسوا في الكشك إلى حين وصوله، وكان هذا الذكور مختصاً بخدمة الأمير مبارك ولد الخليفة فأمر له بفرس من مراكبه وخلعة وذهب. ودار من الغد في البلد بالطبول والبوقات فحصل له شيء كثير.) أهـ
وفيها (أي في سنة 653هـ - 1255م) تملا (؟) معتوق الموصلي المعروف بكوثر الكلام من دقوق (دقوقاء) ساعياً على قدميه فوصل كشك الملكية ودخله. وكان الخليفة هناك ومعه الشرابي وهو أستاذه، ثم خرج من الكشك وعاد إلى الوقف (؟) ثم رجع إلى الكشك وقد تخلف من النهار ساعة ونصف فقبل الأرض بين يدي الخليفة فتقدم له بخمسمائة دينار. وأعطاه الشرابي ثلثمائة دينار وحصل له من أرباب الدولة شيء كثير.) أهـ.
دقوقاء واليوم طاووق
وإذ كان مضمون اللمعات نكتاً تاريخية رأيت إتماماً لذلك أن أسوق كلاماً إلى نكتة عن دقوقاء لمناسبتين أولهما: إن الحكاية نكتة وثانيهما أنها عن هذه المدينة. وكان يقال في أسمها (دقوق) تخفيفاً كما جاء هنا. وذكرها ياقوت بصورة دقوقاء. كما أن سالنامة الموصل لسنة 1325هـ (1907م) ذكرتها بصورة (دقوق) خلافاً للعامة التي تقول (طاووق) والحكومة العراقية أيضاً قبلت اسمها المحرف هذا في رسمياتها، وذكرتها بصورة طاووق في سجل الحكومة العراقية سنة 1927هـ ص 116، والنكتة التي أريد روايتها هنا وردت(9/119)
في كتاب الحوادث المار الذكر وهي:
(وفيها (أي في سنة 644هـ - 1246م) توفي الأمير محمد بن سنقر الطويل صاحب دقوقاء وكان أبوه سنقر من خواص الخليفة الناصر لدين الله صب يوماً على يده ماء فسقطت الصابونة منه فناوله غيرها وقال: دقوق وهي بلغة الترك دجاجة - فاقطعه دقوقاً ظناً منه انه طلبها. فلم تزل في يده إلى أن توفي فتسلمها ابنه محمد. فلما توفي الآن عادت إلى نواب الخليفة.) أهـ.
قلت: لا أرى مناسبة أن تكون الكلمة (طاووق) التي تعني دجاجة. ولعله قال بلهجة مفخمة من لهجات ذلك الزمن (طوتقون) ومعناها مقبوض أو (طوتك) (بقراءة الكاف نوناً) بمعنى اقبضوا أو (طوتدق) بمعنى قبضنا أو غير كلمة تقرب لفظاً من كلمة دقوق وتؤدي ما يوافق الحال. ويبين لي أن صاحب الحوادث كان يجهل التركية، ولولا جهلة إياها لما أورد الحكاية بدون تعليق خالطاً الحابل بالنابل.
وكنت أود أن لا يعتد ذلك الفاض بالقول أنها سميت (طاووق) لكثرة الدجاج فيها. قال ذلك في ما سبق في الص 417 وقد رده حضرة الأب صاحب المجلة.
بغداد في 10 حزيران 1930 (وتأخر نشرها لما عندنا من المقالات المتراكمة منذ مدة أربع سنوات. ل. ع)
يعقوب نعوم سركيس
اللشمانية الجلدية
أو حبة الشرق
مرادفاتها في البلاد التي تكون فيها:
حبة الشرق، وحبة بسكرة، والقرحة الاستوائية، وحبة بغداد أو الأخت وقرحة الشرق، ودملة دهلي، وقرحة التخوم (في بلاد الهند)، ودملة حلب أو حبة السنة (حلب)، وكودووك أو الجرسي (في ما وراء أراضي جبال قاف)(9/120)
وسالك (إيران) وفرينة أو مرد التمر (نريبان)، وغسوة (في الاريثرة وبلاد الحبش).
تحديدها:
هي حبة جلدية متقرحة أو غير متقرحة متوطنة، وتحصل في مناطق خاصة تنتج من أحد أصناف اللشمانية. وتتميز هذه الحبة في أول نشوئها بحليمة ترى في الأغلب في المعاري (أقسام البدن المكشوفة). ولعلها تصبح بعد ذلك قرحة غير مؤلمة تمتاز بإحساس اعظم في الأعصاب وبحاشية مترشحة، يعقبها عادة خلل فرعي في بعض الأعضاء. وتندمل القرحة بعد اشهر عديدة، ويرى في ماكنها ندب منخفض ذو لون أبيض أو احمر وردي. وهذه الحبة لا يلقح منها الرجل ولا الحيوان وعليه لا يصاب بها الإنسان عادة أكثر من مرة.
تقسيمها في الأرض:
أن هذا المرض قرأة أي داء متوطن، يرى في ديار خاصة في شمالي أفريقية وفي جنوبي آسية وبلاد اليونان وإيطالية وإسبانية.
(أفريقية):
أن هذه الحبة قرأة في ديار تونس ولاسيما في قفصة وفي بلاد الجزائر تكون واحات بسكرة وتكرت مركزها المتوطن فيهما. يسد أن إصابات متفرقة حدثت في جزائر مرغنان وأماكن آخر وترى مراكز قرأة في جنوبي مراكش، وذكرت إصابات في مناطق تشاد وزندر وفي نيامى الواقعة على نهر نيجر، وفي مناطق اغادس تاوة كما انه عثر على
إصابتين في قلعة ارجمبولت وسجلت إصابات من هذا ألداء في القاهرة والسويس في مصر، وحدث بعض وقائع في الخرطوم وشندي وديرة سنار في بلاد السودان. وترى هذه الحبة في طرابلس الغرب والاريثرة وبلاد الحبش.
(آسية):
وترى مناطق قرأة في وادي نهر السند في بلاد الهند وفي كنباية وفي أماكن شتى من الكور الشمالية الغربية (من بلاد الهند) ولاسيما في دهلي ولاهور، وكرنال وشاهاباد وبتيالة وكوشرات (وكجرات) وكويتة ومولتان ودره(9/121)
إسمعيل خان. وأما في سورية فحلب هي مركز القرأة الشهير. وأريحا من أهم مراكز القرأة في فلسطين وسجلت إصابات متفرقة في بلاد الروم (آسية الصغرى). والمرض منتشر كل الانتشار في جبال قاف وما وراء هذه الجبال. وطهران واصبهان وبندر أبو شهر من المراكز الموبوءة المشهور في إيران، وهذا الداء منبث في جنوبي ايران، واصبح موضع المرض المشهور في ارض العراق وادي الرافدين، وهو على الأخص منتشر في بغداد. وأما في تركستان فهو سائد في ترمذ وبخارى وسمرقند واسخاباد خاصة وربما ينشأ في بندة في روسية آسية.
وفي (أوربة) ترى اللشمانية الجلدية في اقريطش (كريد) وجنوبي إيطالية وصقلية. وعثر على هذا الداء في مسينة، وقطانة وبلرمة وقلبرة. وسجلت بعض وقائع في ساحل إسبانية الشرقي وفي كورة غرناطة. واكتشف حديثاً إصابة من دملة حلب في منطقة البرانس في فرنسة.
مبحث القرأة ومبحث الأوبئة:
إن تقسيم حبة الشرق يختلف عن تقسيم الكلازار (طحل البلاد الحارة) كل الاختلاف، أن كانت حبة الشرق تنشأ في أراض يرى فيها الكلازار الموضعي. مثال ذلك أن اللشمانية الجلدية في الهند محصورة في المناطق الغربية فقط، وأما الكلازار فوضعه في الشرق كما أن الكلازار يرى عادة في بلاد تونس في الدرجة ال 45 عرضاً. بينما تحدث اللشمانية الجلدية غالباً في الأماكن الواقعة على جنوبي هذا الخط، بيد أن تركية وجنوبي إيطالية وصقلية تختلف عما سبق ذكره لأن اللشمانية الجلدية والكلازار في تلك الأرجاء متوطنان
في مناطق واحدة. ولم يعثر على اللشامنية الجلدية في مناطق (كينا) تلك المناطق التي يرى فيها الكلازار الموضعي، كما أن إصابة واحد باللشمانية الجلدية. سجلت في مناطق السودان الموبوءة بالكلازار. ولم ير الكلازار في إيران وارض العراق مع أن اللشمانية الجلدية قد عمت في تلك البلاد كل العموم. فعليه يظهر أن العلاقة بين المرضين قليلة جداً وربما لم تكن علاقة بينهما. ولعل نسبة اللشمانية(9/122)
الجلدية إلى اللشمانية الكلبية كنسبة اللشمانية الجلدية إلى الكلازار. ويكون انتشار اللشمانية الجلدية في موسم خاص، إذ أنها تحدث عادة بين شهر أيلول وكانون الأول. وينتشر هذا الداء في بلاد الهند في موسم الشتاء غالباً. مع أن أكثر الإصابات به في تركيتان تحدث في شهر تموز وآب.
لم ينج الإنسان من ذلك المرض في المناطق الموبوءة أياً كان رسه أو طبقته اجتماعية. ويصاب أهل تلك المناطق بهذا الداء في عهد طفولتهم عادة ولا يؤثر فيهم المرض بعد ذلك البتة.
أن الأطفال في حلب يصابون وعمرهم بين السنتين أو الثلاث سنين، وقلما ترى من أهل تلك الأرجاء من كانت سنه تناهز السبع عشرة سنة ولم تصبه حبة الشرق. وهذا الوباء لم يستثن أحداً حتى ذاك الذي يتمتع بالصحة والعافية كما أنه لم يختص بالنحيف والضعيف. ويبين تاريخ اللشمانية الجلدية إنها ظهرت بالأخص على شكل وبائي في بسكرة (أفريقية) وفي بعض أقسام آسية الوسطى وتركستان.
كيفية نقل المرض
احتمال نقل المرض بالحشرات
يظهر أن المرض ينتقل بالحشرات المجنحة والذي يثبت ذلك أن اللشمانية الجلدية لم تر إلا في المعاري أو في أقسام البدن المكسوة بعض الكسوة، ولكن لم تقع أدلة بعد تجزم هذا الأمر جزماً باتاً. وشك في أن ناقلة الفوعة (الفيرس) حشرات من صنف بالعات الدم (الهيماتوفيكس) ومن ضمن هذا الصنف الكتان (الفسافس) والخموش والقمل والبرغوث والناموس ولعل هذه الحشرات لا تنقل الطفيليات نفسها، بل تكون الواسطة للنقل وذلك إنها عند مجاهدتها للحصول على الدم تثقب الجلد فيصبح ذلك الثقب مدخلا للفوعة، فيكون هذا
الغرض موافقاً لما أرتاه بعض مراقبي الحشرات وهو أن المرض ينقل أما بنقل الفوعة بلا واسطة إلى أقسام الجلد الذي كشطه الذباب المجنح كالذباب المألوف؛ وإما بوضع الحشرات الموبوءة برازها فيها، أو أن الحشرات نفسها تسحق في موقع الجلد المكشوط، فتكون سبب نقل هذا الداء، ولم تفلح مساعي السعاة لنقل الوباء بحشرات(9/123)
البالعات للدم، وكان الشك في أن الفسافس (من النصفية الأجنحة) في بلاد الهند تنقل اللشمانية الاستوائية، بيد أن نتيجة التجربة لنقل الداء بهذه الحشرات، أظهرت ما ينفي ذلك الشك وحاول (ونيون) أن ينقل المرض إلى البرغوث المهيج وبرغوث الكلب فأطعمه طعاماً موبوءاً فظهر في وجه البرغوث طفيليات تشبه الطفيليات اللشمانية ولكنة لم يلاحظ تغييراً في قناة الهضم كما أنه جرب نقل الوباء إلى الفأر الأبيض بواسطة البراغيث المصابة بالمرض فلم يفلح.
ليس القمل (من صنف قمل الثياب وقمل الجسم) بحسب تجربات (بتن) بناقل اللشمانية الاستوائية. والذي يثبت ذلك أن هذا القمل لم يبرح الملابس عند اغتذائه. فلا يجوز أن يكون القمل ناقل داء، لأن الداء لا يظهر إلا في المعاري.
شرح بعض المراقبين تشريحاً البعوض، واختبر (ونين) البعوض المعروف عند العلماء (باكدس استيكومية فاشياتة ومنه الطيثار العريض في بغداد، فوجد فيه مواد سوطية الشكل تشبه ما تحتويه اللشمانية الاستوائية التي تظهر في قناة الهضم، قناة البعوض المطعم غذاء ملوثاً بمادة موبوءة. ولكن لم تنجح اختبارات نقل الداء. أما دملة حلب التي حدثت في فرنسة، فظهرت في مواقع لذع البعوض؛ وشك مؤخراً في أن صنفاً من الخموش بنقل اللشمانية الجلدية. وشرح (ونين) تشريحاً عدداً من هذه الحشرات في حلب، فاكتشف في المائة منها ستاً مصابة بطفيليات من صنف (الهربتوموناس، وكانت الطفيليات سوطية الشكل، وغير سوطيتة وتشبه اللشمانية كل الشبة.
ولاحظ (بلفور) أن اللشمانية الجلدية لم تظهر في الجند في زحفته إلى أفريقية الشرقية، وذلك ما يلفت النظر إليه، لأنه لم ير ذباب الخموش في تلك المنطقة الحربية. بيد أن ذباب الخموش يرى في بسكرة، وهي منطقة قرأة اللشمانية الجلدية، ولكن لم تفلح اختبارات نقل الداء التي أجريت هناك بصنف البرغوث الدقيق(9/124)
ويجوز أن صنف الذباب الأذلق وهو من القارص المعروف في العراق بالنقرص ينقل
الداء، وارتأى (اكتن) في إحدى الجرائد مؤخراً، أن تقسيم قرحة بغداد يوافق لذعة (النقرص) اكثر مما يوافق لذعة أي ذباب من بالعات الدم. وان شأن النقرص في هذا الداء مما يستحق التجربة وكذلك شأن صنف الذباب المصاص (الإستوموكس لأنه شك في كونه ينقل اللشمانية الجلدية في السودان. وعثر (ونين) على طفيليات في القناة الغذائية للذباب المصاص الآكل مادة ملوثة موبوءة، ولكنه لم ير في هذه القناة تغييراً ما. وبعد الهيبوبسكة الكلبية (صنف آخر من الذباب) في طهران من ناقلات اللشمانية الكلبية. واكتشف هنالك إصابتان اللشمانية الجلدية نشأتا في شخصين لدغتهما هذه الذبابة. وربما امتازت إيران عن سواها بنقل اللشمانية بواسطة هذا الصنف من الذباب، لأن لم تر تلك الذبابة في مناطق قرأة للشمانية الجلدية. والتفتت أنظار عدد غير قليل من المراقبين إلى الذبابة المنزلية، لأنهم يعتقدون أن لها يداً في نقل الفوعة، ولأن هذه الحشرة سريعة الجاذبية إلى إخراج الخلل المقرح وعليه تلوث الداء وتنقل الفوعة بجراميزها، من غير واسطة إلى أقسام الجلد المكشوطة. وأظهرت تجربة التغذية أن اللشمانية الاستوائية لم ير فيها أي تغيير، أكان في القناة الغذائية للذباب المألوف، أم في إخراج الذباب المعدي للداء. وبالتالي يتضح لنا أن الذباب المألوف هو الواسطة لنقل الفوعة فقط.
ولا يمكن تلقيح الرجل باللشمانية الجلدية، ولكن ثبت أن الرجل لا يصاب بها إلاَّ في أماكن الجلد المكشوط. كما أنه لا يمكن تلقيح بعض الحيوانات كالكلب والقرد والفأر الأبيض باللشمانية، ولم يعثر على مصدر الفوعة الطبيعي. ولا ينكر أن الداء ينتج في طهران من انتشاره في الكلاب بصورة طبيعية ولكن هذا غير الواقع في باقي منطق القرأة. ويقول بعض المراقبين أن الجمل مصدر الفوعة ولكن لم تظهر الأدلة بعد، وشرح الوزغ والأبارص (أبو بريص) تشريحاً فلم ير فيهما أثر الداء.
(معربة بتلخيص عن المجموعة المسماة (تطبيق الطب في الأراضي الاستوائية لبيكم، تأليف بيم).)
فنسان م. ماريني(9/125)
فَوائِد لُغَويَّةٌ
في تصحيح الجزء السابع من نهاية الإرب
1 - رأينا وقرأنا القسم الثاني والثالث من هذا الرد على الأستاذ عبد القادر المغربي والراد هو أحمد الزين مصحح نهاية الأرب، ففي ص 567 من مجلة المجمع ما نصه: (يصف الرسالة التي يقال أن سيدنا أبا بكر أرسلها (كذا) إلى سيدنا علي: ومخبآت الصنادق) صححها الشيخ عبد القادر المذكور ب (الصناديق) ورد عليه أحمد الزين بان (الصنادق) في الأصل وهو جائز عند الكوفيين، وفي ص (2: 593) من شرح ابن أبي الحديد (ومخبئات الصناديق) فقول عبد القادر المغربي أولى بالحقيقة.
2 - وجاء في ص 568 (والتعريض سجال الفتنة) صححها عبد القادر على مخطوط محاضرة الأبرار ب (شجار الفتنة) وذلك ما في شرح ابن أبي الحديد وقول أحمد الزين (إن التعبير بسجال اقرب إلى الأساليب العربية في هذا المعنى من التعبير بشجار) لا حجة فيه واحتجاجه بقول العرب: (الحرب بيننا سجال)(9/126)
بعيد عن المراد لأن التعريض لا يقابل الحرب في الظهور ولا شدة الأذى حتى يكون سجال الفتنة، ثم أن اللغويين لم يتفقوا على تفسير: (الحرب بينهم سجال) فبعضهم يدعي أن السجال من السجل، وهو الدلو الملأى وهذا الذي ذهب إليه أحمد الزين نقلا، وبعضهم يذهب إلى أنه من السجل بمعنى النصيب كما في المصباح المنير، ونحن نرى أن السجال في قولهم المذكور مصدر (ساجل) بمعنى كاثر وحافل قال ابن أبي الحديد في (15: 1) من شرحه (ولا يساجل: أي لا يكاثر أصله من النزع بالسجل وهو الدلو الملأى) وقال في ص 440: ومن كناياتهم تعبيرهم عن المفاخرة بالمساجلة وأصلها من السجل وهي الدلو الملأى، كان الرجلان يستقيان فأيهما غلب صاحبه كان الفوز والفخر له. قال الفضل بن العباس بن عتبة بن أبي لهب بن عبد المطلب:
وأنا الأخضر من يعرفني ... أخضر الجلدة من بيت العرب
من يساجلني يساجل ماجداً ... يملا الدلو إلى عقد الكرب
برسول وابني عنه ... وبعباس بن عبد المطلب
فالأخبار عن الحرب (بسجال) من باب الأخبار بالمصدر واسمه، يقال (أمرهم شورى بينهم) أي متشاور فيه، و (صار الفيء دولة بينهم) أي يتداولونه يكون مرة لهذا ومرة لذاك. ومثل سجال، خلاف، يقال (هذا خلاف(9/127)
ذاك)، وهو مصدر (خالف) وقيل (عقبها غلاب) أي مغالبة.
3 - وفيها قول أبي بكر لعلي وهو كذب (يسري فيه ظعنك). صححها عبد القادر ب (يستشري فيه ضغنك) على مخطوط محاضرة الأبرار، فرد عليه أحمد الزين بأن لا وجه لتفضيل إحدى الروايتين على الأخرى، قلنا: إن الأصل يؤيد المغربي فصورته: (ما هذا الذي تسول لك نفسك، ويدوي به قلبك، ويلتوي عليه رأيك ويتخاوص دونه طرفك، ويستشري به ضغنك، ويتراد معه نفسك، ويكثر لأجله صعداؤك، ولا يفيض به لسانك؟ أعجمة بعد إفصاح؟ ألبساً بعد إيضاح؟ أديناً غير دين الله؟) فكيف يدخل (الظعن) بين الطرف والنفس ولو كان منفرداً، لجاز في ذوق العرب (وما نقلناه ههنا رواية ابن أبي الحديد)؛ فيسقط بجميع ما تقدم دليل أحمد الزين. وأما تعلقه بقوله: (فان الرواية الأولى أليق بأخلاق أبي بكر، وانسب بآدابه، دون الثانية؛ لما فيها من شتم علي - رض - ونسبة الضغن الحقد إلى صدره لمأهول بالتقوى، المعمور بآداب الكتاب والسنة) فليس بنافعه بعد طعن الثقات في دين أبي حيان وروايته، وبعد إسناد الإلحاد والزندقة إليه؛ ولو كان قول أبي بكر المذكور لعلي صحيحاً، لكان قوله له: (أديناً غير دين لله)، اشد وأمر عند المحققين، فلا يخاطب بهذا إلا الخارج عن دين الله، الخارج عليه.
4 - وجاء في ص 569 (أو مثلك ينقبض عليه الفضاء)؟ قال المغربي عبد القادر: (لعل الأصوب ما في النسخة الأخرى أي نسخة محاضرة الأبرار: يغص عليه الفضاء، مكان ينقبض) ورد عليه احمد الزين بان لا وجه للتفاضل. فنقول: وفي شرح ابن أبي الحديد مثل ما نقله عبد القادر، فهو الصواب.
5 - وورد في ص 569 أيضاً: (ولا نبلغ مراداً إلى شيء إلاَّ بعد جرع العذاب معه) فصححه عبد القادر بإسقاط إما (مراداً) وأما (إلى شيء) فرد عليه أحمد الزين بأن (إلى) متعلق ب (مراداً) وهو رد وجيه إلا أن في شرح ابن أبي الحديد: (ولا نبلغ إلى شيء إلاَّ بعد تجرع العذاب قبله) كما نقل المغربي عبد القادر، ولكن جاءت (قبله) بدلا من (معه)
فالظاهر أن (مراداً) زائدة وان توجهت لها فائدة.(9/128)
6 - وفيها (وانهض الخير لك) فصححها عبد القادر على نسخته ب (أرهص الخير) قلنا: ومثلها ما في شرح الحديدي فهي رواية قوية مرضية.
7 - وفي ص570 (وخصه بمزية وأفرده بحالة) فقال عبد القادر: (لعل الأصوب: بجلالة، مكان حالة) فرد عليه أحمد الزين بقوله: (إذ لفظ المزية كلفظ الحالة في اشتراكهما بين صفات الخير والشر) قلنا: وفي الشر الحديدي مثل ما جاء به أحمد الزين، فهو الصواب، وأما احتجاجه هذا الاحتجاج فلا يؤيده، لان المزية تدل على الفضيلة فيراد بها ههنا ذلك المعنى، ليوافق مقتضى الأمر، قال في مختار الصحاح (المزية: الفضيلة يقال: له عليه مزية) وقال عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر الطالبي:
صحت مخارجها وتم حروفها ... فله بذلك مزية لا تنكر
رواه المبرد في (3: 113) من كاملة وقال (المزية: الفضيلة) ومثله ما في الأساس والقاموس والمصباح.
8 - وجاء فيها (لحقني - أي عمر - بوجه يبدي تهللا) صححها عبد لقادر ب (يندى) وفي شرح الحديدي (يبدي) وروايتان اصدق من رواية مع ظهور المعنيين فالحق مع أحمد الزين، ويؤيده قوله تعالى: (فأسرها يوسف في نفسه ولم يبدها لهم) أي لم يعالنهم بالسر.
9 - وورد في ص 571 (يمص إهابك) صححها عبد القادر ب (يمض) وهي رواية ابن أبي الحديد أيضاً وأما رد احمد الزين فلا غناء به لأنه لو أراد المص المعروف لقال (يمص دمك أو دماءك) فالجلد لا يمص، وفي ع ل ق من المختار: (الاعلاق أيضاً: إرسال العلق على الموضع ليمص الدم).
10 - وورد في ص 627 (فتود لو أن سقيت بالكأس التي أبيتها ورددت إلى حالتك التي استغويتها) وفي شرح الحديدي (وتود أن لو سقيت بالكأس التي سقيتها غيرك ورددت إلى الحال التي كنت تكرهها في امسك).
11 - وورد في ص 628 أن المغربي استدل على قلة ورود (الأجة) بمعنى حرارة الصدر غيظاً بأن الزمخشري لم يذكره في أساس البلاغة فرد عليه أحمد الزين قوله بأن الزمخشري لم يحط في كتابه أساس البلاغة بجميع الألفاظ المجازية(9/129)
المستعملة في كلام
العرب، وهو حق صريح بل أن الزمخشري ذكر في أساسه كثيراً مما لم يذكره في مادته، فقد نقل في مادة (أدب) جواز أن يقال (أشب الحق بالباطل) ولم يذكره في المادة. وذكر في مادة (جدع) وذكر أن معنى (تآكل القوم: تجادعوا وتعادوا) وليس هذا في مادة (أكل) أو في ب ل ل (بزيع المنطق) ولم يذكره في (بزع) مضافاً إلى المنطق ولا إلى غيره ومثل هذا كثير فكيف كل مجازات العرب؟
12 - وجاء في ص 628، 629 دعوى عبد القادر المغربي أن (أوصى عليه) خطأ صوابه (أوصى به) ورد أحمد الزين بأن هذا التعبير شائع في كلام المتأخرين وان معنى (على) التعليل. والتحقيق أن مثل هذا لا يراعى قيه القدم والحداثة للزومه، ف (على) تفيد التسلط لا التعليل فكما لم يلزمهم أن يذكروا (جعل عليه كذا) لم يلزمهم أن يذكروا (أوصى عليه) ومثله: (ولاه على كذا ونصبه وسلطه وحكمه وملكه ورأسه عليهم) وما ذكروه موضحاً من هذا فهو زيادة فائدة لا واجب فالمتكلم يعرف الحرف الذي له ولغيره والذي عليه وعلى غيره، ويقال: أوصى به شراً ففي (1: 171) من آمالي الشريف المرتضى قوله دويد بن زيد لبنيه: (أوصيكم بالناس شراً لا ترحموا لهم عبرة.)
في أقوال أحمد الزين
1 - قال في ص 570 (ولسنا في حاجة إلى أن نبين) والمشهور أن يقال (لا حاجة بنا أولنا أو في نفوسنا أو في صدورنا) أو نحوها. كقوله تعالى (إلا حاجة في نفس يعقوب قضاها) وقوله عز وجل (حاجة في صدوركم).
2 - وقال فيها (أقاله من كبوته) والفصيح: إقالة كبوته ففي (2: 66) من الشرح المذكور قول علي - ع - في دعائه (واقلني عثرتي بحسن إقالتك) وفي 1: 171) من آمالي الشريف المرتضى قول دويد بن زيد أيضاً عطفاً على ما نقلنا آنفاً (ولا تقيلوهم عثرة. .) وقال شبل بن عبد الله كما في كامل المبرد وشرح الحديدي (2: 2. 3، 2. 4).
لا تقيلن عبد شمس عثاراً ... واقطعن كل رقلة وأواسي(9/130)
3 - وفي ص 630 قوله (فلا مندوحة من إثبات الباء) والصواب (عن إثبات الباء) قال في مختار الصحاح (له عن هذا الأمر مندوحة ومنتدح أي سعة يقال: إن في المعاريض لمندوحة عن الكذب) وقال حوثرة الأسدي الخارج على معاوية لأبيه لما دعاه إلى البراز (يا
أبت لك في غيري مندوحة ولي في غيرك مذهب) كما في (1: 453) من شرح الحديدي وتقديره (لك في غيري مندوحة عني ولي في غيرك مذهب عنك) وإذا دل الكلام على غيره لم يلزم الجمع بينهما لأن الإيجاز شرط من شروط البلاغة.
4 - وقال في ص 571 (فلا موجب أن نستبدل قوله (يمص) بالصاد المهملة بقوله: (يمض) بالضاد المعجمة) والصواب (نستبدل يمض بالضاد المعجمة) وهي الكلمة الجديدة فينبغي أن يسلط الفعل وشبهه عليها لا على القديمة المستبدل بها، ولولا ذلك ما فرق العلماء بين الجديد والقديم ويقال (استبدل الجديد مكان القديم) وكلتا اللغتين في القرآن الكريم.
دلتاوة (دولتآباد):
مصطفى جواد
بزيخ
ذكر حضرة الصديق المحقق في حاشية ص 13 أن (بزيخ) آرمية. ولما طالعنا المعاجم الآرمية رأينا أن (بيت بزيخا) منعاه محمل الهزء والسخرية. فلعل ذلك يذكرنا بما كان هناك من محل للأنس والطرب والهزء.(9/131)
بابُ المكاتبة والمذاكرةَ
ورد إلينا من حضرة صاحب المعالي يوسف بك غنيمة ما هذا نصه:
ألفاظ في رسالة ذم القواد
لقد اطلعت على الرسالة الموسومة (ذم القواد) التي نشرها الدكتور داود بك الجلبي في لغة العرب الغراء (9: 26 إلى 38) فقدرت سعي صديقي الدكتور الجلبي حق قدره في نشر هذا الأثر النفيس للجاحظ.
رأيت في ص 35 من مجلة عبارة: (فلو رميت بحالس ما سقط إلاَّ على رأس ملاح) وفي الأبيات الواردة بعدها جاء اللفظ (حواليش) ولقد شرحتم الكلمتين في ذيل الصفحة المذكورة في الرقمين 4 و7.
والذي أراه أن (الحاليش) مفرد (الحواليش). وفي الآرمية (حلشا) بمعنى الميل (راجع ص 245 من المعجم دليل الراغبين في لغة الآراميين) وربما اقتبس الآرميون هذا الحرف من اليونانية من فعل ومنها الإفرنجية ومما يقارب هذا المعنى، اللفظ المستعمل حتى اليوم عند أهل السفن في العراق وهو الهالوش وجمعه الهواليش. والهالوش معناه: الوتد (راجع لغة العرب 2: 402). ولا يبعد أن يكون الجاحظ ذكر الهاليش والهواليش فحرفتهما أيدي النساخ وأبدلت الحاء هاء، وهو أمر محتمل للتشابه بين رسم الحرفين المذكورين، ومعنى اللفظين الواردين في رسالة الجاحظ، يحتمل هذا التفسير فما رأيكم حفظكم الله؟
(ل. ع) هذا الأمر غير بعيد التأويل. وكان قد عن لنا حين طالعنا رسالة الجاحظ لكننا عدلنا عنه؛ لأن الجاليش لا يتطلب تلك التمحلات العديدة، ولأن معنى البيت يوجب أن يكون ما يفيده الجاليش، - وأما أن اللفظة (حلاشا) الآرمية تتصل بالإغريقية (هليكس) فلا نرى ذلك، وإن كانت المشابهة بين الكلمتين بينة. فالمجانسة لا تكفي في مثل هذا الأمر ولا سيما أن معنى الواحدة غير معنى الثانية. فالحرف الآرمي يعني المكحل والمردي،(9/132)
مردي السفينة وكلاهما مستقيم، بخلاف الحرف الاغريفي، فإنه يدل على اعوج أو مستدير أو متعرج كالدوارة والعقصة وارتعاص البرق. ويجانس اللفظة اليونانية في لغتنا الحلز والحلقة والعلق بمعنى البكرة. على أننا نسلم أن الهالوش وهو الوتد الكبير الذي يغرس في الأرض
المجاورة للماء من اصل ارمي لكن صابئي أي نبطي لأن الأنباط يبدلون الحاء هاء وليس لهم حرف حلقي مفخم على ما هو معهود عند كل مستشرق.
وورد في الصفحة عينها في أحد الأبيات (قمايا). وقد شرحتموه في الحاشية 8، والذي اعتقده أن هذا الحرف الرمي يدل على معنى المقدم كمقدم السفينة، لأني سمعت القرويين من الآرميين يقولون: (بترا وقمايا) بمعنى الوراء والأمام وليس لي متسع في الوقت لتحقيق المعنى، فربما توفقون له).
(ل. ع) نعم (بترا) بالأرمية معناها الخلف والوراء. وربما كان هذا المعنى معروفاً أيضاً عند السلف، لأننا نقول: بتر الذنب (كعلم): انقطع فلا جرم أن البتر كان يفيد الذنب أي الذيل والخلف والوراء، ومنه أيضاً الأبتر: المقطوع الذنب والذي لا عقب له. وضد (بترا) الأرمية: (قوادما). وأما (قمايا) فتعني هذا المعنى لكن بالنبطية العامية؛ أما في الفصحى فلا اثر لها. أذن لا نظن أن (القمايا) في البيت المذكور يعني مقدم السفينة؛ ولو فرضنا أن الجاحظ تلقى اللفظ عن عوام النبط، يبقى أن لا معنى للمقدم يوجه توجيها مقبولا سياق البيت، إذ المطلوب هناك معنى يدل على عاقل لا على غير العاقل.
ونشكر حضرة ألبك على ما تفضل به علينا وعسى أن يحذو حذوه سائر الأدباء الذين لهم اطلاع على الغريب من ألفاظ لغتنا الصادية.
لمحة في رسالة ذم القواد
قرأت بلذة لا توصف هذه الرسالة الجاحظية النفيسة. ثم كررت مطالعتها مثنى ومثلث ومربع، فوجدتها من أمتع ما خطته أشاجع أبي عثمان. واشكر شكراً جزيلاً الأستاذ الدكتور داود بك، ذلك الأديب الكبير الذي اخرج هذا الكنز الدفين، ونفضه من غباره، وجلاه من صدإه، فاعاده لي نصابه على أحسن وجه.
وقد بدا لي نظر بخصوص بعض الألفاظ. فجئت اعرضها على دقيق نظره اللغوي، فان أصبت فبها ونعمت، وإلاَّ فليضرب بها عرض الحائط.
ذكر حضرته في حاشية ص 29 السادسة: إن اليرقان هو المن مع أن اليرقان عند علماء الزراعة هو وبالفرنيسة وبالإنكليزية وأما المن فانه مرض آخر اسمه العلمي والفرنسي ويكون(9/133)
سببه هوام دقيقة اسمها المن. فسمي الداء بها.
(ل. ع) ليس هذا الموهم من حضرة الدكتور العلامة، بل من صاحب التاج في مادة ي ر ق.
2 - وفي ص 33 جاء قول الجاحظ: (حاف كاتشكن) فصحح الدكتور بك حاف بحاق وهو في منتهى الإصابة، ولم يصحح لنا كاتشكن، إذ وضع بجانبها علامة استفهام والذي عندنا أن الكلمة مصحفة، وأصلها كانشر (بنون قبل الشين وبراء في الآخر) وهي لغة في كنشكار الفارسية ومعناها العامل والصانع فيستقيم معنى العبارة.
3 - وفي تلك الصفحة جاء على لسان الحائك: (فما كان إلاَّ بقدر ما يسقي الرجل باشيراً (؟)) ونحن لا نجد في هذا الكلام ما يوافق مصطلح الحائك، والذي عندنا أن صحيحه هو: (إلا بقدر ما يسدي الرجل باشيراً) والباشير: امتداد السدى من العود الواحد المنصوب للتسدية إلى العود الآخر. والكلمة من الأرمية الصابئية بهذا المعنى.
4 - أما قول الجاحظ (فلو رميت بحار) فمن تصحيف الناسخ الماسخ. والصواب بخار (أي بخاء معجمة) والخار كلمة فارسية معناها: الشوكة والسفاة والمسمار الدقيق الخشب يمكن به عود السدى المغروز في الأرض.
5 - وجاء في ص 36: (فما كان إلاَّ بقدر ما يغرز الرجل تشتيكا). وعندنا أن (تشتيكا) هنا مصحفة. والأصل (بشتيكا) بباء موحدة تحتية في الأول. والبتشيك: خرج الراعي يعلقه على التيس. والكلمة مصرية وعربيتها الكرز (كقفل). راجع تاج العروس في مستدرك مادة ب ش ك.
وفي الختام نشكر مرة ثانية سعي الدكتور الجلبي ونستزيده من نشر مثل هذه الرسائل التي بثها بين الناطقين بالضاد. مما يدل على حسن ذوقه. وحبه للغة الحنيفية، وتعميمه علوم السلف. بارك الله في حياته!
فينة 11 - 1 - 1431:
أ. ف
(ل. ع) أننا نستصوب الآراء التي ذهب إليها حضرة المستشرق الكبير ونعدل عن رأينا الأول، إذ نجد تحقيقه فوق تحقيقنا وكذلك نفعل كلما وجدنا أديباً يفوقنا بعلمه(9/134)
ودرايته وتدقيقه، ونتوقع أن يجري وراءه سائر المستشرقين أو غيره من لغويي ديارنا الشرقية
على اختلاف مواقعها.
كتاب الإكليل
قرأت باهتمام الصفحات المنتزعة من كتاب الإكليل، ولاحظت أنكم وطدتم العزم على طبعه ونشره؛ ولكني وجدت بعض هفوات، أظنها من أغلاط الطبع، فقد ذكرت (تلفم) مرة بعد أخرى بالفاء، في حين أن ياقوت ضبطها (تلقم) بالقاف.
وجاء صدر بيت قصر ريدة الأول: (لئن قرع الناعي قلوباً فصدعه، وأنا أظن أنها: (فصدعا)، فهل أنا على الصواب فيما رأيت؟
حيفا في 9 كانون الثاني 1931:
عبد الله مخلص
(ل. ع) تلفم وردت في ياقوت (تلقم) بالقاف وهو غلط صريح لأن الهمداني اعرف ببلاده من غيره. وفي تضاعيف الإكليل يضبط اللفظة بعبارة صريحة وبأنها بالفاء لا بالقاف، ثم يقول: ويصحفها بعضهم بالثاء المثلثة ويقول: (تلثم). والبكري ضبطها أيضاً بالفاء في كتابه: (معجم ما استعجم) فلتراجع. وأما (صدعه) فهي من غلط الطبع والصواب (فصدعا) كما أشار إليها الصديق. فنشكره على التصحيح كما نشكر سلفاً كل من يدلنا على أغلاطنا وأوهامنا.
في رسالة ذم القواد
1 - ورد في ص 26 من ضمن الرسالة المذكورة (واصف يعرف به الأشياء. . ومعز يرد به الأحزان) فأنث الدكتور داود جلبي الأستاذ هذين الفعلين فصارا (تعرف) و (ترد) والأصل جائز على ما نص عليه النحاة لأن المسند إليه ظاهر جمع تكسير، قال تعالى في سورة الرعد (أو قطعت به الأرض أو كلم به الموتى) ووضع في ص 34 (تعمل حرارته) بدلا من (يعمل حرارته) والأصل جائز مثل (كيف كان عاقبة. .)
2 - وقال في حاشية ص 27 (ألقت هو الاسفست وهو النبات الذي تعلف به الدواب وتسميه عوام العراق (الجت) ويسمى في حلب فصفصة) قلنا:(9/135)
إن ألقت ليس بمقصور على ذلك النبات بل يشمله ويشمل حبه قال أبو هلال العسكري في ص 33 من جمهرة الأمثال
مفسراً قول العباد بن عبد الله الضبي للنعمان بن المنذر:
لا آكل ألقت في الشتاء ولا ... أرقع ثوبي إذا هو انخرقا
ما صورته: (ألقت: حب اسود من ثمر العشب تطحنه العرب وتأكله في الجدب) وفي المختار (وألقت: الفصفصة لواحدة قتة كتمر وتمرة) وفيه: (الفصفصة بكسر الفاءين: الرطبة واصلها بالفارسية إسفست) ولا نعرف حقيقة قول العوام.
(ل. ع) نظن أن الأستاذ المصطفى واهم هنا. فألقت المذكور في جمهرة الأمثال هو الفث بالثاء المثلثة لا بالمثناة.
4 - وجاء في ص 30 عن صاحب الحمام (لقيناهم في مقدار بيت الأنبار) وما أدري كيف ناسب الانبار الحمام فلعله (بيت النار) وفي (2: 486) من مجلة دار السلام عن الآرميين (وعلى تعبيرهم جرى أيضاً بعض لعرب من النقلة بل ومن غير الآرميين فقد قالوا: بيت الله وبيت النار وبيت المال إلى نظائرها).
5 - وورد في حاشية هذه الصفحة عن (أوقد) فعل أمر ما نصه (أمر من أوقد يوقد) والصواب (من أوقدت توقد) لأن الغائب لا فعل أمر له.
6 - وجاء فيها عن ابنة وردان ما وصفها عن اللغويين ويستحسن إضافة: (ويسميها أهل بغداد وتوابعها: (مردانة) إلى ذلك الوصف.
7 - وورد في ص 38 (ثم جعل الاختصار له عقلا والإيجاز له مجالا) والأولى (عقالا) لتناسبه السجعة المقابلة له (مجالا) وذلك الكلام مسجوع. وفيها (الهادي إلى أقوم طريقة. . . سيما فاروقه وصديقه) والأولى (إلى أقوم طريقه) بالإضافة إلى طريق.
مصطفى جواد(9/136)
على مقالة تلو
اشكر لصديقي الفاضل يعقوب سركيس الأستاذ المحقق توفره على الحقائق التاريخية واستخراجه ما استعجم على الآثاريين من أن (تلو) في هذا الزمان هي: تلهوارة، وأؤيده في أن (تلهوارة) أرمي النجار فأسماء كثير من تلك البقاع تظهر عليه المسحة الآرمية. ففي أخبار أبي العباس ابن أبي احمد الموفق طلحة بن المتوكل على الله العباسي في حربه لصاحب الزنج كما في (2: 344) من شرح ابن أبي الحديد (وأمر أبا حمزة أن ينزل فوهة
بردودا فوق واسط). وفي أخبار أعدائه ما نصه (ثم أن سليمان استعد وحشد وفرق أصحابه فجعلهم في ثلاثة أوجه: فرقة من نهر أبان وفرقة من برتمرتا وفرقة من بردودا، فلقيهم أبو العباس فلم يلبثوا أن انهزموا فلحقت طائفة منهم بسوق الخميس، وطائفة بمازروان، وطائفة ببرتمرتا، وسلك آخرون نهر الماذيان واعتصم قوم منهم ببردودا) وفيها (واقبلوا إليه وقد كمنوا زهاء عشرة آلاف في برتمرتا ونحوه من العدة في بئر هثا) وفيها (فكانت معركة من قرية الرمل إلى الرصافة) وفي ص 345 (ومضى جيش الزنج بأجمعه لا ينثني أحد منهم حتى وافوا تهيثا) وفي ص 346 (طهيثا) وكذلك في ص 347 ف (بردودا وبرتمرتا وهثا وطهيثا) من جنس (تل هوارة) ولنا على المقالة تعليقات:
1 - ورد في ص 5 (يعرف عند أهل ذلك الصقع بأبي اسحق) والصواب (بأبي السحق) مصدر الفعل (سحق) لأنه حجر لا بشر ويؤيد لنا التعليل الذي علل به التسمية ونصه (لأنه يتعاطى قوم من أهل القوة شيله فيسحقهم. . .) فلسحقه الناس عرف بأبي السحق.
