فوائد لغوية
عثرات إبراهيم اليازجي وجرجي جنن البولسي في مغالط
الكتاب ومناهج الصواب
38 - وقال الأب في ص 63 (غلط أنصب على درس العلم أو إليه - أقبل عليه ولزمه، صوابه: أكب عليه، إنما يقال: انصب الماء) قلت في (بعق) من المختار ما نصه (إن الله يكره الانبعاق في الكلام. . . وهو (والانصباب فيه بشدة) ومعنى الانصباب هو (الاكباب) فلا وجه للتغليط والتقدير (انصباب المرء فيه).
39 - وقال في ص 14 ناقلا عن اليازجي (نظر فيه مليا وتثبته بالفكر) فاليازجي قد عدى (تثبت) بنفسه فأخطأ لأنه يتعدى ب (في). قال في المصباح المنير (ورجل ثبت ساكن الباء: متثبت في أموره) وقال في المختار (وتثبت في الأمر واستثبت بمعنى) ولم يقل ذلك (متثبت أموره أو لأموره) ولا قال هذا (تثبت الأمر. . .).
40 - وقال في ص 12 ناقلا عن اليازجي (غلط: أشر على الصك تأشيرا - رسم عليه علامة تفيد التوقيع. صوابه: وقع على الصك) قلت: وليس هذا الصواب وحده لأن من الفصيح (وقع في الصك) قال في القاموس (والتوقيع ما يوقع في الكتاب) وفي المختار (والتوقيع ما يوقع في الكتاب) وفي (ضعف) من المختار أيضا (وقولهم: وقع فلان في أضعاف كتابه يراد به توقيعه في أثناء السطور أو الحاشية) وإني لم أعثر على (وقع عليه) كما أدعى اليازجي فربما كان في التاج أو اللسان أو غيرهما.
41 - وقال في ص 10 ناقلا عن اليازجي حين كلامه على الهمزة (وتخرج عن(7/632)
الاستفهام فتأتي لغير معان كالتسوية والإنكار والتهكم والتقرير) وقد أخطأ في قوله (لغير معان) لأن معنى الجملة صار (فتأتي من دون معنى أي لغوا وغلطا وحشوا. قلت ذلك لأنه أضاف (غيرا) إلى نكرة وذلك يستلزم فقدان ما بعدها لا تغييره. إذ يقال (جاء بغير أمر ومن دون أمر) فالصواب أن يقول (فتأتي لغير هذه المعاني أو لمعان غير هذه أو لمعان أخرى) ليستقيم الكلام.
42 - وقال الأب جرجي في ص 8 (فضلا عما يرتسم في ملكاتهم) والصواب (يثبت) لأن الارتسام هو الامتثال والإطاعة والتوسم عند العلماء المتبحرين.
43 - وقال هو في الصفحة بعينها (أجاب الضياء على ذلك) والصواب (أجاب عن ذلك) لأن (أجاب عليه) ليست من الفصاحة في شيء.
44 - وقال في ص 6 قد ورد في الضياء. . . ألفاظا) والصواب (ألفاظ) بالرفع لأن الوارد هو (الألفاظ) أي الفاعل ل (ورد).
45 - وقال الأب نفسه في ص 4 (وناهيك إلى آخر ما هنالك) والصواب (وناهيك من غير ذلك) أو (وناهيك بهذا مفيدا فائدة).
46 - وقال فيها (ورد في بقية السنين من الضياء وخصوصا في السنة السابعة) والصواب حذف (في) لأن السنة مفعول الفعل خصوصا.
47 - وقال فيها (عمدنا إلى جمع أشتاتها في كتاب كهذا خفيف الحمل) والصواب (إلى جمع أشتاتها في هذا الكتاب) لأن المراد هو لا شبهه.
48 - وقال في ص 2 (الخط الأسود التي تحت السطر يدل.) والصواب (السطر الأسود الذي) لأن السطر مذكر ولعل هذه غلطة طبع.
والآن أمسك القلم عن الإمعان في تبحث الأغلاط الخفيفة المنبثة الكثيرة في هذا الكتيب تفاديا من التطويل الممل. وإني مستعد لأن أتقبل انتقاد بعض ما ذكرته أو كله بقبول حسن. وليعلم القارئ الكريم إني عثرت على هذه الأغلاط على قلة علمي أو تبحري فإن إيلاعي بالعربية لا تجاوز مدته سنتين وإن من هذه مدة ولوعه لقليلة بضاعته وليتني سلمت من جور الكذبة وفقني الله لخدمة لغتنا العربية. إنه على ذلك قدير.
مصطفى جواد(7/633)
باب المكاتبة والمذاكرة
نظرات في لغة العرب
1 - جاء في لغة العرب (5: 455) ما نصه (فالشرقي هو المقر العام للجيش البريطاني والغربي هو دائرة البرق والبريد ومسكن لضباط بريطانيين) والصواب (استبدل فالغربي) ب (فالشرقي) واستبدال (والشرقي) ب (والغربي).
(ل. ع) جاءنا هذا النقد قبل أن يصلح الغلط.
2 - وفيها (147) ما نصه: (إن التهتفش كانوا يسكنون البنجاب حينما تغلب عليهم دارا وكورش العظيم وأضافاها إلى مملكة الفرس في منتصف القرن السادس بعد المسيح) والصواب (قبل المسيح).
في لواء الموصل لعبد الرزاق أفندي الحسني
1 - جاء في (7: 139) ما نصه: (وطالما قصدها الناس من سائر الجهات للاستشفاء لهذه الغاية) والصواب (للاستشفاء) وحدها أو (لهذه الغاية) وحدها. لأن الغاية هي الشفاء والاستشفاء يدل على معنى قوله (قصدها الناس لهذه الغاية) اهـ.
- (ل. ع) لا نوافق حضرة النقادة على ما يقوله لأن تعبير السيد الكاتب هو من باب التوكيد، والتوكيد غير ممنوع في لغتنا ولا في لغات الأجانب، فقد قال السلف: قال في التاج أشبه الله وأشب الله قرنه بمعنى والأخير مجاز والقرن زيادة في الكلام. وفي حديث الميراث (لأولى رجل ذكر) مع أن الرجل لا يكون إلا ذكرا - وقد سماه بعضهم التطويل. كقول عدي: وألفى قولها كذبا ومينا فإن الكذب هو المين - وفي سورة الإسراء: (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى) والإسراء لا يكون إلا ليلا وأمثال هذه التطويلات كثيرة في لغتنا -(7/634)
2 - وفي الصفحة نفسها (كما أن طريقي الموصل إلى دير الزور والموصل إلى راوندوز والسليمانية) والصواب (كما إن الطريق الذي من الموصل إلى دير الزور والذي منها إلى راوندوز والسليمانية) لأن إضافة المثنى (طريقين) إلى الموصل مرادا به طريق واحد خطأ
اهـ.
- (ل. ع) استعمل الكتبة الأقدمون والمولدون والعصريون التعبير الذي عبر به السيد الكاتب عن فكره. فقد قال الشاعر منذ القدم:
حمامة بطن (الواديين) ترنمي ... ظهراهما مثل ظهور الترسين
والمراد بطن الوادي، وقال سويد بن كراع العكلي:
وإن تزجرني يا ابن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا
فإذا جاز للمفرد أن يعامل معاملة المثنى فكيف إذا عطف عليه اسم آخر؟ وجاء في تاج العروس في ر م م: رم من حدي ضرب ونصر. إلى غير ذلك وهو كثير على أن الأفصح العمل بما يشير إليه الناقد الخبير -
3 - وفي ص 141 (وتقدر نفوس البلدة حسب الإحصاء الأخير) والفصيح المشهور (بحسب الإحصاء) بإدخال الباء على حسب اهـ.
- (ل. ع) لم نعثر على من صرح بذلك. فقد قالوا على حسب وبحسب وحسب. فقد قالوا: الأجر بحسب عملك. وفي الأساس: الأجر على حسب المصيبة. وفي المغرب للمطرزي: أحسنت إليه حسب الطاقة وعلى حسبها أي قدرها -
4 - وفي ص 143 (وقراها 40 قرية تقريبا والصواب (وقراها 40 قرية على التكثير لا التقليل) لأن (تقريبا) لا وجه إعرابيا له فضلا عن إنه لا يستوجب العد على التكثير فالتقريب يشمل تقريب المعدود إلى أعلى العدد وأدناه اهـ.
- (ل. ع) قولهم تقريبا فيه تقدير: أي والعدد فيه مقرب تقريبا -
5 - وفيها (ناحية نيروه ريكان وهي عبارة عن ثلاثين قرية تقريبا) والصواب (وهي تشمل ثلاثين قرية. . .) لأن العبارة اسم للتعبير فيجب ألا تستعمل لأن المقصود (عد قرى ريكان) لا تفسير معناها. والعبارة إذن تستعمل للمحسات من حيث المعنى لا الجسمية. فقولنا (الفيل(7/635)
عبارة عن الحيوان المعروف) خطأ إذا أريد به جسمه وصواب إذا أريد به لفظه) اهـ.
- (ل. ع) عبارة عن. . .) تقال للأشياء الجسيمة كما تقال للأشياء المعنوية. فقد جاء في الكليات: التنضيد عبارة عن وقوع بعضها (بعض الأجسام) فوق بعض. وقال في التصديق
عبارة عن ربط قلبه على شيء. . .
6 - وفيها (ولما كان مناخ البلدة. . . فإن الآهلين يضطرون إلى سكنى الوادي) وجواب (لما) لا يصدر بالفاء ولا جملة اسمية والصواب (ولما كان مناخ البلدة. . . أضطر الآهلون إلى. .)
7 - وفيها (وهي كلمة كردية منحوتة من سي أي ثلاثون) والصواب (أي ثلاثين) لأنها عطف بيان يتبع المعطوف عليه أو بدل مطابق يتبع المبدل منه المجرور. وسي مجرور المحل.
في مقالة علي الجميل لرفائيل بطي
1 - قال في ص 132 (وكان جد ولوع بالدرس على صغر سنه حتى لتروي أمه إنه طفق) فحتى ههنا حرف ابتداء واللام حرف ابتداء وقد تناطحا فالصواب (حتى إن أمه لتروي) بإدخال اللام على الفعل الذي صار هو وفاعله خبرا لأن.
- (ل. ع) قدر الكاتب: حتى إنه لتروي أمه. ثم حذف وهو ما يظهر من تركيب كلامه، وهو غير ممنوع -
2 - وفيها (عين لأبنه مدرسين خاصين برواتب يعلمونه اللغات) والصواب (ليعلموه اللغات) لأن جملة (يعلمونه) في قوله المذكور صفة للمدرسين إذ الجمل بعد النكرات صفات وهذا يستوجب تعيينهم وهم يعلمونه مع إن التعليم يجب أن يتأخر عن التعليين اهـ.
- (ل. ع) قدر الكاتب: وكانوا يعلمونه فحذف وهو غير محظور -
3 - وفي ص 133 (براتب 500 غرش عثماني شهريا) والصواب (شهري) بالجر لأنه صفة للراتب المجرور اهـ.
(ل. ع) هذا التعبير كثير في كلامهم وهو منصوب على الظرفية كقولك(7/636)
عاملته معاملة شهرية.
4 - وفيها (ولم تخل رسائله هذه من نزعة في تأثير الغرض على كتابته) والصواب (تأثير الغرض في كتابته) إذ يقال (أثر فيه) لا (أثر عليه) فضلا على أن (على) تستوجب الاستعلاء لا التوغل و (في) تستوجب الإيغال والاستعلاء والمراد هنا الإيغال أي الدخول. وتداول حروف الجر بعضها لمكان بعض سماعي لا قياسي. وما الداعي والناثر حر
مختار.
- (ل. ع) لم يأتنا حضرة الناقد بشاهد من الأقدمين ينكر هذا الاستعمال أو يحضره. فقد قال الطبري في (2: 1318: 11) ما رأى من حسن أثرهم على ابني زحر: جهم وجمال. اهـ.
5 - وفي ص134 (وطبعها في مطبعة نينوى) والفصيح (بمطبعة) لأن الباء ذات الأصالة في الاستعانة اهـ.
- (ل. ع) الكاتب أراد وطبعها في محل الطبع المعروف بمحل طبع نينوى وبين التعبيرين فرق ظاهر والواحد غير الأخر -
6 - وفي مقالته (ولن اعلم إذا ترك مذكرات أو تآليف. . حسب الخطة التي. . أم كانت زفرته. . .) وفي قوله ثلاث غلطات أولاها (نفيه العلم عن نفسه في المستقبل وليس من الإنصاف أن يحكم على نفسه بالجهل وهو لم يقترفه ولا مر به زمان العلم فكسل، والدليل على استعماله (لن) وهي حرف نفي للاستقبال وثانيتها استعماله (إذا) في موضع (الهمزة) إذ يقال (ما علمت أحضر محمد أم لم يحضر) ولا يقال (إذا حضر) لأن معناها (ما علمت عند حضوره) وثالثها قوله (حسب والفصيح (بحسب) وقد قلناه أنفا اهـ.
- (ل. ع) ليس هناك غلطة أولى لأن الكاتب أراد التواضع في كلامه. وبالتالي لم يبق غلط ثان فيها أما الثالث فقد اكثر منه المولدون فلا عجب من الكاتب أن يقتفي آثارهم وأما قوله حسب الخطة فلا غبار عليه لأنه من فصيح الكلام وقد أشرنا إليه قبيل هذا -
7 - وفي 135 (إنما ترى فيه نزعة عصرية في ديباجته نظرا إلى المدرسة الأدبية) والصواب (لاتباعه المدرسة الأدبية) لأن (نظرا إلى) لا تستعمل للتعليل (الحظ قول علامتنا الكرملي في ص 616 من السنة السادسة) فضلا عن إن(7/637)
المفعول لأجله (نظرا) يلزم أن يكون مصدرا قلبيا (وهو مصدر حاسي ههنا) ومشاركا للفعل في الفاعل (وفاعله الفاعل هنا: أنت) لقوله (ترى) مع إن (نظرا) مسند إلى غير هذا الفاعل أي (المترجم له). وقد يجوز أن يكون النظر بمعنى المراعاة في غير هذا الموضع اهـ.
- (ل. ع) قولهم نظرا إلى أو بالنظر إلى لا غبار عليه أي ملاحظة واعتبارا له وقد ورد في كلام المقري 1: 297: 13 و15 فقولك لأفعل نظرا إلى كذا أي في حال نظري إليه.
وقد سبقنا ابن الأثير في النهاية إذ قال في مادة كلب: (ويقال للشعر الذي يخرز به الاسكاف كلبة. قال: وفسرها بالمخالب نظرا إلى) مجيء الكلاليب في مخالب البازي فقد أبعد. اهـ. وابن الأثير هنا ينقل كلام الزمخشري وكل من هذين الإمامين حجة في اللغة.
8 - وفيها أيضا (وكان أصيب بمرض في الكلى في أثناء الحرب) والصواب (بمرض في إحدى كليتيه) أو (في كليتيه كلتيهما) إن سنة الله تعالى في الإنسان أن يخلق له كليتين لا (كلى) ولو كان قد قال (في مرض الكلى لنجا بهذا العموم.
- (ل. ع) مرض الكلى لا غبار عليه لأنه من باب جمع المثنى. قال في لسان العرب في مادة ر اس: (قوله: رؤس كبيريهن ينتطحان، أراد بالرؤس: الرأسين فجعل كل جزء منها رأسا ثم قال ينتطحان فراجع المعنى، وروى الثعالبي عن الشعبي ما هذا حرفه: قال الشعبي في كلام له في مجلس عبد الملك بن مروان: رجلان جاؤوني فقال عبد الملك: لحنت يا شعبي. قال: يا أمير المؤمنين: لم ألحن مع قول الله عز وجل: هذان خصمان اختصموا في ربهم. قال عبد الملك: لله درك يا فقيه العراقين قد شفيت وكفيت -
9 - وفيها فدفن في المقبرة. . . . مبكيا عليه من أصدقائه) وهذا تركيب مغلوط فيه لأنه صاغ اسم المفعول مع وجود الفاعل فالصواب (باكيا عليه أصدقاؤه) والأفصح (فدفن وأصدقاؤه يبكونه) فمن الغريب أن يقال (أنت(7/638)
مدعو من قاسم) و (الكتاب مكتوب منك) بدلا من (قاسم داع لك) و (أنت كاتب الكتاب) اهـ.
- (ل. ع) هذا التركيب معروف في كلام الأقدمين ومنه قوله: أوحي من ربك بمعنى أوحى ربك. ومثله في قوله: فمن عفي له من أخيه شيء، وأوتي من ربهم ومرسل من ربه إلى غيرها من أجزل الكلام وأفخمه وأصحه -
في باب المشارفة والانتقاد
1 قال علامتنا الكرملي ومرشدنا الجليل في ص 178 (مثلا كلمة حدثة كقصبة مجموعة على أحداث) وقد أراد إنها يجب استدراكها في مستدرك. وعندي أنها قياسية لا تستحق الاستدراك مثل (أجمة وآجام) و (حدقة وأحداق) و (أكمة وآكام) وهذا الوزن يستوي هو وأخوه المجرد من الهاء لأنهم يعدون الهاء زائدة كما عدوها زائدة في أشباه (طلحة وطلاح) و (جفنة وجفان) و (صحفة وصحاف وقصعة وقصاع) فقابلت ما شابه (كلبا وكلابا) و
(كعبا وكعابا) و (فرخا وفراخا) و (عبدا وعبادا) وقد قال ابن عقيل في شرحه (وذكر هنا إن ما لم يطرد فيه من الثلاثي أفعل يجمع على أفعال وذلك (كثوب وأثواب وجمل وأجمال وعضد وأعضاد) و (عنب وأعناب وإبل وآبال) فالوزن مطرد والتاء زائدة اهـ.
- (ل. ع) إنما اعتبرنا حدثة مجموعة على أحداث من قبيل المستدرك لأن كتب اللغة لم تذكرها. أما أنها قياسية فهذا لا ينكر، لكن ما كل قياسي يقال فالخبز وزان قفل لا يجمع على أخباز ولا على خبوز ولا على غيره مع إن جمعه عليهما قياسي.
قال في تاج العروس في مادة حل: أحل خرج منه (أي من أحرامه) فهو حلال لا حال وهو القياس، لكنه غير وارد في كلامهم بعد الاستقراء فلا ينافي أن القياس يقتضيه لأنه ليس كل ما يقتضيه القياس يجوز النطق به(7/639)
واستعماله، كما علم في أصول النحو. اهـ. -
2 - وقال حول (لو كان أعوج نفسه على هذه الحال ما ساوى) ما نصه: (والصواب (لما ساوى) فقلت: إن حذف (اللام) جائز ومنه قول المستورد الخارجي في (ج 1 ص 453) من شرح النهج الحديدي وفي (ج 3 ص 142) من كامل المبرد (لو ملكت الدنيا بحذافيرها ثم دعيت إلى أن استفيد بها خطيئة ما فعلت) وفي (ج 1 ص 196) من الكامل قول المتلمس:
ولو غير أخوالي أرادوا نقيصتي ... جعلت لهم فوق العرانين ميسما
وقول جرير:
لو غيركم علق الزبير بحبله ... أدى الجور إلى نبي العوام
مصطفى جواد
كبش لا كبيش
قال المستشرق ف. كرنكو في لغة العرب (7: 489): إني أخاف أن كاتب الحروف في نسب كبش 7: 304 سقط في عدة أوهام. . . فالأمير المشار إليه هو (كبيش) بالتصغير وجده هو (شيحة) بكسر الشين وإسكان الياء المثناة وفتح الحاء المهملة وجده الأخير (أبو فليتة) بالتصغير أيضا.
أقول: ياليت حضرة المستشرق نقر كتب الأنساب قبل أن ينبري للرد علينا فالرجل الذي ذكرنا نسبه هو كبش وقد ذكره علماء الأنساب وكبيش هو أخوه، وقد كان الأمير منصور
(والد كبش) قد أعقب من عشرة رجال فيهم كبش وكبيش (راجع كتب الأنساب). ونحن لم نقل أبو فلتة ليقول: (أبو فليتة) بالتصغير ولعل كلام حضرته للتوضيح لا للنقد. أما أن جد كبش شيحة (لا شجة) فلعلنا مخطئون ومن الممكن أن صحف الاسم؛ واسم شجة جاء في عمدة الطالب للداوودي (ص 330 طبعة لكنهو).
فنرجو من حضرة المستشرق المحقق أن لا يتسرع في النقد قبل أن يطلع على ما في كتب العلماء.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي(7/640)
أسئلة وأجوبة
عدد الأطباء في عهد العباسيين
س - بيروت - أ. س: كم كان عدد الأطباء في بغداد في عهد العباسيين؟
ج - لم يكن إحصاء رسمي في ذلك العهد كما هو الأمير في عهدنا هذا إنما قرأنا في تاريخ الحكماء لابن القفطي في ترجمة سنان بن ثابت بن قرة الحراني ص 191 من طبعة الإفرنج ما هذا نصه: (وفي سنة 319هـ (931م) أتصل بالمقتدران رجلا من الأطباء غلط على رجل فمات، فأمر أبا بطيحة محتسبه بمنع جميع الأطباء إلا من أمتحنه سنان، وكتب له رقعة بما يطلق له التصرف فيه من الصناعة (أي أن يعين المتخصصين بما تفرغوا له من فروع الطب) وبلغ عددهم في الجانبين من بغداد ثمانمائة ونيفا وستين رجلا سوى من استغني عن امتحانه باشتهاره بالتقدم في الصناعة وسوى من كان في خدمة السلطان. (قلنا فيكون عددهم في ذلك العهد نحو ألف طبيب) ثم سرد حكاية ظريفة لا بأس من إيرادها فقال:
ومن ظريف ما جرى في امتحان الأطباء إنه أحضر إلى سنان رجل مليح البزة والهيئة، ذو هيبة ووقار، فأكرمه سنان على موجب منظره، ورفعه وصار إذا جرى أمر ألتفت إليه سنان فقال: قد اشتهيت أن أسمع من الشيخ شيئا احفظ عنه وأن يذكر شيخه في الصناعة. فأخرج الشيخ من كمه قرطاسا فيه دنانير صالحة ووضعها بين يدي سنان. وقال: ما أحسن أن أكتب ولا أقرأ، ولا قرأت شيئا جملة، ولي عيال ومعاشي دار دائرة وأسألك أن لا تقطعه عني فضحك سنان وقال: على شريطة إنك لا تهجم على مريض بما لم تعلم ولا تشير بفصد ولا بدواء مسهل إلا لما قرب من الأمراض. قال الشيخ: هذا مذهبي منذ كنت، ما تعديت السكنجين والجلاب، وأنصرف.(7/641)
فلما كان من غد أحضر إليه غلام شاب حسن البزة. مليح الوجه، ذكي فنظر إليه سنان وقال له: على من قرأت؟ قال: على أبي. قال: ومن أبوك؟ قال: الشيخ الذي كان عندك بالأمس قال: نعم الشيخ. وأنت على مذهبه؟ قال: نعم. قال: لا تتجاوزه وأنصرف مصاحبا.
كلمة جبسي
س - الإسكندرية (مصر) - م. م: أصحيح أن كلمة جبسي الإنكليزية أو بمعنى النور أو الكاولية مأخوذة من كلمة المصحفة بمعنى مصر؟
ج - هذا رأي لغويي الإنكليز الأميركيين وغيرهم من علماء الصكصونية ونحن لا نوافقهم. والصحيح الذي عندنا إن الكلمة من العربية قفصي أو قفسي. وقد ذكر العرب القفس أو القفص في أسفارهم ووصفوهم وصفا يوافق من نسميهم اليوم بالكاولية في العراق وبالنور عند أهل سورية ومصر. وأول من ذكرهم البلاذري. قال في فتوح البلدان في أحداث خلافة عمر بن الخطاب (ص 391) وقد كان أبو موسى الأشعري وجه الربيع بن زياد ففتح ما حول الشيرجان وصالح أهل بم والإندغار فكفر أهلها ونكثوا، ففتحها مجاشع بن مسعود وفتح جيرفت عنوة وسار في كرمان فدوخها، وأتى القفس وتجمع له بهرموز خلق ممن جلا من الأعاجم فقاتلهم فظفر بهم وظهر عليهم. . إلى آخر ما قال
وأحسن من ذكرهم ياقوت في معجمه ونحن نذكر نصه على طوله ليحكم القارئ على صحة ما نذهب إليه ويقف عليه من لا يملك الكتاب قال الحموي
(القفس بالضم ثم السكون والسين المهملة وأكثر ما يتلفظ به غير أهله بالصاد وهو أسم عجمي وهو بالعربية جمع أقفس وهو اللئيم مثل أشهل وشهل قال الليث القفس جيل بكرمان في جبالها كالأكراد يقال لهم القفس والبلوص قال الراجز يذكره والمشتق منه:
وكم قطعنا من عدو شرس ... زط وأكراد وقفس قفس
له بقية(7/642)
باب المشارفة والانتقاد
اللباب في نظر عربي متأمرك
اللباب هو اسم لديوان جمع بين دفتيه مختارات مما نظمه الشاعر العراقي الطائر الصيت البعيد الغاية الفيلسوف جميل صدقي الزهاوي وقد أهدى إلينا نسخة منه وكتب عليها بخط يده. . .
ولما كان للزهاوي عندنا مقام سام ومنزلة رفيعة وكنا من وقت إلى آخر ننقل للقراء مقاطع من شعره البليغ أحببنا أن ينظر في ديوانه جناب الأستاذ البارع داود أفندي جرجس الخوري صاحب الكلية الشرقية في الحاضرة سابقا. ومن كبار حملة الأقلام في المهجر ويقرظه خصوصا وقد وصلنا الديوان وجنابه في مكتب (الرائد) فتصفحه وأعجب بما فيه وها ما قاله تقريظا له:
دفع إلي صديقي الأديب صاحب الرائد ديوان النابغة والشاعر المجيد جميل صدقي الزهاوي فيلسوف العراق المشهور وطلب إلي أن أتصفحه وأقول كلمتي فيه. على إن اسم هذا الشاعر ليس جديدا على مسمعي فللزهاوي شهرة واسعة في العالم العربي وليس بين الطبقة النابهة من الناطقين بالضاد من لم يقرأ له كثيرا أو قليلا من المنظومات في مواضيع شتى فقد رنت قصائده في مصر وسوريا ولبنان فضلا عن العراق مسقط رأسه ونالت إعجاب الناس ولا نزال نذكر الحفلات الإكرامية التي أقيمت له في بيروت وسواها إجلالا لعلمه واعترافا بمقامه السامي كشاعر مبرز.
تصفحت الديوان ولم يكن ما قرأته فيه إلا ليزيدني رسوخا في اعتقادي بأن الزهاوي ليس شاعرا فحسب بل هو شاعر وفيلسوف وعالم ومصلح والقارئ اللبيب يستطيع أن يشاهد ما يثبت للزهاوي هذه الصفات الأربع في كل قصيدة من قصائده وإذا صح قول القائلين (إن الإنشاء هو الرجل) فقد ظهرت عظمة الزهاوي في ديوانه بأجلى مظاهرها فهو رجل شديد الثقة بنفسه فخور بها مغرق(7/643)
في حب قومه ووطنه ميال بكليته إلى هجر القديم واعتناق الجديد يحبذ الفضيلة ويقبح الرذيلة دون أدنى مجاملة أو مداهنة ويريد أن ينهض بالشرق عموما وبالإسلام خصوصا إلى مستوى الأمم الراقية ولكنه يرى إن الإسلام لا يسير في
طريق الإصلاح إلا إذا تخلى عن عاداته القديمة المستهجنة وجارى الشعوب المتمدنة وليس من يجهل المصاعب التي تعترض طريق المصلحين خصوصا بين الشرقيين الذين يقدسون كل قديم ويرون إن الأرض يجب أن تظل كما خلقها الله دون أن تمسها يد إنسان غير أن الزهاوي برز إلى ميدان الجهاد بقلب كبير وثقة راسخة بالنفس مستخفا بالتضحية في سبيل بلوغ الغاية بدليل قوله:
وإن الذي يسعى لتحرير أمة ... يهون عليه النفي والسجن والشنق
وليس من يشك في أن ركوبه هذا المركب الخشن وانتقاده عادات هي في نظر القوم مقدسة لا يجوز مسها أو ذكرها بسوء قد أثار عليه حق الجمهور وعدوا عمله خروجا على الإسلام فحاولوا خنق صوته لكنهم أخفقوا وقد قال بهذا المعنى:
على نزعاتي كان أكبر سخطهم ... وماذا يريد القوم من نزعاتي
فلما رأوا بطشي شديدا تأخروا ... وقد تركوا الأقلام منكسرات
ولكن نزعات الزهاوي لم تكن نزعات ملتوية ولا هو دعا الناس إلى ارتكاب الموبقات، إنه نادى بالسفور وندد بالحجاب ومن لا يرى صوابية هذه المناداة وصوابية هذا التنديد قال لأفض فوه:. . .
ومنظومات شاعرنا الفيلسوف كلها على هذا النمط من الشعر الممتاز خالية من التعقيد والشبهات مجبولة بالسلاسة والرواء خالية من الحشو والألفاظ غير المأنوسة ولا نغالي إذا قلنا إن للزهاوي أسلوبا خاصا في قرض الشعر لم نألف له مثيلا بين شعراء العصر.
والديوان حافل بالقصائد الأخلاقية والوطنية والإصلاحية وكلها تستأهل أن تكتب بماء الذهب.
وبهذه المناسبة نلفت أنظار أصحاب المدارس العربية إلى وجوب مشترى هذا الديوان من صاحبه وحمل التلامذة على استظهار قصائده فإنه يربي في الناشئة روحا(7/644)
وطنيا ساميا ويرقي أخلاقهم بحسب مقتضيات العصر الحاضر.
وإني أطمئن شاعرنا الفيلسوف إن قصائده النادرة المثيل إذا لم ير لها تأثيرها المطلوب في الوقت الحاضر فسيكون لها عملها في المستقبل القريب وستفعل فعل الديناميت في أسس الجهل الذي استحكمت حلقاته من رقاب الشرقيين والمرأة التي ترسف اليوم في قيود ظلم
واستبداد الرجل ستذكر بالشكر الجهد الذي بذله الزهاوي في سبيل تحريرها ولا تتردد في وضع اسمه في مصاف كبار المصلحين مثل قاسم أمين وغيره.
وربما كانت التظاهرات النسائية ضد الحجاب في دمشق وغيرها من مدن الشرق من طلائع هذا الانقلاب وقد قيل أول النار شرارة.
سان باولو في 20 نيسان سنة 1929
داود جرجس الخوري
78 - حياة محمد لأميل درمنجهيم
في 382 ص بقطع 16 وثمنه 15 فرنكا
هاهو ذا كتاب جديد أبرزته مطابع الغرب عن حياة رسول الإسلام. ليس المؤلف من زمرة علماء المشرقيات. وإنما هو أحد المجيدين من كتاب الشباب في فرنسة، والذين يؤمل لهم في المستقبل لمعان حظ سعيد. ثم إنه ممن أتقن العربية إلى حد ما ووقف على حوادث التاريخ من مظانها الزاخرة. كما ينبئنا أثره هذا. . . وقد تلجلج بذهنه أن يتذوق حظه في معترك الكتابة عن الشؤون الشرقية ولا سيما الإسلامية منها. إذ في الغرب يسري داء غريب، ندر من افلت منه، وقد وجد بين عشاق قلمه مرتعا خصبا. وهو ما نسميه بحق (داء المباحث الشرقية) ثم إن للقراء الغربيين ولعا خاصا في الهام ما يلقمهم أولئك.
لقد أصاب درمنجهيم في وضع كتابه بين مجموعة (روايات الحياة العظيمة) فالروح التي تملاه تشدو منها رائحة القصص والروايات والطريقة التي يتمشى عليها روائية فنية يكسوها حلة فضفاضة أسلوبه المغري. لكنه مع هذا كله،(7/645)
ليس له حظ كبير من الفائدة لأبناء الاطلاع، غير انه يصور للغربيين صورة حسنة عن حياة صاحب الحركة الإسلامية العظيمة حسبما يؤمن بها المسلمون، وقد قسم كتابه قسمين أحدهما (مكة) في عشرة فصول، يبحث فيها منذ عهد الجاهلية وحين مولد النبي، إلى زمن هجرته، والثاني (المدينة) في أربعة عشر فصلا يتناول زمن الهجرة فما تلاه من الحوادث ذات التأثير الحاسم في تاريخ الإسلام البدئي، إلى وفاة الرسول، ومما يستحسن تتويجه لكل فصل من أثره بترجمة آية قرآنية أو نتفة من الحديث أو بيت شعر وغيره من بواعث الحكمة. إنما ينكر عليه في معرض بحثه تعلقه بأدران بعض الأوهام الشائعة، وتمسكه بآراء صدئت فبليت تحيط به
هالة بذله وجهده العظيم، في ميدانه الجديد. ثم أن به بعض الخلط والتبجح. يشعر بهما القارئ منذ المقدمة وكنا نود أن يعرض عنها وذلك كما في ادعائه على (الفن العربي) (ص 139) وهو كما نعلم المحور أصلا عن البوزنطي - ادعاء والسوري أصلا ومنبتا - إذ لنا بقية اجيا صوفا (كنيسة الحكمة المقدسة سابقا) بالآستانة أصدق شاهد وأفصح دليل على منبع (الفن العربي) ومحيط اشتقاقه. . . ثم يدعي أن الأوس والخزرج، كانوا أوان الهجرة من المشركين (171) والحقيقة أن الأوس كانوا وثنيين والخزرج يهودا، وإن رجع أصل دينهم إلى جذور صابئية ووثنية كما هو معلوم عند الجميع، إن يثرب حين الهجرة كانت إذ ذاك شطرين قسم لقريظة والنظير وبهدل، والآخر للأوس والخزرج ومن إليهم، وجميعهم كما ينعتهم العرب (أهل الكتاب). . . ومثل هذا لا يخفى على القارئ الشرقي، ولا الإفرنجي المطلع على شيء من التاريخ الإسلامي عامة والعربي خاصة. . . والكتاب يتضمن شيء ليس بالقليل. . يحتاج إلى ملاحظة وتدقيق نظر.
وعليه إن هذا الكتاب هو المجهود الثاني لهذا الكاتب في دائرة المباحث الشرقية بعد كتابه (القصص الفاسية) (الذي نشره بمعاونة محمد الفلسي) وقد نشره مسايرة لنرى الكتابة عن الشرق. فلذا لم نجد فيه أمرا إذ لم تكن(7/646)
لنا حاجة إلى أن نذكر إن لنا في غيره من كتب المستشرقين الكرام. اعز مورد وأصفى منهل، وأنفع حجة وإن كان في حد ذاته يفيد أبناء الغرب. . ومن سلك الجدد أمن العثار!
بركات (السودان): م س. كميد
79 - العيد المئوي للعازريين في دمشق
في 78 ص بقطع الثمن بالفرنسية والعربية 1827 إلى 1927
جاءتنا كراسة نفيسة بهذا العنوان لتطلعنا على الأعياد التي جرت في دمشق منذ عودة اللعازريين إلى مثواهم في تلك الحاضرة الشهيرة ونحن نعرف بشخصنا المدرسة التي أقيمت لها تلك المواسم البهجة فهي فسيحة الأرجاء كثيرة الأشجار فيها شاذروانات تقر العين وتثلج الصدر. وقد أخرجت هذه الدار العلمية نخبة رجال دمشق وكتابها الأعظمين وكثيرين من نبهاء سورية وفلسطين ومصر كالسيد محمد كرد علي والأمير خالد الحسني والدكتور أسعد الحكيم وسعادة حقي بك العظم وغيرهم الذين يعدون بالمئات بل بالألوف.
وموقع دمشق وحالتها الطبيعية وحسن متنزهاتها ولا سيما رقى التعليم في هذه المدرسة التي يديرها أناس مخصصون للتعليم جلبت الطلبة إليها من كل حدب وصوب. ولهذا نتوقع أن الأولاد العراقيين الذين يسعون وراء اكتساب العلم من أحسن مصادره ينتجعون مساقط غيث العرفان والحكمة في هذه الدار العامرة التي أنجبت مشاهير شرقنا.
80 - ترجمة الفيلسوف السرياني الشهير مار يعقوب الرهاوي
من سنة 633 إلى سنة 708 م في 18 ص بقطع الثمن
نشرها مراد فؤاد جقي رئيس تحرير (الحكمة) ومدير مدرسة السريان الأرثوذكس الثانوية في القدس. وهي مفيدة جدا للاطلاع أفذاذ الشرق المشاهير.(7/647)
81 - خريطة تاريخية للممالك الإسلامية
الفتوحات العربية
لواضعها محمد أمين بك واصف. بتحيق الأستاذ أحمد زكي باشا
خريطة بديعة بألوان ثابتة مختلفة طولها ثمانون سنتيمترا في عرض 57 سنتمترا وقد طالعنا ما فيها من أعلام المواطن فإذا هي مضبوطة. ما عدا ألفاظا قليلة. فإنها لا توافق ما عرفناه عنها. فقد ضبط (عمان) التي على خليج فارس بتشديد الميم. والصواب بلا تشديد فهي كغراب. وكتب قلهاة بالتاء المبسوطة (من بلاد عمان) والصواب بالمربوطة. وذكر الحفوف لموطن بين البحرين والإحساء والصواب الهفوف. وذكر الطائف بالياء وهي بالهمزة وكذلك المدائن فهي بالهمزة لا بالياء. وقال الكردستان وهو غير جائز لأن كل كلمة تضاف إلى ستان (أي استان) لا تدخل أداة التعريف عليها. فيقال كردستان وقهستان وسجستان إلى مثلها لا الكردستان والقهستان والسجستان. وقد سقطت النقطة من ديار بكر فصارت ديار مصر فاختل المعنى. وبجوار نينوى أطلال تعرف باسم خرساباد أو خرستاباذ فكتبت خطأ خرزاباد التي لا وجود لها في لسان العوام ولا في لسان الفصحاء. وجاءت أربيل وهي في لغة العوام والصواب أربل. ولا يقال نجف بل النجف ولم تذكر كربلاء وهي مهمة ولها موقع عظيم في التاريخ. وجاءت كلمة سربزة بصورة السرير وهي من تصحيفات النساخ المساخ والصواب ما ذكرناه. وأملنا أن هذه الأغلاط تصحح في
طبعة ثانية وإن كان هناك غيرها يطول ذكرها.
82 - النشرة الدورية
القسم العربي من دار الكتب المصرية، السنة الأولى سنة 1928 العدد الأول طبعة بمطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، 1928 في 178 ص بقطع 12.
هذه نشرة تذكر ما ورد إلى الخزانة المصرية من الكتب العربية والشرقية في شهر يناير سنة 1928 وقد عني مديرها صاحب العزة محمد أسعد براده بإصدارها على أحدث الأساليب الجارية في الديار الراقية فجاءت هذه النشرة في أبدع حلة(7/648)
وأحسن طراز ولو طبعت فهارس دار تلك الكتب على هذا النهج الجديد لأصبحت تلك المصنفات على طرف الثمام لمن يريد الانتفاع بمراجعتها إن على بعد وإن على قرب، فأملنا في براده بك عظيم لتحقيق هذه الأمنية.
3. نشرة للملحقات (بالفرنسية)
4. مثلها بالإنكليزية
النشرة الفرنسية تحوي 116 ص والإنكليزية 118 وهما مفرغتان في القالب الذي أفرغ فيه النشرة العربية وكل من هاتين النشرتين تذكر ما دخل في دار الكتب المصرية من المؤلفات والأسفار في يناير وكل ذلك مطبوع أحسن طبع على أبدع ورق ولا تكاد تقع في غلط أيا كان في هذه النشرات لما بذل من العناية في تصحيحها ولا غرو من ذلك فإن مطبعة دار الكتب المصرية هي أرقى الدور في ربوع الشرق بل يمكنها أن تتحدى مطابع أوربة في حسن ما تخرجه وصحته فنتمنى لمطبوعاتها الرواج الذي تستحقه.
83 - دروس في اللغة العصرية
الآداب تأليف هـ. ا. ر. جب
مقالة في 12 صفحة بقع الثمن الصغير وقد أظهر صاحبها من البراعة في الوقوف على الآداب العصرية ما أدهشنا. وقد حلل المنفلوطي أحسن تحليل وذكر عنه أنه صاحب (الإنشاء الجديد) فما علينا إلا أن نحمده على توغله في أدبنا العصري.
84 - نهاية الإرب في فنون الأدب
للنويري السفر السابع، طبع في مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة سنة 1929.
نفتخر بمطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة الأربعة أسباب: 1 - لأنها إذا طبعت كتابا لم تبق في النفس حاجة إلى أن تحصل على أحسن منه طبعا. 2 - لأن حروف هذه المطبعة من أبدع الحروف وأحسنها رسما وسبكا وشكلا. 3 - لأنها(7/649)
تعنى عناية عظيمة بتصحيح النص فيكون القارئ مطمئن البال عند مطالعته الكتاب 4 - لأنها لا تطبع من الأسفار إلا عيونها فتكون فخرا للعرب وسبب مباهاة بين الأمم الواغلة في الحضارة والعمران والتأليف.
على أن في مصنفات الأقدمين ألفاظا إصلاحية جمة تحتاج إلى تقليب النظر فيها ليقع القارئ على صحيحها ولا يعثر بما أفسده النساخ. فيغتر به أعظم اغترار ولهذا راجع مصححو هذا السفر الجليل طائفة من الكتب الأدبية فكانت تلك التصويبات من أجل مزايا هذه الطبعة حتى إنه لو أتيح للمؤلف أن ينبعث لشكر جميع الذين قاموا بإبراز هذه الدرة الرطبة بالمحاسن التي تتلألأ بها. وهناك حسنة أخرى هي أن الحواشي مزدانة بشروح جليلة تغني المطالع عن مراجعة معاجم اللغة.
بقي على المعتنين بإلباس هذا الكتاب هذه الحلة الحسناء - 1 أن يضموا إلى آخره فهارس على مثال فهارس الأغاني.
2 - أن يضعوا ملحقا له ويذكروا فيه الألفاظ التي وردت في هذا التصنيف الجليل ولم ترد في كتب اللغة ونحن في حاجة إليها في هذا العصر وهذا ما يفعله المستشرقون في طبع كتب أقدمينا فإنهم يفرزون لها أوراقا في آخرها يرتبون فيها على حروف الهجاء جميع الكلم الخاصة بالمؤلف.
وبعد أن تصفحنا شيئا كثيرا من هذا السفر الجليل وجدنا فيه بعض مغامز كنا نود أن لا تكون فيه. فقد ذكر مثلا في حاشية 216: (المسبار فتيل يدخل في الجرح ليعرف كم عمقه) قلنا: وليس الفتيل من الأمور الخاصة بالمسبار. ولو قيل: ما يسبر به غور الجرح لكان أصح وأبين وأشمل.
وجاء في ص 280 س 7 (ورجح بين مذهبي ماني وغيلان) ونظن أن الصواب: (ورجح بين مذهب ماني ومذهب غيلان لأن قوله بين مذهبي ماني وغيلان) يدل على أن لماني
ولغيلان مذهبين مشتركين وليس الأمر كذلك إنما المراد أن لكل من هذين الرجلين مذهبا منفردا. فإذا كان الأمر على هذا الوجه لم يجز لنا إلا أن نقول مذهب (بالإفراد) حتى نأمن اللبس. نعم إن مثل هذا التعبير ورد في كلام بعض المولدين. لكن التدقيق في المعنى يدفعنا إلى أن نسلك آمن الطريق لنسلم من العثار.(7/650)
وكنا نود أن لا نرى في الحواشي شروحا لا توافق روح العصر. فقد جاء مثلا في الحاشية 3 من ص 280 (ماني. . . ظهر في أيام سابور بن اردشير. . . وقتل في زمن بهرام بن سابور. اهـ فهذا لا يدلنا على سنة ظهوره ولا على سنة قتله - والذي ذكره البيروني في الآثار الباقية (ص 208 من طبع الإفرنج) إن ولادته كانت في قرية تدعى مردينو من نهر كوثى الأعلى. . . في سنة 527 من سني منجمي بابل يعني تاريخ الإسكندر ولأربع سنين خلون من سني اذربان الملك (أي سنة 215 و216 للميلاد). . . وقتله بهرام بن هرمز. . . (سنة 276 إلى 277م) ورواية أبن النديم وغيره ليست صحيحة
وجاء في الحاشية الأولى من ص 224 عن الوحرة إنها. . . لا تطأ طعاما ولا شرابا إلا شمته (كذا بالشين المعجمة) ولا يأكله أحد إلا دقي بطنه. وربما هلك اهـ. قلنا: والصواب سمته بالسين المهملة. ولو قال في مكان دقي بطنه: مثنى بطنه لكان أحسن لأن الدقي خاص بفساد البطن من شرب اللبن. ثم إن علماء الحيوان أثبتوا اليوم أن ليس في الوزغ وأشباهها سم وهي لا تهلك أحدا وإذا وجد عند الأقدمين من سم بوط العظاء للطعام فكان ذلك لسبب آخر أو لا أقل من إنه كان لأن العظاءة وطئت مادة فاسدة مهلكة ثم وطئت الطعام ففسد وأهلك. أما العظاء والوزغ وأشباهها فليست سامات البتة وإن أشبه رأسها رأس الأفاعي والثعابين.
على أن أمثال هذه الهفوات قليلة ولا تضر الكتاب أبدا فهو إذن من أهم الأسفار التي يجب أن يذخرها الأديب الذي يغار على كنوز السلف ويفاخر بها ويستفيد من مطالعتها واستشارتها.
85 - جراحة أنبوب الهضم والغدد الملحقة به
تأليف الحكيم لوسركل أستاذ السريريات الجراحية، ترجمها الحكيم مرشد خاطر أستاذ الأمراض الجراحية وسريرياتها، طبع في دمشق بالمطبعة البطريركية الأثوذكسية في 106
ص بقطع 12.
مسألة الهضم من أهم مسائل حياة الإنسان. والوقوف على ما في أنبوب الهضم من الأمراض وما يصيبه من العلل يهم كل حي على الأرض. ولهذا كان اكتساب(7/651)
هذه الرسالة بمنزلة الواجب أو كالواجب. وإذا زدت على ذلك إن صاحبها من العلماء المتخصصين وناقلها إلى لغتنا من أبرع المترجمين علمت فائدة ما تشتري وإنك تضع دراهمك في موضعها.
86 - جزيرة رودس
جغرافيتها وتاريخها وآثارها، تليها خلاصة تاريخية عن أشهر جزائر بحر إيجه، تأليف حبيب غزالة بك وكيل إدارة مصلحة الصحة سابقا، وعضو بالجمعية الجغرافية الملكية المصرية، طبع بمطبعة الاعتماد بشارع حسن الأكبر بمصر سنة 1929، في 91 ص بقطع الثمن ومحلى بثلاث وعشرين صورة.
كتاب حسن الطبع يباع بعشرة قروش مصرية والذي يقف عليه يتعجب مما حوى من التصاوير البديعة والمتاعب التي كابدها المؤلف لتحقيق ما دونه من الأخبار والأحداث. والذي نأخذه على سعادته إنه لم يذكر دائما في أسفل الصفحة الأسانيد التي يعتمد عليها حين يروي بعض الأمور. وكنا نود أيضا أن ينزه قلمه عن بعض الأغلاط كقوله: ولما كان أهم ما وقع. . . فقد ذكرت (ص 4) وفيها: وذكر أشهر معبوداتهم ومقارنتها بما يماثلها. وكقوله (ص 9 28 درجة مئينية وقد تكرر هذا الغلط وفي ص 11 أصله (رودو دفنه) (نوع من الغار) وفي ص 17 أيام مثريدات إلى غيرها. والصواب: ولما كان أهم ما وقع. . . ذكرت. ومقابلتها بما يماثلها. 28 درجة مئوية (أي دفلى وهو نوع من الغار) أيام مهرداد. إذ لا يجوز أن نتمسك بعلم إفرنجي وعندنا اسمه في اللغات الشرقية. وكل هذه الهفوات لا تقلل شيئا من محاسن هذا الكتاب البديع.
87 - كتاب الألبان
وهو يبحث في (كذا) الألبان ونتائجها وفي (؟) صناعتي (كذا) الزبد والجبن، تأليف عمر الترمانيني، بالمطبعة الحديثة بدمشق عام 1929 في 255 ص بقطع الثمن ومحلى بصور
عديدة.
أحسن كتاب يجعل في أيدي أبناء سورية والعراق وسائر الأصقاع الشرقية(7/652)
التي لم تعرف إلى الآن اتخاذ الآلات لصنع ما يعمل من اللبن وهو كثير وكل هذه الآلات مصورة مع ذكر ما يجب للاشتغال بها والانتفاع بما تدره على صاحبها من المنافع. والمؤلف من خريجي مدرسة كنتال الزراعية في فرنسة والذي يطالع تصنيفه يتحقق إنه متضلع من فنه كل التضلع.
والأمر الوحيد الذي نأخذه عليه ركاكة بعض التعبيرات فأول سطر بعد العنوان يحتاج إلى إصلاح فكان يجب أن يقول: يبحث عن الألبان وأما قوله يبحث في الألبان فمعناه يفتش فيها بأن يضع يده في سائلها ليطلب فيها شيئا أضاعه. وقوله في صناعتي الزبد والجبن يدل على أن للزبد وللجبن صناعتين مشتركتين مع أن فكر المؤلف هو: في صناعة الزبد وفي صناعة الجبن ولهذا كان يجب أن يقال: في صناعة الزبد وصناعة الجبن.
وتعبير المؤلف عن فكره قد لا يصح في بعض الأحيان إلا أن ذلك لا يقدح في علم الرجل وصدق اختباره. فعسى أن تكون الطبعة الثانية أتقن من الأولى وإن كنا لم نذكر إلا ما في السطر الأول من الكتاب (إن اللبيب من الإشارة يفهم).
88 - قصص روسية
ترجمها عن اللغة الروسية سليم قبعين صاحب مجلة الإخاء، مطبعة الشمس بشارع كلوت بك لصاحبها رزق الله في 96 ص بقطع 12 الصغير.
صاحب مجلة الإخاء هو الكاتب الشهير سليم قبعين وهو وحده ينقل إلى لغتنا المبينة أفكار كتبة الروس ولولاه لما عرفنا شيئا من حملة العلم واليراعة من ذلك القوم. فنحن نشكر للسليم السالم الذوق في اللغتين هداياه متمنين له النجاح الدائم لما يفيد به قراء لغتنا العربية.
89 - حبوب الاستقلال
الجزء الأول، طبع في النجف بالمطبعة العلوية سنة 1348هـ في 56 ص بقطع 12.
أتحب أيها القارئ أن تستفيد من قراءتك وتقضي وقتك مستطيبا من المطالعة من غير أن تكره نفسك على تفهم أفكار لا تجديك نفعا؟ طالع هذه الرسالة فإنها في الوقت الذي تضحكك
بما تجد فيها من الرموز والإشارات تجد(7/653)
فيها علاجا لمداواة العلل التي تدب في جسم العراق الأدبي والسياسي. إذن بين يديك رسالة مضحكة مسلية مهذبة مؤدبة فأسرع في اقتنائها.
90 - كتاب الأغاني
لأبي الفرج الأصفهاني - الجزء الثاني، طبع في مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة سنة 1928.
ما زالت هذه الدار المباركة تخرج من الأسفار العلمية والأدبية ما يكون الأحكام والتحقيق والاستقراء والتأنق والذوق الجميل من بعض نعوته المتوافرة فها هو ذا الجزء الثاني بين يدي معلنا فضل هذه الدار ومشجعيها مذيعا خدمة علمائنا الغير تلك الخدمة التي لم يوفق لها إلا أولو الحصافة وإخلاص العمل للعرب ومن والاها والله لا يضيع أجر من أحسن عملا. صفحاته 523 بكاغد صقيل وطبع جليل وتحقيق نبيل وتوضيح كالسلسبيل فلمثل ذلك فليعمل العاملون وفي نظائره فليتنافس المتنافسون وقد صدق من قال:
إذا لم أكن في ما أزاول محكما ... فلست قمينا أن أعيش مع الناس
ومما يستبدع من أصاليح هذا الكتاب البديع تعدد الفهارس لما فيه من متباين الأمور ومختلف المضامين إلا فهرس الشوارد أي الكلمات النادرة عن كتب اللغة - وكتب اللغة لعمر الحق ناقصة - وقد أشار إلي إعواز هذا الفهرس للكتاب الكرملي في نقده الجزء الأول (لغة العرب 5: 244 و245) ومما يؤخذ على القائمين بهذا الأمر إهمالهم ضبط الأعلام في الفهارس بالشكل وضبطها مما لا يمكن الاستغناء عنه ولطالما عملته الفرنجة فإذا تبين القارئ العلم في الفهرست لم يحتج إلى معارضته بنفسه في أثناء الكتاب ليصح نطقه به والأعلام من أشد الكلمات استغلاقا على القراء.
وقد لحظنا إن مطبعة الدار يعوزها اللام الأخيرة المستقلة لأن كثير منها محطوم ومثلوم، ولنا في الكتاب نظرات هي:
1 - في ص د (وليس بهوامشه سوى بعض كلمات) ونحن لا نرى في إضافة (بعض) إلى الجمع النكرة تركيبا عربيا فكما لا يقال (كل كلمات) لا يقال (بعض كلمات) فالصواب (كلمات قليلة).
2 - وردت (البهم) في ص 11 مرتين غير مفسرة ولكنهم فسروها في ص(7/654)
12 وهذا خلاف المألوف المفيد فنرجو منهم أن يجتنبوا أشباهه.
3 - وفي ص 15 (وحوله اخوة للمجنون مع أبيهم رجالا) والصواب: (رجال لأنها صفة لاخوة ويؤيدنا قول المؤلف في ص 88 (فإذا أبوه شيخ كبير واخوة له رجال).
4 - وجاء في ص 20 (بخيف منى ترمى جمار المحصب) فلم يشيروا إلى أن في الكامل للمبرد ج 1 ص 206 بالمطبعة الأزهرية (ببطن منى) ولو لم يكن هذا دأبهم لما اعترضناهم.
5 - وضبطوا (غير) في قوله في ص 22
دعا باسم ليلى غيرها فكأنما ... أطار بليلى طائرا كان في صدري
بالنصب على المفعولية وبالجر على النعتية نحن لا نرى للنعتية وجها لأن الشاعر لم يردها وأقوى ما يدل على ذلك قوله:
دعا باسم ليلى ضلل الله سعيه ... وليلى بأرض عنه نازحة
فكأنه ينكر بل يحرم أن يكون (اسم ليلى) لغيرها كما أبانه في البيت وعدم اعترافه يؤيد النصب.
6 - وجاء في ص 25 (ووافقه ابن نصر وابن حبيب قالوا) ولم نجد في فهرس رجال الأسانيد (ابن نصر) وإنما هو (أبو نصر) ونزيد على ذلك إنه ورد في ص 26 (وذكر هذه الأبيات ابن حبيب وأبو نصر له بغير خبر) فقد جاء أبو نصر مقرونا إلى ابن حبيب كما في ص 25.
7 - وقالوا في الهامش من ص 24 (سؤاله زواج ليلى عن عشرته معها) والصواب (عن عشرته إياها) لأن العشرة اسم مصدر المعاشرة وتعمل عمله فكما لا يقال (معاشرته معها) لا يقال (عشرته معها) وقال الشاهر (بعشرتك الكرام تعد منهم).
8 - وفي ص 26 (فلما علموا بذلك وعرفوا إنه لا يزال يطلب غرة منهم حتى إذا تفرقوا دخل دورهم، فارتحلوا عنها وابعدوا) والصواب (ارتحلوا) بنزع الفاء لأنه جواب (لما) وموافق لأسلوب العرب.
9 - وفي ص 29 (ونظيره؛ مكلى إذا أصبت كليته، ومكبود إذا أصبت(7/655)
كبده) وإنا لا نرى
وجها لإسناد الفعل إلى المخاطب فالصواب (إذا أصيبت كليتيه) و (إذا أصيبت كبده) ليكون الشرط عاما فيعم الحكم.
10 - وفي ص 30 (وفعل فعلته بالأمس) بفتح الفاء من (فعلته) والصواب كسرها للنوعية.
11 - وفي هذه الصفحة جاء (وشغفه) فعلقوا بها (أن في نسخة ت (وشغفته) فنقول في ص 14 (وشغفته) فكيف لم يشيروا إلى هذا الوجه.
12 - وفي ص 32 (ببرد ثنايا أم حسان شائق) بمنع حسان من الصرف وجوبا والصواب الجواز لأن العلماء لو يعرفوا أهو من (حسن) فيصرفوه أم من (حس) فيمنعوه الصرف.
13 - وفي ص 41 (فأتاه إخوان من إخوانه يلومونه على ما يصنع بنفسه) بجعل (إخوان) الأولى جمعا والصواب أن يكون مثنى ويقال (يلومانه) ويؤكد ما قلنا قوله لهما (يا صاحبي ألما بي بمنزلة) وما جاء في ص 28 ونصه (وكان للمجنون ابنا عم يأتيانه فيحدثانه ويسليانه ويؤانسانه).
14 - وجاء في ص 42 (على غريم ملئ غير ذي عدم) فعلقوا به ما نصه (عدم أي فقر ومثله العدم بضم العين وسكون الدال، قال صاحب اللسان: إذا ضمت أوله خففت فقلت العدم وإذا فتحت أوله ثقلت فقلت: العدم) قلت: إن الوارد في المصراع غير المفسر وكلام صاحب اللسان لا تسويغ فيه لما ورد فكان عليهم أن يشيروا إلى ما نقلوه عنه في ص 28 من مادة (عسر) ونصه (قال عيسى بن علي: كل اسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وأوسطه ساكن فمن العرب من يثقله ومنهم من يخففه مثل عسر وعسر وحلم وحلم) وفي مادة (عسر) من مختار الصحاح (أنه عيسى بن عمر) والظاهر إنهم نسوا ما نقلوه ولا دليل أنطق على نسيانهم من قولهم في الجزء الثالث (ص 16) التعليق ب (كبر) بضم الكاف والباء ما نصه (وقد حركت الباء هنا لضرورة الشعر إذ للشاعر أن يحرك الساكن فيما قبل القافية بحركة ما قبله) فتأمل جعلهم اللغة ضرورة.
15 - وورد في ص 46 (ولا أحد أفضى إليه وصيتي) فعلقوا به (كذا في جميع الأصول ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا أفضى متعديا بنفسه)(7/656)
قلت ولكن انظروا إلى ص 6 من الجزء الثالث تجدوا قيس بن الخطيم يقول:
ومثلك قد أصيبت ليست بكنة ... ولا جارة أفضت إلي خباءها
وقال علي عليه السلام (ألا وإني مفضيه إلى الخاصة ممن يؤمن ذلك (شرح النهج لابن أبي الحديد 2 ص 507، طبعة مصر)
وفي رواية (حياءها) وقيس بن الخطيم أقوى من المجنون وفي مثل هذا تستبين الفائدة من (فهرس الشوارد) الذي مضى ذكره.
16 - وفي ص 48 (تجاذبه وقد علق الجناح) وفي الكامل هذه الرواية ج 3 ص 6 بالمطبعة الأزهرية ولكنه أتبع ذلك قوله (ويروي تجاذبه) ومن دأبهم أن يقابلوا بالكامل وغيره فلم اغفلوا ذلك؟
17 - وفي ص 50 رقم (2) من التعاليق (الهجائن: الإبل البيضاء) والصواب (البيض) وفاقا لكل أساليب العرب ولنا في لغة العرب (7: 573) وص 586 منها فضل شرح لذلك.
18 - وفي ص 88 (فجعل يعض لسانه وشفتيه حتى خفنا عليه أن يقطعها) وعلقوا به كذا في أغلب الأصول وفي ت: يقطعهما) فنقول إن الصواب (شفته) ولا يكاد الإنسان يتصور عاضا على شفتيه ويؤيدنا ما في ص 16 ونصه (فيعض لسانه وشفته) وما في ص 25 وهو (وعض على شفته فقطعها)
19 - وقالوا في ص 93 بالهامش (التقاؤه بقيس بن ذريح وطلبه منه إبلاغ سلامه لليلى) والصواب (التقاؤه لقيس) من (التقاه) على ما في القاموس و (طلبه إليه) لأنه موافق لمقتضى الحال والمرجح في الأول (التقاؤه هو وقيس) من (التقيا)
20 - وورد في ص 99 (ثم إن الأعرابي اغتفل زيد بن أيوب) فعلقوا به (كذا في أغلب الأصول ولم نجد في معاجم اللغة التي بين أيدينا (اغتفل فلانا) بمعنى تغفله وأستغفله) فنقول ورد في الكامل في جزء 2: 218 من طبعة التقدم في مصر.
21 - وفي ص 111 بالهامش (والعسيب: جريد النخل إذا نحي عنه خوصه) والشرط ههنا لا محل له خلافا لشك صاحب القاموس، فقد جاء في مختار الصحاح(7/657)
(الجريد الذي يجرد عنه الخوص الواحدة جريدة ولا يسمى جريدا ما دام عليه الخوص وإنما يسمى سعفا).
22 - (لغة العرب) وقال في حاشية ص 129 في التعليق على قول أبي الفرج:
في خميس الفصح ما نصه: كذا في الأصول: والمعروف في أعياد النصارى (خميس العهد) اهـ قلنا: إن خميس الفصح من اصطلاح نصارى العرب في العراق إلى عهدنا هذا. وهند كانت عراقية. أما (خميس العهد) فمن اصطلاح نصارى القبط في مصر. ثم زادوا في الحاشية قولهم (المشهور الشعانين بالشين المعجمة) قلنا: نحن العراقيين لا نعرف إلا السعانين بالسين المهملة.
(لغة العرب)
23 - وفي ص 132 (الاكتحال بالأثد) والصواب (بالأثمد) ومثل هذا كثير جدا ففي ص 148 (خك) والصواب (ضحك).
24 وفي ص 134 ورد (كما أنتم كنا) فعلقوا به (ومن المحتمل أن يكون معطوفا بالواو على بيت قبله سقط حتى يصح الوزن) قلنا: ولا كل هذا التكلف الطويل فارجعوا إلى ص 96 من الكتاب تجدوا (فكما أنتم كنا) فالساقط الفاء لا بيت مع واو.
25 - ومن أرقام التعاليق في ص 139 بالحاشية السفلى (9) ولا متعلق له في المتن.
26 - وفي ص 157 قول الحطيئة:
أطعنا رسول الله إذ كان بيننا ... فيا لعباد الله ما لأبي بكر
وفي الكامل للمبرد ج 1 ص 282 (فيا لهفتا ما بال دين أبي بكر).
27 - وقالوا في ص 172 (ونحن وإن كنا لا نخليه من معنى. . . إلا إننا نرى) بتركهم (نحن) من دون خبر واستثنوا بل استدركوا قبل ورود الحكم فالصواب (حذف (إلا إننا) أو وضع (فإننا) أو (لنرى) فالأول مثل قول (طخيم بن أبي الطخماء: (وإني وإن كانوا نصارى أحبهم) والثاني مثل قول المبرد في الكامل ج 3 ص 75 (والراجز وإن كان لحن فقد أحسن التشبيه) ومثل قول علي عليه السلام (والعرب اليوم وإن كانوا قليلا فإنهم كثير عزيز بالإسلام) والثالث مثل قول إبراهيم بن المهدي العباسي (وإني وإن غيبت عني لعالم) وقد بين(7/658)
الصبح لذي عينين.
28 - ونقلوا في ص 177 عن اللسان قوله (تقول للشيء الزائل عن موضعه: قد أضللته، وللشيء الثابت في موضعه إلا إنك لم تهتد إليه (: ضللته) ولم يلتفتوا إلى قول الحطيئة في
ص 160 من هذا الجزء:
وأنت امرؤ تبغي أبا قد ضللته ... هبلت ألما تستفيق من ضلالكا
29 - وفي جدول تصاويبهم ذكروا أن في ص 185 مادة (نكث) فأنا أصلح تصويبهم وأقول (مادة نكس) بالسين.
30 - وورد في ص 186:
(لم يؤثروك بها إذ قدموك لها ... لكن لأنفسهم كانت بك الأثر)
وفي الكامل ج 2 ص 151:
ما آثروك بها إذ قدموك لها ... لكن بك استأثروا إذ كانت الأثر
31 - وذكروا في جدول التصاويب أن (الأسقف) في ص (15) مع إنه في ص (115).
مصطفى جواد
91 - كتاب عيون الأخبار
تأليف أبي محمد عبد الله بن قتيبة الدينوري المتوفى سنة 276، المجلد الثاني في 376 ص بقطع الثمن الكبير، الطبعة الأولى - مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة سنة 1928.
هذا السفر الجليل من درر البحر بحر دار الكتب المصرية التي أدهشت العالم كله بحسن مطبوعاتها وتحري نشر أفيد مصنفات السلف. وهذا المجلد حوى كتاب الطبائع والأخلاق المذمومة، وكتاب العلم والبيان، وكتاب الزهد وكل يعلم منزلة الدينوري من التحقيق والإمعان في علوم العربية ولو لم يكن لصاحبه إلا هذا الكتاب لكفى دليلا على غور بحره ووقوفه على تراث الأقدمين
وكنا نود أن يتولى إصلاح المسودات أديب واقف على مطبوعات الأقدمين فقد جاء مثلا في ص 91 في الكلام على زق فرخ الحمامة: (ثم زقاه (أي والداه) سورج أصول الحيطان) فجاء في الحاشية. كذا بالأصلين(7/659)
ولعله الصاروج وهو الكلس تبنى وتطلى به حيطان البيت. وفي (كتاب الحيوان) للجاحظ (ج 3 ص 47) (فيأكلان من صروح الحيطان وهي شيء بين الملح والحمض وبين التراب الخالص فيزقان الفرخ. . . الخ، فنقول: السورج كلمة فارسية الأصل أي شوره (وزان كوره) وعربت شورج بالشين المعجمة وسورج بالسين المهملة وصحفت بصورة صورج بالصاد. والمشهور عند
العراقيين شورة كما في الفارسية وبالفرنسية وهو ملح يكون في أصول الحيطان. والكلمة معروفة في العراق منذ عهد العباسيين وربما قبل ذلك العهد. وقد ذكره ابن البيطار باسم السورج قال: ديسقوريدس في الخامسة هو شيء يتولد من البحر وهو جنس من الزبد ويتولد في المواضع الصخرية القريبة من البحر وله مثل قوة الملح. جالينوس في 11 هذا إنما هو شبيه بالزهرة أو بالزبد مرتفع فوق الملح وهو ألطف من الملح بكثير. . .) قلنا: ومن أسمائها في العربية: فقاح الملح، ورغوة الملح، وزبد الملح وملح الدباغين وقد وردت هذه الألفاظ في معجم بربهلول السرياني العربي.
ولهذا لم يبق محل للمحشي أن يقول: هو الصاروج إذ هذا شيء آخر. وأما رواية الجاحظ فمن أغلاط طبع الكتاب إذ لا تحصى والصواب صورج الحيطان وأحسن منها سورج الحيطان بالسين المهملة.
وقال في ص 92: (ومنه (أي من البيض) شيء يعتري الحجل وما شاكله في الطبيعة، فإن الأنثى منه ربما كانت على سفالة الريح التي تهب من شق الذكر في بعض الزمان فتحتشي من ذلك بيضا والحال إننا نعلم أن هذا لا يجري في الحجل، وإنما الخرافة تروى عن نوع من اليعاسيب إلى يومنا هذا عند أعراب البطائح ولهذا كان صحيح الرواية: الجحل بتقديم الجيم على الحاء. قال في اللسان: الجحل اليعسوب العظيم وهو في خلق الجرادة إذا سقط لم يضم جناحيه اهـ وهو في الفرنسية
وفي هذا السفر أيضا حواش تدل على قلة تدقيق في الأمور فقد جاء في الحاشية 4 من ص 97 (ويتولد (الجعل) غالبا من اخثاء البقر) ولا نظن أن واحدا من الناس في هذا العصر يقول بهذا القول، إنما الصحيح إنه يتولد(7/660)
غالبا في اخثاء البقر وذلك أن أنثاه تضع بيضها فيها وهي أحسن بيئة لها فتفقص وتنشأ فيها.
وفي حاشية 6 من ص 99: (ذو فكين (أي السرطان) ومخاليب (كذا بياء بعد اللام) وأظفار مداد) والمعروف أن المخلب لا يجمع إلا على مخالب. بلا ياء بعد اللام ثم أن المخالب والأظفار شيء واحد في مدلولاتها إنما الفرق في أن المخالب لما يصيد من الطير وسباع الحيوان والأظفار لما لا يصيد من الطير. ولو قال: ذو فكين ومقابض ومخالب لكان أوفق لمصطلح العلم الحديث.
وجاء في ص 40 قوله: (جلنجبين) وضبطت بفتح الأول والثاني والرابع ثم قيل في الحاشية: (وفي أقرب الموارد إنه معجون يعمل من الورد والعسل فارسي معرب عن (كل) ومعناه ورد و (انكنبين) (كذا) ومعناه عسل. انتهى. قلنا: نتعجب من أن ناشري هذا الكتاب يعتمدون في كلامهم وضبط بعض الألفاظ على أقرب الموارد وهذا المعجم نسخة ممسوخة من محيط المحيط وكذلك قل عن (البستان)، وجميع معاجم اللغة التي وضعت للمدارس وكان أساسها هذه الدواوين اللغوية الثلاثة. أما صاحب البستان فقد ضبط الجلنجبين على نحو ما ضبطها أقرب الموارد ومحيط المحيط إلا إنه زادهما غلطا في ذكر الأصل فقال: (وانثلبين) عسل والخطأ واضح لأن الكلمة الفارسية هي (انكبين) بكاف فارسية.
وقول هذه المعاجم أن الجلنجبين معجون قول غير صحيح. وكلام ابن البيطار هو الصحيح أي ورد مربى بالعسل أو السكر. وأما ضبط الكلمة فهو بضم الجيم وفتح اللام وإسكان النون وضم الجيم الثانية كما هي مضبوطة في الفارسية وكما وردت في مفردات ابن البيطار طبع باريس. وجميع الدواوين الفارسية لا تضبطها إلا على الوجه الذي ذكرناه. والآرميون يلفظونها ويكتبونها هكذا: (جولانجبين) (راجع معجم باين سميث العمود 679) أما سبب ضبط هذه المعاجم الحديثة بالفتحات فناشئ من الأصل الذي نقل عنه محيط المحيط أي معجم فريتغ فإنه ضبطها بالفتحات فجاء صاحب المحيط ونقل الضبط(7/661)
المذكور بلا تدقيق ثم عثر صاحب أقرب الموارد والبستان تلك العثرة نفسها لأن هؤلاء النقلة لم يتعبوا أنفسهم لتحقيق الضبط ومراجعة الأصول والأمهات. أما أن الجلنجبين ليس بمعجون فظاهر من أن المعجون في عرف الأطباء دواء قوامه أمتن من قوام العسل والحال أن الجلنجبين ليس بدواء بل هو من قبيل الحلوى يؤخذ بعد الطعام أو بين طعام وطعام.
وكنا نود أن نرى في الحواشي بعض التحقيقات التي تنفي بعض المزاعم القديمة القائلة وتدعم بالآراء العصرية العلمية. مثل ذلك ما جاء في ص 107 فقد جاء قول المؤلف: إذا أخذ بزر السذاب البري وزرع وطال به ذلك تحول حرملا. والنمام إذا عتق تحول حبقا. . . إلى غير ذلك. فلا جرم أن هذه الأقوال ينكرها علماء البحث في هذا العصر ولا يقولون بها بل ينكرونها إنكارا.
وفي الختام نقول عن هذا السفر كما قلنا عن سائر ما يطبع من مصنفات الأقدمين إنها
تحتاج إلى معجم يلحق في آخر المجلد تذكر فيه الألفاظ التي وردت فيه ولم تذكر في دواوين اللغة. كتقييد كلمة السورج أو الشورج التي جاءت في ص 91. والتحول التي وردت بمعنى في ص 107 وورد في تلك الصفحة أيضا الترية بمعنى نبت من الحشيش يكون بالسند فهذه الكلمات وغيرها وتعد بالعشرات مما يحتاج إلى تقييده وتدوين صفحاته حتى ينتفع به عند المراجعة. فيرى من هذا البسط الموجز محاسن ما في هذا السفر الجليل وحاجة كل أديب إلى اقتنائه فنحن نشكر القائمين بطبعه على هديتهم هذه ونتمنى لهم المضي إلى الأمام في مهمتهم الجليلة.
92 - دروس علمية في أمراض جهاز البول
تأليف الحكيم لوسر كل أستاذ السريريات الجراحية، ترجمها الحكيم مرشد خاطر أستاذ الأمراض الجراحية وسريرياتها، طبعت بالمطبعة البطريركية الأرثوذكسية بدمشق سنة 1929 في 134 ص بقطع الثمن الصغير.
أمتاز الدكتور لوسر كل بالتحقيق والتدقيق في الأمور الطبية. وأمتاز الدكتور مرشد خاطر بما امتاز به صديقه ويزاد على ذلك تفهم العبارة الفرنسية تفهما(7/662)
صادقا وإفراغها في قالب عربي بحت فيه رونق وحسن ديباجة يعز وجود مثلها في كلام سائر الكتاب من طبقة الأطباء. ويضاف إلى ذلك أن الدكتور مرشد خاطر كثير الاشتغال لا يعرف الراحة ساعة واحدة إذ آلى على نفسه أن يفيد أبناء الوطن ويذهب ضحية في سبيل إفادتهم. وهذا الكتاب هو الثالث الذي أهداه إلينا وطبعه في هذه السنة. وهو كسائر اخوته حسن التبويب والسبك وقد قسمه المؤلف اثني عشر قسما ذكر فيها كل ما يمكن أن يقال في الموضوع الذي عالجه فوفاه من التحقيق والتدقيق.
وليسمح لنا حضرة الصديق أن لا نوافقه في نقل بعض الألفاظ فقول الإفرنج (ص 24) هو جوهري لا أساسي. وجاء ذكر الحويضة (ص 64 وما يليها) ونحن لم نجد من صغر حوضا على حويضة بل على حويض وكثيرا ما يصور حرف الإفرنجي بالياء فيقول مثلا برينو ونحن لا نوافقه على ذلك والصواب برونو وقال في ص 87 الملودنة والصواب الملوذنة بالذال المعجمة ويصور الإمالة بالألف على الطريقة السورية فيقول مثلا مازوثوريوم (ص 104) والأحسن أن يقال ميزوثوريوم كما قالوا هابيل وشيث وروبين ولم
يقولوا هابال وشاث وروبان. تلك هي بعض الهنيات التي لا تشين عبارة الكاتب المترجم وهذا ما يشهد له بعلو الكعب نفعنا الله بعلومه.
93 - فن التمريض
لمؤلفه الحكيم مرشد خاطر، أستاذ الأمراض الجراحية وسريرياتها في معهد الطب بدمشق، وعضو المجمع العلمي العربي، طبع في دمشق سنة 1929 في المطبعة البطريركية الأرثوذكسية في 416 ص بقطع الثمن.
فن التمريض حديث في ديار الشرق وليس لنا كتب تبحث عنه. نعم نشر وينشر في بعض المجلات مقالات في هذا الموضوع، لكنها غير وافية بجميع المواضيع والكلام عليها مقتضب وغير جار على سنن العلم ولهذا أصبح وضع تأليف علمي بعبارة واضحة خالية من التعقيد وفي الوقت عينه فصيحة متوفرة فيها(7/663)
شروط القواعد العربية أهم ما نحتاج إليه في شرقنا على اختلاف ديار لهويته وقد ألفينا هذا السفر من أنفع ما يمكن أن يحلم به الممرض والممرضة. ونحن نتمنى أن تجلب منه حكومتنا العراقية مقدارا وافيا لتنشره بين الممرضين الذين في ديارها.
ومما نوجه إليه الأنظار إن وضع هذا التصنيف الجليل هو من أهل الخبرة في الفن ومن محسني إجالة اليراعة في ميدان الكتابة. وعندنا هنا كتب ومجلات طبية فإذا ما وقفت على ما تكتبه تسائل: بأي لسان اقرأ هذه الصفحات وما المراد من كلام المؤلف؟ وهكذا يتأسف القارئ على إضاعة وقته في مطالعة كتب عربية الحروف أعجمية الكلام مغلقة المعاني حتى على أذكى الناس وأثبتهم علما في العربية. وهذا كله لا ترى له ظلا في ما ينشئه الطبيب النطاسي والكاتب التحرير صديقنا العزيز (الدكتور) مرشد بك خاطر.
على إننا نأخذ عليه أشياء لا دخل لها في فن التمريض بل تتعلق بتخليص العبارة من بعض الهنوات الهينات. وأول تلك الأمور إنه يلقب نفسه بالحكيم في مكان (الدكتور) ونحن لا نوافقه على ذلك والسبب هو أن معنى الحكيم أنصرف إلى من يعالج الحكمة وبالفرنسية أما الدكتور فعلم لقب وضعته جامعات ديار الغرب للدلالة على من حاز الدرجة القصوى في متقن من متاقنها. ومعناه (المعلم) ولما كان للمعلم لفظة أخرى إفرنجية لنتركها لمدلولها. وقد وضع للدكتور بعض الأدباء كلمة (علامة) وكل ذلك لا يفيد المطلوب والأحسن أن
يؤخذ اللفظ بصورته لأن الألقاب لا تنقل إلى ما يقابلها في لغتنا بل تؤخذ بصورتها، وافقت أوزاننا أو لم توافقها. وقد جرى السلف على هذا الأسلوب في عهد الجاهلية نفسها فقالوا: القس والسرسور والسفسير والقسطار والأطربون والشاه والشاهنشاه والقان والخان والنجاشي والقيصر والموبذ والأسقف والمطران والبابا إلى غيرها وتعد بالمئات. ويسهل اتخاذ اللفظ الأعجمي إذا كانت مادة الكلمة تشبه المادة العربية وكان وزنها يشبه الوزن العربي (فالدكتور) جمعت فيها الشرطين المذكورين فلا بد من اتخاذها بصيغتها ولفظها.
وقد وقع في الكتاب أغلاط طبع لم تصلح في باب التصويبات من ذلك ما في(7/664)
أول صفحة من المقدمة في السطر الذي يسبق الأخير: (وإن تكون ذكية ربطة الجنان) وفي الصفحة الثانية من المقدمة المذكورة (بما يستدعيه مرضهم من العناية) وفيها: (أجمع فيه ما يحتاج إليه المريض مهما كان نوع دائه. . .) وقد تكررت (مهما) في هذه الصفحة لغير معنى الشرط - وفي تلك الصفحة عينها قال. (أم مرأة - وفيها أيضا: فعسى أن أكون عند ظني.) والصواب: رابطة الجنان. . . من العناية بهم. . . أيا كان نوع دائه. . . أم امرأة. . . فعسى أن أكون مصيبا في ظني.
ومما يسرنا إننا نرى المؤلف يتوخى الصحة في ما يكتب فيقول مثلا: الأشعة الكهربية ولا يقول الكهربائية (الثقيلة على اللفظ والسمع والمخالفة للأصول العربية كل المخالفة) - ويقول الوذمة (ص 25) لا الأيديما أو الأوديما ويقول عراقيل الجروح وهي الكلمة التي استعملها أطباؤنا الأقدمون ولا يقول المضاعفات أو التضاعفات أو الاختلاطات أو التشويشات أو غيرها من الألفاظ التي لا تفيد فائدة الأقدمين ولا مصطلحاتهم ولا تقوم مقامها.
والخلاصة إننا نرى فرقا عظيما بين ما يتولى الدكتور مرشد بك خاطر طبعه من الكتب التي ينشرها أو يصححها أو يعربها وبين ما يصدر مثلها في بيروت أو بغداد أو لبنان فإن أصحاب هذه المطبوعات الأخيرة مغلقة العبارة سقيمة التأليف كثيرة الألفاظ الأعجمية الثقيلة على السمع واللسان والذوق، قلقة الوضع لا تكاد تجني منها ما تنتظر منها. ولهذا نوصي بتآليف الدكتور مرشد خاطر كل التوصية ونرغب الأطباء في النسج على منواله ليخلدوا لهم آثارهم ويفيدوا بها من يقرأها.
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 4 -
16 - وقال في ص 14 (المعرب وهو اللفظ العجمي الذي يستعار لما يجد من المسميات والمعاني حينما لا يوجد في أصل اللغة ما يرادفه أو لا يمكن صوغ مثله) وهذا رأي باطل ومزلة حكم مسلوفة وقى الله مجتازها شرها، وقد(7/665)
تورط فيه من قبل هذا الشيخ إبراهيم اليازجي بقوله في كتاب (لغة الجرائد) ص 107 (على أنا لا ندري الموجب لاستعمال اللفظين - أراد الأورطة والكوبري - مع وجود ما يرادفهما في العربية) والقائلون بهذا الرأي كأنهم لم يتدبروا كلام العرب ولم يتأملوا ما استعملته معربا وعندها مرادفه، ولاستجازة ذلك قال الجوهري عن أبي الحسن اللحياني في مادة (سخت) من المختار (السخت بسكون الخاء الشديد وهو معروف في كلام العرب وهم ربما استعملوا بعض كلام العجم باتفاق وقع بين اللغتين كما قالوا للمسح بوزن الملح: بلاس، وللصحراء دشت) اهـ (وراجع هذا الجزء من لغة العرب ص 592 إلى آخر البحث).
وجاء في الكامل للمبرد ج 3 ص 221 (فقال المهلب لأبي علقمة العبدي - وكان شجاعا عاتيا -: أمدد بخيل اليحمد وقل لهم فليعيرونا جماجمهم ساعة فقال لهم: إن جماجم القوم ليست بفخار فتعار وليست أعناقهم كرادي فتنبت، قال أبو الحسن الأخفش تقول العرب لأعذاق النخل: كراد وهو فارسي معرب) وهذا يدل على إنهم كانوا يزينون كلامهم بالمعرب ويتركون مرادفه ولكل جديد لذة.
17 - وضرب في ص 19 المثل (أريها السها وتريني القمر) وهو مثل تتقزز منه النفوس لأنه عاقبة حكاية فجورية أولها فحش وآخرها زنى وفي ما بينهما سيء من القول فينبغي للعاقل أن يهمل ما هذا أمره وما سواه فما بمعناه كثير
18 - ونقل في ص 27 خطبة أبي طالب ومنها (الحمد لله الذي جعلنا من زرع إبراهيم وذرية إسماعيل) وفي الكامل ج 3 ص 242 (جعلنا من ذرية إبراهيم وزرع إسماعيل) ومنها (من لا يوازن به فتى من قريش إلا رجح به برا وفضلا وعدلا ومجدا ونبلا) وفي الكامل (إلا رجح عليه به برا وفضلا وكرما وعقلا ومجدا ونبلا) ومنها (وما أردتم من الصداق فعلى) وفي الكامل(7/666)
(وما أحببتم من. . .)
19 - وقال لتفسير شماتة (اسم من شمت به يشمت إذا فرح بمصيبة نزلت بعدوه) ولم نعلم سبب قوله (به) قبل قوله (بعدوه) لأنه مخالف لما (يجري عليه الأدباء فهم يذكرون الظاهر ثم يكنون عنه بالضمير فالصواب (من شمت بعدوه إذا فرح بمصيبة نزلت به)
20 - وقال في ص 28 لتفسير مدحاة (مدحوة أي مبسوطة) وذلك تفسير ما لم يقل فتأمل
21 - وقال في تلك الصفحة في الفنون الجميلة (والشعر يصورها بالخيال البديع) فجعل الخيال من لوازم الشعر ولكنه في ص 38 يصف الشعر الجاهلي ويستحسنه بقوله: (لا يعدو الحقيقة ولا يتجاوز ظواهر المشاهد).
22 - وقال في ص 33 (وشتان بينها) وفي ص 218 (وشتان بين هذا الصبر) وليس ذلك صوابا لأن (بين) الظرفية لا تقبل الفاعلية ولأن (شتان) يستوجب الاشتراك فلا يجوز أن يكون فاعله مفردا لفظا ومعنى فالصواب (وشتان هما) أو (شتان ما بين. . .)
23 - وقال في ص 34 (وقد حاول غير واحد من الباحثين أن يبحثوا في أصله - أراد الشعر - ويعينوا زمنه) والصواب (عن أصله) لأن المجهول هو الأصل والبحث في الشيء يستوجب جهله ويؤذن بالتفتيش عنه.
24 وقال في ص 38 في الشعر الجاهلي (وندرت فيه المبالغة وقل استعمال المجاز والكناية) ونحن لا نرى هذا الرأي لأن المجاز والكناية من بدائع الشعر العربي خصوصا الجاهلي ألا ترى قول (زهير بن أبي سلمى (تفانوا ودقوا بينهم عطر منشم) وقول النابغة الذبياني (رقاق النعال طيب حجراتهم) وقول زهير:
يمينا لنعم السيدان وجدتما ... على كل حال من سحيل ومبرم
نضيف إلى ذلك أن الأثري مدح امرأ القيس في ص 60 بقوله (وحسن الاستعارة) وقال في زهير ص 74 (ويتعمد التفنن في تنويع الصور البيانية).
مصطفى جواد(7/667)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - صبيح نشأت بك
توفي صبيح نشأت بك الوزير المفوض لحكومة العراق لدى الجمهورية التركية في أنقرة. وقد توفاه الله في الآستانة في 19 تموز من هذه السنة فخسر الوطن والحكومة بوفاته رجلا من خيرة أبناء البلاد. وكانت وفاته بخنقة الصدر.
وكان رحمه الله حاضر البديهة ومما يحسن ذكره هنا إنه لما أصلحت الأمور بين حكومتنا وحكومة نجد على الحدود كانت قطعة أرض محايدة بين البلادين. فسأل السر برسي كوكس ما نسميها بعد هذا الصلح والاتفاق. فقال صبيح بك نسميها (بقلاوة) فسأل السر برسي ما معنى هذه الكلمة فشرحت له. ولما كان شكل الأرض قريبا من هيئة قطعة البقلاوة قال السر برسي: هذا أحسن ما يمكن أن تسمى به هذه الأرض. فكتبت على الخرائط (بقلاوة) وهي تعرف إلى اليوم بهذا الاسم الطيب.
2 - سميعي خان
قدم إلى العاصمة صاحب المعالي سميعي خان الوزير المفوض لحكومة إيران في صباح 15 تموز (يوليو) وأملنا في حنكته وثاقب نظره أنه يكون رسول خير وصلاح بين دياره وديارنا.
3 - تبرع معاليه
تبرع معاليه بمبلغ 5000 ربية لمنكوبي الفيضان وقد أجابه فخامة رئيس الوزارة ووزير الخارجية بكتاب رقيق ماؤه الشكر والثناء على عواطفه النبيلة.
4 - سفر عناية الله
غادر جلالة الملك عناية الله خان ومن معه مدينة بغداد في مساء السبت 20 تموز ووجهتهم إيران للإقامة فيها. وكانوا قد وصلوا إليها عصر 12 تموز (يوليو) محفوفا بالعز والإكرام.
5 - القس حنا مقصود جاقر
فاجأت المنية القس حنا مقصود جاقر مساء 18 تموز في بيت أخته في كرادة مريم الشرقية ودفن مساء 19 في كنيسة الكلدان في بغداد وحضر الموكب خدمة(7/668)
الدين المسيحي على اختلاف طوائفهم وكثير من الناس. وكان عمره في ال 58
6 - قلة مياه ديالى
هبطت مياه (ديالى) هبوطا غير مألوف في هذا الصيف ولا سيما قسمه الجنوبي وظهر من مقدار المياه التي قيست في الغربي من صدر (الخالص) في اليوم ال 15 من شهر تموز أن المياه هبطت إلى أحط ما سجل في مثل هذا التاريخ وإن هذا المقدار يعادل زهاء سبعة أثمان مقدار المياه في مثل هذا التاريخ أثناء سنة 1925.
7 - في أنحاء الكويت
لم يرحل فيصل الدويش إلى الكويت بل إلى (القرية) وقد قبضت قبيلة مطير على رسول الملك ابن سعود وكان يحمل كتابا إلى أمير حائل يأمره فيه بأن يجرد حملة قوية لمهاجمة الارطوية حاضرة مطير وبعث فيصل الدويش على أثر ذلك بكتاب إلى أمير الكويت يرجو منه العون والمساعدة في حركاته الجديدة.
8 - تلاميذ نالوا شهادات
نال 14 تلميذا الشهادة من متقن الزراعة و21 تلميذا الشهادة من متقن الحقوق وسيذهب فريق منهم إلى ألمانية ومنهم إلى فرنسة وآخرون إلى إنكلترة لإكمال دروسهم.
9 - أول محلجة قطن في العراق
جلب صاحب الفخامة يس باشا الهاشمي محلجة القطن الأولى في العراق وباشر نصبها في الصرافية ونظم مجلس إدارة لهذه الشركة وحاز الأعضاء الآنية أسماؤهم أغلب الآراء وهم: يس باشا الهاشمي. رشيد عالي بك الكيلاني. الحاج يس جلبي الخضيري. زكي بك قدري. جعفر جلبي أبو التمن. نوري فتاح.
وحصص الشركة ألف وقدر كل حصة عشر ليرات إنكليزية فبيعت جميعها.
10 - شقاق في الطائفة الإسرائيلية
وقع شقاق بين الطائفة الإسرائيلية في بغداد بخصوص وكيل رئيس الحاخامين فمن الطائفة من يوافقه ويستحسن أعماله وفيها من يسوئ محاسنه نفسها فانقسمت الطائفة ثلاث فرق والفرقة الثالثة هي المحايدة. فقدم الوكيل المذكور عريضة إلى فخامة رئيس الوزراء يطلب منه إجراء محاكمته في مجلس مختلط وتاريخ العريضة 17 تموز من هذه السنة.
11 - مديرية الأوقاف
أعلنت الحكومة أن منذ اليوم الثاني من(7/669)
تموز تعتبر وزارة الأوقاف (مديرية عامة للأوقاف). وعين مديرا لها جميل بك الوادي
12 - توزيع شهادات في المدرسة الزراعية في بغداد
وزعت هذه المدرسة التي في الرستمية صباح 2 تموز الشهادات على مستحقيها فكانوا 14 تلميذا.
13 - موضع المدارس
افتتح جلالة الملك المعظم في صباح 1 تموز معرض أشغال اليد والرسم لمدارس بغداد فأمه بعد ذلك كثير من الناس رجالا ونساء.
14 - شمريون يهاجمون كويتيين
هجم في الأسبوع الأول من حزيران (يونيو) طائفة من شمر نجد وعدد رجالها زهاء 60 هجانا يقودهم ابن طولة على عشيرة عريبدار الكويتية المخيمة بالقرب من الجهرة فرد الغزاة وخسروا ستة رجال وأسر بعض منهم.
15 - المتقن الزراعي العراقي
فصل هذا المتقن عن دائرة الزراعة العامة وألحق بوزارة المعارف منذ 15 تموز من هذه السنة 1929.
16 - جريدة الناضرة
حظرت نشرها إدارة المطبوعات بأمر أصدرته في 7 تموز (يونيو) من هذه السنة
لمخالفتها خطتها.
17 - صحف سورية تمنع من دخول العراق
اتصل بنا أن الحكومة قد منعت بعض الصحف السورية من دخول العراق وهي (أبو العلا) و (الدبور) و (الاستقلال) و (الحقيقة) و (العهد الجديد).
18 - مدرسة البنات في النجف والضجة التي حولها (عن
النهضة)
اعتزمت وزارة المعارف فتح مدرسة إناث ذات صفين في النجف هذه السنة المقبلة، وقد اشترطت على الراغبين بفتحها قيامهم بنفقات الدار للسنة الأولى وهؤلاء قبلوا الشرط وهيئوا المال الكافي لأجرة الدار اللائقة بهذه المدرسة الجديدة. ولكن لم يذع خبر إنشاء مدرسة البنات بين الطبقات الأخرى وبينها من المحافظين عدد كبير حتى قامت قيامتهم ضد هذه الفكرة وتوسلوا بتقديم عدة مضابط إلى المراجع المختصة يطلبون صرف النظر عن إنشاء هذه المدرسة!!!
وقام الراغبون بهذه المدرسة بدورهم ينظمون المضابط وبالفعل قدموها طالبين فتح المدرسة مع تعهدهم بالدار وبطائفة كبيرة من بناتهم يدخلوهن هذه الدار العلمية، وهكذا نجد النجف اليوم في سلب وإيجاب
وقد لا يخطئ من يحبذ فكرة إنشاء(7/670)
المدارس الإناثية في سائر أنحاء العراق ومن الطبيعي أن يكون غير المألوف مرتابا فيه لأول وهلة! ولكن سير العلم قد جرف أمامه كل معارض في غرسه وتعميمه ولو التجأ المعارضون في تشكيل مدرسة البنات في النجف إلى حصن منيع يقيهم تهمة المحافظة على القديم وكراهية التجدد حتى في العلوم لانتحلنا لهم عذرا في مقاومتهم العنيفة العتيدة؛ ولكنهم يزعمون أن الراغبين بفتح مدرسة البنات تحوم الشكوك حول بعض أفرادهم وهذه الشكوك التي تنتهي بهم إلى وجوب المحافظة على الأخلاق العامة هي التي تدفعهم إلى خنق مدرسة البنات وهي في مهدها! وهذا منتهى الضعف في التفكير ولا يقرهم عليه أحد ينزع إلى انتشار العلم وتساوي الفتاة بالفتى معلومات وثقافة، ولو إنهم طلبوا المراقبة من قبلهم على هذا المشروع أو إنهم سعوا لفتح أمثاله من ذي قبل
لقلنا أنهم محقون في دعواهم، أما أنهم يعارضون كل فكرة جديدة وينقمون على المدارس دون أن يتكلفوا عناء الإصلاح ومشقة التهذيب فذاك نتيجته خسران صفقتهم ومضاعفة النشاط للإقبال على هذه المشاريع العلمية الضرورية لحياة عصر الكهرباء واللاسلكي.
نحن نؤيد القائلين بوجوب المحافظة على الأخلاق بصورة عامة - وخاصة أخلاق الفتيات وتعاضد الساعين إلى الضرب على أيدي المفسدين أيا كانت صفاتهم ومنزلتهم - ولكنا في الوقت نفسه نريد من هؤلاء عملا يفيد الصالح العام وماذا يفيد (الصياح) داخل الزوايا والغرف؟؟ وهل كل شيء في الحياة هو المقاومة السلبية لكل مشروع، وهل الأحسن أن تبقى فتاة النجف محرومة من نمير العلوم لأن فلانا وفلانا وغيرهما من الذين يسعون لفتح مدرسة البنات لا يثق بأخلاقهم ولذلك وجب تحريم الدخول إلى قاعة المدرسة؟ ليس هذا كل شيء من المنطق، قولوا نريد هيئة نزيهة ومراقبة شديدة من الأهلين الموثوق بسلامة ضمائرهم للإشراف على هذه المؤسسة الجديدة، ونريد مدرسات فاضلات، ونريد تربية أخلاقية متينة. ونريد وضع برنامج يصون فتياتنا من منازع الأهواء ومن كل عابث يتصدى لهم و. . . الخ فتكون المعارضة وجيهة ومقبولة ونحن أول القائلين بهذا والحاثين عليه ولا نرضى بغيره بديلا أبدا.
إن الزمان اليوم (يا أيها السادة) لا يتسع لما كان يتسع له من ذي قبل جمودا على القديم ومناهضة لكل جديد،(7/671)
إلى الاستقلال، ولقد أصبح من الواجب على الأفاضل والعلماء تعزيز النهضة العلمية النسائية وبث الدعوة لها في مختلف الطبقات، وإلا فليس من جدوى وراء المقاولة السلبية (على طول الخط:)
(عن النهضة العراقية العدد 435)
19 - لماذا اندلعت الثورة في إيران
أسباب الثورة
في شهر نيسان الماضي أصدرت الحكومة الإيرانية أمرا بمنع زراعة الأفيون في منطقة شيراز عملا بقرار جمعية الأمم القاضي بتحديد زراعة المخدرات فاستاءت من هذا المنع عشيرة (بابور لو) العربية المقيمة في الأراضي الواقعة شرق شيراز وطلبت من الحكومة
إلغاء هذا المنع لأن زراعة الأفيون سبب معيشتها فرفضت الحكومة ذلك وأرسلت قوة من الجند لتأييد المنع بالقوة ولكن رجال العشيرة لم يخضعوا لها بل قاوموا الجند وقتلوا عشرة منهم ونزعوا سلاح الباقين وأطلقوا سبيلهم ليخبروا الحكومة بما وقع لهم.
20 - تدابير الحكومة
فلما علمت الحكومة بالأمر اعتزمت أن توطد نفوذها بالقوة فقررت استبدال الحكام الإداريين في مقاطعة شيراز وبو شهر وخوزستان ولو رستان بولاة عسكريين وخولتهم الصلاحية التامة لتأديب كل العصاة والخارجين على إدارة الحكومة وتجريد القبائل من سلاحها.
ولكن هذه التدابير الجديدة لم تأت بالفائدة المطلوبة بل دعت الأشقياء واللصوص وقطاعي الطرق إلى الانضمام إلى القبيلة العاصية فتألفت منهم قوة تقدر بثلاثة آلاف رجل ثم ضوعف هذا العدد بانضمام قبيلة (قاشقار) القوية إليهم لأن الحكومة منعتها من ارتياد مراعي الشمال كما هي عادتها في الصيف ثم انضم إلى العصاة ثلاث قبائل صغيرات فألفوا جيشا ثائرا لا يستهان بقوته.
في الأخير توفقت الجيوش في مطاردة العصاة الثائرين والانتصار عليهم وسلم علي خان شقيق صولة الدولة رئيس قبيلة القشقار نفسه وكذلك عشيرته إلى السلطة العسكرية الإيرانية بلا قيد ولا شرط وانصرف جهد الحكومة الآن إلى جمع السلاح من العشائر المتمردة وهكذا فاز الشاه بهلوي الكبير على من دس الدسائس وعكر مياه السلم وكل ذلك بفضل حكمته العجيبة وخبرته العسكرية فنتمنى لجارتنا العزيزة التوفيق في جميع أمورها.
(عن النهضة)(7/672)
العدد 73 - بتاريخ: 01 - 09 - 1929
الحالة الاجتماعية للعشائر العراقية(7/673)
حرف الضاد واللغة المالطية(7/682)
ثقيلة. . . كما يلفظها بعض أهل لبنان فيقولون: ذم الحصيد أي (الحصاد) وذم الثور وذم السيرة الخبيثة تقريبا بلفظ واحد.
وبعكس هؤلاء ترى معظم السوريين وأخص منهم المعروفين بأهل الساحل يحولون الذال دالا فيقولون:
الدهب في الذهب ودرأ في ذرأ. والظاء ضادا (ولعله من قبيل التمسك بالضاد؟) فيقولون: ضهر ولحض وحض وعضم وضاهر في ظهر ولحظ وحظ وعظم وظاهر.
قلنا: إن حرف الضاد وقف على لغة العرب أو احتكار للسلف دون سواهم.
أما الأمم التي تجد في مفرداتها كلمات فيها حرف الضاد وهي ثماني كلمات دخيلة من اللغة العربية بلا ريب، فإنها تلفظ هذا الحرف كأنه (ظ) خفيفة أو زاي مفخمة فالمتكلم بالتركي يلفظ (فاظل) و (رظا) و (ظابط) ويكتبها فاضل ورضا وضابط ومثله المتكلم باللسان الفارسي. . . ولعل بضاعتنا تعود إلينا مشوهة في بعض الأحيان فنقبل عليها على علاتها. . . فنقول بدورنا (ظابط)(7/683)
وعريظة وكلام مظبوط وفي الغالب نكتبها كما نلفظها بحرف الظاء.
بل ربما تجاوزنا هذه الحدود إلى ألفاظ أخرى حتى إنك لتسمع بعضا منا يقول: (خزمتشي) تخفيفا لكلمة (خذمتجي) للخادم وحرف (الدال) يقلب (ذالا) في بعض المواقع في اللغة التركية
ولكن ما الحيلة وحرف الضاد يبقى على حاله عند المالطيين ويلفظ دالا مشددة أو كما يلفظ الإنكليز حرف الدال
أفيجوز أن ندعو المالطيين من الناطقين بالضاد؟
فإنهم يقولون مثلا (مريض) بسكون الميم والراء شأنهم في لفظ الحروف العربية الساكنة الصامتة من وزن فعيل وفعول وفعال ويقولون ضمير
وفي بعض الأحيان يقلبون الظاء ضادا فيقولون مثلا: ظهر له ملك السنيور (أي ظهر له ملك الرب)
(أو بالأحرى وضلام للظلام وضول (باللام في الآخر) للضوء الخ. . . كما يقولون دنب للذنب.
ورأينا في وجود الضاد في أبجدية المالطيين أو بالأحرى وجود هذا الحرف في كلماتهم وانقلاب الظاء ضادا والذال دالا كما تقدم وهو أن اللغة المالطية متأثرة ومشبعة من لغة أهل كسروان في لبنان منذ هاجر بعض الألوف من هؤلاء إلى تلك الجزيرة وليس من عربية أهل الغرب. ولنا شواهد عديدة تجيز هذا الرأي دون الجزم به.
1 - انقلاب الظاء والذال ضادا ودالا كما تقدم وهذا شائع عند المالطيين والسوريين واللبنانيين(7/684)
2 - ترى المالطيين يقولون هون (أي هنا) بفتح الهاء وسكون الواو ولا تستعمل هذه اللفظة بهذا التحريك إلا في لبنان إذ لا تقال في الغرب. والسوريون يلفظون كأنها ألف مفخمة وأهل الجليل يقولون هين بالإمالة والمالطي كاللبناني يقول هك بمعنى هكذا.
وكذا شيطان بفتح الحرف الأول بعكس أهل المغرب فإنهم يلفظون الشين بالكسر والياء ساكنة أي بينما نرى لبناني الشمال والمالطي يلفظانها
ثم أن أهل كسروان وشمالي لبنان كانوا ولا يزالون يلفظون طائفة من الحروف بإسكان الأول كلما أمكن ذلك وهو ناشئ من السريانية فيقولون طريق ومليح بينما نسمع أهل الجنوب كالمتأولة (الشيعيين) يلفظون هذه الكلمات بتحريك الأول أي
نعم، إن أهل المغرب يلفظون أيضا مثل تلك الحروف بإسكان الأول ولكن هذه المشابهة هي الوحيدة بين لهجة المغربي والمالطي وبالرغم عن هذه المشابهة لا يتأثر رأينا في أن اللغة المالطية مدينة بعربيتها كما هي اليوم لأهل لبنان وليس لأهل المغرب في شمالي أفريقية.
3 - لفظ القاف مقفقف كما يجب أن تلفظ وهذا أيضا مشترك بين لبناني الشمال والمالطي، بينما نسمع القاف تلفظ كالهمزة في سائر اللغات العربية العامية والمالطي إن لم يلفظ القاف مقفقفة حلقية يلفظها ويكتبها كافا مخففة.
4 - شين الكشكشة للنفي المؤكد فأن المالطي كاللبناني والمصري حريص على استعمالها بصورة دائمة فتسمعه يقول لا (تنظرش)(7/685)
ومما هو جدير بالذكر أن الكسرواني لشدة حرصه على النفي المشددة فيه قد يضع حرف الشين في آخر الجملة ولا ينساها فيقول: كل القديسين عليهم السلام: (لكن مش مثل مار
أفرام) أو (ما مثل مار أفرامش) و (يا ولد لا ترحش على الكروم) أو (يا ولد لا تروح على الكرومش) أو بالأحرى (أترحش) بدلا من لا ترحش.
5 - شيوع بعض الكلمات بين الكسرواني والمالطي بمعنى غير معناها الأصلي أو اللغوي وهي عديدة وليس لي في ذاكرتي منها الآن سوى كلمتين: (يانا) بمعنى أنا وتلفظ أو وحزين بمعنى الشيء الرديء فإن المالطي لا يعرف كلمة تجيء بمعنى الرديء أو الخبيث سوى كلمة حزين
وقد كنت اسأل نفسي عن غرابة هذا الأمر حتى توفقت لفهمه مصادفة كما يأتي:
كنت أتجول في ربوع لبنان الشمالي ولما عييت من تسنم الجبال ألقيت عصا الترحال في ظل كرمة تدلت عناقيدها وقد صفت ماءها الشمس فكانت كحبات البلور النقي، فطلبت من صاحبة الكرمة أن تبيعني عنبا فأبت بقولها: أهلا وسهلا فيك نحنا انبيعش (أي لا نبيع) قد أبدك (ما بدك) (بقدر ما بودك أو ما تود): صحتين!
ثم إنها نادت ابنتها وأعطتها سلة وأوصتها بأن تقطف لنا عنبا ناضجا. وإذ كانت تلاحظها رأت أن الابنة تقطع الحصرم مع العنب فقاطعتها: (ولك يا سعدا!) (أي ويلك) (اتقطعيش) (أي لا تقطعي) المليح - مع (الحزين) -
ففهمت أن كلمة حزين بمعنى الشيء الخبيث هي أيضا معروفة عندهم. ومن هذا القبيل ما يقوله المالطي واللبناني سواء. و (الكل) بمعنى أيضا.
فاللبناني يقول مثلا: راح معهم ابني والكل (أي أيضا) أو كقوله: ويش! (وايش - أي شيء) - (ويش! سخرت حمارتي. . . بدك تسخرني والكل!) (أي أتريد أن تسخرني أنا أيضا) وفي المالطي مثلا(7/686)
(يسوع قال له: هو مكتوب وكل: لا تجربش السنيور الله تيعك) بمعنى هو مكتوب أيضا: لا تجرب الله ألهك - 6 - استعمال حرف الشين بمعنى الشيء بلا معنى النفي. فاللبناني أكثر من السوري يستعمل حرف الشين للدلالة على الشيء فيقول: أيش وليش ويش، بمعنى: أي شيء ولأي شيء وبأي شيء وإن كانت الكلمة مقصورة على التعبير بالشيء وحدها أضاف إليها الواو فيقول (شو) أي: أي شيء هو؟ والمالطي يقول: عليش بمعنى (لأنه) (أي على أن الشيء) بيش (بالشيء) بداعي الشيء (سببية) بمعنى لأجل أيضا كما جاء في إنجيل متى بالمالطي 2 - 8: قال
هيرودوس: ومتى تكونوا صبتوه (أصبتموه) عرفوني بيش أنا وكل (أيضا) نجي (أجيء) ندوره (كلمة لاتينية معناها نعبده).
7 - وتأتي (انشطح) بمعنى سجد وانطرح وتمدد. وأهل لبنان يقولون انشطح بمعنى تمدد على الأرض ولعلها تحريف من تسطح أي نام سطحيا أو تمدد سطحيا.
(ل. ع) ويستعملها أهل بغداد بهذا المعنى أيضا.
8 - (عدى) بمعنى دخل وهي بهذا المعنى تستعمل في المالطي والعربي واللبناني الدارج.
9 - (احدعش) واثنعش وثلاثتعش واربعتعش وخمستعش الخ. بدلا من أحد عشر وإثني عشر الخ مشتركة بينهما.
(ل. ع) وكذلك يستعملها بهذا اللفظ وهذا المعنى عوام العراق.
10 - (أسأ) بمعنى الآن أو في هذه الساعة.
(ل. ع) مستعملة في العراق أيضا.
11 - (مرتو) بمعنى امرأته.
(ل. ع) وكذا نصارى العراق من العوام.
12 - ومثلها (بنتو) بمعنى ابنته.
(ل. ع) وكذا عوام نصارى العراق.
وحذف الألف هذا كثير جدا فالمالطي يقول مثلا: زوج أخوة شمعون(7/687)
واندريا خو بدلا من أخوه. ومن هذا القبيل قولهم مثلا: المجوس وصلوا في بيت لحم وأعطوا إلى يسوع
13 - (بس) بمعنى فقط أو فحسب.
(ل. ع) وكذا يقول العراقيون جميعهم والكلمة فارسية الأصل.
14 - (خا) أو خ أو خو بمعنى خذ والمالطي في معظم الأحيان يحذف الذال والألف من أخذ كما تقدم في أخ. واللبناني كثيرا ما يقول خو ويلفظ بدلا من خذ أو خود على وزن عود.
15 - أما (الشين) بمعنى الشيء وهو شهير في لبنان في كلمتي ايش (أي شيء) وشو (أي ما هذا الشيء) فإنك ترى آثارها عديدة كقولهم: ايش تريد أي أي شيء تريد. ونحن نسمع
هنا في كل يوم كلمة شو تريد بالمعنى المذكور. وكقولهم أيضا شعاد ينقصني ايش بمعنى (أي شيء) عاد ينقصني
(ل. ع) وكذلك العراقيون يلفظونها بهذا المعنى.
والشين السابقة لفعل الاستفهام تتكرر كثيرا هنا والمصري يستعملها في موضع واحد بقوله شمعني ايش المعنى أي شيء هو المعنى أي لم للاستفهام.
(ل. ع) وهذه الكلمة يستعملها العراقيون أيضا.
وأخيرا كلمة شي بسكون الياء المشدودة بمعنى (أيا كان) فاللبناني يقول مثلا: عندك شي جواب؟ عندك شي رأي؟ عندك شي غطاء؟ بمعنى أعندك من جواب؟ أعندك رأي من الآراء؟ أعندك غطاء؟ والمالطي يقول مثله:
متى تدخلوا ف شي دار سلمولها. أي متى دخلتم (تدخلوا) في أي بيت كان سلموا عليه أي على أهله.
هذه ملحوظات جمعتها بين وقت وآخر وهي من قبيل الادلال على الشيء لا الجزم بنتائجه وأسبابه تاركا ذلك لغيري.
ولكن قبل ختم هذه العجالة أرى من العدل الإعراب عن ريب يخالجني(7/688)
إذا كانت الضاد لم تزل في اللغة المالطية، فلماذا تأتي بعض الأحيان كأنها ذال أو ظاء؟ فلقد سمعت مرة أولادا يلعبون وكان أحدهم يستدرجهم بقوله:
طفلة معا (أي معها). أنت تزوما (أي تضمها) وأنا نطمعا (نطمعها مقلوبة عن نطعمها). فإن الضاد هنا تلفظ ظاء أو دالا بلا التباس.
لاحظ إن المالطي قد لا يلفظ الضمير المؤنث في آخر الكلام ولا يكتبه فهو كاللبناني الذي يلفظ يضربا أو بدلا من والمالطي يكتب كما يلفظ فقط.
لم أعثر على كلمة أخرى مالطية بها حرف الضاد وتلفظ كأنها ظاء بالرغم من بحثي وسؤالي. ولكن وجدت الضاد قد تلفظ تاء كما في أرض فإن لفظها أرت
والآن نتساءل كيف دخلت العربية مالطة وتدخلت في لغتها الإيطالية الأصلية ولم تقم بجميع حوائجها حتى في الكلمات السائرة؟
ولماذا المالطي يقول مثلا بدلا من رب مثلا للنبي للتهليل مع إنه يتخذ كلمات بليغة عديدة لا يمكن حصرها ولا يتخذها إلا اللغويون كقولهم: رجل سواء للرجل الطيب وأصاب بمعنى رأى واستقصى بمعنى أمعن في السؤال وأقصى بمعنى أبتعد وترى المالطي ينصح أخاه بقوله: قيص البنيادم الحزبن أي أقص أو أبتعد عن أبن آدم (الإنسان) الشرير.
2 - لماذا المالطي لا يكتب بالحروف العربية؟ لعله كاللبناني الذي كان يؤثر الكتابة بالحروف السريانية (الكرشوني) على الكتابة بالحرف العربي بعد أن شاعت العربية في تلك الربوع.
هذا باب مفتوح على مصراعيه لعل غيرنا يلجه فيوفي الموضوع حقه.
(تذييل) بعد كتابة ما تقدم أذكر شيئا يدعم مذهبي في تأثير الجالية(7/689)
الكسروانية في أهل مالطة، ما قولكم في (مار مارون) عليه السلام وهو مكرم في مالطة من قرون عديدة وفيها كنائس تدعى باسمه وصوره يتداولها القوم بهيئته النسكية؟ إن العارفين بالتاريخ الكنسي الشرقي يؤكدون إن تكريم ما مارون لم يتجاوز جبل لبنان والبلاد المجاورة له في سورية التي نزح إليها اللبنانيون بعباداتهم إلى غاية القرن الثاني عشر تقريبا.
فكيف تفسير تكريمه في مالطة - وهي بقعة من أوربة في الأجيال النائية - تكريما خصوصيا كشفيع محلي أو قومي (كما نقول اليوم) إن لم يدخل مار مارون في مالطة مع الجالية الكسروانية!
مصر القاهرة: فردينان أبيلا
الكتابة التي فوق باب جامع مرجان
كنا قد وقفنا القراء على ما فوق باب خان (اورتمة) من الكتابة ووعدناهم في التعليق أن نرقم ما فوق باب جامع مرجان من الكتابة التاريخية لإبانة التشابه بينهما ولكشف التباين بين ما نقلنا وما نقله العلامة الجليل (لويس ماسنيون) في بعثته في العراق التي نوهنا بها في لغة العرب وذلك المنقول في (ج 2: ص 22) من البعثة، ومما يحسن التنبيه عليه أن وزارة الأوقاف العراقية رأت إن هذا الجامع قد أسترم فرممته في الباب والقباب والمحراب ولكن الكتابة حرمت الإصلاح والجلاء إذ لا مضطلع في البناءين بهذا الأمر ولا متضلع فيهم من فن استثبات الكتابة بعد توسمها وترسمها، بل إن بعض الكتابة قد أنطمس ورمج وكشط مع إنه محتاج إلى الجندرة والإيضاح وقد ظفرنا بأن أول أمر بتعمير هذا المسجد (أم أويس) وسيستبين ذلك. هذا ما أردنا تقدمته وفي ما يلي، الكتابة مقابلة بما نقله العلامة لويس ماسنيون:(7/690)
ما نقله ماسنيون
1 - بسم الله الرحمن الرحيم، إنما يخشى الله من عباده العلماء
2 - إن الله عزيز غفور. هذه مدرسة رصينة البناء مشيدة الأرجاء أنشأها المفتقر إلى الملك المنان مرجان بن عبد الله بن عبد الرحمن ابتدأها
3 - في أيام دولة المخدوم المكرم والنويان الأعظم السلطان حسن خان أنار الله برهانه
4 - وكملت في أيام أيالة ولده النويان الأعظم ناشر العدل في العالمين سلطان السلاطين غياث الدنيا والدين ومغيث
5 - الإسلام والمسلمين شيخ أويس نويان لا زال هذا الملك الأعظم ملجأ للأمم وملاذا للذمم.
6 - على أن يدرس فيها مذهبي الإمامين الهمامين والمجتهدين الأعظمين الإمام أبو حنيفة النعمان والإمام محمد بن إدريس الشافعي عليهما الرحمة والرضوان وذلك في سنة ثمان وخمسين وسبعمائة والحمد الله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه أجمعين، بقلم المفتقر إليه تعالى أحمد شاه النقاش التبريزي عفا الله عن تقصيره.
ما نقلناه نحن
1 - بسم الله الرحمن الرحيم، إنما يخشى الله من عباده العلماء
2 - أنشأ هذه المدرسة المباركة والمصلى من صدقات. . . السعيد. . . أنار الله
3 - برهانها في دولة ولدها النويان الأعظم ال. . . السعيد شيخ حسن. . . الله
4 - وكملت في أيالة ولده النويان الأعظم ناشر العدل في العالم سلطان السلاطين غياث الدنيا والدين ومغيث
5 - الإسلام والمسلمين شيخ أويس نويان. . . الله دولته مولاهم الصاحب الأعظم ملجأ وملاذ الأمم
6 - مربي الملوك وعضد السلاطين وكهف الضعفاء. . . المخصوص بعناية الرحمن أمين الدين مرجان
7 - أسبغ الله عليه نعمه الجز. . .(7/691)
ن هو الكريم المنان ابتدأ عمارة
8 - هذا المكان في تاسع جمادى (. . .) وصلى الله على سيدنا ومولانا
9 - نبي الرحمة وشفيع الأمة ومجلي الغمة محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين
10 - والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين كتبه العبد الضعيف المحتاج إلى رحمة
11 - الله تعالى أحمد شاه النقاش المعروف برزين قلم التبريزي غفر الله ذنوبه وستر عيوبه.
ولزيادة الفائدة نتم البحث بما نقش على الباب الجنوبي الغربي من مرقد الإمامين موسى بن جعفر وابن ابنه محمد الجواد عليهما السلام وهو المسمى (باب القبلة) ونصه:
بسم الله الرحمن الرحيم
لما انقضى سبع وتسعون على حكم الأحد ... بعد اثنتي عشر من الثامن من بين العدد
من هجرة الرسول خير الرسل لله الصمد ... قد شيد الملك السميدع والقرم السند
ذاك البناء وقد سعى طلبا لمرضاة وجد ... يهدي إلى الجنة والغفران باب المعتمد
فرهاد من ملك تولى بالأئمة وأعتقد ... كهف الوفا ومجاهد الإسلام مرضي الولد
مصطفى جواد(7/692)
بسمى أو أدب القديمة
1 - مدخل البحث
في عام 1820 أي منذ أكثر من قرن شرعت إنكلترة وفرنسة ثم عقبتهما أميركة وألمانية في ارتياد ديار بابل وآشور ونبش مدنها المدفونة وكانت نتيجة إقدام هذه الدول ومجازفتها بأموالها ومخاطرة علمائها بحياتهم ملء دور التحف في أوربة وأميركة بآثار هذه البلاد وعتائقها وركازها فإن الجهود التي بذلها كل من لايرد وسمث في نينوى وبلاص في خرستاباذ (خورسباد) ودي سرزك في تلو ورتش ورولنصن ورسام وكلدواي في بابل وكمبل ووولي في أور ووارد وبترس وهينس وهلبرخت في نفر، وبنكس في بسمى (أدب)، ولفتس في الوركاء وسنكرة وتل سفر، وتيلر في أريدو (أبو شهرين) أثمرت ثمارا لذيذة جناها عارفو قدرها.
2 - البعثات الأميركية إلى ديار العراق قبل الحرب العظمى
سارت البعثات البابلية على نفقة الولايات المتحدة من ربوع العالم الجديد وألقت عصا ترحالها في وادي الفراتين فتكللت مشاريعها بالنجاح وكانت البعثة البابلية على نفقة جامعة شيكاغو الثالثة من نوعها فقد غادرت ربوع أميركة وحلت في القطر العراقي وقامت بتحريات وتنقيبات دقيقة فاقت من تقدمها في هذا المضمار. وأول بعثة نزحت من العالم الجديد ويممت ديار العراق كانت بإيعاز الآنسة كاترينة د. وولف فقد أمدتها بأموالها وجهزتها بكل ما يلزمها من وسائل النجاح وكانت تلك الغادة من بنات نيويرك العاملات في اكتشاف دفائن الكنوز الأثرية والوقوف على محتوياتها. وقد ترأس تلك البعثة وأشرف عليها الدكتور وليم هيس وارد فقضى عام 1884 - 1885 في تفقد أطلال بابل والبحث عن أنقاضها وقد أتاح له الحظ أن يبتاع مقدارا وافرا من الرقم المسمارية والختوم المحفورة.(7/693)
هذا ولو إن بعثة وولف لم تجر تنقيبات ولم تحاول الحفر في بعض المدن القديمة إلا إنها مهدت الطريق لجامعة بنسلفانية الشهيرة في أطلال نفر ودرست أساليب النبش بصورة
علمية فنية فأمدتها بأنباء سهلت عليها الشروع في العمل.
استمرت البعثتان الأوليان في الحفر والتنقيب مدة ثلاث سنوات أي من سنة 1888 إلى 1891 بإشراف الدكتور جون ب. بيترس وقد وصف هذا النقابة وصفا دقيقا كل ما قام به من الأعمال في كتابه المسمى نفر ثم استؤنف الحفر في البعثة الثالثة ودام نحو ثلاث سنوات أخرى أي من عام 1893 إلى 1896 برئاسة ومشارفة الدكتور ج. هـ. هينس أما البعثة الرابعة فترأسها بصورة رسمية الدكتور هـ. ف. هلبرخت بيد أن التنقيب ظل في عهدة الدكتور هينس فأسفر عن اكتشاف عظيم من صفائح الآجر، وقد استدل علماء الآثار من تلك الكنوز الأدبية على أحقاب تاريخ بابل تقريبا ومعظم تلك الرقم محفوظة اليوم في متحفة جامعة بنسلفانية.
إن البعثة الثالثة كانت فكرة فكرها في بادئ الأمر الدكتور إدجر بنكس الذي غادر مرسيلية في تموز من سنة 1898 قاصدا خليج فارس فثغر البصرة وقد دام سفره نحو عشرين يوما عانى في أثنائها من شدة الحر ومشقة التنقل من بلد إلى آخر ما لا يوصف وقضى ما عدا ذلك عشرة أيام في المحجر الصحي في البصرة لأنه كان قد فشا في تلك السنة داء الهيضة في العراق وبعد ذلك تسنى له القدوم إلى مدينتنا التي سماها بغداد المجيدة في فصل عقده في كتابه (بسمايا أو أدب المفقودة) وقبل أن يشرع في عمله الذي قدم من أجله في العراق قام في طريقه عراقيل جمة حالت دون البلوغ إلى أمنيته وقد نشأت تلك العراقيل من القانون الذي نشر في تركية عام 1887 وهذا القانون كان قد اقتبس من قانون الآثار العتيقة في بلاد اليونانيين وورد فيه منع استخراج الآثار من بطون الأطلال المنبثة في أطراف البلاد القديمة فذهبت أتعابه أدراج الرياح في محاولته إقناع والي بغداد ليسمح له بالشروع في العمل واضطر أخيرا أن يقفل راجعا في تلك السنة نفسها إلى نيويرك في باخرة كان حملها التمر البصري(7/694)
بعد سفر طال مدة 42 يوما.
وفي صيف عام 1899 تألفت لجنة باسم بعثة أور انتخبت لها رئيسا و. ر هربر من جامعة شيكاغو ومن أعضائها الرئيس هنري مورتن من معهد استيفنس والمطران بوتر وس. ن. بلس وو. أي. دودج وايسيدور ستروس وغيرهم من أساطين علم الآثار من الأميركيين ومنهم الدكتوران بترس ووارد وقد عهدت مشارفة تلك البعثة إلى الدكتور
ادجر جمس بنكس وتعين المستر جورج فوستر أمينا للصندوق والدكتور و. هـ. هزرد كتوما لتلك البعثة.
وبعد أن تألف أعضاء تلك البعثة قامت جامعة شيكاغو وتبرعت بدفع المبالغ المطلوبة من الهبة التي نالتها من رجل البر والإحسان جون د. روكفلر المثري الأميركي الشهير فقد كان في أحد الأيام جالسا يحادث وليم ر. هربر رئيس جامعة شيكاغو فأفضى بهما الحديث إلى الفوائد العظمى التي تنجم من التنقيبات في مدن الشرق القديمة المطمورة والنور الوحيد الذي يزيل الظلمات التي تغشي أسفار التوراة بل المرشد الأمين في فك معضلات تاريخ العالم القديم وبعد تلك المحاورة أنصرف روكفلر عن داره وأخذ يفكر في هذا الأمر وفي اليوم التالي هزته الأريحية فمنح هبة مقدارها مئة ألف دولار تنفق مدة عشر سنوات على أعمال الحفر في أطلال مدن الممالك الشرقية القديمة وبهذه الوسيلة أصبح بحوزة جامعة شيكاغو مال كاف للشروع في عمل يستغرق بضع بعثات أثرية وقد بات ذلك المال بنظارة رئيس الجامعة المستر هربر وعين أخوه الأستاذ ر. ف. هربر مديرا للبعثات في بابل وآشور وعهد إلى الأستاذ برستد التنقيب في مصر وألقي على عاتق الأستاذ جويت مهمة الحفر في سورية وفلسطين وقد عقد أعضاء هذه اللجنة اجتماعا في ديوان المستر ستروس وذلك في 3 كانون الأول 1899 وبعد التداول قر رأيهم على أن الدكتور بنكس يشارف تلك البعثة ويكون عميدها.
وأقام الرئيس مورتن عشاء لأفراد تلك البعثة أطلق عليها اسم(7/695)
المأدبة البابلية وكانت فريدة في بابها غريبة في صورتها بديعة في شكلها فإن بطاقات الدعوة كانت مكتوبة بلغة نبوكد نصر الملك الكلداني العظيم وموضوعة في صحون أمام المدعوين والخبز الذي تناولوه كان على هيئة الآجر البابلي وكان لون صحيفة المرطبات الواسعة يشبه لون رمل الصحراء وكانت هناك أبل متخذة من الحلواء قائمة في تلك الصحفة وعليها قطع من المرطبات وأغرب من كل ما تقدم الكعك العالي الضخم الذي يمثل برج بابل بشكله وحوله جماعة من الأعراب بأزيائهم البدوية وبأيديهم المعاول وهم يحاولون الحفر وكان ضمن طبقاته العديدة كنوز جميلة لكل من المدعوين. ثم شرع مدير تلك البعثة وهو الدكتور جمس بنكس ينبش بمعوله أطراف ذلك الكعك العظيم ويستخرج من أنقاضه الركاز أي الكنوز المدفونة
والعاديات ويوزعها على الحضور وفي الختام شربوا نخب تلك البعثة وانفض الاجتماع على أمل الشروع في تلك المهمة وأخذ يهيئ كل ما يلزم للسفر قبل مغادرته مسقط رأسه وقصد قبل ذلك إلى المتحفة البريطانية واللوفرية ليتروى في الآثار البابلية قبل الشروع في المهمة الملقاة على عاتقه وقد نجح في ذلك نجاحا باهرا وبعد أن تم له ما أراد يمم الآستانة للحصول على فرمان (إجازة) تخول له التنقيب في المقير (أور الكلدان) ووصل القسطنطينية في الخامس عشر من كانون الثاني عام 1900
وقد قامت عراقيل كثيرة في وجه القائمين بهذه البعثة حالت دون سيرها فلم تحصل على طائل مع كل الجهود التي بذلها كبار سياسيي أميركة في الآستانة بحجة إن القبائل النازلة في أطراف أور (المقير) ثائرة على السلطة المحلية في العراق وعليه لا يسمح للأجانب أن يرتادوا تلك البقعة أو يحفروا في أنقاضها لئلا يقع ما لا تحمد عقباه. ولما أخفقت تلك المساعي تحولت الأنظار إلى التنقيب في تل إبراهيم وهو كوثى ربى القديمة غير أن الباب العالي في الآستانة رفض ذلك الطلب أيضا بدعوى أن قائم على تلك الرابية قبور أئمة وفيه مزار إبراهيم الخليل وهو موضع مقدس عند سكان تلك الناحية وأخيرا رأى الدكتور بنكس أن يبلغ المستر ليشمان القائم بأعمال السفارة الأميركية في دار الخلافة في ذلك الحين أن ينقب في أطلال بسمى (بسمايا) وعلى هذه الصورة استؤنفت(7/696)
المفاوضات لنيل إجازة الحفر فيها وبعد جهد جهاد دام ثلاث سنوات صدرت الإرادة الملكية بمنح إجازة التنقيب للدكتور ادجر بنكس الأميركي في أنقاض بسمايا (بسمى) الواقعة في لواء الديوانية وقد اشترطت على المنقب بضعة شروط منها إيداع العاديات المكتشفة في المتحفة العثمانية وكان صدور الإجازة في 4 رجب 1321 هـ 13 أيلول 1319 مالية و26 أيلول 1903 م.
غادر الموما إليه الآستانة في الثالث والعشرين من تشرين الأول من تلك السنة قاصدا بيروت وبرفقته حيدر بك وأحمد القواس وبعد رحيل دام أكثر من شهر حط رحاله في الفلوجة ومن ثم يمم مدينة السلام فوصلها في الثلاثين من تشرين الثاني في الساعة الثانية زوالية ونزل في أحد فنادقها فاستراح فيه بعد وعثاء الطريق وبدأ في نبش أطلال بسمى في اليوم الخامس والعشرين من شهر كانون الأول الموافق صباح عيد الميلاد تبركا بذلك اليوم الميمون في فاتحة عمل أستمر بضعة أشهر من سنة 1904
3 - موقع بسمى
إن أنقاض بسمى قائمة في سهل واسع بالقرب من مضارب البدير إحدى قبائل الفرات النازلة في أراضي عفك وتلك الأطلال واقعة في قلب الصحراء الممتدة في أصقاع بابل الجنوبية وهي تبعد عن شرقي الديوانية 35 إلى 40 ميلا.
طاف سياح كثيرون في أنحاء بسمى وتفقدوا معالمها وأول رحالة - بل نقابة على ما نعهده - وصف أنقاضها وصفا دقيقا علميا كان الدكتورين وارد وبترس ثم تأثرهما الدكتور بنكس ونبش فيها وألف كتابا نفيسا بحث فيه بحثا وافيا عن ركامها ودون ما اكتشفه فيها من الآثار كما سنصف بعضها في هذا المقال والى المطالع ما كتبه الدكتور وارد في تاريخ 28 ك 2 عام 1885
انبلج الصبح بعد أن هدأت العاصفة فألقت الغزالة لعابها وكان أديم الجو صافيا والريح تهب هبوبا عاليا فانتهزت تلك الفرصة وسرت ونفرا من رجال نوريان فرحان قبل أن أفطر وذلك رغبة في مشاهدة أطلال بسمى على قدر ما تسمح به الأحوال وقد هرول رجالنا مسرعين من مضارب الأعراب وبعد أن سرنا(7/697)
قليلا لمحنا طرفا من زاوية السور المحيط بتلك الأنقاض ولم يمض على سيرنا خمس دقائق حتى بلغنا الرابية التي دونت فيها ملاحظاتي وفتشت فيها تفتيشا دقيقا لعلي أعثر على آثار مهمة عفوا بيد إني لم أجد سوى آجر خال من الكتابة وخزف مدهون بعضه بدهان أزرق وقطع من الحجر الأسود الصلد ولعل هذه الأنقاض كانت آثار مدينة عظيمة أو معقل كورة مغمورة بالمياه. ثم عبرنا في نهار الثلاثاء مستنقعا واسع الأطراف قيل لنا عنه قبيل أن بلغناه أن اسمه خور العيلة - وكان منذ خمس أو ست سنوات غائرا بيد أن تلك المياه انصرفت بانحدارها في ثغر سد الهندية ومنهم من أخبرنا إن نحو ثلاثة أرباع بسمى محاط بها بالماء.
كانت أسوار بسمى خالية من أثر الجمال وهي تكاد تكون شاذة عن غيرها بهندسة البناء وهيئتها إن نظرنا إليها نظرا عاما. وهي - على ما ترى - مربعة الأضلاع ولكن شكلها هذا وزواياها مائلة إلى الجهات الأصلية الأربع. وكانت من أكبر التلول القائمة هناك ولم يكن لدي وقت فأطوف حولها كما كنت أرغب وكان في الزاوية الغربية مربع جسيم مرتفع ارتفاعا في أصل وضعه ويظهر إنه متقوم من مربعين كبيرين أحدهما واسع جدا ومتصل
به طرف من مربع ثالث قائم إلى الجنوب وفي المربع الثاني رابية بهيئة برج (أي زقورة) وقد اتخذت مقبرة).
وقد وصف هذه الأنقاض أيضا الدكتور بترس قال: في الساعة الخامسة من اليوم الثاني (بعد وصولنا) ذهبنا إلى أنقاض بسمى ونقبنا فيها بلا كلال حتى الساعة العاشرة، ولم تفارق يداي البندقية لأن تلك المنطقة كانت مكمنا لقطاع الطرق وكان المسمى عبدان مضطرب البال قلقا يحثنا على مغادرة تلك البقعة وقد رأى رأيه المكارون وكانوا من قبيلة عفج (عفك) إذ جزموا أن جماعة من الأعراب القبيحي المنظر أقبلوا من مكان وفي نيتهم نهبنا والإيقاع بنا فمنعهم من تنفيذ مأربهم مشاهدة البندقيتين اللتين كانتا بيدي وبيد نوريان.
تصور أن هناك ردما من الطين عديم الهيئة المقبولة والنظام ومحيط أخربته ثلاثة(7/698)
أرباع الميل أو ما يزيد وارتفاع أعلى ما فيه يبلغ من ثلاثين إلى أربعين قدما وفيه قطع من الآجر مبعثرة وهناك طرف من سور معقود بالآجر تبرز تضاريسه هنا وهناك بصورة متقطعة وهذا المنظر لا تفرد به بسمى بل يكاد يكون شاملا لعدد كبير من أنقاض المدن القديمة المنبثة على سطح تلك الديار.
إن الفحص الذي يستغرق خمس ساعات لا يسفر طبعا عن اكتشافات عظيمة الأهمية وكل ما أمكننا العثور عليه كان بقايا بناء واسع من الآجر واللبن (واللبن هو الطابوق المجفف بالشمس) ووجدنا في مجرى قناة بالقرب من سطح الأرض قطعا عديدة من الصفائح وبينها صفيحة كاملة غير إنها لسوء الطالع لم يكن منقوشا عليها اسم المدينة التي نبحث عنها والظاهر إنها كانت قديمة العهد وذات شأن كبير إذ كانت تصلها ببلدة نفر ترعة تجري فيها السفن فإن نهر النيل كان يجمع بين هاتين المدينتين إذ على طول مجراه تمتد سلسلة رواب صغار هي أطلال بلاد قديمة.
وإن صح إن موقع بسمى يمثل مدينة اسين فسوف يتيح الحظ لأحد النقابين أن ينبش بمعوله هذه البقعة ويعثر على آثار ذات قيمة ثمينة ويتوقع إنها تظهر مدافنها.
وقد كتب الدكتور بنكس عن هذه الأطلال قائلا: طفت حول بسمى والهواجس تتقاذفني لأني لم أكن أدري أكانت هذه الأنقاض تضم بقايا آثار من عهد العرب القدماء أم من عصر الفرثيين أم الفرس أم من زمن نبوكد نصر. فهذه التخيلات باتت تنتابني ولم أهتد إلى
الإجابة عنها حتى لفت نظري قطع من الخزف الملقاة هنا وهناك فعلمت من هيئتها إنها قديمة العهد ثم عثرت على منشار من حجر الصوان وعلى قطعة من إناء جزع (ضرب من الحجارة الكريمة) وعلى مسافة قليلة وجدت قطعة من الآجر ذات هيئة مسنمة - فحينئذ علمت بل تحققت إن أطلال بسمى ضمنها آثار قديمة العهد ترتقي إلى أوائل حضارة بابل.
وقد وصف أيضا الدكتور المشار إليه أنقاض بسمى فقال ما معناه: كنت(7/699)
أطوف حول الردم بضع ساعات كل يوم فاحصا باحثا فألفيت منظر الروابي غير منتظم ولا جلي حتى يخيل إلى الناظر إنها آخذ بعضها برقاب البعض وتؤلف بصورة غير مستوفية للترتيب ولا محكمة شكلا مربع الأضلاع ويقرب من المستطيل. وأما زواياه فمتجهة نحو الخوافق.
لقد قست تلك الآكام ما عدا بعض المنخفضات منها القائمة في ظاهر المدينة فألفيت طولها 1695 مترا في عرض 840 مترا وبعبارة أخرى يقدر طول أطلال بسمى بميل وعرضها بنصف ميل ومحيطها بثلاثة أميال يخترقها من الجنوب الغربي إلى الشمال الشرقي عقيق ترعة تشطرها شطرين غير مستويين وهذا العقيق يمثل مسيل بدعة (ترعة) من شطر النيل كانت تجري قاطعة (نفر) و (دريهم) حتى (بسمى) ومن ثم تواصل مجراها وتنساب في بعض مدن صغيرة فتخرقها وفي الآخر تتحد مع شط الحي.
والكورة المحيطة ببسمى قاحلة اليوم ولا أثر فيها للمياه بيد إنها كانت بعد زوال حضارة البابليين مغمورة بالمياه بفضل الترع التي كانت تحمل مياه الفرات إلى السهول الشاسعة فتحولها مستنقعات.
إن الأعراب النازلين في تلك الناحية يذهبون إلى أن المياه كانت غزيرة في أطراف بسمى في أيام آبائهم ويؤيد قولهم ما يشاهده المرء من المستنقعات الواقعة اليوم إلى الشمال والشمال الغربي من ذلك القطر وكان يجري نهر بالقرب من بسمى منذ نحو قرن ولكن بدلا من أن يجري في وسط أنقاضها القائمة على عقيق الترعة القديمة أخذ ينساب إلى الجنوب الغربي متجها نحو (فارة) على بعد أربع ساعات ليقترن بنهر هناك، وقد جفت ترع بسمى وأصبحت خالية من المياه على أثر انكسار سد الهندية الواقعة على الفرات فوق الحلة
4 - معنى كلمة بسمى
كانت بسمى تعرف عند الأقدمين من سكان هذه الديار باسم أدب كما حققت ذلك جماعة من الأثريين والمنقبين وفي مقدمتهم الدكتور ادجر جمس بنكس الأميركي وقد جاءت في تاريخ العرب بعد الإسلام باسم بسمى وباروسما ولا(7/700)
يخفى إن هذين الاسمين لمسمى واحد فإن باروسما لفظة آرمية النجار وأراها مصحفة عن بسمى (بسمايا) المقتضبة من بيت شمايا ومعناها دار السماء وسميت بهذا الاسم لكثرة المعابد والمذابح التي كانت منتشرة في أطرافها غير أن عرب العراق صحفوها فقالوا أولا بسمى ثم بسمايا وهي معروفة إلى اليوم بهذا الاسم عند البدو والحضر وقد أطلقوها على مدينتين كما أشرنا إلى ذلك في مقالنا السابق.
(لغة العرب) نستبعد كون بسمى وباروسما شيئا واحدا.
5 - التنقيب في بسمى
أسفر البحث والتنقيب في أطلال بسمى عن اكتشافات عظيمة ذات منزلة تاريخية سامية، فقد عثر النقابون على كنوز أثرية ثمينة في أنقاض هذه المدينة المطمورة منذ أجيال عديدة ففي ردمها وخرائبها الدوارس وجدوا جملة صالحة من الآثار وكشفوا عن تمثال كامل من الرخام وتماثيل أخرى مبتورة الأعضاء ومئات من شظايا الأواني الحجرية المحفورة والمرصعة بأحجار كريمة ومنزل فيها العاج والذهب والنحاس ووقفوا على بضعة آلاف من صفائح الآجر المسمارية الخط وعثروا أيضا على مدافن وتوابيت وهياكل وقصور ودور ومنازل واسعة للجنود تشبه الثكنات وسلاح وأوان ودمى وداح وغير ذلك من الأثاث والرياش فكل من هذه الأشياء يمثل ويصور أمام مخيلتنا صورة تامة لحياة البابليين وحضارتهم قبل خمسة آلاف سنة على أقل تقدير.
وجدت هذه المدينة المفقودة بعد احتجابها عدة قرون وبعثت من عالم الدثور والنسيان فأبصرت نور الشمس من جديد وتمتعت بمنظر أبناء آدم الذين يحاولون هتك أسرارها ليتسنى لهم الوقوف على ما خفي من أمرهم. إن اكتشاف معالم هذه المدينة المطمورة أعاد مجد الشمريين والبابليين الأولين وكشف النقاب عن أقدم حضارة عرفت في ديار العراق منذ مئات من السنين فأسماء ملوكها الأشداء وحكامها العقلاء وساستها المحنكين وقوادها
المدربين دونت في سلسلة تواريخها التي لم تزل ناقصة مع كل الجهود التي بذلها المنقبون في الوقوف على ما طمس من أبناء تلك المدينة العريقة في القدم.(7/701)
6 - تاريخ مدينة أدب
وقفنا على تاريخ مدينة أدب من آثارها القديمة المطمورة في أنقاضها منذ قرون عديدة بيد إننا لا نستطيع اليوم أن نلم بتاريخها إلماما وافيا وليس في وسعنا أن نحيط علما بأخبار ملوكها وأمرائها كل الإحاطة لأنه لم يتسن للنقابين الأميركيين نبش كل روابيها. وعليه عزمنا على أن ندون ما تيسر لنا من تاريخها حتى يتيح الحظ لأحد الأثريين استئناف الحفر والتنقيب فحينئذ نستوفي البحث عنها بصورة مستفيضة.
لم تكن بابل دولة عظيمة الشأن في أول عهدها أي قبل اتحاد إماراتها بعضها ببعض فقد كانت دويلات مستقلة الواحدة عن الأخرى كل الاستقلال وكان لكل مدينة منها ملك وآلهة خاصة بها وكان سكان كل قطر من أقطارها يقاتلون قتال المستميتين ويضحون بأعز ما يملكون في الذود عن حياض استقلالهم وكانت أدب في ذلك الزمن إحدى تلك المدن التي نازلت من ناوأها وثارت في وجه من هم بالسيطرة عليها وإذلالها وقد ارتقت إلى أعلى منزلة في الحضارة والعمران في صدر تاريخ بابل القديم.
وإذا ألقينا نظرة على الأزمنة المتوغلة في القدم أي قبل نحو عشرة آلاف سنة حينما أخذ البابليون الأولون يشقون أسس مدينة أدب ليستوطنوها نجد (نار مراتو) كان يغمر في ذلك العهد معظم أطراف بلاد بابل ولا يبعد أن هذه المدينة كانت واقعة على ضفة خليج فارس أو بالقرب منه. هذا ومعرفتنا لسكانها الأصليين قليل جدا إذ ليس في استطاعة أحد الأثريين أن يجاهر باسمهم جليا ولا بما كانت عليه لغتهم وديانتهم وعنصرهم وجنسهم ولون بشرتهم إلى آخر ما هنالك من المسائل الغامضة بل لا يعرف مؤرخ معرفة صادقة القطر الذي نزحوا منه ولا كم من الزمن مكثوا في هذه الربوع. وكل ما يمكننا قوله إن آثارهم التي خلفوها تدل دلالة ساطعة على إنهم كانوا شعبا متمدنا(7/702)
وتشهد شهادة جلية على تسنمهم غارب المعارف والعلوم القديمة ولعل الأمور التي نجهلها اليوم تحل معضلتها التنقيبات المقبلة.
وقد ظهر من التحريات الدقيقة إن شعبا غريبا أجتاح قاعدة بلادهم وحل محلهم وهذا الشعب
الفاتح لم يستتب له الأمر زمنا طويلا إذ غلب على أمره ودحر كما دحر السكان الأصليون قبله وقد كشفت لنا آثار الأنقاض إن كل أمة احتلت هذه المدينة وقوضت أركان من سبقها من الفاتحين شيدت لها مساكن على أطلال المباني الأولى فأصبحت هذه البقعة طبقات من المنازل موضونة الواحدة فوق الأخرى حتى أن المنقبين عثروا في تنقيباتهم على طبقات رقيقة دقيقة من الرماد أظهرت لهم إن غرف تلك البيوت كانت من الخشب وإن نارا عظيمة التهمتها فلم تبق منها ولم تذر ووقفوا أيضا على مدينة من طين وأخرى من صخر الخ وقد حفر الدكتور بنكس النقابة الأميركي بئرا عمقها نحو خمسين قدما في إحدى الروابي حتى بلغ أرض الردم على حقيقتها فوجد تحت الهيكل القائم على مسطح معقود بالآجر المسنم بناءا قديما جدا ولو تيسر له الأمر لحفر تحت ذلك البناء ولوجد مباني أخرى أقدم من المباني التي كشفها ووقف على عروضها فهذا ما تحققه وأقر به المؤرخون المدققون عن هذه المدينة قبل بضعة آلاف سنة من تاريخها.
ظهر الشمريون لأول مرة في العراق قبل المسيح بنحو أربعة آلاف سنة ولا نعرف على التحقيق متى حلوا في هذه الربوع لأن الآثار التي بين أيدينا لا تهدينا إلى بغيتنا بيد أن هذا الشعب كان أرقى الشعوب التي سبقته فاستوطنت بين النهرين وليس لدينا أنباء صحيحة عن الديار التي غادروها قبل أن ألقوا عصا ترحالهم في هذا القطر وكم من الأحقاب قضوا في التنقل من بلاد إلى بلاد أخرى تنقل أمة متحضرة وقد ذهب بعض علماء الآثار إلى إنهم أقبلوا من آسية الوسطى وكانوا أول من اتخذ الكتابة في مراسلاته ولأغراضه السياسية وأول من شوى الآجر وأتخذه مادة للبناء وقد حصنوا مدينة أدب بأبراج لما احتلوها وسوروها بسور عظيم متين من الآجر المسنم وبنوا فيها هيكلا وزينوه بتماثيل ملوكهم.
كان الشمريون منتشرين في كل صقع من أصقاع جنوبي العراق وكانت بسمى إحدى حواضرهم فبقايا آثار مدينتهم وجدت في أنقاض مدن كبيرة حتى(7/703)
إن كلمة شمر أطلقت على الطرف الجنوبي من بابل فالعروض البديعة والتحف النفيسة التي عثر عليها النقابون في تلو وأور كانت من آثارهم الخالدة ففي بسمى عاشوا قرونا عديدة وأداروا سكان سياستها بحنكة ودراية وطوت جماعة من ملوكهم وأمرائهم بساط أيامهم فيها وأودعت جثثهم مقابر الأسر المالكة حتى ظهر سرجون الأول (2750 ق. م) ذلك الفاتح العظيم فدوخ ديار شمر
واحتل أدب. والأمر الذي حير علماء التاريخ القديم ولم يقفوا له على أثر جلي هو جهلهم عدد الملوك الذين تربعوا على دست إمارة هذه المدينة في خلال تلك القرون المديدة بيد إن الآثار المكشوفة دلتهم على أن خمسة عشر ملكا منهم أقاموا في أدب مباني من الآجر مطبوع عليها أسماؤهم أما باقي ملوكها فلم يهتد أحد حتى اليوم إلى ما قاموا به من الأعمال وما شيدوه من الهياكل والدور. وقد عثر المنقبون في بسمى على تمثال لأحد ملوكها واسمه لوجل داودو - وعلى ملك آخر أسمه بركي - كان حاكما على مدينة كيش أيضا ويهظر إن هذا الملك قدم إلى هيكل اسار نذورا وبينها أوان منقوش عليها اسمه وقد تحقق الأثريون إن في هذا الهيكل كان يعبد إلهان إحداهما دنجرماك - أي الإله الأعظم وأسم الآخر نين خرسج ومعناه آلهة الجبل وكان يتخذ في ذلك الهيكل للعبادة أوان بديعة جدا منحوتة من الحجر.
كان الشمريون كما أشرنا قبيل هذا قد اجتاحوا مدينة أدب وطردوا سكانها(7/704)
الأولين ثم هاجمهم بعد ذلك بأجيال شعب غريب واستولى على المدينة فأقصاهم عنها صاغرين.
وهذا الشعب المهاجم أقبل من بلاد نائية مجهولة وربما كان قد وافى من أواسط بلاد العرب فباغتهم على حين غرة وأنتزع المدينة من سلطتهم.
نزل الساميون القطر العراقي منذ زمن بعيد واحتلوا الطرف الشمالي منه وقد اشتهرت تلك الربوع بديار (أكد) وكان أول ملوكهم العظام سرجون الأول الذي استولى على مدينة أدب بعد حروب عنيفة سالت على أثرها الدماء كالأنهار لمناعة حصونها فإن جيوشه الجرارة التي بأيديها المقاليع دكت أسوار المدينة واحتلتها وباتت تابعة للملك القاهر وقد أمر جنوده بنهب هياكلها ونزع تماثيل ملوكها من مواطنها ولا يعرف معرفة جلية ما حل بالسكان ولا بد أن الكثيرين منهم قتلوا واسروا ومثل بقوادهم وزعمائهم شر تمثيل والبقية الناجية من بطشهم وفتكهم الذريع خضعت صاغرة للعدو ومنهم من لاذوا بالفرار وانضموا إلى أعداء الفاتحين وقد سمح لجماعات من سكان أدب بالإقامة في محلات معينة بعد أن شطرت المدينة شطرين فكان يقطن في الجهة الواحدة الشمريون وفي الجهة الأخرى الساميون وكانت إحدى محلات الساميين واقعة بالقرب من باب المدينة إلى الطرف الغربي منها حيث كانت تقيم حاشية الملك وكبار رؤسائه وممثليه وأعيانه والمقربين منه وقد عثر
النقابون على أسمي حاكمين من حكام سرجون يمتثلان أمر ملكهم ونواهيه.
إن الحكم ولو أنتزع حينا من يد الشمريين على أثر اندحارهم الرائع فأن حضارتهم استمرت زاهية مدة خضوعهم للفاتحين الأشداء ولم يطل زمن استيلاء الساميين على هذه المدينة إذ انتهى بموت نرأم سين بن سرجون الأول وقد عثر الدكتور بنكس على شذرة من الذهب مكتوب فيها أخباره ومعاركه (2700 ق. م).
عاد الشمريون وقبضوا على صولجان الحكم بعد أن دحر الأكديون وتشتت شملهم من أدب غير إن هذه المدينة أصبحت بعد ذلك تابعة لملوك أور ومنهم أور أنجور ودنجي وجميل سين (2450 ق. م) وقد وسع هؤلاء الملوك الهيكل وأعادوا(7/705)
بناء سور المدينة وشقوا الترع وحفروا الآبار وبنوا دورا لممثليهم فنهضت أدب من كبوتها ونالت استقلالها ونصبت عليها ملكا باسم (أي شي أول باأودو) - وقد وجد أسم هذا الملك محفورا على صفائح من الحجر والنحاس غير إنه لم يعمر ويظهر من التحريات إنه ملك قبل احتلال ملوك أور هذه المدينة العظيمة في قطرها والراقية في عصرها. ومن الملوك الذين أعادوا بناء أدب ورمموا هياكلها وزينوا معابدها حمرب (حموربي) ملك بابل (2000 ق. م) إذ وجد المنقبون في أنقاض بسمى صفائح تنبئ عن حكمه فيها وعثروا أيضا على آجر مكتوب فيه اسم كوريجلزو (1400 ق. م) وهو أحد ملوك بابل ويظهر إنه آخر من رمم هذه المدينة وشيد المباني فيها.
احتل مدينة أدب بعد ذلك بزمن قوم من سلالة آرمية واستعملوا كتابتهم وسطروها على الآجر الذي اتخذوه في عماراتهم التي أقاموها فوق المباني القديمة واتخذوا كثيرا من العروض المبعثرة في أطراف المدينة وبنوا بها (دورا جديدة) وتدل الآثار المكشوفة على إن أدب أصبحت ردما من الأنقاض واندثرت معالمها حتى محي اسمها من أذهان البابليين منذ مئات من السنين أي قبل الميلاد المسيحي وقبل نفي اليهود وتشتتهم في أطراف بلاد بابل وقبل أن أعاد ملوك آشور من سلالة سرجون بناء مدينة نفر وغيرها من المدن القديمة المندثرة فمن هنا يستدل بأجلى بيان على أن أدب تعد من أقدم مدن المعمور فقد أتخذ ملوك فارس وماذي والبرثيون والساسانيون والروم والعرب والعراق موطنا لهم لكنهم لم يعرفوا هذه المدينة ولم تطأها أقدامهم فلا أثر لهؤلاء الأقوام هناك فهي خالية من توابيتهم المدهونة
بدهان خزفي تلك التوابيت التي كانوا يستعملونها في دفن موتاهم بل لا أثر لنقودهم النحاسية المنخورة لطول عهدها لتنبئ عن وجودهم في تلك البقعة من الأرض غير أن آثارهم وبقايا مدينتهم اكتشفت في مدن مجاورة لها قد احتلوها وأقاموا فيها بعد أن رمموها أو أعادوا بناءها بصورة تخالف طراز البناء القديم
إن العرب الذين عاصروا خلفاء بغداد هجروا موضع أدب ولم يجرؤ أحدهم على التوغل في تلك الصحراء القاحلة لأنهم كانوا يعتقدون إن الجان والعفاريت والمردة احتلت أخربتها ولهذا نراهم قد ابتعدوا عنها ابتعاد السليم عن الأجرب(7/706)
ولم يخطر ببالهم إن في قلبها كنوزا لا نظير لها في عالم العلم والتاريخ.
لقد محيت أدب من صحيفة الوجود قبل بضعة آلاف سنة وأصبحت قفرا جرداء فتحولت عنها مجاري الأنهار وسدت الترع فهلك الزرع والضرع وتعطلت فيها أسباب الرخاء والسعادة ولم يسمع في أبنيتها ومنازلها صوت آلات الطرب فتخلى عنها أهلها وهجرها محبوها وباتت تلك الغادة الحسناء كأرملة جالسة على مفارق الطرق تندب حظها وتستعطف المارين بها لإعادة مجدها وإحياء معالم الحضارة في ربوعها ولكن كان ذلك كله عبثا فقد قضى الزمان الخؤون بأن تستأصل شأفة المدنية منها فتصبح مأوى للهوى وبنات آوى ومجثما للبوم تنعق في آكلها وتمسي مكمنا للسفاكين الهاربين من وجه العدل ومرصدا لقطاع الطرق الذين يعيثون في الأرض فسادا.
هذا ولم يقم لها أحد المؤرخين ذكرا حتى وفدت على ديار العراق بعثة جامعة شيكاغو وقامت بأعمال الحفر والتنقيب فكشفت النقاب عما حوته من الآثار النفيسة والتحف المستظرفة وأنبأت عشاق التاريخ بعلو منزلتها في الحضارة منذ بزوغ فجر التاريخ في سماء المدنية والعمران.
بغداد: رزوق عيسى
وزن الفعل الثلاثي بتداخل اللغتين
قال في مختار الصحاح (فضل بالكسر يفضل بالضم وهو شاذ لا نظير له) قلت إن (فضل يفعل) بكسر العين في الماضي وضمها في المضارع هو الوزن السابع المجرد الثلاثي الحاصل من تداخل لغتين هما اللغة الرابعة والخامسة، أما قوله (لا نظير له) فيكذبه هو نفسه فقد قال في مادة (نعم) ما نصه (وفيه لغة ثالثة مركبة منهما وهي نعم ينعم مثل فضل يفضل) فالشاهد على وهمه قوله الذي في كتابه. قلت ذلك فضلا عن إنه نقل في كتابه (حضر يحضر) و (نكل ينكل) على ذلك الوزن. ومن العلماء من جعل ل (مت تموت) و (دمت تدوم) اشتركا في ذلك الوزن.
مصطفى جواد(7/707)
تكلم جبر ضومط
كنا قد كتبنا مقالة في المقتطف في جزء شباط (فبراير) من هذه السنة موضوعها (أداة التعريف في التاريخ) فلم يستحسنها حضرة الأستاذ جبر ضومط فكتب رأيه في مقتطف يوليو (تموز) مبينا خطأنا في نظره، ولما وقفنا عليها وجدناها من نسيج ما حاكه في هذه السنين الثلاث من المذاهب اللغوية وبثه في مجلات سورية ومصر، أي إنه حبر مقالات ليقال عنه (تكلم الأستاذ جبر ضومط). أما أن هناك آراء مفتولة وأدلة منطقية معقولة فلا أثر له وما كنا نود أن نجيب عنها لجمودها بل قل لهمودها: إذ إنها واهية الأركان من جهاتها الأربع لولا إن أحد الأعزاء علينا ألح على أن نقول كلامنا الأخير في صدد ما يكتبه حضرة (خصمنا) فنقول:
إن صديقنا لا يكتب ما يكتب توخيا للحقيقة، بل يحبر مقالاته ليقال عنه (تكلم) ولا يهمه أن يكون ذيالك الكلام صحيحا أو خطأ، إذ غايته الكلام لا غير كما قلنا آنفا.
وأول شيء نأخذه عليه إنه لم يهتد حتى الآن إلى كتابة اسمنا الذي هو انستاس لا (انسطاس) لأننا هكذا اخترنا أن يكون لا غيره كما اختاره هو
2 - لا يرى في كلامنا (بلاغة) ولم نفهم ما يريد بهذه الكلمة والعاقل لا ينطق بكلمة إلا يؤيدها بالدليل. وكلامه هذا بلا دليل.
3 - من غريب ما كتبه في رده هذا إنه لم يفهم معنى (الخصم) فقد ظن إن معناه (العدو) ولهذا قال:
(ولكننا ننكر عليه أن يحسب من يناقشه آراءه خصما له. نعم إن بعض من يردون علينا أقوالنا يردونها لأنهم أخصامنا ولكن بعضهم قد يكونون من أحب أحبائنا وأخلص أصدقائنا. . .) وهذا كلام واضح على أن حضرته لم يفهم حتى الآن ما يراد بالخصم فالخصم يا سيدي قد يكون (عدوا) وقد يكون (أحب أحبائنا وأخلص أصدقائنا) فما عليك إلا أن تراجع أي كتاب لغوي(7/708)
شئت لتتحقق أن (الخصم) هو المجادل لا غير بغض النظر عن صداقته أو عداوته لك. فلو رجعت إلى كتاب صديقنا صاحب (البستان) لثبت لك الأمر، هذا إن لم يكن بين يديك معجم آخر. إذن سقطت جميع أوهامك فينا إذ ليس هناك استخفاف برأي من
يخالفنا ولا اعتداد بعلمنا دون علم غيرنا.
4 - يعارضنا حضرته في إن (ها) التعريف مقتطعة من فعل الوجود العبري وهو (هوه يهوه) بحجة إن الأقدمين لم يقولوا بقولنا كما لم يذهب إليه أحد من المستشرقين. فيا له من كلام يزري بالجمان! فلو كان لمثل هذه الأدلة قوة لما اشتغل أحد في أمر ولما كان رقي هذا العصر. فيا حضرة الأستاذ إن المسألة مسألة اجتهاد، ولا ينظر فيها أكان الأقدمون قالوا بها أو لم يوافقوا عليها. وعقلاء عهدنا هذا يأخذون بما يقبله العقل من الحجج والبراهين لا ما تحتقره أو لا تقنع به. فقد مضى زمان هذا الرأي الفطير مع أصحابه والنازعين إليه. فكيف تقول به حتى الآن؟
5 - ذكر لنا حضرته مذهبي اللغويين: مذهب التوقيف ومذهب الاصطلاح أي مذهب النشوء والارتقاء في وضع الألفاظ وهو أمر قد أكل عليه الدهر وشرب والذي لم يحسن إيراده إنه جهل أن هذين المذهبين قد يعودان إلى مذهب واحد أي إلى أن الواضع الأول للألفاظ قد وقف على أسرار الطبيعة فوضع لها الكلم جريا على محاكاة ما فيها لا على ما يعن له من الكلم التي تخالف أوضاع محاكاتها فلا جرم إن الأسماء سابقة للأفعال في المعنى والوجود لكن ليس في هذا السبق مئات أو ألوف من السنين بل (سبق معنوي) لا غير ولهذا أصبح ما بنيته من القصور والعلالي أوهى من خيط العنكبوت.
6 - رجح حضرته إننا أطلعنا على كتاب محاضرات العلامة جويدي وأنا اقتبسنا منه رأيه في أصل الهمزة. ويعلم الله أنا لم نقتن هذا الكتاب ولم نطالعه والأستاذ كثير الظنون الواهية المعتمد. وكان أيضا قد نسب إلينا أنا طالعنا مقالاته في أصل (الخليفة وقريش والأديب) ردا علينا مع أنا لم نطالعها حتى مذ أن أشار إلى ورودها في المقتطف، ما خلا مقاله الأخير الذي أدرجه في(7/709)
الهلال وبينا فساد أدلته ووهنها في مقتطف يوليو (تموز).
7 - كلما تصفحنا صفحة مما دونه في المقتطف رأينا فيه فسادا جديدا خاصا به دون غيره مما يدل على إن قواه العقلية منهوكة لجهده إياها حين كان معلما في الكلية السورية. فقد قال مثلا في ص 205 (وحروف اللغة ثلاثة اللام والميم والنون. ومعنى الوقوف عليها أنا نقلب حرف المد إلى حرف غنة) أفهذا كلام رجل يعي ما يقول أو قد وقف على مصطلح السلف؟ مع إن الكل يعلم إن ليس للام دخل في حروف الغنة التي هي: التنوين والنون
والميم (راجع ص 299 من شرح العلامة ابن القاصح على الشاطبية المسمى بسراج القارئ المبتدي وتذكار المقرئ المنتهي) وأغرب من قوله هذا قوله الآخر وهو تحديده لمعنى الوقف إنه (قلب حرف المد إلى حرف غنة) فإذا كانت هذه بضاعته من العلم فكيف يريد أن نجادله وكيف درس في الكلية تلك المدة الطويلة وكيف يجرؤ على أن يكتب ما يكتب قبل أن يتثبت في ما تخطه أنامله؟ ولهذا نطلب منه العذر في إننا لا نعود إلى الرد على ما يوجهه إلينا لأننا نراه يخالف المحققين من الأقدمين والمحدثين في الأمور الثابتة لكي يقال عنه (تكلم الأستاذ جبر ضومط) ونحن نرى أن سكوته أشرف له وأستر لخفاياه ومعايبه. أما إذا كان قد عرف الحقائق سابقا وقد نسيها الآن فهذا أمر آخر.
8 - ومن قبيل هذا الجهل اعتباره لقول العوام (هل بحر وهل كتاب) بمعنى (ال بحر وال كتاب) وهذا سخف في المدارك ما وراءه سخف لأنه ليس من يجهل اليوم إن معنى قولهم (هل بحر وهل كتاب) (هذا البحر وهذا الكتاب) فكيف يريد أن ينكر أمورا تفقأ في العين حصرما؟ ثم زاد على ذلك سخفا آخر وهو قوله: (فوقف المضريون على اللام ووقفت حمير على الميم. وخفقت الهاء إلى (؟ كذا): الهمزة ولكنها بقيت على الألسنة لحد هذه الساعة عند كثيرين ومن جملتهم فيما أرجح الأب أنسطاس (كذا) وإن لم يفطن لذلك من لم يقل منا (كذا): (أعطني هل كتاب). . . اهـ إلى آخر ما خلط وخبط مع إننا إن كنا نقول كما يقول الغير (أعطني هل كتاب) نريد: (أعطني هذا الكتاب) لا (أعطني الكتاب)، وبين المعنيين فرق كالفرق الذي بين الثرى(7/710)
والثريا وقولهم (أعطني هل كتاب) تخفيف واضح للكلام المألوف أعطني هذا الكتاب وهو أشهر من أن يؤول. فكيف خفي عليه وهو حلال المعضلات؟!
9 - إننا في عجب مما يكتب حضرة الصديق، فبينما نراه يقول عنا في أول مقالة (ص 202): (ولو إن الأب المحترم عدل من حدته فيمن (كذا) تصوره يرد عليه بعض ما جاء في مقالته هذه النفيسة في موضوعها لكان أجدر بعلمه وفضله ومكانته الأدبية الرفيعة بل كان أجدر بفضله لو استغنى عن هذه الخاتمة بما جاء به في مقدمة المقالة مما يقع في أسماعنا وقلوبنا موقعا خليقا بعلم الأدب وفضله. . .) نجده يقول في ص 206: (واعذرني إذا قلت هذا التخبط الذي توصلت به اكتشافك (؟) الغريب الذي صرحت إنه لم يسبقك إليه
أحد ونحن نسلم لك بحق هذه السابقية ونعتقد إنك ستبقى فيها سابقا ومبتكرا معا. . . ولكن ما هو الرابط بين ما كنت فيه وبين ما وثبت إليه في هذه الترويسة (؟ كذا) اهـ
قلنا: كنا نود أن نجاوبك عن كلامك هذا لكنا لا نفهم كيف تمدح في بدء مقالك شخصا وحين تبلغ إلى وسطه تنسى كلامك فتقول: التخبط والترويسة وغيرهما من الألفاظ. فكان الأحجى بك يا سيدي أن لا تنعته بنعوت العظمة في أول كلامك لكي يتم لك أن تفرغ عليه من هرائك ما أفرغت أو ما شئت ونحن نعلم إن الخصم أو المجادل يتخذ الأدب وسيلة له لا ما ألفه من عبارات الهزء والشتيمة التي هي سلاح كل عاجز عن الإتيان بالدليل المقنع. ولو أجلت طرفك قليلا في ما كتبناه وأزلت السخيمة من صدرك لوجدت الرابط بين ما كنا فيه وبين ما وثبنا إليه من (الترويسة) التي لا نفهم معناها ولم نجدها في كلام بليغ عاقل مما لم نجد كثيرا من مصطلحاتك كتمعن (ص 204) وعلماء الفرنساويين (فيها أيضا) ولم تكتفي ص 207 (كذا وأنت تخاطب مذكرا) إلى غير ذلك من التعابير المكسرة التي لا ترد على قلم أديب يحترم نفسه أو يضعها في منزلة للكتاب والمؤلفين.
10 - أثبتنا بأدلة تاريخية ولغوية إن الهمزة أداة التعريف عندنا نشأت بعد الهاء. وقلنا إنه كان في لساننا أيضا التاء والثاء من أدوات التعريف في سابق العهد وحللنا لذلك ألفاظا مستشهدين كلام الأئمة وكان على (الخصم) أن يفند تلك(7/711)
الآراء جزءا فجزءا بدليل بعد دليل ليتبين فضله ويظهر علمه فتتجلى الحقيقة فإذا بصاحبنا يذكر عناوين فصولنا ويحشو عبارته هراء وخرفا ولا تكاد تستخلص منهما شيئا يذكر. فيقول مثلا ص 208: (لا أيها الأب العلامة ليس العربية هي التي هتكت أستار هذه الأسرار (قلنا: هذه عبارته ولم نغير منها حرفا فمن أراد أن يفهم فليفهم) بل أنت الذي هتكتها. وهنا أقول (هذا كلام الأستاذ جبر ضومط) إني استغربت منك إنك اكتشفت أن التاءات الزائدة في تمساح وترمس وتنضب وتذرج وترنموت هي أداة التعريف وغفلت عن أن تحسب الياءات الزائدة في يربوع ويعفور ويعبوب ويرقود ويعسوب الخ أداة تعريف مع إن ردها جميعها إلى تلك الأداة (أي إلى الياء) أسهل على الذهن وأقرب إلى القبول من رد تاء تمساح وترمس وثاء ثرملة) انتهى كلام الخصم.
أفهذا كلام رجل متمتع بجميع قوى عقله؟ أفليس الأحسن له أن يكسر قلمه ويلقيه في النار
فيصون بذلك عرضه وسمعته وثمالة عقله وعلمه ولا ينطق بمثل هذه السفاسف التي ليس فيها إلا المهاترة والمعاندة وحب الهزء من الناس والنيل منهم عوضا من أن يأتي بالبرهان السديد لينقض أدلتنا بأدلته فيصدق أن يقال عنه: نقض أدلة بأدلة؟ لكن أعلم يا صاح إن أربعة من العلماء الراسخي القدم في اللغة والنقد كتبوا إلينا يمدحوننا على ما بيناه ويشكروننا على ما حللناه من أدوات التعريف ثم يقول أحدهم وهو من المستشرقين الإثبات (قد سبقكم إلى اعتبار التاء في تمساح ونحوها من الألفاظ أداة تعريف وقد أخذها العرب من المصريين الأقدمين فهي عندهم أداة تعريف للمؤنث كما أن الباء في مثل بامياء وبطيخ وبطارخ وبطلينوس أداة تعريف للمذكر عندهم أيضا وقد نقلها العرب عنهم بلفظها وبأداة تعريفها معا. اهـ فهذا كلام رجل عاقل محقق لا ما يكتبه جبر ضومط عن موجدة وضغينة ملفقا أقوالا تشبه تلفيق (الخنفشار) إذ مقاله كله على هذا القياس من الخبط والخلط والهذر والخرف والهراء حتى إنه لا يمكنك أن تجمع شتاته لترده إلى فكر معقول. فالكلام الموزون بمعيار الفطنة والأسلوب المؤدب الذي يجري عليه أهل النقد. كل هذا وما أشبهه بعيد عنه لأنه متشبع من نفسه ومن آرائه ولا يريد أن يرى(7/712)
بجانبه من يعنى بأسرار اللغة. فلله دره من محقق!
11 - من غريب أعمال (الخصم) إنه إذا رأى مذهبا في لغتنا ينسب إلى غير المستشرقين لم يقبله فيقول: (أسألك هل وجدت أحدا من المشتغلين بمثل بحثك بين علماء الفرنساويين (هكذا ينسب إلى فرنسة أو فرنسا) أو الإنكليز أو الألمان أو الإيطاليان (كذا ينسب إلى إيطالية أو إيطاليا) يقول بقولك هذا؟) (ص 204) أما هو، فإذا جاءنا برأي من عنده لا يريد منه أن نذكره بسؤاله هذا فإنك تراه يقول مثلا بعد نقل رقيم امرئ القيس: (لي رأيي الخاص (أنا الرجل العبقري) في قراءة اللفظة التي صورها العلامة جويدي هكذا (فراس) وإليك هو. . .) فيا حضرة الأستاذ النجيب والعبقري الداهية والباقعة الفريد دعنا نسألك (هل وجدت أحدا من المشتغلين. . . إلى آخر ما قلت.
الختام إن الرجل لا يكتب عن نية صافية فهو يبوح بما فيها من السيئات في كل عبارة ينطق بها أو يكتبها فقد نقل مثلا ما كنا أدرجناه في المقتطف مأخوذا عن جرجي زيدان في كتابه (العرب قبل الإسلام) (ص 202 و203) ولم نزد عليه حرفا. فقال حضرته ما هذا
نقله (يظهر أيها الأب إن قراءة جويدي لا تتفق مع قراءتك في إدخال اللام على (فرس) وتكتبها (فراس) ومن الفعل (وكلهم) أي جعلهم قبلها يظهر إن اللام في (للروم) هي حرف الجر المعروف لا أداة التعريف والذي أراه أنا (العلامة الذي لا يشق له غبار وأنا أنا من عرفاني يفوق كل عرفان بشري) 1 - إن قراءة العلامة جويدي أتم من قراءتك وأخلص من شائبة الغرض الظاهرة اظلاله في قرائتك أو نقلك (كذا بحروفه). . .) اهـ. أفرأيتم أيها القراء كيف أن هذا الرجل يسيء بي الظن وكيف إنه يبوح بما في صدره من السخيمة والحقد وتسويد كل أمر أغر آتي به؟ فلعن الله الغايات وما أسوأ نتائجها إذا داخلت صدور حملة العلم!
إن الرقيم الذي نقلنا صورته مأخوذ بحرفه عن كتاب جرجي زيدان في الموطن الذي ذكرناه آنفا. فما معنى هذه التقولات التي يتقولها علينا وما معنى هذه الافتراءات المتلونة؟ فإنا لله وإنا إليه راجعون. ولنتركه في شأنه يتخبط في وخزات ضميره قائلين: سكت ألفا ونطق خلفا أو خرفا) هداه الله إلى سواء السبيل. وهذا آخر كلامنا لهذا الصديق.(7/713)
فوائد لغوية
الأوهام الشائعة
15 - قال قائل (فجاء عملهم السريع هذا مكينيا) بريد النسبة إلى (مكينة) وهو مخطئ لأن المكينة على وزن (فعيلة) وهذه يجب حذف الياء منها عند النسبة إليها بشرط أن لا تكون مضعفة مثل دقيقة ولا (واوية العين) مثل طويلة. فالصواب (فجاء عملهم السريع هذا مكنيا) وفيه فائدة أخرى هي عدم التباس هذا المنسوب (بالمكيني) نسبة إلى (مكين) على إن كل هذا لا ينطق به إلا ذوو الهجنة فما ضره لو قال (بلا ترو).
16 - وقال أحدهم مدعيا إن الإنشاء يصلح ويروق بأن يهجر المنشئ (الجمل (المغلوطة) التي تخالف قواعد الصرف والنحو) فأقول (قوله مغلوطة) مخالف لقواعد الصرف لأن هذا مصوغ من الفعل اللازم (غلط) ولا يصاغ منه اسم مفعول إلا مع حرف الجر. وإذا أجزنا ذلك قال الناس (مفروح ومخروج ومطروب ومعروج ومجلوس) وبذلك تعم الفوضى وتموت اللغة العربية. وليس من الإنصاف أن نضحي بلغة من أجل (كلمة واحدة) والصواب (المغلوط فيها).
17 - وقال مدع (ومنها (المسببية) في قولك: غليت القهوة وأنت لم تغل إلا الماء) وهو مخطئ في موضعين الأول قوله (غليت القهوة) لأن الفعل هذا لازم فالصواب (أغليت القهوة) بجعل الفعل متعديا بالهمزة. والثاني: إرادته بهذا المثل (المجاز المرسل) الذي علاقته (المسببية) وهو لا يصلح لذلك أبدا لأن (أغلا الماء لا يستلزم نشوء القهوة منه) إلا بإضافة البن المدقوق. أما المثل الصحيح لذلك فهو أن يقال (أمطرت السماء نباتا) لأن المطر يستلزم نشوء النبات ولإن الكلام خاص لا عام. وقول هذا القائل يشبه قول أحدهم (سار القطار) ولم يضغط إلا البخار فالمستبعد لا يكون مجازا.
18 - وقال ناقل (السببية: من قولك: لك عندي يد بيضاء أي نعمة لأن(7/714)
سبب النعمة هي اليد التي تسديها) فقوله (تسديها) غير ظاهر لأن معنى الفعل (تهملها) والفرق الكبير ظاهر ولا ينصرف هذا الفعل إلى معنى (الإحسان) إلا بأن تليه (إلى) والضمير فالصواب (لأن سبب النعمة اليد التي أسدتها إليك) وقد حذفت أنا (هي) لأن اسم أن (مذكر) ولا يصح هذا
الضمير أن يكون مبتدأ ثانيا مفسرا له ولأننا لو وضعنا (هي) لعاد الضمير إلى متأخر عنه لفظا ورتبة عودا ممنوعا لا جائزا.
19 - وقال واحد (وكنت فيها (أتردد على) المكتب العربي) والصواب الشهير (أتردد إلى المكتب العربي) لأن التعبير الأول عامي.
20 - وادعى أحد العابثين إن أحسن قول بلاغة وإمتاعا وتنوعا وانطباقا على مقتضى الحال هو قول الشاعر:
الطير تقرأ والغدير صحيفة ... والريح تكتب والسحاب ينقط
ولو كان للشاعر ذوق حساس جميل لما قال هذا البيت ولو كان للكويتب إحساس لطيف لما أستحسن قول الشاعر ذلك لأن الطير تصمت وتختفي عند تهطال المطر وهبوب الريح. حتى إن الغربيين أخذوا يستكشفون أحوال الجو من سكوت الطير وانزوائها.
21 - وقال مدع (إنه ليعطي جزءا كبيرا من ثروته التي جمعها بشق الأنفس (إلى الفقراء) والصواب (ليعطي الفقراء جزءا. . .) لأن (يعطي) متعدي إلى مفعولين. والفقراء مفعول ثان.
22 - وقال أحد الغفلة (يحذف المسند إليه. . . لإخفاء الأمر عن المخاطب كقولك: انشأ مقالة (وأنت تريد قيسا مثلا) فأقول لو كان المتكلم يحذف المسند إليه ليخفي الأمر عن المتكلم معه لصار كلامه جنونا وهو معتوها فالصواب الذي لا منتدح عنه (لإخفاء الأمر (عن غير) المخاطب. وهكذا قال العلماء صغيرهم وكبيرهم ودل عليه الواقع.
23 - وقال أحد الذين لم يتعلموا العربية (للاستفهام لفظتان الهمزة وهل) فلذلك يجب أن نعلمه أن في العربية (ألفاظ استفهام) غير هتين هي (من وما ومتى وأيان وأين وكيف وأنى وكم وأي ومهيم) فلينتبه(7/715)
24 - وقال (والوجه الصحيح أن تستعمل (إن) الشرطية في الأحوال التي يندر وقوعها ويتلوها المضارع لاحتمال وقوعه) فأقول يا أسفا من هذا ألم ير إلى قوله تعالى (إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) و (إن خفتم عيلة فسوف يغنيكم الله من فضله) وقوله في العاجزين عن محاكاة القرآن (فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار. . .) فهذا وجه غير صحيح؟ إنه كان حرى أن يقول (فالوجه الغالب) تجنبا لذلك الخبط والخلط.
25 - وقال (لو كان فيها آلهة إلا الله لفسدتا) والأصل في القرآن العظيم (لو كان فيهما) وذلك ظاهر أيضا لكل واحد حتى لغلف القلوب من قوله (لفسدتا) بإسناد الفعل إلى (ألف الاثنتين).
26 - وقال (لم لنفي الماضي مطلقا، (ولما) لنفيه ممتدا إلى ما بعد زمن التكلم) فأقول إذا كان نفي (لما) ممتدا إلى الزمن الذي بعد التكلم فهو ممتد إلى الاستقبال إذن. وهذا جهل لا يرتكبه التلامذة الصغار فالصواب (ممتدا إلى زمن التكلم أي الحال) كما قال المطلعون.
27 - وتفيهق فقال (من المضحكات إدخال ضعاف الطلاب (لم) على الماضي فيكتبون (لم فهمت الدرس (لم يأتني) منك كتاب) أقول: إن قول هذا الكويتب سيكون ضحكة للطلاب لأن صاحبه لم يعرف أن (يأتني) فعل مضارع وإن (لم يأتني منك كتاب) من الكلام الفصيح المليح. اللهم لا تجعلنا من هؤلاء المغرورين بجهلهم.
28 - وقال (فلا يصح أن تكتب. . . أنا قوال بل فعال) قلت وهذا جهل مخز لأن (بل) تعطف على النفي والإثبات لا النفي وحده كما غلط الكويتب قال ابن مالك عن (بل):
وأنقل بها للثاني حكم الأول ... في الخبر المثبت والأمر الجلي
فالكلام الذي عده غلطا هو من فصيح الكلام لأن (بل) إذا عطف بها على الجملة الخبرية المثبتة صارت هذه الجملة كأنها مسكوت عنها ومثل ذلك العطف على فعل الأمر بها. تقول: أنا أقول بل فعال. وكن قوالا بل فعالا.
مصطفى جواد(7/716)
باب المكاتبة والمذاكرة
تتبعات تاريخية
1 - قبر الإمام أحمد بن حنبل 2 - قبر الإمام أبي يوسف 3 - سامراء مدفن الطاهر أبي الشريف الرضي 4 - الحدباء حدباي حديبة
1 - قال عبد الحميد أفندي عبادة في لغة العرب (7: 288) ما نصه (ثبت لدى كل المؤرخين أن قبر الإمام أحمد بن حنبل (رض) كان في مقبرة باب حرب) وإطلاقه (الكل) دعاني إلى تنبيه حضرته على أن (ابن جبير الرحالة) ذكر قبر الإمام أحمد في الجانب الشرقي وذلك بقوله في رحلته ص 205 بمطبعة السعادة وبالرصافة كان باب الطاق المشهور على الشط وفي تلك المحلة مشهد. . . فيه قبر الإمام أبي حنيفة (رض) وبه تعرف المحلة وبالقرب من تلك المحلة قبر الإمام (أحمد بن حنبل) رضي الله عنه) اهـ فقول الكاتب الفاضل (كل المؤرخين) فيه نظر قد بدر.
2 - ونقل الكاتب المذكور في لغة العرب (6: 755) عن المرحوم مصطفى نجيب بك المصري في كلامه على مدفن أبي يوسف ما بعضه (ودفنه في مقبرة أهله بمقابر قريش بكرخ بغداد) واتبعه قوله للتعليق والنقد (ففي قوله هذا خبط وخلط في التاريخ) واحتج بأن بين مقابر قريش اليوم وكرخ بغداد مسافة ساعة ونصف للراجل فلا يجوز أن تكون مقابر قريش من الكرخ واستنتج من ذلك الشك في مدفن الإمام أبي يوسف المتعارف اليوم. وإن شكه قد أزاله كاتبان فاضلان في لغة العرب وبقي علينا أن نثبت له أن مقابر قريش من الكرخ عند المتأخرين ودليلنا أن (الشريف الرضي) (رض) دفن في بيته بالكرخ وليس بينه اليوم وبين مشهد الإمامين موسى ومحمد (ع) إلا مسافة دقيقتين للراجل ولذلك قال ابن أبي الحديد في ترجمة الرضي قبل شرحه نهج البلاغة (توفي(7/717)
الرضي رضي الله عنه في المحرم من سنة أربع وأربعمائة وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والأشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه. ودفن بمسجد الأنباريين بالكرخ ومضى أخوه المرتضى من جزعه عليه إلى مشهد موسى بن جعفر عليهما السلام لأنه لم يستطع أن ينظر إلى تابوته) اهـ وقال الطريحي في كتابه (مجمع البحرين ومطلع النيرين) ما نصه (وأما أخوه السيد
الرضي فإنه توفي في المحرم من سنة أربع وأربعمائة وحضر الوزير فخر الملك وجميع الأعيان والأشراف والقضاة جنازته والصلاة عليه، ودفن في داره بمسجد الأنباريين بالكرخ ومضى أخوه المرتضى (رض) من جزعه عليه إلى مشهد موسى بن جعفر لأنه لم يستطع أن ينظر إلى جنازته) وهي عبارات ابن أبي الحديد بنفسها ولم يتعب الطريحي رحمه الله إلا بالنقل والتغاضي عن ذكر المصدر.
وقال ابن خلكان في ترجمة الرضي (ودفن في داره بخط مسجد الأنباريين بالكرخ) قلت والظاهر أنها الدار التي نحله إياها أستاذه الطبري الفقيه بقوله (قد نحلتك داري بالكرخ المعروفة بدار البركة.
وقال في (شرح الطرة) ما نصه (ويضارع هذه الحكاية ما حكي عن بعض الأدباء أنه أجتاز بدار الشريف الرضي هذا ببغداد قريبا من مرقد جده الإمام موسى الكاظم رضي الله عنه فرأى دارا ذهبت بهجتها وأخلقت ديباجتها (وهذا دليل مستقل على أن دار الشريف الرضي من بغداد فكيف لا تكون من الكرخ وهو جزء من بغداد؟ فنرجو من الصديق الفاضل أن يعتقد ذلك أو يفنده.
قال ابن خلكان في تاريخه عن ترجمة الرضي (وكانت ولادة والده الطاهر ذي المناقب أبي أحمد الحسين سنة سبع وثلثمائة وتوفي في جمادى الأولى سنة أربعمائة وقيل توفي سنة ثلث وأربعمائة ببغداد ودفن في مقابر قريش بمشهد باب التبن ورثاه ولده الشريف الرضي) قلت والصواب ما ذكر ابن أبي الحديد فقد قال في شرحه (م 1 ص 10) ما نصه (ودفن النقيب أبو أحمد أولا في(7/718)
داره ثم نقل إلى مشهد الحسين عليه السلام) ونستخلص من كلا القولين أن داره في مقابر قريش ومقابر قريش من الكرخ لأنه توفي في بغداد على ما ذكره ابن خلكان.
3 - وقال عبد الرزاق أفندي الحسني في لغة العرب (6: 750) ما نصه (واسم سامراء الحقيقي - على قول بعض المؤرخين - سر من رأى ثم ساء من لما تهدمت وتقوضت فخففها الناس وقالوا فيها سامراء) فقال علامتنا الكرملي في الحاشيه) راجع الجزء ص 721 فإننا لا نرضى به) أي بقول الحسني وإن الأب قد أطفأ الأوام بما ذكره عن سامراء إلا أننا رأينا تناقضا في قول عبد الرزاق أفندي (واسم سامراء الحقيقي) وأتباعه (على قول
بعض المؤرخين) لأن الحقيقي يظهر بأكثرية المؤرخين ومهما يكن البعض لا يدل على الأكثرية معنى ولا اصطلاحا. أما أنها لما تهدمت وتقوضت (كذا) خففها الناس وقالوا فيها سامراء فليس بصواب فهذا أبو عبادة البحتري شاعر المتوكل قد قال في صلب بابك في زمن المعتصم:
أخليت منه البذ وهي قراره ... ونصبته علما بسامراء
فقد قال (سامراء) في زمن بانيها وعهد أبهتها وجدتها؟ وأما قدم اسمها عند العرب فثابت، قال في (شرح الطرة) ص 288 ما نصه (قال ابن بري عن ثعلب وابن الأعرابي وأهل الأثر يقولون كما قال أيضا: اسمها القديم (ساميرا) سميت بسامير بن نوح عليه السلام لأنه أقطعه إياها فكره المعتصم ذلك فغيرها والأقرب عليه أن يكون التغير إلى (سامرا). . . ويعلم مما ذكر أن حديث استحداثه إياها غير مجمع عليه) اهـ.
ومن الفوائد التي لم يذكرها الحسني وقد جاءت في شرح الطرة قوله (وكانت عامرة جدا إلى زمن التتر وحادثة بغداد واضمحلال الخليفة إذ ذاك المستعصم بالله، ويحكي أن امتدادها يومئذ يزيد على خمس ساعات واليوم هي بليدة صغيرة وقد سورها في عصرنا بعض ملوك الهند بسور جيد).(7/719)
4 - وقال عبد الرزاق أفندي أيضا في لغة العرب (7: 138) ما نصه (والموصل بلدة عربية بحتة شيدها العرب أنفسهم بعد أن افتتحها خالد بن الوليد عام 20 هجرية) ثم قال (وتعرف أيضا بالحدباء وربما كان السبب لهذه التسمية أن أرضها تكاد تكون محدبة) فقال علامتنا الكرملي في الحاشية (عندنا أن الحدباء منقولة عن (حدياب) وهو اسم لناحية كانت هناك فقيل حدباي ثم حدباء) فأقول والحق الصريح مع الأدب العلامة إلا أن تطورها هكذا (حدياب - حديبة - حدباء) فقد روى ابن أبي الحديد في شرح النهج (م 1 ص 289) ما نصه (إن عليا عليه السلام بعث من (المدائن) معقل بن قيس الرياحي في ثلاثة آلاف وقال خذ على (الموصل) ثم (نصيبين) ثم القني (بالرقة) فإني موافيها وسكن الناس وأمنهم ولا تقاتل إلا من قاتلك وسر البردين وغور بالناس أقم الليل ورفه في السير ولا تسر أول الليل فإن الله جعله سكنا أرح فيه أنت وجندك وظهرك فإذا كان السحر أو حين ينبلج الفجر فسر، فسار حتى أتى (الحديبة) وهي إذ ذاك منزل الناس وإنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد
بن مروان. فقول الحسني فيه اقتضاب مخل وطفرة عسيرة. أما صاحب تاريخ (الفخري) وهو في عصر ابن أبى الحديد فقد ذكرها في أول الكتاب بقوله (وذلك إني حين أحلني حكم القضاء بالموصل الحدباء) وقال في آخره (فرغ من تأليفه. . . بالموصل الحدباء وهذا خط يده) فاستبان لنا أن (الحدباء شائع في القرن السابع للهجرة.
مصطفى جواد
حول الشعر المنثور
قرأت بكل شوق وإعجاب مقال فاضل الشطراوي (كذا) المنثور تحت عنوان (الشعر المنثور) في الجزء الخامس من هذه السنة من لغة العرب (371 ص) فراقني ذلك المقال مما حواه من الرقة والرصافة ومن جزالة وعاطفة شريفة شرقية تكاد تسيل رقة وظرفا، ولما وصلت بمطالعتي إلى (الصفحة التالية) وقبل أن أنهيها مطالعة وأكملها توقفت عن ذلك وأحجمت حيث وجدت في تلك الصفحة أغلاطا واشتباهات من الكاتب فاستغربت وقوعها منه و (لا غرابة) لأن الإنسان(7/720)
معرض للخطأ والنسيان فأحببت أن أنبه على ما زاغ به قلمه (دام عزه) بعد ذكر عبارته وإيرادها حرفيا، قال:
(وفي القرن الرابع عشر الميلادي أي وقت جمود الأدب العربي. وجد شيء منه مثل (بند) ابن الخلفة وقد عارض تلك القصيدة النثرية أدباء عصره).
فأقول لم يرو لنا المؤرخون في كتبهم ولا شاع على الأفواه مما اتصل بالخلف عن السلف بطريقة (الرواية) أن (الأدب العربي) قد جمد وجفت قريحته في ذلك (القرن) وصار ساكنا بعد أن كان متحركا، وجمادا بعد أن كان حساسا، ولا في غيره من القرون السابقة له واللاحقة به (نعم) رووا أن للأدب العربي أدوارا وأطوارا في جميع الأقطار والأمصار تارة تراه يعلو فيها، وأخرى تجد يهبط وينحط بها، وطورا تشاهده يرتفع، أوانا تنظره يقع حتى آل أمره إلى عصرنا الحاضر ولا يقولون (جمد) لأن الجمود يوجب قطع سلسلة الحركة للأدب العربي تلك السلسلة التي اتصلت بنا واستمرت إلى هذا القرن العشرين.
وأما (ابن الخلفة) محمد الأديب المعروف الحلي الأصل والمولد والنشأة والتربية مخترع طريقة (البند) في عصره وغيرها من الطرق البديعية والمناهج المبتكرة الرائقة في (الأدب
العربي) صاحب (البند) المشهور الذي مطلعه (أيها اللائم في الحب، دع اللوم عن الصب فلو كنت ترى حاجبي الزج (كذا) فويق الأعين الدعج، أو الخد الشقيقي أو (الريق الرصيق) الخ فلم يوجد في (القرن الرابع عشر الميلادي عصر الجمود) كما قال الكاتب كلا بل وجد متأخرا في عصر حركة الآداب العربية على عهد منشطها وباعث دواعي تطورها وتقدمها (داود باشا) والي العراق أوانئذ من قبل (حكومة آل عثمان) المتوفى سنة 1241 هـ ذلك الرجل الذي كان إناء أدب وفضل وحزم وعزم وكرم وسخاء اتصل به فريق من شعراء العراق وخطبائه بعصره فأدر عليهم الأموال الجزيلة وتكفل بحاجات كثير منهم وعلى الأخص (الشيخ صالح التميمي الشاعر الحلي المتوفى سنة 1261هـ) الذي جعله (داود باشا) همزة وصل بينه وبين أدباء العراق وبواسطته كانوا يتصلون به، ويزدلفون إليه، وتحبب كثيرا إليهم(7/721)
وصار يغشى نواديهم ويحضر مجتمعاتهم، وهم يختلفون إليه بكرة وعشيا وممن تقرب إليه يومئذ (ابن الخلفة) وله فيه مدائح كثيرة ومنها (الروضة الغناء) التي سار ذكرها بين الشعراء (الأدب العامي) مسير الشمس في كبد السماء وطالما تمثلوا بأبياتها واستشهدوا بها وقد أبدع فيها أيما إبداع ورتبها على (حروف المعجم) وتجد في كل بيت منها أربعة عشر حرفا في أوائل الأشطر وأواخرها قال في مطلعها في حرف همزة.
أحواسي الخمس مع كبدي وآرائي ... أمسن يجلب لهن فكري وآرائي
أقبل بها الشوق وادعى الخلق وآرائي
إليك منحيث مثلك ما أجد مرأه ... أي والجعلي أقلوب أودادنا مرأه
احجيلك الصدق كم بحماك من مرأه ... أمشت عفه ما تقول الزيغ وآرائي
وله شعر بديع غيرها في (الركباني) أما شعره القريض المقيد بالأوزان المعلومة فليس بالجيد وتظهر عليه الركة وسنكتب عنه وعن شعره بجميع أقسامه مفصلا في هذه (المجلة) لدى الفرصة السانحة.
النجف: عبد المولى الطريحي
تصويب
في لغة العرب (7: 451): الشيخ بهاء الدين العاملي المتوفى سنة 1037 هـ والصواب سنة 1031 هـ (راجع روضات الجنات للميرزا محمد باقر الخونساري 534 - 535)
والمصنوع في نقد اكتفاء القنوع للسيد هبة الدين الشهرستاني وسلافة العصر للسيد علي خان والكشكول ص 390) وقيل أن وفاته كانت في عام 1030 هـ إلا أن الصحيح ما قدمناه.
محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) غلط الطبع واضح في ما جاء في مجلتنا. والصواب ما ذكره حضرة الشيخ العلوي وكذا ورد في خلاصة الأثر للمحبي 3: 454 وما جاء في معلمة الإسلام أنه توفي سنة 1030 خطأ راجعها في 1: 331 في مادة العاملي.(7/722)
أسئلة وأجوبة
كلمة جبسي وأصلها
(تتمة لما في الجزء السابق)
قال الرهني: القفس جبل من جبال كرمان مما يلي البحر وسكانه من اليمانية ثم من الأزد بن الغوث، ثم من ولد سليمة بن مالك بن فهم وولده، لم يكونوا في جزيرة العرب على دين العرب للاعتراف بالمعاد والإقرار بالبعث، ولا كانوا مع ذلك على دينهم في عبادة طواغيتهم التي كانوا يعبدونها من الأوثان والأصنام ثم انتقلوا إلى عبادة النيران فلم يعبدوها أيضا عندهم وفي قدرتهم. ثم فتحت كرمان على عهد عثمان بن عفان (رض) فلم يظهر لأحد منهم ذلك من ذلك الزمان إلى هذا الزمان ما يوجب لهم اسم نحلة وعقد ولا اسم ذمة وعهد ولم يكن في جبالهم التي هي مأواهم بيت نار ولا فهر يهود ولا بيعة نصارى ولا مصلى مسلم إلا ما عساه بناه في جبالهم الغزاة لهم وأخبرني مخبر أنه أخرج من جبالهم الأصنام الكثيرة ولم أتحققه. قال الرهني: وإني وجدت الرحمة في الإنسان وإن تفاوت أهلها فيها فليس أحد منهم يغار من شي منها فكأنها خارجة من الحدود التي يميز بها الإنسان من جميع الحيوان كالعقل والنطق الذي جعلا سببا للأمر والزجر ولأن الرحمة وإن كانت من نتائج قلب ذي الرحمة (كذا) ولذلك في هذه الخلة التي كأنها في الإنسان صفة لازمة كالضحك فلم أجد في القفس منها قليلا ولا كثيرا فلو أخرجناهم بذلك عن حد من حدود الإنسان لكان جائزا ولو جعلناهم من جنس ما يصاد ويرمى لا من جنس ما يغزى ويدعى ويؤمر وينهى إذن ما كان على ما بان لنا وظهر وانكشف وشهر أنه لم يصلح على سياسة سائس ولا دعوة داع وهداية هاد ولم يعلق بقلوبهم ما يعبق بقلوب من هو مختار للخير والشر والإيمان والكفر كان السبع الذي يقتل في الحرم والحل وفي السرق والأمر ولا يستبقى للاستصلاح والاستحياء للإصلاح أشبه منه بالإنسان الذي يرجى منه الأرعواء(7/723)
عن الجهالة والنزوع من البطالة والانتقال من حالة إلى حالة. قال وولد مالك بن فهر ثمانية: (فراهيد، والخمام،) والهناءة، ونوى، والحارث، ومعن، وسليمة بنو مالك بن فهم بن غنم بن دوس بن عدثان بن عبد الله بن زهران بن الكعب بن الحارث بن كعب بن عبد الله
بن مالك بن نصر بن الأزد قال والتمرد من ولد عمرو أبن عامر بوادي سبا هو جد القفس وذلك أن سليمة بن مالك هو قاتل أبيه مالك بن فهم وهو الفار من اخوته بولده وأهله من ساحل العرب إلى ساحل العجم مما يلي مكران والقاطن بعد في تلك الجبال، قال الرهني وأردنا بذكر هذه الأمور التي بيناها من القفص لندل على أنهم لم يكن لهم قط في جاهلية ولا إسلام ديانة يعتمدونها وليعلم الناس أنهم مع هذه الأحوال يعظمون من بين جميع الناس علي بن أبي طالب (رض) لا لعقد ديانة ولكن لأمر غلب على فطرتهم من تعظيم قدره واستبشارهم عند وصفه، قال البشاري الجبال المذكورة يكرمان جبال القفص والبلوص والقارن ومعدن الفضة وجبال القفص شمالي البحر من خلفها جروم جيرفت والروذبار وشرقيها الأخوس ومفازا بين القفص ومكران وغربيها البلوص ونواحي هرمز ويقال أنها سبعة أجبل وأن بها نخلا كثيرا وخصبا ومزارع وأنها منيعة جدا والغالب عليهم النحافة والسمرة وتمام الخلقة يزعمون أنهم عرب وهم مفسدون في الأرض وبين أقاليم الأعاجم مفازة وجبال ليس بها نهر يجري ولا رستاق ولا مدينة مشهورة يسكنها الذعار صعبة المسلك وفيها طرق تسلك من بعض النواحي إلى بعض فلذلك قد عمل فيها حياض ومصانع أكثرها من خراسان وبعضها من كرمان وفارس والجبال والسد وسجستان والذعار بها كثير لأنهم إذا قطعوا في عمل هربوا إلى الآخر وكمنوا في كركس كوه وسياه كوه لا يقدر عليهم وليس بها من المدن المعروفة إلا سقه وهي من حدود سجستان ويحيط بهذه الجبال والمفاوز الموحشة من المدن المعروفة من كرمان خبيص ونرماسير ومن فارس يزد وزرند ومن أصبهان إلى اردسان والجبال قم وقاشان ومن قوهستان طبس وقاين ومن قومس بيار قال ومثلها مثل البحر كيف ما شئت فسر إذا عرفت السمت لأن طرقها مشتهرة مطروقة بل وقد خرجنا من طبس نريد فارس فمكثنا فيها سبعين يوما نعدل من ناحية إلى(7/724)
ناحية نقع مرة في طريق كرمان وتارة نقرب من أصبهان فرأيت من الطرق والمعارج مالا أحصيه وفي هذه الجبال صرود وجروم ونخيل وزروع ورأيت أسهلها وأعمرها طريق الري وأصعبها طريق فارس وأقربها طريق كرمان وكلها مخيفة من قوم يقال لهم القفص يسيرون إليها من جبال لهم بكرمان وهم قوم لا خلاق لهم وجوههم وحشة وقلوبهم قاسية وفيهم بأس وجلادة لا يبقون على أحد ولا يقنعون بأخذ المال حتى يقتلون صاحبه وكل من
ظفروا به قتلوه بالأحجار كما تقتل الحيات يمسكون رأس الرجل ويضعونه على بلاطة ويضربونه بالحجارة حتى يتفدغ وسألتهم لم تفعلون ذلك فقالوا حتى لا تفسد سيوفنا فلا يفلت منهم أحد إلا نادرا ولهم مكامن وجبال يمتنعون بها وقتالهم بالنشاب ومعهم سيوف، وكان البلوص شرا منهم فتتبعهم عضد الدولة حتى أفناهم وصمد لهؤلاء فقتل منهم كثيرا وشردهم ولا يزال أبدا عند المتملك على فارس رهائن منهم كلما ذهب قوم أستعاد قوم وهم أصبر خلق الله على الجوع والعطش وأكثر زادهم شيء يتخذونه من النبق ويجعلونه مثل الجوز يتقوتون به ويدعون الإسلام وهم أشد على المسلمين من الروم والترك ومن رسمهم أنهم إذا أسروا رجلا حملوه على العدو معهم عشرين فرسخا حافي القدم جائع الكبد وهم مع ذلك رجالة لا رغبة لهم في الدواب والركوب وربما ركبوا الجمازات، وحدثني رجل من أهل القرآن وقع في أيديهم قال أخذوا مرة فيما أخذوا من المسلمين كتبا فطلبوا في الأسرى رجلا يقرأ لهم فقلت أنا فحملوني إلى رئيسهم فلما قرأت الكتب قربني وجعل يسألني عن أشياء إلى أن قال لي ما تقول فيما نحن منه من قطع الطرق وقتل النفس فقلت من فعل ذلك استوجب من الله المقت والعذاب الأليم في الآخرة فتنفس نفسا عاليا وأنقلب إلى الأرض وأصفر وجهه ثم أعتقني مع جماعة، وسمعت بعض التجار يقول إنهم يستحلون أخذ ما يأخذونه بتأويل أنها أموال غير مزكاة وإنهم محتاجون إليه فأخذها واجب عليهم وحق لهم. انتهى كلامه.
وقال أيضا في مادة قفص:
القفص بالضم ثم السكون وآخره صاد مهملة جبال القفص لغة في القفس(7/725)
المذكور قبل هذا أبو الطيب:
(ساقي كؤوس الموت والجريال) ... لما أصار القفص أمس الخالي
وكان عضد الدولة قد غزا أهل القفص ونكى فيهم نكاية لم ينكها أحد فيهم وأفنى أكثرهم، والقفص أيضا قرية مشهورة بين بغداد وعكبرا قريب من بغداد وكانت من مواطن اللهو ومعاهد النزه ومجالس الفرح ينسب إليها الخمور الجيدة والحانات الكثيرة وقد أكثر الشعراء من ذكرها فقال أبو نواس:
رددتني في الصبى على عقبي ... وسمعت أهل الرجوع في أدبي
لولا هواؤك ما اغتربت ولا ... حطت ركابي بأرض مغرب
ولا تركت المدام بين قرى ... الكرخ فبورى فالجوسق الخرب
وباطرنجى فالقفص ثم إلى ... قطربل مرجعي ومنقلبي
ولا تخطيت في الصلوة إلى ... تبت يدا شيخنا أبي لهب
كان قد هوى غلاما من بني أبي لهب لما حج فقال هذه الأبيات، ونسب إليها أبو سعد أبا العباس أحمد بن الحسن بن أحمد بن سلمان القفصي الشيخ الصالح سكن بغداد وسمع الحسن بن طلحة النعالي وغيره وذكره في شيوخه قال ومولده، سنة 466 (ل. ع) ولعل هذه القرية سميت بهذا الاسم لسكنى القفص إياها
الرحلة بمعنى التخت
س - البندنيجين. م. ت. ما أصل كلمة رحلة وجمعها رحلات المستعملة في المدارس العراقية والمراد بها التخت والمقعد الذي يجلس عليه التلاميذ. وهل هذه الكلمة عربية؟ - وإذا كانت كذلك فلماذا لا نراها في (المنجد) بالمعنى المذكور؟
ج - (المنجد) ديوان لغة صغير لا يحوي جميع المصطلحات، واستعمال الرحلة بمعنى مقعد التلاميذ من سوء التصرف في الألفاظ وإخراجها عن مبانيها ومعانيها، والأصل الرحل بفتح الأول. قال في شفاء الغليل: الرحل أيضا كرسى يوضع عليه المصحف كما وقع في حديث وليس مولدا وكأنه على التشبيه وبعض العوام يقول: (رحلة) وأما أهل مصر وغيرهم فيقولون له (كرسي) اهـ بحروفه. قلنا: فالرحل إذن يقابله بالإفرنجية وأما مقعد أبناء(7/726)
المدارس فيسمى مقعدا أو تختا وبالفرنسية وأهل سورية اتخذوا الكلمة الأجنبية نفسها فقالوا: (بنك) والأحسن أن نعود إلى اللفظة التي اتخذها السلف وهي الفارسية الأصل أي التخت وقد وردت في أقدم كلامهم. ومنها (صرير التخت) ومنها تخت المملكة لعرشها وكرسيها أو سريرها، ومن الغريب أن أصحاب المعاجم القديمة لم يذكروها إلا بمعنى الوعاء تصان فيه الثياب. ولهذا قال مصحح التاج (التخت وزان بخت سرير أيضا معمول من الخشب ولا اختصاص له في معناه الأصلي بسرير السلطان إنما صار من الأعلام الغالبة فيه لكثرة استعماله فعلى هذا يتعجب من السيد مرتضى كيف حرم تاجه عن (كذا) التخت وبتركه ارتضى) اهـ
اللغة الفرنسية عوض اللغة الإنكليزية
س - سبزوار. م. م ع. عندنا أن اللغة الفرنسية أنفع من سائر لغات الغربيين وقد أصبحت اللغة الرسمية في العالم وربما كانت أسهل تناولا من غيرها. فلهذا نحبذ لوزارة المعارف العراقية الجليلة أن تبدل تدريس اللغة الإنكليزية في مدارسها من اللغة الفرنسية فما رأيكم؟
ج - اللغة الإنكليزية أسهل من الفرنسية وهي أكثر منها انتشارا والصعوبة في لفظها وكتابتها فقط وهذان يسهلان بالممارسة والسماع.
أحسن وزارات العراق
سزوار (إيران) محمد مهدي العلوي: نرى أن أهم الوزارات التي نشأت من يوم تربع جلالة الملك فيصل على دست ملوكية العراق هي الوزارة النقيبية وهي أول وزارة أسست على عهد صاحب الجلالة الهاشمية وقد كان فيها العلامة الكبير السيد هبة الدين وزيرا للمعارف والمغفور له توفيق بك الخالدي وزيرا للداخلية وداود ساسون وزيرا للمالية إلى غيرهم من الوزراء الدهاة الذين قاموا بإصلاحات جليلة تخلد أسماءهم في التاريخ وقد يرى البعض ما لا نراه نحن فما رأيكم؟
ج - رأينان لكل وزارة مزية خاصة بها وكلها سعت لخير العراق أما نتائج المساعي فمرهونة بأوقاتها ولكل واحدة من هذه الوزارات أعمال لا تنكر.(7/727)
باب المشارفة والانتقاد
94 - فلسفة اللغة العربية وتطورها
وهي مقالات أنشأها الأستاذ جبر ضومط في تاريخ اللغة العربية ونهضة الأقوام المتكلمين بها وفلسفة نشوئها وتطورها ووسائل ترقيتها - ونشرها في مجلتي المقتطف والهلال (كذا) بين سنة 1888 وسنة 1928
تأليف جبر ضومط أستاذ اللغة العربية وآدابها سابقا في جامعة بيروت الأميركانية (كذا)، طبع بمطبعة المقتطف والمقطم بمصر سنة 1929 في 215 ص بقطع الثمن.
نقلنا العنوان بطوله وعرضه عن الكتاب الذي أهدي إلينا ولما وقفنا على فصوله المذكورة في الفهرس لم نجد تحقيق ما صدر به تأليفه ولو سماه (مخلوطة أو خليطى) لكان أصدق له إذ وجدنا فيه المباحث الآتية: الأستاذ جبر ضومط - قوة العلم والعلماء - إلى ماذا نحن صائرون وكيف نتلافى أمرنا - انتقاد فتاة مصر (رواية) - مهد الجنس السامي - أصل النبط والبتراء - قيدار وممالك حصور - نحن والدستور - البلدان العربية وأهمية اللغة العربية فيها - خاتم المارد وبساط الريح - الحثيون - الدكتور غراهم - الدكتور صروف معلما - نهضة الشرق العربي - المرأة الشرقية - قرطاجة وقرطاجنة - فهذه كلها موضوعات لا تتصل بفلسفة اللغة العربية إلا كما يتصل صديقنا جبر ضومط بأبينا آدم وأمنا حواء إن كان يسلم بوجودهما.
وأما المباحث التي تتصل بلغتنا فهي هذه: ترتيب الفعل ومتعلقاته - اللغة العربية ما أخذت وما أعطت - أهمية العربية في الممالك العثمانية - مواد كلية في النحو والإعراب - أميركي وأميركاني - عود إلى النسبة - ارتقاء اللغة العربية - اللغة العربية الأوربية - هذه ثمانية مباحث تتعلق باللغة العربية والخمسة عشر مبحثا السابقة لهن متنوعة الغايات والأغراض والمرامي فإن(7/728)
بقيت فلسفة اللغة؟ - فكل قارئ يرى أن هذا العنوان لا يناسب محتوى السفر اللهم إلا أن يقال: أن البيت سمي آجرا من باب تسمية الكل باسم الجزء.
وفي الكتاب سقطات ومزالق هائلة لا تكاد تصدق لولا إنها مطبوعة بحرف جلي وعبارة ظاهرة المعنى. فقد قال مثلا في ص 80 ما هذه إعادة نقله:
(ولايتا بغداد والبصرة وهما من أمهات الديار العربية قبل الإسلام وبعده أما قبل الإسلام فلأن الحلة كانت دارا لملوك العرب من أيام جذيمة الأبرش. . وأما في الإسلام فاختطت البصرة والكوفة في أيام عمر بن الخطاب. . وبقيت (بغداد دارا للخلافة العربية إلى أن قدم هلاكو إليها سنة 656 هجرية وقتل الخليفة المستعصم بالله واستباح المدينة أربعين يوما. قيل: فبلغ القتلى أكثر من مليون نفس. ولم يسلم إلا من اختفى في بئر أو في قناة.) اهـ.
فكم من غلط في هذه العبارة! وأول شيء كان يجب أن يقال ولاية بغداد وولاية البصرة. أما قوله ولايتا بغداد فضعيف إذ ليس في بغداد إلا ولاية واحدة لا ولايتان وكذلك قل في البصرة.
والغلط الثاني أن الحلة لم تكن في الجاهلية بل أنشئت في القرن الخامس للهجرة وكان أول من عمرها ونزلها سيف الدولة صدقة بن منصور بن دبيس بن علي بن مزيد الأسدي. . . في محرم سنة 495 (ياقوت في الحلة) أما منازل المناذرة فكانت الحيرة لا الحلة كما لا يخفى على أحد.
وقوله: وأما في الإسلام فاختطت البصرة. . . كان عليه أن يقول فيه: وأما في الإسلام فلأن البصرة والكوفة اختطتا. . . ليكون تكافؤ وتجانس في العبارتين.
وقوله فاستباح المدينة أربعين يوما، حديث خرافة إنما استباح المدينة سبعة أيام على ما صرح به المحققون كالطوسي وأبن العبري من الأقدمين وكليمان هوار من المحدثين. والخرافة تظهر بغرابتها حينما يقول الأستاذ: (قيل فبلغ القتلى أكثر من مليون نفس، فهل يفهم حضرته قدر هذا المبلغ وهو يتكلم عن مدينة واحدة في القرون الوسطى؟
ومن خرافته قوله في تلك الصفحة، وربما بلغ طول ساق النخلة في بساتين(7/729)
بغداد والبصرة نحوا من ثمانين قدما، وطول سعوفها اثنتي عشرة قدما. - قلنا: ونحن لم نجد إلى اليوم نخلة واحدة بهذا الارتفاع الغريب ولا سعفة بطول 12 قدما. فلا نفهم كيف يكتب الرجل مثل هذه الرطازات ولا يسأل عنها أحد البغداديين أو البصريين الذين كانوا تلاميذه في عهده ليتثبت في صحة ما يرويه. ثم إن العرب لا تقول ساق النخلة بل جذعها. والسلف أيضا لا تجمع السعفة على سعوف بل على سعفات وسعف كما نص عليه صاحب لسان العرب أما السعوف فجمع سعف وسعوف البيت فرشه وأمتعته والسعوف جهاز العروس.
ولعل الذي أستدرجه إلى هذا الوهم ما قرأه في (البستان) معجم صديقه البستاني، لكنه لم يتدبر أن الذي ذكره الشيخ عبد الله هو أن السعوف جمع للسعف بالتحريك لجهاز العروس، فاختلط عليه الحابل بالنابل وكان يحسن بأستاذ اللغة العربية (؟ أو الهندية) وآدابها (؟) سابقا في جامعة بيروت الأميركانية (؟) أن يعرف هذه الأوائل التي لا تخفى على أصغر الطلبة فكيف خفيت عليه؟
وفي ص 18 ذكر (بساتين التمر) وهذا الاصطلاح خاص بالأستاذ أما العرب سلفنا فقالت: الصور والحائش والحائط ولا يضيفون ذلك إلى النخل فكيف إلى التمر كما فعلت يا أستاذ فهذا دليل على إنك نسيت ما علمت خريجيك حين كنت (أستاذ اللغة العربية (؟ أو الهندية) وآدابها (؟) سابقا في جامعة بيروت الأميركانية (؟).
ومن غريب ما نطق به حضرته قوله في تلك الصفحة: (أن لشجرة النخل ألف منفعة. . . ثم سرد لذلك خرافة تضحك الثكلى نقلها عن زويمر (أشهر الناس) تلفيقا للحكايات على ألسنة العرب وكيف جاز للأستاذ أن يكتب شجرة النخل فيا حضرة المعلم غيره إن النخل أشجار وواحدتها نخلة ولا يقال شجرة النخل ولا شجرة النخلة بل (النخلة) فهل يجوز لتلميذك الصغير أن يشرح لك أمورا لا تخطر على بال أمرئ؟
وذكرت في تلك الصفحة أن بلاد العراق بلاد (رب سوس) والناس لا تعرف هذا الرب ولم تسمع باسمه. الرب يتخذ في بلاد الغرب أما العراق ففيه السوس لا ربه، أفهمت يا أستاذي؟
وذكرت في تلك الصفحة (أكتزيفون). والسلف لا تعرف إلا (طيسفون)(7/730)
فأين تعيش؟ وفي أي البلاد مقرك يا حضرة الأستاذ النابغة حتى تقول ما تقول؟
وذكرت في تلك الصفحة (أفريقيا) ولو فتحت معجم ياقوت أو معجم الفيروز أبادي أو غيرهما لوجدت أنها أفريقية لا (أفريقيا) كما تصر في قولك معاندا الكبار والصغار. الأقدمين والمحدثين وذلك كله بلا دليل.
وذكرت في تلك الصفحة (ارك) وهي الوركاء. كما وردت في ياقوت. وتكتب داريوس في تلك الصفحة نفسها والعرب لا تعرف غير دارا. وقلت في تلك الصفحة: (وقد فاقت عليها كلها بغداد) والصواب (وقد فاقتها كلها بغداد) لأنك تقول فاق فلان أصحابه لا فاق عليهم.
فأين أنت يا عزيزي؟ وفي أي عالم عربي تعيش؟ وبأي لسان تكلم أصحابك؟ وبأي لغة كنت تدرس تلاميذك - لا، لا، لا يا حضرة الأستاذ: أستاذ اللغة العربية (؟ أو الهندية) وآدابها (؟) سابقا في جامعة بيروت الأميركانية (؟) هذا لم نتوقعه منك بل يتوقعه الناس مني أنا أصغر تلاميذك.
وذكرت لنا في تلك الصفحة (إذ لم نخرج منها إلى الآن) (شوشن القصر وهي عاصمة فارسية في أيام داريوس الكبير) ونحن لا نعرف عاصمة ولم نعرف عاصمة فارسية بهذا الاسم. فمن أين تأتينا بهذه الأسماء المكسرة المشوهة المهشمة؟ وكيف تريد أن نفهم ما تذكره عن بلادنا العربية وأنت تجهل ما تقول وما تنقل؟ فلعلك تريد أن تتكلم عن السوس (بسينين مهملتين) لكن ما الذي دهاك حتى تضيفها إلى القصر؟ وأظن أن كل هذا ناشئ عن أخذك أنباء البلاد عن الإفرنج بلا فكر ولا روية. فالسوس بلدة كانت شهيرة بخوزستان وكانت عاصمة الدولة الفارسية على ما نقلت.
امتد بنا النفس ونحن لم نخرج عن نصف صفحة من صفحات كتابه ولو مضينا في سبيلنا إلى آخر ما جاء فيها لأحرجنا القراء وأخرجناهم عن موقفهم.
فترى من هذه النظرة السريعة أن الكتاب كثير المزالق مشوه الكلام كثير أغلاط التاريخ والمدن. وأرى من اللائق أن أنصح للصديق بأن يحرقه فيجعل مثواه النار وبذلك يحفظ شرف أدبه من كل شائبة!(7/731)
95 - خمس مقالات في التهجين (تحسين النسل)
هي مقالات لصديقنا الأميركي بولس بوبنوى تبحث عن الوسائل التي يجب اتخاذها لتحسين النسل وقد نشرها سابقا في مجلات أميركية فاستحسنها أصحابها كما استحسناها نحن فنتمنى لها الرواج والانتشار.
96 - الصبح المنير في شعر أبي بصير
ميمون بن قيس بن جندل الأعشى والأعشين الآخرين مع شرح أبي العباس ثعلب، طبع في مطبعة أدلف هلزهوسن بيانة 1927.
مضى أكثر من سنة على إتحاف شركة ذكرى جب إيانا هذا الديوان البديع وكنا نؤخر
الكلام عنه ليتيسر لنا الوقت فنوفي حقه من النقد. وما زالت الهدايا تأتينا من كل حدب وصوب ونحن نمني النفس بما منيناها في الأول حتى حال الحول ونحن لا نزال في أحلام الأماني والآن اضطررنا إلى الكلام عليه حتى إذا أتسع لنا المجال مرة أخرى عدنا إلى الموضوع. واليوم نجتزى. بما يأتي:
هذا السفر الجليل بديع الطع والورق والحرف والشكل وقد بلغت العناية بخدمته أقصى غاية حتى أن ناشره لم يبق في صدر الواقف عليه أدنى أمنية والديوان مع شرحه وقع في 359 صفحة بقطع الثمن الكبير العريض والحق به 378 صفحة أخر بذاك القطع في اختلاف الروايات التي وردت في الكتب المطبوعة وغير المطبوعة فجاء كنزا حافلا بجميع الفوائد.
وأنت ترى من عنوان الديوان إنك لا تطالع في هذا السفر ما نطق به الأعشى ميمون وحده من الشعر بل ما قاله أيضا أعشى أسد وأعشى باهلة وأعشى بجرة وأعشى تغلب وأعشى تميم وأعشى ثعلب وأعشى جرم وأعشى جلان وأعشى أبي ربيعة وأعشى سليم وأعشى طرود وأعشى عجل وأعشى عكل وأعشى عوف بن همام وأعشى مازن والأعشى المغزلي وأعشى نجوان وأعشى نعامة وأعشى نهشل وأعشى هزان وأعشى همدان ويلي ذلك: (مجموعة ما أنشد للمسيب بن علس وهو خال الأعشى والأعشى راويته).(7/732)
ومن الغريب أن ليس لهذا الديوان الواسع إلا فهرس واحد صغير للأعلام في أقل من صفحتين فالنقص فيه عظيم. وليس فيه فهرس القصائد ولا فهرس الأعلام من رجال ونساء وقبائل وأمم ولا فهرس الأماكن ولا فهرس الألفاظ الغريبة التي وردت في مطاوي الصفحات. فالنقص إذن عظيم من هذه الأوجه ولو توفرت فيه هذه الأمور لكانت منافعه لا تعد ولا تحصى. فما على ناشره إلا أن يعود إلى استئناف العمل ليكون الكتاب ديوانا يتصفحه أبناء هذا العصر وإلا فأن الأتعاب التي صرفها في سائر الوجوه ضاعت أو كادت تضيع في إهماله هذه الأمور الجليلة التي هي من مزايا عصرنا هذا.
ومع كل ما بذل من العناية بضبط الكلم وقع غلط غير قليل بل ربما وقعت عدة غلطات في الصفحة الواحدة. فقد جاء مثلا في ص 342: فالبندنيجين (بضم الدال والصواب بفتحها) - وثقيف همدان (بتنوين الفاء المكسورة والصواب بلا تنوين) وفيها قد أتى ابن عدنان (بكسر
نون ابن والصواب بفتحها على أنه مفعول به) وقال في تلك الصفحة لا يبعدن (بفتح العين والدال والصواب بضم العين وفتح الدال) وهكذا وجدنا مثل هذه الأغلاط شيئا كثيرا مع أن الواقف على نشره من أثبت المستشرقين قدما في لغتنا الضادية وهو رودلف جير الألماني. وقد راجع لطبع هذا الديوان البديع خمسمائة وثمانية وثمانين كتابا مع رموزها المختزلة إذ كثيرا ما ترد تلك المؤلفات في أثناء الاستشهاد بها. وقد لاحظنا أن العلامة ذكر مجلتنا في مواطن عديدة من طبعته ولم نجد مجلة عربية غيرها. ولعل سبب ذلك تثبته وإيمانه في أن ما يدرج في مجلتنا موسوم بوسم التحقيق والتدقيق فيه.
ومن غريب ما عثرنا عليه سوء نقل أسماء الكتب وأعلامها فقد ذكر مثلا محيط المحيط بقوله: تأليف بطروس البسطاني والصواب بطرس البستاني وذكر مجموعة المعاني (في الصفحة المذكورة) بقوله قسطنطنية والصواب قسطنطينية وقال عن كتاب جمهرة أشعار العرب تأليف أبي زيد القرشي: كتاب جمهرة تأليف أبي زيد وهو عنوان غير واف ومخطأ فيه. ونسب كتاب كفاية المتحفظ للأجدبي والصواب للأجدابي. ونسب إلى الشرتوني معجمه بهذا(7/733)
العنوان: (اقراب (كذا) الموارد للحوري (كذا) الشرتوني فيظهر من هذا وأمثاله أن مسودات الطبع لم يعتن بتصحيحها كل الاعتناء وأما ما جاء من هذه مطبوعة بالحرف الإفرنجي فإنه صحيح الطبع.
وكل ما عددناه لا شأن له ولا خطورة بجانب النقص الذي يرى في هذا الديوان وهذا النقص هو خلوه من الفهارس التي ذكرناها في بدء كلامنا. فعسى أن يعود المعتني بطبعه إلى إعادة النظر فيه مرة ثانية كما قلنا ليستخرج من صفحاته جميع ما أشرنا إليه وإلا فالديوان يخسر شيئا كثيرا من قيمته الثمينة.
97 - كتاب عيون الأخبار
تأليف أبي محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري
المجلد الأول
كتاب السلطان - كتاب الحرب - كتاب السودد
مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة سنة 1343 هـ - 1925 م في 344 ص بقطع الثمن
الكبير.
كانت دار الكتب المصرية أهدت إلينا الجزء الثاني من هذا المصنف الجليل (راجع لغة العرب 7: 659) فتكلمنا عليه ووفينا حقه من المديح الذي هو أهل له، ولما علم صاحب العزة محمد أسعد براده بك أن الدار المذكورة لم تتحفنا المجلد الأول أسرع إلى إهدائه إلينا فوجدناه كسائر الكتب التي نشرت في عهد توليه إدارة الدار المذكورة
وفي غضون مطالعتنا لهذا السفر الجليل بأن لنا بعض الأمور نعرضها على نظره الثاقب لعله يجد فيها بعض الصحة فينبه عليها في الجزء الأخير من هذا الكنز الدفين الذي لا يفنى وإن اغترف منه الأدباء على مدى السنين
وأول شيء نلاحظه أن المستشرقين في هذا العهد لا يتولون طبع كتاب من كتب السلف إلا يصفون النسخة التي اتخذوها سندا لهم في طبعهم إياه. ثم يصفون سائر النسخ التي تداولتها أيديهم في أثناء بحثهم واستشارتهم لها وكثيرا ما نرى ناشري هذا الكتاب يذكرون في الحاشية: (النسخة الفتوغرافية) ونحن لا نعلم من أمرها شيئا. ويشيرون إلى النسخة الألمانية. وهم لم يعرفوها(7/734)
في كتابهم هذا.
2 القراء في حاجة إلى معرفة صاحب الكتاب وزمنه ومكانته من العلم. نعم إننا لا ننكر أن أغلب الفضلاء الذين يطالعون هذا التصنيف الجليل وأمثاله يعرفون من ابن قتيبة الدينوري لكن لا يغني ناشريه عن ذكر ما يهم المطالع الغريب معرفته ليزداد التصنيف ثمنا في عينيه.
3 - جاء في ص 25 في السطر الأول منها: (فخذ ماء رمانين فدقهما باهليلجة) ونحن نظن أن هناك خطأ في الطبع والصواب (رمانتين) أما الرمانان فمثنى جمع لرمان ورمان من اسم الجمع الذي يعرف واحده بالتاء.
وفي حاشية ص 64 فسروا الجاثليق نقلا عن القاموس بقولهم: الجاثليق بفتح الثاء المثلثة رئيس للنصارى في بلاد الإسلام بمدينة السلام قال صاحب التاج وهو المعروف الآن بالقنثل كقنفذ. اهـ
قلنا: تعريف صاحب القاموس لا يصور لنا حقيقة الجاثليق، لأن رؤساء النصارى طبقات فمن أي الطبقات هو الجاثليق؟ وقوله (في بلاد الإسلام) لا موطن له هنا إذ قد يكون في
غير البلاد المذكورة وفي غير دار السلام. وأما قول صاحب التاج وهو المعروف الآن بالقنثل فغير صحيح والصواب القنصل أو القنسل وبالإفرنجية ثم أن القنصل موكل بأمور النصارى الدنيوية أما الجاثليق فأكبر رؤساء الدين في الشرق وهو بالإفرنجية (راجع لغة العرب 5: 173)
وجاء في حاشية ص 81 في السطر الأخير: (ولم نجد التضعيف (لفعل سجن) لا في القاموس ولا في اللسان) اهـ. - قلنا: الذي ورد في كتب اللغة سجنه بتضعيف الجيم للنخل قالوا: سجن النخلة جعل لها سلتينا (أو سجينا) وهو الحفرة تحفر في أصولها ليجذب الماء إليها إذا كان الماء لا يصل إليها. اهـ.
ومن هذا يتضح أن سجن بالتضعيف وارد والذي يقال عن النخلة هو من باب المجاز. كأن الفلاح يسجن الماء في الحفرة ليمنعه الخروج عنها. وقول المحشي ولم نجد التضعيف لا في القاموس) صوابه: لم نجد التضعيف في القاموس بحذف (لا) المتقدمة على (في) فقد قال المبرد وثعلب: العرب إذا جاءت بين كلامين(7/735)
بجحدين كان الكلام إخبارا اهـ. إذن معنى قول المحشي: (ولم نجد التضعيف لا في القاموس): وجدناه في القاموس كما يظهر لأدنى تأمل.
وجاء في حاشية ص 88: (كل ما بين هذين القوسين المربعين. . . قلنا المشهور في القوس التأنيث وإن جاء تذكيرها أيضا. وقوله قوس مربع لا يمكن أن يكون فالمربع لا يكون قوسا والقوس لا تكون مربعة. ولو قال بين عضادتين أو بين عقافتين لكان الأمر أهون.
وفي حاشية ص 104 رجح المحشي الغي على العي والمعنى يوجب أن يكون هناك العي بالعين المهملة.
وفي ص 112 جاء ذكر الماذيان في هذه العبارة من كلام المؤلف: (وإن زالتا (أي زالت الميمنة والميسرة) بعض الزوال ما ثبت المادتان فإن زالت المادتان لم ينتفع بثبات الميمنة والميسرة). ثم قال في الحاشية عن (المادتان) كذا بالنسخة الألمانية وفي الفتوغرافية هكذا الماذيان ولم نوفق إلى تصويبها (كذا أي لتصويبها) - قلنا الصواب الكلمة هنا: (الماذيان) ومعناها الحجر أو الرمكة أي الفرس الأنثى. وكان من عادة أهل الفرس أن يضعوا في
قلب الجيش المحارب راكب فرس أنثى. فيسمى القلب (ماذيانا) أي فرسا أو رمكة والكلمة فارسية يقال فيها ماذيان وماذيانه بالها أما (المادتان) فلان معنى لها هنا في العبارة وتثنى ماذيان على ماذيانين وماذيانة على ماذيانتين بحسب المفرد الذي ينظر إليه.
وفي ص 312 س 7 وناحية الدبور وناحية المغرب يوصفان بالفضيلة والانخفاض. فقال في الحاشية (وردت هذه الكلمة هكذا بالأصلين ولم يظهر لها معنى) اهـ. والصواب الذي عندنا: بالسفالة والانخفاض وسفالة كل شيء أسفل وسفالة الريح نقيض علاوتها وعلاوتها حيث تهب.
وفي ص 313 س 13 وكواوها وضبطت كاف الكواء بالكسر والمعروف الشائع الكواء بضم الأول كغراب كما صرح بها أصحاب المعاجم وإذا قصرت قيل كوى بضم الكاف أيضا.
وهناك غير هذه الهفوات التي لا يخلو منها كتاب. وقد اجتزأنا بما ذكرنا للدلالة على أن الكمال لله وحده.(7/736)
والذي نتمناه لهذا التأليف الجليل الفهارس على اختلاف أنواعها ومعجم تذكر فيه الألفاظ الغريبة التي وردت في تضاعيف المباحث ولا سيما تلك التي لا وجود لها في دواويننا اللغوية مثل ماذيان وماذيانة والأطربون المذكور في ص 193 في السطر الثاني والثالث وهو المعروف عند الروم (اللاتين) إلى غير ذلك وهو كثير، فعسى أن تخرج هذه الأمنية إلى عالم التحقيق وهو الميسر.
98 - فهرس الكتب العربية الموجودة بالدار لغاية شهر
سبتمبر سنة 1925
وملحق بالكتب العربية الواردة لغاية مايو سنة 1926 الجزء الثاني في 260 ص ويشتمل على علوم اللغة والوضع والصرف والنحو والبلاغة والعروض والقوافي، والجزء الثالث في 439 ص ويشتمل على القسم الأول من فهرس آداب اللغة العربية طبع الجزء الثاني في سنة 1926 والثالث في سنة 1927 وكلاهما برز من مطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة بقطع الثمن الكبير.
منذ أن صارت إدارة دار الكتب بيد صاحب العزة محمد أسعد براده بك نهض بها إلى أعلى ذروة من الإصلاح والتحسين والرقي وتتحقق هذا الأمر من الكتب التي نشرت في عهده فإنها درر ثمينة وكنوز لا تقدر وقد جمعت إلى حسن الطبع الغاية القصوى من الإتقان والتدقيق.
كانت مطبعة بولاق قد طبعت فهارس أصبحت اليوم بلا فائدة لأن النظام غير معروف فيها وإذا أراد المطالع أن يفتش فيها عن ضالته لا يجدها إلا نبها وبعد أن يضيع الساعات الطوال في طلبها. أما اليوم فإن الفهارس التي نشرت في هذا العهد عهد المدير الكبير محمد أسعد برادة بك قد جاءت من أبدع ما يرى من نوعها. وإذا طلبت لها مشابهات في ديار الفرنجة فإنك لا تجدها.
وإذا أردت أن تبحث في هذه الأسفار عن كتاب تريده، فأطلبه في العلم الذي يرجع إليه. ثم ابحث عن اسمه بحسب حروف المعجم تجده بسهولة عظيمة. وعنوان الكتاب مطبوع بحرف يميزه عن الشرح الذي يبين مزاياه وخصائصه. وربما وجدت في هذا الشرح ترجمة صغيرة تذكرك سنة مولد(7/737)
المؤلف ووفاته - أن كان قد مات - إلى غير هذه الإشارات المفيدة للمطالع. فغدا هذا الكتاب رفيق الأديب أينما كان وايا كان تخصصه في الأدب، دع عنك حاجة كل كتبي إليه وكل ذي خزانة لأنك ترى في هذا الكنز الدفين أسماء التآليف على أنواعها مطبوعة كانت أو مخطوطة.
ووجدنا في أثناء تصفح هذين السفرين بعض هنات لا تنزع شيئا من محاسنهما من ذلك ما جاء مثلا في ص 2 من الجزء الثاني فقد ذكر اسم (الاشتقاق والتعريب) باسم الاشتقاق والتعريف وفي ص 3 ذكر أن اقرب الموارد تأليف القس سعيد والصواب الشيخ سعيد ولم يكن قسا وقال عن ذيل أقرب الموارد أنه يحوي ما وجده من الخطإ الذي نقله من كتب اللغة مع أنه يحوي أيضا مستدركات كثيرة جمعها المؤلف من معاجم عديدة. وقال في ص 11 أن أحمد فارس الشدياق كان صاحب مجلة الجوائب والجوائب لم تكن مجلة بل جريدة. وفي ص 4 ذكر الألفاظ الفارسية المعربة وأنها تأليف القس أدي شير رئيس أساقفة سعرد الكلداني. والصواب السيد أدي شير لأنه لا يقال عن رئيس الأساقفة (قس) بل سيد على اصطلاح النصارى. وقد تكرر أسم هذا الكتاب في ص 47 ولم نفهم سبب ذكره في
موضعين مختلفين وكان يمكن أن يستغنى عن هذه الإعادة التي لا فائدة فيها.
وورد في الجزء الثالث في ص 182 سجع الحمامة أو ديوان بطرس كرامة ولم يذكر عن هذا الشاعر شيئا بخلاف مألوف عادته. فقد كان من حمص وولد فيها في سنة 1774 وتوفي سنة 1851
99 - بيان حاخامي بغداد حول قضية وكيل الحاخامباشي
26 تموز سنة 1929 بمطبعة الآداب في 24 ص بقطع 16
بيان أصدره المجلس الروحاني الإسرائيلي في بغداد لإطلاع الناس على قضية ساسون خضوري وكيل حاخامباشي بغداد وكنا نود أن لا يكتب شيء في هذا النزاع مما يخدش الأذهان وعسى أن تصلح الأمور على أحسن وجه ولا يعاد حدوث مثله.(7/738)
100 - رد وكيل الحاخامباشي على بيان حاخامي بغداد
مطبعة العراق في بغداد في 24 ص بقطع 16
ما كنا نود أن نرى هذا النزاع بين الأخوة في بيت واحد وكلما طال الجدال زادت المساوئ وساسون خضوري يدافع عن نفسه وما نسب إليه فعسى أن يزول بهذا الرد سوء التفاهم بينه وبين خصومه وأن يستعفي من وظيفته فيريح ويستريح وبهذه الصورة يتم الوفاق.
101 - مريم المجدلية (بالفرنسية)
تأليف غي دافلين (عقيلة غزالة بك)، طبع في أفنيون بمطبعة أوبانل أخوان في سنة 1927.
غي دافلين هو اسم السيدة جان عقيلة الدكتور سليمان بك غزالة ولها عدة مؤلفات ألفتها بالفرنسية. منها عشرة في الروايات التاريخية وخمسة في الروايات الحديثة وأربعة في روايات المسارح وأربعة في مختلف القصائد واثنان في القصص واثنان يطبعان الآن إذن لها 27 مصنفا وقد راجت كتبها كلها أي رواج. حتى إنها استحقت النوط الذهبي من الجمعية القومية لتشجيع الناس على الخير. وهذا الكتاب كسائر مصنفاتها مطبوع بطابع الخيال البديع والعبارة الفرنسية محكمة رصينة تدفع القارئ إلى توخي الخير في ما يعمل وقد زين أخوها بتسع صور تلك الرواية البديعة فجاءت من أحسن ما يطالع في لغة بسوة
وباسكال.
102 - الرحيق المختوم في المنظوم والمنثور
من نظم وإنشاء العلامة السيد محسن الأمين الحسيني العاملي.
(القسم الثاني) طبع في دمشق في مطبعة ابن زيدون سنة 1348 هـ في 272 ص بقطع الثمن وقيمته 12 آنة في العراق
لهذا الكتاب أربعة عشر بابا من مديح وغزل ونسيب وتهنئة وتعزية وهجاء إلى أشباهها أي أنه حافل بالأبواب على النمط القديم الذي لا تستسيغ مواضيعه أذواق هذا العصر، وكما نود أن يطرق فضيلته معاني مبتكرة وإلا فأن الأقدمين أجادوا كل الإجادة في المباحث التي عالجها فلا حاجة لنا إلى تكرار ما قذفت به(7/739)
خواطر الأقدمين ونحن في عصر يرحب بالغض الرطب ويكره اليابس الناشف.
وقد لحظنا أن المؤلف طالع في 15 كتابا في الصرف والنحو أو أكثر وتلك المؤلفات من أحسن ما يعرف في صنفها. ومع ذلك وجدناه يقول في ص 141: معسرا كان أو مؤسرا (بهمزة الواو) وهيء ومكتبة وفي ص 142 في ربيع الأول. . . ذاهبا وآيبا. . . لتعليم الإناث من أطفال الشيعة. . . ولو قال: موسرا وهيأ وخزانة وشهر ربيع الأول وآئبا لتعليم طفلات الشيعة لكان أصوب. وهذا يدلنا على عقم التصانيف التي صنفها الأقدمون في القواعد العربية لأن أسلوبهم يخالف روح العصر والأساليب الحديثة مع اختصارها أوفى بالمقصود، فعسى أن يكون الجزء الثالث من كتابه أحسن من هذا.
103 - مصح القديس منصور دي بول في بحنس (قرب
بيروت) لبنان الكبير
جاءتنا كراسة مصورة تصف لنا هذا المصح الذي اشتهر كل الاشتهار في الشرق مع حداثة عهده ودونك شيئا عنه:
لما كانت أمراض السل تزداد انتشارا في ديار الشرق ولم يكن لشفاء المصاب بها وقاية السليم منها، وكان لابد من الإقامة في موضع تتوفر فيه أسباب الراحة والتطبيب حبا لخدمة الإنسانية المتألمة، رأت الراهبات اللعازريات أن يقمن دار شفاء تضم فيها المسلولات،
تسهيلا لشفائهن ووقاية لعيالهن، فأقمنها في قرية بحنس في جبل لبنان، وبحنس ترتفع فوق سطح البحر زهاء ألف متر ومناخها في منتهى الجودة صيفها جميل وشتاؤها معتدل وهواؤها نشف وشمسها متلألئة ومواصلاتها سهلة، إذ تبعد عن بيروت ما يقارب الساعة في السيارة.
ونحن لا نشك في أن المسلولات العراقيات يذهبن بعد هذا اليوم إلى هذا المصح المذكور لما فيه من حسن المداراة وقلة النفقة.
فالنفقة لمن يكون في المرتبة الأولى 15 ليرة عثمانية في الشهر
في المرتبة الثانية 10 ليرة عثمانية في الشهر
في المرتبة الثالثة 7 ليرة عثمانية في الشهر.(7/740)
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 5 -
25 - وقال في ص 38 عن الجاهلي (وإذا وصف أمرا استجلاه على صورته وطبيعته ومثله تمثيلا ناطقا بلفظ يندر فيه زخرف المحسنات البديعية وإذ لذعه الحب بأوراره أطلعك من قبله على موضع ناره وأسمعك منه رنين أوتاره) فإذا نظرت إلى ص 189 - 190 استغربت في الضحك من التناقض فإنه يصف الشعر الإسلامي ويعرض بالجاهلي بقوله (وكل ما نعرفه للجاهليين من الغزل والتشبيب ووصف النساء إنما كان يتخذ وسيلة إلى غيره!!! من فنون الشعر!! لا فنا يصورون به عواطفهم وأهواءهم وميولهم!! ويصفون به ألم الحب ولذاته!!) أين أوار الجاهلي وناره وأوتاره التي أعرته إياهن في ص 38؟؟ ثم قال (وما يستتبع ذلك من مسرات الحياة، لذلك نعد هذا النوع من الشعر فنا جديدا ولا نذهب إلى أن الجاهليين قد عرفوه أو فهموه) وكان الله أحسن الخالقين.
26 - وقال في ص 39 (وقد كان الجاهليون يؤثرون جزالة اللفظ ووضوح المعنى ولا يمعنون في النظر في أعطاف الشعر بأن يتحيلوا في التخلص) قلنا: ما ضره لو ثبت على قوله هذا فلم يقل في ص 73 عن زهير بن أبي سلمى (وهو يمضي على هذا الأسلوب من ذكر الديار والتشبيب ووصف النساء اللائي كن فيها والطريق التي سلكنها والماء الذي نزلن عليه حتى يتخلص إلى مدح صاحبيه ووصف سعيهما في الصلح) ولم يقل في ص
81 عن أعشى قيس (وقد أشار إلى ناقته وتخلص إلى المدح على طريقة شعراء العرب) فهو قد نفى عن الجاهليين ترتيب الشعر على حسب مضامينه ثم أثبت لهم الترتيب والتخلص المحكم على على طريقة شعراء العرب، فما يصنع الدارس بهذا التناقض السريع؟
27 - وقال في ص 40 (فلم يحتاجوا مثلنا إلى المدارسة والمران عهدا طويلا لنحاكي لغتهم) فيصعب على القارئ أن يعتقد أن هذه العبارة من مسابيك الأديب الأثري لاضطرابها فالصواب (فلم يحتاجوا احتياجنا إلى. . .) ليصح(7/741)
التعليل المتأخر أو (فلم يحتاجوا مثل احتياجنا إلى. . .)
28 - وقال الشاعر في ص 41 (وهل أنا إلا من غزية إن غوت) فعلق به (هل للنفي) والمسموع أنها هنا (لشبه النفي) ذلك لئلا يناقض أصلها اللفظي المعنوي مما فتشتبه أحوالها على القارئ والسامع.
29 - وجاء في ص 59 (وجستنيان) وإنما هو يوسطنيانوس بالياء لا الجيم
30 - وقال فيها أيضا (حتى بدا لقيصر فاسترجعه) ولم يذكر الفاعل البادي!!! وقال في ص 65 (ومهما يكن فأن الأصل) فأين الكائن؟؟
31 - وقال في ص 65 (قام بها عدو للنابغة نكاية به) والصواب ههنا (نكاية فيه) لأنه يتعدى بنفسه وبفي لا بالباء.
32 - وجاء في ص 67 (لا تلمه: لا نجمعه وتصلحه) والصواب (لا تجمعه ولا تصلحه) بتكرير أداة النفي مع الفعل الثاني الملتبس بالإثبات، ألا ترى قول زيد بن علي أبن الحسين (ع) لهشام بن عبد الملك في ص 15 من جمهرة الأمثال (هذه هاجر قد ولدت إسماعيل فما وضعه ذلك وصلح للنبوة وكان عند ربه مرضيا) فعلى أسلوب الأثري المتجر يكون المعنى (ما صلح إسماعيل للنبوة ولا كان عند ربه مرضيا) وهو تعبير فاسد، ومن الأدلة على وجود الالتباس قول الشاعر في 1: ص 60 من الأغاني (وأوصى به إلا يهان ويكرما) فليس معناه (ولا يكرم) ويحسن بنا أن نورد شاهدا لتكرير النفي من قول علي عليه السلام ففي 2: 489 من شرح نهج البلاغة الحديدي (أيها الناس لو لم تتخاذلوا عن نصر الحق ولم تهنوا عن توهين الباطل لم يطمع فيكم من ليس مثلكم ولم يقومن قوي عليكم).
33 - وقال في ص 66 (حتى اخترم وقد عمر طويلا في السنة التي قتل فيها نعمان) وهو تركيب مضطرب من المضاد للبلاغة فالصواب (وقد عمر طويلا حتى اخترم في السنة. . .)
34 - وقال في ص 70 (كتيبة وهي القطعة من الجيش وجماعة الفرسان إلى نحو الألف) فقال في ص 95 (الكتيبة: الطائفة من الحيش) وهذا ضد قانون النشوء والارتقاء فأن التفسير قد تقلص إلى ما ترى ولم ترى ولم يلخص فما فائدته إذن وقد شاخ؟؟(7/742)
35 - وجاء في ص 80 (إذا اشهدوا العظام لو يليموا) ففسره بقوله (لم يليموا: لم يلمهم الناس من المته بمعنى لمته) قلنا: إذا كان الأمر على ذلك وجب بناء الفعل الرباعي للمجهول فيكون (لم يلاموا (كالثلاثي فالتفسير غلط ظاهر والصواب أنه من (الأم الرجل يليم إذا أتى بما يلام عليه).
36 - وقال في ص 81 (ولم يسف إليه من إرعاب الناس) ففي مختار الصحاح (رعبه يرعبه كقطعه يقطعه، رعبا بالضم: أفزعه ولا تقل: أرعبه).
37 - وقال في ص 83 (وإن كنا لا نرتاب في شاعرية الأعشى) والصواب (لا نرتاب بشاعرية. . .) لأنه يتعدى هنا بالباء لا بفي ومن ذلك ما في 3: 256 من الأغاني ونصه (وأرتاب به) وقال مسلم بن الوليد:
وضعته حيث ترتاب الرياح به ... ويحسد الطير فيه أضبع البلد
بغداد: مصطفى جواد
معجم إنجليزي عربي
- 5 -
ومن ثروة لغتنا وغناها الجاعم وهو آكل العظام. فقد ذكر حضرة الصديق العلامة وذكر لها في الإفرنجية مرادفتين أخريين ونقلهما إلى لغتنا بقوله: خلية تعظمية ماصة - خلية تمتص العظم اهـ. وكل ذلك حسن لكنه ليس لفظا واحدا. ونحن نفضل توحيد الحرف ليكون أخف مؤونة على المتكلم وأوفى بالمقصود. نعم ليس في لغتنا بعض الأحيان ما يمكن أن يسد مسد اللفظ الإفرنجي إلا أن التوسع في الوضع والاستعمال وتعميم المخصص أو تخصيص المعمم قد يفي ببعض الغرض. ولهذا نرى هنا لفظة (الجاعم) تقوم مقام
الإفرنجية. قال اللغويون: جعمت الإبل جعما: قضمت العظام وخرء الكلاب. وذلك إذا لم تجد حمضا ولا عضاها لشبه قرم بها. اهـ. على أننا لو تتبعنا كل ما ورد في هذه المادة من المباني والمعاني المتفرعة لتحققنا أن المادة الأصلية في هذه المادة الثلاثية هي ثنائية، أصلها (ج ع) والميم للمبالغة في معنى التركيب كما هو كثير الورود في لغتنا. فمعنى (جعم) جاع جوعا شديدا(7/743)
فأكل ما تيسر له. فلو انتقلنا إلى الخلية المذكورة لعلمنا أنها تلتهم كل مادة تنتفع بها لتستخلص منها المادة التي تبني منها العظم. إذن لو قلنا (جاعمة لتوفقنا في الوضع واستغنينا بلفظة واحدة عن ثلاثة ألفاظ على ما ذكرها حضرة اللغوي الكبير.
ومن هذا القبيل قوله في أمفيبيا - ذوات الحياتين - قسم من مملكة الحيوانات الفقرية التي تعيش في البر والبحر مثل الضفادع. قلنا: سماها بعضهم برمائية ناحتا إياها من البر والماء. وعندنا أن القوازب هي أحسن لفظة تؤدي المعنى المطلوب لأنك تعلم أن الحيوانات التي تعيش في البر والماء تسعى لرزقها في كل من هذين العنصرين على حد ما يفعله التاجر تاجر البر والبحر فإنه يطلب رزقه في الموطنين. فإذا كان الأمر بهذه الصورة كانت القوازب هي اللفظة المطلوبة. قال في التاج قال ابن الأعرابي: القازب: التاجر الحريص مرة في البر ومرة في البحر. ومثله في لسان العرب اهـ. وعندي أن الأصل هو الكاسب، إنما غيروا مخرجي حرفين من الكلمة ليبرزوا معنى جديدا. وهذا ما أشار إليه سيبويه في كتابه ونقله جميع اللغويين. قال في المخصص (9: 42) قال سيبويه: قد يكون الاسمان مشتقين من شيء ومعناهما واحد وبناؤهما واحد فيكون أحد البناءين مختصا به شيء دون شيء كهذه النجوم، ويعني الدبران والسماك والعيوق. قال: وبمنزلة هذه النجوم: الثلاثاء والأربعاء أي أنه إنما كان حكمها (كذا. ولعل الصواب حكمهما) الثالث والرابع فأفرد اليومان بهذين البناءين. قال: ولا تصغر الثلاثاء والأربعاء. انتهى كلامه.
وعندي أن أصل مادة قزب وكسب هو (قصد) لأن الكاسب يطلب الطريق القاصد للحصول على رزقه. يشهد على ذلك ورود هذه المادة في اللاتينية راجع في المعجم اللاتيني لصاحبه أ. ولد ثم عارض رأي هذا اللغوي الألماني بلغوينا العربي ابن جني فإنه قد سبقه بمئات من السنين إذ قال (أصل ق ص د وموقعها في كلام العرب: الاعتزام والتوجه) والنهود والنهوض نحو الشيء على اعتدال كان ذلك أو جور. هذا أصله في الحقيقة وإن
كان قد يخص في بعض المواضع بقصد الاستقامة دون الميل. ألا ترى إنك(7/744)
تقصد الجور تارة كما تقصد العدل أخرى. فالاعتزام والتوجه شامل لهما جميعاً). اهـ. راجع اللسان في قصد.
ومما يجري في وادي هذا المعنى قوله في مادة الزاغ ذو المنقار. غراب الزيتون نوع من الغربان أرجله حمراء اهـ. ونحن نرى في هذه العبارة عدة أمور منها: إن الزاغ غير الغراب ولا يجوز عند العلماء وضع الواحد موضع الآخر. والعوام أنفسهم لا يفعلون ذلك. أقول ذلك عن العراقيين إذ قد يتفق لغيرهم أن لا يميزوا بين الطائرين - 2 - قوله ذو المنقار بعد قوله الزاغ غريب فهذا كلام يشعر بوجود زيغان بلا مناقير ونظن أن مثل هذا الخلق لا يرى في أرض من الأراضي - 3 - قوله (أرجله) بعد قوله نوع من الغربان غريب أيضا. ولو قال: رجلاه حمراوان لكان أوضح وأصح. لأنه وجد من الناس من أعتقد أن لطائر ست أرجل أو ست قوائم قال في التاج في مادة برقش: قال ابن خالويه: أبو براقش طائر يكون في العضاه لونه بين السواد والبياض وبه ست قوائم: ثلاث من جانب وثلاث من جانب وهو ثقيل العجز تسمع له حفيفا إذا طار وهو يتلون ألوانا. اهـ. فقول الصديق هذا ذكرنا بكلام ابن خالويه. 4 - قوله: أرجله حمراء لا ينطق به الفصحاء لأنهم يقولون: إذا كان أفعل يدل على عيب أو لون أو حلية يجمع على فعل إذا أريد به نعت المذكر أو المؤنث المجموع ثم إنه وإن جاز لنا أن نقول: أرجله من باب إطلاق الجمع على المثنى إذ هذا من قبيل ذاك. فلم يجز أن نقول (حمراء) بل حمر - 5 - مالنا وكل هذه التآويل والتخاريج والسلف قد عرف هذا الغراب وسماه الغراب الأعصم. قال في القاموس الأعصم: الأحمر الرجلين والمنقار. اهـ.
وقوع أغلاط طبع غير مصححة
وقع في طبع هذا المعجم النفيس أغلاط طبع ظاهرة. فإن المؤلف حرسه الله نبه في المقدمة ص إن الصواب في كتابة الألفاظ المختتمة بأداة الملح (اة) أن تكون بالألف والهاء والحق معه لأنه ليس في لغتنا أسم مفرد زائد على ثلاثة أحرف ينتهي بألف وتاء بل بألف وهاء فقد قالوا وفاة وفتاة وفلاة وسعلاة ومرآة أما الألف والتاء فقد خصوهما بالجمع فقالوا بنات وفتيات وفلرات(7/745)
ومتمكنات وموجودات ومخلوقات. وكتابة أسماء الأملاح بألف وهاء واجبة
لا سيما مثل رصاصاة وكبريتاة وغيرهما. فلو كتبنا رصاصات وكبريتات إلى نحوهما فهم القارئ إنها جمع رصاصة وكبريتة والحال أننا لا نريد هذا الجمع بل نريد مفردا يدل على ملح. وهناك صعوبة أخرى فإنك لو أردت أن تجمع رصاصات وكبريتات لم يتيسر لك إلا أن تقول: رصاصاتات وكبريتاتات إلى ما يشابههما فترى من ذلك وجوب كتابة رصاصاة وكبريتاة بهاء في الآخر للمعنى المطلوب ولا يمكن أن تكتب بالتاء المبسوطة.
وجاء في ص 159 شعبتا القصبة. إن كلمة (شعبتا) وإن كانت سائغة، لا يعرفها السلف منا والمشهور عندهم: أنابيب الرئة أو أنبوبا الرئة (راجع لسان العرب في ن ب ب) فإذا أردت تصغيرها قلت: أنيبيب لما سماه الإنكليز وأما قول المؤلف شعيب ففيه تساهل إذ الصواب شعيبة لأن المفرد - على ما ذكره لنا - شعبة لا شعب، وقال في تلك الصفحة في ترجمة مختص بمجاري الرياء) (كذا بهمزة في الآخر) ونحن لم نجد رئة مجموعة على رئاء بل على رئات أو رئين. ثم قوله: (مختص بمجاري الرئاء) طويل وهو من باب التفسير المعنوي ولو قال: أنابيبي أو أنبوبي) لكان أخف لفظا وأقل حروفا.
وذكر في الصفحة بازاء جوتر (بضم ففتح فسكون) ورم الغدة الدرقية - النوظة (كذا بظاء معجمة) (الأصمعي) وفي ص 344 ذكر بازاء جوتر - نوطة (كذا بطاء مهملة) غددة العنق - سلعة العنق - تضخم الغدة الدرقية) اهـ. قلنا: الجوتر كلمة حديثة التعريب لا وجود لها في الكتب القديمة. وقوله: ورم الغدة الدرقية شرح كان يجب أن يوضع في آخر الكلمات لتفسيرهن والنوظة بالظاء المعجمة خطأ طبع في النوطة. والأصمعي لم ينفرد بذكرها حتى يستشهد بكلامه دون غيره. والأحسن حذف اسمه إذ ذكرها اللغويون جميعهم. وأحسن هذه الألفاظ ترجمة للإنكليزية هي (الجدر) كسبب كما هو مشهور عندنا.
وقد ورد ذكر اللنفى مكتوبة هكذا (ليمفا) (ص 459) أو لمفا (ص 457) وهذه أصح من تلك كتابة وإن كنا لا نستحسنها لأسباب: 1 إن العرب سلفنا يستبشعون غالبا مجاورة ساكنين أولهما حرف علة وثانيها صحيح. ولهذا نخير(7/746)
لمفا على ليمفا - 2 - إذا سكنت الميم وجاء بعدها باء أو فاء قلبوا الميم نونا ولهذا نفضل لنفا على لمفا - 3 - من المقرر أن الألف غير ممدودة إذا جاءت رابعة أو خامسة أو سادسة أو سابعة كتبت بصورة الياء فيقولون أرطى وجمادى وقبعثرى وحندقوقى ولهذا نقدم كتابة لنفى على لنفا كما قالوا ظربى
وحجلى. 4 - قد يمكننا أن نستغني عن اللنفى بالرواء بضم الراء الذي هو ماء الوجه وحسن المنظر وهذان الأمران أو أحد هذين الأمرين لا يكون أن لم تكن اللنفى في الإنسان فاللنفى سبب والرواء مسببة وتسمية المسبب باسم السبب أكثر من أن يحصى في لغتنا وفي سائر اللغات.
وجاء في ص 323 مقابلا للإنكليزية (فوفيلا - المادة الملقحة في الطلع - الحروق - الكش الذي يلقح به.) اهـ. قلنا: إن الحروق والكش أو الجش عناقيد زهر تؤخذ من فحال النخل فتثبت في عناقيد الأنثى فتلقح. أما المادة الملقحة فاسمها (اللقاح) كسحاب وسموا بها تلك العناقيد المذكورة.
وجاء بازاء قوله: (دجاجة - فرخة الشامري (بالفارسية - ومعناها شاه مرج ومنها العربية المحرفة شامرت) اهـ. قلنا، الكلمة الإنكليزية لا تعني الدجاجة فقط بل جميع الطير الذي يقيم في البيت أو الطير الذي لا يفارق البلد لأنه لا يحسن التحليق في الهواء ومغادرة محل إقامته أي أن الكلمة الإنكليزية تقابل ما يسميه الإفرنج: - أو وهذا ما يقابله عندنا الأوابد ومفردها الآبد (بالمد) إن أردت الذكر منها، والآبدة الأنثى منها. أما الشامري فليست بالفارسية بل شاه مرغ وكذلك يقول الفرس شاه مرج بالجيم. أما شامرت فليست في العربية الفصحى فلعلها في العامية المصرية. أما نحن فلا نعرفها.
وفي تلك الصفحة يقول: (الثعلب الأسود في القطب المنجمد الشمالي) ونحن لا نرى وجها للقول: منجمد لأن فعله الثلاثي لازم وهو جمد فكيف يبنى منه مطاوع وهذا لا يكون إلا في الأفعال المتعدية أو الشاذة حتى تتحقق فيها المطاوعة مثل كسره فانكسر ولهذا نظن أن الصحيح كان (القطب الجامد الشمالي) لا غير.(7/747)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - نص الاتفاق العراقي الإيراني
حضر معالي سميعي خان المندوب فوق العادة لدولة إيران ببغداد في ديوان فخامة رئيس الوزراء ووزير الخارجية في 11 آب الساعة التاسعة صباحا فوقع كل منهما بالمراسم المعتادة الاتفاق الوقتي الذي حصل الاتفاق على عقده بين العراق وإيران.
صورة الاتفاق
أما الاتفاق المذكور فهو عبارة عن كتابين متفقين في العبارة والمعنى وقع أحدهما وزير الخارجية والآخر سميعي خان بعد تبديل كلمة (إيران) ب (العراق) والعكس بالعكس ثم جرى تبادل الكتابين.
وقد حرر الاتفاق باللغة الأفرنسية. وهذا نص ترجمته كما جاء من إدارة المطبوعات (ويقال إنه مكتوب بالعربية)
وزارة الخارجية
بغداد
في 11 آب 1929
صاحب المعالي عناية الله خان سميعي المندوب فوق العادة لصاحب الجلالة الإمبراطورية شاه إيران في العراق - بغداد
سيدي الوزير
لي الشرف بأن أحيط معاليكم علما أنه لما كانت حكومتي متشبعة برغبة صادقة في أن تنتهي بأقصر وقت ممكن المفاوضات الجارية مع الحكومة الإيرانية بشأن عقد معاهدة صداقة واتفاقيات للإقامة والتجارة والملاحة وكذلك اتفاقات خاصة لتنظيم المسائل التي يجب تنظيمها بين الفريقين اللذين يخصهما الأمر فقد كلفتني أن أبلغ إليكم باسمها الأحكام الآتية لتكون قاعدة موقتة للعلاقات بين بلدينا:
1 - إن ممثلي إيران السياسيين والقنصليين في العراق يتمتعون على شرط المعاملة
المتقابلة بالحقوق والامتيازات والصيانات والاستثناءات المقررة بمبادئ وتعامل القانون الدولي العام والتي لن تكون بأي حال من الأحوال أقل من الحقوق والامتيازات والصيانات والاستثناءات الممنوحة إلى الممثلين(7/748)
السياسيين والقنصليين التابعين لأكثر الأمم حظوة.
2 - للحكومة الإيرانية بشرط المعاملة المتقابلة أن تعين في الأراضي العراقية ممثليها القنصليين الذين يمكنكم أن يقيموا في أي مكان فيها حيث منافعها من وجهتي الاقتصاد والثقافة تسوغ إقامتهم ومع ذلك لا يمكنهم أن يمارسوا وظائفهم إلا بعد أن يتلقوا (الاكسكواتر) المعتاد.
3 - يقبل الرعايا الإيرانيون إلى الأراضي العراقية ويعاملون وفقا لقواعد الحقوق الدولية ويجب أن لا يعاملوا بأي حال من الأحوال بشرط المقابلة بمعاملة أقل شأنا من المعاملة التي يعامل بها رعايا أكثر الأمم حظوة.
لما كانت صلاحية السلطات على النظر في أمور الأحوال الشخصية ستنظم فيما بعد بين الدولتين فإن رعايا إحداهما الموجدين في أراضي الأخرى يبقون موقتا خاضعين في هذه الأمور إلى محاكم البلد المقيمين فيه.
4 - تستفيد بشرط المعاملة المتقابلة المحصولات الأرضية والصناعية الإيرانية المستوردة إلى العراق في جميع الخصوصات من النظام الذي تعامل به محصولات أكثر الأمم حظوة التي هي من هذا النوع.
5 - تدخل الأحكام المذكورة أعلاه في حيز التنفيذ ابتداء من اليوم وتبقى معمولا بها إلى أن تعقد المعاهدات والاتفاقيات والاتفاقات المفكر بها في أعلاه أو لمدة سنة على الأكثر.
تفضلوا يا سيدي الوزير بقبول فائق احتراماتي.
(التوقيع) توفيق السويدي وزير الخارجية لحكومة العراق
2 - بيان الممثل فوق العادة لدولة إيران الإمبراطورية
كتب معاليه إلى مدير جريدة العالم العربي ما هذا حرفه.
إن الذوات المحترمين الذين يشرفونني، يسألني الأغلب منهم عن الحالة في فارس وهم قلقون لأجلها، وقد ظهر من ذلك إن الحوادث المحلية هناك قد رسخت في أذهانهم بصورة غير صورتها الأصلية. أو أن أرباب الغرض والمرض يتعمدون في نشر بعض الأكاذيب
حول هذه الحوادث التي لم تكن من الأهمية بمكان. وحقيقة هذه الحوادث هي كما يأتي:
إن دولة إيران العلية قد منعت بصورة قوية مبايعة الأسلحة والأفيون خلسة. وسدت هذه الطريق العوجاء على القشقائيين سدا محكما. ومن جراء ذلك قد أصاب بعض رؤساء القشقائيين(7/749)
أضرار لا يستهان بها وقاموا بالثورة ضد الحكومة وقد حذا حذوهم بعدهم بعد مدة قليلة ثلة من عشائر البختيارية وأخلوا بالأمن في حدودهم. ولكن السلطات الإيرانية قد شتتوا شملهم بأسرع وقت وأن رئيسين مهمين من الرؤساء القشقائية وهما علي مراد وعلي جوهر قد ألقي القبض على أحد منهما وتسلم الآخر (كذا). وقد احتلت (دهكرد) التي هي مركز البختياريين من قبل السلطات الإيرانية وأوقف رؤساء المشاغبين منهم وفي الحالة هذه يمكن أن تعد هذه ثورة القشقائية والبختيارية قد انتهت بتاتا وإن السلطات العسكرية والملكية يعملون في قلع هذه الفتن والمشاغبات من أصلها وإقرار الأمن والنظام والتأمين في تلك الأنحاء.
الممثل الفوق العادة لدولة إيران الإمبراطورية عنايت الله سميعي
3 - إنشاء مستوصف في دار الممثلية الإيرانية فوق العادة
ببغداد
على أثر تحسن العلائق الودية بين العراق وإيران قامت الدولة الإيرانية الإمبراطورية بإنشاء (مستوصف) بدار ممثلها فوق العادة في بغداد وشرعت في تهيئة المعدات والأسباب اللازمة له.
واتصل بنا أن المستوصف المذكور سيكون مرجعا طبيا لجميع المرضى الذين يقصدونه، فيقدم فيه أنواع الأدوية والعقاقير إلى المرضى الإيرانيين والعراقيين مجانا إذا كانوا من طبقة الفقراء والمعوزين.
وقد اختارت الحكومة الإيرانية حضرت الدكتور الفاضل موسى فيض خان طبيب الممثلية الإيرانية ببغداد لمعاينة المرضى في المستوصف المذكور. ولا يخفى أن الطبيب المومأ إليه قد تلقى علومه الطبية بكلية الطب في باريس، واشتغل مدة بتعليم الطب والتشريح في مدرسة الطب العليا بطهران. ثم تعين مديرا للصحة في المقاطعات الشمالية أي ولايات
كيلان ومازندران واستراباد. ثم عزمت الحكومة الإيرانية على إيفاده بعنوان (طبيب سفارة إيران) إلى كابل ولكن نظرا للثورة والقلاقل التي قامت في أفغانستان أوفدته إلى بغداد.
ومن المعلوم إن لمعالي سميعي خان الوزير الإيراني المفوض الذي اشتهر بمواقفه الولائية تجاه العراق، اليد البيضاء في إنشاء المستوصف واصطحابه الطبيب المذكور إلى العراق.
4 - الإيطاليون في دوائر الإيرانيين
في أوائل آب عقدت الحكومة(7/750)
الإيرانية اتفاقا مع ثمانية من الاختصاصيين الإيطاليين لاستخدامهم في إدارة المحطات اللاسلكية التي أنشأتها حديثا في الولايات الجنوبية وستوفد بعثة إلى أوربة مؤلفة من 14 تلميذا لدرس التلغراف اللاسلكي.
5 - يوسف السويدي
انتقل إلى دار الخلد صاحب السماحة يوسف أفندي السويدي في صباح 38 آب (أوغسطس) على أثر خزع أجري له في المستشفى الملكي وقد ترجمناه في لغة العرب (2: 219 و438 و439) ودفن في مقبرة الشيخ معروف بجانب الكرخ فنعزي أشباله بهذا المصاب الجليل.
6 - وفد الكويت في الرياض
وصل الرياض في أوائل آب الوفد الذي أوفده حاكم الكويت إلى الملك ابن السعود لتهنئته بالوصول وتنفي المحافل الكويتية إن للكويت ضلعا في غارة العجمان على العوازم في القلاقل الأخيرة التي وقعت في بلاد الاحساء. ويقيم فيصل الدويش في موقع يقال له (الشظف) على بعد 30 ميلا من الكويت.
7 - تمديد خطوط التلفون
قد مد التلفون إلى أربل وأصبحت المواطن الآتية موصلة بالخطوط التلفونية:
التون كوبري - بغداد - براز الروز - الحلة - بعقوبا - جمجمال - أربل - الفلوجة - دلتاوة - سدة الهندية - كجل كجل - خانقين - كركوك - كوي سنجق - مندلي (البندنيجين) - نفط خانة (شركة نفط خانقين) - رانية شقلاوة - شهرابان - السليمانية - طوز خورماتي (شركة النفط العراقية).
8 - بريد طيار بين بغداد وطهران
أنشئ بريد طيار بين حاضرتنا وحاضرة إيران ويكون الإيراد به نهار الاثنين من كل أسبوع ويبتدئ في 2 أيلول (سبتمبر) من هذه السنة.
9 - الشكاوي من بريد العراق
لا يأتي بريد إلينا إلا وفيه شكوى من بريدنا فقد جاءتنا شكوى من شيكاغو (أميركة) وغلاسكو (إنكلترة) ومصر (من ثلاثة مشتركين) والمنيا (ديار مصر) ومرسيلية (فرنسة)، فنرجو من الإدارة أن تعاقب الجاني في البريد لكي لا تتكرر تلك الشكاوي
10 - الحمى المحرقة في الحاضرة
جاء في النشرة الأسبوعية الطبية الرسمية المنتهية في 17 آب الحالي (أوغسطس) إحصاء لهذه الحمى المحرقة (التيفوئيدية) إن وقع سبع إصابات في بغداد ووفاة واحدة ولهذا أخذ بعضهم يلقحون لمقاومتها.
11 - سيارة لتنظيف القني
جلبت أمانة العاصمة سيارة لتنظيف المجاري والبلاليع. وهذه السيارة تمتص(7/751)
الأقذار من مسافة بعيدة بواسطة أنابيب تتخذها لهذه الغاية وتجر الأوحال الناشئة من تساقط الأمطار.
12 - طفل يقتل طفلا
تخاصم طفلان في الكاظمية في (باب الدروازة) عمر الواحد خمس سنوات وعمر الثاني سبع، فلما غضب الأول على الثاني أشد الغضب أتى بسكين وطعنه به فأرداه قتيلا.
13 - ميزانية العراق المالية عن سنة 1929
أخذ مجلس النواب في 28 أيار 1929 يدقق النظر في ميزانية الدولة العراقية لسنة 1929 - 1930 وقد خمنت النفقات بمبلغ 60247490 ربية (وكانت عن السنة الماضية: 57529721 ربية) والدخل بمبلغ 60303090 ربية (وعن السنة المنصرمة: 57965470 ربية) فتبلغ الفضلة 55600 ربية (وفي السنة الماضية: 435749 ربية).
14 - لجنة إسعاف منكوبي الفيضان
تألف في العاصمة لجنة برئاسة سعادة متصرف بغداد لإسعاف منكوبي فيضان الفرات.
15 - تنفيذ حكم الإعدام
نفذ حكم الإعدام في أحمد محمود لاغتياله الأخوين عمر وبكر أبان انتخابات السنة الماضية (راجع مجلتنا 6: 319).
16 - اجتماع لجنة الحدود العتيدة
كان الاجتماع السادس للجنة الحدود العراقية التركية العتيدة في ماردين. وتألف الوفد العراقي من المفتش الإداري للواء الموصل ومدير تحريراته وقائم مقام زاخو مصطفى بك العمري وكاتبين وبرئاسة سعادة متصرف الموصل عبد الله بك الصانع.
17 - فهرس السنة 7 في جزء واحد
طلب منا كثيرون أن نجعل الفهارس في الجزء الثاني عشر فقط وأن يكتفى بالفهارس السبعة الأولى فلبينا طلبهم ولهذا ننشر جزءا حادي عشر هذه السنة ويكون الجزء 12 خاصا بالفهارس لا غير.(7/752)
العدد 74 - بتاريخ: 01 - 10 - 1929
ترجمة فنان عراقي
لما كان واجب الوطنية الصادقة يحتم على الكاتب أو المؤرخ أن يخلد ذكر من برز من أبناء الوطن في فضل أو فضيلة أو نبغ في علم من العلوم أو فن من الفنون، رأيت أن لا مندوحة لي عن أن آتي بترجمة فنان عراقي توفاه الله قبل مدة قصيرة من الزمن ألا وهو المأسوف عليه يوسف بن أنطون يغيا.
1 - منشأ أسرته ونسبه
في غضون الربع الأخير من القرن الثامن عشر قدم إلى بغداد من ديار بكر شاب أرمني كاثوليكي اسمه يغيا (أي إيليا) بن بدروس أصلان (أرسلان) وكانت مهنته البيع والشراء، فضلا عن قيامه بأشغال تجار بغداد الكبار وأمور تجارتهم في طوقاة والآستانة وغيرهما من البلدان وذلك لحسن شهرته في النزاهة(7/753)
والصدق والاستقامة والهمة العالية. وقد أتى ذكره بمديح وثناء في الرسائل القديمة التجارية.
وتأهل في بغداد بلوسية ابنة قسطنطين بن حنا دانا الآمدي الكلداني وكان قسطنطين من كبار تجار الزوراء المعدودين حتى كان يضرب المثل بثروته.
وتوفي يغيا في أحد أسفاره إلى الآستانة مخلفاً ثلاثة بنين وهم يوسف جان وبتراك وأنطون وابنة أو ابنتين وهما سيدي وكترينة وإحداهما ترهبت في دير الروميات الكاثولكيات في جبل لبنان.
فيوسف جان توفي في بلاد فارس بلا عقب والأرجح أن بتراك أيضا توفي هناك عن امرأته كترينة ابنة نعمان بن دنحا وابنته لوسي التي تزوجها بشوري ابن فرنسيس تيسي وبعد وفاة بتراك صارت كترينة امرأته لسليمان بن داود الجوخجي وذلك في 4 أيار 1835.
وأما أنطون فتزوج أولا بمدولة الحلبية وبعد وفاتها تزوج سنة 1836 بسارة ابنة يوسف حبش التاجر الكلداني ورزق منها تاكوهي سنة 1840 ويوسف الذي نحن بصدده وقد اعتمد في 19 آذار سنة 1844 وتزوج يوسف هذا في 7 ك1 سنة 1873 بريجينة بنت يوسف غنيمة المعروف بالشاهبندر. وبعد أن رزق منها ابنين وهما منيرة (التي هي اليوم
عقيلة الخواجا نعمة الله بن شمعون نازو) توفي في 25 نيسان عن السنة الحالية 1929 وكانت وفاة والده في 6 أيار سنة 1870 وتريزية التي اختضرت.
مواهب يوسف وصفاته
اشتهر يوسف بثلاثة أمور وهي الموسيقى العراقية والصياغة والنزاهة أو الاستقامة.
أما الموسيقى فأنه أتقنها منذ صغره من نفسه وبالنظر إلى كبار أساتذتها وقد أولع بالضرب على الكمانة (أي الكمنجة العراقية) فأخذ يتعلمها أولا على وتر واحد ممدود على قرعة حتى امتاز بها على من كان يضرب على مثلها من الآلات المتقنة صنعاً بل إن البارعين بها كانوا يقولون عنه: (إن إصبعه لا تخطأ)(7/754)
وكل إذا عزف عليها أنطقها نطقا كأن إنسانا يتكلم بلسانه الفصيح فكان يثير في صدور السامعين مرة الحزن وأخرى الفرح وتارة البكاء وطورا الضحك والأنس. وقد جالس مجلس رجل كبار كانوا يطربون بسماع ضربه على الآلة حتى أنهم ما كانوا يودون سماع آلات غيره والطاعنون في السن يتذكرون ما كان يهيج في صدورهم حينما كان يضرب على الكمانة في الكنائس الشرقية وكل يرافقه فيها أحد الضاربين على الأرغن والسنطور أو القانون فقال أحد السامعين كنت أود أن أصم أذني حتى يبقى ما سمعته بهما ولا يخرج منهما إلى أبد الدهر، وكثيرا ما كان السامعون يظهرون إعجابهم بما كانوا يسمعون له بإمارات ظاهرة حسية حتى أنهم كانوا ينسون أنفسهم وأنهم في الكنيسة حيث يجب أن يراعوا المقام وقياسته ومع ذلك كانت تغلبهم العاطفة وتأخذهم نشوة الطرب وكل يصدر منهم كل تلك الإشارات والإمارات الدالة على الإعجاب بما كانوا يسمعون.
وكل من عادة القسس في العهد التركي أن يجولوا في الطرق محافظة على الأمن العام فكانوا إذ جاءوا إلى شباك دار يوسف قرعوا له بعصاهم فيفتح لهم النافذة ويسمعهم لحنين أو ثلاثة ثم يشكرونه ويقولون له: أحسنت وبارك الله فيك ونم بسلام آمنا فأننا نحافظ على بيتك كل المحافظة لما زينك لله به من موهبة لإطراب هذا فضلا عن حسن صوته فأنه كان رجيما كما كان صوت والده.
ومن الآلات الموسيقية التي كل يتقن النقر عليها السنطور العراقي والقانون والجنبر (وهو نوع من الطنبور) وأصول الإيقاع على الدق والدنبك (والدربكة) والطبل. وكان يجيد
أصول المقامات العراقية المعروفة بالقراءة وجالس كثيرا كبار القراء (المغنين) كشنتاغ وأبو أحمد وإسرائيل وأحمد زيدان وغيرهم وكان يتأسف على أن القراءة العراقية (الغناء العراقي) ماتت بموت أحمد زيدان وغيرهم إذ لم يبق لها ذلك الرونق البديع، وكل يحسن بعض المقامات التي ربما لا يتقيا اليوم المغنون من جملتها الحسيني الذي كان يأخذ بمجامع القلوب إذا ما قرعه على مكاننه وكل يسميها (ابنته) لحبه لها. ولم يكن يطرب للألحان السورية والمصرية بل أعظم طربه للألحان العراقية القديمة الحقيقية
والحق يقال إن أغلب المقامات العراقية إن لم نقل كلها - إذا ما أحسن(7/755)
غناؤها وعدل بحسب الأصول الفنية العصرية يكون تأثيرها في النفوس أكثر من تأثير غيرها فيها لأن فيها تنوعاً متعدداً لا يرى في غيرها وخالياً من وحدة السياق إذ يجد فيها الفنان بعض محاسن الموسيقى الفارسية والتركية.
ومما اشتهر به أيضا الصياغة فقد أولع بها منذ صغره كما أولع بالموسيقى وتلقى هذا الفن من حنا بن توما هندي الكركوكي كان أستاذه هذا يعجب بذكاء تلميذه ومن جملة ما يحكى عنه أن أستاذه عجز مرة عن إكمال حاجة فلما ضاق صدر منها ألقاها في الدكان ومضى إلى الخارج ليروح نفسه ولما عاد إلى محله وجد الحاجة قد تم صنعها على أحسن وجه كان يتمنى أن تكون عليه. فلما سأل تلميذه عن ذلك قال إنه أتمها بنفسه على ما أوحى إليه الفن ومنذ ذلك الحين أيقن أن هذا الحدث يكون داهية في الصناعة وكان كذلك ولما أتقن الصناعة وأخذ يشتغل على حسابه أهدى باكورة مكسبه إلى والده الذي كان طريح الفراش يومئذ.
وكان إذا طلب منه أحد صياغة شيء أتقن عمله حتى أنه لا يمر في خاطره أن يذهب إلى غيره وقد شوهد أناس اتخذوه صائغا لبيوتهم طول حياتهم ولا سيما كبار الحاضرة من مسلمين وغيرهم كآل الباجه جي وكان يضرب المثل بحسن صياغته فيقولون: صياغة هذا الشيء تشبه صياغة يوسف جوجو (وجوجو اسم تحبيب ليوسف) وقد جلبت هذه الشهرة إليه جماعة من شبان النصارى الذين تعلموا منه هذا الفن أو بقوا عنده مدة ثم فارقوه.
ومما يزيده قدرا فوق فنية الموسيقى والصياغة نزاهته واستقامته في جميع أعمال حياته. فقد كان رجلا (إسرائيليا لا غش عنده) وأكد مرارا عديدة أنه في حياته الطويلة لم يخدع
أحدا بالذهب الذي يصوغه حتى أنه ما كان يضع فيه ذرة من البهرج أو ما يخالف الأصول المرعية عند الصاغة وإثباتا لذلك(7/756)
كان يقول لهم هذه المصوغة الذهبية التي صغتها لكم إذا أحببتم أن تعيدوها إلي بعد مدة قصيرة أو طويلة فأني أشتريها بثمن الذهب الذي كلفكم وبالحقيقة كان يجري قوله بعمله.
ومن مزاياه التي خص به دون غيره من صاغة بغداد أنه إذا عين يوما لإنهاء ما يطلب منه من المصوغات دفعه إلى صاحبه أو صاحبته في اليوم وفي الساعة إذا كان قد عين لهما الساعة ولم يخل بهذا الأمر مرة واحدة في حياته كلها. اللهم إلا إذا وقع عارض لم يكن يتوقعه.
ولهذا السبب كان الشغل يتراكم عليه فكان يصوغ طول النهار وربما إلى نصف الليل ولا وقت له للراحة سوى وقت الطعام والنوم.
ولم يحد عن هذه المبادئ أبدا وكان قد تلقاها وراثة عن والده وجده. وينقل عن والده أنطون إنه لم يوجد في عهده رجل حسن السيرة والسريرة والأخلاق المهذبة كما كان هو عليها. وقد اقتدى يوسف بوالده فكان متمسكا بدينه ومتمما واجباته ببساطة وحسن نية وتقوى ويؤكد إنه لم يحد عن الطريق المستقيم في إبان شبابه ولا في حياته كلها إذ امتاز بالشغل والجد والسعي إلى أن خانته قواه في آخر أيام صباه ولهذا كسب ثروة طائلة فضلا عما ورثه من أبويه.
وقبل أن يغادر هذه الحياة كان مواظبا كل المواظبة على مراعاة أصول ديانته متشوقا إلى رحيله إلى الآخرة حتى أنه قبل وفاته بقليل طلب من نفسه الزاد الأخير ليواجه ربه. وطلب أن يدفن في فناء الكنيسة حتى يجلب مدفنه انتباه المارين به ليصلوا من أجله.
ووقف عن نفسه ونفوس أقاربه وآله وقفا مؤبدا لصنع الخيرات. رحمه الله وأبقى لنا في أولاده أحسن ذخر.(7/757)
مندلي الحالية
(تتمة ما سبق)
20 - وصف خلقهم
يقول إنه كانوا في زمن الأتراك في غاية الشراسة والتوحش حتى أن أحدهم حكى لي أن الواحد منهم كان يقتل رفيقه لأدنى شيء مثلا (على قطعة لحكم من الجزار) إذا أرادها أحد المشترين ولم يدفعها إليه الثاني فيطعنه حالا بسكين في بطنه ويميته ويقال إنه وجد يوما في الأزقة نحو 30 جثة على الحضيض وملطخة دمائها وذلك لبعض كلمات مهينة للشرف جرت بينهم وهكذا كان يخاف الناس عموماً من الخروج ليلا من منازلهم لسبب هذه الأعمال الفظيعة. ولم تتمكن الحكومة العثمانية من إصلاح شؤونهم وتأدبهم كما ينبغي حتى الاحتلال البريطاني فشرع الإنكليز لأول دخولهم مندلي يشددون على الأهالي بأنواع الصلب والغرامات الثقيلة والعقوبات والجلد القاسي فحينئذ صلحت أمورهم وشرعت المدنية تظهر فيهم ولم يبق من المتوحشين إلا نفر قليل دأبهم الفساد.
21 - صنائعهم
إن معظم أهالي القضاء في ضنك شديد وفقر مدقع لقلة الأشغال فتراهم طول النهار يتنقلون من مقهى إلى آخر. وهذا دأبهم والقسم القليل منهم يسمونهم (فلاليح) وهم أهل الزراعة. ويكدون طول النهار في البساتين بعزقها وتمهيدها، وذلك للقاء أجرة زهيدة قدرها ثماني آنات يومياً ويكاد تسد عزوهم أما الذين يعتبرون أصحاب ثروة فلا يتجاوزون المائة ويسمونهم (ملاكين) لأنهم يملكون بعض البيوت والحدائق والمقاهي والدكاكين ومن هؤلاء السيد عبد القادر آغا والسيد عز الدين آغا رئيس بلدية مندلي سابقاً وقد أصبح في سنة 1928 نائبا عن لواء ديالى ونقيب البلدة السيد الياس آغا أخو النائب المذكور وغيرهم ومن الصنائع المعروفة في مندلي الآن - عمل الجاجيم (الجاجيم بساط لفراش النوم) الاحرامات الفاخرة - حياكة جوارب - الغزل على(7/758)
أحسن طرز - مناديل فاخرة من حرير - كلاش (مداس الليل) من حرير ومن قطن - عمل ثياب صوف (فلانيلات) تصنعها
النساء - حبال شعر للشباك - أعبئة صوف - عقل (جمع عقال لشد الرأس) - حصران - أطباق مختلفة من الخوص - عمل سدائر وطنية (السدائر جمع سيدارة وهي قبعة الرأس التي يستعملها العراقيون حديثا).
معيشتهم
يعيشون على أنواع التمور المختلفة التي يبلغ ضروبها نحوا من تسعين ودونك أسامي أشهر التمور المعروفة فيها مرتبة على حروف الهجاء: 1 - (أزرق - 2 أزرق الأزرق - 3 أزرقاني - 4 أشرصي (أي أكرصي ويقال له أيضاً أشرسي خطأ) - 5 أمير حاج - 6 بادمي (من بادم وهو اللوز في الفارسية أي لوزي الطعم) 7 - بدمجاني - 8 بربند - 9 بربندلكي - 10 برني - 11 بصراوي - 12 بطة - 13 بمركي - 14 بنوش (أي بنفسج) - 15 بهراب - 16 بيراغ دار (أي ببرقدار) - 17 تبرزن (أي طبرزذ) - 18 - ترشاشي - 19 جعفري - 20 جمكة - 21 جوبان - 22 جوزي - 23 خاتوني - 24 خستاوي - 25 خضراوي 26 - خوافروش - 27 دقل أفندي - 28 دقل بقون - 29 دقل عماد - 30 زهدي (ازاذ) - 31 سعادة - 32 سماوي - 33 سكوتي - 34 سيلاني 35 - عرب سيكي - 36 قرنفلي - 37 قره دقل - 38 قسب (قصب) - 39 كلكنة - 40 كلمين - 41 كند كاوي - 42 لقيتوني - 43 مكتوم (مكدوم) 44 - مير علي.
ورأيت في هذه السنة (1929) بعض الأميركيين أتوا إلى مندلي فأخذوا من جميع النخل تالات ليغرسوها في أميركة. ويعيش الأهالي أيضا على أنواع الخضراوات والفواكه التي تجلب من بغداد في السيارات وليس في البلدة سوى مطعم واحد (لوقنطة واحدة) صغير يأكل فيه الغرباء وبعض الناس. وفي مندلي خمس كبابخانات (محل لعمل الكباب) وحركة التجارة بطيئة جدا والبزازون الذين فيها لا يتجاوز عددهم الثلاثين ويليهم في العدد بائعو المأكولات (البدالون) ولوازم المعيشة.(7/759)
وأهم صادرات مندلي الآن أنواع التمور فترى الناس يقصدونها من أنحاء العراق لشراء هذه التمور التي قل مثلها في سائر الربوع.
وفي القصبة نوع من العقارب أصفر سام اسمه (الجرار) وهو وإن كان في سائر مدن العراق قليلا، كثير الوجود في (محلة بوياقي ومحلة قلم حاج) وسمي جرارا لأن له ذنبا
طويلا يسحبه سحبا ولا يلتوي على ظهره التواء وهذه الجرارات تخرج حالاً من أجحارها إذا سكب ماء فيها وإذا لدغت إنساناً شعر الملدوغ كأنه وخز وخزاً بالإبرة ولا يسري سمها في جسم الملدوغ إلا بعد أربع وعشرين ساعة فإذا عولج المصاب بعد هذه المدة لا يبرأ بل قد يموت وعلاجه يكون بكي المكان الملدوغ فعليه يجب المعالجة حالما يشعر باللدغة. وسم بعضها زعاف فتميت في أول لدغها وقد جربنا أن وضعنا في قنينة واحدة جرارا وعقربا وبعد نصف ساعة رأينا الجرار قد أمات العقرب بسمه.
23 - العلم فيها
إن الذين يحسنون القراءة والكتابة في لغتنا لا يتجاوزون المائة (هذا ما عدا تلامذة المدرسة الأميرية الحالية وموظفي الحكومة) أما الذين يحسنون التكلم والكتابة بالفارسية والتركية فيمكنني القول إنهم 20 في المائة وذلك لأن في البلدة كتاتيب يدرس فيها الملالي أصول القرآن واللغتين الفارسية والتركية للقاء أجرة زهيدة تدفع للملا شهريا قدرها ربية. ولهذا أرى رغبة الأهالي في العربية قليلة ومحبذي العلم والتهذيب الحقيقي قليلين. ولكن المدرسة الأميرية الحالية أمكنها أن تخرج بعض الشبان المنورين وبعد أن دخلوا مدارس أخرى في العاصمة أرقى من هذه المدرسة. أخص من هؤلاء بالذكر محمد صالح آل ناصر آغا من الأشراف ثم زينل خماس وكلاهما من خريجي دار المعلمين الأولية ببغداد. وأصبحا الآن مدرسين في مدرسة مندلي. وآخر أخرج ضابطا من المدرسة الحربية اسمه نجم الدين ابن السيد خضر آغا. وآخرين خرجا من الكلية الأعظمية وهما جليل وعمران أولاد موسى أفندي من الأشراف وآخر من الثانوية اسمه محمود مظفر وهكذا شعرت مندلي بحاجة إلى العلم وأخذ أبناؤها يجدون للحصول عليه وبسبب تمدنهم هذا أنهم ينظرون إلى ما جاورهم من أبناء(7/760)
البلاد الأخرى فيرغبون في الاقتداء بهم ولا سيما أكثر الأهالي يسافرون إلى العاصمة وحينما يتحققون سير العلم وأهميته فيها وانتشاره العجيب وكثرة المدارس واكباب جميع الناس على تحصيل الآداب والعلوم يرجعون إلى بلدتهم متدفقين غيرة ونشاطا فيبعثون هذه الفكرة بين ظهرانيهم بالكلام والتشجيع والنصائح وغير ذلك وسوف نرى مندلي بعد سنين قليلة في عداد المدن المتمدنة.
والبلدة تشتمل الآن على مدرسة ابتدائية أميرية تامة العدة ذات ستة صفوف وهي قريبة من
صرح الحكومة ونظم فيها الصف السادس في أيلول من سنة 1927 وما زالت في تقدم يوما فيوما يسعى رئيسها المفضال (نظيف أفندي) مدير مدرسة بعقوبا سابقا. ومعلميها الكرام الذين يبذلون كل مجهودهم لإعلاء شأنها وترقيتها بجميع الوسائل الممكنة وقد بلغ مجموع تلامذتها نحو المائة والعشرين ونؤمل أن يزداد هذا العدد أضعافه لأنه قليل بالنسبة إلى سكان البلدة وهذه المدرسة قديمة يرتقي عهدها إلى نحو 30 سنة وقد كان في بناء هذه المدرسة نواقص كثيرة فأتمت وأصلحت منذ سنة 1926 إلى سنة 1929 وذلك لقدم البناء وميلان أكثر جذوع السقف ولا نزال تجري الإصلاحات فيها وبنى فيها غرفتان جديدتان في سنة 1928 بسعي مدير المدرسة السابق (أحمد حمدي) فبلغ ما أنفق على تعميرها وإصلاحها في هذه السنين ما ينيف على 3000 ربية فصار عدد غرفها الآن تسعا: غرفتان للمدير والمعلمين وواحدة لأدوات الكشافة والست الباقيات للصفوف الستة والمدرسة ذات طبقة واحدة فقط.
وفي عهد الأتراك كان عدا المدرسة المذكورة مدرستان أخريان الواحدة رشدية أرقى من الحالية وقد تخرج فيها أكثر أدباء مندلي وأشرافها أذكر منهم السيد عز الدين آغا النقيب وأخاه الياس آغا. والسيد محمود آغا رئيس البلدية في سنة 1929 والسيد ظاهر البندنيجي وغيرهم أما الآن فقد أصبحت مقرا للسيارات (كراج) والمدرسة الأخرى أولية كان فيها 3 صفوف والآن هي بيت كسائر البيوت. فكانت المدارس الرسمية إذاً ثلاثا في زمن الأتراك والآن ليس فيها إلا واحدة وفي المدينة مدرسة صغيرة للإسرائيليين يدرسون فيها أصول ديانتهم واللغة العبرية ولا يتجاوز عدد تلاميذها الثلاثين.
(ميخائيل توماس أحد المدرسين في وزارة المعارف العراقية)(7/761)
نبذة من كتاب
عبرة أولي الأبصار في ملوك الأمصار
أبعث إليك بفصل من كتاب خطي نفيس اسمه (عبرة أولي الأبصار في ملوك الأمصار) لمؤلفه اسمعيل بن أحمد بن سعيد بن الأثير الحلبي الشافعي والمؤلف فقد بعد واقعة غازان في ربيع الأول سنة 699 والتفاصيل تبين جليا أن ما أبداه بروكلمن من الملحوظات في كتابه (تاريخ الآداب العربية) في 341: 1 غير صائب إذ نرى المؤلف ووالده كانا شاهدي عيان للحوادث التي يرويها الكاتب. ومن نكد الحظ أن النسخة المكتوبة في سنة 730 للهجرة أي في حياة ولد المؤلف نجم الدين أحمد بن اسمعيل العلامة المشهور المتوفى سنة 737هـ لا تحوي إلا الجزء الثاني أما الفصول التي تروي الأخبار الخاصة بالمغول والتي وعد بذكرها صاحب الكتاب فناقصة منه ولا أعلم السبب وفي سنة 667 من الهجرة وهي سنة وفاة هولاكو لا يذكر المؤلف كلمة عن هذا الحادث المهم. فإن كنت ترى في هذا الفصل فائدة لقراء (لغة العرب) فوافهم به. وإلا فألقه في سلة المهملات.
بكنهام (انكلترة): ف. كرنكو
76) وفي سنة خمسين (وستمائة) أرسل علاء الدين صاحب (الموت رسولاً) إلى الملك الناصر (صاحب حلب) وعلى يده كتابان أحدهما أعجمي والآخر مترجم وكان مضمون المترجم: إنه اتصل بي أن للسلطان قد شغل نفسه وعساكره بفتح مصر ومولانا يعلم أن هولاكو أخا منكوقان قد خرج من قراقرم وهو واصل إلى والي الخليفة وإلى الروم وإليك وإلى مصر وهذا الخليفة غافل عن نفسه وأنا أعلم أنه متى قصدوه أخذوه لسوء تدبيره وتفرق عساكره وقلة الجند عنده وهمته مصروفة إلى تحصيل الجواري المطربات وقد تحقق العدو المخذول عجزه وعجز صاحب الروم وباقي الملوك شغلوا(7/762)
نفوسهم بحرب بعضهم بعضا والنار من ورائهم محرقة، وهم لا يعلمون فيقوم قيام مثله ويجهد في جمع كلمة ملوك الإسلام ليهتموا بلقاء العدو الذي لا يبقى ولا يذر ولا تهولنكم ما سمعته فإن هولاكو قد خرج ومعه من المغل عشرة آلاف لا غير ويكون مع أبجي نوبن مسانو عشرون ألف أخرى ومتى اهتممتم بأمره وأعلم أنكم تلاقوه عدل (كذا) عن لقائكم وقد أعذر من أنذر.
وحكى لي والدي رحمه الله أن الملك الناصر لما اتصلت به هذه الحكاية من كتاب علاء الدين المشار إليه قال: كنا بدمشق فأرسل إلي ليلا وأمرني بالكتابة بهذه الصورة إلى صاحب مصر الملك المعز وأمر نظام الدين بن المولى أحمد كاتب الإنشاء بالمكاتبة إلى الخليفة بالصورة فلم تتم تلك الليلة إلى أن جهز كتاب الخليفة وكتاب الملك المعز صحبة البحاثين كل لهذا الأمر في غاية 77) التيقظ والتحفظ والاهتمام بحسم المادة فيها فلا برح حاله يتقهقر وأصحابه يخونونه والأقدار تسوقه إلى أن أخذت البلاد منه ومن بقية الملوك وهو لا ينجي بنفسه ومن جملة أنه ورد عليه الخبر بأخذ حلب واستيلاء العدو على حريمه وهو منشغل عن ذلك بإملاء ما على خطره من الشعر وكان ذلك في معرض أن الله تعالى إذا أراد أمرا هيأ أسبابه وإذا أراد نقض دولة لا يقدر واحد على إبرام أمره ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
792 سنة 654 وفيها هلك آتو خان أحد ملوك التتار ووردت الأخبار إلى الشام بهلاكه في سنة خمس وخمسين. وقيل إن امرأته سحرته فمات من سحرها فقتلوها. وفي سنة أربع وخمسين وستمائة وصل رسول من هولاكو إلى دمشق وهو أول رسول وصل منه إلى الملك الناصر ومضمون رسالته بأخذ قلاع الاسمعيلية لنفسه. فلم يوافق الملك الناصر على ذلك.
802 وفي سنة خمس وخمسين أرسل بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل رسولا إلى الملك المعز صاحب مصر يقول له: إنني قد أضعفت لك قلب الملك الناصر بتهويل أمر التتار والتخويف منهم وأحضه على الاهتمام بمن وراءه ولم يكفني ذلك حتى أوهمته من التجربة لئلا يأمر إليهم ولا يثق بهم. وأشرت على التتار أن يكرروا عليه الرسل بالحوالات والأفراحات حتى يفنوا خزائنه وأمواله(7/763)
وأوقفت في نفوسهم الخوف منك وحذرتهم من قصدك والتعرض لك ويحذره من شجر الدر زوجته ويعرفه أن لها باطنا مع الملك الناصر.
812 وفي هذه السنة أرسل إلى الملك الناصر رسولا يطلبه إليه فلم يقدر على ذلك وجهز إليه الملك المفضل بهدية سنية. وحكى عز الدين بن شداد في تاريخه قال: أرسلني السلطان إلى هولاكو مع المفضل صلاح الدين بن الملك المفضل قطب الدين موسى بن صلاح الدين يوسف فلما وصلت إلى حلب اجتمعت بالشيخ شرف الدين الحوراني واستشرته في
سفري فقال: لا تتم سفرك لأن بغداد تؤخذ في أوائل السنة الآتية: ويقتل الخليفة ثم سبه سباً فظيعاً على عدم اهتمامه بملاقاة التتار وتفريطه في حق المسلمين. ثم قال لي: عزمت على خلاص بغداد فقيل لي: إن هؤلاء قوم لو تكررت عليهم الحدود فدوخت عليهم القتل فلا يدخل بيننا وبينهم. وأخذت بغداد في سنة ست وخمسين وقتل الخليفة وكان الأمر كما قال. وبطل عز الدين بن شداد الرسالة وعاد الزين الحافظي إلى حلب من عند منكوقان في العشر الأوسط من ذي الحجة وأخبر بوفاة الملك الجواد نجم الدين أيوب بن تاج الملوك ناصر الدين محمد بن المعظم (وقد كان سافر إلى أردو منكوقان) ووصل مع الزين الحافظي من التتر رسولان أحدهما كاكو أغا والآخر تتلمش فأخذوا في استفساد الرعايا واستمالتهم إلى العدو وفي سنة ست وخمسين أخذت بغداد وقتل الخليفة على تفصيل أخباره في شرح أحوال التتر.
(أتأسف أن هذا التفصيل لا وجود له في النسخة)
وفيها سافر الملك العزيز ابن الناصر رسولا إلى هولاكو وصحبه الزين الحافظين واخذوا ما كان قد سيروه مع الملك المفضل من الهدية واستصحبه الملك العزيز والزين الحافظي فساروا حتى اجتمعوا بهولاكو في بيلقان 81) فلما اجتمعوا به أكرم الملك العزيز وقبل هديته وأحضر له أبا بكر ابن الخليفة فقال للملك العزيز: لو كان أبي في خدمة منكوقان وطوعه ما جرى عليه ما سمعت به ولا أخذت منه بلاده. ثم قال هولاكو للملك العزيز: لا بد أن يحضر إلي أبوك فأن في حضوره مصلحة له، ولا يتعذر بعذر، وادعى عليهم بمن كان هرب إليهم من بغداد وقال: إنا على عزم قصده فنهتني العلوفة لعسكري. ثم(7/764)
رحلوا عنه بعد أن أقاموا عنده شهرين في تخويف وترغيب فالتقوا بها ركن الدين صاحب الروم متوجها إلى هولاكو شاكيا لأخيه عز الدين فبعث معه رسولا إلى عز الدين فوفق بينهما أن اقتسما بلاد الروم.
84 وفي هذه السنة (يعني سنة 658) استولى هولاكو على حلب وكان نزوله عليها ثالث صفر ولما وصل خبره إلى دمشق بعث الملك الناصر جمال الدين أيدغدي أحد مماليكه لكشف الأخبار فلما وصل إلى حلب وقع عليه (كذا) التتار فقبض جمال المذكور وأحضر بين يدي هولاكو وسأله عما جاء فيه فأقر فخلع عليه وقال: (لا تخف من يرى وجهي ما
يموت). ثم أمر بأن يطاف به على العساكر التي له فلما رآها قال له: سر إلى الملك الناصر وعرفه ما رأيت وقل له عني: أنا ما جئت إلا بكلامك وكلام رسولك الحافظي لأنك قلت إن أكثر عساكرك لا يوافقونك على طاعتي وأنهم يمنعونك من الوصول إلي وأني جئت لأقتلهم فإن قدرت أن تجيء فتعال وأنا أعطيك البلاد وإن لم تقدر فخذ من يوافقك على طاعتي واهرب بمن بدا وانحاز إلى بعض القلاع لا تحقق طاعتك فأكافئك. ثم شرعوا في الحصار وحفروا خندقا حول البلد ونصبوا المجانيق وبنوا سورا أبوابها تجاه أبواب البلد وجدوا في القتال إلى أن ملكوها يوم الاثنين تاسع شهر ربيع الأول. . . فأقام هولاكو بحلب بعد أخذها ستة عشر يوما بترتيب أحوالها ثم رحل عنها إلى حارم وأمر بخراب الأسوار. فلما اتصل بالملك الناصر استيلاء هولاكو على حلب خرج من دمشق وصحبته عساكره وبقي في دمشق الزين الحافظي ونجم الدين أمير حاجب فلما وصل إلى الكسوة لامه الأمراء على استبقاء الزين الحافظي ولم يقتله. فأرسل إليه يطلبه فغلق أبواب دمشق وسيره إلى التتار يطلبهم لتسليم دمشق فوصلت جماعة من نواب هولاكو فدخلوا المدينة وأنزلوا في دار الحقيقي وحكموا أياما قلائل وحصر بدر الدين قريجا النائب في دمشق فلم يسلم القلعة ونصبت المجانيق لمحاصرتها وافتاه محيي الدين بن الزكي وكمال الدين التفليسي بأنه لا يحل له القتال فلم يلتفت إليه (كذا) وأمر عليه إلى أن وصل كتبغانوين وكان هولاكو قد بعثه في عسكر إلى الساحل وديار مصر فنزل على القلعة وحاصرها فلما اتصل ببدر الدين توجه الملك الناصر إلى الشوبك وتفرق عساكره أيس(7/765)
منها فسلمها وما كان فيها لنواب هولاكو. ولما تسلموها كتب الحافظي إليه كتاباً يعرفه بذلك وينهى إليه عصيان وإليها فوصل الجواب إلى كتغانوين بقتل الجميع. فحضر الملك الأشرف ابن صاحب حمص ولك هولاكو قد ملكه على الشأم والزين الحافظي وقال له كتبغان هؤلاء ما لهم عندي ذنب فإن كنت تعرف لهم ذنباً فاقتلهم أنت بديك، فضرب الزين الحافظي رقبة بدر الدين بن قريجا والنقيب وقتل شجاع الدين وابن أخته.
وفيها أخذت ميافارقين عند عود هولاكو من الشام وقتل الملك الكامل صاحب ميافارقين بعد محاصرتها مدة وبلغ السعر فيها مكرك القمح لكيل ميافارقين خمسة وأربعين ألف درهم ورطل الخبز وهو سبع مائة وعشرون درهما وستمايهم (كذا) واللحم ستمائة الرطل واللبن
فسبع مائة الرطل والعسل سمايهم (كذا) الأوقية والبصلة بثلثة وخمسين درهما وبيع رأس كلب بستين درهما وبيعت بقرة لنجم الدين مختيار (كذا لعله بختيار) بسبعين ألف درهم فاشترى الملك الأشرف رأسها وكوارعها بستة آلاف درهم وخمس مائة ومن ذلك وأشباهه. ولما قتل الملك الأشرف سير برأسه إلى الشام وطيف به في دمشق وعلق على باب الفراديس بدمشق. ثم أخذه مجد الدين أمام مسجد رقية ودفنه في طبق إلى جانب محراب المسجد رحمه الله.
وفي هذه السنة سير هولاكو رسله إلى الملك المظفر قطز صاحب الديار المصرية فوسطهم على باب زويلية وأسلم واحد منهم.
وفي شهر رمضان سنة ثمان وخمسين كانت كسرة التتار على عين جالوت وقتل كتبغانوين وهرب الزين الحافظي والأشرف صاحب حمص فلما وصلوا إلى قارا عرج الملك الأشرف وتوجه إلى. . . وسير لطلب أمانا من المظفر وطلب منه الوفاء بما كان وعده فأجابه إلى ذلك فوصل إليه في شوال فأعطاه حمص والرحبة وتدمر وأجرى البأس على عوائدهم في الأيام الناصرية وأمر بنهب النصارى وأرسل إلى القاهرة في إطلاق الأمراء المعتقلين فخرجوا والتقوه في الطرائق عند عودة إلى القصير واستناب في دمشق علم الدين سنجر الحلبي واستناب في حلب علاء الدين علي ابن صاحب الموصل وخوطب بالملك السعيد(7/766)
فوصل إليها وصادر جماعة من أهلها وجعل ذويهم كونهم لم يقدموا له شيئا عند وصوله وحصل منهم مالا كثيرا. ثم عاد الملك المظفر إلى الديار المصرية فقتل بجانب القصير وهو في الصيد وكان المباشر لقتله ركن الدين بيبرس البندقداري أما ما كان من أمر الملك الناصر فإنه ما برح يخادع ويساق إلى التتار إلى أن وصل إلى هولاكو وقعد عنده أياما يسيرة فلما بلغ هولاكو كسر عسكره على عين جالوت وقتل كتبغانوين مقدم عسكره الذي له أمر بضرب عنق الملك الناصر وأعناق من كان معه وكانوا مائة وخمسين نفرا وكل قتله في ثامن عشر شوال من سنة ثمان (وخمسين) بمكان يعرف بقطر ذراع من أعمال سلماس وله من العمر إحدى وثلاثين سنة (كذا).
ثم استهلت سنة سبع وستين وستمائة. . . وفيها وصل رسول أبغا ولد هولاكو إلى الملك الظاهر يطلب الصلح.
(ونسي المؤلف ذكر هلاك هولاكو لعله في جزء فيه أخبار التتار ولكن هذا الجزء مفقود إلى الآن).
وقال الناسخ في آخر النسخة المنقول منها هذه الأخبار.
تم الجزء الثاني من كتاب عبرة أولي الأبصار في ملوك الأمصار والله الموفق للصواب ذلك في العشر الأخير من المحرم سنة ثلثين وسبع مائة على يد الفقير إلى رحمة ربه أحمد بن علي المعروف بالظهر الناسخ الخ.
عيره كذا وعيره بكذا
قال في مختار الصحاح (عيره كذا: من التعيير أي التوبيخ والعامة تقول: عيره بكذا) فأقول ليس ذلك كلام العامة وحدهم بل كلام الفصحاء أيضاً ففي (25: 1) من الكامل (فقال خالد أطعموني ماءا وهو على المنبر (فعير بذلك) وفي ص 117 منه (ولذلك عيرت بنو تميم بحب الطعام) والذي عندي أن (عير بكذا) أفصح من (عيره كذا) لأن معنى التعيير هو التوبيخ ولا وجه لنصبه مفعولين ولأن الفعل محتاج إلى (باء السببية) فنقول (وبخه بعجزه عن الكلام وعيره بحبه للطعام انظر نقدنا للأغاني في هذه الجزء)
مصطفى جواد(7/767)
مشاهير جمع مشهور
والمسوع من جمع مفعول على مفاعيل
في مجامعنا العلمية اليوم قوم أولعوا بالتنطس في اللغة وتضييق الخناق على المتأدبين حتى في الشائع المأثور الذي ألفته الأقلام وتداوله الخاص والعام فقد دفع أخيراً حب التقليد أحد شيوخ مجمع بيروت الآن إلى تكرار ما طال ترداده من إنكار جمع حاجة على حوائج ووضع الباقة للزهر موضع الطاقة. وقد سبق لنا في مجلة الآثار (1927 ص 425 - 429) تعداد جملة صالحة من الأمثال في النثر والنظم شاهدة بصحة استعمال الباقة بلا مراء. وأما الحوائج فقد مضى الحكم فيها منذ دهر ولم تبق حاجة إلى الحذلقة في معناها بعد شيوعها كل هذه القرون في دواوين الشعراء وكتب الأدب والفقه والتاريخ والسير فضلا عن المخاطبات الرسمية من العهود والتواقيع والمراسيم والتقاليد بحيث قطعت جهيزة فيها قول كل خطيب ولم يبق بعده أقل حق لمتأخر أن يهدم منها لغير داع ما بناه المتقدمون وأهم مزيتهم في العلم وسابقتهم في اللغة وكلمتهم فيها الكلمة العليا.
ومن جملة هذه الألفاظ التي يحاول اليوم بعض الخلق إماتة ما أنشأه منها السلف جمع مشاهير المشهور فقد عده أحد رجال مجمع دمشق (خطيئة) لا تغتفر (مجلة المجمع 1927 ص 383) وتابعه عليها بعض أساتذة مصر (المقتطف 1928 ص 457) بدعوى إنه لم ينقله أحد من أئمة اللغة. كأن كتب اللغة التي انتهت إلينا تشتمل على كل ما نطقت به العرب وكل ما ينتظم في سلك كلامهم من طريق القياس والسماع. أو كأنها نقلت لنا كل ما أحدثه عصر التمدن والحضارة في اللغة منذ الخلافتين الأموية والفاطمية إلى انقراض العباسيين بمصر من الأبنية والصفات والأفعال التي صاغها جلة الكتاب والمترسلين لتفريع بعض المعاني عليها ونحوا فيها منحى العرب في الوضع والاشتقاق. ولو شاء اليوم أحد مجامعا العلمية أن يخصص بعض الكفاة من رجاله لتتبع هذه الألفاظ الطارئة على اللغة(7/768)
في دواوين البلغاء ولا سيما الذين تولوا منهم رئاسة دواوين الإنشاء في القرون الأولى في ما حفظ من مخاطباتهم الرسمية وبينهم الملوك والوزراء أرباب الأقلام وأمراء الكلام لوقفوا منها على ما لا تبلغه الظنون كثرة وتنوعا. فهل ينبغي اليوم أن تطرح كل هذه الألفاظ
ويحكم على مبتدعيها وهم هم بالوهم واللحن وعلى مقتفيهم بالخطأ والزلل بحجة أن المعاجم لم تنبه عليها أو لم تنص على كل صيغها ومشتقاتها.
ولا بأس أن نتوسع هنا قليلاً في نقل ما يحضرنا من الشواهد على كثرة ورود جمع مشاهير في كلام بعض الأئمة وأكابر الكتاب والمؤلفين من السلف وأول ما نبدأ منها بقول الزمخشري صاحب معجم أساس البلاغة ومكانه معروف في الحفظ واللغة في ما كتبه إلى أبي طاهر السلفي بالإسكندرية (أما الرواية فحديثة الميلاد قريبة الإسناد لم تستند إلى علماء نحارير ولا إلى أعلام مشاهير (إرشاد الأريب لياقوت ج 7 ص 150). ومثله للحريري في درة الغواص في كلامه على إدخال ال على غير (ولهذا السبب لم تدخل الألف واللام على المشاهير من المعارف (ص 43 من طبعة ليبسيك) وقبلهما في أدب الكاتب لابن قتيبة (ومنازل القمر مشاهير الكواكب التي تذكرها العرب في أشعارها) (ص 97) وللحافظ أبي سعد السمعاني في ترجمته لمحمد بن منصور المعروف بعميد خراسان وكان في أول أمره من السوقة ثم بجده وكفايته ارتفعت درجته إلى أن صار من مشاهير خراسان والعراق) (تاريخ بغداد للبنداري باريس رقم 6152 ص 77) ولابن حوقل في المسالك والممالك (ابن سيرين والمشاهير من علماء البصرة (ص 16) وفي الصفحة نفسها من مشاهير أنهارها الأبلة) وللاصطخري في مسالك الممالك (والمشاهير من ديار العرب) (ص 15) ومن مشاهير مدن الأندلس جيان (ص 41) ولياقوت الرومي في إرشاد الأريب (ليس فيهم عشرة ضعفاء وسائرهم أعلام مشاهير) (ج 2 ص 296) وفي ترجمة دعبل بن علي (كان من مشاهير الشيعة) (ج 4 ص 164) ومثله في المجلد الخامس ص 229 والسادس من 18 إلى غير ذلك مما لا حاجة إلى استقصائه.
هذا في المشرق. وأما في المغرب فلابن خلدون في كتاب العبر (وإن وجد(7/769)
لمشاهير العلماء تأليف) (ج 2 ص 18) وللشريشي في شرحه مقامات الحريري (سارت مسير النيرين بين مشاهير الجماهير (ج 1 ص 3) وللسان الدين بن الخطيب في الإحاطة بأخبار غرناطة (شلبر جبل الثلج أحد مشاهير جبال الأرض (ص 14) ولابن لقيط الرازي الأندلسي (كتاب مشاهير الأندلس في خمسة أسفار (إرشاد الأريب ج 2 ص 77) ولمحمد بن عبد الملك بن زهر الاشبيلي المتوفى سنة 595 من موشح له:
قصرت عنه مشاهير الصفاح ... وانثنت بالذعر أغصان الرماح
(إرشاد الأريب ج 7 ص 24)
وهذا القدر كاف للدلالة على شيوع استعمال هذا الجمع في كل عصر وقطر دون أن يتصدى أحد لتخطئته وإنكاره وهذا الخفاجي تعقب الحريري حرفاً حرفا في تعليقاته على درة الغواص ولم يستدرك هذه اللفظة عليه ولنا في إجماع مثل هؤلاء العلماء على قبول هذا الجمع وتسويغه حكم لا يرد ومثال يجب أن لا يتخلف عن احتذائه أحد.
ومن الغريب أن كل من تكلم عن جمع مفاعيل لمفعول اقتصر منه على سرد بضعة ألفاظ أوصلها المكثر منها إلى سبعة عشر. وقد تتبعتها في كل مظانها من فصيح ومولد وعامي فاجتمع لي منها - ولم أبلغ الغاية من الاستقراء والمطالعة - 66 حرفا رأيت من الفائدة أن أنقلها هنا مرتبة على حروف المعجم
ب مباريم جمع مبروم لنوع من الأسورة عامي.
ج مجابيب جمع مجبوب للخصي استعملها ابن جبير في رحلته في كلامه عن ملك صقلية قال: (وشأن ملكهم هذا عجيب في حسن السيرة واستعمال المسلمين واتخاذ الفتيان المجابيب)
- مجاذيب ومجذوب في اصطلاح الصوفية وعند العامة بمعنى الأبله قال المحبي في ترجمة الشيخ أحمد المعروف بالقارئ (لامه شيخ الإسلام المولى أسعد لما مر على حلب على كونه يحلق لحيته مع كون ذلك بدعة. قال هكذا وجدنا أستاذنا قال أستاذكم كان مجذوبا وأنتم عقلاء (خلاصة الأثر ج 1 ص 210).
- مجاميع جمع مجموع أو مجموعة(7/770)
- مجانين ومجنون.
- مجاهيل ومجهول. قال ابن العديم (وصالح المسلمون الفرنج على تسليم البلد وجميع ما فيه. . . وعلى خمس مائة أسير مجاهيل الأحوال) (زبدة الحلب ص220) وفي لسان العرب أرض مجهولة وأراض مجاهيل.
ح محابيس جمع محبوس. قال ابن شاكر الكتبي في ترجمته محمد بن بدر المعروف بالأكال (جميع ما يتحصل له يتفقد به المحابيس والمحاويج) (فوات الوفيات ج 2 ص 25)
ووردت أيضاً في كتاب الكردان وغيره من كتب التاريخ والتراجم
- محاذير جمع محذور.
- محاصيل ومحصول بمعنى الغلة والدخل.
- محاسيب جمع محسوب (طالع ما ورد في تفسير هذه اللفظة في مجلة الضياء السنة الأولى ص 659).
خ مخاتيم جمع مختوم بمعنى الصاع.
- مخاديم جمع مخدوم بمعنى السيد والمولى في مقابلة الخادم. قال الكتبي في ترجمة القاضي عبد الوهاب بن فضل الله العمري (كان مخاديمه يحترمونه ويعظمونه) (فوات الوفيات ج 2 ص 28).
- مخازيم جمع مخزوم أو مخزومة لنوع من الأوراق والحسبانات في مصطلح الدواوين. قال ابن مماتي (الجهبذ كاتب برسم الاستخراج والقبض وكتب الوصولات وعمل المخازيم والختمات (قوانين الدواوين ص 9).
- مخاليق جمع مخلوق في كلام العامة.
- مداخيل جمع مدخول بمعنى الدخل.
- المداعي جمع مدعو أو مدعي في اصطلاح العامة.
- مراجيع جمع مرجوع للوشم المجدد مرة بعد أخرى. ومنه قول زهير:
ودار لها بالرقمتين كأنها ... مراجيع وشم في نواشر معصم
- مراسيم ومرسوم للكتب السلطانية.
- مراكيب جمع مركوب بمعنى الحذاء عند العامة.
- مزامير جمع مزمور ومزمار(7/771)
س مساتير جمع مستور من لا يملك فوق حاجته. قال عبد اللطيف البغدادي (ثم نشأ فيهم أكل بعضهم بعضاً حتى تفانى أكثرهم ودخل في ذلك جماعة من المياسير والمساتير (الإفادة والاعتبار ص 50).
- مساطيل جمع مسطول لآكل الحشيش والبنج ولابن عفيف الدين التلمساني (فوات الوفيات ج 2 ص 265):
وقعت بالرشف على ثغره ... وقع المساطيل على الحلوى
والمسطول عند العامة الأبله.
- مساليخ جمع مسلوخة زادها الرضي في شرح الكافية.
- مساميح جمع مسموح لنوع من الكتب السلطانية في المسامحة بالبواقي من المكوس والضرائب. جاء في المخطوط الموسوم بديوان الإنشاء في خزانة باريس رقم 4439 ما نصه: (قطع العادة فيه تكتب التواقيع والمراسيم الصغار. . . وبعض المساميح والأمانات (ص 178)
ش مشائيم ومشؤوم.
- مشاحيف جمع مشحوف لضرب من القوارب في العراق (المشرق 1929 ص 85)
- مشاريع ومشروع.
- مشاغيل جمع مشغول ومشغولة. استعملها الجاحظ في رسالة القيان في قوله (لأن فكرها وقلبها ولسانها وبدنها مشاغيل بما هي فيه (73).
ص مصاريف ومصروف بمعنى النفقة عند المولدين ومنه قول البدري في كتابه نزهة الأنام في محاسن الشام في كلامه عن قبتي الجامع الأموي (أودع بهما الوليد كتب أوقاف هذا الجامع ومصاريفه (ص 42).
ض مضامين جمع مضمون في كلام النحاة. والمضامين أيضا ما في أصلاب الفحول وقد نهي عن بيع المضامين والملاقيح.
ط مطاعيم جمع مطعوم في اصطلاح الأطباء يعنون به المادة التي يطعم بها الإنسان لاتقاء الأمراض.
مطاليب ومطلوب.
مطامير جمع مطمورة للحفيرة تحت الأرض.(7/772)
ظ مظاريف جمع مظروف معصرة للزيت يديرها الماء. مولدة (محيط المحيط).
غ معاجين جمع معجون وهو في عرف الأطباء كل دواء مركب مدقوق.
- معاريض ومعروض لما يعرض من القصص وغيرها.
- معازيم جمع معزوم وهو عند العامة كل مدعو لفرح أو وليمة.
- معاليم جمع معلوم بمعنى الراتب والأجرة عند المولدين.
غ مغاضيب جمع مغضوب للداعر المتلصص عند العامة.
ف مفاتيل جمع مفتول وهو عند العراقيين برج مستدير يصعد إليه بدرج لولبية من داخل (لغة العرب 1982 ص 444 من الحاشية).
- مفاعيل ومفعول في كلام النحاة والعروضيين والمولدين.
- مفاقيع جمع مفقوع بمعنى المجنون في عرف العامة.
- مفاليج جمع مفلوج للمصاب بداء الفالج.
ق مقادير جمع مقدور للأمر المحتوم.
- مقاصير جمع مقصورة.
- مقاطيع جمع مقطوع أو مقطوعة في اصطلاح العروضيين والشعراء. وفي لسان العرب سواء كان النصل مركباً في السهم أو لم يكن مركباً سمي قطعاً لأنه مقطوع من الحديد. وربما سموه مقطوعا والجمع مقاطيع.
ك مكابيس جمع مكبوس ويطلق في عرف العامة على كل ما يحفظ في الخل ونحوه من الثمار والخضراوات.
- مكاتيب ومكتوب.
- مكاسير ومكسور زادها الرضي في شرح الشافية.
- مكافيف جمع مكفوف للضرير.
ل ملابيس جمع ملبوس.
- ملاعيب جمع ملعوب في عهد المماليك على بابات الخفاء والشعوذة والخفة وحركات أرباب المصارعة والمعالجة والمثاقفة والملاكمة والمناطحة بالكباش والمناقرة بالديوك. استعملها المقريزي مرارا في تاريخه السلوك لمعرفة دول الملوك (ج 1 ص 536 و540 باريس 1726) وابن تغري بردي في المنهل(7/773)
الصافي (ج 3 ص 3 باريس 2070) والبدري في نزهة الأنام (63).
- ملاقيح وهي الأمهات وما في بطونها من الأجنة جمع ملقوحة.
- ملاعين وملعون.
- مماليك ومملوك.
م مماسيخ جمع ممسوخ تقوله العامة لمن كان دميما غير تام الخلق.
ن مناحيس جمع منحوس وردت في تاج العروس واستعملها المحبي في خلاصة الأثر (ج 2 ص 26) وابن ميسر في تاريخه (81)
- مناسيب جمع منسوب لما كان معروف النسب من الخيل والطير.
- مناشير جمع منشور وفي تاج العروس هو ما كان غير مختوم من الكتب السلطانية.
- مناكيد كأنه جمع منكود ولم يصرح بمفرده.
هـ مهابيل جمع مهبول للأبله في كلام العامة.
- مهازيل جمع مهزول للمصاب بالهزال.
ومواضيع جمع موضوع.
- مواليد جمع مولود ومنها المواليد الثلاثة عند الحكماء المعدن والنبات والحيوان.
ي مياسير جمع ميسور خلاف المعسور وقد سبق شاهده من كلام عبد اللطيف البغدادي.
- ميامين جمع ميمون. وللسان الدين بن الخطيب (في اللمحة البدرية في الدولة النصرية ص75).
سلطان عدل وبأس غالب وندى ... وفضل تقوى وأخلاق ميامين
وهذه الجموع على كثرتها وشيوعها على ألسنة الكتاب والمتكلمين في كل عصر يصح أن يحتج بها على عدم الشذوذ. ولا ريب أن هنالك اعتبارا كافيا حدا الخاصة والعامة على اتخاذ هذا الجمع قياساً كلما دعت الحاجة إليه. ولعل أحسن ما قيل في توجيهه ما ذكرته مجلة الضياء في سنتها الرابعة (1902 - 1903 ص 329 - 340) قالت: (والذي عندنا أن صيغة مفعول لا تجمع إلا بعد سلخها عن معنى الحدوث وإلحاقها بالأسماء كما أن نحو القاضي لا يجمع على(7/774)
قضاة إلا بالشرط المذكور. فقول هؤلاء قضاة البلد وقد حكموا على فلان قاضين عليه بكذا. وإذا استقريت الألفاظ المذكورة (من جمع مفاعيل لمفعول) وجدت بعضها على ما ذكرناه وبعضها لا يمتنع ذلك فيه. فإن صح هذا لا يبعد أن يكون جمعها كذلك قياسيا والله أعلم.
أفالون (فرنسة): حبيب الزيات
لغة العرب
كنا قد جمعنا نحن أيضاً ما جاء من مفعول على مفاعيل فإذا كل ما عثرنا عليه وجده حضرة صديقنا المحقق السيد حبيب الزيات، وفاته ما يأتي مرتبا على حروف الهجاء أيضا:
مثقوب ومثاقيب. وردت في التاج في مادة ثقب.
مخلوف ومخاليف. التاج في خلف. يقال بعير مخلوف وإبل مخاليف.
مرجوحة ومراجيح. ذكرها اللغويون.
مسحوق ومساحيق. مولدة مذكورة في كتب الطب ومفردات ابن البيطار وتذكرة داود الأنطاكي البصير.
مسعود ومساعيد. التاج في سعد.
مسلوب ومساليب. قال سيبويه (210: 2 من طبعة مصر) وقد قالوا على غير القياس مشادين ومطافيل. شبهوه في التكسير بالمصعود والمسلوب فلم يجز فيهما إلا ما جاز في الأسماء إذ لم يجمعا بالتاء. اهـ.
مشبوب ومشابيب. التاج واللسان والنهاية لابن الأثير.
مشطور ومشاطير. كتب اللغة والنحو والعروض وراجع التاج في خضع.
مصروع ومصاريع. قال لبيد:
محفوفة وسط اليراع يظلها ... منها مصارع غابة وقيامها
قيل المصارع جمع مصروع من القضب. يقول منها مصروع ومنها قائم. والقياس مصاريع كما في اللسان ورواه الصغاني منها مصرع غابة (التاج).
مصعود ومصاعيد. راجع ما نقلناه عن سيبويه في ما قلناه عن مسلوب.
مصنوع ومصانيع. قال في اللسان في قوله:
لا أحب المثدنات اللواتي ... في المصانيع لا ينين اطلاعا(7/775)
ويجوز أن يكون جمع مصنوع ومصنوعة كمشؤوم ومشائيم ومكسور ومكاسير (اللسان).
مضروب ومضاريب. في اللسان في مادة منجن وكذا في التاج ما هذا نصه: (وقول الجوهر: والميم (في منجنون) من نفس الحرف. لما قلناه في منجنيق لأنه يجمع على
مناجيق يحتاج إلى بيان. ألا ترى أنك تقول في جمع مضروب مضاريب. فليس ثبات الميم في مضاريب مما يكونها أصلا في مضروب) اهـ. فالظاهر من كلام ابن السكيت وهو المعترض على الجهوري أن جمع مفعول على مفاعيل قياسي مطرد خلافا لما شاع عند النحاة.
مطحول ومطاحيل. ذكره الزمخشري في الأساس في مادة بحر.
مظرور ومظارير، بمعنى الحجر المدور المحدد. اللسان والتاج والقاموس.
مغضور ومغاضير. التاج في مادة غضر.
منخوب ومناخيب. ابن الأثير في النهاية في مادة نخب.
منكور ومناكير، اللسان في نكر وكذا في التاج.
مهقوع ومهاقيع. المهقوع من الخيل الذي تكون فيه الهقعة. اللسان والتاج
موعود ومواعيد. التاج واللسان.
فأنت ترى من هذه الألفاظ العديدة - وقد ذكر منها الأستاذ ستة وستين حرفاً. وزدنا عليها تسعة عشر حرفاً - أن لا مانع من اتباع القاعدة أن ما جاء من الأسماء على مفعول يكسر على مفاعيل ومن الجملة مشهور على مشاهير فصار المجموع 85 كلمة. ولعل الذي لم نعثر عليه أكثر مما وقفنا عليه.
هذا وإننا لواثقون أن بين قراءة هذه المجلة من يجد في محفوظه ألفاظا أخرى حتى يبلغها إلى مائة لفظة. وعلى كل حال فأن القدر الذي ذكر هنا يدل دلالة كافية على أن قاعدة النحاة لا تقوم قياما صادقا في ذاتها ولهذا لا نلتفت إليها بعد ذلك. وليقل الجامدون ما يشاؤون!(7/776)
الأغاني
-
الجزء الثالث
بمطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة، قوامه 463 صفحة، 1347هـ - 1929م.
نوهنا في نقدنا للجزء الثاني بفضل هذه الدار على العربية والعرب ولا شك في أن مسعاها قمر المساعي في ظلام العرب الراهن حتى الآن فلم يبق لنا إلا أن نلفت أنظارهم إلى ما يأتي من الآراء التي رأيناها فبسطناها وليعلم القارئ أن (ت) رمز إلى تعليق.
1 - قالوا في ص12 ت4 (أوحشت أذناي من الغناء لطول عهدها به) والصواب (عهدهما).
2 - وقال في ص27 ت1 (إن نترك الترجمتين. . . كما وضعهما مؤلفهما أو كما وردا كذلك في نسخ الأغاني) وليس ل (كذلك) موضع ههنا فالصواب (أو كما وردا في نسخ الأغاني).
3 - ورود في ص37 قول (عروة بن الورد):
سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذب وزور
ورفعوا (عداة) وكذلك فعلوا في ص 37. ونحن لم نعهد فيها إلا النصب على الذم ولما أنشد المبرد قول الشاعر:
طليق الله لم يمنن عليه ... أبو داود وبان أبي كثير
ولا الحجاج عيني بنت ماء ... تقلب طرفها حذر الصقور
قال (. . . ونصب: عيني بنت ماء) على الذم وتأويله إنه إذا قال: جاءني عبد الله الفاسق الخبيث. فليس يقول إلا وقد عرفه بالخبث والفسق فنصبه بأعني وما أشبهه من الأفعال نحو. اذكر. وهذا أبلغ في الذم أن يقيم الصفة مقام الاسم) ثم قال (ومما ينصب على الذم قول النابغة:(7/777)
أقارع عوف لا أحاول غيرها ... وجوه قرود تبتغي من تخادع
وقال عروة بن الورد العبسي:
سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذب وزور اهـ
وقد جعل (عداة) منصوبة على الذم كما رأيت فعلمت. وقال الشريف المرتضى علم الهدى في أماليه ج1 ص 147: ومما ينصب على الذم قوله:
سقوني الخمر ثم تكنفوني ... عداة الله من كذب وزور
4 - ورود في ص 60 ما ناظرنا بك القتل من ساعتنا) ففسروه بقولهم (ما أخرناه ولم نجد هذه الصيغة بهذا المعنى في كتب اللغة التي بين أيدينا) اهـ قلنا: إننا نحسبه محرفا عن (انظرنا) بمعنى (أخرنا) لتشاكلهما ولأن تلك لا تحتمل ذاك المعنى البعيد عنها.
5 - وجاء في ص 73 (وكان يلقب عروة الصعاليك) فعلقوا به (يقال: لقب بكذا وقد اعتاد أبو الفرج إسقاط هذه الباء في أسلوبه) قلنا: إن كنتم تعلمون ذلك فلماذا قلتم في الأغاني (370: 2) ما نصه (إذ هو علي بن صالح ابن الهيثم الملقب: كيلجة) من دون باء؟ وإن كان أبو الفرج اعتاد إسقاط الباء فلم قال في ص 139 من هذا الجزء المنقود (ويكنى بشار أبا معاذ ويلقب بالمرعث)؟ وفي ص 345 (يلقب بالحسحاس) وفي ص 257 منه (فلقبوا بذلك وصاروا في جملة العرب)؟ وكلتا اللغتين فصيحة وليس أبو الفرج فارسها الأول فقد جاء في الكامل (111: 1) قول الأصمعي (وكان عامر بن الطفيل يلقب محبرا لحسن شعره) وفي ص 218 منه قال المبرد (فكان يلقب الحرون وفي (310: 3) من الكامل أيضا: (لو لقبتها ألقابا تعرف بها كزيد وعمرو) وفي جمهرة الأمثال لأبي هلال العسكري ص 139 (وزعموا أن المثل لبيهس وكان يلقب نعامة) وفي أمالي المرتضى ج 2 ص 169 (وإذا عظمت عين الإنسان لقبوه أبا عيينة وأبا العيناء) وما أدري لم أخروا التعليق على هذا الأمر إلى الجزء الثالث وقد ورد في ص64 من الجزء الأول ونصه (وكانت قريش تلقبه العدل)؟ وفي ص 110 منه (وإنما لقب القباع لأن. . .) وفي ص120 منه (الكاتب(7/778)
الملقب كيلجة) وجاء في ج 2 ص 203 (ويلقبه من عاداه أو أراد سبه: ابن عاهة الدار) فكيف لم تبادر إليه بوادر أفكارهم؟
6 - وقالوا في ص 81 (أنكر صاحب القاموس استعمال عير، متعدياً بالباء وقال: وعيره الأمر ولا تقل بالأمر.
وقال صاحب اللسان والعامة تقول عيره بكذا. ولكن المرزوقي في شرح الحماسة صرح بأنه يتعدى بالباء قال: والمختار تعديته بنفسه) قلنا: وفي مختار الصحاح: (والعامة تقول عيره (بكذا) قول عامي فمردود أشد الرد ومؤذن بتنطع كتنطع الحريري في درته بل لعله منه. فهذا علي بن أبي طالب عليه السلام قد قال (وإن كان الرجل ليتناول المرأة في الجاهلية بالفهر أو الهراوة فيعير بها وعقبه من بعده) وقال عثمان (رضي) ما نصه (فعيرتني بذنب غفره الله لي) وفي جمهرة الأمثال ص 135 (فعيرت فزارة باكل. . .) وجاء في الكامل للمبرد (25: 1) ما نصه (فقال خالد: أطعموني ماءا وهو على المنبر فعير بذلك) وفي ص117 منه ولذلك عيرت بنو تميم بحب الطعام) وفي جمهرة الأمثال ص 31 (عيرت بنو تميم بحب الطعام) وفي ص 178 منه قول المقنع:
يعيرني بالدين قومي وإنما ... تدينت في أشياء تكسبهم حمدا
وفي أمالي المرتضى ج 1 ص 93 (روى ابن شبة عن أبي عبيدة قال كان حماد عجرد يعير بشارا بالقبح) فقول أمير المؤمنين تقويض لما قالوه وكلام هؤلاء مقتد به وما خاب من اقتداه وفي (69: 2) من الكامل أيضا (يعير الفرزدق وقومه بذلك).
ولم ادر علة إرجائهم هذا التعليق وقد مر في الجزء الأول ما يستوجبه ويكون حكما عادلا ففي ص 16 منه (فقال ابن الزبير لما بلغه هذا الشعر: علم أنها شر أمهاتي فعيرني بها وهي خير عماته) وفي ص 102 منه قول عمر ابن أبي ربيعة:
أيها الكاشح المعير بالصر ... م تزحزح فما لها الهجران
وفي ص 34 منه (والزرقاء إحدى أمهاته من كندة وكان يعير بها) والقائل(7/779)
ابن الكلبي وفي ص 231 منه قول أبي الحسن المدائني فقال الحزين الكناني يعيره بذلك). وإن غضضنا النظر عن ذلك الجزء فلم تفصى منهم في الجزء الثاني؟ ففي ص 414 منه (ووجده أبوه مع أمة له فكان يعير بذلك) ولكي نكفي القراء عناء التقصي نذكر أنه ورد في الجزء الثالث أيضا ص 180 قول بشار بن برد (من الذي يقرعنا بأشياء كنا نعبث بها في الحداثة فهو يعيرنا بها؟) وفي ص 138 منه قول عدي بن زيد:
أيها الشامت المعير بالده. . . ... ر أأنت المبرأ الموفور؟
هذا ما استفرغنا له جهدنا الآن ولعل فيه كفاية للاستدلال.
7 - وورد في ص 84 (أي ريح رجل تجده في إنائك غير ريحك) ونحن نراه محرفا عن (ريح أي رجل تجده. . .) وهو أسلوب العرب لأن الاسم الظاهر المضاف يتقدم على اسم الاستفهام إذا كان مسؤولا عنه ويضاف إلى أداة الاستفهام قال المبرد في كامله ج 1 ص 9) وكذلك ما أضيف إلى اسم من هذه الأسماء المستفهم بها نحو: قد علمت غلام أيهم في الدار. وقد عرفت غلام من في الدار. وقد علم غلام من ضربت) اهـ.
ورأيناهم قد رفعوا (أيا) والمرجح في هذا الاشتغال النصب لأن الفعل لو سلط على المشتغل عنه لنصبه حتما مثل (ريح أي رجل تجد؟).
8 - وقالوا في هامش ص91 (استعراض عبد الملك بن مروان أحياء العرب) ولم نعرف الاستعراض بمعنى العرض إلا أن ابن أبي الحديد روى في (82: 1) من شرحه قول الأصبغ بن نباتة عن علي (ع) (سار في القتلى يستعرضهم فمر بكعب بن سور قاضي البصرة وهو قتيل) فالاستعراض هنا بمعنى العرض.
9 - وورد في ص 94 (فقلن: تعالين نتمنى (كذا بالرفع والجزم واجب) ولنصدق) وفي الكامل للبرد (119: 2) ما نصه (فقال قائلة: لنقل كل واحدة منكن ما في نفسها ولنصدق جميعا) وهو أليق بالسياق من ذلك.
10 - وورد فيها:(7/780)
ألا ليت زوجي من أناس ذوي غنى ... حديث الشباب طيب الريح والعطر
وفي أمالي المرتضى ج1 ص177:
ألا ليت زوجي من أناس أولي عدا ... حديث الشباب طيب الثوب والعطر
وفي تلك الصفحة من الكامل (طيب النشر والذكر) وفي هذه الصفحة من الأغاني:
طبيب بأدواء النساء كأنه ... خليفة جان لا ينام على وتر
وفي تلك الصفحة من الكامل:
لصوق بأكباد النساء كأنه ... خليفة جان لا يقيم على هجر
وفي جمهرة الأمثال ص 113:
ألا ليت زوجي من أناس أولي عدا ... حديث الشباب طيب الثوب والعطر
لصوق بأكباد النساء كأنه ... خليفة جان لا ينام على هجر
11 - وورد في ص 94 من الأغاني أيضا:
ألا هل أراها ليلة وضجيعها ... أشم كنصل السيف غير مبلد
لصوق بأكباد النساء وأصله ... إذا ما انتمى من سر أهلي ومحتدي
وفي الكامل 120: 2:
ألا هل تراها ليلة وخليلها ... أشم كنصل السيف عين مهند
عليما بأدواء النساء ورهطه ... إذا ما انتمى من أهل بيتي ومحتدي
وفي جمهرة الأمثال طبع الهند ص 113:
ألا هل تراها مرة وضجيعها ... أشم كنصل السيف غير حقلد
بصير بأدواء النساء وأصله ... إذا ما انتمى من أهل بيتي ومحتدي
وفي أمالي المرتضى ج1: ص 177:
(أشم كنصل السيف عين مهند)
(عليم بأدواء النساء واصله) ... (إذا ما انتمى من أهل سري ومحتدي)
ثم قال المرتضى (ويروي: من سر أهلي ومن أصل سري ومحتدي):
12 - وورد فيها:
ألا ليته يملأ الجفان لضيفه ... له جفنة يشقى بها النيب والجزر(7/781)
له حكمات الدهر من غير كبرة ... تشين ولا الفاني ولا الضرع الغمر
وفي جمهرة الأمثال ص 113 (ألا ليته يكسى الجمال بزيه) وفي الكامل (ألا ليته يعطي الجمال بديئة) وفي الأمالي (ألا ليته يكسي الجمال نديه) وفي الكامل وجمهرة الأمثال ص 113 وفيهن (تشين ولا فان ولا ضرع غمر) أي بتجردهما من ال.
13 - وجاء في ص 95 (فلما سمع ذلك أبوهن زوجهن أربعتهن) وفي أمال المرتضى ج 1 ص 177 (فزوجهن أربعهن) بحذف التاء وهو الصواب. وفيها (لا بأس بها نولدها فطما ونسلخها آدما) وفي الكامل ص 120 وجمهرة الأمثال ص 113 - 114 (لو كنا نولدها فطماً ونسلخها آدما لم نبغ بها نعما) وفي الأمالي (لو إنا نولدها فطما ونسلخها آدما - ويروى آدما بالفتح - لم نبغ بها نعما).
14 - وقالوا في ص 98 (ولم نعثر على نص خاص في هذا الاسم) والمسموع أن يقال
(خاص له) أو (خاص به) ففي الأغاني 244: 2) وخصوصه بالوليد) وقال الأخفش في (253: 3) من الكامل (حق النعت أن يأتي بعد المنعوت ولا يقع في موقعه حتى يدل عليه فيكون خاصا له دون غيره) وفي (2 ص 45) منه (وكانت له صحبة وكان خاصا بعمر بن الخطاب).
15 - وورد في ص 99 (وأسرع النهضة في الصريخ) فعلقوا به (استعمل ابن جني أسرع متعديا فقال: ويسرع قبوله ما يسمعه. قال صاحب اللسان: فهذا أما أن يكون يتعدى بحرف وبغير حرف وإما أن يكون أراد إلى قبول فحذف وأوصل اهـ. قلنا: ليس ما قاله صاحب اللسان بشيء لأن (أسرع) في الأصل متعد والتقدير (أسرع المشي أو السير أو الأمر أو ما في حكمها) ولذلك قال الجوهري في مختار الصحاح (وأسرع في السير وهو في الأصل متعد) والعجيب أن الجوهري لم يتبع ما قاله فقد قال في (وشك) ما نصه (وأوشك الرجل يوشك ايشاكا: أسرع السير) ولا ريب في أنه مصيب غير إنه لم يلتفت إلى ما نقله في مادة (هود) ونصه (وفي الحديث: أسرعوا المشي في الجنازة ولا تهودوا كما تهود اليهود والنصارى) وقد ورد في ص 161 من هذا(7/782)
الجزء من الأغاني (حدثني قدامة بن نوح قال: مر بشار. . . وقال: ومر به قوم يحملون جنازة وهم يسرعون المشي بها) وبذلك ظهر لك وهم صاحب اللسان.
16 - وقالوا في ص 167 في الهامش (فأذن له سليمان بالدخول) والذي علمناه أن يقال (أذن له فيه) لئلا يلتبس ب (أذن به) بمعنى (علم به) ومنه قوله تعالى (فأذنوا بحرب من الله ورسوله). ولماذا لم يلتفتوا إلى ما جاء في الأغاني (348: 2) ونصه (ثم أذن للناس يوما في الدخول عليه) وفي (309: 3) منه (أن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في تقبيل يده) ولنا على ذلك أدلة لا تحصى.
17 - المشهور أن أبا الفرج الاصفهاني كان شديد الحافظة غير أنه روي في ص 178 من هذا الجزء بيتين لبشار ثم رواهما في ص 289 منه لابن المولى ولم يفطن لذلك فجل من لا تفوته فائتة.
18 - وقالوا في ص 192 (فماله دائما لذلك يعتوره النقص) والصواب (يعروه) لأن الاعتوار كالتعاور فلا يصدر فعلها عن اثنين فأكثر فهو بمعنى التداول. قال الجوهري في
مختار الصحاح (واعتوروا الشيء تداولوه فيما بينهم) وورد في (115: 3) من الكامل للمبرد ما نصه (خرج ابن ملجم وشبيب الأشجعي فاعتورا الباب الذي يدخل منه علي رضي الله عنه) وفي (185: 2) منه (قوله: قلت وجدي بها كوجدك بالماء. معنى صحيح. وقد اعتوره الشعراء وكلهم أجاد فيه) ومن يستقر كلام العرب يلفنا في صميم الصواب.
19 - وفي ص 200 ورد (لو كنت تلقين ما نلقى قسمت لنا) بكسر القاف من (تلقين) والصواب فتحها مثل (تخشين وترضين وتنسين).
20 - وقالوا في 207 (الطيار: لقب جعفر بن أبي طالب وسبب هذا اللقب أنه أخذ الراية في غزوة مؤتة بعد زيد بن حارثة فقاتل حتى قطعت يداه ومات) ونحن نذهب مذهب من قال بأن الطيار رحمه الله تعالى كان صاحب الراية قبل (زيد بن حارثة) فقد روى ابن أبي الحديد عن كتاب المغازي لمحمد بن اسحق قول حسان بن ثابت رحمه الله:(7/783)
رأيت خيار المؤمنين تواردوا ... شعوب وخلق بعدهم يتأخر
غداة غدوا بالمؤمنين يقوهم ... إلى الموت ميمون النقيبة أزهر
أغر كضوء البدر من آل هاشم ... أبي إذا سيم الظلامة أصعر
فطاعن حتى مال غير موسد ... بمعترك فيه القنا متكسر
وكنا نرى في جعفر من محمد ... وقارا وأمرا حازما حين يأمر
ومن ذلك قول كعب بن مالك الأنصاري:
ساروا أمام المسلمين كأنهم ... طود يقودهم الهزبر المشبل
إذ يهتدون بجعفر ولواؤه ... قدام أولهم ونعم الأول
21 - وقالوا في هامش ص 209 (ثم صار بعد ذلك يستشهد به لما بلغه أنه هم بهجوه) فجعلوا (يستشهد) خاصا بوقتين هما (بعد ذلك) و (لما هم) والصواب حذف أحدهما لئلا يتناقض طرفا الكلام.
22 - وورد في ص 214 (أبا جعفر ما طيب عيش) وقد ورد في ص 156 (ما طول عيش) فلم يشيروا إليه. وفيها (بعزم نصيح أو بتأييد حازم) وقد جاء في ص 157 برأي نصيح أو نصيحة حازم) ولم يومئوا إليه. وفيها (مكان الخوافي قوة للقوادم) وفي ص 157 (فإن الخوافي قوة للقوادم) غير أنهم لم يرمزوا إليه.
23 - وورد في ص 220 قول جرير:
أودى سوادة يجلو مقتلي لحم ... باز يصرصر فوق المربأ العالي
وفي الكامل للمبرد (153: 1) وردت (هذا) و (المرقب) بدلاً من (أودى) و (المربأ).
24 - وقالوا في ص 221 (والمعروف أن الفاء لا تقع في جواب لما. قلنا: إن التركيب الذي علقوا عليه هذا قد ورد مثله في ص 26 من الجزء الأول فلم يفطنوا وقد أشرنا سابقا إلى خطأه بأن حذف الفاء موافق لأسلوب العرب أما أن الفاء لا تقع في جواب (لما) البتة فقول مرغوب عنه فلينظروا إلى(7/784)
تعليق العلامة السجاعي على شرح القطر ص 18 طبعة مصطفى البابي بمصر ففيها:
لما على ثلاثة أقسام ... نفي مضارع مع انجزام
ثم قال (وقد تأتي بفا لكن هذا منتقد).
25 - وقالوا في ص 229 (الأغرل: ذو الغرلة أي لم يختن) والصواب (أي الذي لم يختن) لكي يتعادل التفسير والمفسر ويتقابل البدل والمبدل منه أو المعطوف والمعطوف عليه عطفا بيانيا.
26 - وقالوا في ص 236 (نفستهم: حسدتهم علي) للتعليق على قول الشاعر (نفستهم علي أم المنايا) والصواب (حسدتني عليهم) أو (حسدتني إياهم) قال في مختار الصحاح (وحسده على الشيء وحسده الشيء بمعنى) وكيف لم يلتفتوا إلى ما جاء في هذا الجزء ص 251 ونصه (بلغه أن إبراهيم الموصلي حسده على شمائله وإشارته في الغناء)؟
27 - وجاء في ص290 (والله لو أن في ملكي أكثر لما احتجبتها عنك) فعلقوا عليه (كذا في الأصول. ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا احتجب متعديا بنفسه ولعلها: حجبتها) اهـ. قلت ليس أصل هذه الكلمة (احتجب ولا حجب) وإنما هو محرف عن احتجن) أي كنز ومنه قوله في الكامل 256: 1 (والمغسل الذي عنده غلول وهو ما يختان ويحتجن) وفي (138: 3) منه (ثم يكون منك رجل شراب للخمر سفاك للدماء يحتجن الأموال ويصطنع الرجال) قاله رجل من أهل الكتاب لعبد الملك بن مروان. وفي ص 149 منه قول أبي هلال (اتق الله يا أسلم فإنا لا نريد قتالا ولا نحتجن فيئا).
28 - وورد في ص315 (يا أبا صخر ما يستطيع أحد أن يقول مثل هذا، فقال: بلى،
الحرث بن خالد حيث يقول) ومن تعليقهم بذلك (يحتم أن يكون. ما يستطيع، نفيا محضا وأن التحريف في، بلى، وأن أصلها، بل الاضرابية) قلنا: إن الهمزة لازمة لهذا التركيب ألا ترى قول القائل في ص 305 من هذا الجزء ورد هكذا (يا إبراهيم أتبيع هذا البغل؟: لا بل أحملك عليه) وفي(7/785)
الكامل 246: 2 (فقال الحارثي الأمير أعظم أم الخليفة فقلت: بل الخليفة قال: أفالخليفة أعظم أم النبي؟ قلت: بل النبي) وفي (103: 3) منه (فقال: صف لي أموره، فقلت أأطنب أم أختصر؟ فقال: بل اختصر) والسائل زياد بن أبيه، أما نقلهم قبل هذا أن همزة الاستفهام يجوز حذفها فلا يقبل إلا بشرط فقد قال المبرد في كامله 101: 3 (ويجوز في الشعر حذف ألف الاستفهام لأن أم التي جاءت بعدها تدل عليها) فالشرط أن تليها (أم) المؤذنة بالاستفهام وليس في هذه الجملة ما يجوز حذف الهمزة.
29 - وقالوا فيها (ولكن الجواب بكلمة بلى يدل على أن القصد من الجملة الاستفهام. قلنا انظروا إلى ص 356 من هذا الجزء ففيه أن سليما بن عبد الملك لما أنشده موسى شهوات شعره وقال له (اتفق أسماهما وأسماء أبويهما فتخوفت أن يذهب شعري باطلا ففرقت بينهما بأمهما فأغضبه إن مدحت ابن عمه) قال لموسى (بلى والله لقد هجرته) فأين الاستفهام؟ وهذا كثيرة
30 - وورد في ص 338:
بالخيف هاجت شؤونا غير جامدة ... فانهلت العين تذري واكفا سجما
ففسروا الشجون بالدموع فلم نر التفسير موافقا للحال والصواب أنها ههنا منبثقات الدموع ففي الكامل 232: 1 (وزعم الأصمعي قال: يقال: إن مجاري الدموع منها فلذلك يقال: استهلت شؤونه. وانشد قول أوس بن حجر:
لا تحزنيني بالفراق فإنني ... لا تستهل من الفراق شؤوني
قلت ومن ذلك قول أبي عمرو بن أراكة الثقفي لما استشهد عمرو بسيف الفئة الباغية:
لعمري لئن اتبعت عينك ما مضى ... به الدهر أو ساق الحمام إلى القبر
لتستفدن ماء الشؤون بأسره ... ولو كنت تمريهن من ثبج البحر
31 - وورد في ص 350 (وإذا ما سنة مجدبة) وفي الكامل 357: 2 (مجحفة) وكذلك في ص 357 من هذا الجزء ولم يشيروا إليه وفيها أيضاً:
نور شرق بين في وجهه ... لم يصب أثوابه لون الدرن(7/786)
وفي الكامل:
حسرت عنه نقيا لونه ... طاهر الأخلاق ما فيه درن
وفي ص 357 من هذا المنقود (نور صدق) و (لم يدنس ثوبه) ولم يشيروا إلى هذا ولا إلى ذاك.
32 - وورد في ص 352 عقيد الندى ما عاش يرضى به الندى) ففسروا عقيد الندى ب (الكريم بطبعه) مع أنه لقب للممدوح ومعناه المعاهد أما الملقب فهو (سعيد بن خالد بن عبد الله أسيد) ولذلك ترى في ص 356 من هذا الجزء ما نصه (وعائشة: أم عقيد الندى. . . وأم أبي عقيد الندى رملة. . .)
33 - وفي ص 356 (قال موسى شهوات لمعبد: أأمدح حمزة بن عبد الله بن الزبير بأبيات وتغنى فيها ويكون ما يعطينا بيني وبينك؟) وفي (207: 2) من الكامل المبرد (أأقول شعراً في حمزة وتغني أنت به وما أعطاك من شيء فهو بيننا؟).
34 - وورد في 359 (فدع عنك ما شيدته ذات فرخة) وهو المصراع الأول فلم يجدوا له معنى ولعله (شيدت ذات فرخة) أو ذات رخمة) بمعنى غنت.
35 - وورد في ص 362 (يجود أحيانا حتى لا يدع - بنصب يدع - شيئا يمكنه إلا وهبه ويمنع أحيانا ما لا يمنع من مثله) ولا يجوز (نصب بعد حتى هنا لأنها ليست بمعنى (إلى) ولا (لام التعليل) ولا خاصة بالاستقبال ومن أمثال ذلك قول علي عليه السلام في الحديدي (83: 1) ما نصه (كأني أنظر إلى قريتكم هذه قد طبقها الماء حتى ما يرى منها إلا شرف المسجد).
36 - وفي ص 103 (لو كنت ماء كنت غير عذب) وفي الكامل 28: 3 (لو كنت ماء لم تكن بعذب).
37 - وفي ص 117: قالوا من العقد الفريد لابن عبد ربه صحيفة 119) والصواب (صفحة) كما ذكرنا.
38 - وورد في ص 118:
فرج الرباب فليس يؤدي فرجه ... لا حاجة قضى ولا ماء بغى(7/787)
فعلقوا عليه (هذا البيت ساقط في ل. ط وقد ورد هكذا في باقي النسخ وهو غير واضح) قلنا إن قوله (فرج) يحتمل وجهين فهو أما مصدر (فرج) أي كشف لأن الرباب مفروج عن السحاب مطرد تحته كالمتعلق به أنشد المازني:
كأن الرباب دوين السحاب ... نعام يعلق بالأرجل
وأما (فرج) الماضي المبني للمجهول أو المعلوم. أما قوله (فليس يؤدي فرجه) فيحتمل أن يكون (يودي) فيه: غير مهموز فيكون معناه (يقوي ويجد) قال المبرد في الكامل 177: 1 (وللمودي موضع آخر يكون فيه: القوي الجاد. حدثني بذلك التوزي في كتاب الأضداد وأنشدني: مودون يحمون السبيل السابلا) اهـ. ويحتمل أن يكون (يؤدي) محرفا عن (يودق) أي يمطر ويصبح معنى البيت (إن بعض الناس قد قال الشاعر فيه: فسائل بعضهم ماذا قضى؟ يشبه انفراج الرباب عن السحاب مع أنه لا يسرع الانجياب والانتقال أولا يمطر. لذلك تراه لا يقضي حاجة مستسق ولا ينجاب سريعا إلى البحر ليغترف منه على زعم الإعراب. ولا مانع من أنه تحريف (يجدي) وهذا ما توصل إليه عقلنا القاصر.
39 وقالوا في ص 125 (وطسم من القبائل البائدة فلم يكن لها في عهد زيد ابن عمرو أصنام يهجرها) ولعل أصل (يهجرها) هو (يهجوها) وفي قولهم خطأ هو تركهم (يهجوها) بلا فصل بفاء السببية فصارت الجملة صفة لأصنام فإن لم يكن عندهم أصنام يهجوها فقد يكون لهم أصنام لا يهجوها. ألا ترى أنك لو قلت (ليست في السوق بضاعة أشتريها) لفهم أن ليس في السوق بضاعة موافقة لك مستحقة لاشترائك. ولو قلت (ليس في السوق بضاعة فأشتريها) لسببت نفي البضاعة عن السوق بفاء السببية وليس. فلينظر المصلحون الكرام إلى ص 116 منه ففيها (ولم أجد لهم نسبا فأذكره، لأنهم ليسوا من العرب فتدون العرب أنسابهم) يجدونا مصيبين.
40 - لا شك في أن الباحث يسترشد فهرس القوافي على البيوت المحتاج إلى معرفتها أو استشهادها. غير أن فهرس القوافي في الأغاني لا يتم الفائدة فقافية (الفقير مثلا خصوها بصفحة 75 وحدها إذ فيها البيت:(7/788)
دعيني للغنى أسعى فإني ... رأيت الناس شرهم الفقير
ولكنها وردت في ص 178 في البيت:
لو كان مثلك آخر ... ما كان في الدنيا فقير
وهذا البيت الأخير ورد في ص 289 أيضا، ولولا حافظتنا لما عرفنا أنه روي تارة لبشار وأخرى لابن المولى. فيجب أن يقوم الفهرس مقام الحافظة الخائنة وتتم به الفائدة. وذلك باتباع أسلوب الفهرس الفرنجي للكامل المبردي والله الموفق للصواب وللعمل الرصيف.
مصطفى جواد
(لغة العرب) ليس لنا ما نزيد على كلام حضرة الأستاذ مصطفى أفندي جواد إذ قد وفى النقد حقه. والقراء يشهدون له بهذه المزية. إلا أننا نقول: إن بعض الأنساب في حاجة إلى نظر أدق وتحقيق أغور. ونحن نذكر مثالا لذلك نسب السموءل الوارد في ص 116 فقد اختلف فيه فقيل السموءل بن غريض بن عاديا بن حباء الكاهن اليهودي. وقيل: السموءل بن حيان بن عادياء وقيل: السموءل بن أوفى (راجع شرح المضنون به على غير أهله ص (و)) فنقول:
أما غريض (بالغين المعجمة وخطأ المهملة كما ذكره بعضهم) فهو وحنان (بحاء مهملة ثم نون مشددة موحدة فوقية فألف فنون) شيء واحد. وذلك أن حنان علم عبري المادة معناه طري وغض وناعم وغريض. ف (الغريض) عربي و (حنان) عبري والمعنى واحد. أما حيان بالياء المثناة التحتية فخطأ آخر. وكذلك حباء. فصواب الأول حنان كما ذكرناه وصواب الثاني (حنا) وهو تخفيف حنان. ولما كان الأقدمون يجهلون معاني هذه الألفاظ قربوها من مواد عربية مألوفة على أسماعهم فحرفوها وصحفوها.
أما عادياء فأصله بالعبرية (عدايا) فوقع فيه القلب وعدايا وارد ذكره في التوراة في سفر زكرياء 71: 1 وأما ابن أوفى فمعناه الأمين الوفي فتأمل.
والسموأل كلمة عبرية لا سريانية كما جاء في تاج العروس وهي في العبرية شموئيل أي الذي سمعه الله أو المسموع من الله.(7/789)
الشعر في مصر
كنا قد ذكرنا في ص 627 وما يليها أنبغ شعراء مصر وما امتاز به على نظرائه بحسن الديباجة وطلاوة العبارة ومختلف التصاوير الفكرية الآخذة بالقلوب وكيف فاق من تقدمه في اختراع المواضيع المختلفة من غير أن يطرق بحثا أو بابا من أبواب الأوائل. تلك الأبواب التي أكل عليها الدهر وشرب وتحطمت ولم يبق من يفكر في وجودها فضلا عن الاحتذاء بها. فلما وقف على مقالنا ذاك بعض الأدباء انقسموا شطرين: شطر وافقنا في رأينا وهم الأدباء الخالون من كل غرض، وفريق سلقنا بلسانه الحاد ناسباً إلينا التزلف من أمام الشعراء المجددين العصريين (الأستاذ الكبير صاحب السعادة الدكتور أحمد زكي بك أبو شادي) ولما كان كثيرون قد ألحوا علينا أن نذكر لهم ما قاله المقتطف والهلال في هذا النابغة الفذ تنقل إليهم ما قالته فيه شيخة المجلات العربية.
الشفق الباكي
(عن المقتطف 346: 74)
يحار من يلقي نظره على هذا الديوان الحافل في تعليل ما يبدو في كل صفحة من صفحاته من آثار القريحة الفياضة والعقل الجامع لشوارد العلم والتاريخ والنفس الغنية الحساسة بطيوف الألوان والأصوات والشعور، فيقف من هذه الآثار موقف الدهشة أولا حتى يكاد يغري بالقول إن صاحبا يفكر شعرا ويتكلم شعرا (فإذا تصفحها وتفهم مغازيها تحولت دهشته إعجابا. فبين تراه يصف (حديقة النحل) ويجيد وصفها إذا هو ينتقل إلى عالم المكرسكوب والأحياء الدقيقة فيصف ما في معمل البكتريولوجي من الغرائب التي تفتن لب الشاعر كما يفتنه الربيع أو كما تسحره الأنغام.(7/790)
وعندنا أن هذه القصيدة هي فريدة الديوان ولو لم يكن الدكتور أبو شادي قد تربى تربية علمية وحذق البكتريولوجية وقرن إلى ذلك نظرا شعريا وشاعرية فياضة لما أتيح لنا أن نقرأ هذه القصيدة. ومن أقواله فيها ردا على فقيه يعترض عليه بأن علم الجراثيم لا يتفق مع الشعر والفن (فدعني إذن والعلم فالفن طيه) وعندنا أن هذه نظرة صحيحة إلى علاقة الشعر بالعلم فإن العلماء كشفوا لنا عن عجائب وغرائب إذا اتخذ منها الشاعر مصدراً
للوحي أتانا بالمعجزات. العلم لا يناقض الشعر بل هو معوان له لأنه يوسع الخيال ويزيد ثروته ويجعل الشعر أوثق اتصالا بالحياة العصرية التي تقوم على ركنين من العلم النظري والعلم العلمي:
ومن كان هذا طبعه وشعوره ... فلا حسه يخبو ولا عينه تكرى
تحرر من قيد الجسوم وروحه ... ترى الشعر فيما أنت تحسبه قفرا
ويا ربما هذي الجراثيم قد حكت ... بروعتها الروض المجمل لا العفرا
ولولا حجى الفنان ما كان فارق ... وساوى رهيف السمع من يشتكي الوقرا
وما رجعت إلا المظاهر وحدها ... ولم ندر من خافي بدائعها أمرا!)
وقد ختم الشاعر قصيدته هذه ببيتين في نهايتهما تشبيه مبتكر. قال يصف عقل الذي كان يناقشه في موضوع المكروبات والشعر وهو يعرض عن كل حجة وبرهان:
ومن نكد الدنيا أناس تصدروا ... لفلسفة في النقد تركبهم وعرا
نواظرهم شبه الزجاج ومثلها ... عقول لهم إن نوقشت محقت كسرا
أما قصيدته (حديقة النحل) فلا يستطيع نظمها إلا من كان مثله قد عني بدرس حياة النحل نظرا وعملا وعرف ما في تلك المملكة من أسرار الجمال والنظام. وإليك بعض أبياتها وهي طويلة:
لا تصغرن إذا حكمت صغيرها ... فلربما ملكت مال كبار
خلقت من الإتقان في تكوينها ... وتسلطت بجهادها الجبار
هي كلها للجمع تدأب لا تني ... لا سخرة للسيد الأمار
قل للمصغر قدرها لغروره ... من أنت في الأقدار والأوطار(7/791)
البأس والجبروت من أعوانها ... ولو أن للشورى سني منار
ومنها وصف ملك النحل:
يحرسنها في هالة فكأنها ... في عزها قمر من الأقمار
وهي الأسيرة لو بحثت محققا ... ولربما شعرت بطوق أسار
وقف عليهن الغذاء وأنه ... من روحهن لها بغير حذار
فتكافئ المجموع من إذعانها ... وتبيض مسرفة بلا استعبار
ولا يستطيع الصحافي أن يفي هذا الديوان حقه من البحث والتحليل في نظرة عجلى كالتي تقدمت ولكننا نظنها كافية لأن نبين للقارئ أن وراءه شاعرا (يرى الشعر في القفر) ولذلك فهو جدير بالعناية والدرس) انتهى كلام المقتطف.
ودونك الآن ما قاله الهلال في 625: 37:
يعرف القراء الدكتور زكي أبو شادي بمقطوعاته الشعرية الجميلة التي تظهر بين حين وآخر في المجلات والصحف. . .
ونحن ننقل هذه المقطوعة الصغيرة من (الشفق الباكي) وقد وضع لها عنوانا (العطف الإلهي):
وأحس أني في اندماج دائم ... بالكون والكون العظيم حياتي
أتأمل الساعات في أجرامه ... وكأنني متأمل مرآتي
وأنال عطفا من جميل حنانه ... يسري إلى روحي بغير فوات
حس خفي لست أدرك كنهه ... وكأنما هو معجز الآيات
بلغ الضمير وكان خير مؤذن ... بالله في ملكوته لحياتي
فهذه المعاني السامية لو ألبست ثوباً من اللفظ أروع وآنق لكان الأثر في نفس القارئ أبعد وأعمق. ولكن الشاعر لا يبارى في المعاني المبتكرة والنزعات الشريف. والإنسان يقرأه فيشعر كأنه بحضرة شاعر من شعراء أوربا مهموم بمصالح الناس والمثل العليا فهو يكتب عن فتاة الريف بعطف وفهم، وكذلك يصف الموسيقى بروح الرجل الذي يلتذها ويحبها وينظر للدنيا نظرة ابن الدنيا لا ابن الوطن الجغرافي. وللناس نظرة الإنسان لا نظرة الشرقي أو الغربي ويسمى الفلاح المصري (أميرنا الصعلوك).(7/792)
وبالكتاب نحو 300 قصة كتبها معروفون في قيمة الشعر والنثر ومعنى النقد والتجديد. وهذا غير مقدمة وافية في النقد والأدب الجديد للأستاذ حسن صالح الجداوي.
والخلاصة أن هذا المجلد ليس برهانا على نبوغ المؤلف فقط بل هو أيضا برهان على أن النهضة المصرية الحاضرة تؤاتي الأديب على أن ينبغ.
شرح لسقط الزند
-
في خزانتنا كتاب مطبوع في تبريز (إيران) عام 1276هـ وهو شرح على سقط الزند لأبي العلاء المعري يقع في 372 صفحة بقطع متوسط، وقد طبع في هامش هذا الشرح شرح أبي الفضل القاسم بن الحسين الخوارزمي المسمى بضرام السقط.
ليس في هذا الشرح الجزيل الفائدة اسم مؤلفه كما ليس فيه تاريخ فراغ المؤلف منه ليعلم أنه في أي قرن كان؟ لكن المعلوم إجمالا أن المؤلف معاصر للميداني أو متأخر عنه لأنه قد ينقل في هذا الشرح عن خط الميداني؛ يقول في أحد مواضع الشرح: وقد كتب الإمام أحمد الميداني على حاشية نسخته من هذا الديوان الثغب بالتحريك الغدير الذي يكون في ظل جبل فسكن الغين للضرورة الخ وقال في موضع آخر: ورأيت بخط الميداني ره يقول الخ.
الشارح شافعي المذهب كما يظهر من كلامه في شرح البيت:
لغاسل الكف من أعراضها مائة ... وما يجاوز سبعا غاسل النجس
إذ يقول في ضمن شرحه لهذا البيت: يعني يغسل كفه من متاع الدنيا وحطامها مائة مرة تنزها أن يتدنس بها أي يغسل كفه عنها مائة مرة وإن كان الذي يغسل الشيء النجس تطهيرا لا يجاوز في الغسل سبع مرات يعني النجاسة المغلظة في الشرع وهو لعاب الكلب فإنه إذا أصاب عينا من الأعيان وجب غسله سبع مرات مع(7/793)
تعفير بالتراب جمعاً بين الطهورين تغليظاً لأمر هذه النجاسة تأكيداً للفطام عن مخالطة الكلب لما كان العرب تألفها اهـ. فالشارح قد أوجب الغسل سبع مرات مع التعفير مؤكدا ذلك. وهذا على مذهب الإمام الشافعي ولو كان الشارح على غير مذهبه لما بالغ في التأكيد.
أول هذا الشرح:
قال الشارح: القول في الأوزان والقوافي التي تعرض في رؤوس القصائد: القوافي تنقسم إلى خمسة أضرب: المتواتر، المترادف، المتدارك، المتكارس: فالمتواتر ما في آخره سبب خفيف الخ. وقال في شرح أول بيت ورد في سقط الزند ما حرفه:
أعن وخد القلاص كشف حالا ... ومن عند الظلام طلبت مالا
الوخد ضرب من السير سريع يقال وخدت الناقة تخد وخدا ووخدا ووخدانا والقلوص الناقة
الفتية وهي اسم للانثى خاصة وهي من الإبل كالفتاة من جنس الإنس والجمع قلاص وقلص وقلص النعام فراخها يخاطب نفسه منكرا عليها في آداب السير ومواترة الأسفار وطي المراحل بحث المطي طلبا للغنى والمال ظانة أن الاجتهاد يزيد في الرزق أو يبدل سابق التقدير كلاما يبدل القول لدي وقد جف القلم بما هو كائن وفرغ الله إلى كل عبد من خمس من عمله وأجله وأثره ومضجعه ورزقه لا يتعداهن عبد كما أشار إليه لسان النبوة اهـ.
من آراء الشارح أن الاسكندر المكدوني هو ذو القرنين المذكور في القران الكريم كما يرى العلامة الكرملي صاحب هذه المجلة.
ليس هذا الشرح بضرام السقط لأنه مطبوع في الهامش (كما ذكرنا). وليس بشرح الخطيب أبي زكرياء التبريزي لأن هذا الشرح ينقل عنه في عدة مواضع منها في شرح البيت:
سطوت ففي وظيف الصعب قيد ... بذاك وفي وتيرته عران(7/794)
فوائد لغوية
1 - غلط النحويين في التسوية بين العامل وعلامة الإعراب
قال السيوطي في شرح الألفية مبتدئا (لكن سيأتي أن مذهبه أن المضاف إليه مجرور بالحرف المقدر) وهذا رد منه على من يدعي أن المضاف إليه مجرور بالإضافة بعينها أو إسناد إلى صاحب المذهب الذي يعتبر المضاف إليه مجروراً بحرف جر مقدر. فأقول: أجل إن المضاف إليه مجرور بجاره أي مخفوض بخافضه سواء أكان الجار حرفاً مقدراً أم كانت الإضافة نفسها، فما باله قد لبس قوله بعد ذلك باستصوابه (وأجرر بياء ما من الأسماء أصف) كما قال ابن مالك؟ وقال (يعرب بهذا الإعراب) و (إنه يعرب بالحركات عليه) فقوله خطأ واضح لأن الياء لا تجر ولأن الكلمات لا تعرب بالحركات. فالياء علامة جر والحركات علامات إعراب. وعلامات الإعراب هي غير العوامل الموجبة للإعراب كما أن المسبب (بفتح الباء) هو غير المسبب (بكسرها) أما قول ابن مالك:
وارفع بواو وانصبن بالألف ... واجرر بياء ما من الأسما اصف
فضرورة شعرية لأن الواو لا ترفع والألف لا تنصب والياء لا تجر وإنما هي علامات إعراب ألا ترى أنه ينقض ذلك بقوله:
وارفعوا مبتدأ بالابتدا ... كذاك رفع خبر بالمبتدأ
فمن المضحك في إعراب قولنا (الشاعر مضطر) أن نقول (الشاعر: مبتدأ مرفوع بالابتداء بالضمة. ومضطر: خبر مرفوع بالمبتدأ بالضمة لأن الضمة علامة الرفع. فانحطاط العربية في الأعصار الأخيرة جعل النحويين يتهافتون على خطأ (ابن مالك المضطر) وغيره حتى أن ابن عقيل قال (الأسماء الستة وهي أب وأخ وحم وهن وفوه وذو مال فهذه ترفع بالواو. . . وتنصب بالألف. . . وتجر بالياء) إلا أنه نقض تعبيره بعد ذلك بقوله (فعلامة الرفع والنصب والجر حركة مقدرة على الألف) فاستوى عنده العامل والعلامة وهما منه فالكلمة مرفوعة برافعها ومنصوبة بناصبها ومجرورة بجارها. ومن قال غير هذا فقد أخطأ.(7/799)
2 - منع والأفعال التي تنصب مفعولين
إن الأفعال التي تنصب مفعولين (أصل أولهما مبتدأ وأصل الثاني خبر) كثيرة ولذلك اقتصر النحويون على ذكر المشاهير منها ولكنهم لم يفيدوا فائدة ثابتة بوضعهم (منع) في الأفعال الناصبة مفعولين لأن السلف استعمل هذا الفعل متعديا إلى مفعول واحد أيضا فقد قيل (منع فلان فلانا عن الشيء ومنه) و (منع فلان فلانا الشيء) فالواجب أن يحذف هذا الفعل في الكتب الحديثة وأن يحل محله الأفعال المفيدة الكثيرة الاستعمال في هذا العصر مثل (حرم) كقولنا (حرمت السارق سرقته) ومثل (ألا. يألو) كقولنا (ما ألوت خالدا نصيحة) والمخلص لا يألو شعبه خيرا. ومثل (استأدى كقولنا (استأدى علي خالداً حقه) ومثل (استدفع) كأن يقال (استدفعني قومي العدو) أي طلبوا مني أن أدفعه عنهم ومثل (ألت يألت) نحو (لا يألت المنصف أحدا حقه) أي لا يبخسه ولا يتره. ونحو (سلب اللص القافلة تجارتها) و (بز السارق محمودا ثيابه) وإحصاء ما لا يحصى مهلكة للوقت.
3 - نقل ابن عقيل عن العلماء
قال ابن عقيل في باب الحال من شرح الألفية (وقد كثر مجيء الحال مصدرا نكرة ولكنه ليس بمقيس لمجيئه على خلاف الأصل ومنه (زيد طلع بغتة) فبغتة مصدر نكرة وهو منصوب على الحال والتقدير (زيد طلع باغتا) هذا مذهب سيبويه والجمهور وذهب الأخفش والمبرد إلى أنه منصوب على المصدرية والعامل فيه محذوف. والتقدير (طلع زيد يبغت بغتة) فيبغت عندهما هو الحال لا بغتة اهـ قلت إن هذه الرواية المشكوك فيها أوجب علي أن أمحص ما ينقله (ابن عقيل) عن العلماء لأنه نسب إلى المبرد ضد ما أقر المبرد به. فلينظر المنصف الأمين المحقق إلى ص 217 في الكامل من الجزء الثاني يجد المبرد قد قال (وكذلك له حنين حنين ثكلى وله صريف صريف القعو بالمسداي يصرف صريفا، فما كل من هذا نكرة فنصبه على وجهين: على المصدر وتقديره (يصرف صريفا مثل صريف جمل) وإن شئت (جعلته حالا وتقديره: يخرجه في هذه الحال فأنت ترى أن المبرد نصب المصدر بالحالية وأن رواية ابن عقيل هذه لا تستحق الثقة ولا الاعتداد بها فتدبر أوحيدة هذه أم لها أشباه وأخوات؟
مصطفى جواد(7/800)
باب المكاتبة والمذاكرة
أغلاط عامية ومطبعية
1 - ورد في لغة العرب (354: 7) ما نصه: (فاستحق لقب العادل الذي وصفه نبي الإسلام مع إنه كان يكره الأعاجم) وليس ذلك بصواب لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يكره أعداء الله والإسلام فقط.
2 - خطأت في ص 340 خطأت قول الشيخ الغربي (التثبت من الأمر) بقولي (والصواب: في الأمر) مع أن الصواب هو الفصيح لأن المصادفة أعثرتني وإياكم على قول المولدين (تثبت من الأمر) فجل وعلا من أحاط باللغات.
3 - في الصفحة نفسها (دون العشر المقارع أو العشر مقارع) واللازم أن يضاف إليها (أو عشر المقارع).
4 - ولما قرأت قول العلامة فريتس كرنكو (في 29 ربيع الأول) في (لغة العرب 459: 7) لتصحيح الأغلاط المطبعية (أضفت إليه لفظ (شهر) على حسب ما نص عليه العلماء أفمخطئ أنا أم مصيب؟
(لغة العرب) إنكم مصيبون ولا يقال الخلاف.
5 - وقال العلامة ف. كرنكو في ص490 (ولو كنت أنا الكاتب لقلت: قد قتل كتب اللغة كلها) ترجيحا لهذا على قولي (قد قتل كل كتب اللغة) وإني لا أقبل ترجيحا بلا سبب ومن ذلك الاستعمال قوله تعالى: (فلا تميلوا كل الميل) وقول عبد الله بن أبي عيينة:
كل المصائب قد تمر على الفتى ... فتهون غير شماتة الحساد
وقوله:
بارت مسارعتي إليك بطاعتي ... كل البوار وآذنت بكساد(7/801)
وفي (قشع) من المختار (وفي حديث أبي هريرة. . . لو حدثتكم بكل ما أعلم لرميتموني بالقشع) فقول علامتنا الكرملي (هذا أخف وأرشق) أحمله على العاطفة الصميم كما حملوا نقدي لديوان الدكتور أبي شادي عليها.
(لغة العرب) في قول الصدق: قتل كل كتب اللغة بالإضافات ثقل ظاهر وأثقل من قول
الأستاذ كرنكو. وهذا يتبع الذوق فخفة الذوق أطيب للنفس من خلافه. اهـ كلامنا.
أما قول العلامة الجليل (قتل كتب اللغة كلها) فيورث القارئ الالتباس لأن التوكيد يجوز إسناده إلى (كتب) المنصوب وإلى (اللغة) المجرور والكتابة غير مشكلة. وظاهر أن (الكتب كلها) لا تشمل (كل اللغة) حتى يزول الالتباس.
6 - وورد في لغة العرب (329: 7) قول المغربي الأستاذ (تأملت في معناها) والصواب (تأملت معناها) لأن الفعل متعد بنفسه.
7 - وقوله في ص 330 (ولذا عولت على اختيار كلمة: السماوة) ولم تجيء (عول) بمعنى (عزم) فالصواب ما قلناه.
8 - وفيها (كتاب الأماني لأبي علي القالي) والأصل (الأمالي).
9 - وفي الصفحة 331 قول المغربي (هذه هي المعاني التي يتعاوزها لفظ المذمر) والتعاور هو التداول وهذا التفاعل لا يكون إلا من اثنين فأكثر فيكيف يتعاور اللفظ وحده؟ فالصواب (التي تتعاور لفظ المذمر).
مصطفى جواد
الأرجوزة المنسوب إلى ابن قتيبة
وقفت على القصيدة في الضاد والظاء المنسوبة إلى ابن قتيبة (لغة العرب 461: 7) وأنا لا أرى رأي ناشرها أنها للعلامة البغدادي المذكور. وأظن أن هذا النوع من النظم الخاص بالتعليم لا يرى في الأدب العربي يقبل المائة الرابعة للهجرة وقد نشأ في الأندلس. ولعل نشوءه لم يكن إلا بعد تلك المائة. وعلى ذلك أقول إن (مثلثات) قطرب ليست له في نظري إنما هي منسوبة إليه وصاحبها جاء بعد قطرب فنسبها إلى هذا العلامة الشهير ترويجا لها وهي غير معروف. ولنا من مؤلفات ابن قتيبة شيء كثير وكلها ينم عن قدم راسخة في العلم ولم يخطر في(7/802)
باله أن يقصد القصائد أو ينظم الأراجيز. وكذا قل عن جميع ما ألف وصنف في عهده أو في العهد السابق له فأن لتلك الموشيات طرازا خاصا بها هو طراز السماحة والسذاجة المحمودتين وليس عليها أدنى مسحة من التكلف والتصنع.
وقد نظم كثيرون أراجيز في الفرق بين الضاد والظاء فإذا تيسر لناقد أن يعارض بعضها ببعض يتوفق لأن يعرف صاحب الأرجوزة المنسوبة إلى ابن قتيبة ظلما.
بكنهام (انكلترة): ف. كرنكو
(لغة العرب) وقع في أثناء طبع الأرجوزة المذكورة عدة أغلاط نسينا أن ننبه عليها في وقتها. منها: ص 461 س 19 وجميعا: جميعا - ص 462 س 21 الجذب: الجدل - ص 462 س 25 الرجال: الرمال - ص 462 عظيم س 26 عظيم: عظم - ص 463 س 3 العظا: الغضا
أبو سعيد الناري
في مجلة لغة العرب الزهراء (437: 7 ح): رأيت في رحلة أوليا جلبي (596: 1) أن أبا سعيد الناري استشهد مع الإمام الحسين وأنه مدفون بكربلاء اهـ.
أقول: وضع الشيخ محمد ابن الشيخ طاهر السماوي من أفاضل المعاصرين) سفرا لترجمة أصحاب الحسين المقتولين معه في واقعة الطف أسماه (إبصار العين في أنصار الحسين) وقد طبع عام 1341هـ في المطبعة الحيدرية بالنجف فجاء في 140 ص بالقطع المتوسط. وهذا الكتاب فريد في بابه بل لم يؤلف أحد قبله (على ما نعهده) كتابا جامعا لتراجم أصحاب الحسين كهذا التأليف البديع.
ليس في هذا الكتاب الجامع لتراجم أصحاب الحسين ذكر لأبي سعيد الناري كما لم نجد اسمه في كتب أخرى الفت في مقتل الحسين ولعل اسم (أبى سعيد الناري) تصحيف (سويد الأنماري) المذكورة ترجمته في الصفحة الواحدة والمائة من كتاب أبصار العين.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) لم نجد هذا العلم في كتب الأخبار المطولة. ويجب في مثل هذا الأمر أن يسند الخبر أو الاسم إلى كتاب قديم. وأولياء جلبي أقدم عهدا من السماوي.(7/803)
حول إذما
أطلعت على كلمة الأديب المصطفى التي أوردها في الجزء الرابع من المجلد السابع للغة العرب ص 289 حول (إذ ما) فوجدته مستغربا كون (إذما) حرفا وقد اشتبه عليه (إذ) الاسمية (بإذما) الحرفية. أما (إذ) فلا شك ولا ريب في كونها ظرفا واسما إذا وردت مجردة. وأما لو ضمت إليها (ما) خرجت عن الاسمية إلى الحرفية. لأن معناها تغير
وهيئتها تبدلت وانقلبت حيث أن معناها كان قبل دخول (ما) للماضي وبعدها صار للمستقبل فدل على أن ذلك المعنى الأول قد سلب منها وجرد عنها قطعا واتخذت المعنى الثاني كما نص على ذلك (ابن هشام في القطر) واستدل هو على حرفيتها بقول (سيبويه) ومن تبعه من جمهور النحويين وجعلها بمنزلة (إن الشرطية) الجازمة لفعلين فإذا قلت (إذما تقم أقم) فمعناه أن تقم أقم وادعى (المصطفى) بكونها ظرفا زمانيا قبل دخول (ما) وبعدها مع أن هذه الدعوى قد قالها قبله بقرون عديدة جمع من النحويين (كالمبرد وابن السراج والفارسي) كما نص على ذلك (ابن هشام في القطر) وادعى بقولهم إنها ظرف زمان بمعنى (متى) فإذا قلت (إذما تقم أقم) فمعناه (متى تقم أقم) وأنها قبل دخول (ما) كانت اسما والأصل عدم التغيير ونحن نستدل على حرفيتها بأقوال النحويين الذين يعتمد على قولهم منهم (ابن مالك في ألفيته في باب عوام الجزم ص 372) فإنه قال:
واجزم بأن ومن وما ومهما ... أي متى أيان أين إذما
وحيثما أنى وحرف إذما ... كأن وباقي الأدوات اسما
ثم استشهد ولد الناظم (بدر الدين) في (الشرح) على حرفية (إذما) تأكيدا لقول أبيه بقوله (ويساوي أن في ذلك الأدوات التي في معناها وهي (من وما ومهما وأي ومتى وإيان وأين وإذما وحيثما وأنى) وورد شاهداً على حرفية (إذما البيت الذي أورده المصطفى في كلمته على الظرفية) وهو:
وإنك إذما تأت ما أنت آمر ... به تلف من إياه تأمر آنيا
قم قال وعند النحويين أن (إذ) في (إذما) مسلوب الأدلة على معناه الأصلي يستعمل مع (ما الزائدة) حرفا بمعنى (إن الشرطية) وما سوى (إذا) من(7/804)
الأدوات المذكورة فأسماء متضمنة معنى (إن) معمولة لفعل الشرط والابتداء لا غير ويؤيد قولنا بالحرفية كلام (صاحب المغني) فأنه ذكر في (حرف الألف) (إذما) وقال إنها (أداة) تجزم فعلين وهي حرف عند سيبويه بمنزلة (إن الشرطية) وقال صاحب كتاب (شذور الذهب في معرفة كلام العرب) ص 760 في (باب المجزومات) كأن وإذما: أما إذما فهي لمجرد التعليق وجازمة لفعلين وغيرها لفعل واحد، وما يجزم فعلين هو الأحد عشر الباقية وقد قسمتها إلى ستة أقسام أحدها ما وضع للدلالة على مجرد تعليق الجواب على الشرط وهو (إن وإذما) قال الله
تعالى (وإن تعودوا نعد) وتقول (إذما تقم أقم) وهما حرفان أما (إن) فبالإجماع وأما (إذما) فعند (سيبويه والجمهور) الخ وقال الشيخ خالد بن عبد الله الأزهري في كتابه (التصريح) على شرح الألفية (طبعة إيران) في باب (إعراب الفعل المضارع) في (النوع الثاني من الفصل الرابع) والنوع الثاني جازم لفعلين وهو إحدى عشرة كلمة وهي بالنظر إلى الخلاف في حقيقتها وعدمه (أربعة أنواع) حرف باتفاق وهو (إن) بكسر الهمزة وسكون النون وهي أم الباب وحرف على الأصح وهو (إذما) فقال سيبويه إنها حرف بمنزلة (إن) الشرطية الخ، وقد نظر الأديب (بحيث وكيف وأين) بأنها دخلت عليهن (ما) ولم تصيرهن حروفا نقول إن (ما) دخلت عليهن ولكن معناهن بقي مثل ما كان قبل دخولها عليهن بخلاف (إذ) ولو كانت اسمية (إذما لظهرت جلية عند النحويين ولما بينوا هذه التبيينات وفصلوا تلك التفصيلات وهذا دليل على أنها مختلف فيها ولا يمكن أن يرجح أحد القولين على الآخر بعد إن كانت القوة في جانب من يقول بحرفيتها لا باسميتها فضلا عن كون اللغة العربية أكثر مفرداتها سماعية لا قياسية وليس فيها اجتهاد ولا اشتقاق إلا ما ورد عن العرب مما دون في كتب أئمة النحو وإذا لم نعتمد ما قاله النحويون في كتبهم ونصوا عليه وأثبتوه فيها فأذن على من نعتمد؟
النجف: عبد المولى الطريحي
نظرة في أقدم كتابة كوفية
طالعت ما جاء في لغة العرب (11: 7) عن أقدم كتابة كوفية وراقني(7/805)
بحثها لكني أشك كل الشك في صحة ذيالك التاريخ وكنت أود أن أرى الأصل أو صورة الأصل. ورأيي أن الحفار أهمل ذكر المائة لأن الخط الكوفي الذي كانت تخطب به المصاحف كان متخذا في العراق على ما أظن. ولعل في ديار الشام أيضا. أما في ربوع مصر فكان شائعاً الخط المكي القديم أي النسخي وعندنا في لندن مخطوطات على البردي وكلها بالنسخي البديع ومؤرخة في سنة 90 و91 من الهجرة وأقدم هذه الأنباء هو ما نشره الدكتور بيكر وتاريخه. إن لم تخني ذاكرتي - من سنة 25 للهجرة. هذا وعندنا عدد وافر من النقود الساسانية واليونانية وعليها كتابات عربية وطرزها وسط بين النسخي والكوفي. وهذه النقود تاريخها من العهد السابق للإصلاح لعبد الملك وعلى بعض هذه النقود صورة مريم
العذراء وحولها شهادة لا إله إلا الله. ومن جزيل الفائدة أن يعاد نشر ما على هذه النقود لأنها توحي إلى نفوس الباحثين من أبناء العرب وحيا كله منافع.
بكنهام (انكلترة): ف. كرنكو
(لغة العرب) إن صاحب هذه النظرة علامة راسخ القدم في الآداب العربية وعلومها ولغتها وما نشره من ضروب الكتب والمؤلفات تشهد له شهادة صادقة على أنه ابن بجدتها. وما قاله عن المخطوطات بالقلم الكوفي وبالقلم النسخي لما كان يكتب في العراق ويخط في ديار مصر. أمر لا ينكر لأن ما وصل إلينا من هذا القبيل أكثر من أن يحصى ولهذا نرى أن رأيه مما يجب أن يوضع في الميزان لدرس مسألة كتابة الرقيم الذي جاء ذكره في (لغة العرب) وعليه ننصح لقارئه أن يبعث بصورة مصورة بالشمس إلى الأستاذ الألماني المذكور الموجود في انكلترة ليجيل النظر فيه. وهذا عنوان الأديب باللغة الإنكليزية:
50(7/806)
أسئلة وأجوبة
مصطلحات الأمير شكيب أرسلان
س - بغداد - ر ب: ما رأي لغة العرب في الألفاظ الفرنسية وما يقابلها في العربية التي وردت في تعريب كتاب أناطول فراس الذي نقله الأمير شكيب أرسلان؟
ج - تقسم الألفاظ التي عربها الأمير قسمين كبيرين، قسم عربت ألفاظه منذ القديم. وقسم عربت ألفاظه حديثا. وهذا القسم الثاني يتفرع إلى ثلاثة فروع: فرع صح فيه التعريب وفرع لم يصح فيه وفرع ينظر فيه.
فأما الكلم المعربة من سابق العهد فهي: رعادة ص 72 وإقليمي ص 96 وعقيلة ص 116، وفش ص 152، وصخابة ص 196، وحمص ص 218، وقرقرة البطن ص 223، وبطائق بريدية ص 256، وعسبر ص 264، ومعمل ص 270، وقنبرة ص 277، ونعمة ص 305، وتسعية أو تساعية ص 305
والكلم التي صح تعريبها وهي من وضع الأمير الآتي ذكرها: الكسع ص 44 المجمجة وهي التخليط في الخط ص 110 الخرمشة ص 110 والسهوان ص 133 والكاتب المشدوه والمدهوش ص 135 والثبت 148 والتمتام ص 138 والغانية اللبة ص 153 والشعر الناقص ص 159 وعفص القارورة ص 126 والعانس ص 179 وثبج ص 182 والطياش 187 والخباص أو المخرفش ص 191 فدعته ص 204 -(7/807)
زرف الحديد أو زخرفه ص 219 الوثيرة ص 222 وقشرة البيض (جمع قاشر) ص 224 والإغراب في الشعر ص 223 والمشيعة (وهي القفة التي تجعل فيها المرأة قطنها ونحو ذلك ص 278 والغرفة المحردة ص 278 والبلاهة ص 272 والتفاهة (فيها) والعهرة ص 300 وتفخل
والأوضاع التي لا نوافقه على وضعها هي: الغلمة وقال عنها: هي تغلب الإنسان على شهوته. ص 63 والتعريف غير صحيح، إنما الغلمة هيجان شهوة النكاح من المرأة والرجل وغيرهما (اللسان) ولا يقابله بالفرنسية بل أما الكلمة الفرنسية فيقابلها في العربية التلذذ، والمسلوفة ص 78 من الأرض ليست إنما المسلوفة من الأرضين: المسواة
بالمسلفة أي والمسلفة وأما فمعناها المدكوكة. قال في اللسان: الدكة ما استوى من الرمال وسهل ومكان دك: مستو. . . ودك الأرض دكا: سوى صعودها وهبوطها وقد اندك المكان ودك التراب يدكه دكا كبسه وسواه. وهذه المعاني هي المطلوبة من الكلمة الإفرنجية. امرأة مفننة ص 133 (بصيغة المفعول) لا تقابل الفرنسية لأن المفننة من النساء الكبيرة السيئة الخلق (اللسان) وأما الفرنسية فتعني الثرثارة ص 133 لا تعني مدنقة بل مسفة (بالتضعيف والفاعلية) أما المدنقة فهي ص 133 تعني الصخبة والصخوب والصخبة (بتشديد الباء) لا السعلاة التي هي والدراعة ص 134 لا تعني بل أما الافرنسية فيقابلها الطاق. والصوف الهفهاف ص 134 لا يعني فهذه هي السمط (كقفل) أما الهفاف فهو الرقيق الشفاف والبراق من القمص أي ليس النقريس أو الممراق. لأن النقريس: الداهية الفطن والحاذق والممراق هو الدخال في الأمور والمارق العلم النافذ في كل شيء لا يتعوج فيه (كلاهما عن اللسان) والكلمة الإفرنجية تعني الخداع الخبيث المنكر وهو بالعربية الخب (بالكسر وبالفتح) واستعمل السلف أيضاً بهذا المعنى الجربز (كقنفذ) والكلمة من أصل فارسي.
(الباقي للآتي)(7/808)
باب المشارفة والانتقاد
104 - الأغاني الشعبية
الجزء الأول، بمطبعة النجاح بغداد سنة 1929.
جمهرة من بعض الأشعار العامية المغناة وغير المغناة وقوام هذا الجزء 128 ص بقطع الثمن الصغير وقد رقم في مبدأه ما نصه: (مجموعة من الشعر العامي الطريف الذي ينظمه سكان الأرياف في العراق، ويمكن لقارئها أن يدرس منها حياة الأعراب الاجتماعية والأدبية والسياسية والأخلاقية) فهو إذن مما يستحق الاستحسان ولو لم يبلغ مدى الاستبداع وجامعه السيد عبد الرزاق الحسني في غنية عن التعريف وهو ولوع حق الولوع بالبحوث الجغرافية والتاريخية والاجتماعية غير إنه لم يكن المجلي في هذا الموضوع بل هو مصل بعد مجل لأن (الشيخ عبد المولى الطريحي) قد سبقه إلى هذا البحث في لغة العرب (513: 5 إلى 519) وآذن بتأليفه كتابا في الأغاني الفراتية. وكتاب الحسني على قيامه بالحاجة الشعبية في الشعر العامي لم تستفرغ الطاقة في تهذيبه ولا في ترتيبه ولا في طبعه. فلول نقصان فيه - إرساله من دون شكل ولا ضبط والشعر العامي إذا لم يشكل كان من الطلاسم المستعجمة لكثرة ما فيه من الطي والتمديد والتحريك والتسكين العارضين وغير ذلك من الضرائر الشعرية التي تجعل الشعر من كلام أهل الصين - والنقص الثاني كثرة اللحن والزلل اللغوي - والثالث اضطراب بعض التفاسير واختلال الشعر الفصيح المقتدى - والرابع خلو الكتاب من فهرس لاسماء المغنين والمغنيات والناظمين والناظمات - والخامس الغلط في كتابة العامي والفصيح فمن كثرة اللحن قوله في الغلاف (وعلق عليه حواش) بالجر أو الرفع والصواب (حواشي) بالنصب ومثله قوله في ص 6 (راكبة أراض) وقوله في ص 7 (والشاعر هنا ينعتهم بالبواسل) والصواب(7/809)
(بالبسلاء) أو (الباسلين) أو (البسل) لأن البواسل جمع (باسلة) للعاقل وغيرها وجمع (باسل) لغير العاقل. وفي ص 64
لو بات من أهواه وسط حشاشتي ... لقلت أدنو (كذا) مني أيها المتباعد
والصواب الذي نراه (قلت ادن مني أيها المتباعد). وفيها:
ذلولي ما يجد السير ضلعاي ... انتحو عني ومد البصر ضلعاي
فقال السيد (ومعناه: بعيري لا يحسن السير لأنه يضلع (كذا) بعدوا عني ولم يبق غير شبحهم) ولم نعرف اللفظة العامية التي دلت على (الشبح) والصواب (إن الجمل ظل عييا مسافة مد البصر عن الركب أو ظل العجاج بطول مد البصر ومنها (شبه كسر الزجاج انكسر ضلعاي) ولم يشر السيد إلى أن هذا التشبيه منتزع من قول ابن عبد القدوس:
إن القلوب إذا تنافر ودها ... مثل الزجاجة كسرها لا يشعب
ونحن مع هذا نشكر للأديب الحسني هذه المأثرة ونستحسن منه هذا المجموع. وفقه الله للعمل الرصيف في الكتابة والتأليف.
مصطفى جواد
105 - المكتبة البلدية
أي فهرس المطبوعات والمخطوطات التي في خزانة كتب البلدية في الإسكندرية
(فهرس الإلهيات)
وما يندرج تحتها ويتضمن التوحيد في 48 ص - التصوف في 52 ص - الفوائد والأدعية في 3 ص - الحروف والأسماء في 19 ص - الفرق الإسلامية في 19 ص - الأديان والمعتقدات في 36 ص
بقلم أحمد أبو علي الأمين الوطني، سنة 1347هـ - 1928م شركة المطبوعات المصرية بإسكندرية.
لا يجهل أحد أن ديار مصر شاطت شوطا بعيدا في العلم والأدب، في الحضارة والتمدن وأصبح لكل مدينة كبيرة خزانة كتب واسعة تزينها المطبوعات والمخطوطات، والإسكندرية مشهورة في سابق العهد بدور كتبها واليوم تستعيد مجدها بفضل حكومتها الرشيدة وهذا المجلد يشهد بما في انخزتها الحالية من(7/810)
الكنوز النفيسة وقد وضع هذا الفهرس صاحب السعادة أحمد أبو علي بك المشهور بتخصصه بهذا الفن وهذا الفهرس من أدل الأدلة على إمعانه في علم الوراقة أي في معرفة المطبوعات والمخطوطات في لغتنا العربية.
وقد لحظنا أنه وضع علامة استفهام بجانب بعض أعلام الرجال والمدن فلم نفهم سبب وضعها. مع أننا نعلم أن مثل هذه الأمارة توضع إذا كان هناك شك في الاسم أو ريب في وجوده أو في صحة إيراده. والحال أن ما جاء من تلك الأعلام صحيحة لا شبهة فيها. فلم نفهم سر تلك العلامة من ذلك أنه ذكر في ص 16
مفاتيح الشرائع (في فقه الشيعة) لم يذكر مؤلفه. . . قلنا: أما أن الكتاب هو في فقه الشيعة فهو مما لا ريب فيه وقد ذكره صاحب كشف الحجب والأستار (في ص 538) وأما صاحبه فهو محمد بن مرتضى المدعو بمحسن الكاشي - وذكر في تلك الصفحة (منهاج) الهداية إلى أحكام الشريعة (في فقه الشيعة؟) تأليف العلامة محمد إبراهيم محمد حسن (؟) قلنا: إن السفر المذكور هو حقيقة في فقه الشيعة كما يذكر ذلك صاحب كشف الحجب والأستار في ص 567 وصاحبه الحقيقي الحاجب محمد إبراهيم بن محمد حسن الأصفهاني الكرباهي المتوفى سنة 1261هـ - وذكر في ص 17 المواهب السنية. . . تأليف العلامة السيد محمود الطباطبائي (؟) والحال أن السيد محمود الطباطبائي معروف ولا نفهم سبب وضع علامة الاستفهام بجانب اسمه.
وذكر في حاشية ص 17 بين أئمة الشيعة الاثنا عشرية حسن بن علي التركي العسكري والصواب الزكي لأن ليس بين الأئمة من عصره تركي فكيف ينعت به؟ ونظن أن هذا من خطأ الطبع وعسى أن ينقح في طبعة ثانية.
106 - فهرس الفلسفيات (له)
وما يجري مجراها ويتضمن المنطق في 36 ص - الحكمة والفلسفة في 28 ص - المواعظ والأخلاق في 52 ص - آداب البحث والمناظرة في 11 ص - التربية والتعليم في 4 ص
هذه الفهارس للعلامة المذكور وقد وجدنا في ص 4 من فهرس الحكمة والفلسفة ما هذا نصه: (أجوبة (الأسئلة الهندية) تأليف العلامة أحمد بن محمد المفتي(7/811)
بمدينة بغداد؟) (كذا) فلم نفهم سبب وضع علامة الاستفهام لأن الرجل صاحب الأجوبة معروف وبغداد اشهر من أن تعرف فما معنى هذه الأمارة في هذا الموطن
وذكر في ص 11 من فهرس الحكمة ما يأتي: رسائل إخوان الصفا. . . جمعية إخوان
الصفا التي تأسست في بغداد. . . وكان بين أعضاءها الحكماء أبو سليمان محمد بن نصر السبتي (كذا) المقدسي. . . وأبو أحمد النهرجوري (كذا) وأبو الحسن زيد بن رفاعة العوفي (كذا). . . - قلنا: إن مركز إخوان الصفا كان في البصرة لا في بغداد وصواب رواية الأسماء هو أبو سليمان محمد بن مشير البستي المقدسي. . . ومحمد ابن أحمد النهرجاري وأبو الحسن زي بن رفاعة - والعوفي (راجع لغة العرب 319: 4 و320) وراجع مختصر الدول لأبي الفرج ص 308 و309 من طبعة بيروت.
107 - فهرس كتب أصول الشيعة الإسلامية (له)
يتضمن القران الشريف في 4 ص - علم القراءات والتجويد ورسم المصحف في 43 ص - علم التفسير وملحقاته في 56 ص - علم مصطلح الحديث في 28 ص - علم الحديث الشريف في 80 ص
هذه الفهارس كلها مرتبة على حروف الهجاء مراعيا فيها المؤلف حفظه الله أسماء الكتب الواحد بعد الآخر وذاكرا كل مؤلف باسمه وواصفا كل كتاب وصفا دقيقا. وقد رأينا في هذه الفهارس كما في أخواتها كثيراً من أعلام المدن والرجال وبجانبها علامات الاستفهام مع أنه ليس هناك خطأ يوجب هذا النظر فعسى أن يفهمنا المؤلف سبب هذه الأمارات وهو لم ينبه عليها في صدر فهارسه لينبته لها القارئ.
108 - فهرس كتب فروع الشريعة الإسلامية (له)
ويتضمن علم أصول الفقه في 27 ص - المذاهب الأربعة في 86 ص و26 و54 و21 و9 - علم الفرائض في 21 ص.
نرى في هذا الفهرس كما في سائر الفهارس علامات الاستفهام. . . وتنقيط الياء بالمثناة التحتية حيث يجب الإهمال وإهمال ما يجب تنقيطه. ففي ص 12 من فهرس علم فرائض المذاهب الأربعة نرى الشيخ رضي الدين بن أبي بكر السبتى(7/812)
(هكذا بلا نقطيتين تحت الياء. مع إنه كان يحسن أن تنقط). ثم نراه يقول في تلك الصفحة السيد علي بن قاسم العباسي الحسني اليمني المتوفي (كذا بنقطتين تحت الياء مع أنه يجب أن تهمل إذ المتوفي بالياء المنقوطة هو الله أو ما ينوب عنه والمتوفى بالقصر هو الإنسان فكيف يسوغ لنا أن
لا نراعي النقط وإهمالها.
109 - فهرس العلوم العربية (له)
علم التصريف في 16 ص - علم النحو في 53 ص - علوم البلاغة في 32 ص - علم الوضع في 8 ص - علم اللغة في 40 ص - علم العروض والقوافي في 6 ص
كنا نتمنى أن تكون هذه الفهارس بصفحات متسلسلة لا متجددة في كل فرع من فروع العلوم لأن ذلك يتعب من يشير إليها ويبحث فيها. فلو كان لهذه الفهارس كلها جزءان أو ثلاثة وفي كل جزء صفحات متسلسلة لا متجددة لكان أحسن.
والذي نلاحظه في هذا الفهرس كما في سائر الفهارس أخوته ذكر أسماء المؤلفين مع ألقاب التعظيم والتفخيم ولا نظن أن لها منفعة اللهم إلا عند نقل نص من نصوص الكتاب المخطوط أو نحو ذلك وإلا فالاستغناء عنها توفير في القراءة والطبع والوقت.
وهناك ملحوظة أخرى أن كتب الخط ممزوجة بكتب الطبع والذي عهدناه في خزائن كتب ديار الغرب أنهم يرصدون فهارس للمطبوعات وفهارس للمخطوطات لأن الذين يبحثون عن هذه غير الذين يبحثون عن تلك.
ووجدنا المؤلف بضبط في ص 26 من فهرس علم اللغة القنوجي بفتح القاف والنون فالواو المشددة المفتوحة ثم جيم فياء. والذي نعلمه أن القنوجي منسوب قنوج أو قنوج أي بفتح القاف أو كسرها يليها نون مشددة مفتوحة ثم واو ساكنة فجيم. أما أهل الهند فيقولون قنوج بفتح الأول والثاني وإسكان الواو وبالهندية القديمة قنيقيج. هذا المشهور ولم نجد من يضبط المنسوب كما ضبطه حضرة المؤلف.(7/813)
110 - فهرس الأدب (له)
الإنشاء - الشعر - المحاضرات في 210 ص.
نرى بين كتب الأدب مؤلفات عديدة مخطوطة وهي موصوفة وصف الكتب المطبوعة. ورأينا أن توصف وصفا أعظم وأدق ولا سيما تلك المصنفات غير المشهورة فقد رأينا في ص 8 كتابا اسمه: (الأسد والغواص) وصفه الأمين بقوله: (لم يعلم واضعه وهو على نمط كليلة ودمنة في الحكايات الموضوعة بلسان الحيوانات نسخة في مجلد مكتوبة بقلم عادي
سنة 950هـ) ولم يذكر لنا الأمين عدد صفحاته ولا مثالا من عباراته وأسلوبه ولا أوله ولا آخره. فهذه الأمور في مثل هذا الموطن تهم الوراق الباحث. ومثل هذا كثير في الفهارس التي ذكرناها. فعسى أن ينظر إلى هذا الأمر بعين الروية والإتقان.
وقد وجدنا في هذا الفهرس كتبا كان يتوقع الباحث أن يراها في فهرس الكتب اللغوية لكنه لا يراها إلا هنا فقد ذكر في ص 9 إصلاح المنطق لابن السكيت والأضداد لابن الأنباري ومكانهما ومكان غيرهما من نظائرهما الفهرس اللغوي لا غير.
111 - فهرس المصنفات (له)
الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها في 42 ص.
كنا نود أن نرى هنا المجلات والجرائد والوضائع الموجودة في خزانة الإسكندرية ونحن لم نرد لها ذكرا هنا ولا في سواها. فلعل هناك جزءا لم يصل إلينا أو لعل الجزء المرصد لهذا الضرب من المنشورات يهيأ للطبع ولم يتم فعسى أن نرى فيه أمهات الصحف والمجلات المشهورة في العالم العربي ولا سيما تلك التي نشرت في ديار مصر منذ العهد القديم.
112 - فهرس التاريخ
يتضمن السيرة النبوية الشريفة في 22 ص - التاريخ العام والخاص في 172 ص الجغرافية في 35 ص - التاريخ الطبيعي في 11 ص.
نرى المؤلف الأمين يقول في ص 3 من فهرس التاريخ ما هذا نصه (البيروني(7/814)
(نسبة إلى بيرون من بلاد السند) وقد بحثنا في عشرات من كتب التاريخ والبلدان فلم نجد بلدة في السند بهذا الاسم). أما البيروني فمنسوب - على ما نعهد - إلى بيرون بكسر الباء الموحدة التحتية. وبيرون هذه خارج خوارزم لأن بها من يكون في خارج البلد ولا يكون من نفسها. فيقال لممن ينسب إلى خارجها: فلان بيروني أست. ويقال بلغتهم انبيزك وبالنسبة إلى بيرون هذه اشتهر أبو الريحان المنجم، لا إلى بلدة من بلاد السند.
وورد في تلك الصفحة يزدجر والمشهور يزدجرد بدال في الآخر وقد ورد في طبع هذا الجزء أغلاط كثيرة لم تصحح في الآخر مثل مونسكيو ص 20 - الثقاة ص 38 - مبداء ص 40 - أربعة عشرة مقالة ص 44 - جير الكسر ص 55 - مفتش وزارة المعارف
ص 67 - ماسيرو ص 68 - دواني القطوفي ص 68 - إلى غيرها والصواب مونتسكيو - الثقات - مبدأ - أربع عشرة مقالة - جبر الكسر - مفتش في وزارة المعارف - ماسيرو - القطوف.
فنتوقع أن تصحح هذه الأغلاط وغيرها مما يشوه محاسن الكتاب.
113 - فهرس الجغرافيا وملحقاتها (له أيضا)
في 35 ص.
ذكر المؤلف في حرف الذال في ص 14 كتابا سماه: (ذكر يوم القيامة والحشر والنشر وتبديل الأرض) نقلاً عن كتاب (فريدة العجائب وفريدة الغرائب) المنسوب إلى سراج الدين عمر بن الوردي وما كنا نتوقع أن تكون هذه الرسالة في فهرس الجغرافية اللهم إلا أن يكون ذكر الأرض سبب وضعه في هذا الموطن. فإذا كان الأمر كذلك فما أكثر المؤلفات التي ورد فيها ذكر (الأرض) وما يقوم عليها! ولماذا لم توضع هنا خريدة العجائب نفسها؟
وذر في ص 20 (كتاب عجائب الهند بره وبحره وجزائره تأليف بزرك ابن شهريار الناخذاه الرام هرمزي (؟)) ووضع بجانب الرامهرمزي علامة الاستفهام والحال أن الناخذاه المذكور منسوب إلى بلدة اسمها رامهرمز من مدن خوزستان وقد ذكرها ياقوت في معجمه فلم نفهم وجه وضع هذه الكلمة هنا.(7/815)
114 - فهرس التاريخ الطبيعي (له أيضا)
في 11 ص
جاء في ص 7 بين أسماء علماء الحيوان ذكر بنادق (؟) ووضع المؤلف بجانبه علامة الاستفهام. وهنا محل وضعها لأننا لا نعرف رجلا من الأقدمين باسم بنادق بل ثيادور أو ثياذورس الاثيني وقد ذكره ابن أبي أصيبعة في عيون الأنباء 36: 1
115 - فهرس الطبيعيات وما يجري مجراها
وهي الطب بفروعه والكيمياء والطبيعة والزراعة في 54 ص.
في هذا الفهرس فوائد كالفوائد التي ترى في سائر المجلدات السابقة وهي أن المؤلف كثيراً
ما يذكر ولادة صاحب الكتاب الذي يذكر اسمه ووفاته وإذا كان التأليف معربا ذكر سنة ولادة المعرب وسنة وفاته أيضا وهذا مفيد جدا لمعرفة الحركة الفكرية والعلمية في مختلف القرون وكذلك قل عن النقل والترجمة. وقد استفسر المؤلف في ص 19 عن العلم لافارج الفرنسي صاحب كتاب الطب البيطري الذي وسم اسمه بالعربية (روضة الأذكياء في علم الفسيولوجيا) فنقول هو المسمى بالفرنسية وذكر في ص 20 محمد ابن محمد القوصوني. ونظن أنه منسوب إلى قوصوه فيقال في نسبه قوصوي لكن العوام تقول قوصوئي فلعلها تلك محرفة عن هذه.
وجاء في ص 35 ذكر كامل للصناعة الطبية تأليف الإمام علاء الدين علي بن العباس المجوسي. وضبط هذه الكلمة الأخيرة بتشديد الواو المكسورة ونحن لا نعلم رجلا بهذا النعت والمشهور المجوسي نسبة إلى المجوس كعروس لأن جده الأكبر كان مجوسيا فأسلم.
وفي ص 40 ورد ما نصه: (مجمع المنافع البدنية تأليف العلامة الشيخ داود البصير؟ (كذا). ولعله الشيخ داود الأنطاكي الضرير صاحب التذكرة) اهـ. قلنا الشيخ داود البصير والشيخ داود الأنطاكي الضرير اسمان لمسمى واحد وإنما يسمى الضرير بصيرا من باب تسمية الشيء باسم ضده أو من باب التفاؤل أو(7/816)
من باب التسلية وجبر الخاطر المكسور وأغلب الكتبة يسمونه الشيخ داود البصير.
116 - فهرس علم الكيميا والطبيعة (له أيضا)
في 13 ص.
وضع المؤلف في ص 12 بجانب (كتاب العقد) علامة الاستفهام. كأنه يقول كيف ترى كلمة (عقد) في باب الكيمياء وليس في دواوين اللغة ما يوجه هذا اللفظ وجها صحيحا! قلنا: العقد عند الكيمويين هو أن يوضع الشيء في قرع ويوقد تحته حتى يجمد ويعود حجرا (راجع مفاتيح العلوم للخوارزمي ص 264 من طبعة الإفرنج).
117 - فهرس علم الزراعة (له أيضا)
في 12 ص.
نجد هنا المؤلف يتخذ كلمة نمرة (12) للدلالة على الرقم ونحن لا نرى وجهاً لاتخاذها لأنها
إفرنجية فاستعمال الكلمة الدخيل لا يزيدنا علما بحقيقتها وهجرها لا يضرنا شيئا. إذن فلماذا لا نستعمل لساننا لأنفسنا ونترك الدخيل للدخلاء؟
118 - فهرس الرياضيات وما يتبعها
وهي الحساب بفروعه - الجبر والمقابلة - الهندسة بفروعها - الهيئة والفلك - الميقات والتقويم - الموسيقى - الفنون والصناعات ومعها فن التصوير - الفنون الحربية والاستحكامات وأعمال الفروسية ومعها الألعاب الرياضية - وفي آخرها ملحق بفهرس الجيولوجيا والطيبوغرافيا (له أيضا) في 76 صفحة
جاء في ص 21 ذكر رسالة (في الجذرو) ولعلها في الجذور ورأينا في هذا الفهرس (ص 76) كما رأينا في المصنفات الحديثة والجرائد والمجلات كلمة (فن الاستحكامات) وليس لهذا الوضع معنى وجيه لأن الاستحكام لازم المعنى تقول أحكمت الأمر فاستحكم أي أتقنته فصار متقنا. والفن أو العلم يعلمنا كيف نجعل البناء محكما أو متقنا فيجب أن يقال: فن الاحكامات) لا فن(7/817)
الاستحكامات. لكن الترك احتاجوا إلى ترجمة الكلمة الإفرنجية فنقلوها بصورة (استحكام) فجاء بعدهم من وضع الكتب في العربية فاتخذ اللفظة نفسها من غير أن ينتبه إلى سوء استعمالها. فيجب علينا نحن العرب أن نطهر لغتنا من كل درن يدنسها لتكون تلك العذراء الحسناء التي لا عيب فيها! إذن لنقل فن الاحكامات لا فن الاستحكامات.
وفي ص 85 جاء الطبوغرافيا. وفي أول الكتاب الطيبوغرافيا. وهذه خطأ وتلك صحيح. فليؤخذ بالصحيح وليهجر القبيح.
119 - فهرس القوانين والشرائع
ويليه فهرس أعمال الحكومة المصري (له أيضا) في 28 ص
كنا نود أن يعلق صاحب السعادة - مؤلف هذه الفهارس العديدة المفيدة البديعة - على الكتاب الوارد ذكره في ص 8 باسم (تلخيص الحقوق الموضوعة) من سوء وضع الألفاظ في غير موضعها. لأننا إن قلنا: إن هذا الكتاب موضوع أو هذه الشريعة موضوعة أو هذه الأحكام موضوعة فمعناها المزورة أو المكذوب فيها أو المختلقة والحال أن غايتهم من قولهم الحقوق الموضوعة، الحقوق المقررة أو المثبتة أو المحققة أو الموجبة أو الإيجابية أو
المنقولة إلى غيرها من الألفاظ الكثيرة عندنا. أما الموضوعة هنا فمن قبيح الوضع. فإذا علق هذا الشرح في مثل هذا الفهرس فإن الأدباء محبي لغتهم العربية يهجرون هذا الاستعمال الشائن بل ينبذونه نبذا.
120 - فهرس أعمال الحكومة المصرية وما يتعلق بها (له)
في 52 ص
إننا أحببنا أن يكون هذا الهرس النفيس أداة لإصلاح بعض الألفاظ التي هجمت ظلما على لغتنا فلو علق المؤلف في ص 29 في الحاشية على اسم هذا الكتاب وهو (قانون دمغة المصوغات: (الدمغة يقابلها عند قدمائنا: (الوسم) لكان قتل تلك الكلمة التركية ولظهر للجميع أن السلف كان يسمون المجوهرات والمصوغات كما كانوا يسمون إبلهم وخيلهم العراب. فالوسم من أشيع الأمور عند العرب وعنهم أخذه أبناء الغرب عند اتصالهم بنا في عهد الحروب الصليبية.(7/818)
إذن لا حق لنا في أن نهجر أوضاع سلفنا الصالح لنتمسك بمصطلح غريب عنا لا نفهم رطانته.
121 - فهرس الفنون المنوعة
في 231 ص ويليه فهرس القصص والروايات في 88 ص (له أيضا)
في هذا الفهرس مجموعات عديدة وفيها نفائس عديدة. يعرف ما فيها من يطالعها، لكن إذا أراد الباحث أن يعود إلى مطالعتها صعب عليه العثور على ضالته لأنها لا تعرف بعناوين مرتبة على حروف الهجاء ولا يهتدي إليها بأسماء مؤلفيها ولا تعلم من أسمائها، إذ كل ذلك مخلوط بعضه ببعض كل الخلط ويتعذر على الساحر نفسه مراجعتها.
أما أبناء الغرب فأنه يضعون في آخر الفهارس معجما بأسماء الكتب والرسائل الواردة في مطاوي البحث وهكذا يستطيع أن يهتدي إلى الضالة من ينشدها من غير أن يخسر شيئاً من وقته. فعسى أن نرى يوما لخزانة البلدية فهرسا جامعا لمختلف الكتب والرسائل والمطبوعات والمخطوطات حتى يظفر بها من يبحث عنها. وليس ذلك ببعيد على همة الأمين الوطني صاحب السعادة أحمد أبي علي بك حرسه الله ومتعه بعمر طويل.
122 - دير مار متي الشيخ ودير مار بهنام الشهيد
في جوار الموصل في 44 ص عربية و23 ص فرنسية، بقلم مار أغناطيوس أفرام الثاني بطريرك السريان الأنطاكي بالمطبعة السريانية بيروت سنة 1918.
أهدي إلينا هذا الكتيب فوجدناه أثرا جديرا به صاحبه البطريرك السرياني الراحل إلى دار الخلد. وما فيه من حسن نقد الأخبار وتنسيقها على وجه شائق يرغب المطالع في أن يقرأه مرارا.
123 - الياقوت القتال
حكاية خيالية تأليف غي دافلين (بالفرنسية) من مجموعة بيار في باريس في 95 ص بقطع 24 وثمنه 75 سنتيما.
وشت السيدة غي دافلين حكاية من أبدع الحكايات إذ تأخذ بالقلب منذ أول(7/819)
سطورها فهي تروي لنا حكاية ابنة نصرانية اسمها شهرزاد والياقوت المذكور ياقوت كان مركبا في افخر الفضة والراوية تطلعنا على منظر من أخفى مناظر الهند على قصر كأنه من قصور ألف ليلة وليلة وعلى بيوت عبادة للهنود قد مر عليها ألوف من السنين وفيها من تماثيل البددة الشنيعة ذات الحكايات التي لا تلو من أحداث دموية تنم عما في (الأندرون) من الأسرار المظلمة تلك الأندرونات التي ليست إلا سجونا مذهبة وذهبها الغواني وهي سجون تجري فيها وقائع هائلة ولا يدري بها من كان في خارجها فترى في سرد الرواية صفحات تنم عن خيال بديع غني وفي أثنائها صور ملونة بأحر الألوان تجذب إليها الأنظار فالأفكار.
وللأميرة الشرقية جواذب عديدة لا تنكر وكذلك قل عن المهرجاه الذي يذكرنا بأحداث الخلفاء العباسيين ومقدرتهم وكذا قل عن الخاطف الذي خطف الابنة. . . والذي يجعل لهذه الرواية الخيالية التي لا تخلو من تاريخ في الأصل جاذبا عظيما هو مزج القديم بالحديث مزجا يعجب كل قارئ عصري أي أنك تجد الحضارة الحديثة الغربية تتسلل إلى الديار الشرقية ذات التقاليد المشهورة منذ أقدم الأزمان فترى الشبان لا يخجلون من اكتساب رزقهم بعرق جبينهم والابنة تتدخل في الأمور فتنشأ الحرب مع ويلاتها.
فالياقوت الذي سرق من تمثال البد جلب الموت على كل من تزين به ثم سرقه أحدهم وجعله في صلبوت فانقطعت الويلات منه.
وخيال غي دافلين لا يؤازيه إلا قلمها البديع التصوير والسرد وهذه الحكاية طبعت في مائة ألف نسخة فترامى عليها القراء من كل حدب وواد لما فيها من الجاذبية الآخذة بالنفس فنهنئ المؤلفة بفوزها هذا العجيب.
124 - منتخبات من اللغة العامية
تأليف د. ب سمنوب (باللغة الروسية)
أهل الغرب جميعهم يعنون اليوم باللغة العربية بفصيحها وعاميها. وهذا الكتاب يحوي نخبة من اللغة العامية من أمثال وحكايات وروايات وقد نقلت إلى اللغة الروسية مع تحليل ألفاظها وفي آخر الكتاب معجم صغير يحوي الألفاظ(7/820)
التي ورد ذكرها في الكتاب وكل ذلك بأسلوب منتظم يشوق الروسي تعلم لغتنا ويسهل له الطريق بما يهيئ له من الوسائل العصرية. والكتاب في 157 ص بقطع 12 حسن الورق والطبع.
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 6 -
38 - وقال في ص 82 (يذكر ما يحرمه من متع الحياة بتعدية (يحرم) إلى مفعوله الثاني ب (من) وكثير من الفصحاء يمنعون ذلك وتابعهم على ذلك الشيخ إبراهيم اليازجي وأسعد خليل داغر الأستاذ بقوله في ص 42 من (تذكرة الكاتب) ما نصه (ومن هذا القبيل قولهم (حرمه من الشيء) ثم صوبه بقوله (حرمه الشيء) على أن الأثري الأديب نقل في ص 61 من مجمله قول امرئ القيس:
فقلت لها سيري وأرخي زمامه ... ولا تحرميني من جناك المعلل
ولو كان ذكر مصدر هذه الرواية بخلاف أسلوبه لاعتددنا بهذا الشاهد كثيرا فهي إذن بدعة في الروايات المتشابهة في أمهات الكتب الإثبات والرواية المشهورة (فلا تبعديني)، ولاطلاع القراء على رأينا في هذه المعضلة اللغوية نقول: جاء في الكالم المبردي (ج 3 ص 80 ومن طبعة التقدم 113: 2) قول العباس بن الأحنف:
أحرم منكم بما أقول وقد ... نال به العاشقون من عشقوا
(لغة العرب) إننا لا نعتقد صحة رواية نسخة الكامل هذه ونظن أن صحيحي الرواية هو
أصرم منكم. . . أي أهجر من قبلكم. أما حرمه من الشيء بمعنى حرمه الشيء فلم ترد في كلام عربي فصيح إنما هو من قبيل المولد أي العامي وقد نقله المنتقد عن ابن أبي الحديد وهذا الكاتب قد صرح في آخر كتابه (574: 4) ما هذه حروفه: وقد استعملت في كثير من فصوله فيما يتعلق بكلام المتكلمين والحكماء خاصة ألفاظ القوم مع علمي بأن العربية لا تجيزها. نحو قولهم: المحسوسات. وقولهم الكل والبعض وقولهم الصفات(7/821)
الذاتية وقولهم الجسمانيات وقولهم: أما أو لا فالحال كذا. ونحو ذلك مما لا يخفى عمن له أدنى أنس بالأدب ولكنا استهجنا تبديل ألفاظهم وتغيير عباراتهم فمن كلم قوما كلمهم باصطلاحهم ومن دخل ظفار حمر. انتهى كلامنا.
وقال ابن أبي الحديد في شرحه 475: 3 (فأمر بإخراجه وما زال إلى أن مات محروما منه).
39 - وجاء في ص 84 قول الأعشى:
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها
فقال الأثري الأديب (وقد احتذى الناس على تمثله فقال الشاعر:
تداويت من ليلى بليلى من الهوى ... كما يتداوى شارب الخمر بالخمر
وقال أبو نواس:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء)
وهذا القول يوهم القارئ أن هذا الأديب استقرى الأبيات وعارض بينها فاستنبط هذا الاستنباط أما الحقيقة في هذا التتبع فأن حامد بن العباس سأل علي بن عيسى في ديوان الوزارة عن دواء الخمار وقد علق به، فأعرض علي عن كلامه وقال: ما أنا وهذه المسألة فخجل حامد منه. ثم التفت إلى قاضي القضاة أبي عمرو فسأله عن ذلك. فتنحنح لإصلاح صوته ثم قال (قال الله تعالى: وما أتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا وقال النبي (ص) استعينوا على كل صنعة بأهلها والأعشى هو المشهور بهذه الصناعة وقد قال:
وكأس شربت على لذة ... وأخرى تداويت منها بها
لكي يعلم الناس أني امرؤ ... أتيت اللذاذة من بابها
ثم تلاه أبو نواس في الإسلام وقال:
دع عنك لومي فإن اللوم إغراء ... وداوني بالتي كانت هي الداء
فأسفر حينئذ وجه حامد وقال لعلي بن عيسى: ما ضرك يا بارد أن تجيب بما أجاب به قاضي القضاة؟. . .).
فالآن قد حصحص الحق وآب إلى أهله موفورا وعرف القماشون القراشون(7/822)
الذين ينكرون فضل السلف بل يسلبونهموه سلبا.
40 - وقال في ص 89 (وقد قيض الله له باحثا كبيرا وهو المستشرق. . .) ونحن نعد وصله جملة (هو المستشرق) بالواو خطأ لأن من مواضع وجوب الفصل أن تكون الجملة الأخرى تفسيرا أو بيانا للأولى على ما ذكر في علم المعاني نحو قوله تعالى (فوسوس إليه الشيطان قال: يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد) ومثل قول علي عليه السلام (اللهم إني أستعديك على قريش ومن أعانهم فنهم قطعوا رحمي وصغروا عظيم منزلتي وأجمعوا على منازعتي أمرا هولي) ولم يقل (وهولي) لأنه بيان للأول ونحو قول أبي موسى الأشعري (إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة فلم نر شيئا هو أصلح لأمرها ولا ألم لشعثها من أن لا تتباين أمورها.
41 - وفي حاشية ص 93 قال (المدجج: التام السلام) ولعله يريد (السلاح).
42 - وقال في ص 96 (فصم الملك على قتله - أي قتل طرفة بن العبد - فحذره بعض رجاله عاقبة الأمر وخوفه أن تجتمع عليه بكر إن قتله ظاهرا، ثم هجاه خاله المتلمس فإن هذا إذا هجاه أسقطه في القبائل) قلت: إن القول يصرح عن أن المتلمس في تلك الحال لم يكن هاجيا للملك المذكور ولا مسقطاً له بين القبائل وهو أمر لا يقره ما جاء في جمهرة أشعار العرب لأبي زيد ص 70 ففيها (فلما خرجا من عنده قال المتلمس: يا طرفة إنك غلام حدث السن ولست تعرف والله ما أعرف وكلانا قد هجاه ولست آمن أن يكتب بما نكره) فقوله (وكلانا قد هجاه) ينبئ المتتبع أن المتلمس هجا الملك عمرو بن هند وهذا سبب طلبه لغيلته لا الخوف منه.
مصطفى جواد
معجم إنجليزي عربي
الخاتمة
وجاء في ص 316 الخثيعة بالثاء المثلثة والصواب بالمثناة. وجاء قبلها (غطاء(7/823)
من الأستك) والمشهور اللستيك أو المطاط أما الأستك فلا نعرفها. والألفاظ المشهورة المفهومة أحسن من الكلم المهجورة التي لا يعرفها أحد.
وذكر في تلك الصفحة مرادفا للأصابع العجرة: أصابع عجراء ومثل هذا الخطأ شيء كثير على يراع كتبة مصر وسورية وفلسطين والصواب أصابع عجر بضم فسكون. ووصف الأصابع المجموعة بفعلاء المفرد خطأ وفي تلك الصفحة ذكر مرادفا للسبابة: السباحة كشدادة ونحن لم نجدها في كتاب. وفي تلك الصفحة ورد جمع نار على نيران وأنوار. وأنوار لم يذكرها إلا صاحب القاموس أما جمهور اللغويين فأنهم ذكروا النيران والأنور والنيرة ولم يذكروا الأنوار إلا جمعا للنور وهو الرأي المعول عليه.
وفي ص320 كم (ج. أكمة وأكاميم) فنقول: لو قال كم (ج. كمام وجمع الجمع أكمة وأكمام وجج أكاميم لكان أصوب: ثم قال: غمد - غماد (ج. أغماد) قلنا: لم نجد في كتب الإثبات غماد بمعنى غمد. وغماد (لو فرضنا أنها موجودة لقيل في جمعها غمد بضمتين. وأما أغماد فهي جمع غمد وكذلك أغماد ثم ذكر القرنة (كقصبة). بمعنى العلفة لكننا لم نجدها في كتبنا وذكر الوسواس (بكسر الواو) بجانبها ونحن لم نجد في لغتنا هذه اللفظة بمعنى الكم أو الغمد ولعل الكلمة في لغة نجهلها وذكر بجانبها قأرة (بالقاف والهمزة) ونحن لا نعرف لفظة عربية بهذه الأحرف ولعلها فأرة بالفاء بعدها ألف مهموزة أو غير مهموزة. وهناك غير هذه الأغلاط أغلاط الطبع فاكتفينا بما ذكرنا.
4 - نقل الحرف الإفرنجي
مما لاحظناه في هذا السفر الفريد الذي يبعد أن يكون له شبيه أن المؤلف لم يجر على غرار واحد في نقل الحرف الإفرنجي إلى الحرف العربي. فإنك تراه ينقله مرة بصورة ومرة بصورة أخرى. هذا حرف فإنه يصوره مرة بالغين كما في غنغرينا أو غنغرانا وبالإنكليزية ومرة بالجيم مثل جنث وأخرى بالخاء كما في خولنجان وخلباني ومرة رابعة بالجيم المثلثة كما في جلاتين وغزال سومريج ومرة خامسة بالقاف كما في القوبيون ومرة سادسة(7/824)
بالكاف لكني نسيت الألفاظ التي وردت بها.
وكذا فعل في نقل الحرف الإفرنجي فإنه نقله مرة بصورة الواو العربية كما في وبورنين
وتارة بالباء كما في بربينا وأخرى بالفاء المثلثة الفارسية كما في فكتوريا وربما استعمل الواو والفاء للكلمة الإنكليزية الواحدة كما في فقال فيه فيوسنز وويوسنز ونقلها في كلمة واحدة بالفاء العربية الموحدة وبالفاء الفارسية المثلثة كما في كنفولفيولوس (كذا)
والغرابة ظهرت أعظم في نقل الحرف الإفرنجي فإنه نقله بالهمزة المضمومة إذا جاء في الأول فقال مثلا في ومرة بحرفين هما (يو) كما في يولكس وهو أقبح لفظ يكون للحرف لأن الإنكليز أسرفوا فيه فيجب أن لا يقلدوا فيه بل أن يقال أولكس كما فعل حضرته إذ وضع للكلمة الإفرنجية الوجهين معا. وقبح لفظ بصورة (يو) يظهر في كلمة فإنه نقله بقوله بوتاسيوم فلم يظهر الفرق بين أن تكون الكلمة الإفرنجية مكتوبة كالسابق أو بصورة وهذا ما يبين لنا سوء هذا اللفظ وتقبيحه وكذلك يظهر هذا القبح في قوله يوكالبتوس الإفرنجية فيتصور السامع أنهم يكتبونها وليس الأمر كذلك. وأمثال هذه الألفاظ كثيرة. ونحن نرى أن توحيد نقل الحرف الإفرنجي بحرف واحد عربي أحسن.
وليست هذه الحروف الثلاثة جاءت وحدها بصور مختلفة بل هناك غيرها مثل
5 - حسنات المعجم
حسنات هذا الكتاب الجليل لا تحصى ونحن نعدد بعضها حتى يعلم القارئ أنه لا يعثر على مثلها في أي ديوان لغة كان. منها:
1 - إنك ترى فيه الكلمة الإنكليزية مكتوبة بالوجهين الإنكليزي والأمريكي.
2 - إن الكلمة الواحدة الإنكليزية وردت مع جميع فروعها ومعانيها باللغتين الإنكليزية والعربية أو باللغة العلمية والعربية. فإنك ترى مثلا في مادة(7/825)
عشر صفحات ونصفا مشحونة بذكر هذه العصيات (الباشلس) مع وصف دقيق لجميع تفاوتاتها في جميع الأمراض. ولو لم يكن لهذا الديوان البديع سوى هذا الفضل لكفاه أن يكون له المحل الأول بين جميع الأسفار التي من نوعه. وهناك غير الباشلس من الألفاظ الجمة إذ لهذه الحسنة نظائر كثيرة لا تعد ومن يتصفح هذا التأليف ير العجائب.
3 - وقف المؤلف على أحدث الأمراض التي حقق وجودها العصريون مع أسمائها وذكر جميع الألفاظ التي أحدثت بين طبعة الكتاب الأولى وطبعته الثانية حتى أنك لا يمكنك أن تعترف بأن الأول هو الآخر والفرق بينهما هو الطبعة لا غير.
4 - وقف المؤلف على جميع الألفاظ العربية المحدثة حتى أنك لتحار في سعة إطلاعه على أنواع الجرائد والمجلات والكتب والرسائل. فالقارئ يظنن أنه يطالع تأليفا تواطأ على تصنيفه جماعة عديدة من العلماء في عدة سنين وفي ديار عربية مختلفة المواطن.
5 - طالع من الكتب العلمية في الطب والنبات والحيوان والعقاقير شيئا هائل القدر حتى أن القارئ ليسأل نفسه: أمن البشر المؤلف أم من ملائكة السماء لأنك لا تعرف كتابا يبحث في فن من الفنون عما يتصل بالمباحث المذكورة إلا تراه قد طالعه من أوله إلى آخره. وكذا قل عن المجلات العلمية التي ترمي في مباحثها إلى الغرض الذي يصوب نظره إليه.
6 - من عجيب أمر صاحب هذا السفر الجميل الجليل البديع الكامل في جنسه أنه عرف جميع المصطلحات العلمية في البلاد العربية. ونحن نذكر للعراقيين شاهدا من الشواهد المذكورة بآلاف في كتابه. هذا الأرز فإنه ذكر له من الألفاظ ما هذا نصها بحروفها: (نبات الأرز - الرز - التمن (العراق) شلاخ (دمياط والمنصورة) - أرز ومن أنواعه، أرز عين البنت - أرز فحل - أرز جناوي - أرز يمني - أرز سبعيني. وفي العراق الأرز النقازة أو المولاني وهو أرز فاخر والتمن الشنبة أو التمن العنبرية (عنبر بوه) وهو أفخر أنواعه. اهـ. فأنت ترى من هذا التعداد أن هذا المعجم تفرد بذكر المصطلحات على اختلاف أهالي(7/826)
البلاد العربية وهي مزية لا تجدها في كتب النبات المطولة من عربية وغربية. ونحن ذكرنا شاهدا واحدا على الأرز لأن العراقيين يعرفون هذه الأنواع على تفاوتها، إلا أن هناك مئات بل ألوفا من الأوضاع وبجانبها الأسماء المعروفة في ديار دون ديار. فهل يستطيع بعد هذا البسط الموجز أن يأتي إلى بعض الأدباء ويقول لي أن غير الدكتور شرف بك ألف مثل كتابه هذا. فإن تجاسر وعرض علي مثل هذا القول قلت له للحال: إنك أكذب من مسيلمة.
7 - مزيته العظمى تظهر في بعض التحقيقات التي لم يأت بمثلها من ألف قبله من ذلك أنه ذكر في جميع أسمائها العربية وتعدادها على اختلاف تفاوتاتها. والذين تقدموه خبطوا في أجناسها خبط عشواء. فأهلاً وسهلاً بالدكتور الأستاذ الخبير وبتحقيقاته ونظائر هذا التحقيق مئات وألوف.
8 - وضع ألفاظا جديدة متعددة ونجح فيها كل النجاح من ذلك: البدل نقلا عن أساس
البلاغة - والنجيج إلى غيرهما وتعد بالمئات وتصرف في الأعلام على اختلاف أنواعها واشتق منها أفعالا كما فعل السلف في صدر الإسلام فقال: بستر وبلزر وترفن.
ويصعب علينا أن نتتبع جميع محاسن هذا السفر الفريد لأنها أكثر من أن تحصى ولو أردنا أن نصف مزايا ما في الصفحة الواحدة لما وفيناها في صفحات عدة. ولهذا كان اقتناؤه من أوجب الواجبات وحتما على كل أديب يغار على لغته وشرفها وحفظها من الفساد. ولا سيما أولئك الذين يشتغلون بالعلوم العصرية وناقلي كتب الأعاجم إلى لساننا المبين.
هذا ما بدا لنا في نظرنا القاصر ونحن نعتذر إلى المؤلف إذا صدر من يراعتنا ما يخدش عواطفه. وعسى أن يقوم حسن النية مقام التقصير.(7/827)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - الوزارة السعدونية الرابعة
في اليوم 19 من أيلول (سبتنبر) تقومت الوزارة السعدونية الرابعة وهذه أعضاؤها:
عبد المحسن السعدون: رئيس الوزراء ووزير الخارجية
ناجي السويدي: وزير الداخلية
يس الهاشمي: وزير المالية
ناجي شوكت: وزير العدلية
نوري السعيد: وزير الدفاع
محمد أمين زكي: وزير المواصلات والأشغال
عبد العزيز القصاب: وزير الري والزراعة
عبد الحسين جلبي: وزير المعارف
فنهنئ جميع الوزراء بمناصبهم الجديدة ونتمنى لهم ولوطننا العزيز النجاح.
2 - عنايت الله سميعي خان
أتاح لنا حسن الحظ أن واجهنا حضرة صاحب المعالي سميعي خان المندوب فوق العادة لدولة إيران في بغداد في 9 أيلول (سبتنبر) فوجدناه من الرجال المقتدرين الواقفين كل الوقوف على السياسة العصرية وروحها وعلى العلوم والآداب الفارسية والفرنسية والعربية بحيث لا يفوته شيء من دقائق هذه الأمور لأنه أقام في بلجكة مدة خمس عشرة سنة. وإننا نهنئ العراق بوجود هذا الرجل الكبير في ديارنا فإنه أحسن من يصل العراق بإيران إذ نتوسم فيه كل خير للبلادين وعسى أن تطيب إقامته بين ظهرانينا لتنتفع به البلاد المتجاورة المتآخية مدة طويلة. ونشكر جلالة الشاه الأعظم على أنه أوفد إلى حاضرتنا صاحب المعالي سميعي خان كما نهنئ نفوسنا وديارنا بوجوده بيننا.(7/828)
3 - وفاة المعتمد السامي
في الساعة السابعة ونصف من مساء 12 أيلول (سبتنبر) توفي القائد السر جلبرت فلكينهام
كليتن المعتمد السامي البريطاني في بغداد بعد أن عاد من الهنيدي وبعد أن لعب لعبة الصولجان المسماة عند الإنكليز بالبولو. ونحن ننقل هنا إلى القراء ما كتبته الأوقات البغدادية لسان حال دار الاعتماد ولا نغير شيئا من ركاكة عبارتها قالت:
توجه الفقيد عصر أمس (12 سبتمبر) إلى الهنيدي كجاري عادته للعب (البولو) (الصولجان) وكانت علائم الصحة والنشاط بادية على محياه. ثم عاد بعد انتهاء اللعب إلى دار الاعتماد البريطاني فشعر في الطريق بخفقان في القلب أعقبه انقباض شديد في النفس وقبيل بلوغ سيارته دار الاعتماد كانت حالته على أعظم جانب من الخطورة وعلى أثر دخوله قصره الخاص استلقى على مضجع منهك القوى فاستدعى ياور فخامته الخاص قائد السرب، الكبتين ريتشاردسون، رئيس أطباء القوة الجوية الملكية. وبسرعة البرق الخاطف حضر إلى دار الاعتماد مع زميل له، الطبيب مارشال. وانضم إليهما على الأثر الطيب كوركيل، أحد أطباء مصلحة الصحة العراقية. ففحصوا حالة المريض وشخصوا مرضه فإذا هو (أنجينا بكتوريس)، (كذا) (قلنا نحن هو بالعربية خنقة الصدر) أخطر أنواع أمرض القلب وأشدها وطأة على المريض. وبذل الأطباء نطسهم لمعالجة فخامته وتخفيف ألمه، وكان حاضر الذهن مالكا لجميع حواسه. وأسرع الدكتور كوركيل إلى المستشفى الملكي لإحضار بعض المنبهات ولكن المرض هاجم الفقيد العظيم هجوما عنيفا فأضحى هزيل القوى، واتضح للأطباء إشرافه على مفارقة الحياة. وهكذا لم ينفع فيه نطس الأطباء ولفظ نفسه الأخير قبيل السابعة والنصف مساء. رحمه الله رحمة واسعة وألهم آله وذويه ومعارفه بريطانيين وعراقيين جميل الصبر والعزاء.
4 - حادثة المواكب في كربلا بصورة مختصرة (عن جريدة
النهضة العراقية)
في الساعة 11 من اليوم 19 صفر (26 تموز أو يوليو) حدث أن مواكب العزاء دخلت صحن الحسين وكان موكب عزاء الكاظمية قد خرج من الصحن بعد أن أدى مراسيم النياحة ولم تنته مؤخرة الموكب ولم تصل إلى باب السوق حتى دخل النجفيون وأخذوا بتأدية المراسيم أيضا.(7/829)
سار موكب الكاظميين في السوق قاصدا صحن العباس وبينما كان في السوق إذا بجماعة (يهوسون) ولدي التجري ظهر أنهم فريق من فريق النجفيين أتم العزاء في صحن الحسين وخرج بسرعة حتى لحق بالكاظميين.
فوقع بين هذه الشرذمة النجفية وبين مؤخرة الموكب الكاظمي مناوشة انهزم فيها النجفيون ثم عادوا فسمع صوت (خرطوشة) أطلقت في السوق فتصايح الكاظميون وأرجعوا تلك الشرذمة القليلة على أعقابها.
قلنا قليلة لأن النجفيين انقسموا على أنفسهم في الصحن ولم يرض معظمهم بالخروج إلى صحن العباس علما منهم بأن الكاظميين لم يؤدوا المراسيم هناك ولكن صبيانا يرون (الهوسة) ضرورية في مثل هذا الجمع المحتشد.
تصايح بعض الكاظميين ورجعوا من إقامة الموكب إلى الخصم خلف تلك الشرذمة وانهزم النجفيون أمامهم حتى وصلوهم الخيم ووقع من النجفيين قتيل في السوق بالقرب من باب صحن الحسين. وجرح من الكاظميين شخص في خده ورقبته ثم خرج النجفيون من خيامهم لإرجاع الكاظميين وهنا جاءت الشرطة لتحول دون الموكبين. فكان المحل الثاني للمناوشة (طريق الميدان) فاضطرت الشرطة أمام ذلك الجمع الهائج إلى إطلاق البنادق فارتفعت في الفضاء الأصوات شاكية إلى الله مما يجري باسم الدين، وتراجع الناس في موجة جعلت أعلاهم أسفلهم وركب بعضهم أكتاف البعض الآخر واغتنم النشالون الفرصة وتصارخت النساء وارتعبت الأطفال واستمر هذا الاضطراب حتى الساعة الثانية عشرة الغروبية من مساء ذلك اليوم.
وانجلت المعركة عن قتيلين من النجفيين وخمسة جرحى من الكاظميين وكانت الأدوات التي اتخذت العصي والخناجر والمسدسات.
5 - مظاهرة عظيمة في بغداد بصدد بلية فلسطين
اجتمع ألوف من الناس في جامع الحيدرخانة في ظهر اليوم 30 من آب (أوغسطس) حتى امتلأ الحرم والصحن والساحة والسطوح. وقيل كان عدد المتجمهرين يناهز العشرة آلاف وكل ذلك احتجاجا على ما أصاب العرب الفلسطينيين من الرزايا مما أنزله فيهم اليهود الصهيونيون.(7/830)
وانتخبت الجماهير لجنة تنفذ بالعمل ما نطق به المتجمهرون وهذه أسماء الأعضاء:
جعفر جلبي أبو التمن
يس باشا الهاشمي
مزاحم بك الباجه جي
محمود بك رامز
وقام كل واحد من الأعضاء وخاطب القوم بما لهمته الحماسة القومية فأثر الكلام في الحاضرين، ثم اندفق السيل البشري في الشوارع احتجاجا على أعمال الصهيونيين. فوقع في أثناء ذلك بعض أضرار بين الأوباش لم تكن نتيجتها ذات خطر. ونحن ندرج هنا ما جاء في الجرائد من الأخبار نرويها على علاتها:
قرار لجنة الاحتجاج بسبب حوادث فلسطين (بحروفها)
اجتمعت اللجنة المنتخبة بسبب وقائع فلسطين وقررت إرسال احتجاج تحريري بسطت فيه الفداحة المتأتية من تطبيق وعد بلفور وإهمال العهود المقطوعة للعرب والغايات التي من أجلها خاض الحلفاء غمار الحرب الكبرى والتمسك بسياسة الانتدابات المجحفة بحقوق الشعب العربي فأعربت عن استنكار الشعب العراقي لتلك السياسة الجائرة وبينت بأن عدم قيام الأقطار العربية في حركة إسعاف للشعب الفلسطيني المضطهد إنما كان بسبب اشتغال تلك الأقطار في معالجة مسائلها الخاصة وانتظار الأمة العربية كيفية التأليف بين وعد بلفور وبين العهود والغايات الآنفة الذكر.
وقررت إرسال احتجاج برقي إلى وزراء خارجية الدول الموقعة على اتفاقية سان ريمو وقداسة البابا وسكرتارية عصبة الأمم وغيرهم وإخبار المجلس الإسلامي الأعلى بذلك.
وتذاكرت في مفاتحة الأقطار العربية للتناصر والتظافر في ما بينها لإنقاذ الأمة العربية من المصائب النازلة عليها وستنشر صور البرقيات والكتب في الصحف المحلية قريباً.
باسم اللجنة المنتخبة بسبب حوادث فلسطين مزاحم الأمين الباجه جي
جمعية الشبان المسلمين ببغداد تحتج على الصهيونيين بفلسطين إلى عصبة الأمم:
(تحتج جمعية الشبان المسلمين ببغداد على الصهيونيين لاعتدائهم على المسلمين ومقدساتهم في فلسطين).
برقية اللجنة إلى قداسة البابا
روما قداسة الباب
الشعب العراقي يسترحم توسطكم لتخليص الفلسطينيين من مظالم السياسة(7/831)
الجائرة المستمدة من وعد بلفور.
1 أيلول سنة 1929
الهاشمي جعفر أبو التمن
محمود رامز مزاحم الباجه جي
6 - الوفد الحجازي النجدي في بغداد
وصل إلى العاصمة نهار الأحد 4 آب (أغسطس) الوفد الحجازي النجدي المفوض في أمره ذاهبا إلى إيران ليقدم إلى جلالة الشاه كتاب جلالة ملك الحجاز ونجد جواباً للكتاب الذي كان قد نقله معالي ممثل إيران إلى جلالة ملك الحجاز ونجد.
وفي نية الوفد وضع الأسس الملائمة لإبرام معاهدة ولاء وصداقة بين الدولتين.
وعاد الوفد في 27 من الشهر المذكور بسيارة خصصتها به حكومة إيران. وقد أنعم جلالة الشاه على الشيخ عبد الله الفضل رئيس الوفد بوسام همايون من الدرجة الثانية، وعلى الشيخ عبد الرؤوف بوسام التاج من الدرجة الثالثة وعلى الكتوم سعيد الرشاش بوسام همايون من الدرجة الرابعة.
7 - الاتفاقات بين إيران وروسية
انتهى أمد الاتفاق التجاري بين إيران وروسية وستجري المفاوضات قريبا لعقد اتفاق جديد وطلبت وزارة التجارة إلى الغرف التجارية في الولايات أن يزودوها آراءهم في الموقف الاقتصادي بين الدولتين.
8 - حفار على المعادن
ناصر أفندي جورج ككه عما شاب عراقي نشيط، وقد توفق منذ بضعة أشهر لأن يحفر على المعادن الصلبة وعلى الزجاج كل ما يحب ويهوى الإنسان من النقوش والكتابات
بألوان مختلفة ثابتة لا تمحى. وكان هذا الشاب مراقب العمال في شركة استريك اسكوث.
واليوم هو جنثي (براد مدقق أو كما يقال العوام فترجي) في معلم كونترل كريك في الميدان في حاضرتنا. فمن أراد شيئا مما ذكرناه فما عليه إلا أن يراجعه ليرى منه ما يود.
9 - زيارات صاحب المجلة
لا يقبل صاحب هذه المجلية زيارة أي صديق كان إلا نهار الجمعة من كل أسبوع صباحا من الساعة 8 إلى الساعة 12 أما في سائر الأيام فإنه يعتذر إليهم من قبولهم لكثرة أشغاله؛ فلا يكلفوه عنتا أو صعودا.(7/832)
العدد 75 - بتاريخ: 01 - 11 - 1929
معجمنا أو ذيل لسان العرب
منذ أخذنا نفهم العربية حق الفهم وجدنا في ما كنا نطالع فيه من كتب الأقدمين والمولدين والعصريين. ألفاظا جمة ومناحي متعددة. لا أثر لها في دواوين اللغة. بخلاف ما كنا نتعلمه من اللغات الغربية، فأننا كنا كلما جهلنا معنى كلمة ونقرنا عنها في معاجمهم وجدناها مع معانيها المتفرعة منها. ولهذا رأينا في مصنفات السلف اللغوية نقصا بينا فأخذنا منذ ذلك الحين بسد تلك الثغرة مدونين ما لا نجده في كتب لساننا.
فاشترينا في سنة 1883 محيط المحيط للبستاني ووضعنا ورقة بيضاء بعد كل ورقة مطبوعة فتضاعف حجم الكتاب حالا وأخذنا نقيد فيه كل ما نعثر عليه، ثم لاحظنا أن الذي يفوتنا أكثر مما نحرص على التمسك به وكنا نعلل النفس بأن يتم هذا المجموع عن قريب فنطبعه: وسميناه منذ ذاك الحين (ذيل اللسان) لأننا وجدنا معجم ابن مكرم أوفى كتب اللغة التي بأيدينا، ومن الغريب أن صاحب تاج العروس الذي نقل شيئا من لسان العرب فاته قدر عظيم مما جاء في اللسان مع أن السيد مرتضى استدرك ألفاظا كثيرة جمعها(7/833)
من طائفة من المؤلفين وهي ليست في اللسان، وذهل عما في هذا السفر الجليل.
ثم إننا رأينا من الحسن أن نجمع ما تيسر لنا من ألفاظ الفصحاء الأقدمين وكلم المولدين ومفردات العوام وننبه على كل حرف من هذه الحروف لكي لا يختلط الشيء بالشيء فيبقى الدر درا والبعر بعرا على حد ما فعل صاحب القاموس والتاج وغيرهما الذين ذكروا المولد بجانب الفصيح كلما سنحت لهم الفرصة، إذ كانت الغاية الأولى من جمع تلك الكتب اللغوية تفهم القرآن والحديث لا غير.
أما اليوم فإن حاجتنا اتسعت بتبحر العمران والحضارة واحتكاكنا بالأجانب ومحاولة هؤلاء الناس قتل لغتنا فقتل قوميتنا فقتل كل ما يتعلق بهذه الربوع الشرقية العزيزة مهبط الوحي ومصدر العرفان ومنبع التمدن الصادق.
وقد ذكرنا في جانب كل لفظة نجارها إن كانت دخيلة، أو أصلها الثنائي إن كانت عربية. ثم ذكرنا بجانبها جميع الألفاظ التي تشابهها من بعض الأوجه وإذا عثرنا على لفظة لم نجدها في المعاجم ذكرنا محل ورودها ليطمئن إلى صحتها أو إلى وجودها من يبحث عنها
أما إذا وردت في التاج فلم ننبه عليها. ولم نأنف من ذكر المولدات والعاميات والمعربات التي تدور على بعض الألسنة من أهل هذا العصر كما فعل بعض اللغويين الذين امتازوا بمباحثهم الطويلة. ونشير إلى فصيحها حتى يهجرها الفصيح ويعرف معناها بعد عهد طويل من يجدها في بعض المدونات الخطية.
واليوم نجد بعض التآليف المصنفة في عهد العباسيين وفيها مئات ومئات من الكلم التي لا نفهم معانيها لأننا لا نجدها مدونة في كتبنا اللغوية ولو وجدناها لما فاتنا شيء من تلك الأسفار المفيدة. دع عنك قصور لغتنا الحالية من أداء المطلوب منها في الصناعات والفنون والعلوم العصرية وما ذلك إلا لأن المولدين الذين عرفوا ما يقابل كثيرا من هذه المفردات لم يودعوها الصحف اللغوية ولم يشرحوها الشرح الكافي فذهبت أتعابهم أدراج الرياح لقلة اهتمامهم بذاك الضرب أو تلك الطبقة من تلك الألفاظ.
وقد جمعنا بقدر طاقتنا بعض أوضاع النبات والحيوان والمعادن ووضعنا بجانبها ما يقابلها عند الإفرنج حتى إذا أراد البعض أن يتقصى في البحث يعمد إلي تأليف الاختصاصين لينال منها بغيته.(7/834)
وكلما وجدنا كلمة عربية تشبه كلمة غير سامية أو آرية ذكرنا ذلك بقولنا: وهذه الكلمة تنظر إلى الكلمة اليونانية أو الرومانية أو نحو ذلك.
وفي كل ما فعلناه جارينا فيه لغويي الغربيين الذين لا يتركون لفظة من لغتهم إلا ينبهون على أصلها وفرعها ومأخذها ومصدرها. أما معاجمنا اللغوية الحديثة التي ألفت منذ قرن أو أقل منه فأنها تشهد بالجمود أو بالموت اللغوي، إذ كلها تجري على الطريقة القدمى ولا نرى فيها شيئا من آثار البحث الجديد الذي أمتاز به أهل المائة الماضية أو أهل هذا القرن من أبناء الغرب.
وفي بعض الأحيان نبهنا إلى الأغلاط التي أنسلت إلى لغتنا بما دسه فيها بعض الوراقين أو النساخين، أو دسه فيها بعض ضعفاء النظر من اللغويين أو من الأجانب المتعربين الذين أفسدوا لغتنا في حين إرادتهم الحسنى لها.
ولا يخفى على القارئ أن ما جمعناه هو (المستدرك على اللسان) ولهذا سميناه (ذيل اللسان). أما الألفاظ التي تروى في هذه الديوان النفيس فأننا (لم نتعرض لذكرها) على أننا
تعرضنا في بعض الأحيان لأشياء ذكرها أبن منظور ذكرا ناقصا فجئنا نحن وأشرنا إلى هذا النقص. وكل مرة ذكرنا (أيضا) فهو إشارة إلى تتمة ما جاء في اللسان عن تلك اللفظة بعينها.
وبعد أن جمعنا ما توفر لدينا رأينا أن ما دوناه هو قطرة من بحر وفي طاقة كل إنسان أن يجمع بقدر ما جمعناه مضاعفا إياه إضعافا لا تحصى ولهذا لا ندعي أننا أتينا بكل ما يرى مبعثرا في كتب القوم بل ببعض ما وجدناه فيها. وإلا فالعمر يفنى ولا نكون قد جمعنا إلا قطرة من بحر وهكذا يفعل غيرنا ولا يحق لأحد أن يدعي الإحاطة فإن هذا الأمر من رابع المستحيلات في لغتنا.
والآن نذكر بعض الأمثلة ليقف القراء على الأسلوب الذي اتخذناه في وضع هذا الذيل. ودونك الآن ما كتبناه في مادة أبد:
أبد
أبد) الشاعر يأبد أبودا: أتى بالعويص في شعره وهي الأوابد والغرائب وما لا يعرف معناه على بادئ الرأي.
أبده) خلده. ومنه وقف فلان أرضه وقفا مؤبدا إذا جعلها حبيسا لا تباع ولا تورث.(7/835)
تأبد الوجه) كلف ونمش والرجال طالت غربته أو عزمته وكلاهما وارد. وإنما طالت عزبته لأن أربه في النساء قل. وهو عندنا تصحيف تأبل وتأبدت البهيمة أبدت أي توحشت وتأبد أقام وثبت وتمكن في المكان وأستقر فيه.
الآبدة) أيضا في اصطلاح عهد العباسيين الداهية التي تفسد الدين أو المعتقد أو هي الخروج عن سراط الشعور الديني فينشئ المعتقد لنفسه فرائض دينية كاذبة أو يخاف أمورا لا خوف فيها أو يعتمد على أشياء باطلة ولهذا سماها النصارى (الاعتقاد الباطل) وسماها الإفرنج والآبدة بهذا المعنى وردت في كتب مختلفة قال في نهاية الأرب للنويري (3: 116) الأوابد (الدواهي وهو مما حمى الله تعالى هذه الأمة الإسلامية منها، وحذر المسلمين عنها) ثم عد منها: البحيرة والسائبة والوصيلة والهام والأزلام قال: (وكانت للعرب أوابد جعلوها بينهم أحكاما ونسكا وضلالة وعادة ومداواة ودليلا وتفاؤلا وطيرة) اهـ وذكرها القلقشندي في صبح الأعشى (1: 398) فقال: (أوابد العرب هي أمور كانت العرب عليها
في الجاهلية بعضها يجري مجرى الديانات وبعضها يجري مجرى الاصطلاحات والعادات وبعضها يجري مجرى الخرافات وجاء الإسلام بإبطالها. وهي عدة أمور منها: الكهانة. . . والزجر. . . والطيرة. . . والميسر. . . والأزلام. . . والبحيرة. . . والسائبة. . . والوصيلة. . . والحامي. . . وإغلاق الظهر. . . والتفقئة. . والتعمية. . ونكاح المقت. . ورمي البعرة. . . ووأد البنات. . . وقتل الأولاد. . . وحبس البلايا. . . والهامة وتأخير البكاء على المقتول للأخذ بثأره. . . وتصفيق الضال. . . والغول. . . وضرب الثور لتشرب البقر. . . وتعليق كعب الأرنب وتعليق الحلي على السليم. . . ومسح الطارف عين المطروف وكي السليم من الإبل ليبرأ الجرب منها والحلي على الصبيان بجباية الحي وإطعامه الكلاب وشق الرداء والبرقع لدوام المحبة والتعشير وعقد الرتم وغيرها) اهـ (والآبدة) بمعنى أثر من آثار الريازة والنحت يتخذ لتخليد ذكرى رجل أو عمل حسن من أوضاع الترك - والآبدة عن بعض العوام الأخرق الأحمق(7/836)
الذي لا يحسن شيئا، وهو مأخوذ من الآبدة بمعنى الوحش. وربما قال بعضهم الآبده بهاء غير منقوطة في الآخر وزان أحمق كأنها لغة في الأبله وهو غير بعيد كالمعكود والمعكول بمعنى المحبوس ومعده ومعله إذا اختلسه وتأبد الرجل وتابل إذا قل أربه في النساء كما أن أصل الماس: ادماس.
الأبد) وأصل معنى الأبد مأخوذة من الإبادة من مادة ب ي د: وأصل هذه المادة ثنائية أي (ب د) الدالة على التفريق والإبعاد والإضرار إلى غيرها. ومن شأن الدهر أو الأبد إبادة كل شيء. وتفريقه - وإذا فخمت الأبد صارت (ابض) (كقفل) وهو الدهر أيضا. وإذا زدتها تفخيما صارت عوض (كقول) وهو الدهر أيضا والكلمة تنظر إلى اليونانية زوس وما نسبة اليونانيون إلى زوس نسبة السلف إلى الدهر أو أوض أو عوض وأصل (عوض): (عبء) وأصل عبء: (ضوء) وجعل الباء واوا أشهر من أن يذكر وقلب الهمزة ضادا في الآخر لا يجهله لغوي. وكان من لغة الضزاز جمع الأضز: وهو من يضيق عليه مخرج الكلام حتى يستعين عليه بالضاد أي يتردد بحرف الضاد حتى يسترسل منه إلى الكلام. أما الأبد بمعنى الإبادة فينظر إلى اليونانية ومعناها خرب وأباد وأتلف وراجع لغة العرب (7: 145).
الأبد): الولد الذي أتت عليه سنة. وعندنا أنه لغة في (الولد) فوقع الإبدال في حرفين في
الهمزة والباء لإنشاء معنى جديد خاص به.
والأبد) عند بعض العوام المصريين الدعاء الثاني الذي يدعوه المؤذن قبل شروق الشمس وسمي كذلك لأن كلمة (أبد) تفتح الدعاء.
وقول بعضهم: إلى الأبد يريدون دائما. ويقولون لا أفعله أبدا بمعنى لا أفعل البتة.
أبدا): عن مصطفى جواد: وتأتي أبدا بعد الفعل الماضي المتضمن للقسم والدعاء والاستقبال كما في قول بشار بن برد في أغ 3 ص 88).
(لا تعرضت لهجاء سفلة مثل هذا أبدا)(7/837)
وبعد (ليس) كما في قول أبي طالب في الحديدي (أي شرح نهج البلاغة لابن الحديد 3 ص 309):
فيندم بعضكم ويذل بعض ... وليس بمفلح أبدا ظلوم
وقول بشار في أغ 3 ص 234:
(ولست والله عائدا إليها أبدا)
وقول الغريضي في ص 326 منه: (ولست بعائد إلى ذلك أبدا)
ولا مانع من استعمالها بدلا من قط كما في قول أبي الهندي ك 3 ص 11):
أبا الوليد أما والله لو علمت ... فيك الشمول لما حرمتها أبدا
أي (لما حرمتها قط) وفي اللام من مختار الصحاح (لام التعريف ساكنة أبدا) وفي ويح منه) وأما قولهم تعسا له وبعدا له فمنصوب أبدا) أي دائما وفي كتاب المحاسن والأضداد ص 28 (فإن صاحبها أبدا مستذل مستضعف وعليك بالاستبداد فإن صاحبه أبدا جليل) وفي 89 منه:
إن اعتذر من فراري في الوغى أبدا ... كأن اعتذاري رديدا غير مقبول
وقالت أخت عمرو بن عبد ود ترثيه:
لو كان قاتل عمرو غير قاتله ... بكيته أبدا ما دمت في الأبد اهـ.
الأبيد). وردت في اللسان مضبوطة ضبط قلم بالتصغير كزبير والذي في التاج
الأيبد) كحيدر. أما في القاموس والاوقيانوس وسائر معاجم الأقدمين فموزون بامير وهو الصحيح وعليه أهل البادية في العراق. وهو نبات مثل زرع الشعير سواء وله سنبلة
كسنبلة الدخنة فيها حب صغار أصغر من الخردل أصيفر وهي مسمنة للمال جدا. (عن أبي حنيفة). قلنا اسمه بالفرنسية وبلسان العالم وسمي أبيدا لأنه من النبات المعمر أو الطويل العمر كما قرره علماء العصر وتحلية أبي حنيفة له من أحسن ما كتب عنه وإن لم تكن علمية وأما قول أحدهم أنه المسمى بالفرنسية فمن الأغلاط الواضحة.
المؤبد) المخلد.
مؤبدة) ناقة مؤبدة: وحشية معتاصة من التأبد وهو التوحش.(7/838)
وإليك الآن ما كتبناه في مادة ابر من المستدرك على اللسان:
أبر
أبر) عمل وأصلح مهما كان ذلك العمل أو ذلك الإصلاح. ومنه الآبر العامل والمصلح والأبارة (تج أي تاج) وهو بهذا المعنى ينظر إلى اللاتينية وفعله وأما بمعنى القح النخل أو الزرع فهو مشتق من مادة (ار) المرأة. وأقحمت الباء لإحداث معنى جديد وإذا فخمت أبر صارت (عفر) والمعنى يبقى واحدا قالوا: عفر النخل فرغ من لقاحه ومثلهما (وبر) النخلة بالتشديد وفعل بالتشديد فرع من فعل. ولا جرم أن هناك من قال (وبر) بالتخفيف كما قالوا أبر إلا أنه لم يسمع. و (أبر) فلانا: اغتابه وآذاه (تج) وأبر الرجل كفرح صلح (قم أي القاموس) و (أبر) أو (بأر وائتبر) الحر قدميه كما في اللسان والتاج خطأ والصواب أبر أو بأر وائتبر الخير: قدمه (من التقديم).
ائتبر البئر) حفرها. قيل أنه مقلوب من البأر (تج).
الأبر) عند المشرحين العصريين: إدخال إبرة في موطن الداء لمعالجته وهو مشتق من أبرته النحلة إذا أدخلت أبرتها فيه. والأبر بالفرنسية أو
الآبر) يقال ما بالدار آبر أي أحد (عن فصيح ثعلب) ويقال أيضا في هذا المعنى الآبد والآبز (بالزاي).
الأبار) كشداد: الكثير الاغتياب والأذى وبائع الأبر أيضا وهو الأبري أيضا بكسر فسكون وفتح الباء لحن (قم) ونحن لا نرى رأيه لأن النسبة إلى الجمع المكسر الذي وزنه وزن مفرد ينسب إليه وأبر كعنب والأبار أيضا البرغوث (قم) لأن للسعه أذى يشبه أذى الأبرة.
و (الأبار) كشداد (من الفارسية آبار. راجع معجم فلرس) هو القصدير في نظر المستعيني
في مادة أسرب. أما صاحب المعجم المنصوري فيرى أنه الرصاص الأسود وهو كذلك في رأي ابن البيطار. وإشياف الأبار كحل يتخذ من مسحوقه والأبار بمعنى الأبارط لغة مرغوب عنها.
الأبارة) بتشديد الباء كجبارة بيت الأبر أو محفظتها وهي عامية.(7/839)
الأبرة) كحربة عند أهل النوبة: خبز مستطيل والخريطة التي توضع فيها (دوزي).
الأبرة) بالكسر كقربة ما لا ثمن له من الأشياء أيا كان. قال عبد الواحد المراكشي. و (الأبرة) سمكة دقيقة تكون في البحر وكذا اسمها في الفرنجية نقلا بالمعنى لا باللفظ. - و (الأبرة) الخيري البري لنوع من الزهر (عن المستعيني) - و (الأبرة) شجرة كالتينة (قم) وهي التي يسميها اليوم الملطيون الذكار كرمان أو الدكار (أي بالذال المعجمة والمهلة) والذكار اسم عربي فصيح يراد به ذكر النخل وذكر شجرة التين وذكر كل شجرة. قال ذلك ابن العوام في كتابه والأبرة أو الذكار يعرف بالإفرنجية باسم وتذكر التينة أو تؤبر بأن تؤخذ طائفة من ثمر الأبرة أو الذكار وتنظم كالقلادة وتعلق بالتينة الأنثى فتلقح منها. وقد ذكر كل ذلك ابن العوام في كتابه ونظم أحد الأمراء ثلاثة أبيات في هذا المعنى وكان مغرما بالتين وذكرها صاحب الحلل الموشية في ذكر الأخبار المراكشية. قال:
أهل الخرابة والفساد من الورى ... يعزون في التشبيه للذكار
ففساده فيه الصلاح لغيره ... بالقطع والتعليق في الأشجار
ذكارهم ذكرى إذا ما أبصروا ... فوق الجموع وفي ذرا الأسوار
وتأبير التينة ناشئ من هوام تكون في تين الأبرة أو الذكار وهذه الهواء تسمى أوابر جمع آبرة أو قنفش والواحدة قنفشة وبلسان العلم وهذا التأبير معروف في الشرق منذ قديم العهد.
أبرة الراعي) زهرة تخلف بزرا يكون في ما يشبه الأبرة في شكله. فيصدق على ما يسميه الإفرنج بالجيرانيوم أي منقار الكركي وبحشيشة روبر قال ابن البيطار: الغافقي: (أبرة الراعي) أو (أبرة الراهب) أما يسمى بهذا الاسم نبات يقال له (الجحليق) (ويروى الجحلق) وهو نوع من التمك وأردأ التمك (والتمك كرحل والنبات المسمى باليونانية قوقاليس (ويروى لوقانيوس وهو غلط) وصنف من النبات المسمى باليونانية غارانيون (أي
جيرانيوم) وهو الصنف الثاني منه وكل واحد من هذه يعقب مد(7/840)
نورها شيئا شبيها بالأبر. ومن الناس من زعم أن أبرة الراهب هي الشكاعى وهو خطأ.
أبرة القرن) طرفه. وأبرة النحلة شوكتها. والأبرة أيضا كناية عن عضو الرجل (تج) والأبرة شيء كالمخيط يتخذه الملاحون لمعرفة طريقهم في البحر (ذكرها التاج في مادة جزر).
أدواء الأبر) هي الأمراض المؤذية التي تشعر بها كأن أبرا تغرز فيك (عن ابن العوام).
بيت الأبرة) ما تحفظ فيه الأبرة مغناطيسية كانت أو غير مغناطيسية.
الأبور) لنئبر أي الجش (مصب).
الأبرية الورق) أشجار أوراقها كالأبر أو كالأهداب وهو مصطلح حديث وكان الأقدمون منا يسمونها (الهدبة) بفتح فكسر.
الأبيرات) بلورات دقيقة كالأبر ترى في بعض الخلايا الحيوانية أو النباتية والمصطلح حديث وبالإفرنجية
المأبر والمئبر) كمدخل ومنبر مما يلقح به النخل كالجش (بجيم) وفي اللسان والتاج كالحش (بحاء مهملة) وهو غلط ظاهر وهو الكش أيضا. و (المئبر) كمنبر الخيط أو الأبرة الضخمة وهي من لغة العوام ولها وجه صحيح ويقال فيها المئبرة كمكنسة وقد تطلق المئبرة أيضا عند بعضهم على موضع الأبر.
المئبرة) هو الدوم أول ما ينبت وهو فسيل المقل كالأبرة (تج).
وهذا ما جاء في مادة أبز استدراكا لما جاء في اللسان:
أبز
أبز) بمعنى (قفز) وهو لغة فيه عندنا. وكذلك (أبث) وأصل قفز الثنائي (قز) وهي مادة تدل على القفز قالوا: قز الرجل: وثب وانقبض للوثوب ثم أقحموا بين القاف والزاي فاء فصارت (قفز) ثم نقلت إلى لغة من(7/841)
يجعل من القاف همزة فصارت (أفز) ثم نقلت إلى لغة من يجعل الزاي ثاء فصارت (أبث). وهكذا تصرفوا في جميع الأفعال المتشابهة الحروف أو المتقاربتها مع بقاء المعنى على حاله فقالوا: رقز، ورقص، ورمز، وزرق، وضفر، وضفز، وتقفس، وقمص، وتقلز، وقلص، وقهز، ونفر، ونفز، ولقز، وفي كل هذه الأفعال
معنى الوثوب أو شيء منه. وقد ذكرنا بين الثلاثي أفعالا مزيدا فيها لاعتقادنا أن الثلاثي كان معروفا بهذا المعنى فمات أو لم يصرحوا به أو لم ينقلوه إلينا. وأبز بصاحبه يأبز أبزا كضرب: بغى عليه (الصاغاني) كما تقول وثب عليه. وأبز يأبز كضرب بمعنى مات فجأة أو مغافصة لغة في هبز هبزا. وقيل: مات موتا أيا كان. وعندنا أنه وقع في الفعل لغات كثيرة من ذلك قحز، وحبض، وفقز، وفقس، وفقع، وقفس، وهرز، وهزئ، وهزأ. وكلها تدل على الموت إلا أن الاختلاف في الحروف يدل على اختلاف في الموت. وهو مشتق من معنى الأبز الذي هو الوثب كأن الحي ينتقل إلى الآخرة وثبا.
آبز) يقال: ما بها آبز كما تقول ما بها آبد وما بها آبر أي أحد. وآبز بهذا المعنى وردت نقلا عن الرضي في شرح الشاطبية: وهو من باب المجاز (تج)
أبوز) نجيبة أبوز كصبور: تصبر صبرا عجيبا (قم).
وهذا ما دوناه في مادة أبس:
أبس
أبسه) من باب التفعيل عيره وأرغمه وأغضبه وحمله على أغلاط القول له.
تأبسه تأبسا) عيره تعبيرا ونص اللغويين وجميعهم التأبس: التغير وهو خطأ والذي ورد بهذا المعنى هو التأيس بالياء المثناة التحتية. وأما التأبس بالباء الموحدة التحتية فهو التعيير مصدر عيره فيكون في معنى التأبس التصغير والتحقير والتعيير، وكما قالوا تنقصه قالوا تأبسه وتفعل هنا للتعدية. هذا الذي نراه يتسق مع معاني المادة اب س. وأصلها من البس الذي معناه السحق والتفتيت فيكون التصغير والتحقير من المجاز وقد ذكر التاج التأبيس بمعنى التعبير بباء موحدة تحتية بعد العين وهو عندنا خطأ.(7/842)
أباس) يقال امرأة أباس (كغراب) إذا كانت سيئة الخلق.
الأبس بالفتح الحدب (بحاء مهملة) والذي في نسخ القاموس المطبوعة الجدب (بجيم ودال مهملة ساكنة وبآء). وهكذا نقله صاحب التاج. وقال عن هذا المعنى: (نقله الصاغاني في كتابه) أما في نسخ القاموس الخطية فالكلمة تختلف بين الجدب والحدب والحزن والذي يوافق وضع المادة أن يكون المعنى هنا الحدب (بحاء مهملة ودال مهملة وباء) وهو يوافق ما جاء في سياق كلام القاموس ولا سيما اللسان. فإنه لم يذكر الجدب ولا الحدب، بل قال
المكان الغليظ الخشن وهذا يوافقه الحدب (كسبب) وهو الغلط المرتفع من الأرض، فيكون الجدب بالجيم من غلط النساخ، إذ لا يتوجه توجها يتفق ومعاني المادة، اللهم إلا أن يقال أن الأبس هنا مبدل من (اليبس) وهو غير محتمل لأن اللغويين ذكروا مرادفا للابس الشأز وهذا موافق للحدب فقط. وكذلك قل عن الحزن الذي ورد في بعض نسخ القاموس المخطوطة، فإنه يوافق المعنى المنشود لأن الحزن ما غلظ من الأرض. زد على ذلك أن الأبس تنظر إلى اللاتينية أو التي تستعمل أداة داخلة على بعض الألفاظ ليكون في مدلولها المعارضة والمقاومة والشأز فإنهم يقولون مثلا أي مانع أي اعتراض أو حجز. والابس ينظر أيضا إلى اليونانية وهو العقد.
الأبس) بمعنى ذكر السلاحف وهو الرق والغيلم ينظر إلى اليونانية أمس وقلب الميم باء كثير في اللغات ولا سيما لغتنا. ولا جرم أنهم فعلوا ذلك تمييزا لها من (أمس) لليوم الذي قبل يومك. والأبس على الحقيقة هو سلحفاة الماء العذب ذكرا كان أو أنثى واسمها عند العلماء
الإبس) بالكسر الأصل السوء.
هذه الأمثلة تدلك على الأسلوب الذي اتبعناه في وضع مستدركنا على لسان العرب. فأنت ترى منه أننا لم نجتزئ بنسخ المعاجم كما فعل بعضهم في القرن الماضي ويفعله البعض الآخر في هذا القرن بل توخينا التحقيق والتدقيق والمقابلة والمعارضة ليصرح الحق عن محضه. وهو ولي التوفيق.(7/843)
أدب ومعناها
1 - ورودها في العاديات باسم آدم بي أو دنون كي
لقد بحثت بحثا دقيقا في المصنفات الشمرية والبابلية والآشورية لكبار علماء الآثار في هذا العصر عن معنى هذه المفردة وبعد تنقيبات وتحقيقات استغرقت عدة ساعات ظفرت بضالتي المنشودة وعثرت على ما كنت أبحث عنه في صفحات تلك الكتب وعليه أذهب إلى أن معنى تلك الكلمة (مدينة آدم) أي موطن الإنسان الأول وهي لفظة شمرية النجار قديمة العهد جدا كانت تلفظ أولا - أدبه ثم صحفها الشمريون وأخذوا ينطقون بها على توالي الأيام بقولهم: آدم لأن الباء المثلثة النقاط أي تتحول في لهجتهم إلى ميم إذا أفادت معنى إنسان وذلك استنادا إلى ما جاء في نص عادية اقتبسها فوسي فأدرجها في القاموس الشمري الأكدي.
نشأت الكتابة أولا تصويرية أي أنه كان يعبر عن لفظة رجل بصورة رجل وعن لفظة شمس بصورة شمس وعن لفظة سفينة بصورة سفينة وهكذا كان الأقدمون يعبرون عن كل الصور والمناظر الطبيعية ثم صارت الكتابة هجائية أي مقطعية أي أنه كان يعبر عن الكلمة المعنوية بصورة ما تدل عليها وأخيرا أمست أبجدية أي أن اللفظة تتألف من أحرف وقد تطورت الكتابة في عصرنا هذا فباتت اختزالية أي تكتب بإشارات اصطلحوا عليها لتعبر عن كلمات معينة بمعانيها وأرى أن أحسن لفظة عربية تؤدي هذا المعنى (السيماء) وبعد هذا البيان الوجيز أقول:
كانت كتابة الأسماء والمفردات البابلية القديمة تتألف من حروف صونية تطابق معنى التصاوير الرمزية ومن جملة الحروف العديدة التي كانت لها معنى صوتي كلمة (مو) التي خصصت تشير إلى إنسان حينما اقتضت كتابة الإنسان(7/844)
الأول وهذا ما صرح به الأستاذ سايس المعدود اليوم من أساطين علماء الآثار.
وجد الدكتور ثورو دنجين - العالم الأثري الفرنسي الشهير لفظة (ادمو) مستعملة (علما) في العاديات المستخرجة من أنقاض تلوء. وذلك في عصر سرجون الأول ملك أكد وقد اقتبسها الساميون من آدم الشمرية المصحفة عن أدب التي تفيد - معنى الحيوان ثم
خصصت بالإنسان - وأطلقت على كل حيوان ناطق ولإثبات ما نحن بصدده هاك ما ورد في قصة الخلق المسطورة في لغتين قديمتين مختلفتين فقد جاء في السطر التاسع منها ما يلي: أورو مو ديم آدم نو مون يا. ومعنى ذلك: (لم تكن قد بنيت مدينة ولم يكن قد خلق إنسان ليقف منتصبا) ومن أراد أن يقف بصورة مطولة على كيفية قراءة أدب وانتقالها إلى آدم فليراجع كتاب علم الآثار القديمة في الكتابات المسمارية الخط للأستاذ سايس.
وردت (أدب) في العاديات بصورة آدم بي فقد جاء في درج الأرقام الذي نشره الأب الدكتور شيل ما نصه (وقد أرخ ذلك في السنة التي قهر الملك رم انم - ديار آدم بي وسكانها) فأرى أن آدم بي هذه هي المدينة التي اكتشفت معالمها البعثة الأميركية عام 1903 و1904 وقد تسمت مدن عديدة في فلسطين باسم أدم وأدمة وأدمي فهذه الأسماء مصحفة في الأصل عن أدب وأدبة وأدبي التي تعني الإنسان في الشمرية ومعنى أحمر أو تراب في السامية ومنها العبرية والآشورية والعربية ومن أراد التوسع في هذا الباب فيلراجع معاجم الكتب المقدسة لولتر باتشز ووليم سميث وجورج بوست فيجد فيها أنباء عن مواقع هذه المدن وسكانها الأولين وما آلت إليه اليوم.
وقف الأثريون أيضا على مدينة أدب في تمثال يعد اليوم أقدم أثر في العالم وهو قائم الآن في متحفه الآستانة وقد نقش عليه العبارة التالية: أيسار لو كال دا أو دو لو كال أو رر نون كي ومعنى ذلك: (هيكل الملك داود ملك أور نون(7/845)
كي وقد ظهرت هذه المدينة في جدول أسماء مدن وجدت منقوشة على عادية في نينوى وفيها تعليق يستفاد منه لفظ (أدب) فاستدل علماء الآثار على أن مدينة أور نون كي كانت تعرف عند قدماء الشمريين بأدب ومما زاد في تحقيق وجود هذه المدينة عثور المنقبين على عادية دون فيها أن الملك حمرب (حموربي) أعاد بناء مدينة أور نون كي وهيكلها (ايماخ) وهي مدينة أدب القديمة وهيكلها أيسار.
2 - القصر الواقع في الرابية الأولى
استمر النقابون بمشارفة الدكتور بانكس ينبشون موقع القصر في الرابية الأولى مدة ثلاثة أسابيع وهم مجدون في إزالة النفايات والتراب من أرضه وقد استطاعوا تنظيف 26 غرفة وأمعنوا فيها من مترين ونصف إلى أربعة أمتار وكانت نهاية الحفر في 14 ك 2 عام
1904 وقد تسنى بعد ذلك للدكتور بانكس أخذ رسم القصر وغرفه وصحنه وإرسال بنسخه منه إلى جامعة شيكاغو مع بيان يتضمن وصف القصر فإليك أيها المطالع بعض ما جاء في ذلك البيان:
(كان معظم المباني التي عثر عليها المنقبون تضارع الأبنية الشرقية القديمة وعليه كانت زوايا القصر متجهة تقريبا نحو الخوافق وعلى هذه الصورة كان الظل الظليل في فصل الحر يقع مباشرة على طرف من البناء ليقيه حرارة الشمس المحرقة هذا فضلا عن أن غرف القصر كانت قائمة في جهة يسهل وصول هواء الشمال الغربي إليها ووجه البناء يقابل الجنوب الشرقي ويمتد نحو 33 مترا على طول القناة ولم يعثر النقابون على أثر مبان هناك. وتقدر مسافة جهة الجنوب الغربي بثمانية عشر مترا ونصف متر وعلى طرفها شارع لا يتجاوز عرضه مترا وقد بقي شاخصا طرف من الجدار المقابل للشارع ولم يهتد أحد إلى الغاية من وجوده هناك ولا لأي غرض كان قائما. وإلى الشمال الشرقي من القصر كان الفناء وفي مؤخره على طول الجهة الواقعة إلى الشمال الغربي بيوت صغيرة وجدرانها محادة القصر.(7/846)
كان أساس القصر مشيدا باللبن العادي الشكل والحجم بيد أن مقدمته والجدران المقابلة لقناة وللشارع كانت مبنية بالآجر أما لتلقي القصر من العطب وأما لتكون بمثابة زخرفة للعمارة. وقد أزال المنقبون كل آجرة من موضعها وفحصوها فحصا دقيقا غير أنهم لم يقفوا على كتابة - ليستلوا بهم على قدم البناء - وكان ثخن الجدار متر و40 سنتيمترا وذلك في صدر العمارة التي يبلغ طولها عشرين مترا ونصف متر أو نحو ثلثي طولها بينما سائر الجدران ما عدا واحدا أو أثنين منها كان ثخنها مترا وفي رأس كل جدار كانت دعامة سائخة في الأرض نحو خمسة عشر سنتيمترا. هذا إذ لم يكن قائم بازاء الجدار جدار آخر.
لقد وجد الآجر في مقادير جسيمة بين الأنقاض والردم في الغرف بيد أنه كان يكون أوفر عددا لو كان أستعمل بكثرة في البناء الأعلى. إن اللبن المشيد في الجدر القائمة في مؤخر القصر كانت سالمة من العطب على طول عهدها ويظهر أن الآجر اتخذ في وجه الجدارين الظاهرين في الخارج فقط أما ارتفاع الجدران وصورة سقوف وسطوح الغرف فلا نعرف عنها إلا الشيء النزر وذلك لعدم وقوفنا عليها وهي قائمة وعليه نترك الخوض فيها الآن
إلى أجل آخر حينما نقف على عمارة ما في حال الكمال.
إذا أنعم الإنسان نظره في هيئة بناء الدور الحديثة في الشرق يرى أول وهلة حلا لمعضلة الغرف العديدة في القصر وتتبادر أذهانه إلى الغرض من بنائها بهذه الصورة لأن منازل العراقيين منذ الأزمنة القديمة كانت على طراز يكاد يطابق هيئة بناء هذا العصر فإن أخذنا مباني مدينة بغداد مثلا لذلك نراها لا تختلف اختلافا يذكر عن الدور في عصر الشمريين البابليين ففي وسط العمارة يمتد الفناء وعلى جوانبه ترى الغرف منبثة يلاصق طرفا من الفناء جدار يفصل صحن الدار الثانية عن الأولى وتلك الدار كانت تتخذ لسكنى النساء وحجبهن عن الأنظار وتسمى في أيامنا هذه بالحرم. غير أننا لا نوافق الدكتور بانكس في رأيه هذا لأن البابليات كن مطلقات الحرية ولا يختلفن عن الرجال بشيء من ذلك ولهذا نذهب إلى أن الدار الثانية المجاورة للأولى كانت منزلا للخدام يفصلها جدار حتى لا يقفوا(7/847)
على ما يحدث في القصر من أحوال قاطنيه.
إن القصر الذي كشف معالمه النقابة الأميركي يمثل رسم اختطاط بابلي بأتم وجه فإن طول الغرفة التاسعة كان سبعة أمتار في عرض 3 أمتار و53 سنتيمترا وهذه الفسحة كانت صحن دار كبيرة فيها ثماني غرف بأبوابها وإحدى تلك الغرف الواقعة في صدر الفناء كانت تقوم مقام دهليز (مجاز) لكل من الغرفتين التاسعة والعاشرة وهي أيضا كمنفذ وممر إلى الشارع. هذا ومن المحتمل أن الغرفة العاشرة كانت باحة ثانية يفصلها عن الغرفة التاسعة حائط ثخين وفيه منافذ أبواب غرف عديدة ومن هنا نستدل على أن كل الجهة الجنوبية الغربية من القصر كانت متخذة غرفا لقضاء مصالح الرجال ويصح أن نطلق عليها الديوان أو قاعة الاستقبال (السلاملك) وأما الجهة الشرقية فكانت خاصة بالنساء وهي تعرف بالحرم اليوم وسائر الغرف المرقمة بعدد عشرين إلى ستة وعشرين تمثل المطبخ والإسطبل ومساكن الخدام ولا يزال أثر الغرفة السادسة والعشرين ظاهرا للعين وهي بمثابة منفذ مؤد إلى الساحة الخارجية وبالقرب من ركنها الشمالي كانت قاعدة تنور يشابه كل المشابهة تنانير سكان مدن العراق في هذا العصر.
إن الباحث اليوم في غرف القصر لا يستطيع أن يبت رأيا في صورة استعمال كل منها لأن معظمها كان خاليا من الأثاث ولعل يدا أثيمة سرقت محتوياتها وتركت في بعضها قليلا
من الأوعية والقدور والصحون الخزفية وعددا من داح ودمى بصور حيوانات، وفي الغرفتين التاسعة والعاشرة لا أثر للألواح الحجرية ولا لصفائح الآجر أما الغرف المرقمة بعدد 4 و18 و24 ففيها مجار عمودية من الشكل العادي تؤدي إلى الصحراء وهذه الغرف كانت متخذة كحمامات غير أن الغرفة المرقمة بعدد 24 كانت كبيرة ولها هيئة خاصة ويظهر أنها كانت مطبخ القصر وأعظم عدد من صفائح الآجر وجد في الغرفة الثالثة المتخذة دهليزا للدار أما الغرفة الحادية عشرة فكانت مبلطة باللبن وفي وسطها دكة تشبه المقعد وقاعدتها مستوية على أساس الجدار فهذه الغرفة المنخفضة المدخل نصفها تحت الأرض تشبه (السرداب) كما يشاهد اليوم ما يماثلها في مدينة بغداد حيث السكان يقيمون في الصيف ويقضون ساعات الحميم الشديدة في الوغرة وقد ظهرت(7/848)
دكة أخرى في الغرفة الثالثة عشرة وهي عبارة عن سرداب آخر مشيد على طرز دور العراق والشيء الذي لابد من الإشارة إليه هو أن معظم الغرف التي نحن بصددها صغيرة جدا ومنها ما يمثل غرف دور الشرق الحديثة العهد لأن الشرقي يفضل هذه المخادع على غيرها لتقيه الكوارث الطبيعية من أعاصير وزوابع وأمطار ولفحات الشمس المحرقة.
ولاحظ النقابون أن الغرفة الأولى والسابعة والثامنة وغيرها لا تسع أكثر من فراش واحد ويحتمل أن هذه المخادع كانت غرفا للنوم وهي تختلف كل الاختلاف عن حجر المنام في هذا العصر وربما كانت هذه الغرف أماكن لتوقيف المجرمين.
إن الآثار التي وجدت في القصر كانت قليلة جدا بالنسبة إلى عدد حجره فكان ما عثر عليه لم يتجاوز الثلثمائة عادية ولم تكن جميعها سالمة ولا صحيحة بل منها المثلوم والمكسر ومعظمها ملوث بالأوساخ وقد وجدت هذه ملقاة بين النفايات كأنها من سقط المتاع ولم يكن لها قيمة ما وكانت منزلتها كمنزلة الرسائل العادية في أيامنا هذه فإننا بعد أن نقرأ ما فيها نحجبها ونلقيها في سلة المهملات وقد شوهد للغرفة الثالثة خاصية لم نر مثلها في غيرها فإن الحفارين بقدر ما كانوا يتوغلون في التنقيب والبحث في طيات أرضها كانوا يعثرون على عاديات وقد أفضى بهم الحفر إلى عمق أربعة أمتار حيث لم يعثروا على شيء من العاديات وصفائح الآجر وأغلبها وجد محطما ومؤلفا من قطع عديدة وإحداها كشفت بصورة شظايا مبعثرة فجمعت معا فتقوم منها عادية بكتابة منقوشة على وجهيها بشكل دقيق سنيع
وكان طولها قبل أن حطمت لا يقل عن 40 سنتيمترا.
إن الكتابة التي وجدت على صفائح الآجر لم تكن بقدم الكتابة التي اكتشفت في الهيكل المنقوشة على شذرات الذهب وعلى شظايا الإناء فإن تاريخها لم يكن معلوما لأنه لم يدون فيها سوى اليوم والشهر أما السنة فلم تذكر فيها وعليه أن نص الكتابة وصورة الصفائح تماثل نصوص وصور صفائح الآجر في عهد حمرب ملك بابل وذلك قبل الميلاد بأربعة وعشرين قرنا وقد ظهر من بعض تلك العاديات أن القصر كان ملك حاكم عظيم أو أحد نبلاء البلاط(7/849)
ومن المرجح أنه كان أحد رجال الأسرة المالكة فخلف لأبناء القرن العشرين رسائله ولعب أولاده الصلصالية وأثاث منزله الخزفي من قدور وصحون وبراني (جمع برنية) ونحوها وبعض آلهته المنزلية التي كانت تقوم حسب اعتقاد الأقدمين لطرد الأرواح الشريرة والدفاع عن رب الأسرة في النوائب والملمات.
استدل المنقبون في تنقيباتهم على أن مشيد ذلك القصر لم يسكنه وحده بل سبقه أناس كثيرون تعاقبوا في الاستيلاء عليه والسكنى فيه لأن النقابين وجدوا أسسا متراكبة وكل منها يمثل قصرا قائما على أساس خاص من الآجر غير المشوي وذلك على عمق أربعة أمتار ولم يعثر الحفارون على عاديات في طيات الأرض وخلاصة القول أنهم كشفوا أساسا فوق أساس وقصرا مشيدا على قصر آخر وبناية قائمة على متن عمارة أخرى بيد أنهم لم يعثروا على عاديات سوى ما في الطبقات العالية من الأرض.
بحث النقابون ومن معهم من الأثريين في طبقات أرض القصر بحثا مدققا ونقبوا تنقيبا نعما باذلين أقصى جهدهم لعلهم يعثرون على عمد وأساطين منقوش عليها كتابات أثرية تنطق بتاريخ العصور القديمة غير أن أبحاثهم ذهبت إدراج الرياح ولم يفوزوا بطائل وربما تكشف معاول النقابين في المستقبل النقاب وتزيل الغموض عن أمور شتى تتعلق بأنباء هذا القصر الذي لم يدون المؤرخون عنه سوى نتف لا تشفي غليل الباحثين المدققين في عصر يتوق أبناؤه الوقوف على معالم المدنية السالفة للإطلاع على تاريخ الأمم والشعوب الحديثة العهد بنا.
هذا والقرون التالية ستنير الأذهان بمكشوفاتها
3 - المقبرة
بعد أن انتهى النقابون من عملهم في القصر الواقع في الرابية الأولى ونقبوا آخر غرفة فيه تفرقوا في جميع أطراف الخرائب وكانت الغاية من ذلك العثور على بقعة آهلة بالآثار والعاديات لا تكلف الباحث مشقة عظيمة ولا وقتا طويلا هذا فضلا عن أن امتياز التنقيب في إطلال الدوارس كان مهددا دائما بثورات البدو وبإشاعات ملفقة تلصق برعايا الأجانب فتعرقل مساعيهم وتعطل مشاريعهم بأقل من لمح البصر ولذا رأى رئيس النقابين أن يفرق رجاله بإشراف نظارهم(7/850)
بين الأنقاض فمنهم من وكل إليه الحفر في الهيكل وإزالة النفايات عن أطراف البرج القائم إلى الجنوب الغربي وقد تكللت النتيجة بالنجاح إذ وجد الفعلة عددا من الآجر مكتوبا عليه اسم دنجي وكشفوا قناة مبلطة بالآجر حديثة الشكل والعهد ودقر باب مصنوع من القار وهو مزلاج قديم ومن الفعلة من نيط بهم التنقيب في الرابية الثالثة الواطئة ولم يتوغلوا في النبش ولا في البحث حتى عثروا بالقرب من الزاوية الغربية من تلك الخرائب على جدران عريضة تحيط بفسحة واسعة وفي وسطها دكة مربعة مشيدة بالآجر وهي تمثل أرض دار مهدمة ووجد فيها المنقبون صفحة آجرة صغيرة مسطورا فيها كتابة قديمة جدا تختلف حروفها عن غيرها من الكتابات الأثرية.
وقد فوض إلى اثنين من النقابين الحفر في الرابية الثانية المنخفضة الملاصقة للقصر فعثر أحدهما - وهو البناء الذي كان يبحث عن آجر - على سطح قناة وأنقاض قبر فأدى ذلك إلى اكتشاف مقبرة ونجاحهما هذا أوجب أن يلتف حولهما كل النقابين ونظارهم ويشمروا عن ساعد الجد ويحفروا بكل حماسة ونشاط وقد كشفوا القبر الأول فألفوه كومة من الأنقاض ولم يستفيدوا من محتوياته شيئا يذكر بيد أن القبر الثاني كان بصورة صحيحة يحيط به جدار مبني باللبن وكان ذلك المدفن دارا صغيرة طولها متران وعرضها أقل من متر وارتفاعها أعلى من متر بقليل وكانت جدران المدفن قائمة ويعلوها سطح ذو قمة دقيقة وبناؤه مقبب ولما فتح القبر من أحد جوانبه سطعت فيه نور الشمس فأنارت ظلمته بعد طول احتجابها عنه ولم يكن مملوءا بالتراب على ما تتبادر إليه أفكار القارئ لأن جدرانه العريضة وسقفه المعقود بالآجر منعت دخول الماء وسقوط التراب وتراكم الأوساخ فيه ولو مرت على بنائه عصور عديدة وقد انبعثت منه رائحة كريهة جدا ليست من نتن الجثة المطمورة فيه بل من فساد الهواء وتجمع الغازات السامة منذ بضعة آلاف من السنين.
كانت عظام الجسم قد تلاشت بأسرها ولم يتبين منها شيء سوى طبقة رقيقة جدا من ترابها وقطعة سن منخورة لم يبق منها إلا ظاهرها أي قشرتها(7/851)
الخارجية حتى أن موضع دفن الجثة لم يتعين لدثور رفاتها وقد وجد بالغرب من حائط المدفن سبع جرار صلصالية من أشكال وحجوم مختلفة واثنتان منها كانتا مختومتين بغطائين أما الباقية فكانت مفتوحة وقد تحولت محتوياتها إلى طبقة من مادة بلورية في قعر الجرار لا يعرف على التحقيق ماهيتها وكانت بعض الجرار صحيحة وبعضها محطمة ولم يهتد المنقبون إلى سبب تحطمها لأن المدفن كان محكم البناء ولم يسقط منه آجرة واحدة ولعل الشورج أثر على طول الزمن في الخزف فحطمه.
وقد قيس المدفن من الداخل فوجد طوله مترا ونصف متر وعرضه سبعين سنتيمترا وعلوه ثمانين واكتشف فيه خاتمان وقلادة كبيرة من النحاس وخزامة وخمس وخمسون خرزة من حجر العقيق مصقولة وقد استدل المنقبون على أن هذا القبر مدفون فيه جثة امرأة لوجود هذه الحلي والأواني الخزفية فيه لأنه من عادة النساء أن يتخذن هذه الزخارف زينة لهن هذا وقبور الرجال تختلف اختلافا بوجود خواتم أسطوانية وقد اعتنى بمدفن هذه المرأة اعتناء عظيما أما لحسنها الفائق حسن بنات عصرها وقطرها وأما لسمو منزلتها في عالم الكهانة والنسل ومما يؤسف عليه أن النقاب الأميركي لم يتسن له تصوير ذلك المدفن من الداخل إذ سقطت جدرانه في اليوم التالي على أثر دخول نور الشمس فتحولت ترابا ولم يعثر النقابون بعد ذلك على مدفن سالم من العطب.
إن الرابية التي وجدت فيها القبور كانت ضيقة جدا وقد امتدت على طول ضفة القناة القديمة وظن المنقبون في بادئ الأمر أن هذا الموضع كان مدفن المدينة الكبير بيد أنه ظهر أخيرا أن موقع المقبرة كان في الطرف الأعلى من تلك الرابية وقد بحث النقابون في أعلى الرابية وحفروا فيه أخدودا فعثروا على سبعة قبور كان يحيط بخمسة منها جدار وقد حفظ من قاعدته نحو سبعين سنتيمترا سالما وإلى الجهة الشرقية من المقبرة وجد رصيف مشيد بالآجر يقوم مقام سد لمنع اندفاع الأمواج وإلى الطرف الجنوبي كان مجرى سرب مبني بالآجر أيضا.
كانت مدينة الموتى هذه منقسمة إلى قسمين بجدار منخفض وأرضها مفروشة بالطين. أما
قبورها فكانت بهيئة بيوت صغيرة وكان القبر الأول غير متهدم والقبر(7/852)
الثاني كان ضريح امرأة والقبر الثالث كان مدفن رجل لأنه وجد فيه خاتمان أسطوانيان من حجر أبيض وجرة كبيرة فوجود خاتمين في قبر واحد يدل على أن رجلين دفنا في هذه الحفرة. أما القبر الرابع فكان مدفونا فيه رجل ولم يبق من مضامينه سوى إناء كبير وقد وجد ضمن القبر الخامس دملج (سوار) صغير جدا من النحاس وشظايا من آنية خزفية. وهذه العروض تدل على أن المقبور كان طفلا. وقد دفن في القبر السادس رجل ومن بقايا آثاره خاتم أسطواني ووعاء. أما القبر السابع فكان فارغا ولعل يدا أثيمة سرقت ما فيه من الكنوز وظهر من التنقيبات أن تلك المقبرة كبيرة جدا غير أن المياه جرفتها وأزالت معظم القبور - وبان للحفارين أنه كان لذلك المدفن سقف يجلله وقد انهار حينما سقطت الجدران التي كانت تدعمه.
لا تختلف قبور البابليين القدماء كثيرا عن قبور العراقيين الحاليين فإن هيئتها تكاد تكون متشابهة من حيث البناء فكانت تلولا مرتفعة عن سطح الأرض وفي الأزمنة الغابرة كانت توضع الجثة تحت مسنم يشيد فوقها وأما في يومنا هذا فتوضع الجثة في حفرة ويهال التراب عليها ثم يقام فوقها كومة من التراب وفي صدرها قطعة من رخام أو حجر. هذا ولا يزال القوم في بغداد وغيرها من المدن يضعون الجثة في قبر معقود بالآجر والجص وذلك إذا كان المتوفى غنيا أو عزيزا لدى أهله أما الفقراء فيوارون الجثة بإلقاء التراب عليها.
إن المقبرة التي نحن بصددها لا يعرف زمن تشييدها على التحقيق فإن الختوم الأسطوانية كلها مصنوعة من حجر أبيض رخو بصورة خير متقنة ولا أثر للكتابة عليها غير أن شكلها المقعر قليلا يشير إلى عصر بابلي قديم جدا. هذا فضلا عن أن الجثث قد تلاشت بأسرها ما خلا قليلا من الأضراس المنخورة. أما الخزف فشكله يدل على كل العصور التي مرت في تاريخ بابل.
وجد النقابون في الجهة الشرقية من المقبرة كسرا من صفائح الآجر المكتوبة وقد دلت تلك الكتابة على عصر حمرب وأهل مملكته ولعلهم آخر من سكن مدينة أدب ودفن فيها وفي قعر قناة هذه البقعة اكتشف المنقبون بين أوان(7/853)
وآخر جدار دار وخابية وصفحة آجر وأنفس ما عثروا عليه هناك كان إناء صغيرا من الخزف المزين بلون بهي وكان ذلك الإناء مدفونا
تحت سطح الأرض بيد أن معاول النقابين حطمته كسرا عديدة ولما لوئمت أجزاؤه وعاد إلى شكله الأول كان ارتفاعه تسعة سنتيمترات وقطره ثمانية أما لونه فسنجابي وتحيط به بضعة خطوط حمر وصورة حيوان أبيض في صدر الإناء وفي الفسحة الواقعة بين الخطوط الحمر وصورة الحيوان الشرس كانت بقع صغيرة بيض ولا أثر للكتابة فيه ليستدل به على العصر الذي صنع بيد أن هيئته غير المتقنة الخالية من الأحكام تنبئ عن العصر الخزفي البابلي القديم العهد وقد عثر النقابون أيضا حوض كبير معد للاستحمام في غرف إحدى الدور ملقى عند مدخل الباب وكان قطره مترا و46 سنتيمترا وأسفله مستدير الشكل قليلا والقسم الأسفل الواقع تحت المقعد مصنوع من قطعة واحدة من الخزف مركبة باليد والقسم الأعلى منه وفي ضمنه المقعد يشتمل على خمس قطع محكمة التركيب وملصقة بالقار وكان بالقرب منه قاعدتا عمودين مربعين من الآجر غير المشوي ويظهر أنهما كانتا تدعم السقف وعلى مسافة بضعة أمتار إلى الجنوب من حافة الرابية السفلى كانت غرفة منفردة طولها ستة أمتار ونصف متر وعرضها ثلاثة أمتار مشيدة بالآجر المخطط المستدير وقد أسود من دخان نار كانت توقد فيها على الدوام والأمر الذي حير المنقبين أنه لم يكن لهذه الغرفة باب ولا منفذ وقد ذهب بعضهم إلى أنها كانت أتونا (كورة) غير أن هيئتها تخالف الأتاتين المنبثة في أطراف العراق وعلى كل حال كانت الغرفة معدة لإحراق جثث الموتى ويظهر أن إحراق البشر بعد موتهم كان معروفا في القطر العراقي في ذلك الزمن البعيد.
هذا ما وقفنا عليه في المقبرة وهناك قبور عديدة ومدافن شتى لم يتوفق المنقبون لكشف معالمها ولا للبحث عن محتوياتها.
بغداد: رزوق عيسى(7/854)
المولى في لغة العرب
ينقسم (المولى) في اللغة العربية إلى عشرة أقسام.
1 - الأول وهو الأصل والعماد: (الذي يرجع إليه) وباقي الأقسام متفرعة منه قال تعالى في (سورة الحديد) (فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأواكم النار هي مولاكم وبئس المصير) يريد جل أسمه هي أولى بكم على ما جاء في (التفسير) وذكره أهل اللغة المحققون وقال لبيد:
فغدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها
يريد بذلك أولى بالمخافة ولسنا نعلم بين أهل اللغة في هذا المعنى خلافا.
2 - مالك الرق قال تعالى (وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه) يريد به مالكه، والأمر في هذا المعنى أشهر من أن يحتاج فيه إلى الاستشهاد.
3 - المعتق بكسر التاء بصيغة اسم الفاعل.
4 - المعتق بفتح التاء اسم مفعول قال تعالى (أدعوهم لآبائهم هو أقسط عند الله فإن لم يعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم).
5 - أبن العم قال الشاعر:
مهلا بني عمنا مهلا موالينا ... لا تنبشوا بيننا ما كان مدفونا
6 - الناصر قال تعالى (ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم) أي لا ناصر لهم.
7 - المتولي لتضمن الجريرة ويجوز الميراث.
8 - الحليف قال الشاعر:
موالي حلف لا موالي قرابة ... ولكن قطين تأخذون الأتاويا وقيل أتاويا.(7/855)
9 - الجار الذي يكون له من آخر محل أو دار أو عقار.
10 - الإمام السيد المطاع.
وهذه الأقسام التسعة المتقدمة الذكر بعد الأول إذا تأمل الباحث معناها وجدها ترجع إلى
المعنى الأول ومأخوذة منه، لأن مالك الرق لما كان أولى بتدبير عبده من غيره كان مولاه دون غيره و (العتق) لما كان أولى بمعتقه في تحمل جريرته والعتق به ممن أعتقد غيره كان مولى أيضا لذلك و (ابن العم) لما كان أولى بالميراث ممن بعد عن نسبه وأولى بنصر ابن عمه من الأجنبي كان مولى لذلك و (الناصر) لما أختص بالنصرة صار بها أولى وكان من أجل ذلك مولى. و (المتولي) لما الزم نفسه ما يلزم المعنق كان بذلك أولى ممن لم يقبل الولاء. وصار أولى بميراثه فكان لذلك مولى (والحليف) لا حق في معناه بالمتولي فلذا السبب كان مولى (والجار) أولى بنصرة جاره ممن بعد عن داره، وأولى بالشفعة في عقاره، فلذا كان أولى أن يكون (مولى) و (الإمام المطاع) لما كان له من طاعة الرعية وتدبيرهم ما يماثل الواجب بملك الرق كان لذلك مولى فصارت جميع المعاني التي عددنا ذكرها ترجع إلى معنى الأولى ويكشف عن صحة ما ذكرناه وأوضحناه في حقيقته ووصفناه أما المشهور والمتداول بين علماء الجمهور (فالمولى) مجاز في هذه الأقسام كلها.
النجف: عبد المولى الطريحي
(لغة العرب) ومما كان يحسن ذكره هنا حال الموالي وأحكامهم في الجاهلية ومقابلتها بما جاء مثلها في عصر الإسلام في عهد بني أمية وعصر العباسيين. فحينئذ كان يكون للموضوع لذة، أما البحث اللغوي وحده فلا يفيد إلا جماعة ضعيفة من القراء. ولذا جاء هذا البحث ليس من صخر وقد عالج جرجي زيدان هذا الفصل في كتابه تاريخ التمدن الإسلامي فأفل كل من وقف عليه (راجع السفر المذكور 2: 18 و28 ثم 4: 21 و18 و47 و58 و86).(7/856)
الجزء الأول من
كتاب الجيم في اللغة
-
بخط أحدث: بل الكتاب كامل وفيه بقية الأجزاء أيضا
هو كتاب مخطوط ونسخته في خزانة الأسكوريال بقرب مدريد عاصمة ديار الأندلس في هذا العهد ورقمه 572 وإليك ما فيه:
(اقتفيت بهذه النسخة نسخة أبي موسى الحامض فاستدركت بها أكثر شكوكي ووجدت فيها ما ذكر السكري أنه سقط عليه ورقة ورجه ورقة فنقلته فكان زائدا على ما ذكر أنه سقط عليه بضعفه وقد بينت ذلك في مواضعه وعلامتي على كل ما صححته (ضاد) لأنها المشهور من لقب الحامض وتبقى علي شكوك في الزيادات فإن أبا موسى لم يذكر في كتابه شيئا منها والحمد لله كثيرا.
ووجدت في حرف الفاء (كذا) ورقتين زائدتين على نسخة السكري فنقلها وبينت مواضعها.
(بخط أحدث) مجموع أجزاء هذا الكتاب عشرة لأبي عمرو الشيباني.
(بخط مالك الكتاب): لعبد الله بن يوسف بن هشام الأنصاري عفا الله تعالى عنهم.
(بخط مالك آخر): ثم صاروا لولده محمد عفا الله عنه.
(بخط مالك آخر): ملك علي بن محمد القابوني الحنفي عامله الله بلطفه الجلي والخفي في شهر ربيع الأول سنة أربع وأربعين وثمان مائة.
(بخط مالك آخر): محمد بن أحمد خطيب داريا عفا الله عنهما ج ر ثم باللغة اللاتينية.
-
ورد ذكر أبي عمرو الشيباني في كثير من كتب التراجم مثل كتاب الفهرست لابن النديم. والإرشاد لياقوت. والوفيات لابن خلكان. وبغية الوعاة للسيوطي وغير واحد من المصنفات في أخبار النحاة والمحدثين. وهو إسحاق بن مرار(7/857)
(بكسر الميم ورائين) إمام الكوفيين بلا مدافعة ولكن مصنفاته كلها مفقودة إلى الآن إلا هذا الكتاب النادر الوجود جدا. مات أبو عمرو في أيام المأمون سنة 205 أو 206 وقال ابن السكيت مات أبو عمرو وله 118 وكان يكتب بيده إلى أن مات. وفي خبر آخر عن ابن كامل أنه مات سنة 213 وأظنه وهما. وقد وهم صديقنا البروفسور مرغليوث في طبعة الإرشاد حيث سمى هذا الكتاب
كتاب الختم (ج 2 ص 235) وقال ياقوت (وغيره) قال أبو الطيب اللغوي في كتاب مراتب النحويين: أما كتاب الجيم فلا رواية له لأن أبا عمرو بخل به على الناس فلم يقرأه أحد عليه.
ولهذا السبب ليس في أول الكتاب إسناد إلى مؤلفه إلا ما ذكر الكاتب فيما مضى آنفا ولا شك أن المؤلف لم يكمل الكتاب فإني وجدت فيه شواهد شعرية بلا تفسير ونعجب أيضا في مواضع كثيرة من قلة معرفة هذا الإمام بقواعد التصريف فإنه ذكر مثالا في باب الألف ألفاظا أصلها غير مهموز إلا أن أول حرف الكلمة الألف وكذا في سائر الأبواب. ولما كان هذا الكتاب أكبر تأليف للغوي كوفي ولعله ألفه ليناقض به كتاب العين للخليل بن أحمد كان لابد من الوقوف عليه ولهذا وجبت معرفته معرفة تامة فعقدت النية على أن أنشر الكتاب بكماله في المستقبل إن شاء الله لأني لم أجد أحدا من أئمة اللغة نقل عنه فإنك لا تجد في لسان العرب ولا في سائر المعاجم شيئا البتة مأخوذا من كتاب الجيم.
وقد وهم الأستاذ درنبورغ في فهرسة خزانة الأسكوريال حيث قال أن النسخة كتبت في آخر القرن السادس للهجرة وعندي أنها أقدم من هذا بقرنين لأني تأملت الخط وخصوصيته فهو أشبه شيء بخط القرن الرابع والهوامش التصحيحات التي وعد بها الكاتب في الوجه الأول من نسخته كما تقدم وها أناذا أنقل هنا بعض العبارات ليحكم القارئ بنفسه على أسلوب المصنف فدونك ما جاء في الصحيفة الأولى:
بسم الله الرحمن الرحيم
قال أبو عمرو الشيباني الأوق الثقل: يقال ألقى علي أوقه. وتقول: أما(7/858)
والله لتجدنه عليك ذا أوق. قال: والحي أمسى أوقعهم مجمعا. وتقول: هم الب عليه إذا كانوا عليه. المأفول من الرجال الذي لا يجدونه على ما ظنوا به في القتال وغيره والأفيق الجلد الذي قد دبغ ولم يقطع وأنشد:
تعلم يا أبا الجحاف أني ... أخ لك ما تبنيت الطريقا
وما لم تغش أوقا أن حجرا ... برأي المرء أن يغشى الأووقا
وإن لشيبة العجاج عندي ... محارم لست جاعلها مذوقا
ألما استأسدت أنياب رأسي ... وأنضجكن طابخي السليقا
وضم مجامع اللحيين منى ... مدقا يملأ العينين صيقا
رجا النوكى تسرق عرض جاري ... ولم ينبوا على الوتر المشيقا
الأزوح الكاره الوجه البطيء السيء المقادة أزح يأزح أزوحا. ويقال للبعير إذا عمد وأكل الدبر سنامه: مأموم. قال الأغب.
ليس بمأموم يعدى من غلق
وقال: تمر يؤبى عنه، أي لا يؤكل منه شيء إلا قليلا وهو الإيباء حين يوبى بطنه ولم يهمزه وقال جمل أنف إذا أوجهته الخزامة فسلس قياده وأنشد:
أنف الزمام كأن صعق نيوبه ... صخب المواتح في عراك مخمس
قال: هذا عظم مؤرب وهو الوافر فيه لحمه وأنشد:
سيصلى بها غيري ويخرج قدحها ... بعظم مشل أو بقدح مؤرب
وقال أبو السمح: أخذت شرابي إذا حمضته واللبن الأخذ: الطيب وقد أخذ بعض الأخوذ يأخذ.
بكنهام (إنكلترة): ف كرنكو(7/859)
أكان السموأل نصرانيا
-
1 - تمهيد
كان المرحوم الأب لويس شيخو اليسوعي ينصر كل مغموز بدينه. فنصر طائفة من شعراء الجاهلية وعصابة من المخضرمين، وفريقا من الإسلاميين أنفسهم بل تجرأ فنصر من كان مسلما صريح الإسلام كفيلسوف العرب يعقوب بن إسحاق الكندي (راجع لغة العرب 5: 302) ويهوديا بين اليهودية كالسموأل وقد سند مدعاه إلى بيت موضوع نظمه نظما قبيحا أحد المواصلة ودسه في مخطوط ونسبه إلى السموأل وهذا هو:
وفي آخر الأزمان جاء مسيحنا ... فأهدى بني الدنيا سلام التكامل
فكل كلمة من هذا التركيب المشوه القبيح يشهد أن صاحبه معاصر لنا وليس له أدنى صلة بالسموأل ذاك الشاعر المبدع صاحب المعاني الرائقة والتراكيب المنيعة التي تشبه مناعته حصنه الاباق الفرد.
فكتب الأب شيخو في المشرق 9: 675 (إن كان البيت الأخير (الذي نقلناه هنا) صحيحا، صدق (كذا) ظننا السابق بأن السموءل نصراني لا يهودي لاسيما أن أصله من بني غسان وبنو غسان نصارى).
فكتبنا إليه لا يجوز لك أن تمسخ التاريخ هذا المسخ وأن هذا البيت الأخير لا وجود له وأن صاحب النسخة الموصلية وضعها من عنده وأن السموأل يهودي وأن بني غسان لم يكونوا كلهم نصارى بل كان بينهم يهود ووثنيون أيضا. إلا أن حضرة الأب لم ينشر ردنا وأبقاه عنده وانتفع ببعض الفوائد التي كانت فيه وأدرجها باسمه فكان ذلك سببا كافيا لامتناعنا عن كل مساعدة في مجلته
2 - نصوص المؤرخين تشهد على يهودية السموأل
ما من مؤرخ عربي أو غربي ذكر السموأل إلا نص على أنه يهودي ولم يشر أبدا - ولو من طرف خفي - إلى أنه كان نصرانيا أو يهوديا متنصرا أو من اليهود النصارى (وهم يهود كانوا بين النصرانية واليهودية ويعرفون عند الإفرنج(7/860)
باسم - فقد قال اليعقوبي في
تاريخه (1: 310 من طبعة الإفرنج) معددا شعراء العرب. . . والسموأل بن عاديا وهو ينسب إلى غسان فيقول بعضهم أنه يهودي من سبط يهوذا) اهـ.
وقال في الأغاني (3: 115 من الطبعة المصرية الجديدة): الشعر لغريض اليهودي وهو السموأل بن عادياء. . .)
وفي تاج العروس في مادة سمأل والسموأل بن عادياء اليهودي وفي المقدمة الفاضلية: السموأل بن أوفى بن عادياء بن جفنة صاحب الحصن الأباق.
وقال في لسان العرب في مادة خبث: (قال اليهودي الخيبري:
ينفع الطيب القليل من الرز ... ق ولا ينفع الكثير الخبيث
. . . وقال أبو منصور: في بيت اليهودي أيضا: أضن أن هذا تصحيف اهـ وأنت تعلم أن البيت المذكور هو السموأل كما يرى في ديوانه وكما نص عليه جميع الشعراء الأقدمين وكذلك قال صاحب التكملة.
وفي التنبيه والأشراف للمسعودي ص 258من طبعة الإفرنج: (وكان أهل تيماء أعداء لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورؤساؤهم آل السموأل بن عادياء بن حيا أبن رفاعة بن الحرث بن ثعلبة بن كعب بن عمر مزيقياء بن عامر. اهـ. قلنا: والناس جميعهم يعملون أن أغلب أهل تيماء كانوا يهودا ولهذا كانوا يعادون النبي الحنيف.
وقال صاحب الأوقيانوس. والسموءل بن عادياء بر رجل در يعني حصن أبلق صاحبي يهودي أيديكه وفاء عهد بابنده ضرب مثل در. ومن أمثالهم: أوفى من السموأل. اهـ عبارته التركية بحرفها.
وفي مجمع الأمثال للميداني 2: 276 من طبعة بولاق الأولى في شرحه لهذا المثل: أوفى من السموأل ما هذا حرفه: هو السموأل بن حيان بن عادياء اليهودي. . . إلى آخر ما قال.
وقال المطهر بن طاهر المقدسي في كتابه البدء والتاريخ 3: 203 من طبعة الإفرنج: وكان أمرؤ القيس عند خروجه إلى قيصر أودع السمؤال بن عادياء اليهودي شكة مائة رجل. . .) اهـ.(7/861)
وقال ابن خلكان في ترجمته لأبي السمط (2: 131 من طبعة بولاق). . . أنه كان من موالي السموأل بن عادياء اليهودي المشهور بالوفاء. . . ولو أردنا أن نذكر جميع الشواهد
لما كفانا جزء من هذه المجلة ونختم هذه الشهادات بشهادة رجل لا يتهم بحزب من الأحزاب وهو من أجل المحققين أي أ. ب. كوسين دى برسفال في كتابه (آمال في أخبار العرب في الجاهلية وصدر الإسلام) وهو كتاب جليل في ثلاثة أجزاء وهذا تعريب ما قاله في (2: 237) وأخباريو العرب لا ينبسون ببنت شفة بصدد هذه الأنباء المتقدم ذكرها بل لا يشيرون بشيء إلى السنوات الأولى من ملك الحرث الأعرج اللهم إلا ذكر عمل أظهر فيه نحو السموأل اليهودي صاحب القصر في تيماء اهـ. . .
فهذه الشهادات كلها تتضافر في إثبات السموأل كان يهوديا ولم يخطر في بال أحد أنه كان على دين آخر ومع كل هذا ينكر الأب شيخو كل هذه الروايات ويحاول أن يقنع الناس بأن ابن عادياء كان نصرانيا أو يهوديا متنصرا أو يهوديا في الباطن ونصرانيا في الظاهر إلى ما ضاهى هذه الآراء الضعيفة التي ليس فيها من الحق شيء حتى الخيال.
وبهذه الصورة أفسد الأب شيخو تاريخ العرب وأخبارهم بينما كنا نكتب إليه الرسالة بعد الرسالة أن مثل هذا العمل لا يوليه شرفا ولا يغير الأحداث ولا التاريخ لأن الحقائق تبدو كالشمس وإذا بدت تصرمت ظلمات الملفقات على أنواعها وإن كانت ثخينة الأديم ومحكمة العرا.
3 - لم تكن غسان كلها نصارى
يدعي الأب المرحوم لويس شيخو أن السموأل كان نصرانيا لأسباب منها:
1 - إن السموأل كان ينسب إلى غسان وغسان كان نصرانية.
2 - إن السموأل ذكر في بعض أبياته السيد المسيح والحواريين.
3 - إن السموأل كان من بني الديان (وفي بعض الروايات بني الريان بالراء وهو خطأ ظاهر) وبنو الديان كانوا نصارى.(7/862)
فنقول: أولا - إن البيت الذي فيه ذكر بني الديان جاء في ديوان الحماسة لأبي تمام في آخر اللامية المشهورة للسموأل إلا أن التبريزي في شرحه للبيت المذكور يقول أنه لعبد الله الحارثي لا للسموأل. ولو فرضنا جدلا أنه لأبن عادياء فهذا لا يدل على أنه كان نصرانيا بل يهوديا. لأن هذا الاسم مأخوذ من اللغة العبرية ويدل على القاضي عند اليهود وكان هناك عدة بيوت تنتسب إلى بني الديان لتوليهم القضاء في ذلك العهد. أما أن بعض بني
الديان تنصروا أو أن هناك نصارى كانوا تولوا القضاء للنصارى على مثال ما كان اليهود يفعلون فليس ببعيد.
2 - إن ذكرى المسيح والحواريين لا يدل على نصرانية من يصرح بهم. فإن القرآن يصرح بهم وبكثير من أنبياء اليهود أفيقال أن المصحف هو للنصارى أو لليهود؟ وأن كثيرين من شعراء المسلمين ذكروا أئمة النصارى وأسماءهم وأسرارهم وكل ما يتعلق بهم، ولم يخطر على بالهم أن يكونوا من أتباع عيسى بن مريم أفيقال أنهم أظهروا الإسلام وأبطنوا النصرانية لغاية في صدورهم لم يبوحوا بها؟ كل هذه خرافات وترهات يتسلى بها أو يلهج بها من هو على شاكلة الأب المرحوم الذي رأى العنب بعيدا عنه قال: يا ما أحمضه!
3 - لم يكن جميع غسان على النصرانية بل الذين هجروا ديارهم ونزلوا ربوع الشام. ودليلنا على ذلك ما قاله ياقوت في معجمه فقد ذكر في مادة مناة ما هذا إعادة نصه: (هذا أسم صنم في جهة البحر مما يلي قديدا بالمشلل على سبعة أميال من المدينة، وكانت الأزد وغسان يهللون له ويحجون إليه وكان أول من نصبه عمرو بن لحي الخزاعي. . .) اهـ وقال اليعقوبي في تاريخه (1: 297): (وكانت تلبية غسان (عند وقوفها أمام صنمها): لبيك رب غسان راجلها والفرسان. اهـ. وقال في ص 298 من الجزء المذكور: تهود قوم من غسان. وقال في ص 299: وتنصر. . . غسان). وهذه الشواهد تدل على أن الوثنية واليهودية والنصرانية كانت في غسان والقول أنها كانت نصرانية لا غير من الخطأ والخطل ومن باب إفساد أخبار العرب وتاريخهم.
وهناك غير هذه الشواهد من ذلك أن سطيح بن ذئب كان غسانيا وكان كاهنا وكان على دين دهماء العرب كما روى هذه الحقيقة الاخباريون جميعهم - وقال(7/863)
الطبري في تاريخه (1: 1706 من طبعة الإفرنج) وكان الحرث بن أبي شمر الغساني نذر (سيفين كانا له) لبيت الصنم يقال لأحدهما رسوب والآخر مخذم) أفيعد هذا النص من يشك في وثنية بعض غسان أو يجرؤ أن يقول أن غسان كلها كانت نصارى؟
وكنا قد بعثنا بهذه الأدلة وبغيرها إلى الأب شيخو فلم ينشر منها شيئا لأنها كانت قاطعة لكل زعم قذفت به الأغراض - لعنها الله؛ لكنها غيرت شيئا من فكرته فقال: (ولعل فصل
الخطاب في هذا ما يقال من أن السموأل كان من إحدى تلك الشيع الجامعة بين عادات اليهود وعقائد النصرانية التي عبرت الأردن وقت حصار الروم لأورشليم فسكنت في بلاد العرب؟
قلنا: أظهر مؤرخو الكنيسة واخباريوها أن هذه الفرقة اضمحلت منذ القرن الثالث للميلاد ولم يبق لها سوى الاسم. فرأي الأب قائل هنا كما زاغ في سائر ما اخترعته مخيلته ولهذا لا نعتبر ذلك ظلا لدليل فضلا عن دليل. ومن الحسن أن يضرب بهذه الحجج كلها عرض الحائط لأنها لا تقوم على قائمة.
4 - نسب السموأل يثبت يهوديته
غاية هذه المقالة أن نثبت للقراء حقيقة ديانة السموأل وأنها كانت اليهودية وليست النصرانية وهذا ما يؤخذ من أسماء أجداده. وقد اختلف النسابون في نسبه. فقيل السموأل بن غريض بن عادياء بن حباء الكاهن اليهودي. وقيل: السموأل حيان بن عادياء. وقيل: السموأل بن أوفى بن عادياء بن رفاعة بن جفنة (التاج في مادة سمل). وقيل: السموأل بن عادياء بن حيان بن رفاعة أبن الحرث. . . إلى غير هذه الروايات باختلاف قليل.
وأول كل شيء نقوله هو: أن السموأل لم يرد اسما لنصراني بل اسم ليهودي. أما النصارى فسموا أولادهم سمويل والمحدثون يقولون خطأ صموئيل.
وغريض بالغين المعجم وبالعين المهملة خطأ صريح من قبيل التصحيف هو نفس حنان. فحنان بالعبرية وغريض بالعربية وهو معنى حنان. وتلفظ بنونين الواحدة مشددة واقعة بين الحاء والألف والثانية في الآخر. وحنان اسم محبوب(7/864)
عند اليهود وكرهوه كل الكراهية عند المسيحيين لأنه يذكرنا اسم الكاهن الأكبر الذي أخذ إليه المسيح عند محاكمته أول مرة وقبل أن يحاكم بين يدي الآخرين. ولهذا لم يتسم به أحد من المسيحيين وبقي خاصا باليهود نكاية للنصارى.
ومن هذا التحقيق ترى أن حبان بالباء الموحدة التحتية المشددة خطأ وكذلك حيان بالياء المثناة المشددة. ولم نقف على يهود تسموا بحبان ولا بحيان بل حنان بنونين.
وكذا قل عند حبا بالباء الموحدة المشددة أو حيا بالياء المثناة المشددة فكلاهما تصحيف حنا بالنون المشددة وهو من أسماء اليهود أولا ومن أسماء النصارى ثانيا. وسبب هذه
التصحيفات أن الألفاظ العبرية غير معروفة عند العرب سلفنا ولهذا أنسوا بما عرفوه فنقلوه إلى ما كانوا قد اتخذوه من الأعلام المعروفة عندهم.
وعادياء أصله بالعبرية (عدايا) فوقع القلب فيه كما وقع في أغلب الأعلام الغريبة. وعدايا معروف عند اليهود فقد ورد مثله في سفر زكريا من التوراة (1: 1: 7).
جئنا الآن إلى أوفى. فقولهم أبن أوفى هو كقولهم أبن الوفاء إلا أنهم استعملوه بصيغة افعل لما اشتهر به من الوفاء. إذن قولك أبن أوفى كقولك صاحب الوفاء.
ورفاعة ليست إلا ترجمة العبرية (ارم أو أرام) وهو كثير الورود في التوراة بل معروف إلى عهدنا هذا.
بقي علينا أن نعرف من جفنة. فجفنة كلمة عربية يقابلها في العبرية (كرمي) ومعنى جفنة، ذو الجفنة أي الكرام، وكرمي من أسماء اليهود أيضا وقد ورد مثل هذا العلم اسما لواحد من أبناء روبن (سفر الخلق 4: 6) والخروج (6: 14) واسم رجل آخر ذكر في سفر يشوع (7: 1).
5 - النتيجة والختام
النتيجة من هذا البسط الموجز أن السموأل لم يكن نصرانيا أبدا بل هو يهودي عريق في اليهودية ويشهد على صحة هذا الرأي الرصين:
1 - شهادات الإخباريين والرواة والشعراء والمؤرخين
2 - ما نقله إلينا الأقدمون من شعر السموأل بله ما نقله المزورون العصريون(7/865)
الذين وضعوا أبياتا على لسان صاحب الأبلق ونسبوها إليه زورا وبهتنا.
3 - نسب الشاعر وصريح الأعلام الخاصة باليهود دون النصارى.
وهذه هي صورة أعلام نسبه بالألفاظ العبرية: سمويل أو شمويل (أو كما يقول اليهود العصريون: شميل وزان قبيط ولا يجوز أن يقال صموئيل بهذا المعنى) بن حنان (ويجوز تخفيف اللفظة فيقال حنا، لكن لا حبان ولا حيان ولا حباء ولا حياء كما جاءت مصحفة في بعض كتب الأخبار) بن عدايا (ويجوز عاديا أو عادياء على القلب المكاني) بن إرم (كعنب) أو أرام (كسحاب) لكن لا آرام بمد الهمزة كما جاءت في بعض النسخ التوراة المترجمة الحديثة النقل أما في القديمة فقد جاءت ارم أو أرام. ومنه ارم ذات العماد) بن
كرمي. هذا الذي يتبين لنا من خلال الألفاظ المعربة أو المنقولة إلينا بالمعنى لا بالمبنى.
ومثل هذا النقل، نقل الأعلام بالمعنى كثير في لغتنا. مثال ذلك: قاسم فإنه أشهر من أن يذكر وقديم الورود في تاريخ العرب وأخبارهم وأنسابهم فهو تعريب فالج أو فالغ (على لغة) باللغة العبرية. ويزيد وهو تعريب يوسف منذ أقدم العهد - وفي الأغاني 1: 13 من الطبعة الجديدة: أن الناحر تعريب ناحور والشارع تعريب شاروع والرامح تعريب أرغو والرافد تعريب أرفخشذ وملكان تعريب لامك والمنوف تعريب المتوشلخ (كذا. أي متوشلخ) والرائد تعريب يارد. إلى آخر ما هناك من الأعلام وهي كثيرة لا تحصى.
ومن الغريب أن المستشرفين الذين كتبوا في موضوع السموأل بعد الأب شيخو زادوا تأكيدا لمسألة يهوديته مثل الأديب والمستشرق الفرنسي كليمان هوار في كتابه تاريخ الآداب العربية ص 10 ومعلمة الإسلام في مادة السموأل 4: 138) إلى آخرين عديدين: وهذا كاف لادحاض مختلفات الأب شيخو رحمه الله وغفر له مساوئه!
(تنبيه) إن التاريخ القائم على حقائق راهنة قديمة لا تفسده التزويرات والتلفيقات. وإن جازت برهة على قوم، لا تبطئ أن يظهر ما فيها من الوضع والكذب. فيعود الحق إلى نصابه على أحسن وجه.(7/866)
علاج بدو العراق للزهري
جوب جيني (بجيمين فارسيتين مثلثتين) لفظة مركبة من كلمتين فارسيتين الأولى (جوب) أي خشب، والثانية (جيني) أي صيني ومحصل معناهما الخشب الصيني والكلمة يستعملها العراقيون ليدلوا بها على النبات المعروف باللاتينية وبلسان العلم وهي من الفصيلة العشبية
والذي يستعمل من هذه النبتة هو جذرها وهو يتقوم من عدة طبقات سمر اللون إلى الاصفرار طعمها حار ومر قليلا ورائحتها خاصة بها لا تشبه رائحة شيء آخر. ويغلي منها قدر تسعين غراما على نار هادئة مع لتر ونصف لتر ماء ويغلى إلى أن تصبح كمية الماء قدر نصف لتر فحينئذ ترفع وتصفى وتؤخذ في أثناء اليوم الواحد.
ويستعملها البدو كلهم على هذه الطريقة ولا يتخذونها للزهري فقط بل لكل الأمراض الجلدية كالأكزيما والقوباء والجرب بل للحبل أيضا ولجميع الأمراض النسوية وذلك أن المرأة إذا رأت أنها منحرفة المزاج عمدت إلى الجوب جيني وهذا العقار كثيرا ما ينتج نتائج حسنة في أعراض الزهري الجلدية فلذلك يعتقد كل البدو صحة شفائها فيشترونها بأسعار باهظة ويخزنونها في بيوتهم ولهذا قل من لم يفهم كلمة (جوب جيني). لكنها ليست بكافية لاستئصال داء الزهري الذي يزداد انتشاره يوما فيوما في ديار العراق ومع ذلك تراهم لا يستعملون علاجا سواها فيا للأسف من هذا الصنيع.
وفي المنطقة التي قضيت فيها مدة من الزمن أرجح أن سبعين في المائة من الأهالي مصابون بهذا الدواء ويسمونه (أبو الخصيان) إذا أصاب مذاكير الإنسان ولأنهم لاحظوا أن المتزوج المصاب به لا يعيش له أولاد وإذا ظهر في الحنجرة أو البلعوم سموه (اللواث) وهم يعتبرونه مرضا خفيفا للغاية ولابد لكل إنسان من الوقوع فيه. ويعتقدون أيضا أنه يخول الجسم مناعة دائمة(7/867)
وإن الإنسان لا يصاب به إلا مرة واحدة في حياته ولذلك تراهم لا يخافونه ويتمنون لأطفالهم أن يصابوا به اعتقادا منهم أنه يكون أخف وطأة عند الصغار ويقال عن اعتقادهم أيضا (أن الذي لا يصاب به في هذه الدنيا يلاقيه في الآخرة) وأظن أن هذا القول مبالغ فيه. والذي تحققته بذاتي أنهم لا يتجنبون عدواه والتعرض للوقوع فيه.
ومن المعلوم أن هذا الداء وراثي ومكتسب أعني أنه ينتقل إلى الولد بالوراثة وينتقل أيضا إلى الغير بالعدوى وذلك بإتباع العادات السيئة التي تساعد انتقاله من شخص إلى آخر وأنت تعلم أن البدو يكرمون الضيف كل الإكرام ويطعمونه أولا ثم يأكلون بعده لكنهم يأكلون ما تبقى من الأكل الذي أكل منه الضيف ويتمششون العظام إذا كان هناك عظام ومن الماعون نفسه الذي أكل منه وبعده يشربون القهوة مع ضيوفهم في فنجان واحد وأحيانا في فنجانين فقط فكيف يتاح للبدوي المسكين المحيط به عدد عظيم من هؤلاء المصابين بالزهري أن يتجنب هذا الداء فضلا عن أنه يجهل ضرر هذه العادات فإذن لابد من الوقوع في الشرك.
فإذا استمرت هذه الحالة على هذا المنوال لا يمضي كثير من الوقت إلا يعم هذا الداء البدو جميعهم.
وهو منتشر أيضا بالصورة المذكورة في حضر العراق فهو منه أعم في المدن الكبيرة من البلدان الصغيرة ولا سيما العاصمة فانتشاره بين الشبيبة دليل واضح على توسيع نطاق سريانه. وهذا الداء من أهم المصائب التي تهدد المجتمع لأنه يفتك فتكا ذريعا في كل أعضاء الجسم فيدخل إلى الدماغ ويسبب جميع الأمراض العصبية والعقلية على اختلاف أنواعها وإلى العينين فيذهب بالبصر وإلى الأذنين فيعتريهما الطرش والصمم وإلى الحنجرة فيذهب بالصوت وإلى الخصيتين فيغدو الرجل عقيما وإلى الكليتين أو الكبد أو الرئتين فيحدث فيها أعراض تشبه داء السل في تطوراته وعلى كل حال هو أفظع الأمراض وأخطرها على أعضاء الألفة الاجتماعية ولاسيما أن إصابته الشبيبة أكثر من غيرها.
والطامة الكبرى هي انتشاره بين البدو والحضر على قياس واحد من باب(7/868)
التقريب بعكس سائر الأمراض فالسل الرئوي مثلا إذا كان متفشيا في المدن فهو قليل الوقوع في الأعراب لكن الزهري يزداد نموا في القومين الحضر والبدو على حد سواء.
والمصاب الجسيم هو أن هؤلاء البدو لا يستعملون علاجا لهذا الداء إلا العشبة أو (الجوب جيني) ون المعلوم أن خاصية هذا النبات إدرار البول والعرق وأن تأثيره على جرثومة الزهري خفيف جدا لأنه يلطف أعراضه أحيانا لكنه لا يستأصل شأفته البتة ولذلك ينتشر
الزهري الوراثي انتشارا هائلا في العراق أضعاف انتشاره في باقي البلدان ومعدله المئوي يزداد يوما فيوما فعسى أن تأخذ حكومتنا الوسائل الفعالة لمنع سريانه بين السكان وإلا فالخسائر لا تقدر.
بغداد: الدكتور حبيب صادر
أصل كلمة إبليس
ورد في تاج العروس ما هذا نصه: (إبلس الرجل من رحمة الله يئس وفي حجته انقطع. وقيل إبلس إذا دهش وتحير. قال أبن عرفة. ومنه اشتقاق إبليس لعنه الله لأنه يئس من رحمة الله وندم. وكان اسمه من قبل (عزازيل) أو هو أعجمي، معرفة ولذا لم يصرف. قاله أبو اسحق. قلت (أي السيد مرتضى) ولذا قيل: لا يصح أن يشتق إبليس وإن وافق معنى إبلس لفظا ومعنى. وقد تبع المصنف (أي الفيروز أبادي) الجوهري في اشتقاقه فغلطوه. فلينتبه لذلك) انتهى كلام الشارح.
قلنا: ويذهب المستشرقون إلى أنه معرب ذيابلس اليونانية. ونحن لا نوافقهم على رأيهم لأن الفرق بين ذيابلس وإبليس ظاهر لا يخفى على بصير والذي نراه معرب وهو من أسماء الشيطان عندهم ومعناه الكابس والهاجم والذي يسبب الكابوس في النوم على زعم الأقدمين من الإغريق وكل ما جاء في معلمة الإسلام وفي محيط المحيط فغير صحيح.(7/869)
تاريخ بغداد
النسخ المحفوظة بالمتحفة البريطانية من تاريخ بغداد للخطيب
أبي بكر أحمد بن علي بن ثابت البغدادي
رقم 23319
نسخة مكتوبة بأيدي كتاب مختلفة ولكن في الورقة الأخيرة ما نصه:
فرغ من نسخه وسماعه مظفر بن يونس بن أبي نصر بن أبي عون البزاز رحمه الله يوم الأربعاء عشرة (كذا) شهر رجب سنة إحدى وعشرين وخمسمائة.
وفي الوجه الأول من الصحيفة الأولى تنبيه على أن النسخة الكاملة مشتملة على 28 جزءا.
وهذا التأريخ الجليل ثمانية وعشرون جزءا.
وهذه تجزئة تظهر أيضا في النسخة نفسها وفي أولها وصف بغداد وقد نشر هذا الفصل العلامة في باريس. وفي 22 نجد حديثا في اشتقاق اسم بغداد وهو:
(باب تعريب اسم بغداد: أخبرنا محمد بن علي الوراق وأحمد بن علي المحتسب قالا أنا محمد بن جعفر الكوفي الغوي (يعني اللغوي) أنا الحسين بن محمد السكوني نا محمد بن خلف حدثني محمد بن أبي علي عن محمد بن السري عن ابن الكلبي قال: إنما سميت بغداذ بالفرس لأنه أهدي لكسرى خصي من المشرق فأقطعه بغداذ وكان لهم صنم يعبدونه بالمشرق يقال له بغ فقال: (بغ داذ) يقول أعطاني الصنم. والفقهاء يكرهون هذا الاسم من أجل هذا).
(بغ في اللغة القديمة البهلوية يجيء حقيقة بمعنى الله ويرى في كثير من نقود الساسانية ملوك الفرس).(7/870)
يبتدئ الجزء الثاني ص 20 والثالث ص 38 والرابع ص 48 وفي الرابع وصف المدائن وذكر من وردها من الصحابة. وكل الجزء الرابع والخامس بخط أحدث من سائر النسخة وليس في النسخة فرق بين الجزئين. وأول الجزء السادس ص 82 ويبتدئ بذكر من اسمه محمد وابتداء اسم أبيه حرف الألف وأما ترتيب التراجم فليست على ترتيب حروف الهجاء
بل مرتبة في كل حرف على تواريخ الوفيات. وقدم الواحد على الآخر بالنظر إلى سبق الواحد صاحبه الآخر في موته حتى بلغ إلى زمان المؤلف وكل ما بقي من النسخة يشتمل على تراجم المحمدين وآخر ترجمة في هذا المجلد ترجمة محمد بن الحسين بن سعيد الهمداني. ويظهر من صورة السماع في آخر الجزء الثامن أن بعض النسخة أقدم من سائرها وإن كانت هذه الصورة صعبة القراءة ودونك نصها (تم الجزء. . . بقراءة محمود بن الفضل بن محمود الأصبهاني في ربيع الأول سنة ست وثمانين وأربع مائة) وفي آخر الجزء التاسع صورة سماع أخرى قال فيها: (وذلك بالرباط الأرجواني في يوم الثلاثاء الثاني والعشرين من ربيع الآخر سنة ثمان وعشرين وخمسمائة وفي آخر الجزء العاشر تاريخ نصه كما تقدم في التاسع.
والجزء الحادي عشر بخط قديم مختلف صعب القراءة جدا.
وخط الجزء الثاني عشر يختلف كثيرا عن خطوط سائر الأجزاء ولكن في آخره صورة سماع مؤرخة في سنة 528 كما في الجزء التاسع والعاشر.
ويجيء خط آخر في الجزء الثالث عشر وصورة السماع فيه مؤرخة سنة 528
وفي الجزء الرابع عشر صورة سماع في أوله مؤرخة أيضا سنة 588 وليس في هذا الجزء بالخط القديم إلا صحيفتان إحداهما في أوله والثانية هي الصحيفة الأخيرة وسائر الجزء حديث الكتابة.
ويظهر مما قلت أن الأجزاء كتبت بأيدي عدة كتاب مع محاولة صاحبها أن يجعلها نسخة كاملة في أسرع وقت. ولما كان في أول الكتاب أن النسخة كاملة في 28 جزءا يكون هذا المجلد نصف النسخة الكاملة. والمجلد يحتوي على 261 ورقة.(7/871)
رقم 23320
مجلد في 286 ورقة وهو النصف الثاني من النسخة السابقة ولهذا السبب نجد فيه الجزء الخامس عشر إلى الجزء الثامن والعشرين لتكمل النسخة وفيها أجزاء بخط قديم، وما سقط منها فهو بخط حديث العهد. وأول ترجمة في الجزء الخامس عشر ترجمة محمد بن الحسين بن محمد بن حاتم. . . المعروف أبوه بعبيد العجل. وفي آخر هذا الجزء خمس صور من صور السماع مؤرخة في 507 و525 و556 بجامع دمشق وسنة 588 بجامع
دمشق وسنة 592 بدار السنة بمدينة دمشق وفي آخر الجزء السادس عشر عدة صور للسماع ليس للأولى تاريخ أما الثانية فمؤرخة في سنة 518 وواحدة بغير تاريخ بقراءة العلامة المشهور أبي اليمن زيد بن الحسن الكندي وكلها سمعت في دمشق إلا الأخيرة فأنها سمعت في سنة 602 بدار الحديث المظفرية بمحروسة أربل فيظهر أن النسخة نقلت من دمشق إلى أربل بعد سنة 588 وقبل سنة 602.
والجزء السابع عشر بخط صعب القراءة يشبه خط أبي الفرج ابن الجوزي كما رأيته في كتاب قديم بخطه وفي آخر هذا الجزء عدة صور سماع أولاها في سنة 507
والأجزاء من ال 18 إلى 25 كلها بخط حديث ما عدا ورقات يسيرة ولا فرق بين الأجزاء وقد وقع التصحيف والتحريف في هذه الأجزاء. وفي آخر الجزء السادس والعشرين وهو بخط قديم صورة سماع في سنة 528 وليس في المجلد فرق بين الجزءين ال 27 وال 28 وإن كانت بخط قديم وربما سقط منها شيء كما سقط آخر الجزء الأخير والترجمة الأخيرة ترجمة محمد بن مسكين ابن نميلة اليمامي وليست بكاملة. ألا ترى أنه لم يكمل تاريخ الخطيب بهذين المجلدين حيث لم يفرغ ممن اسمه محمد.
رقم 23321
هذه النسخة حديثة العهد من أول الكتاب إلى ترجمة محمد بن إسحاق بن محمد بن فدوية وهذه الترجمة ترى في الورقة 99 من النسخة الأولى التي تقدم ذكرها. وأخاف أن الكاتب اختصر الكتاب.
رقم 1507
هذه النسخة تشتمل على ما في النسخة المتقدمة إلا أنها بخط في غاية الحسن(7/872)
تشبه خطوط كتاب المماليك في مصر في القرن الثامن للهجرة ولعل هذه النسخة هي أصل النسخة التي سبقت الإشارة إليها وليس في هتين النسختين تفريق الأجزاء.
رقم 7780
مجلد في 376 ورقة يشتمل على أربع نبذ بخط قديم صحيح وما ينقص منه قد كتب بخط حديث العهد. وأول ترجمة هي ترجمة عبد العزيز بن حسن بن أحمد بن علي بن بشار أبي
الحسن العلاف الشاعر وآخرها ترجمة عفيف بن سالم أبي عمرو الموصلي مولى بجيلة وكتب في آخر النسخة: ويليه في الجزء السابع عتاب بن زياد: ويظهر من هذا أن هذا الجلد هو المجلد السادس على ترتيب مختلف في النسخ السابقة وفي هذا المجلد تراجم العباد وكل من اسمه عيسى وعمر وعثمان وعلي والعباس وعمرو وعامر والعلاء وعاصم وعمار وعكرمة. وعمران وعفان وعائش وعبادة وعنبسة وعصمة وعصام وعوف وعون وعطاء وعلقمة وعقيل وعرفة وعقيصاء وعدي وعافية وعنبر وعفيف. وترى أن الترتيب ليس ترتيبا مطردا على حروف الهجاء ولولا خوف الإطالة لكتبت فهرسة التراجم كلها.
وقد وجدت في مكتب دار حكومة الهند نسخة قديمة سقيمة فيها تراجم من اسمه عمر وعثمان وعلي وفيها أكثر من مائة ترجمة ولكن نسخة المتحفة البريطانية أكمل.
رقم 7941
هذه نسخة عجيبة أكثرها بالخط المغربي كتبت على ما أظن ببلاد الأندلس وقد أتم أحدهم ما سقط من الورقات بخط مشرقي وفي آخرها ما نصه: (كمل السفر الرابع عشر من تاريخ مدينة السلام وبكماله كمل الكتاب كله والحمد لله على ذلك وكان الفراغ منه أجمع في شهر جمادى الأولى سنة خمس وعشرين وستمائة) وأول ترجمة هي ترجمة الليث بن سعد ثم تليها تراجم أخرى تبتدئ بحرف اللام فالميم فالنون فالواو فالهاء فالياء وبعدها كل من يعرف بالكنية مع عدد يسير من النساء ولا أشك في أن هذا المجلد هو الجلد الثالث عشر والرابع عشر.
بكهنام (إنكلترة): فريتس كرنكو(7/873)
الجري والجريث
1 - ما هو الجري وما هو الجريث
الجري سمك طويل أملس لا فلس له كثير اللزوجة والسهوكة جدا لا يأكله اليهود كما أن أكله محرم عند الشيعة الإمامية.
والجريث نوع من السمك أيضا يشبه الحيات ولا فلس له وأكله محرم أيضا عند الشيعة الإمامية.
2 - ضبط الجري الجريث
الجري وزان ذمي أي بكسر الجيم المعجمة والراء المهملة المشددة؛ هكذا ضبطه اللغويون وقد وهم السيد علي أكبر بن محمد جعفر الطباطبائي اليزدي في كتابه نخبة اللغات حيث قال في مادة ج ر ر: الجري كمكي. والجريث وزان سكيت كضبط الجري إلا أنه مختوم بالثاء المثلثة.
3 - الجري وأسماؤه
الجري: السلور (وزان سنور) والصلور (وزان سنور أيضا) وبالفرنسية وفي تحفة المؤمنين (ص 138) ما تعريبه: أن السلور معرب (سلورس) اليونانية. وقال صاحب تحفة المؤمنين ما ترجمته (ص 67): أن في تنكابن (من مدن إيران) يقال للجري: أسبلي وفي مازندران (من مدن إيران أيضا): كليس.
4 - الجريث وأسماؤه
الجريث: المارماهي، المارماهيج، الحنقليس، الانقليس، الانكليس(7/874)
المرمريج، سمكة الحيات، حية السمك، وبالفرنسية وبالإنكليزية
5 - وهم صاحب القاموس
قال الفيروز آبادي في القاموس في مادة ص ل ر: الصلور كسنور الجري فارسيه المارماهي. اهـ. قلنا أن الصلور (الجريث) سمك غير المارماهي إذ هو الظاهر من كلام
أئمة آل البيت وهم فصحاء العرب فأنهم ذكروا الاثنين في أقوالهم بصورة التغاير: عن الإمام جعفر الصادق الجري والمارماهي والطافي والزمير حرام وفي ما كتبه الإمام علي الرضا إلى المأمون العباسي:
يحرم الجري والسمك الطافي والمارماهي الخ، وعن محمد بن مسلم قال أقرأني أبو جعفر (يعني به الإمام محمد الباقر) شيئا من كتاب علي فإذا فيه أنهاكم عن الجري والزمير والمارماهي الخ، إلى غير ذلك من الأحاديث.
6 - اختلاف العلماء في الجري والجريث
اختلف العلماء في أن الجري والجريث أهما واحدا أم لا وذلك على قولين:
1 - إنهما واحد وإليه ذهب الدميري في حياة الحيوان والطريحي في مجمع البحرين والشهيد الثاني العاملي في شرح اللمعة الدمشقية.
2 - إن الجري غير الجريث وإليه ذهب بعض اللغويين.
والذي نراه نحن هو القول الثاني وبرهاننا أن الجريث هو المارماهي كما عليه أكثر أئمة اللغة فليراجع وقد برهنا في القسم الخامس من هذا المقال على أن الجري غير المارماهي فإذا ثبت أن الجري هو المارماهي وكان المارماهي غير الجريث ثبت أن الجريث غير الجري.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) كنا قد نشرنا في (المشرق) و (دار السلام) و (المباحث) من المجلات المعروفة مقالات أثبتنا فيها أن الجري هو السلور والجريث هو الأنقليس أو المار ما هي المعروف في بغداد بالمرمريج وما يخالف ما أثبتناه بالأدلة القاطعة هو من الآراء الفائلة.(7/875)
فوائد لغوية
أوهام المنجد
1 - في المنجد (الذكر: مصدر. الصيت. الثناء. الشرف.) أقول: لم يذكر جمعه لأنه شاذ والشاذ يجب ذكره فجمع الذكر (المذاكر، الحديدي 1: 16) كالمقابح جمع (قبح) والمحاسن جمع (حسن) فكأنهم حملوا هذه على (مذكرة ومقبحة ومحسنة) أو مقبح ومحسن على ما قال اللغويون والحمل عندهم مألوف.
2 - ومن غريب عمله أنه لا ينبه على نوع عجمة اللفظة في بعض الأحيان فد قال في مادة ت ن ك: التنك صفائح من حديد رقيقة تطلى بالقصدير وصانعه تنكجي اهـ ولم يقل كلتاهما تركية حديثة الوضع.
3 - جعل جمع (كم) بالكسر (أكمة) بكسر الكاف وتشديد الميم مفتوحة أقول: جاء في كامل المبرد في أول الجزء الثالث منه بالمطبعة الأزهرية (فمن قال (كمام) فجمعه (أكمة) مثل صمام واصمة وزمام وأزمة ومن قال (كم) فالجمع (أكمام) قال الله تعالى: والنخل ذات الأكمام) فكان الأصح أن يقال: كم تجمع على كمام وجمع الجمع أكمة أو على أكمام وجمع الجمع أكاميم فرواية المنجد رواية اللغويين غير المحققين.
4 - فيه عن الفعل الثلاثي (ينقل إلى استفعل (1) للطلب. . . (2) لوجدان المفعول على صفة. . . (3) للتحول. . . (4) للتكلف. . . (5) للمطاوعة. . . (6) وقد يكون استفعل بمعنى (فعل) المجرد) أقول: لم يذكر أن استفعل يأتي (للحينونة) مثل (استرم الحائط: حان له أن يرم) ولم لم يستخدم منجده وفيه (استرم البناء: حان له أن يرم ويصلح) وفيه (استحصد الزرع: حان حصاده)؟ واسترفع الخوان. . حان أن يرفع) فلا خير في منجد لم ينجد صاحبه ولا طالبه.
5 - وقال المؤلف (رجا الشيء: أمل به) وهذا خطأ وصوابه (أمله) ففي المنجد (أمله: رجاه) فالدليل على خطاه في كتابه.(7/876)
6 - وقال في ص (م) ما يأتي (كأنهم يعتبرون الإضافي كالمزجي) فمعنى (يعتبرون) هنا (يعدون أو يحسبون) وفي المنجد (اعتبر الشيء: اختبره ونظر فيه. واعتبر منه: تعجب،
واعتبر به: اتعظ، واعتبر الرجل: أعتد به وأكرمه) فلم لم يذكر (اعتبره أي عده وحسبه)؟ أفيستعين قارئ المنجد على المنجد بغيره؟ وهو المسمى منجدا.
7 - وذكر في ص (ب): ينقل المجرد الثلاثي إلى وزن (فعل) لمعان (4) السلب نحو (قشرت العود أي نزعت قشره) فأقول أن الفعل كان للسلب وهو ثلاثي فكيف يقال أنه حول للسلب؟ فقد قيل (قشر العود) من الثلاثي فتحويله إلى (قشر) الرباعي للمبالغة وفي المنجد (قشره قشرا وقشره: كشط جلده أو قشره) فأين تحويله للسلب؟
8 - وقال في ص (و) ما يأتي (بإبدال حرف المضارعة ميما) مع أن في المنجد (بدل وأبدل الشيء منه) ولم يقل (إياه) وهذا نقصان ظاهر فيه فالعصر هذا يستوجب ذكر هذا الاستعمال وهو كثير.
9 - وقال (العلاوة من كل شيء: ما زاد عليه) فأقول لننظر في مادة (زاد) فلعلنا نعرف ما معنى (زاد عليه). ولكن ماذا نجد؟ نجد (زاد. . . نما وزاد الشيء أنماه) فمن أراد أن يفهم معنى (زاد عليه) فليستنجد غير المنجد العاجز.
10 - وجاء فيه (راوح بين العملين: اشتغل بهذا مرة وبهذا أخرى وراوح بين رجليه: قام على كل عنهما مرة) فأقول الصواب (قام على كل منهما مرة) بوضع (منهما) مكان (عنهما) ومن المستغرب أنه لم يذكر راوحه) بمعنى جاءه رواحا مع اشتهارها، جاء في الكامل المبرد 3: 198 (وأقام الخوارج يغادون عتاب بن ورقاء القتال ويراوحونه) أي يأتونه رواحا مقاتلين.
11 - وقال (الران: حذاء كالخف) ولم يذكر جمعه والذي ورد في الكامل (رانات) فقد قال في الجزء الثالث ص 183 منه والحديدي 1: 385 (أتخذ لأصحابه الخفاتين والرانات) ولو كان القراء قد علموا أن هذا قياسي ما أخذناه ولكنه لم يذكر قياسه في القواعد الصرفية في صدر كتابه.
12 - وجاء فيه في الكلام عن حتى (وتدخل المضارع منصوبا بأن المصدرية المقدرة فتفيد الغاية نحو (سرت حتى أدخل المدينة. أي إلى أن أدخلها) فأقول(7/877)
هذا غلط فاحش لأن الفعل الذي يلي (حتى) يجب أن يوافق الفعل الذي قبلها فما معنى (سرت إلى أن أدخل المدينة) وليس فيه إلا السماجة والغلط. فالصواب (سرت حتى دخلت المدينة) وبذلك يبطل
قوله بوجوب دخول (حتى) على المضارع عند قصد الغاية. والصواب أيضا (أسير حتى أدخل المدينة).
ثم قال عنها (أو العلة نحو ترهبت لأتوب) وقد نسي أنه يتكلم عن (حتى) فجاء بلام العلة والتعليل. فالصواب (ترهبت حتى أتوب).
13 - وجاء (الطوق: القوة من الخيط ونحوه والحزمة أو الشعبة من شعر أو ريحان وغيرها) والصواب (من شعر أو ريحان أو غيرهما (لأن الواو لا تستعمل للإباحة ولأن الضمير يعود إلى الشعر والريحان.
14 - وقال (المتمنيات: المرغوبات) قلت لو جاء الفعل (رغب) متعديا في المنجد بنفسه لعذرنا صاحبه فكيف يقول (مرغوبات) ولم يأت بذلك الفعل متعديا؟ فالفصيح (المرغوب فيها) أو (المؤملات) أو (المأمولات).
15 - وجاء تحت عنوان تنبيهات (فإذا كانت مجردة أطلبها في باب. . .) وهذا خطأ ظاهر والصواب (فاطلبها) لأن جملة جواب الشرط طلبية فيجب دخول الفاء على أولها. وقد كرر هذا الخطأ فقال في السطر الثاني (وإن كانت مزيدة أوفيها. . . جردها) والصواب (فجردها) لأن جواب الشرط جملة طلبية أيضا.
16 - وقال في المقدمة (ومن الموفق إلى كل سداد نطلب عفوا) والفصيح (ومن الموفق لكل سداد) ألم ينظر في كتابه (وفقه الله للخير) فالله موفق للخير لا إلى الخير. ولم نعلم سببا لمخالفته ما في كتابه سوى قلة الإطلاع التي لا يسلم منها إلا القليل.
17 - قال في ص ب ينقل المجرد الثلاثي إلى وزن (فعل) لمعان:
1 - التعدية نحو فضلته. . .) فأقول لم لم يفتح عينيه فيقرأ في كتابه في مادة (ف ض ل) ما يأتي (فضله: غلبه في الفضل) ليرى أن (فضل) الثلاثي المجرد متعد بنفسه ولم ينقل إلى (فعل) المضعف العين من أجل التعدية بل من أجل معان أخر.
مصطفى جواد(7/878)
باب المكاتبة والمذاكرة
ملحق بمفعول مجموعا على مفاعيل
ذكرت في هذه المجلة (7: 768 وما يليها) ما حضرني من الألفاظ الواردة على مفعول مجموعة على مفاعيل وأبلغتها إلى 66 حرفا ثم زاد عليها صاحب المجلة 19 حرفا آخر فبلغت 85 كلمة وقد فاتني ذكر لفظين آخرين هما:
ط: مطابيع جمع مطبوع. استعملها الصفدي في ترجمة عبد الله بن أبي مالك القيسي الصقلي قال: أحد رجال اللغة والعربية المطابيع في أجناس القريض (بغية الوعاة للسيوطي)
و: مواصيل جمع موصول. وردت في تحفة الظرفاء في مناقب الملوك والخلفاء قال ثم أبطل السلطان ما كان يعمل أيضا بقلعة الجبل (بمصر) من الزفة والمغاني والمواصيل والخليلية عند غروب الشمس (خزانة الفاتيكان 727 ص 15) والكلمة فارسية الأصل وهي في هذه اللغة ماسور أو ماسوره فقيل فيها ماشور وماشورة، ماصور وماصورة، ماصول وماصولة. وجاءت في ترجمة تيمورلنك الموسومة بكتاب عجائب المقدور في أخبار تيمور لابن عربشاه. وفي كتاب ألف ليلة وليلة وقد ذكر مفردها بصورة موصول في عدة تصانيف من جملتها ألف ليلة وليلة طبعة برسلو 2: 47 و4: 156 و166 وفي أسفار عديدة لجماعة من المؤلفين لا حاجة لنا إلى تعدادها. والعراقيون يريدون اليوم بالماصول أو الماصولة ما يسمى عند الإفرنج باسم فليحفظ.
(لغة العرب) ونحن أيضا فاتنا ذكر بعض ألفاظ كنا قد عثرنا عليها ولم تحضرنا في المرة الأولى. من ذلك:
ب: المبسوط من الأقتاب ضد المفروق وهو الذي يفرق بين الحنوين حتى يكون(7/879)
بينهما قريب من ذراع والجمع مباسيط كما يجمع المفروق على مفاريق (التاج واللسان).
ر: مرجوحة ومراجيح. (اللغويون في رجح).
ف: مفروق ومفاريق. (راجع المبسوط).
ق: بلد مقحوط وبلاد مقاحيط (المصباح في قحط).
ك: مكشوفة. قال في حلبة الكميت ص 218 وقد جمع مكشوفة على مكاشيف:
وريحان يميس على غصون ... يطيب بشمه شرب الكؤوس
كسودان لبسن ثياب خضر ... وقد وقفوا مكاشيف الرؤوس
ل: ملقوط وملاقيط قال في محيط المحيط وعنه دوزي وأقرب الموارد: الملقوط الولد الذي ينبذ والجمع ملاقيط.
و: المواسيم الإبل الموسومة (التاج في وسم).
فصار المجموع 94 كلمة من فصيحة ومولدة وعامية ولا جرم أن المنسي منها أكثر من المذكور.
حبيب الزيات
1 - نقد ورد في أعمال جمع التكسير
استدل (حبيب الزيات) الأستاذ النحرير في لغة العرب (7: 774) على منع أعمال الجمع المكسر بقول مجلة (الضياء) ثم خفف من وطأة استدلاله بأن بعض الجموع المكسرة لا يمتنع انسلاخها من الحدوث وفاقا لقول مجلة الضياء وأني لا أرى رأي هذه المجلة ولا أوافق الأستاذ حبيبا عليه لأن استشهاد المجلة لقولها (هؤلاء قضاة البلد وقد حكموا على فلان قاضين عليه بكذا) لا يوجب امتناع إعمال الجمع المكسر كما أن الجمع السالم لا يطرد عمله إلا عند زوال الإضافة فابتزازنا إياه الحدوث ممكن إذ نقول (هؤلاء قاضو البلد).
أما دليلنا على إعمال الجمع المكسر فقول الإمام علي عليه السلام: (قوم حيارى عن الحق لا يبصرونه موزعين بالجور والظلم لا يعدلون به جفاة عن الكتاب نكب عن الدين) فقد فقال: (حيارى عن الحق) بدلا من (حائرين عنه) جمع حائر وقال: (جفاة عن الكتاب) عوضا عن (جافين عنه) و (نكب(7/880)
عن الدين) مكان (ناكبين عنه) وقول السيد الحميري:
برسم دار ما بها مؤنس ... إلا صلال في الثرى وقع
وقد استجاز (وقعا) بدلا من واقعات) أو (واقعة) وعملهما واحد. وقول أبي الطيب المتنبي:
حتى رجعت وأقلامي قوائل لي: ... المجد للسيف ليس المجد للقلم
وتراه قد وضع (قوائل) عاملا بدلا من (قائلات) وأدخل لام التقوية على المعمول أي ياء
المتكلم. وقول الشاعر:
يفر الفتى مر الليالي سليمة ... وهن به عما قليل عواثر
أي عاثرات، وقول (نصر بن مزاحم) المؤرخ القديم الشهير: (ومن الشعر الذي لا يشك أن قائله علي عليه السلام لكثرة الرواة له) فقد وضع (الرواة) موضع (الراوين) وأعمله، وقول (لبيد بن ربيعة) في جمهرة أشعار العرب ص 139 من طبعة الاتحاد المصري:
زجلا كأن نعاج توضح فوقها ... وظباء وجرة عطفا آرامها
وقد أعمل (عطفا) جمع عاطفة، قال أبو زبد القرشي (عطفا: أي ثانية أجيادها إلى أمهاتها ملتفتة إليها).
وقول (طرفة بن العبد) في ض 171 منه:
وقوفا بها صحبي علي مطيهم ... يقولون لا تهلك أسى وتجلد
وأراد ب (وقوفا) واقفين، والوقوف جمع (واقف)، فسلخ الحدوث إذن معنوي لا لفظي على ما أراد الأستاذ الفاضل.
2 - لفة الجراوية
ورد في لغة العرب (7: 796) على لفة الجراوية التي كتب عنها السيد عبد الرزاق الحسني (نظن أن هذه الحكاية ملفقة كل التلفيق لشرح هذه الكلمة وأن هناك غير هذا التأويل) وأني أعد ظنكم هذا من قولهم (ظن الشيء يظنه بمعنى علمه واستيقنه) لأن هذه اللفة منسوبة إلى رجل اسمه (جرو) بفتح فتشديد مفتوح) توفي في بغداد قبل (34) أو (35) سنة وكان على ما يقال(7/881)
(خميرا شريرا زعرورا) وقد ابتدع هذه اللفة فنسبت إليه بزيادة ألف متابعة للقاعدة العامية غالبا إذ يقال (بصراوي) و (مصلاوي) للمنسوب إلى البصرة والموصل.
3 - ردنا لنقد الطريحي
رد علي (عبد المولى) الأديب في لغة العرب (7: 804 و805) لترجيحي اسمية (إذ ما) على حرفيتها فقد قال في ص 804 علي (وقد اشتبه عليه - إذ - الاسمية باذ ما الحرفية) ثم قال في ص 805 (ولا يمكن أن يرجح أحد القولين على الآخر. . .) وقال في 804
(أما لو ضمت إليها - ما - خرجت (كذا) عن الاسمية إلى الحرفية لأن معناها تغير وهيئتها تبدلت وانقلبت حيث أن (كذا) معناها كان قبل دخول - ما - للماضي وبعدها صار للمستقبل فدل على أن ذلك المعنى الأول قد سلب منها (كذا). . .) فالقارئ يرى التناقض كالح الوجه يسوء الناظرين فطورا يرجح وتارة يمنع أما تعليله المذكور فهو ما جاء في قطر الندى ص 17 من طبعة مصطفى البابي بمصر ففيها (فأما - إذ ما فاختلف فيها سيبويه وغيره فقال: سيبويه أنها حرف بمنزلة - أن - الشرطية فإذا قلت إذما تقم أقم، فمعناه: أن تقم أقم وقال المبرد وابن السراج والفارسي أنها ظرف زمان وأن المعنى في المثال: متى تقم أقم واحتجوا بأنها قبل دخول - ما - كانت اسما والأصل عدم التغيير) وأجيب بأن التغيير قد تحقق قطعا بدليل أنها كانت للماضي فصارت للمستقبل فدل على أنها نزع منها ذلك المعنى البتة) فقال أبن هشام (وفي هذا الجواب نظر لا يحتمله هذا المختصر) وفي هذه الصفحة علق السجاعي (قيل وجهه - أي النظر الذي أشار إليه ابن هشام - أنه: لا يلزم من تغير الكلمة من أحد الزمانين إلى الآخر إلى خروجها عن معناها بالكلية، بدليل أن الفعل الماضي موضوع للزمن الماضي وإذا دخل عليه - إن - صار للمستقبل نحو: إن قام. . . ولا يخرج بذلك عن كونه فعلا ماضيا وأن المضارع موضوع للحال والاستقبال وإذا دخل عليه - لم - صار للزمان الماضي ولا يخرج(7/882)
بذلك عن كونه فعلا مضارعا) اهـ. فتعليل العلماء الذي شد فوق ظهره الطريحي قد اختلى قوائمه ما علقه السجاعي فالدليل مقعد إذن.
ويضحكنا بعد هذا قول الطريحي عنا (وقد نظر الأديب ب (حيث وكيف وأين) نقول أن ما دخلت عليهن ولكن معناهن بقي مثلما كان قبل دخولها عليهن) فنقول للطريحي أن (كيف وأين) أولاهما للاستفهام قبل دخول (ما) والأخرى له ولغيره فأضرب لهما مثلا متصلتين بما مستعملتين للشرط والاستفهام معا حتى تبرهن على أن معناهما راهن لا متغير، وأنى لك ذلك يا أيها الصديق، أما نقلك عنا (ولم تصيرهن حروفا) فلا نرتضيه لأن فيه استعمال جمع الكثرة مكان جمع القلة بلا داع ولا اضطرار فالصواب: (ولم تصيرهن أحرفا) وأعلم أن باب الاجتهاد مفتوح ما دام العقل عقلا والإنسان إنسانا والنقاد نقادا.
مصطفى جواد
تلاميذ جامعة بيروت يمسخون العربية
وقفت في مجلة الكشاف التي تصدر في بيروت على مقالة في فلسفة التصوف كتبها أحد تلاميذ جامعة بيروت الأميركية فإذا الكاتب ينقل كل مباحثه عن الإنكليز وينسبها إليه حتى أنه لم يتمكن من معرفة بعض الأعلام الجنسية ولا ما كان من عناوين الكتب فإنه ذكر في ص 406 من السنة 3 مذهب المعرفة والمشهور عند كتاب العرب (الأدرية) وذكر (صورة منسوخة عن الله) أو (عين يرى بها الله خلقه) وهو يريد وهو العويلم أو العالم الصغير عند سلفنا. وسمى الكتاب المشهور بالمثنوي (المسنفي) (ص 407) نقلا عن الإنكليزية وهو تأليف فارسي مشهور للملا جلال الدين محمد بن محمد البلخي ثم القونوي. فإلى متى نرى أناس يتبجحون بما ليس عندهم ولا يرعوون؟
ب. م. م
(لغة العرب) لا غرو من ذلك فأن من أساتذتهم جبر ضومط ومن شاكله فهم كلهم على هذا الأسلوب من المسخ والفسخ والنسخ.(7/883)
أسئلة وأجوبة
مصطلحات الأمير شكيب أرسلان
(تتمة)
وفي ص 155 ونقلها إلى العربية بقوله رهبان الفداء والصواب: رهبان الرحمة. وفي ص 161 وترجمها بالعريف. مع أن العريف هو السيد والقيم والنقيب الذي هو دون الرئيس. أما الكلمة الفرنسية فتفيد الذي هو في أدنى درجات الشرف في عهد الأفدان ولم تعرف هذه الدرجة عند السلف. وأحسن لفظة تقابلها عندنا العراعر. وذلك لأن العراعر على وزن فعاعل وأغلب هذا الوزن منحوت من مكرر الجزء الأول من الكلمة. فالعراعر هو الشريف والسيد، لكن هذه السيادة قريبة من العراء أي الفضاء والجناب والساحة فكأن شرفه أدنى الشرف حتى كأنه يداني الأرض. وهو مع ذلك منحوت من مكرر العروة الذي معناه الأسد وهو سيد الحيوانات وأشرفها. وفي ص 170 نقل قولهم إلى كيس وبزيع ولو قال أديب وزول أو أديب وظريف لكان كلامه أقرب إلى المألوف مما ينطق به. وفي ص 181 نقل قولهم إلى صنعة الاستبسال. ونحن نرى في هذه الترجمة ركاكة أو تقصيرا في تأدية معنى اللفظ الإفرنجي، وعندنا لو قال صنعة الاستقتال أو الاستماتة لأدى المعنى أحسن تأدية. ونقل قولهم ص 190 إلى لغتنا بقوله صنبور. ونحن نرى في ذلك بعدا وتكلفا. فالصنبور في لغتنا القصبة التي تكون في الاداوة يشرب منها وقد تكون من حديد ورصاص وصنبور الحوض مثعيه. إلى معان أخرى لا توافق الكلمة الإفرنجية ولو من بعيد. والكلمة الفرنسية تعني أنبوبا أكثر ما يكون من طين مشوي وفي طرفه الواحد توضع نار وطرفه الآخر يوضع في الفم ليدخن به وهذا ما عرفه المولدون(7/884)
من السلف باسم غليون أو قليون وهو الحجر في اصطلاح المصريين وقد ذكر اللفظين بهذا المعنى صاحب محيط المحيط في (ح ج ر) وفي (غ ل ي) وأهل المغرب يسمونه بالسبسي وزان هندي. والعراقيون يسمونه السبيل وفي بعض المدن السورية يسمونه الشبك (كعنق) وهو من التركية جبوق. فلا نرى بعد هذا حاجة إلى وضع كلمة جديدة. والعرب ما كانوا يعرفون الدخان (التتن) ولا أدواته. وسمى الفرس التي تسير الرهو أي بالضابرة ص 196
والمرهاة أو المرهى هي المعروفة عند العرب وأما الضابرة فمشتقة من ضبر الفرس إذا عدا وفي المحكم: جمع قوائمه ووثب وكذلك المقيد في عدوه (اللسان) فالمرهى أو المرهاة أوفى بالمعنى. وفي ص 196 العنفص وأنا لا أرى حاجة إلى استعمال الحوشي من اللفظ حينما يمكن الاستغناء عنه والمشهور في هذا المعنى المتغطرسة أو المتعجرفة. وفي ص 202 عرب بقوله لثلث وأحسن منها لهذا المعنى تعتع يقال في الكلام والقراءة. أما لثلث فليس كذلك. يقال: لثلث كلامه: لم يبينه (اللسان). وقال في معنى موت زؤام ص 204 وأحسن منه: موت شنيع وهو ما يعرفه الكل وأما الموت الزؤام فهو الموت الكريه أو المجهز أي السريع وبين هذه المعاني الثلاثة فرق ظاهر عند اللغويين. وقال في معنى دغل (ص 204) والمشهور: دس أما الدغل فمعناه الدخول دخول المريب وليس هو المطلوب هنا وعرب بقوله جندي قائد عشرة (ص 247) وهو تعريب طويل عريض ممل والمشهور العريف في هذا المعنى. وعرب بقوله نحلان صغير ص 259 وبخشيش معربة مشهورة. وفي لغتنا الفصحى: الجعل (كقفل) والجعالة (مثل سحابة) وعندنا أيضا الحلوان والوصل والصلة (راجع التاج في المستدرك عن الحرفين الأخيرين وكذلك لسان العرب) وفي ص 264 الشمقمق بازاء والإفرنج يريدون بكلمتهم الطويل مع قبح وهذا اسمه في لغتنا الطرعب كما ذكره ابن سيده في مخصصه (2: 69). وقال عن حشيشة دم المسيح في ص 279 شجر تضفر من زهره الأكاليل التي توضع على نعش الموتى، ثم. . . والحال أن هذه النبتة هي حشيشة لا (شجر)(7/885)
ولا شجرة. وقال عن ص 279 هو البروق وفسر البروق بقوله: شجر يقال أنه إذا غامت السماء اخضر. قلنا: الكلمة الفرنسية تعني بالعربية البرواق (بألف بعد الواو) لا البروق. ويقال لها الخنثى، وهي ليست من الشجر في شيء إنما هي نبتة من فصيلة السوسن. أما البروق (وزان رونق) فهي بالفرنسية وبلسان علماء النبات أي لحية المشتري. وهي نبتة ضعيفة ريا لها خطرة دقاق في رؤوسها قماعيل صغار مثل الحمص فيها حب أسود ولا يرعاها شيء ولا توكل وحدها لأنها تورث التهبج وهي بقلة سوء تنبت في أول البقل (اللسان) وقال في ص 289: ولكنه اصطلاح عدملي لطيف وجعل بازاء عدملي الكلمة الفرنسية قلنا: الكلمة الفرنسية يقابلها في العربية: اصطلاح مهجور أو ممات. نعم أن الكلمة تعني ما أشار إليه من جهة الوضع.
أما من جهة الاصطلاح فلا تفيد إلا ما قلناه. وما على الكاتب إلا أن يراجع أول معجم تصل إليه يده ليتحقق ما نقوله. وفي ص 293 جعل بازاء الإفرنجية العربية ملاء (بكسر الأول) وقال عن معناها (جمع مليء وهو الغني المتمول) فإذا كان هذا معناها فالإفرنجية لا تعني هذا. فلفظة (بورجوا) تدل على أناس هم بين الأشراف والشعب، فقد يكونون أغنياء وملاء وقد لا يكونون، كما أن الشريف أو النبيل قد يكون غنيا كما قد يكون فقيرا وهكذا قل عن أبناء الشعب. والذي نراه أن معنى (بورجوا) اللهازم. قال في التاج اللهازم أوساط القوم. والواحد لهزمة كما أن السوقة قد تدل على المفرد كما قد تدل على الجمع وهكذا قل عن الرعية. وفي ص 295: السيدة قيمة المنزل وفي هذا المعنى استعمل العرب القهرمانة والكذبانونة وكلاهما فارسي. وكان البغداديون يستعملون قبل نحو 30 سنة القهرمانة. وهي معروفة بهذا المعنى إلى عهدنا هذا في بعض البيوت.
أما الأوضاع التي ينظر فيها، فالآتية: الماج وهو بالفرنسية وهي وإن كانت صحيحة وفصيحة فأننا نفضل عليها المرول (كمبرد) وهي بمعناها إلا أنها أسلس لفظا، ولأن الرؤال معروف بمعنى اللعاب عند العراقيين وغيرهم(7/886)
قال في اللسان: المرول: الرجل الكثير الرؤال وهو اللعاب (في رأل) وفي ص 113 استعمل الناموس بمعنى صاحب السر فإن كان يريد بهذا المعنى ما يسمى عند الإفرنج بالسكرتير فليس صحيحا، لأن معنى صاحب السر هو وأما السكرتير فهو الكتوم وفي ص 119 ذكر السبروتة بمعنى الخادم وحسنا فعل، وهذا ما كنا قد بلغنا إليه في تحقيقنا فقد كتبنا في معجمنا: امرأة سبروتة وسبريتة: فقيرة محتاجة مسكينة ويقابلها وهي عندهم التابعة في تمثيل الأضاحيك (جمع أضحوكة وهي رواية تمثيل يكثر فيها الضحك أي كوميدية). والكلمة من أصل أندلسي أي (عند الغروب)، لأن تلك المسكينة الفقيرة كانت تستحي أن تكدي في النهار لئلا تعرف فتستجدي عند الغروب. وقد يدفعها العوز إلى أن تكون وسيطة للعاشقين فتنقل كتب بعضهم إلى بعض طلبا للمعيشة. وذكر المطوحة ص 136 والكلمة التي دوناها بهذا المعنى هي الطائحة وتجمع على طوائح وهي أفصح من تلك. قال في اللسان في طوح: المطاوح: المقاذف. وطوحته الطوائح: قذفته القواذف (ولا يقال المطوحات) وهو من النوادر. اهـ. وقال في ص 162 أطروحة ثم زاد على ذلك قوله: (أطروحة وضعها الشيخ عبد القادر
المغربي) والصحيح نحن الذين سبقنا الغير إلى وضعها وحضرة صديقنا المغربي أخذها عنا وذكر مجلس الشيوخ أو مجلس الأعيان باسمه الإفرنجي أي السناة لكنه كتبها بالتاء المبسوطة أي سنات ونحن لا نوافقه على هذه الكتابة إذ ليس في العربية اسم مفرد على هذا الوزن وتاؤه زائدة يكتب بالتاء المبسوطة فالسلف كتبوا الحياة والزكاة والصلاة وكلها بالهاء، اللهم إلا إذا كانت اللفظة مجموعة أو كانت التاء أصلية فذلك أمر آخر مثل بنات جمع بنت ونحو ممات مصدر ميمي من مات. وسناة كلمة أعجمية تكتب كتابة الألفاظ العربية وكنا قد ذكرنا في مجلة المجمع العلمي العربي البليت وزان سكيت (راجع 3: 175) ومثلها الشير (كجيد) والمشاور (كمقاول) بمعنى الشيخ من شيوخ ذلك المجلس وسمينا المجلس نفسه مبلتا (راجع 5: 474). وفي 165 سمى دار(7/887)
الآداب. والدار توافق يقولون أي دار تهذيب اسم حديث الوضع ولهذا خيرنا عليه المتقن (كمصحف) وهو اسم مكان من أتقن الشيء لأن في مثل تلك المواطن تتقن العلوم التي وضعت لأجلها أو أسست لها. وسمى (ص 177) ديوان العلماء ونحن سميناه المعهد بدون أن يذكر معه شيء. وفي ص 197 سمى خلعا والخلع في العربية القديد المشوي. وقيل: القديد يشوى واللحم يطبخ ويجعل في وعاء بإهالته وقيل يؤخذ من العظام ويطبخ ويبزر ثم يجعل في القرف وهو وعاء من جلد، يتزود به في الأسفار (اللسان) وهو يقارب ما يسميه الإفرنج وأما وهو عندهم أمعاء خنزير تحشى لحم خنزير فأقرب لفظ عربي إليه هو العصيب. قال في اللسان: العصيب من أمعاء الشاء ما لوي منها. . . والعصيب: الرئة تعصب بالأمعاء فتشوى. . . والجمع أعصبة وعصب (ككتب) فهنا ذكر الأمعاء وهناك القرف وهو وعاء من جلد. وذكر الرداح في ص 185 بمعنى ومثلها البضاض. قلنا: الرداح لا تصلح للفظ الإفرنجي بخلاف الثانية. وقال: في ص 222 الوثيرة وعندنا أن الكلمة الإفرنجية عربية الأصل وهي الحلس والحلس (أي كعلم وسبب). قال في اللسان: الحلس والحلس مثل شبه وشبه، ومثل ومثل، كل شيء ولي ظهر البعير والدابة تحت الرجل والقتب والسرج وهي بمنزلة المرشحة تكون تحت اللبد. وقيل: هو كساء رقيق يكون تحت البرذعة والجمع أحلاس وحلوس اهـ وقد ذهب لترى اللغوي الفرنسي مذهب دياز إلى أنها من اللاتينية المولدة أو مع أنهما اتفقا على أن لا وجود لهاتين اللفظتين في اللغة المذكورة. واللفظة
الإفرنجية تؤدى مؤدى اللفظة العربية في أحد معنييها والكلمة الإفرنجية تعني أيضا ما يغطى به الأثاث النفيس دفعا للوسخ عنه وبهذا المعنى قال السلف الميثرة (وزان مكنسة) قال المجد: الميثرة: الثوب الذي تجلل به الثياب فيعلوها. وأما الوثيرة التي ذكرها حضرة الكاتب الجليل فلا تفيد معنى من معنييها. ومن الغريب أن الإفرنج نقلوا لفظتنا العربية بصورتين مختلفتين إحداهما والثانية وقالوا في تعريف هذه: ثوب بين الطول(7/888)
(بتشديد بين) يتخذ لوقاية فراش المريض من الدم والمدة والبول وسائر الأوساخ وقالوا في أصلها أنها مشتقة من أي للراحة. فنحتت من هذه الألفاظ الثلاثة أي من حرف الجر وأداة التعريف والاسم المؤنث، لأنه بهذا الثوب يكون المريض مستريحا. وكل ذلك من الغرابة في مكان قريب. ووضع بازاء الإفرنجية كلمة عسبر (ص 264) ولا نرى سببا لهذه الغرابة، فلو قال نمرا أما كان أحسن؟. والمعتمل (ص 274) هو بازاء من جهة الاشتقاق، لكننا نفضل عليها المختبر لأنها اشتهرت وإن كانت مادة الاشتقاق تختلف في اللغتين، إلا أن المعنى يؤيد الاستعمال لأنه محل تختبر فيه أمور شتى. وفي ص 277 ذكر القنابر (جمع قنبرة) لما يسميه الإفرنج أي القنابل وهي لغة في الأولى، لكن المحدثين أو المعاصرين خصصوا ما كان آخره بالطويئر وما كان آخره لاما بالكرة التي تحشى بها المدافع وتلقى على العدو، وهو عمل حسن ونحن نوافقهم عليه ولا نستحسن عمل الأمير وإن كانت اللفظة المنتهية بالراء هي الفصحى. وذكر في صفحة 278 الغرفة المحردة بمعنى ولو قال المسنمة لكانت أشهر وألطف على السمع. وقال في ص 259: (الطن بالعربي حزمة القصب، والعلاوة بين العدلين، وعند الأوربيين الطن مقدار ألف كيلو غرام) اهـ. والذي نراه أن لا صلة نسب بين الإفرنجية والعربية إذ معنياهما مختلفان. والذي ذكرناه في معجمنا الخطي العربي الفرنسي الفرنسية (وهي تكاد تكون واحدة في جميع لغات أوربة من جهة السمع) من أصل عربي أو سامي هو للدن أي الحب يوضع فيه الشراب. يدل على هذا الأصل الشرقي استعمال الإفرنج كلمتهم في أول أمرهم لدن الخمر، وقد أورد لترى نصا يرتقي إلى المائة الثالثة عشرة تأييدا لهذا الرأي وصاحبه بومانوار وكان موسوع هذا الدن ألف كيلو غرام في الغالب ثم جعل لهذا القدر لا أقل ولا أزيد. وقد قال لترى في أصل هذه الكلمة أن دياز اللغوي الألماني يظن أن اللفظة من أصل غريب
وهي موجودة في اللفظة القلطية أيضا، ثم زاد لترى على ما تقدم: يحتمل كون جميع هذه اللغات (في اللفظة الواحدة) ليست إلا تصحيف اللاتينية وهي(7/889)
المركن أو الطشت. قلنا: وأنت ترى في كل هذه الأقوال المتضاربة أن الأصل هو الدن وهو أقرب إلى الحقيقة ومع وضوح هذا نرى أن تبقى كلمة (الطن) للألف كيلو غراما وأن تبقى لفظة (الدن) للحب أو الخابية الكبيرة، تمييزا لكلمة عن كلمة ومعنى عن معنى.
هذا ما بدا لنا ولعل وهمنا أكثر من صوابنا، وعلمه فوق كل ذي علم.
أصل كلمة استانبول
س - بغداد - أحد الباحثين: ما أصل كلمة استانبول، وما علاقتها ب (اسلامبول)؟
ج - قبل أن نجيب على السؤال علينا أن نعلم أن اليونانيين المولدين أي الروم البوزنطيين كانوا يكتفون بتسمية دار ملكهم بالمدينة وباليونانية بولس في حالة الرفع، وبولن في حالة النصب، وكذلك كان يفعل الرومان في تسمية رومة بقولهم المدينة أي اربس وكان العرب يسمون يثرب (المدينة) وهكذا يفعل أصحاب اللغات الأخرى في أسماء مدنهم الرئيسية فإذا علمت هذا عرفت أن استانبول منحوتة من قولهم أي (إلى المدينة) لأن الترك كانوا يسمعون الروم يقولون: إننا ذاهبون (إلى المدينة) فظن الترك أن اسم القسطنطينية عند الروم (استنبولن أو استن بولن) ثم حذفوا علامة النصب وهي النون فصارت استنبول أو استانبول. ولنا شاهد على ذلك الكلام المسعودي في كتابه التنبيه والإشراف ص 135 وما يليها إذ يقول (. . . غير أن الروم يسمونها (أي يسمون القسطنطينية) إلى وقتنا هذا المؤرخ به كتابنا: (بولن) ولا يدعونها القسطنطينية.) اهـ كلام المسعودي.
ولما علم الترك بعد حين أن (بول) (أي بولس) تعني المدينة سموها: (اسلامبول) أي مدينة الإسلام، لأنها أصبحت دار سلطان المسلمين الكبرى. ومنها يصدر الحكم إلى سائر المدن الإسلامية. وفي استانبول عدة لغات ذكر منها صاحب تاج العروس في مادة (ق س ط) اسطنبول وإسلام بول واصطنبول أما سائر الإخباريين فأنهم ذكروا أيضا استنبول واسطانبول واصطانبول وهناك من صحفها بصور شنيعة فلا حاجة إلى ذكرها فاجتزأنا بما اشتهر منها.(7/890)
باب المشارفة والانتقاد
125 - جمهورية أفلاطون
هدية المقتطف السنوية عن سنة 1929، نقلها إلى العربية عن الترجمات الإنكليزية في 288 ص حنا خباز.