2 - وذكر في ص 8 أن الشيخ علي الشرقي لما ذكر مدن البطائح لم يذكر صاحب العمرانية والشاهينية) قلنا: قد قرأنا مقالة في (4: 145) مجلة دار السلام عنوانها: (شطرة المنتفق) وفيها: (وكانت طائفة من الغرافيين قد أسست قرية كبيرة في أراضي خفاجة في الغراف ومحل تلك القرية يقال له حتى اليوم: الشاهينية، وهو اسم مدينة معروفة في كتب التاريخ للأمير عمران بن شاهين) وتوقيع الكاتب (غرافي) فلعل صاحبه الشيخ علي الشرقي على ما ظهر لي من أسلوبه.
3 - وقال في ص 12 (ومنها من الآثار أبو زوفر. . . وأصلها: بزوفر(9/137)
في أنحاء البغيلة التي غدونا نسميها النعمانية لقربها من النعمانية المندرسة) وفي (3: 141) من دار السلام قال الأب انستاس (وأما أن موقع النعمانية كان في ما نسميه البغيلة فيخالف نصوص المؤرخين صريحاً وان لم يخالف قول الأتراك وهؤلاء هم قوم أغراب لم يعرفوا في عصر من العصور تاريخ هذه الديار) ثم نقل عن مراصد الإطلاع) النعمانية بالضم: منسوب إلى رجل اسمه النعمان بليدة بين واسط وبغداد في نصف الطريق على ضفة دجلة) ونقل عن ياقوت في مادة طفسونج (قرية كبيرة في شرقي دجلة مقابل النعمانية بين بغداد وواسط وبها آثار خراب قديم) ثم قال (وطفسونج أو طيسفون هي اليوم المسماة بسلمان باك فالنعمانية
بازائها. . فان هذه القرية تبعد ثلاث مرات عن بعد النعمانية الحقيقية عن بغداد) قلنا: وفي ص 343 من شرح ابن أبي الحديد المذكور عن جنود صاحب الزنج (وفي أوائل سنة خمس وستين (ومئتين) دخلوا إلى النعمانية وجرجرايا وحبل فنهبوا وخربوا وقتلوا وأحرقوا وهرب منهم أهل السواد فدخلوا إلى بغداد) وفي ص 145 من نكت الهميان (والدير قرية من النعمانية).
4 وقال في ص 13 (ففي الغراف على ضفته اليمنى من الخرائب غير المشهورة لدى الأثريين. . . بأسمائها العربية أم الطحيم والمدينة) وعلق بالأخيرة ما نصه (تقع في غرب الشطرة بينها وبين شط الكار في نحو منتصف الطريق. روي لي أنه وجد فيها آثار قديمة) قلنا: فيظهر لنا أن شط الكار الآن هو نهر (قورا) القديم ومن نواحيه (بنورا) قرب سورا بينهما نحو فرسخ. قال ياقوت في مادة نهر قورا (طوسج من ناحية الكوفة عليه عدة قرى منها سوارا) وفي مادة سوارا قال (موضع بالعراق من ارض بابل وهي مدينة السريانيين. . . وهي قريبة من الوقف والحلة المزيدية) راجع دار السلام (4: 121) لأننا ما نملك معجم البلدان بل نقتنص الفوائد من بسط أهل الكتب، ومن البليدات المحافظ على اسمها القديم إلى الآن (سابس) فوق واسط، قال في القاموس(9/138)
(سابس كابل بلدة بواسط ونهر سابس مضاف إليها) وهي إلى الآن تسمى سابس في شرق النهر المعروف بالدجيلة وقرب كوت الحي قبر سعيد بن جبير. قال ابن خلكان بعد ذكره أمر الحجاج بضرب عنق سعيد المذكور (فضرب عنقه وذلك في شعبان سنة خمس وتسعين وقيل أربع وتسعين للهجرة بواسط ودفن في ظاهرها وقبره يزار بها - رض - وله تسع وأربعون سنة) وأهل الحي الآن يعديون عند مقبرة سعيد بن جبير هذا.
5 - وقال في ص 6 عن جزيرة احمد الرفاعي (وهي في جنوب المنارة (واسط) بخط مستقيم نحو خمسة وأربعين كيلومتراً بميل ستة كيلومترات إلى جهة الشرق في الجانب الغربي من النهر المندرس المسمى الأخضر على بعد نحو سبعة كيلومترات منه ولعل الأخضر هو دجلة نفسها) قلنا: لم نر في الخريطة التي أشرنا إليها في الحاشية جنوب المنارة سوى الدجيلة نفسها ونهير يسير إلى الشرق تماماً وبعد نزول الدجيلة إلى الجنوب الشرقي يقع عليها موضع يسمى (الصدرانية) وفي جنوبها كتب عليها (مجرى القناة
القديمة) وفي شرقها نهير دارس كتب عليه (حضرة رفاعي) ولا اثر لنهر الفضل وهو في اسفل واسط كما في ترجمة سعيد بن احمد النهر فضلي من نكت الهميان وكما روى الصديق.
مصطفى جواد
نظر في جواب عن التفاني
قدس ابت منار الحق المبين
اشكر لحضرتكم اهتمامكم بنشر سؤالي في مجلتكم الممتعة (8: 10: 787) عن لفظ (تفاني) غير أن الذي استوقفني منه، ما وقع للمنضد من السهو بإنزال الكلمتين اللتين لا معنى لهما في آخر السطر الثاني. وما أورث من التشويه في مفتتح جواب الوارد في السطر 6 حيث قلت (حالة كون لا كلام في - أن لغتنا إنما اختصتها حكمة الواضع. . .) فحذف المنضد من هذه الجملة الخمس الكلمات الأولى وأنزل في منزلها (أم تريدون - أن لغتنا إنما اختصتها حكمة(9/139)
الواضع. .) فتنكرت بهذا التلاعب صورة الجواب وانقطعت لحمة المعنى وضاع المراد!
على أن هذا التشويه لم يكن هو وحده علة كل ما شعرت له بالأسف والامتعاض، ولكن جنوح الأستاذ المصطفى إلى التخريج كلامي على المناحي المحيادة لمنحاي فيه فيغالطني في الأمثلة التي سقتها على أثره ويتعقبها برواشق التفنيد والتنديد، لما كان له أسوأ أثر في نفسي، فقضيت العجب من نزوعه الذي لم ارتضه:
وإثباتاً لما ذكر وتنزيهاً لكلامي وأمثلتي عن المناقف والمغامز التي أخذها علي انقل هنا تلك المآخذ واتقفاها بما ينجلي به وجه الصواب.
فأول ما فاجأني به من ذلك قوله في الباب (3) من جوابه (إن احتجاج السائل بتعاطى وتحاشى الخ لا وجه له. لأن تعاطى مطاوع عاطاه).
وعقيب ذلك أورد في الباب (4) (إن تمثيله بتعامى ليس بالوجه. . وتعلقه بها تنبيه على إرادته تفانى بمعنى - تماوت - وهو مخالف لتعاطى وأشباهه فاختلاف الأمثال يدل على اضطراب الحال في هذا السؤال).
وإذ آنس ميدان الاتهام والملام فسيحاً لم يدخر سعياً في إعادة الكرة علي في الباب (5) حيث قال: (إن الحاجة لا تدعونا إلى صوغ - تفاني - بالمعنى الذي يريده السائل - على ما استبان لي -. وبهذا يسقط كل ما جاء به السائل من شبهات الحجج ومدخول الأدلة).
ومقتضى هذا الكلام انه يفرض (على ما استبان له) أن جل غرضي من طرحي ذلك السؤال على حضرتكم. الدفاع عن وجوب استعمال (تفاني) بمعنى تماوت. فلم يكن له محيد عن ضرورة رمي أمثلتي بأحكام المخالفة أو المناقضة وهي أحكام ما أنزل بها من سلطان.
وهذا ما حداني إلى إعادة النظر في عبارة سؤالي المروي عنه قصد أن اعلم من أين استفاد أو (استبان له) أن تمثيلي بتعامي وتعلقي بها تنبيه على إرادتي تفاني بمعنى تماوت) فلم أتوصل إلى طائل حيث لم يرد في ذلك السؤال الماع ولا شبه الماع إلى مثل هذه الإرادة، فعند ذلك تيقنت أن قوله (على ما استبان(9/140)
لي) إنما هو من قبيل التمحل ليس إلاَّ. وتأييداً لهذا يتعين علي أن آتي في هذا الموضع بأهم ما جاء في سؤالي من الكلام وذلك من باب الحصر دون التلخيص لأنه جدير بالاطراح في مقام الاستشهاد والتمحيص.
(أوردتم غير مرة أن لفظ (تفاني) غير عربي، فهل تعنون أن أهل العربية قد نهوا بناء صيغة - تفاعل - فيلزمنا الوقوف عندما قالوه؟. وهل لاح لنظركم الغرض الذي أداهم إلى تجريد مادة - فني - من رشاقة تفاعل؟. وان تعقيم هذه الصيغة في تلك المادة إلا يعد من موجبات الإستنكار؟ وإلا فلماذا تضافروا على صوغ تعاطى وتحاشى إلى ما لا يحصى وتناكصوا عن بناء تفاني؟)
فان صح تطبيق هذا النقل على نص الأصل؛ لزمني ضرورة أن أدعو حضرتكم لتصوبوا إليه أشعة أبصاركم (الرتنجية) فتستشفوا ما إذا يبدو لنظركم من ورائه شر أو جزء شطر من معنى المطلب الذي (استبان) لنظر الأستاذ فتشايعوه في حكمه؟ أم تروا أن الحق يتقاضاكم أن تقضوا بأن ما تراءى من ذلك لمرآه لم يتراء منه شيء لمرآكم لا تضمناً في المعنى ولا نصاً في اللفظ فيبطل رأيه؟.
وأما مسألة تعرضه للغض من احتجاجي اثر ما تبدى له من مخالفة أمثلتي بعضها لبعض ولمعنى تفانى؛ فان من يعير سؤالي الذي كررت صورته هاهنا نظراً ضادقاً أخاله لا يتوقف عن الحكم باني إنما حاولت أن أتثبت ما يأتي:
(1) ما هي علة تطرفكم في القطع بان لفظ (تفاني) غير عربي؟
(2) هل هذا البت متناول عن نص من أرباب اللغة أم عن عدم السماع به؟
(3) إذا كان أرباب اللغة هم الذي منعوا صوغ تفانى فما هو سبب ذلك؟ ولماذا تهافتوا على صوغ مواد لا يأخذها الحصر من صيغة تفاعل كنحو تعاطي وتحاشي الخ دون تفاني.
إذا تقرر هذا، اتضح أن احتجاجي بهذه الأمثلة في مثل ذلك المقام لم يكن باعتبار المعنى المادي الذي تأوله الأستاذ لتترتب علي لوازمه من مراعاة التمثيل عليه من بابه أي من اصل معنى الفعل. ولكن احتجاجي المذكور إنما كان باعتبار القياس الاشتقاقي المحض لاطراد المعنى الصيغي فيه كما ترون كل عبارتي ناطقة(9/141)
به من غير أن يتوقف دونها الفهم. فان صدق هذا. فهل تكون الأمثلة التي أوردتها على أثره غير واقعة في حيزها؟ أم هي مما ينطبق على المقصود كما يستدرك بأدنى لمحة؟
بيد أن هذه اللمحة. لمحة تطابق التمثيل على غرضي وتبين القصد من سؤالي لم تفت في بادئ الرأي بصر من وافقتموه على ما يرى ذلك صريحاً فيما أقره في الوجه (الأول) من جوابه إذ قال:
(إن كان السؤال عن وجود صيغة تفانى فما اسهل الإجابة عنه بان تفانى من الأفعال الواردة المشهورة فقد قيل - تفانيا - أي أفنى أحدهما الآخر. وتفانوا بمعنى أفنى بعضهم بعضاً الخ).
فهذا الجواب انطق دليل على أن الأستاذ البصير قد أدرك من أول وهلة الغرض من سؤالي فكشف الحجاب عن حقيقة مشكلي. إلاَّ انه لما كان هذا الأستاذ قد استهامه حب استقراء المباحث كما يرى ذلك من تتبع مذهبه، آثر أن ينسل إلى إشباع الكلام في مسألة (تفانى) من الباب الذي دخلة، وفي ذلك ما فيه. وإلا فلم أتبين إلى الآن أن في تركيب عبارتي التي أعدت نصها قريباً مسحة لبس أو إشكال مما يستدعي المعذرة للأستاذ من إخراجها عن حقيقة معناها فلم يكن عليه بأس من الحملة الشعواء التي حملها علي.
فعند مراجعة حضرتكم سؤالي وما أوردت هنا من الرد على اتهامي أتخيلكم لا تترددون في استدراك ما قال الأستاذ المشار إليه استداركا (جدياً) على مثال ما يرى في جميع مواقفكم الانتقادية التي برهنت على أنكم ليس ممن يقبل على الحق رشوة، أو يرضى من أمانة
العلم ثمناً، ولله سبحانه الهادي إلى قصد السبيل.
مرسيلبة في 12ك2 سنة 1930:
ي م
(ل. ع) أننا لا نبت في هذه المسألة شيئاً لأننا قد سبقنا فوافقنا على ما ذكر حضرة الأستاذ المصطفى وعلى القارئ الحكم لا علينا. وقد أدرجنا هذا الرد بحرفه إلاَّ بعض الألفاظ الجارحة فأننا أبدلناها كلمات غير (شائكة).(9/142)
أسئلة وأجوبة
أميركي وأميركاني
س. طرابلس الغرب. السيد م. م. ن. كان وقع جدال بينكم وين الأستاذ ضومط في مسألة النسبة إلى أميركة. وهل يقال أميركي أو أميركاني. وكان رأيكم أنكم ترجحون الأميركي على الأميركاني. وكان رأي الأستاذ ضومط أن الأميركاني هو الأصح، أفبقيتم على رأيكم أم ماذا؟
ج. الذي عندنا أن الأميركي هو الأرجح والأميركاني هو المرجوح الضعيف. بل نذهب إلى أن من يقول: أميركاني. فاسد الذوق العربي وحشية لأن الناطقين بالضاد لا يجمعون أداتي صفة في كلمة واحدة: ولما جمعهما بعضهم فيه اسقطوا اللفظة من الذوق العربي وقالوا عنها إنها وحشية أو وعرة أو متوعرة ففي الأميركاني (ياء النسبة العربية) فيها أداة الصفة الإفرنجية وهي أن. . اللاتينية الأصل من. . فاجتمع فيها أداتان لتلميح الصفة: الأداة الإفرنجية والأداة العربية، وهما في نهاية القبح. وقلنا: هما في نهاية القبح (لأن السلف استبشعوا وجود مثل هاتين الأداتين في الكلمة العربية الواحدة، وان كانتا عربيتين فكيف لا يستبشعوهما إذا جاورت الأداة العربية الوصفية الأداة الأعجمية التي من جنسها. أما أن الناطقين بالضاد استنكروا اجتماع الأداتين الوصفيتين في الكلمة العربية الواحدة فظاهر من قول صاحب المصباح المنير في مادة وح ش: (وكل شيء يستوحش عن الناس فهو وحش ووحشي، كأن الياء للتوكيد كما في قوله: والدهر بالإنسان دواري، أي كثير الدوران) أهـ. فأنت ترى من هذا أن الدوار هو الكثير الدوران. ثم زيد دورانه تأكيداً بياء التأكيد، فاجتمع في معنى الدوار زيادة، لكن هذه الزيادة أخرجته عن المأنوس من الكلام إلى وحشيه. وعلى هذا الوجه فسد ذوق القائل، وعلى هذا يقاس قولك: الأميركاني(9/143)
فإن الألف والنون الزائدتين على أميركة تدن على النسبة فإذا زدت الياء عليهما خرجت الكلمة عن مأنوس الكلام إلى وحشية فأصبحت لا تألف إلاَّ الوحوش من الناس، ولهذا وجب على الأديب السليم الذوق أن لا يقول إلاَّ (أميركي) وبهذا القدر كفاية وقد قصدنا أن لا نرجع إليه البتة.
جفر وشرح
س. مصر القاهرة. قرأت في فقه اللغة للثعالبي الذي طبعه الأب لويس شيخو في سنة 1885 في ص 81 في ترتيب سن الغلام ما هذا نصه: (يقال للصبي إذا ولد: رضيع وطفل، ثم فطيم، ثم دارج، ثم حفر (وفي نسخة: جفر وهو تصحيف). ثم يافع، ثم شدخ، ثم مطبخ (كمحدث) ثم كوكب.) أهـ وقرأت في النسخة المطبوعة في مصر بالمطبعة العمومية سنة 1318 في ص 95 ما هذا نصه. ثم دارج ثم حفر ثم يافع ثم شرخ ثم مطبخ (كمعظم) فأين الرواية الصحيحة؟
ج. عليكم أن تعلموا قبل كل شيء أن الأب لويس شيخو لم يكن لغوياً مدققاً بل أديباً وفي كل ما تولى طبعه من مصنفات الأقدمين من الأغلاط ما أنزلها في عيون المحققين. ومن الجملة فقه اللغة هذا فانه طافح بالأوهام اللغوية. فذكر النسختين المصرية والبيروتية الحفر (بالحاء المهملة) بعد الدارج خطأ واضح والصواب جفر (بجيم في الأول) قال في التاج: (ومن الجاز الجفر (بفتح الأول): الصبي إذا انتفخ لحمه واكل، وصارت له كرش وقد جفر وتجفر وقال ابن الأعرابي: والغلام جفر. وفي حديث حليمة ظئر النبي - صلى الله عليه وسلم - قالت: كان يشب في اليوم شباب الصبي في الشهر فبلغ ستاً وهو جفر. وفي حديث أبي اليسر: فخرج إلى ابن له جفر أهـ؟
أما شدخ بالدال فغلط كبير لا وجه له. والصواب شرخ بالراء كما في الطبعة المصرية أما الشدخ بالدال (وزان سبب) فمعناه الولد لغير تمام إذا كان سقطا رطباً رخصاً لم يشتد، فكيف يكون هذا وقد ذكره بعد اليافع، فلا جرم أن الشرخ بالراء هو الصواب وما في النسخة الشيخوية غلط شنيع.
أما المطبخ فالصواب كمحدث أي بتشديد الباء المكسورة وهو الشاب الممتلئ.(9/144)
وما في النسخة اليسوعية غلط ظاهر.
والعجيب في هذه الألفاظ الاصطلاحية أن صاحب تاج العروس اخطأ أيضاً في إيرادها في مادة طبخ فانه ذكر ترتيب سن الغلام نقلاً عن ابن الأعرابي وأورد الحفر (بالحاء المهملة) والشدخ (بالدال) وكل ذلك خطأ ظاهر. أما صاحب اللسان فقد قال: جفر بالجيم، لكنه اخطأ في قوله: شدخ بالدال. والصواب ما ذكرناه، أي بالراء. فانظر كيف أن كتبنا اللغوية طافحة
بالأوهام مع انه يجب أن تكون من اصح ما يمكن.
التلفزيون أو المباصرة
باريس. ج س. في لغتنا الفرنسية كلمة حديثة الوضع هي تلفزيون ومعناها النظر إلى الشيء عن بعد بواسطة آله اخترعوها، والكلمة منحوتة من كلمتين: يونانية (تلي) أي بعد، ولاتينية (فزيو)، أي نظر ومحصلها: النظر عن بعد، فهل في لغتكم كلمة تفيد هذا المفاد؟
ج. نعم. ولغتنا لا تحتاج إلى ما تحتاجون إليه من لغتين. إذ في شبابها وقوتها غنى عن غيرها. وهذه الكلمة هي (المباصرة) قال الجوهري: باصرته إذا أشرفت تنظر إليه من بعيد. فهل في لغات الأقدمين أو المحدثين من لغة فيها من قوة الولادة ما في لساننا العدناني العجيب؟ ذلكم ما ندعكم تفكرون فيه سنين بل قروناً.
النث أي الراديو
القاهرة. ك. ش. أكثرت الصحف في هذه الأيام من ذكر (الراديو) ويريدون بها آلة توصل إليك الأغنية والخطب ونحوهما عن بعد، فهل يمكن أن نجد لها مقابلاً في لساننا؟
نعم هي النث. قال اللغويون: نث الخبر: أفشاه. وقيل النث في الأصل إفشاء السر. ثم يتوسع فيه. فيقال: في ما يذاع عن بعد مما يظن انه خفي لا يجاوز الموطن الذي يجري فيه.(9/145)
باب المشارفة والانتقاد
23 - دمية القصر وعصرة أهل العصر (هدية)
للباخرزي المتوفى سنة 467
أهدى إلينا هذا الكتاب أحد الأصدقاء وطلب إلينا نقده. وقد طبعه وصححه محمد راغب الطباخ في مطبعته العلمية بحلب في سنة 1348 هجرية (كذا أي الهجرية أو للهجرة) و1930 ميلادية (كذا) فوقعت هذه النسخة في 316 ص بقطع الثمن، يليها 54 ص بعنوان (الملتقط من ديوان. . . الباخرزي، يليها 9 صفحات فهارس.
وأول شيء وقع بصرنا عليه عند فتح هذا السفر الجليل حاشية الصفحة 7 إذ هذا ما فيها شرحاً لما في المتن (ولا نكاد نعينها إلاَّ اوارير لاياً نتبينها.) - الاوارير جمع أرير وهي رابطة الدابة واللاي الإبطاء. يعني لم يبق إلاَّ مواضع مرابط دواب الماضين نتبينها بعد الإبطاء. أهـ هامش (النسخة) الاحمدية. ولم أر (ارير) بهذا المعنى في القاموس. فليحرر. أهـ ما جاء في الحاشية.
قلنا: ما وقع بصرنا على هذا الكلم إلاَّ وتطيرنا من هذه الطبعة إذ قلنا كيف لم يصحح الناشر كل ما في هذه من الأوهام؛ وأول شيء لا يمكن أن يجمع اوارير على اوارير، إذ ارير وزنه فعيل واوارير وزنه أفاعيل. وفعيل لم يرد مجموعاً على أفاعيل. فهذا غلط أول. والغلط الثاني قوله رابطة الدابة. فلو قال رباط الدابة أو مربط الدابة لكان للكلام معنى مفهوم. أما رابطة الدابة فما معناه؟ - وفسر اللاي بالإبطاء. نعم وهذا بعض معانيه، لكن أهذا هو المعنى المطلوب في هذا التعبير، أفليس هناك معنى آخر يوافق سياق الكلام موافقة أحسن وأتم؟
والغلط الثالث أن حضرة الناشر قال: (ولم ار (ارير) بهذا المعنى في(9/146)
القاموس) - أفما كان يستطيع أن يعلم من هذه النتيجة أن في الكلمة تصحيفاً فيفيد الكلمة إلى نصابها الأول؟ كل ذلك حملنا على أن نظن النسخة لم تأت بالصورة التي كنا أن نتمنى أن تكون عليها، ولاسيما أنه لم يذكر روايات النسخ التي عثر عليها.
أما رأينا في ما أورده فهو أن صحيح الأوارير: الأواري بتشديد الياء وتخفيفها وهو جمع
الآري بالمد في الأول والتشديد في الآخر ويخفف وهو الاخية (راجع القاموس والتاج واللسان والصحاح في آري). قال ابن السكيت: في قولهم للمعلف آري، قال: هذا مما يضعه الناس في غير موضعه، وإنما الآري محبس الدابة وهي الأواري والآواخي واحدتها آخية.) أهـ - أما اللاي في العبارة المنقولة في النص فهي عندنا بمعنى الجهد والمشقة وان كان تأويلها بالإبطاء صحيحاً، إلاَّ أن تفسيرها هنا بالجهد احسن فهي تقابل الإفرنجية قال في لسان العرب: (قال الليث:. . . يقولون لأياً عرفت، وبعد لأي فعلت أي بعد جهد ومشقة.) أهـ - وأما الغلط الثالث فهو أن فعيلا لم يأت أبداً مجموعاً على أفاعيل أو فواعيل فالنسخة القائلة أن الأوراير جمع ارير مخطئة. تعم لو قالت جمع آرير بالمد لكان الخطأ أهون - وفي الصفحة 7 أوهام طبع أخر لم تصحح في الآخر. من ذلك قوله: (ثم نقف (عنهم) على اطلاع (س 4) ونصوغ على (وزان) أسجاعها شدواً (س 6) ولولا عنايته. . . لبقيت الفائدة (فارة) (بتشديد الراء) من مسكها (الفايق) (كذا بياء منقوطة) الطيب غير مفتقة. - والصواب: منهم. . أوزان. . . فارة (براء خفيفة) العابق.
وقد ذكر حضرة الناشر النسخ التي رآها أو سمع بها. منها: نسخة خزانة المدرسة الاحمدية. ونسخة الخزانة المارونية في حلب ونسخة الموصل. ونسخة لندن. ولو كتب إلى صاحب الخزانة التيمورية في مصر القاهرة لاستفاد منها. وقد كان المرحوم احمد باشا تيمور كتب إلينا في 29 ك2 (يناير) سنة 1924 ما هذا نقله: (وفي الخزانة التيمورية نسخة من هذا الكتاب (دمية القصر) نقلت عن النسخة الموجودة في خزانة عارف حكمت بك في المدينة، ثم استعار النسخة التيمورية لشيخ محمد محمود الشنقيطي فنقل عنها نسخة ولعلها باقية في(9/147)
كتبه التي كانت له والتي أوقفها إلى دار الكتب بمصر القاهرة).
ونزيد على ذلك أن كان عندنا نسخة من الدمية كتبت في سنة 1064 وسرقت منا في سنة 1929 (راجع لغة العرب 7: 506 و589) وهي النسخة التي كنا قد نقلنا عنها نسخة في سنة 1923 وهذه النسخة الابنة هي بيدنا إلى الآن. وبينها وبين المطبوعة اختلافات شتى والظاهر أن التي بأيدينا هي حسنة ويمكن أن يصلح بها مواطن عديدة من الدمية المطبوعة.
24. معنى النجم في القرآن
أهدى إلينا المستشرق الروسي الشهير اغناطيوس كراتشكوفسكي مقالة بالألمانية بالعنوان الذي ذكرناه. وقد استشهد الكاتب عدة إثبات من الكتبة لإقرار معنى النجم الوارد ذكره في سورة الرحمن فأبدع في ما قال على مألوف عادته.
25. أبو نواس والكأس الساسانية المصورة
هذه رسالة أخرى لحضرة الأستاذ الروسي المذكور واضطر إلى تحقيق ما أورد إلى مطالعة تأليف جمة يدهش لها الإنسان، حتى لقد ساوت الحواشي ما جاء في الصفحات من المتن. فله دره من مدقق!
26. اللغات الآرامية وآدابها
رسالة من تأليف الأب شابو عربها الأستاذ انطوان شكري لورنس ونشرها مراد فؤاد جقي. وهي مفيدة لمن لا يعرف شيئاً من هذه اللغات. ونأخذ على أصحابها أنهم ضبطوا (الآرامية) بمد الأول. والعرب لم تنطق به. إنما قالوا أرام كسحاب أو إرم كعنب. وقد قال الناشر: (إن العربية أقربهن (أقرب اللغات السامية) إلى الأصل السامي الذي تفرعت منه، إلا إن السريانية أقدم منها عهداً) وهذا كلام لا يأتلف أواخره وقوادمه. فلو حصر بان السريانية أقدم من العربية عهداً بما أبقت من الرقم أو الكتابات لكان صحيحاً. أما ما ذهب إليه بهذا الإطلاق فخطأ صريح يعمي الأبصار.(9/148)
27. خلاصة مقررات مجمع دير مارمتي المقدس
المنعقد في الدير المذكور من 11 - 25 ت1 ش 1930
نتمنى من صميم قلبنا أن يحقق السريان ما عقدوه في مجمعهم وان يفرغوا كل وسعهم في هذه الغاية، ولا يعتبروه حبراً على ورق.
28. المنارة
مجلة دينية علمية أدبية تاريخية
تصدر كل شهر مرة في 80 صفحة في جونية (لبنان)
بإدارة الأباء المرسلين اللبنانيين
ورد إلينا الجزء الأول من السنة الثانية من هذه المجلة، فألفيناها حافلة بالمواضيع المفيدة وبدل اشتراكها السنوي في خارج لبنان سبعون فرنكا فنتمنى لها الرواج والانتشار.
29. كتاب داعي الرشاد إلى سبيل الاتحاد
تأليف السيد إبراهيم الراوي الرفاعي في بغداد
السيد إبراهيم الراوي من الرجال المعروفين في العراق بعلو الهمة وصدق العمل وهو يسعى في دعاء الأماميين الجعفرية إلى الاتحاد والاتفاق. وفي إيران شيخ جليل آخر معروف بمثل هذه الصفات وهو السيد السري محمد مهدي العلوي السبزواري وقد وقفنا على ما كتبه إلى السيد الراوي مستحسنا رأيه. وهو أهدى إلينا هذا التأليف. وكنا نود أن ينقح هذا الكتاب من أغلاط الطبع التي تفسد المعنى بل ربما تعكسه. ففي ص2 من المقدمة جاء: (قبل الشروع فيما يدعو للإتلاف. . .) والمؤلف يريد أن يقول: يدعو للائتلاف. فأين هذا من ذاك؟
30. زهرة رمال الساحل (بالفرنسية)
تأليف غي دافلين (عقيلة غزالة بك)
كل من يطالع هذه المجلة يرى في كل سنة السيدة جان غزالة بك تأليف لها تدل على حسن اختيار في المواضيع وإنشاء سلس يتدفق السلسبيل من معينه. وقد أهدت إلينا هذه (السيدة المصونة) هذه (الزهرة) فوجدناها(9/149)
موافقة لأسمها، وفيها إحدى عشرة أقصوصة لا يطالعها القارئ إلا ويود أن يقف على أمثالها لما فيها من الموعظة فعالة والعبارة البديعة الخالصة من كل شائبة.
31. سكن بيننا (بالفرنسية)
هذا تصنيف آخر للكاتبة المبدعة. وقد أودعته إحدى عشرة قصة أخرى وكلها شائقة. لا تأتي على واحدة منها إلا ويدفعك الأدب وحب الإطلاع إلى مطالعة ما بعدها. وتشغفك هذا الشغف إلى أن تأتي على هذه القصص كلها. ويا ليت يعني أحد مترجمينا بنقلها إلى لغتنا ليتعلم رواتنا كيف يسدون الحكايات ويلحمونها فتأتي ثوباً يخلع على مطالعي الكتاب.
32. منهج معهد المباحث الإسلامية (بالفرنسية)
جاد علينا عمدة هذا المعهد، المسيوس. شارليتي بنهج معهد المباحث الإسلامية للمحاضرات التي تلقى في تلك الدار في سنة 1930 - 1931 فوجدنا أكابر المستشرقين يلقون خطبهم في أعلى المباحث الإسلامية. وقد قسمت تلك الدروس بين المواضيع الآتية: 1 - الإسلام المؤتم. 2 - تاريخ الآراء والعلوم. 3 - تاريخ البلاد وجغرافيتها. 4 - الآداب والفنون. 5 - الألسنة الوطنية الإسلامية. 6 - المنشآت الاجتماعية الإسلامية.
وهناك قسم آخر موقوف على حياة القبائل البربرية السياسية في المغرب الأقصى - مبادئ الرواسيم. في بلاد البربر. فهذه المباحث وغيرها تدل على عناية العلماء بكل ما يتعلق بالإسلام. ومن الأسف أن لا نرى مثل هذه الخطب تلقى في مدارسنا العظمى على اختلاف البلاد والمناطق.
33. تركية الحرة
هي جريدة فرنسية يومية تبرز في الأستانة ويتولى تحريرها شبان ترك متفرجون ليس لهم من مبادئ الدين الإسلامي شيء ولذلك نراها من الصحف المخطرة على المجتمع.(9/150)
34. عنوان المجد في تاريخ نجد (هدية)
تأليف عثمان بن بشير النجدي الحنبلي
الجزء الأول والثاني بمطبعة السلفية بمكة المكرمة سنة 1349
عنوان المجد من الكتب اللازمة لكل عربي يريد الوقوف على ما جرى في ديار العرب منذ نصف المائة الثانية عشرة إلى أكثر من نصف المائة الثالثة عشرة للهجرة. وهذا الكتاب حافل بجزئيه بجميع التفاصيل اللذيذة للوقوف على الأحداث التي جرت للشيخ محمد بن عبد الله الوهاب في دعوته لأهل نجد وسائر ديار العرب إلى الإصلاح الديني.
إلا أن هذا السفر المفيد طبع على غرار الأقدمين أي بلا الفهارس التي تعينك على إيجاد
ضالتك إذا ما أردت نشدها، فقد أكتفي بطبع فهرس واحد هو فهرس المحتويات، ولم يزد على القدر. فذهب معظم الفائدة من مراجعة تلك الصفحات. وهناك أسماء مدن لم يشر إلى ضبطها ولا إلى محل وقوعها من ديار الجزيرة. ففي ص 147 مثلا ذكر الزبارة. ولو راجع الناشرون ما جاء في لغة العرب 6: 737 إلى 745 لرأوا شيئاً جليلاً عنها، وقد أتحفنا به صديقنا المحقق المدقق يعقوب أفندي نعوم سركيس. - كما إن هناك أغلاط طبع لم تصحح في بابها. كقول المؤلف فيها: 147: 20 أخذ جميع خيلهم وبخابئهم. والصواب نجائبهم. - وجاء في تلك الصفحة اسم أبن سويط (الذي هو مصغر سوط) فرواها على الحكاية العامية أي صويط وهو غير صواب. نعم إن مؤلف الكتاب أوردها بالصورة التي طبعت. لكننا نجيب على ذلك إن الناشرين لم يلتفتوا مراراً إلى هذا الأمر. فقد أصلحوا مثلا في باب التصحيحات كلمة (مسكة) بمسقط (أسم مدينة في عمان) كل مرة وردت مع إن العوام يقولون (مسكت) ومنهم من يكتبها (مسكة) كما فعل المؤلف. أذن كان يحسن أيضاً أن يصلح اسم (سويط) على هذا الوجه. ومثل هذه الكتابة المخطوء في رسمها شيء كثار لا يحتمل ذكره المقام. وهذا وأمثاله لا يثلم شيئاً من محاسن الكتاب وفوائده، أذن ليتقن لمحتوياته ونفاستها.(9/151)
35 - ملتقى اللغتين: العبرية والعربية (هدية)
تأليف (مراد فرج بك المحامي في القاهرة ومصر الجديدة)، طبع في سنة 1930 الجزء الأول يحوي حرف الألف والباء والتاء والثاء والجيم.
وقع هذا الجزء الأول في 418 صفحة بقطع الثمن. ومن غريب ما في هذا الجزء، أن المؤلف كتب كلمة (تأليف) بالعربية واسمه ولقبه ومحل وجوده بالفرنسية، فالناطق بالضاد الذي يجهل قراءة الحرف الإفرنجي لا يهتدي إلى قراءة اسم المؤلف. فما معنى هذا العمل الذي يدل على شذوذ في الخلق والرأي والمصطلح؟.
ومن غريب عمل المؤلف أيضاً انه ينص بكلام عريض على كيفية لفظ الكلمة العبرية ولو اتخذ رسم الكتابة الخاصة بالعلماء أو اتخذ ضبط الكلمة بعلامات يصطلح عليه هو نفسه أو ضبط الكلمة بالحرف الإفرنجي لما أمل القراء من هذه الطريقة المضجرة ولا زاد في حجم كتابة على غير طائل. وهناك عيب آخر هو إن المؤلف ضعيف النظر في بعض ما ينقل
أو يرتئي فقد قال مثلا في ص 25 ما هذا حرفه: (الالا بالهمز والالا بالقصر: شجر مر. . .) وكان عليه أن يقول هكذا: (الالآء بالمد كسماء والالا كالملا بالقصر. . . وقال بعد ذلك: والبطمة: شجر الحبة الخضراء. وكان حقه أن يجعل التفسير من جنس المفسر فيقول مثلا: والبطمة: شجرة (لا شجر) الحبة الخضراء.
وكثيراً ما يذكر حضرته الترجمة العربية للتوراة، ولا يذكر أياً منها، لا في المقدمة ولا في الحواشي ولا في الآخر، فالترجمات غير متشابهة وهي كثيرة، فكيف جاز له هذا الإطلاق في الكلام. ولو أردنا أن نتعرض لنقد هذه الصفحات بتفصيل لوقع كلامنا في جزء واحد من هذه المجلة، إلا أننا نقول بوجه العموم إن الكتاب لا يخلو من فائدة لمن يريد الإمعان في اللغة العربية واكتناه أسرارها.(9/152)
36. تاريخ اللغات السامية (هدية)
تأليف الدكتور إسرائيل ولفنسون (أبو ذؤيب) مدرس اللغات السامية بالجامعة المصرية، مطبعة الاعتماد بشارع حسن الأكبر بمصر سنة 1348 - 1929.
ليس في لغتنا كتاب يضاهي هذا السفر المفيد لمن يجهل اللغات الإفرنجية. أما الذي يحسنها فله في مصنفات الأجانب ما يغني عنه كل الغناء. لان المؤلف لم يأت في وضعه في لسننا شيئاً جديداً يستفيد منه المستشرقون. إنما وضعه - على ما يظهر لنا - لأبناء عدنان. فهو - من هذه الجهة فقط - مفيد.
والذي يطالع ما يكتبه هذا الدكتور يتحقق أن في يراعته العربية بعض الضعف والركة. فكان يليق به وبأمثاله أن يعرضه على نظر أحد الفضلاء ليزيل عنه هذه الشائبة التي تعثر القارئ عثرات كان يود أن يكون في مندوحة عنها.
من ذلك مثلا ما جاء في ص 3 فقد قال: (إن التوراة عدت آل عيلم وليديا من الساميين) مع انه نقل في ص 2 عن التوراة: (عيلام وآشور وارفكشاد ولود وآرام. . . فنقول إن الذي يكتب في العربية يحسن به أن يروي الأعلام على ما يرويها العرب، لاسيما تلك الأعلام المشهورة في مصنفاتهم. فصواب: عيلم: غليم (بغين وبالتصغير) كما في القاموس والتاج في مادة غ ل م وكما في ابن خلدون 2: 7 و 13 من طبعة مصر. أو أن يقول: عيلام على اللفظ العبري. وأما قوله (ليديا) فبعيد عن (لود) ولود هو (لاوذ) عند العرب فأين ديار لوذ
من بلاد (ليديا)؟ - وكتابته لآشور بالمد مخالف لمصطلح أبناء لغتنا والمشهور أشور بهمزة مفتوحة فشين مشدودة مضمومة أو آثور بمد فثاء مثلثة، وارفكشاد هو ارفخشد أو ارفخشذ أو ارفخشاد عند السلف. على إن ضبط الأعلام ورسمها ليس العيب الفاشي في هذا الكتاب من أوله إلى آخره. إنما الأغلاط المهمة فيه هي: القطع ببعض الآراء التي لا تزال يتردد فيها بين الشك واليقين. تراه مثلا يقول في ص 3: (قبل خروج بني إسرائيل من الجزيرة العربية التي كانت وطناً مشتركاً لجميع الأمم العبرية والكنعانية. . .) فهذا كلام(9/153)
يشعر بان ديار العرب كانت - ولا شك في ذلك - وطناً لجميع الأمم العبرية والكنعانية. والحال إن هذا الرأي حديث العهد وليس جميع العلماء عليه، فسوقه مساق أمر تاريخي لا ريب فيه تعد على التاريخ وصحاح الأخبار. نعم كان يستطيع أن يصرح به، لكن لا من باب الحقائق المقطوع فيها، بل من باب الإمكان أو من قبيل رأي جماعة من البصراء حتى يتصل كلامه هذا بما أورد في ص 4 عن رأي العلامة غويدي الذي يقول: (إن المهد الأصلي للأمم السامية كان في نواحي جنوب العراق على نهر الفرات، ولاسيما قول المؤلف نفسه إذ يرى: (إن من العسير أن نجزم برأي) في المهد الأصلي للأمم السامية. . . ص 5 وكان قد قال قبيل ذلك (ص 4): (وللتوراة نظرية خاصة عن اقدم ناحية عمرها بني نوح، وهي ارض بابل، وقد تكون هذه النظرية اقرب إلى الحقيقة، فقد أثبتت البحوث التاريخية. إن أرض بابل هي المهد الأصلي للحضارة السامية.) فالكاتب على هذا التناقض الذي تراه في كتابه كله.
وكان حضرة الأستاذ الصديق مصطفى جواد بين قبلنا في هذه المجلة (8: 123 إلى 128) المتناقضات التي يقع فيها، إذ كتابه (تاريخ العرب) مضروب على هذا الطراز الغريب، ونحن لا نريد أن نتقفى المؤلف في جميع ما دونه في سفره هذا الثاني، فهو صنو الأول، وصاحبه هو أبو ذؤيب، ولعل في تذؤبه شيئاً من أسمه. فعسى أن لا يكون كذا. والكتاب يبقى نافعاً لمن لا اطلاع له على مصنفات الغربيين الحافلة بالفوائد والعوائد.
37. لمناسبة الأعياد
تخليداً لذكرى فقيد حيفا والشباب والصحافة العربية الشهيد المرحوم جميل البحري
جميل البحري هو مؤسس المكتبة الوطنية وجريدة الزهور ومجلة الزهور ومطبعتها، وقد
وضع له شقيقه حنا البحري رسالة صغيرة بقطع 22 في 18 ص كنا نود أن تكون أكبر من هذا الحجم حاوية لكل ما قيل فيه وكتب عنه لتكون أحسن ذكرى للشهيد العزيز فعسى أن تحقق هذه الأمنية عند ذكرى السنة.(9/154)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1. وفاة ثيودور نولدكى
توفي المستشرق الشهير ثيودور نولدكى الألماني في 29 ديسنبر من سنة 1930 في ال 94 من عمره في كارلسروه. وهو اكبر علماء المشرقيات في ديار الغرب فقد نشر مؤلفات كثيرة لعلماء العرب الأقدمين وأعاد روايتها إلى نصابها الأول وكان النساخ قد مسخوها شر مسخ. ونحن لم نجد بين حملة العلم من بلغ تحقيقه فقد كان فريد عصره، وكان يتقن اللغات الشرقية كلها كالعربية والآرمية والعبرية والصابئية والفلسطينية والحبشية إلى غيرها. وله تصانيف أو تصحيحات أو تحقيقات في جميع هذه الألسنة فضلا عن لغات الغرب كاليونانية واللاتينية والألمانية والفرنسية والإنكليزية والإيطالية واللاتينية والإسبانية. فهو ودي خويه من أساطين المشرقيات في هذه الحقبة الأخيرة.
2. في المتقن الطبي العراقي
في 29 من شهر ك1 من سنة 1930 أقام رؤساء المتقن الطبي في بغداد حفلة توزيع الجوائز عن السنة الرابعة والمتقن سائر سيره الحثيث في إخراج أبناء لاسكو لابيوس.
3. وفاة السيد إبراهيم الحيدري
انتقل إلى دار البقاء في 6 ك2 (ديسنبر) السيد إبراهيم الحيدري من داء الكليتين، وقد شيعت جثته إلى مسكنها الأخير في المرقد الكيلاني بموكب حافل مشى فيه المندوب من قبل جلالة ملكنا المعظم والمعتد السامي ورئيس الوزراء والوزراء والأعيان والنواب وسراة القوم.
ولد الفقيد في سنة 1864 ودرس الحقوق في الأستانة وبعد ذلك عين قاضياً فعضواً في مجلس المعارف الكبير فرئيساً للشؤون الشرعية في دائرة الدفتر الخاقاني: ثم أحرز مقام المشيخة الإسلامية في الحكومة العثمانية. وعاد إلى وطنه بغداد بعد الحرب العظمى فعين وزيراً للأوقاف ثم عضواً في(9/155)
مجلس الأعيان. فنعزي أنجاله الكرام ونطلب لذويه الصبر والأجر.
4. مكشوفات جديدة في أور
وجد المنقبون في أور قبور ملوك الدولة الثلاثة التي يرجع عهدها إلى سنة 2300 قبل الميلاد.
5. جدول الإفلاسات في بغداد
سجلت المراجع الرسمية إحصاء للإفلاسات في العاصمة فكانت في سنة 1927: 13 قضية منها قضيتان حسمتا صلحاً.
في 1928: 8 قضايا حسمت كلها في المحاكم.
في سنة 1929: 17 قضي، دفع في واحدة منها الإفلاس.
في سنة 1930: 48 قضية، أربع منها حسمت بالاتفاق.
6. دار لتعليم الممرضات
أرصدت المبالغ اللازمة في ميزانية 1931 لفتح دار تعلم فيها الممرضات ما يجب أن يعرفنه ليقمن به في التوليد الفني.
7. تنازل الإنكليز عن خطوطهم البرقية الإيرانية
تنازلت الحكومة البريطانية لإيران عن جميع الخطوط البرقية ودوائرها وما يتعلق بها، وكذلك عن جميع الدوائر البريدية التي لها في أنحاء إيران المختلة والتي تربط إيران بالهند وأوربة. وما ذلك إلاَّ للحزم الذي أبداه الشاه العظيم بهلوي خان فانه اظهر من مضاء الدهاء والسياسة ما ادهش كل إنكليزي لأن إيران لم تتنازل عن شيء بازاء ما حصلت عليه.
وقد عين هذا الشهر (شهر شباط أو فبراير) موعد التسلم. ولذا ترى الحكومة الإيرانية جادة كل الجد لأخذ تلك الدواوين وجلب الفنيين والموظفين اللائقين لتلك الوظائف والمناصب ليتمكنوا من إدارتها بالطرق المتبعة في هذا العصر. وقد أصدرت منشوراً إلى جميع دواوينها لتخبرهم بإرسال الرجال الذين لا لزوم لهم فيها من أهل الفن للاستعانة بهم في الدوائر الجديدة.
8. نقل القنصلية البريطانية من بوشهر
عمدت الدولة البريطانية نقل قنصليتها من بوشهر (إيران في خليج فارس) إلى جزيرة البحرين، وسيتم التحويل في نيسان (أفريل) من هذه السنة؛ فتصبح البحرين مركزاً عاماً للقنصلية البريطانية في جنوبي إيران. وهكذا تتخلص دولة البهلوي من كل سيطرة أو يد أو إصبع أجنبية.(9/156)
9. إصلاح ميناء بوشهر
ميناء أبو شهر من انحس الموانئ. وقد أرصدت الدولة البهلوية مبلغاً لإصلاحه وجعله على طراز الثغور الحديثة وسوف تدعو أهل الفن والصناعة لإصلاحه، وقررت الحكومة أيضاً جر الماء العذب إلى بوشهر بالأنابيب أو القساطل الحديدية. وهكذا يرتاح أهلها من شرب المياه الغمقة أو الراكدة التي تنغش فيها أنواع الجراثيم المرضية.
10. نقل البريد الجوي
تم الاتفاق بين إيران وفرنسة لنقل البريد الجوي من أوربة وممالك الشرق الأدنى إلى مدينة بوشهر وجنوبي إيران وبالعكس. وبهذه الصورة يتم لإيران الاتصال بالعالم المتمدن والخروج من كل يد أجنبية تضيق على خناقها.
11. الاضطراب في كردستان
(بلاغ رسمي بحروفه)
جاء في البلاغ الأخير الصادر في 8 كانون الأول 1930 إنه بعد أن طرد رتل صغير من قطعات الجيش العراقي الشيخ محمود وأعوانه الأشقياء من موضع منيع بقرب (حاجي آوا) انجد مخفر الشرطة في سورداش، على مسافة 36 ميلا، شمال غرب السليمانية، وأقام الرتل المذكور في سورداش إلى 17 كانون الأول ثم عاد إلى السليمانية.
وبعد هزيمة الشيخ محمود وأعوانه من الأشقياء في (حاجي آوا) ظلوا ساكنين إلى 3 كانون الثاني، ثم عادوا إلى الظهور بقوة بجوار قرية (سراو) الواقعة على مسافة 37 ميلا إلى جنوب شرقي السليمانية على طريق حلبجة.
وفي 9 كانون الثاني استولى الأشقياء على مخفر الشرطة غير المحصن في (خورمال) وفي 10 منه هجموا على مخفر الشرطة في (شاه نادري) الواقع على مسافة 5 أميال شمال
شرقي سراو (سراب) على طريق بنجوين، وفي 11 منه، سار رتل صغير من قطعات الجيش العراقي من السليمانية. لنجدة (شاه نادري) فوصل إلى (سراو) في 12 منه، ووجد أن الأشقياء قد انسحبوا من شاه نادري وفي خلال ليلة 13 - 14 منه، هاجمت جماعة مؤلفة من نحو 50 رجلا من الأشقياء ثلاث ربايا من معسكر الرتل في (سراو) ولكن الربايا طردتهم بسرعة وفي خلال ليلتي 15 - 16 و 16 - 17 منه أطلق الأشقياء النار على المعسكر مدداً قصيرة.(9/157)
وفي ليلة 13 - 14 منه استشهد جندي واحد وقتل رجل من الثوار وجرح منهم عدة أشخاص.
12. مصل الأمراض السارية يعمل في العرق
قدم العاصمة في أواخر كانون الأول حضرة الدكتور خوري المصري المتخصص باستحضار المصول الواقية والشافية للأمراض السارية. وستصل قريباً آلات وأدوات مختبره من القاهرة إلى بغداد.
والنفقات التي تتكبدها خزينتنا لجلب هذه المصول من أوربة وحكومة الهند تبلغ أكثر من لسكي ربية، بينما في وسع الاختصاصي الموما إليه استحضارها جمعيها في العراق وبنفقات لا تتجاوز ثلث ما تتكبده الخزينة اليوم. فعسى أن تقتصد الحكومة من هذا الباب فتستفيد وتفيد.
13. الحكم على مدير واردات الأوقاف السابق
كانت مديرية الأوقاف العامة أقامت الدعوى في محكمة البداءة في بغداد على الحاج حمدي أفندي الأعظمي، مدير وارادت الوقوف سابقاً، لاستيفائه من خزينة الوقوف مبلغاً قدره نحو من خمسة آلاف ربية، حينما أوفد على الأستانة لجلب مستندات الأوقاف.
فقررت محكمة البداءة في جلسة 18 كانون الثاني (يناير) تأدية المبلغ إلى الأوقاف، لثبوت أخذها من الخزينة (على وجه يخالف أحكام قانون الميزانية).
14. أمراض الحيوانات في العاصمة
أصاب (أبو هدلان) 585 رأساً من البقر والجاموس في أيام كانون الأول المنصرم (يناير)
فمات منها 145 ولقح ما بقي منها حفظاً لها. واتلف كلب واحد، وحصان واحد.
15. ارتفاع ماء دجلة
لم يرتفع ماء دجلة في هذه السنة الارتفاع الذي بلغ إليه منذ عدة سنين. وفي ما يلي قدر ارتفاعه في السادس من ك2 (يناير) عن الخمس السنين الأخيرة:
السنة القدم العقدة
1927 5 8
1928 3 9
1929 3 9
1930 1 9
1931 12 6
لم يفض دجلة في ربيع السنة الماضية(9/158)
وارتفاعه اليوم يربو على أعظم ارتفاع بلغ إليه في سنة 1930 بثلاث أقدام، وبلغ ارتفاع الماء بقرب جسر مود في مساء 8 ك2 (يناير) 105 أقدام فوق وجه البحر؛ وأنت عليم أن بين بغداد وخليج فارس 600 ميل يقطعها من غير أن يهبط اكثر من 100 قدم. وسبب هذا الارتفاع سقوط أمطار غزيرة في شمالي ديارنا وديار الأناضول. فقد فاض الزابان وتدفقت مياههما، ومما يحسن ذكره هنا أن الماء إذا ارتفع في الموصل فانه لا يرتفع في حاضرتنا إلا بعد مرور ثمان وأربعين ساعة. وقد فاض واد قرب قرية (الفاضلية) فجرف بمياهه امرأة مع ابنها حينما كانا يعبرانه.
16. عجل في بطن عجل
ولدت بقرة علي أفندي المندلاوي أحد موظفي الإدارة المالية في الرمادي (من لواء الدليم) عجلا وعجلة. وكانت العجلة سليمة من كل علة، أما العجل فكان مريضاً، فلما ذبح وشق بطنه وجد فيه عجل آخر. وهو من اغرب الغرائب. والذي عندنا أن ذلك العجل من الوهم والصحيح انه عقدة أمشاج لا غير، فأين الأعجوبة؟
17. عصائب اللصوص تعود إلى البصرة
كان للصوص البصرة شهرة بعيدة في عهد آل عثمان. وما كننا نظن أن ذيالك العهد يعود
في مثل هذه الأيام. فقد قرأنا في جريدة (الأوقات العراقية) انه حدث في ليلة 24 كانون الأول الأخير في الساعة التاسعة العربية نلصص غريب. كان الزورق البخاري، زورق الحاج مهدي الحاج عباس قادماً من العمارة إلى البصرة. وعند وصوله إلى (الماجدية) قرية قريبة من قرمة علي، هجم عليه لصوص عددهم اثنا عشر مدججين بالأسلحة في بلم (زورق) لهم، ونهبوا أمتعة صاحب الزورق البخاري ودراهمه وكلما كان لركابه.
وفي ليلة 26 من الشهر المذكور هجمت عصابة من أولئك الذعار على دار (يوسف بن مفتاح) في قرية الكباسي، ونهبوا ما فيها من حلى ومصوغات (مخشلات). وقد أفضت التحقيقات في هاتين الحادثتين إلى القبض على عدة رجال، ولما عرضوا على صاحب الدار عرفهم صاحب الزورق الحاج عباس، وظهر أن هذه العصابة هي نفس العصابة التي هجمت على الزورق، وإن هؤلاء الذعار من أصحاب السوابق.(9/159)
واسم رئيس العصابة في الواقعتين (عبيد الصقر). أما أسماء بقية المتهمين، فهي: تويني بن دفار، عبيد بن طعيم، شاهر بن نصار، طاهر بن نصار، ياسين بن علي، فرهود بن دفار، جبار بن دفار، وزويمل.
ولا يزال التحقيق يجري مجراه لسوق المتهمين إلى القضاء.
18. إيران وتركية
وصل السردار (انتصار) رئيس الوفد الإيراني إلى طهران في 28 ك1 (يناير) عائداً من لجنة تحديد التخوم المختلطة بين تركية وإيران، ورفع رفيعتين مسهبتين إلى وزارة الخارجية والحربية، عن النتائج التي أفضت إليها اللجنة، والحديث الجاري في الأندية العسكرية: إن إيران لم تر ما عرضته الحكومة التركية من الأرضيين كافياً لحمل دولة البهلوي على التخلي عن شقتها الواقعة في جبل اراراط، وترى بعض هذه المحافل أن لهذا الجبل شأناً خطيراً من الوجهة الحربية وهو ضروري كل الضرورة لحماية الديار الإيرانية، وتصعب المساومة فيه.
19. الباب الوسطاني
زرنا في هذه الأيام الباب المعروف بالوسطاني، فرأيناه في أسوأ حالة لأننا رأينا (النقابين)
ينزعون من جدرانه إلا الآجر النفيس ليبيعوه. وإذا لجوا في أمرهم هذا لا يبقى أثر لهذا البناء الذي يستدل به على عظمة بغداد السابقة. فنطلب إلى أرباب العقد والحل أن يتداركوا أمر التخريب لئلا يسبق السيف العذل. ورحم الله امرأً حافظ على آثار السلف الصالح.(9/160)
العدد 88 - بتاريخ: 01 - 03 - 1931
الشمسية في التاريخ
كنا قد نشرنا مقالة طويلة عن هذه الفرقة في مجلتنا في (7: 193 إلى 203) ثم أخذنا نبحث عنهم في الأخبار والتواريخ لعلنا نهتدي إلى ما يوضح أمرهم في سابق العهد، فلم نوفق؛ فاستعنا بصديقنا القديم الورتبيد نرسيس صائغيان فهدانا إلى بعض الكتب التي نوهت بهم. من ذلك
- 1682.
فقد جاء في الصفحة 500 ما هذا معناه: (سمي الشمسية بهذا الاسم لأنهم - على ما قيل - يعبدون الشمس. وهذه الفرقة اقل الفرق انتشاراً في الشرق، وعدد أصحابها لا يتجاوز العشرة الآلاف، وهم لا يرون إلاَّ في شمالي العراق وأنحائه. - وليس لهم معابد ولا كنائس يصلون فيها، وهم لا يجتمعون إلاَّ في بعض السراديب بعيدة عن المدن ليتكلموا فيها ويتباحثوا في مواضيع ديانتهم. ويأتون ذلك خفية أية خفية حتى أن الأجانب عن ديانتهم لم يستطيعوا أن يتحققوا شيئاً منها، ولا أن يعرفوا ما يجري في تلك المجتمعات والذين اهتدوا منها إلى النصرانية لم يبوحوا بشيء من أسرار نحلتهم، خوفاً من أن يقتلهم أصحابهم الأقدمون،(9/161)
إذا ما ثبت لهم انهم أفشوا أسراراً من تلك النحلة، لأنهم يجددون هذا القصد كلما اجتمعوا.
(وقبل نحو ست سنين ذهب شابان إلى حلب الشهباء فعمدها أسقف الأرمن الكاثوليك، بعد أن أنكرا ضلاتهما، لكنهما لم يشاءا أن يفشيا شيئاً من أسرار فرقتهما، مع أن النصارى ألحوا عليهما أن يذكرا شيء منها، أو أن يكشفا شيئاً مما يجري في محافل الفرقة من الشنائع والأعمال الخبيثة للأسباب التي ذكرناها.
(وفي رحلتي إلى ديار بكر عرفت شمسياً كان تاجراً غنياً وبينما كنا منحدرين إلى بغداد، كان يسمي نفسه يوسف في القافلة. واسم يوسف شائع بين النصارى والمسلمين واليهود، وكان يعتم عمة لا ينكرها أصحاب دين من الأديان؛ وكل ذلك لكي يزيد تنكره، ولهذا كان أبناء كل دين يعتقد انه على دين من الأديان، فلم أتمكن من أن أتبين دينه واحكم عليه من النظر إلى أعماله أو ثيابه أو كلامه؛ إذ ما كنت أرى فيه ما يحملني على انه يدين بدين من
الأديان. لأنه ما كان يظهر عملا دينياً يفشي لي ذلك، فكان يعيش كمن غير مربوط برابط من النحل المعروفة، أو يعيش كمن لا دين له. وكان يتكلم كلاماً لا يدل على شيء من الدين وقد قيل لي انه شمسي. فأردت أن أتثبت من الأمر بنفسي، فسألت شاباً مسلماً كان يخدمه عن دين مولاه، فقال لي: إن صاحبي مسلم حنيف مثلي. - وقد قال الخادم ما قال، أما خجلا من أن يبوح لي بحقيقة دين سيده؛ وأما لأنه كان يجهل حقيقة معتقد ذلك الرجل المحفوف بالغوامض والخفايا. أما أجوبة سائر خدمه فكانت أن دين مخدومهم الشمسية. واتفق لي أني رأيت ذات يوم هذا التاجر فرحاً وكان بجانبي؛ فأخذت أجاذبه أطراف كلام مبهم، وبعد أن مضى على حديثنا زمن، تجاسرت وسألته: أأنت نصراني؟ - فقال لي بصوت خافت: نعم. - ولما ألححت عليه أن يذكر لي اسم المذهب الذي ينتمي إليه، غير الكلام للحال ولم يرد أن يزيدني إيضاحاً. وهذا ما دعاني إلى إثبات ما قيل لي عنه أي انه كان شمسياً. - هذا عدا ما كنت أرى اغلب المسلمين ينعتونه بالكافر في كل مرة أرادوا أن يذكروه. وهذا النعت يلصقونه أيضاً بكل نصراني(9/162)
من أي مذهب أو نحلة كان.
(ولما رأى الباشوات أن ليس للشمسية معابد وانهم يعيشون كالبهائم بلا دين معروف بمناسكه وشعائره ليرجعوا به إلى أمة. طلبوا منهم مراراً أن يسلموا فوعدوهم خيراً، أو انهم يتنصرون ويتخذون مذهباً من مذاهب المسيحية التي اعترفت به دولة السلطان أو تساهلت فيه؛ وإلا يقتلونهم ويبيدونهم عن آخرهم من تلك الديار. وهذا ما أجبرهم على أن ينضموا إلى السريان أو إلى اليعاقبة قبل بضع سنين، اجتناب قتل الترك إياهم، حتى أن النصارى اخذوا من ذلك العهد يعمدون أولاد تلك الفرقة ويدفنون موتاهم من غير أن يذعن أهاليهم للشعائر النصرانية. ولا أن يتخلوا عن شعائرهم الأولى التي يحافظون عليها كل المحافظة، ويتمسكون بها في مجتمعاتهم السرية، ولو انضووا إلى المسلمين على إلحاح الباشوات لما استطاعوا أن يبقوا محافظين على تلك الأعمال.) أهـ كلام الرحالة.
وجاء في المجلة الشهرية الأرمنية التي تصدر في فينة للآباء المخيتاريين مقالة لكريكور فانتيان في ص 12 و13 من سنة 1896 ما هذا معناه:
(الشمسية أو أبناء الشمس وبالأرمنية - أول شهادة بلغت إلينا باللغة الأرمنية ترتقي إلى القرن الحادي عشر للميلاد، واسم الكاتب كريكور ما كستروس (المتوفى سنة 1058) فقد
ذكر الشمسية في جوابه على رسالة وجهت إلى بطريرك السريان، ومن بعد أن ذكر فرقاً دينية كثيرة قال: (وهناك أناس يعبدون الشمس، والذين خدعهم الفرس التابعون لرأي زرادشت الفارسي ويعرفون باسم الشمسية (وبالأرمنية وهم كثيرون في هذه الربوع (أي بين النهرين) وهم يسمون أنفسهم نصارى. . . ونعرف انك لا تجهل سيرتهم الشريرة المفضوحة).
الشهادة الثانية
ترتقي إلى أوائل القرن الثاني عشر للميلاد لصاحبها داويد ورتابيت فقد قال: البولسيون: هم الشمسية.
الشهادة الثالثة
ترتقي إلى المائة الثانية عشرة وهي للجاثليق نرسيس شنورهالي(9/163)
في رسالته إلى الخوري الأسقفي إلى سميساط تلك الرسالة المسماة (لأجل رجوع الشمسيين). . . تعرفون إن ورد إلينا خط منكم للشمسيين الساكنين في مدينتكم وانهم يريدون ويلتمسون أن ندخلهم في قطيع المسيح، بل أن الأرمن جنساً ولغت يريدون أن يتساووا معهم بالإيمان والروح، أتوا إلى ديواننا وكلمونا ملتمسين ذلك منا بإلحاح، ونحن أفهمناهم ما قرأناه عنهم في الكتب. وما سمعناه من العارفين أمورهم، أي الشرور التي يأتونها قولا وعملا. . . وهكذا بقي الشمسيون في طائفتنا جالسين في ظلمات الشيطان، وأبوا أن يستنيروا بالنور الإلهي على يد القديس غريغوريوس المنور، بل فضلوا الظلمة على النور إلى يومنا هذا. والذين أتوا إلينا، كفروا بشيعتهم بإيمان مغلظة ولعنوا بأفواههم كل من يحفظ في قلبه مثل هذا الكفر، وكل ما سننا لهم من السنن، تعهدوا بالقيام به. أما إذا كان اهتداؤهم عن رياء، مثلما يتوهمه عنهم كثيرون، ويرجعون إلى قيئهم، فنحن لا نضر بشيء. والاسم الذي تسموا به من عهد أجدادهم - وهو الشمسية - سيبدل باسم المسيحيين، ذلك الاسم العظيم العجيب. . .)
فيؤخذ من هذا الكلام أن عنصر الشمسية ولسانهم هما من عنصر الأرمن ولسانهم. وإن كان مثل هذه النتيجة لا يستنتج من كلام الشاهدين الأولين، على أن جماعة من الأدباء لا ترضى بما قاله الجاثليق الأرمني، بل ترى انه لم يورد ما أورده إلاَّ لأن هؤلاء الشمسية
كانوا يعبدون الشمس وبعض العناصر والأشجار على حد ما كان يفعله الأرمن في سابق العهد. ولذا استنتج الجاثليق تلك النتيجة ولاسيما انه رآهم يتكلمون الأرمينة، كما فعل بعض النور (الكاولية أو بني سلسان) المبثوثين في تلك الأرجاء. والذين ينطقون بالأرمنية.
الشهادة الرابعة
من المائة الربعة عشرة للجاثليق مخيتار في رسالته إلى البابا اقليمس الخامس الذي كان في أفنيون (فرنسة) (سكن افنيون في سنة 1309 ومات فيها في 30 نيسان سنة 1314) إذ يذكر أن في ذاك العهد كان شمسية في منازكرد (في أرمينية)(9/164)
الشهادة الخامسة
من القرن الرابع عشر وهي لمخيتار أبارانتسي إذ يقول: (وعندنا عبدة الشمس (شمسيون) وهم أرمن ويتكلمون الأرمنية واسمهم اريفرتي (كلمة أرمنية معناها عبدة الشمس أو شمسيون) وليس لهم كتابة (خاصة بهم) ولا علوم أدبية. بل يعلم الآباء الأبناء بالتقليد ما تعلمه أجداهم من زرادشت، ويسجدون للشمس حيثما تتجه ويحترمون شجر الحور والسوسن والقطن وغيرها من الأنبتة التي تتجه إلى الشمس ويشبهون أنفسهم بها وإن ذلك الاتجاه يكون بالإيمان والعمل السامي العطر الرائحة. ومن مناسكهم انهم يذبحون الذبائح للموتى ويجودون على الكاهن الأرمني بحسنات. واسم رئيسهم هازربد وهم يجتمعون في السنة مرتين أو أكثر. رجالا ونساء. شيباً وشباناً في مغارة مظلمة جداً. و. . .)
قلنا: إن كان هؤلاء أصلهم من الأرمن. فيجب القول أيضاً انهم يعرفون القراءة والكتابة وإن لهم وقوفاً على الآداب الأرمنية، وإن قيل الخلاف. وكذلك لو قلنا انهم يمتون إلى المجوسية الزرادشتية بنسبهم، والراجح انهم لا أرمن ولا مجوس في النجار. والمظنون أن اسمهم اريفربي (أي عباد الشمس) اسم جنس لا اسم دين ومذهب؛ لأن الأرمن الأقدمين كانوا يعبدون الشمس أيضاً. ومع ذلك لم يلقبوا بذلك اللقب. إن كان من أسماء الأديان. ويشهد على ذلك ما قاله البطريرك اوانيس تلغورانيس من أبناء القرن السادس عشر في بيت شعر له. ودونك معناه:
(لا تشمئز المرأة من الشمسي ولا من التركي ومن الأرمني. إنما إيمانها من تحته من البشر).
فهذا دليل على أن الاسم (اريفرتي) هو اسم جنس (عنصر) لا اسم دين أو نذهب.
الشهادة السادسة
الشهادة السادسة ترتقي إلى المائة الخامسة عشرة. وذلك ظاهر م كلام توما مدزوبتسي حين ذكر تيمورلنك فقال: (وخرب(9/165)
تيمور مدينة وأربع قرى للشمسيين الوثنيين ودونك أسماءها: شولن وشيماغاخ وصفاري ومراغة وهناك أسماء مدن آخر ليست بأرمنية وهي من مدن إيران فأتلفها تيمور عن آخرها إلاَّ أن هؤلاء الشمسيين كثروا في ماردين وديار بكر بعناية شيطانية.
الشهادة السابعة
الشهادة السابعة هي لدافيد سلاتصورتصي إذ يقول: (. . . والبابونج والهندباء تنظران الشمسي. إذ يتجه هذا الرجل إلى حيث تدور الشمس).
الشهادة الثامنة
الشهادة الثامنة لنيبهر، فقد قال في رحلته إلى العراق أو بين النهرين في سنة 1766: (وينتمي الشمسية إلى أمة اليعاقبة، والظاهر انهم حافظوا على الدين الذي كان سائداً قبل الإسلام وقبل النصرانية في تلك الربوع. ولما أريد قتلهم لأنهم ليسوا من أصحاب الكتب المنزلة انضموا إلى اليعاقبة فراراً من الموت).
خلاصة بحثنا
هذا ما وجدناه مدوناً في أخبار الأرمن. وكان الشمسيون يطوون بساط أيامهم بين ظهرانيهم ولم نجد غيرهم ذكرهم أو تعرض لهم. ولابد أن هناك كتباً نوهت بهم غير ما ذكرناها؛ لكننا لم نقع عليها.
على انه اتضح لنا كل الاتضاح أن ما أفادنا به (هومزد فروش) (راجع لغة العرب 7: 196 و197) كان صحيحاً؛ وإن في ديانة الشمسيين كثيرا من معتقد المجوس (أي اتباع زرادشت) وانهم حافظوا عليها منذ وجود أجداهم في تلك الديار، إذا كانت الزرادشتية سائدة
فيها. وكذلك قل عن الصابئية الحرنانية. وسبب إخفاء ديانتهم عمن حواليهم هو عدم وجود كتب منزلة يعترف بها اليهود والنصارى والمسلمون. وأنت تعلم إن المسلمين لا يعترفون إلاَّ بالتوراة ولزبور والإنجيل، ولا يعتبرون غيرها من الصحف الدينية، وكانوا يقتلون في القرون الوسطى كل من لا يدين بدين أثبته الشرع الإسلامي، وإليك(9/166)
ما جاء في كتاب الفهرست لابن النديم (ص 320 من طبعة الإفرنج).
سبب إبادة المسلمين لغير أصحاب الكتب المنزلة
قال أبو يوسف إيشع (اليشع) القطيعي النصراني في كتابه في (الكشف عن مذاهب الحرنانيين) المعروفين في عصرنا بالصابة (بالصابئة): إن المأمون اجتاز في آخر أيامه بديار مضر، يريد بلاد الروم للغزو. فتلقاه الناس يدعون له، وفيهم جماعة من الحرنانيين، وكان زيهم إذ ذاك لبس الأقبية، وشعورهم طويلة بوفرات كوفرة قرة. جد سنان بن ثابت. فأنكر المأمون زيهم، وقال لهم: من انتم من الذمة؟ - فقالوا: نحن الحرنانية. فقال: أنصارى أنتم؟ - قالوا: لا. قال: أفيهود أنتم؟ - قالوا: لا. قال: فمجوس انتم؟ - قالوا: لا. - قال لهم: أفلكم كتاب. أم نبي؟ - فمجمجوا في القول. - فقال لهم: فأنتم إذن الزنادقة عبدة الأوثان، وأصحاب الرأس في أيام الرشيد والدي: وانتم حلال دماؤكم لا ذمة لكم. فقالوا: نحن نؤدي الجزية. فقال لهم: إنما تؤخذ الجزية ممن خالف الإسلام من أهل الأديان الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه ولهم كتاب. وصالحه المسلمون عن (على) ذلك؛ فانتم ليس من هؤلاء ولا هؤلاء. فاختاروا الآن أحد أمرين. أما أن تنتحلوا دين الإسلام. أو ديناً من الأديان التي ذكرها الله في كتابه؛ وإلا قتلتكم عن آخركم فأني قد أنظرتكم إلى أن ارجع من سفرتي هذه. فان انتم دخلتم في الإسلام أو في دين من هذه الأديان التي ذكرها الله في كتابه، وإلا أمرت بقتلكم: واستئصال شأفتكم.
ورحل المأمون يريد بلد الروم فغيروا زيهم وحلقوا شعورهم وتركوا لبس الأقبية، وتنصر كثير منهم ولبسوا زنانير، واسلم منهم طائفة، وبقي منهم شرذمة بحالهم وجعلوا يحتالون ويضطربون حتى انتدب لهم شيخ من أهل حران فقيه. فقال لهم: قد وجدت لكم شيئاً تنجون به وتسلمون من القتل. فحملوا إليه مالاً عظيماً من بيت مالهم، أحدثوه منذ أيام الرشيد إلى هذه الغاية أعدوه للنوائب، وأنا اشرح لك أيدك الله السبب في ذلك.
فقال لهم: إذا رجع المأمون من سفره فقولوا له: نحن الصابئون. فهذا اسم دين قد ذكره الله جل اسمه في القرآن. فانتحلوه، فانتم تنجون به.(9/167)
وقضي أن المأمون توفي في سفرته تلك بالبذندون وانتحلوا هذا الاسم منذ ذلك الوقت، لأنه لم يكن بحران ونواحيها قوم يسمون بالصابة (بالصابئة). فلما اتصل بهم وفاة المأمون ارتد اكثر من كان تنصر، ورجع إلى الحرنانية، وطولوا شعورهم حسبما كانوا عليه قبل مرور المأمون بهم على انهم صابئون، ومنعهم المسلمون من لبس الأقبية لأنه من لبس أصحاب السلطان؛ ومن اسلم منهم لم يمكنه الارتداد خوفاً من أن يقتل؛ فأقاموا متسترين بالإسلام، فكانوا يتزوجون بنساء حرنانيات، ويجعلون الولد الذكر مسلماَ والأنثى حرنانية. وهذه كانت سبيل كل أهل ترعوز وسلمسين القريتين المشهورتين العظيمتين بالقرب من حران إلى منذ نحو عشرين سنة، فان الشيخين المعروفين بابي زرارة وأبي عروبة من علماء شيوخ أهل حران بالفقه والأمر بالمعروف وسائر مشايخ أهل حران وفقهائهم احتسبوا عليهم ومنعوهم من أن يتزوجوا بنساء حرنانيات، أعني صابئات. وقالوا: لا يحل للمسلمين نكاحهم لأنهم ليسوا من أهل الكتاب.
وبحران أيضا منازل كثيرة إلى هذه الغاية بعض أهلها حرنانية ممن كان أقام على دينه في أيام المأمون أو بعضهم مسلمون. وبعضهم نصارى ممن كان دخل في الإسلام، وتنصر في ذلك الوقت إلى هذه الغاية مثل قوم يقال لهم: (بنو ابلوط وبنو قيطران، وغيرهم مشهورين بحران) أهـ كلام ابن النديم.
فيرى من هذا جلياً أن سبب بعض الفرق الدينية هو خوفها من اضطهاد مجاوريهم لهم ولا سيما المسلمون. بل كانوا يخافون الموت لعدم وجود كتب بأيديهم تعتبر منزلة في نظر الغير. ولهذا كانت تلتجئ هذه الفرق أما إلى التكتم والتقية، وأما إلى احتلال الجبال وصياصيها. أو الديار البعيدة عن العمران والحضارة، يرى ذلك في الفرق النصرانية التي حينما كانت تضطهد في سورية وفلسطين كانت تلتجئ إلى الجبال المتوحشة أو إلى بعض ديار جزيرة العرب وذلك قبل الإسلام، حينما كانت تلك الجزيرة ميداناً تنزل فيه البدع والنحل وأنواع الشيع المتمزعة.
الخاتمة
هذا ما وصلت إلينا تتبعاتنا وتحققاتنا في هذا البحث. وإذا كان لأحد القراء ما يزيد الموضوع سعة، فليتفضل به علينا ونشكره عليه سلفاً.(9/168)
ونحن نكرر هنا شكرنا لحضرة الورتبيد الهمام والمحقق الجليل نرسيس صائغيان الذي لولاه لما وصلنا إلى شيء ولا من هذه التتبعات التاريخية، فهو الذي عربها لنا من المجلة الأرمنية وأملاها علينا.
وفي الختام نتعجب من أن معلمة الإسلام التي ينشرها المستشرقون الإفرنج خالية من هذا الموضوع الطريف. فقد جاء فيها ذكر الشمسية في مظنتها، لكن لا بالمعنى الذي عالجناه في السنة الماضية وفي هذه السنة، بل بمعنى طريقة من طرائق الدراويش اشتهرت باسم شمس الدين أبي الثناء احمد بن أبي البركات محمد السيواسي أو سيواس زاده الذي يعرف أيضاً باسم قره شمس الدين وشمسي وقد توفي في سنة 1009هـ أو 1600 أو 1601 م) إلى آخر ما قال، وليس له أدنى اتصال بما تعرضنا له.
فأنت ترى من هذا أن معلمة الإسلام ناقصة في أمور كثيرة معيبة أيضاً من عدة وجوه، وإن كان كتبتها من ابرع كتاب الغرب وأشدهم إمعانا في المباحث الشرقية.
تكملة لعبادة الشمس عند جاهلية العرب
قال نشوان بن سعيد الحميري في كتابه: (شمس العلوم. ودواء كلام العرب من الكلوم): إن عبد شمس من أسماء العرب: وأول من سمي بهذا الاسم سبأ الأكبر بن يشجب بن يعرب بن قحطان بن هود النبي عليه السلام، لأنه أول من عبد الشمس. وسمي سبأ، لأنه من سبا من العرب. قال فيه بعض أولاده:
ورثنا الملك من جد فجد ... وراثة حمير من عبد شمس
وقيل: الشمس: اسم صنم. . .) أهـ المطلوب من نقله.
وقال السيد مرتضى شارح القاموس: (أضيف (عبد شمس) إلى شمس السماء، لأنهم كانوا يعبدونها. وهو أحد الأقوال فيه. وقيل: إلى الصنم والنسبة عبشمي) أهـ - قلنا: ويسمى عابدها عندهم المشمس. قال في التاج (التشميس: عبادة الشمس. يقال: هو مشمس: إذا كان يعبدها؛ نقله الصاغاني.) أهـ(9/169)
وجاء في الأغاني (3: 191 من طبعة بولاق). (قال الزبير: قال أبو عمرو الشيباني: قال أبو بكر الهذلي: قال: قلت لعكرمة: ما رأيت من يبلغنا عن النبي، صلى الله عليه وسلم، انه قال لامية: آمن شعره، وكفر قلبه، فقال: هو حق. وما الذي أنكرتم من ذلك؟ - فقلت له: أنكرنا قوله:
والشمس تطلع كان آخر ليلة ... حمراء مطلع لونها متورد
تأبى فلا تبدو لنا في رسلها ... إلاَّ معذبة وإلا تجلد
فما شأن الشمس تجلد؟ - قال: والذي نفسي بيده: ما طلعت قط حتى ينخسها سبعون ألف ملك يقولون لها: أطلعي فتقول: أأطلع على قوم يعبدوني من دون الله؟ - قال فيأتيها شيطان حتى يستقبل الضياء، يريد أن يصدها عن الطلوع. فتطلع على قرنيه، فيحرقه الله تحتها.
(وما غربت قط إلاَّ خرت لله ساجدة، فيأتيها شيطان يريد أن يصدها عن السجود، فتغرب على قرنيه، فيحرقه الله تحتها. وذلك قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: تطلع بين قرني شيطان، وتغرب بين قرني شيطان.) انتهى.
لسان العصافير
وقع نظري الآن على المقال المنشور في مجلتكم لغة العرب الزاهرة، بعنوان (الزقزقة أو لسان العصافير). إن هذه اللهجة معروفة لا بل مشهورة في بغداد. يتكلم بها كثير من الرجال والسيدات، لا سيما أولئك الذين لا يحسنون إحدى اللغات الأجنبية. وقصدهم من ذلك أن يكتموا من الغريب موضوع خطابهم ويقال لهذه اللهجة لسان العصافير أو لسان الطير.
وتختلف اللهجة حيناً بإقحام الزاي بين كل مقطعين من مقاطع الكلمة. ومنهم من يقحم الفاء عوضاً عن الزاي وربما أقحموا بدلهما غيرهما من الحروف كالراء.
وقد سمعت هذه اللهجة منذ طفولتي من والدتي. ومن غريب المصادفات زرت أمس الغابر إحدى العائلات المحترمة وكانت سيدتان تتكلمان (لسان الطير) على سبيل التفكهة. وكان اللفظ المقحم (الفاء).
بغداد في 31 - 1 - 31:
يوسف غنيمة(9/170)
أيتها الطبيعة!