جمهورية أفلاطون سفر سياسي البحث. وضعه أفلاطون الحكيم في نحو سنة 392 ق م. وهو يحوي اثني عشر بابا أو كتابا بصور محاورات والشخص المهم فيه سقراط. والغاية من وضعه إصلاح المملكة والفرد معا. ذلك الفرد الذي تتقوم منه المدينة، وذلك على مبدأ واحد هو مبدأ العدل. وهو يتخيل مدينة وحيدة يحيط بها أرض متسعة بعض الاتساع والمدينة كالفرد يجب أن تتغذى وتدافع عن نفسها وتحكم على نفسها بنفسها إذن يجب على العقل والشجاعة ولا سيما السليقة السفلى نفسها أن تتضافر على الخير العام وأفلاطون يقول بالرق ويقسم أبناء الوطن ثلاثة أقسام تقابل أقسام النفس الثلاثة: طبقة العملة والصناع والزراع والتجار. وطبقة الجند والحراس الموكلين بالمحافظة على المدينة. وطبقة الحكام الموكلين بإدارتها، والرجال والنساء سواء في تلقي التهذيب. فهم ملزمون القيام بواجباتهم على حد سواء ويمكنهم أن يصلوا إلى مناصب واحدة. وإذ كان من الواجب إفناء الأثرة (الأنانية) في الناس وكذلك روح الأسرة، ذهب أفلاطون إلى إقامة المشاركة في النساء والأولاد والأموال. فيظهر من هذه الفذلكة أو هذا الإجمال في القول أن (جمهورية أفلاطون) سفر جمع بين الزين والشين وبين الدر والبعر. لأنك ترى فيه أسمى النظريات الغريبة وأسخف الآراء المنحطة. وقد ضحك من هذا التصنيف الفيلسوف اليوناني أرسطفانس(7/891)
الشهير في كتابه (مجلس النساء) وعد كثيرا من أقواله هراء لا آراء صائبة.
وإذا كان هناك من أعجب برأي أفلاطون، فإنما أعجب بما فيه وفي سائر تآليفه من الآراء الحسنة. وأما سائر ما نطق به فليس من الطبقة المذكورة.
هذه من جهة السفر في حد نفسه وأما من جهة نقله إلى لغتنا فالظاهر أن ذلك وقع أول مرة لأننا لم نقع على من عربه ولا من ذكر نتفا منه في تأليفه ولهذا خدم المقتطف أبناء لغتنا خدمة جليلة بإهدائه لهم هذه التحفة.
أما من جهة صحة العبارة، فكنا نتوقع أن تكون أحسن مما هي عليه وأول ما فتحنا هذه الترجمة وقع نظرنا على ص 3 فقرأنا فيها ما نقله:
(قال سقراط: انحدرت البارحة إلى بيرايوس صحبة غلوكون، بن أريسطون لتقديم العبادة للآلاهة مع الرغبة في مشاهدة حفلات العيد، وكيفية إقامتها وقد اعتزموا على ممارستها للمرة الأولى فسرني موكب مواطني الأثينيين، على أن مواكب الثراكيين لم يكن دونه بهاء. وبعد الانتهاء من مراسم العبادة. . . قفلنا راجعين إلى أثينا. فرآنا بوليمارخس. . . فأرسل غلامه يستوقفنا ريثما يصل هو. فأمسك الغلام بأطراف ردائي من وراء قائلا: سيدي بوليمارخس يرجوكما انتظاره قليلا. فالتفت وسألته: أين هو؟ قال: هاهو قادم. . .
فنلاحظ أن المترجم نقل إلى البارحة وهذا من كلام العوام وكان الأصح أن يقول أمس. أما البارحة فهي وقوله: صحبة غلوكون. من كلام المولدين وقد أشار إليه الحريري في ص 224 من طبعة دساسي 849 والأحسن أن يقال غلوقن.
وقال غلوكون وقد خالف المترجم مصطلح العرب في موطنين من هذه الكلمة الأول أنهم قالوا غلوقن بالقاف أو اغلوقن بالألف في الأول والثاني أنه جعل حرفين ممدودين في العلم الواحد واليونانيون والرومانيون لا يعرفون ذلك إذ يخالف مزايا لغاتهم. والعرب المترجمون قد أدركوا هذه الحقيقة فلم يجمعوا في كلمة واحدة مدين معا. ولهذا قالوا غلوقن بحذف الواو الثانية قبل النون لأن ذلك يفسد اللفظة. راجع كتاب الحكماء لابن القفطي فأنه قال اغلوقن أو غلوقن (ص 9 و125 من(7/892)
طبعة الإفرنج). وهكذا يجب أن تحذف الياء من أريسطون فيقال: أرسطون كما قالوا أرسطو أو أرسطوطاليس. وليس بين المعربين المحدثين من يعرف هذه القاعدة أي اجتناب مدين في الكلمة الواحدة. إذ لا يكون المد الحقيقي إلا واحدا في الغربية وفي اللغات الغربية وهو من خصائص الوقوف على قواعد النبرة وأحكام النطق بها.
وقال: لتقديم العبادة للآلاهة. وهو نقل ضعيف يشف من ورائه اللفظ الغربي والتركيب الأعجمي والأحسن أن يقال: لإكرام الآلاهة أو لتأدية العبادة للآلاهة - وقال: (وقد اعتزموا على ممارستها للمرة الأولى) قلنا: إذا كان الأمر للمرة الأولى لم يكن محل للقول: (ممارستها). بل للقيام بها أول مرة. وقال: الثراكيين والسلف قالوا: الثراقيين (صفة جزيرة
العرب للهمداني ص 43 س 9) بالتاء المثناة، والقاف. وقال المراسم. ونحن لم نجد من جمع المرسوم على مراسيم بل على مراسيم اللهم إلا في محيط المحيط ثم أن المراسم أو المراسيم لم تأت بمعنى الرسوم التي هي المطلوبة هنا دون غيرها. - وقال: بوليمارخس والأصوب بليمرخس ليكون مد واحد في الكلمة. وقال: يرجوكما والرجاء هنا التوقع فيكون الصواب يرجو منكما وقال: هاهو قادم، والمعروف عند الفصحاء: هاهو ذا قادم على ما صرح به النحاة واللغويون.
وقال في الحاشية عن غلوقن واذيمنتس (ويجب أن تعجم الذال ولا تهمل كما فعل المعرب): غلوكون وادمينتس أخوا أفلاطون أولاهما (كذا) خالد الشهرة. ولم نفهم سر تأنيث أولاهما: ونظن أنه أراد أولهما. وقال في الحاشية شرحا لقول أفلاطون. لتقديم العبادة للآلاهة للمرة الأولى. أنها (بنديس آلهة التراكيين والأرجح أنها أرطاميس) قلنا: وهكذا عربت توراة البروتستان واليسوعيين كلمة أرطميس والصواب حذف الألف التي قبل الميم وأصوب منها حرثميس وهي المعبودة (الحارثة المميتة) التي كانت معروفة عند الآشوريين والكلمة اليونانية منحوتة من الكلمتين الساميتين المذكورتين ومن(7/893)
الآشوريين أخذ عبادتها أهل آسية الصغرى فاليونانيون وهذه المعبودة تعرف عند الرومان باسم (ديانة) وصحة لفظ ديانة بتشديد الياء وزان جبانة ومعناها القاضية (في لغتنا) أو الحاكمة من فعل دان يدين وديانة المعبودة تعرف بهذه الصفة.
على أن جميع هذه الملحوظات لا تحرم القارئ بعض فائدة هذا السفر لأن المقصود من الكتاب تأدية المعنى الذي أراده المؤلف والحال أن المعنى ظاهر من تلاحم الجمل. إلا أننا كنا نود أن تكون العبارة ناصعة الديباجة خالية من الركاكة وأن تكون من مألوف أساليب العرب ومناحيهم لأن الترجمة موضوعة لهم دون غيرهم. فنتوقع أن تصلح هذه الهنوات في الطبعة الثانية التي تكون في القريب العاجل لأننا نظن أن الأدباء يتطلبونه من جميع الديار الناطقة بالضاد لما في بعض فصوله من الفوائد الجزيلة التي لا ترى في سفر سواه.
126 - التعقيم لتحسين البشر (بالإنكليزية)
تأليف أ. س. غصني وبولس بوبنوى
ساعد المجلس الأعلى في البلاد المتحدة قبل بضع سنوات شرعية التعقيم في غاية التهجين
(تحسين النسل) منعا للمعايب المنتقلة بالوراثة، ثم جاء رأي الجمهور فاستحسن شيئا بعد شيء هذا الأمر حتى عد منفعة للناس لا عقوبة ولا مضرة وقد بلغ عدد المعقمين ستة آلاف وذلك في ديار كليفرنية فقط منذ ك 2 (يناير) سنة 1929 ومؤلفا هذا الكتاب البالغة ص 202 بقطع 16 يذكران مزية هذا التعقيم وخصائصه ونتائجه بقدر ما تمكنا من هذه الأمور.
والقسم الأول من هذا الكتاب مرصد لاستصواب هذا التعقيم بوجه مختصر والقسم الثاني منه موقوف على بعض اعتبارات ولدها التعقيم ويضح المؤلفان بنوع خاص أن التعقيم لا يتلف عضو الجسم أو غدته بل يظهران أن لا أثر له في رغبة الشق (الجنس من جهة الذكورة والأنوثة) ولا في بنيته ولا في حسه. وعليه أصبح هذا التأليف من أهم ما يشغل أفكار العلماء في هذا العصر والوقوف على فحواه يفيد أهل الحل والعقد وكل من أودع تهذيب الناس بوجه العموم.(7/894)
127 - ده ستوور ى زمانى كردى
جيزمى به كه م (في 114 ص بقطع الثمن الصغير) ته وفيق وه هبى، به غدا - دار الطباعة سنة 1929
هذا كتاب باللغة الكردية ومعنى العنوان (كتاب أصول اللغة الكردية - الجزء الأول - تصنيف العقيد توفيق وهبي بك) آمر المدرسة العسكرية الملكية وقد وضع المؤلف اصطلاحا جديدا في الحروف العربية لتصوير الأصوات الكردية من غير أن يلتجئ القارئ إلى الحركات العربية. وقد بين سر هذا الاصطلاح في الصفحة الثانية من دستوره وذكر كيفية التلفظ بتلك الحروف أو المصطلحات وأشار إلى كل هذا بالكتابة العربية ولم يضع بازائها حروفا إفرنجية لمن يريد أن يعرف حقيقة التلفظ بالمصطلح الجديد فجاء كتابه هذا مبتور الفائدة ويصعب على الباحث الاهتداء إلى اللفظ الذي صوره حضرته ما لم يتلقه من أستاذ عارف إياه كل المعرفة.
فعسى أن يضع في الجزء الثاني كيفية التلفظ بالحروف التي اصطلح عليها بحروف إفرنجية لتعمم فائدة الكتاب ولا تنحصر فقط في الطلبة الذين يتعلمون اللغة الكردية. والكتاب يباع في مطبعة جريدة (العالم العربي) بربية وأربع آنات.
الأغاني
الجزء الثاني
(تتمة)
32 - وجاء قول الحطيئة في ص 198 هكذا (وإن كانت النعمى عليهم جزوا بها) وفي الكامل ج 2 ص 145 (وإن كانت النعماء فيهم جزوا بها) ولم ينبهوا على ذلك وكذلك في ص 178 من الأغاني هذا ولم يشيروا إلى الاختلاف.
33 - وأوردوا في ص 212 (ونقل المبرد عن عمارة بن بلال بن جرير) وكذلك ورد الاسم في الفهرست ص 468 مع أنه (عمارة بن عقيل) لا ابن بلال لأن بلالا جده.
34 - وعلقوا في ص 217 (أن علي بن أبي طالب كرم الله وجهه وقف عين أبي نيروز والبغيبغة) وذكروا في الفهرست ص 495 (عين أبي نيروز) أما الذي(7/895)
كنا قد حفظناه فأن العين (عين أبي نيزر) على وزن (فيصل وصيقل) لأننا قرأناه في الكامل ج 3 ص 121 وللتثبت في الحكم راجعنا معجم البلدان ج 3 ص 757 طبع أوربة وهذا بعض ما ألفينا فيه (عين أبي نيزر: كنية رجل يأتي ذكره، ونيزر بفتح النون وياء مثناة من تحت وزاي مفتوحة وراء، هو فيعل) اهـ.
35 - وقالوا في ص 219 (الحفر بالضم وحرك هنا للضرورة) وذلك وهم منهم أشرنا إليه في مضمون الرقم 14 (7: 656).
36 - وجاء في ص 230 (فجال في ظهر ناقته) فعلقوا به (كذا في ا. م. س. بالجيم المعجمة: ولعل معناه أنه جاء وذهب على ظهر ناقته ليطمئن عليها ويستقر، وفي سائر النسخ - فحال بالحاء المهملة ولم يظهر له معنى) قلنا: ليس كونه (جال) بمقبول لأنه لم يركب ناقته قبل هذا الجولان ولأن السياقة تستوجب الركوب بمقتضى الحال فأصل العبارة (فحال في ظهر ناقته وركبت ناقتي) أما أن (حال) لم يظهر له معنى فهو تفريط في التثبت لأن في القاموس (وأحال: أسلم. . . وفي ظهر دابته وثب واستولى كحال) اهـ. فالصواب ما ورد في القاموس وفي سائر النسخ وقال ابن أبي الحديد في شرحه (1: ص 26) ما نصه (ومن رواها. أحال، فهو من قولك: حال في متن فرسه أي وثب).
37 - وقالوا في ص 240 (ولم نوفق إلى مصدر آخر) وفي ص 317 (ولم نوفق إلى
تقريبه من صوابه) وفي ص 321 (لم نوفق إلى تعيين ضبط هذا الاسم) والصواب أن يقال (لم نوفق له) أي أن تستبدل اللام ب (إلى) ومن ذلك قوله في الكامل للمبرد (ج 1 ص 3) والتوفيق لما فيه صلاح أمورنا) وفي ص 188 منه (ويقال: أوزعك الله شكره أي وفقك لذلك) وتمنيت لو نظروا إلى قول الحكيم بن عبدل في ص 417 من هذا الجزء من الأغاني:
فأعفيتني لما رأيت زمانتي ... ووفقت مني للقضاء المسدد
ومن أقوال المولدين قول ابن أبي الحديد في شرحه (3: 222) لتفسير قول للإمام علي (وتبتهلوا إليه أن يعينكم عليها ويوفقكم لها) فتصويبنا مجمع عليه(7/896)
راجع لغة العرب (5: 297)
38 - وجاء في ص 244 (فما لبث أن انطلق وذهب ما كان به) فعلقوا به (أي مشى بطنه، ولم نجد في كتب اللغة إلا استطلق بطنه وأطلقه الدواء) قلنا: ليس في الحديث ما يدل على أن المنطلق هو بطنه والتحقيق أن (انطلق) و (ذهب) قد تنازعا الفاعل (ما) الموصولة فحصل التنازع، وأضيف إلى ذلك أن ما في بطنه قد خرج لدلالة قول المؤلف قبل هذا (فأتاه بشراب. . . ثم سقاه إياه فقيأه) على ذلك فالتقيأة إذن سابقة لانطلاق المرض.
39 - وفسروا في ص 263 قول ابن ميادة (أعر نزمي مياد للقوافي) بقولهم (أعر نزمي: اشتدي يقال: أعر نزم الشيء إذا اشتد وصلب وهو تفسير معر نزم ألا ترى الأخفش على قدمه وبسط علمه قال في الكامل ج 1 ص 34 (أصل الأعر نزام: التجمع والتقبض، يقول: استعدي وتهيئي) أفترى معاصريه أكثر احتياجا من معاصرينا إلى هذا الإيضاح؟
40 - وقالوا في 265 (ولم نجد في كتب اللغة التي بين أيدينا (أقعس) متعديا) قلنا: إن كثيرا من اللغويين لا يذكرون المتعدي للثلاثي اللازم لكونه قياسيا. وقد قال: (محمد بن أبي بكر الرازي) في مقدمة مختار الصحاح (وكذا أيضا لم نذكر الفعل المتعدي بالهمزة أو بالتضعيف بعد ذكر لازمه لأن لازمه متى عرف فقد عرف تعديه بالهمزة والتضعيف من قاعدة العربية، ثم أشار إلى ما في مادة الباء من مختار الصحاح ونصه (وكل فعل لا يتعدى فلك أن تعديه بالباء والهمزة والتشديد) اهـ. أوردت ذلك فضلا عن أن (قعس) ورد متعديا بحرف الجر (عن) كما في قول علي عليه السلام لمعاوية بن أبي سفيان (فاقعس عن هذا
الأمر وخذ أهبة الحساب).
41 - وقالوا في ص 267 (راجع الحاشية رقم 1 صحيفة 153 جزء أول) فاستعملوا الصحيفة بمعنى الصفحة ونكروا الجزء الأول وهو معرفة والأولى تعريفه.
42 - وجاء في ص 271 لابن ميادة:(7/897)
فبهر القومي إذ يبيعون مهجتي ... بغانية بهرا لهم بعدها بهرا
غير أن المبرد قال في كامله (كما قال ابن مفرغ):
تفاقد قومي إذ يبيعون مهجتي ... بجارية بهرا لهم بعدها بهرا
وفي أمالي السيد المرتضى 2: 21:
لحا الله قومي إذ يبيعون مهجتي ... بجارية بهرا لهم بعدها بهرا
وابن مفرغ هو (يزيد الحميري) فاختلفت الروايتان.
43 - كثيرا ما فسروا كلمة بعينها في مواضع متقاربة من دون داع ولا فائدة ولم ننكر إلا اختلاف التفسير ففي ص 278 قالوا (العس: القدح الضخم يروي الثلاثة والأربعة والعدة وفي الحديث أنه (كان يغتسل في عس حزر ثمانية أرطال أو تسعة) وقالوا بعد مضي سبعة أسطر أي في ص 279 (العس: القدح الضخم) فقط فتأمل هذا التباين الغريب والتفسير المكرر المملول.
44 - ورووا في ص 284 قول الشاعر:
رمتني وسر الله بيني وبينها ... عشية أحجار الكنائس رميم
وحاشى لله أن يكون سره بينهما وإنما هو (ستر الله) وهذه رواية المبرد في كامله ج 1 ص 23:
رمتني وستر الله بيني وبينها ... عشية آرام الكنائس رميم
وقال الشارح أبو الحسن الأخفش (أنشدنا أبو العباس أحمد بن يحيى البيتين عن عبد الله بن شبيب وروى (عشية أحجار الكنائس رميم) حتى أنه قال (قيل في ستر الله: الإسلام وقيل: أنه الشيب، وقيل: أنه ما حرم الله عليهما).
45 - وقالوا في ص 290 (الشول: النوق. . . واحدتها شائلة وهو جمع على غير قياس) قلنا: أنه على قياس وقد ذكرت قياسيته كثرة وروده فمنه (سائق وسوق وماعز ومعز
وشارخ وشرخ وقائل وقيل ويانع وينع وسافر وسفر وتاجر وتجر وحاج وحج وناصر ونصر وصاحب وصحب وراكب وركب وشاهد وشهد وشارب وشرب وزائر وزور وضائن وضأن وطائر وطير ووافد ووفد ونافر ونفر ونائب ونوب وعائذ وعوذ وراجل ورجل وساعر وسعر(7/898)
وكاظم وكظم) ومالا يستقصى.
46 - وقالوا في ص 300 (ولم نجد في كتب اللغة التي بأيدينا أن (ساهم) يتعدى لمفعولين) قلنا: إن تعديه إلى مفعولين مقيس لأنه لا يقتصر على واحد فهو مثل (راجعه الكلام وغاداه القتال ونازعه المال وقاسمه الغنيمة وراوحه النضال وناصبه العداوة) ولذلك قال أحد الشعراء:
ساهمت عيسك مر عيشك قاعدا ... أفلا فليت بهن ناصية الفلا؟
47 - وقالوا في ص 308 (يريد أنه سيلقمه بحجر) والصواب تعديته إلى الثاني بنفسه، قال في مختار الصحاح (وألقمه حجرا) وقال الشاعر:
لو كل كلب عوى ألقمته حجرا ... لأصبح الصخر مثقال بدينار
48 - وفي ص 312 (ومات سنة 164 هجرية) بالتنكير والصواب (الهجرية) لتكون صفة المعرفة فتكون إضافة (سنة) مفيدة فضلا عن أن هذا التاريخ معرفة لا نكرة لأن مروره جعله علما بالتغليب.
49 - وجاء في ص 317:
يظل سحيق المسك يقطر حولها ... إذا الماشطات احتفنه بمداري
فعلقوا عليه: (كذا في أغلب النسخ ولم نجد لها معنى مناسبا، وفي ح (احتفته) وهو تحريف قطعا ولم نوفق إلى (كذا) تقريبه من صوابه) ونحن لا نستحب لهم هذا الاستسلام السريع لأنه من (احتففنه) حذفت إحدى الفاءين فصار (احتفنه) كما حذفوا حرفا من (ظللت) فصارت (ظلت).
50 - وجاء في 318 و318 (فإذا شفها ذاك ليس يواري منها شيئا وقد نبا عن ركبها ما وقع عليه من الثوب) فعلقوا به (في ب س كلمة (شيء) وهي زيادة لم يظهر لها معنى) قلنا: أن هذه العبارة مضطربة وحذفهم (شيئا) قد أهوجها لأن قوله (قد نبا عن ركبها ما وقع عليه من الثوب) يوهم أن النبو عارض لا لازم والعرض لا يتمكن منه إلا في هذا العصر
فأصل العبارة: (فإذا شفها ذلك ليس يواري منها شيئا وقد نبا عن ركبها ما وقع عليه من الثوب شيء) وقد بانت الاستقامة وزال الإشكال.
51 - وجاء في ص 323 (وارتشن حين أردن أن يرمينني) وفي الكامل(7/899)
ج 1 ص 35 (ريشن).
52 - وورد في ص 331 (والله لو كنت سمعت ببكر بن وائل قط أو عرفتهم لمدحتك) فعلقوا به (كذا في جميع الأصول والمعروف أن قط تختص بالنفي وقد جاءت بعد المثبت في مواضع. . .) قلنا: إنها جاءت ههنا بعد النفي المعنوي لأن (لو) للشرط الماضي والشرط هذا نفي لجوابه في المعنى وأنها لتأتي بعد الاستفهام أو لم يروا إلى ص 380 من هذا الجزء وفيها (هل رأيت مثل ذلك الإنسان قط) وفي الكامل ج 3 ص 81 لأحد الرجاز:
حتى إذا كاد الظلام يختلط ... جاؤوا بمذق هل رأيت الذئب قط
وفي ص 160 منه (فقلت لصاحبي أرأيت أشجع من هذا قط) فالذي أشاروا إليه ليس بمثبت في المعنى على أننا لا ننكر استعمال قط بعد الإثبات كما قدمنا. وفي أمالي المرتضى ج 1 ص 111 (فقال: أوليت قط؟ قال نعم) وفي 211 منه قال الحجاج: (هل هممت بي قط؟ قال نعم).
53 - وقالوا في ص 395 (يحضرونها شهور القيظ) والراجح هنا استعمال جمع القلة (أشهر) لأن أشهر القيظ لا تتجاوز ذلك.
54 - وفي ص 399 (وقال له: صر بها إلى فلان العطار يملؤها) والصواب (يملأها) بالجزم لأنه جواب الطلب الأمري.
55 - وفي ص 413 للحكم بن عبدل (شتيم أعصل الأنياب ورد) وفي الكامل ج 3 ص 16 شتيم شبابك الأنياب ورد).
56 - وورد في ص 424 قول ابن عبدل أيضا:
لا تدن فاك إلى الأمير ونحه ... حتى يداوي نتنه لك أهون
فعلقوا على أهون: ولم نجد له في كتب اللغة التي بأيدينا معنى سوى أنه اسم رجل مع أنه اسم تفضيل من (هان) والتقدير (ذلك أهون لك) أو (هو أهون لك) والأصل (عدم الإدناء أهون لك) وهو على غرار قوله تعالى (اعدلوا هو أقرب للتقوى)، المائدة 8 أي العدل.(7/900)
57 - وفي ص 444 س 13 قالوا (وأعطاها له) وفي ص 470 س 16: (وأعطاها لابن أبي عتيق) ولربما سمع هذا في الشعر اضطرارا على حين أن (أعطى) يتعدى إلى مفعوليه بنفسه وهذه اللام قياسي دخولها ههنا عند المبرد وسماعي عند ابن عقيل ومن أخذ عنهم حكمه إلا أنهم خصوها بالمتعدي إلى واحد أما المتعدى إلى اثنين فنقل فيه السيوطي عن شرح الكافية ما نصه (ولا يفعل ذلك في فعل متعد إلى اثنين لعدم إمكان زيادتهما فيهما لأنه لم يعهد ولا في أحدهما لعدم المرجح) اهـ. فتأمل، هذا موقفنا. سدد الله آراء المخلصين وأنا أول معروض للخطأ.
مصطفى جواد
المجمل في تاريخ الأدب العربي
- 7 -
43) وورد في ص 101 (كما لامني في الحي قرط من معبد) والصواب (بن معبد).
44) وقال في ص 100 (القينة: الجارية المغنية) مفسر قول طرفة بن العبد (نداماي بيض كالنجوم وقينة. . .) وليس لاشتراطه الغناء في القينة معنى. قال أبو زيد القرشي في جمهرة أشعار العرب ص 181 بعد هذا البيت (والقينة: الجارية).
45) وقال في ص 104 عن عمر بن كلثوم (وقاد الجيوش يرقل بها أرقال الجمال المصاعب عليهم البيض واليلب اليماني وبيدهم السيوف كأنها المخاريق بأيدي اللاعبين) وهذه الطريقة تسمى (السلخية) المعهودة في الأدب الأثري الفاضل فالعبارة الأولى مسلوخة من قول المترجم له:
علينا البيض واليلب اليماني ... وأسياف يقمن وينحنينا
والأخرى مأخوذة من قوله:
كأن سيوفنا فينا وفيهم ... مخاريق بأيدي لاعبينا
ومدح الإنسان نفسه لا يستحسن اتخاذه تاريخا لأن الإفراط مكافل له.(7/901)
46) وقال في ص 106 (ولعل للزعامة وقيادة الجيوش أثرا في إشغاله عن التقلب. . .) والإشغال غير فصيح وقد قال الجوهري في مختار الصحاح (وشغله من باب قطع فهو شاغل ولا تقل أشغله لأنها لغها رديئة) اهـ وقال الفيومي في مصباحه المنير (شغله الأمر
شغلا. . .) ثم قال (مطاوع لفعل هجر استعماله في فصيح الكلام والأصل اشغلته بالألف) ويعز علينا أن لا يعرف الأثري إلا اللغة الرديئة والمهجورة في فصيح الكلام فالصواب (في شغله عن التغلب) وبالفعل الثلاثي جاء القرآن الكريم.
47) وورد في ص 110 (وقد علم القبائل. . . بأنا المطعون. . .) فعلق به (بأنا: الباء فيه زائدة وليست باء التعدية لأن (علم) يتعدى بنفسه) وهذا وهم منه فأنه يتعدى بنفسه طورا وبالباء تارة على غرار (بالى الشيء وبالى به) وكيف أغرم الأثري بهذه الزيادة فقال في ص 235 (ويقال ذلك للعالم بالشيء المتقن له) وفي ص 293 (وأودعها علمها بغريبها)؟ ولعله معذور لأن بعضهم قال ذلك عن (علم) فقاله.
48) وقال في ص 115 (وأستأذنه بالدخول) والصواب (في الدخول) ويعرف هذا المطلع على خفايا العربية لا الطافي على يعاليلها وماذا يقول الأثري في قول قائل في الأغاني ج 2 ص 104 (فاستأذن كسرى في الإلمام بالحيرة) أيجوز له أن يقول (بالإلمام بالحيرة)؟ ومن ذلك قول عثمان بن عفان (رض) في الشرح الحديدي 1: 66 (بعثني أستأذن قريشا في دخوله إلى مكة) وقول علي بن أبي طالب (ع) في ص 102 منه (ثم استأذنا في العمرة فأعلمتهما. . .) ومن يستزدنا فليراجع الأغاني (ج 1 ص 207 وج 2 ص 388 وج 3 ص 295) وجمهرة الأمثال للعسكري ص 192.
49) وعد في ص 132 من الجاهليات التي أماتها الإسلام (المكس) ثم علق به (وقد بعثت هذه الكلمة اليوم لرجوع الحالة إلى ما كانت عليه في العهد الجاهلي) قلنا. أن قول الأثري الأديب يبين للقارئ أن المكس لم يستعمل في دول الإسلام فقد جعل هذا الوقت وقت بعث المكس ونشره. وهذا قول من لا تحقيق له فقد أخذ المكس في خلافة كثير من العباسيين ولذلك تجد (ابن(7/902)
الطقطقى) يقول عن المستنجد بالله ما نصه (كان المستنجد شهما عارفا بالأمور لما ولي الخلافة أزال المكوس والمظالم. . .) فحيدي حياد عن تاريخ البلاد.
50) وقال في ص 138 عن الحديث النبوي الشريف (هو صوب العقل الملهم وذوب القلب الملتاع) وقال في ص 219 عن شعر الخنساء (فشعرها دوب القلب الملتاع) فساوى بين شعر الخنساء والحديث النبوي وتلك فعلة شنعاء منكرة وقال في ص 217 عن شعرها (شعرا كأنه ذوب الروح) فرفعه على الحديث لأن ذوب الروح أشد من ذوب القلب الملتاع
فصمي صمام ما أشنع هذا الكلام!!! كما قال الكرام.
51) وقال في ص 136 (أودعت عند أبي بكر) والفصيح (أودع أبو بكر إياها).
52) وقال في ص 139 (وأعطيته حقه من التأمل في وجوهه والصواب (من تأمل وجوهه) أو (من التأمل لوجوهه) لأن التأمل متعد بنفسه.
53) وقال في ص 149 (أنقص) مفسرا ل (أغاض) والفصيح (نقص) الثلاثي.
54) وقال فيها (حجارة سوداء) وفي ص 158 (الفتن العمياء) وفي ص 170 (الحجارة البيضاء) والصواب (سود وعمي وبيض) بجمع الصفة فلا تجوز هنا معاملة جمع غير العاقل معاملة المفرد المؤنث لأنها مخالفة لأسلوب العرب في هذا الأمر.
55) وقال في ص 154 (عهد بالخلافة إليه علما منه بكفاءته) وفي ص 157 (لكن غلب عليه بنو أمية فولاهم وأمرهم لاعتقاده بكفاءتهم) وكرر الكفاءة في ص 164، أما تعدية (عهد) فالفصيحة بنفسه على حسب قوله تعالى في سورة الأعراف: (قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك) أي بما عهده وأما الاعتقاد فيجب أن يعدى بنفسه والصواب أن يقول الأثري العالم المحقق!! لاعتقاده لكذا. . .) وأما الكفاءة فالمشهور استعمالها للمماثلة والمعادلة في الزواج والدماء والبراز والمفاخرة وغيرهن وقد منع الشيخ إبراهيم اليازجي أن تستعمل كاستعمال الأثري لها واقتداه في ذلك أسعد خليل داغر في تذكرته(7/903)
إلا أننا عثرنا في الأغاني ما يجيز هذا الاستعمال ففي ج 1 ص 147 قول عروة ابن الزبير لعمر بن أبي ربيعة (يا أبا الخطاب، أولسنا أكفاء كراما لمحادثتك ومسايرتك؟) فإن هذا دليل ناطق رصيف وقد نجينا به الأثري في حين أنه لم يؤمله في أضغاث أحلامه.
56) وقال في ص 159 (بشرح عبد الحميد بن أبي الحديد المتوفى سنة 655 هـ) والصواب (656 هـ) لأنه ولي الأمر في خزائن كتب بغداد بعد دخول هولاكو إياها وقد دخلها هذا (سنة 656 هـ).
57) وذكر فيها أن مدة خلافة علي عليه السلام (أربع سنين وتسعة أشهر) وأبن أبي الحديد قال في آخر شرحه للنهج (فتم تصنيفه في مدة قدرها: أربع سنين وثمانية أشهر. . . وهو مقدار مدة خلافة أمير المؤمنين عليه السلام) فتقابل هنا ثقة ومن لا مسند له في كتابه أي الأثري صاحب التاريخ المرسل.
58) وعدد في هذه الصفحة عيوب نهج البلاغة لإثبات الشك فيه على حسب الطريقة التعصبية (أطعن في تاريخ ما لا يوافق تسلم) فقال (كبعض المطاعن والمغامز التي كان ينكرها على أصحابه. . . قلنا: أن هذه المطاعن تدور على أمر الخلافة، والأثري هو الذي قال في ص 158 (كان علي يرى أنه أحق بخلافته أي خلافة النبي (ص) ولا شك في أن صاحب الحق ينافح عن حقه فعلام هذا الاستغراب؟ وقد نقضت قولك بقولك.
وقال مستبعدا (وكالخطبة التي يخبر بها عما يكون من أمر التتار والخطبة التي يومئ بها إلى الحجاج) قلنا: أن كل من نقل عنه ذلك أشار إلى أنه تلقاه من أبن عمه رسول الله (ص) فطعن الأثري في ما نقل عن علي (ع) هو طعن في ما نقل عن الرسول (ص) وأقبح من هذا أن هذا الأديب الطاعن نقل لعلي (ع) في ص 160 خطبة أختارها وصدق بما اشتملت عليه، منها (والذي بعثه بالحق لتبلبلن بلبلة ولتغربلن غربلة ولتساطن سوط القدر حتى يعود أسفلكم أعلاكم وأعلاكم أسفلكم وليسبقن سابقون كانوا قصروا وليقصرن سباقون كما سبقوا والله ما كذبت وشمة ولا كذبت كذبة. ولقد نبئت بهذا المقام وهذا اليوم) اهـ(7/904)
فهذه كلها أمور تاريخية أقر فيها بأنه منبأ لا متنبئ ومخبر لا كاهن وأن الرسول (ص) قد نبأه بذلك المقام. فما هذا التخليط الذي هو نقل ونقض. أما خبر الحجاج فقد تطرق إليه ابن أبي الحديد ففي شرحه (4: 481) نقل عن كتاب الاستيعاب لأبي عمرو بن عبد البر بقوله (قال أبو عمرو، قال يعلى بن حرملة دخلت مكة بعد ما قتل عبد الله بن الزبير بثلاثة أيام فإذا هو مصلوب فجاءت أمه أسماء وكانت امرأة عجوزا طويلة مكفوفة البصر فقالت للحجاج: أما آن لهذا الراكب أن ينزل؟ فقال لها: المنافق قالت والله ما كان منافقا ولكنه كان صواما قواما برا. قال انصرفي فإنك عجوز قد خرفت. قالت لا والله ما خرفت وأني سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله يقول (يخرج من ثقيف كذاب ومبير. أما الكذاب فقد رأيناه، تعني المختار. وأما المبير فأنت) اهـ. قلنا فإذا كان النساء يخبرن بأخبار الحجاج عن الرسول (ص) فلماذا استبعد الأثري الأخبار من رجل هو أولى بالإخبار عنه؟ وأعظم أستيجابا للتصديق؟
59) ونقل المبرد في كامله ج 3 ص 108 من أخبار الخوارج (وقيل له: أنهم يريدون الجسر. فقال: لن يبلغوا النطفة. وجعل الناس يقولون له في ذلك حتى كادوا يشكون ثم قالوا
قد رجعوا يا أمير المؤمنين فقال: والله ما كذبت ولا كذبت) ولئن أراد الأثري أن يطعنه بالقول لقد أرادوا طعنه بالرمح لإخباره بما نقل عن الرسول عن الله. فقد نقل ابن أبي الحديد في شرحه عن المدائني في كتاب الخوارج مثل هذا الخبر وفيه (فيقول شاب من الناس: والله لأكونن قريبا منه فأن كانوا عبروا النهر لأجعلن سنان هذا الرمح في عينه، أيدعي علم الغيب؟ فلما انتهى علي عليه السلام إلى النهر وجد القوم قد كسروا جفون سيوفهم وعرقبوا خيلهم وجثوا على ركبهم وحكموا تحكيمة واحدة بصوت عظيم له زجل، فنزل ذلك الشاب فقال: يا أمير المؤمنين إني شككت فيك آنفا. . .) ولا يغرب عن بال الأثري أن أمثال هذه الأمور حدت بعض الكفرة الفجرة على اعتقاد حلول الله فيه واتخاذه إلها من دون الله والعياذ هو الله تعالى.(7/905)
60) وقال في ص 163 (وهو أحد دهاة العرب الأربعة المشاهير: معاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص والمغيرة بن شعبة) فنقول له: أين الرابع بعد قولك (الأربعة)؟ فالصواب (هو رابع دهاة العرب الثلاثة المشاهير).
61) وقال في ص 168 (ومن أجل مآثر الحجاج حمله نصر بن عاصم على وضع النقط والشكل للمصحف) ثم قال في ص 289 (وضع أبو الأسود الدؤلي المتوفى سنة 96 هـ في أيام معاوية بن أبي سفيان نقط الشكل في المصاحف) فقد تنازع الخبران وتناطحا فما يتبع الدارس؟؟
62) وقال في ص 169 مفسرا (قد لفها الليل بسواق حطم) ما نصه (الحطم: الذي يحطم كل ما مر به) ولم نعلم التناسب بين السياقة والحطم الحقيقي. أترى هذا السائق يحطم من يمر به من الناس والحيوان والأشجار والحجارة فالصواب ما قال المبرد في الكامل ص 276 ونصه (فهو الذي لا يبقي من السير شيئا).
63) أما الأغلاط المطبعية مثل (إداة شؤنها) في ص 174 و (مقاطعيه الساحرة) في ص 190 و (يتقاذفون) و (في موضوعة) في ص 189 فكثيرة عام ضررها. والأصل (إدارة) و (مقاطيعه) و (يتقاذفون) و (في موضوعه) وفي هذه الصفحة (كما تقدم معك بيانه) فلعله يريد (تقدم بيانه لك) وفي ص 192 (أشبها) و (ما زرت أبي ل خبيب طائعا) والأصل (أشهبا) و (آل أبي خبيب) وفي ص 199 (متسأسدا) والأصل مستأسدا).
64) وقال في ص 191 (ولعل أسبقهم إلى ذلك هو أبو الهندي من مخضرمي الدولتين الأموية والعباسية) والطالب لم يعرف (ما مخضرم الدولتين) لأن الأثري لما قسم الشعراء في ص 53 قال (ومخضرمون، وهم الذين اشتهروا بقول الشعر جاهلية وإسلاما كحسان بن ثابت) فكان عليه أن يقول (مخضرمو الجاهلية والإسلام) حتى يتنبهوا على أن الخضرمة عامة ويخصصها ما تضاف إليه.
65) وقال في ص 192 (وذلك بعد أن ضرب الحجاج عنق عمير بن ضابئ البرجمي بحجة تأخره عن الالتحاق بجند المهلب. . .) ونحن لا نخشى على التاريخ الإسلامي إلا من الأثري ومن وافقه الأثري، فأن الحجاج قتل عميرا لأنه من(7/906)
حزب أعداء عثمان. وقد روى المبرد في أخبار الحجاج من كامله ج 1: 274 (ثم نزل فوضع للناس أعطياتهم فجعلوا يأخذون حتى أتاه شيخ يرعش كبرا، فقال: أيها الأمير أني من الضعف على ما ترى ولي ابن هو أقوى على الأسفار مني فتقبله بدلا مني، فقال الحجاج: نفعل أيها الشيخ. فلما ولى قال له قائل: أتدري من هذا أيها الأمير؟ قال: لا. قال هذا عمير بن ضابئ البرجمي الذي يقول أبوه:
هممت ولم أفعل وكدت وليتني ... تركت على عثمان تبكي حلائله
ودخل هذا الشيخ على عثمان مقتولا فوطئ بطنه فكسر ضلعين من أضلاعه) فقال ردوه فلما رد قال له الحجاج أيها الشيخ هلا بعثت إلى أمير المؤمنين عثمان بدلا يوم الدار؟ إن في قتلك أيها الشيخ لصلاحا للمسلمين. يا حرسي أضربن عنقه) فبعد تقبل الحجاج منه البدل وتحريض تلك الوليجة على قتله لا يقال (قتله بحجة التأخر) إلا إذا استعملت الحجة على حسب اصطلاح عوام العراق فهم يريدون بها (الحجة الباطلة).
66 - وورد في ص 200 قول حميد بن ثور:
فلم أر مثلي شاقه صوت مثلها ... ولا عربيا شاقه صوت أعجما
فقال محمد بهجة الأديب (يقول لم أفهم ما قالت ولكني استحسنت صوتها واستحزنته فحننت له) وقال المبرد في كامله (3: 65) (يقول: لم. أفهم ما قالت ولكني استحسنت صوتها واستحذقته فحننت له) ولو ترك الأثري التفسير لصاحبه لألبسه جلالا على قشابة فصاحته ولو فسره بأفصح من هذا لقلنا: أديب تفنن، ألا ترى المبرد يقول في الكامل (1: 22)
وليس لقدم العهد يفضل القائل ولا لحدثان عهد يهتضم المصيب ولكن يعطى كل ما يستحق).
67 - وورد في ص 207 قول مالك بن الريب المازني لما مرض في غربته:
غداة غد يالهف نفسي على غد ... إذا أدلجوا عني وأصبحت ثاويا
ففسر الأثري الأديب (ثاويا) ب (مقيما) مع أن الشاعر يريد (ميتا) لأنه كان مريضا ويؤيد هذا قوله بعد ذلك:
واصبح مالي من طريف وتالد ... لغيري وكان المال بالأمس ماليا
مصطفى جواد(7/907)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - بين ملك العراق وملك مصر
أرسل حضرة صاحب الجلالة الملك فيصل المعظم في يوم عيد جلوس حضرة صاحب الجلالة فؤاد الأول ملك مصر على الأريكة المصرية بالبرقية الآتية مهنئا بها جلالته وهي هذه بحروفها:
صاحب الجلالة الملك
القاهرة
بمناسبة عيد جلوس جلالتكم الميمون أرجو أن تتقبلوا تهانئي القلبية مع أخلص تمنياتي لدوام رفاه وتعالي الأمة المصرية تحت رعاية جلالتكم السعيدة.
فيصل
فأجاب عليها حضرة صاحب الجلالة الملك فؤاد بالبرقية الآتية:
صاحب الجلالة الملك فيصل
بغداد
أشكر لجلالتكم ما حوته برقيتكم الرقيقة من جميل التهانئ وسعيد التمنيات لأمتي ولشخصي وأعرب لجلالتكم عما أرجوه قلبيا من الهناء لكم ومن الإقبال واليمن للعراق.
فؤاد
2 - قدوم سمو الأمير عبد الله
وصل سمو الأمير عبد الله إلى قصر الحارثية وهو قصر أخيه ملكنا المحبوب فيصل الأول في الساعة الرابعة بعد ظهر الأحد 20 ت 1 (أكتوبر) فأطلقت المدافع إكراما لسموه وكان الاحتفال به عند دخوله العاصمة بالغا أقصاه. وهذا دليل جلي على ما تكنه صدور العراقيين من الاعتبار العظيم للأسرة الهاشمية الجليلة الشريفة.
3 - المعتمد البريطاني السامي الجديد للعراق
تعين فخامة السر فرنسيس هنري همفريز معتمدا ساميا للعراق خلفا للمرحوم السر جلبرت
كلايتون.
يناهز فخامة السر همفريز الخمسين سنة وتلقى علومه في جامعة أكسفرد ثم التحق بالجيش وصار ضابطا سنة 1900 وخدم في جنوبي أفريقية ثلاث سنوات ومال إلى المسلك السياسي الإداري في حكومة الهند فخدم في حدود الهند الشمالية الغربية سنة 1918 فعين ضابطا(7/908)
بصورة وقتية في قوات الطيران الملوكية ثم ذهب إلى أوربة ليأخذ قسطه من الخدمة العسكرية في الحرب الكونية.
وبعد عقد الهدنة عاد السر فرنسيس همفريز إلى الهند وفي سنة 1921 عين نائبا لكتوم الأمور الخارجية لحكومة الهند وبعد سنة نقل إلى الوزارة الخارجية البريطانية لما اكتسبه من الخبرة والحنكة. وعين لوظيفة ممثل أول فوق العادة في بلاط ملك الأفغان وفي أثناء وجوده في كابل قام السر فرنسيس بمهمته السياسية الدقيقة موفقا توفيقا عظيما وبقى في وظيفته إلى أن خرج المفوض البريطاني بعد تنازل الملك أمان الله عن عرش الأفغان في أوائل السنة الحالية.
4 - إدخال اللغة الفرنسية في الثانوية المركزية
أدخلت وزارة المعارف العراقية درس اللغة الفرنسية في الثانوية المركزية ليتمكن المتعلمون الذين ينهون دروسهم هنا من إتمام ما بقي منها في جامعة مصر التي تشترط على الداخلين فيها معرفة اللغة الفرنسية.
5 - الدكتور سليمان غزالة
توفي الدكتور سليمان غزالة بشيخوخة وقور في 19 ت 1 (أكتوبر) وكانت ولادته في بغداد في نحو سنة 1854 وبقي مثالا للسعي والاجتهاد إلى آخر يوم من حياته، فقد ألف عدة تآليف طبع منها خمسة عشر وبقي منها مخطوطا نحو عشرة.
6 - إيران تزيل الحجر الصحي عن الهيضة
جاءت برقية من المفوضية الإنكليزية في طهران بتاريخ 12 ت 1 (أكتوبر) تفيد بأن الحكومة الإيرانية أزالت الحجر الصحي عن القادمين من العراق لثبوت اضمحلال الهيضة من هذه الديار.
7 - أجور البريد على الرزم الداخلية
إن الأجرة التي تستوفيها دائرة البريد العراقية عن الرزمة التي لا يتجاوز وزنها 250 غراما خمس آنات وعن الرزمة التي يتجاوز وزنها 250 غراما ولا يتجاوز 1000 غرام 12 آنة والرزمة التي يتجاوز وزنها 1000 غرام ولا يتجاوز 2000 غرام ربية وآنتين والرزمة التي يتجاوز وزنها 2000 غرام ولا يتجاوز 3000 غرام ربية وثماني آنات.
وتتقاضى دائرة البريد أجرة عن كل 1000 غرام إضافة وكسورها إلى حد 10. 000 غرام ثماني آنات وذلك(7/909)
كله منذ 15 ت 1 أي أكتوبر.
8 - الأمراض السارية في العراق
أصدرت مديرية الصحة العامة تقريرها الأسبوعي عن الأمراض المعدية في العراق خلال المدة المنتهية في اليوم 5 من أكتوبر وفيه أن عدد الإصابات بلغ خلال المدة المذكورة 132 إصابة بأمراض مختلفة منها 41 إصابة بالسل الرئوي و3 بالجذام و4 بالحميراء و22 بالجدري وواحدة بالخناق و4 بالحصبة و12 بالسعال الديكي و20 بالنكاف و18 بالحمى التيفوئيدية و4 بالباري (كذا) و2 بالكزاز وواحدة بالبئرة الخبيثة.
وبلغ عدد الوفيات خلال المدة نفسها 14 وفاة منها 5 بالسل الرئوي وواحدة بالجدري و4 بالحصبة وواحدة بالسعال الديكي و2 بالحمى التيفوئيدية وواحدة بالباري (كذا لعلها المجاورة للمحرقة أو الباراتيفو ئيدية).
وأذاعت في ال 12 من ت 1 سنة 1929 أن عدد الإصابات التي حدثت في هذه المدة بمختلف الأمراض المذكورة قد بلغت 100 إصابة وهي على الوجه الآتي:
إصابة واحدة بالطاعون ومثلها بالخناق وإصابتان بالحصبة و24 بالسعال الديكي و19 بالنكاف و11 بالتيفوئيدية وإصابة واحدة بالحمى النفاسية ومثلها بالكزاز و9 بالحميراء وواحدة بذات المخ الليثاربيك (كذا) و4 بالجذام و26 بالسل الرئوي.
وبلغ عدد الوفيات في المدة المذكورة ثلاثا فقط منها واحدة بالسعال الديكي وواحدة بالحمى النفاسية وواحدة بالكزاز.
9 - أنباء البادية
(بحرفها عن جريدة الأوقاف البغدادية)
قالت الأوقاف العراقية ما هذا نصه: كثر التناقض في الأخبار الواردة من البادية الأيام الأخيرة عن فيصل الدويش وإغارته على العوازم ونتائج تلك الغارة بصورة غريبة جعلتنا في حالة يصعب معها تمحيصها والوقوف منها على حقيقة الواقع. إذ بينما تؤكد بعض المصادر نبأ خروج فيصل الدويش للغزو واشتباكه في معركة مع العوازم تحت قيادة ابن عم جلالة الملك ابن السعود إذ بالأنباء الواردة من الكويت تنفيها نفيا باتا وتقول أن هناك مفاوضات دائرة بين الدويش وعشيرة العوازم لفض النزاع.
ومن أحدث الأنباء التي تلقيناها عن المعركة المذكورة الخبر الآتي ننشره كما اتصل بنا بدون أن نجزم في صحته بالرغم عن أن الراوي ثقة في شؤون الجزيرة:
خرج فيصل الدويش على رأس قوة(7/910)
كبيرة من مطير والعجمان يرافقه ابن مشهور وأتباعه وهاجم عشيرة العوازم بقيادة القائد تركي (أحد قواد جلالة الملك عبد العزيز السعود) على مسير يومين عن الكويت؛ فدارت بينهم معركة حامية أسفرت عن مقتل ولد فيصل الدويش الثالث واسمه بدر. ومصرع ابن مشهور فرحان (وهو أحد قواد الدويش) وتشتيت شمل الدويش ورجاله.
ثم قالت علمنا أن القوة السعودية ومن معها من عربان الجنوب والصوابر والمساحمة وذو غياض أمام الدويش وقواته والبريكات والهدالين والأساعدة وغيرهم من العوازم أمام العجمان ودار رحى القتال بينهم نحو ست ساعات تقريبا وانكسرت السرية السعودية ومن معها. أما بقية العوازم فقد ثبتوا للعجمان واضطروهم على التقهقر إلى منازلهم وفي ثاني يوم المعركة أي الأحد الموافق 2 جماد (كذا) انسحب الدويش من محل المعركة وعسكر على مشاش أبو ذعار ومن هناك أخذ يبث السرايا للتضييق على بقايا العوازم وبعد أن قام في معسكره يوم الأربعاء أمر قواته بالزحف مرة ثانية وقصده من هذا الزحف هو أن يجهز على البقية الباقية من العوازم ومن معهم وفعلا تقدمت القوات ونزلت في محل يسمى (ركبة) فأدرك العوازم الخطر المحدق بهم إذ هم لم يلتمسوا الصلح عاجلا فعند ذاك أرسلوا يلتمسون الصلح من الدويش مباشرة بواسطة رسول أرسلوه لمعسكر الدويش فانتهز الدويش الرسول قائلا: (إذا هم يريدون الصلح فليأتوا على الحسنى والإساءة) أي بدون قيد ولا
شرط وعند ذاك التمس العوازم مرة أخرى من الدويش أن يرسل لهم جعران الفقم وهم يأتون نزولا عند إرادة الدويش وبالفعل توجه الفقم صباح الجمعة الموافق 7 جماد الأول إلى مضارب العوازم وأتى معه مبارك بن مانع الملعبي رئيس العوازم وعبد الله بن فيشان من رجالاتهم وعرضوا طاعتهم على الدويش وبايعوه على الكتاب والسنة وانحسم الخلاف بين العوازم والدويش بعد أن زهقت مئات الأرواح من الطرفين وفقد العوازم نحو 15 ألف رأس من الضأن و15000 رأس من الإبل.
وهناك إشاعة بأن الدويش غادر معسكره على رأس قوة كبيرة ميمما شطر الجنوب ولا يعرف وجهته بالدقة والواقفون على بواطن الأمور يقولون أنه ربما يريد أطراف الأحساء والقطيف.(7/911)
10 - منهاج الوزارة السعدونية
شاع في الحاضرة أن منهاج الوزارة السعدونية الذي يقدم إلى مجلس الأمة يلخص في القيام بالمشاريع الاقتصادية كمشروع خزان الحبانية وإحياء موات عقرقوف بلا تأخير وحماية النتاج العراقي وجميع مصنوعات هذه الديار وتخفيض الضرائب عنها والسعي لترويجها من جهة ووضع ضرائب باهضة على الكماليات الأجنبية من جهة أخرى. وإنشاء مصرفين زراعي ووطني وتقليل تنظيمات الحكومة إلى أدنى حد ممكن وإنقاص بعض الضرائب والرسوم والاستغناء عن خدمة كثيرين من الموظفين الأغراب ممن انتهت عقودهم وإدخال موظفين عراقيين في موطنهم واتخاذ الخدمة الإجبارية العسكرية وإنشاء جيش وطني على هذا الأساس بأقل كلفة ممكنة وإنعاش الحركة العلمية والاقتصادية بمختلف السبل والوسائل العصرية.
11 - تسريح موظفين إنكليز
في هذه السنة تنتهي عقود خمسين موظفا بريطانيا يشتغلون في عدة دوائر عراقية ممن لا تزيد مدة عقودهم على خمسة أعوام. وقد كتبت صحف العراق في الشهر الماضي وفي هذا الشهر ملحة على الحكومة بأن تستغني عنهم لوجود عراقيين أكفاء يقومون مقامهم لخروجهم من مدارس عالية. وهؤلاء الموظفون البريطانيون يكلفون الخزانة العراقية ما
يزيد على ستمائة ألف ربية في كل سنة. وهناك جيش آخر جرار من الموظفين البريطانيين لم يحن أجل انتهاء عقودهم ولا يقل عددهم عن مائتي موظف ويكلفون خزانة العراق نحو مليوني ربية في كل سنة.
12 - امرأة إيرانية تلد خمسة أولاد في يومين
جاء في الصحف الإيرانية أن أخبار قوجان تقول أن امرأة، من سكان علي آباد التي تبعد مسافة فرسخين عن المدينة المذكورة، ولدت في يومين ابنين وثلاث بنات.(7/912)
العدد 76 - بتاريخ: 01 - 01 - 1930
سنتنا الثامنة
ظهرت غاية هذه المجلة من أول جزء صدر منها، فعرف الجميع أن غرضها خدمة اللغة العربية الشريفة والديار التي يتحدث بها أهلها، والأمة بل الأمم التي تلهج بها، وقد حافظت على خطتها هذه إلى هذه الساعة، وهي تنوي أن لا تحيد عنها قيد شعرة ولو كان المنتظر من بثها بين الناس كسب المال أو غاية هناك لأوصدنا بابها منذ السنة الأولى، إذ نرنا مضطرين إلى سد ثغرة العجز من مالنا الخاص.
نعم أن الخسائر تقل سنة بعد سنة، لكنها لا تزال خسائر والعمر يفنى من غير أن نتوقع أجرا من محسن كريم حاتمي ومع هذا كله نثابر على متابعة طريقنا بلا ضجر ولا وناء غير مبالين بالأضرار ليتحقق الكل أن ليس لنا غاية أخرى سوى خدمة الوطن العربي العزيز وإعلاء شأن لغتنا العدنانية التي نتشرف بالانتماء إليها.
وهنا نشكر الشكر الجم لأولئك الذين آزرونا في تحبير المقالات وصححوا أوهامنا وأغلاطنا وساعدونا بما جادت به أيديهم الندية على سد بعض النفقات ونطلب لهم بازاء ذلك الصحة والرفاهية وطول العمر.(8/1)
يا للمصيبة!
أطلق عبد المحسن بك السعدون رصاصة على قلبه في نحو الساعة العاشرة إلا ربعاً من مساء ال 13 من تشرين الأول المنصرم فتردد صداها في الديار الضادية اللسان ولا يزال يتردد إلى هذه الساعة، بل سيتردد إلى آخر الدهر للأسباب التي حملته على هذا الانتحار الذي لم يسبق له مثيل.
ونحن ندرج هنا ما كتبه صديقنا الفاضل سليم حسون في (العالم العربي) ثم نشفعه بما كتبه الشيخ علي الشرقي في جريدة (البلاد) وقد جاد علينا صاحبها بإعارته إيانا صورة الراحل العظيم مع مثال ابنه المتغرب في انكلترة لتلقي العلوم وابنه الآخر واصف بك الدارس في بغداد ورسم فهد باشا السعدون والد فقيدنا العظيم، فنشكر صاحب (البلاد) على هداياه ومكارم أخلاقه.
قبل الانتحار وبعده
1 - قبل الفاجعة بيوم واحد
أخبرنا بعض زملاء المغفور له عبد المحسن بك السعدون انه كان بعد عصر نهار الثلاثاء (12 - 11 - 29) في بناية حزب التقدم يتكلم على عادته، في حديث خاص مع جماعة من الرفقاء وهم خالد بك سليمان، وعز الدين النقيب، وعبد الرحمن المطير، وزامل المناع.
ثم دار الحديث حول الجلسة النيابية التي كانت قد عقدت قبل يوم، واشتدت فيها المعارضة العنيفة على المنهاج الوزاري، فبدأ التأثر يلوح على وجه المرحوم، ويمحو من ثغره الابتسامة اللطيفة المعتادة وإذا به - رحمه الله - يقول في ضيق وهدوء: (انتم يا حزب الأكثرية، لم تعاونوني في الجلسة النيابية الأخيرة!).
فقالوا له: (لقد تذاكرنا في الحزب، وقررنا موافقين على جواب خطاب العرش. . . وكانت هيئة الحزب العامة معكم. . . فقررت التصويت على قبول(8/2)
جواب الخطاب. . . وهكذا تم، ولم ير أفراد الحزب من الموافق أن يدافعوا عنكم فأنكم كنتم أقوياء وقد ظهرت النتيجة في التصويت. . .)
فقيد الوطن
(صورة) المغفور له فخامة الوزير الأعظم عبد المحسن بك السعدون
قال - رحمه الله - (نعم ولكني كنت أحب أن يتكلم بعضكم ويرد على المعارضة لأن الناس - كما تعلمون - عقولهم في عيونهم!. . .)
ثم تبدل الحديث وشرع - رحمه الله - يبحث في شأن جنينة بناية الحزب ووجوب تزيينها بالزهور، وأرسل في طلب زهور مزروعة في الأواني من بيت سركيس فجيء بما طلب. ثم ذهب إلى النادي العراقي كعادته.
2 - في نهار الأربعاء، قبل ساعة الانتحار
في عصر الأربعاء - يوم الانتحار - كان - رحمه الله - في بناية الحزب وجرى له مع رفاقه حديث خاص، أشبه بالحديث الذي ذكرناه أعلاه وكان التأثر أيضاً باديا على ملامحه، ثم ذهب وإياهم إلى النادي العراقي مشياً.
ولعب (لعبة الرامي) مدة قليلة من الزمن، وفي أثناء اللعب تقدم إليه خالد سليمان، وقال له: (أنا رائح إلى البيت، أتحب أن نروح سوية؟) أجابه المرحوم: (كلا أنا أريد أن أبقى هنا، بضع دقائق أيضاً).
وقاربت الساعة أن تدق الثامنة (زوالية) مساء. . . فضحك المرحوم ملاحظا خالدا وقال: (كان خالد معي في المدرسة ولكنه كان له شوارب كبيرة).
فقال خالد ضاحكا: (أي نعم كانت شواربي كشوارب (قوجاغلي) الذي كان يلف شواربه حول أذنيه)!
وضحك الجميع في أنس وطرب، وذهب خالد بك إلى البيت في محلة البتاوين، على طريق بيت السعدون في الكرادة الشرقية.
3 - آخر طعام وكلام مع العائلة
بعد أن قام خالد بك سليمان ببضع دقائق، ترك عبد المحسن بك أيضاً النادي وعاد إلى داره، وتعشى مع حضرة قرينته وابنته الكبرى الآنسة عائدة (وعمرها 15 سنة) وابنه واصف (وعمره 11 سنة) وابنته الصغيرة نجلاء (وعمرها 9 سنوات).(8/4)
(صورة) واصف بك السعدون النجل الأصغر للفقيد
وكان حديثه مع قرينته وأولاده في ذلك العشاء الأخير، على جانب عظيم من اللطف لم يسبق مثيل!. . . من ذلك أنه قال لزوجته: (ما بالك لا تقيمين مأدبة شاي لقرينة المعتمد السامي؟)
قالت: (أنا منحرفة المزاج منذ 12 يوما، وطباخنا قد ترك وظيفته، ولا أحب اشتراء الحلويات من السوق، إنما أوثر أن تصنع في البيت عادة. . . ولهذا السبب أرجوك أن تعذرني الآن. . .)
فابتسم وقال على سبيل المداعبة والملاطفة (أنك لا تقبلين فكري!).
قالت (وكيف لا أقبل فكرك؟ أنا دائما أقبل فكرك!).
قال: (أي نعم أنا أقر بهذا، وبأنك تعملين دائما بحسب فكري!. .)
وكذلك داعب أولاده ولاطفهم بمزيد الشفقة كأنه يودعهم وهم لا يدركون!.(8/5)
4 - آخر كتاب كتبه لابنه وللأمة جمعاء
ثم دخل إلى مكتبه الكائن إزاء غرفة الطعام ودخلت العائلة والأولاد إلى إحدى غرف الحرم.
وظل - رحمه الله - في مكتبه مدة من الزمن كتب في أثنائها كتاب وصيته إلى نجله علي بك الدارس في معهد (برمنكهام) في إنكلترا، والله وحده يعلم العواطف العجيبة الفائقة الوصف التي بها تخيل ابنه أمام عينيه في ساعة الانتحار، فكلمه بقلبه. فضلا عما قاله له بقلمه المرتجف في تلك الدقيقة الرهيبة التي كانت آخر مسافة بين حياته الفانية وحياته الأبدية الخالدة.
5 - الكتاب الخالد الذي أصبح ميثاق الأمة العراقية
هذه هي ترجمة كتاب الوصية الذي كتبه فقيد الوطن لنجله علي بك:
(صورة) علي بك السعدون ممثل الأمة العراقية في كتاب الوصية(8/6)
عيني ومدار استنادي بني علي:
اعف عني من أجل الجناية التي ارتكبتها، لأني سئمت هذه الحياة وضجرت منها، لم أر
من حياتي لذة ولا ذوقاً ولا شرفاً، الأمة تنتظر الخدمة، الإنكليز لا يوافقون، ليس لي ظهير، العراقيون الذين يطالبون الاستقلال ضعفاء وعاجزون وبعيدون كثيراً عن الاستقلال، هم عاجزون عن تقدير نصائح أمثالي من أصحاب الشرف، يظنونني خائناً للوطن وعبداً للإنكليز، ما أعظم هذه المصيبة! أنا الفدائي لوطني الأكثر إخلاصاً قد صبرت على أنواع الإهانات وتحملت أنواع المذلات، وما ذلك إلا من أجل هذه البقعة المباركة التي عاش فيها آبائي وأجدادي مرفهين.
يا بني أن نصيحتي الأخيرة لك هي:
(1) أن ترحم أخوتك الصغار الذين سيبقون يتامى، (وتحترم والدتك) وتخلص لوطنك.
(2) أن تخلص للملك فيصل وذريته إخلاصاً مطلقاً.
أعف عني يا بني علي!
عبد المحسن السعدون
وكان رحمه الله قد أرسل إلى نجله علي بك في النهار عينه بكتابين آخرين مسجلين ولكن أحدهما كان من الآنسة عائدة ابنته الكبرى.
6 - الانتحار
بعد كتابة الكتاب خرج - رحمه الله - من مكتبه وأخذ يصعد إلى الطابق الأعلى، فرأته حضرة قرينته يمشي ويصعد منزعجاً انزعاجاً غريباً، وقالت بعد الفاجعة ما ملخصه:
(ما رأيته قط يمشي مثل تلك المشية، فساورني الرعب فتبعته إلى غرفة النوم فرأيته (يحشو) المسدس! فركضت مسرعة إليه وقلت له: أواه! ماذا تعمل؟ ولأي سبب تعمل هذا؟ فقال لي: دعيني! قلت: لا والله لا يمكن أن أدعك! فان كنت تريد أن تعمل شيئاً فاقتلني، اقتلني أولاً يا سيدي!. . . قال: دعيني وإلا قتلتك!. . . فصحت به مذعورة باكية: اقتلني! وقبضت على يده فحاول التملص مني، وتوجه إلى باب الشرفة (البالكون) فأوشك أن يصل الشرفة وأنا ماسكة يده اليسرى، وفي اعتقادي أني مانعته بهذه المسكة. ولكن - ويا للأسف - كان المسدس في جيبه الأيمن وهو قابض عليه بيمناه وأنا غائبة عن رشدي، وما أفقت إلا وصوت الطلقة النارية يدوي في الشرفة وكانت رجله الواحدة في الغرفة والأخرى في
الشرفة، فوقع على الحضيض!)(8/7)
وعلى صوت الطلق الناري أسرع الشرطي أمين الذي في دار الفقيد العظيم، فرفعه ووضعه في فراشه في الغرفة، وتراكض الأولاد فتواقعوا هم ووالدتهم عليه يقبلون يديه ورجليه ويبكون.
7 - بعد الانتحار
أسرعت الابنة الكبيرة الآنسة عائدة إلى التلفون فطلبت الدكتور خياط، وكذلك أسرع الآخرون فأرسلوا يطلبون عبد العزيز بك القصاب وخالد بك سليمان وغيرهما، وحيث أن دار عبد العزيز بك القصاب قريبة جداً من دار الفقيد وصل عبد العزيز بك عاجلاً إلى المحل فجثا عند سرير الفقيد الجليل، وعبد العزيز بك يتخيل أن المغفور له يتنفس بعد وأن عينيه تتحركان. . . فكان يعانق الجثة ببكاء مر، وذعر فائق يريد أن يصد الموت!. . . والظاهر أن عبد العزيز بك كانت عينه تخدعه - على ما ذكر الأطباء - لأن الطلقة أماتت الفقيد العظيم حالاً إذ أصابت مركز القلب.
وحضر الدكتور خياط مدير الصحة العام على جناح السرعة فعاين القتيل وتأكد أنه مائت.
8 - حضور الأصدقاء والوزراء والأطباء
قدم خالد بك سليمان فرأى عبد العزيز بك والدكتور خياط في دار الفقيد فصاح عبد العزيز قائلاً: (لقد أضعنا عبد المحسن!. . .).
وتقدم خالد إلى السرير، فرأى العائلة تبكي بلا شعور فبكى وبكى الجميع ولطموا وناحوا! وهتفت الآنسة عائدة تقول لخالد: (هات قلبك يا سيدي حتى نضعه في صدر بابا لعله يفيق!. . .).
وكان الولد الصغير واصف وأخته الطفلة نجلاء (يمسدان) رجل والدهما ويحاولان بهذا أن يعيدا إليه الحركة!.
وأما السيدة قرينته فكانت واقعة على رجليه تقبلهما وتبكي حتى فقدت الشعور.
ووصل حينئذ ناجي باشا السويدي وشقيقه توفيق بك وياسين باشا الهاشمي فاشتركوا في النحيب والتوديع. . .
وقر الرأي على إخراج العائلة والأولاد من الغرفة وإبقائهم في غرفة أخرى(8/8)
وإسعافهم خوفاً من أن يذوبوا تماماً من شدة الألم.
ثم حضر الطبيبان البريطانيان الدكتور دنلوب (مدير المستشفى الملكي) والدكتور وود من (مدير العمليات في المستشفى المذكور)، فعاينا الجثة، وتفقدا المسدس (وهو من طراز براونيك) وتفرسا في فوهة الجرح، وأخذا يسألان أسئلة شتى فقال لهما عبد العزيز بك أن لا يتوهما فإن الفقيد قد انتحر، وقد كتب كتاباً قبل الانتحار.
على أن عبد العزيز بك كان قد نزل - قبل وصول الأطباء - إلى مكتب الفقيد فرأى محفظته المتضمنة الأوراق الرسمية مفتوحة، وفوق الأوراق كتاب الوصية وقد تركه المرحوم على هذه الصورة ليجلب نظر الدقة إليه.
فقرأه عبد العزيز بك وقدمه إلى الحاضرين فرأوه وقرءوه باكين خاشعين!.
وقدم كذلك رستم بك حيدر (رئيس الديوان الملكي والسكرتير الخاص لجلالة الملك) والعين أصف بك قاسم آغا والنائب محمود صبحي بك الدفتري والنائب خير الدين أفندي العمري، والحاج سليم بك مدير الشرطة العام وجميل بك المدفعي متصرف لواء بغداد: وأحمد بك الراوي مدير شرطة لواء بغداد، وحسين بك أفنان مدير التشريفات. . .
ووصلنا نحن أيضاً، إلى محل الفاجعة ورأينا الجميع يبكون بتوجع شديد فاشتركنا معهم ولا نذكر أننا رأينا في حياتنا مثل هذا الهول أو مثل تلك المناحة (القلبية).
9 - شهادة الوزراء وغيرهم
أما الوزراء فحالما رأوا الكتاب وقرءوه قرروا أن يسجلوا شهاداتهم فيه.
فكتب توفيق بك السويدي في آخر الكتاب ما يلي: (هذا الكتاب قد وجد موضوعاً في أوراق البيك الخاصة، وقد تلي أمامنا، وأخذت صورة منه من قبل الشرطة، وهذا هو أصل الكتاب 13 - 14 تشرين الثاني 1929).
وذيل هذه الشهادة بإمضائه، أما الهاشمي باشا فكتب تحت الشهادة ما يلي: (وهذا الذي تضمن أكبر برهان عن عظمة التضحية التي قام بها رجل العراق وفقيده).
وذيل الهاشمي باشا هذه الشهادة بإمضائه، وكذلك أمضى كل من ناجي باشا(8/9)
السويدي، وعبد العزيز بك القصاب، وخالد بك سليمان وجميل بك المدفعي، والحاج سليم بك، وأحمد بك
الراوي. . . ليحي ذكر عبد المحسن السعدون وتضحيته الوطنية العجيبة في قلب كل عراقي! انتهى كلام سليم حسون.
عبد المحسن بك السعدون
قربان الاستقلال وضحية الحرية
ولد في ناصرية المنتفق في حوالي سنة 1297 هجرية (1880م) وعاش 51 عاماً، والده فهد باشا الذي توفي في سنة 1313 هجرية وعبد المحسن بك يوم ذاك في فروق (الآستانة) يدرس مع أخيه عبد الكريم بك. وله من الأخوة(8/10)
ما عدا عبد الكريم بك، عبد الرزاق بك وهو الولد البكر لفهد باشا وعمره اليوم 65 سنة، ومحمد بك وعمره 56 سنة، وعبد العزيز بك وعمره 50، وحامد بك وعمره 45، وعبد اللطيف بك وعمره 42، وعبد الهادي بك وعمره 40، وعبد الرحمن بك وعمره 36، وحمدي بك وعمره 34، وعبد المجيد بك وعمره 33 سنة والأم التي أنجبت عبد المحسن بك من علية بيوت آل السعدون ومن الأميرات السعدونيات، وهي كريمة فيصل التركي آل رشيد. . . ترعرع في حضن الشرف والإمارة وبقي في بلاد المنتفق حتى بلغ من العمر 13 سنة.
وكانت قد تأسست في فروق مدرسة أبناء الزعماء والأشراف فرغب السلطان عبد الحميد إلى فهد باشا في أن يرسل نخبة أبنائه إلى فروق لينتسبوا إلى تلك المدرسة وبالطبع كان المقصد من هذه الرغبة سياسياً فاختار فهد باشا من بين أولاده عبد المحسن بك ولكن عبد المحسن أستوحش أن يفارق حي الأمراء ونوادي الشيوخ نازحاً مغترباً إلى فروق فتطوع أخوه عبد الكريم بك إلى مرافقته وحينئذ اطمأنت نفسه ورضي بأخيه سلوى عن الأهل والوطن وتوجها معاً إلى الآستانة ولما خرجا من تلك المدرسة دخلا المدرسة الحربية العالية فخرجا منها ضابطين في الجيش واختارهما السلطان عبد الحميد مرافقين له في بلاطه (المابين) وبقيا كذلك إلى إعلان الدستور وترقيا في أثناء ذلك في الجندية إلى رتبة (بيك باشي) ولكنهما استقالا من (كذا) الجندية بعد سقوط عبد الحميد وانخرطا في سلك الاتحاديين.
ورجع عبد الكريم إلى الوطن وبقي عبد المحسن بك في فروق وكان قد أقترن بعقيلة نبيلة
تركية من عائلة ضاربة في الشرف وطيب المحتد أنجبت له شبلين علي بك وعمره 19 سنة وهو الآن في جامعة برمنكهام في إنكلترا. وواصف بك وهو صبي له 9 سنوات (كذا) من العمر.
وانتخب نائباً عن لواء المنتفق في مجلس المبعوثين التركي وهكذا بقي ممثلاً للعراق ومحافظاً على النيابة في الدورات الانتخابية ووقعت كارثة الحرب العظمى وهو في فروق وبعد الهدنة أقفل آتياً إلى بلاده وما عتم أن كر راجعاً إلى فروق لتسوية شؤونه لأنه أعتزم على أن يقطن في العراق ويلازم تربة وطنه المقدس حياً وميتاً وفي 1922 عاد إلى العراق وتجول بين البصرة وبلاد المنتفق وكوت(8/11)
الإمارة قليلاً فعين وزيراً للعدلية في الوزارة النقيبية الثانية ثم وزيراً للداخلية في الوزارة النقيبية الثالثة ثم تولى رياسة الوزارة فنظم وزارته الأولى ثم صار رئيساً للمجلس التأسيسي ثم وزيراً للداخلية في وزارة الهاشمي ثم نظم وزارته الثانية وأسس حزب التقدم الذي لم يزل - إلى آخر ساعة - رئيسه وحامل مبادئه ثم استقال عن (كذا) رياسة الوزارة وانتخب رئيساً لمجلس النواب في دورتين ثم نظم وزارته الثالثة فحل المجلس النيابي وباشر بإجراء انتخاب نواب أنشط وأكثر دربة من نواب المجلس المنحل وذلك تمهيداً لما يريد أن ينهض به من المطالبة بحقوق البلاد.
ولما يئس من الحصول على مطاليب البلاد (رفس الكرسي) واستقال من الوزارة كاحتجاج على التصلب الذي كان يلاقيه في حصول تلك الآمال وكم بذلت جهود وقطعت وعود في سبيل حمله على عدم الاستقالة فلم تطب نفسه لأنه لم يجد فيها بصيصاً لسراج الأمل وهكذا مضت الاستقالة فانتخب رئيساً لمجلس النواب ومن هذا التاريخ بدأت مظاهر التأثر والقنوط تبدو عليه ولكنه كان يغطيها برزانته وابتسامته العذبة وكم حاول أن يغادر العراق وينجو بذلك القلب المثخن بالجراح إلى الآستانة ولكن المقامات العالية حركت نخوته وإخلاصه واستنبضت عرقه الكريم وناشدته بالعروبة والوفاء لها فتحول عن سفر الآستانة إلى نزهة صيفية قصيرة يقضيها في ربوع لبنان وتوجه إلى لبنان وكانت حالة البلاد السياسية متضعضعة تتطلب سياسياً حازماً حنكته التجارب والأبصار شاخصة إلى عبد المحسن والثقة تحوم حوله مرفرفة وهو تحت شجرة الأرز اللبنانية في هذه الظروف
وتفتحت بعض الشقوق من السياسة المصمتة فأرسلت بصيصاً من شعاع الأمل وذلك أثر تقلد وزارة العمال الشؤون البريطانية فاجتذب عبد المحسن بك من لبنان اجتذاباً وعلى أثر حضوره العاصمة كلف تنظيم وزارته الرابعة.
فاشترط في قبولها إعطاء الوعد الصريح من المراجع العالية للحليفة بإلغاء المعاهدات والاتفاقيات وإعطاء العراق كرسياً في مجلس عصبة الأمم بدون قيد أو شرط والدخول في مفاوضات لعقد معاهدة جديدة على أساس الاستقلال التام وأن يسعف في بنود المعاهدة إسعافا يمكن للعراق من الوقوف على قدميه في(8/12)
عام 1932 فلاقى تنشيطاً ومساعدة جدية من السر كلايتن صديق العرب العاطف على قضيتهم مساعدة أنبضت البرق بين بغداد ولندن ورنت أسلاكه بتقارير كلايتن الطافحة بأحقية المطالب العراقية حتى تساهلت تلك المراجع التي كانت متصلبة وطيرت النبأ الطيب الذي نغصه القدر المفاجئ بوفاة السر كلايتن في أهم وقت وأدق ظروف الحاجة إليه فتسلم السعدوني ذلك الربح السياسي ومسك عليه بكلتا يديه ونظم وزارته الرابعة وبين يديه مصباح الأمل والرجاء يشع بزيت التجربة والحذق السياسي وقد راعى في تأليف وزارته هذه قضية البلاد أكثر من الاعتبارات الحزبية فنهض في حفلة مراسم تنظيم الوزارة ويده مملوءة بالربح السياسي. . .
1 - الحداد في العاصمة (عن العالم العربي بتصرف قليل)
أمر صاحب حضرة الجلالة بتعطيل جميع الدواوين فعطلت من الساعة 11 من صباح الدفنة إلى المساء. وما عتمت الأسواق أن أقفلت حوانيتها ورفع كثيرون من أصحاب المحلات أعلاماً سوداً وكذلك فعل أصحاب المحلات التجارية الكبرى.
2 - التشييع والدفن
اشتركت العاصمة كلها بتشييع جثمان الفقيد على اختلاف أجناس أهاليها وطبقاتهم وقد انتشروا من دار الفقيد الكبير إلى مرقد الكيلاني.
وفي الساعة الثانية ونصف بعد ظهر ال 14 من شهر ت2 (1929) انتظمت المواكب مراعية المنهاج الذي نهجته الحكومة، فمثل جلالة الملك المعظم سمو الأمير غازي ولي عهد العراق، ومثل حكومة الدولة البريطانية فخامة نائب المعتمد السامي فساروا وراء
الجنازة بثيابهما الرسمية وتلاهما كبار الدولة طبقات طبقات.
وكانت الجنازة الكريمة ملفوفة بالعلم العراقي وموضوعة على مركبة مدفع وكان السير بها هادئاً جداً على نغم الموسيقى الحربية الشجي وعلى جانبي طريق الموكب صفوف الجنود من مشاة وخيالة تتبعهما الشرطة.
وفي الساعة الرابعة ونصف وصل الموكب إلى المرقد الكيلاني فاخذ الجنازة المحامون وحملوها على أكتافهم وأدخلوها الحضرة الكيلانية فصلى عليها أصحاب السماحة النقيب والمفتي والعلماء، ثم تقدم الخطباء وأبنوا الفقيد أحسن تأبين وفي الآخر دفن الجثمان في مقبرة الحضرة الكيلانية بين دوي المدافع وبكاء الكبار وعويل الصغار ومستنزلين الرحمات الواسعة على تربته الطيبة.(8/13)
الآمال الهاوية
قد كوى الدهر فؤادي أي كي ... فأنا الميت المنى والعقل حي
وبنى البؤس بقلبي موطنا ... فهو حل فيه من غير نأي
كلما أبرمت أمرا حله ... ولواني عن بلوغ النجح لي
ضاع سعيي بين غر وعم ... وحسود وخؤون وغبي
فكأني تائه في نفنف ... لم يجد رفدا ولا فاز بري
ملعج أضحى عماسا أمره ... كل ما فاه به (أف) و (أي)
يطلب الرشد حريصا مسرعا ... ثم لا يلفي سوى حبط وغي
أنني في لوعتي من خيبتي ... مثل حي قد شوته النار شي
صرح آمالي تعالى شامخا ... ثم لم يلبث أن انقض علي
بعد صبري وسكوني خائبا ... ساءني الدهر ولم يحسن ألي
أنا في قطر فقير كلهم ... صاح فيه: وطني لا عدي
لفظة قد أصبحت أحبولة ... جمعت بين رشيد وغوي
ليتني اعرف مقياسا لهم ... كي أرى المصلح بين الناس كي
فوق همي رمت أن احملها ... ومع الحملين ما أسطعت المضي
لفظة بطرب منها غافل ... ولقد يخدعنا كل شجي
إنما المصلح باد بيننا ... مثلما يبدو لدى الحرب الكمي
إن ذرفت الدمع أزمانا فلا ... تنجلي الأحزان عن قلبي الشقي
لم أزل أتلو بقلبي حكمتي: ... طوت الأطماع نهج الظلم طي
فتعجب من مسم نفسه ... (وطنيا) وتدبر يا أخي
كيف نستغرب أمرا محزنا ... ولسان الحق شكوه فعي!
بغداد: مصطفى جواد(8/14)
الدواخل والكواسع في العربية
1 - باب البحت
الدواخل جمع داخل وداخلة، فإن قدرت كلمة (حرف) ذكرت اللفظة وان قدرت (أداة) أنثت وقلت في جمعيها: (دواخل) والمراد بالدواخل كل حرف يدخل على الكلمة فيتصل بها ويصير كلاهما واحدا أو كالواحد وكلمة الداخل مأخوذة من كلام النحاة والصرفيين واللغويين. قال ابن قتيبة في (أدب الكاتب) في باب الألف واللام للتعريف (ص 226 من طبعة الإفرنج): (كل اسم كان أوله لاما ثم أدخلت عليه لام التعريف كتبته بلامين نحو قولك اللهم. . .) وقال في باب التاريخ بالعدد (ص297): (فأما ما ميزت به فلا تدخل فيه الألف واللام. . . وكذلك. . . تدخل في الأول الألف واللام) ومن هذا يتضح لك انك تقول: أدخلت (على) الكلمة الحرف الفلاني أو أدخلته (فيها) كما رأيت. فالدواخل تقابل الإفرنجية
وأما الكواسع فهي ما يزيد من الحروف على آخر الكلمة. وقد بينا صحة هذا اللفظ في مجلتنا هذه (4: 33 إلى 43) وبالإفرنجية وما يزاد في قلب الكلمة يسمى محشيا أو محشية وأما الزوائد فكلمة تقع على ما يراد في أول الكلمة ووسطها وآخرها وبالإفرنجية
2 - شيوع الزوائد في اللغات الآرية
إن الزوائد بأقسامها الثلاثة معروفة في اللغات الآرية كالهندية واليونانية واللاتينية وجميع بناتها كالألمانية والإنكليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية إلى غيرها. أما في اللغات السامية فان المستشرقين قد أنكروها في مواطن وأثبتوها في مواطن. أما المواطن التي أثبتوها فهي مواطن أحرف الزيادة العشرة وأحرف المضارع الأربعة. وقد أنكروا علينا نحن العرب وجود الدواخل والكواسع والمحشيات في لغتنا اللهم إلا في ما ندر. والنادر كالعدم، وغايتنا من مقالنا هذا أن نثبت للقراء وجود الدواخل والكواسع وان الآريين جاروا العرب في اتخاذها في(8/15)
لغاتهم بل نذهب إلى أبعد من هذا ونقول: أن دواخلهم وكواسعهم من أصل عربي لا من أصل آري.
3 - دواخل اللغات اليافثية عربية النجار
في اللغة الرومانية وفروعها دواخل عديدة لم يهتد لغويوهم إلى إرجاعها إلى معنى مقبول حتى اليوم هذا. هذه داخلتهم التي تزاد في أول الكلم المبتدئة بحرف ساكن في مبتدأ الكلم الصائتة وتفيد معنى حرمان الحال أو العمل في الكلمة التي تتوج بها ويراد بها أيضاً أصل العمل وبدؤه وقد حاول لغويوهم رجعها إلى لفظة قطعت منها هذه الداخلة فلم يفلحوا في عملهم إلا أنهم يقولون أنها مقطوعة من كلمة وعددوا حروفا عديدة وكلها لم تقنع علماءهم الإثبات.
أما نحن فنقول إنها مقطوعة من (ضد) فاخذ السلف من هذه الكلمة - التي هي في أصلها هجاء واحد بحرفين - مرة الضاد فادخلوها على المضاعف الثلاثي في نظرهم (وهو في نظرنا لفظ ثنائي) حينما يكون أول الحرفين رقيقا ومرة (الدال) حينما يكون أول الحرفين فخما فمثال الدال على الأول قولك دحض حجته بمعنى أزالها وأبطلها وهو عكس قولك حضه: إذ معناه حثه على الشيء وأحماه عليه، ولا يكون ذلك إلا بإثبات الأمر فيه بان تقنعه بالأدلة أو الترغيب أو الوعد أو بنحو ذلك، فأنت ترى أن معنى دحض بعكس معنى حض فتكون الدال هنا للإزالة والحرمان - وتقول دحقت فلانا بمعنى طردته وأبعدته وهو ضد معنى حققته أي أثبته - وتقول: دحس الشيء ملأه والسنبل امتلأت أكمته من الحب وهو عكس قولك حسه أي قتله واستأصله. ففي الأول ترى ملء الحياة وفي الثاني انطفاء جذوتها وهناك غير هذه الأمثلة هذا في إدخال الدال في الأول.
وأما في إدخال الضاد فكقولك: رس البئر حفرها وضرسها طواها بالحجارة وهو عكس الأول. وتقول رب فلان بالمكان: إذا لزمه وأقام به وضرب في الأرض خرج تاجراً أو غازياً أو أسرع أو ذهب. وضرب بنفسه أقام وسافر ضد، فمن قال بان معنى ضرب بنفسه: أقام فانه يعتبر الراء زائدة فيكون اصله (ضب) بمعنى لصق بالأرض. ومن قال أن معنى ضرب بنفسه سافر فيكون(8/16)
اصله رب ثم ادخل الضاد ليعكس المعنى فقال: ضرب - وقالوا: رب الأمر أصلحه وأتمه - وضرب بين القوم: افسد فأنت ترى في معنى الأول الإصلاح وفي الثاني عكسه أي معنى الإفساد. ولو تتبعت هذا البحث وأمعنت في قلبه لتجلت لك هذه الحقيقة بكل محاسنها وفتنتك بجمالها.
هذا في الداخلة المنقولة عن (ضد) وهناك دواخل عديدة في اللغتين الآرية والسامية تجري
كلها على هذا المنحى من تحويل المعاني الأصلية إلى معان فرعية جاءتها من الدواخل عليها - دونك الآن الأداة في اللغة الرومانية وفروعها أو بناتها فإنها تعني التكرير والإعادة والمقابلة والمقاومة والعودة إلى حالة قديمة ولغويو الغرب قالوا لنا أنها مقطوعة من الرومانية راجع ص644 من تأليف - معجم أصل الألفاظ اللاتينية وبالألمانية
قلنا: أما الكلمة اللاتينية فتدعي بعربيتها (رد) والأصل واضح وقد قلنا أن كاسعتهم من زيادتهم والعربية خالية منها محتفظة بالأصل على وضعه الذي خلق فيه، فإذا كان كذلك فنحن العرب نفتخر بذلك. إلا أن القول بأنها من أصل (رد) لا يوجه جميع المعاني التي ذكرناها فويق هذا. والذي نذهب إليه هو أن الأصل مقطوع من راع يريع بمعنى نما وزاد وبمعنى رجع. وبذلك يصح توجيه جميع المعاني الناشئة في الألفاظ الداخلة عليها الراء المقطوعة من (راع) وأنت تعلم أن الأجوف المقلوب عن الياء كان يلفظه بالإمالة إلى الياء. زد على ذلك أن ليس في اللغات الغربية حرف العين فكان من المحتم أن تلفظ راع بالأحرف الإفرنجية لا غير.
أما في لغتنا الشريفة المحبوبة ألفاظا متوجة بالراء فهذا واضح من كلم كثيرة ترى في لساننا. من ذلك قولهم جس الشيء مسه بيده، والأخبار تفحصها وتقول: رجس الماء: قدره بالمرجاس ولا جرم أن معنى رجس الماء مأخوذ من مسه بالآلة المرة بعد المرة كما أن تفحص الأخبار لا يكون إلا بعد إعادة السؤال مرارا عديدة ولهذا نقول أن الرجس بهذا المعنى مأخوذين من الجس بزيادة الراء الداخلة عليه - وقال السلف: مث يده: مسحها بيده ورمث الشيء مسحه بيده، وقالوا:(8/17)
الرحامس: الجريء الشجاع وهو عندنا مشتق من الحمس وزيدت الراء في أوله لتفيد عمل الجريء الذي يتكرر في كل مرة تظهر فيها شجاعته. ومن لا يتكرر فيه العمل لا يقال له رحامس. والشواهد على ذلك أكثر من أن تحصى وكلها تؤيد مذهبنا هذا الذي لم يذكره أحد قبلنا.
ومما يدل على أن الداخلة الآرية أو اليافثية بحسب اصطلاح اللغويين الجدد مقطوعة من (راع) أن العرب سلفنا اتخذوا العين داخلة في بعض الأحيان بدلاً من الراء فقد قالوا مثلاً (عصفور) ويريدون به كل طائر صغير يكثر من الصفير ولا جرم أن الأصل هو (صفر) وأصل صفر هو (صف) وهو حكاية صوت الصفير في أبسط تركيبه ومنه في الإفرنجية
وكذلك في الرومانية وولما أرادوا الدلالة على أن هذا الطائر يكرر الصفير أدخلوا عليه العين المقطوعة من (راع) الذي تفيد الترجيع فصار معناه الطائر الذي يردد الصفير كثيراً، لكنهم زادوا اللفظة معنى آخر هو التصفير ومن صيغ التصغير عند الأقدمين (فعلول) فقالوا إذن (عصفور) الذي غدا معناه: طائر صغير يصفر صفيراً بل يعيد الصفير مراراً. وهذا معنى دقيق يكشفه لنا الإمعان في استكشاف أسرار اللغة.
نعم أن بعض الأقدمين من لغويينا إنما سمي العصفور عصفوراً لأنه عصا وفر. قاله حمزة ونقله صاحب التاج والدميري وغيرهما. أي أن هذا الطويئر سمي كذلك لأنه لما كان في الجنة عصى الله ففر منها. ونحمل ذلك على سبيل المزاح لا على سبيل الجد إذ العصفور كان يستطيع أن يفر قبل أن يدخل الجنة وليس العصفور وحده بل جميع الطيور على اختلاف أنواعها.
ومن الغريب أن لفظ العصفور يشبه الرومانية (أي قصر بقلب في الحروف) أما اليونانيون فانهم ابتعدوا عنا وعن مجاوريهم بقولهم (ستوثوس) والإنكليز يقربون منا في اللفظ إذ يقولون ويقاربنا أيضاً في الكلام الصكصون الأقدمون والغوط والدانيون والأسلنديون والجرمنيون وكل من تفرع من هذه الرسوس - ولا نريد أن نسترسل في هذه الداخلة لأن البحث طويل عريض ونكتفي بما ذكرنا.(8/18)
وهناك (أي عند الغربيون) داخلة أخرى هي وتفيد الدخول أو الإدخال فقولهم مثلاً مركب من (في) المشتقة من التي معناها الأرض والتراب. فيكون معنى فعلهم (أنهمر) أدخل الشيء في الأرض أي دفنه فمن أين أتتهم داخلتهم هذه أي (أن)؟ - أن لغويي الغربيين ذكروا عدة ألفاظ وكلها لا تفيد المطلوب إذ يرى فيها التكلف ظاهراً أو كما يقول الفرنسيون ترى أنها مجذوبة بالشعر أو مستخرجة بالقوة والعنف لا باللطف والعقل.
والذي عندنا أن (إن) مأخوذة من العربية (عند) ومعناها عند الفصحاء الأقدمين من القلب (بمعنى الفؤاد) وداخل الشيء، فقول الفرنسيين معناه: وضعه في عند الأرض أو قلبها أو داخلها أي وضعه في باطنها، فيكون معناه دفن أو أودع بطن الأرض ولما لم يكن عندهم حرف العين قلبوه همزة كما هو مألوف عادتهم وحذفوا منها الدال تخفيفاً، وقد تجيء الدال بصورة التاء ومنها عندهم أي داخل الشيء و (عنده) أي قلبه. فأنظر محاسن لغتنا وكيف
أنها تكشف لك ما في سائر الألسنة من الخبايا والمغلقات والطلاسم.
أما أن سلفنا أما أن سلفنا أستعمل (عند) داخلة في بعض كلامهم، فهذا واضح من النظر إلى بعض الألفاظ فأنك ترى في أوائلها مرة العين ومرة النون ومرة الدال إذ لا يمكن أن يستعملوها كلها بحذافيرها لكي لا تجتمع كلمتان تامتان في كلمة.
فاستعمال الدال في كلامهم ظاهر في (دخل) فأن أصلها (خل) يقال: خل الشيء: ثقبه ونفذه. (ودخل) إذا مضى في باطن الشيء المثقوب أو المنفوذ فيه أو ما يضاهي المثقوب بأن يكون له باطن يتمكن من الذهاب فيه. ومثال اتخاذ النون من (عند) داخلة قولهم: نفذ فأن أصله فذ أي طرد طرداً شديداً فإذا قلت نفذت هذا الشيء الآخر فكأنك قلت: طردته في عنده أو في قلبه أو داخله أي خرقته وجزئه. - ومثال دخول (عين) عند على بعض الألفاظ لأفادت المضي في بطن الشيء أو باطنه قولك: عقرت بفلان: حبسته وهو في الأصل مأخوذ من (قر) في المكان أي ثبت فيه وسكن، فأدخلت العين عليه لكي تفيد إيلاجه وقصره فيه. هذا الذي نراه نحن، أما غيرنا من اللغويين فأنهم يزعمون أن(8/19)
عقر بفلان بمعنى: حبسه مشتق من قولهم عقر بعيره فلم يقدر على السير. قلنا: ولم يقولوا هذا إلا للمشاكلة التي ترى بين عقر البعير وعقر بفلان. على حد ما قالوا أن العصفور مشتق من عصى وفر وأن الخندريس مشتق من خدر العروس وإبليس من بلس والإسطرلاب من أسطر ولأب! ولأب أسم علم عندهم، مع أنه لم يكن له وجود في العالم.
ولا نقف عند هذا الحد من ذكر الدواخل ففي لغات الأجانب لغات أخرى متوجة لمفرداتهم وهي في نظرنا مأخوذة من لغتنا. ومن هذا القبيل الداخلة أو فأم معناها عكس أي أنها تدل على الخروج والإخراج وقد حاولوا أن يجدوا لها لفظاً من لسانهم دالاً على المكان الخارج أو ما هو في خارج المحل فلم يعودوا إلا بما عاد به حنين. أما نحن فنقول أنها مقطوعة من (عقوة) التي تعني في لغتنا (ما حول الدار وساحتها ومحلتها وما كان خارجا عنها) وهذا لا تجده في لغتهم. فقد قلنا فويق هذا أن معنى (أنهمر) مثلاً مركب من (أن تخفيف عند) وهمس (كعنق) أي تراب أو أرض فيكون معنى الفعل وضع في الأرض. والآن إذا أرادوا أن يقولوا أخرج الشيء من مكانه الذي تحت الأرض يقولون (أكسهمر) بفتح الآخر أي نبشه أو أخرجه من القبر وعندنا أن أصل معناه: أخرجه إلى عقوة القبر أي
إلى خارجه أو إلى حوله أو ساحته.
أما أن السلف استعملوا قاف العقوة أو عينها أو كليهما معاً فظاهر من استقراء بعض المفردات الواردة في لغتهم، هذه كلمة العقنفس (كسفرجل) التي تعني العسر الأخرق واللئيم، فمن أين أتتنا؟ أتتنا من كلمتين من عق (وة) (ال) نفس أي خارج على النفس ولا يخرج عليها إلا كل عسر الأخلاق واللئيم ثم أبدلت الفاء من الباء على لغة فقالوا العقنبس. فأنت ترى أنهم استعملوا العين والقاف معاً. وفي قولهم عنشط الرجل استعملوا العين فقط ومعنى عنشط الرجل غضب ومعنى نشط طابت نفسه للعمل والغضب يخرج النفس من صاحبها لو أمكن لنا هذا التعبير من باب المجاز. أما إدخالهم القاف في الأول فكقولهم: القداحس الذي هو الشجاع والسيء الخلق وأصله عندنا الداحس أسم فاعل من دحس أي دس الشر من حيث لا يعلم وهو صفة ملازمة للسيء الخلق. فأنت(8/20)
ترى من هذا أن العربية غنية بنفسها تجود على غيرها بخيراتها وآلائها ومحاسنها فتكسبها رشاقة وجمالاً وثروة.
ومن الدواخل الرائجة في أسواق لغاتهم وتفيد معنى إذا وإلى وحتى ونحو ما يقارب هذه المعاني وتدخل في ألفاظ كثيرة من كلامهم وقد تتغول بصور أخرى مثل: ولم يذكروا لنا الكلمة الأصلية التي قطعت منها. والذي عندنا أنها مقطوعة من (حتى) وهي الكلمة العربية التي تفيد جميع معاني الداخلة اللاتينية التي انتقلت إلى جميع اللغات الغربية. فإذا أرادوا أن يقولوا: قاد إلى. . . عبروا عنها بقولهم وهي منحوتة من أي حتى أي قاد ومحصل المعنى: قاده إلى حيث أراد، أو قيد أي صار مقوداً. ولما كانت الحاء ثقيلة في دخولها على الألفاظ ولا وجود لها عندهم أبدلوها من الهمزة ولذا ترى كثيراً من الأفعال الواردة على أفعل هي في الأصل من هذا العنصر فقد قال السلف أهزل الرجل إذا أصاب ماله الهزال، وأجرب إذا أصابه الجرب وأرغد إذا صار في رغد من العيش. على أننا لا ننكر أن بعض همزات أفعل ليست مقطوعة أو مبدلة من (حتى) بل من مفردات أخرى. ومن هذا القبيل ورود الداخلة الإفرنجية بمعنى جعل للرجل شيئاً وهو يقارب المعنى السابق. فقد قالت العرب أجدادنا قبلهم أقبرت الرجل أي جعلت له قبراً يدفن فيه وأحلبت الرجل أي جعلت له ما يحلبه، وأركبته جعلت له ما يركبه، وأرعى الله الماشية
أي أنبت لها ما ترعاه، إلى غير هذه الأفعال. ومن دواخلهم وهي غير التي ذكرناها في الأول، وهذه تعني إزالة الشيء ونزعه أو نفيه أو خلطه بشيء آخر وموقفاً أعلى أو أسفل وقد تنتقل إلى أمام أصل يبتدأ باللام أو أمام الباء أو الميم أو الباء المثلثة وتنتقل إلى أمام أما أصل هذه لداخلة قلم يتوقفوا أيضاً للعثور عليه، وذهب كل فريق إلى رأي دون رأي الآخر.
والذي عندنا أن أصلها (لا) أو (ما) إذ الواحدة في الأصل لغة في الأخرى فإذا قالوا فأنها مركبة من (أن) أي لا أو ما و (فين) أي نهاية فيكون معناه اللانهاية له. وعندنا أن (ما) العربية التي نشأت منها اللاتينية أو ما يجانسها مقطوعة من (محو) فقالوا: (مو) ثم جعلوا الواو كما هو كثير(8/21)
الورود في لغات بعض القبائل فصارت (ما) فقول الأجانب (انفني) الممحو منه النهاية أو الغاية أو الآخر. هذا هو رأينا، وهذا الرأي يوجه الأداة الداخلة المذكورة أحسن توجيه.
أما اليوم فإذا أردنا أن نترجم ما يبتدئ بالأداة الداخلة الإفرنجية المذكورة فلا يجوز لنا إلا أن ننقله بقولنا اللانهاية أو اللاغاية له. أو أن نقول: غير منته. أما الوجه الأول فقد عرفه أجدادنا منذ أقدم العهد فقد قال عامر بن الظرب العدواني - وهو من خطباء الجاهلية -: أني أرى أموراً شتى وحتى، فقيل له: وما حتى؟ قال: حتى يرجع الميت حياً، ويعود (اللاشيء) شيئاً أه. ومن ذلك اصطلاحات فلاسفة العرب كقولهم: اللاأدرية واللانهاية واللادوام واللابقاء. وقد قال أبن عابدين بخصوص هذه (اللا) في كتابه (الفوائد العجيبة في أعراب الكلمات الغريبة) ما هذا نصه: (قولهم: هو كلا شيء ووجوده كلا وجود)، صارت (لا) مع ما بعدها كلمة واحدة واجري الأعراب على الآخر وعرفت باللام في مثل (اللآخر) وقيل: هو بمعنى (غير) إلا أن إعرابها ظهر ما بعدها لكونها على صورة الحرف، كما في (إلا) بمعنى (غير). انتهى كلامه.
فأنت ترى من هذا النقل أن تركيب (لا) مع غيرها من الكلم يصيرها في المعنى كالكلمة الواحدة المنحوتة ولأن هذا الضرب من النحت قديم في لغتنا من عهد الجاهلية - إذا كانت هذه الرواية التي نقلها صاحب العقد الفريد - صحيحة لا دس فيها ولا وضع ولا تزوير.
وهناك غير هذه الدواخل في لغات الأجانب ولجميعها وجه وتخريج في لغتنا اليعربية، مما
يطول تفصيله، وإنما أردنا الآن بهذا الإجمال إشارة إلى أن في لغتنا من النشاط والتجدد مالا مثيل له في سائر اللغات السامية والحامية واليافثية، فهي من أجمل اللغات وأطوعها لمبتدعات الفكر على أتساع أفقه في الخيال والمثال.
4 - الكواسع
أما الكواسع فكنا قد عقدنا لها باباً واسعاً في السنة الرابعة من مجلتنا (33: 7 إلى 44) فلتراجع.(8/22)
5 - الزوائد
إن المستشرقين ولغويي الغرب يسلمون للعرب أن في لسانهم زوائد تدخل على الأفعال وما يتصرف منها من المشتقات، وقد تكسع بها بعض الأفعال والأسماء المشتقة. على أن لغويينا ولغويي المستشرقين لا يعترفون أن هناك حروفاً تزاد في الكلم غير أحرف (سألتمونيها) التي تدخل على المزيد فيها والتي أربعة أحرف منها وهي - أحرف (نأيت) تدخل على المضارع أيضاً أما نحن فقد رأينا أن جميع حروف الهجاء قد تزداد فتكون دواخل وكواسع ومحشيات (أي تدخل في باطن الكلمة) وقد جمعنا شيئاً كثيراً من هذا القبيل ولا بد من ذكر بعض منها وقد دخلت عليها حروف غير أحرف الزيادة المعهودة ومنها ما قد كسعت بها ومنها ما قد حشيت بها.
6 - أمثلة الباء الداخلة
بجل من باب عظم أي صار بجيلا أي عظيماً وأصله جل بمعناه، وتبغنجت المرأة بالغت في التغنج وأصله تغنجت وبزمخ الرجل تكبر وأصله زمخ بمعناه وبخذعه وأصله خذعه أي قطعه إلى غيرها.
7 - أمثلة الباء المحشية أو المتوسطة
الحبر قصة الناقة الكريمة وأصلها الحرقصة بمعناها خبرق الشيء: ثقبه وأصله خرقه. وقد يقع القلب في خبرق فيقال خبرقه والمعنى يبقى واحداً. وتقول: ما عليها خربصيصة كما تقول: ما عليها خرص أي شيء من الحلي. وقد زيد فيها وياء وصاد ثانية طلباً للمبالغة في المعنى.
8 - أمثلة الكسع بالباء
العقرب وأصله العقر أي العض ثم كسعت بالباء زيادة لمعنى الألم، وقالوا خذعب الشيء أي قطعه وأصله خذعه، والسعابيب ما يمتد شبه الخيوط من العسل ونحوه وأصله السعب وقد زادوا في الكسع: الباء وتضعيف المثل الأخير كما زادوهما في الخربصيصة، وقالوا في جرع جرعب. وفي الدعب (أي الدعابة) الدعبب كقنفذ، إلى غيرها.
9 - أمثلة الحاء الداخلة
الحرقصة هي الرقص، والحضوضاة هي الضوضاء والحثفل كقنفذ وهو الثفل وهو شيء يكون في أسفل المرق من حثاث الطعام، وكذلك هو من اللحم(8/23)
ومن سائر المآكل وما يشبهها. والحنتوف وهو الذي ينتف لحيته من هيجان المرار به وهو من النتف. وحبك عنقه دقها مثل بكها وقد ذكرنا في هذا المقال أن دحض من حض ودحق من حق وثم ألفاظ لا تحصى.
10 - أمثلة الحاء المحشية
بحثر اللبن تقطع وحبب وهو مشتق من البثر كأنه صار فيه شيء كالبثر - جحدله صرعه ومثله جدله أي صرعه على الجدالة وهي الأرض - والجحرش كجعغر الفرس الغليظ المجتمع الخلق والأصل فيه الجش يقال موضع جش أي خشن الحجارة فكأنك تقول عن الفرس هو الخشن الأخطاء الغليظها وقد قال اللغويون بعد أبن فارس: أن أصل مادة الجش الخشونة والجحرش من الجش بزيادة الحاء والراء، وقد وقع القلب في الجحرش فقالوا الجحشر وأصل المعنى باق فيه وأن أختلف في مؤداه شيء للدلالة على هذا الاختلاف والجحرش كجعفر وقنفذ والجحاشر كعلابط: الضخم الحادر الجسيم العبل المفاصل العظيم الخلق، إلى غير هذه المفردات وهي كثيرة.
11 - أمثلة الحاء الكاسعة
قالوا ما في الدار دبي أي أحد ومثله دبيح وجزح من ماله جزحة أي قطع له منه قطعة وأصله جز، وفلح الشيء شقه وقطعه وهو من فله.
12 - أمثلة العين الداخلة
علبوب القوم: خيارهم مثل لبهم، وقد زادوا فيه أيضاً الواو وضعفوا الباء كما مر مثل هذا في السعبيب والخربصيص - وعكر على الشيء مثل كر عليه - والعمرس: القوي. قال أبن فارس في كتاب المقاييس: هذا ما زيدت فيه العين وإنما هو من الشيء المرس وهو الشديد الفتل، وعلد الشيء (كعلم) صلب وأشتد وهو من لدن فلان: اشتدت خصومته. والعلس ما يؤكل ويشرب، وهو من اللس الذي هو الأكل.
13 - أمثلة العين المحشية
معس الشيء مأخوذ من المس - ماج البحر مثل معج أي هاج - القعموط: القمط أو القماط وهناك غيرها كثيرة.(8/24)
14 - أمثلة العين الكاسعة
جزع من المال جزعة أي قطع له منه قطعة، هو من جز الشعر والحشيش قطعه - الجمع مأخوذ من الجم وهو الكثير من كل شيء - جرع الماء بلعه وهو مأخوذ من الجر كأن معدته جرتها إليها، جدع أنفه أو أذنه أو يده أو شفته مأخوذة من الجد وهو القطع وزيدت العين في الآخر للدلالة على قطع (عضو) من - قطع الشيء مأخوذ من قط وهو حكاية صوت قطعة.
15 - أمثلة الفاء في الأول
فصح اللبن: أخذت عنه الرغوة، وهو مأخوذ من صحت السماء: إذا ذهب الغيم عنها، الفدوكس مثل الدوكس وهو الأسد، فرتك الرجل: مشى مشية متقاربة ورتك البعير قارب خطوة في رملانه، ومؤدى فرتخ كمعنى رتخ.
16 - أمثلة فاء التحشية
كن الشيء: ستره وغطاه وأخفاه وكفن الخبزة في الملة واراها بها. - كفت الطائر وغيره: أسرع في الطيران والعدو. وهو من كت فلان قارب الخطوة في سرعة.
17 - أمثلة فاء الكسع
نشف الغدير مأخوذة من نش. خطرف البعير مثل خطر. - الخذروف كالخذرة وهو طين
يلعب به الصبيان - الخنطرف كالخنطير.
18 - كلمات فيها القاف الداخلة
القلب (بالضم) كاللب (بالضم) القرقفة الرعدة وهي مأخوذة من أرقف (راجع اللسان والتاج ففيهما فوائد لا يحتمل سردها هنا لضيق المقام).
19 - كلمات فيها القاف زائدة في الحشو
الزحنقف: الزاحف على أسته والقياس من جهة الاشتقاق أن يكون بفاءين من زحف (القاموس) العقنقل: النون والقاف فيه زائدتان.
20 - كلمات فيها القاف زائدة في الآخر
زل وزلق. حذ وحذق إلى غيرهما
وفي كل هذه الحروف وأمثالها ألفاظ لا تحصى ونحن لا نريد أن يمتد نفسنا إلى ما وراء ما ذكرنا لأن الموضوع متسع الأرجاء ولا تكفيه المقالة والمقالتان بل لا يوفيه حقه إلا كتاب قائم برأسه وإنما أردنا أن نشير إلى المبحث إشارة عجلان لكي لا يتوهم الغافل أن لغتنا قاصرة عن مجاراة لغات الدنيا قاطبة وبهذا القدر كفاية لمن يريد أن يستهدي.(8/25)
21 - تذييل في الكواسع
كتب الأستاذ بندلي جوزي من جامعة باكو في روسية مقالاً في (الكلية 1: 16 إلى 8) يفند على زعمه ما حبرناه في الهلال بعنوان: اللغة العربية مفتاح اللغات (206: 37) وكنا نتوقع أن يكون في هذا الرد ما يدل على ذكاء صاحبه وإذا هو أظهر الخلاف ونحن نرجئ التفصيل ريثما يتسع لنا المقام في هذه المجلة لتزييف مزاعمه الواهنة الواهية إلا أننا نذكر هنا ما قاله عن الكواسع (ص6 في الحاشية) وهذا نصه بحروفه (اصطلحنا أن نؤدي كلمة بالملحقة وبالمقحمة وبالمضافة أو المصدرة. فاحفظ ذلك ولا تستهوك كلمة (كاسعة) التي أختارها حضرة الأب لتأدية معنى وهي من قولهم كسمت (كذا بالميم ولا جرم أنها من غلط الطبع والصواب كسعت) الخيل بأذنابها أي أدخلتها بين أذنابها (كذا، ومن يشك فليرجع إلى الأصل) فقد حان لنا أن نقيم ولو قليلاً على بعد من البعر والجمال وأذناب الخيل. . .).
قلنا: فكم من غلط في هذه الكليمات! ثم كم يكون عدد تلك الهفوات لو أردنا أن نبين ما في رده كله من الشنائع؟
وأول أوهامه هنا أنه أتخذ أسم المفعول للدلالة على هذه الأدوات، وكان عليه أن يصوغها على أسم الفاعل وهذا الأمر لا يظهر في قوله الملحقة والمقحمة لأنه لم يضبطهما، إلا أنه يتضح في (المصدرة) إذ ضبطها بفتح الدال المشددة وذلك لأن السلف ينسبون إلى الأداة ما ينسب إلى الرجل العاقل لأنها تتوب عنه ولهذا لا ترى بين أسماء الأدوات ألفاظا مفرغة بصيغة المفعول بل بصيغة الفاعل (راجع لغة العرب 16: 5 إلى 22) وسوف ترى دليلاً آخر فيما يأتي:
والثاني أنه سمى الحرف الداخل في الحشو (مقحمة) وهو ليس كذلك إنما الحرف يوضع في قلب الكلمة بمنزلة حشو لها لأحداث معنى خاص بها ولا يقحم فيها إقحاما ولهذا كان عليه أن يسميه (محشية أو حاشية) إلا أن (محشية) أحسن لأن لفظ (الحاشية) أنصرف إلى طرة الكتاب، ولهذا يحسن بنا أن نتخذ للمعنى الجديد وضعاً خاصاً به.
والثالث أن قوله إننا سمينا كلسعة من محض بهتانه لنا إنما أردنا(8/26)
بالكلسعة وما عليه إلا مراجعة ما كتبناه ليتحقق صدق ما نقول. فبالكالسعة أذن حرف يوضع في مؤخر الكلمة لإنشاء معنى جديد في تركيبها وقد سميناها أيضاً (اللاحقة والمذيلة) (راجع لغة العرب 33: 4 إلى 38 المقالة المعنونة (حروف الكسع في الألفاظ العربية والمعربات).
والرابع ظنه إيانا الواضعين لهذه اللفظة والتحقيق أننا نقلناها عن كلام بلغاء الأقدمين كما سترى (راجع لغة العرب 33: 4).
والخامس أنه أدعى كون الكاسعة مشتقة من كسعت الخيل (بأذنابها) أي أدخلتها بين (أذنابها) فلم نفهم هذا الكلام، اللهم إلا أن يكون بالروسية إذ كيف تدخل الخيل (أذنابها) بين (أذنابها) فهل يستطيع أن يوضح لنا ذلك وبأي صورة يكون؟ والصواب: أدخلت (أذنابها) بين (أرجلها) كما يتضح بأقل تأمل لمن لا يشرب الفودكة.
والسادس قوله أن الكاسعة مشتقة من كسع الخيل وهو وهم ظاهر والصحيح أن كسع لغة في كسأ بهمزة في الآخر وكسأ (بهمزة بعد السين) كل شئ مؤخره فيكون معنى كسأه تبعه أو أتبعه. فالكاسعة أداة تتبع آخر حرف الكلمة أو تكون في مؤخرها.
والسابع قوله: (فقد حان لنا أن نقيم ولو (قليلاً) على بعد من البعر) لا معنى له، ولعل مراده (نقيم بعض الأحيان) ليصح أن يكون على بعد من البعر في أحيان الحاجة إلى الابتعاد إذ يجوز لبعض الناس أن يترددوا إليه من غير أن يقيموا بجانبه دائماً، وإلا فلو أقاموا (قليلاً) على بعد منه رجعوا إليه من جديد مجاورين له بعد مضي هذا (القليل). أفهمت يا مولاي الأستاذ في جامعة باكو والدكتور في الآداب؟.
والثامن جهله أن الإقامة بين الجمال والخيل عند الحاجة هي من الضروريات فهؤلاء متمدنو هذا العصر يبحثون في (البعر) ودحاريج الجعلان عن الحقائق العلمية التي تتعلق بالدويبات التي تعيش فيها فلماذا يأنف صاحبنا من مثل هذا الأمر لو فرضنا جدلاً أنه محق في اشتقاق الكاسعة؟.(8/27)
والتاسع: أننا لم نضع هذه الكلمة أي الكاسعة بل سبقنا إليها اللغويون الكبار الأقدمون فاتبعناهم وشهرنا اللفظة في هذا الأوان. قال الأزهري في كتابه التهذيب في مادة عندل: (العندليب رباعي أصله العندل، ثم مد بياء وكسعت (بصيغة ما لم يسم فاعله) بلام مكررة ثم قلبت باء) اهـ (وراجع التاج في مادة عندل). وقال في التاج في مادة ددد في شرحه كلام الطرماح (. . . آل الضحى ناشطا من داعب ددد، قال الليث: وإنما قال ددد لأنه لما جعله نعتاً لداعب كسعه أي أتبعه (هذا معنى كسعه لا ما قال الخصم. وأصل ددد: (دد أو ددا)) بدال ثالثة وإنما عبر بالكسع إغراباً وإيماء إلى وقوع مثله في كلام بعض الأقدمين من الصرفيين. قاله شيخنا.) اهـ كلامه، وقال في رخد:. . . قال أبو الهيثم: الرخود: الرخو زيدت فيه دال وشددت مكسوعا بها كما يقال فعم وفعمل. اهـ عن التاج واللسان وهناك غير هذه الشواهد فاجتزأتا بما ذكرنا.
أفرأيت الآن من واضع الكاسعة وأنها يجب أن تكون بصيغة الفاعل لا بصيغة المجهول إذ الأداة كاسعة والكلمة مكسوعة؟ فإذا علمت يا أيها الأستاذ في جامعة باكو والدكتور في العلوم الأدبية (؟) عرفت أنك واهم تسعة أوهام في ثلاثة أسطر من مجلة الكلية - وتبين لك أن مقالك كله من هذا النسيج، نسيج العنكبوت، نسيج الخطأ والخطل وأن سكوتك كان أشرف لك من أن تعلن على رؤوس الملا جهلك هذا الشائن الفظيع فكيف تكون حالك حين نزيف مقالك كله وما فيه من الآراء السخيفة وقد وقع في ثماني صفحات؟
(الخلاصة)
أن لغتنا من أرقى اللغات ومن أتمها وضعا وأحسن تركيبا، وفيها الدواخل والكواسع والمحشيات كما في اللغات اليافثية، بخلاف ما ينكره علينا علماء الغرب من المستشرقين وبعض الشعوبية من العرب، وأن الألفاظ الدواخل والكواسع زعمه بعض المغفلين المتقعرين وما سواها من الأسماء يعد من سقط المتاع.(8/28)
اليأمور
ذكر أبو عثمان عمرو بن بحر الجاحظ المتوفي سنة 255هـ 869م اليأمور في باب الظلف فقال:
(وهي الظباء وهي معز والمعز أجناس والبقر الوحشي ذات أظلاف وهي بالمعز أشبه منها بالبقر الأهلي وفي ذلك تسمى نعاجا وليس بينها وبين الظباء وأن كانت ذوات جرة وكرزش وقرون وأظلاف تسافد ولا تلافح وهي تشبهها في الشعر عدم السنام ومن الظلف الوعل والتيتل واليأمور والأيل جبليات كلها).
وقال ابن سيده المتوفي سنة 458هـ 1066م.
(قال أبن دريد، اليأمور جنس من الأوعال أو شبيه بها).
وقال الصاغاني المتوفي سنة 650هـ 1253م في كتاب يفعول
(اليأمور لغة في من يهمزه قال الليث هو من دواب البر يجري على من قتله في الحرم والإحرام إذا صيد الحكم.
وذكر الجاحظ اليأمور في باب الأوعال الجبلية والأيايل والأروى وقال هو أسم لجنس منها. وقال أبن دريد: هو جنس من الأوعال أو شبيه بها).
وقال ابن مكرم الأفريقي المتوفي سنة 711هـ 1311م
اليأمور: بغير همز الذكر من الأيل، الليث اليأمور من البحر يجري على من قتله في الحرام أو الإحرام. وذكر عمرو بن بحر اليأمور في باب الأوعال الجبلية والأياييل والأروى وهو أسم لجنس منها بوزن يعمور. واليعمور الجدي وجمعه اليعامير). وقال الدميري المتوفي سنة 808هـ 1405م:
اليأمور: قال أبن سيده هو جنس من الأوعال أو شبيه به له قرن واحد(8/29)
متشعب في وسط رأسه وقال غيره أنه الذكر من الأيل له قرنان كالمنشارين أكثر أحواله تشبه أحوال البقر الوحشي يأوي إلى المواضع التي ألتفت أشجارها وإذا شرب الماء ظهر بنشاط فيعدو ويلعب بين الأشجار وربما ينشب قرناه في شعب الأشجار فلا يقدر على خلاصهما فيصيح والناس إذا سمعوا صياحه ذهبوا إليه وصادوه. وقال الفيروزابادي المتوفي سنة 817هـ
1414:
اليأمور: (الذكر من الإبل) بالباء الموحدة.
وزاد طابع نسخة المطبعة الميمنية على الهامش
(قوله اليأمور الذكر من الإبل كذا في سائر النسخ بالباء الموحدة وصوابه الأيل بتشديد المثناة التحتية المكسورة وذكر عمر بن بحر اليأمور في باب الأوعال الجبلية والأيايل والأروي وهو أسم الجنس منها. انتهى كلام الشارح.
وجاءت في هذا الهامش اليأمور بالباء الموحدة التحتية وعمرو بلا واو والجباية بدلاً من الجبلية مما يدل على عدم العناية بطبع هذه النسخة أو هوامشها على الأقل وقال السيد مرتضى الزبيدي المتوفي سنة 1205هـ 1790م:
اليأمور: بغير همز أهمله الجوهري والصاغاني وقال الليث هو الذكر من الإبل كذا في سائر النسخ بالباء الموحدة وصوابه الأيل بتشديد التحتية المكسورة وذكر عمرو بن بحر اليأمور في باب الأوعال الجبلية والأياييل والأروى وهو أسم لجنس منها.
فترى مما تقدم أن الفيروزابادي أو الذين نسخوا كتابه قد خلطوا بين الإبل والأيل. وقد تقدم في كلام الصاغاني أن الليث يعتبره من دواب البر في حين أن أبن مكرم الأفريقي يروي عن الليث نفسه أنه من دواب البحر ونظن أن ذلك من خطأ النسخ أو الطبع أيضاً.
وقد وضع صديقنا الأجل عالم مصر الأستاذ أحمد تيمور باشا رسالة ممتعة في تصحيح القاموس أتى فيها على أغلاط النسخ والطبع ولكنه لم يذكر فيها(8/30)
هذه الغلطة التي اطلعت عليها عرضاً ولعل الأستاذ اكتفى بما أشار إليه شارح القاموس في تاجه المرصع بأنواع الجواهر أو أنه أقتصر في رسالته على الأغلاط فقط ولم يتناول أوهام المؤلف كما تناولها في رسالته (تصحيح لسان العرب).
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
(لغة العرب) أختلف العلماء في حقيقة هذا الحيوان اختلاف أبناء الغرب فيه، والمشهور أن اليأمور (وهو بياء مثناة في الأول) حيوان سماه اليونانيون وذكره أرسطوطاليس وفلوطرخس واليانس والترجمة السبعينية وصاحب الزيور وأسمه بالفرنسية أو وقد رأى علماء الغرب في عهدنا هذا أن المقصود باليأمور ضرب من البقر الوحشي أسمه الأرخ
وبلسان العلم وقال آخرون أنه اليحمور نفسه وما الهمزة في اليأمور إلا تخفيف الحاء وبلسان العلم وذهب آخرون إلى أن اليأمور هو الوحيد القرن أو الكركدن وجاء بهذا المعنى الزبعري والكركند والحريش والمرميس والهرميس والنوشان والنزك والحمار الهندي والسناد والريم والسرناس إلى غيرها من الأسماء وأنت ترى من هذا أن الإفرنج اعتبروا اليأمور مرة كالأيل وأخرى كالثور. وقد سموا بوحيد القرن أيضاً حيواناً بحرياً هو لأن له قرناً طويلاً في مقدم رأسه والذي حققه الدكتور أمين بك المعلوف في المقتطف (358: 34) أن اليأمور هوالمسمى عند الإفرنج وبالإنكليزية وكذا قال محمد شرف بك في معجمه فأنه ذكر بازاء الإنكليزية المذكورة هذه الكلمات، جزمة ظبية، أنثى الأيل، ظبية برية، اليحمور واليأمور (بالعبرانية والسريانية) اه. وقد يصح هذا المسمى في بعض ما عناه السلف لكنه لا يصح في جميع أحواله. ونحن لم نجد الجزمة (كغرفة) في كتبنا بهذا المعنى. أما الظبية فغير أنثى الأيل واليأمور غير اليحمور عند المحققين والعبريون لا يعرفون إلا اليحمور ويسمونه كذلك. وكذلك قل عن السريان فانهم يحموراً. أما اليأمور فهو بالعربية فقط. هذا ما وصل إليه تتبعنا بوجه الاختصار ولعل بين القراء من يفيدنا أكثر من هذا.(8/31)
رسالة في النابتة
هذه رسالة لأبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ إلى أبي الوليد محمد بن أحمد بن أبي داود في النابتة:
حضرة صديقي الأب أنستاس الكرملي المحترم:
كنت بعثت لكم بأرجوزة في الظاء والضاد منسوبة لأبن قتيبة وجدتها في مجموعة خطية في مدرسة الحجيات في الموصل فأدرجتموها في مجلتكم في جزئها السادس من سنتها السابعة. ووجدت قد وقع فيها أغلاط مطبعية لابد أنكم أشرتم إلى تصحيحها. وأطلعت بعد ذلك على مقال للفاضل ف كرنكو ينكر نسبة الأرجوزة المذكورة لأبن قتيبة، أما أنا فلا أؤيد هذه النسبة ولا أنكرها إنما أقول أني نقلتها بأمانة كما وجدتها.
والآن أقدم لكم رسالة للجاحظ منقولة من المجموعة نفسها اجتهدت بتصحيح بعض أغلاطها وذكرت الخطأ كما هو لأمانة النقل وذكرت تصحيحي عقبه بين عضادتين. أرجو نشرها في مجلتكم الغراء أن وجدتم في نشرها فائدة وأقبلوا مني فائق الاحترام.
الموصل: الدكتور داود الجلبي
بسم الله الرحمن الرحيم وبه العون
أطال الله بقاءك وأتم نعمته عليك وكرامته لك. أعلم أرشد اله أمرك أن هذه الأمة قد صارت بعد إسلامها والخروج من جاهليتها إلى طبقات متفاوتة ومنازل مختلفة. فالطبقة الأولى عصر النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وست سنين من خلافة عثمان (رض) كانوا على التوحيد الصحيح والإخلاص المخلص مع الألفة واجتماع الكلمة على الكتاب والسنة وليس هناك عمل قبيح ولا بدعة فاحشة ولا نزع يد من طاعة ولا حسد ولا غل ولا تأول حتى كان الذي كان من قتل عثمان وما أنتهك منه ومن خبطهم إياه بالسلاح وبعج بطنه بالحراب(8/32)
وفري أوداجه بالمشاقص وشدخ هامته بالعمد مع كفه عن البسط ونهيه عن الامتناع (كذا ولا يستقيم له معنى) مع تعريفه لهم قبل ذلك من كم وجه لا يجوز قتل من شهد الشهادة وصل القبلة (لعلها إلى القبلة) وأكل الذبيحة ومع ضرب نسائه بحضرته وإقحام الرجال على حرمته مع ايقاء (لعله اتقاء) نائلة بنت الفرافصة بيدها حتى أطنوا (أي
قطعوا) إصبعين من أصابعها وقد كشفت عن قناعها ورفعت عن ديلها (ذيلها) ليكون ذلك ردعاً لهم وكاسراً من (لعله عنتهم) مع وطئهم في أضلاعه بعد موته وإلقائهم على المزبلة بعد سحبه وهي الجزرة التي جعلها رسول الله صلى الله عليه وسلم كفوا وأياماه وعقائله بعد السب والتعطيش والحصر الشديد والمنع من القوت مع احتجاجه عليهم وإفحامه لهم ومع اجتماعهم على أن دم الفاسق حرام كدم المؤمن إلا من أرتد بعد الإسلام أو زنى بعد إحصان أو قتل مؤمنا على عمد أو رجل عدا على الناس بسيفه فكان في امتناعهم منه عطبه ومع اجتماعهم على أن لا يقبل (يقتل) من هذه الأمة مولى ولا يجهز منها على جريح ثم مع ذلك كله دفروا (وفضوا) عليه وعلى أزواجه وحرمه وهو جالس في محرابه ومصحفه يلوح في حجره أن يرى أن موحداً يقدم على قتل من كان في مثل صفته وحاله لا جرم لقد اجتلبوا به ذما (دما) لا تطير رغوته ولا تسكن فورته ولا يموت ثائره ولا يكل طالبه. وكيف يضيع دم الله وليه والمنتقم؟ وما سمعنا بدم بعد دم يحيى بن زكريا (عم) غلا (غلى) غليانه وقتل سافحه وأدرك بطائله وبلغ كل محبته (؟؟) كدمه رضي الله عنه ورحمه.
ولقد كان لهم في أخذه وفي إمامته (؟) للناس والاقتصاص منه وفي بيع ما ظهر من رياعه وحدائقه وسائر أقواله (أمواله) وفي حبسه بما بقي عليه وفي ظهره (طرده) حتى لا يحس بذكره ما يغنيهم عن قتله أن كان قد ركب كلما قدموه (كل ما قذفوه) به أو أودعوه وهذا كله بحضرة جله المهاجرين والسلف المتقدمين والأنصار والتابعين ولكن الناس كانوا على طبقات مختلفة ومراتب متباينة من قاتل ومن شاد على عضده ومن خاذل عن نصرته والعاجز ناصر بإرادته ومطيع بحسن نيته. وإنما الشك منا فيه وفي خاذله ومن أراد(8/33)
عزله والاستبدال به فأما القاتل والمعين على دمه والمريد لذلك منه فضلال لا شك فيهم ومراق لا إمتراء في حكمهم على هذا لم يعد منهم الفجور أما على سواء تأويل وأما على تعمد للشقاء.
ثم ما زالت الفتن متصلة والحروب مترادفة كحرب الجمل وكوقائع صفين وكيوم النهروان وقبل ذلك يوم الزابوقة وفيه أسر أبو حيف وقتل حكيم بن جبلة إلى أن قتل أشقاها علي بن أبي طالب رض فأسعده الله تعالى بالشهادة وأوجب لقاتله النار واللعنة. إلى أن كان من اعتزال الحسن رض الحروب وتخليه الأمور عند انتشار وكثرة تلونهم عليه فعندها استوى
معاوية على الملك واستند على بقية الشورى وعلى جماعة المسلمين من الأنصار والمهاجرين في العام الذي سموه عام الجماعة. وما كان عام جماعة بل كان عام فرقة وقهر وجبرية وغلبة والعام الذي تحولت فيه الإمامة ملكا كسرويا والخلافة عضبا (غصبا) قيصريا ولم يعد ذلك اجمع الضلال والفسق ثم ما زالت معاصيه من جنس ما حكينا وعلى منازل ما رتبنا حتى رد قضية رسول الله ص ردا مكشوفا وجحد حكمه جحدا ظاهرا في ولد الفراش وما يجب للعاهر مع إجماع الأمة أن سمية لم تكن لأبي سفين (سفيان) فراشا وانه إنما كان بها عاهرا. فخرج بذلك من حكم الفجار إلى حكم الكفار وليس قتل حجر بن عدي وإطعام عمرو بن العاص خراج مصر وبيعة يزيد الخليع والاستئثار بالعي (بالفيء) واختبار (واختيار) الولاة على الهوى وتعطيل الحدود بالشفاعة والقرابة من جنس حد الأحكام المنصوصة والشرائع المشهورة والسنن المنصوبة وسواء في باب ما يستحق من الأكفار حجر الكتاب ورد السنة إذا كانت السنة في شهرة الكتاب وظهوره. إلا أن أحدهما اعظم وعقاب الآخرة عليه أشد فهذه أول كفرة كانت في الأمة.
ثم لم يكن إلا فمن (لم تكن إلا ممن) يدعي إمامتها والخلافة عليها على أن كثيرا من أهل ذلك العصر قد كفروا بترك اكفاره وقد أربت عليهم ثابتة (نابتة) عصرنا ومبتدعة دهرنا فقالت لا قوة (لا تسبوه) فان له صحبة وسب معوية (معاوية) بدعة. ومن يبغضه فقد خالف السنة فزعمت أن من السنة ترك البراءة ممن ترك السنة. ثم الذي كان من يزيد ابنه ومن عماله وأهل(8/34)
نصرته ثم غزو مكة واستباحة المدينة وقتل الحسين رض في اكثر أهل بيته مصابيح الظلام وأوتاد الإسلام بعد الذي أعطا (أعطى) من نفسه من تفريق اتباعه والرجوع إلى داره وحرمه أو الذهاب في الأرض حتى لا يحس به أو المقام حيث أحر (أمر) به فأبوا إلا قتله والنزول على حكمهم وسواء قتل نفسه بيده أو أسلمها إلى عدوه وخير فيها من لا يبرد غليله إلا بشرب دمه فاحسبوا قتله ليس بكفر وإباحة المدينة وهتك الحرمة ليس بحجة. كيف يقول (تقولون أو يقال) في رمي الكعبة وهدم البيت الحرام وقتله المسلمين فان قلتم ليس ذلك أرادوا بل إنما أرادوا المتخرب به والمتحصن بحيطانه. أفما كان في حق البيت وحريمه أن يحصروه فيه إلى أن يعطي بيده وأي شيء بقي من رجل قد أخذت عليه الأرض إلا موضع قدمه واحسب مما رووا عليه من الأشعار التي قولها
شرك والتمثيل (التمثل) بها كفرا وشيا (شيئا) مصنوعا كيف يصنع بنقر القضيب بين ثنيتي الحسين عم وحمل بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم حواسر على الاقتاب العارية والإبل الصعاب والكشف عن عورة علي بن الحسين عند الشك في بلوغه على انهم أن وجدوه وقد انبت قتلوه وان لم يكن انبت حملوه كما يصنع أمير جيش المسلمين بذراري المشركين. وكيف يقول في قول عبيد الله بن زياد لاخوته وخاصته دعوني اقتله فانه بقية هذا النسل فاحسم به هذا القرن وأميت به هذا الداء واقطع به هذه المادة.
خبرونا على ما يدل هذه القسوة وهذه الغلظة بعد أن شفوا نفوسهم بقتلهم ونالوا ما احبوا فيهم (منهم) أيدل على نصب وسوء رأي وحقد وبغض ونفاق وعلى يقين مدخول وإيمان ممزوج أم يدل على الإخلاص وعلى حب النبي (عم) والحفظ له وعلى براة (براءة) الساحة وصحة السريرة. فان كان على ما وصفنا لا يعدوا (لا يعدو) الفسق والضلال وذلك أدنى منازلة فالفاسق ملعون ومن نهى عن لعن الملعون فملعون.
وزعمت نابتة عصرنا ومبتدعة دهرنا أن سبب ولاة السوء فتنة ولعن الجورة بدعة وان كانوا يأخذون السمي بالسمي والولي بالولي والقريب بالقريب وأخافوا الأولياء وآمنوا الأعداء وحكموا بالشفاعة والهوى وإظهار القدرة والتهاون بالأمة(8/35)
والقمع للرعية وانهم في غير مدارة ولا تقية وان عدا ذلك إلى الكفر وجاوز الضلال إلى الجحد فذاك أضل لمن كف عن شيمتهم (شتمهم) والبراة (والبراءة) منهم على انه ليس من استحق اسم الكفر بالقتل كمن استحقه برد السنة وهدم الكعبة. وليس من استحق اسم الكفر بذلك كمن شبه الله بخلقه وليس من استحق الكفر بالتشبيه كمن استحقه بالتجويز. والنابتة في هذا الوجه اكفر من يزيد وأبيه وابن زياد وأبيه ولو ثبت على يزيد انه تمثل بقول ابن الهعري (الزبعري):
ليت أشياخي ببدر شهدوا ... جزع الخزرج من وقع الاسل
لاستطاروا واستهلوا فرحا ... ثم قالوا يد زيد لا تشل
قد قتلنا الغر من سادتهم ... وعدلناه ببدر فعدل
كان تجويز النابتي (؟) لربه وتشبيهه بخلقه اعظم من ذلك وافظع على انهم مجمعون على انه ملعون من قتل مؤمنا متعمدا أو متأولا. فإذا كان القاتل سلطانا جائرا أو أميرا عاصيا لم يستحلوا سبه ولا خلعه ولا نفيه ولا عيبه وان أخاف الصلحاء وقتل الفقهاء وأجاع الفقير
وظلم الضعيف وعطل الحدود والثغور وشرب الخمور واظهر الفجور. ثم ما زال الناس يتشكعون (يتشكون) مرة ويداهنونهم مرة ويقاربونهم مرة ويشاركونهم مرة إلا بقية ممن عصمه الله تعالى حتى قام عبد الملك بن مروان وابنه الوليد وعاملهما الحجاج بن يوسف ومولاه يزيد بن أبي سلمة فأعادوا (الكرة) على البيت بالهدم وعلى حرم المدينة بالغزو فهدموا الكعبة واستباحوا الحرمة وحولوا قبلة واسط وأخروا صلاة الجمعة إلى مغيربان الشمس. فان قال رجل لأحدهم اتق الله فقد أخرت الصلوة عن وقتها قتله على هذا القول جهارا غير ختل وعلانية غير سر. ولا يعلم القتل على ذلك إلا اقبح من إنكاره (؟) فكيف يكفر العبد بشيء ولا يكفر بأعظم منه. وقد كان بعض الصالحين ربما وعظ الجبابرة (الجبار) وخوفه العواقب واراه أن في الناس بقية ينهون عن الفساد في الأرض حتى قام عبد (الملك) بن مروان والحجاج بن يوسف فزجرا عن ذلك وعاقبا عليه وقتلا فيه فصاروا لا يتناهون عن منكر فعلوه فاحسب تحويل القبلة كان غلطا وهدم البيت كان تأويلا واحسب(8/36)
ما رووا من كل وجه انهم كانوا يزعمون أن خليفة المرء في أهله ارفع عنده من رسوله باطلا ومصنوعا موكدا. واحسب وسم أيدي المسلمين ونقش أيدي المسلمات وردهم بعد الهجرة إلى القرى وقتل الفقهاء وسب أئمة الهدى والنصب لعترة رسول الله ص يكون كفرا كيف نقول في جمع ثلاث صلوات ولا يصلون أولاهن حتى تصير الشمس على أهالي الجدران كالملا فان نطق مسلم خبط بالسيف وأخذته العمد وشك بالرماح، وان قال الله أخذته العزة بالآثم ثم لم يرض إلا (بنثر) دماغه على صدره وبصلبه حتى يراه عياله.
ومما يدل على أن القوم لم يكونوا إلا في طريق التمرد على الله عز وجل والاستخفاف بالدين والتهاون بالمسلمين والابتذال لأهل الحق أكل أمرائهم الطعام وشربهم الشراب على منابرهم أيام جمعهم وجموعهم فعل ذلك حسن بن دلجة وطارق مولى عثمان والحجاج بن يوسف وغيرهم وذلك أن كان كفرا كله فلم يبلغ كفر نابتة عصرنا وروافض دهرنا لان جنس كفرها ولا غبر كفر أولئك. كان اختلاف الناس في القدر على أن طائفة تقول كل شيء بقضاء وقدر وتقول الطائفة الأخرى كل شيء بقضاء وقدر إلا المعاصي ولم يكن أحد يقول أن الله يعذب الأبناء ليغيط (ليغيظ) الأباء وان الكفر والإيمان مخلوقان في الإنسان مثل العمى والبصر. وكانت طائفة منهم تقول أن الله لا يرى لا تزيد على ذلك فان خافت
أن نظى (يظن) بها التشبيه قالت يرى بلا كيف تعريا من التجسيم والتصوير حتى نبت (نبتت) هذه النابتة وتكلمت هذه الرافضة فقالت جسما وجعلت له صورة وحدا وأكفرت من قال بالرؤية على غير الكيفية. ثم زعم أكثرهم أن كلام الله حسن وبين وحجة وبرهان وان التوراة غير الزبور والزبور غير الإنجيل والإنجيل غير القرآن والبقرة غير آل عمران. وان الله تولى تأليفه وجعله برهانه على صدق رسوله وانه لو شاء أن يزيد فيه زاد ولو شاء أن ينقص منه. ولو شاء تبدله (تبديله) بدله ولو شاء أن ينسخه كله بغيره نسخه. وانه نزله تنزيلا وانه فصله تفصيلا وانه بالله كاف دون غيره ولا يقدر عليه إلا هو. عير أن الله مع ذلك كله لم يخلقه فأعطوا جميع صفات(8/37)
الخلق. والعجب أن الخلق عند العرب إنما هو التقدير نفسه فإذا (فلذا) قالوا خلق كذا وكذا. ولذلك قال احسن القائلين وقال يخلقون افكا. وقال وإذ تخلق من الطين كهيئة الطير فقالوا صنعه وجعله وقدره وأنزله وفصله وأحدثه ومنعوا خلقه وليس تأويل خلقه اكثر من قدره ولو قالوا بدل قولهم قدره ولم يخلقه خلقه ولم يقدره ما كانت المسألة عليهم إلا من وجه واحد والعجب أن الذي منعه بزعمه أن يزعم انه بمخلوق انه لم يسمع ذلك من سلفه وهو يعلم انه لم يسمع أيضاً عن سلفه انه ليس مخلوق وليس ذلك بهم. ولكن لما كان الكلام من الله تعالى عندهم على مثل خروج الصوت من الجوف وعلى جهة تقطيع الحروف وأعمال اللسان وللشفتين وان ما كان على هذه الصورة والصفة فليس بكلام ولما كنا عندهم على غير هذه الصفة وكنا لكلامنا غير خالقين وجب أن الله عز وجل لكلامه غير خالق إذ كنا غير خالقين لكلامنا. فإنما قالوا ذلك لأنهم لم يجدوا بين كلامنا وكلامه فرقا وان لم يقروا بذلك بألسنتهم فذلك معناهم وقصدهم.
وقد كانت هذه الأمة لا تجاوز معاصيها الإثم والضلال إلا ما جلبت (حكيت) لك عن بني أمية وبني مروان وعمالها ومن لم يدن باكفارهم حتى بحمت (نجمت) النوابت وتابعتها هذه العوام. فصار الغالب على هذا القرن الكفر وهو التشبيه والجبر. فصار كفرهم اعظم من كفر من مضى في الأعمال التي هي الفسق وشركاء من كفر منهم بتوليهم وترك اكفارهم. قال الله تعالى ومن يتولهم منكم فانه منهم. وأرجو أن يكون الله قد أغاث المحقين ورحمهم وقوى ضعفهم وأكثر قلتهم حتى صاروا ولاة امرنا في هذا الدهر الصعب والزمن الفاسد اشد استبصارا في التشبيه من عليتنا واعلم بما يلزم فيه منا واكشف للقناع من رؤسائنا
وصارفوا الناس وقد انتظموا معاني الفساد اجمع وبلغوا غايات البدع ثم قرنوا بذلك العصبية التي هلك بها عالم بعد عالم والحمية التي لا تبقى دينا إلا أفسدته ولا دنيا إلا أهلكتها. وهو ما صارت إليه العجم من مذهب الشعوبية وما قد صار إليه الموالي من الفخر على العجم والعرب. وقد نجمت من الموالي ناجمة ونبتت منهم نابتة تزعم أن المولى بولائه قد صار عربيا لقول النبي عليه(8/38)
السلام مولى القوم منهم ولقوله الولاء لحمة كلحمة النسب لا يباع ولا يوهب قال (قالوا) فقد علمنا أن العجم حين كان فيهم الملك والنبوة كانوا اشرف من العرب وان الله لما حول ذلك إلى العرب صارت العرب اشرف منهم قالوا فنحن معاشر الموالي تقديمنا (بقديمنا) في العجم اشرف من العرب وبالحديث الذي صار لنا في العرب اشرف من العجم. وللعرب (الحديث دون القديم وللعجم) القديم دون الحديث. ولنا خصلتان جميعا وافرتان فينا. وصاحب الخصلتين افضل من صاحب الخصلة. وقد جعل الله الموالي (المولى) بعد أن كان عجميا عربيا بولائه كما جعل حليف قريش من العرب قرشيا بحلفه وبعد أن جعل اسمعيل بعد أن كان أعجميا عربيا. ولولا قول النبي - صلى الله عليه وسلم - أن إسماعيل كان عربيا ما كان عندنا إلا أعجميا لان الأعجم لا يصير عربيا. كما أن العربي لا يصير أعجميا. فإنما علمنا أن إسماعيل صيره الله تعالى عربيا بعد أن أعجميا بقول النبي صلى الله عليه وسلم فكذلك حكم قوله مولى القوم منهم. وقوله الولاء لحمة. قالوا وقد جعل الله إبراهيم ع م أبا لمن لم يلد كما جعله أبا لمن ولد. وجعل أزواج النبي أمهات المؤمنين ولم يلدن منهم أحدا. وجعل الجار والدمن لم يلد في قول غير هذا كثير وقد آتينا عليه في موضعه. وليس ادعى إلى الفساد ولا اجلب للشر من المفاخرة. وليس على ظهرها إلا فجور إلا قليل. وأي شيء اعبظ (أغيظ) من أن يكون عبدك يزعم انه اشرف منك وهو مقر انه صار شريفا بعتقك إياه.
وقد كتبت مد الله في عمرك كتبا في مفاخرة قحطان وفي تفضيل عدنان وفي رد الموالي إلى مكانهم من الفضل والنقص وإلى قدر ما جعل الله تعالى لهم بالعرب من الشرف. وارجوا أن يكون علا بينهم وداعية إلى صلاحهم ومنبهة إلى ما عليهم ولهم. وقد أردت أن أرسل بالجزء الأول إليك ثم رأيت إلا يكون إلا بعد استئذانك واتئمارك والانتهاء في ذلك إلى رغبتك فرأيك فيه موفقا أن شاء عز وجل وبه الثقة.
تم كتاب أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ في النابتة والحمد لله أولا وأخرا والصلوة على خير خلقه محمد وآله وصحبه أجمعين آمين.(8/39)
مندلي
1 - تمهيد
كتب أحد الباحثين مقالا عن مدينة مندل يفي لغة العرب (620: 7 إلى 626) يفيد الكثيرون ممن يودون الاطلاع على أنباء الديار العراقية، وقد استحسنت أن اذكر هنا ما لم يتعرض له حضرة الكاتب واصلح الأوهام الواردة في مقاله.
2 - شيء من أخبارها المهمة
البندنيجين مشهورة بكثرة الفواكه وجودة النخيل واهم ما يصنع فيها البسط (الكليم) والاحرامات (الجاجيم) والاعبئة والمناديل. ويعتني فيها بتربية دود القز. وفيها نوع من العقارب القتالة تسمى (الجرار) وكثيرا ما يودي هذا الحيوان بحياة كثير من الأطفال الذين لم يتمكنوا من مقاومة سمها.
3 - مندلي في التاريخ
تقع هذه المدينة على مقربة من النهروان (المحل الذي حدثت فيه فتنة الخوارج) اسمها القديم البندنيجين، وقد ورد هذا الاسم في كتب الأقدمين. وبمرور الأيام تعددت أسماؤها فصار لها خمسة أسماء: (البندنيجين، البندنيج، مندليجين، مندليج، مندلي). والأسماء الأربعة الأخرى مصحفة أو منقولة عن الاسم القديم (البندنيجين). واسمها المشهور اليوم هو مندلي.
4 - احتلال أمير قشعم لمندلي
مما يستوجب الذكر أن مانعا أمير قشعم احتل في عام 1108هـ - 1696م البندنيجين. وقد دام احتلاله إلى سنة 1112هـ حيث سار إليه (دالدبان مصطفى باشا) بجيش كثيف فاخمد نار الفتنة. ولعل هذه الواقعة أهم ما جرى على هذه المدينة بعد ثورة الخوارج.
5 - أوقاف مرجان في البندنيجين
كان مرجان بن عبد الله المتوفى سنة 775هـ - 1374م باني جامع مرجان(8/40)
(في بغداد) قد
وقف بساتين في البندنيجين على مدرسته التي شيدها في بغداد ولا نعلم ما آل إليه أمر تلك البساتين.
6 - بعض مبانيها التي لم يذكرها الأديب
من مبانيها: تكية الشيخ موسى أو مدفنه. وتكية الشيخ شعبان الرفاعي.
7 - علماؤها
أنجبت هذه المدينة جماعة من الفضلاء منهم الشيخ موسى البندنيجي السيد شهاب الدين محمود الحسيني الالوسي المتوفى سنة 1270هـ - 1854م وله آثار لم تزل مخطوطة منها كتاب (ترجمة الأولياء). ولهذا لشيخ منزلة جليلة في قلوب سكنة مندلي وما والاها لعلمه وزهده ولذلك أصبح قبره الواقع في التكية التي شادها في مندلي مزارا يزوره الخاص والعام. ومنهم (حفيد الشيخ موسى) الحقوقي الفاضل معاصرنا السيد محمد توفيق البندنيجي وهو ابن عبد الرحمن بن عيسى بن موسى المذكور. وممن انتسب إلى هذه المدينة الشيخ عيسى صفاء الدين ابن الشيخ عبد الله وهو العالم المتصوف الذي نشأ ببغداد واخذ العلوم عن بعض فضلائها. ومن تلامذته السيد عبد الباقي الالوسي المتوفى سنة 1298هـ - 1881م. توفي الشيخ عيسى عام 1283هـ - 1867م.
ومن المنتسبي إلى (البندنيجين) الحسين بن عبيد الله البندنيجي الفقيه المتوفى عام 425هـ - 1034م صاحب كتاب (الجامع) وكتاب (الذخيرة) في الفقه.
8 - إصلاح الأوهام الواردة في المقال
في صفحة 625 س 20 رستم زاد والصواب رستم زال وفي س 21 الونكوهي والصواب الوندكوهي انتسابا إلى جبل آلوند في إيران وفي س 23 فلامرزو والصواب فرامرز وفي س 25: والذين لهم اطلاع تام على الفارسية يقولون أن لهؤلاء الأبطال كتبا مطبوعة بالفارسية. قلنا: أن الكتب المذكورة ليست من وضع أنفسهم وإنما هي لغيرهم ذكر أصحابها سيرة الأبطال المشار إليهم. ثم أن هذه الكتب لا تذكر سيرتهم عن حقيقة وإنما تذكرها بصورة رواية موضوعة كما يفعله أبناء العصر. وفي ص 626 س 1: ويسمون الكتب التي فيها تواريخ الأبطال شاهنامه (والفصحاء يكتبون شاه نامه) قلنا: لم يسم كتاب (عدا
كتاب الفردوسي الشاعر) بالشاه نامه.
محمد مهدي العلوي(8/41)
لواء الكوت
1 - بناؤها
أنشئت الكوت عام 1227هـ (1812م) بطلب من الحكومة العثمانية أنشأها رجل اسمه سبع بن خميس رئيس تلك الأطراف من مياح بطن من ربيعة وكانت قبل ذلك غابات ولا تزال تسمى الكوت تسمى بكوت يبع نسبة إلى مؤسسها. فلما جاء مدحت باشا عام 1286هـ 1869م ونظم النظم الإدارية جعل الكوت قضاء ملحقا بلواء العمارة ولما كان في العراق اكوات كثيرة خصصت هذه بالعمارة تمييزا لها عن غيرها.
(لغة العرب) نحن لا نصدق هذه الرواية لأنه ورد في كتاب إفرنجي اسمه (رحلة من ساحل ملبار إلى القسطنطينية) لصاحبها وليم هود الإنكليزي 93. في ص93 ما هذا معناه: حين صعودنا دجلة في 22 كانون الثاني (يناير) (سنة 1817م) بدأنا نرى ديارا أنزه من سائر البلاد التي هبطنا إليها إلى الآن واكثر زراعة منها فكان ذلك إشارة إلى إننا ندنو من مدينة فلما وصلنا إلى الكوت ذهب دليلي إلى البر ليبحث عن حصن يكريها لأنها ضرورية لنا لإتمام طريقنا فذهبنا إلى دار المكس فاستقبلنا فيها ضباط الترك بكل أدب وكانوا في أمر المتسلم وهم في هذه الدار لجباية الضرائب على البضائع وأطلنا إقامتنا في هذه المدينة إلى 24 ك2. . . إلى آخر ما قال وهذا كلام يدل على أن هناك كانت مدينة في سنة 1817 وفيها دار مكس وضباط ومتسلم وهذا لا يتم في خمس سنوات إذا كانت المدينة أنشئت في سنة 1812. انتهى.
2 - شهرتها
لما اندلعت السنة نيران الحرب الكبرى عام 1914م رأى الحلفاء أن يقطعوا على تركية طريق إحراجها موقفهم بتعكيرها صفو الأمن في خليج فارس وخلق الاضطرابات في الهند فزحفت ثلة من الجنود الهندية إلى العراق وكانت هذه(8/42)
الجنود تحتل البلاد العراقية الواحدة بعد الأخرى بعد تراشقات طفيفة حتى إذا وصلت إلى إيوان كسرى. صدمتها الجنود التركية صدمة عنيفة اضطرتها إلى التقهقر حتى بلدة الكوت فبلغتها في 3ك2 عام 1915م
وبقيت محاصرة يرأسها القائد طاوزند مدة طويلة لاقت خلالها أنواع العذاب إلى أن أحوجها الحصار إلى التسليم يوم 29 نيسان 1916م بلا قيد ولا شرط. ومن ذلك الحين ذاع اسم (الكوت) في الشرق والغرب وصار الناس يتحدثون عنها الشيء الكثير ولا تزال فيها مقبرة للجنود البريطانية والهنودية التي ماتت وقت هذا الحصار الأليم.
والكوت هذه بلدة حديثة تبلغ نفوسها 12. 500 نسمة وتقع على الضفة اليسرى من دجلة على بعد 118 ميلا من جنوب بغداد. وهي مركز لواء الكوت وفيها شارع فسيح يحاد النهر المذكور فيجعل للمنازل التي فيه اجمل منظر. أما أسواقها وحوانيتها وبيوتها ففي حالة متوسطة إذا استثنينا من ذلك صرح الحكومة والمستشفى الملكي والمدرسة الأميرية وبعض بيوت المتمولين لأنها مبنية على الطراز الصحي الحديث. وأما الهواء فيها فمعتدل الفصول والماء هناك عذب جدا فهو ماء دجلة النمير.
ولهذه المدينة أهمية تجارية تستوجب الذكر لأنها مركز اللواء الذي يبتاع منه سكان أنحائه جميع احتياجاتهم. وميناء مهم للسفن التجارية التي تذهب إلى البصرة ومنها إلى بغداد.
ولمركز اللواء ناحيتان هما 1 - أم حلانة (بتشديد اللام) ومركزها قرية أم حلانة على عدوة دجلة اليمنى في محل يبعد عن جنوب الكوت ثلاثة أميال وهي مجموعة عرائش وأبيات من اللبن يسكنها جماعة من الفلاحين يبلغ عددهم ثلاثمائة نسمة وللحكومة فيها بناية متوسطة الحال مع مخفر للشرطة. 2 - ناحية البغيلة (تصغير بغلة وهي سفينة بحرية كبيرة وكانت تحمل وتقف في حدها إلى القرية المسماة اليوم بغيلة) وهي قرية جميلة المنظر عليلة النسيم(8/43)
عذبة المياه سكنها زهاء (4300) نسمة وتقع على الضفة اليمنى من دجلة في محل يبعد عن جنوب بغداد مائة ميل وعن شمال لكوت 40 ميلا وفيها ادؤر عامرة وبنايات أنيقة أما فواكهها وأثمارها فلذيذة.
3 - تنظيمات اللواء الإدارية
ترتبط بمركز اللواء ارتباطا إداريا. ناحيتان وقد تقدم وصفهما ولهذا اللواء ثلاثة اقضيه مهمة هي قضاء الحي وقضاء الصويرة وقضاء بدرة وفيما يلي وصف موجز لكل منها:
4 - قضاء الحي
الحي بلدة رائقة المنظر قليلة العمران تكتنفها بساتين كثيرة وعدة رياض نضرة وهي على نهر الغراف الأيسر في موضع يبعد عن الجنوب الغربي من بلدة الكوت خمسين ميلا وسكانها أهل زراعة وفلاحة وفيهم لفيف من الأكراد والبغداديين والعرب المتحضرين من أهل الغراف وغيره وهؤلاء تجار حبوب وأقمشة وباعة بقول وعقاقير وصناع وحاكة وغير ذلك من المستبضع المعهود عند طبقات كل مدينة وهي مركز القضاء تبلغ نفوسها 9750 وفيها جملة مقاه ودور عامرة قليلة وأسواق وجادات متوسطة الحال وهي مسورة بسور من اللبن تهدمت بعض جهاته في الأيام الأخيرة وهواؤها جيد من حيث العموم. أما ماؤها فعذب سائغ غير انه لا يجري بانتظام ولا دائما لان مياه الغراف كثيرا ما تنقطع عن البلدة ولهذا قد تهدمت بعض مباني الحي وهجرها جماعة من سكانها وصوحت بعض أراضيها وباتت في حالة تستحق معها عطف القاصي والداني. ولعل وعود الحكومة بإصلاح الغراف تنفذ في الأيام المستقبلة فتنقذ هذه البلدة الطيبة من خطر الاضمحلال وتعيد إليها زهوها ورخاءها.
للقضاء ناحية واحدة تدعى محيريجة (بالتصغير) ومركزها القرية المسماة باسمها التي تقع على ضفة الغراف اليمنى على بعد 25 ميلا من الشمال الشرقي لمركز القضاء وهي مركز للعشائر والفلاحين.
5 - قضاء الصويرة
شمل العمران الراقي قطر العراق في عهد ولاية المصلح الكبير مدحت باشا(8/44)
والي بغداد سنة 1286هـ وسرت هذه الحركة المباركة إلى جميع الأنحاء فقام الناس ينشئون مساكن جليلة مباني فاخرة واستمر ذلك حتى نشوب الحرب الكونية التي أشلت الأيدي عن كل عمل.
و (الصويرة) إحدى القصبات التي أنشئت حديثا. وقد أنشأها رجل يدعى السيد بهية عام 1314هـ وهو لا يزال حيا يرزق. وكان في بادئ الأمر قد بنى منزلا صغيرا لمأمور الحكومة سماه (صيرة) بمعنى (حظيرة) ثم توسعت حركة البناء هناك فأصبحت الصويرة قصبة مهمة وهي اليوم مركز قضاء الصويرة تقع على بعد 44 ميلا من جنوب بغداد وقدر
نفوسها (8000) نسمة عدا وعي على ضفة نهر دجلة اليمنى.
ولما رأت الحكومة أن قد حصل بعض الالتباس لدوائر الحكومة والبريد في التفريق بين الرسائل المعنونة إلى البصرة والصيرة. أصدرت أمرا في غرة أيلول 1925م أسمت بموجبه قضاء الصيرة ب (قضاء الصويرة) بالتصغير دفعا لهذا الالتباس.
ولمركز القضاء ناحية واحدة تدعى (ناحية العزيزية) مركزها قرية العزيزية الواقعة على ضفة دجلة اليسرى في موضع يبعد عن جنوب مركز القضاء 29 ميلا وهي آهلة بنحو 700 نسمة وفيها عدة مبان حسنة وقد شيدت عام 1282هـ (1865م) وسميت كذلك باسم السلطاني عبد العزيز وجعلت قضاء حتى الحرب الكونية. فلما نظمت الحكومة العراقية جعلت ناحية. وقد بناها فتح الله بك من رؤساء العمادية وكان قائم مقام فيها ولا يزال قبره هناك.
(بدرة) قصبة منحطة العمران ثقيلة المياه نقية الهواء تبعد عن الشمال الشرقي لمدينة الكوت 36 ميلا وهي مركز القضاء المسمى باسمها تقع على ضفة نهر الكلال اليسرى ومعظم سكانها أكراد وكلهم يتكلمون باللغة الكردية وهي محادة لجبال بشت كوة الإيرانية ونفوسها 3000 نسمة تقريبا واهم حاصلاتها الزراعية التمور بجميع وأفخر أنواعها. لأن التمر فيها ينمو حسنا وهو مشهور بجودته في جميع أنحاء العراق كما أن فيها بعض الفواكه اللذيذة.
وقد ذكر الحموي في معجمه. إنها أول قرية جمع منها الحطب لنار إبراهيم(8/45)
الخليل عليه السلام وهي قائمة على أنقاض مدينة (بادرايا) الشهيرة في التاريخ. وعلى مقربة من (باكسايا) التاريخية. وينسب إليها جماعة من أهل الورع والتقى. ويبعد صرح الحكومة عن القصبة ثلاثة كيلومترات فإذا طغى (الكلال) أحدث بركة عظيمة من المياه. ولهذا أن موظفي الحكومة هناك يعانون مشقات كثيرة عندما يذهبون من منازلهم في القصبة إلى بناية الحكومة لأداء واجباتهم الرسمية.
للقضاء ناحيتان هما زرباطية وجصان (بتشديد الصاد) أما ناحية زرباطية فمركزها قرية زرباطية الواقعة على بعد ثمانية أميال من شرق بدرة وهي مجموعة بيوت من اللبن يخترقها نهر الكلال الذي يأتي من جبال بشت كوة وللحكومة فيها بناية متوسطة الهيئة وكل
سكانها أكراد ولغتهم بالطبع اللغة الكردية وعدد النفوس فيها 1500 نسمة وأما ناحية جصان فمركزها قرية تسمى باسمها وتقع على بعد 12 ميلاً من الجنوب الغربي لقصبة بدرة وبيوتها مع نفوسها بقدر بيوت زرباطية إلا أنها أوسع منها قليلاً.
6 - حاصلات اللواء
أهم المنتوجات الزراعية في لواء الكوت، التمور بجميع صنوفها والحبوب على اختلاف أنواعها كما أن السوس ينبت كثيراً في بعض أجزائه ولو كان الماء يجري في الغراف دائماً منتظماً لكان يدر على الخزينة مالاً وفيراً ويعيد إلى سكانه ثراءهم المشهور ولاسيما أن تربة الغراف مشهورة بخصبها منذ أقدم العصور. ويصدر هذا اللواء قدراً مهماً من الجلود والسمن والمواشي وقليلاً من الطيور الداجنة وبنات الماء مع بعض المنسوجات الوطنية.
7 - المدارس في اللواء
في تقرير وزارة المعارف السنوي عن سير الحركة العلمية في المملكة لينة 1928 أن المدارس في لواء الكوت تسع فقط. ومعنى هذا أن الحركة العلمية في هذا اللواء مصابة في صميمها بالنظر إلى كثرة سكانه وتوابعه. وقد مر بنا أن اللواء يتقوم من ثلاثة أقضية وست نواح موزعة على أجزائه وليس في اللواء مدرسة ثانوية ولا إناثية ولعل الحكومة المحترمة تعطف نظرها عليه فتنتشل سكانه(8/46)
من وهدة الخمول وليس ذلك على عشاق الحركة الإصلاحية والتهذيبية بعسير.
8 - عشائر اللواء
في لواء الكوت عشائر كثيرة بل أن أكثر سكانه من العشائر مثل بقية الألوية ولكل عشيرة توابع وأفخاذ كثيرة ونحن نكتفي الآن بذكر أسماء العشائر الكبيرة فقط على أن نترك التبسط في أمرها إلى مقال منفرد.
فمن جملة عشائر اللواء: ربيعة (وأشهر أفخاذها المياح والأمارة والسراج) ثم زبيد (وهم من حمير حسبما حسبما يدعون) ثم شمر طوقة (وهؤلاء أصلهم من عشيرة شمر الشهيرة ولكنهم انفصلوا عنها وسكنوا ضفاف دجلة بين ناحية سلمان باك والعزيزية) ويليهم بيكات
المنتفق مع قسم من عشيرة آل بدير التي تقطن لواء الديوانية. ثم بني لام (ومن أفخاذهم أخوة حبشة والخميس والرحمة والطعان والمزيار). . . الخ
9 - طرق المواصلات
تسير السيارات بين الكوت وبغداد وبين الأولى وسائر أجزاء اللواء سيراً متصلاً إذا كان الماء منقطعاً عن نهر الغراف أما إذا كان فيه غزيراً: فتشترك مع السيارات في نقل البضائع والمسافرين وبعض الزوارق البخارية التي تسير بين الكوت وقضاء الحي. ولما كان أجور السيارات والزوارق باهظة بالنسبة إلى الأشياء المحملة إياها ظل بعض السكان والتجار ينقلون بضائعهم على الحيوانات اقتصاداً في النفقات.
بغداد: السيد عبد الرزاق الحسني
الحسيني لا الحسني وربيع الأول من أفصح الكلام
1 - في لغة العرب 617: 7 شاه إسماعيل بن حيدر الصفوي الحسني والصواب الحسيني لأن الشاه إسماعيل يتصل نسبه بالإمام موسى الكاظم (ع) ومنه بالإمام الحسين بن علي (ع).
2 - في لغة العرب المحبوبة (740: 7) في ربيع الأول هذا هو الأفصح هذا هو الأفصح فالشهر مقدر وحذف المضاف عادة عند الفصحاء كما في قوله تعالى (واسأل القرية) أي واسأل أهل القرية.
محمد مهدي العلوي(8/47)
فوائد لغوية
في الصحاح وفي مختار الصحاح
أقدم بين عيني القارئ جملة من الاستدراكات على الجوهري والرازي ليعلم عظم احتياجنا إلى معجم جامع لما نقل عن فصحاء العرب:
1 - قال الجوهري في (فهم) من المختار (واستفهمه الشيء) فعداه إلى مفعوليه بنفسه، وقد يعدى إلى الثاني بعن كما في قول المبرد في 162: 3 من الكامل إنما تستفهمه عن الذي ذكر بعينه) ومثله في جمهرة أشعار العرب ص125.
وقال في (علا) منه (علا في المكان. . . وعلاه: غلبه وعلا في الأرض تكبر. . .) ولم يذكر (علا عليه) مع أنه قال في (عرش) ما نصه واعترش العنب: إذا علا على العراش).
3 - وقال في (حول) ما نصه وحال الشيء بيني وبينه يحول حولاً وحؤولا أي حجز من) قلت: ويقال (حال دون الشيء) فهو الذي قال في (عرض) من المختار (واعترض الشيء دون الشيء: أي حال دونه).
4 - وقال في (بدل) منه (وأبدل الشيء بغيره وبدله الله تعالى من الخوف أمنا) قلت: ويقال (أبدل الشيء غيره) بحذف الباء) وقد قال هو في (سدي) ما صورته (والسادي السادس بإبدال السين ياء أما (أبدل من الشيء غيره) فلا أدري لم أهمله؟ وهو القائل في (صوع) ما نصه (وإن شئت أبدلت من الواو المضمومة همزة) وقال في مثل هذا الاستعمال في (عنن) و (قضى) و (تظنى).
5 - وذكر في (زوج) ما خلاصته زوجه امرأة وبامرأة وتزوجت رجلاً وبرجل) لم يذكر (تزوج القوم وفيهم بمعنى صاهرهم مع أنه قال في (غرب) منه (واغترب فلان إذا تزوج إلى غير أقاربه) وفي (ضوى) منه تزوجوا في الأجنبيات ولا تتزوجا في العمومة)(8/48)
وقال في (إيا) على التحذير (وتقول إياك وان تفعل كذا بلا واو) قلت ورد في (37: 2 من الكامل قول أبي عيينة أخي عبد الله بن أبي عيينة
إلى السال فاختر لنا مجلساً ... قريباً وإياك أن تخرقا
7 - وقال الجوهري أيضاً في (بت) من المختار (تقول: بته يبته ويبته بضم الباء وكسرها
وهو شاذ لأن المضاعف إذا كان مضارعه مكسوراً لا يكون متعدياً، إلا هذا وعله في الشراب يعله ويعله ونم الحديث ينمه وبنمه وشده ويشده وحبه يحبه. وهذه الكلمة وحدها على لغة واحدة وهي الكسر) فقال محمد بن أبي بكر الرازي مؤلف المختار (قلت: ورمه يرمه ويرمه ذكره في - ر م م - فزاد المستثنى على ما حصره فيه) فأقول أن الرازي قال في (بس) ما نصه (هكذا هو مضبوط في الصحاح والتهذيب وشرح الغريبين - يبسون - بكسر الباء، وذكر البيهقي في مصادره أنه في باب رد يرد) فيقال إذن بس يبس ويبس ولم يذكره الرازي وكلاهما لم ينتبها إلى على ما ورد في (شج) ونصه (تقول شجه يشجه بضم الشين وكسرها) وذكر المبرد في 239: 1 من الكامل مما لم يذكراه (هره يهره ويهره إذا أكرهه في المختار (جد يجد ويجد وحدت المرأة تحد وتحد. وحل يحل ويحل وشطت الدار تشط وتشط) ولعل عند أنستاس زيادة على هذا وإن أرادا المتعدي بنفسه فلا يستدرك إلا بعض ما ذكرنا.
8 - وقال الجوهري في (شفع) ما نصه (واستشفعه إلى فلان سأله أن يشفع إليه) ولم يذكر (استشفع به وهو القائل في (دلا) ما عبارته: ودلوت بفلان إليك أي استشفعت به إليك).
9 - وقال في (ب ن ن: البنانة واحدة البنان وهي أطراف الأصابع ويقال بنان مخضب لأن كل جمع ليس بينه وبين واحدة إلا الهاء فأنه يوحد ويذكر)
قلت: أن الجوهري قال ذلك جازماً ويدل على جزمه إشتراطه التوحيد والتذكير لمثل هذا الجمع على أنه غير صواب ففي ص 1089 من المصباح طبعة نظارة المعارف المصرية (قال أبو إسحاق الزجاج. . . وكل جمع بينه وبين واحدة(8/49)
الهاء نحو بقر وبقرة فأنه يذكر ويؤنث) وقد نقل الأب انستاس في (نخل) من المصبح عن أبن السكيت مثله، ورأيت في فقه اللغة للثعالبي مثله، ذكرت ذلك فضلاً عن أن الجوهري قال في عهد (والعماد: بالكسر الأبنية الرفيعة تذكر وتؤنث والواحدة عمادة وقال في (خ ل ل: والخلية أيضاً بيت النحل الذي تعسل فيه) فأنث أسم جمع نحلة خلافاً لما ذكر، وقال في عسل (والنحل عسالة) وقال في ن وى (وأما النوى الذي هو جمع نواة التمر فهو يذكر ويؤنث).
10 - وقال في ي م ن (يقال: يا من يا فلان بأصحابك أي خذ بهم يمنة ولا تقل: تيامن، والعامة تقوله) قلت أنه قال في ي س ر وتياسر يا رجل لغة في ياسر وبعضه ينكره)
وحمل النظير على النظير هاهنا لازم فضلاً عما ورد في 171: 2 من الكامل ونصه (قال معاوية يوماً: من أفصح الناس؟ فقام رجل من السماط فقال: قوم تباعدوا عن فراتية العراق وتيامنوا عن كشكة تميم وتياسروا عن كشكة بكر) والدليل واضح.
11 - وقال في أم ا (وأما حرف عطف بمنزلة - أو - في جميع أحكامها إلا في وجه واحد وهو أنك تبتدئ في - أو - مستيقناً ثم يدركك الشك وأما تبتدئ بها شاكا ولابد من تكريرها، تقول: جاءني أما زيد وأما عمروا) قلت أما أنها حرف عطف فغير صحيح لأنها تقع بين العامل والمعمول ولا يجوز فصل المعمول الأصيل بحرف عطف فإذا قلت (جاء أما خالد وأما علي) فخالد فاعل أصيل لجاء وليس قبله ما يعطف عليه فالصواب أنها حرف لتفصيل الشك أما وجوب تكريرها، فقد نقضه في مادة ح د د بقوله (وقيل للبواب: حداد وللسجان أيضاً لأنه يمنع عن الخروج أو لأنه. . .) وفي رأي يقوله (فأما يكون على تخفيف الهمزة أو يكون. . .) وفي مادة الهاء بقوله (وللمبالغة إما مدحاً. . . أو ذماً) وفي هذا برهان لقوم يفقهون أما الغريب فقوله في مادة (لا) ما نصه لأن حروف العطف لا يدخل بعضها على بعض ولم يلتفت إلى أن الواو العاطفة تتقدم (أما) الثانية.
12 - وقال في ع ج ز (والعجوز: للمرأة الكبيرة ولا تقل عجوزة والعامة تقوله) أنه قد نسي في قوله في ك ك ب (يقال: كوكب وكوكبة كما قالوا(8/50)
بياض وبياضة وعجوز وعجوزة) فلماذا لام العامة عفا الله عنه؟ واللوم ظاهر من نهيه عن قولهم.
13 - وذكر في أج ل (ويقال فعلت ذلك من أجلك بفتح الهمزة وكسرها أي من جراك) قلت هذا هو الأفصح ولم يذكر أنه يقال (فعلت ذلك لأجلك وهو الذي قال في ج ب ن (الود مجبنة مبخلة لأنه يحب البقاء والمال لأجله) وقال في س ك ن (قيل للإناث مسكينات لأجل دخول الهاء) فتأمل.
14 - وجاء في ر ع ف (وراعوفة البئر صخرة تترك في أسفله ونص الصحاح (في اسفل البئر) فالرازي مخطئ فالصواب في (أسفلها) لأنها مؤنثة.
15 - وذكر في أل ا (والإلية بالفتح آلية الشاة ولا تقل: إلية بالكسر ولا لية وتثنيتها آليان بغير تاء) ولكنه قال في ق ر ف ص (وهو أن يجلس على اليتيه) وثناها بالتاء ناقضاً لما بناه، وقال قبل هذا (فإذا قلت قعد فلان القرفصاء كأنك) والصحيح (فكأنك) بربط الجواب
إلى الشرط بالفاء.
16 - وقال في ش غ ل (وقد قالوا ما أشغله وهو شاذ لأنه لا يتعجب مما لم يسم فاعله) فقال الرازي (قلت: تعليله يوهم أنه إذا سمي فاعله يجوز وليس كذلك فأنك لو قلت: ضرب زيد عمراً وقلت ما اضرب عمراً لم يجز لأن التعجب إنما يجوز من الفاعل لا من المفعول) فأقول: ليس قول الجوهري موهماً للقارئ ذلك الوهم البعيد ألا تراه نبه على ذلك في مادة ج ن ن بقوله ما أجنه شاذ لأنه لا يقال في المضروب ما أضربه ولا في المسلول ما أسله فلا يقاس عليه.
17 - وقال في ع ش ر (ومعشار الشيء عشرة ولا يقال: المفعال في غير العشر) ولكنه يقول في ر ب ع (قال قطرب: المرباع الربع والمعشار العشر ولم يسمع في غيرهما) وهو غريب.
18 - وقال في ع ق د (وعقد الحبل والبيع والعهد وانعقد. . . وبابهما ضرب) قلت وقد ورد (عقده تعقاداً) فضلاً عن أنه قياسي على ما نقل الأب أنستاس عن كتاب سيبويه وما رأيناه. وقد روي الجوهري في ر ت م قول الشاعر:
هل ينفعنك اليوم أن همت بهم ... كثرة ما توصي وتعاد الرتم
مصطفى جواد(8/51)
باب المكاتبة والمذاكرة
نقدنا في نظر أحد علماء مصر الأعلام
كانت (الجمعية الطبية المصرية) طلبت إلينا أن ننقد المعجم الإنكليزي العربي الذي ألفه صاحب السعادة محمد شرف بك. فلبينا طلبها وأرسلنا إليها بنقد طويل غير النقد الذي أدرجناه في مجلتنا هذه. فوقع في خمس وخمسين صفحة وحجمها حجم هذه المجلة وقد جاء أولها في الجزء الثالث من المجلة الطبية من السنة الماضية (1929) أي السنة 12 منها في الصفحة 62 من الجزء الثالث المذكور وانتهت في الجزء السابع.
ولما ظهر آخر النقد كتب حضرة شرف بك جوابا ليبين ما في نظرنا من السيئات والحسنات فجاء أوله في الصفحة 477 من الجزء السادس إلى ما بعدها ونحن ننقل هنا مستهل جوابه عما كتبنا ليظهر للناس فضل الرجل وعظم منزلته. بخلاف ما نرى من الرجال الذين نفلي مؤلفاتهم فانهم يمتعضون مما نبينه لهم ويتلقون عملنا هذا بسوء النية فيسلقوننا بالسنة حداد. بل بسهام مشبعة سما ذعافا ألم نر ما كتبه حضرة جبر ضومط حين بينا له سقطاته الشنيعة التي لا تصدر من حدث فضلا عن كهل؟ فأين آدابه من آداب صاحب الفضل والأدب والشرف؟ فدونك كلامه بنصه. قال حفظه الله:
المصطلحات العلمية الطبية
تعليق الدكتور شرف على نقد صاحب الفضيلة الأب انستاس الكرملي لمعجم شرف الطبي العلمي:
أولع العلامة الأب الكرملي باللغة العربية منذ صغره واشتغل بعلومها وفنونها فنبغ فيها من زمن بعيد. وقد شغل بها عن ملاذ الدنيا واشتهر برغبته في الغوص في بحرها الواسع. والتنقير عن دقائقها وتعرف كنه جواهرها ومقابلتها باللغات السامية واللاتينية والإغريقية. وقد اخلص وصدق في خدمته الطويلة لهذه اللغة(8/52)
التي يقول عنها: (إنه لم يعشق شيئا سواها. ولم يعشق عليها ما يثير فيها الغيرة. وغيرته عليها جعلته لا يداجي فيها أحدا). وهو الآن في العقد الثامن من عمره (كذا والصواب في العقد السابع) ولا يزال في خدمتها
مجدا ومواظبا.
وقد وكلت إليه (الجمعية الطبية المصرية) أن يكتب لمجلتها نقدا لمعجمنا الذي اتخذ أساسا لتوحيد المصطلحات العلمية في البلاد العربية اللسان - فنمق لها مقالا بديعا جاء آية في البلاغة والتدقيق والاستقصاء وتكلم فيه عما في معجمنا من محاسن وقصور. آووهم وتسامح أو تساهل. بأسلوب شائق لا يحمل قارئه على الملل بل على النقيض يستحثه على الاستمتاع بقراءته والاستزادة منه. وقد عدد الأب المحترم أمورا أطال فيها ذيل القال والقيل. قال إنها تتفق وما خبره بنفسه أو وقف عليه في مطالعاته وعرض ما تراءى له من التصويبات طالبا مناقشتها حتى نهتدي إلى الصواب فيدرج في الطبعة الآتية.
ولقد تهافتت على نقد معجمنا أقلام نقاد كثيرين واشتغل ببحثه عدد من المفكرين فلم يجيء أحد بمثل ما جاء به العلامة الكرملي الذي اثبت انه من خير علماء العربية وان العراق لا يزال حاملا علم الإمامة في فنون اللغة فلله در هذا الإمام الذي ألهم هذا لعلم. وجزاه الله خير الجزاء على تدقيقاته وتحقيقاته.
والآن أستأذنه في التعليق على أقواله في فصول تقابل نقوده ومأخذه تسهيلا للمحاكمة. ولن يكون همي انتقاده فيما قال ولا إسقاط حجته ولا الاستظهار والمغالبة عليه. وإنما مرادي بيان الأرجح وان المسألة ذوقية. إذ في أقواله ما يكون مفيدا فيكشف لنا عن أصول الألفاظ وحقيقة وضعها وصحيح صورها فيجب الأخذ به. وأحيانا يلوح لي فيه بعض الغلو الذي يبعد منا للقريب ويركب البسيط.
عن عدم تنسيق درجات الألفاظ
والنص على الأفصح والفصيح والمولد والدخيل والمحدث والعامي وورود بعض الخطأ في ضبط الألفاظ:
المطلوب من واضعي المعاجم الفرنجية في هذا الزمن إثبات وجوه استعمال الألفاظ بحسب ما تعرفها الخاصة والعامة حالا. لا إظهار آرائهم الفردية فيما يجب أن تكون عليه معانيها. وليس من شأنهم خلق معان أو ألفاظ جديدة.(8/53)
وقد شرحنا في مقدمة معجمنا الغرض من تأليفه، وبينا أن مهمتنا في وضعه تفوق ما يجب على زميلنا الفرنجي: بنقل أوضاع لا مقال لها في العربية وإيراد أوضاع عربية تؤدي
المعاني الجديدة وتعريب ألفاظ فرنجية أو ترجمتها، وإصلاح قصور معاجمنا العربية القديمة وإبهامها وأوهامها، وإثبات ألفاظ مألوفة لعلمة الكتاب. ويأبى البعض أن يعدها من الفصيح لأنها لم تثبت في تلك المعاجم، وقلنا أن الغرض الأول الذي وضعناه نصب أعيننا هو التدقيق العلمي وإثبات المصطلحات وما يقابلها بالعربية لا ذكر الفوائد النحوية والصرفية. ولم يكن مطلوباً مني التعمق في فقه اللغة لعدم إلمامي الكافي بذلك الفن فهذا جدير بسيبويه وابن جني والكرملي وأمثالهم. ورأيت الأجدر بي إفراغ جهدي في التمحيص العلمي وأخلصت القصد في إظهار ما في لغتنا من المزايا فأن كنت هفوت أو فاتني شيء من كنوز بحرها الزاخر لانفرادي بالعمل أو لضعف جهدي فعسى الله أن يوفق من بعدي من يكمل ما فاتني وفي تهافت العلماء على عملي دليل على أن منيتي ستحقق، ولو تضافر رهط من أمثال الكرملي على خدمة العربية لما عازها شيء لمجاراة اللغات الفرنجية الحية.
وقد وضعت المعجم لفائدة الأطباء والمعلمين والصحفيين وطلاب المدارس العصرية فكان لابد من يشتمل على أكثر الألفاظ التي يسمعونها يومياً في مختلف العلوم الطبيعية والطبية ولابد من استعمال كثير من الألفاظ المسموعة.
واللغة الفصحى لم يشع استعمالها زيادة عن القرن الأول من الهجرة وبعد ذلك كثر اللحن وتغيرت ألسنة سائر البلاد عن أصولها الفصيحة وتطورت ولم تبق كما كانت لغة التخاطب. وهذه تغيرت كثيراً عن أسلوب الكتابة وتأثرت الألفاظ بالزمن والتمدن، فأهملت ألفاظ وأدخلت ألفاظ وتغيرت معان أخرى ومصادر الكلمات الدخيلة أربعة:
(1) ما دخل باحتكاك العرب بسائر الأقوام الذين توطنوا في العالم القديم وجاء مذكوراً في كلام مشاهير المؤلفين.
(2) لغات بعض القبائل العربية والأصقاع المستعربة، ذكر بعضها في دواوين اللغة ولم يذكر أكثرها، ولكنا لا نزال نسمعها إذا ما طرقنا هذه الأصقاع.(8/54)
(3) ألفاظ من كلام العامة لها معان فنية دقيقة وشاع استعمالها ولا تزال مألوفة محفوظة.
(4) كلمات فرنجية علمية لا نظير لها في العربية وهي في الغالب أسماء أعلام أو أسماء جنسية اتفقت سائر الأمم الراقية على الأخذ بها ونحن الآن في عصر التعاون الفكري
الأممي والعالم سائر إلى توحيد سبل التفاهم فلابد من إدخالها في العربية أيضاً للإيضاح التام.
في ما قيل وما أقول
(لغة العرب): ندرج هذا المقال على عهدة صاحبه من غير أن نبدي فيه الآن نظراً ولعلنا نقول عنه شيئاً إذا مكنتنا الفرصة منه.
1 - قال عبد المولى الطريحي الأديب في 855: 7 من لغة العرب لتفسير (مولى) في قول لبيد:
فعدت كلا الفرجين تحسب أنه ... مولى المخافة خلفها وأمامها
ما نصه (يريد بذلك:: أولى بالمخافة، ولسنا نعلم، بين أهل اللغة في هذا المعنى خلافاً) فأقول: يعز أن يرى المتتبع إجماعاً تاماً من أهل اللغة على تفسير لغوي، فقد قال أبو زيد القرشي في 149 من جمهرة أشعار العرب مفسراً (مولي) في هذا البيت ما حرفه (مولى المخافة: أي صاحب المخافة، قال الله تعالى: يوم لا يغني مولى عن مولى شيئاً، أي صاحب عن صاحب) وهذا يفسخ الإجماع الذي رمز إليه الصديق، وتفسيره (بصاحب المخافة) أولى من تفسيره (بأولي المخافة) المبتعد عن الوضوح المألوف.
2 - وقال العلامة الجليل فريتس كرنكو في 858: 7 ما أصله (فهو أشبه شيء بخط القرن الرابع) والفصيح الصريح أن يقول (أشبه خط بخط القرن الرابع) لتكون الإضافة خاصة بالخط لا عامة لكل شيء فتضنى الفائدة وتحرض.
3 - وجاء فيها (هم ألب عليه: إذا كانوا عليه) فعلق به العلامة المذكور وأرى أنه سقطت قبل - عليه - كلمة لعلها - اجتمعوا -) فاتبعتموه أنتم قولكم (كلا: لم يسقط شيء) وأرى الحق معكم فهذا كما قال الشاعر:(8/55)
خليلي ما واف بعهدي أنتما ... إذا (لم تكونا لي علي) من أعارض
4 - وقد مضى أنه استضعف قولي (كل كتب اللغة) فلم يفتر أن قال في 871: 7 (وكل الجزء الرابع والخامس بخط أحدث من سائر النسخة) وليس الاجتزاء بالمضاف مقيساً ولا مرجحا في هذا الأمر وفي ض ي ف من المصباح (وقد يحذف المضاف ويقام المضاف إليه مقامه إذا أمن اللبس).
5 - وقال هو فيها أيضاً (مع محاولة صاحبها أن يجعلها نسخة كاملة في أسرع وقت) وسرعة الوقت وبطؤه لا حقيقة لهما فالساعة ساعة لا تسرع على الحقيقة ولا تبطئ فالصواب (في أقل وقت) أو (أقل الأوقات)
6 - وقال فيها (ولما كان في أول الكتاب. . . يكون هذا المجلد) والصواب (كان هذا المجلد) لأن جواب (لما) ماض.
7 - وقال في ص873 (وما ينقص منه قد كتب بخط حديث) وهذا تعبير مولد لأن النقصان يجب أن يسند إلى الناقص بعينه، قال الرازي في المختار (وأما قولك نقص في المال درهماً والبر مدا فدرهماً ومدا تمييز) فعلى هذا لا يقال (نقص درهم في المال) لأنه يؤذن بقلة وزن الدرهم فقط فالصواب (ونقص شيئاً فكتب بخط حديث) أما (نقص) المتعدي فليس الكلام عليه.
8 - كنت قد خطأت في (634: 7) من قال (قصدها الناس. . . للاستشفاء لهذه الغاية) لزيادة في قوله لا وجه لها فأشعرتموني - أيها الأب العزيز - أنه توكيد وأرى أن قوله (لهذه الغاية) بعد ذكره (للاستشفاء) هو إبهام للاستشفاء لا توكيد له، فأنه لا يزيده وضوحاً ولا إثباتاً فضلاً على أنه يحتاج إلى متعلق ولا متعلق له بيد أننا لا نمنع أن يقال (لهذه الغاية للاستشفاء) على البدلية لا على التوكيد، وبتقديم المبهم على الموضح لا بالعكس. ومن أدلتكم (لا ولى رجل ذكر) وقد قال الزمخشري في الأساس (امرأة أنثى للكاملة من النساء كما يقال رجل ذكر للكامل)
له بقية
مصطفى جواد(8/56)
أسئلة وأجوبة
عرقلة المرض علزة
س - القاهرة - م. ن. م. كنتم قد ذكرتم في أحد أجزاء مجلتكم الكلمة الإفرنجية الطبية يوافقها في العربية (العرقلة) أفما وجدتم كلمة أخرى غيرها؟
ج - عرقلة المرض قديمة في لغة أطباء العرب سلفاً، وقد استعمل بعضهم لفظاً آخر هو العلز (بالتحريك) قال في المخصص (67: 5). . . وقيل هو ما ينبعث من الوجع بعضه في أثر بعض كالمحموم يدخل على حماه السعال والصداع) وقيل غير ذلك. ولما كان العلز كثيرة المعاني كانت العرقلة أحسن الألفاظ ولهذا يحسن أن يحتفظ بها. ومن العجيب أن حضرة صاحب السعادة محمد شرف بك لم يذكر كلمة واحدة بازاء الكلمة الإفرنجية التي أوردناها فويق هذا إنما قال: (الأحداث مضاعفة المرض (كذا) اجتماع مرضين أو أكثر في أن واحد أوضاعاً أخرى وكلها لا تفي بالمراد.
البل
س - ومنه - وجدت في كتب علم النبات الشجرة المعروفة بالفرنسية وبلسان العلم ولم أجد ما يقابلها عندنا فهل عرفها السلف وما أسمها؟
ج - نعم عرفها الأجداد باسم البل بضم فتشديد، هذه اللغة المشهورة ويقال فيها أيضاً البل (بالكسر) والبيل (كميل) والإبل (بفتح وضم) ويسميها أهل شيراز (نار هندي) والكلمة العربية من اللغة الهندية (بيل) راجع معجم فلرس الفارسي اللاتيني ومن أسمائه باللغة اللاتينية وبالفرنسية وفي مفردات ابن البيطار (الرازي: قالت الخوز: أنه قثاء هندي (وفي النص المطبوع: قنا هندي وهو خطأ) وهو مثل قثاء الكبر. . .(8/57)
أصل كلمة هيكل
س - بغداد - ب. م. م: قرأت في العراق (الجريدة البغدادية) في عددها ال 2927 مقالة يفند فيها صاحبها (محمد علي المندلاوي) ما ذكرتموه عن أصل هيكل إذ قلتم في لغة العرب (493: 7) أنه سامي النجار منحوت من (هي) و (كل) وهو ينفيه. أفهما لفظان
ساميان حقيقة أم لا صلة لهما بأم اللغات؟
ج - أسم كاتب المقال الذي تشيرون إليه اسم منتحل لا أسم حقيقي. وإنما اتخذ لنفسه ذلك الاسم ليخفي به أصله الدخيل وشعوبيته التي اتصف بها وعرف واشتهر إذ يكره العرب أشد الكراهية وإنما ينتسب اليوم إليهم لأنه يرتزق من فيضهم وآلائهم. فلا تغتروا بالأسماء التي يستعيرها فأن صاحبها يفضح نفسه من أسلوبه ومن رجوعه دائماً إلى ما يتردد في فكره الضيق الدائرة من الآراء البالية إذ لا يمكنه الخروج عنها لصغر محيطها.
أما ما ذكرناه عن أصل (هيكل) فليس لنا. إنما هو للعلامة أنطوان صوبين أحد أعضاء الجمعية الأسيوية في ص72 من كتابه المفردات الآشورية الفرنسية. أما تحليل الكلمة فمذكور في ص51 و 69 من المعجم المذكور ولا جرم أن (هي) أصله (حي) أي محل ومحلة، كما هو معروف في العربية ومسطر في جميع دواوين اللغة ولما كان الآشوريون لا ينطقون بالحاء المفخمة ويجعلونها دائماً هاء أو همزة قالوا (هي) أو (أي) أو (أ) وأما (كل) فأصلها (جل) (بالفتح) أي ومعناها جليل أي كبير كما ترونه في لسان العرب والقاموس وتاج العروس. إذن هيكل أصله (حي جل) أي محل كبير وهذا كاف لإلقام الدخيل حجراً يسد فاه إلى آخر أيامه أن كان يعقل وإلا فنحن له بالمرصاد نعود إلى رد كيده إلى نحره كلما عاد إلى الخروج من مكمنه.
وتتحقق أن الكاتب دخيل في القوم وأن لسانه الأول غير العربي من تتبعك عباراته فأنك لا تجد فيها واحدة صحيحة مصوغة صيغة عربية طالع مثلاً كلامه هذا فأنك تجد السقط فيه من أول كلمة استعملها في العنوان وهي الأمكح إلى آخر لفظة اتخذها في التوقيع المندلاوي (وهو يريد المندلي نسبة إلى مندلي)(8/58)
فأنك تقضي العجب العجاب من أنه لم يقم عبارة واحدة عربية.
(تنبيه مهم) من العبث أن يخفي الكاتب نفسه بأسماء يستعيرها ظلماً هنا وهناك: إنما المهم أن لا يكتب (الأرمنية بحروف عربية) فلقد اضطررنا إلى مراجعة أديب أرمني ليفهمنا تراكيب عباراته المغلقة ولهذا تراه بهذا العمل يشهر نفسه بنفسه ويفضحها من حيث لا يدري إذ يشير إليها إشارة صريحة.
أشور أو أقور
س - الموصل - أ، س: هل جاء ذكر مدينة أشور في كتب مؤرخي العرب؟
ج - لم يجيء صريحاً بهذا الاسم أثور وأقور وزان صبور، ومنها سميت بلاد أشور: جزيرة أقور، قال ياقوت في أثور من معجمه: (أثور بالفتح) ثم الضم وسكون الواو وراء، كانت الموصل قبل تسميتها بهذا الاسم تسمى أثور وقيل أقور بالقاف وقيل هو أسم كورة الجزيرة بأسرها وبقرب السلامية وهي بليدة في شرقي الموصل بينهما فرسخ، مدينة خراب يباب ويقال لها أقور وكأن الكورة كانت مسماة بها. والله أعلم.
وقال في أقور (بضم القاق وسكون الواو والراء اسم كورة بالجزيرة أو هي الجزيرة التي بين الموصل والفرات بأسرها).
وقال في (جزيرة أقور) بالقاف وهي التي بين دجلة والفرات مجاورة الشام، تشتمل على ديار مضر وديار بكر سميت الجزيرة لأنها بين دجلة والفرات
وقال في السلامية: والسلامية هي أيضاً قرية كبيرة بنواحي الموصل على شرقي دجلتها بينهما ثمانية فراسخ للمنحدر إلى بغداد مشرفة على شاطئ دجلة وهي من أكبر قرى الموصل وأحسنها وأنزهها، فيها كروم ونخيل وبساتين وفيها عدة حمامات وقيسارية (نوع من الخان) للبز وجامع ومنارة. بينهما وبين الزاب فرسخان وبالقرب منها مدينة يقال لها أثور خربت. اهـ
قلنا: يسمي اليوم بعضهم هذه القرية سلامية (بلا أل) كأمنها منسوبة إلى سلام وزان رمان وهي مدينة العهد.
وأما أثور فأشهر من أن تذكر. ولهذا غلط صاحب القاموس وشارحه حين(8/59)
ذكراها باسم قور وأضافا إليها جزيرة في مادة ج ز ر فقد قال هناك صاحب التاج ما نصه: جزيرة قور بضم القاف موضع بعينه وهو ما بين دجلة والفرات وبها مدن كبار ولها تاريخ ألف الأمام أبو عروبة الحراني كما نص عليه ياقوت في المشترك. فيتضح من هذا أن ما كان يسميه السلف في العصور الوسطى جزيرة أقور هي ديار أشور وبالإفرنجية وأن القاف لغة في الثاء ولعل أصلها الفاء وذلك أن الفاء ترد لغة في ألفاظ جمة إذ كان يصعب على كثيرين أن يميزا بينهما (راجع لغة العرب 57: 4) ثم قلبت الفاء قافاً وهذا أيضاً كثير (راجع لغة العرب 479: 4) وذكرها الهمداني باسم أثور وأثوريا
ومن هذا البسط يتبين الغلط الصريح الذي ارتكبه كل من صاحب القاموس وصاحب التاج فليصحح ولا يجوز حذف الهمزة إذ لم ترد في كلام المحققين.
الهمداني أو ابن الحائك
س - ومنه - ما قولكم في الهمداني المعروف أيضاً بابن الحائك أهو حجة عظيمة؟
ج - هو حجة في ما يقوله عن جزيرة العرب وأما ما يقوله عن البلاد التي في خارج الجزيرة فليس بحجة لأنه عثر عثرات هائلة كقوله في ص39 و 43 أن قيليقية هي قالي قلا والحال أن قالي قلا هي ارزن الروم التي تسمى اليوم ارزروم وبعضهم يقول ارضروم وأما قيليقية فهي المسماة عند الإفرنج فأين الثريا من الثرى.
وقال في ص43 فنفولية: جبل القبق والحال أن جبل القبق هو المعروف اليوم باسم كوة قاف أي قفقاسية وأما فنفولية فهي المعروفة باسم وهي ديار في جنوبي بلاد الروم تمر بها جبال طور (طورس) بين ديار لوقية وقيليقية فأين هذه من تلك؟
وفي ص43 ماوريطانية هي بلاد أندلس والحال أن موريطانية هي بلاد المغرب والأندلس في جنوبي أسبانية ولا نفهم كيف كان هذا الرجل يخلط هذا الخلط ومثل هذا كثير في كتابه صفة جزيرة العرب ومن كانت أوهامه كهذه فليس بحجة عظيمة.(8/60)
باب المشارفة والانتقاد
1 - الفتاة والشيوخ
نظرات ومناظرات في السفور والحجاب والعقل وتحرير العقل وتحرير المرأة والتجدد الاجتماعي في العالم الإسلامي، بقلم الآنسة نظيرة زين الدين. طبع في بيروت سنة 1929 في ثلاثة أجزاء الأول في ص128 والثاني في 119 والثالث في 153.