للأستاذ جميل صدقي الزهاوي
لقد كان منك إليك السبيل ... فما أزعج الراحلين الرحيل
رحيل الشعور إلى اللاشعور ... وذلك لا لام هذا مزيل
وليس أمام الرحيل زماع ... وليس وراء الرحيل قفول
ليس طريق الردى موعرا ... فيتعب صاحبه أو يطول
يزول الفتى وشعور الفتى ... ويبقى هنالك ما لا يزول
لانت الحياة تحول سريعاً ... وأنت البوار الذي لا يحول
وصوتك عذب على كل سمع ... ووجهك في كل عين جميل(9/171)
وأنت لنا في البداية أم ... وأنت لنا في النهاية غول
نهار لمن هو يحيا تصير ... وليل لمن هو يردي طويل
ظهور وبعد الظهور خفاء ... طلوع وبعد الطلوع أفول
حارب بعضك للفوز بعضاً ... وأنت الدروع وأنت النصول
وما الحزم في القلب إلاَّ هدى ... ولا العقل في الرأس إلاَّ رسول
وان الحياة إذا أعوزت ... ينازع فيها الشباب الكهول
بأيدي الفريقين منهم سيوف ... (بها من قراع الدروع فلول)
وللحي دون الهلاك بقاء ... ولكن هذا البقاء قليل
وبين العيون على قربها ... ووجه الحقائق ستر يحول
ألا ليت شعري ماذا أرى ... إذا ارتفعت لي عنها السدول
حقائق قد أعجزت كل رأس ... واعجز ما في الرؤوس العقول
أليس هنالك من ومضة ... أكل مقاربة مستحيل
إذا نكل المرء عن ظنه ... فليس يعاب عليه النكول
تؤول حياتي بعد الردى ... ولكن إلى أي شيء تؤول
أسير بليل من الشك داج ... على ضوء عقل وهو ضئيل
وأن الطبيعة في سيرها ... لها سنن ليس عنها حويل
وما الكون اجمع إلاَّ أسير ... وهذي النواميس إلاَّ كبول
إذا ما شكا الشيخ طول سنيه ... فهل هو من طولهن ملول
رأيت ضحى اليوم محلولكا ... فإذا عسى أن يكون الأصيل
وأرسل طرفي إلى ما بقربي ... فيرجع طرفي وهو كليل
ومما تفاوتت الناس فيه ... حظوظ تنال وأخرى تنيل(9/172)
هناك منازل في البعض منها ... هتاف وفي البعض منها عويل
وأحقر بفسل يضام فيبقى ... مقراً على الضيم وهو ذليل
وأكرم بحر له مهجة ... على غير حد الظبا لا تسيل
سيبقى على جهله جيلنا ... ومن بعد ذلك جيل وجيل
وقاطعني كل من كان حولي ... فأصبح بالناس رأيي يفيل
ولم يبق بي سائلا غير صحبي ... على أن خطبي بصحبي جليل
وأن الحفير لا خر بيت ... به يجد الراحتين النزيل
وليس ثقيلا على ميت ... تراب على الوجه منه مهيل
وصيرني مبغضاً للحيا ... ة داء بعظم نخاعي وبيل
فيا موت أنت سبيل السلام ... وأنت لمثلي نعم السبيل
سيبقى شقائي بقاء حياتي ... فان هي زالت فهذا يزول
وما من بقاء لمن هو حي ... من الهالكين تباعاً سليل
على أن ظن الفتى جزؤه ... فليس يغير منه الدليل
أقول لمن هم يبغي انتحاراً ... وفي قلبه اليأس نار أكول
تريث فان الذي تبتغيه ... سيأتيك من نفسه يا عجول
وان الزمان بتحقيق ما ... لك اليوم لم يتحقق كفيل
وأني تحملت عبء الحياة ... على أن عبء الحياة ثقيل
كأني إذا حم موتي عان ... على رأسه سل سيف صقيل
وأني لسمح بكل عزيز ... ولكنني بحياتي بخيل
وأني على كبرتي هذه ... أود لو أن بقائي يطول(9/173)
من كلام الجاحظ
هذا كلام للجاحظ في كتابه (المعنون بالأخبار) نقله عنه الإمام المهدي لدين الله احمد بن يحيى في كتابه (المنية والأمل) قال:
قال الجاحظ أن الناس يخصون الدين من فاحش الخطأ وقبيح المقال ما لا يخصون به سواه في جميع العلوم والأداء والآداب والصناعات. إن الفلاح والصانع والنجار والمهندس والمصور والكاتب والحاسب من كل أمة وملة لا تجد بينهم من التفاوت في العقل والصناعة ولا من فاحش الخطأ وإفراط النقص كالذي تجده في أديانهم وفي عقولهم عند اختبار الأديان. والدليل على ما وصفت لك أن الأمم التي عليها المعتمد في العقل والبيان والرأي والأدب والاختلاف في الصناعات أربع: العرب والهند والروم والفرس. ومتى نقلتهم من الدنيا إلى علم الدين حسبت عقولهم مختبلة وفطرهم مسترفة كالعرب فأنها مخصوصة بأجود البيان الذي ليس كمثله بيان واللغة التي ليس مثلها في السعة لغة وقيافة الأثر مع قيافة البشر وليس في الأرض قوم غير العرب يرون المتباينين في الصورة المتفاوتين في الطول والقصر المختلفين في الألوان فيعلمون أن هذا الأسود ابن لهذا الأبيض وهذا الطويل ابن لهذا القصير وهذا القبيح عم هذا المليح. وللعرب الشعر الذي لا يشاركهم فيه أحد من العجم. وقد سمعت للعجم كلاماً حسناً وخطباً طوالاً يسمونه أشعاراً فأما أن لهم شعراً له اعاريض معلومة وأوزان معروفة إذا نقص منها أو زاد حرف أو تحرك ساكن أو سكن متحرك كسره وغيره فليس يوجد ذلك إلاَّ للعرب خاصة دون غيرهم وليس في الأرض قوم عني بذم جليل القبيح ودقيقه وبمدح دقيق الحسن وجليله مثل العرب حتى لو جهد أفطن البريئة واعقل الخليقة أن يذكر معنى لم يذكروه لما أصابه.
وللعرب من صدق الحس وصواب الحدس وجودة النظر وصحة الرأي ما لا يعرف لغيرهم ولهم العزم الذي لا يشبههم فيه عزم والصبر الذي لا يشبهه صبر والجود والأنفة والحمية التي لا يدانيهم أحد فيها ولا يتعلق بها رومي ولا(9/174)
هندي ولا فارسي بل هذه الأمم كلها يخالف العرب. ثم لهم من بعد الهم والطلب بالطوائل ما ليس لغيرهم مع المعرفة بمساقط النجوم والعلم بالأنواء وحسن المعرفة مما يكون منها للاهتداء ولهم حظ العربية مع الحفظ
لأنسابهم ومحاسن أسلافهم ومساوئ اكفائهم والتعيير بالقبيح والتفاخر بالحسن ليجعلوا ذلك عوناً لهم على اكتساب الجميل واصطناع المعروف ومزجه لهم عن إتيان القبيح وفعل العار ليؤدبوا أولادهم بما أدبهم به آباؤهم ثم الحفظ الذي لا يقدر أحد على مثله وان دونه وخلده في كتبه لا تصاب إلاَّ فيهم وذلك أن العي والبيان في كل قوم منثور متفرق ولست ترى واحداً في البادية غبياً رأسا ً على انهم وان تفاوتوا في البيان فليس بمخرج أخسهم إلى العي. وفيهم أيضاً خصلة لا تصاب إلاَّ فيهم وذلك أن سفلة كل جيل وغفلة كل صنف إذا أشتد تشاجرهم وطالت ملاخاتهم وكثر مزاحهم والدعابة بينهم وجدتهم يخرجون إلى ذكر الحرمات وشتيمة الأمهات واللفظ السيئ والسفه الفاحش ولست بسامع من هذا حرفاً في البادية لا من صغيرهم ولا من كبيرهم ولا جاهلهم ولا عالمهم وكيف يقولون هذا والحيان منهم يتفانيان في دون ذلك. وليس في الأرض صبيان في عقول الرجال غير صبيانهم وكل شيء تقوله العرب فهو سهل عليها أو كطبيعة منها وكل شيء تقوله العجم فهو تكلف واستكراه. وللعرب البديهة في الرأي والقول خاصة ولهم الكنى في الأسماء خاصة وقد زعم قوم من الفرس أن فيهم الكنى واحتجوا بقول عدي بن زيد:
أين كسرى وكسرى الملوك أبو سا ... سان أم أين قبله سابور؟
وليس كذلك إنما كناه عدي بن زيد على عادته حين أراد تعظيمه أن صحت رواية هذا البيت فأما أبو عمرو بن العلاء ويونس النحوي وأبو عبيدة فرووا جميعاً أن عدياً قال:
أين كسرى وكسرى الملوك أنو شر ... وان أم أين قبله سابور؟
فاخطأ الراوي الرواية وقيل ذلك عنه من لا علم له وليس في الأرض عجمي له كنية إلاَّ أن تكنيه العرب.
قال الجاحظ وهم ما حكيت لك من حجة العقل وكرم الطبيعة وحسن البيان(9/175)
وسعة المعرفة وجودة الرأي وشدة الأنفة يعبدون الحجارة ويحلفون بها ويتحامون كسرها وينكسون لها ويدعونها آلهة ويخاطبونها ولا يتجبرون عليها وينكرون على من ينقصها ثم مع ذلك ربما رموا بها واتخذوا سواها ثم كانوا يرون أن الرجل منهم إذا مات فلم يأخذ ولية بعيره فيحفر له حفرة ثم يقيده على شفيرها ويطرح برذعته على وجهه ورأسه ثم لا يسقيه ولا يعلفه حتى يموت. إن ذلك الرجل الميت يجيء يوم القيامة حافياً راجلاً فإذا فعل ذلك أتى راكباً
وذلك البعير يسمى البلية. قال ابن مقبل: كالبلايا رؤوسها في اللوايا. وقال آخر:
منازل لا ترى الأنصاب فيها ... ولا حفر البلايا للمنون
ويقولون أيما رجل قتل فلم يطلب وليه بدمه خلق من دماغة طير يسمى هامة فلا يزال يزقو على قبره وينعى إليه حتى يبعد قال شاعرهم:
فان تك هامة بهراة تزقو ... فقد أزقيت بالمروين هاما
ومن ثم كانوا يستسقون للميت وكانوا يقولون أيما شريف قتل فوطئته امرأة مقلات، عاش ولدها. قال بشر بن أبي حازم الأسدي:
تظل مقاليت النساء بطأنه ... قلن ألا يلقى على المرء مئزر
وكانوا يقولون أن الرجل إذا ملك ألفاً من الإبل أن السواف يأتي على ابله فيفقأ عين الفحل فان زادت على ألف فقأ عينيه جميعاً فذلك المفقأ والمعمى قال الشاعر:
فقأت لها عين البعير تفقداً ... وفيهن زعلا المسامع والجرن (كذا)
وكانوا إذا أجدبت بلادهم، فأرادوا الأستمصار، اخذوا بعيراً أورق، فشدوا في أذنيه العشر، والسلع، وصعدوه في الجبل وأشعلوه في أذنيه النار، ودعوا وتضرعوا ويزعمون انهم أن لم يفعلوا ذلك، لم يستجب الله منهم
وكانوا، إذا وقع العرفي الإبل، يأخذون بعيراً سليماً لا عيب فيه فيقطعون مشفره ثم يكوونه ليذهب العر عن سائر الإبل وإلا فشافيها. قال النابغة:
وحملتني ذنب امرئ وتركته ... كذي العر يكوى غيره وهو راتع
وكان الرجل منهم إذا غزا، عقد خيطاً في ساق شجرة، إذا رجع ورآه منحلا(9/176)
فقد خانته قعيدته بزعمهم، وان رجع ووجده بحاله، فقد حفظت نفسها له. قال الشاعر:
هل ينفعنك اليوم أن همت بهم ... كثرة ما توصي وتعقاد الرتم
والرتمة: اسم الخيط بعينه.
وكانوا يقولون: إذا احب الرجل المرأة وأحبته، فان لم يشق عليها برقعها وتشق عليه رداءه، فسد حبهما، وان فعلا ذلك دام حبهما. قال عبد بني الحسحاس:
وكم قد شققنا من رداء ومئزر ... ومن برقع عن طفلة غير عانس
إذا شق برد شق بالبرد مثله ... دواليك حتى كلنا غير لابس
هذا مع إيمانهم بالعدوى والجن، وتكون الغيلان، وان الجن هي التي طردت أهل وبار عن ديارهم، وصارت الجن سكانها فليس بها إلا الجن والوحش.
ومع مذهبهم في الحام والبحيرة، والوصيلة، والسائبة، وسيأتي تفسيرها. وأمور كثيرة لا يحتاج إلى ذكرها، وإنما أردنا أن تعرف الناس التفاوت ما بين حال العاقل في دنياه ودينه، فإذا صار إلى التكذيب والتصديق. والإيمان والكفر، صار إلى غير ذلك الذي كان عليه من التمييز.
قال الجاحظ: ثم ملنا إلى الهند، فوجدناهم يقدمون في الحساب والنجوم، ولهم العلم الهندي خاصة، ويقدمون الطب، ولهم أسرار الطب، وعلاج فاحش الأدواء خاصة، ولهم خرط التماثيل، ونحت الصور، مع التصوير في الأصباغ وكوى المحاريب وأشباه ذلك.
ولهم الشطرنج، وهو اشرف لعبة، وأكثرها تدبيراً.
ولهم صنعة السيوف الهندية.
ولهم الكنككة وهي وتر واحد على قرعة، فيقوم مقام العود والضنج.
ولهم ضروب الرقص والخفة.
ولهم الثقافة خاصة.(9/177)
ولهم السحر والترصد والخطب الطوال.
ولهم الرأي والنجدة والصبر، وليس لأحد من الصبر ما لهم،
ولهم الأخلاق المحمودة والسواك والخضاب.
وهم مع ما ذكرنا أصحاب بددة وهي جمع بد. والبد الصنم، ينحتونها بأيديهم ثم يعبدونها ويجعلون لهم بيوتاً كمساجد المسلمين، وفيها بنات رؤسائهم موهوبة لتلك البددة على وجه التقرب بها، والنذر، والكفارات، وتلك النساء واقفة للفساد والفجور يأمرها أهلها بذلك. ويرون أن لهم فيه أجراً عظيماً. ولهم عباد ورهبان متجردون عن اللباس يدعون الزهد في الدنيا، لا يمسون الماء ويتبركون بأوساخهم، ويختبرونهم بتلك النساء وملاعبتها، فمن اشتاق من أولئك العباد إلى تلك النساء. وهاج فقد كفر كفراً عظيماً؛ واتى بأعظم منكر، وألحقوه أنواع العذاب والنكال، وقتلوه. هذا في الزهاد خاصة، فأما غيرهم منهم، فلا ينكرون عليه الفجور بتلك النساء، وإذا اشتاق الهنود إلى زيارة موتاهم، أضرموا النيران،
وحملوا معهم الهدايا واللطائف، وتضمخوا بالصندل وتكفنوا، ورموا بأنفسهم في تلك النيران، ويزعمون انهم يرجعون إلى أهليهم إذا قضوا وطراً من زيارة موتاهم. وهذا عجيب في جميع الهنديين، إذ يرى دقة النظر في دنياهم وجهالاتهم في دينهم.
قال الجاحظ: ثم ملنا إلى الروم فوجدناهم أطباء وحكماء ومنجمين ولهم أصول اللحون وصنعة القرسطون.
وهم الغايات في التصوير، يصور مصورهم الإنسان، حتى لا يغادر شيئاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يصوره شاباً، وان شاء كهلا، وان شاء شيخاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يصوره باكياً، أو ضاحكاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يجعله جميلا ناعماً، عتيقاً، ثم لا يرضى بذلك حتى يفصل بين ضحك الشامت، وضحك الخجل، وبين المتبسم والمستعبر، وبين ضحك السرور، وضحك الهازئ وضحك المتهدد، فيركب صورة في صورة، وصورة في صورة، وصورة في صورة.
ثم لهم في البناء ما ليس لغيرهم، ومن الخرط، والنجر، والصناعة، ما ليس(9/178)
لسواهم ثم هم مع ذلك أصحاب كتاب وملة، ولهم من التدقيق في المكيدة ما ليس لغيرهم. ثم هم مع ذلك أجمع يرون أن الإلهة ثلاثة: بطن اثنان (كذا) وظهر واحد (كذا)، كما لابد للمصباح من الدهن والفتيلة والوعاء، فكذلك جوهر الآلهة. فزعموا: إن مخلوقاً استحال خالقاً، وان عبداً تحول رباً، وان حديثاً انقلب قديماً، إلا انه قد قتل. وصلب بعد هذا، وفقد (كذا) وجعل على رأسه إكليل الشوك، ثم أحيا نفسه بعد موته. وإنما أمكن عبيده من أخذه وأسره وسلطهم على قتله، وصلبه ليؤاسي أبناءه بنفسه، وليحبب إليهم التشبه به، وليستصغروا جميع ما صنع بهم (كذا)، ولئلا يعجبوا بأعمالهم فيستكثروها لربهم، فكان عذرهم اعظم من جرمهم. فلولا أنا رأينا بأعيننا، وسمعنا بآذاننا لما صدقنا، ولا قبلنا أن قوماً متكلمين، وأطباء، ومنجمين، ودهاة، وحساباً، وحذاق كل صنعة، يقولون في إنسان رأوه يأكل ويشرب، ويبول، وينجو، ويجوع، ويعطش، ويكتسي، ويعرى، ويزيد، وينقص، ثم يقتل بزعمهم ويصلب. إنه رب خالق، وانه قديم غير محدث، يميت الأحياء، ويحيي الموتى، وان شاء. . . في الدنيا، ثم يفتخرون بقتله. . . اليهود. (كذا. وفي هذه العبارات العائدة إلى الروم كلام مغلق غير واضح ولا متسق. وما كان منقطاً هو محذوف في الأصل. ل، ع)
قال الجاحظ: ثم ملنا إلى فارس، فوجدنا هناك العقول التي لا تبلغها عقول، والأحلام التي لا تشبهها احلام، والسياسة العجيبة. والملك المؤيد بتدبير الأمور، والعلم بالعواقب، ثم كانوا مع ذلك يغشون الامهات، ويأكلون الميتة، ويتوضأن بالأبوال، والماء موجود عندهم، ويعظمون النار، وهم أظهروها، وإن شاءوا أطفأنها. ويقولون أن الله كان وحده لا شيء معه،(9/179)
فلما طالت وحدته استوحش؛ فلما استوحش فكر فلما فكر تولد من فكرته اهرمن، وهو ابليس، فلما مثل بين يديه أراد قتله، فلما أراد قتله امتنع، فصالحه إلى أجل معلوم، وأودعه إلى مدة مسماة، على أن لا يمتنع عليه إذا استوفى الاجل، وبلغ المدة، ثم أن اهر من نوى الغدر، وذلك لهيمنته فانشأ يخلق أصناف الشر، يستمد بها عليه، فلما عرف بذلك منه، أنشأ أصناف الخير، ليضع بازاء كل جند جنداً، وله بعد ذلك فضل قوته، وانه يسمى القديم دونه.
ثم قالوا في قسمة العوالم عندهم، وفي أسمائها وجواهرها، وهيئاتها، وفي خلق مهنه ومهينه وهو آدم وحواء، وفي لسومن المنتظر عندهم، ما لا يستطيع وصفه أحمق منقوص. ولا عالم تام، ولو جهد كل جهده، واستفرغ كل قوته.
قال الجاحظ: ووجه آخر يستدل به على قلة عناية الناس بأكثر (كذا، ولعلها بأمر) الدين وأن شأنهم تعظيم الرجال، والاستسلام للمنشأ، والذهاب مع العصبية والهوى، والرضا بالسائق إلى القلوب؛ واستثقال التمثيل، وبغض التحصيل، ما نجد من اعتقاد أكثر البصريين، وسوادهم، لتقديم عثمان بن عفان، ومن اعتقاد أكثر الكوفيين لتقديم علي بن أبي طالب (ع) ومن اعتقاد أكثر الشاميين لدين بني امية، وتعظيم عثمان، وحب بني مروان أهـ.
زنجان (إيران) في 7 ربيع الآخر 1348:
أبو عبد الله الزنجاني
(لغة العرب) تأخر نشر هذه المقالة لوقف الجزءين الأخيرين من هذا المجلة على الفهارس ولإتمام ما كان حضرة الدكتور داود بك الجلبي قد بعث به إلينا من رسائل الجاحظ.
فنطلب المعذرة من حضرة صديقنا الجليل الشيخ أبي عبد الله.(9/180)
جامع سراج الدين وترجمة الشيخ
-
جاء في ص41 من تاريخ مساجد بغداد عن هذا المسجد (وهو من مساجد بغداد القديمة واقع في محلة الصدرية قرب محلة الشيخ عبد القادر الجيلي وهو واسع المصلى فسيح الساحة رصين البناء مشيد الأرجاء على مصلاه قبة عظيمة وحولها مئذنة شامخة وفيه خطيب وأمام ومؤذن وخدام. . .)
(وقد جدد عمارته والي ولاية بغداد حسين باشا عام 1131 وزخرف قبر الشيخ سراج الدين المدفون في هذا الجامع على ما نطق به التاريخ المنقوش في لوح المرمر الذي على القبر وهذا نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم، هذا مرقد الشيخ سراج الدين - ق - العزيز عمره آصف الزمان وخلاصة وزراء آل عثمان والمشار إليه بالبنان والي ولاية بغداد دار السلام الوزير المعظم والمشير المفخم أبو الخيرات حسن باشا أطال الله عمره وأبقاه ويسر له من الخير ما شاءه وارتضاه، ذلك سنة إحدى وثلاثين ومائة وألف للهجرة) وأوصل إلى الجامع ساقية من ماء دجلة وانشأ فيه سقاية يشرب منها المارون. والشيخ سراج الدين هذا من رجال الصوفية وله ذكر في كتاب: (تاريخ أولياء بغداد) وليس في هذا المقدار ما يوضح لمتطلع الأسرار ودونك ما كتبه قلمنا القاصر في ترجمة الشيخ سراج الدين:
ترجمة السيد سراج الدين
هو محمد سراج الدين على ما جاء في صدر كتابه. (صاحب الأخبار في نسب السادة الفاطمية الأخيار) أبن السيد عبد الله الرفاعي الوالد، المخزومي الوالدة.
وقد جاء في ص 109 من كتابه المذكور (أعقب سيدنا السيد الوالد عبد الله نجم الدين المبارك - رض - جامع هذا المختصر الفقير إلى الله تعالى، محمد سراج الدين من الست سعدية بنت الأمير عبد الرحمن المخزومي صاحب(9/181)
نجد) وقال في المقدمة: (والدتي الحسيبة النجيبة سعدية المخزومية بنت الأمير عبد الرحمن المخزومي صاحب أبن خالد الملقب لجوده بالسحاب ابن سليمان أبي المعالي بن محمد المعروف بابن الرئيس ابن الحاج جعفر أبي علي الرئيس المنيعي ابن سعيد بن حسان بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن
منيع بن خالد بن عبد الرحمن بن خالد) وكان - رحمه الله تعالى - طعاناً. فقد جاء في ص 19 من هذا الكتاب قوله في كتاب الثبت المصانبذكر سلالة سيد ولد عدنان (لسلامة مؤلفه من ضغائن الرافضة)، وفي ص 49 (وقد عني أهل البيت عليهم السلام في إفرادهم المكرمين وأئمتهم الطاهرين إمامة معنوية لا كما عناها الرافضة وهي الإمامة التي عناها جحاجحة الصوفية ووسموها بالقطبية الكبرى والغوثية العظمى والإمامة الجامعة وقالوا لصاحب مرتبتها الغوث والقطب وقطب الأقطاب) وسنذكر بعد هذا شيئاً من طعنه فتأمله في خلال الكلام.
وهو يعتقد أن للأئمة تصرفاً في أجزاء الكون كما أعتقد الكشفية من غلاة الشيعة أن للإمام تفويضاً من الله تعالى في بعض الأمور ويدل عقيدته قوله بعد ما تقدم: (أعني القطب الغوث يتصرف في ذرات الأكوان وصاحب خلافة الظاهر ذرة منها. وروي العارفون من سلف أهل البيت أن الإمام الحسين لما أنكشف له في سره تدلي الخلافة الروحية التي هي الغوثية والإمامة الجامعة فيه وفي بنيه على الغالب أستبشر بذلك وباع في الله نفسه على أن الحجة المنتظر الإمام المهدي عليه السلام من ذريته الطاهرة) فهو يعتقد ظهور المهدي كالأمامية والمعتزلة. وقوله الأخير في الحسين - ع - ونهضته، ينقض مؤاخذته الرافضة على قولهم أن الإمامة جوهرية معنوية لأن الخلافة الروحية لا تستوجب سل السيوف ولا خوض الحتوف فتأمل ذلك - رعاك الله - وشر القول ما نقض نفسه.(9/182)
ويؤكد اعتقاده ظهور المهدي قوله كما جاء في ص 56 (فالحسن العسكري أعقب صاحب السرداب الحجة المنتظر ولي الله الإمام محمد المهدي)
ومن انتقاده ابن عقبة صاحب عمدة الطالب قوله كما في ص 78: (ومن النقول السابقة واللاحقة يتضح لكل ذي عقل قبح فرية النجفي ووسيته (كذا لعلها ودسيسة) وفضيحة ابن عقبة صاحب عمدة الطالب باتباعه له) وفي ص 76 (انتهى ما خلطه النجفي من خرافته وتبعه على ذلك ابن عقبة لحماقته وجهله) وفي ص 83: (والقصد من ذكر هذه المباحث رد أكاذيب الرافضة عليهم وتنبيه من اتبعهم كابن عقبة أخذاً بدسيستهم عن غير (كذا) بغياً واتباعاً لزمرة الغي) قلنا: ولا غرابة في رده من يدعون انه دعي لا علوي فالمرء حريص على مراده. وكان يقول الشعر فمن قريظة يمدح السيد أحمد الرفاعي - رض - قوله كما
في ص 91:
برقعتك العناية الأزلية ... يا رفاعي بالبرود السنية
غزلها من وشيج نور كريم ... نسجته الأصابع الصمدية
وتدلت إليك طي تراث ... عن علي والبضعة النبوية
شدت بالمشرقين بيتاً رفيعاً ... حسدته الكواكب الذرية
ملا المغربين عرفاً زكياً ... وكذا نفحة الأصول الزكية
وعلى منبر الكلام خطيباً ... قمت تهدي للأمة الأحمدية
راقبتك القلوب تطلب فيضاً ... من فيوضات قلبك القدسية
واكثر ما في كتابه صحاح الأخبار منقول من عمدة الطالب في انساب آل أبي طالب لابن عقبة أو عنبة أو عتبة لكنه لم يشر إلى ذلك وقد علمنا أن مراده بالكتاب إثبات علوية الرفاعي أحمد - رض - والجيلي عبد القادر - رض - وأعقاب خالد بن الوليد. فأما إثباته الأول فلأنه جده لابيه، وأما الأخير فلأنه جده لامه. قال في أول الكتاب المذكور (فخالد أعقب محمداً وعبد الرحمن وسليمان ولكلهم ذرية. وأما ما رواه العلامة ابن الأثير الموصلي في تاريخه من انقراض عقبة وان النسابين أجمعوا على ذلك فهفوة مؤرخ لا يعبأ بها على إن إجماع النسابين على أن لا عقب له في المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام(9/183)
وهذه الكلمة التي أوهمت ابن الأثير - رحمه الله - وقال بانقراض الذرية الخالدية بلا تؤدة ومثله ما حكاه العدواني - رحمه الله - ولا ريب لدى عامة المحققين من النسابين كابن السمعاني وعبد الغافر وغيرهما في أن عقب سيدنا خالد منتشر في الشام ونجد والعراق ومنهم بمرو الروذ وبلاد الأفغان وهم ألوف مؤلفة وصفوف مصففة وعصائب وافرة بادية وحاضرة) أهـ.
ومما عثرنا في كتابه صحاح الأخبار قوله كما في ص 102 (السيد مصلح الدين نزيل بنديج المندلي من أعمال بغداد) وفي ص 103 (فأما السيد ملك سافر (كذا) العراق وسكن بندنيج المندلي من أعمال بغداد وأعقب بها ذرية) فهذا طور من أطوار تحول البندنيجين وفي ص 106 (باماسية بلدة في الانادول الأقصى) وفي ص 21 (إن مولانا أباه السيد شمس الدين محمداً اجتمع بأم عبيدة على السيد الجليل مؤيد الدين أبي النظام عبيد الله لقيب
واسط) فقد استعمل (اجتمع عليه) وكررها ص 11 وفي ص 123 قول عبد السلام العباسي: (فقمت مندهشاً) من الاندهاش. وقول أبيه السيد عبد الله كما في ص 111: (فاللازم عليه أن يفارقه) وسافر سراج الدين إلى الشام كما ذكر في كتابه والى مصر كما في ص 118 وأعقب أولاداً قال عنهم في خلال كلامه: (وقد رزقني الله فضلا منه وكرماً أولاداً موفقين على الكتاب والسنة راضين باليسير يذكرون الله ولا يعتمدون على غيره، وهم أحمد ومصلح الدين ومحمود وأمهم السيدة الطاهرة مريم بنت السيدة بركات الموسوي الحسيني وكانت قانتة خاشعة، ومحمد ملاذ وعلي تاج الدين ومحمد وبدر الدين وموسى وأمهم الشريفة سعدية بنت الشيخ الصالح محمد بن الشريف العابد علي بن عبد الوهاب الحيالي القادري من آل الشيخ الجليل القطب عبد القادر الجيلي - رض - وكانت قانعة جيدة الخلق دينه صالحة رحمها الله، وشرف الدين صالح وأمه أم النصر علوية بنت السيد شعبان الرفاعي وهي في الحياة ذات دين، وقطب الدين محمد وبديعة التي سبق ذكرها وأمهما الخاشعة الزاهدة العارفة بالله حسيبة بنت الشيخ أبي بكر الأنصاري العارف.
فلأحمد: سليمان وحده، ولمصلح الدين: أحمد الرفاعي وإبراهيم، ولمحمود: سعد الدين وحده. ولمحمد ملاذ: أبو النصر بركات، ولعلي تاج الدين: رجب(9/184)
وسلامة وعلي المهذب. ومحمد وبدر الدين اعزبان؛ وموسى كذلك أعزب، ولشرف الدين صالح: عز الدين أحمد وأم الخير وفاطمة وأم كلثوم، ولقطب الدين محمد: يحيى أبو السعود.
وللشيخ سراج الدين غير صحاح الأخبار كتاب (البيان في تفسير القرآن) و (سلاح المؤمن في الحديث) و (النسخة الكبرى في ما خاض أهل العلم الحرف) و (جلاء القلب الحزين) في التصوف وغير ذلك؛ عرفنا هذه الكتب من آخر كتابه صحاح الأخبار ففيه ترجمة مختصرة للطابعين وجاء فيها (وسكن آخر عمره بغداد حتى مات بها - رض - سنة خمس وثمانين وثمانمائة وله من العمر اثني (كذا) وتسعون سنة) وفي وسطها (ولد السيد سراج الدين - رض - سنة ثلاث وتسعين وسبعمائة بواسط العراق) وما جئنا به يصلح أن يكون مختصر ترجمته والله ولي التوفيق.
مصطفى جواد
البسذ والمرجان
البسذ (كسكر) المرجان. معرب. (القاموس) وفي مفردات ابن البيطار: بسذ هو القورل (وفي النسخة المطبوعة العزول وهو غلط)، وهو المرجان أيضاً. أهـ وفي محيط المحيط للبستاني البسد (بفتح الباء والدال المهملة) ويسمى القزول (كذا بهذا التصحيف الشنيع) وهو اسم لأصل المرجان وفرعه. وبعضهم يسمي الجميع بالمرجان. وبعضهم يقول المرجان أصل. والبسد فرع. وقوم يقولون العكس. وهو المشهور - أهـ - قلنا: والصواب أن اليسذ (كسكر وبذال معجمة وفي لغة هي إهمال الدال) هو ما يقابله بالفرنجية ليثودندرون ومعناه الشجرة المتحجرة وهي شجرة المرجان. وأما المرجان فهو فليحفظ للتحقيق والتدقيق.(9/185)
العمارة والكوت
عود على بدء
كتب الأديب الفاضل رزوق عيسى في (هذه المجلة 8: 785) سطوراَ عن الكوت مستنداً فيها إلى فريزر في كتابه المطبوع في سنة 1843 (1258هـ) أراد بذلك أن يؤيدني في أن اسم الكوت هو (كوت العمارة) وقد صور الاسم بالحروف اللاتينية مع علامة ملقاة على حرف ليقرأ عيناً. وإذ لم يشرع الإفرنج - على ما أظن - ولاسيما غير المستشرقين باستعمال هذه العلامة وأمثالها إذا ذاك ولم يكن بيد الكاتب إلاَّ الطبعة الثانية التي كانت في سنة 1924 على ما يبين من كلامه فالذي يتبادر البال إليه أن الكلمة في الطبقة الأولى غفل من هذه العلامة الفارقة. وإذا جاءت في الطبعة الثانية فللمعترض أن يقول أنها وضع ادخلها الناشر الأخير ولاسيما أن فريزر نفسه قد ذكر الكوت بغير علامة بصورة في كتاب المسمى رحلة في كردستان وما بين النهرين المطبوع في سنة 1840 (2: 122) لذلك كان النص الذي أورده الكاتب لا ينتفع به من الوجهة التي قصدها إلاَّ إذا بانت في الطبعة الأولى تلك العلامة على حرف ومع هذا فان النص لا يخلو من فائدة لم يتوخها الكاتب فقد جاء مؤيداً أن دجلة من الكوت فنازلا اسمها العمارة. وأني
وقد ذكرني ذلك بما كتبه ريج المقيم البريطاني في كتاب حاو رحلاته (2: 165) في تاريخ 14 أيار سنة 1821 (1237هـ) وهاأنذا أضيف ما قاله معرباً إلى ما أوردته سابقاً وهذا قوله:
(فقدمنا إلى في الساعة الثامنة وقد شيدت هناك قلعة(9/186)
صغيرة من الطين وقرية جديدة بقربها تحت القديمة بقليل وهي بازاء فوهة الحي (شط الحي - الغراف).
(وهنا خمسة بلوكات من عقيل العرب مرابطة تستوفي ضريبة على كل سفينة.) أهـ
وجاء في آخر كتاب ريج ملحقات له جاء في أحدها (2: 385هـ) وصف سفره من بغداد إلى البصرة في آذار سنة 1811 (1226هـ) وفي ذلك قوله:
(وصلنا عند الغروب (24 آذار) إلى وقد علمنا أن السير في الحي (شط الحي) غير ممكن لقلة عمق الماء فيه ولثقل السفن التي تؤلف كاراً فقررنا الانحدار مع دجلة، وهي
حالة لا تجعلني آسفاً فأني كنت قد سافرت بطريق الحي ثلاث مرار لكني لم أر دجلة تحت الكوت.) أهـ
ومما جاء في هذا الصدد ما قاله ميكنن فان فيه (ص 24) ما تعريبه عن تسمية دجلة (العمارة) تحت الكوت وهو هذا:
(في 29 تشرين الأول (1827 - 1243) قدمت إلى الكوت وهو قرية حقيرة مؤلفة من مجموعة أكواخ مبنية من الطين يحيط بها سور كذلك من الطين. . .) ثم قال (ص 27): (وبازاء القرية (الكوت) جدول اسمه الحي (شط الحي) الذي يصب في شمال سوق الشيوخ. وضفاف الجدول مشهورة بأنها مأوى الأسود وغيرها من السباع الآن مجراه (مجرى شط الحي) خال كل الخلو (من الماء) لكنه يصلح لسير السفن خلال ثمانية اشهر من السنة. ومن هنا إلى فوهة نهر (الحد؟) يسمى هذا النهر أهـ.
وأقوى حجة واسطع برهان على صحة كلمة (العمارة) وليس (الإمارة) ما جاء لعربي قدم على ابن سند مؤلف مطالع السعود بمائة من السنين وهو مصطفى(9/187)
الصديقي البكري الذي زار العراق فأم البصرة في سنة 1139هـ (1726م) وأورد ما يلي في رحلته المسماة كشط الصدا وغسل الران في زيارة العراق وما والاها من البلدان:
(ثم سرنا نحو العمارة وبتنا فيها ليلة الجمعة ثم عدلنا عن شط العمارة سالكين شط السابلة لأن العرب في ذلك الشط (شط العمارة) قطعت السابلة. .) أهـ وكان سفري في سفينة من بغداد إلى البصرة.
فهناك منذ تلك الأيام حاضرة اسمها العمارة والشط التي عليه تلك الحاضرة فما تحت يسمى شط العمارة.
يعقوب نقوم سركيس
البغيلة
بحث أحد الأدباء عن البغيلة في هذه المجلة (8: 43) ثم في كتابه موجز تاريخ البلدان العراقية (ص118). والبغيلة هي التي بدلت الحكومة اسمها بالنعمانية بعد مقاله في المجلة. ومما ذكره الكاتب إن إنشاءها كان في سنة 1303هـ (6 - 1885م) وان السلطان عبد الحميد حينما ابتاع أراضيها أمر ببناء محل للحكومة فكانت البغيلة في تلك السنة مركزاً للحكومة.
هذا ما اطلعنا عليه الكاتب أما جريدة الزوراء في عددها المرقم 1068 والمؤرخ 12 صفر 1300 و11 كانون الأول 1298 (1882م) - أي قبل التاريخ الذي(9/188)
عينه الكاتب بثلاث سنين - فأنها تقول في كلامها عن الجولة التي قام بها الوالي لتفقد شؤون الألوية، ما هذا بحروفه:
(وان موقعي نهري البغيلة وشاذي الواقعين في قضائي العزيزية والجزيرة والمتخذين مركز ناحية، قابلان للمعمورية فحصل التفضل بالتزام وضع كل منهما في حال قصبة فمن هذين: البغيلة أمر (الوالي) بان يخطط فيها عدة دور ودكاكين بمعرفة المهندس أيضاً. وجرى الامتنان باستحصال الأسباب لتكون قصبة مكملة عن قريب. . .) أهـ
وفضلا عن ذلك تجد في سالنامة بغداد لسنة 1300هـ (1882م) (ص 133) أن البغيلة ناحية مربوطة بقضاء الجزيرة ومديرها (بصيرت) أفندي كما انه جاء مثل ذلك في سالنامة 1301هـ (1883م) (ص135) مع ذكر الأسماء لأعضاء مجلس الإدارة وكذلك ذكر مأمور للأراضي السنية. أما اسمها في سالنامة هذه السنة فانه جاء (بقيان) فالظاهر انه غلط طبع فان لم يكن كذلك وكان اسماً جديداً وضعته الحكومة استبدالا إنها لم تحسن الاختيار مما أوجب الرجوع إلى اسمها البغيلة. ولم يرد (بقيان) إلاَّ في سالنامة تلك السنة فقط.
فالبغيلة أذن كانت مركز ناحية في سنة 1300 وبقيت كذلك بعد تفوض السلطان بالطابو لأراضيها فكان فيها موظف للحكومة وموظف للأراضي السنية في وقت واحد كما رأينا. وبعد ذلك رقع المدير وهو موظف الحكومة وبقي موظف الأراضي السنية بدليل أن سالنامة سنة 1302هـ (1884م) (ص 110) لا تذكر موظفاً في هذه الناحية إلاَّ موظف الأراضي
السنية.
والظاهر أن نواة تأليف هذه القصبة اقدم عهداً من القرن الرابع عشر للهجرة بل ابعد مدى من أواخر القرن الذي سبقه. فقد ذكرت البغيلة في الكتاب الحاوي رحلات المستر ريج المقيم البريطاني (2: 164) بتاريخ 14 أيار سنة 1821 (1237هـ) واليك ما فيه معرباً:(9/189)
(وفي الساعة التاسعة ونصف مررنا بالبغيلة هكذا صورها) وهي قلعة من الطين على الضفة اليمنى (لدجلة) تعود إلى شفلح (بفتح الشين والفاء وتشديد اللام مع فتحها أيضاً) شيخ زبيد وبقربها مضرب خيامه الخاصة بشخصه أهـ
وقال كيبل (ص 114) بتاريخ 17 آذار سنة 1824 (1240هـ):
(وفي الساعة الثانية بعد الطهر اجتزنا بشفلح (قلعة شفلح) الواقعة على منعطف فجائي للنهر وهي قلعة مبنية بالآجر يقيم فيها شيخ زبيد الزعيم العربي القوي الذي تمتد ديرته من الضفة اليمنى لشط الحي (الغراف) إلى بغداد. .) أهـ
واخبرني ثقة من كبار الرجال ومن الزعماء من زبيد انه كان في صغره قد رأى بقايا قلعة شفلح مبنية بالآجر في موضع القصبة الحالية.
وليس بين البغيلة والكوت أربعون ميلا كما قاله الفاضل، إذ أن في ذلك سهواً بيناً لعل الأميال تقل عن الثلاثين.
هذا ما أردت تبيانه خدمة للتاريخ والحقيقة.
يعقوب نعوم سركيس(9/190)
آل الشاوي
سليمان بك الشاوي
2 - شعره:
لم نر إلاَّ القليل من شعره القديم - قبل وفاة والده - مثبتاً في مجموعة خطية ولم نعثر على كل شعره، خصوصاً ما كان في الأغراض السياسية لمعاناته لها، واهتمامه بها، بحيث صارت شغله الشاغل وهمه الوحيد.
وجدت له قصيدة في الوزير عمر باشا، أيام نال الوزارة، فروج سياسته وانتصر لخطته، وذلك قبل أن تشتد البغضاء بينه وبينه، منها:
ألبست خصمك حلي الغانيات وما ... أنجاه منك علوم الرمل والزبر
ظن النجاة بغير البيض مكمنها ... وما درى سلفاً ما الصارم الذكر
وخال أن الردى الذل مندفع ... وان ذا المكر لا يصطاده القدر
ثم مضى في مدحه والثناء عليه حتى قال:
عناصر الدين وافتنا مؤرخة ... وقمت بالعدل والإسلام يا عمر
وله قصيدة أخرى، في مدح هذا الوزير وانتصاره عل الخزاعل منها:
شم العرانين نالوا في العلى رتباً ... بالطعن والضرب وسط الهام بالسمر
أسد رأوا طعنة الأعداء منقصة ... ما لم تكن في مبيح الثغر من ضجر
وقد توصل إلى ذم الخزاعل بسبب عصيانهم، وأرخها سنة 1179هـ. وفي الدوحة أن هذه الوقعة حدثت عام 1178هـ.
وله قصيدة أخرى في كسرة الخزاعل مطلعها:
لولا ابتسامك لم تبك العيون دماً ... والسحب لم يبد منها الودق والمطر
ومنها قال عن شيخ الخزاعل:
وظن أن أبا الخطاب صولته ... لدى الوغى كعلي باشا الذي قهروا(9/191)
حمود ويلك لا تغررك سابقة ... حمود فانج سريعاً أن ذا عمر
إلى أن يقول عن الشيخ المذكور:
ورام من شومه ملكا يدين له ... ملوك تبع أن غابوا وان حضروا
وغره أن أعواناً له صبر ... على اللقا كل جمع أمهم كسروا
وما درى أن مولانا الوزير أبا ... حفص يبيدهم قلوا وان كثروا
ومضى في مدحه. والقصيدة طويلة. وأبياتها 41. وفي هذه الأبيات الثلاثة معنى واضح، فان العشيرة كانت تشعر بقوتها؛ وانه تنزع إلى العلو وترمي إلى الاستقلال، خصوصاً بعد أن انتصرت على الوزير علي باشا. ومهما غالى رجالنا في المماشاة للحكومة لا ينقصون من شأن القبيلة؛ وإنما يبدون حقيقة وضعها وان تجاوزوا في الذم إرضاءً للوزير.
لذا لا نقدر أن نقف على حقيقة التاريخ ما لم نستنطق أناساً كثيرين خصوصاً من كانت نظرته صادقة. وبهذا كشف سليمان بك مكانة هذه القبيلة، وآمالها في وقت كانت السياسة في يد والده ولم يكن بينه وبين الحكومة عداء ما.
ومن العبث أن نحاول تدوين التاريخ دون أن نستحكي الأشخاص العظام، لا الكتاب الرسميين المأجورين، فالنفوس الكبيرة تأبى الكذب، وان غالت في المدح أو الذم.
وأما شعر المترجم بعد وفاة والده، فكاد يكون في حكم العدم. ونأمل أن يوافينا القراء بما لديهم، أو ما يعثرون عليه من شعره، سواء بعد وفاة والده أم قبل ذلك. ولهم الفضل.
وهنا يلاحظ أن الأسباب التي دعت إلى إمحاء شعره في أغراضه السياسية ظاهرة المغزى. لأن بقاءها حينئذ يكون بمثابة دعاية مضرة وتشويق للقيام على الحكومة ومعاداتها.
ولا عجب أن سعت هذه لمحوها، وأماتت كل ما من شأنه إثارة الخواطر، وتحريك الوتر الحساس، ولو بعد موت الوزير وموت الشاوي.(9/192)
وعلى كل حال، أن المترجم كان في هذه المدة في وئام مع الوزير، ولكن الأيام لا تقصر حوادثها الوبيلة على القضاء على السياسة الموافقة لها وعلى آثارها، بل أبادت ما في المحيط من آثار آخر مهمة.
رأيت مقطوعة للمترجم، قالها في أثناء مخاصمته للوزير سليمان باشا، وتغلبه على جيشه، ذكرها العمري في (غرائب الأثر) وكان أرسل بها إلى الوزير معرضاً بعدوه الألد احمد
باشا الخربنده. قال:
يا زارعاً بيمينه ... شجر المودة بالسباخ (بالصباخ. كذا)
ومنوماً بيض القطا ... تحت الحدا يبغي الفراخ (ورد (منيماً))
ذهب الزمان بأهله ... فاختر لنفسك من تؤاخ
إن الذي تودهم ... هم ناصبون لك الفخاخ
ولم تظهر هذه الأبيات للوجود، حتى قام الشعراء لتشطيرها وتخميسها. مما يدل على أن في القوم روحاً حساسة، تشعر الحادث، وتأخذ بالإشارة، وتندد بمن سخط عليه القوم.
أقوال الأدباء فيه:
لا يسعنا هنا أن نذكر كل ما قيل فيه، ولكننا نقتصر على أديب مشهور، هو البيتوشي وكان بعث برسالة إليه ولا يزال أبوه آنئذ في قيد الحياة. نختار منها ما نصه:
(إلى جانب من لا ينبح كلبه ضيفه، ولا تخمد ناره شتاءه وصيفة، حلال أفانين المشكلات، ومقيد أوابد المعضلات، ذي الكمال المالك ملاك الكمال، والعبارة البارعة على كل ما يقال، أعني به سيدي سليمان بك، لا زال جيد الزمان متحلياً بحلي أياديه؛ وفضائله مردية لا عاديه.
وبعد فيا سيدي! العبد منذ أزمان، ولست في هواك ممن نام أو مان، يأمل من الله الوصول، إلى شريف الخدمة وهو لفم المحصول، وكلما رحلت عيسي، وقلت طوبى لك ولنفسي، حلت أيدي المقادير تلك العقد، وشكلت رجلي بحبل من مسد. وما ذاك، لا يخلو ذراك، إلاَّ من جدي الناقص، وحظي(9/193)
الناكص، وواثق الرجاء ممن فرج الأحزان عن يعقوب، أن تستخلص عن قريب القابة من القوب، وتتسنم مطايا كل مطلوب.
وان بلغت وقف نفسي، للوقوف بخدمة فرقدي هالة نفائس العلوم، وقطبي دائرة المنطوق والمفهوم، سيدي سلطان بك ومحمد بك، والنجوم العالية السامية من الأخوان الباقية. . . فهو المأمول وغاية المسؤول.
ولقد والله يا سيدي ما دريت بعزم القاصد، إلاَّ في قطع من الليل، بعدما هدأ الخليط، وسكن الغطيط والأطيط، فالعذر من خبط لسان القلم فقد عمشت عين السراج، وتراكمت علي دواب الظلام الداج.
وان رأى مولانا عرض التعرض لخدمة من اجله عن لساني، وأنزه ثناءه عن بياني وبناني، والدكم ذي الفخار، والكرم والخفار، الذي لو حلف الزمان ليأتين بمثله لألزمناه الكفارة. لا زال لها باقياً، وفي المعالي راقياً، والسلام، ختام الكلام.) انتهى من مجموعة عندي تحتوي على عدة مراسلات لأدباء بغداديين واحسائيين.
وهذه التعابير لا تكال كيلا لكل أحد، ولا تعطى جزافاً، خصوصاً ممن يقيم للكلام وزناً، ويفهم للقول معنى، كما أنها تعرف بمقدرة الكاتب الأدبية وهو اشهر من أن يذكر، وله رسالة أخرى فيه سيأتي القول عنها في محلها.
ما قيل فيه من الشعر:
أما الشعراء فان المادحين منهم لكرمه وعلمه وأدبه كثيرون جداً بحيث يمكننا أن نقول لم يقفوا في عصره على باب احد، قدر ما وقفوا على بابه، فخلد ذكراً جميلا، وبهذا جدد الروح الأدبية في العراق وراجعت سوق الشعر. ومن ثم استخدم أو صار يستخدم بعض الولاة الشعراء إقتداءً به فلم يتوفقوا لأن يكونوا مثله.
وهنا لا مجال لذكر مطالع ما قيل فيه من قصائد لكثرتها خشية إملال القارئ ولكن اكتفي ببيان الإحصاء التالي من ثلاثة دواوين شعر، مكتفياً باسم الشاعر وعدد ما قال من قصائد. والكل يؤلف ديواناً ضخماً. . .(9/194)
عدد القصائد
2 عبد الرحمن أفندي السويدي في مجموعة حسين العشاري صحيفة 35 و 43.
7 حسين العشاري مجموعة صحيفة 38 و 41و 43 بالاشتراك مع محمد بك و71 بالاشتراك مع سلطان بك و 81 في عبد الله بك وأبنائه سليمان بك وسطان بك و 98 و 102 رسالة منظومة.
3 خليل بكتاش الموصلي في المجموعة المذكروة صحيفة 46 و 49 و 50
7 الشيخ احمد السويدي منها 61 و 67 وفي إفحام المناوئ خمس قصائد
1 السيد علي بن عبد الله المولى 65
22 للشيخ محمد كاظم الأزري جاء في ديوانه صحيفة 3 و14 و17 و23 و26 و37 و40 و52 و53 و59 و74 و88 و96 و106 و116 و122 و135 و150 و160 و164
و166 و188
42
فالمجموع 42 قصيدة سوى أن من قصائد الازري ما يظهر انه يعود للوزير سليمان باشا وهي المذكورة في الصحيفة 188 فإنها مقطوعة في أنها تعود للوزير وكذا ما جاء في الصحيفة 23 و116 وفي 122 ولعل الاشتباه حصل من جراء الاشتراك في الاسم. وكذا بعض القصائد يشتبه في عائديتها له، لموضوعها لا بصورة القطع. والقصائد الكثيرة تصرح بوضوح في أنها تعود للشاوي.
وأهم ما في هذه القصائد ما قيل من جانب الازري. فهي من الشعر الخالد ومنها ما يتغنى به في ديارنا ويستشهد به دائماً. منها ما جاء في الصحيفة 3 من ديوانه المطبوع:
لمعت بروقهم على الدهناء ... فانحل عقد الدمعة الحمراء
عرب متى انتشق العليل عرارهم ... كانت رياحهم رياح شفاء
إلى أن قال:
خانت بذمتي الخطوب وهل لها ... إلا الكريم بقية الكرماء(9/195)
وقال في قصيدته الواردة في الصحيفة 14:
يا برق وجرة هل فطنت لما بي ... فأتيت تخبرني عن الأحباب
يا برق لولا المنجدون عشية ... ما بل وكاف الدموع ثيابي
ثم يتخلص للممدوح. وكل أبياتها مختار.
ومما يتغنى به قصيدته الواردة في الصحيفة 37:
هي حزوى ونشرها الفياح ... كل قلب لذكرها يرتاح
مرضت سلوتي وصح غرامي ... بلحاظ هي المراض الصحاح
ليت شعري وللهوى عطفات ... هل يباح الدنو أو لا يباح
إلى أن يقول:
أيها الورق ليس وجدك وجدي ... أين من ذي الصبابة المرتاح
بت في الروض لا محاجر قرحى ... من دموعي ولا فؤاد متاح
عرجي بي على (ناد قوم) ... عندهم يحسد المساء الصباح الخ
والإطالة في الاستشهاد تطول. فاكتفي بهذا وأرجئ باقي القول عنه إلى المقال التالي والله المعين.
6 - 2 - 1931:
المحامي: عباس العزاوي
الساقور
للمتطببين العصريين مكواة أكثر ما تكون من البلاتين تتخذ لكي بعض أنحاء الجسم استشفاء من بعض الأدواء. ويسمونها (ثرموكوتير) والكلمة مركبة من لفظتين يونانيتين: الأول (ثرمس) أي الحر. ويقابلها عندنا (الضرم) لأن السين عندهم للأعراب وفي معرض الزوال. والضاد كثيراً ما ترسم عندهم بالحرفين فيكون (ثرم وضرم) من أصل واحد. - والثانية (كوتريون) أي الكي مصدر كوى. وزيادة (ت ر ون) في الكلمة اليونانية من زوائد التي لا يعتد بها - فيكون كوتريون وكوى من أصل واحد فيحصل من معنى الترموكوتير: المكواة. إلاَّ أن معنى هذه الكلمة ذهب عندنا إلى آلة أخرى. ولذا يصح أن يصطلح على الأولى (بالساقور) من السقر وهو حر النار وأذاها. وفاعول كثيراً ما جاء عندنا لأسماء الآلات وألم يذكرها النحاة في مؤلفاتهم.(9/196)
مدن العراق القديمة
إذا جاء أحد أبناء لغتنا يزور هذه الديار المباركة، فانه لا يجد كتاباً عربياً يقفه على مدنه القديمة، فيضطر إذا كان من عارفي اللغة الإنكليزية إلى مطالعة كتاب من كتبها، وقد وضعت إحدى سيدات الإنكليز واسمها دورتي مكي كتيباً أودعته كل ما يجب أن يعرفه زائر هذه الديار القديمة بعبارة موجزة، فآثارنا نقله إلى لغتنا لينتفع به من يجهل تلك اللغة، وقد طلبنا إلى الأديب فنسان أفندي م ماريني أن ينقله إلى لساننا، فلبى طلبنا. ودونك هذه الترجمة مبتدئين بأول صفحة منه.
(ل. ع)
المقدمة
تختلف أرض الرافدين كل الاختلاف عن مصر والأرض المقدسة (فلسطين)، إذ يرى سهل العراق المنبسط غاية الانبساط، أشهب اللون، كثير التراب، ذيالك السهل الذي يتطلب وحياً وخيالاً ليستحسن ما فيه، كل ذلك بعد القفار الصخرة والضفاف الشامخة التي تكتنف وادي النيل فضلا عن كثبان ارض اليهودية والجليل ومآب الحجرة وجبال لبنان الشاهقة المكسوة أشجاراً.
ولكن لا يدوم تأثير النظرة الأولى. ولو كان الناظر ذا خيال وأعاد في مخيلته تلك الأراضي الغربية كما كانت - ولعلها ترجع يوماً إلى قديم شأنها - لشعر في اللحظة بخفي جاذبيتها وعجيب مزاياها.
ولعمر الحق أنها لجديرة باسم مهد البشر. لان سكان تلك الأصقاع كانوا منذ ثلاثة آلاف سنة قبل تاريخنا هذا (التاريخ المسيحي) في حالة من التمدن، لم يصل إليها الإنسان إلاَّ بعد ألوف السنين - لا بعد مئات من السنين - من الجد والاختراع، والفكر والعمل، وتطور الحكم والنظام. ويرى إلى هذا الحين ذاك السهل القفر محفوراً كله حفراً كأنها الشباك وهي كل ما بقي من نظام الري، ذلك النظام الذي كان على جانب من الفخامة، وحق لمهندسه أن يحمد عليه بل ويحمده عليه مهندس هذا الزمن؛ وكانت تسقي تلك القني مزارع عظيمة
جعلت هذه الديار مخزن غلة الشرق. ولنعد إلى خيالنا أيضاً الحدائق والجنات المحيطة(9/197)
بالقرى والضياع ترى أخربتها في كل جانب - وترى الآن رواب منخفضة غير منتظمة مبعثراً فوقها عدد لا يحصى من الشقف والآجر وبعض الخرز والأختام الأسطوانية. وترى أحياناً سكاكين الصوان أو قطع من الرقم المسمارية. وكان هناك بلدان عظام ممنطقة بأسوار هائلة يمكن اقتفاء أثرها إلى هذا اليوم. وحكمت كل بلدة في حينها هذه الأراضي، وفي بعض الأوقات أصبحت سيدة العالم المتمدن بأسره، وكانت تلك العواصم غنية جداً لأنها موئل التجارة، فضلاً عن أنها مركز الدين والسياسة وكعبة العلماء والفلاسفة.
وغزا هلاكو وقومه المغول هذه الأراضي قبل بضعة قرون غزوة كادت تقضي على الديار جميعها، لأنهم هدموا القني، فنزف دم المملكة، واصبح العراق مذ ذاك الحين، يباباً وخراباً ثم استأنف الغول سيرهم؛ ولكن قبل أن تتماثل هذه الديار من تلك الضربة، هجم عليها تيمورلنك القهار فأتم خراب ما فات يد هلاكو. وبقي العراق على تلك الحالة. لان الترك لم يقوموا بعمل يذكر في أثناء سيادتها ليرجعوا البلاد إلى سابق عمرانها.
ولم يذكر في هذا الكتيب خلاصة تاريخ أرض الرافدين. وأن كان ذلك بصورة عامة. إذ لا يمكن في أي مختصر كان، بيان عصور هذه الربوع بصورة صحيحة، إذ أقوامها عديدة وتقلباتها غريبة. ولما كان فيها من الأديان والنحل ما اجتمع منها كتلة نشأ منها كل ما في العراق من المزايا المتنوعة. وفي آخر هذا الكتيب جدول أهم الأزمنة مع تواريخها من باب التقريب وقد نقلتها من مؤلفات كنبريج للتاريخ القديم. والتي لاعترف بفضل مؤلفيها. ويطلب إلى القارئ أن يراجع ذلك الجدول حين يتصفح المذكرات المختصرة المختصة بالمواقع التاريخية المتعددة التي يزورها. والملحق الحاوي أسماء الكتب يعين الزائر كل الإعانة ويضيف إلى ما يعرفه من الأمم والأزمنة والأماكن التي يجب الوقوف عليها أكثر من سواها.
وقد اصطلحت في تأليفي هذا (الدليل) على وضعين: الأول، تدل الكلمة (قديم) على الزمان الجاهلية وعليه لم اذكر البلدان المقدسة أو البلدان الني فيها من أبنية المسلمين المهمة سواء أكانت دينية أم غير دينية. الثاني: لم اذكر(9/198)
التنبيهات للوصول إلى المواقع التي لها شأن في الآثار القديمة اللهم إلاَّ إذا كان يتسنى السفر إليها أو إذا حفر في تلك الأماكن. فتأتي أبنيتها
الزائر بفائدة.
والنظام في وصف المواقع القديمة موافق نظام دائرة القطار. لأن المواقع التي تقصد زيارتها تقرب من محطات القطار ويسهل الوصول إليها إلا البعض منها. وتعرض دائرة قطار العراق تسهيلات خاصة على جماعات الزوار. وفي محطة الحلة ومحطة اور ترى دور للاستراحة يتاح لمن يرغب في النوم والغداء فيها بأسعار معقولة.
وبعد مشاهدة الأماكن التي فيها من الآثار القديمة التي تقرب من بغداد، يحسن الزائر أن يجول في أطراف بابل وذلك بعد أن يحط رحاله في كل محطة وهو راكب القطار القاصد إلى البصرة. وعندما تتم تلك السياحة، يعود إلى بغداد، ومن ثم يطوف في مدن آشورية على حد ما عمل في رحلته السابقة.
وبالتالي أود أن أعبر عن مزيد شكري للبعثتين: بعثة أور التي اشتركت في إقامتها المتحفة البريطانية ومتحفة فيلادلفية. ولبعثة كيش المشترك في إقامتها (اج ولد) (لاتسفورد) ومتحفة (ميدان شيكاغو)، وذلك لسماحها إياي استعمالي التصويرات، وإني لأقر أيضاً بفضل بعثة كيش لأني استفدت من خريطتها لذلك الموقع التي صورت من الجو، ونظمت خريطتي لكيش من تلك الخريطة. وأما خريطة آشورية وخريطة أراضي بابل، ورسم بابل فنقلتها عن التاريخ القديم لكنبريج وعن المفكرة الرسمية الدالة على أخربة بابل، فاعترف بفضلهما أيضاً.
د. م
الفوائد التي يستفيدها من يقصد الزيارة
أقترح لراحة من ينوي زيارة العراق ما يلي:
1 - أن أحسن موسم يذهب فيه إلى العراق هو الموسم الذي يبتدئ من نصف تشرين الأول (أكتوبر) إلى نصف كانون الأول (ديسنبر) ومن نصف شباط إلى نصف نيسان. وفي غير تينك المدتين تهبط الأمطار بغزارة فتصبح تربة تلك الأصقاع الغريلية كثيرة اللزوجة بعد أن تمتزج بالماء، ويصدف في الأغلب برد زمهرير في الليل.(9/199)
2 - ومن الأمور الضرورية للمسافر أن تكون معه حقيبة ومخدة وبسط ثم فراش خفيف يسهل رزمه. ومن لا يعرف أحداً من أهل البلاد في المواقع المنفصلة لا يحصل على غير
الخانات وغرف الانتظار في المحطات القطار. وإذا عرف أحداً يخشى أن تضيق كثرة الزوار النازلين في موطن واحد، ذلك الموطن الذي اصبح ملجأ له، مع أن الضيافة التي يتلقاها المسافر من سكان العراق سواء أكانوا عرباً أم أوربيين تفوق الإطراء. والحقيبة كثيراً ما تزيد في راحة راكب القطار، لأن السفر فيه طويل. ولا بد من أن يكون قليل السرعة.
3 - ويرجح استعمال صندوق خفيف للثياب عوضاُ عن الصندوق الكبير الثقيل، ولاسيما من يقطع الطريق براً إلى بغداد، ليتسنى وضع ذلك الصندوق الصغير على جانبي السيارة.
4 - ومن الضروري لبس ملابس مدفئة في السفر بالسيارة، لأن تبتدئ الرحلة في أكثر الأحيان فجراً، والهواء وقتئذ يكون في الغالب بارداً قارساً. حتى في أشهر القيظ. وعلى من يكون معه أوراق توصية تعرفه بإنكليز في بغداد، أن يأخذ معه ملابس الليل الرسمية.
5 - يجدر بالسائح أن يتخذ لنفسه كمية قليلة من العقاقير التالية: الكينة والأسبرين والكلورودين والحامض البورقي وبوتاس البرمنكناة. وتفيد الكلمة (الناموسية) في بعض الأحيان.
6 - لا تفيد العدة الزائدة بل ربما تصبح حملا ثقيلا تعيق المسافر، عوضاُ من أن تعينه، اللهم إلاَّ إذا كان في نيته السكنى في الخيم.
7 - وتتخذ دائرة قطار العراق ما يلزم لراحة جماعات الزوار، وتعد لهم عربات بفرش للنوم، وتفصل تلك العربات عن خط القطار، مدة يوم أو أكثر في محطة كانت إذا طلب إليها ذلك.
توطئة
لا يمكن للإنسان في عصرنا هذا عصر الجد والعمل أن يطلع على شؤون الأقدمين اليومية، وهم قوم من أصقاع شاسعة. اللهم إلاَّ الخبير المتخصص لذلك الموضوع. وإذا قابلنا ما كان يتعلق بأمر ملجأهم والمشاكل في العثور على المواد(9/200)
لبناء منازلهم. فالنسبة بين كل ذلك وبين ما نحتاج إليه من لوازم هذا الزمن الضرورية تكون زهيدة جداً. ولا يمكن للمرء أن يفكر ملياً في أسلوب البابليين في سقي حقولهم، أو في كيفية قيامهم بحروبهم التافهة. بالنسبة إلى ما شاهدناه في هذه الأيام، أيام الحرب العظمى، ولكن إذا راجعنا بعض
المعلومات المختصة بحياة الأقدمين اليومية ومشاكلهم، يزداد حبنا للاطلاع على مدنهم المنقرضة. فأتوقع أن ما يأتي في هذا التأليف الصغير المجمل للحقائق التاريخية، يفيد بعض الفائدة كثيرين من أولئك الذين لا يساعدهم وقتهم على المطالعة.
اللبن وتزيينه
إن ارض العراق الأدنى الممتدة من بغداد إلى البحر سهل عظيم متقوم من التربة الغريلية التي يأتي بها الرافدان الكبيران، وانك لا ترى تلا ولا صخراً في هذا المنبسط الفسيح. ولعدم وجود الحجر في هذه الديار، اضطر المعمار في كل عصر، حتى في هذا الزمن، أن يعتمد على اللبن ليشيد الجدران، وأما السقوف فيتخذها من أغصان الشجر والحصير والتراب، وييبس اللبن الخشن الصنعة في حرارة القيظ بسرعة. ويتصلب تصلباً كافياً. وكان الأقدمون يشيدون معظم بيوتهم وقصورهم ومساجدهم وزقوراتهم (مفاتيلهم) بهذه المادة. وكانوا يجعلون الآجر في الأغلب على وجوه الجدران المتخذة من اللبن وذلك لتكون اثبت، وقد عثر على أخربة الاتاتين في إثناء الحفريات. ولا شك في أن أصحاب دانيال الثلاثة شدراخ وميشاخ وعبد نغو القوا في أتون من تلك الأتانين (دانيال الفصل الثالث الآية 20).
وكان لحب الطرز تأثير في شكل الآجر، كما انه يؤثر في سائر الأشياء. وهذه الحقيقة هي العون الأكبر لمستكشفي الآثار القديمة في تفسير مشكلات التاريخ القديم. وعم الاعتقاد إلى هذا الحين أن صانعي الآجر الأقدمين في العراق رجحوا طرز الآجر المسمى (المسطح المقبب) على سواه ويعمل ذلك في ملبن مستطيل من خشب يملأ صلصالاً معجوناً ويصقل ما يبرز منه بعض الصقل. ولكن الحفريات الحديثة دلت على ما يرجح الظن أن في الأيام السالفة نفسها كان يصنع الآجر الثخين القائم الزوايا.(9/201)
وترى في الآجر المسطح المقبب في أغلب الأحيان إشارة خاصة. لبناً كان أم آجراً، وتكون تلك الإشارة بالإبهام أو بالأصابع وأحيانا بالعصا. وربما كان هذا الوسم، وسم الصانع، يدل على مأخذ آجره.
ثم أخذ الآجر المسطح المقبب بمرور الزمان يفلطح ويخفف فظهر في عهد سرجون الأول أن حدث انقلاب سياسي مع انقلاب في تكييف الآجر، وصنع الآجر منذ ذلك الحين على
شكل مفرطح مربع. ويتضح أن سرجون - وكان رجلا طموحاً - يفضل الضخامة في كل شيء؛ والآجر والخواتم الأسطوانية الشكل التي صنعت في عهده هي من أكبر ما ترى في التاريخ العراق القديم. ويظهر أن الآجر (المسطح المقبب) لم يصنع في العهد الذي عقب دور حكم الساميين في تلك الأصقاع، بل حل محل هذا النوع من الآجر صنف آخر، هو مربع أو مستطيل على اختلاف الأقيسة، وأصغر من آجر سرجون. كما أن الرقيم المسماري حل محل وسوم الإبهام أو الإصبع التي كانت ترى في أول زمن الشمريين، ويذكر ذيالك الرقيم في الأغلب ما قام به بعض الملوك من عمل ديني في تشييد مسجد اله أو تعميره، ويرى في رقيم الآجر المسماري ما يثني على أعمال نبو كدراسر الثاني (بخت نصر) في كل مدينة تقريباً من مدن سهل بابل.
أن الطبيعة البشرية الناشئة في أرض، كأرض العراق الزاهية بألوان متناسبة، تأنف من تلقاء نفسها من لون اللبن الغامق وهو ما يرى دائماً. والكاشي الملون بأزرق واخضر الزاهيين، ذلك الكاشي الذي تزخرف به المساجد في هذا العصر، يشهد جميعها بحب البهاء، ومثل ذلك قل عن الصبغ الأصفر الفاقع والأزرق البديع الفاتح اللذين يصبغ بهما معظم دور بغداد. كما أن القدم كان لون اللبن يبدل بما يحسنه لكي ينفي عن النفس وحدة لونه وذلك بلباقة في الفن ربما تفوق ما يجري في هذا الزمان. وعثرت البعثتان. بعثة كيش وبعثة أور، على قطع بديعة مركبة بالصدف والمحار؛ ومن أعجب مصنوعات الفن إفريز الثيران المصنوع من النحاس الأحمر البارز الذي كشف في تل العبيد. ويظهر أن في الأزمنة التي عقبت ذلك العصر، حل الآجر المدهون بالطلاء محل المصنوعات المرصعة. ولا يزال باب اشتر في بابل يدهش الناظر مع إنه مجرد من كل زليج(9/202)
(كاشي) وكان هذا الباب في أيان عصره يتألق بألوانه الزاهية.
وأما قطعة الأراضي الواقعة فوق بغداد؛ تلك القطة التي تقابل مملكة الآشوريين القديمة، فهي أسعد حظاً من سهل شنعار المنبسط، إذ أنها تحتوي على الحجر للبناء به، ولاسيما ذلك الحجر المعروف (بمرمر الموصل). وعليه كان البناءون الآشوريون يشيدون مساجدهم وقصورهم فوق مساطب عظيمة وجهها حجري، وكانوا يزينون جدران قصورهم الهائلة المتخذة من اللبن بألواح المرمر ويحفرون تلك الألواح حفراً واصفين فيها مآثرهم الملك في
الحرب والقنص.
الروابي ومعانيها
لما سقطت المدن القديمة وانقرض سكانها بالحرب، أم بسبب آخر، خربت قصورهم ومساجدهم ومنازلهم خراباً سريعاً، إذ كانت تلك الأبنية مسقفة بالخشب وجدرانها من لبن وربما هدمت قصداً. ونزع الآجر منها فحمل ليعمر به بلدان جديدة. وبالحقيقة، أصبحت بابل لأهل الحلة وبغداد (منجم آجر) بحيث يرى في حيطان كثير من بيوت هاتين المدينتين الرقيم المسماري من عهد نبو كدراسر، ويحصل الكلس من إحراق ألواح المرمر المحفورة، من زمان الآشوريين، وقد ربح قرويو منطقة الموصل بهذه الوسيلة ربحاً طائلاً.
وما بقي تم خرابه بالحر والبرد والمطر والريح وعواصف التراب الشديدة، وبليت أقسام الجدران العليا التي لم تزل قائمة؛ وملئ تراباً كل شق وذلك رويداً رويداً، كما حدث في الأبنية التي حفرت مؤخراً. ولم يبق الآن من الأبنية الشامخة شيء سوى رواب كبيرة واطئة وهي تنخفض ويتساوى أسفلها بمرور الزمان.
ولا يظهر أي اختلاف لمن ينظر إلى تلك الآكام من باب الاتفاق، سواء أكانت اثر مدينة أم بلد أم قرية، إذ لا يرى فرق إلاَّ في اتساعها، بيد أن الباحث الآثار القديمة التي يزورها، تتجلى له القصة بكل وضوح لما فوق وجه هذه الآكام من مواد مبعثرة، ولاسيما حوالي حاشيتها، وتظهر تلك الأشياء أما بعد أمطار الشتاء، وأما بعد تذرية الريح للتراب. وتدل قطع الأدوات المصنوعة من حجر الصوان أو مناجل الظران على عهد قديم، وكذلك كسر الجرار المدهونة والآجر المسطح المقبب. وتشهد شقف لوح الرقيم أو الخواتم الأسطوانية(9/203)
على عصر احدث. ويظهر ذلك أيضاً من الآجر المستطيل المسطح وكسر الجرار غير المصبوغة المصنوعة من خزف اثخن واخشن؛ وأما الآجر المطلي بدهان اخضر أو ازرق، والزجاج المصبوغ بألوان قوس قزح فيشهدان على احتلال الفرثيين أو الفرس.
وتأخذ المدينة المبنية باللبن بالخراب على الدوام ولو كانت آهلة بسكانها. وكانت العادة كما هي الآن إذا سقطت دار من الدور المشيدة باللبن أن يمهد موضع الخراب فيبنى فوقه بناء جديد. وفي اغلب الأحيان كان البناء الجديد يتبع خطة الجدران القديمة، ولاسيما إذا كان ذلك مسجداً؛ فتبجيلاً للإله لا يجري أي تغيير كان. وعليه حين يحفر الباحث عن الآثار
القديمة عن موضع قديم يعثر غالباً على بقايا عصور عديدة مبنية الواحد فوق الآخر، وتكون الطبقة السفلى هي القديمة عصراً. وعندما يزيح الطبقة الواحدة عن أختها ويدرسها، ينكشف تاريخ الموضع شيئاً فشيئاً. وهكذا يجري الباحث في عمله عند تنقيبه حتى يأتي إلى آخرها. وإذا كان هناك قطع عمودي واقعاً في تل مرتفع، فيدل ذلك بكل صراحة على نشوء مدينة وتعميرها الدائم في خلال أزمنة كثيرة. ويعرف كل زمن بما يمتاز به من الآجر وكسر الجرار التي تظهر في الطبقات المتتالية، وتكون الطبقة التي في الأعلى هي الحديثة عهداً؛ وأما الطبقة السفلى فربما ترجع إلى زمن فجر التاريخ.
القني القديمة
اضطر أهالي ارض الرافدين الأدنى، إلى أن يعتمدوا في كل زمن إلى الري لسقي حقولهم، وذلك لأن الأمطار تهبط بقلة، وحرارة القيظ شديدة يابسة، وحفرت القني في تلك الأصقاع منذ القدم - لاسيما في ضفة الفرات اليسرى - ونقلت هذه القني الماء إلى أقصى أراضي سهل شنعار، تلك الأراضي المتقومة من تربة غنية خصبة. وكان اعتماد الشمريين على السقي في نجاح زرعهم اعتماداً تاماً بحيث كانت كل دويلة مدن على أهبة الحرب في كل حين لمقاومة مجاوريها إذا تحرشوا بما يلزمها من الماء أو قطعوا الماء عنها بتاتاً. وعليه اصبح تاريخ شمر بالإجمال قصة تقص نجاحاً متعاقباً وسلطة متبادلة بين عدد من دويلات المدن المحاربة بعضها لبعض.(9/204)
فوائد لغوية
في مجلة الشرق البرازيلية السانباولية
أطلعني صديقي الموقر العلامة صاحب لغة العرب على ما تضمنته مجلة الشرق من الرد عليه بأنه كان قد أخذ على صاحبها الأديب موسى كريم وهمة وهمها في كتابه المسمى ب (تأثيرات سياحة) وهي قوله (السيدة المصون) و (والدته المصون) وليس ذلك الرد لصاحب المجلة بل لجورج مسرة الأستاذ فطلب إلي الأب المحترم أن أكون حكماً في هذه القضية. فلذلك أقول:
أن الأب انستاس اصلح لفظ (المصون) بإضافة الهاء لان الموصوف مؤنث فصارت الصفة (المصونة) فرد عليه جورج مسرة بأن العرب يحبون الحذف كثيراً عند أمن اللبس وان الحذف عنده في هذه اللفظة جائز وان اللبس ممتنع لكون الرجل (صائناً) أبداً ولا يوصف بالمصون مطلقاً، وقد ذكر من الحذفيات ما خرج به عن القضية خروجاً تاماً فنحن لا نتعرض إلاَّ لما يمس المجادل فيه. وتعرضنا مقصور على الأمور التالية الآن:
(1) قابل هذا الأديب الفاضل (المصون) بطالق وثيب، ومطفل ومتئم ومرضع، مع أن هذه الصفات على اختلاف أوزانها هي أسماء فواعل لا أسماء مفعولات، و (المصونة) اسم مفعول، فالقياس باطل إذن لاختلاف النوعين.
(2) واحتج بان الصلة حذفت من (مندوب) و (معتوب) في قول بعضهم، ونزيد له على ما ذكره قولهم (مأذون) و (محجور) و (مدلول) و (مشترك) ولكن المحذوفين غير متشابهين، ولزوم التأنيث اشد من لزوم هذه الصلة، ألا ترى انك مع حذفك الصلة ملزم أن تقول للمؤنث (مندوبة ومأذونة ومحجورة ومدلولة ومشتركة) فالتأنيث اللازم لا يستغني عنه، كما في هذا الموضوع.
(3) واحتج بقوله تعالى في سورة الأعراف (إن رحمة الله قريب من(9/205)
المحسنين) وقال: (فقد قيل: إن رحمة ذكرت لأنها مضافة إلى المذكر، وقيل: لان قريب صفة لمحذوف مذكر أي أمر قريب) وندحض هذا الاحتجاج بما ذكرناه في المادة الأولى من اختلاف اسم الفاعل واسم المفعول في المعنى، ولا يراد ههنا الشاذ، فالقريب صفة مشبهة باسم الفاعل
والمصون ما علمت، وندحضه بأن (السيدة) ليست مضافة كالرحمة حتى توافقها الحجة، وبأنه لا يصح التقدير بان يقال (السيدة إنسان المصون) لان وضع الهاء اسهل وأدل من هذا التقدير البارد ولان الموصوف النكرة لا يوصف بالمشتق المعرف بال مثل (المصون) فكل ادحاض من هذه الادحاضات مانع للقياس، بله انه جاء في مختار الصحاح (ولم يقل: قريبة لأنه أراد بالرحمة الإحسان، وقال الفراء: القريب في معنى المسافة يذكر ويؤنث، وفي معنى النسب يؤنث بلا خلاف). على أننا لا نذهب إلى هذه الأقاويل بل نعتقد أن (فعيلاً) في اللغة العربية القديمة كان يستوي فيه المذكر والمؤنث والواحد والجمع وهذا القريب من آثاره، ومنها (الرقيق) قال في المختار (والرقيق: المملوك واحد وجمع) و (الصديق) ففي المختار (وقد يقال للجمع والمؤنث: صديق). و (قليل) قال في المختار (وقوم قليلون وقليل أيضاً)، قال الله تعالى: (واذكروا إذا كنتم قليلا فكثركم) وقال السموءل:
تعيرنا أنا قليل عديدنا ... فقلت لها: إن الكرام قليل
و (كثير) وعليه قوله تعالى في سورة آل عمران (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فنا وهنوا لما أصابهم في سبيل الله. . .)
(4) واحتج أيضاً بقوله (لان الرجل صائن أبداً ولا يوصف بالمصون) وهذا قول من لا تحقيق له، فان المصون من الصفات التي تستعمل للرجل قال الشريف الرضي - رح - يمدح بهاء الدولة البويهي:
تهن بمطلع النيروز وابلغ ... مطالع مثله حيناً فحينا
مرجل كل نائبة مقيماً ... مديلا للعدى أبداً مصونا(9/206)
وقال الطغرائي الأبي:
أصالة الرأي صانتني عن الخطل ... وحلية الفضل زانتني لدى العطل
فهو أذن مصون عن الخطل والأصالة صائنة، واصبح قول الرجل واهياً مدحض الحجة.
(5) وقال: (ولم لا يجوز ذلك ونحن نصف الرجال والمرأة على السواء بالصور والغيور والقتيل دون تاء للمرأة؟) قلنا: أما (فعول) فقد استويا فيه لئلا يلتبس ب (فعولة) بمعنى مفعولة كركوبة، وأما (فعيل) فلئلا يلتبس ب (فعيل) بمعنى فاعل مثل (عتيق) فراجع لغة العرب (9: 58) وأما جعله (القتيل) من الذي لا يؤنث أبداً فوهم ظاهر فأنها تؤنث إذا لم
يذكر معها الموصوف قال في المصباح المنير (قتلت الأسيرة كما يقال رأيت القتيلة) ومنهم من خالف الأصل فقال (امرأة عدوه) و (وناقة جسورة) وقال الشريف الرضي:
ومن كان ذا نفس تطيع قنوعة ... رضي بقليل من كثير ثراء
وفي (ك ك ب) من المختار (يقال: كوكب وكوكبة كما قالوا: بياض وبياضة وعجوز وعجوزة) وجاء غيرهن.
(6) وقال (يمكن المصون أن تجعل صفة لمحذوف مذكر كما بعض الأمثلة التي قدمناها كأننا نقول (السيدة ذات العرض المصون أو العفاف أو الشرف المصون) قلنا: إنباض بغير توتير وفعل بغير تدبير. فانه إن جاز له هذا التقدير كان جديراً بان يقول (السيدة) فقط ويقدر لها في ذاكرته (المصونة) فتقدير كلمة أولى من تقدير كلمتين إذا صارت اللغة تعرف بالتنجيم والرقى والعزائم والزايرجة بل هذه طريقة اختزال جديدة، بل عليها تقول (هذا شريف) وتقدر (غير شريف) فالمسوغ لتقدير كلمتين يجيز تقدير كلمة واحدة بلا ريب فالحقيقة أن تقدير كلمة أو كلمتين ليس بقياسي بل هو وليد شهرة الصفة وطول العهد بها، والصفة لا تنوب عن الموصوف إلاَّ سماعاً لكثرة تداول الألسنة لها ولموصوفها، وحذف هاء التأنيث غير داخل في هذا الباب فما يفيد الإسهاب فيه.(9/207)
(7) وان تعجب فعجب قول صاحب تلك المجلة الفاضل في ص 36 (نحن نذكر انه يجوز التذكير والتأنيث في هذه الحال) فعمن ذكر؟ وفي أي كتاب قرأ فذكر الآن؟ وأورد جواب زميله عطية الأستاذ صاحب الفتى ونصه (يجوز أن يقال امرأة مصون باعتبار حملها على الصفات المختصة بالمؤنث كطالق ومرضع وإنها دالة على الثبوت) قلنا: وقد ذكرنا أن تخصيص المصون بالمؤنث غير ممكن لا تصاف المذكر به فسقطت الحجة إذن، ولشدة إصرار الفاضل موسى كريم على غلطه استعمله في هذا العدد الذي تكلمنا على ما فيه وهو دليل على كرهه للحقيقة، وفقه الله تعالى لضبط النفس والرشاد.
أغلاط المجادلين
(8) قال جورج مسرة الأديب في ص 22: (فالرجاء من حضرة الأب العلامة أن يتساهل معهم بحذفها إكراماً لله) قلنا: والتساهل يقتضي متساهلا (اسم فاعل) ومتساهلا عليه (اسم مفعول) ولا اثر للثاني في قوله. فالصواب أن يقول (يتساهل عليهم في حذفها) أما الله
تعالى فلا يعد تشويه لغة القرآن إكراماً لنفسه. فلا إكرام لله تعالى في حذف هاء المصونة. بل الله نعى عليهم لي ألسنتهم فقال (ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غر مسمع وراعنا، لياً بألسنتهم وطعناً في الدين ولو انهم قالوا سمعنا واطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقوم) وشاهد ما قدمنا هو ما جاء في مادة (غ م ض) من المختار وصورته (وغمض عنه: إذا تساهل عليه في بيع أو شراء) وقد تساهل الأب على صاحب الشرق ولكن الغلط الشنيع لا يتساهل فيه يا أيها الأديب، وقد تساهلت أنا مع الأب عليكم فلم تنجوا من (التساهل).
(9) وقال صاحب المجلة في ص 36: (وقد نشر الأستاذ اللغوي جورج مسرة مقالا بهذا الصدد في غير مكان من هذا العدد) فمعنى (غير مكان) يلد على انه بدون كان وهو غير مراد ويدل أيضاً على انه نشر المقال في مكانين أو اكثر منهما وهو غير واقع فالقائل مخطئ والصواب (في مكان غير هذا من العدد) كقوله تعالى في سورة يونس (قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن(9/208)
غير هذا أو بدله).
10 - ونشر رشيد عطية الأستاذ في ص 43 الانتقاد الأدبي ودعا على إصلاح غلطه إذا كان غالطاً، وقد وصف صعوبة النقد اللغوي فقال: (يضل فيها مهرة الناقدين فضلا عن أمثالي من المتطفلين) فاخطأ لتقديمه العظيم على (فضلا) وهو يؤخر، قال معاوية بن أبي سفيان (إن نساء بني خزاعة لو قدرن أن تقاتلنني فضلا عن لفعلن) وقال أبو هلال العسكري في جمهرة الأمثال (ليفهمها الغبي فضلا عن اللقن) وقال الشريف المرتضى في رده على قاضي القضاة (يجب أن يعرفه العوام فضلا عن العلماء) راجع (6: 533) من لغة العرب.
11 - وقال: (إلى المزالق التي يعثر فيها كثيرون من الكتاب) والمزلقة لا تكون معثرة والأولى ضد الثانية فالأولى (التي يزلق فيها الكتاب).
12 - وقال: (يقولون: فتشت على عمل والصواب: عن عمل) قلنا: هذا هو المشهور ونذكر إننا خطأنا في مجلة العرفان من خالف هذا المشهور غير إننا نقول حباً للحق: قد عثرنا على هذا في كلام المولدين فقد قال يحيى بن سعيد بن الدهان الموصلي على رواية:
فصرت الآن منحنياً كأني ... أفتش في التراب على شبابي
وقال القاضي شمس الدين بن خلكان في ترجمة المبرد: (فقعد قدامها يفتش عليه) فالتعبير
ليس بخطأ وكلانا مفرط.