هذا كتاب فذ في مباحثه وصحة آرائه وتنسيقها تنسيقاً منطقياً ويزيد في محاسنه أنه حسن الطبع والورق منقح العبارة. كل هذه الأوصاف اجتمعت فيه حتى أخذنا نشك في نسبته إلى مؤلفته الآنسة نظيرة إلا أننا تأكد عندنا أنه لها بقولها في 1: 12 (أني أعلن على رؤوس الأشهاد، وعلى مسمع من سادة وسيدات، مسلمين ومسلمات، أني سهرت إناء الليل، وأطراف النهار، وكتبت كتابي في غرفة منفردة لم يكن لي فيها سمير ولا معين، إلا الأقلام والمحابر. . . ولم ترني فيها عين ناظر إلا عين معلمي الشرع أبي، وأحيانا عين معلمي العربي ينقح نحوا أنحوه، أو بياناً أجلوه، دون أن يشتركا في التأليف.
والكاتبة أبدعت كل الإبداع في تزييف آراء الشيخ مصطفى الغلاييني، فأنها أتت بأدلة معقولة ومنقولة مزقت بها مزاعمه أشنع تمزيق ولم تبق منها شيئاً وكل ذلك بعبارة دقيقة رقيقة لينة أذاقته بها الأمرين بلا شك. ولا جرم أن الشيخ يود اليوم أن تلك الكلم لم تكن من براعته ويأسف كل الأسف على أنه يفوه ما تفوه به على آنسة كلها أدب وخفر وحسن أخلاق وفضل جم.
وهذا الكتاب مفيد لجميع طبقات الأمة العربية، رجالها ونسائها، كبارها وصغارها. وهو سلاح فتاك بيد من يعالج حماية المرأة المسلمة العصرية ومشكاة نيرة لمن يتسكع في ظلمات القائلين بحجبها عن الناس وبإبقائها أمية لا(8/61)
يحسن بها أن تتعلم الكتابة والقراءة بل تقول كلمة واحدة: أن هذا السفر الجليل مما يجب إدخاله في جميع مدارس الإناث فيكون بأيديهن أداة لدفعهن إلى الأمام ليقاومن أحسن مقاومة تيار الجهل والغباوة.
على أننا كنا ننوه أن يشار في التصحيحات الواردة في آخر الديوان إلى أغلاط الطبع التي وردت فيه، فقول الآنسة في الجزء الأول ص2 (مجاهدة متفانية) غير عربية. ولو قالت:
مجاهدة مغررة بنفسي أو مطوحة بها لكان أحسن. وقولها في تلك الصفحة: مستندة في ذلك إلى الروح الطاهرة في كتابنا. كان الأحسن أن يقال الروح الطاهر نعم أن الروح تذكر وتؤنث. إلا أنها إذا ذكرت عنت شيئاً وإذا أنثت عنت شيئاً آخر. والروح هنا جاءت بمعنى الفكر فالأوفق أن تذكر.
وفي ص3 وإذا أشواك مكدسة. والأشواك جوع شوك لم ترد في كلام الفصحاء بل في كلام المولدين. والأحسن أن يقال (وإذا شوك) وأن كانت الأشواك مستعملة في كلام بعض المحدثين من أرباب الأقلام.
وفي ص6: الشيعين في موضع الشيعين - وفيها لا ضير على النجمة اللامعة والأفصح: على النجم اللامع لأنه مفرد ويجمع على نجوم. وفي ص8 إلا مجموغ (بالغين المعجمة) والصواب بالعين المهملة - ولكن شتان (وضبطت بكسر النون) أيها السادة، بين فتاة. . . شتان بينها وبيت تسعة رهط. . . قلنا: أما ضبط نون شتان بالكسر فليس بالفصيح العالي. أفلا نرى صاحب التاج يقول: (وقد تكسر النون)؟ ونعلم أن (قد) هنا للتقليل؟ إذن فالأفصح فتح النون - وقولها شتان بين فتاة غير فصيح والصحيح شتان ما بين فتاة ليكون فاعل في الجملة.
وكذلك يجب أن يقال في العبارة الثانية: شتان ما بينها وبين تسعة رهط (راجع لغة العرب 667: 7) - وفي ص12 ولسان زاق والصواب ذق - وفي ص13 ولتسعة شهور والمعروف تسعة أشهر لأن تسعة تبين قلة الأشهر - وفي تلك الصفحة: سواء أكانوا أمريكيين أو إنكليزيين أم رهباناً أم راهبات والأفصح: سواء أكانوا أميركيين أو إنكليز، رهباناً أم راهبات إلى غير هذه الهفوات التي تعد كالخال في وجه النضيرة.(8/62)
2 - بدر التمام في شرح ديوان أبي تمام
للدكتور ملحم إبراهيم الأسود الجزء الأول طبع في بيروت في ص472
لا حاجة لنا لتعريف الناس بأبي تمام. فحسبنا أن نقول أن صاحب الأغاني قال عنه: (اخبرني عمي قال: حدثني أبي قال: سمعت محمد بن عبد الملك الزيات يقول: أشعر الناس طرا الذي يقول:
وما أبالي وخير القول أصدقه حقنت ... لي ماء وجهي أو حقنت لي دمي
عن الأغاني 15: 10 من طبع بولاق) والمراد بهذا البيت أبو تمام الطائي.
وقد عني الدكتور ملحم بك إبراهيم الأسود بنشر ديوانه بالشكل الكامل وبالحواشي المفيدة وطبع منه الجزء الأول فوصل به إلى روي ألفاه والشرح لم يسبق إليه سابق وقد سد بنشره ثغراً كان فاغراً في لغتنا وقد توخى المحشي التبسط في التعليق مع تدقيق النظر في إبانة الأوضاع اللغوية والسلاسة في التعبير، عادلاً عن الاختصار المخل، والإسهاب الممل، إلى أقرب الطرق وأوفاها بالمطلوب فجعله بذلك على طرف الثمام وكتاب مدرسة نافعاً للمعلم والمتعلم معاً، والطبع حسن الورق صقيل ثخين.
وكل أكلنا أن أرباب المدارس يتخذونه عدة للأدب العربي الصرف ومورداً يتردد إليه أصحاب الذوق السليم الناطقين بالضاد لأن كلام أبي تمام من أرقى ما قيل ومن أبدعه نظماً وعسى أن حكومتنا أن تدخله في مدارسها ليكون ذريعة إلى تدريب أولادنا على أحسن الأساليب العربية وأمنعها تركيباً.
أننا لا ننكر أن في طبع هذا الديوان بعض أغلاط لا تخفى على القارئ وقد تكفل الناشر بتصحيحها عند طبع الجزء الثاني.
3 - مباحث في الآداب العربية العصرية (بالإنكليزية)
بقلم أ. ز. جب
كنا قد تكلمنا عن القسم الأول من هذه المباحث (لغة العرب 6: 378) والآن أهدى إلينا حضرته القسم الثاني من مقالته هذه. فإذا هو كصنوه الأول مختوم بخاتم التدقيق والتحقيق وقد ذكر الكاتب في حاشية كل صفحة الأسانيد التي اعتمد عليها، فنهنئه بهذا الفوز العظيم.(8/63)
4 - رسام السيدة (باللغة الفرنسية)
رواية خيالية تاريخية نشرها محل مام في تور (فرنسة)، تأليف السيدة غزالة بك (غي دافلين).
عرف القراء من هي غي دافلين التي جاءت ذكراها في هذه المجلة 7: 739 و 819 وقد أهدت إلينا الآن رواية تاريخية في ثلاثة أقسام:
فالقسم الأول منها يحوي المعاهدة وما دار على سليم ابن سلطان مصر الذي عقد مع مكلير
قومس درو في القسطنطينية عهداً لجيش الصليبين إسقاطاً للإمبراطور بدوين الذي لم يزوجه ابنته. فسمع بذلك الحاجب جهان الذي صار فيما بعد رساماً يرسم صور العذراء مريم وأخبر بدوين بما سمع إلا أن الخبر كان بعد أوانه إذ كسر بدوين وقبض على جهان وحاول سليم إحراقه حياً فنجاه من النار راهب أسمه برونو.
والقسم الثاني يدور على أخذ مكلير الثار من خصمه إذ وقعت منافسة بين مكلير وفران البرتغالي الذي تزوج جانة أبنة مكلير فكانت موقعة بوفين في أثر ذلك وولادة القديس لويس. فحاول مكلير قتله إلا أن سليم عهد إلى شلومو اليهودي أن يجد له ولداً مائتاً ليضعه بدلاً من الطفل المولود. فسمع هذا الحديث جهان الرسام وكان في دكانه واختطف الطفل المسروق، غير أن سليم وهم في دخوله الغرفة فأخذ طفلة مكلير التي سميت بعد ذاك (مجدة) وظن الناس فيها أنها أبنة الرسام. فثأر سيم من (يوحنا بلا أرض) ملك إنكلترا لأنه اختطف خطيبته ليلى فقتله بالسم. فبعثت ليلى الحبيسة أبنها إلى بلاط الملكة بلانش القسطيلية.
ومحور القسم الثالث. سر كتاب الساعات. وملخص هذا الباب أن هارلد أودع والدته الحبيسة التي يحبها حباً جماً (مجدة) وفضح جميع مكائد مكلير الذي أثار أعاظم الاتباع على الملكة الكفيلة. إلا أن الحقيقة تجلت أحسن تجل بفضل العهد الذي كان قد صدقه مكلير وسليم وكان مخفياً في كتاب الصلاة كتاب الراهب برونو وعرف اسم (مجدة) الحقيقي التي تشفعت في أبيها فتأثر(8/64)
والدها مما جرى واستناب الله وطلب العفو والصفح من السيدة العذراء وذهب مجاهداً ليقتل في حومة الوغى فقتل. أما مجدة فإنها عرفت باسم (غسلين البريطانية) وتزوجت هارلد. وشهدت ليلى الحكم القاضي على سليم ونصرته. أما جهان فأنه ذهب إلى دير الراهب برنو وبقي فيه رسام صور العذراء وكانت الصور كلها تشبه (مجدة) كل الشبه.
وفي الكتاب صور عديدة وعدد صفحاته 280 وهو بحجم 16 وعبارته من أحسن ما يكتب في اللغة الفرنسية في هذا العصر فهو من محاسن ما خطته السيدة غي دافلين فنهنئها بهذا الظفر الأدبي الرائع
5 - قصة الطوفان
وتطورها في ثلاث مدنيات قديمة هي الآشورية البابلية والعبرانية والمسيحية وانتقالها باللقاح إلى المدنية الإسلامية، بقلم إسماعيل مظهر صاحب مجلة العصور ومحررها، طبعت في مصر بمطبعة العصور في سنة 1929 في 77 ص.
إسماعيل مظهر مغرم بكل ما يخالف معتقد الأقوام الذين يعيش في وسطهم وقد يصيب بعض الأحيان في ما ينكره عليهم لكن في أغلب الأحايين يخطئ الهدف ونحن لا نريد أن نتعرض لتخطئة ما ورد في هذه الرسالة من الأقوال المتعلقة بالأديان إذ هذا الأمر يحتاج إلى الإسهاب في الكلام والخروج عن خطة مجلتنا: إلا أننا نتعرض لها من الوجهة الأدبية.
وأول ما يشاهد في مطبوعات العصور أغلاط الطبع فأنها تسبق جميع المطابع في هذا الميدان. فأنك ترى مثلاً على غلاف الرسالة (هي الآشورية البابلية). وفي العنوان الداخلي (هي الآشورية البابلية كذا) وفي صفحة 3: من الخضوع لهذا الضرور) أي الضرورة وفيها: (في مذاهب انحتها عن الغرض) ولعله يريد (نحتها عن الغرض) ومثل هذه الزلات لا تخلو منها صفحة.
ونراه كثيراً ما يجعل بجانب الكلمة الاصطلاحية العربية الكلمة الإفرنجية في حين لا حاجة إلى ذكرها لشيوع معرفتها عند الجميع مثل الدين والفلسفة والتأمل والعلم (ص11) إلى نحوها(8/65)
وكثيراً ما يخطئ الكاتب في معرفة الألفاظ العربية الاصطلاحية فأنه ذكر في ص 15 أنثروبومورفزم أي الفكرة القائلة بتزويد الله شيئاً من الخصائص الإنسانية) والمعروف عند السلف بهذا المعنى مذهب المشبه أو التشبيه، وسمى الفلسفة الحسية بالفلسفة الإثباتية (ص8) وكيف جاز له أن يسميها إثباتية والحس أساسها والحس كثير الانخداع كما هو مقرر في علم الطبيعيات ولو سماها باسم واضعها (كونت) وقال الكونتية لكان أسلم عاقبة وأصح وضعاً، إذ هناك عدة مذاهب، دينية وفلسفية، منسوبة إلى قائلها - وسمى النزعة الذهنية (ذاتية) (ص8) والنزعة الخارجية أو الغرضية (الموضوعية) (ص9) وليراجع لغة العرب (374: 7) سبب تسمية هذه النزعتين بما ذكرنا فأنهما من وضع فلاسفة السلف - وذكر في ص8 الحالة المتنافيزيقية التي سماها العرب (الحروف أو ما وراء الطبيعة أو ما بعد الطبيعة) أو الإلهيات (راجع مفاتيح العلوم طبع الإفرنج من 134 وابن القفطي طبع الإفرنج (ص41 و 52).
والداهية الدهياء هي في إيراد الأعلام فقد جاء مثلاً (في ص30) (غزدبوبار أو ازدوبار. . . غلغامش. . . كان عدلامي أو قسي أصلاً ودماً) والصواب جسدببار أو ازدبار. . . جلجمش. . . كان عيلمياً أو (عيلامياً) أو كشياً أصلاً ودماً - ثم ذكر في تلك الصفحة الإله (شاماش) والصواب (شمش) لأن في الأصل الآشوري فتحات لا ألفات ومن هذا القبيل شيء كثير فاجتزأنا بما ذكرنا.
6 - المدعدع
الجزء الثاني تأليف أنطانيوس سليمان نقولا الكفر حلداوي صاحب مجلة العروس في بوسطن ماس (أميركة)
وصل إلينا هذا الجزء الثاني المبتدئ ب ص 105 والمنتهي ب ص 216 وهو كتاب بكر لفن (العتابا) الحديث منظوماً نظماً فصيحاً وفي آخر كل بيتين شرح لما ورد فيهما من الغامض والطراز جديد في لغتنا الفصحى فيحسن بكل من يتتبع هذا الفن من النظم أن يقتنيه.(8/66)
7 - البلاد
جريدة يومية سياسية جامعة، تصدرها شركة رفائيل بطي وج، ملكون، صاحب الامتياز ورئيس التحرير المسؤول، المحامي رفائيل بطي.
يعرف قراء العربية الكاتب المقدام رفائيل بطي فقد أسس جريدة في بغداد سماها (البلاد) وتصدر في ستة صفحات ولا يخلو عدد منها من صورتين في أو صفحة وقد لاقت إقبالاً عظيماً من العراقيين وغيرهم. أما ثوب خطتها فهفهاف فضفاض يشف عن تساهل عظيم في الآراء حتى يمكن أن يقال عنها أنا توافق جميع الأحزاب والمذاهب والآراء والأديان من غير أن يعرف لها شيء خاص من ذلك كله. وقد صدر العدد الأول منها نهار الجمعة في 25ت1 (1 أكتوبر) سنة 1929.
والذي لاحظه الناس في عبارتها أن أغلاط الطبع تتدفق فيها تدفق السيل العرم فعسى أن تكون منزهة من هذا العيب الشائن. وهذا أقل ما يطلب منها ألم ترد أن تختط لها خطة تعرف بها دون غيرها.
وفي عددها التاسع أدرجت خطرات للرصافي فحكمت عليها إدارة المطبوعات بالاحتجاب مدة أسبوعين والحكومة المحلية بأداء قدره خمسمائة ربية فقامت بالأمرين وعادت في 26ت2 (نوفمبر) سنة 1929 بثوب أبهى من ثوبها الأول وبمباحث ألذ وأطيب فعسى أن نراها في رقي دائم ولا يدهمها ما يوقفها في سبيلها.
8 - الفردوس
مجلة دينية أدبية تاريخية شهرية وسنتها عشرة أشهر، يصدرها القس منسي يوحنا راعي الكنيسة القبطية بملوي.
ورد إلينا الجزء الأول بحجم الثمن الصغير وفيه 16ص والمجلة مفيدة أن يريد إصلاح الأمة من وجهة الدين وهي الوجهة الحقيقية التي لا يستغني عنها امرؤ يبغي الفلاح لنفسه ولغيره.(8/67)
9 - المجلة العسكرية
السنة السادسة في 654ص بقطع الثمن
أهدى إلينا حضرة العلامة الجليل الزعيم طه بك الهاشمي السنة السادسة من المجلة العسكرية فإذا فيها مقالات نفيسة منقولة في الغالب عن الأجانب. إلا مقالات الأستاذ الزعيم فأنها من تأليفه وكلها يفيد العراقيين وغيرهم، إذ بين نتائج يراعته رأينا معركة سلمان باك (أي المعركة التي وقعت في طيسفون بين الترك والإنكليز وهي من المقالات التاريخية الجليلة وصفها واصفها الجليل أبدع وصف) - وجبال العراق وتأثيرها في الحركات وهي مقالة مبتكرة. ولو لم يكن في هذه المجلة إلا هاتان المقالتان وحدهما لكفتاهما فخراً ولدعتا محبي التاريخ والتحقيق إلى اقتنائها.
10 - الزنبقة
مجلة علمية أخلاقية تهذيبية روائية تصدر في بيروت، لصاحبها ومحررها الياس يوسف حاطوم.
ظهر الجزء الأول منها في تشرين الأول من سنة 1929 بحجم 12 في 32 صفحة ومرماها تهذيب الأخلاق فنتمنى لها النجاح اللائق بها وبأمثالها لحاجتنا إليها في هذا
العصر.
11 - قاموس لبنان
(يشتمل على أسماء مدن وقرى جمهورية لبنان مرتباً بشكل قاموس مع تفصيل واف عن عدد سكان كل واحدة منها ولاية مديرية ومحافظة مع وصف معاهدها وتجارتها وحاصلاتها ومن اشتهر منها رجالاً ونساء)، طبع في بيروت في 264ص بقطع 12 جمعة وديع نقولا حنا.
معجم مختصر مفيد لمن يريد أن يقف بسرعة على ما في لبنان من المدن والقرى، ويشينه سوء الطبع والورق وتزاحم أغلاط المنضدين.
12 - اليقظة
وضيعة تصدرها نقابة عمال المطابع في بيروت (لبنان) بقطع الربع في 16ص.
صحيفة تدل على نهضة العمال في ديار الشرق فعسى أن يضافرها على مرماها(8/68)
لا عمال المطابع وحدهم بل كل من تهمه ترقية الوطن العربي بشغل الأيدي والسعي الحقيقي.
12 - الجامعة الإسلامية
صحيفة إسلامية: علم، أخلاق، أدب، تاريخ، تصدر في الشهر مرتين مؤقتاً.
دفع إلينا البريد العدد 908 من هذه الصحيفة التي تصدر في حلب بقطع الربع في 24ص وفيها مقالات متنوعة تحقق ما جاء في عنوانها وكنا نود أن تكون مهذبة العبارة قليلة أغلاط الطبع.
13 - مجموعة قوانين المطبوعات والمطابع وحق التأليف
ترجمها وصدرها بنبذ تاريخية وعلق عليها الحواشي (طبعة ثانية)، عبد الرحمن خضر حاكم صلح قضاء دلتاوة (العراق).
هي رسالة لطيفة نافعة لكل من يتعاطى مهنة الصحافة في العراق بل في سائر البلاد. فيقتنيها العراقيون ليعرفوا قوانين مطبوعاتهم والأجانب ليقفوا على القوانين التي تتمسك بها الحكومة العراقية في هذا العهد والرسالة في صفحة بحجم 16 فنتمنى لها الرواج.
14 - حياة المسيح
تأليف بابيني. الجزء الأول في 361 ص بقطع 12، عني بطبعه الشيخ يوسف توما البستاني.
بابيني من أشهر كتبة الإيطاليين في هذا العصر وكان من أشهر الكفرة الذين قذفتهم الأرض. إلا أنه عدل عن آرائه الأولى واهتدى إلى الله فألف كتاباً في حياة المسيح نقل إلى كثير من لغات أوربة وطالعه المغرمون بالوقوف على ما يصنفه بابيني ومن جملة اللغات التي نقل إليها كانت الإنكليزية فلما وقف على هذه الترجمة حضرة الأرشمندريت أنطونيوس بشير أحب أن يخرجه إلى لغتنا بحلة فصيحة ففعل. وهو هذا السفر الذي بيدنا وقد فتحنا اتفاقاً صفحة 104 فرأينا فصلاً عن هرودس الكبير يقول فيها المعرب:
(كان هيرودس مسخاً. . . بل كان أخبث وحش غدار من الوحوش العديدة(8/69)
التي قزفت بها صحارى الشرق. كان آدومياً بربرياً. . . اغتصب المملكة من آخر حكام العصمونيين. . . أمر بقتل صهره اريستوبولوس غرقاً وممن قتلهن أيضاً وذهبوا ضحية بربريته أبنا حميه يوسف وهيروكانوس الثاني.
ونحن نرى في هذه الألفاظ شيئاً من أوهام الطبع التي تنسل إلى المنشورات على الرغم من يقظة المؤلف والمصحح ونظن أن الصواب هو: (قذفت (بالذال المعجمة أدوميا (بلا مد الألف) وأما البربري فتقابل عندنا الأعجمي لأن الرومان كانوا يعتبرون (بربرياً) كل من لم يكن من أصلهم. ومن لم يكن منهم يعتبر قاسياً ظالماً. ولهذا ليس لكلمة بربري عندنا معنى كالمعنى الذي يشير إليه أبناء الغرب.
ولا وجود للعصمونيين إنما هم الحشمونيون ولا تقل إلا ارستوبلس (لا اريستوبولوس). . . وممن قتلهم (لا قتلهن). . . وممن ذهبوا ضحية وحشيته هركاس. هكذا يجب أن تروى الأعلام أي بعد واحد في اللفظة لا بمدين أو ثلاثة كما في ارستوبولوس وهيروكانوس.
وما خلا هذه الهفوات فالترجمة حسنة سلسة العبارة لا تقعر فيها والكتاب من الأسفار التي يود القارئ أن يطالعها من أولها إلى آخرها.
15 - كنز علي خوجة (بالفرنسية)
رواية تمثيلية في فصلين وأربعة ألواح، تأليف السيدة غي دافلين في 58ص بقطع الثمن
الصغير.
غي دافلين من مشاهير الكواتب الفرنسيات إذ لا تمضي سنة إلا وقد تتحفنا بآية من آيات براعتها البديعة وقد أهدت إلينا اليوم هذه الرواية التمثيلية المقتبسة من كتاب ألف ليلة وليلة وقد جرت حادثتها في عهد هارون الرشيد وخلاصتها أن (علي خوجة) أودع جاره (حسناً) جرة قبل سفره وقال له: عليك بهذه الجرة التي أودعك إياها ففيها زيتون. أما الحقيقة فأنها كانت تحوي دنانير وضع فوقها زيتوناً. فسكر حسن ذات يوم وأراد أن يأكل من ذلك الزيتون ولما شاهد فيها الدنانير رأى الفرصة مناسبة لسرقتها. فأخذها وكانت امرأته الوديعة منيرة تمنعه عن عمله هذا. وبعد أن مضت سبعة أعوام على غربة علي خوجة عاد إلى وطنه وطالب جاره بالجرة فأنكرها هذا عليه فرفع صاحبها دعواه إلى القاضي فلم(8/70)
ينصفه. ولما كان المساء أخذ هارون الرشيد يجول متنكراً في المدينة مع مسرور وجعفر فيسمعوا صبيان المدينة يتذاكرون الدعوى. وكان بينهم صبياً أظهر ذكاء غريباً فقال: علينا أن نذوق الزيتون الموضوع في الخابئة منذ سبع سنين فلابد من أنه يمتاز عن غيره. وكان السارق قد وضع زيتوناً جديداً بعد أن أخذ الدنانير. ولهذا استحسن الخليفة رأي هذا الحدث فأمر الخليفة بإحضار السارق حسن إلى ديوانه وإحضار بستوقة الزيتون وبعض البصراء بمعرفة الزيتون فإذا الجميع يقولون: أن ما في هذه الجرة حديث فلما سمع حسن السارق هذا النبأ جن وأشار إلى الدنانير تحت حصير من حصران غرفته في حفرة حفرها تحت الحصير وكان الأمر كذلك. فلما سمعت زبيدة اتخذت منيرة خادمة لها ثم تزوجها علي خوجة. والرواية حسنة الاتساق ولو عربت لأفادت مثيراً طلبة المدارس وطالباتها. فعسى أن يقوم أحد وينقلها إلى لغتنا ليستفيد منها أبناء الوطن.
16 - تاريخ الفنون وأشهر العصور
لسلامة موسى، عنيت بنشره إدارة الهلال بمصر في 190 ص بقطع الربع.
يحبب (الهلال) للناس ذوق الفن الدقيق ورفعهم إلى معالي الأدب الفتانة، وقد وضع سلامة موسى هذا الديوان النفيس مزيناً بأفخر الصور المعروفة وبوبها ونسقها أحسن تبويب وأسد تنسيق ولخصه عن (خلاصة الفن) للسير وليم أوربن فجاء من أبدع المقتنيات تزين بها الخزائن ودور الاستقبال إذ فيها ما يلهي الفكر ويشوق المطالع إلى عشق الفنون الراقية
واحتذاء ما فيها من الروائع.
17 - خطط الشام
تأليف محمد كرد علي رئيس المجمع العلمي العربي بدمشق، الجزء السادس طبعه في مطبعة المفيد بدمشق في سنة 1928م في 428ص بقطع الثمن الكبير.
كنا قد تكلمنا على الجزء الأول من هذا السفر الجليل في مجلتنا هذه (4: 544 وعن الجزء الخامس في 5: 230) والآن نذكر الجزء السادس الذي وصل إلينا في أواخر شهر تشرين الأول من العام الماضي 1929(8/71)
أن حضرة الأستاذ الكبير صديقنا محمد كرد علي له الأيادي البيض على هذه اللغة وعلى ديارها. وله الفضل الأعظم على ربوع الشام لأنه وضع هذا التأليف البديع ووفاه حقه من التدقيق والتمحيص إذ وقف على تصانيف لم تقع بيد من تقدمه وطالعها بكل روية. وهذا الجزء الأخير من هذه الخطط يدل على ما أحاط به من المؤلفات العديدة. وكنا قد لاحظنا أن حضرته يتساهل في الألفاظ في حين لا حاجة إلى هذا التسامح (راجع 6: 230) واليوم نراه أيضاً يجري في هذا المجلد على المنحى الذي ألتزمه في الأسفار السابقة. ثم زاد في هذا المجلد اتخاذه كلمات كثيرة دخيلة كان في غنى عنها كقوله في ص66: كنيسة الاكس هومو (أي صورة المسيح المكللة بالشوك) وكنيسة الدورميسيون وكاتدرائية سان اتيان وكنيسة الاغوني واديارسان سبولكر ودي لافجسيون. . . ومثل هذه التعابير الغريبة والألفاظ الشنيعة شيء جم لا يقدر فما ضره لو قال قول النصارى في مثل هذه الأحوال وذكر كنيسة المكلل بالشوك وكنيسة النياح أو النياحة (ومعنى النياح أو النياحة عند النصارى الموت بهدوء وسكون يقال ذلك عند موت الأبرار والمراد هنا بكنيسة النياح أو النياحة الكنيسة المقامة لموت العذراء مريم لأنها لم تبق في القبر زمناً طويلاً بل نقلت إلى السماء جسماً على معتقد النصارى) وكرسية (كاتدرائية) القديس اسطيفنس وكنيسة النزع وأديار القبر المقدس والجلد. . . فكان الأحسن أن يتبع مصطلح نصارى العرب في القدس وغيرها من أقدمين ومحدثين.
وجاء في ص19 (وفي بيت لحم عدة أديار وكنائس منها دير للفرنسيسكان ولأخوات القديس يوسف ديروميتم. . . ودير للكرمليين عمر على مثال قصر سانت انج في رومية
وله كنيسة ومدرسة اكليركية ومجمع الأب بيلوني. . .) قلنا أو قال: دير للفرنسيسيين (نسبة إلى فرنسيس وهو من القديسين المشهورين). . . ودار أيتام (لأن الميتم لم يرد بهذا المعنى أو قال (ميتمة) لكان أحسن(8/72)
لأنه جمع يتيم وقد حذف منه المضاف كأنهم قالوا دار ميتمة) ودير للكرمليات وليس للكرملين هناك دير ولا نعلم كيف وهم صديقنا العزيز هذا الوهم اللهم إلا أن يقال أنه نقل جميع المفردات والعبارات عن تصنيف فرنسي العبارة وكان يسرع في النقل عنه ولم يتسع له الوقت ليتحقق ما يقابلها في العربية فكتب ما كتب مع اللفظة الفرنسية الدالة على الكرمليات هي والدالة على الكرمليين هي وليس لنا هناك مدرسة اكليركية إنما هي مدرسة لأباء بيثأرام وفي قوله (سانت آنج) دليل على أنه ينقل من كتاب فرنسي العبارة وإلا كان حقه أن يقول. (سان انجلو) لأن اسم القصر إيطالي ويحسن بالناقل أن يوافينا بالأعلام ما ينطق بها أهلها. وليس هناك مجمع من المجامع فكيف يكون مجمع الأب بيلوني. والصواب جمعية الأب بلوني (بلا ياء بعد الباء) وأحسن منها (جمعية السالسيين) التي تضم في أخطاءها أبناء جمعية الأب بلوني التي اضمحلت.
(لها تلو)
الأغاني
(الجزء الأول)
(لغة العرب) كنا قد انتقدنا انتقاداً عجلاً الجزء الأول من هذا السفر الجليل الذي هو فخر العرب والعربية (راجع 6: 77) ولما كان قد فاتنا شيء كثير يحتاج إلى التصريح به كتب لنا حضرة الأستاذ النقادة مصطفى أفندي جواد ما عن له في هذا الباب وها نحن أولاء ندرجه بحرفه مع الشكر الصادق له:
كتبنا عن جزئي الأغاني الثاني والثالث ما القراء به عالمون. والآن نعرض الجزء الأول مبدين فيه آرائنا شاكرين لدار الكتب ما خلدته مع الخوالد وما خلفته من المكارم ودونكم يا أيها القراء ما رأينا:
1 - ورد في ص4 من التصدير (وهذا كتابه الذي بعث به إلى مدير الدار في هذا الشأن ناطق بذلك) ولا وجه لرفع (ناطق) بعد استيفاء المبتدأ خبر فالصواب (ناطقاً) بالنصب على الحالية وهو على غرار قوله تعالى (وهذا بعلي شيخاً)(8/73)
2 - وورد فيها (ولهذا توافرت رغبة حضرة. . .) وفي ص52 من التصدير أيضاً (لا يخطئ في قراءته من توافر له حظ قليل) قلت أن التوافر يدل على الكثرة. قال الجوهري في مختار الصحاح (وهم متوافرون: أي هم كثير) فلا محل إذن لاستعمال (توافر) هاهنا فالصواب (رغب حضرة. . . في) و (من كان له حظ قليل) أفلم يروا إلى ص7 من هذا الجزء عينه وفيها (أمر المغنين وهم يومئذ متوافرون)؟
3 - وفيها (وأدخل فيه من التحسينات زيادة من عن الطبعتين) والأفصح زاد عليه لا عنه فليراجعوا كليات أبي البقاء من فصل الزاي في ص2 ولينظروا إلى ص21 من التصدير ففيه (فقلت: الطلاق لازم للأصفهاني أن زاد على هذا)
4 - وورد في ص5 من التصدير (إنما يفهمون من قولك: فلان عرضة للأمراض، أن تغلب عليه بسهولة والحقيقة عكس ذلك) قلت: أن هذه الحقيقة خلاف الصواب ففي مختار الصحاح (وفلان عرضة للناس أي لا يزالون يقعون فيه وجعلت فلاناً عرضة لكذا أي نصبته له. وقوله تعالى: ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم أي نصباً) فالمراد بالنصب هاهنا: الغرض. ولينظر إلى ص424 من الجزء الثاني من الأغاني ففيه قول (ابن عبدل):
. . . بحمد الله ماض مجرب ... وأم رياح عرضة لنكاحي
ويظهر لنا معناها من قول محمد بن سهل بعد هذا البيت (فتحاماها الناس فما تزوجت حتى أسنت) قلت ذلك فضلاً عن أن القياس يدل على أن (عرضة) بمعنى (معروض) مثل ضحكة (بضم فسكون) بمعنى مضحوك منه ولو كان (عرضة) بضم ففتح لجاز أن يكون بمعنى (عارض) نحو (ضحكة) وهمزة ولمزة ووكلة وتكلة)
5 - وورد في ص6 من التصدير (فأن أحاديثه شيقة) والمشهور أن الشيق هو المشتاق كالقيم بمعنى المستقيم والصيب بمعنى المصيب على وجه فلا محل له هنا والصواب (مؤنسة أو مستحسنة أو شائقة) ففي ص2 من هذا الجزء قصة تستفاد وحديثاً يستحسن).
6 - وجاء في ص51 من التصدير أيضاً (بين الجملتين التي يكاد ينقطع المعنى(8/74)
بينهما) والصواب (الجملتين اللتين) لأن اللتين صفة للجملتين حقيقية فيجب موافقتها للموصوف في التثنية.
7 - وذكر في ص52 منه (ليس في مكنة كثير من الناس فهمه أو أدرا كنهه) والفصيح
(ولا إدراك. . .) لأن الواو تجمع نفي الجملتين بخلا (أو) وفي ص9 من هذا الجزء (وأن الأخرى ليست منها ولا قريبة منها) فما دليل يؤيد ما قلناه. وحلول (أو) مكان الواو ضرورة عند الجمع المطلق.
8 - وجاء في ص1 من هذا الجزء (ولم يستوعب كل ما غني به في الكتاب ولا أتى بجميعه) فعلقوا به
(الكثير في - لا - النافية التي تدخل الماضي أن تتكرر أو يقصد به الدعاء ومن غير الكثير قوله تعالى (فلا أقتحم العقبة. . . وعبارة المؤلف هنا من هذا القبيل) قلنا لا داعي إلى هذا التعليق وليست عبارة المؤلف من ذلك الاستعمال لأن - لا - التي يكثر تكريرها الماضي الواقعة في أول الجملة لا في منتهاها كقوله تعالى في سورة القيامة (فلا صدق ولا صلى) وقد استعملها المؤلف في آخر الجملة فلا تناسب ذلك التعليق ولها هنا ثلاثة أوجه هي (لم يستوعب. . . ولا أتى) و (استوعب. . . ولا أتى) و (لم يستوعب. . . ولا أتى) وهذا أسلوب العرب.
9 - وورد في ص11 (البلاط) اسم موضع ولم يفسروه إلا في ص7 وهذا من مصعبات استفادة الفوائد على القراء ومخالف لفن الشرح.
10 - وذكر في ص15 (أرقعها بسبت وأخصفها بهلب) وفي ص42 ومن جمهرة أشعار العرب من طبعة الاتحاد المصري (أرقعها بسبت واخصفها بعلب قال أبو زيد القرشي (والعلب: السير الذي لم يجد دبغه) وفي هذه الصفحة من الأغاني (أني أتيتك مستحملاً ولم آتيك مستوصفاً) وفي تلك الصفحة، الجمهرة (جئتك مستعطياً لا مستوصفاً)
له بقية
مصطفى جواد(8/75)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - الوزارة السويدية
صرح جلالة ملكنا المعظم بإرادته المطاعة لإنشاء وزارة بعد الوزارة السعدونية المنحلة بوفاة وزيرها الأكبر فتليت في مجلس الأعيان في 21ت2 (نوفمبر) من سنة 1929 معلنة فخامة ناجي باشا السويدي رئيساً للوزراء ثم لما عرض على سعادة الباشا زملاءه على جلالتة صدرت إرادة ثانية مثبتة إياهم وهم:
ناجي السويدي لوزارة الخارجية
ناجي شوكت - الداخلية
ياسين الهاشمي - المالية
عبد العزيز القصاب - العدلية
نوري السعيد - الدفاع
محمد أمين زكي - المواصلات والأشغال
خالد سليمان - الري والزراعة
عبد الحسين الجلبي - المعارف
2 - السر فرنسيس المعتمد السامي في العراق
جاء المعتمد السامي الجديد راكباً الطيارة مع قرينته وابنته في الساعة الثالثة بعد الظهر 10ك1 (ديسمبر) سنة 1929 فرحب به الناس على اختلاف طبقاتهم.
3 - خطرات الرصافي
نشر الأستاذ الرصافي في العدد التاسع من جريدة (البلاد) البغدادية مقالة سماها خطرات وجعلها في أربع نبذ:
عنوان الأول: لو كنت مصوراً والثانية عيسى المسيح والنبي العربي. والثالثة ماء الشعير. والرابعة كتاب القبض فساءت جميع المسلمين وأقامتهم وأقعدتهم ونشر بعضهم ردوداً في صحف الحاضرة استنكاراً لما أدرجه الأستاذ معروف وعطلت إدارة المطبوعات جريدة
البلاد أسبوعين بسببها.
وحاكمت الحكومة مديرها المسؤول فحكمت عليه بأداء خمسمائة ربية جزاء له على إدراج تلك المقالة.
4 - كتاب السعدون إلى جلالة الملك
ذكرت جريدة (نداء الشعب) البغدادية عن جريدة (القبس) الدمشقية(8/76)
أن المرحوم عبد المحسن بك السعدون ترك كتاباً مفصلاً في ست صفحات بين فيه أسباب انتحاره ولم يقف على هذا الكتاب أحد ما عدا جلالته ويقال أن الأندية المطلعة تؤيد أقوال جريدة القبس.
5 - عرض الكشافة السنوي
جرى في 12ك1 (ديسمبر) سنة 1929 في ميدان الصولجان (ساحة البولو) في الحاضرة عرض الكشافة السنوي للمدارس الأميرية بحضور صاحب الجلالة الملك فيصل المحبوب والملك علي أخيه العزيز. وكان هناك جم غفير من المدعوين من وطنيين وأجانب فدل ذلك العرض على أبناء العراق من أنشط الأمم في حومة القراع العصري إذا ما دربوا تدريباً حسناً على الأصول المرعية في هذا العهد الجديد.
6 - عطف الحكومة على أسرة المرحوم عبد المحسن
السعدون
قررت الحكومة أن تقدم إلى أسرة المرحوم راتباً دارا قدره ألف ومائتا ألف ربية في الشهر وتقديم (50 ألف ربية) لاقتناء دار للسكنى. والقيام بنفقات علي بك السعدون الذي يدرس في مدرسة برمنكهام في إنكلترا.
7 - شارع السعدون
قرر المجلس البلدي في بغداد تسمية شارع البتاوين الواقع فيه دار المرحوم عبد المحسن بك السعدون باسمه تخليداً لذكراه ويمتد هذا الشارع من الباب الشرقي حتى الكرادة الشرقية
8 - مائتا ساعة مطر في الموصل
احتجبت أشعة الشمس عن الموصل مدة أسبوع كامل وبدأ تهطال الأمطار الغزيرة منذ 25
نوفمبر سنة 1929 إلى ما بعده مدة (200) ساعة
9 - معلم - مدرس - أستاذ
وزعت مديرية المعارف العامة العراقية على جميع المدارس الأميرية بلاغاً رسمياً قالت فيه أنها ستنطلق على الشخص المتخرج في المدارس الابتدائية كلمة معلم والمتخرج في المدارس الثانوية كلمة مدرس، والمتخرج في المدارس العالية كلمة أستاذ. ونحن نستحسن هذه الألقاب.
10 - قدم حضارة أرجاء الفرات
نشر المستر وولي الأثري الإنكليزي، الذي أدرجناه له عدة مقالات في هذه المجلة وهو المشتغل بحفريات أور مقالة في الجورنال الباريسية وصف فيها بعض ما كشفه فيها من القبور الملكية وبحث عن خطورة المكشوفات بالنظر إلى ما يعرفه(8/77)
العلماء عن أقدم المدنيات قال:
نجحنا في السنة الأخيرة نجاحاً باهراً في حفريات أور إذ قد كشفنا خمسة قبور ملكية هي نوعاً ما أقدم من التاريخ المعروف ولا شك أن أربعة منها قبور ملوك أو ملكات أما الخامس فقد يكون قبر أمير لم يصل إلى العرش على أنها كلها تختلف عن قبور الموتى من عامة الناس.
في داخل كل قبر غرفة أو غرفتان أو ثلاث والجدران مبنية بحجارة كلسية أو أجر ووجود الحجارة في القبور في حد ذاتها دليل على الثروة لأن أورا واقعة في واد تربه جرتها المياه إليه لا يستطيع المرء أن يجد فيه حصاة صغيرة وأقرب مقلع للحجارة يبعد مائة ميل على أقل تقدير.
والأغرب في ذلك طرز بناء تلك القبور فأن أثنين منها معقود سقفاهما بالحجارة وفي القبور الأخرى أقواس متخذة من الأجر هي أقدم ما يعرف من نوعها. نعم أنه لأمر عجيب أن يكون أولئك البناة الأقدمين قد عرفوا بناء الأعمدة والأقواس ومارسوها في ذلك العصر المتطاول في القدم على أننا رأينا العالم الغربي لم يتجل له سرها إلا بعد قرون عديدة.
وظهر في هذه القبور أثار تقديم الضحايا البشرية ولم يكن قد كشف حتى الآن ما يدل على
اتخاذ هذه الذبائح في العراق وليس في رقم الشمريين - أو البابليين ما يشير إليها ولكن ظهر من المكشوفات أن مناحة الملك كان يسبقها ذبح ستين أو أكثر من الخدم والحاشية في البلاط. وفي آخر القبر بقايا سيدات عصبت رؤوسهن بضفائر من ذهب ووضعت عليهن تيجان من النضار وفي آذانهن أقراط ذهبية وبالقرب من الباب أضجع جنود الحرس وعلى رؤوسهم الخوذ النحاسية وفي أيديهم الرماح.
وبعض الأصقال (هياكل العظام) سبوثة على أرض القبر بل يرى ثم عظام ثيران العجلان والساقة على مقاعد الثيران الستة مشدودة إلى عريش العجلة ورؤوسها وأكفالها مزينة بالفضة والحجارة الكريمة.
وإلى جانب الملكة (شوب أب) جثث وصائف الشرف في صفين وضارب العود وذراعاه تطوقان آلة طرب وهي آلة عجيبة موشاة بالذهب ومزينة برأس عجل من ذهب صنع جسمه من الحجارة الكريمة.
أما مركبة الملكة فهي مركبة خفيفة(8/78)
ضاربة إلى الربدة (اللون الرمادي) وقد زينت برؤوس السود والثيران والفهود المصوغة من الفضة والذهب.
ويجر المركبة أتن وفي جنب جثث الأتن عظام الخدام الصغار الذين كانوا يسوقونها.
ومما لو حظ أن لا شيء في القبور العادية من الضحايا البشرية ولا من أثارها حتى ليس هناك رمز مصنوع يرمز إلى الذبيحة الحقيقية ولا شيء يشبه الظلوم (الصور الجدارية) كما هو الحال في مصر إذ ترى التماثيل الخشبية تمثل الذبائح في أيام ملوك الدول الأولى.
من هذا يظهر أن في ديار شمر لم تعم عادة اتخاذ الذبائح البشرية بل كانت امتيازا خاصاً بالملوك للدلالة على أنهم يختلفون عن سائر مألوف الناس وبعد ذلك العصر أي في الألف الثالث قبل المسيح أخذت السوقة تستخف بالملوك من شمر وأكد ويزدرون ما بعد الموت بل اخذ اعتبارهم يقل شيئاً فشيئاً في أمورهم حتى في حياتهم أيضاً. ولعل الملوك قديماً كانوا يعدون كالآلهة وكان يجب على الناس أن يمجدوهم بسفك دماء أبناء جنسهم.
وجدت ثلاثة من هذه القبور منهوبة على أن اللصوص لم يأخذوا كل ما فيها إذ وجد بعض الكنوز الأثرية وخباء مناحة الملكة (شوب آب) لم يصب بأذى - وجدت الملكة مسجاة في نعش وعليها حلة مغطاة بالحجارة الثمينة والذهب وقد عصب رأسها بالعصائب والتيجان
والأزهار والحلي الذهبية التي تشبه الأمشاط الأسبانية وإلى جانبها الواحد تاج منقوش عليه صور صغيرة جميلة هي صور حيوانات وأزهار وأثمار وإلى جانبها الآخر هدايا لا تعد بينها آنية ذهبية ورأس عجل دقيق الصنع.
ومجموع هذه النفائس العادية لا يثمن ويملأ متحفه وهي ليست بنماذج فن في عصر لم نكن نعرف أفكارنا وآراءنا في قضية نشأة الحضارة ونمو المدينة تصحيحاً جوهرياً.
أن قبور أور هي أقدم من قبور أول ملوك مصر المتحدة بلا شك ونحن نعلم أن مدينة مصر حين كانت حضارة الشمريين حضارة قديمة العهد وكل من رأى مكشوفات أور لا يستطيع أن يحسبها مصوغة في بداءة عهدها فنستنتج(8/79)
من هذا أو وادي الفرات سبق وادي النيل في الحضارة وهو بث النور في العالم المعروف في عهده فكانت مصر أول من أقتبس منه أنوار الحضارة في الشرق وقد تلقتها منه مباشرة أو اعتنافاً.
11 - قاصد الجزيرة وكردستان وأرمينية
عين الكرسي الرسولي الأب أنطونين درابية من الأخوة الواعظين قاصداً رسولياً للجزيرة وكردستان وأرمينية الصغرى، خلفا للمرحوم السيد فرنسيس دمنك بيرة، وفي الوقت عينه سقف على رئاسة أسقفية نيكسار (المسماة عند الإفرنج نيو سيزرة أي قيصرية الحديثة) وفي يوم الأحد 22 ك 1 (دبسنبر) منه سنة 1929، وسم سمة الأسقفية وكان واسمه السيد فرنسيس داود الكلداني مطران العمادية وآزره في الأمر سيادة المطران دلال السرياني والمطران نسيميان الأرمني الكاثوليكي فنهنئ سيادة الحبر الجديد بمنصبه الجليل ونتوقع أن تقوم على يده عدة أمور تحتاج إلى الإصلاح.
12 - والد وحش يقتل طفلته
حدث نزاع في بيت سليمان بن رشيد من محلة الشيخ فتحي في الموصل وبين زوجته شكرية بنت محمود أدى إلى مشاجرة فظيعة حملت الزوج الوحش سليمان بن رشيد على أن يطلق عياراً نارياً من مسدسه على طفلته البالغة من العمر 28 يوماً فأرداها جثة هامدة بعد أن دخلت الرصاصة في فم الطفلة وخرجت من رأسها. وقد هرع رجال الشرطة إلى محل الجناية وقبضوا على هذا الوالد الوحش وسلموه إلى العدالة.
13 - دفنة غريبة
كان في صباح 16 كانون الأول (ديسنبر) سنة 1929 خمسة أناس في المستشفى الملكي في بغداد. وكان بين الموتى ثلاثة رجال مسلمين ونصرانية ويهودية فلما حان الدفن جاء أقرباء اليهودية (من بيت عزرا نيسان) وأخذوها وكفنوها وطيبوها على عادة اليهود ودفنوها في مقبرتهم. ولما جاء أصحاب المرأة النصرانية (وهي فهيمة امرأة يوسف رومانس) من طائفة الكلدان لاحظوا أنها ليست بها. ولما بحثوا عن الأمر بحثاً نعما تحققوا أن اليهود أخذوها خطأ ودفنوها على سنتهم فاضطر أصحاب النصرانية إلى أن نبشها من قبرها بعد محاورات ومجادلات طويلة ورفض اليهود تسليمها وفي الأخر خرجت النصرانية من مدفنها ثم نقلت إلى كنيسة الكلدان صلي عليها بعد أن كفنت على السنن النصرانية. وهذا أول حادث سمعنا به من هذا القبيل.(8/80)
العدد 77 - بتاريخ: 01 - 02 - 1930
خزائن بسمى القديمة
1 - محتويات الخزانة
كان في القطر العراقي خزائن عديدة لقدماء البابليين والآشوريين مطمورة في قلب الأرض، وقد كشف عنها أهل الحزم والعزم من ديار أوربة واميركة فسجلوا لهم ولبلادهم بذلك مكرمة، ومفخرة سامية، يتناقلها الخلف مدى الأجيال والدهور المقبلة.
كانت تلك الخزائن تشمل على مئات الألوف من صفائح الأجر، المكتوب فيها تاريخ العراق القديم وقد طالع الأثريون نحو مليون صفيحة فوقفوا فيها على آداب الشمريين والبابليين والآشوريين وغيرهم من شعوب بين النهرين العريقة في القديم، فسجلات حكوماتهم ورسائل كتابهم وصلوات أتقيائهم وأدعية وأناشد متعبديهم وزهادهم ووثائق تجارهم وأغنيائهم وخرافات واعتقادات عوامهم وعرافة كهنتهم وعلاجات أطبائهم دونت كلها في مؤلفات ونشرت في أطراف المعمورة. فأخذ القراء يطالعونها كما يطالعون سائر الأسفار على اختلاف الموضوعات.
وقد ذهب الأثريين إلى أن في المتحفة البريطانية اليوم نحو مائة متر(8/81)
مكعب من صفائح الأجر تقدر بخمسمائة مجلد وفي كل مجلد خمسمائة صفحة كبيرة فيكون مجموع صفحات هذه المؤلفات 250. 000 صفحة تؤلف خزانة برمتها فيستطيع الكاتب الملم بلغة تلك المصنفات أن يؤلف كتباً نفسية تمثل حياة البابليين وعلومهم وفنونهم وصناعتهم ولنذكر لذلك مثالاً مما قام به الأستاذ طمسن:
اشتهر قدماء الآشوريين شهرة واسعة في الكيمياء وقد برعوا في تركيب الزجاج وتلوين ومنه الزجاج الأحمر الياقوتي يدخله قليل من الذهب ليكون فيه هذا اللون ويدخله أيضاً (الأثمد) واسم (الأثمد) في اللسان الآشوري (أبار) (وزان سحاب) فنقله قدماء العرب باسم (أبار) (كشداد) عن الفرس والفرس عن الآشوريين وخص بعضهم الآبار بالرصاص الأسود وآخرون بالقصدير ومنهم من ارتأى غير ذلك من الأسماء فاكتفينا بهذه الإشارة.
ووضع مؤخراً الدكتور كمبل طمس كتاباً في كيمياء قدماء الآشوريين وصفة الأستاذ هلمبرد الكيماوي في مجلة (نيتشر) فقال أنه مبني على ما أكتشف من آثار الآشوريين في الخزانة
الملكية الآشورية في نينوى فأن فيها وصفاً دقيقاً لعمل أنواع كثيرة من الزجاج وتلوينه يمتد تأريخه إلى القرن السابع قبل الميلاد وبعد أن جاء على ذكر طائفة من المفردات الآشورية التي تقابل في لفظها ومعناها الألفاظ العربية قال واغرب من ذلك كله أن كلمة (كبلتو) الآشورية تقابل كلمة (كوبلت) العنصر الذي عرف حديثاً وقد حللت أنواع الزجاج التي وجدت في خرائب أشور فوجد في الزجاج الأبيض حاذي (أكسيد) القصدير وفي الأزرق نحاس وفي الأحمر الحاذي (الأكسيد) وفي الأصفر أثمداة (انتيموناة) الرصاص ولنرجع إلى ما نحن بصدده فنقول:
عثر المنقبون على بضع خزائن في أمهات مدن العراق القديمة فاستخرجوا من مدافنها عاديات وأساطين ومسلات وألواحا حجرية وصفائح أجر منقوش عليها أنباء الأقدمين وأساليب عيشهم تعادل زنتها ذهباً بل تفوقها في نظر أرباب التحقيق والتدقيق ومنها خزانة أشور بنيبل في نينوى الحافلة بأصناف الأسفار الثمينة التي اشتملت على مائة ألف صحيفة أجراً مرسوم عليها تاريخ(8/82)
قدماء العراقيين وقد عثر هرمزد رسام الموصلي المولد والمنشأ في أطلال (أبو حبة) (سبر) عام 1881 على نحو 60. 000 لوح وحفر أعراب البادية في خرائب تلو (أي لجش) وهي شربرلا القديمة فوجدوا صفائح أجر كثيرة جداً بحيث أخذ يبيع الحفارون ملء قارب من العاديات بخمسة قروش صحيحة وبهذه المناسبة أطلق على أنقاض الخرائب تل اللوح أي تل الصفائح وقد قدر عدد تلك العاديات الأستاذ بارفت بثلاثين ألف أجرة وفي نفر وجد المنقبون (بضع آلاف) لوح. وخلاصة القول أن الأثريين عثروا في العراق على مقادير جسيمة من الآثار ما يشيد مدينة بدورها وحوانيتها وعرصاتها ومعابدها ومعاهدها وشوارعها في كل من أشور وبابل.
لم يتوقع النقابون في بسمى أن يعثروا على خزانة تضاهي خزائن المدن الأخرى العظيمة في بادئ الأمر بيد أن الفعلة حينما كانوا مجدين في النبش عثروا على عاديات في هليز قائم في الرابية الرابعة وراء القصر فاستبشروا خيراً وضاعفوا جهودهم فتمكنوا من التقاط خمسين عادية من تلك الأنقاض وبينها وجدت أصغر عادية عثر عليها المنقبون في أطلال بسمى وكان حجمها مربعاً وهي أقل من نصف قيراط ومن العادات ما كان محطماً وعلى إحداها أسم الملك مطبوعاً وبينها وجد كتف تمثال صغير مصنوع من الهيصمي والحفر
عليها طامس ولم يظهر منه سوى أثر طابع يتضمن أسم لوجال وهو أحد حكام أدب.
وفي اليوم الثالث وجد النقابون 150 عادية أيضاً وفي اليوم الرابع ثلاثمائة وفي اليوم الخامس خمسمائة وخمساً وعشرين عادية وهو أكبر عدد وجد في نهار وأحد فيكون مرتفع ما اجتمع في خمسة أيام 1175 وكان بدء اكتشاف هذه العاديات في الرابع والعشرين من شهر نيسان عام 1904 واستمرت أوقات العثور عليها حتى الثامن والعشرين منه.
2 - نظام الخزانة
كانت هذه العاديات جميعها مكدسة في أرض غرفة واسعة تحت عمق مترين(8/83)
من التراب وقد بحث النقاب الأميركي ليعثر على رفوف هذه الخزانة فلم يفز بطائل لأن العاديات كانت مدفونة بصورة ركام ولا أثر للعناية بتنسيقها أو تبويب محتوياتها فكانت العادية الكبيرة بجنب الصغيرة. بينها المستديرة الشكل والمربعتة والمسنمة والقائمة الزوايا وبعضها رقيقة وغيرها ثخينة ومنها محكمة الصب وأخرى غير متقنة الصنع ومنها مشوية وأغلبها غير مشوية قصمة وقد أسفرت تنقيبات المنقبين عن كشف 2500 عادية ومعظمها مثلم الأطراف ومشطور شطرين وقد وجدت خمسمائة عادية سالمة من العطب صحيحة الكتابة وبعد أن جمعت وأزيح عنها ما علق بها من الغبار المتلبد وقرء ما فيها فإذا هي صكوك وعقود ووصولات وسندات تنبئ عن بيع حبوب وحيوانات داجنة وصوف وغير ذلك وبينها رسائل ولا أثر للقيود التاريخية ولا للترانيم والمزامير والقصص والأمثال كما كشف منها في خزانة نينوى ومما يؤسف منه أنه سطا على خزانة مدينة أدب من انتزع منها آثار مخطوطاتها الحجرية الثمينة وترك تلك التي عثر عليها لقلة أهميتها في عالم العلم والتاريخ وقد جاهر بعض المنقبين من الفعلة أنهم سمعوا من شيوخ البادية أن هذه البقعة قد نقب فيها أحد النصارى قبل الإسلام وهذا ما أعاد إلى ذاكرة النقاب الأميركي حكاية أشور بنيبل وصورة جمعه آثار العراق وتأسيس خزانة نينوى العظيمة فقد ورد في إحدى صفائح الأجر أنه أرسل طائفة من عماله إلى بلاد بابل كلها ليبحثوا في مدنها العامرة والغامرة ويجمعوا ويستنسخوا ألواحها الحجرية وذلك منذ 668 ق. م.
عثر المنقبون في القصر في القصر الواقع في الرابية الرابعة والقصر قائم بالقرب من موضع الخزانة على أجر مربع الشكل في الزاوية الغريبة من ذلك المحل بيد أن القسم
الأعظم من الأجر كان مشيداً في صدر البناء وقد سقط مقدم الجدار ووجدت أجرتان منها منقوشاً عليهما أسم الملك جميل سن فان هيئة الأجر وعمر البناء وصورة الكتابة تدل على عصر ذلك الملك ويذهب بعض الأثريين إلى أن جميل سن ملك أور لم يقطن هذا لقصر، بل سكنه فريق من عماله. فقد وجد خانمان بين الأجر محفور فيهما أسماء حكام المدينة الذين اشتهروا في ذلك العهد القديم باسم (فاتيشي) وكانوا كهنة وحكاماً معاً وقد قطنوا هذه المدينة.(8/84)
3 - عهد مدونات تلك الخزانة
لم تكن صفائح الأجر جميعها من عهد الملك جميل سن بل كان كثير منها أقدم من عصره فقد وجد ثلاثة طوابع حجرية محفورة عليها أسم نرم سن أي سنة 2700ق. م وقد عثر المنقبون على ثلاث شظيات كبيرة من الأجر من عهد قديم جداً وإحدى تلك الشظيات وجدت تحت الأرض في غور نحو مترين ونصف متر بالقرب من الزاوية الغربية من الغرفة وكان طولها ثلاثة عشر سنتيمترا وعرضها عشرة سنتيمترات وثخنها ستة سنتيمترات ولم تكن هذه الشظية سوى ربع الأجرة قبل انحطامها وكانت مكتوبة من كلا طرفيها والكتابة طويلة تتضمن ستة حقول أي أعمدة وكانت الحقول مقسمة في مربعات، ويحتوي كل مربع على كلمة واحدة أو مبدأ مادة. وكانت صور تلك الكتابة على جانب عظيم من الأهمية. لأن حروفها كانت غريبة لعلماء الآشورية وسببت مشاكل عديدة لحل رموزها تلك الرموز التي تشبه الطلاسم عند من لا يعرف شيئاً من إسرار تلك اللغة القديمة.
ووجد أحد الفعلة في أساس الجدار القائم في الجنوب الشرقي من الغرفة قطعة أجرة أخرى ذات لون أسمر وكان طولها تسعة عشر سنتيمتراً في عرض ثلاثة عشر وثخنها ستة سنتيمترات وكان طول هذه الأجرة قبل أن تتحطم ثلاثين سنتيمترات في عرض عشرين وكان مسطوراً على وجهها سبعة حقول وعلى قفاها حقلان وهذه مقسمة إلى مربعات وصورة حروف كتابتها تشابه تلك التي تقدمتها والقطعة الثالثة كانت أصغر من القطعتين المذكورتين وتشمل على حروف قليلة.
وقد عثر النقابون في هذه الغرفة أيضاً على قطعة من المرمر طولها أحد عشر سنتيمتراً
ونصف سنتيمتر في عرض ثمانية وهيئتها أنها مسنمة وحروفها غريبة الكتابة بصورة مستطيلة ممدودة ومعظم تلك الحروف قد طمس لأحداث طبيعة حدثت لها ويصعب قراءتها وترجمتها.
وألفى النقابون في هذه الخزانة أصغر عادية من الأجر تختلف عن غيرها في شكلها وحجمها وإذا قوبلت بالعاديات التي وجدت في الروابي الأخرى في مختلف العصور فأنها تساعد على حل كثير من المشاكل المتعلقة بصنع الأجر وتطره حتى بلوغه(8/85)
درجة الكمال وانتشاره في الأصقاع البابلية كما نشاهد أشكاله اليوم في المتاحف الأوربية والأميركية على اختلاف صورها ورسومها وقد ظهر من التحريات أن الصلصال لما أتخذ لأول مرة في العالم صحيفة للتدوين والكتابة كانت الأجرة تطبع بشكلين مختلفين الواحد بهيئة مستديرة تشبه الكرة الصغيرة والأخر مسنم وهو يشبه الأجر في العصر الشمري وكلا هذين النوعين تدرج في سلم التطور فأمسى بشكل مستطيل كما كان منتشراً في عصور بابل الأخيرة.
4 - أجرة التدوين وشكلها ونوع كتابتها
وأعلم أن علماء الآشورية أجمعوا على أن الأجرة في أقدم عصورها كانت مستديرة الشكل تكاد تماثل شيئاً الكرة من الطين وتقارب الاستدارة وتشبه كرة الأرض في تسطح قطبيها إذا أخذ طرفاها يستويان شيئاً فشيئاً على توالي الأزمان حتى غدت تضارع قرصاً وظهرت زواياها في ذلك القرص بصورة جلية ثم انبسطت حتى أصبحت مربعة وحينما أخذ الناس في أول عهدهم يدونون أفكارهم على الأجر أصبح المربع مستطيل الشكل قائم الزوايا ليصلح للكتابة. هذا ومن الأثريين من يذهب إلى أن الأجر المسنم كان في أول أمره مستديراً أيضاً ولم يكن نقل صورته إلى شكل قائم الزوايا إلا خطوة إلى الأمام فالطرف المقبب غدا أكثر استواء والطرف المنبسط أصح أشد حتى عم انتشاره وألف شكله البابليون القدماء.
وكان حجم صفحة الأجرة يتعلق في تلك الأيام على نوع الكتابة ومقدار السطور المراد إثباتها في تلك القطعة فأن أصغر صفحة أجر اكتشفت في بسمى كانت مربعة الشكل وحجها أقل من عقدة إصبع وتتضمن كل صفحة منها كلمة تشتمل على حرفين بخلاف
صفحات الأجر في نينوى فأن طول الواحدة منها لا يقل عن ثماني عشرة عقدة ولا عرضها عن قدم وصفحاتها مقسمة في حقول كصفحات الجرائد اليوم وتحتوي على مئات من السطور المتراصة الدقيقة الكتابة أما في الأزمنة الواغلة في القدم فكانت الحقول في صفحات الأجر الكبيرة مقطعة في أشكال مربعة وكل مربع يتضمن كلمة وكانت العناية منصرفة قليلاً إلى تأليف الحروف وتنظيمها وملائمة صورها فكانت تكتب تارة إلى فوق(8/86)
وأخرى إلى تحت وأحياناً من اليمين إلى الشمال أو مبعثرة هنا وهناك لتلائم ذوق الكاتب ومشوبة في ما ينقشه إزميله حتى باتت تختلف اختلافاً عظيماً عن العبرية والعربية والسريانية ومعظم اللغات السامية. فالحروف كانت تكتب دائماً من اليسار إلى اليمين وكان الكاتب في الأزمنة القديمة يعتني اعتناءً فائقاً بطبع الأجرة في قالب وفي صورة يلائمان ما يريد نقشه من الكتابة حتى أنه كان يرسم سطوراً عليها كما نسطر اليوم الكاغد بخطوط مستقيمة وأحياناً يرسم خطوطاً في الطول وفي العرض ثم يؤتي بالطين وهو طرأ فيرسم عليه صورة الكتابة بقلم من النحاس أو الخشب وحروف هذه الكتابة تشبه الأسافين أو المسامير، ولهذا اشتهرت بالخط المسماري وبعد أن يتم ذلك توضع الأجرة في الشمس لتجف أو في أتون لتشوي وعلى هذه الصورة تصبح صلبة كالحجارة التي لا تؤثر فيها الأحداث بسهولة. وقد أهمل رسم السطور في الأجر بعد أن تدرجت الكتابة في سلم الارتقاء والتقدم وباتت الحروف تكتب بأسلوب حسن ودقيق.
5 - مغلفات المدونات
أخذت الحروف والعلامات تنضم شيئاً فشيئاً وتنقش متراصة حتى يضطر إلى حلها عناية عظيمة ومهارة فائقة ليعرف ما فيها وقد استنبط قدماء أهل بابل غلافاً من الطين أو المغلف فكان يغلف به ما يراد حفظه من التلف والدثور وعلى هذه الصورة كانت العادية من الأجر بعد كتابتها وتجفيفها أو شيها تغطى بغلاف رقيق من الطين وكان يعاد كتابة ما تضمنته على الغلاف وأحياناً يكتب طرف منها ليكون بمثابة عنوان لمضمونها.
كان غلاف صفائح الأجر في الغالب صغيراً وثخيناً بحيث يعرف من شكله وكثيراً ما كان يسمع للصفحة صوت داخل الغلاف إذا حركت واشتهرت الظروف وعم استعمالها في عصر أور أنجور وحمرب ولهذا كثر وجودها في خرائب بسمى وبرتقي عهد اختراع
الظروف في بابل إلى أربعة آلاف سنة قبل زمانا هذا.
وقد اكتشف شكل آخر من صحائف الأجر بحجم كبير مستدير حتى كاد(8/87)
يكون مسطحاً من الطرف الواحد ومستديرا من الطرف الآخر والصحائف التي من هذا الطرز كانت في الغالب غير متقنة الصنع ولا تامة الشيء ولا تحوي أكثر من سطر أو سطرين من الكتابة وفيها إحدى العلامات مكررة بضع مرات بصورة مبهمة ومعقدة وقد ذهب الأثريين إلى أن هذه الصحائف كانت بمثابة ألواح لتمرين تلامذة المدارس كما تستعمل اليوم في مدارسنا الألواح الحجرية لهذه الغاية ومنهم من ذهب إلى أن هذه الألواح كانت تتخذ نماذج للخطوط وارتأى آخرون أن هذه المدونات المسطور فيها علامات معقدة كانت دليلاً للكتبة يهتدون بها إذا خانتهم ذاكرتهم في تصوير الحروف المطلوبة في الكتابة وقد وجد المنقبون مواشير مثمنة الجوانب أو مسدستها ومنها مربعة وأسطوانية ومخروطية مدفونة في جدران المباني العمومية كالقاعات والحمامات والمعاهد تنبئا عن انتشارها في ذلك العهد القديم.
6 - أصل الخط المسماري وتدرجه
أن في درس منشأ الحروف المسمارية الخط فائدة عظيمة لعشاق التاريخ ومحبي الآثار إذ أن أقدم صور الحروف المسمارية كانت مصورة ونشأ استعمالها بين الشمريين وبأزمنة طويلة قبل أن يعم انتشارها عند الساميين ولعل ذلك كان قبل حلول الشمريين بين النهرين لأن المنقبين لم يعثروا على كتابة من هذا القبيل وذلك مما يؤيد الفكرة القائلة بأن الشمريين كانوا قد استعملوا تلك الكتابة القديمة قبل احتلالهم ربوع العراق أي قبل تدرجهم في سلم الحضارة حينما كانوا قبائل رحلا يتنقلون من مكان إلى آخر ويعتقد جمهور من أرباب التحقيق أن اكتشافات كتابة هؤلاء الأقوام الرمزية تماثل الخط المصري القديم. والمسألة التي تهم الباحث خاصة هي: أللمصريون اقتبسوا كتابتهم المختصة بالتصاوير الرمزية من الشمريين أم هؤلاء اقتبسوها من أولئك بعد تنقيح وتعديل أم أن شعباً آخر أتخذ تلك الصور الرمزية فأنقرض ولم يخلف شيئاً من أثاره سواها وقد صانها الشعب الظافر من الضياع والدثور؟.
فهذه الآراء أراء طائفة من المؤرخين سوف تؤيدها أو تنقضها الاكتشافات الأثرية المقبلة وبعد هذا البيان الوجيز نقول: كان الخط المسماري في أول نشأته(8/88)
صوراً رمزية أصطلح
عليها أهل ذلك العصر لتفيد معاني خصوصية ثم تدرج شيئاً فشيئاً حتى وصل إلى ما نشاهده اليوم في إتقان حروفه ومن الصور الرمزية المصطلح عليها للتفاهم والتخاطب: النجوم وأصابع اليد والقدم والشمس المشرقة فوق الأفق والسمكة والطير. والكتابة المركبة من هذه الصور وغيرها كانت شائعة الاستعمال عند الشمريين في بابل والصور الأصلية كان رأسها موضوعاً إلى الشمال فقط وأصابع القدم مقلوبة والقصبة مطروحة والسمكة قائمة على ذنبها وأن اختلفت هذه الأوضاع يمكننا أن نميز بينها ونعرف حقيقتها وقد وجد الحفارون أن الصور المرسومة بخطوط مستقيمة ومنحنية كانت محفورة على الحجارة وليست مطبوعة على الأجر ومن هنا نستدل على الشمريين أقبلوا من بلاد جبلية والحجارة فيها ميسور حصولها أكثر من الطين.
أن هذه الصور الرمزية التي تقوم مقام الحروف وجدت منقوشة على الأواني والتماثيل واستخرجت من هيكل أدب القديم وأتخذ الصلصال مادة للكتابة قبل عصر سرجون بزمن قليل ثم طرأ على الحروف تغيير بين فنشأت الخطوط بطبع أداة حادة الطرف على الطين والخط المقوس كان يصعب على الكاتب رسمه بتلك الآلة أي الأداة وطرف الآلة المقابل لليد كان ينطبع في الطين انطباعا عميقاً فكان يحصل من ذلك الضغط علامة اسفينية الشكل وكان من الصعب أن يتكون خط متساوي الغور على طول السطر وعلى هذا المنوال تحولت الخطوط المتوسطة إلى مستقيمة والخطوط المستقيمة أصبحت أسفينية والصور الرمزية فقدت كل خاصيتها الأصلية. وعلى تمادي الأيام إذا الخط المسماري شائعاً مقبولاً عند الخاص والعام وتطورت الكتابة في عصر حمرب (حموربي) وما بعدة فأهمل كثير من العلامات والحروف ومنها الأسافين واضحة الكتابة أبسط مما كانت عليه فكان أسهل على الكاتب أن يرسم خطاً من أن ينقش أسفيناً وفي أواخر أيام الدولة البابلية تحسنت الحروف وأخذت تكتب بصورة جلية جداً.
كانت كتابة الجمل والعبارات تتألف من كلمات مزدوجة التركيب وهذه تفرعت فتدرجت من وضع علامتين أو أكثر معاً الواحدة بجنب الأخرى أو من ضم علامة إلى علامة أخرى لتعبر عن معنى خاص ومن تلك العلامات المتحدة(8/89)
كلمة مطر فأنها تتألف من علامتين هما سماء وماء وكلمة دمعة ترمز إلى العين والماء وعلامة فم تدل على الطعام ومنها أشتق فعل
أكل وعلامة رقم ثلاثين تشير إلى شهر ومفردها إلى يوم وعلى هذا النحو تركبت ألوف من الكلمات واتخذت في كلام البشر الأولين.
7 - ثمن المكشوفات
تعد مدونات الأجر التي في الرابية الرابعة من أنفس الآثار المكشفة هناك بيد أنه وجد بينها قليل من الختوم الأسطوانية الخالية من أثر الإتقان ومن تلك الآثار منقار من العاج وقبل أن يغادر النقابون تلك الرابية حفروا في أنقاضها عمق ثلاثة أمتار ونصف متر هناك عثروا على جدران مشيدة بالطين وشقف (قطع من الخزف). وبينما كان معظم الفعلة ينبشون غرفة الخزانة كان الباقون متفرقين في أطراف الرابية وكشفوا جداراً يضم غرفاً صغيرة وفي إحداها طابع صغير أسود من الفخار المجوف هرمي الشكل طوله ثلاثة سنتمترات وقطره سنتيمتران ونصف سنتيمتر تدل كتابته على عصر متأخر ووجد النقابون في موضع آخر أربع قطع من موشور مربع الأطراف من طين وأجرة معلمة بخطوط وفيها بضع أسطر من كتابة مقلوبة كأنها نسخة من كتابة نقشت على خاتم وبين أثاث منزل وجد صحن من الفخار، لونه أسمر ضارب إلى الحمرة قطره أربعة وخمسون سنتيمترا وعمقه ثمانية عشر سنتيمترا ويقسم إلى أربعة أبيات صغيرة (خانات) متقطعة بصورة صليب وكان بينها تماثيل صغيرة ولعب صبيان، منها حية وكلب وخنزير وسلحفاة صغيرة وكلها متخذة من الفخار ومدهونة بدهان أبيض وهي العروض الوحيدة التي كشفت في بسمى مدهونة بذلك الدهان وكانت أرض غرف القصر التي وجدت فيه هذه الآثار مرتفعة عن أرض الصحراء بنحو أثنى عشر متراً.
وعثر المنقبون في بحثهم عن الآثار على قلبين (بئرين قديمتين) في الطرف الغربي من الرابية الرابعة أن نزح ما فيها من النبائث ظهر أن إحداهما مطوي بالأجر المسنم وقد رمم جداره بطاباق مستطيل معلم بثلاثة خطوط محفورة كأنها أخاديد وكانت سعة فوهته من الجانب الواحد إلى الجانب الآخر ستة وسبعين(8/90)
سنتيمترا ثم أخذ قطرها يتسع شيئاً فشيئاً ثم اتسعت دائرته بسرعة حتى بلغت مترا ونصف متر وكان عمق القليب أثني عشر مترا وثخن جدرانه نحو أربع أجرات وكان سالماً من كل ضرر كأن البناء قد أتمه قبل هنيهة ووجد في قعره نحو مائة قدح للشرب مصنوعة من الفخار ويظهر أنها سقطت اتفاقا ووجد
فيها أيضاً أثنتا عشرة جرة ماء وإناءان صغيران من الحجر وخرزتان من اللازورد مقطوعتان بهيئة الماستين أما القليب الثاني فكان مطوياً بالأجر المربع من عصر أور أنجور ملك أور كان مبنياً بناء متيناً وبديعاً للغاية وسعته سعة القليب الأول.
8 - فوائد المكشوفات العلمية
وقد استفاد الأثريون من هيئة بناء هذين القليبين ومن شكل أجرهما فوائد جمة ساعدتهم على حل معضلة تاريخ القصر المجاور للخزانة فأن القليب المشيد بالأجر المسنم دلهم على أن عهد القصر يرتقي بناؤه إلى زمن صنع ذلك الأجر بهذا الشكل وهو من أقدم عصور حضارة البابليين وقد بحث المنقبون عن أثار ذلك القصر فلم يفوزوا بطائل لأن رمال الصحراء غطته منذ قرون عديدة حتى غدت كثباناً فوقه فجميع الهمم التي بذلت في كشفه ذهبت أدراج الرياح ومن المنقبين من يذهب إلى أن دولة فاتحة قوضت أركان القصر ودكت أسواره فمحت معالمه والقليب الذي نحن بصدده يدل أيضاً على أن قوماً أتخذ ذلك القصر مسكناً له ورممه بأجر مستطيل مخدد وهيئة طوابع الأجر تشير إلى عصر سرجون الأول وابنه نرم سن لا يبعد أنهما اتخذا من هذه البئر مورداً لخيلهما وقد هجرت على أثر اضمحلال القصر أما البئر الثانية المحكمة البناء فقد شيدها اور انجور وشرب منها هو وخلفاء دولته ومن وأتى بعدهم من سكان الدور القائمة على منحدرات الرابية حتى قوت ربوع المدينة وظعن عنها أصحابها فأخذت البئر تمتلئ من رمال الصحراء حتى جاء من أزالها عنها أي أولئك النقابون الإجلاء وطهرت من الرمال المتراكمة فيها منذ أجيال.
9 - الخاتمة
هذا ملخص تاريخ الخزانة والقليبين وزمن وجودها مع طرف من أنباء القصر الذي عفت معالمه ودرست أثاره ذيالك القصر الذي لم يوقف له على نبأ يروى غليل المؤرخ المدقق والأثري المحقق فعسى أن تجلى عنه الغوامض في ما يكشف بعد هذا الحين.
رزوق عيسى(8/91)
أعلام قصيدة أخت الوليد بن طريف
1 - توطئه
أجود أشعار العرب مراثيها. والقصيدة التي رثت بها الفارعة أو فاطمة أو ليلى بنت طريف بن الصلت بن طارق بن سبيجان بن عمر بن مالك الشيباني أخاها الوليد بن طريف الشاري راس الخوارج في خلافة هرون الرشيد من هذا الجيد المروي يدلك على ذلك اهتمام اللغويين والمتأدبين بها واستشهادهم ببعض أبياتها، وأول ما اتصل بنا من هذه القصيدة بيتان نقلهما أبن جرير الطبري المتوفي سنة 310هـ (922م) في عرض كلامه على مقتل الوليد في حوادث سنة 179هـ 795م إذ يقول:
(وفيها رجوع الوليد بن طريف الشاري إلى الجزيرة واشتدت شوكته وكثر تبعه فوجه الرشيد إليه يزيد بن مزيد الشيباني فراوغه يزيد ثم لقيه وهو مغتر فوق هيت فقتله وجماعة كانوا معه وتفرق الباقون فقال الشاعر:
وائل بعضها يقتل بعضاً ... لا يفل الحديد إلا الحديد
وقالت الفارعة أخت الوليد:
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على أبن طريف
فتى لا يحب الزاد إلاَّ من التقى ... ولا المال إلاَّ من قنا وسيوف
واعتمر الرشيد في هذه السنة في شهر رمضان شكراً لله على ما أبلاه في الوليد ابن طريف فلما قضى عمرته انصرف إلى المدينة فأقام بها إلى وقت الحج ثم حج بالناس فمشى من مكة إلى منى ثم عرفات وشهد المشاهد والمشاعر ماشياً ثم أنصرف على طريق البصرة.(8/92)
وأما الواقدي فأنه قال (لما فرغ عمرته أقام بمكة حتى أقام للناس حجتهم) إلا، ويأتي بعده ما نقله أبن عبد ربه المتوفي سنة 328هـ 940م الذي يقول:
(وقالت أخت الوليد بن طريف ترثي أخاها الوليد بن طريف):
فيا شجر الخابور ما لك مورقاً ... كأنك لم تجزع على ابن طريف
فتلا لا يريد العز إلاَّ من التقى ... ولا المال إلاَّ من قنا وسيوف
فقدناه فقدان الربيع فليتنا ... فديناه من ساداتنا بألوف
خفيف على ظهر الجواد إذا غدا ... وليس على أعدائه بخفيف
عليك سلام الله وقفا فأنني ... أرى الموت وقاعاً بكل شريف
وقد ساق أبو الفرج الأصبهاني المتوفي سنة 356هـ (967م) قصة الوليد بن طريف الشاري بعد أن نسب تلك المرثية إلى ليلى أخت طريف ونقلها على الوجه الأتي:
بتل نباتي رسم قبر كأنه ... على علم فوق الجبال منيف
تضمن جوداً حاتميا ونائلا ... وسورة مقدام ورأى حصيف
ألا قاتل الله الجثا كيف أضمرت ... فتى كان بالمعروف غير عنيف
فان يك أرداه يزيد بم مزيد ... فيا رب خيل فضها وصفوف
ألا يا لقومي للنوائب والردى ... ودهر ملح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى ... وللشمس همت بعدة بكسوف
أيا شجر الخابور مالك مورقاً ... كأنك لم تحزن على أبن طريف
فتى لا يحب الزاد إلاَّ من التقى ... ولا المال إلاَّ من قنا وسيوف
ولا الخيل إلاَّ كل جرداء شطبة ... وكل حصان باليدين عروف
فلا تجزعا يا أبني طريف فأنني ... أرى الموت نزالاً بكل شريف
فقدناك فقدان الربيع وليتنا ... فديناك من دهمائنا بألوف
وعاد فروى البيت السابع والبيت الثامن من هذه القصيدة وعززهما بالتاسع ولكنه نقله على هذا الوجه:(8/93)
ولا الذخر إلاَّ كل جرداء صلدم ... وكل رقيق الشفرتين خفيف
ومن الذين استشهدوا ببعض أبيات هذه القصيدة أبو علي القالي المتوفي سنة 356هـ (966م) أيضاً فقد ذكر الأبيات الثلاثة المتقدمة التي أعاد روايتها الأصبهاني ولم يغير منها إلاَّ منها إلاَّ كلمة (تحزن) ب (تجزع) وألحقها ببيت رابع هو:
عليك سلام الله حتما فأنني ... أرى الموت وقاعاً بكل شريف
ومع استشهاد أبي علي هذه الأبيات فأنه لم ينسبها إلى قائلها بل أقتصر على قوله وأنشدني بعض أصحابنا.
ومنهم أبو هلال العسكري المتوفي سنة 395هـ (1004م) فقد قال: ومن الكلام المستوي
النظام الملتئم الرصيف قول بعض العرب) ونقل البيت السابع والبيت الثامن على الوجه الذي نقله القالي إلاَّ أنه نقل البيت التاسع كما يلي:
ولا الخيل إلا كل جرداء شطبة ... واجرد شطب في العنان حنوف
ثم أردفها بالبيتين الآتيين:
كأنك لم تشهد طعاناً ولم تقم ... مقاماً على الأعداء غير خفيف
فلا تجزعا يا ابني طريف فإنني ... أرى الموت حلالا بكل شريف
ونقل المطهر بن طاهر المقدسي بعض أبيات هذه القصيدة التي عزاها للفارعة بنت الطريف على ما يلي:
ألا يا لقوم للحتوف وللبلى ... وللدار لما أزمعت بخسوف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى ... وللشمس همت بعدة بكسوف
ولليث فوق النعش إذ يحملونه ... إلى وهدة ملحودة وسقوف
بكت جشم لما استقلت عن العلى ... وعن كل هول بالرجال مطيف
أيا شجر الخابور مالك مورقا ... كأنك لم تجزع على أبن طريف
فتى لا يعد الزاد إلا من التقى ... ولا الكال إلا من قنى وسيوف
وفي هذه الأبيات من التصحيف والتحريف أكثر من سواها مع أن ناشر(8/94)
الكتاب المستشرق الأفرنسي الأستاذ كليمان هوار المتوفي سنة 1345هـ (1926م) هو من المتأخرين ولا بد أن يكون أطلع على رواياتها العديدة فكان حقيقاً به أن يعلق على الأبيات ويصحح أغلاطها في حواشيه ونقل ياقوت الحموي المتوفي سنة 626هـ 1228م البيت السابع والبيت الثامن على الوجه الذي نقلها القالي في أماليه والعسكري في الصناعتين.
ونقل ابن الأثير المتوفي سنة 630هـ (1232م) القصيدة كما هي في الأغاني إلا أنه وقع فيها بعض التصحيفات فجاء بتاثا بدل نباتي في صدر البيت الأول وقلب بدل رأي في عجز البيت الثاني وعفيف بدل عنيف في عجز الثالث وقد بدل إذ في صدر السادس وتجزع بدل تحزن في عجز السابع.
واكثر العلماء اهتماماً بهذه القصيدة هو أبن خلكان المتوفي 681هـ (1282م) فقد قال في ترجمة الوليد المذكور: وكان له أخت تسمى الفارعة وقيل فاطمة تجيد الشعر وتسلك سبيل
الخنساء في مراثيها لأخيها صخر فرثت الفارعة أخاها الوليد بقيدة أجادت فيها وهي قليلة الوجود ولم أجد في مجاميع كتب الأدب إلا بعضها فاتفق أني ظفرت بها كاملة فأثبتها لغرابتها مع حسنها وهي هذه:
بتل نهاكي رسم قبر كأنه ... على جبل فوق الجبال منيف
تضمن مجداً عدملياً وسؤدداً ... وهمة مقدام ورأى حصيف
فيا شجر الخابور ما لك مورقاً ... كأنك لم تحزن على أبن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى ... ولا المال إلا من قنا وسيوف
ولا الذخر إلا كل جرداء صلدم ... معاودة للكر بين صفوف
كأنك لم تشهد هناك ولم تقم ... مقاما على الأعداء غير خفيف
ولم تستلم يوماً لورد كريهة ... من السرد في خضراء ذات رفيف
ولم تسع يوم الحرب والحرب لاقح ... وسمر القنا ينكزنها بألوف
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى ... فإن مات لا يرضى الندى بحليف
فقدناك فقدان الشباب وليتنا ... فديناك من فتياننا بألوف(8/95)
وما زال حتى أزهق الموت نفسه ... شجا لعدو أو نجا لضعيف
ألا يا لقومي للحمام وللبلى ... وللأرض همت بعدة برجوف
ألا يا لقومي للنوائب والردى ... ودهر ملح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى ... وللشمس لما أزمعت بكسوف
ولليث كل الليث إذ يحملونه ... إلى حفرة ملحودة وسقيف
ألا قاتل الله الحشى كيف أضمرت ... فتى كان للمعروف غير عيوف
فان يك أرداه يزيد بن مزيد ... فرب زحوف لفها بزحوف
عليك سلام الله وقفا فأنني ... أرى الموت وقاعا بكل شريف
قال ولها فيه مراث كثيرة ذكر بعضها ومن جملتها البيت الذي نقله الطبري وعزاه إلى الشاعر وقد ذكره في ترجمة يزيد بن مزيد الشيباني ضمن أبيات هي:
يا بني وائل لقد فجعتكم ... من يزيد سيوف بالوليد
لو سيوف سوى سيوف يزيد ... قاتلته لاقت خلاف السعود
وائل بعضها يقتل بعضا ... لا يفل الحديد غير الحديد
وقد شرح أبن خلكان موضع التل فقال وتل نهاكي أظنه في بلد نصيبين.
وقد نقل عبد الرحيم بن أحمد بن عبد الرحمن العبادي العباسي المتوفي سنة 963هـ 1555م. القصيدة كما نقلها أبن خلكان إلا أنه سمى أخت الوليد بليلى وأبدل من القصيدة بعض كلماتها مثل نباثا بدل نهاكي وعلم بدل جبل (وجودا حاتميا ونائلا) بدلاً من (مجدا عدمليا وسؤددا) وسورة بدل همة وقلب بدل رأى وأيا بدل فيا وتجزع بدل تحزن ولفيف بدل رفيق وواقع بدل لافح وينهزنها بدل ينكزنها ولم يرضى بدل لا يرضى ولجا بدل نجيا وبرجيف بدل برجوف وقد هوى بدل إذ هوى والردى بدل الحشئ وعليه بدل عليك.(8/96)
وقد قال عن البيت الثاني: ورأيت في تاريخ أبن خلكان هذا البيت على غير هذا الوضع وهو:
تضمن مجدا عاصميا وسؤددا ... وهمة مقدام ورأي حصيف
وتقدم معنا أن ابن خلكان قد نقله: تضمن مجدا عد مليا (الخ)
وحدث في الطبع غلط في (بتل) فجاءت (نثل) ولعل القصيدة نقلت في كتب أخرى وبصورة مختلفة لم نطلع عليها.
وقد جاء أحد المعاصرين وهو الأستاذ السيد عبد الله العفيفي المصري برواية جديدة للقصيدة لم يشر إلى مصدرها وهي أطول مما تقدمها من الروايات وفي كلماتها بعض اختلاف وهي منسوبة إلى ليلى بنت طريف التغلبية:
بتل نباتي رسم قبر كأنه ... على جبل فوق الجبال منيف
تضمن جودا حاتميا ونائلا ... وسورة مقدام ورأي حصيف
ألا قاتل الله الحشى كيف أضمرت ... فتى كان للمعروف غير عيوف
فالا تجبني دمنة هي دونه ... فقد طال تسليمي وطال وقوفي
وقد علمت أن لا ضعيفاً تضمنت ... إذا عظم المرزى ولا أبن ضعيف
فتى لا يلوم السيف حين يهزه ... على ما اختلى من معصم وصليف
فتى لم يحب الزاد إلا من التقى ... ولا المال إلا من قنا وسيوف
ولا الخيل إلا كل جرداء شطبة ... وأجرد عالي المنسجين غروف
فقدناه فقدان الربيع وليتنا ... فديناه من فتياننا بألوف
وما زال حتى أرهق الموت نفسه ... شجا لعدو أو لجا لضعيف
حليف الندى أن عاش يرضى به الندى ... وأن مات لا يرضى الندى بحليف
فإن يك أرداه يزيد بن مزيد ... فرب زحوف فضها بزحوف
فيا شجر الخابور ما لك مورقاً ... كأنك لم تحزن على ابن طريف
ألا يا لقومي للنوائب والردى ... ودهر ملح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى ... وللشمس همت بعدة بكسوف
ولليث فوق النعش إذ يحملونه ... إلى حفرة ملحودة وسقوف(8/97)
بكت تغلب الغلباء يوم وفاته ... وابرز منها كل ذات نصيف
يقلن وقد أبرزن بعدك للورى ... معاتد حلي من برى وشنوف
كأنك لم تشهد مصاعا ولم تقم ... مقاما على الأعداء غدو خفيف
ولم تشتمل يوم الوغى بكتيبة ... ولم تبد في خضراء ذات رفيف
عليك سلام الله وقفا فأنني ... أرى الموت وقاعا بكل شريف
2 - تل نباتي والحشى
وقد حشى الأستاذ العفيفي على نباتي فقال: عين بالبصرة كما أن طابع كتاب الأغاني حشى عليها بمثل ذلك نقلا عن القاموس على أن الذي في معجم البلدان لياقوت نباتي بالفتح والضم أسم جبل ولم يعين موضعه.
وكذلك حشى السيد العفيفي على الحشى فقال عنها: عين قرب المدينة والذي في ياقوت: الحشى واد بالحجاز وجبل الأبواء بين مكة والمدينة وموضع في ديار طيئ.
3 - نفي الصلة بين الخابور ونباتي والحشى
وأنت ترى أن لا صلة لحادثة في الخابور بعين في البصرة وأخرى بالحجاز والخابور نهر كبير بين رأس عين والفرات من أرض الجزيرة له ولاية واسعة وبلدان جمة غلب عليها أسمه فنسبت إليه وأخر شرقي دجلة الموصل.
وقد وردت نباثا وبتاثا بالمثلثة والحشى باسم الحسى بالسين المهملة والجثى بالمثلثة ولا شك
في أنها جميعاً صحفت عند النقل على أن للأخيرتين في اللغة ما يشفع لهما ويجعلهما أقرب للمعنى من تلك العين أو ذلك الجبل فالحسى كإلى، سهل من الأرض يستنقع فيه الماء أو غلظ فوقه رمل يجمع ماء المطر وكلما نزحت دلوا جمعت أخرى جمعها أحساء وحساء.(8/98)
وجثا الحرم بالضم والكسر ما أجتمع فيه من الحجارة التي توضع على حدود الحرم أو الأنصاب تذبح عليها الذبائح.
وإذا جاز لنا أن نبعد المدى ونطلق لأنفسنا عنان الاشتقاق والتمحل فنستطيع أن نقول أيضاً في صدد نباثا ونبيث: النبيثة تراب البئر والنهر.
4 - الرجوع إلى الروايات الخطية
إلا أن كل هذا ليس بالذي عنته الشاعرة التي كانت متأثرة بمصيبتها الفادحة فكانت تستعين بما حولها من النبات والجماد فذكرت التل وارتفاعه والخابور وشجرة الجثا وإضمارها تلك الروح الثائرة.
بقي علينا أن نتثبت في صحة هذه الأعلام التي وردت في هذا الشعر الصادر من صدر مكلوم ونفس مهتاجة ولا سيبل لنا إلى ذلك إلا بالرجوع إلى بعض المخطوطات التي ذكرها فيها.
وقد كنت قرأت في فهرس دار الكتب المصرية أن فيها نسخة مخطوطة من الجزء الثاني من وفيات الأعيان وفي هذا الجزء ترجمة الوليد بن طريف الشاوي فاطمأنت نفسي إلى أنني أجد ضالتي فيها فكتبت إلى مدير الدار اسأله المعونة على هذا التحقيق البسيط الذي ضيقت دائرته وحصرته في كلمتين اثنتين هما نباتي والحشى ومضى الشهر تلو الشهر فلم يحر المدير جواباً فقلت لعل له عذراً وأنا ألوم.
بيد أنني أقول بكل أسف أنني ما سألت عالماً غربياً من المستشرقين ودور الكتب الأوربية سؤالاً من هذا القبيل إلا أجبت عنه بدقة وتفصيل أكثر مما طلبت. هذا وأنا أكتب للقوم باللغة الضادية لا برطانتهم الأعجمية فيتحملون عناء الترجمة والبحث والاستقصاء والإجابة في حين أن جارتنا الشرقية تضن علينا بفتح صفحة من الكتاب وكتب بضع كلمات دون اضطرار لترجمة أو تعريب. ثم رجعت إلى موظف كبير من موظفي الدار وسألته نفس السؤال فكان نصيبي من الثاني كنصيبي من الأول وكان أسفي من هذا أشد
لأنني أنزلت آمالي بمن خيبها.(8/99)
ولذلك اضطررت إلى صرف الأستاذ سليم أفندي قبعين مجلة الإخاء في القاهرة عن عمله عدة ساعات وحملته على الذهاب إلى دار الكتب المصرية ومراجعة الكتاب المذكورة وبالرغم من كثرة مشاغله الصحافية فقد كتب إلي يقول:
راجعت الجزء الأخير من وفيات الأعيان الذي نسخة في أواخر ذي القعدة الحرام من شهور سنة 1043هـ 1604م على يد عبد الكريم بن أحمد بن العسكر بن محمد بن عمر بن علي بن جريشة المزي بلدا الصالحي منشأ الحنفي مذهباً الحنيفي ملة فإذا به يقول:
(وكان للوليد المذكور أخت تسمى الفارعة وقيل فاطمة (وقيل أنها لعبد الملك بن بجرة النمري الرسعتي وقيل لمنصور بن بجرة يرثي بها الأزرق بن طريف النمري) تجيد الشعر وتسلك سبيل الخنساء في مراثيها لأخيها صخر إلى آخر ما في النسخة المطبوعة أما القصيدة فقد جاء في مطلعها:
بتل بناتي رسم قبر كأنه. . .
وفي البيت السادس عشر:
إلا قاتل الله الحثا حيث أضمرت. . .
وقد مد الناسخ الحاء وجعل في وسطها وجاء سينا وجاء في العبارة التي أوردها تحت القصيدة: وتل بناثي في برية الموصل في بلد نصيبين.
5 - الاختلاف بين المخطوط والمطبوع
أن الجملة التي وضعناها بين عضادتين وهي (وقيل أنها لعبد الملك الخ). لم ترد بتاتا في المطبوع وليس هناك محلها ولعلها سقطت بعض كلماتها وكانت ترمي إلى أن القصيدة قيل لعبد الملك أو المنصور وعلى كل حال فقد أتتنا هذه العبارة بشيء جديد في الرواية.
وأهم الاختلاف هو في التل ففي المطبوع نهاكي وفي شرحه أظنه في بلد نصيبين وفي المخطوط: بناثي وفي شرحه في برية الموصل في بلد نصيبين كما تقدمت الإشارة إليه.(8/100)
ومن الاختلافات ورود الحثا في المخطوط وأن كانت تقرأ الحشا أيضاً لأن الناسخ مد في الحاء والثاء ووضع فوقها النقط الثلاث. والذي في المطبوع الحشى وليس من الاختلاف بين المخطوط والمطبوع في القصيدة ما يؤبه له سوى (ينهزنها) بدل (ينكزنها) في عجز
البيت الثامن من رواية أبن خلكان و (عفيف) بدل (عنيف) في عجز الثالث عشر و (حفرةد) بدل (حفردة) و (شقيف) بدل (سقيف) في عجز الخامس عشر وهي تصحيفات بسيطة ظاهرة لا تغير المعنى ولا يؤثر عليه وهي من فعل النساخ.
6 - وجه الصواب في هذين العلمين
بالرغم من أن النسخة المخطوطة من وفيات الأعيان التي نقلنا عنها تقول بتل بناثي بالباء الموحدة التحتية والنون الموحدة الفوقية أننا نرجع أن الناسخ قد اقتصر على وضع نقطة واحدة على الثانية فتكون الروايات المتكاثرة على أنها نباتي هي مصحفة عن بتاثا التل الواقع في برية الموصل في بلد نصيبين إذ لا علاقة أبداً لنباتي العين بالبصرة في حادثة بالخابور.
أما الحشى فإذا لم تكن قد تصحفت عن الجثا وقد تقدم الكلام عليها فيكون قصد الشاعرة أن تلك الحجارة بالرغم من أنها في نظرها هي كالتي توضع على حدود الحرم أو هي كالأنصاب التي تذبح عليها الذبائح فهي تدعو وتقول قاتلها الله لأنها أضمرت ذلك الفتى الفذ والجثوة مثلثة الحجارة المجموعة ألم تكن مصحفة عن ذلك فهي موضع يغلب أن يكون الحشى.
ولا أدري أاسم الموضع هو (الحشى) أم حسكة التي نسبت إلى الحسك - وهو نبات له شوك - ويكثر نبته فيها كان السكان ولا يزالون يلفظونها بصورة أحسجه فتكاد تسمع السين والجيم من أفواههم كأنها شين كما أكد لي أحد الذين أوصلتهم الرحلة إلى تلك الجهات هي عنتها الشاعرة بقولها:
ألا قاتل الله الحشى كيف أضمرت. . .
فإذا كان أسمها الحشى فيكون قد تحرف الاسم اليوم فأصبح يلفظ حسجه وهي اليوم قرية على صفة الخابور في الحد القاصي لسورية.
والذي يجعلنا نميل إلى الأخذ بهذا الرأي هو ما كتبه صديقنا الوطني الكبير الأستاذ السيد فارس الخوري الدمشقي عن حسجه عندما كان مبعداً إليها ورفقاءه(8/101)
الأحرار السوريين أنه سأل أهلها عن الوليد بن طريف فأجابوه بأنه يوجد قبر على الخابور يبعد ساعات عن حسجه يسمونه قبر أبن طريف ويحسبونه من أولياء الله قال: أما أسم التل فقد تبدل.
8 - الخلاصة
وبعد فأن في اختلاف روايات الرواة والنقلة الذين ذكروا تلك المرثاة الطائرة الصيت البعيدة مدى الشهرة ما يؤيد ظنون الأستاذ عبد اللطيف ثنيان في الأغلاط التي وقعت في طبعات وفيات الأعيان وأتى على بعضها في مقالته (كتاب وفيات الأعيان) بل نرى أن الغلط والتحقيق لم يقعا في الكلمات والمعاني بل تعدياهما إلى الأعلام كما بسطناه لك في ثنايا هذا الكلام.
وربما كان الخطب يسيرا في كتاب وفيات الأعيان إذا قيس بغيره فأن أغلاطه تكاد تستقصي وتحصى.
والذي علمته بالممارسة والاختبار أن أكثر الأشعار تصحيفاً هي التي وردت في كتاب معجم البلدان لياقوت الحموي الذي يظهر أن ف. وستنفلد طبعة عن نسخة مخطوطة قليلة الأعجام فجاء مشحوناً بالأغلاط والتحريفات.
وتكاد تضيق الصحف عن أن تسع أمثلة من تلك التصحيفات الكثيرة التي نقلت إلى الطبعات المصرية حذو النعل بالنعل دون نقد أو تمحيص.
والذي زاد الطين بلة طبعة للمرة الثانية في ليبسك سنة 1344هـ 1925م بالزنكوغراف نقلاً عن الطبعة الأصلية وبحروفها فأصبحت نسخة المتداولة بالأيدي مغلوطاً في أشعارها.
حيفا (فلسطين): عبد الله مخلص
(لغة العرب) في خزانتنا ثلاث نسخ خطية من وفيات الأعيان لأبن خلكان: اثنتان منها غير تامتين وواحدة تامة فالنسخة الأولى تبتدئ بالهمزة وتنتهي بآخر حرف السين أي بسهل بن محمد الصعلوكي وليست بمؤرخة لأن الورقات الخمس الأخيرة مزقت ووضع في مكانها الورقات جديدة فيكون هذا(8/102)
الجزء بمثابة المجلد الأول من الكتاب المذكور.
والنسخة الثانية تنضم على الجزء الثاني والثالث والخامس وهي بحجم صغير طول الصفحة من كل منها 17 سنتيمترا في عرض 12 وكلها بخط مؤلفها كما هو مكتوب عليها فهي من هذه الجهة من نفس النسخ. والجزء الثاني يبتدئ ببعض حرف الحاء وينتهي بحرف العين المهملة والجزء الثالث يبتدئ بأبي الفرج عبد الرحمن بن أبي الحسن علي الجوزي إلى أبي عمرو بن العلاء أحد القراء السبعة والجزء الخامس يبتدئ بالمسبحي
وينتهي بالحاكم بأمر الله العبيدي. أما بقية الأجزاء فقد سرقت في سقوط بغداد يف آذار سنة 1917 ولم نتمكن من استعادتها.
والأجزاء تكاد تتهرأ من تداول الأيدي لها وفي أوائل صفحاتها أسماء العلماء الذين طالعوها والورق يشهد على أنها للمؤلف فضلاً عن أن أسم المؤلف مذكور في كل جزء من هذه الأجزاء الثلاثة ولسوء الحظ لم نجد في الجزء الخامس ترجمة الوليد بن طريف الشاوي لنبحث فيها عن الرواية الأصلية بخط المؤلف.
أما النسخة الخطية التامة التي عندنا فدونك حروفها الأخيرة كما هي: (نجز الكتاب المسمى وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان بحمد الله تعالى ومنه وكرمه وذلك في نهار الخميس ثامن عشر شهر شوال سنة ثلث وخمسين وثمانمائة من الهجرة النبوية على صاحبها من الله أفضل الصلوة والسلام).
وفي النسخة 813 صفحة دقيقة الحروف بديعة الخط ترمذية الورق والأعلام مكتوبة بالحمرة في قلب السطر ومكررة في خارجه وفي كل صفحة 29 سطرا. وطول الصفحة 28 سنتيمترا في عرض 16 وطول المكتوب من الصفحة 20 سنتيمترا في عرض 11 وقد عبث به الأرضة كل العبث وقد تعرضت بنوع خاص للحواشي البيض التي ترى حول الكتابة وأن أضرب بالكتابة في بعض المواطن إلا أن الطائفة الكبرى من الصفحة محفوظة أحسن حفظ وبعض الألفاظ مضبوطة ضبطاً كاملاً بديعاً لا يبقى للمحقق ريبا في ما يطالعه. وبين هذا النص المخطوط والنص المطبوع طبعات عديدة فروق جليلة ولهذا يحسن بالعلماء أن يعيدوا طبع هذا السفر النفيس الذي هو من كنوز لغتنا ويعارضوا نسخة بعضها ببعض وهو مما يقيم للسلف الشرف السامك الباذخ بين علماء مصنفي التراجم.(8/103)
وقد طالعنا القصيدة التي يشير إليها صديقنا (المخلص) فرأينا فيها اختلافات طفيفة وإليك نقلها (من ص 589 من نسختنا):
بتل نهاكي رسم قبر كأنه ... على جبل فوق الجبال منيف
تضمن مجدا عدمليا وسؤدداً ... وهمة مقدام ورأي حصيف
فيا شجر الخابور ما لك مورقا ... كأنك لم تجزع على أبن طريف
فتى لا يحب الزاد إلا من التقى ... ولا المال إلا من قنا وسيوف
ولا الذخر إلا كل جرداء ملذم ... وكل رفيق السفر بين حليف
كأنك لم تشهد هناك ولم تقم ... مقاما على الأعداء عين خفيف
ولم تستلم يوماً لدرء كريهة ... من الرد في خضراء ذات رفيق
ولم تسع يوم الحرب والحرب لاقح ... وسمر القنا ينهزنها بأنوف
حليف الندى ما عاش يرضى به الندى ... فأن مات لا يرضى الندى بحليف
فقدناك فقدان الشباب وليتنا ... فديناك من فتياننا بألوف
وما زال الموت نفسه ضحى ... شجا لعدو أو نجا لضعيف
ألا يا لقومي للحمام وللبلى ... وللأرض همت بعده برجيف
ألا يا لقومي للنوادي وللردى ... ودهر ملح بالكرام عنيف
وللبدر من بين الكواكب إذ هوى ... وللشمس لما أزمعت بكسوف
ولليث كل الليث إذ يحملونه ... إلى حفرة ملحودة وشقيف
ألا قاتل الله الحدا حيث أضمرت ... فتى كان للمعروف غير عيوف
فأن يك أرداه يزيد بن مزيد ... فرب زحوف لفها بزحوف
عليك سلام الله وقفا فأنني ... أرى الموت وقاعاً بكل شريف
وقد جاء في الحاشية بخط أحدث من خط الكاتب الأول ما ننقله بحرفه قال:
(الحدا في الأصل من بلاد اليمن ولما ظعن بعض من مراد إلى الديار التي سميت بعد حين بديار ربيعة وهجم عليهم في مربعهم الجديد سبع تذكروا موطنهم الأول الذي تنتابه الوحوش فسموا موطنهم الجديد باسم موطنهم القديم أي الحدا.
وقد روى بعضهم في مكان الحدا الجثى وهي جمع جثوة وهي الربوة الصغيرة وجماعة الحجارة تقام على القبر والقبر نفسه وموطن في ديار ربيعة فيه ربوة(8/104)
أو جثوة ترى من بعيد).
وبعد هذه النقول لا نرى رأي حضرة الصديق المخلص أن الحشى هي التي تسمى الحسكة اليوم، لو فرضنا أن رواية النسخة الخطية المصرية صحيحة لا غبار عليها وأنها واضحة القراءة لا شبهة في أنها الحشى إذ لا مجانسة بين الحسكة والحشى وأن كان بادية العراق تلفظ جيما فارسية أو عجمية لا لهذه الكلمة فقط بل لكل كلمة فيها كاف مثل سمك وشبك
وشباك. . فأنهم يلفظونها سمج وشج وشباج بجيم مثلثة فارسية أي بين الجيم العربية والشين (راجع لغة العرب 5: 638 حيث ذكرنا الحسكة ولفظها).
أما رأينا الخاص فهو أن الكلمة الحقيقية هي الجثى (بضم ففتح) جمع جثوة أركام الحجارة الموضوعة على القبر لأن أهل البادية يفعلون اليوم ما كان يفعله أجدادهم في سابق العهد وهو أنهم أرادوا دفن ميت لهم اختاروا له المرتفع القريب منهم حتى يهتدوا من بعيد إلى ميتهم إذا أرادوا الاختلاف إليه. وألم يكن في جوارهم أرض مرتفعة وضعوا على قبره تراباً وسنموه ثم وضعوا فوقه ما تيسر لهم جمعه من الحجر أو المدر ويسمون هذا المجموع الجثوة أو الجثى كما سمعناها من لسانهم.
وفي ديار العرب عدة مواطن مسماة بالجثوة للأسباب التي ذكرناها وربما هناك من يذهب إلى غير ما ذهبنا، ولعل رأيه يكون غير بعيد من الحق بل يكون مقبولاً. أما أن الحشى هي الحسكة فهذا ما نستبعده ولا سيما وهذه اللفظة حديثة الوضع.
وذكر أبن أبي الحديد في شرحه لنهج البلاغة (1: 443) أربعة أبيات من هذه القصيدة وهي كما يأتي: أيا شجر الخابور، وما بعده باختلاف في بيتين وهما:
ولا الذخر إلا كل جرداء شطبه ... وكل رقيق الشفرتين خفيف
فقدناك فقدان الربيع وليتنا ... فديناك من سادتنا بألوف(8/105)
العربية مفتاح اللغات
1 - إيضاح
مرت الإشارة في هذه المجلة (8: 26) إلى أن الأستاذ جوزي كتب مقالة في الكلية يفند فيها ما كنا قد أدرجناه في الهلال (37: 206) وقد كابدنا المشقة لتفهم عباراتها لإغلاقها ولأنها أقرب إلى الروسية أو الرومية منها إلى العربية قال حرسه الله. (. . . ولما انتهيت إلى عدد ديسمبر (كانون أول) (لعله يريد كانون الأول لأن كانون معرفة) وقع نظري على مقالة لحضرة الأب أنسطاس (كذا وأسمنا هو أنستاس). . . فقرأتها بإمعان (كذا ولا معنى لهذا الكلام في العربية. ولعله يريد أن يقول. فقرأتها منعماً فيها النظر، أو وقرأتها بتدبر أو تدبرت ما فيها يصح التعبير العربي لا الروسي) ولم أكد آتي على آخرها حتى أدركت السر من إطلاق صاحب الهلال على (نظرية) البحاثة المذكور صفة الجراءة. . . وقد صدق صاحبها حين قال وردد (أنه لم يسبقه أحد إليها) وفي اعتقادي أنه لن يسبقه أيضاً (قلنا: من يفهم هذا المعنى الدقيق: ولو قال: ولن يسابقه، أو ولن يتعرض له. لكان ثم شيء يعقل. أما ما نطق به وخطته أنامله المرتجفة فيحتاج إلى ساحر من سحرة فرعون لإدراكه) ومع ذلك فليسمح لي حضرة الأب الفاضل أن أعلق على مقالته بعض ملاحظات (كذا وقد أضاف بعض إلى نكرة. والمعروف بعض الملاحظات) دفعاً لما قد يعلق بذهن القارئ الغير الواقف (كذا والمعروف عند (الفصحاء) عدم إدخال أل على غير) على سير فلسفة اللغة من الآراء. . .
ثم ذكر لهذه الفلسفة أوليات كان في غنى عن ذكرها لو طالع ما كتبناه في لغة العرب في شهر آب (أوغسطس) 7: 593 بعنوان (فضل العربية على سائر اللغات) لكن الرجل أراد أن يبين للناس أنه يلم بعض الإلمام بهذه الفلسفة فكتب ما كتب بلا معنى، ومن جملة ما قال: (لا بد قبل الحكم على القرابة بين المفردات المتشابهة في لغتين أو أكثر مهما قربت ((كذا وقد استعمل (مهما)(8/106)
في غير موطن الشرط وكان عليه أن يقول: وأن قربت) أو بعدت درجة القرابة بينها. . أه وقد بينا له في مقالنا (7: 594 وما يليها) أن الساميين على اختلاف قومياتهم: اختلطوا باليونانيين والرومانيين أكثر من الهنود بهم، لجوار مسكن
الساميين لمواطن الإغريق واللاتين وبعد الهنود عنهم. فكيف لم يجب عما كتباه ولعله لم يقرأه فإذا كان لم يقرأه فلماذا يكتب في بحث يجهل ما تكلمنا عليه أفهذا دأب من يقتل البحث علما؟ وفي مقالنا جواب لجميع اعتراضاته بلا شاذ ولجميع ما يسدده إلينا غيره من هذه السهام الطائشة، لأنها لم تكن مراشة.
وفي ص 3 يخبرنا أن: تجب مراعاة قواعد تحول الأصوات وهي اليوم معلوم ومتفق عليه (كذا فعلى من؟ وإلى من يعود ضمير (عليه) بعد أن قلت (وهي) لله درك من بليغ!) - والرجل الذي يدعي أنه دكتور في العلوم الأدبية - كما نراه يلقب نفسه بهذا اللقب في بطاقة الزيارة التي دفعها إلينا يجهل أن (قواعد تحول الأصوات) تسمى في لغتنا (لا في لغته اليونانية أو الروسية) قواعد الصرف، ثم يجهل أن الكاتب إذا أتخذ لغة أعجمية في مقالته لينقل إليها الألفاظ العربية اتخذها في المقالة كله، لا أن يستعين مرة بلغة وطورا بلغة أخرى وأنت ترى من الوقوف على ما سطرته يده المرتعشة أنه أعتمد في أول الأمر على اللغة الإنكليزية في اعجامه الكلمات ثم على اللغة الفرنسية إذ في الصفحة الثانية ذكر لفقه اللغة كلمة فرنسية والآن يقابل (الصرف) أو كما يسميه (تحول الأصوات) بكلمة فرنسية أخرى. فما معنى هذا الخبط والخلط؟ وليعلم أيضاً أن المستشرقين الذين نقلوا كلمتنا (الصرف) لم ينقلوها إلا بكلمة (مرفولوجية) لأن في هذا الفن من فنون العربية يجيء ذكر القلب والإبدال والنقل والإدغام وغير ذلك من تحول الأصوات كالحروف الشمسية والقمرية إلى غيرها. فبحق إذن: سمي هذا الفن بالصرف إذ بالصرف إذ تصرف الحروف والحركات عن أصواتها في بعض المواطن إلى أصوات أخرى تناسبها لما طرأ أو يطرأ عليها من التغيير.
ومما صرح به قوله: (لم يجد من تعرض لمقابلة العربية الأوربية الهندية أو (كذا، وهو يحاول أن يقول (ولا)) باللغات الغير السامية (كذا أي غير السامية) وأن هذا الخاطر لم يعن إلا على بال أثنين من المستشرقين وهما. . .(8/107)
(وذكر هنا الاسمين مخطوءاً فيها. فليرجع إلى ما كتبناه ليتحقق أننا كتبناهما - لا كما فعل. وقوله بعد ذلك (وكلاهما على ما نعلم ليسا من المستشرقين المعروفين) قول يدل على جهله، فليراجع كتابيهما ليتضح له أنهما مستشرقان بارعان لا يشق حضرته غبارهما. وقد أخطأ في ضبط أسم نلد كي لا
وفيه غلطان.
وهنا لا نريد أن نتبعه في تصحيح الألفاظ الإفرنجية التي ذكرها فأن الغلط يكثر فيها وتصحيحها ليس من غاية هذه المقالة.
ونحن نعذره عن إتقان ضبط الأعلام الإفرنجية - لأنه يدعي أنه روسي أو متروس وفي بعض الأحيان يدعي أنه يوناني أو متيونن لكن ما عذره في كتابة أسمنا أنسطاس (ص3 في الحاشية ومرتين في ص 4 ومرة في ص 5 ومرة في ص 8) وقد صرحنا غير مرة أن أسمنا (أنستاس) أفيظن أن تشويه الأعلام مما يزيده قدراً بين العلماء مع أن هذا العمل يليق بأعاجم غلف القلوب هم من قلب أفريقية في القرون الأولى بعد الفطحل. ولهذا لا نعجب من قوله هذا وهو: فلو أتيح لحضرة الأب أن يطالع. . . لما أقدم على كتابة مقالته التي ترجع بنا بآرائها ونظرياتها إلى الجيل الرابع أو الخامس للهجرة. . .) فنحن نتحداه في أن يذكر أسم رجل واحد من الأقدمين سبقنا إلى هذا الرأي سواء أكان قبل الهجرة أم بعدها من أبناء يعرب أو من أولاد المغرب.
ومن براعته في الكتابة أنه يقول في ص 4 (وأغرب من ذلك أن صاحب المقالة لم يطالع حتى تأليف الكاتبين. . .) فيا حضرة الأستاذ في جامعة باكو ويا أيها الدكتور في العلوم الأدبية (؟) أين المعطوف عليه حينما تقول: حتى تأليف الكاتبين. .؟ فإذا كنت لا تحسن التعبير عن فكرك فلماذا لا تدفع نتاج يراعتك إلى واحد يقوم لك لسانك لنفهم ما تقول؟ فإلى متى هذه الرطيني؟.
على أن الداهية الدهياء هي في قوله في تلك الصفحة: (لأسباب نجهلها وأن كنا ندركها)) (!!!) فلله درك من غبي ذكي! ومن نير مظلم! ومن أعمى بصير! ومن عاجز قدير! فكيف تجهل الأسباب - يا رعاك الله - وأنت تدركها؟(8/108)
ذلك ما نتركه لك لتفكر به سنين بل أحقابا ثم تعال وفسره لنا.
ومن رطيناه أنه يقول (في ص 5) (وخلاصة هذا الأسلوب - أن كنا فهمناه يكاد ينحصر في ضابطتين. . .) ولعله يريد (تكاد تنحصر) إذ لم يسمع جواز التذكير في هذا وأمثاله، لأنه مبتدأ وخبر والمضاف إليه مفرد لا جمع كما لو قيل (كانت جميع الناس) ومن تعابيره المفككة قوله في تلك الصفحة: وهذه الضابطة الأخيرة هي الأهم في نظر الكاتب) فأين
وجد أن أفعل التفضيل إذا أنث ودخلته أل يبقى على حالته؟ فالغلط واضح والصواب هي الهمى أو هي المهمة كل الأهمية.
وإذ قد بدأنا بأن نبين هنواته قبل الجواب عن اعتراضاته فلا بد لنا من أن نأتي على ذكر أهم ما في تلك العبارات المكسرة المهشمة والألفاظ المعفوط فيها ليصح لنا بعد ذلك الكلام بتسلسل في الأفكار من غير أن نق فيه. ومن تلك الأغلاط قوله (فلم أهتد إلى ما يقابلها في العربية أو أخواتها. وكان حقه أن يقول: ولا في أخواتها (راجع لغة العرب 7: 742) ومما يجري في هذا الوادي - وادي الأوهام - قوله في ص 6: لو أردنا أن نفي المقالة حقها. . . ولعله يريد أن يقول (أن نفي بحق المقالة) كما هو مثبت في معاجم اللغة.
ومن أعظم الأدلة أن الرجل أعجمي ولا يمكنه أن يصل يوماً إلى اكتناه أسرار لغتنا الضادية اعتراضه علينا في كلمة: (صور الحرف) فقد نقل في ص 6 كلامنا هكذا (ولما كانت الواو العربية في القديم تصور (؟) بالباء ولم يكن لهم (لمن؟) حاء بل. . .) قلنا: وقد جعل وراء (تصور) علامة استفهام كأنه يقول لنا: بأي لغة تتكلمون؟ - فنقول له: أننا نتكلم بالعربية لا بالروسية. فما عليك إلا أن تفتح أي كتاب في الصرف والنحو لترى أن الأقدمين قالوا: رسم الحروف وصورة وكتبه إلى غير هذه الألفاظ ونحن نحيله على أن يطالع كتاب المطالع النصرية للمطابع المصرية في الأصول الخطية لنصر الهوريني وهو من النقدة المشاهير في المائة الماضية في ص 82 إلى ص 90 فيرى أن الكاتب التحرير استعمل صور الحرف تصويراً ورسمه. مراراً لا تحصى فكيف خفي على حضرة الأستاذ في جامعة باكو والدكتور في علوم الأدب (؟) هذا الأمر الطفيف. واستغرب أيضاً قولنا: (ولم(8/109)
يكن لهم) مع أننا لم نذكر الاسم الظاهر الذي يعود إليه الضمير والعبارة واضحة في أن الضمير عائد إلى مستتر معروف مشهور هو (الغربيون لخلو لغاتهم من الحاء) على حد ما جاء في الآية (كل من عليها فان) - ففي مثل هذا المقام يجوز استتار الاسم لا كما قال هو في ص 4 وأشرنا إليه فويق هذا وكلام أستاذ جامعة باكو والدكتور في الأدب (؟) كله من هذا القبيل (مبهم معقد مرتبك لا تكاد تفقه له معنى) (عبارة الأستاذ نفسه في ص 6).
ومن غرائب ما جاء في مقالته التي جمعت من الأوهام أغربها ومن السخافات أوهنها أنه يجهل ما كان يعرفه السلف من الأمم فأنه سمى الأمة القوطية: الغوطية. مع أن أجدادنا
اتصلوا بهم. وأبن القوطية مشهور عندنا لأن أمه كانت قوطية. وذكر اللغة القلطية المنسوبة إلى القلط فسماها كلتية مع أنه كان يجب عليه أن يعرف القلط لكونه أستاذاً في جامعة باكو ولأنه دكتور في العلوم الأدبية (؟) أفلا تعلم يا شيخي أن العرب قالت القلطي للقصير جداً من الناس والسنانير والكلاب لأن القلط كانوا مشهورين بصغر أجسامهم وعظم شجاعتهم. فكيف فاتتك هذه الحقيقة وأنت أستاذ ودكتور في علوم الأوائل والآخرين (؟) وواقف على أخبار المنقرضين والعائشين؟.
ومن فظائع ما جاءنا به حضرة الأستاذ الباكوي (حفظه الله للعلم وأهله) (عبارة المؤلف ص 4) إيراده ألفاظاً مدعياً أنها عربية وهي ليست بها اللهم إلا أن تكون (في مخيلة حضرة الأستاذ الواسعة وهذا وحده لا يكفي لتمحيص الحقائق والأصول إلى تلك الجنات الواسعة ذات الأزهار العطرة والأثمار الطيبة التي يجتنيها العقل حين يقتطفها (عبارة الدكتور المحقق (؟) في ص 8). فقد ذكر لنا في ص 7 ألفاظاً قال عنها أنها في السامية القديمة (؟) وهي لا وجود لها أبداً اللهم إلا أن تكون في أسفل قارورة الفودكة وتلك الكلم هي: كتب بمعنى المحفر والمبذل (؟ كذا) وقطب أو قطف أي المنجل وقصب أي السكين وخرف بمعنى قطف واجتنى من خرب أو خرف بمعنى آلة مقطع (؟ كذا) ولو قال من الخرف أو التخريف (بمعنى ضعف العقل من الكبر ولا سيما ذلك الخرف الباكر الذي يصيب شاربي الفودكة) لكان أقرب إلى الحق.(8/110)
وهناك أغلاط لا تحصى ولا تستقصي كقوله في تلك الصفحة السابقة المشؤومة: فلا حاجة إلى ذكره - والسنكريتية - والفرنساوية. وهو يريد فلا حاجة (لي) أو (بي) إلى ذكره إذ لا يجوز نفي الحاجة نفياً جنسياً عاماً لأن العلماء ذكروا ذلك لحاجتهم إليه. فقولك مثلاً (لا علم موجود) هو غير قولك (لا علم عندي) فذاك نفي عام وهذا نفي خاص - والسنسكريتية - والفرنسية كما يفهم ذلك بالبديهي.
ومن رطيناه قوله في ص 8: (تلك النتيجة التي أسفلها العالم الكرملي - إلا في كلمة واحدة تكاد لا تصرف - أنها عربية من مئات من السنين بل ربما ألوف من السنين وأنها مأخوذة من لوح. . . (ولعله يريد أن يقول: التي استلها (بتاء قبل اللام) - لا تكاد تصرف - بل قبل ألوف، أو ربما كانت قبل ألوف لأن (رب) لما دخلتها (ما) صرفتها إلى الأفعال -
مأخوذة من. . . ولا نريد أن نمضي في وجهنا هذا أكثر مما مضينا فيه لئلا نخرج عن الموضوع والناس يعلمون أن الرجل (رومي شعوبي ولا صلة له بالعرب ولا بالعربية. فما احراه بالسكوت والأنقباع في غرفته وإلا فأن شاء فليكتب لنا بلغته التي نشأ فيها.
اضطررنا إلى ذكر ما ذكرناه ليهتدي القارئ إلى تفهم كلام حضرة الكاتب وإلا أنقطع به وهو يجري في عدوه الفكري.
(البقية للتالي)
د
جاء في معجم ياقوت ومثله في كتاب الأصنام: قلت لمالك بن حارثة صف لي ودا حتى كأني أنظر إليه قال: تمثال رجل كأعظم ما يكون من الرجال قد ذبر عليه (أي نقش عليه) حلتان متزر بحلة ومرتد بأخرى، عليه سيف قد تنكب قوساً، وبين يديه حربة فيها لواء ووفضة (أي جعبة فيها نبل). انتهى.
قلنا: هذا وصف أله الحب أو الود المعروف عند الرومان باسم وباليونانية وربما أريد به المسمى الذي سماه السلف أيضاً عامر. وعند اليونان ما يقابله عندنا وديد مصغر وداي وبالفرنسية(8/111)
القفص والغرشمارية والكاولية
1 - القفص
قال محمد شفيع معاصر الشاه سلطان حسين الصفوي (مترجم القاموس المحيط إلى الفارسية باقتراح الشاه المذكور وقد يزيد على الترجمة بعض الفوائد وسمى الترجمة (ترجمان اللغة) شرع بتأليفه في عاشر شهر شعبان سنة 1114هـ وفرغ منه في العشرين من شهر ربيع الأول سنة 1117 وهذا الكتاب مطبوع في هامش كتاب القاموس في إيران) ما تعريبه: (والقفص طائفة بكرمان وهو معرب كفج أو كوفج ويقولون أيضاً كوفجان).
2 - الكاولية والغرشمارية
إذا مررت على البلدان المهمة في إيران وجدت فيها جماعات من قوم يقال لهم (غرشمار بضم الغين المعجمة والراء يليها شين معجمة ساكنة فميم فألف فراء أو (غريب زاده - أو (غربال بند - ولا جرم أن هؤلاء يرجعون مع الكاولية إلى نسب واحد وكأنهما الآن شعبتان. والقسم الأعظم من الغرشمارية يزاولون النجارة والحدادة وجميعهم شيعيون إماميون أما موطنهم الأصلي فالمشهور بين مؤرخي الفرس أن بهرام جور ملك الديار الإيرانية كان من أهل الهناء والطرب فدعا من الهند إلى ديار إيران نحوا من أثني عشر ألفاً والطرب والغرشمارية هم من بقايا أولئك النازحين من الهند إلى بلاد الفرس بأمر الملك الإيراني.
وقد يقال للكاولية (بنو ساسان) لأن هجرتهم إلى ديار إيران كانت في عهد الملك الساساني (بهرام جور) ولم ينتشر خبرهم قبل دور آل ساسان.
وكلمة الكاولية أما مشتقة من التكول بمعنى التجمع أو نسبة إلى كول(8/112)
قرية بفارس أو أنها في الأصل الكابلية نسبة إلى كابل عاصمة أفغانستان فحرفها الفرس وقالوا: (الكاولية) كما كانت عادتهم في قلب الباء واواً فكانوا يقولون عوضاً عن (خواب) بمعنى النوم (خاو)، وبدلاً من آب بمعنى الماء: (آو) ولم تزل هذه العادة جارية في بعض القوى الإيرانية إلى يومنا هذا وهذه الوجوه الثلاثة هي التي ذهب إليها فكرنا القاصر ولم نسبق إليها ونرجح
الرأي الأخير الموافق لما ذكرنا من أن أصلهم من الهند وديار الأفغان كانت جزءاً من الهند في قديم العهد ونزيد على ذلك أن الدمشقيين يسمون هذه الطائفة بالزط وقد ذكر السلف أن الزط جيل من الهند هذا كله علاوة على أن ألبسة هؤلاء القوم تشبه ألبسة الأفغان.
وأظن أن موطنهم الأول كان شبه جزيرة العرب فانتقلوا منها إلى ديار الهند والأفغان لأنهم ينطلقون بأكثر الحروف من مخارجها الأصلية الفصيحة وألم يتمكنوا من أداء بعض الحروف كالضاد وغيرها، ومن المعلوم أن أداء الحروف من مخرجها من صفات الجنسية العربية، ولا ينافي ذلك عدم الاستطاعة لأداء بعض الحروف كالضاد فهذه مصر وهي من الأقطار العربية لا تستطيع النطق بحرف الضاد العربية.
ويسمى المصريون الكاولي ب (الغجري) وهو تصحيف القاجاري نسبة إلى قبيلة تركية الأصل كانت منها الأسرة المالكة (في إيران) التي انقرضت، فالقاجاري غير الكاولي ولا يصح إذن أن نسمي الكاولي بالقاجاري.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
(لغة العرب) أن أسماء القفص تختلف باختلاف البلاد، بل تختلف في البلاد الواحدة بحسب مناطقها فالفرس يسمون القفصي مثلاً: قره جي وسسماني وزنكنه (بكاف فارسية) وكوباز أو كاوباز (بكاف فارسية) إلى غيرها وذلك باختلاف ولاياتها.(8/113)
وموطنهم الأصلي - هو كما قلنا - ديار القفص التي كانت من أراضي الهند مدة طويلة وأما أن سبب جلبهم إلى إيران كان بدعاء بهرام جور طائفة منهم فحديث خرافة على ما يظهر والمشهور أن ما يسوق هؤلاء الناس وأشباههم الاسترزاق فيضربون في أراضي الله نازحين من رقعة إلى رقعة أخرى منها.
وأما تسمية السلف إياهم ببني ساسان فقد ذكرنا ذلك مع سائر أسمائهم وآدابهم وأخلاقهم في (المشرق) البيروتية (5: 865 وما يليها) فوقعت في 46 ص من المجلة المذكورة وقد ذكرنا فيها أيضاً سبب تسميتهم بالكاولية فوافقنا عليها بعد ذلك علماء المشرقيات في ديار الغرب. فقول حضرة الكاتب المتفنن أنه لم يسبقه أحد إلى الذهاب إليه لا يوافق الواقع وكنا قد كتبنا مقالنا في سنة 1902 (أي قبل 28 سنة).
واشتقاق الكاولي من الكول لقرية بفارس لا يوفق المشهور عن أصلهم وأغرب من هذا
اشتقاق أسمهم من التكول كأن غير الناس لا يتجمعون وكأن التجمع خاص بهم هذا فضلاً عن أن هذا الجيل ليس من العرب حتى يشتق له أسم من لسانهم. والمعقول أنهم من كابل (التي يكتبها بعض الكتاب العصريين كابول وهو خطأ فظيع وذلك نقلاً عن الكتب المطبوعة في بيروت).
ولا نوفقه على رأيه أن موطنهم الأصلي هو جزيرة العرب إذ التاريخ والتسمية والأخلاق تظهر الخلاف، وحسن لفظهم للعربية لا يصدق إلا في أولئك يتنقلون في الديار العربية اللسان وإلا ففي ربوع الغرب أناس منهم لا يحسنون لفظ الحروف الحلقية السامية.
وعندنا أن الفجر لفظة تركية الأصل من (كوجر) (بجيم مثلثة فارسية) ومعناها الرحل لأنا سمعنا بعضهم يسمونهم إلى اليوم كوجر وذلك في شمالي الموصل ومنهم من يسمونهم الفرج (بجيم فارسية أيضاً). قال في سر الليال (1: 451) (أنه لم يجئ في الكلام غجر ولكن أهل مصر يقولون غجر للطائفة التي يقال لها في بر الشام نور. وفي تونس دقازة وأصلهم فيما قيل من الهند) أه واصل ملوك القاجار من قبيلة تركية رحالة هي الكوجر على رأينا فنقلت الكلمة إلى قاجار تفريسا لها (أي نقلاً لها إلى الفارسية).(8/114)
اللغة العامية العراقية
تتمة اسم الفاعل
كنت أرى بين أوان وآخر بحثاً في اللغة العامية العراقية في لغة العرب للرصافي الشاعر الكبير الأستاذ حتى أنقطع استمرار البحث انقطاعاً تاماً فاستخبرت صاحب لغة العرب خبر ذلك فأنبأني بأعراض الرصافي عن ذلك وأستحسن أن أكتب في هذا البحث إذا كانت عندي إثارة علم به، وما تمكنت من إهتبال الفرصة إلا الآن والله المستعان.
1 - قلبهم فاء اسم الفاعل الثلاثي ميما إذا كانت همزة
هذا من أسرار اللغة العامية العراقية فهم يعبرون عن الأكل ب (ماكل) وعن الأخذ ب (ماخذ) ومن هذا قولهم (المربعانية) منسوبة إلى (الأربعين).
2 - اشتقاقهم اسم الفاعل من أفعال الجواهر وتصديره بهمزة
أن كان من الفعل الرباعي
يقولون (امبغل) بتشديد العين من البغل و (امجزر) من الجزر (وامخشب من الخشب و (امعصي) من العصا و (أمكسب) من القسب و (أمحنن) من الحمنان المفسد، ويقولون (أمحرمل) من الحرمل و (مكنفد) من القنفذ و (أمبرطم) من البراطم ويريدون بها الشفتين المنتفختين وتدليهما وقد جاء في القاموس (البراطام بالكسر: الضخم الشفة كالبراطم، والشفة الضخمة والبرطمة الانتفاخ غضبا) فالبراطم التي عندهم جمع برطام أي الشفة الضخمة ويزيدون على أفعال التغير واوا للتقليل لا للمبالغة كما في اللغة الفصحى فيقولون (مولس) بروم الميم ضما وفتحاً وتسكين السين لأنهم لا يحركون آخر الفعل ويقولون (حورك) و (طولع) فاسم الفاعل منها (أممولس) و (أمحورك) و (أمطولع) ولا يضيفون إلى المصوغ من الخماسي همزة في حين أنهم يضيفونها إلى فعله فيقولون (متكنطر) من (أتكنطر) وهو مشتق من القنطرة و (متنكرز) من(8/115)
(تنكرز) المشتق من (أنكريز) بفتح الراء وتسكن الياء أي إنجليز أما المضعف العين فتضم عينة الثانية أن كانت باءاً نحو (متخبل) من (أتخبل)
أو راءاً مثل (متغرب) من أتغرب أو غينا مثل (متلغم) من أتلغم أي تلوث أو ميما مثل (متلمظ) من أتلمظ أو هاء نحو (مترهم) من أترهم أي لوئم وتكسر هذه العين في غير ذلك نحو (مترئس وتخثر ومترجل ومتوحل ومتوخر، ومتبزل ومتكسر ومتنشف ومتقصد ومتحضر ومتنطر ومتنعم ومتنفع ومتوقر ومتسكط (أي متسقط من تسقط) ومتعلم ومتبنج ومتلوك ومتليص ومتريض.
أما إذا ولي العين المضاعفة حرف الفاء فيعتوره الوجهان مع ترجيح القائل أحدهما على الآخر أو إيجابه أحدهما نحو (متصرف) بكسر الراء وضمها ويرجح الضم في متنظف) ويجب في متخلف).
3 - استعمال اسم الفاعل ظرفاً
يشتقون من (جا) اسم فاعل هو (جاي) بدلاً من (جاء) في الفصحى وعندهم اسم فاعل آخر هو (غادي) من غدا ولكنهم أهملوا استعماله فيقولون (تعال جاي) أي (تعال قريبا) و (روح غادي) أي (تنح بعيداً) ولا اعتراض لأحد على استعمالهم اسم الفاعل ظرفاً ففي الفصحى (رأيت المدينة دخلا وخارجاً و (تهدمت المنازل ظاهراً وباطنا) أي (داخلها وخارجها وظاهرها وباطنها) والهاجرة والبارحة مثلاً على وزن (فاعله) ظرفي زمان.
4 - تصريف جاي
للمفرد الغائب للمفردة الغائية للغائبين للغائبتين للجمع الغائب لجمع الغائبات هو جاي هي جاية أثنينهم جايين اثنينهن جايات (3) هم جايين هن جايات للمفرد المخاطب للمفرد المخاطبة للمثنى المخاطب للمخاطبتين لجمع المخاطبات أنت جاي (6) إنت جاية أثنينكم جايين أثنينجن جايات انتو جايين أنتن جايات للمفرد المتكلم للمتكلمة للمتكلمين للمتكلمتين لجمع المتكلمين للمتكلمات أني جاي أني جاية أثنينا جايين أثنينا جايات إحنه جايين أحنه جايات.(8/116)
5 - صيغة اسم الفاعل
يقولون (استاهل) بتسكين الفاء واللام يلينون الهمزة في الكلمات ما عدا أولها والمضارع (يستاهل) بكسر حرف المضارعة فهو (مستاهل) بكسر الميم وقد يضمون العين مثل
(مستربط) و (مسترطب) بضم الباء والطاء وتسكن الفاء والعين في (مستاهلات) و (مستاهلة) وتكسر الفاء في نحو (مستسبعة) و (مستسبعات) بتسكين عين الاسم أي الباء منه وتضم الفاء في نحو (مستربطة) و (مستربطات) و (مسترطين) أي ملتذين بالرطوبة في اصطلاحهم.
5 - اسم الفاعل للمبالغة
أن (فعالا) كجبار مقيس عندهم للمبالغة في اسم الفاعل فيقولون (ركاض ومشاي وبواك - أي سراق - وحيال وكتال أي قتال) ويصوغون على وزن (فعلول بفتح الفاء، مثل (لفلوف) أي كثير اللف وطرطور أي جبان على وجه السرقة و (عكروت) من العكرتة أي الفسالة وعلى وزن (فعلول) بفتح الفاء والعين مثل (فلفوز) أي خفيف مثل (خلبوت وبقروت وحبروت ورهبوت ورحموت) الفصيحات ولا ينطلقون ب (فعلول) كعصفور أبداً لأنهم يستثقلون الضمة في الأول ويستخفون الفتحة.
بغداد: مصطفى جواد
الحروف العربية الراسية
نشرت صحف بغداد في ال 10 من كانون الثاني (يناير) من هذه السنة أشكالاً للحروف العربية الراسية لحضرة الرئيس الأول بهاء الدين بك نوري العراقي فاستحسنا منها (ج ح خ ع غ) وأما ما بقي منها وكلها مذيلة بسن تشبه نصف المدة فلا توافق المطلوب لأنها تزيد الحرف سناً فينشأ منها حرف هو أحد أسنان السين فيزيد الكلم تصحيفاً وفساداً ويصح فينا حينئذ المثل العامي القائل (أراد يكحلها فأعماها) أو كما يقول الفصحاء من سلفنا (أراد أن يعرب فأعجم) ويتضح ذلك من رسم هرب علي طريقته فأن حضرته يرسمها (هرب) إلى غيرها وذلك البلاء المبرم.(8/117)
صفحة من تاريخ أسر بغداد
بيت عراقي قديم
آل نظمي
ما كنا نتوقع أن تضع أخبار هذا المحيط الذي شغل إدارة العالم مدة بحيث لا نعرف من منشأ أسرة وما لحق بيوتاته من عز وضعة أو سعادة وشقا. - ولو قليلا - ويقنع بعضهم بصفحات عنهم كأمثال الصور المتحركة لنطلع عليها فنتعلل بهذه البقية أو نستضيء بهذه الشرارة. . .
انتبهنا فلم نجد ما يسد هذا الفراغ إلا قليلاً وحينئذ اضطررنا إلى تتبع الأخبار والتوصل إلى معرفة الحوادث عن اولائك الرجال ولو بشعلة ضئيلة. وقد مضني ما عليه من بلغ الجهد.
البيوتات البغدادية كثيرة في العلم والأدب والتاريخ والإدارة والتجارة والنقابة والمشيخة والزهد والتقوى قديماً وحديثاً وبقي من هذه ما بقي على رغم من المصائب الحائقة بهذا القطر من أوبئة وغرق ووقائع وبيلة ومؤلمة من حروب وسياسة. . . وهكذا إلى غيرها.
قد عدد السياهبوشي سنة 1239 جملة وافرة من الأسر المعروفة إلى الآن في قصيدة طويلة هجا بها أغلب هذه البيوتات، وتحامل عليها مما كان له اتصال بها، أو لم يخش بطشها ومكانتها. . . ولا يقال أنه حصرها أو استوعب الكلام عليها، فبين البيوتات المعروفة إذ ذاك، وله الفضل دون التفات إلى تحامله.
عرفت أسرا قديمة في العراق غير ما ذكره السياهبوشي خصوصاً في بغداد. وفي هذه العجالة أقدم لقراء (لغة العرب) الغراء بحثاً عن بيت عرف بالآداب والتاريخ من مدة أربعة عصور وعرف بهذا المحيط خير تعريف وتقلب في العلوم والسياسة والفتوى والنيابة إلى سنة 1271 من الهجرة واتصل بمصاهرة أكبر الأسر البغدادية المعروفة وأقدمها وأشرفها. أعني بها (آل المفتي).(8/118)
هذه الأسرة عرفت بالتاريخ والأدب ثم بالعلوم الشرعية والفتوى فتمسكت بهذا اللقب الأخير
وأن كانت تسمى في الأول بآل شمسي البغدادية ثم آل نظمي البغدادية وبعدها بآل مرتضى وبعد ذلك كله بآل المفتي. واليوم تدعى بآل (محمد سليم جلبي) وهو آخر من اشتهر من هذه الأسرة. وهو والد صديقنا الفاضل طاهر جلبي أبن محمد سليم جلبي.
هذه الأسرة لم تخلق جدتها الأيام فلا يزال أبناؤها نافعي المجتمع، واليوم منها شخصيتان صاحبتا مكانة مهمة وهما: طاهر جلبي سليم، وعبد الله بك أبن عبد الله جلبي (ابن أخي طاهر جلبي).
فالأول أديب فاضل، مقل من نظم الشعر، ولكن روحه تنزع إليه وتميل. يحفظ منتخبة أحسنه وهو في إتقان المقام (الموسيقي) وأنواعه معروف وله أفضال عظيمة على غالب الأهليين فيكاد لا يرد له قول خصوصاً أثناء وقت الجندية وسحب القرعة وفي عضوية البلدية والتقديرات والإعانات. فلم يرهق الأهليين ما لا يطيقون، رؤوف بهم، ومحسن كل الإحسان إليهم، لا ينكر فضله ولا يهمل شأنه.
وأبن أخيه من الفضل بمكانة راقية، أتم دراسته في أميركة وأختص بفرع من فروع الزراعة فهو اختصاصي من نحو جديد، هو أبن خطته هذه. وقد أثر فيه دم آبائه وأجداده فمال إلى حب العلم والإطلاع. ركن إلى هذا النوع من العلوم فبرع فيه، والأمل فيه أن ينبغ كما نبغ أسلافه فيما اشتهروا به.
أرجع إلى أصل هذه الأسرة فأقول: أول ما عرفت - نظراً إلى ما وصل إلينا من سفر ألفه أحد أفرادها. وهو عهدي البغدادي ابن شمسي البغدادي وهذا الكتاب عرف أباه وأقاربه ومكانة أسلافه وأزال الغشاوة عن ظنون كانت تحوم حول تحقيق أمر هو أمر أكبر مؤرخ عراقي أي (مرتضى أفندي آل نظمي المعروف عند الترك بنظمي زاده) فأن هذا الكتاب أزال الإبهام عن مرتضى أفندي بتعريف نظمي أفندي واتصاله بهذا المؤلف فصحح أقوال كليمان هوار الفرنسي وأقوال الصديق الفاضل يعقوب أفندي نعوم سركيس وغيرهما.
وإليك أيها القارئ وصف هذا الكتاب:(8/119)
كلشن شعرا
نسخة خطية عدد صفحاتها 297 مجدولة بمداد أحمر وفي كل صفحة منها 15 سطراً، وعناوين تراجمها بحبر أحمر أيضاً. طول الصفحة 17. 5 سنتيمترا في عرض 13. 5
على ورق خميس. وصفة كاتب جلبي في كشف الظنون بما نصه:
(تذكرة الشعراء تركي لأحمد بن شمسي المعروف بالعهدي البغدادي كتب المعاصرين من علماء الروم منذ قدم سنة 960 إلى خروجه سنة 71 ورتب على ثلاث روضات وسماه كلشن شعرا فصار أسمه تاريخاً لتأليفه) أه. وأقول أن روضاته أربع لا ثلاث كما ذكر، وأوله: (شكر وسباسي أول خالق منزهة كه الخ) والنسخة الموجودة بيدي مذكور في صدرها: (تذكرة الشعراء لملا عهدي بن شمسي البغدادي). وفي مقدمتها أنه صوفي ملازم لطريقة السالكين. سافر إلى بلاد الروم سنة 96 واتصل في طريقه بمختلف الطبقات من الناس واستطلع ما عندهم من علم وأدب وفضل. عاشر أنواع الناس من أرباب المشارب المتنوعة فلم يترك شيخاً إلا تحرى ما لديه، ولا شاباً إلا سبر نيانه ولا أرباب المناصب إلا أخذ من معارفهم، ولا أهل تصوف إلا اقتبس منهم فحصل من المعرفة صنوفاً ومن العلوم أنواعاً فوقف على ما عند أهل الدنيا وما في خزائن أهل الزهد والتقوى من رجال الآخرة.
ولما وصل إلى الآستانة رأى فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت ثم بين أنه لم يتمكن من تدوين كل ما رأى ولا عشرة بل لا واحداً من ألف مما رأى من فضل وأدب جم ومعرفة غزيرة. . . فكانت هذه - كما قال - عجالة سريعة ونزرا قليلاً ينبئ عن معين لا ينضب.
اكتسب ما أكتسبه من مجالسة الشعراء المجيدين والأمراء الكرام ومن معاشرة العلماء الأبرار ومصاحبة أهل الفصاحة والبلاغة من عنادل البيان ومن الإطلاع على أغاريدهم اللطيفة. كل ذلك بطريق المحادثة أو المطارحات الشعرية(8/120)
أو المذكرات العلمية.
وفي كل هذه كان طالباً متتبعاً. لازم القوم حتى أتقن لغتهم وتمكن من أن يحذو حذرهم حتى صار كأحدهم بل صار فريداً في الشعر.
وفي سنة 971هـ دعاه داعي الوطن الذي حبه من الأيمان فقال في التشوق إلى بغداد:
دل أز طور بتان روم جون عهدي بريشانست هواي دين بغداد وخوبان عجم دارد
يقول أنه مغرم بالروم إلا أن هوى بغداد والتشوق إليها وإلى الجمال الفارسي ملك زمام لبه فمال به إليه إلى أن قال: أنني عزمت على العودة فدونت ما خطر لي من خواطر وما لي عن السلاطين العظام والعلماء الفخام وأرباب الدولة والشعراء الأخبار مما جرى في مجالسهم وما عرفته عنهم وما اقتبسته من صحبتهم فجعلته في أربع روضات اكتبها حسب
الطاقة وأجمعها من أوراق متفرقة وبعد أن أتممتها سميتها (تذكرة أرباب الصفا) أو ما يقال له ب (كلشن شعرا) ومعناها (روضة الشعراء).
جعل الروضة الأولى في بيان صفات السلطان العادل وأبنائه ذوي الخصائل الجميلة والروضة الثانية في علماء زمانه العظام والموالي الكرام والمدرسين النبلاء والروضة الثالثة في الأمراء والدفتريين ومنتخبات أشعارهم والروضة الرابعة في مشاهير الشعراء. مرتين على ترتيب حروف الهجاء مع ذكر نتف من أشعارهم. .
وفي هذه الروضات أورد مقدار وافراً من شعره سواء في المناجاة أم في نعت الرسول (ص) أم ذكر السلطان سليمان وأولاده من سليم وغيره. ثم أنه قدم كتابه إلى السلطان فقال:
جمع أيدوب أرباب نظمي أيتدم أول سلطانه عرض عادت أو لمشدر صونر بنده شه دورانه عرض
خاكسا يندن بتر مقصودي أرباب دلك(8/121)
نوله صونسه خالبايه عهدي فرزانه عرض
ثم مضى إلى ذكر محامد السلطان ومناقب أولاده وهكذا راعى ترتيب روضاته أن المؤلف لم يكتف بذكر رجال الروم وعلمائها بل تعرض أيضاً للبغداديين الذين توطنوا تلك الأنحاء وسكنوا الأستانة أو ما جاورها ممن نبغ في أدب أو علم وزيادة على ذلك ذكر ترجمة والده شمسي البغدادي وبعض من لهم به لحمة نسب وترجم بغداديين كثيرين ممن لا يزالون في خفاء عنا أو لا نعلم شيئاً كثيراً عنهم.
وسيأتي الكلام على بعض التراجم ممن لهم علاقة بالمؤلف استقصاء الأحوال هذه الأسرة بقدر الإمكان وقد ذكر ترجمة نظمي أفندي بصورة مفصلة ليس أوسع منها في كتاب فيذكر ولادته ووفاته وما قيل فيه الخ.
وفي هذا الكتاب مغمز واحد هو أنه ترجم نظمي أفندي في حين أنه ولد في السنة التي توفي فيها عهدي والظاهر أن المترجم له هو مرتضى أفندي أو أخوه فأنه ترجم أباه وأضاف ترجمته إلى التراجم المذكورة في الكتاب أما بصورة حاشية وأما بصورة تعليق ثم أدمجت بالمتن. ومما يدل على ذلك أن ختم مرتضى أفندي مختوم في آخر هذا الكتاب. وهذا الختم - وأن كان لا يقرأ لأول وهلة وبصورة واضحة - ظاهر للمتأمل.
وقد قال صاحب قاموس الأعلام عن عهدي بما تعريبه. (أن عهدي لقب ثلاثة من شعراء
القرن العاشر أحدهم أحمد عهدي وهو بغدادي. وجد في الأستانة كثيراً وله تذكرة الشعراء ترجم فيها شعراء عصره وله أيضاً البيت التالي:
عهدي ديار رومه كلوب أيده لي نظر كورنمز أو لدى كوزمة ملك عجم بنم
انتهى وفي سجل عثماني أو تذكرة مشاهير عثمانية: (أن عهدي جلبي هو نجل شمس الدين البغدادي. شاعر توفي سنة 1002 من الهجرة) أه.
ومجمل القول: لا يصح أن يقال عنه أنه شاعر ويكتفي بذلك بل هو مؤرخ أيضاً عرف أسرته وجمعاً من العراقيين. أما إطلاعه على التركية، وكون لسانه أدبي الأسلوب فمما لا نزاع فيه. وكذلك قل عن تضلعه من الفارسية لكنه لم يتعرض لاطلاعه على العربية ولا لأدبه فيها والسبب واضح هو أن الأديب لا يكون أديباً(8/122)
يومئذ ولا يعترف بآدابه ما لم يتقن اللغة العدنانية خصوصاً أنه عاش في محيط عربي وكتابه هذا لا يستغني عنه وفي المقال التالي سوف أتكلم عن شمسي البغدادي ومكانته الأدبية والعلمية ثم عمن يليه من رجال هذه الأسرة أما الآن فاكتفي بهذا القدر والله ولي التوفيق.
بغداد: المحامي عباس العزاوي
تاريخ اليهود
في بلاد العرب في الجاهلية وصدر الإسلام
تأليف الدكتور (إسرائيل ولفنسون - أبو ذؤيب) أستاذ اللغات السامية بدار العلوم قوامه 190 صفحة عدا الخرائط وخلا المقدمة للدكتور طه حسين وعدا التصدير للمؤلف نفسه.
هو تاريخ غزير الفوائد واضح الحقائق بين الأسانيد ينم عن تضلع مؤلفه المتبقر من البحث في التاريخ عن حقائقه ودقائقه على أنه لا يقرأ هذا التاريخ قارئ إلا يتعجب من بعض عبائره السليمة الظاهر المريضة الباطن ولا غرابة في ذلك فأن الإنسان لما يبلغ درجات الكمال ولا خرج من دركات العصبية الدينية وهي ملجأ كثير من الأرواح. ذلك فضلاً عن أن الكتاب لم يخل من التعابير المغلوط فيها وها نحن أولاً، نبسط للقارئ بعض ما يستوجب الإصلاح والمناظرة:
1 - قال في ص 7 (وإنما الذي يمكننا أن نقوله. . . هو أن القدماء قد اعتقدوا أنه قد وجدت في جهات يثرب وخيبر بطون إسرائيلية قبل وصول جموع اليهود إلى الأصقاع العربية في الدور الثاني ويؤيد هذه النظرية ما نجده في كتاب العهد القديم من النص على وجود علاقة متينة بين بلاد فلسطين وبلاد الجزيرة العربية) قلنا: ولم ينشب أن قطع هذه العلاقة في ص 11 بقوله (أن سكوت المراجع الإسرائيلية عن سرد حوادث اليهود في الجزيرة العربية يدل دلالة قاطعة على أن اليهود في بلاد العرب كانوا منقطعين تمام الانقطاع عن بقية أبناء جنسهم في جهات(8/123)
العالم ولم تكن لهم بهم أي صلة وكأن الجزيرة التي انفردت بقبائلها وانقطعت عن العالم المتمدن انقطاعا كلياً قضت على كل من يسكنها من اليهود أن يكون مثل أبنائها وأن يقطع كل علاقة بينه وبين يهود البلدان الأخرى) أه. فالظاهر من كلامه الأخير أن العلاقة المتينة بين بلاد فلسطين والجزيرة العربية علاقة هوائية أو خيالية!!.
2 - وتكلم على اليهود في ص 12 بقوله (وأخذوا ينزلون من أوج المدينة والحضارة شيئاً فشيئاً حتى وقعوا في هوة الهمجية وصاروا مثل غيرهم من سكان تلك الجزيرة. . ولكن يظهر أن البيئة الجديدة شلت قوى اليهود الروحانية فتغلبت عليهم العقلية البدوية حتى
صارت صاحبة السلطان على أفكارهم ونفسياتهم) قلنا ولم يلبث قوله هذا أن نقضه في ص 14 بقوله (أن بطوناً عربية كثيرة قد اختلطت بالعنصر اليهودي في بلاد الحجارة وأثرت في أخلاقه وعاداته تأثيراً ظاهراً ولكنها لم يستطع أن تتغلب على عقليته الأصلية بل بقي هذا العنصر ممتازاً بعقليته امتيازاً ظاهراً) وهذا نقض لقوله بتسلط العقلية البدوية على أفكار اليهود ونفسياتهم ولا شلال البدوية قواهم الروحانية كما في ص 12 فاعرفه جيداً وقد أكده في ص 24.
3 - ونقل في ص 13 مؤيداً لا منفداً (ويقولون: أن الذين يعتبرون أنفسهم من اليهود في جهات خيبر ليسوا يهوداً حقاً إذ لم يحافظوا على الديانة الإلهية التوحيدية ولم يخضعوا لقوانين التلمود خضوعاً تاماً) غير أنه قال في ص 24 (فقد كانت النزعة الدينية قوية في نفوس يهود الحجاز فليس ممكناً أن لا يوجد هناك شعر ديني يمجد التوحيد وآل موسى وأنبياء بني إسرائيل) وهذا أن لم يكن نقضاً للطعن فهو توهين له وتخريق.
4 - أن تأكيده عدم ذوبان العقلية اليهودية الذي أشرنا إليه آنفاً هو قوله في ص 24 (في حين أن هناك فرقاً شاسعاً (كذا) وهو القائل في ص 23 (كل ما كان يحرك نفس العربي ويدعوه إلى قرض الشعر. . . كان يحرك نفوس الشعراء من اليهود في الجاهلية) فقد نقض قوله باختلاف اتجاه الأفكار بين العرب واليهود(8/124)
لأن العقول إذا تأثرت بمؤثر واحد ثبت أنها مشتركة في اتجاه الأفكار. وهذا هين على القارئ الصبور لولا أنه قال في ص 84 عن العرب واليهود (على أن هناك مقياساً آخر يجب ألا ينسى وهو ما قلته في ما مضى من أن الصلة الدموية في العنصر والتقارب في اللغة والأخلاق هو أساس التشابه بين العقلية واتجاه الأفكار والأدب بين العنصرين) فكأن التاريخ إثبات فنقض فاعتدال في أمر واحد.
5 - وقال في ص 8 (كانت فلسطين بمثابة القنطرة التي تربط بلاد العرب وسورية من جهة ومصر والعراق من جهة أخرى) ولم نتمكن بعد من توهم هذه القنطرة الخيالية المخالف وضعها للحقيقة فأين مصر عن العراق حتى يقابلا سورية وبلاد العرب؟ فالصواب أن يقال (كانت فلسطين ميتاءاً بين سورية والعراق وبلاد العرب ومصر) وفي المصباح المنير (ويقال لمجتمع الطريق: ميتاء).
6 - وعلق في ص 29 بقول السموءل (ولا ينفع الكثير الخبيت) ما نصه: (في نوادر أبي زيد الأنصاري طبع بيروت ص 104 أن الخليل سأل الأصمعي عن الخبيت في هذا البيت، فقال: يريد الخبيث وهي لغة خيبر ويروى لغة قريظة فقال له الخليل: لو كان لغتهم لقال: الكثير) كذا بالثاء المثلثة وهو وهم لأن الخليل أراد (الكتير) بالتاء المثناة.
7 - وقال في ص 30 (أنتجته قرائح مختلفة) والصواب (نتجته) بحذف الهمزة لأن الثلاثي أفصح من الرباعي ولأن الرباعي أشتهر في (أنتج كذا أي حان نتاجه) فالهمزة للحينونة.
8 - وقال في ص 37 (فيقاتلون جيوش الحبشة في اليمن قتالاً شديداً رغم ما كانت عليه) وقد جعل (رغما) منصوبة ولنصبها وجهان أولهما أن تكون (مفعولاً من اجله) فيكون القتال (من أجل رغم ما كانت عليه) وليس بمطلوب والثاني أن تكون (صفة لمفعول مطلق) نائبة عنه والتقدير (قتالا رغم ما كانت) والمعنى فاسد، فالصواب أن يقال (على رغم) كقول الشاعر:
وما هي إلا كالعروس تنقلت ... على رغمها من هاشم في محارب
أو (على الرغم مما كانت عليه) كما في مختار الصحاح، أو (برغم ما) كما في قول أبن ميادة ص 327 من ج2 من الأغاني:(8/125)
ولقد بلغت بغير أمر تكلف ... أعلى الحظوظ برغم أنف الحاسد
9 - ونقل في ص 45 قول أبن هشام (وبنجران بقايا من أهل دين عيسى بن مريم وهم أهل فضل واستقامة فسار إليهم ذو نواس بجنوده ودعاهم إلى اليهودية فخيرهم بين ذلك والقتل فاختاروا القتل فخد لهم الأخدود فحرق من حرق بالنار وقتل بالسيف من قتل ومثل بهم حتى قتل منهم قريبا من عشرين ألفا) ثم قال المؤلف (فليس من شك في أن عدد القتلى من نصارى نجران لم يدرك عشرين ألفا بوجه من الوجوه فهي مبالغة ظاهرة سببها أن اضطهاد ذي نواس لنصارى نجران كان عنيفاً جداً حتى أنه ترك آثاراً هاجت النفوس العربية في البادية والحاضرة) أه قد نقل هذا وقال فيه ما قال ولكنه عاودته بل عادته هجيراه فقال في ص 72 (ولسنا نعرف في تاريخ اليهود أنهم أرغموا بقوة السيف أمة من الأمم على اعتناق اليهودية إذا استثنينا حادثة واحدة أرغم فيها الملك اليهودي يوحنان هور
كانوس طوائف بني أدوم على اعتناق اليهودية صاغرين) فقد نسي ذكره الله إرغام ذي نواس محرق أصحاب الأخدود (البنار ذات الوقود، إذ هم عليها قعود، وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود، وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد، الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد). (من القرآن)
10 - وقال في ص 53 (حيث قرر ارتكانا على منقوشات) وليس الارتكان بفصيح ولا مقبول ولو قال (اتكالا أو اتكاءا) لأصاب.
11 - وقال في ص 56 (لأن يهود الحجاز إنما كانوا أصحاب دين سماوي يأمر بالمعروف وينهي عن الفحشاء والمنكر والبغي وليس من المعقول أن ملكاً يهودياً يرتكب جريمة منكرة كهذه تناقض روح التوراة وتخالف الإيمان بآله موسى) قلنا: أعن صبوح ترقق؟ وتسر حسوا في ارتغاء، فأنت الذي تقول في ص 141 في اليهود (فخرجوا حتى قدموا على قريش بمكة فدعوهم إلى حرب رسول الله وقالوا: أنا سنكون معكم حتى نستأصله، فقالت لهم قريش: يا معشر اليهود إنكم أهل الكتاب الأول والعلم بما أصبحنا نختلف فيه نحن ومحمد، أفديننا خير أم دينه؟ قالوا: بل دينكم خير من دينه وأنتم أولي بالحق) فالذي يفضل الوثنية على التوحيدية ويضل بذلك كثيراً لا يمنعه دين سماوي ولا(8/126)
أتباع لآله موسى!! ولذلك قال المؤلف في ص 142 (ولكن الذي يلامون عليه بحق. . . حيث فضل هؤلاء النفر من اليهود أديان قريش على دين صاحب الرسالة الإسلامية) فتنبه على ذلك وقف على اضطراب كتابه.
12 - وقال في ص 60 (بمثابة التعهد) يريد (العهاد والمعاهدة) و (الكفال والمكافلة) وليس بشيء.
13 - وقال في ص 74 (أن اليهود يعتبرون أنفسهم أبناء الله وشعبه المختار من بين شعوب الأرض ولا تسمح أنفسهم أن تكون هذه الميزات لشعب آخر ليس منهم، لهذا لا يقرون بأن الله يختار نبياً غير إسرائيلي) قلنا: فما باله يقول في ص 101 (ومن هنا يمكن أن يقال أن اليهود كانوا من أهم السباب التي ساعدت على ظهور الإسلام وأن يكن (كذا) ذاك بطريقة غير مباشرة) فيا ويلتا من هذا التناقض المستمر!
14 - وقال في ص 89 (وقبيل ظهور الإسلام وجدت في الديار العربية نهضة فكرية
عظيمة كان الاضطراب من علاماتها وقبيل الإسلام أيضاً أصبحت القلوب صالحة لقبول دعوة دينية جديدة وصارت الديانة الوثنية موضوع السخرية جهراً عند بعض الطبقات من المفكرين) هذا قوله هنا ولكنه يقول في ص 100 على النبي (ص) (ولكنه نجاحه كان بطيئاً جداً في ذلك الحين لأن تعاليمه كانت تقوم على ترك عبادة الأصنام وهدم العقيدة الراسخة في نفوس العرب. . . وكان ذلك فوق ما تهضمه عقولها وتحتمله نفوسها) قلنا: فأين النهضة الفكرية العظيمة؟ وأين صلاح القلوب لدعوة دينية جديدة؟ وما هذا الخبط والخلط؟ وأين نضع قولك في ص 98 (ويحدثنا أبن هشام أن أهل مكة تآمروا على من اسلم واتبع الرسول فوثبت كل قبيلة على من فيها من المسلمين فجعلوا يحبسونهم ويعذبونهم بالضرب والجوع والعطش)؟ فهذا شيء عجاب.
15 - وقال في ص 100 عن عرب يثرب وأول الأنصار (إذ لقي رهطاً من الخزرج أراده الله بهم خيراً فقال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفر من الخزرج. . . ثم أنصفوا عن الرسول راجعين إلى بلادهم وقد آمنوا وصدقوا) ثم قال عن هذه الطبقة (وكانت الثانية عقليتها مرنة قابلة للتطور مستعدة للترقي فلم تكد تسمع(8/127)
دعوة الرسول حتى قبلتها واعتقدتها) قال هذا فلم ينشب أن خرقه بمخرقة الديني في ص 104 بقوله (أما الغرض الذي كان يرمي إليه الرسول فكان غرضاً دينياً. . . بينما كانت الغاية التي يرمي إليها بنو الخزرج سياسية قبل كل شيء وهي إيجاد قوة لمحاربة عدوهم الذي بالغ في قتلهم وإذلالهم وهو بطون اليهود في يثرب) فانظر أي دس وأي عبث؟ فقد كان جعل السبب دينياً أولاً ثم جعله سياسياً بحتاً ثانياً وذلك استهتار بالتمويه لا استهتار بالتحقيق.
6 - وقال في قضية اليهودية التي أهدت إلى النبي (ص) شاة مصلية 171 (ووضعتها بين يدي الرسول فتناول الذراع فلاك منها فلم يسغها ومعه بشر بن البراء بن معرور قد أخذ منها كما أخذ رسول الله وأما بشر فأساغها وأما الرسول الله فلفظها ثم قال: أن هذا العظم ليخبرني أنه مسموم) قلنا: في ع دد من مختار الصحاح (وفي الحديث: ما زالت أكلة خيبر تعادني فهذا أو أن قطعت أبهري) هذا ما سمحت به النفس أما انتقادنا اللغة فأهملنا لفشوه في هذا الكتاب، وذلك يحتاج وحده إلى كتاب ومما يذكر من أتعاب المؤلف استناده إلى عربية وعبرية وإنجليزية وفرنسية لكن تاريخه يحتاج إلى تمحيص متضلع لا متشبع.
بغداد: مصطفى جواد
جمع مفعول على مفاعيل
مما ورد في هذا الباب وقفنا عليه في هذه الأيام قولهم: بلد مقحوط وبلاد مقاحيط (المصباح) والملقوط: الولد المنبوذ وتجمع ملاقيط (محيط المحيط وعنه دوزري وعنه الشرتوني) - المبسوط من الأقتاب ضد المفروق وهو الذي يفرق بين الحنوين حتى يكون بينهما قريب من ذراع والجمع مباسيط كما يجمع المفروق على مفاريق (اللسان والتاج) - والمواسيم الإبل الموسومة (التاج).
فهذه خمسة ألفاظ أخر تضاف إلى الخمسة والثمانين المذكورة في 7: 768 وما يليها فتكون تسعين لفظة.(8/128)
فوائد لغوية
في الصحاح وفي مختار الصحاح
19 - وقال ب ط أ (وأبطأ فهو مبطئ ولا تقل: أبطيت) إلا أنه قال في ر ج أ (لأن بعض العرب يقول: أرجيت وأخطيت وتوضيت فلا يهمز) فحكم أولاً وعقب حكمه ثانياً.
20 - وقال في ق ن أ (وأحمر قان أي شديد الحمرة) فقال الرازي (قلت: المشهور المعروف، أحمر قانئ بالهمز كما ذكره أئمة اللغة في كتبهم حتى الجوهري رحمه الله تعالى، فأنه ذكره في باب الهمز أيضاً، ولو كان البابين لنبه عليه أو لذكره غيره في المعتل ولم أعرف أحداً غيره ذكره فيه فيجوز أن يكون من سبق القلم أه فأقول: ذكر أبو زيد القرشي في كتاب جمهرة أشعار العرب قول المتنخل بن عويمر الهذلي:
وصفراء البراية فرع قان ... كوقف العاج عاتكة اللياط
وقال (قان: أي أحمر شديد الحمرة) والقرشي قديم والظاهر أن الرازي لم يقرأ كتابه ولا حفظ هذا البيت، أما استجازته كون قول الجوهري من سبق القلم فهي نفسها من عثرة الفكر والقلم.
21 - وقال في ق م ر (وقمري مثل رومي. . . والجمع قماري غير مصروف) قلت: يجوز صرفه على التخفيف كما صرح بحكمه المبرد في كاملة فضلاً عن أن الجوهري قال في وق ي (والأوقية. . والجمع الأواقي بتشديد الياء وأن شئت خففت) فقد بان الصبح لذي عينين.
22 - وقال في ق ض ي (وقد يكون بمعنى الأداء والإنهاء تقول: قضى دينه) قلت ولم يذكر (قضاة دينه) بتعديته إلى مفعولين بنفسه مع أنه قال في ق ر ض (والقرض ما تعطيه من المال لتقضاه) معدياً إياه إلى مفعول واحد بنفسه وهو مبني للمجهول.(8/129)
23 - وقال في غ ر ر (والغرارة بالكسر واحدة غرائر التبن وأظنه معرباً ولو فسره بالوطيئة لا فاد فائدة كبيرة فهو الذي قال في وط أ (والوطيئة على فعيلة شيء كالغرارة وفي الحديث أخرج ثلاث أكل من وطيئة أي ثلاث قرص من غرارة).
24 - وقال في ن ح س (والنحاس أيضاً دخان لا لهب فيه) وقد استغربت هذا الشرط لأن
نابغة بني جعدة قال:
يضيء كضوء سراج السلي ... ط لم يجعل الله فيه نحاسا
فهذا البيت يجيز اجتماع اللهب والنحاس في السراج ولولا الجواز لما نفي الدخان لأن نفي ما لا يمكن ضرب من اللغو واللهو فنفيه النحاس عن ضوء السراج يدل على اجتماع لهب ونحاس.
25 - وقال في ع ر س (وأعرس بأهله بني بها ولا تقل عرس والعامة تقوله) فقال الرازي (قلت: قوله - بني بها - هو أيضاً مما تقوله العامة وهو خطأ كذا ذكرة في ب ن ي) قلت: أجل غلط الجوهري في هذه المادة من قال: بنى بها وتابعه عليه الرازي وكلاهما مخطئ فقد روى المبرد في (2: 152) من كاملة قول أبي جبير الفزاري معونة لعبد الملك بن مروان:
على غير شيء غير أني سمعته ... بنى بنساء المسلمين بلا مهر
26 - وقال في ع ر ف (وتعارف القوم عرف بعضهم بعضا) ولم يذكر (تعارف القوم الشيء أي تعالموه وتداولوه) وهو الذي قال في ع ب ق ر (ثم خاطبهم الله تعالى بما تعارفوه) وقال في وق ي (وأما اليوم فيما بتعارفه الناس فالأوقية. . .).
27 - وقال في زور (والزور بالفتح أعلى الصدر وهو أيضاً الزائرون يقال رجل زائر وقوم زور) ولم أتمكن من الموافقة بين هذا وبين قول علي (ع) في (3: 304) من الشرح الحديدي (وزور لا يسرك لقيانه) بإضافة المصدر إلى ضمير الزور المفرد.
بغداد: مصطفى جواد(8/130)
باب المكاتبة والمذاكرة
نظرة في مقالة المطبوعات الحديثة في النجف
قال الكاتب في لغة العرب (7: 465) والجامعة لم يعرف من أنشأها قيل الإمام زين العابدين علي بن الحسين (ع) وقيل جابر الأنصاري وقيل بعض المغالين للأئمة من العلماء الذين عاشوا في القرن الثاني للهجرة. . . وفي بعض جملها مغالاة كثيرة في حق الإمام بحيث تخرجه عن كونه من البشر، ولهذا شغف بها (الكشفيون). و (الشيخيون) اتباع الشيخ أحمد الأحسائي المعروف المتوفي سنة 1242هـ (كذا والصواب 1234هـ راجع الروضات 1: 26) الذي أدعى النيابة الخاصة عن الإمام الغائب وأتى بآراء مستحدثة في الدين وشرحت في الدين وشرحت عدة شروح وممن شرحها السيد كاظم الرشتي الحائري تلميذ الشيخ أحمد المذكور. أه.
زيارة الجامعة مذكورة في أمهات كتب الشيعة الإمامية (راجع من لا يحضره الفقيه (1: 198 - 201 من طبعة الهند) والتهذيب (2: 33 - 35) وقد رواها الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه القمي المتوفي سنة 381هـ 992م عن علي بن أحمد بن موسى والحسين بن إبراهيم بن أحمد الكاتب وهما عن محمد أبن عبد الله الكوفي عن محمد بن إسماعيل البرمكي عنه موسى بن عبد الله النخعي عن الإمام علي الهادي (الإمام العاشر عند الشيعة الإمامية) والإمام عليه السلام بعد أن وصف للنخعي آداب الزيارة قال له: ثم قل: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة. الخ. هذا ما ذكره العلماء والمحققون أما أن الجامعة للإمام زين العابدين أو لجابر الأنصاري أو لبعض المغالين للأئمة فلم نجد في كتب العلماء ذلك. أما قوله: وفي بعض جملها الخ فليس في الجامعة غلو في الإمام بحيث يخرجه عن صفات البشر كما يظهر للعلماء أولي البصيرة. والفصيح في قوله الكشفيون والشيخيون: الكشفيون أو الشيخيون لأن(8/131)
الشيخية هم الكشفية نعم يمكننا أن نحمل الواو على التفسير وأني لنا ذلك والكتاب وضع نقطة بين كلمة (الكشفيون) و (الشيخيون) والنقطة علامة الفصل كما لا يخفى. وقول الكاتب (ولهذا شغف بها الكشفيون والشيخيون) كلام يؤاخذ عليه لأن الشيعة الإمامية على اختلاف نزعاتهم وطبقاتهم قد شغفوا
به شغفهم بكل ما يصح عن المعصومين وليس هذا الشغف خاصاً بالشيخيين. وقد عرف الكاتب الشيخيين بأنهم أتباع الشيخ أحمد الأحسائي، قلنا: أن الشيخيين يفترقون إلى فرقتين فرقة منهم تتبع الحاج محمد كريم خان الكرماني تلميذ السيد كاظم الرشتي (المتوفي سنة 1259هـ 1843م) وقد يعرف هؤلاء بالكريمخانيين نسبة إلى رئيسهم المذكور، وفرقة منهم تتظاهر باتباع الشيخ أحمد الأحسائي. أما قوله: الذي أدعى النيابة الخاصة عن الإمام الغائب وأتى بآراء مستحدثة في الدين فمنقول عن رسالة قهوة سوراة تعريب السيد أحمد التبريزي، إذ يقول الفاضل التبريزي في حاشية ص 23: الشيخ أحمد الأحسائي المعروف الذي أدعى النيابة الخاصة عن الإمام الغائب وأتى بآراء مستحدثة في الدين انتهى كلام السيد أحمد التبريزي الذي نقل عنه الكاتب بدون أن يشير إليه كما هو عادة المنتحلين ولا نعلم على من اعتمد التبريزي في كلامه.
وقد اختلف الباحثون عن الشيخ أحمد في حقيقة أمره فمن أصحابنا من يرى أنه كان مارقاً من الدين كالاغا الميرزا محمد رضا الهمذاني في كتابه (هدية النملة إلى مرجع الملة) والسيد محمد مهدي الموسوي القزويني (نزيل الكويت) في بعض كتبه ونرى إلى جانبهم آخرون يعدونه من كبار الشيعة الأتقياء والصلحاء ويرون أن عقائده. وافقة لمذهب الشيعة الإمامية كالميرزا محمد باقر الموسوي الخونساري في روضات الجنات فقد أثنى عليه أطراً والمحدث النيسابوري(8/132)
في رجاله وقال (لا شك في ثقته وجلالته): أما نحن فلم نتثبت في الواقع إذ نرى العلماء الكبار كالسيد محمد مهدي بحر العلوم النجفي الطباطبائي صاحب الرياض وغيرهما قد أجازوه إجازة عامة في رواياتهم وشهدوا له في إثباتهم بالفضل وعلو المنزلة: والظاهر من بعض كلماته في شرح زيارة الجامعة الزيغ والظلال (أعاذنا الله من ذلك) ويقول بعض الفضلاء أن الشيخ أحمد كان في أوائل أمره من العلماء العاملين الصالحين فأجازه العلماء وبعد ذلك اضطرب في دينه واعتقد ما يخالف ضروريات الدين والمذهب، وعلى كل حال فالسكوت عن أمر هذا الرجل أحق وأولى. أما قول الكاتب (وشرحت عدة شروح وممن شرحها الخ) فنحن لم نطلع على شرح سوى شرح الشيخ أحمد الأحساني شيخ السيد كاظم الرشتي وهذا الشرح كبير مطبوع يزيد على ثلاثين ألف بيت.
وفي س 467: ولم يقوس الذي ضمنه ولم يجعله بين عضادتين فيعد على هذا منتحلاً
لبعض الأشطر. ألا يمكننا أن نعد ذلك من خطيئات المستنسخ أو الطابع لا الناظم؟.
وفي ص 468: أصدرها مؤلفها. . . باللغة الفارسية ولم ندر سر ذلك، قلنا أراد المؤلف أن يستفيد منها الفرس وينتفع بها الإيرانيون ولذلك وضعها بالفارسية وللمؤلف تأليف آخر في الموضوع نفسه بالعربية سماه: أصفى المشارب في حكم حلق اللحية وتطويل الشارب (مخطوط).
وفي ص 468 أيضاً: السيد صالح القزويني البغدادي المتوفي سنة 1293هـ ولعل الصواب سنة 1301هـ 1883م (راجع مجلة لغة العرب 1: 329 والأعلام 2: 427).
وفي ص 469: المتوفي سنة 1232هـ ولعله 1233هـ (راجع روضات الجنات 4: 553).
وفي ص 471: الشيخ علي بازي: والفصحاء يكتبون: الشيخ علي البازي (أي بإثبات آل التعريفات) في البازي وحضرة الشيخ نفسه يكره أن يرى أسمه بغير(8/133)
هذه الصورة لأنها كتابة الفصحاء ولا يكتب غيرها سوى الأعاجم الغفل، هذا وفي الختام نرجو من أمثال حضرة الكاتب الجليل أن لا يكتبوا شيئاً إلا بعد التروي والتحقيق الدقيق لئلا يقعوا في مهاوي الأوهام الفاضحة.
محمد مهدي العلوي
أصف الدولة والماء في النجف
قلتم في كتابكم الثمين أمنية الباحثين وضالة الأدباء ذلك الكتاب الذي يجد فيه القارئ (الفوز بالمراد) ص 8. (لأن أصف الدولة أحد أمراء الهند في لكنهور جاء إلى النجف ورأى قلة الماء هناك فأعاد كري النهر فسمى بالهندية وذلك سنة 1309هـ - 1891م) أه.
ننقل هنا كلاماً لمجلة المرشد البغدادية عن أصف الدولة قالت (4: 203 حاشية): الذي نعلمه هو أن أصف الدولة المذكور كان ملكاً من ملوك الهند المشهورين بالعظمة والنفوذ التام وأنه لم يتشرف بزيارة أئمة العراق ومشاهدها المشرفة والمشهور أن المؤسس العلامة أقا باقر البهبهاني بعد ما توفي عام 1204هـ وكان من تلامذته السيد دادار علي أكبر علماء الهند المتوفي سنة 1235هـ مقربا عند ملكها أصف الدولة نتهز الأمير السيد علي الكبير من أعلام كربلاء فرصة الاستفادة من الوقت فزار الهند واقترح على ملكها المذكور إجراء الماء إلى كربلاء والنجف وبناء سور للمشهدين المذكورين وشراء منازل عمومية
لزوارهما. وقد أجاب الملك مطالبة وتنفذ (كذا) الأمر بحفر النهر المعروف بالهندية لانتسابه لملك الهند وكان ذلك سنة 1208هـ ومادة تاريخه (صدقة جارية) أه.
وكلام المرشد نتيجة بحث وتحقيق والذي يفهم منه:
1 - أن أصف الدولة لم يكن من الأمراء بل كان ملكاً من ملوك الهند (ل. ع. كل ملك يسمى أيضاً أميراً لأنه ذو أمر).
2 - أن أصف الدولة لم يأت العراق خلافاً لما جاء في (الفوز بالمراد) أنه جاء إلى النجف.
3 - أن أصف الدولة حفر النهر في عام 1208هـ لا كما ذكرتم أن الحفر كان في عام 1309هـ والصواب ما جاء في المرشد لأن بعض الثقاب ذكر أن أصف(8/134)
الدولة هو جد النواب إقبال الدولة دفين داره المعروفة باسمه في الكاظمية، وقد توفي إقبال الدولة في عام 1308هـ وهو في دور الشيخوخة وكيف يعقل أن يموت الحفيد الشيخ في عام 1308هـ ويكون جده حياً اللهم إلا إذا قلنا أن جده كان من المعمرين وهذا لا يصح لأنه لو كان منهم لذكره العلماء الذين ذكروا المعمرين ولو صل إلينا خبره.
(ل. ع. اصل الرواية 1308 فوق الخطأ في الطبع)
هذا وعسى أن توافقوا على هذا التصحيح.
سبزوار (إيران): محمد مهدي العلوي
في ما قيل وما أقول
9 - وذكرتم في ص 635 قول الشاعر (حمامة بطن الواديين ترنمي) وقول الآخر (ظهراهما مثل ظهور الترسين) مستجيزين أن يعامل المفرد كمعاملة المثنى فأقول أما الدليل الأول فهو ضرورة شعرية اضطرت الشاعر أن يثني الوادي بإضافته إلى ما حوله تثنيه تغليب لا ترتيب فانظروا (روض) من معجم البلدان. وأما الدليل الثاني فلم أنكر مثله حتى تتخذوه دليلاً قلت ذلك لأن العرب تكره اجتماع تثنيتين متواليتين ففي (1: 487) من الشرح الحديدي (قول زيد بن وهب (وشد أبنا علي: حسن ومحمد عليه فضرباه باسيافهما) وفي ص 493 منه قول علي (ع) (ألم أنهك وأبن عباس أن تخلا بمراكركما) وفي ص 165 منه قول المصريين المتألبين على عثمان (رض) (بجلد عبد الرحمن بن عيس
وعمرو بن الحمق وحلق رؤوسهما ولحاهما) وفي ص 273 منه (قال رسول اله صلى الله عليه وآله لأخوين من الأنصار: لا تيئسا من روح الله ما تهزهزت رؤوسكما) وفي ص 373 (منكسين ترضخ رؤوسهما بالحجارة) وفي ص 396 قول الحجاج (فاشحذا سيوفكما) وفي ص 453 (فضرباه بأسيافهما فقتلاه) وفي ص 459 (وصرفت أثمانهما في غير وجهها) وفي ص 63 قول عمر رضي الله عنه (فأضرب أعناقها) ورواية أبن قتيبة في كتاب الإمامة والسياسة ص 23 (فاضربوا أعناقهما) والمراد حاصل وفي (2: 522) من الحديدي قول علي (ع) (وتكون السنتهما معه وقلوبهما تبعه، وفي (1: 281) من الأغاني) وقد رفعا أصواتهما) وفي ص 322 منه (ولا أرى في(8/135)
وجوههما) وعندنا أكثر من هذه الأدلة التي أثبتت (أن إضافة الجمع إلى المثنى مرادا به اثنان أو اثنتان قاعدة عربية نصيحة جداً).
10 - وذكرتم في ص 636 (عبارة عن تقال الأشياء الجسمية كما تقال للأشياء المعنوية) فمثلهم للجسمية بقوله في الكليات (التنفيذ عبارة عن وقوع بعضها) وقوله في التصديق (عبارة عن ربط قلبه) ولا أرى صواباً أن يعد (الوقوع) و (الربط) جسمين فكيف عددتموهما؟ وأن تجدوا (عبارة عن تتقدم جسماً مجروراً بعن فذلك مولد وأنتم القائلون في (7: 821) ما نصه (إنما هو من قبيل للولد أي العلمي وإذا قيل (هو كذا) بدلاً من (عبارة عن) فلا وجاهة في استحباب المولد على الفصيح.
11 - وخطأت أنا في ص 636 قول من قال (حتى لتروى أمه) فظاهر تموه بأنه (قدر: (حتى أنه لتروي أمه) ثم حذف وهو ما يظهر من تركيب كلامه وهو غير ممنوع) وأرى أن هذا الحذف أيها الأب الجليل ممنوع لأن (إنه) للتوكيد والحذف ضد لتوكيد وكأنه انهياض بعد انجبار وليل بعد نهار. على أني مفرط في تخطئتي الأنفة ففي (1: 67) من الشرح الحديدي قول علي (ع) (ينثالون علي من كل جانب حتى لقد وطئ الحسنان) وفي ص 247 من جمهرة أشعار العرب قول قيس بن الخطيم الأوسي:
طررناكم بالبيض حتى لأنتم ... أذل من السقبان بين الحلائب
ولأن نقنع بهذا المسموع خير من تعليله الطويل الممل، فقد دخلت اللام على قد أولاً وعلى المبتدأ ثانية مع تقدم (حتى) إياها.
12 - وعددتم فيها (شهرياً) منصوباً على الظرفية في قولهم (500 غرش عثماني شهرياً) وقلتم (كقولك: عاملته معاملة شهرية) فأقول (شهرية صفة للمفعول المطلق، معاملة) فأين النصب على الظرفية؟ هذا فضلاً عن أنه لا يقال (أقمت شهرياً ولا اتجرت شهرياً) بالنصب على الظرفية بل (قمت شهراً واتجرت شهراً).
13 - وغلطت في ص 637 من قال (أثر عليه تأثيراً) فاتخذتم قول الطبري (ما رأى من حسن أثرهم على ابني زحر) مع أن (على) متعلقة ب (رأى)(8/136)
فيقال (رأى عليهم علائم النقمة لا أثر النعمة) وأن نسلم بوجدانكم غير هذا الليل فلا نرجع عن استصوابنا (لتأثير فيه) فأن الأثر غير التأثير وقد يقال (أثر عنده أثر) ففي (1: 160) من أمالي الشريف المرتضى الدرر والغرر قول ودقة الأسدي:
قد كنت أثرت عندي مرة أثراً ... فقد تقارب يعفو ذلك الأثر
ومن أدلتنا على صحة قولنا، قيلة المرتضى في ص 228 منها (وأن طعن فيه بما لم يؤثر فيه) وللمرتضى أيضاً مثلها في (1: 222) من الشرح الحديدي، وفي ص 388 منه وورد في (3: 191) من كامل المبرد (واثر في أصحابها) وفي (3: 206) من الحديدي قول علي (ع) (وخرج بسلطان الامتناع من أن يؤثر فيه ما يؤثر في غيره) وبهذا نكتفي.
14 - وخطأت في ص 637 من يستعمل (إذا) بدلاً من (هل) وهمزة الاستفهام) فقلتم (فقد أكثر منه المولدون) فلا عجب من الكاتب أن يقتفي آثارهم) فطوراً تجعلون المولد عامياً وتارة تستحسنون تأثره بلا اضطرار، هذا فضلاً عن أنكم لم تذكروا مثلا لذلك المولد الممسوخ، فأنه يقال (لا أعلم أجاء أم لم يجئ؟) ولا معنى في (لا أعلم عندما جاء أم لم يجئ) بوضع (إذا) موضع الهمزة وتأويل الجملة ذلك التأويل.
15 - ورأيت في (4: 13) من لغة العرب قول محمد بهجة الأثري ينتقد محمد سليم الجندي (فوردة كتاب (من صديقنا) والصواب (ورد إليه كتاب أو عليه).
16 - وقال فيها أيضاً (لا يكسر على مفاعيل سوى في ألفاظ) ففصل بين (سوى) ومجرورها بالحرف ولا يستغرب ذلك من هذا المدعي (الحبزبزي) فالصواب (في سوى ألفاظ) بتقديم حرف الجر.
17 - وقال في ص 17 متحدياً الجندي (فأنا نطالبه بإثبات استعمال العرب بكلمة - كذا
بالباء - الواقع في قوله: ما لم يصدق به الواقع) فأقول جاء في ص ح ح من المصباح (وصح القول: إذا طابق الواقع) فما أضيق اللغة في ذهن هذا الرجل وما اسلقه بلسانه الحديد للمستجهلين له.(8/137)
أسئلة وأجوبة
الداوية والاسبتارية
س - بيروت ط. خ - لم لم يسم المؤرخون العرب الرهبان المدعوين بالفرنسية هيكليبن على طريق الترجمة أو (تمبلارية) من باب التعريب على نحو تعريبهم بقولهم (اسبتارية) بل أطلقوا عليهم أسم (داوية) (بصيغة الفاعل وبياء مشددة) لا غير. ثم ما معنى (داوية أهي عربية أم دخيلة؟ وأن كانت أجنبية فمن أي لسان هي؟
ج - كان العرب المؤرخون يدونون ما يسمعون حرصاً على صحة الألفاظ وبالصورة التي كانوا يسمعونها أو يتصورون سمعها. وأسماء الرهبانيات أعجمية في الغالب منسوبة إلى مؤسسيها أو إلى الغرض الذي يرمون إليه. وكانوا يعتبرون (التامبلية والأسبتالية) أعلاماً أو أعلام جنس ولذا لم يشاءوا نقلها إلى ما تعني في العربية كما فعل الكتبة في المائة الماضية الحاضرة إذ سموا الأسبتالية (مضيفين) والداوية (هيكليين) ونحن لا نوافقهم على عملهم هذا لأن الأعلام لا تترجم. أفرايت الغربيين ينقلون إلى لغاتهم معاني عنزة وشمر وبني العنبر إلى غيرها وتعد بالمئات؟ لم يفعل ذلك قوم من أقوامهم ولهذا لا يحسن بنا أن نخالف الأصول العامة والأحكام الجارية ببن مختلف الأمم. ولهذا أيضاً حسن عمل السلف في إبقاء الأعلام على صورها.
أما داوية في العربية فليس لهما معنى سوى أنها كلمة مشتقة من الدوي(8/138)
نعم أن كثيرين أنكروا دوي وزان روى الثلاثي. لخلو معاجم اللغة منه، إلا أنه شاع بين كثيرين من الكتاب مدعين أن المصدر إذا وجد. وجد الفعل نفسه والمعروف أن الدوي فعيل وورود المصدر على هذا الوزن مسموع فقد قالوا مثلاً رحيل وبريق ووميض ورسيم وذميل ووجيف ونعيب وشهيق وصهيل ونهيت إلا ما لا حد له. ولا سيما فعيل وأرد مصدراً للأصوات فدوى عندنا من هذا القبيل وأن قال اللغويون أن الدوي أسم لا مصدر فالذي عندنا هو مصدر ومنه الاسم.
وقد شبه الأقدمون أدعية الرهبان وصلواتهم بدوي النحل. فإذا جاز لنا أن نرى الداوية من الألفاظ العربية قلنا أنهم سموا كذلك لأنهم كانوا يصلون جميعاً معاً فيحصل من دعائهم هذا
دوي فسموا بالداوية.
أما الذي عندنا فالداوية تصحيف (التامبليه) الفرنسية لا غير. يشهد على ذلك اختلاف روايات المؤرخين في ذكرها فقد جات الداوية والدواوية (راجع مجاني الأدب 6: 321) والفداوية (فيه 6: 322) والراوية (منتخبات من كتاب الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصلاحية طبع باريس في سنة 1898 في ص 185 حيث يقول وردت في بعض النسخ الراوية) والديوية (في الكتاب المذكور ص 299) وفي غير هذا الكتاب روايات أخرى. وكان عندنا نسخة تامة من كتاب الروضتين يذكر الداوية باسم التاوية وأخرى بصورة التابية ومراراً عديدة: التاملية وبعض الأحيان التامية. ومن اختلاف هذه الروايات في كل صفحة بصورة من الصور يرى أن النساخ لم يفهموا معناها لغرابتها أو لعجمتها. ولا جرم أن الكلمة أعجمية وأنها من الفرنسية.
وكذلك القول في الاسبتارية فأنها لم ترد في جميع النسخ أو الكتب بهذه الصورة بل تختلف بين الأستبار والأشتبار والأستبارية والأستيارية والأسبتالية والأسبتارية إلى غيرها وهذه أيضاً من الافرنسية كأختها المذكورة.
وكل ذلك يذكرنا بأن أستاذنا السيد محمود شكري الآلوسي كان يقول أن الأنفلونزة (وهي النزلة الوافدة) مأخوذة من العربية العامية (أنف العنزة) لأن أنف المصاب بهذا الداء يسيل مادة تشبه المادة التي تجري من أنف العنزة. وسمعنا(8/139)
بعض الأدباء من أبناء حاضرتنا يسمي الأمنيبوس: (أم البوس) - وقرأنا في النشرة الزراعية الموضوعية في (أسماء النباتات في العراق) أن الأوكالبتوس يسمى في العراق (كلمطوز) وسمعنا كثيرين يسمونه (قلم طوز) فلا جرم أن الأصل هو (أو) كلبتوس) فقلبوا الكاف قافاً والباء ميمياً والتاء هاء والسين زاياً وكل ذلك لمجاورة هذه الأحرف بعضها بعضاً فصارت إلى لذي ولم يكف بعضهم هذا التصحيف بل ادعوا أن الألفاظ الإفرنجية هي من العربية. فقد ذكرنا لماذا قيل الإنفلونزة أنف العنزة وأما سبب التسمية الحافلة بأم البوس فلان حالة العراق في جوه حار وبرد، غبار وطين جعلتهم يعتبرون تلك العجلة كالأم التي تباس (أي تلثم) وسبب تسمية القلمطوس بهذا اللفظ هو أن الأقلام المتخذة من عوده تبقى على حالتها والطوس دوام الشيء. ثم قلبوا السين زاياً تسهيلاً للفظ. وفي كل هذه الشروح والتأويل من الخرافات
الظاهرة مالا يخفي على أحد فكيف على العاقل؟.
شمخ بأنفه تشميخاً
س بغداد: م. م - قرأت في جريدة (البلاد) في عددها ال 40 مقالة حسنة الوشي لناسجها (الأستاذ محمود الملاح) عنوانها: (ساعة المغيب في الكرادة الشرقية) وفي مطاويها هذه العبارة: قد فاز بها (مقهى الكرادة الشرقية) بخصال استأثر بها دون (كارلتون) المشمخ بأنفه على ضفاف دجلة) - فهل شمخ بأنفه (من باب التفعيل) معروف في اللغة؟.
ج - كاتب المقالة التي تشيرون إليها كثيراً ما يستشير (المنجد) وهذا المعجم خلاصة أقرب الموارد للشرتوني وهذا الديوان نسخة ثانية من محيط كما أن (البستان) نسخة ثالثة منه وما محيط إلا طبعة عربية لمعجم فريتغ. أذن على من أراد أن يحقق أغلاط هذه الدواوين اللغوية الحديثة الوضع أن يرجع إلى هذا الأصل وينظر في المورد الذي ورده فريتغ وقد راجعناه فرأينا يقول أن شمخ بأنفه تشميخاً منقول عن مقامات الحريري في ص 247 دساسي فتصفحناها فإذا فيها هذه العبارة المقامة الرابعة والعشرين المعروفة بالقطيعية: (ثم شمخ بأنفه صلفاً ونأى بجانبه أنفاً) وكل من له أدنى إطلاع على كلام السلف يعلم أن لا وجود لشمخ تشميخاً(8/140)
وأن عدوى هذا الغلط سرت من الإفرنج إلى محدثي أبناء العرب على حد ما سرى الداء الإفرنجي إلى أبناء وطننا العزيز.
على أن صاحب (المنجد) زاد في المادة غلطاً آخر في الطبعة الأخيرة منه وهي الطبعة التي سماها صاحبها (الطبعة الخامسة المكملة: فقد قال في مادة ش م خ: (وشمخ) أنفه وبأنفه: رفعه اعتزازاً وتكبراً فهو (شامخ) أه. وقد ضبط شمخ بشد الميم بعد أن ذكر شمخ المجرد بأربعة اسطر. أذن وقع في هذه العبارة غلطان شنيعان الأول: اتخاذه شمخ من الباب الثاني في المزيد الذي لا وجود له في كلام السلف الخلص والثاني - وهو أفظع وأشنع - قوله: فهو شماخ) وشماخ كشداد صيغة مبالغ فيها مشتقة من شمخ المجرد ولا أعلم كيف هوى حضرة المؤلف الهوى السحيق مع أنه قال في ص (ز) من المقدمة: (أوزان المبالغة كلها سماعية ولا تبنى إلا من الثلاثي ومما شذ: دراك ومعطاء ومهوان ومحسان ومتلاف ومملاق ومخلاف من أدرك وأعطى وأهان وأحسن وأتلف وأملق وأخلف) فلم يذكر بينها شماخ أذن شماخ من شمخ المجرد.