13 - وقال (ويقولون: يأبى عليه إباؤه، وهذا غلط فاضح لآن الفعل لا يحدث عن المصدر فلا يقال: يأبى الإباء كما لا يقال: يضرب الضرب ويبكي البكاء ونحو ذلك) قلنا: وهذا قول من لا تحقيق له لأن إسناد الفعل إلى المصدر المعنوي ضرب من المبالغة ولذلك قيل (جن جنونه) و (جد جده) قال أبو فراس:
سيذكرني قومي إذا جد جدهم ... وفي الليلة الظلماء يفتقد البدر
أجل لا يقال (ضرب الضرب) ولا (بكى البكاء) لأنهما غير معنويين لا لأن ذلك لا يجوز مطلقاً فهذا إفراط في التغليط.(9/209)
14 - وقال (ويقولون: مضى لحد الآن سنوات، وهو تعبير عامي والصحيح: مضت حتى الآن) قلنا: وهذا خطأ ظاهر منه لأن الفعل قبل جمع المؤنث مطلقاً يجوز تذكيره وتأنيثه قال ابن عقيل في شرح الألفية: (جاز إثبات التاء وحذفها فتقول: قام الرجال وقامت الرجال. . . وقام الهندات وقامت الهندات). وقال السيوطي: (قام الرجال وقام الهندات على تأولهم بالجمع). فإذا جاز تذكير جمع المؤنث الحقيقي السالم فكيف لا يجوز تأنيث المجازي مثل (سنوات)؟ ومثل الجمع اسمه ومنه قوله تعالى في سورة يوسف: (وقال نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه) فكيف هذا يخفى على ناقد لغوي؟؟.
15 - وقال أصلحه الله (ويقولون: أداه الأسر إلى الثورة، والصواب: أدى به) قلنا: لم يذكر اللغويون سوى (أداه) وهي لغة القرآن وقد غلطنا نحن في لغة العرب من قال (أدى به) ونذكر أننا رأينا (أدى به) في معجم الأدباء لياقوت أو هو من غلط الطبع وكيفما كان الأمر فالذي ضعفه رشيد عطية الأستاذ هو الفصيح وما قواه هو الضعيف فلينظر أي إصلاح هذا؛ قال اسحق ابن خلف:
إن هبت الريح أدته إلى عدن ... إن كان ما لف منها غير معقود
16 - وتكلم على (لو) فقال (ويوردون جوابها بصيغة المضارع وحقه أن يكون ماضياً مربوطاً باللام) قلنا: ليس هذا بلازم دائماً قال ابن عقيل في شرح الألفية (ولا بد له (لو) هذه من جواب وجوابها إما فعل ماض أو مضارع منفي بلم، وإذا كان جوابها مثبتاً فالأكثر اقترانه باللام نحو (لو قام زيد لقام عمرو) ويجوز حذفها فتقول (لو قام زيد قام عمرو) وان
كان منفياً ب (لم) لم تصحبها اللام فتقول (لو قام زيد لم يقم عمرو) وان نفي بما فالأكثر تجرده من اللام نحو (لو قام زيد ما قام عمرو) ويجوز اقترانه بها نحو (لو قام زيد لما قام عمرو) ا. هـ. قلنا وفي القرآن الكريم (ولو علم الله فيهم خيراً لأسمعهم) و (لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا) و (لو شاء الله ما اقتتلوا) و (قل لو شاء الله ما تلوته عليكم) وقال الشاعر (ولو نعطى(9/210)
الخيار لما افترقنا). وقال آخر: (لو كنت من مازن لم تستبح ابلي) ويكون فعل الشرط ماضياً ومضارعاً كما رأيت وكقول كثير:
رهبان مدين والذين عهدتهم ... يبكون من حذر العذاب قعودا
لو يسمعون كما سمعت كلامها ... خروا لعزة ركعاً وسجودا
وقال تعالى: (ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم) وقد يحذف خبرها ويدل عليه ما قبله كقول علي (ع) لحبيب بن مالك صاحب شرطته كما في (1: 277) من شرح ابن أبي الحديد (وأنت ههنا اعظم غناءاً منك لو كنت معهم) وتنوب (لو) عن (إن) الشرطية الوصلية كقوله تعالى (ولن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء ولو حرصتم) وراجع (7: 640) من لغة العرب، ولا تؤمن بقول مؤلف تذكرة الكاتب اسعد خليل داغر (وكثيراً ما يستعملون الحرف (لو) مكان (إن) فيقولون. . . لا ارهب جانبهم ولو كن وحدي. . . والصواب: وان كنت) فهو قول من لا يعتمد عليه ولا يركن إليه لأن حلول (لو) محل (إن) قد نبه عليه العلماء ودرسه الطلاب قال المبرد محمد بن يزيد المتوفى سنة (285) هـ في (1: 194) من كاملة تفسيراً لقول الأخطل:
قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم ... عن النساء ولو باتت بأطهار
ما نصه (وقوله: ولو باتت بأطهار، ف (لو) أصلها في الكلام أن تدل على عدم وقوع الشيء لعدم وقوع غيره تقول (لو جئتني لأعطيتك ولو كان زيد هناك لضربته) ثم تتسع فتصير في معنى (إن) الواقعة للجزاء تقول: أنت لا تكرمني لو أكرمتك، تريد: وان أكرمتك، قال الله عز وجل: وما أنت بمؤمن لنا ولو كنا صادقين) فما عليك من جهل داغر لهذا ضرر ولا تبعة ولا اقتداء.
17 - وقال (وقولهم: أخذت ما يقوم بمصارفاتي. ولا أدري من أين أتوا بالمصارفات، فهم يريدون: المصروفات بمعنى النفقات) قلنا: نحن ندله على مأتى المصارفات، فالمصرف
كالمطلب والمذهب والمقصد والمبحث مصدر تعددت أنواعه فاستوجب الجمع فصار (مصارف) ثم جمع جمعاً سالماً فصار (مصارفات)(9/211)
وجمع الجمع جائز (راجع 9: 52) من لغة العرب و (1: 115) من خزانة الأدب وقال الزمخشري في المفصل: (ويجمع الجمع فيقال في كل أفعل وأفعلة: أفاعل، وفي كل أفعال: أفاعيل، نحو: أكالب وأساور واناعيم، وقالوا: جمائل وجمالات ورجالات وكلابات وبيوتات وحمرات وجزرات وطرقات ومعنات وعوذات ودورات ومصارين وحشاشين).
فمن يتعرض للنقد يجب عليه أن يتبحر ويتبصر.
19 - وقال (ويقولون: كرت زيارة، وما كان ضره لو قالوا: مزارة فاستغنوا عن الكلمتين بكلمة وتحاشوا اللفظة (كذا) الأجنبية أيضاً) قلنا: نفهم من المزارة أنها باعثة على الزيارة و (مفعلة) صيغة ما يبعث على فعلها غالباً كقولهم: (الولد مجبنة مبخلة) أي يحمل الأب على الجبن والبخل، وتلك الورقة في الحقيقة لا تبعث أحداً على الزيارة وإنما هي مقدمة الزيارة ومن متمماتها بحسب آداب الفرنج الحديثة. فالأولى أن تسمى (الإستئذانية) أو رقعة الزيارة وقوله (وتحاشوا اللفظة) ليس بفصيح فالفصيح (تحاشوا عن اللفظة) ولو كان ما بعد الواو مصدراً أو اسم مصدر لجاز حذف الجار قال الفيومي في مادة (ب د ن) من مصباحه: (وشركة الأبدان: أصلها شركة بالأبدان لكن حذف الباء ثم أضيفت) فعلى هذا يقال (وتحاشي اللفظة) وليس باللغة العالية.
20 - وقال: (ومن تراكبيهم المشوشة: عسى أن يحل التحكيم السلمي. . . والاصرح أن يقولوا: عسى التحكيم السلمي. . . إن يحل، وهكذا يجب أن يراعى الترتيب في كل تركيب ولا يعمد إلى تقديم وتأخير إلاَّ لغرض بياني أو نحوه) قلنا: ليس هناك تعبير مشوش والحقيقة أن (عسى) تستعمل تامة كما في تعبير الذي استقبحه هذا الناقد على رأي وناقصة كما في العبارة التي ارتضاها هو قال ابن عقيل في شرحه (وأما التامة فهي المسندة إلى (أن) والفعل نحو: عسى أن يقول. . . ف (أن) والفعل في موضع رفع فاعل عسى. . . واستغنت به عن المنصوب الذي هو خبرها، وهذا إذا لم يل الفعل الذي بعد (أن) ظاهر يصح رفعه به، فان وليه نحو: عسى أن يقوم زيد فذهب الأستاذ أبو علي الشلوبيني. . . .) ثم ذكر أن (أن) وما بعدها في محل رفع فاعل (عسى)(9/212)
على رأي الشلوبيني والمبرد
والسيرافي والفارسي وأجاز الثلاثة المتأخرون أيضاً أن تكون (أن) والفعل في محل نصب خبر مقدم لعسى و (زيد) اسم لها مؤخر ولكنهم لم يعيبوا التعبير المذكور. وجاء في سورة الأعراف: (وان عسى أن يكون قد أقترب أجلهم فبأي حديث يؤمنون) والله الهادي.
دلتاوة:
مصطفى جواد
مستدركات على مختار الصحاح
قال في ح ول: (والتحول: التنقل من موضع إلى موضع. . . والتحول أيضاً الاحتيال) ولم يذكر (تحول بمعنى: تغير وصار)، مع انه قال في ق ب ل (وقد قبلت الريح من باب دخل أي تحولت قبولا) وفي ن ض ض (والناض إذا تحول عيناً بعد أن كان متاعاً).
وقال في ح وط: (وأحاطت الخيل به واحتاطت به) ولم ينقل (أحاط عليه) وهو الناقل في ش ر ب (وفي الحديث: ملعون من أحاط على مشربة)
وقال في ح ش ع: (والتخشع: تكلف المخشوع) ولم يذكر (التخاشع) بمعناه مع انه نقل في س ق ف عن ابن السكيت قوله (لأنه يتخاشع) وذكرها صاحب التاج في مادة م وت
وقال في غ ض ض: غض طرفه: خفضه وغض من صوته) وما أدري لم ذكر معه (من) الاقلالية وهي عارضة كما ورد في وصية لقمان ع في القرآن الكريم ولم يذكر (غضه) فقد قال في خ ف ض (وخفض الصوت: غضه) وهذا هو الأصل في الاستعمال.
وذكر في خ ل ص (وخالصه في العشرة: صافاه) ولم يذكر (فتخالصا) أي تصافيا وقد ذكره في ص ف ا
وفي ن س ب قال: (فلان يناسب فلاناً. . . وبينهما مناسبة أي مشاكلة) ولم يضف الرازي إلى المختار (ناسب الأمر غيره أي لاءمه) مع انه هو القائل في خ ون (قلت: هذا التفسير لا يناسب سبب نزول الآية) لأن المشاكلة مبهمة.
(له)(9/213)
باب المكاتبة المذاكرة
نظرات شتى
1 - لسان العصافير
لسان العصافير، معروف في الموصل ويسمونه هناك: (لسان العصفور) واكثر شيوعه بين طلاب المدارس يولعون به تارة، ويتركونه أخرى. وهو معروف أيضاً في بغداد، واكثر شيوعه فيها بين تلميذات مدارس الموسويين على ما روي لي.
2 - رسالة القواد
اشكر الأدباء الذين اهتموا برسالة ذم القواد، لكاتب العروبة الخالد الذكر أبي عثمان الجاحظ، التي نشرتها وصححت ما أمكنني تصحيحه فيها. فتصحيح صديقنا الأديب يوسف بك غنيمة لكلمة (حالس) ب (حالوش) مفرد حواليش بمعنى وتد لا يخالف المقام، خصوصاً لورود الجمع (حواليش) في الأبيات التي تلت. وأني معجب خاصة بتصحيح الأستاذ اللغوي البارع أ. ف. بقي علينا شيء واحد وهو أننا بعد أن صححنا (حاف كاتشكن) ب (حاق كانشكر) لزمنا أن نوضح معنى حاق في هذه الجملة. فالحيق بالشيء بمعنى الإحاطة به لا يمكن أن يكون المقصود هنا. لأن لابد من أشخاص عدة ليحيطوا بالشيء وهنا كانشكر مفرد ولكن إذا حاق بمعنى حاك كما يقال حاك السيف والقدوم والفأس يحيك حيكا إذا اثر، استقام المعنى وكان مطابقاً لقولنا: اثر عامل الصدود بقلبي.
أما اعتراض صديقنا الفاضل مصطفى جواد على بيت الانبار وذهابه إلى انه بيت النار فغير صحيح. فان الانبار في الحمام هو الجرموز الذي يكون فيه الماء الحار ويكون مرتفعاً قليلا عن مستوى المبازل (الحنفيات) لينفذ منه في القنوات(9/214)
إلى المبازل (الحنفيات). وما زالت الكلمة مستعملة في الموصل ويلفظونها (عنبار) ويقابلها بالأفرنسية أما بيت النار فالمشهور انه هيكل النار للمجوس المعروف عندهم باسم (آذاركده
3 - شدخ وشرخ
وجاء في هذه المجلة في عددها السابق أيضاً إنكار كلمة شدخ (9: 144) ومحاولة إصلاحها بشرخ استناداً إلى الطبعة المصرية لفقه اللغة وحدها، حال كون جميع كتب اللغة. الأخرى، ذكرتها بالدال. أرى أن (شدخ) بالدال هو الصحيح وهؤلاء أهل الموصل بدوها وحضرها شهداء أحياءاً ناطقين. فانهم يقولون (شدخ) للغلام إذا شب وطال. وهذا الزبيدي يقول في تاجه: (غلام شادخ شاب كما في الأساس واللسان). وشدخ وشادخ من مادة واحدة. وكون كلمة شدخ تفيد أيضاً معنى الولد لغير تمام إذا كان سقطاً لا ينفي المعنى الأول. فكم من كلمة أفادت معاني كثيرة لا بل كم من كلمة أفادت معاني متضادة!
4 - التلفزيون والراديو
ولقد أعجبتني كثيراً ترجمتكم للتلفزيون بالمباصرة والراديو بالنث. بارك الله فيكم.
داود الجلبي
(ل. ع) لم ننكر فعل (شدخ) وإنما أنكرنا أن يكون الشدخ بمعنى الشرخ فالشرخ على ما في التاج: (أول الشباب ونضارته وقوته وهو مصدر يقع على الواحد والاثنين والجمع. وقيل: هو جمع شارخ، مثل شارب وشرب. وقال شمر: الشرخ الشباب، وهو اسم يقع موقع الجمع. قال لبيد:
شرخاً صقوراً يافعاً وأمردا
وفي الحديث: اقتلوا شيوخ المشركين واستحيوا شرخهم. . . وجمع الشرخ: شروخ وشرخ (بضم فتشديد). أهـ وأما الشرخ فبعيد عن هذا كله وهيهات أن يأتي بمعناه. ولو فرضنا أن عوام العرب كلها قالت: الشدخ هي الشرخ ولم يقلها الفصحاء، فليس ذلك حجة على الفصحاء، لأن اللغة تعتبر في فصحائها الثقات لا في ماسخيها الإذناب.(9/215)
5 - في الزقزقة
ورد خطأ في هجاء الكلمات على قاعدة الزقزقة فكلمة (رايح) وردت في السطر السادس (رزايزح) وفي السطر الخامس (ريزايزح) والصواب الأول وفي السطر السادس (المزح رزاقزا) والصواب (المزاحرزاقرزة) أي المحرقة. وورد في السطر السابع لفظ (حالك)
هكذا (سيزايزح تزك) والصواب (حزالزك)، وجاء في السطر العاشر (مزن سزان ازستزارزي) والصواب (مزشزان ازاشتزارزي) فالأصل (مشان اشتري).
وجاء في السطر الحادي العشر (وزارزع هزو) والصواب (وزابزاعرزه) أو (بزاعدزو) على اللهجة السورية وهي (وبعده)
وفي السطر الثالث عشر (هزونزا أزي لزا) والصواب (هزونزاك ازارا زوح) لان الأصل (هناك أروح)
وفي السطر الخامس عشر (سزامزيع) والصواب (جزامزيع) أي جمع
قواعد الزقزقة
1 - أن يكسع الحرف في الكلمة بزاي إلاَّ الحرف الأخير فلا يكسع بل يبقى وحده فتقول في (كيف): كزيف وفي (من) مزن.
2 - أن يوضع بعد الزاي الكاسعة حرف مد من جنس الحرف الذي قبلها باستثناء الزي الأخيرة وحف العلة مقل (غوزرفزه) فقد وضع الواو بعد الزاي الأولى وهو مناسب لحركة ما قبلها أي الغين فتقول في (أنام): أزانزام، وفي (إلى) ازيلزا؛ وقد يحذف أن كان واواً.
3 - حرف العلة لا يكسع بزاي فتقول في حليت (حزالزيب) لا (حزالزيزب) وقد ذكرناه.
4 - الحرف الذي للمعنى إذا كان مفرداً في المبنى يوضع بعد زاي كسعه مد يجانس حركته، فتقول في الواو والفاء (وزا) (فزا) وفي لام الجر (لزي).
وهذه الزقزقة كانت في آخر عهد الترك بالعراق مستفيضة أوسع الاستفاضة(9/216)
بين الصبيان والأحداث في بغداد فكانوا يتصرفون بالحروف الكاسعة فيكسعون بالكاف مثلا فيقولون في (وين رايح): وكين ركايكح، وفي (إلى البستان): إكالكل بكستكان وفي (أحوش رمان): اكاحكوش، ركماكان.
وقد يستعملون النون قبل الباء الكاسعة فيقولون في تاخذ (تنباخنبذ) وفي آكل (انباكنبل) وفي نروح (ننبارنبوح) وهلم جرا.
ومن المؤكد أن الحروف ما عدا حرف المد كلها يكسع بها ولكن هذه اللغية قد تضاءلت الآن كل التضاؤل فلا يستعملها الصبيان إلاَّ شذوذاً.
6 - في مقال ابن فارس
1 - ورد في ص 113 (والريان: كثير الماء الحسن البشرة) والأولى (الكثير الماء الحسن البشرة) ليستوي الخبران في التحلي بأل كقوله تعالى (هو الغفور الودود) أما الإضافة فهي لفظية لا تفيد تعريفاً.
2 - وفي السطر 13 ما نصه (وفيها الرواجب وهي عصب ظاهر الكف) وفي السطر 16 (والرواجب بطون عقد الأصابع) وهذا تناقض ظاهر ونوع من الارتياب والتوقف الذي استبعدتموه عن ابن فارس.
3 - وجاء في ص 111 سطر 13 (وجلدة الرأس هي الفروة فظاهرها: البشرة وباطنها الأدمة وذلك في الجلد كله) وفي ص 115 (وفي البطن الصفاق وهي جلدة البطن التي تحت الجلدة الظاهرة) فقد تنوعت الجلدات.
4 - وفي ص 115 أيضاً (وهي أربع وعشرون فقرة، والفقرة والجمع فقار) والأصل (فقر) كعنب، هذا الذي ذكره اللغويون واستعملوه، أما الفقار كسحاب فهو جمع فقارة كسحابة بمعنى الفقرة ولسنا ننكر مجيء (فعلة) كإبرة على (فعال) كلجام فهو مقيس عندنا مثل (ذهبة ذهاب) و (رمة رمام) و (رهمة رهام) و (عقصة عقاص) و (كفة كفاف) و (لمة لمام) و (لقحة لقاح) و (ليطة لياط) و (مرة مرار) لكن المستعمل المروي في جمع الفقرة هو (فقر) كما ذكرنا، وقال ابن خلكان في (2: 348) من الوفيات (ويقال: ذو الفقار بكسر الفاء أيضاً جمع فقرة بكسر الفاء وسكون القاف ولم يأت مثله في الجموع إلاَّ قولهم: (إبرة إبار) ولا نعلم مصدر نقله والشهير اثبت.(9/217)
7 - عود إلى رسالة ذم القواد
1 - ورد في (9: 26) من لغة العرب (ومعز ترد به الأحزان وخاصة تذهب بالصنيعة) قيل في الحاشية (كذا في الأصل ولا يظهر له معنى يطمئن إليه) وارى أن الأصل (الضغينة) وهي الحقد. والخاصة الصالحة تذهب بحقد الإنسان. قال ابن الطقطقى في ص 130 من الفخري (روي أن المنصور أحضر يوماً أنساناً ذكر له انه وثب على عامله ببعض النواحي فقال له المنصور: ويحك أنت المتوثب على فلان العامل؟ والله لأنثرن من لحمك اكثر مما يبقى منه على عظمك، وكان شيخاً كبيراً فانشد بصوت ضعيف:
أتروض عرسك بعدما هرمت ... ومن العناء رياضة الهرم؟
فقال المنصور: يا ربيع ما يقول؟ قال: يقول:
العبد عبدكم والأمر أمركم ... فهل عذابك عني اليوم مصروف؟
فقال: (قد عفونا عنه فلينصرف) فالربيع بن يونس كان يذهب بالضغينة وهو من الخاصة (ووردت هذه الحكاية في ص 204 من جمهرة الأمثال).
2 - وورد في ص 27 (فحذر يا أمير المؤمنين أولادك (وأوصهم) بأن يتعلموا) ولا نرى وجهاً لهذه الزيادة لان (حذر) الثلاثي قد أتى بمعنى (تيقظ وتأهب) و (حذره تحذيراً) من ذلك السنخ فمعنى (حذرهم بأن يتعلموا: أيقظهم بالتعلم) ووجود (أوصهم) يترك (حذر) مبهماً وما كل الحذوف متساوية.
3 - وجاء في ص 33 (في مقدار ثوب ثماني (يماني) فما) والأولى (يمان) بالنقص والتنوين قال في المختار (اليمن بلاد للعرب والنسبة إليهم يمني ويمان مخففة والألف عوض من ياء النسب فلا يجتمعان قال سيبويه: وبعضهم يقول: يمني بالتشديد، وقوم يمانية ويمانون مثل ثمانية وثمانون) قلنا: والتشديد يكون في الشعر قال العرحي وهو أمية بن خلف:
أني أتيحت لي يمانية ... إحدى بني الحارث من مذحج(9/218)
يمانياً يظل يشد كيراً ... وينفخ دائماً على لهب الشواظ
4 - وفي ص 33 (فلو رميت بفأس ما سقط إلاَّ على كتف) ولعل الأصل (سقطت) لأن الفأس مؤنثة وإنما يكون حذف التاء من الفعل المؤنث إذا كان الفاعل مؤخراً عن (إلا) قال ابن هشام في ص 68 من شرح قطر الندى (وكان الظاهر أن يجوز في نحو: ما قام إلاَّ هند، والوجهان ويترجح التأنيث كما في قولك: حضر القاضي امرأة. ولكنهم أوجبوا فيه ترك التاء في النثر لأن ما بعد (إلا) ليس الفاعل في الحقيقة وإنما هو بدل من فاعل مقدر قبل إلا).
5 - وجاء في حاشية ص 35 (الطلل من السفينة: جلالها عن ابن سيدة والجمع أطلال وهي شراعها) قلنا: وكذلك في القاموس لكنه قال (والجل. . . وبالفتح: الشراع ويضم جمعه جلول) فالطلل إذن: الجل، بالأفراد لا بالجمع وهذا الوهم كوهم الفيومي في المصباح
فانه قال (المعى: المصران) وقد قال قبل هذا (والمصير: المعى والجمع مصران. . . ثم المصارين)
6 - وجاء في ص 37 (فراع كواعب الآداب واكف عذارى الألباب) والأولى (اكتنف عذارى الألباب) والمعنى متصل متسق.
7 - وجاء فيها أيضاً (ونظمته الفطنة ووصل (واتصلت) جواهر معانيه في سموط ألفاظه) والأولى (ووضن جواهر معانيه في سموط ألفاظه أي نضدت وشبكت قال تعالى (على سرر موضونة) وقال كثير في الموضن بمعنى المنضد.
عرفت لسعدى بعد عشرين حجة ... بما درس نؤي في المحلة منحن
قديم كوقف العاج ثبت حواؤه ... مغادر أوتاد برضم (موضن)
8 - وفي ص 31 (وأجل رمص الغفلة ببرود اليقظة) والأولى (بمرود اليقظة) قال في المختار (والمرود بالكسر: الميل)
9 - وفي ص 38 أيضاً (ثم اجمعوا (على) أن ابلغ) وحذف حرف الجر(9/219)
ههنا مطرد كما ذكرنا غير مرة، وقد ذكر الأب انستاس أن (ألقت) الذي نقلناه عن جمهرة الأمثال هو الفث، وهو عين الصواب، لكن طبعة الهند (ومنها النسخة التي عندنا) أخذته بالتاء المثناة من فوق فوهمنا نحن فما اكثر فساد هذه الطبعة!
8 - في قضايا شتى
1 - ورد في ص 15 من ذلك الجزء (ومما يؤسف له انه لم يرد في تلك الكتابة) والصواب (منه) لأن اللام تفيد انه محبوب مع انه مكروه راجع (7: 240) ويقال (يؤسف به) وكلاهما بمعنى.
2 - وفي ص 14 (في كلامه عن تل هوارة، والفصيح (على تل هوارة) وان كان المتكلم عليه معنوياً جاء أمران (فيه) و (عليه).
3 - وفي ص 16 (من الخشب المنخور) والصواب (النخر) و (المنخر) لأن (نخر) الثلاثي لازم وغلط هذا الغلط صاحب المنجد الأب لويس معلوف فقد قال في مادة (أكل) ما صورته (أكل أكلا وتأكل السن أو العود: صار منخوراً وسقط) والمنجد حافل بالأغلاط العظيمة التي يؤلف في تصويبها كتاب مستقل.
9 - تابع لنقد المجمل
ونقلنا في (9: 69) من لغة العرب أن حسان بن ثابت كان جباناً جداً ثم رأينا في (ص 135) من نكت الهميان في نكت العميان قول مؤلفه الصفدي (وقد رأيت بعضهم ينكر جبنه واعتذر له بأنه كان يهاجي قريشاً ويذكر مثالبهم ومساوئهم ولم يبلغنا أن أحداً عيره بالجبن والفرار من الحروب وقد هجا الحارث بن هشام بقوله:
إن كنت كاذبة الذي حدثتني ... فنجوت منجى الحارث بن هشام
ترك الأحبة أن يقاتل دونهم ... ونجا برأس طمرة ولجام
وما أجابه بما ينقض عليه ويطعن عليه بل اعتذر رضي الله عنه عن فراره بقوله. . . وقال ابن الكلبي: إن حسان كان لساناً شجاعاً فأصابته علة أحدثت له الجبن فكان بعد ذلك لا يقدر أن ينظر إلى قتال ولا يشهده).
مصطفى جواد(9/220)
أسئلة وأجوبة
هورم وأم حلمي
حيفا (فلسطين) عبد الله مخلص: أعمل منذ مدة على جمع وتدوين أسماء وأصناف الثياب العربية التي اربت على المئات والتي فيها لنا الغناء عن المسميات الحديثة وبيان المنسوب منها إلى مصانعه الخاصة مستشهداً على ذلك بأبيات من الشعر الجاهلي والإسلامي لإثبات صحة الدعوى والنسبة.
وقد استوقفني في محيط المحيط للمرحوم البستاني استشهاده ببيتين من الشعر هما:
وعليه أتحمي ... نسجه من نسج هورم
غزلته أم حلمي ... كل يوم وزن درهم
فإذا صح هذا الاستشهاد فيكون هورم نساجاً وأم حلمي غزالة، أو أن هورم اسم مدينة نسب إليها النسيج.
والذي في كتب اللغة أن الاتحمي والاتحمية والمتحمة برد، والتحمة بالتحريك البرد المخططة بالصفرة.
وقد انفرد علي بن رشيق القيرواني المتوفى سنة 456هـ 1064م في كتاب العمدة في صناعة الشعر ونقده بقوله أن البرود الاتحمية منسوبة إلى أتحم باليمن.
وأتحم هذه لم يذكرها لنا ياقوت في معجمه ولا عرض الهمداني بها في صفة جزيرة العرب ولا جاء عليها نشوان بن سعيد الحميري في منتخبات في أخبار اليمن من كتاب شمس العلوم ودواء كلام العرب من الكلوم حتى نسلم لابن رشيق بوجودها.
أما هورم الرجل فلم يتصل بنا خبره، ولا نعرف مدينة بهذا الاسم إلاَّ(9/221)
أن تكون محرفة عن جهرم التي عرفت ببسطها الفاخرة لا بثيابها.
أما أم حلمي فلم تقرا ولم نسمع بان العرب سموا حلمي ذلك الاسم الذي انتقل إلينا من العثمانيين بل من متأخريهم.
فهل تهدونا هدانا الله وإياكم سبيل الرشاد إلى هورم وأم حلمي ومن هما؟
ج: تدوين ضروب الثياب بأسمائها وعزوها إلى قائليها من احسن الأعمال اللغوية. وقد
سبقكم إلى مثل هذا العمل دوزي العلامة الهولندي، لكنه لم يتفرغ إلاَّ للثياب التي أتخذها المولدون. أما عملكم هذا فيتناول أوضاع الجاهليين وما بعدهم إلى عصر المولدين وهو عمل لم ينفرد به أحد. إذن نعم العمل عملكم.
أما البيتان اللذان استشهدتموهما نقلا عن محيط المحيط، فقد وردا في كتاب (العين). ونقلهما الجوهري في صحاصه، ونسخة (العين) التي عندنا غير مضبوطة في اغلب المواطن، أما الصحاح فلدينا نسخة كتبت على نسخة المؤلف في السنة الثانية بعد الستمائة ومضبوطة احسن الضبط، إلا إنها سرقت في سقوط بغداد في سنة 1917 ومزقت شر ممزق، ثم توفقنا للعثور على بعض أوراق منها فجمعنا منها ثلاثة أجزاء. ولحسن الحظ يرى فيها مادة ح م وفيها البيتان مضبوطان أحسن ضبط. وهما غير منسوبين إلى احد، بخلاف ما جاء في الصحاح المطبوعة، إذ قد نسبا فيه إلى عروة بن الورد. وقد بحثنا عن هذين البيتين في ديوان هذا الشاعر فلم نجدهما.
واتحم ذكرها البكري في معجمه قال في باب الهمزة: (أتحم بفتح أوله وسكون ثانيه وبالحاء المهملة، على وزن افعل: موضع باليمن وهو الذي تنسب إليه الثياب الأتحمية). أهـ
وهورم، وزان جوهر، اسم عربي قديم، أما أن يكون مخفف (هدورم) الوارد في التوراة (سفر الخلق 10: 27) وهو من أسماء العرب الأقدمين، وما مخفف هورمزد الفارسي الأصل. والعرب كثيراً ما تستطيل الاسم الأجنبي فتكتفي باتخاذ جزء منه - بصدره أم بعجزه - فتقول مثلا: الهزار واصله هزاردستان. وتقول (النشا) والديك (بمعنى الأثافي) واصلهما: نشاستج(9/222)
وديكان. ونفضل أن يكون (هورم) مقطوعاً من هورمزد لأن اغلب النساجين فرس واغلب الثياب الفاخرة من صنعهم، أو أنها صنعت في ديارهم، ومنهم تعلمت سائر الأمم. وهورمزد تكتب بصور مختلفة: هورمز وهرمزد، وهرمز وارمزد وارمز واورمزد، وارمزد وهو شائع إلى عهدنا هذا في ديار العراق بين الفرس والنصارى والصائبة. واغلبهم يقول اليوم: هرمز وبعضهم يصغره بصورة هرميزي. وعلى كل حال ليس هورم تصحيف جهرم ولا هو بلد ولا بلاد بخلاف ما ذهبتم إليه.
أما (حلمي) في (أم حلمي) فليس من أعلام الرجال الأقدمين. ولقد أحسنتم. في قولكم أن العرب لم تسم أحداً (حلمي) ولا بأمثاله. لأن هذا الضرب من العلم من أوضاع الفرس، ثم
جاراهم في وضع أمثاله الترك فاكثروا منه.
وليس (حلمي) بالحاء المهملة، كما وردت في محيط المحيط، إنما هي (خلمي) بالخاء المعجمة المكسورة وبالياء الخفيفة في الآخر وهي للمتكلم هكذا أورد هذا البيت صاحب (العين) على ما يرى في نسختنا. إلاَّ أن الألفاظ غير مضبوطة فيه بالشكل الكامل وهي مضبوطة احسن ضبط في نسخة الصحاح التي أشرنا إليها. ومعنى الخلم (بكسر الأول) الصديق. فيكون معنى البيتين: (وعلى الرجل ثوب أتحمي نسجه هورم. بعد أن غزلته أم صديقي (ولعله يريد بأم صديقه: أم هورم نفسه. فيكون المعنى: وبعد أن غزلته أمه) كل يوم وزن درهم.
وخلمي وردت بالخاء المعجمة في الصحاح المطبوع في مصر. وأما في لسان العرب فقد جاءت بالحاء. وعلق الطابع على هذا البيت ما هذا نصه بحروفه وهو في الحاشية: (قوله: من نسج هورم. هذا في الأصل. بالراء. ومثله في بعض نسخ الصحاح. وفي بعضها: هوزم بالزاي. وقوله: (أم حلمي) في الأصل بالحاء. وفي نسخ الصحاح بالخاء. وحرر. أهـ مصححه.)
فصاحب محيط المحيط تبع رأياً من هذين الراءين، وهو الرأي السخيف الذي لا معنى له. ولهذا يجب أن لا يطالع هذا الديوان اللغوي إلاَّ بكل تيقظ(9/223)
وانتباه.
مطالعة مجلة الدهور
س. منامة (جزيرة البحرين) السيد م. ح. الهندي: أتستحسنون أن نشارك في مجلة (الدهور) الببروتية؟
ج. نعم، إذا أردتم أن تتعلموا النفج والطرمذة والتبجح والإدعاء الفارغ فأنها احسن ذريعة إلى بلوغ هذا الغرض. أما إذا أردتم أن تستفيدوا فائدة صادقة من علوم العصر وآدابه وفنونه وإتقان العربية والمحافظة على ديانتكم، فان هناك مجلات وجرائد لا تحصى من سورية وفلسطينية ومصرية وعراقية. وكل منها متفرغة لبحث من هذه البحوث. فإبراهيم الحداد يتخذ مطرقته للضرب على إينشتين، وجورج برنارد شو، وشاكر خليل نصار، ووديع نقولا حداد، والأرشيمندريت أبي طبر إلى غيرهم. لأن كل هؤلاء وأمثالهم لا يفهمون شيئاً في نظره. وكيف يتصور انهم شيء مذكور وهو القائل في ص 471: (إن ما
يراه الأستاذ نصار موجوداً ويستنتج من وجوده مبدعاً مستقلا، (هو الله بنظره). مع أن (هذه الكلمة لا معنى لها (كذا). . . أقول أن ما يراه الأستاذ موجوداً هو وهم من أوهام فكره (كذا). . . مع أن القدماء اعتقدوا حسبما قيل (عن لسان إلههم (كذا) في التوراة) ولم يجرب أحد منهم أن يثبت ما قيل بالامتحان. . . (ص 472) ويقول للأستاذ نصار (في ص 473): (فالأوفق له أن يرضى الحضور إلى الإدارة (إدارة مجلته) كل يوم ساعة على الأقل لتعريفه ما خفي عنه (كذا بحرفه).)
فمن كانت هذه بضاعته وآدابه وعلمه، فماذا يرجى من مجلته، وهو - لو أراد أن يتتلمذ للأستاذ نصار - لا يستحق أن يحل سيور نعال اصغر تلاميذه - لكن استنشاق ريح العلم الكاذب يفعل في العقل، ما يفعله السم في الجسم، فانه لا يغذيه بل ينفخه نفخاً ليقتله قتلا.
الهيكل وأصله
بغداد. ب. م. م. قرأت في الشرق (29: 81 إلى 84) مقالة في اصل هذه الكلمة. قل صاحبها انه شمري لا أكدي، وإذا كان شمرياً فهو ليس(9/224)
بسامي وختم مقاله بان أنحى عليكم باللائمة بعد أن غط قلمه في مداد السب والشتم القذع. فلماذا لم يتعرض للذي نقلتم عنه، لم اكتفى بان حقره بصورة مجملة ثم تركه، فانهال عليكم بوجه صفيق لا يعهد إلاَّ في أبناء الأزقة والذعار، لا في الأدباء ولا في لابسي ثياب الأبرار.
ج: الرجل يثأر لنفسه والثأر الجاهل لا يضبط نفسه وسبب غضبه إننا بينا غير مرة مفاسد آرائه المتعددة فضحك منه صغار الأحداث كما في قوله: الآمالي الألسنية (وهو يريد اللسانية)، والتوراة لم تأت عند النصارى بمعنى العهدين القديم والحديث مع أن هذا يخالف مصالحهم، وان العرب اخذوا عن الشمريين لفظة البارية، مع انهم أخذوها عن الفرس وهؤلاء عمن تقدمهم من كانوا في ديارهم، ولرفضنا أيضاً إدراج بعض مقالاته السخيفة في مجلتنا. فلما جرح في (شمخرته) قام ينهال علينا بتلك الشتائم التي تنم على تربيته الأولى التي نشأ عليها، حتى أن حياة الرهبانية لم تتمكن من تغيير شيء منه، إذ أن رسخت فيه تلك المعايب وهل (العود يقلح)؟
التشاعر أو التلباثية
س. الإسكندرية (مصر) م. ن. س - ما احسن كلمة عربية تؤدي معنى الكلمة الإفرنجية تلباثية
ج. التلباثية مركبة من (تلى) أي بعد. و (باثوس) أي شعور. ومحصل التركيب: الشعور عن بعد. وهو شعور الإنسان بحادث يقع وقوعاً حقيقياً لكن على بعد منه، فيشعر به في وقت وقوعه عينه، أو هو شعور بأحوال تجعل معرفة الإنسان إياها أمراً محالا من جهة ماديته، - ولهذا صح أن يسمى هذا الشعور (تشاعراً) لأن التفاعل كثيراً ما يدل على البعد مثل التراسل والتذاؤب (تذاؤب الريح) والتساقط، وان كنا لا ننكر أن تفاعل يدل على القرب أيضاً؛ إلاَّ أن هذا لا يمنع ذاك. فالتشاعر في نظرنا احسن لفظة تؤدي المعنى المطلوب وهي أخف لفظاً من الكلمة الأجنبية وأدل على ما يراد، فلا تحتاج إلى أن يفسرها أحد لعربي يسمعها لأول مرة ولا يحتاج إلى معرفة لغة دخيلة.(9/225)
باب المشارفة والانتقاد
38. تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر
(الجزء 3)
عصر محمد علي، بقلم عبد الرحمن الرافعي بك.
إذا أراد الباحث أن يقف وقوفاً صادقاً على تاريخ مصر منذ انبعاثها إلى عصر محمد علي واحتاج إلى معتمد يعتمد عليه، فما عليه إلاَّ أن يستمد أنواره من هذا السفر الجليل في أجزائه الثلاثة. وقد مر الكلام على الجزءين الأولين (8: 224 إلى 225) وهذا الجزء الثالث طوي على ذينك الغرين، بل ربما فاق صنويه. نعم كتب بعضهم من غربيين وعرب في هذا الموضوع، لكننا لم نر في تلك المصنفات التحقيق الذي ألفيناه في ما وشته بنان الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي بك، فقد وجدناه أوغل في بعض التدقيقات إيغالا لم (يقاربه) فيه أحد اقرأ مثلا تفاصيل الحملة التي حملتها إنكلترة على مصر في سنة 1807 وهي الحملة المعروفة بحملة الجنرال فريزر، وحملتها الثانية سنة 1840 فانك تجد فيها من بديع الأخبار والأحداث ما لا تجده في أي كتاب سواه. وقد غط المؤلف يراعته في مداد الوطنية والأباء والشمم، ما يبقي لكتابه حسن الأحدوثة والذكرى الطيبة، ويجعله إياه من أبناء وادي النيل البررة الذي يشار إليهم بالبنان.
ومما يسرنا أن هذا الجزء محكم العبارة متقن الكلام، كأنك تقرأ منه تصنيفاً من صدر الإسلام. وقد حافظ على مصطلح العرب في كل سطرخطه. فبينما تجد بعض الضعفاء المؤلفين يكتبون نصيبين (في شمالي سورية) نزيب، تراه لا يحيد قيد شعرة عن صحيح اللفظ ولا تراه يقول مرة (نزيب). وقد وقع هذا الجزء في 650 صفحة بقطع الثمن على ورق صقيل ثخين بديع مجلداً تجليداً إفرنجياً.(9/226)
وقد جعل صاحبه ثمنه 25 قرشاً مصرياً وهو ثمن بخس بالنسبة إلى ما حوى من جلائل المباحث والأخبار. فنهنئ حضرة الرافعي بك بإخراجه هذا الكنز إلى قراء العربية ونتمنى له الرواج الذي يستحقه، وعسى أن ينسج من يجئ بعده هذا النسج البديع مقتفياً آثار
الأستاذ لتتم به الفائدة.
39. كتاب المخارج في الحيل
للإمام محمد بن الحسن الشيباني، ويليه رواية أخرى لهذا الكتاب للإمام السرخسي، نشره واعتنى بتصحيحه يوسف شخت في سنة 1930، وثمنه 9 مركات ذهباً (أو 9 شلنات).
استقاء الماء من مورده، خير من استقائه من سواقيه، وكذا يقال عن مناهل العلم. وقد تغلغلت هذه الحقيقة في نفوس العلماء الغربيين كل التغلغل ولذا تراهم يعنون العناية القصوى بطبع مؤلفات علماء الشرق الذين تقدموا العلماء المولدين أو المعاصرين، وقد عني الأستاذ يوسف شخت (بطبع المخارج في الحيل) وهو في الفقه، والإمام الشيلاني من اعظم الفقهاء، توفي في سنة 189هـ فجاء من أتقن ما يطبع في ديار الغرب، وقد نقله إلى الألمانية وجعل قيمة الأصل ولنقل 22 مركا (أو شلناً) وقيمة النسخة العربية 9 مركات ذهباً، وقد طالعنا شيئاً كثيراً من صفحاته فوجدناها سالمة من خطأ الطبع. اللهم إلاَّ في ص 48 س2 حيث يقول: (قال لها زوجها أنت طالق ثلاثاً أن سألتيني الخلع) هكذا بياء بعد التاء في مخاطبة الأنثى، وهو لا يستحسن من جهة أحكام القواعد العربية والشعراء والعوام تنطق به. وفي تلك الصفحة س12: فيكون ذلك جائز ألانها منه). هكذا وردت. ولا شك أن هذا الخطأ من المنضد. والصواب: (جائزاً لأنها منه). وفي ص 92 س16: فقلت يا أمير المؤمنين ماذا فنيت به الشيعة. والصواب فتنت به الشيعة. هذا كل ما أصبناه في مطالعتنا. فهذا أبين دليل على أن المستشرقين يعنون كل العناية بما يتولون طبعه، بينما نرى كتبنا التي تطبع في ديارنا الشرقية طافحة بالأغلاط الشنيعة. فالكتاب إذن جليل من أي وجهة كان.(9/227)
40. رجال البر والعمل
بقلم مراد فؤاد حقي، طبع القدس في 75 صفحة بقطع الثمن الصغير.
يتضمن هذا الكتاب ثماني تراجم: ماريوحنا مطران ماردين - ماراغناطيوس مطران أورشليم - البطريرك يوحنا ابن المعدني - المطران عبد النور الرهاوي - البطريرك يعقوب الثاني - البطريرك بطرس الرابع - المطران بهنام سمرجي - المطران صليبا
البشيري - وكلهم من رؤساء الدين من طائفة السريان غير الكاثوليك. وقد احسن واضعها في تنسيقها، ونشر تصاوير كثيرة من المترجمين. وكنا نود أن تخلص عبارتها من بعض الأوهام الشائعة فقد قال مثلا في ص 3: وانحنيت أمام رفاته. . . قارئاً عليها سلاماً. - وفي ص 4 واعتقد أن رفات هذا الحبر. . . لتهتز طرباً في مرقدها، - والفصيح أن الرفات مذكر مثل فتات وحطام وما شابههما. وإلا فالكتاب لا يخلو من فائدة.
41. خزانة مخطوطات القس بولس سباط السرياني الحلبي
طبع في مصر القاهرة في مطبعة السريان في مصر الجديدة، ورقم صندوق البريد 1905.
يعتبر القس برلس سباط من الرجل الذي لهم الأيادي البيض على أبناء الشرق كافة. وذلك لأنه أنقذ من أيمان الجهلة والعبثة بآثار السلف كتباً جمة إذ اقتناها بماله الخاص، فأنجاها من التلف. ولو فعل الغير مثل ما فعله هذا الأب الغيور: لوصل إلينا كنز ثمين من تراث الأجداد. وقد ابتدأ بجمع هذه الدرر منذ سنة 1913 فبلغ ما عنده من المخطوطات 1125 ويكاد يكون كلها عربياً في مختلف المواضيع ويكثر فيها التأليف النصرانية. وقد وقع وصف هذه الأسفار في جزءين، صفحات الأول 204 وصفحات الثاني 252 وهما باللغتين الفرنسية والعربية ليستفيد من الوقوف عليهما أبناء الشرق والغرب. وكنا نود أن يزيد حضرته في الفهارس التي وضعها فهرساً آخر يحوي أسماء الكتاب ليسهل على(9/228)
الباحث مراجعة ما يحب الوقوف عليه من غير ما عناء ولا مشقة. فننصح للأدباء اقتناء هذه الخزانة لما حوت من الفوائد الجليلة.
42. المساطر
ديوان شاعر البلمند: الشيخ حنا اسعد زخريا، الجزء الأول في 40 صفحة بقطع الثمن، طبع بمطبعة مجلة الكرمة في سان باولو (البرازيل).
يعد الشيخ حنا اسعد زخريا من المفطورين على الشعر، فهذه قصائده العامرة الأبيات تشهد على علو سبقه في حلبة هذا الميدان. وقد علمنا من رسالة خاصة وجهها حضرته إلينا أن الديوان طبع في غيابه ولذا وقع فيه أوهام عديدة من سقط الطبع. فقد جاء مثلا ص 27: كلمة سجا مرتين مثنى فعل سج بمعنى سجى. وكان يجب أن يقال سجيا. وإذا قيل انكسر
البيتان. وذكر:
بلى سجا بأوراق ال ... غضا والنخل والآس
وليس للغضا أوراق ضخام ليسجى بها الميت. كما ليس للنخل أوراق بل سعف وورق السعف الخوص. وجاء الكهربا مؤنثا فقال: تضيء الكهرباء والصواب انه مذكر وعسى أن تصحح في الطبعة الثانية (ليكون أطيب الطعام في أحسن وعاء).
43. الألسنة والأقلام السامية (هدية)
للأب ضورم الدمنكي
الأب ضورم الفرنسي معروف بقدمه الثابتة في اللغات الشرقية من قديمة وحديثة. وقد وضع هذا التأليف الواقع في 74 ص بقطع الثمن باللغة الفرنسية فجاء من اعظم التآليف فائدة، على أننا لاحظنا انه لم يتعرض للغة الصابئية المعروفة بالمندائية وهي لغة مستقلة بنفسها. فعسى أن لا ينساها في طبعة هذا الكتاب الثانية.(9/229)
44. النصوص الدينية اليزيدية ونقلها إلى اللغة الإيطالية مع
مقدمة وحواش
بقلم جوزبه فرلاني
في سنة 1899 نشرنا في المشرق في سنتها الثانية، مقالة أسهبنا فيها، في اليزيدية ثم نشرنا بعد قليل في مجلة الأنثروبوس ما يزيد تلك الأنباء حقيقة ويعززها تعزيزاً مع نشر الكتابين الدينيين (مصحف رش) و (جلوه) فتناقل تلك الإفادات كثير من الكتبة من شرقيين وغربيين فمنهم من نسبه إلى نفسه ومنهم من ذكر مستندة بعض الذكر ومنهم من سرقها سرقة فاضحة بعد أن شوه ما فيها.
واليوم ينشر حضرة المستشرق الإيطالي جوزبه فرلاني بلغته الطلية تلك النصوص مع إفادات وتعليقات ومقدمة أظهرت مقدرة العلامة المستشرق ووقوفه الرائع على تلك الفرقة. واستشهد جماعة كثيفة من المؤلفين الذي عالجوا هذا الموضوع، ولا سيما ما أثبتناه فجاء
تأليفه من احسن ما يقتنى في هذا البحث، وهو في 124 ص بقطع 16. وقد قابلنا ترجمته الإيطالية بالنصين الأصليين فوجدناها من خير ما نقل وبكل أمانة. ويذهب المؤلف إلى أن أصل اليزيدية مجوس لجئوا إلى تلك الديار واختفوا فيها خشية الاضطهادات وليس لهم أدنى صلة بيزيد الخليفة الأموي، لكنهم مع الزمن ادخلوا أموراً مختلفة أخذوها من المسلمين والنصارى وغيرهم.
وليس في الكتاب فهارس هجائية ينتاب شرعتها من يود الوقوف على بعض ما في مدون الكتاب. والذي فيه فهرس واحد للفصول، معقود على رأس التأليف وهو وحده غير واف بالمطلوب. وعلى كل حال فان المحتويات المودعة تلك الصفحات من أجل ما يمكن الوصول إليه؛ لأن الكاتب لم يدع مؤلفاً شرقياً ولا عربياً إلاَّ ذكره ووزن أقواله بميزان النقد وعرضه على القارئ. فهكذا يجب أن تصنف هذه الكتب وأمثالها. لا ما يفعله بعض الأغرار من ديارنا: يسرقون(9/230)
مؤلفات الغير ولا يخزون من أن ينسبوها إلى أنفسهم، وهو عمل - لو دروا - يسم جباههم بميسم العار إلى آخر يوم الحشر!
45. تاريخ الأدب العربي (هدية)
بقلم احمد حسن الزيات الأستاذ الجليل مدرس الأدب العربي بدار المعلمين العليا في بغداد، الطبعة الثانية المزيدة المنقحة بمطبعة الاعتماد المصرية بالقاهرة، وقوام هذا الكتاب (313) صفحة بقطع الثمن الكبير.
وهو مذكرات موجودة للمدارس الثانوية - على ما كتبه مؤلفه على ثبجه وأشار إليه في خطبته - لأنه اشمله مقرر السنتين الثالثة والرابعة من الدراسة الثانوية.
واحمد حسن الزيات الأستاذ أديب مصري شهير وكاتب قدير يستلذ القارئ كتابته ويستمرئها ذوقه ويستحليها طبعه لما فيها من بداعة التعبير والصبغة العدنانية ولأسلوب الجني وكأنه يكسبها من وداعته تفويضاً نضيراً إلى رزانتها ولغتها المخضرمة المنمنمة.
قرأنا هذا الكتاب الذي يتشرب القارئ ما فيه (شرب النزيف ببرد ماء الحشرج) فألفينا الزيات يضيء للطالب بسليط من أدبه وكهربية من إمتاعه:
يضيء كضوء سراج السلي ... ط لم يجعل الله فيه نحاساً
وفي خلال اقترائنا له عن لنا فيه ما يستوجب ثنبيه الأستاذ الفاضل إليه ووقفه عليه فلعله
يستدل به غيره أو يحق لنا أمره فنحن لم نبلغ من العلم أطوريه ومن ذا الذي يبلغهما؟
1 - اللغة والعربية في العصر العباسي
قال هذا الأستاذ الجليل في الخطبة عن الأدب العربي (ولا سيما في العصر(9/231)
العباسي وهو أرقى عصور إسلام ومشرق نور الحضارة وهبط وحي العلم وريق شاب اللغة) ثم قال في ص 32 عن المولدين من الشعراء (ومولدون وهم الذين فسدت فيهم ملكة اللسان فعالجوها بالصناعة وهم شعراء بني العباس) ثم قال في حاشية ص 173 (المولدون أو المحدثون: هم الشعراء الذين فسدت فيهم ملكة اللسان فعالجوها بالصناعة كشعراء العصر العباسي) وهو تكرار، فكيف يمكن التوفيق بين روق شباب العربية وفساد ملكة اللسان؟ ولماذا كان الشباب في زمن فساد الملكية، فالأستاذ قد جمع ههنا بين رأيه ورأي القدماء فحصل التناقض، ولو كان قد اقتصر على قوله في ص 112 عن العربية في العصر العباسي (وقد اتسعت دائرة اللغة بما اقتضاه نقل العلوم وتمدين الدولة من المصطلحات العلمية والألفاظ الإدارية والسياسية والاقتصادية ورقت ألفاظها. . .) لكان أصون له عن الهفوة.
2 - الاعصار الخمسة لا العصور الخمسة
وقال في الخطبة أيضاً (على رغم حال الأدب في عصوره الخمسة) والفصحاء لا يستعملون (العصور) لمثل الخمسة في استحقاق جمع القلة بل يقولون (الأعصار الخمسة) ومنه قول الشاعر:
عنا غنيت بذات الرمث من أجلي ... والعهد منك قديم منذ أعصار
وعكس الأستاذ الفاضل هذا الأمر في ص 6 فقال (إنما تم في ادهار متطاولة) فالمتطاولة تستوجب جمع الكثرة أي (الدهور) أما جمعه (دهر) على (أدهار) ففيه نظر قال ابن عقيل في شرح الألفية (وأما جمع فعل الصحيح العين على أفعال فشاذ كفرخ وأفراخ) وفي (5: 392) من معجم الأدباء لياقوت (وحدث أبو حيان قال قال الصاحب يوماً: فعل وأفعال قليل وزعم النحويون أنه ما جاء إلاَّ زند وأزناد وفرخ وأفراخ وفرد وأفراد، فقلت له: أنا أحفظ ثلاثين حرفاً كلها فعل وأفعال، فقال: هات يا مدعي؛ فسردت الحروف ودللت على مواضعها من الكتب ثم قلت: ليس للنحوي أن يلزم مثل هذا الحكم إلا بعد التبحر والسماع
الواسع وليس للتقليد وجه إذا كانت الرواية شائعة والقياس مطرداً)
قلنا: وقد صدق أبو حيان هذه المرة ونحن نذهب أيضاً إلى أن (فعلا على(9/232)
أفعال) مقيس وبه يصح قول الأستاذ أحمد الزيات فهو مثل (أنف آناف) و (أرض آراض) و (ألف آلاف) و (بحث أبحاث) و (بعض أبعاض) و (بر أبرار) وصفاً و (جد أجداد) و (خرج أخراج) و (رمس أرماس) و (سطر أسطار) و (شت أشتات) و (شن أشنان) و (عم أعمام) و (غمض أغماض) و (فز أفزاز) و (فذ أفذاذ) و (فرط أفراط) و (فظ افظاظ) و (فسل أفسال) و (فل أفلال) و (فن أفنان) و (قلد أقلاد) و (قلس أقلاس) و (كبش أكباش) و (كر اكرار) و (لحظ الحاظ) و (لحن الحان) و (لطع الطاع) و (لفظ ألفاظ) و (بعث أبعاث) و (مرش أمراش) و (مرع أمراع) و (مرق أمراق) و (مرن أمران) و (من أمنان) و (نبذ أنباذ) و (نبض أنباض) و (نجد أنجاد) و (نجل أنجال) و (نجم أنجام) و (نحو أنحاء) و (نخ أنخاخ) و (نذل أنذال) و (نسل أنسال) و (هجل أهجال) و (وأب أوآب) و (وقل أوقال) و (وجر أوجار) و (وحش أوحاش) و (ورب أوراب) و (سجع أسجاع) و (ورص أوراص) و (وزن أوزان) و (وسق أوساق) و (وضع أوضاع) و (وقب أوقاب) و (وقط أوقاط) و (وقف أوقاف) هذا ما عدا الوارد من ذي اللغتين فتح الفاء وكسرها كشكل وأشكال أو فتح العين وتسكينها كزهر وأزهار، فإذا أضفنا إليها (زند أزناد وفرخ أفراخ وفرد أفراد) صارت (68) فهي مقيسة إذن ولولا ما جئنا به لعد الأستاذ الزيات مخطئاً.
بل يجوز أيضاً قول الأستاذ الزيات على تقدير أنه (دهر) بفتح الهاء لان كل ما كان الحرف الثاني حرف حلق جاز فيه التسكين والفتح مثل شعر وشعر، نهر ونهر (المزهر 2: 72) ولكن الفصيح في تعبيره أن يقول: (دهور متطاولة).
3 - تعريف أدب العربية
وقال في (ص1) (أجب اللغة ما اثر عن شعرائها وكتابها من بدائع القول المشتمل على تصور الأخيلة الدقيقة وتصوير المعاني الرقيقة مما يهذب النفس ويرقق الحس ويثقف اللسان) وهو تعريف ناقص من أمور: (1) ليس كل ما تركه(9/233)
الأدباء بديعاً أي مخترعاً بل منه البديع والمحاكى والمقصوص (2) ليس كل أدب العربية مقصوراً على المعاني الرقيقة فمنه المعاني الخشنة كالهجو ووصف القتل والقتال والقصص الذي يسير بحسب حوادث
الكون وفيها ما فيها (3) ليس كل الأدب يهذب النفس بل فيه ما يغويها ويعميها كالغزل بالغلمان والهجاء المقذع فيه والتملق والكذب المزوق (4) لم يقصر الأدب على ترقيق الحس بل منه ما يخشنه لرداءة الخيال وفساد التعبير وتعويد السلق باللسان (5) تثقيف اللسان لا يكون بالأدب كله ففيه اللغة الرديئة وعدد اللهجات والضرائر والتكلفات فأي لسان يتثقف من قول الشاعر على اللثغة:
تغفق فشغب الخمغ من كغم غيقتي ... يزيدك عند الشغب شكغاً على شكغ
(ترفق فشرب الخمر من كرم ريقتي ... يزيدك عند الشرب شكراً على شكر)
فهذا معدود من الأدب (6) ليس كل الأدب قد أثرته الرواة عن أصحابه بل منه ما بقي مجهولا وفيه ما كتب كتابة أو نقش نقشاً على ما يمكن النقش عليه فتعريف تعتوره ستة توهينات غير حسن ولا مرضي.
فأدب اللغة (هو ما تركه شعراؤها وكتابها من الأقوال المشتملة على الخيال وتصوير المعاني والحوادث ومنه ما يهذب النفس ويرقق الحس ويربي الذوق ويقيم اللسان) وشرط التعريف أن يكون جامعاً لما يعرف به مانعاً للتوهينات عن نفسه.
وكيف ارتضى الأستاذ الزيات هذا التعريف وهو يقول في ص 18 (فكان الشعر ديوان علومهم وحكمهم وسجل وقائعهم وسيرهم وشاهد صوابهم وخطأهم ومادة حوارهم وسمرهم، وما هذه صفته فلا يجب فيه أن يهذب النفس ولا أن ويرقق الحس ولا أن يحوي المعاني الرقيقة ولا الأخيلة بل يجوز فيه ذلك والفرق بين الواجب والجائز ظاهر ثابت.
4 - كتب تاريخ الأدب وأسلوب النظم والنثر
وقال في ص 2 عن كتب القدماء المختصة بالتراجم والأدب (لأنها أخبار(9/234)
مفردة غير مرتبطة (كذا) لا تظهر ما بين الشعراء أو (كذا والفصيح: ولا) الكتاب من علاقة في الصناعة والغرض والأسلوب. ولا تذكر ما عرا النظم والنثر من تحول وتقلب) قلنا: أما أنها غير مترابطة فصحيح وأما أنها لا تذكر الباقي فخطأ فهو نفسه ينقضه فقد قال في ص 34 عن امرئ القيس (فقالوا انه أول من وقف على الأطلال وبكى على الديار وشبب بالنساء وشبههن بالمها والظباء وأجاد في وصف الليل والخيل) فمن هؤلاء القائلون؟ ونقل في ص 17 (قال الباقلاني في كتابه إعجاز القرآن، أن العرب بدءوا بالنثر وتوصلوا منه
إلى الشعر وكان عثورهم عليه في الأصل بالاتفاق غير مقصود إليه، فلما استحسنوه واستطابوه ورأوا الأسماع تألفه والنفوس تقبله تتبعوه وتعلموه وتكلفوا له) فهذا تاريخ أي شيء ومن قاله؟ ونقل في ص 135 عن رسالة المعلمين للجاحظ قوله في عبد الله بن المقفع بأنه كان (مقدماً في بلاغة اللسان والقلم والترجمة واختراع المعاني وابتداع السير) ونقل في ص 125 قول يزيد لمروان بن الحكم وقد تلكأ في بيعته (أراك تقدم رجلا وتؤخر أخرى فاعتمد على أيهما شئت) وقول ابن قتيبة في أدب الكاتب (إن هذا لو قيل الآن لم يأت بالتأثير المطلوب والصواب أن يطيل ويكرر ويعيد ويبدئ ويحذر وينذر) أفليس هذا تاريخاً لتطور النثر في زمن أبي قتيبة؟ ولم ذكره صاحبه؟ ونقل في ص 139 قول البديع الهمذاني في الجاحظ (إن كلامه بعيد الإشارة قريب العبارة قليل الاستعارة) أفليس هذا من تاريخ أساليب النثر؟ ونقل في ص 142 القول المشهور (بدئت الكتابة بعبد الحميد وختمت ابن العميد) فمن قاله وفيم قاله؟.
مصطفى جواد(9/235)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - هجرة عشيرة الميران إلى سورية
لجأ قسم من عشائر الميران بقيادة صالح آغا تاج الدين الميراني إلى الحدود السورية هاجرة العراق.
وتتألف قبائل الميران الكردية من انضمام عدة سيارة تتجول في ساحات معلومة تدخل في الشتاء الأراضي العراقية وفي الصيف الأراضي التركية.
ولما نشبت الثورة الكردية الأولى سنة 1925 مزح بعض هؤلاء إلى الأراضي العراقية. وظلوا فيها يشنون في بعض الأوقات الغارة على الحدود التركية.
والقوة التي لجأت إلى سورية هي مائة أسرة وعدد اسر العشائر الميرانية ثمانية الآف، لا يزال بعضها خاضعاً للنفوذ التركي وبعضها للنفوذ العراقي.
ويقال أن السبب في التجاء هؤلاء إلى سورية تعهد السلطة الافرنسية لهم باقطاعهم الأراضي وعدم استيفاء أية ضريبة كانت منهم، لمدة خمس سنوات من تاريخ نزوحهم إلى سورية.
أما الأراضي التي لجأ إليها هذا القسم من عشائر الميران فواقعة في لواء دجلة الجديد.
وقد تم تأسيس اللواء في المنطقة التي استردت من تركية واتخذت حكومتها في (عين دبور) وقد وضعت الحكومة السورية نظاماً خاصاً بالموظفين الذين يستخدمون في هذه المنطقة من البلاد.
(القبس)
2 - ميزانية السكك الحديدية لشهر تشرين الثاني الماضي
بلغ مجموع دخل السكك الحديدية عن شهر تشرين الثاني الماضي مبلغاً قدره 934. 688 ربية وبلغ مجموع الخرج عن الشهر المذكور 640. 592 ربية وكانت فضلة تشرين الثاني الماضي 294. 096 ربية. وكان العجز لغاية تشرين الأول الماضي 124. 216 ربية وكانت الفضلة لغاية تشرين الثاني 169. 880 ربية.(9/236)
3 - رسوم المحاكم المدينة في العراق خلال سنة 1929
بلغت رسوم محاكم البداءة في العراق عن سنة 1929 مبلغاً قدره 238 ألفاً و 661 ربية، وبلغت رسوم محكم الصلح 342 ألفاً و 382 ربية و 6 آنات وبلغت رسوم دوائر الأجراء 92 ألفاً و405 ربيات و6 آنات. ورسوم دوائر كتاب العدل 212 ألفاً و366 ربية و8 آنات ورسوم الاستئناف 44 ألفاً و723 ربية و8 آنات، ورسوم التمييز 11 ألف ربية و10 آنات ورسوم المحاكم الشرعية 121 ألفاً و847 ربية و10 آنات، وبلغت رسوم الدعاوي الشخصية للملل غير المسلمة خلال السنة المذكورة 7080 ربية و7 آنات والغرامات الجزائية 282 ألفاً و730 ربية. وبلغت الغرامات التي حكم بها قوام المقامات 42 ألفاً و18 ربية و5 آنات.
4 - الدعوي في محاكم العراق خلال سنة 1929
بلغ عدد الدعاوي الجنائية الكبرى في العراق خلال سنة 1929 مبلغً قدره 377 دعوى. والدعاوي الموجزة 43 ألفاً و55 دعوى، وغير الموجزة 5596 دعوى، والدعاوي الشرعية السنية 8575 والشرعية الجعفرية 7017 والدعاوى الشخصية للملل غير المسلمة 1195 والدعاوى البدائية 3348 والصلحية 63 ألف و779 دعوى.
5 - تعطيل (نداء الشعب) والتعويض عنها ب (السياسة)
جاء في جريدة السياسة البارزة في 30 يناير (ك2): (عطلت الوزارة الحاضرة جريدة (نداء الشعب) يوم الاثنين الماضي (26 يناير). وقالت ملاحظية المطبوعات في كتاب التعطيل: (إن مجلس الوزراء قرر تعطيل (نداء، الشعب) تعطيلا إدارياً موقتاً (كذا، أي غير موقت) يوم الأحد، (أي على اثر صدور عدد الأحد). وهذه جريدة السياسة تأخذ في الصدور منذ اليوم (30 يناير) لتحل محل (نداء الشعب) في أداء الواجب الوطني.
6 - المبالغ التي تصرف على ألبسة الجيش
كانت الحكومة العراقية تصرف على ألبسة الجيش نحواً من سبعة الكاك ربية (700. 000) أما الآن فقد حطت إلى لكين.
7 - تبادل نسخ إبرام المعاهدة الجديدة
تبادل فخامة نوري باشا السعيد، رئيس الوزراء، وفخامة السر(9/237)
فرنسيس همفريز المعتمد السامي، نسخ إبرام المعاهدة العراقية البريطانية الجديدة فبلغت هذه المعاهدة رحلتها الأخيرة. وسوف تنفذ بعد دخول العرق عصبة الأمم.
8 - الدعاوى الجنائية في العراق
يؤخذ من الإحصاءات الرسمية أن عدد الدعاوي الجنائية التي وقعت في العراق في سنة 1929 كان 377 بزيادة 64 قضية عما كان عليه في سنة 1928. وقد صدرت في سنة 1929 سبعة أحكام بالإتلاف على عشرة أشخاص واحد منهم بإرادة ملكية ومنفذ حكم الإتلاف في ستة منهم خلال السنة المذكورة. أما الثلاثة الباقون منهم، فنفذ فيهم الحكم في سنة 1930.
9 - ابن سعود في صحف أميركة
كتبت (رائد العلم المسيحي) الأميركية مقالة بعنوان (ابن سعود يستأثر بالعسير) جاء فيها ما هذا بعضه:
(في سنة 1910 قام ابن سعود مع 15 من نخبة اتباعه فاسترد الرياض عاصمة أجداده من يد مناوئه ابن رشيد.
وفي 1914 استرد نجداً كلها ومعها الاحساء الخصبة الواقعة على سيف خليج فارس وكانت في قبضة الترك
وفي 1921 أتنزع ابن سعود إمارة ابن رشيد كلها وفي 1925 الحجاز فاصبح حامي الحرمين.
وآخر ما قبض عليه هذا الملك ديار الساحل المعروفة بالعسير فهو اليوم حاكمها الأعلى بموافقة صاحبا الأصلي السيد حسن بن محمد بن احمد الأدريسي، هذا بعد أن مضت مائة سنة كاملة على الدولة الإدريسية المركشية حاكمة تلك الأرجاء، فاليوم إذا ثلثا جزيرة العرب في قبضة ابن سعود.
وكل من ابن سعود والإمام يحيى قوي ولكنهما خصمان في النقطتين السياسية والمدنية. ويقال عن الإمام يحيى انه واقف احسن الوقوف على الدسائس الأوربية. أما مزية ابن
سعود فانه مناهض للتعصب إذ تمكن من إدخال السيارات في دياره على الغم من الوهابيين الذين كانوا يرونها من صنع إبليس الرجيم.
وفي مكنة هذين البطلين أن يسعدا جزيرة العرب أو يشقياها. والمظمون انهما يتفقان فيوحدان جهودهما ليسود السلام والأمن فيها، ومن يعش يره.(9/238)
10 - حفلة تكريم للفريق الدكتور أمين معلوف باشا في مصر
(القاهرة)
دعا حضرة الفاضل الدكتور شخاشيري جمهوراً من خيرة الأطباء والعلماء والأدباء إلى
داره مساء يوم الأحد للاجتماع بسعادة الفريق الدكتور أمين باشا معلوف وتكريمه. وكان في مقدمة الذي لبوا الدعوى حضرات الدكاترة محمد شرف واحمد زكي أبي شادي وراجي خباز والأساتذة داود بركات بك واسعد بك معلوف وفؤاد وصروف وحنا خباز ومحيي الدين رضا وغيرهم.
وبعد الغروب دعوا إلى مائدة مدت عليها أنواع الحلوى والكعك والشاي والفاكهة فتناول كل ما طاب له ثم جلسوا في بهو الاستقبال يتباحثون في موضوعات علمية وأدبية وتاريخية واجتماعية راقية شأن حفلات الدكتور شخاشيري التي امتازت بهذه المباحث المتعلقة بفلسفة اللغة وتأثيرها في الحضارة والتاريخ وكان حضرة الدكتور شخاشيري وبعض أنجاله يطوفون على حضرات الضيوف مؤانسين يديرون عليهم أنواع الحلوى والسجائر بما اشتهر عنهم من كرم وإكرام.
وفي نحو الساعة الثامنة انصرفوا شاكرين للداعي دعوته وكرم وفادته مثنين على فضل الدكتور أمين باشا معلوف وغزير علمه وجليل آثاره سائلين الله له طول العمر.
11 - الوفد العلمي المصري في بغداد
وصل إلى بغداد في 8 فبراير (شباط) الوفد العلمي المصري وعدد أعضائه خمسة وعشرون: أحد عشر منهم أساتذة وما بقي من طلاب الجامعة. وقد وطئوا أرض العراق بعد أن جالوا في لبنان وسورية وفلسطين وشاهدوا كل ما هناك من آثار قديمة وتاريخية ومعاهد علمية. وعند وصولهم إلى هذه العاصمة زاروا كل ما فيها من الآثار ثم انتقلوا منها
إلى المدن القديمة وفي كل يوم دعوة ووليمة إلى أن فارقونا في 16 من الشهر المذكور. وأملنا أن حكومتنا أيضاًتبعث بعثة علمية إلى ديار النيل ليستحكم الولاء والأدب بين البلادين ويجري التبادل بين الثقافتين المصرية والعراقية.(9/239)
12 - بلاغ رسمي (بحروفه) يتعلق بحوادث السليمانية
جاء في البلاغ الأخير الصادر في 17 كانون الثاني ملخص الحوادث التي جرت بين 3 كانون الثاني و17 منه:
ففي خلال تلك المدة قامت القوة الجوية البريطانية تسع مرات بالاستطلاع والمظاهرة وكانت الأحوال الجوية تعيقها كثيراً عن العمل. وبناء على طلب وزارة الدفاع أقيم في 17 كانون الثاني رف من الطيارات في كركوك والحق ضابط من القوة الجوية البريطانية برتل الجيش العراقي (المعروف برتل رشدي) في سراو.
بقي رتل رشدي في سراو من 17 كانون الثاني إلى 21 منه. وكان كلما رأى الأحوال الجوية ملائمة يسير مسيرات مظاهرة وجرى له في خلال ذلك بعض مناوشات مع الأشقياء. . . .
13 - نقد نشوار المحاضرة
كتب حضرة الأستاذ المحقق مصطفى أفندي جواد نقداً لما بقي من طبع كتاب نشوار المحاضرة، ولما جاءنا من دلتاوة (حيث هو الآن) بعد إغلاق أبواب المجلة أبقيناه للجزء القادم لنفتحه به، ونوجه إليه نظر إبراهيم الحداد ليتعلم (النقد) لا إفراغ ما في قلبه من سم (الحقد). فهذا لا يسمى بذاك الاسم. وكذا نقول لكاتب مقالة الهيكل في المشرق (29: 81)(9/240)
العدد 89
في نشوار المحاضرة
-
كنا قد كتبنا غير مرة في نقد المطبوع في مجلة المجمع العلمي العربي من كتاب نشوار المحاضرة وأخبار المذاكرة، ولم نستهدف في نقدنا غير الخطأ، ولا ناضلنا إلاَّ عن الصواب، وقد كابدنا مشاق عظيمة وقضينا أوقاتا طويلة، في هذا الأمر، ويعرف ذلك صاحب لغة العرب والآن نتم بحثنا.
1 - قلنا في (8: 529) من لغة العرب: (فسعى عليه بهذا المعنى لم يذكروه) ثم رأينا في (1: 116) من شرح ابن أبي الحديد لنهج البلاغة قول عبيد الله بن عباس للعثمانية باليمن (ما هذا الذي بلغني عنكم؟ قالوا: (إنا لم نزل ننكر قتل عثمان ونرى مجاهدة من سعى عليه) وبهذه الرواية تأكد ما ذهبنا إليه من كون (سعى عليه) أصلا برأسه.
2 - وخطأنا في ص 355 منها شكل المجمعيين أو مرجليوث العلامة (آلان؟) بهمزة الاستفهام ومدة فوقها محتجين بان الهمزة في (الآن) همزة وصل فتسقط إذا سبقتها كلمة، وقد أخطأنا في ما خطأنا به لأن الهمزة الوصلية تسقط(9/241)
إذا كان ما بعد الاستفهام فعلا فقد قال ابن قتيبة في ص 170 من أدب الكاتب بالمطبعة السلفية:
باب دخول ألف الاستفهام على ألف الوصل
(إذا دخلت ألف الاستفهام على ألف الوصل ثبتت ألف الاستفهام وسقطت ألف الوصل في اللفظ والكاب قال الله تعالى: سواء عليهم استغفرت لهم، ومثله: اصطفى البنات على البنين. وتقول إذا استفهمت: اشتريت كذا؟ افتريت على فلان؟).
باب دخول الألف الاستفهام على الألف واللام
(إذا أدخلت ألف الاستفهام على الألف واللام اللتين للتعريف ثبتت ألف الاستفهام وحدثت بعدها مدة نحو قوله عز وجل: الله خير أم ما تشركون؟) الآن وقد عصيت قبل؟ وتقول: آلرجل قال ذاك؟ تتكتبه بالألف ولا تبدل من المدة شيئاً) أهـ كلامه والحق عزيز على أهله قمين بالتأييد.
3 - ورد في ص 680 ج11 سنة 1930 من مجلة المجمع العربي عن نشوار المحاضرة (في خانات الصفارين) وعلق به ما صورته (بالأصل: حونات) قلنا: فالأولى أن يكون
(حوانيت) لوجود الواو سالمة بالنص.
4 - وفيها (والدرابات في المسجد أحملها دفعات اثنتين وثلاثاً في كل دفعة) والصواب (أو ثلاثاً) أي يحملها دفعتين أو ثلاثاً فالست الدرابات مثلا يحملها دفعتين أي ثلاثاً ثلاثاً، أو دفعات أي اثنتين اثنتين، أو واحدة واحدة، ولا يجوز الجمع بينهما بالواو.
وورد بعدها (فإذا مضيت لترد الدرابات أو تحضرها) والصواب (وتحضرها) لأن المراد بالرد والمراد بالإحضار سواء وجعله (تحضرها) وراء (ترد) نوع من التأكيد المعنوي وما أكثره في العربية، ويؤيدنا قوله في ص 682 (وفتح درابتين أو ثلاث) كذا.
5 - وجاء فيها (فعلمت انه جاء واختبأ للغلام وقت المساء) فعلق به(9/242)
ما صورته (عبارة الفرج بعد الشدة أوضح: احتال على الغلام وقت المساء) قلنا: إن (احتال عليه) على شهرتها في العربية لم يذكرها أصحاب المعاجم التي بأيدينا، لكنهم تركوا قواعد عامة يعرفها المتبقرون، وفي (3: 421) من شرح نهج البلاغة قول عبد الملك بن صالح لأمير سرية (وكن من احتيالك على عدوك اشد حذراً من احتيال عدوك عليك وفي (2: 121) من الأغاني (وندم النعمان على قتل عدي وعرف انه احتيل عليه في أمره).
وفي الحكاية السابقة لا أثر للاحتيال وإنما الأمر أمر اختباء كرواية النشوار فشرط الاحتيال المخادعة تستوجب المشاعرة وهذا لم يشاعر الغلام بل اختبأ له. أما عبد الملك المذكور فقد قال فيه ابن خلكان في (2: 312): وله بلاغة وفصاحة. . . وتوفي سنة 199.
6 - وجاء في ص 682 (وفتح درابتين أو ثلاث) وقد نقلناه آنفاً والصواب (ثلاثاً) بالنصب، ولعله من غلط الطبع لكنهم لم ينبهوا عليه في مستدرك الأغلاط.
7 - وفيها أيضاً (عدم من البصرة أول أمس) قلنا: وفي مادة (وأل) من المختار (وتقول: ما رأيته مذ أمس، فان لم تره يوماً قبل أمس قلت: ما رأيته مذ أول من أمس، فان لم تره مذ يومين قبل أمس قلت: ما رأيت مذ أول من أول من أمس. ولم تجاوز ذلك) قلنا: وسبب ذلك أن معنى (أول أمس: مبتدأ أمس) وأما (أول من أمس) فبمعنى: يوم أبدأ من أمس (أي الذي قبله).
8 - وورد في ص 683 (فقلت واحد منهم: فتصدق) فلعق الأستاذ مرجليوث (لعله سقط: دق الباب) قلنا: لو كان فيه نقصان لكان (اذهب) لأن دق الباب ليس شرطاً في الاستعطاء
على ما هو معروف من الشحاذين والمكادي(9/243)
بل لم يؤلف أن السائل المسلم يدق الباب عند المسألة بل يجهر باستعطائه ولا يخافت، وذلك ليفرق أصحاب البيت بين المهم وغير المهم.
9 - وجاء في ص 684 (وقام هو وجاريته يصفقون ويرقصون وتناولوا حجارة معدة لهم فما زالوا يشدخون رؤوسهم وأبدانهم. . . إلى أن أتلفهم) فعلق الأستاذ مرجليوث ب (اتلفهم) ما نصه (الصواب: اتلفاهم) قلنا: إن الأصل سائغ لأمور (1) يجوز إغفال أحد الاثنين مع جري الحكم عليهما نحو قوله تعالى (فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى) و (فمن ربكما يا موسى) ويقال (ما فعلتما يا فلان) وذلك قد جاز كما جاز نقيضه من نسبة الفعل إلى الاثنين وهو لأحدهما كقوله تعالى: (فلما بلغا مجمع بينهما نسيا حوتهما) ولم ينس إلا أحدهما لأنه قال (فأني نسيت الحوت وما أنسانيه إلاَّ لشيطان) (2) يجوز في الاثنين أن يعبر بهما مرة وبأحدهما أخرى قال الفرزدق:
ولو بخلت يداي به وضلت ... لكان علي للقدر الخيار
فقد قال: (ضلت) بعد قوله (يداي) وقال آخر:
وكأن في العينين حب قرنفل ... أو سنبل كحلت به فانهلت
فقال (كحلت به) و (وانهلت) بعد قوله (العينين) وجاز هذا كما جاز نقيضه قال الشاعر:
إذا ذكرت عيني الزمان الذي مضى ... بصحراء طلح ظلتا تكفان
ومثل هذا الوارد في النشوار كثير في العربية قال تعالى: (والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله) والتقدير (ولا ينفقونهما) وقال (وإذا رأوا تجارة أو لهواً انفضوا إليها) والتقدير (إليهما) وقال (والله ورسوله أحق أن يرضوه) أي يرضوهما (3) لو لم يكن رب الجارية مشاركا لها لجاز في عرف العرب إسناد الفعل إليه على طريقة (المجاز العقلي) مثل (فتح الأمير المدينة) وإنما الجند فتحوها. فإذا جاز لهذا فكيف يجوز للمشارك وهو أولى؟
وكل تطويل فيه فائدة لا يجوز للعاقل أن يطرح النظر فيه لأننا نجمع بين حكم النقل والعقل وذلك لا يعرفه أهل (علم ساعة) يؤخذ من الكتب قمشاً(9/244)
وقرشاً بلا تدبر ولا تفكر، وقد يدعي الإنسان انه اطرح النظر وكلامه يدل على انه قد تبن وأدق النظر!
10 - وورد في ص 687 قول الحسن بن عون الذي حبس بمارستان البصرة سنة 342:
وأرجو غداً حتى إذا ما غد أتى ... يزايداني همي فيسلمني صبري
والأصح (إذا حتى إذا ما أتى غد) والصواب (تزايد بي همي) لأن زايدة بمعنى غالبه في الزيادة ولا محل له ههنا، وتزايد للمبالغة نحو تباعد وتقارب وتهالك وتطاير وتناثر وتسامي وتعالى وتعافى وتبارك.
11 - وجاء في ص 688 (عشق امرأته رجل وكان مفتناً عليها في منزله وأحلفها) فقال المجمعيون (الظاهر أن أصلها: ينفق عليها، وهو أقرب إلى الأصل) ولأجل مثل هذا الإصلاح قالوا في ص 768 (فيأتي أحد المعترضين ويذكر الوجه الآخر الذي تركناه ويرجحه على ما ذكرناه مع أن هذا الرأي قد يكون ذكره أحدنا لكننا أخيراً اعتمدنا الرأي الآخر) قلنا: ولكن ما معنى (ينفق عليها في منزله؟) وكيف لا تكون النفقة خارج المنزل؟ وكيف يكون الإنفاق في المنزل؟ وماذا أوجب الإنفاق في المنزل وحده؟ وما ظواهر التشابه بين (مفتناً) و (ينفق) حتى يكون أقرب إلى الأصل؟ هذه المسائل لابد أن يعرضها المصحح على رأيه حتى يحكم، ولا شك انهم واهمون فالصواب مفتاتاً عليها) وفي كتاب الإمام علي - ع - إلى الأشعث بن قيس عامله على أذربيجان (وان عملك ليس لك بطعمة ولكنه في عنقك أمانة وأنت تسترعي لمن فوقك ليس لك أن (تفتاث) في رعية) قال ابن أبي الحديد في (3: 299) من شرح النهج (يقال: أفتات فلان على فلان إذا فعل بغير أذنه ما سبيله أن يستأذنه فيه واصله من الفوت وهو السبق كأنه سبقه إلى ذلك الأمر).
وفي حديث عبد الله بن جعفر الطالبي لمروان بن الحكم لما خطب إليه ابنته أم كلثوم على يزيد بن معاوية بأمر معاوية (إن خالها الحسين بينبع وليس ممن يفتات عليه بأمر فأنظرني إلى أن يقدم) وفي المختار (والافتيات:(9/245)
السبق إلى الشيء دون ائتمار من يؤتمر. تقول: افتات عليه بأمر كذا أي فاته، وفلان لا يفتات عليه، أي لا يعمل شيء دون أمره)
فمعنى (مفتاناً عليها) لا يقف عند قولها ولا يستشيرها، ويجوز أن الأصل مفتئتاً عليها) ففي المختار (افتأت برأيه: انفرد واستبد، وهذا سمع مهموزاً كذا نقله الثقات) قلنا: وعندنا انهما سواء. ثم أن رجلا يحلف زوجة آخر بحضرة الزوج على أنها لا تطاوعه لمفتات عليها اقبح الافتيات وأشنعه.