وفي قوله: مهوان من أهان غلك آخر لأن في معنى المهوان مدحاً لا ذماً بخلاف قولهم أهانه الذي معناه: أستحقره واستهزأ به وأستخفف ولم يأت أبداً بمعنى لأن. ومعنى مهوان الكثير اللين فكيف يكون من أهان؟ أما أن المهوان هو للمدح فمما لا شك فيه قال الكميت:
شم مهاوين أبدان الجزور مخا ... ميص العشيات لا خور ولا قزم
وأما اللفظة التي تشبه المهوان وهي من الرباعي فهي المعوان المشتقة من أعان ولعل لصاحب المنجد عذراً خطأ الطبع لأنه ذكر المعوان بقوله: الكثير المعونة للناس ولم يذكر المهوان بالهاء بعد الميم بأي معنى كان وبأي صورة كانت.
ومن صيغ المبالغة الواردة على مفعال ومشتقة من الأفعال المزيد فيها ما ذكره لنا صديقنا مصطفى أفندي جواد إذ قال: (أن قصرهم قياس - مفعال للمبالغة - على الفعل الثلاثي ليس بشيء فأنه يصاغ من غير الثلاثي إلى الخماسي صوغاً مطرداً لا شاذاً كما ادعوا ومن ذلك قولهم: مكرام من أكرم، ومعطاء من أعطى ومنجاد من أنجد، ومكثار مكن أكثر، ومعوان من أعان، ومطلاق من أطلق أو طلق(8/141)
ومزواج من تزوج ومر قال من أرقل، ومحسان من احسن ومحواج من احتاج ومتلاف من أتلف ومغوار من أغار ومخلاف من اخلف ومحضار من أحضر ومملاق من أملق ومضياف من أضاف. ومقدام من اقدم ومطعام من أطعم ومذعان من أذعن بل لقائل أن يقول أنه يصاغ من المصدر أو أسمه فيكون المذياع من الإذاعة والمزواج من الزواج ويدعم قولنا هذا قول المبرد في ص 175 من كامله: المناجيد مفاعيل من النجدة والواحد منجاد وإنما بقال ذلك في تكثير الفعل كما تقول رجل مطعان بالرمح ومطعام للطعام أه. فالمبرد جعل المنجاد من النجدة ولم يعترض الطعام بأنه من غير الثلاثي ومما يجب ذكره ههنا أن - فعيلاً للمبالغة - ليس من الثلاثي دائماً ولذلك قال الفيومي في مادة ع ق ب من مصباحه المنير: وأما عقيب مثال كريم فاسم فاعل من قولهم عاقبة معاقبة، فالفعيل أذن من فاعل يفاعل مفاعلة وفعالاً على ما ذكر الفيومي وغيره ومن ذلك الخصيم أي المخاصم والحجيج أي الماج والظهير أي المظاهر والصديق أي المصادق والقمير أي المقامر والنسيب أي المناسب والرسيل أي المراسل والقرين أي المقارن والنظير أي المناظر والحليل أي المحال والخليل أي المخال والرضيع بمعنى المراضع والبيع أي المبايع والعتيب أي المعاتب والحسيب أي المحاسب والعديل
أي المعادل والسمير أي المسامر والجليس أي المجالس والرفيق أي المرافق والتبيع بمعنى المتابع والنديم أي المنادم والشبيه أي المشابه والضجيع أي المضاجع والكميع بمعنى المكامع والحليف أي المحالف والعشير أي المعاشر والعميل أي المعامل والقسيم أي المقاسم والشريك وهو المشارك والخليط أي المخالط والكليم أي المكالم والي أي المولي والجري أي المجاري والرئي أي المرائي والفريق أي المفارق. هذا ما عرض لنا بحسب القياس المذكور فليقس عليه مالا يورث الالتباس نحو الركيض أي المراكض والسبيق بمعنى المسابق والعهيد أي المعاهد مذكورة في كتب اللغة أه.
العسيل (الفرشاة)
س. لنجة (خليج فارس) السيد م. م هل عرف أجدادنا العرب ما يسميه الإفرنج اليوم التي عربها بعضهم بقولهم فرشاة وآخرون بروش وآخرون شعرية؟
ج - أن الأقدمين مناعر فواهذه الأداة باسم العسيل قال اللسان في تعريفها: مكنسة الطبيب وهي مكنسة شعر يكنس بها العطار بلاطه من العطر) أه (ويستعملها غير العطار).(8/142)
باب المشارفة والانتقاد
19 - تاريخ اليهود في بلاد العرب في الجاهلية وصدر
الإسلام
راجع هذا الجزء في ص 123 إلى 128
20 - جغرافية العراق الثانوية
تأليف الزعيم طه الهاشمي (في 284 ص بقطع الثمن الصغير)
قررت وزارة المعارف تدريسه في المدارس الثانوية، طبع بمطبعة دار السلام في بغداد سنة 1348 - 1929.
لا يعرف قدر هذا التأليف إلا من عانى وضع تصنيف في موضع بكر لم يسبق بسابق. كانت في مدارس العراق حاجة إلى سفر يجمع بين دفتيه وصف ديارها وصفاً ما في أرضها وليس للغربيين تصنيف من هذا النوع لينقل إلى لغتنا. حتى أن الترك مع وجودهم في ربوعنا سنين طوالاً لم يفكروا في وضع شيء من هذا القبيل صاحب السعادة الزعيم طه بك الهاشمي المدير العام للمعارف العراقية ووضع هذا الكتاب إفادة للمدارس.
وكنا نود أن يتولى تصحيح مسوداته حضرتكم لكي لا يقع فيها شيء من أوهام الطبع. ومما نأخذه عليه إتباعه آراء بعض الغربيين بلا تمحيص كقوله في ص 38 ما هذا نقله: (وكان الكلدان قبل نصف قرن وأكثر يتبعون المذهب النسطوري، إلا أن دعاية الأباء الكاثوليك نجحت فيهم فأصبحوا كاثوليك (كذا) يتبعون الكنيسة الكاثوليكية ويخضعون للبابا) أه. قلنا: أن عودة الكلدان إلى دين آبائهم القديم بعد انشقاقهم عن كنيسة رومه كان في القرن السادس عشر على يد (سلاقا) الذي مسحه البابا يليوس الثالث بطريركا وسماه يوحنا في 9 نيسان سنة 1552 فتبعه بعد ذلك كثيرون من النساطرة.
وفي الكتاب خرائط ورسوم عديدة توضح مواقع البلدان والجبال والأنهار(8/143)
وتضع سرد تلك الحقائق على طرف الثمام. نفع الله به الوطنيين والأجانب ومعنا الله بطول عمر صاحبه ليضع لنا كل ما نحتاج إليه من التأليف التي تفيد أبناء المدارس.
21 - في سبيل الكهنة للخير العام
وقفية ومشروع الخوري منصور عواد عواد البحر صافي في المطبعة الكاثولكية في بيروت 54 ص بقطع 12.
الخوري منصور عواد معروف بغزارة العلم وبعد الهمة والأقدام على المشاريع الجليلة لخدمة الناس خدمة عامة مفيدة لكل واحد منهم. وقد وقف في 15 أيار من سنة 1929 ما جمعه بعرق جبينه وكد يمينه وفضل المحسنين خمسة عشر ألف ليرة لبنانية ذهباً ليؤسس بها جمعية مساعدة للكهنة فأكرم بها من خدمة تبقي له الأجر الصادق والفخر الخالد!.
22 - المخطوطات الشرقية في بلاط كترينة الثانية (باللغة
الروسية)
وصف دقيق لما في البلاط المذكور من الخطيات الشرقية. وقد أدرج في مجلة محفى العلوم الروسي ثم طبع على حدة وهو للعلامة المستشرق الروسي الجليل صديقنا أغناطيوس كراتشكوفسكي وقد ذكر عدة كتب عربية وفارسية وفي جملتها وفاة السلطان سليمان.
23 - الشعر العربي في المائة التاسعة
هذه مقالة ألمانية العبارة وضعها الصديق الروسي المذكور وقد أجاد في تنميقها حتى أنها تعد من احسن الموارد لم يريد أنم يقف على شعراء تلك المائة وعلى الجاحظ المجلي في حلبة عصره واستشهد كثيراً كتابيه البيان والحيوان وأدرجت في مجلته العالم الشرقي ثم طبعت على حدة.
24 - أوجه ملوكية شرقية
-
هذا كتاب فرنسي العبارة يكلمك فيه منشئه جان مليا عن أمان الله ورضا(8/144)
شاه بهلوي وملكنا المحبوب فيصل ملك الشام سابقاً وملك العراق حالاً وجلالة والده المفخم الحسين بن علي وأبن سعود ملك الحجاز وسلطان نجد والكتاب في 206 ص بقطع 12 مطبوع بعناية فاسكيل في باريس ونحن في حاجة نفسنا إلى الإطلاع على هذا التأليف وأمثاله لأن الحرب
الأوربية هزت الشرق هزاً عنيفاً فأسقطت فيه ملوكاً وأقامت فيه آخرين جدداً وهو إلى الآن لم يجد مقره التام في بعض الديار إذ نرى ملوكها تخلع ثم يقام على عروشها آخرون بسهولة غريبة فجاء مؤلف (مصطفى كمال أو تجدد تركية) يعرض على أنظارنا جماعة من المتوجين الجدد ويطالعنا على ماضيهم وحاضرهم ويوقفنا على آرائهم وخططهم مبتدئاً بأمان ملك الأفغان الذي أراد أن يطفر بقومه طفرة هائلة إلى شاهق فوق منه وأضر نفسه ثم ينتقل بنا إلى كل من الملول الذين ذكرناهم فويق هذا حتى يصل إلى ابن سعود. ويستند في ذلك كله إلى أسانيد وأنباء مثبتة فيغنينا بذلك عن مطالعة الروايات الخيالية والأقاصيص الموضوعة.
25 - الفصول
مجلة أدبية تصدر كل فصل (كذا) من فصول السنة، صاحبها ورئيس تحريرها: الأب مبارك مارون اللبناني، تصدر في سنتياغو دل أستيرو (في الأرجنتين في أميركة)، وبدل اشتراكها في الخارج ليرة إنكليزية.
وصل إلينا الجزء الأول من هذه المجلة وهو جزء (الربيع) في 150 صفحة عربية و 50 إسبانية وحلاها بالتصاوير المختلفة فنتمنى لها الرقي والرواج.
26 - نشرة الاقتصاد
مجلة (لعلها صحيفة) أسبوعية اقتصادية مالية، لصاحبها عبد الله نسيم حاوي.
وصل إلينا العدد الثالث من هذه الصحيفة فإذا هو يحوي إعلانات عديدة تجارية واقتصادية وكأنه كتب على نوع طبعها وورقها وتنظيمها وإنشائها أنها لا تعمر طويلاً.(8/145)
27 - أشرق نجم
كتاب ظريف لطيف في 108 ص بقطع يحوي أقاصيص مأخوذة من نصوص الإنجيل الكريم وعددها إحدى عشرة. وكلها صور بديعة قد اعتنت الكاتبة غي دافلين البليغة بأن تصورها بألوان الوصف الدقيق حتى أنك لتتوهم أنك تشاهد الآن بعيني رأسك أشخاصاً مضى عليهم نحو ألفي سنة وهم اليوم يعيشون قريبين منك. وهذه مزية عجيبة امتازت بها
هذه الكاتبة الفرنسية الشهيرة فعسى أن لا تحرمنا أمثال هذه الكنوز من وقت إلى وقت.
28 - أسرار المراهقة بالفتى
للدكتور شخاشيري الطبيب والجراح في المستشفى الإنكليزي بمصر القديمة، يطلب من صاحبة بميدان فم الخليج ومن جميع المكاتب الشهيرة.
الدكتور شخاشيري من مشاهير أطباء الشرق يتعب نفسه ليفيد وطنه وقد وضع هذا الكتاب الصغير في حجمه الكبير في نفعه في 68 ص بقطع 16 وكفانا تعريفاً أن نقول عنه ما عرفه هو لنا بقوله: (محاورات بين أب طبيب وأبنه. تبحث في شؤون دور البلوغ في الفتى وفي أهمية وظائف أعضاء التناسل وكيفية الاحتفاظ بها سليمة ونصائح قيمة عليها تتوقف صحة الأبدان ونضارة العمران) وقد أتم هذا البحث بكل دقة وكفاية وبعبارة واضحة جليلة مما يجعل هذا الكتيب البديع رفيقاً لكل شاب يريد العمر الطويل الهنيء والهرب من المفاسد والأمراض التي تنهك قواه وتكون سبب شقائه مدة عمره القصير.
29 - أسرار المراهقة بالفتاة
هذا الكتيب بحجم أخيه وعدد صفحاته 80 وهو للدكتور النابغة الوطني المذكور. وفوائده كفوائد الأول وعباراته أدبية جلية المغزى (ومغلفة بغلاف عفيف) مما يوجب على كل رب بيت أن يدفعه إلى أبنته إذا ما بلغت سن المراهقة. ولقد قرأنا بعض الكتب المؤلفة في مثل هذا الموضوع وما كنا نكاد نمسكها حتى نرميها بين القاذورات لما فيها من العبارات البذيئة السمحة المرغبة في(8/146)
الفحش. أما هذان الكتابان فأنهما آيتان في تهذيب الأخلاق وأبعاد الشاب أو الشابة عن كل ما يشين شرفهما. فعسى أن يروجا ليقبل صاحبهما على إفادة جمهور الناس بأمثالهما ونحن نشكره عليهما باسم جميع الناطقين بالضاد من ذكور وإناث لما أفاض عليهم من الخير والفضل.
30 - الوقاية أفضل من المعالجة
الجزء الأول تأليف الدكتور شخاشيري، طبع بمطبعة وديع أبو فاضل في مصر في 410 صفحات بقطع 16.
لا يقبض الدكتور شخاشيري على يراعته إلا ليفيد قراءه على اختلاف طبقاتهم إذ يكتب
بعبارة جلية طلية، ليدفع عمن يطالع أسفاره كل ضرر ويجلب إليه كل نفع، ونفعه هذا لا ينحصر في وقت دون وقت، فما ينتجه قلمه يبقى حيا إلى ما شاء الله لأنه سلسلة تحقيقات ونصائح يهون في اقتنائها بذل كل نفيس، إذ يشتري القارئ صحة ولا يلوي رأسه إلى طبيب أو دواء. فنحن نشكر الطبيب النطاسي على هديته هذه ونوصي كل مطالع، رجلاً كان أو امرأة بأن يقتني هذا التأليف الجليل لأنه في مطالعته فائدة ولذة. فقد قال المؤلف نفسه في صدر تصنيفه: (يحتوي (هذا الجزء) على رسائل منوعة في مختلف الأمراض وأسبابها ومداواتها وكيفية الوقاية منها، وأنت في مطالعها تشعر كأنك قبضت بيديك على سلاح تستطيع به أن تقاومها وأن تدفع عنك شرها وأن تتقي سوء نتائجها) ولا يتصور القارئ أن المؤلف يبالغ في وصف كتابه ليبيعه، لأننا تحققنا في أثناء وقت المطالعة أن الخبر دون الخبر وما على الشاك أو المرتاب إلا اقتناؤه.
31 - أنواع العمليات
التي أجراها الدكتور شخاشيري في المستشفى الإنكليزي وعيادته الخاصة، من أوائل سنة 1913 إلى أواخر يونيو سنة 1929.
هو جدول مرتب أحسن ترتيب يرى فيه القارئ أن الدكتور الخبير الماهر بضع من الفتق 2439 ومن القيلة 1294 ومن الدوالي 11 ومن الورم 21 ومن الإحصاء 33 ومن الكحت (الكشط) 4 ومن البتر 8 ومن الطهارة 33 ومن(8/147)
البواسير 11289 ومن الناصور العادي 525 ومن الناصور البولي 8 ومن الخراج 1760 ومن التنظيف 188 ومن البزل 52 ومن الأسنان 490 ومن كسر الحصاة 23 ومن الزائدة 8 فيكون مجموع ما استعمل المبضع من الأعمال في مدة 17 سنة 18176 وهذه أحسن الأدلة بما له من الفضل في عالم الطب ومداواة المرضى ودفع الملمات عنهم فضلاً عن أفادتهم بكتبه ومقالاته.
32 - الحصاد الأول
إحدى وثلاثون قصة عراقية: وضعها أنور شاؤل، طبع بمطبعة الجمعية الخيرية في بغداد 1930 في 169 ص بقطع 16.
أنور شاؤل من شبابنا الذين يعقد الوطن عليهم رقي الأدب العراقي وقد وضع هذه القصص
بأجمل صورة وأبدع رواية وأجاد أيضاً كل الإجادة في طبعها وتنسيقها فجاء هذا الحصاد قبل أوانه في ديارنا. وكنا قد طالعنا أغلب هذه الأقاصيص في صحف العاصمة. أما اليوم فقد صيغها صبغة جديدة ليبلوها على عشاقها فإذا هي من أحسن ما يكتب في هذا الموضوع. فعسى أن تلاقي إقبالاً ليبرز الكاتب بقية إبكار أفكاره فيكون من المجيدين في هذا الموضوع الشاق الشائق.
33 - الكرخ
جريدة أدبية أسبوعية تظهر في بغداد.
لصحفنا البغدادية وخطط وغايات. وقد رأينا جريدة الكرخ من أحسن صحفنا لتهذيب المجتمع العراقي وتأديبه. ففي كل عدد يصدر منها مباحث مختلفة وعناوين متعددة وغايتها إصلاح ذوي الأمر والنهي ودهماء الناس وكل ذلك بعبارة تعجب الجميع، وهل من عجب أن تكون الكرخ في صدر صحفنا ومنشئها (الملا عبود الكرخي) شاعر الناس المحبوب ورئيس تحريرها (عبد الأمير الناهض)؟ على أن هذا التحسين بلغ أقصاه منذ أن تولى تحريرها هذا الشاب الناهض فأنه يفرغ على الكرخ من ذوب قلبه ودماغه ما يحليها في عيون الجميع حتى في عيون الأغراب.
وكان المستشرقان لويس ماسنيون الفرنسي وأشتريك البافاري طالبا منا أن نرسل إليهما بمجموعة (الكرخ) ففعلنا فأعجبا بمقالاتها المتفننة وأساليبها المختلفة(8/148)
واعتبرها من أحسن صحف العراق وأوفاها بالمقصود الذي ترمي إليه. وكلفانا أن نشكر صاحبها ومنشئها الشاعر بهذا الفوز المبين!.
خطط الشام
2 - ونحن لا نريد أن نتبع في كل صفحة من صفحات مجلدة هذا، إذ يقتضي لذلك وقت عظيم ويقع في مئات من صفحات هذه المجلة. إلا أننا نريد أن نجلب نظر صديقنا إلى ما كتبه حضرة الأرشمندريت توما ديبو المعاون فأن مقالة وحدة الطافح بالأوهام يستلزم وضع كتاب قائم برأسه لإظهار ما فيه من العورات والسقطات.
وأول هنواته أنه مسخ الأعلام مسخاً شنيعاً حتى أنه يستحيل على القارئ أن يقابلها بما ورد منها في مصنفات السلف. قال حرسه الله في ص 226 معدداً بدع اليهود في الدين المسيحي وذاكراً بينها (الكلسامين والشمشونيين والفنوستيين) وقد قلبنا جميع التأليف التي تذكر تلك البدع فلم نعثر على الأسماء التي ذكرها لتصحيفه إياها وتحريفها. والصواب الكسائيين وباليونانية وفيها روايات أخرى. والكلمة أرمية الأصل معناها أصحاب الأسرار أو الخفايا، ولا أثر للشمشونيين في التواريخ ولا في الأخبار وإنما هم السامفسيون وباليونانية ولم نجد اسما يقابل الفنوستيين من مبتدعي المائة الثانية ولعل اللفظة مصحفة عن ثيودوتسيين وباليونانية
ومن الأعلام الممسوخة أريوس فأنه ضبطه بالمد، والصواب بالهمز كما جاء في مدونات الناطقين بالضاد جميعهم من المحققين (راجع تاريخ المسعودي طبع باريس 2: 313) والملل والنحل للشهر ستاني (ص 174 من طبعة الإفرنج) وفي نسختنا الخطية في الطرة ما هذا: (أريوس بفتح الهمزة وراء ساكنة يليها ياء مثناة تحتية مضمونة فوار ساكنة فسين ويقال فيه أروس كعروس ومنه الأروسون لفرقة كانت في رهط هرقل) أه. وفي الكامل لأبن الأثير 1: 236 من مطبعة الإفرنج وفي التنبيه والأشراف للمسعودي أيضاً ص 142 فحرموا(8/149)
أريوس الإسكندراني ولو أردنا أن نذكر جميع المصنفات التي ذكرت هذا الاسم لأحرجنا القراء. على أننا لا ننكر أن هذا الاسم ورد في مختصر الدولة لأبن العبري المطبوع في بيروت بصورة آريوس بالمد ص 136 إلا أن هذا الغلط من الناشر لا من صاحبه والدليل أننا وجدنا هنوات كثيرة هذا الوهم وكلها من الناشر فلينتبه الغافل.
ومن أغلاط الأعلام الواردة في الصفحة المذكورة مكدونيوس والصواب مقدونيوس أو مقدونس (المسعودي 2: 314 وغيره) وآفنوميوس وآفدوكسيوس وضبطهما بالمد والصواب أونيوس وأودكسيوس وهو كثيرا ما ينقل الحرفين اليونانيين إلى العربيين (أف) والحال أن هذا اللفظ حديث عند الإغريق أما اللفظ الحقيقي فهو القديم أي (أو) فقد قال العرب كلهم (أوطيخا) لا (أفطيخا) وقالوا أيضاً: أو أون واوثوذيمس واوثوفرن واوخس واوديمس واوليباسيوس إلى غيرها ولم يقولوها بألف وفاء في الأول. راجع تاريخ الحكماء لأبن القفطي وعيون الأنباء لأبن أبي أصيبعة. وغيرهما.
وقال في تلك الصفحة صباليوس. والمعروف عند العرب بالسين سباليوس (راجع الملل والنحل ص 173) وقال ماركلوس والصواب مرقلس. ولا نريد أن نذكر جميع الأعلام التي ذكرها في مقاله هذا لأنها كلها مخطوء فيها ولم يكد يصيب في واحد منها. وذكر أوطيخا باسم أوطينما وذكر خلقيدونية باسم خلكيدون، وخلقيدنية أشهر من أن تذكر وأوردها جميع أخباري العرب من مسلمين ونصارى ولا نرى وجهاً لأغلاطه هذه المتعددة وكلها في صفحة واحدة إذ نحن لم نخرج منها.
ومن أشنع أغلاطه قوله في تلك الصفحة: (أو من باله واحد آب ضابط الكل. . .) مع أن جميع النصارى على اختلاف نحلهم يقولون: أو من بالله الواحد الأب الضابط الكل. . . لأن الأب هنا علم للأقنوم الأول وأداة التعريف هنا للتغليب عليه ولا يجوز حذفها هنا لئلا يظن أنه اسم جنس يشمل عدة آباء. ولهذا وجب القول الأب. ومن غريب الأمر أن الكتبة المسلمين أوردوا هذا العلم بصحته خلافاً لحضرة الأرشمندريت، فقد قال أبو الفداء في تاريخه (1: 94)(8/150)
من طبعة الأستانة): نؤمن بالله الواحد الأب مالك كل شيء. . . وقال كذلك صاحب الملل والنحل (174 من طبعة الإفرنج) وقال أبن حزم في كتابه الفصل في الملل، والأهواء والنحل، (1: 54 من طبعة مصر): أن أمانتهم التي اتفقوا عليها كلهم هي كما نورده نصا: نؤمن بالله الأب مالك كل شيء. . .
الأغاني
الجزء الأول
11 - وورد في ص 27 قول الشاعر:
لا مني في هواك يا أم يحيى ... من مبين بغشة أو صديق
فعلقوا عليه (قد تزاد من في الإثبات وحمل عليه قوله تعالى: يغفر لكم من ذنوبكم) قلنا: بين الآية والبيت فرق ظاهر هو أن المجرور في البيت عمدة والمجرور في الآية فضلة ودخول (من) على المفعول به للتقليل مطرد نحو (فلان أخذ من مالي وتناول من طعامي وشرب من شرابي) فنحن نعد الآية من هذا الضرب ونتلو (أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك).
12 - وجاء في ص 28 ما نصه (ورواه أسحاق - أواس - بالسين غير معجمة وقال وأحدها آسي وهو الأصل) قلت لما روى المبرد في ج 3 ص 245 من كاملة قول (شبل بن عبد الله):
لا تقيلن عبد شمس عثارا ... واقطعن كل رقلة وأواسي
قال في ص 146 (والأواسي: ياؤه مشددة في الأصل وتخفيفها يجوز ولو لم يجز في الكلام لجاز في الشعر. . . وواحدها - آسية - (بالتشديد) وهي أصل البناء بمنزلة الأساس) فاختلف الوزنان وتفاضل الشرحان.
13 - وذكر في ص 40 (ولا أؤذنه به) بهمزتين متواليتين والصواب (قلب الثانية واوا) دفعاً للثقل ووفاقاً لأسلوب العرب.
14 - وفيها (دعني أدنو من الباب) فعلقوا به (في ت، ح ر، أدن، بغير واو وكلاهما صحيح) قلنا: يجوز الرفع إذا لم يجب الجزاء أي إذا جاز في الجملة وجهان هما كون الجملة جزاءاً أو حالاً، وههنا لا تجوز الحالية(8/151)
لأن القائل لم يدن من الباب حتى يتلبس بحالة الدنو، ويتضح ذلك من قوله بعد ذلك (فدنوت من الباب) فالصواب إذن (أدن) بالجزم.
15 - وورد في ص 56 (فكاد أن يخرج من جلدة طربا) فعلقوا عليه (كذا في جميع النسخ وهو غير الفصيح في - كاد - من عدم اقتران خبرها بأن) قلنا: جاء هذا التعبير في ص 225 من الجزء فأرسلوه ثم ورد في ص 379 فقيدوه بذلك التعليق نفسه وهو غريب. أما اقتران خبر كاد بأن فالأدلة تضافرت لتأييد فصاحته ففي ص 63 من جمهرة أشعار العرب قول النبي (ص) في أعشى بكر بن وائل (كاد أن ينجو ولما) وفي نهج البلاغة قول علي (ع) (وكاد أن يحترق من ميسمها) وفي ص 80 من الجمهرة قول أعرابي لعبد الملك بن مروان (وترفع يديها وتعطوا بفيها وكادت أن تنفد ما فيها) والمرهم لهم في ذلك أن (أن) تأتي مع المضارع دائماً للاستقبال و (كاد) من أفعال المقاربة فهو ضد الاستقبال الممتد، ولكن ليس الأمر كذلك ففي ص 19 من هذا الجزء قول الرسول (ص) (لو سمعت هذا قبل أن اقتله ما قتلته) (فأن) ههنا لمصدرية النحتة لا للاستقبال وإلا فسد المعنى لأنه قتله فليلحظ قولنا.
16 - وذكر في ص 79 عمر بم أبي ربية:
ثم قالوا تحبها قلت بخرا ... عدد الرمل والحصى والتراب
وفي ج2 ص 185 من كامل المبرد (عدد النجم والحصى والتراب) وفي ج 2 من آمالي الشريف المرتضى (عدد القطر والحصى والتراب) أما أبرو الأغاني فعلقوا بقوله (بهرا) ما نصه (أي أحبها حباً بهرني بهراً أي غلبني غلبا) وأما المبرد فقال في ص 187 (وقوله قلت بهرا يكون على وجهين أحدهما: حباً يبهرني بهرا أي يملؤني، ويقال للقمر ليلة البدر - باهر - أي يبهر النجوم أي يملؤها. . . والوجه الأخر أن يكون أراد: بهرا لكم أي تباً لكم حيث تلوموني على هذا).
وأما في آمالي المرتضى فهو (. . . أخبرنا ابن الأعرابي قال: يقال للقوم إذا دعوت عليهم - بهرهم الله والمبهور المكروب - أنشدنا. . . قال المرتضى(8/152)
(رض) وقد قيل في معنى قوله - بهرا - غير هذا الوجه. . . وبهرا يجوز أن يكون أراد: نعم حبا بهرني بهرا ويكون بمعنى عقراً وتعساً. . . قال أبو عمرو: يكون بهرا بمعنى ظاهراً حبا يريد ظاهراً من قولهم: قمر باهر، وقد روى بعض الرواة أنه قال: قل لي هل تحبها قلت بهرا: والرواية الأولى هي المشهورة) أه.
17 - وجاء في ص 80 (سرى الليل يطوى نصه والتهجر) في (3: 136) من الكامل (يحيى نصه).
18 - وفي ص 83 قالوا (ما يساعد على التثبت من هذا المعنى) وقالوا في ص 141 مثله والفصيح (التثبت في هذا المعنى) ولو ورد مثل قولهم في تاريخ الطبري.
19 - وورد في ص 84 قول الشاعر (مع الركب قصد لها الفرقد) ومن تعليقهم قولهم (في ت القرقد بقافين إذا لم نجد في هذه المادة سوى - قرقد - بدون أداة التعريف جبل قرب مكة) قلنا: ويحتمل أنه (الغرقد) بالغين قال المجد في القاموس (الغرقد: شجر عظام أو هي العوسج إذا عظم واحدة غرقدة وبها سموا. وبقيع الغرقد مقبرة المدينة على ساكنها الصلاة والسلام لأنه كان منبتها) أه. وورد في ص 103 قول عمر بن أبي ربيعة:
قالت لترب لها تحدثها ... لنفسدن الطواف في عمر
وفي الكامل المبردي ج 2 ص 124:
قالت لها أختها تعاتبها ... لا تفسدن الطواف في عمر
وفي هذه الصفحة من الأغاني (قومي تصدي له ليعرفنا) وفي تلك الصفحة من الكامل (قومي تصدي له ليبصرنا).
20 - وجاء في ص 104 منه (ثم أسبطرت تسعى على أثرى) وفي الصفحة المذكورة من الكامل وفي ص 170 من جزء الأغاني هذا (ثم أسبطرت تشتد في اثري).
له بقية
مصطفى جواد(8/153)
تاريخ وقائع الشهرة في العراق وما جاوره
1 - طه بك الهاشمي
عرف القراء من الكتب العديدة والمجلة العسكرية التي نقدناها أن طه بك الهاشمي الزعيم الكبير من رجال العلم الصادق في العراق وكان مديراً عاماً للمعارف. وفي 23 من كانون الأول الماضي أصدر جلالة ملكنا المعظم أرادته المطاعة معيناً إياه رئيساً لأركان الجيش فأحزننا هذا التعيين وأفرحنا في وقت واحد. أحزننا لأن سعادته كان يدير بمهارة وحذاقة المعارف التي عهدت إلى خبرته الواسعة فوسع نطاقها ووضع للمدارس كتباً نفسية تقوم بحاجة الطلبة العراقيين، ومن الجهة الثانية أننا نعلم أن حفظ الوطن من الأخطار المحيقة به والتي يدفعها إلا جنود بسل ومدربون يقودهم قائد ذو رئاسيتين: رئاسة القلم ورئاسة السيف مما يقدم على توسع نطاق المعارف - إذ لا معارف بلا طلبة ولا طلبة بلا جنود يصونون مدارسهم من الهدم والتخريب - وطنا نفسنا على الرضى بالحالة التي رفع إليها زعيمنا متمنين له النجاح، وشاكرين له ايادية البيض في طول المدة التي أدار بها سكان معارفنا وطالبين إليه أن يواصل مباحثه وتأليف كتبه لكي لا يحرم المدارس التي أوصلها إلى هذه الدرجة من التقدم ثمرات جهوده ومتاعبه الجليلة. وقد رفعه جلالته ملكنا المعظم إلى رتبة فريق، فنهنئه بهذا التقدم الذي هو أهل له.
2 - بين العراق وإيران
وافقت الحكومة الإيرانية في المبدأ على أن ينال العراق حصته من مياه (صوبار) الذي يجري بين التخوم الإيرانية والعراقية بحسب نصوص الاتفاقية المعقودة بين تركية وإيران سنة 1913.
3 - بين إيران وتركية
فرغت لجنة الحدود الإيرانية التركية من مهمتها وعاد الوفد الإيراني إلى طهران ليعد الرفائع (التقارير) إلى وزارة الخارجية ووزارة الحربية وصرح الزعيم سيف الله خان تخطيط الحدود جرى(8/154)
مطابقاً للمصلحة المشتركة بين إيران وتركية. وستكفل لجنة التخوم
ومراقبتها بصيانة الأمن والنظام لاتفاق الفريقين على تأليفها وستمنع تأليف العصابات في الجهة الواحدة ضرر الجهة الأخرى.
4 - التحكيم بين العراق ونجد
لا تزال مسألة التحكيم بين العراق ونجد من أعقد المشاكل ويدور قطبها على تفسير المادة الثالثة من اتفاقية العقير ومسألة المخافر على الحدود فأن الحكومتين لم تتوصلا إلى الآن إلى حسم جلي في أمر تأليف لجنة التحكيم لاختلاف وجهة نظرهما في العناصر التي تنشأ منها.
5 - معسكر ابن سعود
يخيم أبن سعود في (الصافة) التي تجاور تخوم العراق بجيش شديد العرام وهو على اتصال دائم بمعتمده في الكويت لمراقبة الثوار وقد حشدت إمارة الكويت عدداً من الصناديد لصد خصومهم عن اجتياز التخوم ولا يزال الدويش وأعوانه نازلين في أرض (البقلاوة) بين العراق ونجد. وأشاعت المصادر السعودية أن زرافات من رؤساء العجمان ومطير خفوا إلى المقر العام النجدي وقدموا طاعتهم وإخلاصهم للملك أبن سعود من دون قيد ولا شرط ولم يبق مع الدرويش إلا عدد ضئيل من الأعوان من أولئك الذين يئسوا من نيل الأمان بلا أداء الديات وإعادة المنهوبات. ثم هم أيضاً سلموا بعد حيز وقبض الإنكليز على الدويش وبعض الرؤساء وأرسلوا إلى جهات غير معلومة.
6 - إزاحة الستار عن تمثال المس درترد لثيان بل
في ال 18 من كانون الثاني (يناير) في الساعة الثانية و 45 دقيقة بعد الظهر أزاح جلالة ملكنا المعظم الستار الذي كان يغطي تمثال المس بل وذلك بحضور فخامة المعتمد السامي والوزراء والمستشارين البريطانيين وممثلي الدول الأجنبية والجالية الإنكليزية والسيدات الإنكليزيات.
والتمثال يصور مذمرا (تمثالاً نصفياً) قائماً على لوح من نحاس محلي بنقوش حجمه متر مربع مبني في الحائط واللوح مقسوم شطرين يرى في شطر اليسار كتابة إنكليزية وفي الشطر المقابل له نقلها بالعربية وهذه هي بحروفها:(8/155)
(صورة) حفلة كشف الستار عن تمثال المس بل
(وفي الوسط جلالة ملكنا المعظم وعن اليسار فخامة المعتمد البريطاني وعن اليمين معالي وزير المعارف)
كرتردبل
التي لذكراها عند العرب كل إجلال وعطف
أسست هذا المتحف في سنة 1923
بصفتها المديرة الفخرية للعاديات في العراق
وجمعت الأشياء الثمينة التي يحتويها
بإخلاص وعلم دقيق
واشتغلت بها مدى حر الصيف إلى يوم وفاتها
في 11 تموز سنة 1926
الملك فيصل وحكومة العراق
قد أمرا شكراً لها على أعمالها الكبيرة في هذه البلاد
بأن يكون الجناح الرئيسي باسمها وبأذن منهما
قد أقام أصدقاؤها هذه اللوحة(8/156)
وفي نهاية الحفلة صفق الملك وجميع الحاضرين، ثم تقدم جلالته وأخذ ينعم النظر في اللوح ثم سلم على فخامة المعتمد السامي وسائر المدعوين وكان ذلك في الساعة الثالثة، والجماعة التي في الشارع تشيعه بالتصفيق العجاج.
7 - جمعية عمال المطابع العراقية
سمحت وزارة الداخلية يوم 4 ك 2 (يناير) بإجازة (جمعية عمال المطابع العراقية) وجرى انتخاب أعضاء أدارتها في مساء ال 10 منه.
فنتمنى أن تتحسن حالة الطباعة على عهد هذه الجمعية، وأن تأمر بنبذ الاصطلاحات التركية التي يستعملها عمال المطابع مثل (داغطمه) أي التفريق و (طوبلمه) أي الركام و (يازي) أي الكتابة، إلى غيرها وأن يستعملوا في مكانها لغتهم التي نشئوا عليها وهي التي ذكرناها. وفقهم الله.
8 - أول طيار عراقي
هو سليم أفندي دانيال بن أخي حضرة العين المحترم صاحب المعالي مناحيم أفندي دانيال وقد تلقى فن الطيران في إنكلترا وأتقنه وأشترى لنفسه طيارة سافر بها من بريطانية الكبرى إلى بغداد. وقد وصل إلى حاضرتنا في 2 ك 2 (يناير) من هذه السنة عند الغروب وهبط في محطة الطيران في غربي بغداد فاستقبله فيها أهله وأصحابه استقبالاً فخماً. ونحن نفتخر به لأنه أنفق على إتقانه فن الطيران من ماله الخاص ونتوقع أن تنتفع حكومتنا بعلمه وخبرته فأنه أهل للتشجيع واحتذاء مثاله.
9 - أول طيارة في حضرموت وتأثيرها في الناس
ذكرت جريدة (حضر موت) التي تصدر في سورابايا في جاوة في عددها ال 222 أن طيارة إنكليزية نهضت من عدن وحلقت في حضر موت فوق هذه المدن: الشحر وظفار وسيحوت والمشقاص ودو عن وجول عبيد وشبام وسيون وتريم وشعب هود، وأخذت صور تلك المدن والجبال، ثم رجعت إلى المكلا ولما رآها الحضارمة انزعجوا أي انزعاج (من دويها في الفضاء فتراكض الناس إلى السطوح وإلى الساحات. وفر البعض فراراً وجفلت الإبل في بعض النواحي وذهبت تعدو عدوا في الصحراء، وتفرقت الأغنام أيدي سبأ وقلق البدو وخافوا سطوة هذا العقاب الذي لم يؤمنوا به، وأصبحت الطيارة حديث المجالس وموضع الآراء) أه.(8/157)
10 - الممثل الألماني
رفعت الجمهورية الألمانية قنصليتها في العراق إلى ممثليه في الثلث الأخير من كانون الأول وعين القنصل السابق القدير الهر ولهلم ليتن ممثلاً الحكومته ورفع في 28 ك 1 من السنة المنصرمة أوراق اعتماده إلى وزير الخارجية، وفي صباح 6 ك 2 من هذه السنة مثل بين يدي جلالة ملكنا المعظم وقد قدم فخامة وزير الخارجية حضرة الممثل المبجل إلى جلالته فأبدى له ملكنا كل لطف وعطف.
ويعود رفع القنصلية إلى منصب ممثليه إلى أتساع المصالح الألمانية في العراق ولا سيما ازدهار تجارتها. وتقدم بعض الألمانيين - وبينهم الهر بشكن - إلى حكومة العراق طالباً
منحه امتيازاً بإنشاء معمل العطور. وهناك عدة شركات تتأهب لدخول الأسواق العراقية منافسة للشركات الأجنبية الأخرى.
11 - سفر معالي طلعت قايا بك
غادر العاصمة بعد ظهر 2 كانون الثاني (يناير) معالي طلعت قايا بك الممثل التركي في العراق بعد أن قوى ربط الاتحاد بين جمهوريته وبين دولتنا العراقية.
12 - الوزير التركي المفوض يقدم أوراق اعتماده
خلف معالي لطفي بك الوزير التركي المفوض الجديد معالي طلعت قايا بك المسافر وقدم وراق اعتماده إلى فخامة وزير الخارجية وبعد ذلك مثل معاليه بين يدي جلالة مليكنا المعظم في صباح 2 كانون الثاني (يناير) فقدمه إلى جلالته فخامة وزير الخارجية فتبودلت عبارات الولاء والوداد والمتوقع توثق عري الاتحاد أكثر فأكثر على يد معاليه.
13 - النعمانية لا البغيلة
وافقت وزارة الداخلية على تسمية ناحية البغيلة بناحية النعمانية وكتبت إلى المراجع التي تعني بالأمر بتعميم هذا التغيير في جميع أنحاء لواء الكوت وذلك على ما لهذه الوزارة من السلطة التي تخولها إياها المادة الخامسة من قانون إدارة الألوية.
14 - وفاة جبر ضومط
خسرت الجامعة الأميركية في بيروت ركناً من أركانها بوفاة أحد علمائها الأعلام الأستاذ جبر ضومط في 18 كانون الثاني (يناير) من هذه السنة عن سن يناهز الثماني والستين وقد قضاها بين المحابر والدفاتر وهو مشهور(8/158)
بتأليفه التي نحا فيها منحى علماء الغرب العصريين ودخلت عدة مدارس فنعزي أولاده وجميع المنتمين إليه طالبين لهم السلوى والصبر.
15 - مناجم فحم في إيران
صرح الهرهوفمان المتخصص الألماني في علم طبقات الأرض والموظف في وزارة الأشغال أن المساعي التي بذلتها دولة إيران للبحث عن مناجم الفحم والحديد، نتجت أحسن
نتائج لأن الباحثين عثروا على مناجم غنية بالفحم وقد بدءوا باستثمارها وينتظر أن تقوم إيران بحاجات سككها بما تصدره مناجمها بعد سنوات قليلة. وقد سافر الهر هوفمان إلى ألمانية بمهمة تتعلق باستثمار المناجم المذكورة.
16 - إنكليزي يحكم عليه بالجزاء
أقام الدعوى المدعو خزعل بن مصطفى على البريطاني الذي أسمه نورمان ماكلان المهندس في الشركة الأنبراطورية الجوية بتهمة الاحتيال عليه. فسيق نورمان المذكور إلى محكمة الجزاء ونظر في التهمة الموجهة إليه المستر بريشرد رئيس المحكمة الكبرى ببغداد. وبعد المحاكمة حق نورمان (أي ثبتت إدانته على لغة عوام المصريين)(8/159)
فحكمت عليه محكمة الجزاء بغرامة قدرها خمس وأربعون ربية وتعويضات قدرها 1200 ربية يقدمها إلى المدعي خزعل المذكور.
17 - قتلة فظيعة
في مساء 12ك2 (يناير) غاب الشاب عبو (أو عبودي) بن نعمو صاحب فندق مود ولم يعرف أهله بأمره فأخذوا يبحثون عنه ويسألون عنه الغادي والرائح ونشروا عنه في الجرائد صورته ليستعلموا خبرة. ولم يتحقق نبأه المشؤوم إلا في 22 من الشهر المذكور إذ وجد جثته هامدة على بعد ميلين من ديالي وقد ثبت أن المظلوم أخذه بالحيلة في الساعة الحادية عشر ونصف زوالية ليلاً أحد الشبان وأركبه سيارته قائلاً له أنه يريد التنزه معه ترويحاً للنفس في طريق الهنيدي. ولما اجتازت السيارة الهنيدي بمسافة قصيرة نزل المغتال الخائن وطلب منه أن يماشيه قليلاً فوافقه الصبي فغافله ذاك وألقى في عنقه ربقة ثم شد عليها فوقع بين الاثنين دفاع وفي الآخر أغمى علي (عبد) فنحره ذاك المسخ وقلع عينيه حتى إذا أراد المحققون أن يصوروا الصورة الأخيرة التي انطبعت على بؤبؤ المقتول لا يعرف القاتل. وأما سبب القتل فلم يعرف على التحقيق فربما كان وراء القاتل شخص خفي حمله على هذا الأمر الفظيع.
(تصحيحات)
ص 1 س 10 نرنا: نرانا - ص 13 س 9 ما: على ما - ص 13 س 21 الجنارة:
الجنازة - 15 س 17 ووسطها وآخرها: أو وسطها أو آخرها - ص 17 س 13 كاسعتهم: داخلتهم - ص 17 س 19 المحتم: المحتوم - ص 17 س 25 الهاء: الراء - ص 19 س 6 - ص 21 س 26 الواو كما: الواو ألفا كما - ص 33 س 18 المنتقم: المنتقم له - ص 33 س 23 أودعوه: أدعوه - ص 34 س 14 أن: على أن - ص 35 س 22 منازلة: منازلة - ص 35 س 24 سبب: سب - ص 36 س 16 ويقاربوهم: ويقاربونهم - ص 37 س 4 يكون: لا يكون - ص 37 من 24 منه: منه نقص - ص 37 س 25 كاف: كان - ص 38 س 9 للشفتين: الشفتين - ص 38 س 24 الشعوبية: الشعوبية - ص 72 س 9 ما: على ما - ص 96 س 12 سيوف: سيوفه - ص 80 س 20 إلى أن نبشها: إلى نبشها - ص 111 س 18(8/160)
العدد 78 - بتاريخ: 01 - 03 - 1930
رسالتان تاريخيتان
(ل. ع) بعث إلينا حضرة المجتهد الكبير أبي عبد الله الزنجاني برسالتين منقولتين بنصيهما الفارسيين عن أصليهما الواحدة صادرة من البابا والثانية من شاه إيران. والبابا المذكور أسمه في الرسالة الشنسيوس الثاني عشر، واسم شاه إيران في جواب الرسالة حسين الصفوي. فلم نجد هذا الأمر موافقاً للتاريخ: لأن البابا أنوشنسيوس الثاني عشر كان بابا من سنة 1691 إلى سنة 1700 م وملك السلطان حسين الصفوي في المحرم من سنة 1166 هـ (يوافق نوفنبر 1752م) ولم يبق السلطان حسين على العرش الكسروي مدة طويلة لأن كريم خان خلعه في السنة المذكورة نفسها (1166) وتوفي في سنة 1192هـ (1778م) فلم نفهم هذا الاختلاف الموجود بين عهد البابا وعهد السلطان حسين الثاني الصفوي. فلعل أحد القراء يرشدنا إلى سببه فنكون له من الشاكرين.
وقد طلبنا إلى الكاتب محمد صادق الحسيني وهو أحد الأدباء الإيرانيين المعروفين بالوقوف التام على أدب اللغتين الفارسية والعربية - وهو اليوم ضيفنا في بغداد - أن ينقل لنا النصين الفارسيين إلى العربية، فلبى طلبنا على ما هو معهود فيه من حسن الأخلاق وخدمة العلم والأدب ودونك الآن ترجمة الرسالتين:
رسالة البابا
صورة ترجمة كتاب بابا مملكة الروم الغربية، الذي كان قد ترجمه الأب المرسل محمد ونترجمه اليوم بالتفصيل بحرفه:(8/161)
يود البابا انشنسيوس الثاني عشر أن تكون الأنوار الإلهية متهيئة لذلك الملك النبيل الواسع الاقتدار إذ طرق أسماعنا ما في دياركم من الراحة والطمأنينة اللتين يتمتع بهما سكان مملكتكم المترامية الأطراف الواسعة النطاق، مؤملين أن تكون لجماعة الأباء الصغار المنتمين إلى القديس فرنسيس والمعدودين من أهل الفضل والعرفان، الراحة والرفاهية في ظلكم، ولا سيما أنهم قد غضوا أبصارهم عن اللذائذ الدنيوية وحرموا على أنفسهم طيب العيش ليصلوا بأنفسهم ويوصلوا أنفس الغير إلى بارئها، مهتدين بهدى الديانة المسيحية، ومستضيئين بأنوارها. فنرجوكم وثيق الرجاء بأن تتفضلوا على هذه الطائفة التي لها قسط
من الفضل والعلم فتأذنوا لهم إذناً تاماً ليكونوا أحراراً في الممالك التي تحت سلطتكم، ولا سيما بلاد (كنجة وكرجستان) فيتمكنوا من أن يجروا ما يرونه لازما من الأمور الدينية وشؤونهم الروحانية في داخل البيوت الخالية أو البيع والصوامع ويعتمدوا على نفوذكم وسلطانكم في مقاصدهم الإلهية. والرجاء من مقامكم أيضاً أن تأمروا بإصدار الأوامر المؤكدة إلى خدامكم والمنتسبين إليكم بأن لا يمنعوهم أو يعارضوهم في شؤونهم وتعاقبوا عقاباً صارماً كل من يخالف أمركم العالي.
هذا وأن الابن المحبوب فليكس مريم دسلان الذي هو من الأفاضل يظهر لكم ما يكنه خاطرنا وما يجول في خلدنا. ونؤمل الأمل العظيم أن تعيروا أسماعكم للأجوبة التي يعرضها عليكم الأب المذكور من قبل خلافتنا وفي هذه الآونة ندعو لكم ونرجو من أبينا أن يفيض عليكم أنوار مراحمة الباهرة ويحيطكم بأشعتها المتلألئة لتحصلوا على الصدق والاستقامة التامة.
كتب في كنيسة مريم الكبرى وختم بختم الصياد في اليوم ال 26 من النيروز الإفرنجي سنة 1619 بعد ميلاد المسيح.
(لغة العرب) هذه السنة توافق عام 1029هـ وكان شاه إيران يومئذ عباس الأول الكبير الصفوي الذي دخل بغداد في سنة 1033هـ 1624م ولهذا نظن أن الرسالة الأتي نصها له لا للسلطان حسين آخر سلاطين الصفويين كما ذكر لنا ودونك نصها:(8/162)
رسالة الشاه
بينما نحن مشتغلون بنشر أعلام الشريعة الطاهرة المحمدية، وترويج آثار أجدادنا الكرام الذين شيدوا صروح السنة الإسلامية، إذ ورد إلينا كتابكم المنطوي على خالص الود ومزيد الألفة والالتئام على يد حاملة زبدة الأشباه والأقران (فيلكس مريم دسلان) فطالعناه وفهمنا ما تضمنه أشعاركم من بذلنا الدعاية للقساوسة والرهبان الذين يقطنون هذه الممالك الفسيحة المسالك. ولا يخفي على رأيكم الرزين وعقلكم المتين ونصفتكم الأرسطوطالية كما لا يخفى على سائر الأعاظم والملوك في الديار الإفرنجية أن بيتنا العالي وسلالتنا ينتهي نسبها إلى الثمرة الطيبة المصطفوية وينتمي أصلها إلى أصداف بحر المكارم المرتضوية ولذا نرى من الواجب علينا أن نقوم بحفظ البيضة ونشر أو أمر الكتاب العزيز وإبلاغه نواهيه.
وغير خفي على أصحاب العقول النيرة وأرباب العقل والبصيرة أن المذهب الحق والمنهج الصدق الذي نتبعه جاء مانعاً للعصبية الجاهلية ومبيناً للناس طريق الحق من الظلال ولا يكره أحداً على اتخاذ طريقته المثلى وسنته العليا، ولا سيما القساوسة وجماعة الرهبان المسيحيين الذين قد شملوا بعناية وتوصية تلك الذات الكريمة التي تعتبر قدوة ملوك في الديار الإفرنجية وجميع الأمراء المسيحيين، فهم متمتعون دائماً بعوارفنا الملوكية والطائفية الشاهانية. وليس هناك أي مانع لمكثهم بين الطبقات المسيحية في تلك الجهات ولتعلم الجلة أمر أحكام الدينية اللازمة وسوف يكونون آمنين ومطمئنين في ما يريدون إجراءه من الأمور الخاصة بشريعتهم. أما الرسول المشار إليه فأنه صرف بكل إعزاز وإكرام بعدها حظي بتشرفنا وتشرف بخلعنا ومواهبنا الملوكية.
التوقيع
تاريخ هذا الكتاب يوافق زمن السلطان حسين الصفوي آخر ملوك السلالة الصفوية.
انتهت ترجمة ما كان بالفارسية.
محمد صادق الحسيني(8/163)
من هو القرصوني
أطالع هذه الأيام مجموعة خطية حوت كتباً طيبة. وهي المجموعة المذكورة في كتابي (مخطوطات الموصل صفحة 237 عدد 175). من جملة ما في هذه المجموعة كتاب (كمال الفرحة في دفع السموم وحفظ الصحة) يليه (مقالة في الحمام). كتب تحت عنوان كمال الفرحة أنه للإمام العالم العلامة (شمس الدين محمد القرصوني الطبيب) وهو في 40 صفحة متوسطة. كتابتها وسطورها مرصوصة كأغلب الكتب التي في هذه المجموعة جاء في المقدمة أنه كتب لقانصوة الغوري. أول الكتاب: (الحمد لله الملك الحليم المدبر الحكيم ذي القوة والسلطان الدائم الباقي وكل من عليها فان. . . الخ).
وكتب تحت عنوان (مقالة الحمام) أنه لسيد الحكماء العظام وأوحد الفقهاء الأعلام العالم العامل الحبر البحر الكامل سيدنا الشيخ (بدر الدين محمد القرصوني الحنفي).
ورد ذكر محمد القوصوني الطبيب وتأليفه كمال الفرحة في تاريخ أدب اللغة العربية لجرجي زيدان (3: 250) حيث قيل: (محمد القوصوي الطبيب ألف لأبي النصر قنصوة الغوري كتاب كمال الفرحة في دفع السموم وحفظ الصحة بإشارة منه وفيه تفاصيل مفيدة عن معالجة السموم بعضها لم يأت العلم الحديث بأحسن منها. منه نسخة في المكتبة الخديوية في جملة كتب باشا في 246 ص) أهـ.
فيرى أن جرجي زيدان سماه (القوصوي) ولكن في المجموعة التي أبحث عنها جاءت نسبة في كتابه ونسبة ابنه بدر الدين محمد في مقالة في الحمام (القوصوني) بنون قبل ياء النسبة في أربعة أماكن واضحة.
أما الباعث إلى كتابة هذه المقالة فهو أولاً بيان أن من اشتهر بالقوصوني اثنان شمس الدين محمد وأبنه بدر الدين محمد. ثانياً بيان أن النسبة قوصوني كما جاء في هذه المجموعة لا قوصوي كما جاء في كتاب جرجي زيدان. ثالثاً تصحيح(8/164)
الغلط الوارد في كتابي (مخطوطات الموصل) إذ نسبت كتاب كمال الفرحة ومقالة الحمام كليهما لشمس الدين محمد القوصوني. والصحيح أن مقالة الحمام هي لأبنه بدر الدين محمد. ومنشأ الغلط كون الأب والابن سميا محمداً ورابعاً لا عرف من هو القوصوني.
أما القوصوني الوالد شمس الدين محمد فلم أعثر على شيء من ترجمته سوى ما جاء ذكره في كتابه كمال الفرحة أنه كان طبيباً معاصراً لقانصوه الغوري.
وأما القوصوني الولد بدر الدين محمد فقد كتب أحدهم ترجمته تحت عنوان مقالته في الحمام في المجموعة المذكورة ولأهمية هذه الترجمة وعدم وجود غيرها على ما أظن ولوجود فوائد تاريخية فيها أنقلها هنا حرفياً. ولكن مما يوجب الأسف أن المترجم (بكسر الجيم) بقي مجهولاً لأنه لم يذكر أسمه. أما خطة فنسخي عليه مسحة من خط التعليق فهو يمد بعض الحروف كالنون والياء إلى تحت وهو مخالف لخط المجموعة. وهذه صورة الترجمة.
(مؤلف هذا الكتاب هو صاحبنا وصديقنا الشيخ بدر الدين محمد بن محمد القوصوني الحنفي رئيس الحكماء في باب السلطان. ولد سنة عشرين وتسعمائة وكان ذكياً حادقاً فاضلاً كاملاً متفنناً انتهت إليه رئاسة الطب مع المشاركة التامة في غيره من العلوم فائقا في الأدب والنظم والشر. له فيهما اليد الطولى. اجتمعت به في مصر في رحلاتي إليها. وبيني وبينه مراسلات وملاطفات نظماً ونثراً. ذكرت طرفا منها في تذكرني. ثم السلطان سليمان بن سليم خان سقي الله تعالى عهده صوب الرحمة والرضوان فقدم عليه في عام خمس (كذا) وخمسين وتسعمائة لأن يعالجه من النقرس. فظهر منه في علاجه اليد البيضاء ولاطفه أحسن ملاطفة إلى أن أختص به جداً وعزل لأجله هامون زاده اليهودي (كذا في الأصل ولعل كلمة هامون أصلها هارون. اتصلت فيها الراء بالواو من العجلة بالخط(8/165)
فصارت تقرأ هامون) وأبعده عن بابه وولى الشيخ بدر الدين رئيس (كذا. والصحيح رئاسة) الحكماء. وعظمت مرتبته عند السلطان جداً وصار لا يصبر عنه ساعة واحدة ولا يتناول شيئاً إلا بعد العرض عليه. ومع ذلك فكان بخيلاً بجاهه جداً رحمه الله تعالى. واجتمعت به في رحلتي الثانية إلى اصطنبول سنة خمس وستين وتسعمائة فرايته في عظمة كبيرة. ومع ذلك فجاءني عند قدومي. واستعظم الناس ذلك لعلو مقامه على الوزراء فمن دونهم. وأحسن إلي وجابرني وكان متضجراً من منصبه يود الخلاص منه. وسأل في الحج مراراً فلم يؤذن له فلما توفي السلطان سليمان رحمه الله تعالى عظمة السلطان سليم كتعظيم والده. وكان جليل القدر علي الشأن. له تذكرة لطيفة ورسائل منها الحمام ومنها
طبقات حافلة كتبها ذيلاً على طبقات أبن أبي اصيبعة. وكنت جمعت جانباً من تراجم الأطباء المتأخرين عرضته عليه فأعجبه وإضافة إلى ما كتبه. وكان حج مع عمه في صحبة سليمان باشا الوزير وقبل ذلك في ما أظن. وبلغنا أنه توفي باصطنبول في سنة ست وسبعين وتسعمائة. رحمه الله تعالى ورحمنا إذا صرنا مصيره) أهـ.
قرأت هذين الكتابين للقوصونيين (كمال الفرحة في دفع السموم وحفظ الصحة (ومقالة في الحمام) فوجدت الأول لا بأس به يبحث عن حفظ الصحة وتقوية (الصلب) والتحفظ من السموم والتخليص منها. فكأن المؤلف رحمة الله سعى لحفظ صحة سيدة قانصوه الغوري وتقوية (عضوه) وحفظ حياته من الاغتيال بالسموم.
وأما مقالة الحمام فوجدتها من خير ما كتب في هذا الباب. ألفت لأبي الحسن البكري. فقد جاء في صدر الرسالة بعد الحملة والصلولة: (وبعده فهذه مقالة لطيفة في الكلام على الحمام ومنافعه وكيفية استعماله للصحيح والمريض وتدارك الخطأ الواقع في استعماله. الفتها بإشارة شيخ المسلمين ووارث علوم الأنبياء والمرسلين قطب دائرة العالم ورحمة الله المنزلة على بنبي آدم العالم الرباني والمحقق الصمداني أبي الحسن البكري الصديق سبط أبي الحسن فسح الله تعالى(8/166)
في مدته. . .)
الموصل: الدكتور داود الجلبي
(ل. ع) الذي ساق جرجي زيدان إلى الوهم قول صاحب كشف الظنون في 1: 491 من طبعة الآستانة: دستور البيمارستان للعلامة أبن القوصوي. ذكر فيه الأمراض والعلاج وأنها من غلبة خلط من أخلاط الأربعة (كذا) أهـ. والصواب أبن القوصوني. كما حققه حضرة صديقنا المدقق. ونزيد على ما تقدم بسطه أن هذا الاسم جاء بصورة مختلفة في الكتب الخطية. وقد لاحظ ذلك طابع كشف الظنون ومترجمه إلى اللاتينية العلامة غستاف فلوجل وهو أول من بعثه من مدفنه إلى عالم الظهور وذلك في سنة 1835 وعنه طبعت نسخة بولاق فنسخه الآستانة وكلتاهما مشحونة غلطاً ووهماً. وقد قال فلوجل: أن بدر الدين محمد بن محمد يعرف بالقرصوني وأبن القوصوني وقوصوني زاده (راجع 7: 1049) وقيسوني زاده وقيسوم زاده (7: 942) قلنا: ولعل كلا من الولد والوالد يعرف بهذا النسب. ولم نجد معنى لهذه النسبة في أي كتاب كان. وعلى كل حال فهي ليست منسوبة إلى مدينة
قوصوة في يوغوسلافية في بلاد السرب القديمة كما يتبادر الذهب إليه لأول مرة ولا إلى قوص من ديار مصر.
قدم اسم مندلي
أفادنا حضرة صديقنا المحقق المدقق يعقوب أفندي نعوم سركيس أن اسم (مندلي) بهذه الصورة ورد في كتاب في الأنساب اسمه صحاح الأخبار وهو مطبوع في مصر سنة 1306 وكانت وفاة مؤلفه في سنة 885هـ.
وذكر لنا أن مانعاً الذي ورد اسمه في 8: 40 من هذه المجلة والذي قيل عنه أنه أمير قشعم هو على ما يظهر شيخ المنتفق وليس أمير قشعم والذي روى أنه أمير قشعم هو العمري صاحب غاية المرام وعنه نقل الكتبة هذا الوهم فنشكره على هذه التحقيقات.
عمر الأستاذ جبر ضومط
تحققنا أن الأستاذ جبر ضومط ولد في صافيتا في 26 أيلول 1829 وتوفي في بيروت في 18 ك سنة 1930 رحمه الله.(8/167)
لواء العمارة
1 - نظرة عامة فيه
اضطراب حبل الأمن في جنوبي العراق عام 1276هـ! بتمرد عشائر (البو محمد) على الحكومة العثمانية، فرفع زعيمها الكبير فيصل بن خليفة راية العصيان عليها. فاضطرت الحكومة إلى سوق جيش لجب عليها قاد زمامه (اللواء محمد باشا الدياربكرلي) فكانت الحرب سجالاً بين الطرفين. ثم انتهت بكسر فيصل بن خليفة وتنظيم الحكومة مقراً عسكرياً لها على ضفة دجلة اليسرى أسماه الأهلون (الأوردي) وهي لفظة تركية معناها مقر الجيش ولا يزال هناك من يطلق هذا الاسم على البقعة التي أنشئت فيها (العمارة) بعد قليل من الزمن.
ولما هدأت الحالة هناك وعادت السكينة إلى مقرها والسيوف إلى غمودها: نظمت الحكومة العثمانية (لواء عسكرياً) لحفظ الأمن في هاتيك الربوع ولمشارفة سير جباية الأموال الأميرية وأنشأت لجيشها المقيم هناك عمارة فخمة للسكنى وللتحصن فيها عند الاقتضاء وكان المجاورون لعمارة الجيش يفتحون بعض الحوانيت قياماً بما يحتاج إليه الجند ثم أنشئوا جملة مساكن لهم فانتشرت بذلك الحركة العمرانية وأطلق الأهلون ورجال الحكومة كلمة (العمارة) على ذلك المقر العسكري. وبعد مضي حولين كاملين على الحركة التأديبية المار ذكرها نظمت الحكومة (قضاءاً مدنياً) أطلقت عليه أسم (قضاء العمارة) فأخذ الأهلون يختلفون إليه من جهات نائية طمعاً في وفرة الكسب وعذوبة الهواء ونشف الأرض فأصبحت (العمارة) جنة غناء ومتنزهاً وتعد اليوم (باريس العراق) في نظر بعضهم لجمال موقعها وخصب تربتها وكان قائم مقامها إذ ذاك عبد القادر بك فأرخ الأخرس تاريخ إنشاء العمارة قائلاً:
قل لمن يسأل عن تاريخها (قد عمرت أيام عبد القادر) (أي عام 1278هـ!) (1861م) وتقدر نفوسها ب (19. 300) نسمة وفيها رصيف على طوار النهر يبلغ طوله زهاء 500 متر.(8/168)
قلنا أن العمارة قائمة على ضفة دجلة اليسرى. أما الحقيقة فأنها واقعة على رأس الزاوية النائية من الأنهر الثلاثة: دجلة والكحلاء والمشرح (بفتح الراء وتشديده) فيها دار أمارة
فخمة ودار مسكن متوسطة الكبر ومستشفى ملكي جميل ومدارس جديدة البناء وسوق مستقيمة ترى فيها الحوانيت مشيدة على نسق واحد وعدة قصور شاهقة وحمامات جميلة ويربطها بالجانب الأيمن جسر من حديد أنشأته سلطة الاحتلال. ومعظم مبانيها منشأ على الطراز الصحي ولا سيما الواقع منها على ساحل دجلة. ومما يزيد في بهائها وجود الكهربية فيها.
وفي العمارة الآن ثلاثة أجسر أحدها يربط ضفة (المشرح) الواحدة بالأخرى والثاني يصل ضفة نهر (الكحلاء) اليمنى بضفته اليسرى. والثالث وهو الحديدي يربط جانبي البلدة أحدها بالآخر. وهذا الجسر أعظم الأجسر.
وكان فيها قطار حديدي ثم رفع بزوال الاحتلال البريطاني للعراق وانتهاء الحركات العسكرية فيه والبلدة تبعد عن جنوبي بغداد 358 ميلاً بطريق النهر وتصلها بها جادة مستقيمة لسير السيارات تحمل الركاب من بغداد إلى البصرة رأساً عن طريق دجلة. كما تربط السكة الحديدية بغداد بالبصرة عن طريق الفرات وتسير البواخر والزوارق التجارية في دجلة مارة بالكوت والعمارة وهما من أهم مرفئها.
2 - حدود اللواء وتوزيع أراضيه
تقع أراضي العمارة على ضفاف دجلة والكحلاء والمشرح وتمتد من جنوبي لواء الكوت حتى حدود لواء البصرة وتحاذيه جبال بشت كوه الإيرانية الشهيرة. وهذه الجبال تفيد بعض مزارع اللواء البعيدة عن دجلة أو عن النهيرات المتشعبة من دجلة فوائد عظيمة لأنها تسقيها بينابيع المياه التي تتفجر فيها. ويحده من الشمال أراضي السودة على ضفة دجلة اليسرى وأراضي عشيرة المقاصيص على ضفة دجلة اليمنى ويحده من الجنوب أراضي الكسارة المحاذية لناحية العزيز (بالتصغير) العائد إلى لواء البصرة ومن الشرق أراضي الحويزة الإيرانية وجبال بشت كوه ومن الغرب بطيحة الغراف فالبطائح الشهيرة في التاريخ المتصلة بأراضي لواء المنتفق.(8/169)
وطريقة توزيع الأراضي الزراعية في هذا اللواء لا تشبه الطرق المتبعة في بقية الألوية. بل توزع على شيوخ القبائل بطريق الأفدان المعروفة في القرون الوسطى بأن يعطي الشيخ الفلاني المقاطعة الفلانية لمدة تتراوح بين السنتين والخمس سنوات ويكون الشيخ في
غضون هذه المدة حر التصرف فيها لا ينازعه إياها منازع ولا يلتزم بتشغيل الفلاح الفلاني أو إرضاء الشيخ الفلاني أو خطب ود الحكومة. ولقد بحت أصوات الناقمين على هذه السياسة المتبعة منذ تأسيس لواء العمارة ولكن الحكومة لا تصغي إلى نقد الناقدين أو صراخ المستغيثين اعتقاداً منها أن من شأن هذه الطرقة في توزيع الأراضي الزراعية مد ظلال الأمن على جميع ربوع اللواء في حين أن الألوية التي تعطي فيها الأراضي الأميرية بطرق (التسقام) أي التكليف تسعر نار الفتن والاضطرابات فيها بين آونة وأخرى.
ولست ممن يستحسن أو يقبح شيئاً من هذا القبيل إلا أني أقول كلمة واحدة طالما سمعتها من أفواه العماريين والرجال المصلحين وهي أن طريقة توزيع الأراضي الزراعية في لواء العمارة أشبه شيء بالطرق المتبعة في القرون الوسطى المعروفة بقرون الأفدان والفروسية وكفى.
3 - تنظيمات اللواء الإدارية
يتقوم لواء العمارة من قضائين هما (قضاء علي الغربي وقضاء قلعة صالح) ومن ناحية واحدة يقال لها (ناحية المشرح) ومركز اللواء الذي مر البحث عنه وأربع قرى مهمة: وهي المسيعيدة وكميت والمجر الكبير والمجر الصغير. وكيفية إدارة هذه القرى تكون بتعيين رئيس بلدية لكل منها ولهذا الرئيس سلطة جزائية محدودة من الدرجة الثالثة للنظر في الدعاوي الجزائية الطفيفة التي تحدث في قريته، وجميع هذه القرى مربوطة بمركز اللواء رأساً.
وهذه القرى الأربع معمورة عمراناً يناسب مركزها وأهميتها الزراعية. واليك الآن بعد كل منها عن مركز اللواء مع زمن تمصيرها ونفوسها حسب الإحصاء الرسمي الأخير.
فقرية المسيعيدة قائمة على ضفة نهر الكحلاء اليمنى في محل يبعد عن الشمال الشرقي لمدينة العمارة 19 ميلاً وكانت قبل تعرف بالقلعة. وهي القلعة التي(8/170)
أنشأها الشيخ خليفة رئيس البو محمد عام 1265هـ ونفوسها اليوم 1330 نسمة.
وقرية المجر الكبير تبعد عن شرقي العمارة 19 ميلاً أيضاً وأسسها الشيخ صهيود أحد رؤساء البو محمد عام 1293هـ وقيل أن سبب تسميتها بهذا الاسم يرجع إلى وقوعها على النهر المسمى باسمها والذي (يجر) الماء بكثرة من دجلة ونفوسها الآن 2657 نسمة.
أما قرية المجر الصغير فتبعد عن غربي العمارة 14 ميلاً وهي أقل عمراناً واضعف شأناً من قرية المجر الكبير وواقعة على ضفة النهر المسمى باسمها وقد أنشأها رئيس الأزيرق الشيخ سلمان عام 1295 وتقدر نفوسها بألف نسمة.
وأما قرية كميت فقد سميت بهذا الاسم لوقوعها على النهر المسمى باسمها وهي تبعد عن شمالي العمارة 29 ميلاً وأنشأها الشيخ حطاب أحد رؤساء البو دراج وذلك في سنة 1295 وفيها من النفوس زهاء 1730.
أما ناحية المشرح فمركزها (الحلفاية) وهي قرية على (المشرح) من الجهة اليسرى وتبعد عن العمارة 20 ميلاً وفيها زهاء 1860 نسمة.
4 - قضاء قلعة صالح
(صالح) أحد أصحاب الرتب الذين تولوا قيادة عسكر (الهايتة) وأنشأت الحكومة العثمانية فرقته عام 1270 وكانت رتبته (دلي باش) وهو في الأصل زعيم من زعماء البو محمد شيد بعد إنشاء العمارة بخمس سنوات قلعة نسبت إليه فقالوا (قلعة صالح) وهي مركز القضاء المسمى باسمها وكانت تسمى في زمن الأتراك شطرة العمارة تميزاً لها من شطرة المنتفق ثم سميت بقلعة صالح تميزاً من قلعة سكر الواقعة في لواء المنتفق. ونفوس (قلعة صالح) اليوم حسب الإحصاء الأخير 3045 نسمة وهي تقع على بعد 28 ميلاً من جنوبي (العمارة) وقائمة على ضفة دجلة اليسرى. هواؤها نقي وماؤها نمير وأراضيها خصبة ويربطها بالجانب الأيمن من دجلة جسر سيار وفيها بعض الدور العامرة والقصور الأنيقة الواقعة على ساحل النهر كما أن فيها جملة مبان فخمة للحومة وهي قائمة على أنقاض بلد المذار الشهيرة في التأريخ في وسط البطائح المعروفة. وكانت قبل هذا خاضعة لسلطان المنتفق يدير شؤونها آل سعدون ثم تنازلوا عن ذلك(8/171)
لحكومة بغداد فكانت قضاءاً مستقلاً مرتبطاً بلواء العمارة وليس لهذا القضاء أية ناحية وإنما يتقوم من مركزه فقط وهو مرجع العشائر والمزارعين.
5 - قضاء علي الغربي
بين العمارة والكوت قبران في قريتين مختلفتين يحترمهما أبناء الشيعة لنسبة الأول إلى
(علي) أحد أحفاد الإمام موسى بن جعفر (ع) - على ما يرى - وهو قائم على دجلة من الجهة اليمنى. ولنسبة الأخر إلى (علي الشجري) من أحفاد الحسن بن علي (ع) وهو قائم على جهة دجلة اليسرى في محل يبعد عن القبر الأول 32 ميلاً. وقد صحف الأهلون (علي الشجري) فقالوا (علي الشرجي) وكان نعمة بن عرار أحد شيوخ بني لأم شاد عام 1281هـ بقرية قرب القبر الأول سماها (القلعة) إلا أن سكان هذه القرية استبدلوا هذا الاسم ب (علي الغربي) لوقوعها في غرب (علي الشرجي وهو لفظ العامة لكلمة الشرقي) تميزاً لها عن تلك. وهذه القرية هي اليوم مركز القضاء المسمى باسمها. نفوسها 2300 نسمة وتبعد عن العمارة 72 ميلاً وليس فيها عمران يذكر إذا استثنينا من ذلك دار قائم المقام والمدرسة الأميرية. ولها سوق حقيرة للغاية ومعظم بيوتها مبنية باللبن وينعطف دجلة عندها انعطافا واسعاً يقرب إليه جبال بشت كوه حيث تكون على بعد 11 ميلاً منها. وعلى بعد ميلاً منها تقع آبار النفط داخل الحدود الإيرانية المسماة ب (دهلران) وهذه الآبار كانت منذ خمس سنوات في يد شركة إنكليزية حسب الأصول وقد تركت هذه الشركة أمالها منذ مدة على أثر استيلاء الحكومة الإيرانية على أيالة لورستان.
وليس للقضاء ناحية وإنما ترتبط قرية يديرها رئيس بلدية يقوم مقام المدير على نمط القرى الملحقة بالعمارة التي مر ذكرها، وهذه القرية هي (الشيخ سعد) وقد أسسها سعد بن يوسف أحد رؤساء بني لأم عام 1288 هـ وهي تقع في منتصف طريق (الكوت إلى علي الغربي) وتقدر نفوسها بألف نسمة أما مبانيها فمناسبة أهميتها وموقعها.
6 - المعارف في اللواء
نصيف لواء العمارة من المعارف في العراق أحسن بكثير من نصيب بقية(8/172)
الألوية منه إذ لا تخلو قرية من قراره أو قضاء من اقضيته من مدرسة للحكومة أيا كان عدد صفوفها. ففي مركز اللواء ثلاث مدارس للذكر ورابعة للإناث وخامسة ثانوية هذا عدا مدرستين أهليتين إحداهما إسرائيلية والثانية إسلامية ومجموع مدارس الحكومة في هذا اللواء 13 فإذا أضفنا إليه المدرستين الأهليتين كانت مدارس اللواء 15 وهو قدر لا تتمتع بمثله بقية الألوية لو قايسنا عدد النفوس فيها بعدد نفوس اللواء وهذا يدل على عظم مستقبل لواء العمارة العلمي كما هو ممتاز عن بقية الألوية بعظمته الزراعية وطيب هوائه.
7 - مياه اللواء
يتشعب من ضفة دجلة اليمنى على مسافة خمسة أميال من العمارة (بين العمارة وقرية كميت) نهر عظيم تقوم على ضفتيه مزارع جسيمة يقال له البتيرة (بالتصغير) فهذا النهر ينقسم إلى قسمين مهمين يرويان المقاطعات الجسيمة القائمة على ضفافها. يمر القسم الأول بالأراضي (المجر الكبير) حيث تصب مياهه في هور الكباب بمقاطعة الشيخ مجيد الخليفة وتسقي مياه القسم الثاني مقاطعة الشيخ حمدان السكر ثم تصب في هور العبد الذي هو الحد الفاصل بين لواء العمارة ولواء المنتفق.
ثم أن دجلة بوصوله إلى العمارة ينقسم إلى قسمين يتجه أحدهما نحو الجنوب فيختلط بالفرات عند (القرنة) حيث يتكون (شط العرب). ويجري الثاني نحو الشرق ويقال له نهر الكحلاء لجريانه في نهر قديم كان يعرف بهذا الاسم ومنه تتفرع عدة شعب تنتهي مياه جميعها في القسم الجنوبي من دجلة، وأهم هذه الشعبات نهر المشرح (بتشديد الراء وفتحه) القائمة عليه ناحية المشرح المعروفة بأرض السواعد وقد سمي بهذا الاسم لأنه مشرح تشريحاً أي متشعب تشعباً من دجلة وتصب مياهه في هور أم السجيان ومنه إلى هور أم طفر حيث يصب نهر الكحلاء وكلا النهرين (الكحلاء والمشرح) قديم.
أما أصل دجلة التي يتجه نحو الجنوب ويختلط بنهر الفرات فيتشعب منه شعب عظيمة أهمها شعبة المجر الصغير التي تسمى (الطبر) أيضاً ثم شعبة المجر الكبير وتليهما شعبة المكرية. وعلى كل من هذه الشعبات مزارع عظيمة ومضخات(8/173)
كثيرة ويكفينا أن نقول أن في لواء العمارة أكثر من مائة مضخة.
8 - عشائر اللواء
في لواء العمارة أكثر من 125. 000 نسمة من العشائر شأنها الزراعة بوجه واسع كما هو الحال في بقية الألوية العراقية: وأهم القبائل القاطنة في هذا اللواء: بنو لام والبو محمد والبو دراج وآل أزيرق والسودان والسواعد.
(فعشائر بني لام) يسكنون القسم الشمالي من اللواء على ضفتي دجلة وهم محادون أحياناً لجبال بشت كوه الإيرانية التي يرعون فيها أغنامهم لجودة المرعى هناك، و (البو محمد)
يقطنون في الجهة الجنوبية من قرية مسيعيدة حتى قضاء قلعة صالح ويحادون في الضفة اليمنى من دجلة لواء البصرة ولواء المنتفق ولهم عدة شيوخ كشيوخ عشائر بني لام. و (البو دراج) يرون على الضفة اليمنى من دجلة فقط في ضواحي قرية كميت. و (آل أزيرق) ينزلون على ضفتي (المجر الصغير). والسودان يسكنون على ضفتي نهر البحاثة المتشعب من نهر الكحلاء. والسواعد يحلون في الجهة الشرقية من مركز اللواء من حدود ناحية المشرح حتى حدود قرية المسيعيدة.
والمشيخة في لواء العمارة لا تنال عن شرف أو رفعة أو جاه أو صولة بل خاضعة لملتزمي المقاطعات في اللواء. فكل من التزم مقاطعة هناك خضع له الفلاحون بحكم وظيفته وسيطرته المالية فإذا انتهى أجل التزامه ولم يجدده، أنفصل عنه جميع أتباعه.
9 - نتائج اللواء
أهم الحاصلات في هذا اللواء الأرز إذ يقدر النتاج فيه بنحو مائة مليون أقة ثم يلي ذلك الحنطة والشعير فالسمسم فالذرة فالماش فسائر أنواع الحبوب ومن صادراته التي لا يستهان بقدرها السمن والصوف والجلود والطيور المائية. وتختص عشائر بني لام فيه بنسج البسط الوطنية الفاخرة وتجبي الحكومة من جميع الحاصلات الزراعية نحو 27 لكا من الربيات أما مجموع حصتها من جميع الحاصلات والضرائب والرسوم فهو (3. 089. 725) رببة حسب الإحصاء العام المنصرم. وفي اللواء قدر صالح من النخيل والشجار المثمرة والخضروات التي تصدر إلى الأنحاء المجاورة.
السيد عبد الرزاق الحسني(8/174)
اليحمور واليامور
في جزء مضى من هذه المجلة بحث لغوي دقيق للأستاذ عبد الله مخلص أورد فيه ما جاء عن اليامور في كتب اللغة وغيرها وعقب صاحب المجلة على هذا البحث ما وصل إليه تتبعه بوجه الاختصار وقال لعل بين القراء من يفيدنا أكثر من هذا فرأيت أن أطرح على القراء شيئاً مما وصلت إليه من البحث في اليامور واليحمور.
قال الأب انستاس: (اختلف العلماء في حقيقة هذا الحيوان اختلاف أبناء الغرب فيه والمشهور أن اليامور حيوان سماه اليونان مونوكيرس) فقول الأب أن علماء الغرب اختلفوا في المونوكيرس (أي الوحيد القرن) صحيح لكن لم يقل أحد في ما أعلم أن اليامور هو المونوكيرس وإنما قال بعضهم أن اليامور واليحمور واحد وهو حيوان من المجترات كما سيجيء قال لين في مادة حمر:
يحمور حمار: بقر الوحش بقر:) - أحمر.
وترجمته: اليحمور حمار الوحش أنظر حمار (الصحاح والمغرب والقاموس) ودابة من دواب البر (المغرب) (أي أوركس. . . وهو الاسم الذي يعرف به الأوركس في غالب الأحيان وهو كذلك بالعبرية. راجع بقر الوحش في مادة بقر) ودابة (القاموس والتاج) تشبه العنز (التاج) وطائر (القاموس) أنظر أيضاً أحمر. وقال في مادة أمر:
يأمور: تأمور(8/175)
- يحمور
وترجمته: اليامور (المحكم والقاموس) كما في سائر النسخ والذي في اللسان وغيره من الأمهات (التاج) ودابة من دواب البحر وقيل دويبة (المحكم) أو جنس من الأوعال (المحكم والقاموس) أو دابة من دواب البر (القاموس والتاج) لها قرن واحد متشعب في وسط رأسه (المحكم والتاج) أنظر يحمور وهو الأوركس.
وفي التاج مادة حمر: (واليحمور الأحمر ودابة تشبه العنز. واليحمور طائر عن أبن دريد وقيل هو حمار الوحش).
وفي التاج مادة يمر: اليامور بغير همز الخ. على ما أورده حضرة الأستاذ عبد الله مخلص.
كذلك في التاج مادة أمر: (واليامور بالياء المثناة التحتية كما في سائر النسخ ومثله في التكملة عن الليث والذي في اللسان وغيره من الأمهات بالمثناة الفوقية كنظائرها السابقة والأول الصواب دابة برية لها قرن واحد متشعب في وسط رأسه قال الليث يجري على من قتله الحرم والإحرام إذا صيد الحكم انتهى وقيل هو من دواب البحر أو جنس من الأوعال وهو قول الجاحظ ذكره في باب الأوعال الجبلية والأيايل والأروى وهو أسم لجنس منها بوزن اليعمور).
وفي اللسان مادة أمر: (والتامور من دواب البحر وقيل هي دويبة والتامور جنس من الأوعال أو شبيه بها له قرن واحد نتشعب في وسط رأسه) أهـ. قول أبن مكرم والصواب ما ذكره الزبيدي أي أنه اليامور بالمثناة التحتية وعسى أن ينبه إلى ذلك الذين تولوا إعادة طبع اللسان.
وفي اللسان مادة يمر: اليامور بغير همز الخ. على ما أورده الأستاذ عبد الله مخلص.
وفي حياة الحيوان: (اليحمور دابة وحشية نافرة لها قرنان طويلان(8/176)
كأنهما منشاران ينشر بهما الشجر فإذا عطش وورد الفرات يجد الشجر ملتفة فينشرها بهما وقيل أنه اليامور نفسه وقرونه كقرون الأيل يلقيها في كل سنة وهي صامتة لا تجويف فيها ولونه إلى الحمرة وهو أسرع من الأيل وقال الجوهري اليحمور حمار الوحش).
وفي حياة الحيوان وقد أورده الأستاذ ولا بأس من أعادته للمقابلة بين ما ذكره الدميري عن اليحمور وما ذكره عن اليامور قال الدميري في اليامور: (قال أبن سيدة هو جنس من الأوعال أو شبيه به له قرن واحد متشعب في وسط رأسه وقال غيره أنه الذكر من الأيل له قرنان كالمنشارين أكثر أحواله تشبه أحوال البقر الوحشي يأوي إلى المواضع التي انتفت أشجارها وإذا شرب الماء ظهر بنشاط فيعدو ويلعب بين الأشجار وربما ينشب قرناه في شعب الأشجار فلا يقدر على خلاصهما فيصيح والناس إذا سمعوا صياحه ذهبوا إليه وصادوه).
وفي عجائب المخلوقات للقزويني: (اليامور حيوان وحشي نفور له قرنان كالمنشارين أكثر أحواله تشبه أحوال بقر الوحش يأوي إلى الدوحات التي التفت أشجارها وإذا شرب الماء ظهر به النشاط يعدو ويثب على الأشجار وربما تشعب قرناه بشعب الأغصان ولا يقدر
على استخلاصهما فيصيح والناس إذا سمعوا صياحه ذهبوا إليه فيصيدوه).
وفي حياة الحيوان البقر الوحشي أربعة أصناف المها والأيل واليحمور والثيتل).
وفي لين مادة بقر: البقر الوحشي أربعة أصناف المها والأيل واليحمور أو اليامور والثيتل يضاف إليها الوعل (عن ده ساسي عن الدميري والقزويني).
وفي دوزي مادة يمر اليامور هو اليحمور (عن باين سمث وبر علي).
وجاء ذكر اليحمور بلفظة هذا في آيتين من الكتاب المقدس فالآية الأولى على ما جاء في الترجمة الأميركية (والأيل والظبي واليحمور والوعل والرئم(8/177)
والثيتل والمهاة) وفي الترجمة اليسوعية مثلها ما عدا المهاة فهي الزرافة في الترجمة اليسوعية (تت 14: 5)
والآية الثانية في كلتا الترجمتين (الأيائل والظباء واليحامير) (سفر الملوك الأول 4: 23 وفي الطبعة اليسوعية سفر الملوك الثالث) واللفظة التي هي اليحمور بالعربية هي كذلك بالعبرانية ومعناها أحمر في اللغتين.
فيتضح مما تقدم وما أورده الأستاذ عبد الله مخلص:
1 - أن الفيروز أبادي خلط بين الإبل والأيل أو أن الذين نسخوا كتابه فعلوا ذلك وأن اليامور من دواب البر لا من دواب البحر كما بين الأستاذ المحقق كذلك صاحب اللسان فأنه أخطأ في قوله التامور بالمثناة الفوقية وهو اليامور بالمثناة التحتية كما ذكر الزبيدي.
2 - أن اليامور واليحمور واحد وأن معنى اليحمور بالعبرانية والعربية الأحمر (كتب اللغة ومعلمة التوراة).
3 - أن اليحمور أو اليامور من الأيايل لا من الأوعال.
4 - قولهم طائر بعيد وقولهم حمار الوحش لا دليل عليه سوى المشابهة في اللفظ. كذلك قولهم أن له قرناً واحداً فأنهم وهموا فيه كما وهم أرسطو في الأوركس.
5 - أن اليحمور أو اليامور من الحيوانات التي يحل لبني إسرائيل أكلها أي أنه من المجترات المشقوقة الظلف وعليه فلا يمكن أن يكون المونوكيرس سواء أكان هذا الحيوان خرافياً أم حقيقياً ولا الأوركس كما قال لين فهذا ليس فيه شيء من الحمرة بل هو مشهور ببياضة وليس قرناه متشعبين ومصمتين بل طويلين وأجوفين كقرون البقر لأنه منها لا من الأيايل. ثم أن الأماكن التي نزلها بنو إسرائيل أو التي جاوروها ليس فيها من الأيايل إلا
نوعان هما أو بالفرنسية وبالإنكليزية والثاني أو واسمه بالفرنسية وبالإنكليزية وهو أصغر من الأول ولونه إلى الحمرة واسمه واحد بالعربية(8/178)
والعبرانية وقد قضى أحبار اليهود والنصارى عمرهم في تحقيق أسماء الحيوانات التي وردت في آية التثنية التي أشرت ويكاد يكون إجماعهم على تحقيقها كما ذكرت ولا عبرة بترجمات التوراة العديدة بل العبرة بالألفاظ العبرانية والأسماء العلمية لهذه الحيوانات. انظر المواد الآتية في معلمة التوراة.
وقد ذكرت الاسم العلمي وما يقابله بالإنكليزية والفرنسية في مقالتي التي أشار إليها الأب العلامة إلا أنه على ما يظهر سقطت لفظة من عبارة الأب سهواً فأني قلت ولم أقل فقط وأن كانت هذه الكلمة تأتي بمعنى اليحمور وبمعان أخرى ولذلك اقتصرت على لأنها أصح ولأنها لا تؤدي إلى هذا المعنى بخلاف فأنها تأتي بمعان كثيرة كما تقدم.
ثم أني لم أقل أن اليامور هو كذلك في السريانية والعبرانية بل قلت اليحمور فقط نقلاً عن معلمة التوراة لأني أجهل هاتين اللغتين.
أما الحيوانات الأخرى كالأوركس والمونوكيرس البري والبحري والأيل والوعل والرئم فقد سبق البحث عنهما في المجلد الرابع والثلاثين من المقتطف.
أمين المعلوف
(لغة العرب) ما من أحد يجهل مقام حضرة الزعيم أمين بك المعلوف فإن تحقيقه وتدقيقه في المصطلحات العلمية أشهر من أن يذكر ولا سيما تحقيقه لأوضاع علم الحيوان. وبعد أن نشر في المقتطف مباحثه في هذا الباب أخذنا عنه أصحاب المعاجم الأجنبية العربية ودونوها من غير أن يشيروا إلى فضله. ونخص بالذكر (القاموس العصري) الذي نقل عنه أغلب تلك المسميات ثم وضع في بعض الأحيان بجانبها أسماء أخرى مما دل على أن ناقلها حاطب ليل إذ لم يعتبر درجة علم الزعيم حق اعتباره حتى ساواه بمن لا خبرة له ولا فهم.
ومن بعد هذه المقدمة الضرورية لمن يجهل منزلة صديقنا الثقة نستأذنه في أن نبدي رأينا أن كان يسمح لنا فنقول: أن جميع العلماء لم يتفقوا على أن اليحمور أو اليامور هو المسمى
بلغة العلم إذ هناك من ذهب إلى رأي آخر قائلاً أنه المسمى بلسان العلماء وبالفرنسية(8/179)
ونقلت الكلمة العبرية والعربية في الترجمة الإسكندرية بصورة وكذا في النسخة العامية المسماة باللاتينية (فلغاته) والترجمة الإسكندرية من أقدم النقول اليونانية إذ خطت في المائة الخامسة ومحفوظة في دار التحف البريطانية. ونقلت كذلك في الترجمة السبعينية التي هي أقدم نقل وجد على وجه الأرض لأن غلاة النقدة يأبون أن يرقوها إلى ما قبل المائة الثانية قبل الميلاد وأن كان ثم أدلة متضافرة على أنها نقلت قبل ذلك العهد. فهذه التراجم كلها تنص على أن اليحمور هو المسمى باليونانية والرومية بوبالس.
وما عدا هذه الثقات التي ذكرناها نرى جماعة من كبار الباحثين يقولون بذلك منهم بورشارت - 1793. 284 وروبرتسن - 1680 219
وولكنصن - 2 90
إلى غيرهم. واليحمور من المجترات من جنس المها ويشبه الأيل كل الشبه إلا أن قرنيه ثابتان يغشاهما غلاف قرني كغلاف قرن البقر وقرناه محلقان وأعوجان وطرفاهما إلى الوراء ويعيش اليحمور جماعات وكان كثير الوجود في سابق العهد وكان يرى في صحاري شمالي أفريقية وجنوبي البحر الميت وكان الأقدمون من المصريين يطاردونه لحسن ذوق لحمه وهذا ما سبب انقراضه أو يكاد ولهذا كان لحمه من جملة أطعمة سليمان الحكيم،.
واليحمور (أو البونالنس) غير الجاموس الذي أسمه العلمي بوس بوبالس أو بوبالس فيرس أو أما المسمى بالفرنسية أو بالإنكليزية فهو الثيتل. أما أن عرب السودان يسمون البونالس (أي اليحمور) ثيتلا فهذا ناشئ من التوسع في معنى الكلمة الواحدة العربية باختلاف الديار والأصقاع والقبائل. إلا نرى أهل الشام يسمون الخوخ أجاصا مع أن الخوخ غير الأجاص إلى غير ذلك من أسماء النبات والحيوان والسمك والحجارة الكريمة فأن الناطقين بالضاد لم يتفقوا على توحيد الأسماء وهو ظاهر من تتبع الأوضاع واحداً فواحداً.(8/180)
صفحة من تاريخ أسر بغداد
بيت عراقي قديم
آل نظمي
2 - شمسي البغدادي
إن أهم الوقائع السالفة والحوادث الماضية - بالنظر إلينا - ما كان لها علاقة بنا واتصال برجالنا الحاضرين وعلميتنا وتاريخنا وهذه مما تتشوق إليها النفوس وترغب في الإطلاع عليها لتكون أرسخ في الذهن والميل إلى مطالعتها أشد تقوية للأواصر بين أشخاص الماضي ورجال اليوم فكل منا يود معرفة ماضية ودرجة علاقته بالمحيط الذي عاش فيه. والوقوف على من خدمه وأتخذه وطنه.
وهذا ما نطق به مترجمنا شمسي البغدادي في قطعة من شعره وسيأتي القول عنها. فإذا لم يبق من آثاره إلا القليل مما يمكن من الإطلاع عليه فأنه خلف ذرية صالحة مثل عهدي البغدادي ومن يليه من أولاده أولئك الذين هم خير أثر.
راجعت الكثير من المجامع والتذاكر وكتب الرجال لعلي اطلع على ترجمة مفصلة عنه. حافلة فلم أظفر بما يبرد غلة أو يوضح مقدرة علمية وافية، أو أدبية كافية.
وغاية ما عرفته أنه بغدادي معروف ومشتهر بشمسي البغدادي فكأنه نار على علم قد بين صاحب خلاصة الأثر في رجال القرن الحادي عشر عن (محمد أبن عبد الملك) أنه أخو شمسي البغدادي يريد أن يغني عن التعريف به أكثر وأنه أخذ العلم عنه.
ولما كان المعول عليه في التراجم تدقيق النظر في الآثار دون الاكتفاء بما قيل إلا نرى من المؤسف أن لم يتأت إلا الحصول على النزر القليل ولم نجد بداً من أن نرجع إلى(8/181)
ما يقصه أبنه عهدي بقلمه فيقول:
(أنه من زمرة العلماء. كان يقضي أوقاته ليلاً ونهاراً في مطالعة الآثار المتداولة (الكتب) واختار العزلة فقنع بها، ولم يمل إلى ما مال إليه أبناء زمانه. وفي خلال ذلك قام بما يجب من خدمة لدوام السلطنة وعزتها ورفعتها ولم يبال بصروف الليالي. ولذا نظم ثلاثة دواوين من بحر المثنوي في إطراء السلطان (السلطان سليمان القانوني العثماني) والثناء عليه. وكل واحد منها مقبول لدى فضلاء الأوان وفصحاء الوقت.
وكان ممن ملك أزمة البلاغة فأنقاد له البيان وصار يعد في مقدمة الأدباء الأفذاذ. وله قصائد فارسية كثيرة في نعت سيد الأنام (ص) وفي مناقب الأئمة الكرام (رض) درجها في ديوان ورتب ديوانا مقبولاً في الغزل لدى أهل العرفان (أدباء المتصرفة وعشاقهم).
قال ذلك وأورد له أبنه عدة مطالع من قصائده الفارسية والتركية بياناً لدقته الأدبية في الوصف والغزل. أما التركية فأنها قديمة لا تصلح الآن للاستشهاد وأما الفارسية فمنها:
منجم كر شمارد اختران دائم رقم كيرد
أكر روى ترا بنيد حساب أزماه كم كيرد
وكرحسن خطت راخوش نويسي در نظر أرد
محالست أينكة ازحيرت دكرد ستش قلم كير
إلى أن يقول:
سيه جشمان بغداد بشمسي رهنمون كشتذ
كه در ملك عرب سازه وطن ترك وعجم كيرد
انتهى
ومعناه أن المنجم أو الفلكي المنهمك بحساب النجوم والمتوغل في تعداها دائماً، لو رأى طلعتك لما تمكن من الحساب ولغط حتى في البدر وعدة ناقصاً، ولو أن الخطاط المتقن الخط شاهد عذار محياك لاستحال عليه أن يمسك بالقلم مما أصابه من حيرة وذهول إلى أن يقول: أن سود الحدق من البغداديين (يريد العرب الموصوفين بنجل العيون) اهتدوا بشمسي الذي أتخذ بلاد العرب(8/182)
وطناً في حين أنه من الترك وصار يقتص العجم.
والحاصل أن شمسي البغدادي أتخذ العراق وطناً له. والظاهر أنه لم يكن من أتراك الروم. وإنما هو من الأتراك الأصليين الذين سكنوا العراق قبل أن يكون في حوزة العثمانيين وقد توطنه كثيرون منهم. وفضل الرجل على كل حال إنما يتظاهر بقدر انتفاع الوطن منه. لذا حصلت الاستفادة من مواهب أرباب المواهب. والعرب هنا وفي الأقطار اضطروا الأقوام قسراً على معرفة آدابهم ولغتهم وحقائق دينهم. والكل ذو ارتباط باللغة العربية من نقطة تأثيرها على آداب اللغات الشرقية الأخرى.
ومع هذا فالعراق العربي لم يقصر تحصيله على لغته العربية بل تعلم غالب أدبائه الأدب
الفارسية التي هي واسطة التعارف بينه وبين حاكمية من فرس وترك واستطلاعا لمكنوناتها الأدبية وكذا الآداب التركية ولكن لم يكن ذلك بدرجة الآداب الفارسية.؟ وأن عهد دراستهما ليس ببعيد عنا فقد أدركنا أواخر أيامه وسمعنا عنه كثيراً.
أولاً شمسي البغدادي وأقاربه وسائر المعاصرين له ولأبنه من العراقيين:
1 - عهدي البغدادي ابن شمسي البغدادي. وقد مر في مقال سبق.
2 - رضائي. الأخ الكبير لعهدي من الشعراء ولهما بعض المختارات.
3 - مرادي. - الصغير - من الشعراء ولهما بعض المختارات.
4 - رندي البغدادي. وهو أبن عم عهدي. نظمه مقبول خصوصاً في الغزل ولم يذكر في كلشن شعراء أسم والده.
ومن تراجم هؤلاء يفهم أنهم زمرة علم وأدب ممتازة.
ثم أن عهدي عدد جماعة من العراقيين ممن ذهبوا إلى الخارج وامتازوا بالعلم والآداب أو كانوا ممن توطن بغداد - كما أشير إلى ذلك - ولا أرى في نفسي حاجة إلى تفصيل القول عنهم وإنما أكتفي بتعداد أسمائهم مع بيان نتف يسيرة عنهم لئلا نخرج عن الموضوع وهم:
1 - داعي. بغدادي المولد وفي الأصل من الفرس من المدرسين ذكر في كشف الظنون له ديواناً.(8/183)
2 - حقيقي بك. من الأمراء ولد ببغداد واسمه مصطفى وهو أبن عم عثمان بك ترك بغداد أيام خضر باشا سنة 963 لمنافرة حدثت بينه وبين الوالي وكان (قوللو أغاسي) وهو من أمراء الألوية. له شعر في الفارسية والتركية.
3 - فكري بك. ولد ببغداد وهو من البيكات الممتازين وأبن طويل سنان الذي كان في خدمة السلطان ثم صار والياً ببغداد. وله أشعار في اللغات الثلاث.
4 - سليمان أفندي. من العلماء. دخل في سلك الحكومة فقام بوظائف كثيرة ثم صار دفترياً ببغداد شاعر وأديب.
5 - أكري بك أبن قاتيمز بك. من بغداد وأصل نسبه من قره قويونلي. وهو أبن عم علي باشا والي بغداد، واسمه إبراهيم شاعر في اللغات الثلاث صاحب عهدي في الأستانة.
6 - محمد بك. من غلمان السلطان سليمان. عين دفتري تيمار أتخذ لقب (فيضي) عنواناً
له. مشهور في النظم والنثر.
7 - أحمد الحريري من العلماء بغدادي وهو صوفي مشهور.
8 - أحمد ظريف، بغدادي، وفي الأصل ينتسب إلى العالم المشهور وهو المولي محمد الشيرازي العالم.
9 - أتشي، بغدادي. من أرباب الصناعة وهو شاعر.
10 - جوهري، بغدادي وهو سيد حسني شاعر أيضاً.
11 - أبن رفيق، من بندنيج دخل في السباة ببغداد وهو صوفي شاعر ذهب إلى بلاد الروم عدة مرات.
12 - حسيني من أعيان بغداد ومن عشاق المتصوفة.
13 - خادمي، بغدادي من محلة قنبر علي شاعر صوفي.
14 - ذهني جلبي. بغدادي اسمه عبد الدليل، شاعر اشتهر بالموسيقى.
15 - روحي البغدادي أشهر من قفا نبك شاعر معروف أسمه عثمان، رومي الأصل ومن مماليك أياسي باشا والي بغداد. ولد ببغداد وتزوج فيها ودخل في بلوك المتطوعين. توفي سنة 1014هـ! وديوانه مطبوع.
16 - ضائعي. بغدادي من أهل العلم. ثم مال إلى الشعر بكلية.(8/184)
17 - طرزي من أهل دزرفول ورد بغداد بأمل السياحة ولكن طاب له الوطن فأقام، وهو صديق حميم لعهدي. ويعد من حلالي المشاكل في الآداب.
18 - فضول البغدادي وهو محمد بن سليمان. شاعر مشهور في الفارسي والتركي اشتهرت دواوينه. توفي بالطاعون سنة 963. قال في كشف الظنون توفي سنة 971.
19 - فصلي بن فضول. شاعر أيضاً.
20 - كلامي. كربلائي شاعر صوفي كان في الخانقاة في مشهد الحسين (رض) نزعت روحه إلى التطلع إلى العالم ومشاهدة الأقطار. وهو المعروف (بجهان دده) والظاهر أن آل الدده في كربلاء الآن من أولاده والخانقاة لا يزال في أيديهم.
21 - نادري. بغدادي الأصل سكن الموصل وهو شاعر أيضاً.
22 - محيطي أفندي. من القضاة ولد في جزيرة رودس. ودرس العلوم على بوستان زاده
محمد جلبي الذي من الموالي العظام تولى النيابة في الشام وأدرنة والأستانة أمداً طويلاً. وقد تقلب في مناصب شرعية حتى صار قاضي الفيلق (أردوي همايون) وله وقوف على العلوم العربية وشعر لطيف وعين أبنه أحمد أفندي دفترياً في الغزل قدمها للحضرة وعلى كل حال شعره في الغزل معروف ومقطعاته جميلة ورقيقة. وله (فتح نامة) تتضمن وصف الحروب في الجبهة الشرقية. فكان رحمة الله تعالى ممن توطن بغداد.
23 - نصرتي. من الفرس توطن بغداد دار السلام مدة طويلة. وهو أبن أخت المولى الرازي الشيرازي. وكان يحفظ منتجات الشعر وخياره.
24 - وللهي البغدادي. ومن زمرة أرباب الأقلام وكان من أرباب المعارف والعلوم. وسعي للتحصيل وله شعر لطيف رقيق.
هذا ما أمكن الإطلاع عليه من أحوال شمسي وأبنه عهدي وسائر أولاده وأبن أخيه كما ورد في كلشن شعراء. ومنه علمنا أحوال جماعة من البغداديين في العراق والخارج.(8/185)
محمد بن عبد الملك البغدادي
في كلشن شعراء لم يرد ذكر لعم عهدي البغدادي وهو محمد بن عبد الملك مع أنه درس على أخيه شمسي البغدادي وهذا ملخص ترجمته نقلاً عن خلاصة الأثر: (هو محمد بن عبد الملك البغدادي الحنفي، نزيل دمشق الشام، الشيخ الإمام المحقق. كان من كبار العلماء خصوصاً في المعقولات كالإلهيات والطبيعيات والرياضيات. وهو من جماعة علامة زمانه منلا مصلح الدين اللاري. قيل أخذ عن أخيه شمسي البغدادي. وكان في الأصول والفقه علامة. وله اليد الطولى في الكلام والمنطق والبيان والعربية. قدم دمشق سنة 977 وحضر دروس البدر الغزي ولازم أبا الفداء إسماعيل النابلسي، وقرأ فقه الشافعي على الشهاب العيثاوي ثم تحنف وولي وظائف وتدريس منها المدرسة الدرويشية وبقعة في الجامع الأموي وتولى تصدير حديث بالجامع المذكور. وكان له من صندوق السلطنة في كل يوم ما يزيد على أربعين عثمانياً وتولى مشيخة الجامع فسمى شيخ الحرم الأموي، وتولى تولية الدرويشية وعظم أمره وتردد إلى القضاء. وشمخ بأنفه حين رجع الناس إليه. وكان يحضر دروسه أفاضل الوقت، ودروس التفسير بالجامع. وكانت في لسانه لكنة عظيمة حتى أنه كان لا يفصح عن كلامه أبداً. وشاع ذكره في الأقطار الشامية. توفي ليلة الاثنين في
العشرين من شعبان لسنة 1016 وقد احتال القاضي والنائب هناك لسلب أمواله استفادة من غياب أقاربه عنه. ثم جاء بعد مدة أبن عم له من بغداد إلى دمشق فصالحه النائب على شيء من المال ثم ذهب فشكاه إلى الوزير نصوح باشا. وكان الوزير المذكور راس العساكر إذ ذاك يحلب فوردت الأوامر بطلب النائب بسبب ذلك إلى حلب) انتهى ملخصاً.
ولا يعرف له أبن عم في رجال كلشن شعراً في حين أن له بني أخوة وهم عهدي وأخوته. وعلى كل يظهر من ترجمته هذه أنه رجل عظيم لا يقل عن شمسي وعهدي وأن كان لم يعرف له تأليف. فخدمته للتدريس والإرشاد غير قليلة. فهو ممن أنجبه العراق وأن استفادت منه دمشق. المنفعة حاصلة منه على كل حال. وليس هذا أول من رباه العراق واقتطف ثمرته قطر آخر.(8/186)
وبعد ذلك يسدل الستار عن أولاد شمسي وأحفاده وسائر أقاربه ويظهر للوجود نظمي وهو أبن بنت عهدي والوارث لآداب أجداده لأمه. وسيأتي الكلام عليه فيما يأتي، ومن الله المعونة.
ملحوظات عن المقال السابق
1 - أن ما نبهت لغة العرب من أن عهدي قدم إلى الأستانة سنة 920هـ نقلاً عن كشف الظنون طبعة أوربة غير صحيح فأن الكشف مخطئ في روايته. وقد ذكرت نقلاً عن التذكرة أنه سافر إلى بلاد الروم سنة 960 وقد أخذت هذا القول من الصحيفة الثامنة من الكتاب المذكور ونصه: (لا يخفى على أرباب الصفا وأهل الصدق. . . أن هذا العبد الفقير. . . عهدي بن شمسي البغدادي عزم إلى بلاد الروم في سنة ستين وتسعمائة) أهـ. فاقتضى الإشارة إلى ذلك لئلا يعول على كشف الظنون طبعة أوربة في هذا الموضوع.
2 - من المؤسف أن القلم سها في السطر السادس من الصحيفة 119 فبين أن عبد الله بك أبن عبد الله جلبي والصحيح محمد بك بن عبد الله جلبي.
بغداد: المحامي: عباس العزاوي
النهوة
عادة معروفة عند أعراب العراق يمنع بها أحد الأقارب إحدى البنات من التزويج برجل
من الرجال لصلته بها أو الحق له عليها أو لأن المانع يريد أن يتزوجها متى تتهيأ له الأمور. وإذا خالفت البنت أمر ناهيها فقد تجيز له العادة المتبعة أن يقتلها.
وقد وقع عدة حوادث تبين أن هذه العادة الممقوتة جارية إلى اليوم عند بعض القبائل. فقد حدثت أن في الأسبوع الأول من فبراير (شباط) هجم حسن أبن مارد من سكان قرية الهويدر (في شمالي بغداد) وطعن بخنجره الابنة فطومة سلمان في دارها في محلة الفلاحات (في بغداد) وكانت الطعنات متعددة في صدرها وظهرها ومواطن أخرى من جسمها وهي تستغيث فلم يغثها أحد.
وقد اتفقت الحكومة مع بعض الشيوخ ورؤساء القرى لإلغاء هذه العادة الممقوتة فألغيت في متصرفية كربلاء والحلة والديوانية والمنتفق والدليم وديالى والكوت. أما في المناطق العربية الكردية فلم تتحكم فيها هذه العادة. وأما في الموصل فان متصرفها الجليل جاد في القضاء عليها.(8/187)
العربية مفتاح اللغات
2 - سخافة أراء المعترض
أول شيء يلاحظه القارئ في رد حضرة الأستاذ الدكتور الباكوري جهله المركب في ما تعرض له فقد قال في مجلة الكلية 16: 5: (أن هذا الأسلوب المبتكر (أسلوب رد اللفظية اليونانية أو اللاتينية الثنائية الهجاء بعد حذف الكاسعة من آخرها) مع بساطته لا يقدر على تطبيقه إلا من اكتشفه. فقد حاولت أن أطبقه بنفسي فلم أفلح. وقد جربته في عدة كلمات يونانية ولاتينية ك وألوف غيرها فلم أهتد إلى ما يقابلها في العربية. . .) إلى آخر ما قال. وهو يدل على جهل غريب مطبق لأن الكلم اليونانية ذات الهجاء والهجاءين لا تبلغ الألف. وكذا قل عن اللاتينية فأنها لا تجاوز الستمائة: فكيف قال: (وألوف غيرها)؟ فأن كان واقفاً على اللغتين فكيف كبا هذه الكبوة الفظيعة؟ وفي أي سفر رأى أن الكلم التي يدور عليها البحث تبلغ الألوف؟ وأن كان غير واقف عليهما فكيف جاز له أن يتعرض لأمر يجهله؟ ذلك أمر لا يقدم عليه إلا المتهورون.
أما عدم تمكنه من إرجاع الألفاظ الثنائية الهجاء إلى ما يجانسها في لغتنا أو في اللغات الأخوات فهذا غير راجع إلى قصور في القاعدة. وإجابة لطلبه نذكر له الألفاظ العربية المقابلة للكلمات التي ذكرها. وأول ما ننبهه عليه وننبه كل من كان على شاكلته أن يعلم أن لا حاجة إلى أن تكون الكلمة في لغتنا بمبناها اللاتيني أو اليوناني وبمعناها بل حسبنا أن يكون هناك مشابهة في المبنى والمعنى، كما أتفق عليه فقهاء اللغة، وكما ذكره الأستاذ نفسه في إيراده الألفاظ التي استشهدها. فإذا علم ذلك نقول:
كلمة يونانية معناها الحاذق والفطن والحكيم والمهذب والمحتال وهي تجانس العربية (صفي) ولا يكون حاذقاً أو فطناً أو حكيماً أو مهذباً إلا(8/188)
من صنف أفكاره أو أخلاقه.
ونحن نكتبها هو الأب في اليونانية وفي اللاتينية وهو يوافق (الفاطر) في العربية. لأن الناس في جهلهم ينسون خلق الولد إلى أبيه فهو عندهم فاطره. أما العقلاء فيعرفون أن الوالد ليس إلا وسيلة للخلق فالوالد و (الفاطر) بمعنى واحد.
(ونحن نكتبها بالحروف الإفرنجية هي باليونانية كاللاتينية ومعناها الأم فهي (مدر) أي
ذات لبن من أدر. ولا تكون الأنثى ذات لبن إلا من بعد أن تلد. وهنا لا نعتبر الشواذ أو النوادر وهي بالفارسية مادر وبعضهم يقول مدر (كسبب).
يونانية معناها الكلام. وفي لساننا يقابلها (لغة).
يونانية من أصل سامي ويريدون بها زمن رجوع القمر إلى خسوفه وبالعربية (الساهور) تعني دارة القمر والقمر وكالغلاف للقمر يدخل فيه إذا خسف (اللغويون) ولا جرم أن الكلمة في أصل معناها ما نقلناه عن لغويينا وهي في الأصل آشورية من (سار) أي حلقة ودائرة والمدة المحدودة.
رومية معناها اللسان وتلك من هذه. لأن اللغوي الألماني ولدى يقول أن اللسان يسمى بالليتاوية ويعتبرها من اللاتينية المذكورة. قلنا: واللفظة الليتاوية تشبه العربية. وهي أقرب إلى هذه من تلك إليها.
رومية معناها العقدة وكل مرتفع عما جاوره وهو من (الهند) بمعنى الشيء المرتفع والثدي لأنه كالعقدة في نظر الرائي.
رومية معناها أراد وأحب وهي من ولي فلان فلاناً أي أحبه.
رومية معناها العقل، وهي مشتقة من (المنع) لأن العقل يمنع صاحبه عما لا ينبغي. ولهذا السبب سماه السلف أيضاً الحجر (بكسر الأول) لأنه يحجر صاحبه عن المخطوطات. كما قال بعضهم أن (العقل) سمي عقلاً لأنه يعقل صاحبه عما لا ينبغي.(8/189)
فقد رأيت أن العربية والعربية وحدها تفك رموز تلك الألفاظ وتجلي معانيها، وإذا راجعت الدواوين اللغوية الإفرنجية التي تحلل الكلم إلى أصولها وجدتها لا ترضيك بخلاف لغتنا فأنها وحدها ترضيك وتشفي علتك وتروي غلتك، وهكذا ترجع المئات من الألفاظ الرومية واليونانية إلى أصول عربية، أو إلى أصول سامية. فأين بقيت اعتراضاتك وتهويلاتك وتطبيلاتك وطرمذاتك يا حضرة الأستاذ الباكوي؟.
وأما قولك بعد ذلك: (فقلت وقتئذ في نفسي لعلها تصدق - على الأقل - (كذا. وهو ليس من التعبير (العربي) في شيء إنما يقال مثلاً: على أقل تقدير أو أن يقال: فلا أقل من أنها تصدق على. . .) على تلك المفردات التي أوردها صاحب المقالة وبني عليها (نظريته الجريئة) لكني بعد التأمل والمطالعة رأيتها لا تصدق حتى على ذلك (كذا ولعله يريد أن
يقول: لا تصدق على شيء حتى على ذلك) (الوشل) الذي اقتصر على ذكره صاحب المقالة. . .) (ص 5). ثم أخذ يفند على طريقته ما ظن أنه أصاب المرمى في ما ثرثر به. فلنتصفح تلك الآراء وأن شئت فقل لنتدبر بحثه ذلك البحث (الذي لم ينتبه إليه أحد قبله لا من أبناء العرب ولا من أبناء الغرب) (عبارة الدكتور نفسه في ص 4).
ينكر حضرته أن تكون حوى ومن أصل واحد وحجته أن أصلها (ص 6) قلنا: ولو فرضنا أن هذا القول صحيح وهو رأي بعض الباحثين من أهل اللغات الغربية فهذا ما يؤيد رأينا لا رأيه أو رأيهم لأسباب منها أن التي يظن أن منها مأخوذة اللاتينية معناها قبض على. . . لا حوى أو حصل. ثانياً نرى في مذهبه أو مذهبهم هذا حجة قوية أن الأصل عربي لا خلاف فيه، لأن الحاء العربية كثيراً ما نقلت إلى أحرف شتى من لغاتهم. فقد قالوا في حام (رجل) وحلي (مدينة) وحوح (نبت) بالعبرية وحومر (كيل) بالعبرية وحوشاي (علم) هكذا أي نقلت الحاء إلى ويقابلها باليونانية الحرف الثالث قبل الأخير أي - ونقلوا الحاء أيضاً إلى مثل راحة ومسطح ومنهم نقلها إلى مثل حيفا وحبل(8/190)
ومنهم نقلها إلى وهي أشهر من أن تذكر ومنهم من أسقطها كما في حواء ونوح وبيت لحم وهي أيضاً مشهورة ومنهم من ينقلها إلى كما يفعل الأسبانيون فيقولون في الحبق والكحل والحجام والحاج والخبل أذن لم يبقى صعوبة في نقل الحاء إلى الأحرف فهل بعد هذا الإيضاح من يستطيع أن ينكر أن الكلمة اللاتينية هي من العربية هذا فضلاً عن وحدة المعنى بخلاف ما ذكره الباكوي نقلاً عن لغوي الإفرنج.
ومما يدلك على أن رأيه فائل ذكره ألفاظاً عديدة وعدم تثبته في واحد منها. فقد قال: (أن الكلمة اللاتينية قريبة من حفن؟. أو قحف أو جحف (؟) وهي من أصل واحد يرجع إلى لغة واحدة كانت شائعة بين الأمم السامية والهندية الأوربية قبل أن تفترق وهو ما يرجحه اليوم علماء اللغة ولهم على ذلك أدلة لا تحصى. . .) انتهى كلامه - وهذا كله في منتهى الغرابة فأن من بعد أن أنكر أصلها العربي عاد فقال أنها تتصل بالسامية وما ذلك إلا لأنه لا يود أن تكون نسبة بين اللاتينية والعربية مع وضوح هذه القرابة لأن معنى اللفظتين واحد ويكاد يكون لفظهما واحداً. فأين بقي هذا الاعتراض البارد؟.
وقال: (واعتراضنا الثاني على تعليل أو تأصيل الكلمة المذكورة هو أن الباء - أو ال أو
ال أو ال في اللغات الأوربية لا تقابل الواو - العربية بل الباء أو الفاء مثال ذلك). . . أه. قلنا: نحن نكلمه بالعربية وهو يجيبنا بالروسية أو باليونانية. نحن قلنا أن (واو) حوى نقلت إلى الإفرنجية. وهو يقول لنا: أن الباء الإفرنجية أو. . . لا تقابل الواو العربية؟ أفيحق لهذا الرجل أن يدعي أنه يفهم العربية؟ ومع ذلك نجيب عن اعتراضه بشواهد لا يمكنه أن ينكرها، فنقول:
أن شواهد نقل الواو إلى (الباء) ترى في العربية نفسها وهي أكثر من أن تحصى نحو نبه باسمه ونوه. الباشق والواشق. بكباكة ووكواكة البزمة والوزمة وما له حبربر ولا حورور إلى غيرها وهي لا تحصى. فإذا كان ذلك أيضاً نقل الألفاظ التي فيها واو عربية إلى باء ثم تنقل إلى الإفرنجية بالباء، هذا وليس(8/191)
لنا حاجة إلى هذا التخريج في حين أننا نرى أن الإفرنج أنفسهم نقلوا إلى لغتهم في العصور المتوسطة كلما فيها واو إلى باء مثال ذلك، النواب والقوس والوصي فقد قالوا (فأنت ترى مما ذكر أن اكتشاف الأستاذ الباكوي بسيط جداً كسائر الاكتشافات العلمية التي بدلت وجه الأرض بل كسائر اكتشافاته اللغوية التي تكلمنا عنها). (كلام الأستاذ الدكتور (؟) في الآداب).
ومما قاله في بحثه هذا الطافح بالعجائب والغرائب ما هذا نصه: (ثم هناك سبب آخر يرجح لدينا وجود قرابة بين وحفن أو جرف أو جحف (لله درك!) لا بينهما وبين (حوى) وهو أن كثيراً من الأفعال التي تنتهي بحرف (ب) أو يضارعه مشتقة من أسماء تدل على آلة ما أو شيء يشبه الآلة مثال ذلك. . . أهـ. (وهنا ذكر خمسة ألفاظ تنتهي بالباء شواهد على كلامه وأربعة تنتهي بالفاء).
فنقول له: بمناسبة أي أمر ذكرت أن الكلم المنتهية بباء أو فاء تدل على الآلة أو شبهها في الوقت الذي نتكلم عن (حوى) ومشابهتها اللاتينية التي ذكرناها فهذا منتهى الخرف والهراء. (ولسوء الحظ أو لحسنه عدلت عن تتمة هذا البحث) (كلام الباكوي ص 4) بحث التمادي في ذكر الشواهد إذ اعتبرت (أبرة) من الكلم التي في آخرها (كذا) باء وأن الراء الكاسعة نبعت من آبار باكو النفطية واتصلت بها! فبارك الله فيك يا حضرة الدكتور المبدع (وفي تلك المفردات التي أوردتها وبنت عليها نظريتك الجريئة (كلام الخصم في ص 5) في أن حفن (ولعلها حقن) أو جرف (ولعلها خرف) أو حجف (ولعلها سخف) تتصل
باللاتينية (أننا لو أردنا أن نفي بحق المقالة ونلم بجميع غرائبها وعجائبها لاحتجنا إلى عدة مقالات) (عبارة الأستاذ الدكتور في الآداب في ص 6).
فيا حضرة اللغوي الذي لا يشق له غبار أن راء (أبرة) أصلية لا كاسعة والزائد هنا هو الهمزة التي في الأول. وتعلم ذلك من مقابلة أسماء الإبرة في اليونانية وغيرها فهي في الإغريقية فمادة الأولى (بل) وهي(8/192)
تشبه مادة (بر) ومادة الثانية (رف) وهي مقلوب (فر) وتشبه (بر) واللفظة الأخيرة تشبه لغتنا رفأ الثوب ورفاه ولا يكون إلا بأن تتخذ إبرة ليصلح ما وقع فيه من الأذى في الخلل وللإغريق أسماء أخرى للإبر من كبيرة وصغيرة وفي أصولها ما في أصول الإبرة أي الباء والراء فكيف أن الراء زائدة. فلله در ثرثرتك ودكتوريتك!.
وذكرت خمسة ألفاظ في آخرها باء واستنتجت منها أن الألفاظ المختومة بها تدل على الآلة أو على شبيه بالآلة، أفتجهل أن أسماء الآلات المنتهية بالراء هي أكثر من الآلات المنتهية بالباء؟ فنحن نذكر لك بعضاً منها: الإبرة، والحبير (البرد الموشى) والحبرة (وهي عقدة من الشجر تقطع وتخرط منها الآنية) والمحبرة والخبراء (المزادة العظيمة) والمعابير (خشب في السفينة يشد إليها الهوجل) والمعبر (ما عبر به النهر) والهبرة (خرزة يؤخذ بها الرجال). فهذه ثمانية ألفاظ ونحن لم نخرج فيها من إبدال الهمزة بحرف من حروف مبدلاتها فكيف لو استقرينا المواد المنتهية بالراء؟.
فيا حضرة الدكتور (؟) بع بضاعتك هذه على أصحاب مجلة (الكلية) فتحوا أفواههم مبهورتين بعلمك الغزير المتدفق كالسيل الجارف حتى أنهم قالوا عنك (ص 162) والذي قرأ هذه المقالة النفيسة (؟) أدرك بلا ريب (!!!) مقدرة الأستاذ اللغوية (!!! لا تضحك أيها القارئ وكن رزينا) وعرف أن حضرته براء من هذه الهفوات (!). قلنا: نعم لعله براء من الهفوات لكنه غير براء من السقطات الهائلات المدويات ولذلك ننصح لك يا حضرة الدكتور أن لا تعرض بضاعتك على أبناء هذا العصر الذين لا يعسر عليهم تفلية أقوالك وأفكارك وتزييفها فتعود بالخزي والكبت.
وذكرت لنا في ص 7 ألفاظاً وقلت لنا أنها في (السامية القديمة) وذكرت من ذلك: كتب - وقلت أنها في تلك السامية القديمة تعني المحفر المبذل. ولم نجد في دواويننا المبذل (التي
كررتها أيضاً في ص 94) بمعنى المحفر إنما المبذل: الثوب الخلق، فأي صلة لهذا اللفظ بما تريدان تثبيته للسامية القديمة (؟) التي تعني المثقب والمقدح والمحفر؟ أفلعلك تريد المبزل (بالزاي)؟ فإذا كان كذلك، أفلا تعلمت كيف (تصور) الألفاظ حتى لا تجبرنا على أن نقبل عثراتك في كل كلمة ترسمها؟ أفتريد أن تجعل ردنا عليك أطول من يوم(8/193)
الصوم؟ ثم ما المراد باللغة السامية القديمة التي تعيدها علينا مراراً في ردك الذي لا يطالعه الأديب إلا يعود غارقاً في عرقة لما يكابده من العثرات والسقطات وينفق من الجد والعناء لتفهم عباراته التي لا تشبه لغة من اللغات المعروفة!.
ومن غريب خبطك وخلطك أنك قلت في ص 7: (والسيف وفي السريانية - ومنه أو لعله منه أسم السيف عند اليونان وهو - فأنك أنكرت في الأول كل صلة تصل اليونانيين والرمان بالعرب سلفنا والآن تنكر ما أثبت كأنك نسيت ما كتبت أو تناسيت فما أبدع ما تقول وما ترتئي! إذن أن كنت تسلم بأن اليونانية مأخوذة من العربية فلماذا لا تسلم أن تكون من حوى واللفظ واحد والمعنى واحد بعد حذف الكاسعة؟ أفلاننا ارتأينا ذلك لا تقبله أم لكي نقبل رأيك لأنه رأيك؟.
ولم تسلم أن تكون من أيس لأن اللفظة العربية مماتة الآن في لغتنا. إذن كن محافظاً على منطقك هذا وقل ليس لي جد أو جد جد لأنهما ماتا وليسا من الأحياء. قلنا: أفهذا منطق يا حضرة الدكتور في الآداب (؟) والأستاذ في جامعة باكو؟ أفهذه هي مقدرتك اللغوية التي يجاهر بها أصحاب الكلية؟.
ونحن لا يهمنا أن تسلم أو لا تسلم بأصل من لوح العربية فلقد بينا لك أن تقابل ح العربية وأنت ترى بعيني رأسك وعيني عقلك أن المعنى والمبنى واحد في العربية وفي اللغات الآرية واللفظة العربية وحيدة المقطع وخالية من كل داخلة وكاسعة فهي على وضعها الطبيعي الأول أقدم من سائر الألفاظ في بقية اللغات. فلماذا لا تكون عربية النجار وتريد أن تكون آريته أو يا فتيته؟ أفليس لأن شعوبيتك تنزغك نزغات إلى أن تنكر علينا ما هو أوضح من الشمس في رائعة النهار وما للعرب وللغتهم من الفضل على سائر الألسنة؟.
وكنا قد قلنا في مقالنا: (ومن غريب ما جادت به لغتنا على أصحاب اللغات الأوربية أنها
وضعت ألفاظاً في لغتين أو ثلاث فأتخذ منها اليونان لغة والرومان لغة أخرى). فعلق بها حضرة الدكتور النقادة (؟) قوله: (أقر بأني لا أفهم هذه العبارة) قلنا وقد صدق. لأنه يريد أن نكتب للقوم باللغة الروسية لا بالعربية إذ يظهر أنه لا يفهم غير تلك اللغة، ولا يريد أن يفهم ما يكتب بلغة أخرى(8/194)
فيا حضرة اللغوي البارع (؟) معنى عبارتنا جلي لا يحتاج إلى شرح فأن كنت لا تفهمنا فنحن نشرحها لك لا لغيرك، لأن سائر القراء لم يجدوا فيها ما يعتاص على فهمهم ودونك هذا المعنى: (أن لغتنا وضعت ألفاظاً تتقارب في المبنى باختلاف زهيد في الحروف أو في الحركات وهذا ما يسمي في لساننا (لغة) وبالفرنسية فأتخذ اليونان الصيغة الواحدة وأتخذ الرومان الصيغة الأخرى. وهذا ما يرى في علف وعذف وعدف فأن الفرق بينها ظاهر من أن الأول باللام والثانية بالذال المعجمة والثالثة بالدال المهملة فهذه هي اللغات.
وقولك (علف) لم تأت قط بمعنى السمن (ص 93) فيكذبك قول أبن مكرم في ديوانه: (العلوفة والعليفة والمعلفة جميعاً: الناقة أو الشاة تعلف للسمن (كعنب) ولا ترسل للرعي. قال الأزهري: تسمن بما يجمع من العلف أهـ. أفرأيت كيف أن العلف يعني السمن وأن المعلفة: المسنة. أفما كان يحسن بك أن تبحث عن معنى الكلمة في أي ديوان كان لتجد ضالتك؟ أفرأيت كيف خزيت هذه الخزية التي تسجل عليك العار إلى أبد الدهر؟ فيا حضرة أستاذي ودكتوري وعلامتي ونقادتي ووو، تأن قليلاً قبل أن يحملك النزق على أمور تصمك وصمات عار لا يمحوها مر الأيام ولا كر الأعوام.
وقولك: (أن هذه أحداس (؟) ومقابلات سطحية) من النقائض التي لا ترى إلا على أسلة يراعتك كما رأينا سابقاً فأن الحدس ظن وتخمين يقوم على وهم والمقابلات تبنى على حقائق ثابتة. فلله درك! كيف تجمع بين الوهم والحقيقة! بين الظلام والنور! بين الموجود والمعدوم! لا نفهم كيف حزت لقب (الدكتور) وأنت بهذه الدرجة من التدقيق والتحقيق؟ وقد ظهر بعد هذا أن علف وعدف وعذف من قبيل اللغات (الصيغ في اللفظ) وسقط اعتراضك سقوطاً لا إقامة بعده.
وأما قولك أن أصل أو فينبذه لغويو الإفرنج ولا يسيغونه إذ يقولون أن أصلية لا زائدة (راجع ولدي ومعجم بواساك) فأنت ترى من هذا أن الدكتور يخالف فقهاء الأعاجم في
آرائهم ويخالف رأي من يذب عن العربية ذبابها فيصبح لا هو من المؤمنين ولا من الكافرين.(8/195)
ولو فرضنا (جدلاً) أن الحرف الإفرنجي زائد في كلمتهم وأنه من الدواخل فنقول له: أن العربية أخذوا كلمتهم من العربية (لب) ثم أدخلوا عليها داخلتهم واللب خالص كل شيء فالشحم والسمن والسمن لب كما لا يخفى. أما سؤاله (أين الدليل على أن اللغات الأوربية وبينها السنسكريتية أخذت ألفاظها هذه عن العربية ومتى وأين وكيف؟). قلنا له الأجوبة عن هذه الأسئلة مدونة في مجلتنا 7: 593 وما يليها. والآن نسأله هذه الأسئلة عينها ونقول له: أذكر لنا أنت ما تعرف عن السنسكريتية واختلاط أصحابها بالأوربيين. فإذا كان الهنود مع بعدهم عن الغربيين خالطوهم وأخذوا منهم لغتهم فكيف لم يمد العرب الهنود بألفاظهم حين كانوا مجاورين بعضهم لبعض في سقي بحر الروم ومختلطين بعضهم ببعض؟.
ورده على (حرف) العربية و (غرف) اليونانية أبرد من الثلج وفساد رأيه ظاهر من ضعف رده وعدم تماسكه وأدلتنا أنصع بياضاً من جبين المعاند ثم نقله اللفظة اليونانية إلى لغات الغربيين المختلفة مأخوذة عن الإفرنج أنفسهم (راجع ولدي وبواساك) وهو لا يذكر المستند كأنه ينسب ذلك إلى علمنه الذي أفتخر به أصحاب (الكلية) حين فتحوا أفواههم مبهوتين وصارخين بملء أشداقهم: (والذي قرأ هذه المقالة النفسية (مقالة الأستاذ الباكوي) أدرك بلا ريب (؟) مقدرة الأستاذ اللغوية (؟) وعرف أن حضرته براء من هذه الهفوات!!!).
وكثيراً ما ينكر حضرة الدكتور (؟) أمراً ثم يعود فيثبته أو يرجحه أفلم ينكر كل صلة بين حرف وحفر العربيين وبين اليونانية غرف (في السطور الأولى من ص 94)؟ ثم نسمعه يقول الآن: (وجل ما يمكن أن يقال هنا أن (غرافو) اليونانية و (حفر) العربية من مصدر واحد يرجع إلى عهد بعيد. . .) فإذا كان كذلك فلماذا جئت وسودت تلك الصفحات تسويدا لا معنى له أفما كان عليك من الأول يا شعوبي أن تقول هذه العبارة فتكفي الناس شر مطالعة صفحاتك تلك العديدة وتكفينا مؤونة الجواب عنها وتفنيد تلك السخافات؟.
ثم قال (في آخر ص 93): (ولولا ضيق المقام وخوفي من ضجر القراء لبحثت مع علامتنا اللغوي عن أصل سائر المفردات التي أوردها في مقالته(8/196)
(الجريئة) وما علق عليها من الملاحظات التي لا تتفق مع العلم الصحيح. . .) فمن لسانك أدينك يا صاح! لقد شعرت
من نفسك بأن مجلة (الكلية) ضاقت عن ثرثرتك كما شعرت بأنك أضجرت القراء فما أسعد حظنا إذن لكونك عدلت عن هذا البحث! وشعرت بأنك (أقدمت على كتابة مقالة ترجع بنا في آرائها ونظرياتها إلى القرن الرابع أو الخامس للهجرة فحفظك الله للعلم وأهله على هذه المبرة إذ لم ترهق النفوس في حسن كنت تتمكن من إرهاقها بتصديك لبحث تافه لم ينتبه إليه قبلك أحد من أبناء العرب ولا من أبناء الغرب ولو أردنا أن نفي بحق ما كتبت من العجائب والغرائب لاحتجنا إلى عدة مقالات) إلى هنا من عبارات الأستاذ الباكوي ببعض لأغلاطه المنطقية والنحوية واللغوية).
إلا أننا لا نريد أن نتساهل معه في أمرين هما: مسألة اللغة الضادية ومسألة القنص، فأما مسألة اللغة الضادية فقد قال فيها ما هذا حرفه: (قال صاحب المقالة (أن في لغتنا الضادية) ألفاظ (كذا) ماتت لا وجود لها اليوم في لساننا) (ص 95) ونحن لم نقل هذا القول الملحون الملعون (أي لم نذكر (أن) الماصبة وبعدها كلمة (ألفاظ) مرفوعة بل قلنا: (في لغتنا الضادية ألفاظ. . . (راجع الهلال 37: 207) ثم زاد الطنبور نغمة هذا الشعوبي المتهجم فقال في الحاشية: (يظهر أن حضرة الأب ممن يعتقدون أن لفظ الضاد لا يوجد إلا في لغتنا العربية وقد حان بأن نضرب (كذا. وقد جر الجملة الفاعلية بالباء وهو من أغرب ما جاء به العافطون في كلامهم) بهذه السخافات عرض الحائط. . .) أهـ.
قلنا: يا شعوبي! لا يحق لك أن تنتسب إلى العرب وأنت تسب لغتهم هذه الشريفة وتنزع منها أفخر وأفخم حرف عندهم. فقد أتفق جميع العلماء من أقدمين ومحدثين، من إنجاب العرب وإنجاب الغرب أن الضاد خاص بإيماء يعرب. فمن أنت وما قدرك حتى تأتي بين الناس وتنكر علينا وجود هذا الحرف في لغتنا ثم تحاول أن تنتسب إلى الناطقين به. كلا ثم كلا أنك لست بعدناني ونحن نتبرأ منك ومن نسبك ومن أقوالك، ونقول لك: أنك لم تنكر علينا هذا الحرف إلا لأنك لست من أبناء الناطقين به ولأنك لا تحسن لفظه ولو أحسنته لما بدرت منك هذه البادرة وتدعي مع هذا أنك دكتور! ودكتور في الآداب!!.(8/197)
وفي الآداب العربية!!! وأنت أستاذ فيها!!!! وأنك عربي (؟).
أما صحة لفظ الضاد فهي: (أن الضاد تخرج من المخرج الرابع من مخارج الفم ومخرجه من أول حافة اللسان وهي المشار إليها بالأقصى ويستطيل إلى ما يليها من الأضراس
وأكثر الناس يخرجها من الجانب الأيسر وبعضهم يخرجها من الجانب الأيمن) (انتهى عن شرح العلامة أبن القاصح على الشاطبية ص 297 من طبعة المطبعة الميمنية بمصر) أفهمت الآن كيف تلفظ الضاد، أما الضاد التي تشير إليها فهي الضاد التي سماها سيبويه في كتابه: (الضاد الضعيفة) (2: 404 من طبعة بولاق) ثم الفرق بين الاثنتين فقال: (إلا أن الضاد الضعيفة تتكلف من الجانب الأيمن، وأن شئت تكلفتها من الجانب الأيسر وهو أخف لأنها من حافة اللسان مطبقة، لأنك جمعت في الضاد تكلف الأطباق مع إزالته عن موضعه. وإنما جاز هذا فيها. لأنك تحولها من اليسار إلى الموضع الذي في اليمين وهي أخف، لأنها من حافة اللسان، وأنها تخالط مخرج غيرها بعد خروجها فتستطيل حين تخالط حروف اللسان، فسهل تحويلها إلى الأيسر لأنها تصير في حافة اللسان في الأيسر إلى مثل ما كنت في الأيمن، ثم تنسل من الأيسر حتى تتصل بحروف اللسان كما كانت كذلك في الأيمن) ثم قال: (ومن بين أول حافة اللسان وما يليه من الأضراس مخرج الصاد (الفخمة) (2: 405).
وأما المسألة الثانية فهي مسألة (القنص) الظاهر أصلها العربي مما بيناه ومن الأخذ بقاعدتنا وهي أن إذا حذفت منها الكاسعة من اللفظة الإفرنجية بقي لك منها وهذه تجانس (قن) و (قنى) ومن المادة الأولى القن وهو العبد الخالص العبودة مأخوذ من القني أو القنو وهو الاكتساب لأن العبد يكسب لك من عمله. وكذلك قل عن القنص أي كلب الصيد فأنه يكسب لك الصيد. فأنت ترى أن المادة القنص لهذا الحيوان الأمين معنى ظاهر، بخلاف ما تراه في لغة الأعاجم فأنه خال من معنى في مادتهم. فأين رأينا من رأيه؟ نحن ندعم أقوالنا بالأدلة والبراهين، وحضرة الدكتور يؤيد كلامه بالشعوبية، أفبالشعوبية يقوم أو يظهر الحق؟ فلينصفنا القراء.
وفي القسم الأخير من مقالة كبا كبوات عديدة من معنوية ولغوية ونحوية(8/198)
لكننا لا نريد أن نتعرض لها لكثرتها ولأننا لا نريد أن نجعل مجلتنا آلة تأديب وتهذيب لما يقول وينقل فتكون وقفاً محبوس النفع عليه (ولأن هذه السقطات بينه لعظمها وقبحها وشناعتها ويدركها كل قارئ مهما كان قليل العلم أو الفهم بل غير المتخصصين للمباحث اللغوية. فلا صعوبة إذن ولا فخر كبير في نقدها أو إصلاحها ولهذا عدلنا عن ذكرها) (هذه العبارة الأخيرة تكاد
تكون عبارته وقد وردت في ص 95 من مجلة الكلية).
وفي ما أوردناه سابقاً أمثلة يقاس عليها كل ما يكتبه حضرة الأستاذ الباكوي ولذا لا نلتفت بعد هذا إلى ما تنفثه يراعته المرضوضة، وفي ما كتبناه مجزأة لأن نتبرأ من فكرة الكاتب الأساسية ويعلم الله أنه لو حاول أن يبرهن بالأدلة الجليلة ما يريد أن ينقضه من بحثنا لما جادلناه في ذلك ولوافقنا على علمه وصدقنا أقواله، لكن الرجل قد أتخذ الشعوبية سلاحاً الخ مهما كلفته من الخزي والكبت وفي آخر أمره يظهر لك أنه غير داهية (وهو الذي يعاندك ثم يرجع إلى قولك) وهو يدل على أنه لا يجادل حباً للعلم والنفع العام، بل إظهاراً لما يحاول أن يتبجح به. فأن شاء فيؤمن وأن شاء فليكفر) (هذه العبارات تكاد تكون عبارات الكاتب في ص 96 من الكلية) أهـ.
اللغة العامية العراقية
2 - اسم المفعول
اسم المفعول: هو الاسم المشتق من الفعل للذي وقع عليه الفعل عاقلاً كان أو غير عاقل، ويصاغ:
1 - من الثلاثي على وزن (مفعول) نحو مكتوب من (كتبه) ومفهوم من (فهمه) فأن كان الفعل الثلاثي أجوف سقطت واو (مفعول) مثل قاله(8/199)
فهو (مفعول) وباعة فهو (مبيع)، ونقل عن المبرد النحوي أنه قال بصوغه على (مفعول) من كل فعل ثلاثي نحو (مقوول) و (منيول) وقوله يقره العقل في اليائي لخفته وينكره في الواوي لثقله فالمديون والمخيول والمكيول والمغيوث أخف من المقوول والمصوون والمدوون والمعووق.
2 - ومن غير الثلاثي على وزن (اسم فاعله) مع فتح ما قبل الأخر فيقال (مكرم بفتح الراء من (مكرم) بكسرها و (مكتسب) بفتح السين من (مكتسب) بكسرها و (مستنبط) بفتح الباء من مستنبط) بكسرها أو يصاغ على وزن (مضارعه المبني للمجهول) مع وضع (ميم مضمومة) في موضع حرف المضارعة بعد حذفه مثل (مكرم) من يكرم و (مكتسب) من يكتسب و (مستنبط) من يستنبط.
أما العامة فتصوغه من الفعل الثلاثي على وزن (مفعول) مطرداً سواء أكان أجوف أو غير أجوف نحو (مبيوع ومكتوب) إلا أنها تقلب واو الواوي ياءاً فتقول (مكيول) (بكاف فارسية) للمقول و (مكيود) (بكاف فارسية) للمقود.
ومن الرباعي على وزن (اسم فاعله) مع فتح ما قبل الأجر فتقول (امعلم) من امعلم و (امكسر) من امكسر و (امعارك) من أمعارك، فأن كان الرباعي على وزن (أفعل) كأكرم وآلم وأراد فتعدها العامة كالثلاثي وتقول (مكروم ومالوم ومريود) أما الخماسي والسداسي فلا تكاد تصوغ اسم مفعول.
وتعد الثلاثي اللازم متعدياً فتقول (مدمي) للمدمي و (ممشي) للمشي فيه و (مصوي) للصاوي ولا تشدد الياء في الآخر مثل ياء (المحني والمحمي) عند الفصحاء بل تخففها كما مضى في (المدمي والممشي والمصوي) وتعيد التشديد إلى المؤنث مثل (مصوية) وإلى
المثنى والجمع. وتقلب واو الناقص ياءاً في المضارع واسم المفعول فتقول (مغزي) للمغزو.(8/200)
تصريفه
يتصرف تصرف اسم الفاعل، إلا أن فتح ما قبل الآخر في المصوغ من غير الثلاثي يظهر في المثنى والجمع وهما سواء عند العامة فتقول:
المفردالجمع الجمع
مجروح - مجروحة مجروحين - مجروحاتمجروحين - مجروحات
امكسر - امكسرة امكسرين - امكسراتامسكرين - امكسرات
أمعارك - امعاركة امعاركين - امعاركاتامعاركين - امعاركات
مصطفى جواد
القريض في فن التمثيل
نظرة تحليلية انتقادية في (مصرع كليوباترا)
في الشرق اليوم نهضة، بل نهضات في الأدب عامة وللشعر مكانه الخاص منها دواماً وذلك شأنه في مختلف أيامه عند العرب. وكل من تذوق لذة الأدب العربي ورشف من منهله الفياض، أعجب بذلك الينبوع ينبوع الحرارة المتواترة التي ما تكاد تبيخها الكوارث هنيهة، حتى تعود فتبهر في فضاء اللانهاية بأشد لمعان وبهر نواظر دراسها بألوان قوس قزحها الفاضحة. وهذا ما نكاد نلمحه الآن بل نتلمس بوادره الزاهرة، ويضرمنا الأمل أن تكون فاتحة جديدة لعهد جديد طريف. ولسنا نعني بهذا أن ما أمامنا يضاهي بفخامته وروعته وأناقته وجماله ما كان عليه فن القريض أيام كان له عند بني أمية وبني العباس صولة ونفوذ، هذا من جهة ذلك الافتنان والغلو والشدو في الأنواع التي تعهدها فيه من إضراب الثناء والمديح والقذع والقذف والتشبيب والغزل والاستبكاء وذكرى الليالي الخوالي، وما إليها. تلك الوجهة التي نقر بكل تواضع وثقة أن لن يضارعهم فيها أحد. فلهم
وحدهم قصب سبقها إذ أن عهدها قد بلي وسلم عليه الدهر. وأن هنالك من مرام لم يسعنا قبلاً وحالاً إلا أن نحاسب عليها(8/201)
العرب ونستغرب فيهم ما دعاهم إلى نبذها هذا النبذ الشائن حتى خلت منها آدابنا بل فقدنا فيها - وأتجاسر أن أصرح - أكبر سند ومعوان على تقدمنا الأدبي، ورقينا في فن الشعر، بل أصدق مؤيد لهذا الرقي والفلاح، وأكبر ظننا أنها من أهم العوامل على رذل الغربيين لشعرنا ونظمنا فيه. والكثير من الحقائق تؤيده: إذ ليس هذا الفن الراقي مقتصراً على أن يكون آلة أغراض وغايات. ووسيلة استعطاف واسترحام بل ضراعة. إذ لو أسعده الحظ بمنحه هذه المنحة فيه. لارتقي ارتقاء سامياً ولكان على غير ما هو عليه اليوم، إذ من خصائصها الراهنة أن تبتدع فيه عوامل وعواطف وأهواء وأجواء يقظة، تناجز كل المناجزة ما تعرفه فيما لدينا من قديمه وشاهدنا على ذلك الشعر الغربي، الغني بما يحوطه من ميادين واسعة رحبة يجول فيها، مبدعاً متفنناً. وهذه الناحية التي ألمعنا إليها هذا التلميح الطويل ما هي سوى: فن تأليف الملاحم والقصص التمثيلية. ولو تتبعنا نهضتنا فيه وتأثرناها خطوة خطوة لوجدناكم أثر في مضمار الشعر العربي العصري، ولعلمنا حقيقة ما مبلغ نفوذه ووطأته عليه. وأني أقول غير وجل ولا واجف عنفاً ولا لوما، أنه من أهم أسباب انتعاش الشعر ويقظته من غفلته بل العامل الرئيسي في الانتقاض على الطرق القديمة البائرة، وهدم الصروح المتهدمة والميل إلى الابتكار والتفنن. وأنا منذ ما سالمناه ورضينا بصحبته واستكنا إلى قوانينه كانت نهضة مباركة، وخطوة جديدة سعيدة إلى الأمام. ومع أننا لسنا نرى في بوادر نضجها ما يحقق منها اليوم رجاء بعض آمالنا المتواضعة - مع إقرارنا ببعدنا الشاسع عن أمثال كورني وراسين وموليير بل لاروستان الابن وجان كوكتو - فأنا نبصر شعاعا منير من فجر ذلك اليوم المتلألئ ونرى جرثومة ذلك الصرح الفخم العتيد!.
ويجب ألا نغفل قط أن نشوء هذه الرغبة صدر من موطن الخيال ومهبط الوحي، أعني سورية ولبنان، فالآداب العربية أنعم عليها بنهضتها الحاضرة أبناء تلك البلاد فالمقتضي تطوراتها يتعرف في الحال أنه لم يتأت لها نهضة ما في جميع أطوار حياتها، منذ استيلاء عمر على القديس إلى يومنا ذا. إلا كان للشام(8/202)
قسط عظيم بل شرارتها الأولى المنبعثة ما تتوقد به سورية من آمال وعواطف وأحاسيس عنيفة ملتهبة فأبناؤها كانوا الأوائل على
المدى حملة ألوية الشعر العربي ومعيار النبوغ فيه وبلاغته وسموه. وما أنوار هذه النهضة الباهرة إلا أثر من أثارهم الجليلة،؟ ونبعة من ابتكاراتهم. فهم أول من ابتعث فيه الحياة - وقد كاد يضمحل - في مختلف ألوانه وجاحد قولنا كر شروق النائرة صباح كل يوم. وقد شهد بضلعهم في العربية، الأوربيون جمعاء من بحثه وكتبه - ولا نقول علماء الاستشراق منهم - ممن نثروا شيئاً عن المشرق. كالكاتب الفحل لويس برتران مثلاً. إذ نعتهم في كتابه العظيم (سراب الشرق) بأنهم (ورثة الشعر العربي القديم) وقس على ذلك الكثير من الرواد الكتبة.
وكان القرن الخالي وفجر الحالي، ميداناً لتجلي هذه الموهبة إذ ظهرت الروايات التمثيلية العربية لأول مرة في سورية. وكان ابتداؤها بعناية المرحوم مارون نقاش اللبناني. ولكن نشوء التمثيل الجدي المفيد حين ظهر الحداد والجميل والمطران وسواهم وعكفوا على التأليف فكانت عطيل وتاجر البندقية والسيد وروميو وجوليت والسموأل الخ. وانكشف الميدان عن أفراس رهان.
أسعدت ديار سورية أن تختلج فيها هذه البادرة في القرن المحتضر، غير أنها ما عتمت أن انتقلت في عجزه إلى أرض النيل والهرم. أثر هجرة أحرار السوريين وتركهم وطنا تعساً عزيزاً، خيم عليه ديجور الظلم ورعته ذئاب النميمة الناهشة فنزحت مع أفئدتهم النابضة حياة وفتوة، وجنانهم النابع جرأة وابتكاراً نبعة الفن الجديد وروحة الحساس ثم ما لبثت أن عمت هذه الرغبة طائفة لا بأس بها من الكتاب السوريين والمصريين. فأتحفونا بشيء يتراوح بين الابتذال والإجادة وأنشئت الفرق التمثيلية وظهر في إشعاعها في القطر المصري المرحوم سلامة حجازي، أبي التمثيل العربي الغنائي. فراجت سوق الروايات ولما كان لا بد للنور من اسداف وإعتام. سنة الكون والوجود ظهر بينها ويا أسفاً! عدد ليس باليسير يدرن الأخلاق ويجرحن النفوس! ولمن تلبث أن امتلأت ديار مصر بهذه الحركة المباركة بل القدرة السعيدة نحو رفد الآداب العربية وتدعيمها بهذه الأسس التي كانت للإغريق والرومان، من أخلب وأحب(8/203)
الفنون الفتانة.
هدانا إلى هذه التوطئة ما خالجنا من عواطف عنيفة أثر وقوع نسخة إلينا من الرواية التمثيلية التي شاءت مخيلة (أمير الشعراء!) أحمد شوقي بك، أن تتحف بها العربية، والتي
دلت دلالة ظاهرة أن مبدعها، يهمه رقي الآداب عن نهج فنون، هي منها بمثابة الجوهر من العرض وعلمنا حقاً أننا عكفنا جداً على التوغل في تذليل الصعاب، وإقامة رواسخ البنيان على أجود الأصول، في حين أيقنا أن إبداع شاعرنا في جوانبها وغمراتها كفيل له بنيل الغفران، وأعذاره عن تباطؤه وجموده في صددها إلى حيننا هذا.
قرأناها، فخلتنا حتى أوهمتنا أو كادت. أننا نمر قصة من روائع القصص التمثيلية الغربية. ولولا تلك الروح الشرقية - التي لا مرد لسؤددها وتعنتها - تعبث بسطرها، لجزمنا بذلك: وقد كشف لنا هذه القصة عن نفسية شوقي الحقيقية وشاعريته المستترة. نقول مستترة لأن شاعرنا (أبو (أمير الشعراء) على رواية أدبائنا!) لم تظهر شاعريته من قبل، حيث يلذ له كثيراً الاستدراء وراء حواجز واقامات لا تناسبه. فيرسل قصائد مزججة بإضراب الألفاظ الوقعية، فتعكس رسمه وتشوه صورته. وأننا نجهر أن نبين ما أظهره حتى الآن من أشعار طائفة عظيمة لا نميل لقراءتها، إذ نحملها على التصنع والتجمل فماله في شعره من مزالق ومعاثر، هي ذلك التقليد الشائن الذي يحاول إجادة سبكة جهده وأن نجد وهو يقول بالتجديد، يتشبث بمذهب القدماء. في رن الألفاظ وزقزقة العبارات، دون كبير التفات إلى تسلسل المعاني، فالتكلف أظلم بلاغته وضرب عليها أستارا حالكة كئيبة. فاضطربت مبانيه وارتجت مشيداته الرملية بفعل المد والجزر النقدي.
قد يحمل بعض عشاق منظوم شوقي إشارتنا البريئة هذه على غير مبناها - إذ هي طبعاً عرضتة للمظان - فيغررون أننا نتعنت لغاية في النفس. ومن إدراك أنهم لا يدعون أننا من الجمود والركود أيضاً، نؤثر الأساليب العتيقة ونشذب التجديد في التلميح والتشبيه والاستعارات؟ في حين أننا لا نذخر وسعاً في(8/204)
أن ننهض بالتبعة الطريقة من التداخيل في اللغة. ولا نألو - والله يعلم - جهداً ولا نذخر مضاء في الثورة على القديم، وبعثة إلى اسفل سافلين: إذا كان هنالك فائدة تنتج أيضاً بغلونا أحياناً في الدعوة للتجديد!.
ولست اخالني افجأك بإدلائي أن لشوقي مزلق الصبوة إلى المعارضات، وأشباهها، التي هي من شأن طلاب المدارس أكثر مما هي من منازع الشعراء الفطاحل. إذ هي الرجعية بذاتها، الرجعية بما فيها من مثالب ومساقط. ومادة الشعر العصري يجب تشييدها من باعثات الإحساس النفسي وما تنشئه الذكريات من شجون ويدفعه الوجدان من مثيرات، لا
ما يستوحي من قريحة أخرى ويستعار بن تأوهات، إذ يغدو ما يضمه الشعر عند ذاك ليس سوى عواطف مرئية. منافقة خداعة تستلب حلل غيرها، لتسمو بها وتخدع مبصريها بألوانها القزحية ولا أظنك تجهل يا قارئي العزيز، معارضات شوقي لقصيدة الحصري ولسينية البحتري في التشوق إلى مصر، ولبردة البوصيري في (نهج البردة) وغيرها. وخذ هذا مثالاً ناصعاً:
يا بنت ذي اللبد المحمي جانبه ... ألقاك في الغاب أم ألقاك في الاطم؟
فالشطر الأول يوهمك أنه مأخوذ من شطر مطالع قصيدة أبن هانئ الشهيرة:
يا بنت ذي البرد الطويل نجادة. . .
وما أشبه الشطر الثاني بعجز هذا البيت من قصيدة أبن هانئ أيضاً:
. . . وفي وادي الكرى أم واديك؟
وهنا يا صاح وقفة أخرى لا تقل غرابة، وأغراباً في التقليد عن سابقتها، إذ تكاد تحدثك تلاوة هذه الأبيات، من صدر قصيدة له:
قفي يا أخت يوشع خبرينا! ... أحاديث القرون الغابرينا
وقصي من مصارعهم علينا ... ومن أخبارهم ما تعلمينا
فمثلك من روى الأخبار طراً ... ومن نسب القبائل اجمعينا
ويا لك هرة أكلت بنيها ... وما ولدوا وتنظر البنينا
فتهيج أشجانك وقد تمر على ذهنك سحابة الذكرى، فتخالك تستعرض عقلك عما علق بذاكرتك من قصيدة عمرو بن كلثوم: والتي توهمك بتشابه مطلعها:(8/205)
قفي قبل التفرق يا ظعينا! ... نحدثك اليقين وتخبرينا
قفي نسألك هل أحدثت صرما ... لوشك البين أو خنت اليمينا
أفلا تشعر بالريح الهوجاء العاصف، تهب بك من منحاها بدوية جاهلية، أو بدوية مخضرمة إذا شئت وهو يسأل نسب القبائل ووحشية السنانير؟ أفلا تهاجم منافسك روائح الصحراء الوحشية الكريهة وتستوسطك مواقحة؟ أما والله لأبصرنك تخاتلها وتحاول استدبارها من كل جانب، كي تجد لك مخرجاً لطيفاً أو كي ترى بين أوارها وجدانا واضطراما عصرياً فإذا مخالجها ومباعثها كألفاظها وترسلها جفاوة وقساوة وخشونة. وأنك إذا ما صابرتها
اشتدت في أثرك فأرهقتك واغتالتك!.
ولكم تجده في غير هذه يحاول أن يقتفي أثر الجاهلية أو الخضرمة في ذكري البان والعلم والوقوف على الطلول. وبكاء العهود الخالية ونحوها من مواقف الشعر البائدة، كقوله مثلاً:
ريم على القاع بين البان والعلم ... أحل سفك دمي في الأشهر الحرم
رمن القضاء بعيني جؤذر أسداً! ... يا ساكن القاع أدرك ساكن الأجم!
ولعمرك ما شر الوجود غير تغلب عواطف بربرية على اختلاجات خفيفة مدنية واستبطانها مشاعر عصرية يافعة أشاختها بيبوستها وعجفها! عبثاً يحاول وباطلاً يطلب، فأن رجلا رقيقاً متمدناً، لن يتمكن قط من الشعور أو التوسل إلى عرض حاسياته، على استار شعر هجين الوطأة حوشي المنطق ولن يرسم شعره جفاوة الصحراء إنما تكتنزه من رائحة الجمال والنياق والبعر والوبر كما يرسلها أعرابي جلف خشن إبرته رمضاء البادية وابلته رمالها، ومحال أن تتآخى المتناقضان: المدنية والتوحش. ويمل القارئ العصري المجد، أن يمر على تلك الهياكل المنشأة من مقالع عفت حجارتها الطيبة، أو أن يحول بين أجداث قصائد بادية التعفن والنتن. وإذا أردت فلا ضربن لك مثلاً أيضاً من نثره، كي لا تنالني بقارصة ولا بتهمة باطلة. فالمس السجع لم تطلق قيوده وخيمت عليه إطناب العرب فأنزله بعليائه إلى موطأة وليس للسجع العصري من لذة ومحاسن سوى إحراج المتوسل لقارئه والتفوق على مخارجه!! وهاكها مجلوة من بقية (الوطن).(8/206)
(الوطن موضع الميلاد، ومجمع أوطار الفؤاد ومضجع الأباء والأجداد الدنيا الصغرى وعتبة الدار الأخرى الموروث الوارث الزائل عن حارث إلى حارث مؤسس لبان وغارس لجان وحي من فان دواليك حتى يكسف القمران وتسكن هذه الأرض من دوران. . .).
فيالله! أابن ساعده جديد؟ وماذا من هذه الثرثرة المملة؟ أو ما يكفيك الآن ما أرسلناه لك من أمثلة وبراهين أم لا تزال تطالبنا بمزيد غير قانع بتأييدنا أو غير راضخ لإحكامنا رضيخة تسليم أو تظننا على غير إمكان بإعداد لك سفرة مكتظة الدوافع الثابتة أجل ففي يدنا ما تشاء وأني أعيذها منك نظرات صادقة أن تخفق في تفنيدها وتنقيبها، بعد لجك وحك. . . آه!. لو أردت تعداد جميع محاكاته ومماحكاته ومعارضاته وإضرابها لهذه الأساليب والمرافق البدوية البائدة لا مللتك، وأحرجتك من لجاجك بل أقسمت وجدتك صائحا بي، أن
هل مرادي من هذا المبحث المنحي المسئم الكئيب أو ليس سواها مسهدي!. نعم هنالك جم منها. فما لنا ولها: وكفانا جزؤها المبسوط. فقد أطلنا الشرح يا صاح، فحسبنا أذن من روائح نكرة ما لدينا وحسبنا من شعرائنا هذا الاستخفاف بعواطفنا المنتفضة عياء وتعباً وإلا فما ذنبنا إليهم إذا نبذناهم نبذ النواة واحتقرناهم كأحقر العبيد، عبيد العادات المنقرضة!.
لقد أطلنا الترسل في بسط قضايانا، فهلم نتفحص هذه الرواية التمثيلية. فشوقي أحب أن يخلد في العربية ذكرى ملكة كانت لها على مصر صولة وسؤدد زمناً ليس باليسير. فحبك إطراف قصة، وتنميقها جهده مغدقاً عليها من حلل الشعراء أكثرها فضفصة واسماها زهواً. وأنه والحق يقال أجاد غاية الإجادة في جمعها (دون تعرض (للنظرات التحليلية) ولنا إليها عودة) وتنسيقها هذا التنسيق البديع ولست اغتابه فأقول أني لم أقرأ لشوقي هذا شعراً أشد نطقاً بشاعريته وأمتن إفصاحا عما يكنه فؤاده من المشاعر الحية الراقية كهذه الفاجعة الشعرية البليغة. وأنت أن تقلبها يأخذك هذا التفنن البادي عليها ويعجبك تأنقه البالغ فيها - وأن تكن غير خالية من مزالق سيأتي الكلام على شيء منها -(8/207)
ولا يسعني إلا أن أقدم لك مثالاً ناطقاً في مناجاة أنطوان لروما وقد احتاط به اليأس فجبن وهمدت همته الحربية وخانته تلك الحميا التي كانت له وهو يخطب جماهير الرومانيين أمام جدث يوليوس قيصر. وقف ينظر إلى (أمه روما) وهو على قصوة منها فيتحسر على ملك ضاع وعز زال ومجد باد. ويعجبك هذا التعانق في العواطف النافضة المتباينة وتستهديك تلك الاستصراخات الحوار تكلها وتزينها ولا غرو أن انطوان في ساعة يأسه الحقيقية تتنازعه أمثال هذه العوامل اليائسة. وإلا ما لجأ إلى حكم الموت الفاصل. وأن الباحث النفساني في وقائع الانتحار يكشف كثيراً من نزعات مضطربة تجانسها في نبضاتها الهاتفة. فالمنتحر وهو يقدم على فعلته النكراء ترعاه سكرات متباينة يضع في تيارها ولجتها تعكس عليه النور ظلاماً ديجوراً قد لا يجد له منفذاً سوى شبابه وإلا ما انتحر:
روما حنانك واغفري لفتاك ... أواه منك! وآه ما اقساك!
روما سلام من طريد شارد ... في الأرض وطن نفسه لهلاك!
اليوم يلقي الموت لم يهتف به ... ناع ولا ضجت عليه بواكي
أن الذي أعطاك سلطان الثري ... لم تنعمي لرفاته بثراك
أن الذي بالأمس زنت جبينه ... بالغار، عقك جهده وعصاك
الأمهات قلوبهن رقيقة ... ما بال قلبك لم يلن لفتاك؟
أعرضت غضبي في الحياة فرحمة! ... لا تحرمني في الممات رضاك!
أن كان موتي كل ما تبغينه ... فهناك! هأنذا أموت هناك!
البقية للتالي
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد(8/208)
فوائد لغوية
في الصحاح وفي مختار الصحاح
28 - وقال في ن ح ر (والتحرير بوزن المسكين: العالم المتقن) والصحيح بوزن النقريس) لأن المسكين مفعيل من سكن ولعل هذا الوزن لفظي لا تناظري.
29 - وقال في غ ل ط (والعرب تقول: غلط في منطقة وغلت في الحساب وبعضهم يجعله لغتين بمعنى) غير أنه اعرض عما رجحه بقوله في وهـ م (وهم في الحساب: غلط فيه وسها).
30 - وقال في وج ع (وفلان يوجع رأسه. . . وأنا أيجع رأسي ويوجعني رأسي ولا تقل: يوجعني رأسي والعامة تقول) قلت: إنه قال (الإيجاع: الأيام وضرب وجيع أي مؤلم) وإذا وجع الإنسان رأسه فقد آلمه وآذاه فلا سبب لذلك الشرط.
31 - وقال في زري (وازدراه أي حقره) ولم يذكر (أزدرى به) مع أنه قال في غ م ط (وغمط الناس الاحتقار لهم والازدراء بهم) فتأمل.
32 - وقال في م س ك (أمسك بالشيء وتمسك به واستمسك) ولم يذكر (استمسكه) مع أنه قال في س ل س (وفلان سلس البول إذا كان لا يستمسكه).
33 - وقال في ع د ل (وعدل عن الطريق: جار وبابه جلس) ولم يذكر (عدله) بمعنى عدل به، مع أنه قال في أح د (وجاؤا أحاد أحاد غير مصروفين لأنهما - معدولان - لفظاً ومعنى) ولم يقل معدول بهما ولعله من حذف الصلة كقولهم (مدلول ومأنوس ومحجوز) والأول كقول الكميت: -
إلى السراج المنير أحمد لا ... تعدلني رغبته ولا رهب
ومثل قول أبي الأسود لرجل (عن الطريق تعدلني) وقول علي (ع): (ولا يخطر على بالي أن العرب تعدل هذا الأمر).(8/209)
35 - وقال في أن ن عن لفظ (أنا) ما نصه وتوصل بها تاء الخطاب فيصيران كالشيء الواحد من غير أن تكون مضافة إليه تقول: أنت) فقد عد التاء من (أنت) حرف خطاب وهو الذي قال في أي أ (أيا: اسم مبهم ويتصل به جميع المضمرات المتصلة تقول: إياك.
ولا موضع لها من الإعراب فهي كالكاف في ذلك والألف والنون في أنت) وهو يؤيد التاء من أنت ضمير وبذلك يتناقض قولاه.
36 - وقال في ف وق (وفاق الرجل أصحابه: علاهم بالشرف وبابه قال) ولم يذكر (فاق عليهم) وهو القائل في ب ر ز (وبرز أيضا فاق على أصحابه).
37 - وقال في دوم (والمداومة على الأمر: المواظبة عليه) ولم يذكر (دوام الأمر) مع أنه قال في د م ن (ورجل مدمن خمر أي مداوم شربها).
38 - ولم ينقل الرازي في غ ش أقولهم (غشاه كذا) بتعديته إلى مفعولين بنفسه وهو الناقل في ج ون عن الأزهري (الجونة سليلة مستديرة مغشاة أدماً).
39 - وقال في أرك (والأريكة سرير منجد مزين في قبو أو بيت فإذا لم يكن فيه سرير فهو حجله) ولكنه قال ح ج ل (والحجلة بفتحتين واحدة حجال العروس وهي بيت يزين بالثياب والأسرة والستور) فقد نفي السرير عن الحجلة أولاً والزمها إياه ثانية وهو غريب.
40 - وقال في س ل ب (سلب الشيء من باب نصر) غير ذاكر (سلبه الشيء) وقد نقل في ح ر م (وفي الحديث: الذين تدركهم الساعة تبعث عليهم الحرمة ويسلبون الحياء).
41 - وقال في ح س ن (وحسن الشيء تحسيناً: زينه) ولم يذكر (أحسنه) بمعنى حسنه مع أنه نقل في م ل أ (وفي الحديث أنه قال لأصحابه حين ضربوا الأعرابي: أحسنوا إملاءكم) والإملاء الأخلاق.
42 - وذكر في هـ م م (واهتم له بأمره) مع أنه قال ح م م (وحميمك الذي تهتم لأمره).
مصطفى جواد(8/210)
باب المكاتبة والمذاكرة
أعنز أم عنزة
كنا قد نقدنا في شهر أيار (مايو) من سنة 1928 (لغة العرب 6: 379) كتاباً ركيك العبارة وافر الأغلاط أعظم أسمه أعظم حرب في التاريخ لصاحبه جرجس الخوري صاحب مجلة المورد البيروتية. وأشرنا إلى بعض ما جاء فيه من الأوهام ومن جملتها كلمة العنزة وأنها لا تقال بل يقول الفصحاء بدلاً منها العنز والفظة مفردة لا جمع ولا شبه جمع ولا اسم جمع ولا ولا. فأخذ المنتقد يدافع عن نفسه وما رجع عن مسعاه إلا بما رجع به حنين. وقد جاءتنا في هذا الشهر مجلته (المورد الصافي) وإذا بصاحبها يقول في (14: 431) ما هذا نقله:
(جرت مناظرة منذ مناظرة منذ مدة بيننا وبين الأستاذ الأب انستاس (ماري) الكرملي صاحب مجلة لغة العرب جاء في سياقها كلام عن (عنزة) و (عنز) وقد اطلع الكاتب الأديب جورج أفندي مسره على هذه المناظرة فأبدى رأيه فيها بمقالة في جريدة (فتى لبنان) الغراء في أميركا الجنوبية. وقد أرسل إلينا أحد الأدباء نسخة (كذا) من الجريدة بهذا العنوان قوله:
(أن (عنز) اسم جمعي أو شبه جمع (كذا) وهذا النوع من الجموع هو الذي يفرق (تعبير مكسر فما كان أغناه عن حذف (هو الذي)) بينه وبين واحدة بالهاء - أي بالتاء المربوطة - (كأن الرجل يكلم عنوزاً لا يفهمون معنى الهاء في مثل هذا التعبير) أو بالياء. الأول مثل نخلة ونخل وثمرة وثمر وحمامة وحمام وتفاحة وتفاح (كأن عليه أن يعكس الشواهد ويقول مثل نخل ونخلة. . . ليظهر اسم الجنس ثم يظهر مفرده بوضع الهاء). والثاني مثل رومي وروم. وإفرنجي وإفرنج وقبطي وقبط وزنجي وزنج الخ. . .).
وعليه فأن العنزة مفرد (كذا) وعنز اسم جنس جمعي أو شبه جمع. . .(8/211)
بناء عليه يجب (كذا) أن يكون كلا (كذا بالنصب) من عنزة وعنز صحيحاً). إلى آخر ما قال مما هو خارج عن الموضوع.
ونحن نقول للغالط ولمصوب غلطه: إنكما مخطئان. فقد أتفق جميع اللغويين وجميع النحاة
وجميع الفصحاء على أن عنزا لفظ مفرد مؤنث لا جمع لغوي ولا يجوز أن يقال فيه عنزة. اللهم إلا في كلام العوام. ولا نريد أن نطيل البحث في هذا الموضوع لاستفاضة نصوص اللغويين فيه ولطولها لا نحب أن ننقلها وهي مبسوطة في جميع دواوين اللغة. إلا أننا ننقل لمجلة المورد حكاية أو مثلاً من الأمثال المنسوبة إلى لقمان الحكيم وترى في جميع الكتب ونرويها هنا عن (اللفيف في كل معنى طريف تأليف اللغوي الكبير والعلامة المدقق أحمد فارس الشدياق صاحب الجوائب) فقد نقل في ص 91 هذا المثل بعنوان: (إنسان وخنزير).
(إنسان مرة حمل على بهيمة له كبشا وعنزا وخنزيرا وقصد بها المدينة ليبيع الجمع. أما الكبش والعنز (أتسمع يا ناقد ويا منقود؟) فلم يكونا يؤذيان البهيمة. وأما الخنزير فأنه كان يغرض دائماً ولا يهدأ. فقال له الإنسان: ياشر الوحوش مالي أرى الكبش والعنز ساكتين لا يضربان وأنت لا تهدأ ولا تستقر؟ فقال الخنزير: كل يعرف شأنه. أنا أعلم أن الكبش لصوفه والعنز للبنها وأنا الشقي فلا صوف لي ولا لبن. فما يكون بعد وصولي إلى المدينة إلا إرسالي إلى المسلخة).
فهل يقال بعد هذا أن العنز اسم جنس جمعي أو شبه جمع؟ اللهم نعم يقولها المعاندون والمكابرون والمماحكون والمشاغبون ومن جاراهم.
في ما قيل وما أقول
14 - وفي ص 639 منها ذكرت أن (حدثة) تجمع على (أحداث) قياساً فأقررتم بصحة القياس وخصمتموني بأن الإشارة إلى ذلك الجمع مسموعاً (من قبيل المستدرك لأن كتب اللغة لم تذكرها) فأنا مخصوم لا محالة غير أنكم استطرقتم إلى أنه (ما كل قياسي يقال فالخبز وزان قفل لا يجمع على أخباز ولا على خبوز ولا على غيره مع أن جمعه عليهما قياسي) فأقول: أما الخبز فهو اسم جنس واحدته خبزة والعرب تستغني باسم الجنس الجمعي عن الجمع كما(8/212)
أنها تجترئ على جمعة إذا أرادت، وعلى هذا لا غرابة بل لا شذة في جمع الخبز على أخباز، أما أن من مقيس جمعه (خبوزا) فلا أذهب إليه ما لم تثبتوه بنص قديم أو اجتهاد مصيب!.
وأما القياسي فيقال إلا إذا ثبت السماع فأنه يرجحه لا يكبحه سواء أكان المسموع مقيساً أم
شاذاً، فقد قال الجوهري في س ج د من المختار (وقد روي مسكن ومسكن. وسمعنا المسجد والمسجد والمطلع والفتح في كله جائز وأن لم نسمعه) وقال المبرد في ب ي ص من المختار (ليس الشاذ حجة على الأصل المجمع عليه) وقال أبن الأنباري في ص وع من المصباح وليس عندي بخطأ في القياس - أي جمع صاع على أصع - لأنه وأن كان غير مسموع لكنه قياسي ما نقل عنهم وهو أنهم ينقلون الهمزة من موضع العين إلى موضع الفاء فيقولون: أبآر وأبار) وقال في المبرد في 1: 41) من كامله (والقياس المطرد لا تعترض عليه الرواية الضعيفة) وقال أبو الحسن الأخفش في ص 27 منه (والسماع الصحيح والقياسي المطرد لا تعترض عليه الرواية الشاذة) ونستخلص مما ذكرنا أن المقيس مقبول يستعمل في ذلك الزمان فكيف يتردد في استعماله الأب الجليل وهو هو في عدم التخرج من المقيس والسعة في الاستعمال؟؟.
15 - وقال الأثري في ص 18 (ولو شاء لأنكر عليه أيضاً قوله). . . أن تفيقه وحذلقة بعض الكتاب. حيث عطف على المضاف كلمة حذلقة قبل أن يأتي بالمضاف إليه، وهذا شائع في المقالات الكتاب فلينتبه إليه) أهـ. فأقول: هذا التركيب إقحامي فصيح فما الذي درسه هذا الرجل من النحو حتى كتب هذه القيلة الباردة؟ وقد تكلمت عليه في 7: 165 من لغة العرب وأضيف إليه الآن قول الفيومي في ض ي ف من مصباحه (ويجوز أن يكون الأول مضافاً في النية دون اللفظ والثاني في اللفظ والنية نحو: غلام وثوب زيد ورأيت غلام وثوب(8/213)
زيد. وهذا كثير في كلامهم إذا كان المضاف إليه ظاهراً) فليتأمل ذلك الأدباء ولا يلتفتوا إلى الأقوال الواهية.
16 - أن انتقادكم أيها الأب لبعض ما نظرت سابقاً لم أتطرق إليه أما لأنه فرع من أصل تكلمت عليه وإما لأنكم مصيبون وأنا المخطئ والاعتراف بالخطأ من أفضل الفضائل عند العاقل.
مصطفى جواد
صاحب مختار الصحاح
ورد في ص 18 و 19 من هذا الكتاب للسيد عبد الله مخلص (راجع ص 221 من هذا الجزء) ما نصه (ولما لم نتأكد من تاريخ وفاته على التحقيق فسنضطر للقول بأن زين
الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي نسبة إلى مدينة الري مدينة كبيرة من بلاد الديلم بين قوس والجبال، قد توفي بعد سنة 666هـ 1267م).
ونقل في ص 2 عن كشف الظنون (وفي أخره - أي أخر مختار الصحاح - وافق فراغه عشية يوم الجمعة سنة 760 ستين وسبعمائة) أهـ.
قلنا: أن مؤلف كشف الظنون نفسه تكلم على (غريب القرآن) في باب الغين ومما قاله) غريب القرآن أفرد الأليف فيه جماعة غير ما ذكر أبن الأثير منهم الحسن سعيد بن مسعدة الأخفش الأوسط المتوفي سنة 221. . . والزاهد الإمام زين الدين محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي صاحب مختار الصحاح. . . فرغ من تعليقه في سنة 668 ثمان وستين وستمائة) فالظاهر أن السبعمائة المذكورة أو لا محرفة من الستمائة لفرط التشابه بينهما.
وقرأنا في ص 9 أن من العلماء الذين ذكرهم بأخر ورقة من الجزء التاسع من كتاب جامع الأصول المسموع بمدينة قونية (قلمشاه) فنقول أن أبن بطوطة قال في رحلته إلى قونية سنة 733هـ (نزلنا منها بزاوية قاضيها ويعرف بأبن قلمشاه) فلعله أبن قلمشاه المذكور بل هو الراجح.
وها نحن نقف القلم غير يائسين من التحقيق، وقد وجدنا الرازي المذكور يشير في مادة (ربض) من المختار إلى شرح الغريبين ولم نتمكن من معرفة الشارح حتى نقابله بما ورد من زمن الرازي فهل من ملم بذلك فيفيدنا؟.
بغداد: مصطفى جواد(8/214)
أسئلة وأجوبة
الفصح والفسح
س - بغداد - ب. م. م: قرأت في المشرق 28: 13 إلى 23 مقالة كادت تصرعني لطولها وتشعب مباحثها - والحبل على الجرار لأنها لم تتم - قال صاحبها (ص 22) (أنها (أي أن لفظة فصح) لم ترد إليها (أي إلى العربية. كذا وهو يريد أن يقول أنها لم تنتقل إليها) رأساً (من العبرية) بل بواسطة (كذا أي عن طريق) السريانية كما نرجح ذلك مع العلامة الأب شيخو اليسوعي، والسبب هو أنها (كذا والصواب حذف هو) تكتب بالصاد كما في السريانية، ولا (كذا، أي لا) بالسين كما في العبرية. . . وقد وردت بهذا اللفظ، لا بغيره، في الشعر الجاهلي. . .) أهـ. فما رأيكم مع كل هذا التعبير السقيم؟.
ج - هذا الرأي من تبجحات بيك المير الميراندولي. وإلا فأن الأقدمين من العرب نطقوا بالفسح وبالفصح أي بالسين وبالصاد معاً منذ أقدم الزمن إلى عهدنا هذا وذلك في بعض الديار العربية اللسان. فقد ذكر الفسح أبو الفداء في تاريخه (1: 93 من طبعة الأستانة) قال: (الفسح وهو اليوم الخامس عشر من نيسان اليهود). . . وكرر الكلمة ثانية بعد ثلاثة أسطر وهكذا وردت اللفظة مضبوطة بكسر الفاء في النسخة المطبوعة في أوربة بعنوان تاريخ الجاهلية ص 160 س 15.
وقال المقريزي: وشهر نيسن عدد أيامه ثلاثون يوماً أبداً وفيه عيد الفاسخ (بخاء معجمة) الذي يعرف اليوم عند النصارى بالفسح (بكسر الفاء وسين مهملة) أهـ.
وأما سبب قلب السين صاداً فليس لأن الكلمة نقلت عن السريانية مباشرة، بل لأن هناك قاعدة لغوية لم ينتبه إليها حضرة البيك الميراندولي وهي التي ذكرها أبو محمد البطليوسي في كتاب الفرق بين الأحرف الخمسة من هذا الباب(8/215)
ما ينقاس ما هو موقوف على السماع: كل سين وقعت بعدها ع أو غ أو خ أو ق أو ط، جاز قلبها صاداً. . . قال: (وشرط هذا الباب أن تكون السين متقدمة على هذه الأحرف لا متأخرة بعدها وأن تكون هذه الأحرف مقاربة لها لا متباعدة عنها وأن تكون السين هي الأصل فأن كانت الصاد هي الأصل لم يجز قلبها سيناً لأن الأضعف يقلب إلى الأقوى ولا يقلب الأقوى إلى الأضعف. وإنما قلبوها
صاداً مع هذه الأحرف لأنها أحرف مستطيلة والسين حرف متسفل فثقل عليهم الاستعلاء بعد التسفل لما فيه من الكلفة. فإذا تقدم حرف الاستعلاء لم يكن وقوع السين بعده لأنه كالانحدار من العلو وذلك خفيف لا كلفة فيه. قال: فهذا هو الذي يجوز القياس عليه وما عداه موقوف على السماع) ثم سرد أمثلة كثيرة. . .
قلنا: ولما كانت الحاء من جنس الخاء يجوز لنا أن نعتبر حالها كحالة أختها ولهذا قال الأقدمون في حس الجليد النبت: حصة أي احرقه وهذه لغة في تلك (عن أبي حنيفة الدينوري) وفي مسح في الأرض: مصح أي ذهب (اللغويون) وفي السحرة: الصحرة (عنهم) وفي دحس برجله: دحص (عنهم) إلى غيرها وهي كثيرة وكلها غير منقولة عن السريان بل جارية على سنة من سنن لغتهم البديعة التي تخفي أسرارها على المتبجحين والميراندوليين والشعوبيين ومن نحا نحوهم.
انطلياس وبر اليأس وقب اليأس
س - بيروت - طالب في التاريخ وعلم البلدان: سألت هنا أناساً عن معنى انطلياس وبر اليأس وقب اليأس فأجابني عنها أجوبة لم تقنعني ثم ذكروا لي أن أراجعكم فيها. فما رأيكم؟.
ج - انطلياس مركبة من أنتي اليونانية بمعنى مقابل. واليأس أي الشمس في اللغة المذكورة. فيكون مؤداها: المقابل للشمس والشمس عندهم اسم إله كان الأقدمون قد بنوا له عدة معابد فتكون انطلياس مبنية في بدء أمرها بازاء معبد كان هناك. وهي تابعة لمدينة بكفيا من محافظة المتن ويبلغ سكانها زهاء 670 نفساً.
وبر اليأس منحوتة من بر باليونانية أي قوي وشجاع واليأس الإله(8/216)
المذكور أي الإله القوي الشمس. أو الشمس القوي (والشمس في لغة الإغريق ذكر لا أنثى) تابعة محافظة زحلة وعدد سكانها نحو 1386.
وقب اليأس من كلمتين: قب (وس) أي بستان أو جنة واليأس الإله المنوه به هنا أي الشمس وهي قرية بها الجنات الغن والكروم البديعة وهي من محافظة زحلة ويقرب عدد أهلها من 175 نسمة وكل من قال أنها مشتقة من قبر اليأس أو قبو اليأس أو قباء اليأس فقد أخطأ خطأ بيناً.
سيقمور
س - مصر - السيد أ. م: وجدت في محيط المحيط (السيقمور الجميز يونانية) ولم أجدها في سائر كتب اللغة المؤلفة قبل محيط المحيط فعمن نقلها؟.
ج - نقلها عن أبن البيطار في مادة جميز، إذ قال في هذه المادة (يسمى هذا باليونانية سيقومون (ووردت مطبوعة خطأ سنفو مورى) ومن الناس من يسميه أيضاً سوقامينن (وطبعت خطأ سوماسيس) ومن الغريب أن يتخذ المولدون منا الكلمة اليونانية وبصورتها الإغريقية ويجهلون أن الكلمة عربية الأصل أي (سوقم مور) أي جميز لين. ومن الأدلة على أن اليونانية هي من لغتنا أو الواو تنقل عندهم في قديم الزمن إلى حرف والقاف إلى وأما في الارمية فالسوقم يسمى (شقما) ومور (بفتح الميم) لا تعني هذا المعنى إلا في لغتنا الضادية ثم أن لغويي الغرب في عهدنا هذا يقرون أن اللفظة من أصل سامي، فلم يبق على المعاندين إلا التسليم عند رؤية الحقيقة التي تأتيهم من كل ناحية.
حبزبز
س - بغداد - ب. م. م: ما اصل كلمة (جبزبز) التي يستعملها البغداديون بمعنى (الرجل الشجاع الذي لا يبرح مكانه) ومن أي لغة هي؟.
ج - حبزبز نعت رجل عرف بشجاعته وكان يطوي أيامه في بغداد قبل نحو عدة سنين ولم يكن أسمه كذلك بل لقب به حين شب وأظهر من البطولة ما دعا الناس إلى تلقيبه به. ويقال أنه أبن الملا عليوي وكان هذا الوالد صالحاً وحبزبز لفظة عربية عن حبلبس بالمعنى أشرتم إليه. والكلمة(8/217)
مركبة من الحبس مكررة أي (حبس حبس) والحبس: الشجاعة. واصلها ذو الحبس أو ذو الشجاعة وكررت لإفادة الشجاعة العظيمة كأنك تقول: شجاع الشجعان وبالفرنسية
الجسر وأصله
س - منه - قرأت مقالة في مجلة (الكلية) في 16: 96 يقول صاحبها بندلي جوزي أن كلمة (جسر) يونانية الأصل من أفهذا صحيح؟.
ج - نعم على حد أن (البقرة) من (البقة) وهي من الأقوال التي اشتهر بها (صاحب
الرطازات) (لقب بندلي جوزي) وأما أصحاء العقول فيقولون أن الكلمة اليونانية هي لا ما قال وقد قلنا أن أغلب الكلم (المصورة) بالحرف الإفرنجي مخطوء فيها. والكلمة (جفسورة) اليونانية غير أصيلة في اللغة الإغريقية. ذكر ذلك بواساك وولدي وصولمسن ويافلينية وأغلب لغويي الغرب على اختلاف قومياتهم. وذهب أغلبهم إلى أن المادة سامية الأصل وصرح اللغوي الكبير م أ. بايي تصريحاً لا ريب فيه أنها سامية ونحن توافقه على ذلك لأن (الجسر) ترى بالسين المهملة أو بالشين المعجمة في جميع اللغات المذكورة ونقول أن الأصل الأب هو العربي (جسر) وهو من مادة (ج ر) ثم وسطتهما السين للدلالة على امتداد ذلك الجر أو ذلك الانبساط وأنت تعلم أن السين إذا توسطت الكلمة أفادت الطول والاتصال وكذا يقال في الحروف المبدلة منها كالشين المعجمة والصاد والزاي من ذلك قولهم: في بط: بسط وفي مد: مسد وقد تفيد هذه الحروف عين هذه الفائدة ولو دخلت على المادة أو كسعتها كقولهم في جر نفسها: شجر وفي طب: شطب وفي فر: فرش ثم فرشط. وفي صح سطح إلى غيرها وهي تعد بالعشرات.
ومما يدلك على صحة قولنا هذا أن للكلمة اليونانية لغتين أخريين ولكلتيهما وجهاً في لساننا وأولي هتين اللغتين أي بجعل الجيم دالاً على حد ما ورد مثل ذلك في كلامنا نحن العرب. وقلب الجيم دالاً كان عند الغرطونيين (نسبة إلى غرطونة مدينة من أعمال أقريطش كان كلام سكانها بالإغريقية مع(8/218)
بعض فرق). وأما أن بعض السلف كان ينطق بمثل هذا القلب فقد مر البحث فيه في مجلتنا 6: 48 و 4: 4 و 5 فليراجع. وفي معنى (دسر) ما يدل على جمع شيء إلى شيء آخر ومنه الدسار وهو مسمار محدد الطرفين يضم به اللوح الواحد إلى اللوح الآخر. والدسار: خيط من ليف تشد به ألواح السفينة بعضها إلى بعض والدسر كعنق السفينة لأن المسافر فيها يجمع بين بلد وبلد وهناك غير هذه المعاني تؤيد جميعها تركيب الكلمة.
وثاني هتين اللغتين هي باليونانية وهي لغة اللاقونيين من اليونانيين أي من قبيل قلب الجيم باء موحدة تحتيه على حد ما يرى مثله في لساننا المبين. فقد قال قوم منا في الزمن السابق في الجلسام: برسام (فيه ابدالان الباء والراء) وفي جصص الجرو: بصص. وفي أجشت الأرض: أبشت وفي الجلأز: البلأز إلى غيرها وهي كثيرة. فإذا عرفت ذلك فهمت
لماذا عرفت قيل في الجسر (الدال على جمع شيء إلى شيء آخر) اليسر بمعنى الجمع أيضاً. فقد قال السلف بسر النخلة: لقحها قبل أوانها. وبسر الفحل الناقة: ضربها من غير ضبعة. والبسر أن تخلط البسر مع غيره في النبيذ (والخلط يوجب الجمع) إلى غيرها من الحروف الدال تركيبها على الجمع. فهل بعد هذا التحقيق والتوضيح من يشك في سامية بل قل في عربية هذه الكلمة ولغاتها؟.
ولا تعجبوا بعد هذا أن تروا مقالة (صاحب الرطازات) نسيج هراء وهذاء بعد أن ابنا سقطها ومن جملة ما يروى فيها من الأوهام (لأنك كلما قرأتها وجدت فيها خطأ جديداً لم تره في المرة الأولى) قوله القفص مأخوذ من وهو من والفلس من وهو من أفلس الذي اعتبر جمعا لفلس، وبلقيس من والصواب من ومومس من والصحيح من إلى غيرها وهي لا تحصى لكثرتها ولأننا لا نريد أن نجعل مجلتنا (مجلة تصحيح لما ورد في مجلة الكلية) وما يرد فيها من ركام الأغلاط في كل جزء يصدر منها).
قبر النبي دانيال
س - الإسكندرية - ع. ط - نشر المقتطف بالجزء الأول من المجلد(8/219)
الثالث والسبعين بتاريخ يوليو سنة 1928 مقالاً عن النفط في العراق للأستاذ أمين المعلوف أفندي في أثناء هذا المقال صورة كتب تحتها قبر النبي دانيال والفتية الثلاثة في كركوك والمعروف في كتب التاريخ المعتبرة أن النبي دانيال دفن بمدينة السوس بخوزستان بالعراق كما ذكر ذلك الطبري في تاريخه وياقوت في معجمه وغيرهما فهل يمكن أن تتفضلوا بإفادتنا عما يوجد بقبر النبي دانيال بكركوك من الأدلة التي تثبن أنه قبره ككتاب أو نحوها.
وهل مدينة كركوك في موقع مدينة السوس القديمة أو ماذا؟.
أننا نعلم بعد الشقة بين بغداد وهذه الجهة ولكن ربما أمكنكم بواسطة من تعرفونه وتثقون به، الاستفهام لنا عن ذلك وأفادتنا.
ج - المدفون في كركوك أحد الربانين اليهود أسمه دانيال. ولما كان اسمه واسم النبي متشابهين وهم العوام في أمر الرباني هذا الوهم. مثل ذلك كثير في العراق وسائر الأنحاء الشرقية ففي الكرخ قبر أحد كبار الكهنة اليهود واسمه يوشع والعوام تزعم أنه قبر النبي يوشع. وفي الكرخ أيضاً قبر مدفونة فيه أميرة سلجوقية أسمها زبيدة والعوام وأشباههم
تزعم أنه قبر السيدة زبيدة زوج هرون الرشيد مع أنها دفنت في مقابر قريش. وبين البصرة وبغداد قبر يعرف بالعزيز مع أن العزيز (أوعزرا الكاتب) لم يدفن هناك وفي الموصل محل يعرف بقبر يونس والمعروف في التاريخ أنه في ذلك المكان كانت كنيسة للنساطرة على أسم النبي يونس أو يونان فزعم العوام أنه قبر النبي المذكور. ومثل هذا لا يحصى. وقد سمعنا مثل ذلك في ديار الغرب أيضاً. ولا يعتمد على أوهام العوام.
أما محل قبره فلا يعرف على التحقيق. وكذلك يقال عن المدينة التي توفي فيها. إنما يعرف أنه مات في مدينة من مدن ديار بابل. وما عدا ذلك فمن قبيل الروايات التي لا يعتمد عليها.
أما مدينة كركوك فليست بالسوس القديمة إذ السوس في خوزستان وكركوك (واسمها القديم كرخا دسلوك) في شمالي العراق الشرقي. ولم تسم يوماً بهذا الاسم كما لم يتوهم أحد المؤرخين هذه التسمية.(8/220)
باب المشارفة والانتقاد
34 - صاحب مختار الصحاح
لعبد الله مخلص عضو المجمع العلمي العربي بدمشق
كراسة نفيسة في 25 ص بقطع الثمن حقق فيها حضرة الصديق ترجمة صاحب مختار الصحاح وهو زين الدين أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن عبد القادر الرازي وأنه كان من معاصري الصدر القونوي المتوفي في سنة 673هـ 1270م وأنه كان في قيد الحياة سنة 666هـ 1267م وأنه توفي بعد هذه السنة لكن لم تكن وفاته في سنة 760هـ كما ورد في كشف الظنون، إذ بين المحقق شناعة هذا الوهم.
والذي نأخذه على الصديق أنه أدرج صور رسائل الأصدقاء العلماء المعاصرين ولم يذكر محل كتابتها ولا تاريخ كتابتها. وهذا ما ننكره عليه كل الإنكار فعسى أن يشار إلى ذلك في طبعة ثانية. (وراجع ص 214 من هذا الجزء).
35 - بديعية العميان
نظم شمس الدين عبد الله محمد بن جابر الأندلسي
عني بنشرها صديقنا المذكور
كل ما يحرره الصديق (المخلص) يطبع بطابع التحقيق والتدقيق والإفادة الجمة ففي هذه البديعية التي لا تزيد صفحاتها من قطع 16 على 52 تجد فوائد لا تعثر عليها في كبار الأسفار وكلها تشهد على غوصه في بحار العلم لاستخراج ما فيها من الدرر والفوائد وإهدائها إلى الناطقين بالضاد فشكراً له على الهديتين.
36 - التعقيم في كليفرنية من وضع بولس بوبنوي
عقمت حكومة كليفرنية منذ سنة 1909 إلى آخر سنة 1927 نحو 5000(8/221)
شخص في بغية
تحسين النسل وقد وضع العلامة بولس بوبنوي مقالة بديعة نشرها على حدة بعد أن عمم فوائدها في درجها في إحدى مجلات أميركة الكبرى والأميركيون يحرصون على تحسين النسل منعاً للأمراض ونشراً لقواعد الصحة وهم في مقدمة الأمم التي تفرغ ما في وسعها لهذه الغاية.
37 - التعقيم بلا إتلاف الجنس
هذه رسالة ذات 29 صفحة بقطع 12 لمؤلفها العلامة الكبير روبرت. ل. دكنسن من علماء نيويورك وقد عرض فيها صاحبها 5820 حادث بضع في غاية إصلاح الجنس من غير أن يضر بضرر وقد زين بحثه بالصور العلمية والتحقيقات العصرية فجاء من أحسن ما صنف من نوعه وعسى أن تحذو حذوا أميركة سائر الدول الساعية لتحسين الذرية.
38 - التعقيم في تحسين النسل في كليفرنية
كان صديقنا بولس بوبنوي يعني بغراسة النخل حين قدومه إلى بغداد قبل الحرب. والآن ضري حضرته بإصلاح الذرية وتخصص فيه ولا تمضي سنة إلا يضع فيها رسائل ومقالات في مداركة مباحثه وهذه الرسالة في 18 صفحة بقطع الثمن الصغير وقد ذكر فيها من الأحداث والأمثلة ما يوضح للأقوام حسن المسعى الذي ترمي إليه ديار أميركة نيلاً لتحقيق أمانيها. وعسى أن يستفيد من هذه المباحث أولو الأمر الذين عهد إليهم تحسين الصحة والنسل والأخلاق إذ جميع هذه الأمور متصلة بعضها ببعض اتصالاً ولا انفصام فيها.
39 - مباحث في الأدب العربية العصرية
بقلم هـ. أ. ر. جب
3 - المصريون الحدثاء
في 21 ص بقطع الثمن وباللغة الإنكليزية
لم نقف على مقالة أطلعتنا على الحركة الأدبية المصرية كالمقالة التي وضعها العلامة الإنكليزي المذكور هنا. فأن أحاط بالموضوع أحسن إحاطة ووفي به(8/222)
أحسن وفاء. وعلى كثرة من كتب عندنا في هذا البحث لم نلف من قام به هذا القيام الذي يشكر عليه ونحض أدباء مصر أن يطلعوا عليه إذ فوائده جمة.
40 - تأسيس تحسين البشر (باللغة الإنكليزية)
رسالة تظهر ما للرجل الداهية أ. س. غصني من الفضل على الأميركيين من تأسيس جمعية تعني بتحسين نسل البشر، باتخاذ وسائل فعالة تبعد الناس عن الأمراض القبيحة والإمعان في المساوئ وتقرب لهم الفضيلة وتضعها لهم على حبل الذراع. فلمثل هذه الأعمال ليتنافس المتنافسون.
41 - العالم
مجلة ومعارف وأحاديث، تصدر في تونس وهي نشر مكتبة العرب، مجلة بقطع الثمن الكبير في 32 صفحة وتنشر وقد برز جزءوها الأول في غرة يناير من هذه السنة فنتمنى لها الرقي والرواج والعمر الطويل.
42 - المجمع العلمي اللبناني
خلاصة أعماله إلى السنة الحاضرة 1930
وصلت إلينا هذه الخلاصة بعنوان (الأستاذ انسطاس الكرملي المحترم) وليس في دائرتنا من هو (أستاذ) ولا هو (انسطاس) وإنما المذكور على غلاف المجلة (الأب انستاس ماري الكرملي).
وقد رأينا في هذه الخلاصة تساهلاً عظيماً في استعمال الألفاظ ففي الصفحة الأولى منها (وهي ص 3) (واتخذت الدول في التمدن الحديث من سير هؤلاء العظماء أمثولة جعلتها في السنن الدولية. . .) والذي نعرفه أن الأمثولة بيت من الشعر يتمثل به ولا محل لوقوعها في هذه العبارة. وفيها (فأنشئت المجامع العلمية والمكتبات) ولم نجد المكتبات بمعنى الخزائن. إنما المكتبات جمع مكتبة والمكتبة ما تكثر فيه الكتب وأكثر ما استعملت
في معني جمعها أي بمعنى الفرنسية أو الإنكليزية لا بمعنى الخزانة.
وقد كررت هذه الكلمة مراراً عديدة. وذكر في تلك الصفحة المتحف. ولا(8/223)
وجد له لأن الدار لا تتحف، والأصوب المتحفة أي المكان الذي تكثر فيه التحف وقس على ذلك سائر الصفحات فأنها لا تخلو من غلط أو أكثر سواء أكان ذلك الوهم مما يخالف أصول لغتنا أم من عيب الطبع. والصفحة الوحيدة التي سلمت من الخلل هي الصفحة ال 27 لا غير وهذا أمر عجيب إذ لم يتمكن (مجمع علمي) من أن يبرز كراسة بلا غلط. وما عدا ذلك فهي مفيدة لمن يطالعها.
43 - تاريخ نظام الحركة القومية وتطور نظام الحكم في
مصر
بقلم عبد الرحمن الرافعي بك، الجزء الأول في 492 ص والجزء الثاني في 436 ص وكلاهما طبع في مطبعة النهضة بشارع عبد العزيز بمصر.
أتريد أن تفاخر مؤرخي الغرب وتعارضهم في تأليفهم؟ خذ بيدك هذا السفر الجليل - أتحب أن تقف على أسرار السياسة ومحاوتاتها وعلى ما فيها من الخداع؟ طالع هذا التاريخ البديع - أتود أن ترى كاتباً شرقياً عربياً يفند مزاعم الغربيين ويفلي أقوالهم؟ - ليس لك سلاح آخر تحاربهم به سوى هذا التصنيف - أتهوى أن تقرأ ديواناً جمع صدق الرواية إلى حسن العبارة وصحتها؟ - لا يحقق أمنيتك إلا هذا التأليف.
هذا أقل ما يقال في (تاريخ الحركة القومية) وكان الدافع إلى وضعه أن المؤلف - حرسه الله - أراد أن يصنف تاريخاً لفقيد مصر العظيم (مصطفى كامل) مؤسس النهضة الوطنية ومضرم الشعلة القومية المصرية فساقته الحركة إلى شقة اتسعت بين يديه وتشعبت مسالك السعي فيها فطوى أوراقه الأولى التي كان قد جمعها لهذه الغاية ثم شرع يبحث مواضع الكتاب من جديد فأخذ في الرجوع إلى الأدوار التي تقدمت عصر مصطفى كامل باشا ليقف عند حد يصح في نظرة أن يكون مبدأ الحركة القومية. وما زال يرجع بالحوادث إلى أحداث تقدمتها حتى أداة البحث أنه يقف في أواخر القرن الثامن عشر حيث وجد عصراً هو عصر المقاومة الأهلية تلك المقاومة التي بدت في أبناء النيل حين ناهضوا الحملة
الفرنسية التي أتت قبل مائة وثلاثين سنة فكانت أول شرارة أشعلت جذوة الروح القومي في المصريين.(8/224)
قال المؤلف في موضوع كتابه: (ما هي الجهود التي بذلتها الأمة في سبيل تحرير مصر من النير الأجنبي وفك قيود الاستبداد عنها وتقرير حقوق الشعب السياسية؟ ما هي الجهود التي بذلتها والآلام التي احتملتها في سبيل تكوين مصر الحرة المستقلة؟ ما هي الحوادث التي ارتبطت بهذه الجهود أو وقعت خلالها وناصرتها أو عرقلتها؟ ما هي الأدوار التي تطورت إليها الحركة القومية من بدء ظهورها إلى اليوم؟ ما هي نظم الحكم التي تعاقبت على البلاد في خلال تلك الأدوار وما مبلغ أثرها في تطور الحركة القومية؟ - هذا هو موضوع الكتاب وتلك هي المسائل التي بحثتها جهد المستطاع على هدى الحقائق التاريخية) أه.
فيظهر من هذا البسط حاجتنا - نحن العراقيين وسائر الشرقيين من الناطقين بالضاد - إلى مطالعة هذا السفر الجليل لنعرف كيف نتخلص من الكابوس الذي يروعنا وينغص حياتنا على حد ما فعل إخواننا الأكبرون المصريون الذين تقدمونا أشواطاً في ميدان الحضارة ولنستفد من معلمينا في جميع أمورنا ولا بد من الأخذ بما يملونه علينا من دروس الحياة والعلم والوطنية مع المجاهدة حق الجهاد للحصول على أمانينا. إذن ليقتن كبارنا وصغارنا هذا الكنز النفيس ولنجعله قبلة آمالنا ليكون لنا نوراً وهدى في متابعة تحقيق أمانينا.
44 - قراءة كتابات قبرية قديمة (بالروسية)
من وضع المحفي الروسي السوفييتس (في 126 ص و 10 ألواح مصورة).
يحوي هذا الكتاب تصوير اثنتي عشرة شاهدة تصويراً مطابقاً للأصل كانت موضوعة على قبور المسلمين وتاريخ أقدم شاهدة سنة 218 للهجرة وأحدثها سنة 492 قرء من هذه الشواهد عشر وأهملت اثنتان لكونهما غير تامتين وكلها مكتوبة بخط يشبه بديع الأزهار أو النقوش العربية ووضع في الأخر أشكال الحروف التي اتخذت في تلك الشواهد مع ما يقابلها من حروفنا النسخية. والكتاب يبحث عن كل كلمة جاءت في تلك الحجارة وأصلها ومعناها بحيث جاء أحسن ما يصنف في بابه. ونحن نعجب من أبناء الغرب ومن(8/225)
غرامهم بنشر هذه القبريات ولا ينهض في البلاد العربية اللسان من يعني بمثل هذه الآثار التاريخية
فعسى أن يبعث نشاط الغربيين الهمة في نفوس الغيارى منا لينافسوا من تقدمنا في هذا الميدان ثم نسبقهم فنفوتهم في بمراحل.
45 - في سبيل الاتحاد
إلى إخواننا أبناء الكنيسة الأرثوذكسية الانطاكية
رسالة حسنة البراهين في 27 صفحة بقطع الثمن يحسن بالروم الأرثوذكس الانطاكيين أن يقفوا عليها وينعموا النظر في أدلتها. فيجدوا فيها ضالتهم المنشودة.
46 - مملكة النحل
مجلة شهرية في النحالة العصرية
هذه مجلة جديدة في موضوعاتها ومبتكراتها وهي الأولى من نوعها في لغتنا وتظهر بقسمين قسم عربي وقسم إنكليزي وتعني بالنحالة (أي بعلم تربية النحل) ويبلغ عدد صفحات كل من القسم العربي والإنكليزي 16 بتصاوير مختلفة توضح الموضوع الذي يعالجه فيكون عدد الصفحات 32 ما عدا التصوير. فنتمنى لها الرواج والعمر الطويل.
47 - العصور الأسبوعية
إسماعيل بك مظهر من العاملين في نشر المبادئ التي أشتهر بها منذ قبضة على عنان اليراعة وهذه المجلة وقفها صاحبها على النقد في الأدب والفن والسياسة فهي (انتقادية للإصلاح وأدبية للتجديد وفنية للمثل العليا ومسرحية للفن وسياسية على مبادئ حزب الفلاح المصري) وكثيرة التصاوير الهزلية. ولا بدع من أن يكون لهذه المجلة الجديدة إقبال عظيم لأن المرء يميل إلى ما يخالف المعتقد العام وقد قال صاحبها عن مبدأها ما هذا نصه: (أما مبدؤنا من الناحية الأدبية فهو مبدأ العصور الشهرية بعينه لا نحيد عنه ولا نجد لنا سلوى في غيره) وقد ظهر الجزء الأول منها في 31 يناير من هذه السنة في 48 ص بقطع العصور الشهرية(8/226)
ومما نأخذه على مظهر بك قلة عنايته بعبارة ما يكتب وتراكم أغلاط الطبع في كل صفحة من صفحات مطبوعاته وهو مما يضر بسمعه ما يتولى نشره من الصحف والكتب.
48 - الإفصاح في فقه اللغة
تأليف عبد الفتاح الصعيدي وحسين يوسف موسى، المتخرجين في دار العلوم والمدرسين بالمدارس الأميرية طبع بمطبعة دار الكتب المصرية بالقاهرة سنة 1348هـ 1929م في 736 ص بقطع الثمن.
هذا الكتاب من غرر المؤلفات، بل من دررها، ولا بد من إدخاله في كل مدرسة تحرص على إتقان اللغة العربية، وفي كل ديوان يعني صاحبه أو أصحابه بمعالجة بحث فصيح في لغتنا الضادية. والسبب انه زبدة (المخصص) لأبن سيدة وهو معجم معنوي تطلب فيه موضوعات تعرف مجملة ولا تحضرك أسماء مفصلة فتعمد إلى هذا الكنز البديع فتجد فيه كل ما تنشد من الضوال. وكم كنا نرغب في تلخيص (المخصص) ليستفيد منه أبناء المدارس وما كنا نجد من يقوم بأعبائه! أما اليوم فقد خرجت هذه الحسرة من صدرنا بفضل ما أصدره لنا حضرة الأستاذين الجليلين عبد الفتاح الصعيدي وحسين يوسف موسى اللذين أبدعا في وضع هذا الأثر النفيس الذي لا يقدر ثمنه مهما بالغنا فيه.
وهذا السفر الجليل مبوب تبويب (المخصص) وعباراته كعبارته في أغلب الأحايين وأن كان صاحباه استمدا من سائر أمهات الكتب اللغوية الشيء الجليل على ما قالا في المقدمة في ص (ث) وهذه عبارتهما: (وقد حرصنا الحرص كله على أن نحتفظ بعبارات الكتب التي اتقينا منها مادة الكتاب، فذكرناها بنصها وفصها، ولم نحاول أن نصلح من العبارات، أو نتصرف في الألفاظ رغم وجود (لعلها على رغم أو برغم وجود) بعض مواضع يشعر القارئ بضرورة الحاجة إلى الإصلاح والتغيير فيها. لم نقدم على هذا ليكون الكتاب موضع ثقة تطمئن النفوس إليه، ويعتمد القارئ والباحث عليه).
على أننا نرى في هذا الاستعباد للأولين والغض من رقي المعاصرين ما يسقط ثمن هذه الدرة من عيون الطلبة الذين أمعنوا في علوم العصر ولهذا كان يمكن(8/227)
أن يصلح هذا العيب بإشارة في حاشية الكتاب لكي لا نثير في صدر المحققين من أبناء العصر ما يزري بقدره أو يقلل من الاعتماد عليه ولا بد من إيراد بعض الأمثلة ليسفر لنا وجه الحقيقة كما هو.
جاء في ص 405: (الحشرة. الدابة الصغيرة من دواب الأرض والجمع الحشرات منها اليربوع والضب والورل والقنفذ والفأرة والجرذ والحرباء والعظاية وأم حبين والعضرفوط وسام أبرص والثعلب والهر والأرنب. . .) أما علماء العصر من لغتنا فانهم خصصوها
بطائفة من الدويبات لا يدخل فيها الثعلب والهر والأرنب ومن أعظم الأدلة على ذلك أن (الإفصاح) نفسه ذكر بعد ذلك الثعلب والهر والأرنب في عداد الوحوش والسباع (ص 387 و 390 و 391) فوقع في هذا كله شيء من التناقض، كنا نود أن لا نراه في هذا السفر البديع. فلو علقا على عبارة ص 405 ما معناه: (هذا رأي الأقدمين وقد هجره المعاصرون) لكان في ذلك مجزأة. ومثل هذا التنافر تنافر القديم والحديث شيء لا يستهان.
وفي بعض المواطن لا توافق الصور نص الكلام. فشكل الضب الذي يرى في ص 406 هو المسمى بالوزغة. وأما الضب فاسمه بلسان العلم ويكون ذنبه ضخماً كثير العقد. ونظن أن الذي ساق المؤلفين إلى هذا الوهم ما رأياه في (المنجد) وهذا المعجم قراره أوهام النحاة والصرفيين واللغويين وعلماء المواليد. فيحسن بهما أن يضعا في زاوية الإهمال والنسيان. وهكذا نقول عن كثير من التصاوير فأنها كلها منقولة عن (المنجد) - فيا للأسف على هذه الأوهام! - فالصل يقع على ما يسميه العلماء وعلى أو والصورة الظاهرة في ص 414 منقولة بعينها عن المنجد وليست بها ونحن نعلم أن ليس لصاحب المنجد أدنى إطلاع على علم المواليد. وهناك عدة تصاوير لا توافق الحقيقة كالصرصور (ص 418) والنسر (430) والغداف (فيها) والصقر والعقاب (431) إلى صور عديدة. ونحن هنا لا نلوم صاحبي (الإفصاح) بل نلوم صاحب المنجد الذي سقط تلك السقطات الهائلة وحمل غيره على أن يلقوا أنفسهم في تلك الهاوية البعيدة القعر.
وكنا نود أن نرى فهرساً هجائياً للمواد حتى لا يضطر الباحث إلى مراجعة(8/228)
جميع مواد الفهرس الحالي مما يضيع الوقت على غير طائل.
ومما كنا نود أن ينزه هذا الكتاب البديع عما حوى بعض الآراء في أصل الألفاظ، فقد ذكر في ص 401 عن الزرافة أنها معربة. ثم زيد على ذلك ما هذا نصه وهو نص اللغويين: (دابة مسماة باسم الجماعة لأنها في صورة جماعة من الحيوان. ففيها مشابهة من البعير والبقر والنمر. . .) والصواب أن الكلمة مصرية ولا وجه لتفسيرها بالعربية.
وقد وقع بعض أغلاط طبع لم ينبه عليها في الآخر كما جاء في ص 405 واثنتان يلتقيان ويختلفان والأحسن: تلتقيان وتختلفان. وفيها: ليست في ساقيه أظفار وهي عبارة المخصص 8: 91 ولو قيل: ليس في أصابعه أظافير لكان أحسن، وجاء معنى البق ما هو
مشهور في ديار مصر وسورة أي الفسافس والعرب الأقدمون لم يعرفوا هذا المعنى للبق بل ورد عندهم بمعنى البعوض الضخم وبهذا المعنى يعرف في العراق كله إلى اليوم. وقول الإيضاح (ص 418) فإذا قتلت (البقة) كثرن من دمها. قول نطق به الأقدمون لكنه لا يوافق العلم. نعم أنهن يكثرن إذا كان في دمهن بيض، أما إذا لم يكن بيض في ذلك الدم فلا يمكن أن يكثرن منه. ولو زاد المؤلفان على تلك العبارة: (إذا كانت أنثى بالغة) لصح الكلام.
وليس كل هذه الأمور تنزع شيئاً من هذا الكنز الثمين الذي يجب إدخاله في جميع المدارس لما فيه من جمع شتات اللغة وتنسيقه تنسيقاً منطقياً فضلاً عما يحوي من الألفاظ الجمة بعبارة عربية محضة صحيحة لا غبار عليها كأنها أفرغت في قالب سحبان أو نطق بها رضوان.
خطط الشام
3 - وقال ابن تيمية في كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح (3: 22 من مطبعة النيل في مصر) ووضعوا الأمانة وثبتوا أن الابن مولود من الأب قبل كون الخلائق. إلى غير ذلك من الشهادات التي لا تحصى عدا. فأجتز أنا(8/229)
بما ذكرناه لنبين أن علماء المسلمين عرفوا مصطلحات النصارى أحسن من هذا الارشمندريت العائش في القرن العشرين.
ومن غريب ما يجري في هذا الوادي قوله (ولا تطلب المبحث خارجاً عن تلك الصفحة العجيبة): (لولا زعيمهم أسقف أرفاً يعقوب لزنزلي المشهور بالبرادعي) قلنا: لم يكن في عصر يعقوب البرادعي مدينة باسم (أرفا) إنما هذا الاسم حديث والذي كان معروفاً في ذلك العهد هو الرها. فلو قال أسقف الرها المعروفة بأرفا لعذرناه أما أنه قال مباشرة: أسقف أرفأ فخطاً صريح.
ومن عجيب عمل حضرة الارشمندريت المحترم أنه لم يذكر اسماً واحداً من إعلام المدن أو الرجال إلا وقد أخطأ فيه وما كاد يصيب إلا في علم واحد لا غير أورد بالصورة غير المشهورة عند العرب وهو (نسطوريوس) قال في القاموس في مادة س ط ر: النسطورية بالضم وتفتح أمة من النصارى تخالف بقيتهم وهم أصحاب نسطور الحكيم. . . وهو
بالرومية نسطورس) أهـ. ترى أنه ارتكب ثلاث غلطات في علم واحد.
كل ما أتينا به كان من باب تحقيق الأعلام التي وردت في صفحة واحدة ولم نرد أن نتجاوزها لئلا يتسع الخرق علينا والآن نريد أن نذكر في مقالة هذا من روح التعصب وما قذفته يراعته بحق أناس لم يتعرضوا له ولم يهينوه. فقد قال عن النساطرة الحاليين: (وباتت بدعته (أي بدعة نسطور) تذمى في الكلدان كالخنفساء إلى اليوم) (ص 226). - وقال عن القائلين بالمشيئة الواحدة وعن المارونية: (فباتت هذه البدعة تعالج النزع في شيعة الراهب يوحنا مارون التي عرفت (بالمردة) (كذا) وانحصرت على فتن لبنان (كذا، كأن الموارنة ليسوا في سائر بلاد الله) وتسمى الآن (بالمارونية) نسبة إلى الراهب المذكور الذي صار أول عليها (كذا) حتى استوفت أنفاسها أيام ركبات (كذا) الفرنج الصليبيين على الشم سنة 1182، فأنهم جذبوا الموازنة إلى الخضوع لكنيسة رومية. . . إلا أنهم أبدلوا بدعة (المشيئة الواحدة) بما ابتدعته رومية من الأضاليل (كذا) بعد أن قطعتها الكنيسة عن شركتها في القرن الحادي عشر) أهـ. إلى آخر ما تكلم على هذا الطراز الدال على أدب وحسن ذوق(8/230)
ورقة أخلاق مما يشف عن روح مسيحي يقاوم الشر بالخير!!! وما بعد هذا عبارات أخشن وأقذى وأقذع. سامحه الله وعامله باللطف والرحمة! فقد قال مثلاً في ص 228 ما هذا بحروفه:
(ولما نحجب نور الشرق عن رومية (كذا) تاهت كنيستها في شعاب الباطل (كذا) فأجفل منها معظم أوربا (كذا) متعوذين (كذا) بالمذهب البرتستاني. فأنشأت لهم (ديوان التفتيش) المشهور بفظائعه (كذا)، ثم لما سطع فجر العالم في أوربا (على يد البرتستانية التي قال عنها في ص 227 إلا أن هذه بدعة (بدعة محاربة صور الأولياء) تجددت في الشيع البرتستانية في أوائل القرن الخامس عشر ولا تزال ترمقها بأضرار جمة عاملة على تشعث (كذا) لغتها وتمرق (كذا) شملها وامتنع عليها إكراه الناس على التدين بما تمليه عليهم عمدت إلى دها. الرهبانيات كالجزويت (كذا) والكبوشيين وغيرهم فاستغوت بالمال (كذا) حزائق من الطوائف الشرقية القديمة منها حزيقة الروم الكاثوليك الذين استغوتهم من الملة الأرثوذكسية فانتحلوا لأنفسهم وصف (الملكيين) ليوهموا الناس أنهم الأصل ولكن لم يوهموا إلا أنفسهم. . .) إلى آخر ما قال وكل ما جرى فيه قلمه على هذا النغم الطافح
بالأوهام التاريخية الدال على مخالطة في العقل وخبط في الأحداث والأزمنة وجهل للتعبير للفصيح المانوس وولع بالسب والشتم والثلب والقدح بالكبير والصغير.
ونحن لا نريد أن نجيب عن هذه السفاسف لبيان ما في تضاعيفها من السخف والدناءة والنذالة التي لا ترى إلا في أناس من أذناب الطغام والسفلة لكنا نحيله على ما كتبه أبناء حزيقته (في المقتطب 76: 22) وهو الكاتب الكبير والمحامي الشهير سامي الجريديني وهذا نصه:
(. . . وعظمة الكنيسة البابوية سر من أسرار الدهر - حاربتها السلطات الزمنية دهوراً طوالا فأخذت ما كان لها من قوة عالمية، وظن أعداؤها أن قد حان أجلها فإذا هي مجردة عن السيف أقوى واثبت منها وسيف الدنيا مصلت على رقاب الملوك والشعوب. و (انشقت) عنها الكنيسة البرتستانية (ومن قبلها الأرثوذكسية (أتسمع يا حضرة الارشمندريت توما ديبو المعلوف والمتكلم(8/231)
هو أحد إتباع انشقاقك) فإذا هذه تلبس لباس الشرق وما عليه من (خيال وسفسطة وبلاء) وما البابوية (فراسخة) تمتد فروعها إلى كل الأنحاء (وأصولها إلى السماء). ذلك لأنها تكيفت مع الزمن وهذا هو سر العظمة في (نظامها العجيب). . .) أهـ.
أفتستطيع يا حضرة الارشمندريت أن تقول مثل هذا المقال عن حزقك أو حزقتك أو حزيقتك أو حازقتك أو ما يحزقك؟.
أي فرق بين ما خطته يراعتك وما كتبه الأب لويس شيخو اليسوعي عن الكثلكة (من ص 230 إلى ص 236) وما حرره الخوري بطرس غالب (من ص 236 إلى 238) وما نمقه القس أسعد منصور (من ص 238 إلى 245) ففي كلام هؤلاء الكتبة كلهم رزانة وعلم واقتدار وحسن تعبير وكلها مزايا ظاهرة للقارئ وللناقد ولا يرى منها شيء في ما سودته من الصحائف. ولو كانت مجلتنا موقوفة للمباحث الجدلية والدينية لأطلعناك على ما في كلامك من الأوهام التاريخية والمزاعم الباطلة والمفاسد المقلقة للمحبة والألفة: إلا أننا نشير إليها إشارة لكي لا تغر بسكوت الأكثرين وهم لم يسكنوا إلا لأنهم لم يروا في أنفسهم حاجة إلى الرد، إذ من شأن الباطل التفسخ والاضمحلال من نفسه.
والذي استغربناه أن يكون لمقال حضرة الارشمندريت التقدم على كلام سائر الذين عالجوا
بحث الدين في (خطط الشام) مع أن الكثلكة أقدم عهداً في العالم من الفرقة الأرثوذكسية (المنشقة منها) بحسب ما أريده سامي بك الجريديني وكل من سبقه في موضوع التاريخ الديني.
نقف عند هذا الحد من النقد لئلا يمتد بنا إلى أجزاء عدة فسيكثره القراء فيسأمونه. وكنا نود أن يلطف حضرة المؤلف عبارة الارشمندريت بعبارات قلمه لكي لا يكون الكتاب أداة لجرح العواطف في أي فريق كان من سكان رقعة الشام المباركة.
والذي نوجه إليه الأنظار أن الأستاذ محمد كرد علي أظهر من الشجاعة الأدبية ما لم يظهره أي مؤلف شرقي كان في بلادنا وذلك أنه ذكر في آخر هذا الجزء السادس أقوال المنتقدين واحداً بعد واحد بلا خوف ولا وجل. وهذه(8/232)
مزية تفرد بها حضرته مما يدل على علو نفسه ومقامه وسمو أدبه وعلمه فنمحضه التهنئة ونتمنى لكتابه هذا كل رواج وانتشار.
الأغاني
الجزء الأول
21 - ورد في ص 35 من تصدير هذا الجزء الأول من الأغاني في مختصري الأغاني ما صورته: ومنهم أبو القاسم عبد الله المعروف بابن باقيا الحلبي المتوفي سنة 485 قلنا: هكذا رأينا (باقيا) بالباء الموحدة والذي في تاريخ أبن خلكان من ترجمه المذكور ما نصه (وناقيا بفتح النون وبعد الألف قاف مكسورة ثم ياء مثناة من تحتها مفتوحة وبعدها ألف) وذكر أبن خلكان أنه كان من أهل بغداد وتوفي فيها.
أما أن المختصر (حلبي) وأنه (أبن باقيا) فقد نقل من كتاب (كشف الظنون) والخطأ سار منه في كل طبعاته الأستانية والفرنجية والمصرية، ولعل باقيا فيه من أغلاط الطبع.
22 - وقالوا في هامش ص 112 (قدوم الوليد بن عبد الملك مكة واجتماعه بعمر) وليست (اجتمع به) من الفصاحة على شيء والاجتماع مصدر لاجتمع فله ههنا ما لفعله من التشارك فالصواب اجتماعه هو وعمر) أو اجتماعه مع عمر) لجواز وضع (مع) في موضع الواو العاطفة في الفاعل والافتعال المؤذنين بالتشارك.
23 - وجاء في ص 122 (سئمونا وما سئمنا جواراً) فعلقوا به (في ح. ر: سقاما، وفي ديوانه بين) قلنا: أن سقاما ههنا محرف عن (مقاما) وقد ورد في ص 106 فارجعوا إليه.
24 - وقالوا في ص 131 (النكباء: الريح التي تنكب عن مهاب الرياح) قلنا: ورد في 3: 20 من الكامل (والنكباء: الريح بين الريحين لأن الرياح أربع وما بين كل ريحين نكباء فهي ثمان في المعنى) وهذا أوضح لطلاب الأدب.
25 - وورد في ص 136 قولهم (بأربعة وجوه) والفصيح (أوجه) بالقلة.(8/233)
26 - وروي في ص 137 (أنين مكاكي فارقت بلداً خصباً) ومما علقوه عليه (وفي ديوانه المطبوع بليبزغ: مكاك بحذف الياء وهو غير جائز) قلنا أن ذلك جائز وقد روينا في المادة 12 من نقدنا هذا قول المبرد (الأواسي: ياؤه مشددة في الأصل وتخفيفها يجوز ولو لم يجز في الكلام لجاز في الشعر) وفي (م ن ي) من مختار الصحاح (والأمنية واحدة الأماني. قلت يقال في جمعها: أمان وأماني بالتخفيف والتشديد) وقال المبرد في ج1 ص 198 من الكامل (ويقال في قلبي منك حوجاء إي حاجة ولو جمع على هذا لكان الجمع: حواج، يا فتى! وأصله: حواجي، يا فتى! ولكن مثل هذا يخفف كما تقول في صحراء: صحار يا فتى! واصله: صحاري) أهـ. فمنع جواز التخفيف إذن غير جائز.
27 - وقالوا في ص 152 (المقصد: من طعن أو رمي بسهم فلم يخطئ مقاتله) والصواب (فلم تخطأ) لأن المقصد بضم المقصد بضم الميم وفتح الصاد مذكر ولأن الفعلين السابقين مبنيان للمجهول.
28 - وقالوا في ص 154 (والبلاقع: جمع بلقع وهي الأرض القفراء) والصواب (القفر أو القفرة) فلا قفراء في العربية بهذا المعنى ونظن وأن هذا الوهم من وجودهم (قرا) في القوافي وظنهم أنها مقصورة من (قفراء) لضرورة الشعر. وفي ص 195 من هذا الجزء.
وبجيد آدم شادن خرق ... يرعى الرياض بلدة قفر
29 - وقالوا في ص 172 (وفي سائر النسخ - متزوجة بابن عم - قال في اللسان نقلا عن التهذيب: وليس من كلامهم، تزوجت بامرأة ولا زوجت منه امرأة، وقوله تعالى: وزوجناهم بحور عين، أي قرناهم بهم، وقال الفراء تزوجت بامرأة لغة في أزد شنوءة) أهـ. قلنا: فما لكم قلتم في هامش ص 233 (تزوج الثريا بسهيل)؟. أما (زوجه منها) فنراه فصيحاً، ففي ص 341(8/234)
من هذا الكتاب قول نصيب (أزوجت أبني هذا من ابنة أخيك) وفي الأغاني (3: 363) قول أبي عبيدة (خطب النوار. . . وكان أبن عمها دنيه ليزوجها منه)
وفي الكامل 2: 107 ما نصه (فخطب عبد الله فزوجها من المصعب) وفي ص 62 يذكر امرأة تزوجت من غير كفء) وفي 3: 122 ما نصه (فتكلم الحسين فزوجها من القاسم) وبعد هذا قول الحسين بن علي عليهما السلام لمروان (فتكلمت أنت فزوجتها من عبد الله بن الزبير) وأما (زوجها به) فقد ورد في ص 484 من جزء الأغاني هذا وهو قول جندب بن عمرو ل (عمر بن الخطاب) رضي الله عنه (يا أمير المؤمنين، أن وجدت لها كفئاً فزوجه بها ولو بشراك نعل).
وأما (تزوج بها) ففصيح: وفي الكامل 2: 167 قول الوليد بن عبد الملك لعلي بن عبد الله بن العباس (إنما تتزوج بأمهات الخلفاء) وسيستغني القارئ بما ذكرنا له عن مراجعة معاجمنا الناقصة. وبما في الأساس ونصه (وتزوجت فلانة وبفلانة وزوجنيها فلان وزوجني بها) وبما في المصباح ونصه (قال الأخفش ويجوز زيادة الباء فيقال: زوجته بامرأة كتزوج بها.
30 - وقالوا في ص 122 (يريد أنهن بعد أن تأملن في أنكرنني بعد أن عرفنني) وفي الجملة غلطان أولهما تعديتهم (تأمل) بفي وهو متعد بنفسه دائماً والآخر جعلهم (إنكارهن له) بعد التأمل وبعد العرفان معاً ولا يصح ذلك فلا يقال (جئت بعد أن خرجت، بعد أن جلست) فالصواب (أنهن تأملنني فأنكرنني بعد أن عرفنني).
31 - وورد في ص 191 قول عمر أبي ربيعة (فخرجت خوف يمينها فتبسمت) وفي الكامل 1: 205 (فخرجت خفيفة قولها فتبسمت).
32 - وقالوا في ص 236 (المراد أنه أرسل لها كتاباً مكتوباً) والصواب (بكتاب) لأنه لا يرسل وحده فيكون على حد قوله تعالى (وأني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع المرسلون) ولا يجوز إرادة (أرسله بمعنى أطلقه) كما جاء وهما في شرح الطرة.
بغداد: مصطفى جواد(8/235)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
1 - المكان العربيان يتلاقيان
نهض صاحب الجلالة ملكنا المحبوب من حاضرته في الساعة التاسعة والربع من مساء الخميس 20 فبراير (شباط) فركب القطار وشيعه أصحاب المعالي الوزراء وحضرات الأعيان والنواب ورؤساء الدواوين. وكان في القطار فخامة السير فرنسيس همفريز المعتمد السامي ومعه قرينته وكريمته وقائد القوات الجوية في العاصمة.
وفي اليوم الثاني في الساعة الخامسة وصل القطار إلى محطة معقل في البصرة ومنها سار الموكب إلى الباخرة العراقية (نرجس) ومنها إلى الباخرة الإنكليزية التي تمت فيها مواجهة الملكين الجليلين فطابت ثمرتها إذ وقع الاتفاق على أسس المعاهدة وفي 24 فبراير أبرق ممثلو الصحف الثلاثة (رفائيل بطي عن (البلاد) وسليم حسون عن (العالم العربي) واميل كرمي عن (الأوقات البغدادية)) هذه البرقية (في 23 فبراير):
(توالت اجتماعات الوفدين بنجاح عظيم وحصل الاتفاق على أسس المعاهدة التي ستعقد وقبلت نجد النظرية العراقية في كيفية حل مسألة المخافر، وتسوية المنهوبات، وحسن الجوار، وحسم سائر المسائل المعلقة والمأمول توقيع الأسس اليوم. وأقيمت الآن مأدبة فخمة لتكريم الملك أبن سعود في الباخرة العراقية التي رست في الفاو ظهراً.
(وفي 24 فبراير): انتهت الاجتماعات أمس بالاتفاق: أولاً على التحكيم في قضية المخافر بعد بضعة أشهر - ثانياً تأليف محكمة من الفريقين لتسوية المنهوبات حسب معاهدة بحرة - ثالثاً تأجيل البحث في تبادل المجرمين - رابعاً إطلاق حكومة العراق سراح أبن مشهور وإتباعه الذين نالوا أمان أبن سعود - خامساً تم التفاهم على مشروع اتفاقية حسن الجوار المتضمنة المناسبات المتقابلة على الحدود والصلات الودية والتمثيل السياسي وتنقل عشائر الطرفين وتعاون الطرفين على الحدود.(8/236)
سيجري عقد هذه الاتفاقية بعد سبك صيغتها النهائية - سادساً يعقد مؤتمر لإنجاز كل هذه المسائل بعد الحج - تبودلت المكاتبات الرسمية بهذه النتيجة - تحركت الباخرة صباح اليوم عائدة - يصل الموكب بغداد قبل ظهر الثلاثاء (25 فبراير).
2 - وفاة الشيخ شعلان أبو الجون
أنتقل إلى دار البقاء في 29 ك 2 (يناير) الشيخ شعلان أبو الجون رئيس عشيرة الظوالم وكان من أعلام الثورة الوطنية في سنة 1920 ونائباً عن الديوانية في المجلس التأسيسي وكان ممن صرحوا برفض المعاهدة والانتداب البريطاني رفضاً باتاً، تغمده الله برحمته.
3 - الكرنك لورنس في كردستان وسورية وشرقي الأردن
أشاعت صحف العراق أن الكرنك لورنس كان في هذا الشتاء في ديار كردستان فكذبت الخبر مديرية المطبوعات ثم جاء في جريدة (القبس) الدمشقية أن الكرنك المذكور مر ببيروت متخفياً وأقام فيها يومين بزي بدوي. ثم ذهب منها إلى شرقي الأردن فاعتقل في عمان عاصمة شرقي الأردن باسم نكرة أي باسم إنكليزي بزي بدوي يتقن العربية.
4 - القاصد الرسولي
هبط الحاضرة في الساعة الرابعة يوم الأحد 16 شباط (فبراير) سيادة القاصد الرسولي انطونين درابية رئيس أساقفة نيكسار ومعه الأب روسل الدمنكي رئيس مبعث الموصل فاستقبله أرباب الدين النصراني بجميع طبقاتهم ورحبوا به أعظم ترحيب وخرج بين يديه طلبة المدارستين اللاتينية والسريانية وتلميذات الراهبات فكان لقدومه استقبال حافل ندر أن يكون له نظير ونزل سيادته ضيفاً على الباء الكرملين. فأهلا به وسهلاً.
5 - تسليم الثوار النجديين
كان فيصل الدويش وابن حثلين وأبن لامي ومن لف لفهم ثاروا على أبن سعود ملك نجد والحجاز وفي نيتهم أن يقلبوا الحكومة رأساً على عقب فطاردهم الملك الباسل حتى لم يبق لهم ملجأ يلوذون إليه فاضطروا إلى أن يسلموا أنفسهم إلى الإنكليز ليتقوا الموت الزؤام. فألح صاحب الجلالة السعودية على الإنكليز أن يسلموا إليه هؤلاء الشيوخ المفسدين فأبوا في أول الأمر ثم ألح فألحف في الطب حتى دفعوهم إليه في 28 يناير وكان الإنكليز قد نقلوهم إلى دراعة(8/237)
لهم في البحر على متن طيارة.
6 - أبن مشهور
ابن مشهور شيخ من شيوخ الرولة وأبن عم نوري الشعلان رئيس الرولة في سورية. وكان أبن مشهور في الأراضي النجدية مع من ينتسب إليه وبعد نشوب ثورة الدويش أنضم إليه ولما دحر هذا الشيخ ومن معه فر أبن مشهور مع أتباعه إلى حكومة العراق ويقال أن حكومة أبن سعود تطلب تسليمه إليها وتطالب به أيضاً السلطة الفرنسية في سورية. ثم عفا عنه وعن إتباعه جلالة ابن سعود فأطلقت الحكومة العراقية سراحه.
7 - كسوة الحكم والقضاء
صدرت الإرادة الملكية بأن يرتدي الحكام والقضاء في أثناء المرافعات منذ 1 نيسان 930 بالملابس الآتية: -
1 - معطف أسود ذو كمين عريضين مستطيلين (2) طوق أبيض منشى (3) ربطة بيضاء (4) سيدارة سوداء وفقاً للأمثلة المحفوظة في ديوان وزارة العدلية.
أما الذين يرتدون اللباس العلمي فعليهم أن يلبسوا حبه سوداء أثناء المرافعات.
7 - كيفية تسليم الثوار إلى أبن سعود
قال أحد القادمين من معسكر أبن سعود: شاهدت الثوار في أثناء تسليمهم، وقد حشدوا في خيمة وضع عليها الحرس الكافي وفي هذه الخيمة قيدت أرجلهم وأيديهم بسلاسل من حديد وبعد هنيهة حضر جلالة الملك فوقف يشاهدهم وعلامات الكدر مرتسمة على وجهه الكريم بصورة واضحة شفقة على أولئك الجهلاء الذين خدعوا فتورطوا بحمأة الشقاء والتعس فاستحقوا لعنات التاريخ من جراء الأعمال المنكرة التي ارتكبوها وبعد أن بقي الملك واقفاً يشاهد هذا المنظر المؤلم زهاء خمس دقائق عاد إلى مقره وأمر أمراً باتاً بإرسال الثوار مخفورين إلى الرياض حيث يبقون مسجونين ريثما يعود جلالته إليها فتحكم الشريعة في مصيرهم.
هذا ويتذكر القراء أن الزعماء المذكورين سلموا إلى السلطة البريطانية في 8 كانون الثاني في منطقة الكويت وعلى هذا لم يتجاوز بقاؤهم في أسر الإنكليز عشرين يوماً، وهكذا كان موقف الحزم الذي وقفه الملك عبد العزيز آل سعود بازاء قضية التجاء زعماء(8/238)
الثوار إلى الحكومة البريطانية أثره البليغ في هذه القضية فقد أضطر الإنكليز في سواحل الخليج
الفارسي إلى النزول على الأمر الواقع فسلموا الثوار إليه، وبعد تسليم الثوار فوزا مبيناً لسياسة ابن سعود يستحق عليها التهنئة من جميع المشتغلين بالقضية العربية.
8 - حكومة أبن سعود تعترف بحكومة أفغانستان الحالية
تفيد أخبار الحجاز أن حكومة جلالة الملك أبن سعود أبلغت وزارة خارجية أفغانستان رسمياً الاعتراف بها على لسان البرق وهذا نص البرقية التي أرسل بها وكيل الشؤون الخارجية ودونكها بحروفها:
وزير الخارجية الأفغانية - كابل لقد أحطت علم حكومة جلالة الملك ببرقيتكم التي نقلتم إلي فيها خبر انتهاء الفتنة الأهلية في أفغانستان وانتخاب الأمة الأفغانية بالإجماع لحضرة صاحب الجلالة محمد نادر خان للجلوس على عرش المملكة ونظراً للروابط الدينية والعواطف الإسلامية المتبادلة بين بلادينا فقد حكومة جلالة الملك هذا النبأ بكمال السرور وعهدت إلي أن أبلغكم رسمياً أنها تعترف في هذا اليوم بحضرة صاحب الجلالة محمد نادرخان ملكاً على أفغانستان.
فؤاد حمزة وكيل الشؤون الخارجية
9 - مدير المعارف العام
قدم صاحب السعادة رشيد بك الخوجة من ديار مصر في أواخر العقد الثاني من شهر شباط (فبراير) وباشر أعماله الجديدة نهار الخميس ال 20 منه. فنتمنى له النجاح والسعي الحثيث في هذه الإدارة.
10 - المفتش المالي العام
انتهت خدم سعادة اسقان بك المفتش المالي العام منذ صباح أول شباط من هذه السنة. فأسف موظفو الوزارة على فاقة لما أظهره من الاستقامة وحسن الإدارة والكفاية في مدة السنوات الخمس التي قضاها في خدمة وزارة المالية وكان في أثنائها موضع تقدير واحترام جميع الموظفين من عراقيين وبريطانيين. ومثال جد واجتهاد نادر المثال.
11 - وكيل المفتش المالي العام
أودعت وزارة المالية وظيفة المفتش المالي العام وكالة إلى عهدة يوسف بك عز الدين آل إبراهيم باشا الهمام(8/239)
من الدرجة الأولى وباشر وظيفته منذ أول فبراير.
12 - وفاة ممتاز بك
استأثر الله ليلة 6 فبراير (شباط) بممتاز بك أبن رشيد أفندي الدفتري ووالد علي بك المعاون لمديرية الواردات العامة فتوفي فجأة ومشى في موكبه المهيب كبار موظفي الدولة وجم غفير من وجوه البلدة.
نشأ الفقيد في دار السلام وتلقى علومه في المدرسة الملكية الشاهانية في الآستانة وعين بعد ذلك قائم مقام في عدة مدن من العراق وبعد نشوب الحرب العظمى بسنتين أحيل إلى الاستراحة وفي سنة 1920 قبل أن يكون قائم مقام في الكاظمية أجابه لإلحاح الأصدقاء عليه وكان أول قائم مقام نصب بعد تسلم الدولة العراقية الحكم في هذه الديار وبقي هناك أربعة أشهر ولما شاهد الثورة العراقية مشتعلة والمحتلين يشدون الإرهاق استعفى ولازم دارة إلى أن وافاه القدر المحتوم وكان قد بلغ من السن الثالثة والستين فنقدم إلى المنتمين إليه ولا سيما نجله النجيب علي بك عبارات التعزية والسلوان.
13 - انتشار الأمراض الاجتماعية في العراق
انتشر القمار والفحش وشرب المسكرات انتشارا هائلاً في العراق وقد حملت لها عليها. أما القمار فأنه دخل بيوت الخواص فضلاً عن بيوت العوام والأندية والمقاهي وشوارع المدينة. والمومسات يتنزهن في الأزقة وفي السيارات والعجلات داعيات الشبان إليهن. والمسكرات أفلست أرباب البيوت إذ كثيراً ما يرى أصحابها يتركون عيالهم يتضورون وهم يصرفون أموالهم على مشترى تلك المسكرات ويعاقرونها من غير رحمة وحنان على أفلاذ أكبادهم فعسى أن تأخذ الحكومة الوسائل الفعالة لقطع دابر هذه الأدواء الهائلة النتائج.
14 - عشائر المياح والبيكات
اختلفت عشائر من قبائل البيضان وقبائل البيكات في أرض السكنى والحكومة ساعية في إصلاحه ذات البين بين الجمعين.
(تصحيحات)
ص 164 س 24 إلى: على - ص 169 س 8 ضفة: ضفتي - ص 183 س 1 يقتص: يقتنص - 205 س 9 بن: بين.(8/240)
العدد 79 - بتاريخ: 01 - 04 - 1930
الفتوة والفتيان قديما
الكشف والكشافة حديثاً
الفتوة مذهب حيوي ديني سلك بعد ظهور الإسلام لتهذيب الأخلاق ونعش النفوس وبث العبقرية وتوكيد المؤاخاة بين الناس والدعوة إلى الفضائل والشجاعة والتجافي عن الرذائل والجبن. فالفتوة عند الفتيان هي استجماع النعوت الكريمة والأخلاق القويمة والطباع السليمة والجراءة والإقدام ولا سيما السخاء والكرم.
مبعث الفتوة
إن الفتيان ينسبون طريقتهم هذه إلى الإمام علي عليه السلام على ما سنذكره من الحوادث فهو قدوتهم فيه وفيه أسوتهم ويؤمنون بأنه أول الفتيان وأقدسهم لورود (لا فتى إلا علي ولا سيف إلا ذو الفقار) في فتوته المقدسة وشجاعته الفذة. وقد قال الشريف الجرجاني في كتاب (التعريفات) الفتوة في اللغة: السخاء والكرم. وفي اصطلاح أهل الحقيقة: هي أن تؤثر الخلق على نفسك بالدنيا والآخرة) وباستمرار الأزمان على الفتوة صارت رتبة تقام لها الإقامات والحفلات ولها شعار ولباس خاصان بها فأشبهت الرتب السلطانية التي يوصل(8/241)
إليها الخليفة أو من ينوب عنه ونقل جرجي زيدان في (153: 5) من تاريخ التمدن الإسلامي أن الناصر لدين الله العباسي كتب سنة 607هـ إلى ملوك الأطراف الذين يعترفون بخلافته أن يشربوا له كأس الفتوة ويلبسوا سراويلها وأن ينتسبوا إليه في رمي البندق ويجعلوه قدوة لهم.
التفتي وشعار الفتوة
يقال: فتى فلان فلانا تفتيه أي جعله فتى من الفتيان. فتفتى هو أي صار فتى. أما شعار الفتوة فقد كان (سراويل) تسمى سراويل الفتوة وينقش صورة كأس أو سراويل أو صورة كلتيهما فيتخذ الفتى هذه الصورة رمزا إلى انه من الفتيان. وإذا رغب امرؤ في التفتي فتقام له إقامة يشهدها الفتيان فيلبس سراويل الفتوة ويشرب كأس الفتوة. وفي صفحة 80 من نسختنا الخطية لتاريخ (الحوادث الجامعة) في حوادث بغداد وما جاورها ما نصه (وفيها -
أي سنة 646 الهجرية - توفي جلال الدين عبد الله بن المختار العلوي الكوفي. كانن عريق النسب كبير القدر أديبا فصيحا، حفظ القرآن في نيف وخمسين يوما. . . وكان يحضر عبد الخليفة الناصر في رمي البندق والفتوة ولعب الحمام، وكان يفتى فيه ويرجع إلى قوله، ولم يزل على ذلك إلى أيام الخليفة المستنصر بالله فأشار عليه أن يلبس سراويل الفتوة من أمير المؤمنين علي عليه السلام وأفتى بجواز ذلك فتوجه الخليفة إلى المشهد ولبس السراويل عند الضريح الشريف، وكان هو النقيب في ذلك) اهـ فالتفتية إذن كانت من حق العلويين ولها عظمة وآبهة يتشرف بها الخلفاء فكيف السوقة؟ وفي صفحة 236 من تاريخ الفخري كلام في الناصر لدين الله منه: (وسمع الحديث النبوي صلوات الله على صاحبه وأسمعه، ولبس لباس الفتوة وألبسه وتفتى له خلق كثير من شرق الأرض وغربها ورمى بالبندق ورمى له ناس كثير) فالناصر لدين الله كان رئيس الفتيان في زمانه وكان الرماة يرمون باسمه والظاهر لنا من هذا انهم يذكرون اسمه حين الرمي.(8/242)
تطورات الفتوة
حكم التطور جار على كل أمور الدنيا ولذلك تطورت الفتوة أطوارا شتى فدخل فيها الغناء ورمي البندق وتطيير الحمام للمسابقة وقد دعا ذلك إلى تسطير كتب في انساب الحمام كما ألفوا قبلا كتبا في انساب الخيل ومن براهين ذلك أن عبد الله بن المختار العلوي عين كاتب شرائج الحمام ولم يزل على ذلك إلى أيام المستعصم بالله وقد ضبط أنسابها في الدساتير.
وفي سنة 626هـ نفذ (فخر الدين أبو طالب احمد بن الدامغاني) والشيخ (أبو البركات عبد الرحمن) والأمير (فلك الدين محمد بت سنقر الطويل) إلى (جلال الدين منكوبري بن خوارزمشاه) وهو يومئذ على مدينة (خلاط) محاصرا لها ومع هؤلاء تشريفات وكراع ولباس الفتوة، وقد وكل الخليفة المستنصر (فخر الدين بن الدامغاني) والشيخ أبا البركات في تفتيته، وكان هؤلاء الثلاثة المرسلون صادفوه خارج مدينة (خلاط) للحصار فخلعوا عليه ما أرسل به الخليفة إليه والبسوه سراويل الفتوة.
وفي سنة 634 حضر (عبد الله الشرمساحي مدرس المالكية بالمدرسة المستنصرية (بالبدرية) عند شرف الدين إقبال الشرابي وأنعم عليه بلباس الفتوة نيابة عن الخليفة) ذكرنا هذه الحوادث ليتحقق القارئ أهمية الفتوة وتنفيذها.
الفتوة في زمن الأمويين
روى أبو الفرج الأصفهاني في ص245 ج2 من الأغاني في أخبار (حنين الحيري) المغني ما نصه: (كان حنين غلاما يحمل الفاكهة بالحيرة وكان لطيفا في عمل التحيات فكان إذا حمل الرياحين إلى بيوت - الفتيان - ومياسير أهل الكوفة وأصحاب القيان والمتطربين إلى الحيرة ورأوا رشاقته وحسن قده وحلاوته وخفة روحه استحلوه) فهذا الخبر يدل على أن الفتيان في ذلك العهد قد عكفوا على التنعم واستهوتهم الملاهي وتمكنوا من الدرز وقد وصف لنا عيشتهم بما رواه في ص246 عن حنين نفسه، قال حنين (خرجت إلى - حمص -(8/243)
التمس الكسب بها وارتاد من استفيد منه شيئا فسألت عن - الفتيان - بها وأين يجتمعون فقيل لي: عليك بالحمامات فانهم يجتمعون بها إذا أصبحوا، فجئت إلى أحدها فدخلته فإذا فيه جماعة منهم، فأنست وانبسطت وأخبرتهم أني غريب ثم خرجوا وخرجت معهم فذهبوا إلى منزل أحدهم فلما قعدنا أتينا بالطعام فأكلنا وأتينا بالشراب فشربنا فقلت لهم: هل لكم في مغني يغنيكم؟ قالوا: ومن لنا بذلك؟ قلت: أنا لكم به هاتوا عودا فأتيت به فابتدأت في هنيات أبي عباد معبد فكأنما غنيت للحيطان لا فكهوا لغنائي ولا سروا به) اهـ وليس لهؤلاء الفتيان مزية سوى إضافة الضيفان وإعانة اللهفان، إذ ليس في هذه الأخبار ما يدل على التأله.
الاخية فرقة من الفتيان
ذكر ابن بطوطة في رحلته جماعات (الاخية) وواحدهم (أخي) مضافا إلى ياء المتكلم ورئيسهم (أخي) أيضاً وأنهم بجميع البلاد التركمانية الرومية في كل بلد ومدينة وقرية ووصفهم بأنهم لا يوجد في الدنيا مثلهم اشد احتفالا بالغرباء من الناس وأسرع إلى إطعام الطعام وقضاء الحوائج والأخذ على أيدي الظلمة وقتل الشرط ومن لحق بهم من أهل الشر ورئيسهم رجل يجتمع أهل صناعته وغيرهم من الشبان الأعزاب والمتجردين ويقدمونه على أنفسهم ويبني الرئيس زاوية ويجعل فيها الفرش والسرج وما يحتاج إليه من الآلات أم اتباعه فيسعون في النهار في طلب معايشهم ويأتون إليه بعد العصر بما اكتسبوه فيشترون به الفواكه والطعام إلى غير ذلك مما ينفق في الزاوية فان ورد في ذلك اليوم مسافر أنزلوه
عندهم ولا يزال عندهم حتى ينصرف وان لم يرد وارد اجتمعوا هم على طعامهم فأكلوا وغنوا ورقصوا وانصرفوا إلى صناعاتهم في الغدو وأتوا بعد العصر إلى مقدمهم بما تيسر لهم ويسمون بالفتيان ويسمى مقدمهم الاخي ووصفهم أن لباسهم الأقبية وفي أرجلهم الأخفاف وكل واحد منهم متحزم على سكين طوله ذراعان وعلى رؤوسهم قلانس بيض من الصوف بأعلى كل قلنسوة قطعة موصولة بها في طول ذراع وعرض إصبعين، هذه خلاصة ما ذكره ابن(8/244)
بطوطة في كلامه على مدينة (أنطالية).
وقال في مدينة قونية (نزلنا منها بزاوية قاضيها ويعرف بابن قلمشاه وهو من الفتيان وزاويته من اعظم الزوايا له طائفة كبيرة من التلاميذ ولهم في الفتوة سند يتصل إلى أمير المؤمنين علي أبن أبي طالب عليه السلام ولباسها عندهم السراويل كما تلبس الصوفية الخرقة) اهـ كلامه بنصه، وهذا الخبر يؤيد ما قلناه من أن الفتيان ينتسبون إلى علي عليه السلام.
الفتوة المذهبية
قال ابن جبير الكناني في ص 260 من رحلته مطبعة السعادة (وسلط الله على هذه الرافضة طائفة تعرف بالنبوية سنيون يدينون - بالفتوة - وبأمور الرجولة كلها وكل من ألحقوه بهم لخصلة يرونها فيه منهما يحرمونه السراويل فيلحقوه بهم ولا يرون أن يستعدي أحد منهم في نازلة تنزل به، لهم في ذلك مذاهب عجيبة وإذا اقسم أحدهم بالفتوة بر قسمه وهم يقتلون هؤلاء الروافض أينما وجدوهم وشأنهم عجيب في الألفة وائتلاف) اهـ من كلامه على مدينة دمشق وهو يدل على أن الفتوة في تلك الربوع كانت تعصبية بحتة ولا خلاص من التعصب فانه مباءة كثير من الأرواح والدين مع النفس والحق مع العقل ولا يغلب عقل امرئ نفسه إلا بتوفيق من الله عظيم.
الرمي في الفتوة
كان غالب رمي الفتيان لإظهار الحذق والمهارة وقد كان صبيان المدينة المنورة في زمن الأمويين يتدربون على رمي السهام عن القسي للتمرن واللعب واستفاض ذلك بين الناس حتى كان بعض الخلفاء الأمويين يقضي هو ووليجته الأوقات في الرمي إلى هدف معلق
في الهواء تسلية للنفس وتمرنا على هذا الفرع من فروع الشجاعة فقد روى مؤلف كتاب (صحيفة الأبرار) ص361 من الجزء الأول عن دلائل الطبري أن هشام بن عبد الملك أمر بأشخاص محمد بن علي الباقر وابنه جعفر الصادق (ع) إلى دمشق فاشخصا ودخلا عليه قصره وهو قاعد على سرير الملك وجنده وخاصته وقوف على أرجلهم متسلحين وقد نصب البرجاس حذاءه وأشياخ قومه يرمون فقال هشام لمحمد الباقر (ع) يا محمد ارم مع أشياخ قومك(8/245)
الغرض، يريد أن يظهر عجزه ويضحك منه فاستعفى الإمام من ذلك فلم يعفه فتناول عند ذلك قو شيخ من الأشياخ ثم تناول سهما فوضعه في كبد القوس ثم انتزع ورمى وسط الغرض فنصب السهم فيه ثم رمى فيه ثانية فشق فواق سهمه إلى نصله ثم تابع الرمي حتى شق تسعة اسهم بعضها في جوف بعض وهشام يضطرب في مجلسه فلم يتمالك أن قال: أجدت يا أبا جعفر وأنت أرمى العرب والعجم هل زعمت انك كبرت عن الرمي؟ ثم قال: يا محمد لا يزال العرب والعجم يسودها قريش ما دام فيها مثلك لله درك من علمك هذا الرمي وفي كم تعلمته؟ فقال له الإمام: قد علمت أن أهل المدينة يتعاطونه فتعاطيته أيام حداثتي ثم تركته فلما أراد أمير المؤمنين من ذلك عدت فيه، فهذا دليلنا على ما ذكرناه من أن الرمي كان يتعاطاه الشبان ضربا من الشجاعة واللهو ولإقبال الناس على هذا الضرب من اللهو تنوع الرمي ففي ص 256 من شرح الطرة قول الحريري: (ويقولون للقناة الجوفاء التي يرمى عنها بالبندق: زربطانة والصواب: سبطانة) قال الشارح: (واستعمال زربطانة واقع في كلام المولدين كقول ابن الحجاج:
به ترمي لحى متعشقيها ... كما يرمي الفتى بالزربطانة
وفي مادة (ح س ب) من المصباح المنير ما عبارته: (وقال الأزهري: الحسبان مرام صغار لها نصال دقاق يرمى بجماعة منها في جوف قصبة فإذا نزع في القصبة خرجت الحسبان كأنها قطعة مطر فتفرقت فلا تمر بشيء إلا عقرته) وقال في ب د ق (والبندق أيضاً ما يعمل من الطين ويرمى به الواحدة بندقة) وقال في ج ل هـ (والجلاهق بضم الجيم: البندق المعمول من الطين الواحدة جلاهقة وهو فارسي لان الجيم والقاف لا يجتمعان في كلمة عربية ويضاف القوس إليه للتخصيص فيقال: قوس الجلاهق) وكان الرماة يتخذون البندق من الحجارة والرصاص ايضا، ونقل جرجي زيدان في 153: 5 من تاريخ التمدن
الإسلامي عن 90: 3 من تاريخ ابن الأثير أن العرب اقتبست لعبة الرمي بالبندق في أواخر عثمان بن عفان (رض) ونقل عن الأغاني 93: 20 أن رماة البندق في العصر العباسي طائفة كبيرة يخرجون إلى ضواحي المدن يتسابقون في رميه على الطير ونحوه، وقال في ص154 (ومن قبيل رمي البندق رمي النشاب في(8/246)
البرجاس وهو غرض في الهواء أو على رأس رمح أو نحوه يطلبون إصابته بالنشاب وهي لعبة فارسية أول من لعبها من الخلفاء الرشيد) قلنا: وهذا وهم منه فقد قرأت في ما نقلنا لك أن وليجة هشام بن عبد الملك كانت تتعاطى هذه اللعبة في مجلسه معه وروى مؤلف الحوادث الجامعة أن أحد أمراء الدولة الأيوبية كان يرمي الحمام في بيت الله الحرام بالبندق عدوانا على حرمته، ونرى انه قد نقض بفعله المثل المشهور (آمن من حمام مكة) وورد في ص17 من كتاب مناقب بغداد أن الوزير (عميد الدولة أبا منصور) خط السور على الحريم من بغداد سنة ثمان وثمانين وأربعمائة وشرع الفعلة في بنائه وأذن للناس في الفرجة فعمل أهل سوق المدرسة قلعة خشب تسير على عجل وفيها الغلمان يضربون بقسي البندق والنشاب.
الفتوة وصيد السباع
في سنة 640 الهجرية سأل جماعة من شبان محال بغداد أن يؤذن لهم في الخروج إلى قتل السباع فأذن لهم جريا على القاعدة القديمة في أيام الخليفة الناصر لدين الله وانعم عليهم بشيء من البر فاجتمع من كل محلة جوق اللعابة بالدفوف والزمور والمغاني وسائر الملاهي. وكان هؤلاء الشبان كثيرا ما يتواثبون بعضهم على بعض على حسب المحال فيحدثون في بغداد فتنة كبيرة يكون القتل فيها من اسهل الأمور وان هذه الافعال مضادة للفتوة على الحقيقة والغالب في طرق الإصلاح أن تترامى الناس بها إلى الفساد، ومثل هذا الانقلاب انقلبت الفروسية التي نشأت في أوربة في القرون الوسط فإنها بنيت على حماية المظلوم والنساء ودفع الشر على غرار الفتوة لكن الأوربيين لم يحافظوا على قواعدها فنشأ منها ما خالف قواعدها.
الاقامات لصيد الرماة
في سنة 634 وصل إلى بغداد (بشر) خادم الأمير (ركن الدين إسماعيل)(8/247)
ابن (بدر الدين
لؤلؤ) صاحب الموصل ونفران من رماة البندق ومعهم طائر قد صرعه (ركن الدين) وانتسب في ذلك إلى (شرف الدين إقبال الشرابي) فقبله وأمر بتعليقه فعلق تجاه (باب البدرية) وأمر أن ينثر عليه ألفا دينار ثم خلع على الخادم بشر والواصلين في صحبته وأعطاهم ثلاثة آلاف دينار. وفي سنة 635 علق (بباب البدرية) أيضاً طائر قيل انه رماه (كيخسرو بن كيقباذ) ملك البلاد الرومية ونثر عله ألف دينار وتولى هذه الإقامة أي الحفلة (عبد الله ابن المختار) العلوي الكوفي المار ذكره وكان مولد عبد الله سنة سبع وسبعين وخمسمائة. وهاتان الاقامتان من مرويات الحوادث الجامعة. إلا أن اسم (عبد الله بن المختار) ورد خلوا من (العلوي الكوفي) واغرب ما ننقله أن الرمي اثر في الشعر زمن العباسيين فاستعمل في الشعر ألفاظ رماة البندق والتشبيه بالطيور المصروعة. وقد روي في حوادث سنة 629. من الحوادث الجامعة قصيدة عن ذلك الغرار.
الفتيان والكشافة
يستنبط مما سبق أن الفتوة قديما تماثل الكشف حديثا وان الفتيان في الإسلام يضاهون الكشافة اليوم في الممالك المتمدنة والمتمادنة. ويستحسن استبدال الفتوة والفتيان بالكشف والكشافة وكأن الداعي إلى هاتين الأخيرتين (السر بادن باول) رئيس الكشافة الأعظم وهو رجل حديث العهد فالكشف والكشافة لا تميل إليهما الأذواق العربية. حتى أني قلت متكلفا في قصيدة نشرتها في مجلة الكشاف العراقي:
سميت كشافا وأنى يصلح ... خلل الحياة وناشر إرشادا
ومما تفاوت به فتيان جيلنا الفتيان القدماء: الاقتصاد: فإن أخبار أولئك مكتظة بإسرافهم وتجاوزهم حد الاقتصاد. وكذلك في الشفقة على الحيوان(8/248)
لا على الإنسان وحده. والرأفة بالحيوان من جلائل الإسلام ومهماته فمن وصية الإمام علي (ع) قبل وفاته (والله الله في ما ملكت أيمانكم (فانه كانت آخر وصية رسول الله صلى الله عليه وآله إذ قال: (أوصيكم بالضعيفين في ما ملكت أيمانكم) قال ابن أبي الحديد في 45: 2 من شرحه (يعني به الحيوان الناطق والحيوان الأعجم).
هذا ما تمكنا من استقصائه على قلة علمنا وهو شيء يسير عسى أن يجد فيه القارئ لذة علمية أدبية وما كل حديث يعاب.
بغداد: مصطفى جواد
جعفر باشا العسكري
أطلعتنا أنباء لندن أن كتيبة دورست دعت جعفر باشا إلى وليمة الائتلاف التي أقامتها في ليلة 27 شباط، وكتيبة دورست هي التي أسرت جعفر باشا في موقعة فرقة الفرسان التي حدثت في طرابلس وكان جعفر باشا العسكري ضابطا عراقيا في الجيش التركي في أوائل الحرب الكبرى وكان يقود السنوسيين في الهجوم بهم على مصر. فاسر في تلك الواقعة واعتقل في القلعة بمصر. ولكنه حاول الفرار من معتقله إذ فتل حبلا من البطانية التي أعطيها ليلتحف بها وحاول أن ينزل بهذا الحبل من سور القلعة فانقطع به وسقط في الخندق فأصيب بكسر في ساقه وقد نقل إلى المستشفى وهناك قرأ في الصحف أخبار الثورة العربية وأتلاف الأتراك أصدقاءه العرب فقرر في الحال عدوله عن إخلاصه لحكومة تركية والتحق بمعسكر الأمير فيصل (جلالة ملكنا اليوم) وأسندت إليه القيادة العامة لجيوش الأمير فاظهر كفاية تامة في القيادة. وهو الضابط الوحيد الذي نال وسام الصليب الحديدي من حكومة ألمانية ووسام سي. أم. جي. من بريطانية أثناء الحرب العظمى. وجعفر باشا دخل مؤخرا امتحان مدرسة الحقوق (في لندن) فادى هذا الامتحان بتفوق عظيم.(8/249)
(صورة) صاحب الفخامة جعفر باشا العسكري(8/250)
لواء البصرة
توطئة
لواء زراعي مشهور بكثرة النخيل وجودة التمور. يحده من الشمال لواء العمارة ومن الجنوب خليج فارس ومن الشرق بلاد إيران ومن الغرب الصحراء الشامية وتقدر نفوس سكانه بنحو 600ر165 نسمة جلهم من المسلمين. هواؤه رطب ثقيل وماؤه عذب لأنه يتكون من نهرين عذبين عظيمين هما دجلة والفرات ومعظم أراضيه تسقى سيحا لان المد والجزر الناشئين من جاذبية الشمس والقمر وسيلانية الماء هما العاملان الأساسيان في صعود الماء وهبوطه والمد هو الذي يروي أراضي هذا اللواء ويجعلها غابة كبيرة من النخل فالماء في شط العرب يعلو في كل 24 ساعة مرتين فيسقي الأراضي الكثيرة بدون استعمال آلات السقي المختلفة فإذا أتم فعله عاد إلى حيث أتى.
ولقد كان هذا اللواء بؤرة أمراض في ما مضى من الأعوام لان الحمى تشتد فيه أشهر الصيف إذ ترتفع الحرارة أحيانا إلى درجة 51 مئوية فتخلق أنواع الأمراض أما اليوم فبوسائل التنظيف والتبريد خفت وطأة تلك الأمراض بل تكاد تكون معدومة. على أن اشتداد الحرارة في هذا اللواء من أقوى العوامل الفعالة في نمو الأثمار ونضاجها وتروج التجارة فيه رواجا عظيما فهو مفتاح باب التجارة العراقية ومخزن من مخازنها المهمة.
مركز اللواء
مركز لواء البصرة، مدينة البصرة وهي عظيمة لم تكن في أيام الفرس وإنما مصرها العرب أنفسهم وقد مصرت قبل الكوفة بسنة ونصف على ما قال الشعبي والبصرة في كلام العرب: الأرض الغليظة التي فيها حجارة صلبة تقطع حوافر الدواب وقد أطلقوها على المدينة التي شيدها عتبة بن غزوان عام 15 للهجرة بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب وخلاصة أمرها أن خالد بن الوليد لما تقدم لفتح العراق عام 12هـ سار إليه والبحر ونزل في موضع يسمى (الابلة) وكان بلدا(8/251)
عظيما في زاوية الخليج الفارسي يتخذه الفرس مسالح لهم، فلما وصلت الأخبار إلى عمر عن تقدم المسلمين: ولى عتبة بن غزوان تلك الأطراف
وأمره أن يتخذ فيها مصرا للمسلمين فكان أول ما شيده عتبة في هذه البقعة مسجدا من قصب مع دار إمارة ثم صار المسلمون ينشئون المنازل من القصب أيضاً حتى إذا غزوا محلا نزعوا القصب وحزموه حالا فإذا عادوا من الغزو سالمين آمنين أعادوا المنازل إلى ما كانت عليه. ثم صارت البيوت تشيد بعد ذلك بالحجارة الصلبة فكثرت العمارة وتقدمت وصارت البصرة من الحواضر المهمة التي قل أن تماثلها بلدة بحسن عمارتها وعظمة بنائها وبهائها. ولم يلبث الدهر طويلا حتى قلب لها ظهر المجن فجعلها آكاما ترى اليوم على بعد ثمانية أميال من مدينة البصرة الحالية التي انتقلت إليها العمارة بعد خراب الأولى.
ولقد حدثت في هذه البقعة حوادث مهمة عظيمة ففيها التقى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) والسيدة عائشة (رض) وكانت قد خرجت لقتاله وهي على ظهر جمل فعرفت تلك الواقعة بواقعة الجمل. وفيها أسرف الخوارج في الفساد واستباحوا المنكرات حتى هزمهم الأمويين شذر مذر. وفيها وقعت حروب أبكار وعون بين الفرس والعرب حتى دخلت في قبضة آل عثمان عام 951هـ وكان آخر أمرها في دهرنا أن احتلتها الجيوش البريطانية في غرة المحرم الحرام سنة 1333 (22 تشرين الثاني 1914) ثم انتقلت إلى الحكومة العراقية الحالية بعد ذلك وهي تعلو عن سطح البحر ثماني أقدام وتبعد عن جتوبي بغداد 356 ميلا بالسكة الحديد التي أنشأتها الحكومة البريطانية أيام الاحتلال.
وفي هذه المدينة مبان جليلة وبيوت عامرة وجادات واسعة وخانات كثيرة ومساجد جميلة وفنادق أنيقة وحمامات منتظمة ومخازن تجارية مهمة ومدارس وكتاتيب عديدة وبساتين لا تحصى وجنائن لا تستقصي وغير ذلك من لوازم الحواضر الكبرى وهي تبعد عن ساحل شط العرب الأيمن بميل ونصف ميل في جهته الغربية وتقرب منها قصبة العشار الجميلة القاعدة على ضفة شط العرب اليمنى والتي هي اليوم بمثابة سوق للبصرة على رغم جسامة البصرة وكثرة جاداتها وبيوتها ومخازنها ونقاوة الهواء وعذوبة الماء فيها. وبين البصرة والعشار جادة(8/252)
مستقيمة معبدة لسير السيارات والاهلين. وعلى بعد بضع أميال من البصرة ميناء فخم ترسى عنده البواخر التجارية والحربية ولهذا الميناء رصيف صناعي بديع ويقدر خشبه وسائر أدواته بنحو ثلاثة ملايين ربية وهو الوحيد من نوعه في العراق.
تنظيمات اللواء الإدارية
يتقوم لواء البصرة من مركزه وثلاثة اقضيه مهمة. أما مركزه فمدينة البصرة التي تقدم البحث فيها. وأما اقضيته الثلاثة فهي - 1 - قضاء السيبة - 2 - قضاء شط العرب - 3 - قضاء القرنة. وها نحن أولا نبحث عن كل منها بقدر الإمكان.
1 - قضاء السيبة
هذا قضاء حديث أحدثته الحكومة في الآونة الأخيرة أن وبعد أن تحسنت الأمور بين العراق وجارته إيران ولا توجد فيه أي ناحية بل هو يتقوم من مركزه فقط. ومركزه دار حكم مع مخفر الشرطة واقعين في قرية السيبة الواقعة على ضفة شط العرب اليسرى في محل يقابل بلدة عبادان التابعة لإيران ويبعد عن جنوبي البصرة 35 ميلا.
2 - قضاء شط العرب
وهذا القضاء حديث أيضاً إلا أن توابعه قديمة في التنظيمات الإدارية وهو يتقوم من أربعة نواح مهمة وهي الزبير والهارثة وأبي الخصيب وشط العرب وتتبع كل هذه النواحي قرى عديدة بعضها كبير. أما مركز القضاء ففي مدينة البصرة نفسها. والبصرة احسن محل رأت الحكومة أن تتخذه مركزا لهذا القضاء الجسيم لتوسطه بين توابعه والنواحي الأربع المذكورة بعضها مهم وكبير وبعضها غير مهم ونبدأ الآن بالبحث في كل منها فنقول:
1 - ناحية الزبير (بالتصغير) مركزها قصبة الزبير وهي قصبة كبيرة جرداء واقعة على طف الجزيرة يحيط بها سور أنشأه الأتراك عام 1217هـ - 1802م لرد عادية الوهابيين لأنها احسن مكان يمكن اتخاذه حصنا للدفاع عن البصرة وما يجاورها. فيها من النفوس نحو 22. 000 نسمة معظمهم من النجديين وفيها مشهد الزبير بن العوام مقاما وسط صحن عظيم يدل مشهده على انه تجدد غير(8/253)
مرة. وتقع هذه القصبة بجوار طلول البصرة القديمة وتبعد عن الجنوب الغربي لمدينة البصرة الحالية 18 ميلا وليس فيها مياه جارية ولهذا يجمع سكانها مياه الأمطار في الحفر والخنادق حتى إذا صار الصيف حفروا الآبار لاستسقاء ما يسد حاجتهم من الماء كما أن مزارعها تروى بمياه الأمطار أيضا. وينمو أجود البطيخ في الزبير بكثرة فائقة وجميع البيوت فيها مبينة بالجص فهي بيض والزبير تعد
المرحلة الأولى في طريق البصرة للكويت ونجد وما يجاورهما.
وعلى بعد ميلين من الزبير قرية الشعيبة التي اكتسبت شهرة عالمية في الحرب الكونية حيث دارت فيها رحى الحرب بسرعة وفظاعة وقد اتخذت الآن مطارا للقوة الجوية البريطانية في العراق.
2 - ناحية (الهارثة) ناحية جسيمة ذات انهار غزيرة المياه كثيرة النخيل تقع على ضفة شط العرب اليمنى وفيها مساكن للزراع لا بأس بها وعدد النفوس فيها ثلاثة آلاف يشتغل بعضهم بنسج الأعبئة الممتازة.
3 - ناحية (أبو الخصيب) ناحية جسيمة أيضاً تخترق أراضيها الشاسعة الجداول الكثيرة المتشعبة من شط العرب وهي غابة من النخيل تمتد على شط العرب في ضفته اليمنى إلى مسافة بعيدة. ولما كان معظم البصريين أصحاب مقاطعات ونخيل فيها شيدوا لهم قصورا بديعة سامقة تطل على شط العرب فتخيل للناظر إليها أنها جنة من جنان الدنيا وحديقة من حدائقها الغن. ولقد كانت قبل مدة وجيزة قضاء فأصبحت اليوم ناحية.
وفيها زهاء 7800 نسمة جلهم من الزراع وبالغرب منها قبور لبعض الصحابة منهم عبد الرحمن بن عوف والمقداد بن الأسود الكندي وغيرهما. وحالتها المالية حسنة جدا وأهلها مشهورون بالكرم.
4 - ناحية (شط العرب) مركزها التنومة (بتشديد النون) وهي قرية حقيرة قائمة على ضفة شط العرب اليسرى في محل يقابل قصبة العشار تماما. فيها بعض الصرائف والأكواخ التي يسكنها الفلاحون الذين يقومون بخدمة البساتين التابعة لها وتعد (التنومة) المرحلة الأولى في طريق البصرة إلى المحمرة وعبادان وما جاورهما.(8/254)
3 - قضاء القرنة
القرنة محل اقتران دجلة بالفرات ولفظها اسم من الاقتران كالفرقة من الافتراق وكان الرومانيون يسمون محل اقتران الفراتين في القرن الأول للميلاد (دقبة أو دجبة) حيث كان يلتقي الفراتان. وفي أواسط القرن الثاني للميلاد كان النهران يجتمعان عند مدينة (افامية) وفي عهد ياقوت كانا يجتمعان في (مطارة) قال ياقوت في معجمه (مطارة من قرى البصرة على ضفة دجلة والفرات في ملتقاهما بين المذار والبصرة) وذكر الحاج خليفة في كتابه
(جهان نما) أن دجلة كانت تلتقي هي والفرات في موضع يسمى (الجوازر) لان المياه كانت تجزر هناك. فالقارئ يرى مما تقدم ذكره أن محل اقتران دجلة والفرات تسمى بأسماء مختلفة كان آخرها (القرنة) وقد كانت قلعة قديمة تصد الهاجمين على البصرة. واتفق أن هذه القلعة تهدمت في أيام آل افراسياب فقام بتجديد بنائها علي باشا جد هذه الأسرة ونسبت إليه أياما حيث سميت (العلية) فلما طوي بساط آل افراسياب استرجعت القلعة اسمها القديم وهو القرنة. ولم يظهر حتى الآن من يرشدنا إلى تاريخ بناء هذه القلعة أو الشخص الذي بناها إلا أن بعض المؤرخين يذكرون أن القرنة كانت أول مركز للشيعة في العراق بعد واقعة الجمل ومما يؤيد هذا القول وجود قبر عمر بن زين العابدين فيها يؤمه الناس.
والقرنة اليوم مركز للقضاء المسمى باسمها وهي قصبة جميلة المنظر تمتد على ساحلي دجلة والفرات فيها 2500 نسمة وحالتها الاقتصادية منحطة وسير العلم فيها مهمل ومبانيها متوسطة وأسواقها متناسبة مع أهميتها التجارية وطرز بنائها. ويشاهد فيها إلى اليوم آثار شجرة قديمة مشهورة عند أهلها باسم (البرهام) ويزعم أهلها أنها من زمن آدم (ع) (كذا) ويقول البعض أنها من زمن المسيح (ع) وقد اعتاد البلة من السكان هناك أن يشدوا الخرق حولها ويطلوا المحيط بها بالحناء تبركا بقدمها وأملا أن تقضي حوائجهم وتبعد هذه القصبة عن الشمال الغربي لمدينة البصرة 46 ميلا ولكون دعاية الشيعة كانت محتدمة أيام عزها وصولتها حدثت في هذه البقعة حرب هائلة بين سكانها والعباسيين ونظرا لوقوعها في وسط البطائح كانت ولا تزال محمية بحكم موقعها الجغرافي وما يحيط بها من(8/255)
أهوار.
وتمتد أراضي هذه القضاء على ضفاف الأنهر الثلاثة دجلة والفرات وشط العرب واكثر أراضيه اهوار تكثر في وسطها هضبات تدل على وجود آثار أبنية قديمة ترتقي إلى عهد الفرس ولا يزال أفراد العشائر هناك يستخرجون منها قدرا مهما من الطاباق لتبنى به منازل القصبات والقرى القريبة منها أو المجاورة لها.
لقضاء القرنة ثلاث نواح هي:
1 - ناحية المدينة (كجهينة بالتصغير) وهي ناحية جسيمة تشمل أراضيها قسما من ضفة الفرات اليمنى وقسما من ضفته اليسرى وللحكومة في مركزها بناية فخمة مع مدرسة أميرية عامرة كما أن للآهلين في قيصرية (قيسارية) بديعة ومقاهي كثيرة وسوقا مستقيمة
فبها عدة دكاكين يشتري منها سكان الناحية ما يحتاجون إليه من المأكل والملبس. أما السكان فكلهم زراع وهم يقطنون نحو 51 قرية مختلفة الأسماء والمساحات ويبلغ عدد نفوسهم زهاء 21. 000 وأما مركز الناحية فقرية مسماة باسمها وهي جسيمة قائمة على ضفة الفرات اليمنى بين القرنة وسوق الشيوخ تبعد عن الأولى 14 ميلا وعن الثانية 68 ميلا. تكتنفها البطائح المشهورة(8/256)
في التاريخ وتحيط بها المياه من جميع جهاتها فهي إذن جزيرة وقد كانت هذه القرية حاضرة الجزائر في العصور الخاوية إلا أنها انحطت بالتدريج انحطاط بقية المدن والقصبات المهمة في العراق.
2 - ناحية السويب (بالتصغير أيضا) وتمتد أراضيها على ساحل دجلة الأيسر وساحل شط العرب الأيسر وهي محادة لإيران عن طريق الحويزة وعلى الرغم من هذه المجاورة كان أهلها الذين يسكنون نحو 33 قرية ويبلغ عددهم زها 000ر15 نسمة كلهم من العرب الاقحاح يزاولون الزراعة التي هي معتمد عيشهم ولا يعرفون غير العربية لغة يتفاهمون بها، وللحكومة بناية حقيرة اتخذتها مركزا للناحية وهذه البناية واقعة فوق تل مرتفع يسمونه الجبل في موضع يبعد عن شرقي القرنة (مركز القضاء) أربعة أميال فقط.
3 - ناحية الشافي، تقع أراضي هذه الناحية على ساحل الفرات الأيمن وساحل شط العرب الأيمن وهي ليست معمورة إذ كل ما فيها من العمران مركز للناحية يسكن فيه المدير مع آخر للشرطة واقعين على متن نهر الشافي الأيمن ويبعدان عن جنوب القرنة 15 ميلا ويربط بين جانبي نهر الشافي المتفرع من شط العرب جسر حديدي محكم إحكاما عجيبا يبلغ طوله 200 قدما وليست تحته عمد فيعتمد عليها بل هو معلق تعليقا وقد أنشأته السلطات الإحتلالية لعبور القطار الذي كان ممتدا بين البصرة والعمارة، ويبلغ عدد القرى التابعة لهذه الناحية 35 قرية فيها نحو 000ر30 نسمة.
ملحوظات
ترتبط بقضاء القرنة ارتباطا إداريا عدة قرى تراجع مركز القضاء في معاملاتها الإدارية والمالية واهم هذه القرى قرية العزير التي فيها مدفن عزير (ع) وعلى ما قيل وما يقال له فيها مزار فخم يحتوي على ما يناهز مائتي غرفة يسكن فيها زوار اليهود في مواقيت الزيارات المسماة. وهي تقع على ضفة دجلة اليمنى في محل يبعد 26 ميلا من الشمال
الغربي لقصبة القرنة بينها وبين قلعة صالح ونفوسها نحو 400.
وقد كان قوام مركز (عزير) إلى أواخر أيام الحرب العمومية من عشيرة(8/257)
مسلمة يقال لها (كوام) بالإضافة إلى صاحب القبر ولا يزال لهذه العشيرة نحو 75 دارا على ضفتي دجلة بالقرب من هذا المرقد ولكن اليهود اخذوا سدانة المرقد من المسلمين في أيام الاحتلال فبقيت السدانة بأيديهم حتى هذه الأيام.
السيد عبد الرزاق الحسيني
الدن في التاريخ
من غرائب تلاعب الناس بالألفاظ أن (الطن) المشهور في الأوزان هو الدن فنقله الغربيون عنا ببعض تحريف وتصحيف فقالوا ثم عاد المعاصرون منا وأخذوه من الغربيين فقالوا (طن) ويراد به اليوم برميل ضخم وما يسعه من السوائل وقدر وزنها ألف كيلو غرام. وهم يقولون أن كلمتهم الإفرنجية من القلطية. إلا أن العلامة اللغوي الكبير دياز يقول: أن اللفظة دخيلة في اللغات الأوربية ولم يهتد إلى اصلها لأنه يجهل العربية.
أما أن العرب عرفوا الدن قبل الغربيين فهذا مشهور عنهم لأنهم اتخذوا منذ القدم أنواع الآنية من الفخار أو الصلصال ومن الجملة هذا الدن. قال لغويونا الدن: الراقود العظيم هو أطول من الحب مستوي الصنعة في أسفله كهيئة قونس البيضة أو أصغر من الحب له عسعس لا يقعد إلا أن يحفر له. قال ابن دريد: عربي صحيح. وانشد: وصل على دنها وارتسم.
على أن الإفرنج صنعوه من الخشب لان ديارهم رطبة. والخشب توافقه الرطوبة ليبقى على حالته فمادة صنعه لا تغير شيئا من أصل لفظه.
أما قول بعض لغويي الغرب أن الكلمة الفرنسية مأخوذة من اللاتينية أو اليونانية فالمعروف عن هذه الكلمة إنها تعني الإناء الصغير الذي يتخذ للخمر نحو الإبريق قدرا وليس كالحب ولهذا نرى أن القول بعربية اصلها اقرب إلى الحق. ولكل امرئ رأي.(8/258)
محمود العنتابي الأمشاطي
وسري الدين بن الصانع
كنت نقلت ترجمة بدر الدين محمد بن شمس الدين محمد القوصوني من مجموعة طبية خطية هي في مكتبة مدرسة يحيى باشا في الموصل ونشرت الترجمة في هذه المجلة (164: 8) ولما كانت المجموعة المذكورة تحوي ترجمة طبيبين مؤلفين آخرين أحببت تعريفهما للقراء فأقول:
مما في المجموعة من الكتب (كتاب الأسفار عن حكم الأسفار). قيل تحت عنوانه انه للشيخ الإمام العلامة (مظفر الدين محمود العنتابي المعروف بالامشاطي)، ودون ذلك ترجمة المؤلف مكتوبة بعين الخط الذي كتبت به ترجمة القوصوني وهذا نص الترجمة:
(مؤلفه محمود بن احمد بن حسن بن اسمعيل بن يعقوب بن اسمعيل الشيخ مظفر الدين بن الإمام شهاب الدين الامشاطي العنتابي الحنفي القاهري أخو قاضي القضاة بمصر محمد الامشاطي الحنفي. ولد في حدود سنة اثنتي عشرة وثمانمائة وكان فقيها طبيبا أفاضلا متفننا في جميع العلوم. درس وأفتى وحدث وألف شرحا على النقاية في الفقه وشرحا على الموجز في الطب لابن النفيس حسنا جامعا حافلا في مجلدين كبيرين وشرحاً على اللمحة في الطب أيضاً لابن أمين الدولة وكتب عدة رسائل في الطب منها تأسيس الإتقان، والمتانة في علل الكلي والمثانة ومنها القول السديد في اختيار الإماء والعبيد ومنها رسالة في ما يحتاج إليه المسافر كتبها لابن البارزي. وكان صالحا خيرا حسن الاعتقاد. ذكر انه رأى وهو دون البلوغ رجلا يمشي في الغمام لا يشك في ذلك. وكان على طريقة حسنة وعمر واسن فنزل عن وظائفه واقبل على الله تعالى وعمل عدة من الخيرات والآثار إلى أن توفي سنة اثنتين وتسعمائة بالقاهرة. رحمه الله تعالى نقلت ذلك من الضوء وغيره) اهـ.
جاء في مقدمة كتاب الأسفار المذكور انه كتبه لأبي المعالي محمد الجهني(8/259)
البارزي الشافعي ناظر دوواين الإنشاء الشريف بالديار المصرية لما عزم على السفر حاجا. ذكر فيه التدابير اللازمة الاتخاذ من قبل المسافر في المواسم المختلفة من برد وحر والأنواء المختلفة من مطر وثلج وريح وسموم ومعالجة المياه غير الصالحة تماما للشرب وما ينبغي أن يأخذه
المسافر معه من لباس وأدوية إلى غير ذلك مما يعود إلى حفظ صحة المسافرين. أول الكتاب بعد البسملة:
(الحمد لله الذي أمر بالأسفار للتفكر والاعتبار وأداء فرائض الحج والاعتمار. . .) تاريخ النسخة 976هـ
وفي آخر المجموعة عينها كتاب (كفاية الأريب في مشاورة الطبيب). قيل دون العنوان انه تأليف الشيخ الهمام الفاضل القمقام مولانا الشيخ (سري الدين ابن الصانع) الحنفي سلمه الله تعالى وكتب دون ذلك بعين الخط السالف الذكر ما نصه:
(وتوفي إلى رحمة الله تعالى بعد أن حج في موسم سنة تسعين وتسعمائة وهو راجع إلى مصر في الطريق في أوائل إحدى وتسعين وتسعمائة بالتاء المثناة الفوقية فيهما) اه.
أما الكتاب فهو من قبيل إرشادات وذكر وصفات للمرضى في الإصابات الخفيفة وفي غياب الطبيب ذكر انه كتبه لشيخ الإسلام قاضي القضاة أبي الثناء حسن وفرغ منه سنة 979هـ. أوله بعد البسملة: (يا من حكم سيوف العدم في نحور الموجودات وحكم. . .) وهو في 55ص.
الموصل: الدكتور داود الجلبي
(لغة العرب) إننا نشك في صحة نسبة هذا الكتاب إلى ابن الصانع، لأننا نجد في كشف الظنون (323: 2 من طبع الآستانة) ما هذا حرفه: (كفاية الأريب عن مشاورة الطبيب) للشيخ الإمام سري الدين احمد بن محمد العلفي وفي طبعة الإفرنج العلقي بالقاف قبل الياء) الحنفي. أوله: يا من حكم سيوف العدم، في نحور الموجودات وحكم الخ ذكر فيه انه من بيت العلم وأراد أن يصنف رسالة ضامنة لحفظ الصحة وتعديل المزاج وأهداها إلى المولى برويز فألفها ورتبها على مقدمة وثلاث مقالات وخاتمة اهـ كلام الحاج خليفة.(8/260)
القريض في فن التمثيل
نظرة تحليلية انتقادية في (مصرع كليوباترة)
تتمة
أرد المؤلف وأبدع أن يصور في انطوان، حمية الروماني، وقد فقد اعز ما لديه في الوجود إذ أضاع شرف القائد في هزيمته الشائنة، ووجد روما ألهته ومعشوقته تحاربه باسم اكتافيوس، فابى عليه آباؤه الضيم، ذلك الإباء الروماني الشهم وتناوشه خبر انتحار كليوباترا الكاذب (الذي يظهر لنا خدعة من كليوباترا نفسها حين أرادت به تحطيمه كي لا ينازعها وهو المقهور فيما تؤمل نيله من إشراكها للظافر العظيم) وسما إذ تلمس كلوما دامية في فؤاد اليائس وما أهول ما يكون المرء آلاما وشجنا ومصابا حين تدهمه الحقيقة القاسية وجها بوجه وتهتك أستار أحلامه. فيرى نفسه شريدا طريدا منفيا مقصى عن بلاده فتفيق دواميه، وتنهل مدامعه، فهو بائس حزين! وتقفى الشاعر هذا المنوال في إظهار وله القيصر المنكود الطريد، بسالبة لبه ورشاده فغدق عليه أبياتا متموجة وأشاده:
صفحا كليوباترا! فربت زلة ... قد كنت تغتفرين حين أراك!
لما لقيتك في الجمال وعزه ... قهرت قواي الظافرات قواك
فنسيت في واديك ذكر وقائعي ... وسلوت أيامي بيوم لقاك
سجدت لأعلامي الصوارم والقنا ... وابن مهند لحظك الفتاك
قدت الجحافل والبوارج قادرا ... مالي ضعفت؟ فقادني جفناك!
أخرجت أمري واختياري من يدي ... وتركتني نفسا بغير ملاك
خلت السلامة في نواك فذقتها ... فإذا الكوارث كلهن نواك!!
أبدع تنسيقا وتفننا في حين ازدرى انطوان أي ازدراء وإهانة بل أراد نزله، حين الصق به، في هذه الأبيات (خروج أمره واختياره من يده) ثم حاول أن يثبت عصيانه روما، في حين انه لم يعصها، وإنما خلافه لاكتافيس، وأرث يوليوس قيصر هو الذي جر عليه هذه المشاكل، وكفى أن خصمه اكتافيس(8/261)
لم يسعه سوى ندبه حين بلغه خبر انتحاره. . . وأبن فيه (حليفه ورفيقه في الإمبراطورية، الذي طالما تحمل معه المشاهد والمعارك) وذلك حين
عرض على جميع القواد رسائل انطوان (المملوءة حماسة وحميا) نعم، انه اتبع كليوباترا في كثير من آمالها وأمانيها، وخضع لإشارتها في محاربة قيصر على اثباج البحر، وهذا لا ينفي حبه لبلاده ووطنه ولو تركنا التاريخ جانبا وبحثنا منطقيا، لما ارتضينا بما اجتراه المؤلف بل لحكمنا - لو صح هذا المدعى - بانفضاض قواده عنه حينئذ ولربما ألحقوه بيدهم وأثابوه مآل يوليوس. ولسنا نخال شوقيا يندفع في تبرئة صفحة كليوباترا من حيلتها في هذا الإرشاد المضل (لأنها فكرت في الهرب، بعد أن بذلت كل شيء من جهتها ليس لتزكية النصر وإنما لتضمن الانهزام السهل، حين تنضب الحيل) وان اخذ علينا أستاذنا لبلوتارك، وادعى ذبذبة المؤرخ واحتكامه للقوة في تأريخه، فهل يدفعنا هذا القدر إلى إقامة التأريخ على أسس الحدس والتخمين، أو على مشيئة الأميال الوطنية كما نراه في ذيل روايته في (النظرات التحليلية)؟
تفنن شوقي وقد وقف كليوباترا على باب اليأس تسعى إلى تبابها حثيثا فأرانا منها صورة امرأة، جميلة فاتنة، عاكسها القدر فاخفق حيلها وحاصرها فكسر قناتها وكأن الزمان أبى إلا استرداد ما غدقه عليها من نعم وأطايب أو لعله طلب الانتقام منها، لأنها استعملت رخاءه عليها، في انتهاج الشر والخطايا. وقد أصاب الشاعر حين وصفها، في حين لم يرد:
. . . أنثى أفنت العمر بالهوى ... بهيمة اللذات والشهوات!
وأجاد في تصوير حاسيات المرأة الفخور بجمالها، وضرب على عود الضعف وانك لتشعر بموجات الغضاضة والألم، تجتاح عواطف كليوباترا وهي تحاول اجتياز مضيق الأبدية، وقد جثت أمام تمثال إيزيس وأفلتت التأوهات:
اليوم اقصر باطلي وضلالي ... وخلت كأحلام الكرى آمالي
وصحوت من لعب الحياة ولهوها ... فوجدت للدنيا خمار زوال!
وتلفتت عيني فلا بمواكبي ... بصرت ولا بكتائبي ورجالي
وطئت بساطي الحادثات وأهرقت ... كأس وفضت سامري ونقالي(8/262)
إيزيس! ينوبع الحنان تعطفي ... وتلفتي لضراعتي وسؤالي
أنت التي بكت الأحبة واشتكت ... قبل الأرامل لوعة الارمال
أني وقعت على رحابك فارحمي ... ذل الملوك لجسدك المتعالي
هل تأذنين بان اعجل نقلتي ... وأحث عن دار الشقاء رحالي
وعلاك ما ادع الحياة جبانة ... أو ضيق ذرع أو قطيعة قال
أني انتفعت بعبقري جمالها ... وتمتعت من عبقري جمالي
بنت الحياة أنا وتشهد سيرتي ... ما كنت من أمي سوى تمثال
منها تناولت الرياء وراثة ... وأخذت كل خديعة ومحال
وقسوت قسوتها ولنت كلينها ... وأقتست في صدي لها ووصالي
ولربما رشدت فسرت برشدها ... وغوت فأغوتني وضل ضلالي
ولمس تلك الأوتار الهائجة في قلب المرأة الغاوية، وهي تحول أن تنتزع روحها بيدها باختيارها، فتفقد بها تيهها وجمالها وهي ميزتها على أترابها في مشاركتها للرجال، فأرسل صرخاتها الأليمة للموت، تستعطفه للرفق بروائها وبهائها، وتستدر أعطافه، وأكد لنا بلوتارك، إنها اختبرت فعل جميع أصناف السموم القاتلة، وجربت لدغات الأفاعي السامة، في أناس كثار امامها، كي تعلم أي القواتل ارحم لجمالها الفاتن وأخف إيلاما وارأف لأنوثتها البضة. وبعد عدة تجارب يومية (اكتشفت أن لدغة الصل، هي الوحيدة التي دون تشنج ولا تمزيق، تبعث الخمود والكرى يتلوهما خضل في الملامح، فوهن متتابع في الحواس، يقود إلى ميتة هادئة. وان الملدوغين به يشبهون الغرقى في نوم عميق وقد أزعجوا إذ أريد إفاقتهم ونهوضهم).
يا موت! لا تطفئ بشاشة هيكلي ... واحفظ ظواهر لمحتي وجلالي
يا موت! اطف بالروح واسرقها كما ... سرق الكرى عين الخلي السالي
حتى أموت كما حييت كأنني ... بيت الخيال ودمية المثال
وكأن إغماض الجفون تناعس ... وكأن رقدتي اضطجاع دلال!
سر بي إلى انطونيو في نضرتي ... ورواء جلبابي وزينة حالي!. .(8/263)
لقد أرادت أن يكون (إغماض الجفون تناعسا) ولا غرو فبين الردى والنوم نسبة وقربى، ولم ترد أن يمحى اثر جلال جمالها في كل حين حتى حين إمعان روحها في اللانهاية، انتحرت كليوباترا حين رأت أن حيلتها لم تعبر على اكتافيوس، فإنها تخيلت أسره بقواتل لحظها، كما أسرت قبلا قيصر الرومان فرأت من ازدرائها لجمالها ما آلمها وأمضها ثم سنح
لها مكرها ودهاؤها ففضحت تحايله عليها في شروطه، فحذرت أن عقباها قد تكون كعاقبة المدعية سلالتها زنوبيا مع اورليان، فتقاد إلى روما مكرمة ذليلة، وتكون هدفا لزهو انتصار اكتافيوس، وكيف ترضى وهي (بنت الحياة) وقد تعلمت منها المراوغة والرياء أن يلاقيها هذا لشنار، فاهتفها شوقي في مواقع عدة صرخات قد لا تشك في إنها مرت بخاطرها في دقيقتها العسيرة:
يا موت! أنت احب أسرا فاسبني ... لا تعط روما والشيوخ عقالي!
سطت روما على ملكي ولصت ... جواهر أسرتي وحلي آلي
أأدخل في ثياب الذل روما؟ ... واعرض كالسبي على الرجال؟
وأحدج بالشماتة عن يميني ... ويعرض لي التهكم عن شمالي؟
وألقى في الندي شيوخ روما ... مكان التاج من فرقي خالي؟
وأغشى السجن تاركة ورائي ... قصور العز والغرف الخوالي؟
وتحكم في روما وهي خصمي ... وتسرف في العقوبة والنكال؟
يراني في الحبائل مترفوها ... وقد كان القياصر في حبالي!
يحاول قيصر من المحا ... ل ويذهب في غير وجه الطلب
يريد ليعرضني في غد ... على شعب روما كأني سلب
ويفضح روما وسلطانها ... وتاج العصور وعرش الحقب!
ويعيد شوقي مزية الجندي الروماني لانطوان بعد أن حاول إفقاده إياها، في(8/264)
هذه الأبيات الرائعة:
اسر؟ وهمت كليوباترا! أتظفر بي ... أيدي الكماة وفي كفي أظفار؟
لو قلت قتل، لكان القتل أشبه بي ... كأس المنايا على الأبطال دوار!
الحرب تعلم والأيام تشهد لي ... أني شديد على الأقران جبار!
لو كنت شاهدتي والحرب جارفة ... والصف تحتي بعد الصف ينهار
قد جن تحتي جوادي فهو عاصفة ... وجن نصلي بكفي فهو إعصار
رأيت حملة صدق غير كاذبة ... لا السيل يحملها يوما ولا النار
لما صدمت جناحيهم وقلبهمو ... عن الخيام وعن أوكارهم طاروا
ولكننا نأخذ عليه ما اعتدنا صدوره في شعره، فقد استقى بعض أفكاره من معدن آخر حين يتناول في البيت الثالث مثلا روح المتنبي في بيته الشهير كما تتسيطر في الأبيات الأخرى روح عنترة، التي تكاد تفصح عن نفسها بأجلى دليل لدى ذكر المواقع ثم انه يذهب في البيت الأول إلى تورية بائرة، وتلميح عقيم ممقوت، فيكنى عن الأسلحة بالاظفار، وفي البيت الأخير بالأوكار عن الملاجئ، وهو شيء غير خليق بروح العصر، بل بروح هذه الفاجعة الفذة في حين انه أبدع في تشبيه جنون جواده بالعاصفة القالعة (وجنون) نصله بالإعصار الذي لا يبقي ولا يذر، وهذا ما يتخيله المرء من باب المجاز، ويكاد يحسبه واقعيا حين يشهده في موقعة وان تفننه وبلاغته في جميع هذه الخواطر متراصة متعانقة بعضها لبعض ليغفر له القصور والزلل فيها، ولكن ها أن روح البدوية تعاوده ولا تزال تنتفض في الأبيات التالية على قدر زهيد في حماسة وافتنان:
ذريني أعبئ للقتال كتائبي ... فلي في غد شأنان في البر والبحر
ذريني أهيئ للأحاديث في غد ... فإن غدا يوم سيبقى على الدهر
ذريني أزد تاجيك غار وقائعي ... واقرن بثعبان جلالهما نسري
ولست أخاف الدارعين وإنما ... أخاف فجاءات الخيانة والغدر
وليس كمين الحرب ما أنا هائب ... ولكن كمين الغدر في ظلمة الصدر!
ويأخذ اليأس انطوان على اثر إيحاء كليوباترا بموتها فيعمد إلى الانتحار فينادي(8/265)
خادمه الوفي ايروس (الذي وعده أن يجهز عليه حين يأمره) ولكن هذا العبد الشهم يقتل نفسه فداء سيده ومليكه فيثني عليه انطوان في حرقة وهو ما ينقله الشاعر تقريبا عن بلوتارك:
اوروس عفوا! قد ذهبت ضحية ... وجنى عليك ترددي الممقوت
فعلمت مني كيف يجبن قيصر ... وعلمت منك العبد كيف يموت
وقس على ذلك سائر مجاول هذه الفاجعة الشعرية مما يخفق ظنك أن تراها موسومة بطابع شوقي المعروف لدينا ولا اكتمك إنها أبانت لنا من خلالها شخصية وصفات أخريات له ما كنا نشعر بها لولاها وهاك هذه الأبيات تستطلعها:
انوبيس:
زعمت ابنتي الموت شخصا يحس ... وعظمت من خطبة ما صغر
وما هو إلا انطفاء الحيا ... ة وعصف الردى بسراج العمر
وليس له صورة في العيو ... ن على قبح صورته في الفكر
إذا جاء كان بغيض الوجو ... هـ وان جيء كان حبيب الصور
كليوباترا:
إذن هذا الرقط في ذمتي ... فصنها واحسن عليها السهر
واقسم لتأت ألي بهن ... ولو أن دوني الظبا والسمر
انوبيس:
يمينا بازيس احملهن ... إليك ولو في سلال الخضر!
إذا بات في خطر تاج مص ... ر سبقت إليك بهن الخطر
وإذا أنت تطلب مثالا آخر لتهدئ من ثائرتك وتصدر حكمك فتشاركني أم تناقضني - وأني لأخالك في جانبي تهللها - لا أتباطأ أن أمدك بشيء وأهديك إليه فلست أود الاستئثار بالحكم والانفراد بعواقبه فهاكه من محاورة انطوان:
انطوان:
ردي على هامتي الغار الذي سلبت ... فقبلة منك تعلوها هي الغار
كليوباترا:(8/266)
اليوم تعلم روما أن ضرتها ... تقلد الغار من تهوى وتختار
واليوم تعلم روما أن فارسها ... جيش بمفرده في الروع جرار
انطونيو سيدي هل نحن في حلم؟ ... أسالم أنت؟ لا أسر ولا عار؟
وهاك أيضاً أبياتا آخر:
حابي:
لم تأت حتى جاء في آثارها ... للحب أجنحة بهن يطار
ويقال بل أخذته تحت شراعها ... ونجا به فلك لها محضار
تجري الرياح بما تشاء قلوعة ... ويسير في طاعاته التيار
ويقال غضبان عليها عاتب ... ويقال بل حنق الفؤاد مثار
وعلى صفاء العاشقين سحابة ... وعلى سلام الصاحبين غبار
آلي واقسم لا يرى في قصرها ... حتى يقوم مجده المنهار
إن البلاء اجل من ألا يرى ... ديون: عجب أتخفى في الهشيم النار؟
حابي:
انطونيو منا بأقرب ثكنة ... يدعو من الرومان من يختار
ويعد اهبته ليوم حاسم ... في البر يغسل عنه فيه العار
ويكون ميدان الرحى ومدارها ... تلك التلال وهذه الأسوار
فهناك خاتمة الصراع وموقف ... أما الدمار به وأما الغار!
ولا اكتمك أن اظهر شيء في مجال القصة وصف شاعرية الخلود المتدلهة الحسناء إذ تفتكر في قرب المنية العابسة وزوال الترف والنعيم والدلال وتيقنها بملك الأبدية ناشرا جناحيه مرنقا فوقها فجزعها كالوالهة الثكلى على حسنها الرطيب أن تمتد له يد السوء القاسية. . . ويسمو شوقي حين يصرخ كليوباترا في جزعها واضطرابها مستجيرة بالموت أن يرحم غضارة جسدها ويبقى على
. . . نضرتها ... ورداء جلبابها وزينة حالها
بل ذهب إلى ما فوق ذلك حين طلبت أن تكون ... . . . رقدتها اضطجاع دلال!(8/267)
فنحن إذن نستشف خلو الأبيات من التصنع والتكلف والتجمل التي تفسد عليه روائع ديوانه وتكشف لنا روحا جديدا له، نود من كل فؤادنا أن تلازمه في أشعاره، فتظل ظاهرة فتانة كما عهدناها هنا، وتنقشع تلك السحابة القاتمة التي عرفناها تعكر جو سمائه وبذا نستطلع قليلا ضياء شمسه. ولا ننكر أن هذه الفاجعة المبتكرة أعجبتنا بما حوت من أفانين وإبداع وسلاسة وقد زادها حسنا ورواء انه لم يتقف فيها قافية واحدة ولا لزم بحرا واحدا بل ذهب إلى إبدال القوافي والبحور على مدار القصة بل ذهب إلى اكثر من ذلك إلى إبدالها أيضاً في معرض ترسل اكثر الأشخاص. فأظلها طلاوة وروعة ودفع بالإملال الذي كان سيراوحها حتما. وهذا المبتغى والطلب في الروايات التمثيلية الفنية البديعة.
والآن لنقف الاسترسال عند هذا الحد من بحثنا في روائع الرواية ولنعرض بالفحص هنيهة بعض مسائل (النظرات التحليلية) أو بالحري لما أراد من صبه من تاريخيات في ذيل القصة. فان الفاجعة أولا من حيث هي قصة تمثيلية شعرية لا يراد بها سوى تدوين حادث،
وإعادة ذكرى ملكة عظيمة توجت على ديار مصر نيفا وعشرين عاما وأسرت ببهائها وروعة جمالها ملوك وأمراء العالم المتمدن، وعاصرت اعظم عظماء الرومان لخليقة بكل مدح وثناء. ثانيا: - من حيث جودة تنسيقها ووقائعها وفصولها لا تقل قيمة في عرفنا عن كثير من الروايات الغربية العصرية، أما من حيث شعرها وتعابيرها فقد أرسلنا سافا قولنا الفصل فيها. . . إنما من حيث هي رواية تاريخية، وهنا نقطة الضعف، يراد بها محض دعم حوادث (تاريخية) وتأييد نظرات وطنية وخواطر تاريخية فمن العبث القول إنها على صواب. وكفانا تأييدا لنظريتنا أن نلقي نظرة عجلى على (النظرات التحليلية) - أو بالأحرى التخيلية - فنجد قضايا توهمية عدة لم يرد بها الحشو لتلطيف الرواية وإذكائها وسد فجوات عسيرة مما يجملا أمام جمهور النظارة والقراء، وإنما ابتغيت لتأييد ظنون تاريخية شيدت على الحدس والتخمين وعصفت بها الحاسة الوطنية المضلة، فأخفقت مسعى وبينة.(8/268)
ونكتفي بإيراد وتفنيد أخطرها، إذ ليس من العقل والتبصر أن نقنع ونذعن إزاء تمور تخالف عقيدتنا أو بالأحرى تناحر فن التاريخ ووقائعه الفاصلة فليس من حياء في الدفاع، كما لا حياء في الدين!
إن أول ما ينالك من صدمات عنيفة، لدى اطلاعك على (النظرات التحليلية) ولع شوقي بإثبات (مصرية) كليوباترا وتوطيدها، زعما أن قضاء ثلثة قرون في مصر قد أحال دماءها اليونانية إلى مصرية بحتة، عن طريق التزوج فهذه لا تدعمها وثائق تاريخية. والتباني بعائلتها شهود بحقنا، وعنه ينتج لأمراء حفظ كثير من الدم النقي المقدوني في أقنية العائلة. ولنا بها ذاتها برهان بين. ألم يكن الشرط (أن تبني بأخيها الأكبر وتتولى العرش معه)؟ فهي إذن متمصرة لا مصرية، وإننا لا ننكر قط نقاءها من دم مصري، بل نعترف له به بكل خضوع وتواضع، ولكن ادعاء بحوتته يقضنا ويضحكنا معا فمهما حاول ودافع صاحب المصرع في تأييد فكرته عن طريق البلاغة والفصاحة فلن يفلح فيه. فلا التاريخ لهو لاه، ولا تبع مشيئة كاتب، ولا رهن إرادة شاعر يستهان به تبذيرا وما هو سوى ما أبرمته الحوادث وخلقته الأيام لا ما أريد وقوعه وقد سبرت أجيال. . . وان شوقي ليدعي في هذا المكان كادعاء بعض عجاف العقول من السوريين واللبنانيين، اعتباطا وجهلا، وتشبثهم بالعروبة - وما هم منها على كثير - وهذا فحش وشطط مروع من جهتهم،
فالسوريون بوجه الإجمال، واللبنانيون منهم على وجه أخص - وان يكونوا بأجمعهم حقيقة خليط أمم كثيرة - من أنقى الشعوب التي خالطت العرب، وعاشرتها من دماءها، فالأدلة تؤيدنا والتاريخ يثبتنا، وان نقر باحتمال وجود بعض قطرات تافهة في بعض الأسر من أبناء الأقطار الشامية مما لا يؤبه له في التاريخ وفي الحكم العام فالسوري سيئ بمدنيته ومزاجه واصله. والعربي شيء آخر بمدنيته ومزاجه واصله. وكذلك الروماني أمر والمصري أمر آخر. فشتان ما بين ثقافة كل وشتان ما بين مدنية كل، وشتان ما بيم مزاج كل، وشتان ما بين عادات كل، وشتان ما بين منهل كل!!! فيا شاعرنا لا تحاول بل لا تؤمل أن تخلق كليوباترا جديدة (مصرية) من كليوباترا (المقدونية) الأصل (الإغريقية) تهذيبا ونشأة بان(8/269)
عيشها تحت سماء مصر، وحسبك قناعة بتمصرها، مما يقرك عليه كل عاقل أريب فالقناعة رأس الفضائل. . . وما إبداعك وتحليقك الخيالي بعذيرك!
وقد يفجؤك أيضا، فيريد اغرارك بعفة كليوباترا، ولا أخالك تفوتك تلك المتناقضات والتذبذبات في حكمه عليها أثناء وقت الفاجعة ذاتها أو ما كفاه أن أمر على شفتيها إقرارا رهيبا، في ساعة انتحارها:
بنت الحياة أنا وتشهد سيرتي ... ما كنت من أمي سوى تمثال
منها تناولت الرياء وراثة ... وأخذت كل خديعة ومحال
وقسوت قسوتها ولنت كلينها ... وإقتست في صدي لها ووصالي
ولربما رشدت فسرت برشدها ... وغوت فأغوتني وضل ضلالي
ووجدتها حبا يفيض ولذة ... فجعلت لذات الهوى أشغالي
أما في هذه إثبات (منه) لما حاول نكرانه وجحوده؟ أما فيه البرهان الحسي الذي لا يطرد على اضطراره لإبرازه بتمثالها الحقيقي؟ وكيف يسعنا أن نسألك وهذه سيرتها تقابلنا كما درسناها في المدرسة، وكما ألفناها وعرفناها في التاريخ الجدي. . . وهات امرأة تتسكع وتتخبط في كل حين من ذراعي رجل إلى ذراعي آخر. ولم تترك لشهواتها وملذاتها البهيمية منزعا، فنصفها بملك طهر وعفاف!. . . إذن ماذا نقول عن هاته النسوة اللاتي يقضين الحياة في خدمة الله والقريب ويضحين بالغالي والنفيس حبا لمرضاته تعالى ولا يعرفن رجلا طول عمرهن؟ بل ماذا نقول عن امرأة ذات بعل لم تحد قط عن جادة
الصواب قيد شعرة ولم تعرف سواه؟ فهل من سبيل لمضاهاتهن لتلك البغي العاهر وتسويتهن معا في مرتبة الشرف والعفة، ألا والله ماذا نحن فارقون؟ وما الميزة إذن يا صديقي، بين حياة قصف وخلاعة وحياة تقشف وورع واستقامة إذا كان مآل الحكم واحدا والنظرية سواء والاعتبار متجانسا؟ افتنا أيها القارئ أمنطقيا أأدبيا، اإنسانيا قضية تحليل عفتها؟ سيرتها المخجلة واضحة، العفة والوقار لم تعرفهما، بل تنقلت من عناق رجل إلى سواه، والحق نقول أن لو تمكن جمالها أيضاً من أسر اكتافيوس - لتغير وجه التاريخ بكماله - ولعادت تلك الرقطاء بأجمعها تسعى إلى غرورها وزهوها وفتنتها وفجورها وعهرها كبدئها(8/270)
وأسدلت ألف ألف ستار على انطوان التعس، كما أسدلتها من قبل على يوليوس قيصر وسواهما. وكما أمر المؤلف على شفة اكتافيوس:
لعبت بانطونيو ويوليوس حقبة ... كما جاء بالمسحور أو راح ساحر
ولكن قيصر ولكن قيصر لم يكن بالغر الأبله، فأرادها شارة لنصره، لا متاعا للشهوات الدنيئة، وأحست اللبوة بنزعته، فحملها كبرياؤها وحبها لعرشها المزلزل على الانتحار. . . فعلى شاعرنا أن حاول تبرئتها من عار فجورها، فالتاريخ لن يخدع نفسه، وقد لفظ صاعقة حكمه، وأثبته وسيثبته على المدى قاسيا مرا، يدعمه بأقوى حجة دامغة هي: سيرتها المتهتكة!
ويذهب شاعرنا إلى تبرير فرارها من المعركة كل مذهب ويحاول جعله بمثابة حياد، مكتتمة مقاصده وذلك زعما بكرها إلى الميدان، وقد نهكت اكتافيوس، فتضربه الضربة القاضية ولكن أين هي؟ ضاعت المعركة وهي ساكنة كأن لم يبلغها خبر؟ أليس في هذا عار وشنار؟. . . ويريد أيضاً الدفاع عنها، في إنها لم ترسل الخبر القاتل الى انطوان بانتحارها. . . ولماذا؟. . . ولماذا لا تستحل كليوباترا هذا المسعى، كما استحلت من قبل مآتيها المخجلة الفظيعة مع سواه؟ وهل لعاهر أي رادع خلق يصدها عن الشائنات؟. . . وان أراد إفحامنا ببكائها وعويلها على ضريح انطوان، فلأنها علمت، كما اشرنا، انها فقهت معنى شروط صلح قيصر، فوازنت بين الكفتين، وعلمت أي هفوة شتيعة ارتكبت فانتحرت.
ثم يذهب إلى اضطرارها انطوان أن يظهر أمام جنوده وقواده الرومانيين بمظهر المتأفف
من روما. ولو كان ذلك - وكما أسلفنا - أما تعتقد وتوافقني لما سكتوا له، ولا ذاقوه كأس منيته صرفا، ولو بين ذراعيها البضتين. فأنت تعلم مثل ما مثل الرومان الشهم ليرضوا بإهانة وطنهم، وخيانته إمامهم ومن قائدهم الأعلى!.
وأراد صاحب المصرع أيضاً أن (يمصر) انطوان، كما مصر كليوباترا، لكنه هنا كان تمصيرا مجازيا، إذ أرسل جواباً على لسانه، متمما إهانته السابقة لبلاده: -
بل وزدت أنني مصري. . .(8/271)
ونحن في هذا الموقف نعذره، إذ نرى انه لم يرد (التمصر) الصريح، ولعل إيراده لهذا القول هو من باب حشو الرواية. وهذا جائز.
ونكتفي فتقول أن النظرات التحليلية التي ذيلت بها القصة لهي من شر المضحكات المبكيات، إذ يظهر بها الإقرار العجيب على تشييد عواطف ومشاعر كليوباترا وعفتها ووطنيتها طبقا لمجرى الشعر لا على الحوادث الراهنة، فما أعجبه تاريخا يكون على الشعر، لا شعرا يبنى على التاريخ الصريح! وألف رحمة لك أيها التاريخ فليتك لم تكن كي لا تغدو العوبة أفكار وغايات أهواء وتخرصات!
ويا ليت شاعرنا تدبر ولم يحكم عواطفه الثائرة في حادثات الأجيال. فما العواطف بالتي يستكن إليها في هذه المسائل ولا سيما وهي وطنية، بل يا ليت شاعرنا اكتفى بنسج بردة فاجعة - كما سبقنا أيضاً فأشرنا - من حيث هي قصة لا غير، يراد بها مجرد التاريخ لا تأييد للتاريخ (وللتأريخ التخيلي). وليته لم يعد للأذهان ما حدث في أوربا العام الفائت حين أراد روستان الابن إعادة ذكرى ولد نابليون الثالث، إذ ألقى تبعة مقتله على الملكة فكتوريا والحكومة الإنجليزية وهي ليست على شيء منه. ولعمري أن لولا تناقضاته غير التعقلية، لما كان أيضاً هنالك من اعتراض، ولم يكن لها شيء عدا ما أوردناه في بحثنا في تركيبها وشعرها، وهو ليس بكاسف زهوها وجلالها.
وإننا نأمل أن يتحاشى فيما يؤمل بعثه من قصص تمثيلية أخرى - كما بلغنا - مسلكه في المصرع من فسخ ومسخ ابتغاء تأييد قضية زعمتها مخيلته أو أبطال اعتقاد رفضته عقيدته، ففن القصص ارم والتاريخ أمر آخر. ونحن لا ننكر أن ليس من رواية تمثيلية أو قصة مسلية دخلت بين تضاعيفها تاريخيات، بل نشرت على إنها تاريخية لم تشوه حقيقة
وقائعها أو بعضها ولم يماطل فيها شيئا لا بأس به من حشو ونسخ ولكن لم يكن مؤلفها على الأغلب يريدها هدفا أو أداة لإثبات ادعاء وتخرصات بل نشد فيها مجرد الذكرى والعبرة.
اذا، فمعاندتنا له ليست عن طريق القصة بحد ذاتها بل لصد غاياته وترهاته(8/272)
المقصودة فيها فمن الحمق والغباوة الاعتراض على عبر أرسلت قصصا مهما نال التاريخ فيها من تشويه وتجريح - ما لم يقصد فيها دعم الباطل - فالمبدأ إذا نقاتل لا الفاجعة ذاتها، ونحن ما كنا لنقف منه وقفتنا هذه الإعتراضية لو لم يفض شوقي ويقر إلى أحد محرري المجلات بمقصده التحريفي بغية في وطر نظريته ودفاعا عن كليوباترا المضطهدة في عرفه، ثم ما رأيناه أيضاً في النظرات التحليلية التي ترمي بكل ما فيها من قوة وعزم ومضاء في تحليل مذهب المؤلف وأعذار تذبذباته الكثيرة وتلونه العجيب الذي لا يدانيه تلون الحرباء. . . ولكنها صرخة منه جوفاء في وادي الوقف على مجرى التاريخ!
وعليه نختتم الفاجعة التي أخرجتها لنا قريحة شوقي - بغض النظر عن مراميه - لهي دليل ناطق على نهضة جديدة في عالم الأدب العربي، وإنها دون منازع ولا محاباة أروع قصة تمثيلية جادت بها قريحة شاعر توا في العربية في نجاة من وطأة غربية، ولهي تقصارة لألأة في جيد الآداب العربية الناهضة، بل أروع الرموز في نهضته، وإننا نأمل أن تكون فاتحة مباراة بين شعرائنا، ودعوة لهم للجري وراء ارتقاء العربية المطرد، لا وراء السراب الخداع، وزيادتنا مما لا طائل تحته، فتحقق بذلك الآمال الذهبية وحبذا بوادرها في القريب العاجل، وأنا لجهودهم بارتقاب!
فإلى الميدان أيها المتنافسون!. . . إلى الميدان المنصف!. . .
بركات (السودان): ميشيل سليم كميد
الكرباسي
في لغة العرب (811: 7) الكرباهي، والصواب الكرباسي، نسبة إلى محلة كرباس بهراة.
محمد مهدي العلوي
اعتذار
في حاشية 213: 8 سبق قلم بعمق الأستاذ المعروف بهجة أفندي الأثري، وقد تحققنا أن
ليس في كلامه ما يخالف الأمانة والثقة وعزة النفس وكذلك ليس فيه سرق اجتهاد مجتهد ولهذا حسن التنبيه عليه.(8/273)
صفحة من تاريخ أسر بغداد
بيت عراقي قديم
محمد نظمي البغدادي والد مرتضى أفندي المشهور بنظمي
زاده
2 - إن الآداب واللغة لا تقوم لها قائمة ما لم تتكاتف المواهب لترقيتها وان استخدام الأقوام الأخرى لهذا الغرض مما يزيد في نموها وتكاملها كما وقع ذلك فعلا في اللغة العربية إبان نهضتها وفي كثير من لغات اليوم. لذا نرى عصور التدهور والانحطاط ألحقت كل الخسارات بهذا القطر فجعلت أبناءه آلة لغيرهم في خدمة آدابهم ورعاية شؤونهم العلمية والإدارية حتى نفذت في مناهج الأمة كافة فكانت هذه الوجهة شديدة الخطر على الآداب العربية إذ صار أبناؤنا يخدمون لغة الأغيار وعادت مواهبهم تصرف لمنفعتهم.
وقد رأيت أيها القارئ جماعة ممن خدموا آداب غيرهم فضلا عن انتهاج سياستهم فصاروا يعدون من أكابر الأدباء لديهم مثل الشاعر فضولي وروحي البغدادي وأمثالهما كثيرون. ومنهم مترجمنا محمد نظمي أفندي، وهذه صدمة قوية زعزعت من أركان اللغة العربية.
كان العرب يجذبون إليهم الأقوام الأخرى ويستخدمونهم لمصالحهم العلمية والأدبية والصناعية والسياسية. والشواهد على ذلك كثيرة بحيث يعسر إحصاؤها بل يستحيل. ولكن من أمد غير يسير انقلبت الحال وعكست القضية فصارت مواهب العرب مصروفة إلى مماشاة رأي الحاكمين ومراعاة رغباتهم وترويج مطالبهم، فكأنهم خلقوا متاعا لغيرهم.
كاد يقضى على الأدب العربي بزوال حماته والقائمين به فانحط إلى الدرك الأسفل وأوشك أن يمحي أثره لولا البقية الباقية من كتب الأدب، ولولا المدارس الدينية والشعائر الإسلامية وتكرر تلاوة القرآن الكريم ورسوخه في(8/274)
الأذهان. . . ومع هذا بقي الأدب عاميا أو أرقى من العامي بقليل، أو محصورا في فئة معينة.
فالمترجم نظمي أفندي كان معروفا لدى الأتراك ويعد من أفاضل أدبائهم، فلا يعرف
مرتضى أفندي إلا به فيقال (نظمي زاده مرتضى) أي مرتضى أفندي آل نظمي فشاعت لفظة زاده عوض آل فاتخذها أبناء العرب في العهد التركي شعارا لعلو المنزلة وشرف الأسرة، فهو أديب. ولكن ماذا يستفيد الأديب من أدبه في ذلك الحين؟ فغاية ما كان حصل عليه (كتابة الديوان) وهي من أكبر الوظائف القلمية آنئذ ولا تسلم لأحد ما لم تكن له مادة غزيرة تؤهله ولم يحصل على اعتماد في أمانته بحيث يكون موطن الأسرار. وقد نال شهرة في آدابه وتبين فعلا إخلاصه وصدق طويته كما يأتي قصص ذلك.
ومهما كان الأمر فالعربية خسرت مقدرة آدابه بتوغله في الآداب التركية. وأضاف هو أيضاً إلى اللغة التركية أدبا جما وتجددا باهرا باطلاعه الواسع على اللغتين العربية والفارسية.
إن المؤرخين - نظرا لما عرف واشتهر من أحوال مرتضى أفندي المؤرخ العراقي - حاولا إيضاح ما خفي من أصل أسرته فتضاربت آراؤهم في البحث عنه. وكلها من تعد الحدس والتخمين، فهي ظنون وأكثرها أوهام. وهذا نص ترجمته منقولة من كلشن شعرا الذي سبقت الإشارة إليه حول هذه الترجمة وهي:
(إن محمد نظمي أفندي هو ابن بنت عهدي البغدادي. توفي في الليلة الرابعة من رمضان المبارك من سنة 1074 وقت العشاء، وكان ولد سنة 1002. ولما بلغ السن التي تؤهله للتحصيل سلك طريق أجداده الاماجد وبذل مجهوداته لاكتساب العلوم ومجالسة العلماء والظرفاء وبهذا قضى غالب أوقاته ومعظم أزمانه.
وكانت الرغبة ذلك الحين مصروفة إلى الشعر ولعض العلوم المألوفة فمال إلى ذلك حتى تمكن من قرض الشعر ونالت أشعاره مكانتها من الرقة والعذوبة حتى تكون لديه ديوان شعر. ومال بكليته إلى التحرير فامتلك القلوب ببلاغته واخذ بمجامعها في حسن نياته.
وبينما هو في هذه الحالة من رغد العيش وهنائه مع أبناء وطنه وأحبائه في(8/275)
راحة وطمأنينة إذ فاجأ عصيان من قبل (بكر صوباشي) أدى إلى استيلاء العجم على بغداد زمن (الشاه عباس الصفوي المتوفي سنة 1038هـ) فتبدل هذا النعيم بالشقاء وتلك الراحة بالعناء فلم يطق البقاء على هذه الحالة ولم يرافقه هذا التغير في الحكومة فترك ممتلكاته من أموال ودار فذهبت نهبا واتخذ القول المشهور (الفرار مما لا يطاق من سنن الأخيار) فاختفى
بادئ بدء نحو خمسة أيام أو ستة ثم بدل أثوابه وغير كسوته ولبس لباس الدراويش واخذ أمه معه فتوجه نحو الحلة وكربلاء فكانت هذه له دار الأمن والأمان.
عاش هناك عيشة الدراويش وصار في حيرة من أمره لا يدري ماذا يصنع فارتبكت حالته وساءت، ولم تمض مدة طويلة حتى ورد الوزير الأعظم حافظ احمد باشا لإنقاذ بغداد من أيدي العجم فلما علم بذلك وكانت بينه وبين المشار إليه معارفة قديمة جاءه وامتدحه بقصيدة رنانة بين فيها ما جرى عليه في نكبته وما لقيه من الغربة وما عاناه، ولم نر في نفسنا حاجة إلى سرد مطلع هذه القصيدة وإنما غاية ما يفهم فحواها انه صدرها بغزل وجعله براعة استهلال، ثم وصف في أثناء المدح حالته فبين أن ظاهره ينبئ عن مكنون سره، صار متشردا في الطرقات والبراري، فتارة يقال: مجنون، وطورا تقذفه الصحاري فيلجأ إلى الوهاد، وقد اخضلت الأرض بدموعه التي هي كالسيل المفعم. وانبتت الأعشاب فالديار تتقاذفه ويكاد يحترق بنار أنينه ولهيب اهاته، يحسب مرة أن العدو ظفر به أو انه جاءه ليقضي عليه لما اختلج في فكره من الوهم وصار يرتعد كأغصان أصابتها الريح. . .
حاقت به المصائب من كل جانب فكأنها من هولها عوسج اكتنفه بحسكه من جميع جهاته. . . واخذ يذكرها الواحدة تلو الأخرى ويصورها ببديع أدبه حتى انه أبدى: لا يدري ماذا يصنع من الاضطراب الذي ناله، وان الأدب حبب إليه البيان وعلمته المصائب أن يبوح بما لقي بتعبير جاذب خلاب. وهكذا لازمه كمال البيان إلى أن مضى بها بين غزل ووصف حالة وبين شكر ومدح. . . وهي تقرب من ستين بيتا. . . ثم انه بعد أن لقي الباشا المشار إليه عاد إلى الحلة تارة أخرى ومنها ذهب إلى كربلاء وفي هذا الوقت لم يتيسر للباشا فتح بغداد(8/276)
ولا تمكن من الاستيلاء عليها فاضطر إلى الرجوع بخفي حنين، فلما علم المترجم بالخبر تأثر كثيرا، ولذا اختفى أيضاً وتكتم في الذهاب إلى البر فسلك طريق الصحراء خائفا، فوصل إلى الرها بعد أن تجشم الأخطار واجتاز الأهوال فاتخذها مأوى له وجعل سكناه فيها فعدها وطنا ثانيا له وصارت دار هجرته.
وهناك اتخذ له دارا ومحلا معلوما وتعرف بأشراف البلد ومشايخه وعلمائه فصار يجالسهم، وبينا كان مطمئنا وراضيا بحالته إذ سقط يوما من فرسه فكسرت رجله، ولازم داره مدة في خلالها ألف ديوانا سماه (ناز ونياز) وهو بمعنى الفتح والطموح، جعله من بحر المثنوي
مماثلا لما ألفه فضولي من (مجنون ليلى) فأثبته في ديوانه، وهذا غير ناز ونياز الفارسي المذكور في كشف الظنون فانه لمؤلف آخر.
ثم انه بعد ذلك توجه السلطان مراد إلى بغداد لاستخلاصها، ولما وصل الرها استقبله بقصيدة مدحه بها ودعا له فيها بالسفر الميمون.
وأرخها في سنة في سنة 1048هـ (1638م) قائلا: (مبارك أوله أكان دائما طريق وسفر) وعندما علم أن السلطان مراد قد افتتحها في مدة يسيرة وانه أعاد إليها نظامها وانتظامها وسمع أن المهاجرين صاروا يعودون رويدا رويدا تحرك حينئذ من الرها سنة 1053هـ وعاد إلى وطنه القديم بسرور لا مزيد عليه، فحمد الله على الرجوع مع أمه ولم يكن معهما أحد وكان هاجر عنه بزي درويش ناسك ومن ثم صار له من الأهل والعيال والأولاد والمال والجاه ما يغبطه عليه، وتولى بعض المناصب مما يتعلق (بكتابة الديوان) وله آثار حسنة ومناقب جميلة.
وفي سنة 1066هـ سافر إلى حج بيت الله الحرام مع والدته وأهله وعياله، وتقدم لزيارة روضة المصطفى (ص).
إن المومى إليه كان فريدا في النظم والنثر وحيدا في عصره باللغة العربية والفارسية، وهو شيخ نوراني جليل، اعتقاده طاهر، ومواظب على الأوراد، قد صاحب شيوخا كثيرين من أرباب العرفان وجالسهم فاقتبس من أنوار حقيقتهم فهو عارف بالسلوك إلى طريق الحق وله اليد الطولى في التصوف وعدا ذلك فخيراته عميمة وحسناته وفيرة يسعى لعمل البر، وفي كل أحواله مراع للشرع(8/277)
الشريف وفي أواخر أيامه أي قبل أن يتوفى بنحو خمس سنوات ترك الأشغال ولازم تلاوة القرآن الكريم والأوراد والأذكار.
وفي سنة 1074 توفي عن 72 عام، وقد رثاه ابنه وأرخ وفاته (الظاهر انه أخو مرتضى أفندي) بقوله:
كيجدي أول مرحوم حق نظمي أفندي ذو الفنون
دار دنيادن بقادة ايلدي جاي ومكان
عالم أر وأحدن كلدى نداكيم سويلكز
تاريخن (يا رب اجعل بيته دار الجنان) 1074
وأرخ أيضاً وفاته سيفي الذي هو من فصحاء الزمان فقال:
جك ايكى ألف سينه يه كيم رسم غرادر
اندن صوره تاريخني (دي نظمى ايجون اه)
وكذا أرخ وفاته غوثي فكان له وقعه: (وفيه تنويه بفضله وبيان لمكانته ومنزلته في النفوس):
اكمل أهل خرد افصح أرباب سخن ... سعدي دور زمان صاحب أخلاق سليم
عارف مبدأ وداناى رموزات معاد ... واصل رحمت ابجار خداوند كريم
إلى أن يقول:
فوتنه سويلدي اخلاصله غوثي تاريخ ... أوله روحي همه جا جنت اعلاده مقيم
ومطلع ديوانه: 1074
قد بدا من كأسنا أنوار مشكاة الهدا ... الصلا أي باده نوشان محبت الصلا
جامه مي آتش فروزطوراولور أول عارفه ... كيم ويرر طبعية عسقك انجلا
اهـ.
هذا ما جاء في كلشن شعرا والظاهر أن هذه الترجمة لأحد أبنائه كما أشير إلى ذلك فيما سبق، وقد ذكر له ابنه مرتضى تاريخا منظوما في جامع السلحدار محمد بك فلا نرى في نفسنا حاجة إلى إيرادها هنا بعد ذكر الأبيات الكثيرة له. ومن هذه يتضح أن ولادة المترجم ووفاته معينان وانه لم يذهب إلى بلاد الأناضول في أثناء خروجه من بغداد بسبب تبدل الحكومة. وحين عودته إلى بغداد لم يكن معه أولاد أو أحفاد نظرا للصراحة بذلك من انه رجع(8/278)
مع والدته فحسب. . . وبهذا انتفى ما في تاريخ كليمان هوار وزال الخفاء عن هذا الرجل كما انه لم يكن اسمه السيد علي بخلاف ما جاء في سجل نفوس عثماني عن مرتضى انه ابن السيد علي فهذا غير صواب منه، والذي يتبين من ترجمته انه أديب في اللغات الثلاثة وارث لعلوم جديه عهدي وشمسي ومنتهج سلوكهما وانه كان كاتب الديوان. وقد ذكر جملة صالحة من أبياته التركية وكنا نود أن يبين مترجمه بعض أبياته الفارسية والعربية ويا للأسف لم يتعرض لها كما أن المسيو كليمان هوار يقول أبقت الأيام ديوانه ولكنه لم يصفه ولا ذكر محل وجوده لنتمكن من الاطلاع عليه لعلنا نقف على معاصريه
عدا غوثي وسيفي اللذين مر ذكرهما في رثائه. وكان له ولدان وهما:
1 - حسين أفندي. 2 - مرتضى أفندي المؤرخ العراقي الشهير.
وسيأتي الكلام عليهما في المقال التالي، والله ولي التوفيق.
بغداد: المحامي عباس العزاوي
الاقراباذين وأول من ألف فيه عربي نصراني
الاقراباذين لفظ يوناني معناه: (التركيب أي تركيب الأدوية المفردة وقوانينها) (عن كشف الظنون) وقد ذكرت معلمة الإسلام هذه الكلمة وقالت إنها (من ومعناه التأليف الصغير بعد أن مرت باللغة السريانية (جرافاذين) وقد فسر عيسى بن علي هذه الكلمة بقوله: (رسم الأدوية أو نسق أو مجموع أي ما يسمى عند الإفرنج اه.
قلنا: نحن لا نوافق على هذا الرأي والكلمة اليونانية لم ترد بالمعنى الذي أشير إليه. والذي عندنا أن الكلمة من اليونانية ومعناها التركيب الطبي كما قال في كشف الظنون وقد استعمل هذه اللفظة اليونانية وبهذا المعنى ديسقوريدس في كتابه: (على العقاقير أو على المادة الطبية 207: 1) أي بمعنى
وأول عربي ألف في الاقراباذين سابور بن سهل النصراني (عن ابن القفطي ص207) وكان طبيب المتوكل ومن جاء بعده من الخلفاء، توفي ابن سهل في 21 ذي الحجة سنة 255 (31 نوفنبر سنة 869م).(8/279)
الدولة القاجارية وانقراضها
1 - تمهيد
توفي في باريس احمد شاه من ملوك القاجار وأخرهم وذلك في 1 آذار (مارت) فانقرضت به الدولة المنتمي إليها فرأينا من المناسب أن نعقد فصلا لهذه الدولة.
2 - معنى القاجارية ونسبهم
يرى علماء اللغة الفارسية أن القاجار تصحيف (قجر) بقاف وجيم فارسية مثلثة وراء في الأخر، ومعناها السريع في سيره ويراد بالقجر قبيلة من بادية التركمان كانت كثيرة التنقل في ديار تركستان وكثيرا ما كانت تظعن إلى ربوع إيران المجاورة لها انتجاعا للكلا ثم تعود إلى وطنها فتقيم فيه زمنا. وكنا قد قرأنا في سنة 1894 كتابا خطيا لأحد علماء إيران يقول فيه أن القاجار لغة في الكوجر أي المتنقل والراحل بالتركية، وكان الشاه الذي انشأ هذه الدولة من قبيلة تركية متنقلة بادية وكلا اللفظيين يرجع إلى أن أصل الدولة المذكورة من قبيلة بادية راحلة. إلا أن الشائع هو أن القاجار منسوبون إلى القجر القبيلة التركمانية المذكورة التي كان أصل مقامها في أرجاء استراباد.
ويزعم مؤرخو الفرس أن القاجار يمتون بنسبهم إلى قبيلة جلائر الكبرى وهي تلك القبيلة التركية المشهورة في التاريخ وان الملوك القاجارية منسوبون إلى قجر نويان بن سرتاق نويان الذي هذب وأدب غازان خان. وسرتاق هذا هو الذي قتله بايدو زاعما انه كان من حزب غيختو وذلك في سنة 694هـ (1295م) ويزعم هؤلاء المؤرخون أن القبيلة المذكورة أقامت على تخوم ديار الشام بعد تملك أبو سعيد أو بوسعيد في سنة 731هـ (1335م) ثم أعادها تيمورلنك إلى إيران وفي تركستان أصل منشأها وذلك في سنة 803 (1400) وكانت إحدى القبائل السبع التركمانية التي أجلست على عرش فارس الدولة الصفوية. والى هذه القبيلة أيضاً ينتمي (شاه قلي قرجي (الحرسي) الذي أوفد مرتين في سنة 962 (1555) وسنة 975 (1567) ليتذاكر في أمر الصلح مع العثمانيين(8/280)
وقد فوض إليه أمر السفارة.
وفي سنة 995 (1587م) لاحظ الشاه عباس الأول ازدياد أبناء هذه القبيلة فقسمها إلى ثلاثة أبطن، فأقام البطن الواحد في مرو بازاء الازبك والثاني في كنجة واريوان. والثالث في استراباد في قلعة مبارك آباد التي شيدها فالذين أقاموا في الأعالي سموا يوخار باش والذين توطنوا في أداني البلاد عرفوا باشق باش. وكانت الغاية من إسكانهم تلك الأرجاء حمايتهم ودفع عوائل التركمان الذين كانوا وراء التخوم.
هذا أصل القاجارية على رواية مؤرخي الفرس الذين كتبوا ما كتبوا تزلفا من الدولة المالكة وخوفا من سطوتها وبطشها يوم بلوغها إلى عرش الاكاسرة والذي عندنا أن وصل نسب القاجارية بالجلائرية، مشكوك فيه كل الشك إذ لم نجد له أثرا في المؤرخين الذين دونوا الأخبار قبل تسلم القاجارية غارب المملكة ولهذا لا نوافق على تلك الرواية الضعيفة إلا إذا جاءنا أحدهم بنص قديم صريح يثبت هذا الرأي. وسوف ننتظره سنين عديدة مديدة ولعل عينينا لا تقعان عليه أبدا.
3 - ملوكهم
كان فتح علي خان ابن شاه قلي خان ابن مهدي خان ابن ولي خان ابن محمد قلي وكان من أمره انه وضع يده على استراباد ليثأر دم أخويه وفي سنة 1135 (1723) حارب الأفغانيين الذين حاصروا اصفهان وهو على رأس ألف فارس فوشي به عند الشاه حسين انه طموح فعاد إلى دياره وترك الشاه الصفوي يتقلى على جمر الغضا الذي أضرمه الأفغان. ثم دعاه أهل الري ليدفع عنهم غائلة العدى من الأفغان الذين كانوا في إبراهيم آباد بقرب وراوين لكنه لم يوفق فعاد إدراجه إلى مازندران ليخدم الشاه طهماسب، وفي زحفه إلى المشهد قتل بأمر نادرشاه في 14 صفر 1139 (12 ت1 سنة 1726).
وحاول نادرشاه أن يقتل ابنه محمد حسن خان وكان يتأثره ففر هذا إلى التركمان وجمع منهم من تحزب له واسترجع استراباد فانتزعت منهم بعد زمن فأقيم من رؤوس القتلى منارتان عرفتا باسم (كله منار) وقد رآهما الإنكليزي هنوي وصورهما ونقلهما السير مرك سايكس (تاريخ إيران 364: 2)(8/281)
فذهب محمد حسن إلى قبيلة داز فأبت ضيافته على إلحاح نادرشاه فقضى أياما عديدة في البادية حتى سمع اتفاقا وعلى غير انتظار منه قتل نادرشاه فعاد إلى استراباد واستحوذ عليها (1166هـ 1747م) فهاجمه بعد ذلك كريم خان زند الذي
حاصره فيها مدة أربعين يوما ثم ترك الحصار تاركا معسكره (1165هـ 1752م).
وفي سن 1168 (1755م) دوخ احمد شاه مدينة مشهد رضا وأرسل شاه بسند خان ليهاجم أملاكه وكان يقود 15. 000 فارس فكسر هذا الجيش في سبزوار. فلما كان الظفر حليف محمد حسن نشط كل النشاط فدوخ قزوين وكيلان وزحف إلى اصفهان فخسر كريم خان واقعة كلون آباد على أربعة فراسخ من هذه المدينة وفر إلى شيراز وفي سنة 1169 (1756م) استولى على أذربيجان وكان يحكم فيها أزاد خان الأفغاني. فوصل إلى هذه الولاية في سنة 1170 (1757) وعقد لواءها لابنه آغا محمد شاه وكان عمره يومئذ 18 سنة وفي السنة التالية زحف إلى شيراز إلا أن جيشه تفرق شذر مذر لقحط وقع في تلك السنة، ثم قمع بعض عصيان رآه في قسم من الجند، ولما تعب عسكره من الزحفات المتداركة غادروه غير آسفين على مفارقته فرجع إلى استراباد بجماعة من (اشق باشية) وحشمه فناهضه الشيخ علي خان في بادية قرق فساخت سنابك جواده في الوحل فقتل وهو في تلك الحالة وكان قاتله كرديا اسمه (سبزعلي) وكان أحد خدمه الذي انحاز إلى عدوه (سنة 1171هـ - 1758م).
وفي تلك الأثناء دخل حسين قلي خان - ثاني أولاد الشاه السابق وهو الملقب (بجهان سوز) لجراءته وشجاعته - في خدمة كريم خان الذي خص ببلاطه آغا محمد وكان عمره يومئذ ثلاثين سنة فذهب هذا إلى شيراز وأقامت أسرته في قزوين ثم عين حسين قلي حاكما على دامغان وكان طموحا إلى الأعالي فهجم على استراباد وسير فيها النار والبتار فدوخ مازندران وفاجأ في بادفروش حاكمها مهدي خان الذي كان قد عينه كريم خان عاملا لتلك الكورة، فقتله في خيمته ضربا بالبارودة (تزكمان يوموت) العصاة وكان عمره سبعة وعشرين عاما، وهو أبو فتح علي شاه.(8/282)
ودونك الآن أسماء ملوك الدولة القاجارية مع سني مواليدهم وتملكهم ووفياتهم.
4 - أسماء ممهدي طريق العرش
(فتح علي خان) ولد في 1097 (1685) أو في 1104 (1693) ورقي العرش في سنة 1133 (1721) وتوفي في سنة 1129 (1726 أو 1727) ودفن في خواجه ربيع قريبا من المشهد.
(محمد حسن خان) كانت ولادته في سنة 1127 (1715) وعلا الأريكة سنة 1164 (1751) وودع الدنيا في سنة 1172 (1758 أو 1759) ودفن في (شاه عبد العظيم).
(حسين قلي خان) ولقبه جهان شوز (أي محرق الدنيا) ولد في 1164 (1751) وامتطى غارب المملكة في 1184 (1770) وانتقل إلى الآخرة في سنة 1191 (1777م) ودفن في استراباد.
5 - أسماء الملوك أرباب المملكة
1. (آغا محمد شاه) ولد في 1155 (1742) وقبض على الصولجان في سنة 1193 (1779) وانضم إلى آبائه في سنة 1211 (1796 أو 1797) ورمس في النجف (مشهد علي في العراق).
2. (فتح علي شاه) ولد في 1185 (1771) وقبض على زمام المملكة في طهران سنة 1212 (1797 أو 1798) وتوفاه الله في 1250 (1834) وقبر في قم.
(عباس ميرزا) نائب السلطنة ولد في 1203 (1788 - 1789) وقضى نحبه في خراسان قبل والده (1249 أي 1833 - 1834) ودفن في مشهد رضا.
3. (محمد شاه) ولد في سنة 1222 (1807) وجلس على كرسي الملك في سنة 1250 (1834) ووافاه الأجل في سنة 1264 (1848) ولحد في قم.
4. (ناصر الدين شاه) جاء إلى هذه الدنيا في سنة 1247 (1831 - 1832) وملك في سنة 1264 (1848) وقتل في سنة 1896.
5. (مظفر الدين) كانت ولادته في 1269 (1853) وتسلم العرش(8/283)
في 8 حزيران 1896 وانتقل إلى دار البقاء في 14 يناير 1907.
6. (محمد علي) ولد في سنة 1289 (1872) وملك في 19 يناير سنة 1907 واستعفى في 16 يوليو 1909.
7. (احمد شاه) ولد في سنة 1898 وبلغ سن الرشد في 1914 وخلع وتوفي في هذا السنة.
(أغلب هذه المقالة معرب عن معلمة الإسلام)
دار شيعان
أو شيشعان
هذا اسم نبات شائك، وهو مركب من كلمتين من (دار) الفارسية أي خشب أو عود، وشيعان (كجوعان) من شوع رأسه (ككرم) أي انتشر شعره وتفرق وصلب حتى كأنه شوك، أو بعبارة أخرى: ثار وشعث. وسمي كذلك لان لهذا النبت شوكا منتشرا متفرقا صلبا كما رأيناه، وقد ذكره بعضهم بصورة شيشعان كأنه منحوت من (شيعان) المكررة فاكتفوا بشين ثانية عن تكرير الكلمة نفسها لان هذه الشين هي الحرف الظاهر المتفشي الصوت والمهم في الكلمة. وقد جاء هذا الاسم مصحفا تصحيفا قبيحا في كثير من كتب النبات واللغة، فقد ورد في محيط المحيط (دار شيشفان بالفاء أو دار شيشفار) (بالفاء والراء) أو دار ششفار (بحذف الياء من بين الشينين) شجرة عظيمة شائكة وتعرف بالقندول، (فارسية) اه. وكرر هذه الأغلاط صاحب البستان وعرف الشجرة بقوله: شجرة شائكة فارسية معروفة عند فريق من العامة بالقندول (وضبط الدال بالفتح) اه.
قلنا ليست شجرة فارسية بل ترى في كثير من البلدان غير الفارسية أيضا. والقندول عند العامة بضم الدال كما سمعناها من كثيرين في فلسطين وسورية لا بفتحها، وذكر البستانيين هذه الكلمة المركبة في مادة (دار) من اغرب الغرائب. وحق ذكرها في شوع لسبب اشتقاقها ومعناها.(8/284)
فوائد لغوية
العربة وأصلها
وقفنا على ما كتبه حضرة الخوري جرجس منش في مجلة المجمع العلمي (699: 9) بعنوان: (العربة، هل هي من وضع ابن بطوطة؟) فتعجبنا من هذا العنوان الغريب، لأنه لم يذهب إلى هذا الرأي أحد، إذ كلنا يعلم أن ابن بطوطة ذكر اللفظة سماعا عن أهل البلاد الذين كانوا ينطقون بها فهو راو لا واضع، فكيف نسب حضرته هذا الأمر إلى ابن بطوطة في ذيالك العنوان المغالط به؟ فلو قال مثلا: (العربة، هل هي من عصر ابن بطوطة) لما ناقشناه. أما انه ينسبها إلى الرحالة المذكور، في الوقت الذي يصرح فيه بأنه يروي الكلمة رواية، فهذا مما كنا نحب أن يرفع نفسه عنه.
وهناك نسبة أخرى كنا نود أن لا يذكرها بالوجه الذي ذكره، فقد قال حضرته: (وقد كان. . . الأب انستاس الكرملي ذهب إلى أن العربة تركية الأصل في نقده على الشيخ إبراهيم اليازجي قال في مجلة المشرق (519: 5) وكثيرا ما يستعمل كلمة (عربة) بمعنى مركبة وعجلة وهي تركية الأصل!!.) كذا رأينا هذه العبارة مكسوعة بعلامتي تعجب. ونحن لم نفعل ذلك، فهي إذن من حضرة الخوري الفاضل ومن زياداته، وكان يحسن به أن يقول انهما من عنده أو أن يجعلهما بين عضادتين أو هلالين أو غير ذلك من العلامات، ليشعر القارئ بأنهما ليستا لنا إذ لسنا ممن يسخر بمعرفة اليازجي، ومقامه من اللغة أشهر من أن يذكر.
إذن وضع حضرته هتين العلامتين هو من عنده ليدل بهما على تعجبه من جهلنا. قلنا إننا نقر بهذا الجهل وقد صرحنا به مرارا، لكن مع هذا كله لم ننسب إلى نفسنا القول بتركية أصل العربة، وكلامنا صريح فويق هذا وهو: (وهي تركية الأصل.) ولم نقل: (وعندنا إنها تركية الأصل)، إلى غيرها من(8/285)
العبارات التي تدل على ادعاءنا بالأمر. إنما أوردنا رأي الغير والذي صرح به قبلنا أنها تركية صاحب مرآة اللغات، ومؤلف الدرر العمانية في لغة العثمانية، وصاحب لهجة اللغات وغيرهم كثيرون. ولما قلنا أنها تركية لم نقل أنها بلفظها الحالي تركية الأصل بل أردنا أن نقول تركية التركيب والوضع. ألا يعلم الناس أن عولس
أو عوليس علم يوناني ومع ذلك نقله بعضهم بالعين كما ترى. أفلكون تبتدئ بعين يزول عنها أصلها اليوناني؟ - فقول حضرة الخوري: (وهذا يؤكد (أي كتابة الكلمة بالعين) ما سبق (كذا) وقلته لا أظن العربة من أصل تركي) قول يقرب من قول الأطفال والرضع.
أنا أن العربة (تركية) فنحن لا نشك فيها. وذلك لأننا نراها مدونة بهذا المعنى في كتاب (ديوان لغات الترك) لمؤلفه محمود بن الحسين بن محمد الكاشغري وقد فرغ من تأليفه سنة 466هـ (1073م) أي في أواخر المائة الحادية عشرة. وأنت تعلم أن المؤلف تركي صنف كتابه في بغداد ونقل ألفاظه عن الترك، كما تعلم أيضاً أن اللفظة لا تشيع بين الأمة البعيدة الأوطان والأطراف إلا بعد مئات من السنين، بخلاف ما يجري في هذا العهد إذ يعم اتخاذ اللفظة نقلها على أجنحة الصحف والمطبوعات، أما في عهد البداوة فان الكلمة ما كانت تنتشر إلا بعد مئين من السنين. فوجود العربة عند الترك بصورة أربه أو أرابه بمعنى العجلة أو المركبة في لساننا: أقدم من نقل معناها بهذا اللفظ نقلا عن الارميين أن صح هذا النسب الموهوم فيه. أما(8/286)
أنها سريانية فهي لم ترد فيها بهذا المعنى وهل يمكن أن يستشهد بوجود كلمة بمعنى من المعاني غير المعنى المطلوب الذي يجري فيه الجدال؟ - ومن الغريب أن حضرة الخوري يلوي النصوص ويقلبها ظهراً لبطن ويسومها عذاب الهون ثم يحاول أن يخرج منها معنى العجلة الذي يولي عنه بعيداً كلما عالج القبض عليه. فالمراد من قول المؤلفين الأرميين: جناح دولاب العربة (العنفة) (كقصبة) وهو ما يضربه الماء فيدير الرحى. فأين هذا من العجلة يا حفظك الله؟ نعم أن العربة هي الرحى التي يكون في السفينة في الماء ليطحن بها القمح أو يعصر بها البزر، أو يستخرج بها الزيت لكن بين أن يكون الزورق عجلة أو مركبة فرق كالفرق الذي يرى بين السمكة السابحة في الماء والحيوان الذاب على الأرض فأن يكون هذا يوافقه فلا يوافق الغير من المنصفين.
وليس حضرته (أول من سار غره قمر) فأن العلامة الكبير والمستشرق الشهير دي خوية الهولندي ذكر في المعجم الذي ذيل فيه تاريخ البلدان للبلاذري أن العربة وردت في هذا السفر الجليل مجموعة على عرب بحذف الهاء. على حد ما نرى في قولهم زهرة وزهر وثمرة وثمر وتمرة وتمر وإليك عبارته: (عرب جمع عربة وهي العجلة. راجع ص8 على ما في النسخة الأولى. أما في النسخة الثانية فعرب وردت بصورة غرب (بفتح فسكون) إلا
أن رواية النسخة الأولى تفضل رواية النسخة الثانية لأن كلمة (محارثة) المجموعة تتقدمها. . .) اه تعريباً وهذه عبارته بحروفها الإفرنجية حتى لا نتهم بالترجمة التي نتصرف فيها:
8. عربة عرب. عرب غرب محارثة
وجوابنا عنه أن العلامة الجليل أخطأ في القراءة والتأويل. والعبارة التي يشير إليها في البلاذري وأنها ترى في ص8 هي هذه: (وإذن لصاحب الناضح في الغضا وما يصلح به محارثه وغربه). ففي النسخة الأولى جاءت غربة بالعين المهملة أي عربه وفي النسخة الثانية بالغين المعجمة أي غربه. وسبب تفضيل المؤلف رواية العين المهملة على الغين المعجمة أن كلمة محارثه تسبق (غربه) ولما(8/287)
كانت عربه معطوفة على محارثه كان المعطوف من طبقة المعطوف عليه أي عطف جمع على جمع. وليس ذلك صحيحاً لأن محارثه ليس جمع محرث والمحرث آلة الحرث وآلة الحرث تتركب من عدة أدوات فصح أن تسمى محارث. أما الغرب (بفتح فسكون) فهو الدلو العظيمة يستقى بها للزرع أي ما نسميه نحن بدلو الكرد. والغرب لا يكون إلا واحداً. فصحيح الرواية إذن (وغربه) أي ودلوه. أما فساد الرأي المراد هنا (عربه) أي عجلاته فظاهر من أن الفلاحين من السلف لا يتخذون العجلات في الزراعة والحراثة والفلاحة بخلاف أهل أوربة - ثانياً أن شبه الجمع أو الجمع الجنسي في مثل ثمر وثمرة معروف في المخلوقات لا في المصنوعات. وأن ورد بضعة ألفاظ في المصنوعات أيضاً إلا أن الشائع المستفاض هو في المخلوقات - ثالثاً أن لفظة (العربة) بمعنى العجلة لم تشع بين الناطقين بالضاد قبل المائة الرابعة للهجرة أو المائة العاشرة للميلاد والبلاذري من أهل المائة الثالثة للهجرة. فكل دليل من هذه الأدلة الثلاثة كاف وحده لتوهين القول بأن المنصوص في أصل عبارة البلاذري هو العرب (العجلات).
وممن وهم وهمه دوزي، قال: عربة بمعنى عجلة تجمع على عربات وعرب (راجع معجم البلاذري ومعجم دوزي ومحيط المحيط).
ومن غريب ما استنتجه حضرة الخوري قوله: (وقد ذكر ابن علي عربا على اللفظ الشرقي بمعنى العربة (العجلة) كما مر بك) والعبارة التي يشير إليها حضرته هي: (ابزارا) جناح دولاب العربة) والحال أننا نعلم أن لا جناح للعجلة كما أن لا جناح للعجلة (بكسر الأول
مؤنث العجل) والعربة المذكورة في هذا النص هي المعصرة لا غير فكيف يلوي حضرته النصوص ويستنتج منها تلك النتائج؟ أن هذا لمن الاستخفاف بعقول القراء والضحك من شواربهم ولحاهم ولا يمكن أن يسلم به جاهل فضلاً عن عاقل.
فمعنى العربة التي استعملها الارميون يوافق المعنى المذكور عنها في معاجم(8/288)
لغتنا العربية أي معنى المعصرة الموضوعة في السفينة ولها دولاب للدولاب عنفات يضرها الماء فتحركه أي وليس هناك أثر لمعنى العجلة.
والعربة التي يكتبها صاحب (ديوان لغات الترك) أربه (كقصبة وبهاء في الأخر) تركية الأصل لا شبهة فيها وقد عربها العرب بالعين كما عربوا ألفاظا كثيرة ناقلين إياها من اللغات التي لا عين فيها ولا سيما هذه الأربه عربت بالعين لقربها من لفظة (العربة) التي ألفوها لوجودها عندهم علما ونكرة وأن كان المعنيان يختلفان فإننا نسمع العراقيين يقولون الآن: أم البوس في امنيبوس وهي الحافلة - وقلم طوز في كالبتوس إلى غيرهما من الألفاظ التي يسمع مثلها وتجري على هذا الوجه من التحريف والتصحيف في جميع الديار واللغات لمشابهة بين الكلم الغربية والكلم المألوفة على السماع.
(تذييل) أغلق علينا فهم بعض الألفاظ فنرجو من حضرته أن يفيدنا عنها قال: (ذلك ما تبادر إلى ذهني) (ص699) أفيريد أن يقول: (ذلك ما تبادر ذهني إليه، أو بادر إليه ذهني؟ - وقال فيها (ليس هو من أئمة اللغة بل ليس هو الذي وضع. . .) أفلو حذف (هو) من الجملتين ألما كانتا أخف وأرشق؟ وأن كنا لا نخطئ قوله المذكور.
وفي ص700 (في العهد العباسي أي في أواخر العصر التاسع للمسيح) قلنا: سر العهد العباسي بأواخر القرن التاسع للمسيح. والذي نعلمه أنه يمتد من سنة 132هـ (749م) إلى سنة 656هـ (1258م) أي 524 سنة. هذا فضلا عن أننا لم نجد بين الأقدمين من استعمل العصر بمعنى القرن أو المائة سنة، ومما شق علينا فهمه قوله في ص700 (عربة خطأ محض (بالتركية) لأن العين لا وجود لها في اللغة التركية ولعل المراد (أرابه در). فهذا كلام يدلك على أن اللفظة التركية هي (أرابه در) وهذا أمر مضحك، إنما المعنى (هو أرابه) بالتركية. لأن در في اللغة التركية أداة وصل الخبر بالمبتدأ ويقابله (هو) بلغتنا والسلف يحذفونه فيقولون مثلا: (العلم نافع) لا العلم هو نافع - ومما لم يأنس بالنطق به
فصحاؤنا قول حضرة الخوري في حاشية 700 (مثل برنساه وما أشبه) -(8/289)
والذي ينطق به أئمتنا: وما أشبه (راجع سبب هذا التعبير في هذه المجلة 555: 7) ففيه فائدة لا تنكر.
ومن ألغاز كلامه هذا التعبير: (وهذا يؤكد ما سبق وقلته لا أظن العربة. . .) ولعل هناك غلط طبع إذ الصواب (ما سبقت وقلت) أو (ما سبق إذ قلت) أو أشباه هذا التعبير وهو كثير.
ومما لم نفهمه قوله (من اعتاد الحرب ص701 أفيريد (من عتاد الحرب) بلا همزة في الأول. أو اعتد الحرب أو عتد الحرب)؟ فإذا كان هذا هو المطلوب فلماذا كل هذا التحذلق؟ - وفي تلك الصفحة: (ولما كانت العجلات. . . فقد توسطوا) والصواب حذف الفاء من الجواب إذ يتلقى جواب (لما) بالفاء بخلاف (أما) فلعل تشابه اللفظيين استدرجه إلى الوهم. ولما كانت. . . توسعوا). وفي تلك الصفحة كرر قوله: (وما أشبه) والصواب الاحتفاظ بالفضلة وأن يقول: وما أشبهه. وضبط (إرمية) (وزان عنب بالنسبة والتأثيث) كما صرح بذلك صاحب القاموس، وأحسن الأقوال إرم (كعنب) لأنها واردة في سورة الفجر.
أرسلنا بهذا الكلم على ما حضرتنا ونحن أول من يتهم نفسه بالخطأ ويقر به إذا ما رآه متبلجاً في سماء التحقيق الصاحية.
من الأوهام الشائعة
قال أحد الأدباء (وقد زود الوفد العراقي بكل التساهلات المقتضية وكل العطف) وقال أخطأ في قوله (المقتضية) والصواب (المقتضاة) أي اسم مفعول من (اقتضى) والأصل (مقتضية) بفتح الضاد والياء التي قلبت ألفا لانفتاحها وانفتاح ما قبلها. أما (المقتضية) أي اسم فاعل من ذلك الفعل فتستعمل في قولنا (التساهلات المقتضية للنجاح) بمعنى (المستوجبة للنجاح) لا غير.
مصطفى جواد(8/290)
باب المكاتبة والمذاكرة
نظرات في رسالة النابغة
طالعت في الجزء الأول من لغة العرب في سنتها الثامنة ص (32 إلى 39) رسالة النابتة للجاحظ التي عني بنشرها حضرة الدكتور داود الجلبي. وقد ظن أن هذه الرسالة لم تنشر سابقاً. والحق أنها برزت إلى عالم الطبع على يد الأستاذ فان فولتن فقيد العلم والأدب وكان قد اعتمد في طبعها على النسخة المحفوظة في الآستانة. والرسالة مدرجة في أعمال المؤتمر الحادي عشر، مؤتمر المستشرقين في القسم الثالث في ص115 إلى 123 (طبع باريس سنة 1897) وقد ذكرت هذه الرسالة في كتاب (الآداب العربية) تأليف بروكلمن (ولعل حضرة الدكتور الجلبي لم يقف عليها لأنها ليست تحت يده) إذ هي في موطن منزو من ملحق المجلد 2ص 693، ولهذا نلفت أيضاً نظر حضرة الأديب يوسف آليان سركيس إذ لم نر لها ذكراً في معجمه الذي وسمه بمعجم المطبوعات العربية. والمفيد في نسخة الآستانة المطبوعة أن النسخة المذكورة تشابه كل المشابهة النسخة الموصلية حتى في بعض أوهامها الظاهرة للعيان، وهذا ما يحدو بنا إلى القول أن الرسالتين منقولتان عن أصل واحد هو الأب. وفي عدة مواطن ترى النسخة الآستانية (وهي التي نرمز إليها بحرف (ن) أضبط من النسخة الموصلية التي (نرمز إليها بحرف (م) وتؤيد في أغلب الأحيان صحة فكرة الدكتور الخبير فليسمح لي إذن حضرته أن أقابل روايته برواية النسخة الآستانية لينجلي الحق لمن يريد اتباعه.
ص32 س2 ن: الامتناع كما في م وأظن أن الامتناع بتاءين هو الصحيح -
وفي (ص) و (س) المذكورين في ن (لا) غير مذكورة
س4 ن تذكر (اتقاء) كما قال حصرته.(8/291)
ص33 س6 ن تذكر (ذيلها) كما قال حضرته
(في ن غربهم في مكان عنهم
س13 ن (يقتل) كما ذهب إليه الجلبي
(ن كولى كما في م. والصواب أن يقال مول (بضم ففتح فتشديد)
كما يذهب إليه فان فولتن
س14 ن ذمروا عوض دفروا
(15 ن تقدم
(16 ن دما كما أصلحه الجلبي
(17ن تروى: يضيع الله دم، لا يضيع دم الله
(وفيه ن والمنتقم له، لا والمنتقم
(18ن بطائلته في مكان: بطائله
(19 في ن محبته كما في م
(20ن أقامته في موضع إمامته
(21ن رباعه في موطن رياعه
(وفيه ن أقواله كما في م. وفان فولتن يعرض على القراء أن يقال أمواله كما ارتآه الجلبي
س 22ن طمره بدل ظهره
(23ن كلما قذفوه مثل في م. وفان فولتن يرتئي أن يقال: كل ما قذفوه كما ارتآه الجلبي
س وفيه ن وادعوه عليه عوض: أو أودعوه
ص34 س1: ن: قاتله في مكان القاتل
س2 فان ولتن يزيد (أن) بعد (على) الأولى
(5ن أبو حنيفة في مكان أبو حيف. وفان فولتن يذهب إلى أن صحيح الرواية هو: ابن حنيف وهو الصواب عينه(8/292)
ص34 س8 ن انتثار في موطن: انتشار
(وفيه ن تزيد على ما بعد (أصحابه) هذه العبارة: (وما رأى من الخلل في عسكره وما عرف من اختلافهم على أبيه
س11 ن عصبا (كذا) في موطن (عضبا). وفان فولتن يرى إنها (غصبا) كما ارتأى حضرة الجلبي)
س14 ن اجتماع في مكان (إجماع)
(17ن بالفيء واختيار كما أصلحهما الدكتور
(18 فان فولتن يرتئي أن يقال (جحد) بدل من (حد)
(20ن جحد في مكان (حجر)
(22 ن لم تكن إلا فيمن في موضع: (لم يكن إلا فمن أو ممن. . .
(24ن نابتة وتسبوه كما صححها الجلبي
ص35 س4 ن: أمر كما أصلحهما حضرته
س7 ن تقول في مكان يقول. وقبله في موطن (قتلته)
(8 ن المتحرز في مكان المتحزب
(10ن م) مما
(11ن المثل كما أصلحها الدكتور) وشيا، كما في م. وهو لا غبار عليه بخلاف ما ارتآه حضرة الدكتور
س12 ن تصنع في محل يصنع
(16ن تقول بدل يقول
(18ن تدل بدل يدل وأنفسهم بدل نفوسهم
(19ن فيهم كما في م
ن أتدل عوض أندل وبغضاء عوض (بغض)
(20ن تدل عوض يدل
ص36 س2 ن: شتمهم كما صححها الجلبي
س5 ن بالتجوير بدل بالتجويز.(8/293)
ص36 (7ن الزبعري كما قال الدكتور
(9ن يا يزيد في مكان يد نريد. وتسل عوض تشل وفان فلوتن يرى أن يقال (فشل). ولعل ذلك لأنه يرقى في العقد الفريد 312: 2 (من طبعة سنة 1293): ولقالوا ليزيد لا فشل، إلا أنه يحتمل أكثر أن تكون (يا) الموجودة في نسخة ن مصحفة عن (يد) على أن هذا البيت لم يرو في عداد الأبيات الواردة في هذه القصيدة المنسوبة إلى عبد الله بن الزبعري وهي مروية مرارا عديدة في كتب أخرى.
ومن الغريب أن الجاحظ نفسه (في كتاب الحيوان 163: 5) يروي:
ليت أشياخي الخ بموجب نص آخر
س10 ن فاعتدل بدل فعدل. ولا يمكن أن يقال: (فعدل) لأن تقطيعه يجب أن يكون (فأعلن)
س11 ن تجوير بدل تجويز). واقطع بدل وافظع
س15 ن يتسكعون عوض يتشكعون
س18 ن مسلمة كما في م. أما فان فولتن فيصححها بقوله (مسلم)
وهو الصواب عينه، غذ لا وجود لرجل اسمه يزيد بن أبي مسلمة
وفيه ليس في ن الكرة كما في م
س22 ن إنكاره كما في م
وفيه ن الجبار كما يراه الدكتور
(24ن فزجروا بدل فزجوا
ص37 س2: ن مولدا (كذا) في مكان مؤكدا
(3ن قراهم عوض قرى
(4ن لا يكون عوض يكون. و (تقول) في مكان (نقول)
(7ن العزة بالإثم كما في م. وفان فلوتن يرتئي أن يقال (الحربة بلا أثم)
وفيه نثر كما في م
(8 ن تراه بدل يراه(8/294)
ص37 س13 ن جنس كفر هؤلاء غير كفر أولئك في مكان: جنس كفرها لا غبر كفر أولئك
(18ن يظن كما صححها الجلبي. و (تعريا) كما في م. أما فان فلوتن فيرى أن تصلح (تقززا)
س19 ن نبتت كما صححها الدكتور
(24ن أن ينقص منه نقص. عوض: أن ينقص منه
(وفيه ن أن يبدله عوض تبدله
(25ن ونسخه عوض نسخه وفان فولتن يصلحها بقوله ينسخه
(وفيه ن أنزله عوض نزله
(ن كان عوض كاف
ص38 س1 ن تزيد بعد خلق: ومنعوا اسم الخلق.
(1ن فإذا كما في م.
(6ن مخلوق عوض بمخلوق في السطر الذي يليه: بمخلق بدل مخلوق
(9 وان ما كان على. . . كما في م. وفان فولتن يظن أن الرواية الصحيحة هي: وما كان على غير.
(10ن فان لوتن يرى أن تحذف (غير) الأولى ليصح معنى العبارة.
(15ن حكيت كما صححها الجلبي.
(16ن نجمت)
ص39 س2 ن قال كما في م.
(3ن افنحن عوض فنحن.
(4ن بقديمنا كما صححها الدكتور.
(5 نفي العجم عوض: من العجم. وفان فولتن يصحح الرواية بقوله من العجم.
(وفيه ليس في العبارة التي زادها الجلبي بقوله: الحديث دون القديم وللعجم.(8/295)
ص39 س7 ن كما صححه الدكتور.
(8ن ليبس فيها (بعد ان) للمرة الثانية بعد (اسمعيل).
(13ن ليس فيها (لمن) الأولى لمن زادها فان فولتن.
(15ن (قد) عوض (وقد).
(16 في ن (فخور) بدل (فجور) وقد أردفها فان فولتن بقوله (كذا).
(17ن (أغيظ) كما صححها الدكتور.
(23ن موفقا كما في نسخة م: إلا أن فان فولتن صححها بقوله (موفق).
وأظن أن هذه التصحيحات والمقابلات والمعارضات تسر الدكتور الجلبي فأرجوك أن تطلعه عليها من قبلي وتهنئه بصحة نظره في التصحيحات والجهد الذي بذله في إخراج النص بهذا الوجه الصبيح.
رومة: جرجيو ليفي دلافيدا
مدرس اللغات الشرقية في جامعة رومة.
(لغة العرب) أننا نشكر لحضرة الصديق الكريم السنيور جرجيو ليفي دلافيدا عنايته برسالة (النابتة) وأعمال النظر فيها، فأصبحت بهذا السعي المحمود كالإبريز الذي لا عيب فيه، والقراء جميعهم ينضمون إلى الدكتور داود أفندي الجلبي ليجاورنا في الشكر للأستاذ الإيطالي والاعتراف بفضله الجزيل وتعبه الظاهر.
العسيل والمسواك
قرأت في مجلتكم 142: 8 جوابا عن سؤال جاءكم من لنجة فاستحسنته غاية الاستحسان إذ لم أجد من ذكر العسيل للفرشاة سواكم مع وفرة كتب اللغة الناقلة الأعجمية إلى العربية وبالعكس. فكلهم يذكرون (فرشة وفرشاة وشعرية وفورشة وفرشابة وبرشيمة وممسحة) إلى غيرها وكلها لا تؤدي معنى الإفرنجية إلا لفظتكم لصحة معناها ولأنها عربية محضة. ولهذا أقدر سعيكم كل التقدير والآن أود أن اعلم أي لفظة تصلح لأن تكون (لفرشة الأسنان) مع الاشتراط أن تكون الكلمة عربية من طبقة لفظة العسيل؟
مصر القاهرة: س م. ح
(ل. ع) أحسن لفظة هي (المسواك) وقد اجتمعت فيها جميع شروط المعنى والمبنى. ويخصص السواك بما لا يكون متخذاً من الشعر.(8/296)
أسئلة وأجوبة
قبر إبراهيم الخليل وموضعه
س - سبزوار (إيران) - م. م. ع: قال أحد الفضلاء في مجلة المرشد (2. 2: 4) فقام السلطان (طهماسب) بهادر خان الصفوي فزار مرقد الإمام (ع) سنة 943 هجرية واهتم بإيصال الماء إليه من الفرات فأمر بحفر نهر له من الحلة وكانت يومئذ من الحواضر الكبرى الآهلة بالعلماء والأدباء فحفر من فوق نهر التاجية في جهة الغرب نهرا أخذة على الطريق السائر من الحلة إلى قرية (نمرود) المعروفة اليوم عند العامة بقبر (إبراهيم الخليل - ع -) انتهى المقصود من إيراده. والأماكن التي تعزى إلى النمرود في العراق (كما أعلم) ثلاثة:
1 - مدينة النمرود وهي المشهورة ببابل.
2 - نمرود وهي قرية قريبة من الموصل الحدباء كانت في الاعصر الغابرة مدينة تسمى (كالح).
3 - برس نمرود وكانت في الاعصر الغابرة مدينة تسمى (بورسيبا).
فأين قرية نمرود المعروفة بقبر إبراهيم الخليل والواقعة على طريق الفيحاء.
ج - لم يمت إبراهيم الخليل في العراق حتى يكون له قبر فيه. وقد اتفق علماء الإسلام والنصرانية واليهودية على أن أبا إسحاق توفي في حبرون ودفن في القبر الذي دفنت فيه سارة. ولهذا لا يلتفت إلى كلام العوام القائلين (قبر إبراهيم الخليل في العراق).
والمدن والأبنية المنسوبة إلى نمرود أكثر من أن تحصى. وسب ذلك أن نمرود اشتهر بالعظمة والجبروت فنسب إليه العوام كل مدينة قديمة عظيمة وكل بناء فخم. ودونكم بعض ما جاء في هذا الصدد: قال ياقوت في مادة أجمة برس (واجمة برس بحضرة الصرح. صرح نمرود بن كنعان بأرض بابل). . . وقال.(8/297)
في اردشير خرة. . . (قال البشاري: اردشير خرة كورة قديمة رسمها نمرود بن كنعان ثم عمرها بعده سيراف بن فارس). . . وقال في مادة بلاطة: بالضم قرية من أعمال نابلس من أرض فلسطين، يزعمون اليهود (كذا): أن نمرود بن كنعان فيها رمى إبراهيم (عم) إلى
النار. وبها عين الخضر، وبها دفن يوسف الصديق (عم) وقبره بها مشهور عند الشجرة. وإما إبراهيم والنمرود فالصحيح عند العلماء أنه كان بأرض بابل من أرض العراق وموضع النار هناك معروف والله أعلم).
ولياقوت المذكور في مادة دمشق (. . . سميت بدماشق بن نمرود بن كنعان وهو الذي بناها، وكان معه إبراهيم كان دفعه إليه نمرود بعد أن نجى الله تعالى إبراهيم من النار. . .) وله في مادة رحبة مالك بن طوق (. . . وفي التورية في السفر الأول في الجزء الثاني أن الرحبة بناها نمرود بن كوش. . .)
قلنا: لا رحبة في التوراة وإنما هناك رعمة وهو اسم رجل تسمت به قبيلة.
وقال المسعودي (78: 1 من طبعة الإفرنج) ونزل ماش بن ارم بن سام أرض بابل على شاطئ الفرات فولد نمرود بن ماش وهو الذي بنى الصرح ببابل وجسر بابل على شاطئ الفرات.
وذكر الآثاريون من الإفرنج أن الترك كانوا يسمون عقرقوف (تل نمرود).
إذن لا يمكننا أن نعلم ما المراد من قول العوام (قبر إبراهيم الخليل) اللهم إلا أن يقال أنه ما يسميه الغير مشهد إبراهيم.
ابن بشكوال والفصحي
س - بغداد - ب. م.: قرأت مقالة أطول من يوم الصيام في المشرق(8/298)
104: 28 إلى 110 يثبت صاحبها أن العرب أخذوا في العصور الوسطى اسم بشكوال عن الأندلسيين الأجانب إلا أنهم بعملهم هذا لم يستردوا بضاعة خاصة بهم لأن ليست (بعربية النجار) بل (عبرية محضا) وقد تيوننت فتحبشت وتسرينت ثم تعربت في المشرق. وأما في المغرب فتليتنت فتأيطلت فتأسبنت فتفرنست فتأنكلزت إلى آخر ما تشاء) فما رأيكم في هذا وبأي كلام ينطق صاحب تلك المقالة البديعة؟
ج - قد ذكرنا سابقاً أن بيك الميراندولي كان يتقن عدة ألسنة شرقية وغربية وله وقوف عجيب على علوم عصره وفنونه وكان - إذا تكلم - يدخل كلمات لغة على ألفاظ لغة أخرى والميراندولي العصري على غرار ذلك الداهية الشهير. ولهذا لاحظتم أنه استعمل أوضاعاً غريبة خاصة به وبذوقه وبعيدة عن الذوق العربي. جارياً فيها على منحى من
يقول تمضر وتمعدد وتبغدد وتدمشق ونسي أن السلف يستعمل لفظة أو كلمة واحدة من هذه الكلمات ليرصعوا بها عبارة من عباراتهم لا أن يأتوا بها دفعة واحدة في عبارة صغيرة فتصبح في لسان صاحبها كمن يتكلم اللغة الهندية أو الصينية أو (الشنقناقية) وكان يمكنه أن يقول مثلاً: (ثم نقلت إلى اليونانية فالحبشية ونقلت إلى السريانية ثم عربت. . . وأما في الغرب فأنها نقلت إلى اللاتينية فالإيطالية فالأسبانية فالفرنسية فالإنكليزية. . .) لكن الرجل غريب الذوق الذوق والتعبير يفسد كل ما يمر به.
ألا تراه كيف يأتي بعبارات حروفها عربية وتراكيبها (سريانية) كما يراه كل أديب يطالع مقالاته بل زد على ذلك أنه يفسد عباراتنا نفسها حين يأخذها بقلمه فقد قلنا: (ولم تر أحد صرح بهذا الأصل سواء (أكان) من أبناء لغتنا (أم) من أبناء الغرب) فنقلها هكذا: سواء (كان) من أبناء لغتنا (أو) من أبناء الغرب. فتأمل هذا وقس عليه ما ينطق.
ومن عجيب عمل بيك الميراندولي العصري أنه يورد كلام الغير ولا يفهمه فإننا منا نقول أن (بشكوال) عربية الأصل لفظاً لا وضعاً واستعمالا كما يفهم من صريح كلامنا فخبط الرجل وخلط وأخذ يسعى على رأسه بين أيدي الناس وهو يدعي أنه يسعى على رجليه! ولله في خلقه شؤون!!!(8/299)
باب المشارفة والانتقاد
49 - الحياة الاجتماعية
أهدت إلينا السيدة جان قرينة الدكتور المرحوم سليمان غزالة عدة تآليف من قلم زوجها وأولها (الحياة الاجتماعية) وكان قد قدمه إلى صاحب الجلالة ملكنا المحبوب في سنة 1924 والكتاب بقطع 12 ومطبوع في دار الطباعة الحديثة ببغداد طبعاً متقنا في 364ص. والكتاب الثاني.
50 - منهاج العائلة
ويليه خطاب في المعضلة الأناثية وقد قسم المنهاج إلى عشرة أقسام سماها محاورات فوقعت في 272ص بالقطع المذكور ووقع الخطاب في 8ص وجعل المنهاج الكتاب الثاني من جملة التأليف التي أطلق عليها اسم الوضيعة في الحركة الخلقية. والكتاب الثالث:
51 - خلاصة أركان الاقتصاد السياسي وتعلقه بعلمي الأدب
والحقوق
جاء في 127 صفحة وأدار محوره على أربع مقالات وعلى 15 محاورة وختم الكل بما سماه (سوانح الكلم الاقتصادية) وهذا السفر هو الكتاب الثالث من الوضيعة المذكورة أما الرابع فسماه:
52 - العشق الطاهر
ويليه القصيدة الفردوسية وقد أهدى هذا القسم إلى سمو الأمير زيد المعظم وجاء في 112 ووقعت القصيدة في 22ص وهي ميمية وعليها حواش تشرح ما أغلق فيها من الألفاظ. والكتاب الخامس:(8/300)
53 - الحب البشري
نظرة إلى الحياة الاجتماعية
أهداه صاحبه إلى عبد المحسن بك السعدون في سنة 1921 حين كان رئيس الوزارة وقد ورد في 126ص شائدا دعائمها على فصول ومحاورات آخذة بعضها برقاب بعض. والكتاب السادس:
54 - علم الأدب الرياضي العملي
أتحفه لجعفر باشا العسكري حين كان رئيس الوزراء في 1927 في صدر هذه الهدية رسالة من الباشا المذكور ومجموع صفحات هذا التأليف 209. والكتاب السابع:
55 - الاقتصاد السياسي
وقد جعله (عراضة) إلى (الأرشد الأنجب عماد الأمة العربية وركن المملكة العراقية فخامة سيدي يس باشا الهاشمي وزير المالية) (في سنة 1927) وكان هذا الكتاب طبع طبعة أولى فأضاف إليه المؤلف شيئاً كثيراً وبدل منهاجه فجاءت الطبعة الثانية الحالية أحسن من الأولى بكثير. والكتاب الثامن:
56 - الأدب النظري العمومي
وقد أهداه (إلى الأنجب الأشرف صاحب الجلالة المليك المعظم علي الهاشمي) وهو في 145 صفحة قائمة على اثنتي عشرة محاورة متساندة أتم التساند. والكتاب التاسع:
57 - المعضلة الأدبية
وهو هدية (إلى معالي الأستاذ الأرشد الفاضل البارع رشيد عالي الكيلاني وزير الداخلية) في سنة 1927 وعدد صفحاته 151 ذكر فيها الأدوار الخمسة مع رجالها الذين اشتهروا فيها. والعاشر:
58 - خطاب الاعتماد على النفس في الكفاح للحياة
وهو في 28 ص بقطع 16 وهذه التصانيف كلها بقطع 12 ومطبوعة طبعاً(8/301)
حسنا ومتقنة التجليد. فنشكر السيدة التي جادت علينا بها. ونستمطر الرحمات على نفس مؤلفها الذي أظهر من الهمة والتعب والكد وهو في أواخر عمره ما أدهش الشبان على اختلاف مذاهبهم وطبقاتهم وأعمارهم. ونتمنى لوطننا رجالاً لا يعرفون الملال ولا الضجر. والحادي عشر:
59 - القصيدة الفيصلية وهي دليل النجاح في منهاج الفلاح
قدمها ناظمها (عراضة إخلاصية للشبيبة النجيبة) وهي مضبوطة بالشكل الكامل وألفاظها الغامضة مفسرة وهي في 28 ص.
60 - الأضواء لبول بوبنوي
في الحديث (اغتربوا ولا تضووا) أي تزوجوا في الأجنبيات ولا تتزوجوا في العمومة. وقد أظهر صديقنا الأميركي في هذه الرسالة ما يؤيد هذا الحديث وما جاء مثله وقبله في الديانة النصرانية وقد وقعت في ثماني صفحات بقطع الثمن. ووضعها بأقوال العلماء الأكابر الذين بحثوا في هذا الموضوع فجاءت من أنفس ما كتب فيه.
61 - بعض مناح تهجينية في النغولة
لا يطيب لصديقنا الأمريكي إلا البحث في النسب وما يتعلق به أن في البشر وأن في الحيوان وان في النبات. وقد بدأ هذا الأخير فساقه إلى الأول الذي يستحق أن يفرغ له العلماء ما في وسعهم وراء تحسين الذراري. والمؤلف بين معايب النغولة وما فيها من الأضرار لمن اتصفوا بها ولما يقع في المجتمع البشري والمصنف من المتفرغين لهذا الموضوع وقد عالجه علاج من (يضع الهناء في موقع النقب) فوقعت الرسالة في 13 ص بقطع الثمن الكبير.
62 - الأسرة أم المخادنة
يميل بعض شبان العصر إلى الفجور أكثر مما نعرفه عن شبان العصور(8/302)
السابقة فهم يهجرون سلوى الأهل ليذوقوا الثمرة المحرمة ثمرة السفاح أو ثمرة المخادنة وقد جاءنا صديقنا المذكور بول بوبنوي وأظهر برسالته هذه الممتعة - التي وقعت في 10 صفحات
- ما في البيت والمنتسبين إليه من الأفراح الطيبة وما في نتيجة (المخادنة) من الأضرار العظيمة العقبى.
فيحسن بشبان هذا العصر أن يطلعوا عليها ليقفوا على ما يخبئ لهم الدهر من الرزايا والمحن.
63 - ترجمة محمد عياد الطنطاوي (بالروسية)
للأستاذ أغناطيوس كراتشكوفسكي
الشيخ محمد عياد الطنطاوي من مشاهير الأساتذة الذين درسوا سابقاً العربية في المدرسة الإمبراطورية الكبرى في بطرسبرج. وكانت ولادته في قرية قريبة من طنطا اسمها تجريد في سنة 1225 هجرية وتوفي في شهر جمادي الثانية سنة 1278 هجرية.
وقد وضع حضرة الأستاذ الروسي كراتشكوفسكي ترجمة لهذا الشيخ وافية بالمرام لم يدع فيها صغيرة أو كبيرة إلا ذكرها. فجاءت في 85ص من قطع 12 ثم اتبعها بالخزانة الخطية التي كانت عند الشيخ الفقيد وهي 47 كتاباً ووصفها أتم وصف فنشكر للصديق هديته هذه ولإحيائه ذكر رجل عرفه جماعة من المستشرقين الذين احتك بهم حينما كان في القاهرة وأخذوا شيئاً من أدبه وعلمه.
64 - الفتى والفتاة
حقائق ناصعة تثبت سوء قصد مؤلفي كتابي (السفور والحجاب) و (الفتاة والشيوخ)، بقلم عبد الرحمن محمود الحمص سنة 1930.
هذه رسالة في 48 ص بقطع 12 شحنها صاحبها شتماً وسبباً لابنة ممتازة عرف فضلها القاصي والداني ونحن نرى أن مثل هذه المطبوعات لا تفيد فائدة حسنة ولا ترفع شأن من يعانيها. والسكوت أعظم مبرر ومزك لمصير الأمر الذي يجري عليه البحث إذ لابد من أن الزمان يبقي النافع وينفي المضر فهو الحكم الأخير ومنه فصل الخطاب وكفى به قاضياً ومنفذاً معاً.(8/303)
65 - معجم الأدباء أو إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب
لياقوت الرومي، وقد اعتنى بنسخه وتصحيحه د. س. مرجليوت، الجزء الخامس الطبعة
الثانية.
أقبل الأدباء على اقتناء هذا الكنز الدفين الثمين إقبالاً عجيباً حتى نفذت طبعته الأولى فأعاد طبعه للمرة الثانية حضرة صديقنا الأستاذ مرغليوث وعنى بطبعه بمطبعة هندية بالموسكي في مصر وصحفه أبدع تصحيف على الطراز الإنكليزي فجاء درة من الدرر الغوالي وقد لاحظنا أنه أصلح فيه عدة أغلاط طبع كانت فيه قد وردت في الطبعة الأولى إلا أنه بقي فيه أوهام نحب أن نعرضها على حضرته عرضاً سابرياً. لتصلح في الطبعة الثالثة من ذلك:
ص9 س16 كلب زيني: كلب زئني.
ص17 س16 و25 من غير أن أقرأ عليه: أن يقرأ عليه.
ص19 س11 تجبب أو تذرع أو تقبأ (أي لبس الجبة أو الدراعة أو القبا).
ص20 س18 غير مغلول غير مفلول.
ص21 س10 الكفالة: الكفاية.
ص23 س2 يسموا: يسمو.
ص26 س11 وخرصوا: وحرضوا
ص29 س3 لا أقولها أبدأ: أبداً
ص34 س17 ها أنا: ها أنا ذا.
ص45 س9 و11 بكا: بكى.
ص46 س19 الميزر: المئزر.
ص58 س15 الأحوال: الأجيال.
ص58 الحاشية - يجب أن تحذف لأن في النص إشارة إلى قاعدة نحوية.
ص59 الحاشية - يجب حذفها لظهور معنى العبارة.
ص61 س3 إذا: إذ.
ص70 س11 الأنام: الأيام.
ص72 س6 إلى الحلاوة: وإلى الحلاوة.
ص72 س16 أخدوها: أحذوها.
ص74 س5 تتكأكئون: تتكأكؤون.
ص74 س8 طسئة: طسأة.
ص74 س15 بغلة: بغلة (مؤنثة هنا كما يتضح في سياق الكلام).
ص76 س11 تبغا: تبغى (بتشديد الغين المفتوحة).(8/304)
ص77 س6 هكذى: هكذا.
ص77 س7 تعر: نفر (كزفر) اسم طائر.
ص77 س7 صوع: ضوع (اسم طائر ليلي كزفر)
ص77 س11 واسله: وأسأله أو وسله.
ص81 س8 زحر سور الذئب لعلها رجز سؤر الذئب.
ص83 س9 بكتاب: من كتاب.
ص83 س10 الفالي: القالي.
ص84 س2 بثمنه: ثمنه.
ص93 س7 لا حرق: أحرق.
ص94 س3 بنا: بنى.
ص96 س3 مطلعي (بتشديد الطاء).
والصواب (بإسكانها).
ص102 س7 حارة: حاجة.
ص102 س17 رواق: راووق أو رواق.
ص107 س19 ينبت: تنبت.
ص113 س4 تلقن: تلقى.
ص122 س18 معزب: معذب.
ص125 س4 حجبه: حجابة.
ص125 س7 تفألت: تفاءلت.
ص126 س10 لبرسلان: ألب أرسلان.
ص128 س18 الضريج: الضريح.
ص133 س10 الممصمي: المصمي.
ص133 س15 الدما: الدمى.
ص135 س7 إلاّ (بتشديد اللام): إلا بتخفيفها.
ص138 س7 وأمننا (بتشديد النون الثانية): وأمنا (بنون واحدة مشددة).
ص140 س6 ومنا: ومنى.
ص142 س3 الخندق: الخنادق.
ص146 س18 و 19 أقصى: أفصى.
ص147 س1 هكذى: هكذا.
ص151 س10 تسع: تسعة.
ص151 س12 بحضرتي: يحضرني.
ص152 س20 لعله ثوباً: النص صحيح أي ثوب لأن يغسل يقرأ بصورة المعلوم.
ص154 س4 أملت للإحسان غير الخالق: والرواية المشهورة: أنزلت آمالي بغير الخالق.
ص160 س5 الكرى: الكرا (مخفف كراء).
ص165 س9 ومحت: وأمحت (بمعنى انمحت)
ص166 س8 وظبى: وظبا (لأنها(8/305)
جمع ظبة).
ص169 س7 للجد: للمجد.
ص169 س11 واضع: واصنع.
ص170 س10 ومنظر: وبمنظر.
ص171 س3 حناق: خناق.
ص181 س6 ليت: لي (مصدر لوى).
ص185 س14 ادؤب: أذؤب.
ص190 س2 من أعراب من أعراب: من أعراب.
ص191 س11 ننفع: ننتفع.
ص192 س15 بينكم: بينكما.
ص193 س9 وذكرنا: وسنذكر أو نذكر.
ص196 س5 لمن الفلح منهما فلما صار: لمن الفلج (بالجيم أي النصر والفوز) منهما فلما صارا (بالتثنية)
ص198 س16 عزيز العلم: غزير العلم.
ص198 س20 لعله متفزغاً (لا محل لها لأن معنى متفرعاً (بالراء المهملة) كما في المتن مكشوف الرأس والكلمة عراقية معروفة).
ص199 س11 وكان خرجا: وكانا خرجا.
ص200 س10 فيشتد: فتستد (من الاستداد).
ص201 س13 الجنا جنا: الجنى جنى.
ص204 س13 و 17 و 20 حجبة: حجابة.
ص205 س5 دق: دف.
ص205 س5 محظور: مخصور (آلة دق).
ص205 س6 الشنك: الجنك (وهي الرواية المشهورة وأن كان بعضهم عربها بالشين).
ص206 س12 فأن: وأن.
ص207 س3 أقول: أقوم.
ص208 س13 الصبى: الصبا.
ص209 س8 الحراز: الخراز.
ص211 س3 وها أنا: وها أنا ذا.
ص211 س9 صدا: صدأ.
ص213 س17 هذا البيت:
أعاد رصاع القلب في رحل ورده ... وغادر وغادر في قلبي ضواع هواه.
لا معنى له والصواب أن يروى:
أغادر صاع القلب في رحل وده ... وغادر في قلبي صواع هواه.
ص214 س8 و 9 المكثر: المكسر.
ص222 س6 والبلد: في البلد.
ص232 س4 إلا أربع مجلدات أحدهما فقهي وآخر أدبي، والصواب أربعة مجلدات، أو أن
يقال أربع مجلدات إحداهما فقهية والأخرى أدبية.(8/306)
ص233 س14 ورسب: ورست.
ص226 س6 والولع: والولد.
ص240 س4 صفت: صغت.
ص240 س16 هاهو: هاهو ذا.
ص243 س11 تخطا: تخطى.
ص144 س2 وتفاءل: أو تفاءل.
ص245 س5 من: في.
ص248 س10 قيقعان: قيعيقعان.
ص249 س1 أرا: أرى.
ص251 س 10 اليسر: العسر.
ص251 س 11 العسر: اليسر.
ص252 س12 ما غفر: بما غفر.
ص253 س9 أود: أؤد (من أدى).
ص256 س12 أوت: لوت.
ص259 س12 فانخزل: فانخذل.
ص276 س17 المسؤل: المسؤول.
ص278 س3 ألف ديناراً: ألف دينار.
ص278 س15 في: من.
ص284 س3 فسر: تفسير.
ص284 س6 بوقهم: طوقهم.
ص284 س16 به: له.
ص285 س11 وقطريا: وقطربا.
ص285 س20 الفقر: القفر.
ص287 س 19 وخمسين مائة: وخمسمائة.
ص289 س11 نجا: نجى (بتشديد الجيم)
ص291 س11 تبدا: تبدي (بتشديد الدال)
ص292 س9 أي: آي.
ص296 س1 أدي: أدى.
ص296 ص1 سلى: سلا.
ص302 س8 بكا: بكى.
ص303 س20: إليهم: إليهن.
ص305 س5 تناشى: تناسى.
ص305 س5 إلي: إلى.
ص305 س14 واستحيى: واستحيا.
ص310 س15 بكا: بكى.
ص311 س16 أحياهم: أحياؤهم.
ص314 س15 صابيء: ضابيء.
ص320 س6 لهي: لها.
ص321 س8 واستحي: واستحيا وقد تكرر مراراً عديدة.
ص333 س5 والمحضرمين: والمخضرمين.
ص340 س14 يحرق: يخرق.
ص342 س4 وزف: ودف.
ص432 س8 العرش: الفرش.
ص343 س6 مجلوء: مجلو (بشد الواو).
ص343 س11 حين: حيث.
343 س20 نضاد: نضار.
344 س4 ناهي: ناه.
345 س3 يمتزح: يمتزج.
347 س10 يوحدا: يوجدا.(8/307)
ص348 س13 ومكاتبة: ومكاتبته.
ص349 س16 وحز: وجز.
ص353 س16 أني مالي وتسألي: أتى مالي وتسألني.
ص357 س9 ويوتبهم: ويرتبهم.
ص357 س14 بالسر: بالشر.
ص359 س6 عن: من.
ص359 س15 صداه: صدأ.