12 - وورد في ص 193 (ويقبلها ويخلدها الديوان) فقال المجمعيون (الظاهر أن الأصل: يخلدها في الديوان، أو يدخلها الديوان) وليس هناك ما يستوجب الإصلاح، قال الحريري في المقامة الكوفية: (وخلدوها بطون الأوراق) فهو مسموع ثم أن إسقاط حرف الجر من الظرف المختص كالديوان أمر مألوف. قال ساعدة بن جؤية الهذلي:
لدن بهز الكف يعسل متنه ... فيه كما عسل الطريق الثعلب
قال الأعلم كما في (2: 265) من خزانة الأدب للبغدادي: (استشهد به سيبويه على وصول الفعل إلى الطريق وهو اسم خاص للموضع المستطرق بغير واسطة حرف جر تشبيها بالمكان لأن الطريق مكان وهو نحو قول العرب: ذهبت الشام إلاَّ أن الطريق أقرب إلى الإبهام من الشام لأن الطريق تكون في كل موضع يسار فيه وليس الشام كذلك) ومثله (نزل العراق) و (حل الجزيرة) على التحقيق فالأصل (في العراق وفي الجزيرة)
13 - وجاء في ص 694 (أردت أن تكون هديتك أخير الهدايا فيوري فضلها على الهدايا) قال العلامة مرجليوث: (يريد: فيرى، وهي لغة عامية) وقال المجمعيون: الظاهر: فيدري فضلها) قلنا: والصواب (فيزري) مضارع (زرى) قال الشاعر كما في (1: 56) من كامل المبرد:
إذ يحسب الناس أن قد نلت نائلها ... قدماً وأنت عليها عاتب زاري
وقال أبو شجرة عمرو بن عبد العزى وقال الطبري: (اسمه سليم)
أقبلتها الخل من شوران مجتهداً ... إني لأزري عليها وهي تنطلق
قال المبرد في (1: 280) من الكامل (وقوله: إني لأزري عليها. . .(9/246)
يقال: زرى عليه أي عاب عليه وأزرى به أي قصر به فيقول: إنها لمجتهدة وأني لأزري عليها أي أعيب عليها) وقال النابغة الجعدي:
تلوم على هلك البعير ظعينتي ... وكنت على لوم العواذل زاريا
أما عد الهدية زارية وهي ليست كالإنسان فيحمل على أجراء الجماد كالإنسان. قال تعالى في سورة فصلت: (ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعاً أو كرها، قالتا: أتينا طائعين) والأرض والسماء لا تتكلمان، ويروى عن بعض الحكماء انه قال: (هلا وقفت على المعاهد والجنان فقلت: أيتها الجنان من شق انهارك، وغرس
أشجارك، وجنى ثمارك؟ فأنها أن لم تجبك حواراً أجابتك اعتبارا).
14 - وجاء في ص 695 (فشكت إليه شيئاً وجدته فأشار عليه بالفصد) والصواب (عليها) لأن المسند إليها مؤنثة عاقلة.
15 - وفيها (إلى أن يحمل إليها شراب تشربه بحضرته ورمان أشار عليها باستعماله) والصحيح (شراب رمان أشار عليها باستعماله) والدليل على ذلك قوله بعده (فكان في جملته جامة فيها رمان وفيها هذه الملعقة)
16 - وورد في ص 696 (فقالت: هاتم تلك الدواة) قال المجمعيون (لم نجد: هاتم والمعروف هاتوا) وجاء في ص 756 (هاتم السياط) فقالوا: (تقدم أن المعروف هاتوا. والظاهر أن هاتم كانت متداولة في ذلك العصر) قلنا: لهذه اللفظة وجهان أحدهما أن اصلها (هاؤم، وأصلها (هاء) بكسر الهمزه بمعنى (هات) قال الفيومي في المصباح، (وإذا كان لمفرد مذكر قيل: هاء، بهمزة ممدودة مفتوحة على معنى خذ. . . ومكسورة على معنى: هات، قال الشاعر:
مولعات بهاء هاء فان شف ... ر مال طلبن منك الخلاعا
ثم قال (وإذا كانت بمعنى الكاف دخلت الميم فتقول للاثنين: هاؤما وللجمع المذكر: هاؤم. . .)
والآخر أن أصلها (هلم تلك الدواة وهلم السياط) أي احضروها؛ قال(9/247)
في المصباح: (وتستعمل لازمة نحو: هلم إلينا أي أقبل، ومتعدية نحو: هلم شهداءكم، أي أحضروهم)
17 - وجاء في ص 746 (ونقل علينا من الطعام ما لم أر مثله حسناً في أواني كلها صيني) والصواب (إلينا) و (أوان) بالتنوين لأنه مجرور منصرف وليس ممنوعاً من الصرف، قال الزمخشري في الممنوع من الصرف من مفصله (وان يكون جمعاً ليس ومصابيح إلاَّ ما اعتل آخره نحو: جوار، فانه في الرفع والجر كقاض وفي النصب كضوارب) فالأواني كالجواري في النصب والرفع والجر.
18 - وفيها أيضاً (فأدخلنا إلى فازة الطف من تلك ديباج) والأولى (فازة ديباج) قال تعالى في سورة الإنسان (عاليهم ثياب سندس خضر) ويؤكد أن الأصل هذا قوله بعده (فيها دست ديباج) ذكرنا هذا ولو جاز الفصل بين الصفة والموصوف وجاز الوصف بالجواهر كما
ذكرنا في لغة العرب (8: 750)، لأن المألوف خير من المستجاز إذا لم يكن فيه تبديل في الأصل وسيأتي قوله (في مذاقات بلور) فالاسم مضاف إلى تمييزه.
19 - وجاء في ص 746 (وفيه أمر عظيم من تماثيل الكافور وغلمان قيام) والصواب (فيها) لأن صاحب الضمير مؤنث هو الفازة.
20 - وفي ص 747 (فأمر يوسف بإخراج الانبذة في مدافات بلور تسمى بالفارسية جاشنكير) قال المجمعيون (دافه خلطه، والمكان مداف ولعل المراد آنية يداف بها الشراب أو هي محرفة عن فراغات جمع فراغ بمعنى الإناء على أننا لم نجد هذا الجمع) قلنا: وقد فسروا (الجاشنكير) بأنه ممسك اللذة والرجل الموكول إليه في قصور العظماء النظر في لذة الأطعمة و. . .) ولم يوفقوا بين معناه ومعنى اللفظ العربي وهذا نوع من اضطراب فالأحق أن الأصل (مذاقات) من الذوق وهو يوافق معنى اللغظ الفارسي أتم الموافقة.
وأما انهم لم يجدوا (فراغات) جمع فراغ فليس شرطاً في عدم جوازه لأنه(9/248)
مقيس ومثله (البخارات والمجازات والسوادات والتوقيعات والسؤالات والجوابات) فكل مصدر أو اسم مصدر إذا تنوع جاز جمعه، قال الفيومي في مادة (ربط) من المصباح (والرباط الذي يبنى للفقراء مولد ويجمع في القياس ربط (بضمتين) ورباطات) فلا تغفل عما ترك السلف من مفاخر العربية.
21 - وجاء في ص 749 (ياقوت احمر على كبر الكف وقدما في الطول والعرض) قال المجمعيون (كذا في الأصل ولعله: وقدره (كذا) في الطول) والأقرب إلى الأصل (قدها) قال في المصباح (وهذا على قيد ذاك: يراد المساواة والمماثلة) وقال في القاموس (القد: القطع المستأصل. . . والقدر) ولا تزال الناس ببغداد تستعملها إلى الآن بهذا المعنى لكن المسلمون يقلبون القاف كافاً فارسية والنصارى واليهود محافظون على الأصل، وفي (5: 446) من معجم الأدباء قول علي بن هلال (فرأيت يوماً. . . جزءاً مجلداً قد السكري).
22 - وجاء في ص 750 (قيمتها مائة ألف درهم تجتمع على طرائف البحار) قال المجمعيون (كذا في الأصل ولعلها محرفة عن تحتوي أو مضمنة معناها) قلنا: إن (اجتمع عليه) اصل برأسه فلا يجوز أن يعد مضمناً معنى (احتوى عليه) وهو من المجاز لا من الحقيقة، قال الزمخشري في الأساس (ومن المجاز: احتوى على الشيء: استولى عليه)
فأجتمع عليه مثل (اشتمل عليه) ولم يذكروه كما لم يذكروا (اجتمع إليه) ففي ص 756 (فلما كان من غد اجتمع إليه قوم) ومعناه (انضووا إليه) ومن الخطأ أن يقتصر في استعمال الحروف على ما ذكر في كتب اللغة، لأنهم تركوا لنا قوانين تعتري كل فعل وتتناول كل تعبير - كما قدمنا -.
23 - وجاء فيها (فقال له: دع هذا أتعرفني) قال العلامة مرجليوث (بالأصل: لا دع) قلنا: استعمل مثل هذا التعبير الأمير الجليل شكيب أرسلان في المجلد التاسع بالجزء الثاني من مجلة المجمع العلمي ونص قوله (ومخالف للشيخ المنذر في منعهما، لا، بل متعجب من قول. . .) فانتقدناه في ص (189) من المجلد الثامن عشر بالجزء الأول والثاني من مجلة العرفان الصيداوية اثنتي عشرة انتقادة، وعلقنا بقوله هذا ما صورته (والصواب حذف (لا) لان كليهما حرف(9/249)
عطف ولان (بل) تفي بالإضراب التام فكيف استفاد الأمير هذا الخطأ؟)
ولكننا بتعهدنا كلام العرب وجدنا أن (لا) قد تزاد في الكلام للتنبيه كما تزاد قبل القسم ولا سيما قبل (بل) قال ذو الرمة غيلان:
سيلا من الدعص أغشته معارفها ... نكباء تسحب أعلاه فينسحب
(لا بل) هو الشوق في دار تخونها ... مراً سحاب ومراً بارح ترب
وقال عمار بن ياسر - رض - لرجل شاك كما في (1: 506) من شرح ابن أبي الحديد ما صورته (اختر لنفسك أيهما شئت) فقال الرجل (لا بل علانية) ثم قال عمار له (افترى دم عصفور حراماً؟) فقال (لا بل حلال) وفي ص 164 منه قول مروان بن الحكم لعثمان - رض - قبل يوم الدار (يا أمير المؤمنين أأتكلم أم أسكت؟ فقالت نائلة بنت الفرافصة: لا بل تسكت فانتم والله قاتلوه ومؤتمو أطفاله) وفي ص 24 (وروي إنه قيل لأبي ذر: أعثمان أنزلك الربذة؟ فقال: لا بل اخترت لنفسي ذلك) وفي ص 265 قول علي لعبد الله بن قعين (اقطنوا فأقاموا أم جبنوا فظعنوا؟) يريد الخريت وأصحابه، فقال (لا بل ظعنوا) وأدلة ذلك كثيرة، فأنا قد رجعت عن قولي، وما في النشوار صواب.
24 - وجاء في ص 751 (وأسلمني مع ابنه في الكتاب) فقال المجمعيون (الظاهر إلى الكتاب) فغلطوا غلطين لان (في) ههنا ظرفية لا للتعدية، كما يقال (استقرى في الأرض) والأصل (استقرى البلاد في الأرض) وكما يقال (استقصى في الحساب) والأصل
(استقصى المراد في الحساب)
ولأن تعريف (الكتاب) لا محل له لأنه نكرة غير معروف فالصواب وأسلمني مع ابنه في كتاب) (وزان رمان) كما في الأصل الفصيح.(9/250)
25 - وجاء في ص 751 أيضاً (ويكفني من شهواتي ويحسن إلي) قال مرجليوث الأستاذ (لعله: ولا يكفني) وقال المجمعيون (المعروف: كفه عن الشيء ويحتمل أن يكون الأصل: ويكفيني من شهواتي) قلنا: ونحن نعجب ممن يجوزون التضمين - ومنهم المجمعيون - بأنهم لم يروا (كف) مضمناً معنى (منع) ولكون الحال لا تقتضي (الكف) رجحنا أن الأصل (ويمكنني من شهواتي) فهو اقرب من (يكفيني من شهواتي) سواء أكانت (من) للتقليل أم مزيدة على رأي المستجيزين للزيادة، قال في المصباح (وتزاد في غير الواجب عند البصريين وفي الواجب عند الأخفش والكوفيين) وعلى هذا الوجه فسر بعضهم قوله تعالى (قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم) وادعى أن المراد (يغضوا أبصارهم كلها).
26 - وجاء في ص 752 (وأتحمد بولائه وافتخر أنا وعقبي بذلك) ولا نرى محلا ل (اتحمد) ففي القاموس (وهو يتحمد علي: يمتن) وفي الأساس (وتحمد فلان: تكلف الحمد، تقول: وجدته متحمداً متشكراً ومن أنفق ماله على نفسه فلا يتحمد به على الناس) ولاهما لا يوافق ما في النشوار فالصواب (تمجد) قال في الأساس (وتمجد الله بكرمه وعباده يمجدونه) فمعنى تمجد: استحق المجد وناله وتعظم فهو مطاوع (مجده تمجيداً أي عظمه تعظيماً) مثل علمه فتعلم وكسره فتكسر وحطمه فتحطم.
27 - وورد في ص 752 أيضاً (وأكرمه وتطاول له ووهب له. . .) قال المجمعيون (يقال: تطاول عليه أي تطول وتفضل، وتطاول الرجل: تمدد قائماً) قلنا: ولا فائدة في هذا التعليق ههنا لأن المعنى بقي مبهماً فمعنى (تطاول له: أظهر له طول روح وأناة) ففي (6: 232) من معجم الأدباء لياقوت في ترجمة المبارك بن المبارك بن سعيد (وكان حسن التعليم (طويل الروح) كثير الاحتمال للتلامذة) وفي ص 234 من نكت الهميان (وكان حسن التعليم(9/251)
طويل الروح) وهو قول ياقوت بعينه عن الرجل نفسه، ولعله من التعابير المولدة وهو باق إلى الآن بالعراق.
28 - وجاء في ص 754 (واشتهر أمري معها. . . حتى بلغ أبا علي وكان يعذلني
ويوبخني ويمنعني من مفارقة حضرته وان أخل بها) فقال الأستاذ مرجليوث (لعله: أخلو) فقال المجمعيون (الصواب ما في الأصل، يقال: أخل بالمكان وغيره إذا غاب عنه وتركه) قلنا: إن الصواب هو ما جاء به العلامة مرجليوث لأن فيه منى لا يكون في غيره (هو منع الوزير ابن مقلة لأبي احمد هارون الكاتب عن الخلوة بالجارية) - على ما يدل عليه مقتضى الحال - ويؤيد قول مرجليوث ما في ص 755 وهو (فشريت (كذا) ليلتي معها وخفت أن أخل بالوزير) فقد جاء (أخلو) بصورة (أخل) أيضاً ويفسره ما جاء في (5: 444) من معجم الأدباء وهو (فشرب معها ليلة واصبح فخموراً فآثر الجلوس معها وأراد الاعتذار إلى الوزير ابن مقلة من التأخر عن الخدمة) أما قول المجمعيين فصواب كل الصواب من حيث اللغة وخطأ من حيث مقتضى الحال وهو المراد.
29 - وفيها (كان يتعمد نفعي بكل شيء ويوصل إلي أموالا جليلة فلم اكن احفظها وكانت كلها تخرج عن يدي في القيان والشراب وأتلفته) والظاهر (وأتلفتها) والضمير عائد إلى الأموال كما عاد إليه من قبل غير مرة.
30 - وفي ص 756 (أنت تضرب بالأمس خمسمائة سوط فلا تصبح تحم ساعة من ليل فتصيح) ولعل الأصل (وتحم ساعة) لتتسق الجملتان بواو العطف أو واو المصاحبة.
31 - وفيها (وهذا لا يتقرر في ساعة ولكن نعد غداً ورفقنا به فقال: انصرفوا) قال المجمعيون (يقال: رفق به إذا تلطف وألان جانبه ويحتمل أن تكون ورققنا له) قلنا: أما التوجيه الأول فلا محل له البتة ههنا وأما الثاني فقريب ولكن الأولى والأصح (فداققنا به) فعل أمر (تداق مداقة ودقاقاً) قال في الأساس (وداقني في الحساب مداقة) فهذا لم يحضرهما إلاَّ ليحاسبهما في عقد الضمان كما في النشوار، فهل خطر هذا على بال المجمعيين فتركوه؟.(9/252)
32 - وجاء في ص 758 (لأنك تظلمنا وتزيل رسومنا) فعلق به العلامة مرجليوث (لعله تزيد) قلنا: إن ما في الأصل أحق بالتأصل ويؤيد ذلك ما ورد قبله (فتبع رسومنا ورام بعض شيء منها) فهذا يفيد انه أراد بالرسوم متحصلاتهم ومرتفقاتهم. فالإزالة أذن حرمانهموها.
33 - وفي ص 759 (فاخذ يشكرني بما جرى وبما ورد عليه) قال المجمعيون (كذا في
الأصل ولعلها محرفة عن: يشعرني) وقال مرجليوث (لعله: ويخبرني بما) زيادة على الأصل. فأما ما ذهب إليه المجمعيون فظاهر التكلف والأولى (يذكرني بما جرى) فقد سبق منهما أن تلاحيا وتجادلا، فكيف يكون ذكر ما بينهما وأشعاراً؟ ويؤكد هذا قوله (فأوهمته أني كنت قد قلت له ذلك على اصل) وأما زيادة العلامة مرجليوث فهي كوضع الهناء مواضع العر وخلاه ذم. فهو رجل متأن حاذق.
34 - وجاء في ص 760 (فوصلني ما قيمته خمسة آلاف درهم) والمعلوم أن يقال (وصله بكذا) فان كان من باب الحذف والإيصال أي حذف الجار وإيصال الفعل إليه. ففيه قولان قال الأعلم في قول الشاعر (أمرتك الخير فافعل ما أمرت به) ما صورته (وسوغ الحذف والنصب أن الخير اسم فعل يحسن (أن وما عملت فيه) في موضعه و (أن) يحذف معها حرف الجر كثيراً. . فإذا وقع موقع (أن) اسم فعل شبه بها فحسن الحذف. فان قلت: أمرتك يزيد، لم يجز أن تقول: أمرتك زيداً) وقال المبرد في قول الأعرابي:
تحن فتبدي ما بها من صبابة ... وأخفي الذي لولا الأسى لقضاني
ما نصه (يزيد: لقضى علي، فأخرجه لفصاحته وعلمه بجوهر الكلام احسن مخرج قال الله عز وجل: (وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون)، والمعنى: إذا كالوا لهم أو وزنوا لهم. . . وقال الله تبارك وتعالى (واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا، أي من قومه. وقال الشاعر (وهو اياس بن عامر أعشى طرود):
أمرتك الخير فافعل ما أمرت به ... فقد تركتك ذا مال وذا نشب(9/253)
أي أمرتك بالخير، ومن ذا قول الفرزدق:
ومنا الذي اختير الرجال سماحة ... وجوداً إذا هب الرياح الزعازع
أي من الرجال، فهذا الكلام الفصيح: وجاء بعده قول الأخفش أبي الحسن علي بن سليمان (ولا يجوز مررت زيداً وأنت ترد: مررت بزيد، لأنه لا يتعدى إلاَّ بحرف جر، وذلك انه فعل الفاعل في نفسه وليس فيه دليل على المفعول وليس هذا بمنزلة ما يتعدى إلى مفعولين فيتعدى إلى أحدهما بحرف الجر وإلى الآخر بنفسه لأن قولك: اخترت الرجال زيداً، وقد علم بذكرك زيداً أن حرف الجر محذوف من الأول) قلنا: وبهذا يبطل اشتراط الأعلم في حسن الحذف (كون الموصل إليه الفعل من المعاني لا من الجواهر) فقد رأيت قوله (كالوهم
أو وزنوهم) وقوله (قومه) وقوله (الرجال) فليس هؤلاء من المعاني، وعلى هذا يتخرج قول النشوار ويكون من الفصيح عند المبرد ومن الجائز عند غيره.
35 - وجاء فيها (فقال: يا با حصلت لتسخر بالأتراك) فقال المجمعيون (لعله: حلمت من الحلم وهو الرؤيا) قلنا: فما أبعده عن الصواب! لأنه - وان ادعى الحلم للاحتيال - فقد علم هذا بأنه غير حالم، فكيف يقول له (حلمت) فالصواب الأصل معناه (جئت وصرت) أفلم يتدبروا ما في ص 683 وفيه (فحين حصلوا في الصحن) و (قد حصل معي في الدار لص) وفي ص 684 (فحين حصلوا عليها سقطوا إليها) فهل بادر ذهن أحدهم إلى هذا فتركوه؟.
36 - وجاء في ص 696 (فدعني امضي وأجيء) وقد قلنا غير مرة أن مثل هذا يجب جزمه بجواب الطلب وموجب الجزم فيه انه لم يبدأ بالمضي ولا بالمجيء فان بدا بهما لزم الرفع فتكون الجملة حالا، ومثل الأول قول الحصين بن الحمام:(9/254)
أيا أخوينا من أبينا وأمنا ... ذرا موليلينا من قضاعة (يذهبا)
فالصواب (امض وأجئ) بالجزم وهذه القاعدة مطرودة في كل مضارع يستعمل جواباً للطلب فلا يستحسن جهلها.
37 - وقد أوردنا في (8: 528) من لغة العرب أن (شاغله مشاغلة) للمبالغة، وقد وردت في ص 29 من الفخري لابن الطقطقى، قال وزير عضد الدولة: (ثم استدعى الجارية فحضرت فشاغلها ساعة حتى غفلت عن نفسها) فهي شائعة في القرن الرابع للهجرة ولا بدع إذا استعملت في النشوار بعد إجازة القياس والسماع لها. ونذكر أنها وردت في حكاية المثل (عند جهينة الخبر اليقين).
مطالعة:
رأينا أحد القائمين بمجلة المجمع وهو الأستاذ المغربي عبد القادر قد نقلها في (ص 774) منها عن كتيب معبوث فيه اسمه (ذخيرة المتأدب) للأستاذ أدوارد مرقص ما نصه (استوى: في الفصيح تساوى وتستعمله العامة بمعنى: نضج الطعام) وهذا عبث بالعربية وتشويه لان (استوى) في العربية بمعنى (تساوى) إذا دل على الاشتراك فليس هناك عامي وفصيح و (افتعل) يأتي غالباً بمعنى (تفاعل) للاشتراك وهو قاعدة تكاد تكون مطردة أما (استوى)
بمعنى (تساوى) فقد اقتصر على فصاحتها القرآن الكريم ولم يستعمل (تساوى) بخلاف ما استحسن عبد القادر المغربي ومنه قوله تعالى (وما يستوي الأعمى والبصير ولا الظلمات ولا النور ولا الظل ولا الحرور وما يستوي الأحياء ولا الأموات) ومعناه (تساوى) ومن هذا الباب (ائتشب: تآشب) و (ائتكل: تآكل) و (ائتلف: تآلف) و (ائتمر: تآمر) و (ابتدر: تبادر) و (اجتلد: تجالد) و (اجتمع: تجامع) و (احتك: تحاك) و (اختصم: تخاصم) و (اشتجر: تشاجر) و (اشترك: تشارك) و (اصطلح: تصالح) و (اصطدم: تصادم) وما لا يستقصى، بل كيف يستقصى شبه المطرد؟
أما أن (استوى الطعام) عامي فخطأ أدركته أول وهلة على قلة علمي، قال في المصباح (واستوى الطعام، أي نضج) فكيف ينقل مثل هذا العبث في مجلة المجمع العلمي العربي. وهي من المحافظات على العربية؟.
مصطفى جواد(9/255)
تمثال ملك أدب
لوجل دلو -
ينشر رزوق افتدي عيسى منذ زمن، مقالات متسلسلة، في مجلة لغة العرب، موضوعها: مدينة أدب (بسمى) وحفريات الأميركيين فيها. في عهد العثمانيين؛ فوددت أن اصف في هذه العجالة تمثال الملك لوجل دلو الذي شاهدته في متحفة العاديات. في استانبول. في القسم الأثوري البابلي. في 14 أيلول سنة 1929. في أبان رحلتي الآسيوية الإفريقية الأوربية؛ وذلك لنفاسة هذا الأثر وقدمه فأقول:
أول ما يجذب أنظار داخل الغرفة المرقمة 11 في المتحف المذكورة، ويقابله وجهاً لوجه. هو ذلك التمثال البديع الصنع. المحكم العمل، المرقم 3235 أدب (بسمايا) من المرمر الصاب طوله 78 سنتيمتراً ويمثل لوجل دلو ملك أدب (بسمى). ويرتقي تاريخه إلى حوالي السنة 3300 قبل الميلاد؛ ويعد هذا الأثر أقدم تمثال عرفه العالم حتى اليوم.
ترى الملك منتصباً على قاعدة وموقفه موقف الخاشع المتضرع. أمام الاهه إذ قد ضم ذراعيه ويديه إلى صدره وهو عار من الثياب إلى وسطه. ومحلوق الرأس. على منوال الشمريين ومتزر لباساً من صوف، معقد الرؤوس، كأنه جلد خروف، ذلك اللباس الذي سماه الأقدمون (كونكس وعلى كتفه اليمنى كتابة فيها اسمه وألقابه.
ويرى الناظر عيني التمثال وحاجبيه فارغة مما كان فيها أي إنها كانت مرصعة بالحجارة الكريمة الدقيقة والمعادن الثمينة.
ولا أنسى ذلك التأثير الذي أثره منظر التمثال في نفسي، ولا سيما طلعته الباسمة الكيسة التي لا أزال آنس بذكرها وأشيد بمهارة ناحته ومحاكاته للطبيعة. يعد علماء الآثار والنحت هذا التمثال طرفة من طرف الصناعة.
يوسف غنيمة(9/256)
مدن العراق القديمة
(القني القديمة)
تابع:
وتطلع النظرة إلى صحيفة التاريخ على المرار العديدة التي تحولت إمرة سهل شنعار فيها من دويلة إلى أخرى، حتى انه كانت السلطة ترجع إلى بعض الدول على اختلاف العصور وبين سنين كثيرة.
ويمكن تتبع مجرى القني القديمة إلى هذا اليوم لأنها تظهر على شكل صفي رواب. وترى أحياناً ثلاثة صفوف أو أربعة متوازية - وهذا الأمر يشوش الإنسان في بادئ الأمر -. ولكن لما تكسح القناة من الطمي يصبح جنباها مرتفعين جداً فيتطلب تنظيفها عملا أعظم ويرجح عندئذ حفر عقيق جديد بجانب العقيق القديم.
وأهم القني القديمة نهر ملكا (النهر الملكي) وشط النيل وشط الحي. وكانت تجري القناة الأولى من الفرات في ضواحي (سفر) وتمتد شرقاً إلى دجلة. وكان شط النيل ينقل الماء من النهر (نهر الفرات) فوق بغداد بقليل وينعرج جنوباً شرقاَ. وربما حفر شط النيل حين غير الفرات مجراه واتجه نحو الغرب بحيث أصبحت كيش ونفر ومدن أخر واقعة على عقيقه القديم لا يسد الماء احتياج سكانها وحقولهم. وتسمى هذه القناة في جنوبي نفر بشط الكار. وأما شط الحي - ولا يزال يستعمل حتى هذا الحين - فحفره (انتمنا) صاحب لجش ليجلب الماء من دجلة لان (أما) مدينة كانت تتصل دائماً بالقناة الجارية من الفرات.
بغداد ومتحفة الآثار القديمة
إن بغداد آخر قصبة من السلسلة الطويلة المقامة من العواصم القديمة التي اتخذت كل واحدة في حينها مقراً لمملكة ارض الرافدين. وبغداد حديثة العهد بعض الحداثة وان كان لها تاريخ جليل عريق في القدم. ولم يظهر اسم (بغدادو) إلاَّ مؤخراً في تاريخ بابل بالنسبة إلى عهد هذه المملكة. ولا يظهر(9/257)
في تلك المدينة من آثار الجاهلية سوى بعض كتل بناء مبنية بآجر عليه اسم نبو كدر أصر. وهذه الأخربة كل ما بقي من المسنيات لتي شيدها ذلك
الملك على ضفة النهر. وكانت بغداد في أوائل عصرها بلدة صغيرة واقعة على ضفة دجلة الغربية تعتمد على التجارة المنقولة على النهر، ولا شأن لها في السياسة إلا قليلا.
وأخذت بغداد بالرقي بعد احتلال المسلمين تلك البلاد. لأن المنصور، - وكان رجلاً فعالاً وثاني خلفاء العباسيين -، اخذ هذا الموقع عاصمة جديدة له وعمر فيه الكرخ (المدينة المستديرة) الذائعة الصيت سنة 762م. ونمت هذه المدينة منذ ذلك الحين نمواً سريعاً حتى عظمت في أيام الخلفاء ونافست بمجدها ما سبقها من المدن أمثال نينوى وبابل وسلوقية وطيسفون، وأصبحت بغداد غنية جداً حتى صارت موئل التجار واقبل إليها الناس على اختلاف أجناسهم من أربعة اطرق الأرض؛ وكان لسمعة دار الخلافة الزاهية. دار هارون الرشيد، أعظم خلفاء العباسيين بعد سمعة، جذبت الناس إلها من جميع أنحاء العالم فأضحت كعبة الأدباء ومحط رحال العلماء ومركز الشعراء ومحج رجال الفن.
أن الفضل في أتشاء دار الآثار القديمة في بغداد عائد إلى المرحومة المس جرترودبل العالية الهمة، إذ كانت من أحب الناس للآثار القديمة، كما كانت من مصف العلماء المستشرقين. فصارت مديرة فخرية للآثار القديمة في الحكومة العراقية. فوق ما كانت تقوم به من واجبات الكتوم للشرقيات في ديوان المندوب السامي. وباشرت بنشاط عظيم إقامة متحفة للآثار القديمة ذلك النشاط الذي كانت تعرف به. وهي لا تملك شيئاً لهذه الغاية إلاَّ بعض دريهمات وغرفة واحدة في دار الإمارة (السراي). وتتجاوز المتحفة الآن اتساع الغرفة الواحدة وقد نقلت إلى محل أوسع في بناء مطبعة الحكومة في شارع الجسر، ويعود فضل نموها إلى ما تتبرع به بعثة كيش وبعثة أور في كل سنة، وكانت المس بل أعانت هتين البعثتين أكبر اعانة، ويتوقع أن هذه المتحفة تنقل بعد ذلك إلى بناء خاص بها، فتقر بها عيون الكثيرين لاسيما إذا رأوا في هذه الدار اسم المس بل تذكاراً لها، ولو تسنى لتلك السيدة أن تشاهد هذه الذكرى لاستحسنتها خير استحسان مكافأة لعملها المفيد العجيب.(9/258)
مواقع بابل القديمة
(وهي منظمة بحسب قربها من القطار العراقي وأهميتها إلى الناظر). من بغداد:
دور كوريجلزو (عقرقوف)
هي على مسافة نحو ساعة من بغداد في السيارة على طريق الكاظمية أو على طريق جسر الخر المؤدية إلى الفلوجة. ويمكن لمن كان وقته ضيقاً زيارة المعظم والكاظمية وعقرقوف في رحلة يوم واحد.
توهم أحد الرحالين وكان شاهد عقرقوف من دجلة في القرن السادس عشر إنه برج بابل، ويسميها عرب تلك الأصقاع إلى هذا اليوم برج نمرود، أما الحقيقة فإن عقرقوف احدث بكثير من قصة نمرود. والكتلة البنائية العظيمة التي تشرف على أميال من تلك الأراضي هي بقايا زقورة الهيكل لمدينة كشية لدور كوريجلزو. وترى حوالي أساسات تلك الزقورة أخربة المسجد والمدينة. ولكن لم يحفر حوالي هذا الموضع حفر منظم، ولا يعرف عنه شيء سوى أنه كان آهلاً إلى زمن النصارى، لأنه عثر على عدد وافر من نقود الرومانيين في الروابي.
ومن الممتع أن يعرف الباحث أن تلك الزقورة بنيت كزقورة كيش وزقورة برس نمرود أي أن فيها منافذ مربعة معرضة لدخول الهواء. وتتخلل اللبن من حين إلى آخر طبقات الحصر. (راجع أيضاً ما يخص كيش وبرسبا).
طيسفون (طاق كسرى)
على مسافة 20 ميلاً من بغداد في السيارة على طريق الهنيدي
ومن أدهش أبنية العراق طاق كسرى العظيم (واصله ديوان كسرى) الواقع في طيسفون (سلمان باك)، ذيالك الطاق البالغ ارتفاعه الشامخ 121 قدماً ونصفاً وعرضه الواسع 82 قدماً. والزائر الذي يشاهد هذه الخربة واقيستها الجسيمة يكاد يصدق الخرافات العديدة السارية عن سابق عظمة هذا البناء وإن لم يبق منه شيء إلاَّ نصف ديوان قصر الساسانيين الأوسط ووجه من أوجه أطراف ذلك كالقصر. ومن المأثور أن هناك جدراناً كانت مكسوة كلها بمعادن ثمينة وعمداً(9/259)
لا تحصى من الفضة؛ وقيل أيضاً أن قياصرة رومة نفسهم حسدوا ملابس الأكاسرة الفاخرة وحفلاتهم الملكية فقلدوهم.
وأول مرة ظهر في التاريخ اسم طيسفون كانت في الحادثة التي أضحت ميداناً وكان يستحسن الفرثيون حط رحال معسكرهم فيها، وتكاملت شيئاً فشيئاً حتى صارت بلدة كبيرة
تنافس سلوقية الواقعة على ثلاثة أميال منها في الضفة المقابلة من نهر دجلة. وسلب الرومانيون البلدتين واحرقوهما سنة 162م، فقضت هذه الضربة على سلوقية. ولكن الحظ خدم بعد ذلك طيسفون فاشتهرت. وبعد عدة تقلبات أخذت سابور هذه المدينة داراً لمملكته في الشتاء، وكان سابور بن أردشير مؤسس دولة الفرس الساسانية سنة 226 م. ودامت طيسفون أربعة قرون ونيفاً وريثة بابل كما إنها كانت من أعظم بلدان الشرق.
وبلغت طيسفون أوج مجدها في زمن كسرى الثاني، ولكن لما غلب الانبراطور هرقل كسرى المذكور في محاربة نينوى سنة 627م، وقعت تلك المدينة في موقع حرج. وبعد مدة غير مديدة من الزمن نشأت قوة جديدة لم يشعر بها أحد إلى ذلك الحين، هي ديانة الإسلام التي أبادت طيسفون وأزالت ديانة زرادشت عن آخرها بهجومها عليها سنة 641م.
سلوقية (سور)
لما توفي الاسكندر في بابل وسقطت المملكة المكدونية قام سلوقس اعز قواد الاسكندر. واستولى على ارض الفرس وسورية والعراق (سنة 312ق م) فشيد مدينة سلوقية على ضفة دجلة اليمنى، على عشرين ميلا من بغداد الحديثة، وكانت خطته أن يؤسس مستعمرات يونانية في آسية على أسلوب مدن اليونان. وعظم شأن سلوقية وبقيت مدة سيدة بلدان هذه الأرجاء، حتى احتلها الفرثيون سنة 140ق. م. ولكنها لم تزل تتألق بمزايا مستعمرة يونانية، بيد أن أمرها ضعف رويداً رويداً حتى دانت لطيسفون الني أخذت بالرقي وطيسفون قائمة على ضفة النهر المقابلة لسوقية. ولم يقم لسلوقية قائم بعد غزوة الرومانيين الفظيعة سنة 162م حين نهبوها واحرقوها وذبحوا نحو نصف سكانها. ولم يبق من تلك المدينة الغنية العظيمة شيء سوى بعض الروابي الصغيرة(9/260)
لا تجدي الزائر إلاَّ نفعاً قليلا.
أكد (تل الدير)
على نحو 16 ميلاً من بغداد في السيارة. يمكن مشاهدة (سفر) في الزيارة نفسها.
أثبت الأستاذ (لنغدن) أن أخربة تل الدير الواقعة على ضفة قناة اليوسفية الشمالية وفي جنوب غربي بغداد هي (أكد) المدينة المحصنة التي عمرها سرجون الأول حين أيد مملكة
الساميين لأكد (سنة 2752 ق. م). ويرى (السر ولس بج) الذي حفر في الدير سنة 1891، أن هذا الموضع بقايا مساكن في ضواحي (سفر) لا غيرها، وقد كشفت أخربة (سفر) على أربعة أميال في جنوب غربي هذا الموقع. ولكن هناك أمرين يؤيدان أن هذه البلدة رسمت وشيدت على خطة لتكون عاصمة وحصناً في وقت واحد. لأن جداريها المنيعين بنيا على شكل ضلعي مثلث، وهناك قناة أو لعلها الفرات نفسه، قام مقام الضلع الثالثة، فضلاً عن أن لهذه المدينة باباً واحدة واقعاً في الزاوية الغربية من الجدارين.
وانتشرت روايات كثيرة حول أصل سرجون الملك العسكري المقدام، وكان رجلاً وضيع النسب. ولكن عظم قدره حتى ساد على غربي آسية الممتدة من الخليج الفارسي إلى الجبال الشمالية؛ ومن عيلام إلى بحر الروم البعيد. ويقال إنه كان ابن والدة حقيرة، ومن والد مجهول، فوضع في قفة صغيرة والقي في النهر مثل موسى. ولكنه حظي في عيني المعبودة أشتر فأنقذته ليكون له حظ مجيد. وهناك أسطورة أخرى تبين إنه كان في صباه بستانياً في مدينة كيش، مدينة الشمريين، وكانت حين ذاك سيدة بلدان سهل شنعار. وتكذب حوادث ذلك العصر القصة الخيالية القائلة أن سرجون خدم خدمة ساق في دار (أور البابا) حفيد (كوج باو) الخمارة لتي اغتصبت إمرة شمر من اكشك.
ويظهر أن سرجون ساد قوماً جليلا سامي العنصر في كيش وفي أماكن أخر في سهل شنعار. ولا جرم أنه يبعد علينا أن نعرف سبب عدم اتخاذ كيش قصبة لمملكته، مع أنه لقب نفسه ومن خلفه من أبنائه بلقب (ملك كيش) ويتضح أنهم هجروا بالمرة تلك المدينة وهي موطنهم. وقد اختار سرجون إله كيش(9/261)
للحرب إلهاً له كما إنه أقام هيكلا عظيماً هو هيكل (إي المش) للمعبودة أشتر واضطر (نرام سن) حفيد هذا الملك إلى أن يحتل كيش مرة ثانية عنوة إذ يجوز أن الضغينة مكنت من صدور الشمريين والساميين لما بينهما من الاختلاف القومي.
وكان (نرأم سن) فاتحاً قهاراً كجده كما كان بناء عظيماً. وقد جدد هيكل (إي ببر) من جملة الهياكل التي جددها، و (إي ببر) هيكل إله الشمس المسمى (ببر) (شمش) في (سفر). ومر ذكر ذلك في تاريخ نيونيد ملك بابل العالم بالآثار القديمة (راجع هنا ما يخص بابل وسفر).
وقلد الأكديون الشمريين في خطهم وتثقيفهم وظهر عدد كثير من الصفائح في روابي الدير.
سفر (أبو حبة)
على نحو عشرين ميلا من بغداد في السيارة
ومن المأثور في زمن الشمريين أن (سفر) أحد البلدان الأربعة التي أنشئت قبل الطوفان، ولا ريب في أن (لسفر) تاريخاً قديماً جداً. كانت هذه المدينة واقعة على ضفة الفرات الشرقية قبل أن يبدل مجراه هذا النهر المتغير. وكانت سفر مدينه ذات شأن في عهد شمر كله وكذلك في زمن بابل ولا سيما في أواخر عصر تلك المملكة، على أنها لم تتخذ مقراً للسلالة المتسيطرة.
ويمكن تقفي أثر جدار المدينة إلى هذا اليوم. وكان قائم الزوايا وفيه عدة أبواب؛ وهو يمتد من الشمال إلى الجنوب، وذكر في هذا الخصوص أن نبو كدر أصر الثاني احكم حصن هذه المدينة وهي من مدن بابل الشمالية خشية من غزوات الماذيين لأنهم كانوا ذوي بأس يخشى (راجع ما يخص بابل).
ويمكن في هذا اليوم تعيين موضع الزقورة المتخربة؛ المسماة النانانرجا أي (دار مدخل السماء). وكذلك دار السكنى الواقعة في شرقي منطقة الهيكل. وجدد (نرأم سن) رابع ملوك أكد هيكل (إي ببر) وهو أهم هياكل سفر المرصد لإله الشمس (ببر) (راجع ما يخص أكد وبابل).
وقد كشف عدد كثير من الصفائح في روابي (أبو حبة)، ومن الذين(9/262)
عثروا على هذه الصفائح هرمزد رسام الذي حفر هنالك سنة 1878 - 1879 وسنة 1880و1882. والحفارون الأهلون والأب شيل الدمنكي مترجم شرائع حمرب. الذي قام بالحفر للمتحفة العثمانية الملكية سنة 1891. وفي الحقيقة يقدر (السر ولس يج) عدد الصفائح التي استخرجت من ذلك الموضع ب 130. 000 ونقل عن الحفارين الاهلين أن مقداراً عظيماً منها كان في ضمن أحباب (أزيار) كالأحباب المستعملة يومئذ للماء ثم عنونت بلباقة.
والمواقع الباقية التي تمكن زيارتها وأنت تخرج من بغداد هي: الكاظمية والمعظم وقبر زبيدة.
من المسبب:
كوثى (تل إبراهيم) - (هي كوثى المذكورة في التوراة: سفر الملوك الثاني 17: 24و30) على نحو 18 ميلاً في السيارة أما من المسيب وأما من كيش.
إن كوثى على ما نقل، قديمة جداً وكانت جليلة القدر في عصرها كله لأنها كانت مركز تعليم الدين وكذلك كان شأن نفر واريدو، بيد أن كوثى لم تنل مجداً في السياسة. ونقل عبادة إله تلك البلدة الإله (نرجل) رب العالم الأدنى إلى (سامرية) وذلك على يد رجال كوثى الذين نفاهم سرجون ملك الآشوريين إلى هناك. وكان مركز العبادة في كوثى الذين في الهيكل المعروف باسم (إي مسلم) وزقورة إننر أي (دار الهلال) والذي يثبت أن لهذه العبادة شأناً خاصاً في تلك الأصقاع جميعها، ما قام به الملك دنجي من تجديد الهيكل والزقورة، وكان دنجي ثاني ملوك اور ومن سلالتها الثالثة.
من الحلة:
كيش (تل الاحيمر)
على 13 ميلا من الحلة في السيارة:
ترى على مسافة تسعة أميال في شرقي بابل رابية كبيرة مخروطة الشكل، يسميها العرب تل الاحيمر، لأن لونها يكاد يكون احمر. وقد حاول الرحالون(9/263)