ص360 س16 ووعدهم ومناهم. . . بهم: ووعدهما ومناهما. . بهما.
361 س9 قير: قين.
361 س15 وأخذه: وأخذ.
363 س6 بنا: بنى (من البناية)
364 س17 تفرق: نفرق.
366 س7 كأنني: كاتبي.
367 س7 أنا أعرف: أنا لا أعرف.
367 س8 مسكنة: مسكته.
368 س11 تلاجأ: تلاحا.
368 س16 طاق: أطاق.
370 س10 وغيره: وغيرها.
360 س16 واستقصى: واستفصي (بصيغة المجهول).
372 س19 ومشي: ومشى (بصيغة المعلوم).
373 س4 تراقي: ترقي.
373 س17 مخاليب: مخالب.
377 س6 وحزبه: وحربه.
ص397 وروي (مكررة): وروى (بصيغة المعلوم).
382 س14 الإمتاع: الإمتاع لك.
383 س16 الرد: البرد.
384 س6 الأحجار: الأجحار.
387 س7 وأحيا: وأحيي (بصيغة المتكلم).
388 س14 الكبرة: الكبر.
389 س12 وطرحه: وطرحها.
392 س10 وتربا: وتبا.
394 س18 وكذى: وكذا (وقد تكررت مراراً بهذه الصورة ولم نفهم سبب هذه الكتابة المخالفة للأصول المتعارفة. وراجع ص398 في س3 و 4 و 5)
399 س5 من: عن.
401 س17 والانخاء: والأنحاء.
401 س18 أثلته: أسلته.
403 س18 أقوام: أقول.
404 س10 خدلانة: خذلانة
414 س14 يأم: يؤم.
415 س13 بكرى. . . بشرى بكراه. . بشراه.
424 س15 باعلا: بأعلى (وكثيراً ما نرى كتابة الألف القائمة بألف جالسة ولا نعلم سبب مخالفة(8/308)
هذه الأصول المتعارفة. وأن كنا لا نجهل أن جماعة من الأقدمين (أجازوا هذه الكتابة).
430 س5 ذجرا: ذخرا.
435 س16 أقصى: أفصى.
437 س3 المنا: المنى.
337 س6 والنواهي: والنوى هي.
439 س9 سنفنا: سنفنى.
441 س18 المروة: المروءة.
446 س7 استطلتها: فاستطلتها.
446 س18 استغرقت تفتيش الخزانة: استغرق تفتيش الخزانة.
448 س2 مر (بتشديد الراء) مر (بلا شد).
451 س20 لعله بالمثال لا وجه لهذا التعليق.
452 س3 أثرها (بتشديد الثاء) آثرها (بند الهمزة وحذف التشديد).
ص452 س12 والمعنى: والمعني (بتشديد الياء).
452 س20 كذا في النسختين: لا وجه لهذا التعليق.
ص453 س6 وأنه: وأني.
456 س5 كانت: التي كانت.
ص461 س1 تأثث: تأثت.
465 س19 كان: كاد.
469 س13 صفقت: صففت.
471 س14 بحروب: لحروب.
472 س15 فلائق: خلائق.
472 س19 كلما: كل ما.
474 س10 وعدت: وعذت.
475 س14 طالبه: طلبه.
479س2 لكان: لكأن.
479 س12 أحد: إحدى.
490 س2 ينفق: يفتق.
490 س17 فأخذ: أخذ.
491 س14 ظريفة: طريفة.
497 س5 يبقي: يبقى.
497 س10 و15 كان: كأن.
499 س17 فكان: فكأن.
501 س14 إذ: إذا.
506 س9 ولا غر: ولا غرو.
513 س5 بتكافيء: بتكافؤ.
514 س23 تضمنتها: تضمنها.
ما ذكرناه هنا نعتقده خطأ. ولم ننظر أكان هذا الوهم من الناسخ أم من الطابع أم من المنضد ولم نتعرض لما أصلح في الطبعة الأولى، إنما تعرضنا لما جاء في الطبعة الثانية والطبعة الأولى.
وقد وجدنا مراراً عديدة خطأ في رسم الهمزة ورسم الألف المقصورة ولم(8/309)
نذكر من هذين الوهمين غلا ما كان بمنزلة المثال لا غير.
وكنا نود أن يطرح من هذا الكتاب العبارات الدالة على الفحش الصريح من شعر ونثر وهي كثيرة لا تكاد تخلو من ترجمة. وأم تجمع وتجعل على حدة لكي يتمكن كل قارئ من أن يطالع هذا السفر الجليل بكل طيبة خاطر وأن يباع الذيل الطافح بتلك الأقذار للعلماء الذين يفرغون لدرس آداب ذلك العصر وأخلاق أهله.
وكنا نود أيضاً أن نرى في آخره معجماً يحوي الألفاظ اللغوية الواردة في هذا المجلد مع شرحها، تلك الكلم الخاصة بذلك العصر ولا وجود لها في معاجمنا التي في أيدينا. كقوله في ص129: (ودخلت عليه فوجدته شيخاً كبيراً قضيف الجسم في حجرة من المسجد وبين يديه جامدان مملوء كتباً من تصانيفه فحسب) والجامدان في أصل معناه صوان الثياب والكلمة فارسية. ثم نقل إلى صوان الكتب على حد ما نرى هذه الكلمة العربية نفسها أي (صوان) فأنها كانت موضوعة للصندوق الذي تحفظ فيه الكتب. والجامدان فارسية الوضع لا وجود لها في دواويننا اللغوية.
وفي ص159 (الذكران) الواردة في هذا البيت:
مرت بنا في الدير خمصانة ... ساحرة الناظر فتانة
أبرزها الذكران من خدرها ... تعظم الدير ورهبانه
والكلمة لم ترد في معاجم اللغة من قديمه وحديثه من فصيحة وعامية وهي أرمية ومعناها يوم العيد المخصص بأحد أولياء الله من غير أن ينقطع الناس فيه عن الأشغال المتعبة. لأن أعياد النصارى على قسمين: قسم لا يجوز فيه الأشغال المتعبة وقسم تجوز فيه تلك
الأعمال. وهذا القسم الأخير هو المعروف بالذكران بضم فإسكان. ومثل هذه الأوضاع شيء كثير في جميع أجزاء هذا المعجم.
والأمر الثالث الذي كنا نود أن نراه فيه فهرس لأعلام الرجال والمدن والمواضع غير أعلام المترجمين فيه كدير الثعالب ونهر يزدجرد (بقرب هذا الدير) (ص158) والفيض وسكة قريش وحصن مهدي إلى غيرها في ص159 وفي هذا المجلد أعلام مواطن عديدة لا وجود لا في معجم البلدان لياقوت نفسه وكنا(8/310)
نحب أن نعرف وجودها في هذا الكتاب والعودة إلى ترديد النظر فيها عند حاجتنا إليها. وكل ذلك غير ميسور الآن لنقص في الفهارس، وأملنا أن الطبعة الثالثة تزدان بكل هذه المحسنات وليس ذلك بصعب على من جعل همته ركوب متون الأهوال وخوض غمرات المعاطب.
الأغاني
تابع لنقد ما في الجزء الأول
30 - وورد في ص191 قول عمر بن أبي ربيعة (فخرجت خوف يمينها فتبسمت) وفي الكامل 205: 1 فخرجت خيفة قولها فتبسمت).
31 - وورد فيها (شرب النزيف ببرد ماء الحشرج) فعلقوا به (الحشرج النقرة في الجبل يجتمع فيها الماء فيصفو) اللسان مادة نزف) قلنا يبنى على هذا أن ماء الحشرج هو ماء النقرة في الجبل، لكن المبرد قال في (205: 2) من الكامل (وقوله ببرد ماء الحشرج: فهو الماء الجاري على الحجارة) فأين الجاري من المستحوض المستنقع؟ وقال الشريف المرتضى في أماليه ج1 ص187 (ويقال للماء الذي يجري على الصخر: ماء الحشرج) أما الماء الذي أراده آبرو الأغاني في تفسيرهم فهو (ماء الوقائع) جمع وقيعة) وقال الشريف المرتضى في تلك الصفحة من أماليه وهو القائل:
إذا شاء راعيها استقى من وقيعة ... كعين الغراب صفوها لم يكدر
والوقيعة المستنقع في الصخرة للماء ويقال للماء إذا زل من صخرة فوقع في بطن أخرى: ماء الوقائع، وأنشد لذي الرمة:
ونلنا سقاطاً من حديث كأنه ... جنى النحل ممزوجاً بماء الوقائع) اهـ
32 - وجاء في ص223 (استوضعهم أو دعني اماكسهم فقد اشتطوا عليك) وفي أمالي
المرتضى 22: 2 (استوضعهم شيئاً أو دعني أماكسهم فقد استطولوا عليك) وفي هذه الصفحة من الأغاني (ومن ملح الدنيا أن تم الصدع بين عمر والثريا) وفي تلك الصفحة من أمالي المرتضى (ومن ملح الدنيا أن يلتئم الصدع بين عمر والثريا)
مصطفى جواد(8/311)
تاريخ وقائع الشهر في العراق وما جاوره
خطبة يس باشا التاريخية
خطب صاحب الفخامة يس باشا الهاشمي وزير المالية بعد استعفائه من وزارته فبين في 13 آذار (مارت) الأسباب التي حملته على هذا العمل. وكان قد سبقه إلى الكلام صاحب الفخامة ناجي باشا السويدي رئيس الوزراء المستعفي أيضاً، ودونك تلك الخطبة بحرفها:
(لفخامة رئيس الوزراء بالطبع بصفته رئيساً لحزب الأكثرية أن يوضح بمقدار ما تسمح به مسئوليات الأكثرية من الوجهة الأدبية والمادية أن يدلي ببيان، ولكن بصفتي (طفيلياً) أضيف إلى وزارة الأكثرية وكان لي مدة من الزمن شرف الانتساب إلى المعارضة فيترتب علي أن أقول كلمتي:
أشكر نائب رئيس المجلس لأنه أعطاني هذه الفرصة لكلام. أتألم جداً من الظروف التي مرت على هذه البلاد والتي كانت ولا تزال من أشد الأدوار وأصعب الأيام. ونحن نعالجها - ويا للأسف - بطريقة سخرية. أقول عن رأي فيما يتعلق بالتحاقي إلى رفاق المرحوم من أنني كنت معتقداً أن للجدال العنيف والصراع المستديم الذي دام بين السلطات التشريعية في هذه البلاد وبين المسئولين عن تنفيذ السياسة الانتدابية كافياً لإفهام الحليفة.
أن نقطة الخلاف الحقيقية ونقطة الخلاف الأصلية هي التي صرح بها الفقيد المحترم عندما تكلم وفاه بأول خطبة بصفته رئيساً للوزراء أمام الموظفين الإنكليز حيث قال: لا أسمح لأحد أن يحيد عما هو مكتوب في القانون الأساسي من السلطات التي يتمتع بها الوزراء والموظفون العراقيون. هذه الكلمة التي فاه بها رئيس الوزراء وكان رئيساً للأكثرية ومتمتعاً بثقة مجلسكم مدة من الزمن وبرهن على أنه جدير بهذه الثقة قال للموظفين البريطانيين أنه يطلب منهم أن لا يعارضوا الوزراء في سلطاتهم التي يتمتعون بها(8/312)
(صورة) فخامة يس باشا الهاشمي وزير المالية المستعفي
بموجب القانون الأساسي وأنه لا يسمح بالمعارضة. فهذا الشكل من الطلب لم يرق بالنظر للتجارب القصيرة لأولئك الموظفين.
نحن أمام شكلين عجيبين وقوتين متعارضتين وشيئين متناقضين وصفهما خامة رئيس
الوزراء أحسن وصف.
كان القصد من تأليف الوزارة الأخيرة القضاء على هذا التناقض والقضاء على هذا الاختلاف والقضاء على هذا الشكل العجيب، القانون الأساسي محترم من قبل الشعب يمثله مجلس أمة يراقب تنفيذه بجعل الوزراء مسئولين تجاه المجلس وبجانب هذه السلطة الرهيبة.(8/313)
وبجانب هذه المحاسبة العنيفة تجد من جهة أخرى أناساً يستهزئون بهذه السلطة ويستهينون بهذه السيطرة وبما يسمى بالشكل الدستوري في هذه البلاد.
قلنا أن من واجب كل عراقي أن يقضي على المعاهدة والاتفاقيات وهذا هو مبدأ الكفاح الذي قامت به كل حكومة سواء كانت تقدمية أو مؤتلفة وجميع الإضبارات الموجودة في ديوان مجلس الوزراء تسجل هذا الكفاح وتسجله أيضاً الاضبارات الموجودة في ديوان المندوب السامي.
قلت هذا الكفاح مسجل في إضبارات الطرفين وعلى هذه الإضبارات والأسس قامت الحكومة البريطانية بوعد شرف على لسان مندوب سام كان في الحقيقة خير وسيط في التعبير عن آراء الحكومة العراقية والهيئة التشريعية إلى الحكومة البريطانية الحليفة وعندئذ أعطي التصريح إلى المرحوم عبد المحسن بك السعدون من أننا سندخل عصبة الأمم سنة 1932 وأننا سنبني صلاتنا على أساس المعاهدة أو الاقتراحات المصرية البريطانية أو البريطانية المصرية على أن المرحوم لم يكتفي بذلك بل وضع منهاجاً عملياً وقد لخصناه كخطط إلا أنه لم ينشر لأن المرحوم لشدة تواضعه ولكثرة التجارب التي مرت عليه خشي أن ينشر منهاجاً يمكن أن يوصف بالجبار كما وصفوه ولا يتمكن من تطبيقه ولكن هذا المنهاج كان معروفاً لدى المندوب السامي وأقول لكم مع الأسف أنه كان مصداقاً عليه.
أما المواد الرئيسية التي يحتوي عليها المنهاج فهي مادتان. أولاً أن المفاوضات يجب أن تجري على أساس الاستقلال التام. أن يعجل أما في تطبيق المعاهدة من تاريخ إبرامها أو تسريع دخول العراق في عصبة الأمم.
وتحت هاتين المادتين وضعت مادة ثالثة تنص أنه يجب أن تتطور الإدارة في البلاد على
أساس التصريح الجديد وأن تطرح الاتفاقيات والمعاهدات التي لم تنل الاحترام التام من الطرف المقابل جانباً لنتولى المسؤوليات بصفتنا دولة مستقلة سيكون لها بعد سنة أو سنة ونصف أو سنتين المركز اللائق في عصبة الأمم قوية متولية جميع المسؤوليات هذه المادة الثالثة كانت ولا تزال نصب أعين جميع الوزراء أثناء ممارسة السلطة.
دخلنا لنعمل على هذا الأساس وعلى أساس التوفير في نفقات الدولة لإيجاد(8/314)
النفقات اللازمة للقيام ببعض المشاريع المفيدة. ولم تمض مدة طويلة من الزمن على العمل على هذا الأساس إلا وجوبهنا: وجوبهت أنا ببيانات وإفادات وتصريحات تجعل الشيء الذي كنا سمعناه وقرأناه غير موجود وخيالاً، كأننا كنا في حلم.
فالإفادة الأولى هي أنه لا يوجد تبديل! قلنا الرجل هازل فأن هناك تصريحات من حكومة هي حكومة بريطانية وهذا التصريح مؤيد من الأحزاب المختلفة في تلك الحكومة. ومؤيد أيضاً من الصحافة التي هي حقيقة تعبر عن آراء الشعب والحكومة بصلاحية تامة وهذا التصريح محبذ ومحبب إذن فما معنى هذا القول؟ يجب أن يكون هراء!
باشرنا التشديد في طلب الدخول في المفاوضات فوجدنا الطريق طريق (المكاتبة) لما كان يجري سابقاً!
طلبنا إنهاء إعفاء الشيخين (شيخ المحمرة وشيخ الكويت) فقالوا (مكاتبة)!
طلبنا حسم قضية السكك الحديدية وفق المعاهدة قالوا (مكاتبة)!
طلبنا تسجيل أراضي الميناء باسم الحكومة العراقية فقالوا (كتب)!
وخلال ذلك كانت الحكومة تشتغل مع المجلس بتقديم اللوائح وتهيئة الميزانية وتنظيم منهاج لحل أزمة خطيرة نشأت في البلاد وخمسة أشهر بالكاد تكفي لتعجيل ميزانية! ففي كل مادة من فصول أشكال وألوان من الآراء المتناقضة! ولكن في اللحظة الأخيرة فهمنا شكلاً جديداً وذلك أن صلاتنا ليست مبنية على المعاهدة المكتوبة فقط وإنما توجد مواد لم تكتب أيضاً!!! ويجب على العراق أن يعترف بها! وعند ذلك علمنا أننا (مخدوعون) ببيان رسمي؟ وتصريح مندوب سام، وعلمنا أن الأشخاص الموجودين في العراق آرائهم هي المنفذة والمحترمة في العراق، وأن آراء الحكومة البريطانية غير معروفة!) انتهت
2 - المعلنات الوطنية الكبرى
اجتمع في يوم النيروز (21 مارت) خلق عديد في جامع الحيدر خانة في بغداد معالن حقوقه فامتدت الجماهير في الجادة الواصلة باب المعظم بالباب الشرقي مارة أمام دور القناصل وقبل ابتداء المعالنة خطب بعض الأدباء نيابة عن الجموع فتحمس الكل ورفعت في الأخر (لجنة التظاهرات) احتجاجا وقدمت صورة منه إلى(8/315)
1 - صاحب الجلالة ملك العراق المعظم.
2 - صاحب الفخامة المندوب السامي البريطاني.
3 - رئيس الوزارة البريطانية.
4 - رئيس مجلس النواب البريطاني.
5 - مجلس النواب العراقي.
6 - مجلس الأعيان العراقي.
7 - رئيس الوزارة العراقية.
8 - جمعية مقاومة الاستعمار.
9 - أمهات الصف العربية والأجنبية.
وهذا هو الاحتجاج بنصه:
العراق بأسره ساخط وناقم على سياسة الكتمان والتمويه الذي درج عليها الإنكليز في حكمهم العراق، فقد مر عليه عشر سنين كوامل عانى الشعب في خلالها شر ما تعانيه الشعوب المضطهدة ونال من سوء الإدارة البريطانية ما لم تنله الشعوب الرازحة تحت عبء الاستعمار الممقوت.
فالشعب العراقي الذي خسر في صداقته لبريطانية الشيء الكثير من حقوقه وأمانيه القومية يحتج على هذه السياسة الغاشمة أشد الاحتجاج معلناً للملأ أن تمادي الإنكليز في سياستهم هذه مما يزيد في حنق هذه الأمة المضطربة وينذر بما ينجم عن هذا الحكم الممقوت وهو يتطلب تبدلاً جوهرياً فيه.
وأن سلوك بريطانيا هذا مما يضر بمصالحها فسياستها الصارمة هي التي أدت إلى نفور الشرق وإلى تذمره الشديد من بريطانية الناكثة للعهود.
وإذا كانت عصبة الأمم وفي ضمنها بريطانية داعية حقاً إلى السلم العالمي فعليها أن تستمع
إلى نداء الشعوب المطالبة بحقوقها قبل أن تتطلب تحديد التسليح البحري لأن ذلك أضمن للسلم.
وأن بريطانيا لابد أن تقدر موقفها الراهن في العراق المتحفز.
3 - الوزارة النورية
ألف نوري باشا السعيد الوزارة التي ترأسها وهو وزير الخارجية أيضاً وذلك في 23 آذار:
جعفر باشا العسكري لوزارة الدفاع
علي جودت بك للمالية
جميل بك المدفعي للداخلية
عبد الحسين الجلبي للمعارف
جمال بك بابان للعدلية
جميل باشا الراوي للمواصلات والأشغال.
أما وزارة الري فبقيت شاغرة فنهنئ الجميع بوزاراتهم الجديدة.(8/316)
4 - حل مجلس الأعيان ومجلس النواب
بعد أن أنشئت الوزارة النورية أصدر جلالة ملكنا المعظم أرادته حل الندوة أي مجلس الأعيان ومجلس النواب في 24 مارت.
5 - ملك بلجكة في الزوراء عاصمة العراق
في الساعة الخامسة إلا ربعاً من مساء السبت 15 مارت (آذار) هوت في الجو طيارة كبيرة كان فيها الملك البر صاحب بلجكة ومعه مرافقه القائد سواجرس وكان ينتظره في ذلك الموضع المعتمد السامي وقائد القوات الجوية وممثلان من قبل جلالة ملكنا المحبوب وممثل جلالة الملك علي وقنصل بلجكة واثنان من الرهبان الكرمليين البلجيكيين ومدير الشرطة العراقية والمدير العام والمدير الخاص.
وفي اليوم الثاني ذهب جلالة الملك البلجيكي إلى كنيسة اللاتين وكان يوم أحد فصلى فيها وكان وصوله إليها في الساعة التاسعة والنصف صباحاً ثم زار دير الرهبان وصعد إلى سطح الكنيسة العالي وشاهد منه مدينة بغداد على مد البصر وقضى الأسبوع كله في زيارة
أور الكلدانيين وبابل وطيسفون والموصل ونينوى إلى غيرها من المواطن القديمة وفي صباح نهار الجمعة 21 مارت غادر جلالته حاضرتنا في الساعة السادسة وقد أبقى فيها ذكراً طيباً لا يمحى.
6 - هدايا ابن سعود
أهدى جلالة الملك عبد العزيز بن سعود الطافا هي:
ثلاثة جياد عراب وثلاثة سيوف مذهبة وثلاثة خناجر من العقبان مرصعة بالحجارة الكريمة وثلاث طنافس إيرانية فاخرة إلى ملكنا المبجل.
جواد عربي وسيف وخنجر وطنفسة من جنس ما أهدي منه إلى جلالة الملك الهاشمي لفخامة المعتمد السامي.
ومثل هذا اللطف إلى كل قنصل من قناصل أبي شهر والبحرين والكويت الإنكليز على مثال ما اهدي إلى المعتمد السامي في حاضرة العراق.
وقد نقل هذه التحف وفد خاص من قبل جلالة الملك ابن سعود.
وأهدى جلالته أيضاً عقداً نفيساً من الدر إلى عقيلة الكرنل (دكسن) قنصل الكويت لأن في سنة 1922 كانت تلك السيدة في البحرين تترجم مقالات جريدة (الطان) الفرنسية وترسل بها إلى صاحب الجلالة النجدية الحجازية.(8/317)
7 - تكريم الدكتور محمد شرف بك
إذا كان بين الناطقين بالضاد من يستحق التكريم فيجب علينا أن نجعل في مقدمتهم صاحب السعادة الدكتور محمد شرف بك فأنه وضع معجماً علمياً نقل فيه الألفاظ الإنكليزية إلى العربية وسهر عليه الليالي الطوال لتمحيص ألفاظه وتحقيقها وتدقيق النظر في انتقائها فجاء ديواناً لا يتيسر لوضع مثله إلا لجماعة تتضافر على العمل. ولهذا اجتمع العلماء في مساء 7 يناير على دعوة من الجمعية الطبية المصرية وأقاموا حفلة شاي شائقة في نادي كلية الطب اعترافا بفضل ذاك الخادم الأمين، خادم اللغة العدنانية والوطن العربي الواسع الأكناف.
فشكروا له سعيه المحمود. وكان في مقدمة المحتفلين به الدكتور علي بك إبراهيم عميد
متقن الطب وصاحب السعادة محمد شاهين باشا وكيل وزارة الداخلية للشؤون الصحية والدكتور الكبير وفخر شعراء العصر احمد زكي بك أبو شادي، وبعد شرب الشاي ألقى الدكتور علي بك إبراهيم كلمة في مزايا المحتفى به وأفضاله على المنتسبين إلى لغة الضاد. ثم نهض في أثره عارف قدره وصديقه الحميم الدكتور أبو شادي وانشد قصيدة لم يسبقه إلى مثلها أحد من شعراء العرب وكانت أبياتها تسيل رقة وعذوبة وتعمل في النفوس السامعة هزة وطرباً. وقام بعده الدكتور المحتفى به ففاه بكلمة شكر كلها تواضع وتصاغر دلت على منزلته الرفيعة في القلوب.
ومما قاله الدكتور شاهين باشا: (ويهمني بهذه المناسبة أن اذكر جزيل فضل هذا القاموس لأعمالنا بمصلحة الصحة فلقد أصبحت أعمال تلك المصلحة في أيدي الوطنيين وجميع رؤسائها منهم فمثل هذا القاموس قد سهل عملنا وسيكون دائماً أنفع أداة لتذليل ما نقابله من صعوبات في ترجمة المصطلحات الطبية والفنية، وحبذا الحال لو دعيت الصحافة العلمية لهذه الحفلة).
ونحن ننتظر اليوم الذي يشترك في تكريم هذا النابغة تكريماً يقوم به جميع أبناء اللغة اليعربية لأن فضل شرف بك غير مقصور على أبناء وطنه العزيز بل يشمل جميع المتكلمين بهذه اللغة البديعة. ولأن معجمه قد دخل في جميع الدوائر والدواوين التي يحرص أهلها على اتخاذ الألفاظ الصحيحة في لغتهم. وعلى كل حال أننا نهنئ الدكتور(8/318)
شرف بك بظفره العلمي وفتوحاته الاصطلاحية متمنين له يوماً مشهوداً تظهر في تقديرات أبناء العربية لأفضاله الجمة التي يعترفون بها له.
8 - خالد الشابندر
قضى خالد الشابندر نحبه في 23 مارت وكان ضليعاً في القانون والقضاء وقد خدم الوطن بأعماله الجليلة من وظائف إدارية وعدلية وتأليف علمية قضائية.
9 - الشيخ عبد الله البستاني
توفي هذا الشيخ اللغوي في بيروت في 16 فبراير (شباط) وكانت ولادته في الدبية (في الشوف من لبنان) عام 1850 وواله الخوري ميخائيل ناصيف البستاني الماروني ووالدته
عبلة يوسف نادر المعدودة حجة بين قوالي الزجل المعنى في عهدها.
درس العربية في المدرسة الوطنية التي كان أنشأها في بيروت نسيبه المعلم بطرس البستاني صاحب محيط المحيط ومن أساتذته ناصيف اليازجي والشيخ يوسف الأسير وعلم أولاً في مدرسة الدروز الداودية في عبية (لبنان) ثم في صيدا فالدامور. ومن هناك ذهب إلى قبرص فأنشأ فيها جريدة مع المرحوم اسكندر عمون وسمياها (جهينة الأخبار) لكنه لم يصدر منها إلا عدد واحد منها إلا عدد واحد لأن الحكومة العثمانية منعت دخولها بلادها فعاد من قبرص إلى مدرسة الحكمة المارونية في بيروت 1880 ثم انتقل منها بعد عشرين سنة (أي سنة 1900) إلى المدرسة البطريركية) للروم الكاثوليك إلى سنة 1914
وله مؤلفات عديدة منها أربع روايات تمثيلية وخمس شعرية وواحدة هزلية ونقح وصحح كتباً عربية عديدة منها بحث المطالب لجرمانس فرحات. وديوان أبي فراس الحمداني ومقدمة أبن خلدون فضبطها بالشكل الكامل (طبعت سنة 1900) والاقتضاب في شرح أدب الكتاب لابن السيد البطليوسي (طبع سنة 1901) وترجم مصنفات من الفرنسية وله قصائد شعرية عديدة و (البستان) خاتمة مؤلفاته وزبدة تحقيقاته واختصره فسماه (فاكهة البستان) وكان لدفنته حفلة جليلة تليق بمقامه رحمه الله.
10 - تزييد القوة الجوية في العراق
أضيفت طيارات جديدة من طرز (ويكرز) إلى القوة الجوية المرابطة(8/319)
في العراق وكل هذه الطيارات تحمل عشرين جنديا بعدتهم الكاملة من سلاح وعتاد وزودت كل منها محركين من المحركات القوية الشديدة وهي تستهلك من الوقود أقل من أخواتها السابقات وبذلك تستطيع أن تطير مدة طويلة من غير أن تحتاج إلى تجديد وفي أجنحتها ما يمنع صدمها بغيرها فقلت الأخطار بذلك.
11 - الجراد النجدي
هجم الجراد النجدي على الألوية الجنوبية من ديارنا فأتلف من مزارع (المحمودية) و (أبو عوسج) و (شيشبار) ما يقارب ربعها ويرى الخبراء أن شر هذا الجراد لا يزيد على هذا القدر لأنه غرز، إنما يتوقع ضرره للمزروعات الصيفية ولهذا أخذ مكافحو هذه الآفة
الممقوتة يطاردونها شر طراد.
12 - الفحص عن بقر الحاضرة
جاء في تقرير المفتش البيطري: جرى الفحص عن 4242 بقرة حلوباً في الرصافة فوجدها سالمة من الأمراض المعدية وفحص مثل هذا الفحص عن بقر شركة الحليب فوجدها سليمة أيضاً.
13 - وقوف الصادرات إلى إيران
حدث في شهر آذار وقوف في الصادرات لا يستهان به وذلك في إصدار السكر والشاي إلى إيران لكثرة تخوف التجار في هذه البلاد من أزمة النقد الإيراني والأفكار مرتبكة كل الارتباك من جراء ذلك إذ يتوقع حصول تغيرات فجائية لا مناص منها.
14 - أسعار المنتجات
التمور
نسب الطن منه من 60 - 61 ربية
الحبوبربية
الحنطة بين 70و78 ربية
الشعير الطن بين 47. 5 - 50 ربية
الأرز (التمن) الوزنة من 14 إلى 20 ربية
القطن
غير محلوج المن8 - 3
محلوج0 - 14
العفص (الحقة 224) 195 إلى 300
(تصحيحات)
ص182 س16 بنيد: بيد - ص182 س21 سازة: سازد - ص209 س24 رغبته: رغبة - 240 س11 أفلست: فلست - 240س20 اختلفت: اختلفت - 261 س18 وابن: وأبي
- 262 س كأس: كأسي - ص265 س18 متعانقة: معانقة - 271 س22 ما مثل: ما كان مثل - ص271 س22 الشهم: الشم.(8/320)
العدد 80 - بتاريخ: 01 - 05 - 1930
إلى عكبرى وقنطرة حربي
1 - حربي
سافرنا قبل اشهر إلى ناحية (السميكة) أي دجيل القديمة ولبثنا فيها أربعة أيام عند ذي قربانا فالح أفندي ابن حسن أفندي العبيدي السرايلي، وهو في السميكة معلم مدرستها الأول. وفي صباح أحد تلك الأيام امتطينا دراجتنا ودرجت بنا إلى قنطرة حربي على نهر دجيل وكان بعض المطلعين قد وصفها لنا وذكر لنا أن علينا كتابة تاريخية، أما العوام من أهل السميكة فيزعمون أنه كتب عليها ما نصه (عمي يا خميس، لا تكرب غير الطربيس أو لو جارك الجور، عليك بالثور عليك بالتبن، أصفره ذهب وأبيضه فضة، والعندة عشا لا يلف بالدجيل) ويزعمون أن السبب الباعث على هذه الوصية(8/321)
كثرة الظلم التي لاقاها الدجيليون من الحكام وتسخرهم للناس تسخر الحجاج للواسطيين، وبقينا تدرج بنا الدراجة والريح مضادتنا ومتجهنا الشمال الشرقي من قرية السميكة حتى وصلنا إلى قنطرة مبنية من الطابوق تحتها أربعة مجار عظيمة وكل منها قد طوق بطاق على الطراز العباسي، ولكن ثلاثة من المجاري قد طمرتها الرمال الراسبة والأطيان اللازبة، ولم يبق لنهر دجيل إلا مجرى واحد قد ضيقته الرواسب والإدغال، ولما تخطينا القنطرة وجدنا طولها 72 خطوة ولما خطونا عرضها ألفيناه 15 خطوة، وعلى محاط القنطرة الأعلى ما نصه:
(بسم الله الرحمن الرحيم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة، واقرضوا الله قرضاً حسناً، وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله خيراً وأعظم أجراً واستغفروا لله أن الله غفور رحيم، الذين ينفقون أموالهم بالليل والنهار، سراً وعلانية فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون، ومن أراد الآخرة وسعي لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكوراً. أمر بإنشاء هذه القنطرة المباركة، تقرباً إلى الله تعالى الذي لا يضيع أجر من أحسن عملاً وطلباً للفوز بجنات الفردوس التي أعدها للذين آمنوا وعملوا الصالحات نزلاً، سيدنا ومولانا الأمام. أأمر المسلمين ووارث الأنبياء والمرسلين وخليفة رب العالمين، وحجته البالغة على الخلائق أجمعين).
هذه الكتابة على الجانب الغربي، وعلى الجانب الشرقي:
(الذي أيد الله تعالى بإعزاز نصره الدين وأفرض (كذا) طاعته على الخليقة من البادين أح. . يعجز عنه حصر العادة - أبو جعفر المنصور المستنصر بالله - أمير المؤمنين، مكن الله له في أرضه تمكين الوارثين ورفع مقدس أعماله الصالحات إلى عليين ونشر بعدله الزاهر في آفاق الأرضيين، وأوضح للخلائق بولاية سيل الرشاد ومنهج الحق المبين أبن الأمام السعيد البر التقي - أبي محمد الظاهر بأمر الله - أبن الأمام السعيد الزكي الطاهر الوفي - أبي العباس الناصر لدين الله - أبن الأمام السعيد الزكي - أبي محمد الحسن المستضيئ(8/322)
بنور الله. . . الأثر الذين قضوا بالحق كانوا يعدلون، صلوات الله عليهم أجمعين وذلك في سنة تسع وعشرين وستمائة، وصلى الله على سيدنا محمد النبي وآله الطاهرين. . .) أه.
والعامة تسمي هذه القنطرة (جسر الحربي).
2 - عكبري
وفي يوم آخر درجنا دراجتنا إلى جهة عكبري وهي في الجنوب الشرقي من السميكة وفي غرب قبر الشيخ (جميل) الذي هو في الجانب الغربي من دجلة قبالة قرية السعدية التي على الجانب الشرقي من دجلة، قال أبن خلكان في (1: 289) من ترجمة أبي البقاء عبد الله العكبري ما نصه (والعكبري بضم العين المهملة وسكون الكاف وفتح الباء الموحدة وبعدها راء، هذه النسبة إلى عكبري: وهي بليدة على دجلة فوق بغداد بعشرة فراسخ خرج منها جماعة من العلماء وغيرهم) وقال في ترجمة الأمير سعد الملك أبن ما كولا علي بن هبة الله (وكانت ولادته في عكبري في خامس شعبان سنة إحدى وعشرين وأربعمائة) وورد في القاموس (وعكبراء بفتح الباء ويقصر بلدة والنسبة عكبراوي وعكبري) قلنا: وفي (1: 389) من تاريخ أبن خلكان (ووضع في يد كل واحد منهم طاس ذهب وزنه ألف مثقال مملوء شراباً قطر بليا أو عكبريا) وهذه الحكاية من حوادث القرن الرابع للهجرة فعكبري إذ ذاك كانت محمود الشراب، والآن نعود إلى سيرتنا الأولى:
ولما وصلت إلى محطة السميكة لقطار ما بين بغداد والموصل رأيت قبراً على شرق السكة الحديدية وعليه قبة فقط فسألت عن اسم صاحبة فقيل لي أنه السيد محمد أبو الحسن، وكنت في ذهابي إلى قنطرة حربي صادفت مثله، في شرق السكة أيضاً فقيل أنه (للشيخ سعدي) والأعراب تقول (الشيخ أسعدي) وكلتا القبتين مبنية من الطاباق.
ومن المحطة توجهت إلى عكبري وأدرت محور دراجتي مدة تجاوز ساعة ونصفاً حتى انتهت إلى قبر الشيخ (جميل) وحوله أبيات القوام وهو يزار وينذر له وعليه اعتماد السنيين في دلتاوة لإبراء المرض وإزالة العاهات،(8/323)
ثم جنحت إلى الغرب فوصلت إلى أنقاض عالية وطلول متبحثرة وطابوق مبثوث كثير وبين هذه الآثار أثر مجري نهير يمر وسط هذه البلدة فوقفنا على قمة طلل عال واستنطقنا تلك الأطلال العافية عن زمان بهجتها وألوان جمالها ونعيم حياتها وسألتها عن أنهارها المطردة المتلألئة وبساتينها المدهامة المزهرة أو المثمرة ورياضها ذات الخمائل والأزهار وأهلها المتنعمين الراكنين إلى السعادة والاطمئنان والعلم والعرفان، فكأنها أجابتني اعتباراً واستعباراً، بأن أهلها تعاورهم أنواع الفناء وطحنهم الدهر بأسنانه فصاروا عبرة لمن يعتبر ومزدجرا للذي يزدجر وقد خلف التراب الشراب والفناء الهناء والبلاء الرخاء والقبور القصور والدثور الظهور والأشواك الزهور.
وفي تلك الأراضي إلى بغداد لا تعد الأنهار ولا الأنيهار ولا الترع لكثرتها وتقاربها ولكنها تدندن الريح بيبسها وتتداول الرمال بطونها وتتلاطم عليها حرارات الشمس وأشعتها فتفيض سراباً هو المثل الأعلى للحياة الدنيا وتلطم متونها الدوامات لطم الظالم للمسالم ويمر قطار سكة الحديد وهي متحوية في منعرجاتها تحوي الحياة الكسير الظهور فتلتقي الدنيا والآخرة فتستخف الثانية بالأولى وتكبح من جماحها وتنقص من طماحها فعكبري اليوم أهل لأن تكون أنيسة للأنبياء ومسيلة للأتقياء ورادعة للأدنياء.
وبعد ذلك أبناء من عكبري إلى بغداد فرأينا في غرب السكة قبراً يشبه القبرين المذكورين آنفاً واسم دفينه (الشيخ إبراهيم) ويدعي بعض العامة أنه قبر (إبراهيم الأمام العباسي) صاحب الدعوة العباسية وشهيد حران الذي قال فيه شبل بن عبد الله:
والقتيل الذي بحران أضحى ... ثاوياً بين غربة وتناسي
وليس من دليل يؤيد تلك الدعوى وبعضهم يدعي أنه قبر مصعب بن الزبير وإبراهيم بن مالك بن الأشتر وهو الصحيح لأن (مسكناً) هناك، هذا مرادنا وبقية رحلتنا فلعل فيها فائدة.
مصطفى جواد
(لغة العرب) جاء في معلمة الإسلام مقالة للدكتور الأثري أرنست هر تسفلد فنقلها إلى لغتنا
ليطلع عليها القراء فتتم بها الفائدة ودونكها:(8/324)
حربي
حربي (بالألف القائمة بالياء المهملة) اليوم هي جسر حربي وهي أخربه في أرض دجيل على بعد نصف ساعة من غربي نخيل (بلد) على الضفة الغربية من عقيق دجلة المعروف بالشطيط في نحو 34 درجة من العرض الشمالي:
الاسم والموضع من عصر الجاهلية. وقد ذكر ياقوت أسماء قديماً لهذا الموطن (معجم ياقوت 1: 167) هو الأخنونية ويشبه أن يكون بابليا. وكانت إدارة الساسانيين تبدأ تخوم شمال سورستان - (أو دل إيران شهر) وهي البلاد التي عرفت بعد ذلك باسم سواد العراق - من هذا الموطن حربي في طسوج مسكن (اليوم تل مسجن) ومن العلث (بالفتح وتقال بالكسر واليوم تلفظ العلث بالفتح) الواقعة في شرقيها وبأزائها في طسوج بزرج شابور وفي الشمال كانت ترى تخوم كورة أثور. وبقيت هذه الحدود إلى فجر العهد الإسلامي وإلى عهد العباسيين فقد كانت في حين مسح البلاد عمر بن الخطاب (طالع أبن خرداذبة ص 14 واليعقوبي ص 104 والمسعودي في التنبيه ص 38 وياقوت 3: 174) ومن أقدم ما جاء ذكرها ما أورده الطبري في (2: 916) ويتعلق بأحداث سنة 76 إذ سار شبيب الخارجي إلى الحجاج وعبر دجلة بالقرب من حربي (وفي الكلمة جناس إذ حربي تجانس حرب في اللفظ) وكان في حربي عدة مناسج للثياب القطنية الغليظة التي كانت تحمل إلى سائر البلاد (راجع معجم ياقوت 2: 235 ومراصد الإطلاع ص 295) والسهل الذي يرى اليوم في ذلك الموطن كثير الشقف (كسر الخزف) وهو مما يدل على صناعة الخزف كانت منشرة فيها كل الانتشار وكانت هذه السلعة الرقة وترجع إلى المائة الثانية عشرة والثالث عشرة للميلاد.
لما تحولت دجلة عن مجراها في صدر خلافة المستنصر بالله وغادرت مسيلها في أعيلي حربي لتجري في موطن نهر القاطول أبي الجند وهو مجرى دجلة اليوم شرع الخليفة في أعمال الكري (شق الأنهر) ليستقي من جديد دياراً عطشى ومن أعماله نهر دجيل الحالي الذي حفره بلا أدنى شك. وحفر أيضاً نهر المستنصر في أعلى حربي وبني القنطرة العظمى القريبة من حربي ولهذا عرف(8/325)
المحل بعد ذلك بجسر حربي، تلك أعمال تدل على
ما كانت عليه من الجلالة.
وكان قد صور الجسر تصويراً شمسياً ج. ف جونص وأعيد طبعه في المجموعة المسماة بالإنكليزية ما معناه (نخب من مذكرات حكومة بمبي) المجلد 43 (سنة 1857) ثم صورته أنا تصويراً شمسياً أيضاً بنوع أشد أتقانا والجسر محكم البناء من الأجر وطوله 55 متراً في عرض قراب 12 متراً ويقوم على أربعة عقود وثم كتابه طولها مائة متر تمتد على الجانبين وتاريخ بناء الجسر سنة 629 من الهجرة وهذه الكتابة مفيدة جداً لما فيها من التفاصيل التي تكاد تكون كفراً في نظر السنة (كذا) ومما يميز هذا السهل سهل الأخربة القبة المبنية على قبر هناك وهي ترى من بعيد ويقال لن المدفون تحتها الشيخ أو السيد سعد.
القوق ومرادفاته
قال أبن منظور في ديوانه لسان العرب: القوق: طائر من طير الماء طويل العنق قليل نحض الجسم وأنشد: كأنك من بنات الماء قوق) وكذا ورد في العباب وحياة الحيوان الكبرى للدميري والعباب لكن هذا التعريف غير كاف بنفسه ليطلعنا على حقيقة هذا الطائر والكلمة واردة في التوراة التي نقلها سعديا إلى العربية وسعديا توفي في سنة 942م أما أبن منظور فتوفي في 1311م. والقوق واردة في عدة مواطن من نص التوراة منها في المزمور ال 101 في الآية ال 7 وهذا نصها: (شابت قوق البرية صوت مثل بومة الأخربة) واسمه بالأرمية كذلك. وجاءت أيضاً في التوراة المسماة بالفشيطتا (أي البسيطة) وهي من صدر المائة الثانية للميلاد. ويراد بالقوق الحوصل المعروف عند السلف باسم البجع وله أسماء كثيرة تختلف باختلاف الديار، منها: العلجوم والكي (بضم الكاف) وجمل الماء وأبو جراب وأبو قربة. والعراقيون يسمونه اليوم (نعيج الماي) وهو تصغير علجوم مع بعض تصحيف. ويدعي بعضهم أنه مصغر نعجة الماء وهو بعيد في نظرنا. ومن أسمائه السقاء وجمل البحر وهو ليس المسمى بأبو طنطر أو أبو سعن وكان أهل البطائح يسمونه في عهد العباسيين بالبيضاني.(8/326)
البعد في اللغة
(لغة العرب) لأبن سيدة كتاب جليل لم يؤلف مثله من سبقه ولا من تلاه أفاض عليه شيئاً من ذوب دماغه فجاء سفراً بديعاً يشهد له بعلو الكعب في لغة عدنان. ويقع في سبعة عشر جزءاً وأسمه المخصص. وهو معجم تذكر فيه الألفاظ المتشابهة المعنى أو المتشاركته فانك إذا بحثت فيه عن موضوع توخيته سرد لك كل ما يتعلق به أو يتصل فهو ديوان لغة ضروري لكل من يعالج اللغويات ومن الغريب أنك إذا فتشت فيه عن معنى (العبد) وما يتصل به لا ترى له أثراً وقد أتحفنا حضرة اللغوي (السيد سالم خليل رزق) المشهور بمباحثه العربية الدقيقة - بمقالة بديعة ترأب هذا الصدع في ديوان أبن سيدة المذكور. إلا أننا نأخذ عليه شيئين: أنه أستشهد بأبيات بعض المعاصرين والثاني أنه نقل عن (البستان) (أو أقرب الموارد) أو الألفاظ الكتابية (الذي عني بنشره الأب لويس شيخو) من غير أن يتثبت في صدق تلك المنقولات. ويظهر لك ذلك في موضعين ظهر لنا عيبهما ولعل هناك غير ما ذكرناه إذ لم يتسع لنا الوقت لتدبر ما في تلك الألفاظ من الزلق أو الزلل.
على أننا نشهد لصاحب المقال بتضلعه من اللغة وإحاطته بالموضوع إذ لم نجد في ما بأيدينا من التأليف من تعرض لهذا الموضوع وقتله خبراء فنشكر له هذه الهدية اللغوية باسم جميع المحققين المدقيين من الناطقين بالضاد.
بعد (ككرم) الرجل بعداً (كعلم) يبعد بعداً (كسبب) ضد قرب فهو بعيد وبعادو جمع بعيد بعداء. وكذلك أبعد وتر (كمد) عن بلاده تروراً، وأتن اتناناً، وسحق (كعلم) سحقاً (كسبب) وأسحق وانسحق ونأا (كغرا) ينأوا نأوا وناي (كرمي) فلانا وناي عنه يناي نأيا فهو ناء وهي نائية. قال الشاعر أحمد محرم:
طوى الأرض يدني ما ناي من فجاجها ... وأمعن في أقطارها يتوغل
وقال المنفلوطي:
وفي العصر بين الظل والماء غادة ... تميس بلا سكر وتناي بلا كبر(8/327)
وقال الطغرائي:
ناء عن الأهل صفر الكف منفرد ... كالنصل عري متناه عن الخلل
وكذلك ناء الرجل ينء نيئا مقلوب ناي أو لغة فيه. ونشد يعقوب:
أقول وقد ناءت بهم غربة النوى ... نوى خيتعور لا تشط ديارك
وناء ينوء نوءاً وتنواء، وناطت الدار تنوط نوطاً وانتاطت، وناط الرجل ينيط نيطاً وانتاط، وهرب في الأرض وهرباً، وتواضع ما بينهم، ونزج الشيء ينزح (بالكسر وبالفتح) نزحاً ونزوحاً يقال نزحت الدار. قال الشاعر:
لو أن لبنان فيه العيش منبسط ... لما ابتغينا نزوحاً أراضينا
وانتزعت النية. ونضب القوم والمفازة، ونطنطت الأرض ونطا المنزل ينطو، وأمعن في الأمر، ونأث عنه ينأث نأثا ومنأثاً: وأنتخع عن أرضه، وقصا المكان يقصوا قصواً وقصوا وقصا وقصاء وقصي يقصي - وعن القوم: تباعد فهو قاص ج قاصون وإقصاء. وأنقضع عنه، ولحلح القوم وتلحلحوا واعنقت البلاد وغرب الرجل - والنجوم غروباً، بعدت وتوارت في مغيبها، وشحطت الدار (كفتح) شحطاً وشحطا وشحوطاً ومنه قولهم شحط المزار قال الحريري والضمير للصاحب:
وأطعه أن عاصي وهن ... أن عز وادن أن شحط
وقال أبو جعفر بن خاتمة:
ومن يكن بالذي يهواه مجتمعاً ... فما يبالي أقام الحي أم شحطوا
وقال أبو زبيد:
من مبلغ قومنا النائين إذ شحطوا ... أن الفؤاد إليهم شيق ولع
وشحط فلان في السوم إذا استام بسلعة وتباعد عن الحق وجاوز القدر واشص فلان وشطب (كنصر) وشطن عنه (كذلك) وشطرت الدار شطوراً وشطنت الدار شطوناً، وشغر الرجل شغوراً - والبلد: بعد عن الناصر والسلطان واشتغر الرجل في الفلاة، وصقب المكان كعلم صقبا، وأضحى عن الأمر، وطمس الرجل يطمس طموساً (كنصر)، وسحق (كعبد) سحوقه، وانخشع في الأرض ودعلق في الوادي، وأعزب وتنازح وشسعت الدار (كفتحت) شسعاً وشسوعاً قال عباس محمود العقاد:(8/328)
بيضاء ترتع في فضاء شاسع ... صافي السراة على السنى مرفوع
وشط المنزل (كعلم وبعد) شطا وشطوطا - وعليه في سلعته: أبعد قال المتنبئ:
كن حيث شئت فما تحول تنوفة ... دون اللقاء ولا يشط مزار
وقد تبعد وتباعد عنه وابتعد عنه واستعبد عنه ضد تقارب ومثله تخوف عنه، ورام يريم ريما وانتزح عن دياره وزهل عن الشيء زهلا، وأجنب وانتسأت الإبل في المرعى. وتنطنط الشيء وأنتاي عنه تقول أنآه فانتاي، وتنعنع زيد عنه، وتمعدد وتناءوا عنه، وقصا عن القوم، وتماحلت بهم الدار وكتع في الأرض كتوعاً ومنه قولهم مجازاً: كتعت في المخازي ما كفاك سب وكتعت في المحامدما كفاك حمد، وتمازت (بتشديد الزاي) به النية، وشطف (كنصر) شطفا أي ذهب وتباعد، وطلب طلبا، وطلق طلقا، وتعادى الرجل كقوله: (وتعادي عنه النهار فما تعجوه) أي تباعد عن ولدها في المرعى لئلا يستدل الذئب بها على ولدها، وسحر عنه، وانزاح ودحل عني وتراخى وتباطن المكان وفرسخ عنه المرض وأفرنسخ، وتماته القوم وتمتهوا وطعا يطعوا وتمقق. قال رؤية:
عن ظهر عريان المعاري أعمقا ... أمق بالركب إذا تمققا
وبتع في الأرض (كعلم). وحشر فلاناً أي تباعد عنه، وتزاحك القوم وتشائي ما بينهما. وانفرج ما بين القوم وطمس الرجل وراغم زيداً - والقوم نابذهم وهاجرهم وعاداهم، وتشعب وانشعب عنه.
وقد نمت الإبل إذا تباعدت تطلب الكلا في القيظ، وتتايع القوم في الأرض إذا تباعدوا على عي وشدة وأنوي الرجل أنواء إذا تباعد أو كثرت أسفاره، ونبا بصره ينبو نبوا ونبيا ونبوة إذا تجافى وتباعد، وتباين الأمران: تباعداً وتفارتا، وتصوع القوم: تباعدوا جميعاً، وسبخ الرجل: تباعد في الأرض، وأنسا عنه: تأخر وتباعد قال مالك بن زغبة الباهلي:
إذا أنسئوا فوت الرماح ... عوائر نيل كالجراد تطيرها
وزحل عن مكانه (كفتح) زحولا: تنحى وتباعد فهو زاحل (كحذر) ومثله تزحل عن مكانه، وزاح عنه يزيح زيحاً وزيوحاً وزيحانا، ذهب وتباعد وأعرى صديقه أعراء: تباعد ولم ينصره، وتمايط القوم تباعدوا ونابأ(8/329)
القوم ترك جوارهم وتباعد عنهم، وقالوا حطني القصا أي تباعد عني: وحاطونا القصا أي تباعدوا عنا وهم حولنا وما كنا بالبعد عنهم لو أرادونا.
وقد جفأ الشيء أو فلانا: بعد عنه وفي الحديث. اقرءوا القرآن ولا تجفوه. أي لا تبعدوا عن
تلاوته، وأهرب: أبعد في الأرض ومثله اعترط وطس القوم إلى المكان أبعدوا في السير وشعل الأمر أمعن فيه وانبلط الشيء بعد ومثله باص يبوص يقال طريق بائص أي بعيد وشاق، وجنب الشيء بعد عنه ومثله تجنبه واجتنبه. وخسأ الكلب وخسوءا بعد وأنزجر ومثله خسئ وأنخسأ وجانب الشيء جنبه ومثله رفضه، وأشجذ المطر بعد واشط الرجل في الطلب أمعن وعرنت الدابة عرانا بعدت وأطلب الماء والكلأ بعد فلم ينل إلا بطلب وأطنب النهر بعد ذهابه ونزح بفلان بعد عن دياره غيبة بعيدة. وتنكب الشيء تجنبه واعتزله وبد الشيء تجافي وماط عني يميط وميطاناً تنحى وبعد تقول مط عنا يا هذا أي أبعد. ومثله أماط عنه وعمق الطريق والمكان بعد وطال وأنبسط فهو عميق الرجل يطحو بعد وهلك وقالوا كان منه ذلك مكان الفرقدين من النجوم أي بعد عنه بعد الفرقدين من النجوم ولج في جناب قبيح أي في مجانبة أهله، وتفكه: تجنب الفاكهة.
التباعد في الأعضاء
وقد فرق البعير وغيره فرقاً أي كان أفرق والفرق التباعد ما بين الثنيتين - وما بين المنسمين، وفركح الرجل: تباعد ما بين اليتية والاسم الفركحة أيضاً، والفركاح والمفركح الرجل الذي أرتفع مذرواً أسته وخرج دبره وبد الرجل يبد بددا: تباعد ما بين فخذية من كثرة لحمهما - والدابة تباعد ما بين يديها والأبد الفرس بعيد ما بين اليدين - والحائك لتباعد ما بين فخذيه - والرجل المتباعد اليدين عن الجنبين - والعظيم الخلق المتباعد بعضه من بعض - والمتباعد ما بين الفخذين من كثرة اللحم، وحنب (بتشديد النون) الفرس كان بين رجليه بعد من غير فحج وهو مدح فالفرس محنب ومحنب (بكسر النون وفتحها) قال أمرؤ القيس:
فلأيا بلأي ما حملنا وليدنا ... على ظهر محبوك السراة محنب
والجانب فرس بعيد ما بين الرجلين من غير فحج وهو مدح، ومثله المجنوب(8/330)
والمجنب والأخجى: البعيد ما بين الرجلين وروح (كعلم) يروح روحاً كان أروح والروح انفراج بين الرجلين دون الفحج أي تباعد القدمين وتداني العقبين وسميت النعامة روحاء لتباعد ما بين ساقيها وفحج في مشيته: تداني صدور وتباعد عقباه ومثله فحج فالفحج تداني صدور القدمين وتباعد العقبين وفي المغرب الفحج تباعد ما بين أوساط القدمين من الرجل والدابة
والزجج في الإبل روح في الرجلين وفجي الرجل يفجى فجا: تباعد ما بين فخذيه أو ركبتيه أو ساقيه - والبعير: تباعد ما بين عرقوبية - والقوس: بعد وترها عن كبدها، والفخج (بالخاء المعجمة) كالفحج (بالحاء المهملة) إلا أنه أسوأ منه تبايناً، والقعن: انفحاج في الرجل وفلج فلجا: كان افلج وهو المتباعد ما بين القدمين - وما بين اليدين وما بين الأسنان يقال رجل الفج الأسنان وامرأة فلجاء الأسنان ولا بد من ذكر الأسنان على رأي أبن دريد والمشقة: تفحج في قوائم ذوات الحافر وتشحج.
وراخ الرجل يريخ ريخا وريوخا وريخانا: تباعد ما بين فخذية حتى عجز عن ضمهما والزيل تباعد ما بين الفخذين وصاحبه أزيل وأما البدد فقد ذكر. والفنجلة: تباعد ما بين الساقين وما بين القدمين والافجل المتباعد ما بين القدمين وقد فشق الظبي فشقا إذا تباعد ما بين قرنيه فهو افشق.
بعد النظر
وقالوا طمس بعينه إذا نظر بعيداً، ورفع له الشيء أبصره عن بعد، وباصره إذا أشرف ينظر إليه من بعيد وطرف مطرح بعيد النظر والطماح البعيد الطرف ومثله الشيئان (بتشديد الياء) والسدف الشخص يرى من بعيد. ج سدوف وعين غربة بعيدة المطرح ورجل غرب العين قد انفسح طرفه إذا لم يرده عن بعد النظر شيء ويقال في ذلك قد انفسح طرفه وتقول رأيت طرة القوم إذا نظرت إلى حلتهم من بعيد فأنست بيوتهم.
النسب البعيد
والقصا النسب البعيد والجنابة ضد القرابة. ويقال أنك لتمت برحم عودة أي قديمة بعيدة النسب وهو انسلهم أي أبعدهم عن الجد الأكبر والكرشاء الرحم البعيدة والكلالة ما لم يكن من النسب لحا فالعرب تقول هو أبن عم الكلالة وأبن(8/331)
عم كلالة إذا لم يكن لحا وكان رجلاً من العشيرة وحكي عن أعرابي أنه قال (مالي كثير ويرثني كلالة متراخ نسبهم) وقد طرف (كحلم) الرجل أي صار طريفاً غير قعدد تقول هو أطرفهم وهو طريف بين الطرافة إذ كان كثير الأباء إلى الجد الأكبر ومثل الطريف (كحذر) والقعدد هو القريب الأباء من الجد الأعلى ويأتي أيضاً بمعنى البعيد الأباء منه من الأضداد.
بعد الخطى
شبرقت الدابة في مشيها باعدت خطوها ومثله شحا الرجل يشحو شحوا ومنه حديث كعب يصف فتنة قال (ويكون فيها فتى من قريش يشحو فيها شحوا كثيراً) أي يمعن فيها ويتوسع وذرع (كحلم) الفرس ذراعة كان واسع الخطو فهو ذريع وبخدج في مشيه تفتح وفرحج وسطاً الفرس ابعد الخطو ومثله فسح ففلان قال أعرابي لخراز إذا خرزت فأفسح الخطى لئلا ينخرم الخرز أي باعد بين الخرزتين وباع الفرس أو الناقى بوعاً - والرجل الأرض قطعها بخطو واسع وحركة سريعة وفنجل مشى مفاجأ وفرجل في مشية وأسرع وفرحج في مشيه تفحج ووسع (كحلم) الفرس وساعة وسعة اتسع في السير، ووخد البعير يخد وخذا كان واسع الخطو فهو واخد ووخاد ووخود الاسم الوخد وسدت الناقة سدوا تذرعت في المشي أي اتسع خطوها يقال ما أحسن سدو جليها وأتو يديها وتبازي تبازيا الفرس كذلك وخذي يخدي خديا وخدايانا وقد واعست الابل واوعست إذا مدت أعناقها ووسعت خطاها. وخطرف الرجل وتخطرف إذا جعل في مشيه كل خطوتين خطوة في ساعته.
والهرجل البعيد الحطو (ج) هراجل ومثله السهوق والطرمح والطرمح والساطي وهذا الفرس البعيد الخطو وناقة شحوة بعيد الخطو. وفرس رغيب الشحوة أي كثير الأخذ من الأرض بخطوة وفرس بعيد الشحوة أي الخطوة والشحواء الناقة الواسعة الخطو والرهوق الناقة الوساع الجواد التي إذا قدتها رهقتك حتى تكاد تطأك بخفيها والذروع الخفيف السير الواسع الخطو ومثله الذريع والذرعات السريعات الواسعات الخطو البعيدات الأخذ من الأرض والرزوف الناقة الطويلة الرجلين الواسعة الخطو. والقطوف مقارب الخطو في سعة والخبقة (بكسر الأول والثاني(8/332)
وتشديد القاف) الوساع من النياق. وناقة ذراعة واسعة الخطو وكذا فرس هملاج وفريغ ومعناق وناقة معناق وفرس وساع ونوق سواد (بكسر الدال المنون جمع سادية).
السير البعيد
وأمعن الفرس تباعد في عدوة وأسهبت الخيل أمعنت في سيرها، وأوغل القوم أمعنوا في سيرهم داخلين بين ظهراني الجبال أو في أرض العدو ودومت الكلاب أمعنت في السير،
واقنب الرجل باعد في السير وسبح مثله وسخ سخا، وقد أنذرع في السير أي أنبسط فيه.
الذهاب البعيد
وأبعد الرجل في الأرض أمعن فيها ومثله غرب فيها وأعرب وغلق فيها وقد وغل يغل وغولاً إذا ذهب وابعد وكذا أوغل في البلاد وتوغل في الأرض أو العلم وشقذ (كعلم) وشقذ (كنصر) وطاء يطاء وطسس ودقس فيها دقسا ودقوسا ومعد فيها واصمعد في الفلاة وقد شطن في الأرض إذا دخل فيها أما راسخاً وأما وأغلا.
السفر البعيد
ونطنط الرجل باعد سفره وبرق تبريقاً سفراً بعيداً ونوى المسافر نية ونوى تباعد والنطوة السفرة البعيدة وكذا الطلبة والمسبأة (بضم أولهما) تقول أريد سبأة أي سفرا بعيداً والسوبة (بالضم وبالواو الساكنة غير المهموزة) والآنط ج نطط (بضمتين) وسفر نعور ومثله سفر شاسع وجاسع ونية قذف (بفتحتين) وقذف (بضمتين) تقول شطت بهم نية قذف أي رحلة بعيدة والخيتعور النية البعيدة أو النوى البعيدة ويقال نوى خيتعور.
ورجل مبعد (كمنبر) بعيد الأسفار قال كثير عزة:
مناقلة عرض الفيافي شملة ... مطية قذاف على الهول مبعد
والنمط (بمضتين) المسافرون سفراً بعيداً.
الأبعاد
وبعد الشيء تبعيداً وأبعده أبعاداً ضد قربة وكذلك باعده مباعدة وبعاداً وشاعب صاحبه وزاحكه عن نفسه وعادى الشيء وناءى زيداً وقاصاه وماز بينهما(8/333)
ممازة وفحصه عنه (بالتشديد) وأفحصه عنه ومحصه (بالتشديد) وامحضه عنه وناساه واشذاه عنه وأجفاء عن المكان وحصبه عن كذا واحصبه وشحصه (بالحاء المهملة المشددة) وعبر متاعه وأنمى الراعي الإبل، وأوجى الشيء عنه وأبهصه (بالصاد المهملة) وراخاه قال الشاعر:
ولصاحب راخته عنك حوادث ... الدنيا الآن ينشد قربه
وأظلفه عن كذا وأناثه انآثا، ونأشه وأناه عنه وانخس به وأقصاه عنه ومخاه عنه وأشسعه وشسع به وشطته شعوب واشقحه واضرح فلانا عنه وطرده يطرده (أبعده وساقه ونحاه)
وظلفه عنه وطهر الشيء واتره عن مكانه وجانب فلانا (كأنه جعله في جانب أو مشى في جانب) وحصفه عن كذا واحصف الشيء ودحقه وادحقه وأعزب فلانا وزحزحه عن الشيء وزحله (بالتشديد) وأزحله وزحنه عن المكان وعبر الوادي السيل وضرب الدهر بيننا وأشذاه عنه ودحر الشيء دحراً ودحورا ومدحرة.
وقد غيبه أي أبعده وواراه وأجبي زيد غيب أبله عن المتصدق أي معطي الصدقات وجافي عضديه باعدهما عن جنبيه وغرب (بالتشديد) الدهر زيداً أي تركه بعدا.
وقالوا أغوط بئرك أي لبعد قعرها وقبحة الله وأما زمعت به قبوحاً أي أبعده الله وأبعد والدته، وآب الله فلاناً يؤوبه أي أبعده (دعاء عليه) وذلك إذا أمرته بخطة ثم وقع في ما يكره فاتاك فأخبرك بذلك فعند ذلك تقول له (آبك الله) وبد صاحبه عن الشيء أي أبعده وكفه يقال أنا أبد بك عن ذلك الأمر ورافضه بمعنى باعده (الألفاظ الكتابية) وسحق الله الكافر، أبعده عن رحمته وانفض فلاناً عنه أبعده ونفي وداده وفيحق بين رجليه باعد وفرشد زيد باعد بيم رجليه والطاءة الأبعاد في المرعى والعدى المتباعدون.
ونزه أبله نزها باعدها عن الماء وأنسأ سربته أبعد مذهبه وطخ الشيء كنصر(8/334)
رماه وأبعده وأطرحه. أبعده واسحق زيداً صرفة وأبعده وأدحقه الله باعده عن كل خير، وودر الشيء نحاه وبعدة تقول (در وجهك عني) أي نحه وبعده وكذلك أماطه أماطة وشحن فلاناً عنه وزلقه عن مكانه (كضربة) وإزاحة إزاحة وتقول طوحت بي طوائح الزمن ورمت به حوادثة وقذفتني قواذفه وأبعدتني جوائحه والزحل (كخدب) الجمل يزحل الإبل في الورد حتى ينحيها فيشرب والنوى القسوم هي المفرقة المبعدة وأنشد أبن الأعرابي:
نأت عن بنات العم وانقلبت بها ... نوى يوم سلال البتيل قسوم
والمشقوح المبعد، والبهر المباعدة عن الخير.
البعيد
وهو بعيد وباعد ويقال بعد باعد على المبالغة وبعد (محركة) تقول منزل بعد وبعد (كحذر) يقال ما أنت ببعد منا والبعيد جمعة بعداء وبعد وبعدان وقد يقال ما أنتم منا ببعيد وما أنت منا ببعيد حملاً على بعد بكسر العين وأن اختلفا باللفظ وجاء في البستان أن الفراء قال: إذا قالت العرب دارك منا بعيد أو قريب أو قالوا فلانة منا قريب أو بعيد لا يراد بذلك النعت
بل يراد به الاسم والدليل على انهما اسمان قولك (قريبة قريب وبعيده بعيد) ومن لم يؤنث وبعيداً لم يثنهما لكن قال هما منك قريب وهما منك بعيد ومن أنث ثنى وجمع وإذا أردت(8/335)
بالقريب والبعيد قرابة النسب وبعده أنثت لا غير ويرادف البعيد متمعدد ونئيش واسحق وسحيق وشطين قال بعضهم:
لكنما الأنباء شاموا موعداً ... في مغرب الغبراء جد شطين
وطامس (ج) طوامس ونفناف ونزوح ونزيح تقول جاء من بلد نزيح ونزيع ونطي (بتشديد الياء) تقول هذا طريق نطي وأمقه وقصي ج إقصاء ويقال لمن أبعد في ظنه أو تأويله (لقد رميت المرمى القصي) وقذوف يقال نوى ونية وفلاة قذوف وبلدة قذوف أي طروح لبعدها وقذف (بالتحريك) قال المتنبئ:
كم مهمة قذف قلب الدليل به ... قلب المحب قضائي بعدما مطلا
وقال فؤاد الخطيب:
متحفز قلق الوساد لنية ... قذف تشق على القوى الأيد
وشطير يقال هذا منزل شطير وعريد وشعب تقول التأم شعبهم أي اجتمعوا بعد التفرق وشاع (مثل رام) وشموخ. تقول: (هذه نغازة شموخ وشمخ (نية شمخ) وضريح وبطين (شأو بطين) وجنب وحجول وزحزاح وساقب.
ويقال سير مماتن أي بعيد وكذا بلد نازح ونية شطون وطرد مشقذ وسفر مجرن وعقب أجواد. وقرب حذا حذ وحذ حاذ ونية زموج ومكان ساحق وأرض سرداح، ورجل شاطب المحل وشاطنه وماء سعب ج سعوب وأمور عدوة وغاية منتاطة ومكان متنوع وفلاة نزوع ج نزع وبلدة نسيخة ونسخية، وخرق ناضب ومكان نطيط وعقبة نطاء ونية نعور ورجل نعير الهم وبلاد معنقة وطريق عميق وماء غب (بكسر الغين) (ج) أغباب وشأو مغرب ومنزل قذيف وشاحط وشحاط (كجبار) قال الحجاج يصف ككلابا هربت من ثور كثر عليها:
فشحن في الغبار كالأخطاط ... يطلبن شأو هارب شحاط
ونوى شطر وشطرف وشطران وضرح وطرح وسير ضراحي ونية طوح (بالتحريك) وديار عارنة وعران، وفلاة زوراء وبلد سهدر وسمهدر وعقبة زحول وزجول وفج عميق
ومحلة نازحة ونوى غربة.
وتقول هذا قبر منبوذ أي بعيد منفرد ونهر مطنب بعيد الذهاب وطريق متقعقع: بعيد ومكان نزل بعيد واسع وعقبة زلوخ طويلة بعيدة وكذا عقبة حجون(8/336)
ودوية سرنج بعيدة واسعة الأرجاء وقرب هذهاذ بعيد صعب أو سريع وبلد أمق الأرجاء وهي مقاء ونخلة ناوية بعيدة عن الماء، وتقول سرنا عقبة متوحا أو متوجاً أو محوجاً أي مسافة بعيدة وسبسب متماحل بعيد ما بين الطرفين وليلة مراسلة بعيدة دائبة السير ومكان قاتم الأعماق أي بعيد النواحي مع سوادها وبلدة قذوف طروح لبعدها ورجل شاط بعيد الشطاط والشطاطة أي بعيد ما بين الطرفين وبلد شاغر عن الناصر والسلطان وماء مطلب (كمحسن) بعيد عن الكلأ ومكان رجيل بعيد الطرفين وعقبة زمج وزموخ شديدة بعيدة ومثلها الزلوخ.
وقالوا الأقواس البلد البعيد والمتبطبطة الأرض البعيدة والمرزح المقطع البعيد والسمهد الأرض البعيد المضلة والعزيب الرجل يعزب عن أهله وماله والوصلة الأرض البعيدة والخاسئ الكلب المبعد والخنزير وكلاهما لا يترك أن يدنو من الناس والسربخ الأرض البعيدة - أو الواسعة المضلة التي لا يهتدي فيها لطريق ومهم مسربخ بعيد واسع قال أبو داود:
أسادت ليلة ويوماً فلما ... دخلت في مسربخ مردون
والشاطن البعيد عن الحق والعران الدار البعيدة والنائخة الأرض البعيدة والمهوئن (كمطمئن والمهو أن (على المفعولية) المكان البعيد ونزه الفلاة ما تباعد منها عن المياه والأرياف والنزيه المكان البعيد عن الريف وغمق المياه وذبان القرى وومد البحار وفساد الهواء والمعق (بالضم والفتح) والمعق (بالتحريك)(8/339)
ما بعد من أطراف المفاوز والمنتأى الموضع البعيد والقصوى والقصيا الغاية البعيدة والمتماحل الدار المتباعدة والغيل الذي تراه قريباً وهو بعيد والطراح والطرح (بالتحريك) والطروح المكان البعيد ومثله العدوة والعازب الكلا البعيد المطلب والعزيب من الإبل والشاء التي تعزب عن أهلها في المرعى والمعزاب والمعزابة من يعزب بماشيته عن الناس في المرعى والمعزب من عزب به عن الدار.
ويقال هذا المنزل أنفس المنزلين أي أبعدهما وقولهم لا مرحباً بالأخر أي بالأبعد، والأقصى
إلا بعد (ج) الأقاصي يقال عرف ذلك الأقاصي والأداني والأذناب والنواصي وما رأيت سفراً أفلق من هذا أي أبعد.
وهو مني مناط الثريا أي بعيد مني بقدر بعد الثريا وأتانا فلان من بعده أي من أرض بعيدة وهؤلاء قوم منازيح أي بعيدون عن أوطانهم وفي الأساس: ابل منازيح: من بلاد بعيدة، وهو بنزهة عن الماء ومنه أي بعيدة وقعد عني مازيا ومتمازيا أي مخالفاً ويوقون هو بذي بلب (كقديس) وبذي بلى (كذكرى) وبذي بليان (بكسر الأولين وتشديد اللام والياء ومثل صليان) أي هو بعيد لا يعرف موضعه وهو من بل في الأرض أي ذهب وأنشد الكسائي:
ينام ويذهب الأقوام حتى ... يقال أتوا على دي بليان
وهذا مكان مطرد أي بعيد ويقال أفصح العرب أبرهم أي أبعدهم في البر والبدو دارا.
البعد
والبعد ضد القرب وقولهم بعد له أي أبعده الله وهو دعاء عليه أن لا يرثي له إذا نزل به البلاء ومثله سحقاً له ينصبونه على المصدرية وتميم ترفع فتقول بعد له وسحق وكذلك البوهة والشوهة والشزن والشطة والشظان والشعب والبعد (كسبب) والجنابة والحضوضي والحواذو الزحزح والسحق (كقفل) والسحق (كعنق) والسيفى والمساف والمسافة (ج) مساوف تقول كم مساف هذه الأرض والشقة والعبدة والشحط (بالفتح) والشحط (بالتحريك) قال النابغة:
وكل قرينة ومقر ألف ... مفارقة إلى الشحط القرين
وكذلك البهر (بالفتح والتعس (بالتحريك) والخزي (بالكسر) والشمم(8/340)
(بالتحريك) تقول دارة شمم والنضو (بالفتح) والعفر (بالضم) يقال هجرت أخي على عفر أي بعد من الحي. والنوي (بالتحريك) والهوب (بالفتح) والغرب (كذلك) والغربة (كذلك) وتقول نوى غربة. والعادية والعدواء (بضم ففتح) والعداء (بالتحريك) والعران (بالكسر) ويقال هو بمنتزح عن كذا أي ببعد عنه، وهذه مسافة ذات غول (بالفتح). ذات بعد كأنه يغتال من يحاول اجتيازها. وبيني وبينهم ضرح (بالفتح) أي تباعد ووحشة. والشبراق (بالكسر) شدة تباعد ما بين القوائم والشعب (بالتحريك) بعد ما بين المنكبين وما بين القرنين والمقق (بالتحريك) كل تباعد بين شيئين.
والمتزحزح اسم مكان من نزحزح ومنه قول الكروس:
فقد كان لي عما أرى متزحزح ... ومتسع من جانب الأرض واسع
أي كان لي مكان أبتعد إليه.
متعلقات بالبعد
الباسطة المسافة البعيدة ومنه يقال سرنا عقبة باسطة أي بعيدة وكذلك الجذبة (بالفتح) تقول بينه وبين المنزل جذبة أي قطعة بعيدة وقالوا بعكس ذلك بيننا نبذة وجذبة أي هم منا قريب والشقة (كقبة) السفر البعيد وكذا الشكة والرتوة (بالفتح) قدر مد البصر يقال بيننا وبينهم رتوة أي مسافة بعيدة قدر مد البصر.
والمزاح الموضع الذي ينزاح إليه والمزحل المكان يزحل إليه - ومصدر ميمي - فيقال أن لي عنك مزحلاً أي منتدحاً قال الشاعر:
ويركب حد السيف من أن تضميه ... إذا لم يكن عن شفرة السيف مزحل
ويقال قاصاني فقصوته أي كنت أقصى منه وماتن فلاناً باعده في الغاية.
ومن أقوالهم تنح هاهنا وهاهنا (بتشديد النون) وههنا (كذلك) أي أبعد قليلاً ويقال للحبيب: ههنا وهنا أي اقترب وأدن وللحبيب ههنا وهناك وههناك (بفتح الهاءات والنونات) أي تنح بعيداً وهو مني على قدر مجاع الشبعان، وعلى قدر معطش الريان أي بيني وبينه من المسافة ما لو مشاه الشبعان لجاع والريان لعطش وتقول رأيته بعيدات (بالتصغير والجمع) بين أي رايته بعد حين وذلك إذا كان الرجل(8/341)
يسمك عن آتيان صاحبة الزمان ثم يسمك عنه نحو ذلك أيضاً ثم يأتيه.
وهيهات (بتثليث حركات التاء) اسم فعل بمعنى بعد ومثله إيهات وهيهان وإيهان وهايهات (وفي كلهن تثليث الآخر) وهايهات (بضم الآخر) وهيهاة (بإسكان الآخر) وأيها (بفتح الأول) وايأت (كجيأل) وشتان فتقول شتان ما زيد وعمرو وشتان ما بينهما. قال أبو الأسود الدؤلي:
وشتان ما بيني وبينك أنني ... على كل حال استقيم وظلع
وقال الأعشى:
شتان ما يومي على كورها ... ويوم حيان أخي جابر
أي تباعد الذي بينهما وقال الزهاوي:
رمت الحياة لهم وراموا مقتلي ... شتان بين مرامهم ومرامي
(وقد أفرد فيه الفاعل لفظاً ومعنى وهو غير جائر (لغة العرب))
واستجفاه: طلب بعده وجفاءه.
واستبعد الشيء: عدة بعيداً ووجده بعيداً. قال أحمد شوقي:
ومطلب في الظن مستبعد ... كالصبح للناظر في قربة
النبك (سورية): سالم خليل رزق
تتمة للغة العرب
هذه المقالة مع سعتها وانتظامها لا تحتوي كل ما جاء في الذي توخاه حضرة الكاتب اللغوي فلقد فاته شيء كثير وكرر ألفاظاً عدة ولعل ما لم يذكره يقع بالقدر الذي فصله، ونحن نورد بعض الأمثلة لكي لا نتهم بالتقول ولا بإلقاء الكلام على عواهنه. فقد ذكر اللغويون التماته من مته والتماته التباعد. والهوب البعد وتركته في هوب دابر ويضم أي بحيث لا يدري، وابعط الرجل باعد وفلان فلاناً أبعده ولا جرم أن الأصل هو أبعد. إلى غير ما هناك.
وكنا نود أن يراعي المؤلف ترتيباً هجائياً في إيراد الألفاظ حتى إذا أراد أحد أن يتحقق من ورود الكلمة يستطيع أن يقع عليها من غير مطالعة المادة كلها فيضيع وقته، وعدم إتباعه طريقة سهل الرجوع إليها أوقعه في مكررات كما يتبينها من طالع هذه المقالة مطالعة متئدة ووعي في ذهنه أوضاعها.(8/342)
القصر الذي بالقلقة
في الجنوبي الغربي من القلعة ببغداد الآن قصر على دجلة فيه عدة حجر وبينها إيوان مستقبل دجلة فيه من الريازة العربية ما يعجب ويفرح ولكن أيدي البلى قد تعاورته فشوهت من صورته ورفتت من ريازته وهدمت من آخره وهو على ذلك دليل على العظمة والفخامة.
وأجرة وسط ليس بصغيرة الحجم ولا كبيرة فهو من طرز الأجر الذي في منارة مدفن الشيخ معروف الكرخي وأصغر من أجر المدرسة المستنصرية وقنطرة حربي، ويشبه طابوق بابا الحلبة (أي الطلسم) على ما حققناه بإنعامنا النظر في صورة ذلك الباب.
أما منارة الشيخ معروف فقد كتب على ظاهر حوضها ما نصه (بنيت هذه المنارة سنة اثنتي عشرة وستمائة) فهي مبنية زمن خلافة الناصر لدين الله العباسي ومثلها في البناء منارة جامع قمرية ومنارة جامع الخفافين اليوم بلصق المدرسة المستنصرية من الجنوب.
والقصر الذي بالقلعة اليوم يسميه العامة وأمثالهم (قصر المأمون) ولا نعرف لهم دليلاً على هذا القول الغريب والحكم المتفسخ فأن للمأمون قصراً في الجانب الغربي من بغداد. ففي ص 27 من تاريخ مناقب بغداد ما عبارته: (وفي الجانب الغربي قصر عيسى وقصر المأمون والتوثة وغير ذلك) وقصراً بالجانب الشرقي لم يحافظ على أسم المأمون فقد ذكر ياقوت الحموي في مادة (تاج) ما عبارته: وكان إلى ذلك الوقت يسمى: القصر الجعفري ثم انتقل إلى المأمون) ثم قال (وبقي الحسن مقيماً في القصر المأموني) فهذا يدل على أن للمأمون قصراً آخر نسب إليه فلنلخص كلام ياقوت على هذا القصر لنعرف أمره والخلاصة هي:
أن جعفر بن يحيى البرمكي بني بالجانب الشرقي قصراً فلم يستحسنه صاحبه(8/343)
مؤنس بن عمران وراوضه على أن يخص هذا القصر بالمأمون عند حضور حضرة الرشيد ففعل وتحمل الرشيد ما نفق عليه وتركه لجعفر فلم يزل جعفر تتردد إليه أيام فرحه ومتنزهاته إلى أن وقع الرشيد بالبرامكة، ثم أنتقل إلى المأمون ففتح له باباً شرقياً إلى جانب البرية وأجرى فيه نهراً ساقه من نهر المعلي وابتنى مثله قريباً منه منازل برسم خاصته وأصحابه
سميت (المأمونية) وكان قد أسكن فيه الفضل والحسن أبني سهل، وفرغ بسفرهما إلى خراسان مع المأمون ولما ورد الحسن بن سهل بغداد سنة 198هـ (813م) نزل في القصر المذكور وكان يعرف: بالمأموني، فتزوج المأمون بوران وأنزلت بهذا القصر وطلبة الحسن من المأمون فوهبه له وكتبه باسمه وأضاف إليه ما حوله وغلب عليه اسم الحسن فعرف به مدة وكان يقال له: القصر الحسيني، وبعد موت الحسن بقي لابنته المذكورة بوران إلى أيام المعتمد علي الله العباسي فاستنزلها عنه بعوض وأخذت هي في إصلاحه وتجديده ورمة وأعادت ما دثر منه، ثم توفي المعتمد على الله بالقصر الحسني سنة 279هـ (802م) ثم استولى عليه المعتضد بالله فاستضاف إلى القصر الحسني ما جاوره فوسعه وكبره وأدار عليه سوراً وأتخذ حوله منازل كثيرة ودوراً وابتدأً ببناء قصر التاج وجمع الرجال لحفر الأسس فاتفق له أنه خرج إلى أمد فلما عاد رأى الدخان يرتفع إلى الدار فكرهة وابتنى على نحو ميلين منه الموضوع المعروف بالثريا ووصل بناء الثريا بالقصر الحسني وابتنى تحت القصر أزاجا من القصر إلى الثريا تمشي جواريه فيها وحرمه وسراريه وما زال باقياً إلى الغرق الأول الذي صار ببغداد فعفا أثره. ثم مات المعتضد بالله في سنة 289هـ (901م) وتولى أبنه المكتفي بالله فأتم عمارة التاج الذي كان المعتضد وضع أساسه ومذلة مسناه طاعنة إلى وسط دجلة. وكانت صفة التاجر(8/344)
مبنية على خمسة عقود كل عقد على عشر أساطين خمس أذرع ووقعت في أيام المقتفي سنة 549 (1154م) صاعقة فتأججت فيها وفي دارها وقبة الحمار وبقيت النار تعمل فيه تسعة أيام ثم أطفأت وقد صيرته كالفحمة وكانت - أي الصفة - أية عظيمة فأعاد المقتفي بناء قبة الحمار على الصورة الأولى ولكن بالجص والأجر دون الأساطين الرخام وأهمل إتمامه المقتفي حتى مات وبقي على ذلك إلى سنة 574 (1178م) فتقدم المستضيئ بنقضه وإبراز المسناة التي بين يديه - لعلها مسناة صفة التاج - إلى أن تحاذي به مسناة التاج، فشق أساسها ووضع البناء فيه على خط مستقيم من مسناة التاج واستعملت أنقاض التاج مع ما كان أعد من الآلات لعمل هذه المسناة ووضع موضع الصحن الذي يجلس فيه العباسيون للمبايعة ويسمى إذ ذاك: الثلج وهو دار مشهورة جليلة المقدار واسعة الأقطار من دور الخلافة زمن ياقوت الحموي وفي موضع دار الخلافة كان القصر الجعفري أي القصر المأموني أي القصر الحسني.
موضع القصر الحسني والتاج
وضع العلامة لسترنج رمزاً القصر الحسني في جنوب المستنصرية مما يلي جامع الخاصكي غرباً على دجلة قرب ما يسمى اليوم (المحكمة الشرعية) وهذا على حسب خريطة ص 263 من تاريخه. ووضع شرق القصر الحسني رمز جامع الخلفاء أي جامع سوق الغزل اليوم ووضع تحت القصر الحسني (قصر التاج) قرب جسر مود اليوم من الشمال وجامع الخلفاء لم يسم عندنا بجامع القصر إلا إضافة إلى أحد هذين القصرين فباني التاج وباني جامع الخلفاء هو المكتفي العباسي كما ذكر أبن الطقطقي في الفخري، ولكون القصر الحسني أندمج في دار الخلافة ولكون دار الخلافة تحت الجسر العباسي القريب من شمالي المستنصرية ولأن باب الغربة جنوب طريق الجسر المذكور كما ذكر العلامة لسترنج في الخريطة المذكورة ولكون المدرسة المستنصرية فيما يلي شمالي دار الخلافة كما نقل البحاثة يعقوب نعوم سركيس عن تاج أبي الفداء (170: 3) في لغة العرب (453: 5) يظهر لنا:
1 - أن دار الخلافة لا تتجاوز شارع الجسر القديم اليوم.(8/345)
2 - وأن قصر المأمون الشرقي جنوب المستنصرية لا شمالها وبين القلعة اليوم والمستنصرية قراب ميل واحد.
3 - وأن باب الغربة ليس بشريعة المصبغة نفسها اليوم بل بشرقها قليلاً خلافاً لما حققه الأستاذ يعقوب نعوم سركيس.
4 - وأن قول العامة وأمثالهم بأن قصر القلعة اليوم هو قصر المأمون الذي لم يبق في الدنيا إلا أسمه ضرب من الجهل أو الظن أو التغليب كما غلبوا لفظ (العادي) على كل شيء قديم.
قصر القلعة: قصر الناصر لدين الله
وبعد علمك بإتقان بناية هذا القصر وصفة أجره وقدمه كما قدمنا في صدر مقالنا وأن عصر الناصر لدين الله أطول عصور الخلفاء العباسيين وأنه من اكثر متأخريهم عمارة وسعادة وسياسة وأن أعلى بغداد في زمنه لا يتجاوز السور الشمالي وأن السور المذكور لا يتجاوز
سور القلعة الشمالي اليوم لوجود إطلالة ننقل لك ما قاله ابن جبير في قصر الناصر لدين الله الشمالي ونقلناه في لغة العرب (6: 488) ونصه - والضمير عائد إلى الناصر لدين الله -:
(وقد انحدر عنها صاعداً في الزورق إلى قصره بأعلى الجانب الشرقي على الشط) فقصر القلعة اليوم بأعلى الجانب الشرقي أيضاً وعلى دجلة فهو قصر الناصر لدين الله اعتماداً على الأدلة المذكورة، وأن أقوى شاهد على أن شمالي القلعة اليوم كان شمالي بغداد إذ ذاك هو أن الناصر لدين الله خرب سنة 587هـ (1191م) محلة (المخرم) التي كانت بين الرصافة ونهر المعلي فكان شمال القلعة خراباً في ذلك الزمان على ما ذكره المؤرخون فهل من مفند لقول من أقوالنا حباً للتاريخ؟.
مصطفى أجواد
(لغة العرب) من يطالع هذه المقالة يجد أن هذه الأدلة العقلية والنقلية (التاريخية) يصعب نقضها إلا أنه إذا ثبت لمحقق آخر أن البناء الذي شاده الناصر خربه من جاء بعده وأقام على موطنه عمارة أخرى فالحق يكون بجانبه وتضعف هذه البراهين.
فهل بين القراء العراقيين من يرشدنا إلى ذلك وله منا الشكر سلفاً.(8/346)
صفحة من تاريخ أسر بغداد
بيت عراقي قديم
حسين أفندي أبن نظمي البغدادي
4 - قد تصفحنا مؤلفات عديدة فلم نعثر على تاريخ ولادته. ولكن على كل حال ولد بعد سنة 1053هـ (1643م) أي بعد عودة والده إلى بغداد. والظاهر أنه الأخر الأكبر لمرتضى أفندي المؤرخ الشهير. توفي في غرة المحرم الحرام سنة 1130 من الهجرة (5 ك 1 سنة 1717).
قال سالم أفندي قاضي العسكر في زمن الحكومة التركية (المتوفي سنة 1156) المعاصر له ولأخيه مرتضى أفندي في تذكرته المعروفة بتذكرة سالم التي أتم تأليفها سنة 1134 في الصفحة 620 من النسخة المطبوعة سنة 1315 في الآستانة ما نصه:
(أنهما - أي حسين أفندي ومرتضى أفندي - من أدباء بغداد ومن خيرة شعرائها. أشتهر بنظمي زاده (آل نظمي) وهما من أفاضل الكتاب. اتخذا اسمهما لقباً لهما. وفي حياتهما نالا الشهرة وذاع صيتهما إلى أن قال: أن هذين الأخوين من بيت عريق في العلم وهما من نوادر الدهر وأفذاذه في العرفان) انتهى.
وقد اشتهرت مؤلفاتها في زمنه ووصلت إليه أيام كان معاصراً لهما وهي (شرح وصاف) للمترجم حسين أفندي و (كلشن خلفا) لأخيه مرتضى أفندي وقليل من المؤلفين في ذلك العصر من تنتشر مؤلفاته في حياته وتذيع في الأقطار النائية. فالمومأ إليهما نالا الشهرة الكافية في حياتهما وقد وصف هذا المعاصر في تذكرته مؤلفاتهما المذكورة خير وصف ولم يرجح واحداً منهما على الآخر في الفضل والمنزلة الأدبية والعلمية وحسن السمعة وعراقة النسب في العرفان. ولكن الأيام لم تبقى لنا نماذج من شعر المترجم حسين أفندي المذكور(8/347)
لتوضيح مكانته الأدبية إيضاحاً بيناً ومع ذلك فأن مؤلفه كاف للتدليل على مقدرته وإطلاعه الواسع على اللغات الغريبة من مغولية وفارسية وخوارزمية فضلاً عن تضلعه من العربية
والتركية.
كنت أستغرب أن يلم مثل صالح أفندي السعدي الموصلي بلغات كثيرة كما هو مبين في ترجمته المدونة في كتاب الأدباء في زمن داود باشا وفي تاريخ الموصل للقس سليمان الصائغ في حين أننا نشاهد من حسين أفندي الإطلاع الواسع على اللغات الأخرى.
ومن مؤلفات حسين أفندي (شرح وصاف). وتوجد منه نسخة في الموصل (صفحة 73 من مخطوطات الموصل للدكتور الفاضل داود بك الجلبي) ونسخ أخرى في الآستانة وفي خزانة فينة (النمسة) ولما كان قد وصف الكتاب في خزانة فينة وفي تذكرة سالم فأني اكتفي بمجمل ما ورد فيها عنه بعد أن أعرف القارئ (بتاريخ وصاف) وهو أصل هذا الكتاب.
تاريخ وصاف
ويسمى (تجزية الأمصار وتزجية الإعصار) للخواجة عبد الله الشهير بوصاف الحضرة. فرغ من تأليفه في شعبان سنة 711هـ (ك 1 سنة 1311) وهو تاريخ فارسي نظير العتبي في لعربي سلك فيه مؤلفه مسلك أبيه في تاريخه المعجم (طبع تاريخ المعجم في إيران عدة طبعات وهو متداول مشهور) ذكر وصاف في تاريخه هذا جنكر خان وأولاده إلى غازان خان. وقد اعتمد المؤرخون عليه وجعلوه في مقدمة مأخذ تواريخهم. ولم يقصد فيه بيان التاريخ بل أراد إظهار مهارته في الإنشاء وإيراد لطائف النظم والنثر كما جاء في كشف الظنون أيضاً. وفي خزانة فينة نسخ متعددة منه. وفي الموصل بعض الأجزاء الخطية وفي خزائن الآستانة نسخ كثيرة منه وقد رأيت الجزء الثالث والرابع منه في مجلد واحد خطي كما أني شاهدت الجزء الأول مطبوعاً في إيران طبعة حجرية في سنة 1272هـ وأوله: حمد وستايشي كمه أنوار أخلاصش الخ وعلى هذه الطبعة تعليقات كثيرة. ولم تصل ألينا الطبعة الحجرية التي ظهرت في ديار الهند بمدينة بمبنى سنة 1852م.(8/348)
وأما شرحه فهو كما يلي:
شرح وصاف
قال عنه في تذكرة سالم: أنه (أي حسن أفندي) قد شرح فيه اللغات المشكلة (الغريبة أو الصعبة) وفسرها باللغة التركية من تاريخ وصاف الحضرة. وعلم على اللغات التركية
بمداد أحمر فجمع العربية والفارسية بتأليف لطيف إلا أنه كتب أكثر اللغات التركية بلسان الأتراك القديم فلا تأتلف مع التعابير المرعية اليوم (يشير إلى زمنه) فإذا أردنا أن نتحرى لغة وجدنا صعوبات ولذا تصديت لجمعها وتحويلها إلى لغتنا المعتادة الدارجة وحررتها بهذا الوجه. . . انتهى ما قاله سالم أفندي. وفيه إشارة أنه أصلح هذا الشرح الذي عدة ثميناً وقيماً في نظرة فأراد أن يقدره حق قدره وأن لا يهمل شأنه.
أما خزانة فينة فأنها قالت عنه ما ملخصه: أوله: (الحمد له الذي رفع سبع طباق الخضراء بغير عمد ترونها الخ. وجاء في مقدمته أنه يبين العبارات المغلقة والفقرات المعضلة واللغات الغريبة المشكلة من عربية وفارسية وجغتائية ومغولية وخوارزمية ومصطلحات علوم. . . الخ ويستمر في وصف هذا المعجم ويوضح أهميته للقارئ بحيث يبدي أنه لا يستغني عنه من يقرأ الأصل بحيث أن يقال أن الشرح هو الأصل وأن التاريخ (تاريخ وصاف) في الدرجة التالية.
وقد أطنبت الخزانة في وصف أجزائه وبينت أن عبد الله أفندي القاضي ببغداد آنئذ قد أكمله قائلاً: أن شرح نظمي زاده وجدت فيه نقصاً فأكملته بعدة أوراق من محافظ بغداد حسن باشا (المتوفي سنة 1136) لأن مؤلفة توفي قبل أن يوفق لإكماله فاعتمد على مسوداته ورتبها.
وقد وصف صاحب الخزانة النسخ الموجودة أحسن وصف مما لا نرى الإطناب فيها ضرورياً بعد أن تعينت مواطن النسخ منها نسخة في الموصل.
ولعل اهتمام المؤلف حسين أفندي البغدادي بهذا الشرح كان بسبب علاقته بتاريخ العراق وتسهيلاً لمطالعيه ولذا نرى مرتضى أفندي يعتمد على الأصل(8/349)
ويجعله من جملة مصادره في تاريخ العراق. وقد اهتم العلماء بهذا المؤلف وممن أكمله الحاج محمد أفندي من صوفية وله نسخة موجودة في خزانة فينة أكملت في رمضان سنة 1126هـ (1714م) أي في حياة المؤلف أيضاً.
هذا ولا أطيل القول أكثر من هذا للتنبيه على مقدرة المترجم سوى أنني أقول أن لنا اليوم حاجة إلى أمثال هذه المؤلفات لمقابلة الألسنة وللتوسع في مباحث اللغات الشرقية خصوصاً لغات الأقوام التي تجاورنا وأن لا نهمل ما قام به أسلافنا من التحقيقات أمثال هذه ولنطلع
على أصول لغتنا الدراجة والكلمات الأجنبية المستعملة فيها مما نسي أصله ولنقف على معنى الألفاظ التي لا نعرف مدلولها إلا بواسطة المقابلة ألفاظ اللغة الفصحى بما هو معروف منها في التراجم اللغوية القديمة التي تعارض اللغة الواحدة باللغة الأخرى وهذا النقص عندنا ناشئ من قلة المصادر وعدم وجود ما هو واف بالغرض مما عانى أسلافنا في أمر التوغل فيه وأشبعوه تمحيصاً كافياً. والبحث عن هذا يطول. والآن اكتفي بهذا القدر عن حسين أفندي اللغوي الجليل وأمضي إلى بيان أحوال مرتضى أفندي. . . واختم مقالي هذا بتصريحي أنه لم أعرف لحسين أفندي هذا ذرية ولم أجد لها ذكراً في أي كتاب وقع تحت يدي. فهل هناك من يخالف رأينا ويدعمنا بالأسانيد التاريخية؟ فأننا نشكر له يده سلفاً.
المحامي عباس العزاوي
(لغة العرب) بحثنا نحن أيضاً في المدونات التاريخية التي في أيدينا لنرى ما يمكن أن نريده على ما كتبه حضرة الأستاذ عباس أفندي العزاوي فلم نعثر على ما يزيد هذه الترجمة وهذه التحقيقات شيئاً يذكر. فدل عمل الأستاذ على بحث دقيق وإمعان فيه قد راجعنا كتاب (أخبار السلطنة العثمانية) الذي صنفه ج دي همر فلم نجد فيه ضالتنا ولم يبق لنا إلا طلبنا هذا الأمر من حضرة صديقنا يعقوب أفندي نعوم سركيس فأنه جهينة الأخبار وعنده الخبر اليقين فلعله يلبي طلبنا.(8/350)
مجلة المجمع العلمي العربي وأوهامها
1 - المقدمة
كل من وقف على جزء من أجزاء هذه المجلة (مجلة المجمع العلمي العربي) عرف ما لها من صدق الجد وخدمة اللغة العربية خدمة لا يمكن أن ينكرها أن ينكرها إلا من أعمته الغايات وحطته إلى اسفل الدركات وفي كل جزء يصدر منها جواهر نفسية ينظمها في عقدها المتزايد قيمة جماعة من أفاضل الشرف والغرب والجميع يتنافسون في قتو هذه الملكة - ملكة اللغات طرا - فينقلب القارئ بعد وقوفه على ما فيها من بديع المقالات حافل الوطاب مفتخراً بما في اللغة الضادية من دفائن الكنوز التي لا يقف الطرف على طرفها وأن صرف عمره بل أعماراً في هذا السبيل.
ومما نستحسنه في القائمين بشؤون تحبيرها وتحويرها أنهم لا يستنكفون من نشر ما يخالف آراءهم الخاصة، ولا سيما ما يخالف رئيسيها الجليلين: (محمد كرد علي والمغربي) وهذا أدل دليل على أنهما ومن معهما يتوخون الحقيقة والصدق في كل ما يقولون أو يقولون به ولهذا لا ينكرون الحقيقة على من يجاريهم في هذا الصراط إذا كان من يخالفهم في آرائهم يخلصون النية وخدمة اللغة ونشد الضالة المطلوبة.
وقد بدأت المجلة المذكورة سنتها العاشرة بطبع الجزء الثامن من كتاب نشوار المحاضرة تلك الدرة البديعة التي أتحفنا بها القاضي التنوخي. وقد ظفر به الأستاذ الإنكليزي الشهير د. س. مرجليوث كما ظفر بالجزء الأول ونشره في مصر في سنة 1921 ومجلة المجمع لم تفعل هذا الأمر إلا إجابة لطلب الأستاذ مرجليوث الذي طلب إلى أعضاء المجمع أن ينشروا هذا الجزء الذي وجده مخروماً في متحفة لندن وأن يكون النشر تباعاً في مجلتهم ثم يفرد على حدة بعد أن يعلق عليه بعض التصحيحات منها للأستاذ مرجليوث ومنها للمجمع نفسه فاستحسنا هذا(8/351)
العمل ولا جرم أن جميع أبناء العرب ومحبيهم يرحبون بهذا الأثر وبناشريه لما ينجم منه من الفوائد الجليلة.
وفي الجزء المزدوج من هذه السنة وهو الجزء الأول والثاني مقالات أخرى فاخرة نمقها جماعة من علماء الشرق والغرب ومن جملتها مقالة الأستاذ كركو نلينو العلامة الإيطالي
عنوانها (تصحيفات غريبة في معجمات اللغة العربية) فحمدنا الله على ما جاء وما يجئ من القلائد الحسان في هذه المجلة الجليلة الثمينة.
وفي أثناء مطالعتنا لصفحات نشوار المحاضرة ومقالة الأستاذ نلينو وقع في خلدنا خواطر شتى فأحببنا أن نضبطها بتدويننا إياها في هذه السطور لعل ما ينقدح منها من الشرر الضعيف يكون سببا لنار شديدة تنبعث منه أضواء رائعة فيستفيد منها من به حاجة إليها. وعلى كل حال ليس في تقييدها أدنى ضرر ولهذا نعرضها هنا للقارئ:
2 - نقد كتاب نشوار المحاضرة
لما كنا نود أن كل ما يبرز باسم المجمع العلمي - الذي نتشرف بانتسابنا إليه يكون مطبوعاً بطابع العلم والتحقيق وأن يصدر قليل المعايب ألم يصدر منزهاً عنها نذكر هنا ما نظنه خطأ ولعله غير صواب في نظر من هو أعرف منا بدقائق اللغة وأسرارها.
جاء في الصفحة الأولى من هذه السنة من المجلة (1: 10) ذكر القاضي. . . التنوخي المتوفي سنة 384 وجاءت الباء منقوطة بثنتين ونحن أن هذا التنقيط صادر من المنضد لأن الصحيح المتوفي بألف مقصورة في الأخر.
وورد في حاشية 7 تعليقاً على كلمة (المغزى) المكتوبة بصورة (المغزا) قول المجلة: (كذا في الأصل) - قلنا: ولو يزاد على ذلك أن الأبياري قال في كتابه (سعود المطالع، لسعود المطالع) جماعة من النحويين مشوا على كتابة اليائي كله بالألف حملاً للخط على اللفظ) - لكان حسناً. ولا جرم أن الذين يرسمون اليائي بالألف يجارون الأرميين الذين يلفظون ويرسمون بالألف القائمة ما كان مقصوراً وغير مقصور لخلو لغتهم من اصطلاح في الكتابة مثل اصطلاح لغويينا أو كتابنا أو علمائنا ولا سيما أنهم يلفظون ما كان منتهياً عندنا بالألف(8/352)
القائمة كلفظهم ما كان مختوماً بالألف الجالسة بلا أدنى فرق بخلاف علمائنا فانهم ينطقون بالإمالة ما كان مرسوماً آخره بالياء وبالفتح المشبع ما كان مرسوماً بألف قائمة.
وفي ص 10 س 13 (وليس هو بعد وزير) ونظن أن المعنى يتطلب أن يكون: (وليس هو بعد وزيراً).
وفي ص 11 س 4 (ولا يقدر له على نكبة) ونظن أن الصواب هو: (ولا يقدر له على نكبة) بهاء الضمير في الأخر. وأن كان للأول وجه في المعنى.
وفي ص 12 س 14: (فأن أفصى هذا الأمر إلي) ولعل الصواب (فأن أفضى بالضاد المنقوطة.
وجاء في ص 13 س 10: (فلما استكثر المعتضد من عمارة القصر المعروف بالحسيني) والمذكور في التاريخ هو (الحسني) نسبة إلى الحسن بن سهل وهو الذي جاور التاج وكان به منازل الخلفاء في بغداد (راجع التاج في معجم البلدان لياقوت وراجع هذا الجزء من مجلتنا ص 343).
وجاء في ص 13 س 5: والله (لا قسمت الارتفاع) وفرق بين (لا) و (أقسمت) والظاهر أنها لا قسمت كالكلمة الواحدة أي أن الكلمة مركبة من اللام، لام جواب القسم ومن أقسمت.
وعلقت المجلة على كلمة إيوان زمام الخراج قولها: هكذا جاءت في الأصل اه. ولم نفهم سبب هذا التعليق في حين أن ديوان زمام الخراج هو الديوان الذي يضبط فيه ما يجمع من الخراج. راجع معجم دوزي في مادة زمام.
وورد في ص 77 س 6: (وكان يتقلد الذاب) والصواب الزاب بالزي وهو أشهر من أن يذكر ومثل هذا الغلط يرى في ص 79 س 2 حين يقول الكاتب: لا تهلكي جذعاً فأني واثق برماحنا. . . والمعروف الصحيح: (لا تهلكي جزعا).
وفي ص 82 س 6: ما رأيت الفعلة شبيها إلا ما عمله أبي الفرات) فلعلها (أبن الفرات) على ما هو مشهور.
وعلق على العلم (يوسف بن فنحاس) قول المجلة: (في تاريخ الوزراء(8/353)
فيجاس) ولم يصحح إحدى الروايتين والصواب هو أنه فنحاس بالحاء المهملة لا فنحاس بالجيم. وفنحاس من أعلام اليهود المعروفة في جميع ديارهم.
وجاء في حاشية ص 83 تعليقه على ما ورد في النص وهو قوله (فأن أبن الفرات فاز بجمعها) ما حرفه (لعله بجميعها) ونحن لا نرى فرقاً بين اللفظتين بين الجمع والجميع إذ الواحدة تعني الأخرى.
وفي ص 84 س 10 كلمة (أزيل) مضبوطة بالهمزة المفتوحة للمتكلم المفرد من فعل أزال والأفصح أنها بضم الهمزة.
وعلق على كلمة تنائها من هذه العبارة (ص 87 س 6): (صرفت ما كنت جمعته من
ضياع وبستاين بالبردان وصاهرت بعض تنائها) ما هذا حرفة (كسكان جمع تانئ وهو المقيم ببلدة. راجع ص 28 من المجلد المجمع العلمي). قلنا: والذي عندنا أن التناء هنا جمع تان من إتاوة أو التناية وهي الفلاحة والزراعة كما قاله ابن الأثير في مادة ت ن و: فيكون المعنى: وصاهرت بعض فلاحيها أو زراعيها والكلمة في الأصل مشتقة عندنا من التناية اليائية لا من لا من التناوة الواوية. والتناية تعني بالأرمية الفلاحة والكراب (بكسر الكاف وهو قلب الأرض وحرثها وشقها).
وفي تلك الصفحة س 9: وليس معه من أصحاب كثير أحد. وعلق بكثير في الحاشية: (م. ع (أي مجلة المجمع العلمي العربي) كذا في الأصل: ولعل صوابه الكثيرين أحداً. اه ونحن نقول. لعل الأصل هو: وليس معه من أصحابه كبير أحد.
وفي ص 89 علقت المجلة على القارية التي شرحت في المتن بقول المؤلف: (والقارية ساجة عظيمة تستعمل صحيحة) بقولها (لم نعثر على القارية بهذا المعنى) اه. قلنا: القارية بتخفيف الياء تعريب اليونانية أي السارية أو الصاري.
وضبطت أرمينية في ص 91 س 5 بفتح الهمزة والذي أثبته علماء البلدان وفقهاء اللغة بكسرها.
وقال مصطفى جواد ورد في ص 1 س 10 من مجلة المجمع قولهم عن(8/354)
مؤلف النشوار.
1 - فهو لم يسرد وقائع التاريخ وأخبار رجاله كما سرده غيره. ولم نعرف صاحبا للضمير المتصل ب (سرد) (وقائع) والمعطوف عليه (أخبار) فالصواب (سردها) أو (سردهما).
2 - وقالوا في ص 3 س 11 (ولكنها كانت أحياناً تصطدم بجمل وتعابير) فوقع في هذا التعبير غلط بين لأن (اصطدام) فعل مشترك كتصادم لا يصدر إلا من أثنين أو أكثر منهما لفظاً أو معنى بشرط التضاد فلذلك تقول العرب والفصحاء من غيرها (اصطدام هذا وذاك) و (هذان قد اصطدما) و (اصطدمت أنا وجمل وتعابير) وفي أساس البلاغة (وتصادم الفحلان والجيشان واصطدما) وفي ص 439 من تاريخ أبن خلكان قول راجع بن اسمعيل الحلي الأسدي:
ولا اصطدمت عند الحتوف كماته ... ولا ازدحمت بين الصفوف جنائبه
فالصواب (تصطدم هي وجمل وتعابير).
3 - وورد في ص 7 س4 قول مؤلف النشوار (فتلقطت هذا الفن وأثبته وخلطت به ما حدث وتحدث من مليح شعر لمن ضمنا وإياه دهر) وعلق الأستاذ مرجليوث ب (تحدث) قوله (لعل صوابه: ويحدث) قلنا (أنه قال: وأثبته وخلطت به ما حدث) فكيف يثبت (ما يحدث) في المستقبل؟ وقد تقدم خلطه بين الكل؟ فالأصل الذي نراه (ما حدث وتحدث به من مليح شعر) ولو كان تعليق الأستاذ مرجليوث محتملا للزم ذكر اسم وصول ثان ليحصل التباين بين (ما حدث) و (ما يحدث) فحذفه يوجب أن يكون الماضي والمستقبل سواء وهو محال قال تعالى في سورة البقرة (والذين يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك) بتكرير (ما) الموصولة لتباين المنزلين في الكيفية والوقت.
4 - وفي ص 8 س 6 و 7 جاءته رسالة الراضي يستدعيه ليقرر معه أمر الوزارة ويوليه إياها فقال: (الآن!!) بمدة فوق الهمزة الأولى وبعلامة التعجب مكررة وذلك خطأ لأن همزة أل في (الآن) همزة وصل فتسقط إذا سبقتها كلمة وتبقى همزة الاستفهام وحدها وهذا الاستفهام استنكاري فلا موجب لعلامة التعجب فضلاً عن تكريرها.(8/355)
5 - وفي ص 9 س 8 وما يليه (كان سبب رفعة عبيد الله بن يحيى طلب المتوكل لحدث من أولاد الكتاب. . . فأسمى له جماعة فاختار) وقد تركوا (أسمى) مبنياً للمعلوم خلاف قاعدتهم مع أن المسمي غير مذكور فالصواب عندهم (أسمي) بياء مثناة منقوطة من تحت وكانوا جدراء بان يلحظوا ورودها في ص 91 هكذا (فأمر أن يطلب له حدث من أولاد الكتاب ينصبه لذلك فسمي له جماعة) ببناء (سمي) للمجهول.
6 - وفي 11 س 8 (وقوي أمر عبيد الله حتى حذف بنفسه من غير أمر اسم وصيف من التاريخ) وطبع هذه الجملة مضطرب وتصعب قراءتها بفهم فالمسهل لفهمها الفصل كما يأتي (حتى حذف بنفسه من غير أمر (اسم وصيف) من التاريخ).
7 - وفيها س 12 (وبطأ حوائجه) وقد علق عليه علماء المجمع ما عبارته (المعروف: أن أبطأ وبطأ يتعديان بحرف الجر وفي مستدر كاتنا أن (بطأ) ورد متعدياً بنفسه فسألنا عن ذلك الأب انستاس ماري الكرملي فإذا تعديه بنفسه من مستدركات التاج على القاموس.
8 - ورد فيها س 13 (فقتله على يد إسحاق بن إبراهيم الظاهري ببغداد) بالظاء المشالة المعجمة من الظاهري، والمشهور في ذلك العصر (الطاهري) بالطاء المهملة نسبة إلى
(الحريم الطاهري) وهي محلة ببغداد.
9 - وورد في ص 15 س 7 (مدة تقلد عبد الرحمن. . . ثم مدة أيام أبي العباس. . . لديوان الخراج) وعلق به مرجليوث الأستاذ (الصواب: تقلد) قلنا إذا صار الكلام (بديوان الخراج) كان ذلك أولى من إضافة (تقلد).
10 - وفي ص 77 س 8 (وأخذ خطة يصححها فصحح خمسمائة وأربعين) وعلق به الأستاذ المذكور (ولعله بتصحيحها) قلنا: أن كان ذلك موافقاً فيفسد قول (فصحح خمسمائة وأربعين) بعد أخذ خطة بتصحيحها فالموافق لمقتضى الحال (وأخذ خطة لتصحيحها) بوضع اللام بدلاً من الباء لأنه لا يفيد حصول تصحيحها كما تفيد الباء التي للمصاحبة.(8/356)
11 - وورد في ص 82 س 10 (بيت المال العامة والخاصة) وعلق عليه علماء المجمع ما نصه (كذا في الأصل، وذكر بعضهم أن المال يؤنث ولكن في تاريخ الوزراء: بيت مال الخاصة والعامة) قلنا فانظروا إلى ص 83 ففيها (بيت مال العامة) فلا شك في أن الصواب ما ورد في تاريخ الوزراء وأن (ال) في المال من زيادة السهو.
12 - وورد في ص 83 س 3 (وكان مبلغه فيما ظنه الكتاب وكانوا يتعاودونه نحو ألف دينار) فعلق المجمعيون ما نصه (كذا في الأصل ولعله: يتعاورونه أي يتداولونه بالعد أو التخمين) قلنا ليس ذلك بشيء وغنما هو متكلف ظاهر لأن قوله (ظنه الكتاب) ينفي عدة ولان التعاور لا يكون بالعد ولا بالتخمين فمعنى (تعاوروا المال أخذه بعضهم بعد بعض أو بعضهم مرة وبعض أخرى) وعلى ذلك قول أعشى بكر:
دمنة قفرة تعاورها الصي ... ف بريحين من صبا وشمال
وقول عنترة العبسي:
إذ لا أزال على رحالة سابح ... نهد تعاوره الكماة مكلم
فالأصل المذكور (يتعاودونه) هو الصواب ومعناه (تشاركوا في معاودته لتفقده).
13 - وفيها س 9 (فأمر بحبسها وتهديهما ففعلت ذلك، فأحضراني حسابا مبتورا) والصواب (فأحضرا لي حساباً مبتورا) لأنهما استجلبا له الحساب.
14 - وفي ص 87 س 6 قد صرفت ما كنت جمعته من ضياع وبساتين بالبردان) وقد علق به مرجليوث (الصواب: في) وقد أراد في (ضياع وبساتين) وليس في هذا الإصلاح
صلاح والصواب الأصل سواء أكانت (من) بيانية أم سببية.
15 - وورد فيها س 9 (وليس معه من أصحابه كثير أحد، فاجتاز في الطريق) فعلق به المجمعيون ما عبارته (كذا في الأصل ولعل صوابه: الكثيرين أحد) قلنا لا وجوب في جمع الكثير عند ترجيح الصحيح فأنه يستعمل للمفرد والجمع على غرار قوله تعالى (ود كثير من أهل الكتاب لو يردونكم) وقوله تعالى (وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا).(8/357)
16 - وورد فيها س 14 (قلت لم لا أخلف على هذا القائد وأضيفه عندي على هذا الطعام المعد) فانشب فيه ابروه من المجمع ما نصه (أخلف عليه: عوضه. ولعله: أحلف بمعنى أقسم، وهو الأظهر) قلنا: دعواهم أن هذا هو الأظهر تسند الحماقة إلى المضيف لأن مبادرته المار عليه بالقسم ليست من كرم الأخلاق ولا من العادات المألوفة وفي مختار الصحاح (وأخلف فلان لنفسه من: إذا كان قد ذهب له شيء فجعل مكانه آخر) فذاك من هذا النوع والتقدير (أخلف لنفسي على هذا القائد) لأن ضيفه المنتظر لم يحضر.
17 - وفي ص 88 س 1 (فنحن نشرب أس الجيش في طلبه وعرفوا خبرة وأحاطوا بالدار) وعلق به مرجليوث (لعله إذ أتى) وهو مقبول صحيح ولكن الحق به المجمعيون ما نصه (الظاهر: أنه أنبث الجيش أي تفرق) قلنا ليس هذا بظاهر لأن إنبثاث الجيش يجوز لو لم يعرفوا خبره أحاطوا بالمنزل فالصواب أذن (إذ أتى الجيش في طلبه وعرفوا خبره وأحاطوا بالدار) ولأن جهلهم خبره وموضعه يسبب إنبثاثهم.
18 - وفي ص 89 س 3 (فوعدته بها وأدفعه أياماً ثم حملتها إليه) فعلق به علماء المجمع ما نصه (الظاهر: ودافعته) وما زال إصلاحهم مباءة للغرائب مدعاة للاستغراب، قال تعالى (ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملأ من قومه سخروا منه) باتخاذ المصارع بدلاً من الماضي لأنه يفيد الاستمرار بالماضي إذا أقحم مع الأفعال الماضية وهذا أسلوب العرب فيجب أن يعرف ذلك من يتصدى لمثل هذه الأمور. انتهى كلام مصطفى جواد.
وما عدا ما ذكر ناه هنا فالحواشي والتصحيحات من أنفس ما جاء في إعادة نص المؤلف إلى نصابه ولو بعث اليوم لشكر لناشري تصنيفه ومصححيه فضلهم أصدق الشكر. فأثابهم الله على هذه الخدمة العظيمة.
3 - الفقنس والققنس والقوق
وقرأنا في الجزء الثاني مقالة نفيسة للأستاذ الإيطالي كرلو نلينو (10 من 65 إلى 76) مقالة وسمها (تصحيفات غريبة في معجمات اللغة) حقق فيها هذا العلامة الجهبذ أصل هذه الألفاظ المذكورة وهي الفقنس والقوقيس والقوق(8/358)
والمقوقس، وكنا قد سبقنا حضرته فكتبنا في المشرق سنة 1899 في 2: 926 و 927 نبذة في تصحيفات كلمة فنقس وأثبتنا أنها وردت في أسفار مختلفة بصور شتى منها، فنقس وفقنس وقوقيس وققنوس وقوقش. ومن بعد أن نشرنا مقالتنا المذكورة عثرنا في كتاب البلدان لأبن الفقيه (وقد ألف في سنة 289هـ 902م) على البنجس قال (ص 207) (وزعم طمياث (لعله طمستيوس) الحكيم في كتاب له في الحيوان أن في المشرق طيراً يقال له (بنجس) في مدينة يقال لها مدينة الشمس ليس له أنثى ولا شكل في فعله وأهل المدينة يعبدون الشمس وتسمى المدينة أغفطوس، قال: فيطير هذا الطائر فيجمع بمنقاره عيدان الدار صيني ثم يضطرب عليها بجناحيه حتى يشعل نارا من تلك العيدان فتأكله حتى يصير رماداً ثم ينشأ من ذلك الرماد دودة فلا تزال تنمي وتزيد حتى تكون طيراً كما كان وذلك في خمسمائة عام) اه. فهذا كلام واضح على أن البنجس هو الفنقس أو الفقنس أو القفنس
4 - الققنس والقوق
ونحن نوافق الأستاذ نلينو على أن الققنس (كهدهد) أو الققنوس أو القوقفوس أو القوقيس (بقافين في الأول) هو لكننا لا نوافقه على أن القوق هو الققنس (بقافين كهدهد) ولا أنه الفنقس (بفاء ونون وقاف) بل هو طائر ثالث. وقد جاء ذكره في التوراة العربية التي نقلها سعيد بن يعقوب الفيمومي المشهور عند الغربيين باسم سعديا (راجع هذا الجزء من المجلة ص 326). وقد سبقه إلى ذكره أيضاً التلمود المؤلف في المائة الثانية للمسيح أي قبل الهجرة بأربعمائة سنة إذ جاء فيه اسم هذا الطائر (قوق) مبني ومعنى وذلك في عدة مواطن. فالكلمة إذن ليست يونانية الأصل وأن ورد ما يشبهها في الإلياذة المؤلفة في نحو السنة الألف قبل الميلاد لأن المذكور في الإلياذة هو الققنس (كهدهد وبقافين) لا القوق الذي هو وليس القوق عبرياً لأن اسمه في هذه اللغة (قأت) (مهموزة الوسط وكسبب).
ولعلك تقول أنها أرمية. قلنا: قد يكون ذلك محتملاً لكننا لا نقول به بل نذهب إلى اللفظة عربية النجار لأن في أصول مادتها ما يؤيد معناها ويوجه(8/359)
سبب اشتقاق اسم منها أحسن توجيه لطلاقها على الطائر فمادة قوق (وفيه روايات (قاق وقيق) تدل على البياض مثل (يقق) وفيه قلب الأحرف. ومنه قولهم أبيض يقق والقوق طائر يغلب عليه البياض لأنه المسمى بلسان العلم ومن مادة ق وق: القوقة وهي الصلعة لظهور جلدة الرأس بيضاء إذا ذهب عنها الشعر - والقيقية وهي القشرة الرقيقة من تحت القيض من البيض ولا تكون إلا بيضاء وجاءت في بعض نسخ القاموس القيقة وهي خطأ ومنها أيضاً: القئقئ كزبرج وهو بياض البيض. ومنها أيضاً القيقاة والقيقاءة والقيقاية لوعاء الطلع لاشتماله على النضيد أو الكفري الذي هو أبيض اللون. ومنها القويقية وهي البيضة.
وقد ترقق القاف فيقال. الكيكة وهي البيضة وقد تبدل إحدى القافين فيقال القيض الذي هو قشر البيض من باب إبدال القاف الأخيرة من الضاد ولو تتبعنا هذه المادة إبدالا ونقلاً وقلبنا لطال البحث طولاً يمله القارئ فنكتفي بالإشارة إليه.
ومما ننكره على حضرة الأستاذ (أن الفقنس والققنس والقوقنش والقوقيس وما أشبه ذلك. . . غير معروف بالبلاد الشرقية) (ص 72) قلنا: أن الققنس - ومن أسمائه في العربية التم (عن الدميري) والأوز العراقي) - طائر معروف في بلادنا العراقية ومنه اسمه عند أهل الشام الوز العراقي، وهو يطير في أيام الربيع والخريف رفوفاً ويحلق في الجو ويجلب فيه جلبة يسمعها القاصي والداني وطيرانه لا يكون إلا بعد غروب الشمس بنحو من ساعة أو ساعة ونصف وهو أشهر من أن يذكر لكنه لا ينزل في جوار المدن بل يقيم في البطائح الكثيرة في جنوبي العراق ويذهب أيضاً إلى ديار إيران. وأسمه بالفارسية قو أو غو وبالتركية قوغو وهو ليس بالمسمى (كي) فهذا هو الحوصل أي ضرب من القوق.
5 - المقوقس
وذهب حضرة الأستاذ نلينو أن المقوقس تصحيف القوقنس وهذه عبارته (ص 76): (أما الكلمة الأخرى التي أظنها أيضاً تحريفاً (للققنس) أدخل غلطاً في بعض معاجم اللغة فالمقوقس حيث يزعم أنه اسم طائر ولا ذكر لهذا المعنى في الصحاح ولا في لسان العرب ولكن أتى به صاحب القاموس وشارحه) اه.(8/360)
قلنا: عدم ذكر الصحاح ولسان العرب لفظة لا يدل أنها لم ترد في كلام الأقدمين. فكم من لفظة ترى في شعر الجاهلية ولا ذكر لها في معاجم اللغة كبيرها وصغيرها. وما ذلك إلا دليلاً على أن دواوين اللغة على سعتها لا تحوي جميع ما نطق به الأقدمون فقد يذكر بعضهم ألفاظاً نسيها الفريق الآخر وهذا أمر يبقى على هذا النقص إلى انقضاء الدهر من غير أن يحصر حصراً تاماً.
وتعريف المقوقس لا يوافق تعريف القوقنس أو الققنس، فالمقوقس على ما جاء في تاج العروس: (طائر مطو طوقاً سوادة في بياض كالحمام) عن أبي عمرو) اه. وأما الققنس فقد عرفه حضرته بقوله هو من جنس الأوز إلا أنه اشد منه بياضاً جميل الصورة ذو عنق طويل جداً ظريف للغاية كان يضرب به المثل في صفاء البياض عند اليونان والرومان ولم يزل يضرب عند الإفرنج (كذا. لعلها يضرب به عند الإفرنج) اه. فأين هذه التحلية من تلك التحلية؟ فالققنس بحجم الأوز أو أكبر والمقوقس بحجم الحمام ومطوق. فأين هذا من ذاك؟. والذي عندنا أن المقوقس هو اسم لطائر معروف في ديار فارس وتركستان وهو المسمى بلسان العلم أو الككم (أي الككو أو الكوكو) المطوق وهو بحجم الحمام وبقية وصفه يوافق اللفظ العلمي كل الموافقة.
أما أنه كيف سمي العرب طائراً ليس في بلادهم. فمثل هذا كثير فهذا الكركدن والفيل والببر والسمور والببغاء والطاوس والغرغر وغيرها أسماء حيوانات وطيور غير موجودة في ديارهم لكنهم نقلوها عن لغات أصحاب الربوع التي ترى فيها تلك المخلوقات فليحفظ.
6 - السمندر أو السميدر أو السمند
وذكر حضرته في حاشية 7 السمندر فقال عنه: (الظاهر من هذا الوصف (وصف بر بهلول لعنقاء مغرب أو فونيكس أو فنخس) أن فونيكس بهذا المعنى (بمعنى أنه يعمل من ريشه مناديل فإذا اتسخت يلقونها في النار فتنظف وتنقي وهي تصلح للملوك) لفظ مرادف للفظ الآخر السرياني سلمندر وهي ما يسمى في كتب العرب السمندر أو السميدر أو السمند أو السمندل أو(8/361)
السبندل. تقول العرب أنه طائر ببلاد الهند لا يحترق بالنار وإذا أنقطع نسله وهرم ألقى نفسه في الجمر فيعود إلى شبابه وزعموا أيضاً أن المنسوجات غير المؤثرة بالنار المجلوبة من أقاصي البلاد الآسيوية كانت من وبره أو ريشه والحقيقة أن كل هذه
الألفاظ محرفة عن كلمة سلمندرا اليونانية. . . وهو نوع من الحرذون موجود باوربا كان القدماء يولون أنه لبرودة طبيعية يستطيع أن يجتاز بالنار بدون احتراق. . .) إلى آخر ما قال.
فكل ذلك مأخوذ من تحقيقاتنا بيناها في المشرق 6: 9 في سنة 1903 أي قبل 27 سنة. فوقع المقال في ست صفحات بحجم هذه المجلة مع تصاوير السمندل فنتعجب من حضرة الأستاذ كيف استعمل تحقيقاتنا - بل في بعض الأحيان - عباراتنا ولم يشر إليها، ونحن نعلم أن ليس هناك من سبقنا إلى هذا البحث والإمعان في تدقيق النظر فيه. ولا يمكن أن حضرة الأستاذ لم يطلع عليه وهو ذاك النقابة البحاثة دعيميص الرمل في آداب العرب.
هذا بعض ما أردنا تعليقه على ما جاء في مجلة الجمع العلمي العربي. ويعلم الله أننا ى نريد إلا نخل الحقائق مما يشوبها من الشوائب وعلمه فوق كل ذي علم.
7 - تتمة في أوضاع بقطر ودوزي
وهنا لا يمكننا أن نسكت عن الأوضاع التي أدخلها اليأس بقطر في معجمه الفرنسي العربي ونقلها عنه كل من ألف معاجم إفرنجية عربية وقد نقرنا في معجم بقطر عما يقابل كلمة من الألفاظ العدنانية فرأيناه يضع للفرنسية (أردف - فون - بجع - قوغى) ونقلها دوزي في معجمه الكبير ولم يضبط الأردف ولا الفون ولا القوغي لأن بقطر لم يضبطها. أما الأب بلو اليسوعي فأنه نقل ألفاظ بقطر في المادة المذكورة وضبط الأردف كالأحمر ضبط حركات. وشكل فوق بضم الأول وأهمل البجع والقوغي. فمن أين أتى بقطر بهذه الأسماء التي لا اثر لها في المصنفات العربية التي ألفت قبل خلقة في العالم؟.
قلنا: كان بقطر (اليأس) ترجمانا خاصاً بحملة نابليون على مصر ثم عين ترجاناً في وزارة الحربية الفرنسية في باريس والرجل ما كان يحسن العربية، إنما كان يعرف قليلاً من العامية المصرية، إذ كان من أسيوط (ولد فيها سنة(8/362)
1784) وكانت المصرية يومئذ كثيرة الكلم التركية لمكث الترك في ديار النيل مدة طويلة فكانت تلك اللغة البقطرية ملونة بألوان قوس قزح القومية. فأردف تصحيف اردق لغة في أردك التركية أو أوردك أب البطة. وفون (بالفاء) صوابها قون (بالقاف المضمونة) وهي مقطوعة من قوق (نس) وهو الاسم اليوناني للطائر المسمى بالعربية التم أو الإوز العراقي وأما القوغي فهو القوغو أو القوغى
(وتلفظ بضم القاف والعين) وهو أسم التم بالتركية.
فهذه هي حقيقة أصول الألفاظ التي أدخلها بقطر في لغتنا وتبعه متأثراً إياه كل من نقل عنه كدوزي والأب بلويو وسف حبيش وشركائهم، على أني أقول أن معجم يوسف حبيش الفرنسي العربي هو أحسن الكتب اللغوية الفرنسية العربية، إذ هو قليل الغلط بالنسبة إلى غيره، ومن العجيب أنه وضع بازاء بجعة ج بجع (طائر) يسمى أيضاً ردف (كذا) اه. فكان كلامه كله غلطاً لأن البجعة هي كما ذكرها في مادتها. وردف لا وجود لها إنما هي الأردف التي تعني البطة لا الإوزة العراقية. وأما قوله الردف فالذي ساقه إليه هو أن في الدجاجة التي هي من صور السماء تسمى بلسان العلماء نجما هو ذنب الدجاجة أي المسمى بالإفرنجية أو فسمي الكل باسم الجزء. وهو في غير محله هنا إذ هو من قبيل وضع الشيء في غير موطنه.
فأنت ترى من الجهة الواحدة صعوبة السقوط على الألفاظ الصحيحة العربية للأوضاع الإفرنجية في أي علم أو فن كان. ومن الجهة الثانية أن المعاجم العلمية في حاجة إلى إصلاح دقيق فعسى أن ينهض الأدباء والعلماء في هذا العصر ويضعوا لنا معجماً صحيحاً لتطمئن إليه النفوس فيحسن النقل من اللغات الغربية إلى لغتنا العربية. أننا لا نكر أن صاحب السعادة محمد شرف بك أدى خدمة لا بينة للعالم العربي بوضعه ذلك المعجم الجليل الإنكليزي العربي إلا أنه فاته ألفاظ كثيرة في علم النبات والحيوان والجماد وفي بعض المواطن يحتاج إلى تصحيح. وفي مواضع آخر إلى حذف أو إلى زيادة. ومع هذا كله يبقى تأليفه جبار في اللغة لأنه فاق به جميع من تقدمه في هذا البحث. فعسى أن يعاد النظر فيه مرة ثالثة ليكون أوفى بالموضوع.(8/363)
الأسر المنقرضة
-
بيت قرة قاش
في أوائل منتصف القرن الثامن عشر كان في البصرة رجل سرياني من ديار بكر أسمه الشماس حنا أبن الميرزا قرة قاش (أي الأسود الحاجب) وكان قد قدم المدينة المذكورة مع امرأته سيدي (التي توفيت هناك في 10 كانون الأول سنة 1778) وأبنيه يوسف ويعقوب وقد ورد ذكر الشماس حنا لأول مرة في أوائل سنة 1756 والظاهر أن أسرته كانت تتعاطى البيع والشراء وقد أثنى عليها الأب أندرياس أوزونيان المرسل الأرمني الكاثوليكي العينتابي الذي كان في بغداد سنة 1770 وطلب منه رئيسه العام المقيم يومئذ في رومية العظمى أن يرسل إلى جميع أعضاء أسرة قرة قاش برسالة بركة وشكر مكافأة لما أبدوه نحوه من الإحسان وتوفي الشماس حنا في المدة التي بين سنة 1770 وسنة 1778.
يوسف بن الشماس حنا قرة قاش
أن يوسف تزوج في البصرة في 24 تشرين الأول سنة 1762 بامرأة أرملة بغدادية من جماعة الكلدان أسمها شموني بنت مقصود الموصلي واسم أمها بربارة بنت داود السريانية البغدادية ورزق منها أربع بنات عاشت واحدة منهن فقط وهي مريم تريزية التي ولدت في 3 أيلول سنة 1763 وكانت حسناء غير أنها اضطرت وقتاً ما إلى تشوه جمالها بصبغ وجهها بالكريم لتظهر دميمة في عيني علي محمد خان الإيراني والي البصرة يومئذ المشهور بسوء سيرته وكان(8/364)
قد صوب الحاظه إلى تلك الفتاة البديعة الصورة فعقبها ثلاث مرات واضطهدها غير أن العناية الإلهية صانتها في تلك المرات وحفظتها من الوقوع في براثنه.(8/365)
وفي الآخر تزوجها في البصرة في 15 شباط سنة 1777 بدروس ماغو الأرمني الكاثوليكي وهو الجد الأعلى في بغداد لآل مغاك لأنه كان قد انتقل من البصرة إلى الوزراء بعد ما توفي الله امرأته المذكورة في 6 تموز سنة 1778 وهي إحدى الضحايا العديدة التي ذهب بها مرض معد كان قد تفشى في البصرة في تلك السنة أثر فيضان نهر الفرات
وطفوحه حوالي المدينة المذكورة فزادت إذ ذاك الضيقات وتفاقمت البلايا بحيث أنها قامت جميع ما تجرعه أهالي البصرة من الغصص في أثناء وقت الطاعون الجارف الذي حدث سنة 1772 وقد دامت هذه الحالة التعسة إلى 18 أيار سنة 1779 وتوفي يوسف أو الشماس يوسف الأمدي في 1 آب سنة 1781 وكانت وفاته في دير الأباء الكرمليين في البصرة حيث كان يسكن من مدة طويلة لنفور وقع بينه وبين أهله.
يعقوب بن الشماس حنا قرة قاش وذريته
أن يعقوب كان متزوجاً بسيدي بنت يعقوب السرياني وهي حسب ظني ابنة يعقوب بن إبراهيم البغدادي واسم أنها كاترينة ابنة حنا الطويل السرياني البغدادي وقد ولدت سيدي في 25 آب سنة 1761 وبعد وفاة يعقوب زوجها الأول وكانت الوفاة في بغداد في 7 آب سنة 1782 تزوجها في 8 ك 2 سنة 1784 بدروس أغا كوركجي باشي الهمذاني الأرمل وكان يعقوب قد رزق منها عدة أولاد عاش منهم واحد فقط اسمه حنا.(8/366)
حنا بن يعقوب قرة قاش وأولاده
وهو المشهور بحنا ناني أي حنا بن هيلاني لأن أمه كانت تدعي هيلاني أيضاً كما يظهر وكان حنا يتعاطى البيع والشراء ويقوم بأشغال البعض من تجار بغداد في بلاد إيران وقد تزوج في شهر ك 1 سنة 1808 بسيدونة بنت قسطنطين الامدي واسم أمها سارة بنت بدروس أغا كوركجي باشي المار ذكره وصار له عدة أولاد نذكر منهم: كسبر أنطون الذي ولد في 29 تموز سنة 1811.
تريزية التي ولدت في تشرين الثاني سنة 1814 وهي امرأة القس الياس جاقر الكلداني البغدادي وتوفيت في شهر حزيران سنة 1885.
نعوم الذي ولد في 30 أيلول سنة 1816 وتوفي بلا عقب.
كسبر أنطون بن حنا ناني ونسله
وهو كسبور الذي كان موظفاً في الطمغة ولذلك كان يدعي كسبور العشار ويقال أنه كان حسن الصورة ورعا تقيا حتى أنه رفض أن يكون شاهبندرا (مقيما) في المكس خوفا من أن يعرض نفسه لما يخالف ضميره وتزوج أولاً في سنة 1843 بسوسان أرملة أكوب
جاقر سركيس وهي ابنة نعمة الله عبود الحلبي المولد وبعد وفاتها تزوج ثانية في 27 ك 2 سنة 1846 بوردة بنت بهنام أبن سمعان النقار الكلداني واسم أمها مريم، ورزق تاكوهي التي اعتمدت في 5 ك 1 سنة 1847 وهي امرأة يوسف كمش. وقد توفيت في 19 آب سنة 1926 وبوفاتها انقرضت هذه الأسرة.
اليزة امرأة مقصود ابن القس الياس جاقر التي اعتمدت في 3 أيلول سنة 1851 وتوفيت في شهر نيسان 1890.
سارة التي تزوجها في 27 نيسان سنة 1878 كاستون لكسندروف الفرنسي وبعد وفاتها تزوجها مقصود المذكور وتوفيت في شهر شباط سنة 1891.
دير نرسيس صائغيان(8/367)
فوائد لغوية
ليلة الحاشوش وليلة الماشوش
1 - ليلة الحاشوش
الماشوش والحاشوش لفظتان وردتا في كلام الأقدمين من الناثرين والشعراء ولا وجود لهما في دواوين اللغة القديمة ولا الحديثة ولا في أسفار المستشرقين التي وضعوها ليستدركوا فيها مافات كتبه العرب الفصحاء والمولدين.
وأول من ذكرها على ما عثرنا عليه من الصحف البيروني في كتابه (الآثار الباقية، عن القرون الخالية المتوفي في رجب من السنة ال 440 للهجرة إذ يقول في ص 311 في كلامه أعياد النصاري النسطورية ما هذا نقله: (. . . وأما ليلة الماشوش وهي ليلة جمعة زعم الذاكرون لها أنهم يطلبون فيها المسيح، فقد اختلفوا فيها، فبعضهم: أنها ليلة الجمعة التاسعة عشر من صوم أيلي. وبعضهم قال: أنها الجمعة التي طلب فيها المسيح وهي الصلبوت وبعضهم قال: أنها جمعة الشهداء وهي بعد الصلبوت بأسبوع. والترجيح للقول الأول بين الثلاثة الأقاويل) اه.
قلنا الكلمة أرمية الأصل من وضع نصارى العرب وهي الحاشوش بحاء في الأول وفي الأرمية حاشوشا في الأخر كما هو المألوف في ألفاظهم ومعناها المتألم والمفعول والمنفعل والحاس. ويشيرون بذلك إلى الجمعة التي تألم فيها المسيح أو جمعة الصلبوت التي أشار البيروني في القول الثاني من أقوله وربما توسعوا فيها وأرادوا بها: كل ليلة يذكر فيها آلام أحد الأئمة الأقدمين تأمما للمسيح. هذا هو المشهور عندنا. واليوم يسمي نصارى بغداد هذه الليلة بجمعة الآلام وأهل الموصل وما جاورها من البلاد يسمونها بجمعة الحاش(8/368)
تخفيفاً للفظ وأهل سورية وفلسطين يسمونها جمعة الآلام أو الجمعة الكبيرة أو الجمعة الحزينة أو الجمعة المقدسة وبالفرنسية وبالإنكليزية فلا جرم أن النساخ الذين نقلوا كتاب الآثار للبيروني وهموا في النقل. والوهم ظاهر لا يحتاج إلى تفنيد لجلاء الأمر.
2 - ليلة الماشوش
على أننا لا ننكر أن كلمة (الحاشوش) وردت في جميع الكتب العربية التي نقلت اسم هذه الجمعة بميم في الأول بدلاً من الحاء، وقد وردت في بعض النسخ الماسوس بميم وسينين ونسبوا إلى معناها تأويلاً قبيحاً ولم يكتفوا بذلك بل نقلوا اليوم إلى يوم آخر غير جمعة الآلام. وممن ذكر ذلك ياقوت في معجمه في مادة دير الخوات وفعل فعله صاحب مراصد الإطلاع في المادة المذكورة وكلاهما نقل كلام الشابشتي، وقد صرح ياقوت باسم الشابشتي صاحب مراصد الإطلاع فلم يفعل. قال ياقوت في معجمه البلداني في المادة التي ذكرناها (دير الخوات. . . وعيده الأحد الأول من الصوم يجتمع إليه كل من قرب من النصارى. قال الشابشتي: وفي هذا العيد ليلة الماشوش وهي ليلة يختلط فيها الرجال والنساء فلا يرد أحد يده عن شيء) اهـ.
وما نسبة ظلما الكتبة إلى النصارى سبقهم غيرهم إلى مثل هذا القول وعزوه إلى القرامطة وأنت تعلم أن القرامطة نشأوا سنة 264هـ وما بعدها (أي في سنة 877) وتعلم أيضا أن الشابشتي توفي سنة 390هـ فتكون هذه الإشاعة قبله بأكثر من قرن.
أما أن هذه الإشاعة تنسب إلى القرامطة فقد ذكره ابن مقرب في شعره قال:
منا الذي أبطل الماشوش فانقطعت ... آثاره وانمحى في الناس وانطمسا
وقال في تفسير هذا البيت (الذي أبطل الماشوش أبو شكر المبارك بن(8/369)
الحسن بن أبي مقرب العيوني. والماشوش: بدعة ابتدعتها القرامطة في البحرين وجعلوها دينا وهو: أن يجتمع الرجال والنساء في ليلة عندهم معلومة في السنة ويشعلون الشمع ويقومون ويرقصون ويختلطون وفيهم أخوات الرجل وأمه وبناته وعماته وخالاته. فإذا استكفوا من الرقص اطفأوا الشمع واختلطوا وقبض كل رجل منهم يد امرأة من الجمع وواقعها أن كانت من محارمه أو أجنبية فحين ملك عبد الله بن علي العيوني البحرين وصارت تلك الليلة ركب أبو شكر المباركة وركب معه غلمانه وهجموا على جمع الفساد فضربوهم وسلبوهم ومضوا هاربين. فصار فيهم رجل ضرير فصار يقول: يا مولانا والله ما نحن في شيء مما يضر بدولتكم، إنما هذا مذهب نراه في ديننا فقال له الأمير: لئن اجتمع منكم اثنان على هذا الأمر لأعملن فيكم السيف لا العصا، فأمات هذه البدعة من البحرين فما بقيت فيها تعرف)
أه.
فترى من هذا الكلام أن ما نسبه بعضهم إلى النصارى نسبوه إليهم جوراً وظلما إذ هو خاص بالقرامطة إن كانت الرواية صحيحة. على أننا لا نصدق أن مثل هذه الليلة وجدت عند قوم أو عند اليهود أو النصارى. أما المسلمون الذين في سورية ولبنان فانهم ينسبون مثل هذه الليلة إلى الدروز ومنهم من ينسبونها إلى النصيرية الذين يسمون أنفسهم علوية.
أما أهل العراق والجزيرة من مسلمين ونصارى أو يهود فينسبون مثل هذه الليلة إلى اليزيدية والشبك والكاكائية وغيرهم وغيرهم من الفرق أو المذاهب الخفية. ومنهم من ينسبها أيضا إلى الصابئة البطائح المعروفين اليوم عند العراقيين باسم الصبة.(8/370)
ونحن نقول: أن كل هذه الأمور المنسوبة إلى أولئك الأقوام من سورية وعراقية لا نصيب لها من الصدق، إنما توارثها الناس الناسبون هذه المنكرات إلى الأقوام المخالفة لهم في المعتقد من الآراء التي كانت شائعة شيوعا صادقاً لانتسابها حقيقة إلى الرومان واليونانيين فأنه كان عندهم مواسم يطلقون فيها لنفوسهم أعنة الشهوات ويستحلون فيها كل محرم واسمها عندهم الباخوسيات
والباخوسيات منسوبة إلى الإله باخوس (وباليونانية ديونوسوس ابن المشتري وسميلة بنة قدموس) وهو أله الخمر ونشأت هذه الأعياد في وادي النيل ومنها انتقلت شيئاً فشيئاً إلى فينيقية واليونان وإيطالية وكانوا يقومون بها في الليل ويجرون فيها من الجلبة والضوضاء ما كان يسمع من بعد بعيد وكانوا يضربون على الطبول والصنوج الفريجية وكان يباح للنساء فقط أن يدخلن فيها وفي نحو من سنة 198 قبل الميلاد ظهر فيها الرجال في رومة فسبب وجودهم مع النساء منكرات أية منكرات حتى اضطر مجلس الشيوخ إلى منع إقامة تلك الأعياد.
3 - الكفشة عوض الماشوش
وليلة الماشوش غير معروفة اليوم والمشهور الآن على السنة العوام (ليلة الكفشة) (بالفاء المثلثة أي وكنا كتبنا قبل إحدى وثلاثين سنة مقالة في اليزيدية في مجلة المشرق (2: 732) وذكرنا فيها ما يلي نقله.
(وكل من كتبوا عن اليزيدية ذكروا عنهم أمراً منكراً ليس موجوداً فيهم قطعاً، بل في شيعة
أخرى تسمى الشبك وهذه الفظيعة هي أنهم يجتمعون ليلة معينة عندهم في كل سنة عند مدخل مغارة سرية يحبونها في الأكل والشرب والقصف واللهو إكراماً (للطاوس الملك) وهي الليلة المعروفة عندهم بليلة (الكفشة). ثم يختمونها بارتكاب أشنع المنكرات واقبح المساوئ التي يندى لها جبين القلم حياء (راجع كتاب الفاضل فيتال كينه ص 77 وغيره) وقد أشاع هذه الخبر نصارى تلك النواحي بدون أن يتحققوا ما يذيعونه عنهم. بل في سنتهم أن كل امرأة أو رجل يزني بشخص أجنبي عن ديانتهم قتلوه أن تمكنوا من اغتياله وإلا يبسل ولو تاب توبة نصوحاً أما الذي يزني بأبناء دينه(8/371)
فيعاقب عقاباً شديداً لكن لا يقتل. وإذا كان الرجل زنى بامرأة مزوجة فعليه أن يرضي زوجها، أما إذا كانت ثيبا فالمرتكب الآثم يرضي المتولي أمرها بحسب حكم الأمير. أما إذا وقعت المضاجعة بين الذكور للذكور أو بين الإناث للإناث فقتل الاثنين للحال واجب. وإذا لا يستطيع أفراد الحامة (العائلة) من الفتك بحياة المجرمين لانتباه الحكومة أو لأي مانع كان، يطرد الأثيمان من اليزيدية طردا لا مرد له ويبعدان عن البلاد ومن هنا ترى أن العفة ونزاهة الأخلاق مشهورة مشهورة عندهم) انتهى كلامنا المذكورة في المجلة البيروتية.
وفي سنة 1913 كتب الفاضل شكري الفضلي (وكان كردي الأصل) مقالة في لغة العرب (3: 308) قال ما هذا إعادة نصه: (ويحتم عليهم (أي على الكاكائية وهم غير اليزيدية وغير الشبك وقد كتبنا عنهم مقالاً أدرجناه في هذه المجلة 6: 264 إلى 269) أن يجتمعوا رجالاً ونساء في ليلة معلومة من السنة في محل مخصوص يطفئون فيها السرج والأضواء وتسمى هذه عند أهالي تلك الأنحاء (ليلة الكفشة) ومن الناس من ينسب هذه الليلة إلى اليزيدية ومنهم إلى الشبك، (ولعلها كذبة مختلقة) وكانت تعرف هذه الليلة في عصر العباسيين أو في العصور المتوسطة (بليلة الماشوش) وقد تركوا هذه العادة القبيحة منذ أن فهموا معنى الإسلام وفرائضه فهما معقولاً. . .) اه المقصود من إيراده.
وفي هذه الأيام وقع بيدنا رسالة بالعربية واللاتينية وهي في الأصل محاضرة ألقاها أسقف كلداني اسمه (بهنام) تبحث عن الكرد المسلمين واليزيدية وقد طبعها بعبارتها السقيمة العلامة متى نوربرغ في ليدن سنة 1808م وقد ذكر في الصفحة 6 منها ما نعيد نقله بعبارته الركيكة قال: (في زمان عيدهم (عيد اليزيدية) الذي يصير مرة بالسنة بيجوا (أي
يأتون) مع نسائهم والهداية (والهدايا) إلى كنيستهم من الغنم والبقر ويعملوا عيد عظيم حوالي (حول) الكنيسة بالأكل والشرب والغنا والرقص. . .) ولم يذكر اسم هذه الليلة ولم يزد على هذا القدر من الشرع. ولعله فعل ذلك تأثماً وتحرجاً.
وكنا قد ذهبنا في اشتقاق كلمة الكفشة إلى أنها من الكفش في لغة العوام العراقيين ومعناها: قبض على شعر رأسه ليؤذيه، ويقولون: تكافش الرجلان(8/372)
أخذ الواحد بذؤابة رأس صاحبة وهو التساور في اللغة. أما الآن فنعدل عن هذا الرأي ونقول: أن الكفشة لفظ فارسي أو كردي للكوشة العربية أسم مرة من كلش المرأة يكوشها كوشا وفيها إشارة إلى ما يجري من الأعمال المنكرة في تلك الليلة.
وقد ذهب ف. مينورسكي في معلمة الإسلام في مادة شبك إلى (أن الكلمة لعلها مشتقة من (كفش) الفارسية ومعناها الخف. وفي ذلك إشارة إلى ما يجري بالخف في مدة تلك الليلة) وفي هذا القول من ضعف التأويل ما لا يخفي على كل أديب.
هذا ما تسير لنا ذكره في هذا الموضوع ومن له زيادة عليه فليتحفنا به.
تصحيح أوهام لبعض الكتاب
1 - قال أبن أبي الحديد في 1: 46 (وأما قوله: وانتقل إلى منتقله ففيه مضاف محذوف تقديره: إلى موضع منتقلة) قلت ليس في الكلام مضاف محذوف أبداً لأن (المنتقل) أن لم يكن اسم مكان سماعياً فهو قياسي لا محالة والغريب أنه نقض قوله بقوله من دون أن يشعر فقد قال في الصفحة 66 من ذلك المجلد (والمعتلف موضع العلف) فإذا جاز له أن يجعل (المعتلف موضع العلف) فلم منع نفسه أن يجعل (المنتقل موضع الانتقال)؟ هذا من غريب التناقض.
2 - وقال أناس كثيرة (كاتب أول المحكمة الفلانية) و (معلم أول المدرسة الفلانية) ومن المحزن أن نجد مثل هذا الغلط الفاحش مبثوثاً! فمعنى (كاتب أول محكمة) (كاتب المحكمة الأولى) ومعنى (معلم أول مدرسة) (معلم المدرسة الأولى) والمقصود خلاف هذا فالصواب (كاتب المحكمة الفلانية الأول) أو (الكاتب الأول للمحكمة الفلانية) و (معلم المدرسة الفلانية الأول) أو (المعلم الأول للمدرسة الفلانية).
3 - وقالوا (طمنة وزان عظمة والتطمين وزان التعظيم) وليست هاتان الكلمتان عربيتين
فالصواب (طمأنة وزان دحرجة وطمأنة وزان دحرجة. فمن يقل (وطمنت نفسه تطميناً) أتبع الشطط والغلط.
مصطفى جواد(8/373)
باب المكاتبة والمذاكرة
ملحق بالفتوة
استملحت مقالة الصديق الأستاذ مصطفى أفندي جواد في موضوع الفتوة التي صدرت في الجزء الرابع من هذه المجلة (8: 241 وما يليها) وكنت أود أن أرى فيها ما جاء في ص 150 من عمدة الطالب في أنساب آل أبي طالب المطبوع في بمبي سنة 1318هـ) وهذا نص ما جاء تاج الدين محمد بن معية من علماء الأمامية:
(وكان يتولى إلباس لباس الفتوة ويعتزي إليه أهله ويحكم بينهم بما يراه فيطيعون أمره. ويمتثلون مرسومه وهذا المنصب ميراث لآل معية من عهد الناصر لدين الله. وقد كان بعض آل معية يعارض النقيب تاج الدين في ذلك وينقسم الناس بالعاق أحزابا كل ينتمي إلى أحدهم. فلما مات النقيب فخر الدين بن معية والنقيب نصير الدين بن قريش بن معية لم يبق له معارض ولم يكن عوام أهل العراق ولا خواصهم يسلموا ذلك الأمر إلى أحد من غير آل معية ما دام منهم أحد فكيف بالنقيب تاج الدين وكان إليه إلباس خرقة التصرف من غير منازع في ذلك لا يلبسه أحد غيره أو من يعزى إليه)؟ انتهى كلام المؤلف.
يعقوب نعوم سركيس
قبر أحمد بن حنبل
ذكر الكاتب الفاضل عبد الحميد عبادة في (7: 288) من لغة العرب أن في جامع (حاج أفندي) ويسمى أيضاً (مسجد اللالات بمجلة (كوك نظر) رخامة على الجدار الذي يلي الباب مكتوباً عليها ما صورته: (هذا قبر المرحوم المغفور له الدارج إلى رحمه الله تعالى الشيخ المجتهد السيد أحمد من الأربعة المجتهدين. وذلك في 12 ربيع الأول سنة 562) ثم قال: فتوارد إلى خاطري أنه قبر(8/374)
الأمام المشار إليه - أي أحمد بن حنبل - إذ لا يبعد أن نقل إلى محلة الحالي لسبب غرق بغداد الذي وقع سنة 544هـ - 1149م. . . والحال أن التاريخ المحرر في الرخامة هو بعد الغرق بثماني عشرة سنة ذلك الغرق الذي جعلها كالجزيرة وسط الماء. ومن هذه الملاحظات يظهر أن هذا التاريخ هو تاريخ النقل لكن
تحرير التاريخ على الرخامة بهذه العبارات أضاع قضية تاريخية يقام لها ويقعد).
قلنا نستغرب من صديقنا الفاضل هذه التطويحات التاريخية لأمور:
أولها - أنه لم يثبت عنده زوال قبر أحمد بن حنبل بهذا الغرق المذكور زوالاً حتى يجوز لنفسه ما ذكره.
وثانيها: أنه ليس من المعروف عند المسلمين نقل القبر لكونه غرق أو احرق مثلاً فقد أجرى المتوكل الماء على قبر الحسين بن علي بن أبي طالب ولم ينقلوه وغرق المشهد الكاظمي ولم ينقلوا صاحبيه.
وثالثها - أن المستنصر بالله العباسي أمر في سنة 634هـ بعمل مزملة بالقرب من قبر (أحمد بن حنبل) لأجل الزوار الواردين فيها حباب ملئت من الجلاب على ما جاء في ص 28 من نسختنا للحوادث الجامعة المجهولة مؤلفة.
ورابعها - أن عز الدين أبا زكريا يحيى بن المبارك توفي سنة 637هـ فحمل إلى (مقبرة باب حرب) فدفن بالقرب من قبر (أحمد بن حنبل) فالقبر في هذه السنة المذكورة ثابت معمور لا زائل ولا مغمور وهي بعد الغرق الذي ذكره الكاتب ب (93) سنة ومصدر هذا ص 45 من الحوادث الجامعة.
وخامسها - أنه إذا جاز الظن في غرق قبر أحمد فعليه أن يسنده إلى غرق سنة 646هـ فقد قال مؤلف الحوادث (وأما الجانب الغربي فغرق بأسره من محلة الحربية - إلى - الخليلات - وسوى بعض باب البصرة والكرخ).
وسادسها - أن هناك حادثة تخص القبر المذكور قبل هذا الغرق ما رواه مؤلف الحوادث من أنه في سنة 646هـ توفي قيران الناصري ودفن بمقبرة أحمد بن حنبل.
ولكن بقي علينا أن نثبت أن القبر بقي بعد هذا الغرق العظيم، وذلك هين فقد ذكر مؤلف الحوادث الجامعة في حوادث سنة 672 أنه توفي فيها(8/375)
(الشيخ كمال الدين علي بن وضاح) الشهراباني الحنبلي مدرس المجاهدين ودفن تحت أقدام الأمام أحمد بن حنبل كما في ص 116 من نسختنا فالقبر لم يغرق بذلك الغرق. وعلى المتتبع أن يتأثر حوادثه بعد سنة 672 المذكورة.
والذي لا يعرف هذا ربما يسند زوال القبر إلى غرق بغداد سنة 654 فقد قال عنه مؤلف
الحوادث (فانهزم الناس والماء في أثرهم فأحاط بغداد وغرق الجانبين منها. . . وكانت السفن والأكلاك تسير من الريحانيين حتى تصل إلى باب العامة. . . واتصلت الصفوف في السفن من باب المستنصرية إلى سوق المدرسة) إلى آخره.
المدرسة الشرابية
ذكر مؤلف (عمران بغداد) السيد محمد صادق الحسيني في ص 153 من العمران (المدرسة الشرابية) وعلق بها ما نصه (اختلف السهروردي ومصطفى جواد في موضع هذه المدرسة فروى السهرودي أنها كانت في الكرخ وذهب مصطفى جواد إلى عكس ذلك كما جاء في جريدة البلاد 4 شباط 1930 والعراق 7 شباط 1930 قلنا: أن المؤلف ذكر أنها كانت (بسوق العجم) بالشارع الأعظم بالقرب من عقد سور السلطان مقابل درب الملاحين وهذا ما ذكره مؤلف الحوادث الجامعة والرجل الذي عارضنا به قبل قليل التثبت في رواية التاريخ فقد ذكر أن المدرسة الشرابية بالكرخ ولا دليل على ذلك سوى الزعم، وأما دليلنا على أنها في الرصافة فما جاء في ص 73 من الحوادث ونصه (وغرق في الجانب الشرقي ما كان ظاهر السور من مساكن استجدت منذ أيام الخليفة المستنصر بالله وبولغ في عمارتها وكان بها أسواق مادة وحمامات وبساتين مثمرة. . . وكان ذلك مما يلي العجم) فسوق العجم بالرصافة والمدرسة الشرابية بسوق العجم ومن أنكر ذلك ففي نفسه ما يعذر عليه ولا شك في قولنا.
مصطفى جواد(8/376)
أسئلة وأجوبة
البيداغوجية أو التفتية
س - بيروت - أ. س: هل في لغتنا العربية لفظة تؤدي معنى الإفرنجية بيداغوجية
ج - البيداغوجية: علم تعليم الولد وتهذيبه وتنشئته. والكلمة الإفرنجية منحوتة من اليونانية أي فتى وأي حجا وساق وقاد. وكلا اللفظيين الأعجميين ينظر إلى العربيين فتى وحجا، ومع ذلك لا حاجة لنا إلى الأعجمية لأن في لغتنا ما يغني عنها فقد قالوا تفتى الرجل: إذا كان ذا فتوة والفتوة عند العرب تشمل أرقى التهذيب فإذا كان عندنا تفعل جاز لنا أن نصوغ منه فعل فتقول التفتية، فالتفتية إذن: تهذيب الفتى على أكمل وجه.
وإليك ملخص ما قرأناه عن الفتوة في معجم دوزي والتاج وأبي الفداء ابن بطوطة: (الفتوة تفوق السادة المنتسبين إلى النبي الحنيف وتميزهم عن سواهم بشرفهم ورفعتهم. وفي عرف أهل التحقيق: أن الفتى من يؤثر الخلق على نفسه بالدنيا والآخرة. ومنه الكلام المأثور: لا فتى إلا علي) وكان ينتفع بمثل هذه المآثر والمكارم كل من كان ينضم إلى هذه البيت المنيف في نظرهم أما بمنزلة أصدقاء لهم وأما بمنزلة منسوبين إليهم من قبل الموالي. وكل من يفت يعتبر عضو جماعة أو شركة أو طريقة. وإذا فتى أحدهم البسوه بحضور الجمهور لباسا أسمه (سراويل الفتوة) أو (لباس الفتوة) دلالة على رجوليته وخلعوا عليه ثوباً أو ملبوساً آخر ينتقل إلى الخلف من السلف. وهذا ما اصطلحوا عليه في عرفهم بقولهم: (البس الفتوة أو فتى فتفتي) وكانوا إذا فتوا واحداً دفعوا إليه أيضاً كأساً تسمى كأس الفتوة وكان يحق لمن ينتسب إلى هذه الفتوة أن يصور على شعاره صورة الكأس أو سورة السراويل أو صورة الكأس والسراويل معاً. والقسم بالفتوة يعتبر من الأقسام المغلظة عند أبناء هذه الطريقة وكانت تعرف الفتوة في بلاد الروم (وهي المعروفة ببلاد الأناضول) (بالإخوان الفتيان) وكان من فرائضهم قرى الضيف وردع الظالمين وقتل تبعتهم.(8/377)
باب المشارفة والانتقاد
66 - مصرع كليوباترة
راجع نقد العبرة (الأوبرا) لغة العرب 8: 201 إلى 208 و 261 إلى 273.
67 - الآلهة
أوبرا (عبرة) رمزية ذات ثلاثة فصول (في 98 ص بقطع 12).
نظم أحمد زكي أبي شادي، طبعت في مطبعة دار العصور للطبع والنشر وثمنها خمسون مليما.
لا نظن أن في العالم العربي على سعته من يجهل مقام أكبر شعراء مصر من المجددين العصريين، فأن قصائد الرنانة وعبراته العديدة البيعة المعنى والمبني له بعلة الكعب وأنه حامل لواء الشعر الغريض الديباجة في وادي النيل. وهذه العبرة أتت فأغنت كنزنا المنظوم ومسرحنا الفقير بعبراته العربية النفس والنسج واللباس وفي مطالعتنا إياها وجدنا فيها من المبتكرات ما لم نجده في مؤلفاتنا العصرية. هذا فضلاً عن أنك تراه يحث على الفضيلة ويطعن بالرذيلة وكل ذلك بعبارات تسيل رقة ونغمة وعذوبة وسلاسة مثال ذلك أن آلهة الجمال تخاطب آلهة الشهوة وتقول لها (ص 68):
أن أتباعي حياة للوجود ... مثلما وحيي حياة للحياة
والذي ينسى مدى فضلي جحود ... ثم يرجوني إذا شاء النجاة
ذاك حظي
إنما (الشهوة) عبدي لا دليل ... فإذا اعترت وثارت فالخراب
وجميل الحظ طوع (للجميل) ... وجميل (الحب) مأمون الحساب
ذاك شأني. . .(8/378)
ولا جرم أن مثل هذا النظم الرقيق وهذه الحكم الرائعة تعمل عملاً عجيباً في النفس إذا ما مثلت هذه الرواية على أي مسرح كان من مسارح الشرق والغرب.
68 - السائح
صحيفة برزت في نيويرك في سنة 1912 واليوم ظهرت بزي مجلة وهي ما نسميها (بالوضيعة) وفي 32 ص بقطع 4 فنتمنى لها الاطراد في التقدم والفلاح.
69 - الرابطة
جريدة أسبوعية تصدر في مان باول (البرازيل)
هي جريدة وطنية سورية جامعة تصدرها الرابطة الوطنية السورية وبدل اشتراكها 300 غرش برازيلي عن سنة وهي الآن في سنتها الثانية فنتمنى لها الرواج.
70 - بريد برقية
جريدة تصدر في بنغازي ينشئها محمد طاهر المحيشي وصاحبها عمر فخري المحيشي. وهي الآن في سنتها الثامنة فنتمنى لها اطراد النجاح.
71 - النور
جريدة سياسية أدبية حرة تصدر مرة في الأسبوع في القاهرة.
وصل إلينا منها العدد 1348 لصاحبها محمد زكي باشا وبدل الاشتراك فيها 100 قرش في الداخل و 25 شلناً في الخارج. وهي من الصحف المصرية الأسبوعية المشهورة فلا حاجة لنا إلى تعريف الناس بها.
72 - الزمان والاستقلال والنهضة العراقية
الإفراج عن هذه الجرائد، منع نشر هذه الجرائد الواحدة بعد الأخرى قبل بضع اشهر واليوم أذن لهن إلى العودة. وقد وقفنا على العدد 488 من النهضة الذي صدر في 13 نيسان (أبريل) فإذا هي بتلك اللهجة الوطنية الحرة. فنتمنى لها الجهاد الدائم مقرونا بالنجاح.(8/379)
73 - أسرار الكتابة
كتاب فرنسي العبارة تأليف ج كريبو جامين - وهو موضوع في أن خط كل كاتب يكشف لمن يقف عليه أسرار الذي رسم حروفه وهو أمر إذا كان يصدق في بعض أمور
فأنه يكذب في أغلب الأحيان وهو في 276 ص بقطع 12 ومطبوع في باريس عند أرنست فلماريون
74 - الحولية الخلدونية لسنة 1930
هذه الحولية للأستاذ الحصري وقعت في 200 ص بقطع 16 وهي جزيلة العوائد يستفيد منها فائدة طيبة الصغير والكبير القريب والبعيد الجاهل والعالم، إلا أن أغلاط الطبع تشوه محاسنها فأنك تجد في كل صفحة منها (والصفحة صغيرة) ثلاثة أغلاط في أقل تقدير ففي ص 17 سوريا. . . بحدودها الطبيعة. . . من مطالبي الحقوق القومية. والصواب سورية (بالهاء كما أشار إليها صاحب القاموس والتاج وياقوت الحموي). . . بحدودها الطبيعية. . . من المطالبين بالحقوق القومية. وأملنا أن تنقي من هذه الشوائب في السنة المقبلة.
75 - مملكة النحل
(راجع مجلتنا 8: 226)
هذه المجلة على حداثة عهدها بلغت شأواً بعيداً في إفادة القراء والعلم والاقتصاد فهي تنشر في أربعين صفحة وفيها من العصور الجميلة المتقنة الصنع ما يشرح حقائق النص شرحاً بديعاً. وأن كان القارئ ممن لا يستفيد من النحالة فهو يستفيد فائدة جليلة من عبارتيها العربية والإنكليزية لأن كتابها المشاهير يحبرون مقالاتهم في إحدى اللغتين تحبيراً منقطع النظير في الصحة والدقة وتأدية المراد ولهذا نراها تستحق أن يطالعها أيضاً طلبة المدارس ورجال الزراعة وكل ذي حاجة إلى قضاء وقته الفارغ في أمور يستفيد منها فائدة مالية وعقيلة وصحية. بدل اشتراكها السنوي 30 قرشاً مصرياً (أو 6 شلنات) وتباع في جميع المكاتب الشهيرة في العالم العربي.(8/380)
76 - مختار القصص
بقلم كامل كيلاني طبع في دار العصور بمصر في 204 ص بقطع الصغير.
هذه قصص للكاتب الشهير كامل كيلاني صاحب (مصارع الخلفاء) و (قصص للأطفال) و (نظرات في تاريخ الأدب الأندلسي) وشارح (رسالة الغفران) وأغلبها مأخوذ من المصنفات الإفرنجية وقد أفرغها راويها في قالب عربي فصيح يجعلك تظن أن الأصل صادي النص
من أرباب القلم في العهد العباسي وهي لذيذة المطالعة وثمنها زهيد أي 5 قروش مصرية.
77 - مختارات كامل كيلاني
مقالات شتى في التاريخ والأدب، طبع في مطبعة المعاهد بالجمالية بالقاهرة في 254 ص بقطع الثمن.
هذه المختارات هي للكاتب المذكور وكتابة هذا مصور كمختار القصص وهو أوسع من أخيه وعبارته محكمة السبك لذيذة المطالعة لكننا كنا نود أن يتحاشى في بعض المقالات الحط من بعض الأديان كما ورد في مقالة ص 114 وفي غيرها. وفي هذا التصنيف ما يشهد للكاتب البارع وقوفه على علوم عديدة وتمكنه من إفراغ ما يقرأ بعبارة لا تشوبها كاكة ولا عجمة فعسى أن تكون مباحثه مفيدة دائماً من غير أن يدخل فيها ما يمنع بعضهم من مطالعتها.
78 - عمران بغداد
تأليف السيد محمد صادق الحسيني، طبع في مطبعة دار السلام في بغداد سنة 1930 في 220 ص بقطع.
نشرت هذا الكتاب إدارة مجلة (المرشد) ببغداد وأهدته إلى مشتركيها. وحفظ المؤلف حقوق طبعه لنفسه والكتاب هو حسن الوضع والتبويب. إلا أنه كثير الخطأ في العبرة والآراء. والظاهر أن حضرة صاحبة لم يقف على أقوال العلماء الأخيرة فآراؤه في سبب تسمية بغداد والعراق قديمة لا يقبلها محقق. فليراجع مجلتنا في سنيها قبل أربعة أعوام.
وكثيراً ما يغلط في أسماء المصنفات التي استشهدها من ذلك مثلاً الأعلاف(8/381)
النفسية، فأنه لك يذكر إلا باسم (الأعلاق النفسية) (نحو من 20 مرة) وأحسن التقاسيم ذكره بعنوان أحسن التقاسم (ص 27) ومراصد الإطلاع، مراصيد الإطلاع (ص 43) وبستان السياحة: بسان السياحة (ص ز) إلى غيرها وذكر في ص 42 قوله: (وكان كل ذلك البناء بالرهض وفسرها في الحاشية بقوله: (بكسر الراء وسكون الهاء: الطين الذي يبنى به يجعل بعضه على بعض (محمد بهجة الأثري) قلنا: والرهض بالضاد المعجمة غير معروفة في لغتنا فلعلها الرهص بالصاد المهملة.
وأما ضبط بعض الألفاظ فكثيراً ما يكون موهوماً فيه فأول كلمة صدر به سفره وهي (عمران) ضبطها في ظاهر الكتاب وباطنه بكسر العين. والمشهور أنها بضمها وأحياناً يحلي في الأعلام باللام ما هو غفل منها. ويغفل ما هو محلي بها. فيقول مثلاً طروس والأشور (ص5) وهو يريد طورس (أو طور بلا سين في الأخر أو الطورس بتقديم الواو على الراء لا بالعكس كما فعل) وأشور ويقول بعكس ذلك الوسط (وقد تكررت مراراً في ص 9 وبعدها) وهي واسط ويذكر أسماء أعلام لا وجود لها في لغة العرب فينقلها عن الأعاجم في حين أنها معروفة بأسماء أخرى عند العرب فيقول مثلاً سفليكة والبحر الأبيض المتوسط (ص 9) والمعروف: سلوقية والبحر المتوسط أو بحر الروم.
وهو يخطئ دائماً في نصب المعدود حيث جره وبالعكس فيقول مثلاً 300. 000 كيلو متراً مربعاً والصواب كيلو متر مربع ومثل هذا لا يحصى لوفرته ويخلف متابعة النعت للمنعوت أو بالعكس فيقول (ص 7): لعدم وجود مواد الخام وهو يريد المواد الخام بتعريف المنعوت والنعت ويذكر أشياء غير معروفة عندنا فيقول مثلاً (ص 7) (وفي شهر أيار يقع المطر الغزير المعروف بالبرصات) مع نه لا يحدث أبداً في أيار (مايو) مطر غزير.
ونحن لا نريد أن نتبع المؤلف في جميع صفحات كتابه لأن ذلك مما يزعجه ويزعج القراء أيضاً فكان من المناسب أن تفتح عبارته قبل طبعة ونتوقع أن تتحقق أمنيتنا في نشرته الثانية إلا أن كل ذلك لا ينقص من الكتاب قيمته.(8/382)
79 - رسام السيدة
كنا قد ذكرنا في مجلتنا هذا الكتاب البديع في وضعه (8: 64) وقد نفدت طبعة لإقبال القراء عليه في مدة ثلاثة أشهر حتى أضطر محل مام وأولاده في تور (فرنسة) إلى طبعة بقطع 14 وبحرف أكبر وبتصاوير أشد أحكاماً فبرز بحلة جديدة رائعة فنهنئ غي دافلين (عقيلة المرحوم الدكتور سليمان بك غزالة) بما نالته من استحسان الأدباء لمؤلفاتها ونتمنى لها العمر الطويل الهنيء ومداركة أسفارها بهمة صاعدة.
80 - الطبيب والمعمل
للدكتور أحمد زكي أبي شادي، طبع في دار العصور للطبع والنشر في مصر بقطع 12 في
800 ص ويليه ملحق مصور وعدد صفحاته 112، (وثمن الكتاب مع الملحق 150 مليما أو 15 قرشاً مصرياً وثمن الكتاب وحده 100 مليم أو 10 قروش وقيمة الملحق 50 مليما أو 5 قروش مصرية).
إذا لفظ أسم الدكتور أحمد زكي بك أبو شادي بدر إلى الذهن أنه يسمع باسم (محرر الشعر من قيود الأقدمين وسلاسلهم الثقيلة وأحس في قلبه بشكر يؤديه إلى حامل المبتكرات الغريبة إلى اللغة العدنانية الفصحى) ولا يخطر بباله شيء آخر. مع أننا نعلم كل العلم أن أبا شادي (أو أبو شادي على سبيل الحكاية) طبيب ماهر وقد تقلب في وظائف لا يدفع زمامها إلا إلى من رسخت قدمه في الطب. وله شهادات جليلة تنبئ بعلو كعبه في المهنة التي برع فيها. وهذا كتابه الضخم ينفك إلى الحقائق الطبية والمكشوفات العصرية بحيث يحملك على أن تظن أن هذا الطبيب الضليع أفنى عمره في صناعة بقراط ولا يدري فناً آخر.
وقد تناول العلامة الكبير في الطب جميع الأمراض وذكر أسبابها بعد أن عرفها أحسن تعريف ووصف الناجعة التي أفضى إليه الطب العصري بعد معالجات متنوعة. ومما استحسناه كل الاستحسان أنه عالج موضوعات الأمراض والأدواء المعروفة في البلاد الحارة، وهي البلاد التي يغلب على لسان سكانها العربية كديار مصر وجزيرة العرب وسورية وفلسطين والعراق وطرابلس(8/383)
الغرب ومراكش وبلاد المغرب كلها.
وعبارة هذا السفر متينة منقحة وقد ذكر بعض الأمراض وأدويتها بالحروف الإفرنجية حتى إذا أراد العليل أن يداوي نفسه أو أراد أبن أسكولابيوس أن يشفي المصاب بداء من الأدواء التجأ إلى هذا التصنيف العجيب ورسم الدواء لنفسه أو لغيره بلا أدنى صعوبة.
ولهذا الكتاب ملحق مصور فيه أشكال جميع الجراثيم المرضية وحقق بنفسه منافع الآلات التي تتخذ لمداواة أذاها في الجسم.
ومن غريب الأمر أن هذا التأليف الجليل مع منافعه الجمة يباع بثمن بخس لا يكاد يذكر بجانب ما في مطاويه من فرائد الفوائد. ولا جرم أن العراقيين يقبلون على اقتناعه فهو أداة لازمة لكل أديب ونافعة في كل بيت أو دار فعسى أن يرى في جميع الربوع والديار. أثاب الله مؤلفه على ما أدى من الخدم للناطقين بالضاد ولمن ينتمون إلى اللغة العدنانية الشريفة.
81 - صناعة تسفير الكتب وحل الذهب
للفقيه أبي العباس أحمد بن محمد السفياني، مصحوباً (كذا) بتفسير الكلمات المصطلح عليها في الصناعة المذكورة، جعله المسيو ريكار متفقد الفنون الأهلية ومدير متحف الآثار بفاس، طبع لأجل إهدائه إلى الشبان المشتغلين بالتسفير.
الكتب العربية التي تبحث عن تلقي بعض الصنائع والمهن قليلة جداً وما وضع منها لا يتجاوز القرنين أو الثلاثة القرون. وهذه المؤلفات تعد من أنفس الأشياء لأنها تبحث عن وسائل إنجاح الصناعة وبثها بين الناس. فضلاً عن أن فيها مصطلحات كثيرة توقفنا على ما كان يعرف منها في عهد المؤلف أو الصانع.
على أن هذه المصنفات لا تفيد إلا إذا تولى نشرها أناس واقفون على أوضاع أهل الفن، وإلا جاءت تلك الكلم في منتهى الفساد والتصحيف والتحريف. وقد رأينا كثيراً منها عني بنشرها أهل مصر في هذه الآونة وهي مشحونة أغلاطا وأوهاما تخجل الجاهل، فضلاً عن العالم. فكيف بهذه الكتب إذا تولى بثها بين الناس أدباء أجانب عن اللغة لا عهد لهم بأسرارها.(8/384)
بين المستشرقين طائفة واقفة على لساننا أتم الوقوف، وبينهم جهلة يدعون أكثر مما يدرون وبين هؤلاء نعرف جماعة من الفرنسيين تلقوا العربية في فرنسة أو في ديار المغرب لكنهم لم يجيدوها. لكنك تراهم ذوي صاف عجيب.
ومن جملة هؤلاء الأدباء ناشر الكتاب الذي ذكرنا عنوانه فويق هذا. فأنه تولى إبرازه لأهل الفضل لكنه لم يحسن قراءة ألفاظه فصحفا وحرفها واعتبرها ألفاظاً جديدة من مصطلحات أهل الفن. مع أن الحقيقة ليس هناك شيء من هذا القبيل.
وأول ما نأخذه على ناشر الكتاب أنه لم يذكر لنا معنى التسفير فأنه غير وارد في المعاجم واللفظة خاصة بأهل المغرب من أبناء العرب ومعناها التجليد أو كما يقول العراقيون التصحيف. نعم أنه عرف معناها. إذ نقلها إلى الفرنسية لكنه لم يذكرها في العربية.
وقال في مفتتح الكتاب: مصحوباً بتفسير الكلمات. . . جعله المسيور ريكار. . . ومدير متحف الآثار. فقوله مصحوباً بتفسير الكلمات، كلام أعجمي ولو قال: وفي آخره أو ذيله تفسير الكلمات لكان أحلى وقوله: جعله بمعنى وضعه غريب لم يرد في كلامهم. وقوله
المتحف بمعنى المتحفة من الغلط الشائع القبيح إذ لا وجه له في العربية، وأن لم يرد أن يقول المتحفة فليقل دار التحف.
وفي باب تفسير الألفاظ جمة جسيمة من ذلك ضبطه الإبرة بمد الألف والصواب أنها على وزن حكمة.
وذكر بين الألفاظ المستدركة على أصحاب المعاجم فعل (أرخ) وقال معناه أرخى المكبس أو كل آلة ضاغطة. وقد استنتج هذا الاستنتاج من قول المصنف ص 11: 5 وبعد ذلك أجر من عليه السبابة حتى تتيقن أن النشا قد دخل بينهما أي الكراريس كلها، فحينئذ أرخ التخت وأجذب الكتاب كله في قلب التخت، حتى أحوال الكراريس مستوية. .) فصواب قراءة أرخ هنا بقطع الهمزة المفتوحة وإسكان الراء وكسر الخاء والكلمة فعل أمر من أرخى يرخى إرخاء ومعناه حل قليلاً الآلة الضاغطة المسماة هنا تختاً لأنها مركبة من تختات أي لوحات. وقال: قد دخل بينهما والصواب بينها أي بين الكراريس كما(8/385)
فسرها.
ومن أغلاطه في تفسير الألفاظ الغريبة قوله: الآنية الوعاء ثم قال ويجمع على أوان. وهو رأي كثيرين من أصحاب الجرائد والصحف والصواب أن الآنية جمع أناء. وجمع الآنية المجموعة: أوان فهذه إذن هي جمع الجمع لا جمع المفرد.
وذكر البرشمان بمعنى ما يسميه مجلدو العراق الشيرازة، ولم يهتد إلى أصل الكلمة. قلنا: يبرشمان جمع برشيم أي أبريشم أو أبرسم وهو الحرير والبريشم فارسية والبرشمان جمعها.
ومن أوهامه المبزق بقاف في الآخر بمعنى المبزغ وهذه فصيحة وتلك عامية مغربية. وذكر الحجرة الملساء وقال عنها أنها قطعة من الحجر ملساء تتخذ بمنزلة رخامة أو حجر يضرب به. والحجرة لا وجود لها في العربية بهذا المعنى. إنما عندنا الحجارة جمع حجر، وتجمع أياً على أحجار وحجار وأحجر.
ومن مضحكاته أنه أعتبر: (أتخثر) بمعنى (تخثر) وهو من العامي القبيح وذكر (دبد) بمعنى قاس بالدوارة (أي الفرجار أو البركار) والصواب دير كقلوب دور وهو من أغلاط العوام.
وذكر فعل (سقع) بمعنى نزع من الجلد المدبوغ ما عليه من الأوساخ بعد دباغة وهيأة
للصبغ. وليس في العربية ما يقارب هذا المعنى والصواب سفع بالفاء مع سفعت السموم وجهه: لفحته لفحاً يسيرا فغيرت لون بشرته، ومن سفع بناصيته قبض عليها فاجتذبها بشدة. أو من سفعه بمعنى ذله والجلد يذل أي يكشط ليصبغ.
وقال: الأشفة وهو يريد الأشفى أي المخصف.
وقال العراقب بمعنى العراقيب وحذف الياء لا يجوز إلا في الشعر.
وذكر التلعم بمعنى التعلم ولعله من خطأ الطبع.
وذكر الغراغرة بمعنى الغراء الشديد. ومألوف إصلاحهم في مثل هذا التعبير: غراء الغراء الأول مضاف إليه ويراد به الغراء الشديد اللصوق كما قالوا رجل الرجال أو الرجل الرجل. وهو من مزايا اللغة العربية.(8/386)
وذكر قاس يقيس في مادة ق س ي وبعد كلمة قرطبون والصواب ذكرها في مادة ق ي س كلمة قفا.
وذكر الكاغط والكاغيط بمعنى الكاغد أو الكاغذ (بدال مهملة أو معجمة) والكلمتان الأوليان قبيحتان لا وجود لهما في فصيح الكلام.
ولو أردنا أن نتبعه في جميع أغلاطه أعدونا منها عشرين في كل صفحة وليس في النص العربي سوى 26 سطراً لا غير فهذا منتهى علم هؤلاء المتبجحين عرباً كانوا أو أجانب. ولهذا يحسن بمن يتولى نشر كتاب في المصطلحات الفنية أن يطلع أصحاب الفن عليه ليفلوه من هوامه ودويباته. عاملهم الله بالحسن.
82 - بغداد
وصوك حادثة ضياعي، محرري، سابق التنجي عراق أردوسي أركان حربية استخباراتن شعبية سي مديري، أركان حربية بيكباشي، محمد أمين، در سعادت مطبعة عسكرية 1338 - 1341.
كتاب وضعه محمد أمين أفندي السليمانية لي (السليماني أي من السليمانية) بين فيه ما ارتكب قومه الأتراك من الخطأ في حين محاصرة الإنكليز لبغداد وختمه بوله (المقدر لا يغير) والكتاب حسن الإنشاء لا يخاف صاحبه من أن ينطق بالحق وأن كان عليه. فعسى أن نرى في عراقنا رجالاً يقرون بما لهم وعليهم لكي لا يخدعوا ولا يخدعوا غيرهم. مماثلين الترك الذين. يسعون حثيثاً في طريق الرقي.
83 - الذخيرة
إلى المعاد في مدح محمد وآله الأمجاد، نظم الشيخ الفاضل سليمان ظاهر العاملي طبع بمطبعة العرفان بصيدا سنة 1348.
هذا الكتاب الجميل بقطع 12 ملاكه 368 صفحة احتوت على قصائد في مدح محمد وآله صلى الله عليه وسلم وكثيراً من سيرهم الجليلة وبعض التقاريظ عدا ما قال عنه المؤلف الجليل في ص 5 (ثم أفرغ في روعي. . . أن(8/387)
أعقد لها ثلاثة فصول في البحث عن العقائد الثلاث متحرياً أسهل طرق الإقناع ليعم بها الانتفاع مجتنباً البراهين الفلسفية والنظريات الكلامية) وقد تألفت هذه القصائد المدخرة من متين الكلام وجميل المعاني إلا أن الأسلوب النظمي قديم ففيه ذكر الأطلال والتعريض والتنقل من غرض إلى آخر مع وهن الرابط بينهما وهذا ذوق المؤلف فلا يلام عليه. ونحن نشكر له هذه اليد الخالدة، ومما نحب التنبيه عليه أنه:
1 - ورد في ص 315 ما نصه) في مدح حادي عشر الأئمة الغر الميامين أبي محمد بن (كذا) الحسن العسكري) والصواب (أبي محمد الحسن العسكري).
2 - وفي ص 11 (الانقياد إلى من يفضلهم في مواهبه) والصواب (الانقياد لمن يفضلهم).
3 - وقال في ص 14 (أفلا يجدر بهذه الأمة أن تشيد بذكره وترتل أي حمده، ما شاد بذكر رجالهم الذاكرون واحتفى بعظائمهم المحتفون) وهذا تعليق لا محل له عند المخلصين إذ لا خير في تعظيم يقترن دوامة بدوام تعظيم الأجانب وينقطع بانبتاته لأنه تقليدي ولا تقليد في الحب، قلنا ذلك لأن قوله (ما شاد) يفيد الوقت المعلق.
4 - وقال في ص 20 (ومن مطموس غير بال لم يغير ديباجته الملوان وقد استعمل (المطموس) لغير معناه المشهور.
5 - وقال في ص 18 (في الألوهية والاعتقاد بالإله العظيم) وفي ص 286 (الاعتقاد باستحقاق الرضا) والمشهور أن يقال (أعتقده) ومن ذلك قول يزيد المهلبي يرثي المتوكل على ما في (3: 306) من كامل المبرد:
لما اعتقدتم أناساً لا حلوم لهم ... ضعتم وضيعتم من كان يعتقد
6 - وورد في ص 193 (يختش) وفي ص 244 (لم يختش) فاستبدل بهما في ص 368
(يخف) و (ما أن خشيت بها) والظاهر لنا أنه عد (يختش) خطأ، معتمداً على ما جاء في ص8 من كتاب المنذر إبراهيم فقد عد هذا الفاضل (اختشى) من الأفعال التي لم يرد استعمالها، وهو مخطئ ففي ص 148 من شرح الطرة قول الشاعر:(8/388)
ولا يرهب أبن العم ما عشت صولتي ... ولا اختشي من صولة المتوعد
وإني وإن أوعدته أو وعدته ... لمخلف أيعادي ومنجز موعدي
وهذه مغبة الاعتماد على ناقص التحقق فضلاً عن أن العربية لا تمنع (اختشى) قياساً فهو مثل (عاقة وإعتاقه، رجعه وارتجعه، بعثة وابتعثه، خارة واختاره غاله واغتاله، خلقة، نخبو وانتخبه، نهبة وانتهبه، سلبه واستلبه غصبه واغتصبه. نهرة وانتهره، فرعه وافترعه، رقبه وارتقبه، إلى آلاف.
مصطفى جواد
84 - الحياة
جريدة يومية سياسية أدبية اجتماعية اقتصادية تصدر في القدس مديرها المسؤول ورئيس تحريرها عادل جبر إدارتها خالد الدردار وهي حسنة الخطة والعبارة والطبع فنتمنى لها الرواج والعمر الطويل.
85 - مفصل جغرافية العراق
العراق الحديث، العراق في زمن العباسيين، العراق القديم، لمؤلفه طه الهاشمي، طبع بمطبعة دار السلام في بغداد في سنة 1930 في 560 ص بقطع الثمن وقيمته 8 ربيات.
كان أمس طه بك الهاشمي مديراً عاماً للمعارف، أما اليوم فهو الفريق طه باشا رئيس أركان جيش العراق فهو ذو رئاسيتين، رئاسة السيف ورئاسة القلم. ومن عجيب أمره أنه لا يعرف الراحة دقيقة واحدة، فهو قائد مقدام شجاع يسوق الجنود إلى حومة الوغى في جهة ويقبض على اليراعة فيحكم سيرها فتنقاد له طوعاً انقياد الجندي له في جهة أخرى.
وقد أصدر في أواخر الشهر الفارط سفراً جليلاً هو الذي ترى أسمه فريق هذا. وقد طالعنا مئات من صفحات فوجداها كنز أدب وعلم يبخس بجانبها كنز المال. فقد طرق صاحب التأليف جميع ما يتعلق بجغرافية هذه الديار وزين كتابه بعشرات من الخرائط، تمتاز بينها
ثلاث عشرة طبع منها تسع وبقي منها في الطبع أربع وكلها أية في الإتقان كأنها رسمت في إحدى مدن الغرب الكبرى.(8/389)
(صورة) سعادة طه باشا الهاشمي صاحب المؤلفات العديدة
ومن مضامين هذا السفر النفيس وضع العراق الجغرافي والعسكري والجيولوجي - العراق في التاريخ الشمريون والأكديون والأموريون والآشوريون والماذيون والكلدانيون وأسكندر الكبير والساسانيون والعرب والعثمانيون - إقليم العراق، وما يعرض فيه من الأحداث الجوية - الأمراض فيه - قومياته - أديان أهله - حدوده - أنهاره - جباله - طرق الاتصال فيه - الري - الزراعة - الحيوانات - المعادن - الاقتصاديات - الصناعة - القبائل - المدن - الآثار القديمة ومدنها - العراق الإداري.
هذا بعض ما في هذا الكتاب الجليل وفوائده لا تحصى. إلا أن هناك ما يشوه شيئاً من محاسنه هو ما وقع فيه من أغلاط الطبع والنحو كما ذكر هذه الحقيقة حضرة المؤلف نفسه فعسى أن تزال جميعها في طبعته الثانية التي لا بد من أن تكون في مدة قريبة لما نتوسم فيه من الرواج في ديارنا وفي ربوع مجاورينا أو في الأرجاء البعيدة.(8/390)
86 - مختصر في علم النفس الإنسانية
لابن العبري صححه وعلق عليه حواشي القس بولس سباط.
ابن العبري من مشاهير كتبة الناطقين بالضاد المتوفي في سنة 1286 للميلاد وكتابه هذا من أفخر الكتب المصنفة في النفس. ومما يزيده قيمة في عيون العلماء والأدباء أن القس بولس سباط الشهير تولى طبعه وتصحيحه وذكر اختلاف روايات نسخة فجاء طرفة نفيسة يتهاداها الأكابر والأصاغر فعسى أن تروج سوقه في ديارنا هذه وهو في 65 ص بقطع 12 ومزين بثلاثة فهارس مرتبة أحسن ترتيب.
الأغاني
تتمة نقد الجزء الأول منه
32 - وقالوا في ص 236 (المراد أنه أرسل لها كتاباً مكتوباً) والصواب (بكتاب) لأنه لا يرسل وحدة فيكون على حد قوله تعالى (وأني مرسلة إليهم بهدية فناظرة بم يرجع
المرسلون) ولا يجوز إرادة (أرسله بمعنى أطلقه) كما جاء وهما في شرح الطرة.
34 - وورد في ص 254) يا عين جودي بالدموع السفاح) فعلقوا عليه (السفاح: لعله جمع سافح أو سفوح، يقال: سفح الدموع أرسله وسفح الدمع أنصب ولم نجد هذا الجمع في كتب اللغة ولا هو قياسي في فاعل أو فعول) قلنا أما (فاعل على فعال) مثل (راع ورعاء وضار وضراء وجائع وحياع وحائل وحيال) فكثير وأما (فعول على فعال) نحو قلوص وقلاً وعقوق وعقاق فقليل ولعل الأب انستاس يذكر لنا من جموع هذين الوزنين ما يجيز قياسهما.
(لغة العرب) جمعنا من جموع فعول على فعال الألفاظ الآتية: نقي ونقاء، لقوح ولقاح فتي وفتاء، فلو وفلاء، مصور ومصادر، جدود وجداد، عضوض وعضاض، شصوص وشصاص، خدوج وخداج، رغوث ورغاث، لبون ولبان فإذا أضفنا إليها خروفاً وخرافاً، قلوصاً وقلاصاً، عقوقاً وعقاقا، أصبح عددها أربع عشرة كلمة ففاقت جمع الكثرة الذي يقف عند العشرة وجاز لنا أن نتخذ منها قاعدة تبيح لنا أن نجمع فعولاً على فعال وألم يصرح بها أحد من النحاة أو(8/391)
الصرفيين أو اللغويين) اهـ. ولا جرم أن هناك غير هذه الكلم مما هو مدون في دواوين اللغة انتهى كلامنا.
35 - وقالوا في هامش 268 (واختلاف إبراهيم بن المهدي وإسحاق الموصلي على ذلك) والصواب (في ذلك) يقال (اختلفوا فيه) إذا تباينت آراؤهم في أمره و (اختلفوا عليه) إذا استعصى عليه أمرهم أو عصوه ولا محل له ههنا.
36 - وجاء في ص 270 قول الشاعر:
فتركته جزر السباع ينشنه ... ما بين قلة رأسه والمعصم
وفي جمهرة أشعار العرب قول العبسي (يعجمن حسن بنانه والمعصم) قال أبو زيد القرشي (العجم العض) وهذا يؤيد بعض الرواية.
37 - وورد فيها قول عمر بن أبي ربيعة:
فلم أر كالتجمير منظر ناظر ... ولا كليالي الحج افتن ذا هوى
قلنا: ومن شطور هذه القصيدة قوله (إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى) وقد علقوا على البيت المذكور ما نصه (التجمير: رمي الجمار) وهو خطأ ظاهر لأن التجمير ههنا يراد به
(التجميع) قال المبرد في (2: 179) من الكامل وقوله: إذا راح نحو الجمرة البيض كالدمى، الجمرة إنما سمت لاجتماع الحصى فيها ومن ثم قيل: لا تجمروا المسلمين فتفتنوهم وتفتنوا نساءهم أي لا تجمعوهم في المغازي، والتجمير: التجميع) اهـ. وقد نطق الدليل.
38 - وروى في ص 277 قول الشاعر:
لسنا نبالي حين ندرك حاجة ... ما بات أو ظل المطي معقلا
وفي (2: 205) من الكامل (أن بات أو ظل المطي معقلاً) وهي رواية واضحة المعنى.
39 - وجاء في ص 282 قول عمر بن أبي ربيعة:
وانظر بعينك ليلة وتأنها ... فلعل ما بخلت به أن يبذلا
وفي (2: 205) من الكامل:
امكث لعمرك ساعة فتأنها ... فعسى الذي بخلت به أن يبذلا(8/392)
40 - وروى في ص 312 (نباكر ماءه صبحا) فانشبوا فيه (حرك - أي صبح - هنا لضرورة الشعر لأن القصيدة من مجزوء الوافر. . .) قلنا: أننا قد تطرقنا إلى هذا ليس بضرورة ففي (عسر) من المختار (العسر: بسكون السين وضمها ضد السير: قال عيسى بن عمر: كل أسم على ثلاثة أحرف أوله مضموم وأوسطه ساكن فمن العرب من يخففه ومنهم من يثقله مثل عسر وعسر ورحم ورحم وحلم وحلم).
41 - وورد في ص 338 (جمل عبد العزيز بن مروان، النصيب بالمقطم - مقطم مصر - على بختي قد رحله بغيط فوقه) ففسروا غبيط النصيب بقولهم الغببط: (الرحل وهو للنساء يشد عليه الهودج والجمع غبط) قلنا وهو أيضاً لرجل فقد قال أبو زيد القرشي في ص 90 من جمهرة أشعار العرب (الغبيط: مركب من مراكب النساء ويقال لمركب الرجل والمرأة جميعاً).
42 - وروي في ص 368 (فخوضنا بي السم المضرج بالمخض) فقال فيه الأبرون (كذا في أكثر النسخ وفي ت: المصرح بالمخض، ولم يظهر لكلتا الروايتين معنى مناسب)، لعله أراد اخلطا لي السم الخفيف بالسم الخالص) لأن المضرج هو المخلوط، قال أبو زيد في ص 150 من جمهرته (والتضريج: الخلط).
43 - وورد في 390 (فبت أسقى باكواس أعل بها) فناطول به ما نصه (كذا في الأصول
ولم نعثر على هذا الجمع في كتب اللغة والموجود منها في هذا الباب: اكؤس وكئاس وكؤوس وكأسات. فلعله محرف عن أكواب) قلنا لا يجوز الالتجاء إلى التحريف في مثل هذه الأمور فالمعاجم ناقصة، وهذا يزيد ثروة اللغة، فمما لم يعدوه من جموع الكأس (الكؤوسة) قال أسحق بن خلف:
ألذ إليه من المسمعات ... وحث الكؤوسة في يوم طل
ههنا نقف ونكف القلم عن الاستنان والله المسدد للصواب والموفق للحق.
(تتمة في مختصري كتاب الأغاني) أن لجنة الأدب في دار الكتب المصرية ذكرت في الجزء الأول بعض مختصري كتاب الأغاني لأبي الفرج الأصفهاني وليس في ذلك البعض (جمال الدين محمد بن علي الكاتب) وقد قال(8/393)